موسوعة الألباني في العقيدة

ناصر الدين الألباني

موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني «موسوعة تحتوي على أكثر من (50) عملاً ودراسة حول العلامة الألباني وتراثه الخالد» العمل الأول سلسلة جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة «تحتوي على ما يقارب ألفي مسألة وفائدة عقدية مستخرجة من تراث العلامة الألباني بعناية» (1) (مقدمة الموسوعة - مقدمات عقدية - مصادر الاستدلال عند أهل السنة في العقيدة) صَنَعَهُ شادي بن محمد بن سالم آل نعمان

فَمَا عَسَى أَنْ يَقُولَ الشِّعْرُ فِي رَجُلٍ ... يَدْعُوهُ حتى عِداهُ ناصرَ الدِّين! وأيُّ ضَيْرٍ إذا فردٌ تجاهلَهُ ... وقد فَشَا فضلُهُ بين الملايينِ! "المجذوب"

«أنا حينما أقول كلمةً، وأراها صوابًا، أعتقد وجوب نشرها» الألباني

مقدمة

مقدمة بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ في كُلِّ زمانِ فترةٍ من الرُّسل بقايا مِن أهْل العِلم .. يَدْعُون مَنْ ضلَّ إلى الهُدى، ويَصْبِرُون مِنْهُم على الأَذى .. يُحيون بكتابِ الله الموتى، ويُبَصِّرون بنورِ اللهِ أهل العَمَى .. فَكم من قتيلٍ لإِبليس قد أحيَوه، وكم من ضالٍّ تائهٍ قد هَدوه .. فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهِم .. (¬1). هُم قوَّام الدِّين وقِوَامه .. وبهم ائتلافه وانتظامه .. هم ورثة الأنبياء .. وبهم يُستضاء في الدَّهماء .. ويُهتدى كنجوم السماء .. إليهم المرجع في التدريس والفتيا .. ولهم المقام المرتفع على الزهرة العليا .. وهم الملوك .. لا .. بل الملوك تحت أقدامهم! وفي تصاريف أقوالهم وأقلامهم .. ¬

(¬1) مقدمة "الرد على الزنادقة والجهمية" للإمام أحمد (ص6).

وهم الذين إذا التحمت الحرب أرز الإيمان إلى أعلامهم .. وهم القوم كل القوم .. إذا افتخر كل قبيل بأقوامهم .. بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابهمْ ... شمُّ الأنوفِ من الطِّراز الأولِ .. (¬1). ولَمَّا كان صلاحُ الوجود بالعلماء، ولولاهم كان الناسُ كالبهائم، بل أسوأ حالاً، كان موتُ العالِم مصيبة لا يجبرها إلَّا خلف غيرِه له، وأيضاً فإنَّ العلماءَ هم الذين يسوسون العبادَ والبلاد والممالك، فموتُهم فسادٌ لنظام العالَم. ولهذا لا يزال اللهُ يغرسُ في هذا الدِّين منهم خالفاً عن سالف يحفظُ بهم دينَه وكتابَه وعبادَه .. (¬2). إلى أن مَنَّ الله علينا وعلى أمتنا وعلى عصرنا بالعلامة الإمام مجدد العصر، ناصر السنة والدين: محمد ناصر الدين الألباني .. - ذلك النجمُ الإنساني، الذي أهدته السماء إلى الأرض، وسُمِّيَ في أسمائها. - إمامٌ التقي عليه الإجماع، فكان ملئ الدهر في حكمته وعقله ورأيه وعلمه وعمله. - اجتمع له ما لم يجتمع لسواه، ولم يترك محدثٌ لأمتنا في العصر الحديث ما ترك لها الألباني. - كان -رحمه الله- مكتبةً تنطق كتبها. - إذا كان العلمُ شمساً ينبغي أن تتخذ من كلِّ نفسٍ موضعاً لإشراقها، فمن ¬

(¬1) مقدمة "الأشباه والنظائر"للسيوطي (ص3). (¬2) "مفتاح دار السعادة" (ص74).

عاش محروماً منها عاش في ظلمةٍ حالكة يتصل أولها بظلمة الرحم، وآخرها بظلمة القبر، فإن الألباني كان في سماء الدنيا نجماً لامعاً، أنار ظُلمةَ الدنيا بعلمه. - إن لم يَكُن البحر فلا تنتظر اللؤلؤ، وإن لم تكن الشمس فلا تنتظر النهار، وإن لم تكن شجرة فلا تنتظر الثمار، وإن لم يكن الألباني فلا تنتظر العلم. - إمام حَفَر اسمه في ذاكرة التاريخ بحروف من ذهب، والتاريخ أَضَنّ من أن يحفظ بين دفتيه من مجد النبلاء وكدّهم، إلا مجد وكد أولئك الذين يودعون نفوسهم صفحات كتبهم، ثم يموتون وقد تركوها بيضاء نقية. - إمام سارت بتصانيفه الركبان، وملأ بتواليفه الزمان والمكان، وذلَّت له البلاغة والبيان. - لأن الحديث في يديه كما يلين الذهب في يد صائغه. - كان الألباني رجلاً، بل أكبر من رجل، كان رحمه الله أمةً وحده، عاهد نفسه على إنجاز عملٍ عظيم لا تقوم به كتيبة من الرجال، فأنجز ولم يخلف وعده. ثم: رحلوا وفي القلب المُعنَّى بعدهم ... وَجْدٌ على مر الزمان مُخَيَّمُ وبالجملة، فهو أجلّ من أن يتكلم عن مثلِهِ مثلِى، أو أن يفي حقَّه كلمي، أو أن يُعبِّر عن عظيم شأنه قلمي. وإذا كان خير ما ينتفع به العالم من علمه أن يخلِّف يوم وداعه هذه الدنيا صفحةً يقرأ فيها الناظرون في تاريخه من بعده صورةَ نفسه، ومسرحَ آماله

وأحلامه، ومواضع حركاته وسكناته؛ فقد ترك لنا الإمام الألباني تراثاً علميًّا ضخماً كالبحر الخضم الزاخر، يعب عبابه، وتصخب أمواجه. كيف لا؟! وقد كان الألباني للعلوم وتوغله فيها كالشمس من المشرق متى طلعت في موضع فقد طلعت في كلِّ موضع، فإذا كتب في الحديث كان نسيج وحده، وإذا تناول هموم أمته ومشكلاتها كان فريد دهره، وإذا بحث في الفقه كان وحيد زمانه، وإذا تكلَّم في العقيدة كان شيخ إسلام عصره وأوانه. وإنَّ مما لا يختلف فيه اثنان؛ أنه بعد مرور عَقْدٍ كاملٍ من زمانِ مغادرة العلامة الألباني لدُنيا الناس، لو التفت بعضنا إلى بعض متسائلين: ماذا قَدَّم الألباني لنا، وماذا قَدَّمنا نحن له بالمقابل؟ لكانت الإجابة حقًّا مخزية! وهل كنا نحن إلا بالألباني، وهل بدأت الأمة في صحوتها وترتيب أوراقها في العصر الحديث إلا بالألباني، وهل عرفنا الصِّحاح والسُّنن والمسانيد والأجزاء إلا بالألباني، وهل ميزنا صحيح ما يُنسب إلى ديننا من سقيمه إلا بالألباني، وهل سمعنا عن ابن مهدي وابن معين أو عن أبي حاتم وأبي زرعة إلا بالألباني، وهل تواصلت سلسلة عظماء تاريخنا الإسلامي بعصرنا هذا إلا بالألباني، وهل .. وهل .. وهل .. ؟ لقد حَرَّك ذلك الأمر فيَّ هاجساً، كان في قلبي كميناً، وبين أضلاع صدري دفيناً. وكثيراً ما كنت أحَدِّثُ نفسي أن العلامة الألباني قد ترك فينا وديعةً يجب علينا تعهدها والاحتفاظ بها والاعتكاف عليها حتى نؤديها إلى أخلافنا من بعدنا كما أدراها هو إلينا غير مأروضة ولا متآكلة، ما لَمْ؛ فإن جزءًا كبيراً من علمه وتراثه وجهوده وآرائه واجتهاداته .. سيذهب أدراج الرِّياح.

فاستعنت بالله وتوكلت عليه، وعقدت العزم على رَدِّ شيءٍ يسير من جميلِهِ علينا وعلى أمتنا. ومنذ ذلك الوقت لم تكُن ساعة من الساعات ولا لحظة من اللحظات أَحَبُّ إلىَّ ولا آثر عندي من ساعةٍ أو لحظة أخلو فيها بنفسي، فأُغلق عليّ بابي، ثم أُسلم نفسي لتراث العلامة الألباني أسبر غوره وأنهل من معينه .. فجعلت استقصي واتصفح واتقصص .. فاستفرغتُ لتراثه الجهد، وأقمت فيه الوهج المتعب، وجعلت الليل والنهار عليه أنفاساً حارّة. وكنتُ إذا دقَّ بابي المَلَلُ، أو حاول اليأسُ أن يَنَال مني مُتَعذِّراً بطول الطريق ومشقته؛ أتذكر قول عمر بن عبد العزيز: «إن الناس لو كان إذا كبُرَ عليهم أمرٌ تركوه، ما قام لهم دينٌ ولا دنيا». حتى إذا ما نفضتُ يدي عن تراثه الضخم عرفتُ أني آخذ الساعةَ بقلمي بين أناملي، وأنَّ بين يدي صحيفة بيضاء تسود قليلاً كلما أجريت القلم فيها، ولكنِّي لا أعلم هل يبلغ القلم مداه أو يكبو دون غايته؟ وهل أستطيع أن أُتَمِّمَ عملي هذا أو أن ثمَّة عارضًا من عوارض الدهر يتربص بي ليعترض طريقي. إلا أن الله كان بي حفيًّا، فقد يسر سبحانه الأسباب تلو الأسباب، حتى قطعتُ شوطاً كبيراً من عملي يُقدَّر بأكثر من النصف، فالحمد لله الملك الديان الذي لا يلهيه شأنُ عن شان، أحمده ربي كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. أما عن اللبنة الأولى في هذا الصرح الكبير - ََسَّرَ الله إتمامه- فهذا العمل الذي بين يَدَيْك ...

أقسام موسوعة الإمام الألباني

أقسام موسوعة الإمام الألباني أقسام الموسوعة بعد أن مَنَّ الله علي باستقراء كلِّ ما وقفتُ عليه مِنْ تراث العلامة الألباني -رحمه الله- رأيت أن أقسم العمل في هذه الموسوعة -يسر الله إتمامها بخير- إلى الأقسام التالية: القسم الأول جامع تراث العلامة الألباني (¬1) ويحتوي على: 1 - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة: وهو الذي بين يديك، وسيأتي الكلام على المنهج الذي سلكته في العمل فيه. ¬

(¬1) الأعمال المندرجة تحت هذا القسم جاهزة عندي بفضل الله لا ينقصها إلا التنقيح والترتيب، أما الأقسام الأخرى فتحت الإعداد، يسر الله إتمامها بخير.

2 - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلام ِالعلامة الألباني في رؤيته للمنهج الحق الذي ينبغي لكلِّ مسلم أن يُحكِّمه في عقيدتِهِ وفقهِهِ ومعاملاتِهِ، وطريقِهِ لبناء الدولة الإسلامية المنشودة، كما جمعتُ فيه كلامه في الفِرق والجماعات الإسلامية القديمة والمعاصرة. إضافةً إلى كلامِهِ على القضايا والأحداث الكبرى التي عاصرها؛ كالقضية الأفغانية، والجزائرية، والفلسطينية، واللبنانية، والعراقية ونحو ذلك. 3 - جامع تراث العلامة الألباني في الفقه وأصوله: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلام العلامة الألباني في المسائل الفقهية المتنوعة والمسائل الأصولية. وقد أفردتُ منه: 4 - جامع مسائل النساء. 5 - جامع كلام العلامة الألباني في النوازل الفقهية والمسائل المعاصرة. ثم: 6 - جامع تراث العلامة الألباني في الحديث وعلومه. جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلامِ العلامة الألباني في علوم الحديث بأنواعه المختلفة. وقد أفردتُ منه مما يُصَنَّف - أو يصلح لأن يصنف - في علوم الحديث:

7 - جامع رواة الحديث الذين تكلم عليهم العلامة الألباني جرحاً وتعديلاً. 8 - الجامع في قواعد الجرح والتعديل وألفاظه وفقهها. 9 - الجامع للأحاديث التي صححها العلامة الألباني على شرط الشيخين أو أحدهما. 10 - الجامع لما لا يصح فيه حديث: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من عقائد أو مسائل فقهية ونحو ذلك مما نص العلامة الألباني على أنه لا يصح فيها حديث. 11 - جامع البدائل الصحيحة للأحاديث الضعيفة: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه مما نص العلامة الألباني على أنه بديلٌ صحيح لحديثٍ ضعيف، وهو يُعبر عن ذلك غالباً بقوله -أثناء تحقيق حديثٍ ضعيف-: يُغني عنه كذا وكذا. ثم: 12 - جامع تراث العلامة الألباني في التفسير وعلوم القرآن: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلام العلامة الألباني في تفسير آية أو التعليق على لفظة قرآنية، وما وقفت عليه من كلامه في أحكام التجويد وغيره من علوم القرآن. 13 - جامع تراث العلامة الألباني في الآداب: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلام العلامة الألباني في آداب مختلفة كآداب السُّقيا، وآداب الشرب، وآداب الجلوس، ونحو ذلك.

14 - جامع تراث العلامة الألباني في العلم: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلام العلامة الألباني مما يتصل بالعلم وحملته، من طرق طلب العلم، وآداب طالب العلم، وأهم الكتب التي يُوصَى بها لكلِّ فنٍّ، ونحو ذلك. 15 - جامع تراث العلامة الألباني في البدع وأصولها: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلام العلامة الألباني في بدع العقيدة، والعبادات، والمعاملات، والأزمنة، والأماكن ونحو ذلك، بالإضافة إلى كلامه على أصول هذه البدع ونشأتها وما أوقع أربابها فيها، وطرق معالجتها. 16 - الجامع في نقد الكتب: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلام العلامة الألباني في الكتب المطبوعة والمخطوطة، كالكلام على أهمية كتابٍ، أو شرط مؤلفه فيه، أو موضوعه، أو ضعفه العلمي، أو خطره، أو جودة تحقيقه، أو رداءته ونحو ذلك. 17 - الجامع في نقد الرجال: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلام العلامة الألباني في رجال العصر ومَنْ سَلَف، من ثناءٍ أو قدحٍ، أو تقييم علمي له أو لأعماله ونحو ذلك. 18 - جامع التعقُّبات والردود: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من تَعقُّبات العلامة الألباني وردوده على المصنِّفين أو المصنَّفات، أو على أرباب بعض العقائد المخالفة، أو المسائل الفقهية أو القواعد الحديثية التي لا يرتضيها العلامة الألباني، ونحو ذلك.

وقد أفردت منه: 19 - جامع التعقبات على الذهبي مع الحاكم: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه مما نص عليه العلامة الألباني من أوهام الإمام الذهبي في كتابه «تلخيص المستدرك» مما تابع فيه الحاكم في «مستدركه». 20 - جامع التعقبات على الإمام الهيثمي: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه مما نص عليه العلامة الألباني من أوهام الإمام الهيثمي في سائر كتبه، وعلى رأسها «مجمع الزوائد». 21 - جامع التعقبات على عبد الحسين الشيعي: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من تعقبات العلامة الألباني على كتاب «المراجعات» ومصنفه عبد الحسين الشيعي. 22 - جامع التعقبات على حسن السقاف. ثم: 23 - جامع شروح الأحاديث: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلام العلامة الألباني من شرحِ حديثٍ، أو التنكيت عليه، وذكر فوائده ونحو ذلك. 24 - جامع الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلام العلامة الألباني حول الآثار السيئة لبعض الأحاديث الضعيفة كتضييع سنة، أو تأصيل بدعة ونحو ذلك.

25 - جامع تراجعات العلامة الألباني: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من تراجعات العلامة الألباني -أو أحكامه المختلفة على حديثٍ واحد- قبولاً ورداً. 26 - جامع مناظرات العلامة الألباني ومناقشاته العلمية: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من مناظرات العلامة الألباني ومناقشاته العقدية، والفقهية، والمنهجية، والحديثية ونحو ذلك. 27 - جامع المناهي اللفظية: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من كلام العلامة الألباني حول الألفاظ والعبارات المصادمة للشرع. 28 - جامع النصائح والكلمات النيرات: جمعتُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من نصائح العلامة الألباني ووصاياه لحكام المسلمين ومحكوميهم، ولأهل العلم وطلابه، وللفِرق والجماعات الإسلامية ونحو ذلك. كما جمعتُ فيه كلمات العلامة الألباني النيرات، وهي كلمات قليلة المفردات، عميقة المعاني، تدل على بُعْدِ نظر الشيخ وعمق رؤيته.

القسم الثاني جامع الدراسات والأعمال حول العلامة الألباني وتراثه

القسم الثاني جامع الدراسات والأعمال حول العلامة الألباني وتراثه ويحتوي على: 29 - منهج العلامة الألباني وجهوده في العقيدة: وهو دراسة وتحليل للمسائل العقدية التي تكلم فيها الشيخ رحمه الله، أعتني فيه ببيان الضوابط والقواعد الجامعة التي يسلكها الشيخ لتقرير مسائل الاعتقاد، مع إبراز جهوده في الانتصار لعقيدة السلف أصحاب الحديث، والرد على مخالفيهم. وقد أفردت منه: 30 - الإيمان والكفر عند العلامة الألباني. 31 - متن عقيدة الألباني. أوردتُ فيه أهم المسائل العقدية التي تكلَّم فيها الشيخ رحمه الله بعبارةٍ مختصرة جامعة، أَجْتَزِؤُها من كلام العلامة الألباني، وقد نسجته على منوال عقيدة الطحاوي رحمه الله، وغيره من متون العقيدة. 32 - السلفية عند الألباني: وهو دراسة متكاملة حول مفهوم السلفية عند الشيخ رحمه الله.

33 - العلامة الألباني مجدداً: أعتني فيه ببيان معالم التجديد عند العلامة الألباني في شتى المجالات: العقدية، والفقهية، والحديثية، والدعوية، مع إبراز أهم المؤثرات الذاتية والخارجية التي استحق العلامة الألباني من خلالها أن يكون مجدد هذا العصر -في نظري الشخصي على الأقل-. 34 - التصفية والتربية عند الألباني "منهج حياة": أُبين فيه المنهج الذي يرى الإمام أنه السبيل الوحيد لإقامة الدولة الإسلامية المنشودة، والذي سماه "التصفية والتربية"، أتكلم فيه على: تعريف التصفية والتربية، مناهجهما، مبادئهما، ومسائلهما، مجالاتهما، آثارهما، الأضرار المترتبة على التخلي عنهما أو أحدهما وغير ذلك. 35 - موقف العلامة الألباني من التشيع، وجهوده في محاربته: وهو دراسة وتحليل لكلام العلامة الألباني حول الشيعة والتشيع، وإبراز جهوده في محاربته. 36 - موقف العلامة الألباني من والتصوف وجهوده في محاربته: وهو دراسة وتحليل لكلام الألباني حول الصوفية والتصوف، وإبراز جهوده في محاربته. 37 - موقف العلامة الألباني من فِكْرِ التكفير والتدمير، وجهوده في محاربته: وهو دراسة وتحليل لكلام العلامة الألباني حول فكر التكفير والتدمير، وفيه بيان نشأة هذا الفكر، وأسباب تَبَنِّيْه، والآثار المترتبة عليه، وكيفية معالجته، وطُرُق مناقشة المكفرين وغير ذلك.

38 - موقف العلامة الألباني من العمل السياسي، والتكتلات الحزبية: وهو دراسة وتحليل لكلام العلامة الألباني حول العمل السياسي. 39 - موقف العلامة الألباني من غلاة التبديع: وهو دراسة وتحليل لكلام العلامة الألباني حول غلاة التبديع، وفيه بيان أسباب نشأة هذا المنهج الهدَّام، وبيان خطورته، وآثاره، وكيفية معالجته، مع بيان طُرق مناقشة غلاة التبديع وغير ذلك. 40 - موقف العلامة الألباني من القضايا المصيرية الكبرى: وهو دراسة وتحليل لكلام الشيخ الألباني حول القضايا المصيرية الكبرى كالقضية الأفغانية، والقضية الجزائرية، والقضية الفلسطينية، وغير ذلك من القضايا. 41 - منهج العلامة الألباني وجهوده في الفقه وأصوله: وهو دراسة وتحليل للمسائل الفقهية التي تكلم عليها العلامة الألباني، ومحاولة إبراز منهجه العام في التعامل مع المسائل الفقهية، وكيفية بحثها وعرضها، وكيفية تخريج الفروع على الأصول، وآلية تكييف فقه السلف على النوازل، والحوادث الفقهية المعاصرة، مع إبراز جهوده التي أثرى بها الفقه الإسلامي. 42 - جامع اختيارات العلامة الألباني الفقهية: أجمع فيه الاختيارات الفقهية للعلامة الألباني مع التنبيه على من سبقه إلى اختياره من أئمة الفقه، والإشارة إلى الاختيارات التي تراجع عنها، والمسائل التي وقفتُ له فيها على اختيارات مختلفة، وغير ذلك.

43 - منهج العلامة الألباني وجهوده في الحديث وعلومه: وهو دراسة وتحليل لكلام الشيخ رحمه الله في علوم الحديث، أبين فيه القواعد الحديثية التي سار عليها، والتعريفات الاصطلاحية التي ارتضاها، مع العناية بالمسائل الحديثية العملية كإبراز منهج الشيخ في التعليل، ومنهجه في التعامل مع زيادات المتون، ومنهجه في التقوية بالشواهد والمتابعات، ومنهجه في الحكم بالاتصال من عدمه. كما أُبين فيه الشروط المعتبرة عند الشيخ رحمه الله للحكم على حديثٍ ما بأنه على شرط الشيخين أو أحدهما، وذلك من خلال دراسة الأحاديث التي حَكَمَ الشيخُ عليها بأنها على شرط الشيخين أو أحدهما، ودراسة الأحاديث التي تعقب فيها الذهبي مع الحاكم مما حَكَمَا عليه وهماً منهما بأنه على شرط الشيخين أو أحدهما، وقد جمعتُ ذلك كله كما تقدم. كما أبين فيه الشروط المعتبرة عند الشيخ للحكم على حديث ما بأنه من الزوائد على كتب معينة، وغالب ذلك استفدته من دراسة منهج الشيخ في كتابه «موارد الظمآن في زوائد ابن حبان». 44 - منهج العلامة الألباني في فن تخريج الحديث ودراسة الأسانيد: أتكلم فيه على فن التخريج عند العلامة الألباني وفيه بيان: منهجه في ترتيب مصادر التخريج، منهجه في العزو، منهجه في ربط اختلافات المتون بمصادرها، منهجه في دراسة إسناد الحديث وعرض الأقوال في رجال الإسناد، وغير ذلك مما له علاقة بهذا الفن.

45 - دراسة مقارنة لرواة الحديث المترجمَين عند العلامة الألباني: أجمعُ فيه إلى جانب أقوال العلامة الألباني وأحكامه على الرواة أقوالَ وأحكامَ غيره من الأئمة في نفس الراوي، لأعرضَ صورةً متكاملةً حول الراوي المتكلَّم فيه عند الألباني تُعين الباحثين على التعامل مع أحكام العلامة الألباني على الرواة، وبالتالي على الأحاديث قبولاً ورداً. 46 - منهج العلامة الألباني في البدع وأصولها: وهو دراسة وتحليل لكلام العلامة الألباني في البدع وأصولها، أعتني فيه بإبراز القواعد التي يحكم من خلالها الشيخ على عقيدةٍ ما، أو عبادةٍ ما، وما شابه ذلك بأنه بدعة في الدين. 47 - منهج العلامة الألباني في نقد الرجال والطوائف والفِرق: أُبرزُ فيه منهج العلامة الألباني والضوابط التي يسير عليها في التعامل مع الآخر، سواء كان فرداً أو جماعة، سواء كان مخالفاً أو موافقاً، وفيه بيان منهج الشيخ في التعقبات والردود وغير ذلك. 48 - جامع مصنفات العلامة الألباني، وبيان منهجه فيها: أجمعُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من أسماءِ مصنفاتِ العلامة الألباني المطبوعة والمخطوطة والمفقودة، مع الكلام على منهجه العلمي في كلٍّ منها، فإذا كان مطبوعاً فبدراسة منهجه فيه، وإن كان مخطوطاً أتتبع ما نقله العلامة الألباني عنه في كتبه المطبوعة -إن وجد- لمحاولة تلمس منهجه فيه، وأثبت ما وقفت عليه من بيانات ومعلومات حوله من كلام العلامة الألباني أو غيره.

49 - منهج العلامة الألباني في التصنيف: أُبين فيه أنواع مصنفات العلامة الألباني من تأليف، وتحقيق، وتخريج، وتعليق، واختصار وغير ذلك. ثم بيان منهجه العام في كلِّ نوع من هذه الأنواع، مع بيان تباين مناهج التصنيف عنده حتى داخل النوع الواحد؛ كالاختلاف بين اختصار كتاب فقهي واختصار كتاب مسند مثلاً، أو الاختلاف بين تخريج متون الحديث وبين تخريج أسانيدها ونحو ذلك. 50 - جامع موارد العلامة الألباني: أجمعُ فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من موارد العلامة الألباني -الأصلية والفرعية- في سائر كتبه، مع عناية خاصة بالمخطوط من ذلك من خلال إعطاء القارئ بيانات ومعلومات وافية عنه -قدر الطاقة- كبيان أماكن وجوده، وموضوعه، ومنهج مؤلفه فيه، وأهميته، وغير ذلك مما يخدم هذا الباب -إن شاء الله-.

القسم الثالث ترجمة العلامة الألباني

القسم الثالث ترجمة العلامة الألباني 51 - ترجمة العلامة الألباني: وهي ترجمة واسعة للعلامة الألباني أجمعُها من كلامه ومؤلفاته، وكلام تلامذته ومَنْ جالسه وخالطه، وأهتم بأن أجمع فيها كلَّ ما وقفتُ عليه مما كُتِبَ عنه رحمه الله. وسأهتم -إن شاء الله- بالتواصل مع كبار أهل العلم، والمشايخ والدعاة، وطلاب العلم في هذا العصر ليكتب كلٌّ منهم كلمة عن العلامة الألباني، تتضمَّنُ رأيه في العلامة الألباني وأثره في هذا العصر، وما قدمه لأمته، وما الذي خسره العالَم بموته، وغير ذلك. كما سَأُوْدِعُ فيه عصارة القسم السابق -قسم الدراسة- لأخرج بترجمةٍ متكاملةٍ تجمع الكلام على سيرة العلامة الألباني الذاتية، وسيرته العلمية، وكلام أهل العصر عنه.

القسم الرابع دعاوى المناوئين للعلامة الألباني والرد عليها

القسم الرابع دعاوى المناوئين للعلامة الألباني والرد عليها أجمع فيه كلَّ ما وقفتُ عليه من مؤاخذات على العلامة الألباني وتراثه (مما ظهر لي أن أصحابها قد جانبوا الصواب فيها) سواءً كانت المؤاخذات مفرَدَة في تصنيف مستقل للرد على العلامة الألباني، أو ذُكرت في بعض الأعمال -عَرَضاً-، وقد قسمتُ العمل فيه إلى: 52 - دعاوى المناوئين للعلامة الألباني العقدية والرد عليها. وأفردت منه: 53 - دعاوى المناوئين للعلامة الألباني في مسائل الإيمان والكفر، والرد عليها. ثم: 54 - دعاوى المناوئين للعلامة الألباني المنهجية، والرد عليها. 55 - دعاوى المناوئين للعلامة الألباني الفقهية، والرد عليها. 56 - دعاوى المناوئين للعلامة الألباني الحديثية، والرد عليها.

القسم الخامس تتميم النفع بتراث العلامة الألباني

القسم الخامس تتميم النفع بتراث العلامة الألباني 57 - تتميم النفع بتراث العلامة الألباني: وأصلُ هذا العمل تعليقات كنت -ولا أزال- أعلقها على كتب الشيخ رحمه الله عند رجوعي إليها لأنهل من معينها في خدمةِ بعض أعمالي الحديثية -فأنا كأبناء جيلي عالةٌ عليه رحمه الله وعلى كتبه-، فأقف أحياناً على نقص فأتممه، أو وهم فأستدرك عليه، أو خطأ فأقومه وغير ذلك مما لا ينجو منه أحد، خاصةً مَنْ حَقَّقَ هذا العدد الهائل من الأحاديث والآثار والمسائل كالعلامة الألباني. وسأقوم على جمع هذه التعليقات فيما سميته بتتميم النفع بتراث العلامة الألباني؛ إلا أن هذا العمل سيتأخر لطبيعته، حيث إنه يعتمد على إنجاز أعمالي الحديثية الأخرى، أسأل الله التيسير والإعانة. وقد أفردت منه: 58 - ترجمة الرواة الذين لم يترجمهم العلامة الألباني. وهذا تحت الإعداد.

أعمال أخرى لخدمة تراث الألباني

أعمال أخرى لخدمة تراث الألباني

1 - مشروع الترجمة

أعمال أخرى لخدمة تراث الألباني بعد أن مَنَّ الله عليَّ بإنجاز جزء كبير من هذا المشروع رأيتُ أن ثمة جوانب أخرى أستطيع من خلالها توسيع دائرة الانتفاع بتراث العلامة الألباني رحمه الله وخدمة تراثه الخدمة اللائقة بمكانته، فعقدت العزم على إنشاء «مركز النعمان للبحوث والدراسات» والذي أنشأته خصيصًا لهذه المهمة، فجمعت له ثلة من المتخصصين في مجالات متعددة، وتم الاتفاق على إنجاز المشاريع التالية: 1 - مشروع الترجمة: نظراً لِعالميَّة العلامة الألباني، وشهرته الفائقة شرقاً وغرباً، واهتمام غير الناطقين باللغة العربية بالانتفاع من تراثه - رحمه الله- فقد رأيت أهمية ترجمة- ما أراه مُناسباً- من هذه الموسوعة إلى اللغات العالمية كالإنجليزية والفرنسية، أو اللغات التي يكثر المسلمون بين الناطقين بها؛ كالهندية، والأوردية، والأندونوسية، والمالاوية. وقد قيدتُ ذلك بـ " ما أراه مناسباً" مراعاةً لمتطلباتِ المسلمين غير الناطقين باللغة العربية التي تختلفُ في - نظري- عن متطلبات أبناء اللغة العربية؛ ففي حين أن ترجمة ما يختص بالمسائل العقدية الكبرى، والأمور المنهجية، والمسائل الفقهية التي تَعُمُّ بها البلوى؛ كل ذلك مما يَعُمُّ النفع به بين الدعاة وطلاب العلم وعامة المسلمين من غير الناطقين باللغة العربية، إلا أنه - بالمقابل - لا أرى جدوى من ترجمة ما يختص بقواعد الجرح والتعديل عند الألباني مثلاً، أو منهجه في التعليل، أو غير ذلك من القضايا العلمية الدقيقة التي لا يصل إلى مستواها العلمي -في الغالب- إلا من أتقن اللغة العربية وعُدَّ في أبنائها.

2 - مشروع تصميم برنامج "تقريب علوم الألباني"

ومن ناحيةٍ أُخرى فإنه من الضرورة بمكان أن تتم مراعاة حال المتلقِّي للعمل المترجَم من حيثيات عديدة، فمراعاة حال المتلقي من الحيثية العقدية مثلاً سيساعدنا كثيراً في تحديد أولوياتنا في المواضيع المترجمة وفي تحديد اللغة المتَرْجَم إليها على السواء، فانتشار التشيع بين أبناء القومية الفارسية مثلاً يجعل الاهتمام بترجمة كلام العلامة الألباني الخاص بالشيعية والتشيع والرد على كتبهم وشيوخهم إلى اللغة الفارسية متعيِّناً وعلى رأس أولوياتنا في الترجمة إلى الفارسية، كما أن انتشار التصوف بين الأتراك يُحَوِّلُ مؤشِّرَ أولويات الترجمة إلى اللغة التركية إلى المواضيع الخاصة ببيان حال الصوفية والتصوف، وهكذا. وبما أن أهل كل لغةٍ هم أعلم الناس بالحيثيات المشار إليها آنفاً، وبالمتطلبات العلمية التي يحتاجها أبناء لغاتهم، فقد رأيت أهمية التواصل مع إخواننا الدعاة وطلاب العلم من غير الناطقين باللغة العربية لدراسة الأمر معهم، ولتوضع جهود الترجمة في موضعها المناسب، وقد شرعتُ في ذلك، أسال الله التيسير والإعانة. هذا وقد أوكلتُ الإشراف على أعمال الترجمة إلى شقيقتي الفاضلة نجوان نعمان المشرف العام على موقع الترجمة الإسلامية www.islamictranslation.org، لخبرتها الواسعة في هذا المجال وتمرُّسها فيه، وبالتعاون مع مكتب الترجمة في مركزنا "مركز النعمان"، إلا أنني سأستأثر لنفسي كتابةَ ترجمة العلامة الألباني باللغة الإنجليزية رغبةً مني في نيل شيءٍ من الأجر والدعاء على هذا العمل، أسال الله التوفيق. 2 - مشروع تصميم برنامج "تقريب علوم الألباني": تقديراً منَّا لقِصَرِ نفقة كثيرٍ من طلاب العلم ومحبِّي الشيخ الألباني عن شراء هذه الموسوعة والانتفاع بها، فقد رأينا أهمية تصميم برنامج حاسوبي خيري

3 - مشروع إنشاء أكبر موقع للعلامة الألباني على الإنترنت

يقرب ما حوته هذه الموسوعة لطلاب العلم وذلك بأن أقوم باختيار أعمّ وأهم وأدق الأقوال والفتاوى في كل مسألةٍ مسألة مما حوته هذه الموسوعة، ومن ثَمَّ القيام بتصنيف ذلك تصنيفاً موضوعياً دقيقاً، ليقوم بعد ذلك الإخوة الأفاضل في "مكتب البرمجة وتقنية المعلومات " في مركزنا "مركز النعمان" بدمج ذلك آلياً، ومن ثَمَّ توظيف التقنية الحديثة في تيسير البحث الموضوعي في البرنامج، ليسهل على الإخوة الباحثين وطلاب العلم التعرُّف على أقوال العلامة الألباني في المسألة المبحوثة، وذلك عن طريق كتابة العنوان الموضوعي في خانة البحث كأن يُكْتَب "النكاح" مثلاً لتظهر أمام الباحث كل ما حواه البرنامج من أقوال ومسائل وفتاوى للعلامة الألباني في النكاح، وبإمكان الباحث أن يجعل البحث أكثر تركيزاً كان يبحث عن "نكاح المتعة" وهكذا. كما أننا سنيسر بهذا البرنامج خدمة الاقتباس من تراث الألباني؛ فإذا كان القول أو الفتوى مأخوذاً من كتب الشيخ فالأمر يسير، وإن كان مأخوذاً من مجالس الشيخ المسموعة فسنقوم بإثبات المقطع الصوتي للمسألة مع إثباته مفرغاً في نفس الصفحة لنسخه بسهولة إلى الموضع المطلوب. إلى غير ذلك من الخدمات التي تسهل الانتفاع بما حوته هذه الموسوعة ليعمَّ النفع، ويعظمَ الأجر بإذن الله. 3 - مشروع إنشاء أكبر موقع للعلامة الألباني على الإنترنت: إيماناً منا بأهمية ربط الأُمة بعُلمائها، وتعريف النشء بكبرائها، فقد حملنا على عاتقنا إنشاء أكبر موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت عن العلامة الألباني، والذي سيقوم الإخوة في "مكتب البرمجة وتقنية المعلومات" في مركزنا "مركز النعمان" إن شاء الله بتصميمه، وسأقوم بالإشراف على تغذيته دوريًّا من الموسوعة.

4 - المواد المرئية

والهدف من وراء هذا الموقع هو توسيع دائرة الانتفاع بمادة الموسوعة من خلال التعريف الواسع بالعلامة الألباني وإمامته وعقيدته ومنهجه وفقهه، وشمولية مؤلفاته وتراثه، ورد ما يفتريه المغرضون حول شخصه ودعوته، كل ذلك بِلُغَاتٍ عدة. كما نأمل أن يكون هذا الموقع محطةً لنشر مقالاتٍ دوريَّة لمحبي الشيخ، وإنشاء مسابقات علمية لما يُكْتَبُ حول الشيخ وتراثه. وسنقوم بتغذية الموقع دورياً من الموسوعة، كما تقدم، كما سنقوم بتغذية الصفحات الخاصة باللغات الأخرى من الأعمال المترجمة، كما سنقوم بضم برنامج تقريب علوم الألباني إلى الموقع، وغير ذلك من الخدمات العلمية التي توسع دائرة الانتفاع بعلم الشيخ رحمه الله. 4 - المواد المرئية: لا يشك أحد في الأثر الذي باتت تشكله الفضائيات الإسلامية على طبقة عريضةٍ من أفراد المجتمعات الإسلامية، ومن منطلق حرصنا على ما تقدم من ربط الأمة بعلمائها وتعريفها بهم فقد رأينا أهمية العمل على إنتاج وإخراج " مواد مرئية" تُعَرِّفُ بالعلامة الألباني ودعوته لتعرض على الفضائيات الإسلامية لما لذلك من أثر على قطاعٍ عريضٍ من أبناء أمتنا.

مصادر الموسوعة

مصادر الموسوعة

أولا: المصادر المكتوبة

مصادر الموسوعة أُثبِتُ هنا قائمةً بجميع المصادر التي مَنَّ الله عليَّ بسبرها واستقرائها لإنجاز هذه الموسوعة، وقد قسمت الكلام عليها إلى: المصادر المكتوبة، والمصادر المسموعة. أولا: المصادر المكتوبة: ويقع مجمل ما وقفت عليه منها في: (126) مجلدًا. و (69) غلافًا. بيانها كالتالي: (1) آداب الزفاف في السنة المطهرة * تأليف: الإمام الألباني - رحمة الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع الكبير يقع في (367) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الأولى (1423هـ - 2002م).

(2) الآيات البينات في عدم سماع الأموات * تأليف: العلامة نعمان ابن المفسِّر الشهير محمود الآلوسي (1317هـ). *حققه وقدم له وخرج أحاديثه وعلق عليه: الإمام الألباني - رحمة الله -. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (187) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الأولى (1425هـ- 2005م). (3) الأجوبة النافعة عن أسئلة مسجد الجامعة * تأليف: الإمام الألباني - رحمة الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (80) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الثانية (1400هـ).

(4) أحاديث المزارعة والمؤاجرة والرد على المفترين على الصحابة والتابعين والعلماء * تأليف: الإمام الألباني - رحمة الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - ضمن كتاب " البرهان في رد البهتان والعدوان " بأقلام (محمد ناصر الدين الألباني - طه الصابونجي - عبد الله القلقيلي). - مجلد من القطع العادي، يقع في (200) صفحة، وكتاب " أحاديث المزارعة والمؤاجرة " يقع من صفحة (11) إلى صفحة (41). (5) الاحتجاج بالقدر * تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-. * تخريج: الإمام محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (176) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة السابعة (1425هـ- 2004م).

(6) أحكام الجنائز وبدعها * تأليف: الإمام الألباني - رحمة الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (351) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الأولى للطبعة الجديدة (1412هـ- 1993م). (7) أداء ما وجب من بيان وضع الوضعين في رجب * تأليف: الإمام المحدث عمر بن حسن ابن ردحية المتوفي سنة (633هـ). * تخريج: الإمام الألباني - رحمة الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (184) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الأولى: (1419هـ- 1998م).

(8) إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل * تأليف: الإمام الألباني - رحمة الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - (9) مجلدات من القطع العادي، يتراوح عدد الصفحات في المجلد الواحد في الغالب من (300) إلى (400) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الثانية: (1405هـ- 1985م). (9) إزالة الدهشة والوله عن المتحير في صحة حديث «ماء زمزم لما شرب له» * تأليف: محمد بن إدريس القادري - رحمة الله-. * تخريج: الإمام الألباني - رحمة الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (206) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الأولى: (1414هـ- 1993م).

(10) الإسراء والمعراج وذكر أحاديثهما - وتخريجها - وبيان صحيحها من سقيمها * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط يقع في (138) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان- الأردن). - الطبعة الخامسة (1421هـ - 2000م). (11) إصلاح المساجد من البدع والعوائد * تأليف: علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي - رحمه الله - *خرج أحاديثه وعلق عليه: الإمام الألباني - رحمة الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي يقع في (248) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة السادسة (1422هـ - 2001م).

(12) أصل صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من التكبير إلى التسليم كأنك تراها * تأليف: الإمام الألباني - رحمة الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - (3) مجلدات من القطع العادي، تقع في (1217) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الأولى: (1427هـ- 2006م). (13) اقتضاء العلم العمل * تأليف: الخطيب البغدادي - رحمة الله- المتوفى سنة (463هـ). *تحقيق: الإمام الألباني - رحمة الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (128) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الأولى: (1422هـ- 2002م).

(14) الإيمان لابن أبي شيبة * تأليف: الحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة - رحمه الله- المتوفى سنة (235هـ). *حققه وقدم له وخرج أحاديثه وعلق عليه: الإمام الألباني - رحمة الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (94) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الأولى: (1421هـ- 2001م). (15) الإيمان لابن تيمية * تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله- *خرج أحاديثه: الإمام الألباني - رحمة الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (384) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الخامسة: (1416هـ- 1996م).

(16) الإيمان، ومعالمه، وسته واستكماله، ودرجاته * صنفه: الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام - رحمه الله - المتوفى سنة (224هـ). *حققه، وقدم له، وخرج أحاديثه، وعلق عليه: الإمام الألباني - رحمه الله - *وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (112) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الأولى: (1421هـ - 2000م). (17) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير * تأليف: العلامة أحمد محمد شاكر - رحمه الله - * تعليق: الإمام الألباني - رحمه الله - * حققه وتمم حواشيه: على بن حسن الحلبي. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلدان من القطع العادي، يقع في (784) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الأولى: (1417هـ - 1996م).

(18) بداية السول في تفضيل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وشرَّف وكرَّم * تأليف: العلامة العز بن عبد العزيز بن عبد السلام السلمي - رحمه الله - * تحقيق: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (80) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الأولى: (1422هـ - 2002م). (19) تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (165) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الرابعة: (1403هـ - 1983م).

(20) تحريم آلات والطرب، أو: الرد بالوحيين وأقوال أئمتنا على ابن حزم ومقلديه المبيحين للمعازف والغناء وعلى الصوفيين الذين اتخذوه قربةً وديناً * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (216) صفحة. - الناشر: دار الصديق (الجبيل - السعودية). - الطبعة الثانية: (1420هـ - 1999م). (21) تحقيق معنى السنة، وبيان الحاجة إليها * دراسة علمية نفسية لكبير علماء مسلمي الهند: السيد سليمان الندوي- رحمه الله - * شارك في التعليق عليها وتخريجها: السيد محمد رشيد رضا، والأستاذ محب الدين الخطيب، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (80) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الثانية: (1414هـ - 1994م).

(22) تخريج أحاديث فضائل الشام * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (112) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الثانية: (1405هـ). (23) تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (96) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الثانية: (1405هـ - 1984م). (24) تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر والرد على من ضعفه * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (61) صفحة. - الناشر: مكتب المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الثانية: (1421هـ).

(25) التصفية والتربية وحاجة المسلمين إليهما * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (38) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان - الأردن). - الطبعة الثانية: (1421هـ). (26) التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان وتمييز سقيمه من صحيحه، وشاذه من محفوظه، بترتيب الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارس المسمى "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان " * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - (12) مجلداً من القطع العادي، يتراوح عدد الصفحات في المجلد الواحد من (500) إلى (600) صفحة. الناشر: دار باوزير.

(27) التعليقات الرضية على الروضة الندية * الروضة الندية لصديق حسن * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - 3مجادات من القطع العادي، يقع المجلد الأول في (568) صفحة، والثاني في (559) صفحة، والثالث في (577) صفحة. - الناشر: دار ابن عفَّان (القاهرة - مصر). - الطبعة الثانية: (1420هـ-1999م). (28) تلخيص أحكام الجنائز * تلخيص: الإمام الألباني - رحمة الله - - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (112) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان - الأردن) والدار السلفية (الكويت). - الطبعة الأولى: (1402هـ). (29) تلخيص صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (38) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الأولى: (1421هـ - 2000م).

(30) تمام المنة في التعليق على فقه السنة * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (473) صفحة. - الناشر: دار الراية (الرياض - السعودية). - الطبعة الخامسة: (1421هـ). (31) تمام النصح في مسألة المسح * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - ضمن رسالة "المسح على الجوربين" للقاسمي -رحمه الله- وهذه تقع في غلاف من القطع المتوسط، يقع في (96) صفحة، وتقع رسالة " تمام النصح " في الصفحات من (81) إلى (93). - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الخامسة: (1406هـ - 1986م).

(32) التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل * تأليف: الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - رحمه الله- المتوفى سنة (1386هـ). * قام على طبعه وتحقيقه والتعليق عليه: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلدان من القطع العادي، يقع المجلد الأول في (548) صفحة، والمجلد الثاني في (414) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الثانية: (1406هـ). (33) التوحيد أو العقائد الإسلامية * تأليف: محمد أحمد العدوي. * تخريج وتعليق: الإمام الألباني - رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (80) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان). - الطبعة الأولى: (1425هـ - 2004م).

(34) التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام * من فتاوى: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (48) صفحة. - الناشر: مكتب المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الخامسة: (1422هـ - 2001م). (35) التوسل أنواعه وأحكامه * بحوث كتبها وألقاها: الإمام الألباني - رحمه الله - *نسقه وآلف بين نصوصه: محمد عيد عباسي. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (157) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الأولى: (1421هـ - 2001م). (36) الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلدان يقعان في (1409) صفحة. - الناشر: غراس (الكويت). - الطبعة الأولى: (1422هـ).

(37) جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (260) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض - السعودية). - الطبعة الرابعة: (1423هـ - 2002م). (38) حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة * تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - * حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (56) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (بيروت / لبنان). - الطبعة السادسة: (1405هـ - 1985م). (39) حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما رواها عنه جابر رضي الله عنه * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (152) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (بيروت / لبنان). - الطبعة السابعة: (1405هـ - 1985م).

(40) الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام * تأليف: الإمام الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (88) صفحة. - الطبعة الثانية: (1400هـ). (41) الحديث النبوي: مصطلحه، بلاغته، كتبه * تأليف: محمد لطفي الصباغ. * نظر في أصوله: الشيخ رحمه الله، وكتب تعليقات على عدد من الأحاديث أثبتها المؤلف منسوبة إليه - كما قال في مقدمته ص (6) - * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (367) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (بيروت- لبنان). - الطبعة السابعة: (1418هـ - 1997م). (42) حقوق النساء في الإسلام، وحظهن من الإصلاح المحمدي العام * تأليف: محمد رشيد رضا - رحمه الله - * تعليق: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (205) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (بيروت / لبنان).

(43) حقيقة الصيام * تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- * خرج أحاديثها: محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (100) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (بيروت / لبنان). - الطبعة السادسة: (1404هـ - 1984م). (44) حكم تارك الصلاة * تأليف: الإمام الألباني -رحمه الله- * قام على نشرها: علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد الحلبي الأثري * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (100) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان / الأردن). - الطبعة الأولى: (1422هـ - 2002م).

(45) خطبة الحاجة، التي كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلمها أصحابه * تأليف: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (48) صفحة. - الناشر: مكتبه المعارف (الرياض / السعودية). - الطبعة الأولى: (1421هـ - 2000م). (46) الدرر المتلألئة بنقض الإمام العلامة محمد ناصر الدين الألباني فرية موافقته للمرجئة، وهي نقداته العوالي وتعقباته الغوالي على مواضع من كتاب ظاهرة الإرجاء لـ" سفر الحوالي". * أعده للنشر وقدم له: علي بن حسن الحلبي الأثري. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (185) صفحة. - الناشر: مكتبة الفرقان (عجمان / الإمارات). - الطبعة الأولى: (1423هـ - 2002م).

(47) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات الدكتور البوطي في كتابه "فقه السيرة" * تأليف: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (120) صفحة. - الناشر: مؤسسة ومكتبة الخافقين (دمشق / سورية). (48) الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد، والرد على من طعن في صحة نسبته إليه، وزعم أن القطيعى زاد فيه أحاديث كثيرة موضوعة حتى صار ضعفيه، وتحقيق أنه لا زوائد للقطيعى فيه أو عليه * تأليف: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (103) صفحة. - الناشر: دار الصديق (الجبيل / السعودية). - توزيع: مؤسسة الريان (بيروت - لبنان) - الطبعة الثانية: (1421هـ - 2000م).

(49) الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب ولم يقنع بقولهم: إنه سنة ومستحب * تأليف: الإمام الألباني-رحمه الله-. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (184) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان / الأردن). - الطبعة الأولى: (1421هـ). (50) الردود من كتاب حياة الألباني * كتاب حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه: تصنيف محمد بن إبراهيم الشيباني * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلدان من القطع العادي، يقعان في (614) صفحة. - الناشر: مركز المخطوطات والتراث والوثائق (الكويت). - الطبعة الثانية: (1425هـ - 2004م). - يحتوي الكتاب عل ردود للعلامة الألباني طُبِعَ أكثرها في ثنايا كتب الألباني المطبوعة ومنها ما لم يطبع، فما كان موجوداً في كتب الألباني عزوته إليه، وما لم يوجد عزوته إلى كتاب " حياة الألباني".

والردود التي أثبتها الشيباني هي: 1 - الرد على إباحة التحلي بالذهب. 2 - الرد على عز الدين بليق. 3 - الرد على القول بفناء النار. 4 - نقد كتاب التاج الجامع للأصول. 5 - الرد على الشيخ الغماري. 6 - الرد على ابن حزم في إباحة آلات الطرب. 7 - الرد على العلامة الآلوسي. 8 - الرد على الغزالي وجهيمان وشلتوت. 9 - الرد على المدعو السيد عبد الرضا المرعشي. 10 - الرد على من ضعف حديث العترة. 11 - الرد على مفتي ألبانيا. 12 - الرد على الصابوني. 13 - عودة إلى السنة. 14 - ردود الشيخ على قراء مجلة "المسلمون" 15 - الرد على الشيخ الحافظ. 16 - الرد على الأستاذ الطنطاوي. 17 - الرد على ميرزا غلام أحمد القادياني. 18 - الرد على الشيخ الحامد (¬1). ¬

(¬1) وبيان ما طُبع من هذه الردود - مستقلاً أو تبعاً - والإشارة إلى مواضعها من كتب الإمام الألباني يأتي بإذن الله في " جامع مصنفات العلامة الألباني" من هذه الموسوعة، يسر الله نشره.

(51) رفع الأستار، لإبطال أدلة القائلين بفناء النار * تأليف: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني -رحمه الله- * تحقيق: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (151) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت / لبنان). - الطبعة الأولى: (1405هـ - 1984م). (52) رياض الصالحين * تأليف: الإمام النووي -رحمه الله- * تخريج: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع الصغير، يقع في (704) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت / لبنان). - الطبعة بتاريخ: (1418هـ - 1998م)، ولم يسجل رقم الطبعة.

(53) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها * تأليف: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - تقع في (7) مجلدات: المجلد الأول منها في قسمين، والسادس في قسمين، والسابع في ثلاثة أقسام. وعليه فمجموع عدد المجلدات مع الأقسام (11) مجلداً. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض / السعودية)، وتواريخ الطبع كالتالي: -المجلدات الستة الأولى (1415هـ 1995م). - المجلد السابع (1416هـ -1996م). - المجلد الثامن (1417هـ 1996م). - المجلد التاسع والعاشر والحادي عشر (1422هـ - 2002م). (54) سلسلة الأحاديث الضعيفة وشيء من فقهها * تأليف: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - تقع في (14) مجلداً: ويقع كلٌّ من المجلد العاشر، والحادي عشر، والثاني عشر في قسمين، والمجلد الرابع عشر في ثلاثة أقسام، فيكون عدد المجلدات مع

الأقسام (20) مجلداً. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض / السعودية). - المجلدات من (1 - 5): الطبعة الثانية (1420هـ - 2000م). المجلدان (6 - 7): الطبعة الأولى (1421هـ - 2000م). المجلدان (8 - 9): الطبعة الأولى (1422هـ - 2001م). المجلدات (9 - 12): الطبعة الأولى (1422هـ - 2002م). المجلدات (13 - 20): الطبعة الأولى (1425هـ) (55) شرح العقيدة الطحاوية * تأليف: ابن أبي العز الحنفي. * تخريج: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (574) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت / لبنان). - الطبعة التاسعة: (1408هـ - 1988م).

(56) صحيح ابن خزيمة * تأليف: إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي الينسابوري، المتوفي سنة (223هـ). * حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه وقدم له: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي. *بمراجعة: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلدان من القطع العادي، يقعان في (1606) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت / لبنان). - الطبعة الثالثة: (1424هـ - 2003م). (57) صحيح الأدب المفرد للبخاري * تأليف: الإمام الألباني -رحمه الله- * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (416) صفحة. - الناشر: دار الصديق للنشر والتوزيع (الجبيل / السعودية). - الطبعة الثانية: (1425هـ - 2004م).

(58) صحيح الترغيب والترهيب للمنذري * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. *وصف الطبعة المعتمدة: - (3) مجلدات من القطع العادي، تقع في (2549) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى (1421هـ/2000م). - تنبيه هام: اعتمدت في عزو الفوائد المستخرجة من صحيح الترغيب والترهيب وضعيفة على طبعة الترغيب والترهيب التي اعتنى بها الشيخ الفاضل مشهور بن حسن آل سلمان، فهي أتم وأكمل كما يتضح من مقدمتها، وقد نقل فيها كل أحكام الشيخ وتعليقاته على الكتاب. - وهذه الطبعة من الترغيب والترهيب تقع في (4) مجلدات مع الفهارس. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى (1424هـ). (59) صحيح الجامع الصغير -للسيوطي- وزيادته (الفتح الكبير) للنبهاني * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: مجلدان من القطع العادي في (1368) صفحة. الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت-لبنان). الطبعة الثالثة: (1408هـ/1998م).

(60) صحيح سنن ابن ماجه * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - ثلاثة مجلدات من القطع العادي، ضم (1492) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى: (1417هـ/1997م). - تنبيه هام: اعتمدت في عزو الفوائد والأحاديث المستخرجة من صحيح سنن ابن ماجه وضعيفه على طبعة سنن ابن ماجه التي اعتنى بها الشيخ الفاضل مشهور بن حسن آل سلمان، وقد أثبتَ فيها كل تعليقات وحواشي العلامة الألباني، وسبب اختياري لهذه النسخة أنني وجدتها فرصة لقراءة كتاب سنن ابن ماجه على الوجه بأسانيده التامة وترتيبه الذي وضعه عليه مصنفه إلى جانب استفادة كل ما أريده من تعليقات الشيخ وفوائده. - وطبعة الشيخ مشهور تقع في مجلد واحد عن مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى. (61) صحيح سنن أبي داود * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة:

- ثلاثة مجلدات مع القطع العادي، تضم (1712) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الثانية (1421هـ/2000م). - تنبيه هام: اعتمدت في عزو الفوائد والأحاديث المستخرجة من صحيح سنن أبي داود وضعيفه على طبعة السنن التي بعناية الشيخ الفاضل مشهور بن حسن آل سلمان، وتقع هذه الطبعة في مجلد واحد عن مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى، وانظر ما نبهنا عليه تحت «صحيح سنن ابن ماجه». (62) صحيح سنن الترمذي * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - ثلاثة مجلدات من القطع العادي، تضم (1928) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى (1420هـ/2000م). - تنبيه هام: اعتمدت في عزو الفوائد والأحاديث المستخرجة من صحيح سنن الترمذي وضعيفه على طبعة السنن التي بعناية الشيخ الفاضل مشهور بن حسن آل سلمان، وتقع هذه الطبعة في مجد واحد عن مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى. وانظر ما نبهنا عليه تحت «صحيح ابن ماجه».

(63) صحيح سنن النسائي * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - ثلاثة مجلدات من القطع العادي، تقع في (1798) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى (1419هـ/1998م). - تنبيه هام: اعتمدت في عزو الفوائد والأحاديث المستخرجة من صحيح سنن النسائي وضعيفه على طبعة سنن النسائي التي بعناية الشيخ الفاضل مشهور بن حسن آل سلمان، وتقع هذه الطبعة في مجلد واحد، عن مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى. وانظر ما نبهنا عليه تحت «صحيح سنن ابن ماجه». (64) صحيح السيرة النبوية، ما صح من سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وذكر أيامه، وغزواته، وسراياه، والوفود إليه للحافظ ابن كثير * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (263) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى: (1428هـ/2007م).

(65) صحيح الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. *وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (120) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الثامنة (1407هـ/1987م). (66) صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلدان من القطع العادي، الأول في (561) صفحة، والثاني في (565) صفحة. - الناشر: دار الصميعي (الرياض - السعودية). - الطبعة الثانية (1427هـ/2006م). (67) الصراط المستقيم رسالة فيما قرره الثقات الأثبات في ليلة النصف من شعبان * تأليف: جماعة من علماء الأزهر. * تخريج: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (15) صفحة. - طبعت على نفقة الجمعية المحمدية للصراط المستقيم بحلب. غرة شعبان (1372هـ).

(68) صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من التكبير إلى التسليم كأنك تراها * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. وصف الطبعة المعتمدة: غلاف من القطع الكبير، يقع في (225) صفحة. الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الثانية (1417هـ/1996). (69) صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لصلاة الكسوف * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (143) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان- الأردن). - الطبعة الأولى (1422هـ). (70) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي * تأليف: الإمام أحمد بن حمدان الحراني الحنلبي رحمه الله. * خرج أحاديثه وعلق عليه: الإمام الألباني رحمه الله.

* وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (120) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت-لبنان). - الطبعة الثالثة (1397هـ). (71) صلاة التراويح * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (132) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى (1421هـ/2000م). (72) صلاة العيدين في المصلى خارج البلد هي السنة * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (48) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت- عمان). - الطبعة الثانية (1404هـ/1984م).

(73) صوت العرب تسأل ومحدث الشام يجيب لقاء للشيخ مع راديو صوت العرب. (74) ضعيف الأدب المفرد للإمام البخاري * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: مضموم إلى صحيح الأدب المفرد المتقدم، يقع في (112) صفحة. الناشر: دار الصديق (الجبيل- السعودية) توزيع مؤسسة الريان (بيروت-لبنان). - الطبعة الثانية (1425هـ/2004م). (75) ضعيف الترغيب والترهيب * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلدان من القطع العادي، يضمان (1437) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى (1421هـ/2000م). - تنبيه: انظر ما تقدم تحت «صحيح الترغيب والترهيب».

(76) ضعيف الجامع الصغير للسيوطي وزيادته الفتح الكبير للنبهاني * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي في (942) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت- لبنان). - الطبعة الثالثة (1410هـ/1990م). (77) ضعيف سنن ابن ماجه * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (440) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى (1417هـ/1997م). - تنبيه: انظر ما تقدم تحت «صحيح سنن ابن ماجه». (78) ضعيف سنن أبي داود * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة:

- مجلد من القطع العادي، يقع في (468) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الثانية (1421هـ/2000م). - تنبيه: انظر ما تقدم تحت «صحيح سنن أبي داود». (79) ضعيف سنن الترمذي * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (479) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى (1419هـ/1998م). - تنبيه: انظر ما تقدم تحت «صحيح سنن الترمذي». (80) ضعيف سنن النسائي * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (479) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى (1419هـ/1998م). - تنبيه: انظر ما نبهنا عليه تحت «صحيح سنن النسائي».

(81) ضعيف موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (224) صفحة من غير الفهارس. - الناشر: دار الصميعي (الرياض- السعودية). - الطبعة الثانية (1427هـ/2006م). (82) ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: مجلد من القطع العادي مع كتاب السنة، يقع في (764) صفحة. الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت-لبنان). الطبعة الخامسة: (1426هـ/2005م). (83) العقيدة الطحاوية للطحاوي * شرح وتعليق: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (112) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى: (1421هـ/2001م).

(84) غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام للقرضاوي * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: مجلد من القطع العادي، يقع في (244) صفحة. الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت-لبنان). - الطبعة الرابعة (1414هـ/1994م). (85) فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - * تأليف: الإمام إسماعيل بن إسحاق الجهضمي القاضي المالكي، المتوفى سنة (282). * تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (92) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت- لبنان). - الطبعة الثالثة (1397هـ/1977م). (86) فقه السيرة * تأليف: محمد الغزالي رحمه الله. * مراجعة وتعليق: الإمام الألباني رحمه الله.

* وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (413) صفحة. - الناشر: دار الدعوة (الإسكندرية- مصر). - الطبعة السادسة (1421هـ/2000م). (87) فقه الواقع * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (53) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان- الأردن). - الطبعة الثانية (1422هـ). (88) فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية المنتخب من مخطوطات الحديث * وضعه: الإمام الألباني رحمه الله. * اعتنى به وعلق عليه: مشهور بن حسن آل سلمان. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (652) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض-السعودية). - الطبعة الأولى: (1422هـ/2001م).

(89) القائد إلى تصحيح العقائد * تأليف العلامة الشيخ: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي اليماني رحمه الله. *علق عليه: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير مستل من المجلد الثاني من كتاب التنكيل بما في تأنيب الكوثري من - الأباطيل، وهو القسم الرابع، ويقع في (240) صفحة من صفحة (174 - 414). - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت- لبنان). - الطبعة الثالثة: (1404هـ/1984م). (90) قاموس الصناعات الشامية * تأليف: محمد سعيد القاسمي، جمال الدين القاسمي، خليل العظم. * حققه وقدم له: ظافر القاسمي. * تخريج: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (535) صفحة. - الناشر: طلاس للدراسات والترجمة والنشر (دمشق- سوريا). - الطبعة الأولى (1988م).

(91) قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه السلام وقتله إياه على سياق رواية أبي أمامة رضي الله عنه مضافاً إليه ما صح عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (166) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان- الأردن). - الطبعة الأولى: (1421هـ). (92) قيام رمضان فضله وكيفية أدائه، ومشروعية الجماعة فيه، ومعه بحث قيم عن الاعتكاف * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط يقع في (46) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان- الأردن). - الطبعة الأولى: (1421هـ).

(93) كتاب العلم * تأليف: الحافظ أبي خيثمة زهير بن حرب النسائي رحمه الله المتوفى سنة (234هـ). * حققه وقدم له وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد ناصر الدين الألباني. * وصفه الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (80) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض-السعودية). - الطبعة الأولى (1421هـ/2001م). (94) كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (108) صفحة. - الطبعة الثانية (1398هـ/1978م). (95) الكلم الطيب * تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. * تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (221) صفحة.

- الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الثانية: (1422هـ/2002م). (96) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها * تأليف: الحافظ ابن رجب الحنبلي. * خرج أحاديثها: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط يقع في (78) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت-لبنان). - الطبعة الخامسة (1399هـ). (97) كيف يجب علينا أن نفسر القرآن * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (41) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان - الأردن). - الطبعة الأولى (1421هـ).

(98) ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان * تأليف: السيد محمود شكري الألوسي رحمه الله. * تخريج: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (160) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت- لبنان). - الطبعة الثانية (1418هـ/1997م). (99) مجلة الأصالة أثبت محرروها الأفاضل فتاوى للشيخ الألباني رحمه الله. الأعداد من (1 - 54). مجلة التمدن الإسلامي تأتي في «مقالات الألباني». مجلة المسلمون تأتي في «مقالات الألباني».

(100) مختصر الشمائل المحمدية للترمذي * اختصره وحققه: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (248) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الرابعة (1413هـ). (101) مختصر صحيح البخاري * المختصر للإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - تقع في أربع مجلدات من القطع العادي. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى: (1422هـ/2002م). (102) مختصر صحيح مسلم للمنذري * تحقيق: الإمام الألباني رحمه الله. *وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (640) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الثالثة (1416هـ/1996م).

(103) مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي * المختصر للإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (304) صفحات. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت- لبنان). - الطبعة الثانية (1412هـ/1991م). (104) مساجلة علمية بين الإمامين الجليلين العز بن عبد السلام وابن الصلاح حول صلاة الرغائب * تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (112) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت-لبنان). - الطبعة الثالثة (1423هـ/2002م). (105) المسح على الجوبين * تأليف: علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي رحمه الله. * قدَّم له: العلامة أحمد محمد شاكر. * حققه: الإمام الألباني رحمه الله.

* وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (96) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت-لبنان). - الطبعة الخامسة: (1406هـ/1956م). (106) مشكاة المصابيح * تأليف: محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي. * تحقيق: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - ثلاثة مجلدات من القطع العادي، تقع في (1918) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت-لبنان). - الطبعة الثالثة: (1405هـ/1985م). (107) المصطلحات الأربعة في القرآن: الإله، الرب، العبادة، الدين * تأليف: أبي الأعلى المودودي رحمه الله. * وفي آخره: ملحق بتخريج الأحاديث الواردة في الكتاب للإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (147) صفحة. - الناشر: دار الهجرة للطباعة والنشر.

(108) مقالات الألباني * وهي مقالات كتبها العلامة الألباني لمجلة «التمدن الإسلامي» ومجلة «المسلمون» جمعها واعتنى بها: نور الدين طالب. * قدم لها وعلق عليها: محمد عيد عباسي، وعبد الله علوش. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الكبير، يقع في (246) صفحة. - الناشر: دار أطلس (الرياض- السعودية). - الطبعة الثانية (1422هـ/2001م). أما المقالات التي أثبتها جامعُهُ بعد أن قسمها إلى ثلاثة أقسام فهي: القسم الأول: المقالات، وهي: 1 - وجوب التفقه في الحديث (ص25 - 26). 2 - معجزات الإسلام العلمية (ص27 - 28). 3 - عودة إلى السنة (ص29 - 54). 4 - نقد كتاب التاج في الحديث (ص55 - 61). القسم الثاني: الردود، وهي: 5 - حول إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر (ص65 - 67). 6 - حول إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر أيضاً (ص68 - 96). 7 - حول فتوى قتل الوالد بولده (97 - 104). 8 - حول المهدي (ص105 - 110). 9 - حول رواية بني أمية للأحاديث وطعن المستشرقين بها (ص111 - 112).

10 - حديث تظليل الغمام له أصل أصيل (ص113 - 117). 11 - حادثة الراهب بحيرا حقيقة لا خرافة (ص118 - 127). 12 - الأحاديث في العمامة (ص128 - 135). 13 - حول حديث ميمون بن مهران (ص136 - 137). 14 - حول المهر (ص138 - 144). 15 - حول الحج والعمرة (ص145 - 154). (109) مقالات وآراء أثبتها الأستاذ محمد بن إبراهيم الشيباني في كتابه «حياة الألباني» وأكثر هذه الآراء والمقالات قد طبعت في ثنايا كتب الإمام. والمقالات التي أثبتها الشيباني هي: 1 - الطريق الرشيد نحو بناء الكيان الإسلامي. 2 - مصطلح جاهلية القرن العشرين. 3 - رأي الشيخ في الجماعات الإسلامية. 4 - الألباني ومدرسة الشيخ رشيد رضا. 5 - الألباني ورواية أبي حنيفة في الحديث. 6 - الألباني والأئمة الأربعة المتبوعين. 7 - فتوى الشيخ في النصب المزعوم للخضر في جزيرة فيلكا. 8 - من نصائح الشيخ لطلبة العلم. 9 - بيان ما هي الطائفة الظاهرة المنصورة. 10 - افتراق الأمم وبيان الفِرقة الناجية.

(110) مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف وسرد ما ألحق الناس بها من البدع * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (64) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى (1420هـ/1999م). (111) مناقب الشام وأهله * تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. * علق عليه وخرج أحاديثه: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - ضمن غلاف من القطع المتوسط، يقع في (112) صفحة، وهو تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق، للربعي، وقد تقدم، وهذا الكتاب ذيل في آخره من صفحة (73 - 112). الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت- لبنان). الطبعة الرابعة (1405هـ).

(112) منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (19) صفحة. - الناشر: مكتبة المعارف (الرياض- السعودية). - الطبعة الأولى (1425هـ/2005م). (113) نزهة النظر شرح نخبة الفكر للعلامة الألباني تعليقات على النسخة الخاصة به من كتاب النزهة من أول الكتاب إلى آخر كتاب الحسن، أثبتها تلميذه الفاضل علي بن حسن الحلبي في كتابه «النكت على نزهة النظر». (114) نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (72) صفحة. - الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت- لبنان). - الطبعة الثالثة: (1417هـ/1996م).

(115) النصيحة بالتحذير من تخريب (ابن عبد المنان) لكتب الأئمة الرجيحة، وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - مجلد من القطع العادي، يقع في (303) صفحة. - الناشر: دار ابن عفان (القاهرة- مصر). - الطبعة الثانية (1420هـ/2000م). (116) نقد نصوص حديثية في الثقافة العامة جمع وتصنيف محمد المنتصر الكتاني أستاذ الحديث * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع الصغير، يقع في (80) صفحة. - الناشر: المركز التعاوني (جدة- السعودية). - الطبعة الثالثة (1421هـ/2000م).

(117) هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة * تصنيف: الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله. * تخريج: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة. - يقع في (6) مجلدات. - دار ابن القيم (الدمام- السعودية)، دار ابن عفان (القاهرة- مصر). - الطبعة الأولى (1422هـ/2001م). (118) وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبة المخالفين * تأليف: الإمام الألباني رحمه الله. * وصف الطبعة المعتمدة: - غلاف من القطع المتوسط، يقع في (56) صفحة. - الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان - الأردن). - الطبعة الثانية (1422هـ). تنبيه: بقي عدد قليل من أعمال العلامة الألباني المطبوعة قديمًا لم أستطع الحصول عليها رغم بذل ما في وسعي من جهد، وغالب مادة هذه الأعمال تعليقات مختصرة جدًّا له على بعض الكتب الصغيرة، فأرجو ممن وقف على شئ من أعمال العلامة الألباني التي لم أثبتها في قائمة المصادر أن يراسلني به وأنا له من الشاكرين.

ثانيا: المصادر المسموعة

ثانيًا: المصادر المسموعة (الصوتيات) ويقع مجمل ما وقفت عليه منها في: (1234) مادة. بيانها كالتالي: (1) سلسلة الهدى والنور النسخة المعتمدة: نسخة موقع أهل الحديث الأثر ( www.Alathar.net) ، صفحة العلامة الألباني. عدد المواد: (705) مادة. - تحمل أرقاماً غير متسلسلة، تبدأ بالرقم (1) وتنتهي بالرقم (901). (2) زوائد سلسلة الهدى والنور النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام ( www.Islamway.com) صفحة العلامة الألباني.

عدد المواد: (23) مادة. أرقامها: 30، 34، 35، 150، 223، 253، 353، 362، 366، 424، 427، 498، 547، 602، 615، 747، 756، 764، 768، 778، 779، 786، 823. وهذه الأشرطة ظهر لي أنها زائدة عَمَّا في موقع الأثر بعد أن قمتُ بمقابلة جميع الأشرطة في موقع الأثر على ما في طريق الإسلام، فوقفت على أشرطة في موقع الأثر زائدة على طريق الإسلام، كما وقفت على أشرطة في موقع طريق الإسلام زائدة عما في موقع الأثر، هذه هي، فقمت بإضافتها إلى عملي. وثمة فروق أخرى ظهرت لي بالمقابلة سأذكرها في "منهجي في العمل". قام بتسجيل هذه السلسلة المباركة والتأليف بينها: محمد بن أحمد أبو ليلى الأثري. - لفتةٌ هامة: لا أراني مبالغاً إن قلتُ: إن أعظم خدمة قدمت لتراث العلامة الألباني إلى الآن - في تقديري الشخصي- هو ما قَدَّمَهُ هذا الرجل الوفي لتراث الإمام، فلولا ما بذله من جُهْدٍ شخصيٍّ تطوعي لتسجيل مجالس العلامة الألباني وكلماته ولقاءاته، لكانت الأمة قد فقدت كنزاً دفيناً وتراثاً عظيماً لا يعلم قدره إلا الله. ومن سَبَرَ هذه السلسلة المباركة -مثلى- يناله العَجَبُ مما يلمسه من مبلغ الجهد الذي بذله الرجل في التقاط كلِّ صغيرةٍّ وكبيرةٍّ من فم العلامة الألباني في

السفر والحضر، وقد تعجبتُ جداً -والله- وأنا أستمع إلى الشريط رقم (405) وكان شريطاً مشوَّشاً ينبئُ عن زحامٍ شديدٍ حول الشيخ رحمه الله، وإذ بصوت أبي ليلى المميز يخترق هذه التشويش عند الدقيقة التاسعة تقريباً ليقول: "إخوة الإيمان نحن الآن نطوف حول الكعبة، وبين الصفا والمروة"!!! ولم ينتهِ حرصُ أبي ليلى -حفظه الله- عند تسجيل كلام الشيخ، بل كان حريصاً أيضاً على نشر ما يسجله في الآفاق بعد تنسيقه وتهذيبه ليعم النفع به، فكان كُلَّما اتصل مُتَّصِلٌ بالشيخ من الشرق أو الغرب؛ استأذن الشيخ في تناول سماعة الهاتف ليسأل المتَّصِل: هل وصلتكم أشرطة الشيخ الجديدة إلى أمريكا .. هل وصلتكم أشرطة الشيخ إلى الكويت ... هل وصلتكم أشرطة االشيخ إلى الجزائر .. لقد أرسلتها مع فلان .... كيف أرسل لكم الجديد. وهذا كله قِلٌّ من جُلّ مما يلمسه المستمع إلى هذه السلسلة المباركة من حرص أبي ليلى وجده في حفظ تراث الإمام، نسألُ اللهَ أن يجزيَ أبا ليلى خير الجزاء على ما بذل وقدَّم في خدمة تراث العلامة الألباني، وأسأله تعالى أن يجعل الخير الذي حصَّله الملايين شرقاً وغرباً ممن سمع هذه الأشرطة في ميزان حسناته يوم يلقاه، فكم من ضالٍّ اهتدى بسماع شريط واحد من هذه السلسلة، وكم من متحِّيرٍ استدل بها إلى طريق الحق، وكم من مُسترشدٍ أخذت بيده إلى ناصية الصواب. أقول هذا وأنا لا أعرفه ولا يعرفني، ولم ألقَهُ ولم يلقاني، ولكنني كتبت ذلك وفاءً لعظيم فضله، ولا يشكر الله من لا يشكر الناس.

(3) سلسلة رحلة النور النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام: ( www.Islamway.com) صفحة العلامة الألباني. عد المواد: (96) مادة في (48) شريطاً، كلُّ شريطٍ يحتوي على قسمين (أ، ب). (4) سلسلة فتاوى جدة (موقع أهل الحديث والأثر) النسخة المعتمدة: نسخة موقع أهل الحديث والأثر: ( www.Islamway.com) صفحة العلامة الألباني. عدد المواد: (40) مادة في (34) شريطاً، تحتوي كل من الأشرطة (14، 15، 16، 19، 20، 26) على قسمين (أ، ب). (5) سلسلة فتاوى جدة (موقع طريق الإسلام) النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام.

عدد المواد: (6) مواد. تنبيه: بعض مواد هذه المجموعة مشترك مع المجموعة السابقة. (6) سلسلة أسئلة وفتاوى الإمارات النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام. عدد المواد: (12) مادة. (7) سلسلة فتاوى رابغ النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام. عدد المواد: (7) مواد. (8) سلسلة لقاءات المدينة النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام. عدد المواد: (9) مواد.

(9) سلسلة مفهوم السلفية النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام. عدد المواد: (6) مواد. (10) سلسلة ترجمة الإمام الألباني النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام. عدد المواد: (7) مواد. (11) سلسلة صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام. عدد المواد: (5) مواد.

(12) سلسلة أخلاق المسلم النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام. عدد المواد: (8) مواد. (13) الأجوبة الألبانية على الأسئلة الأُسترالية النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام. عدد المواد: مادة واحدة. (14) الأجوبة الألبانية على الأسئلة القصيمية النسخة المعتمدة: نسخة موقع طريق الإسلام. عدد المواد: مادة واحدة.

(15) متفرقات النسخة المعتمدة: نسخة موقع أهل الحديث والأثر. عدد المواد: (308) مادة. تنبيه هام: بقيت سلاسل سماعية متفرقة للشيخ الألباني على موقع طريق الإسلام أُفْرِدَت جميعها من سلسلة الهدى والنور، مثل سؤالات شيخنا الفاضل أبي إسحاق الحويني للعلامة الألباني، وسؤالات شيخنا الفاضل أبي الحسن السليماني للعلامة الألباني وغيرها، فاكتفيت بالعزو للأصل "الهدى والنور" في ذلك. تنبيه آخر: جزءٌ كبير من مواد المجموعة الأخيرة التي تقع في (308) مادة مشترك مع ما تقدم من سلاسل، وهي الآن تحت الفرز عندي لتحديد المشترك منها والزائد، وهذه المجموعة لم تُضَم إلى موقع أهل الحديث والأثر إلا بعد الانتهاء من "جامع العقيدة"، ودفعه للطبع، لذا فسيبدأ إدراج فوائدها من "جامع المنهج"، وسأجعل ما فيها من مسائل عقدية كذيل لـ «جامع العقيدة» بإذن الله.

نبذة عن فن جمع النظائر

نبذة عن فنِّ جمع النظائر

نُبذة عن فن جمع النظائر لا يشكُّ المتأملُ في الصرح العلمي الشامخ الذي بناه أئمة العلم على مرِّ العصور والأزمان؛ في أن «فَنَّ جمع النظائر» هو قوام التصنيف، وإليه مَرَدُّ التأليف، ولوح راح المتأملُ يجول بنظره في المصنفات التي خَلَّفها لنا سلفُنا، وبقيت شاهدةً على حالةٍ علميةٍ لا مثيل لها في تاريخ الإنسانية؛ لَتَبين له هذا بجلاء. و «فن جمع النظائر» فنٌّ لا تنتهي أنواعه، وما ذلك إلا للاعتبارات المختلفة التي تتجاذبُ هذا الفن، وعلى رأسِها آلية التوسيع والتضييق لموضوع الجمع والتي لا يمكن أن تُحَد بحد، أو أن تُقيد في محيطٍ ضيق. ولم أقف إلى الآن على من أثار هذا الموضوع المهم، لذا رأيت أن أتكلم باختصارٍ على بعض ... (الخطوط العريضة) التي تقرب الموضوع للقارئ الكريم، والتي تَصْلُحُ أن تكون مدخلاً للكلام على موضوع هذا " الجامع" «جامع تراث الألباني». وسأتلكم على هذا الفن من خلال الكلام على أهم الاعتبارات - المشار إليها سابقاً- التي تتجاذبه، وسأقتصر على الاعتبارات التي لها تعلُّق بعملي في هذا "الجامع". وأنبه على أن ثمَّة ترابطًا وتداخلاً بين هذه الاعتبارات، إلا أنني قُمت بتقسيمها تسهيلاً على القارئ.

أولا: جمع النظائر باعتبار الموضوع

أولاً: جمع النظائر باعتبار الموضوع إن أول ما يقوم به المصنف في "جمع النظائر" هو تحديد موضوع النظائر التي سيقوم بجمعها في عمله. وهذا أمر ظاهر بأدنى تأمل في مصنفات أي فن من الفنون، فإنه مما لا يخفى على أحد أنَّ مَنْ يُصَنِّفُ في الفقه - مثلاً- يعمَد إلى جمع مسائل تندرج تحت موضوع محدد وهو: المسائل المتعلقة بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية، وأنَّ من يصنف في أصول الفقه يعمد إلى جمع مسائل تندرج تحت موضوع: القواعد التي يتوصل بها إلى الفقه، وقِسْ على ذلك التصنيف في العقائد، وفي اللغة، وفي الحديث، وهكذا.

ثانيا: جمع النظائر باعتبار «توسيع الموضوع وتضييقه»

ثانياً: جمع النظائر باعتبار «توسيع الموضوع وتضييقه» لا يخفى أن " الاعتبار" المذكور في (أولاً) وهو "الموضوع" اعتبارٌ (مطاط) قابل للتوسيع إلى ما شاء الله، كما أنه قابل للتضييق على حَدٍّ سواء، كما أن التوسيع والتضييق أمرٌ نسبي؛ فالضيقُ ضيقٌ بالنسبة لما هو أوسع منه، كما أن الواسع واسع بالنسبة لما هو أضيق منه! وبالمثال يتبين المقال: فقد ذكرنا في "أولاً" أن من يصنف في الفقه يَعْمَدُ إلى جمع مسائل تندرج تحت موضوع واحد هو: المسائل المتعلقة بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية، وهذا التعريف ينطبق على كتاب «الإنصاف في معرفة الراجح من مذاهب الخلاف» لعلاء الدين على بن سليمان المرداوي المتوفى سنة (885هـ) مصحح مذهب الحنابلة ومنقحُه. وهذا الكتاب من أوسع ما صُنِّفَ في المذهب الحنبلي لكونه استوعب ما أمكن من الروايات في المذهب، مع مصادرها، كما ضَمَّنهَ مُصنفُه ما سَبَقَ من أمهات كتب المذهب متناً وشرحاً وحاشيةً، بالإضافة إلى اختيارات الشيوخ المعتمدين في المذهب، كما حرر المذهب روايةً وتخريجاً وتصحيحاً، إلى آخر ما التزامه في مقدمته له (¬1) مما يقضي للكتاب بأنه من أوسع ما صُنِّفَ في جمع ¬

(¬1) (1/ 15 - 27، ط. إحياء التراث).

النظائر الفقهية على مذهب الحنابلة على الإطلاق. وبالمقارنة بين هذا الكتاب وبين نوعية أخرى من الكتب المصنفة في مذهبِ الحنابلة يتبين لنا بجلاء ما قدمناه من الكلام على الاتساع والضيق، بيان ذلك: أن الحنابلة بعد أن فَرَّعُوا الفقه إلى المسائل الفرعية وألفوا في ذلك كتباً - جمع أكثرها المرداوي في «الإنصاف» كما تقدم - قاموا بإفراد بعض النظائر عن هذه الكتب: 1 - فأفردوا لما فيه خلاف لأحد الأئمة فنًّا وسموه فن الخلاف، ويطلقون عليه أحياناً " المفردات". 2 - وضموا المتناسبات فألحقوها بأصولٍ استنبطوها من فن أصول الفقه، وسموا فَنَّها بـ " القواعد". 3 - وجعلوا للمسائل المشتبهة صورةً، المختلفة حكماً ودليلاً وعلةً، فناًّ، سموه بالفروق. 4 - وعمدوا إلى الإحكام التي تتغير بتغير الأزمان، مما ينطبق على قاعدة المصالح المرسلة فأسسوها وسموها بالأحكام السلطانية. 5 - ثم عمدوا إلى جمع الأحاديث التي يصح الاستدلال بها فجمعوها ورتبوها على أبواب كتب فقههم وسمُّوا ذلك فن الأحكام (¬1). كما صنفوا في مسائل الألغاز في المذهب، وفي لغة فقهاء، والاختيارات الفقهية، وغير ذلك. كما صنف الحنابلة كتباً مفردة في كلٍّ من الصلاة، والزكاة، والصيام، ¬

(¬1) انظر " المدخل: لابن بدران (ص 230 - 231).

والمناسك، والنكاح، والأضاحي، والجهاد، والحسبة، والأحكام السلطانية، والبيوع، الطلاق، والفرائض، والرضاع، والجنايات، والحدود، وسائر كتب الفقه (¬1). وكلُّ ما قدمناه من مصنفاتٍ في الفقه الحنبلي تندرج كذلك تحت موضوع واحد وهو جمع النظائر الفقهية على مذهب الحنابلة، إلا أنها افترقت باعتبار اتساع آلية الجمع لِتشملَ كلَّ شاردةٍ وواردةٍ في المذهب وعلى جميع أبواب الفقه كما فعل المرداوي في "الإنصاف"، وباعتبار تضييق آلية الجمع لتقتصر على جمع النظائر في "باب واحد من أبواب الفقه" أو الاقتصار على جمع مسائل وأحكام معينة كالاقتصار على جمع المسائل المشتبهة صورةً المختلفة حكماً، أو الأحكام التي تتغير بتغيُّر الأزمان كما تقدم. ثم إن كتاب " الإنصاف" هذا الذي قدمنا أنه من أوسع ما صنف داخل المذهب لو قارنَّا بينه وبين كتاب "المغني" لا بن قدامه مثلاً، لوجدنا أن آلية "جمع النظائر" عند ابن قدامة قد تخطت حواجز المذهب ليجمع أقوال المذاهب المعتبرة الأخرى في كل مسألة مع سوق أدلتها وغير ذلك مما يحكم لكتاب المغني بأنه أوسع -من هذه الحيثية- من كتاب "الإنصاف"، فيكون كتاب الإنصاف أوسع بالنسبة لكتب الفروع والقواعد والمفردات في المذهب، وفي الوقت ذاته أضيق بالنسبة لكتاب المغني لابن قدامة. ولعلَّهُ إلى هنا قد ظهر للقارئ الكريم بجلاء ما قدمناه من أن فن "جمع النظائر" فنُّ لا تنتهي ¬

(¬1) انظر " المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" (ص2/ 826 - 892).

أنواعه ولا يُحَدُّ بحد، لارتباطه بآلية التوسيع والتضييق النسبية التي لا تنتهي. وَحُذ -كتمرينٍ ذهني- مسألة: جمع المسائل التي اختلف فيها إمام من أئمة المذاهب مع غيره من أئمة الفقه ثم ضم النظير إلى نظيره لتخرجَ بكتابٍ من كتب "فن الخلاف". ثم ضَيِّق آلية جمع النظائر لتكتفي بجمع المسائل التي اختلف فيها إمام المذهب مع إمامٍ واحد، كما فعل أبو يوسف القاضي في كتابه" اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى". ثم وسع آلية جمع النظائر من جديد بجمع المسائل التي خالف فيها إمامُ المذهب فقهاء َمصر من الأمصار، كما فعل محمد بن الحسن في "الحجة على أهل المدينة". أَوْ قُم بجمع المسائل الفقهية المتعلقة بكتاب الطهارة على مذهب الحنابلة مثلاً. ثم وسع آلية الجمع بإضافة أقوال الشافعية. ثم ضيق آلية الجمع لتكتفي بجمع المسائل الفقهية الخاصة بالغُسْلِ فقط. ثم وسع آلية الجمع من جديد بإضافة كتاب الوضوء إلى كتاب الغسل. وهكذا توسيع ثم تضييق ثم توسيع ثم تضييق إلى ما لا نهاية، في أي نوع من أنواع المصنفات وفي أي فنٍّ مِن الفنون.

ثالثا: جمع النظائر باعتبار «حال المتلقي»

ثالثاً: جمع النظائر باعتبار «حال المتلقي» يلجأ المصنفُ في جمع النظائر إلى توسيع دائرة الجمع أحياناً وتضييقها أحياناً أخرى مراعاةً لحال المتلقي، ومن أظهر الأمثلة على ذلك ما قام به ابن قدامة المقدسي في كتبه الأربعة "العمدة" و"المقنع" و"الكافي" و"المغني"، حيثُ ألف "العمدة" للمبتدئين فعمد مراعاةً لحال المبتدئ إلى تضييق دائرة جمع النظائر- وهي هنا المسائل الفقهية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل- فاقتصر فيه على روايةٍ واحدةٍ فقط ليتصور المبتدئ مسائل المذهب. ثم وسع الدائرة في "المقنع" الذي صنفه لمن ارتفع عن درجة هؤلاء، فعدد فيه الرواية وجرده من الدليل، ليتمرن الفقيه على الاجتهاد في المذهب وعلى البحث عن الدليل. ثم وسع الدائرة أكثر في "الكافي" الذي صنفه للمتوسطين، فقرنه بالدليل. ثم أخيراً وسع الدائرة جداً في "المغني" فذكر فيه الدليل والخلاف العالي، والخلاف في المذهب، وعلل الأحكام، ومآخذ الخلاف، وثمرته، ليفتح للمتفقه باب الاجتهاد في الفقهيات (¬1). ¬

(¬1) انظر " المدخل" لابن بدران (ص220 - 223) و "المدخل" لبكر أبو زيد (2/ 719).

رابعا: التوسيع والتضييق لإثراء المادة

رابعًا: التوسيع والتضييق لإثراء المادة يَعْمَدُ المصنف في جمع النظائر إلى آلية التوسيع أو آلية التضييق في الجمع؛ لإثراء موضوع التصنيف. أما اللجوء إلى آلية التوسيع فظاهرٌ في كتابٍ كالإنصاف للمرداوي الذي تقدم الكلام عليه، وأمثلته كثيرة. إلا أن المصنفَ قد يعمد أحياناً إلى تضييق دائرة جمع النظائر ليكون عمله أكثر تحديداً فيتيسر له التفرغ لخدمته وإثرائه والإضافة إليه، وهذا ما يمكن أن نسميه: التضييق في الموضوع مع التوسع في المضمون. والمصنفات التي تُفرد من موضوعٍ عام غالباً ما تتميز بمثل هذه الميزة. خذ مثلاً كتاب «الفصل للوصل المدرج في النقل» للخطيب البغدادي، والمدرجُ نوعٌ من أنواع علم الحديث الكثيرة التي أوصلها السيوطي رحمه الله في "تدريب الراوي " إلى أكثر من تسعين نوعاً، إلا أن الخطيب لما أفرد هذا النوع بالبحث وجمع النظائر الخاصة به أثري الموضوع بشكل كبير مما صَيّرَ كتابه أصلاً في نوع المدرج لكل من صنف في أنواع علم الحديث من بعده، فكان كتاب الخطيب أضيق من حيث الموضوع؛ لأنه خصه بنوع واحد، وأوسع من ناحية المضمون، أما الكتب الجامعة في علوم الحديث فكانت أوسع من حيث الموضوع؛ لأنها ذكرت مع المدرج أنواعاً أخرى كثيرة، إلا أنها كانت أضيق من حيث مضمونِ نوعِ المدرج بل عالة على كتاب الخطيب.

خامسا: جمع النظائر باعتبار الاستقصاء والانتقاء

خامساً: جمع النظائر باعتبار الاستقصاء والانتقاء تختلف آلية جمع النظائر كذلك من حيث الاستقصاء والانتقاء: وهو الاقتصار على بعض أفراد الموضوع العام. فالإمام أبن أبي حاتم الرازي - مثلاً- في كتاب "الجرح والتعديل"أراد أن يجمع فيه النظائر- وهي هنا مَنْ رُوِيَ عنه العلم - على سبيل الاستقصاء فقال: على أنا قد ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل كتبناها ليشمل الكتاب على كُلِّ مَنْ روي عنه العلم .. (¬1). في حين أن ابن حبان مثلاً انتقى الثقات دون غيرهم ممن روي عنه العلم ليودعهم كتابه "الثقات". ولتنبيه المصنف في "جمع النظائر" على شرطه من حيث الاستقصاء والانتقاء أثر كبير في الحكم على مدى وفائه بشرطه من عدمه. ¬

(¬1) " الجرح والتعديل" (2/ 38).

سادسا: جمع النظائر باعتبار الترتيب

سادساً: جمع النظائر باعتبار الترتيب يحتاج أي مصنف في جمع النظائر أن يرتب النظائر المنثورة بين يديه ويسوقها مساقاً يُسَهِّلُ الانتفاع بها. وتختلف طرق الترتيب باختلاف المصنفات والفنون، فالمسائل الفقهية غالباً ما ترتب على الأبواب الفقهية المعروفة، وكتب الرجال غالباً ما ترتب على الأسماء أو الطبقات، وهكذا فإن لكل فنٍّ ترتيباً أغلبيًّا يسير عليه المصنفون فيه. إلا أن غاية الترتيب في النهاية واحدة؛ وهي تسهيل الوصول إلى الفائدة المطلوبة، مع توسيع الانتفاع بمادة الكتاب.

جمع النظائر عن إمام من الأئمة

جمع النظائر عن إمام من الأئمة

جمع النظائر عن إمام من الأئمة إنَّ هذا العمل الذي وفقني الله تعالى للقيام به يندرج تحت نوعٍ من أنواع «فنِّ جمع النظائر» وهو جمع النظائر عن إمام من أئمة الإسلام. والحق أن المتأمل في سير أئمة المسلمين على مَرِّ الزمان يلاحظ بجلاء اهتمام تلاميذ الإمام أو من جاء بعدهم -ولو بعصور- بجمع كلِّ أو -بعض- ما رُوي عن الإمام من مسائل ثم جمعها مع ضم النظير إلى نظيره والشبيه على شبيهه، ويعود ذلك في الغالب إلى كثرة المسائل التي تُروَى عن الإمام بحيث يُخشى عليها الضياع، أو قلة الانتفاع بها لتفرقها، فيقيد الله لها من يجمعها من كلام الإمام أو ممن أخذ عنه بعد موته. ومن هذا الباب ما قام به الإمام الرحَّالة صاحب التصانيف، تلميذ تلامذة الإمام أحمد ابن حنبل أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلَّال المتوفى سنة (311هـ)، حيث صرف عنايته وأنفق عمره بجمع روايات مشايخه تلامذة الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام أحمد بأخْبَرَنَا وحدَّثنا، ولم يكن قبله للإمام مذهبٌ مستقلٌّ حتى تتبع نصوص أحمد ودَوَّنها وبرهنها بعد الثلاثمائة، وحَصَلت له رواية قدر كبير من كتبهم في "مسائل الرواية عنه"، فطاف ورحل إلى: الشام، وطرسوس، وحلب، والجزيرة، وفارس، وكرمان، والمصيصة، وأنطاكية، ومصر. وأسند عَمَّن لقيهم، وجمع ما رواه عنهم من علوم الإمام أحمد في: أصول الدين، وأصول الفقه، والحديث، والرجال، والتاريخ، والأخلاق، والآداب، وألَّف فيها كتباً منها في مسائل الفقه كتابه «الجامع الكبير» في نحو عشرين سفراً.

- ومن هذا الباب أيضاً ما فعله سحنون في «مُدوّنته» التي عمد فيها إلى جمع أقوال الإمام مالك بن أنس، وآرائه، إلى جانب أراء أصحابه، وتخريج ابن قاسم على أصول مالك، وغير ذلك. - ومنه ما قام به محمد بن الحسن الشيباني في «المبسوط» من جمع طوائف من المسائل التي أفتى بها الإمام أبو حنيفة -رحمه الله-. - ومنه ما فعله البرقاني مِنْ جمع الأحاديث التي تكلم الإمام الدارقطني عن عللها من رقاع أبي منصور الكرخي حيث كان يدفع رقاعَه للدارقطني ليعلم له على الأحاديث المعللة، فجمعها البرقاني وسأل الدارقطني عنها فأملى عليه كلاماً من حفظه، ثم رتبها البرقاني على المسند فكان "علل الدارقطني". - ومنه ما فعله أبو العباس الأصم من جمع الأحاديث المسندة للشافعي من "الأم" فكان «مسند الشافعي». وهذا كثيرٌ في سير أئمة الإسلامُ لو رُحنا نجمعه لخرجنا بمصنف مستقل. وممن لحظ أهمية هذا الفن - جمع النظائر عن الإمام - وماله من أهميةٍ في حفظ تراث الأئمة وتسهيل الانتفاع به؛ الشيخ الحاذق الناقد الصادق أحمد بن محمد بن مري الحنبلي تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذ أرسل رسالةً بليغة (¬1) إلى تلاميذ شيخ الإسلام بعد وفاته، يعزيهم بموته ويوصيهم فيها بالاعتناء بجمع تصانيفه وتواليفه، وضم النظائر في مكانٍ واحد، ونشر علم الإمام بين الناس. ¬

(¬1) انظرها في "الجامع لسيرة شيخ الإسلام خلال سبعة قرون" (ص151 - 158).

وأنا أسواق هنا جزءًا كبيراً من هذه الرسالة لشدة تعلقها بعملي هذا، ولما حوته من حسنِ تعبير، وجودة تصوير لا مزيد عليهما في الكلام على ما نحن فيه. يقول ابن مري الحنبلي بعد أن عَزَّى تلامذة الشيخ بموته: «ومن أراد عظيم الأجر التام، ونصيحة الأنام، ونشر علم هذا الإمام، الذي اختطفه من بيننا محتوم الحِمام، ويخشى دروس كثير من علومه المتفرقة الفائقة، مع تكرر مرور الليالي والأيام، فالطريق في حقه: هو الاجتهاد العظيم على كتابة مؤلفاته الصغار والكبار على جليتها، من غير تصرف فيها ولا اختصار، ولو وُجد فيها كثير من التكرار، ومقابلتها وتكثير النسخ بها وإشاعتها، وجمع النظائر والأشباه في مكان واحد ... ومن الله نسأل المعونة على جمع شمل هذه المصالح الجليلة بعد شتاتها، ونعوذ به من عوارض القواطع وآفاتها، لأن الفَوت صعب، وغائلة التفريط رديئة، وانتهاز الفرص من أهم الأمور وأجمعها لمصالح الدنيا والآخرة، وما يغفلها إلا العالمون، وسيندم المفرِّطون في استدراك بقايا هذه الأمور الكاملة والمقصرون، كما ندم المتخيلون بطول حياة الشيخ والمغترون ... فإن يسر الله تعالى وأعان على هذه الأمور العظيمة صارت إن شاء الله تعالى مؤلفات شيخنا ذخيرة صالحة للإسلام وأهله، وخزانة عظيمة لمن يؤلف منها وينقُل، وينصر الطريقة السلفية على قواعدها، ويستخرج ويختصر إلى آخر الدهر إن شاء الله تعالى ... وكما انتفع الشيخ بكلام الأئمة قبله فكذلك ينتفع بكلامه من بعده إن شاء الله تعالى. فاتبعوا أمر الله، واقصدوا رضى الله بجمع كل ما تقدرون عليه من أنواع

المؤلفات الكبار، وأشتات المسائل الصغار، ومن نسخ الفتاوى المتفرقة، وسائر كلامه الذي قد ملئ، ولله الحمد، من الفوائد والفرائد والشوارد، فأيقظوا الهمم، وابذلوا الأموال الكثيرة في تحصيل هذا المطلب العظيم الذي لا نصير له، فهذا هو الذي يلزمنا من حيث الأسباب، والتمام على رب الأرباب ومسبب الأسباب وفاتح الأبواب، الذي يقيم دينه، وينصر كتابه وسنة نبيه على الدوام، ويثيب من يؤهله لذلك من أنواع الخاص والعام، وكلٌّ مجزيٌّ في القيامة بعمله، وما ربك بظلامٍ للعبيد. وقد عُلِمَ أن الإمام أحمد بن حنبل كان ينهى في حالة حياته عن كتابة كلامه ليجمع القلوب على المادة الأصلية العُظمى، ولما توفي استدرك أصحابه ذلك الأمر الكبير، فنقلوا علمه وبينوا مقاصده، وشهروا فوائده، فانتصرت طريقته، واقتفيت آثاره لأجل ذلك، والوجود هو على هذه الصفة قديماً وحديثاً. فلا تيأسوا من قبول القلوب القريبة والبعيدة لكلام شيخنا، فإنه ولله الحمد مقبول طوعاً وكرهاً، وأين غايات قبول القلوب السليمة لكلماته، وتتبع الهمم النافذة لمباحثه وترجيحاته، والله إن شاء الله ليقيم الله سبحانه لنصر هذا الكلام ونشره وتدوينه وتفهمه، واستخراج مقاصده واستحسان عجائبه وغرائبه، رجالاً هم إلى الآن في أصلاب آبائهم. وهذه هي سنة الله الجارية في عباده وبلاده، والذي وقع من هذه الأمور في الكون لا يحصى عدده غير الله تعالى. ومن المعلوم أن البخاري مع جلالة قدره أخرج طريداً، ثم مات بعد ذلك غريباً، وعوضه الله سبحانه عن ذلك بما لا خطر في باله ولا سنح في خياله، من عكوف الهمم على كتابه، وشدة احتفالها بها، وترجيحها له على جميع كتب

السنن، وذلك لكمال صحته، وعظمة قدره، وحسن ترتيبه وجمعه، وجميل نية مؤلفه، وغير ذلك من الأسباب. ونحن نرجو أن يكون لمؤلفات شيخنا أبي العباس من هذه الوراثة الصالحة نصيب كثير إن شاء الله تعالى، لأنه كان بَنَى جملة أمروه على الكتاب والسنة، ونصوص أئمة سلف الأمة، وكان يقصد تحرير الصحة بكل جهده ويدفع الباطل بكل ما يقدر عليه، لا يهاب مخالفة أحد من الناس في نصر هذه الطريقة، وتبيين هذه الحقيقة. وقد عُلِمَ أن لكتبه من الخصوصية والنفع والصحة، والبسط والتحقيق، والإتقان والكمال، وتسهيل العبارات، وجمع أشتات المتفرقات، والنطق في مضايق الأبواب، بحقائق فصل الخطاب، ما ليس لأكثر المصنِّفين، في أبواب مسائل أصول الدين وغيرها من مسائل المحققين. وكان رحمه الله ورضي عنه يذب عن الشريعة ويحمي حوزة الدين بكل ما يقدر عليه، وكان كما عُلِمَ من حاله لا يخاف في هذا الباب لومة لائم، ولا ينثني عما يتحقق عنده، ولم يزل على ذلك إلى أن قضى نحبه، ولقي ربه، فقدس الله روحه، ونور ضريحه، ونصر مقاصده، وأيد قواعده، والله سبحانه يعلم حسن قصده، وصحة علومه، ورجحان دليله، وهو ناصر الحق وأهله، ولو بعد حين ... » إلى آخر كلامه رحمه الله. أقول: لله در ابن مري الحنبلي، وما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه شيخ إسلام عصرنا، بشيخ إسلام كل العصور!!

الأسباب الدافعة لجمع تراث الأئمة وضم نظائرها

الأسباب الدافعة لجمع تراث الأئمة وضم نظائرها إن المتأمل في العرض المختصر الذي قدمناه عن بعض صور الاهتمام بجمع تراث الأئمة ثم ضم النظائر وترتيبها؛ يظهر له بجلاء أن الدافع الرئيس لهذا الاهتمام هو: (خشية قلة الانتفاع بتراث الإمام). أما العوامل التي تؤدي إلى "قلة الانتفاع" فهي كثيرة تختلف باختلاف الإمام، والزمان والمكان. ففي حالة الإمام أحمد بن حنبل مثلا؛ نجد أن من أهم العوامل التي كان يُخشى من أن تتسبب في قلة الانتفاع بعلمه ما ذكره ابن المري الحنبلي من أنه «كان ينهي في حال حياته عن كتابة كلامه ليجمع القلوب على المادة الأصلية العظمى» وهو ما دفع أصحابه بعد وفاته إلى أن يستدركوا «ذلك الأمر الكبير، فنقلوا علمه وبينوا مقاصده، وشهروا فوائده» وفي حالة الإمام الدارقطني كان العامل الرئيس لخشية قلة الانتفاع بكلامه في "العلل" أن أبا منصور الكرخي أراد أن يُصنف مسنداً معللاً، فكان يدفع أصوله إلى الدارقطني، فيعلم له على الأحاديث المعللة، ثم يدفعها أبو منصور إلى الورَّاقين، فينقلون كل حديث منها في رقعة، وكان البرقاني إذا أراد تعليق الدارقطني على هذه الأحاديث نظر فيها الدارقطني وأملى عليه من حفظه، ثم مات أبو منصور الكرخي ولم يتمم مسنده فخشي البرقاني من ضياع هذا العلم فنقل كلام

الدارقطني ورتبه على المسند، وقرأه على الدارقطني وسمعه الناس بقراءته فكان كتاب "العلل" (¬1). وفي حالة الإمام الشافعي فقد خشي أبو العباس الأصم قلة الانتفاع بأحاديثه المسندة لتفرقها " كتاب الأم" فجمعها وأفردها في "مسند الشافعي" أما في حالة الشيخ الإسلام ابن تيمية فقد اجتمعت عدة عوامل ذكر أهمها ابن عبد الهادي في "العقود الدرية" (¬2) منها: - أنه كان يكتب الجواب على مسألة، فإن حضر من يُبَيِّضه، وإلا أخذ السائل خطَّه وذهب. - أنه كان يكتب قواعد كثيرة في فنون من العلم: في الأصول والفروع، والتفسير وغير ذلك، فإن وُجد من نقله من خطه وإلا لم يشتهر ولم يُعرف، وربما أخذه بعض أصحابه فلا يقدر على نقله ولا يَرُدُّهُ إليه فيذهب. أنه لما حُبس تفرَّق أتباعه وتفرقت كتبه، وخوَّفوا أصحابَه من أن يُظهروا كتبه، فذهب كل أحدٍ بما عنده وأخفاه، ولم يظهروا كتبه، فبقي هذا يهرب بما عنده، وهذا يبيعه أو يهبه، وهذا يخفيه ويودعه، حتى أن منهم من تُسرق كتبه أو تجحد فلا يستطيع أن يطلبها ولا يقدر على تخليصها. ¬

(¬1) تاريخ بغداد (12/ 37 - 38) و (6/ 59) وسير أعلام النبلاء " (16/ 455). (¬2) (ص64 - 66) بتصرف.

عوامل قلة الانتفاع بعلم الإمام الألباني

عوامل قلة الانتفاع بعلم الإمام الألباني أما في حالة العلامة الإمام محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - فقد ظهرت لي عدة عوامل أدت إلى ما نلمسه من "قله الانتفاع" - التي لم تُستدرك إلى الآن - بعلمه وأقواله وترجيحاته وأصوله التي سار عليها ومنهجه وتجربته وغير ذلك، وأهم هذه العوامل في نظري:- 1 - الصبغة العلمية المتخصصة لكتب الشيخ - رحمه الله -. فمن المعلوم أن غالب مادة كتب العلامة الألباني - رحمه الله - تدور حول آلية التصحيح والتضعيف والقبول والرد للحديث النبوي والآثار والأقوال من خلال التخريج وسوق الأسانيد ودراستها، والكلام على العلل، وقواعد الجرح والتعديل وألفاظه، ثم هو في ثنايا ذلك يذكر فائدةً فقهيةً أو يحقق مسألةً عقديةً، إلا أن هذه المادة الحديثية الدسمة التي لا يكاد يتحملها المتخصصون فضلاً عن عامة طلاب العلم فضلاً عمن دونهم؛ تجعل أمر الوصول إلى الفائدة الفقهية أو العقدية المرجوَّة شاقًّا على النفس، صعبَ المنال، فيعزف كثير من طلاب العلم عن ذلك. 2 - تفرق المسائل والفوائد في بطون كتب الشيخ - رحمه الله -. وهذا عاملٌ ظاهر، فإن الباحث الذي يبحث عن مسألة فقهية مثلاً ويريد أن يعرف رأي العلامة الألباني فيها عليه أن يمر على جميع مصنفات الشيخ حتى يخرج بالفائدة المطلوبة، وقد يجد وقد لا يجد، ولصعوبة هذا الأمر ومشقته تركه أغلب الباحثين.

3 - شهرة العلامة الألباني الحديثية. إنَّ ارتباط اسم العلامة الألباني بعلم الحديث، واشتهاره به، أوهمَ كثيراً من طلاب العلم والباحثين أن غاية الانتفاع بعلم الألباني تنتهي إلى:"صححهُ الألباني"،"ضعفه الألباني" وأن تراث الألباني مقصور في:"حديث ضعيف"، "حديث صحيح"، ولم يتنبهوا إلى أن كمًّا هائلاً من المسائل الفقهية والعقدية والمنهجية المحررة، المنقحة، المدققة؛ لا يزال قابعاً في ثنايا كتبه وتواليفه. 4 - وجود جزء كبير من علمه في الأشرطة. وإذا تصورت مدى المشقة والصعوبة التي يجدها الباحث في استخراج فائدة فقهية أو عقدية من كتب الإمام لتفرق الفوائد وتشتتها فيها، فما بالك بأكثر من ألف ساعةٍ صوتية سُجلت ونُشِرت للعلامة الألباني تستوجب من الباحث أن يمر عليها ليقتنص الفائدة المنشودة، مع رداءة التسجيل في كثيرٍ من الأحيان وغير ذلك من المعوِّقات.

آثار عوامل قلة الانتفاع بعلم الإمام الألباني -رحمه الله- ومظاهر ذلك، وطرق معالجتها

آثار عوامل قلة الانتفاع بعلم الإمام الألباني -رحمه الله- ومظاهر ذلك، وطرق معالجتها إن المتأمل في الآثار التي خلفتها عوامل "قلة الانتفاع" بعلم العلامة الألباني - السابقة الذكر - يلاحظ أن الأثر الرئيس الذي تندرج تحته باقي الآثار هو "عدم جمع تراث العلامة الألباني في كل مسألةٍ مسألة على سبيل الحصر ثم ضم النظير إلى نظيره ... "، ولا تمكن معالجة باقي الآثار إلا بمعالجة هذا الأثر وهذا الأثر في الحقيقة هو نتيجةٌ وإفرازٌ أفرزته العوامل التي عددنا أهمها في المطلب السابق كما بيناه؛ فإن الصبغة العلمية لكتب الشيخ، وتفرق كلامه في المسألة الواحدة في عشرات المواضع من كتبه، ووجود جزء كبير من علمه في الأشرطة وغير ذلك من العوامل المتقدمة أدت إلى عزوف كثير من الباحثين عن جمع كلام الإمام في مسألة واحدة، فضلاً عن جمع كلامه في كل ما تكلَّمَ عليه من مسائل! ثم عَدِّد تحت هذا الأثر الرئيس ما شئت من الآثار (السلبية) المترتبة عليه، وأنا أشبه ذلك بما يعيشه العالم اليوم من "ثورة معلوماتية هائلة في جميع المجالات"، والعمود الفقري لهذه "الثورة" - كما هو ظاهر من اسمهما - هو المعلومات، ومعنى ذلك أن التعامل الصحيح مع أي مشكلة من المشكلات أو أزمة من الأزمات أو قضية من القضايا يُحَتم على المهتمين بهذا الشأن أن يجمعوا (أكبر) و (أدق) عدد ممكن من المعلومات حوله؛ ليكوِّنوا القاعدة الثابتة التي يستطيعون من خلالها الانطلاق للتعامل معه على أكمل وجه ممكن، وبناءً على ذلك فإنَّ أي خلل في جمع المعلومات -كالنقص أو عدم الدقة- كفيلٌ بأن يفرز

1 - صعوبة تحرير قول العلامة الألباني في مسألة من المسائل

عدداً غير قليل من الآثار السلبية، فإنَّ مشكلةً كالفقر مثلاً في مجتمع من المجتمعات؛ إذا كانت المعلومات التي جمعت حوله ناقصة أو غير دقيقة فإن ذلك كفيل بأن يبطئ التحرك لحل هذه المشكلة لصغر حجمها (بناءً على المعلومات)، كما يؤدي إلى عدم بذل الجهد والمال والمطلوب (بناءً على المعلومات)، كما يؤدي إلى صرف الجهد في غير محله كَصَرف الجهد في بعض المناطق التي لا تعاني من الفقر أصلاً (بناءً على عدم دقة المعلومات) ثم عدد ما شئت من آثار مترتبة على ذلك التي تؤدي في النهاية إلى (العجز عن حل مشكلة الفقر)، ثم عدد الآثار المترتبة على الفقر نفسه، وهكذا ظلمات بعضها فوق بعض. والحق أن ما يسمى بالثورة المعلوماتية الآن له أصل أصيل في تعامل سلفنا وأئمتنا مع تراثنا لا يتنبه له الكثير، ليس هذا موضع بيانه. وأعود فأقول إن "عدم جمع تراث العلامة الألباني في كل مسألةٍ مسألة على سبيل الحصر ثم ضم النظير إلى نظيره ... "، وهو الأثر الرئيس لعوامل "قلة الانتفاع" بعلم الإمام الألباني - كما تقدم - أفرز عدداً كبيراً من الآثار السلبية، وهذا في الحقيقة هو ما دفعني للقيام بهذه الموسوعة التي أردت من خلالها - بعون الله - أن أقلل من حِدَّةِ هذه الآثار السلبية وما يترتب عليها. لذا سأتكلم هنا على أهم هذه الآثار السلبية مقرونةً بما أرجو أن أكون قد قدمته في عملي هذا معالجةً لهذه الآثار. 1 - صعوبة تحرير قول العلامة الألباني في مسألةٍ من المسائل. وهذه نتيجة طبيعية لما تقدم من عوامل: تفرق علم الألباني في الكتب، والصبغة العلمية المتخصصة لأكثر كتبه، ووجود جزء كبير من علمه في تراثه المسموع (الأشرطة)، مما يجعل جمع أقواله في المسألة المبحوثة ومن ثَمَّ

الخروج بصورةٍ واضحةٍ، متكاملةٍ، دقيقةٍ، عن رأيه في المسألة، أمراً في غاية الصعوبة بل أشبه بالمستحيل أحياناً. المعالجة:- أما معالجة ذلك في هذه الموسوعة فقد كانت كالتالي:- خصصت قسماً من الموسوعة سميته بـ «جامع تراث العلامة الألباني» كما تقدم، قمتُ فيه بجمع كل ما يستحق الجمع في نظري من كلامه وفوائده والمسائل التي بحثها وحرَّرَها وتكلم عنها مِن كل ما وقفت عليه من تراثه المكتوب والمسموع، ثم قمت بتقسيم ذلك كله على مواضيع عامة، ككلامه في العقيدة، وكلامه في الفقه، وكلامه في المنهج وهكذا، ثم قمت بترتيب ما جمعته تحت كل موضع على مواضيع فرعية، كتوحيد الإلوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، والنبوات واليوم الآخر ... داخل العقيدة، ثم قمت داخل كل موضوع فرعي بتبويب المسائل وترتيبها ترتيباً موضوعياً يسهل الوصول إليها، كترتيب مسائل اليوم الآخر على أبواب: الموت، ثم علامات الساعة الكبرى، ثم البعث، ثم الحشر، ... إلخ. وبهذا أكون - بإذن الله - قد ساهمتُ في معالجة الأثر المذكور بمعالجة الأثر الرئيس، فبعد أن كان تراث العلامة الألباني مفرقاً مشتتاً في كتبه، وفقني الله لجمعه وضم نظائره وترتيبها، وبعد أن كان علم الشيخ الذي في الأشرطة صعب المنال وفقني الله لتقريبه باستخراج ما له علاقة بعملي وضمه إلى الموسوعة. وبعد أن كان البعض يعاني من الصبغة المتخصصة لكتب الشيخ وفقني الله لتقسيم ما جمعته تقسيماً يراعي التخصصات، فللفقيه "جامع الفقه" وللمحدث "جامع الحديث وعلومه" وللعَقَدي " جامع العقيدة"، وهكذا.

2 - قلة الدراسات والبحوث التي كتبت حول الإمام وتراثه

وعليه؛ فما على الباحث الذي يريد تحرير قول الإمام في مسألةٍ ما إلا الرجوع إلى الموضوع المطلوب ليجد كل ما وقفتُ عليه من كلام الإمام في هذه المسألة أمام عينيه فيأخذ ما شاء لِمَا شاء. 2 - قلة الدراسات والبحوث التي كُتبت حول الإمام وتراثه. وهذه نتيجة طبيعية لعدم اجتماع تراث العلامة الألباني حول الموضوع المعين في موضِعٍ واحد، فإن العمود الفقري أو رأس مال الباحث الذي يكتب في منهج إمام من الأئمة هو كمية المعلومات التي اجتمعت عنده في موضوع بحثه، فالذي يكتب في منهج العلامة الألباني في العقيدة مثلاً عليه أن يجمع كل ما يقف عليه من كلام العلامة الألباني في العقيدة ليبني دراسته على صورةٍ مكتملةٍ -أو شبه مكتملة- من تراث الألباني العَقَدي، وأيُّ نقص أو خلل في ذلك كفيل بأن يخرج الدراسة ضعيفةً وغيرَ مقنعة للقارئ في آنٍ واحد، مما أدى بكثير من الباحثين إلى العزوف عن عقد الدراسات حول العلامة الألباني وتراثه، وهذا - في نظري- من أهم الأسباب التي أدت إلى قلة الدراسات التي كُتبت حول العلامة الألباني مع مرور أكثر من عشر سنوات على وفاته إلى الآن. 3 - ضَعْف المادة العلمية لبعض الدراسات التي كُتبت حول الألباني على قلتها. فمع أن أكثر الباحثين قد عزفوا عن الكتابة حول العلامة الألباني ومنهجه لما تقدم، إلا أن بعض الباحثين - جزاهم الله خيراً - قد تجشَّم هذا الأمر، إلا أن العَوَز الذي سببه عدم اجتماع تراث العلامة الألباني في المسائل المبحوثة كما تقدم أدى ببعض الباحثين إلى الخروج عن المنهجية الصحيحة لكتابةِ دراسةٍ قويمةٍ حول الموضوع المبحوث.

4 - حصر علم العلامة الألباني بالحديث

المعالجة: ذكرتُ أن معالجة الأثر الرئيس الذي تكلمت عليه قبل قليل وهو " عدم جمع تراث العلامة الألباني" هو في نفسه معالجة لكل ما يترتب على ذلك من آثار، ومنها قِلة وضعف الدراسات التي كتبت حول العلامة الألباني. فبجمع تراث الألباني في كل مسألةٍ مسألة على المنهج المتقدم في هذه الموسوعة، أرجو أن أكون قد قدمت للإخوة الباحثين صورةً متكاملةً حول الموضوع المبحوث، يستطيع الباحث من خلاله الانطلاق نحو دراسة قويمة تليق بالعلامة الألباني - رحمه الله - وتراثه. ومساهمةً مني في ذلك فقد قمتُ بتخصيص قسماً خاصًا من هذه الموسوعة لهذا الباب، وهو قسم «جامع الدراسات والبحوث» وقد تقدم الكلام عليه. وسأتكلم في مقدمة ذلك الجامع بإذن الله على المنهجية التي أرى أهمية تطبيقها في التعامل مع كلام العلامة الألباني وأقواله المجموعة كالتفريق بين كلامه في الكتب وكلامه في الأشرطة، والتفريق بين التقعيد والفتيا، والتفريق بين التنظير العام والتطبيق العيني، والتفريق بين التأصيل وما يرد في سياق المناظرة، وأهمية معرفة معاني الأشياء عنده، وغير ذلك. والإخلال بهذه المنهجية - في نظري - هو ما أوقع الكثير في فَهْمٍ مغلوط لما عليه العلامة الألباني في كثيرٍ من المسائل. 4 - حصر عِلم العلامة الألباني بالحديث. فقد قدمنا أن غاية الانتفاع بتراث العلامة الألباني عند كثير من الناس تنتهي إلى "صححه الألباني" "ضعفه الألباني"، فحصروا الألباني وعلمه بالحديث

لاشتهاره به. وقد أَصَّلَ بعضهم - عامداً أو جاهلاً - لهذا الأمر بقوله: "الألباني محدث وليس بفقيه، "أو قوله: " الألباني يؤخذ منه الحديث ولا تؤخذ منه العقيدة". المعالجة: لعل ما جمعته في هذا العمل من كلام العلامة الألباني في العقيدة والفقه والمنهج والتفسير وغير ذلك يكون كفيلاً - بإذن الله - بتغيير هذه النظرة الخاطئة - عند المنصف - الجائرة الظالمة - عند المتعمد -حول العلامة الألباني. وأنا على يقين أن كثيراً ممن سيقع في أيديهم هذا الجامع - "جامع العقيدة" - سيتعجب - كما تعجبتُ أنا - من هذا الكمِّ الكبير من المسائل العقدية التي تكلم عليها العلامة الألباني، ثم بالاطِّلاع على المضمون سيتعجب مما تميز به بحثه لمسائل العقيدة من تدقيقٍ، وتحقيقٍ، وتحريرٍ، وتأصيل، ومما سيلمسه من سعة اطّلاع على كتب العقيدة، وعلى أصول أهل البدع، ومن مدى تأثره بشيخ الإسلام ابن تيمية، وغير ذلك. ثم قِس ما ذكرناه في العقيدة على كلامه في الفقه، والمنهج، والتفسير، والكتب، والرجال، و .... و .. إلخ. ثم احكم - بعدل وإنصاف - على قول بعضهم: الألباني محدث وليس بفقيه، وقولهم: الألباني لا تؤخذ منه العقيدة!!

5 - فتح المجال للنيل من العلامة الألباني، والتلبيس على محبيه، لعدم توفر مادة الرد على مخالفيه

5 - فتح المجال للنَّيْل من العلامة الألباني، والتلبيس على محبيه، لعدم توفر مادة الرد على مخالفيه. فالملاحظ أن كثيراً من المخالفين للعلامة الألباني يستغل ذلك الأثر الرئيس - عدم اجتماع تراث الألباني في موضِع واحد - للنيل من العلامة الألباني لعلمه بصعوبة جمع كلامه في المسألة المثارة وبيان حقيقة قول العلامة الألباني فيها. كما يقوم بعضهم باجتزاء كلامٍ للعلامة الألباني من هنا، واقتطاع كلامٍ من هناك، للتدليل على ما يريده من خطأ الألباني في هذه المسالة وتلك. المعالجة: في ظني؛ أنه لو كان كلام الألباني في المسألة المثارة مجموعاً في موضع واحد لتردد هذا وأمثاله - ألف مرة - قبل الاستخفاف بعقول القراء والمستمعين. وهذا ما أرجو أن أكون قد قدمت شيئاً منه في "جامع تراث الألباني"، ثم في قسم "دعاوى المناوئين للعلامة الألباني والرد عليها". وأضربُ هنا مثالين لما ذكرت؛ فقد وقفت - قريباً - وأنا أجمع ردود واتهامات المخالفين للعلامة الألباني لمناقشتها في قسم "دعاوى المناوئين .... " المذكور آنفاً -؛ وقفت على شريطٍ لبعض المنتسبين للدعوة السلفية يتهم فيه العلامة الألباني بالطعن في الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وأخذ يقتطع بصوت العلامة الألباني كلاماً من هنا وهناك ليدلل على فريته المزعومة. ويغلب على ظني أن مثل هذا ما كان ليتجرأ على الاستخفاف بعقول المستمعين بمثل ذلك، لولا عدم اجتماع كلام العلامة الألباني في الإمام محمد بن

عبد الوهاب في موضع واحد ليتسنَّى - للمُنصف - الرجوع إليه ومعرفة الأمر على حقيقته، وهذا ما قد وفقني الله لجمعه في "الجامع في نقد الرجال" من هذا العمل، وبالرجوع إليه يقف القارئ على وصف الألباني لمحمد بن عبد الوهاب بالإمام، وبالمجدد، وبمن له الفضل في نشر دعوة التوحيد في البلاد السعودية، وفي العالم الإسلامي، و ... و .. و .. الخ. المثال الثاني: مما يبين أهمية جمع كلام العلامة الألباني في المسألة الواحدة في موضع واحد للرد على دعاوى المخالفين: الرد على دعوى انتقاص العلامة الألباني للشيخين - البخاري ومسلم - ولكتابيهما. فقد وفقني الله - وأنا أعمل في قسم "دعاوى المناوئين .. " - للرد على هذه الفرية من وجوه عدة ما كنت لأوفق إليها لولا ما جَمَعْتُه في قسم "جامع تراث الألباني". ومن وجوه الرد التي سلكتها هناك: 1 - ذكر ثناء العلامة الألباني على الشيخين البخاري ومسلم. وهذا مجموع عندي في "جامع كلام الألباني في نقد الرجال". 2 - ذكر ثناء العلامة الألباني على كتابيهما- صحيح البخاري وصحيح مسلم- وبيان أن الأمة تلقتهما بالقبول، وعدم الحاجة للكلام على أسانيدهما وغير ذلك. وهذا مجموع عندي في "جامع كلام الألباني في نقد الكتب".

3 - اهتمام العلامة الألباني بالتنبيه على ما كان صحيحاً على شرط الشيخين أو أحدهما. ولو كان العلامة الألباني لا يقيم وزناً للصحيحين فلماذا يعاني البحث والتفتيش حتى ينبه على كون الحديث على شرط الشيخين أو أحدهما - من عدمه- إلا لارتفاع وجَوْدة شرط الشيخين في كتابيهما؟! وهذا مجموع عندي في «جامع الأحاديث التي صححها الألباني على شرط الشيخين». 4 - اهتمام الألباني بتعقُّب من نَسَبَ حديثاً خطأً إلى أنه على شرط الشيخين أو أحدهما. وما كان الألباني ليعاني تعقب ذلك إلا ذبًّا عن شرطهما في كتابيهما وتنزيهاً لشرطهما من أي خبث ودخن. وهذا مجموع عندي في"جامع تعقبات الألباني على الذهبي في "تلخيصه" مع الحاكم في مستدركه"، إلى جانب تعقبات أخرى على غير الذهبي والحاكم مجموعة في "جامع التعقبات والردود". 5 - تعقب العلامة الألباني ورده على كل من تسول له نفسه تضعيف حديث في الصحيحين أو أحدهما، كالكوثري والغماريين. وهذا مجموع عندي في "جامع التعقبات والردود". 6 - تعقب العلامة الألباني لمن يعزو حديثاً لغير الصحيحين وهو فيهما أو في أحدهما، لأن العزو إليهما مشعر بالصحة.

وهذا مجموع عندي في "جامع التعقبات والردود". 7 - تعقب العلامة الألباني لمن يعزو حديثاً للصحيحين أو أحدهما وهو ليس فيهما لاسيما إذا كان ضعيفاً، تنزيها للصحيحين من أي دخن أو خبث يلصق بهما. وهذا مجموع عندي في "جامع التعقبات والردود". 8 - أن الأصل عند الشيخ أنه لا يُخرج حديثاً من أحاديث الصحيحين أو أحدهما في "سلسلته الصحيحة " إلا لنكتة. وقد تكلمت على ذلك ودللت عليه في "جامع مصنفات العلامة الألباني وبيان منهجه فيها". 9 - اعتناء العلامة الألباني عنايةً فائقة بصحيح البخاري من خلال اختصاره وتهذيبه بما لا مثيل له في كتابه "مختصر صحيح البخاري" حتى كتب على طرته: «حوى جميع أحاديثه المرفوعة، والآثار الموقوفة؛ الموصولة منها والمعلقة، مع حذف الأسانيد والمكررات من المتون، وجمع إليها الزوائد من الروايات المحذوفة، ووضعت كل زيادة منها في مكانها المناسب لها من الأحاديث بطريقة علمية لا مثيل لها فيما أعلم؛ جَمَعَت كل فوائد الصحيح فيما أعلم». فقل لي بربك لماذا يبذل العلامة الألباني كل ذلك الوقت والجهد والعناء في كتاب لا قيمة له بين الكتب؟! ولإمام لا قيمة له بين الأئمة؟! وقد تكلمت على الكتاب ومنهج العلامة الألباني فيه في "جامع مصنفات العلامة الألباني وبيان منهجه فيها".

10 - اعتناء العلامة الألباني عناية فائقة بصحيح مسلم من خلال اختصاره ... - وهو مفقود - وتحقيق مختصر المنذري له. وقد تكلمت عليه في المصدر السابق. فهذه أخي القارئ عشرة أوجه ترد تلك الفرية، جَادَ بها "جامع تراث العلامة الألباني"، تَدُلُّكَ - إن شاء الله - على ما لجمع كلام العلامة الألباني المتناثر ودراسته من فائدة في الذَبِّ عنه وعن تراثه.

المنهج الذي سلكته في إعداد جامع تراث العلامة الألباني، والصعوبات التي واجهتني

المنهج الذي سلكته في إعداد جامع تراث العلامة الألباني، والصعوبات التي واجهتني

المنهج الذي سلكته في إعداد جامع تراث العلامة الألباني، والصعوبات التي واجهتني أُجمل هنا الخطوات التي سلكتها، والصعوبات التي واجهتها، في إعداد «جامع تراث الألباني» إلى أن ظهر العمل الأوَّل فيه - «جامع العقيدة» - في هذه الصورة. 1 - قمتُ بجمعِ كل ما وقفتُ عليه من كتب العلامة الألباني -رحمه الله-، وكنتُ أهتم في ذلك بجمع الطبعات الجديدة لكتبه؛ لما عُرِف عنه -رحمه الله- من إدامة النظر في أعماله، والإضافة إليها، أو التراجع عن بعض ما سطره، إلى غير ذلك. وقد واجهتني -هنا- صعوبة الوصول إلى كتبه التي طُبعت قديماً، فبعض كتب الإمام قد طُبع منذ أكثر من خمسين سنة ولم تطبع مِنْ جديد فكان أمر الوصول إليها من الصعوبة بمكان. وقد تجاوزت هذه المشكلة-بفضل الله-بالتنقيب والبحث والفتش والتواصل مع إخواني هنا وهناك إلى أن اجتمعت عندي جُلّ كتب الشيخ-رحمه الله- والتي أثبتُّ أسماءها في مصادر الموسوعة. 2 - قمت باستقراء كل ما وقفت عليه من كتب الشيخ -رحمه الله-. 3 - كنت أقوم أثناء قراءة كتب الشيخ بالتنبيه على كلِّ ما له علاقة بموضوع الموسوعة من مسائل وفوائد عن طريق كتابة موضوع الفائدة العام ثم الخاص على هامش الصفحة عند بداية الفائدة؛ كأن أكتب) عقيدة- اليوم الآخر).

4 - كما كنت أستعين بِطُرَّة الكتاب المقروء، أو كُنَّاشَتى الخاصة بالعمل لتسجيل ملاحظات علمية تعينني بشكل كبير في أعمال الموسوعة. وتتمثل أهم الصعوبات التي واجهتني في هذه المرحلة من العمل في كثرة الفوائد العلمية في الموضع الواحد أو الصفحة الواحدة، فقد كانت الفوائد التي يمكن أن تستخرج من كتب الشيخ كالبحر المتلاطم لكثرتها، ودقتها، وتداخلها في كثير من الأحيان مما يُصيب الباحث بالتشتت الذهني، فقد تجتمع في الصفحة الواحدة فائدة فقهية وأخرى عقدية وثالثة حديثية إلى جانب موردٍ من موارد الإمام في كتبه، أو تعقب، أو نقد كتاب، أو كلام على بعض مؤلفاته، وغير ذلك مما كان جمعُه على شرطِ عملي. وقد كنت أتجاوز هذه الصعوبات غالباً بالتأني الشديد في قراءة كتب الشيخ، أو إعادة قراءتها مراراً. 5 - بعد الانتهاء من قراءة كتب الإمام، قمتُ بالمرور على جميع الفوائد المستخرجة من الكتب وفهرستِها في فهارس خاصة، فصنعتُ فهرساً للعقيدة، وآخر للفقه، وآخر للحديث وهكذا إلى أن انتهيت من فهرسة جميع الفوائد. 6 - بعد ذلك قُمت باستنساخ جميع الفوائد العقدية، وقسمتها على المواضِيع، فأفردت المسائل المتعلقة بالإيمان بالله في ملف مستقل، ومسائل الملائكة في ملف آخر، ومسائل النبوات في ملف ثالث، واليوم الآخر في ملف رابع وهكذا. 7 - ثم قمت بقراءة كل المسائل المجموعة عندي وتبويب كل مسألة ببابٍ مستقل

يقرب موضوع المسالة. 8 - ثم سلكت هذه الطريقة في «جامع المنهج» و «جامع الفقه»، وهكذا. 9 - في نفس الوقت الذي كنتُ أجمع فيه كتب العلامة الألباني جمعتُ كل ما وقفت عليه من أشرطته رحمه الله. 10 - قمت بالاستماع إلى جميع الأشرطة. 11 - قمت بفهرسة جميع أشرطة الشيخ على المواضيع، مع إثبات الدقيقة والثانية التي يبدأ عندها الموضوع، كأن أكتب: سلسلة فتاوى جدة، شريط (1): 1 - أقسام التوحيد. (00:12:45). 2 - إثبات صفة العلو. (00:28:50). وهكذا. 12 - بعد الانتهاء من فهرسة أشرطة الشيخ -رحمه الله-كل شريط على حِدة، مررتُ عليها كاملةً وقمت بفهرسة جميع المسائل على المواضيع فأفردت فهرساً للعقيدة وفهرساً للفقه وفهرسًا للمنهج وهكذا، أُسَجِّل في كل موضوع: المسألة، ورقم الشريط، وتوقيت بداية السؤال داخل الشريط، هكذا: العقيدة - اليوم الآخر."فتاوى جدة" (1/ 00:12:45) 13 - ثم قمت بدفع فهارس العقيدة إلى فريق العمل الذي أعددته خصيصاً لنسخ المواد المطلوبة للعمل ليقوموا بنسخ المواضع المطلوبة مع إفراد مسائل كل موضوع

في ملف مستَقِل، كما فعلت في الكتب. 14 - بعد ذلك قمت بمقابلة جميع المواد المستنسخة بالأصل المسموع مع تصحيحها وتنقيحها. 15 - كما قمت بتبويبها بنفس الطريقة المتبعة في المسائل المستخرجة من كتب الشيخ. 16 - وقد واجهتني مشاكل عدة في التعامل مع أشرطة الشيخ، أجملها في التالي: أ- عدم انضباط عدد الأشرطة المندرجة تحت سلسلة معينة، وعدم انضباط مادة كل شريط. وقد دَفعني هذا إلى مقابلة السلاسل العلمية التي لها نسخ متعددة ببعضها البعض، فقد قمتُ - على سبيل المثال- بعد أن انتهيت من سماع وفهرسة نسخة "سلسة الهدى والنور" التي على موقع" أهل الحديث والأثر" بمقابلة جميع أشرطتها على نسخة موقع" طريق الإسلام"، وقد تبين لي بعد المقابلة: - أن ثمة أشرطة زائدة في موقع طريق الإسلام ليست في موقع "أهل الحديث والأثر" منها: - الأشرطة التي تحمل أرقام: (30، 34، 35، 150، 223، 253، 353، 362، 366، 424، 427، 498، 547، 602، 615، 747، 756، 764، 766، 774، 779، 786، 823). - أن ثمة أشرطة في موقع "أهل الحديث والأثر" ليست في "طريق الإسلام".

- أن بعض الأشرطة تحمل رقماً واحداً في الموقعين، ومع ذلك فالمادة المسجلة مختلفة، مثل الأشرطة: (186، 189، 455، 456، 594، 643). - أن بعض الأشرطة تحمل رقماً واحداً في الموقعين وثمة اختلاف في حجم المادة المسجلة داخل الشريط، كأن تزيد المادة المسجلة في نسخة "طريق الإسلام" عما في موقع " أهل الحديث والأثر" كما في الأشرطة: (221، 519، 623). - أو العكس كما في الأشرطة (227، 724). وقد تجاوزتُ كل هذه الصعوبات بفضل الله، كما يأتي في «منهج العمل في جامع تراث الألباني في العقيدة» ب-أما المشكلة الثانية التي واجهتني في الأشرطة فهي رداءة التسجيل في كثير من الأحيان، وقد أدى التفاوت بين جودة التسجيل ورداءته إلى التفاوت في جودة ورداءة المواد المفرَّغة، فتراوحت ما بين ممتاز وجيد، إلى سيء ورديء، وبينما كنت أقابل المواد الجيدة التفريغ على الأصل المسموع مرة واحدة، كنت أقابل المواد السيئة التفريغ عِدَّة مرات لضبطها على الوجه الأكمل. أما المشكلة الثالثة: فانقطاع المواد الصوتية في مواضع كثيرة، وستأتي منهجية التعامل معها بعد قليل.

17 - ثم جاءت مرحلة الترتيب النهائي للعمل داخل كل موضوع، فقمتُ بكتابة عنوان كل باب من أبواب الموضوع في بطاقة خاصة، فاجتمعت عندي بطائق أبواب توحيد الألوهية على حدة، وبطائق أبواب توحيد الأسماء والصفات على حدة وهكذا، ومن خلال هذه البطائق قمت بتقسيم الأبواب وترتيبها ترتيباً موضوعياً يسهل الوصول إلى المسألة، لأنتقل بعد ذلك إلى ملفات العمل على الحاسب الآلي لأقوم بترتيب المسائل داخل كل ملف بناءً على ترتيب هذه البطائق. وقد قمتُ بهذا العمل على الحاسب الآلي بنفسي لدقته. 18 - ثم سلكتُ هذه الطريقة في "جامع الفقه" و"جامع المنهج" وأكثر الأعمال المندرجة تحت "جامع تراث العلامة الألباني".

منهج العمل في جامع تراث الألباني في العقيدة

منهج العمل في جامع تراث الألباني في العقيدة

منهج العمل في "جامع تراث الألباني في العقيدة" تكلمتُ في «نُبذة عن فن جمع النظائر» عن أهم الاعتبارات التي تتجاذب هذا الفن، وسأبدأ بالكلام على منهجي في «جامع تراث الألباني في العقيدة» من خلال تلك الاعتبارات، ثم سأنتقل إلى الكلام على باقي ملامح منهجي في هذا العمل. 1 - الموضوع: أما موضوع هذا الجامع فهو «العقيدة». 2 - التوسيع والتضييق: عملي في هذا الجامع واسعٌ بالنسبة لخدمة تراث العلامة الألباني العَقَدي، وهو أوسع ما كُتب حول تراث الألباني العقدي إلى الآن فيما أعلم، والفضل لله وحده. 3 - مراعاة حال المتلقي: حاولت في عملي هذا مراعاة أحوال المتلقين له من جميع المستويات العلمية وذلك عن طريق التبويب والترتيب الذي يسهل الوصول للفائدة المنشودة، إلى جانب الأعمال الأخرى التي تخدم تراث الألباني العقدي كمتن عقيدة الألباني، والدراسة التي عقدتها حول تراث العلامة الألباني العقدي وغير ذلك.

4 - التوسيع والتضييق لإثراء المادة: مع أن هذا العمل أوسع ما كُتب حول تراث الألباني العقدي فيما أعلم، إلا أنني عمدت إلى تقسيمه إلى مواضيع -وهو التضييق- تسهل عليّ الاعتكاف على كلِّ موضوع على حدة والاعتناء به وإثراءه. 5 - الاستقصاء والانتقاء: شرطي في هذا الجامع هو جمع كل ما لَهُ تعلُّق بالعقيدة من كلام العلامة الألباني -رحمه الله- على طريق الاستقصاء لا الانتقاء، فأيّ مسألة عقدية وقعت في تراث العلامة الألباني وليست في هذا الجامع فهي مما يستدرك عليّ. وأنبه هنا على بعض ما هو على شرطي في «جامع العقيدة»: أ) قد ينقل الإمام كلاماً لبعض الأئمة مقرراً إياه، فهذا على شرطي. ب) قد يُفهم رأي العلامة الألباني في مسألة عقدية من خلال بعض علامات الترقيم كعلامة التعجب (!) التي يوردها أحيانا للاستنكار، فهذا على شرطي. جـ) إذا ترجم الإمام لحديث بترجمة تتضمن فائدة، فهي على شرطي، ولو لم يُعَلِّق الألباني على الحديث. د) قد أُثْبِتُ بعض المجالس التي يكون فيها العلامة الألباني مستمعاً أكثر منه متكلماً للفائدة، ولما تعكسه مثل هذه المجالس من تواضع الشيخ وحرصه على الاستفادة ممن هو دونه، كما في مجلسه مع الأخ ذياب الغامدي حول ما شجر بين الصحابة.

هـ) قد أُثْبِتُ نقاشاً بين اثنين غير الشيخ لِنُكتة، كما تجده في النقاش الذي دار بين الشيخ محمد إبراهيم شقرة -حفظه الله وختم لنا وله بالحسنى- وفتى يُدعى سامي حول حكم ترك جنس العمل. و) ما أجاب عليه العلامة الألباني بلا أعلم، أو لا أستحضر، وما أشبه ذلك أثبته لما في ذلك من فوائد منها: بيان تواضع الشيخ وعدم استنكافه عن قوله: لا أعلم، وقد كان كثيراً ما يقول مازحًا: «لا أدري نصف العلم، فأنا إذا قلتُ: لا أدري، فأنا نصف عالم!» أن بعض ما أجاب عنه الشيخ بلا أعلم، أجدُ الشيخ قد تكلم فيه في موضع آخر فأتمم هذا بذاك. ومما ينبغي التنبيه عليه مما له علاقة بـ «الاستقصاء «من عدمه: أنني كنت أواجه أحياناً مسائل لها تعلق بجامع العقيدة، ولها تعلق في الوقت ذاته بجامع المنهج، أو الفقه، أو غير ذلك من الجوامع. وطريقتي في التعامل مع هذه المسائل؛ أنني إما أن أنتقي أهمها لأودعه في «جامع العقيدة»، وإما أن أُؤَجلها كاملةً إلى غيره من الجوامع. فمن المسائل التي انتقيت بعضها لجامع العقيدة، وأجلت استيعابَ جمعِها إلى موضع آخر: أ) المسائل المتعلقة بأهمية فهم السلف إلى جانب الكتاب والسنة، فقد انتقيت بعضها لأودعه في مصادر الاستدلال عند أهل السنة والجماعة،

وأجلت الاستيعاب إلى «جامع المنهج» عند الكلام على «السلفية». ب) المسائل المتعلقة بقضية «الحكم بغير ما أنزل الله» و «قضايا الولاء والبراء» انتقيت بعضها لجامع العقيدة وأجلت الاستيعاب إلى «موسوعة المنهج» عند الكلام على «غلاة التكفير». جـ) المسائل المتعلقة بحكم تارك الصلاة، انتقيت بعضها لجامع العقيدة، وأجلت الاستيعاب إلى «جامع الفقه» عند الكلام على «الصلاة «. - ومن المسائل التي أجلتُ الكلام عليها تماماً إلى جوامع أخرى: المواضع التي فيها ردود على الطوائف أو الفرق دون تعيين مسألة عقدية عندهم، كأن يتكلم الشيخ على ضلال الشيعة وخَطَرِهم دون تعيين عقيدة معينة عندهم للرد عليها، فمثل هذا أجلته إلى «جامع المنهج» عند الكلام على «الطوائف والفرق»، أما ما تضمن مسائل عقدية من ذلك فهو على شرطي في «جامع العقيدة»، وهو كثير والحمد لله. 6 - الترتيب: قمت بتقسيم «جامع تراث الألباني في العقيدة» إلى مواضيع عامة، ثم قمت بترتيب هذه المواضيع على حسب ورودها في حديث جبريل الشهير في أركان الإيمان، مع وضع المواضيع التي لم تذكر في حديث جبريل في الموضع الذي أراه مناسبًا لها. فجاء الترتيب كالتالي: 1 - مقدمات عقدية هامة.

2 - مصادر الاستدلال في العقيدة عند أهل السنة والجماعة. وبدأت بهذين الكتابين ليكونا مدخلاً جيداً للكلام على المسائل العقدية. ثم أوردت المواضيع المندرجة تحت «ركن الإيمان بالله» وجاءت كالتالي: 3 - التوحيد وما يضاده من الشرك. 4 - الإسلام والإيمان والكفر. 5 - أهل الأعذار في العقيدة. 6 - توحيد الأسماء والصفات. ثم: 7 - كتاب الإيمان بالملائكة. 8 - كتاب الإيمان بعالم الجن. فضلتُ إيراده بعد كتاب الإيمان بالملائكة لكون كُلٍّ من العالَمَيَن من عوالم الغيب التي يجب الإيمان بها. 9 - كتاب النبوات. 10 - كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة. فضلت إيراده بعد النبوات، لكون الصحابة خير جيل وطأ الحصى بعد الأنبياء والرسل. 11 - كتاب الإيمان باليوم الآخر.

12 - كتاب الإيمان بالقضاء والقدر. ثم قمت بترتيب المسائل والأبواب المندرجة تحت كل كتاب ترتيباً موضوعياً يسهل الوصول إلى الفائدة المنشودة. وتختلف آلية الترتيب في كل كتابٍ بحسبه، فقد راعيت - على سبيل المثال - في ترتيب أبواب «اليوم الآخر» الترتيبَ الزمني للأحداث: فبدأت بذكر القيامة الصغرى: الموت وكل ما يتعلق به من مسائل، ثم عذاب القبر ونعيمه وما يتصل بذلك، ثم علامات الساعة الصغرى، ثم العلامات الكبرى، ثم أبواب الصعق والبعث والنشور، ثم عرصات يوم القيامة، ثم الشفاعة، ثم ذكر الجنة ونعيمها، ثم ذكر النار أعاذنا الله منها. كما أرتب الأبواب المندرجة تحت كلِّ موضوعٍ فرعي ترتيباً يسهل الوصول للفائدة المطلوبة. وجماعُ ذلك أنني أهتم بضم النظائر داخل كل كتاب في موضع واحدٍ، ففي كتاب «توحيد الأسماء والصفات» مثلاً جمعت كل ما وقفت عليه من كلام العلامة الألباني مما يتعلق بقواعد أهل السنة في أبواب الأسماء والصفات في موضع واحد، وكل ما يتعلق بالرد على أصول أهل البدع في أبواب الأسماء والصفات في موضع واحد، وكل ما يتعلق بصفات الله تعالى الذاتية في موضع واحد، وكل ما يتعلق بصفاته تعالى الفعلية في موضع واحد وهكذا. وهناك أمور أخرى وضعتها بعين الاعتبار في منهجية الترتيب كأن أقدم كلام الألباني الذي في الكتب على كلامه في الأشرطة، أو أن أقدم ما يغلب على ظني أنه آخر أقوال الإمام في المسألة، وغير ذلك.

7 - التبويب: قمتُ بتبويب جميع مسائل «الجامع» بما يقرب موضوع المسألة للقارئ الكريم ويسهل الوصول للفائدة بأقصر طريق. وأعتني في كثيرٍ من الأحيان باقتباس التبويب من كلام العلامة الألباني في المسألة المبَوَّبة أو من كلام السائل-إن وُجِد-. وإذا تعددت المسائل تحت الباب الواحد، أبوب المسألة الأولى، ثم أبوب باقي المسائل بقولي: «باب منه»، ولم ألتزم ذلك. 7 - التكرار: كنت أواجه أحياناً بعض المسائل التي لها تعلق بعدة مواضيع عقدية، كأن تصلح لأن تكون في كتاب «النبوات» وتصلح في الوقت ذاته أن تكون في كتاب «القضاء والقدر»،وهكذا. فإذا كانت المسائل قليلة؛ أوردها في جميع المواضع التي تتعلق بها، أما إن كانت المسائل كثيرة فأكتفي بإيرادها في الموضع الألصق بها، وأشير في المواضع الأخرى إلى ذلك. مثاله: ما سيجده القارئ الكريم في «كتاب التوحيد والشرك» بعنوان «جماع أبواب الكلام على العلاج الشرعي للمس والصرع، والكلام حول حكم الاستعانة بالجن، والتنويم المغناطيسي، واستحضار الأرواح»، فمثل هذه الأبواب تصلح لأن توضع في كتاب «الإيمان بعالم الجن» لتعلقها بذلك، وتصلح في الوقت ذاته لأن توضع في كتاب «التوحيد والشرك»؛ لأنها تدخل في أبواب الاعتقاد من حيث

إنها من الاعتقاد في الأسباب التي لم يجعلها الشرع أسباباً .. ، إلا أنني رأيت أنها ألصق بكتاب «التوحيد والشرك» لعظيم خطرها، فاكتفيت بإيرادها هناك، مع الإشارة في كتاب «الإيمان بالجن» إلى ذلك. 9 - التوثيق: - أما توثيق المسائل المأخوذة من الكتب، فبالعزو إلى اسم الكتاب ورقم الصفحة، ورقم المجلد إذا كان الكتاب في مجلدات، ورقم القسم إذا كان المجلد في أقسام، وهذا معروف. - أما توثيق المسائل المأخوذة من الأشرطة، فبالعزو إلى اسم السلسلة، ورقم الشريط، والساعة والدقيقة والثانية-من اليسار إلى اليمين- التي تبدأ عندها المسألة في النسخ المعتمدة في العمل التي تكلمت عليها في «مصادر الجامع» هكذا: «سلسلة الهدى والنور» (1/ 01:15:45). فما على القارئ الكريم الذي يريد الرجوع إلى مصدر هذه المسألة إلا فتح الشريط الأول من «سلسلة الهدى والنور» النسخة المعتمدة-نسخة "موقع أهل الحديث الأثر"- ثم يحرك مؤشر الوقت إلى الساعة (01) عند الدقيقة (15) والثانية (45) ليستمع إلى المسألة بصوت العلامة الألباني. * وههنا تنبيهات: 1 - إنني أُعِد هذا العمل - توثيق المسائل المسموعة- من أهم وأجلّ الأعمال التي وفقني الله لتقديمها إلى القارئ الكريم في هذا «الجامع»، وما كنت لأسلك هذا المسلك الوعر أو أن أتحمل على عاتقي هذا الأمر الشاق؛ لولا ما

أراه من خطورة نشر كلام العلامة الألباني الذي في الأشرطة دون توثيق، وأنا أُشَبِّه ذلك بالإسناد في عصر الرواية، الذي قال عنه ابن المبارك: «الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء»، وإذا كان الإسناد في عصر الرواية هو سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن، فإن الإسناد بالنسبة لكلام الأئمة؛ هو: إسناد أقوالهم إلى مصادرها، وإنَّ ما كان يخشاه عبد الله بن المبارك وغيره من المحدثين في عصر الرواية إذا فُتحَ باب نسبة الأحاديث إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دون خطامٍ ولا أزمة من فتح باب التقول على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والوضع عليه، هو بعينه ما يُخشى من نشر كلام الأئمة دون عزوٍ وتوثيق. فلو أنَّا فتحنا هذا الباب لراح كل حاقدٍ وحاسدٍ وطاعن، ينسب للعلامة الألباني ما لم يقله ولم يخطر له في بال، فإذا طالبته بموضع الكلام المنسوب، بادرك بقوله: راجع الأشرطة!!. كما لا يخفى ما يلقيه هذا التوثيق في قلب الباحث المتجرد للحق عند النقل عن العلامة الألباني من طمأنينة وراحة بال. * الأمر الثاني مما أود التنبيه عليه: 2 - أنني قد اعتمدت في كل ما استفدته من أشرطة الشيخ إما على الأشرطة التي على "موقع أهل الحديث والأثر" أو "موقع طريق الإسلام" على ما هو مفصل في «المصادر». وقد تعمدتُ ذلك لشهرة هذين الموقعين، فهما من أشهر مواقع المواد الصوتية الإسلامية على الإنترنت، وأكثر المواد السماعية المثبتة عليهما منتشرة متداولة بين طلاب العلم.

وهذا كله لتيسير الوقوف على المسائل المعزوَّة في موضعها الأصلي. 3 - تكلمت في «منهج إعداد جامع التراث» على الفروق التي وقفت عليها بعد مقابلة جميع أشرطة نسخة "موقع أهل الحديث والأثر" من سلسلة الهدى والنور على نسخة "موقع طريق الإسلام"، لذا فإنني أنبه هنا على أن إطلاق العزو لسلسلة الهدى والنور يُراد به نسخة "موقع أهل الحديث والأثر"، أما إذا كانت المسألة في شريط من الأشرطة الزائدة في "موقع طريق الإسلام" أو أن رقم الشريط مشترك والمادة مختلفة، أو غير ذلك مما نبهت عليه في الموضع المشار إليه فإنني أقيد العزو بموقع طريق الإسلام هكذا: «الهدى والنور» (1/ 00:15:48طريق الإسلام). 10 - التعامل مع المادة: أما منهجية التعامل مع المادة المنقولة من كتب الشيخ، فكانت كالتالي: أ) اصطلحت على إطلاق لقب «الإمام» على الشيخ -رحمه الله-. ب) قبل أن أسوق المسألة أكتب بين معقوفتين: قال الإمام، هكذا: [قال الإمام]. جـ) إذا كان كلام الإمام تعليقاً على حديث، ولا يستقيم نقل الكلام إلا بنقل الحديث معه، أبدأ بنقل الحديث أولاً، فإذا كان صحيحاً عند العلامة الألباني أسوقه بصيغة الجزم «قال»، وأضع ذلك بين معقوفتين، هكذا: [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -].

أما إن كان ضعيفاً عند العلامة الألباني فأسوقه بصيغة التمريض «روي»، هكذا: [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: د) يقوم العلامة الألباني في بعض كتبه المخرجة تخريجاً مطولاً بتلخيص الحكم على الحديث أحيانًا، أما في تخريجاته المختصرة فالأصل عنده أن يذكر الحكم النهائي على الحديث، ففي هذه الحالة أسوق حكمه بعد سوق الحديث وأضعه بين قوسين، هكذا: [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الحديث ... » (صحيح). هـ) أما إن لم يوجد ذلك، فيُعرف حكم الشيخ على الحديث بما ذكرته من صيغة الجزم أو التمريض، خاصةً أنني لم ألتزم نقل حكم الشيخ، فليتنبه القارئ الكريم لذلك. و) حافظت قدر الطاقة على أدوات الترقيم الرئيسية التي أثبتها الشيخ في ثنايا كلامه كالمعقوفتين، والأقواس، وعلامة التعجب. ز) أضطرُّ في بعض المواضع إلى إضافة كلام من عندي بين ثنايا كلام الشيخ، فأجعل ذلك بين معقوفتين، وهذا قليل جدًّا ويعرف بالسياق. ح) وقعت بعض التحريفات والتصحيفات الظاهرة في كتب الشيخ-رحمه الله- فأثبتها كما وَقَعَت مع التنبيه في الحاشية على ذلك.

ط) يحيل الشيخ أحياناً القارئ إلى موضع آخر من الكتاب الذي اقتبست منه الفائدة للتوسع في المسألة فهذا أُبقيه كما هو، فأرجو أن يتنبه القارئ الكريم لذلك. ي) ثم أسوق «مصدر التوثيق» في ذيل كلِّ مسألة. * أما منهجية التعامل مع المادة المنقولة من أشرطة الشيخ فكانت كالتالي: أ) قبل أن أسوق كلام الإمام أكتب {قال الإمام} بين معقوفتين، كما فعلت في المنقول عن الكتب. ب) إذا كانت المادة تحتوي على سؤال وجواب، أُثْبِتُها هكذا: سؤال: .... جواب: .... جـ) إذا كانت المادة تحتوي على مداخلات للحاضرين في المجلس، أُثبتها هكذا: الشيخ: .... مداخلة: .... الشيخ: .... مداخلة: ... د) إذا تعدد المداخلون واقتضى المقام التنبيه على ذلك، أُثبتها هكذا: الشيخ: .... مداخلة: .... مداخِل آخر: ....

هـ- أتعرف أحياناً على صوتِ المداخِل، فأُنَبه على ذلك إذا اقتضى الأمر، وقد كان نصيب الأسد - كما يقال- في هذه المداخلات للشيخ الفاضل علي الحلبي -حفظه الله-. فقد كان كثيراً ما يتولى إلقاء أسئلة الحاضرين على الشيخ، وكان الشيخ كثيراً ما يستعين به في استحضار فائدةٍ نَسِيَهَا حتى إنه قال له مرةً: أنت -سبحان الله- تذكر ما أصبح عندي نسياً منسيًّا، وكان الشيخ -رحمه الله-كثيراً ما يطالبه بأن يدلوَ بدلوه في المسألة المثارة في المجلس، كما كان الشيخ علي-حفظه الله- يحرص على عرض آرائه في بعض الأمور المنهجية على الشيخ -رحمه الله- ليقوِّم ويُوَجِّه، كما ظهر لي أن الشيخ عليًّا-حفظه الله- كان حَلَقة وصل بين الشيخ ومحبيه من الدعاة وطلاب العلم خارج الأردن، إلى غير ذلك من صور التفاعل العلمي بين الشيخ والتلميذ. وقد جمعتُ كلام العلامة الألباني عن الشيخ علي الحلبي في «جامع تراث الألباني في نقد الرجال»، إلا أنني لمَّا لم ألتزم إثبات اسم الشيخ علي حسن في جميع مداخلاته رأيت أهمية التنبيه على ما تقدم للأمانة العلمية. ولم أتصرف في كلام الشيخ -رحمه الله- بل أبقيته كما هو، فلا أقوم بتعريب العامية، ولا بإعادة صياغة عباراته في الأشرطة؛ لأنني أرى أن ذلك يفتح باباً لا تحمد عقباه من تغيير معاني الكلام عند العلامة الألباني-بحسن نية- بدعوى إعادة صياغته، فالأمانة العلمية-في نظري- تقتضي نقل كلام الشيخ كما هو دون تصرف خاصةً في المسائل التي يكثر فيها اللغَظ كمسائل الإيمان والكفر، وبعض المسائل المنهجية.

وقد يُعيد بعضهم صياغة كلام العلامة الألباني أو غيره، فإذا قابلته بأصله ظهرت لك فروق بين هذا وذاك. ثم إن دعوى إعادة صياغة هذا الكم الكبير من كلام العلامة الألباني مع المحافظة على كلِّ ما أراده الإمام من كلامه دعوى عريضة لا أخال باحثاً يدعيها لنفسه. ومن جانب آخر فإن عامية الشيخ-رحمه الله-كان لها رونق مميز، وأسلوب جذاب، لم أود أن أضيعها على القارئ الكريم. ز) أضطر أحياناً لإضافة كلام من عندي في ثنايا كلام الشيخ ليستقيم الكلام، فأجعل كلامي بين معقوفتين. ح) أحتاج أحياناً إلى تغيير بناء الكلمة أو حالتها الإعرابية في كلام الشيخ وما شابه ذلك مما يقتضيه الاقتباس، فأجعل ذلك بين قوسين. ط- أنبه على الانقطاع الصوتي بكلمة [انقطاع] بين معقوفتين. ك- الكلمات والعبارات التي لم تظهر لي لرداءة التسجيل أستبدلها بالنقاط، هكذا ( ... ) قَلَّت أم كَثُرَت. كما أستخدم ذلك في العبارات والكلمات التي أحذفها لعدم تعلقها بالمادة العلمية، كأن يسأل الشيخُ السائلَ عن حال أولاده وأهله، أو أن يطلب الشيخ كوباً من الماء وغير ذلك مما لا علاقة له بالمادة العلمية. ل- ثم أسوق «مصدر التوثيق» في ذيل كل مسألة.

11 - التعليق والتخريج: أما منهجي في التخريج، فكان كالتالي: - إذا كان الحديث في صحيح البخاري أو مسلم أكتفي بالعزو إليهما. - فإن لم يكن؛ أقوم بتخريجه من كتب الشيخ، ولا أتوسع في ذلك، بل أكتفي في الغالب بالعزو إلى «صحيح الجامع» «وضعيفه» «والسلسلتين». - يكثر العلامة الألباني من رواية الأحاديث بالمعنى، فأخرِّج الحديث بأقرب الألفاظ إلى المعنى الذي ساقه العلامة الألباني، ولا أنبه على لفظ الحديث في الحاشية إلا إذا تطلب الأمر، ومن أراد الوقوف على ألفاظ الأحاديث فعليه الرجوع إليها في المصادر. - أكتفي بتخريج الحديث في أول موضع يُذكر فيه. - قد أترك تخريج حديث من الأحاديث إذا كان سيأتي مخرجاً في كلام الشيخ بعد قليل. - أخرِّج الآيات في صلب المتن. - إذا تَلَا الشيخ الآية من حفظه فأخطأ، أصحح الآية دون التنبيه في الحاشية إلا إذا تطلب الأمر. - أما ما سوى ذلك من تعليقات فقد جاءت قليلة جداً، وقد كنت توسعت في أول العمل في التعليق على المواضع التي أرى أنها بحاجة إلى تعليق، أو شرح، أو إزالة لبْس، ثم رأيت أن أؤجل ذلك كله إلى «الدراسة». - ما كان من تعليق العلامة الألباني في الحاشية، أثبتُ بجانبه كلمة [منه] بين معقوفتين، وما كان من كلامي أتركه غفلاً.

شكر وتقدير

شكر وتقدير كُلَّما تناولت قلمي فيأخذ موضعه بين أناملي لِأَكْتُبَ كلمةَ حمْدٍ وشُكْرٍ وإجلال لله رب العالمين، تَذَكَّرتُ رسالة منصور بن عَمَّار إلى بشر الحافي. فقد كتب بشر الحافي إلى منصور بن عمار: «اكتب إليَّ بما مَنَّ الله علينا» فرد عليه منصور بن عمار في رسالة قال فيها: «أما بعد يا أخي، فقد أصبح بنا من نِعم الله ما لا نحصيه، في كثرة ما نعصيه، ولقد بقيت متحيراً فيما بين هذين، لا أدري كيف أشكره؟! لجميل ما نَشَر، أو قبيح ما سَتَر» (¬1). «أسأل الله الكريم الذي به الضر والنفع، والإعطاء والمنع؛ أن يجعل عملي هذا لوجهه خالصاً، وأن يداركني بألطافه إذا الظلُّ أضحى في القيامة قالصاً، وأن يتجاوز عني إنه السميع العليم، وأن يرفع به درجتي في جنات النعيم، وأن يجعله ذخيرة لي عنده إنه ذو الفضل العظيم، وأن ينفع به من تلقاهُ بالقبول، إنه جوادٌ كريم، وأن يخفف عني كل تعب ومؤنه، وأن يمدَّني بحسن المعونة، وأن يهب لي خاتمة الخير، ويقيني مصارع السوء، وأن يتجاوز عن فرطاتي يوم التناد، ولا يفضحني بها على رؤوس الأشهاد، أنا ووالدي وأولادي، وأقاربي وأحبابي، ويحلنا دار المقام من فضله بواسع طوله وسابغ نوله، إنه هو الجواد الكريم، الرؤوف الرحيم. وهذا العمل ما كان في قدرتي، فإنني- والله- معترف بقصر الباع، وكثرة ¬

(¬1) انظر «تاريخ بغداد» (13/ 74).

الزلل، ولكنَّ فضل الله لا يُعَلَّلُ بشيء من العِلل. فلهذا رَجَوتُ أن أكون متصفاً بإحدى الخصال الثلاث التي إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا منها، بل أرجو من الله الكريم اجتماعها، إنه جواد كريم حليم» (¬1). - وامتثالاً لما صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من قوله «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» فإني أتوجه بالشكر إلى مَنْ له الفضل الأول بعد الله عز وجل في إنجاز هذا العمل الكبير، وهو أبي الفاضل، الطبيب الكبير: محمد سالم نعمان. وإذا كان الله عز وجل قد أمر الإنسان أن يدعو لأبويه بالرحمة جزاءً شكوراً لتربيتهما له في صغره فقال سبحانه: {وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرا}، فكيف الحال مع والدي الذي رباني صغيرًا، وأحاطني برعايته وكرمه كبيرًا. فقد تكرم-حفظه الله وأطال في عمره- بتمويل هذا المشروع الكبير منذ وضعتُ البذرة الأولى له إلى يوم حصاده، ولا يُقدر المبالغ التي يتطلبها مثل هذا المشروع إلا من عايش مثله، ولولا ذلك لم يَعْدُ هذا العمل أن يكون أضغاث أحلام تراودني ثم سرعان ما تزول وتتبخر. ومن جانب آخر فإن أبي - حفظه الله- لم يشغلني بحطام الدنيا الفاني، ومتاعها الزائل، ولم يدفعني للركض وراءَ مالٍ فانٍ، أو مكانة اجتماعية زائفة، بل كان -حفظه الله- خيرَ معينٍ لي فيما أنا فيه من خير ونعمةٍ. فوفَّر لي- حفظه الله- المال والوقت، وهما رأس مال الباحث وطالب العلم في هذا الزمان، فكم عايشنا ورأينا من إخواننا طلاب العلم الأذكياء النبهاء من ¬

(¬1) «تفسير السراج المنير» (4/ 453) بتصرف يسير حداً.

تميد بهم الدنيا ذات اليمين وذات الشمال لفقرهم وحاجتهم مما يضطرهم إلى ترك طلب العلم والانشغال بوظيفةٍ أو عمل، فتضيع على الأمة فرصة الانتفاع بعلمهم وجهدهم، والله المستعان. - كما أتوجه بالشكر إلى أمّي العزيزة الغالية .. رحمها الله! قليلٌ هم أولئك الذين يعيشون لغيرهم، وهكذا كانت هي .. وقليلٌ هم أولئك الذين يقضون أعمارهم في العطاء ولا ينتظرون الرد، وهكذا كانت هي .. سَهِرَت، وكَدَّت، وتعبت، وبذلت، وأعطت .. حتى إذا اشتد الساعد واستوى السُّوق، وجاء دوري لأرد شيئاً من جميلها .. كنتُ- وكانت- على موعدٍ مع ليلةٍ هادئة .. ولأمرٍ ما .. لم يَزُرْنِي النوم في تلك الليلة- ولم يَزُرْهَا- ... فانتقلتُ إلى حجرتها .. فساهرتُها والقمرَ إلى الفجر .. وما أقساه مِن فجر .. كانت على سفرٍ في صباح ذلك اليوم إلى الخارج .. فودَّعتها وودَّعتني إلى لقاءٍ قريب .. وهكذا كنَّا نظنّ .. ثم جاءني خبرٌ من بَعِيْد .. أظلمت له الدنيا في عيني .. إنَّ ثمة أمراً أراده الله أن يكون فكان ..

فكانت تلك الليلة هي الأخيرة .. وسَطَرَ ذلك الفجر النهاية .. وإنني كلما أنشأتُ أكتبُ عن أمي -أوْ لَها- خذلني قلمي، وأَغرفتِ الدموعُ قِرطاسي، وأسلمتُ فكري لذكرياتٍ لا نهاية لها، وتمنيت أن لو عادت تلك الليلة .. أو رُفِعَ أذان ذلك الفجر من جديد .. ولكن الله شاء فكان ما شاء .. أسأل الله أن يتغمدَ أمِّي برحمته، وأن يغفر لها ويرحمها، وأن يجمعني بها في جناته، وأن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتها يوم الدين. ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر: إلى فريق العمل الذي قام على نسخ المواد الصوتية المطلوبة وعلى أكثر مراحل الصف والتنسيق لهذا العمل، وقد كان جهدهم من أهم العوامل التي أدت إلى إنجاز هذا المشروع في وقت قصير مقارنة بحجمه. كما أتوجه بالشكر إلى أخي الفاضل وصديقي الكريم فهد بن علي اللحجي-حفظه الله- الذي تكرم بمساعدتي في مراجعة التجربة الأخيرة للعمل قبل دفعه إلى الطبع، فوفَّرَ عليَّ وقتًا وجهداً جزاه الله خيراً كثيراً.

كلمة أخيرة

كلمة أخيرة لا يَظُنّ الكاتبون أننا قد صنعنا شيئاً إذا بذلنا لذلك الرجل العظيم قطرةً-أو قطرات- من المداد. ولا يظن الباكون أننا قد صنعنا شيئاً إذا بذلنا لذلك الرجل قطرة -أو قطرات- من الدمع. فإنه قد بذل ماء حياته قطرةً قطرة لدينه وأُمتِه، ثم مضى إلى سبيله .. ولله الأمر من قبل ومن بعد .. وكتب راجي عفو ربه الغفور شادي بن محمد بن سالم آل نعمان في يوم الثلاثاء 18 صفر 1431 الموافق 2 فبراير 2010 في صنعاء اليمن حرسها الله وبلاد المسلمين من كل سوء [email protected] 733702792/00967

جماع أبواب مقدمات عقدية هامة

جماع أبواب مقدمات عقدية هامة

[1] باب تعريف العقيدة

[1] باب تعريف العقيدة العقيدة: هي كل ما يتعلق بعالم الغيب مما لا يرتبط به حكم عملي. "الهدى والنور" (686/ 01: 42: 00). [2] باب أهمية الدعوة للعقيدة [قال الإمام]: أنا .. رأيي أنه لا بد من الدندنة حول العقيدة في العالم الإسلامي كُلِه، وقصور العالم الإسلامي كله انصرافه عن العقيدة وعن تبيينها للناس، وأكبر دليل أن أحزاباً إسلامية معروفة كثرة عددِها وطول أمدها في التحزب يرون أن الاشتغال بالدعوة وبتصحيح الأفكار هذا خطأ، ولنا تجارب مؤسفة جداً، ومنذ ثلاثين سنة وأنا في المدينة جمعنا مجلس كهذا المجلس تماماً، -لكن كنا جالسين جلسة عربية على الأرض- وأنا كان جلوسي محل الأخ هذا منير، يعني آخر واحد، دخل رجل خطيب مصقع ورئيس حزب إسلامي معروف في بعض البلاد، فسلم وبدأ يصافح، لاحظت ملامح وجهه تمعرت كما جاء في الحديث، السبب أن أحداً لم يقم له، ولا شك أن هذا أمر غير معتاد في مثل هذه الاجتماعات، وبالنسبة لداخل له مركزه الاجتماعي، حتى وصل إلي وأنا آخر الجالسين هناك عند الباب تماماً، قلت له: يا أستاذ كما يقولون عندنا في الشام: عزيز بدون قيام؛ لأني أنا شعرت أنه صار في نفسه شيء من عدم قيام هؤلاء الناس له، هو ما كاد يسمع هذه الكلمة إلا انفجر، وقال: يا أستاذ نحن الآن نريد أن ننشغل بهذه الجزيئات وكذا وكذا .. وهو بيهدر كما يقولون في اللغة العربية: هدير ... خطيب هو، ولازم نكون كلمة واحدة، ونحن الآن نعيش مع البعثيين والشوعيين و .. إلى آخره، فتركته حتى

[3] باب خطورة تنكب الدعاة عن الدعوة للعقيدة الصحيحة

انتهى، قلت: يا أستاذ! هل يكفي ما سمعت منك أنه يكفينا الاجتماع على لا إله إلا الله ولو بدون فهم؟! قال: ولو بدون فهم. ما رأيك؟! رئيس حزب إسلامي! وأنا أعرف أن هذه الأحزاب تعيش على هذا الأصل، يكتفون من عامة المسلمين أن يقولوا لا إله إلا الله ولو لم يفهموا أن هذه الشهادة أو هذه الكلمة الطيبة تستلزم الكفر بالطاغوت، لكن ليس الكفر بالطاغوت فقط بالمعنى العصري اليوم؛ لأنه هذا أيضاً من مصائب العصر الحاضر، كثير من الشباب المسلم الآن: الطاغوت هو الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله، بينما هناك طواغيت متنوعة، هذه النذور وهذه الأيمان وهذه الدعوات التي توجه إلى غير الله عز وجل، هذه تنافي كلمة لا إله إلا الله بالنسبة لمن يفهم أن لا إله إلا الله يعني توحيد الألوهية وتوحيد العبادة، هذا العالم الإسلامي يعيش على هذا، ولذلك فعلى دعاة الإسلاميين حقاً أن يجمعوا ليس فقط في الأسلوب الحسن الذي دندنت حوله؛ بل ومعه العلم الصحيح بالكتاب والسنة، وهذا ما هو العالم الإسلامي بحاجة إليه .. "الهدى والنور" (424/ 00:06:06) [3] باب خطورة تنكب الدعاة عن الدعوة للعقيدة الصحيحة [قال الإمام]: إذا اختلف المسلمون في العقيدة فهم سيختلفون فيما دون العقيدة من باب أولى، والخلاف في العقيدة هو الذي يضر، والخلاف في الفروع هو الذي لا يضر إذا ما الإنسان أخلص لاتباع الحق حيثما كان، فترك جماهير الدعاة الإسلاميين اليوم في كل البلاد الإسلامية الاهتمام بنشر العقيدة الصحيحة بين الشعوب، هذا قصور من العلماء كلهم، فيجب الاهتمام بهذه الناحية .. "الهدى والنور" (424/ 00:06:06).

[4] باب أهمية إعطاء الدعاة الأولوية

[4] باب أهمية إعطاء الدعاة الأولوية للعقيدة في دعوتهم والرد على من ادعى أن مشكلة المسلمين اليوم مشكلة خُلُقية لا عقدية [قال الإمام في مقدمة " مختصر العلو"]: (إني) أعتب أشد العتب على الكُتَّاب الإسلاميين اليوم - إلا القليل منهم - الذين يكتبون عن الإسلام كل شيء ما عدا العقيدة السلفية والطريقة المحمدية، وأخص بالذكر منهم أولئك الذين يتولون توجيه النشء الجديد إلى الإسلام وتربيتهم بتربيته وتثقيفهم بثقافته، فإنهم لا يحاولون مطلقا أن يوحدوا مفاهيمهم حول الإسلام الذي اختلف فيه أهله أشد الاختلاف لا كما يظن بعض المغفلين منهم أو المتغافلين أن الخلاف بينهم في الفروع فقط دون الأصول، والأمثلة في ذلك كثيرة يعلمها من كان له دراسة في كتب الفرق أو كان على علم بأفكار المسلمين اليوم، ويكفينا الآن مثالا على ما نحن فيه من البحث ألا وهو علو الله على خلقه، فنحن تبعاً للسلف نؤمن بها قاطعين جازمين وغيرنا ينكرها أو يشك فيها تبعا للخلف والشك مما ينفي الإيمان بها قطعا ومع ذلك فنحن جميعا مؤمنون بالله ... فأين المؤمن حقيقة؟ أما الجواب فهو معروف لدى كل طائفة وإن كنا لسنا في صدده وإنما الغرض إبطال تلك الخرافة في الفروع فقط، والنصح بتثقيف الشباب المسلم في دينه أصولا وفروعا على ضوء الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح. وإني لن أنسى - ما حييت - تلك المناقشة التي كانت جرت منذ نحو عشر سنين في المدينة المنورة بيني وبين أحد الخطباء والوعاظ الذين يحبون أن

يتصدروا المجالس ويستقلوا بالكلام فيها فقد دخل علينا ونحن في سهرة لطيفة جمعت نخبة طيبة من طلاب العلم من السلفيين أمثالي فلم يقم له أحد من الجالسين سوى صاحب الدار مُرحباً ومستقبلاً فصافح الشيخ الجالسين جميعاً واحداً بعد واحد مبتدئا بالأيمن فالأيمن فأعجبني ذلك منه حتى انتهى إلي وكنت آخرهم مجلساً ولكني رأيت وقرأت في وجهه عدم الرضى بتركهم القيام له فأحببت أن ألطف وقع ذلك عليه فبادرته متلطفاً معه بقولي وهو يصافحني: عزيز بدون قيام يا أستاذ كما يقولون عندنا بالشام في مثل هذه المناسبة، فأجاب وهو يجلس وملامح الغضب بادية عليه - بما معناه: لا شك أن القيام للداخل إكراماً وتعظيماً ليس من السنة في شيء وأنا موافق لك على ذلك، ولكننا في زمن أحاطت فيه الفتن بالمسلمين من كل جانب وهي فتن تمس الإيمان والعقيدة في الصميم. ثم أفاض في شرح ذلك وذكر الملاحدة والشيوعيين والقوميين وغيرهم من الكافرين فيجب أن نتحد اليوم جميعنا لمحاربة هؤلاء ودفع خطرهم عن المسلمين وأن ندع البحث والجدال في الأمور الخلافية كمسألة القيام والتوسل ونحوهما. فقلت: رويدك يا حضرة الشيخ فإن لكل مقام مقالاً، فنحن الآن معك في مثل هذه السهرية الأخوية لم نجتمع فيها لبحث خاص ولا لوضع الخطة لمعالجة المسائل الهامة من الرد على الشيوعيين وغيرهم، وأنت ما كدت تجلس بعد، ثم إن طلبك ترك البحث في الأمور الخلافية هكذا على الإطلاق لا أظنك تقصده؛ لأن الخلاف يشمل حتى المسائل الاعتقادية وحتى في معنى شهادة أن لا إله إلا الله، فأنت تعلم أن أكثر المشايخ اليوم يجيزون الاستغاثة بغير الله تعالى، والطلب من الأموات، وذلك مما ينافي معنى شهادة التوحيد عندنا جميعا - أشير إلى أنه

في هذه المسألة معنا - فهل تريدنا أن لا نبحث حتى في تصحيح معنى الشهادة بحجة أن المسألة فيها خلاف؟ قال: نعم. حتى هذا يجب أن يترك موقتا في سبيل تجميع الصفوف وتوحيد الكلمة لدرء الخطر الأكبر: الإلحاد و ... قلت: وماذا يفيد مثل هذا التجمع - لو حصل - إذا لم يقم على أساس التوحيد وعدم الإشراك بالله عز وجل. وأنت تعلم أن العرب في الجاهلية كانوا يؤمنون بالله تعالى خالقاً ولكنهم كانوا يكفرون بكونه الإله الحق (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) فلم يفدهم إيمانهم ذلك شيئاً ولم ينجهم من محاربة الرسول إياهم. فقال: نحن نكتفي اليوم بجمع الناس تحت كلمة لا إله إلا الله. قلت: ولو بمفهوم خاطئ؟ قال: ولو. أقول: فهذه المناقشة تمثل لنا في الحقيقة واقع كثير من الدعاة المسلمين اليوم وموقفهم السلبي تجاه تفرق المسلمين في فهمهم للدين فإنهم يدعون كل من ينتمي إليهم على أفكاره وآرائه دون أن يحملوهم بالعلم والحجة من الكتاب والسنة على توحيدها وتصحيح الخطأ منها وجل اهتمامهم إنما هو في توجيههم إلى الأخلاق الإسلامية، وآخرون منهم لا شغل لهم إلا تثقيف أتباعهم بالسياسة والاقتصاد ونحو ذلك مما يدور عليه كلام أكثر الكُتاب اليوم حوله ونرى فيهم من لا يقيم الصلاة ومع ذلك فهم جميعاً يسعون إلى إيجاد المجتمع الإسلامي وإقامة الحكم الإسلامي. وهيهات هيهات! إن مجتمعا كهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا بدأ الدعاة بمثل ما بدأ به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من الدعوة إلى الله حسبما جاء في كتاب الله وبينه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. ومن البديهي أن مثل هذه الدعوة لا يمكن النهوض بها بعدما دخل فيها ما

ليس منها من طريق الدس على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - باسم الحديث، والدس على تفسير القرآن باسم التأويل، فلا بد من الاهتمام الجدي العلمي لتصفية المصدرين المذكورين مما دخل فيهما لنتمكن من تصفية الإسلام من مختلف الأفكار والآراء والعقائد المنتشرة في الفرق الإسلامية حتى ممن ينتسب إلى السنة منهم. وأعتقد أن كل دعوة لا تقوم على هذا الأساس الصحيح من التصفوية فسوف لا يكتب لها النجاح اللائق بدين الله الخالد. ولقد تنبه لهذا أخيرا بعض الدعاة الإسلاميين فهذا هو الأستاذ الكبير سيد قطب - رحمه الله تعالى - فإنه بعد أن قرر تحت عنوان (جيل قرآني فريد) أن هذه الدعوة أخرجت جيلاً مميزاً في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جميعه وأنها لم تعد تخرج من ذلك الطراز مرة أخرى؛ تساءل عن السبب مع أن قرآن هذه الدعوة لا يزال وحديث الرسول وهديه العملي وسيرته الكريمة كلها بين أيدينا كما كانت بين يدي ذلك الجيل الأول ولم يغب إلا شخص رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فأجاب بأنه: "لو كان وجود شخص رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتمياً لقيام الدعوة وإيتائها ثمراتها ما جعلها الله دعوة للناس كافة وما جعلها آخر رسالة وما وكل إليها أمر الناس في هذه الأرض إلى آخر الزمان". ثم نظر في سبب عدم تكرر المعجزة عدة عوامل طرأت أهمها ما أشرنا إليه من اختلاف في طبيعة النبع فقال: "كان النبع الأول الذي استقى منه ذلك الجيل هو نبع القرآن القرآن وحده فما كان حديث رسول الله وهديه إلا أثرا من آثار ذلك النبع فعندما سئلت عائشة رضي

الله عنها عن خلق رسول الله قالت: "كان خلقه القرآن" (¬1)، كان القرآن وحده إذن هو النبع الذي يستقون منه ويتكيفون به ويتخرجون عليه، ولم يكن ذلك كذلك لأنه لم يكن للبشرية يومها حضارة ولا ثقافة ولا علم ولا مؤلفات ولا دراسات؛ كلا فقد كانت هناك حضارة الرومان وثقافتها وكتبها وقانونها الذي ما تزال أوربا تعيش عليه أو على امتداده. وكانت هناك مخلفات الحضارة الإغريقية ومنطقها وفلسفتها وفنها وهو ما يزال ينبوع التفكير الغربي حتى اليوم، وكانت هناك حضارة الفرس وفنها وشعرها وأساطيرها وعقائدها ونظم حكمها كذلك وحضارات أخرى قاصية ودانية: حضارة الهند وحضارة الصين إلخ. وكانت الحضارتان الرومانية والفارسية تحفان بالجزيرة العربية من شمالها ومن جنوبها. كما كانت اليهودية والنصرانية تعيشان في قلب الجزيرة فلم يكن إذن عن فقر في الحضارات العالمية والثقافات العالمية يقصر ذلك الجيل على كتاب الله وحده .. في فترة تكونه ... وإنما كان ذلك عن تصميم مرسوم ونهج مقصود. يدل على هذا القصد غضب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة من التوراة وقوله: «إنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني» (¬2). كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يريد صنع جيل خالص القلب، خالص العقل، خالص التصور، خالص الشعور، خالص التكوين من أي مؤثر آخر غير المنهج الإلهي ¬

(¬1) أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد عنها. [منه]. (¬2) قلت: هو حديث حسن أخرجه الدارمي وأحمد وغيرهما وقد خرجته في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " (1589). [منه].

الذي يتضمنه القرآن الكريم ذلك الجيل استقى إذن من ذلك النبع وحده فكان له في التاريخ ذلك الشأن الفريد ثم ما الذي حدث؟ اختلطت الينابيع صبت في النبع الذي استقت منه الأجيال التالية فلسفة الإغريق ومنطقهم وأساطير الفرس وتصوراتهم وإسرائيليات اليهود ولاهوت النصارى وغير ذلك من رواسب الحضارات والثقافات واختلط هذا كله بتفسير القرآن الكريم وعلم الكلام كما اختلط بالفقه والأصول أيضاً، وتخرج على ذلك النبع المشوب سائر الأجيال بعد ذلك الجيل فلم يتكرر ذلك الجيل أبداً ". ثم ذكر - رحمه الله - عاملين آخرين ثم قال (ص 17): " نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية .. تصورات الناس وعقائدهم عاداتهم وتقاليدهم موارد ثقافتهم فنونهم وآدابهم شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية وتفكيراً إسلامياً ... هو كذلك من صنع هذه الجاهلية، لذلك لا تستقيم قيم الإسلام في نفوسنا ولا يتضح تصور الإسلام في عقولنا ولا ينشأ فينا جيل ضخم من الناس من ذلك الطراز الذي أنشأه الإسلام أول مرة. فلابد إذن في منهج الحركة الإسلامية: أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها، لا بد أن نرجع ابتداء إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال، النبع المضمون الذي لم يختلط ولم تشبه شائبة نرجع إليه نستمد منه تصورنا لحقيقة الوجود كله ولحقيقة الوجود الإنساني ولكافة الارتباطات بين هذين الوجودين وبين الوجود الكامل الحق: وجود الله سبحانه ... ومن ثم نستمد تصوراتنا للحياة وقيمنا وأخلاقنا ومفاهيمنا

للحكم والسياسة والاقتصاد وكل مقومات الحياة. ثم لا بد لنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية والتقاليد الجاهلية والقيادة الجاهلية في خاصة نفوسنا ... ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي ولا أن ندين بالولاء له فهو بهذه الصفة ... صفة الجاهلية ... غير قابل لأن نصطلح معه. إن مهمتنا أن نغير من أنفسنا أولا لنغير هذا المجتمع أخيراً. وسنلقى في هذا عنتا ومشقة وستفرض علينا تضحيات باهظة ولكننا لسنا مخيرين إذا نحن شئنا أن نسلك طريق الجيل الأول الذي أقر الله به منهجه الإلهي ونصره على منهج الجاهلية " من أجل ذلك كان لا بد للعاملين من أجل الدعوة الإسلامية أن يتعاونوا جميعاً على الخلاص من كل ما هو جاهلي مخالف للإسلام ولا سبيل إلى ذلك إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة كما يشير إلى ذلك قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» (¬1). فإذا هم فعلوا ذلك فقد وضعوا الأساس لقيام المجتمع الإسلامي وبدونه لا يمكن أن تكون لهم قائمة أو تنشأ لهم دولة مسلحة. وإني لأعجب أشد العجب من بعض الكتاب والدكاترة الذين يؤلفون في معالجة بعض أمراض النفوس كمؤلف رسالة " باطن الإثم الخطر الأكبر في حياة المسلمين " ثم لا يقنع بذلك حتى يكشف عن جهل كبير بالخطر الحقيقي الذي يحيط بالمسلمين وهو ما أشار إليه الأستاذ سيد قطب - رحمه الله تعالى - في ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم2937).

كلامه المتقدم، فإن الدكتور المشار إليه لم تعجبه هذه الحقيقة فأخذ يغمز منها ومن المذكر بها تحت عنوان له في الرسالة المذكورة (ص 85): "مشكلتنا أخلاقية وليست فكرية ". قال: " ومعنى كل هذا الذي ذكرناه أننا نعاني من مشكلة تتعلق بالخلق والوجدان وليس لها أي تعلق بالقناعة أو الفكر " كذا قال ثم تعجب من الناس الذين يشعرون بمشكلته ويتنبهون إلى ما سماه بالخطر الأكبر في حياة المسلمين ولكنهم بدلاً من أن يعالجوه بالسبل التي ذكرها هو في رسالته يعالجونه بمزيد من الأبحاث الفكرية ... ثم قال مشيرا إلى كلام سيد قطب رحمه الله: " فماذا يجدي أن نسهب في شرح (المجتمع الجاهلي) أو نتفنن في كشف المخططات العدوانية التي يسير عليها أعداء الإسلام وأرباب الغزو الفكري، أو نهتم بعرض المزيد من منهجية الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية وأن البلاء الذي يعانيه المسلمون ليس الجهل بشيء من هذا كله (!) وإنما هو المرض العضال الذي يستحكم بنفوسهم، ليس بالمسلمين حاجة بعد اليوم إلى أي مزيد من هذه الدراسات الفكرية؛ فالمسلمون على اختلاف ثقافاتهم أصبحوا يملكون من الوعي في هذه النواحي ما يتيح لهم الحصانة الكافية لو أن الأمر كان موكولاً إلى الوعي وحده وإنما هم بحاجة بعد اليوم إلى القوة الهائلة التي تدفع إلى التنفيذ، وهيهات أن يكون أمر التنفيذ بيد الفكر أو العقل وحده، والقوة الهائلة التي يحتاجوها إنما هي قوة الأخلاق ". هكذا يقول الدكتور العليم (!) وفي كلامه من المغالطات والخطيئات ما لا

يتسع المجال لبسط القول في بيانها فإن أحداً من الإسلاميين لا يتصور أن يقول: أن الوعي والفكر وحده يكفي لحل المشكلة خلافاً لما أوهمه كلامه، ولكن المشكلة التي أنكرها الدكتور هي الأصل لقوة الأخلاق ألا وهو الإيمان والتوحيد الصحيح والعقيدة الصحيحة، ولذلك كانت الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم أول ما يبدؤون من الدعوة إنما هو توحيد الله عز وجل فلم يكونوا يعالجون بادئ الأمر المشاكل الأخلاقية ولا الاقتصادية وغير ذلك مما افتتن بمعاجلته كثير من الكتاب اليوم مع الغفلة عن المشكلة الأساسية وهي انحراف الكثير من المسلمين اليوم وما قبل عن العقيدة الصحيحة، ولكتب الكلام التي يسمونها بكتب التوحيد ضلع كبير في ذلك. وأنا أسأل الدكتور العليم سؤالاً واحداً: هل يمكن لفرد أو أفراد أو جماعة أو أمة أن يحظوا بالقوة الهائلة التي يحتاجونها اليوم وهي قوة الأخلاق إذا كانت عقيدتهم غير صحيحة؟ فإذا أجاب بعدم الإمكان، فنسأله فهل الذي يعلمه هو أن هناك أمة مسلمة لا تزال عقيدتهم صحيحة كما كانت عليه في عهد السلف على الرغم من أن فيهم من هو على عقيدة المعتزلة النفاة والجبرية وغلاة المتصوفة الذي منهم اليوم وفي بلدنا خاصة من يقول بأن المسلم ليس بحاجة إلى أن يتعلم الكتاب والسنة والعلوم التي تساعد على فهمهما، وإنما يكفي في ذلك تقوى الله ويحتجون من القرآن بما هو حجة عليهم لو كانوا يعلمون كقوله تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله}، وبناء على ذلك ينكرون كثيراً من الحقائق الشرعية كالشفاعة الثابتة للأنبياء والرسل وبخاصة نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ونزول عيسى، وخروج الدجال، وغير ذلك كثير، وفي مصر والهند أناس يسمون بالقرآنيين الذين يفسرون القرآن دون الاستعانة على تفسيره بأحاديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة

المجتهدين بل وبدون التزام للقواعد العلمية العربية؟ فإن أجاب الدكتور بأن عقيدة المسلمين اليوم هي كما كانت في عهد السلف، فنسأله هل هذا الذي ذكرته من العقائد الباطلة موجود اليوم وفي بلده خاصة؟ فإن أجاب بالإيجاب كما هو الظن به فيكف يتجرأ على القول المتقدم: "ليس بالمسلمين حاجة بعد إلى أي مزيد من هذه الدراسات الفكرية، فالمسلمون اليوم على اختلاف ثقافاتهم أصبحوا يملكون من الوعي في هذه النواحي ما يتيح لهم الحصانة الكافية " وإذا كابر وجحد ورجع إلى القول بأن المسلمين فيهم الخير والبركة من هذه الحيثية سقطت مخاطبته لأن الأمر كما قال الشاعر: وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل وأخيرا لا بد من أن أوجِّه إلى حضرة الدكتور السؤال الذي يكشف له إن شاء الله عن خطئه الذي وضع له ذلك العنوان الخاطئ إن كان لم يتبين له حتى الآن، نحن نسألك بسؤال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للجارية: أين الله؟ فإن أجبت بالجواب الذي نؤمن به وجعله الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - دليل إيمان الجارية ألا وهو قولنا: في السماء، وفهمه على الوجه الذي فهمه السلف أنه تبارك وتعالى على العرش، فقد أصبت الحق واتفقت معنا في هذه المسألة التي علاقتها بالأفكار والعقائد وليس بالأخلاق، ولكنك في الوقت نفسه خالفت جماهير المسلمين حتى المشايخ والأساتذة والدكاترة الذين درست عليهم الشريعة فإنهم لا يوافقونك على هذا الجواب الحق وما عهدك بالكوثري وأبي زهرة ببعيد. وإن أنت أنكرت توجيه هذا السؤال الذي سنه لنا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وأبيت أن

تجيب عليه بجواب إيجابي، أو أجبت بجواب المعتزلة: الله موجود في كل مكان. وهذا معناه القول باتحاد الخالق والمخلوق وهو الكفر بعينه أو تجيب بما في " الجوهرة " وحاشيتها وغيرها من كتب الكلام التي درستها وتثقفت بثقافتها حتى " أصبحت تملك من الوعي ما ينسج لك الحصانة الكافية " فقد خالفت الكتاب والسنة وإجماع الأمة كما سبق أن أشرنا إلى بعض النقول عن بعض الأئمة الموثوق بهم عندنا جميعاً، ونحن على مذهبهم في ذلك، وباختصار فسواء كنت معنا أو ضدنا في هذه العقيدة فكل من الطائفتين يمثل ملايين المسلمين منذ مئات السنين حتى اليوم وفي الطائفة التي تؤمن بالسؤال والجواب الوارد في الحديث المشار إليه آنفا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه المحقق ابن قيم الجوزية وجميع إخواننا الحنابلة اليوم الذين هم من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكل من الطائفتين هم بلا شك مما يشملهم ظنك الواسع الذي عبرت عنه بقولك في الرسالة السابقة (ص 9): " وما أظن إلا أننا جميعا مؤمنون بالله إلها واحدا لا شريك له بيده الخير ... ) وأما أنا فأعتقد أن كلا من الطرفين إذا تمسك بآداب الإسلام سيقول بلسان حاله أو قاله للطائفة المخالفة: {وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}. والدكتور يعلم فيما أعتقد أن إحدى الطائفتين أيا كانت فهي على ضلالة وليس هي بلا شك من حيث الخُلُق وإنما من جهة الفكرة والعقيدة، وكلٌّ من الطائفتين يمثل ملايين المسلمين اليوم في هذه المسألة وغيرها من مسائل الاعتقاد أفليس هؤلاء المختلفون بحاجة يا دكتور إلى الدراسات الفكرية ولا أقول كما قلت: " إلى مزيد من الدراسات الفكرية "؛ لأن الإنسان العاقل يطمع في المزيد عندما يجد المزيد عليه، فيكف وهو مفقود أو في حكم المفقود، فهو يطمع فيه ثم في المزيد عليه، أليس هؤلاء جميعاً بحاجة ملحة إلى تلك الدراسات حتى يتبين

[5] باب بيان أهمية تصحيح العقيدة

الحق للطائفة الضالة أيا كانت هذه الطائفة فتنضم إلى الطائفة المحقة وتزداد هذه إيماناً على إيمان بحقها وصوابها، ومعرفةً بملتها والدعوة إليها وبذلك نسير إلى المجتمع الإسلامي المنشود، وهو لا ينافي إذا قام به بعض الدعاة أن يقوم آخرون بمعالجة أمراض النفوس وأخلاقها كما فعل الدكتور في رسالته السابقة الذكر " باطن الإثم " ولكن بشرط أن لا ينكر على الأولين جهادهم الأكبر ولا أن يدعوهم بأن يسلكوا سبيلهم في معالجة المشكلة المدعاة {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات}. "مختصر العلو" (ص56 - 66). [5] باب بيان أهمية تصحيح العقيدة لأن الذنب وإن عظم لم يكن موجباً للنار متى ما صحت العقيدة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إنّ الله قد غَفَرَ لك كَذِبَكَ بتصديقِكَ بـ " لا إله إلا الله "». [قال الإمام]: (فائدة): قال البيهقي عقب حديث الحسن هذا: " هذا منقطع، فإن كان في الأصل صحيحاً فالمقصود منه البيان: أن الذنب وإن عظم لم يكن موجباً للنار متى ما صحت العقيدة، وكان ممن سبقت له المغفرة، وليس هذا التعيين لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ". "الصحيحة" (7/ 1/176، 181 - 182).

[6] باب الرد على من ينكر الحرص الزائد على تعليم العقيدة ويقول أن العقيدة يمكن تلقيها في دقائق

[6] باب الرد على من ينكر الحرص الزائد على تعليم العقيدة ويقول أن العقيدة يمكن تلقيها في دقائق السائل: بارك الله فيك يا شيخنا! في عندي سؤال ثمة له علاقة، يعني: هو منهجي أيضاً في تتمة البحث لكن ما هو في الجانب الفقهي، لكن في الجانب العقائدي .. من المعلوم أن الدعوة السلفية كذلك فيما تدعو إليه كما تدعو إلى تحكيم الكتاب والسنة في فهم السلف الصالح في المسائل العملية والعبادات وغيرها، فهي كذلك تدعو إلى تحكيم الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح وما عرف بالعقيدة السلفية وتعلمها والحرص عليها؛ لأن البدء بالإيمان بالله تبارك وتعالى واليوم الآخر هو من مهمات الإسلام؟ الشيخ: حق. مداخلة: ولكن هناك شبهات ثلاث هي في الحقيقة تدور حول نقطة واحدة فلذلك أنا أذكر الشبهات الثلاث وهي يعني: حرصاً على الوقت أجمعها الثلاث شبهات ثم بعد ذلك يكون الرد على ما شئتم. فيقولون الشبهة الأولى: يقال: أنه لازم من دراسة العقيدة ما يصح به الإيمان وهذا من الممكن تعلمه في دقائق معدودة. الشبهة الثانية: يقولون: إن دراسة العقيدة على وجه التفصيل ولا سيما في أبواب الردود على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم، (تدخل) الناس فيما لم يوجب الله عز وجل عليهم معرفته ويعرضهم للافتتان في دينهم، كما أن تدريس العقيدة مفصلة يوقع الناس في الحيرة والتذبذب. الشبهة الثالثة: اتهام العلماء السلفيين بأنهم يدندنون حول مسائل الشرك

والتوحيد دون أن يدخلوا في بحث ما تحتاج إليه الأمة من تحكيم الشريعة ومصارعة الطواغيت وإنكار المنكر، ومن غير أن ينقلوا الدعوة إلى واقع عملي تطبيقي. يعني: هي ثلاث شبهات لكن في الحقيقة كلها مؤداها عدم دراسة العقيدة وعدم الحرص على (التوسع فيها). الشيخ: أما الشبهة الأولى فهي كأخرياتها وكأخواتها شنشنة نعرفها من أقدم الذي يقول: أن العقيدة يمكن تلقيها في دقائق نسأل هذا القائل: ما هي هذه العقيدة التي يمكن أن يتلقاها المسلم في دقائق هل يعني هو أن يتلقى العقيدة مجملاً في دقائق أم تفصيلياً في دقائق؟ إن قال مجملاً نحن نقول: ممكن هذا إجمالاً كما هو في حديث: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه إلى آخره» (¬1) أما إن قال أيضاً يمكن تلقي العقيدة تفصيلياً في دقائق، فنحن سنقول له أولاً: هل تعني العرب أم تعني العجم، فمن قوله: أعني العرب، أليس كذلك؟ أنت شاعر بقى بالمشكلة انصب حالاً حالك، يعني: مدافعاً عنهم، أو معبراً عن شبهاتهم، فسنقول له: إن كنت تقصد العرب فقط، فهذه أول خطيئة؛ لأنك تعلم أن الإسلام لم يرسل إلى العرب خاصة، وإنما أرسل إلى الناس كافة. ثم نقول ثانياً: هل تعني العرب الأقحاح الذين يفهمون اللغة العربية لغة القرآن الكريم دون أن يتعلموا؟ فإن قال: نعم، نقول أيضاً جهلت؛ لأن العرب دخلتهم العجمة وأصبح من يعيش في عقر البلاد العربية لا يستطيع أن يفهم القرآن وهو نزل بلغة العرب إلا بدراسة مقدمات لغوية وعلوم يسمونها اصطلاحاً بعلوم الآلة ونحو ذلك، حينئذ نتوصل إلى القول بأن هذا العالم الذي يريد أن يعلم الناس ¬

(¬1) صحيح البخاري (رقم50) وصحيح مسلم (رقم102).

العقيدة التي جاءت بالكتاب والسنة هل هو يعيش في جو يشبه الجو الأول السلفي الأول الذي يمثل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أصحابه، أم هو يعيش في أجواء من التفرق الفكري والتفسخ الأخلاقي والسلوكي؟ أظن أيضاً سيكون جوابه إن شاء الله على الحق إنه يقول: لا. هو يعيش الآن في جو يختلف كل الاختلاف عن الجو السابق. إذاً: هذا الذي يقول: إنه ممكن فهم العقيدة على الوجه التفصيلي الذي جاء به الكتاب والسنة في دقائق فإنما هو يعيش في خيال، ثم نحن نجعله تحت أمر واقع، أعطني نشوف العقيدة في دقائق، هب لي أنا رجل بدوي جاي من الصحراء أريد أن أتعلم العقيدة الإسلامية ما هي؟ مداخلة: قائل هذا القول يربط بين العقيدة وبين ما تصح به العقيدة فيقول: إن الإنسان حين يطالب بالإسلام، إنما يؤمر بمعرفة الله عز وجل معرفة عامة، وبأن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن يؤمن بما عَرَّف به - صلى الله عليه وآله وسلم - الإيمان، أو كما قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ... الشيخ: هذا يعود إلى كلامي السابق إجمالاً. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! لكن هو لا يؤمن معنا بأنه يجب بعد ذلك أن يتعلم الإسلام تفصيلياً على اعتبار أن العلم ينقسم إلى قسمين علم عيني وعلم كفائي، وهذا ما أظن أحداً ينكره، الآن هو يتكلم عن الرجل انظر الآن ضلال هؤلاء الناس اللي بيعيشوا بالأحلام، بيتصوروا أولاً إنه مجتمعنا هو مجتمع الرسول عليه السلام، ثانياً بيتصور كل مسلم: مسلم ابن مسلم ابن مسلم الله أعلم وين ينتهي، بيتصور أنه اليوم أسلم، يا أخي فيه فرق بين اللي دخل في الإسلام حديثاً، وبين اللي عايش في

مجتمع إسلامي فهذا يختلف عن الأول تماماً، رجل كافر يريد أن يسلم (ماذا سنقول له) نقول: اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، صار مسلماً بشهادة الحديث صحيح، «فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» (¬1). ( ... انقطاع ... ) لا يتعلم لا العقيدة بتفاصيلها ولا العبادة بتفاصيلها ما أظن يصل الجهل إلى الاعتراف بمثل هذا الإسلام المجمل، لا بد أن يقول: لا؛ يجب عليه فيما بعد أن مثلاً يتعلم كيفية الطهارة، كيفية الصلاة، كيفية الصيام مثلاً إذا جاء شهر رمضان إلى آخره، هذه التفاصيل لا بد أن يتعلمها ليتم إسلامه، تُرَى الإيمان أليس كذلك، هذا الإيمان المجمل الذي نقلته عنهم، أليس هو وبكتبه وبرسله إجمالاً، ترى! إذا جاء التفصيل ماذا يقولون عنه، إذا جاءه التفصيل يجب الإيمان به أم لا؟ مداخلة: لا شك أنه يجب الإيمان به. الشيخ: نعم. مداخلة: يجب الإيمان به إذا جاءه التفصيل. الشيخ: هو هكذا، هل يتصور أنهم يقولون لا. مداخلة: هم لا يقولون، لا، ما ذكرتم يا شيخ، لكن هم وقعوا في الجزء الذي ذكرته أنهم وقعوا في الجهل المطبق، حيث إنهم ... الشيخ: هذا هو لذلك فنحن يجب أن نكون وهم أن يكونوا معنا في الواقع، ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم 25) و"صحيح مسلم" (رقم135).

واقعنا الآن والحقيقة هذا الذي بيجعل نحن دعوتنا ليست بالسهلة، الناس اليوم يفهمون إنه ممكن الإنسان يعرف الإسلام كله في جلسة واحدة؛ لأنه بيجيبوا لك مثال الأعرابي، هل علي غيرهم قال: «لا إلا أن تتطوع» (¬1). لك يا أخي هذاك إسلام لسه ما كمل، جاء من البداوة يريد أن يسلم، لكن لسه الإسلام ينزل بأحكامه وبجهاده وبكذا وبكذا إلى آخره، فنحن الآن لا يجب علينا، بل لا يجوز لنا أن نرجع قهقرى نحن من كمل لنا هذا الإسلام جملة وتفصيلاً، فإذا ما وقع المسلم في مثل هذا الجو المختلف فيه أشد الاختلاف، وكما ذكرنا آنفاً مع الدكتور ثلاثة وسبعين فرقة لا ينجو منها إلا فرقة واحدة، قالوا: من يا رسول الله قال: «هي التي على ما أنا عليه وأصحابي» (¬2) نحن الآن ألسنا يجب علينا وعليهم هؤلاء السائلين الشاكين المغتابين أليس من الواجب عليهم أن يحرصوا أن يكونوا من الفرقة الناجية؟ لا شك أنه سيكون جوابهم نعم، يا أخي أنت لست الآن في زمن الرسول تجي تجلس مع الرسول وتسمع الحكم منه مباشرة، بينك وبين الرسول أربعة عشر قرناً، وفيه أمامك في طريقك عثرات وعثرات سوف يجيك حديث، بل سوف تجيك آية، لو كنت بين يدي الرسول يكفيك المؤنة، إذا أشكل عليك معناها مثل ما وقع بالنسبة لبعض الصحابة حينما أشكل عليهم آية: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الأنعام:82) تذكرون الآية والحديث؟ قالوا: إذاً أينا ليس ذاك الرجل الذي ظلم نفسه، قال: ليس ذاك، ألم تقرأوا قول الله تبارك وتعالى: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (¬3) (لقمان:13) فأزال الرسول عليه السلام هذه الشبهة من أذهانهم فأنت أيها المسلم في القرن الرابع عشر في أول الخامس عشر لست في ¬

(¬1) البخاري (رقم46) ومسلم (رقم109). (¬2) صحيح الجامع (رقم5343). (¬3) البخاري (رقم32) ومسلم (رقم342).

صحبة الرسول حتى إذا عليك يجي يعطيك الجواب وتسلم تسليماً أمامك هذه المسافات الطويلة، بدك تعرف هذا الحديث صحيح ولا مو صحيح؟ بدك تعرف هذا الحكم هل أخذ من كتاب أم من السنة؟ أم الإجماع عليه بيصير فيه خلاف تارة في تصحيحه وفي تضعيفه، أم من القياس، ثم هذا القياس، هل هو قياس جلي أم هو قياس خفي؟ الآن وضْعنا غير ذاك الوضع يا مساكين، فهم اللي جاهلين بهذا العلم بيستسهلوا الأمر وبيقول لك: ممكن العقيدة واحد يتعلمها في دقائق معدودة. ولذلك فنحن الحقيقة يجب أن نمضي قُدُماً في طريقنا الشاق الطويل المديد، وأنا أقول في بعض الكلمات لما أذكر عليه السلام حينما كان جالساً بين أصحابه فتلا قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام:153) جاء الحديث مصوراً في بعض كتب الحديث بأن الخط المستقيم طويل، والخطوط التي حوله خطوط قصيرة (¬1)، أنا أفهم من هذا الحديث غير ما نطق به الرسول أكثر مما نطق به الرسول، أي: أفهم الشيء الذي نطق به الرسول زائد ما أشار إليه الرسول بهذا الرسم الرائع البديع الخط المستقيم هو الصراط، والخطوط القصيرة هي التي على رأسه، على كل خط منها شيطان يدعو الناس إليه، هذا الشيطان، وأنا سمعت هذا بأذني هاتين من بعض من يزعمون أنهم يدعون إلى الإسلام، ويريدون أن يقيموا دولة الإسلام عن طريقة القفز إلى رأس الأهرام بخطوة واحدة، بيقولوا: والله أنتم دعوتكم الحقيقة صحيحة، لكن يا أخي شوف طريق طويلة شاق، متى بدنا نصل لإقامة الدولة المسلمة والمجتمع الإسلامي؟؛ أنا بقول الرسول رسم هذا الخط ردًّا على ¬

(¬1) صحيح سنن ابن ماجه (رقم11).

هؤلاء، بيقول لهم: شوفوا هذا الخط الطويل حف بالمكاره، شوفوا هذه الخطوط القصيرة حفت بالشهوات، فهم يريدون أن يصلوا بالطرق القصيرة هذه ولن يصلوا أبداً، وتجربة هذا العصر من طوائف من الجماعات الإسلامية أكبر دليل على أن على رأس كل طريق شيطاناً عملياً يدعو الناس إليه فيخرجون عن الخط المستقيم، ونحن علينا أن نبقى في هذا الخط المستقيم، ولا يضيرنا ولا يهمنا أن الناس يقولون: هذا خط طويل وشاق و .. و .. إلى آخره، وبهذه المناسبة يعجبني كلام ذلك الشاعر العربي الجاهلي وأتمنى أنه يكون في المسلمين من يكون تفكيرهم في الإسلام كتفكيره في جاهليته، هو ذلك امرؤ القيس الذي قال: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنَّا لاحقين بقيصر فقلت له لا تبكِ عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذر شو علينا نحن إذا استمررنا نمشي في الصراط المستقيم، وما وصلنا لإقامة الدولة المسلمة، هذا العالم الإسلامي صار له قرون يتخبط في البعد عن الكتاب والسنة، فإذا نحن أخذنا الصراط المستقيم ومشينا خطوات قليلة، وين لنوصل؟ مش مهم أن نصل، المهم أن نمشي في الخط المستقيم، ذلك الجاهلي فهم الحقيقة الواقعية العلمية وإن كان هدفه أيش، هدفه الدنيا هدفه الملك، لكن بيقول: نحاول ملكاً أو نموت فنعذر، ونحن هكذا مع ربنا تبارك وتعالى نحاول أن نعيد الحياة الإسلامية وأن نقيم الدولة المسلمة بعد محاولة إعادة الحياة الإسلامية فإن وصلنا فبها، وإن لم نصل فلسنا مكلفين؛ لأن الأمر كله بيد الله تبارك وتعالى،

[7] باب العقيدة أساس كل انتصار على الكفار

كلنا نحن مكلفين أن نمشي سوياً على صراط مستقيم. لذلك هذه الأسئلة هذه الشبهات في الواقع هي جايه بسبب انحرافهم عن الخط المستقيم إلى خط من هذه الخطوط القصيرة التي تخرج بأصحابها عن الخط المستقيم .. "الهدى والنور" (/329/ 31: 00: 00) [7] باب العقيدة أساس كل انتصار على الكفار [قال الإمام]: نحن نظن أن لا خلاف بين مسلمين إطلاقاً أنه أساس كل انتصار على الكفار هو العقيدة .. "الهدى والنور" (424/ 00:06:06) [8] باب "لا كيف" في المغيبات سؤال:. في حديث المعراج عندما فرضت الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وراجعه سيدنا موسى .. كيف كانت المسألة هذه؟ الشيخ: لا كيف بارك الله فيك! الأمور غيبية خذوها قاعدة واستريحوا .. لا كيف في المغيبات، وحسبك أن تقصر فتقول كيف، غيرك يلف ويدور ويحكي كلاماً طويلاً لكن ينتهي إلى هذه الكلمة التي أنت قلت عنها: كيف؟ لا كيف في المغيبات، الإيمان المطلق وفقط بدون تكييف؛ لأنه عالم ما وراء المادة كما يقولون اليوم .. ما وراء العقل ما يقاس عليه حياتنا هذه المادية والعكس بالعكس أيضاً. "الهدى والنور" (28/ 54: 59: 00)

[9] باب الأمور الغيبية لا يخاض فيها بالأقيسة والآراء

[9] باب الأمور الغيبية لا يخاض فيها بالأقيسة والآراء [قال الإمام]: واعلم أن كون الموتى يسمعون أو لا يسمعون إنما هو أمر غيبي من أمور البرزخ التي لا يعلمها إلا الله عز وجل فلا يجوز الخوض فيه بالأقيسة والآراء وإنما يوقف فيه مع النص إثباتا ونفيا. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص37). [وقال -رحمه الله-]: - الاستدلال العقلي ... لا مجال له في أمر غيبي. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص60). [10] باب الكلام حول خلاف الصحابة في العقيدة سؤال: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: يقول السائل: فضيلة الشيخ! أنتم تزعمون أن العقيدة أمر قد أجمع عليه السلف، ومع ذلك نجد هناك خلاف بينهم في إثبات العين أو العينان. الشيخ: أنتم ماذا أولًا. مداخلة: أنتم تزعمون. الشيخ: تزعمون نعم، ليته لطَّفها قليلاً. مداخلة: أن العقيدة أمر قد أجمع عليه السلف، ومع ذلك نجد هناك خلاف

بينهم في إثبات العين أو العينان والساق، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر قول الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (القلم:42) بالشدة والكرب ... وكذلك في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه جل وعلا، فمن أثبت فيجب عليه الاعتقاد في ذلك، ومن نفى فيجب عليه اعتقاد مدلول النفي، فما موقفنا جزاكم الله خيرًا؟ الشيخ: كان ينبغي أن يكون السؤال بغير هذا التحذير؛ لأن السائل ما أظن نقل رأيي وبنى عليه توجيهه لهذا السؤال؛ ذلك لأننا نحن الذي ندين به أنه لا فرق بين ما يسمى أصولًا وبين ما .. (انقطاع صوتي) أن يكونوا على اتفاق وعلى كلمة واحدة، إذا أمكنهم ذلك، أما وذلك قد لا يمكن أن يكون في الأصول فضلًا عن الفروع فحينئٍذ يعود الأمر إلى المجتهد إن كان قصد الحق فأصابه فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، لا فرق في ذلك كما قلنا بين الأصول والفروع، أما ادعاء الاتفاق في كل الأصول بخلاف الفروع، فهذا لا أعتقد أن عالمًا يقطع بذلك، كل ما في الأمر أننا نقول: إن السلف اتفقوا على أن الأصل في صفات الله تبارك وتعالى التي جاءت في الكتاب أو في السنة أن تمر كما جاءت ولا تؤول، هذا الذي يمكن أن يقال أنه أمر متفق عليه، أو على حد تعبير السائل: إنه أمر نزعمه وندعيه لازمين لذلك، ولكن هذا لا ينفي أن يقع بعض الخلاف في بعض المسائل التي تتعلق بهذا المنهج. والمثال الذي ذكره السائل في تفسير الساق هذا صحيح أنه وقع فيه اختلاف، ولكن هل هناك خلاف بين هؤلاء الذين قد يختلفون في بعض الجزئيات مما يتعلق بالعقيدة أو بالتوحيد، هل بينهم خلاف في الأصل في القاعدة؟ الجواب: لا، وهذا الفرق بين أتباع السلف وبين الخلف، فالسلف هذه قاعدتهم أن يؤمنوا بكل ما جاء عن الله ورسوله دون تأويل ودون تعطيل، أما الخلف فالقاعدة عندهم

التأويل وليس هو التسليم. وقد وجدت طائفة بين هؤلاء وهؤلاء وهم الذين يسمون بالمفوضة، فهم لا يؤمنون مسلمين بالمعاني الظاهرة لأدلة الكتاب والسنة المتعلقة بالصفات مع التنزيه، ولا هم يؤولون كما يفعل الخلف كالذين قلنا فيهم في الأمس القريب إنهم يقولون: إن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم، فالخلاف ليس في الجزئيات هذا لا يمكن الخلاص منه، وإنما الأصل في القاعدة: ما هي قاعدة السلف؟ هو الإيمان بكل ما جاء عن الله ورسوله إيمانًا بالمعاني الظاهرة المتباينة لغًة في النصوص مع التنزيه، كما في قوله تعالى، هذا دليل يستعمل كثيرًا وهو قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فربنا عز وجل قدم هذه الجملة فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) تنزيهًا ليتبع هذا التنزيه بالإثبات ألا وهو قوله عز وجل: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). فالآن: إذا أردنا أن نسلك طريقة السلف فما يختلفون في فهم {السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) إطلاقًا؛ لأنهم يعتقدون أن صفة السمع غير صفة البصر، وأن كلًا من هاتين الصفتين كسائر الصفات الإلهية نثبتها كما جاءت مفرقين بين صفة وأخرى منزهين لله تبارك وتعالى، أن يشبه شيئًا من مخلوقاته. ما هو موقف المعتزلة المعطلة؟ أنهم يقولون: يأخذون بالشطر الأول من الآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) تنزيه، لكنهم غلو في التنزيه وعطلوا فقالوا: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) أي: العليم، فعطلوا هاتين الصفتين؛ لأن الإنسان سميع وبصير فظنوا أنهم سووا، وظنوا أنهم بسبب فرارهم من إثبات هاتين الصفتين أنهم مع التنزيه دون التعطيل ولم يلاحظوا أن ما منه فروا بزعمهم وقعوا

في مثله؛ لأنهم حين يفسرون السمع والبصر بالغيب فالناس أيضًا فيهم عالم وجاهل، وبعض من يقول: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (الزمر:9) فإذًا هناك كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اشتراك لفظي وليس اشتراكًا حقيقيًا في المعنى، فصفة السمع وصفة البصر وصفة العين، هذه الصفات الثلاث اتصف بها ربنا تبارك وتعالى كغيرها مما جاء في القرآن، لكن كون الإنسان أيضًا يوصف بأنه سميع ويوصف بأنه بصير وقد يقال فيه عليم، فذلك لا يعني أن سمعه وبصره وعلمه كسمع الله وبصره وعلمه، لذلك فحينما فر المعتزلة بهذا التأويل للسمع والبصر والعلم يقال لهم: عطلوا صفتين حقيقتين من صفات الله تبارك وتعالى. نعود الآن إلى الذين يفوضون، فماذا يقولون؟ يقول: نؤمن بالآية كما جاءت لكن لا ندري ما معنى عليم .. ما معنى سميع .. ما معنى بصير، نكل الأمر إلى الله تبارك وتعالى، ويلبسون على الناس أن هذا هو مذهب السلف، ليس هذا هو مذهب السلف، مذهب السلف إثبات للصفة مع التنزيه، مذهب المفوضة لا يثبتون شيئًا، يقولون: الله أعلم بمراده، أما التنزيه فهو أمر مشترك بين جميع الطوائف، سواءً السلف، أو المفوضة، أو الأشاعرة، أو الماتريدية، كلهم يلتقون في تنزيه الله عز وجل وعدم المشابهة للحوادث، لكنهم يختلفون في ما موقفهم تجاه كل الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة منها هذا المثال الذي بين أيدينا الآن. فإذا اختلف السلف في آية أو في حديث ما، فذلك لا يعني أنهم خرجوا عن هذه القاعدة، وإنما الخلف الذين يقولون: علم السلف أسلم، وعلم الخلف أحكم وأعلم، فالأصل إذًا في الاختلاف هو في القاعدة وليس فيما يلزم ... اختلاف كل

من الطائفتين في جزء أو في صفة من الصفات كآية الساق، ولذلك فلا ينبغي أن يفهم أحد أن السلف لا يختلفون في شيء ما من آيات الصفات، لكن القاعدة هم متفقون عليها. مثلًا: تفسير المعية: فقد يروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه ما قد يخالف غيره ممن جاء بعده، لكن كلهم يرجعون أخيرًا إلى إثبات الصفات كقاعدة، لا كالمعتزلة فخلافًا لمن تابعهم في كثير من الانحراف الذي انحرف فيه المعتزلة، فسمعتم آنفًا أن المعتزلة ينكرون صفة السمع والبصر، لكن الأشاعرة مثلًا يثبتونهما ولا يؤولونهما ولا ينكرون معناهما كما فعلت المعتزلة، لكن هؤلاء الخلف من الأشاعرة والمعتزلية في أصل المذهب أهو الإيمان بمعاني الصفات مع التنزيه أم الأصل هو التأويل؟ المتأخرين هؤلاء من الأشاعرة والمعتزلة بين مذهب السلف وبين مذهب الخلف فتارةً تراهم معتزلة كموقفهم من الكلام الإلهي حيث من المعتزلة يصرحون ... بأن كلام الله مخلوق، أما الأشاعرة والماتريدية فهم يقولون: كلام الله ليس بمخلوق، ولكن إذا مخاصمتهم ودققت معهم وجدتهم في النهاية يلتقون مع المعتزلة. في الوقت الذي يقولون فيه كلام الله صفة من صفاته خلافًا للمعتزلة لكن حينما يدقق الإنسان معهم في البحث إذا بهم يقولون: الكلام الإلهي الذي هو صفة من صفاته ليس هو الكلام الذي يؤمن به السلف، وكما قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول: ألف لام ميم حرف، بل ألف حرف، لام حرف، ميم حرف» (¬1) هم لا يقولون بأن كلام ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم6469).

الله حرف لفظ وصوت كما يقول السلف، وإنما هم يلتقون مع المعتزلة في إنكار هذه الحقيقة، ولكن يختلفون عن المعتزلة بأنهم يفسرون الكلام الإلهي بما يعود إلى العلم، ولذلك حينما يردون على المعتزلة ويقولون لهم: لماذا أنتم تقولون: كلام الله مخلوق، أليس يقدر ربنا تبارك وتعالى على تفهيم موسى كلامه تبارك وتعالى؟! لا يقولون: أليس الله بقادر على أن يسمع كلامه موسى، وهو قال له: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (طه:13)، فيدعون هذه الوصفة المتعلقة بالكلام الله الإلهي، نأخذ من هذه الآية الصريحة: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (طه:13) ما يقولون المعتزلة: أليس الله بقادر أن يسمع كلامه وصوته لموسى، وإنما يقولون: أليس الله بقادر أن يفهم كلامه فأعادوا صفة الكلام إلى العلم كما يمكن أن يقال: أليس الله عز وجل بقادر على أن يعلم موسى الألواح. فعند المعتزلة الألواح التي أنزلها الله على موسى عليه السلام وعبر عنها بقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164) يقولون صراحة: ليس الله هو الذي تكلم، وليس الله هو الذي قال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (طه:14) وإنما الشجرة هي التي نطقت، فالله لا يتكلم ولا يتلفظ. الماتريدية والأشاعرة يلتقون معهم في الحقيقة لكن يسمون الكلام الإلهي الثابت في القرآن بأنه كلام نفسي، لا يخرج .. لا يسمع .. لا يقرأ ونحو ذلك، فهذا ينبغي أن يكون في ذهننا: أن السلف يختلفون عن الفرق الأخرى في اتفاقهم على القاعدة وهي: تنزيه مع الإثبات، أما الآخرون فتأويل الذي هو التعطيل مع التنزيه، فلم يفدهم شيء التنزيه مع التأويل الذي يصاحبه في كثير من الأحيان التعطيل، وما أحسن ما قال ابن القيم رحمه الله، ولعله نقله عن شيخه ابن تيمية: "المعطل يعبد عدمًا، والمجسم يعبد صنمًا"، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها.

[فخلاصة المسألة]: هي أن الخلاف -كما قلت في مطلع هذه الكلمة- لا يقتصر عند المسلمين جميعًا على الفروع بل تعداه إلى الأصول والمقصود بها هي القواعد المتعلقة بالعقيدة، فذكرت أن السلف وأتباعهم من السلفيين لا يختلفون في القاعدة، ولكن قد يختلفون في بعض جزئياتها، الشأن في هذا تمامًا كالشأن في القواعد العلمية الأصولية الفقهية، فكأنما أهل الحديث لا يختلفون بعضهم مع بعض في أن المرجع عند الاختلاف إنما هو الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، وقد يختلفون مثلًا في حديث أهو صحيح أم ضعيف، هذا لا يضر، وقد يختلفون في فهم حديث صحيح وهذا لا يضر؛ لأن الأصل والقاعدة متفق عليها بينهم وليس كذلك عند من خالفهم. وقد ذكرنا في الأمس القريب، أن كل الطوائف الإسلامية لا نستثني منهم طائفة، كلهم يقول: نحن على الكتاب والسنة لكن لا تجد منهم أحدًا يقول: وعلى ما كان عليه السلف الصالح، إذًا: هذا اختلاف في الأصل في القاعدة، فهذا الخلاف هو الذي يضر، أما الاختلاف في مسألة فذلك لا يضر لا فرق بين أن تكون هذه المسألة في العقيدة أو أن تكون في الأحكام الشرعية، إنما المهم أن يكون القاعدة والأصل متفق عليه. فلهذا الذي أتى به السائل الآخر وهو اختلاف في الرؤية: هل رأى محمد ربه؟ نعم يوجد شيء من هذا الاختلاف، ولكن هذا الاختلاف ليس من النوع الأول، بمعنى: لم يثبت عن أحد من السلف في أنه قال جازمًا بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ير ربه، ... رأى ربه بل جاء عنهم خلاف ذلك، كل ما في الأمر ممن أثبت الرؤية هو ابن عباس رضي الله عنه لكن الروايات التي وردت عنه مضطربة، فلذلك ما يستطيع العالم أن يجزم بأن ابن عباس كان يقول بخلاف السيدة عائشة مثلًا،

السيدة عائشة كانت تنفي رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لربه ليلة الإسراء والمعراج جازمة بذلك ومستعظمة كل الاستعظام لمن قد يقول بأن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه. وقد روى الشيخان في صحيحيهما (¬1) من حديث مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه قال لها - مسروق هو القائل -: يا أم المؤمنين! هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد قَفَّ شعري لما قلت، قال: يا أم المؤمنين! ارحميني ولا تعجلي علي، أليس يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (النجم: 13 - 14) قالت: أنا أعلم الناس بذلك، سألت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: «رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح» ثم قالت مؤكدة نفيها لرؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لله تبارك وتعالى: ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية: من حدثكم أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (الشورى:51) وتلت قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} (الأنعام:103) فمن حدثكم بأن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل:65) ومن حدثكم بأن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - كتم شيئًا أمر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة:67). هذه رواية صحيحة في الصحيحين، صريحة في أن السيدة عائشة جزمت بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يرَ ربه، وعلى ذلك أحاديث تؤكد نفيها، هذا حديث مذكور؛ لأن هذا ¬

(¬1) البخاري (رقم4574) ومسلم (رقم459).

من قول عائشة، لكن هناك أحاديث مرفوعة تؤكد ما قالته السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها ... لحديث أبي ذر وهو أيضًا في حديث صحيح مسلم: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سئل: هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه» (¬1) وهذا تفصيله في حديث أبي موسى الأشعري، وقد ذكره الإمام مسلم بعد حديث أبي ذر، وفيه قال عليه السلام: «حجابه النور» فإذًا لما سئل عليه السلام: هل رأيت ربك؟ نفى ذلك، فنفي عائشة وهو زوجة الرسول عليه السلام معنى هذا أنها تكلمت بعلم تلقته من زوجها حيث لما سئل عليه الصلاة والسلام: هل رأيت ربك؟ قال: «نور» أي: هناك نور فكيف أراه؟ فهذه عائشة تقول جازمة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يرَ ربه ومعها حديثين ... من الذي قاله من الصحابة في هذه القضية؟ يروى عن ابن عباس ثلاثة روايات: رأى ربه .. رأى ربه بقلبه .. رأى ربه بعينه، ثلاثة من روايات من طريق سماك بن حرب عن ابن عباس، ومعنى هذا أن الراوي للرؤية التي أثبتها ابن عباس، تارًة ... فقال: رأى ربه، لكن المشكل: هو هل رأى ربه بعينه أم ببصيرته بقلبه؟ هنا تأتي هذه الروايات الثلاث: رأى ربه مطلقة، ثم روايتان أخريان مقيدةً، لكن إحداهما تخالف الأخرى فإحداهما تقول: رأى ربه بقلبه، والأخرى تقول: رأى ربه بعينه، فإذًا: الرواية مضطربة عن ابن عباس فلا نستطيع أن نقول إن ابن عباس يخالف قول السيدة عائشة رضي الله عنها. والقصد من الكلمة السابقة هو أنه قد يصح مثل ذاك الاختلاف ولكن ليس كل اختلاف صحيح، وهذا مثاله، فنستطيع أن نقول إذًا: بأن نفس الخلاف بين ¬

(¬1) مسلم (رقم461).

[11] باب هل وقع اختلاف بين السلف في مسائل عقدية؟

عائشة في هذه المسألة وابن عباس ليس دقيقًا؛ لأن الرواية عن ابن عباس مضطربة كما ذكرت آنفًا. "رحلة النور" (40أ/00:43:23) (40ب/00:00:00) [11] باب هل وقع اختلاف بين السلف في مسائل عقدية؟ السائل: شيخنا: ما أُثِرَ عن بعض السلف في اختلافهم في بعض المسائل للتوحيد والعقيدة كإثبات الصورة على صورة آدم، ورؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لربه ليلة المعراج، ومثلاً التوسل وغيره من المسائل يا شيخ, يعني كيف نوجهها مع أن المشهور أن السلف الصالح رضي الله عنهم لم يختلفوا في العقائد؟ الشيخ: أولاً: ذكرتَ في جملة ما اختلفوا فيه التوسل فإلى ماذا تشير بهذا السؤال لأن علمي أنه لا خلاف بينهم في التوسل؟ هذا أولاً. وثانيًا: التوسل ليس من العقائد وإنما هو من الأحكام, أي هل يجوز أن يدعوَ الإنسان بدعاء فيه توسل بمخلوق؟ أو لا يجوز؟ فليس للتوسل علاقة بالعقيدة, اللهم إلا إذا اقترن مع التوسل عقيدة في لفظ المتوسل يعنيها به, فحينذاك تأخذ طورًا آخر، أما مجرد التوسل بمخلوق فذلك لا يدخل المسألة في جملة العقائد. ثالثًا: ماذا تعني بأنهم اختلفوا في الصورة؟ ومن هم الذين اختلفوا؟ لقد اتفقوا

على إثبات الصورة لله عز وجل في الجملة وليس في التفصيل وإنما اختلفوا في مرجع ضمير قوله عليه الصلاة والسلام: «خلق الله آدم على صورته» (¬1) فأيضًا حصر هذا الاختلاف في مرجع هذا الضمير ليس له علاقة أيضًا في اعتقادي بالعقيدة لأن الصورة كعقيدة متفق عليها بين علماء الحديث والسنة دون تكييف ودون تأويل, أما مرجع ضمير «خلق آدم على صورته» هذا خلاف فرعي ليس له علاقة بالعقيدة, ثم لا أذكر إذا كان جاء في سؤالك شيء آخر غير الصورة وغير التوسل وإيش؟ السائل: المعراج, رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الشيخ: آه, اختلفوا صحيح في هل رأى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ربه، وهذا الاختلاف لا يمكن إنكاره، ولكن لعل ذلك أيضًا مرجعه إلى تفسير قوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى} (النجم:13، 14) وجمهور العلماء من المحدثين وغيرهم على نفي رؤيته - صلى الله عليه وآله وسلم - لربه بعينيه, والخلاف الذي يشار إليه بهذه المناسبة هنا, إنما هو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه بعينيه» لكن هذا الأثر, هذا الحديث يمكن أن يقال فيه إنه أثر وإنه حديث, فهو أثر باعتبار أن لفظه من ابن عباس، ويمكن أن يقال فيه إنه حديث باعتبار أنه يتحدث فيه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , هذا الأثر أو الحديث المروي عن ابن عباس لم يستقر على هذا اللفظ الذي فيه أنه رأى ربه بعينيه, فقد جاء عنه روايتان أخريان, الأخرى: إطلاق الرؤيا «رأى ربه» دون ذكر العينين. ¬

(¬1) البخاري (رقم5873) ومسلم (رقم6821).

والأخرى وهي الثالثة: «رآه بقلبه» وعلى هذا: فهذا الأثر أو هذا الحديث مضطرب عن ابن عباس رضي الله عنه ما بين رآه مطلقًا، ورآه بعينيه، ورآه بقلبه، والحديث المضطرب من أقسام الحديث الضعيف، وحينئذ فلا نستطيع أن نجزم بأن ابن عباس كان من عقيدته أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه ولكن مع هذا لا يمكن لكل باحث منصف أن يدعي أنه لم يكن هناك من يقول بقول ابن عباس لكن هذا القائل لا يعرف عينه ولا شخصه, أما أنه كان هناك من يقول بقول ابن عباس فذلك يمكن أن يؤخذ من نفس حديث السيدة عائشة رضي الله عنها المروي في الصحيحين من طريق مسروق -رحمه الله- حيث سألها قائلا لها: «يا أم المؤمنين هل رأى محمد ربه؟» الحديث. ولا بأس بإتمامه ولكن لابد من ذكر موضع الشاهد منه فسؤال مسروق لأم المؤمنين هل رأى محمد ربه؟ يشعر الباحث بأنه كان هناك من يقول بأن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه, من هو؟ الله أعلم, يمكن أن يكون هو ابن عباس نفسه ولكن ابن عباس لم يستقر رأيه على شيء من أقواله الثلاثة التي ذكرتها آنفًا, نعود إلى حديث عائشة رضي الله عنها فلما سألها وقال لها: هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد قف شعري مما قلت, قال: «يا أم المؤمنين ألم يقل رب العالمين {ولقد رآه نزلة أخرى ... } الآية, قالت: أنا أعلم الناس بذلك سألت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله جناحان قد سد الأفق». فإذاً: مرجع هذا الضمير في تفسير الرسول عليه السلام نفسه لهذه الآية إنما يعود إلى جبريل وليس إلى رب العالمين تبارك وتعالى, ثم تابعت بيانها رضي الله عنها فقالت:

"ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية: من حدثكم أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} (الشورى: 51)." فلا سبيل إلى رؤية الله تبارك وتعالى من أحد في هذه الحياة الدنيا, قالت: "ومن حدثكم أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - كتم شيئًا أُمِرَ بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة:67) ". قالت: "ومن حدثكم أن محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يعلم الغيب فقد افترى وكذب على الله تبارك وتعالى ثم تلت قوله عز وجل: {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} (النمل:65) ". فحديث عائشة هذا إذن فيه إشارة أنه كان هناك من يقول بأن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه ولكنها نفت ذلك نفيًا باتًّا وتلت ما سبق من الآية. وحينئذ فلا أرى في نهاية المطاف في هذا المجال لا أرى أن يقال إنه كان هناك خلاف بين السلف في مسألة عقائدية كمسألة رؤية الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لربه, ثم نقول جدلاً: إن فرضنا أنه كان هناك حقيقة خلاف في مسألة ما بين السلف فذلك لا يعني أن هذا الخلاف يضر مادامت الأدلة قائمة بتأييد الوجهة الصحيحة أو القول الصحيح مما اختلفوا فيه, فالقول بأن السلف لم يختلفوا في شيء من الأمور الاعتقادية هذا يقوله بعضهم، وبحسب ما أحاط به علمه فإن استطاع أن يثبت ذلك فلا ضير لأن المرجع إلى الدليل وأنتم تعلمون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما كان يدعو ربه تبارك وتعالى في دعاء الاستفتاح في قيام الليل كان يقول فيه: «اللهم

[12] باب هل دراسة العقيدة محصورة في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية؟

اهدني لما اختلف في من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» (¬1) , وهذا كان تعليما منه - صلى الله عليه وآله وسلم - لأمته، فعلينا نحن إذا وجدنا اختلافًا حقيقيًّا فضلاً عن اختلاف موهوم أن نطلب من الله تبارك وتعالى أن يهدينا لمعرفة الحق واتباعه. هذا الجواب على ما جاء من السؤال آنفا. "فتاوى جدة -الأثر-" (17/ 00:03:13) [12] باب هل دراسة العقيدة محصورة في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية؟ السائل: في الحقيقة في شبهة لكن تحتاج إلى ذكر؛ لأنها يعني يعاني منها أيضاً السلفيون، ليس عندهم شائبة عنف، أو من هذا النوع يعني، لكن هم يتصورون العقيدة تصوراً يعني مرتبطاً بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية كالتدمرية وغيرها، والردود على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة؛ يتصورون أن دراسة العقيدة هي دراسة هذه الكتب فقط؟ الشيخ: لا مو ضروري ... هو على كل حال يعني نحن نريد من إخواننا إنه ما يتصوروا إنه كل فرد منهم يمكن أن يصير عالماً، فهو عليه إذا شعر بأنه يجد في نفسه استعداداً للمضي قدماً في طلب العلم، فنحن ننصحه حقيقة بأن يقرأ كتب العلماء الذين عُرِفُوا بسلامة منهجهم عن الانحراف يميناً ويساراً والتأثر بعلم الكلام، وإذا كانوا لا يشعرون بأنفسهم شيء من ذلك فعليهم أن يأخذوا العلم سواء كان عقيدةً أو كان عبادةً من أقرب طريق سواء من علم العلماء الأحياء إذا كان لهم وصول إليهم، أو من الكتب التي ألفت بطريقة موجزة لا تدخل معهم في ¬

(¬1) مسلم (رقم1847).

[13] باب هل يجوز تدريس العقيدة للأطفال على شكل قصص حكايات؟

المجادلات الطويلة مع الفرق المخالفة؛ لأنه الخوض في هذه المسائل قد تضر بمن لا استعداد عنده؛ لأنه مناقشة المخالفين كثيراً ما تؤدي بالمناقِشِ نفسه أحياناً أن ينحرف بعض الشيء، ولو في مسألة واحدة عن الخط الذي ينبغي أن يسلكه مستقيماً. "الهدى والنور" (329/ 08: 16: 00) [13] باب هل يجوز تدريس العقيدة للأطفال على شكل قصص حكايات؟ سؤال: تفهيم العقيدة للأطفال الصغار (هل) هناك مانع أن تكتب هذه العقيدة على صورة حوار بين أشخاص ليس لهم حقيقة على شكل قصة أو حكاية ... بأسلوب ممتع ومشوق؟ الشيخ: الجواب: إذا كان ممكناً تفهيم الأطفال أن هذه القصة هي من بنات خيال جاز وإلا فلا. "الهدى والنور" (25/ 00:41:49). [14] باب بدعة تقسيم الدين إلى أصول وفروع [قال الإمام]: إن تقسيم [الدين] الإسلامي إلى فروع وأصول؛ هذا تقسيم مبتدع لا يرضاه الإسلام، ولذلك فيكون الرجوع عن هذا التقسيم من جملة ما يدخل في كلمة الإمام مالك .. ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. "الهدى والنور" (486/ 00:26:42)

[15] باب حكم التفريق بين الشريعة والعقيدة

[15] باب حكم التفريق بين الشريعة والعقيدة السؤال: ما حكم من يفرق بين الشريعة والعقيدة، الشريعة كنظام والعقيدة كإيمان بالله خالقاً رازقاً؟ الشيخ: عفواً أريد أن أفهم ماذا يريد من التفريق هذا؟ مداخلة: يقول أن التشريع موكول لبني آدم بحيث ينظموه بحسب ظروفهم وبحسب معاشهم، ولكن العقيدة لا تتغير فنحن نؤمن بالله خالقاً رازقاً ولكن الشريعة يعني: من باب الفقه ومن باب التشريع. الشيخ: يعني: الشريعة تتغير؟ مداخلة: نعم. يقصد هكذا. الشيخ: طبعاً هذا لا يجوز هذا كفر؛ لأن الله عز وجل حينما قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، قال: من لم يحكم، ما قال: من لم يعتقد. وعلى كل حال مثل هذا التقسيم نقول: هذا اصطلاح عقيدة وشريعة كما لو قلنا معاملات وأخلاق، ما فيه مانع من هذا التقسيم لكن بشرط أن نجعل ذلك كله هو دين الإسلام، فما جاء في دين الإسلام وجب تبنيه سواء كان عقيدةً أو كان شريعةً وحكماً أو كان سلوكاً أو معاملة، كل هذا إسلام، فربنا عز وجل يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85)، فإذا كان المقصود من هذا التفريق هو تحقيق الكلمة النصرانية الدين لله والوطن للجميع فيفيء أن هذا هو الضلال المبين. " الهدى والنور" (353/ 35: 36: 00)

[16] باب هل يجوز للطالب أن يجيب على سؤال في امتحان بخلاف عقيدته؟

[16] باب هل يجوز للطالب أن يجيب على سؤال في امتحان بخلاف عقيدته؟ سؤال: في الامتحان إذا أعطوني سؤالاً يخالف عقيدة أهل السنة ففي هذه الحالة الواحد بإيش يجاوب؟ الشيخ: يجب أن يجيب عن عقيدته ما تعرف قصة بلال الحبشي أَحَدٌ أَحَد. مداخلة: آه. الشيخ: فإذاً هو أسوتك. مداخلة: طب والعمل؟ الشيخ: العمل من الله مش من عباد الله ... والغاية لا تبرر الوسيلة .. وأبشرك بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق:2، 3). "الهدى والنور" (564/ 20: 06: 00).

جماع أبواب بيان مصادر أهل السنة والجماعة في الاستدلال في العقيدة

جماع أبواب بيان مصادر أهل السنة والجماعة في الاستدلال في العقيدة

[17] باب من هم أهل السنة؟

[17] باب من هم أهل السنة؟ [قال الإمام]: وأهل السنة .. هم المتمسكون بالسنة وما كان عليه الصحابة. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 182). [18] باب أهل السنة يستدلون ثم يعتقدون، أما أهل البدع فيعتقدون ثم يستدلون السائل: بارك الله فيكم قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله تعالى عليه- أهل البدعة يعتقدون ثم يستدلون, وأهل السنة يستدلون ثم يعتقدون؟ مداخلة: نعم. الشيخ: يعني هذا معناه: أن أهل السنة تبع للدليل؟ مداخلة: نعم. الشيخ: أما أهل البدعة فتبع لبدعتهم ثم يحاولون تقريرها بالاستدلال لها، وهذا معناه اتباع الهوى؛ ولذلك فأهل السنة هم بعيدون عن الهوى. "الهدى والنور" (650/ 00: 00: 00) [19] باب ما المقصود بالجماعة في قولنا أهل السنة والجماعة؟ [قال الإمام]: هي "أي الجماعة": ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه، وهي الفرقة

[20] باب مصادر الاستدلال عند أهل السنة: الكتاب, السنة, فهم سلف الأمة، وبيان أثر التنكب عن منهج فهم السلف في أبواب العقيدة

الناجية، وهي طائفة أهل الحديث ومن اتبع سبيلهم من أتباع المذاهب وغيرهم. "التعليق على متن الطحاوية" (ص108). [20] باب مصادر الاستدلال عند أهل السنة: الكتاب, السنة, فهم سلف الأمة، وبيان أثر التنكب عن منهج فهم السلف في أبواب العقيدة (¬1) المقدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه، وبعد: فإن الله تعالى، قد من علينا بنعمة الإيمان، ومنَّ على الأمة بعلماء هم الذين أكرمهم الله تعالى بما أعطاهم من علم لِيُنيروا للناس السبيل إلى الله وإلى عبادة الله عز وجل، وهم ورثة الأنبياء بلا ريب، ومجيئنا كان دافعه وسيبقى إن شاء الله، مرضاة الله عز وجل أولاً، وطلب العلم الذي يوصل إلى ذلك إن شاء الله، وواللهِ إنها لساعة طيبة أن نلتقي بشيخنا وبعالمنا وبأستاذنا الكبير الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، باسم أهالي الحي أولاً - حي شُويكَة - نرحب أجمل ترحيب بشيخنا الفاضل، وباسم أهالي المَفْرَقْ - وعلى وجه الخصوص طلبة العلم فيها - يرحبون أيضاً جميعاً وهم على شوقٍ كانوا في أن يلتقوا اليوم مع أستاذنا الكريم، ولا ضير فكلنا شوق إلى سماع ما عنده من دُرَرِ العلم ومن الحكمة إن شاء الله، فلنستمع إليه فيما مَنَّ الله تعالى عليه من علمه، ثم بعد أن يكتفيْ، أو أن يكتفيَ شيخنا، فإن باب السؤال سيفتح، على أن يكون السؤال مكتوباً والوُرَيْقاتُ متوفرة ¬

(¬1) سيأتي الكلام على فهم السلف وأهميته بأوسع من هنا في مقدمة "جامع تراث العلامة الألباني في المنهج" يسر الله نشره، واقتصرت هنا على بعض ذلك كما نبهت عليه في المقدمة.

إن شاء الله، ساعة طيبة أكرر، وأهلاً بشيخنا الكريم. الشيخ: أهلاً بكم، إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أشكر الأخ الأستاذ / إبراهيم على كلمته، وعلى ثنائه، وليس لي ما أقوله لقاء ذلك إلا الإقتداء بالخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، الذي كان الخليفة الحق والأول لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومع ذلك فكان إذا سمع شخصاً يُثْني عليه خيراً - وأعتقد أن ذلك الثناء مهما كان صاحبه قد غلا فيه فما دام أنه خليفة رسول الله - فهو بحق، ومع ذلك - الله المستعان -، ومع ذلك كان يقول: اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، هذا يقوله الصديق الأكبر، فماذا نقول نحن من بعده؟ فأقول - إقتداءً به -: اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون. الحَقَّ - والحَقَّ أقول - لَسْتُ بذاك الموصوف الذي سمعتموه آنفاً من أخينا الفاضل إبراهيم، وإنما أنا طالب علم، لا شيء آخر، وعلى كل طالبٍ أن يكون عند قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «بلغوا عني ولو آية، بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» (¬1) رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو. ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم2837).

على هذا - وتجاوباً مع هذا النص النبوي الكريم والنصوص الأخرى المتواردة والمتتابعة في كتاب الله وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نقوم بجهد من تبليغ الناس ما قد لا يعلمونه، ولكن هذا لا يعني أننا أصبحنا عند حُسْنَ ظن إخواننا بنا، ليس الأمر كذلك. الحقيقة التي أشعر بها من قرارة نفسي أنني حينما أسمع مثل هذا الكلام أتذكر المثل القديم المعروف عند الأدباء، ألا وهو "إن البُغاث بأرضنا يَسْتَنْسِرُ"، "إن البُغاث بأرضنا يَسْتَنْسِرُ"، قد يخفى على بعض الناس المقصود من هذا الكلام أو من هذا المثل، البُغاث: هو طائر صغير لا قيمة له، فيصبح هذا الطير الصغير، نسراً عند الناس، لجهلهم بقوة النسر وضخامته، فصدق هذا المثل على كثيرٍ ممن يدْعُونَ بحق وبصواب، أو بخطأٍ وباطلٍ إلى الإسلام. لكن الله يعلم أنه خَلَتِ الأرض - الأرض الإسلامية كلها - إلا من أفرادٍ قليلين جداً جداً ممن يصح أن يقال فيهم: فلان عالم، كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله لا ينتزع العلم انْتِزاعا من صدور العلماء ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقي عالماً - هذا هو الشاهد - حتى إذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهَّالاً فَسُئِلوا فأفتوا بغير علمٍ فضلوا وأضلوا» (¬1). إذا أراد الله أن يقبض العلم، لا ينتزعه انتزاعاً من صدور العلماء، بحيث أنه يصبح العالم كما لو كان لم يتعلم بالمرة، لا، ليست هذه من سنة الله عز وجل، في ¬

(¬1) البخاري (رقم6877) ومسلم (رقم6974).

عباده، وبخاصة عباده الصالحين - أن يَذْهَبَ من صدورهم بالعلم الذي اكتسبوه، إرضاءً لوجه الله عز وجل - كما سمعتم آنفاً - كلمة ولو وجيزة من الأخ إبراهيم بارك الله فيه أن هذا الاجتماع إنما كان لطلب العلم، فالله عز وجل حكمٌ عدلٌ لا ينتزع العلم من صدور العلماء حقاً، ولكنه جرت سنة الله عز وجل في خلقه، أن يقبض العلم بقبض العلماء إليه، كما فعل بسيد العلماء والأنبياء والرسل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، حتى إذا لم يُبْقِِ عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فَسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، ليس معنى هذا: أن الله عز وجل يُخْلي الأرض، من عالمٍ تقوم به حجة الله على عباده، ولكن معنى هذا: أنه كلما تأخر الزمن كلما قَلَّ العلم، وكلما تأخر ازداد قلةً ونقصاناً حتى لا يَبْقى على وجه الأرض من يقول: الله، الله. هذا الحديث تسمعونه مراراً - وهو حديث صحيح -: «لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله، الله» (¬1)، «من يقول: الله الله»، وكثيراً من أمثال هؤلاء المشار إليهم في آخر الحديث المذكور، قَبْض الله العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقي عالماً اتخذ الناس رؤوسا جُهّالاً، من هؤلاء الرّؤوس، من يفسر القرآن والسنة بِتَفاسير مُخالفة لما كان عليه العلماء - لا أقول: سلفاً فقط بل وخلفاً أيضاً-. فإنهم يحتجون بهذا الحديث: (الله، الله) على جواز بل على استحباب ذكر الله عز وجل باللفظ المفرد (الله، الله) ... إلى آخره، لكي لا يغتر مُغْتَر ما أو يجهل جاهلٌ ما حينما يسمع هذا الحديث بمثل ذلك التأويل بدا لي ولو عرضاً أن أُذَكِّرَ إخواننا الحاضرين بأن هذا التفسير باطلٌ:- ¬

(¬1) مسلم (رقم392).

أولاً: من حيث أنه جاء بيانه في رواية أخرى عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. وثانياً: لأن هذا التفسير لو كان صحيحاً لجرى عليه عمل سلفنا الصالح رضي الله عنهم، فإذْ لم يفعلوا دل إعراضهم عن الفعل بهذا التفسير على بطلان هذا التفسير. فكيف بكم إذا انضم إلى هذا الرواية الأخرى - وهذا بيت القصيد كما يقال - أن الإمام أحمد رحمه الله روى هذا الحديث في مسنده (¬1) بالسند الصحيح بلفظ: «لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله» إذن هذا هو المقصود بلفظة الجلالة المكرر، المكررة في الرواية الأولى، الشاهد: أن الأرض اليوم مع الأسف الشديد خَلَتْ من العلماء الذين كانوا يملؤون الأرض الرحبة الواسعة بعلمهم وينشرونه بين صفوف أمتهم فأصبحوا اليوم كما قيل: وقد كانوا إذا عدوا قليلاً ... فصاروا اليوم أقل من القليلِ فنحن نرجو من الله عز وجل أن يجعلنا من طلاب العلم الذين يَنْحَوْنَ منحى العلماء حقاً ويسلكون سبيلهم صِدْقاً، هذا ما نرجوه من الله عز وجل أن يجعلنا من هؤلاء الطلاب السالكين ذلك المسلك الذي قال عنه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من سلك طريقاً يلتمس به علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة» رواه مسلم (¬2). وهذا يفتح لي باب الكلام على هذا العلم، الذي يُذْكَرُ في القرآن كثيراً وكثيراً جداً، كَمِثْلِ قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (الزمر:9) وقوله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ¬

(¬1) (3/ 201رقم13104). (¬2) (رقم7028).

دَرَجَاتٍ} (المجادلة:11) ما هو هذا العلم الذي أثنى الله عز وجل على أهله والمتلبسين به وعلى من سلك سبيلهم؟ الجواب - كما قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تلميذ شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله -: العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتَّمْويه ما العلم نَصْبَكَ للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه كلاّ ولا جَحْد الصفات ونفيها ... حذراً من التمثيل والتشبيه فالعلم إذن نأخذ من هذه الكلمة ومن هذا الشعر الذي نادراً ما نسمعه في كلام الشعراء لأن شعر العلماء هو غير شعر الشعراء، فهذا رجل عالم، ويُحْسِنُ الشعر أيضاً، فهو يقول: العلم: "قال الله"، في المرتبة الأولى، "قال رسول الله" في المرتبة الثانية، "قال الصحابة" في المرتبة الثالثة، هنا سأجعل كلمتي في هذه الأمسية الطيبة المباركة إن شاء الله، كلمة ابن القيم هذه تُذَكِّرُنا بحقيقة هامة جداً جداً طالما غفل عنها جمهور الدعاة المنتشرين اليوم في الإسلام باسم الدعوة إلى الإسلام، هذه الحقيقة ما هي؟ المعروف لدى هؤلاء الدعاة جميعاً: أن الإسلام إنما هو كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذا حق لا ريب فيه ولكنه ناقص هذا النقص هو الذي أشار إليه ابن القيم في شِعْرِهِ السابق فَذَكَرَ بعد الكتاب والسنة، الصحابة، العلم: قال الله قال رسوله قال الصحابة ... إلى آخره. الآن نادراً ما نسمع أحداً يَذْكُرُ مع الكتاب والسنة، الصحابة، وهم كما نعلم جميعاً رأس السلف الصالح الذين تواتر الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «خير

الناس قرني» ولا تقولوا كما يقول الجماهير من الدعاة: خير القرون، خير القرون ليس له أصل في السنة، السنة الصحيحة في الصحيحين وغيرهما من مراجع الحديث والسنة مُطْبِقَة على رواية الحديث بلفظ: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (¬1). هؤلاء الصحابة الذين هم على رأس القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، ضَمَّهم الإمام ابن قيم الجوزية إلى الكتاب والسنة، فهل كان هذا الضم منه رأياً واجتهاداً واستنباطاً يمكن أن يتعرض للخطأ؟ لأن لكل جواد كَبْوَة، إنْ لم نقل: بل كبوات. الجواب: لا، هذا ليس من الاستنباط ولا هو من الاجتهاد الذي يقبل احتمال أن يكون خطأً، وإنما هو اعتماد على كتاب الله وعلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أما الكتاب: فقول ربنا عز وجل في القرآن الكريم: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115)، {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} لم يقتصر ربنا عز وجل في الآية - ولو فعل لكان حقاً - لم يقل: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى وإنما قال - لحكمة بالغة وهي التي نحن الآن في صدد بيانها وشرحها قال: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}، {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (النساء:115) هذه الآية أرجو أن تكون ثابتةً في ألبابكم وفي قلوبكم ولا تذهب عنكم، لأنها الحق مثلما أنكم تنطقون وبذلك تنجون عن أن تنحرفوا يميناً أو يساراً وعن أن تكونوا ولو في جزئية واحدة أو في مسألة واحدة من فرقة من الفرق الغير الناجية، إن لم نقل: من الفرق الضالة، لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال ¬

(¬1) البخاري (رقم2509) ومسلم (رقم6635).

في الحديث المعروف وأقتصر منه الآن على الشاهد منه: «وسَتَفْتَرِقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فِرْقَة كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «هي الجماعة» (¬1) الجماعة: هي سبيل المؤمنين، فالحديث إنْ لم يكن وحياً مباشراً من الله على قلب نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإلا فهو اقتباس من الآية السابقة: {ويتبع غير سبيل المؤمنين} إذا كان من يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين قد أُوْعِدَ بالنار، فالعكس بالعكس: من اتبع سبيل المؤمنين فهو مَوْعود بالجنة ولا شك ولا ريب، إذن رسول الله لما أجاب عن سؤال: ما هي الفرقة الناجية؟ من هي؟ قال: «الجماعة»، إذن، الجماعة: هي طائفة المسلمين، ثم جاءت الرواية الأخرى تُؤَكِّدُ هذا المعنى بل وتزيده إيضاحاً وبياناً، حيث قال عليه السلام: «هي ما أنا عليه وأصحابي»، «أصحابي» إذن هي سبيل المؤمنين، فحينما قال ابن القيم رحمه الله في كلامه السابق ذِكْره "والصحابة" وأصحابه عليه السلام، فإنما اقتبس ذلك من الآية السابقة ومن هذا الحديث، كذلك الحديث المعروف حديث العرباض ابن سارية رضي الله تعالى عنه أيضاً أَقْتَصِر منه الآن - حتى نُفْسِحَ المجال لبعض الأسئلة- على مَوْضِع الشاهد منه، حيث قال عليه السلام: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» (¬2). إذن، هنا كالحديث الذي قبله وكالآية السابقة، لم يَقُلِ الرسول عليه السلام: فعليكم بسنتي فقط، وإنما أضاف أيضاً إلى سُنَّتِهِ: سنة الخلفاء الراشدين، من هنا، نحن نقول وبخاصة في هذا الزمان، زمان تضاربت فيه الآراء والأفكار والمذاهب وتكاثرت الأحزاب والجماعات حتى أصبح كثير من الشباب المسلم يعيش ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم2042) (¬2) صحيح الجامع (رقم2549).

حيران، لا يدري إلى أي جماعة ينتسب؟ فَهُنا يأتي الجواب في الآية وفي الحديثين المذكورين، اتبعوا سبيل المؤمنين، سبيل المؤمنين في العصر الحاضر؟ الجواب: لا، وإنما في العصر الغابر، العصر الأول، عصر الصحابة، السلف الصالح، هؤلاء ينبغي أن يكونوا قدوتنا وأن يكونوا متبوعنا، وليس سواهم على وجه الأرض مطلقاً. إذن دعوتنا - هنا الشاهد وهنا بيت القصيد- تقوم على ثلاثة أركان على الكتاب والسنة وإتباع السلف الصالح، فمن زعم بأنه يتبع الكتاب والسنة ولا يتبع السلف الصالح، ويقول بلسان حاله وقد يقول بلسان قاله وكلامه: هم رجال ونحن رجال، فإنه يكون في زَيْغٍ وفي ضلال، لماذا؟ لأنه ما أخذ بهذه النصوص التي أسمعناكم إياها آنفاً، لقد اتبع سبيل المؤمنين؟ لا، لقد اتبع أصحاب الرسول الكريم؟ لا، ما اتبع؟ اتبع إن لم أقل هواه، فقد اتبع عقله، والعقل معصوم؟ الجواب: لا، إذن فقد ضل ضلالاً مبيناً، أنا أعتقد أن سبب الخلاف الكثير المتوارث في فرق معروفة قديماً والخلاف الناشئ اليوم حديثاً هو: عدم الرجوع إلى هذا المصدر الثالث: وهو السلف الصالح فكلٌّ يدَّعي الانتماء إلى الكتاب والسنة، وطالما سمعنا مثل هذا الكلام من الشباب الحيران، حيث يقول: يا أخي هؤلاء يقولون: الكتاب والسنة، وهؤلاء يقولون: الكتاب والسنة فما هو الحَكَمُ الفصل؟ الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، فمن اعتمد على الكتاب والسنة دون أن يعتمد على السلف الصالح ما اعتمد على الكتاب والسنة، وإنما اعتمد على عقله، إنْ لم أقل: على هواه. من عادتي أن أضرب بعض الأمثلة، لتوضيح هذه المسألة بل هذا الأصل الهام، وهو على "منهج السلف الصالح"، هناك كلمة تُرْوى عن الفاروق عمر ابن

الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: إذا جادلكم أهل الأهواء والبدع بالقرآن فجادلوهم بالسنة، فإن القرآن حَمّالُ وجوه، من أجل، لماذا قال عمر هذه الكلمة؟ أقول: من أجل ذلك قال الله عز وجل مخاطباً نبيه عليه السلام في القرآن بقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) تُرى هل يستطيع مسلم عربي - هو كما يقال سيبويه زمانه في المعرفة باللغة العربية وأدبها وأسلوبها - هل يستطيع أن يفهم القرآن من غير طريق رسولنا - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ الجواب: لا، وإلا كان قوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) عبثاً، وحاشى كلام الله أن يكون فيه أي عبث، إذن، من أراد أن يفهم القرآن من غير طريق الرسول عليه السلام فقد ضل ضلالاً بعيداً، ثم هل بإمكان ذلك الرجل أن يفهم القرآن والسنة من غير طريق الرسول عليه الصلاة والسلام (أظن هنا سبق لسان من الشيخ رحمه الله وأظنه يقصد الصحابة رضوان الله عليهم)؟ الجواب - أيضاً -: لا، ذلك لأنهم هم الذين:- أولاً: نقلوا إلينا لفظ القرآن الذي أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام. وثانياً: نقلوا لنا بيانه عليه السلام الذي ذُكِرَ في الآية السابقة وتطبيقه عليه الصلاة والسلام لهذا القرآن الكريم، هنا لابد لي من وقفة أرجو أن تكون قصيرة، بيانه عليه السلام يكون على ثلاثة أنواع: 1 - لفظاً. 2 - وفعلاً. 3 - وتقريراً.

لفظا ً: من الذي ينقله؟ أصحابه، فعله: من الذي ينقله؟ أصحابه، تقريره: من الذي ينقله؟ أصحابه، من أجل ذلك لا يمكننا أن نَسْتَقِلَّ في فهم الكتاب والسنة على مداركنا اللغوية فقط، بل لابد أن نستعين على ذلك، لا يعني هذا أن اللغة نستطيع أن نستغني عنها، لا، ولذلك نحن نعتقد جازمين أن الأعاجم الذين لم يُتْقِنوا اللغة العربية وقعوا في أخطاء كثيرة وكثيرة جداً، وبخاصة إذا وقعوا في هذا الخطأ الأصولي: وهو عدم رجوعهم إلى السلف الصالح في فهم الكتاب والسنة، لا أعني من كلامي السابق عدم الاعتماد على اللغة، كيف؟ وإذا أردنا أن نفهم كلام الصحابة فلا بد أن نفهم اللغة العربية كما أنه لابد لفهم القرآن والسنة من معرفة اللغة العربية، لكننا نقول: إن بيان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - المذكور في الآية السابقة، هو على ثلاثة أقسام: 1 - قول. 2 - وفعل. 3 - وتقرير. لنضرب مثلاً أو أكثر - إذا اضطررنا إليه لنستوعب أن هذا التقسيم هو الأمر الواقع ماله من دافع -: قوله تبارك وتعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} (المائدة:38) السارق - انظروا الآن كيف لا يمكننا أن نعتمد في تفسير القرآن على اللغة فقط - السارق لغةً: هو كل من سرق مالاً من مكانٍ حَريز، مهما كان هذا المال ليس ذا قيمة، سرق بيضة - مثلاً - سرق فلساً، قرشاً، هذا لغةً: سارق، قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} (المائدة:38)، هل كل من سرق تُقْطَعْ يده؟ الجواب: لا، لِمَ؟ لأن المُبَيِّن الذي تولى تَبْيينَ المُبَيَّن - المُبَيِّن رسول الله، والمُبَيَّن كلام الله - قد بين لنا رسول الله من الذي تقطع يده من

السارقين فقال: «لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً» (¬1) أخرجه البخاري ومسلم من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، فمن سرق أقل من رُبْع دينار - وإن كان يُسَمّى لغةً: سارق - ولكنه لا يُسَمّى شرعاً سارقاً، إذن من هنا نتوصل إلى حقيقة علمية كثير من طلاب العلم هم غافلون عنها، هناك لغةٌ عربية متوارثة ولغة شرعية، الله اصطلح عليها لم يكن للعرب الذين يتكلمون بلغة القرآن التي نزل بها القرآن ما كانوا يعرفون من قبل مثل هذا الاصطلاح، فإذا أطلق السارق لغةً: شَمِلَ كل سارق، أما إذا ذُكِرَ السارق شرعاً، فلا يشمل كل سارق، وإنما من سرق ربع دينار فصاعداً، إذن: هذا مثالٌ واقعي أننا لا نستطيع أن نستقل في فهم الكتاب والسنة على معرفتنا باللغة العربية، وهذا ما يقع فيه كثير من الكُتّاب المعاصرين اليوم، يُسَلِّطون معرفتهم باللغة العربية على آيات ٍكريمة والأحاديث النبوية فيفسرونها، فيأتوننا بتفسير بِدْعِيٍّ لا يعرفه المسلمون من قبل، لذلك نقول يجب أن نفهم أن دعوة الإسلام الحق هي قائمة على ثلاثة أصول وعلى ثلاثة قواعد: 1 - الكتاب. 2 - والسنة. 3 - وما كان عليه سلفنا الصالح. {والسارق والسارقة} إذن لا تُفَسَّر هذه الآية على مُقْتَضى اللغة، وإنما على مُقْتَضى اللغة الشرعية التي قالت: «لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً» ثم قال في تمام الآية: {فاقطعوا أيديهما} ما هي اليد في اللغة؟ هذه كلها يد من أنامل إلى .. ¬

(¬1) مسلم (رقم4494).

فهل تقطع من هنا أم من هنا أم من هنا بين ذلك الرسول بفعله، ليس عندنا هناك حديث صحيح - كما جاء في تحديد السرقة التي يستحق السارق أن تُقْطَع يده من أجلها ليس عندنا حديث - يحدد لنا مكان القطع من بيانه القولي، وإنما عندنا بيان فعلي تطبيقي عملي، من أين نعرف هذا التطبيق؟ من سلفنا الصالح أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، هذا هو القسم الثاني وهو البيان الفعلي. القسم الثالث: إقرار الرسول عليه السلام للشيء: لا يُنْكِرُهُ ولا ينهى عنه، هذا الإقرار ليس قولاً منه، ولا فعلاً صدر منه، إنما هذا الفعل صدر من غيره، كل ما صدر منه أنه رأى وأقر، فإذا رأى أمراً وسكت عنه وأقره صار أمراً مقرراً جائزاً، وإذا رأى أمراً فأنكره ولو كان ذلك الأمر واقعاً من بعض الصحابة ولكن ثبت أنه نهى عنه حينئذٍ هذا الذي نهى عنه يختلف كل الاختلاف عن ذلك الذي أقره، وهاكم المثال للأمرين الاثنين - وهذا من غرائب الأحاديث -: يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما: كنا نشرب ونحن قيام، ونأكل ونحن نمشي، في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام. تحدث عبد الله في هذا الحديث عن أمرين اثنين: 1 - عن الشرب من قيام. 2 - وعن الأكل ماشياً. وأن هذا كان أمراً واقعاً في عهد الرسول عليه السلام، فما هو الحكم الشرعي بالنسبة لهذين الأمرين: الشرب قائماً والأكل ماشياً؟ إذا طبقنا كلامنا السابق نستطيع أن نأخذ الحكم طبعاً بضميمة لا بُدَّ منها وهي: من كان على علمٍ بما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قولاً وفعلاً وتقريراً، فإذا رجعنا إلى السنة الصحيحة فيما يتعلق بالأمر الأول الذي ابْتُلِيَ كثير من المسلمين إنْ لم أقل ابْتُلِيَ به أكثر المسلمين

بمخالفة قول الرسول الكريم، ألا وهو: الشرب قائماً - كانوا يشربون قياماً كانوا يلبسون الذهب كانوا يلبسون الحرير هذه حقائق لا يمكن إنكارها - لكن هل أقر الرسول ذلك؟ الجواب: أنكر شيئاً وأقر شيئاً، فما أنكره صار في حدود المُنْكَر، وما أقره صار في حدود المعروف، فأنكر الشرب قائماً في أحاديث كثيرة - ولا أريد الإفاضة فيها حتى ما نخرج -: أولاً: عما خططنا لأنفسنا من أن نختصر الكلام في هذا الموضوع إفساحاً لمجال الأسئلة. وثانياً: إن هذه المسألة لِوَحْدِها تحتاج إلى جلسة خاصة. لكن حسبي أن أروي لكم حديثاً صحيحاً أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (¬1) من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الشرب قائماً» وفي لفظٍ: «زَجَرَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الشرب قائماً» إذن هذا الذي كان يفعل بشهادة حديث ابن عمر في عهد الرسول عليه السلام قد نهى هو عنه، فصار ما كانوا يفعلونه أمراً ملغياًّ، بِنَهْيِ الرسول عنه، لكن الشطر الثاني من الحديث وهو: أنهم كانوا يأكلون وهم يمشون، ما جاءنا نَهْيٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فاستفدنا من هذا الإقرار حكماً شرعياً، إلى هنا أكتفي الآن لبيان ضرورة الاعتماد على فهم الكتاب والسنة على ما كان عليه السلف الصالح وليس أن يستقل الإنسان بفهم الكتاب والسنة كيف ما بدا لعلمه إن لم نقل: لجهله. لكن لابد بعد أن تَبَيَّنَ أهمية هذا القيد "على منهج السلف الصالح" أن أُقَرِّبَ لكم بعض الأمثلة: ¬

(¬1) (رقم5393) بلفظ: «زَجرَ عن الشرب»، وعنده بلفظ: «نهى» من حديث أبي سعيد الخدري (رقم5397).

قديماً تفرق المسلمون إلى فرق كثيرة: تسمعون بالمعتزلة، تسمعون بالمرجئة، تسمعون بالخوارج، تسمعون بالزيدية فضلاً عن الشيعة الرافضة وهكذا، ما في هؤلاء طائفة مهما كانت عريقةً في الضلال لا يشتركون مع سائر المسلمين، في قولهم: نحن على الكتاب والسنة، ما أحد منهم يقول: نحن لا نتبنى الكتاب والسنة، وإلا لو قال أحد منهم هذا خرج من الإسلام بالكلية، إذن، لماذا هذا التفرق ما دام أنهم جميعاً يعتمدون على الكتاب والسنة؟ وأنا أشهد أنهم يعتمدون على الكتاب والسنة، ولكن كيف كان هذا الاعتماد؟ دون الاعتماد على الأصل الثالث: "على ما كان عليه السلف الصالح" مع ضميمةٍ أخرى لابد أيضاً من التنبيه عليها وهي: أن السنة تختلف كل الاختلاف عن القرآن الكريم، من حيث: أن القرآن الكريم محفوظ بين دفتي المصحف كما هو معلوم لدى الجميع، أما السنة فهي: أولاً: موزعة في مئات الكتب - إن لم أقل: ألوف الكتب - منها قسم كبير جداً لا يزال في عالم الغيب في عالم المخطوطات، ثم حتى هذه الكتب المطبوعة منها اليوم فيها الصحيح وفيها الضعيف، فالذين يعتمدون على السنة سواء كانوا من الذين ينتمون إلى أهل السنة والجماعة وعلى منهج السلف الصالح، أو كانوا من الفرق الأخرى، كثير من هؤلاء من لا يميزون السنة الصحيحة من الضعيفة، فيقعون في مخالفة الكتاب والسنة، بسبب اعتمادهم على أحاديث ضعيفة أو موضوعة، الشاهد: هناك بعض الفرق التي أشرنا إليها تُنْكِرُ بعض الحقائق القرآنية والأحاديث النبوية قديماً وأيضاً حديثاً، القرآن الكريم يثبت ويبشر المؤمنين بنعمة عظيمة جداً يحظَوْن بها يوم يلقون الله عز وجل في جنة النعيم، حيث يتجلى رب العالمين عليهم فيرونه، كما قال ذلك العالم السلفي:

يراه المؤمنون بغير كيف ... وتشبيهٍ وضربٍ من مثالِ هذا عليه نصوص من القرآن وعشرات النصوص من أحاديث الرسول عليه السلام، كيف أَنْكَرَ هذه النعمة بعض الفرق القديمة والحديثة؟ أما القديمة: المعتزلة اليوم لا يوجد فيما علمت على وجه الأرض من يقول: نحن معتزلة، نحن على مذهب المعتزلة، لكنني رأيت رجلاً أحمق، يعلن أنه معتزلي وينكر حقائق شرعية جداً، لأنه ركب رأسه، فأولئك المعتزلة أنكروا هذه النعمة، وقالوا: بعقولهم الضعيفة، قالوا: مستحيل أن يُرَى الله عز وجل، فماذا فعلوا؟ هل أنكروا القرآن؟ الله يقول في القرآن الكريم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} (القيامة:22، 23) هل أنكروا هذه الآية؟ لا، لو أنكروها لكفروا وارتدوا، لكن إلى اليوم أهل السنة حقاً يحكمون على المعتزلة بالضلال، لكن لا يُخْرِجونهم من دائرة الإسلام، لأنهم ما أنكروا هذه الآية، وإنما أنكروا معناها الحق الذي جاء بيانه في السنة كما سنذكر، فالله عز وجل حين قال في حق المؤمنين أهل الجنة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} (القيامة:22، 23) تأولوها، دوبَلوا عليها آمنوا بها لفظاً، وكفروا بها معنىً، والألفاظ - كما يقول العلماء: - هي قوالب المعاني، فإذا آمنا باللفظ وكفرنا بالمعنى فهذا الإيمان لا يُسْمِنُ ولا يغني من جوع، لكن لماذا هؤلاء أنكروا هذه الرؤيا؟ ضاقت عقولهم أن يتصوروا وأن يتخيلوا أن هذا العبد المخلوق العاجز، بإمكانه أن يرى الله عز وجل جهرةً، كما طلب اليهود من موسى، فأعجزهم الله عز وجل بالقصة المعروفة: {انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} (الأعراف:143) ضاقت عقولهم، فاضطروا أن يتلاعبوا بالنص القرآني وأن يؤولوه، لماذا؟ لأن إيمانهم بالغيب ضعيف وإيمانهم بعقولهم أقوى من إيمانهم بالغيب الذي أُمِروا به في مطلع سورة البقرة: {ألم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة:1 - 3) فالله غيب الغيوب، فمهما

ربنا تحدث عن نفسه، فعلينا أن نصدق وأن نؤمن به، لأن مدارِكِنا قاصرة جداً، ما اعترف المعتزلة بهذه الحقيقة، ولذلك جحدوا كثيراً من الحقائق الشرعية، منها: قوله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} (القيامة:22، 23) كذلك الآية الأخرى وهي قد تكون أخفى بالنسبة لأولئك الناس من الآية الأولى، وهي قوله عز وجل: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس:26)، {للذين أحسنوا الحسنى} أي: الجنة، {وزيادة} أي: رؤية الله في الآخرة، هكذا جاء الحديث في صحيح مسلم بسنده الصحيح عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: {للذين أحسنوا الحسنى} قال عليه السلام: «الجنة»، {وزيادة}: «رؤية الله». أنكر المعتزلة وكذلك الشيعة - وهم معتزلة في العقيدة -، الشيعة معتزلة في العقيدة أنكروا رؤية الله، المصرح في الآية الأولى والمبين من رسول الله في الآية الأخرى، مع تواتر الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأوقعهم تأويلهم للقرآن في إنكار الأحاديث الصحيحة عن الرسول عليه السلام، فخرجوا عن أن يكونوا من الفرقة الناجية: «ما أنا عليه وأصحابي» الرسول كان على الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم، لأنه جاء في الصحيحين من أحاديث جماعة من أصحاب الرسول عليه السلام، منهم: أبو سعيد الخدري، منهم: أنس بن مالك، خارج الصحيح أبو بكر الصديق وهكذا، قال عليه الصلاة والسلام: «إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته» (¬1)، روايتين: 1 - «لا تضامُون» بالتخفيف. 2 - و «لا تضامُّون» بالتشديد. والمقصود: لا تَشُكّون في رؤيته كما لا تشكون في رؤية القمر ليلة البدر ليس ¬

(¬1) البخاري (رقم529) ومسلم (رقم1466).

دونه سحاب، أنكروا هذه الأحاديث بعقولهم، إذن هم ما سَلَّموا وما آمنوا، فكانوا ضعيفي الإيمان هذا مثال مما وقع فيه بعض الفرق قديماً. وعلى هذا حديثاً اليوم: الخوارج، ومنهم: الإباضية، الذين الآن نشطوا في الدعوة إلى ضلالهم، ولهم مقالات الآن ورسائل ينشرونها، ويُحْيون الخروج الذي عُرِفَ به الخوارج من قديم في كثير من انحرافاتهم، منها: إنكارهم رُؤْيَة الله عز وجل في الجنة. الآن نأتيكم بمثال حديث: القاديانيون، ربما سمعتم بهم، هؤلاء يقولون كما نقول: نحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، يصلون الصلوات الخمس، يقيمون الجمعة، يحجون إلى بيت الله الحرام، ويعتمرون، لا فرق بيننا وبينهم هم كمسلمين، لكنهم يخالفوننا في كثير من العقائد منها - وهنا الشاهد - قولهم: بأن النبوة لم تُغْلَق بابها، يقولون بأنه سيأتي أنبياء بعد محمد عليه السلام، ويزعمون بأنه جاء أحد منهم في قاديان في بلدة في الهند، فمن لم يؤمن بهذا النبي عندهم فهو كافر، كيف قالوا هذا مع الآية الصريحة: {وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)؟ كيف قالوا هذا مع الأحاديث المتواترة بأنه: «لا نبي بعدي» (¬1)؟ فأوَّلوا القرآن والسنة، وما فسروا القرآن والسنة كما فسرها السلف الصالح وتتابع أيضاً المسلمون على ذلك، دون خلاف بينهم، حتى جاء هذا الزائغ الضال المسمى بميرزا غلام أحمد القادياني، فزعم بأنه نبي، وله قصة طويلة لسنا الآن في صددها، فاغتر به كثير ممن لا علم عندهم بهذه الحقائق التي هي: صيانة للمسلم من أن ينحرف يميناً ويساراً كما انحرف القاديانيون هؤلاء مع ¬

(¬1) البخاري (رقم3268) ومسلم (4879).

[21] باب كلمة حول مصادر الاستدلال عند أهل السنة، مع التعرض لبيان موقع العقل من هذه المصادر، وبيان خطأ تقسيم الأحاديث إلى ظنية ويقينية وما يترتب على ذلك

دجالهم هذا الذي ادعى النبوة، ماذا فعل بالآية: {وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)؟ قالوا: «خاتم النبيين»: مِشْ معناها: لا نبي بعده، معناها: زينة النبيين، كما أن الخاتم هو: زينة الإصبع، كذلك محمد زينة الأنبياء، إذن هم ما كفروا بالآية، ما قالوا: هذه ما أنزلها الله على قلب محمد، لكن كفروا بمعناها الحقيقي، إذن، ماذا يفيد الإيمان بالألفاظ دون الأيمان بحقائق المعاني، إذا كانت هذه حقيقة لا شك فيها، ما هو الطريق للوصول إلى معرفة حقائق المعاني للكتاب والسنة؟ قد عرفتم الطريق، ليس هو أن نعتمد نحن على عِلْمِنا باللغة وآدابها ونفسر القرآن والسنة بأهوائنا أو عاداتنا أو تقاليدنا أو مذاهبنا أو طرقنا، وإنما كما قيل - وأنهي الكلام بهذا القول -: وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف لعل في هذا ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .. "الهدى والنور" (640/ 00:00:40) [21] باب كلمة حول مصادر الاستدلال عند أهل السنة، مع التعرض لبيان موقع العقل من هذه المصادر، وبيان خطأ تقسيم الأحاديث إلى ظنية ويقينية وما يترتب على ذلك الشيخ: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 102)، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا

زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 70 - 71). أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أمامي سؤالان يلتقيان في نقطة واحدة، وهي: السؤال عن حزب التحرير. السؤال الأول يقول: قرأت كثيرا عن حزب التحرير، وقد أعجبني كثير من أفكارهم، فأريد منك أن تشرح أو أن تفيدنا بنبذة عن حزب التحرير؟ السؤال الثاني: يدندن حول الموضوع، ولكن يريد شرحا فيقول: نريد منك شرحا موسعا عن حزب التحرير، وأهدافه، وأفكاره، وأخطائهم، وهل تغلغلت في العقيدة؟ جواباً عن هذين السؤالين: أنا أقول: إن أي حزب وليس فقط أعني حزب التحرير، من دون الأحزاب الإسلامية، أو التكتلات الإسلامية، أو التجمعات الإسلامية، أي جماعة من هذه الجماعات لم تقم جماعتها ولم تقم أحزابها على كتاب الله وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - زيادة على المصدرين المذكورين، أقول: وعلى منهج السلف الصالح، أي حزب لا يقوم على الكتاب السنة ومنهج السلف الصالح فهو بلا شك ستكون عاقبة أمره خسراً، وأنه مهما كان مخلصاً في دعوته، وبحثي أو جوابي هذا إنما هو عن هذه الجماعات الإسلامية التي يفترض أن تكون

مخلصة لدين الله عز وجل وناصحة للأمة كما جاء في الحديث الصحيح ألا وهو قوله: - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة،. قالوا: لمن يا رسول الله؟. قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (¬1). فإذا لم تكن دعوة أي حزب من هذه الأحزاب قائمة على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح فسوف لا يجنون من دعوتهم إلا خساراً، ذلك لأن الأمر كما قال رينا عز وجل في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (العنكبوت: 69). فمن كان جهاده لله، وعلى كتاب الله وعلى سنة رسول الله، وعلى منهج السلف الصالح فهؤلاء هم الذين ينطبق عليهم قول الله عز وجل: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} (محمد: 7). أكرر على مسامعكم هذا الأصل العظيم الذي لا بد لكل جماعة مسلمة أن تقوم دعوتها عليه: الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح. إذا كان الأمر كذلك فأنا أقول بناء على معرفتي بكل الجماعات والأحزاب القائمة اليوم على الأرض الإسلامية: أنهم جميعاً إلا جماعة واحدة، ولا أقول: إلا حزبا واحدا؛ لأن هذه الجماعة لا تتحزب، ولا تتكتل ولا تتعصب إلا للأصل المذكور أنفا، ألا وهو: كتاب الله وسنة رسول الله، ومنهج السلف الصالح. فأنا أعرف جيدا أنه سوى هذه الجماعة لا تدعو إلى هذا الأصل الذي وضحته آنفاً, وكررته مرارا وتكرارا على مسامعكم، وإنما يعودون إلى الكتاب والسنة فقط، ولا يقرنون إلى الكتاب والسنة قولنا السابق ذكره: وعلى منهج السلف الصالح. وحينئذ سيتبين لكم أهمية هذا القيد الثالث؛ وعلى منهج السلف الصالح، ¬

(¬1) مسلم (رقم205).

سيتبين لكن حيث واقع الجماعات الإسلامية بل الفرق الإسلامية من يوم بدأ يمد رقبته، أو يظهر قرنه بين الجماعات الإسلامية الأولى: أي من يوم خرجت الخوارج على أمير المؤمنين: على بن أبي طالب، ومن يوم الجعد الذي دعا بدعوة المعتزلة، والذين جاءوا من بعده مقلدين له في الاعتزال، إلى غير ذلك من الفرق المعروفة أسماؤها قديما، والتي تتجدد مسمياتها حديثا بأسماء حديثة. هذه الفرق كلها سواء ما كان منها قديماً أو حديثاً، لا يوجد فيها فرقة تقول وتعلن: أننا لسنا على الكتاب والسنة، كل هذه الفرق -على ما بينها من اختلاف-، سواء كان هذا الاختلاف في العقائد والأصول أو كان هذا الاختلاف في الأحكام والفروع، هؤلاء المتفرقون في دينهم كلهم يقولون، كما نقول نحن الكتاب والسنة، ولكنهم يفترقون عنا فلا يقولون قولتنا: الذي هي تمام دعوتنا: وعلى منهج السلف الصالح. إذن ما الذي يحكم بين هذه الفرق وكلها تنتمي وعلى الأقل كلاما ودعوة إلى الكتاب والسنة؟. ما هو الحكم الفصل بين هؤلاء الذين يقولون كلمة واحدة؟. الجواب: على منهج السلف الصالح. هنا كما يقال في العصر الحاضر: سؤال يطرح نفسه بالنسبة لبعض الناس وهو: من أين جئنا بهذه الضميمة: وعلى منهج السف الصالح؟ جئنا بها من كتاب الله ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومما جرى عليه أئمة السلف المتبعين من جماهير أهل السنة والجماعة كما يقولون اليوم.

أول ذلك قوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115). فأنتم تسمعون قوله عز وجل في هذه الآية: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ}. فلو أن الله عز وجل لم يذكر: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} لو أن الآية كانت: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً على دعوة أولئك الفرق القديمة والحديثة، لا يخسرون شيئا لو لم تكن هذه الجملة الطيبة في الآية الكريمة ألا وهو قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ لأنهم يقولون: نحن على الكتاب والسنة، هذه القولة يجب تحقيقها با تباع الكتاب والسنة تحقيقا شاملا أولا ومطبقا عملياً ثانياً. مثلا قوله عز وجل المعروف لدى علماء المسلمين: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59). المقلدة من العالم الإسلامي كله إذا دعوا إلى الله ورسوله، إلى كتاب الله وحديث رسوله، قالوا: لا، نحن نتبع مذهبنا، هذا يقول مذهبي حنفي، وهذا شافعي الخ. فهل هؤلاء الذين أقاموا تقليدهم للأئمة مقام اتباعهم لكتاب الله ولسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد طبقوا هذه الآية الكريمة التي ذكرتها أخيرا: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء: 59)؟ الجواب: لم يفعلوا شيئاً من ذلك إذن لم يفدهم قولهم: نحن على الكتاب والسنة؛ لأنهم لا يطبقون عمليا الكتاب والسنة، هذا مثال أريد به تقريب الموضوع الأول؛ لان هذا المثال أقصد به المقلدة. أما البحث الأول فإنما أقصد به الدعاة الإسلاميين الذين يفترض فيهم ألا

يكونوا من المقلدين، من الذين يؤثرون أقوال الأئمة غير المعصومين على أقوال الله ورسوله المعصوم. فإذا كان الأمر إذن يعود على العقيدة والعقيدة تؤخذ من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف؛ لأن هذا السلف هو المقصود بالآية الأولى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء: 115) فيتبع غير سبيل المؤمنين لم يذكر الله عز وجل هذه الجملة في منتصف هذه الآية عبثاً؛ وإنما ليؤصل بها أصلا، ويُقعِّد بها قاعدة وهي: أنه لا يجوز لنا أن نتكل في فهم كتاب ربنا وسنة نبينا على عقولنا المتأخرة زمناً، والمختلفة فهماً، وإنما يكون المسلمون متبعين للكتاب والسنة تأصيلا وتقعيداً إذا أضافوا إلى الكتاب السنة: وما كان عليه السلف الصالح، لأن هذه الآية تضمنت النص: أنه يجب علينا ألا نخالف الرسول، وألا نشاقق الرسول، كما تضمنت ألا نخالف وألا نتبع غير سبيل المؤمنين ومعنى كل من القيد الأول في هذه الآية والقيد الآخر: أنه يجب علينا اتباع الرسول عليه السلام وترك مشاققته، كما يجب علينا اتباع سبيل المؤمنين، وعدم مخالفته. من هنا نقول، من هنا أولاً نقول: بأن على كل حزب أو جماعة إسلامية أن تصحح أصل منطلقها وهو: أن يعتمد على الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح، هذا القيد لا يتبناه حزب التحرير فكراً ولا الإخوان المسلمين ولا أمثالهم من الأحزاب الكثيرة وإنما نعني الأحزاب الإسلامية، أما التي أعلنت محاربة الإسلام كالبعثية والشيوعية فليس لنا معهم الكلام الآن. فالشاهد هذا الأصل الثالث: اتباع سبيل المؤمنين، حزب التحرير لا يتبناه، كذلك كل الأحزاب الأخرى.

إذا كان الأمر كذلك، فينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يعلم أن الخط إذا اعوجّ من رأسه فكلما مضى قدما يمشى فإنما يزداد انحرافاً وابتعاداً من الخط المستقيم الذي قال عنه رب العالمين في القرآن الكريم: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام: 153). هذه الآية الكريمة صريحة الدلالة، قطعية الدلالة كما يحب وكما يلهج حزب التحرير من بين الأحزاب الإسلامية الأخرى في دعوتهم وفي رسائلهم ومحاضراتهم هذه الآية قطعية الدلالة؛ لأنها تقول: إن السبيل الموصل إلى الله هو واحد وأن السبل الأخرى هي، التي تبعد المسلمين عن سبيل الله؛ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام: 153). وقد زاد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه الآية بياناً وتوضيحاً كما هو سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دائما وأبدا، كما ذكر الله - عز وجل في القرآن الكريم حين خاطب نبيه بقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44). فسنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هي البيان الكامل للقرآن، والقرآن هو الأصل، هو الدستور للإسلام، وأما السنة فهي المبينة المؤصلة للقرآن: أي بلا تشبيه وإنما من باب التقريب: القرآن بالنسبة للنظم الأرضية كالدستور فيها، والسنة بالنسبة لهذه القوانين الأرضية كالقانون الموضح للدستور. لذلك كان من المتفق عليه بين المسلمين قاطبةً: أنه لا يمكن فهم القرآن إلا ببيان الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا أمر مجمع عليه، لكن الشيء الذي اختلف المسلمون عليه واختلفت آثارهم من بعد ذلك هو أن كل الفرق الضالة القديمة لم ترفع رأسها إلى هذا القيد الثالث وهو: اتباع السلف الصالح، فخالفوا بذلك الآية التي ذكرتها آنفا مراراً وتكراراً، ثم خالفوا سبيل الله، لأن سبيل الله

واحد وهو: ما جاء ذكره في الآية السابقة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام: 153). قلت: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد زاد هذه الآية بياناً حينما روى عنه أحد أصحابه عليه السلام المشهورين بالفقه ألا وهو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه حيث قال: خط رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوما خطاً مستقيما على الأرض، ثم خطَّ حول هذا الخط خطوط قصيرة، ثم مد أصبعه الكريمة على الخط المستقيم وقرأ الآية السابقة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام:153). قال عليه السلام وهو يمر بأصبعه على الخط المستقيم: «هذا صراط الله» ثم أشار على الخطوط القصيرة من حوله فقال: «وهذه طرق، وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه». إذن هذا الحديث أيضا يفسره حديث آخر، وهذا الحديث الآخر وحديث الخط يعتبر من الموضحات لآية سبيل المؤمنين. ذاك الحديث والذي رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وأمثالهما من أئمة الحديث من طرق عديدة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كأبي هريرة ومعاوية وأنس بين مالك وغيرهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: هي ما أنا عليه وأصحابي». هذا الحديث يوضح لنا سبيل المؤمنين المذكور في الآية، من هم المؤمنون فيها؟ هم الذين ذكرهم الرسول عليه السلام في حديث الفرق حينما سئل عن الفرقة الناجية، عن منهجها، عن صفتها، عن منطلقها.

فقال عليه السلام ما أنا عليه وأصحابي، ما أنا عليه وأصحابي، فأرجو الانتباه، لأن جواب الرسول عليه الصلاة والسلام إن لم يكن وحيا من الله، فهو تفسير من رسول الله لسبيل المؤمنين المذكور في قول الله عز وجل الذي رويته مراراً آنفاً. حيث إن الله عز وجل ذكر الرسول في الآية وذكر سبيل المؤمنين، هكذا الرسول عليه السلام جعل علامة الفرقة الناجية التي ليست من تلك الفرق الاثنين والسبعين من الفرق الضالة جعل علامتها: أنها تكون على ما عليه الرسول وأصحابه، فنجد في هذا الحديث ما وجدنا في الآية، كما أن الآية لم تقصر على ذكر الرسول فقط، كذلك الحديث لم يقصر على ذكر الرسول فقط، وإنما ذكرت الآية سبيل المؤمنين كذلك ذكر الحديث أصحاب النبي الكريم، فالتقى الحديث مع القرآن؛ لهذا قال عليه الصلاة والسلام: «تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يراد علي الحوض». كثير من الفرق القديمة والحديثة لا تنتبه لهذا القيد المذكور في الآية وفي هذا الحديث، حديث الفرق الضالة، حيث جعل من صفة الفرقة الناجية، بل علامة الفرقة الناجية: أنها تكون على ما كان عليه الرسول وأصحابه أيضاً. مثل هذا الحديث تقريباً حديث العرباض بن سارية، وهو من أصحاب النبي من أهل الصُفَّة الذين كانوا فقراء يلزمون المسجد، ويلزمون حلقات الرسول عليه السلام وتلقى العلم من كتاب الله ومن فم رسول الله غضاً طريا، قال العرباض هذا: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. فقلنا: أوصنا يا رسول الله قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولى عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي

وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة». الشاهد من هذا الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقتصر على حض المسلمين حينما يختلفون قال عليه السلام «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً». لذا أجاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما هو أسلوب الحكيم، ومن أحكم منه من بعد أحكم الحاكمين؟ لا أحد في البشر أحكم من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولذلك فحينما قال: «وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا» أجاب عن سؤال مفروض؛ فماذا نفعل يا رسول الله قال: «فعليكم بسنتي؟ ولم يكتف عليه السلام بأمر الذين يعيشون في وقت الاختلاف كوقتنا هذا، «لم يكتف بقوله: «عليكم بسنتي» فقط، وإنما عطف على ذلك فقال. «وسنة الخلفاء الراشدين». إذن ليضم المسلم الناصح لنفسه في عقيدته أنه يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة وإلى سبيل المؤمنين بدلالة الآية وحديث الفرق وحديث العرباض بن سارية. هذه حقيقة مع الأسف الشديد يغفل عنها كل الأحزاب الإسلامية وبخاصة منها حزب التحرير الذي يتميز عن أي حزب إسلامي آخر أنه يقيم للعقل البشري وزناً أكثر مما أقامه الإسلام له، نحن نعلم يقيناً أن الله عز وجل حينما يكلم الناس بكلامه إنما يخاطب العقلاء، ويخاطب العلماء، ويخاطب الذين يتفكرون، ولكننا نعلم أن العقل البشري مختلف، فالعقل عقلان: عقل مسلم وعقل كافر. هذا العقل الكافر ليس عقلاً، فقد يكون ذكاء ولكن لا يكون عقلاً، لأن العقل

في أصل اللغة العربية هو الذي يعقل صاحبه، ويربطه ويقيده أن ينفلت يمينا وشمالا، ولا يمكن للعقل ألا ينفلت يميناً وشمالاً؛ إلا إذا اتَّبع كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ ولذلك حكى الله عز وجل عن الكفار والمشركين حينما يعترفون بحقيقة أمرهم: أنهم حينما كانوا كما قال الله عز وجل في القرآن الكريم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (الروم:7). يعترفون أنهم حينما كانوا عارفين بأمور الدنيا أنهم لم يكونوا عقلاء، ذلك هو قولهم فيما حكاه ربنا عنهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10). إذن هناك عقلان: عقل حقيقي وعقل مجازي. العقل الحقيقي: هو العقل المسلم الذي آمن بالله ورسوله، أما العقل المجازي: فهو عقل الكفار؛ لذلك قال تعالى في القرآن كما سمعتم آنفا عنهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10). وقال بصورة عامة عن الكفار: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} (الأعراف:179). فإذن هم لهم قلوب، ولكنهم لا يعقلون بها، لا يفهمون بها الحق. إذا عرفنا هذه الحقيقة وهي حقيقة ما أظن أنه يختلف فيها اثنان، وينتطح فيها عنزان؛ لأنها صريحة في القرآن وفي أحاديث الرسول عليه السلام لكني أريد أن أتوصل من هذه الحقيقة إلى حقيقة أخرى التي هي نقطة البحث في هذه اللحظة مني. إذا كان عقل الكافر ليس عقلا، فعقل المسلم ينقسم أيضا إلى قسمين: عقل عالم وعقل جاهل. فالعقل المسلم الجاهل لا يمكن أن يكون مساوياً في عقله وفي فهمه لعقل

العالم، لا يستويان مثلا أبداً. لذلك قال تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (العنكبوت:43). إذن: لا يجوز للمسلم الحق، المؤمن بالله ورسوله حقاً أن يحكم عقله، وإنما يخضِع عقله لما قال الله وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. من هنا نضع نقطة في دعوة حزب التحرير: أنهم تأثروا بالمعتزلة في منطلقهم في طريق الإيمان، وطريق الإيمان هو عنوان لهم في بعض كتبهم التي ألفها رئيسهم: تقى الدين النبهاني رحمه الله وأنا لقيته أكثر من مرة وأنا عارف به تماماً، وعارف بما عليه حزب التحرير كأحسن ما تكون المعرفة؛ ولذلك فأنا أتكلم إن شاء الله عن علم بما عليه تقوم دعوتهم، فهذا أول نقطة تؤخذ عليهم: أنهم جعلوا للعقل مزية أكثر مما ينبغي. أُكرِّر على مسامعكن ما قلته آنفاً؛ أنا لا أنفى أن العقل له قيمته لما سبق ذكره، لكن ليس للعقل أن يحكم على الكتاب والسنة، وإنما العقل يخضع لحكم الكتاب والسنة وما عليه ألا أن يفهم ما جاء في الكتاب وفي السنة. من هنا انحرف المعتزلة قديما؛ فأنكروا حقائق شرعية كثيرة، وكثيرة جدا؛ بسبب أنهم سلطوا عقولهم على نصوص الكتاب السنة فحرفوها، وبدلوا فيها وغيروا، وبتعبير علماء السلف: عطلوا نصوص الكتاب والسنة. هذه النقطة أريد أن ألفت نظركن إليها وهي: أنه ينبغي إخضاع العقل المسلم لنص الكتاب والسنة بعد فهم الكتاب والسنة. من هنا انحرف المعتزلة قديما، فأنكروا حقائق شرعية كثيرة، وكثيرة جدا؛ بسبب أنهم سلطوا عقولهم على نصوص الكتاب والسنة فحرفوها، وبدلوا فيها

وغيروا، وبتعبير علماء السلف: عطلوا نصوص الكتاب السنة. هذه نقطة أريد أن ألفت نظركن إليها وهي: أنه ينبغي إخضاع العقل المسلم لنص الكتاب والسنة بعد فهم الكتاب السنة. فالحكم هو الله ورسول الله، وليس الحاكم عقل البشر لما ذكرنا: أن عقل البشر يختلف من عقل مسلم وعقل كافر، ثم عقل المسلم يختلف من عقل مسلم جاهل ومن عقل مسلم عاقل، فليس فهم المسلم العالم كفهم المسلم الجاهل، لذلك قال تعالى، ولا بأس من التكرار؛ لأنني أعلم أن هذا الموضوع قليلا ما يطرق مسامع الملايين المملينة من المسلمين، من الرجال فضلاً عن المخدرات من النساء، ولذلك فأنا مضطر إلى أن أكرر هذه النقاط وهذه الأدلة {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ} (العنكبوت:43). هنا نحن نقف قليلاً: من هم العالمون؟ أهم العلماء الكفار؟ لا. لا نقيم لهم وزناً؛ لما ذكرناه آنفاً أنهم ليسوا عقلاء، والحقيقة أنهم أذكياء لأنهم اخترعوا وابتدعوا وو .. إلخ.، وارتقوا في الحضارة المادية المعروفة لدى الجميع. كذلك عقل المسلمين، هذا العقل في كل أفرادهم ليس سواء، فلا يستوي عقل العالم مع عقل الجاهل، وسأقول شيئاً آخر: لا يستوي عقل العالم العامل بعلمه مع عقل العالم اللا عامل بعلمه، لا يستوون مثلا إطلاقاً. لذلك فانحرفت المعتزلة في كثير من الأصول التي وضعوها مخالفين فيها طريقة الشرع: كتابا وسنة ومنهج السلف الصالح، هذه هي النقطة الأولى: اعتماد حزب التحرير على العقل أكثر مما ينبغي. النقطة الثانية وهي تتفرع في ظني من النقطة الأولى: لقد قسموا نصوص الكتاب والسنة إلى قسمين من حيث روايتها ومن حيث دلالتها.

أما من حيث روايتها: فقالوا: الرواية قطعية الثبوت وقد تكون ظنية الثبوت. أما الدلالة فكذلك، قد تكون قطعية الدلالة وقد تكون ظنية الدلالة. لا نناقش في هذا الاصطلاح، فإن الأمر كما قيل: لكل قوم أن يصطلحوا على ما شاءوا، لكننا نناقش فيما إذا رتبوا على هذا الاصطلاح مفارقات تخالف ما كان عليه المسلمون الأولون. ومن هنا يظهر لكم أهمية سبيل المؤمنين، لأنها قيد من أن ينفلت العالم المسلم فضلا عن الجاهل المسلم أن ينفلت من نص الكتاب والسنة برجوعه إلى مثل هذا الاصطلاح الذي لا يجوز أن يكون له الثمرة التالية وهي: إنهم قد رتبوا من ذلك الاصطلاح بالقطعي والظني الذي يشمل الرواية والدراية رتبوا على ذلك ما يلي: فقالوا: إذا جاء في القرآن الكريم وهو بلا شك في الاصطلاح السابق ذكره: قطعي الثبوت، إذا جاء نص ليس بقطعي الدلالة، فليس يجب على المسلم أن يأخذ بما فيه من المعنى، لأنه ظني الثبوت، فلا يجوز له أن يبنى عقيدة على نص قطعي الثبوت لكنه ظني الدلالة. وكذلك العكس عندهم تماماً: إذا جاء الدليل قطعي الدلالة لكن ليس قطعي الثبوت فأيضاً لا يأخذون منه عقيدة. ومن هنا جاءوا بعقيدة لا يعرفها السلف الصالح، ووضعوا اصطلاحا لهم وكتبهم معروفة وأعني الآن بكتبهم: القديمة؛ لأنهم قد أجروا فيها تعديلاً، وأنا من أعرف الناس بهذا التعديل، لكنه في الواقع تعديل شكلي، وهو لو سُلِّم به فإنما يدل أن القوم كانوا حتى في عقيدتهم مضطربين؛ حيث قالوا: العقيدة لا تثبت إلا

بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة؛ فأقاموا عليها عقيدتهم وهي: أن الحديث الصحيح رواية والقطعي الدلالة لا يؤخذ منه العقيدة. فقلنا لهم فيما ناقشناهم وجادلناهم: من أين لكم هذه القاعدة: وهي قاعدة تتضمن عقيدةً، فمن أين جئتم بهذه العقيدة؟ ما الدليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يبني عقيدته على حديث صحيح لكن ليس بطريق التواتر الذي يقيد القطع قطعي الدلالة؟ من أين جئتم بهذا؟ فاضطربوا هنا في الجواب، والبحث هنا طويل، وطويل جدا، واستدلوا بمثل قوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (النجم:28). هنا البحث الآن يخرجنا عما نحن في صدده من بيان ما نعرفه عن حزب التحرير، لأن مناقشة هذه القاعدة وبيان ما عليها من اعتراضات، وأنها أقيمت على دليل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء. ولذلك نكتفي الآن ببيان أن هذه العقيدة: أي أن المسلم لا يجوز له أن يتبنى عقيدة من حديث صحيح، من حديث صحيح لكن لم تصدق عليها فلسفة: قطعي الثبوت، فهو ليس قطعي الثبوت، لكنه قطعي الدلالة، من أين جاءوا بهذا؟. لا دليل عليه، لا من الكتاب ولا من السنة، ولاما كان عليه السلف، بل ما كان عليه السلف ينقض هذا الذي تبناه بعض الخلف، منهم المعتزلة قديماً، وأتباعهم اليوم في هذه العقيدة وهم حزب التحرير. أقول الآن شيئاً ولعله نمر مرًّا سريعا حتى نتابع الحديث؛ كلنا يعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما أرسله الله عز وجل بشيراً ونذيراً، وقال له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة:67) كان تبليغه عليه الصلاة

والسلام رسالته إلى الناس تارةً بشخصه حينما كان يحضر ندواتهم ومجتمعاتهم فيخاطبهم مباشرة، وتارة يرسل رسولا من طرفه يدعو المشركين إلى اتباع دعوة النبي الكريم، وتارة يرسل خطابا كما هو معلوم من السيرة إلى هرقل ملك الروم وإلى كسرى ملك فارس وإلى و .. و .. الخ أمراء العرب كما هو مشروح في كتب السيرة النبوية. ومن ذلك أنه أرسل إلى اليمن معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري وعليًّا بن أبي طالب، وأرسل إلى الروم دحية الكلبي و ... وإلخ. هؤلاء كانوا أفرادا لا يمثلون، أولا يمثل خبرهم الخبر القطعي؛ لأنهم أفراد فمعاذ في مكان، وأبو موسى في مكان وعلى في مكان، وقد يختلف أيضا الزمان، كما اختلف المكان. وهناك حديث في الصحيحين ... بالسند الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما أرسل معاذ على اليمن، قال له: «ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله» (¬1). فَمَنْ مِن المسلمين يشك بأن هذه الشهادة هي الأصل الأول من الإسلام؟ أي هو العقيدة الأولى الذي ينبني عليها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله فإذا معاذ رضي الله عنه ذهب وحده مبلغاًّ وداعياً المسلمين - عفواً- وداعيا المشركين أن يؤمنوا بدين الإسلام. ترى هل قامت الحجة بمعاذ بن جبل حينما دعاهم إلى الإسلام، ويقول لهم: ¬

(¬1) البخاري (رقم1389) ومسلم (رقم132).

أن الرسول يأمركم بأن تصلوا خمس صلوات في كل يوم وليلة، وهذه الصلاة ركعتان، وتلك ثلاث، والبقية أربع، إلى آخر ما هنالك من تفصيلات معروفة اليوم لدينا والحمد لله؟ ويأمرهم بالزكاة، وذكر لهم تفاصيل أحكام الزكاة: ما يتعلق بالفضة، ما يتعلق بالذهب، ما يتعلق بالثمار ما يتعلق بالخضار، ما يتعلق بالأبقار والجمال، و .. والخ؟ هل قامت حجة الإسلام على أولئك المشركين بمعاذ وحده؟ علي مذهب حزب التحرير مع الأسف لا لم تقم الحجة؛ لأنه فرد يجوز عليه كما يقولون هم يجوز عليه الكذب وإذا قلنا: لا، الكذب بعيد عنهم، فلا أقل أن يقال: يجوز عليهم الخطأ والنسيان. فإذن جاءوا بفلسفة: أن الحديث الصحيح لا يجوز أن نأخذ منه عقيدة إسلامية. إذن اليمانيون حينما دعاهم معاذ إلى الإسلام، وبلا شك أول ما دعاهم دعاهم إلى العقيدة، إذن لم تقم حجة الله على اليمانيين الذين كان منهم الوثنيون وكان منهم صليبيون، وكان منهم من المجوس، لم تقم حجة الله عليهم في العقائد. أما في الأحكام يقولون حزب التحرير كما يقول عامة المسلمين: نعم حديث الآحاد تثبت به الأحكام الشرعية، أما العقائد الإسلامية فلا تثبت بحديث الآحاد، هذا معاذ يمثل عقيدة الآحاد في الإسلام كله، أصولاً وفروعاً، عقائد وأحكاماً، فمن أين جاءوا بهذا التفصيل؟.

{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} (النجم:23). وأُنهي الكلمة المتعلقة بحديث الآحاد، التي ضرب بها حزب التحرير عشرات الأحاديث الصحيحة بحجة: أن هذا والله حديث آحاد لا تقوم به حجة في العقيدة فذكر بعضهم النكتة التالية: زعموا أن أحد الدعاة من حزب التحرير ذهب إلى اليابان وألقى عليهم بعض المحاضرات ومنها: طريق الإيمان وفي هذا الطريق: أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، وكان هناك في الحاضرين شاب عاقل حقا كيس فطن، قال له: يا أستاذ، أنت جئت داعية هنا في بلاد اليابان، بلاد الكفر والشرك كما تقول، تدعوهم إلى الإسلام وتقول: إن الإسلام يقول: إن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد، وأنت تقول لنا: أن من العقيدة ألا تأخذوا العقيدة من الفرد الواحد، أنت الآن تدعونا إلى الإسلام وأنت وحدك، فينبغي عليك بناءً على فلسفتك هذه: أن تعود أدراجك إلى بلدك، وأن تأتي بالعشرات من أمثالك من المسلمين الذين يقولون بقولك، فيصبح خبرك حينئذ خبراً متواتراً. فأسقط في يد المحاضر، وهذا مثال من الأمثلة الكثيرة التي تدل على سوء عاقبة مخالفة منهج السلف الصالح. من ذلك أن المسلمين يعلمون، وأعني منهم طلاب العلم، وأرجو أن تكون السامعات لهذا الكلام منهن، لقد جاء في صحيح البخاري (¬1) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إذا جلس أحدكم في التشهد الآخر فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب ¬

(¬1) (رقم2668) بلفظ مغاير، واللفظ المذكور في مسلم (رقم1352).

القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال». هنا الحديث حديث آحاد، لكنه من الأحاديث العجيبة الغريبة بالنسبة لفلسفة حزب التحرير، إنه من جهة يتضمن حكماً شرعياً، والحكم الشرعي عندهم يثبت بحديث الآحاد، فإذن بالنظر إلى هذا الجانب من الحديث يجب الأخذ به، لأنه حكم شرعي، قال: عليه السلام: «فليستعذ بالله من أربع في التشهد الأخير». ومن جهة أخرى يتضمن عقيدة وهي أن هناك في القبر عذاب، وأن هناك فتنة الدجال، فهم لا يؤمنون بعذاب القبر، ولا يؤمنون بفتنة الدجال الأكبر الذي حدث عنه الرسول عليه السلام بأحاديث كثيرة منها: قوله عليه السلام: «ما بين خلق آدم والساعة فتنة أضر على أمتي من فتنة المسيح الدجال» (¬1). هم لا يؤمنون بهذا الدجال؛ لأنه بزعمهم حديث غير متواتر. فنحن نقول لهم الآن: ماذا تفعلون بحديث أبي هريرة؟ إنه من جهة يتضمن حكماً شرعياً، فعليكم أن تقولوا في آخر الصلاة: وأعوذ بك من عذاب القبر، لكن هل تستعيذ من عذاب القبر وأنت لا تؤمن بعذاب القبر؟ نقيضان لا يجتمعان. فجاءونا، بمخلص، حيلة من الحيل التي ينهى الله المسلمين عنها، ماذا؟ قالوا: نحن نصدق بعذاب القبر ولا نؤمن به، نصدق بعذاب القبر ولا نؤمن به. فلسفة عجيبة غريبة، ما الذي يحملهم؟ جاءوا بفلسفة أولى فتسلسلت معهم إلى فلسفات أخيرة كثيرة، خرجوا بها عن الصراط السوي، الذي كان عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم7875).

الآن أمضى والحديث كما قلت: طويل الذيل؛ لأبين أن من دعوة حزب التحرير التي يدندنون حولها: أنهم يريدون أن يقيموا حكم الله في الأرض. نحن أولا نلفت النظر إلى أنهم ليسوا منفردين بهذه الدعوة، فكل الجماعات الإسلامية والأحزاب الإسلامية تنتهي كلها إلى هذه الغاية: أي يريدون أن يقيموا حكم الله في الأرض، فهم ليسوا منفردين. جاءني سؤال الآن وأنا كنت أن أؤجل الأسئلة إلى ما بعد، لأن هذا السؤال قد يقطع علي سلسلة أفكاري، ومع ذلك فأنا لا أخيب السائل؛ فأجيب عن السؤال هو: السؤال: يقولون: إن هناك رواية تقول: لما سئل الرسول عن الفرقة الناجية، أجاب الرسول بأنها الجماعة. نعم هذه الرواية صحيحة ونؤمن بها، ولكن هذه الرواية: الجماعة، مفسرة بالرواية التي ذكرناها؛ لأننا لو ذكرنا لفظة الجماعة، أي هذه الروية التي جاء السؤال عنها أخيراً؛ لوجب علينا أن نشرحها بالشرح الذي سبق ذكره آنفاً. نُنهي إذن هذه الجلسة بالإجابة عن السؤال الأخير. وأقول: هنا روايتان اثنتان، لما سئل الرسول عليه السلام عن الفرقة الناجية, أجاب بروايتين اثنتين. الأولى: هي التي ذكرتها آنفاً: «ما أنا عليه وأصحابي». والأخرى هي التي جاء السؤال عنها: قال: «هي الجماعة». لكن أشعر بأن السائلة كأنها تتوهم بناء على ما قرأت من كتابات حزب التحرير أن هذه الرواية: رواية الجماعة تخالف الروية التي أدرت الحديث حولها.

فأقول لها ولتقريب هذا الجواب النافي: أنه لا اختلاف بين الروايتين، افترض الآن أن الرواية الأولى وهي: «ما أنا عليه وأصحابي». لا أصل لها إطلاقاً، وإنما الرواية هي: الجماعة فسنقول: من هي الجماعة؟ من هي الجماعة اليوم يا أم المؤمنين؟ أهم حزب التحرير؟ أهم الإخوان المسلمين؟ أهم جماعة التبليغ؟. الجواب: وكل يدّعى وصلا بليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاك الجماعة كما صح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: من كان الحق معه ولو كان فرداً واحداً. حينما بعث الله عز وجل الرسل والأنبياء مبشرين ومنذرين، كانوا أفراداً، وكانوا هم الجماعة، كان إبراهيم أمة وحده، فمن اتبع هذا الأمة: أي الجماعة: وهو في الحقيقة واحد في ذاته لكن هو الجماعة في دعوته، من سار على وتيرته، وسار مثل مسيرته فهو الجماعة ولو كان فرداً واحداً. فالآن على افتراض أن الرواية الأولى في وصف الفرقة الناجية لا وجود لها إطلاقاً، الجماعة هذه هي سبيل المؤمنين، الجماعة هذه هي جماعة الخلفاء الراشدين. فحديث العرباض بن سارية ما فيها روايتان حتى يقال أو يشكك فيها كما قد يمكن أن يراد التشكيك في رواية: «ما أنا عليه وأصحابي»، الجماعة إذن هي سبيل المؤمنين التي شرحتها آنفا كتاباً وحديثاً، فماذا يضرنا إذا فسّرنا الجماعة هنا بالرواية الأولى: «ما أنا عليه وأصحابي»؟

لأن أصحابه، أصحابه عليه السلام هم المؤمنون الذين أوعد المخالفون بأن لهم جهنم في الآية التي بدأت الاستدلال بها، أنه لا يجوز الاعتماد فقط على الكتاب والسنة؛ بل ولا بد من إضافة: سبيل المؤمنين المذكور في الآية الكريمة. فمن فسر الجماعة في حديث الفرقة الناجية بأنه طائفته فقط دون أن يأتي بالأدلة من الكتاب والسنة على ذلك: أنه على ما كان عليه المؤمنون الأولون؛ فيكون قد حمل الحديث: حديث الجماعة على غير المحمل الصحيح، وحينئذ يكون تأول هذا الحديث غير صحيح. وأختم كلمتي هذه بمناقشة جرت بين أحد السلفيين وآخر من الإسلاميين، ممن يدعو إلى الكتاب والسنة، ولكن لم يكن متنبها لهذه الضميمة التي لا تستقيم دعوة الأحزاب الإسلامية إلا بتبنيها فكرا أولا، وتطبيقها عمليا ثانيا، وهي: اتباع سبيل المؤمنين. قلت له: هذا جواب قاصر. قال: لمَ؟ قلت: لأن كل مسلم مهما كان منحرفا أو مستقيما يقول: أنا مسلم. مثلا: نبدأ بالأهون فالأهون. إذا سئل الحنفي: ما مذهبك ولا يريد أن يحشر نفسه في مناقشة، يقول: أنا مذهبي مسلم، والشافعي كمان يقول: أنا مسلم، و ... و ... الخ. لكن الحنفي يقول: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، الشافعي يقول: الإيمان يزيد وينقص ... إلخ.

إذن جوابك: بأنك مسلم، وجواب ذاك بأنه مسلم، لا يحدد مذهبك تماماً، فَفَهِم فقال: أقول حينئذ أنا مسلم على الكتاب والسنة. قلت له: كذلك كل مسلم حتى الأمثلة التي ضربتها لك آنفا هل هناك حنفي يقول: أنا مسلم لست على الكتاب والسنة؟. هل هناك شافعي يقول: لست على الكتاب والسنة؟ سأقول لك: هل هناك إباضي من الخوارج الموجودين اليوم في الأرض الإسلامية يقول: أنا لست على الكتاب والسنة؟ بل هل هناك شيعي، هل هناك رافضي يقول: أنا لست على الكتاب والسنة؟ كلهم يقولون نحن على الكتاب والسنة؟ هذا ما سبق بيانه آنفا. كل المسلمين مهما كان الخلاف بينهم شديداً وكثيراً، كلهم يقول: على الكتاب والسنة، ولكن لا أحد منهم يقول: وعلى منهج السلف الصالح إلا الذين ينتمون إلى منهج السلف الصالح، ونقول إذا ما سئلنا: أنا سلفي انتهى الأمر؛ لأنه معنى سلفي: على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح. فلما بينت له هذا، قلت له: لا يكفي أن تقول: أنا مسلم على الكتاب والسنة؛ لأن كل الطوائف والجماعات يقولون: على الكتاب والسنة. قال: أقول إذن: أنا على الكتاب والسنة لأنه آمن معي بعد مثل هذه المحاضرة، بل محاضرات قال: إذن أنا أقول: أنا على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح.

وقلت وأنا أعرف أنه أديب من الأدباء وكاتب من الكُتاب ألا تجد في لغتك العربية التي تأدبت بها، وتكلمت بها، وتكتب بها، ألا تدلك لفظة تختصر جوابك هذا: أنا مسلم على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح؟ فَصَمَت. قلت يعني إذا قلنا: أنا سلفي ألا يؤدي عبارتك الطويلة: أنا على الكتاب والسنة؟ فأجاب بالإيجاب. هذه هي حقيقة الدعوة السلفية، وتلك هي مخالفات حزب التحرير، وكل الجماعات القائمة وإنما نحن دائرتنا أوسع من أي دائرة يتبناها أي حزب على وجه الأرض. أنا عارف من حزب التحرير أنه من نظامه: إذا تبنى فرد من أفراده رأيا يخالف رأيه: أي الرأي الذي يتبناه الحزب يُفْصَل، ويقال له: لست منا. نحن لا نقول هكذا، أنا أعرف مثلا أن من أفكار حزب التحرير أن المرأة لها حق أن تَنتخِب وأن تُنتخب، فلن تجد تحريرياًّ منهم من الكُتاب: أن المرأة ليس لها مجال للتدخل في هذه الأمور التي تسمى اليوم: بالسياسة. لها أن تتعلم ما يناسب أنوثتها، ما يناسب رقتها ولطفها إلى آخره. أما أن تَنتخِب وتُنتخب لو تبنى شخص من حزب التحرير هذا الرأي يخالف فيه حزب التحرير فسوف يُفصَل، أما نحن فنقبل حزب التحرير، والإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ، ولكن على أساس: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (آل عمران:64). فنحن ندعو كل مسلم إلى أن يتبنى هذا الأصل، ثم يتفرع عليه فروع كثيرة،

[22] باب من أصول الاستدلال: القرآن والسنة الصحيحة وفهم السلف

وكثيرة جداً. حينئذ يصبحون معنا، قد يختلفون معنا في التطبيق، لأن التطبيق يحتاج إلى علم، ونحن نقول: إن العلم بالكتاب والسنة مع الأسف الشديد لا يعتني الجماعات الإسلامية به، ومع ذلك فهم يريدون أن يقيموا دولة الإسلام على الجهل بالإسلام. فنقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21). فرسول الله -عز وجل- بدأُ بتعليم الناس، وبدعوتهم إلى العقيدة أولا، ثم إلى العبادات وتحسين السلوك ثانياً، وهكذا ينبغي أن يعيد التاريخ نفسه. وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين. "الهدى والنور" (740/ 06: 01: 00) [22] باب من أصول الاستدلال: القرآن والسنة الصحيحة وفهم السلف الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) .. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1) .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ

وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:70، 71). أما بعد: كلمتي (هي) بإيجاز ... تتعلق بالعلم النافع، والعمل الصالح، أما العلم النافع فيشترط فيه أمران اثنان: أما الأمر الأول: فأن يكون مستقىً من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والكتاب والسنة أمران معروفان لدى جميع المسلمين قاطبةً، على ما بينهم من اختلاف كبير أو صغير في فهم بعض نصوصهما، إلا أن الذي أريد أن أدندن حوله فيما يتعلق بالكتاب والسنة، إنما هما أمران اثنان أحدهما يتعلق بالقرآن، والآخر يتعلق بالسنة، أما الأول فهو أن يكون من طابع طالب العلم أن يكون ديدنه أن يفهم القرآن على ضوء السنة؛ ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد خاطبه الله عز وجل في القرآن الكريم بقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:44). وعلى ذلك فلا بد لطالب العلم النافع أن يعتمد في فهمه للقرآن على السنة، هذه نقطة متفق عليها والحمد لله بين المسلمين قاطبة، على ما بينهم من اختلاف في طريقة إثبات السنة، ولسنا الآن في هذا الصدد، فإذا كان من المتفق عليه بين المسلمين كافة أن القرآن يجب تفسيره بالسنة، فمن تمام العلم النافع أن نتحرى السنة الصحيحة، وهذه نقطة أو هذا أمر يخل به جماهير العلماء في العصر الحاضر؛ ذلك أنهم ينقلون من السنة ما وقفوا عليه دون تنبه، أو دون أن يأخذوا حذرهم من أن يكون ما ينقلونه من الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا تصح نسبته إليه، وحينئذ يقعون في محظورين اثنين: أحدهما إثر الآخر.

المحظور الأول: هو التقول على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد قال في الحديث المتواتر: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» (¬1). وفي رواية أخرى: «من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» (¬2). ولذلك يجب على كل من كان حريصاً على العلم النافع، سواء كان من أهل العلم المشار إليهم بالبنان، أو كان من طلاب العلم البادئين في طلب هذا العلم أنه لا يجوز لهم أن ينقلوا حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، إلا بعد أن يثبت لديهم صحة نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وحينئذ يكون طالب العلم على المنهج الصحيح في طلبه للعلم؛ لأنه أولاً يعتمد على الكتاب والسنة، ثم هو يفسر القرآن بالسنة، وأخيراً يعتمد على السنة الصحيحة فقط دون ما لم يصح منها. وثانياً: يكون مسؤولاً عما ينشره بين الناس من الأحاديث التي لا تكون في واقعها صحيحة النسبة إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، هذا هو العلم النافع، ولكننا نضيف عادة إلى المصدرين السابقين -الكتاب والسنة- نضيف شيئاً ثالثاً، وهو ضروري جداً في زماننا هذا؛ لاختلاف وجوه الأنظار والاستنباط والاختلاف والفهم من الكتاب والسنة، فليكن العالم أو طالب العلم في منجاة في تسييره للكتاب والسنة أن يميل يميناً أو يساراً، وأن يقع في الضلال من حيث لا يريد ولا يشعر، لا بد له من أن يضم إلى اعتماده على الكتاب والسنة شيئاً ثالثاً ألا وهو الاعتماد على ما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم؛ ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما سئل في حديث الفرق الذي فيه أن المسلمين سيفترقون ثلاثاً وسبعين فرقه كلها في النار إلا ¬

(¬1) البخاري (رقم1229) ومسلم (رقم4). (¬2) الصحيحة (4/ 246).

واحدة، ولما سئل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن هذه الفرقة الناجية من النار، قال: «هي الجماعة»، هذه رواية. وفي رواية أخرى قال: «» هي التي على أنا ما أنا عليه وأصحابي»، فنجد في كلِّ من الروايتين أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقتصر على قوله: الكتاب والسنة، وإنما قال: أولاً «الجماعة»، ثم قال: «ما أنا عليه وأصحابي»، فلماذا ذكر: «وأصحابي» ولم يكتف بقوله: «ما أنا عليه»، والحقيقة أن هذا يكفي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد قال في الحديث الصحيح: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض». فإذاً: من تمسك بالكتاب والسنة لن يضل، ولكن ألا تعلمون معي أن كل الفرق الإسلامية ما كان منها قديماً واندثر بعضها، وما كان منها قديماً واستمرت حتى زماننا هذا، وما قد جد منها في زماننا هذا تحت أسماء ونسب كثيرة، ألا تعتقدون معي أن كل هذه الفرق لا يوجد منها فرقه تتبرأ من الكتاب والسنة، لا يوجد والحمد لله من يعلنها صريحة؛ بأنه ليس على الكتاب والسنة، وإلا حينئذ لن يعتبر من الفرق الإسلامية، وإنما كل الفرق مهما كانت عالقة في الضلال، سواء ما كان منها من الفرق القديمة أو الحديثة على التفصيل الذي ذكرته آنفاً، لا يوجد فيها إلا من يدعي دعوانا، وهي أنهم على الكتاب والسنة، وخذوا مثلاً الفرقة لعلها الفرقة الأخيرة، كفرقه انحرفت عن الكتاب والسنة، من الفرق المعاصرة والحديثة، إلا وهي الطائفة القاديانية، التي كان أصلها من قرية في الهند اسمها قاديان، وخرج منها ذلك الرجل الذي كان يسمى "ميرزا"، غلام أحمد القادياني، فإنما حرف اسمه لغرض في نفسه لسنا الآن في صدد بيان ذلك، فسمى نفسه بأحمد لكي يحمل على اسمه، قول الله عز وجل على لسان عيسى: {وَمُبَشِّرًا

بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصف:6)، أي أحمد القدياني، وهو إنما كان اسمه "ميرزا"، غلام أحمد القدياني "ميرزا" لقب، أما اسمه غلام أحمد، أي: خادم أحمد فحذف كلمة خادم أي: غلام، واحتفظ باسم أحمد ليحمل على نفسه تلك الآية، وشتان ما بينها وبينه، فإنه من الدجالين الكذبة، الذي أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عنهم بقوله: «لا تقوم الساعة حتى يكون ثلاثون دجالاً، كلهم يزعم أنه نبي ولا نبي بعدي» (¬1)، واستطاع هذا الرجل بسبب أو بآخر أن يحمل كثيراً من الناس، ليس فقط من الأعاجم بل ومن العرب أيضاً أن ينحرف بهم عن الكتاب والسنة، فآمنوا به وصدقوه واتبعوه وجاءوا بعقائد مخالفة لإجماع المسلمين، ولسنا أيضاً في هذا الصدد، وإنما الشاهد، هؤلاء يقولون أيضاً معنا: الكتاب والسنة، فهل أفادتهم بشيء دعواهم الكتاب والسنة، وهم قد خالفوا الكتاب والسنة في كثير من نصوصهما، والشاهد هاهنا الآن كيف يجمعون بين اتباعهم لنبيهم المزعوم، وبين قول رب العالمين: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)، هنا يظهر لكم أهمية شيئين اثنين السنة وتفسير السنة، والقرآن على ما كان عليه السلف الصالح، تفسير القرآن بالسنة وتفسير السنة بما كان عليه السلف الصالح، لم يكفر هؤلاء القاديانيون بقوله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)، بل آمنوا بالآية كما نؤمن، كذلك لم ينكروا قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما جاء في الصحيحين (¬2) عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي»، أيضاً آمنوا بهذا الحديث الصحيح، لكنهم كفروا بمعنى الآية والحديث معاً؛ لأنهم تأولوهما بغير تأويلهم، وفسروهما بخلاف ما كان عليه سلفنا الصالح، ومن تبعهم إلى هذا اليوم. ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم1773). (¬2) البخاري (رقم4154) ومسلم (رقم6370).

ولكننا نخالفكم في تفسيركم للآية، ونفهم أن معناها خاتم النبيين أي: زينة النبيين، كما أن الخاتم زينة الإصبع كذلك الرسول عليه السلام هو زينة الأنبياء. إذاً: هم آمنوا باللفظ القرآني، وكفروا بمعناه فلم يفدهم إيمانهم بالقرآن شيئاً، ولذلك فهم أشبه ما يكونون في تأويل هذه الآية أو ذاك الحديث بالكفار من النصارى، الذين يحاولون أن يستخرجوا من القرآن أدلة تؤيد ضلالهم ... بأن عيسى عليه السلام هو ابن الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. ها أنتم عرفتم تأويلهم بل تعطيلهم لدلالة الآية على أنه لا نبي بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكيف فسروا الحديث الصحيح: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي»، قالوا: لا نبي معي، أي بعد أن فسروا الحديث بهذا التفسير الباطل، قالوا فمفهوم الحديث أنه يوجد بعدي نبي فعطلوا بذلك أيضاً أحاديث أخرى صحيحة ولم يجدوا لها تأويلاً إلا بإنكارها، مثل قوله عليه السلام: «ألا إن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبي ولا رسول بعدي» (¬1)، هذا الحديث أنكروه؛ لأنه مع براعتهم في التأويل بل في التعطيل لم يجدوا لهم مساغاً لتأويل هذا النص، فأطاحوا به ولم يؤمنوا به. الشاهد من هذا المثال كل الفرق الإسلامية قديمها وحديثها تشترك معنا بالقول بالإيمان بالكتاب والسنة، ولكنها تختلف عنا في عدم تقيدهم بطريق المسلمين الذي ذكره رب العالمين في قوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115)، كما أنهم لم يرفعوا رؤوسهم إلى ما سبق من الحديث في ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم1631).

وصف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للفرقة الناجية بأنها التي تكون على ما كان عليه الرسول وأصحابه، فهم لم يلتفتوا إلى أصحابه عليه السلام، ولم يهتدوا بهديهم، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون، الذين قرنهم الرسول عليه السلام فذكرهم مع اسمه وذكر سنتهم مع سنته في حديث العرباض ابن سارية الذي فيه: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وأنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ .. » إلى آخر الحديث. الشاهد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أخبر أمته أن من سيعيش من بعده سيرى اختلافاً كثيراً، فما هو المخرج من الخلاف الكثير الذي كان ولا يزال الآن يشتد في هذا الزمان، العصمة وضعها الرسول عليه السلام بين أعيننا في هذا الحديث بقوله: «فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين .. » إلى آخر الحديث. إذاً: العصمة تمام العصمة ليس هو التمسك فقط بالسنة بل وبما كان عليه السلف الصالح، لو نظرنا اليوم إلى كل الفرق الإسلامية القائمة اليوم على الأرض الإسلامية كما قلت آنفاً قديمها وحديثها، لوجدناهم اليوم يجمعون على الكتاب والسنة، ولكنهم يخالفوننا في الرجوع إلى السلف الصالح. إذاً: هذا هو الحكم الفصل بين من كان على السنة حقيقة، وبين من كان منحرفاً عنها ولو أنه كان يدعيها. ذلك أن العصمة عند الاختلاف كما هو الصريح في هذا الحديث، إنما الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة بعامة والخلفاء الراشدون بخاصة، هذا هو العلم النافع.

خلاصة ذلك: أنه لا يكون علماً نافعاً إلا إذا كان معتمداً على الكتاب، وكان تفسير الكتاب على السنة، وكانت السنة صحيحة غير ضعيفة، وأخيراً اعتماداً في فهمهما الكتاب والسنة، على ما كان عليه سلفنا الصالح. ولذلك نجد الفرق القائمة اليوم كلها لا صلة بينها وبين سلفها الأول مهما كان سلفهم؛ لأنهم ليس عندهم من الكتب ما يروي لهم الأحاديث الصحيحة أو بعبارة موجزة، ما يروي لهم هدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في كل شؤون حياته كما قال عليه السلام: «ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا نهيتكم عنه» (¬1). هذا العلم الجامع النافع لا يوجد عند كل الفرق الإسلامية، فضلاً عن أن يوجد عندهم من الكتب والآثار ما يصلهم بالسلف الصالح، وما يدلهم على ما كانوا عليه، لكي يقتدوا بهم تنفيذاً لقوله تعالى المذكور آنفاً: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115). فالله عز وجل في هذه الآية يأمر باتباع سبيل المؤمنين، ويحذر من مخالفة سبيل المؤمنين، ويعتبر مشاققة ومخالفة سبيل المؤمنين مشاقة للرسول عليه الصلاة والسلام. كل الفرق لا سبيل لها إلا أن تعود في فقهها للكتاب وللسنة إلا بما كان عليه السلف الصالح. إذاً: العلم النافع القرآن المفسر بالسنة والسنة الصحيحة، وكلاهما مفسر بما ¬

(¬1) حجة النبي (ص103).

[23] باب أهمية فهم السلف للكتاب والسنة

طبقه سلفنا الصالح، ولكي نعرف ما كان عليه السلف الصالح، فيجب أن يكون عندنا كتب تروي لنا آثار السلف، كما تروي لنا أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام. هذا فيما يتعلق بالعلم النافع ... "الهدى والنور" (391/ 31: 29: 00) و (391/ 41: 57: 00). [23] باب أهمية فهم السلف للكتاب والسنة [الشيخ]: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا- يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:71). أما بعد: فإن خير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ... فإنه ليس لديَّ ما أُقدمه إليكم سوى أن أحمد الله تبارك وتعالى، أن جمعنا مع إخوان لنا يعيشون بأجسادهم بعيدين عنا ولكنهم بقلوبهم قريبون منا؛ لأن دعوة الحق التي هدانا الله تبارك وتعالى إليها وجمع كلمتنا حولها وهي دعوة اتباع الكتاب والسنة، هذه بعد

أن هدانا الله عز وجل إلى الإسلام بعامة هي أعظم النعم؛ أن هدانا الله تبارك وتعالى إلى أن نفهم الإسلام على أساس الكتاب والسنة، هذا الأساس الذي هو الضمان لكي لا ينحرف المسلمون يميناً ويساراً، وأن يكونوا على هدى من ربهم في كل زمان وفي كل مكان، ما دام أنهم قد تمسكوا بحفظ الكتاب والسنة، مصداقاً لقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» لا أريد أن أطيل الكلام في هذه القضية لأنني أعتقد بأنكم لستم بحاجة إلى مثل هذا الكلام، ولكني أريد أن أدير كلامي أو أن أدندن على قضية قد تخفى على كثير ممن قد يشتركون معنا في هذه الدعوة - دعوة الحق- ألا وهي الكتاب والسنة قد يخفى على كثير من الذين يشتركون معنا في هذه الدعوة حقيقة جاء الكتاب والسنة يؤكدانها ويلفتان النظر إلى ضرورة التمسك بها ألا وهي ضرورة فهم الكتاب والسنة على منهج سلفنا الصالح رضي الله عنه. هذه الغنيمة وهي أن يكون فهمنا لكتاب ربنا ولسنة نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - على ما كان عليه السلف الصالح، ذلك لأننا في زمان قد صحا فيه كثير من الجماعات الإسلامية التي كانت من قبل في سبات عميق وفي غفوة شديدة عن ضرورة الاعتماد في المسائل الخلافية حول الكتاب والسنة، لما تجلت لهم هذه الحقيقة أو هذه القضية لم يسعهم أن يظلوا مصرين على مخالفتهم في دعوتنا القائمة على الكتاب والسنة، ولكنهم لا يزالون بعيدين عنا في منهجنا الذي نلتزمه في فهمنا لكتاب ربنا وسنة نبينا، وذلك أن يكون الفهم لهذين النظيرين على ما كان عليه السلف الصالح. ذلك أن كل الجماعات الإسلامية الموجودة اليوم على وجه الأرض لا

يمكن لأحدٍ منها أو واحدة منها أن يعلن عدم اعتزازه بدعوة على الكتاب والسنة، ولكنهم مع هذا الاعتزاز يفسرون النصوص من الكتاب والسنة حسب ما تقتضيه تكتلاتهم وحزبياتهم، ولا يرجعون في ذلك إلى فهم النصوص على ما كان فهمها سلفنا الصالح، أكرر على مسامعكم ثم أؤيد ما أقول لكم: لا ينبغي أن تقتصر دعوتنا على الكتاب والسنة فقط بل يجب أن نضم لذلك ما أشار الله تبارك وتعالى إليه في كتابه الكريم، ثم تولى نبينا صلوات الله وسلامه عليه بيان ذلك في سنته الصحيحة، انطلاقاً منه وتجاوباً مع قول ربنا عز وجل حين خاطبه بقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) مما ينبه عليه الصلاة والسلام من كلام رب الأنام قوله عز وجل في القرآن: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115) الشاهد من هذه الآية قوله عز وجل فيها ويتبع غير سبيل المؤمنين فإن هذه الآية تُلفت النظر، أن على المسلمين في كل زمان وفي كل مكان ألا يخرجوا عن سبيل المؤمنين، حيث قال رب العالمين {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115) فما حكمة هذه الجملة المعطوفة على ما قبلها، وهي ويتبع غير سبيل المؤمنين، كان من المفيد أن تكون الآية دون هذه الجملة «ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا»، لو كانت الآية هكذا بهذا الاختصار لكان معنىً سليماً مستقيماً لا غبار عليه إطلاقا؛ لكن الله عز وجل حينما عطف على قوله {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} وقال: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} أراد بذلك أن يلفت نظر المؤمنين الذين يحذرون من أن يشاققوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، أيضاً يجب عليهم أن يحذروا من أن يخالفوا سبيل المؤمنين.

وكيف يمكن مخالفة سبيل المؤمنين مع إتباع سنة سيد المرسلين؟ الأمر عند أهل العلم معروف جيداً؛ لأن نصوص الكتاب والسنة يمكن في بعض الأحوال أن تفسر تفسيراً، ويظهر هذا التفسير للمؤمنين بالكتاب والسنة على أن هذا هو المعنى المراد منهما، ويكون هذا التفسير خطأ؛ لأنه خالف سنة المؤمنين وسبيل المؤمنين. وتأكيداً لهذا المعنى المتضمن في هذه الجملة المعطوفة ألا وهي قول تعالى: {ويتبع غير سبيل المؤمنين} نجد نبينا صلوات الله وسلامه عليه قد ضم هذه الضميمة في بعض الأحاديث الصحيحة تفسيراً منه لهذه الآية الكريمة، أنتم مثلا قرأتم أو سمعتم حديث الفرق الثلاث وسبعين فرقة التي قال فيها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة،» قالوا: من هي يا رسول الله، هنا الشاهد - من هي يا رسول الله هذه الفرقة الناجية من بين ثلاث وسبعين فرقة، فرقة واحدة منها هي الناجية قال عليه السلام: «هي التي ما أنا عليه وأصحابي»، فهنا تجدون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقتصر على قوله: «على ما أنا عليه»، وإنما عطف على ذلك قوله: «وأصحابي»، ما السر في ذلك هذا الحديث يعتبر تفسيراً للآية التي ذكرناها آنفاً وكررناها على مسامعكم مراراً لترسخ في أذهانكم؛ إن المعنى المقصود من قوله عز وجل فيها: «ويتبع غير سبيل المؤمنين» فقد جاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث الفرق، وفي بيان الفرقة الناجية ووصفها بوصفين اثنين وليس بوصف واحد، وهي: أنها تكون على ما كان عليه الرسول هذا هو الوصف الأول، ولكنه جاء بوصف ثاني وأخير وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «وأصحابي» هذا الحديث وهذا اللفظ تفسيره بالرواية الأخرى وهي

الأشهر والأقوى سنداً، وهي التي تقول جواباً عن سؤال السائلين عن الفرقة الناجية قال عليه الصلاة والسلام: «هي الجماعة»، «هي الجماعة»، فقوله هذا تفسير للآية السابقة «ويتبع غير سبيل المؤمنين» فسبيل المؤمنين هي الجماعة والجماعة هي سبيل المؤمنين ومعنى هذا أنه ويجب على علماء المسلمين خاصة في هذه الأزمنة المتأخرة ألا يُعْمَل فقط بدراسة السنة ومعرفة ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وهذا أمر لا بد منه لأن تفسير القرآن لا يستقيم ولا سبيل إليه إلا بطريق السنة التي هي بيان القرآن كما ذكرنا آنفا، لا يمكن للعالم أن يكتفي على دراسة الكتاب والسنة في العصر الحاضر، بل لا بد أن يضم لذلك دراسةً ثالثةً؛ وهي: أن يعرف ما كان عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الهدى والنور؛ لأنهم قد تلقوا البيان من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالقرآن، وبيان الرسول عليه السلام بالسنة القولية في كثير من الأحيان لفهمه أو لتقريبه هذه الأمور التي لا يمكن الوصول إليها إلا بمعرفة أثار السلف الصالح. فلذلك فالحديث هذا أيضا يلتقي مع حديث آخر طالما سمعتموه أو قرأتموه في كتب الحديث، ألا وهو حديث العرباض ابن سارية رضي الله وتعالى عنه الذي قال: «وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله أوصنا وصية لا نحتاج إلى أحد بعدك أبدا؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي» - هنا الشاهد - لم يقتصر عليه الصلاة والسلام على كلمته هذه فعليكم بسنتي بل عطف عليها أيضا كما فعل في حديث الفرق: «وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» زاد

في حديث جابر رضي الله عنه «وكل ضلالة في النار» الشاهد أنكم تسمعون في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جعل النجاة والخلاص من الافتراق الذي سيقع فيما بعد الرسول عليه السلام إنما هو التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده؛ ذلك لأن طريقة هؤلاء الخلفاء الراشدين كطريقة عامة الصحابة الذي أَطْلَق عليهم في الحديث السابق لفظة: «الجماعة» هم اللذين فهموا من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المعاني الصحيحة للآيات والأحاديث القولية. ونقولها إلى الأمة بيضاء نقية ليلها كنهارها: إذا لم يهتم العلماء بخاصة بهذا الجانب الثالث مما سبقت الإشارة إليه في هذه النصوص صار الكتاب والسنة هوى متبعاً، ونحن نجد اليوم خلافات كثيرة وكل هؤلاء المختلفين يدعون أنهم على الكتاب والسنة مهما كانت كتاباتهم وكانت تجمعاتهم، يدندنون حول الكتاب والسنة، لكنكم لا تجدون على وجه الأرض اليوم وعلى الساحة الإسلامية في هذه الجماعات من ارتضت لنفسها في فهم كتاب ربها وسنة نبيها منهج السلف الصالح، إلا جماعة واحدة على وجه الأرض لهم أسماء مختلفة والمسمى واحد؛ ففي بعض البلاد يسمى هؤلاء انتماءً إلى الجماعة المشار إليها وهي جماعة السلف، ويقولون دعوتنا دعوة السلف الصالح ونحن ننتسب إليهم ونقول: إننا سلفيون، أو نقول: نحن من أهل الحديث، أو يقولون: نحن أنصار السنة ... ولابد من التنبيه معتذراً لإطالة الكلام في هذه المسألة الهامة لأني أتصور أن بيننا لقاءات ولقاءات كثيرة يمكن أن يَصْدْقَ فيها ما يقال اليوم إننا سنتمكن هناك من وضع النقاط على الحروف كما يقولون اليوم، لكن لا بد لي في ختام هذه الكلمة من لفتة نظر إلى أن كثيراً من الجماعات الإسلامية الأخرى التي تنتسب إلى أسماء إما أسماء لجماعة معينة من الخلف، أو أسماء إلى حزب معين من الخلف، أو إلى أشخاص معروفين

أو نحو ذلك هؤلاء؛ كلهم يكادون يجمعون على إنكار استعمال كلمة السلف أو الانتساب إليهم، كأن يقال نحن أتباع السلف أو الفرد الواحد من يقول: أنا سلفي إنهم منكرون هذه النسبة، وفي اعتقادي أنهم لو تنبهوا لمعنى هذه النسبة لما استطاعوا أن يبادروا إلى إنكار هذه النسبة؛ لأن معناها الانتساب إلى السلف الصالح الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالخيرية في الحديث المتواتر الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم». هؤلاء هم السلف، وعلى رأسهم محمد المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - فمن من المسلمين يستطيع إذا ما تنبه لمعنى هذه الكلمة السلف أو السلفي المنسوب للسلف الصالح من المسلمين بعد هذا يستطيع أن يتبرأ من أن يكون تابعاً للسلف؟! وبالتالي من أن يكون بشخصه سلفياً إنما يبادر إلى إنكار هذه النسبة أولئك الذين لا يعرفون قدر السلف وقيمة السلف، والسبيل التي ذكرها ربنا في الآية الأولى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115) لذلك نحن دعوتنا ليست محصورة في الكتاب والسنة - وهذا لا بد منه لكل مسلم - لكننا نضيف إلى ذلك؛ صيانةً لنا من أن ننحرف يمينا أو يساراً، وأن نكون فرقة من الفرق الاثنين وسبعين. لو ضربنا مثلاً: من أخطر الفرق الإسلامية الموجودة اليوم الحديثة على وجه الأرض كالطائفة القاديانية مثلاً، والذين ينتسبون إلى الأحمدية تضليلاً لجماهير المسلمين هؤلاء لو قلنا لهم ما مذهبكم؟ لقالوا: الكتاب والسنة، ولكنهم يتلاعبون ويفسرون الكتاب والسنة على خلاف ما كان عليه السلف الصالح، والأمثلة في هذا المجال كثيرة وكثيرة جداً لعل لبيان ... هذا مجال آخر، فبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين. "الهدى والنور" (377/ 42: 00: 00)

[24] باب مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم

[24] باب مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم [قال الإمام]: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، وليس العكس؛ خلافاً لما اشتهر عند المتأخرين من علماء الكلام. "الضعيفة" (11/ 1/507).

جماع أبواب بيان منزلة السنة بجانب القرآن وكونها مصدرا رئيسا من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

جماع أبواب بيان منزلة السنة بجانب القرآن وكونها مصدرًا رئيسًا من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

[25] باب وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها

[25] باب وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها [قال الإمام]: إن من المتفق عليه بين المسلمين الأولين كافة، أن السنة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - هي المرجع الثاني والأخير في الشرع الإسلامي، في كل نواحي الحياة من أمور غيبية اعتقادية - أو أحكام عملية، أو سياسية، أو تربوية وأنه لا يجوز مخالفتها في شيء من ذلك لرأي أو اجتهاد أو قياس، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله في آخر " الرسالة ": " لا يحل القياس والخبر موجود "، ومثله ما اشتهر عند المتأخرين من علماء الأصول:" إذا ورد الأثر بطل النظر "،" لا اجتهاد في مورد النص " ومستندهم في ذلك الكتاب الكريم، والسنة المطهرة. أما الكتاب ففيه آيات كثيرة، أجتزىء بذكر بعضها في هذه المقدمة على سبيل الذكرى {فإن الذكرى تنفع المؤمنين}. 1 - قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً} (الأحزاب: 36). 2 - وقال عز وجل: {يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم} (الحجرات: 1). 3 - وقال: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} (آل عمران:32).

4 - وقال عز من قائل: {وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيداً. من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً} (النساء:80). 5 - وقال: {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (النساء:59). 6 - وقال: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال: 46). 7 - وقال: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا، فإن توليتم فاعملوا أنما على رسولنا البلاغ المبين} (المائدة: 92). 8 - وقال: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63). 9 - وقال: {يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون} (الأنفال: 24). 10 - وقال: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين} (النساء13 - 14). 11 - وقال: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت

المنافقين يصدون عنك صدوداً} (النساء:60 - 61). 12 - وقال سبحانه: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} (النور:52). 13 - وقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله إن الله شديد العقاب} (الحشر: 7). 14 - وقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} (الأحزاب:21). 15 - وقال: {والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى} (النجم:1 - 4). 16 - وقال تبارك وتعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل:44). إلى غير ذلك من الآيات المباركات. -[أما] الأحاديث الداعية إلى اتباع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في كل شيء [فمنها]: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى «أخرجه البخاري في "صحيحه - كتاب الاعتصام ". 2 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «جاءت ملائكة إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان،

فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلا، فاضربوا له مثلا، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيه مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها يفقهها، فقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا فالدار الجنة، والداعي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، فمن أطاع محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد عصى الله، ومحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فرق (¬1) بين الناس» أخرجه البخاري أيضاً. 3 - عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فأنطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق». أخرجه البخاري ومسلم. 4 - عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه (وإلا فلا) ". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة والطحاوي وغيرهم بسند صحيح. 5 - عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:» ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم ¬

(¬1) أي يفرق بين المؤمنين والكافرين بتصديقه إياه وتكذيب الآخرين له. [منه].

الله، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه (¬1)، فإن لم يقروه، فله أن يعقبهم بمثل قراه». رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد بسند صحيح. 6 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم (ما تمسكتم بهما) كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض». أخرجه مالك مرسلاً، والحاكم مسنداً وصححه. - ما تدل عليه النصوص السابقة: وفي هذه النصوص من الآيات والأحاديث أمور هامة جداً يمكن إجمالها فيما يلي: 1 - أنه لا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله، وأن كلا منهما، ليس للمؤمن الخيرة في أن يخالفهما، وأن عصيان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كعصيان الله تعالى، وأنه ضلال مبين. 2 - أنه لا يجوز التقدم بين يدي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كما لا يجوز التقدم بين يدي الله تعالى، وهو كناية عن عدم جواز مخالفة سنته - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/ 58):" أي لا تقولوا حتى يقول، وتأمروا حتى يأمر، ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضي ". 3 - أن التولي عن طاعة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هو من شأن الكافرين. ¬

(¬1) أي يضيفوه [منه].

4 - أن المطيع للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مطيع لله تعالى. 5 - وجوب الرد والرجوع عند التنازع والاختلاف في شيء من أمور الدين إلى الله وإلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال ابن القيم (1/ 54): "فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل -يعني قوله: وأطيعوا الرسول- إعلاماً بأن طاعته تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء كان ما أمر به في الكتاب، أو لم يكن فيه، فإنه " أوتي الكتاب ومثله معه "، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول " ومن المتفق عليه عند العلماء أن الرد إلى الله إنما هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول، هو الرد إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته، وأن ذلك من شروط الإيمان. 6 - أن الرضى بالتنازع، بترك الرجوع إلى السنة للخلاص من هذا التنازع سبب هام في نظر الشرع لإخفاق المسلمين في جميع جهودهم، ولذهاب قوتهم وشوكتهم. 7 - التحذير من مخالفة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لما لها من العاقبة السيئة في الدنيا والآخرة. 8 - استحقاق المخالفين لأمره - صلى الله عليه وآله وسلم - الفتنة في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة. 9 - وجوب الاستجابة لدعوة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمره، وأنها سبب الحياة الطيبة، والسعادة في الدنيا والآخرة. 10 - أن طاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب لدخول الجنة والفوز العظيم، وأن معصيته

وتجاوز حدوده سبب لدخول النار والعذاب المهين. 11 - أن من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر أنهم إذا دعوا إلى أن يتحاكموا إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وإلى سنته، لا يستجيبون لذلك، بل يصدون عنه صدوداً. 12 - وأن المؤمنين على خلاف المنافقين، فإنهم إذا دعوا إلى التحاكم إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بادروا إلى الاستجابة لذلك، وقالوا بلسان حالهم وقالهم: " سمعنا وأطعنا "، وأنهم بذلك يصيرون مفلحين، ويكونون من الفائزين بجنات النعيم. 13 - كل ما أمرنا به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يجب علينا اتباعه فيه، كما يجب علينا أن ننتهي عن كل ما نهانا عنه. 14 - أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أسوتنا وقدوتنا في كل أمور ديننا إذا كنا ممن يرجو الله واليوم الآخر. 15 - وأن كل ما نطق به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مما لا صلة بالدين والأمور الغيبية التي لا تعرف بالعقل ولا بالتجربة فهو وحي من الله إليه. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. 16 - وأن سنته - صلى الله عليه وآله وسلم - هي بيان لما أنزل إليه من القرآن. 17 - وأن القرآن لا يغني عن السنة، بل هي مثله في وجوب الطاعة والاتباع، وأن المستغني به عنها مخالف للرسول عليه الصلاة والسلام غير مطيع له، فهو بذلك مخالف لما سبق من الآيات. 18 - أن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مثل ما حرم الله، وكذلك كل شيء جاء به

[26] باب لزوم اتباع السنة على كل جيل في العقائد والأحكام

رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مما ليس في القرآن، فهو مثل ما لو جاء في القرآن لعموم قوله: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه». 19 - أن العصمة من الانحراف والضلال إنما هو التمسك بالكتاب والسنة، وأن ذلك حكم مستمر إلى يوم القيامة، فلا يجوز التفريق بين كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - تسلمياً كثيرا. "الحديث حجة بنفسه" (ص25 - 34). [26] باب لزوم اتباع السنة على كل جيل في العقائد والأحكام [قال الإمام معلقاً على النصوص المتقدمة]: هذه النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة كما أنها دلت دلالة قاطعة على وجوب اتباع السنة اتباعاً مطلقاً في كل ما جاء به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأن من لم يرض بالتحاكم إليها والخضوع لها فليس مؤمناً، فإني أريد أن ألفت نظركم إلى أنها تدل بعموماتها وإطلاقاتها على أمرين آخرين هامين أيضاً: الأول: أنها تشمل كل من بلغته الدعوة إلى يوم القيامة، وذلك صريح في قوله تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ}، وقوله: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً} وفسره - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله في حديث: « ... وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة» متفق عليه، وقوله: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار» رواه مسلم وابن منده وغيرهما " الصحيحة" (157).

[27] باب وظيفة السنة في القرآن

والثاني: أنها تشمل كل أمر من أمور الدين، لا فرق بين ما كان منه عقيدة علمية، أو حكماً عملياً، أو غير ذلك، فكما كان يجب على كل صحابي أن يؤمن بذلك كله حين يبلغه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو من صحابي آخر عنه كان يجب كذلك على التابعي حين يبلغه عن الصحابي، فكما لا يجوز للصحابي مثلاً أن يرد حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا كان في العقيدة بحجة أنه خبر آحاد سمعه عن صحابي مثله عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكذلك لا يجوز لمن بعده أن يرده بالحجة نفسها مادام أن المخبر به ثقة عنده، وهكذا ينبغي أن يستمر الأمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد كان الأمر كذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين كما سيأتي النص بذلك عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى. "الحديث حجة بنفسه" (ص34 - 35) [27] باب وظيفة السنة في القرآن [قال الإمام]: إن الله تبارك وتعالى اصطفى محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - بنبوته واختصه برسالته، فأنزل عليه كتابه القرآن الكريم وأمره فيه في جملة ما أمره به أن يبينه للناس فقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44). والذي أراه أن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان: الأول: بيان اللفظ ونظمه وهو تبليغ القرآن وعدم كتمانه وأداؤه إلى الأمة كما أنزله الله تبارك وتعالى على قلبه - صلى الله عليه وآله وسلم -. وهو المراد بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} (المائدة: 67) وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها في حديث لها: "ومن حدثكم أن محمدا كتم شيئا أمر بتبليغه فقد أعظم على الله

[28] باب ضرورة السنة لفهم القرآن وبيان ضلال المستغنين بالقرآن عن السنة

الفرية. ثم تلت الآية المذكورة" [أخرجه الشيخان]. وفي رواية لمسلم: "لو كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كاتما شيئا أمر بتبليغه لكتم قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي في نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} (الأحزاب: 37) ". والآخر: بيان معنى اللفظ أو الجملة أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه، وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المجملة أو العامة أو المطلقة فتأتي السنة فتوضح المجمل وتخصص العام وتقيد المطلق. وذلك يكون بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يكون بفعله وإقراره. "منزلة النسة في الإسلام" (ص6 - 7). [28] باب ضرورة السنة لفهم القرآن وبيان ضلال المستغنين بالقرآن عن السنة [قال الإمام]: قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} (المائدة: 38) مثال صالح [لبيان وظيفة السنة بجانب القرآن] فإن السارق فيه مطلق كاليد، فبينت السنة القولية الأول منهما وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينار بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا» (أخرجه الشيخان)، كما بينت الآخر بفعله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو فعل أصحابه وإقراره فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل كما هو معروف في كتب لحديث وبينت السنة القولية اليد المذكورة في آية التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (النساء:43، المائدة: 6) بأنها الكف أيضا بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «التيمم ضربة للوجه والكفين» (أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم من حديث عمار بن

ياسر رضي الله عنهما). وإليكم بعض الآيات الأخرى التي لم يمكن فهمها فهماً صحيحاً على مراد الله تعالى إلا من طريق السنة: 1 - قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون} (الأنعام: 82) فقد فهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قوله: (بظلم) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيرا ولذلك استشكلوا الآية فقالوا: يا رسول الله أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ليس بذلك إنما هو الشرك ألا تسمعوا إلى قول لقمان: {إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان: 13)؟» (أخرجه الشيخان وغيرهما). 2 - قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} (النساء: 101) فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالوا: ما بالنا نقصر وقد أمنا؟ قال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" (رواه مسلم). 3 - قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} (المائدة: 3) فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك والكبد والطحال من الدم حلال فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أحلت لنا ميتتان ودمان: الجراد والحوت (أي السمك بجميع أنواعه) والكبد والطحال» (أخرجه البيهقي وغيره مرفوعا وموقوفا وإسناد الموقوف صحيح وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي). 4 - قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ في مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ}

(الأنعام: 145). ثم جاءت السنة فحرمت أشياء لم تذكر في هذه الآية كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير حرام». وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك. كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم خيبر: «إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الإنسية فإنها رجس» (أخرجه الشيخان). 5 - قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (الأعراف: 32) فبينت السنة أيضاً أن من الزينة ما هو محرم فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه خرج يوما على أصحابه وفي إحدى يديه حرير وفي الأخرى ذهب فقال: «هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم» (أخرجه الحاكم وصححه). والأحاديث في معناه كثيرة معروفة في " الصحيحين " وغيرهما. إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المعروفة لدى أهل العلم بالحديث والفقه. ومما تقدم يتبين لنا أيها الإخوة أهمية السنة في التشريع الإسلامي فإننا إذا أعدنا النظر في الأمثلة المذكورة فضلا عن غيرها مما لم نذكر نتيقن أنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم فهما إلا مقرونا بالسنة. ففي المثال الأول فهم الصحابة «الظلم» المذكور في الآية على ظاهره ومع أنهم كانوا رضي الله عنهم كما قال ابن مسعود: " أفضل هذه الأمة أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً " فإنهم مع ذلك قد أخطؤوا في ذلك الفهم فلولا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ردهم عن خطئهم وأرشدهم إلى أن الصواب في "الظلم" المذكور إنما هو الشرك لاتبعناهم على خطئهم ولكن الله تبارك وتعالى صاننا عن ذلك. بفضل إرشاده - صلى الله عليه وآله وسلم - وسنته. وفي المثال الثاني: لولا الحديث المذكور لبقينا شاكين على الأقل في قصر

الصلاة في السفر في حالة الأمن إن لم نذهب إلى اشتراط الخوف فيه كما هو ظاهر الآية وكما تبادر ذلك لبعض الصحابة لولا أنهم رأوا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقصر ويقصرون معه وقد أمنوا. وفي المثال الثالث: لولا الحديث أيضا لحرمنا طيبات أحلت لنا: الجراد والسمك والكبد والطحال. وفي المثال الرابع: لولا الأحاديث التي ذكرنا بعضها لاستحللنا ما حرم الله علينا على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - من السباع وذوي المخلب من الطير. وكذلك المثال الخامس: لولا الأحاديث التي فيه لاستحللنا ما حرم الله على لسان نبيه من الذهب والحرير ومن هنا قال بعض السلف: السنة تقضي على الكتاب. ومن المؤسف أنه قد وجد في بعض المفسرين والكُتَّاب المعاصرين من ذهب إلى جواز ما ذُكر في المثالين الأخيرين من إباحة أكل السباع ولبس الذهب والحرير اعتماداً على القرآن فقط بل وجد في الوقت الحاضر طائفة يتسمون بـ "القرآنيين" يفسرون القرآن بأهوائهم وعقولهم دون الاستعانة على ذلك بالسنة الصحيحة، بل السنة عندهم تبع لأهوائهم فما وافقهم منها تشبثوا به وما لم يوافقهم منها نبذوه وراءهم ظهريّاً. وكأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أشار إلى هؤلاء بقوله في الحديث الصحيح: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» (رواه الترمذي). وفي رواية لغيره: «ما وجدنا فيه حراماً حرمناه ألا وإني أتيت القرآن ومثله معه». وفي أخرى: «ألا إن ما حرم

[29] باب من أصول الخلف التي تركت السنة بسببها

رسول الله مثل ما حرم الله». بل إن من المؤسف أن بعض الكُتاب الأفاضل ألف كتاباً في شريعة الإسلام وعقيدته وذكر في مقدمته أنه ألفه وليس لديه من المراجع إلا القرآن. فهذا الحديث الصحيح يدل دلالة قاطعة على أن الشريعة الإسلامية ليست قرآناً فقط وإنما قرآن وسنة فمن تمسك بأحدهما دون الآخر لم يتمسك بأحدهما لأن كل واحد منهما يأمر بالتمسك بالآخر كما قال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} (النساء:80) وقال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (النساء: 65) وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا} (الأحزاب: 36) وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر: 7). وبمناسبة هذه الآية يعجبني ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو أن امرأة جاءت إليه فقالت له: أنت الذي تقول: لعن الله النامصات والمتنمصات والواشمات .. الحديث؟ قال: نعم قالت: فإني قرأت كتاب الله من أوله إلى آخره فلم أجد فيه ما تقول فقال لها: إن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» قالت: بلى قال: فقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «لعن الله النامصات .... » الحديث (متفق عليه). "منزلة السنة في الإسلام" (ص7 - 12) [29] باب من أصول الخلف التي تركت السنة بسببها [قال الإمام]: لقد خَلَفَ [سلفَ الأمة] خَلَفٌ أضاعوا السنة النبوية وأهملوها، بسبب أصول

يتبناها بعض علماء الكلام، وقواعد زعمها بعض علماء الأصول والفقهاء المقلدين، كان من نتائجها الإهمال المذكور الذي أدى بدوره إلى الشك في قسم كبير منها، ورد قسم آخر منها لمخالفتها لتلك الأصول والقواعد، فتبدلت الآية عند هؤلاء، فبدل أن يرجعوا بها إلى السنة ويتحاكموا إليها، فقد قلبوا الأمر، ورجعوا بالسنة إلى قواعدهم وأصولهم، فما كان منها موافقاً لقواعدهم قبلوه، وإلا رفضوه، وبذلك انقطعت الصلة التامة بين المسلم وبين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وخاصة عند المتأخرين منهم، فعادوا جاهلين بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعقيدته وسيرته وعبادته، وصيامه وقيامه وحجة وأحكامه وفتاويه، فإذا سئلوا عن شيء من ذلك أجابوك إما بحديث ضعيف أو لا أصل له، أو بما في المذهب الفلاني، فإذا اتفق أنه مخالف للحديث الصحيح وذكروا به لا يذكرون، ولا يقبلون الرجوع إليه لشبهات لا مجال لذكرها الآن، وكل ذلك سببه تلك الأصول والقواعد المشار إليها، وسيأتي قريباً ذكر بعضها إن شاء الله تعالى. ولقد عم هذا الوباء وطم كل البلاد الإسلامية، والمجلات العلمية والكتب الدينية إلا نادراً، فلا تجد من يفتي فيها على الكتاب والسنة إلا أفراداً قليلين غرباء، بل جماهيرهم يعتمدون فيها على مذهب من المذاهب الأربعة، وقد يتعدونها إلى غيرها إذا وجدوا في ذلك مصلحة - كما زعموا - وأما السنة فقد أصبحت عندهم نسياً منسياً، إلا إذا اقتضت المصلحة عندهم الأخذ بها، كما فعل بعضهم بالنسبة لحديث ابن عباس في الطلاق بلفظ ثلاث وأنه كان على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - طلقة واحدة، فقد أنزلوها منزلة بعض المذاهب المرجوحة! وكانوا قبل أن يتبنوه يحاربونه ويحاربون الداعي إليه! وإن مما يدل على غربة السنة في هذا الزمان وجهل أهل العلم والفتوى

بها، جواب إحدى المجلات الإسلامية السيارة عن سؤال: "هل تبعث الحيوانات ... " ونصه: " قال الإمام الآلوسي في تفسيره: " ليس في هذا الباب - يعني بعث الحيوانات - نص من كتاب أو سنة يعول عليه يدل على حشر غير الثقلين من الوحوش والطيور ". هذا كل ما أعتمده المجيب، وهو شيء عجيب يدلكم على مبلغ إهمال أهل العلم - فضلاً عن غيرهم- لعلم السنة، فقد ثبت فيها أكثر من حديث واحد يصرح بأن الحيوانات تحشر، ويقتص لبعضها من بعض، من ذلك حديث مسلم في "صحيحه": «لتؤدون الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء». وثبت عن ابن عمرو وغيره أن الكافر حين يرى هذا القصاص يقول: "ياليتني كنت ترابا". فما هي تلك الأصول والقواعد التي أقامها الخلف، حتى صرفتهم عن السنة دراسة واتباعاً؟ وجواباً عن ذلك أقول: يمكن حصرها في الأمور الآتية: الأول: قول بعض علماء الكلام: إن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، وصرح بعض الدعاة الإسلاميين اليوم بأنه لا يجوز أخذ العقيدة منه، بل يحرم. الثاني: بعض القواعد التي تبنتها بعض المذاهب المتبعة في " أصولها " يحضرني الآن منها ما يلي: أ- تقديم القياس على خبر الآحاد. (الإعلام 1/ 327و300 شرح المنارص623).

[30] باب ضعف حديث معاذ في الرأي وما يستنكر منه

ب- رد خبر الآحاد إذا خالف الأصول. (الإعلام 1/ 329، شرح المنارص646). ج - رد الحديث المتضمن حكماً زائداً على نص القرآن بدعوى أن ذلك نسخ له، والسنة لا تنسخ القرآن (شرح المنار ص647، الأحكام2/ 66). د - تقديم العام على الخاص عند التعارض، أو عدم جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد! (شرح المنار ص289 - 294، إرشاد الفحول 138 - 139 - 143 - 144). هـ - تقديم عمل أهل المدينة على الحديث الصحيح. الثالث: التقليد، واتخاذه مذهباً وديناً. "الحديث حجة بنفسه" (ص35 - 38) [30] باب ضعف حديث معاذ في الرأي وما يستنكر منه [قال الإمام]: [أود أن] أُلفت (الانتباه) إلى حديث مشهور قلَّما يخلو منه كتاب من كتب أصول الفقه لضعفه من حيث إسناده ولتعارضه مع ما انتهينا إليه .. من عدم جواز التفريق في التشريع بين الكتاب والسنة ووجوب الأخذ بهما معا ألا وهو حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال له حين أرسله إلى اليمن: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله قال: " فإن لم تجد؟ " قال: بسنة رسول الله قال: " فإن لم تجد؟ " قال: أجتهد رأيي ولا آلو. قال: " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحب رسول الله "

أما ضعف إسناده فلا مجال لبيانه الآن وقد بينت ذلك بياناً شافياً ربما لم أسبق إليه في السلسلة السابقة الذكر (¬1)، وحسبي الآن أن أذكِّر أن أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري رحمه الله تعالى قال فيه: "حديث منكر ". وبعد هذا يجوز لي أن أشرع في بيان التعارض الذي أشرت إليه فأقول: إن حديث معاذ هذا يضع للحاكم منهجاً في الحكم على ثلاث مراحل لا يجوز أن يبحث عن الحكم في الرأي إلا بعد أن لا يجده في السنة، ولا في السنة إلا بعد أن لا يجده في القرآن، وهو بالنسبة للرأي منهج صحيح لدى كافة العلماء وكذلك قالوا: «إذا ورد الأثر بطل النظر». ولكنه بالنسبة للسنة ليس صحيحاً؛ لأن السنة حاكمة على كتاب الله ومبينة له فيجب أن يبحث عن الحكم في السنة ولو ظن وجوده في الكتاب لما ذكرنا فليست السنة مع القرآن كالرأي مع السنة كلا ثم كلا، بل يجب اعتبار الكتاب والسنة مصدرِاً واحداً لا فصل بينهما أبداً كما أشار إلى ذلك قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ألا إني أُتيت القرآن ومثله معه» يعني السنة وقوله: «لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض». فالتصنيف المذكور بينهما غير صحيح؛ لأنه يقتضي التفريق بينهما وهذا باطل لما سبق بيانه فهذا هو الذي أردت أن أنبه إليه فإن أصبت فمن الله. وإن أخطأت فمن نفسي والله تعالى أسأل أن يعصمنا وإياكم من الزلل ومن كل ما لا يرضيه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. "منزلة السنة في القرآن" (ص17 - 18) ¬

(¬1) وهو برقم (885) من السلسلة المذكورة .... [منه].

[31] باب بطلان تقديم القياس وغيره على الحديث

[31] باب بطلان تقديم القياس وغيره على الحديث [قال الإمام]: إن رد الحديث الصحيح بالقياس أو غيره من القواعد التي سبق ذكرها مثل رده بمخالفة أهل المدينة له، لهو مخالفة صريحة لتلك الآيات والأحاديث المتقدمة القاضية بوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة عند الاختلاف والتنازع، ومما لا شك فيه عند أهل العلم أن رد الحديث لمثل ما ذكرنا من القواعد، ليس مما اتفق عليه أهل العلم كلهم، بل إن جماهير العلماء يخالفون تلك القواعد، ويقدمون عليها الحديث الصحيح اتباعاً للكتاب والسنة، كيف لا، مع أن الواجب العمل بالحديث ولو مع ظن الاتفاق على خلافه أو عدم العلم بمن عمل به، قال الإمام الشافعي في "الرسالة" (ص463/ 464): " ويجب أن يقبل الخبر في الوقت الذي ثبت فيه، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر ". وقد قال العلامة ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/ 32 - 33): " ولم يكن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياساً ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعاً، ويقدمونه على الحديث الصحيح وقد كذب أحمد من ادعى هذا الإجماع، ولم يسوغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضاً نص في "رسالته الجديدة" على أن ما لا يعلم فيه بخلاف لا يقال له إجماع ... ونصوص رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها ما توهم إجماع، مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص ".

وقال ابن القيم أيضاً (3/ 464 - 465): " وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - برأي أو قياس، أو استحسان، أو قول أحد من الناس كائناً من كان، ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من ضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له - صلى الله عليه وآله وسلم - والتسليم، والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس، أو يوافق قول فلان وفلان بل كانوا عاملين بقوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} وأمثاله "مما تقدم" فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم: ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: كذا، وكذا، يقول: من قال بهذا؟ دفعاً في صدر الحديث، ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بمثل هذا الجهل، وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذه الإجماع، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان ". قلت: وإذا كان هذا حال من يخالف السنة، وهو يظن أن العلماء اتفقوا على خلافها، فكيف يكون حال من يخالفها، إذا كان يعلم أن كثيراً من العلماء قد قالوا بها، وأن من خالفها لا حجة له إلا من مثل تلك القواعد المشار إليها، أو التقليد على ما سيأتي في الفصل الرابع.

- سبب الخطأ في تقديم القياس وأصولهم على الحديث: ومنشأ الخطأ في تقديمهم القواعد المشار إليها على السنة في نظري إنما هو نظرتهم إلى السنة أنها في مرتبة دون المرتبة التي أنزلها الله تبارك وتعالى فيها من جهة، وفي شكهم في ثبوتها من جهة أخرى، وإلا كيف جاز لهم تقديم القياس عليها، علماً بأن القياس قائم على الرأي والاجتهاد، وهو معرض للخطأ كما هو معلوم، ولذلك لا يصار إليه إلا عند الضرورة كما تقدم في كلمة الشافعي رحمه الله: " لا يحل القياس والخبر موجود "، وكيف جاز لهم تقديم عمل أهل بعض البلاد عليها، وهم يعلمون أنهم مأمورون بالتحاكم إليها عند التنازع كما سلف؟ وما أحسن قول الإمام السبكي في صدد المتمذهب بمذهب يجد حديثاً لم يأخذ به مذهبه، ولا علم قائلاً به من غير مذهبه: " والأولى عندي اتباع الحديث، وليفرض الإنسان نفسه بين يدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد سمع ذلك منه أيسعه التأخر عن العمل به؟! لا والله، وكل أحد مكلف بحسب فهمه" (¬1). قلت: وهذا يؤيد ما ذكرنا من أن الشك في ثبوت السنة هو مما رماهم في ذلك الخطأ، وإلا فلو كانوا على علم بها وأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد قالها، لم يتفوهوا بتلك القواعد فضلا عن أن يطبقوها، وأن يخالفوا بها مئات الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا مستند لهم في ذلك إلا الرأي والقياس واتباع عمل طائفة من الناس ¬

(¬1) رسالة " معنى قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي " (ص103 ج3 - مجموعة الرسائل المنيرية). [منه].

[32] باب أهمية السنة بجانب القرآن

كما ذكرنا، وإنما العمل الصحيح ما وافق السنة، والزيادة على ذلك زيادة في الدين، والنقص منه نقص في الدين، قال ابن القيم (1/ 299) مفسراً للزيادة والنقص المذكورين: " فالأول القياس، والثاني التخصيص الباطل، وكلاهما ليس من الدين، ومن لم يقف مع النصوص، فإنه تارة يزيد في النص ما ليس منه، ويقول هذا قياس، ومرة ينقص منه بعض ما يقتضيه، ويخرجه عن حكمه ويقول: هذا تخصيص ومرة يترك النص جملة، ويقول: ليس العمل عليه، أو يقول: هذا خلاف القياس، أو خلاف الأصول. (قال): ونحن نرى أنه كلما اشتد توغل الرجل في القياس اشتدت مخالفته للسنن، ولا نرى خلاف السنن والآثار عند أصحاب الرأي والقياس، فلله كم من سنة صحيحة صريحة قد عطلت به، وكم من أثر درس حكمه بسببه، فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية على عروشها، معطلة أحكامها، معزولة عن سلطانها وولايتها، لها الاسم، ولغيرها الحكم، لها السكة والخطبة ولغيرها الأمر والنهي، وإلا فلماذا تُرِكَ (¬1)؟ "الحديث حجة بنفسه" (ص39 - 43) [32] باب أهمية السنة بجانب القرآن [قال الإمام]: [في] حقيقة الأمر: إن ادعاء أن القرآن هو فقط المرجع الوحيد وليس للسنة دخل في بيان القرآن فهو كفر بالقرآن، الذي يقول بأني لا أؤمن إلا بالقرآن هو ¬

(¬1) ثم ضرب الإمام أمثلة عديدة للأحاديث التي تُركت بسبب مخالفتها لتلك القواعد، فانظرها في الرسالة المشار إليها.

يكفر بالقرآن؛ ذلك لأن القرآن مما قال فيه رب الأنام: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ} (النحل:44) ها نحن ذكرنا آنفاً الصلوات الخمس وكيف أنها تنقسم إلى أقسام، من أين أخذت هذه الأقسام? لا شيء منها بهذا التوضيح في القرآن الكريم، لكن هو بيان الرسول عليه السلام الذي أشار الله إليه في الآية السابقة {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44). أي إن هذه الآية تعني أن بيان الرسول عليه السلام ينقسم إلى قسمين: بيان لفظي وهو تبليغ القرآن إلى الأمة .. تبليغ القرآن للأمة، والبيان الآخر هو بيان بمعنى التفصيل .. ولذلك جاء حديث الرسول عليه السلام في الصحيح، وأنا بهذه المناسبة أقول: ينبغي انتقاء هذه الأحاديث، وتقديمها لطلابكم هناك حتى تستقيم العقيدة الصحيحة ويعرفون قدر السنة، وأهمية الرجوع إليها مع القرآن الكريم، ذكرت حديثاً وهو قوله عليه السلام: «لا يقعدن أحدكم متكئاً على أريكته يقول هذا كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً حللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه .. ألا إنما حرم رسول الله مثلما حرم الله»؛ ذلك لأن الله يقول في القرآن الكريم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:1 - 4). إذاً السنة علم من العلوم يجب أن يؤخذ من أهل الاختصاص فيه، وكل من قال هذا صحيح وهذا ضعيف نقول له: هل أنت عالم بعلم الحديث? إن ادعى ذلك نقول: هات نشوف أثبت صحة هذا الحديث، بطريقة علماء الحديث، الأصل هو السند كما تعلمون .. الأصل في معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة إنما هو السند. المنزلة الثانية أو المرتبة الثانية في النقد ونقد المتن الذي يسمى في

الاصطلاح العصري اليوم بالنقد الداخلي، يسمون نقد الأسانيد بالنقد الخارجي، ونقد المتون في الاصطلاح الحديثي بالنقد الداخلي .. هذا النقد الداخلي إذا ما سلط عليه عقول البشر أصبح القرآن الكريم محل انتقاد؛ لأن القرآن الكريم لا يؤمن به الكفار مثلاً فلو قيل للكافر قصة ضرب موسى للحجر وانبثق منه اثنتا عشرة عيناً، وضرب البحر فكان كل فرق كالطود العظيم .. هذه الأشياء لا يؤمن بها الكفار وسيكون هذا غير صحيح مع أنه ثابت بالقرآن الكريم وبطريقة التواتر، القرآن الكريم لا يخضع لنقد مطلقاً، وإنما ينبغي على المسلمين أن يفهموه، وهذه مناسبة نتعرض لذكرها أيضاً بطريقتين اثنتين سبقت الإشارة إليهما وهي: الرجوع إلى بيان الرسول عليه السلام {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) أنتم تعلمون مثلاً (أنه) مُسَطَّر في كتب الفقه بعض الأحكام لا نجدها في القرآن الكريم مثلاً تحريم البنت من الرضاعة .. تحريم البنت من الرضاعة، هذا ليس مذكوراً في القرآن الكريم لكنه مذكور في الحديث، بل الأحاديث الصحيحة، ومن أصحها قوله عليه السلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (¬1)، فهذا الحديث هو من بيان الرسول عليه السلام الذي ذكر في القرآن {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} (النساء:23) ثم ضم الرسول عليه السلام إلى هذا التحريم المذكور في القرآن الكريم هذا التحريم المذكور في حديثه: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، هنا يظهر أهمية: إن ما حرم رسول الله مثلما حرم الله. إذا رجعنا الآن وفهمنا أن الذين يدعون بأنهم لا يؤمنون بشيء من السنة إنما القرآن فهم كفروا بالقرآن؛ لأن القرآن يأمرنا بالرجوع إلى الرسول عليه السلام في ¬

(¬1) البخاري (رقم2502).

[33] باب منزلة السنة مع القرآن، وبيان حجية خبر الآحاد في العقيدة

عديد من الآيات الكريمة ذكرنا بعضها آنفاً، ومن ذلك: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65). فإذاً كل من يزعم بأنه مسلم ولكنه لا يؤمن إلا بالقرآن فليس مسلماً؛ لأنه كفر بكثير من نصوص القرآن وعلماء المسلمين كما تعلمون جميعاً يقولون: من أنكر حرفاً من القرآن فليس بمسلم، فكيف إذا أنكر كثيراً من الآيات التي تتضمن الرجوع إلى سنة الرسول عليه الصلاة والسلام. "الهدى والنور" (811/ 00: 56: 00) [33] باب منزلة السنة مع القرآن، وبيان حجية خبر الآحاد في العقيدة [تكلم الشيخ مع رجل يُدعي أبا سليمان أتى له ابنه الذي يدرس في روسيا بشبهات حول الإسلام، منها عدم حجية السنة فاستمر البحث حتى قال الشيخ]: الشيخ: ... القرآن تاركين له جانباً؛ لأنه ما في فيه موضع خلاف .. مداخلة: شيء مُسَلَّم فيه. الشيخ: نعم، لكن الرسول إذا أردنا نعرف كيف كانت حياته .. كيف كانت أخلاقه .. كيف كانت معاملته للناس .. كيف كانت معاشرته للنساء .. ووو إلى آخره ما يتعلق بكل الحياة التي يسموها اليوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، من أين نعرف هذا من القرآن؟ مداخلة: من السنة.

الشيخ: من السنة، فإذا سلمنا للجماعة الذين ضربوا لنا السنة معناه: صرنا أحمق من الكفار الذين يقدِّسون عظماءَهم بتاريخٍ الله أعلم بصحته، ما في عندهم أسانيد مثل ما هو عندنا، أنا الآن في القرن الرابع عشر بقول لك هذا الحديث صحيح وهذا ضعيف وهذا موضوع وهذا مكذوب إلى آخره، هذا صح عن عمر وهذا ما صح عن عمر .. كل الشعوب الذين عندهم عظماء ليس عندهم هذه الدقة إطلاقاً. مع ذلك كل عظيم عندهم له تاريخ .. له كتاب .. إلى آخره، هؤلاء الأخباث ينسون أن تاريخهم أهزل تاريخ وأضعف تاريخ على وجه الأرض، ويأتون يضربون تاريخنا نحن بأن هذا لم يأت في القرآن، إنما أتى بالسنة، والسنة ما دونت في عهد الرسول عليه السلام .. طيب! متى دونتم أنتم التوراة .. متى دونتم الإنجيل .. متى دونتم الشيوعية؟ أليس بعد وفاة هؤلاء إلى آخره. لذلك كن على حذر وكن على إيمانك بالله ورسوله .. ولا تتأثر بغير ما تسمع، والأمر كما قال عليه السلام: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» أنا كنت أقرأ كتاب موجود هنا؟ طيب! الحق الدامغ انظر الاسم هذا، الحق دامغ، هذا مؤلفه شخص إباضي، إباضي يعني: خارجي من الخوارج، نعم، ويدافع عن مذهب الخوارج كل المدافعة لكن يا ألله، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. متعرض هنا لعدة بحوث، من جملتها: لأن الإباضية الخوارج ينكرون أكبر نعمة ينعم الله بها على عباده في الجنة: رؤيتهم له تبارك وتعالى حتى إذا رأوه نسوا

نعيم الجنة، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (القيامة:22) ناضرة: نَضِرَة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:23) انظر إذاً: كيف يؤولون لك، وهؤلاء مسلمون، فماذا ستقول عن الكافرين؟! قالوا: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:23) يعني: منتظرة، أين {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:23) وأين منتظرة؟! ... {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (القيامة:22) ناضرة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:23) كيف أولّوها؟ منتظرة، هؤلاء مسلمين لكنهم ضالين عن السنة. الشاهد لم يتم بعد، قالوا: سيحتجون بالحديث، ما هو الحديث؟ قال: «إذ دخل أهل الجنة الجنة ناداهم ربنا تبارك وتعالى: أي عبادي! هل أزيدكم شيئاً؟ قالوا: يا ربنا! ماذا تزيدنا؟!» لقد أدخلتنا الجنة، وأنعمت علينا .. قال: لا، عندي زيادة وهي أن أريكم وجهي فيرفع الحجاب، فيرون الله تبارك وتعالى (¬1)، هذا الخبيث مؤلف هذا الكتاب، ماذا فعل بالحديث؟ قال: هذا الحديث أولاً حديث آحاد، وهل سمعت هذه الفلسفة؟ مداخلة: سمعت منك أن هناك حديث آحاد، وسمعت أن هناك حديث غريب .. الشيخ: نعم، لكن لم تسمع مني أن الأحاديث الصحيحة منها ما نردها ومنها ما نقبلها؟ كله مقبول عندنا، أما عند الخوارج والشيعة فالحديث ولو كان صحيحاً فهو مرفوض إذا كان آحاداً يعني: غير متواتر. فهذا حديث آحاد قال هذا أولاً أولاً، ثانياً: قال: هذا مخالف للقرآن، هنا إذاً: كيف مخالف للقرآن؟ القرآن يقول: {قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ ¬

(¬1) مسلم (رقم467).

[34] باب هلاك من يفسر القرآن بغير السنة

مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} (الأعراف:143) أول الآية هناك أنه حتى في الآخرة بينما هي في الدنيا، فلما أتى الحديث يتحدث عن الآخرة ضرب بمفهومه الخاطئ للآية فَرَدَّ الحديث الصحيح، وهكذا الأمة تحارب منذ ألف سنة وزيادة ليس فقط من الأعداء بل ومن الأصدقاء من المسلمين أنفسهم، لماذا؟ لأن الأهواء مختلفة، أهواء تجعل بعض الناس كفار لا يعترفون لا بالرب ولا بالنبي عليه السلام، وناس منهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض؛ لذلك كما قال .. وأنهي كلامي .. كما قال عبد الله بن مسعود: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق" عليك بالأمر العتيق يا أبو سليمان، لا تسمع لابنك الروسي .. مداخلة: الله يثبتنا ... الشيخ: .... ، هذا أتى موبوءاً انتبه، اجعل بينك وبينه حصن؛ لأنه يحمل أفكار لينين وستالين، وهو سيجادلك وليس عنده علم لا بالكتاب ولا بالسنة، عنده علم بالشبهات التي لقنوها إياه فقط، لا تسمع منه حتى تدركنا وإياك إن شاء الله المنية ونحن على العهد القديم. " الهدى والنور" (241/ 38: 00: 00) [34] باب هلاك من يفسر القرآن بغير السنة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «هلاك أمتي في الكتاب واللبن. قالوا: يا رسول الله ما الكتاب واللبن؟ قال: يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله عز وجل، ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع، ويبدون».

[35] باب عدم كفاية اللغة لفهم القرآن

[ترجم له الإمام بما ترجمناه به ثم قال]: (فائدة): ترجم ابن عبد البر لهذا الحديث بقوله: " باب فيمن تأول القرآن أو تدبره وهو جاهل بالسنة ". ثم قال تحته: " أهل البدع أجمع أضربوا عن السنن، وتأولوا الكتاب على غير ما بينت السنة، فضلوا وأضلوا. نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله التوفيق والعصمة ". قلت: ومن ضلالهم تغافلهم عن قوله تعالى في كتابه موجهاً إلى نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44). "الصحيحة" (6/ 1/647، 649). [35] باب عدم كفاية اللغة لفهم القرآن [قال الإمام]: لا مجال لأحد، مهما كان عالما باللغة العربية وآدابها أن يفهم القرآن الكريم دون الاستعانة على ذلك بسنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - القولية والفعلية، فإنه لم يكن أعلم في اللغة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذين نزل القرآن بلغتهم ولم تكن قد شابتها لوثة العجمة والعامية واللحن ومع ذلك فإنهم غلطوا في فهم الآيات السابقة حين اعتمدوا على لغتهم فقط. وعليه فمن البدهي أن المرء كلما كان عالماً بالسنة كان أحرى بفهم القرآن واستنباط الأحكام منه ممن هو جاهل بها فكيف بمن هو غير معتد بها ولا ملتفت إليها أصلاً؟ ولذلك كان من القواعد المتفق عليها بين أهل العلم: أن يفسر القرآن بالقرآن

والسنة (¬1) ثم بأقوال الصحابة .. إلخ ومن ذلك يتبين لنا ضلال علماء الكلام قديما وحديثا ومخالفتهم للسلف رضي الله عنهم قي عقائدهم فضلاً عن أحكامهم وهو بعدهم عن السنة والمعرفة بها وتحكيمهم عقولهم وأهواءهم في آيات الصفات وغيرها. وما أحسن ما جاء في " شرح العقيدة الطحاوية " (ص 212 الطبعة الرابعة): "وكيف يتكلم في أصول الدين من لا يتلقاه من الكتاب والسنة وإنما يتلقاه من قول فلان؟ وإذا زعم أنه يأخذه من كتاب الله. لا يتلقى تفسير كتاب الله من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا ينظر فيها ولا فيما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان المنقول إلينا عن الثقات الذي تخيرهم النقاد؛ فإنهم لم ينقلوا نظم القرآن وحده بل نقلوا نظمه ومعناه ولا كانوا يتعلمون القرآن كما يتعلم الصبيان بل يتعلمونه بمعانيه. ومن لا يسلك سبيلهم فإنما يتكلم برأيه. ومن يتكلم برأيه وبما يظنه دين الله ولم يتلق ذلك من الكتاب فهو مأثوم (!) وإن أصاب. ومن أخذ من الكتاب والسنة فهو مأجور وإن أخطأ. لكن إن أصاب يضاعف أجره". ثم قال (ص 217): "فالواجب كمال التسليم للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن نعارضه بخيال باطل نسميه معقولاً، أو نحمله شبهةً أو شكاًّ، أو نقدم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم، فنوحده - صلى الله عليه وآله وسلم - بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما نوحد المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل". ¬

(¬1) لم نقل كما هو شائع لدى كثير من أهل العلم: يفسر القرآن بالقرآن إن لم يكن ثمة سنة ثم بالسنة؛ لما سيأتي بيانه في آخر هذه الرسالة عند الكلام على حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. [منه].

[36] باب خطأ حصر أخذ العقيدة بالقرآن وحده والتعرض لحجية خبر الآحاد

وجملة القول: أن الواجب على المسلمين جميعاً أن لا يفرقوا بين القرآن والسنة من حيث وجوب الأخذ بهما كليهما وإقامة التشريع عليهما معاً. فإن هذا هو الضمان لهم أن لا يميلوا يميناً ويساراً وأن لا يرجعوا القهقرى ضُلالاً كما أفصح عن هذا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض» (رواه مالك بلاغاً والحاكم موصولاً بإسناد حسن). "منزلة السنة في الأسلام" (ص12 - 14). [36] باب خطأ حصر أخذ العقيدة بالقرآن وحده والتعرض لحجية خبر الآحاد [قال محمد العدوي في كتابه "التوحيد أو العقائد الإسلامية": كتاب الله ... هو عصمة للمعقول لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يزال قائمًا. فوجب أن نأخذ منه العقائد ونعول عليه في أصول الدين]. [فعلق الإمام على ذلك قائلا]: هذا يوهم حصر أخذ العقائد من القرآن الكريم، وليس ذلك بصواب لأنه مخالف لسبيل المؤمنين، فإننا نعلم بالضرورة أن الصحابة رضي الله عنهم، كانوا لا يفرقون في العقيدة - شأنهم في الأحكام والمعاملات - بين القرآن والحديث. وجرى على ذلك التابعون فمن بعدهم، وتبعوا سبيلهم، لا يفرقون في ذلك بين أصول الدين وفروعه، بل إن التفريق بينهما تفريق مبتدع لا أصل له في الشرع، بل هو مخالف لنصوص كثيرة منه في القرآن والسنة. ولقد كان في الآثار السيئة لهذا التفريق أن استحل كثير من المتأخرين إنكار كثير من الأحاديث الصحيحة بدعوى

[37] باب ضلال منكري حجية السنة

أنها آحاد وبمثلها لا تثبت العقيدة زعموا، ورتبوا على ذلك أن المسلم مهما أنكر ما هو ثابت في الشرع، فإنه لا يكفر إلا إذا كان الذي أنكره أصلاً من أصول الدين، ولم يقيدوا ذلك بما إذا عُلِم ثبوت ذلك عنده. والحق الذي لا ريب فيه أن من أنكر شيئاً ثابتاً في الدين سواء كان في الأصول أو الفروع فهو كافر إذا عُلم كونه من الدين، ومع ذلك أنكر. فبهذا الشرط يكفر، لأن معنى ذلك أنه لا يصدق الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في كل ما جاء به، وما جاء به كله صواب، فجحد أي شيء منه يعتبر طعناً فيه - صلى الله عليه وآله وسلم -. وذلك كفر بين. وعلى ذلك إذا أنكر شيئاً وهو لا يعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جاء به، فلا سبيل إلى تكفيره إلا بعد تبليغه وإقامة الحجة عليه لقوله تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، ولا مجال بعد ذلك للتردد في تكفيره، ولو زعم أنه لم يقتنع بذلك أو لم تطمئن نفسه به فإنه ينافي الإيمان به - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. "تحقيق كتاب: التوحيد أو العقائد الإسلامية" (ص12 - 13) [37] باب ضلال منكري حجية السنة [قال الإمام في تحقيقه على كتاب " العلم " لابن أبي خيثمة]: اعلم أنه قد كان هناك خلاف قديم بين السلف في كتابة الحديث النبوي، فمنهم المانع، ومنهم المبيح، وستأتي في الكتاب آثار غير قليلة من النوعين، ثم استقر الأمر على جواز الكتابة، بل وجوبها، لأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بها في غير ما حديث واحد، كقوله:"اكتبوا لأبي شاه" أخرجه البخاري. ومن المعلوم أن الحديث هو الذي تولى بيان ما أجمل من القرآن، وتفصيل

[38] باب ذكر ضلال القرآنيين وسببه

أحكامه، ولولاه لم نستطع أن نعرف الصلاة والصيام، وغيرهما من الأركان والعبادات على الوجه الذي أراده الله تبارك وتعالى. وما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب. ولقد ضل قوم في هذا الزمان زعموا استغناءهم عن الحديث بالقرآن, وهو القائل: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44)، فأخبر أن ثمة مبيّناً، وهو القرآن، ومبيَّناً، وهو الرسول عليه الصلاة والسلام وحديثة، وقد أكد هذا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح المشهور: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه». "تحقيق العلم لابن أبي خيثمة" (ص 16 - 17) [38] باب ذكر ضلال القرآنيين وسببه [قال الإمام]: وقد علمنا أن مشرب هؤلاء "القرآنيين" ردَّ الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهه, لا في صحتها من جهة إسنادها, ولكن لمخالفتها لأهوائهم وميولهم. "أصل صفة الصلاة" (3/ 937). [39] باب الرد على القرآنيين [سئل الإمام]: سؤال: فضيلة الشيخ: يقول القرآنيون: قال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} (الإسراء12) ... وقال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام38) ... ويقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن هذا القران طرفه بيد الله, وطرفه بأيديكم, فتمسكوا به, فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بهده أبداً» (¬1). نرجو من فضيلتكم التعليق ¬

(¬1) "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 93/ 35). [منه].

على ذلك؟ (فأجاب): أما قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام 38) , فهذه الآية إنما تعني الكتاب هُنا: اللوح المحفوظ, ولا تعني: القران الكريم. أما قوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} (الإسراء12) , فإذا ضممتم إلى القران الكريم ما تقدم بيانه آنفا, فحينئذٍ يتم أن الله عز وجل قد فصل كل شيء تفضيلاً, لكن بضميمة أخرى, فإنكم تعلمون أن التفصيل قد يكون تارة بالإجمال, بوضع قواعد عامة يدخل تحتها جزئيات لا يمكن حصرها لكثرتها, فبوضع الشارع الحكيم لتلك الجزئيات الكثيرة قواعد معروفة ظهر معنى الآية الكريمة, وتارة التفصيل وهو المتبادر من هذه الآية, كما قال عليه الصلاة والسلام: «ما تركتُ شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به, ولا تركتُ شيئاً مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه» (¬1). فالتفصيل إذاً تارة يكون بالقواعد التي لا تدخل تحتها جزئيات كثيرة, وتارة يكون بالتفصيل لمفردات عبادات وأحكام تفصيلاً لا يحتاج إلى الرجوع إلى قاعدة من تلك القواعد. ومن القواعد التي لا يدخل تحتها فرعيات كثيرة -وتظهر بها عظمة الإسلام وسعة دائرة الإسلام في التشريع -قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - على سبيل المثال: «لا ضرر ولا ضرار» (¬2) ... وقوله عليه السلام: «كل مسكر خمر, وكل خمر ¬

(¬1) "الصحيحة" (1803). [منه]. (¬2) "صحيح الجامع" (7517). [منه].

حرام» (¬1) ... وقوله عليه السلام: «كل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار» (¬2). هذه قواعد وكليات لا يفوتها شيء مما يتعلق بالضرر بالنفس أو الضرر بالمال في الحديث الأول, وما يتعلق بما يُسكر كما في الحديث الثاني, سواء كان المسكر مستنبطاً من العنب -كما هو المشهور- أو من الذرة, أو من أي مادة من المواد الأخرى, فما دام أنه مُسكر فهو حرام. كذلك في الحديث الثالث: لا يمكن حصر البدع لكثرتها, ولا يمكن تعدادها ومع ذلك فهذا الحديث - مع إيجازه- يقول بصراحة: «وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار». هذه تفصيل لكن بقواعد. وأما الأحكام التي تعرفونها, فهي مفصَّلة بمفردات جاء ذكرها في السنة على الغالب, وأحياناً كأحكام الإرث مثلاً فهي مذكورة في القران الكريم. أما الحديث الذي جاء ذكره, فهو حديث صحيح, فالعمل به هو الذي بإمكاننا أن نتمسك به, وكما جاء في الحديث «تركت فيكم أمرين, لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله, وسنة رسوله» (¬3). فالتمسك بحبل الله - الذي هو بأيدينا- إنما هو العمل بالسنة المُفصلة للقران الكريم. "كيف يجب علينا أن نفسر القرآن" (ص7 - 10). ¬

(¬1) "إرواء الغليل" (8/ 40/2373) [منه]. (¬2) "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 92/34) - "وصلاة التراويح" (ص75). [منه]. (¬3) مشكاة المصابيح (1/ 66/ 186) [منه].

[40] باب متى يكون للآثار الموقوفة على الصحابة في العقيدة حكم الرفع فتنزل منزلة السنة؟

[40] باب متى يكون للآثار الموقوفة على الصحابة في العقيدة حكم الرفع فتنزل منزلة السنة؟ السائل: السؤال قد سألتك إياه في التلفون، الذي هو قلت لك حديث: (العرش مطوق بحية، والوحي ينزل بالسلاسل) ذكرت لي أني أرجع أرى هل هو حديث .... في «مختصر العلو» أنت قلت: حديث عبد الله بن عمرو أو قال حديث عبد الله بن عمر، وعلقت عليه فقلت: وإسناده صحيح عن عبد الله بن عمرو، وقلت: إسناده صحيح، فهل هو في حكم المرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الإسناد؟ الشيخ: ما عندي جواب غير ما سمعته، إن كان مصرحاً برفعه فهو كذلك، وإن كان غير مصرح فهو موقوف. مداخلة: لا ما هو مصرح فهل يعني إذا كان موقوفاً كيف النظر إلى الحديث، هل نقول: أن العرش مطوق بحية؟ الشيخ: لا، ما نقول، وأظن أجبتكم يوم كان الجواب، يعني: لك، هو كان جواباً متكرراً لغيرك؛ أقوال الصحابة إذا صحت عنهم لِتكون في منزلة الأحاديث المرفوعة إلى الرسول عليه السلام يجب أن تكون أولاً: مما لا يقال بالرأي وبالاجتهاد، هذه النقطة بالذات هناك مجال للاختلاف بين العلماء والفقهاء في بعض ما يتفرع من هذا الشرط، وهو أن يكون قول الصحابي أو الحديث الموقوف على الصحابي مما لا يقال بالرأي، ممكن يصير فيه اختلاف، مثلاً: إذا جاء حديثٌ ما فيه النهي عن شيء، هل هذا في حكم المرفوع أم لا، فمن يظن أن النهي عن الشيء لا يمكن أن يكون بالاجتهاد يقول: حكمه حكم المرفوع، ومن يظن مثلي أنا أنه يمكن للصحابي ولمن جاء من بعدهم من الأئمة أن يجتهد وينهى عن شيء

ويكون في اجتهاده مخطئاً فيجب إذاً: أن يكون الحديث الموقوف على الصحابي الذي يراد أن نقول: إنه في حكم المرفوع يجب أنه لا يحيط به أي شك في أنه في حكم المرفوع، ومتى يكون ذلك؟ حين لا مجال أن يقال بمجرد الرأي والاجتهاد، هذا الشرط الأول. والشرط الثاني، أو قبل ما أقول الشرط الثاني: الشرط الأول يعود في الحقيقة إلى أمر غيبي، وهو من معانيه التحريم والتحليل، لكن هذا الأمر الغيبي ينقسم قسمين: قسم يتعلق بالشريعة الإسلامية، وقسم يتعلق بما قبل الشريعة من الشرائع المنسوخة، فلكي يكون الحديث الموقوف في حكم المرفوع ينبغي أن يكون متعلقاً بالشريعة الإسلامية وليس متعلقاً بما قبلها، لماذا؟ هنا بيت القصيد، لأنه يمكن أن يكون من الإسرائيليات، والتاريخ الذي يتعلق بما قبل الرسول عليه السلام ... معناه من بدء الخلق إلى ما قبل الرسول عليه السلام وبعثته هو من هذا القبيل. فإذا جاءنا حديث يتحدث عما في السماوات من عجائب ومخلوقات، وهو لا يمكن أن يقال جزماً بالرأي والاجتهاد فيتبادر إلى الذهن إذاً هذا في حكم المرفوع، لكن لا، ممكن أن يكون هذا من الإسرائيليات التي تلقاها هذا الصحابي من بعض الذين أسلموا من اليهود والنصارى، ولذلك فينبغي أن يكون الحديث الموقوف والذي يراد أن نجعله في حكم المرفوع ما يوحي بأنه ليس له علاقة بالشرائع السابقة. فهذا الحديث عن عبد الله بن عمرو يمكن أن يكون من الأمور الإسرائيلية التي تتحدث عما في السماء من العجائب، ومن خلق الملائكة، لكن الذي

ثابت ... الآن عكس ذاك تماماً، يشعر الإنسان فوراً أن هذا لا يمكن أن يكون من الإسرائيليات، فهو إذاً موقوف في حكم المرفوع ولا مناص، ما هو؟ الحديث المعروف والمروي عن ابن عباس بالسند الصحيح، قال رضي الله عنه: نزل القرآن إلى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة، ثم نزل أنجماً حسب الحوادث، فهو إذاً: يتحدث عن القرآن وليس عن التوراة والإنجيل، فلو كان حديثه هذا الموقوف عن التوراة والإنجيل ورد الاحتمال السابق، فيقال: لا نستطيع أن نقول هو في حكم المرفوع، لكن ما دام يتعلق بالقرآن وأحكام القرآن وكل ما يتعلق به لا يمكن أن يتحدث عنه بشيء غيبي إلا ويكون الراوي قد تلقاه من الرسول عليه السلام، لأنه كون القرآن نزل جملة هذا غيب من أين يعرف ابن عباس تلقاه من بعض الإسرائيليات هذا مستحيل، ونزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا تفصيل دقيق [لا يمكن] للعقل البشري أن يصل إليه، لذلك هذا الحديث يتعامل العلماء معه كما لو كان قد صرح ابن عباس فيه برفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. باختصار: إن الأحاديث الموقوفة ليس من السهل أبداً أن يحكم عليها بحكم المرفوع إلا بدراسة دقيقة ودقيقة جداً، وذلك لا يستطيعه إلا كبار أهل العلم. سؤال: جزاك الله خير يا شيخنا. الشيخ: وإياك بارك الله فيك. مداخلة: هذه فائدة فريدة عضوا عليها بالنواجذ والأضراس والثنايا. الشيخ: جزاك الله خيراً. "الهدى والنور" (255/ 56: 07: 00).

[41] باب لا يؤخذ في العقيدة إلا بالأحاديث الصحيحة

(بيان أن السنة التي يستدل بها بجانب القرآن إنما هي السنة الصحيحة) [41] باب لا يؤخذ في العقيدة إلا بالأحاديث الصحيحة [قال الإمام]: لا ينبغي إلا أن يؤخذ بالأحاديث الصحيحة في كل ما يتعلق بالشريعة، سواء كان عقيدةً أو كان عبادةً أو كان سلوكاً. "الهدى والنور" تحت (169/ 00:39:58) [42] باب منه [قال الإمام]: ينبغي تصفية الروايات الضعيفة وإبعادها عن العقيدة الصحيحة. "الهدى والنور" (87/ 36: 14: 00). [43] باب منه [قال الإمام]: إن السنة التي لها هذه الأهمية [أي بكونها أصلاً بجانب القرآن] في التشريع إنما هي السنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالطرق العلمية والأسانيد الصحيحة المعروفة عند أهل العلم بالحديث ورجاله. وليست هي التي في بطون مختلف الكتب من التفسير والفقه والترغيب والترهيب والرقائق والمواعظ وغيرها فإن فيها كثيراً من الأحاديث الضعيفة والمنكرة والموضوعة، وبعضها مما يتبرأ منه الإسلام. مثل حديث هاروت وماروت وقصة الغرانيق -ولي رسالة خاصة في إبطالها وهي

[44] باب لا يستدل على أهل البدع إلا بما صح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -

مطبوعة- (¬1)، وقد خرجت طائفة كبيرة منها في كتابي الضخم " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة " وقد بلغ عددها حتى الآن قرابة أربعة آلاف حديث (¬2) وهي ما بين ضعيف وموضوع وقد طبع منها خمس مئة فقط. فالواجب على أهل العلم لا سيما الذين ينشرون على الناس فقههم وفتاويهم أن لا يتجرأوا على الاحتجاج بالحديث إلا بعد التأكد من ثبوته؛ فإن كتب الفقه التي يرجعون إليها عادة مملوءة بالأحاديث الواهية المنكرة وما لا أصل له كما هو معروف عند العلماء. "منزلة السنة في الإسلام" (ص15). [44] باب لا يستدل على أهل البدع إلا بما صح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أولئكَ رِجَالٌ اَمنوا بالغَيْبِ."يعني: الذينَ تحوَّلوا في الصَّلاةِ لما جاءَهًمْ خَبَرُ تحولِ القِبْلَةِ إلى المسجدِ الحرام». (موضوع). [قال الإمام]: واعلم أن هذا الحديث من جملة الأحاديث الكثيرة الواهية التي سوَّد بها مختَصِرَا " تفسير ابن كثير " كتابيهما، ألا وهما: الشيخ محمد نسيب الرفاعي، والشيخ الصابوني؛ فقد أوهما القراء في " المقدمة " أنهما حذفا من كتابيهما ¬

(¬1) واسمها " نصب المجانيق في نسف قصة الغرانيق " طبع المكتب الإسلامي. [منه]. (¬2) وقد جاوز العدد الآن الخمسة آلاف ولعل الله ييسر طبعها قريباً. [منه].

الأحاديث الضعيفة التي وردت في كتاب ابن كثير، وأنهما اقتصرا على الأحاديث الصحيحة فقط! والواقع يشهد بخلاف قولهما؛ إذ هما جاهلان بهذا العلم، والأول منهما أنا من أعرف الناس به؛ فقد عاش في الدعوة السلفية عشرات السنين، وكان يحضر دروسي في حلب وغيرها، واستفاد منها ما شاء الله تعالى إلا هذا العلم! وكتابه هذا المختصر أكبر دليل على ذلك. وأما الآخر: الصابوني؛ فأمره أوضح؛ فإنه أشعري خَلَفِيّ مُر! وقد تقدمت بعض النماذج الأخرى التي، تدل على ما ذكرنا من جهلهما وافتئاتهما على هذا العلم .. وقد زاد الرفاعي على زميله الصابوني سيئة أخرى، وذلك أنه صرح بصحة الحديث في " فهرس الأحاديث " الذي وضعه في آخر المجلد، وبناء عليه قال معلقاً على الحديث (1/ 120): فما قول من يقول: إن من يعتقد عقيدة بحديث آحاد فهو آثم؟! مع أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - شهد للذين صدقوا خبر الواحد بأنهم رجال يؤمنون بالغيب ". وأقول: العقيدةْ التي أشار إليها صحيحة، ولنا في تأييدها رسالتان مطبوعتان، وبهما عرف هو وغيره صحتها، والحمد لله؛ لكن لا يجوز أن يستدل عليها بما لم يصح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ إلا على مذهب بعض الفرق الضالة: "نحن لا نكذب على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ وإنما نكذب له"! ومع الأسف؛ فلهؤلاء أذناب في العصر الحاضر {ولتَعْرِفَنهُمْ في لَحْنِ لقَوْلِ}. "الضعيفة" (12/ 1/346 - 349).

جماع أبواب الكلام على حجية خبر الآحاد في العقيدة والرد على المخالفين

جماع أبواب الكلام على حجية خبر الآحاد في العقيدة والرد على المخالفين

[45] باب يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -

[45] باب يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال الإمام]: يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، عند أهل العلم به سواء كان في العقائد أو الأحكام وسواء أكان متواتراً أم آحاداً، وسواء أكان الآحاد عنده يفيد القطع واليقين، أو الظن الغالب على ما سبق بيانه، فالواجب في كل ذلك الإيمان به والتسليم له، وبذلك يكون قد حقق في نفسه الاستجابة المأمور بها في قول الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، وأنه إليه تحشرون}. "الحديث حجة بنفسه" (ص70) [46] باب من الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة [قال الإمام]: [من الأدلة] على وجوب الأخذ بخبر الواحد في العقيدة: الدليل الأول: قوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}. فقد حض الله تبارك وتعالى المؤمنين على أن ينفر طائفة منهم إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

ليتعلموا منه دينهم ويتفقهوا فيه. ولا شك أن ذلك ليس خاصاً بما يسمى بالفروع والأحكام بل هو أعم. بل المقطوع به أن يبدأ المعلم بما هو الأهم فالأهم تعليماً وتعلماً، ومما لا ريب فيه أن العقائد أهم من الأحكام، ومن أجل ذلك زعم الزاعمون أن العقائد لا تثبت بحديث الآحاد، فيبطل ذلك عليهم هذه الآية الكريمة، فإن الله تعالى كم حض فيها الطائفة على التعلم والتفقه عقيدةً وأحكاماً حضهم على أن ينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما تعلموه من العقائد والأحكام، و"الطائفة" في لغة العرب تقع على الواحد فما فوق. فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد عقيدة وحكماً لما حض الله تعالى الطائفة على التبليغ حضاً عاماً، معللاً ذلك بقوله: {لعلهم يحذرون} الصريح في أن العلم يحصل بإنذار الطائفة، فإنه كقوله تعالى في آياته الشرعية والكونية: {لعلهم يتفكرون}، {لعلهم يعقلون}، {لعلهم يهتدون}، فالآية نص في أن خبر الآحاد حجة في التبليغ عقيدة وأحكاماً. الدليل الثاني: قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} أي لا تتبعه، ولا تعمل به، ومن المعلوم أن المسلمين لم يزالوا من عهد الصحابة يَقْفُون أخبار الآحاد، ويعملون بها، ويثبتون بها الأمور الغيبية، والحقائق الإعتقادية مثل بدء الخلق وأشراط الساعة، بل ويثبتون بها لله تعالى الصفات، فلو كانت لا تفيد علما، ولا تثبت عقيدة لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (مختصر الصواعق- 2/ 396) وهذا مما لا يقوله مسلم. الدليل الثالث: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} وفي القراءة الأخرى "فتثبتوا"، فإنها تدل على أن العدل إذا جاء بخبر ما فالحجة

قائمة به، وأنه لا يجب التثبت بل يؤخذ به حالاً، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في "الإعلام" (2/ 394): "وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد وأنه لا يحتاج إلى التثبت، ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت حتى يحصل العلم. ومما يدل عليه أيضاً أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كذا، وفعل كذا وأمر بكذا، ونهى عن كذا، وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة، وفي "صحيح البخاري": قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في عدة مواضع، وكثير من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وإنما سمعه من صحابي غيره، وهذه شهادة من القائل، وجزم على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بما نسب إليه من قول أو فعل، فلو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان شاهداً على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بغير علم". الدليل الرابع: سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه تدل على الأخذ بخبر الآحاد: إن السنة العملية التي جرى عليها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه في حياته وبعد وفاته تدل أيضاً دلالة قاطعة على عدم التفريق بين حديث الآحاد في العقيدة والأحكام، وأنه حجة قائمة في كل ذلك، وأنا ذاكر الآن بإذن الله بعض ما وقفت عليه من الأحاديث الصحيحة، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في "صحيحه" - 8/ 132): " باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، وقول الله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} فلو اقتتل رجلان

دخلا في معنى الآية، وقوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وكيف بعث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمراءه واحداً بعد واحد، فإن سها أحد منهم رد إلى السنة ". ثم ساق الإمام البخاري أحاديث مستدلاً بها على ما ذكر من إجازة خبر الواحد، والمراد بها جواز العمل والقول بأنه حجة فأسوق بعضاً منها: الأول: عن مالك بن الحويرث قال: " أتينا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ونحن شببه (¬1) متقاربون، فأقمنا عنده نحواً من عشرين ليلة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رحيماً رفيقاً، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا، أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي ". فقد أمر - صلى الله عليه وآله وسلم - كل واحد من هؤلاء الشببة أن يعلم كل واحد منهم أهله، والتعليم يعم العقيدة، بل هي أول ما يدخل في العموم فلو لم يكن خبر الآحاد تقوم به الحجة لم يكن لهذا الأمر معنى. الثاني: عن أنس بن مالك: أن أهل اليمن قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالوا: إبعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام. قال: فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: «هذا أمين هذه الأمة «أخرجه مسلم (7/ 29) ورواه البخاري مختصراً. قلت: فلو لم تقم الحجة بخبر الواحد لم يبعث إليهم أبا عبيدة وحده، ¬

(¬1) جمع شاب. [منه].

وكذلك يقال في بعثه - صلى الله عليه وآله وسلم - إليهم في نوبات مختلفة، أو إلى بلاد منها متفرقة غيره من الصحابة رضي الله عنهم كعلي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري، وأحاديثهم في "الصحيحين" وغيرهما، ومما لا ريب فيه أن هؤلاء كانوا يعلمون الذين أرسلوا إليهم العقائد في جملة ما يعلمونهم، فلو لم تكن الحجة قائمة بهم عليهم لم يبعثهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أفرداً، لأنه عبث يتنزه عنه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذا معنى قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في "الرسالة" (ص412): "وهو - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يبعث بأمره، إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد كان قادراً على أن يبعث إليهم فيشافههم، أو يبعث إليهم عدداً، فبعث واحداً يعرفونه بالصدق". الثالث: عن عبد الله بن عمر قال: " بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة " رواه البخاري ومسلم. فهذا نص على أن الصحابة رضي الله عنهم قبلوا خبر الواحد في نسخ ما كان مقطوعاً عندهم من وجوب استقبال بيت المقدس، فتركوا ذلك واستقبلوا الكعبة لخبره، فلولا أنه حجة عندهم ما خالفوا به المقطوع عندهم من القبلة الأولى. قال ابن القيم: "ولم ينكر عليهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل شكروا على ذلك ". الرابع: عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفاً البكالي يزعم أن

موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل، فقال ابن عباس: كذب عدو الله، أخبرني أبي بن كعب قال: خطبنا رسول الله، ثم ذكر حديث موسى والخضر بشيء يدل على أن موسى عليه السلام صاحب الخضر. أخرجه الشيخان مطولاً، والشافعي هكذا مختصراً (442/ 1219): وقال الشافعي: يثبت العقيدة بخبر الواحد: "فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أبي بن كعب عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى يكذب به امرءاً من المسلمين، إذ حدثه أبي بن كعب عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بما فيه دلالة على أن موسى بني إسرائيل صاحب الخضر". قلت: وهذا القول من الإمام الشافعي رحمه الله دليل على أنه لا يرى التفريق بين العقيدة والعمل في الاحتجاج بخبر الآحاد، لأن كون موسى عليه السلام هو صاحب الخضر عليه السلام هي مسألة علمية وليست حكماً عملياً كما هو مبين، ويؤيد ذلك أن الإمام رحمه الله تعالى عقد فصلاً هاماً في "الرسالة" تحت عنوان "الحجة في تثبيت خبر الواحد" وساق تحته أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، (ص401 - 453) وهي أدلة مطلقة، أو عامة، تشمل بإطلاقها وعمومها أن خبر الواحد حجة في العقيدة أيضاً، وكذلك كلامه عليها عام أيضاً، وختم هذا البحث بقوله: "وفي تثبيت خبر الواحد أحاديث يكفي بعض هذا منها، ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه (¬1) السبيل. وكذلك حكى لنا عمن حكى لنا عنه من أهل العلم بالبلدان". ¬

(¬1) خبر لم يزل. [منه].

[47] باب خطورة تبني رد خبر الآحاد في العقيدة وذكر أهم من صنف في الرد على ذلك

وهذا عام أيضاً. وكذلك قوله (ص457): "ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والإنتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي، ولكن أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد". "الحديث حجة بنفسه" (ص53 - 59) [47] باب خطورة تبني رد خبر الآحاد في العقيدة وذكر أهم من صنف في الرد على ذلك [قال الإمام]: ظهرت عند بعض علماء المسلمين منذ قرون طويلة فكرة خاطئة، ورأي خطير، وذلك هو قولهم: إن حديث الآحاد ليس بحجة في العقائد الإسلامية، وإن كان حجة في الأحكام الشرعية، وقد أخذ بهذا الرأي عدد من علماء الأصول المتأخرين، وتبناه حديثاً طائفة من الكُتاب والدعاة المسلمين، حتى صار عند بعضهم أمراً بدهيّاً لا يحتمل البحث والنقاش! وغلا بعضهم فقال: إنه لا يجوز أن تُبنى عليه عقيدة أصلاً، ومن فعل ذلك فهو فاسق وآثم!! وقد كتب في الرد على هذا الرأي الشاذ كثير من علماء الإسلام والحديث قديماً وحديثاً، ومن أهم الردود ما كتبه العلامة الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "الصواعق المرسلة" والإمام الكبير ابن حزم رحمه الله تعالى في كتابه القيم

[48] باب نقض القول برد حديث الآحاد في العقيدة من وجوه عدة

"الإحكام في أصول الأحكام". "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة" (ص3). [48] باب نقض القول برد حديث الآحاد في العقيدة من وجوه عِدة [قال الإمام]: ذهب بعضهم إلى أنه لا تثبت العقيدة إلا بالدليل القطعي، بالآية أو الحديث المتواتر تواتراً حقيقياً، إن كان هذا الدليل لا يحتمل التأويل، وادعى أن هذا مما اتُفِق عليه عند علماء الأصول، وأن أحاديث الآحاد لا تفيد العلم (¬1)، وأنها لا تثبت بها عقيدة (¬2)! وأقول: إن هذا القول وإن كنا نعلم أنه قد قال به بعض المتقدمين من علماء الكلام، فإنه منقوض من وجوه عديدة: الوجه الأول: أنه قول مبتدع محدث، لا أصل له في الشريعة الإسلامية الغراء، وهو غريب عن هدي الكتاب وتوجيهات السنة، ولم يعرفه السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، ولم ينقل عن أحد منهم، بل ولا خطر لهم على بال! ومن المعلوم المقرر في الدين الحنيف: أن كل أمر مبتدع من أمور الدين باطل مردود، ¬

(¬1) قلت: ومعنى ذلك عندهم: أنه يمكن أن يكون كذباً أو خطأً! [منه]. (¬2) ومما ينبغي أن يُنتبه له: أن المراد بحديث الآحاد الحديث الصحيح، ولو جاء من عدة طرق صحيحة، لكنها لم تبلغ درجة التواتر؛ فمثل هذا الحديث يرده هؤلاء ولا يقبلونه في العقيدة! وللاطلاع على أهم التعريفات الحديثية المتعلقة بهذا الموضوع؛ راجع مقدمة رسالتنا السابقة «الحديث حجة بنفسه» [منه].

لا يجوز قبوله بحال. الوجه الثاني: أن هذا القول يتضمن عقيدةً تستلزم رد مئات الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم لمجرد كونها في العقيدة، وهذه العقيدة: هي أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها عقيدة، وإذا كان الأمر كذلك عند هؤلاء المتكلمين وأتباعهم، فنحن نخاطبهم بما يعتقدونه، فنقول لهم: أين الدليل القاطع على صحة هذه العقيدة لديكم من آية أو حديث متواتر: قطعي الثبوت قطعي الدلالة أيضاً، بحيث إنه لا يحتمل التأويل؟ الوجه الثالث: أن هذا القول مخالف لجميع أدلة الكتاب والسنة التي نحتج نحن وإياهم جميعاً بها على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام الشرعية، وذلك لعمومها وشمولها لما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ربه، سواء كان عقيدة أو حكماً. الوجه الرابع: أن القول المذكور ليس فقط لم يَقُلْ به الصحابة، بل هو مخالف لما كانوا عليه رضي الله عنهم، فإننا على يقين أنهم كانوا يجزمون بكل ما يحدث به أحدهم عن حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم يقل أحد منهم لمن حدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: خبرك خبر واحد لا يفيد العلم حتى يتواتر. الوجه الخامس: قال الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) (المائدة:67)، وقال: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} (النور:54)، وقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «بلغوا عني» متفق عليه، وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة: «أنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، رواه مسلم.

ومعلوم أن البلاغ: هو الذي تقوم به الحجة على المبلَّغ، ويحصل به العلم، فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد، فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يرسل الواحد من أصحابه يبلِّغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه، وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدولُ الثقات من أقواله وأفعاله وسنته، ولو لم يفد العلم، لم تقم علينا بذلك حجة، ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر، وهذا من أبطل الباطل. الوجه السادس: أننا نعلم يقيناً أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يبعث أفراداً من الصحابة إلى مختلف البلاد ليعلِّموا الناس دينهم، كما أرسل علياً ومعاذاً وأبا موسى إلى اليمن في نوبات مختلفة، ونعلم يقيناً أيضاً أن أهم شيء في الدين إنما هو العقيدة، فهي أول شيء كان أولئك الرسل يدعون الناس إليه، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لمعاذ: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل» وفي رواية: «فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله»، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات .... ) الحديث متفق عليه، واللفظ لمسلم. فقد أمره - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يبلغهم قبل كل شيء عقيدة التوحيد، وأن يعرفهم بالله عز وجل، وما يجب له وما ينزه عنه، فإذا عرفوه تعالى بلغهم ما فرض الله عليهم، وذلك ما فعله معاذ يقيناً، فهو دليل قاطع على أن العقيدة تثبت بخبر الواحد، وتقوم به الحجة على الناس، ولولا ذلك لما اكتفى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بإرسال معاذ وحده وهذا بين ظاهر، والحمد لله. الوجه السابع: أن القول المذكور يستلزم تفاوت المسلمين فيما يجب عليهم اعتقاده، مع بلوغ الخبر إليهم جميعاً، وهذا باطل أيضاً.

الوجه الثامن: ومِن لوازمه -أيضاً- إبطال الأخذ بالحديث مطلقاً في العقيدة من بعد الصحابة الذين سمعوه منه - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرة، وهذا كالذي قبله في البطلان، بل أظهر. الوجه التاسع: إذا كان من الواجب قبول قول المحدث الواحد في الحديث: إنه متواتر، وهو يستلزم الأخذ به في العقيدة، فكذلك يجب الأخذ بحديث كل محدث ثقة، وإثبات العقيدة به، ولا فرق. والتعليل باحتمال أن يكون وَهِمَ أو نسي أو كَذب في واقع الأمر -وإن كان ظاهره الثقة والعدالة- يقال مثله في المختص الذي قال بتواتر الحديث، ولا فرق أيضاً، فإما أن يصدق كل منهما فيما أخبر به، وإما أن لا يصدقا! والثاني باطل، فثبت الأول، وهو المراد. الوجه العاشر: أن التصديق في مبدأ الأمر -وإن كان اختيارياً- ولذلك يقال للإنسان: صدِّق أو لا تُصدق-، ولكن المصدِّق حين يثق بالراوي يجد نفسه مقسورة على تصديقه، بحيث إنه لا يمكنه أن يكذبه أو يشك في خبره، كما يجد ذلك كل واحد منا مع صديقه الذي يثق به. وحينئذٍ فتكليف المصَدِّقِ بوجوب تصديق الراوي الذي يثق به في الأحكام دون العقيدة هو أشبه شيء بالقول بـ: (تكليف ما لا يطاق). الوجه الحادي عشر: أن التفريق بين العقيدة والأحكام العملية، وإيجاب الأخذ بحديث الآحاد في هذه دون تلك إنما بني على أساس أن العقيدة لا يقترن معها عمل، والأحكام العملية لا يقترن معها عقيدة، وكلا الأمرين باطل! الوجه الثاني عشر: أن القائلين بهذه العقيدة الباطلة لو قيل لهم: إن العكس

هو الصواب، لما استطاعوا رده، فإنه من الممكن أن يقال: لما كان كل من العقيدة والعمل يتضمن أحدهما الآخر، فالعقيدة يقترن معها عمل، والعمل يقترن معه عقيدة على ما سبق بيانه آنفاً، ولكن بينهما فرقاً واضحاً من حيث أن الأول إنما هو متعلق بشخص المؤمن، ولا ارتباط له بالمجتمع، بخلاف العمل، فإنه مرتبط بالمجتمع الذي يحيا فيه المؤمن ارتباطاً وثيقاً، فيه تستحل الفروج المحرمة في الأصل، وتستباح الأموال والنفوس، فالأمور العملية من هذه الوجهة أخطر من الأمور الاعتقادية. الوجه الثالث عشر: أن طرد قولهم بهذه العقيدة، وتبنيها دائماً، يستلزم تعطيل العمل بحديث الآحاد في الأحكام العملية أيضاً، وهذا باطل لا يقولون هم أيضاً به، وما لزم منه باطل فهو باطل. الوجه الرابع عشر: أن دعوى اتفاق الأصوليين على ذلك القول دعوى باطلة، وجرأة زائدة، فإن الاختلاف معروف في كتب الأصول وغيرها، وبعض الكُتاب اليوم إنما قلد في ذلك بعض المعاصرين الذي لا يتثبتون فيما ينقلون، وإلا فكيف يصح الاتفاق المذكور، وقد نص على أن خبر الواحد يفيد العلم: الإمام مالك والشافعي، وأصحاب أبي حنيفة، وداود بن علي وأصحابه، كابن حزم (¬1)، ونص عليه الحسين بن علي الكرابيسي، والحارث بن أسد المحاسبي؟! الوجه الخامس عشر: هب جدلاً أن الاتفاق المزعوم صحيح، ولكنه ليس على إطلاقه عند الأصوليين، بل هو مقيد بما إذا لم يكن هناك ما يشهد له. ¬

(¬1) واحتج له بحجج كثيرة قوية، لا تجدها في كتاب آخر من كتب الأصول؛ فراجع «إحكام الأحكام» له (1/ 119 - 138) [منه].

الوجه السادس عشر: على أن هذا الاختلاف مسبوق بانعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث، وإثبات صفات الرب تعالى والأمور العلمية الغيبية بها. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فهذا لا يشك فيه من له خبرة بالمنقول، فإن الصحابة هم الذين رووا هذه الأحاديث، وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول، ولم ينكرها أحد منهم على من رواها، ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم، ومن سمعها منهم تلقاها بالقبول والتصديق لهم، ومن لم يسمعها منهم تلقاها عن التابعين كذلك، وكذلك تابع التابعين مع التابعين، هذا أمر يعلمه ضرورة أهل الحديث، كما يعلمون عدالة الصحابة وصدقهم وأمانتهم ونقلهم ذلك عن نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - كنقلهم الوضوء والغسل من الجنابة، وأعداد الصلوات وأوقاتها، ونقل الأذان والتشهد والجمعة والعيدين، فإن الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا أحاديث الصفات، فإن جاز عليهم الخطأ والكذب في نقلها، جاز عليهم ذلك في نقل غيرها مما ذكرناه، وحينئذٍ فلا وثوق لنا بشيء نقل لنا عن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - البتة، وهذا انسلاخ من الدين والعلم والعقل، على أن كثيراً من القادحين في دين الإسلام قد طردوه، وقالوا: لا وثوق لنا بشيء البتة، (قال): فهؤلاء أعطوا الانسلاخ من السنة والدين حقه، وطردوا كفرهم وخلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم، وتقسمت الفرق قولهم هذا في رد الحديث" (¬1). ثم ذكر أكثر من عشر طوائف وما أنكروه من السنة، وهم ما بين مستقل من ذلك، ومستكثر، ومنهم المفرقون بين أحاديث الأحكام وأحاديث الصفات، ¬

(¬1) «الصواعق» (2/ 433 - 434) [منه].

فليراجع تمام كلامه من شاء، فإنه نفيس، ولولا خشية الإطالة لنقلته برمته. فثبت مما تقدم أن خبر الآحاد الذي تلقته الأمة بالقبول يفيد العلم، فإذا كان كذلك، فالعقيدة تثبت به، ولا اعتداد بمن خالف في ذلك من المتكلمين، لمخالفتهم أدلة الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة ومن بعدهم من الأئمة. الوجه السابع عشر: ثم هب أن أحاديث الآحاد لا تفيد العلم، واليقين، فهي تفيد الظن الغالب قطعاً باتفاقهم. الوجه الثامن عشر: أن كون الدليل من الأمور الظنية أو القطعية أمر نسبي، يختلف باختلاف المدرِك المستدِل، ليس هو صفة في نفسه. الوجه التاسع عشر: إن من لوازم هذا القول الباطل: الاقتصار في العقيدة على ما جاء في القرآن وحده، وفصل الحديث عنه، وعدم الاعتداد بما فيه من العقائد والأمور الغيبية، وفقاً لطائفة من الناس اليوم، يعرفون بـ "القرآنيين" لأنهم لا يدينون بالحديث إطلاقاً إلا ما وافق القرآن منه، ولذلك فصلاتهم غير صلاتنا (¬1)، وزكاتهم غير زكاتنا، وكل عبادتهم غير عبادتنا، وبالتالي فعقائدهم غير عقائدنا، وذلك يساوي طبعاً أنهم غير مسلمين، فهؤلاء الذين أشار إليهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله فيما صح عنه: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لُقطة معاهد، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم ¬

(¬1) ولقد طلبت من أحدهم أن يرينا صلاتهم، فصلى صلاة لا يدلّ عليها حتى القرآن نفسه؛ لأنها مركبة من أدعية وأذكار لا أصل لها فيه؛ فضلاً عن السنة!! [منه].

[49] باب رد شبهات حول حجية خبر الآحاد في العقيدة

أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراهُ» رواه أبو داود (2/ 505). أقول: إن الذين يتبنون هذا القول الباطل يشاركون هؤلاء الضلال في قسم كبير من ضلالهم، وهو الاكتفاء بالقرآن فيما يتعلق بالعقيدة، وهذا -وإن كان لأول وهلة يبدو أنه يخالف قولهم المشار إليه؛ لأنهم يثبتون العقيدة بالحديث المتواتر-، فإنه في الحقيقة لا يخالفه إلا في اللفظ لا المعنى. والتحقيق: أن ذلك نظري بالنسبة إليهم غير عملي، وإلا فليدلنا هؤلاء الذين يتبنون هذا القول على عقيدة واحدة يعتقدونها بناءً على حديث متواتر، فإني شخصياً لا أظن أن أحداً من علماء الكلام يثبت عقيدة بحديث متواتر؛ لأنهم من أجهل الناس بالأحاديث وطرقها، وأزهد الناس في الاشتغال بها وتطلبها، كما سبق بيانه، ولذلك نراهم يحكمون على كثير من الأحاديث بأنها أخبار آحاد، وهي عند أهل العلم بالحديث متواترة! "وجوب الأخذ بحديث الآحاد" (ص7 - 45) باختصار شديد، ومن أراد التوسع فليراجع الرسالة المشار إليها. [49] باب رد شبهات حول حجية خبر الآحاد في العقيدة [قال الإمام]: إن القائلين بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، يقولون في الوقت نفسه بأن الأحكام الشرعية ثبتت بحديث الآحاد، وهم بهذا قد فرقوا بين العقائد والأحكام، فهل تجد هذا التفريق في النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة، كلا، وألف كلا، بل هي بعمومها وإطلاقاتها تشمل العقائد أيضاً، وتوجب اتباعه - صلى الله عليه وآله وسلم - فيها، لأنها بلا شك مما يشمله قوله (أمراً) في آية {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله

ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} وهكذا أمره تعالى بإطاعة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - والنهي عن عصيانه، والتحذير من مخالفته - وثناؤه على المؤمنين الذين يقولون عندما يدعون للتحاكم إلى الله ورسوله: سمعنا وأطعنا، كل ذاك يدل على وجوب طاعته واتباعه - صلى الله عليه وآله وسلم - في العقائد والأحكام. وقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} فإن "ما" من ألفاظ العموم والشمول كما هو معلوم. وأنت لو سألت هؤلاء القائلين بوجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام عن الدليل عليه، لاحتجوا بهذه الآيات السابقة وغيرها مما لم نذكره اختصاراً، وقد استوعبها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه "الرسالة" فليراجعها من شاء، فما الذي حملهم على استثناء العقيدة من وجوب الأخذ بها وهي داخلة في عموم الآيات؟ إن تخصيصها بالأحكام دون العقائد تخصيص بدون مخصص، وذلك باطل، وما لزم منه باطل فهو باطل. - شبهة وجوابها لقد عرضت لهم شبهة ثم صارت لديهم عقيدة! وهي أن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن، ويعنون به الظن الراجح طبعاً، والظن الراجح يجب العمل به في الأحكام اتفاقاً، ولا يجوز الأخذ به عندهم في الأخبار الغيبية، والمسائل العلمية، وهي المراد بالعقيدة، ونحن لو سلمنا لهم جدلا بقولهم: "إن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن" على إطلاقه، فإنا نسألهم: من أين لكم هذا التفريق، وما الدليل على أنه لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة؟! لقد رأينا بعض المعاصرين يستدلون على ذلك بقوله تعالى في المشركين: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} وبقوله سبحانه: {إن الظن لا يغني من الحق شيئاً}، ونحو ذلك من الآيات التي يذم الله تعالى فيها المشركين على اتباعهم

الظن. وفات هؤلاء المستدلين أن الظن المذكور في هذه الآيات ليس المراد به الظن الغالب الذي يفيده خبر الآحاد، والواجب الأخذ به اتفاقاً، وإنما هو الشك الذي هو الخرص؛ فقد جاء في "النهاية" و"اللسان" وغيرها من كتب اللغة: " الظن: الشك يعرض لك في الشيء فتحققه وتحكم عليه ". فهذا هو الظن الذي نعاه الله تعالى على المشركين، ومما يؤيد ذلك قوله تعالى فيهم: {إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} فجعل الظن هو الخرص الذي هو مجرد الحزر والتخمين. ولو كان الظن المنعي على المشركين في هذه الآيات هو الظن الغالب كما زعم أولئك المستدلون، لم يجز الأخذ به في الأحكام أيضاً، وذلك لسببين اثنين: الأول: أن الله أنكره عليهم إنكاراً مطلقاً، ولم يخصه بالعقيدة دون الأحكام. والآخر: أنه تعالى صرح في بعض الآيات أن الظن الذي أنكره على المشركين يشمل القول به في الأحكام أيضاً، فاسمع إلى قوله تعالى الصريح في ذلك: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} "فهذه عقيدة" ولا حرمنا من شيء "وهذا حكم" كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ إن تتبعون إلا الظن، وإن أنتم إلا تخرصون}، ويفسرها قوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} فثبت مما تقدم أن الظن الذي لا يجوز الأخذ به إنما هو الظن اللغوي المرادف للخرص والتخمين، والقول بغير علم، وأنه يحرم الحكم به في الأحكام كما يحرم الأخذ به في العقائد ولا فرق.

وإذ كان الأمر كذلك فقد سلم لنا القول المتقدم: إن كل الآيات والأحاديث المتقدمة الدالة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام، تدل أيضاً بعمومها وشمولها على وجوب الأخذ به في العقائد أيضاً، والحق أن التفريق بين العقيدة والأحكام في وجوب الأخذ فيها بحديث الآحاد فلسفة دخيلة في الإسلام، لا يعرفها السلف الصالح ولا الأئمة الأربعة الذين يقلدهم جماهير المسلمين في كل العصر الحاضر. - بناؤهم عقيدة (عدم الأخذ بحديث الآحاد) على الوهم والخيال: وإن من أعجب ما يسمعه المسلم العاقل اليوم هو هذه الكلمة التي يرددها كثير من الخطباء والكتاب كلما ضعف إيمانهم عن التصديق بحديث، حتى ولو كان متواتراً عند أهل العلم بالحديث كحديث نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، فإنهم يتسترون بقولهم: " حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة "، وموضع العجب أن قولهم هذا هو نفسه عقيدة، كما قلت مرة لبعض من ناظرتهم في هذه المسألة، وبناء على ذلك، فعليهم أن يأتوا بالدليل القاطع على صحة هذا القول، وإلا فهم متناقضون فيه، وهيهات هيهات فإنهم لا دليل لهم إلا مجرد الدعوى، ومثل ذلك مردود في الأحكام فكيف في العقيدة؟ وبعبارة أخرى: لقد فروا من القول بالظن الراجح في العقيدة، فوقعوا فيما هو أسوأ منه وهو قولهم بالظن المرجوح فيها، " فاعتبروا يا أولى الأبصار "! وما ذلك إلا بسبب البعد عن التفقه بالكتاب والسنة، والاهتداء بنورهما مباشرة، والانشغال عنه بآراء الرجال. "وجوب الأخذ بحديث الآحاد" (ص49 - 53)

[50] باب خبر الآحاد يفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان وبيان أن سبب ادعاء أهل الضلال عدم إفادة حديث الآحاد العلم هو جهلهم بالسنة

[50] باب خبر الآحاد يفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان وبيان أن سبب ادعاء أهل الضلال عدم إفادة حديث الآحاد العلم هو جهلهم بالسنة [قال الإمام]: ينبغي أن يعلم أن [القول بأن خبر الآحاد لا يفيد إلا الظن الراجح] ليس مسلماً على إطلاقه، بل فيه تفصيل مذكور في موضعه، والذي يهمنا ذكره الآن هو أن خبر الآحاد يفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان، من ذلك الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول، ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مما لم ينتقد عليهما فإنه مقطوع بصحته، والعلم اليقيني النظري حاصل به، كما جزم به الإمام ابن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" (ص28 - 29) ونصره الحافظ بن كثير في "مختصره" ومن قبله شيخ الإسلام ابن تيمية، وتبعه العلامة ابن قيم الجوزية في "مختصر الصواعق" (2/ 383)، ومثل له بعدة أحاديث، منها حديث عمر:» إنما الأعمال بالنيات «وحديث:» إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل «، وحديث ابن عمر:» فرض رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلاة الفطر في رمضان على الصغير والكبير والذكر والأنثى «وأمثال ذلك، قال ابن القيم (2/ 373): " قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأولين والآخرين، أما السلف، فلم يكن بينهم في ذلك نزاع، وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة، والمسألة منقولة في كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، مثل السرخسي وأبي بكر الرازي

من الحنفية، والشيخ أبي حامد وأبي الطيب والشيخ أبي إسحاق من الشافعية، وابن خويز منداد وغيره من المالكية، ومثل القاضي أبي يعلى وابن أبي موسى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية، ومثل أبي إسحاق الإسفرائيني وابن فورك وأبي إسحاق النظام من المتكلمين، وذكره ابن الصلاح وصححه واختاره، ولكنه لم يعلم كثرة القائلين به ليتقوى بهم، وإنما قاله بموجب الحجة الصحيحة وظن من اعترض عليه من المشايخ الذين لهم علم ودين، وليس لهم بهذا الباب خبرة تامة: أن هذا الذي قاله أبو عمرو بن الصلاح انفرد به عن الجمهور! وعذرهم أنهم يرجعون في هذه المسائل إلى ما يجدونه من كلام ابن الحاجب، وإن ارتفعوا درجة صعدوا إلى السيف الآمدي، وإلى ابن الخطيب، فإن علا سندهم صعدوا إلى الغزالي والجويني والباقلاني. (قال): وجميع أهل الحديث على ما ذكره الشيخ أبو عمرو، والحجة على قول الجمهور: أن تلقي الأمة للخبر تصديقاً وعملاً، إجماع منهم والأمة لا تجتمع على ضلالة، كما لو اجتمعت على موجب عموم، أو مطلق أو اسم حقيقة، أو على موجب قياس، فإنها لا تجتمع على خطأ وإن كان الواحد منهم لو جرد النظر إليه لم يؤمن عليه الخطأ، فإن العصمة تثبت بالنسبة إلاجماعية، كما أن خبر التواتر يجوز الخطأ والكذب على واحد واحد من المخبرين بمفرده، ولا يجوز على المجموع، والأمة معصومة من الخطأ في روايتها ورأيها، (قال): والآحاد في هذا الباب قد تكون ظنوناً بشروطها، فإذا قويت صارت علوماً، وإذا وضعت صارت أوهاماً وخيالات فاسدة. (قال): واعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب كما ذكره الشيخ أبو عمرو، ومن قبله العلماء كالحافظ أبي طاهر السلفي وغيره، فإن ما تلقاه أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق فهو محصل للعلم، مفيد لليقين، ولا عبرة

بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين، فإن الإعتبار في الإجماع على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم، كما لم يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية إلا العلماء بها، دون المتكلمين والنحاة والأطباء، وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله، وهم علماء الحديث، العالمون بأحوال نبيهم، الضابطون لأقواله وأفعاله، المعتنون بها أشد من عناية المقلدين لأقوال متبوعيهم، فكما أن العلم بالتواتر ينقسم إلى عام وخاص، فيتواتر عند الخاصة ما لا يكون معلوماً لغيرهم، فضلاً أن يتواتر عندهم، فأهل الحديث لشدة عنايتهم بسنة نبيهم، وضبطهم لأقواله وأفعاله وأحواله يعلمون من ذلك علماً لا يشكون فيه مما لا شعور لغيرهم به البتة ". - فساد قياس الخبر الشرعي على الأخبار الأخرى في إفادة العلم: قال ابن القيم رحمه الله تعالى (2/ 368): " وإنما أتى منكر إفادة خبر الواحد العلم من جهة القياس الفاسد فإنه قاس المخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بشرع عام للأمة، أو بصفة من صفات الرب تعالى على خبر الشاهد على قضية معينة، ويا بعد ما بينهما ‍! فإن المخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لو قدر أنه كذب عمداً أو خطأ، ولم يظهر ما يدل على كذبه لزم من ذلك إضلال الخلق، إذ الكلام في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول، وعملت بموجبه، وأثبتت به صفات الرب وأفعاله، فإن ما يجب قبوله شرعاً من الأخبار لا يكون باطلا في نفس الأمر، لاسيما إذا قبلته الأمة كلهم وهكذا يجب أن يقال في كل دليل يجب اتباعه شرعاً، لا يكون إلا حقاً، فيكون مدلوله ثابتاً في نفس الأمر، هذا فيما يخبر به عن شرع الرب تعالى وأسمائه وصفاته، بخلاف الشهادة المعينة على مشهود

عليه معين، فهذه قد لا يكون مقتضاها ثابتاً في نفس الأمر. وسر المسألة أنه لا يجوز أن يكون الخبر الذي تعبد الله به الأمة وتعرف به إليهم على لسان رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في إثبات أسمائه وصفاته كذباً وباطلاً في نفس الأمر، فإنه من حجج الله على عباده، وحجج الله لا تكون كذباً وباطلا، بل لا تكون إلا حقاً في نفس الأمر، ولا يجوز أن تتكافأ أدلة الحق والباطل، ولا يجوز أن يكون الكذب على الله وشرعه ودينه مشتبهاً بالوحي الذي أنزله على رسوله، وتعبد به خلقه، بحيث لا يتميز هذا عن هذا، فإن الفرق بين الحق والباطل، والصدق والكذب، ووحي الشيطان، ووحي الملك عن الله، أظهر من أن يشبه أحدهما بالآخر، ألا وقد جعل الله على الحق نوراً كنور الشمس يظهر للبصائر المستنيرة، وألبس الباطل ظلمة كظلمة الليل. وليس بمستنكر أن يشتبه الليل بالنهار على أعمى البصر، كما يشتبه الحق بالباطل على أعمى البصيرة، قال معاذ بن جبل في قضيته (!) " تلق الحق ممن قاله، فإن على الحق نوراً " ولكن لما أظلمت القلوب، وعميت البصائر بالإعراض عما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وازدادت الظلمة باكتفائها بآراء الرجال التبس عليها الحق بالباطل، فجوزت على أحاديثه - صلى الله عليه وآله وسلم - الصحيحة التي رواها أعدل الأمة وأصدقها أن تكون كذباً، وجوزت على الأحاديث الباطلة المكذوبة المختلقة التي توافق أهواءها أن تكون صدقاً فاحتجت بها! قال (2/ 379): وإنما المتكلمون أهل ظلم وجهل، يقيسون خبر الصديق والفاروق وأبي بن كعب بأخبار آحاد الناس، مع ظهور الفرق المبين بين المخبرين، فمن أظلم ممن

سوى بين خبر الواحد من الصحابة وخبر الواحد من الناس في عدم إفادة العلم؟ وهذا بمنزلة من سوى بينهم في العلم والدين والفضل. قال (2/ 379): - سبب ادعائهم (عدم إفادة حديث الآحاد العلم) هو جهلهم بالسنة: فإذا قالوا: أخباره - صلى الله عليه وآله وسلم - وأحاديثه الصحيحة لا تفيد العلم، فهم مخبرون عن أنفسهم أنهم لم يستفيدوا منها العلم، فهم صادقون فيما يخبرون به عن أنفسهم، كاذبون في إخبارهم أنها لا تفيد العلم لأهل الحديث والسنة. (وقال 2/ 432) إذ لم يحصل لهم من الطرق التي استفاد بها العلم أهل السنة ما حصل لهم، فقولهم: لم نستفد بها العلم لم يلزم منه النفي العام على ذلك، (وهذا) بمنزلة الاستدلال على أن الواجد للشيء العالم به غير واجد له، ولا عالم به! فهو كمن يجد من نفسه وجعاً أو لذة أو حباً أو بغضاً، فينتصب له من يستدل على أنه غير وجع ولا متألم ولا محب ولا مبغض، ويكثر له من الشبه التي غايتها أني لم أجد ما وجدته، ولو كان حقاً لاشتركت أنا وأنت فيه! وهذا عين الباطل، وما أحسن ما قيل: أقول للائم المهُدى ملامته ... ذق الهوى فإن استطعت الملام لُمِ فيقال له: اصرف عنايتك إلى ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - واحرص عليه، وتتبعه واجمعه، و (الزم) معرفة أحوال نقلته وسيرتهم، وأعرض عما سواه، واجعله غاية طلبك، ونهاية قصدك، بل احرص عليه حرص أتباع المذاهب على معرفة مذاهب أئمتهم، بحيث حصل لهم العلم الضروري بأنها مذاهبهم وأقوالهم، ولو أنكر ذلك عليهم منكر لسخروا منه، وحينئذ تعلم: هل تفيد أخبار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - العلم أو لا

[51] باب أمثلة على العقائد الإسلامية المتواترة

تفيده، فأما مع إعراضك عنها، وعن طلبها فهي لا تفيدك علماً، ولو قلت: لا تفيدك أيضاً ظناً لكنت مخبراً بحصتك ونصيبك منها ‍! ". "حديث الآحاد حجة بنفسه" (ص62 - 68) [51] باب أمثلة على العقائد الإسلامية المتواترة [قال الإمام]: [هذه جملة] من العقائد الإسلامية التي تلقاها الخلف عن السلف، وجاءت الأحاديث متضافرة متوافرة شاهدة عليها: 1 - نبوة آدم عليه السلام، وغيره من الأنبياء الذين لم يُذكروا في القرآن. 2 - أفضلية نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - على جميع الأنبياء والرسل. 3 - شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - العظمى في المحشر. 4 - شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - لأهل الكبائر من أمته. 5 - معجزاته - صلى الله عليه وسلم - كلها ما عدا القرآن، ومنها معجزة انشقاق القمر، فإنها مع ذكرها في القرآن تأولوها بما ينافي الأحاديث الصحيحة المصرحة بانشقاق القمر معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. 6 - صفاته - صلى الله عليه وسلم - البدنية وبعض شمائله الخلقية. 7 - الأحاديث التي تتحدث عن بدء الخلق وصفة الملائكة، والجن والجنة والنار، وأنهما مخلوقتان، وأن الحجر الأسود من الجنة (¬1). ¬

(¬1) وقد صرح الشيخ محمود شلتوت - صلى الله عليه وسلم - (113) بأنه حجر طبيعي من أحجار مكة.

8 - خصوصياته - صلى الله عليه وآله وسلم - التي جمعها السيوطي في كتاب «الخصائص الكبرى» مثل دخول الجنة، ورؤية أهلها وما أعد للمتقين فيها، وإسلام قرينه من الجن وغيره ذلك. 9 - القطع بأن العشرة المبشرين بالجنة من أهل الجنة. 10 - الإيمان بسؤال منكر ونكير في القبر. 11 - الإيمان بعذاب القبر. 12 - الإيمان بضغطة القبر. 13 - الإيمان بالميزان ذي الكفتين يوم القيامة. 14 - الإيمان بالصراط. 15 - الإيمان بحوضه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأن من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً. 16 - دخول سبعين ألفاً من أمته - صلى الله عليه وآله وسلم - الجنة بغير حساب. 17 - سؤال الأنبياء في المحشر عن التبليغ. 18 - الإيمان بكل ما صح في الحديث في صفة القيامة والحشر والنشر. 19 - الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، وأن الله تعالى كتب على كل إنسان سعادته أو شقاوته ورزقه وأجله. 20 - الإيمان بالقلم الذي كتب كل شيء. 21 - الإيمان بأن القرآن كتاب الله حقيقة لا مجازاً. 22 - الإيمان بالعرش والكرسي حقيقة لا مجازاً (¬1). 23 - الإيمان بأن أهل الكبائر لا يخلدون في النار. ¬

(¬1) صرَّح بعضهم في «الفصول» ص (152) بالإيمان بالكرسي مجازاً، وإنكار الإيمان به حقيقة ن ودعا إلى الإيمان بذلك!! [منه].

24 - وأن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر في الجنة. 25 - وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. 26 - وأن لله ملائكة سياحين يبلغون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سلام أمته عليه. 27 - الإيمان بمجموع أشراط الساعة، كخروج المهدي، ونزول عيسى عليه السلام وخروج الدجال، ودابة الأرض من موضعها، وغيرها مما صحت به الأحاديث. 28 - وأن المسلمين يفترقون على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي التي تتمسك بما كان عليه الصحابة من عقيدة وعبادة وهدى. 29 - الإيمان بجميع أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، مما جاء في السنة الصحيحة، كالعلي، والقدير، وصفة الفوقية، والنزول وغيرها. 30 - الإيمان بعروجه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى السماوات العلى ورؤيته آيات ربه الكبرى. هذه بعض العقائد الإسلامية الصحيحة التي وردت في الأحاديث الثابتة المتواترة أو المستفيضة، وتلقتها الأمة بالقبول، وهي تبلغ المئات، وما أظن أحداً من المسلمين يجرؤ على إنكارها، أو التشكيك فيها، وإن كان ذلك يلزم الذين لا يثبتون العقيدة بحديث الآحاد، هدانا الله تعالى وإياهم إلى سواء السبيل. "وجوب الأخذ بحديث الآحاد" (ص49 - 53)

[52] باب عدم الإحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة بدعة محدثة

[52] باب عدم الإحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة بدعة محدثة [قال الإمام]: أدلة الكتاب والسنة، وعمل الصحابة، وأقوال العلماء تدل دلالة قاطعة على ... وجوب الأخذ بحديث الآحاد في كل أبواب الشريعة، سواء كان في الاعتقاديات أو العمليات، وأن التفريق بينهما، بدعة لا يعرفها السلف، ولذلك قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى (3/ 412): " وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات "يعني العقيدة"، كما تحتج بها في الطلبيات العمليات، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه ديناً، فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته، ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته، فأين سلف المفرقين بين البابين؟! نعم سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة، ويحيلون على آراء المتكلمين، وقواعد المتكلفين، فهم الذين يعرف عنهم التفريق بين الأمرين ... وادعوا الإجماع على هذا التفريق، ولا يحفظ ما جعلوه إجماعاً عن إمام من أئمة المسلمين، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ... فنطالبهم بفرق صحيح بين ما يجوز إثباته بخبر الواحد من الدين، وما لا يجوز، ولا يجدون إلى الفرق سبيلا إلا بدعاوى باطلة ... كقول بعضهم: الأصوليات هي

المسائل العلميات، والفروعيات هي المسائل العملية (وهذا تفريق باطل أيضاً، فإن المطلوب من العمليات) (¬1) أمران: العلم والعمل، والمطلوب من العلميات العلم والعمل أيضاً، وهو حب القلب وبغضه، وحبه للحق الذي دلت عليه وتضمنته، وبغضه للباطل الذي يخالفها، فليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح، وأعمال الجوارح تبع، فكل مسألة علمية، فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه، بل هو أصل العمل، وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال! وهذا من أقبح الغلط وأعظمه، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غير شاكين فيه، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب، من حب ما جاء به والرضا به وإرادته، والموالاة والمعاداة عليه، فلا تهمل هذا الموضع فإنه مهم جداً، به تعرف حقيقة الإيمان. فالمسائل العلمية عملية، والمسائل العملية علمية، فإن الشارع لم يكتف من المكلفين في العمليات بمجرد العمل دون العلم، ولا في العمليات بمجرد العلم دون العمل". فتحرر من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى أن التفريق المذكور مع كونه باطلاً بالإجماع لمخالفته ما جرى عليه السلف، وتظاهر الأدلة المتقدمة على مخالفته، فهو باطل أيضاً من جهة تصور المفرقين عدم وجوب اقتران العلم بالعمل، والعمل بالعلم، وهذه نقطة هامة جداً تساعد المؤمن على تفهم الموضوع جيداً، والإيمان ببطلان التفريق المذكور يقيناً. "الحديث حجة بنفسه" (ص60 - 62) ¬

(¬1) الأصل: " والمطلوب منها أمران " ولعل ما أثبتناه أقرب إلى الصواب. [منه].

[53] باب منه

[53] باب منه [قال الإمام]: (تقسيم) الأحاديث الصحيحة إلى قسمين: قسم يجب على المسلم قبولها ويلزمه العمل بها وهى أحاديث الأحكام ونحوها، وقسم لا يجب عليه قبولها والاعتقاد بها وهي أحاديث العقائد وما يتعلق منها بالأمور الغيبية. أقول: إن هذا تقسيم مبتدع لا أصل في كتاب الله ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا يعرفه السلف الصالح بل عموم الأدلة الموجبة للعمل بالحديث تقتضي وجوب العمل بالقسمين كليهما ولا فرق فمن ادعى التخصيص فليتفضل بالبيان مشكوراً وهيهات هيهات، ثم ألفت رسالتين هامتين جداًّ في بيان بطلان التقسيم المذكور الأولى: " وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة " والأخرى: " الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ". "تمام المنة" (ص79). [54] باب منه (سئل الإمام عن خبر الآحاد وهل يفيد العلم أم غلبة الظن، وهل يحتج به في العقيدة أم لا، فأجاب): يجب على المسلم أن يرفع عن ذهنه بعض التفاصيل العلمية التي هي حصيلة خبرة واجتهاد الأئمة المختصين بعلم الحديث؛ لأن هذه التفاصيل لا تفيد عامة المسلمين، الذي يجب على كل مسلم أن يخضع لكل حديث صح بأي مرتبة من مراتب الصحة، سواء كان صحيحًا .. غريبًا .. فردًا .. أو كان صحيحًا مستفيضًا

أو مشهورًا أو متواترًا، لأن هذه المراتب يستفيد منها أهل الاختصاص والمعرفة والعلم، ويضيع بينها غيرهم؛ فلذلك لا ينبغي لعامة المسلمين أن يلجوا هذه المساحة، وإنما عليهم فقط أن يعرفوا صح الحديث عند أهل العلم ... فإذا صح انتهى الأمر. حديث الآحاد في واقع الأمر يفيد الظن الغالب، هذا هو الأصل في خبر الآحاد، لكن كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: خبر الآحاد إذا اقترنت به قرينة من قرائن أفاد بسبب انضمام هذه القرائن إليه العلم واليقين، وكما ترى من هو الذي يستطيع أن يميز حديث آحاد له قرينة أو قرائن من حديث آحاد ليس له قرينة، فالمرجع في ذلك إذًا إلى أهل العلم، ولكن لنقُل الآن: نأخذ أعلى درجة في الحديث، هو كما تعلمون الحديث المتواتر، فكون الحديث متواترًا عند زيد من الناس من أهل الاختصاص فيلزم منه أن يكون متواترًا عند عمر من أهل الاختصاص، والعكس بالعكس، فما بالكم إذا كان الحديث متواترًا عند زيد من أهل العلم فهل من الضروري أن يكون متواترًا عند غير أهل العلم؟ وقد قلت مرة، وكررت ذلك بمناسبة أو بأخرى: من جماعة حزب التحرير الذين نشروا هذه البلبلة في العصر الحاضر بين عامة المسلمين، وهي ... أن الحديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، قلت لهؤلاء: معنى ذلك أو لازم ذلك أنكم لا تتبنون عقيدة من حديث! ولو كان متواترًا، قالوا: كيف ذلك؟ فشرحت لهم الأمر بنحو ما ذكرت آنفًا: أن قضية التواتر قضية نسبية، قلت لهم مثلًا: حينما يجري النقاش في بعض المسائل الفقهية بين الحنفية الشافعية، أو بين الحنفية وأهل الحديث مثلًا، يتناقشون حول حديث صريح الدلالة لكنه ليس متواترًا، لأن من فلسفة مذهب الحنفية: أن النص الذي فيه الفرضية في الأحكام الفقهية يشترط فيه

شرطان: أن يكون قطعي الثبوت، وقطعي الدلالة، فإذا اختل أحد الشرطين نزل الحكم من الفرضية إلى الوجوب، والقول بالوجوب اصطلاح فقهي حنفي حيث يوجبون أشياء ولا يفرضونها، لأن الواجب عندهم وسط بين ما هو فرض وبين ما هو سنة، وحين يقولون في تعريف الفرض: هو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، أما الواجب: فيثاب فاعله ويعاقب تاركه دون معاقبة تارك الفرض. فإذا جاء النص متواترًا مثلًا ولم يكن قطعي الدلالة [لا يفيد] الفرضية وإنما يفيد الوجوب، والعكس بالعكس: إذا كان قطعي الدلالة ولم يكن قطعي الثبوت فكذلك، فلا بد من أن يتوفر في النص أن يكون قطعي الثبوت قطعي الدلالة، مثاله: قوله عليه السلام: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» لا يقولون بركنية الفاتحة، ولهم أجوبة على ذلك، فالذي يهمنا الآن هو قولهم: أن هذا حديث آحاد ليس قطعي الثبوت، لكن إمام أهل الحديث وأمير المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري يقول في أول رسالته: وجوب القراءة وراء الإمام: تواتر الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». فالآن: خبر من نأخذ، خبر الإمام وأمير المحدثين أو خبر الأحناف الذين يقولون: أن هذا حديث غير متواتر، نعم هو صحيح لكنه آحاد؟ فلو سلمنا للحنفية أنهم مخلصون وأنهم غير متعصبين وإلى آخره، وأنه لم يبلغهم الخبر على طريق التواتر، فنقول حينذاك: أن القضية قضية نسبية .. فوصل بنا الكلام إلى قوله عليه السلام: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» فإن هذا الحديث أخذ منه جماهير الفقهاء في دلالته الظاهرة التي هي أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به، فقد تأولوا الحديث

بمعنى: لا صلاة كاملة، لماذا؟ للسبب الذي ذكرته آنفًا وهو أنهم لا يثبتون فرضًا فضلًا عن أن يثبتوا ركنًا أو شرطًا، ولا يخفى أن الركن والشرط أقوى من الفرض، فإذا لم يثبتوا الفرض بحديث آحاد فمن باب أولى لا يثبتون ركنًا أو شرطًا بحديث آحاد، على ذلك فهم تأولوا الحديث بهذا التأويل؛ لأنه عندهم حديث آحاد، بينما علماء الحديث قد حكموا بهذا الحديث بأنه يفيد شرطية قراءة الفاتحة. والرد على الحنفية الذين قالوا: بأنه حديث آحاد، يقال: أمير المؤمنين في الحديث يقول كما ذكرت آنفًا: تواتر الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» فإذًا: الحديث هنا عند الحنفية آحاد وعند البخاري متواتر، فالقضية قضية نسبية ما كان متواترًا عند هؤلاء لا ينبغي، أو لا يجب على الأقل أن يكون متواترًا عند أولئك. كنت أتحدث عن حزب التحرير في هذا الزمان الذي أشاع هذه الفلسفة: أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، فلما ناظرتهم وجادلتهم في هذه المسألة قلت لهم: ما ذكرته آنفاً: لازم هذا أنكم .. لا تتقربون إلى الله تبارك وتعالى باعتقاد ما في حديث؛ لأنه حديث آحاد، قالوا: كيف؟ شرحت لهم أن كون الحديث آحادًا أو متواترًا هي قضية نسبية كما ذكرت آنفًا. والآن قلت لهم: أقول لكم: لو فرضنا أن الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله هو أكبر محدث على وجه الأرض، طبعًا وهم يعلمون أنه ليس كذلك، وكان الرجل من فقهاء العصر الحاضر وفقهه تقليدي ليس فقه على بصيرة كما ينبغي أن يكون عليه كل مسلم، وبخاصة إذا كان عالمًا، فقلنا لهم: أفترض أن الرجل أكبر عالم في الحديث، قال لكم: تواتر الحديث الفلاني عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عندي، فهو سيظل متواترًا عنده، أما عندكم كأفراد سيصبح آحادًا، لماذا؟ لأن علماء الحديث

حين اصطلحوا على تسمية حديث ما بالمتواتر يشترطون التواتر في كل طبقة، مع اختلافهم البالغ والكثير في عدد التواتر، فمن قائل: عشرة وعشرين وثلاثين إلى مائة شخص، أي: لنأخذ أقرب الأمثلة: الحديث المتواتر هو الذي رواه عشرة عن أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، عن رسول الله .. وعن هؤلاء العشرة عشرة من التابعين، وعن هؤلاء عشرة من أتباع التابعين، وهكذا إلى أن يصنف في الكتب كتب الحديث. فأحدنا إذا أراد أن يكون الحديث عنده متواترًا فعليه أن يقف على هذا الحديث متواترًا عند عشرة من المحدثين، أن يكون البخاري رواه من عشرة طرق، ومسلم من عشرة طرق، وأبو داود، وإلى آخره حينئذٍ صار الحديث متواترًا عند الذي حصل هذه الطرق العشرة تواترًا في حجم كتب السنة، فإذا قال الشيخ تقي الدين: هذا الحديث متواتر، فقد انقطع التواتر بينكم وبين التواتر؛ لأنه هو خبره آحاد .. هو خبره آحاد، هو يقول: حديث متواتر، فأنت تأخذ المتواتر عن فرد انقطع به التواتر، إذًا: أنتم لا يمكن أن تعتقدوا بحديث أنه متواتر. ونكتُّ عليهم مرةً النكتة التالية: قلت: زعموا أن أحد هؤلاء ذهب إلى اليابان للتبشير بالإسلام، والشيخ تقي الدين رحمه الله له كتاب سماه: طريق الإيمان، وذكر فيه هذه الفكرة الخاطئة، وهو أن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد، فهذا الداعية الحزبي أخذ يدرس عليهم طريق الإيمان، فجاء فيما دَرَّس: أن خبر الآحاد لا يفيد العلم، ... فهناك شخص كيس ذكي قال لهذا المحاضر يومًا: يا أستاذ! أنت فيما مضى درست علينا كذا وكذا: أن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد، وأنت الآن تعلمنا الإسلام العقيدة، فإذاً يجب أن ترجع أدراجك وتأتي بالعدد هذا التواتر عشرة .. عشرين .. ثلاثين، ويشهدوا معك أن هذا هو الإسلام حينئذٍ نحن نقبل منك، أما

الآن فلا .. هذه من لوازم فلسفة حديث التواتر وحديث الآحاد. أنا أريد أن أقول: إن التفريق بين حديث التواتر وحديث الآحاد بأقسامه المستفيض والمشهور، هذه حقيقة واقعة، لكن من الذي يكشفها؟ يكشفها أهل العلم، هل من مصلحة عامة المسلمين أن تدرس هذه الفلسفة عليهم؟ الجواب: لا؛ لأن هذا يلقي على عقيدتهم كثيرًا من الشك والريب. ثم إذا رجعنا إلى السلف الصالح ولأمر ما نحن ننتسب إلى السلف الصالح، ونفهم كيف تلقوا الإسلام، نجد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أرسل أفرادًا وآحادًا إلى البلاد كبلاد اليمن وبلاد الشام ونحو ذلك يعلمون الناس العلم، وبخاصة من أشهر هؤلاء الرسل معاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب، وأبو موسى الأشعري، كل هؤلاء أرسلهم الرسول عليه السلام إلى اليمن كأفراد ولم يفعل كما يفعل التبليغيون اليوم حين يخرجون زرافات .. جماعات، وليس فيهم علماء، أرسل أفرادًا، وكان من جملة ما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما أرسل معاذًا إلى اليمن قال له: «ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله» هذا أس العقيدة، أس التوحيد، [لكن] بزعم هؤلاء من علماء الكلام الذين جاءوا ببدعة حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة معناه -وقد قالوا هذا مع الأسف الشديد، -معناه: أن الرسول عليه السلام أرسل داعية لا تقوم به الحجة على المدعوين؛ لأنه فرد، وهذا لو نسب إلى شخص لكان عبثًا فكيف ينسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؟! وهكذا كل الأخبار تترا بأن السلف الصالح لا يفرق بين خبر الآحاد وخبر اثنين أو أكثر إلى آخره، لكن لا شك أن هذا التفريق أمر واقع ما له دافع. (فتاوى جدة -الأثر-" (3/ 00:04:02)

[55] باب منه

[55] باب منه [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية:"وجميع ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من الشرع والبيان كله حق"]: قلت: يعني دون تفريق بين ما كان منه خبر آحاد أو تواتر ما دام أنه صح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه، والتفريق بينهما إنما هو بدعة وفلسفة دخيلة في الإسلام مخالف لما كان عليه السلف الصالح والأئمة المجتهدون كما حققته في رسالتي " وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين " وهي مطبوعة مشهورة. "التعليق على متن الطحاوية" (ص69). [56] باب منه السائل: بعض علماء الحديث يقولون الحديث الذي نقل بخبر الآحاد لا يفيد القطع العلمي وإنما يفيد العلم النظري. الشيخ: نعم. مداخلة: هل هؤلاء يصح لهم أن يستدلوا بالأحاديث التي نقلت بطريق الآحاد في معجزات النبي؟ الشيخ: يا أخي! أنت تسأل سؤال ملفق بين رأينا ورأي غيرنا. مداخلة: نعم، هذا رأي غيركم. الشيخ: طيب! فنحن نقول: إن التفريق بين حديث الآحاد وحديث التواتر والتفريق بين أحاديث الأحكام وأحاديث العقائد هذا تفريق محدث مبتدع لا أصل

[57] باب منه

له في الإسلام ولذلك .. مداخلة: ... هذا التفريق. الشيخ: نعم؟ مداخلة: أنتم تخالفون .. الشيخ: كيف نحن نخالف؟ مداخلة: يعني: لا توافقون على هذا الكلام. الشيخ: نعم، نحن نقول: هذا أمر محدث. مداخلة: يعني: إذاً هنا الاستدلال بخبر الآحاد على المعجزات كالاستدلال بالتواتر. الشيخ: نعم، لا فرق عندنا. "الهدى والنور" (338/ 33: 32: 00) [57] باب منه [قال الإمام]: القول بالتفريق بين الأحكام فتثبت في حديث الآحاد، وبين العقيدة فلا تثبت إلا بحديث التواتر، هذه فلسفه دخيلة في الإسلام لا يعرفها السلف الصالح، وهذا المثال من عشرات إن لم نقل مئات المسائل التي تؤكد لنا أن ندعو الناس إلى الكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح، هل كان السلف الصالح يفرقون بين حديثٍ ورد إليهم من طريق صحيح يتعلق بحكم من الأحكام فيتقبلونه وبين حديث أيضا ثبت لديهم يتعلق بعقيدة فلا يقبلونه؛ بل يرفضونه لم يكن شيء من

[58] باب منه

هذا إطلاقاً، وإنما كانوا يعملون بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة المُلزمة بالأخذ بالحديث الوارد عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دون تفريق بين حديث يتعلق بحكم أو حديث يتعلق بعقيدة ... "الهدى والنور" (409/ 51: 32: 00) [58] باب منه سؤال: لو سمحت في هناك خلاف بين علماء المسلمين في خبر الآحاد في العقيدة فماذا هو يعني رأيكم بالشيء الصحيح هنا؟ الشيخ: حسن، هذه المسألة يجب أن نعلم أن التفريق بين الأحكام الشرعية بحيث أنه يجب أن يأخذ ببعضها إذا صحت نسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا يجب -هذا أقل ما يقال- ولا يجب أن يأخذ بما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في البعض الآخر هذا التقسيم دخيل في الإسلام وفلسفة لا أصل لها في دين الإسلام، وهذه المسألة تحتاج إلى كبير بحث وتطويل للكلام، وإن كان مجال الكلام فيه واسع جداً، لكني آتي الموضوع من أقرب سبيل دون أن ندخل في سرد الأدلة الشرعية التي يفهمها بعض طلاب العلم، ولكن سأذكر ما يشترك فيه جميع المسلمين في فهمه: كلنا يعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بُعِثَ وحده إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً وأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، هذه النقطة الأولى التي لا يشك فيها مسلم. النقطة الثانية: أن تبليغ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للإسلام كان على وجهين أو على صورتين؛ الأولى: أن يبلغ الإسلام بشخصه مباشرة إلى الناس، ونحن حينما نذكر هذه الحقيقة ما أظن أن أحداً يعجز عقله عن أن يستوعب ما سأذكره ألا وهو أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما بلَّغ شريعة الإسلام ما بلَّغ كل فرد من أفراد المكلفين في ذلك

العالم، ونأخذ مثالاً قريبًا حينما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المسجد الحرام في أول الدعوة التي لقي فيها ما لقي من المصاعب والشدة، هل كان الكفار الذين هم ليسوا في المسجد الحرام كانوا يسمعون كلامه كما يسمعه من كان بين يديه من الكفار؟ الجواب: لا، هذه بدهية يشترك في معرفتها كل الناس، لا يشترط أن يكون طالب علم، وهكذا إذا كان أهل مكة حينما كان الرسول يبلغهم أحكام الله وشريعة الله بتلاوته لآيات الله إنما يسمعها بعضهم فالآخرون كيف بلغتهم شريعة الله، لم تبلغهم بسماعهم كلام الرسول مباشرة وهذا أمر واقع في كل زمان ومكان، الآن في هذا المجلس قد يسمع أحد منكم حكماً أو بحثاً كهذا البحث فينقله لمن لم يكن حاضراً هذا المجلس، فالذي سمعه من المدرس سمعه منه مباشرة، لكن هذا المدرس بلغه الآخرين، الآخرون لم يسمعوا من المدرس، هذا تقريب وللرسول المثل الأكمل فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما كان يبلغ الآية أو يقرأ الحديث يسمعه الحاضرون أما الآخرون فيسمعونه بواسطة مَنْ؟ الذي سمعه من الرسول عليه السلام، هذه نقطة ثانية وبدهية جداً ما تقبل المناقشة والجدل. ندعم ذلك ببعض الروايات المعروفة أيضاً في التاريخ الإسلامي والتي أستطيع أن أقول لا يجهلها أحد أيضاً من المسلمين، أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أرسل الرسل من طرفه إلى رؤوس الدول ملوك الدول ككسرى وقيصر والملك النجاشي وهكذا، وأرسل دعاة إلى اليمن علياً وأبا موسى ومعاذاً، فهؤلاء الرسل الذين أرسلهم الرسول عليه السلام لنقل الدعوة التي سمعوها منه - صلى الله عليه وآله وسلم - من فمه الشريف ينقلون ما سمعوه منه إلى أولئك الناس، فأولئك الناس لم يأتهم الشرع من النبي المعصوم، لكن جاءهم الشرع من الفرد من الشخص. والآن ندخل في صميم بيان ضلال التفريق بين خبر الآحاد وخبر التواتر، من

المفيد أن نذكر قصة وقعت في اليمن تتعلق بأبي موسى ومعاذ، كان معاذ يدعو كما ذكرنا إلى الإسلام وكذلك صاحبه أبي موسى الأشعري، فجاء معاذ أبا موسى زائراً فوجد عنده رجلاً مولَّدًا أسيرًا، قال: ما بال هذا قالوا إنه ارتد عن دينه، ومضى عليه كذا أيام وهو لا يتوب إلى الله عز وجل، وكان راكباً، فقال: والله لا أنزل حتى ينفذ فيه حكم الله لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «من بدل دينه فاقتلوه» فنفذ فيه القتل، الآن هذا حديث «من بدل دينه فاقتلوه» (¬1) سمعه معاذ من رسول الله، نقله إلى أبي موسى والجماعة الذين كانوا عنده ونفذوه فوراً، هذا خبر آحاد، هل قامت الحجة بخبر الآحاد؟ قامت الحجة. الآن نأتي إلى الفلسفة المشار إليها آنفاً هذا حكم شرعي، يقول المتفلسفون المبتدعون أنه نحن نقول بأن حديث الآحاد في الأحكام حجة، أما في العقيدة فليس بحجة، الآن أبو موسى ومعاذ وعلي وسائر الرسل الذي أرسلوا من قبل رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، هل تتصورون أنهم حينما يأتون قبيلة من القبائل أو ملكاً من الملوك أول ما يدعونه إليه الصلاة والطهارة والوضوء وإلى آخره ولاَّ العقائد؟ العقائد لا شك وهذا ما جاء التصريح به في حديث معاذ ابن جبل لما أرسله الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى اليمن، قال له: «ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك فأمرهم بالصلاة» وهكذا تسلسل عليه السلام في بيان الأحكام، وفي أمر معاذ أن يتسلسل في ذلك أمره أن يبدأ بماذا بالعقيدة، شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هنا تأتي الدالة الكبرى، إذاً معاذ هو فرد ودعا أولئك الناس الذين لا يعرفون من الإسلام شيئاً دعاهم إلى ¬

(¬1) صحيح البخاري (رقم2854).

العقيدة أس العقائد كلها ألا وهي التوحيد، هل قامت الحجة به؟ المسلمون يعتقدون قامت الحجة به، أما المتفلسفة الذين تأثروا من بعض الآراء النابية عن الكتاب والسنة، فهم يقولون حديث الآحاد لا تقوم به الحجة في العقيدة، ومعنى هذا أحد شيئين: إما أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كان مخطئاً حينما أرسل معاذ وأمثاله يدعون الناس إلى الإسلام وهذا هو الكفر، إذا قال الإنسان هذا كَفَرَ خرج عن الملة، ولم يبقَ هناك إلا الشيء الآخر وهو أن الذين يقولون أن خبر الآحاد في العقيدة ليس بحجة هم الضالُّون، ولذلك أنا ذكرت مرة نكتة في مثل هذه المناسبة وهي في الحقيقة تمثل لكم ضلالة هؤلاء الناس، قلت زعموا بأن رجلاً من هؤلاء المبتدعة الذين يفرقون بين حديث وحديث وكلاهما صحيح هذا يأخذ به لأنه في الأحكام، وهذا لا يأخذ به لأنه في العقيدة، وهذا تفريق كما عرفتم من الضلال المبين، ذهب أحد هؤلاء إلى اليابان مثلاً يدعوهم إلى الإسلام، ففي طبيعة الحال بدأ هو بالعقيدة وكان من جملة ما ذكر في عقيدته أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، فقام أحد الأذكياء الحاضرين قال يا أستاذ أنا أراك متناقضاً؛ لأنك تلقننا أن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد، وأنت الآن تدرسنا العقيدة فنرجوك أن تعود من حيث أتيت، وتأتي بخبر فقه دقيق متواتر، يعني تأتي بناس يصدق عليهم أنهم على التواتر، وقُل لهم يبلغوننا ما تبلغنا أنت أن هذه هي العقيدة الإسلامية، فَبُهِتَ المحاضر لأنه ألقمه حجراً من نفس عقيدته، هو يلقنهم وهي عقيدة ومن العقيدة أن حديث الآحاد لا تكون به عقيدة إذاً أنت ماذا ستعمل عندنا هنا تُلَقِّنَّا العقيدة وأنت فرد؟! لازم يكون معك جماعة. وهذا البحث كما قلت لكم طويل طويل جداً وحسبكم هذا المقدار، وأخيراً

[59] باب منه

أقول يكفي أن السلف الصالح والأئمة الأربعة ما يعرفون هذه الفلسفة، ما يفرقون بين حديث العقيدة ولا يؤخذ، وحديث الأحكام يجب أن يؤخذ، ولكني سأذكر أخيراً نكتة تتعلق بطلاب العلم فيها فقه دقيق جداً، قلنا لبعض هؤلاء مرة إذا جاءكم حديث هو من ناحية فيه حكم شرعي، وهو حديث آحاد، ومن ناحية أخرى يتضمن عقيدة، فماذا تفعلون؟ إن أخذتم به لأن فيه حكم خالفتم من حيث أنكم أخذتم به؛ لأن فيه عقيدة. قال: كيف هذا مثاله؟ قلنا: هاك المثال روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ من أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» هل تأخذون بهذا الحديث وتستعيذون بالله من هذه الأربع في التشهد الأخير؟ قالوا: لابد. قلت لهم: فهل تؤمنون بما فيه من عذاب القبر، وأنتم لا تؤمنون بعذاب القبر، فماذا تفعلون؟! إن تركتم الحديث خالفتم قاعدة: وجوب الأخذ بحديث الأحكام، وإن أخذتم الحديث خالفتم قاعدة: لا يؤخذ بالحديث في العقيدة، وهكذا شأن المبطلين دائماً وأبداً، وبهذا القدر كفاية جواباً على هذا السؤال. (الهدى والنور 541/ 25: 09: 00) [59] باب منه [قال الإمام]: قد سمعتم أو قرأتم في بعض المقالات أو في بعض الكتب أن حديث الآحاد لا تثبت به العقيدة، هذا الكلام يعني معنى اصطلاحياً، فلا بد من توضيحه: العقيدة هي كل ما يتعلق بعالم الغيب مما لا يرتبط به حكم عملي، بخلاف الأحكام

والعبادات فهي تتعلق بأعمال المكلفين من العباد، الإيمان بالغيب دائرته واسعة جداً، لنضرب على ذلك مثلاً: عذاب القبر، عذاب القبر عقيدة لا يترتب من ورائه حكم شرعي حتى تعرف الكيفية؛ ولذلك فالإسلام يأمرنا أن نؤمن بالغيب ولا نتكلف ولا نتعمق في معرفة هذه الكيفية الغائبة عنا، فمثل عذاب القبر عقيدة من العقائد، من يقول بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، يعني: أنه إذا جاءنا حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه بيان أن عذاب القبر حق فهذا الحديث ولو كان صحيحاً فلا يؤخذ به عند هؤلاء؛ لأنه يدخل تحت قولهم: حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، وهذا الأصل أو هذه العقيدة المزعومة يدخل تحتها عشرات الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يأخذ بها هؤلاء الذين قعدوا هذه القاعدة وأسسوها من محض آرائهم، بل أقول من فلسفتهم، ولا دليل لهم على ذلك من كتاب ولا سنة، بل ذلك يخالف السنة بالمعنى الذي ذكرته آنفاً، أي: ما كان عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -. الآن لنذكركم بسنة من هذه السنن بعد أن عرفتم المعنى الحقيقي من لفظة السنة إذا تلفظ بها الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كالحديث الأول: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» (¬1). من المعلوم أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرسل الرسل من طرفه عليه السلام إلى البلاد البعيدة يدعون المشركين إلى دخولهم في الإسلام، فهو أرسل معاذاً إلى اليمن، وأرسل علياً، وأرسل غيره كأبي موسى الأشعري وأرسل وأرسل، هؤلاء أرسلهم دعاة إلى الإسلام، ومن الملاحظ أن الداعي هنا هو شخص واحد، وهذا يمثل حديث الآحاد في الاصطلاح السابق. ¬

(¬1) البخاري (رقم4776) ومسلم (رقم3469).

لعل الأمر يتطلب شيئاً زيادة في التوضيح، ما المقصود بحديث الآحاد؟ ليس المقصود فقط أنه شخص واحد يحدث عن الرسول بحديث فيسمى هذا الحديث آحاد، هو كذلك، لكن حتى لو أن شخصين حدثا بحديث عن الرسول عليه السلام أيضاً يسمى حديث آحاد وثلاثة وأربعة، حتى يبلغ العدد عدد التواتر، واختلفوا قديماً وحديثاً في تحديد عدد التواتر، ولست الآن بحاجة إلى الخوض في هذا الخلاف؛ لأنه غير مهم، المهم عدد التواتر عدد يتحقق اليقين في نفس السامع للخبر من هذا العدد الغفير، كانوا عشرة أو عشرين أو أكثر، أما إذا حدث بحديث ما شخصان أو ثلاثة فالاصطلاح المذكور آنفاً يسميه حديث آحاد، أقول هذا حتى لا يتبادر لمن لم يقرأ شيئاً من علم مصطلح الحديث المعنى اللغوي، حديث آحاد يعني اعتراض (¬1)، لأن المقصود به ولو كان حديث جمع وهم ثلاثة فضلاً عن اثنين فهذا يسمى حديث آحاد، فإذا جاء الحديث من طريق صحابي واحد عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فهذا حديث آحاد، وإذا رواه عن هذا الصحابي تابعي واحد فهو حديث آحاد وهو كذا حتى يسمى في الكتب المعروفة بكتب السنة. فإذا جاء مثل ذلك الحديث: «وعذاب القبر حق» حديث آحاد أو اثنين أو ثلاثة المهم حديث آحاد وليس حديث تواتر قال الذين قالوا: حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، هذا الحديث نحن لا نأخذ به، لماذا؟ لأنه حديث آحاد، طيب ماذا يقولون؟ هنا الشاهد، ماذا يقولون عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حين أرسل أولئك الأصحاب مرة أبا موسى .. مرة معاذ بن جبل .. مرة علي بن أبي طالب .. مرة دحية الكلبي، كثير وكثير جداً، هؤلاء أفراد كانوا يبلغون الناس الذين سمعوا باسم ¬

(¬1) أي يعترض على المعنى الاصطلاحي باللغوي.

الرسول عليه الصلاة والسلام ولا يعرفون ماذا يدعو إليه، فأرسل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - واحداً منهم ليعرفهم بدين الإسلام، فلو كان حديث الآحاد لا تقوم به حجة فمعنى كلامي هذا أن الرسول عليه السلام ما أحسن أسلوب الدعوة؛ لأنه أرسل أفراداً لا تقوم بهم الحجة، بناء على قاعدة: حديث الآحاد لا تقوم به حجة، أما من آمن بقوله عليه السلام السابق ذكره: «فمن رغب عن سنتي» عن منهجي وطريقي في كل ما جئت به، سواء كان أسلوباً أو غاية، الغاية هو الإسلام والأسلوب ... الإسلام، «فمن رغب عن سنتي فليس مني» فإذا كان يوجد اليوم كما وجد قبل اليوم بسنين طويلة من قال: حديث الآحاد لا تثبت به العقيدة، معنى ذلك: أن الإسلام لا يثبت بقول العالم الفلاني والعالم الفلاني، معلماً الذين لا يعلمون، وأنتم تعلمون قول رب العالمين: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43). ولقد قال بعضهم لبعض هؤلاء الذين يتبنون هذه الفلسفة الدخيلة في الإسلام والمخالفة لسنة النبي عليه الصلاة والسلام ألا وهي: حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، قال مرة: بعضكم يذهب أحياناً إلى بعض البلاد الكافرة، مثل اليابان مثلاً يدعو إلى الإسلام، وأول ما يبدأ في الدعوة الإسلام لا بد يبدأ بالعقيدة؛ لأنه الأصل أصل الإسلام بني على قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد:19)، فحينما أنت تدعو إلى الإسلام فأنت تنقض نفسك بنفسك، كيف؟ أنت فرد وتدعو الكفار إلى أن يؤمنوا لهذا الإسلام الذي تنقله أنت إليهم وأنت تقرر لهم أن حديث الآحاد لا تقوم به الحجة، صار هنا تنافر، وصار هنا تضاد، ومعنى هذا: أنه لا يمكن أن تقوم حجة الله على أي كافر أو على أي جماعة

من الكفار إلا إذا ذهب جماعة من المسلمين يبلغون أولئك الأقوام دين الإسلام، هذا أمر حسن، أن يذهب جماعة من أهل العلم يبلغون الإسلام، هذا أمر حسن، ولكن إذا لم يتيسر إلا واحد أو اثنين كما فعل الرسول عليه السلام، لا تقوم حجة الإسلام بهذا الواحد أو الاثنين تلك الفلسفة الدخيلة في الإسلام تقول: لا تقوم الحجة، وهذه قاعدة معروفة: حديث الآحاد لا تقوم به حجة، وعرفتم أنه يخالف سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما أرسل دعاة من طرفه أفراداً وآحاداً. بل قد جاء في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما أرسل معاذاً إلى اليمن قال: إنك تأتي أقواماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك فأمرهم بالصلاة، فإن هم استجابوا لك فأمرهم بالزكاة بالصيام .. » وهكذا، فأمره أن يبدأ حينما يدعو أولئك النصارى بعقيدة التوحيد، عقيدة التوحيد أس العقائد الإسلامية كلها، فإذا كان حديث الآحاد وهو هنا معك لا تقوم به الحجة فلازم هذا القول أبطل ما يكون وهو: أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كان من الواجب عليه أن يرسل عشرات من مثل هذا الصحابي ويجتمعون كلهم ويبلغونه الإسلام، وهذا مما لم يقع من الرسول عليه السلام، لِمَ؟ لأن الحجة تقوم ولو بفرد واحد، لكن بشرط: أن يكون عالماً، بشرط: أن يكون فقيهاً، قلت آنفاً: لو ذهب جماعة من أهل العلم إلى بلد ما فدعوهم إلى الإسلام، بلا شك هذا أقوى، لكن يشترط في هؤلاء أن يكونوا من العلماء. قلت من قبل قليل: لأني أضرب لكم مثلين مما يتعلق بواقع بعض الدعاة اليوم، فهذا هو المثل الأول: أن حديث الآحاد لا تقوم به حجة، وهذا خلاف قوله عليه السلام وفعله.

المثال الثاني: عرفتم من بعض الأمثلة التي ذكرتها آنفاً أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرسل أفراداً، ما كان يرسل هؤلاء الأفراد جماعات من عامة الصحابة، أي: ممن يشملهم قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43)، أي: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يرسل أمثال أولئك الدعاة الذين سمينا لكم بعضهم كمعاذ، ما كان يرسل معه خمسة أو عشرة أو أكثر من أصحاب الرسول عليه السلام الذين ليسوا بعلماء، ونحن اليوم نعلم أن جماعة مسلمة ويغلب على ظاهرهم الصلاح والتقوى والرغبة في اتباع الأحكام الشرعية، لكنهم مع ذلك يخالفون سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في كثير من تصرفاتهم، لم؟ لأنهم إما أنهم لا يعلمون السنة التي قال عنها الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، إما أنهم لا يعلمون هذه السنة، أو أنهم يعلمونها ويعرفونها جيداً ولكن منهج دعوتهم لم تقم على السنة، وكما يقال في مثل هذه المناسبة: أحلاهما مر، فإن كانوا لا يعلمون السنة فلذلك هم يخالفونها، فهذا بلا شك مر، وإذا كانوا يعلمونها ويعرفونها جيداً كما يعرفون أبناءهم ثم هم يحيدون عنها فهذا أمر، وحينئذ ينطبق عليهم الحديث السابق: «فمن رغب عن سنتي فليس مني». إذاً: هذان مثلان مما يترتب من التعدد للحزب أو تعدد الطوائف أو تعدد الجماعات بسبب تعدد المناهج، والمنهج إنما هو ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه، كما عرفتم من حديث الفرقة الناجية: «ما أنا عليه وأصحابي»، وأؤكد معنى هذا الحديث بقوله تعالى وأرجو أن تنتبهوا لمعنى هذه الآية ولا يتغلبن على فرد منكم فكرة قائمة منذ القديم، فلا يعرج ولا ينتبه لما يسمع من جديد من قول الرسول عليه السلام السابق ذكره ومن قول ربنا عز وجل الذي أختم به الجواب عن هذا السؤال، ألا وهو قول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا

[60] باب حجية خبر الآحاد، ومصير أهل الضلال الذين ينكرونه

تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115)، {ويتبع غير سبيل المؤمنين} أي مؤمنين يا ترى من هؤلاء؟ المؤمنون الذين تفرقوا شيعاً وأحزاباً، {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (المؤمنون:53)، أم المؤمنون الأولون السابقون الذين أثنى عليهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»، {إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} (الزمر:21). "الهدى والنور" (/686/ 01: 42: 00) [60] باب حجية خبر الآحاد، ومصير أهل الضلال الذين ينكرونه [قال الشيخ في معرض كلامه على حجية خبر الآحاد]: معاذ بن جبل عندما أرسله الرسول لليمن ماذا قال له؟ قال: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله فإن هم أطاعوك فأمرهم بالصلاة إلى آخر الحديث، فشهادة أن لا إله إلا الله هي أس العقائد الإسلامية كلها ودعاهم إليها فرد واحد، هم يقولون: هذا ما تثبت به العقيدة، إذاً: معناه ما يثبت الإسلام بالدعاة اليوم كلهم الإسلاميين لأنهم أفراد فهذا من أبطل الباطل الذي يناقض تاريخ المسلمين الأول، ... هذا حديث آحاد لا قيمة له .. أما الصورة الخيالية التي أنا أفترضها لبيان خطورة هذه العقيدة الباطلة وأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة .. قلت لأحدهم يوماً ما: ذهب الدعاة الإسلاميين من حزب التحرير إلى اليابان وبدأ يكتل الناس ويجمعهم ويلقي عليهم محاضرات وبالطبع أول شيء بدأ بالعقيدة؛ لأن أولئك عندهم خطة أول ما يبدأ به طريق الإيمان- هكذا عند الشيخ

تقي الدين في بعض كتبه- أن هذا طريق الإيمان .. بدأ بالعقيدة .. من جملة هذا البحث الذي عنوانه: طريق الإيمان: حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، تخيلت أنا أن أحد الأذكياء في المجلس يسمع المحاضرة قال له: يا أستاذ! أنت تقرر فينا أنه حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة وأنت تدعونا إلى الإسلام وأنت فرد واحد فمعنى ذلك أن ما تدعونا إليه بعقيدتك أنت لا تقوم الحجة علينا، ولذلك لازم ترجع إلى بلدك وتجيب عشرات مثلك ويسمعونا شهادتك وكلامك حتى يصبح حديثك حديثاً متواتراً وحينئذ تقوم الحجة علينا ... سخافة متناهية لكن هذا لازمهم ... كُلَّما [مر] حديث صحيح يردونه بأنه آحاد .. لا يردونه بالنظر إلى السند وأنه غير صحيح لما؟ رواه أبو بكر .. أبو بكر الصديق كذاب؟! يقول له: لا، طيب! لماذا لا يؤخذ؟! وهذا يذكرني بشيء .. لو أبو بكر سمعته الدنيا كلها عنه ليس عشرة عشرين لو مائة شخص ومائة شخص ومائة شخص ومائة شخص، وجاءوا وقالوا لنا أبو بكر قال: قال رسول الله لا تقوم به حجة، لماذا؟ لأنه آحاد، طيب! أبو بكر يكذب؟! لا ما يكذب حاشاه إذاً: ممكن أن يخطئ، إذاً: ما دام يمكن أن يخطئ فلا نأخذ روايته انظروا الآن: الأقوال التي يحتجون بها لا يمكن أن يخطؤوا مع أنه ليس هناك أسانيد صحيحة بها كما نقول بالنسبة لما ثبت عن الرسول عليه السلام. لذلك الحق هو مع أهل السنة والجماعة الذين يحتجون بالأحاديث الصحيحة وأولئك الذين يحتجون بأقوال الآخرين ولا سند لها ولا خطام فهم في ضلال مبين ... خلاصة الكلام السابق هو: لا مخلص لهم من أحد شيئين إذا نفوا أحدهما ما يستفيدون نفي الآخر ..

الشيء الأول: أنهم كُفِّرُوا بغير حجة زعموا, لكن الشيء الآخر: أنهم ضللوا؛ لأنهم خالفوا تفسير الرسول للقرآن والسلف الصالح أيضاً بدون حجة سوى أقوال المشايخ تبعهم، وذلك هو الضلال المبين .. أنا شخصياً كما قلت: نضلل هؤلاء ولا نكفرهم؛ لأن الله عز وجل هو العليم بما في صدورهم .. أجحداً ينكرون علينا أن كلام الله عز وجل صفة من صفاته وهذه حقيقة لا يمكن الإنسان يتخلص منها إذا تجرد من المذهبية الضيقة، أم والله ما ظهرت لهم الحقيقة فإذاً: حسابهم إلى الله تبارك وتعالى. ختاماً: عندنا حديث له صلة وثقى بالتحرج من الحكم بمصير هؤلاء الضالين عند رب العالمين، وأننا نقف إلى الحكم بأنهم ضلوا، أما أنهم كفار وأنهم مخلدون في النار فأمره إلى الله، قال عليه السلام: «كان فيمن قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط فلما حضرته الوفاة جمع أولاده حوله فقال لهم: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني مذنب مع ربي ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً فإذا أنا مت فخذوني وحرقوني بالنار ثم ذروا نصفي في الريح ونصفي في البحر» ماشي حرقوه في النار وأخذوا الرماد نصفه في الريح ونصفه في البحر: «فقال الله عز وجل لذراته: كوني فلاناً فكانت بشراً سوياً، أي عبدي! ماذا حملك على ما فعلت؟ قال: رب خشيتك، قال: فقد غفرت لك» (¬1). هذا الرجل في معيارنا نحن كَفَرَ وهو الذي يصدق عليه قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} (يس:78، 79) فربنا عز وجل عامله بخلاف معاييرنا نحن البشرية .. ¬

(¬1) البخاري (رقم3266) ومسلم (رقم7156).

[61] باب الرد على من يفرق في حجية خبر الآحاد بين العقائد والأحكام

هذا أنكر البعث والنشور لماذا أمر بحرقه وذر نصفه في البحر ونصفه في الريح؟ قال: حتى يضل على ربه ولا يستطيع ربنا عز وجل أن يعيده مرةً ثانيةً؛ لأنه إن عاد مرة أخرى عذبه بحق؛ لأنه اعترف هو من قبل أنه لم يعمل خيراً قط .. ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً .. خوفه من الله الذي آمن به ورطه هذه الورطة التي أودت به إلى الكفر .. لا شك هذا كفر، لكن الله عز وجل عنده ميزان غير موازين البشر .. عرف منه أن شدة خوفه من ربه أعمى بصيرته عن كون ربه تبارك وتعالى قادر على أن يحيي العظام وهي رميم؛ ولذلك لما أعاده كما كان قال: ماذا فعلت أو ما حملك؟ قال: يا رب! خشيتك، قال: قد غفرت لك. فنحن يكفينا أن نقول: أن هذه الفرقة ضالة؛ لأنها تخالف السلف في فهم نصوص الكتاب والسنة ولا يهمنا كفرت أو ما كفرت، نحن نريد لها الهدى ويكفي أن نقول: إنكم ضالون فعليكم بالهدى الذي جاءنا من الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح. "الهدى والنور" (310/ 01: 58: 00) و (310/ 07: 05: 01) [61] باب الرد على من يفرِّق في حجية خبر الآحاد بين العقائد والأحكام سؤال: هناك من يفرق في حجية الأخذ بحديث الآحاد بين العقائد والأحكام، فيقولون: نأخذ به في الأحكام الشرعية، ولكن في المسائل الاعتقادية فلا يفيد إلا الظن، فما ردكم على ذلك بارك الله فيكم؟ الشيخ: ردنا في هذا طويل جداً، ولنا رسالتان مطبوعتان، ولكن لا بد من الجواب ولو بإيجاز ...

التفريق بين العبادة وبين العقيدة .. من محدثات الأمور، سلفنا الصالح لا يعرفون هذا التفريق إطلاقاً، والوقائع التي تروى لنا في السنة الصحيحة في إرسال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الدعاة من أصحابه إلى العرب وإلى العجم يدل على بطلان هذا التفريق بين العقيدة وبين العبادة، فالعبادة تثبت بحديث صحيح عندهم، والعقيدة لا تثبت بالحديث الصحيح، لا بد أن يكون هذا الحديث حديثاً متواتراً، هؤلاء الحقيقة أنا أعتبرهم مرضى، وبقدر ما أنزعج من خطئهم وضلالهم، بقدر ما أشفق عليهم لمرضهم؛ لأن المرض كما يكون مادياً يكون أيضاً معنوياً، فالكفر والضلال الذي يسيطر على كثير من العباد هو مرض، ولذلك فيجب أن نعالج أمراض هؤلاء بالدعوة إلى الله، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل:125)، كلنا يعلم لا فرق بين عالم وطالب علم، وبين مثقف وبين عامي، كلنا يعلم أن الإسلام ما انتشر في أول الزمان وفي آخر الزمان إلا بدعاة من الأفراد، يعني ما كان يفعل السلف الأول، كما يفعل الخلف اليوم، يخرجون بالعشرات، إلى أين، قالوا: إلى الدعوة، وهم بحاجة إلى من يدعوهم، فيخرجون دعاةً وهم لا يحسنون الدعوة، وهم لا يعرفون الدعوة ولا يعرفون الدليل من الكتاب والسنة، وأظنكم لستم بحاجة إلى التصريح بمن أعني بهذا الكلام، فالكلام واضح جداً، لم يكن عمل السلف أن يخرج جماعة فيهم واحد متفقه قليلاً، والجماعة من عامة المسلمين إلى أين؟ إلى القبائل العربية الجاهلة لتعليمهم، إلى المشركين من يهود ونصارى، ما كان هكذا عمل السلف، ولا كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يرسل هكذا من أفراد وإنما يرسل من نخبة أصحاب الرسول عليه السلام علماً وأخلاقاً وعبادةً، ومن أشهر هؤلاء علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأبو موسى الأشعري، وأبو عبيدة بن الجراح، ونحو هؤلاء من كبار الصحابة، فمعاذ بن جبل ذهب يدعو إلى اليمن، إلى ماذا دعا؟ دعا إلى العبادة

وترك الدعوة إلى العقيدة! هذا مش معقول، وبخاصة أنه الرسول عليه السلام حينما أرسل معاذاً كان أول ما وصاه به أن قال له: «إنك تذهب إلى قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن هم استجابوا لك فمرهم بالصلاة ... »، إلى آخر الحديث، إذاً معاذ بن جبل أولاً ائتماراً منه بأمره عليه السلام إنما بدأ بالعقيدة، وتطبيقاً أيضاً هو فعل ذلك، كيف يقال إنه خبر الواحد لا تثبت به عقيدة، ورسول الله ما كان يرسل إلا آحاداً، معاذ لوحده، أبو موسى لوحده، أبو عبيدة بن الجراح لوحده، وهكذا، وأذكر حديثاً في صحيح البخاري أن أبا موسى زار أخاه في منزله في اليمن، وإذا برجل مغلل لما نزل أبو موسى سأل: ما بال هذا؟ قال: ارتد عن دينه، قال: والله لا أجلس إلا أن يطبق فيه قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من بدل دينه فاقتلوه»، فقتل، وجلس، أي: إن هذا الصحابي الجليل بلغ هذا الحكم ونفذ فوراً، وهو آتٍ من بلد كان يدعو إليها، وهو وحده، فإذاً كيف يقال في آخر الزمان إنه الأحاديث الصحيحة لأنها غير متواترة لا تثبت بها عقيدة، وأنا نَكَتُّ يوماً بأمثال هؤلاء بنكتة، حقيقةً هي ليست نكتة هي علم لو كانوا يعلمون، قلت: زعموا أن أحد هؤلاء الذين يقولون إن العقيدة لا تثبت إلا بعدد التواتر، ذهب أحد هؤلاء إلى اليابان يدعو إلى الإسلام، وحسب القاعدة المتبعة لدى جميع المسلمين، وكما فعل معاذ بدأ بالعقيدة اليابان ماذا يعلمون من الإسلام؟ لا شيء، فإذا هو بدأ بالعقيدة، لكن من العقيدة عندهم مع الأسف الشديد، أن لا يؤخذ بحديث الآحاد في العقيدة، فكان هناك في المجلس شاب كيس فطن في زاوية من المجلس، وقديماً قيل: في الزوايا خبايا، فرفع إصبعه وقال له: يا أستاذ أنت بتقرر أن من العقيدة الإسلامية: أن العقيدة لا تثبت بخبر الواحد، ونراك أنت تقرر علينا عقيدة الإسلام كذا وكذا وكذا، لكني أراك متناقضاًَ حسب دعوتك هذه يجب أن تعود إلى بلدك، وتأتي بجماعة التواتر كلهم ويشهدون معك

[62] باب منه

أن هذا هو الإسلام حتى نقبله منك، لأنك تقول: العقيدة لا تثبت بخبر الواحد وأنت واحد. الحقيقة هم يخربون بيوتهم بأيديهم، فضلاً أنهم يخالفون دعوة الإسلام الحق، فهم متناقضون يدعون إلى الإسلام وهو فرد من الأفراد، لهذا نقول: كل مسلم ورده عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بطريق صحيح أنه أخبر خبراً غيبياً أو أخبر خبراً تشريعياً، فيجب فوراً أن نصدق به، إن كان عقيدة تبناه، وإن كان حكماً تبناه عملاً وفعلاً وهكذا، لا نفرق بين حديث الرسول عليه السلام ما كان منه عقيدة، وما كان منه حكماً كله من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعلى هذا جرى السلف الصالح، وأختم الكلمة هذه جواباً بما سبق أن قلته وهذا ليرسخ في أذهانكم، قول العلماء: وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف "الهدى والنور" (526/ 54: 28: 00) [62] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «هذا أمين هذه الأمة. يعني أبا عبيدة». [قال الإمام]: أخرجه مسلم (1297) والحاكم (3/ 267) وأحمد (3/ 125) وأبو يعلى (2/ 831) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس: " أن أهل اليمن قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالوا: ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام، قال: فأخذ بيد أبي عبيدة، وقال .... " فذكره، والسياق لمسلم، ولفظ الحاكم: "يعلمنا القرآن". وقال: " صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بذكر القرآن ".

[63] باب هل يؤخذ بالحديث الحسن لغيره في أبواب العقيدة؟

قلت: وفي الحديث فائدة هامة، وهي أن خبر الآحاد حجة في العقائد، كما هو حجة في الأحكام، لأننا نعلم بالضرورة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يبعث أبا عبيدة إلى أهل اليمن ليعلمهم الأحكام فقط، بل والعقائد أيضا، فلو كان خبر الآحاد لا يفيد العلم الشرعي في العقيدة، ولا تقوم به الحجة فيها، لكان إرسال أبي عبيدة وحده إليهم ليعلمهم، أشبه شيء بالعبث. وهذا مما يتنزه الشارع عنه. فثبت يقيناً إفادته العلم. وهو المقصود، ولي في هذه المسألة الهامة رسالتان معروفتان مطبوعتان مراراً، فليراجعهما من أراد التفصيل فيها. "الصحيحة" (4/ 605). [63] باب هل يؤخذ بالحديث الحسن لغيره في أبواب العقيدة؟ سؤال: الحديث الحسن لغيره هل يؤخذ في باب العقائد؟ الشيخ: الذي أعتقده أن التفريق بين حديث ثابت في مرتبة ما وحديث آخر أعلى ثبوتًا منه بين العقائد وبين الأحكام هذه بدعة لا يعرفها علماء المسلمين الأولين، واضح إلى هنا؟ وعلى هذا إذا كان الحديث الحسن يثبت به حكم شرعي فيثبت به عقيدة كذلك، بل أنا أقول شيئًا ما أظن أنكم قرأتموه، وقد حاججت جماعة هناك في دمشق الشام ممن شوشوا أذهان المسلمين اليوم بهذا النقل الذي نقلوه وطرحوه كأنه عقيدة لا شية فيها ولا عيب عليها، وهي: أن حديث الآحاد لا تثبت به العقائد، قلت لهم: يرد عليهم شيئان لا خلاص لكم منهما: الشيء الأول: هو أنكم لا تتبنون عقيدة من حديث مهما كان شأن هذا

الحديث قوةً وصحةً حتى لو كان متواترًا، قالوا: كيف ذاك؟ قلت: وهذه حقيقة يعرفها كل طلاب العلم المبتدئين في علم الحديث: أن كون الحديث أو كون حديث ما متواترًا فإنما ذلك أمر نسبي، أي: هو متواتر بالنسبة لمن تتبع طرق الحديث فحصل القناعة في القلب أن هذا حديث متواتر يستحيل أن يكون كذبًا، لكن هل كل حافظ ولا أقول: كل مسلم، هل كل حافظ ضروري أو لزامًا عليه أن يكون حديث ما ثبت عند حافظ ما بأنه متواتر لزام على الحافظ الآخر أن يكون أيضًا عنده متواترًا؟ ليس الأمر بواجب، واضح هذا. ومعلوم في تعريف الحديث المتواتر: أنه يشترط في تواتره أن يستمر التواتر من الطبقة الأولى إلى الثانية إلى أن تصل إلى الذي يقول: بأنه حديث متواتر، ماشي هذا الكلام؟ فإذا انقطع التواتر في طبقة ما هل يظل الحديث متواترًا؟ الجواب: لا، أنا أقول الآن: الإمام البخاري قال في حديث ما: إنه متواتر وهنا ناهية الدقة في الموضوع، هل هو عندي أنا متواتر؟ الإمام البخاري حكم على حديث ما بأنه متواتر هل هو عندي متواتر؟ هذا سؤال امتحان؟ مداخلة: ليس بالضرورة. الشيخ: ليس بالضرورة، يحتمل؟ مداخلة: يحتمل أن يكون وألا يكون .. مداخلة: لا يحتمل. مداخلة: يحتمل أن يكون عندك متواترًا ويحتمل ألا يكون. الشيخ: لا، إذًا: جوابك صحيح وجوابه صحيح، لكن لربط أحدهما بالآخر أقول: إذا قال الإمام البخاري في حديث ما: إنه حديث متواتر، وأنا لم أقف على

هذا الحديث إلا من طريق واحدة، هل يكون عندي والحالة هذه متواترًا؟ مداخلة: لا يكون. الشيخ: فيها شك هذه؟ مداخلة: لا. الشيخ: هنا لا يرد الاحتمال السابق، لكن أنا بسبب نظرتك إلى أنني ممكن أن يكون أنا بحثت ما وجدت هذا التواتر كلامك صحيح، لكن في الصورة التي عرضتها آنفًا فجوابه صحيح، الآن عند من ليس عنده خبر الحديث إطلاقًا وقال البخاري فيه إنه متواتر، فبالأولى ألا يكون عنده متواترًا. قلنا لذلك الحزب: افترضوا أن رئيسكم هو علامة الزمان في الحديث أو بخاري الحديث، قال لكم: الحديث الفلاني هو متواتر، أأصبح عندكم متواترًا؟ الجواب: لا، فانقطعت السلسلة، متى يصبح عندكم متواترًا؟ إذا كان عندكم أئمة في الحديث عشرة عشرين على حسب اختلافهم في عدد التواتر، ثم اتصلتم أنتم مع هذا العدد حينذاك يعود الحديث بالنسبة إليكم متواترًا، وما دام أن الواقع خلاف ذلك، والفرضية أن رئيسكم هو الذي حكم على هذا الحديث بالتواتر، حينئذٍ هذا الحديث يصبح عندكم آحادًا؛ ذلك لأن الذي نقل إليكم خبر تواتر الحديث عنده هو فرد، وعلى هذا قلت لهم: إنكم لا تتبنون عقيدة من حديث صحيح، واضح هذا؟ هذه النقطة الأولى ... النقطة الثانية: وهي التي اقتضاها البحث السابق أن نقول: كل حديث يحمل حكمًا فهو ينطوي تحته على عقيدة، وإذا فصلت العقيدة عن هذا الحكم أذهبت قيمة هذا الحكم من الناحية الشرعية، واضح هذا أيضًا؟ بمعنى: إذا جاءك أمر من

رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مؤكد بأنه على الوجوب أو على الاستحباب، أو جاءك نهي مؤكد أنه للتحريم أو للتنزيه، ذاك الأمر أو هذا النهي إذا فصلت عنها اعتقادك من أن الأمر يفيد الوجوب أو الاستحباب، إذا فصلت اعتقادك عن هذا لم يبق للحكم أثر ما في نفسك، فكذلك بالنسبة للنواهي، واضح هذا أيضًا؟. إذًا: نستنتج مما سبق أن الحكم لو كان التفصيل السابق الذي ذهب إليه بعض علماء الكلام قديمًا وتبناه بعض المعاصرين حديثًا، لو كان هذا التفريق له وجاهة بين العقائد وبين الأحكام لكان وضعه في الأحكام أولى من العقيدة؛ لأن الحكم قلنا وهذا واضح جدًا يحمل عقيدة فإذا رفعنا العقيدة منه لم يبق له أي تأثير. إذا عرفنا هذا كله رجعنا إلى سؤالك في الحديث الحسن، فالحديث الحسن إما أن يقال: يثبت به حكم شرعي أو لا يثبت، فإذا كان من المعروف عند جماهير العلماء أنه يثبت فإذًا هو تضمن عقيدة فلا بد من الأخذ به؛ لأنه حكم ولا يضرنا بعد ذلك أن فيه عقيدة؛ لأن هذا أمر شبه متفق عليه في الحديث الحسن، أما الحديث الصحيح فما في إشكال أنه يجب العمل به في الأحكام، وإذا عرفنا ما سبق من البيان فالعمل بالحديث الحسن يتضمن حكمًا ومعنى هذا: أنه إذا جاء خبر لا يتضمن حكمًا لكن يتضمن عقيدة ولكن إسناده حسن وجب الأخذ به كما وجب الأخذ به في الحكم؛ لأنه حكم زائد عقيدة. ومما يتفرع من هذا الكلام هو في اعتقادي شيء هام؛ لأنه لا يوجد مسطورًا فيما علمت، ما قلته أيضًا لأولئك الحزبيين: هأنتم تفرقون عمليًا بين حديث الآحاد في العقيدة وحديث الآحاد في الأحكام، فماذا تفعلون إذا جاء حديث يحمل في طواياه عقيدة من جهة، وحكمًا من جهة؟ ولو أنه عندنا كما بينا لا فرق بين حديث فيه حكم أو حديث فيه عقيدة، فمن كان فيه حكم أو من كان فيه حكم ففيه عقيدة،

لكن حسب فلسفتهم الخاصة قلت لهم: ما موقفكم؟ حاروا في السؤال فطلبوا المثال، قلت لهم مثلًا: قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: «إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع: يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر .. » وبقية الحديث معروف، هم أعرفهم لا يؤمنون بعذاب القبر؛ لأنهم بزعمهم عذاب القبر أحاديثه لم تبلغ مبلغ التواتر. إذًا: لا يجوز الاعتقاد به، قلنا لهم: الآن أمركم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بغض النظر الأمر للوجوب أو الاستحباب، أمركم رسول الله أن تستعيذوا من أربع منها: عذاب القبر فإن قلتم: هذا حديث أحكام يجب الأخذ به ناقضتم قوله: هذا حديث آحاد لا يجوز الأخذ به في العقيدة؛ لأن عذاب القبر عقيدة، فماذا تفعلون؟ أتأتمرون بأمره عليه السلام كحكم شرعي أم ترجعون إلى فلسفتكم أن العقيدة لا تثبت بحديث آحاد وهذا حديث آحاد فلا نأخذ به؟ سواء قلتم هذا أو قلتم هذا خالفتم عقيدتكم، نحن لا نقول: خالفتم الشرع، هم مخالفون للشرع، لكن خالفوا عقيدتهم بسبب تفريقهم بين حديث الآحاد في الأحكام وحديث الآحاد في العقيدة. هذا ما عندنا حول هذه المسألة الطريفة. مداخلة: سأل الأخ عن الحسن لغيره، كذلك ما ذكرته هو ينطبق .. الشيخ: هو كذلك. "رحلة النور" (44أ/00:15:42)

[64] باب منه

[64] باب منه [قال الإمام]: لما وجد في الآونة الأخيرة حزب من الأحزاب الإسلامية قالوا: حديث الآحاد لا تؤخذ منه عقيدة، وإنما حديث التواتر. قلنا لهم: هذا يعني لا تؤخذ العقيدة من الحديث مطلقاً. قالوا: لماذا؟ قلنا له: لأنكم الذين تحملون هذه العقيدة هاتوا إلي بعقيدة أثبتموها بحديث متواتر، ولا سبيل لكم إلى ذلك؛ لأن الشيخ والإمام والعالم الذي تثقون به هو الشيخ تقي الدين رحمه الله ... قلت لهم: لا يمكن أن يوجد عندكم عقيدة أثبتموها بحديث متواتر عندكم؟ قالوا: لماذا؟ قلت: أولاً الواقع، فإنكم عاجزون عن أن تقدموا ما أطلب، لكننا إذا قلنا لكم ما موقفكم بالنسبة لأحاديث عذاب القبر، تقولون: هذه أحاديث آحاد ولا يجوز الإيمان بها .. إلى آخره. ثانياً وهذا هو المهم أن حديث التواتر قضية نسبية شرحت لهم هذا القضية شرحاً بالغاً، وقلت لهم: الشيخ تقي الدين النبهاني هو العالم الفاضل الجليل عندكم والذي جمع العلوم كلها، فلو فرضنا أنه ثبت عنده أن حديثاً ما هو عنده حديث متواتر، جاء من طرق كثيرة وكثيرة جداً، لا نناقش الآن؛ لأن المهم رأيه، أن هذا الحديث متواتر عنده، حينما نقل إليكم هذا الرأي أصبح عندكم آحاد، هل تأخذون به؟ إن أخذتم به نقضتم مبدأكم؛ لأنه آحاد، أما الشيخ واجب عليه أن يأخذ به لأنه ثبت عنده متواتراً، أما عندكم غير متواتر؛ لأن التواتر يشترط فيه اتصال التواتر في كل طبقة بمعنى، أنتم يا أفراد حزب التحرير، أنتم ما شاء الله عديد من العلماء الأفاضل متخصصين بعلم الحديث، ومفرقين بهذه البلاد

[65] باب في ذكر بعض من أنكر حجية خبر الآحاد في العقيدة

الإسلامية، عشرين ثلاثين أربعين، كل واحد منكم اتصل مع العدد هذا، كل واحد يقول أن الحديث الفلاني هو حديث متواتر، حينئذ يصير عندكم متواتراً، أما مجرد أن يقول لكم إمامكم أو شيخكم أن هذا الحديث متواتر، .. [فكيف يكون متواترًا عندكم]؟! "الهدى والنور" (238/ 00:45:30) [65] باب في ذكر بعض من أنكر حجية خبر الآحاد في العقيدة (قال الإمام في معرض كلامه حول بعض الأمثلة التي تدل على تعصب أبي غدة لشيخه الكوثري بالباطل): جاء في "المصنوع" حديث رد الشمس على علي رضي الله عنه ليصلي العصر بعد أن غربت ولم يصل. فذكر المتعصب [أبو غدة] في التعليق عليه جماعة من العلماء قالوا بأنه حديث موضوع, وآخرون ذهبوا إلى تصحيحه منهم شيخه الكوثري, فضل المتعصب بين هذين الحكمين المتناقضين, ولم يستطع - وهو الأمر الطبيعي الملازم له! أن يرجح أحدهما على الآخر, ولكنه حاول بادئ الرأي أن يرجح التصحيح بدون مرجح, وإنما تقليداً منه لشيخه الكوثري فقال (215): وقد جاءت كلمته رحمه الله تعالى على وجازتها ملخصة للمسألة أحسن تلخيص, إذ قال: ولا كلام في صحة الحديث من حيث الصناعة, لكن حكمه حكم أخبار الآحاد الصحيحة في المطالب العلمية. فأفاد بهذا الإيجاز البالغ أن الخبر على صحته لا ينهض في بابه وموضوعه, لأنه من المطالب العلمية التي تتوقف على اليقينيات وما قاربها. فلا بد على هذا من تأويل الخبر مع قولنا بصحته لمخالفته ما هو من الأمور العلمية, والله تعالى أعلم.

[66] باب بدعة تقسيم دلالة الأحاديث إلى ظنية الثبوت وقطعية الثبوت

هكذا قال هذا المسكين, ولم يدر أنه بهذه الفلسفة التي تلقاها من شيخه يجعله كما تقول العامة: "كنا تحت المطر, فصرنا تحت المزارب". لأنه فتح على نفسه باباً للشباب الذين لا علم لهم بالسنة أن يردوا كل حديث صحيح ورد في الأمور التي ليست من الأحكام, وإنما هي في المعجزات أو بدء الخلق والجنة والنار, وبكلمة واحدة في الغيبيات التي تتوقف على اليقينيات بزعمه ويعني بذلك الأحاديث المتواترة, ثم تحفظ فقال: "أو ما قاربها" ويعني الأحاديث المشهورة التي رواها أكثر من اثنين. أما الحديث الذي تفرد به الثقة وهو صحيح عند أهل العلم فليس حجة في الغيبيات عنده فلا بد من تأويله بزعمه, وليت شعري كيف يؤول مثل هذا الحديث الذي يتحدث عن واقعة معينة؟ اللهم إلا بإنكار معناه وتعطيله حتى يتفق مع العقول المريضة والقلوب العليلة, تماماً كما فعلوا في آيات الصفات وأحاديثها! "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص32 - 34). [66] باب بدعة تقسيم دلالة الأحاديث إلى ظنية الثبوت وقطعية الثبوت الملقى: يقول صاحب السؤال: تحدثنا مع أحد المبتدعين من الأشاعرة، ووصل الحديث أنه قال: أنا شافعي المذهب، فهل تنكرون على مذهبي؟ فقلنا له: إذا ورد حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يخالف قول الشافعي فهل تأخذ قول الشافعي أم حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فقال: لا بالطبع: قول النبي، ومن ترك النبي فقد كفر. فقلنا له: ماذا تقول فيمن ترك الأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟

فقال: نحن لا ننكرها ونجحدها، ونأخذها بظنية الثبوت، ولا نأخذ به في العقيدة. الشيخ: أوه. شنشنه نعرفها من أخزم. من العلم الدخيل في الإسلام: تقسيم الإسلام إلى قسمين: قطعي الثبوت: ظني الثبوت، أنا أشهد بالله، وأحلف على ما أقولك: أن أعرف الناس بكلام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأخلص الناس لرسول الله وهو: أبو بكر الصديق ما كان يعرف هذه الفلسفة. ثم إذا انظرنا إلى الطبقة الثانية وهي طبقة التابعين. خذوا سيد التابعين سعيد بن المُسيَّب أو المسيِّب وكان يكره أن يقال: المسيَّب رحمه الله كان أعلم التابعين، أو حتى نَكِلَ العلم إلى الله نقول: كان من أعلم التابعين وأزهدهم، وقد لقي من بعض الحكام الأمويين ما لقي بسبب أنه أبى أن يزوج ابنته بولي العهد كما يقولون اليوم، فعذبه بينما زوجها بأحد تلامذته الفقراء والمساكين. الشاهد: هذا التابعي الجليل لا يعرف هذه الفلسفة الدخيلة في الإسلام: الإسلام منه قطعي الثبوت ومنه ظني الثبوت. يترتب من وراء هذا التقسيم تخيير المسلم كما سمعتم في السؤال تخيير المسلم بين أن يأخذ بما كان ظني الثبوت أولا يأخذ، أهكذا كان السلف الصالح؟ لذلك نحن يا إخواننا نقول لكم: الكتاب والسنة والسلف الصالح، إنما نؤكد على مسامعكم هذا الشرط الثالث؛ لأننا نعلم يقينا مثلما أنكم تنطقون أنه لا يوجد على وجه الأرض طائفة مسلمة مهما كانت عريقة في الضلال، لا توجد طائفة

تقول: نحن لسنا على الكتاب والسنة كما سمعتم آنفا في جواب المسؤول، لكن توجد طوائف، بل جماهير المسلمين اليوم الذين يقولون: نحن مع الكتاب والسنة ولا يستطيعون بطبيعة الحال أن يقولوا إلا هذه الكلمة، لا يوجد فيهم من يقول: وعلى منهج السلف الصالح إلا طائفة قليلة جدا، هي الطائفة المنصورة التي قال عنها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الأحاديث الصحيحة «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله، حتى تقوم الساعة». من هي هذه الطائفة؟ قال عليه السلام: «هم الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي». من هم؟ هم الذين يتمسكون بما كان عليه رسول الله وأصحاب رسول الله. أعطوا بالكم؟ ليس بما كان عليه رسول الله فقط؛ بل وأصحاب رسول الله، هكذا وصف رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الفرقة الناجية، الفرقة الناجية لما قيل له عليه السلام: ما هي؟ جاءت هناك روايتان: إحداهم أصح من الأخرى، ولا اختلاف بينهما. الأولى: قال: «هي الجماعة»، الجماعة، هم أصحاب الرسول ... الثانية: هي تفسير للجماعة قال: «هي ما أنا عليه وأصحابي» وأصحابي؛ ولذلك فمن يأخذ بالكتاب والسنة لا يلتفت إلى الأخذ بما كان عليه السلف الصالح فسيكون في ضلال مبين، وهذا واقع العالم الإسلامي اليوم وقديما بالنسبة لبعض الطوائف والفرق. لذلك نحن ندندن حول كلمة: السلف الصالح، فهل كان السلف الصالح

يعرف فكرا أو عمليا؛ لأنني أدري أن هناك اصطلاحات ... ، لكن المهم واقعياًّ هل كان فيهم إذا جاءه حديث من شخص واحد، وهذا اسمه حديث أحاد، مثلا سعيد بن المسيَّب أو المسيَّب سمع أبا هريرة يروى حديثا له علاقة مثلا في العقيدة، مثلا في القبر، هل يرى له الخيرة ألا يأخذ به، لأنه حديث آحاد؟ ما شا الله. ما كانوا يعرفون هذه الفلسفة إطلاقاً، وإنما كان يعرفون شيئا واحداً هو ما أشار إليه ربنا عز وجل في كتابه ثم بينه [رسوله] في حديثه. أما الكتاب فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات:6). تبينوا: تثبتوا كما بقراءة أخرى. في الحديث الآخر، في الحديث الذي قال فيه الرسول عليه السلام: «كفى المرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع» (¬1). فكان التابعون يتحرون أن يعرفوا هذا الحديث يرويه تابعي آخر عن صحابي، الصحابة كلهم عدول، فإذا التابعي سمع من الصحابي مباشرة، ما عاد في عنده أبدا تردد في أن يأخذ بهذا الحديث؛ لأنه خبر آحاد. لكني كأنني أشعر من تمام فلسفة هذا الكلام أن بعضكم ما يعرف شو معنى حديث الآحاد بلا شك لأن هذا اصطلاح؟ حديث آحاد: الآن أنا أكلمكم وأنا واحد، أنا باقول: قال الله، وقال رسول الله، وقال الصحابة .. و .. والخ. على هذه الفلسفة أنتم لكم الخيار تأخدوا ولا ما بتأخدوا، لستم مكلفين. بينما الرسول يقول: «بلغو عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» (¬2) ¬

(¬1) مسلم (رقم7). (¬2) البخاري (رقم327).

إلى آخر الحديث. بذلك تنبت من وراء هذه الفلسفة آثار كثيرة جدا؛ كثير من الناس لا يؤمنون بعذاب القبر، يقولون: نحن نظن لأن الخبر ظني، البحث مع الأسف طويل، وأخشى أن يصاب بعضكم بالملل. خبر آحاد: لو تصورنا سعيد بن المسيَّب أو المسيِّب سمع من عشرة من أصحاب الرسول أو عشرين أصحاب الرسول أن أكثر من ذلك، هذا الحديث صار عنده متواترا، شوف هذا التواتر: ما رواه جماعة من المسلمين يستحيل تواطؤهم على الكذب، فإذا افترضنا أن حديثا سمعه مثل سعيد بن المسيب عن عشرة عن عشرة من أصحاب الرسول، هذا صار عنده يقين: أن الرسول قال هذا الحديث، لكن جاء تابع تابعي مثل الإمام الزهري سمع هذا الحديث عن؟ سعيد بن المسيب، هل هذا الحديث عنده متواتر؟ لا. لأنه هو سمعه من واحد، الواحد سمعة من عشرة .. عشرين، هو عنده متواتر، لكن عند تابع التابعي الإمام الزهري هذا صار خبر آحاد. إذن أي خبر يحدث به سعيد بن المسيب مهما كان قوته، مهما كان تواتره يصبح عند تابع التابعين ظنيا؛ أي غير قطعي الثبوت. هذه الفلسفة تقول له: أنت بقى مخير: أن تأخذ به أو ألا تأخذ به. من تمام الفلسفة قال: إذا كان الحديث له علاقة بالعقيدة فأنت إن أخذت به، تأخذ به وتحمله محمل الظن لا القطع، وإن كان في الحكم يجب عليك أن تأخذ به، فرقوا بين العقيدة وفرقوا بين الحكم، تفريق آخر ولهذا التفريق ذيول وآثار كثيرة؛ بحيث أنك لن تستطيع أن تأخذ من واحد من هؤلاء الذين تأثروا بهذه

[67] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد؟

الفلسفة الكلامية أن تأخذ منه عقيدة؛ لأنه إن كان من القرآن الثابت قطعيا فهو يشترط: أن يكون قطعي الدلالة، فلسفة أخرى قطعي الثبوت قطعي الدلالة. القرآن قطعي الثبوت لكن أحيان لا يكون قطعي الدلالة، فإذا لم يكن قطعي الدلالة أيضا في العقيدة: أنت مخير: إن شئت أخذت وإن شئت لم تأخذ؛ البحث في هذا طويل، وطويل جدا، وأنا بفضل الله لي رسالتان مخصصتان في هذا الموضوع بإمكانكم أن تسألوا عنهما، وتدرسوها إن شاء الله دراسة طيبة، المهم أن التفريق بين حديث الآحاد وحديث التواتر هذا اصطلاح لا ينبغي أن نبني عليه تفريقا بين ما إذا كان الحديث في العقيدة فلا يؤخذ به إلا إذا كان متواتراً، أما إذا كان في الأحكام فيجب أن يؤخذ به. هذا التعريف لا أصل له، إذا جاءك الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صحيحا وجب الأخذ به مطلقا سواء كان في العقيدة أو في الأحكام. "الهدى والنور" (742/ 57: 23: 00) [67] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد؟ سؤال: يقول: ما حكم الأشخاص الذين ينكرون أحاديث الآحاد على الرغم من إقامة الحجة عليهم، هل هم فساق أو ضالين أو كفرة؟ الشيخ: لا شك أن كل مسلم يتبنى مذهباً له أو منهجاً أو سبيلاً أو طريقاً لم يكن عليه سلفنا الصالح، الذي يعني صحابة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، والتابعين لهم، وأتباع التابعين، لا شك أن هذا المسلم الذي يخالف هؤلاء يعيش في ضلال مبين، ثم هذا الضلال الذي لا نشك في أنه واقع فيه ومتلبس له من قمة رأسه إلى أخمص قدمه قد يكون يورده موارد الكفر والخروج من الملة؛ ذلك لأن الله عز وجل قال في صريح القرآن الكريم: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ

سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115)، فالذين يتفلسفون بفلسفة إنكار حديث الآحاد، هؤلاء يخالفون سبيل المؤمنين، وقد ذكرنا أكثر من مرة: أن هدي السلف الصالح وتبليغهم لدعوة الإسلام، حتى شملت قسماً كبيراً من أقطار الدنيا، إنما كان ذلك بنقل الآحاد والأفراد في دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، من أشهر ذلك مما هو معروف في السيرة النبوية وفي التاريخ الإسلامي الأول، أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يرسل الشخص الواحد يدعو القبيلة الواحدة إلى الدخول في الإسلام، فيأمرهم بأن يوحدوا الله وحده لا شريك له، وإذا استجابوا أن يصلوا وأن يصوموا وأن يزكوا .. وو إلى آخره، كيف انتشر الإسلام بهؤلاء الأفراد؟ وهكذا استمر انتشار الإسلام حتى شمل كثيراً من البلاد، حتى البلاد التي هي في وسط البحار كأستراليا مثلاً وأمثالها؛ بسبب: أن مسلماً يسافر في سبيل التجارة فينزل في بلد ما طرقته قدمه من قبل فيقول لهم: الإسلام كذا وكذا وكذا، فيدخل الناس في دين الله أفواجاً بخبر الواحد؛ ولذلك فهؤلاء الذين يستهينون بخبر الواحد ويقولون: أن خبر الواحد لا تثبت به عقيدة، يخالفون سبيل المؤمنين، بل سبيل سيد المؤمنين الذي كان أرسل معاذاً وأرسل علياً وأرسل أبا موسى الأشعري دعاة إلى الإسلام في اليمن، ودحية الكلبي إلى بلاد سوريا إلى الروم .. وهكذا، هؤلاء الدعاة الأولين معروفين في التاريخ الإسلامي كانوا أفراداً، فكيف يقال: أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة؟! نحن لنا والحمد لله رسالتان تعالج هذه القضية معالجة علمية وعقلية شرعية، ليس عقل فلتان، عقل شرعي مأخوذ من الكتاب ومن السنة، وكل ما خرج عن الكتاب والسنة .. فصدقوا حينما قالوا: ليس عقلاً؛ لأن الله عز وجل حينما ذكر الكفار وهم في عذاب النار حكى عنهم أنهم قالوا: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا

في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10)، فإذاً من هو العاقل؟ هو الذي يُحكم الشرع على عقله؛ لأن هذا العقل كما قلنا العقل المطلق موزع في البشر، ليس معروفاً محدوداً بشخص، لو قيل: عقل الرسول المعصوم على الرأس والعين، هذا مرجع، لكن عقل البشر الضائع الفلتان الذي لا حدود له هذا من تمام الضلال حينما تبنوا ما أداه عقلهم المجرد عن انطباع الكتاب والسنة إلى أن يقولوا: أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة. وأنا أضرب لكم مثلاً يحمل في طواياه نكتتين، وكيف يظهر، وما هو الموقف هؤلاء الناس الذين حكموا عقولهم على نصوص نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم -. لقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث البخاري ومسلم: «إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال»، هذا حديث آحاد يؤخذ عندهم في الأحكام، لا يؤخذ به في العقيدة، لكن هذا الحديث يتضمن أمرين: يتضمن حكماً، ويتضمن عقيدة، الحكم: «فليستعذ بالله من أربع»، العقيدة: عذاب القبر، العقيدة: المسيح الدجال في آخر الزمان، وكيفما يستطيع هذا أن يستعيذ بشيء لا يؤمن به؟ لا يستطيع، إذاً هو في حيص بيص، وكيفما مال فهو في ضلال، إن أخذ بالحديث؛ لأن فيه حكم شرعي، وهذا واجبه، لكنه لم يأخذ بما فيه من عقيدة وهو الإيمان بعذاب القبر وبالمسيح الدجال في آخر الزمان. فإذاً: في أثناء تطبيقه لهذا الحكم هو مخالف لعقيدته، وهذا من الضلال المبين. (الهدى والنور /728/ 20: 19: 00)

[68] باب هل إنكار خبر الآحاد يعد كفرا؟

[68] باب هل إنكار خبر الآحاد يُعَدُّ كفراً؟ يسأل السائل ما الضابط في تكفير المستهزئ بالسنة أهو العلم بكونها سنة أم غير ذلك. الشيخ: لا شك أنه لا يجوز تكفير مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا وهو يعلم أن الذي ينكره هو ثابت في السنة، أما إذا كان جاهلاً فينبغي أن يُعَلَّم بدل أن يكفر، فمن أنكر شيئاً يؤمن بثبوته في السنة ومع ذلك فهو أنكره هذا بلا شك كافر يحل دمه. وهذا الجواب يجرنا إلى مسالة خلافية منذ قديم ألا وهي أن كثير من العلماء المتأخرين يقسمون الحديث النبوي من حيث وروده إلينا إلى قسمين حديث متواتر، وحديث آحاد، ويبنون على ذلك أنهم يقولون من أنكر حديث التواتر فهو كافر، ومن أنكر حديث الآحاد فليس بكافر، أنا أعتقد أن هذا الجواب التفصيلي قائم على تفصيل السابق للحديث المتواتر وحديث الآحاد، وكلٌّ من التفصيلين لا أصل له في الشرع, من حيث الواقع في حديث متواتر وفي حديث آحاد؛ لأن التواتر والآحاد هو طريقة وصول الحديث إلى فرد من الأفراد، لكن هذا ليس من طبيعة الحديث، لأن الحديث هو ما صدر من فم الرسول عليه السلام وليس من القرآن، فالتفصيل السابق بالتفريق بين من أنكر حديث التواتر فهو كافر، ومن أنكر حديث الآحاد فهو فاسق، هذا ليس دقيقاً؛ إنما الصحيح أن يقال: كل من أنكر حديثاً يعتقد أن الرسول قاله فهو كافر سواء كان هذا الحديث عند زيد من الناس متواتر أو آحاد، المهم أن الشخص الذي أنكر الحديث يعتقد أن النبي عليه السلام قاله مع ذلك بيقول لك: هذا الحديث لا يمكن أن يُقبل لأنه ما يدخل في العقل إلى آخر الفلسفة العصرية المعروفة اليوم أما كونه حديث متواتر أو حديث آحاد

فهذا التفصيل لا يمكن أن يعرفه إلا في المليون واحد من المسلمين، وبالكاد أن يوجد هذا الواحد في المليون، ولذلك أنا اعتقد أن من الدسائس التي أدخلت في الإسلام بسوء نيه أو بحسن قصد لكن على كل حال هذا دخيل في الإسلام، ألا وهو التفريق بين الحديث الحديث الآحاد وحديث التواتر، ثم ربط نتيجة تختلف واحدة عن الأخرى باختلاف كون الحديث متواتراً أو آحاداً. ذكرنا آنفاً من جملة ... النتيجة أن من أنكر حديث التواتر فهو كافر، هو حديث متواتر عند أهل العلم، نرجع لنفس المعنى السابق، لنأتي بمثال آخر فيما بعد حديث متواتر عند أهل العلم لكن ملايين المسلمين ما عندهم خَبَرُهُ هذا الحديث، فواحد سمع به قال: هذا مش معقول مش مقبول، لكن ما عنده علم بأن هذا حديثاً قاله الرسول لكن أهل العلم يقولون حديث متواتر، وعلى عكس ذلك هو يعلم هو حديث ثابت عن الرسول لكن مو متواتر مع ذلك هو بينكره، الأول ما يكفر، والآخر بيكفر. نتيجةٌ أخرى نتجت من التفريق بين حديث الآحاد وحديث التواتر؛ حديث الآحاد يؤخذ فيه بالأحكام دون العقيدة، حديث التواتر لا يجوز الأخذ به في العقيدة أو على الأقل لا يجب الأخذ به في العقيدة فرقوا بين حديث الآحاد فيؤخذ به في الأحكام ليس في العقيدة، أما العقيدة فلا بد أن يكون الحديث فيها - أيش؟ - متواتر هذا الكلام من العجائب أنه يقرره بعض العلماء قديماً وحديثاً؛ لو سئل هذا العالم الحديث صحيح ولَّا ضعيف؟ ما بيعرف فضلاً أن يعرف إذا قيل له هذا متواتر وإلا آحاد، (سيقول لك) شو بيعرفني هذه ما هي شغلتي؛ (إذاً كيف) قدرت تفرق بين الحديث الآحاد وحديث التواتر، ورتبت على ذلك أنه من ينكر حديث الآحاد في العقيدة لا ضير عليه لأن العقيدة لا تثبت إلا بحديث التواتر.

مع الأسف الشديد حزب التحرير وقع في هذه الطابوسة بالتعبير السوري يعني في هذا المطب في هذه الحفرة، فقال أول ما نشأ حزب التحرير: لا يجوز أخذ حديث الآحاد في العقيدة، وبعدين صار مناقشات بينهم وبين بعض أفراد من أهل السنة عدلوا عبارتهم؛ كانت سابقاً: لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة، فحولوها إلى لا يجب، كانوا من قبل في العبارة السابقة: لا يجوز؛ يعني: أن الحزبي التحريري حرام عليه أن يعتقد بحديث آحاد، لكن لما عدلوا العبارة أعطوه فسحة شويه، لا يجب عليك؛ فأنت حر بقى تأخذ بهذا الحديث ولّا ما تأخذ ما في مانع، في الأول: لا يجوز، وجرى طبعا ًمناقشات كثيرة هناك في دمشق وغير دمشق من سوريا بيني وبينهم، فاضطروا أن يعدلوا هذه العبارة وكان من جملة ما قلت لهم: يا جماعة أنتم عندما تقولون لا يجوز الأخذ بحديث الآلحاد في العقيدة معناه أنكم لا عقيده عندكم قائمة على السنة، لا يوجد هناك عقيدة تعتقدونها مأخوذة من السنة من الحديث؛ لماذا؟ لأنكم تشترطون أن يكون متواتراً، لكن هذا الحديث المتواتر في واقعه عند أهل العلم هو مجهول عند غير أهل العلم، ونُعَدِّل العبارة فنقول هذا الحديث عند أهل الاختصاص في الحديث وما أقلهم وخاصة في هذا الزمان يكون متواتراً، لكن عند عامة العلماء فضلاً عن عامة المسلمين ما عندهم خبر إلا أنه حديث آحاد، ولذلك فسوف لا تقيمون عقيدة على حديث ولو كان متواتراً عند أهل العلم؛ لماذا؟ لأنه سيعود إليكم حديث آحاد. كنت ضربت لهم مثلاً قلت لهم: شيخكم الشيخ تقي الدين النبهاني نفترضه بأنه أعلم أهل الزمان في الحديث -وهو ليس كذلك لكن نفترض كذلك-، بحث في حديثٍ ما بحثاً هو شأنه لأنه متخصص فخرج معه أنه حديث مثلاً مثلاً: «اتقوا

البول فإن عامة عذاب القبر منه» (¬1)، ثبت لديه مثلاً أن هذا الحديث حديث متواتر، إذاً هو تضمن: إن في عذاب قبر؛ هم لا يؤمنون بعذاب القبر؛ لأن ما في بالقرآن زعموا. الآن شيخكم يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اتقوا البول فإن عامة عذاب القبر منه»، حديث متواتر عندي، أنت يا حزبي هل عندك متواتر؟ لا, ليه؟ لأن التواتر يشترط عند أهل العلم أن يتسلسل في كل طبقة؛ يعني حديث رواه أبو بكر الصديق وحده رواه عنه مليون شخص هذا حديث آحاد، مليون من الصحابة رووا حديثاً نقله إلينا واحد هذا حديث آحاد؛ إذاً لازم هذا التواتر، نخفف العدد أشوية لا يكون خيالياً يكون واقعياً؛ حديث رواه عشرة من الصحابة، وعنه عشرة من التابعين، وعنه عشرة من أتباع التابعين، وهكذا إلى أن سُطِّر هذا الحديث في عشرات كتب السنة بهذا التسلسل؛ عشرة من الصحابة، عشرة من التابعين إلى آخره، يجيء تقي الدين النبهاني وجد لهذا الحديث عشرة طرق صار عنده قناعة يقينية أن هذا الحديث قطعي قاله الرسول عليه السلام, وهذا واقع لكن حينما يقوله لحزبه: هذا الحديث المتواتر، فكل حزبي يصبح عنده الحديث حديث آحاد ليه؟ لأن الذي نقل له التواتر هو واحد انتبَهَ الحزبي، يمكن يقول: هذا حديث متواتر عندي- عند حزب التحرير-، وهذا لا وجود له عنده ولاعند غيره من الأحزاب، في عندهم عشرة من المتخصصين في علم الحديث؛ الشيخ تقي الدين والشيخ أحمد ومحمد وعبد الرحيم وعبد الرحمن إلى آخرة عشرة، كل واحد بحث في هذا الحديث ووجده متواتراً، العشرة هذول يعلنون على الملأ- حزب التحرير- أن الحديث الفلاني حديث متواتر، حينئذ يصبح هذا الحديث عند كل ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم3002) بلفظ: تنزهوا ...

الأفراد حديثاً متواتراً ليش؟! لأن الذي نقل التواتر هو متواتر هو عشرة أشخاص، لكن هذا لا وجود له هذا لا وجود له. ولذلك أنا قلت لهذه الجماعة: أنتم لا يمكن أن تجدوا حديثاً متواتراً؟ مرة من المرات صارت مجادلة بيني وبينهم [قلت] يا جماعة أنا شايف كتبكم ممتلئة بالأحاديث الضعيفة والتي لا أصل لها إلى آخره قالوا: نستعين بأمثالك قلت لهم ما شاء الله ... بدكم تستعينون برجال من خارج حزبكم؟! لازم العلم ينبع منكم ويرجع على غيركم إلى آخره، فقلت لهم افترضوا أنه أنا هذا الحديث ثبت لدي بطريق التواتر، قلنا لكم حديث عذاب القبر متواتر، هذا ما أفاد التواتر عندكم؛ لأن أنا شخص واحد لابد أن يجيب لكم من أطراف العالم الإسلامي علماء متخصصون في علم الحديث يقولون نفس القول هذا بأن حديث عذاب القبر متواتر وهذا غير واقع، لذلك لا يمكن أن أتصور أنكم تؤمنون بعقيدة نابعة من حديث متواتر؛ لأن هذا التواتر لا وجود له، مش عندكم كأفراد من حزب التحرير؛ عند شيخهم الكبير تقي الدين؛ لأنه هو كأي قارئ يقرأ في كتاب يقرأ أن هذا حديث آحاد أو حديث تواتر لكن ما صار متواتراً عنده؛ لأنه قراه بدلالة شخص واحد، وهذا يختلف اختلافاً كبيرا في الحكم على الحديث بالتواتر. في البحوث الفقهية علماء الأحناف عندهم فلسفة أخرى تتعلق بالفقه، علماء الكلام جاؤوا بالفلسفة السابقة حديث الآحاد لا تؤخذ منه عقيدة، لكن فقهاء الحنفية أيش قالوا؟ قالوا حديث الآحاد لا يجوز تخصيص القرآن به، تخصيص القرآن لا يجوز؛ لأن القرآن متواتر، وحديث الآحاد غير متواتر وبهذا الجواب يعطلون عشرات الأحكام الشرعية الثابتة في السنة الصحيحة، من ذلك مثلاً يختلفون مع جماهير الفقهاء في حكم قراءة الفاتحة؛ الجماهير يقولون: بأنها ركن

من أركان الصلاة، وهم يقولون: لا هذا واجب وليس بفرض، فضلاً عن أن يكون ركناً لا تصح الصلاة إلا به، طيب الحديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»؟! يقولون هذا حديث آحاد والقرآن يقول {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} وهذا نص عام {ما تيسر من القرآن} لا يجوز تخصيصه بحديث الآحاد: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» .... ونشوف إمام المحدثين البخاري مؤلف رسالة للقراءة «جزء في القراءة» اسم الرسالة، فإذا به في أول الرسالة يقول تواتر لدينا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (كيف) بتقولوا يافقهاء يا حنفيون تقولون هذا الحديث حديث آحاد؟! هذا إمام المحدثين بيقول إنه حديث متواتر عندنا وهذا صحيح هذا الكلام، لكن صحيح عند البخاري لكن مو صحيح عند الفقهاء؛ لأنه هذا الحديث ما جاء عندهم بطريق التواتر الذي بيجيء عن اليقين، لكن هذه فلسفة دخيلة في الإسلام التفريق بين حديث وحديث؛ ما دام كلاً منهما حديث صحيح ثابت؛ لكن واحد جاء من طريق ثاني جاء من طريقين وثاني جاء من ثلاثة من عشرة إلى آخره، وكل واحد من هذا الأنواع له اسم خاص عند المحدثين: حديث مشهور، حديث مستفيض، حديث متواتر، هذه اصطلاحات للكشف عن طريقة وصول الحديث إلينا، لكن ليس المقصود من هذا الاصطلاحات أن نعطل العمل بالحديث لأنه هو في منزلة كذا، وليس في منزلة كذا، لهذا لا يجوز إلا أن نأخذ الحديث عن الرسول عليه السلام مجرد أن يكون صحيحاً أما متواتر وآحاد فهذه قضية نسبية أولاً بصورة عامة، وثانياً هي نسبية بالنسبة لأهل العلم، أما جماهير الناس لا علم عندهم. فالتكفير إذاً ليس متعلقاً بطريقة وصول الحديث إلى منكر الحديث هل آحاد أم هو تواتر، ولا هو بطريقة وصول الحديث إلى غير المنكر، فقد يكون عند غير

المنكر متواتر، وهو ما عنده خبر بهذا الحديث، كما ذكرنا آنفاً، لكن الحديث عند جميع العلماء غير متواتر لكنه صحيح، والذي أنكره أيضاً يعتقد أنه صحيح، مع ذلك ينكره فهو كافر. إذاً قضية التكفير لا تتعلق بما قام في نفس المكفِّر، وإنما ما قام في نفس المكفَّر؛ فإن كان المكفَّر يعتقد بأن هذا الحديث صح عن الرسول مع ذلك ينكره فلا شك بأنه يكفر بذلك، وإن قال- وإن كان لاهياً- هذا الحديث والله أنا أستبعد صحته عن الرسول والله يعلم من قلبه أنه لا ينافق، يقول ما في قلبه؛ هذا لا يكفر عند رب العالمين، لكنه إذا كان يعلم أن هذا الحديث قاله الرسول لكن ظهر بيقول أنا أشك في أن الرسول قال هذا، فهو عند الله كافر؛ لأنه في قرارة قلبه يؤمن بأن النبي عليه السلام قد قال هذا الحديث مع ذلك ينكره. فإذاً التكفير لا يجوز أن يحكم به بالنسبة لما قام في نفس المكفِّر وإنما لما قام في نفس المكفَّر، واضح إن شاء الله. السائل: واضح [لكن الفرق] بين المنكر والمستهزئ. الشيخ: ما في فرق الذي يستهزئ بحديث يؤمن بأن الرسول قاله مثل ذاك الذي أنكر فهما سواء. "الهدى والنور" (269/ 12: 27: 00)

جماع أبواب الكلام حول العقل وموقعه من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

جماع أبواب الكلام حول العقل وموقعه من مصادر الاستدلال عند أهل السنة

[69] باب العقل الفطري السليم من أصول الاستدلال عند أهل السنة ومثال ذلك

[69] باب العقل الفطري السليم من أصول الاستدلال عند أهل السنة ومثال ذلك [قال الإمام بعد نقله عن الإمام الذهبي أسماء بعض الأئمة ممن يقول بإثبات الصفات لله عز وجل ومنها صفة العلو قال]: والعقل الفطري السليم يشهد لهؤلاء الأئمة وما معهم من نصوص الكتاب والسنة وبيان ذلك: لا خلاف بين المسلمين جميعا أن الله تعالى كان ولا شيء معه لا عرش ولا كرسي ولا سماء ولا أرض ثم خلق الله تعالى الخلق، كما سيأتي في حديث عمران بن حصين؛ فإذا كان كذلك فمما لا شك فيه أن مخلوقاته تعالى إما أن يكون خلقها في ذاته تعالى فهي حالَّة فيه وهو حالّ فيها وهذا كفر لا يقول به مسلم، وإن كان هو لازم مذهب الجهمية وغلاة الصوفية الذين يقول قائلهم: " كل ما تراه بعينك فهو الله " تعالى عما يقول الظالمون علواًّ كبيراً. وإذا كان الأمر كذلك فمخلوقاته تعالى بائنة عنه غير مختلطة به. وحينئذ فإما أن يكون الله تعالى فوق مخلوقاته وإما أن تكون مخلوقاته فوقه تعالى وهذا باطل بداهة فلم يبق إلا أن الله تبارك وتعالى فوقها، وهو المطلوب المقطوع ثبوته في الكتاب والسنة وأقوال السلف ومن جاء بعدهم من الأئمة على اختلاف اختصاصاتهم ومذاهبهم كما ستراه مفصلا في الكتاب [أي: مختصر العلو] إن شاء الله تعالى. " مختصر العلو" (ص51 - 52).

[70] باب في رد شبهات من أنكر النقل وقدس العقل, وبيان أن العقل الصحيح هو المطعم بالشرع التابع له, وبيان خطورة الخوض في الغيبيات بالعقل

[70] باب في رد شبهات من أنكر النقل وقَدَّس العقل, وبيان أن العقل الصحيح هو المطَعَّم بالشرع التابع له, وبيان خطورة الخوض في الغيبيات بالعقل مداخلة: الحقيقة أرغب أن الأخ إبراهيم هو الذي يُسأل عن أفكاره (¬1) لا بأس. الشيخ: طيب لا مانع. مداخلة: أعرفك الأخ إبراهيم الحقيقة .. الأخ إبراهيم العسعس طالب يحضر ماجستير في الحديث ورسالته بعنوان: ما أدري سجلتها أو لا؟! يعني: العنوان الذي في ذهنه التي هي: قواعد نقد المتن، ولذلك يهمه كثيراً حقيقة المواضيع التي يطرحها الأخ أبو ياسر ففي ذهنه أمور متعلقة بالموضوع نستفيد منها إن شاء الله. الشيخ: فهات يا سيد إبراهيم، إذاً: أعطينا أكبر حجة عنده وأكبر شبهة بالنسبة إلى أهل السنة والجماعة؟ مداخلة: هو يقسم الأحاديث إلى قسمين: قسم الأحكام .. أحاديث الأحكام التي تتعلق بالتكليف .. هذه أنا ما سمعته يتكلم فيها .. الشيخ: لا يهمنا .. يهمنا الذي سمعته. مداخلة: يتكلم بأحاديث الأخبار .. هذه أحاديث الأخبار كل ما يرى أن العقل ¬

(¬1) أي أفكار أبي ياسر المعتزلي, وهو رجل عقد مجلساً مع الشيخ الألباني, ثم صاح وغادر المجلس ولمَّا يدخلوا في موضوع النقاش لاختلافهم حول المرجعية عند الاختلاف هل تكون للكتاب والسنة أو للعقل كما يريد أبو ياسر, والمجلس مسجل في سلسلة الهدى والنور برقم (643).

يرفضه يرفضها .. الشيخ: المكتوب مبين من عنوانه. مداخلة: يرفضها جملةً وتفصيلاً. مداخلة: هو يقول: عملت دراسة فوجدت أن الأمور الموجودة في صحيح البخاري وفي مسند أحمد .. في كتب الحديث موجودة بنفس نصوصها بالكتب المقدسة عند اليهود والنصارى. الشيخ: ما شاء الله! مداخلة: ولذلك هو يقول: إن هذه أخذها المسلمون من أهل السنة حتى يكون تعريفي أدق .. أن عنده المسلمين الممتازين المعتزلة أولاً ثم الإباضية ثم الزيدية. الشيخ: ما شاء الله! مداخلة: وأضل الناس الشيعة الإمامية وأهل السنة. الشيخ: ما شاء الله! مداخلة: ولعل أهل السنة عنده أبعد من الإمامية, فهو يدعي أن المسلمين أخذوها من اليهود والنصارى بسبب موافقة .. يقول: وجدت في حزقيال إحدى الأسفار الموجودة وهو ليس من أسفار التوراة الرئيسية لفظاً موجوداً تماماً في كتب أهل السنة؛ ولذلك هو مرة أراني كتاب عن المسيح الدجال، قال لي هذا ... المسيح الدجال تبع السيوطي .. ما أدري هو السيوطي له كتاب المسيح الدجال أو نزول لعيسى؟ أحدهما ..

الشيخ: السيوطي له في نزول عيسى. مداخلة: قال لي: أنا أقرأ لك .. بدأ يقرأ كلام .. بعد ذلك فعلاً الكلام الذي يقرأه نحن نعتقده .. كثيراً مما قرأ فضحك وقال: أنا أقرأ لك من حزقيال أو من كتب النصارى، فهذه النقطة نريد أن نسمع من الأستاذ رد عليها .. هل بالضرورة .. مداخلة: هي ليست ... الدليل، يعني: ليست دليل يعني: الكلام الذي تفضل فيه ليس دليلاً .. مداخلة: هو كلام يقيم عليه الدليل أنه لا يثق بضوابط علم الجرح والتعديل، يعني: هذا الكلام الذي قلته ليس دليلاً .. ممكن أي إنسان يقوله هذا فيه تشابه وكذا. مداخلة: .. كما قال الأخ .. يقول مثلاً: أبو هريرة رضي الله عنه لا يقبل مطلقاً أحاديثه لأنه كان تلميذ كعب الأحبار فهو يأخذ عن كعب جملةً وتفصيلاً ولا يدري ما يقول والعياذ بالله، وكذلك عن ابن عمر وكذلك عن ابن عباس كانوا كلهم من تلاميذ كعب الأحبار, ثم من استقراؤه كما يقول في التوراة مثل حديث سفر التكوين الله خلق آدم على ... هو الحديث .. الشيخ: الله أكبر! مداخلة: ويضرب أمثلة هذا ..... الشيخ: اسمعوا يا جماعة! تسمعون الكلام هذا .. نحن نسأله الآن سؤالاً وأنا أقول: لا يجيب عليه إطلاقاً: من أين عرف أن كعب الأحبار كان من تلامذته أبو هريرة أو كعب الأحبار كان تلميذاً لأبي هريرة .. من أين عرف؟ مداخلة: هو من الإصابة أستاذ.

الشيخ: لا يستطيع .. لا يستطيع أن يجيب، لكن هذا جواب يخرج من عندك ليس من عنده؛ لأنه حينما يقول: من الإصابة .. نعم؟ مداخلة: هذا الذي يحتج علينا: أنه أنتم تقولوه .. الشيخ: كيف؟ مداخلة: من كتب أهل السنة. مداخلة: كيف أنتم أهل السنة تقولون مثل هذه المعلومات .. الشيخ: أي معلومات؟ مداخلة: تقولون: أن كعب الأحبار .. أبو هريرة تلميذ .. الشيخ: وهو ماذا يقول؟ مداخلة: هو يريد يصدقنا .. الشيخ: هذه دوبلة يا أخي! نحن لا نقول: أن كعب الأحبار تلميذ لأبي هريرة أو أبو هريرة تلميذ لكعب الأحبار، نحن لا نقول هذا الكلام، لكن نعتقد أن بعض الصحابة وقد يكون منهم أبو هريرة أخذوا عن الذين أسلموا من أهل الكتاب، لكن هو ماذا يقول؟ نحن هذا الإطلاق الذي هو نسبه نحن لا نتبناه لكن نعود إليه فنقول: كيف عرفت أن فلاناً تلميذ فلان ما هو السبيل .. ما هو الطريق؟ طريقه هو، أي: الآن السؤال يوجه إليه بالنسبة له: ما هو طريق تمييز الخبر الصحيح من الخبر الضعيف؟ مداخلة: الأخبار كما قال الشيخ يرفضها.

الشيخ: إذاً: ما الذي يقبله؟ مداخلة: يقبل السنة وبخاصة .. يفرق بين السنة والحديث، يعني: السنة التي هي السنة العملية مثلاً الصلاة، يقول: هذه جاءتنا بالنقل العملي وليس عن طريق ما نعتقده نحن مثلاً .. الشيخ: اتركنا نحن الآن نحن ... مداخلة: هو يقول: من مصادر المعرفة عنده .. من أحدها يعني: كيف يعبد الله عز وجل إلى آخره بالسنة العملية .. السنة يفرقها عن الأحاديث. الشيخ: ما هي السنة العملية مثلاً في الحج .. ما هي السنة العملية؟ يعني: أنا سأقول الآن سلفاً ليس أمامه؛ لأنه مجرد ما يسمع هذه الكلمة سينتفض نفضة يخشى أن يموت منها .. نحن نقول الآن: هو لا يحسن الحج بناءً على السنة العملية يقيناً .. وهأنتم تتصلون معه سلوه هذا السؤال: كيف تحج؟ عند المسلمين الذين لا يعجبهم دينهم يوجد عندهم حج إفراد، ويوجد عندهم حج قران، ويوجد عندهم حج تمتع فأي نوع هو يحج، وما هو دليله حينذاك؟ مداخلة: .. قبل الاعتزال. مداخلة: يحتج بأقوال الفقهاء يثق بأبي حنيفة .. فقه أبي حنيفة .. الشيخ: ما الذي أدراه بقول أبي حنيفة؟ اسمعوا يا جماعة السؤال السابق يلفه لفاً، ومثل الإخطبوط يخنقه خنقاً .. ما أدراه بما قال أبو حنيفة حتى هو يأخذ به.؟ مداخلة: بالنقل. الشيخ: بالنقل، إذاً لا بد له من الرجوع للنقل طيب! هذا النقل فيه صحيح

وفيه ضعيف باتفاق الفريقين: نحن طريقنا معروف، فما هو طريقه حينما يقول: أبو حنيفة قال هكذا .. ما هو الطريق الذي وصل إلى معرفته .. ليس عنده طريق إطلاقاً إنما هو الهوى، دينه هواه ليس عنده منهج مستحيل يا جماعة! يأتي إنسان في آخر الزمان يخالف المسلمين في منهجهم، وأنا أذكركم بآية هي قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115) هذه الآية أنا أُعرِّج بها على الإجابة عن السؤال السابق: ما هو التمييز بين فرقة تؤمن مع كل الفرق أن المرجع الكتاب والسنة .. ما هو الحكم الفصل؟ هو سبيل المؤمنين. الآن حزب التحرير لا يؤمن بسبيل المؤمنين وهذا من سبيله سواءً كان هو حزبي يوماً ما ثم طلق الحزبية بالثلاثة أو لم يكن حزبياً أو عنده أفكار حزبية .. سبيل المؤمنين أكثر الجماعات الإسلامية القائمة اليوم كالجماعات والأحزاب والفرق القديمة تماماً ليسوا على ما كان عليه المسلمون. لذلك نحن نقول وهذا مهم .. وهذا الدين النصيحة أن كل مسلم سواءً كان تحريريَّا أو كان إخوانياً أو كان تبليغيَّا فيجب أن يركز في عقيدته أن الرجوع إلى الكتاب والسنة فقط في هذا الزمان لا يكفي؛ لأن كل فرقة كما اتفقنا آنفاً تدعي كما قال الشاعر: وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك من هي الفرقة الصادقة في انتمائها إلى الكتاب والسنة؟ هي التي تتبع سبيل المؤمنين، وسبيل المؤمنين أول ما يتبادر إلى الذهن من هذا النص القرآني هو ما جاء تفسيره في السنة؛ ولذلك يأتي المعتزلة وأمثالهم وأذنابهم يضربون السنة في

الصميم لكي يخلو لهم جو تأويل القرآن بما يشتهون؛ ولذلك سمعتم ما قال وهذا دينه .. أنت كنت تتمنى أن يكون هذا خطأ لفظي فنقول: اللهم بقلبه وليس بلسانه لكن مع الأسف هذا دينه. كل آية ممكن أن تفسر بأي تفسير من التفاسير التي تنحرف - هذه التفاسير - عن سبيل المؤمنين .. هذه الأحاديث مثلاً نحن دائماً نذكر حديث الفرق الثلاثة والسبعين، لا شك أن هذا الحديث في قائمة الأحاديث وأنا أرجم بالغيب لكني أظن ظني ظناً راجحاً من الأحاديث التي لا يؤمن فيها الرجل ولا أمثاله .. مداخلة: طبعاً كذب. الشيخ: رأيت كيف؟ هذه فراسة المؤمن، فهذا الإنسان لا يمكن أن يؤمن بخبر نطق به الرسول عليه السلام: «وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» لماذا لا يؤمن؟ ليس لأن فيه خبر تفرق؛ لأن هذا لا يمكن أن ينكره، لكن لا يؤمن؛ لأنه وضع نهجاً يغلله بالأصفاد ... رغم أنفه إلا أن يحيد بكل قلبه فحينئذٍ إلى جهنم وبئس المصير لا سمح الله، ما هو؟ لما سئل عن الفرقة الناجية؟ قال: هي الجماعة، قال: «هي ما أنا عليه وأصحابي» هذا لا يناسبه أبداً؛ لأن هذا يكلفه علماً هو أجهل من أبي جهل فيه .. يكلفه أن يعرف الطريق الذي يوصله إلى أن يعرف هل قال رسول الله هذه الكلمة أم لا، لا يستطيع أن يصل فهو كاليهود وكالنصارى لا يستطيعون أن يثبتوا ما قال عيسى وموسى أبداً إلا بهذه الكتب المبدلة المحرفة، أما أن يكون عندهم سلسلة متصلة بالرجال الثقات الحفاظ الأثبات اعترف الأعداء بأن هذه المزية هي للأمة الإسلامية فقط وهي الإسناد ولذلك لعلك قرأت قول بعض السلف: الإسناد من الدين .. لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. فإذاً: ما هو الطريق لهذا الإنسان أن يعرف هل قال الرسول فعلاً الفرقة الناجية

صفتها كذا وكذا .. ما أنا عليه السلام وأصحابي؟ ليس عنده طريق إطلاقاً إلا عقله؛ ولذلك بدأ بفلسفة الإنسانية المشتركة وإلى آخره والعقل؛ لأن هنا يوجد مجال .. فعلاً أنا أسال سؤال وهو لا يستطيع إلا أن يجيب بما أجاب صاحبه الذي كان متستراً، فلما سألناه أن عقلي مختلف عن عقلك فهل هناك عقل موحد نعود إليه؟ اعترف لا، إذاً: كل عاقل يتكلم بما يشاء ولا يمكن أن نعقله .. العقل مشتق كما تعلمون من العقل فما دام العقول مختلفة، إذاً بمعنى: نعقله بأي وسيلة نعقله؟ ليس عندنا إلا النص القرآني: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء:59) رجعنا إلى الرسول في معرفة الفرقة الناجية؟ لا، هذا حديث ليس صحيح، تركناه جانباً .. «وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فماذا نفعل يا رسول الله؟ قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين .. » ما هو طريق معرفة ما كان عليه الخلفاء الراشدون؟ هو طريق الإسناد، هو ليس عنده هذا الطريق، ما هو طريقه؟ لا طريق أبداً، هو رجل تتقاذفه الأمواج والرياح العاصفة فمرة هكذا ومرة هكذا. فإذاً: لازم المسلم يسير على سبيل المؤمنين، فسبيل المؤمنين مجمعون لا خلاف بينهم أن طريق تلقي الحديث عن الرسول عليه السلام هو ما جرى عليه أهل السنة، والمعتزلة والخوارج كلهم يرجعون إلى الإسناد، أما هذا معتزلي آخر الزمان فلما تأمل وجد أن دراسة هذا الطريق صعب جداً ولذلك تجد أكثر علماء المسلمين لا يستطيعون أن يميزوا الصحيح من الضعيف؛ لأنه يحتاج إلى دراسة مديدة وطويلة معرفة مصطلح الحديث وتراجم رجال الحديث وهم بالألوف المؤلفة كما ربما عرفت حتى هذه اللحظة، فإذاً: ليس عنده إلا أفكار طائشة وليست هي بالتي تستحق أن تسمى بالأوهام فضلاً أن تكون حقائق علمية.

فإذاً: أنا ما فهمت الآن ما هو المنهج العلمي الذي يسلكه هذا الإنسان ليقول: هذا ثبت عن رسول الله، قلتم آنفاً: السنة العملية .. مداخلة: التواتر العملي. الشيخ: طيب! ما هو الجواب بالنسبة للحج؟ ما هو التواتر العملي. مداخلة: ... ما اعتاد عليه، يعني: كما يحجه المسلمون، وما أثبته الفقهاء عن حج المسلمين. الشيخ: كيف؟ مداخلة: يعني: هو يقول: أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حج معه الصحابة ثم حج من بعدهم هكذا فوصلنا كيفية الحج في أمور رئيسية طبعاً. الشيخ: ما أجبت عنه! المسلمون يقولون: أنواع الحج ثلاثة: .. مداخلة: لا، هذه متفقين عليها نحن ثلاثة أستاذ. الشيخ: طول بالك .. لا تخرج عن الموضوع، علماء المسلمين كفقه يقولون: الحج أنواعه ثلاثة، نحن الآن نسأله: كيف تعرف حجة الرسول عليه السلام؟ مداخلة: .. أنا لا يوجد عندي جواب .. الشيخ: وهذه أقوى الأمثلة أن الرسول حج في عمره المبارك كله حجة واحدة, مع ذلك فالمسلمون اختلفوا في كيفية الحج، منهم من يقول: كان قارناً، منهم من يقول: مفرداً، منهم من يقول: كان متمتعاً، فأنت خلص إذاً بعلمك الجديد بطريقة علمية مبتكرة عندك، قل له يرى الآن حجة الرسول الوحيدة كيف كانت؟ يريد أن يرجع إلى العمل؟ أين العمل، العمل فيه خلاف كما حكيت أنت.

مداخلة: لا يوجد الحقيقة .. لا يوجد عنده جواب .. الشيخ: فإذاً: هو لا يستطيع أن يحج إلا على مذهب، فسيكون مقلداً والمقلِّد دابَّة تقاد بينما هو يريد أن يقود الأمة، وكما سمعتم يريد أن يجمع بين المسلمين الله أكبر! هذا يفرق بين المسلمين حينما يتخذ وسيلة لا أحد يعترف بها .. أهل العلم قبل كل الناس لا يعترفون بهذه الوسيلة فكيف بإمكانه أن يجمعهم .. معناه: هو يريد أن يفرقهم .. يريد ماذا نسمي هذه الإرادة؟ من حيث النتيجة ففي الحديث من باب الفائدة: «من كذب علي متعمداً ليضل الناس به فليتبوأ مقعده من النار» الحديث بدون زيادة: ليضل به الناس كما أنه يوجد حديث آخر: «ومن ابتدع بدعةً لا يرضاها الله ورسوله فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» (¬1) أيضاً: زيادة: لا يرضاها الله ورسوله أيضاً غير ثابتة في الحديث، لكن ماذا يقول العلماء؟ لو ثبتت هذه الزيادة أو تلك هذه ستكون من أجل العاقبة ليس بالنسبة للنية، يعني: «من كذب علي متعمداً ليضل الناس» هذه لام العاقبة يسموها، أي: فالناس حينما يكذب الكاذب يضلون، ليس من الضروري أن يكون قصده أن يضل الناس، لا، هذه لام العاقبة .. سيكون هذا الكذب على رسول الله سبب لإضلال الناس .. مداخلة: ليست لام التعليل. الشيخ: نعم، فالآن نحن نقول لك: هذا الرجل بهذا الأسلوب يريد أن يفرق الناس، لا أريد أن أقول: قصداً هذا علمه عند ربي، لكن عمله سيضل الناس بلا شك؛ لأن أي إنسان يريد أن يجمع الناس وأنا أردت أن أقول آنفاً: فما هي الوسيلة ¬

(¬1) ضعيف الجامع (رقم5359).

لتجميع المسلمين ولإقامة الدولة المسلمة المنشودة ما شاء الله، ما هو؟ هو تفريق المسلمين إلى فرق جديدة وهو أن الحديث والأسانيد لا قيمة لها وإنما نحكم العقل! عقله شكل وعقل الآخر شكل والثالث والرابع إلى آخره. إذاً: فعلينا أن نلزم سبيل المسلمين: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115). نحن أيضاً نقول لهذا الإنسان واحفظ هذا جيداً: ما هو سبيل المؤمنين عندك يا أستاذ في هذه الآية؟ نقول: وأنا قمين أنه سوف لا يجيبك بجواب وإنما سيعمل لك محاضرة ويُشرِّق ويغرب وإلى آخره وبعد ذلك تتصفى القضية ويكون ليس فيها شيء إطلاقاً. مداخلة: "سيأتي لك" بأرسطو وأفلاطون. الشيخ: نعم، أحسنت، فسبيل المؤمنين: إما أن يكون سبيل المؤمنين في كل زمان؟ معقول هذا يكون هو المقصود؟ فممكن يكون سبيل المؤمنين في القرون الأولى المشهود لها بالخيرية إن كان هناك سبيل مؤمنين يجب الرجوع إليه، فلا شك أنه من اللازم أن يكون السبيل المشهود له كما قال عليه الصلاة والسلام: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» ولا شك أن هذا الحديث أيضاً سيكون مصيره مصير الأحاديث الأخرى ينكره لا شك؛ لأنه أي حديث يضع المسلم أمام سبيل فهو يريد أن ننحرف عنه باسم التمسك بالإسلام فهو سوف يرفض هذا الحديث. ما هو علمك في هذا؟ مداخلة: كذب .. هذا الحديث [عنده] ..

الشيخ: رأيت كيف؟ لماذا عرفنا القاعدة .. عرفنا المنطلق .. عرفنا نتائجها، هذا حديث متواتر وسبحان الله! الحديث المتواتر علماء من علماء المسلمين قالوا: أن الحديث المتواتر تثبت به العقيدة فضلاً عن الأحكام الشرعية، فهذا إذ جاء لينكر أيضاً الأحاديث المتواترة هذه التي لها علاقة بالأخبار فهذا فعلاً خالف إجماع المسلمين وخرج عن سبيل المؤمنين بنص الآية؛ لهذا أنا أقطع سلفاً أنه حينما تورد له آيات فهو يريد أن يطرق عليها ما سمعته آنفاً .. أنه ما من آية إلا وللمسلمين فيها عديد من الأقوال، هذا هو الخروج عن الإسلام باسم الإسلام، وهذا أخطر شيء على المسلمين في هذا الزمان. مداخلة: أستاذي! الآن هذه المدرسة بدأت تنتشر حتى ممن هو في الظاهر أقل منه خطراً، ولا بأس من التسمية كمدرسة بمنهج وليس المقصود .. يعني: الآن مدرسة حسن الترابي تذكير .. عدة مدارس الآن تنتسب وتعمل في الساحة على أساس هذا القول بدعوى أن لكل مجتهد نصيب وأنه يفهم من الكتاب والسنة وأنها حمالة وجوه إلى آخره من هذا الكلام، ودعوى أنه .. وهذه طبعاً تنقض أنه يوجد عندنا طريق للفهم محدد، لكن يوجد سؤال يعني: نرتقي في البحث قليلاً .. قبل ذلك أريد أن أقول كلمة قاعدة هل هي صحيحة أم لا؟ قواعد الحديث قواعد عقلية أليس كذلك؟ الشيخ: فقط عقلية؟ مداخلة: يعني: أرشد إليها الشارع أو دل .. الشيخ: أقول لك: عقلية فقط أو عقلية شرعية، بمعنى: شرعية مفهومة بالعقل، أو عقلية طبق عليها الشرع، هذه الكلمات المطاطة هي الكلمات السياسية

التي تستعمل في البرلمانات. مداخلة: أنا أقصد بكلمتي قواعد مثل أن نقول مثلاً: من هو المقدم الجرح أم التعديل .. الوصل أم الإرسال .. الوقف أم الرفع، ثم مرتبة أخرى: أقصد بالقواعد أيضاً عملية الحكم على الحديث فيها قاعدة وفيها تنزيل القاعدة على النص أو على الحديث، فهنا مرتبتان: المرتبة الأولى: القاعدة، والمرتبة الثانية: التنزيل، فعملية التنزيل لا شك أنها عقلية. الشيخ: ماذا تقصد عقلية يا أخي! أنا سألتك وما أجبت، عقلية بمعنى: يفهم النص بالعقل، أو يقدم العقل على النص؟ مداخلة: أنا الآن لست في مجال فهم النص .. الشيخ: يا أخي! لا تقل لي: لست؛ لأن هذا نفي .. أنت قل: أنا كذا .. أنا أسألك وأرجو أن يكون الجواب إيجابياً وليس سلبياً، ونقطة نقف عندها: من أساليب المجادلين كما سمعتم يقول لك: لست ولست ولست، لا لا نسأل عن السلوب، نريد إيجابيات، أنا أقول: هل يقدم عندما ينزل النص الشرعي على القاعدة، تقول الآن أنت: العقل ماذا هنا يفعل؟ هذا الذي أريد توضيحه .. تنزيل النص على القاعدة .. مداخلة: أنا لا أريد أن أجادل لكن كأني فهمت خطأً .. الشيخ: أنا أعرف لكن ما وجدت التفاهم .. مداخلة: نعم، أنا أقصد الآن لست في مجال المتن .. الشيخ: وبماذا؟

مداخلة: في السند .. قواعد السند، يعني: قصدي تنزيل البحث العقلي في عملية الحكم على السند نفسه. الشيخ: نحن قبل شيء لم نسلم أخي بالبحث العقلي. مداخلة: نعم، هذا هو. الشيخ: نعم، فإذاً: دعنا في هذه النقطة، نحن لا يوجد عندنا عقل مجرد انتهينا من هذه النقطة يا أخي! لا يوجد عندنا عقل مجرد، يوجد عندنا عقل مطعم بالشرع، توافق معي بهذا التعبير؟ مداخلة: لا شك. الشيخ: طيب! ويوجد عندنا عقل غير مطعم بالشرع توافق على هذا التعبير؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! عندما تقول العقل السامع يريد أن يفهم شيئاً من هذين المعنيين: إما عقل مجرد غير مطعم، أو مطعم بالشرع؟ مداخلة: العقل الإسلامي .. العقل المطعم بالشرع لا شك. الشيخ: ممتاز! فإذاً الآن رأيت كيف تحديد الكلمات تساعد على التفاهم، الآن أعد سؤالك؟ مداخلة: سؤالي مبني على تقرير هذه .. العقل .. قواعد علم الحديث كقواعد هي قواعد عقلية العقل الذي .. الشيخ: نعم، عقلية مُطعمة بالشرع.

مداخلة: نعم. الشيخ: ليس عقل مجرد. مداخلة: نعم، صحيحة هذه الكلمة. الشيخ: صحيح بلا شك وإلا كيف تفهم الأحكام الشرعية بدون أن لا يستعمل الإنسان عقله، لكن هنا يأتي سؤال: هل العقل تابع الشرع أم الشرع تابع للعقل؟ مداخلة: هو هذا ليس البحث. الشيخ: نعم، ليس البحث لكن سؤال، اجعلها جملة معترضة ولو طالت .. هل العقل تابع للشرع أو الشرع تابع للعقل؟ مداخلة: طبعاً العقل تابع للشرع بالنسبة لي .. إن صح النقل وشهد العقل .. الشيخ: امض إذاً .. مداخلة: لكن أنا مجال بحثي بالذات في قواعد علم الحديث تحديداً، ثم عملية استخدام هذه القواعد في الحكم على الحديث قضية عقلية .. الشيخ: انظر أنت تقول لأنني في تلك الساعة هكذا فهمت وعدت تقول: لا، أنا لا أحكي عن المتن أتكلم عن السند .. الآن: رجعت تقول عن المتن متن الحديث. مداخلة: لا لا، على السند، يعني: أنت الآن .. الشيخ: لكن الآن قلت: الحديث متن الحديث .. مداخلة: أقصد السند عفواً .. بمثال آتي بها: عندما يختلف ابن حجر رحمه

الله في الحكم على حديث .. الشيخ: بأنه صحيح أو ... حسن، الثالث يقول: .. مداخلة: هل توفر الشرط أم لم يتوفر يعني؟ الشيخ: صحيح. مداخلة: الآن: ما دام اتفقنا على هذه القضية وضمن هذه القواعد كلها .. الآن نأتي للمرتبة المتقدمة وندخل في المتن يعني الآن .. إذا استغرب العقل حتى العقل الإسلامي .. استغرب متناً صح سنداً يعني: على أساس ضوابط علم الحديث التي هي العقل حكم عليها .. ضوابط السند، وحتى أكون دقيق، وهذا الاستغراب ليس في شيء بدليل أنه حتى السلف استهجنوا مثل هذه القضايا. الشيخ: موجود نعم. مداخلة: وهذا الكلام للخطيب وغيره، مثلاً: مثل حديث: «سيحون وجيحون والنيل والفرات من الجنة» (¬1) أو في رواية: «ينبعان من الجنة» (¬2) هذه لا شك أنها من حيث ضوابط السند صحيحة وحكم العلماء عليها بالصحة. الشيخ: نعم. مداخلة: لكن من حيث المتن العقل .. حتى العقل الإسلامي يرى أن الواقع اليقيني لا ينطبق على النص، وعندما يبحث فيها لا يكون بحثه: أنا قدمت العقل على النص أم لا؟ مثل هذا يعني .. السؤال: ما حدود العقل؟ ¬

(¬1) الصحيحية (1/ 1/227 - 229). (¬2) لم أقف على الحديث بلفظ: «ينبعان».

الشيخ: اسمح لي؛ لأنك قلت الواقع اليقيني ينكر هذا النص الثابت إسناداً .. أليس كذلك .. فهمت صواباً؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! أنا أقول لك الآن: الواقع اليقيني هل العقل يشهد بصحة هذا الكلام؟ مداخلة: نعم في ظني وفي اعتقادي. الشيخ: لا بأس! تقول: باعتقادك أنت أو باعتقاد كل من يسمع هذا النص؟ مداخلة: والله أظن كل من يسمع هذا النص يرى بأن الواقع يحيل هذا النص. الشيخ: ما رأيك: أمامك واحد يقول: لا. مداخلة: الذي هو أنت. الشيخ: الذي هو أنا. مداخلة: نسمع منك. الشيخ: لا بأس! الآن: أنت تدعي دعوى الواقع، هل أنت أحطت علماً بالواقع؟ قلها صراحةً ولا تنعدي من غيرك .. قلها صراحة: هل هذا الواقع أنت أحطت به علماً؟ قل: نعم، قل: لا، أنت حر، لكن لا تدخلنا في جدل ونقاش .. قل ما تشاء .. قل ما يمليه عليك عقلك .. مداخلة: الواقع لم أحط به علماً أنا بذاتي. الشيخ: هو أنت البحث معك الآن، ويمكن ينقل البحث إلى جارك بالجنب. مداخلة: .. لكن أنا أجبتك ..

الشيخ: لا بأس! أجبت بأنك ما أحطت بهذا الواقع علماً، أليس كذلك؟ طيب! الآن لك مجال للكلام لكن بشرط حول هذا الذي اعترفت به لا حول الحيدة عنه والدوبلة حول هذا؟ مداخلة: نعم. الشيخ: فأنا لست بحاجة إليه ما رأيك؟! مداخلة: كما تريد .. تفضل. الشيخ: لا، هل ترى أنه يفيدني شرحك. مداخلة: يعني: الآن أريد أقول جملة هكذا بين معترضتين. الشيخ: تفضل. مداخلة: لك الحق أن تلزمني أنه أجبني بكذا أو بكذا لكن أحياناً السؤال يلزم عليه بعض التفسير. الشيخ: لا بأس يا أخي! أنا ما منعتك .. الآن أنت لا تؤاخذني ستضيع وقتنا في شيء ما اختلفنا فيه، لكن قبل أن تشرح هل هذا الشرح يفيدني، بحيث أنه هذا الذي يثبته من جوابك الموجز المختصر كما أريد أنا يجوز أن يتغير عندي فهمك للموضوع؟ مداخلة: نعم. الشيخ: أقول لك: خذ بساط أحمدي .. اشرح، لكن أنا سأقول لك سلفاً: مكانك راوح وإلا ستقع في تناقض، تفضل.

مداخلة: أول شيء: أنا بذاتي أحببت أن أجيبك حتى أنتهي من الموضوع أقول لك: لم أحط به علماً أنا بنفسي، لكن الناس، يعني: أنا وصلني هذا العلم عن طريق الناس متواتر يعني نقلاً على أن .. بما يتوفر عندي بالنتيجة إحاطة بالواقع أن النيل والفرات لا ينبعان من الجنة، ينبعان من بحيرة فيكتوريا أو النيل عفواً فقط والفرات ينبع من ... جبال تركيا أو غيرها، فإذاً: ينبعان من الأرض، فالذين بحثوا .. الشيخ: وأنا أشهد معك. مداخلة: انتهى! إذاً: أنا أحيط بهذا الواقع من حيث المآل .. الشيخ: لا، ليس من حيث المآل .. مداخلة: المآل النتيجة. الشيخ: كيف المآل معناه: النهاية بينما هو ابتداء. مداخلة: النتيجة: أنني متيقن بأن النيل لا ينبع من الجنة، والواقع يقيناً يحكم بهذا، وهذه التي أدعي أنا أن الكل يتفق معي عليها. الشيخ: جميل، أنا أعتقد: صَدَق من قال: مكانك راوح، أبين؟ مداخلة: تفضل، أنا أتعلم أكثر من أن أناقش. الشيخ: طيب! الله يهديك! أنا ماذا أقول؟ له حق أن يعترض علي؟ مداخلة: طبعاً لي حق .. الشيخ: أنا أسير معك وأردت أن أقول: أنا ما اعتبرتك مجادلاً لكن علمتك مناقشاً ولا ضير في ذلك فلا تخف.

مداخلة: الله يجزيك الله خيراً، ما في شيء أخاف عليه، أنا جاهز .. الشيخ: اسمح لي أضرب لك مثالاً الآن أرمي فيه عصفورين بحجر واحد: كثير من الناس اليوم يظنون بسبب ضيق أفقهم العلمي أولاً وأعني بالعلم: الشرع، وضيق أفقهم العقلي ثانياً أن العلم الشرعي يصطدم مع العلم الجريبي، مثاله: لو سألت الأطباء اليوم: العقل أين مركزه أفي الرأس أم في الصدر؟ لأجابوك في الرأس وسيأتوك بأمثلة تجريبية أنه إذا تعطل الدماغ بمعطل ما انتهى الإنسان لا يعقل صحيح هذا الكلام أو لا؟ إذاً: العقل مركزه الرأس وهذا يخالف القرآن الكريم حيث قال: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (الحج:46) ما قال: أم لهم رؤوس لا يعقلون بها، إذاً: أنا لا أقول وهذه أيضاً تنبيه على الماشي كمسلم؛ لأن هذا تعبير خطأ .. الصواب: أنا بصفتي مسلم أعتقد بما قال الله -أم لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا- وأكد ذلك عليه السلام بقوله في الحديث: «إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (¬1) ثم قال تعالى مؤكداً للآية السابقة: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ} (الحج:46). إذاً: من الناحية الشرعية النقلية لا مجال لنقول: أن العقل في الرأس وإنما هو في القلب، طيب! لكن العلم يقول غير هذا، فضربت لإخواننا في دمشق أكثر من مرة المثل التالي ويمكن أن تفهموه بسهولة: عندنا ماء كهذا الماء الممدود بالمواسير إلى أكثر البلدة هذه لكن هذه منابعها مختلفة .. نواضخ آلية كما تعلمون .. عندنا في دمشق ماء اسمه ماء الفيجة والفيجة قرية تبعد عن دمشق ما ¬

(¬1) البخاري (رقم52) ومسلم (رقم4178).

أدري عشرين أو ثلاثين كيلو متر .. المهم: الماء هناك ينبع من عين فسحبوا هذا الماء من ثلاثين كيلو متر تقريباً إلى رؤوس الجبال ومنها جبل قاسيون الذي تسمعوا به، ثم نزلوا بهذه المواسير إلى وسط دمشق، لكن الطريقة الفنية لسحب هذا الماء لا يمكن سحبه بمواسير كلها سحبة واحة من عين الفيجة إلى دمشق لا بد من أحواض يعني: مراكز، وفعلاً يوجد في جبل قاسيون عدة مراكز أحواض تملأ بالماء ثم تصرف منها بهذه المواسير، فلو أن حوضاً من هذه الأحواض ضرب ينقطع الماء عن البلد .. الذي لا يعرف هذه الحقيقة العلمية أن هذا الماء نابع من الفيجة يقول لك: من أين أتى هذا الماء؟ من الحوض هذا، لكن الذي يعلم أكثر من علم الأول يقول لك: لا، من الحوض الذي قبله وقبله وقبله وبعد ذلك يصل العلم البشري إلى عين الفيجة .. الآن أنت قلت: إن الفرات والنيل ينبعان من أراضي معروفة، وأنا أقول بقولك، الجواب المرجوح عندي أنه يا ترى من الناحية الإيمانية ألا يمكن أنه يكون هناك مدد من السماء من الجنة من هذا الماء العذب الفرات يمد المنبع الذي وصل إليه العقل البشري، ألا يمكن إيمانياً أنه يكون هناك اتصال من السماء بالأرض فيكون هذا الماء الذي نراه نابعاً من الأرض طبعاً النيل مثلاً وتبع الفرات، هذا من مصر أو السودان وهذا من أين، من العراق، ألا يمكن إيمانياً ألا يمكن إنه يكون هناك اتصال بالسماء ولا لا يمكن؟ الملقي: إيمانياً ممكن. لكن ليس هذا يعني. الشيخ: لا هذا هو البحث هو هذا، الآن أليس من شروط الإيمان الصحيح وأول ما قال الله: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة:1، 2)، من هم: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة:3)، إذا جاءنا خبر يتحدث عن أمر غيبي لا

مساغ ولا مجال للعقل أن ينفذ إليه، أليس هذا من الإيمان؟ الملقي: كجواب عام: بلى. الشيخ: طيب. الملقي: إجابة عامة يعني. الشيخ: وماذا وراء هذا التحفظ بقولك: عام. فلنقل خاص بدنا جواباً خاصاً. الملقي: هو أولاً البحث ليس في قضية أنه يؤمن أو لا يؤمن يعني، البحث علمي الشيخ: كيف؟ كيف؟ الملقي: مفروغ منه. الشيخ: لا، يا أخي لما بيكون مفروغ منه يا أخي ما بيجي السؤال السابق أبداً. الملقي: لا يأتي. الشيخ: نعم؟ الملقي: يأتي السؤال السابق. الشيخ: تفضل. الملقي: ولي في هذا سلف يعني. الشيخ: ما بيهمني. إن كان لك سلف بيكون غلطان مثل حكايتك، أو مصيباً مثل حكايتي.

الملقي: لا القضية تحتاج لبحث. الشيخ: ونحن الآن ماذا نفعل. الملقي: نبحث. الشيخ: هاه. الملقي: إذاً المرتبة التي نبحث فيها ليست هي المرتبة الإيمانية، المرتبة البحث يعني أنه هي متفق عليها. الشيخ: أيش هو؟ الملقي: إنه قضية إنه ممكن إيمانياً أن يكون النيل يمكن أن يكون النيل يعني بطريقة معينة إعجاز من الله -سبحانه وتعالى- فعلاً ماؤه من الجنة، هذه القضية يمكن لا يجادل فيها أحد. الشيخ: طيب، هل الحديث يخالف هذه القضية؟ الملقي: أنا أريد الآن أن أُفصِّل. الشيخ: لا. الملقي: لا يخالفها إيمانياً. الشيخ: طيب يا أخي بارك الله فيك، هكذا يمكن أن نصل إلى: إما اتفاق، وإما أن يظل كل إنسان عند رأيه. الآن هذا الحديث ألا يمكن حمله على هذه الناحية الإيمانية؟ الملقي: يمكن حمله. الشيخ: لماذا لا نفعل.

الملقي: لأنه الأمور لا تبحث هكذا، لأنها قضية. الشيخ: لا تتعبني الله يرضى عليك، لا تقول لي أن الأمور. ماذا تعني بهذا الجمع الخطير. الملقي: ماشي. الشيخ: ما هي الأمور؟ نحن نبحث الآن حديث نبوي باعترافك أنه حديث صحيح إسناده ما في عندنا أمور الآن، عندنا هذا الأمر هذا الحديث، ما زلنا في هذا الصدد فلماذا نوسع الدائرة بنقول أمور هذا بيخرجنا عما نحن [فيه]. الملقي: في عندي مقدمات يعني تدفعني إلى التوقف والبحث تماماً كما يحصل في العلل، أنت عندما .... الشيخ: يا أخي أنا مو بحثت معك .... الملقي: يا سيدي أنا بضرب مثل يعني. الشيخ: نعم. الملقي: يعني قد يصح السند ثم يتوقف الباحث في متن الحديث لقضية تطرأ. أليس كذلك. الشيخ: أنا خالفتك في هذا؟! الملقي: لا أنا أجيبك يعني أجيبك .. الشيخ: هو كذلك يا أخي بس ما خالفتك أنا ماشي معك على هذا الأساس. الملقي: إذاً أنا الآن، صح سند هذا الحديث، لكن في هذا الحديث قضية

تدفعني إلى التوقف. الشيخ: نعم. الملقي: ليس لأني لا أؤمن بأن هناك إمكانية. الشيخ: رجعت إلى ليس، يا أخي أنا ما ادعيت أنك لست مؤمناً. الملقي: أنا أجيب يا شيخي، الله يجزيكم الخير يعني. الشيخ: ليش عم تقول عن نفسك إنه أنت لست .. الملقي: ليس هذا هو، يعني في ظني أنا لا أرى إنه الآن أنت يعني خرجت عن الموضوع. الشيخ: خير. الملقي: أنا أقول الآن باختصار: حدود العقل في فهم، يعني ما هي حدود العقل مع صحة النقل، الضوابط العقيلة أنه قد يخطئ النقل. مداخلة: الراوي. الملقي: الراوي يعني، نفسه الراوي. الشيخ: يا أخي ما في حاجة لها الشرح كله. أنا بقلك قد يخطئ. هاه شو بدنا وراها، لكن نريد أن نصل أخطأ أم ما أخطأ. الملقي: نعم، كيف أعرف أنه أخطأ. الشيخ: لما بيخالف أمراً لا تأويل له بوجه من الوجوه إطلاقاً. الملقي: إذا أنا

الشيخ: فأنا الآن عم أقدم لك وجهاً يمنعك من أن تجزم أن أحد هؤلاء أخطأ. الملقي: جميل، في مقدمات في مقدمات الجمع والتوفيق في الاختلاف يجب أن يكون سائغاً. الشيخ: يكون؟ الملقي: سائغ الجمع. الشيخ: إيه ونحن خرجنا عن السياغة هذه. الملقي: قضية الإمكانية ممكن نحن في بحث أي أمر نأتي ونقول: أليس ممكناً أن الله -عز وجل- يفعل هذا، بلى ممكن، انتهى الأمر. الشيخ: إيه لكن لا ما انتهى الأمر؛ لأننا نقول مع إمكان الله بأنه يستطيع أن يفعل كذا أنه فعل كذا، ما نستطيع نقول هكذا، نقول: نقف عند حدود الإمكان، الله قادر على كل شيء، يعني مثلاً: هل الله قادر أن يخلق إنساناً له رأسان؟ له ذنب كالقرد وهو يتكلم مثل الإنسان؟ الجواب: الله على كل شيء قدير، لكن البحث ليس هكذا الآن. البحث: هل خلق الله إنساناً له رأسان؟ الملقي: نعم .. هذا البحث، جيد. أيوه. الشيخ: خلق إنساناً له رأسان؟ أنا أقول: لا أعلم. أنت علمت؟ الملقي: لا لا أعلم، ما أعلم. الشيخ: هههه فإذاً نقول: عقلاً شرعياً يمكن رب العالمين أن يخلق إنساناً له رأسان، وأن يخلق إنساناً له ذنبان بدل ذنب واحد. هذا ممكن لكن هل هذا وقع، الجواب ما وقع في حدود علمنا، صح؟

الملقي: نعم. الشيخ: طيب، الآن شوف الموضوع كيف بتقول انته هذا خرجنا عن الموضوع ونحن في صلب الموضوع، هل الله قادر على أن يمد النهرين بنهر من الجنة من السماء إلى الأرض أم عاجز؟ الملقي: قادر. الشيخ: قادر، طيب، يا ترى فعل أو ما فعل؟ قل: لا أدري. الملقي: هذا البحث. الشيخ: قل: لا أدري. الملقي: لا أدري. الشيخ: هه طيب احنا قلنا خلق إنساناً له ذنبان، قادر على كل شيء، لكن لا أدري. طيب. الآن موضوعنا حول إنه هل الله قادر على أن ينزل من السماء ماءً ولا أعني المطر، وإنما من فوق السماء من الجنة فيمد الفرات والنيل قادر أم لا؟ الملقي: قادر. الشيخ: من باب أولى أن نقول: قادر. طيب، ترى هل فعل ذلك أم لا؟ هنا يظهر بقى الإيمان، العلم الطبيعي الجغرافي الفلكي ينكر هذه الحقيقة الشرعية؛ لأنه هو ينكر {خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا} (الملك:3) شو رأيك؟ ينكر العلم هذه الحقيقة ولا لا؟ الملقي: ما أعلم. الشيخ: هاه.

الملقي: لا أعلم. الشيخ: شو لا تعلم. الملقي: لا أعرف أنهم ينكرون. الشيخ: لا ينكرها كيف ما ينكروها. مداخلة: هههه الشيخ: اسمح لي. الملقي: أضفت لي علماً جديداً. الشيخ: اسمح لي. الملقي: نعم. الشيخ: هل يعترف، هل يعترف العلم بهذه الحقيقة؟ مداخلة: يعني هو حسب ما .. الشيخ: لا يدري، يا أخي هل يعترف العلم بشيء اسمه سماء عندنا، هل السماء في العلم هو السماء في الشرع؟ مداخلة: ليس كذلك .. الشيخ: طيب، إذاًَ شو موقفنا نحن المسلمين هل نؤمن بسبع سموات طباقاً؟ ستقول: بلى نؤمن، صح؟ الملقي: قطعاً. الشيخ: طيب، شو الفرق الآن بين أن تؤمن بسبع سموات طباقاً اتباعاً لنص

قرآني، والعلم لا يعلم شيئاً من هذه الحقيقة الشرعية إطلاقاً. ما الفرق بين هذه الحقيقة الشرعية التي لا يعرفها العلم، وأقول عوداً إلى أصل بحثك: لا يعقلها العقل. الملقي: فرق. الشيخ: طول بالك. الآن وصلنا إلى التساؤل: قادر ربنا على كذا وكذا، نعم، قادر إنه يمد النيل والفرات بماء من الجنة؛ قادر، ترى هل وقع هذا؟ ما هو طريق معرفة وقع أم لم يقع؟ الملقي: الخبر. الشيخ: الخبر، هذا خبرٌ؟ الملقي: بلى. الشيخ: طيب، وصح على طريقة تصحيح الأخبار. الملقي: صح. الشيخ: إذاً شو لازم يكون موقفنا. الملقي: نعم. الشيخ: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65). الملقي: في الشيخ: على أنه، اسمح لي .... الملقي: نعم.

الشيخ: أظن أنه غاب عن ظنك أنه أنا الآن عم أبحث بحثاً قدمته ... مداخلة: مرجوح ... الشيخ: أحسنت، قدمت أنه بحث مرجوح، شايف، لماذا؟ هو بس مشان توسيع أفقنا نحن، ما نجي كلما نقف أمام حديث ما دخل في مخي يَلَّا انسفه نسفاً. مداخلة: ... الشيخ: لا، لكن أنا الآن جوابي: هل في الحديث أن النيل والفرات ينبعان؟ الملقي: فيه أظن لفظ نعم: ينبعان. الشيخ: وصحيح كما قلت أنت بالسند الصحيح؟ أنا اللي باستحضره الآن، اللي باستحضره أنه الفرات والنيل من الجنة. الملقي: هذا حديث مسلم. لكن حديث الشيخ: معليش أنا عم أقلك اللي باستحضره الآن. بيجوز أَنت تكون حديث عهد، ولذلك عم سألك: في لفظة: ينبعان؟ الملقي: نعم. الشيخ: كويس، وهاي على مسؤوليتك بقى. الملقي: نعم. الشيخ: كويس، هذه الزيادة صحيحة سنداً عندك؟ الملقي: نعم صحيحة. الشيخ: طيب، شوف هاللا هونه كمان جملة معترضة، كثير من الأحاديث

تأتي في الصحيحين يزيد بعضها على بعض، فهونه بقى الإنسان لما بده يبحث مثل هذا البحث بده يجري بحث علمي حديثي دقيق جداً، أنا هذا ما فعلته لكن أنبهك، ممكن تكون كلمة ينبعان شاذة في طريق الحديث، حينئذٍ هالزيادة هي ما تكون صحيحة. فإذا فرضنا الآن أنه زيد من الناس وهو عليم وقدير بعلم الحديث أجرى تحقيقاً هون لهذا الحديث فتبين له الحقيقة التالية: الأولى: أنه هذه الزيادة صحيحة. والأخرى: أن أهل العلم يعترفون بصحتها -أيضاً-، فأنا أقول لك حينذاك: الذي كان مرجوحاً في قولي السابق يصبح عندي راجحاً. آه، لكن ليش قلت أنا مرجوحاً، لأنه ذهني خالي عن كلمة: ينبعان. لأنه أنا حافظ الحديث أنه: «الفرات والنيل من الجنة» هكذا أحفظه، فإن صح بالبحث العلمي الحديثي إنه لفظ الحديث هكذا حينئذٍ الجواب سهل جداً، لكن كما ترى هذا قائم على ماذا، على مقدمة وهي أنه ينبعان ثبتت أنه مرجوحة يعني شاذة، أما إذا ثبتت أنها صحيحة، فالجواب الأول الذي قلت إنه مرجوح هو الراجح، أما إذا لم يثبت فالجواب سهل جداً، فالمعنى حينذاك أصلهما، أصلهما من الجنة. الملقي: انته هذا أظن اللي أجبته في أحد كتبك يعني. الشيخ: معليش، ما بيهمنا هذا. نرجع، وإذا كان هذا جوابي في بعض كتبي، فمعنى ذلك أنه أنا أحد شيئين: يا أنه أنا ماني منتبه للفظة: ينبعان. أو أنه منتبه لها ومبين ضعفها أو شذوذها، أنا لا أعطي رأياً الآن، لكن بناءً على قولك إنه هذا أنا تبنيته في بعض الكتب حينئذٍ تصبح المسألة هذه، كمسألة آدم -عليه السلام-، لو قال لك إنسان: أصل الإنسان من الجنة. ما فيه شيء، الإنسان من الجنة أي أصله، أي أبوه آدم من الجنة، فتبقى المسألة واضحة جداً، خلاصة ونهاية المطاف من هذا البحث كله هو ما قلت لك آنفاً: هل أنت أحطت بالواقع. قلت ابتداءً جواب

صحيح: لا، ويجب أن يصر على هذا الجواب المسلم؛ لماذا؟ لأنه أوله يا أخي الواقع الجغرافي أو الفوتغرافي ولا أيش. مداخلة: الجغرافي. الشيخ: الجغرافي آه، الواقع الجغرافي لا يمكن للناس أن يحيطوا به علماً، وهذا ينفذ بنا إلى قصة سد ذي القرنين، وأنه من علامات الساعة المنصوص عليها في القرآن والسنة أنه حتى إذا أيش؟ مداخلة: {إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا} (الكهف:96). الشيخ: أي نعم {قَالَ انفُخُوا} (الكهف:96) إلى آخره، وينه هذا السد؟، بعض الناس قالوا: هذا السد في الصين مثلاً إلى آخره. نحن نقول: هذا الخبر صحيح، {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} (الذاريات:23)، لكن ليس من الضروري كأمة يأجوج ومأجوج أن يكون الكفار أحاطوا بمعرفة جغرافية الأرض بكل تفاصيلها، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (الإسراء:85)، وبخاصة هذا في الأرض، فما بالك إذا كان أمر إله علاقة بالسموات، ما بالك له علاقة بالجنة، لا مجال للعقل أن يقول: هذا الحديث مش معقول. يا أخي معقول ومائة معقول، ليه؛ لأن العلم المادي يبحث في الماديات وهو يعترف أنه ليس له علاقة بما وراء المادة، صحيح ولا لا؟ طيب، الحديث هذا الآن، سؤال علمي شرعي وعلمي جغرافي، هذا الحديث يبحث في المادة أم فيما وراء المادة. الملقي: هذا الحديث يبحث في المادة. في المحسوس. الشيخ: لا. مداخلة: فيما وراء المادة.

الشيخ: فيما وراء المادة. الملقي: أو هو جزأين هو، هو. الشيخ: كيف جزأين. الملقي: يعني فيه جزء. الشيخ: لا لا بيهمنا الجزء مداخلة: .... الجزء من الجنة. الشيخ: هه أيوه، بيهمنا الملقي: ما وراء، ما وراء. الشيخ: بارك الله فيك، هذا تعرف أنته مو موضوع البحث، كون النيل والفرات في الأرض، مو هذا موضوع البحث، البحث: من الجنة. هنا الإشكال جاء. صح ولا لا؟ الملقي: لكنه يتعلق بشيء محسوس، بشيء مادي. مداخلة: بشيء مادي. الملقي: شيخ خذنا بلطفك أنا بدي بدنا نفهم، الحديث يتعلق بشيء محسوس. الشيخ: سامحك الله، سامحك الله. بدك تبحث في البدهيات، الحديث كما قلت قسمان. الملقي: ماشي.

الشيخ: نحنا بيهمنا أحد القسمين، وهو قوله: «من الجنة»، هذا داخل في المادة ولا ما وراء المادة؟ الملقي: هذا وراء المادة. الشيخ: بس. الملقي: لكنه. لا مش بس. الشيخ: طيب، لكنه أيش، لكنه أيش. الملقي: لكنه يتعلق بالواقع بالمحسوس. الشيخ: يا أخي الواقع الواقع هو مداخل آخر: على غرار قوله -عليه السلام-: الحجر الأسود من الجنة ... الشيخ: أي نعم، الواقع أنه النيل والفرات في الأرض المادية التي نعرفها، لكن تمام الحديث أنه كما قلت أنه: ينبع من الجنة، فكونه ينبع من الجنة هذا من المادة أم من وراء المادة. الملقي: من وراء المادة. الشيخ: إيه بارك الله فيك، فليش عم تتعبنا وتضيعنا في موضوع ما فيه حاجة نختلف فيه. ترجع بتقول: قسم منه في المادة، هاه، آمنا، خلصنا من هي. الملقي: أنا أريد أن أصل إلى قضايا. مداخل آخر: .. [ثم] إن العلم المادي لم يصل بعد إلى قوانين مطلقة حيث إنه هذا العلم المادي .. قابل للتعديل والتغيير.

الشيخ: أي نعم، هذا معروف. الملقي: هذا الذي أريد أن أصل إليه في الحقيقة، في جملة في كلام الشيخ، يعني أنا اللي يعني أريد أن أصلها في النهاية, يعني نحن نفرق بين قطعي الدلالة مثلاً في الدلالة بين الواقع الذي أصبح يقيناً وبين القانون العلمي الذي أصبح قانوناً وليس نظرياً. الشيخ: رجعت حليمة لعادتها القديمة. الملقي: أريد أن أقول بس في كلام ورد في كلامك جملة وردت. أنه هل يستطيع الباحث وهو يبحث في المتن إذا استوقفته قضية وردت في المتن أن يرجع إلى البحث في السند يعني ضمن ضوابط علم الحديث، وقد تكون هذه القضية قد فاتت العالم السابق تماماً كما نبحث في العلل، وهو ابتداءً يتوقف يعني أنا أسمع هذا النص هو ليس طبعاً هذا البحث يعني الحديث مش هو كما يعني كما ترون وتعلمون .. الشيخ: ما هو مقصود بالذات. الملقي: مش هو المقصود بالذات. الشيخ: طيب، ههه، معليش. الملقي: حتى نصل إلى حدود العقل، وقضية تتعلق بقواعد تطبيق علم الحديث. يعني أنا أستطيع هلا أستطيع أن أستخدم مقاييس النقد الخارجية، اللي هي مثلاً: روح الشريعة، العقل، التواتر .. الشيخ: ما تستطيع.

الملقي: عفواً، في ماذا، في أن يستوقفني هذا ابتداءً لأرجع لعلني أكتشف شذوذاً أو علة أو كذا إلى آخره في ضمن، تماماً كما البحث في العلل. الشيخ: هذا علم الحديث يفسح لك المجال في هذا، علم الحديث يفسح لك المجال في هذا، أنت تعرف مثلاً أنه من المآخذ التي تؤخذ علينا أنني أنقض بعض الأحاديث في الصحيحين، أنا ما استعملت هذا العقل المادي في هذا النقد، استعملت العقل الشرعي العلمي الحديثي، فما أنت بحاجة أنت أنك توسع الموضوع وتجيب هذا المثال بالذات لكي تصل في النهاية: هل تستطيع أن تنقد حديثاً متفقاً على صحته، ربما أنا أجد له علة على قاعدة علماء الحديث، نقول لك: لك ذلك. الملقي: أنا أريد أن أوسع ما ابتدأت به أنت، وأستخدم فيه العقل الشرعي العلمي، كيف؟ يعني في عندي مقدمات منها مثلاً أنه لا يمكن ويستحيل أن يتناقض نص مع العقل يستحيل. الشيخ: هنا فيه تفصيل. الملقي: نعم، مع التفصيل طبعاً. الشيخ: ما هو التفصيل؟ الملقي: التفصيل: يجب أن يكون النص قطعي الدلالة مثلاً. الشيخ: طيب. والعقل؟ الملقي: والعقل -أيضاً- قطعي الدلالة على مضمونه. يعني ليس مثل مثلاً إذا جئنا لقضية علمية، كما تفضل الأخ تأكيداً لكلامي يصبح قانوناً.

الشيخ: طيب، هل عندنا بالنسبة لهذا الحديث هيك شيء؟ الملقي: لا، أنا جبته هذا مثال. الشيخ: معليش يا أخي الله يهديك. الملقي: نعم، نعم. الشيخ: هلا في أحد منكم فهم أنه جابه كمثال. : الله يرضى عليك، ما بدنا كلام ما في منه. الملقي: ماشي. الشيخ: فائدة علمية، كلنا علم أنك جئت به كمثال، لكن مش كلنا علم جواب هذا السؤال الأخير الذي وجهته إليك، وأنت كان عليك أن تجيب، بدل أن تقول: أنا أتيت به كمثال، تقول: نعم هذه القاعدة صدقت هنا أو ما صدقت هنا. هل هنا يعني العلم القاطع الذي لا يقبل المناقشة أثبت بطلان هذا الحديث. الملقي: لا أقول بطلان، أقول إنه العلم القاطع الشيخ: لا لا تناقش في الألفاظ. الملقي: يجب أن أكون دقيقاً يا سيدي. حتى ما أقول بطلان الحديث ابتداءً. أنا أريد أن أتوقف فيه وأبحث. الملقي: أنا أتوقف الآن بهذا الحديث. الشيخ: لماذا؟ الملقي: لأنني أعتقد يقيناً بأن النيل لا ينبع من الجنة.

الشيخ: هذا مو صحيح الكلام هذا. لما تقول يقيناً قائم على علم يقيني؟ الملقي: نعم. الشيخ: وينه هذا العلم؟ الملقي: العلم اليقيني: ما تعارف عليه علماء الجغرافيا والباحثون الشيخ: هاه، رجعت حليمة لعادتها القديمة, يا سيدي, ضربنا لك مثال يأجوج ومأجوج. مداخل آخر: .. قبل مائتين إلى ثلاثمائة سنة أمريكا العظمى ما كانت معروفة. يعني أنت لا تستطيع حتى تجزم بهذا العلم الذي تدعي أنه [يقيني]؛ أن هناك حقائق وصلت حتى إلى حد القانون، بدليل: أنه كان القانون السائد أن أصغر وحدة ممكن أن توجد هي الجزيء، عبارة عن ذرتين مشتركتين مع بعض، ثم تبين فيما بعد أن القانون تشكل على أساس أن الذرة هي أصغر وحدة في الكون وأن هذه الذرة لا تتجزأ ... صارت قانوناً، ثم ثبت لنا أن هذه الذرة التي كانت قانوناً بأنها أصغر وحدة أنها إذا ما فتت تعمل الإبادة وأصبحت ما يسمى بالقنبلة الذرية، إذاً العلم في ذاته، اللي أنت الآن يعتبره يقيني، .. ظاهرة تكررت بحيث أنها أصبحت قانوناً هو ينقض نفسه، يعني أصبح الآن من عوامل القانون أنه ليس باقٍ، وأن هناك طبيعة وأن هناك ما وراء الطبيعة لذلك توسع العلماء الآن ... الملقي: القاعدة التي أقدم .... مداخلة: معلش، أنا بدي أسحب هذا الموقف على ما تقول، أنته بتقول أنه ثبت لك يقيناً أن الفرات والنيل ....

الملقي: أنا ما وضحت الذي أريد، أنا أفرق بين الغيب، الغيب الذي لا تتعلق به حواسي لا أتدخل فيه، أنا أبحث عن القضايا التي تتعلق بحواسي، ما وراء الطبيعة لا. مداخلة: تسمح لي أنا أعطيك، يا شيخ. الشيخ: يا أخي شو عم ترجع تكرر الدعوى التي نوقشت وأميتت نقاشاً. الحديث له جانبان: جانب [انقطاع] هو كلام صحيح. الملقي: أتكلم في قاعدة يا سيدي. أنا أريد أن أصل إلى قاعدة الآن لا يعنيني هذا الحديث كثيراً، يعني كما قلت: سقته مثال للمثال فقط. الشيخ: يا أخي الله يرضى عليك إحنا بيغنينا هذا الحديث؛ لأنه نخشى من جزمك أنه هذا الحديث يقيناً يخالف الواقع أنك على هذه النظرة ستعالج أحاديث أخرى. بينما أنت مخطئ في هذا القول، الآن أنت بتقول: هذا الحديث يقيناً خطأ، لماذا؟ الملقي: أقول: يقيناً النيل لا ينبع من الجنة. الشيخ: شو عرفك؟ شو عرفك الله يهديك؟ الله يهديك الله يهديك. الملقي: ينبع من الأرض، يقيناً ينبع من الأرض. الشيخ: وأنا قلت لك يقينا أنه الماء تبع القاسيون يأتي من هذا الخزان، لكن ما عرفت أنه ينبع من هناك. نتيجة. الملقي: يبين، اللي كان، الذي كان يقول إنه الفيجة هذا ينبع أو القاسيون ينبع

من الجورة هذه اللي تعطلت يبين له، لكن هو يبقى على يقينه حتى يبين لك. الشيخ: ونحن نبين لك بصفتك مسلم, نبين لك بصفتك مسلم تؤمن بالغيب أنه هذا ينبع من الجنة. الملقي: هذا يعني قضية أنك تدخل أنه أنا أؤمن بالغيب، هذه ليست فيها مجال للبحث، ... اثبت لي هذه القضية. الشيخ: يا أخي حديث صحيح يقول إنه الفرات والنيل ينبعان كما تقول أنت من الجنة، هذا غيب ولا مادة؟ الملقي: غيب. الشيخ: طيب لماذا لا تؤمن به؟ الملقي: لأنه تعلق بأمر محسوس. الشيخ: عجيب، آدم الإنس .. والبشر من أين أصلهم. الملقي: أصلهم من آدم، وآدم خلقه الله في الجنة. الشيخ: طيب، فإذا انفي أن يكون أصل هذا من الجنة؛ لأنه متعلق بالمادة، لولا علمك الملقي: في فرق. الشيخ: اسمح لي شوية. مداخلة: الفرق واضح. الشيخ: لا الفرق واضح لكن مو من كل الجوانب. اسمح لي .. طول بالك،

انتو بتعرفوا لما بيقول الإنسان: زيد أسد، في فرق كبير بين زيد والأسد، لكن المقصود فيه التشبيه في جانب واحد. فأنا الآن قصدت بهذا المثال وقصدي واضح جداً: لو معنا علم بأنه آدم خلق في الجنة، أو أخرج من الجنة شو بيكون موقفنا لو قال لنا قائل أن الإنسان أصله من الجنة. الملقي: بنكذبه. الشيخ: بنكذبه، شايف اشلون، ليش بنكذبه؛ لأنه ما جاءنا بنص يجب الإيمان به. لكن لما جاءنا النص بأن آدم أخرج من الجنة، فنحن بنقول الآن: أصل الإنسان من الجنة، إذاً لماذا؟ فأنا الآن قصدت بهذا المثال وقصدي واضح جداً: لو معنا علم بأنه آدم خلق في الجنة، أو أخرج من الجنة شو بيكون موقفنا لو قال لنا قائل: أن الإنسان أصله من الجنة. الملقي: بنكذبه. الشيخ: بنكذبه، شايف اشلون، ليش بنكذبه؛ لأنه ما جاءنا بنص يجب الإيمان به. لكن لما جاءنا النص بأن آدم أخرج من الجنة، فنحن بنقول الآن: أصل الإنسان من الجنة، إذاً لماذا آمنا الآن وما آمنا قبل الآن، أي: عندنا صورتان واحدة فرضية نظرية والأخرى واقعية لكنها شرعية، الأولى: لو ما كان عندنا أي فرضية، لو ما كان عندنا نص أنه آدم أخرج من الجنة يجوز لنا أن نقول أصل الإنسان من الجنة، الجواب بالاتفاق: لا، لماذا؟ لأنه ليس عندنا نص، لكن الواقع أنه عندنا نص، فنقول الآن: أصل الإنسان من الجنة. لكن قولنا: أصل الإنسان من الجنة على حد تعبيرك انته لا بد أن تنكره، ليش: لأنه له ارتباط بالمادة.

الملقي: لا لكن لا أنكره. الشيخ: أنا بعرف، الله يرضى عليك. الملقي: هو هو البحث العقل لا يحيله. مداخلة: لو سمحت أستاذ، القضية الأولى أستاذ، القضية الأولى اللي هي إنه آدم -عليه السلام- أصله من الجنة هذا لو سلمنا طبعاً أنه فهم الجنة هي الجنة التي وعد بها المتقون. الشيخ: إيه هو كذلك. مداخلة: على الخلاف بين أهل الفقه في فهم الجنة ... الشيخ: خلاف اعتزالي اعتزالي .. مداخلة: مهو ابن القيم مفسرش من اللي قاله ههههه. مداخلة: هههه. الشيخ: .. ما لنا فيه على كل حال. نعم. مداخلة: هذه القضية لا يحيلها العقل؛ لأنه القضية هذه يعني أنا نقل خبر ممكن أنه يكون صدق وممكن أنه يكون كذب يتوقف على صحة الخبر، أما هنا لماذا يحيله العقل، لأنني أنا أرى تماماً أن هذا النهر من هنا ينبع .. الشيخ: الله يهديك هذا سبق الجواب عنه. مداخلة: هل الحواس كلها أستاذنا يقينية .. بنبع، الآن العقل بيحيل أنه هذا في شيء متصل من السماء غير مرئي ومياه نازلة الآن من السماء غير مرئية هذا بلا

شك العقل بجيله. الشيخ: طيب، يحيل العقل. مداخلة: يحيل أنه المياه نازلة من السماء. الشيخ: أظن الآن .. لا اسمح لي، في ماء غير مرئي عندك. مداخلة: في ماء غير مرئي. الشيخ: الآن ستعرف إذا انجلى الغبار، أفرس تحتك أم حمار. ههههه. مداخلة: هههه. الشيخ: في ماء لا يرى. مداخلة: الماء الغائب عني .. اللي ما أراه. الشيخ: وهذا من الغائب. مداخلة: هذا بين يدي أستاذ. الشيخ: يا أخي ماء لا تراه، هذا غيب الله يهديك ... الشيخ: يا أخي انته شايف الجنة الملقي: لا الشيخ: ضربنا لكم الأمثلة، شايف سبع سموات؟ الملقي: لا ماني شايف سبع سموات. الشيخ: موجودة؟

الملقي: موجودة. الشيخ: لكن هذا يحيله العقل على حد تعبيرك انته. الملقي: لا يا أستاذ. الشيخ: ليه؟ الملقي: .. فاهم أول السبع السموات، يعني هل عندي أنا .. الشيخ: بأي فهم يا أخي، مثلما قلنا له لأخينا، افهم السببية كما شئت، قل لي: هل في عندك مفهوم للسببية، نعم، عندك مفهوم للسبع السموات، نعم، بأي مفهوم، ما بدي ادخل معك الآن في متاهات، بأي مفهوم هذا العلم يعرفه، العقل هذا المادي يعترف به، قل: لا. الملقي: أنا لا أدري أنه يعترف به ولا لا، أنا لكن أدري مثلاً أستاذ الشيخ: شو هالكلام، شو هالكلام هذا. الملقي: يقول عن الكون ذكر المجرات كلها قال: هذه دون السماء الدنيا كلها. الشيخ: الله يهديك، السماء الدنيا الموصوفة في الشرع عندنا العلم يعرفه اليوم، يعترف به؟ الملقي: لا يعرفه ما هو المعني بالضبط، في الكتاب الكريم. الشيخ: ولَّا نحن بنأتي بغير ضبط؟ الملقي: ونحن لا نعرفه -أيضاً-.

الشيخ: ونحن نأتي بغير ضبط. الملقي: .. إنه في شيء اسمه السماء الدنيا .. تفاصيل عنها نحن لا ندريها أستاذ، نحن نؤمن. الشيخ: يا أخي لا تدخل في التفاصيل، السماء الشرعية يعترف بها العلم. الملقي: لا, لا يؤمن بالقرآن. الشيخ: دنا خلاصة أجوبة يا أخي، العلم لا يعترف بالحقائق الشرعية الغيبية، لا بيعترف لا بجنة ولا بنار. الملقي: بيعترفش صح. الشيخ: لماذا؟ لأنه هذه أمور غيبية، من الذي يعترف بها؟ المؤمنون، فكون الفرات والنيل ينبعان من الجنة، شو دراك أنت إنه هذا كلام غير صحيح، أنته ترى مثل ما ضربنا مثالاً النبع من الأرض المحدودة بهالكورة، وعلى أنه هذا التحديد كمان فيه نظر، كما قلنا آنفاً بالنسبة للقاسيون، لكن هل ترى السماء رفع السماء بأيش .... مداخلة: بغير عمد. الشيخ: {رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} (الرعد:2) شايف، يعني هناك أعمدة. الملقي: ممكن يكون في عمد لا نراها. الشيخ: يمكن، طيب. الملقي: مع أنه هذا مفهوم المخالفة، ومش شرط يكون مراد يعني.

الشيخ: يا أخي الله يهديك، لا تناقش، يمكن يكون معنا هكذا مما يناسب الموضوع ولا لا، يمكن ولا لا، يمكن؟ الملقي: يمكن ... الشيخ: طيب. مداخلة: الجنة وآثارها المادية. الشيخ: كيف؟ مداخلة: الجنة وآثارها المادية. الشيخ: آه، وكذلك الملقي: الفرق .. مستحيل أخي الكريم، يعني الأدلة القطعية بين أدلة الراوي المحتمل يخطئ ومحتمل يصيب، واللي إحنا متفقين احنا والأستاذ عليها. الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله الملقي: إنه الراوي ممكن يخطئ وممكن يصيب. الشيخ: يا أخي لما بتثبت خطؤه بالعلم مش بالعقل, والله ما أدركه .. مش انه العقل ما أدركه. هلا أنت بالعقل أدركت روحك التي في جسدك، ما أدركتها، لكن هل تنكرها. الملقي: لا أعوذ بالله، كيف؟ الشيخ: طيب هذا داخل في المادة، يا ترى كون النيل والفرات ينبع من الجنة أبعد عن العقل ولا الروح اللي في بدنك وأنت لا تعرفها، أيهما أبعد عن العقل. الملقي: في تقديري، لا، الثانية تلك، النيل والفرات، ولست مكابراً في هذا.

الشيخ: كيف .. هاللي قريب منك. الملقي: أنا أعلم يقيناً أنه كل واحد بغض النظر عن الإسلام ابتداءً يعني أي إنسان بيدرك إنه هذا الإنسان عندما يفارق الحياة أصبح ميت وقبل قليل حي، غادره شيء، ما هو لا يدري الإنسان. الشيخ: لماذا؟ هذا هو، الله يهديك ... الملقي: وبعد ذلك ما بيستطيع ينكر ... الشيخ: كيف بدي أعرف هديك أبعد عن هذه، الله أكبر، كيف اعترفت بالروح يا أخي وأنت لا تلمسها ولا تشهدها إطلاقاً ولذلك لجأت لتقول لترضي عقلك المادي أنه لا بد هناك كان شيء لما مات. أي نعم حتى الكفار يعتقدون هذه العقيدة .. طول بالك، طول بالك، يا أخي لماذا آمنت بالروح إيماناً ويسلموا تسليماً. الملقي: أنا آمنت بالروح لأن الله قال ذلك، الشيخ: ولأن رسول الله قال ذلك، ونحن لا نفرق بين الله ورسوله مداخلة: ... المستكشفات اللي بنستكشفها كل يوم، بيستكشفها العلم .... قبل اكتشافها الشيخ: مجهولة تماماً. مداخلة: فإذا كانت موجودة ونحن لا نعلم. الشيخ: لا مو هيك، كانت مستحيلة عقلاً، كانت مستحيلة عقلاً مداخلة: وكيف هذا الحكي ... أنه هناك كم كبير وكثير جداً من الأشياء

الموجودة [خلقها]-سبحانه وتعالى- الأرض وما عليها كنا نجهلها، كانت بالنسبة إلنا مستحيلة إلى أن تمكن سلطان العلم واكتشفها وقربها إلنا، بحيث المستحيل أصبح ممكناً ... الشيخ: هنا بعض إخواننا الله يجزيهم الخير جابوا لنا الكتاب (¬1)، أنا مخرج الحديث ثلاث روايات حول سيحان وجيحان والفرات والنيل من أنهار الجنة. في حديث يشهد لما قلت، «رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة، نبقها مثلا قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، آمنوا أو لا تؤمنوا، يخرج من ساقها نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل ما هذان؟ قال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات» رآهما في الجنة، واضح الحديث، «رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة، نبقها مثلا قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، يخرج من ساقها نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل ما هذان؟ قال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات» تكلمنا هنا عن الحديث وقلنا: صحيح على شرط الشيخين إلى آخره، صححه الحاكم ووافقه الذهبي، قلت: ولعل المراد من كون هذه الأنهار من الجنة أن أصلها منها، كما أن أصل الإنسان من الجنة، فلا ينافي الحديث ما هو مشاهد من أن هذه الأنهار تنبع من منابعها المعروفة في الأرض فإن لم يكن هذا هو المعنى أو ما يشبهه فالحديث من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها والتسليم للمخبر عنها {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65)، [و] نكتفي بهذا القدر، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت. "الهدى والنور" (644/ 88: 00: 00) و (645/ 37: 00: 00) ¬

(¬1) الصحيحية (1/ 1/227 - 229).

[71] باب خطر تحكيم العقل في الشرع

[71] باب خطر تحكيم العقل في الشرع السؤال: يقول [بعضهم] يقولون: يجب معرفة الله بالعقل أولاً، وجعل علم الكلام طريقة لدراسة العقيدة؟ الشيخ: أي نعم، أيضاً نحن نقول: قولكم هذا لا بد له من دليل من كتاب الله ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولا سبيل لهم إلى ذلك البتة. ثانياً: لا شك أنه لا يمكن أن يخالفوا في أن العقول مختلفة كل الاختلاف، أي: عقول اليهود غير عقول النصارى، وعقول اليهود والنصارى غير عقول المسلمين، وعقول المسلمين الصالحين غير عقول المسلمين الطالحين، وعقول المسلمين الصالحين العلماء منهم غير عقول المسلمين الجاهلين منهم .. وهكذا، فهناك نسب كبيرة كثيرة جداً متفاوتة، فأي عقل ينبغي أن يفهم به وأن يعرف به ربنا تبارك وتعالى، هذا كلام نستطيع أن نقول ما يخرج من إنسان عاقل على أي نوع قيل في هذا العقل .. مثلاً جاء مسلم كافر جاهل .. إلى آخره. ثالثاً: ولعله يكون أخيراً-: لو كان يكفي العقل في معرفة الله عز وجل ما هذا الاختلاف الشديد، كان إرسال الرسل من رب العالمين الحكيم العليم وإنزال الكتب عبثاً وسبحانه تعالى عما يشركون، ثم لم يكن هناك حاجة إلى مثل قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، فإذا كان العقل هو الذي ينبغي أن يحكم في معرفة الخالق، ونحن نرى العقول مختلفة أشد الاختلاف في معرفة الخالق، وفي ما يليق به وما ينبغي أن ينزه عنه، العقول مختلفة، فيا ترى: ما هو الدليل على إصابة عقل دون عقل إن لم نرجع في ذلك إلى كتاب الله وإلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

[72] باب هل العقل سواء مع الكتاب والسنة في الاستدلال؟

والآن بدا لي شيء رابع، وأنا أقول أيضاً لعله أخيراً: الشيء الرابع هذا هو: إذا كانت العقول مختلفة، فلا مجال لترجيح عقل على عقل، أو رأي على رأي، لكن الله عز وجل حينما أنزل الكتاب عصمة للناس وصفه بقوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} (النساء:82)، فنحن إذاً نجد هذا الاختلاف الكثير فيما إذا رجعنا إلى العقول، هذا الاختلاف الكثير لن يجمع المسلمين إلا على الخطأ الذي يزعم أنه الخطأ المجمع عليه خير من الصواب المختلف فيه، فسوف لا يجمعهم على خطأ ولا على صواب؛ لأنه ليس فيه برهان من الله تبارك وتعالى؛ لأن المرجع هو العقل، والعقل هذا مضطرب ومختلف، لكن الله عز وجل حينما أحالنا حين تنازعنا واختلفنا إلى مثل قوله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء:59)، أحالنا إلى مرجع لا اضطراب فيه كما سمعنا آنفاً من قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} (النساء:82)، فالرجوع إلى العقل رجوع إلى أمر مضطرب لا ضابط له، والواقع يؤكد ذلك؛ لأن هذه الفرق الإسلامية ما ضلت إلا بسبب تحكيمها لعقولها وإعراضها عن كتاب ربها وسنة نبيها - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الهدى والنور" (310/ 00:41:47) [72] باب هل العقل سواء مع الكتاب والسنة في الاستدلال؟ سؤال: الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، شيخنا، نود أن تخبرونا ردكم على قول صدر عن بعض الأشخاص، وهو ما قولكم فيمن يقول: بأن مطلق العقل ممدوح، وأنه ليس هناك عقل مذموم، والعقل المذموم ليس موجود أصلاً، ويستدل بقراءة القرآن أنه لم يوجد هناك نص شرعي في القرآن يقول: بأن هناك عقل مذموم،

بل ورد القول بأنه ... : {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (البقرة:171)، أي: أن الذي لا يعقل لا يكون له عقل مذموم نهائياً، وثمرة بحث هذا أن يخرج بنتيجة: أن الكتاب والسنة والعقل في الاستدلال سواء، بل قد يقول في بعض الأحيان: العقل .. الشيخ: .... الجملة الأخيرة. مداخلة: يقول: الكتاب السنة العقل، أو قد يقول: على الترتيب التالي: العقل الكتاب السنة، ما قولكم؟ الشيخ: هذا لعب بالألفاظ، الكتاب مرجع يتناوله كل مسلم يريده، السنة كذلك، العقل أين هو؟ مداخلة: والشيخ يقول: بأنه ليس هناك في الجسم .. الشيخ: أنت دعك وما يقول، قل لي أنت وقد فهمت ما يقول. مداخلة: نعم. الشيخ: هذا العقل أين هو؟ مداخلة: في جسم الإنسان. الشيخ: جسم الإنسان الواحد أو موزع؟ مداخلة: واحد طبعاً. الشيخ: أين هو؟ الله يهديك. مداخلة: يعني أنت ..

الشيخ: العقل واحد. مداخلة: تقصد جسمي، يعني: جسم الإنسان الفرد؟ الشيخ: أنا أقصد أو أنت الذي تقول؟ مداخلة: يعني .. الشيخ: العقل اسم مطلق هل هو محصور في إنسان؟ مداخلة: لا طبعاً. الشيخ: أما القرآن. مداخلة: محصور. الشيخ: إيه، السنة؟ مداخلة: محصورة أيضاً. الشيخ: محصورة، العقل؟ مداخلة: غير محصور. الشيخ: إذاً كيف يرجع إلى شيء غير المحصور؟ لذلك قلت لك سلفاً: تلاعب بالألفاظ. وهذا من شؤم التحزب وعدم الاهتمام بدراسة الكتاب والسنة. "الهدى والنور" (728/ 06: 17: 00)

[73] باب بيان ضلال من حكم العقل في الشرع

[73] باب بيان ضلال من حَكَّم العقل في الشرع [قال الإمام]: ليضم المسلم الناصح لنفسه في عقيدته أنه يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة وإلى سبيل المؤمنين بدلالة الآية وحديث الفرق وحديث العرباض بن سارية. هذه حقيقة مع الأسف الشديد يغفل عنها كل الأحزاب الإسلامية وبخاصة منها حزب التحرير الذي يتميز عن أي حزب إسلامي آخر أنه يقيم للعقل البشري وزناً أكثر مما أقامه الإسلام له، نحن نعلم يقيناً أن الله عز وجل حينما يكلم الناس بكلامه إنما يخاطب العقلاء، ويخاطب العلماء، ويخاطب الذين يتفكرون، ولكننا نعلم أن العقل البشري مختلف، فالعقل عقلان: عقل مسلم وعقل كافر. هذا العقل الكافر ليس عقلاً، فقد يكون ذكاء ولكن لا يكون عقلاً، لأن العقل في أصل اللغة العربية هو الذي يعقل صاحبه، ويربطه ويقيده أن ينفلت يمينا وشمالا، ولا يمكن العقل ألا ينفلت يمينا وشمالا إلا إذا اتبع كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ ولذلك حكى الله عز وجل عن الكفار والمشركين حينما يعترفون بحقيقة أمرهم: أنهم حينما كانوا كما قال الله عز وجل في القرآن الكريم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (الروم:7). يعترفون أنهم حينما كانوا عارفين بأمور الدنيا أنهم لم يكونوا عقلاء، ذلك هو قولهم فيما حكاه ربنا عنهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10). إذن هناك عقلان: عقل حقيقي وعقل مجازي. العقل الحقيقي: هو العقل المسلم الذي آمن بالله ورسوله، أما العقل المجازي: فهو عقل الكفار؛ لذلك قال تعالى في القرآن كما سمعتم آنفا عنهم:

{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10). وقال بصورة عامة عن الكفار: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} (الأعراف:179). فإذن هم لهم قلوب، ولكنهم لا يعقلون بها، لا يفهمون بها الحق. إذا عرفنا هذه الحقيقة وهي حقيقة ما أظن أنه يختلف فيها اثنان، وينتطح فيها عنزان؛ لأنها صريحة في القرآن وفي أحاديث الرسول عليه السلام لكني أريد أن أتوصل من هذه الحقيقة إلى حقيقة أخرى التي هي نقطة البحث في هذه اللحظة مني. إذا كان عقل الكافر ليس عقلا، فعقل المسلم ينقسم أيضا إلى قسمين: عقل عالم وعقل جاهل. فالعقل المسلم الجاهل لا يمكن أن يكون مساوياً في عقله وفي فهمه لعقل العالم، لا يستويان مثلا أبداً. لذلك قال تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (العنكبوت:43). إذن لا يجوز للمسلم الحق المؤمن بالله ورسوله حقاً أن يحكم عقله، وإنما يخضع عقله لما قال الله وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. من هنا نضع نقطة في دعوة حزب التحرير: أنهم تأثروا بالمعتزلة في منطلقهم في طريق الإيمان، وطريق الإيمان هو عنوان لهم في بعض كتبهم التي ألفها رئيسهم: تقى الدين النبهاني رحمه الله وأنا لقيته أكثر من مرة وأنا عارف به تماماً، وعارف بما عليه حزب التحرير كأحسن ما تكون المعرفة؛ ولذلك فأنا أتكلم إن شاء الله عن علم بما عليه تقوم دعوتهم، فهذا أول نقطة تؤخذ عليهم: أنهم جعلوا

للعقل مزية أكثر مما ينبغي. أُكرر على مسامعكن ما قلته آنفاً؛ أنا لا أنفى أن العقل له قيمته لما سبق ذكره، لكن ليس للعقل أن يحكم على الكتاب والسنة وإنما العقل يخضع لحكم الكتاب والسنة وما عليه إلا أن يفهم ما جاء في الكتاب وفي السنة. من هنا انحرف المعتزلة قديما؛ فأنكروا حقائق شرعية كثيرة، وكثيرة جدا؛ بسبب أنهم سلطوا عقولهم على نصوص الكتاب السنة فحرفوها، وبدلوا فيها وغيروا، وبتعبير علماء السلف: عطلوا نصوص الكتاب والسنة. هذه النقطة أريد أن ألفت نظركن إليها وهي: أنه ينبغي إخضاع العقل المسلم لنص الكتاب والسنة بعد فهم الكتاب والسنة. من هنا انحرف المعتزلة قديما، فأنكروا حقائق شرعية كثيرة، وكثيرة جدا؛ بسبب أنهم سلطوا عقولهم على نصوص الكتاب والسنة فحرفوها، وبدلوا فيها وغيروا، وبتعبير علماء السلف: عطلوا نصوص الكتاب السنة. هذه نقطة أريد أن ألفت نظركن إليها وهي: أنه ينبغي إخضاع العقل المسلم لنص الكتاب والسنة بعد فهم الكتاب السنة. فالحكم هو الله ورسول الله، وليس الحاكم عقل البشر لما ذكرنا: أن عقل البشر يختلف من عقل مسلم وعقل كافر، ثم عقل المسلم يختلف من عقل مسلم جاهل ومن عقل مسلم عاقل، فليس فهم المسلم العالم كفهم المسلم الجاهل، لذلك قال تعالى، ولا بأس من التكرار؛ لأنني أعلم أن هذا الموضوع قليلا ما يطرق مسامع الملايين المملينة من المسلمين، من الرجال فضلاً عن المخدرات من النساء، ولذلك فأنا مضطر إلى أن أكرر هذه النقاط وهذه الأدلة {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ} (العنكبوت:43).

هنا نحن نقف قليلاً: من هم العالمون؟ أهم العلماء الكفار؟ لا. لا نقيم لهم وزناً؛ لما ذكرناه آنفاً أنهم ليسوا عقلاء، والحقيقة أنهم أذكياء لأنهم اخترعوا وابتدعوا وو .. إلخ.، وارتقوا في الحضارة المادية المعروفة لدى الجميع. كذلك عقل المسلمين، هذا العقل في كل أفرادهم ليس سواء، فلا يستوي عقل العالم مع عقل الجاهل، وسأقول شيئاً آخر: لا يستوي عقل العالم العامل بعلمه مع عقل العالم اللا عامل بعلمه، لا يستوون مثلا إطلاقاً. لذلك فانحرفت المعتزلة في كثير من الأصول التي وضعوها مخالفين فيها طريقة الشرع: كتابا وسنة ومنهج السلف الصالح .... "الهدى والنور" (740/ 06: 01: 00)

موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني «موسوعة تحتوي على أكثر من (50) عملاً ودراسة حول العلامة الألباني وتراثه الخالد» العمل الأول سلسلة جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة «تحتوي على ما يقارب ألفي مسألة وفائدة عقدية مستخرجة من تراث العلامة الألباني بعناية» (2) (كتاب التوحيد وما يضاده من الشرك) الجزء الأول صَنَعَهُ شادي بن محمد بن سالم آل نعمان

كتاب التوحيد وما يضاده من الشرك

كتاب التوحيد وما يضاده من الشرك

جماع أبواب الكلام على التوحيد: تعريفه، وأقسامه، وأهمية الدعوة إليه، وبيان لوازم ومقتضيات النطق بالشهادتين والكلام على الشرك: تعريفه، وأنواعه، وخطورة الوقوع فيه

جماع أبواب الكلام على التوحيد: تعريفه، وأقسامه، وأهمية الدعوة إليه، وبيان لوازم ومقتضيات النطق بالشهادتين والكلام على الشرك: تعريفه، وأنواعه، وخطورة الوقوع فيه

[74] باب أهمية إعطاء الدعوة إلى التوحيد والعقيدة الصحيحة الأولوية عند الدعاة

[74] باب أهمية إعطاء الدعوة إلى التوحيد والعقيدة الصحيحة الأولوية عند الدعاة بسم الله الرحمن الرحيم [سئل الإمام]: فضيلة الشيخ لا شك أنكم تعلمون بأن واقع الأمة الديني واقع مرير من حيث الجهل بالعقيدة، ومسائل الاعتقاد، ومن حيث الافتراق في المناهج وإهمال نشر الدعوة الإسلامية في أكثر بقاع الأرض طبقاً للعقيدة الأولى والمنهج الأول الذي صلحت به الأمة، وهذا الواقع الأليم لا شك بأنه قد ولد غيرة عند المخلصين ورغبة في تغييره وإصلاح الخلل، إلا أنهم اختلفوا في طريقتهم في إصلاح هذا الواقع؛ لاختلاف مشاربهم العقدية والمنهجية-كما تعلم ذلك فضيلتكم-من خلال تعدد الحركات والجماعات الإسلامية الحزبية والتي ادعت إصلاح الأمة الإسلامية عشرات السنين، ومع ذلك لم يكتب لها النجاح والفلاح، بل تسببت تلك الحركات للأمة في إحداث الفتن ونزول النكبات والمصائب العظيمة، بسبب مناهجها وعقائدها المخالفة لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به؛ مما ترك الأثر الكبير في الحيرة عند المسلمين-وخصوصاً الشباب منهم-في كيفية معالجة هذا الواقع، وقد يشعر الداعية المسلم المتمسك بمنهاج النبوة المتبع لسبيل المؤمنين، المتمثل في فهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان من علماء الإسلام؛ قد يشعر بأنه حمل أمانة عظيمة تجاه هذا الواقع وإصلاحه أو المشاركة في علاجه. فما هي نصيحتكم لأتباع تلك الحركات أو الجماعات؟ وما هي الطرق النافعة الناجعة في معالجة هذا الواقع؟

وكيف تبرأ ذمة المسلم عند الله عز وجل يوم القيامة؟ [فأجاب الإمام]: يجب العناية والاهتمام بالتوحيد أولاً كما هو منهج الأنبياء والرسل عليهم السلام: بالإضافة لما ورد في السؤال-السابق ذكره آنفاً-من سوء واقع المسلمين، نقول: إن هذا الواقع الأليم ليس شراً مما كان عليه واقع العرب في الجاهلية حينما بعث إليهم نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -؛لوجود الرسالة بيننا، وكمالها، ووجود الطائفة الظاهرة على الحق، والتي تهدي به، وتدعو الناس للإسلام الصحيح: عقيدة، وعبادة، وسلوكاً، ومنهجاً، ولا شك بأن واقع أولئك العرب في عصر الجاهلية مماثل لما عليه كثير من طوائف المسلمين اليوم!. بناء على ذلك نقول: العلاج هو ذاك العلاج، والدواء هو ذاك الدواء، فبمثل ما عالج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تلك الجاهلية الأولى، فعلى الدعاة الإسلاميين اليوم-جميعهم-أن يعالجوا سوء الفهم لمعنى «لا إله إلا الله»، ويعالجوا واقعهم الأليم بذاك العلاج والدواء نفسه. ومعنى هذا واضح جداً؛ إذا تدبرنا قول الله عز وجل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب: 21). فرسولنا - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الأسوة الحسنة في معالجة مشاكل المسلمين في عالمنا المعاصر وفي كل وقت وحين، ويقتضي ذلك منا أن نبدأ بما بدأ به نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو إصلاح ما فسد من عقائد المسلمين أولاً، ومن عبادتهم ثانياً، ومن سلوكهم ثالثاً. ولست أعني من هذا الترتيب فصل الأمر الأول بدءاً بالأهم ثم المهم، ثم ما

دونه! وإنما أريد أن يهتم بذلك المسلمون اهتماما شديداً كبيراً، وأعني بالمسلمين بطبيعة الأمر الدعاة، ولعل الأصح أن نقول: العلماء منهم؛ لأن الدعاة اليوم-مع الأسف الشديد-يدخل فيهم كل مسلم ولو كان على فقر مدقع من العلم، فصاروا يعدون أنفسهم دعاة إلى الإسلام، وإذا تذكرنا تلك القاعدة المعروفة-لا أقول: عند العلماء فقط بل عند العقلاء جميعاً-تلك القاعدة التي تقول: «فاقد الشيء لا يعطيه»؛ فإننا نعلم اليوم بأن هناك طائفة كبيرة جداً يعدون بالملايين من المسلمين تنصرف الأنظار إليهم حين يطلق لفظة: الدعاة. وأعني بهم: جماعة الدعوة، أو: جماعة التبليغ «ومع ذلك فأكثرهم كما قال الله عز وجل: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (لأعراف: 187). ومعلوم من طريقة دعوتهم أنهم قد أعرضوا بالكلية عن الاهتمام بالأصل الأول-أو بالأمر الأهم-من الأمور التي ذكرت آنفاً، وأعني: العقيدة والعبادة والسلوك، وأعرضوا عن الإصلاح الذي بدأ به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بل بدأ به كل الأنبياء، وقد بينه الله تعالى بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36). فهم لا يعنون بهذا الأصل الأصيل والركن الأول من أركان الإسلام-كما هو معلوم لدى المسلمين جميعاً-هذا الأصل الذي قام يدعو إليه أول رسول من الرسل الكرام ألا وهو نوح - صلى الله عليه وآله وسلم - قرابة ألف سنة، والجميع يعلم أن الشرائع السابقة لم يكن فيها من التفصيل لأحكام العبادات والمعاملات ما هو معروف في ديننا هذا لأنه الدين الخاتم للشرائع والأديان، ومع ذلك فقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يصرف وقته وجل اهتمامه للدعوة إلى التوحيد، ومع ذلك أعرض قومه عن دعوته كما بين الله-عز وجل-ذلك في محكم التنزيل {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} (نوح: 23).

فهذا يدل دلالة قاطعة على أن أهم شيء ينبغي على الدعاة إلى «الإسلام الحق» الاهتمام به دائماً هو الدعوة إلى التوحيد وهو معنى قوله-تبارك وتعالى-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19). هكذا كانت سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عملاً وتعليماً. أما فعله: فلا يحتاج إلى بحث، لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في العهد المكي إنما كان فعله ودعوته محصورة في الغالب في دعوة قومه إلى عبادة الله لا شريك له. أما تعليماً: ففي حديث أنس بن مالك-رضي الله عنه-الوارد في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عندما أرسل معاذاً إلى اليمن قال له: «ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك ... » (¬1).إلخ الحديث. وهو معلوم ومشهور إن شاء الله تعالى. إذاً، قد أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أصحابه أن يبدؤوا بما بدأ به وهو الدعوة إلى التوحيد، ولا شك أن هناك فرقاً كبيراً جداً بين أولئك العرب المشركين-من حيث إنهم كانوا يفهمون ما يقال لهم بلغتهم-، وبين أغلب العرب المسلمين اليوم الذين ليسوا بحاجة أن يُدْعَوْا إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله؛ لأنهم قائلون بها على اختلاف مذاهبهم وطرائقهم وعقائدهم، فكلهم يقولون: لا إله إلا الله، لكنهم في الواقع بحاجة أن يفهموا-أكثر-معنى هذه الكلمة الطيبة، وهذا الفرق فرق جوهري-جداً-بين العرب الأولين الذين كانوا إذا دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقولوا: لا إله إلا الله يستكبرون، كما هو مبين في صريح القرآن العظيم (¬2) لماذا يستكبرون؟؛ لأنهم ¬

(¬1) حديث صحيح: رواه البخاري (1395) وفي غير موضع، ومسلم (19)، وأبو داود (1584)، والترمذي (625)، كلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنه. [منه]. (¬2) يشير إلى قوله تعالى في سورة الصافات: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ. وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (الصافات: 35 - 36). [منه].

يفهمون أن معنى هذه الكلمة أن لا يتخذوا مع الله أنداداً وألا يعبدوا إلا الله، وهم كانوا يعبدون غيره، فهم ينادون غير الله ويستغيثون بغير الله؛ فضلاً عن النذر لغير الله، والتوسل بغير الله، والذبح لغيره والتحاكم لسواه ... إلخ. هذه الوسائل الشركية الوثنية المعروفة التي كانوا يفعلونها، ومع ذلك كانوا يعلمون أن من لوازم هذه الكلمة الطيبة-لا إله إلا الله-من حيث اللغة العربية أن يتبرؤوا من كل هذه الأمور؛ لمنافاتها لمعنى «لا إله إلا الله». غالب المسلمين اليوم لا يفقهون معنى لا إله إلا الله فهماً جيداً: أما غالب المسلمين اليوم الذين يشهدون بأن «لا إله إلا الله» فهم لا يفقهون معناها جيداً، بل لعلهم يفهمون معناها فهماً معكوساً ومقلوباً تماماً؛ أضرب لذلك مثلاً: بعضهم (¬1) ألّف رسالة في معنى «لا إله إلا الله» ففسرها: «لا رب إلا الله!!» وهذا المعنى هو الذي كان المشركون يؤمنون به وكانوا عليه، ومع ذلك لم ينفعهم إيمانهم هذا، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه} (لقمان: 25). فالمشركون كانوا يؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً لا شريك له، ولكنهم كانوا يجعلون مع الله أنداداً وشركاء في عبادته، فهم يؤمنون بأن الرب واحد ولكن يعتقدون بأن المعبودات كثيرة، ولذلك رد الله تعالى-هذا الاعتقاد-الذي سماه عبادة لغيره من دونه بقوله تعالى: { ... وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ... } (الزمر: 3). ¬

(¬1) هو الشيخ محمد الهاشمي، أحد شيوخ الصوفية «الطريقة الشاذلية» في سوريا من نحو 50 سنة. [منه].

لقد كان المشركون يعلمون أن قول: «لا إله إلا الله» يلزم له التبرؤ من عبادة ما دون الله عز وجل، أما غالب المسلمين اليوم؛ فقد فسروا هذه الكلمة الطيبة «لا إله إلا الله» بـ: «لا رب إلا الله!!» فإذا قال المسلم: لا إله إلا الله»، وعبد مع الله غيره؛ فهو والمشركون سواء، عقيدة، وإن كان ظاهره الإسلام؛ لأنه يقول لفظة: لا إله إلا الله فهو بهذه العبارة مسلم لفظياً ظاهراً، وهذا مما يوجب علينا جميعاً-بصفتنا دعاة إلى الإسلام- الدعوة إلى التوحيد وإقامة الحجة على من جهل معنى «لا إله إلا الله» وهو واقع في خلافها؛ بخلاف المشرك؛ لأنه يأبى أن يقول: «لا إله إلا الله» فهو ليس مسلماً لا ظاهراً ولا باطناً فأما جماهير المسلمين اليوم هم مسلمون؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى» (¬1). لذلك، فإني أقول كلمة-وهي نادرة الصدور مني-، وهي: إن واقع كثير من المسلمين اليوم شر مما كان عليه عامة العرب في الجاهلية الأولى من حيث سوء الفهم لمعنى هذه الكلمة الطيبة؛ لأن المشركين العرب كانوا يفهمون، ولكنهم لا يؤمنون، أما غالب المسلمين اليوم، فإنهم يقولون ما لا يعتقدون، يقولون: لا إله إلا الله، ولا يؤمنون -حقاً-بمعناها (¬2)، لذلك فأنا أعتقد أن أول واجب على الدعاة المسلمين-حقاً-هو أن يدندنوا حول هذه الكلمة وحول بيان معناها بتلخيص، ثم ¬

(¬1) حديث صحيح: رواه البخاري (25) وفي غير موضع، ومسلم (22)، وغيرهم، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. [منه]. (¬2) يعبدون القبور، ويذبحون لغير الله، ويدعون الأموات، وهذا واقع وحقيقة ما تعتقده الرافضة، والصوفية، وأصحاب الطرق، فالحج إلى القبور وبناء المشاهد الشركية والطواف عليها والاستغاثة بالصالحين والحلف بهم عقائد ثابتة عندهم. [منه].

بتفصيل لوازم هذه الكلمة الطيبة بالإخلاص لله عز وجل في العبادات بكل أنواعها، لأن الله عز وجل لما حكى عن المشركين قوله: { ... مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ... } (الزمر: 3)، جعل كل عبادة توجه لغير الله كفراً بالكلمة الطيبة: لا إله إلا الله؛ لهذا؛ أنا أقول اليوم: لا فائدة مطلقاً من تكتيل المسلمين ومن تجميعهم، ثم تركهم في ضلالهم دون فهم هذه الكلمة الطيبة، وهذا لا يفيدهم في الدنيا قبل الآخرة! نحن نعلم قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه حرم الله بدنه على النار» وفي رواية أخري: «دخل الجنة» (¬1). فيمكن ضمان دخول الجنة لمن قالها مخلصاً حتى لو كان بعد لأيٍ وعذاب يمس القائل، والمعتقد الاعتقاد الصحيح لهذه الكلمة، فإنه قد يعذب بناءً على ما ارتكب واجترح من المعاصي والآثام، ولكن سيكون مصيره في النهاية دخول الجنة، وعلى العكس من ذلك؛ من قال هذه الكلمة الطيبة بلسانه، ولما يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذلك لا يفيده شيئاً في الآخرة، قد يفيده في الدنيا النجاة من القتال ومن القتل إذا كان للمسلمين قوة وسلطان، وأما في الآخرة فلا يفيد شيئاً إلا إذا كان قائلاً لها وهو فاهم معناها أولاً، ومعتقداً لهذا المعنى ثانياً؛ لأن الفهم وحده لا يكفي إلا إذا اقترن مع الفهم الإيمان بهذا المفهوم، وهذه النقطة؛ أظن أن أكثر الناس عنها غافلون! وهي: لا يلزم من الفهم الإيمان بل لا بد أن يقترن كل من الأمرين مع الآخر حتى يكون مؤمناً، ذلك لأن كثيراً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا يعرفون أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - رسول صادق فيما يدعيه من الرسالة والنبوة، ولكن مع هذه المعرفة التي شهد لهم بها ربنا عز وجل حين قال: ¬

(¬1) حديث صحيح: رواه أحمد (5/ 236)، وابن حبان (4) زوائد، وصححه الألباني في الصحيحة (3355). [منه].

{ ... يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ... } (البقرة: 146). ومع ذلك هذه المعرفة ما أغنت عنهم من الله شيئاً لماذا؟ لأنهم لم يصدقوه فيما يدعيه من النبوة والرسالة، ولذلك فإن الإيمان تسبقه المعرفة ولا تكفي وحدها، بل لا بد أن يقترن مع المعرفة الإيمان والإذعان، لأن المولى عز وجل يقول في محكم التنزيل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ... } (محمد: 19). وعلى هذا، فإذا قال المسلم: لا إله إلا الله بلسانه؛ فعليه أن يضم إلى ذلك معرفة هذه الكلمة بإيجاز ثم بالتفصيل، فإذا عرف وصدق وآمن؛ فهو الذي يصدق عليه تلك الأحاديث التي ذكرت بعضها آنفاً، ومنها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - مشيراً إلى شيء من التفصيل الذي ذكرته آنفاً: «من قال: لا إله إلا الله، نفعته يوماً من دهره». أي كانت هذه الكلمة الطيبة بعد معرفة معناها منجية له من الخلود في النار-وهذا أكرره لكي يرسخ في الأذهان-وقد لا يكون قد قام بمقتضاها من كمال العمل الصالح والانتهاء عن المعاصي، ولكنه سلم من الشرك الأكبر وقام بما يقتضيه ويستلزمه شروط الإيمان من الأعمال القلبية-والظاهرية حسب اجتهاد بعض أهل العلم وفيه تفصيل ليس هذا محل بسطه- (¬1)؛ وهو تحت المشيئة، وقد يدخل النار جزاء ما ارتكب أو فعل من المعاصي أو أخل ببعض الواجبات، ثم تنجيه هذه الكلمة الطيبة أو يعفو الله عنه بفضل منه وكرمه، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - المتقدم ذكره: «من قال: لا إله إلا الله، نفعته يوماً من دهره»، أما من قالها بلسانه ولم يفقه معناها، أو فقه معناها ولكنه لم يؤمن بهذا المعنى؛ فهذا لا ينفعه قوله: لا إله إلا الله، إلا في العاجلة إذا كان يعيش في ظل الحكم الإسلامي وليس في الآجلة. ¬

(¬1) هذه عقيدة السلف الصالح، وهي الحد الفاصل بيننا وبين الخوارج والمرجئة. [منه].

لذلك لا بد من التركيز على الدعوة إلى التوحيد في كل مجتمع أو تكتل إسلامي يسعى- حقيقة وحثيثاً-إلى ما تدندن به كل الجماعات الإسلامية أو جلها، وهو تحقيق المجتمع الإسلامي وإقامة الدولة المسلمة التي تحكم بما أنزل الله على أي أرض لا تحكم بما أنزل الله، هذه الجماعات أو هذه الطوائف لا يمكنها أن تحقق هذه الغاية-التي أجمعوا على تحقيقها وعلى السعي- حثيثاً إلى جعلها حقيقة واقعية-إلا بالبدء بما بدأ به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. وجوب الاهتمام بالعقيدة لا يعنى إهمال باقي الشرع من عبادات وسلوك ومعاملات وأخلاق: وأعيد التنبيه بأنني لا أعنى الكلام في بيان الأهم فالمهم وما دونه على أن يقتصر الدعاة فقط على الدعوة إلى هذه الكلمة الطيبة وفهم معناها، بعد أن أتم الله عز وجل علينا النعمة بإكماله لدينه! بل لا بد لهؤلاء الدعاة أن يحملوا الإسلام كُلاً لا يتجزأ، وأنا حين أقول هذا- بعد ذلك البيان الذي خلاصته: أن يهتم الدعاة الإسلاميون حقاً بأهم ما جاء به الإسلام، وهو تفهيم المسلمين العقيدة الصحيحة النابعة من الكلمة الطيبة «لا إله إلا الله»، أريد أن استرعي النظر إلى أن هذا البيان لا يعني أن يفهم المسلم فقط أن معنى: «لا إله إلا الله»، هو لا معبود بحق في الوجود إلا الله فقط! بل هذا يستلزم أيضاً أن يفهم العبادات التي ينبغي أن يعبد ربنا- عز وجل-بها، ولا يوجه شيء منها لعبد من عباد الله تبارك وتعالى، فهذا التفصيل لا بد أن يقترن بيانه أيضاً بذلك المعنى الموجز للكلمة الطيبة، ويحسن أن أضرب مثلاً-أو أكثر من مثل، حسبما يبدو لي-لأن البيان الإجمالي لا يكفي. أقول: إن كثيراً من المسلمين الموحدين حقاً والذين لا يوجهون عبادة من

العبادات إلى غير الله عز وجل، ذهنهم خال من كثير من الأفكار والعقائد الصحيحة التي جاء ذكرها في الكتاب والسنة، فكثير من هؤلاء الموحدين يمرون على كثير من الآيات وبعض الأحاديث التي تتضمن عقيدة وهم غير منتبهين إلى ما تضمنته، مع أنها من تمام الإيمان بالله عز وجل، خذوا مثلاً عقيدة الإيمان بعلو الله عز وجل، على ما خلقه، أنا أعرف بالتجربة أن كثيراً من إخواننا الموحدين السلفيين يعتقدون معنا بأن الله عز وجل على العرش استوى دون تأويل، ودون تكييف، ولكنهم حين يأتيهم معتزليون عصريون، أو جهميون عصريون، أو ماتريدي أو أشعري ويلقي إليه شبهة قائمة على ظاهر آية لا يفهم معناها الموسوِس ولا الموسْوَس إليه، فيحار في عقيدته، ويضل عنها بعيداً، لماذا؟ لأنه لم يتلق العقيدة الصحيحة من كل الجوانب التي تعرض لبيانها كتاب ربنا -عز وجل-وحديث نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، فحينما يقول المعتزلي المعاصر: الله-عز وجل-يقول: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ ... } (الملك: الآيتان 15 - 16).وأنتم تقولون: إن الله في السماء، وهذا معناه أنكم جعلتم معبودكم في ظرف هو السماء المخلوقة!! فإنه يلقى شبهة على من أمامه. بيان عدم وضوح العقيدة الصحيحة ولوازمها في أذهان الكثيرين: أريد من هذا المثال أن أبين أن عقيدة التوحيد بكل لوازمها ومتطلباتها ليست واضحة-للأسف- في أذهان كثير ممن آمنوا بالعقيدة السلفية نفسها، فضلاً عن الآخرين الذين اتبعوا العقائد الأشعرية أو الماتريدية أو الجهمية في مثل هذه المسألة، فأنا أرمي بهذا المثال إلى أن المسألة ليست بهذا اليسر الذي يصوره اليوم بعض الدعاة الذين يلتقون معنا في الدعوة إلى الكتاب والسنة، إن الأمر ليس بالسهولة التي يدعيها بعضهم، والسبب ما سبق بيانه من الفرق بين جاهلية

المشركين الأولين حينما كانوا يدعون ليقولوا: لا إله إلا الله فيأبون؛ لأنهم يفهمون معنى هذه الكلمة الطيبة، وبين أكثر المسلمين المعاصرين اليوم حينما يقولون هذه الكلمة؛ ولكنهم لا يفهمون معناها الصحيح، هذا الفرق الجوهري هو الآن متحقق في مثل هذه العقيدة، وأعني بها علو الله عز وجل على مخلوقاته كلها، فهذا يحتاج إلى بيان، ولا يكفي أن يعتقد المسلم {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5). «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» (¬1). دون أن يعرف أن كلمة «في» التي وردت في هذا الحديث ليست ظرفية، وهي مثل «في» التي وردت في قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ ... ] (الملك: الآيتان 15 - 16)؛ لأن «في» هنا بمعنى «على» والدليل على ذلك كثير وكثير جداً؛ فمن ذلك: الحديث السابق المتداول بين ألسنة الناس، وهو بمجموع طرقه -والحمد لله-صحيح، ومعنى [قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ارحموا من في الأرض» لا يعني الحشرات والديدان التي هي في داخل الأرض! وإنما من على الأرض؛ من إنسان وحيوان، وهذا مطابق لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: « ... يرحمكم من في السماء»، أي: على السماء، فمثل هذا التفصيل لا بد للمستجيبين لدعوة الحق أن يكونوا على بينة منه، ويقرب هذا: حديث الجارية وهي راعية غنم، وهو مشهور معروف، وإنما أذكر الشاهد منه؛ حينما سألها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أين الله؟» قالت له: في السماء (¬2).لو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر-مثلاً-أين الله؟ لقالوا لك: في كل مكان! بينما الجارية أجابت بأنه في السماء، وأقرها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، لماذا؟؛ لأنها أجابت على الفطرة، وكانت تعيش بما يمكن أن ¬

(¬1) «السلسلة الصحيحة» (925). (¬2) رواه مسلم (رقم537).

نسميه بتعبيرنا العصري» بيئة سلفية «لم تتلوث بأي بيئة سيئة-بالتعبير العام-؛ لأنها تخرجت كما يقولون اليوم-من مدرسة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه المدرسة لم تكن خاصة ببعض الرجال ولا ببعض النساء، وإنما كانت مشاعة بين الناس وتضم الرجال والنساء وتعم المجتمع بأكمله، ولذلك عرفت راعية الغنم العقيدة لأنها لم تتلوث بأي بيئة سيئة؛ عرفت العقيدة الصحيحة التي جاءت في الكتاب والسنة وهو مالم يعرفه كثير ممن يدعي العلم بالكتاب والسنة، فلا يعرف أين ربه! مع أنه مذكور في الكتاب والسنة، واليوم أقول: لا يوجد شيء من هذا البيان وهذا الوضوح بين المسلمين بحيث لو سألت -لا أقول: راعية غنم-بل راعي أمة أو جماعة؛ فإنه قد يحار في الجواب كما يحار الكثيرون اليوم إلا من رحم الله وقليل ما هم!!!. الدعوة إلى العقيدة الصحيحة تحتاج إلى بذل جهد عظيم ومستمر: فإذاً، فالدعوة إلى التوحيد وتثبيتها في قلوب الناس تقتضي منا ألا نمر بالآيات دون تفصيل كما في العهد الأول؛ لأنهم-أولاً-كانوا يفهمون العبارات العربية بيسر، وثانياً لأنه لم يكن هناك انحراف وزيغ في العقيدة نبع من الفلسفة وعلم الكلام، فقام ما يعارض العقيدة السليمة، فأوضاعنا اليوم تختلف تماماً عما كان عليه المسلمون الأوائل، فلا يجوز أن نتوهم بأن الدعوة إلى العقيدة الصحيحة هي اليوم من اليسر كما كان الحال في العهد الأول، وأقرب هذا في مثل لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان-إن شاء الله تعالى-: من اليسر المعروف حينئذ أن الصحابي يسمع الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرة ثم التابعي يسمع الحديث من الصحابي مباشرة ... وهكذا نقف عند القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، ونسأل: هل كان هناك شيء اسمه علم الحديث؟

الجواب: لا، وهل كان هناك شيء اسمه علم الجرح والتعديل؟ الجواب: لا، أما الآن فهذان العلمان لا بد منهما لطالب العلم، وهما من فروض الكفاية؛ وذلك لكي يتمكن العالم اليوم من معرفة الحديث إن كان صحيحاً أو ضعيفاً، فالأمر لم يعد ميسراً سهلاً كما كان ذلك ميسراً للصحابي، لأن الصحابي كان يتلقى الحديث من الصحابة الذين زكوا بشهادة الله-عز وجل-لهم .... إلخ. فما كان يومئذ ميسوراً ليس ميسوراً اليوم من حيث صفاء العلم وثقة مصادر التلقي، لهذا لا بد من ملاحظة هذا الأمر والاهتمام به كما ينبغي مما يتناسب مع المشاكل المحيطة بنا اليوم بصفتنا مسلمين، والتي لم تحط بالمسلمين الأولين من حيث التلوث العقدي الذي سبب إشكالات وأوجد شبهات من أهل البدع المنحرفين عن العقيدة الصحيحة منهج الحق تحت مسميات كثيرة، ومنها الدعوة إلى الكتاب والسنة فقط! كما يزعم ذلك ويدعيه المنتسبون إلى علم الكلام. ويحسن بنا هنا أن نذكر بعض ما جاء في الأحاديث الصحيحة في ذلك ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما ذكر الغرباء في بعض تلك الأحاديث، قال: «للواحد منهم خمسون من الأجر»، قالوا: منا يا رسول الله أو منهم؟ قال: «منكم» (¬1). وهذا من نتائج الغربة الشديدة للإسلام اليوم التي لم تكن في الزمن الأول، ولا شك أن غربة الزمن الأول كانت بين شرك صريح وتوحيد خال من كل شائبة، بين كفر بواح وإيمان صادق، أما الآن فالمشكلة بين المسلمين أنفسهم فأكثرهم توحيده مليء بالشوائب، ويوجه العبادات إلى غير الله ويدعي الإيمان؛ هذه القضية ينبغي الانتباه لها أولاً، وثانياً: لا ينبغي أن يقول بعض الناس: إننا لا بد لنا من ¬

(¬1) «السلسلة الصحيحة» (494).

الانتقال إلى مرحلة أخرى غير مرحلة التوحيد وهي العمل السياسي!! لأن الإسلام دعوته دعوة حق أولاً، فلا ينبغي أن نقول: نحن عرب والقرآن نزل بلغتنا، مع تذكيرنا أن العرب اليوم عكس الأعاجم الذين استعربوا، بسبب بعدهم عن لغتهم، وهذا ما أبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم، فهب أننا-نحن العرب-قد فهمنا الإسلام فهماً صحيحاً، فليس من الواجب علينا بأن نعمل عملاً سياسياً، ونحرك الناس تحريكاً سياسياً، ونشغلهم بالسياسة عما يجب عليهم الاشتغال به، في فهم الإسلام: في العقيدة، والعبادة، والمعاملة والسلوك!! فأنا لا أعتقد أن هناك شعباً يعد بالملايين قد فهم الإسلام فهماً صحيحاً -أعني: العقيدة، والعبادة، والسلوك -وربي عليها. أساس التغيير هو منهج التصفية والتربية: ولذلك نحن ندندن أبداً ونركز دائماً حول النقطتين الأساسيتين اللتين هما قاعدة التغيير الحق، وهما: التصفية والتربية، فلا بد من الأمرين معاً؛ التصفية والتربية، فإن كان هناك نوع من التصفية في بلد فهو في العقيدة، وهذا-بحد ذاته-يعتبر عملاً كبيراً وعظيماً أن يحدث في جزء من المجتمع الإسلامي الكبير- أعني: شعباً من الشعوب-، أما العبادة فتحتاج إلى أن تتخلص من المذهبية الضيقة، والعمل على الرجوع إلى السنة الصحيحة، فقد يكون هناك علماء أجلاء فهموا الإسلام فهماً صحيحاً من كل الجوانب، لكني لا أعتقد أن فرداً أو اثنين، أو ثلاثة، أو عشرة، أو عشرين يمكنهم أن يقوموا بواجب التصفية، تصفية الإسلام من كل ما دخل فيه؛ سواء في العقيدة، أو العبادة، أو السلوك، إنه لا يستطيع أن ينهض بهذا الواجب أفراد قليلون يقومون بتصفية ما علق به من كل دخيل ويربوا من حولهم تربية صحيحة سليمة، فالتصفية والتربية الآن مفقودتان.

ولذلك سيكون للتحرك السياسي في أي مجتمع إسلامي لا يحكم بالشرع آثار سيئة قبل تحقيق هاتين القضيتين الهامتين، أما النصيحة فهي تحل محل التحرك السياسي في أي بلد يحكم بالشرع من خلال المشورة أو من خلال إبدائها بالتي هي أحسن بالضوابط الشرعية بعيداً عن لغة الإلزام أو التشهير، فالبلاغ يقيم الحجة ويبرئ الذمة. ومن النصح أيضاً، أن نشغل الناس فيما ينفعهم؛ بتصحيح العقيدة، والعبادة، والسلوك، والمعاملات. وقد يظن بعضهم أننا نريد تحقيق التربية والتصفية في المجتمع الإسلامي كله! هذا ما لا نفكر فيه ولا نحلم به في المنام؛ لأن هذا تحقيقه مستحيل؛ ولأن الله عز وجل يقول في القرأن الكريم {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} (هود: 118). وهؤلاء لا يتحقق فيهم قول ربنا تعالى هذا إلا إذا فهموا الإسلام فهماً صحيحاً وربوا أنفسهم وأهليهم ومن كان حولهم على هذا الإسلام الصحيح. من يشتغل بالعمل السياسي؟ ومتى؟ فالاشتغال الآن بالعمل السياسي مشغلة! مع أننا لا ننكره، إلا أننا نؤمن بالتسلسل الشرعي المنطقي في آن واحد، نبدأ بالعقيدة، ونثني بالعبادة ثم بالسلوك؛ تصحيحاً وتربية ثم لا بد أن يأتي يوم ندخل فيه في مرحلة السياسة بمفهومها الشرعي؛ لأن السياسة معناها: إدارة شؤون الأمة، من الذي يدير شؤون الأمة؟ ليس زيداً، وبكراً، وعمراً؛ ممن يؤسس حزباً أو يترأس حركة، أو يوجه جماعة!! هذا الأمر خاص بولي الأمر؛ الذي يبايع من قبل المسلمين، هذا هو الذي

يجب عليه معرفة سياسة الواقع وإدارته، فإذا كان المسلمون غير متحدين-كحالنا اليوم-فيتولى ذلك كل ولي أمر حسب حدود سلطاته، أما أن نشغل أنفسنا في أمور لو افترضنا أننا عرفناها حق المعرفة فلا تنفعنا معرفتنا هذه؛ لأننا لا نتمكن من إدارتها، ولأننا لا نملك القرار لإدارة الأمة، وهذا وحده عبث لا طائل تحته، ولنضرب مثلاً الحروب القائمة ضد المسلمين في كثير من بلاد الإسلام هل يفيد أن نشعل حماسة المسلمين تجاهها ونحن لا نملك الجهاد الواجب إدارته من إمام مسؤول عقدت له البيعة؟! لا فائدة من هذا العمل، ولا نقول: إنه ليس بواجب! ولكننا نقول: إنه أمر سابق لأوانه، ولذلك فعلينا أن نشغل أنفسنا وأن نشغل غيرنا ممن ندعوهم إلى دعوتنا؛ بتفهيمهم الإسلام الصحيح، وتربيتهم تربية صحيحة، أما أن نشغلهم بأمور حماسية وعاطفية، فذلك مما سيصرفهم عن التمكن في فهم الدعوة التي يجب أن يقوم بها كل مكلف من المسلمين؛ كتصحيح العقيدة، وتصحيح العبادة، وتصحيح السلوك، وهي من الفروض العينية التي لا يعذر المقصر فيها، وأما الأمور الأخرى فبعضها يكون من الأمور الكفائية، كمثل ما يسمى اليوم بـ «فقه الواقع» والاشتغال بالعمل السياسي الذي هو من مسئولية من لهم الحل والعقد، الذين بإمكانهم أن يستفيدوا من ذلك عملياً، أما أن يعرفه بعض الأفراد الذين ليس بأيديهم حل ولا عقد ويشغلوا جمهور الناس بالمهم عن الأهم، فذلك مما صرفهم عن المعرفة الصحيحة! وهذا مما نلمسه لمس اليد في كثير من مناهج الأحزاب والجماعات الإسلامية اليوم، حيث نعرف أن بعضهم انصرف عن تعليم الشباب المسلم المتكتل والملتف حول هؤلاء الدعاة من أجل أن يتعلم ويفهم العقيدة الصحيحة، والعبادة الصحيحة، والسلوك الصحيح، وإذا ببعض هؤلاء الدعاة ينشغلون بالعمل السياسي ومحاولة الدخول في البرلمانات

التي تحكم بغير ما أنزل الله! فصرفهم هذا عن الأهم واشتغلوا بما ليس مهما ً في هذه الظروف القائمة الآن. أما ما جاء في السؤال عن كيفية براءة ذمة المسلم أو مساهمته في تغيير هذا الواقع الأليم؛ فنقول: كل من المسلمين بحسبه، العالم منهم يجب عليه ما لا يجب على غير العالم، وكما أذكر في مثل هذه المناسبة: أن الله عز وجل قد أكمل النعمة بكتابه، وجعله دستوراً للمؤمنين به، من ذلك أن الله تعالى قال: { ... فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (الانبياء: 7) فالله سبحانه وتعالى قد جعل المجتمع الإسلامي قسمين: عالماً، وغير عالم، وأوجب على كل منهما مالم يوجبه على الآخر، فعلى الذين ليسوا بعلماء أن يسألوا أهل العلم، وعلى العلماء أن يجيبوهم عما سئلوا عنه، فالواجبات-من هذا المنطلق-تختلف باختلاف الأشخاص، فالعالم اليوم عليه أن يدعوا إلى دعوة الحق في حدود الاستطاعة، وغير العالم عليه أن يسأل عما يهمه بحق نفسه أو من كان راعياً؛ كزوجة أو ولد أو نحوه، فإذا قام المسلم -من كلا الفريقين-بما يستطيع؛ فقد نجا، لأن الله عز وجل يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286). نحن-مع الأسف نعيش في مأساة ألمت بالمسلمين، لا يعرف التاريخ لها مثيلاً، وهو تداعي الكفار على المسلمين، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مثل حديثه المعروف والصحيح: «تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: «لا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم لكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»،

قالوا: وما الوهن يارسول الله؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» (¬1). فواجب العلماء إذاً، أن يجاهدوا في التصفية والتربية، وذلك بتعليم المسلمين التوحيد الصحيح وتصحيح العقائد والعبادات، والسلوك، كل حسب طاقته وفي البلاد التي يعيش فيها، لأنهم لا يستطيعون القيام بجهاد اليهود في صف واحد ماداموا كحالنا اليوم، متفرقين، لا يجمعهم بلد واحد ولا صف واحد، فإنهم لا يستطيعون القيام بمثل هذا الجهاد لصد الأعداء الذين تداعوا عليهم، ولكن عليهم أن يتخذوا كل وسيلة شرعية بإمكانهم أن يتخذوها، لأننا لا نملك القدرة المادية، ولو استطعنا، فإننا لا نستطيع أن نتحرك فعلاً، لأن هناك حكومات وقيادات وحكاماً في كثير من بلاد المسلمين يتبنون سياسات لا تتفق مع السياسة الشرعية-مع الأسف الشديد-لكننا نستطيع أن نحقق-بإذن الله تعالى _ هذين الأمرين العظيمين اللذين ذكرتهما آنفاً وهما التصفية والتربية، وحينما يقوم الدعاة المسلمون بهذا الواجب المهم جداً في بلد لا يتبنى سياسة لا تتفق مع السياسة الشرعية، ويجتمعون على هذا الأساس، فأنا أعتقد-يومئذ- أنه سيصدق عليهم قول الله عز وجل: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّه} (الروم: 4 - 5). الواجب على كل مسلم أن يطبق حكم الله في شئون حياته كلها فيما يستطيعه: إذاً، واجب كل مسلم أن يعمل ما باستطاعته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وليس هناك تلازم بين إقامة التوحيد الصحيح والعبادة الصحيحة، وبين إقامة الدولة الإسلامية في البلاد التي لا تحكم بما أنزل الله، لأن أول ما يُحكم بما أنزل ¬

(¬1) «السلسة الصحيحة» (958).

الله -فيه- هو إقامة التوحيد، وهناك-بلا شك-أمور خاصة وقعت في بعض العصور وهي أن تكون العزلة خيراً من المخالطة، فيعتزل المسلم في شعب من الشعاب ويعبد ربه، ويكف من شر الناس إليه، وشره إليهم، هذا الأمر قد جاءت فيه أحاديث جداً وإن كان الأصل كما جاء في حديث ابن عمر -رضي الله عنه-: «المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم» (¬1). فالدولة المسلمة-بلا شك-وسيلة لإقامة حكم الله في الأرض، وليست غاية بحد ذاتها. ومن عجائب بعض الدعاة أنهم يهتمون بما لا يستطيعون القيام به من الأمور، ويدعون ما هو واجب عليهم وميسور! وذلك بمجاهدة أنفسهم كما قال ذلك الداعية المسلم؛ الذي أوصى أتباعه بقوله: «أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم لكم في أرضكم». ومع ذلك فنحن نجد كثيراً من أتباعه يخالفون ذلك، جاعلين جل دعوتهم إلى إفراد الله عزوجل بالحكم، ويعبرون عن ذلك بالعبارة المعروفة: «الحاكمية لله».ولا شك بأن الحكم لله وحده ولا شريك له في ذلك ولا في غيره، ولكنهم؛ منهم من يقلد مذهباً من المذاهب الأربعة، ثم يقول-عندما تأتيه السنة الصريحة الصحيحة-: هذا خلاف مذهبي! فأين الحكم بما أنزل الله في اتباع السنة؟!. ومنهم من تجده يعبد الله على الطرق الصوفية! فأين الحكم بما أنزل الله بالتوحيد؟! فهم يطالبون غيرهم بما لا يطالبون به أنفسهم، إن من السهل جداً أن تطبق الحكم بما أنزل الله في عقيدتك، في عبادتك، في سلوكك، في دارك، في ¬

(¬1) «السلسلة الصحيحة» (رقم939).

[75] باب منه

تربية أبنائك، في بيعك، في شرائك، بينما من الصعب جداً، أن تجبر أو تزيل ذلك الحاكم الذي يحكم في كثير من أحكامه بغير ما أنزل الله، فلماذا تترك الميسَّر إلى المعسَّر؟!. هذا يدل على أحد شيئين: إما أن يكون هناك سوء تربية، وسوء توجيه. وإما أن يكون هناك سوء عقيدة تدفعهم وتصرفهم إلى الاهتمام بما لا يستطيعون تحقيقه عن الاهتمام بما هو داخل في استطاعتهم، فأما اليوم فلا أرى إلا الاشتغال كل الاشتغال بالتصفية والتربية ودعوة الناس إلى صحيح العقيدة والعبادة، كل في حدود استطاعته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد عليه وآله وسلم. رسالة "التوحيد أولاً". [75] باب منه سؤال: إن الحمد لله نحمد ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فقد من الله تبارك وتعالى عليّ بلقاء أحد علماء الإسلام السائرين على نهج خير الأنام وصحبه الكرام، الذين جمع الله لهم بين العلم والعمل، والفهم والعقل، وما أعظم الإنسان إذا اجتمعت فيه هذه الصفات فهو إمام بحق، من الذين قال الله فيهم: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24)، ألا وهو فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وذلك في تاريخ الثالث

عشر من الشهر العاشر لسنة 1413هـ، وذلك ضمن تسجيلات سلسلة الهدى والنور الذي يقوم بتسجيلها الأخ الكريم أبو ليلى محمد بن أحمد وصلى الله وسلم وبارك على نبينا ورسولنا محمد. الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين: لا شك أن فضيلة الشيخ ناصر الألباني حفظه الله وسلمه وبارك فيه يعلم أن واقع الأمة الديني واقع مرير من حيث الجهل في العقيدة والفساد العقدي، ومن حيث الافتراق في المناهج، ومن حيث إهمال ونسف الشريعة الإسلامية في أكثر بقاع الأرض، هذا الواقع الغيورون من المسلمين لهم رغبة عظيمة في تغييره وإصلاحه، إلا أنهم تختلف مآخذهم في تصحيح هذا الوضع، كما يعلم فضيلتكم من خلال الحركات الإسلامية والجماعات الإسلامية التي جاهدت في إصلاح واقع الأمة الإسلامية ومع ذلك لم تفلح، بل ربما للأمة بسبب تلك الحركات نكبات ومصائب عظيمة، الشباب المسلم في حيرة وفي حيرة عظيمة، كيف يقابلون وكيف يعالجون هذا الواقع، وقد يشعر الواحد منهم أنه حمل جبالاً عظيمة، فما هي نصيحتكم للشباب المسلم، وما هي الطرق النافعة الناجعة لمواجهة هذا الواقع، وكيف تبرأ ذمة المسلم عند الله عز وجل يوم القيامة؟ الشيخ: إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 7071) أما بعد: فإن خير الكلام

كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار: بالإضافة إلى ما جاء في تضاعيف سؤال الأخ أبي عبد الرحمن عبد الله من سوء واقع المسلمين فكذلك نقول: إن هذا الواقع الأليم ليس شراً مما كان واقع العرب في جاهليتهم وحينما بعث إليهم رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، فلا شك أن واقع أولئك العرب الجاهليين كان أسوأ بكثير مما عليه المسلمون اليوم، وبناءً على ذلك نقول: العلاج هو ذاك العلاج، والدواء هو ذاك الدواء، فبمثل ما عالج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تلك الجاهلية الأولى فعلى الدعاة الإسلاميين اليوم جميعهم أن يعالجوا واقعهم الأليم ومعنى هذا واضح جداً، متذكرين فيه قول الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} (الأحزاب:21)، فرسولنا صلوات الله وسلامه عليه هو أسوتنا في معالجة مشكلة المسلمين في زمننا، وذلك بأن نبدأ بما بدأ به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو إصلاح ما فسد من عقائد المسلمين أولاً، ومن عباداتهم ثانياً، ومن سلوكهم ثالثاً، ولست أعني بهذا الترتيب هو الفصل بين الأمر الأول الأهم ثم المهم ثم ما دونه، وإنما أريد أن يهتم المسلمون وأعني بهم بطبيعة الأمر الدعاة منهم، ولعل الأصح أن نقول: العلماء منهم، لأن الدعاة اليوم مع الأسف الشديد صار يشمل كل مسلم ولو كان على فقر مدقع من العلم، فصاروا يعدون أنفسهم دعاة إلى الإسلام، ونعلم جميعاً القاعدة المعروفة لدى-لا أقول العلماء، بل والعقلاء جميعاً-، تلك هي التي تقول: فاقد الشيء لا يعطيه، فنحن نعلم اليوم بأن هناك طائفة كبيرة جداً جداً، يعدون الملايين من المسلمين إذا ما أطلقت لفظة الدعاة انصرفت هذه اللفظة إليهم، وهم جماعة الدعوة أي جماعة التبليغ، ومع ذلك فأكثرهم كما قال الله عز وجل: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ

النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الأعراف: 187)، ومع ذلك فهم جماعة الدعوة حينما يطلق جماعة الدعوة ينصرف هذا الاسم إليهم، ومعلوم من طريقة دعوتهم أنهم قد أعرضوا بالكلية عن الاهتمام بالأصل الأول أو بالأمر الأهم من الأمور الثلاثة التي ذكرتها آنفاً، العقيدة والعبادة والسلوك، فتركوا وأعرضوا عن إصلاح ما بدأ به الرسول عليه السلام، بل ما بدأ به كل الأنبياء تبعاً للرسل من مثل قوله تبارك وتعالى: {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36)، فهم لا يعنون بهذا الأصل الأصيل، وهو الركن الأول من أركان الإسلام، كما هو معلوم لديكم جميعاً، وهذا الأصل الذي قام يدعو إليه رسول من الرسل الكرام ألا وهو نوح عليه الصلاة والسلام قرابة ألف سنة، وهو يدعو إلى التوحيد، وأنتم تعلمون أن الشرائع السابقة لم يكن فيها من التفصيل لأحكام المعاملات والعبادات ما هو ما هو معروف في ديننا هذا؛ لأنه خاتمة الشرائع والأديان، ومع ذلك فقد لبث في قومه، قد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فيما إذاً كان اهتمامه؛ أن يفهموا عنه التوحيد، ومع ذلك فكما تعلمون من القرآن الكريم، أعرضوا عن دعوته، وقالوا: {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} (نوح: 23) إلى آخر الآية. فهذا يدل دلالة قاطعة على أن أهم شيء ينبغي للدعاة حقاً إلى الإسلام هو أن يهتموا بالدعوة إلى التوحيد، ذلك لأنه معنى قوله تبارك وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19)، هكذا كانت سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فعلاً وتعليماً، أما فعله فما يحتاج إلى بحث؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في العهد المكي إنما كان جهده ودعوته محصورة في الغالب أن يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، أما تعليماً فتعلمون حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه الوارد في صحيح البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما أرسل معاذاً إلى اليمن قال له: «ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا

إله إلا الله»، إلى آخر الحديث، «فإن استجابوا لك» أو «فإن أطاعوك فمرهم بالصلاة» تمام الحديث هو معروف إن شاء الله، فإذاً قد أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أصحابه أن يبدأوا بما بدأ به، وهو أن يدعوهم إلى شهادة التوحيد، لا شك أن هناك فرقاً كبيراً جداً بين أولئك العرب المشركين من حيث أنهم كانوا يفهمون ما يقال لهم بلغتهم، وبين العرب المسلمين اليوم والذين ليسوا بحاجة إلى أن يدعوا إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، فإنهم قائلون بها مهما اختلفت مذاهبهم وطرائقهم وعقائدهم، فكلهم يقول: لا إله إلا الله، ولذلك فالدعاة اليوم ليسوا بحاجة إلى أن يدعوا المسلمين إلى أن ينطقوا بهذه الكلمة لكن هم في الواقع بحاجة أكثر من العرب في الجاهلية إلى أن يفهموا معنى هذه الكلمة الطيبة، هذا الفرق فرق جوهري جداً بين العرب الأولين الذين إذا دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقولوا لا إله إلا الله يستكبرون كما هو صريح القرآن الكريم، لماذا يستكبرون؟ لأنهم يفهمون أن معنى هذه الكلمة أن لا يتخذوا مع الله أنداداً، وأن لا يعبدوا مع الله غيره، وهم كانوا يعبدون غيره، فهم ينادون غير الله، ويستغيثون بغير الله، فضلاً عن التوسل بغير الله، فضلاً عن النذر لغير الله، والذبح لغير الله من هذه الوسائل الشركية الوثنية المعروفة، كانوا هم يفعلونها، ولكنهم كانوا يعلمون أن من لوازم هذه الكلمة الطيبة من حيث اللغة العربية أن يتبرأوا من كل هذه الأمور لمنافاتها لكلمة: لا إله إلا الله، أما المسلمون اليوم الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، لكنهم لا يفقهون معناها، بل لعلهم يفقهون معناها فهماً معكوساً مقلوباً تماماً، فكما تعلمون جميعاً إن بعضهم ألف رسالةً في معنى لا إله إلا الله، ففسرها بالمعنى الذي كان عليه المشركون الذين كانوا يؤمنون به: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]، فالمشركون كانوا يؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً لا شريك له في ذلك، ولكنهم مع

ذلك كانوا يجعلون لله أنداداً وشركاء في عبادته، فهم يؤمنون بأن الرب واحد، لكن يعتقدون بأن المعبودات كثيرة، ولذلك قال تعالى في الآية المعروفة: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3)، فهم كانوا يعلمون أن قول لا إله إلا الله، ينبغي أن يتبرأ قائلها من كل عبادة سوى عبادة الله عز وجل، أما المسلمون اليوم فقد فسروا الكلمة الطيبة بـ لا رب إلا الله، فإذا قال المسلم لا إله إلا الله، وهو يعني هذا المعنى لا رب إلا الله، فهو والمشركون سواء؛ عقيدةً، أما لفظاً فهو مسلم؛ لأنه يقول: لا إله إلا الله، بخلاف المشرك لأنه يأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فهو ليس مسلماً لا ظاهراً ولا باطناً، أما جماهير المسلمين اليوم فهم مسلمون، لأن الرسول عليه السلام يقول: «فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله». ولذلك فأنا أقول كلمة ربما تكون نادرة الصدور مني وهي: أن واقع المسلمين اليوم شر مما كان عليه العرب من حيث سوء الفهم لهذه الكلمة الطيبة؛ لأن العرب كانوا يفهمون لكنهم لا يؤمنون، أما المسلمون اليوم فيقولون ما لا يعتقدون، يقولون: لا إله إلا الله وهم يكفرون بمعناها، ولذلك فأنا أعتقد أن أول واجب على الدعاة المسلمين حقاً هو أن يدندنوا حول هذه الكلمة وحول بيان معناها بالتلخيص، ثم تفصيل لوازم هذه الكلمة الطيبة من الإخلاص لله عز وجل في العبادات بكل أنواعها؛ لأن الله عز وجل لما حكى عن المشركين قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3)، فكل عبادة توجه إلى غير الله فهو كفر بالكلمة الطيبة لا إله إلا الله. لهذا أنا أقول اليوم: لا فائدة مطلقاً من تكتيل المسلمين ومن تجميعهم على تركهم في ضلالهم في بعدهم عن فهم هذه الكلمة الطيبة فذلك لا يفيد في الدنيا

قبل الآخرة، نحن نعلم جميعاً أن قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه؛ حرم الله بدنه على النار» (¬1)، وفي أحاديث أخرى: «دخل الجنة»، فلا يمكن ضمان دخول الجنة ولو بعد لَأْيٍ، ولو بعد عذاب يمس القائل والمعتقد الاعتقاد الصحيح لهالكلمة فإن هذا قد يعاقب بناءً على ما ارتكب واجترح من المعاصي والآثام، ولكن سيكون مصيره دخول الجنة، وعلى العكس من ذلك من قال هذه الكلمة الطيبة بلسانه، ولما يدخل الإيمان إلى قلبه، فذلك لا يفيد شيئاً في الآخرة، قد يفيد في الدنيا النجاة من القتال ومن القتل، أما في الآخرة فلا يفيده شيئاً إلا إذا قالها فاهماً لمعناها أولاً، ومعتقداً لهذا المعنى؛ لأن الفهم والمعرفة وحدها لا يكفي إلا إذا اقترن مع الفهم الإيمان بهذا المفهوم، وهذه نقطة أظن أن كثيراً من الناس عنها غافلون، وهي: لا يلزم من الفهم الإيمان، لا بد أن يقترن كل من الأمرين مع الآخر حتى يكون مؤمناً، ذلك لأنكم تعلمون إن شاء الله أن كثيراً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا يعرفون أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - رسول صادق فيما يدعيه من الرسالة والنبوة، ولكن مع ذلك، أي مع هذه المعرفة التي شهد لهم بها ربنا تبارك وتعالى حين قال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة: 146)، ومع ذلك فهذه المعرفة ما أغنتهم شيئاً، لماذا؛ لأنهم لم يصدقوه فيما عرفوا منه من ادعاء النبوة والرسالة، ولذلك فالإيمان يسبقه المعرفة ولا تكفي وحدها، لا بد أن يقترن معها الإيمان، فإذاً إذا قال المسلم لا إله إلا الله بلسانه، فعليه أن يضم إلى ذلك معرفة معنى هذا الكلمة بإيجاز ثم بالتفصيل، فإذا عرف وصدق وآمن، فهو الذي يصدق عليه تلك الأحاديث التي ذكرت بعضها ¬

(¬1) الصحيحة (3/ 297).

آنفاً، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام مشيراً إلى شيء من التفصيل الذي ذكرته آنفاً ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره»، أي كانت هذه الكلمة الطيبة بعد معرفة معناها وهذا أكرره لكي يرسخ في الأذهان، بعد معرفة معناها والإيمان بهذا المعنى الصحيح، ولكنه قد لا يكون قام بمقتضياتها وبلوازمها من العمل الصالح والانتهاء عن المعاصي فقد يدخل النار كجزاء لما فعل وارتكب من معاصي، أو أخل ببعض الواجبات، ثم تنجيه هذه الكلمة الطيبة، هذا معنى قوله عليه السلام: «من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره» (¬1)، أما من قالها بلسانه ولم يفقه معناها، أو فقه معناها ولكنه لم يؤمن بهذا المعنى فهذا لا ينفعه قوله: لا إله إلا الله، إلا هنا في العاجلة وليس في الآجلة. لذلك لا بد من تركيز الدعوة إلى التوحيد في كل مجتمع أو تكتل إسلامي يسعى حثيثاً وبحق إلى ما يدندن به كل الجماعات الإسلامية، أو لعل الأدق أن نقول: جل الجماعات الإسلامية، وهو تحقيق المجتمع الإسلامي وإقامة الدولة المسلمة التي تحكم بما أنزل الله، هذه الجماعات أو هذه الطوائف لا يمكنها أن تحقق هذه الغاية التي أجمعوا على تحقيقها وعلى السعي حثيثاً إلى جعلها حقيقة واقعة إلا بالبدء بما بدأ به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أعيد التنبيه إلى أنه لا أعني بهذا الكلام في بيان الأهم فالمهم وما دونه، هو أن يقتصر الدعاة فقط على الدعوة إلى هذه الكلمة الطيبة وفهم معناها؛ لأن الإسلام بعد أن أتم الله عز وجل علينا النعمة بإكماله لدينه، فلا بد لهؤلاء الدعاة أن يحملوه كلاً لا يتجزأ. وأنا حين أقول هذا أقول بعد ذاك البيان الذي خلاصته أنه يجب على الدعاة ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم6434).

[76] باب نصيحة الشيخ لبعض الداعيات أن تجعل التوحيد أولى أولوياتها

الإسلاميين حقاً أن يهتموا بالأهم مما جاء به الإسلام وهو تفهيم المسلمين العقيدة الصحيحة النابعة من الكلمة الطيبة: لا إله إلا الله، لكني أريد أن ألفت النظر إلى أن هذا لا يعني أن يفهم المسلم فقط أن لا إله إلا الله معناها: لا معبود بحق في الوجود إلا الله فقط، بل هذا يستلزم أن يفهم العبادات التي ينبغي أن يتعبد ربنا عز وجل بها، ولا يوجه شيئاً منها لعبد من عباد الله تبارك وتعالى، هذا التفصيل لا بد أن يقترن بيانه أيضاً مع ذلك المعنى الموجز للكلمة الطيبة. "الهدى والنور" (750/ 14: 02: 00) [76] باب نصيحة الشيخ لبعض الداعيات أن تجعل التوحيد أولى أولوياتها [قال الإمام في سياق نصيحته لبعض الداعيات]: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (الطلاق:2، 3) فقد جعل الله لكن مخرجاً هذا المسجد إن شاء الله حينما ضاق بكم دار أختكم، وعسى أن يكون ما وراء ذلك أوسع لكم مما ادخر لكم في الغيب، ولكن عليكن أن تصبرن فالدعوة إذا لم يقترن معها الصبر تعود القهقرى لا سمح الله، هذا أولاً، وثانياً هذا المسجد الذي فيه ما ذكرت من بعض الناس من تلك الجماعة أو ذاك الحزب، وما دام أنهم ليسوا متعصبين كل التعصب فأرجو أن تكون عاقبة الدعوة زيادة في الانتشار بواسطة التدريس في ذاك المسجد، ولكن أنصح باستعمال السياسة الشرعية المتضمنة في قوله تعالى المعروف لدى المسلمين والمسلمات جميعاً {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125) وأن تكون منطلق البحث والتدريس هو كما قيل: العلم إن

[77] باب أصل دعوة الأنبياء والرسل هو دعوة التوحيد وبيان أقسام التوحيد وما يضادة

طلبته كثير والعمر عن تحصيله قصير، فقدم الأهم منه فالأهم ولا يخفى عليكن أن أهم شيء في الإسلام هو التوحيد والعقيدة الصحيحة، ولذلك فينبغي البدء بهذا الأصل الأول من أصول الإسلام {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19) وليكن هذا المنطلق من رسالة العقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي الحنفي فإنها وإن كان مؤلفها حنفي المذهب ماتريدي المشرب فإنه سليم بالمائة تسعة وتسعين، وهناك مسألة واحدة فقط خالف فيها منهجنا السلفي الحديثي وهو أنه يذهب إلى أن الإيمان فقط عقيدة وأنه لا يدخل في مسماه العمل الصالح خلافاً لأهل الحديث، ولذلك فليكن المنطلق في تدريس العقيدة من هذه الرسالة لصحتها على ما بينت آنفاً، ولأنها مقبولة حتى عند المخالفين للمنهج السلفي، هذه نصيحتي، خلاصتها الدعوة بالتي هي أحسن .. بالحكمة والموعظة الحسنة والبدء بالعقيدة انطلاقاً من هذه الرسالة الطيبة .. "الهدى والنور" (664/ 12: 01: 00) [77] باب أصل دعوة الأنبياء والرسل هو دعوة التوحيد وبيان أقسام التوحيد وما يضادة أصل دعوة كل الأنبياء والرسل إنما هي قائمة على عبادة الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له. فكل نبي بعثه الله، وكلُّ رسول أرسله الله إلى قومه فإنما كان أول ما يدعوهم إليه: أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطاغوت. على هذا جاء رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعلى هذا الأساس وقع الخلاف بينه وبين قومه، لأنهم كما تعلمون جميعاً والمسألة لا تحتاج إلى كثير من البيان والتفصيل،

فقد كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى فلما دعاهم أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، ودعاهم إلى أن يقولوا: معه: لا إله إلا الله، استكبروا عن ذلك وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5). كما أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان أول ما بدأ بالدعوة هي: دعوة قومه إلى هذا التوحيد، كذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا أرسل رسولاً من طرفه إلى قبيلة من قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام، فلم تكن دعوة رسول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الإيمان بإسلام غير واضح معالمه، وإنما كانت دعوة رسول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما كانت دعوته إلى الإسلام أن يعبدوا الله وحده لا شريك له. على هذا أدب النبي صلى الله علي وآله وسلم أصحابه، وعلمهم كذلك أن يدعوا غيرهم إلى دين الله عز وجل. من ذلك ما جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما بعث معاذاً إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام، ولعلكم تعلمون أن اليمن يومئذ كان يجمع بين أقوام مشركين وأقوام آخرين من أهل الكتاب، من الذين يدعون مع الله عيسى بن مريم، لذلك أوصى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رسوله معاذاً حينما بعثه إلى اليمن قال له: «ليكن- وهنا الشاهد- ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك فمرهم بالصلاة ... الخ الحديث». والشاهد من هذا الحديث ومن الآية السابقة وما في معناها وهي آيات كثيرات طيبات في كتاب الله عز وجل: أن دعوة الرسول، دعوة أتباع الرسل إنما يكون اهتمام بدعوة من حولهم إلى هذه الكلمة الطبية: إلى شهادة أن لا إله إلا الله.

ولكن المسلمين اليوم بسبب بعد عهدهم بإسلامهم وبدينهم الذي جاءهم به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - طاهرا نقيا كما جاء في الحديث: «ليلها كنهارها». بسبب هذه المسافة الشاسعة التي حالت بين المسلمين وبين تلقيهم الإسلام هكذا غضاً طرياً قد دخل في الإسلام، في أصوله فضلا عن فروعه ما لم يكن من قبل له وجود، أوْ لَهُ ذكر عن المسلمين الأولين. يضاف إلى ذلك: أن القرآن الكريم كما تعلمون جميعاً أنزله الله على قلب محمد صلى الله علي وآله وسلم بلسان عربي مبين، وإلى العرب ... الذين نزل القرآن بلسانهم، فكان ميسراً لديهم أن يفهموه دون أن يتولى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بيان الكثير منه إلا ما كان له علاقة ببيان الأحكام التي تكون أصولها موجودة في كتاب الله عز وجل، أما نحن اليوم فلدخول العجمة في ألسنتنا نحن معشر العرب أصبحنا لا نفهم من القرآن الكريم من حيث اللغة العربية عل الأقل ما كان يفهمه العرب الأولون، وفهم المشركون الذين حاربوا دعوة التوحيد، كأبي جهل وأمثاله فقد كانوا بسبب لغتهم يفهمون حينما يقول لهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله».فهم يفهمون أن معنى هذه الشهادة: الكفر بكل ما سوى الله تبارك وتعالى فما عبد من دونه، في عهد المشركين الذين بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرة أو فيمن قبلهم، فكل هؤلاء وهؤلاء من المشركين كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى. فكلمة الإله في اللغة العربية التي نزل بها القرآن كما ذكرنا وفهمها العرب الذين بعث إليهم الرسول عليه السلام مباشرة اليوم كثير من المسلمين لا يفهمون هذه اللفظة حق فهمها، وإنما قد يفهمونها بمعنى آخر ليس مرادًّ فاللفظة: «لا إله»

إنما هو جزء من المعنى الذي يدل عليه لفظ: «الإله». نحن نعلم اليوم حينما نسمع من بعض المسلمين حتى ممن قد يعدون أنفسهم من الدعاة فضلا عن عامة الناس أنهم يفهمون أن معنى الإله: هو بمعنى الرب؛ فيفسرون الكلمة الطيبة التي هي أصل الإسلام كما تعرفون وكما سمعتم الحديث السابق ذكره يفهمون لا إله: أي لا رب إلا الله، وهذا فهم قاصر ناقص، من شهد أن لا إله إلا الله بمعنى: أن لا رب إلا الله فقط، وأرجو أن تنتبهوا لقولي فقط؛ لأنني أريد أن أقول: لا إله تعني: لا رب وشيء أخر: أي لا رب يعبد إلا الله عز وجل وبحق، فلا إله لا تعني لا رب إلا الله، لا خالق إلا الله فقط؟ لا، لابد من أن يضم إلى ذلك في عقيدة المسلم الذي لا بد أن يتشهد بهذا الكلمة الطيبة: لا إله إلا الله أن يكون قد فهم أن معناها: لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى. فإذا فهم المسلم هذا الفهم الصحيح؛ فهو قد استقام على الجادة، وأخذا الخيط الأول منها. ثم علية بعد ذلك أن يحقق هذا المعنى الذي فهمه وآمن به وصدقه، أن يحققه في حياته التي يزعم بأنه يعبد الله عز وجل فيها وحده لا شريك له. كثير من الناس يتوهمون أن العبادة فقط إنما هي أن تصلى لله وحده لا شريك له، وأنك إذا ركعت, سجدت أو استغثت أو استعنت في الشدائد بغير الله عز وجل لا تكون أضررت بشهادتك بقولك: لا إله إلا الله، كثير من الناس يتوهمون أن من استعان بغير الله في الشدائد هذا لا يناقض شهادة التوحيد، هذا خطأ فاضح واضح جداً؛ لأن هذا الشهادة تعني: أن لا معبود بحق في الوجود إلا الله، وأنت إذا استعنت بالله عز وجل في حالة الشدة حيث لا يمكن لأحد من البشر أن يغيثك، سواء كان من الأحياء أو الأموات؛ فقد جعلت هذا المستغاث، شريكا مع الله

تبارك وتعالى وحينذاك تكون قد أخللت بهذه الشهادة، ولم تؤمن بها حق الإيمان. كل مسلم اليوم من يصلى، لا تصح صلاته إلا إذا قرأ فاتحة الكتاب كما تعلمون. فهو في أوله يخاطب ربه بقوله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:5). كثير من الناس يفهمون أنه لا يجوز عبادة غير الله، وهذا هو الأصل الأول من هذه الكلمة الطيبة التي يجب على المسلم أن يفهمها، ولكن لا ينتبهون إلى أن تمام الآية {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. إنها تعني: أن الاستعانة بغير الله عز وجل تناقض عبادة الله وحده لا شريك له؛ ولذلك فحينما نسمع بعض الناس أو نراهم يستعينون في الشدائد ببعض الصالحين، أو الأولياء أو الأنبياء، وهم يعلمون أنهم لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً؛ حينئذ لا يكونون قد فهموا معنى: لا إله إلا الله؛ بينما أنكروها على رسول الله، وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5). الفرق بين المسلمين اليوم والمشركين قديماً وحديثاً: أن المشركين، أعني بهم: العرب خاصة كانوا يفهمون معنى هذه الشهادة ولكن لا يؤمنون بها، أما المسلمون اليوم فالقليل منهم من يفهمها، ويؤمن بها حقاً، كثير منهم يشهدون بألسنتهم، ولكن كما قال تعالى في بعض الأعراب: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ في قُلُوبِكُمْ} (الحجرات: 14). والإيمان لا يتسرب إلى قلب المؤمن إلا بشيئين اثنين:

الأول: الفهم الصحيح. الثاني: الإيمان الصحيح لذلك نعى ربنا عز وجل على أقوام يقرؤون القرآن، لكن لا يفهمونه، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد: 24). فمن الأسس التي جاء بها الإسلام: فاعلم، في القرآن: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19). لذلك المسلمون اليوم مسلمون ولا شك؛ لأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فهم من هذه الحيثية فارقوا المشركين الذين لم ينطقوا بهذا الشهادة؛ لأنهم كانوا يعلمون أن النطق بها يلزمهم القيام بحقائقها ولوازمها ومقتضياتها. من ذلك: أن لا يعبدوا إلا الله تبارك وتعالى وهكذا ما كانوا يصرحون به: أنهم لا يؤمنون به. لذلك قال عز وجل في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3). فقد صرحوا بأنهم يعبدون مع الله آلهة أخرى، فما هي عبادتهم؟ هل كانوا يصلون وهم لا يعرفون الصلاة هل كانوا يصلون لتلك الآلهة: تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله؟ الجواب: لا. إذن ما هي عبادة المشركين؛ وإنما لتقربهم إلى الله زلفى؟. ماذا كان هؤلاء الجاهليون، هؤلاء المشركون، ماذا كانوا يفعلون مع أولئك المعبودات من دون الله عز وجل؟

كانوا يذبحون لهم، وأنتم تعلمون هذه الحقيقة، كانوا يذبحون، كانوا ينذرون لهم نذورا، كانوا في الشدائد يستغيثون بهم؛ لكن إذا جاءت شدة يعلمون أنه لا مغيث لهم منها إلا الله حينئذ ذكروا الله عز وجل ولجأوا إليه كما هو مصرح في عديد من الآيات الكريمة، إذن المسلم يجب أن يتعلم الأشياء التي تنافى التوحيد حتى يكون منزهاً من الوقوع فيها من حيث لا يدري ولا يشعر؛ لذلك جاء في بعض الأحاديث: «من قال: لا إله إلا الله وكفر بما سوى الله دخل الجنة» (¬1) فلا بد من الجمع بين إثبات العبادة لله عز وجل ونفي العبادة عن غير الله عز وجل. العبادات كثيرة، وكثيرة جداً. فكلُّ ما تعبدنا الله عز وجل به، كلُّ ما تعبد الله به من العبادات، سواء كانت من الفرائض أو الواجبات أو المستحبات، فلا يجوز للمسلم أن يتوجه بشيء منها إلى غير الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم كما تعلمون: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} (الأنعام: 162) أي: وأضحيتي وذبحيتي {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162). فمن ذبح لغير الله معنى ذلك: أنه عبد غير الله، ليس من الضروري أن يصلى لهذا الغير، يكفيه شركاً أن يذبح لغير الله، يكفيه شركاً أن ينذر لغير الله، يكفيه شركاً أن يحلف بغير الله، كل هذه الأشياء جاء النص في السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في لعن فاعلها: «من ذبح لغير الله فهو ملعون» (¬2). مطرود من رحمة الله، لماذا؟ , لأنه تقرب إلى غير الله بما لا يجوز له أن يتقرب به إلا إلى لله تبارك وتعالى لذلك بارك الله فيكم لا ينبغي لكم أن تكتفوا بأن تتكلموا سواء في الصلاة أو خارج ¬

(¬1) صحيح مسلم (رقم139). (¬2) صحيح مسلم (رقم5239).

الصلاة تسبحون الله وتكبرونه وتهللونه: فتقولون: لا إله إلا الله، ثم لا تفهمون معناها جيداً، وهأنذا قد ذكرتكم ببعض الأمثلة التي هي من واقع كثير من المسلمين اليوم. نحن لا نتكلم عن أمور خيالية، وإنما هي مع الأسف أمور مشهودة وواقعة بصفوف كثير من المسلمين لا أقول: من عامتهم، بل ومن بعض خاصتهم الذين على الأقل إن لم يفعلوا فعل عامتهم، أيدوا فعل عامتهم، وقالوا: دعوهم وشأنهم، نيتهم طيبة. هذا هو الضلال المبين، هذا إقرار للشرك الذي يقع فيه بعض الجهلة من المسلمين بديل أن يحرروهم، وأن ينبهوهم ولا بأس أن يتلطفوا معهم: أن يقولوا مثلاً: أنت يا أخي لما تنذر نذراً للولي الفلاني تريد أن تحترم وأن تقدس هذا الولي لصلاحه وتقواه، ولكن كما قيل: أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل. ما يكون تعظيم الأولياء والصالحين بمخالفة الأولياء والصالحين فيما كانوا عليه من عبادة وصلاح وعقيدة، الصالحون لا يعبدون إلا الله، ومن ذلك: أنهم لا يذبحون إلا لله، ولا ينذرون إلا بالله، ولا يحلفون إلا لله، فإذن أنت أيها الأخ المسلم لا تذبح للقبر الفلاني، للولي الفلاني. اذبح لله عز وجل وقل بلسانك وبلبك: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162). فلا يجوز للمسلم أن يفرق بين صلاته فيقول: أنا لا أصلى إلا لله، وهذا حق، فينبغي أيضاً أن يقول ويلتزم ما يقول: ألا يذبح إلا لله؛ لأنه من ذبح لغير الله فهو ملعون كما جاء في صحيح مسلم بالسند الذي لا غبار

عليه من حيث الصحة: «ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غير تخوم الأرض» (¬1) الحديث له تتمة حسبنا الآن هذا الشاهد منه: «ملعون من ذبح لغير الله». «لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» (¬2)، «من حلف بغير الله فقد أشرك» (¬3). اليوم الحلف بغير الله أمر منتشر بين العرب وهذا أمر عجيب جداً الحلف بغير الله منتشر بين العرب أكثر من كثير من العجم. فالعرب هم الذين حملوا الدعوة الأولى، وهم الذي يليق بهم، وهم أولى أن يحملوها في هذا الزمن؛ لأنهم هم الذين باستطاعتهم أن يفهموا كلام الله وكلام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فهما صحيحاً. والشاهد: أن كلمة لا إله إلا الله، التي ينجو بها المسلم في الدنيا من أن يقاتل، أو يفرض عليه الجزية، ويدفعها عن يد وهو صاغر، وينجو يوم القيامة من الخلود في النار، هذه الكلمة الطيبة لا تفيده إلا إذا فهمها فهماً صحيحاً، وآمن بهذا الفهم الصحيح إيماناً صادقاً ثم طبقه في حياته، في منطلقه في حياته. لذلك تذكروا في نهاية هذا الكلمة كلمة حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه الذي كان يقول: «كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يسألون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الخير، وأسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه» (¬4). ¬

(¬1) المصدر السابق. (¬2) البخاري (رقم3624). (¬3) صحيح الجامع (رقم6204). (¬4) البخاري (رقم3411) ومسلم (رقم4890).

فإذن عليكم أن تسألوا عن الشركيات، وعن الوثنيات التي تنافي كلمة التوحيد؛ حتى يكون توحيدكم واضحاً في أذهانكم، ومستقرا في قلوبكم، وظاهرا انطلاقكم على هذا الفهم الصحيح، والإيمان الصحيح. فلا بد إذن من الجمع بين الإيمان بعبادة الله وحدة لا شريك له، وبين معرفة ما يناقض هذا التوحيد الصحيح من الشركيات والوثنيات. أقول كلمة أخيرة: إن المسلمين اليوم، وأعني بهم الخاصة منهم والدعاة منهم، لا يدندنون مطلقاً حول تفهيم المسلمين شهادة لا إله إلا الله وما يلزمها وما يعارضها وينافيها. يتوهمون أن المسلمين اليوم كلهم والحمد لله موحدون، ولا يتذكرون أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام عند العلماء والمحققين، الذين فهموا الكتاب والسنة فهماً صحيحاً بعدما دخلت العجمة إلى لسان العرب، ودخل فيهم من الشركيات والوثنيات ما لم يكن للسلف الأول، ما لم يكن لهم عهد بذلك. هؤلاء العلماء جعلوا التوحيد ثلاثة أقسام: 1 - توحيد الربوبية وأذكر بأن توحيد الربوبية الذي هو التوحيد الأول وهو الذي هو أساس ما سيأتي من التوحيد الثاني والثالث، هذا التوحيد كان المشركون الأولون يؤمنون به. فهل نفعهم شيء من ذلك؟. الجواب: لا. لماذا؟ لأنهم كفروا بالتوحيد الثاني وهو توحيد العبادة، وقد شرحت لكم آنفاً كيف

كانوا يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3). أما أنهم كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية فذلك مذكور في نصوص من الكتاب والسنة ونصوص كثير ة، وكثيرة جداً. قال الله تعالى مثلاً في بعض تلك النصوص: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25). إذن هم يعرفون بأن خالق السموات والأرض إنما هو الرب واحد لا شريك له. والآيات في هذا المعنى كثيرة ومعروفة. لكني أكرر لكم حديثاً: كيف كانوا يصرحون بعبادة غير الله عز وجل مع أنهم يوحدونه توحيد ربوبية، كان أحدهم إذا طاف حول الكعبة يلبى كما كان سيدنا إبراهيم وإسماعيل ومن سار على مسيرتهم يلبون، فيقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك؛ إلى هنا هذه تلبية الموحدين، لكن ماذا كانوا يقولون هم من عند أنفسهم وشركهم وضلالهم؟ كانوا يقولون بعد: لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك، لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك، فكان عليه الصلاة والسلام وهو لا يزال في مكة قبل أن يهاجر إلى المدينة حينما يسمعهم وهو يدعوهم دائماً وأبداً ليلاً نهاراً إلى ألا يعبدوا إلا الله لا شريك له: كان عليه السلام إذا سمعهم يقولون: لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك قبل أن يقولوا هذه الجملة الاستثنائية يقول: «قد قد» (¬1) يعني حسبكم لا تزيدوا، قفوا عند قول لا شريك لك قط قط. ¬

(¬1) مسلم (رقم2872).

لكنهم لا يبالون؛ لأنهم مشركون، فيقولون: إلا شريكا تملكه أنت وما ملك انظروا ضلالهم، ما قيمة هذا الشريك الذي هو عبد مملوك لله الذي بحق لا شريك له؟ ذلك هو الضلال البعيد. لذلك العلماء يقسمون التوحيد إلى أقسام: 1 - توحيد الربوبية، وهذا ما كان المشركون يؤمنون به كما ذكرت. 2 - توحيد العبادة، وقد يسمى بتوحيد الألوهية: أي لا إله: أي لا معبود بحق في الوجود إلا الله، كانوا يكفرون بهذا التوحيد قد سمعتم ما فيه الكفاية آنفاً. 3 - التوحيد الثالث: توحيد الأسماء والصفات: أي كما أن الله عز وجل واحد في ذاته فهو واحد في ألوهيته وعبوديته، لا يعبد معه سواه، كذلك هو واحد في أسمائه وصفاته، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى: 11). هنا لا بد لي أيضاً من وقفة والأمر كما يقال ولو طال: الحديث ذو شجون. إن كثيراً من المسلمين اليوم يقعون في شرك الأسماء الصفات، كثير من الناس وبخاصة أولئك الذين يميلون إلى ما يسمونه التصوف، أولئك الصوفيون، الذين يعتقدون في بعض الأولياء والصالحين، أنهم يطلعون على ما في القلب، وأنهم يعلمون الغيب، حتى إنهم لم يقتصروا على هذه الضلالة، بل إنهم يتقربون إلى الله عز وجل حينما يصفون عبداً من عباد الله بما لا يليق وَلاَ بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم. ماذا ترك هذا الواصف لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن من علمه من هذه كما يقول اللغويون: تبعيضية: أي من بعض علومك يا رسول الله: علم اللوح والقلم.

ماذا ترك هذا الواصف في شعره هذا لله تبارك وتعالى وهو القائل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65). {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65)؟ إذن رسول الله المصطفى الذي هو سيد الرسل والأنبياء هو لا يعلم الغيب بشهادة هذا القرآن الكريم بذلك جاء في حديث في صحيح البخاري ومسلم، حديث طويل والشاهد منه قول السيدة عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها: «ومن حدثكم أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يعلم ما في غد فقد افترى على الله». أو قالت: فقد أعظم الفرية على الله ثم تلت الآية السابقة: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65). وجاء أيضا في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بجارية من جواري الأنصار وهي تغني وتقول: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال عليه الصلاة السلام: «لا يعلم الغيب إلا الله، دعي هذا وقولي مثلما كنت تقولين» (¬1). في وصف الرسول عليه السلام بما وصفه الله في القرآن الكريم، كمثل قوله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4). لذلك فاحفظوا هذا وتفقهوا فيه، التوحيد ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية: وهذا لا بد منه، لكن المشركين لما آمنوا به ما أفادهم شيئاً، لا يتم التوحيد إلا بالثاني والثالث. الثاني: توحيد العبادة؛ ألا تعبدوا غير الله. ¬

(¬1) البخاري (رقم4852).

[78] باب فضل التوحيد وأنه ينجي من الخلود في النار

التوحيد الثالث: هو أن توحِّدوا الله في أسمائه وفي صفاته فلا تصفون بشراً بصفة من صفات الله، منها: أن تظنوا بأن أحداً من المصطفين الأخيار يعلم الغيب، لا يعلم الغيب إلا الله. "الهدى والنور" (741/ 58: 04: 00) [78] باب فضل التوحيد وأنه ينجي من الخلود في النار [قال الإمام]: إن شهادة أن لا إله إلا الله تُنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة ولو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام الخمسة الأخرى كالصلاة وغيرها. "الصحيحة" (1/ 1/175). [79] باب الموحد لا يخلد في النار [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله: انظروا: إذا أنا متُّ أن يحرِّقوه حتى يدعوه حمماً، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم ريح، "ثم اذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله؛ لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين"، فلما مات فعلوا ذلك به، "فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه"، فإذا هو "قائم" في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا ابن آدم! ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي ربِّ! من مخافتك (وفي طريق آخر: من خشيتك وأنت أعلم)، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيراً قطُّ إلا التوحيد». [قال الإمام]: وفي الحديث دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار؛ مهما كان فعله

[80] باب الذنب وإن عظم لم يكن موجبا للنار متى ما صحت العقيدة

مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية، وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. يؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط. ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها، فانظره بالرقم (3054). "الصحيحة" (7/ 1/105، 116). [80] باب الذنب وإن عظُم لم يكن موجباً للنار متى ما صحت العقيدة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إنّ الله قد غَفَرَ لك كَذِبَكَ بتصديقِكَ بـ " لا إله إلا الله "». [قال الإمام]: (فائدة): قال البيهقي عقب حديث الحسن هذا: " هذا منقطع، فإن كان في الأصل صحيحاً فالمقصود منه البيان: أن الذنب وإن عظم لم يكن موجباً للنار متى ما صحت العقيدة، وكان ممن سبقت له المغفرة، وليس هذا التعيين لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ". "الصحيحة" (7/ 1/176، 181 - 182).

[81] باب أهمية التوحيد وبيان أنه لا تنفع الأعمال الصالحة بدونه

[81] باب أهمية التوحيد وبيان أنه لا تنفع الأعمال الصالحة بدونه [قال الإمام]: وأما الركن الأول من هذه الأركان الخمسة " شهادة أن لا إله إلا الله " فبدونها لا ينفع شيء من الأعمال الصالحة، وكذلك إذا قالها ولم يفهم حقيقة معناها، أو فهم، ولكنه أخل به عملياًّ كالاستغاثة بغير الله تعالى عند الشدائد ونحوها من الشركيات. "الضعيفة" (1/ 213). [82] باب لا يُحدث العامة بأحاديث قد يساء فهمها في فضل التوحيد [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أبشروا وبشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة». [ترجمه الإمام بقوله: ما كل حديث تُحَدَّثُ به العامة، ثم قال]: أخرجه أحمد (4/ 411) حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: (فذكره). فخرجوا يبشرون الناس، فلقيهم عمر رضي الله عنه فبشروه، فردهم. فقال: رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " من ردكم؟ ".قالوا: عمر قال: لم رددتهم يا عمر؟ " قال: إذا يتكل الناس يا رسول الله! قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وأبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب الأزدي. وحسنه

الحافظ (1/ 200) فقصر وكأنه أراد طريق مؤمل الآتية. ثم أخرجه أحمد (4/ 402) حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة به وزاد في آخره." قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ".لكن مؤمل بن إسماعيل فيه ضعف من قبل حفظه إلا أنه يشهد له حديث أبي هريرة بمثل هذه القصة. مطولا بينه وبين عمر، وفي آخرها: " قال عمر: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: فخلهم ". أخرجه مسلم (1/ 44) من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة. وفي قصة أخرى نحو الأولى وقعت بين جابر وعمر، وفي آخرها: " قال: يا رسول الله! إن الناس قد طمعوا وخبثوا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (يعني لجابر): اقعد ".أخرجه ابن حبان (رقم 7) بإسناد صحيح من حديث جابر. وفي الباب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو الآتي بعده، وفيه: " قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله؟ قال: دعهم يعملوا ".وقد أخرجه البخاري (1/ 199 - فتح) ومسلم (1/ 45) وغيرهما من حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل قال: يا معاذ ... " الحديث وفيه: «أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذا يتكلوا» وأخبر بها معاذ عند موته تأثما».وأخرجه أحمد (5/ 228 و229 و230 و232 و236) من طرق عن معاذ قال في أحدها: " أخبركم بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يمنعني أن أحدثكموه إلا أن تتكلوا، سمعته يقول: «من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه، أو يقينا من قلبه لم يدخل النار، أو دخل الجنة» وقال مرة: «دخل الجنة ولم تمسه

[83] باب منه

النار».وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد ترجم البخاري رحمه الله لحديث معاذ بقوله: " باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله" ثم ساق إسناده بذلك وزاد آدم بن أبي إياس في " كتاب العلم " له: " ودعوا ما ينكرون ".أي ما يشتبه عليهم فهمه. ومثله قول ابن مسعود: " ما أنت بمحدث قوما حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ".رواه مسلم (1/ 9). قال الحافظ: " وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان, ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب, ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن, ونحوه عن حذيفة. وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحَجَّاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي. وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب. والله أعلم ". "الصحيحة" (3/ 297 - 299). [83] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي هريرة]: «اذهب بنعليِّ هاتَين؛ فمَن لقِيتَ من وراءِ هذا الحائط يشهدُ أن لا إله إلا الله مُستَيقِناً بها قلبُه؛ فَبَشِّره بالجنّةِ».

[قال الإمام]: أخرجه مسلم (1/ 44 - 45)، وأبو عوانة (1/ 9 - 10) من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثني أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة قال: كنا قعوداً حول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من بين أظهرنا، فأبطأ علينا، وخشينا أن يُقتَطَعَ دوننا، وفزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له باباً؛ فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة- والربيع: الجدول-، فاحتفزت فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: "أبو هريرة؟ ".فقلت: نعم يارسول الله! قال: "ماشأنك؟ ".قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي! فقال: "يا أبا هريرة! "، وأعطاني نعليه، قال: ... (فذكر الحديث).وقال: فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟! فقلت: هاتان نعلا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، بعثني بهما: من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه؛ بشرته بالجنة. فضرب عمر بيده بين ثديي، فخررت لاستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة! فرجعت إلى رسول الله عشية، فأجهشت بكاء، وركبني عمر، فإذا هو على إثري؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "مالك يا أبا هريرة؟! ".قلت: لقيت عمر، فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي؛ قال: ارجع! قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟! ".قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك؛ من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، بشره بالجنة؟! قال: "نعم ".قال: فلا تفعل؛ فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون. قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "فخلِّهم ".

[84] باب أقسام التوحيد والشرك

[قال الإمام]: وفي الحديث توجيه سديد للدعاة أن لا يحدثوا بأحاديث الترغيب والترهيب، إلا مع بيان المراد منها بالتفصيل؛ خشية أن يساء فهمها، فيتكلوا، فيبين مثلاً: أن الشهادة لله بالوحدانية يجب أن تفهم جيداً، بحيث تمنع قائلها من عبادة غير الله بأي نوع من أنواع العبادات المعروفة. وأن من شهد بها وقصر بالقيام ببعض الأحكام الشرعية، أو ارتكب بعض المعاصي؛ فذلك لا يعني أنه لا يستحق أن يعذب عليها؛ إلا أن يغفر الله له. "الصحيحة" (7/ 3/1708 - 1710). [84] باب أقسام التوحيد والشرك [قال الإمام]: الشرك كالتوحيد, التوحيد ثلاثة أقسام يقابله الشرك ثلاثة أقسام: - توحيد الربوبية. وهو أن تجعل مع الله إلها آخر كما جاء في حديث ابن مسعود في الصحيحين: «أن تجعل لله ندا وقد خلقك» (¬1) يعني شريكا في الخلق, هذا أكبر الكبائر. توحيد الربوبية يقابله الشرك في الربوبية, مثاله: المجوس الذين يعتقدون خالقاً للخير وخالقاً للشرـ لذلك قال عليه السلام: «القدرية مجوس هذه الأمة» (¬2) ¬

(¬1) البخاري (رقم4207) ومسلم (رقم267). (¬2) صحيح الجامع (رقم4442).

لأنهم يعتقدون أن الإنسان بيخلق الشر وربنا بيخلق الخير, فهذا شرك في الربوبية, فتوحيد الربوبية أول شيء يجب أن يكون المسلم مؤمن به وهذا سهل مفطور عليه الإنسان حتى الكفار في الجاهلية كما سمعتم كانوا يوحدون الله توحيد الربوبية, وقد جاء في صحيح مسلم أنهم كانوا في الجاهلية من ضلالهم يطوفون حول الكعبة عراة نساءً ورجالاً حتى كانت المرأة اللي كان عندها شوية بقية من حياء خجل لكن الجهل والعادات والتقاليد تعمي القلوب, شوفوا اليوم أنتم المسلمين رجالاً ونساءً صباح العيد وين رايحين؟ بدل ما يروحوا إلى المصلى بيروحوا عند القبور, أنت ذهاباً وإياباً بتلاقي الناس عاكفين على القبور, (هؤلاء) كانوا يطوفون حول الكعبة عراةً نساءً ورجالاً فتقول المرأة الواحدة منهم وهي تشير إلى فرجها: اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله وكانوا في أثناء هذا الطواف يقولون: لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك, إلا شريكاً تملكه وما ملَك. شو ها الشريك هذا, تملكه وما ملك, معتقدين بتوحيد الربوبية؛ أنه ليس مع الله خالق ثاني, لكن من أين جاءهم الشرك؟ في النوعين الثانيين, الأول قلنا توحيد الربوبية. - النوع الثاني: توحيد الألوهية. ويسمى بتوحيد العبادة, يعني أنت أيها العبد ما دام ءامنت بأن الله هو الذي خلقك وصورك, فهذا هو الذي يستحق أن تتوجَّهَ إليه بكل عبادتك, هنا كان الكفار _كفار قريش ومن دان دينهم _يكفرون بهذا التوحيد فكانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى وهذا أيضا كما حكاه في القرآن حكى عنهم إيمانهم بالربوبية وحكى

عنهم كُفْرُهم بالألوهية {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} (الزُّمر: 3) والذين اتخذوا من دون الله أولياء يعبدونهم من دون الله، إذا قيل لهم لماذا تعبدونهم من دون الله؟ قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى, إذاً هذا اعتراف منهم بأنهم يعبدون أولياءهم ولا يعبدونهم لذواتهم، وإنما كوسيلة تقربهم إلى الله زلفى، فكفروا بتوحيد الألوهية أو توحيد العبادة، ولذلك أيضا حكى ربنا عز وجل عنهم أنه قال {أَجَعَلَ الآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5) أجعل الآلهة: يعني المعبودات جعلها معبوداً واحداً، «إنَّ هذا لشيء عجاب» ماسمعنا بهذا في آبائنا الأولين, وقال ربنا في آية أخرى {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصَّفات: 35) تتضاعف المصيبة حينما نعلم أن الكفار كانوا يفهمون معنى لا إله إلا الله لكن لا يخضعون له أما كثير من جهلة المسلمين اليوم لا يفهمون معنى لا إله إلا الله ولذلك فليس هناك استكبار وإنما هو الجهل، فلا إله إلا الله معناها لا معبود بحق في الوجود إلا الله فهل المسلمون قاموا بحق هذه الكلمه _كلمة التوحيد _ هل هم بعد أن آمنوا بتوحيد الربوبية آمنوا بتوحيد الألوهية مع الأسف نقضوها هذا النوع من التوحيد نقضوه لماذا؟ لأنهم يأتون إلى قبور الأولياء والأنبياء والصالحين يصلون عندهم ويستغيثون بهم ويتوسلون بهم إلى الله وإذا سألتهم قالوا ما نعبدهم, لكن ما بيقولوا ما نعبدهم شوف من جهلهم لأنهم يفهمون العبادة بمعنى ضيق أنك تقعد تصلي لهذا القبر, لا هو ما بيصلي لكن بيقول: يا فلان أغثني، ما يعرف أن هذا صلاة وعبادة له, ما بيعرف لما بيقرأ في سورة الفاتحة [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] «الفاتحة: 5» أنه الاستعانة بالميت هو عبادة له، ما بيعرف أنه هذه عبادة، ولذلك إذا سألته أنت تعبد غير الله يقول أعوذ بالله، لكن هو منغمس في هذه الضلالة؛ أي: في عبادة غير الله أيضاً، هذا التوحيد الثاني توحيد الألوهية، أو توحيد العبادة.

[85] باب بيان أقسام التوحيد والشرك

- التوحيد الثالث والأخير: توحيد الأسماء والصفات. اعتقدتَّ أن الله واحد في ذاته لا شريك له في خلقه, اعتقدت أن الله واحد في عبادته لا تعبد معه سواه، بقي عليك أن تعتقد أنه واحد في صفاته، كما أنه واحد في ذاته فهو واحد في صفاته, لا تعتقد مثلاً أن هناك في البشر مهما سما أحدهم وعلا؛ بيرفع راسه هيك ويشوف بينكشف له اللوح المحفوظ وبيعرف اليوم فلان بِدُّه يموت شقي، وفلان بده يموت سعيد، فهو يعلم الغيب من دون الله عز وجل, والله يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا الله} (النمل: 65)، فإذا اعتقدت أن الشيخ الفلاني يعلم الغيب وهذا نحن نسمعه بآذاننا من الصوفيين أن الشيخ يكاشفنا, الشيخ كاشفنا بنكون احنا محضرين السؤال، ولسه ما طرحناه، والشيخ بيعطينا الجواب بدون ما نضع السؤال, صار في عقيدة في الناس، إشراك في القسم الثالث من التوحيد في أسماء الله وصفاته لا يعلم الغيب إلا الله، صار فيه أولياء بيعلموا الغيب ولذلك تجد أحدهم لا بيتاجر ولا بيسافر ولا بيتزوج ولا بيأتي بحركة تستحق الذكر إلا بعد استشارة الشيخ، والشيخ كاشفله يعني بيطلع له على الغيب, هذا كله كفر بلا إله إلا الله لماذا؟ لأننا لم نفقه بعد هذا التوحيد. "الهدى والنور" (52/ 00: 18: 00) [85] باب بيان أقسام التوحيد والشرك سؤال: بالنسبة عن الشيخ عن أحمد ديدات بيقول البعض يعني وسألنا عن منهجه، وإن شاء الله طبعا يكون من المناهج الطيبة الجيدة، فيقول بعض الناس، مش المهم المنهج، المهم أنه مسلم ... ، فلو تُبَيِّن لنا هذا يا شيخ الله يجزيك الخير؟ الشيخ: احنا حقيقة نرجو أن يكون الشيخ أحمد هذا على المنهج السلفي

القديم، الذي يؤمن بالله ويعبده حق عبادته، لكن نحنُ بحاجة أن نتذكر دائماً، أنه لا يلزم من مجرد إيمان الإنسان بوجود خالِق لهذا الكون أن يصبح بذلك مؤمناً، لابد أن يتحقق هناك شرطان أساسيان: الشرط الأول: أن يشهد أن لا إله إلا الله والشرط الثاني: أن محمداً رسولُ الله الشرط الأول: (لا إله إلا الله) لا يعني أن خالق الكون واحد وبس، لأنّه قد يجتمع في الإنسان إيمان وكُفر، قد يجتمع في الإنسان إيمان وكفر، الذي يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) طبعا هذا القول له لوازم، مرتبطة هذه اللوازم مع هاتين الشهادتين، فإذا تصورنا مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله، لكن بيقول إنه القرآن ناقص، إذا تصورنا مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن بيقول القرآن ناقص، هذا ما أفاده شهادة لا إله إلا الله، لأنه مثل عسل صبينا عليه حامض، أفسد العسل، وهكذا يجتمع في الإنسان إيمان وكُفر، لذلك قال تعالى في حق المشركين الأولين: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف:106)، الآية هاي تعطينا أنه الأقوام هذول مؤمنين لكن في الوقت نفسه هم مشركون، وما يؤمن أكثرهم بالله إلا والحالة هاي هم مشركون، إذن يجتمع في الإنسان إيمان وكفر، ضربنا لك مثالاً بإنسان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولكن [يقول]: القرآن ناقص، هذا كفر، هذا شرك، لكن هذا يؤمن بالله ويؤمن برسولِ الله، فصَدقَ عليهِ قولُه تعالى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف:106). لدقة الموضوع وهو أنه يجتمع في الإنسان إيمان وكفر، إيمان أو توحيد وشرك، أكثر الناس حتى في هذا الزمان يصدُق عليهم قول ربنا الآن: {وَمَا يُؤْمِنُ

أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف:106)، خلينا بقي ندخل للواقع، هؤلاء المسلمون الذين يصلون ويصومون ويحجون ويتصدقون، بيروحوا لمقام من المقامات، لقبر من قبور الأولياء، بيطلبوا منهم الشفاء، بيطلبوا منهم العافية، هدول {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف:106)، عالمين أنه الله موجود، لكن عبدوا مع اللهِ غيرَه والله يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:4) فاستعانوا بغيرِه تعالى، لذلك العلماء المحققين قسّموا التوحيد ثلاثة أقسام: 1 - توحيد الربوبية. 2 - توحيد الألوهية. 3 - توحيد الصفات. يعني الله واحد في ذاته، الله واحد في عبادته، يعني لا يُعبد معه غيره، الله واحد في صفاته، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، هذا ليس معناه أنه الله موجود وبس!، لا الله موجود ولا يشبهه شيء من مخلوقاته، فمثلاً النصارى في أعيادهم بينشروا هاي الصور، بتشوف في صورة الرب تبعهن، شيخ كبير السن لحية طويلة بيضاء، هذا هو ربُّ العالمين الذي ليسَ كمثلِه شيء؟ اليهود والنصارى بيآمنوا بأنه هذا الكون له خالق، فهم مؤمنون بالتوحيد الأول، شو إسمه هذا التوحيد؟ توحيد الربوبية، يعني أنه لهذا الكون خالق. السائل: دهري صاحب الكلام هذا؟! الشيخ: بيختلفوا هم بقى عن الدهريين، أو الطبيعيين، الذين يقولون .. ما فيه خالق ولا في مخلوق، اليهود والنصارى يقولون: الله هو اللي خلق الكون، فهم إذاً

موحدون، لكن توحيد الربوبية، يعني توحيد الخالقية، لكن بيجي توحيد الألوهية توحيد العبادة، اليهود عبدوا عُزيراً والنصارى عبدوا عيسى، هدول كفروا بتوحيد العبادة، فهم ما يقولون: (لا إله إلا الله) وإذا قالوها، بيقولوها إما نفاقاً وإما جهلاً بحقيقة المعنى، وإلا لو قالوها اعتقاداً ومؤمنين بها، ما عبدوا عيسى ولا خضعوا له ولا سجدوا له إلى آخره، ولا وضعوا صورته وصورة مريم في الكنائس، هدول إذاً مؤمنين من جهة، كفّار من جهة، مؤمنين من حيث أنهم مو مثل الدهريين بيقولون: ما في الله!، لا بيقولوا في الله، لكن شو فايدة القول لما بيشبهوا الله بالمخلوقات؟ مداخلة: أو بيعبدوا غيره! الشيخ: أو بيعبدوا غيرَه، آه! الشاهد من الكلام هذا، كثير من المسلمين ولا أعني العامة منهم فقط، بل وأعني كثيراً من الخاصّة، أنهم بيقولوا: (لا إله إلا الله)، لكنهم يعبدون غيرَ الله، وبيكفروا بالله من ناحية الصفات. الآن مثلاً إحنا نعرف أن كثيرين منهم، وغير اللي أشرنا إليهم، أنهم يدعون الموتى والصالحين، ويخضعون لهم ويصلون عندهم وإلى آخره، يقولون الله موجود في كل مكان، الله أكبر من كل شيء، وكان ولا شيء معه، شلون حشرتوه بهالكون؟ حتى بيقول قائلهم: وما اللهُ في التمثالِ ... إلا كثلجةٍ بها الماءُ تقدِر تفرق بين الثلج والماء؟! هيك الله عند هؤلاء، هذا كفر!، إن الله في القرآن الكريم غني عن العالمين، هنا حصروه في هذا الكون مثل دودة القزّ، دودة الحرير بتلف على نفسها، تحفر نفسها تنخنق وتموت، إن الله غني عن العالمين، هذول مؤمنين من جهة، كفّار من جهة.

لذلك ونحن في الواقع بيهمنا أن هذا الشيخ أحمد -جزاه اللهُ خيراً- قائم بواجب كبير، لكن هذا الواجب وهذا الجهاد إنما يفيدُه، إذا كان يؤمن بالله رباً واحداً أي ذاتاً واحدةً، ومعبوداً واحداً، ليس المقصود بأنه معبود واحد بمعنى أنه لا يصلي إلا له، لا، لو نادى الخَضْر في الضيق ما عبد الله وحده، لأن النداء عباده، قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الدعاء هو العبادة»، فنحن نرجو أن يكون قد درس في بلاده التوحيد الصحيح، فيكون موحداً لله في ذاته موحداً لله في عبادته موحداً لله -عز وجل- في صفاتِه، ثلاثة، حينذالك يكون جهاده لعله نستطيع أن نقول، قام بواجب أخل به جميع المشايخ. السائل: اللهً أكبر! الشيخ: إيه والله، الله يجزيه الخير السائل: الله يبارك فيك يا شيخنا، الله يبارك لنا في عمرك إن شاء الله. الشيخ: الله يحفظك. السائل: تفضل شيخنا. الشيخ: توحيد الربوبية المقصود منه أن يعتقد المسلم اعتقاداً جازماً أن خالق هذا الكون بما فيه واحد في ذاته، ليس له ند، .. ، وليس له شريك، المجوس يعتقدوا أنه فيه إلهين، إله خالق الشر، وإله خالق الخير، هذول أشركوا في توحيد الربوبية، عرفت كيف؟، فإذا المسلم لا سمح الله اعتقد أن مع الله من الأولياء والصالحين من يضر وينفع، ويحيي ويميت، ويطعم ويرزق، كفر بالتوحيد، توحيد الربوبية، وأشرك؛ لأنه جعل خالقَين، الله بيخلق الخير، بيخلق الشر، وكمان الأولياء والصالحين وبيرزقوا وبحييوا وبيموّتوا، لذلك بيروحوا لعندهم، يطلبون

[86] باب أقسام التوحيد والشرك والكفر

منهم بركات. السائل: فيه كثير نساء إذا ما بتحمل؛ تحمل حالها وتروح عند شجرة يكون تحتيه مقبور ولي تصير تربط فوقيه وكذا، نعم. الشيخ: الله أكبر، هذا اسمه شرك في الربوبية، الشرك في الألوهية هو شرك في العبادة، وهو أن يعبد غير الله ويؤمن أن الله واحد في ذاته، لكن بيذبح للولي فلاني، هذا أشرك في العبادة، بينادي الولي فلاني، هو صاير في التراب في قبره، بشر من البشر، يعقتد أنه بيسمع وأنه بيغيثه، وبيضر وبينفع، هذا صار شرك في العبادة. " الهدى والنور" (222/ 17: 19: 00) [86] باب أقسام التوحيد والشرك والكفر سؤال: موضوع الألوهية والربوبية، هل هذا نص في الإسلام أو هو اجتهاد لابن تيمية وغيره، وهل المسلم ملزم بأن يدرس التوحيد في هذه الصيغة، أو له أن يدرس التوحيد بصيغة مختلفة، على أن تؤدي إلى نفس النتيجة؟ الشيخ: إذا صح سؤال السائل، فإذا كنا نعتبر أن تقسيم بعض العلماء للتوحيد إلى ثلاثة أقسام، هذه وسيلة وليس الأمر كذلك باعتقادي فنحن نقول: بأي وسيلة على المسلم أن يفهم شهادة أن لا إله إلا الله التي أمر الله بفهمها في نص القرآن الكريم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19). لكن ما هي الوسيلة التي يريدون بها حينما يقولون: .. هو يفهم التوحيد بأي وسيلةٍ.

مداخلة: عفواً يا شيخ! هذا الاستفسار من عندي شخصياً. الشيخ: من عندك، نقول: سامحك الله! إذاً: ممكن أن نتحاور معك في هذا الموضوع، كيف يمكن الوصول إلى فهم هذه الشهادة، وهذه الكلمة الطيبة بوسيلة أخرى غير وسيلة التقسيم الذي شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية، الحق والحق أقول: ابن تيمية لم يأت بشيء جديد. توحيد الربوبية منصوص عليه في القرآن، توحيد الألوهية، توحيد الصفات، كل هذه الأشياء منصوصة في الكتاب والسنة ولكن ابن تيمية أوضح هذه المعاني بتفسير نصوصها من الكتاب والسنة فصار لزاماً على المسلم أن يتبناها بهذا الإيجاز؛ لأن ليس كل مسلم يستطيع أن يفهم مثلاً نص توحيد الربوبية من أين جاء؟ نص توحيد الألوهية أو العبادة من أين جاء؟ توحيد الصفات من أين جاء؟ عامة الناس المكلفين بفهم شهادة التوحيد هم لا يستطيعون أن يفهموها إلا بطريق أهل العلم. فإذا غضضنا الطرف عن تقسيم ابن تيمية موضحاً لنصوص الكتاب والسنة التي استلخص منها هذه الأنواع الثلاثة من توحيد الربوبية .. توحيد الألوهية .. توحيد الصفات، ما هي الوسيلة التي يمكن أن تصور لنصل إلى فهم هذه الحقيقة، حقيقة لا إله إلا الله؟ نحن نضرب مثلاً الآن: كثير من الخلف ومن المتمسكين ببعض المذاهب العقائدية لا يرون حرجاً مطلقاً في أن يقول قائلهم في أناشيدهم التي يسمونها: بالأناشيد الدينية: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

هذا القائل وأصبح قوله ديناً متبعاً، أصبح قوله أمراً مقرراً غير منكر، بل أصبح قولاً يتبركون به، ويحاولون الاستفادة من تلاوة هذه القصيدة بوضع كوز من ماء يحل في هذا الماء بركة هذا الكفر أو هذا الشرك في هذا الماء فيسقى المرضى ليحصلوا على الشفاء، هذا النوع يا ترى إذا تركنا الاصطلاح الذي كان للشيخ ابن تيمية فضل الأسبقية في شرحه وبيانه للناس، ماذا نسميه؟ هل هذا شرك في الربوبية .. هل هذا شرك في العبادة .. هل هذا شرك في الصفات؟ نحن نتنازل ما نقول: أنه من هذا أو من هذا أو من هذا .. لكن ماذا نستطيع نقول إذا تركنا هذا الاصطلاح؟ مداخلة: نقول: شرك، مثل ما قال النبي عليه السلام: «ويحك أجعلتني نداً لله» نقول: ما يجوز، لكن ماذا يصير لو فصَّلنا هذا التفصيل، طالما في كل واحد من هذه البنود الثلاثة الحال فيها شرك ... الشيخ: نحن سميناه شركاً وما اختلفنا في هذا، لكن هل هذا شرك يساوي شرك من أشرك بالله في عبادته؟ الذي سجد للصنم شأنه شأن الذي اعتقد بأن نبيه يعلم الغيب؟ لا شك هذا شرك، وهذا شرك، هذا كفر وهذا كفر لكن بلا شك الذي يدرس الكتاب والسنة يفهم أن هذا النوع من الشرك غير هذا النوع من الشرك، أنا أستغرب هذا السؤال في الحقيقة، وأستغرب أكثر قولك: أنه صادر منك ومع تصديقي لك أقول: هذا ليس صادراً منك لكنه صادر من الجو الذي تحيا فيه أنت، وهذا أكيد، وإلا كيف يمكن لإنسان يفقه الكتاب والسنة أن يقنع فقط أن يقول: هذا شرك؟ طيب! نمشي ..

مداخلة: عفواً شيخنا! ... العلماء مثلاً يدرسون التفصيلات هذه، ولكن أسأل لعامة المسلمين، هل لهم أن يدرسوا هذا التفصيل؟ .. الشيخ: أخي: عامة المسلمين نحن ذكرنا سلفاً، عامة المسلمين لا يستطيعون أن يفهموا مصادر هذه الأنواع الثلاثة، لكن عليهم أن يفرِّقوا بين شرك الربوبية وهو جحد الإله عز وجل كالشيوعيين والدهريين وأمثالهم، وبين شرك العبادة أن يسجد لعبد مخلوق مثله، وبين شرك الصفات الذي يقع فيه كثير من الصالحين، والسبب؛ لأنهم لم يُفَهَّمُوا أن هذا شرك ومن نوع شرك الصفات وليس شرك العبادة أو شكر الربوبية. ثم أعود لنقول: ماذا نقول في مثل قوله عليه السلام: «من حلف بغير الله فقد أشرك»؟ هل نقول: أشرك وانتهى الأمر، يعني: ندع العامة يفهمون النصوص على جهلهم وأنت تقول: وهل هم مكلفون أن يدرسوا؟ نحن نقول: لا، عليهم أن يفهموا وهم لا يستطيعون أن يدرسوا ولكن بناءً على ما نسمع نحن بعض الناس، أن هذا التقسيم أنتم أوجدتموه، أي: نحن أوجدناه، ماذا تقولون فيمن يقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم قال صاحبنا: لكن هو لا يستطيع أن يخالف عقيدته، لكن لا يمثل الآخرين الذين ابتلي بمصاحبتهم أو بمجادلتهم، قال: هذا شرك، وصدق لكن أولئك من الصعب جداً أن تأخذ منهم هذا الاعتراف، ثم إذا سلموا لك وقالوا لك كما قلت، هل فهمت أنهم فاهمون هذا الشرك فعلاً، أم قالوا لك الشرك جدلاً، كما لو قالوا لك: وحياة رأس أبوك! سيقولون لك: شرك، نعم، شرك لكن في الواقع هم يقرونه ولا يهتمون بإنكاره إطلاقاً، كذلك يقرون هذه الأناشيد التي فيها هذا النوع من

الشرك. فإذاً: أريد أن أقول: إذا لم يفهم العامي معنى الشرك وأقسامه ربما خلط بين ما اصطلح على تسميته، وأعود لأقول: لا مشاحة في الاصطلاح إذا لم يخالف شرعاً، ماذا يقولون في تقسيم العلماء وأظن أنهم لا يخالفون في هذا التقسيم كما هم يخالفون يخالفون في تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: شرك أكبر وشرك أصغر، هل يسلمون بهذا فيما تعلم منهم؟ مداخلة: يسلمون. الشيخ: حسنا! هل في الكتاب والسنة ما يسمى بشرك أكبر وشرك أصغر؟ طبعاً لا، لا يوجد هذا، إذاً: كيف يسلمون بتقسيم الشرك إلى شرك أكبر وأصغر مع اعترافهم، ونحن نشهد معهم أنه فعلاً لا نجد في الكتاب هناك شرك موصوف بأنه شرك أكبر، وهناك شرك موصوف بأنه شرك أصغر، هذا أولاً، وثانياً: ما نجد في الكتاب تفصيل الشرك الأكبر أجزاء وأجزاء، ولا نجد تفصيل الشرك الأصغر أيضاً أجزاء وأجزاء، وإنما هذا من فهم العلماء فهماً صحيحاً من كتاب الله، ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. فإذا سلموا إذاً معنا في تقسيم الشرك إلى أكبر وأصغر مع أنه لا يوجد عندنا أولاً هذا التقسيم ولئن وجد جدلاً فلا يوجد عندنا تفصيل الشرك الأكبر هو كذا وكذا وكذا، والشرك الأصغر هو كذا وكذا، فهل نحن حينئذ نخلط بين الشركين؟ إذا ما حلف إنسان بأبيه أو بجده أو برأسه أو ما شابه ذلك من الأيمان المحرمة، هل نقول بمجرد أنه حلف بغير الله: أشرك وارتد عن الدين؟ لا، نحن عندنا تفصيل أن من حلف بغير الله فقد أشرك، تارة يكون مشركاً مرتداً عن دينه،

وتارة يكون مشركاً شركاً لفظياً، وهذا أيضاً يذكرنا بتقسيم الكفر، وتقسيم الشرك إلى قسمين آخرين: كفر اعتقادي وكفر عملي، شرك اعتقادي وشرك عملي، ما في الكتاب والسنة. يعني: معنى هذا الموقف باختصار: إنكار جهود العلماء بصورة مطلقة في تقريبهم نصوص الكتاب والسنة، أصولاً كما يقولون أو فروعاً، فيا سبحان الله! إنه موقف عجيب غريب، لا ينكرون تعمق بعض العلماء في تفصيل الفروع إلى درجة أنهم تعرضوا لبيان بعض الفروع التي هي خيال، لا يمكن تصور وقوعها، والأمثلة في ذلك كثيرة وكثيرة جداً وبعضها مما يستحي المسلم من ذكرها خجلاً. أنا أذكر مثالين: مثال لهذا ومثال يقابله وليس فيه شيء من هذا الاستحياء ولكنه مستحيل: إذا مات رجل وخلف سبعين جداً، فكل جد كم يرث؟ كم حقه؟ أين سبعين جداً! يمكن نصل إلى آدم في سبعين جداً، ما هذا الخيال؟ ما أنكر هذا النوع من التفريع، وإذا أنكر على الخلف؟ قالوا: هذا من باب تشحيذ الأذهان، لكن ما بالكم إذا قال قائلهم، وهذا المثال الثاني الذي يُستحيَى من ذكره: إذا جلس الرجل من زوجته وأدخل عضوه فيها فانشطر عضوه قسمين: قسم دخل فيها وقسم خرج منها، هل يجب عليه الغسل أم لا؟ هذا التفريع لا أحد ينكره من هؤلاء الخلف. أما لماذا تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية والألوهية والصفات .. لماذا تقسيم الشرك إلى كبير وصغير .. لماذا تقسيم الكفر إلى كفر اعتقادي .. هذا مشكلة عويصة جداً، [انقطاع] بإقرار هذا الخلاف الذي هو موجود اليوم بين الناس، ولذلك صح فيهم قول العامة: كل مين على دينه الله يعينه.

[87] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية

أما: فهذا هو الحق ما به خفاء ... فدعني عن بنيات الطريق هذا أمر لا يتمثلون به، لعلي أجبت أيضاً. مداخلة: ... قضية (الانشغال) بإنكارهم هذا التقسيم، في الواقع ما جاءت من فراغ مثلما تفضل الأستاذ إنما هم مسبوقون، يعني: كثير من الكُتَّاب كأبي غدة وغيره وشخص اسمه مرزوق الميداني أو كذا في كتابه: براءة الأشعريين، تكلموا في هذه القضية وردوها، وفي الواقع: ردهم لهذا جاء نتيجة عملية المشاحنة التي بينهم وبين شيخ الإسلام فقط لا غير وبين الدعوة السلفية بشكل عام، مع أن شيخ الإسلام مسبوق بهذا بابن مندة، ابن منده في كتاب التوحيد له مثل هذا التقسيم، والدكتور الفقيهي محقق الكتاب أتى بالتاريخ الفعلي لهذه القضية وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام وأثبت أن شيخ الإسلام مسبوق بهذا وليس وحيداً. "الهدى والنور" (170/ 11: 17: 00) [87] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية [سئل الإمام عمن يُعَرِّفُ «لا إله إلا الله» بـ «لا رب إلا الله» هل هذا التعريف ينفعه، فأجاب رحمه الله]: كلا لا ينفعهم؛ لأن هذه العقيدة ليست كافية؛ لأن الكفار الذين عادوا الرسول عليه السلام، وقاتلوه، واضطروه للخروج من بلده والهجرة إلى المدينة المنورة كانوا يعتقدون هذه العقيدة، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25).

فآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين أن المشركين كانوا أولاً يؤمنون بوجود الله وثانياً لا يجعلون شريكاً لله في ذاته، فلا يعتقدون أن هناك خالقاً معه، نافعاً معه، ضاراً معه، بل كانوا يعتقدون أن الأمر كله بيده تبارك وتعالى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الله عز وجل لما أرسل الرسل وأنزل الكتب، لم يفعل ذلك لكي يدعو الناس إلى الاعتقاد بوجود الله وبأنه هو الضار النافع، وأنه لا شريك له في شيء من ذلك، ما بعثهم ولا أنزل الكتب من أجل هذا؛ لأن هذا أمر مفطور في الناس حتى المشركين، ولذلك صرحت الآية الكريمة أن المشركين إذا سئلوا: {أإلهٌ مَعَ اللَّهِ}، فرقوا بين الإله وبين الرب، فهم يشركون في الألوهية ولا يشركون في الربوبية، يعتقدون بأن الله هو رب العالمين وحده لا شريك له، وأنهم إذا وقعوا في مصيبة أو في بلية تضرعوا إلى الله والتجؤوا إليه؛ لما وقر في نفوسهم من أن الله هو الضار وهو النافع، فهم كانوا يؤمنون بما كان يسمى عند العلماء بتوحيد الربوبية، لكن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب لدعوة هؤلاء الناس جميعاً إلى عبادته وحده لا شريك له، ليس إلى اعتقاد أنه واحد في ذاته، وأنه لا خالق معه، لاحظ الاعتقاد كانوا يؤمنون به بصريح القرآن الكريم، وإنما الذين كانوا يكفرون به أن هناك أشخاصاً مخلوقين ويستحقون أن يعبدوا مع الله تبارك وتعالى، وهذا صريح في القرآن، حيث قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأعراف: 194)، الذين تدعونهم في الشدة هم عباد أمثالكم. {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} (فاطر: 14)؛ لأنهم يعتقدون أنهم عبيد، ولذلك قال عز وجل في الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3).

هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله أولياء إذا سئلوا: لماذا تعبدونهم من دون الله، قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}. إذاً: هم يؤمنون بأن المعبود الحق هو واحد لا شريك له في العبادة، ولكنهم من ضلالهم أنهم اتخذوا من بعض الصالحين أولياء يعبدونهم، يتوجهون إليهم بالدعاء والاستغاثة والركوع والسجود، لماذا؟ هم أجابوا بأنفسهم وألسنتهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}. فإذاً: المشركون الذين كانوا في عهد الرسول عليه السلام ما كان الخلاف بينهم وبين الرسول هو في أن الخالق واحد والرازق واحد، والمحيي واحد، والمميت واحد، هذا كانوا يؤمنون به، ولكن الخلاف كان في أنهم عبدوا غير الله عز وجل، خضعوا لغير الله عز وجل، فأشركوا مع الله في العبادة، وليس في الربوبية، ولذلك وصل ضلال هؤلاء المشركين إلى أنهم كانوا إذا طافوا بالبيت وهذا الطواف ورثوه من أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم دخلهم الشرك، فكان قائلهم يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً تملكه أنت وما ملك. لك شريك لكن هذا الشريك هو مملوك لك، وما معه أيضاً مملوك لك. إذاً: فالمشركون كفروا بتوحيد الألوهية، بتوحيد العبادة وليس بتوحيد الربوبية، ولهذا في القرآن الكريم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات: 35)، أما الآية السابقة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25)، ... قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5).

الشاهد أن الآية الأولى صريحة بأن المشركين يؤمنون بربوبية الله وحده لا شريك له، الآية الثانية صريحة بأنهم ينكرون أن يكون الإله واحد، ما معنى الإله إذاً؟ الإله: هو المعبود، فلما كان الرسول يدعوهم إلى أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، كانوا ينكرون ذلك ويقولون: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5). وفي الآية الأخرى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات: 35)، كيف يستكبرون وهم في الآية الأخرى ربنا يخبر عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25). معنى ذلك أن الربوبية شيء، والألوهية شيء آخر. الرب واحد باتفاق البشر جميعاً حتى المشركين الذين قاتلوا الرسول عليه السلام وعادوه كما ذكرنا، أما الإله فمتعدد عندهم، ولذلك استنكروا على الرسول عليه السلام حينما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والعبادة أنواع وأقسام، وأعظم عبادة تتجلى فيها حاجة الإنسان وعبوديته لله عز وجل هو الدعاء، ولذلك قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «الدعاء هو العبادة» (¬1)، ثم تلا قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر: 60). إذاً: المشركون، هذه نقطة مع الأسف كثير من الخواص المسلمين اليوم لم ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم3407).

يتنبهوا لها، وهو التفريق بين الربوبية وبين الألوهية، فالمشركون كانوا يؤمنون بوحدانية الله في الربوبية، ولكنهم كانوا يكفرون بوحدانية الله في العبادة والألوهية، ولذلك كانوا يقولون بأن لله شريكاً لكن هذا الشريك مملوك لله وما يملكه هذا الشريك، وعلى هذا فمعنى: لا إله إلا الله، لا يجوز تفسيره بمعنى: لا رب إلا الله، هذا اعتقاد المشركين لا يكفي، وإنما لا إله إلا الله، معنى هذه الكلمة التي جاءت في القرآن مأمور بها عليه السلام والمقصودين أمته: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19)، معنى هذا، فاعلم أنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله. ليس لا رب إلا الله، لا رب إلا الله، المشركون يؤمنون بهذا، يعني الخالق والرازق والمحيي والمميت، المشركون يعتقدون بأنه واحد لا شريك له، لكنهم يجعلون له شريكاً في العبادة. من هنا لا يجوز للمسلم أولاً أن يفهم هذه الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) بمعنى لا رب إلا الله، لأنه تعطيل لمعنى الألوهية والعبادة لله عز وجل وحده. ثانياً: إذا فهم المسلم هذه الكلمة الطيبة أن المعنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق في الوجود إلا الله، فلا يجوز له أن ينقض هذه العقيدة، عقيدة التوحيد في عبادة الله وحده لا شريك له عملياً، كثير من المسلمين اليوم يدعون في الشدائد غير الله، كما كان المشركون يفعلون تماماً، فهذا ينادي البدوي، وهذا ينادي عبد القادر الجيلاني، وهذا ينادي الشاذلي، ... إلى آخره. كل هؤلاء الأشخاص يُعْبَدُون اليوم من كثير من المسلمين بسبب جهلهم معنى هذه الكلمة لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق في الوجود إلا الله، ولهذا كان أول ما دعا إليه الرسول عليه السلام هو هذه الكلمة الطيبة، كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم - في

[88] باب الدفاع عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وبيان التوحيد الذي دعى إليه، مع التنبيه على أقسام التوحيد وخطر الشرك

الحديث الصحيح: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم عند الله» (¬1). «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله» لا يعني: أن لا رب، وإنما يعني أن لا معبود بحق إلا الله، فمن اعتقد أن لا معبود بحق إلا الله آمن بأن الرب واحد لا شريك له، لكن من آمن بأن الرب واحد لا شريك له بذاته، قد يكفر بالعبودية، بعبادة الله وحده لا شريك له، لأنه من عبادة الله الدعاء، فإذا دعا غير الله فقد اتخذه إلهاً من دون الله تبارك وتعالى. "الهدى والنور" (178/ 50: 02: 01) [88] باب الدفاع عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وبيان التوحيد الذي دعى إليه، مع التنبيه على أقسام التوحيد وخطر الشرك سؤال: ترددت كلمة الوهابية في كلام أخينا الشيخ أبو أحمد جزاه الله خير فحبذا لو توضح فإنها كلمة يعتريها كثير من كلام والناس ما بيعرفوها على حقيقتها هل هي فعلاً كما ذكر أو أيش المقصود بالوهابية ونسبة لأيش حتى تتضح الصورة وجزاكم الله خيراً؟ الشيخ: حسن، سؤال طيب الواقع أن هذه اللفظة: «الوهابية» هي خطأ لغةً، وخطأ عرفاً؛ أما اللغة فالوهابية نسبة إلى الوهَّاب والوهاب اسم من أسماء الله ... ، ¬

(¬1) البخاري (رقم25) ومسلم (رقم133).

والذين ينتسبون إلى هذا الوهابي فهم الوهابيون (فهذه) النسبة إذا أخذناها من الناحية العربية هي نسبة تشريف فلان وهابي يعني: منسوب إلى الوهَّاب وهو الله تبارك وتعالى، والوهابيون هون منسوبون لمن ينسب هذه النسبة فالمقصود بكلمة الوهابيين كما لا يخفى على الجميع هم النجديون، والنجديون ليس فيهم من ينتمي إلى هذا الاسم مع أنه خلاف ما يستعمل هو اسم تشريف وهابي، وليس اسم ذم وتقبيح، لكن من حكمة الله عز وجل ليظهر خطأ المفترين على المسلمين ينسبون هؤلاء الناس النجديين إلى كونهم وهابيين بزعم أن هذه النسبة إلى إمام لهم. وإمام النجديين وفي جانب من الشريعة وليس في كل الشريعة إنما هو محمد بن عبد الوهاب وليس الوهاب؛ لأن الوهاب هو الله تبارك وتعالى، عبد الوهاب هو والد محمد الذي جدد لهم دعوة التوحيد، فلو نسب منتسب ما إلى عبد الوهاب لم تكن النسبة إليه وهابي فهي خطأ مزدوج لأن الذي جدد لهم دعوة التوحيد هو محمد بن عبد الوهاب، وليس والده عبد الوهاب، ثم النسبة إلى عبد الوهاب ليس وهابياً وإنما هو ممكن يقال: عبدلي أو نحو ذلك، فهذا خطأ من حيث التعبير اللغوي ومن حيث-كما قلنا- من حيث الواقع، فليس هناك من ينتمي إلى هذا الاسم الوهابية إطلاقاً، بينما الفرق الموجودة قديماً وحديثاً كلها حينما تنسب إلى نسبة تعترف بهذه النسبة كالشيعة والزيدية والإباضية ونحو ذلك، ولكن لا يوجد على وجه الأرض الإسلامية أبداً رجل يقول أنا وهابي، والسبب ما ذكرناه آنفاً من ناحيتين: ناحية اللغة العربية والناحية الواقعية. لكن هذه الكلمة مع الأسف شاعت وأذيعت بين عامة المسلمين في زمن أواخر دولة الأتراك وقصدوا بذلك تنفير المسلمين جميعاً عن الدعوة التي سميت

بالدعوة الوهابية، علماً أن هذه الدعوة الوهابية ليس فيها إلا الدعوة إلى توحيد الله عز وجل بالمعنى الجامع لكلمة التوحيد، وهذا في الواقع مما يمتاز به النجديون على كل الجماعات والطوائف والفرق الإسلامية في كل بلاد الدنيا منذ أن جاء محمد بن عبد الوهاب حتى هذه الساعة؛ ذلك لأنهم يفهمون التوحيد بالمعنى الأعم والأشمل والصحيح بينما كثير من المسلمين الآخرين يفهمونه بمعنى ضيق جداً ذلك أن التوحيد الذي أنزل الله عز وجل به الكتب وبعث به الرسل يعني أموراً ثلاثة: الأمر الأول: إنما هو توحيد الربوبية ومعنى ذلك أنه لا رب إلا الله وأن الله هو الذي تفرد بخلق السموات والأرض كما هو معروف بإجماع كل من يؤمن بالله على اختلاف كل الملل، لكن الفرق بين الدعوة الإسلامية الحقة والتي جاءت بهذا التوحيد الذي أحيا معناه الصحيح محمد بن عبد الوهاب هنا تختلف الدعوة الإسلامية هذه الحقة عن اليهودية والنصرانية، فهي بالإضافة إلى أنها توجب على كل مسلم أن يعتقد بأنه لا خالق إلا الله، فهي توجب عليه في الوقت نفسه أن لا تعبد مع هذا الخالق سواه، ولذلك فعلماء المسلمين متفقون جميعاً أن معنى لا إله إلا الله لا يساوي لا رب إلا الله، وإنما هذه الكلمة الطيبة لا إله إلا الله تعني معنى أوسع من معنى لا رب إلا الله، ذلك أنها تعني لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى فهذه الكلمة الطيبة التي هي مفتاح الجنة كما جاء في بعض الآثار، وبها ينجو المسلم من الخلود في النار كما تواترت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ جمعت بين التوحيدين توحيد الربوبية أي لا خالق مع الله لا رب مع الله سواه وتوحيد الإلوهية ويعبر عن هذا التوحيد أحياناً بتوحيد العبادة؛ أي: أن يعبد الله وحده لا شريك له فإذا فسر مفسر ما هذه الكلمة الطيبة لا إله إلا الله بمعنى

لا رب إلا الله لم يكن موحداً هذه نقطة الفصل بين المسلمين حقاً وبين الآخرين؛ المسلم يوحد الله عز وجل في ذاته ويوحده في عبادته بينما الآخرون من اليهود والنصارى يوحدونه في ذاته إلا من ضل منهم ضلالاً بعيدا ولكنهم يعبدون معه سواه. لهذا يجب على المسلمين جميعاً أن يعرفوا أولاً هذا المعنى الحقيقي لكلمة لا إله إلا الله وأنها لا تعني لا رب إلا الله فقط، وإنما تعني إضافةً على ذلك أنه لا معبود مع الله أيضاً بحق وكلمة بحق هي احتراز من إنكار أن هناك معبودات في الأرض قديماً وحديثاً يعبد من دون الله تبارك، وتعالى فلا يجوز أن يقال لا معبود إلا الله لأن المعبودات كثيرة وكثيرة جداً لكن إنما يصح التفسير بقيد (بحق) لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى، وإلا قد عُبِدَت اللات والعزى، وعُبِدَت الطواغيت حتى الآن، فكيف يستطيع المسلم أن يقول لا معبود إلا الله؟ لا؛ المعبودات موجودة بكثرة ولكنها بالباطل، والمعبود بحق إنما هو الله تبارك وتعالى. كذلك بالإضافة إلى هذين النوعين من التوحيدين توحيد الربوبية وتوحيد العبادة أو الألوهية، هناك توحيد ثالث به يتم التوحيد، وبه تقبل شهادة الموحد لا إله إلا الله، وإلا فهي مردودة عليه ما هو هذا التوحيد الثالث؟: توحيد الله في صفاته فكما أنه عز وجل واحد في ذاته وواحد في ألوهيته فهو واحد أيضاً في صفاته لذلك قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشُّورى: 11) هذه الدعوة التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وعرفها السلف الصالح والأئمة جميعاً، ولكن خَلَفَ من بعدهم خَلْفٌ ليسوا فقط أضاعوا الصلاة بل وأضاعوا التوحيد، لأنهم فهموا هذه الكلمة الطيبة بالمعنى الأول الضيق لا إله إلا الله: لا رب إلا الله، ونحن نرى رسائل في العصر الحاضر مؤلفة ومطبوعة وفسرت هذه الكلمة الطيبة بهذا

التوحيد الوحيد فقط وهو: لا إله إلا الله؛ أي: لا رب إلا الله، هذا لا يجوز المسلم أن يفهم هذه الكلمة الطيبة بهذا المعنى الضيق. لذلك كان من آثار ذلك لما أخلُّوا-جماهير المسلمين وبخاصة عامتهم- لما أخلُّوا بفهم هذه الكلمة الطيبة؛ أخلُّوا عملياً في تطبيقها، فهم يعبدون مع الله آلهةً أخرى وهم لا يشعرون، وهذه من أكبر المصائب التي حلت في المسلمين، والسبب في ذلك يعود إلى أمرين إثنين ذكرنا أنفاً أحدهما: أنهم لم يفهموا من كلمة التوحيد توحيد الله في العبادة، والأمر الأخر: أنهم لم يفهموا معنى العبادة؛ فإذا قلت لإنسان أنت تعبد مع الله آلهة أخرى، قال لك: لا، أنا لا أعبد إلا الله، أنا لا أصلي إلا لله عز وجل، نقول: إلى هنا نحن معك، أنت لا تصلي إلا لله عز وجل، ولكن ألست تدعو غير الله عند الشدة؛ فتقول يا سيدي أحمد، يا سيدي بدوي، يا سيدي شعيب، يا كذا يا كذا؟! هذا هو عبادة الله، أو هذا من عبادة الله تبارك وتعالى، والله عز وجل قد أنزل علينا كتاباً كريماً وافتتحه بسورةٍ هي سورة الفاتحة وفيها يقول المسلم مخاطباً ربه عز وجل في كل ركعة من صلواته [إياك نعبد وإياك نستعين] فأنت تعبد الله وحده لا شريك له، لكنك تستعين بغيره، هذه الاستعانة سواءً عليها سميناها استعانة، وهي تسمية صحيحة أو سميناها استغاثة، وهي أيضاً تسمية صحيحة، أو سميناها توسلاً، وهي تسمية خاطئة؛ هذه الأسماء تدل على مسمى واحد، بعض هذه الأسماء صحيح كالاستغاثة والاستعانة، وبعضها توسل، هذا تسمية الاستعانة بغير الله والتوسل بغير الله توسلاً من باب قوله عليه السلام في غير هذه المناسبة «يسمونها بغير اسمها» (¬1) فقول القائل يا رسول الله أغثني، زعموا أن هذا توسل، لا، هذا دعاء لغير الله، وهذا استعانة بغير الله، وهذا إشراك بتوحيد ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم3251).

العبودية؛ لأن الذي ينادي غير الله خاصة في الشدائد فقد عبده من دون الله عز وجل، ومن الدليل على ذلك وهو مذكور في القرآن وفي السنة قول الله عز وجل {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} تدعون ما قال تعبدون لكن الحقيقة أن هذه الآية تعني تدعون أي تعبدون، فسواء قلت: يعبدون غير الله أو يدعون غير الله، فكِلا التعبيرين يؤدي إلى حقيقة واحدة وهي أنهم يستعينون بغير الله عز وجل وهذا إخلال بتوحيد الإلوهية وليس إخلالاً بتوحيد الربوبية، هذا التفصيل الذي جاء في الكتاب والسنة وجرى على ذلك سلف الأمة إلى ما قبل قرون قليلة، ثم انحرف الخط على بعض المسلمين ففهموا لا إله إلا الله بمعنى لا رب إلا الله، وهذا المعنى ما كفر به المشركون بل كانوا يؤمنون به، لكنهم كفروا بهذا المعنى الصحيح الذي جهله كثير من المسلمين ألا وهو توحيد الألوهية أو توحيد العبودية أو العبادة. في سورة من القرآن {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} إذاً المشركون يؤمنون بتوحيد الربوبية لا يعتقدون بأن هناك-كما هو دين المجوس- بأن هناك خالقاً للخير وخالقاً للشر مثلاً، وإنما يعتقدون أن الخالق هو الله وحده لا شريك له، إذاً من أين جاء شركهم؟ ولماذا قاتلوا نبيهم إذ دعاهم إلى لا إله إلا الله مع ذلك يستكبرون، كما قال في القرآن الكريم {وإذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} وقالوا: {أجعل الألهة إلهاً واحدا إن هذا لشيء عجاب}، إذاً مفهوم لفظة الإله عند العرب في الجاهلية غير مفهوم الرب لأنهم كانوا يؤمنون بأنه لا رب إلا الله؛ أي: لا خالق ولا مربي ولا رازق إلا الله، أما الإله فهو الذي لا يخضع إلا له تبارك وتعالى، وهم كانوا يخضعون لغير الله من الأوثان والأصنام المعروفة في التاريخ.

ولذلك كان من غرائب شرك المشركين قبيل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام أنهم كانوا يطوفون حول الكعبة ويقولون في تلبيتهم: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً تملكه وما ملك»، شريك تملكه وما ملك لماذا؟ لأنهم يعتقدون أن لا خالق مع الله لكن جعلوا لله شركاء، أي: يعبدونهم من دون الله تبارك وتعالى كما في الآية {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} (الزُّمر:3) فهذه الآية صريحة بأن الهدف الأساسي عند المشركين هو الله، ومع ذلك فهم يعبدون معه سواه، لكن إذا سئلوا لماذا تعبدون هؤلاء قالوا {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} (الزُّمر: 3) فهذه حقيقة مؤسفة جداً أنهم يؤمنون بأن الله واحد لا شريك له، ومع ذلك جعلوا له شركاء في ماذا جعلوا له شركاء؟ في العبادة. ولذلك يجب أن نتنبه لأمر في ظني أن كثيراً من الناس غفلوا عنه {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} أيش معنى أنداداً؟ أنداداً في الخلق، أنداداً في الرزق أنداداً في الإحياء والإماتة؟ .. لا، وإنما أنداداً في العبادة وهذا هو كان شرك المشركين في الجاهلية. وهذا بحث طويل والغرض منه التنبيه إلى أن النجديين هؤلاء ينبزون بلقب الوهابية هذه نسبة كما ذكرنا خطأ، وإنما هم أرادوا أن ينسبوهم إلى محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم يأت بشيء جديد مطلقاً وإنما هو من المجددين الذين ذكرهم الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح «إن الله يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها على رأس كل مائة سنة» (¬1) المجددون كما يذكر الإمام السيوطي وغيره لا ينبغي أن نتصور أن المجدد يكون واحداً في كل عصر ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم1847).

وإنما يمكن أن يكون هناك مجددون في كل عصر مجددون كثيرون، لكن لكل منهم اختصاصه في التجديد، فمجددٌ في التوحيد، مجددٌ في الحديث، مجددٌ في التفسير، وفي اللغة، وفي كل شيء تعلق بإحياء فرض كفاية لفهم الإسلام فهماً صحيحاً، والغرض أن محمد بن عبد الوهاب جدد التوحيد الذي لا تزال آثار الإخلال به مع الأسف الشديد في كل البلاد الإسلامية إلا هذه البلاد النجدية بفضل دعوة محمد بن عبد الوهاب ولا أقول بفضل الدعوة الوهابية. علماً أن تلك البلاد قبل محمد بن عبد الوهاب كان شأنها شأن البلاد الأخرى وأظن أنه لا يخفى على الحاضرين جميعاً ما يوجد في مصر من مقابر الحسين مثلاً أو السيدة زينب، وما يقع في تلك الأمكنة من الوثنيات والشركيات التي تنافي لا إله إلا الله من الطواف حول قبور هؤلاء الأولياء والصالحين من أهل البيت وغيرهم والاستغاثة بهم وطلب المدد منهم مثل هذا يوجد في هذه البلاد وفي سوريا وفي أكثر البلاد الإسلامية، ما هو السبب؟ السبب تقصير علماء المسلمين ببيان دعوة التوحيد دعوة الحق التي جاءت في الكتاب والسنة وماتت هذه الدعوة في كثير من البلاد الإسلامية ثم جددها محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. فمحمد بن عبد الوهاب ليس له جهد بارز سوى هذه الناحية وكفى له بذلك فضلا؛ لأن البلاد النجدية كانت كالبلاد المصرية والسورية ونحو ذلك من حيث انتشار الآثار الوثنية وعبادة القبور والاستغاثة بها من دون الله عز وجل، حتى الآن مع الأسف مع أنه بدأت الحركة الإسلامية الصحيحة في تلك البلاد تضعف رويداً رويداً لكن لن تجد هناك يعني وثنية تذكر، حتى ولا رفع القبر من على وجه الأرض لا يوجد هذا الشيء إطلاقاً، بينما إذا طفت البلاد الإسلامية كلها فأنت واجد فيها من المخالفات الشيء الكثير، أرونا بلداً لا يوجد فيه مسجد فيه قبر مع

شدة تحذير الرسول عليه السلام للمسلمين أن يتخذوا مساجد على القبور، كما قال عليه السلام: «لعنة الله على اليهود والنصارى أو لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (¬1) والأحاديث في هذا كثيرة أكثر من عشرة أحاديث ومنها ما يتعلق بالأمة الإسلامية قوله عليه السلام: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون قبور أنبياءهم مساجد» (¬2) فعندكم مثلاً المقام المعروف بسيدي شعيب، وهناك مسجد يقصد للصلاة فيه من أجل أيش؟ سيدي شعيب وعندنا مقام أخر أسمه يوشع، نعم؟ مداخلة: أبو عبيدة الشيخ: لا أقول، هنا يوشع غير أبو عبيدة أيضاً هذه في الأغوار إلى آخره، كل هذه المقامات بنيت على قبور مزعومة إن كانت هذه القبور حقيقة لمن نسبت إليه من الصحابة أو الأنبياء فالأمر أشكل؛ لأنه مخالفة صريحة لمثل هذه الأحاديث التي تنهى عن بناء المساجد على القبور لماذا هذا النهي؟ ولماذا هذا اللعن الشديد؟ في سبيل المحافظة على التوحيد؟ ذلك (لأن وجود) قبر في المسجد مَدْعَاةٌ إلى أن يُدْعَى من دون الله تبارك وتعالى، كم وكم من أناس نراهم يقفون خاشعين متبتلين يدعون، هم صحيح أنهم يدعون الله عز وجل ولكن يتوسلون بهذا الميت، فمحمد بن عبد الوهاب خلاصة القول ... هو مجدد لدعوة التوحيد، وهذا أمر لا يمكن إنكاره أبداً؛ لأنه كما قيل: هذه أثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الأثار ¬

(¬1) البخاري (رقم425) ومسلم (رقم1212). (¬2) يأتي.

[89] باب كان الناس على التوحيد ثم طرأ عليهم الشرك

النجديون كانوا قديماً بدو يعني البدو الذين تعرفونهم في كل الصحارى وكان ... (إنقطاع) مما يخل بتوحيد العبودية هذه الأشياء قضي عليها حتى هذه الساعة لا تجد لها ذكراً بينما البلاد الأخرى عامرة مع الأسف بهذه الشركيات وبهذه الوثنيات. "الهدى والنور" (195/ 12: 21: 00) [89] باب كان الناس على التوحيد ثم طرأ عليهم الشرك [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «كان بين آدمَ ونوحٍ عشرةُ قرونِ، وبين نوحٍ وإبراهيم عشرةُ قرونٍ» [قال الإمام]: وفيه فائدة هامة؛ وهي أن الناس كانوا في أول عهدهم أمة واحدة على التوحيد الخالص، ثم طرأ عليهم الشرك، خلافاً لقول بعض الفلاسفة والملاحدة؛ أن الأصل فيهم الشرك ثم طرأ عليهم التوحيد! ويبطل قولهم هذا الحديثُ وغيرهُ مما هو نصٌّ في نبوة أبيهم آدم عليه السلام، إلى أدلة أخرى كنت ذكرت بعضها في كتابي"تحذير الساجد" (ص 147 - 150)،فراجعه فإنه مهم. "الصحيحة" (7/ 2/852،854 - 855). [90] باب الرد على من يقول أن الدعوة إلى التوحيد تفرق الصف سؤال: فضيلة الوالد حفظك الله! ما هو ردكم على من يقول: أن الدعوة إلى التوحيد والعقيدة الصحيحة ومنهج السلف يفرِّق الناس وجزاك الله خيرًا؟

الشيخ: الله أكبر! وهل من يقول في هذا الزمان: أن الدعوة إلى التوحيد والدعوة إلى كتاب الله وسنة رسول الله ومنهج السلف الصالح يفرق الأمة سبحان الله! ذلك القول هو الضلال البعيد، هذا السؤال يذكرني بحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه في حديث لا أستحضر لفظه الآن وإنما فيه أن من أسماء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: المفرِّق (¬1)، وهذا بلا شك قد تستغربونه من أسماء النبي: أحمد ومحمد والماحي، ونحو ذلك مما هو وارد في الحديث الصحيح، لكن حديث في صحيح البخاري فيه أن من أسماءه عليه الصلاة والسلام: المفرق، تُرى! لماذا كان هذا الاسم من أسمائه - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ ذلك لأنه يفرق بين الحق والباطل، والقرآن من أسمائه: الفرقان يفرق من تمسك به واهتدى به بين الحق والباطل، يهدي إلى صراط مستقيم، ومن دعا إليه فهو أيضًا مفرق، فرسول الله بحق مفرق، ثم من تمام هذا الاسم أو من لوازمه أن نتيجة الدعوة إلى الحق والتفريق بينه وبين الباطل هو التفريق من نتائج ذلك حتمًا والتاريخ الأول يؤكد ذلك أن يفرق بين الرجل وابنه .. بين الزوجة وزوجها لماذا؟ لأن الزوجة أسلمت وبقي زوجها على الكفر فأوجب عليها الإسلام أن تفارقه، أسلم الابن ففارق أباه بل وربما قتله إذا لقيه في المعركة وهكذا، فأين هؤلاء الذين يقولون: إن الدعوة إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح يفرق الأمة سبحان الله! كأنهم يتجاهلون الحديث الذي ذكرناه قبل صلاة المغرب وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» إلى آخر الحديث. فالفُرقة قائمة وموجودة فما حلها وما الخلاص منها وما النجاة من هذه ¬

(¬1) لم أجده الآن.

الفُرقة؟ أليس هو قال الله قال رسول الله؟! أليس هو اتباع سبيل المؤمنين كما قال رب العالمين في القرآن الكريم: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115) هذا أمر واضح لا يحتاج إلى زيادة بيان، لكني أقول جدلًا: إذا تركنا لا سمح الله الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح؛ لأنه بزعمهم يفرق الأمة، فما الذي يجمع الأمة ليت شعري؟ ما الذي يجمعها إذا تركنا الكتاب والسنة، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما بعث في قومه العرب فكلنا يعلم أنهم كانوا مستعبدين من فارس والروم فما الذي جعلهم أعزاء ومتسلطين على الأمم التي هي أقوى منهم ماديًة؟ أليس أن الله جمعهم على كلمة سواء هي: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فنصرهم الله بسبب ذلك، فكيف يقول هؤلاء أن هذه الدعوة تفرق؟ فما هو الدليل؟ لا أعتقد إلا أنهم يريدون خلاف ما يظهرون، يريدون القضاء على دعوة الإسلام الصحيحة وإقامة إسلام إما أن يكون إسلامًا أوروبيًّا أو إسلامًا أمريكيًا أو إسلامًا خلفيًا كل هذا وهذا لا يقربنا إلى الله زلفى إلا كما سمعتم في الآية السابقة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام: 153) ومن هذه السبل من يقول هذه الكلمة الباطلة التي هي الكفر بعينه، وقد شهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أمثال هؤلاء بالحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله لا ينتزع العلم انتزاعًا من صدور العلماء ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقي عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» فهؤلاء الناس الذين يفتون الناس بمثل هذه الكلمات هم الذين عناهم الرسول عليه السلام بقوله: «اتخذ الناس رؤوسًا جهالا

[91] باب إخلاص العبودية لله

فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» (¬1) نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمنا العلم النافع، وليس هو إلا العلم بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، ثم أن يقوينا ويساعدنا على العمل به إنه سميع مجيب. "رحلة النور" (33ب/51: 11: 00) [91] باب إخلاص العبودية لله [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه». [قال الإمام]: فهذا الحديث وغيره يدل على أن المؤمن لا يقبل منه عمله الصالح إذا لم يقصد به وجه الله عز وجل، وفي ذلك يقول تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}. فإذا كان هذا شأن المؤمن فماذا يكون حال الكافر بربه إذا لم يخلص له في عمله؟ الجواب في قول الله تبارك وتعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}. "الصحيحة" (1/ 1/118 - 119). [92] باب توحيد الاتباع [قال الإمام]: روى الإمام أحمد وغيره عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: ¬

(¬1) البخاري (رقم100) ومصلم (رقم6974).

«رأى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في يد عمر صحيفة، فسأله عنها، فقال رضي الله عنه: هذه صحيفة من التوراة كتبها لي رجل من اليهود، فقال عليه الصلاة والسلام: يا ابن الخطاب! أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى، والذي نفس محمد بيده لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي» (¬1). في هذا الحديث ما يشرح لنا جانباً من جوانب شهادة أن محمداً رسول الله، ذلك أن كثيراً من المسلمين ينطقون بالركن الأول من الإسلام: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولكن الكثير من هؤلاء ينطقون بما لا يفهمون معناه على وجه الصحة، ولقد تكلمنا مراراً وتكراراً، وبمناسبات شتى على الشهادة الأولى: لا إله إلا الله، وأنها تعني: أنه لا معبود بحق في هذا الوجود إلا الله تبارك وتعالى، هذا المعنى الموجز وهو المعنى الصحيح لهذه الكلمة الطيبة: لا إله إلا الله يجهل هذا المعنى كثير ممن ينطقون بهذه الكلمة، ولست الآن في صدد شرح هذا المعنى الصحيح: لا معبود بحق إلا الله، فإنها تستلزم ألا يتوجه المسلم إلى غير الله تبارك وتعالى بشيء من العبادات مطلقاً، كما يفعله كثير من الناس اليوم من دعاء غير الله، والنذر لغير الله، والذبح لغير الله، والحلف بغير الله إلى غير ذلك من الأمور كل ذلك ينافي قول المسلم وشهادة المؤمن: لا إله إلا الله، لأن هذه الأمور التي ذكرناها كلها عبادات لا يجوز التوجه بها إلا إلى هذا الإله رب السماوات والأرض. ومع ذلك فنجد هؤلاء المسلمين الذين أشرنا إليهم يذهبون إلى القبور فيذبحون هناك، وينذرون النذور، وقد يطوفون حول بعض القبور، زعموا استشفاء، طلباً للاستشفاء ممن لو كان حياً لما استطاع أن يرد المستشفي به شفاءً ¬

(¬1) مشكاة المصابيح (رقم177).

لأنه لا شافي إلا الله تبارك وتعالى، فكيف بهم وهم يطلبون الشفاء من الموتى من الذين أصبحوا تراباً رميماً، فهذا مما ينافي شهادة التوحيد هذه. تكلمنا في هذه الشهادة كما قلنا مراراً وتكراراً، والآن أريد أن أتكلم بشيء من التوسع والبسط حول الشهادة الثانية التي لا يتم إيمان المؤمن إلا بها، فمن شهد أن لا إله إلا الله ثم لم يتبعها بشهادة أن محمداً رسول الله لم تنفعه الشهادة الأولى، لذلك كان مقرراً بين المسلمين جميعاً أن الركن الأول مما بني عليه الإسلام هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولكن هذه الشهادة من الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة لا تنجي صاحبها من الخلود في النار إلا إذا فهمها قبل كل شيء فهماً صحيحاً, إلا إذا حققها في منطلقه في حياته تحقيقاً صادقاً، فكيف يكون تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله؟ أيكون ذلك بمجرد أن نطيعه في بعض ما أتانا به عن الله عز وجل، ونخالفه إلى أمور لم يأت بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الله تبارك وتعالى، هذا ما أريد أن أبينه الآن في هذه الكلمة في هذه الليلة المباركة إن شاء الله. فإذاً: نعلم أن قول المسلم: وأشهد أن محمداً رسول الله، أو وأشهد أن محمداً عبده ورسوله لا يتحقق هذا المعنى حتى يخلص له عليه الصلاة والسلام في اتباعه كما يخلص لربه في توحيده، فمعنى الشهادتين أن تخلص لله عز وجل في عبادته فلا تشرك معه أحداً في شيء من العبادات كما ذكرنا، وأن تخلص لرسوله عليه الصلاة والسلام في اتباعه فلا تشرك معه متبوعاً غيره، ولئن فعل ذلك إنسان فلن يؤمن به إيماناً خالصاً صادقاً، مصداق هذا الذي أقوله حديث جابر السابق، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام كما سمعتم لعمر: والذي نفسي بيده لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي» فإذا كان موسى عليه الصلاة والسلام

وهو الذي كلمه الله تكليماً وأنزل عليه التوراة، مع ذلك لو كان في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام ما وسعه إلا إتباعه، فكيف يكون حال من ليس من الأنبياء والرسل، فلابد أن يكون هذا أوجب وأوجب أن يتبع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وما معنى أن يتبع الرسول؟ كمعنى يعبد الله، ما معنى يعبد الله؟ أي: لا يعبد غيره، يعبد الله وحده لا شريك له، وما معنى أن يتبع الرسول؟ أي: يتبعه وحده لا يتخذ معه متبوعاً غيره، وذلك لأن موسى نبي الله بل وكليم الله، فهذه الصحيفة التي رآها الرسول عليه السلام في يده كأنه يقول له: ألم يكفك ما أتيتك يا عمر من الله من وحي السماء حتى تشرك فيما أتيتك به ما أنزل الله على موسى وقد صار ما أنزل الله على موسى شرعاً منسوخاً، لأن الله عز وجل أنزل القرآن على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، وجعله مهيمناً مسيطراً على سائر الكتب والشرائع التي كانت من قبل، فإذا كان موسى بشريعته لا يسعه إلا أن يدع شريعته ويخلص في إتباعه لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. وهاهنا بيت القصيد في هذه الكلمة، فإذا كان موسى لا يسعه إلا اتباع الرسول عليه السلام ولا يتبع شريعته؛ تُرى إذا اخترع مخترعٌ ما طريقةً أو منهجاً أو حزباً أو أي شيئاً آخر لم يأت به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فاتبعه فلا يكون حين ذلك قد أخلص للرسول عليه الصلاة والسلام في الاتباع، وبالتالي لا يكون حقق معنى هذه الشهادة: وأن محمداً رسول الله، لأن هذه الشهادة تسلتزم اتباع الرسول فيما أرسله الله به من الحق والنور، فإذا افترضنا أن إنساناً اتبع غير رسول الله أقول: إذا افترضنا وهذه فرضية واقعة في صور شتى وطرائق قدداً، فإذا فرضنا أن إنساناً اتبع غير رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولو في بعض المسائل وهو يعلم أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يأت بهذه المسائل من عند الله عز وجل، ومع ذلك اتبع هذا الإنسان أو هذه الطريق أو هذا

المذهب أو الحزب فما يكون مخلصاً في إتباعه للرسول عليه الصلاة والسلام، وإلا فحينما رأى الرسول عليه السلام في يد عمر الصحيفة هل يظن ظان أن عمر أراد أن يستبدل الصحيفة بالشريعة الإسلامية أو أن يعرض عن الشرعية الإسلامية، أو عن الرسالة التي دعاه الرسول عليه السلام إليها وصدقه عليها وآمن بها، هل يدعها إلى اتباع التوراة؟ هذا ما لا يحصل في بال الإنسان مطلقاً، إذاً: ما هو الذي أنكره الرسول عليه الصلاة والسلام على عمر بن الخطاب حينما قال له تلك الكلمة العظيمة: «أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى» أي: أمنحرفون أنتم عن شريعة الله كما انحرف اليهود والنصارى عن شريعة الله «والذي نفس محمد بيده لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي» فإذا كان عمر لا يعقل أن ينحرف عن اتباع الرسول عليه السلام قيد شعرة فما الذي أنكره الرسول عليه الصلاة والسلام على عمر؟ .. الذي خشيه رسول الله على عمر: أن يشرك مع الرسول اتّباعه غيره من الأنبياء والرسل، فماذا نقول للذين يشركون مع الرسول اتّباع غير الأنبياء والرسل؟ هؤلاء أشد إنكار من إنكار الرسول على عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه. إذا عرفنا هذا فالله عز وجل يقول: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} (الأعراف: 3) ما معنى قوله تعالى: {ولا تتبعوا من دونه أولياء} أي: لا تتخذوا أشخاصاً تتبعونهم كما لو كان أنزل عليهم من السماء، أي: كما تتبعون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فاتباع غير رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - معناه شيئان اثنان: أولاً: الشك في أن الرسول عليه الصلاة والسلام أدى الرسالة وبلغ الأمانة، ومن شك في هذا فهو كافر ومرتد عن دين الإسلام، والشيء الآخر: الإشراك، إشراك شخص مع الله عز وجل في التشريع، والله تبارك وتعالى أنكر أن يكون له شركاء، فيقول عز

وجل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى: 21). فلا يجوز لمسلم أن يشرع من عند نفسه شيئاً مهما حقر وصغر، وبالتالي لا يجوز لمسلم أن يتبع هذا المشرع ولو في أدنى مسألة وأحقرها، فالذي يشرع المسألة من عند نفسه أشرك مع الله تبارك وتعالى، فلم يؤمن بحقيقة لا إله إلا الله، ومن اتبع هذا المشرع من دون الله فقد اتخذه شريكاً مع الله، وبالتالي لم يوحد الرسول في اتباعه وحده ولم يخلص له في ذلك. ولهذا لما أنزل الله عز وجل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام قوله عز وجل: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (التوبة: 31) كان في المجلس أحد الصحابة ممن كان تعلم القراءة والكتابة، وبالتالي كان تنصر قبل بعثة الرسول عليه السلام من بين العرب الوثنيين، ألا وهو عدي بن حاتم الطائي، لما نزلت هذه الآية كان هو قد أسلم وكفر بالنصرانية وآمن بالله ورسوله، ولكنه كان على علم بما كان عليه النصارى، فأشكل عليه قول ربنا تبارك وتعالى في حق النصارى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (التوبة: 31)، قال: يا رسول الله! والله ما اتخذناهم أرباباً من دون الله، خفي عليه معنى: اتخاذ النصارى الأحبار والقسيسين أرباباً من دون الله، توهموا أن المقصود في هذه الآية أنهم اعتقدوا أن القسيسين والرهبان يخلقون مع الله، فبين له الرسول عليه السلام المقصود من هذه الآية، وأنه ليس ذلك الفهم الذي عرض له، فقال له على طريقة السؤال والجواب، قال: ألستم كنتم إذا حرموا لكم حراماً حرمتموه وإذا حللوا لكم حلالاً حللتموه؟ قال: أما هذا فقد كان، فقال عليه الصلاة والسلام: ذلك اتخاذكم إياهم أرباباً من دون الله، حينما كان القسيسون يقول هذا حلال فيقولون: حلال، أو قالوا هذا حرام فيقولون حرام، والواقع أن هذا التحريم والتحليل صدر من عند أنفسهم، ولم

يتنقله بواسطة نبيهم عن ربهم، فبين الرسول عليه السلام أن هذا هو معنى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (التوبة: 31) فكفرت طائفتان، الطائفة التي حللت وحرمت لنفسها، والطائفة الأخرى التي اتبعتهم على عماها كما يقولون دون بصيرة من شريعة الله تبارك وتعالى، ولهذا فالمسلم إذا أخلص للرسول عليه الصلاة والسلام في الاتباع كان ذلك عصمة له من أن يزل في التوحيد لله تبارك وتعالى في عبادته، فكأن توحيد الله في عبادته وإفراد الرسول في اتباعه أمران مرتبطان لا ينفك أحدهما عن الآخر، فمن أراد أن يكون من المؤمنين الصادقين المخلصين في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فلابد له أن يوحد رسول الله في الاتباع، كما يوحد الله في العبادة، فمن أخل بهذا، أي: من أخل في توحيد الرسول في الاتباع فشأنه شأن من أخل في توحيد الله في العبادة، فكل من التوحيدين إذا صح هذا التعبير توحيد الله في عبادته وتوحيد الرسول في اتباعه ركن من أركان الإسلام، إذا اختل أحدهما انهار هذا الإسلام من أُسه وأصله. وإذا عرفنا هذا يتبين لنا خطر ما وصل إليه بعض الناس اليوم من الإخلال بهذا الإخلاص لرسول الله في الاتباع، فجعلوا الإخلاص في الاتباع لغير رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - , وأنا أذكر لكم بعض الأمثلة: هناك بعض المشايخ الطرقيين قديماً وحديثاً يلقنون أتباعهم ومن يسمونهم بمريديهم مثل الجمل الآتية: المريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي غاسله، هذا الكلام نقلوه من رسول الله والمؤمنون به فخصوا به المشايخ لو قال مسلم: المسلم بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام كالميت بين يدي الغاسل, فربما يكون فيه شيء من الغلو من حيث التعبير, أما من حيث المعنى فهذا مصداق قول الله تبارك وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا

في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65) هذا التسليم إذا عبر عنه معبر مسلِّم بتلك الكلمة أو لو قال: المسلم بين يدي الرسول كالميت بين يدي الغاسل لكان أصاب هذا المعنى ولو أننا لا نقره في تعبيره، فما بالكم وقد أقروا التعبير والمعنى كليهما معاً وجعلوه لمن؟ لرسول الله، لا لغير رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأين إخلاص الاتباع لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهم قالوا في غير الرسول من متبعوعيهم ما لم يقولوه لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أضف إلى ذلك كلمة أخرى مشهورة بينهم: من قال لشيخه: لمه لا يفلح أبداً. بينما نحن نجد أصحاب الرسول عليه السلام قد قالوا له في مناسبات شتى: لم يا رسول الله؟ فلم ينكر عليهم، لأنه يعلم أنهم يسألون ليستفسروا عما يكون قد غاب عليهم، أما هؤلاء الذين نسبوهم وأنزلوهم منزلة الرسول المعصوم فقد قالوا فيهم: من قال لشيخه: لمه لا يفلح أبداً، وليس هذا فقط، بل من قال لشيخه في المنام لمه لا يفلح، وهذا مذكور في كتاب مشهور وهو كتاب إحياء علوم الدين للغزالي الذي يعتقد جماهير الناس اليوم من المثقفين ... المثقفون يسمونه بحجة الإسلام، حجة الإسلام هذا جاء في كتابه في الإحياء أنا قرأته بنفسي، حكى القصة الآتية: أن شيخاً من الشيوخ في القرن الرابع أن مريداً له جاءه فقال له: رأيتك في المنام أبكي تأمرني بشيء فقلت لك: لمه؟ هذا في المنام كله، قال المريد لشيخه: لمه؟ قال الراوي للقصة في كتاب الإحياء، فهجره شيخه شهراً كاملاً لماذا؟ لأن مريده قال له في المنام وليس في اليقظة لمه؟ هجره شهراً كاملاً، وليت أن حجة الإسلام الغزالي أورد هذه القصة ومر منها مر الكرام، لا، بل وقف عندها متفقهاً مستنبطاً كما يفعل الفقيه المسلم في كتاب الله وفي حديث رسول الله، فقال: دلت هذه القصة على أن هذا المريد كان في قلبه زغل ضد شيخه، لمه؟ لأنه لو كان قلبه صافياً مع شيخه لم ير في منامه نفسه يقول له لمه؟ مع أن كل عالم يعلم أن الرؤيا التي يراها المسلم فهي تحتمل أن تكون واحدة من

ثلاثة كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «الرؤى ثلاثة: فرؤيا من الرحمن، ورؤيا من تهاويل الشيطان، أي: من تلاعبه بالإنسان، ورؤيا من تحديث النفس» (¬1)، فلم فسرت رؤيا هذا المريد المسكين بالتآويل بتأويل واحد من هذه التأويل، أي: أن نفسه كانت تحدثه في أثناء النهار بالاعتراض على شيخه فرأى هذا في منامه، مع أنه من الممكن أن تكون هذه الرؤيا من تهاويل الشيطان، بل لعل الشيطان أراد بهذه القصة أن يدل الشيخ نفسه قبل المريد، ولا شك أن الشيخ حينما يهجر تلميذه المخلص له في الاتباع لأنه قال له في المنام: لمه؟ لا يكون متبعاً للشرع، بل يكون ظالماً له وأن قوله له: لمه لو صدر في قيد حياته في صحته وفي يقظته لم يكن في ذلك أي خطأ، (وأيّاً كان) فلا يجوز أن يهجر، لماذا؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «لا يحل لرجل مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث-ثلاثة أيام- يلتقيان فيعرض هذا عن هذا, ويعرض هذا عن هذا، وخيرهما الذي يبادر أخاه في السلام» (¬2) فإذا كان الرسول يُقرِّر أنه لا يجوز هجر المسلم إلا ثلاثة أيام فما فوق ذلك حرام، فكيف يجوز للشيخ العالم ذي الأخلاق الكريمة ومنها التواضع والألفة والمعشر الحسن، كيف يجوز أن يهجر أخاه المسلم ليس ثلاثة أيام بل شهراً كاملاً لمجرد أنه قال له في المنام: لمه؟ فانظروا كم انحرف المسلمون عن إخلاص الاتباع للرسول عليه السلام، بل لقد انعدم هذا الاتباع بالكلية من أمثال هؤلاء، حيث نقلوه من اتباع الرسول إلى اتباع الشيخ، ولذلك وقعنا في المشكلة التي نحياها اليوم، إذا قلت لإنسان: إذا قلت لإنسان قال الله قال رسول الله كان الجواب: قال شيخي كذا، ذلك لأن ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم3534) .. (¬2) البخاري (رقم5727) ومسلم (رقم6697).

الإخلاص في الاتباع قد فقدوه، بل أحلوا محله متبوعين آخرين ألا وهم المشايخ، أي: مشايخ الطرق، هذا مثال. ومثال آخر له علاقة في واقعنا وحياتنا القريبة اليوم، فقد انقسم مع الأسف الشديد المسلمون انقسامات جديدة، وانقسموا إلى أفكار حديثة، وكل يدعي بأنه ينصر الإسلام، ويريد أن يقيم صرح الإسلام شامخاً عالياً، ومع ذلك إذا ما دعوا إلى الله ورسوله قال كل من الأحزاب: نحن رأينا هكذا، فأين تحقيق الاتباع للرسول عليه السلام إذا قيل لهم: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح وهذا معروف لدى الجميع: «تفرقت اليهود والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلى واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: هي الجماعة» في رواية مفسرة مبينة: «هي ما أنا عليه وأصحابي» كلهم يعلمون هذا الحديث، فإذا دعوتهم إلى اتباع السلف الذين هم الميزان في معرفة الفرقة الناجية من الفرق الهالكة في قول الرسول عليه السلام حينما سئل: من هي هذه الفرقة الناجية؟ قال: هي ما أنا عليه وأصحابي. فإذاً: حينما يدعى المسلم إلى تحقيق الاتباع «انقطاع صوتي» عن الإخلاص في اتباع الرسول عليه السلام كان يقول لهم: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق، أي: عليكم ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام دون زيادة أو نقصان، وقد جاء عنه في قصة صحيحة وفيها عبرة وبيان سبب هذه الكلمة: اتبعوا ولا تبدعوا، فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق، روى الإمام الدارمي في سننه بالسند الصحيح عنه أن أبا موسى الأشعري جاء إلى داره، فذات يوم خرج والناس ينتظرونه ليخرجوا معه إلى المسجد، فقال لهم: أخرج أبو عبد الرحمن؟ أبو عبد الرحمن كنية عبد الله بن مسعود، قالوا: لا، فجلس ينتظر

حتى خرج ابن مسعود، فقال: يا أبا عبد الرحمن! لقد رأيت في المسجد آنفاً شيئاً أنكرته، ومع ذلك والحمد لله لم أر إلا خيراً، قال: ماذا رأيت؟ قال: إن عشت فستراه، رأيت أناساً حلقاً حلقاً، وفي وسط كل حلقة منها رجل يقول لمن حوله: سبحوا كذا، كبروا كذا، احمدوا كذا، وأمام كل واحد منهم حصى يعد فيه التسبيح والتكبير والتحميد، قال ابن مسعود: أفأنكرت عليهم؟ قال: لا، انتظار أمرك أو انتظار رأيك، فعاد ابن مسعود إلى داره، وخرج متقنعاً لا يرى إلا عيناه، ثم انطلق إلى المسجد فوقف على أصحاب الحلقة، حتى رأى ما ذكر له أبو موسى، فكشف عن وجهه اللثام وقال: أنا عبد الله بن مسعود، صحابي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويحكم ما هذا الذي تصنعون؟ قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن! حصى، يعني: بالتعبير العامي: ما فيها شيء، شغلة بسيطة، حصى نعد به التسبيح والتكبير والتحميد، قال: عدوا سيئاتكم وأنا الضامن لكم ألا يضيع من حسناتكم شيء. ويحكم ما أسرع هلكتكم، هذه ثيابه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تبل، وهذه آنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده! أئنكم أهدى من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أو إنكم متمسكون بذنب ضلالة. فقالوا: والله يا أبا عبد الرحمن يقولون معتذرين عما فعلوا: ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لا يصيبه، إن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - حدثنا إن أقواماً يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، قال شاهد القصة وراويها: فلقد رأينا أولئك الأقوام أصحاب الحلقات قال: رأيناهم يقاتلوننا يوم النهروان، أي: أصبحوا من الخوارج ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقاتلهم حتى استأصل شأفتهم إلا قليلاً منهم، هذه القصة وقعت لعبد الله بن مسعود الآمر بقوله: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق. يعني: أن الرسول عليه السلام قد جاءكم بشريعة كاملة تامة فما معنى إحداث

عبادات من بعده إلا الاستدراك عليه ونسبة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أنه لم يؤد الأمانة ولم يبلغ الرسالة، وإلا فمن كان مؤمناً بأن هذه الشريعة كاملة تامة فكيف يلتقي مع إيمانه هذا أن يحدث بدعاً وأموراً وعبادات لم تكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، هذه أمور متناقضة متنافرة، أن يؤمن الإنسان بأن الشريعة كاملة ثم هو يأتي بزيادات يلحقها بها فهذه الزيادات بلا شك ليست منها، لذلك كان أصحاب الرسول عليه السلام ينكرون أشد الإنكار الإحداث في الدين، لأنهم يجزمون ويقطعون بأن هذا الإحداث في الدين ينافي قول رب العالمين: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (المائدة: 3) فالزيادة على هذا الإسلام ينافي هذه الآية الكريمة، حيث امتن الله عز وجل بأنه أكمل علينا النعمة بإتمام الدين. ومن عجائب الأمور والجحد بأهمية هذه النعمة -من رب العالمين- من المؤمنين بشريعته يغفلون عن هذا بينما ينتبه الكافرون بالشريعة الإسلامية فيعرفون قدر تمام هذه الشريعة وفضل وأهمية امتنان الله عز وجل على عباده بهذه الآية الكريمة، ذلك أن رجلاً من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب في خلافته فقال: يا أمير المؤمنين! آية في كتاب الله-يعني: في القرآن- لو علينا معشر يهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، آية عندكم يا معشر المسلمين آية في كتاب الله في القرآن الكريم يقول الرجل اليهودي: لو علينا معشر يهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال عمر: ما هي؟ قال: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (المائدة: 3) قال عمر: إنها نزلت في يوم عيد، نزلت يوم جمعة وفي عرفات، الغاية أن هذا اليهودي عرف أهمية هذه الآية الكريمة، لأن الله يمتن فيها على عباده بأنه أتم الدين على المسلمين، فهذه نعمة كبرى لازم تتخذوا يوم نزولها عيداً، فأجابه عمر قد فعلنا لأنها نزلت في يوم جمعة

وهو عيد في الأسبوع للمسلمين، وزيادة على ذلك ورسول الله في عرفات، في حجة الوداع، فهذا اليوم يوم العيد الأسبوعي الذي نزلت فيه هذه الآية الكريمة أين المسلمون اليوم الذين يقدرون هذه الآية وما فيها من النعمة من رب العالمين على المسلمين فيقفون عند تمام الإسلام ولا يزيدون عليه من هذه الزيادات التي شوَّهت جمال الإسلام, وضيعت صورته الحقيقية عن أعين الناس وبصائرهم, ولذلك بدءوا ينصرفون عنه بأنه ليس هو هذا الإسلام بصورته الكاملة الحقيقية التي أنزلها ربنا تبارك وتعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام. ولقد أكد الرسول عليه السلام معنى هذه الآية الكريمة حين قال: «ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه» (¬1) لهذه المعاني التي أدركها أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا ينهون أشد النهي عن الابتداع في الدين, لمنافاة الابتداع لكمال الدين ولمنافاة الابتداع لكون المشرع رب العالمين ولمنافاة الابتداع لكون المتبوع هو محمد رسول الله فقط ليس إلا؛ كما يقال. من تلك الآثار التي وردت عن الصحابة الكبار رضي الله عنهم قول حذيفة بن اليمان: «كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تتعبدوها» ومن ذلك وهو أوضح في إنكار الزيادة في الدين قول عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: «كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة» فأين نحن اليوم من هذه الأقوال السلفية، لقد ابتعدنا جداً وخالفنا هذا الخط إلى خط آخر فبينما أصحاب الرسول ينهون عن الزيادة في الدين إذا بنا نحن نقرر بكل جرءة أن الزيادة في الدين لا بأس ¬

(¬1) السلسلة الصحيحية (4/ 416 - 417).

[93] باب منه

فيه؛ لأن فيه بدعة حسنة يقولون، وهذا ابن عمر يصرح فيقول، أولاً يروي قول الرسول: «كل بدعة ضلالة» هذا حديث مشهور معروف، ويفسر هذه الجملة من حديث الرسول فيزيد بياناً فيقول: «وإن رآها الناس حسنة» «كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة» لمه؟ لأن الاستحسان كما قال الإمام الشافعي: "من استحسن فقد شَرَّعَ"، لأن الاستحسان لا يجوز أن يكون من إنسان لا يدري الغيب والشرع غيب، ولولا ذلك ما كان هناك من حاجة أن يبعث الله عز وجل الرسل وينزل الكتب إذا كان كل إنسان يستحكم لعقله، عرف هذه الحقيقة أصحاب الرسول عليه السلام فأمروا من جاءوا بعدهم بأن يخلصوا للرسول عليه الصلاة والسلام بالإتباع ولا يزيدوا على ما جاء به عليه الصلاة والسلام. هذه كلمة وهي تحتمل البسط والزيادة أكثر وأكثر، ولكني أخشى أن يتسرب إليكم الملل، فأكتفي بهذا القدر. " الهدى والنور" (455/ 08: 00: 00 طريق الإسلام) [93] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لا والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني». (حسن). [قال الإمام]: قلت: فإذا كان مثل موسى كليم الله لا يسعه أن يتبع غير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهل يسع ذلك غيره؟ فهذا من الأدلة القاطعة على وجوب إفراد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الاتباع، وهو

[94] باب معنى الشهادتين

من لوازم شهادة «أن محمداً رسول الله»، ولذلك جعل الله تبارك وتعالى في الآية المتقدمة أتباعه - صلى الله عليه وآله وسلم - دون سواه دليلاً على حب الله إياه، ومما لا شك فيه أن من أحبه الله كان الله معه في كل شيء، كما في الحديث القدسي الصحيح: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه ... » (البخاري). وإذا كانت هذه العناية الإلهية إنما هي بعبده المحبوب من الله، كان واجباً على كل مسلم أن يتخذ السبب الذي يجعله محبوباً عند الله، ألا وهو اتباع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - دون سواه، وبذلك فقط يحظى بالعناية الخاصة من مولاه تبارك وتعالى، ألست ترى أنه لا سبيل إلى معرفة الفرائض وتمييزها عن النوافل إلا باتباعه - صلى الله عليه وآله وسلم - وحده؟ وإن مما لا شك فيه أن المسلم كلما كان بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أعلم، وبمحاسنه وفضائله أعرف، كان حبه إياه أكثر، واتباعه إياه أوسع وأشمل. "تحقيق بداية السول" (ص 6). [94] باب معنى الشهادتين [قال الإمام]: الشهادتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ .. الشهادة الأولى تعني: ألا تعبد إلا الله، والشهادة الأخرى تعني: ألا تعبد الله إلا بما جاءك به رسول الله، فهما شهادتان وهما توحيدان، هذا أيضاً اصطلاح .. ، توحيدان: توحيد الله في العبادة،

[95] باب بيان مقتضيات الشهادتين

وتوحيد الرسول في الاتباع، فكما أننا لا نعبد مع الله أحداً ولا نشرك به شيئاً كذلك لا نتخذ مع نبينا متبوعاً آخر، فهو متبوعنا لا سواه، وهو ربنا لا نعبد غيره. "الهدى والنور" (650/ 14: 20: 01) [95] باب بيان مقتضيات الشهادتين الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 102). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:70، 71) أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. كلمتي في هذه الليلة الطيبة إن شاء الله والمباركة في كلمتين خفيفتين قصيرتين جداً، لكنهما يجمعان الإسلام كله، هما: ألا نعبد إلا الله، وهذا كلكم تعرفونه مع غفلة عن كثير من حقائق هذه العبادة.

أما الأخرى فكثير من الناس لا يعلمونها وهي بعد أن قلنا في الكلمة الأولى: ألا نعبد إلا الله، أما الكلمة الأخرى: ألا نعبده إلا بما شرع الله، ألا نعبد إلا الله وألا نعبده إلا بما شرع الله. إذاً هما حقيقتان شرعيتان هامتان جداً جداً، لا يكون المسلم مؤمناً إلا بعد أن يحقِّق معنى هاتين الكلمتين في نفسه وقلبه وإيمانه، هما: ألا نعبد إلا الله. هذه الأولى. والأخرى: ألا نعبده إلا بما شرع الله. فهاتان الكلمتان هما خلاصة الشهادتين اللتين قال فيهما رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس-كل الناس من الكفار-حتى يشهدوا ألا إله إلا الله» هي الكلمة الأولى. «وأن محمداً رسول الله» هي الكلمة الأخرى «إلا بحسابها، إلا بحقها وحسابهم عند الله تبارك وتعالى». كثير من الناس لا يعلمون حقيقة هاتين الشهادتين اللتين لا يمكن لكافر أن يُقبل إسلامُه إلا بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، كلنا يعلم هذه الحقيقة أن الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولكن الكثير من المسلمين لا يعلمون ما تتطلبه هاتان الشهادتان، الأولى لا إله إلا الله، والأخرى محمد رسول الله. أريد أن أدير كلمتي هذه في هذه الليلة حول الشهادة الثانية: وأن محمداً رسول الله، مع الإيجاز من البيان في الشهادة الأولى لا بد منه. فقوله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله» تعني أول ما تعني: ألاَ معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى، تعني: أن يخلص المسلم

عبادته لله عز وجل فلا يشرك في عبادة الله مع الله أحداً. وهذا له بحثه الطويل، ولعلنا تعرضنا له أكثر من مرة، لكن أردت إيجاز الكلام في هذه الكلمة الطيبة أن معناها: لا معبود بحق إلا الله، ليس معناها كما قد يتوهم البعض: لا إله أي: لا رب، هذا معنىً قاصر، الإله هو المعبود، أما الرب فقد يطلق على الخالق سبحانه وتعالى الذي هو رب البيت وهو رب العالمين ورب العرش العظيم ونحو ذلك، وقد يطلق على رب المال صاحب المال وصاحب الدار ونحو ذلك. فليس المقصود من الكلمة الطيبة هذه: لا إله إلا الله بمعنى: لا رب إلا الله فقط، لا. وإنما المقصود: لا معبود بحق في الوجود إلا الله، ولذلك فكلمة التوحيد هذه لا تفيد صاحبها شيئاً مما يرجى لقائلها يوم لقاء الله عز وجل من النجاة في الخلود في النار إلا إذا فهم معنى الإله في هذه الشهادة، في هذه الكلمة الطيبة الإله هو المعبود الحق، فلا يعبد مع الله غيره تبارك وتعالى. هكذا معنى كلمة التوحيد، ذلك لأن المشركين كانوا بنص القرآن الكريم، كانوا بنص القرآن الكريم يشهدون أن خالق السماوات والأرضين هو الله، قال عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (الزمر: 38). فلا يكفي المسلم إذاً أن يقول: إن الله هو الخالق هو الرازق وهذا لا بد منه، لكن يجب أن يضم إلى اعتقاده بأنه لا رب إلا الله، ولا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا معبود في الوجود بحق إلا الله تبارك وتعالى، وبذلك يقوم بحق هذه الكلمة الطيبة. قلت آنفاً: أُوجز الكلام في هذه الكلمة الطيبة لأنني تعرضت لذلك أكثر من مرة، أريد أن أخصص قليلاً من جلستنا هذه حول الشهادة الثانية وهي: وأن محمداً رسول الله.

قلت: هما كلمتان: لا نعبد إلا الله هذا معنى لا إله إلا الله. والكلمة الثانية: لا نعبد الله إلا بما شرع الله، فإذا عبدنا الله بما شرع الله فقط يكون صدقنا وآمنا حقيقة حينما نقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. أما إذا وسعنا دائرة العبادة فعبدنا الله عز وجل بما لم يشرع ربنا عز وجل في القرآن ولا في السنة فلا نكون قد آمنا حقيقة بالشهادة الثانية: وأن محمداً رسول الله. لم؟ لأن إيماننا بأن محمداً رسول الله يعني أمرين اثنين: الأمر الأول: أنه مبعوث رسولاً من رب العالمين لكافة الناس بشيراً ونذيراً، رسولاً يعني برسالة هي رسالة الإسلام. والأمر الآخر: أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ولم يدع لأحد شيئاً يستدركه عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولذلك قال ربنا تبارك وتعالى مؤكداً لقيامه - صلى الله عليه وآله وسلم - بحق كونه رسولاً وبذلك نشهد فنقول: وأن محمداً رسول الله. وقد نزلت آية عظيمة جداً جداً ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على عرفة وفي حجة الوداع تأكيداً لهذا المعنى أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أدى الرسالة كاملة غير منقوصة، فقال عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (المائدة: 3). نزلت هذه الآية الكريمة ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على عرفة ويوم جمعة، ولقد عرف قيمة هذه الآية الكريمة، هذه النعمة العظيمة الذي امتن الله تبارك وتعالى بها على عباده بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة: 3) إلى آخر الآية. وقد عرف هذه الحقيقة حبر من أحبار اليهود كان قد أسلم هداه الله عز وجل

إلى الإيمان بالله ورسوله ألا وهو كعب الأحبار على قلة من أسلم من اليهود، فلما عرف مما درس من كتاب الله هذه الآية الكريمة جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين! آية في كتاب الله لو علينا معشر يهود نزلت لاتخذنا يوم نزولها عيداً. قال عمر: ما هي؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة: 3) إلى آخر الآية. فقال عمر رضي الله تعالى عنه: لقد نزلت في يوم عيد يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على عرفة. لقد صدق ظن كعب الأحبار حينما أحس بعظمة هذه الآية حينما قال: لو نزلت على اليهود لاتخذوا يوم نزولها عيداً، فأخبره عمر بأن المسلمين يعيدون في هذا اليوم فعلاً ألا وهو يوم الجمعة ويوم عرفة أيضاً. الغرض من تقديم هذه الرواية الصحيحة- وهي في صحيح البخاري- هو تذكير المؤمنين بالله ورسوله حقاً، بعظمة هذه النعمة التي امتن الله بها على عباده حينما قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة: 3) لكن المسلمين إلا قليلاً منهم لم يعرفوا قيمة هذه النعمة، ولم يقدروها حق قدرها، لم؟ لسببين اثنين، أحدهما يعود إلى الفكر والآخر يعود إلى العمل الذي هم عليه. أما الفكر فإننا إلى اليوم نعيش في مشكلة فقهية مخالفة لما تنص عليه هذه الآية الكريمة من أن الدين أكمله الله عز وجل على رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، نعيش في مشكلة، مشكلة أن العبادات التي يتعبدها المسلمون اليوم كثير منها ليس من الدين بشيء، ليس من الإسلام بسبيل مع أننا سمعنا آنفاً أولاً الآية وأنها نزلت في يوم عيد ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على جبل عرفات وفي حجة الوداع. هذه النعمة عظيمة ما قدرها كثير من المسلمين حق قدرها، ولو أنهم قدروها

حق قدرها لوقفوا عند ما شرع الله على لسان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لست أعني فقط أن هناك قوانين ودساتير وضعت لم توضع على كتاب الله وعلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لأن هذه الدساتير والقوانين لم يضعها علماء المسلمين وفقهاء المسلمين المتعبدون المخلصون لدينهم، وإنما هي فرضت عليهم، وإنما أعني أفراد المسلمين الصالحين منهم الذين يقومون الليل ويصومون النهار ومع ذلك فهم لا يقفون عند هذه النعمة من كمال الدين، فيتعبدون الله عز وجل بما لم يأتِ في الدين ولم يبينه رسول رب العالمين. هذا الذي أردت توضيحه بعد ذلك الإجمال حينما قلنا: أصلان لا بد لكل مسلم أن يدين الله بهما، الأصل الأول: ألا يعبد إلا الله. والأصل الثاني: ألا يعبده إلا بما شرع الله، لم؟ لأن الدين قد أكمله الله تبارك وتعالى. هذه الحقيقة-مع الأسف-غائبة عن أذهان كثير من المسلمين المتعبدين والمتفقهين، ذلك لأن الإسلام اليوم وقد مضى عليه أربعة عشر قرناً قد دخل فيه مع الزمن ما ليس منه، ولذلك جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والآثار السلفية تحذر من الإدخال لشيء ما في الدين باسم التقرب إلى الله تبارك وتعالى، ذلك لأن الله عز وجل قد كفانا مؤنة الإحداث والإدخال في الدين ما لم يكن منه كما سمعتم آنفاً من الآية التي نزلت في عرفة. وأكد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا المعنى الذي تضمنته الآية الكريمة في بعض الأحاديث الصحيحة التي منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله ويبعدكم عن النار إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه» إذاً انتهى باب العبادة، فلا سبيل لأن يتعبد المسلم إلا بما جاءنا به

رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. من أجل هذا جاءت الأحاديث الكثيرة والكثيرة جداً وكذلك الآثار عن الصحابة والسلف الصالح، تنهى المسلمين من الإحداث في الدين، تنهاهم نهياً مطلقاً دون أن يدخل هذا النهي شيء من التخصيص أو التقييد، وبعض هذه الأحاديث معروفة ولكن قل من يقف عند دلالتها العامة. فآنفاً افتتحت كلمتي هذه بخطبة الحاجة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يفتتح بها خطبه، وفيها: خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. هذه الكلية كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؛ لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ورسوله حقاً أن يعارض هذه الكلية وأن يقول: لا، ليست كل بدعة ضلالة أو ليس كل بدعة ضلالة، كيف يقول هذا مسلم يؤمن بالله ورسوله حقاً يعارضه ويشاققه ويشاكسه ويقول: كل بدعة ضلالة هكذا يقول رسول الله، ثم هناك من يقول: لا، البدعة تنقسم إلى قسمين: بدعة حسنة وبدعة سيئة. هذه قسمة ضيزى يجب على كل مسلم ألا يؤمن بها، لأنها تنافي إيمانه بقول نبينا صلوات الله وسلامه عليه: «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار». عجيب جداً أن يوجد في بعض المسلمين من يشاقق الرسول في هذه الكلمة، هو يقول: «كل بدعة ضلالة» وذاك المسلم يقول: هناك البدعة تنقسم إلى قسمين: حسنة وسيئة. ماذا يقال في من يقول في حديث الرسول عليه السلام آخر فيه مثل هذه الكلية.

قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» (¬1) هل يعقل أن يقول مسلم: هذا الكلام مقسوم إلى قسمين؟ ليس كل مسكر خمر، بل منه ما هو خمر ومنه ما ليس بخمر. هذا لا يتصور أن يصدر من مسلم إلا سهواً، إلا خطأً هذا ممكن. أما أن يصبح شريعة مستمرة في أذهان المسلمين بل وأكثر المسلمين بسبب زلة وقع فيها عالم فهنا تكمن المشكلة، ممكن أن يقول قائل خطأً وسهواً ما يخالف القرآن والسنة، ولكن لا يمكن أن تصبح هذه المخالفة شريعة وعبادة مستمرة طيلة هذه السنين الطويلة. فمن يقول في قوله عليه السلام: «كل بدعة ضلالة» ليس كل بدعة ضلالة وإنما هي بدعة حسنة وبدعة سيئة مثله من يقول في قوله عليه السلام الآخر: «كل مسكر خمر» فيقول ذلك الذي قسم البدعة إلى قسمين أيضاً يقول: ليس كل مسكر خمر، وإنما منه ما هو خمر ومنه ما ليس بخمر. سبحان الله! كيف يتجرأ المسلم أن يقول بهذه القسمة الضيزى؟ والله عز وجل يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115). الأحاديث التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تحذر من كل عبادة لم يشرعها الله على لسان رسول الله أكثر من أن تحصر. ذكرت لكم آنفاً الحديث الذي يعم كل بدعة بأنها ضلالة، والآن أذكركم بحديث آخر هي وصية الحبيب - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه في موعظة وعظ بها أصحابه عليه ¬

(¬1) صحيح مسلم (رقم5336).

الصلاة والسلام، كما قال العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه وهو كان من فقراء الصحابة الذين كانوا يأوون إلى الصُّفَّة لا همَّ لهم إلا صحبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والاستفادة من علمه عليه الصلاة والسلام، قال: «وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها وصية مودع فأوصنا وصية لا نحتاج إلى أحد بعدك أبداً. قال عليه الصلاة والسلام: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة» هذه أيضاً كلية. «فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» ثم جاءت أحاديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الأخرى بألفاظ تختلف عن لفظ الكل لكنها تؤيد معنى الكل المذكور في هذا الحديث وفي ما قبله، من ذلك مثلاً قوله عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (¬1) هذا أيضاً يعني تلك الكلية التي جاءت في الحديثين المذكورين آنفاً، لأنكم علمتم من آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة: 3) أن الدين قد كمل، فمن أحدث في هذا الدين شيئاً [فهورد] يقول: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أي: مردود على الذي أحدث تلك المحدثة لأن الدين كمل والحمد لله كما في آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة: 3). فإذاً كلما ذكرنا حديثاً ولو لم يكن فيه لفظ: «كل بدعة»، لكنه يؤيد هذه الكلية ¬

(¬1) البخاري (رقم2550) ومسلم (رقم4589).

كل التأييد، من ذلك مثلاً حديث الرهط (¬1) الذين جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم ثلاثة رجال فلم يجدوه فسألوا أهله عليه الصلاة والسلام عن عبادته، عن قيامه وصيامه وقربانه لنسائه، فذكرن ما يعلمن من ذلك عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقلن: إنه عليه الصلاة والسلام يصوم ويفطر، ويقوم الليل وينام، ويتزوج النساء. فلما سمع الرهط كلام نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تقول أو يقول راوي الحديث وهو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: لما سمعوا ذلك تقالوها، أي: وجدوا عبادة الرسول قليلة. سبحان الله! رسول الله الذي قام حتى تفطرت وفي لفظ: تشققت قدماه، يقول هذا الرهط أن عبادة الرسول عليه السلام قليلة، لماذا؟ هنا الشاهد وهنا النكتة يا إخواننا فانتبهوا. إنهم كانوا يتوهمون أن التقرب إلى الله تبارك وتعالى إنما يكون بالترهب أي: بأن ينذر المسلم نفسه لعبادة الله فقط ولا يهتم بشيء من أمور الدنيا، لا يهتم بشيء يتعلق بنسائه وأولاده، هكذا هم تصوروا. وهذا بلا شك تصور مخالف للإسلام الذي من أقواله عليه الصلاة والسلام: «لا رهبانية في الإسلام» (¬2). من أجل هذا التوهم الخاطئ وجدوا عبادة الرسول عليه السلام قليلة، ومن ذلك رجعوا إلى أنفسهم يقولون: هذا رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لسان حالهم يقول: لماذا لا يتمتع الرسول بنسائه؟ لماذا لا يتمتع النبي عليه السلام بنومه؟ لماذا لا يتمتع الرسول بطعامه وشرابه؟ إذاً هو كان يصوم ويفطر، ويقوم الليل وينام، ويتزوج النساء أي: يغتسل منهن. هم تصوروه عليه السلام حسب تصورهم الخاطئ أنه قائم الليل كل الليل، ¬

(¬1) البخاري (رقم4776) ومسلم (رقم3469). (¬2) الصحيحة (4/ 385).

أنه صائم الدهر كل الدهر وأنه لا يقرب النساء، كما قال بعض القدامى: ضاع العلم بين أفخاذ النساء، فتصوروا الرسول عليه السلام أنه لا علاقة له بهذه الدنيا، ثم عادوا يعللون تلك القلة من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بعلة لو أنهم صمموا عليها وأصروا عليها ولم يعودوا إلى سنته عليه السلام لضلوا ضلالاً بعيداً، لأنهم قالوا: ولماذا رسول الله يتعب نفسه فيصلي الليل كله ويصوم الدهر؟ ما في حاجة، الله غفر له وكما يقال في بعض البلاد: حَط رجليه بالماء البارد واستراح. هذا طعن في عبادة الرسول عليه السلام، وهو الذي جاء في صحيح البخاري من حديث جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومنهم المغيرة بن شعبة، قال: «قام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى تفطرت قدماه. قالوا: يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر» كأنهم يقولون له: ارفق بنفسك، اشفق عليها، لماذا تقوم هكذا حتى تشققت قدماه؟ فكان جوابه عليه السلام كما هو المفروض في سيد البشر وأفضل البشر وأكمل البشر قاطبة، قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً، أفلا أكون عبداً شكوراً» (¬1). إذاً رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما نسبه ذلك الرهط إلى الإقلال في العبادة كانوا مخطئين كل الخطأ، كانوا متوهمين لأنهم كانوا أو لأنهم كانوا يحمدون في فكرهم الرهبانية التي ليست من الإسلام، بناءً على ذلك الوهم القائم في أذهانهم وبعد أن علَّلوا قلة عبادة نبيهم أن الله غفر له وانتهى الأمر، قالوا: أما نحن فنحن لا نعلم أن الله عز وجل قد غفر لنا فما هو السبيل لنحصل مغفرة ربنا عز وجل؟ تعاهد الثلاثة بعضهم مع بعض على ما يأتي. ¬

(¬1) البخاري (رقم1078).

أما أحدهم فقال ناذراً قال: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر، أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر. قال الثاني: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام. أما الثالث قال: أما أنا فلا أتزوج النساء، وانصرفوا متعاهدين على أن يقوم كل واحد منهم بما عاهد الله عليه من قيام الليل كله، من صيام الدهر كله، من اجتناب النساء بالكلية وانصرفوا هكذا. ولما جاء رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى نسائه وأخبرنه الخبر دخل المسجد وجمع الناس وخطبهم وقال. قال عليه الصلاة والسلام: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا» يعني: .. أقوال عرفتموها فلا حاجة لإعادتها، لكن الشاهد في ما يأتي. «أما إني أتقاكم لله وأخشاكم لله، أما إني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني» الشاهد من هذا الحديث كله الجملة الأخيرة بعد أن عرفتم سبب ورودها، هذه الجملة الأخيرة مع الأسف أكثر المسلمين المتعبدين لا أعني الزاهدين في عبادة الرسول عليه السلام والمعرضين عنها بالكلية، إنما أعني الزاهدين المتعبدين الراغبين في الآخرة، قال في خاتمة الحديث: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» انتهى الحديث، وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما. أريد أن أقف قليلاً معكم عند قوله: «سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني» لعل الكثيرين منكم قرؤوا شيئاً من الفقه على أي مذهب من المذاهب الأربعة المتبعة من جماهير المسلمين أهل السنة والجماعة، ويقرؤون في هذه الكتب تقسيم العبادات إلى أقسام منها فرض ومنها سنة، ولا أزيد على هذا-لأن هنا الشاهد-.ويعرفون السنة من حيث ثوابها ومن حيث حكم تاركها بأن من فعلها أثيب عليها دون ثواب الفريضة، ومن تركها لا يعاقب عليها، بعضهم يزيد-

والزيادة لا أصل لها- لا يعاقب عليها لكن يزيد فيقول: لكنه يعاتب من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. هذه الزيادة وهي قول بعضهم: أن من ترك سنة من سنن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التي هي ليست بفريضة ولا هي أيضاً بواجبة بالنسبة لرأي الحنفية الذين يفرقون بين الفرض والواجب فهي دون الفرض ودون الواجب يقولون قولة الحق: لا يعاقب تاركها، لكن يزيدون فيقولون: يعاتب تاركها. هذا العتاب ليس له أصل لا في كتاب الله ولا في حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا في أثر من الآثار الواردة عن السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين، وإنما على العكس من ذلك أذكركم بحديث ذلك الأعرابي الذي سأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ما فرض الله عليه في كل يوم وليلة، فقال: «خمس صلوات. فلما قال له: هل علي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع. فقال عليه الصلاة والسلام: أفلح الرجل إن صدق، دخل الجنة إن صدق» (¬1) فأين هذا العتاب المُدَّعى؟ هذه كلمة كما يقال على الماشي، لكن الذي أريد أن أدندن حوله هو: هل السنة في هذا الحديث المتفق عليه هو بمعنى السنة التي ليست بفريضة ولا واجبة؟ الجواب: لا. هذا اصطلاح اصطلح الفقهاء ولا مشاحة كما يقول العلماء في الاصطلاح، اصطلحوا في سبيل بيان الأحكام وتوضيحها للناس فقسموا الأحكام إلى خمسة، قسموا العبادات أو الأحكام إلى خمسة فقالوا فرض وقالوا سنة وقالوا مستحب ونحو ذلك. ليس المقصود في قوله عليه السلام: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» ليس المقصود بالسنة في هذا الحديث الصحيح هي السنة المصطلح عليها وهي التي ¬

(¬1) البخاري (رقم46) ومسلم (رقم109).

دون الفرض، وإنما المقصود بهذه السنة في الحديث الصحيح: الطريق والمنهج والشريعة التي سار عليها الرسول عليه الصلاة والسلام بما فيها من أحكام حتى المباح، آخر حكم من الأحكام الخمسة المباح، فكما لا يجوز لمسلم أن يحرم ما أباح الله كذلك لا يجوز لمسلم أن يحلل ما حرم الله، كذلك لا يجوز لمسلم أن يشرع للناس فيقول لهم: هذه سنة، أو أن يقول لهم وهنا بيت القصيد: هذه سنة أو بدعة حسنة، لا يجوز أن يقول هذا الكلام لما سبق بيانه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذم البدعة الدينية، وأرجو أن تنتبهوا لهذا القيد، لأن كثيراً من الناس الغافلين أو الجاهلين حينما يقال لهم: هذه بدعة فلا تفعلها يقول: الذي لابسه أنت كله بدعة، الذي راكب السيارة هي بدعة، هذا من جهلهم أتوا لأنكم عرفتم آنفاً أن البدعة التي ذمها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذماً مطلقاً وحكم على صاحبها بأنه على ضلالة إنما عنى البدعة في الدين بدليل قوله في الحديث المتفق عليه بين الشيخين: «من أحدث في أمرنا هذا، في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد». إذاً قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» ما دلالة هذا الحديث على العموم الذي ذكرناه آنفاً صريحاً في بعض الأحاديث التي تذم البدعة ذماً عاماً شاملاً بحيث يسد على كل من كان قاصداً أن يعرف الحق في ما اختلف فيه الناس يسد عليه الطريق أن يقول: لا، هناك بدعة حسنة. قلنا: هذا أمر مستحيل أن يصدر من مسلم مؤمن يؤمن بالله ورسوله حقاً، لأنه يعتبر مشاقاة لله ولرسوله، رسولك أيها المسلم يقول لك: «كل بدعة ضلالة» وأنت بكل جرأة تقول: لا، ليس كل بدعة ضلالة إنما هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة. هذا لا يقوله إلا أحد رجلين: إما جاهل وإما غافل لا يدري ما يخرج من فمه.

فأقول: قوله عليه السلام: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» سنته أي: شريعة الله التي أنزلها الله على قلب محمد عليه السلام، وشريعة الله قد علمتم مما سبق من البيان أنها قد كملت والحمد لله بشهادة تلك الآية الصريحة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (المائدة: 3) ما بعد الكمال إلا النقصان، أما الزيادة فلا مجال للزيادة في الدين أبداً. قلت لكم: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» هل هناك مسلم مهما تصورناه عالماً, زاهداً، صالحاً أن يكون مثل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في العبادة؟ هذا مستحيل، لأنه لا مثله عليه الصلاة والسلام لا في علمه ولا في خلقه ولا في عبادته. إذاً ما هو الشيء الذي يمكن أن نتصوره في بعض عباد الله الصالحين الذين يأتون في المرتبة في الصلاح والعبادة والتقرب إلى الله بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ سنقول: لا بد أن يكون هؤلاء دون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في العبادة كما قيل: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح يعني حسب المسلم الصالح والعالم بشريعة الله عز وجل أن يتشبه برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبالكاد أن يقترب من عبادته، بالكاد. أما أن يكون مثله فهذا أمر مستحيل. إذاً رجعنا إلى حديث من تلك الأحاديث: «ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به» إذاً يا مسلمون! لقد أُغلق باب التشريع وباب الاستحسان في الدين بأن الدين قد كَمُل نصاً في الآية ونصاً في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، لذلك قال تلك الكلمة العظيمة جداً: «فمن رغب عن سنتي فليس مني». لنتأمل الآن لمن قال: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»؟ لمن أراد أن يبتدع في الإسلام بدعة لا أصل لها، لأن هناك شبهة يقول بعضهم: أن البدعة الضلالة

هي التي ليس لها أصل مطلقاً لا في الكتاب ولا في السنة. لننظر الآن في حق من قال عليه الصلاة والسلام: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» من أراد أن يقوم الليل كل الليل فهل قيام الليل بدعة؟ لا أحد والحمد لله يقول إلا أنها عبادة عظيمة جداً، وبخاصة أن هناك أحاديث صحيحة تأمر بقيام الليل مثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين من قبلكم» (¬1) لا أحد يقول: أن قيام الليل بدعة. الآخرون ماذا قالوا؟ أن يصوموا الدهر، الصيام أيضاً خير عمل، الصيام خير عمل، وقد عرفتم أن الرسول عليه السلام كان يصوم. كذلك الثالث الذي قال: أنا لا أتزوج النساء. فعدم تزوج النساء إذا كان من باب الرهبنة فقد عرفتم أن ذلك لا رهبانية في الإسلام. الآن نقول بالنسبة للذي أراد أن يصوم الدهر وأن يقوم الليل كله: إنما أراد كل من هذين الزيادة في التقرب إلى الله عز وجل بالصيام والقيام، الزيادة في التقرب إلى الله عز وجل بالصيام وبالقيام، الصيام والقيام عبادة. إذاً هو أراد أو هما أرادا زيادة التقرب إلى الله عز وجل بما أصله مشروع وهو الصيام والقيام، فهل قَبِلَ ذلك الرسول عليه السلام من ذينك الرجلين؟ لا، رد ذلك عليهما بكلام فيه تشديد عليهما، قال: «أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم لله» كأنه يقول عليه السلام لهما: أنتم الآن أخشى لله مني؟ أنتما أو أنتم أتقى لله مني؟ أنا أقوم الليل وأنام، وأصوم وأفطر. أنتم الآن تريدون أن تصوموا الدهر وأن تقوموا الليل كله؟ يعني معناه انعكست القضية، أنتم أخشى وأنتم أتقى فهذا أمر مستحيل، فلا أفضل بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -[منه]. ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم4079).

إذاً خذوا من هذا الحديث دليلاً واضحاً أن الزيادة في الدين ولو كانت عبادة في الأصل فهذه الزيادة منكرة أنكرها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. فالمقصود إذاً من هذا الحديث كأمثلة بدأت في عهد الرسول عليه السلام باسم الزيادة في الدين وباسم زيادة التقرب إلى رب العالمين، مع ذلك رفضها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رفضاً باتاً ولفت نظرهم أن من يصر على التقرب إلى الله عز وجل بهذه العبادة الزائدة على ما جاء به عليه السلام فمعنى ذلك: أن الزائد هو أتقى لربه وأخشى من ربه من نبيه عليه الصلاة والسلام. ولا شك أن من تصور هذه الأفضلية لا يكون مسلماً، لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو أفضل البشر قاطبة في كل شيء لا سيما أنه قد اصطفاه ربه عز وجل بخاتمة الشرائع والأديان. على هذا النموذج وعلى هذا النهج جاءت أقوال السلف الصالح تلتقي في ذم البدعة التي يراد بها زيادة التقرب إلى الله تبارك وتعالى، من ذلك مثلاً ما روي عن حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تعبدوها» أي: فلا تتعبدوها. انظروا هذه الكلية من هذا الصحابي الجليل صاحب سر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. «كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تتعبدوها» الله أكبر. كم مِن عبادة اليوم نراها في المساجد وفي البيوت يريدون أن يزدادوا بها قربى إلى الله عز وجل وهم يعلمون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يفعلها، أن السلف الصالح لم يفعلها، أن الأئمة كل الأئمة وعلى رأسهم الأربعة لم يفعلوها. ما هو جوابهم؟ يا أخي أيش فيها؟ هذه زيادة خير خير، كلمة عامية يقولونها زيادة خير خير. "الهدى والنور" (710/ 35: 02: 00)

[96] باب معنى شهادة أن لا إله إلا الله وبيان مقتضياتها

[96] باب معنى شهادة أن لا إله إلا الله وبيان مقتضياتها [قال الإمام]: أشهد أن لا إله إلا الله .. أي: لا معبود بحق في الوجود إلا الله الواجب الوجود لذاته تعالى. ذكره القاري وغيره. هذا هو معنى هذه الشهادة التي تحقن دم قائلها, وتنجيه يوم لقائه الله تعالى؛ إذا عمل بمقتضاها, ولم يقتصر على التلفظ بها. ولقد ضل كثير من المسلمين حين فهموا منها: أنه لا رب ولا خالق إلا الله تعالى. وبنو على ذلك: أن من عَبَدَ غيره تعالى بنوع من أنواع العبادات؛ كالاستغاثة بغيره سبحانه, والذبح لغيره, وما شابه ذلك أنه صحيح الاعتقاد, سليم الإيمان! مع أن حقيقة هذه الشهادة: توحيد الإله في هذه العبادات, وغيرها؛ فإنه هو الفارق بين المؤمن الموحد, وبين الكافر المشرك؛ ذلك لأن المشركين الذي بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا يعتقدون هذا المعنى الخاطئ لهذه الشهادة, ولكنهم كانوا يقتصرون على ذلك؛ فلا يؤمنون بأن لا معبود بحق في الوجود إلا الله تعالى. فهم موحدون من ناحية, مشركون من ناحية أخرى؛ موحدون في توحيد الربوبية, كافرون بتوحيد الألوهية. هذا هو الذي دل عليه القرآن الكريم بنصوصه الصريحة. أما إيمانهم بتوحيد الربوبية وأنه: المتفرد بالخلق والرزق؛ فقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وقال: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} وقال تعالى: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا

إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 84 سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ 85 قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ 86 سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ 87 قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 88 سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (المؤمنون:84 - 89) وقال تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}. وأما كفرهم بتوحيد الألوهية-الذي هو المراد من هذه الشهادة-؛ فأقرأ قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} وكانوا إذا دعاهم - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الإيمان بهذه الشهادة؛ يقولون: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص:5). وكذلك كان كفر من قبلهم من المشركين؛ كانوا يكفرون بتوحيد الألوهية, وإلى هذا التوحيد كان يدعوهم أنبياؤهم - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ كما قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} (الأعراف:65). {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} (الأعراف:70) وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ... } الآية (هود:61). {قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} (هود: 62). وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ}. أي قائلين لأممهم: أن اعبدوا الله وحده. فأفاد بقوله: في كل أمة: أن جميع الأمم لم تُرسل إليهم الرسلُ إلا لطلب توحيد العبادة, لا للتعريف بأنه هو الخالق للعالَم, وأنه رب السماوات والأرض؛ فإنهم كانوا مُقِرّين بهذا بباعث الفطرة-كما سبق عن الجاهليين-؛ ولهذا لم ترد الآيات في ذلك في الغالب؛ إلا

بصيغة استفهام التقرير؛ نحو: {أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ}. {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}. ومما سبق تعلم أن المشركين لم يتخذوا الأصنام والأوثان شركاء لله تعالى في الربوبية؛ أي: أنهم [ما] اعتقدوا فيهم أنهم شركاء لله في الخلق, والرزق, والإحياء, والإماتة, كلا؛ فإنهم نفوا ذلك بأنفسهم, وإنما اتخذوهم شركاء لله سبحانه في العبودية والألوهية؛ كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3). فهم مُقِرّون بأن المقصود بالذات هو الله تعالى, وأنهم إنما عبدوا أوثانهم؛ وسيلة توصلهم إلى الله. وفي «صحيح مسلم» (4/ 8) ,و «المختارة» للضياء المقدسي عن ابن عباس: «كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك».قال: فيقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ويلكم قَدْ قَدْ».فيقولون: إلا شريكاً هو لك, تملكه, وما ملك. يقولون هذا, وهم يطوفون بالبيت! ومعنى عبادة المشركين لأوليائهم وأصنامهم هو: أنهم خَصُّوهم بنوع من العبادات: كالاستغاثة بهم, والنذر, والنحر لهم, وغيرها؛ مما يدل على منتهى الخشوع والخضوع, وهم لم يفعلوا ذلك إلا لاعتقادهم أنها تقربهم إلى الله تعالى, وتشفع لهم لديه. فأرسل الله الرسل تأمر بترك عبادة كل ما سواه، وأن هذا الاعتقاد الذي يعتقدونه في الأنداد باطل, والتقرب إليهم باطل, وأن ذلك لا يكون إلا لله وحده, وهو توحيد العبادة. وقد كان المشركون, منهم: من يعبد الملائكة, وينادونهم عند الشدائد, ومنهم: من يعبد تماثيل لبعض الصالحين, ويهتف بها عند الشدائد, فبعث الله

إليهم محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ يدعوهم إلى الله وحده بأن يفردوه بالعبادة-كما أفردوه بالربوبية-وأن لا يدعوا مع الله أحداً؛ قال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ}. وأمر عباده أن يقولوا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. ولا يُصدق قائل هذا إلا إذا أفرد العبادة لله تعالى؛ وإلا كان كاذباً, منهياً عن أن يقول هذه الكلمة؛ إذ معناها: نخصك بالعبادة ونفردك بها, وهو معنى قوله: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}. {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}. كما عرف من علم البيان: أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر؛ أي: اعبدوا الله, ولا تعبدوا غيره، واتقوه ولا تتقوا غيره. فإفراد الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له, والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده, والاستعانة بالله وحده, واللجوء إلى الله, والنذر والنحر له تعالى, وجميع أنواع العبادات من الخضوع, والقيام لله تعالى, والركوع, والسجود, والطواف, والتجرد عن الثياب, والحلق, والقصر كله لا يكون إلا لله عز وجل, ومن فعل ذلك لمخلوق حي, أو ميت, أو جماد, أو غيره؛ فهذا شرك في العبادة والألوهية, وفي النهي عن ذلك نزل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. وصار من يُفعل له هذه الأمور إلهاً لعابده سواء كان ملكاً, أو نبياً, أو ولياً, أو قبراً, أو غير ذلك, وصار بهذه العبادة, أو بأي نوع منها عابداً لذلك المخلوق, وإن أقر بالله وحده وعبده؛ فإن إقرار المشركين بالله, وتقربهم إليه؛ لم يخرجهم عن الشرك؛ قال الله عز وجل في الحديث القدسي:

[97] باب لوازم الشهادة لله بالوحدانية

«أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً, وأشرك فيه معي غيري؛ تركته وشركه». أخرجه مسلم وغيره. فمن علم ما ذُكِرَ من الفرق بين توحيد الربوبية, وتوحيد الألوهية, وجمع بينهما في اعتقاده وعمله؛ فهو الذي تحقق بمعنى لا إله إلا الله, وهو الذي يستحق أجر قائلها, وتنفعه من دهره يوماً ما-كما جاء في الأحاديث النبوية-. وهذا بحث عظيم قد أُلِّفَت فيه كتب, ورسائل شتى؛ لأهميته, وخطورة شأنه, فمن شاء التوسع في ذلك، فليراجع «تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد» للإمام الصنعاني- وغالب ما كتبناه مأخوذ عنه-, و «تجريد التوحيد» , للمقريزي, و «حجة الله البالغة» , وكتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم. "أصل صفة الصلاة" (3/ 877 - 881) [97] باب لوازم الشهادة لله بالوحدانية [قال الإمام]: الشهادة لله بالوحدانية يجب أن تفهم جيداً، بحيث تمنع قائلها من عبادة غير الله بأي نوع من أنواع العبادات المعروفة. وأن من شهد بها وقصر بالقيام ببعض الأحكام الشرعية، أو ارتكب بعض المعاصي؛ فذلك لا يعني أنه لا يستحق أن يعذب عليها؛ إلا أن يغفر الله له. "الصحيحة" (7/ 3/1710).

[98] باب تلقين المحتضر شهادة التوحيد

[98] باب تلقين المحتضر شهادة التوحيد [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله، قبل أن يحال بينكم وبينها ولقنوها موتاكم». [قال الإمام]: من فقه الحديث: فيه مشروعية تلقين المحتضر شهادة التوحيد، رجاء أن يقولها فيفلح. والمراد بـ (موتاكم) من حضره الموت، لأنه لا يزال في دار التكليف، ومن الممكن أن يستفيد من تلقينه فيتذكر الشهادة ويقولها، فيكون من أهل الجنة. وأما تلقينه بعد الموت، فمع أنه بدعة لم ترد في السنة فلا فائدة منه لأنه خرج من دار التكليف إلى دار الجزاء، ولأنه غير قابل للتذكر، {لتنذر من كان حيا}. وصورة التلقين أن يؤمر بالشهادة، وما يذكر في بعض الكتب أنها تذكر عنده ولا يؤمر بها خلاف سنه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما حققته في " كتاب الجنائز " (ص10 - 11) فراجعه. "الصحيحة" (1/ 2/836 - 838). [99] باب معنى شهادة أن محمدًا عبد الله ورسوله وبيان مقتضياتها [قال الإمام]: اعلم أن هذه الشهادة "أي شهادة أن محمداً عبد الله ورسوله" قد جمعت

له - صلى الله عليه وآله وسلم - صفتين لا يتم إيمان المرء به - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا إذا تحقق بمعناهما. الأولى: كونه - صلى الله عليه وآله وسلم - عبداً لله تعالى, كغيره من عباده تعالى, فهو مثلهم من هذه الناحية, كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}. وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنما أنا بشر مثلكم؛ أنسى كما تنسون, فإذا نسيت فذكروني». وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تطروني كما أَطْرَتِ النصارى عيسى ابن مريم, إنما أنا عبد. فقولوا: عبد الله ورسوله». ولذلك فلا يجوز لمسلم يشهد هذه الشهادة أن ينزله - صلى الله عليه وآله وسلم - منزلة فوق التي أنزله الله تعالى فيها؛ فإن ذلك مما لا يرضاه - صلى الله عليه وآله وسلم - , كما قال في الحديث: «أنا محمد بن عبد الله, عبد الله ورسوله, والله! ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل».ولا أن يمدحه إلا بما مدحه الله به, أو بما صحت به الأحاديث والأخبار, فَمَدْحُهُ - صلى الله عليه وآله وسلم - بمثل قول بعضهم: فإن من جودك الدنيا وضَرّتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم فهذا القول مما يتنافى مع الشهادة بالعبودية لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - , وهو القائل-كما حكاه الله تعالى في القرآن الكريم-: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}. وهو القائل للجارية التي كنت تندب من قتل يوم [بدر] , ثم قالت: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تقولي هكذا, وقولي كما كنت تقولين». ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث لها في «الصحيحين»: «ومن حدثكم أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يعلم ما في غد؛ فقد أعظم على الله الفرية».

فإذا كان هذا شأن من قال عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -: إنه يعلم ما في غد؛ فما بال من يقول: إنَّ من بعض علومه علمَ اللوح والقلم؟! فلا جَرَم أن حَذَّرَنا - صلى الله عليه وآله وسلم - من الغلو في مدحه وتعظيمه؛ فإنه سبب هلاك الأمم قبلنا كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم غلوهم في دينهم». وأما الصفة الأخرى: فهي كونه - صلى الله عليه وآله وسلم - رسولا ً اصطفاه الله تعالى, وخصه بالوحي وأطلعه على بعض المغيبات, وذلك يستلزم الإيمان بكل ما قاله - صلى الله عليه وآله وسلم - , وصح عنه من التشريعات والأخبار بالمغيبات, سواء كان ذلك موافقاً لعقلك, أو بعيداً عن فهمك وعقلك, يجب الإيمان بذلك كله, فمن لم يكن هذا موقفه معه - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فهو لم يؤمن حق الإيمان بأن محمدا ً رسول الله, فما تنفعه هذه الشهادة, وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم, وذلك ما يفيد قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ولا شك أن إيمانك وتصديقك بما جاء به محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأمور التشريعية والغيبية-ولو كانت بعيدة عن متناول عقلك-؛ إنما هو من الإيمان بالغيب الذي هو من صفات المتقين في القرآن: {ألم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة:1 - 3). فقف أيها المؤمن عند نص الشارع الحكيم, ولا تُغالِ فيه, ولا تفرط؛ بل وسطاً بين ذلك, لتكون من الناجين عند رب العالمين. "أصل صفة الصلاة" (3/ 881 - 883).

[100] باب لوازم الإيمان برسالة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -

[100] باب لوازم الإيمان برسالة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال الإمام]: "الإيمان بكونه" - صلى الله عليه وآله وسلم - رسولاً اصطفاه الله تعالى, وخصه بالوحي وأطلعه على بعض المغيبات, .. ذلك يستلزم الإيمان بكل ما قاله - صلى الله عليه وآله وسلم - , وصح عنه من التشريعات والأخبار بالمغيبات, سواء كان ذلك موافقاً لعقلك, أو بعيداً عن فهمك وعقلك, يجب الإيمان بذلك كله, فمن لم يكن هذا موقفه معه - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فهو لم يؤمن حق الإيمان بأن محمدا ً رسول الله, فما تنفعه هذه الشهادة, وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم, وذلك ما يفيده قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ولا شك أن إيمانك وتصديقك بما جاء به محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأمور التشريعية والغيبية-ولو كانت بعيدة عن متناول عقلك-؛ إنما هو من الإيمان بالغيب الذي هو من صفات المتقين في القرآن: {ألم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة:1 - 3). فقف أيها المؤمن عند نص الشارع الحكيم, ولا تُغالِ فيه, ولا تفرط؛ بل وسطاً بين ذلك, لتكون من الناجين عند رب العالمين. "أصل صفة الصلاة" (3/ 882 - 883). [101] باب هل هناك فرق بين تفسير لا إله إلا الله، بلا معبود إلا الله أو بلا معبود بحق "في الوجود" إلا الله؟ سؤال: يا شيخ! هل في فرق كبير بين: لا معبود بحق إلا الله، ولا معبود بحق

"في الوجود إلا الله"؟ الشيخ: ما في فرق؛ لأن الوجود هو هذا الخلق الذي خلقه الله عز وجل بقدرته، لا فرق لكن الفرق البعيد هو بين عبارة: لا معبود بحق إلا الله، وبين: لا معبود إلا الله، هذا الفرق، أما قضية ذكرنا: "في الوجود" أو ما ذكرناها فهذا لا يترتب من ورائه شيء، لكن بعض المؤلفين .. أنا قرأت رسالة هناك في دمشق لأحد مشايخ الطريقة الشاذلية واسمه: الشيخ محمد المغربي، كما قرأت رسالة أخرى لبعض جماعة التبليغ فسر هذه الكلمة الطيبة: لا إله إلا الله: بلا معبود إلا الله، وهذا هو القول بوحدة الوجود؛ لأن كل المعبودات اليوم تعبد من دون الله تبارك وتعالى، فإذا أطلق عليها: لا معبود إلا الله، فمعنى ذلك: أن هذه المعبودات هي الله، أما حينما يقول المسلم كما قال أهل العلم: لا معبود بحق إلا الله فحينئذٍ نفى الآلهة التي تعبد من دون الله وهذا معنى قوله: لا إله إلا الله، فأثبتوا بكلمة التوحيد توحيد الربوبية، هذا التوحيد الذي لا بد منه لكل مؤمن حقًّا لكنه وحده لا ينجي من الشرك والكفر؛ لأن المشركين كانوا يعتقدون أنه لا خالق إلا الله .. لا رازق إلا الله، ولذلك حكى الله عز وجل عنهم قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25) لكن في آية أخرى: {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات: 35) لماذا؟ لأن في هذه الكلمة الطيبة نفي كل معبوداتهم إلا الله تبارك وتعالى، ولذلك أنكروا توحيد الألوهية فكفروا بالله عز وجل. "فتاوى رابغ" (2/ 00:38:17)

[102] باب هل قيد «في الوجود» في قولنا: لا معبود بحق في الوجود إلا الله؛ مهم؟

[102] باب هل قيد «في الوجود» في قولنا: لا معبود بحق في الوجود إلا الله؛ مهم؟ سؤال: يا شيخ بارك الله فيك، بالنسبة إلى تعريف لا إله إلا الله، أو شرح معنى: لا إله إلا الله قلت فضيلتك أنه ما معبود بحق في الوجود إلا هو، ما أدري يعني بالأمس كنت أراجع في هذا المعنى، قول علماء أهل السنة في معنى لا إله إلا الله، لم يتطرق أحد منهم إلى كلمة في الوجود يعني: ... فكم من آلهة عُبدت فيما مضى ولا وجود لها الآن ... يعني: ليست موجودة الآن، فكلمة في الوجود هذه الكلمة الآن ... يعني الآن ... شيخ الإسلام وابن القيم ... السنة الذين عرفوا معنى لا إله إلا الله لا لم يتطرق احد منهم إلى كلمة في الوجود ... ، هل يعني هذا أن ما .. يعني كلمة الوجود من أين جاءت بارك الله فيك فبين لنا؟ الشيخ: البيان واقع بارك الله فيك، ألست تفرق كما يترشح من كلامك، ولو كنت تدندن على خلاف ذلك، ألا تفرق بين قول من يقول في الوجود الآن، وبين من يقول في الوجود مطلقاً دون أن يقيده بالآن، ألا تفرق معي بين الأمرين؟ قل: بلى أفرق. مداخلة: أفرق بارك الله فيك. الشيخ: اصبر للتتمة: الوجود هو موجود الآن أو منذ خلق الله الكون فهو الموجود وهو الوجود، أليس كذلك، فإذا إشكالك بارك الله فيك لفظي وليس معنوياً، كان يكون معنوياً لو قال القائل في الوجود الآن، فيكون قوله باطلاً، أما في الوجود والوجود هو منذ قال الله: كن فكان الوجود، فالله عز وجل هو معبود بحق دائماً وأبداً، فكلمة الوجود لا تعني التقييد الذي ألقي في بالك ودفعك انتماؤك

[103] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة»

للمعنى أن أيده بلفظ الآن، وهذا اللفظ صحيح لو كان مقيداً في البال وليس باللفظ يكون باطلاً المعنى، لكن كلمة الوجود ليست مقيدة لا ذهناً بالآن ولا لفظاً، ولذلك فلا إشكال في الموضوع. مداخل آخر: بارك الله فيك لفظ موجود وارد. الشيخ: اسمح لي بارك الله فيك، أرجو أن ما تكون المناقشة في الألفاظ، لو قلت لك: لا غبار، فأنت إذا قيل لك نفس الكلام، هل هناك غبار لمن قال: لا معبود بحق في الوجود هل هناك غبار؟ بعد أن عرفت أن الوجود لا يعني الآن، لا غبار إذاً. إذاً: هذه مناقشة في اللفظ ويترتب من ورائها الآن أن بعض إخوانا المطلعين والذين نرجو أن يزيدنا الله وإياه علماً يقول: هذه العبارة موجودة، أنت الذي نفيته وغيرك الآن يثبته، فما حصيلة هذا وهذا؟ لا شيء، على النظام العسكري: مكانك راوح، ما في فائدة، لا معبود في الوجود إلا الله. "الهدى والنور" (655/ 50: 55: 00) [103] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة» الشيخ: حديث: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة». أولاً: «من قال» هل يعني مجرد قول، ولا عقيدة؟ عقيدة. أي: إذاً: معنى الحديث: «من قال» معتقداً ليس من قال متلفظاً، هذه ما أظن فيها إشكال عند عامة الناس، لكن انظروا ما يأتي: «من قال لا إله إلا الله» إذاً: المعنى معتقداً، طيب. ولا إله إلا الله فاهماً وإلا بدون فهم؟

مداخلة: فهم. الشيخ: بفهم، هنا هي المشكلة الكبرى: أكثر المسلمين إلى اليوم لا يفهمون معنى لا إله إلا الله، وأنا أعتقد من تقصير الجماعات الإسلامية، التي تكلمنا اليوم بكلام عام حينما تكلمنا عن حديث الفرق الثلاث والستين، الثلاث والسبعين، والفرقة الواحدة هي الناجية أنا أقول الآن: كل الجماعات الإسلامية لا تدندن حول هذه الشهادة الطيبة الكلمة الطيبة، لا تتكلم حولها أبداً وبخاصة أن الله عز وجل أمر نبيه فقال له: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19) ترى فاعلم: هذا أمر بأمر مستحب؟ هذا أمر بأصل الإسلام أصل الإسلام الذي ما بعده قام عليه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19) المسلمون اليوم لا يعلمون كما أمرهم الله معنى هذه الشهادة التي قال الرسول «دخل الجنة»، والآن نمضي ولا نقف هنا، نفترض الآن أن زيداً من الناس علم معنى لا إله إلا الله والمعنى الملخص هو: أنه لا معبود بحق في الوجود وفي الكون كله إلا الله أي: كما جاء في بعض الأحاديث: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما سواه» ما عد يفكر أنه يعتقد أن الله واحد في ذاته وواحد في عبادته وواحد في أسمائه وصفاته، يجب أن يكفر بكل ما على الأرض قديماً وحديثاً من المعبودات بالباطل حينئذ هذا يكون قد علم معنى لا إله إلا الله. الآن نفترض زيد من الناس فهم المعنى الصحيح لـ «فعلم أنه لا إله إلا الله» والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة». لاشك دخل الجنة إذا مات على ذلك، فمن يضمن أن يموت على ذلك؟ إذاً: مجرد القول بالشهادة والاعتقاد بالشهادة مع الفهم للشهادة ليس معناها: دخل الجنة يقيناً إلا بشرط أن يموت على ذلك، ولذلك قال عليه السلام: «من مات» في

حديث آخر: «وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة». وفي أحاديث أخرى: «مخلصاً من قلبه» هذا يعني: المعاني التي أشرنا إليها آنفاً طيب, ولو فعل تسعاً وتسعين معصية جمع كل هذه الشروط، فهل يدخل الجنة ولو فعل كل هذه المعاصي؟ الجواب: نعم. أيضاً: الجواب: نعم. لأنه هذا وقع كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوماً خارج المدينة ومعه أبو ذر فأوقفه في المكان، وابتعد قليلاً فسمع صوتاً أبو ذر سمع صوتاً وهو في المكان الذي أوقفه الرسول عليه السلام فيه أو عليه، ثم رجع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إليه فقال عليه السلام: «آتاني جبريل آنفاً فبشرني وقال لي: بشر أمتك أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، قال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قلت: يا جبريل؟ وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق». لما روى الحديث رسول الله إلى أبي ذر عن جبريل مع أن الرسول سأل وإن زنى وإن سرق وأجابه جبريل: وإن زنى وإن سرق يعني: هذا هو الأمر فقال أبو ذر بدوره للرسول عليه السلام: «وإن زنى وإن سرق» ماذا يسع الرسول أن يقول بعد أن الرسول مرسل من الله جبريل إلى محمد ويقول له: بشر ويسأل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - جبريل يقول له: وإن زنى وإن سرق؟ يعطي الجواب: وإن زنى وإن سرق، ماذا يسعه إذا قال أبو ذر للرسول مثلما قال الرسول لجبريل يقول له: «وإن زنى وإن سرق» لكن لا يزال في شيء قال له: «وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق رغم أنفك يا أبا ذر» هذا شيء عظيم جداً، ما معنى إذاً الحديث في النهاية؟ تفصيل الحديث إذا توفرت الشروط الذي ذكرناها كلها وفيها هذا السؤال والجواب: وإن زنى وإن سرق. إذاً: مصير هذا الموحِّد مصيره أي: عاقبة أمره: أن يدخل الجنة، لكن هذا لا

يعني أنه لا يحاسب، ولا يعني أنه لا يعزر إلا أن يشمله الله عز وجل بمغفرته ورحمته. إذاً: فتأكيد الرسول عليه السلام تبعاً لجبريل بقوله: «وإن زنى وإن سرق» يعني: أن هذه الشهادة تنفع قائلها والمعتقد بها يوم القيامة حتى لو فعل ما فعل، لكن كونه يحاسب أو كونه يعذب على ما اجترح من المعاصي هذا أمر ثاني، هذا يبقى مطوياً لماذا؟ لأن الله عز وجل هو وحده الذي يعلم حقيقة كل من يشهد أن لا إله إلا الله هل يا تُرى! قام بحقها قام بواجبها، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» وحسابهم على الله إلا بحقها. ترى! هل هؤلاء الذين يقولون: لا إله إلا الله بعد الشروط والأوصاف التي قلناها آنفاً على التسلسل السابق قاموا بحق هذه الكلمة الطيبة أم لا؟ فإن كانوا قاموا بحق هذه الكلمة فهم الذين يدخلون الجنة بدون عذاب، لكن لا نقول: بدون حساب. والرسول عليه السلام يقول في الحديث الصحيح في البخاري: «من نوقش الحساب عذب» (¬1). إذاً: هؤلاء المسلمون الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وتحققت الأوصاف ¬

(¬1) البخاري (رقم103) ومسلم (رقم7406).

التي ذكرناها كلها وقاموا بحقها حقها طبعاً: القيام بما فرض الله والاجتناب عما نهى الله، وهذا باب واسع جداً جداً، فإذا قاموا بالحق دخلوا الجنة بدون عذاب، لكن ليس معنى ذلك: بدون حساب لماذا؟ لأن دخول الجنة بدون حساب يتطلب القيام ببعض الفضائل من الأعمال، وتصوروا لا يمكن لحاسوب لكمبيوتر مهما كان ضخماً مهما كان دقيقاً أن يعطينا عدد أهل الجنة، سيكون عددهم من يوم خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة ملايين البلايين إلى آخره لا يعلم عددهم إلا الله عز وجل منها البلايين البلايين الذين يدخلون الجنة فكم عدد الذين يدخلون الجنة بدون حساب؟ سبعون ألفاً سبعون ألف فقط يدخلون الجنة بدون حساب طبعاً ولا عذاب، قال عليه الصلاة والسلام ذات وهو في المسجد: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب ولا عذاب وجوههم كالقمر ليلة البدر» (¬1) ودخل إلى الحجرة وترك الناس بعد أن ألقى فيهم هذا الحديث فأخذوا يتحزرون حزيرة مَنْ هؤلاء؟ هنيئاً لهم من يكون هؤلاء؟ واحد يقول هؤلاء .. الذي تركوا بلادهم وأموالهم وعيالهم، وهاجروا من مكة إلى المدينة. آخر يقول: لا. هؤلاء الأنصار الذين نصروا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في ساعة العسرة. القول الثالث يقول: لا، لا أنت ولا أنت هؤلاء أولادنا الذي يأتوا من بعدنا الذين آمنوا بنبينا ما شافوه، وهم عم يتحزروا من التحازير دخل عليهم الرسول عليه السلام، حكمة بالغة أسلوب عظيم جداً في وعظ الناس قال لهم: «هم الذين» هنا الشاهد: «هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون». ¬

(¬1) مسلم (رقم489).

هم الذين لا يسترقون ما معنى لا يسترقون ما يأتي الواحد إلى عند الشيخ يا شيخ من فضلك كَبِّسْني ارقيني لا، إنما هو يدعو الله بنفسه، والله يستجيب دعوة المضطر إذا دعاه، أما يلجأ للشيخ حط واسطة بينه وبين ربه مع أن الواسطة هذه ما هي شرك، ولا هي منكرة، لكن ما هي فاضلة هي مرذولة لا تطلب من الشيخ أنه يرقيك، «هم الذين لا يسترقون». لا يطلبون الرقية من أحد أبداً، يتوكل على الله بعد أن يتخذ الأسباب المشروعة من التعويذات الواردة في السنة الصحيحة وهكذا. «هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون» الكي؛ عرف العرب بطب الكي منذ قديم إلى اليوم، والحقيقة: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مدح الكي كوسيلة طبية عربية، وذكر في بعض الأحاديث. الخلاصة: أن الرسول عليه السلام أحسن الثناء كعلاج على الكي، لكنه قال في آخر الحديث: «وأنهى أمتي عن الكي» (¬1) لماذا؟ لأنه تعذيب بالنار، ولا يعذب بالنار إلا رب النار، ولذلك روى في زمن علي رضي الله تعالى عنه أن بعض الشيعة غلوا فيه واعتقدوا فيه نوع من الإلوهية فارتدوا بذلك عن دينهم فأمر بحرقهم بالنار، ولما بلغ خبره إلى عبد الله بن عباس قال: «لو علمت ذلك لمنعته من أن يعذبهم بالنار؛ لأني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: لا يعذب بالنار إلا رب النار». فمن أجل أن الكي فيه تعذيب بالنار نهى مع أنه فيه فائدة للمعالجة لبعض ¬

(¬1) البخاري (رقم5356).

الأمراض. قال: «هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون». التطير معروف عندكم وهو: التشاؤم، وهذا مع الأسف يعني: منتشر بين المسلمين بسبب جهلهم بدينهم، ورجوعهم إلى الجاهلية القديمة بسبب أنهم ما تثقفوا بثقافة الإسلام الصحيحة. ومثل هذا التطير مثله تماماً: الطيرة، الطيرة واستعمال بعض الأمور لدفع الشر العين زعموا، فأنتم تشوفون اليوم كثيراً من أصحاب السيارات الجديدة الفارهة يعلقون في دبرها: نعلاً، والنعل هذه كلما كانت عتيقة ومهرية كلما كانت تدفع الأثر أثر العين عن هذه السيارة الجديدة هذا منتهى الجهل. الطيرة في الإسلام: محرمة وهي مشتقة من الطير، وكانت من عادات الجاهلية، الجاهلية الحقيقة: .. وفيهم بلاهة متناهية، من هذه البلاهة المتناهية: أنه الواحد منهم إذا عزم على السفر وتهيأ للسفر، وحَضَّرَ الزاد والمزاد وكل شيء ما بقي إلا يركب الناقة أو الجمل ويركب ومشي شوية ويطار طيراً منه، هذا الطير إذا أخذ يميناً خلاص هذه سفرة مباركة، وإذا أخذ يساراً هذه سفرة مشئومة، من هنا سميت الطيرة؛ لأن لها علاقة بالطير الذي كان يتشاءم به الجاهلي يا ترى عقل هذا الإنسان! وإلا إذا صح التعبير عُقيل هذا الحوين الصغير وهو الطير لاشك في ذلك، الله عز وجل كما قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70). لاشك أن هذا الإنسان خير من هذا الطير، كيف صار الطير الصغير قائد لهذا

[104] باب هل نسخت الأحاديث الواردة فيمن قال لا إله إلا الله وأنه يدخل الجنة؟

الإنسان الكبير! هذا من عجائب ما وصل به انحطاط العقل الجاهلي. طيب. ما بالكم اليوم يا معشر المسلمين رجعتم إلى الجاهلية فبتعلقوا هذا النعل من أجل المحافظة على السيارة ما تأثير هذا؟ قال: يرد العين ... النعل الذي ترد العين؟! ما يرد العين إلا الله، وإلا ما شرع الله، وهكذا. "الهدى والنور" (206/ 24: 27: 00) [104] باب هل نسخت الأحاديث الواردة فيمن قال لا إله إلا الله وأنه يدخل الجنة؟ عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل قال: يا معاذ بن جبل. قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً. قال: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار قال يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذاً يتكلوا، وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً. رواه البخاري ومسلم. [قال المنذري]: تأثما أي تحرجاً من الإثم، وخوفاً منه أن يلحقه إن كتمه. قال المملي عبد العظيم: وقد ذهب طوائف من أساطين أهل العلم إلى أن مثل هذه الإطلاقات التي وردت فيمن قال لا إله إلا الله دخل الجنة أو حرم الله عليه النار ونحو ذلك، إنما كان في ابتداء الإسلام حين كانت الدعوة إلى مجرد

[105] باب هل هناك ممن يقول: «لا إله الله» من يدخل النار أولا؟

الإقرار بالتوحيد، فلما فرضت الفرائض وحُدَّت الحدود نسخ ذلك، والدلائل على هذا كثيرة متظاهرة، وقد تقدم غير ما حديث يدل على ذلك في كتاب الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ويأتي أحاديث أخر متفرقة إن شاء الله. [فعلق الإمام قائلاً]: قلت: الأحاديث التي أشار إليها المؤلف رحمه الله ليس فيها ما يدل على النسخ المُدَّعى، وإنما فيها وجوب أشياء لم تذكر في أحاديث الباب، وهذا لا يستلزم النسخ كما لا يخفى، كيف ومن رواتها أبو هريرة، وصحبته متأخرة عن أكثر الفرائض؟! فإنه أسلم قبل وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم - بثلاث سنوات! وقصته مع عمر في منعه إياه أن يبلغ الناس فضل الشهادة، إنما كانت في المدينة حينما دخل حائطاً للأنصار يبتغي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهي معروفة في «صحيح مسلم» (1/ 44) وغيره، وفي المسند نحوها بين أبي موسى الأشعري وعمر أيضاً، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبو هريرة كما في الفتح، وقد خرجتها في «الصحيحة» (1314)، وفيه قصة أخرى بين جابر وعمر، من حديث جابر نفسه، وهو أنصاري مما يؤكد أن القصة وقعت في المدينة، وأن الحديث غير منسوخ، فراجع تمام هذا في المصدر المذكور آنفاً. "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 623 - 624). [105] باب هل هناك ممن يقول: «لا إله الله» من يدخل النار أولا؟ سؤال: بالنسبة يا شيخ المسلم الذي يعني يدخل النار ثم يخرج بالشفاعة. الشيخ: نعم. مداخلة: يدخل النار ثم يخرج بالشفاعة.

[106] باب محمد عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد

الشيخ: أيوه. مداخلة: هل هذا محققاً لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من قال لا إله إلا الله صدقاً دخل الجنة»؟ الشيخ: طبعاً؛ لأنه ليس المقصود من الحديث يدخل الجنة ترانزيت. مداخلة: أي نعم. "الهدى والنور" (719/ 10: 43: 00) [106] باب محمد عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد [قال الإمام]: محمد عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة. "الصحيحة" (5/ 305) [107] باب السلامة من الشرك أهم ما في العقيدة [تكلم الإمام على أنواع الشرك في تعليقه على متن الطحاوية ثم قال]: فاحفظ هذا فإنه أهم شيء في العقيدة. "التعليق على متن الطحاوية" (ص9). [108] باب التحذير من الشرك وبيان أنه أكبر الكبائر [قال الإمام]: إن مما يجب ذكرهُ وبيانه بهذه المناسبة: أن استحلال المحارم المهلك يكون على وجهين اثنين:

الأول: ارتكاب المحارم مع العلم بحرمتها، وهذا أمر مشاهد فاشٍ مع الأسف الشديد بين المسلمين اليوم بكل أشكاله وأنواعه حتى أكبر الكبائر ألا وهو الإشراك بالله عز وجل، الذي يتجلى واضحاً في بعض الجماعات أو الأفراد الذين ينادون عز وجل في الشدائد، ويستغيثون بالله وينذرون ويذبحون لغير الله فضلاً عن أن أكثرهم يحلفون بغير الله كل هذه من الشرك .. من أنواع الشرك الفاشية اليوم بين المسلمين وأكثرهم لا أقول: أكثر عامتهم، بل أقول: أكثر خاصتهم لا يدندنون حول التحذير من هذه الأنواع من الشركيات والوثنيات، هذا أكبر الكبائر كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، الإشراك بالله عز وجل، ومنها قتل النفس بغير حق، وعقوق الوالدين، وأكل الربا وما أدراكم ما أكل الربا فقد انتشر أيضاً في هذا الزمان بسبب قيام ما يسمونه بالبنوك، وكذلك من الكبائر شرب الخمر وتبرج النساء وبناء المساجد على القبور وغيرها كثير وكثير. والقسم الآخر من المحارم المحرمة: ارتكابها دون معرفة حكمها أو حرمتها؛ وذلك للجهل بها، وهذا بلا شك شر منتشر أيضاً بين كثير من المسلمين، وإما باستحلالها بطريق الاحتيال عليها على نحو احتيال اليهود على صيد السمك المذكور في القرآن كما هو معلوم مشهور، وكاحتيالهم على أكلهم الشحوم، كما في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه» (¬1) هذا الحديث من الأحاديث التي قلما نسمعها من ألسنة الخطباء والوعاظ وهو من الأحاديث المهمة جداً جداً التي تحذر المسلمين أن يقعوا فيما وقع فيه اليهود من قبلهم، وحذرهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من أن يقعوا في مثل ما وقعوا هم فيه في الحديث ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم5107).

[109] باب بيان خطر الشرك

الذي أخرجه البخاري وغيره في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن!» أو قال: «فمن الناس!» (¬1). وأقول محذراً: وهذا النوع من الارتكاب والاستحلال لما حرم الله عز وجل بأدنى الحيل قد وقع أيضاً فيه كثير من المسلمين في بعض معاملاتهم وعقودهم: من أشهر ذلك نكاح التحليل الملعون فاعله، في السنة الصحيحة بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لعن الله المحلل والمحلل له» (¬2) ومع ذلك فلا يزال في المسلمين اليوم بعض المتفقهة يجيزون نكاح التحليل رغم لعن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فاعله كمثل ما سمعتم آنفاً. "الهدى والنور" (690/ 25: 21: 00) [109] باب بيان خطر الشرك [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من لقي الله لا يشرك به شيئاً، يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان غفر له». قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله؟ قال: «دعهم يعملوا». [قال الإمام]: قلت: وفي الحديث دلالة ظاهرة على أن المسلم لا يستحق مغفرة الله إلا إذا لقى الله عز وجل ولم يشرك به شيئاً، ذلك لأن الشرك أكبر الكبائر كما هو معروف ¬

(¬1) البخاري (رقم3269). (¬2) صحيح الجامع (رقم5101).

[110] باب عظم خطر الكفر والشرك

في الأحاديث الصحيحة. ومن هنا يظهر لنا ضلال أولئك الذين يعيشون معنا ويصلون صلاتنا ويصومون صيامنا، و .... ولكنهم يواقعون أنواعاً من الشركيات والوثنيات كالاستغاثة بالموتى من الأولياء والصالحين ودعائهم في الشدائد من دون الله والذبح لهم والنذر لهم ويظنون أنهم بذلك يقربونهم إلى الله زلفى، هيهات هيهات. {ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار}! فعلى كل من كان مبتلى بشيء من ذلك من إخواننا المسلمين أن يبادروا فيتوبوا إلى رب العالمين ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم النافع المستقى من الكتاب والسنة. وهو مبثوث في كتب علمائنا رحمهم الله تعالى، وبخاصة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ومن نحا نحوهم وسار سبيلهم، ولا يصدنهم عن ذلك بعض من يوحي إليهم من الموسوسين بأن هذه الشركيات إنما هي قربات وتوسلات، فإن شأنهم في ذلك شأن من أخبر عنهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ممن يستحلون بعض المحرمات بقوله " يسمونها بغير اسمها ". هذه نصيحة أوجهها إلى من يهمه أمر آخرته من إخواننا المسلمين المضللَّين، قبل أن يأتي يوم يحق فيه قول رب العالمين في بعض عباده الأبعدين: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}. "الصحيحة" (3/ 300 - 302). [110] باب عظم خطر الكفر والشرك [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار».

[قال الإمام]: في هذا الحديث فائدة هامة أغفلتها عامة كتب الفقه، ألا وهي مشروعية تبشير الكافر بالنار إذا مُرَّ بقبره، ولا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن وتذكيره بخطورة جرم هذا الكافر حيث ارتكب ذنباً عظيماً تهون ذنوب الدنيا كلها تجاهه ولو اجتمعت، وهو الكفر بالله عز وجل والإشراك به، الذي أبان الله تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال: {إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، ولهذا قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا وقد خلقك» متفق عليه. وإن الجهل بهذه الفائدة مما أودى ببعض المسلمين إلى الوقوع في خلاف ما أراد الشارع الحكيم منها، فإننا نعلم أن كثيراً من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء بعض المصالح الخاصة أو العامة، فلا يكتفون بذلك حتى يقصدوا زيارة بعض قبور من يسمونهم بعظماء الرجال من الكفار ويضعون على قبورهم الأزهار والأكاليل ويقفون أمامها خاشعين محزونين، مما يشعر برضاهم عنهم وعدم مقتهم إياهم، مع أن الأسوة الحسنة بالأنبياء عليهم السلام تقضي خلاف ذلك كما في هذا الحديث الصحيح واسمع قول الله عز وجل: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا .. } الآية، هذا موقفهم منهم وهم أحياء فكيف وهم أموات؟! "الصحيحة" (1/ 1/55، 57 - 58)

[111] باب بيان خطورة الشرك بالله، وأثر ذلك على العبادات كالحج

[111] باب بيان خطورة الشرك بالله، وأثر ذلك على العبادات كالحج [قال الإمام في مقدمة «حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -»]: لابد لي من أن أحذر من بعض المعاصي التي يكثر ابتلاء الناس بها، ويُحرِمون بالحج ولا يشعرون إطلاقًا بأن عليهم الاقلاع عنها، ذلك لجهلهم وغلبة الغفلة عليهم، وتقليدهم لآبائهم. 1 - الشرك بالله عز وجل: فإن من أكبر المصائب التي أصيب بها بعض المسلمين جهلهم بحقيقة الشرك الذي هو أكبر الكبائر، ومن صفته أنه يحبط الأعمال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (محمد: 65). فقد رأينا كثيراً من الحجاج يقعون في الشرك وهم في بيت الله الحرام، وفي مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، يتركون دعاء الله والاستغاثة به، إلى الاستعانة بالأنبياء والصالحين ويحلفون بهم، ويدعونهم من دون الله عز وجل، والله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر:14). والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، وفي هذه كفاية لمن فتح قلبه للهداية. إذ ليس الغرض الآن البحث العلمي في هذه المسألة, وإنما هو التذكير فقط. فليت شعري ماذا يستفيد هؤلاء من حجهم إلى بيت الله الحرام، إذا كانوا يصرّون على مثل هذا الشرك، ويغيرون اسمه، فيسمونه: توسلاً، وشفعاً، وواسطة!

[112] باب الشرك هو الكفر

أليست هذه الوساطة هي التي ادعاها المشركون من قبل يبررون بها شركهم وعبادتهم لغيره تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} (الزُّمر: 3). فيا أيها الحاج، قبل أن تعزم على الحج، يجب عليك وجوباً عينياً أن تبادر إلى معرفة التوحيد الخالص وما ينافيه من الشرك، وذلك بدراسة كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن من تمسك بهما نجا، ومن حاد عنهما ضل. والله المستعان. "حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص 6 - 8). [112] باب الشرك هو الكفر [قال الإمام]: الشرك .. هو الكفر ولا فرق بينهما شرعاً، فكل كفر شرك، وكل شرك كفر، كما يدل عليه محاورة المؤمن صاحب الجنتين المذكورة في سورة (الكهف).فتنبه لهذا فإنه به يزول عنك كثير من الإشكالات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. "التعليق على متن الطحاوية" (ص73). [113] باب كل كفر شرك [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إنَّا جِئْنَاكُمْ لِخَيْرٍ، (يعني: اليهودَ) إنَّا أَهْلُ الْكِتَابِ، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَإِنَّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ النَّصْرَ، وَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَقْبَلَ إلَيْنَا بِجَمْعٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِمَّا قَاتَلْتُمْ مَعَنَا، وَإِمَّا أَعَرْتُمُونَا سِلَاحاً». (منكر).

[قال الإمام]: أخرجه أبو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 239 - 240) عن عبد الرحمن بن شريح: أنه سمع الحارث بن يزيد الحضرمي يحدث عن ثابت بن الحارث الأنصاري عن بعض من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّه ِ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَمْعُ أَبِي سُفْيَانَ لِيَخْرُجَ إلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ؛ فَانْطَلَقَ إلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بالنَّضِيرِ، فَوَجَدَ مِنْهُمْ نَفَراً عِنْدَ مَنْزِلِهِمْ فَرَحَّبُوا، فَقَالَ لهم: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير ثابت بن الحارث الأنصاري؛ فإنه غير معروف بعدالة أو جرح، ولم يورده أحد من أئمة الجرح والتعديل غير ابن أبي حاتم برواية الحارث بن يزيد هذا فقط عنه، وبيَّض له. وقد ذكر ابن هشام في "السيرة" (3/ 8) عن محمد بن إسحاق عن الزهري: أن الأنصار يوم أحد قالوا لرسول الله: يا رسول الله! ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ فقال: "لا حاجة لنا فيهم ". وذكر نحوه ابن كثير في "البداية" (4/ 14)، ومن قبله ابن القيم في "زاد المعاد"، وهو الموافق لحديث عائشة الصحيح: " إنا لا نستعين بمشرك أو بالمشركين ". وهو مخرج في "الصحيحة " (1101) كما تقدم قريباً. وعليه فإني أقول: إذا تبين لك ضعف حديث الترجمة، وما فيه من عرضه - صلى الله عليه وآله وسلم - على اليهود أن يقاتلوا معه؛ فلا حاجة حينئذٍ إلى التوفيق بينه وبين حديث عائشة الصحيح كما فعل الطحاوي حين قال: "لأن اليهود الذين دعاهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى قتال أبي سفيان معه؛ ليسوا من المشركين الذين قال رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - في الآثار الأُوَل: فإنه لا يستعين بهم؛

أولئك عبدة الأوثان، وهؤلاء أهل الكتاب الذين قد ذكرنا مباينة ما هم عليه مما عبدة الأوثان عليه في الباب الذي تقدم قبل هذا ... ". قلت: يشير إلى بعض الأحكام التي خص بها أهل الكتاب دون المشركين كحل ذبائحهم، ونكاح نسائهم، وغيرها مما بعضه موضع نظر، وبنى على ذلك قوله (ص 234): "فكان كل شرك بالله كفراً، وليس كل كفر بالله شركاً"! فأقول: لو سلمنا جدلاً بقوله هذا؛ فلا حاجة للتأويل المذكور لأمرين اثنين: الأول: أن التأويل فرع التصحيح كما هو معلوم، وما دام أن الحديث غير صحيح كما بينا؛ فلا مسوغ لتأويل الحديث الصحيح من أجله كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى. والآخر: كيف يصح أن يقال في اليهود والنصارى: إنهم ليسوا من المشركين، والله عَزَّ وَجَلَّ قال في سورة التوبة بعد آية: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ... }: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}. فمن جعل لله ابناً؛ كيف لا يكون من المشركين؟! هذه زَلَّة عجيبة من مثل هذا الإمام الطحاوي. ولا ينافي ذلك أن لهم تلك الأحكام التي لا يشاركهم فيها غير أهل الكتاب من المشركين؛ فإنهم يشتركون جميعاً في أحكام أخرى-كما لا يخفى على أولي النُّهى-. وقد لا يعدم الباحث الفقيه- الذي نجَّاه الله من التقليد- في الكتاب والسنة ما

يؤكد ما تقدم، ويبطل قول الطحاوي السابق: " ... وليس كل كفر بالله شركاً"من ذلك تلك المحاورة بين المؤمن والكافر الذي افتخر بماله وجنَّتيه؛ كما قال عز وجل في سورة الكهف؛ { ... وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً}؛ فهذا كفر ولم يشرك في رأي الطحاوي! ولكن السِّياق يردّه؛ فتابع معي قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً. لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً}؛ فتأمل كيف وصف صاحبَه الكافر بالكفر، ثم نره نفسه منه معبِّراً عنه بمرادِفِه وهو الشرك؛ فقال: {وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً}. وهذا الشرك مما وصَف به الكافرُ نفسَه فيما يأتي؛ فتابع قوله تعالى- بعد أن ذكر ما وعظه به صاحبه المؤمن-: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً}. قلت: فهذا القول منه- مع سباق القصة- صريح جداً في أن شركه إنما هو شَكُّه في الآخرة، وهذا كفر وليس بشرك في رأي الطحاوي! فهو باطل ظاهر البطلان. وإن مما يؤكد ذلك من السنة قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» رواه الشيخان وغيرهما عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، وهو مخرج في "الصحيحة" برقم (1133)، فإن المراد بهم اليهود والنصارى؛ كما دلت على ذلك أحاديث أخر، منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لئن عشت؛ لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أترك فيها إلا مسلماً». رواه مسلم وغيره وهو مخرج هناك (1134).

ولما كان حديث ابن عباس حجة قاطعة في الموضوع؛ غمز في صحته الطحاوي تعصباً لمذهبه- مع الأسف-! وزعم أنه وهم من ابن عيينة قال (4/ 16): "لأنه كان يحدث من حفظه؛ فيحتمل أن يكون جعل مكان (اليهود والنصارى): (المشركين) (!) ولم يكن معه من الفقه ما يميزبه بين ذلك "! كذا قال سامحه الله! فإنه يعلم أن تحديث الحافظ الثقة- كابن عيينة-من حفظه ليس بعلة؛ بل هو فخر له، وأن تخطئة الثقة بمجرد الاحتمال ليس من شأن العلماء المنصفين، ولكنها العصبية المذهبية؛ نسأل الله السلامة! وعلى مذهب الطحاوي هذا يمكن أن يغفر الله الكفر لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}!! وبهذه الآية احتج ابن حزم رحمه الله على أبي حنيفة الذي هو مَتبوعُ الطحاويُ في التفريق المزعوم؛ فقال عقبها (4/ 244): "فلو كان ههنا كفر ليس شركاً؛ لكان مغفوراً لمن شاء الله تعالى بخلاف الشرك، وهذا لا يقوله مسلم ".ثم أتبع ذلك بأدلة أخرى قوية جداً، ثم قال: "فصح أن كل كفر شرك، وكل شرك كفر، وأنهما اسمان شرعيان، أوقعهما الله تعالى على معنى واحد".ولولا خشية الإطالة؛ لنقلت كلامه كله لنفاسته وعزته، فليراجعه من شاء المزيد من العلم والفقه. والخلاصة أن الحديث ضعيف الإسناد، منكر المتن، وأن الاستعانة بأهل الكتاب في جهاد الكفار يشملها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنا لا نستعين بمشرك». ولفظ مسلم (5/ 201): «فارجع فلن أستعين بمشرك». "الضعيفة" (13/ 1/209 - 213).

[114] باب هل بين الكفر والشرك فرق؟

[114] باب هل بين الكفر والشرك فرق؟ الشيخ: الحقيقة شأن كل طالب مبتدئ في العلم وأنا كنت كذلك وربما لا أزال كذلك، كنت أقرأ هذا الحديث ويصير فيه إشكال؛ لأن في بعض الروايات: «ليس بين الكفر والرجل إلا ترك الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر» (¬1) في بعض الروايات: «فقد أشرك». مداخلة: سبحان الله العظيم. الشيخ: أتساءل أنا كيف فقد أشرك؟! يا أخي! هذا تارك الصلاة- خاصة الذي يتركها كسلاً- كيف يعني أشرك؟ كنت أظن أنه لعله في وهم من الراوي، أنا طالب علم، بعد ذلك ربنا فتح ولو على سن والحمد لله فعرفت أنه شرعاً خلاف اللغة، لا فرق بين الكفر والشرك، ... (فكل) كفر شرك وكل شرك كفر ولا فرق بينهما شرعاً، أما لغةً فيوجد فرق؛ لأن الكفر في اللغة هو التغطية، أما الشرك فهو جعل الشيء شريكاً لآخر، كالمشركين الذي يجعلون لله أنداداً؛ لكن فيما بعد عرفت أن كل كافر ولو كان غير مشرك لغةً فهو مشرك واقعياً لا يخلو أي كافر إلا أن يكون مشركاً ربنا يقول: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية: 23) اتخذ إلهه هواه، إذاً فكل من يتبع هواه فقد جعله شريكاً مع الله، فإذاً: أي كفر لو واحد أنكر حرف من آية من قرآن كريم هذا معناه أنه حكم عقله، واتخذ عقله إلهاً من هنا جاء الشرك، فإذاً: صدق من قال: كل كفر شرك وكل شرك كفر، ليس كمن يقول ليس كل كفر شرك، كما سمعت من الطحاوي، هذا في الواقع من العلوم النادرة جداً، والتي تحل بها مشاكل كثيرة وكثيرة منها: آية: {إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم9519).

[115] باب كلمة حول الفرق بين الكفر والشرك

ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48) أنا قرأت إشكالاً حول هذه الآية في مجلة المنار الذي كان يصدرها السيد: رشيد رضا، جاء عليه اعتراض قال: إن الآية معناها: أن هؤلاء الكفار الأوروبيون الذين يؤمنون بالديانة الطبيعية يسمونها طبيعية يعني أن لهذا الكون خالقاً، وما يعرفون أكثر من ذلك، فيمكن أن هؤلاء الله يغفر لهم؛ لأنهم غير مشركين وما استطاع السيد رشيد رضا يومئذ أن يجيب بجواب كمثل هذا الجواب الذي لو كان يحضره يومئذ كان فصل الخطاب، كل كفر شرك وكل شرك كفر، نعم. "الهدى والنور" (341/ 05: 49: 00) [115] باب كلمة حول الفرق بين الكفر والشرك سؤال: ... هل الكتابيات اللواتي كُنّ في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كن ممن كان يقول بأن الله هو عيسى بن مريم. الشيخ: إيه، لا شك، معلوم. مداخلة: وعلى الرغم من ذلك أُحِلَ الزواجُ منهن ولم يكن هذا الزواج مشروطاً بتغيير دينهن إلى الإسلام. الشيخ: نعم. مداخلة: لما تحدثنا على .. أهل الكتاب أنه يفترض أن ذبحهم حلال أهل الكتاب، لأنهم كانوا يذبحون حلالاً ويذكون. الشيخ: نعم. مداخلة: فالآن لا يذبحون إلا خنق فطعامهم ما عاد حلاً لنا.

الشيخ: هو هذا. هن مشركات لكن زائد كتابيات، فكل كتابي مشرك ولكن ليس كل مشرك كتابي، فلتميز الكتابي على المشرك لكونه كتابياً أعطيت له خصوصيات يتميز بها عن المشركين والمشركات. مداخلة: ويجوز أنه ليس كل كتابي مشرك. الشيخ: يجوز هذا، لكن على التعبير الإسلامي الصحيح كل من كفر بالله فهو مشرك، لا تنسى هذه محاضرة كنا ألقيناها ربما أكثر من مرة، تتذكرون هذا؟ كل كافر مشرك، ولو كان هو ليس مشركاً لغة، هل الكلام مفهوم لديك أبو عبد الله. مداخلة: إن شاء الله. الشيخ: سمعت الكلمة في هذا. مداخلة: لا ما سمعت. الشيخ: إذاً لا يكون مفهوم لديك، يكون مفهوم هكذا يعني .. المسألة تريد بحث. الآن أنت تعلم بأن هناك مذهب الطبيعيين الذين يؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً، فالضرورة أدتهم إلى أن يعتقدوا بأن لهذا الكون خالقاً، لو أن مسلماً حتى لا نبتعد بالأمثلة، لو أن مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم ما شاء الله عليه، لكن يقول هذه الآية لم تعجبني، هذا كفر، هل هناك شك؟ مداخلة: لا.

الشيخ: لكن أشرك، هذه ليس عندكم خبر بها، كونه كفر لا شك، لكن كونه أشرك تحتاج إلى بيان وتوضيح. الشرك في اللغة أخص من الكفر، فكل مشرك كافر وليس كل كافر مشركاً، فالذي يشهد أن لا إله إلا الله وأنه لا يستحق العبادة سواه، هذا موحد ليس مشركاً، ويؤمن بكل ما جاء من عند الله، لكنه قال: الآية الفلانية لم تعجبني، أو الحديث النبوي ما أعجبني، هذا لغةً: كَفَرَ، لكنه ما أشرك، أما شرعاً فقد أشرك أيضاً، والسبب: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية: 23)، إذاً: هنا صار شرك لأنه جعل هواه إلهاً. إذاً: هو يقول لا إله إلا الله، لكن من حيث واقعه جعل مع الله إلهاً، وليس من الضروري يكون إلهه فرعون أو اللات أو مناة .. إلى آخره، يكفي أن يكون إلهه هواه، من هنا الآن الشرع يجعل كل من كفر بمكفر ما مشركاً، وإليك الآن النص الصريح من القرآن الكريم، قصة المؤمن والملحد الذي أنكر البعث والنشور في سورة الكهف: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} (الكهف: 32 - 35). هو كفر في هذه الآية، لكن في الآيات التي بعدها سيحكم عليه ربنا بأنه أشرك. {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ

[116] باب بيان خطأ مقولة: الخطأ مغفور في الفروع دون الأصول، والتعرض لمسألة التفريق بين الكفر أو الشرك

ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} (الكهف: 35 - 38). فهو قال له: {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}؛ لأنه اعتبره مشركاً حينما قال: {ما أظن أن تبيد هذه أبداً .. وما أظن الساعة قائمة}. {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} (الكهف: 39 - 42). إذاً شركه كان شكه في البعث والنشور، إذاً: الشرع-وقدمت آنفاً التعليل- يعتبر كل كفر شركاً، فهكذا أهل الكتاب هم مشركون، ولو وجد هناك موحدون يعتقدون بأن عيسى ليس ابناً لله، فهو مشرك؛ لأنه ما آمن بالله ورسوله، واضح أظن القصد. مداخلة: هو مشرك لأنه كافر. الشيخ: هذا هو، كل كافر مشرك. "الهدى والنور" (626/ 29: 03: 00) و (626/ 34: 13: 00) [116] باب بيان خطأ مقولة: الخطأ مغفور في الفروع دون الأصول، والتعرض لمسألة التفريق بين الكفر أو الشرك سؤال: يا شيخنا طبعاً ذكرتم أن المنهج الصحيح موجود في القرآن والسنة، وقواعد المنهج معلومة لدينا فهما الكتاب والسنة على فهم الصحابة وما إلى ذلك،

وكُلُّنا يعلم أنكم قد بذلتم جهدكم في سبيل إقامة قواعد هذا المنهج، ولست أنا أشهد أو غيري، ولكن السلسلة الصحيحة تشهد والسلسلة الضعيفة وإرواء الغليل .. وما إلى ذلك من الكتب التي كان هدفها تصفية الدين مما علق به من الشوائب من بدع ومنكرات وأحاديث ضعيفة ومنكرة، فالسؤال يا شيخنا يعني طبعاً على سبيل ضرب المثل الإمام ابن حجر في كتابه «فتح الباري في شرح أحاديث صحيح البخاري» كانت له بعض الزلات في مجال العقيدة، ونبه عليها شيخنا عبد العزيز بن باز في تعليقاته، فالسؤال: طبعاً هو في زلاته هذه يعني خفق في فهم الصحابة، فكانت له زلات في مجال العقيدة، فسؤالي: هل يخرج من المنهج أو زلاته في الاعتقاد تنفي عنه كونه على المنهج الصحيح. هذا السؤال يا شيخ؟ الشيخ: إذا كنا متذكرين جميعاً أن كل بني آدم خطاء، وأن خير الخطائين التوابون، وأن العصمة ليست لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا غرابة في أن يخطئ من كان إماماً في دعوة الحق، فإذا أخطأ في مسألة أو أخرى في مسألتين أو ثلاث أو أكثر، فذلك لا يخرجه عن دعوة الحق إذا تبناها، فالحافظ ابن حجر كالإمام النووي وغيره ممن أخطؤوا في بعض المسائل العقدية، كما يقولون اليوم، فذلك لا يخرجهم عن كونهم من أهل السنة والجماعة؛ لأن العبرة بما يغلب على الإنسان من فكر صحيح أو عمل صالح، متى يكون المسلم صالحاً؟ هل يشترط في أن يكون صالحاً: ألا يقع منه أي ذنب أو معصية؟ الجواب: لا، بل من طبيعة الإنسان أن يقع منه الذنب والمعصية مراراً وتكراراً، فمتى يكون العبد صالحاً؟ إذا غلب خيره شره، وصلاحه على ضلاله .. وهكذا، كذلك تماماً يقال في

المسائل العلمية سواء كانت هذه المسائل العلمية مسائل عقدية أو فقهية، فإذا كان هذا العالم يغلب عليه العلم الصحيح فهو الناجي، أما أن له زلة أو زلات في الفقه أو في العقيدة فهذا لا يخرجه عن ما غلب عليه من العقيدة الصحيحة، فابن حجر ما ذكرت من له تلك الزلات فلا يعني ذلك أنه لا ينبغي أن نستفيد من كتابه، وألا نترحم عليه، وألا نحشره في زمرة علماء المسلمين المتمسكين بالكتاب والسنة. كل إنسان يخطئ، ولا مجال [للبراءة] من الخطأ؛ لأن الله عز وجل حينما خلق ملائكة وخلق بشراً فقد قدر على هؤلاء البشر أن يخطئوا رغم أنوفهم، كما قال عليه الصلاة والسلام، حديثان مهمان جداً، ولكن حذاري أن يفهم فهماً خاطئاً: الحديث الأول: قال عليه الصلاة والسلام: «كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدركه لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه» (¬1)، الشاهد من هذا الحديث: «فهو مدركه لا محالة»، أي: لا يمكن أن يتخلص، لماذا؟ لأنه إنسان ليس مَلَكاً. الحديث الآخر وهو الأهم، قال عليه الصلاة والسلام: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» (¬2)، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يحلون محلكم ويذنبون بخلافكم، فهل أنتم لا تذنبون؟ فهذا قضاء الله قدره، لا بد لجنس البشر من أن يقع في الخطأ الذي لا يحبه الله، لكن هذا ¬

(¬1) مسلم (رقم6925). (¬2) مسلم (رقم7141).

الخطأ قد يكون من الصغائر من اللمم وقد يكون من الكبائر، فسواء كان هذا أو هذا، هذا أمر لا بد منه، ولكن هل معنى الحديث: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»، هل معنى الحديث ومغزى الحديث: الحض على الذنوب وارتكاب المعاصي؟ الجواب: لا، المقصود من الحديث تماماً عاقبته، يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم، ومعنى هذا حينئذ: يا معشر البشر .. كما قال تعالى في الحديث القدسي: «كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم .. » (¬1) إلى آخر الحديث، الشاهد: أن حديث: «لو لم تذنبوا»، الهدف منه: أيها البشر ما دام أنكم فطرتم على المعصية فلا تتكلوا عليها، وإنما أتبعوها بالمغفرة بالاستغفار؛ حتى تعقبها المغفرة؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (هود: 114)، إذا كان إذاً هذه طبيعة البشر أن يخطئوا في مخالفة النص قصداً وهي الذنوب، وأن يخطئوا في مخالفة النص لا قصداً وإنما لسوء فهم فلا مؤاخذة في ذلك، المؤاخذة متى تكون؟ إذا أقيمت الحجة على إنسان، سواء كانت الحجة في مسألة عقدية فكرية أو كانت الحجة في مسألة فقهية، ثم عاند وأصر على خطئه فهنا تكون المؤاخذة، والعكس لا، أي: إذا إنسان وقع في خطأ عقدي لكنه هو كان حريصاً على معرفة الصواب في تلك العقيدة لكنه لم يوفق إلى ذلك، ولو أقيمت الحجة عليه لرجع إلى الصواب فلا مؤاخذة عليه. لذلك هذا الكلام في الحقيقة يجرنا إلى مسألة من تلك المسائل المنهجية التي يجب أن نعرفها، فإن بعض العلماء، وبخاصة الكُتاب اليوم، يخطئون في هذه ¬

(¬1) مسلم (رقم6737).

المسألة، كثيراً ما تقرءون أو تسمعون: أن الخطأ في الفهم يغتفر في الفروع وليس في الأصول، هذا خطأ، الخطأ يغتفر مطلقاً، سواء كان في الفروع أو كان في الأصول؛ لأنه عدم المؤاخذة من الله عز وجل لعباده هو لعدم وجود قصد المخالفة من هذا العبد لربه، فإذا وجدت المخالفة، سواء كانت المخالفة في العقيدة أو في الحكم في الفقه ولم يكن القصد هو العناد والمكابرة والجحد فلا مؤاخذة في ذلك، فالتفريق بين الأصول والفروع، بين العقيدة والفقه في مسألة عدم المؤاخذة بالخطأ في الفروع والمؤاخذة في الأصول، هذا التفريق لا أصل له، فهذا التفريق يشبه تماماً التفريق البدعي الآخر وهو: أنه يجب الأخذ بحديث الآحاد في الفروع ولا يؤخذ بحديث الآحاد في الأصول، هذا خطأ وهذا خطأ. أروي لكم الآن حديثاً من الأحاديث الصحيحة التي أخرجها الشيخان في صحيحهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ومن حديث حذيفة بن اليمان أيضاً رضي الله تعالى عنه: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «كان في من قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط، فلما حضره الموت جمع بنيه حوله فقال لهم: أي أب لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني مذنب مع ربي، ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» هل ترونه مؤمناً وهو يقول: (إن قدر الله علي)؟ هذا شك في قدرة الله عز وجل، إذاً نستطيع أن نقول: هل أخطأ في الفرع أم أخطأ في أصل الأصول في الله عز وجل الذي ذكر في خاتمة سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس: 78)؟ هذا الإنسان هو هذا الذي عناه الله عز وجل في هذا المثال، قال هذا الرجل: «ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» يعترف بأنه كان مخطئاً مع ربه، وأن الله عز وجل إذا عذبه يكون عادلاً؛ لأنه كان مخطئاً معه، فللخلاص من عذابه دار في ذهنه مخرج مخلص، فأوصى بوصية في علمه وفي اعتقاده لم

يقع مثلها في الدنيا من غير هذا الإنسان، «قال: فإذا أنا مت فحرقوني بالنار، ثم خذوا رمادي فذروا نصفه في البحر ونصفه في الريح» أحرقوه بالنار وأخذوا رماده والريح يهوج فذروه في الريح، والنصف الثاني في البحر، لماذا فعل هذا الرجل هذه الفعلة؟ ظن أنه يضل عن ربه، وأن الله عز وجل ليس بقادر على أن يقول له: كن بشراً سوياً، لكن الله عز وجل فعل ذلك به، فلما مات وذروا رماده في الريح وفي البحر قال الله له: كن فلاناً، فكان بشراً سوياً، قال له .. هنا الشاهد: «قال له: أي عبدي ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رب خشيتك-أنا خفت منك- قال: اذهب فقد غفرت لك». هذا الحديث وقد عرفتم أنه من صحاح الأحاديث في البخاري ومسلم وعن صحابيين جليلين: أبي سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان، هذا الحديث من مخصصات عموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48)، في هذا الحديث قد غفر الله لهذا الجاني على نفسه بوصيته الجائرة. لكن هنا لا بد لي من وقفة، وهذا من العلم الذي نحن بحاجة إليه باعتبارنا أننا ندعو الناس إلى الكتاب والسنة: هذا الذي أوصى بهذه الوصية الجائرة هل هو كافر أم مشرك؟ الآن أنا أوجه هذا السؤال وما أريد أن أسمع صوتاً، لكن أرى يداً رفعت، من كان عنده الجواب عن هذا السؤال يرفع يده، هذا الذي أوصى بهذه الوصية الجائرة هل هو كافر أم مشرك؟ تفضل. مداخلة: كافر. الشيخ: كافر، تفضل.

مداخلة: لا كافر ولا مشرك. الشيخ: تفضل. مداخلة: ليس بكافر ولا مشرك؛ لأن الله عز وجل لا يغفر الشرك، والله عز وجل غفر له. الشيخ: هاه، مع الأسف ما سمعنا جواباً صحيحاً، الذي أنكر قدرة الله عز وجل على إعادته بشراً كما كان هذا كافر بلا شك؛ لأن هذا هو الذي ذكرناكم بخاتمة سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس: 78)، هو جعل نفسه رميماً سلفاً، يعني: ما صبر حتى يدفن ويصير جسمه رميماً تراباً، وإنما عجل على نفسه بتلك الوصية الجائرة فجعل نفسه رماداً، لا شك أن هذا كفر. لكن كنت أتمنى أن أسمع الجواب الصحيح، ومن أجل هذا أنا وقفت هذه الوقفة معكم من باب التذكير أو التعليم: هذا الرجل كفر وهذا الرجل أشرك، ولولا أنه أشرك ما جاز لي أن أقول: إن آية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (النساء:48]، قلنا: إن هذه الآية مخصصة بمثل هذه الحادثة، أي: أن بعض الشرك يغفر، هذا معنى الآية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (النساء: 48) ليست الآية على عمومها وشمولها، فبعض الشرك يغفر، وأنا الآن ذكرت لكم نوعاً، أذكر لكم نوعاً آخر، وهذا ستعرفونه، لأنكم تسمعون بأن أهل الفترة غير معذبين، أليس كذلك؟ طيب، هل تقولون: أنهم كانوا غير مشركين؟ كانوا مشركين، لكنهم لا يعذبون، لماذا؟ لأن حجة الله لم تقم عليهم، أي: لم تبلغهم دعوة الرسول، وأنا أتكلم بصورة عامة عن أهل الفترة لا أعني الذين بعث إليهم الرسول لكن بقاعدة عامة:

أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة الرسول ولو كانوا مشركين فهم لا يعذبون على شركهم، لماذا؟ لأن الحجة لم تصلهم. فهنا في هذه القصة هذا الرجل بالنسبة للفكرة القائمة: أن الشرك أخص من الكفر، والكفر أعم من الشرك، بمعنى: كل من أشرك فقد كفر، وليس كل من كفر أشرك، هذا هو الفقه القائم في أذهان الناس إلا قليلاً منهم. أُوضح ذلك بمثال: رجل يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم .. إلى آخره، لكنه أنكر آية من القرآن، هذا كفر أم لم يكفر؟ مداخلة: كفر. الشيخ: كفر، هل أشرك؟ مداخلة: ما أشرك. الشيخ: ما أشرك، لا الصواب أشرك، كل كافر مشرك وكل مشرك كافر، لا فرق بين اللفظين إطلاقاً، هذه الحقيقة التي جرني إلى بيانها حديث ذلك الجائر في وصيته، إنه أشرك، كل من كفر فقد أشرك، ومن أشرك فقد كفر، لا إشكال في ذلك، والدليل على ذلك: لو تذكرنا محاورة المؤمن والكافر في سورة الكهف: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ .. } انتبهوا الآن: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} (الكهف:32 - 36) بمفهومكم السابق هذا كفر أم أشرك؟

مداخلة: أشرك. الشيخ: كفر. مداخلة: أشرك. مداخلة: كفر. الشيخ: مفهومكم السابق مفهومكم الخطأ هذا كفر وما أشرك، أنكر البعث والنشور، {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ، إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} (الكهف:35 - 42)، إذاً: هو لما أنكر البعث والنشور أشرك مع الله، فكل من كفر بشيء جاء في الكتاب أو في السنة فهو في حالة كفره مشرك، هذا هو من ناحية النص القرآني، فما هو الوجه الفكري والعقلي؟ الجواب: قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية: 23)، فإذاً كل من كفر بكفرية ما يكون مشركاً مع الله؛ لأنه جعل عقل نفسه شريكاً مع ربه تبارك وتعالى؛ ولذلك لا تفرقوا بين الكفر والشرك، إذا عرفتم هذه الحقيقة فيزول إشكال قد يعرج أحياناً في البال لبعض من يسمع حديث الرسول عليه السلام بروايته: «من ترك الصلاة فقد كفر»، «من ترك الصلاة فقد أشرك»، كيف هذا؟ الذي يفرق بين الكفر والشرك يشكل عليه لفظة: (أشرك)، لا، الصواب أن يقال: كفر، كذلك الحديث الآخر: «من حلف بغير الله فقد كفر»، «من حلف بغير الله فقد أشرك»، كفر أشرك، أشرك كفر، لا فرق بين اللفظين من حيث الاصطلاح

[117] باب أركان نفي الشرك بالله

الشرعي، من حيث الاصطلاح اللغوي في فرق بلا شك، لكن الشرع فتح بصائرنا وأفكارنا وأفهمنا لماذا كل من كفر بالله عز وجل أي نوع من الكفر يكون مشركاً؛ لأنه شرَّك عقله مع ربه عزوجل فجعله شريك فيما يصدر منه من قرار ومن حكم. إذا عرفنا هذا نعود إلى وصية ذلك الرجل: «غفر الله له»، لماذا؟ هنا كان بيت القصيد من الاستدلال بالحديث؛ لأن الكفر لم يعقد في قلبه، إنما عرض له لشبهة طرأت له من هول تصوره لعذاب ربه له فيما إذا تمكن منه، فليتخلص من هذا العذاب الذي هو يستحقه أوصى بتلك الوصية الجائرة، فإذا أصابت مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله يؤمن بكتاب الله وبحديث رسول الله فتأول نصاً من كتاب الله، إن كان تأوله وهو يعلم أنه مبطل فهو كافر، أما إن كان شُبِّه له فلا مؤاخذة عليه. وهذا هو نهاية الجواب عن ذلك السؤال. "الهدى والنور" (724/ 55: 00: 00) [117] باب أركان نفي الشرك بالله [قال الإمام]: إن نفي الشريك عن الله تعالى لا يتم إلا بنفي ثلاثة أنواع من الشرك: الأول: الشرك في الربوبية وذلك بأن يعتقد أن مع الله خالقا آخر- سبحانه وتعالى- كما هو اعتقاد المجوس القائلين بأن للشر خالقا غير الله سبحانه، وهذا النوع في هذه الأمة قليل والحمد لله وإن كان قريبا منه قول المعتزلة: إن الشر إنما هو من خلق الإنسان، وإلى ذلك الإشارة بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -:

«القدرية مجوس هذه الأمة ... » الحديث، وهو مخرج في مصادر عدة عندي أشرت إليها في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» رقم (4318). الثاني: الشرك في الألوهية أو العبودية، وهو أن يعبد مع الله غيره من الأنبياء والصالحين، كالاستغاثة بهم، وندائهم عند الشدائد، ونحو ذلك، وهذا مع الأسف في هذه الأمة كثير، ويحمل وزره الأكبر أولئك المشايخ الذين يؤيدون هذا النوع من الشرك باسم التوسل «يسمونها بغير اسمها». الثالث: الشرك في الصفات، وذلك بأن يصف بعض خلقه تعالى ببعض الصفات الخاصة به عز وجل، كعلم الغيب مثلاً، وهذا النوع منتشر في كثير من الصوفية ومن تأثر بهم مثل قول بعضهم في مدحه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم ومن هنا جاء ضلال بعض الدجالين، يزعمون أنهم يرون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اليوم يقظة، ويسألونه عما خفي عليهم من بواطن نفوس من يخالطونهم، ويريدون تأميرهم في بعض شؤونهم، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما كان ليعلم مثل ذلك في حال حياته {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} (الأعراف:188) فكيف يعلم ذلك بعد وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى؟ هذه الأنواع الثلاثة من الشرك؛ من نفاها عن الله في توحيده إياه، فوحده في ذاته، وفي عبادته، وفي صفاته، فهو الموحد الذي تشمله كل الفضائل الخاصة بالموحدين. ومن أخل بشيء منه، فهو الذي يتوجه إليه مثل قوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} (الزمر: 65).

[118] باب تعريف المشرك

فاحفظ هذا فإنه أهم شيء في العقيدة، فلا جرم أن المصنف [أي الطحاوي في عقيدته] رحمه الله بدأ به، ومن شاء التفصيل فعليه بشرح هذا الكتاب [أي الطحاوية] وكتب شيوخ الإسلام ابن تيمة، وابن القيم، وابن عبد الوهاب، وغيرهم ممن حذا حذوهم واتبع سبيلهم {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} (الحشر:10). "التعليق على متن الطحاوية" (ص7 - 10). [118] باب تعريف المشرك [قال الإمام]: المشرك: من أشرك مع الله شيئًا في ذاته تعالى، أو في صفاته، أو في عبادته. "الصحيحة" (4/ 87). [119] باب ضوابط التفرقة بين الشرك الأكبر والأصغر سؤال: ما هي الضوابط الدقيقة في التفرقة بين الشركين الأكبر والأصغر؟ الشيخ: لا يحضرني جواب عن هذا السؤال لأن فيه دقة. "رحلة النور" (30أ/00:36:36) [120] باب شرك الطاعة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أما إنّهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه، [فتلك عِبادتهم]»

[121] باب أول من عبد الأصنام وغير دين إسماعيل عليه السلام

[قال الإمام]: عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: «يا عدي! اطرح هذا الوثن». وسمعته يقرأ في سورة (براءة): {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}، [فقلت: إنا لسنا نعبدهم]؟! قال: ... فذكره. وقال العلامة الآلوسي في "روح المعاني " عقب الحديث ... : "ونظير ذلك قولهم: فلان يعبد فلاناً؛ إذا أفرط في طاعته، فهو استعارة بتشبيه الإطاعة بالعبادة، أو مجاز مرسل بإطلاق العبادة، وهي طاعة مخصوصة على مطلقها، والأول أبلغ، وقيل: اتخاذهم أرباباً بالسجود لهم، ونحوه مما لا يصلح إلا للرب عز وجل، وحينئذ فلا مجاز، إلا أنه لا مقال لأحد بعد صحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. والآية ناعية على كثير من الفرق الضالة الذين تركوا كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام لكلام علمائهم ورؤسائهم، والحق أحق بالاتباع، فمتى ظهر وجب على المسلم اتباعه، وإن أخطأه اجتهاد مقلِّدِه ". "الصحيحة" (7/ 2/861، 865 - 866). [121] باب أول من عبد الأصنام وغيَّر دين إسماعيل عليه السلام [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر وإني رأيته يجر أمعاءه في النار». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به] "الصحيحة" (4/ 242)

[122] باب رد شبهة لمن جوز صناعة التماثيل

[122] باب ردّ شبهةٍ لمن جوَّز صناعة التماثيل سؤال: في رأي يعني يقولوا: إن الشيء المحرم تحريم لذاته .. يكون محرم في جميع الأديان يقولوا كذلك، والشيء المحرم لعلة يكون محرم لأجل هذه العلة، وإذا فقدت هذه العلة فيحلل لهذا الشيء أو يصير يعني ما في كراهة، ضرب مثلاً على ذلك: أن عمل التماثيل كان يعني: محلل لسيدنا سليمان بينما الزنا وقتل النفس الذي حرمها الإسلام، فهذا محرم في جميع الأديان، فهذا يحرم. فيقولون: الآن يجوز نصنع التماثيل لأن العلة لتحريمها قد زالت، ولا يوجد الآن من يعبد إنساناً أو يعبد صوراً؟ الشيخ: ما شاء الله. يقال لمن يقول ما حكيت عنه: كما تعلَّمنا من بعض العلماء الأفاضل ومن شيوخنا الأكارم الذي لم نلقهم، وإنما على قاعدة: لنا جلساء لا نمل سماعهم ... مأمونون غيباً ومشهداً فإن قلت أموات فما أنت بكاذب ... وإن قلت أحياء فما أنت بمفند فبعض هؤلاء الشيوخ يقول لمثل هذا المدعي: أثبت العرش ثم انقش، ما هو الدليل على أن علة تحريم الأصنام- صنع الأصنام والصور- هو خوف أن تعبد من دون الله عز وجل؟!. ثم ما هو الدليل على أن هذه العبادة قد أمنا أن يقع فيها المسلمون؟! سأعود إلى الدعوى الأولى: أي: أن نطالبهم بالدليل على العلم المدعَى،

لكن نحن نسبق الأمر فنقول: لو ثبت أن العلة هو كذلك: خشية أن تعبد الأصنام، لكن من أين لنا أننا خلاص انتهينا وأمنا، ... أنه واحد يقع في الشيء، كيف هذا؟ والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول كما في صحيح البخاري (¬1): «لا تقوم الساعة حتى تضطرب آليات نساء دوس حول صنم لهم يقال له: ذو الخليصة» هذا خبر عن الرسول في أصح الكتب بعد القرآن! فإذاً: الذي أشرت إليه من القائلين يقول ما لا يعلم، بل يقولوا: ما يخالف فيه كلام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، أعود إلى العلة ما هو الدليل على أن العلة هو خشية أن يعبد المسلمون الأصنام؟ ممكن أن تكون هذه حكمة أو بعض علة، أما أن تكون هي علة فأولاً: لا دليل لهم على ذلك إلا مجرد الظن وصدق الله: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (يونس: 36). ثانياً: لقد نص الحديث على خلاف ما يزعمون، لقد قال عليه الصلاة والسلام يقول ربنا تبارك وتعالى: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة، فليخلقوا حبة، فليخلقوا شعيرة» (¬2) أو قدَّم أو أخر فربما يكون الأمر كذلك، المهم: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة، فليخلقوا شعيرة، فليخلقوا ذرة». إذاً: هذا ينص أن التحريم سببه: المضاهاة، وهذا جاء أيضاً في حديث عائشة: «إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» (¬3) هذه العلة الأساسية التي جاءت منصوصة في السنة الصحيحة، أما الخشية التي ذكرتها أو حكيتها آنفاً فهي علة اجتهادية مأخوذة من تاريخ بعض الأمم المتقدمة كقوم نوح عليه السلام ¬

(¬1) (رقم 6699). (¬2) البخاري (رقم5609). (¬3) البخاري (رقم5610) ومسلم (رقم5647).

حيث حكى ربنا عز وجل في القرآن أنه قال: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} (نوح:23، 24). يقول ابن عباس كما في البخاري وتفسير ابن جرير وغيرهما: أن هؤلاء الخمسة كانوا عباداً لله صالحين فلما ماتوا أوحى الشيطان إليهم أن يجعلوا قبورهم داخل دورهم، فلا يدفنوهم في مقابرهم كعامة الناس، وذلك تمجيداً وتقديساً، وتذكراً لمناقبهم-زعموا- كما يقول اليوم الذين بدءوا ينشرون الأصنام وينصبونها في الأماكن العامة والمنتزهات ونحو ذلك، وتركهم الشيطان جيلاً من الزمان، ثم جاءهم فأوحى إليهم أن بقاء هؤلاء في هذه القبور كما هم قد تأتي عاصفة من السماء أو سيول أو وتذهب بقبورهم فتنسونهم ماذا نفعل؟ قال: اتخذوا لهم أصناماً، فجعلوا أصناماً خمسة فوضعوها في أماكن أوحى للجيل الذي بعدهم أن يضعوها في أماكن تليق بذكراهم، وما جاء الجيل الذي بعدهم إلا وأخذوا يعبدونهم من دون الله، وكان من أولئك قوم نوح عليه السلام ودعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فكان جوابهم ما سمعت، {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} (نوح: 23) فنهي الإسلام عن الصور وعن التماثيل وبخاصة: المجسمة منها. يمكن أن يقال: أن هذا من باب سد الذريعة أن تعظم هذه الأصنام لكن لا نقول: أن العلة هو هذا، العلة ذكرت في الحديثين السابقين، فخلاصة الجواب: أن التصوير محرم بأحاديث قاطعة في الإسلام، وليس هناك ما يدل إطلاقاً أنه يأتي زمن تستباح هذه الأصنام (¬1)؛لأن الناس يعرفون التوحيد ولا يقعون في الشرك، وماذا نقول اليوم ولا نزال نحن نشكوا من الألوف المؤلفة بل الملايين المملينة من المسلمين فهم يطوفون حول القبور وحول زيارة الصالحين والأولياء، ومناداتهم ¬

(¬1) أي: يستباح صناعتها. [منه].

[123] باب الترهيب من الرياء

من دون الله وهؤلاء يشهدون معنا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فماذا نقول عن الكفار وعن الشيوعيين الذين يطوفون حول لينين قبر لينين، أين عقول هؤلاء الناس إن الناس {الذين يقولون} أصبحوا عارفين بالشرك مجتنبين إياه؟! وجماهير المسلمين يصدق فيهم مع الأسف الشديد قول رب العالمين: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف: 106). فهذا يأتي من الجهل بالتوحيد حقيقة؛ لأن أكثر هؤلاء المسلمين يتوهمون أن التوحيد هو أن تعتقد بأن الله خالق واحد لا ند له ولا شريك له، أما أن تعبد غيره، فهذا ليس له علاقة بالشرك ومنافاة التوحيد، هذا شيء مؤسف جداً جداً، فالصور لا تزال محرمة إلى يوم القيامة. " الهدى والنور" (91/ 58: 15: 00) [123] باب الترهيب من الرياء [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من عمل عملاً رياءً؛ لم يكتب لا له ولا عليه». (موضوع). [قال الإمام]: ثم إن حديث الترجمة باطل ظاهر البطلان؛ فإنه مع مخالفته لصراحة الآية: {ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}؛ فهو معارض للأحاديث الصحيحة في الترهيب من الرياء في العبادة والموافقة لصراحة الآية، كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشِركه». رواه مسلم (8/ 223).

[124] باب الاستكبار عن عبادته تعالى ودعائه يوجب غضبه تعالى، والرد على من ادعى أن دعاء الله سوء أدب مع الله

بل هو معارض لقوله في الحديث نفسه: "من صام رياءً؛ فقد أشرك ... " إلخ؛ إذ كيف يقال فيمن أشرك: " ... لا عليه"؟! "الضعيفة" (11/ 1/402 - 403). [124] باب الاستكبار عن عبادته تعالى ودعائه يوجب غضبه تعالى، والرد على من ادعى أن دعاء الله سوء أدب مع الله [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من لم يدع الله يغضب عليه». [قال الإمام]: وإن مما لا شك فيه أن الاستكبار عن عبادته تعالى ودعائه يستلزم غضب الله تعالى على من لا يدعوه ... وقد غفل عن هذه الأحاديث بعض جهلة الصوفية أو تجاهلوها، بزعمهم أن دعاء الله سوء أدب مع الله، متأثرين في ذلك بالأثر الإسرائيلي: " علمه بحالي يغني عن سؤاله "! فجهلوا أن دعاء العبد لربه تعالى ليس من باب إعلامه بحاجته إليه سبحانه وتعالى {يعلم السر وأخفى}، وإنما من باب إظهار عبوديته وحاجته إليه وفقره. "الصحيحة" (6/ 1/323، 326). [125] باب سؤال الله، والرد على من حرَّمه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «حسبي من سؤالي علمه بحالي». (لا أصل له).

[قال الإمام]: أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو من الإسرائيليات ولا أصل له في المرفوع، وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيرا لضعفه فقال: روي عن كعب الأحبار: " أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ... لما رموا به في المنجنيق إلى النار استقبله جبريل فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، قال جبريل: فسل ربك، فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي " وقد أخذ هذا المعنى بعض من صنف في الحكمة على طريقة الصوفية فقال: سؤالك منه-يعني الله تعالى- اتهام له، وهذه ضلالة كبري! فهل كان الأنبياء صلوات الله عليهم متهمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة؟ فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهو ي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون، ربنا ... } إلى آخر الآيات وكلها أدعية، وأدعية الأنبياء في الكتاب والسنة لا تكاد تحصى، والقائل المشار إليه قد غفل عن كون الدعاء الذي هو تضرع والتجاء إلى الله تعالى عبادة عظيمة بغض النظر عن ماهية الحاجة المسؤولة، ولهذا قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الدعاء هو العبادة»، ثم تلا قوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} " ذلك لأن الدعاء يظهر عبودية العبد لربه وحاجته إليه ومسكنته بين يديه، فمن رغب عن دعائه، فكأنه رغب عن عبادته سبحانه وتعالى، فلا جرم جاءت الأحاديث متضافرة في الأمر به والحض عليه حتى قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: " من لا يدع الله يغضب عليه ". أخرجه الحاكم (1/ 491) وصححه ووافقه الذهبي.

[126] باب جواز إطلاق لفظ المشرك على أهل الكتاب

قلت: وهو حديث حسن، وتجد بسط الكلام في تخريجه وتأكيد تحسينه والرد على من زعم من إخواننا أنني صححته وغير ذلك من الفوائد في " السلسلة الأخرى " (رقم 2654). "الضعيفة" (1/ 74 - 76). [126] باب جواز إطلاق لفظ المشرك على أهل الكتاب [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم». [قال الإمام]: قلت: وفيه دلالة على جواز إطلاق لفظ " المشرك " على أهل الكتاب، فإنهم هم المعنيون بهذا الحديث كما يدل عليه الحديث السابق ومثله الحديث الآتي: " لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلما ". "الصحيحة" (3/ 125). [127] باب هل الكتابيات مشركات؟ سؤال: ... هل الكتابيات اللواتي كن في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كن ممن كان يقول بأن الله هو عيسى بن مريم. الشيخ: إيه، لا شك، معلوم.

مداخلة: وعلى الرغم من ذلك أحل الزواج منهن ولم يكن هذا الزواج مشروطاً بتغيير دينهن إلى الإسلام. الشيخ: نعم. مداخلة: لما تحدثنا على .. أهل الكتاب أنه يفترض أن ذبحهم حلال أهل الكتاب، لأنهم كانوا يذبحون حلالاً ويذكون. الشيخ: نعم. مداخلة: فالآن لا يذبحون إلا خنق فطعامهم ما عاد حلاً لنا. الشيخ: هو هذا. هن مشركات لكن زائد كتابيات، فكل كتابي مشرك ولكن ليس كل مشرك كتابي، فلتميز الكتابي على المشرك لكونه كتابياً أعطيت له خصوصيات يتميز بها عن المشركين والمشركات. مداخلة: ويجوز أنه ليس كل كتابي مشرك. الشيخ: يجوز هذا، لكن على التعبير الإسلامي الصحيح كل من كفر بالله فهو مشرك، لا تنسى هذه محاضرة كنا ألقيناها ربما أكثر من مرة، تتذكرون هذا؟ كل كافر مشرك، ولو كان هو ليس مشركاً لغة، هل الكلام مفهوم لديك أبو عبد الله. مداخلة: إن شاء الله. الشيخ: سمعت الكلمة في هذا. مداخلة: لا ما سمعت.

الشيخ: إذاً لا يكون مفهوم لديك، يكون مفهوم هكذا يعني .. المسألة تريد بحث. الآن أنت تعلم بأن هناك مذهب الطبيعيين الذين يؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً، فالضرورة أدتهم إلى أن يعتقدوا بأن لهذا الكون خالقاً، لو أن مسلماً حتى لا نبتعد بالأمثلة، لو أن مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم ما شاء الله عليه، لكن يقول هذه الآية لم تعجبني، هذا كفر، هل هناك شك؟ مداخلة: لا. الشيخ: لكن أشرك، هذه ليس عندكم خبر بها، كونه كفر لا شك، لكن كونه أشرك تحتاج إلى بيان وتوضيح. الشرك في اللغة أخف من الكفر، فكل مشرك كافر وليس كل كافر مشركاً، فالذي يشهد أن لا إله إلا الله وأنه لا يستحق العبادة سواه، هذا موحد ليس مشركاً، ويؤمن بكل ما جاء من عند الله، لكنه قال: الآية الفلانية لم تعجبني، أو الحديث النبوي ما أعجبني، هذا لغةً: كَفَرَ، لكنه ما أشرك، أما شرعاً فقد أشرك أيضاً، والسبب: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية: 23)، إذاً: هنا صار شرك لأنه جعل هواه إلهاً. إذاً: هو يقول لا إله إلا الله، لكن من حيث واقعه جعل مع الله إلهاً، وليس من الضروري يكون إلهه فرعون أو اللات أو مناة .. إلى آخره، يكفي أن يكون إلهه هواه، من هنا الآن الشرع يجعل كل من كفر بمكفر ما مشركاً، وإليك الآن النص الصريح من القرآن الكريم، قصة المؤمن والملحد الذي أنكر البعث والنشور في سورة الكهف: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ

وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} (الكهف: 32 - 35). هو كفر في هذه الآية، لكن في الآيات التي بعدها سيحكم عليه ربنا بأنه أشرك. {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} (الكهف: 35 - 38). فهو قال له: {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}؛ لأنه اعتبره مشركاً حينما قال: {ما أظن أن تبيد هذه أبداً .. وما أظن الساعة قائمة}. {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} (الكهف: 39 - 42). إذاً شركه كان شكه في البعث والنشور، إذاً: الشرع-وقدمت آنفاً التعليل- يعتبر كل كفر شركاً، فهكذا أهل الكتاب هم مشركون، ولو وجد هناك موحدون يعتقدون بأن عيسى ليس ابناً لله، فهو مشرك؛ لأنه ما آمن بالله ورسوله، واضح أظن القصد. مداخلة: هو مشرك لأنه كافر. الشيخ: هذا هو، كل كافر مشرك. "الهدى والنور" (626/ 29: 03: 00) و (626/ 34: 13: 00)

(توحيد الربوبية)

(توحيد الربوبية) [128] باب الرد على من حصر العقيدة في توحيد الربوبية [سئل الإمام عمن يُعَرِّفُ «لا إله إلا الله» بـ «لا رب إلا الله» هل هذا التعريف ينفعه، فأجاب رحمه الله]: كلا لا ينفعهم؛ لأن هذه العقيدة ليست كافية؛ لأن الكفار الذين عادوا الرسول عليه السلام، وقاتلوه، واضطروه للخروج من بلده والهجرة إلى المدينة المنورة كانوا يعتقدون هذه العقيدة، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25). فآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين أن المشركين كانوا أولاً يؤمنون بوجود الله، وثانياً لا يجعلون شريكاً لله في ذاته، فلا يعتقدون أن هناك خالقاً معه، نافعاً معه، ضاراً معه، بل كانوا يعتقدون أن الأمر كله بيده تبارك وتعالى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الله عز وجل لما أرسل الرسل وأنزل الكتب، لم يفعل ذلك لكي يدعو الناس إلى الاعتقاد بوجود الله وبأنه هو الضار النافع، وأنه لا شريك له في شيء من ذلك، ما بعثهم ولا أنزل الكتب من أجل هذا؛ لأن هذا أمر مفطور في الناس حتى المشركين، ولذلك صرحت الآية الكريمة أن المشركين إذا سئلوا: {أإلهٌ مَعَ اللَّهِ}، فرقوا بين الإله وبين الرب، فهم يشركون في الألوهية ولا يشركون في الربوبية، يعتقدون بأن الله هو رب العالمين وحده لا شريك له، وأنهم إذا وقعوا في مصيبة أو في بلية تضرعوا إلى الله والتجؤوا إليه؛ لما وقر في نفوسهم من أن الله

هو الضار وهو النافع، فهم كانوا يؤمنون بما كان يسمى عند العلماء بتوحيد الربوبية، لكن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب لدعوة هؤلاء الناس جميعاً إلى عبادته وحده لا شريك له، ليس إلى اعتقاد أنه واحد في ذاته، وأنه لا خالق معه، لاحظ الاعتقاد كانوا يؤمنون به بصريح القرآن الكريم، وإنما الذين كانوا يكفرون به أن هناك أشخاصاً مخلوقين ويستحقون أن يعبدوا مع الله تبارك وتعالى، وهذا صريح في القرآن، حيث قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأعراف: 194)، الذين تدعونهم في الشدة هم عباد أمثالكم. {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} (فاطر: 14)؛ لأنهم يعتقدون أنهم عبيد، ولذلك قال عز وجل في الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3). هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله أولياء إذا سئلوا: لماذا تعبدونهم من دون الله، قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}. إذاً: هم يؤمنون بأن المعبود الحق هو واحد لا شريك له في العبادة، ولكنهم من ضلالهم أنهم اتخذوا من بعض الصالحين أولياء يعبدونهم، يتوجهون إليهم بالدعاء والاستغاثة والركوع والسجود، لماذا؟ هم أجابوا بأنفسهم وألسنتهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}. فإذاً: المشركون الذين كانوا في عهد الرسول عليه السلام ما كان الخلاف بينهم وبين الرسول هو في أن الخالق واحد والرازق واحد، والمحيي واحد، والمميت واحد، هذا كانوا يؤمنون به، ولكن الخلاف كان في أنهم عبدوا غير الله عز وجل، خضعوا لغير الله عز وجل، فأشركوا مع الله في العبادة، وليس في

الربوبية، ولذلك وصل ضلال هؤلاء المشركين إلى أنهم كانوا إذا طافوا بالبيت وهذا الطواف ورثوه من أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم دخلهم الشرك، فكان قائلهم يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً تملكه أنت وما ملك. لك شريك لكن هذا الشريك هو مملوك لك، وما معه أيضاً مملوك لك. إذاً: فالمشركون كفروا بتوحيد الألوهية، بتوحيد العبادة وليس بتوحيد الربوبية، ولهذا في القرآن الكريم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات: 35)، أما الآية السابقة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25)، ... قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5). الشاهد أن الآية الأولى صريحة بأن المشركين يؤمنون بربوبية الله وحده لا شريك له، الآية الثانية صريحة بأنهم ينكرون أن يكون الإله واحد، ما معنى الإله إذاً؟ الإله: هو المعبود، فلما كان الرسول يدعوهم إلى أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، كانوا ينكرون ذلك ويقولون: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5). وفي الآية الأخرى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات: 35)، كيف يستكبرون وهم في الآية الأخرى ربنا يخبر عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25). معنى ذلك أن الربوبية شيء، والألوهية شيء آخر.

الرب واحد باتفاق البشر جميعاً حتى المشركين الذين قاتلوا الرسول عليه السلام وعادوه كما ذكرنا، أما الإله فمتعدد عندهم، ولذلك استنكروا على الرسول عليه السلام حينما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والعبادة أنواع وأقسام، وأعظم عبادة تتجلى فيها حاجة الإنسان وعبوديته لله عز وجل هو الدعاء، ولذلك قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «الدعاء هو العبادة، ثم تلا قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر: 60). إذاً: المشركون، هذه نقطة مع الأسف كثير من الخواص المسلمين اليوم لم يتنبهوا لها، وهو التفريق بين الربوبية وبين الألوهية، فالمشركون كانوا يؤمنون بوحدانية الله في الربوبية، ولكنهم كانوا يكفرون بوحدانية الله في العبادة والألوهية، ولذلك كانوا يقولون بأن لله شريكاً لكن هذا الشريك مملوك لله وما يملكه هذا الشريك، وعلى هذا فمعنى: لا إله إلا الله، لا يجوز تفسيره بمعنى: لا رب إلا الله، هذا اعتقاد المشركين لا يكفي، وإنما لا إله إلا الله، معنى هذه الكلمة التي جاءت في القرآن مأمور بها عليه السلام والمقصودين أمته: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19)، معنى هذا، فاعلم أنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله. ليس لا رب إلا الله، لا رب إلا الله، المشركون يؤمنون بهذا، يعني الخالق والرازق والمحيي والمميت، المشركون يعتقدون بأنه واحد لا شريك له، لكنهم يجعلون له شريكاً في العبادة. من هنا لا يجوز للمسلم أولاً أن يفهم هذه الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) بمعنى لا رب إلا الله، لأنه تعطيل لمعنى الألوهية والعبادة لله عز وجل وحده. ثانياً: إذا فهم المسلم هذه الكلمة الطيبة أن المعنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود

[129] باب ذكر أخذ الميثاق من ذرية بني آدم وهل كان على الحقيقة؟

بحق في الوجود إلا الله، فلا يجوز له أن ينقض هذه العقيدة، عقيدة التوحيد في عبادة الله وحده لا شريك له عملياً، كثير من المسلمين اليوم يدعون في الشدائد غير الله، كما كان المشركون يفعلون تماماً، فهذا ينادي البدوي، وهذا ينادي عبد القادري الجيلاني، وهذا ينادي الشاذلي، ... إلى آخره. كل هؤلاء الأشخاص يُعْبَدُون اليوم من كثير من المسلمين بسبب جهلهم معنى هذه الكلمة لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق في الوجود إلا الله، ولهذا كان أول ما دعا إليه الرسول عليه السلام هو هذه الكلمة الطيبة، كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم عند الله». «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله» لا يعني: أن لا رب، وإنما يعني أن لا معبود بحق إلا الله، فمن اعتقد أن لا معبود بحق إلا الله آمن بأن الرب واحد لا شريك له، لكن من آمن بأن الرب واحد لا شريك له بذاته، قد يكفر بالعبودية، بعبادة الله وحده لا شريك له، لأنه من عبادة الله الدعاء، فإذا دعا غير الله فقد اتخذه إلهاً من دون الله تبارك وتعالى. "الهدى والنور" (178/ 50: 02: 01) [129] باب ذكر أخذ الميثاق من ذرية بني آدم وهل كان على الحقيقة؟ نقل الآلوسي في "الآيات البينات" عن البيضاوي أنه حمل آية الميثاق على التمثيل لا الحقيقة وذلك في "تفسيره"، [فعلق الألباني قائلاً]:

وهو [أي تفسير البيضاوي] المعروف بـ " أنوار التنزيل وأسرار التأويل " (3/ 33) قال في معنى الآية: " نَزَّل تمكين بني آدم من العلم بربوبيته بنصب الدلائل وخلق الاستعداد فيهم وتمكنهم من معرفتها والإقرار بها منزلة الإشهاد والاعتراف تمثيلاً وتخييلاً فلا قول ثَم ولا شهادة حقيقة ". وقد تعقبه جماعة منهم العلامة علي القاري في " المرقاة " فقال (1/ 140): وفيه أن هذا يرجع إلى مذهب المعتزلة، ومنهم الخطيب الكازروني في حاشيته عليه رد عليه تأويله المذكور بكلام قوي، ومما قاله: " إن الواجب على المفسر المحقق أن لا يفسر القرآن برأيه إذا وجد نقلاً معتمداً عن السلف فكيف بالنص القاطع من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ "، فراجعه فإنه مهم. ومنهم الإمام الشوكاني في " فتح القدير " (2/ 250 - 252).وصديق حسن خان في " فتح البيان " (3/ 404 - 409) وكتابه " الدين الخالص " (1/ 391).و" أضواء البيان " (2/ 335 - 338) للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمهم الله تعالى. [ثم ذكر الآلوسي في نفس السياق تفسير والده "روح المعاني"، فعلق الألباني قائلاً]: ورَدَّ فيه [أي رَد َّالآلوسي الأب في تفسيره] تأويل البيضاوي المذكور وقال: " يأبى عنه كل الإباء حديث ابن عباس [هو حديث" إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بـ (نعمان) يوم عرفة وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلاً قال: «ألست بربكم قالوا: بلى» ". قال الألباني: وهو حديث صحيح بل هو متواتر المعنى كما بينته في " الصحيحة " (1623)]. ثم ذكر أن المعتزلة ينكرون أخذ الميثاق التالي المشار إليه في الأخبار

[130] باب منه

ويقولون: إنه من جملة الآحاد فلا يلزمنا أن نترك ظاهر الكتاب، وطعنوا في صحتها بمقدمات عقلية مبنية على قواعد فلسفية على ما هو دأبهم في أمثال هذه المطالب، ثم سرد كلماتهم في ذلك وردها كلها. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص150 - 151) [130] باب منه [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية: والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق]: قلت: يشير إلى بعض الأحاديث المصرحة بأن الله تعالى استخرج الذرية من صلب آدم عليه الصلاة والسلام وقد ذكر في الشرح أربعة منها وهي مخرجة في تعليقي عليه وفي " تخريج السنة " (رقم 195 - 205) وقد كنت استثنيت في التعليق المشار إليه (ص 266 - الطبعة الرابعة [شرح العقيدة الطحاوية ص 204]) من الصحة مسح الظهر الوارد في حديث عمر وكان ذلك سهواً مني أسأله تعالى أن يغفره لي فقد تنبهت إلى أن له شاهداً حسناً من حديث أبي هريرة وهو مذكور في " الشرح " وآخر من حديث ابن عباس بسند ضعيف خرجته في " السنة " (203) فاقتضى التنبيه. "التعليق على متن الطحاوية" (ص38). [131] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بـ (نعمان) - يعني عرفة-فأخرج

من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلاً قال: {ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. أوتقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون}». [قال الإمام]: أخرجه أحمد (1/ 272) وابن جرير في " التفسير " (15338) وابن أبي عاصم في " السنة " (17/ 1) والحاكم (2/ 544) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 326 - 327) كلهم من طريق الحسين بن محمد المروذي حدثنا جرير بن حازم عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: فذكره. قال الحاكم: " صحيح الإسناد ".ووافقه الذهبي. قلت: وحقهما أن يقيداه بأنه على شرط مسلم، فإن كلثوم بن جبر من رجاله وسائرهم من رجال الشيخين. وتابعه وهب بن جرير حدثنا أبي به دون ذكر " نعمان" وقال أيضا: " صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر ".ووافقه الذهبي أيضا. وأما ابن كثير فتعقبه بقوله في " التفسير " (2/ 262): " هكذا قال، وقد رواه عبد الوارث عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فوقفه. وكذا رواه إسماعيل بن علية ووكيع عن ربيعة بن كلثوم بن جبر عن أبيه به، وكذا رواه عطاء بن السائب وحبيب بن أبي ثابت وعلي بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فهذا أكثر وأثبت. والله أعلم ". قلت: هو كما قال رحمه الله تعالى، ولكن ذلك لا يعني أن الحديث لا يصح مرفوعا وذلك لأن الموقوف في حكم المرفوع، لسببين: الأول: أنه في تفسير القرآن، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع، ولذلك اشترط الحاكم في كتابه

" المستدرك " أن يخرج فيه التفاسير عن الصحابة كما ذكر ذلك فيه (1/ 55). الآخر: أن له شواهد مرفوعة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن جمع من الصحابة، وهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو أمامة وهشام بن حكيم أو عبد الرحمن بن قتادة السلمي على خلاف عنهما- ومعاوية بن أبي سفيان وأبو الدرداء وأبو موسى، وهي إن كان غالبها لا تخلوا أسانيدها من مقال، فإن بعضها يقوي بعضا، بل قال الشيخ صالح المقبلي في " الأبحاث المسددة ": " ولا يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والروايات في ذلك" (¬1)، ولاسيما وقد تلقاها أو تلقى ما اتفقت عليه من إخراج الذرية من ظهر آدم وإشهادهم على أنفسهم، السلف الصالح من الصحابة والتابعين دون اختلاف بينهم، منهم عبد الله ابن عمرو وعبد الله بن مسعود، وناس من الصحابة، وأبي بن كعب وسلمان الفارسي ومحمد بن كعب والضحاك بن مزاحم والحسن البصري وقتادة وفاطمة بنت الحسين وأبو جعفر الباقر وغيرهم، وقد أخرج هذه الآثار الموقوفة وتلك الأحاديث المرفوعة الحافظ السيوطي في " الدر المنثور " (3/ 141 - 145)، وأخرج بعضها الشوكاني في " فتح القدير " (2/ 215 - 252) ومن قبله الحافظ ابن كثير في " تفسيره (2/ 261 - 164) وخرَّجت أنا حديث عمر في " الضعيفة " (3070) وصححته لغيره في " تخريج شرح الطحاوية " (266) وحديث أبي هريرة في تخريج السنة لابن أبي عاصم (204 و205 - بتحقيقي) وصححته أيضا هناك (ص 267) وفي الباب عن أبي الدرداء مرفوعا، وقد سبق برقم (49) وعن أنس، وسبق برقم (172) وهو متفق عليه، فهو أصحها وفيه: " إن الله تعالى يقول للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا؟ ¬

(¬1) نقلته من " فتح البيان " لصديق حسن خان " (3/ 406) اهـ. [منه].

فيقول: نعم. فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي ". إذا عرف هذا فمن العجيب قول الحافظ ابن كثير عقب الأحاديث والآثار التي سبقت الإشارة إلى أنه أخرجها: " فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو، وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم ". قلت: وليس الأمر كما نفى، بل الإشهاد وارد في كثير من تلك الأحاديث: الأول: حديث أنس هذا، ففيه كما رأيت قول الله تعالى: " قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا ".قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (6/ 284): " فيه إشارة إلى قوله تعالى: {وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ... } الآية. قلت: ولفظ حديث ابن عمرو الذي أعله ابن كثير بالوقف إنما هو: أخذ من ظهره ... "، فأي فرق بينه وبين لفظ حديث أنس الصحيح؟! الثاني: حديث عمر بلفظ: «ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ... ». الثالث: حديث أبي هريرة الصحيح: « ... مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ... ». الرابع: حديث هشام بن حكيم: «إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم ... »

الخامس: حديث أبي أمامة: «لما خلق الله الخلق وقضى القضية، أخذ أهل اليمين بيمينه، وأهل الشمال بشماله، فقال: ... ألست بربكم، قالوا: بلى ... ». ففي ذلك رد على قول ابن القيم أيضا في كتاب " الروح " (ص 161) بعد أن سرد طائفة من الأحاديث المتقدمة: " وأما مخاطبتهم واستنطاقهم وإقرارهم له بالربوبية وشهادتهم على أنفسهم بالعبودية- فمن قال من السلف فإنما هو بناء منه على فهم الآية، والآية لم تدل على هذا بل دلت على خلافه ". وقد أفاض جداًّ في تفسير الآية وتأويلها تأويلا ينافي ظاهرها بل ويعطل دلالتها أشبه ما يكون بصنيع المعطلة لآيات وأحاديث الصفات حين يتأولونها، وهذا خلاف مذهب ابن القيم رحمه الله الذي تعلمناه منه ومن شيخه ابن تيمية، فلا أدري لماذا خرج عنه هنا لاسيما وقد نقل (ص 163) عن ابن الأنباري أنه قال: " مذهب أهل الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الآية أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وصلب أولاده وهم في صور الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعون، فاعترفوا بذلك وقبلوا، وذلك بعد أن ركب فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم كما جعل للجبل عقلا حين خوطب، وكما فعل ذلك للبعير لما سجد، والنخلة حتى سمعت وانقادت حين دعيت".كما نقل أيضا عن إسحاق بن راهويه: "وأجمع أهل العلم أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، وأنه استنطقهم وأشهدهم". قلت: وفي كلام ابن الأنباري إشارة لطيفة إلى طريقة الجمع بين الآية والحديث وهو قوله: "إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده". وإليه

ذهب الفخر الرازي في " تفسيره " (4/ 323) وأيده العلامة ملا على القاري في " مرقاة المفاتيح " (1/ 140 - 141) وقال عقب كلام الفخر: " قال بعض المحققين: إن بني آدم من ظهره، فكل ما أخرج من ظهورهم فيما لا يزال إلى يوم القيامة هم الذين أخرجهم الله تعالى في الأزل من صلب آدم، وأخذ منهم الميثاق الأزلي ليعرف منه أن النسل المخرج فيما لا يزال من أصلاب بنيه هو المخرج في الأزل من صلبه، وأخذ منهم الميثاق الأول، وهو المقالي الأزلي، كما أخذ منهم فيما لا يزال بالتدريج حين أخرجوا الميثاق الثاني، وهو الحالي الإنزالي. والحاصل أن الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم أحدهما تهتدي إليه العقول من نصب الأدلة الحاملة على الاعتراف الحالي، وثانيهما المقالي الذي لا يهتدي إليه العقل، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد، كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلم الأمة ويخبرهم أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقاً آخر أزلياًّ فقال (ما) قال من مسح ظهر آدم في الأزل وإخراج ذريته وأخذه الميثاق عليهم وبهذا يزول كثير من الإشكالات، فتأمل فيها حق التأمل ". وجملة القول أن الحديث صحيح، بل هو متواتر المعنى كما سبق، وأنه لا تعارض بينه وبين آية أخذ الميثاق، فالواجب ضمه إليها، وأخذ الحقيقة من مجموعها وقد تجلت لك إن شاء الله مما نقلته لك من كلام العلماء، وبذلك ننجو من مشكلتين بل مفسدتين كبيرتين: الأولى: رد الحديث بزعم معارضته للآية. والأخرى: تأويلها تأويلاً يبطل معناها، أشبه ما يكون بتأويل المبتدعة.

[132] باب حكم من لم يوف بالميثاق [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]

والمعتزلة. كيف لا وهم أنفسهم الذين أنكروا حقيقة الأخذ والإشهاد والقول المذكور فيها بدعوى أنها خرجت مخرج التمثيل! وقد عز علي كثيراً أن يتبعهم في ذلك مثل ابن القيم وابن كثير، خلافاً للمعهود منهم من الرد على المبتدعة ما هو هو دون ذلك من التأويل. والعصمة لله وحده. ثم إنه ليلوح لي أننا وإن كنا لا نتذكر جميعا ذلك الميثاق الرباني وقد بين العلماء سبب ذلك- فإن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والتي تشهد فعلاً بأن الله هو الرب وحده لا شريك له، إنما هي أثر ذلك الميثاق، وكأن الحسن البصري رحمه الله أشار إلى ذلك حين روى عن الأسود بن سريع مرفوعا: " ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ... " الحديث، قال الحسن عقبه: " ولقد قال الله ذلك في كتابه: [وإذ أخذ ربك ... ] الآية ".أخرجه ابن جرير (15353)، ويؤيده أن الحسن من القائلين بأخذ الميثاق الوارد في الأحاديث، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وعليه فلا يصح أن يقال: إن الحسن البصري مع الخلف القائلين بأن المراد بالإشهاد المذكور في الآية إنما هو فطرهم على التوحيد، كما صنع ابن كثير. والله أعلم. "الصحيحة" (4/ 158، 163). [132] باب حُكْم من لم يوف بالميثاق [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يقول الله لأهونِ أهل النار عذابا يوم القيامة: يا ابن آدم! كيف وجدت مضجعك؟ فيقول: شر مضجع، فيقال له: لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتدياً بها؟ فيقول: نعم، فيقول: كذبت قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب

[133] باب ضلالة عقيدة الأقطاب والأوتاد

" وفي رواية: ظهر " آدم أن لا تشرك بي شيئاً ولا أدخلك النار، فأبيت إلا الشرك، فيؤمر به إلى النار». [قال الإمام]: قوله (وأنت في صلب آدم). قال القاضي عياض: " يشير بذلك إلى قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم .. } الآية، فهذا الميثاق الذي أُخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن، ومن لم يوف به فهو كافر، فمراد الحديث: أردت منك حين أخذت الميثاق، فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك ".ذكره في " الفتح ". "الصحيحة" (1/ 1/331 - 332، 334). [133] باب ضلالة عقيدة الأقطاب والأوتاد [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن لله عز وجل في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام، ولله تعالى في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام، ولله تعالى في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام، ولله تعالى في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام، ولله تعالى في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام، ولله تعالى في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة، وإذا مات السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات الأربعين أبدل الله مكانه من

الثلاثمائة، وإذا مات الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامة، فبهم يحيي ويميت ويمطر وينبت، ويدفع البلاء». (موضوع) [قال الإمام]: أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (1/ 8 - 9) والذهبي في " الميزان " من طريق عبد الرحيم بن يحيى الأرمني: حدثنا عثمان بن عمارة: حدثنا المعافى بن عمران عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: فذكره. وزاد أبو نعيم: " قيل لعبد الله بن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت؟ قال: لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستقون فيسقون، ويسألون فتنبت لهم الأرض، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء ". أورده الذهبي في ترجمة عثمان بن عمارة وقال: " وهو كذب، فقاتل الله من وضع هذا الإفك". وأقره الحافظ في " اللسان ".لكنه استدرك عليه فقال: " وسبق في ترجمة عبد الرحيم قوله: أتهمه به أو عثمان ".يعني أن التهمة في وضع هذا الحديث تتردد بين عبد الرحيم الأرمني وعثمان هذا، فإنهما مجهولان لا يعرفان إلا في هذا الحديث الباطل. (تنبيه): (الأرمني) هكذا وقع في " الحلية " وفي " الحاوي " (2/ 464) نقلا عنه. ووقع في " الميزان ": " الأدمي ".فالله أعلم.

[134] باب جواب من خلق الله

(فائدة) نقلت أكثر أسانيد الأحاديث المتقدمة من رسالة السيوطي " الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال ".وقد حشاها بالأحاديث الضعيفة، والآثار الواهية، وبعضها أشد ضعفاً من بعض كما يدلك هذا التخريج، ومن عجيب أمره أنه لم يذكر فيها ولا حديثاً واحداً في القطب المزعوم، ويسميه تبعاً للصوفية بالغوث أيضاً، وكذلك لم يذكر في الأوتاد والنجباء أي حديث مرفوع، وإنما هي كلها أسماء مخترعة عند الصوفية، لا تعرف عند السلف، اللهم إلا اسم البدل فهو مشهور عندهم كما تقدم. والله أعلم. "الضعيفة" (3/ 670 - 671). [134] باب جواب من خلق الله [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أحدكم يأتيه الشيطان فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله، فيقول: فمن خلق الله؟! فإذا وجد ذلك أحدكم فليقرأ: آمنت بالله ورسله، فإن ذلك يذهب عنه». «يأتي شيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته». [وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله عز وجل؟ فإذا قالوا ذلك، فقولوا: {الله أحد، الله الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد} ثم ليتفل أحدكم عن يساره ثلاثا، وليستعذ من الشيطان». فقه الحديث:

[135] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن تلبس بشرك الربوبية

[قال الإمام]: دلت هذه الأحاديث الصحيحة على أنه يجب على من وسوس إليه الشيطان بقوله: من خلق الله؟ أن ينصرف عن مجادلته إلى إجابته بما جاء في الأحاديث المذكورة، وخلاصتها أن يقول: " آمنت بالله ورسله، الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. ثم يتفل عن يساره ثلاثا، ويستعيذ بالله من الشيطان، ثم ينتهي عن الانسياق مع الوسوسة. وأعتقد أن من فعل ذلك طاعة لله ورسوله، مخلصا في ذلك أنه لابد أن تذهب الوسوسة عنه، ويندحر شيطانه لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " فإن ذلك يذهب عنه ". وهذا التعليم النبوي الكريم أنفع وأقطع للوسوسة من المجادلة العقلية في هذه القضية، فإن المجادلة قلما تنفع في مثلها. ومن المؤسف أن أكثر الناس في غفلة عن هذا التعليم النبوي الكريم، فتنبهوا أيها المسلمون، وتعرفوا إلى سنة نبيكم، واعملوا بها، فإن فيها شفاءكم وعزكم. "الصحيحة" (1/ 1/233 - 236). [135] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن تلبس بشرك الربوبية [سئل الشيخ عن فتواه الخاصة بالخميني، فأجاب]: الفتوى خلاصتها: أنه وقفنا على عبارات للخميني أنه يقول: كذا وكذا، أربع خمس عبارات، فهذه العبارات هي الكفر بعينه، وكل من يقول بهذا الكلام فهو كافر أو يكفر، وشرحنا هنا في الأسباب المقتضية لهذا الحكم، وبلا شك أنه نفس الكلمات عندما يقرأها مسلم مهما كان الثقافة الإسلامية ضحلة فهو لا يشك في أن هذا الكلام كفر.

من ذلك مثلاً أنه يقول في بعض كتبه: بأن أئمة أهل البيت هم من المنزلة عند الله تبارك وتعالى فوق منزلة الملائكة والرسل والأنبياء، ومن ذلك أنه يقول: أن مصحف فاطمة أظن مذكور هذا في الأشياء .. مصحف فاطمة هو المصحف الكامل، أما المصحف المتداول اليوم بين الأئمة فهو جزء من ذاك المصحف، وهذا كفر لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) وهكذا أربع خمس عبارات نقلت من كتبه .. كتب الخميني نفسه، هذه الأشياء خطيرة جداً وكتابه الذي أصدره: «فوائد الثورة الإيرانية» هذه وهي: الكتاب المعروف: «بالحكومة الإسلامية»، لا أدري رأيتم هذا الكتيب الصغير؟ مداخلة: لا. الشيخ: لم تروه،، في هذا الكتيب الصغير الذي سماه: الثورة الإسلامية أو: الحكومة الإسلامية مع أن هذا الكتاب هو كتاب دعاية، والمفروض عند كل الناس المسلمين والكافرين أن أي كتاب سياسي لا يحسن بالكاتب أن ينشر في هذا الكتاب العقائد التي يعلم أن الخصوم سوف ينكرونها ويبادرون إلى عدم الاستجابة لمضمون الكتاب بصورة عامة، ومع أن الشيعة يوجد عندهم عقيدة يساعدهم أوسع ما تكون المساعدة في سلوك هذا السبيل السياسي وهو: كتمان عقائدهم عن الناس؛ لأنه يوجد لديهم شيء يسمى: بالتقية، لا بد أنك سمعت عن التقية شيء، فالأمر عندهم في موضوع التقية خطير جداً بحيث أنه لا يمكن لإنسان يعرف أن عندهم التقية أن يركن إليهم؛ لأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وهذا دين عندهم، فهو إذا قال لك عن شيء وهو يعلم أنه كاذب لا يستوحش من هذا الكلام إطلاقاً؛ لأن هكذا دينه الذي منه التقية يأمره بذلك. فمع كون عندهم هذه التقية التي تسوغ لهم أن يقولوا ما شاؤوا، وعلى

العكس أكثر من ذلك أن يكتموا عن الناس عقائدهم، لكن الله عز وجل لحكمته البالغة ألهم هذا الرجل الخميني في كتيبه المشار إليه آنفاً: الحكومة الإسلامية أن يبيح عن بعض العقائد مع أنه كتاب دعوة وسياسة، منها: ما ذكرته آنفاً من تعظيمه لأهل البيت أكثر من الملائكة والأنبياء والرسل. ومن ذلك وهذه كفرية أخرى، وهي: أنهم يعني: أهل البيت يعلمون كل حركة تقع في الكون ما من ذرة تقع في الكون إلا وهم على علم بها، مع أن أهل البيت ماتوا وصاروا تراباً مهما كان شأنهم، فجعلوهم شركاء في العلم مع الله عز وجل، يعني: أشياء غريبة جداً، فربنا تبارك وتعالى ليقيم الحجة على من قد يغتر بدعايتهم يعني: سَخَّرَ هذا الإنسان أن يضع في هذا الكتيب الذي هو كتاب دعاية العقيدتين الوافدتين، واحدة منها تكفي لتحذير الناس من الاغترار بما سموه بالثورة الإسلامية. ومع الأسف يعني: لما قامت هذه الثورة اغتر بها بعض الشخصيات الإسلامية ويمكن ذهبوا إليهم، فمنهم من رجع وقد تبين له الحق، ومنهم من لا يزال إلى الآن يدعو إلى دعوتهم ... "الهدى والنور" (137/ 00:05:18)

جامع أحكام القبور

جامع أحكام القبور

جماع أبواب الكلام حول حكم اتخاذ القبور مساجد، وحكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور، وما يتصل بذلك من مسائل

جماع أبواب الكلام حول حكم اتخاذ القبور مساجد، وحكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور، وما يتصل بذلك من مسائل

[136] باب أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد

[136] باب أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت: فلولا ذاك أُبرِزَ (¬1).قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً» (¬2). ومثل قول عائشة هذا ما روي عن أبيها رضي الله عنهما فأخرج ابن زنجويه عن عمر مولى غفرة قال: لما ائتمروا في دفن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال قائل: ندفنه حيث كان يصلي في مقامه! وقال أبو بكر: معاذ الله أن نجعله وثناً يعبد، وقال الآخرون: ندفنه في البقيع ¬

(¬1) أي كشف قبره - صلى الله عليه وسلم - ولم يتخذ عليه الحائل، والمراد الدفن خارج بيته، كذا في «فتح الباري» فائدة: قول عائشة هذا، يدلّ دلالة واضحة على السبب الذي من أجله دفنوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته، ألا وهو سد الطريق على من عسى أن يبني عليه مسجداً، فلا يجوز والحالة هذه أن يتخذ ذلك حجة في دفن غيره - صلى الله عليه وسلم - في البيت يؤيد ذلك أنه خلاف الأصل لأن السنة الدفن في المقابر، ولهذا قال ابن عروة في «الكواكب الدراري» (ق 188/ 1 تفسير 548): «والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبي عبد الله (يعني: الإمام أحمد) من الدفن في البيوت، لأنه أقل ضررا على الأحياء من ورثته، وأشبه بمساكن الآخرة وأكثر للدعاء له والترحم عليه ولم يزل أصحابه والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحارى. فإن قيل: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبر في بيته وقبر صاحبه معه؟ قلنا: قالت عائشة: إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجداً، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدفن أصحابه بالبقيع، وفعله أولى من فعل غيره، وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك، ولأنه روي: «يدفن الأنبياء حيث يموتون»، وصيانة لهم عن كثرة الطراق، وتمييزاً له عن غيره». [منه]. (¬2) رواه البخاري (3/ 156 و198 و8/ 114) ومسلم (2/ 76) وأبو عوانة (1/ 399) وأحمد (6/ 80 و121 و255) والسراج في» مسنده» (3/ 48/2) عن عروة عنها. وأحمد (6/ 146 و252) والبغوي في» شرح السنة» (ج 1 - صلى الله عليه وسلم - 415) طبع المكتب الإسلامي عن سعيد بن المسيب عنها. وسنده صحيح على شرط الشيخين .. [منه].

حيث دفن إخوانه من المهاجرين، قال أبو بكر: إنا نكره أن يخرج قبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى البقيع، فيعوذ به من الناس من لله عليه حق، وحق الله فوق حق رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن أخرجناه (الأصل: أخرناه) ضيّعنا حق الله، وإن أخفرناه (!) أخفرنا قبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قالوا: فما ترى أنت يا أبا بكر؟ قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «ما قبض الله نبياً قط إلا دفن حيث قبض روحه» قالوا: فأنت والله رضي مقنع، ثم خطوا حول الفراش خطاً، ثم احتمله عليّ والعباس والفضل وأهله، ووقع القوم في الحفر يحفرون حيث كان الفراش (¬1). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قاتلَ اللهُ اليهودَ؛ اتخذوا قُبُورَ أنبيائِهِمْ مَسَاجِد» (¬2). 3 و4 - عن عائشة وابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة (¬3) له فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه، وهو يقول: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائِهم مساجِد».تقول عائشةُ: يحذر مثل ¬

(¬1) قال ابن كثير: وهو منقطع من هذا الوجه؛ فإن عمر مولى غفرة مع ضعفه لم يدرك أيام الصديق. كذا في (الجامع الكبير) للسيوطي (3/ 147/1 - 2). [منه]. (¬2) رواه البخاري (2/ 422)، ومسلم، وأبو عوانة، وأبو داود (2/ 71) وأحمد (2/ 284 و366 و396 و453 و518)، وأبو يعلى في «مسنده» (278/ 1)، والسراج، والسهمي في «تاريخ جرجان» (349)، وابن عساكر (14/ 367/2) عن سعيد بن المسيب عنه. ومسلم أيضا عن يزيد بن الأصم عنه. وأخرجه عبد الرزاق في» مصنفه» (1/ 406/1589) من الوجه الأول عنه، ولكنه أوقفه. [منه]. (¬3) ثوب خز أو صوف معلم. كذا في» النهاية» قلت: والمراد هنا الثاني لأن الخز هو الحرير كما هو المعروف الآن وهو حرام على الرجال كما هو ثابت في السنة خلافاً لمن يستحله ممن لا يقيم للسنة وزنا. [منه].

الذي صنعوا (¬1). قال الحافظ ابن حجر: «وكأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - علم أنه مرتحل من ذلك المرض، فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى، فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم». قلت: يعني من هذه الأمة وفي الحديث الآتي (6) التصريح بنهيهم عن ذلك، فتنبه. 5 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان مرض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة، يقال لها: مارية- وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة- فذكرن من حسنها وتصاويرها، قالت: [فرفع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأسه] فقال: «أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله [يوم القيامة]» (¬2). قال الحافظ ابن رجب في «فتح الباري»: ¬

(¬1) رواه البخاري (1/ 422 و6/ 386 و8/ 116) ومسلم (2/ 67) وأبو عوانة (1/ 399) والنسائي (1/ 115) والدرامي (1/ 326) وأحمد (1/ 218 و6/ 34 و229 و275) وابن سعد في «الطبقات» (2/ 258).ورواه عبد الرزاق في «المصنف» (1/ 406/1588) عن ابن عباس وحده. [منه]. (¬2) رواه البخاري (1/ 416 و422) ومسلم (2/ 66/) والنسائي (1/ 115) وابن أبي شيبة في» المصنف» (4/ 140 طبع الهند) وأحمد (6/ 51 طبع المكتب الإسلامي) وأبو عوانة في» صحيحه» (1/ 400 - 401) والسياق له وابن سعد في» الطبقات» (2/ 240 - 241) والسراج في» مسنده» (48/ 2) وأبو يعلى في «الطبقات» (ق.220/ 2) والبيهقي (4/ 80) والبغوي (2/ 415و416). [منه].

«هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين، وتصوير صورهم فيها، كما يفعله النصارى، ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراده؛ فتصوير صور الآدميين يحرم، وبناء القبور على المساجد بانفراده يحرم، كما دلت عليه نصوص أخر يأتي ذكر بعضها.» قال: «والتصاوير التي في الكنيسة التي ذكرتها أم حبيبة وأم سلمة كانت على الحيطان ونحوها ولم يكن لها ظل، فتصوير الصور على مثال صور الأنبياء والصالحين للتبرك بها والاستشفاع بها يحرم في دين الإسلام، وهو من جنس عبادة الأوثان وهو الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن أهله شرار الخلق عند الله يوم القيامة، وتصوير الصور للتأسي برؤيتها أو للتنزه بذلك والتلهي محرم، وهو من الكبائر، وفاعله من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، فإنه ظالم ممثل بأفعال الله التي لا يقدر على فعلها غيره، وأنه تعالى ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله سبحانه وتعالى». ذكره في «الكواكب الدراري» (مجلد 65/ 82/2). قلت: ولا فرق في التحريم بين التصوير اليدوي والتصوير الآلي والفوتوغرافي، بل التفريق بينهما جمود وظاهرية عصرية كما بينته في كتابي «آداب الزفاف» (- صلى الله عليه وسلم - 106 - 116 الطبعة الثانية طبع المكتب الإسلامي). 6 - عن جندب بن عبد الله البجلي؛ أنه سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: «قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء، وإني أبرأ (¬1) إلى الله أن يكون لي فيكم خليل، وإن الله عز وجل قد اتخذني خليلاً كما تخذ إبراهيم خليلاً، ¬

(¬1) أي امتنع من هذا وأنكره والخليل هو المنقطع إليه قيل: هو مشتق من الخلة، بفتح الخاء وهي الحاجة، وقيل: من الخلة بضم الخاء وهي تخلل المودة في القلب، فنفى - صلى الله عليه وسلم - أن تكون حاجته وانقطاعه إلى غير الله تعالى. «شرح مسلم» للنووي. [منه].

ولو كنت متخذا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا [وإن] من كان قبلكم [كانوا] يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» (¬1). 7 - عن الحارث النجراني قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك» (¬2). 8 - عن أسامة بن زيد؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في مرضه الذي مات فيه: «أدخلوا عليَّ أصحابي»، فدخلوا عليه وهو متقنع ببردة معافريّ (¬3)، [فكشف القناع] فقال: «لعن الله اليهود [والنصارى] اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (¬4). 9 - عن أبي عبيدة بن الجراح قال: آخر ما تكلم به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن ¬

(¬1) رواه مسلم (2/ 67 68) وأبو عوانة (1/ 401) والسياق له والطبراني في «الكبير» (1/ 84/2) ورواه ابن سعد (2/ 240) مختصرا دون ذكر الإخوة واتخاذ الخليل. وله عنده (2/ 241) شاهد من حديث أبي أمامة، وله شاهد ثان أخرجه الطبراني عن كعب بن مالك بسند لا بأس به كما قال ابن حجر الهيتمي في «الزواجر» (1/ 120) وضعفه الحافظ نور الدين الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 45). [منه]. (¬2) رواه ابن أبي شيبة (ق 2/ 83/2 وط 2/ 376) وإسناده صحيح على شرط مسلم. [منه]. (¬3) برود باليمن منسوبة إلى معافر وهي قبيلة باليمن. «نهاية». [منه]. (¬4) رواه الطيالسي في «مسنده» (2/ 113 من ترتيبه) وأحمد (5/ 204) والطبراني في «الكبير» (ج 1 ق 22/ 1) وسنده حسن في الشواهد وقال الشوكاني في «نيل الأوطار» (2/ 114) «وسنده جيد».وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/ 27) «رجاله موثقون». [منه].

شرار الناس الذي اتخذوا (وفي رواية: يتخذون) (¬1) قبور أنبيائهم مساجد» (¬2). 10 - عن زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لعن الله (وفي رواية: قاتل الله) اليهود؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (¬3). ¬

(¬1) وبين الروايتين فرق ظاهر فالرواية الأولى تعني ناسا تقدموا وهم اليهود والنصارى كما في الأحاديث المتقدمة، والرواية الأخرى تعني من يسلك سبيلهم من هذا الأمة ويؤيدها الأحاديث (6، 7، 12). [منه]. (¬2) رواه احمد (رقم 1691، 1694) والطحاوي في «مشكل الآثار» (4/ 13) وأبو يعلى (57/ 1) وابن عساكر (8/ 367/2) بسند صحيح وقال الهيثمي في «المجمع» (5/ 325): «رواه أحمد بأسانيد (الأصل بإسنادين) ورجال الطريقين منها ثقات متصل إسنادها ورواه أبو يعلى» قلت: وفي هذا الكلام نظر ظاهر، لأن مدار الطرق الثلاث التي أشار إليها على إبراهيم بن ميمون عن سعد بن سمرة، إلا أن الطريق الثالث أدخل بعض الرواة بينهما إسحاق بن سعد بن سمرة وهو وهم كما بينه الحافظ في «التعجيل» ثم إنه ليس فيه «واعلموا أن شرار الناس ... ».ثم هذا الحديث ذكره الهيثمي في مكان آخر (2/ 82) نحوه وقال: «رواه البزار ورجاله ثقات» وله شاهد مرسل عن عمر بن عبد العزيز مرفوعا نحوه. رواه ابن سعد (2/ 254). [منه]. (¬3) رواه أحمد (5/ 184، 186) ورجاله ثقات غير عقبة بن عبد الرحمن هو ابن أبي معمر وهو مجهول كما في «التقريب» ولا تغتر بقول الهيتمي (2/ 27): «رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال موثقون» كما فعل الشوكاني فإنه قال (2/ 114) «وسنده جيد» وذلك لأن قوله «موثقون» دون قوله «ثقات» فإن قولهم «موثقون» إشارة منهم إلى أن بعض رواته ليس توثيقه قويا فكأن الهيثمي يشير إلى أن عقبة هذا إنما وثقه ابن حبان فقط وأن توثيق ابن حبان غير موثوق به والله أعلم. وكون توثيق ابن حبان لا يوثق به مما لا يرتاب فيه المتضلعون في هذا العلم الشريف وقد فصلت القول في ذلك في ردي على رسالة «التعقب الحثيث» للشيخ عبد الله الحبشي وقد نشر في التمدن الإسلامي في مقالات متتابعة، ثم نشر في رسالة مستقلة تحت عنوان «الرد على التعقب الحثيث» فراجع (ص 18 - 21).على أن قول القائل في حديث ما «رجاله ثقات» أو «رجاله رجال الصحيح».فليس معناه أن إسناده صحيح كما بينته في غير هذا الموضع فانظر مثلا «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (ج 2 ص 5 طبع المكتب الإسلامي) لكن الحديث صحيح لشواهده المتقدمة. [منه].

11 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اللهم لا تجعل قبري وثناً (¬1)، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (¬2). 12 - عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد» (¬3). ¬

(¬1) «قال ابن عبد البر: الوثن الصنم، يقول: لا تجعل قبري صنماً يصلى ويسجد نحوه ويعبد، فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبلهم، الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم، واتخذوها قبلة ومسجداً، كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها، وذلك الشرك الأكبر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه، وأنه مما لا يرضاه، خشية عليهم من امتثال طرقهم، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار، وكان يخاف على أمته إتباعهم، ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - على جهة التعبير والتوبيخ «لتتبعن سنن الذين كانوا من قبلكم حذوا النعل بالنعل حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه»». كذا في «فتح الباري» لابن رجب (65/ 90/2) من «الكواكب». [منه]. (¬2) رواه أحمد (رقم 7352) وابن سعد (2/ 241 - 242) والمفضل الجندي في «فضائل المدينة» (66/ 1) وأبو يعلى في «مسنده» (312/ 1) والحميدي (1025) وأبو نعيم في «الحلية» (6/ 382و7/ 317) بسند صحيح. وله شاهد مرسل رواه عبد الرزاق في «المصنف» (1/ 406/1587) وكذا ابن أبي شيبة (4/ 141) عن زيد بن أسلم. وإسناده قوي. وأخر أخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 185) وعنه ابن سعد (2/ 240 - 241) عن عطاء بن يسار مرفوعا. وسنده صحيح، وقد وصله البزار عنه عن أبي سعيد الخدري وصححه ابن عبد البر مرسلا وموصولا فقال: «فهذا الحديث عند من قال بمراسيل الثقات وعند من قال بالمسند لإسناد عمر بن محمد له وهو ممن تقبل زيادته».انظر «تنوير الحوالك» للسيوطي. وفيما قاله ابن عبد البر في عمر هذا نظر فقد قال الحافظ ابن رجب في «الفتح»: «خرجه من طريقه البزار وعمر هذا هو ابن صبهان، جاء منسوباً في بعض نسخ البزار، وظن ابن عبد البر أنه عمر بن محمد العمري، والظاهر أنه وهم، وقد روي نحوه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة بإسناد فيه نظر». [منه]. (¬3) رواه ابن خزيمة في «صحيحه» (1/ 92/2) وابن حبان (340 و341) وابن أبي شيبة في «المصنف» (4/ 140 طبع الهند) وأحمد (رقم 3844 و4143) والطبراني في «المعجم الكبير» (3/ 77/1) وأبو يعلى في «مسنده» (257/ 1) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (1/ 142) بإسناد حسن وأحمد أيضا (رقم 4342) بسند آخر حسن بما قبله، والحديث بمحموعهما صحيح. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «منهاج السنة» (1311) و «الإقتضاء» (- صلى الله عليه وسلم - 185): «وإسناده جيد» وقال الهيثمي (2/ 27): «رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن». وفي اقتصاره في عزوه على الطبراني وحده قصور ظاهر، مع أنه في المسند في ثلاثة مواضع منه كما أشرنا إليهما آنفا والشطر الأول من الحديث رواه البخاري في صحيحه (13/ 15) معلقاً. [منه].

13 - عن علي بن أبي طالب قال: لقيني العباس فقال: يا علي انطلق بنا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فإن كان لنا من الأمر شيء، وإلا أوصى بنا الناس، فدخلنا عليه وهو مغمى عليه، فرفع رأسه فقال: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور الأنبياء مساجد».زاد في رواية: «ثم قالها الثالثة».فلما رأينا ما به خرجنا ولم نسأله عن شيء (¬1). 14 - عن أمهات المؤمنين أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قالوا: كيف نبني قبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ أنجعله مسجدا؟ فقال أبو بكر الصديق: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (¬2). "تحذير الساجد" (ص9 - 20) ¬

(¬1) رواه ابن سعد (4/ 28) وابن عساكر (12/ 172/2) من طريقين عن عثمان ابن اليمان نا أبو بكر ابن أبي عون أنه سمع عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن جده أو قال: عن أبيه أو عن جده قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول. [منه]. قلت: هذا إسناد حسن لولا أنني لم أعرف أبا بكر هذا ولم يورده الدولابي وأبو أحمد الحاكم في «الكنى» (¬2) رواه ابن زنجويه في «فضائل الصديق» كما في «الجامع الكبير» (3/ 147/1). [منه].

[137] باب معنى اتخاذ القبور مساجد

[137] باب معنى اتخاذ القبور مساجد [قال الإمام]: الذي يمكن أن يفهم من الاتخاذ إنما هو ثلاث معان: الأول: الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها. الثاني: السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء. الثالث: بناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها. أقوال العلماء في معنى الاتخاذ المذكور: وبكل واحد من هذه المعاني قال طائفة من العلماء، وجاءت بها نصوص صريحة عن سيد الأنبياء - صلى الله عليه وآله وسلم -. أما الأول، فقال ابن حجر الهيتمي في «الزواجر» (1/ 121): «واتخاذ القبر مسجداً معناه الصلاة عليه أو إليه». فهذا نص منه على أنه يفهم الاتخاذ المذكور شاملا لمعنيين أحدهما الصلاة على القبر وقال الصنعاني في «سبل السلام» (1/ 214): «واتخاذ القبور مساجد أعم من أن يكون بمعنى الصلاة إليها أو بمعنى الصلاة عليها». قلت: يعني أنه يعم المعنيين كليهما ويحتمل انه أراد المعاني الثلاثة، وهو الذي فهمه الإمام الشافعيُّ رحمه الله، وسيأتي نص كلامه في ذلك ويشهد للمعنى الأول أحاديث:

الأول: عن أبي سعيد الخدري: «أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها» (¬1). الثاني: قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر» (¬2). الثالث: عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن الصلاة إلى القبور (¬3). الرابع: عن عمروا بن دينار-وسئل عن الصلاة وسط القبور-قال: ذكر لي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «كانت بنو إسرائيل اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فعلنهم الله تعالى» (¬4). وأما المعنى الثاني: فقال المناوي في «فيض القدير» حيث شرح الحديث الثالث المتقدم: «أي اتخذوها جهة قبلتهم مع اعتقادهم الباطل، وإن اتخاذها مساجد لازمٌ (¬5) ¬

(¬1) رواه أبو يعلى في «مسنده» (ق 66/ 2) وإسناده صحيح وقال الهيثمي (3/ 61): «ورجاله ثقات». [منه]. (¬2) رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (3/ 145/2) وعنه الضياء المقدسي في «المختارة» عن عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا وقال المقدسي: «وعبد الله بن كيسان قال فيه البخاري: منكر الحديث قال أبو حاتم الرازي ضعيف وقال النسائي: ليس بالقوي إلا أني لما رأيت ابن خزيمة والبستي أخرجا له أخرجناه» قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له عند الطبراني (3/ 150/1) طريقا آخر خيراً من هذه عن ابن عباس علقه البخاري في «التاريخ الصغير» (ص 163)، وشطره الأول له شاهد من حديث أبي مرثد، يأتي قريبا. [منه]. (¬3) رواه ابن حبان (343). [منه]. (¬4) رواه عبد الرزاق (1591) وهو مرسل صحيح الإسناد، وموضع الشاهد منه أن عمرا استشهد بالحديث على النهي عن الصلاة بين القبور، فد على أنه يعني المعنى المذكور. [منه]. (¬5) يعني: يلزم من السجود إليها بناء المساجد عليها، كما يلزم من بناء المساجد عليها السجود إليها وهذا أمر واقع مشاهد. [منه].

لاتخاذ المساجد عليها كعكسه، وهذا بين به سبب لعنهم لما فيه من المغالاة في التعظيم. قال القاضي (يعني البيضاوي): لما كانت اليهود يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنهم، ويجعلونها قبلة، ويتوجهون في الصلاة نحوها، فاتخذوها أوثاناً لعنهم الله، ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه ... ». قلت: وهذا معنى قد جاء النهي الصريح عنه فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» (¬1). ¬

(¬1) رواه مسلم (3/ 62) وأبو داود (1/ 71) والنسائي (1/ 124) والترمذي (2/ 154) والطحاوي في «شرح المعاني» (1/ 296) والبيهقي (3/ 435) وأحمد (4/ 135) وابن عساكر (2/ 1512 و152/ 2) من حديث أبي مرثد الغنوي وقال احمد: «إسناده جيد». وقول الشيخ سليمان حفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمهم الله) في حاشيته على «المقنع» (1/ 125): «متفق عليه».وهم منه. ثم عزاه (- صلى الله عليه وسلم - 281) لمسلم وحده فأصاب: وله [على علمه وفضله] من مثل هذا التخريج أوهام كثيرة جداً، يجعل الاعتماد عليه في التخريج غير موثوق به، وأنا أضرب على ذلك بعض الأمثلة الأخرى تنبيها لطلاب العلم ونصحاً لهم، وإنما الدين النصيحة. 1 - قال «- صلى الله عليه وسلم - 20»: «روى جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تنتفعوا من الميتة بشيء، رواه الدارقطني بإسناد جيد». قلت: وهو حديث ضعيف وفي الصحيح ما يعارضه وعزوه للدراقطني وهم لم أجد من سبقه إليه. 2 - قال «- صلى الله عليه وسلم - 28» لقوله ص: «من استنجى من ريح فليس منا» رواه الطبراني في «معجمه الصغير». قلت: وليس هذا في «المعجم» وأنا أخبر الناس به- والحمد لله- فإني خدمته، ورتبته على مسانيد الصحابة وخرجت أحاديثه ووضعت فهرساً جامعاً لأحاديثه. ثم إن الحزم بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه نظر، لأنه من رواية أبي الزبير عن جابر، كما أخرجه الجرجاني (272) وغيره وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه. 3 - قال «- صلى الله عليه وسلم - 29»: «قال النبي ص: لخلوف فم الصائم .... » رواه الترمذي قلت: وهو في «صحيح البخاري» و «صحيح مسلم»!!. [منه].

قال الشيخ علي القاري في «المرقاة» (2/ 372) معللا النهي: «لما فيه من التعظيم البالغ كأنه من مرتبة المعبود، ولو كان هذا التعظيمُ حقيقة للقبر أو لصاحبه لكفر المعظم، فالتشبه به مكروه، وينبغي أن تكون كراهة تحريم. وفي معناه بل أولى منه الجنازة الموضوعة (يعني قبلة المصلين) وهو مما ابتلي به أهل مكة حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها». قلت: يعني في صلاة الفريضة وهذا بلاءٌ عامٌ قد تعداه إلى بلاد الشام والأناضول وغيرها، وقد وقفنا منذ شهر على صورة شمسية قبيحة جداً تمثل صفاً من المصلين ساجدين تجاه نعوش مصفوفة أمامهم فيها جثث جماعة من الأتراك كانوا ماتوا غرقا في باخرة. وبهذه المناسبة نلفت النظر إلى أن الغالب من هديه - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الصلاة على الجنائز في «المصلى» خارج المسجد، ولعل من حكمة ذلك إبعادُ المصلين عن الوقوع في مثل هذه المخالفة التي نبه عليها العلامة القاري رحمه الله. ونحو الحديث السابق ما روى ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال: «كنت أصلي قريباً من قبر، فرآني عمر بن الخطاب فقال: القبر القبر. فرفعت بصري إلى السماء، وأنا أحسبه يقول: القمر!» (¬1). وأما المعنى الثالث: فقد قال به الإمام البخاريُّ، فإنه ترجم للحديث الأول بقوله «باب ما يكره من اتخاذ القبور مسجدا على القبور». ¬

(¬1) رواه أبو الحسن الدينوري في «جزء فيه مجالس من أمالي أبي الحسن القزويني» (ق 3/ 1) بإسناد صحيح، وعلقه البخاري (1/ 437 _ فتح)، ووصله عبد الرزاق أيضا في «مصنفه» (1/ 404// 1581) وزاد: «إنما أقول القبر: لا تصل إليه». [منه].

فقد أشار بذلك إلى أن النهي عن اتخاذ القبور مسجداً يلزمُ منه النهي عن بناء المساجد عليها، وهذا أمر واضح، وقد صرح به المناوي آنفا وقال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: «قال الكرماني: مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجداً، ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر ومفهومها متغاير، ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم». وهذا المعنى هو الذي أشارت إليه السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها في آخر الحديث الأول: «فلولا ذاك أُبرِزَ قبره، غير انه خُشِيَ أن يُتَّخَذَ مسجداً». إذ المعنى فلولا ذاك اللعن الذي استحقه اليهود والنصارى بسبب اتخاذهم القبور مساجد المستلزم البناء عليها، لجعل قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - في أرضٍ بارزةٍ مكشوفةٍ، ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك خشية أن بُيْنَى عليه مسجد من بعض من يأتي بعدهم، فتشملهم اللعنة. ويؤيد هذا ما روى ابن سعد (2/ 241) بسند صحيح عن الحسن- وهو: البصري- قال: ائتمروا (¬1) أن يدفنوه - صلى الله عليه وآله وسلم - في المسجد، فقالت عائشة: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان واضعاً رأسه في حجري، إذ قال: «قاتل الله أقواماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، واجتمع رأيهم أن يدفنوه حيث قبض في بيت عائشة. قلت: هذه الرواية على إرسالها تدل على أمرين اثنين: أحدهما: أن السيدة عائشة فهمت من الاتخاذ المذكور في الحديث انه يشمل ¬

(¬1) أي تشاوروا. [منه].

المسجد الذي قد يدخل فيه القبر فبالأحرى أن يشمل المسجد الذي بني على القبر. الثاني: أن الصحابة أقروها على هذا الفهم ولذلك رجعوا إلى رأيها فدفنوه - صلى الله عليه وآله وسلم - في بيتها. فهذا يدل على أنه لا فرق بين بناء المسجد على القبر، أو إدخال القبر في المسجد، فالكل حرام لأن المحذور واحد ولذلك قال الحافظ العراقي: «فلو بنى مسجدا يقصد أن يدفن في بعضه دخل في اللعنة، بل يحرم الدفن في المسجد وإن شرط أن يدفن فيه لم يصح الشرط؛ لمخالفة وقفه مسجداً» (¬1). قلت: وفي هذا إشارة إلى أن المسجد والقبر لا يجتمعان في دين الإسلام، كما تقدم ويأتي ويشهد لهذا المعنى الحديث الخامس المتقدم بلفظ: «أولئك قوم إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً ... أولئك شرار الخلق ... ». فهو نص صريح في تحريم بناء المسجد على قبور الأنبياء والصالحين؛ لأنه صرح أنه من أسباب كونهم من شرار الخلق عند الله تعالى. ويؤيده حديث جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه» (¬2). ¬

(¬1) نقله المناوي في «فيض القدير» (5/ 274) وأقره. [منه]. (¬2) رواه مسلم (3/ 62) والسياق له وابن أبي شيبة (4/ 134) والترمذي (2/ 155) وصححه واحمد (3/ 339 و399). واعلم أن حديث جابر هذا في النهي عن البناء على القبر حديث صحيح لا يرتاب في ذلك ذو علم بطرق التصحيح والتضعيف، فلا تغتر بإعلال الكوثري له في «مقالاته» (ص 159) بان «فيه عنعنة أبي الزبير» فإن أبا الزبير قد صرح بالتحديث عند مسلم وكذا أحمد وما أعتقد أن هذا يخفى على الكوثري، ولكن يفعل ذلك عمداً شأن أهل الأهواء قديماً وحديثاً يضعفون الأحاديث الصحيحة إذا كانت عليهم، ويصححون الأحاديث الضعيفة إذا كانت لهم! والكوثري هذا مشهور بذلك عند أهل العلم، وقد بينت شيئاً من هذا في «الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة» (الأحاديث 23 و24 و25) فليراجع من شاء التأكد مما نقول ويأتيك مثال آخر في هذا الكتاب. ويؤيد صحة الحديث أنا أبا الزبير لم يتفرد به، بل تبعه سليمان بن موسى عند أحمد وغيره، ولما صححه الترمذي قال: «وقد روي من غير وجه عن جابر» وتابعه أيضا أبو نضرة عند ابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد» (10/ 201/1) وله شاهد عن أم سلمة عند أحمد، وآخر عند أبي سعيد كما في «الكواكب الدراري» (ق 8687 تفسير 548). [منه].

فإنه بعمومه يشمل بناء المسجد على القبر، كما يشمل بناء القبة عليه، بل الأول أولى بالنهي كما لا يخفى. فثبت أن هذا المعنى صحيح أيضا يدل عليه لفظ (الاتخاذ) وتؤيده الأدلة الأخرى. أما شمول الأحاديث للنهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور فدلالتها على ذلك أوضح وذلك لأن النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها، من باب أن النهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن المقصود بها والتوسل بها إليه، مثاله إذا نهى الشارع عن بيع الخمر، فالنهي عن شربه داخل في ذلك كما لا يخفى بل النهي عنه من باب أولى. ومن البين جداً أن النهي عن بناء المساجد على القبور ليس مقصوداً بالذات، كما أن الأمر ببناء المساجد في الدور والمحلات ليس مقصوداً بالذات، بل ذلك

كله من أجل الصلاة فيها، سلباً أو إيجاباً، يوضح ذلك المثال الآتي: لو أن رجلاً بنى مسجداً في مكان قفر غير مأهول، ولا يأتيه أحدٌ للصلاة فيه، فليس لهذا الرجل أي أجر في بنائه لهذا المسجد، بل هو عندي آثم؛ لإضاعة المال، ووضعه الشيء في غير محله! فإذا أمر الشارع ببناء المساجد فهو يأمر ضمناً بالصلاة فيها لأنها هي المقصودة بالبناء، وكذلك إذا نهى عن بناء المساجد على القبور فهو ينهى ضمناً عن الصلاة فيها، لأنها هي المقصودة بالبناء أيضاً، وهذا بين لا يخفى على العاقل إن شاء الله تعالى. ترجيح شمول الحديث للمعاني كلها وقول الشافعي بذلك. وجملة القول: أن الاتخاذ المذكور في الأحاديث المتقدمة يشمل كل هذه المعاني الثلاثة، فهو من جوامع كلمه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد قال بذلك الإمام الشافعيُّ رحمه الله، ففي كتابه «الأم» (1/ 246) ما نصه: «وأكره أن يبنى على القبر مسجد، وأن يسوى، أو يصلى عليه وهو غير مسوى (يعني أنه ظاهر معروف) أو يصلى إليه»، قال: «وإن صلى إليه أجزأه وقد أساء، أخبرنا مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».» قال: «وأكره هذا للسنة والآثار، وأنه كره- والله تعالى أعلم- أن يُعظم أحدٌ من المسلمين، يعني يُتخذ قبره مسجداً، ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على ما يأتي بعده». فقد استدل بالحديث على المعاني الثلاثة التي ذكرها في سياق كلامه فهو دليل واضح على أنه يفهم الحديث على عمومه وكذلك صنع المحقق الشيخ على

القارئ نقلاً عن بعض أئمة الحنفية فقال في «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (1/ 456): «سبب لعنهم: إما لأنهم كانوا يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لهم، وذلك هو الشرك الجلي، وإما لأنهم كانوا يتخذون الصلاة لله تعالى في مدافن الأنبياء، والسجود على مقابرهم، والتوجه إلى قبورهم حالة الصلاة نظراً منهم بذلك إلى عبادة الله والمبالغة في تعظيم الأنبياء، وذلك هو الشرك الخفي؛ لتضمنه ما يرجع إلى تعظيم مخلوق فيما لم يؤذن له، فنهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمته عن ذلك إما لمشابهة ذلك الفعل سنة اليهود، أو لتضمنه الشرك الخفي. كذا قاله بعض الشرَّاح من أئمتنا، ويؤيده ما جاء في رواية: يحذر ما صنعوا». قلت: والسبب الأول الذي ذكره وهو السجود لقبور الأنبياء تعظيماً لهم، وإن كان غير مستبعد حصوله من اليهود والنصارى، فإنه غير متبادر من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، فإن ظاهره أنهم اتخذوها مساجد لعبادة الله فيها على المعاني السابقة تبركا بمن دفن فيها من الأنبياء، وإن كان هذا أدى بهم- كما يؤدي بغيرهم- إلى وقوعهم في الشرك الجلي ذكره الشيخ القارئ. "تحذير الساجد" (ص21 - 32)

[138] باب حكم اتخاذ القبور مساجد

[138] باب حكم اتخاذ القبور مساجد [قال الإمام]: إن كل من يتأمل في (أحاديث اتخاذ القبور مساجد) يظهر له بصورةٍ لا شك فيها أن الاتخاذ المذكور حرام، بل كبيرة من الكبائر، لأن اللعن الوارد فيها، ووصف المخالفين بأنهم من شرار الخلق عند الله تبارك وتعالى، لا يمكن أن يكون في حق من يرتكب ما ليس كبيرة كما لا يخفى. مذاهب العلماء في ذلك وقد اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم ذلك، ومنهم من صرح بأنه كبيرة، وإليك تفاصيل المذاهب في ذلك: مذهب الشافعية أنه كبيرة قال الفقيه ابن حجر الهيتمي في «الزواجر عن اقتراف الكبائر» (1/ 120): «الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون: اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واتخاذها أوثاناً، والطواف بها، واستلامها، والصلاة إليها» ثم ساق بعض الأحاديث المتقدمة وغيرها ثم قال (ص 111): «(تنبيه): عد هذه الستة من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية، وكأنه أخذ ذلك مما ذكرته من الأحاديث، ووجه اتخاذ القبر مسجدا منها واضح؛ لأنه لعن من فعل ذلك بقبور أنبيائه، وجعل من فعل ذلك بقبور صلحائه شر الخلق عند الله تعالى يوم القيامة، ففيه تحذير لنا كما في رواية: «يحذر ما صنعوا» أي يحذر أمته بقوله لهم ذلك من أن يصنعوا كصنع أولئك، فيلعنوا كما لعنوا، ومن ثم قال

أصحابنا: تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركاً وإعظاماً، ومثلها الصلاة عليه للتبرك والإعظام، وكون هذا الفعل كبيرة ظاهرة من الأحاديث المذكورة لما علمت، فقال بعض الحنابلة: «قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً به عين المحادة لله ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وابتداع دين لم يأذن به الله، للنهي عنها ثم إجماعاً، فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد، أو بناؤها عليها، والقول بالكراهة محمول على غير ذلك، إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعن فاعله، ويجب المبادرة لهدمها، وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار لأنها أسست على معصية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لأنه نهى عن ذلك، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بهدم القبور المشرفة، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره. انتهى». هذا كله كلام الفقيه ابن حجر الهيتمي وأقره عليه المحقق الآلوسي في «روح المعاني» (5/ 31)، وهو كلام يدل على فهم وفقه في الدين، وقوله فيما نقله عن بعض الحنابلة: «والقول بالكراهة محمول على غير ذلك». كأنه يشير إلى قول الشافعي «وأكره أن يبنى على القبر مسجد .. » الخ كلامه الذي نقلته بتمامه فيما سبق (ص. . . .). وعلى هذا أتباعه من الشافعية كما في «التهذيب» وشرحه «المجموع»، ومن الغريب أنهم يحتجون على ذلك ببعض الأحاديث المتقدمة، مع أنها صريحة في تحريم ذلك، ولعن فاعله، ولو أن الكراهة كانت عندهم للتحريم لقرب الأمر،

ولكنها لديهم للتنزيه، فكيف يتفق القول بـ (الكراهة) مع تلك الأحاديث التي يستدلون بها عليها؟! أقول هذا وإن كنت لا أستبعد حمل الكراهة في عبارة الشافعي المتقدمة خاصة على الكراهة التحريمية؛ لأنه هو المعنى الشرعي المقصود في الاستعمال القرآني ولا شك أن الشافعي متأثر بأسلوب القرآن غاية التأثر، فإذا وقفنا في كلامه على لفظ له معنى خاص في القرآن الكريم وجب حمله عليه لا على المعنى المصطلح عليه عند المتأخرين، فقد قال تعالى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (¬1) وهذه كلها محرمات، فهذا المعنى- والله اعلم- هو الذي أراده الشافعي رحمه الله بقوله المتقدم «وأكره»، ويؤيده انه قال عقب ذلك: «وإن صلى إليه أجزأه، وقد أساء» فإن قوله «أساء» معناه ارتكب سيئة أي حراما فإنه هو المراد بالسيئة في أسلوب القرآن أيضا فقد قال تعالى في سورة (الإسراء) بعد أن نهى عن قتل الأولاد وقربان الزنا وقتل النفس وغير ذلك: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (¬2) أي محرماً. ويؤكد أن هذا المعنى هو المراد من الكراهة في كلام الشافعي في هذه المسألة أن مذهبه أن الأصل في النهي التحريم إلا ما دل الدليل على أنه لمعنى آخر، كما صرح بذلك في رسالته «جماع العلم» (ص 125) ونحوه في كتابه «الرسالة» (ص 343). ومن المعلوم لدى كل من درس هذه المسألة بأدلتها أنه لا يوجد أي دليل ¬

(¬1) سورة الحجرات، الآية 7. [منه]. (¬2) سورة الإسراء، الآية 38. [منه].

يصرف النهي الوارد في بعض الأحاديث المتقدمة إلى غير التحريم كيف والأحاديث تؤكد أنه للتحريم كما سبق؟ ولذلك فإني أقطع بأن التحريم هو مذهب الشافعي، لا سيما وقد صرح بالكراهة بعد أن ذكر حديث «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» كما تقدم فلا غرابة إذن إذا صرح الحافظ العراقي- وهو شافعي المذهب- بتحريم بناء المسجد على القبر كما تقدم (ص170) والله أعلم. ولهذا نقول: لقد اخطأ من نسب إلى الإمام الشافعي القول بإباحة تزوج الرجل بنته من الزنا بحجة أنه صرح بكراهة ذلك، والكراهة لا تنافي الجواز إذا كانت للتنزيه! قال ابن القيم في «إعلام الموقعين» (1/ 4748): «نص الشافعي على كراهة تزوج الرجل بنته من ماء الزنا ولم يقل قط أنه مباح ولا جائز، والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أحله الله به من الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم وأطلق لفظ الكراهة لأن الحرام يكرهه الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد قال تعالى عقب ذكر ما حرمه من المحرمات من عند قوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ... } (¬1) إلى قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ... } (¬2) إلى قوله {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ... } (¬3) إلى آخر الآيات ثم قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (¬4). ¬

(¬1) سورة الإسراء الآية 23. [منه]. (¬2) سورة الإنعام الآية 151 [[والحق أن ابن القيم رحمه الله إنما يقصد الآية 33 من سورة الإسراء كما يدل سياق كلامه وليس الآية 151 من سورة الأنعام.]]. [منه]. (¬3) سورة الإسراء الآية 36. [منه]. (¬4) سورة الإسراء الآية 38. [منه].

وفي الصحيح «إن الله عز وجل كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال». فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ لا ينبغي في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - على المعنى الاصطلاحي الحادث!». وبهذه المناسبة نقول: إن من الواجب على أهل العلم أن ينتبهوا للمعاني الحديثة التي طرأت على الألفاظ العربية التي تحمل معاني خاصة معروفة عند العرب هي غير هذه المعاني الحديثة، لأن القرآن نزل بلغة العرب فيجب أن تفهم مفرداته وجمله في حدود ما كان يفهم العرب الذين أنزل عليهم القرآن ولا يجوز أن تفسر بهذه المعاني الاصطلاحية الطارئة التي اصطلح عليها المتأخرون، وإلا وقع المفسر بهذه المعاني في الخطأ والتقول على الله ورسوله من حيث لا يشعر وقد قدمت مثالاً على ذلك لفظ (الكراهة). وإليك مثالا آخر لفظ (السنة):.فإنه في اللغة الطريقة وهذا يشمل كل ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من الهدى والنور فرضاً كان أو نفلاً وأما اصطلاحا فهو خاص بما ليس فرضاً من هديه - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا يجوز أن يفسر بهذا المعنى الاصطلاحي لفظ (السنة) الذي ورد في بعض الأحاديث الكريمة كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: « ... وعليكم بسنتي ... » وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - « ... فمن رغب عن سنتي فليس مني».

ومثله الحديث الذي يورده بعض المشايخ المتأخرين في الحض على التمسك بالسنة بمعناها الاصطلاحي وهو: «من ترك سنتي لم تنله شفاعتي» فأخطأوا مرتين: الأولى: نسبتهم الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا أصل له فيما نعلم. الثانية: تفسيرهم للسنة بالمعنى الاصطلاحي غفلة منهم عن معناها الشرعي، وما أكثر ما يخطئ الناس فيما نحن فيه بسبب مثل هذه الغفلة! ولهذا أكثر ما نبه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله على ذلك، وأمروا في تفسير الألفاظ الشرعية بالرجوع إلى اللغة لا العرف وهذا في الحقيقة أصل لما يسمونه اليوم بـ «الدراسة التاريخية للألفاظ» ويحسن بنا أن نشير إلى أن من أهم أغراض مجمع اللغة العربية في الجمهورية العربية المتحدة في مصر «وضع معجم تاريخي للغة العربية، ونشر بحوث دقيقة في تاريخ بعض الكلمات وما طرأ على مدلولاتها من تغيير» كما جاء في الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون ذي الرقم (434) (1955) الخاص بشأن تنظيم مجمع اللغة العربية (انظر «مجلة المجتمع» ج8 ص5).فعسى أن يقوم المجمع بهذا العمل العظيم ويعهد به إلى أيد عربية مسلمة فإن أهل مكة أدرى بشعابها وصاحب الدار أدرى بما فيها وبذلك يسلم هذا المشروع من كيد المستشرقين ومكر المستعمرين! مذهب الحنفية الكراهة التحريمية والكراهة بهذا المعنى الشرعي قد قال بها هنا الحنفية فقال الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة في كتابه «الآثار» (ص 45):

«لا نرى أن يزاد على ما خرج من القبر، ونكره أن يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجداً». والكراهة عند الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم، كما هو معروف لديهم، وقد صرح بالتحريم في هذه المسألة ابن الملك منهم كما يأتي (ص214). مذهب المالكية التحريم وقال القرطبي في تفسيره (10/ 38) بعد أن ذكر الحديث الخامس: «قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد». مذهب الحنابلة التحريم ومذهب الحنابلة التحريم أيضا كما في «شرح المنتهى» (1/ 353) وغيره، بل نص بعضهم على بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور، ووجوب هدمها فقال ابن القيم في «زاد المعاد» (3/ 22) في صدد بيان ما تضمنته غزوة تبوك من الفقه والفوائد، وبعد أن ذكر قصة مسجد الضرار الذي نهى الله تبارك وتعالى نبيه أن يصلي فيه وكيف أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - هدمه وحرقه قال: «ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيها، وهدمها، كما حرق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مسجد الضرار، وأمر بهدمه وهو مسجد يصلى فيه ويذكر اسم الله فيه لما كان بناؤه ضرراً وتفريقاً بين المؤمنين، ومأوى للمنافقين، وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام (¬1) تعطيله إما بهدم أو تحريق، وإما بتغيير ¬

(¬1) قلت: مفهوم هذا أن ذلك لا يجب على غير الإمام ومثله من ينوب عنه وهذا هو الذي يقتضيه النظر الصحيح، لأنه لو قام به غيره لترتب على ذلك مفاسد وفتن بين المسلمين قد تكون أكبر من المصلحة التي يراد جلبها. [منه].

صورته وإخراجه عما وضع له، وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أنداداً من دون الله أحق بذلك، وأوجب، وكذلك محال المعاصي والفسوق، كالحانات وبيوت الخمارين وأرباب المنكرات، وقد حرق عمر بن الخطاب قرية بكاملها يباع فيها الخمر، وحرق حانوت رويشد الثقفي (¬1) وسماه فويسقاً، وحرق قصر (¬2) سعد لما احتجب فيه عن الرعية، وهمَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بتحريق بيوت تاركي حضور الجماعة والجمعة (¬3)، وإنما منعه من فيها من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم كما أخبر هو عن ذلك (¬4).ومنها أن الوقف لا يصح على غير برٍّ، ولا قربة، كما لم يصح وقف هذا المسجد، وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق فلو وضعا معاً لم يجز ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجداً أو أوقد عليه ¬

(¬1) روى الدولابي في «الكنى» (1/ 189) عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: «رأيت عمر أحرق بيت رويشد الثقفي حتى كأنه جمرة أو حممة وكان جارنا يبيع الخمر».وسنده صحيح. ورواه عبد الرزاق عن صفية بنت أبي عبيد كما في «الجامع الكبيرة» (3/ 204/1) وأبو عبيد في «الأموال» (- صلى الله عليه وسلم - 103) عن ابن عمر وسنده صحيح أيضا. [منه]. (¬2) يعني باب القصر والقصة رواها عبد الله بن المبارك في «الزهد» (179/ 1) من «الكواكب الدراري» تفسير (575 ورقم 513 - 528 ط) وأحمد (رقم 390) بسند رجاله ثقات. [منه]. (¬3) متفق عليه من حديث أبي هريرة وهو مخرج في «صحيح أبي داود» (557 و558). (تنبيه): إن حديث الجمعة حديث آخر من رواية ابن مسعود مرفوعا أخرجه مسلم دون البخاري. [منه]. (¬4) قلت: هذا وإن كان هو المعقول لكن السند بذلك لم يصح عنه - صلى الله عليه وسلم - فإن فيه أبا معشر نجيح المدني وهو ضعيف لسوء حفظه بل حديثه هذا منكر كما بينته في «تخريج المشكاة» (1073) التحقيق الثاني. [منه].

سراجاً (¬1) فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى» فتبين مما نقلناه عن العلماء أن المذاهب الأربعة متفقة على ما أفادته الأحاديث المتقدمة، من تحريم بناء المساجد على القبور. وقد نقل اتفاق العلماء على ذلك اعلم الناس بأقوالهم ومواضع اتفاقهم واختلافهم ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد سئل رحمه الله بما نصه: ¬

(¬1) يشير إلى حديث ابن عباس «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» رواه أبو داود وغيره ولكنه ضعيف السند وإن لهج بذكره كثير من السلفيين فالحق أحق أن يقال وأن يتبع وممن ضعفه من المتقدمين الإمام مسلم فقال في «كتاب التفصيل»: «هذا الحديث ليس بثابت، وأبو صالح باذام قد اتقى الناس حديثه ولا يثبت له سماع من ابن عباس» نفله ابن رجب في «الفتح» كما في «الكواكب» (65/ 82/1). وقد بينت ضعف هذا الحديث في «الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة» رقم (225) وقد ذكرت هناك أن الحديث صحيح لغيره إلا اتخاذ السرج، فإنه منكر لم يأت إلا من هذا الطريق الضعيف. وقد وقفت الآن على خطأ فاحش حول هذا الحديث فجاء في كتاب «القول المبين» لأحد أفاضل العلماء المعاصرين السلفيين ما نصه (ص 79): «وهذا الحديث وإن كان في إسناده عند أصحاب السنن مقال فإن إسناده عند الحاكم خال من هذا المقال لأن طريق الحاكم غير طريقهم»! قلت: والحديث مدراه عند الحاكم وغيره على أبي صالح عن ابن عباس وقد قال الحاكم عقبه (1/ 374): «أبو صالح هو باذام ولم يحتجا به». قلت: وهو ضعيف عند جمهور الأئمة، ولم يوثقه إلا العجلي وحده كما قال الحافظ في «التهذيب» والعجلي معروف بتساهله في التوثيق كابن حبان ولم نجد للحديث طريقاً آخر لنشد عضده به بعد مزيد البحث عنه. ولعل المشار إليه، عني بكلامه بعض الشواهد التي ذكرتها هناك لكن هذه ليس فيها ذكر السراج أصلاً فهو وهم على وهم. [منه].

«هل تصح الصلاة على المسجد إذا كان فيه قبر والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا؟ وهل يمهد القبر أو يعمل عليه حاجز أو حائط؟ فأجاب: الحمد لله، اتفق الأئمة أنه لا يُبنى مسجد على قبرٍ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك».وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّر إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديداً وإن كان المسجد بُنيَ بعد القبر فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل، فإنه منهي عنه «كذا في الفتاوى له (1/ 107 و2/ 192). وقد تبنت دار الإفتاء في الديار المصرية فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية هذه فنقلتها عنه في فتوى لها أصدرتها تنص على عدم جواز الدفن في المسجد فليراجعها من شاء في» مجلة الأزهر «(ج 11 ص 501 - 503) (¬1). وقال ابن تيمية في «الاختيارات العلمية» (ص 52): «ويحرم الإسراج على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وبينها، ويتعين إزالتها، ولا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين». ونقله ابن عروة الحنبلي في «الكواكب الدراري» (2/ 244/1) وأقره وهكذا نرى أن العلماء كلهم اتفقوا على ما دلت عليه الأحاديث من تحريم اتخاذ المساجد على القبور، فنحذر المؤمنين من مخالفتهم، والخروج عن طريقتهم، خشية أن يشملهم وعيد قوله عزّ وجل {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ¬

(¬1) وفي المجلة نفسها مقال آخر في تحريم البناء على القبور مطلقا فانظر (مجلد سنة 1930 ص 359 و364). [منه].

[139] باب حكمة تحريم بناء المساجد على القبور

الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (¬1). و {إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِي} (¬2). "تحذير الساجد" (ص33 - 46) [139] باب حكمة تحريم بناء المساجد على القبور [قال الإمام]: من الثابت في الشرع أن الناس منذ أول عهدهم كانوا أمة واحدة على التوحيد الخالص ثم طرأ عليهم الشرك، والأصل في هذا قول الله تبارك وتعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} (¬3).قال ابن عباس رضي الله عنه: «كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين» (¬4). قال ابن عروة الحنبلي في «الكوكب» (6/ 212/1): ¬

(¬1) سورة النساء الآية 115. [منه]. (¬2) سورة ق الآية 37. [منه]. (¬3) سورة البقرة الآية 213. [منه]. (¬4) رواه ابن جرير في «تفسيره» (4/ 275 بتحقيق أحمد شاكر رحمه الله) والحاكم (2/ 546) وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي. قلت: وعزاه ابن عروة الحنبلي لصحيح البخاري وهو وهم. وأما ما رواه العوفي عن ابن عباس: (كان الناس أمة واحدة) يقول: كانوا كفارا (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) فلا يصح عن ابن عباس لأن العوفي ضعيف لا يحتج به، ولقد أخطأ الفخر الرازي وغيره من المفسرين في حكايتهم لهذا القول عن ابن عباس ساكتين عنه، ولهذا قال الحافظ ابن كثير (1/ 250): «والقول الأول عن ابن عباس أصح سندا ومعنى لأن الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحا عليه السلام فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض». وهذا القول هو الذي صححه ابن القيم في «إغاثة اللهفان» (2/ 205). [منه].

«وهذا يرد قول من زعم من أهل التاريخ من أهل الكتاب أن قابيل وبنيه عبدوا النار». قلت: وفيه رد أيضا على بعض الفلاسفة والملاحدة الذين يزعمون أن الأصل في الإنسان الشرك وأن التوحيد هو الطارئ. ويبطل هذا، ويؤيد الآية السابقة حديثان صحيحان: الأول: قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما يرويه عن ربه: «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم (¬1) عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً» (¬2). الثاني: قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟» قال أبو هريرة: «واقرؤوا إن شئتم {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (¬3).الآية» (¬4). إذا تبين هذا فإن من المهم جداً أن يتعلم المسلم كيف طرأ الشرك على المؤمنين بعد أن كانوا موحدين؟ ¬

(¬1) أي استخفتهم فجالوا معهم في الضلال يقال: جال واجتال: إذا ذهب وجاء منه الجولان في الحرب. «نهاية» ونحوه في «غريب الحربي». [منه]. (¬2) رواه مسلم (8/ 159)، وأحمد (4/ 162)، والحربي في «الغريب» (5/ 24/2) والبغوي في حديث «هدبة بن خالد» (1/ 251/2) وابن عساكر (15/ 328/1). [منه]. (¬3) سورة الروم آية 30. [منه]. (¬4) رواه البخاري (11/ 418) ومسلم (18/ 52)، والدولابي (1/ 98) وغيرهم وقد خرجته في (الإرواء) رقم 1220. [منه].

لقد ورد عن جماعة من السلف روايات كثيرة في تفسير قول الله سبحانه في قوم نوح: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (¬1) أن هؤلاء الخمسة ودًّا ومن ذكر معه كانوا عباداً صالحين، فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن يعكفوا على قبورهم، ثم أوحى إلى الذين جاؤوا من بعدهم أن يتخذوا لهم أصناماً، وزين لهم ذلك بأنه أدعى لهم على أن يذكروهم فيقتدوا بأعمالهم الصالحة، ثم أوحى إلى الجيل الثالث أن يعبوهم من دون الله تعالى وأوهمهم أن آباءهم كانوا يفعلون ذلك فأرسل الله لهم نوحاً عليه السلام آمراً لهم أن يعبدوا الله تعالى وحده، فلم يستجيبوا له إلا قليلاً منهم. وقد حكى الله عز وجل قصته معهم في سورة نوح. جاء في صحيح البخاري (8/ 543) عن ابن عباس: «أن هؤلاء الخمسة أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت». ونحوه في تفسير ابن جرير وغيره عن غير واحد من السلف رضي الله عنهم. وفي «الدر المنثور» (6/ 269): «وأخرج عبد بن حميد عن أبي مطهر قال: ذكروا عند أبي جعفر (وهو الباقر) يزيد بن الملهب، فقال: أما إنه قتل في أول ¬

(¬1) سورة نوح الآية 23. [منه].

أرض عبد فيها غير الله ثم ذكر «ودًّا» قال: «وكان ود رجلاً مسلماً، وكان محبباً في قومه، فلما مات عسكروا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان، ثم قال: أرى جزعكم على هذا فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا: نعم فصور لهم مثله فوضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أن أجعل لكم في منزل كل رجلا منكم تمثالاً مثله فيكون في بيته فتذكرونه؟ قالوا: نعم، فصور لكل أهل بيت تمثالاً مثله فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به، قال: وأدرك أبناؤهم، فجعلوا يرون ما يصنعون به، وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلهاً من دون الله (¬1) قال: وكان أول ما عبد غير الله في الأرض «ود» الصنم الذي سموه بود «(¬2). فاقتضت حكمة الإله تبارك وتعالى وقد أرسل محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - خاتم الرسل، وجعل شريعته خاتمه الشرائع أن ينهي عن كل الوسائل التي يخشى أن تكون ذريعة- ولو بعد حين- لوقوع الناس في الشرك الذي هو أكبرا الكبائر فلذلك نهى عن بناء المساجد على القبور كما نهى عن شد الرحال إليها واتخاذها أعياداً (¬3) ¬

(¬1) زاد في «الكواكب» من رواية أبن حاتم: «أولاد أولادهم». [منه]. (¬2) قلت: ورواه ابن أبي حاتم أيضاً «كما في «الكواكب الدري» لابن عروة الحنبلي (6/ 112/2) وساق إسناده، وهو حسن إلى أبي المطهر هذا ولم أعرفه ولم يورده الدولابي في «الكنى والأسماء» ولا مسلم في (الكنى) من «فهرست رجال الشيعة». [منه]. (¬3) قال: النووي آداب زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - من كتابه «مناسك الحج» (69/ 2) وهو مخطوط في ظاهريه دمشق (عام 3656): «كره مالك رحمه الله لأهل المدينة كلما دخل أحدهم وخرج الوقوف بالقبر قال: وإنما ذلك للغرباء قال: ولا بأس لمن قدم من سفر وخرج إلى سفر أن يقف عند قبر النبيص فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. قال الباجي: فرَّق مالك بين أهل المدينة والغرباء، لأن الغرباء قصدوا ذلك، وأهل المدينة مقيمون بها، وقد قال ص: «اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد». [منه].

والحلف بأصحابها، إذ كل ذلك يؤدي إلى الغلو بها وعبادتها من دون الله تعالى لاسيما عند انطفاء العلم وكثره الجهل وقله الناصحين وتعاون شياطين الجن والإنس على إضلال الناس وإخراجهم من عبادة الله تبارك وتعالى. ولا يخفى أنه إذا كان من المسلَّم عندنا معشر المسلمين أن من حكمة النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة هو سد الذريعة وعدم التشبه بالمشركين الذين يعبدون الشمس في تلك الأوقات، فالذريعة في التشبه بهم في بناء المساجد على القبور والصلاة فيها أقوى وأوضح، ألا ترى أننا حتى اليوم لم نجد أي أثر سيء لصلاة بعض الناس في هذه الأوقات المنهي عنها، بينما نرى أسوأ الآثار للصلاة في هذه المساجد والمشاهد المبنية على القبور من التمسح بها (¬1)، والاستغاثة بأصحابها والنذر لها والحلف بل والسجود لها وغير ذلك من الضلال مما هو ¬

(¬1) قال: النووي في كتابه «مناسك الحج» (68/ 2): «لا يجوز أن يُطاف بقبرهص، ويكره إلصاق البطن والظهر بجدران القبر، قاله الحليمي وغيره، ويكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد منه ... هذا هو الصواب. وهو الذي قاله العلماء، وأطبقوا عليه، وينبغي أن لا يغتر بكثير من العوام في محالفتهم ذلك، فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بأقوال العلماء، ولا يلتفت إلى محدثات العوام وجهالاتهم، ولقد أحسن السيد الجليل أبو علي الفضيل بن عياض في قوله ما معناه «اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين» ومن خطر في باله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة، فهو من جهله وغفلته لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وأقوال العلماء وكيف يبتغي الفضل في مخالفه الصواب؟!». قلت: رحم الله الإمام النووي فإنه بهذه الكلمة أعطى هؤلاء المشايخ الذين يتمسحون بالقبور فعلاً، أو يحبذونها قولاً ما يستحقونه من المنزلة، حيث جعلهم من العوام الذين لا يجوز أن يلتفت إلى جهالاتهم (فهل من مذكر)؟. [منه].

مشاهد معروف فاقتضت حكمته تبارك وتعالى تحريم كل هذه الأمور حتى يعبد الله تبارك وتعالى وحده ولا يشرك به شيء فيتحقق بذلك أمر تعالى بدعائه وحده في قوله {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (¬1). وإن مما يأسف له كل مسلم طاهر القلب أن يجد كثيراً من المسلمين قد وقعوا في مخالفة شريعة سيد المرسلين - صلى الله عليه وآله وسلم - التي جاءت بالابتعاد عن كل ما يخدج بالتوحيد، ثم يزداد أسفاً حين يرى قليلاً أو كثيراً من المشايخ يقرونهم على تلك المخالفة، بدعوى أن نياتهم طيبه! ويشهد الله أن كثيراً منهم قد فسدت نياتهم، وران عليها الشرك بسبب سكوت أمثال هؤلاء المشايخ، بل تسويغهم كل ما يرونه من مظاهر الشرك بتلك الدعوى الباطلة (¬2)؟ أين النية الطيبة يا قوم من أناس كلما وقعوا في ضيق جاءوا إلى ميت يرونه صالحاً فيدعونه من دون الله ويستغيثون به، ويطلبون منه العافية والشفاء وغير ذلك مما لا يُطلب إلا من الله وما لا يقدر عليه إلا الله؟! بل إذا زلت قدم دابتهم نادوا: يا الله يا باز! بينما هؤلاء المشايخ قد يعلمون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سمع يوما بعض الصحابة ¬

(¬1) سورة الجن، الآية 18. [منه]. (¬2) ولقد جرى نقاش طويل بعد بضع سنين من تأليف هذا الكتاب بيني وبين أحد الخطباء يوم الجمعة في بيته حول الاستغاثة بغير الله، فصرح الشيخ بجوازها بحجة أن المستغيث يعلم أن الميت لا يضر ولا ينفع! فقلت له: لو كان الأمر كذلك فلماذا يناديه؟ قال: واسطة قلت: الله أكبر: قلتم: كما قال غيركم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (سورة الزمر الآية 3)، ثم قلت له: فإذا كنتم تعتقدون حقا أنهم لا يعتقدون فيهم ضراً ولا نفعاً فهل ترى باساً من أن يكشف المستغيث بغير الله عن عقيدته التي تزعمها بقوله «يا باز؟ يا من لا يضر ولا ينفع» فقال: نعم يجوز قلت: فهذا أكبر دليل على أنك أنت فضلا عن العامة ترى أن في ندائهم نفعا وإلا سويتم بين ندائهم وبين نداء الجمادات والأحجار بل الأصنام وما أظنكم ترون جواز ندائها أيضا بحجة أنها لا تضر ولا تنفع فبهت. (فاعتبروا يا أولي الأبصار). [منه].

يقول له: ما شاء الله وشئت فقال: أجعلتني لله نداً (¬1)؟! فإذا كان هذا إنكار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على من آمن به - صلى الله عليه وآله وسلم - فراراً من الشرك، فلماذا لا ينكر هؤلاء المشايخ على الناس قولهم: يا الله يا باز! مع أنه في الدلالة على الشرك أوضح وأظهر من كلمة ما شاء الله وشئت؟ ولماذا نرى العامة يقولون دون أي تحرج: «توكلنا على الله وعليك» و «مالنا غير الله وأنت»؟ ذلك لأن هؤلاء المشايخ إما أنهم مثلهم في الضلال وفاقد الشيء لا يعطيه وإما أنهم يدارونهم، بل يداهنوهم كي لا يوصموا ببعض الوصمات التي تقضي على وظائفهم ومعاشاهم غير مبالين بقول الله تعالى {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يعلنهم الله ويعلنهم اللاعنون} (¬2). يا حسرة على هؤلاء المسلمين لقد كان المفروض فيهم أن يكونوا دعاة لجميع الناس إلى دين التوحيد، وسبباً لإنقاذهم من الوثنية وأدرانها، ولكنهم سبب جهلهم بدينهم وإتباعهم أهواءهم عادوا مضرب مثل للوثنية من قبل المشركين أنفسهم فصاروا يصفونهم بأنهم كاليهود في بنائهم المساجد على القبور فقد جاء في كتاب «دعوة الحق» للأستاذ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله تعالى (ص176 - 177): «وقد سجل على المسلمين هذه الوثنية المستشرق الانكليزي اللئيم «ادوارد لين» في كتابه «المصريون المحدثون» فقال (ص 167 - 181): ¬

(¬1) حديث صحيح، تجد تخريجه في «الأحاديث الصحية» (139). [منه]. (¬2) سورة البقرة الآية 159. [منه].

«ويحمل المسلمون- وبخاصة المصريون- على اختلاف مذاهبهم- ما عدا الوهابيين- للأولياء المتوفين احتراماً وتقديساً لا سند لهما من القرآن أو الأحاديث أكثر مما يحملون للأحياء منهم، ويشيدون فوق أغلب قبور الأولياء المشهورين مساجد كبيرة وجميلة وينصبون فوق قبور من هم أقل شهرة منهم بناء صغيرا مبيضاً بالكلس ومتوجاً بقبة، ويقام فوق القبر مباشرةً نصب مستطيل من الحجر أو القرميد يسمى «تركيبة» أو من الخشب ويسمى تابوتاً، ويغطى النصب عادة بالحرير أو الكتان المطرز بالآيات القرآنية، ويحيط به قضبان أو ستر من الخشب يسمى مقصورة، وأكثر أضرحة الأولياء في مصر مدافن إلا أن أكثرها يحتوي على آثار قليلة لهم، وبعضها ليست إلا قبورا فارغة أقيمت تذكاراً للميت. إلى أن يقول: وقد جرت العادة أن يقوم المسلمون كما كان يفعل اليهودُ بتجديد بناء قبور أوليائهم، وتبيضها، وزخرفتها، تغطية التركيبة أو التابوت أحيانا بغطاء جديد، وأكثر هؤلاء يفعلون ذلك رياءً (¬1) كما يفعل اليهود». علم الكفار الغربيون هذه الضلالة التي وقع فيها كثير من المسلمين لا سيما الشيعة منهم، فاستغلوها حتى في سبيل تحقيق مطامعهم الاستعمارية، فقد قال فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري في فتوى له في النهي عن زخرفة القبور وبناء القباب والمساجد عليها: «وبهذه المناسبة، أذكر أن أحد كبار الشرقيين حدثني عن بعض أساليب الاستعمار في آسيا أن الضرورة كانت تقضي بتحويل القوافل الآتية من الهند إلى بغداد عبر تلك المنطقة الواسعة إلى اتجاه جديدٍ للمستعمر فيه غاية، ولم تجد أية وسيلة من وسائل الدعاية في جعل القوافل تختاره. ¬

(¬1) قلت: هذا من بعضهم وأما الآخرون فيفعلونه تعبدا وتقربا إلى الله بزعمهم. [منه].

وأخيراً اهتدوا إلى إقامة عدة أضرحةٍ وقباب على مسافات متقاربة في هذا الطريق. ما هو إلا أن اهتزت الإشاعات بمن فيها من الأولياء وبما شُوهد من كراماتهم! حتى صارت تلك الطريق مأهولة مقصودة عامرة! وأحب أن أرسلها كلمة خالصةً لوجه الله إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أن يقلعوا عن تضخيم المقابر فإنها نُعَرَةٌ للفرد، ودعوةٌ إلى الأنانية، وإلى الارستقراطية الممقوتة التي قتلت روح الشرق. وأن يعودوا إلى رحاب الدين التي تسوي بين الناس جميعاً أحياءً أو أمواتاً. لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وما قدمت يداه من أعمال خالصة لوجه الله» (¬1). وقال الكاتب القدير والمؤرخ الشهير الأستاذ المحقق رفيق بك العظم في خاتمة ترجمة أبي عبيدة رضي الله عنه من كتابه «أشهر مشاهير الإسلام» (ص 521 - 524) تحت عنوان «كلمة في القبور»: «لا نريد بهذا العنوان البحث عن تاريخ القبور كالنواويس والأهرام وما شاكلها من معالم الوثنية الأولى وإنما نريد الوقوف بفكرة القارئ عند اختلاف المؤرخين في مكان قبر أبي عبيدة كاختلافهم في تعيين كثير من قبور جلة الصحابة الكرام الذين دوخوا هذا الملك العظيم وتحلوا بتلك الشيم الشماء وبلغوا من الفضل والتفضل والتقوى والصلاح غاية لم يبلغها أحد من الأولين والآخرين وقد بسط المؤرخون أخبار أولئك الرجال العظام وعنوا بتدوين آثارهم العظيمة في ¬

(¬1) «ليس من الإسلام» (ص 174) للأستاذ محمد الغزالي. [منه].

فتوح الممالك والبلدان حتى لم يتركوا في النفوس حاجة للاستزادة ونعم ما خدموا به الأمة والدين. إن القارئ إذا وقف بفكره عند هذا الأمر وقفة المتأمل، لا يلبث أن يأخذه العجب لأول وهلة من ضياع قبور أولئك الرجال العظام واختفاء أمكنتها عن نظر نقلة الأخبار، ومدوني الآثار على جلالة قدر أصحابها وشهرتهم التي طبقت الآفاق وملأت النفوس إعظاماً لقدرهم وإقراراً بفضيلة سبقهم للإيمان ونشرهم دعوة القرآن. لا جرم أن القارئ أقل ما تحدثه به النفس عند التأمل في هذا الأمر: أن أولئك الرجال ينبغي أن تُعلم قبورهم بالتعيين، وتشاد عليها القباب العاليات ذات الأساطين، إذا لم يكن لشهرتهم بالصلاح والتقوى وصدق الإيمان وصحبتهم للنبي عليه الصلاة والسلام، فلما أتوه من كبار الأعمال التي تعجز عنها أعاظم الرجال فكيف غابت قبورهم عن نظر المؤرخين، ودرست أجداثهم التي تضم أكابر الصحابة والتابعين حتى اختلف في تعيين أمكنتها أرباب السير وعفي على أكثرها الأثر إلا ما علموه بعد بالحدس والتخمين، وأظهروا أثره بالبناء عليه بعد ذلك الحين، مع أن المشاهد عند المسلمين صرف العناية إلى قبور الأموات بما يبلغ الغاية بالتأنق في رفعها وتشييدها ورفع القباب عليها واتخاذ المساجد عندها لا سيما قبور الأمراء الظالمين الذين لم يظهر لهم أثرٌ يشكر في الإسلام، والمتمشيخة والدجالين الذين كان أكثرهم يجهل أحكام الإيمان، ولا نسبة بينهم وبين أولئك الرجال العظام كأبي عبيدة بن الجراح وإخوانه من كبار الصحابة الكرام، الذين نقلوا الدين غضاً طرياً، وبلغوا بالتقوى والفضيلة مكاناً قصياً؟ والجواب عن هذا: أن الصحابة والتابعين لم يكونوا في عصرهم بأقل تقديراً

لقدر الرجال، وتعظيماً لشأن من نبغ فيهم من مشاهير الأبطال وأخيار الأمة، إلا أنهم كانوا يأنفون من تشييد قبور الأموات، وتعظيم الرفات لتحققهم النهي الصريح عن ذلك من صاحب الشريعة الغراء، الحنيفية السمحة، التي جاءت لاستئصال شأفة الوثنية، ومحو آثار التعظيم للرفات، أو العكوف على قبور الأموات، ويرون أن خير القبور الدوارس (¬1)، وأن أشرف الذكر في أشرف الأعمال، لهذا اختفت عمن أتى بعد جيلهم ذلك قبور كبار الصحابة وجلة المجاهدين إلا ما ندر. ثم اختلفت نقلة الأخبار في تعيين أمكنتها باختلاف الرواة وتضارب ظنون الناقلين. ولو كان في صدر الإسلام أثر لتعظيم القبور والاحتفاظ على أماكن الأموات بتشييد القباب والمساجد عليها، لما كان شيء من هذا الاختلاف، ولما غابت عنها إلى الآن قبور أولئك الصحابة الكرام كما لم تغب قبور الدجاجلة والمتمشيخين، التي ابتدعها بعد العصور الأولى مبتدعة المسلمين، وخالفوا فعل الصحابة والتابعين، حتى باتت أكثر هذه القباب تمثل هياكل الأقدمين، وتعيد سيرة الوثنية بأقبح أنواعها وأبعد منازعها عن الحق وأقربها إلى الشرك، ولو اعتبر المسلمون بعد باختفاء قبور الصحابة الذين عنهم أخذوا هذا الدين وبهم نصر الله الإسلام، لما اجترؤوا على إقامة القباب على القبور وتعظيم الأموات تعظيماً يأباه العقل والشرع وخالفوا في هذا كله الصحابة والتابعين الذين أدوا إلينا أمانة نبيهم ¬

(¬1) قلت: هذا ليس بحديث والسنة رفع القبر عن الأرض نحو شبر وبيانه في كتابي «أحكام الجنائز وبدعها» (ص 208 - 209) طبع المكتب الإسلامي). [منه].

فأضعناها، وأسرار الشريعة فعبثنا بها. وإليك ما رواه في شأن القبور مسلم في «صحيحه» عن أبي الهياج الأسدي قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفا إلا سويته. وفي «صحيحه» أيضاً عن ثمامة بن شفي قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم بـ «ردوس» فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي ثم قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يأمر بتسويتها (¬1). هكذا بلغونا الذين أدوا إلينا أمانة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم تأكيداً لعهد الأمانة بدؤوا بكل ما أمرهم به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنفسهم لنستن بسنتهم، ونهتدي بهدي نبيهم، ولكن قصرت عقولنا عن إدراك معنى تلك الجزئيات، وانحطت مداركنا عن مقام العلم بحكمة التشريع الإلهي والأمر النبوي القاضي بعدم تشييد القبور، اتقاء التدرج في مدارج الوثنية فلم نحفل بتلك الحكمة، وتحكمنا بعقولنا القاصرة بالشرع فحكمنا بجواز تشييد القبور استحباباً لمثل هذه الجزئيات، حتى أصبحت كليات وخرقاً في الدين، وإفساداً لعقيدة التوحيد، إذ ما زلنا نتدرج حتى جعلنا عليها المساجد وقصدنا رفاتها بالنذور والقربات، ووقعنا من ثم فيها لأجله أمرنا الشارع بطمس القبور (¬2)، كل هذا ونحن لا نزال في غفلة عن حكمة الشرع نصادم الحق ويصادمنا، حتى نهلك مع الهالكين». ¬

(¬1) الأحاديث الواردة بالنهي عن تشييد القبور وتعظيمها ولعن من يتخذها مساجد ويقصدها بالنذور كثيرة قد استقصى الكلام عليها كثير من الأئمة المصلحين كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأمثالهما فلتراجع في مظانها من كتب القوم كالواسطة وإغاثة اللهفان وغيرهما. قلت: وراجع لذلك كتابنا «أحكم الجنائز». [منه]. (¬2) انظر تعليقنا السابق. [منه].

قلت: وقد يظن بعض الناس خاصة من كان منهم ذا ثقافة عصريةٍ أن الشرك قد زال وأنه لا رجعة له بسبب انتشار العلوم واستنارة العقول بها! وهذا ظن باطل، فإن الواقع يخالفه، إذ أن المشاهد أن الشرك على اختلاف أنواعه ومظاهره لا يزال ضارباً أطنابه في أكثر بقاع الأرض، ولا سيما في بلاد الغرب عقر دار الكفر، وعبادة الأنبياء والقديسين، والأصنام والمادة، وعظماء الرجال والأبطال، ومن أبرز ما يظهر ذلك للعيان انتشار التماثيل بينهم. وإن مما يُؤسَفُ له أن هذه الظاهرة قد أخذت تنتشر رويداً في بعض البلاد الإسلامية دون أي نكير من علماء المسلمين! وما لنا نذهب بالقراء بعيداً؟ فهذه كثير من بلاد المسلمين وخاصة الشيعة منهم ففيها عديد من مظاهر الشرك والوثنية كالسجود للقبور، والطواف حولها، واستقبالها بالصلاة والسجود، ودعائهم من دون الله تعالى، وغير ذلك مما سبق ذكره على أننا لو فرضنا أن الأرض قد طهرت من أدران الشركيات والوثنيات على اختلاف أنواعها، فلا يجوز لنا أن نبيح اتخاذ الوسائل التي يخشى أن تؤدي إلى الشرك لأننا لا نأمن أن تؤدي هذه الوسائل ببعض المسلمين إلى الشرك بل نحن نقطع بأن الشرك، سيقع في هذه الأمة في آخر الزمان- إن لم يكن قد وقع حتى الآن! - وإليك بعض النصوص الواردة في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى تكون على بينة من الأمر: 1 - «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات النساء دوس حول ذي الخلصة» (¬1) ¬

(¬1) رواه البخاري (13/ 64)، ومسلم (8/ 182)، وأحمد (2/ 271). [منه].

وكانت صنماً تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة (¬1). 2 - «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى» فقالت عائشة: يا رسول الله! إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (¬2) أن ذلك تاماً، قال: «إنه سيكون من ذلك ما شاء الله (¬3)، ثم يبعث الله ريحاً طيبةً، فتوفى كل من في قلبه مثقال حبةِ ¬

(¬1) هي موضع باليمن، وليست تبالة التي يضرب بها المثل ويقال: «أهون على الحجاج من تبالة» لأن تلك بالطائف. «نووي». [منه]. (¬2) سورة الصف الآية 9. [وكذا سورة التوبة الآية 33]. [منه]. (¬3) في هذا الحديث بيان أن الظهور المذكور في الآية لم يتحقق بتمامه، وإنما يتحقق في المستقبل، ومما لا شك فيه أن دائرة الظهور اتسعت بعد وفاتهص في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، ولا يكون التمام إلا بسيطرة الإسلام على جميع الكرة الأرضية وسيتحقق هذا قطعا لإخبار الرسولص بذلك فقد صح عنهص أنه قال: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بغز عزيز أو بذل ذليل عز يعر الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر. رواه أحمد (4/ 103) وابن بشران في «الأمالي» (60/ 1) والطبراني في «المعجم الكبير» (1/ 126/1) وابن منده في «كتاب الإيمان» (102/ 1) والحافظ عبد الغني المقدسي في «ذكر الإسلام» (166/ 1) وقال: «حديث حسن صحيح» والحاكم (4/ 430 - 431) وقال: «صحيح على شرط الشيخين» ووافقه الذهبي وإنما هو على شرط مسلم فقط. وله عنده وعند ابن مندة شاهد من حديث المقداد بن الأسود وهو على شرط مسلم أيضا. فهذا الحديث مفسر للآية الكريمة، فعلى ضوئه وبمعناه الواسع الشامل يجب أن تفسر الآية المذكورة. ومن جزئيات الآية والحديث ما صح عنهص أن المسلمين سيفتحون مدينة روما عاصمة البابا بعد فتحهم القسطنطينية وقد تحقق الفتح الأول فلا بد أن يتحقق الفتح الثاني (ولتعلمن نبأه بعد حين). (راجع حديث الفتح وتخريجه في «الأحاديث الصحيحة» رقم 4) فعلى المسلمين أن يعدوا أنفسهم لذلك يرجعوهم إلى ربهم، وتطبيقهم لكتابه وإتباعهم لسنة نبيه واجتنابهم لحرماته واتحادهم على ما يرضيه سبحانه وتعالى وفي الأفق ما قد يبشر بأن المسلمين قد استأنفوا السير نحو ذلك حقق الله تعالى الآمال. [منه].

خردل إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم» (¬1). 3 - «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد القبائل من أمتي الأوثان» (¬2). 4 - «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله، وفي رواية: لا إله إلا الله» (¬3). ففي هذه الأحاديث دلالةٌ قاطعة على أن الشرك واقع في هذه الأمة، فإذا الأمر كذلك فيجب على المسلمين أن يبتعدوا عن كل الوسائل والأسباب التي قد تؤدي بأحدهم إلى الشرك، مثل ما نحن فيه من بناء المساجد على القبور ونحو ذلك مما سبق بيانه مما حرمه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وحذر أمته منه. ¬

(¬1) رواه مسلم (8/ 182) وكذا أحمد كما في «الكواكب» (130/ 2 - تفسير 555) وقال «وسنده صحيح». قلت: ورواه أبو يعلى في «مسنده» (ق 216/ 2) والحاكم (4/ 446 - 447 و549) مستدركاً له على مسلم فوهم!. [منه]. (¬2) رواه أبو داود (2/ 202)، والترمذي (3/ 227) وصححه، والحاكم (4/ 448، 449) والطيالسي (رقم 991) وأحمد (5/ 284) والحربي في «الغريب» (5/ 167/1) من حديث ثوبان مرفوعاً وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين» ووافقه الذهبي وإنما هو على شرط مسلم فقط وقد أخرج هذا الحديث في صحيحه (8/ 171)، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند الطيالسي (2501). [منه]. (¬3) رواه مسلم (1/ 91)، والترمذي (3/ 224)، وحسنه، والحاكم (4/ 494) 495) وأحمد (3/ 107 و259 و268) وابن منده في «التوحيد» (49/ 1) يوسف ابن عمر القواس في «حديثه» (68/ 1) والرواية الثانية له وهي رواية لأحمد والحاكم وقال: «صحيح على شرط مسلم» وهو كما قال. وله عنده شاهد من حديث ابن مسعود وصححه على شرط الشيخان ووافقه الذهبي. [منه].

[140] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور

ولا يغتر أحدٌ بالثقافة العصرية، فإنها لا تهدي ضالاً، ولا تزيد المؤمن هدى إلا ما شاء الله، وإنما الهدى والنور فيما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وصدق الله العظيم إذ يقول: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (¬1). "تحذير الساجد" (ص101 - 120) [140] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور [قال الإمام]: إن النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها من باب أن النهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن الغاية بالأولى وبالأحرى، فينتج من ذلك أن الصلاة في هذه المساجد منهي عنها، والنهي في مثل هذا الموضع يقتضي البطلان كما هو معروف عند العلماء (¬2) وقد قال ببطلان الصلاة فيها الإمام أحمد وغيره ولكنا نرى أن المسألة تحتاج إلى تفصيل فأقول: قصد الصلاة في المساجد المبنية على القبور يبطل الصلاة الأولى: أن يقصد الصلاة فيها من أجل القبور والتبرك بها كما يفعله كثير من العامة، وغير قليل من الخاصة! ¬

(¬1) سورة المائدة الآيتان 15 - 16. [منه]. (¬2) قلت وذلك لأن الصلاة في هذه المساجد منهي عنها بعينها ولهذا فرق العلماء بين أن يكون النهي لمعنى يختص بالعبادة فيبطلها وبين أن لا يكون مختصا بها فلا يبطلها. انظر توضيح هذه المسألة الهامة وبعض الأمثلة في «جامع العلوم والحكم» للحافظ الفقيه ابن رجب الحنبلي (ص 43). [منه].

الثانية: أن يصلي فيها اتفاقا لا قصدا للقبر. ففي الحالة الأولى لا شك في تحريم الصلاة فيها بل وبطلانها، لأنه إذا نهى - صلى الله عليه وآله وسلم - عن بناء المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك، فالنهي عن قصد الصلاة فيها أولى والنهي هنا يقتضي البطلان كما سبق قريباً. كراهة الصلاة في المساجد المذكورة ولو لم تُقصد من أجل القبر كراهة الصلاة في المساجد المذكورة ولو لم تقصد من أجل القبر كراهة الصلاة في المساجد المذكورة ولو لم تقصد من أجل القبر وأما في الحالة الثانية، فلا يتبين لي الحكم ببطلان الصلاة فيها، وإنما الكراهة فقط، لأن القول بالبطلان في هذه الحالة لا بد له من دليل خاص، والدليل الذي أثبتنا به البطلان في الحالة السابقة إنما صح بناء على النهي عن بناء المسجد على القبر، فيصح القول بأن قصد الصلاة في هذا المسجد يبطلها، وأما القول ببطلان الصلاة فيه دون قصد، فليس عليه نهي خاص يكمن الاعتماد عليه فيه ولا يمكن أن يقاس عليه قياسا صحيحا بله أولوياً. ولعل هذا هو السبب في ذهاب الجمهور إلى الكراهة دون البطلان، أقول هذا معترفا بأن الموضوع يحتاج إلى مزيد من التحقيق، وأن القول بالبطلان محتملٌ فمن كان عنده علم في شيءٍ من ذلك فليتفضل ببيانه مع الدليل مشكوراً مأجوراً. وأما القول بكراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور، فهذا أقل ما يمكن أن يقوله الباحث وذلك لأمرين: الأول: أن في الصلاة فيها تشبهاً باليهود والنصارى الذين كانوا ولا يزالون يقصدون التعبد في تلك المساجد المبنية على القبور! (¬1). ¬

(¬1) قرأت مقالا في مجلة «المختار» عدد مايو 1958 م تحت عنوان «الفاتيكان المدينة القديمة المقدسة» يصف فيه كاتبه «رونالد كارلوس بيتي» كنيسة بطرس في هذه المدينة فيقول (ص 40): «إن كنيسة بطرس هي أكبر كنيسة من نوعها في العالم المسيحي، تقوم على ساحة مكرسة للعبادة المسيحية منذ أكثر من سبعة عشر قرناً، إنها قائمة على قبر القديس نفسه: صياد السمك، حواري المسيح، وتحت أرضيها يقع تيه من المقابر الأثرية والخرائب الرومانية القديمة». ثم ذكر أنه يقصدها نحو مائة ألف في أيام الأعياد الكبيرة للعبادة. [منه].

الثاني: أن الصلاة فيها ذريعة لتعظيم المقبور فيها تعظيماً خارجاً عن حد الشرع، فينهى عنها احتياطاً وسداً للذريعة، لا سيما ومفاسد المساجد المبنية على القبور ماثلة للعيان كما سبق مراراً، وقد نص العلماء على كل من العلتين، فقال العلامة ابن الملك من علماء الحنفية: «إنما حرم اتخاذ المساجد عليها، لأن الصلاة فيها استنانا بسنة اليهود». نقله الشيخ القاري في «المرقاة» (1/ 470) وأقره، وكذلك قال بعض العلماء المتأخرين من الحنفية وغيرهم كما سيأتي. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «القاعدة الجليلة» (ص 22): «واتخاذ المكان مسجداً هو أن يتخذ للصلوات الخمس وغيرها، كما تبنى المساجد لذلك، والمكان المتخذ مسجدا إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين، فحرم - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تتخذ قبورهم مساجد تقصد للصلوات فيها كما تقصد المساجد، وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء عنده، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذريعة إلى الشرك بالله. والفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة، ينهى عنه كما ينهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة، لما في ذلك من المفسدة الراجحة، وهو

التشبه بالمشركين الذي يفضي إلى الشرك، وليس في قصد الصلاة في تلك الأوقات مصلحة راجحة لإمكان التطوع في غير ذلك من الأوقات. ولهذا تنازع العلماء في ذوات الأسباب (¬1) فسوغها كثير منهم في هذه الأوقات، وهو أظهر قولي العلماء لأن النهي إذا كان لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، وفعل ذوات الأسباب يحتاج إليه فيه هذه الأوقات ويفوت إذا لم يفعل فيها مصلحتها فأبيحت لما فيها من المصلحة، بخلاف ما لا سبب له فإنه يمكن فعله في غير هذا الوقت فلا تفوت بالنهي عنه مصلحة راجحة وفيه مفسدة توجب النهي عنه. فإذا كان نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات لسد ذريعة الشرك، لئلا يفضي ذلك إلى السجود للشمس ودعائها وسؤالها كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذين يدعونها ويسألونها، كان معلوماً أن دعوة الشمس والسجود لها هو محرم لنفسه، وأعظم تحريماً من الصلاة التي نهى عنها لئلا يفضي إلى دعاء الكواكب، كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، فنهى عن قصدها للصلاة عندها لئلا يفضي ذلك إلى دعائهم كان دعاؤهم والسجود أعظم تحريما من اتخاذ قبورهم مساجد». واعلم أن كراهة الصلاة في هذه المساجد هو أمر متفق عليه من العلماء كما سبق بيانه (ص178) ويأتي، وإنما اختلفوا في بطلانها وظاهر مذهب الحنابلة أنها لا تصح، وبه جزم المحقق ابن القيم كما تقدم (ص177 - 178). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب ¬

(¬1) قلت: يعني الصلوات ذوات الأسباب كركعتي تحية المسجد وسنة الوضوء ونحوها. [منه].

الجحيم» (ص 159): «فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين، وتُكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك، ولأجل أحاديث أخر وليس في هذه المسألة خلاف لكون المدفون فيها واحداً، وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد، هل حدها ثلاثة أقبر أو ينهى عن الصلاة عند القبر الفذ، وإن لم يكن عنده قبر آخر؟ على وجهين». قلت: والوجه الثاني هو الذي رجحه في «الاختيارات العلمية» فقال (ص25): «وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور، وهو الصواب والمقبرة كل ما قبر فيه لا أنه جمع قبر، وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه فهذا يعين أن المنع يكون متناولا لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه، وذكر الآمدي وغيره، أنه لا تجوز الصلاة فيه (أي المسجد الذي قبلته إلى القبر) حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر، وذكر بعضهم أنه منصوص أحمد». قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله يعني أحمد يسأل عن الصلاة في المقبرة؟ فكره الصلاة في المقبرة قيل له: المسجد يكون بين القبور أيصلى فيه؟

فكره أن يصلى فيه الفرض، ورخص أن يصلى فيه على الجنائز. وقال الإمام أحمد أيضا ً: «لا يصلى في مسجد بين المقابر إلا الجنائز، لأن الجنائز هذه سنتها». قال الحافظ ابن رجب في «الفتح»: «يشير إلى فعل الصحابة، قال ابن المنذر: قال نافع مولى ابن عمر: صلينا على عائشة وأم سلمة والإمام يومئذ أبو هريرة وحضر ذلك ابن عمر» (¬1). انظر «الكواكب الدراري» (65/ 81/1 و2). ولعل اقتصار الإمام أحمد في الرواية الأولى على ذكر الفرض فقط لا يدل على أن غيره من السنن جائز، فإن من المعلوم أن النوافل صلاتها في البيوت هو الأفضل، ولذلك لم يذكرها مع الفرض، ويؤيده عموم قوله في الرواية الثانية «لا يصلى في مسجد بين المقابر إلا الجنائز». فهذا نص فيما قلناه. ويؤيده المنصوص عن أحمد ما تقدم عن أنس: «كان يكره أن يبنى مسجد على القبور». فإنه صريح على أن جدار المسجد لا يكفي حائلاً بينه وبين القبر، بل لعل هذا القول ينفي جواز بناء المسجد بين القبور مطلقاً وهذا هو الأقرب لأنه حسم لمادة الشرك. ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الاقتضاء»: ¬

(¬1) قلت: الأثر أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (1/ 407/1594) سند صحيح عن نافع به [منه].

«وقد كانت البُنْيَة التي على قبر إبراهيم عليه السلام مسدودة لا يُدخل إليها إلى حدود المائة الرابعة فقيل إن بعض النسوة المتصلات بالخلفاء رأت في ذلك مناماً فنقبت لذلك! وقيل: إن النصارى لما استولوا على هذه النواحي نقبوا ذلك، ثم ترك ذلك مسجداً بعد الفتوح المتأخرة، وكان أهل الفضل من شيوخنا لا يصلون في مجموع تلك البنية، وينهون أصحابهم عن الصلاة فيها إتباعا لأمر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - واتقاء لمعصيته كما تقدم». هكذا كان شيوخهم فيما مضى، وأما شيوخنا اليوم فهم في غفلة من هذا الحكم الشرعي، فكثير منهم يقصدون الصلاة في مثل هذه المساجد، ولقد كنت أذهب مع بعضهم،- وأنا صغير لم أتفقه بالسنة بعد- إلى قبر الشيخ ابن عربي لأصلي معه عنده! فلما أن علمت حرمة ذلك باحثت الشيخ المشار إليه كثيراً في ذلك حتى هداه الله تعالى وامتنع من الصلاة هناك، وكان يعترف بذلك لي، ويشكرني على أن كنت سببا لهدايته رحمه الله تعالى وغفر له. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

كراهة الصلاة في المسجد المبني على القبر ولو دون استقباله واعلم أن كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور مضطردة في كل حال، سواء كان القبر أمامه أو خلفه يمينه أو يساره، فالصلاة فيها مكروهة على كل حال ولكن الكراهة تشتد إذا كانت الصلاة إلى القبر، لأنه في هذه الحالة ارتكب المصلي مخالفتين الأولى في الصلاة في هذه المساجد، والأخرى الصلاة إلى القبر وهي منهي عنها مطلقاً سواء كان المسجد أو غير المسجد بالنص الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كما تقدم (ص168). أقوال العلماء في ذلك وقد أشار إلى هذا المعنى البخاري بقوله في «الصحيح»: «باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، ولما مات الحسن بن الحسين بن علي رضي الله عنه ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رفعت، فسمعوا صائحاً يقول: «ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا»»، ثم ساق بعض الأحاديث المتقدمة، فقال الحافظ ابن حجر الشافعي في شرحه: «ومناسبة هذا الأثر للباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك، فليزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة» (¬1). ¬

(¬1) ونقل الشيخ محمد بن مخيمر من علماء الأزهر في «القول المبين» (ص 81) عن الحافظ ابن حجر أنه قال في «شرح الفتح» لحديث ذي الخلصة من «صحيح البخاري» في الكلام على الغزوات ما نصه: «وفي الحديث النهي عن الصلاة في المساجد التي فيها قبور يفتتن الناس بها وأنه يجب إزالتها» قلت: ولم أره في المكان المذكور من «الفتح» فيحتمل أن يكون في موضع آخر منه. والله أعلم. [منه].

وذكر نحوه العيني الحنفي في «عمدة القارئ» (4/ 149) وفي «الكوكب الدري على جامع الترمذي» للشيخ المحقق محمد يحيى الكاندهلوي الحنفي ما نصه (ص 153): «وأما اتخاذ المساجد عليها، فلما فيه من التشبيه باليهود واتخاذهم مساجد على قبور أنبيائهم وكبرائهم، ولما فيه من تعظيم الميت وشبه بعيدة الأصنام، لو كان القبر في جانب القبلة وكراهة كونه في جانب القبلة أكثر من كراهة كونه يميناً أو يساراً وإن كان خلف المصلي فهو أخف من كل ذلك لكن لا يخلو عن كراهة». وفي «شرعة الإسلام» من كتب الحنفية ما نصه (ص 569): «ويكره أن يبنى على القبر مسجد يصلى فيه». فهذا بإطلاقه يؤيد ما ذكرنا من أقوال العلماء وتقدم نحوه عن الإمام محمد رحمه الله تعالى (ص176). ففي هذه النقول ما يؤيد ما ذهبنا إليه في كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور مطلقاً، سواء صلى إليها أو لا، فيجب التفريق بين هذه المسألة وبين الصلاة إلى القبر الذي ليس عليه مسجد، ففي هذه الصورة إنما تحقق الكراهة عند استقبال القبر على أن بعض العلماء لم يشترطوا أيضا الاستقبال في هذه الصورة فقال بالمنع من الصلاة حول القبر مطلقاً، كما تقدم قريباً عن الحنابلة، ونحوه في «حاشية الطحاوي» على «مراقي الفلاح» من كتب الحنفية (ص 208)، وهذا هو

[141] باب في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي

اللائق بباب سد الذرائع لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: « ... فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ... ) الحديث (¬1). "تحذير الساجد" (ص121 - 132) [141] باب في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي [قال الإمام]: ثم اعلم أن الحكم السابق يشمل كل المساجد كبيرها وصغيرها قديمها وحديثها لعموم الأدلة (¬2)، فلا يستثنى من ذلك مسجد فيه قبر إلا المسجد النبوي ¬

(¬1) متفق عليه من حديث النعمان بن بشير وهو مخرج في «تخريج الحلال» (20). [منه]. (¬2) قال الشوكاني في «شرح الصدور في تحريم رفع القبور» بعد أن ذكر حديث جابر المتقدم بلفظ: «نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يبنى عليه» (ص 70) من «المجموعة المنيرية»: «وفي هذا التصريح بالنهي عن البناء على القبور، وهو يصدق على من بنى على جوانب حفرة القبر كما يفعله كثير من الناس من رفع قبور الموتى ذراعاً فما فوقه، لأنه لا يمكن أن يجعل نفس القبر مسجداً، فذلك مما دل على أن المراد بعض ما يقربه مما يتصل به. ويصدق على من بنى قريباً من جوانب القبر كذلك، كما في القباب والمساجد والمشاهد الكبيرة على وجه يكون القبر في وسطها أو في جانب منها، فإن هذا بناء على القبر كما لا يخفى ذلك على من له أدنى فهم كما يقال: بنى السلطان على مدينة كذا أو قرية كذا سوراً، وكما يُقال بنى فلان في المكان الفلاني مسجداً، مع أن سمك البناء لم يباشر إلا جوانب المدنية أو القرية أو المكان ولا فرق بين أن تكون تلك الجوانب التي وقع وضع البناء عليها قريبة من الوسط كما في المدينة الصغيرة والقرية الصغيرة والمكان الضيق، أو بعيدة من الوسط كما في المدينة والقرية الكبيرة والمكان الواسع، ومن زعم أن في لغة العرب ما يمنع من هذا الإطلاق فهو لا يعرف لغة العرب، ولا يفهم لسانها، ولا يدري بما استعمل في كلامها». [منه].

الشريف لأن له فضيلة خاصة لا توجد في شيءٍ من المساجد على القبور (¬1)، وذلك لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد ¬

(¬1) وبهذه المناسبة أقول: إن من أعجب ما رأينا من الأخبار الواهية، والأوهام المضلة، ما نقله العلامة ابن عابدين في الحاشية (1/ 41) عن كتاب «أخبار الدول» بالسند إلى سفيان الثوري «أن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة» قلت: هو باطل لا أصل له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل ولا عن سفيان الثوري، فقد أخرجه أبو الحسن الربعي في «فضائل الشام ودمشق» (ص 35 - 37) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (2/ 12) عن أحمد بن أنس بن مالك أنبأ حبيب المؤذن أنبأ أبو زياد الشعباني وأبو أمية الشعباني قالا: «كنا بمكة فإذا رجل في ظل الكعبة، وإذا هو سفيان الثوري فقال رجل: يا أبا عبد الله ما تقول في الصلاة في هذا البلد؟ قال: بمائة ألف صلاة قال: ففي مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: بخمسين ألف صلاة قال ففي بيت المقدس؟ قال بأربعين ألف صلاة قال ففي مسجد دمشق؟ قال: بثلاثين ألف.» قلت: وهذا إسناد ضعيف مجهول أبو زياد الشبعاني الظاهر أنه خيار بن سلمة أبو زياد الشامي وقرينه أبو أمية الشعباني فهو يحمد بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم وهما مقبولان كما في «التقريب» لكن الراوي عنهما حبيب المؤذن مجهول أورده ابن عساكر في «تاريخه» ولم يزد في ترجمته على قوله فيه «كان يؤذن في مسجد سوق الأحد» والراوي عنه أحمد بن أنس لم أجد له ترجمة. ومما يبطل هذا الأثر عن سفيان أنه أحد رواة حديث أبي هريرة الآتي أن الصلاة في مسجده - صلى الله عليه وسلم - بألف صلاة، فيبعد أن يقول بخلاف ما صح عنده عنه - صلى الله عليه وسلم - ومما يبطله أيضاً أن أكثر ما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - في فضل الصلاة في بيت المقدس أنها بألف صلاة رواه ابن ماجة (1/ 429 430) وأحمد (6/ 463) بسند جيد وهذا الأثر يقول: أنها بأربعين ألف صلاة! ثم بدا لي أنه غير جيد السند فيه علة تقدح في صحته وإن كان لي سلف في تصحيحه وقد بينتها في «ضعيف أبي داود» (باب السرج في المساجد). نعم قد صح أن الصلاة في بيت المقدس على الربع من الصلاة في المسجد النبوي رواه البيهقي فيه يبطل أثر الثوري من باب أولى كما لا يخفى. [منه].

الحرام [فإنه أفضل]» (¬1) ولقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أيضا: «ما بين بيتي (¬2) ومنبري روضة من رياض الجنة» (¬3). ولغير ذلك من الفضائل، فلو قيل بكراهة الصلاة فيه كان معنى ذلك تسويته مع غيره من المساجد، ورفع هذه الفضائل عنه، وهذا لا يجوز كما هو ظاهر وهذا المعنى استفدناه من كلام ابن تيمية السابق (ص 127 - 128) في بيان سبب إباحة صلاة ذوات الأسباب في الأوقات المنهي عنها، فكما أن الصلاة أبيحت في هذه الأوقات لأن في المنع منها تضييعاً لها بحيث لا يمكن استدراك فضلها لفوات وقتها، فكذلك يقال في الصلاة في مسجده - صلى الله عليه وآله وسلم -.ثم وجدت ابن تيمية صرح بهذا فقال في كتابه «الجواب الباهر في زوار المقابر» (¬4) (ص 22/ 1 - 2): ¬

(¬1) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة ومسلم وأحمد والزيادة له من حديث ابن عمر وله عنده طرق كثيرة وشواهد متعددة عن جماعة من الصحابة وقد ذكرت طرقه في «الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب». [منه]. (¬2) هذا هو اللفظ الصحيح «بيتي» وأما اللفظ المشهور على الألسنة «قبري» فهو خطأ من بعض الرواة كما جزم به القرطبي وابن تيمية والعسقلاني وغيرهم ولذلك لم يخرج في شيءٍ من الصحاح، ووروده في بعض الروايات لا يصيره صحيحاً لأنه رواية بالمعنى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «القاعدة الجليلة» (ص 74) بعد أن ذكر الحديث: «هذا هو الثابت الصحيح، ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال «قبري» وهو - صلى الله عليه وسلم - حين قال هذا القول لم يكن قد قبر - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة، حينما تنازعوا في موضع دفنه ولو كان هذا عندهم لكان نصا في محل النزاع ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضع الذي مات فيه. بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه». (تنبيه): ومن أوهام العلماء أن النووي في «المجموع» عزا الحديث للشيخين بلفظ «قبري» ولا أصل له عندهما فاقتضى التنبيه. [منه]. (¬3) رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن زيد المازني وهو حديث متواتر كما قال السيوطي، وقد ذكرت له في المصدر السابق سبعة طرق عنه - صلى الله عليه وسلم -. [منه]. (¬4) مخطوط المكتبة الظاهرية، وهو كتاب نفيس جامع في بابه وفق الله له من يطبعه، ثم حقق الله الأمنية فطبع عن النسخة الظاهرية في المطبعة السلفية في القاهرة، عني بنشره العالمان الجليلان: الشيخ عبد الملك بن إبراهيم رئيس هيئة الأمر بالمعروف بالحجاز بارك الله في عمره والشيخ محمد نصيف رحمه الله وجزاه عن السنة خيراً. [منه].

«والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها مطلقاً بخلاف مسجده - صلى الله عليه وآله وسلم - فإن الصلاة فيه بألف صلاة، فإنه أسس على التقوى وكانت حرمته في حياته - صلى الله عليه وآله وسلم -، وحياة خلفائه الراشدين قبل دخول الحجرة فيه، وإنما أدخلت بعد انقراض عصر الصحابة».ثم قال (67/ 169/2): «وكان المسجد قبل دخول الحجرة فيه فاضلا وكان فضيلة المسجد بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بناه لنفسه، وللمؤمنين يصلي لله هو والمؤمنون إلى يوم القيامة، ففضل بنيانه له، فكيف وقد قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» (¬1). وقال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا» (¬2). وهذه الفضيلة ثابتة له قبل أن يدخل فيه الحجرة، فلا يجوز أن يظن أنه صار بدخول الحجرة فيه أفضل مما كان، وهم لم يقصدوا دخول الحجرة فيه، وإنما قصدوا توسيعه بإدخال حجر أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فدخلت الحجرة فيه ضرورة مع كراهة من كره ذلك من السلف» (¬3). ثم قال (55/ 1 - 2): ¬

(¬1) متفق عليه من حديث أبي هريرة خرجته في «الإرواء» (971). [منه]. (¬2) متفق عليه من حديث أبي هريرة أيضا وهو مخرج في كتابي «أحكم الجنائز وبدعها» (ص 224 - 225). [منه]. (¬3) انظر ما تقدم (في بداية الكتاب من الأمثلة على كراهة السلف لذلك). [منه].

«ومن اعتقد أنه قبل القبر لم تكن له فضيلة إذ كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يصلي فيه والمهاجرون والأنصار، وإنما حدثت له الفضيلة في خلافة الوليد بن عبد الملك لما أدخل الحجرة في مسجده فهذا لا يقوله إلا جاهل مفرط في الجهل، أو كافر، فهو مكذب لما جاء عنه مستحق للقتل، وكان الصحابة يدعون في مسجده كما كانوا يدعون في حياته، لم تحدث لهم شريعة غير الشريعة التي علمهم إياها في حياته .. بل نهاهم أن يتخذوا قبره عيداً، أو قبر غيره مسجداً يصلون فيه لله عز وجل ليسد ذريعة الشرك، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً، وجزاه أفضل ما جزى نبيا عن أمته، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه». "تحذير الساجد" (ص132 - 138)

[142] باب بناء المساجد على القبور مفضاة للشرك

[142] باب بناء المساجد على القبور مفضاة للشرك [قال الإمام]: [من أحكام المساجد]: أن لا يبنيه على قبر فإنه يحرم ذلك لما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت: «فلولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا» وقال عليه الصلاة والسلام: «اللهم لا تجعل قبري وثناً، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» الحديث الأول من حديث عائشة والآخر من حديث أبي هريرة وكلاهما صحيح .... وفي هذه الأحاديث تحريم بناء المساجد على القبور فإن البناء من معاني اتخاذ المساجد على القبور، ... وقد جاء في بعض الروايات مصرحاً بذلك بلفظ: «بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة». أخرجاه. وقد ذهب إلى التحريم كثير من العلماء فقال الإمام محمد في كتابه «الآثار»: «ولا نرى أن يزاد على ما خرج منه «القبر» ونكره أن يجصص أو يطين ويجعل عنده مسجداً» والكراهة عنده للتحريم عند الإطلاق وأما الشافعي فقال في «الأم»: «وأكره أن يبنى على القبر مسجد قال: أكره هذه للسنة والآثار وإنه كره- والله أعلم- أن يعظم أحد من المسلمين- يعني يتخذ قبره مسجداً- ولم تؤمن في ذلك

الفتنة والضلال على من يأتي بعده». وفي «المجموع»: «واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء كان الميت مشهوراً بالصلاح، أو غيره لعموم الأحاديث». قلت: لكن الكراهة عندهم للتنزيه. ومن الدليل على ذلك أنهم قالوا: ويكره أن يصلي على قبر. فقال النووي: «هكذا قالوا: (يكره) ولو قيل: يحرم لحديث أبي مرثد وغيره مما سبق لم يبعد» فلو أن النووي رحمه الله قال مثل هذا في قول أصحابه بكراهة البناء لكان أحق وأولى؛ لأن النهي عن البناء أشد وأرهب منه عن الصلاة إلى القبر، كما لا يخفى على من وقف على الأحاديث الواردة في هذا الموضوع، ولذلك قال شيخ الإسلام في «الاقتضاء»: «فأما بناء المساجد على القبور فقد صرح عامة الطوائف بالنهي عنه متابعة للأحاديث، وصرح أصحابنا وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما بتحريمه، ومن العلماء من أطلق فيه لفظ الكراهة (كأنه يشير إلى الشافعي) فما أدري عنى به التنزيه أو التحريم؟ ولا ريب في القطع بتحريمه». ثم ساق الأحاديث الواردة في هذا الباب. وقال القرطبي في «تفسيره» ما ملخصه: «فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه؛ ممنوع». ثم ذكر حديث عائشة الأخير ثم قال:

«قال علماؤنا (المالكية): وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد».وقال شيخ الإسلام أيضاً في «تفسير سورة الإخلاص»: «قال العلماء: يحرم بناء المساجد على القبور. ويجب هدم كل مسجد بني على قبر، وإن كان الميت قد قبر في مسجد، وقد طال مكثه؛ سوي القبر حتى لا تظهر صورته، فإن الشرك إنما يحصل إذا ظهرت صورته، ولهذا كان مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أولاً مقبرة للمشركين، وفيها نخل، وخرب، فأمر بالقبور فنبشت، وبالنخل فقطع، وبالخرب فسويت، فخرج عن أن يكون مقبرة فصار مسجداً، ولما كان اتخاذ القبور مساجد وبناء المساجد عليها محرماً لم يكن شيء من ذلك على عهد الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يكن يعرف قط مسجد على قبر». هذا وقد يتوهم أن المحذور إنما هو اتخاذ المساجد على القبور بعد الدفن لا لو بني المسجد أولاً، وجعل القبر في جانبه ليدفن فيه واقف المسجد أو غيره، قال الشوكاني: «قال العراقي: والظاهر أنه لا فرق، وإنه إذا بني المسجد لقصد أن يدفن في بعضه أحد فهو داخل في اللعنة، بل يحرم الدفن في المسجد وإن شرطوا أن يدفن فيه لم يصح الشرط لمخالفته لمقتضى وقفه مسجداً، والله أعلم». فإن قيل: فما قصة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإنا نراه الآن في مسجده - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قلت: الجواب في شرح مسلم للنووي حيث قال: «قال العلماء: إنما نهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً؛ خوفاً من المبالغة في التعظيم والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين والتابعون

إلى الزيادة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما- بنو على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر، ولهذا قالت في الحديث: «ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا». وفي ذكره الصحابة في هذه القصة نظر وإن تبعه على ذلك العيني في «العمدة» فإن ذلك لم يقع بحضور أي صحابي فقد قال ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي»: «وكان على عهد الخلفاء الراشدين والصحابة حجرته خارجة عن المسجد ولم يكن بينهم وبينه إلا الجدار، ثم إنه إنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، وكان من آخرهم موتا جابر بن عبد الله، وتوفي في خلافة عبد الملك فإنه توفي سنة ثمان وسبعين، والوليد تولى سنة ست وثمانين، وتوفي سنة ست وتسعين، فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك، وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة النميري في كتاب «أخبار المدينة» - مدينة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أشياخه وعمن حدثوا عنه: أن عمر بن عبد العزيز لما كان نائباً للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد، وبناه بالحجارة المنقوشة، وعمل سقفه بالساج وماء الذهب، وهدم حجرات أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه».

[143] باب حرمة الصلاة في المساجد المبنية على القبور

ثم ذكر ابن عبد الهادي عن شيخ الإسلام ابن تيمية: «أن المسجد لما زاد فيه الوليد وأدخلت فيه الحجرة كان قد مات عامة الصحابة، ولم يبق إلا من أدرك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم يبلغ سن التمييز الذي يؤمر فيه بالطهارة والصلاة، ومن المعلوم بالتواتر أن ذلك كان في خلافة الوليد بن عبد الملك، وقد ذكروا أن ذلك كان سنة إحدى وتسعين، وأن عمر بن عبد العزيز مكث في بنائه ثلاث سنين وسنة ثلاث وتسعين مات فيها خلق كثير من التابعين مثل سعيد بن المسيب وغيره من الفقهاء السبعة، ويقال لها: سنة الفقهاء». وبالجملة فإنما أدخلوا قبر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مسجده لحاجة توسيعه، والظاهر أنهم لم يجدوا فسحة من الجهات الأخرى ليزيدوا منها إلى المسجد وقد كان عمر وعثمان رضي الله عنهما قد زادا فيه من جهة القبلة فاضطروا إلى أخذ الزيادة من جهة الحجرات، فصار بذلك قبره في المسجد الشريف، ولكنهم- مع حاجتهم إلى هذا العمل- قد احتاطوا للأمر حيث فصلوا القبر عن المسجد فصلاً تاماً بالجدر المرفوعة حسماً للمحذور كما سبق ذكره عن النووي، والله تعالى أعلم. "الثمر المستطاب" (1/ 479 - 486). [143] باب حرمة الصلاة في المساجد المبنية على القبور [قال الإمام]: [لا تجوز الصلاة في] المساجد المبنية على القبور لما في الصلاة فيها من التشبه باليهود والنصارى وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم - فيهم: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً،

وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» وقال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك». الحديث الأول هو من حديث عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرنا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال ... فذكره أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد وابن شيبة في «المصنف». والحديث الثاني هو من رواية جندب بن عبد الله البجلي قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم ... » الحديث تفرد بإخراجه مسلم، دون الستة، وقد نسبه الشوكاني للنسائي أيضاً، وكأنه يعني «سننه الكبرى» وإلا فإني لم أجده في «الصغرى» له، ولم ينسبه في (الذخائر) إلا لمسلم. وفي الباب عن عائشة وابن عباس معاً، وعن أبي هريرة، وعن ابن مسعود، وقد مضت أحاديثهم قريباً وعن ابن عباس أيضا بلفظ: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج». أخرجه الأربعة إلا ابن ماجه والحاكم والبيهقي والطيالسي وأحمد، وهو بهذا اللفظ ضعيف إلا الجملة الأولى منه فهي صحيحة؛ لمجيئها من طريق أخرى عن أبي هريرة وحسان بن ثابت، وقد فصلت القول في ذلك في «التعليقات الجياد» بما لا يوجد في كتاب، والحمد لله.

واعلم أن الحديث الأول يفيد تحريم بناء المساجد على القبور، وذلك يستلزم تحريم الصلاة فيها من باب أولى؛ لأنه- كما لا يخفى- من قبيل النهي عن الوسيلة- وهو البناء- لكي لا تتحقق الغاية- وهي العبادة في هذا البناء الذي أقيم على معصية الله تعالى-؛ لما يترتب من وراء ذلك من المفاسد الاعتقادية كما هو الواقع. وأما الحديث الثاني فهو أعم من الأول؛ لأنه بلفظه يشمل الوسيلة والغاية فاتخاذ المكان مسجداً معناه الصلاة فيه (¬1) ومعناه البناء عليه من أجل الصلاة والسجود فيه، فكل منهما مستلزم للآخر، كما أفاده المناوي في «الفيض» ومن المعلوم بالبداهة أن اليهود والنصارى الملعونين إنما بنوا تلك المساجد للصلاة فيها، فمن صلى في مسجد فيه قبر، ولو لم يقصد القبر، فقد شابه أولئك المغضوب عليهم والضالين، وقد نهينا عن التشبه بهم في نصوص عامة وخاصة، ولذلك قال العلامة ابن الملَك- وهو من علمائنا الحنفية- في شرح حديث ابن عباس المذكور آنفا: «إنما حرم اتخاذ المساجد عليها لأن في الصلاة فيها استناناً بسنة اليهود».نقله الشيخ علي القاري في «المرقاة». يضاف إلى ما تقدم أن الصلاة في المساجد المبنية على القبور قد تفضي بصاحبها أو بمن يقتدي به من العوام والجهال إلى تخصيص الميت ببعض ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام في «الاقتضاء»: وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجداً، بل كل موضع يصلى فيه، فإنه يسمى مسجداً وإن لم يكن هناك بناء كما قالص: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً». [منه].

العبادات الخاصة بالله تعالى كالاستغاثة والسجود، كما هو واقع في أكثر المساجد المبنية على القبور، وهو مشاهد، فنهى عن ذلك سداًّ للذريعة، فهو كالنهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة المكروهة تحريماً، بل المفسدة في تلك المساجد أوضح وأظهر منها في هذه الأوقات كما يشهد به الواقع. وهذا كله فيمن لم يقصد الصلاة في تلك المساجد، وأما قصدها لأجل صاحب القبر متبركاً به معتقداً أن الصلاة عنده أفضل من الصلاة في المساجد المجردة عن القبور فهو عين المشاقة والمحادة لله ولرسوله، وهذه الصلاة حقيق بها قول من قال ببطلانها، كما يأتي عن بعض العلماء. وإن مما يتعجب منه المؤمن البصير في دينه تهاون أكثر الفقهاء بهذه المسألة الخطيرة، حيث إنهم لم يتعرضوا لها بذكر صريح في كتبهم وفتاويهم فيما علمت، ولذلك كان من العسير إقناع المقلدين بها على وضوح الحجة فيها، وأنى لهم أن يأخذوا بها وهم أو أكثرهم يقدمون قول الإمام- بل قول بعض أتباعه ولو من المتأخرين- على قول الله تعالى وقول رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولذلك سأُعنى بصورة خاصة بنقل بعض أقوال العلماء المحققين حول هذه المسألة ليعلم الواقف على كتابنا هذا أننا لم نأت بشيء من عندنا بدعة في الدين، ولم نسيء فهم أحاديث سيد المرسلين، بل هو الحق من ربك، فلا تكونن من الممترين. وقد اعتنَى بهذه المسألة عناية خاصة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجزاه عن المسلمين خيراً، فقلما ترى كتاباً له لا يتعرض فيه لهذه المسألة بإسهاب أو اختصار، ولذلك فسأنقل عنه ما يناسب المقام من أقواله وفتاويه مع بعض اختصار وتلخيص.

قال رحمه الله في «القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة»: «واتخاذ المكان مسجداً هو أن يتخذه للصلوات الخمس وغيرها، كما تبنى المساجد لذلك، والمكان المتخذ مسجداً إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين، فحرم - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تتخذ قبورهم مساجد بقصد الصلاة فيها، كما تقصد المساجد، وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده؛ لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصد المسجد لأجل صاحب القبر، ودعائه، والدعاء به، والدعاء عنده، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والفعل إذا كان يفضى إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة ينهى عنه كما نهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة لما في ذلك من المفسدة الراجحة، وهو التشبه بالمشركين الذي يفضي إلى الشرك، وليس في قصد الصلاة في تلك الأوقات، ولهذا تنازع العلماء في ذوات الأسباب فسوغها كثير منهم في هذه الأوقات، وهو أظهر قولي العلماء؛ لأن النهي إذا كان لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، وفعل ذوات الأسباب يحتاج إليه في هذه الأوقات، ويفوت إذا لم يفعل فيها، فتفوت مصلحتها، فأبيحت لما فيها من المصلحة الراجحة، بخلاف ما لا سبب له فإنه يمكن فعله في غير هذه الأوقات فلا تفوت بالنهي عنه مصلحة راجحة، وفيه مفسدة توجب النهي عنه، فإذا كان نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات لسد ذريعة الشرك لئلاَّ يفضي ذلك إلى السجود للشمس ودعائها وسؤالها، كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذين يدعونها ويسألونها؛ كان معلوماً أن دعوة الشمس والسجود لها هو محرم في نفسه أعظم تحريماً من الصلاة التي نهى عنها لئلا يفضي ذلك إلى دعاء الكواكب.

كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد فنهى عن قصدها للصلاة عندها لئلا يفضي ذلك إلى دعائهم والسجود لهم- كان دعاؤهم والسجود لهم أعظم تحريماً من اتخاذ قبورهم مساجد». وقال في «الاقتضاء»: «فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره، وهذا ما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب، لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك، ولأحاديث أخرى، وليس في هذه المسألة خلاف لكون المدفون فيها واحداً، وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد هل حَدُّها ثلاثة أقبر، أو ينهى عن الصلاة عن القبر الفذ وإن لم يكن عنده قبر آخر؟ على وجهين (قلت: ورجح شيخ الإسلام في كتاب آخر النهي ولو عند القبر الواحد وقد سبق ذلك ثم قال:) وقد كانت البنية التي على قبر إبراهيم عليه السلام مسدودة لا يدخل إليها إلى حدود المائة الرابعة، فقيل: إن بعض النسوة المتصلات بالخلفاء رأت في ذلك مناماً فنقبت لذلك، وقيل: إن النصارى لما استولوا على هذه النواحي نقبوا ذلك ثم ترك مسجداً بعد الفتوح المتأخرة، وكان أهل الفضل من شيوخنا لا يصلون في مجموع تلك البنية، وينهون أصحابهم عن الصلاة فيها اتباعاً لأمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، واتقاءً لمعصيته كما تقدم». ثم قال فيه: «فإن نهيه عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها وعن قصد الصلاة عندها، وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء، فإنهم قد نهوا عن بناء المساجد على القبور، بل صرحوا بتحريم ذلك كما دل عليه النص، واتفقوا

أيضاً على أنه لا يشرع قصد الصلاة، والدعاء عند القبور ولم يقل أحد من المسلمين: إن الصلاة عندها والدعاء عندها أفضل منه في المساجد الخالية عن القبور، بل اتفق علماء المسلمين على أن الصلاة والدعاء في المساجد التي لم تبن على القبور أفضل من الصلاة والدعاء في المساجد التي بنيت على القبور، بل الصلاة والدعاء في هذه منهي عنه مكروه باتفاقهم، وقد صرح كثير منهم بتحريم ذلك، بل وبإبطال الصلاة فيها، وإن كان في هذا نزاع، والمقصود هنا أن هذا ليس بواجب ولا مستحب باتفاقهم بل هو مكروه باتفاقهم». وقال في «الجواب الباهر في زوار المقابر» (¬1): «والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها مطلقاً بخلاف مسجده - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فإن الصلاة فيه بألف صلاة، فإنه أسس على التقوى، وكانت حرمته في حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - وحياة خلفائه الراشدين قبل دخول الحجرة فيه». ثم قال: «ومن اعتقد أنه قبل القبر لم تكن فيه فضيلة، وإنما حدثت له الفضيلة في خلافة الوليد لما أدخلت الحجرة فيه، فهو جاهل مفرط في الجهل، أو كافر مكذب لما جاء به عليه السلام، مستحق للقتل» وقد أفتى رحمه الله مراراً بكراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور، فقد جاء في الفتاوى له ما نصه: «مسألة: في المسجد إذا كان فيه قبر والناس يجتمعون فيه لصلاة الجماعة فهل تجوز الصلاة فيه أم لا؟ وهل يمهد القبر أم لا؟ ¬

(¬1) رسالة جامعة لما تفرق في كتبه الكثيرة مما يتعلق بهذا الموضوع، وهي من مخطوطات المكتبة الظاهرية تحت رقم (129) مجموع. وما نقلناه منها في الورقة (22 و55). [منه].

الجواب: اتفق الأئمة على أنه لا يبنى مسجد على قبر لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك»، وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّرَ: إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديداً، فإن كان المسجد بني بعد القبر، فإما أن يزال المسجد، وإما أن يزال صورة القبر، فالمسجد المبني على القبر لا يصلى فيه فرض، ولا نفل، فإنه منهي عنه. والله أعلم» وله فتوى أخرى نحو هذه انظرها- إن شئت- في الجزء الثاني صفحة (192) (¬1). وقال الشيخ محمد يحيى الكاندهلوي الهندي الحنفي في كتابه «الكوكب الدري على جامع الترمذي» ما نصه: «وأما اتخاذ المساجد عليها فإنما فيه من الشبه باليهود في اتخاذهم مساجد على قبور أنبيائهم وكبرائهم، ولما فيه من تعظيم الميت، وشبه بعبدة الأصنام، لو كان القبر في جانب القبلة، وكراهة كونه في جانب القبلة أكثر من كراهة كونه يميناً أو يساراً، وإن كان خلف المصلي فهو أخف كراهة من كل ذلك، لكن لا يخلو عن كراهة» وقد ذكر الحافظ في «الفتح» والعيني في «العمدة»: ¬

(¬1) وقال تلميذه المحقق ابن القيم في «زاد المعاد» (3/ 22): «فيهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش إذا دفن في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق، فلو ضماًّ معاً لم يجز، ولا يصح هذا الوقف، ولا يجوز، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد؛ لنهي رسول اللهص عن ذلك، ولعنه من اتخذ القبر مسجداً، أو أوقد عليه سراجاً. فهذا دين الإسلام الذين بعث الله به رسوله ونبيه، وغربته بين الناس كما ترى. [منه].

[144] باب هل الصلاة في المساجد التي فيها قبور باطلة؟

«أن القبر في المسجد إذا كان في جهة القبلة فإنه تزداد الكراهة» وهذا هو الحق في المسألة حسب التفصيل الذي ذكره الهندي، ومرجع ذلك إلى التشبه باليهود والنصارى في صلاتهم في المساجد المبنية على القبور، والمشابهة حاصلة في كل الصور التي قد ذكرها كما لا يخفى، وهذا لمن لا يقصد الصلاة فيها، وأما القاصد؛ فاسمع ما نقله الفقيه ابن حجر الهيتمي في كتابه «الزواجر»: «قال بعض الحنابلة: قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً بها عين المحادة لله ورسوله، وابتداع دين لم يأذن به الله للنهي عنها، ثم إجماعاً، فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك: الصلاة عندها، واتخاذها مساجد، وبناؤها عليها، والقول بالكراهة محمول على غير ذلك، إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعن فاعله، ويجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور، إذ هي أضر من مسجد الضرار، لأنها أسست على معصية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لأنه نهى عن ذلك وأمر - صلى الله عليه وآله وسلم - بهدم القبور المشرفة». هذا وقد أفادت الأحاديث السابقة تحريم بناء المساجد على القبور أيضاً وهي مسألة أخرى تكلمنا عليها في «التعليقات الجياد» وذكرنا فيه أقوال العلماء في النهي عن ذلك. "الثمر المستطاب" (1/ 373 - 382). [144] باب هل الصلاة في المساجد التي فيها قبور باطلة؟ الملقي: أريد أن أسأل سؤالاً يعني بالنسبة للصلاة في المساجد التي فيها قبور يعني، يقول ناس أنها قد تبطل ولكن الكتاب الذي معي «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد»، أرى أنك ترى الكراهة ما أدري ما هو الرأي الصحيح؟

الشيخ: اقرأ علي العبارة التي فيها كراهة. الملقي: أنت مقسمها قسمة يعني: الذي يصلي تعظيماً فهو باطلة. الشيخ: الله يهديك، خوفتني، مادام قسمين انتهى الأمر. الشيخ: طيب شو بقى سؤالك، طاح سؤالك. طاح سؤالك. الملقي: إنها مكروهة أم باطلة؟ الشيخ: باطلة لمن يقصد الصلاة فيها. الملقي: يقصد لكن يصلي لله-عز وجل-. الشيخ: مكروهة كراهة تحريم، والكراهة تنتفي إذا لم يكن عنده مسجد آخر لصلاة الجماعة. الملقي: إذاً ما تنتفي الكراهية أم الكراهة تحريمية. الشيخ: كراهة تحريمية لمن يتمكن من الصلاة في غير هذا المسجد، ثم هو يصلي فيه، وإذا قصده فالصلاة باطلة. الملقي: طيب في عندنا مسجد ولكن القبر خارج الجدار، ولكن في المسجد يعني ولكن في المسجد جدار. الشيخ: ما في فرق إن كان في جدار ولا في الساحة ولا في الحرم كما يقولون هو من المسجد، إما خارج المسجد وإما في المسجد، هذا التفريق الجوهري، فهو خارج المسجد وإلا في المسجد؟ الملقي: في المسجد ولكن ...

الشيخ: ما في ولكن الله يهديك، ما في ولكن، أنا باقول لك: يا داخل المسجد يا خارجه؟ الملقي: هو في جاكورة خارج المسجد. الشيخ: الله يهديك، جاكورة خارج المسجد. الملقي: هو مسجد وفي جاكورة قدامه. الشيخ: شو معنى جاكورة؟ الملقي: يعني حديقة هيك يعني. الشيخ: طيب هذه الحديقة لها باب منها إلى المسجد؟ الملقي: في شباك. الشيخ: أسألك: لها باب؟ أنت بتقول لي في شباك. الملقي: الباب من ناحية أخرى، في المسجد لكن من ناحية أخرى، لكن من ناحية القبلة. الشيخ: وهو من أي ناحية. الملقي: تقريباً يعني مش من ناحية القبلة. الملقي: نفس المكان لكن مش من ناحية القبلة. الشيخ: أنا ما بقدر أحكم على وصفك؛ لأن وصفك ليس دقيقاً، المهم الصلاة في المسجد اللي فيه قبر، فيه قبر وليس خارج المسجد، فقد عرفت الحكم التفصيلي، أما كون هذا المسجد اللي أنت بتحكي عنه هذا القبر في المسجد ولا خارج المسجد أنا لا أكون معك ولا عليك، والسلام عليك. "الهدى والنور" (679/ 04: 36: 00)

[145] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور الأنبياء

[145] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور الأنبياء سؤال: في مدينتنا مدينة الموصل تكون في شمال العراق مساجد مبنية على قبور يزعمون أنها قبور أنبياء هناك جامع النبي شيت، وجامع النبي يونس، وجامع النبي جرجيس وجامع الخضر وإبراهيم الخليل وجامع دانيال. الشيخ: شاركتونا إبراهيم الخليل عندنا ... مداخلة: الخليل تكون في أقصى الشمال يعني على الحدود العراقية التركية، فما حكم هذه المساجد وما حكم من صلى أو يصلي بها وهل يصلى في مسجد فيه قبر بارك الله فيك؟ الشيخ: الجواب طبعاً لا تجوز الصلاة في مسجد مبني على القبر ولا فرق بين أن يكون القبر في داخل مسجد مما يسمى بالحرم أو خارجه مما يسمى بصحن المسجد، كما أنه لا فرق بين أن يكون القبر شرقي أو غربي أو جنوب أو شمال المسجد لأن كون القبر في المسجد شيء، وكون الصلاة إلى القبر شيء آخر، وإذا كان هناك أرض ليست مسجداً وصلى فيها المصلي وهناك قبر عن يمينه وعن يساره بعيداً عنه فحين ذاك الصلاة في تلك الأرض جائزة ما دام أنه غير مستقبل للقبر؛ لأنه في هذه الحالة يصدق فيه: «وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة عنده مسجده، وطهوره» (¬1) الأرض كلها مسجد، لكن يستثنى من هذه الكلية ما ثبت النهي عنه بالسنة المحمدية، ففي الأرض التي لم تحول إلى مسجد أي لم يُبْنَ عليها مسجد فالصلاة في هذه الأرض جائزة ولو كان فيها قبر ما لم يكن متوجها للقبر؛ لأن هذا الاستثناء فيه حديث صحيح صريح بل أحاديث من أشهرها قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» فهذا حكم الأرض ¬

(¬1) البخاري (رقم328) ومسلم (رقم1191).

التي فيها قبر تجوز الصلاة في هذه الأرض، ما لم يستقبل القبر، أما الأرض التي بُني عليها مسجد وفيه قبر ففي أي جهة من المسجد كان هذا القبر فهو يجعل هذا المسجد مما يمنع الصلاة فيه لا فرق كما قلنا آنفا بين أن يكون قبلي المسجد أو شرقي أو جنوبه أو شماله؛ ذلك لأن الأحاديث التي جاءت تنهى عن اتخاذ المساجد على القبور هي مطلقة لم تفرق بين أن يكون القبر في جهة القبلة أو في دبر القبلة، أو في أي جهة أخرى. ولعلكم اطلعتم على رسالة قديمة لي كنت سميتها بـ «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» ففيها ما تيسر لي يومئذ من الأحاديث الكثيرة في التحذير من بناء المساجد على القبور، وقفت عند وساوس بعض المبتدعة الذين كلما وجدوا حديثا يصدم بدعتهم حالوا التخلص والتملص منه بطريقة أو بأخرى فمثلاً يتخلصون من قوله عليه السلام: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» فيقولون هذا حكم خاص باليهود والنصارى نحن لسنا يهود ولا نصارى فيأتي الحديث الذي أردت أن أذكره؛ لأنه يتعلق بهذه الأمة حيث قال عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق وإلا على الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد»، هذا يتعلق بالأمة الإسلامية لكن هنا نقطة لا بد من بيانها ألا وهي أن النهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور كالنهي عن الصلاة في الأوقات المحرمة فهي من باب سد الذريعة، وكما أن الأوقات المنهي عن الصلاة فيها دخلها قليل أو كثير من التخصيص فأنا أرى استنباطاً واجتهاداً أن المسجد المبني على القبر أنه يمكن أن تجوز الصلاة فيه في بعض الطرق الاستثنائية مثلا بينما رجل يمشي في طريقه إلى داره إلى عمله، إذا به يسمع الآذان وهو يعلم أن في هذا المسجد فيه قبر وأنه يجب عليه ألا يقصد هذا المسجد للصلاة فيه، لكن

[146] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور

هو بين أن يدخل ويصلي فيه وبين أن تفوته صلاة الجماعة، فإذا دار الأمر بين هذين الأمرين تغلب وجوب فرضية صلاة الجماعة على تحريم الصلاة في المسجد المبني على القبر ذلك لأن النهي عن الصلاة في المسجد المبني على القبر من باب سد الذريعة كما أن الصلاة في الأوقات المكروهة من باب سد الذريعة، لكن إذا تداركه الوقت ولم يكن هناك إمكان إلا أن يدع الصلاة حتى يخرج الوقت كله أو أن يصلي في وقت الكراهة هذا أولى من أن يضيع الصلاة بالكلية. كذلك إذا دار الأمر بين أن يضيع فريضة صلاة الجماعة وبين أن يصلي في مسجد الكراهة، فرجحت الصلاة في هذا المسجد على أن يصلي وحده في بيته أو في مكان آخر وهذا مثل قضية الحال معناه أو هذا الصورة إنما نعني بها: أنه إذا لم يكن في علمه أو لم يكن في استطاعته أن يدرك الصلاة مع الجماعة في مسجد آخر ليس فيه قبر، ولذلك كان البحث أنه بين أحد أمرين إما أن يصلي في هذا المسجد لإدراك صلاة الجماعة وإما أن تفوته صلاة الجماعة كلاهما شر، لكن المسلم إذا وقع بين شرين اختار أقلهما شراً، هذا يجب أن نلاحظه؛ لأنني أعرف بتجربتي الخاصة أن كثيرا من إخواننا السلفيين لا يلاحظون هذا التفريق فمجرد أن يعلموا أن مسجداً فيه قبر لا يصلون فيه ولو فاتتهم صلاة الجماعة، هذا خطأ. "الهدى والنور" (543/ 22: 47: 00) [146] باب حكم الصلاة في المساجد المبنية على قبور سؤال: أستاذنا سألناك سابقاً بخصوص المسجد الذي بني على أرض كانت فيها مقبرة، يدعي البعض أن هذا المسجد لم يقع على مقبرة كان لا يوجد في هذا المكان قبور، ولكن هذا المسجد يوجد حوله قبور، أولاً: طبعاً مِنْ على القبلة، ومِنْ على أجنابه، وقال البعض من الإخوة: بأنه يجوز الصلاة في هذا المسجد، ولا

مانع لهذا، ولكن سألناه: ما حجتك في ذلك؟ قال: قد يكون يوجد قبور تحت هذا المسجد الموجودين نحن فيه، يعني: أو في أي مكان فما ردكم على ذلك؟ الشيخ: أقول وبالله التوفيق: أولاً: يجب أن نعرف حكم المساجد المبنية على القبور، والجواب مفصل جداً في كتاب لي خاص بعنوان: «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» وخلاصة ذلك: أن المسجد المبني على القبور فيما يغلب على الظن فلا تجوز الصلاة فيه، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ولا شك أنه يجب التفريق بين مسجد بني على مقبرة معروف ولو بغلبة الظن أنها كانت تلك الأرض مقبرة ثم أقيم المسجد عليها، ثم ليس من الضروري أن تكون القبور، أو أن يكون القبر في هذا المسجد ظاهراً شاخصاً إذا ما كانت القبور هناك حقيقة في الأرض، فلا يجوز إقامة المسجد على المقبرة إطلاقاً، سواء كانت القبور شاخصة بارزة، أو لم تكن كذلك، أما أن يقال: أي مسجد بني على أرض فيمكن أن تكون تلك الأرض أصلها مقبرة أو فيها قبور، فنقول: هذا كلام صحيح، وقديماً قال بعضهم وأظنه المعري: صاح هذه قبورنا تملأ الرحب ... فأين القبور من عهد عاد خفف الوطء ما أظن أديم الأرض ... إلا من هذه الأجساد لكن ثمة فرق بين أرض معروف أنها كانت مقبرة، أو أنه يوجد فيها آثار قبور في أثناء الحفريات، وبين أرض لا يعرف شيء من ذلك فيها، فلا بد من هذا التفريق، ولذلك لا يجوز التوسع في فرض الاحتمالات التي جاء أحدها آنفاً، كما أنه لا يجوز تعطيل أحكام الشريعة بمثل هذه الافتراضات، فالمسألة تدور بين أن يكون هناك علم بأن هذا المسجد بني على قبر، ولو كان هذا العلم مبنياً على غلبة

الظن، وبين مسجد بني على أرض لا يخطر في بال إنسان أن هناك قبر أو قبور، فيجب التفريق بين الأمرين، وإلا اختلط الحابل بالنابل، والحرام بالحلال. فإذا افترضنا أن المسجد المذكور في السؤال آنفاً حقيقة لم يبنى على قبرٍ أو على قبور، لكن ما دام القبور محيطة من جانبيه شرقاً وغرباً، وفي قبلته أيضاً، فهذا الوضع يشعر بأن المسجد بني على المقبرة، على أنني سمعت من بعضهم أنه وجد في بعض الأماكن من أساس هذا المسجد قبور، وعظام أموات، فهذا يشعر بأن أرض المسجد لا يمكن أن تكون سليمة من أن يكون فيها قبور. وعلى كل حال إذا افترضنا يقيناً أنه ليس في المسجد هذا أي قبر وأنه لن يبنى على مقبرة، فيبقى الإشكال قائماً من حيث أنه محاط بالقبور، وبخاصة بالجهة القبلية، ففي هذه الصورة يقول الإمام أحمد: بأنه لا بد من بناء جدار أو سور يفصل المقبرة عن المسجد أي: في اجتهاد الإمام أحمد لا يكفي جدار المسجد القبلي فاصلاً بينه وبين المقبرة، بل لا بد من بناء جدار آخر يفصل المقبرة عن جدار المسجد القبلي. وقد سأل بعضهم: كم تكون المسافة، طبعاً هذا ليس له تحديد، المهم أن يكون هناك هذا الفاصل من الجدار بين جدار المسجد وبين المقبرة، هذا جوابنا عن هذا السؤال، والحمد لله رب العالمين. السؤال: أستاذنا يقول البعض من الإخوة: أنه لا يطبق هذا الكلام على أمثال اليهود، مثل القبور أو الحرمة؟ الشيخ: كيف يعني؟ السؤال: يعني: مثلاً اليهود اتخذوا ...

الشيخ: قبورهم مساجد. السؤال: قبورهم مساجد فهذا لا يطبق في هذا؟ الشيخ: ليه؟ السؤال: هم يقولون يعني بعض إخوة، أما أنا ... الشيخ: لا، أنا أقول هم يقولون هذا، لماذا لا يطبق؟ السؤال: إيه نعم، لأنهم هم قاصدين في هذا، قاصدين في القبور يعني، أما المساجد الموجودة هنا مش قاصدين فيها، .. الشيخ: هاه فهمت الآن، الجواب: أن الصلاة في المسجد المبني على القبر أو على القبور كالصلاة في الأوقات المكروهة، ففي الأحاديث الصحيحة النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعلل الرسول عليه السلام في بعض الروايات الصحيحة أن الشمس حينما تشرق وحينما تغرب، فإنما تشرق وتغرب بين قرني شيطان، وحينذاك يسجد لها عُبَّاد الشمس. فالعلماء متفقون جميعاً على النهي عن الصلاة في هذين الوقتين، ولا يشترط في ارتكاب النهي أن يكون قاصداً الصلاة في وقت الكراهة، لأنه يكفي في ذلك أنه يتشبه بأولئك الذين يعبدون الشمس، كذلك يقال تماماً بالنسبة للمسجد المبني على القبر، هذا المسجد المبني على القبر أولاً هو كمسجد فيه مشابهة للكنائس، والبِيع التي يتَعبد فيها اليهود والنصارى. صورة المشابهة واضحة في هذا البنيان الذي هو المسجد المبني على القبر من جهة، وأولئك الذين يصلون في ذلك المكان بغض النظر عن نواياهم

ومقاصدهم، فهم أيضاً يتشبهون باليهود والنصارى الذين يصلون في مساجدهم المبنية على قبور أنبيائهم وصالحيهم. فإذاً: ليس من الشرط هنا ليكون الأمر محذوراً أن يقال بأنه قاصد؛ لأن الأمر يدور بين شخصين: أحدهما لا يقصد المسجد من أجل القبر، والآخر يقصد، فهذا الآخر شر من الأول، والأول لا ينجو من الشر؛ لأنه يصلي في مكان يتشبه فيه باليهود والنصارى، لهذا يجب على هؤلاء الإخوان أن يتفقهوا في الدين، وأن لا يظنوا أن الأحكام الشرعية، وأن المحرمات في الشريعة الإسلامية لا تكون حراماً إلا بقصد الشر، فقد يرتكب الإنسان محرم وهو لا يقصد الشر، ويظل حكمه حراماً. وحسبنا على ذلك مثالاً ما ذكرته آنفاً من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، هذا من عمل عبدة الأقمار والشموس، فالذي يصلي في هذا الوقت لا يخطر في باله أن يعظم الشمس، لكن مع ذلك ينهى؛ لكي لا تظهر المشابهة بين المسلم في ذلك الوقت وبين الكافر، هذا جواب السؤال السابق. السائل: ... الآن بخصوص المسجد الذي أشرت إليه، لو بني جدار مقابل طبعاً القبلة، هل (تقول) كالسابق أنه عدم جواز الصلاة فيه أولى ... ؟ الشيخ: هذا يعود بارك الله فيك إلى اتخاذ المصلين أو إلى معرفتهم، وقناعتهم الشخصية ليس اتباعاً للهوى، أنه هذا المسجد الذي هو محاط بالقبور بالجهة الغربية، والجهة الشرقية، والجهة القبلية، كيف بنيت هذه المقبرة وترك هذا المكان فارغاً حتى جاء بعض الناس في آخر الزمان فبنوا في هذا المكان مسجداً ولم يَكُن هذا المكان مقبرة يوماً ما؟

هذا الأمر يعود إلى قناعة هؤلاء الذين يريدون أن يصلوا، هل هم مقتنعون فعلاً إنه هذا المسجد لم يقام على مقبرة، وإن قيل نعم اقتنعوا كيف تصور الموضوع؟ كيف بنيت المقبرة شرقاً وغرباً وجنوباً؟ السائل: لا. جنوباً وغرباً جهتين فقط؟ الشيخ: مش مهم، ... بجهة، جهتين: جهة الغربية وجهة الجنوبية، هذا الفراغ، هذه الأرض يعني كيف بقيت هكذا بدون أن يدفن فيها أي ميت، وهل هذه المقبرة هي ملك لإنسان أم هي وقف للمسلمين؟ السائل: ملك لإنسان أستاذنا؟ الشيخ: المقبرة؟ السائل: إيه نعم. الشيخ: إيه. السائل يعني: بيعت بالمدة الأخيرة أنها كانت في ملك لإنسان، وكان الدفن فيها عشوائي، يعني: مش أمثال مثل مقبرة السحاب، لو كان ... الأمر مثلاً في مقبرة السحاب، يكون الإنسان مطمئن أكثر؛ لأن الإنسان ... الشيخ: ما عليش نحن بنمشي الآن إنه القبور بنيت في هذه الأرض عشوائياً كما تقول، ما الذي حدد هذه الجهة وهذه الجهة، ولم تَتَعَدَّ الخطوات العشوائية إلى هذا المكان الذي بني عليه المسجد، لو أن المسجد مبني قديماً قبل المقبرة، وجاء الناس فاضطروا أن يبنوا حولها المسجد؛ لأن المسجد محصور بالجدر، لكن القضية بالعكس، المقبرة من قبل ثم المسجد هو الذي بني في تلك الأرض.

كيف يمكن أن يتصور الإنسان هذا؟ ويضاف إلى ذلك أنني سمعت من بعض إخواننا هناك أنه في أثناء الحفريات في أساس المسجد وجدوا قبوراً. السائل: طيب أستاذي! لو كانوا مخطئين يعني: تحت أساسات السور، مش تحت أساسات البناء القائم، هل نشك قد يكون في أساسات نفس المسجد؟ الشيخ: تحت أيش؟ السائل: أساسات السور التي هي التهوية؟ الشيخ: إيه. السائل: يعني: كالسور هذا يعني. الشيخ: إيه. السائل: إيه نعم، مش تحت البناء مثلاً كأمثال هذا، تحت هذا؟ الشيخ: هذا السور، وهذا بجدار المسجد؟ السائل: إيه نعم، نفترض إنه وجدوا الأساسات ... الشيخ: فاهم، فاهم، وهذا جدار المسجد؟ مداخلة: نعم. الشيخ: وهذا جدار المسجد؟ مداخلة: إيه نعم، هذا جدار المسجد، وهذا السور نعتبره. السؤال: الذي هو يؤثر الذي يكون تحت المسجد مباشرة؟ الشيخ: إيه نعم. مداخلة: جزاك الله خير. الشيخ: وإياك. "الهدى والنور" (29/ 26: 25: 00)

[147] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد، وهل يلزم من ذلك حرمة الصلاة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؟!

[147] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد، وهل يلزم من ذلك حرمة الصلاة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! السؤال: سيدي قرأت حديث يقول انه لا يجوز الصلاة في مسجد يكون فيه قبر أو أكثر من قبر. فهذا الحديث صحيح أو غير صحيح؟ الشيخ: هذا [فيه] أحاديث. مداخلة: علماً أن قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - داخل الحرم الشريف والمسجد الأموي فيه قبر كمان. الشيخ: سؤالك فيه شُعب يعنى ممكن تقسيمه إلى أسئلة. الجواب عن السؤال الأول أن الحديث الوارد في النهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور ليس فقط صحيحا بل هو صحيحاً متواتر, ولعلكم تعلمون المقصود بلفظة متواتر, الحديث الصحيح هو يأتي من طريق من إسناد واحد صحيح عند علماء الحديث هذا حديث صحيح, لكن الحديث إذا جاء من أسانيد متعددة وعن جماعة من الصحابة كُثُر يقال في هذا الحديث حديث صحيح متواتر, والحديث الصحيح المتواتر يعني من حيث الثبوت بيكون في قوة القرآن الكريم, فالحديث اللي بينهى عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور ليس حديثاً فرداً صحيحاً بل هو مجموع أحاديث أكثر من عشرة أحاديث. وأنا كنت تتبعت في زماني هذه الأحاديث فجاوزت العشرة أحاديث عن عشرة من الصحابة وكل هذه الأحاديث تدندن وتدور حول النهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور, لا بأس من أن نذكر شيئا من هذه الأحاديث مما

يحضرنا, من ذلك مثلاً: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لما رجعت أم سلمة وأم حبيبة من الحبشة «كانوا من المهاجرات إلى الحبشة ورجعوا إلى المدينة» ذكرتا لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كنيسة رأتاها في الحبشة وذكرتا من حسنٍ وتصاوير فيها فقال عليه الصلاة والسلام: «أولئك- يعنى النصارى- كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا على قبره تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» , انتبهت يا شيخ في آخر الحديث؟ مداخلة: نعم. الشيخ: يقول الرسول عليه السلام في آخر الحديث «أولئك- يعني النصارى- كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا- يعني نقشوا فيه تلك النقوش يعني الزخارف- أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» الحديث الثاني أيضا في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت عائشة رضي الله عنها «ولولا ذلك أبرز قبره عليه الصلاة والسلام ولكن خُشي أن يتخذ مسجداً» , الجملة هذه أرجوا أن تبقى في ذاكرتكم لأن لها صلة وثقى بالجواب عن الشطر الثاني من السؤال حيث قُلْتَ (هذا) قبر الرسول في مسجد الرسول. هذا الحديث الثاني. الحديث الثالث وهو في صحيح مسلم من حديث سمرة بن جندُب أو جندَب أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال قبل أن يموت عليه السلام بخمس ليال أو ثلاث ليال- الشك من عندي- «ألا إن من أَمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً,

ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائم مساجد ألا فلا تتخذوها مساجد إني أنهاكم عن ذلك» هذا الحديث الثالث يؤكد الحديثين الأولين وبيزيد عليهما بياناً لأن بعض الناس الذين اعتادوا وعاشوا على خلاف السنة الصحيحة بيقول لك يا أخي احنا شو دخلنا بالنصارى, هؤلاء النصارى والرسول بيحكي عنهم وبيقول أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة, وبيلعنهم لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد, نحن شو دخلنا في الموضوع, يأتي هذا الحديث ليؤكد معنىً معروفاً عند العلماء أن نبينا عليه الصلاة والسلام لما يرينا أموراً وقعت قبل الرسول عليه السلام وبيحذر من هذه الأمور فما بيحكيها لنا للتسلية وإنما لنأخذ منها موعظة وعبرة, ولذلك جاء الحديث الأول وجاء الحديث الثاني. ولكن قد يرد مثلاً إشكال قد يقول قائل كما قلنا آنفاً الحديث الأول والثاني ماله علاقة بالأمة المحمدية فيأتي الحديث الثالث وكما يقال اليوم يضع النقاط على الحروف, يقول بعد أن يحدث عمن قبلنا «ألا وإن من كان قبلكم- يعني اليهود والنصارى الذي ذكروا في الحديثين- كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا- أنتم معشر الأمة الإسلامية- ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» هذا حديث ثابت, وأحاديث كثيرة منها: قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد»، فهذا كمان بيشمل غير اليهود والنصارى؛ لأن الرسول عليه السلام يقول في بعض الأحاديث الصحيحة: «لاتقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول لا إله إلا الله» معنى الحديث لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض موحدين لله لا يشركون به شيئاً, ولذلك جاء في الحديث الآخر قوله عليه

السلام: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق» فإذاً من شرار الخلق أولئك الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد, فهؤلاء سيكونون بعد الرسول عليه السلام. بناءً على هذه الأحاديث وغيرها يحرم بناء المسجد على القبر ويحرم بالتالي اتخاذ ذلك المسجد مصلىً لماذا؟ الجواب مع الأسف معروف عملياً, لأن هذا القبر سيُدعى من دون الله تبارك وتعالى, ومعنى يُدعى من دون الله أنه يُعبد من دون الله. وهذا بحث طويل الآن نؤجله إلى مناسبة أخرى إن شاء الله لندخل في الجواب عن السؤال الثاني أو الشق الثاني من السؤال الواحد، فنقول: صحيح أن قبر الرسول اليوم في مسجد الرسول لكن هل حينما مات الرسول عليه السلام دفن في مسجده؟ الجواب لا, وحديث عائشة الذي لفت نظركم إليه هو دليل صريح بذلك حيث قال: «لولا ذاك أبرز قبره ولكن خُشي أن يُتخذ مسجداً» أي: لولا تحدث الرسول عليه السلام عن اليهود والنصارى وأنهم لعنوا بسبب اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد, لولا هذا كان قبر الرسول عليه السلام يُدفن في أرض بارزة أرض مثل الأرض التي قدامكم هنا، لكن لم يُفعل بقبره عليه السلام ذلك لماذا؟ خشية أن يُتخذ مسجداً, إذاً أين دُفن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - , هنا قصة لما مات عليه الصلاة والسلام {وكل من عليها فان} اختلف أصحابه في مكان دفنه، أكثرهم كان لا علم عنده بأين يدفن النبي عليه السلام وهم في هذا التشاور أين يدفنوه عليه الصلاة والسلام دخل عليهم أبو بكر الصديق، قال لهم: الجواب عندي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «ما من نبي إلا دُفن في الموضع الذي مات فيه» أين مات الرسول عليه السلام؟ في بيته في بيت السيدة عائشة ... ما كادوا يسمعون هذا الحديث إلا سحبوا السرير الذي مات عليه الرسول وحفروا تحت منه وذلك في

بيت عائشة, وبيت عائشة كان بجنب مسجد الرسول عليه السلام, لذلك تواترت الأحاديث أن الرسول عليه السلام كان يخرج من بيته إلى المسجد حتى يوم الجمعة كان إذا أذن بلال يوم الجمعة أو قبل ما يؤذن بلال يوم الجمعة كان الرسول يخرج من البيت إلى المنبر فوراً، وبس بلال يشوف الرسول صعد المنبر يؤذن الأذان، ثم يبدأ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الخطبة إلى آخره. فإذاً رسول الله دُفن في بيته لكن ماذا جرى بعد ذلك, وقع شيء مؤسف, في زمن أحد ملوك بني أمية أو خلفاء بني أمية رأوا من الضروري توسعة المسجد النبوي، علماً أنه كان عمر بن الخطاب قد أدخل توسعةً على المسجد النبوي، وكذلك من بعده عثمان بن عفان, انظر الآن الفرق بين الصحابة وعملهم وبين من جاؤوا بعدهم, توسعة عمر بن الخطاب وتوسعة عثمان لم تكن على حساب حجرات أم المؤمنين التي منها حجرة السيدة عائشة وإنما كانت في الجهة الجنوبية التي بيقولوا إلى اليوم زيادة عمر هناك, وزيادة عثمان في جهة أخرى لا تحضرني الآن, لكن في زمن بني أمية وجدوا حاجة بتوسعة المسجد فوسعوه من جهة قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فرفعوا الجدار الفاصل بين بيت عائشة وبيوت سائر أمهات المؤمنين وبين المسجد فصار القبر في المسجد حيث ترونه اليوم، فتظنون أن الرسول عليه السلام دُفن في مسجده فيُشكل عليكم الأمر حينما تسمعون هذه الأحاديث وتسمعون ما يدل عليها من تحريم الصلاة في المساجد المبنية على القبور. يبقى الجواب والثالث والأخير هل حكم الصلاة في المسجد النبوي كحكم الصلاة في المساجد كلها ومنها ما ذكرت أنت أو غيرك مثل بني أمية عندنا في الشام؟ نقول مسجد الرسول عليه السلام ليس كذلك؛ لماذا؟

[148] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد

لأن مسجد الرسول له فضيلة خاصة حيث قال: «صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة مما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» هذه الفضيلة ستستمر إلى يوم القيامة, لكن الذين أدخلوا القبر في المسجد أخطأوا السنة والواجب حين ذاك أن المسلم ما يقصد يصلي تجاه القبر إنما يصلي في الروضة والنواحي الأخرى وبهذا القدر كفاية. "الهدى والنور" (130/ 16: 19: 00) [148] باب حرمة اتخاذ القبور مساجد [قال الإمام]: قوله [أي صاحب فقه السنة]: «وعند الحنابلة كذلك [أي تكره الصلاة في المقبرة] إذا كانت [المقبرة] تحتوى على ثلاثة قبور فأكثر أما ما فيها قبر أو قبران فالصلاة فيها صحيحة مع الكراهة إن استقبل القبر وإلا فلا كراهة» قلت: هذا قول بعض الحنابلة، ولم يرتضه شيخ الإسلام ابن تيمية، بل رده وذكر عن عامة أصحاب أحمد أنه لا فرق بين المقبرة فيها قبر أو أكثر. قال في «الاختيارات العلمية»: «ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها، والنهى عن ذلك إنما هو سد لذريعة الشرك، وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة؛ لأنه لا يتناوله اسم المقبرة، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعداً، وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور وهو الصواب, والمقبرة كل ما قبر فيه, لا أنه جمع قبر, وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه, فهذا يعين أن المنع يكون متناولاً لحرمة

[149] باب حكم اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها

القبر المنفرد، وفناءه المضاف إليه, وذكر الآمدي وغيره أنه لا تجوز الصلاة فيه أي المسجد الذي قبلته إلى القبر, حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر, وذكر بعضهم: هذا منصوص أحمد» قلت: وقد ذكر شيخ الإسلام في «الفتاوى» وغيرها اتفاق العلماء على كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور وحكى بطلانها فيها في مذهب أحمد, وذلك مستفاد من أحاديث النهى عن اتخاذ القبور مساجد, وبنائها عليها, وهى مسألة هامة قد أغفلها عامة الفقهاء, ولذلك أحببت أن أنبه عليه, وأن لا أخلى هذه التعليقات منها, وقد فصلت القول فيها في «التعليقات الجياد» و «أحكام الجنائز» و «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد». "تمام المنة" (ص298 - 299). [149] باب حكم اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج». (ضعيف) [قال الإمام]: ولعن المتخذين على القبور المساجد متواتر عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في " الصحيحين " وغيرهما من حديث عائشة وابن عباس وأبي هريرة وزيد بن ثابت وأبي عبيدة بن الجراح وأسامة بن زيد، وقد سقت أحاديثهم وخرجتها في " التعليقات الجياد على زاد المعاد " ثم في " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد "، وهو مطبوع،

ونص حديث عائشة وابن عباس مرفوعاً: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد" زاد أحمد في روايته: "يحرم ذلك على أمته" وأخرج أيضاً من حديث ابن مسعود مرفوعاً: "إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد". ومع هذه الأحاديث الكثيرة في لعن من يتخذ المساجد على القبور تجد كثيرا من المسلمين يتقربون إلى الله ببنائها عليها والصلاة فيها، وهذا عين المحادة لله ورسوله، انظر " الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر " للفقيه أحمد بن حجر الهيثمي (1/ 121) وقد صرح بعض الحنفية وغيرهم بكراهة الصلاة فيها، بل نقل بعض المحققين اتفاق العلماء على ذلك، فانظر " فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (1/ 107، 2/ 192) " وعمدة القاري شرح صحيح البخاري " للعيني الحنفي (4/ 149) وشرحه للحافظ ابن حجر (3/ 106)، وأما لعن المتخذين عليها السرج. فلم نجد في الأحاديث ما يشهد له، فهذا القدر من الحديث ضعيف، وإن لهج إخواننا السلفيون في بعض البلاد بالاستدلال به، ونصيحتي إليهم أن يمسكوا عن نسبته إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - لعدم صحته، وأن يستدلوا على منع السرج على القبور بعمومات الشريعة، مثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، ومثل نهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن إضاعة المال، ونهيه عن التشبه بالكفار ونحو ذلك. "الضعيفة" (1/ 393، 395 - 396).

[150] باب من هو قائل عبارة"يحذر ما صنعوا" في حديث اتخاذ القبور مساجد؟

[150] باب من هو قائل عبارة"يُحذِّر ما صنعوا" في حديث اتخاذ القبور مساجد؟ [قال الإمام في معرض كلامه على أخطاء البوطي في كتاب فقه السيرة]: ذكر [أي البوطي في "فقه السيرة"] (ص 502) الحديث المتفق عليه: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد. وقال عقبة: كأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - يحذر المسلمين من أن يصنعوا صنيعهم به. قلت: هذا القول من الدكتور ينبئ العالم بالحديث بأحد أمرين: إما أن الدكتور من الجهل بحيث لا علم له بالحديث, أو أنه يتعمد تحريف رواية الحديث, ذلك أن التحذير المذكور الذي جعله الدكتور من قوله, هو من تمام الحديث المتفق عليه, وهو من حديث عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما, فقد قالا عقب الحديث مباشرةً «يحذر ما صنعوا».هكذا أخرجه البخاري (422/و6/ 386و10/ 227 - فتح الباري) ومسلم (2/ 67) والدارمي (1/ 326) وأحمد (1/ 218) وصرح هذا أنه من قول عائشة رضي الله عنها, وهذه فائدة فاتت الحافظ ابن حجر التنبيه عليها فقال في «الفتح (1/ 423): «قوله: «يحذر ما صنعوا» جملة أخرى مستأنفة من كلام الراوي, كأنه سأل عن حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت, فأجيب إلي ذلك». فإذن قوله: «يحذر ما صنعوا» من كلام راوي الحديث كما صرح الحافظ, وهو عائشة رضي الله عنها, كما في رواية أحمد, فكيف جعلها الدكتور من كلامه هو؟! وصنعه هذا يذكرني بنوع من أنواع جرح رواة الحديث وهو المعروف بسرقة الحديث؛ كان الراوي يبلغه حديث يرويه بعضهم فيسرقه منه ويركب عليه إسناداً

[151] باب هل عمى الصحابة موضع قبر النبي دانيال حتى لا يتخذ على قبره مسجدا؟

من أسانيده, ثم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , أما الدكتور, فقد نسب ما في الحديث إلى نفسه! إلا أنني لا أستطيع أن أجزم بأنه تعمد ذلك ليقيني أن محفوظاته للأحاديث النبوية قليلة جداً, فمن المحتمل احتمالاً قوياً أنه لا يعلم أن في الحديث تلك الجملة: «يحذر ما صنعوا» , فشرحه من عندياته! على أن في قول الدكتور: «كأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - يحذر ... » تشكيكاً واضحاً منه في أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أراد التحذير, وهذا مخالف مخالفة صريحة لجزم السيدة عائشة بذلك بقولها: «يحذر ما صنعوا» , كيف لا والشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬1) فتأمل ما يصنع الجهل بالحديث من التحريف والتبديل للنص الصحيح الصريح. "دفاع عن الحديث النبوي" (ص91 - 92) [151] باب هل عمَّى الصحابة موضِعَ قبر النبي دانيال حتى لا يُتَّخَذ على قبره مسجداً؟ سؤال: القصة التي يوردها أئمة الدعوة في كتبهم، أن بعض الصحابة خرجوا فوجدوا جثة النبي دانيال فحفروا لها ثلاثة عشر قبراً حتى يعمى الناس عنها ولا يتخذوها قبوراً، يعني مساجد على قبره، فما مدى صحة هذه الرواية؟ الشيخ: أولاً ذكرت في أول كلامك يذكرها أهل الدعوة، تعني بأهل الدعوة من؟ مداخلة: أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب. الشيخ: لكن هي في الاصطلاح الآن يقصد به جماعة التبليغ. ¬

(¬1) قلت وهو مخرج عندي في «الأحاديث الصحيحة» برقم (1904). [منه].

[152] باب مدى صحة تخصيص حرمة الصلاة في المساجد التي فيها قبور فيما إذا كان المصلي يستقبل القبر، وحكم الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟

مداخلة ما قصدت هذا. الشيخ: أنت ما قصدت هذا لكن لفظك يوهم هذا، فاستغربت ما نسبته بناء على فهمي، لأن هؤلاء لا يهتمون بمثل هذه الفضائل إطلاقاً. مداخلة: صحيح. الشيخ: المهم هذه الرواية لها أصل صحيح ثابت، وهو له أو هي لها عدة روايات، فالتفصيل الذي ذكرته لا أستحضر الآن إن كان صحيحاً بنفس التفصيل، لكن المهم أنه فعلاً اكتشفوا وحفروا وأجروا نهراً عليه بحيث أنه لا يمكن أن يؤتى إليه فيعظم أو يعبد من دون الله تبارك وتعالى فهذا ثابت. "الهدى والنور" (304/ 53: 57: 00) [152] باب مدى صحة تخصيص حرمة الصلاة في المساجد التي فيها قبور فيما إذا كان المصلي يستقبل القبر، وحكم الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ سؤال: بعض المشايخ كالأزهريين وغيرهم يفرقون بين إذا ما كان المصلي يستقبل القبر أم إذا كان القبر خلف المصلي. الشيخ: الله يهديهم. الملقي: ففي الحالة الأولى لا يجيزون الصلاة. وفي الحالة الثانية يجيزونها، فما هو رأيكم-بارك الله فيكم-؟ الشيخ: نحن كنا تكلمنا عن هذه المسألة بشيء من التفصيل، في كتابنا المطبوع قديماً عديداً من الطبعات المسمى بـ: "تحذير الساجد من اتخاذ القبور

مساجد"، فقلنا: إن المسألة تختلف بين الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، وبين الصلاة في أرض ليست مسجداً فيها قبر، ففي الحالة الأولى، أي في المسجد الذي فيه قبر؛ لا فرق بين الصلاة إلى القبر أو إلى يمينه أو إلى يساره، أو من أمامه قريباً منه أو بعيداً عنه، لا فرق بين ذلك؛ لأن هذا المصلي في أي صورة من هذه الصور المحكية آنفاً صلى فقد صلى في مسجد بني على قبر، والرسول-عليه السلام- في الأحاديث المتواترة في لعن الذين سبقونا من اليهود والنصارى بسبب اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد، وفي الحديث الخاص بهذه الأمة الذي جاء في بعض الروايات في صحيح مسلم، كما تقول السيدة عائشة يحذر مما صنعوا: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، يحذر-عليه السلام- مما صنعوا، وتقول السيدة عائشة في رواية متفق عليها في الصحيحين: ولولا ذلك لأبرز قبره-عليه السلام-، ولكنه لم يفعل؛ لأنه خشي أن يتخذ مسجداً، كذلك أخيراً يأتي قوله-عليه السلام-: «إن من شر الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد»، هذا ليس خاصاً بالأمم السابق، وإنما بالأمة اللاحقة، آخر الأمم وهي أمة الرسول-عليه السلام-: «إن من شر الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد»، إذاً لا فرق من حيث أن الصلاة لا تصح في المسجد المبني على القبر في أي جهة صلى المصلي في هذا المسجد. نعم هناك فرق بين من يصلي بعيداً وبين من يقصد الصلاة إلى القبر كما يفعل بعض الضالين هناك في المسجد النبوي، لا يعجبهم أن يصلوا في المسجد النبوي وفيه القبر إلا أن يصلوا في السدة التي إذا صلوا فيها استقبلوا القبر هذا أشر من ذاك، لكن كلهم يشملهم أن الصلاة باطلة.

[153] باب هل تجوز صلاة الجنازة في مسجد فيه قبر؟

وهنا لا بد من التنبيه مما كنا نبهنا عليه في ذاك الكتاب بصورة خاصة وربما في غيره أن مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يشمله هذا الحكم؛ لأنه له صبغة وصفة شرعية، ويرحمك الله، أن الصلاة فيه بألف صلاة مما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، هذه الألف صلاة من الفضيلة لا يمكن نسخها من عندنا بسبب ما طرأ عليه من إدخال ما خشيه الرسول-عليه السلام- حينما بيّن وسن للناس أن يدفن في حجرته، هذا الحكم في الصلاة في المسجد المبني على القبر. أما قبر في أرض عراء، فهذه الحكم لا ينسب من هناك إلى هذه الأرض، وإنما من صلى هنا إلى القبر فهذا هو المحظور، وهذا هو المنهي عنه في قوله -عليه السلام-: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها»، هذا حكم خاص في قبر في أرض في العراء، أما القبر في المسجد فكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: هذا المكان الذي بني وفيه قبر صار مقبرة، ولو بقبر واحد، بعض الحنابلة كما يذكر هو اشترط أن تكون القبور في ذلك المكان ثلاثة حتى يصبح ذلك المكان مقبرة، قال ابن تيمية: لا هذا هذا العدد لا أصل له لا لغة ولا شرعاً، مجرد أن يدفن رجل أو شخص أو ميت واحد في هذه الأرض صارت الأرض مقبرة، فإذا كان المسجد فيه قبر واحد لا تجوز الصلاة فيه، أرض هناك عراء ليست مسجداً لا تجوز الصلاة إلى القبر مواجهةً، أما إذا صلى بعيداً يميناً يساراً أو أماماً فلا محظور في ذلك، بهذا ينتهي الجواب عن سؤال أخينا الكريم. "الهدى والنور" (647/ 16: 30: 00) [153] باب هل تجوز صلاة الجنازة في مسجد فيه قبر؟ السائل: عندي ثلاثة أسئلة: السؤال الأول: ويوجد عندنا في مصر كثير من المساجد المقبورة التي بني من أجلها القبر أو بنيت هي من أجل القبر، ولا يوجد

[154] باب منه

إلا القليل من المساجد التي تخلو من هذا، وصلاة الجنازة خاصة. الشيخ: كيف؟ السائل: صلاة الجنازة، إذا مات إنسان يصلوها في تلك المساجد المقبورة، فنحن لا نذهب إليها، فتعلمون ثواب صلاة الجنازة، فنحن نُحْرَم من هذا الثواب بسبب عدم ذهابنا إلى تلك المساجد، فهل نذهب ونصلي مع الكراهية، أم لا نصلي أبداً على صلاة الجنازة؟ الشيخ: سؤال جيد، قبل صلاة الجنازة، صلات الفريضة، كما تعلم من الصلوات الخمس، أين تصلونها؟ السائل: الحمد لله مكن الله لنا ببناء مساجد بالرغم من هذا يعني، لكن الناس لا يصلون فيها صلات الجنازة. الشيخ: جميل، حينئذٍ تصلون على الميت في قبره. السائل: في قبره، بعد دفنه. الشيخ: وهل يكون الميت في قبره إلا بعد دفنه؟ السائل: لا اقصد بعد ما الناس يدفنوه وينزلوا، نصلي نحن يعني؟ الشيخ: ما أنا اقصد ما تقول أنت أنا اقصده، تصلون عليه في قبره. " الهدى والنور" (427/ 16: 33: 00 طريق الإسلام) [154] باب منه سؤال: بالنسبة للنهي عن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، هل ذلك يشمل أيضاً النهي عن صلاة الجنازة في ذلك المسجد؟

[155] باب حكم صلاة الجنازة داخل المقبرة في مكان مخصص للصلاة ليس فيه قبور

الشيخ: ... أليست صلاة؟ لا تصلى أي صلاة في مسجد فيه قبر؛ لنهي الرسول عليه السلام عن ذلك في أحاديث متواترة كنا قد جمعناها أو جمعنا ما تيسر لنا يومئذ في كتابي: «تحذير الساجد عن اتخاذ القبور مساجد».نعم. مداخلة: بعضهم علل النهي بالركوع والسجود، وقال أن صلاة الجنازة لا سجود فيها، فبالتالي النهي عن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، قد يتوهم بعضهم أن هذا يسجد ويركع للميت المقبور مثلاً، فقال: حيث انتفت العلة فينتفي الحكم، هل هذا صحيح؟ الشيخ: ما هي العلة؟ مداخلة: إيهام السجود لصاحب القبر. الشيخ: من أين هذه العلة جاءت؟ هذه علة عقلية وليست نقلية، ولذلك فلا يجوز أن يبنى عليها حكم شرعي يخالف النصوص العامة. "الهدى والنور" (385/ 42: 00: 00) [155] باب حكم صلاة الجنازة داخل المقبرة في مكان مخصص للصلاة ليس فيه قبور السائل: السؤال الثاني: ما حكم صلاة الجنازة داخل المقبرة في مكان مخصص للصلاة ليس فيه قبور إنما هو أرض فسيحة؟ الشيخ: إذا كان هناك حاجز بين المقبرة وبين هذه الأرض الفسيحة فالصلاة فيها جائزة وإلا فلا، لا بد من أن يكون هناك سور يفصل مصلى الجنازة عن

[156] باب هل تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر لمن لم يجد مسجدا غيره؟

المقبرة، والأحسن إذا كان ممكناً ألا يكون- ولو بني هناك سور من جميع أطراف الأرض- ألا يكون المصلون مستقبلين للمقبرة، وإنما تكون المقبرة عن يمينهم أو عن يسارهم، واضح الجواب؟ مداخلة: واضح. الشيخ: قلتُ: إذا كانت الأرض التي يصلي فيها المصلون جنازة ونسمي هذه الأرض المصلى، كانت مسورة مبني حولها جدار، ومفصولة بين المصلى وبين المقبرة جاز الصلاة في هذه الأرض لانفصالها بالسور عن المقبرة، لكن الأولى والأشرع والأفضل أن تكون أرض المصلى عن يمين المقبرة أو عن يسارها، وألا تكون المقبرة في قبلة الأرض، ولو كان بين الأرض وبين المقبرة سور فاصل. "الهدى والنور" (231/ 51: 31: 00) [156] باب هل تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر لمن لم يجد مسجدًا غيره؟ مداخلة: هل [تجوز الصلاة في مسجد] وهذا المسجد فيه قبر، ولا يوجد مسجد غيره ... ؟ الشيخ: إذا كان يعرف أن المسجد الذي به قبر لا يجوز الصلاة فيه ولا يوجد كما تقول مسجد آخر ولا يستطيع هو أن يذهب إلى قرية قريبة منه ليصلي، فالذي أراه أنه يجوز له أن يصلي في هذا المسجد؛ لأنني أعتقد أن النهي عن المساجد المبنية عل القبور هو من باب سد الذريعة، فإذا كان الذي يصلي يعرف هذا الحكم ويجد له عذرًا في الصلاة في هذا المسجد فهو شأنه عندي شأن المصلي في وقت الكراهة، لكنه لا يتقصد الصلاة في وقت الكراهة فتكون صلاته صحيحة إن لم

يتعمد ولا كراهة فيها، وإلا إن تعمد فمعروف أن هذا التعمد يؤاخذ عليه، وسؤالك واضح جدًا أنه لا يتعمد الصلاة في هذا المسجد وإنما لأنه لا يجد مسجدًا آخر خاليًا من قبر، هذا شيء. الشيء الآخر في اعتقادي: يجب على هذا إذا كان على شيء من العلم أن ينشر هذه المسألة بين المصلين ولو بالتدرج وعدم الصدع بحيث أنه يثير مشكلة أو فتنة في المسجد، فربما نفع الله عز وجل به أهل المسجد وربما مع الزمن يقومون إما لبناء مسجد جديد إذا كان المسجد طارئًا على القبر أو لإزالة القبر إذا كان هو الطارئ على المسجد. مداخلة: سؤال عن نفس الموضوع: كيف التوفيق ... النهي عن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر ... ؟ الشيخ: لا يوجد عندنا هذا النص الذي تقول أنت يا أخي! نحن عندنا النهي عن اتخاذ القبور مساجد، هذا النهي يستلزم أمورًا كما ذكرنا ذلك مفصلًا في كتابنا الخاص في هذه المسألة وهو المسمى بتحذير الساجد عن اتخاذ القبور مساجد، وهذا النهي يستلزم النهي عن بناء المسجد على القبر، ويستلزم النهي عن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر كما سبق في الكلام آنفًا، ويستلزم النهي عن الصلاة إلى القبر، فإذًا: هذا الحديث وأمثاله فيه النهي عن كل هذه الأمور، فلو أن رجلًا صلى إلى قبر، وهذا أغرق في الضلال وفي الخطأ أن يصلي إلى قبر، لكنه هو لم يتقصد الصلاة إلى قبر فصلاته تكون صحيحة؛ لأن القصد لم يكن التوجه إلى القبر، هذا من مع قوله عليه السلام: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» ولما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنس بن مالك يصلي إلى قبر، قال له عمر: «القبر القبر»، فلم يفهم اللفظة هذه أنس مباشرةً فرفع بصره كأنه فهم أنه يقول: القمر القمر، فعاد

[157] باب منه

عليه فقال له: القبر القبر، يعني: احذر القبر وابتعد عن القبر، فلم يقل-الشاهد من هذا الأثر-لم يقل أن صلاتك باطلة. ثم نحن قلنا ما قلناه آنفًا بعد هذا التوضيح: أن الأمر أي: النهي عن بناء المساجد على القبور هو من باب سد الذريعة، فإذا كان الذي يصلي معذورًا كما جاء في السؤال فهو كالذي يصلي في أوقات الكراهة معذورًا، لا فرق بين هذا وهذا، لكن علينا نحن أن ننصح الناس أن لا يبنوا المساجد على القبور، وأن ينظروا إن كان المسجد طارئًا على القبر فيزال المسجد، والعكس بالعكس. "لقاءات المدينة" (1/ 00: 02: 57) [157] باب منه سؤال: أريد .. بالنسبة للمسجد الذي فيه قبر .. في الحي ليس هناك مسجد إلا الذي فيه قبر جائز أن الإنسان يصلي فيه، أو ما حكمه؟ الشيخ: الذي يقصد الصلاة في المسجد الذي فيه قبر فصلاته باطلة، أما الذي يفاجأ بالصلاة خشية أن تفوته صلاة الجماعة ولا يجد وقتاً .. أو لا يجد مسجداً آخر في المحلة التي هو فيها إلا هذا المسجد الذي فيه القبر فصلاته صحيحة. "الهدى والنور" (797/ 28: 44: 00) [158] باب حكم الصلاة في مسجد نُبِشَ القبر الذي فيه سؤال: كنت أريد أن أسأل، هؤلاء الذين أخرجوا عظام المسلمين البالية وجعلت خارج المسجد وهذا العذر يا شيخ هل يسوِّغ لنا أن نصلي دون أن نرى في ذلك حرج، أن نصلي داخل المسجد؟

الشيخ: يعني القبور نبشت، وأخرجت عظامها إلى خارج المسجد. الملقي: أي نعم. الشيخ: أكذلك؟ الملقي: أي نعم. الشيخ: طبعاً لم يبق هناك محظور، هو في الأصل المشكلة من الناحية الشرعية كما تعلمون جميعاً تقوم على الظاهر، فلو فرض أن أرضاً للمسجد هي أصلها قبور، لكنها مدروسة ليس لها ظهور، فالصلاة في هذه الأرض أو في هذا المسجد ليس فيها شيء .. ، والعكس بالعكس تماماً، إذا فرض أن هناك قبراً أو أكثر من قبر في أرض مسجد، والحقيقة أنه ليس هناك إلا هذا القبر الظاهر، أما في الأسفل لا شيء. الملقي: لا شيء. الشيخ: فهنا لا يجوز؛ لأنه العبرة بالظاهرة. الملقي: جيد. الشيخ: آه، فإذا كانت دُرِسَت القبور من المسجد وبخاصة إذا نبشت إذا كانت هناك لا يزال يوجد عظام كما تقول فدفنت في مكان آخر، فالمحظور زال بلا شك. الملقي: الحمد لله. الشيخ: لأنه العبرة دائماً بالظاهر، ويعجبني بهذه المناسبة ما يروى عن المعري حينما قال في شعره:

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب ... فأين القبور من عهد عاد أجاب: خفف الوطأ ما أظن أديم ... الأرض إلا من هذه الأجساد فالأمر طبيعي {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} (المرسلات: 25) {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} (المرسلات: 26)، فالعبرة إذاً بالشيء الظاهر، ومسجد الرسول لعلكم تعلمون. الملقي: - صلى الله عليه وآله وسلم -. الشيخ: كان عبارة عن قبور للمشركين فنبشت وأزيل النخيل وبُني المسجد. الملقي: الحمد لله رب العالمين، عندنا بنية تم توسيع مسجد، كما تحدثتم عن المقابر هذا المسجد تم توسيعه على أرض مقبرة، تم إزالة العظام من قِبل المقبرة ورفع المقابر وبنى المسجد عليها فهل يصح الصلاة في هذا المسجد أم لا؟ الشيخ: هذا سبق الجواب، ما كنت معنا؟ الملقي: آه بس يعني أردت تفصيل لأنه أحسست أنه بعض العلماء قال: لا يجوز الصلاة في هذا المسجد؟ الشيخ: لقد أجبنا عن هذا السؤال بعينه، ولعلك ستذكره-إن شاء الله- حينما أتينا ببيت المعري. صاح هذي قبورنا تملأ الرحب ... فأين القبور من عهد عاد خفف الأرض ما أظن أيش؟ مداخلة: خفف الوطأ

الشيخ: خفف الوطأ ما أظن أديم الـ .. أرض إلا من هذه الأجساد. ما سمعت هذا الشعر؟ سمعته؟ إيه هذه كانت المناسبة جواب لسؤال أخ هنا طرحه وهو أنه هناك مسجد كان في ساحته مقابر، فنبشت ودفنت خارج المسجد فهل تصح الصلاة في هذا المسجد؟ الجواب: نعم؛ لأننا قلنا أن الشارع الحكيم أولاً ينظر للظاهر، وضربنا مثلاً أنه لو كان هناك قبر ظاهر لكن في الداخل لا شيء إطلاقاً، كما يروى عن بعض الدجالين، لعلك سمعت قصتهم حينما بنوا قبراً ظاهراً، وبنوا عليه قبة، وأشاعوا بين الناس أنه هنا فلان زيد من الناس رأى في المنام أنه هنا مدفون أحد الأولياء والصالحين، أشاعوا هذه الأخبار والناس يعني كما تعلمون أتباع كل ناعق، فصارت بقى تجيء الزوار والهدايا والنذور وو الخ، هدولا اثنين، ذات يوم اختلفوا بعضهم مع بعض، فوصل بهم الاختلاف إلى أن أحدهم قال لصاحبه يعني معنى القصة إنه بتحلف بالشيخ، بيقول له علي أمان ما في لا شيخ ولا فريخ، فنحن اتخذنا هذا من أجل أيش؟ جلب المال، فالقصد أنه هذا قبر ظاهر لا يجوز قصده، ولو كان نحن نعلم أنه ليس هناك دفين تحته إطلاقاً. من أجل هذا من تاريخ حياتي، منذ نعومة شبابي لماذا؟ لأنه فيه قبر زعموا قبر رأس يحيى-عليه السلام- مش يحيى كله، رأسه فقط، وهناك أبهة وقبة وذهب مطلي، وإلى آخره، والناس يتقصدونه للتبرك والدعاء وإلى آخره، فأنا تركت الصلاة في هذا المسجد عشرات السنين. وأنا أول الناس إيماناً أنه ليس هناك قبر، لكن هنا مظهر قبر، والإسلام يبنى الأحكام والأمور كلها على الظاهر والله يتولى السرائر، لذلك إن وجد هناك مسجد فيه صورة قبر، فالصلاة لا تصح فيه ولا تجوز، إن وجد مسجد ليس فيه قبر ظاهر، لكن المقول إنه الأرض كلها قبور، مش

[159] باب إذا وجد القبر في المسجد فهل يزال القبر أم المسجد؟

مهم لأنه ليس هناك قبر ظاهر، يقصد ويعبد ويدعى من دون الله-عز وجل- كما قال ربنا-عز وجل- منبهاً ومحذراً: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن: 18)، فوجود صورة قبر ليس حقيقة قبر؛ هذا وحده يكفي لدعوته من دون الله-عز وجل-، وعدم وجود صورة قبر ولو كانت الأرض كلها مغذية برميم الموت وبدمائهم وإلى آخره، فذلك لا يضر، لكن إن كان هناك أرض كان في عليها قبور ظاهرة ثم أريد بناء المسجد عليها لسبب أو آخر فنبشت وظهر فيها عظام وأخرجت ثم سويت فالصلاة فيه صحيحة. "الهدى والنور" (647/ 41: 02: 00) و (647/ 59: 21: 00) [159] باب إذا وجد القبر في المسجد فهل يزال القبر أم المسجد؟ سؤال: بعض العلماء يقول: إذا أدخل القبر على المسجد فينبش القبر ويبقى المسجد، ويقولون: إذا بني المسجد على القبر يهدم المسجد، فهل هذا التفريق صحيح وله أصل في السنة؟ الشيخ: صحيح لكن ليس له علاقة بحكم الصلاة فيه؟ الملقي: نعم. الشيخ: حكم الصلاة سواء طرأ القبر على المسجد أو طرأ المسجد على القبر، حكمه ما سمعتم، أما هل يزال القبر أو المسجد؟ فلا بد من القضاء على الظالم، على الباغي، فإذا كان هناك أرض دفن فيها ميت، فجاء أحد البغاة وبنى عليه مسجداً فيزال هذا المسجد؛ لأنه هو الباغي، وعلى العكس من ذلك إذا كان هناك مسجد بني على تقوى من الله-عز وجل-، فجاء أحد البغاة وأوصى بأنه إن

[160] باب حكم الصلاة في غرفة مضافة إلى المسجد فيها قبر

مات دفن فيه، وفعلاً دفن فيه فيقذف بجثته إلى خارج المسجد؛ لأنه هو الباغي على المسجد، فهذا كلام صحيح بلا شك. "الهدى والنور" (647/ 10: 36: 00) [160] باب حكم الصلاة في غرفة مضافة إلى المسجد فيها قبر سؤال: في مسألة المسجد بعض المساجد يعني يضاف لها قبور مثل في الحديقة أو في غرفة خاصة فحكم الصلاة في هذا المسجد يعني يكون مثلاً التحريم؟ الشيخ: أولاً: الغرفة المضافة إلى المسجد إما أن يكون باب هذه الغرفة إلى المسجد فهي من المسجد لا فرق حينئذٍ لا فرق أن يكون القبر مستوراً بالغرفة أو مكشوفاً بدون غرفة مادام المدخل إلى القبر من المسجد، أما إذاً كانت الغرفة المدخل إليها، الغرفة التي فيها القبر المدخل إليها من خارج المسجد من الطريق هذا لا يعتبر ملحقاً بالمسجد. السائل: .... بالنسبة للمسجد تعتبر من الباب الخارجي أم من الباب الداخلي، يعني المصلَّى الباحة يعني باحة المسجد، نقول مثل القبر غرفة الإمام تكون منعزلة عن المسجد معلوم تخرج من المصلى ثم تمشي إلى الغرفة فهذه الغرفة تعتبر من المسجد أم من خارج المسجد؟ الشيخ: فهمت منك، أنت الآن ذكرت الإمام السائل: غرفة الإمام تكون من المسجد. الشيخ: أنت الآن ذكرت الإمام.

السائل: نعم. الشيخ: وذكرت غرفة الإمام. السائل: نعم. الشيخ: هل هذا له علاقة بسؤالك السابق. السائل: نعم، عفواً. الشيخ: في سؤالك السابق لم تذكر الإمام ولا ذكرت غرفة الإمام كل ما في الأمر ذكرت أن القبر في غرفة وأنا أعطيتك الجواب. السائل: عفواً الغرفة هذه تكون داخل باحة المسجد. الشيخ: يا أخي بارك الله فيك: حسن السؤال نصف العلم. السائل: نعم. الشيخ: الغرفة التي فيها القبر قلنا إن كان باب الغرفة إلى المسجد، والدخول إلى الغرفة من المسجد فهذه الغرفة بما فيها من القبر ملحقة بالمسجد. السائل: نعم فهمتُ. الشيخ: وإن كان الباب إلى الطريق فهي ليست ملحقة بالمسجد، الآن شو الذي جَدَّ معك حين ذكرت الإمام وذكرت الباحة. السائل: الأرض الوقفية، يعني مسألة الأرض الوقفية للمسجد ... ايش هو اللي يتبعها يعني التابع للوقف للمسجد هل يعتبر من المسجد من السور الخارجي أم يعني الأشياء فقط التي تتصل بالمصلى.

الشيخ: هذا ليس له علاقة بسؤالك في السابق. السائل: لا هو أنا سألت على هذا المنوال. الشيخ: يا أخي الدخول إلى هذه الغرفة من المسجد أو من خارج المسجد. السائل: أنا باعتقادي أن المسجد يشمل السور الخارجي كله يعني ما كان داخل هذا الشيء مسجد. الشيخ: ولو كان الباب من خارج الغرفة، هو مفصول الغرفة مفصولة عن المسجد إذا كان بابها إلى الشارع فهي مفصولة، هب أنها موقوفة كالمسجد لكن هي مفصولة عن المسجد إذا كان باب الغرفة إلى الطريق. السائل: نعم. الشيخ: هذه هي أرض المسجد كلها ولنفترض أن المسجد قسمان قسم مظلل اللي يسموه الحرم والقسم الثاني مكشوف اللي يسموه ساحة المسجد، سواءً كانت الغرفة هنا وين في المظلل في المسقف أو كانت في هذه الزاوية المكشوفة، فإما أن يدخل إلى الغرفة من ساحة المسجد أو من حرم المسجد أو يدخل من الشارع، فإذا كان الدخول إلى الغرفة من الشارع. السائل: وهي مفصولة. الشيخ: هي غرفة، الدخول إلى هذه الغرفة من الشارع فليس لها أي-هذه الغرفة- علاقة بالمسجد وان كان الدخول إليها من المسجد فهو من المسجد ولا يجوز الصلاة في هذا المسجد سواءً كان في المقدمة أو في المؤخرة، ومع ذلك فلهذا البحث تفصيل آخر لعلنا يتيسر لنا في مناسبة أخرى إن شاء الله.

[161] باب حكم الصلاة في مسجد فيه قبر في ساحته الخارجية

السائل: شيخ حتى وإن كانت الغرفة خارج حدود المسجد لكن الباب من جوة المسجد الحكم حكم المسجد. الشيخ: أي نعم. "الهدى والنور" (582/ 19: 43: 00) [161] باب حكم الصلاة في مسجد فيه قبر في ساحته الخارجية سؤال: ما حكم الصلاة في مسجد فيه قبر في الساحة الخارجية؟ الشيخ: الساحة إذا كانت من المسجد، وُيدْخَل إلى ساحة المسجد بباب؛ فهو داخل في حرم المسجد، فسواء كان القبر في الساحة، أو في نفس الحرم فهو في كل من الحالتين في المسجد، والأحاديث التي جاءت في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وعن بناء المساجد على القبور، هذه النصوص كلها تشمل المسجد الذي فيه قبر، سواء كان داخل الحرم أو خارج الحرم، فلا يجوز. " الهدى والنور" (40/ 24: 03: 01) [162] باب حكم الصلاة في المسجد المبني بجوار المقبرة. سؤال: [هناك] تجمع سكني للمسلمين ولا يوجد به إلا مسجد واحد، وهذا المسجد مبني بجوار مقبرة، بل وجدنا أمام المحراب عدداً من القبور، فهل يصلى به أم يصلي أبناء الحي منفردين؟ باقي المساجد بعيدة عن المنطقة؟ الشيخ: لا يصلون فيه، ولا يصلون منفردين وإنما يصلون مجتمعين ولو في دار أحدهم. السائل: وإن تعسر ذلك.

[163] باب حرمة الصلاة في المقبرة سدا لذريعة الشرك ومناقشة من خالف ذلك

الشيخ: إلى أن يتمكنوا من بناء مسجد، هذا واجب عليهم. السائل: نعم، لكن إن تعسر هذا الأمر من باب وجود الحرج عند البعض أو قلة الفهم الإسلامي؟ الشيخ: لا يتعسر عند الساكن من المسلمين، وليس المقصود أن يجتمع المسلمون جميعاً؛ لأن المسجد الذي لا إشكال فيه لا يجتمعون فيه جميعاً، ولا تكلَّف إلا نفسك. السائل: لكن لو تعسر الاجتماع يصلي منفرداً ولا يصلي في المسجد. الشيخ: نعم، لكن نحن لا نقنع، ما نصلي في المسجد، على أساس نصلي منفرداً، وإنما نعمل دعوة لمن يترجح عندنا أنه يتجاوب معنا ألا يصلي في هذا المسجد، ويصلي في دار أحد هؤلاء المسلمين الطيبين. السائل: بارك الله فيك. الشيخ: يعني ما ينبغي أن نقنع بتهريبه فقط من هذا المسجد، وإلا فهي [ذريعة] كل واحد (يصير) يصلي في البيت كسلاً، لأنه والله الصلاة في هذا المسجد لا تصح، وإنما على هؤلاء أن يسعوا وأن يَتَجَمَّعُوا في أي مكان، وبعد ذلك يصلح الله ما لا تعلمون. " الهدى والنور" (9/ 25: 52: 00) [163] باب حرمة الصلاة في المقبرة سدًا لذريعة الشرك ومناقشة من خالف ذلك [قال الإمام]: ولا تجوز الصلاة في ... المقبرة، وهي الموضع الذي دفن فيه إنسان واحد

فأكثر لقوله عليه الصلاة والسلام: » الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» وسواء في ذلك أكان القبر قبلته أو عن يمينه أو عن يساره أو خلفه، لكن استقباله بالصلاة أشد لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: » لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وقوله: «إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد» [ثم قال]: ومن عجائب الفهم المصادم للقصد من حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إن لم نقل للنص منه- قول البيضاوي .. : «وأما من اتخذ مسجداً بجوار صالح، أو صلى في مقبرة، وقصد به الاستظهار بروحه، أو وصول أثر من آثار عبادته إليه، لا التعظيم له، والتوجه نحوه، فلا حرج عليه». كذا قال ولا يخفى ما فيه من آثار الوثنية والضلال، والمعصوم من عصمه الله، ولذلك تعقبه العلماء؛ فقال المناوي بعد أن نقل كلامه هذا: «لكن في خبر الشيخين كراهة بناء المسجد على القبور مطلقاً والمراد قبور المسلمين خشية أن يعبد فيها المقبور لقرينة خبر: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد». وقد نص الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة على كراهة اتخاذ المسجد عند القبر كما يأتي نصه في ذلك والتعبير بـ (عند) أعم من قوله: «فوق» أو «على» كما لا يخفى، فمن بنى مسجداً بجوار صالح فقد بنى عنده، وعليه فكلام محمد-رحمه

الله- رد على البيضاوي في رأيه هذا المبتدَع، ورد عليه الصنعاني أيضاً في «سبل السلام» فقال: «قوله: لا التعظيم له. يقال: اتخاذ المساجد بقربه وقصد التبرك به تعظيم له، ثم أحاديث النهي مطلقة ولا دليل على التعليل بما ذكر، والظاهر أن العلة سد الذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان الذين يعظمون الجمادات التي لا تنفع ولا تضر، ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية» قال: «ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر». والحديث الأول يفيد تحريم الصلاة في المقبرة على التفصيل المذكور لعموم الحديث، ولأن النهي أصله التحريم، وذهب بعضهم إلى بطلان الصلاة فيها وهو محتمل والله أعلم، وقد ذهب إلى هذا ابن حزم في «المحلى» ورواه عن أحمد أنه قال: «من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبداً»، ثم قال: «وكره الصلاة إلى القبر وفي المقبرة وعلى القبر: أبو حنيفة، والأوزاعي، وسفيان، ولم يرَ مالكٌ بذلك بأساً، واحتج له بعض مقلديه بأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى على قبر المسكينة السوداء» قال ابن حزم: «وهذا عجب ناهيك به أن يكون هؤلاء القوم يخالفون هذا الخبر فيما جاء فيه، فلا يجيزون أن تصلى صلاة الجنازة على من قد دفن ثم يستبيحون- بما ليس فيه منه أثر ولا إشارة- مخالفة السنن الثابتة».قال: «وكل هذه الآثار حق، فلا تحل الصلاة حيث ذكرنا إلا صلاة الجنازة، فإنها

تصلى في المقبرة، وعلى القبر الذي قد دفن صاحبه، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، نحرم ما نهى عنه، ونَعُدُّ من القرب إلى الله تعالى أن نفعل مثل ما فعل، فأمره ونهيه حق، وفعله حق، وما عدا ذلك فباطل، والحمد لله رب العالمين». وقال الشوكاني بعد أن حكى مذاهب العلماء في المسألة: «وأحاديث النهي المتواترة كما قال ذلك الإمام «ابن حزم» لا تقصر عن الدلالة على التحريم الذي هو المعنى، الحقيقي له، وقد تقرر في الأصول أن النهي يدل على فساد المنهي عنه، فيكون الحق التحريم والبطلان؛ لأن الفساد الذي يقتضيه النهي هو المرادف للبطلان من غير فرق بين الصلاة على القبر وبين المقابر، وكل ما صدق عليه لفظ المقبرة». وقال شيخ الإسلام في «الاختيارات»: «ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها، والنهي عن ذلك هو سد لذريعة الشرك، وذكر طائفة من أصحابنا أن المقبرة ثلاثة قبور فصاعداً، وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور وهو الصواب، والمقبرة كل ما قبر فيه، لا أنه جمع قبر، وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه، فهذا يعين أن المنع يكون متناولاً لحرمة القبر المنفرد، وفنائه المضاف إليه، وذكر الآمدي وغيره أنه لا تجوز الصلاة فيه أي المسجد الذي قبلته إلى القبر، حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر، وذكر بعضهم هذا منصوص أحمد». وقد اختلفوا في علة النهي عن الصلاة في المقبرة فقيل: النجاسة، وقيل:

التشبه بأهل الكتاب وسداًّ لذريعة الشرك كما سبق في كلام شيخ الإسلام وغيره، وهو الظاهر من مجموع الأحاديث الواردة في هذا الباب، وقد مضى البعض، ويأتي بعضها، وعليه جرى علماؤنا المتأخرون من الحنفية فقال ابن عابدين في «حاشيته»: «واختلف في علته (يعني: الكراهة) فقيل: لأن فيها عظام الموتى وصديدهم وهو نجس وفيه نظر، وقيل: لأن أصل عبادة الأصنام اتخاذ قبور الصالحين مساجد وقيل: لأنه تشبه باليهود وعليه مشى في الحاشية» وهذا القيل الأخير هو الذي اعتمده الطحطاوي في «حاشيته على مراقي الفلاح» ونص كلامه: «قوله: وفي المقبرة بتثليث الباء؛ لأنه تشبه باليهود والنصارى قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وسواء كانت فوقه أو خلفه أو تحت ما هو واقف عليه ويستثنى مقابر الأنبياء عليهم السلام، فلا تكره الصلاة فيها مطلقاً، منبوشة أو لا، بعد أن لا يكون القبر في جهة القبلة؛ لأنهم أحياء في قبورهم، ألا ترى أن مرقد إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب، وأن بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبياً، ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى للصلاة، بخلاف مقابر غيرهم. أفاده في «شرح المشكاة». هذا كله كلام الطحطاوي وهو كلام مدخول يناقض بعضه بعضاً؛ فإنه إذا كان يصرح ويعلل الكراهة بالتشبه باليهود والنصارى- وهم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد- فكيف يستثني قبور الأنبياء، وإنما يتحقق التشبه بالكفار بالصلاة فيها؟

نعم ربما كان يصح هذا الاستثناء فيما لو كانت علة الكراهة هي النجاسة، وذلك لطهارة قبورهم عليهم السلام، ومع ذلك فلا يصح هذا الاستثناء مطلقا بعد لعنه عليه الصلاة والسلام من كان يتخذ قبور الأنبياء مساجد، ونهيه أمته عن ذلك كما يأتي. وأنا أخشى أن يكون الطحطاوي قد أُتي في هذا التناقض الصريح من جهة التقليد، الذي كثيراً ما لا يدع صاحبه يفكر فيما يكتب أو يقول، فهو فيما يظهر نقل التعليل الصحيح عن بعض العلماء الذين لا يتصور أن يقولوا بالاستثناء، ثم نُقل الاستثناء، عن بعض من يقول بالعلة الأخرى وهي النجاسة، وهو منقول عنهم، ويدل على هذا قوله: «منبوشة أو لا» فإن هذا إنما يصح أن يقال على أساس القول بهذه العلة المرجوحة وعليها يتفرع القول بالفرق بين المقبرة المنبوشة وغير المنبوشة في غير مقابر الأنبياء، فإن لم يكن هذا الذي ذهبنا إليه حقاًّ فما معنى هذا القول ههنا؟ وما معنى الاستثناء المصادم للنص؟ قد يقال: إن النص ليس معناه عند الطحطاوي على العموم، بل معناه الاستقبال، كما سبق ذكره عن البيضاوي، ويدل على ذلك قوله بعد الاستثناء: «بعد أن لا يكون القبر جهة القبلة» فهو بهذا القيد لم يصادم النص حسب فهمه. فأقول: لكن يشكل عليه قوله: «وسواء كانت فوقه أو خلفه ... » إلخ قال ذلك عن الحديث بما يشعر أنه عنده على عمومه، ثم ما هو الفرق المعقول بين المنع من ذلك كله في قبور غير الأنبياء، وإباحته في قبورهم مع القيد المذكور، مع العلم بأن الخطر على العقيدة من الصلاة عندها مطلقاً، أعظم من الصلاة عند غيرها؟.

وبعد كتابة ما تقدم رجعت إلى «شرح المشكاة» المسمى: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للشيخ علي القاري، فتبين لي أن الطحطاوي نقل جل كلامه، ولكنه أساء في النقل، وقدم وأخر بحيث أخل بالمعنى، ولزم منه ما أشرنا إليه من المحاذير، وتبين منه أيضاً وتحقق أن الاستثناء إنما نقله عن بعض من ذهب إلى التعليل بالنجاسة، وعليها جاء التفصيل الذي ذكره الطحطاوي في قوله: «وسواء ... » إلخ وهو نقله من كلام ابن حجر- يعني الهيتمي- ونص كلامه في ذلك: «أشار الشارح إلى استشكال الصلاة عند قبر إسماعيل عليه السلام بأنها تكره في المقبرة، وأجاب بأن محلها مقبرة منبوشة لنجاستها، وكله غفلة عن قولهم: يستثنى مقابر الأنبياء فلا يكره الصلاة فيها مطلقاً؛ لأنهم أحياء في قبورهم، وعلى التنزل فجوابه غير صحيح؛ لتصريحهم بكراهة الصلاة في مقبرة غير الأنبياء وإن لم تنبش؛ لأنه محاذ للنجاسة، ومحاذاتها في الصلاة مكروهة، سواء كانت فوقه أو خلفه أو تحت ما هو واقف عليه» اهـ. ما في «المرقاة». وأما ما احتج به الطحطاوي تبعا لشرح «المشكاة» من أفضلية الصلاة عند قبر إسماعيل عليه السلام، وقبر السبعين نبياًّ، فقد أجاب عنه القاري نفسه في الشرح المذكور بقوله: «وفيه أن صورة قبر إسماعيل وغيره مندرسة، فلا يصلح للاستدلال به». ونحن نقول: هب أنها غير مندرسة فذلك لا يدل على أن فضيلة الصلاة إنما هو من أجلها، ألا ترى أن مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة فيه بألف صلاة مما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام كما صح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ ومن المعلوم أنه قال ذلك قبل أن

يدفن عليه السلام في الحجرة الشريفة، وقبل أن تضم هذه إلى المسجد النبوي، فهل يلزم من وجود القبر الشريف الآن فيه أن يقال: إن فضيلة الصلاة فيه من أجل القبر الشريف؟ كلا لا يقول ذلك إلا الجهال من العوام، فكذلك لا يلزم من فضيلة الصلاة عند قبر إسماعيل وغيره، أن ذلك من أجل القبور، وكيف يكون وقد نهى عليه السلام عن اتخاذها مساجد، ولعن من فعل ذلك؟ وهذا كله يقال على تسليم ثبوت تلك القبور في ذلك المكان وليس بثابت عند المحدثين قال الشيخ علي القاري في «الموضوعات»: «قال العلامة الشيخ محمد بن الجزري: لا يصح تعيين قبر نبي غير نبينا عليه الصلاة والسلام، نعم سيدنا إبراهيم عليه السلام في تلك القرية لا بخصوص تلك البقعة. انتهى» قلت: وقد حكى شيخ الإسلام في «الاقتضاء» نحوه عن غير واحد من أهل العلم ثم ذكر: «إن المسلمين قد أجمعوا ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من أن الصلاة عند القبر- أي قبر كان- لا فضل فيها لذلك، ولا للصلاة في تلك البقعة مزية خير أصلاً بل مزية شر». وقال قبل ذلك بصفحة: «واعلم أن من الفقهاء من اعتقد أن سبب كراهة الصلاة في المقبرة ليس إلا لكونها مظنة النجاسة، لما يختلط بالتراب من صديد الموتى، وبنى على هذا الاعتقاد الفرق بين المقبرة الجديدة والعتيقة، وبين أن يكون بينه وبين التراب حائل أو لا يكون، ونجاسة الأرض مانعة من الصلاة عليها، سواء كانت مقبرة أو لم

تكن، لكن المقصود الأكبر بالنهي عن الصلاة عند القبور ليس هو هذا؛ فإنه قد بين أن اليهود والنصارى كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً». ثم قال: «وروي عنه أنه قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ثم ذكر حديث عائشة وغيره مما تقدم وحديث جندب الآتي: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» ثم قال: «فهذا كله يبين لك أن السبب ليس هو مظنة النجاسة، وإنما هو مظنة اتخاذها أوثاناً كما قال الشافعي رضي الله عنه: وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه، وعلى من بعده من الناس. وقد ذكر هذا المعنى أبو بكر الأثرم في «ناسخ الحديث ومنسوخه» وغيره من أصحاب أحمد وسائر العلماء فإن قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو الرجل الصالح لم يكن ينبش، والقبر الواحد لا نجاسة عليه، وقد نبه هو - صلى الله عليه وآله وسلم - على العلة بقول: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» وبقوله: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد فلا تتخذوها مساجد» وأولئك إنما كانوا يتخذون قبوراً لا نجاسة عندها، ولأنه قد روى مسلم في «صحيحه» عن أبي مرثد الغنوي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها».ولأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» فجمع بين التماثيل والقبور. وأيضا فإن اللات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك». وقال فيما بعد وقد ذكر العلة الأولى: «وهذه العلة في صحتها نزاع لاختلاف العلماء في نجاسة تراب القبور وهي

من مسائل الاستحالة، وأكثر العلماء المسلمين يقولون: إن النجاسة تطهر بالاستحالة، وهو مذهب أبي حنيفة، وأهل الظاهر، وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد، وقد ثبت في «الصحيح» أن مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان حائطاً لبني النجار، وكان فيه قبور من قبور المشركين، ونخل، وخرب، فأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالنخيل فقطعت، وبالخرب فسويت، وبالقبور فنبشت، وجعل النخل في صف القبلة، فلو كان تراب القبور نجساً، لكان تراب قبور المشركين نجسا ولأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بنقل ذلك التراب، فإنه لا بد أن يختلط ذلك التراب بغيره». ثم ذكر العلة الثانية ثم قال: «وهذه العلة صحيحة باتفاقهم والمعللون بالأولى- كالشافعي وغيره- عللوا بهذه أيضاً، وكرهوا ذلك لما فيه من الفتنة، وكذلك الأئمة من أصحاب أحمد ومالك كأبي بكر الأثرم صاحب أحمد وغيره، علل بهذه الثانية أيضا وإن كان منهم من قد يعلل بالأولى وقد قال تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا} (نوح:23 - 24) ذكر ابن عباس وغيره من السلف أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، وصوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، وقد ذكر هذا البخاري في «صحيحه» وأهل التفسير كابن جرير وغيره». "الثمر المستطاب" (1/ 357 - 373).

[164] باب شبهات وجوابها حول حكم اتخاذ القبور مساجد

[164] باب شبهات وجوابها حول حكم اتخاذ القبور مساجد [قال الإمام]: قد يقول قائل: إذا كان من المقرر شرعاً تحريم بناء المساجد على القبور، فهناك أمور كثيرة تدل على خلاف ذلك وإليك بيانها: أولاً: قوله تعالى في سورة الكهف {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} (¬1)، ووجه دلالة الآية على ذلك: أن الذين قالوا هذا القول كانوا نصارى على ما هو مذكور في كتب التفسير، فيكون اتخاذ المسجد على القبر من شريعتهم وشريعة من قبلنا شرعية لنا إذا حكاها الله تعالى ولم يعقبها بما يدل على ردها كما في هذه الآية الكريمة. ثانياً: كون قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مسجده الشريف ولو كان ذلك لا يجوز لما دفنوه - صلى الله عليه وآله وسلم - في مسجده! ثالثاً: صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مسجد الخيف مع أن فيه قبر سبعين نبيا كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -! رابعاً: ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه السلام وغيره في الحجر من المسجد الحرام وهو أفضل مسجد يتحرى المصلى فيه. خامساً: بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجدا على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما جاء في «الاستيعاب» لابن عبد البر ¬

(¬1) سورة الكهف الآية 21. [منه].

سادساً: زعم بعضهم أن المنع من اتخاذ القبور مساجد إنما كان لعلة خشية الافتتان بالمقبور، ثم زالت برسوخ التوحيد في قلوب المؤمنين، فزال المنع! فكيف التوفيق بين هذه الأمور والتحريم المذكور؟ وجواباً على ذلك أقول وبالله تعالى أستعين: الجواب عن الشبهة الأولى: أما الشبهة الأولى فالجواب عنها من ثلاثة وجوه: الأول: أن الصحيح المتقرر في علم الأصول أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا لأدلة كثيرة (¬1) منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحدا من الأنبياء قبلي ... (فذكرها، وآخرها) وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» (¬2). فإذا تبين هذا فلسنا ملزمين بالأخذ بما في الآية لو كانت تدل على أن جواز بناء المسجد على القبر كان شريعة لمن قبلنا! الثاني: هب أن الصواب قول من قال: «شريعة من قبلنا شريعة لنا» فذلك مشروط عندهم بما إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه وهذا الشرط معدوم هنا لأن الأحاديث تواترت في النهي عن البناء المذكور كما سبق فذلك دليل على أن ما في الآية ليس شريعة لنا. الثالث: لا نسلم أن الآية تفيد أن ذلك كان شريعة لمن قبلنا غاية ما فيها أن جماعة من الناس قالوا: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} فليس فيها التصريح بأنهم كانوا ¬

(¬1) انظر إن شئت المطولات من كتب علم الأصول وخاصة «الإحكام» لابن حزم. [منه]. (¬2) أخرجه البخاري ومسلم وهو مخرج في «إرواء الغليل» (رقم 285). [منه].

مؤمنين، وعلى التسليم فليس فيها أنهم كانوا مؤمنين صالحين، متمسكين بشريعة نبي مرسل، بل الظاهر خلاف ذلك، قال الحافظ ابن رجب في «فتح الباري في شرح البخاري» (65/ 280) من «الكواكب الدراري» (¬1) في شرح حديث: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» «وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث، وهو قول الله عز وجل في قصة أصحاب الكهف: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يشعر بان مستنده القهر والغلبة وإتباع الهوى وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المنتصر لما أنزل الله على رسله من الهدى» وقال الشيخ علي بن عروة في «مختصر الكوكب» (10/ 207/2) تبعا للحافظ ابن كثير في «تفسيره» (3/ 78): «حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين (¬2): أحدهما: أنهم المسلمون منهم. والثاني: أهل الشرك منهم. ¬

(¬1) مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق، وهو كتاب عظيم جداً جمع نفائس نادرة من كتب العلماء المتقدمين ورسائلهم التي لم يطبع أكثرها فيما علمت وأنا الآن في صدد إخراج هذه الكتب والرسائل في فهرس خاص أضعه لمجلدات هذا الكتاب الموجودة في المكتبة وفي غيرها إن وفقت لذلك. ثم تم الاستخراج المذكور من مجلدات المكتبة فعسى الله أن يوفق للإطلاع على غيرها واستخراج ما فيها من الكنوز. [منه]. (¬2) قلت: وحكاهما أيضا ابن الجوزي في تفسيره «زاد المسير» (5/ 123 طبعة المكتب الإسلامي) دون أن يرجح أحدهما على عادته. [منه].

فالله أعلم والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ، ولكن هم محمودون أم لا؟ فيه نظر لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما فعلوا، وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى عن الناس وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدها عنده فيها شيء من الملاحم وغيرها» إذا عرفت هذا، فلا يصح الاحتجاج بالآية على وجه من الوجوه، وقال العلامة المحقق الآلوسي في «روح المعاني» (5/ 31): «واستدل بالآية على جواز البناء على قبور العلماء واتخاذ مسجد عليها، وجواز الصلاة في ذلك وممن ذكر ذلك الشهاب الخفاجي في حواشيه على البيضاوي، وهو قول باطل عاطل، فاسد كاسد، فقد روي ... ». ثم ذكر بعض الأحاديث المتقدمة وأتبعها بكلام الهيتمي في «الزواجر» مقرا له عليه وقد نقلته فيما سبق (ص. . . .) ثم نقل عنه في كتابه «شرح المنهاج» ما نصه: «وقد أفتى جمع بهدم كل ما بقرافة مصر من الأبنية حتى قبة الإمام الشافعي عليه الرحمة، التي بناها بعض الملوك وينبغي لكل أحد هدم ذلك ما لم يخش منه مفسدة، فيتعين الرفع للإمام آخذاً من كلام ابن الرفعة في الصلح. انتهى» ثم قال الإمام الآلوسي: «لا يقال: إن الآية ظاهرة في كون ما ذكر من شرائع من قبلنا وقد استدل بها فقد روي أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «من نام عن صلاة أو نسيها» (¬1) الحديث ثم تلا قوله تعالى ¬

(¬1) قلت: هذا الحديث صحيح مخرج على الصحيحين فلا يحن تصديره بقوله «روي» لأنه يدل على الضعف في اصطلاح العلماء كما بينته في «صلاة التراويح» (ص 63 - 64) فتنبه. ثم إن الحديث مخرج عندي في «صحيح أبي داود» (461) و «الإرواء» (263). [منه].

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬1)، وهو مقول لموسى عليه السلام وسياقه الاستدلال ... واحتج أبو يوسف على جري القود بين الذكر والأنثى بآية {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ}، والكرخي على جريه بين الحر والعبد والمسلم والذمي (¬2) بتلك الآية الواردة في بني إسرائيل إلى غير ذلك لأنا نقول: مذهبنا في شرع من قبلنا وإن كان أنه يلزمنا على أنه شريعتنا لكن لا مطلقا بل إن قص الله تعالى علينا بلا إنكار، وإنكار رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - كإنكاره عز وجل (¬3). وقد سمعت أنه عليه الصلاة والسلام لعن الذين يتخذون المساجد على القبور، على أن كون ما ذكر من شرائع من قبلنا ممنوع، وكيف يمكن أن يكون اتخاذ المساجد على القبور من الشرائع المتقدمة مع ما سمعت من لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، والآية ليست كالآيات التي ذكرنا آنفا احتجاج الأئمة بها، وليس فيها أكثر من حكاية قول طائفة من الناس وعزمهم على فعل ذلك، وليست خارجة مخرج المدح لهم والحض على التأسي بهم فمتى لم يثبت أن فيهم معصوما لا يدل على فعلهم عن عزمهم على مشروعية ما كانوا بصدده. ومما يقوي قلة الوثوق بفعلهم القول بأن المراد بهم الأمراء والسلاطين كما ¬

(¬1) سورة طه الآية 14. [منه]. (¬2) قلت: إجراء القود بين المسلم والذمي بيس جائزاً، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - «لا يُقتل مسلم بكافر».رواه البخاري وغيره (انظر الأحاديث الضعيفة 1/ 671) [[حديث رقم 460]].فالاحتجاج بالآية المشار إليها في المسألة كالاحتجاج بآية الكهف فيما نحن فيه!. [منه]. (¬3) لقوله - صلى الله عليه وسلم - « ... فان ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله».وهو حديث صحيح، وإن رغم أنف صاحب «الأضواء» انظر «المشكاة» بتخرجي (163). [منه].

روي عن قتادة. وعلى هذا لقائل أن يقول: إن الطائفة الأولى كانوا مؤمنين عالمين بعدم مشروعية اتخاذ المساجد على القبور، فأشاروا بالبناء على باب الكهف وسده وكف التعرض لأصحابه، فلم يقبل الأمراء منهم، وغاظهم ذلك حتى أقسموا على اتخاذ المسجد. وإن أبيت إلا حسن الظن بالطائفة الثانية فلك أن تقول: إن اتخاذهم المسجد عليهم ليس على طراز اتخاذ المساجد على القبور المنهي عنه، الملعون فاعله، وإنما هو اتخاذ مسجد عندهم وقريبا من كهفهم وقد جاء التصريح بالعندية في رواية القصة عن السدي ووهب ومثل هذا الاتخاذ ليس محذوراً إذ غاية ما يلزم على ذلك أن يكون نسبة المسجد إلى الكهف الذي هم فيه كنسبة المسجد النبوي إلى المرقد المعظم صلى الله تعالى على من فيه وسلم ويكون قوله {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ} على هذا لمشاكلة قول الطائفة {ابْنُوا عَلَيْهِمْ}. وإن شئت قلت: إن ذلك الاتخاذ كان على كهف فوق الجبل الذي هو فيه، وفيه خبر مجاهد أن الملك تركهم في كهفهم وبنى علي كهفهم مسجداً، وهذا أقرب لظاهر اللفظ كما لا يخفى وهذا كله إنما يحتاج إليه على القول بأن أصحاب الكهف ماتوا بعد الإعثار عليهم وأما على القول بأنهم ناموا كما ناموا أولا فلا يحتاج إليه على ما قيل (¬1). ¬

(¬1) يشير إلى ما ذكره في أول الصفحة الأولى من الصفحتين المشار إليهما وهو قوله: «وعن الحسن أنه اتخذ (يعني المسجد) ليصلى فيه أصحاب الكهف إذا استيقظوا». قال الآلوسي: «وهذا مبني على أنهم لم يموتوا بل ناموا كما ناموا أولا وإليه ذهب بعضهم بل قيل: إنهم لا يموتون حتى يظهر المهدي ويكونوا من أنصاره. ولا معول على ذلك وهو عندي أشبه شيء بالخرافات.». [منه].

وبالجملة لا ينبغي لمن له أدنى رشد أن يذهب إلى خلاف ما نطقت الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة، معولاً على الاستدلال بهذه الآية، فإن ذلك في الغواية غاية وفي قلة النهى نهاية ولقد رأيت من يبيح ما يفعله الجهلة في قبور الصالحين من إشرافها، وبنائها بالجص والآجر وتعليق القناديل عليها، والصلاة إليها والطواف بها واستلامها، والاجتماع عندها في أوقات مخصوصة إلى غير ذلك محتجاً بهذه الآية الكريمة وبما جاء في بعض روايات القصة من جعل الملك لهم في كل سنة عيداً، وجعله إياهم في توابيت من ساج، ومقيساً لبعض على بعض وكل ذلك محادة لله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وابتداع دين لم يأذن به الله عز وجل. ويكفيك في معرفة الحق تتبع ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسل في قبره عليه الصلاة والسلام وهو أفضل قبر على وجه الأرض والوقوف على أفعالهم في زيارتهم له والسلام عليه فتتبع ذاك وتأمل ما هنا وما هناك والله سبحانه يتولى هداك». قلت: وقد استدل بالآية المذكورة على الجواز المزعوم بل على استحباب بناء المساجد على القبور بعض المعاصرين (¬1) لكن من وجه آخر مبتدع مغاير ¬

(¬1) هو الشيخ أبو الفيض أحمد الصديق الغماري في كتابه المسمى «إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور»! وهذا الكتاب من أغرب ما ابتلى به المسلمون في هذا العصر، وأبعد ما يكون عن البحث العلمي النزيه فان المؤلف يدعي ترك التقليد والعمل بالحديث الشريف! فقد التقيت به منذ بضعة أشهر في المكتبة الظاهرية وظهر لي من الحديث الذي جرى بيني وبينه أنه على معرفة بعلوم الحديث وأنه يدعو للاجتهاد ويحارب التقليد محاربة لا هوادة فيها، وله ذلك بعض المؤلفات كما قال لي ولكن الجلسة كانت قصيرة لم تمكني من أن أعرف اتجاهه في العقيدة وإن كنت شعرت من بعض فقرات حديثه انه خلفي صوفي، ثم تأكد من ذلك بعد أن قرأت له هذا الكتاب وغيره حيث تبين لي أن يحارب أهل التوحيد ويخالفهم في عقيدتهم مخالفة شديدة ويقول البدعة الحسنة، وينتصر للمبتدعة! ولم يستفد من دعواه الاجتهاد إلا الانتصار للأهواء وأهلها ما يفعل مجتهدوا الشيعة تماما وإن شئت دليلا على ما أقول فحسبك برهانا على ذلك هذا الكتاب « ... المقبور»! فإن قبر كل الأحاديث المتواترة في تحريم البناء المساجد على القبور الذي قال به الأئمة الفحول بلا خلاف يعرف بينهم فهو والحق يقال: جرئ ولكن في محاربة الحق كيف لا وهو يرد كل ما ذكرناه من الأحاديث واتفاق الأئمة دون أي حجة اللهم إلا إتباع المتشابه من النصوص كآية الكهف هذه، شأنه في ذلك شأن المبتدعة في رد النصوص المحكمات بالمتشابه نعوذ بالله من الخذلان وسيأتيك من كلامه بعض الأمثلة الأخرى على ما ذكرنا، والله المستعان. [منه].

بعض الشيء لما سبق حكايته ورده فقال ما نصه: «والدليل من هذه الآية إقرار الله إياهم على ما قالوا وعدم رده عليهم». قلت: هذا الاستدلال باطل من وجهين: الأول: أنه لا يصح أن يعتبر عدم الرد عليهم إقرارا لهم، إلا إذا ثبت أنهم كانوا مسلمين وصالحين متمسكين بشريعة نبيهم، وليس في الآية ما يشير أدنى إشارة إلى أنهم كانوا كذلك بل يحتمل أنهم لم يكونوا كذلك، وهذا هو الأقرب أنهم كانوا كفاراً أو فجاراً، كما سبق من كلام ابن رجب وابن كثير وغيرهما وحينئذ فعدم الرد عليهم لا يعد إقراراً، بل إنكاراً، لأن حكاية القول عن الكفار والفجار يكفي في رده عزوه إليهم فلا يعتبر السكوت عليه إقراراً كما لا يخفى، ويؤيده الوجه الآتي: الثاني: أن الاستدلال المذكور إنما يستقيم على طريقة أهل الأهواء من الماضين والمعاصرين الذين يكتفون بالقرآن فقط ديناً، ولا يقيمون للسنة وزناً، وأما على طريقة أهل السنة والحديث الذين يؤمنون بالوحيين، مصدقين بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -

في الحديث الصحيح المشهور: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه».وفي رواية: «ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله» (¬1). فهذا الاستدلال عندهم- والمستدل يزعم أنه منهم- باطل ظاهر البطلان، لأن الرد الذي نفاه قد وقع في السنة المتواترة كما سيق فكيف يقول: إن الله أقرهم ولم يرد عليهم مع أن الله لعنهم على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - فأي رد أوضح وأبين من هذا؟! وما مثل من يستدل بهذه الآية على خلاف الأحاديث المتقدمة؛ إلا كمثل من يستدل على جواز صنع التماثيل والأصنام بقوله تعالى في الجن الذين كانوا مذللين لسليمان عليه السلام: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} (¬2) يستدل بها على خلاف الأحاديث الصحيحة التي تحرم التماثيل والتصاوير وما يفعل ذلك مسلم يؤمن بحديثه - صلى الله عليه وآله وسلم -. وبهذا ينتهي الكلام عن الشبهة الأولى وهي الاستدلال بآية الكهف (¬3) والجواب عنها وعن ما تفرع منها. الجواب عن الشبهة الثانية: وأما الشبهة الثانية وهي أن قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مسجده كما هو مشاهد اليوم، ولو كان ذلك حراما لم يدفن فيه. ¬

(¬1) حديث صحيح كما تقدم (ص. . . .. ). [منه]. (¬2) سورة سبأ الآية 13. [منه]. (¬3) وانظر (ص180). [منه].

والجواب: أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم، فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم لما مات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دفنوه في حجرته في التي كانت بجانب مسجده، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب، كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يخرج منه إلى المسجد، وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء، ولا خلاف في ذلك بينهم، والصحابة رضي الله عنهم حينما دفنوه - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحجرة، إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً، كما سبق بيانه في حديث عائشة وغيره (ص 163). ولكن وقع بعدهم ما لم يكن في حسبانهم ذلك أن الوليد بن عبد الملك أمر سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي وإضافة حجر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إليه فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة فصار القبر بذلك في المسجد (¬1). ولم يكن في المدينة أحد من الصحابة حينذاك خلافاً لم توهم بعضهم. قال العلامة الحافظ محمد ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي» (ص136): «وإنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك، بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، وكان آخرهم موتا جابر بن عبد الله، وتوفي في خلافة عبد الملك فإنه توفي سنة ثمان وسبعين، والوليد تولى سنة ست وثمانين، وتوفي سنة ست وتسعين، فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك (¬2). ¬

(¬1) تاريخ ابن جرير (5/ 22223) وتاريخ ابن كثير (9/ 7475). [منه]. (¬2) قلت: وإنما لم يسم الحافظ ابن عبد الهادي السنة التي وقع فيها ذلك لأنها لم ترد في رواية ثابتة على طريقة المحدثين، وما نقلناه عن ابن جرير هو من رواية الواقدي وهو متهم، ورواية ابن شبة الآتية في كلام الحافظ ابن عبد الهادي مدارها على مجاهيل، وهم عن مجهول كما هو ظاهر فلا حجة في شيء من ذلك وإنما العمدة على اتفاق المؤرخين على أن إدخال الحجرة إلى المسجد كان في ولاية الوليد وهذا القدر كاف في إثبات أن ذلك كان بعد موت الصحابة الذين كانوا في المدينة حسبما بينه الحافظ لكن يعكر عليه ما رواه أبو عبد الله الرازي في مشيخته (218/ 1) عن محمد بن الربيع الجيزي: «توفي سهل بن سعد بالمدينة هو ابن مائة سنة وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين وهو آخر من مات بالمدينة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.» لكن الجيزي هذا لم اعرفه ثم هو معضل وقد ذكر مثله الحافظ بن حجر في «الإصابة» (2/ 87) عن الزهري من قوله فهو معضل أيضا أو مرسل ثم عقبه بقوله: «وقيل قبل ذلك وزعم ابن أبي داود أنه مات بالإسكندرية» وجزم في «التقريب» أنه مات سنة 88 فالله أعلم. وخلاصة القول أنه ليس لدينا نص تقوم به الحجة على أن أحدا من الصحابة كان في عهد عملية التغيير هذه، فمن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل فما جاء في «شرح مسلم» (5/ 1314) أن ذلك كان في عهد الصحابة لعل مستنده تلك الرواية المعضلة أو المرسلة وبمثلها لا تقوم حجة على أنها أخص من الدعوى فإنها لو صحت إنما تثبت وجود واحد من الصحابة حينذاك لا (الصحابة). وأما قول بعض من كتب في هذه المسألة بغير علم: «فمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ وسعه عثمان رضي الله عنه وأدخل في المسجد ما لم يكن منه، فصارت القبور الثلاثة محاطة بالمسجد لم ينكر أحد من السلف ذلك». فمن جهالاتهم التي لا حدود لها! - ولا أريد أن أقول: إنها من افتراءاتهم- فإن أحدا من العلماء لم يقل إن إدخال القبور الثلاثة كان في عهد عثمان رضي الله عنه، بل اتفقوا على أن ذلك كان في عهد الوليد بن عبد الملك كما سبق أي بعد عثمان بنحو نصف قرن ولكنهم يهرفون بما لا يعرفون. ذلك لأن عثمان رضي الله عنه فعل خلاف ما نسبوا إليه فإنه لما وسع المسجد النبوي الشريف احترز من الوقوع في مخالفة الأحاديث المشار إليها فلم يوسع المسجد من جهة الحجرات ولم يدخلها فيه وهذا عين ما صنعه سلفه عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا بل أشار هذا إلى أن التوسيع من الجهة المشار إليها فيه المحذور المذكور في الأحاديث المتقدمة كما سيأتي ذلك عنه قريبا وأما قولهم: «ولم ينكر أحد من السلف ذلك». فنقول: وما أدراكم بذلك؟! فإن من أصعب الأشياء على العقلاء إثبات نفي شيء يمكن أن يقع ولم يعلم كما هو معروف عند العلماء لأن ذلك يستلزم الاستقراء التام والإحاطة بكل ما جرى، وما قيل حول الحادثة التي يتعلق بها الأمر المراد نفيه عنها، وأنى لمثل هذا البعض المشار إليه أن يفعلوا ذلك لو استطاعوا ولو أنهم راجعوا بعض الكتب لهذه المسألة لما وقعوا في تلك الجهالة الفاضحة ولو جدوا ما يحملهم على أن لا ينكروا ما لم يحيطوا بعلمه فقد قال الحافظ ابن كثير في تاريخه (75 ج 9) بعد أن ساق قصة إدخال القبر النبوي في المسجد: «ويحكي أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً». وأنا لا يهمني كثيرا صحة هذه الرواية أو عدم صحتها لأننا لا نبني عليها حكما شرعيا لكن الظن بسعيد بن المسيب وغيره من العلماء الذين أدركوا ذلك التغيير أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار لمنافاته تلك الأحاديث المتقدمة منافاة بينة وخاصة منها رواية عائشة التي تقول: «فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا» فما خشي الصحابة رضي الله عنهم قد وقع- مع الأسف الشديد- بإدخال القبر في المسجد إذ لا فارق بين أن يكونوا دفنوه - صلى الله عليه وسلم - حين مات في المسجد- وحاشاهم عن ذلك- وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه، فالمحذور حاصل على كل حال كما تقدم عن الحافظ العراقي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، ويؤيد هذا الظن أن سعيد بن المسيب أحد رواة الحديث الثاني كما سبق، فهل اللائق بمن يعترف بعلمه وفضله وجرأته في الحق أن يظن به أنه أنكر على من خالف الحديث الذي هو أحد رواته أم أن ينسب إليه عدم إنكاره ذلك كما زعم هؤلاء المشار إليهم حين قالوا «لم ينكر أحد من السلف ذلك»! والحقيقة أن قولهم هذا يتضمن طعنا ظاهراً- لو كانوا يعلمون- في جميع السلف، لأن إدخال القبر إلى المسجد منكر ظاهر عند كل من علم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها ومن المحال أن ننسب إلى جميع السلف جهلهم بذلك، فهم، أو على الأقل بعضهم يعلم ذلك يقيناً، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من القول بأنهم أنكروا ذلك، ولو لم نقف فيه على نص لأن التاريخ لم يحفظ لنا كل ما وقع، فكيف يقال: إنهم لم ينكروا ذلك؟ اللهم غفراً. ومن جهالتهم قولهم عطفاً على قولهم السابق: «وكذا مسجد بني أمية دخله المسلمون دمشق من الصحابة وغيرهم والقبر ضمن المسجد لمن ينكر أحد ذلك». إن منطق هؤلاء عجيب غريب! إنهم ليتوهمون أن كل ما يشاهدونه الآن في مسجد بني أمية كان موجوداً في عهد منشئه الأول الوليد بن عبد الملك، فهل يقول بهذا عاقل؟ كلا لا يقول ذلك غير هؤلاء! ونحن نقطع ببطلان قولهم وأن أحدا من الصحابة والتابعين لم ير قبراً ظاهراً في مسجد بني أمية أو غيره، بل غاية ما جاء فيه بعض الروايات عن زيد بن أرقم بن واقد أنهم في أثناء العمليات وجدوا مغارة فيها صندوق فيه سفط (وعاء كالقفة) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام مكتوب عليه: هذا رأس يحيى عليه السلام فأمر به الوليد فرد إلى المكان وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مغيرا من الأعمدة فجعل عليه عمود مسبك بسفط الرأس. رواه أبو الحسن الربعي في «فضائل الشام» (33) ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخه» (ج 2 ق 9/ 10) وإسناده ضعيف جداً، فيه إبراهيم بن هشام الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة وقال الذهبي «متروك».ومع هذا فإننا نقطع أنه لم يكن في المسجد صورة قبر حتى أواخر القرن الثاني لما أخرجه الربعي وبن عساكر عن الوليد بن مسلم أنه سئل أين بلغك رأس يحيى بن زكريا؟ قال: بلغني أنه ثم وأشار بيده إلى العمود المسفط الرابع من الركن الشرقي، فهذا يدل على أنه لم يكن هناك قبر في عهد الوليد بن مسلم وقد توفي سنة أربع وتسعين ومائة. وأما كون ذلك الرأس هو رأس يحيى عليه السلام فلا يمكن أن إثباته، ولذلك اختلف المؤرخون اختلافا كثيراً، وجمهورهم على أن رأس يحيى عليه السلام مدفون في مسجد حلب ليس في مسجد دمشق كما حققه شيخنا في الإجازة العلامة محمد راغب الطباخ في بحث له نشره في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (ج 1 ص 41 - 1482) تحت عنوان «رأس يحيى ورأس زكريا» فليراجعه من شاء. ونحن لا يهمنا من الوجهة الشرعية ثبوت هذا أو ذاك، وسواء عندنا أكان الرأس الكريم في هذا المسجد أو ذاك، بل لو تيقنَّا عدم وجوده في كل من المسجدين فوجود صورة القبر فيهما كاف في المخالفة، لأن أحكام الشريعة المطهرة إنما تبنى عل الظاهر لا الباطن كما هو معروف، وسيأتي ما يشهد لهذا من كلام بعض العلماء، وأشد ما تكون المخالفة إذا كان القبر في قبلة المسجد، كما هو الحال في مسجد حلب ولا منكر لذلك من علمائها! واعلم أنه لا يجدي في رفع المخالفة أن القبر في المسجد ضمن مقصورة كما زعم مؤلفو الرسالة لأنه على كل حال ظاهر ومقصود من العامة وأشباههم من الخاصة بما لا يقصد به إلا الله تعالى؛ من التوجه إليه والاستغاثة به من دون الله تبارك وتعالى فظهور القبر هو سبب المحذور كما سيأتي عن النووي رحمه الله. وخلاصة الكلام أن قول من أشرنا إليهم أن قبر يحيى عليه السلام كان ضمن المسجد الأموي منذ دخل دمشق الصحابة وغيرهم لم ينكر ذلك أحد منهم إن هو إلا محض اختلاق!. [منه].

وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة النميري في «كتاب أخبار المدينة» مدينة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أشياخه عمن حدثوا عنه أن عمر بن عبد العزيز لما كان نائباً

للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة بالساج وماء الذهب، وهدم حجرات أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه». يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما أدخل إلى المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة وإن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة، لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه، وهو مخالف أيضا لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد، ولم يدخلا القبر فيه. ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا الله عنه، ولئن كان مضطرا إلى توسيع المسجد، فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو رضي الله عنه بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى ولم يتعرض للحجرة بل قال «إنه لا سبيل إليها» (¬1) فأشار رضي الله عنه إلى المحذور الذي يترقب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد. ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين، ¬

(¬1) انظر «طبقات ابن سعد» (4/ 21) و «تاريخ دمشق» لابن عساكر (8/ 478/2)، وقال السيوطي في «الجامع الكبير» (3/ 272/2): وسنده صحيح إلا أن سالما أبا النضر لم يدرك عمر و «وفاء الوفاء» للسمهودي (1/ 343) و «المشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية» للعلامة محمد سلطان العصومي رحمه الله تعالى (ص 43) وهو مؤلف رسالة «هداية السلطان إلى بلاد اليابان» التي ادعى أحد الدكاترة أنها ليست له وإنما لبعض إخواننا! مع أنني تناولتها منه هدية مطبوعة حين زرته في مكة في حجتي الأولى سنة 1368 هـ. [منه].

فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئاً ما فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم قال النووي في «شرح مسلم» (5/ 14): «ولما احتاجت الصحابة (¬1) والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد (¬2) فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني ¬

(¬1) عزو هذا إلى الصحابة لا يثبت كما تقدم (- صلى الله عليه وسلم -. . .) فتنبه. [منه]. (¬2) في هذا دليل واضح على أن ظهور القبر في المسجد ولو من وراء النوافذ والحديد والأبواب لا يزيل المحذور، كما هو الواقع في قبر يحيى عليه السلام في مسجد بني أمية في دمشق وحلب، ولهذا نص أحمد على أن الصلاة لا تجوز في المسجد الذي قبلته إلى القبر، حتى يكون بين حائط المسجد وبين المقبرة حائل آخر كما سيأتي فكيف إذا كان القبر في قبلة المسجد من الداخل ودون جدار حائل؟ ومن ذلك تعلم أن قول بعضهم: «إن الصلاة في المسجد الذي به قبر كمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسجد بني أمية لا يقال إنها صلاة في الجبانة فالقبر ضمن مقصورة مستقل بنفسه عن المسجد فما المانع من الصلاة فيه» فهذا قول لم يصدر عن علم وفقه لأن المانع بالنسبة للمسجد الأموي لا يزال قائما وهو ظهور القبر من وراء المقصورة والدليل على ذلك قصد الناس للقبر والدعاء عنده وبه والاستغاثة به من دون الله، وغير ذلك مما لا يرضاه الله، والشارع الحكيم إنما نهى عن بناء المساجد على القبور سداً للذريعة ومنعاً لمثل هذه الأمور التي تقع عند هذا القبر كما سيأتي بيانه، فما قيمة هذه المقصورة حينئذ مع وقوع هذه المنكرات وغيرها عند القبر؟! بل إن إحاطة القبر بهذه المقصورة على هذا الشكل المزخرف، إنما هي نوع آخر من المنكر الذي يحمل الناس على معصية الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتعظيم صاحب القبر بما لا يجوز شرعاً، مما هو مشاهد معروف، وسبقت الإشارة إلى بعضه. ثم ألا يكفي في إثبات المانع أن الناس يستقبلون القبر عند الصلاة قصداً وبدون قصد، ولعل أولئك المشار إليهم وأمثالهم يقولون: لا مانع أيضا من هذا الاستقبال لوجود فاصل بين المصلين والقبر ألا وهو نوافذ القبر وشبكته النحاسية فنقول لو كان هذا المانع كافيا في المنع لما أحاطوا القبر النبوي الشريف بجدار مرتفع مستدير ولم يكتفوا بذلك، بل بنو جدارين يمنعون بهما من استقبال القبر. ولو كان وراء الجدار المستدير! وقد صح عن ابن جريج أنه قال: قلت لعطاء: أتكره أن تصلي في وسط القبور؟ أو في مسجد إلى قبر؟ قال: نعم كان ينهى عن ذلك أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (1/ 404).فإذا كان هذا التابعي الجليل (عطاء بن أبي رباح) لم يعتبر جدار المسجد فاصلاً بين المصلى وبين القبر وهو خارج المسجد. فهل يعتبر فاصلاً النوافذ والشبكة والقبر في المسجد؟! فهل في هذا ما يقنع أولئك الكاتبين بجهلهم وخطئهم، وهجومهم على القول بما لا علم لهم به؟ لعل وعسى. وأما المسجد النبوي الكريم، فلا كراهة في الصلاة فيه خلافا لما افتروه علينا وسيأتي تفصيل القول فيه في «الفصل السابع» إن شاء الله تعالى. على أني لا أريد أن يفوتني أن أنبه القراء الكرام على أن أولئك الكاتبين يعترفون بكلمتهم السابقة في أن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر غير محاط بمقصورة أنها صلاة مكروهة لانتفاء العلة التي من أجلها نفوا الكراهة عن الصلاة في مسجد بني أمية بزعمهم فهل لهم أن يجهروا للناس باعترافهم هذا؟ أم هو شيء اضطرهم إلى القول به التهرب من معارضة الأحاديث السابقة علناً وإن كانوا لا يدعون الناس إلى العمل به لغاية لا تخفى على العقلاء؟!. [منه].

القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر». ونقل الحافظ ابن رجب في «الفتح» نحوه عن القرطبي كما في «الكواكب» (65/ 91/1) وذكر ابن تيمية في «الجواب الباهر» (ق 9/ 2): «أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سد بابها، وبني عليها حائط آخر صيانة له - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يتخذ بيته عيداً وقبره وثناً». قلت: ومما يؤسف له أن هذا البناء قد بني عليه منذ قرون- إن لم يكن قد أزيل- تلك القبة الخضراء العالية وأحيط القبر الشريف بالنوافذ النحاسية والزخارف والسجف وغير ذلك مما لا يرضاه صاحب القبر نفسه - صلى الله عليه وآله وسلم -.

بل قد رأيت حين زرت المسجد النبوي الكريم وتشرفت بالسلام على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سنة 1368 هـ رأيت في أسفل حائط القبر الشمالي محراباً صغيراً ووراءه سدة مرتفعة عن أرض المسجد قليلا، إشارة إلى أن هذا المكان خاص للصلاة وراء القبر فعجبت حينئذ كيف ضلت هذه الظاهرة الوثنية قائمة حتى في عهد دولة التوحيد! أقول هذا مع الاعتراف بأنني لم أر أحداً يأتي ذلك المكان للصلاة فيه، لشدة المراقبة من قبل الحرس الموكلين على منع الناس من أن يأتوا بما يخالف الشرع عند القبر الشريف فهذا مما تشكر عليه الدولة السعودية، ولكن هذا لا يكفي ولا يشفي وقد كنت قلت منذ ثلاث سنوات في كتابي «أحكام الجنائز وبدعها» (208 من أصلي): «فالواجب الرجوع بالمسجد النبوي إلى عهده السابق، وذلك بالفصل بينه وبين القبر النبوي بحائطٍ، يمتد من الشمال إلى الجنوب بحيث أن الداخل إلى المسجد لا يرى فيه أي محالفة لا ترضى مؤسسه - صلى الله عليه وآله وسلم - اعتقد أن هذا من الواجب على الدولة السعودية إذا كانت تريد أن تكون حامية التوحيد حقا وقد سمعنا أنها أمرت بتوسيع المسجد مجددا فلعلها تتبنى اقتراحنا هذا وتجعل الزيادة من الجهة الغربية وغيرها وتسد بذلك النقص الذي سيصيبه سعة المسجد إذا نفذ الاقتراح أرجو أن يحقق الله ذلك على يدها ومن أولى بذلك منها؟». ولكن المسجد وسع منذ سنتين تقريبا دون إرجاعه إلى ما كان عليه في عهد الصحابة والله المستعان.

الجواب عن الشبهة الثالثة: وأما الشبهة الثالثة وهي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى في مسجد الخيف وقد ورد في الحديث أن فيه قبر سبعين نبياًّ! فالجواب: إننا لا نشك في صلاته - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا المسجد ولكننا نقول: إن ما ذكر في الشبهة من أنه دفن فيه سبعون نبيا لا حجة فيه من وجهين: الأول: أننا لا نسلم صحة الحديث المشار إليه، لأنه لم يروه أحد ممن عني بتدوين الحديث الصحيح ولا صححه أحد ممن يوثق بتصحيحه من الأئمة المتقدمين ولا النقد الحديثي يساعد على تصحيحه، فإن في إسناده من يروي الغرائب وذلك مما يجعل القلب لا يطمئن لصحة ما تفرد به. قال الطبراني في «معجمه الكبير» (3/ 204/2): «حدثنا عبدان بن أحمد نا عيسى بن شاذان نا أبو همام الدلال نا إبراهيم بن طمهان عن منصور عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: «في مسجد الخيف قبر سبعين نبياً». وأورده الهيثمي «المجمع» (3/ 298) بلفظ: « ... قبر سبعون نبيا»، وقال: «رواه البزار ورجاله ثقات». وهذا قصور منه في التخريج فقد أخرجه الطبراني أيضا كما رأيت. قلت: ورجال الطبراني ثقات أيضا غير عبدان بن أحمد وهو الأهوازي كما ذكر الطبراني في «المعجم الصغير» (ص 136) ولم أجد له ترجمة وهو غير عبدان بن محمد المروزي وهو من شيوخ الطبراني أيضا في «الصغير» (ص136)

وغيره وهو ثقة حافظ له ترجمة في «تاريخ بغداد» (11/ 135) و «تذكرة الحفاظ» (2/ 230) وغيرها. لكن في رجال هذا الإسناد من يروي الغرائب مثل عيسى بن شاذان، قال فيه ابن حبان في «الثقات»: «يغرب». وإبراهيم بن طهمان، قال فيه ابن عمار الموصلي: «ضعيف الحديث مضطرب الحديث». وهذا على إطلاقه وإن كان مردوداً على ابن عمار فهو يدل على أن في حديث ابن طهمان شيئاً، ويؤيده قول ابن حبان في «ثقات أتباع التابعين» (2/ 10): «أمره مشتبه له مدخل في الثقات، ومدخل في الضعفاء وقد روى أحاديث مستقيمة تشبه أحاديث الأثبات، وقد تفرد عن الثقات بأشياء معضلان سنذكره إن شاء الله في كتاب الفصل بين النقلة إن قضى الله سبحانه ذلك وكذلك كل شيءٍ توقفنا في أمره ممن له مدخل في الثقات». ولذلك قال فيه الحافظ ابن حجر في «التقريب»: «ثقة يغرب» وشيخه منصور - وهو ابن المعتمر- ثقة، وقد روى له ابن طهمان حديثا آخر في مشيخته (244/ 2) (¬1). فالحديث من غرائبه أو من غرائب ابن شاذان (¬2). ¬

(¬1) مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق. [منه]. (¬2) ثم رأيته قد توبع فقد وقفت على إسناد البزار للحديث في «زوائده» (ص 123 مصورة المكتب الإسلامي) فإذا هو يقول: حدثنا إبراهيم عن المستمر العروقي ثنا محمد ثنا إبراهيم بن طهمان به وقال البزار «تفرد به إبراهيم عن منصور ولا نعلمه عن ابن عمر بأحسن من هذا إسنادا». وهذه متابعة لا بأس بها العروقي-بالقاف- صدوق يغرب كما في «التقريب».فالعهدة في الحديث على ابن طهمان، وجرى الهيثمي على ظاهر إسناده فقال في «زوائد البزار»: «قلت: هو إسناد صحيح».ولعل قوله السابق «ورجاله ثقات» أدق لما ذكرنا من الغرابة ذلك لأن مثل هذه الكلمة لا تقتضي الصحة كما لا يخفى على من مارس هذه الصناعة، لأن عدالة الرواة وثقتهم شرط واحد من شروط الصحة الكثيرة، بل إن العالم لا يلجأ إلى هذه الكلمة معرضاً عن التصريح بالصحة، إلا لأنه يعلم أن في السند مع ثقة رجاله علة تمنع من القول بصحته، أو على الأقل لم يعلم تحقق الشروط الأخرى فيه فلذلك لم يصرح بصحته، وهذه مسألة مهمة طالما غفل عنها المبتدئون في هذا العلم الشريف وغيرهم ولذلك نبهت عليها في مقدمة كتابي «تمام المنة على فقه السنة للسيد سابق». هذا ولو كنت محتجاً بما ليس صواباً عندي لاحتججت على تصحيح بعض المعاصرين المقلدين للحديث بأن السيوطي ضعفه بالرمز إليه بالضعف في «الجامع الصغير» وقع ذلك في النسخة المطبوعة بمطبعة بولاق بمصر، وفي النسخة التي عليها شرح المناوي وفي نسخة خطية في المكتبة الظاهرية (2329 عام) وغيرها ولكن لا أثق برموز (الجامع الصغير) لأسباب ذكرتها في المقدمة المذكورة آنفا ثم في مقدمته كتابي «صحيح الجامع الغير وزياداته» و «وضعيف الجامع الصغير وزياداته»، ولكن على الرغم من ذلك، فالتضعيف وارد عليهم لأنهم لا تحقيق عندهم بل هم مقلدون في كل شيء باعترافهم فغالب الظن أنهم يعتدون بتلك الرموز وعليه فالتضعيف المذكور حجة عليهم إن أنصفوا. [منه].

وأنا أخشى أن يكون الحديث تحرف على أحدهما فقال: «قُبر» بدل «صلى»، لأن هذا اللفظ الثاني هو المشهور في الحديث فقد أخرج الطبراني في «الكبير» (3/ 1551) بإسناد رجاله ثقات عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا: «صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا ... » الحديث. وكذلك رواه الطبراني في «الأوسط» (1/ 119/2 - زوائده) (¬1) وعنه المقدسي في «المختارة» (249/ 2) والمخلص في «الثالث من السادس من المخلصيات» (70/ 1) وأبو محمد بن شيبان العدل في «الفوائد» (2/ 222/2) ¬

(¬1) مخطوط ناقص الأول والآخر محفوظ في المكتبة الظاهرية ومنه نسخة كاملة في مكتبة الحرم المكي. [منه].

وقال المنذري (2/ 116): «رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن» ولا شك في حسن الحديث عندي، فقد وجدت له طريقاً أخرى عن ابن عباس رواه الأزرقي في «أخبار مكة» (ص 35) عنه موقوفا عليه وإسناده يصلح للاستشهاد به، كما بينته في كتابي الكبير «حجة الوداع» (ولم ينجز بعد). ثم رواه الأزرقي (ص 38) من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني من لا أتهم عن عبد الله بن عباس به موقوفا. فهذا هو المعروف في هذا الحديث والله أعلم. وجملة القول أن الحديث ضعيف لا يطمئن القلب لصحته فإن صح فالجواب عنه من الوجه الآتي وهو: الثاني: أن الحديث ليس فيه أن القبور ظاهرة في مسجد الخيف، وقد عقد الأزرقي في تاريخ مكة (406 - 410) عدة فصول في وصف مسجد الخيف، فلم يذكر أن فيه قبوراً بارزة، ومن المعلوم أن الشريعة إنما تبنى أحكامها على الظاهر، فإذا ليس في المسجد المذكور قبور ظاهرة، فلا محظور في الصلاة فيه البتة، لأن القبور مندرسة ولا يعرفها أحد بل لولا هذا الخبر الذي عرفت ضعفه لم يخطر في بال أحد أن في أرضه سبعين قبراً! ولذلك لا يقع فيه تلك المفسدة التي تقع عادة في المساجد المبنية على القبور الظاهرة والمشرفة.

الجواب عن الشبهة الرابعة: وأما ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه السلام وغيره في الحجر من المسجد الحرام وهو أفضل مسجد يتحرى فيه فالجواب: لا شك أن المسجد الحرام أفضل المساجد والصلاة فيه بمائة ألف صلاة (¬1)، ولكن هذه الفضيلة أصلية فيه منذ رفع قواعده إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام ولم تطرأ هذه الفضيلة عليه بدفن إسماعيل عليه السلام فيه لو صح أنه دفن فيه، ومن زعم خلاف ذلك فقد ضل ضلالا بعيدا وجاء بما لم يقله أحد من السلف الصالح رضي الله عنهم، ولا جاء به حديث تقوم الحجة به. فإن قيل: لا شك فيما ذكرت، ودفن إسماعيل فيه لا يخالف ذلك، ولكن ألا يدل هذا على الأقل على عدم كراهية الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؟ فالجواب: كلا ثم كلا وهاك البيان من وجوه: الأول: أنه لم يثبت في حديث مرفوع أن إسماعيل عليه السلام أو غيره من الأنبياء الكرام دفنوا في المسجد الحرام، ولم يرد شيء من ذلك في كتاب من كتب السنة المعتمدة كالكتب الستة، ومسند أحمد، ومعاجم الطبراني الثلاثة وغيرها من الدواوين المعروفة، وذلك من أعظم علامات كون الحديث ضعيفا بل موضوعا عند بعض المحققين (¬2). ¬

(¬1) وقد خرجت بعض الأحاديث الواردة في ذلك في «إرواء الغليل» (971 و1129). [منه]. (¬2) نقل السيوطي في «التدريب» عن ابن الجوزي «قال»: ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين العقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع. قال: ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجا من دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة «. كذا في «الباعث الحثيث» (ص 85 من الطبعة الثانية). [منه].

وغاية ما روي في ذلك من آثار معضلات، بأسانيد واهيات موقوفات أخرجها الأزرقي في «أخبار مكة» (ص 39 و219 و220) فلا يلتفت إليها وإن ساقها بعض المبتدعة مساق المسلمات (¬1). ونحو ذلك ما أورد السيوطي في «الجامع» من رواية الحاكم في «الكنى» عن عائشة مرفوعا بلفظ: «إن قبر إسماعيل في الحجر». الوجه الثاني: أن القبور المزعوم وجودها في المسجد الحرام غير ظاهرة ولا بارزة، ولذلك لا تقصد من دون الله تعالى، فلا ضرر من وجودها في بطن أرض ¬

(¬1)» انظر إحياء المقبور «(47 - 48). ومن عجائب الجهل بالسنة أن بعض المفسرين المتأخرين احتج بهذه الآثار الواهية على جواز الصلاة في المقبرة بقصد الاستظهار بروح الميت أو وصول أثر ما من أثر عبادته إليه (!) لا للتعظيم له والتوجه نحوه وهذا مع أنه لا دليل فيها على ما زعمه من الجواز، فهو مخالف لعموم الأدلة الناهية عن الصلاة في المقبرة وما شابهها من المساجد المبنية على القبور ولهذا رد المناوي احتجاج المفسر المشار إليه بقوله: «لكن خبر الشيخين كراهة (!) بناء المساجد على القبور مطلقا والمراد قبور المسلمين خشية أن يعبد فيها المقبور لقرينة خبر: اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد» وقال الصنعاني في «سبل السلام» (2/ 214) متعقباً عليه أيضاً: «قوله: (لا لتعظيم له) يقال: قصد التبرك به تعظيم له ثم أحاديث النهي مطلقة، ولا دليل على التعليل بما ذكر والظاهر أن العلة سد للذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان، الذين يعظمون الجمادات التي لا تنفع ولا تضر، ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية، ولأنه سبب لإيقاد السرج عليها الملعون فاعله ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر» قلت: وقوله «الملعون فاعله» يشير إلى حديث ابن عباس الذي بينت ضعفه فيما سبق (ص. . . .) فتنبه. [منه].

المسجد فلا يصح حينئذ الاستدلال بهذه الآثار على جواز اتخاذ المساجد على قبور مرتفعة على وجه الأرض، لظهور الفرق بين الصورتين وبهذا أجاب الشيخ على القاري رحمه الله تعالى فقال في «مرقاة المفاتيح» (1/ 456) بعد أن حكى قول المفسر الذي أشرت إليه في التعليق: «وذكر غيره أن صورة قبر إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب، وأن في الحطيم بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبيا».قال القاري: «وفيه أن صورة قبر إسماعيل عليه السلام وغيره مندرسة، فلا يصلح الاستدلال» وهذا جواب عالم نحرير، وفقيه خريت، وفيه الإشارة إلى ما ذكرناه آنفا، وهو أن العبرة في هذه المسألة بالقبور الظاهرة، وأن ما في بطن الأرض من القبور فلا يرتبط به حكم شرعي من حيث الظاهر، بل الشريعة تنزه عن مثل هذا الحكم لأننا نعلم بالضرورة والمشاهدة أن الأرض كلها مقبرة الأحياء كما قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا. أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}. قال الشعبي: «بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم» (¬1). ومنه قول الشاعر: صاح هذي قبورنا تملأ الرحب ... فأين القبور من عهد عاد؟ خفف الوطأ ما أظن أديم ... الأرض إلا من هذه الأجساد سر إن استطعت في الهواء رويدا ... لا اختيالاً على رفات العباد ومن البين الواضح أن القبر إذا لم يكن ظاهراً غير معروف مكانه فلا يترتب ¬

(¬1) رواه الدولابي (1/ 129) عنه ورجاله ثقات. [منه].

من وراء ذلك مفسدة كما هو مشاهد حيث ترى الوثنيات والشركيات إنما تقع عند القبور المشرفة، حتى ولو كانت مزورة! لا عند القبور المندرسة، ولو كانت حقيقية، فالحكمة تقتضي التفريق بين النوعين، وهذا ما جاءت به الشريعة كما بينا سابقاً، فلا يجوز التسوية بينهما، والله المستعان. الجواب عن الشبهة الخامسة: أما بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجداً على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فشبهة لا تساوي حكايتها ولولا أن بعض ذوي الأهواء من المعاصرين اتكأ عليها في رد تلك الأحاديث المحكمة لما سمحت لنفسي أن أسود الصفحات في سبيل الجواب عنها وبيان بطلانها والكلام عليها من وجهين: الأول: رد ثبوت البناء المزعوم من أصله، لأنه ليس له إسناد تقوم الحجة به، ولم يروه أصحاب «الصحاح» و «السنن» و «المسانيد» وغيرهم وإنما أورده ابن عبد البر في ترجمة أبي بصير من «الاستيعاب» (4/ 21 - 23) مرسلا فقال: «وله قصة في المغازي عجيبة ذكرها ابن إسحاق وغيره وقد رواها معمر عن ابن شهاب. ذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب في قصة القضية عام الحديبية، قال: ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلت قريش في طلبه رجلين، فقالا لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: العهد الذي جعلت لنا أن ترد إلينا كل من جاءك مسلماً، فدفعه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الرجلين فخرجا حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمرٍ لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا جيداً يا فلان! فاستله الآخر، وقال: أجل

والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت، فقال له أبو بصير أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الأخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد بعده فقال له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرا» فلما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال يا رسول الله قد والله وفى الله ذمتك: قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد».فلما سمع ذلك علم أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وانفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير ... وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر في أبي بصير بأتم ألفاظاً وأكمل سياقه قال: ... وكتب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أبي جندل وأبي بصير ليقدما عليه ومن معهما من المسلمين فقدم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على أبي جندل وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بيده يقرؤه فدفنه أبو جندل مكانه وصلى عليه وبنى على قبرِه مسجداً». قلت: فأنت ترى أن هذه القصة مدارها على الزهري فهي مرسلة على اعتبار انه تابعي صغير، سمع من أنس بن مالك رضي الله عنه وإلا فهي معضلة وكيف ما كان الأمر فلا تقوم بها حجة على أن موضع الشاهد منها وهو قوله: «وبنى على قبره مسجداً» لا يظهر من سياق ابن عبد البر للقصة أنه من مرسل الزهري ولا من رواية عبد الرزاق عن معمر عنه بل هو من رواية موسى بن عقبة كما صرح به ابن عبد البر لم يجاوزه وابن عقبة لم يسمع أحدا من الصحابة فهذه الزيادة أعني قوله «وبنى على قبره مسجدا» معضلة (¬1). ¬

(¬1) ولا تغتر أيها القارئ بما فعله هنا مؤلف «إحياء المقبور» فإنه ساق (ص 44) القصة التي أوردناها في الأعلى من طريق ابن عبد البر غير أن المؤلف حذف من كلامه «وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر» ووصل رواية عبد الرزاق عن الزهري برواية موسى بن عقبة حتى صارتا كأنهما رواية واحدة وبدا للناظر في سياقه أن القصة بناء المسجد على القبر هي من رواية عبد الرزاق عن الزهري وإنما هي من رواية موسى بن عقبة بدون إسناد! ثم وقفت على رواية موسى بن عقبة في «تاريخ ابن عساكر» (8/ 334/1) رواه بإسنادين عنه عن ابن شهاب مرسلا ومعضلا بلفظ: «وجعل عند قبره مسجدا» وهذا اللفظ- لو صح- أقل مخالفة لأنه ليس نصاً في أن البناء كان على القبر بل عنده وشتان ما بينهما وليس فيه أيضا أن أبا جندل هو الذي بنى المسجد فتأمل. [منه].

بل هي عندي منكرة لأن القصة رواها البخاري في «صحيحة» (5/ 351 - 371) وأحمد في «مسنده» (4/ 328 - 331) موصولة من طريق عبد الرزاق عن معمر قال: أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بها دون هذه الزيادة وكذلك أوردها ابن إسحاق في «السيرة» عن الزهري مرسلا كما في «مختصر السيرة» لابن هشام (3/ 331 - 339) ووصله أحمد (4/ 323 - 326) من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عروة به مثل رواية معمر وأتم وليس فيها هذه الزيادة، وكذلك رواه ابن جرير في تاريخه (3/ 271 - 285) من طريق معمر وابن إسحاق وغيرهما عن الزهري به دون هذه الزيادة، فدل ذلك كله على أنها زيادة منكرة؛ لإعضالها، وعدم رواية الثقات لها. والله تعالى هو الموفق. الوجه الثاني: أن ذلك لو صح لم يجز أن ترد به الأحاديث الصريحة، في تحريم بناء المساجد على القبور لأمرين: أولا: أنه ليس في القصة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - اطلع على ذلك وأقره. ثانيا: أنه لو فرضنا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علم بذلك وأقره فيجب أن يحمل ذلك على أنه قبل التحريم لأن الأحاديث صريحة في أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حرم ذلك في آخر حياته كما سبق فلا يجوز أن يترك النص المتأخر من أجل النص المتقدم على فرض صحته عند التعارض وهذا بين لا يخفى نسأل الله تعالى أن يحمينا من إتباع الهوى.

الجواب عن الشبهة السادسة: وهي الزعم بأن المنع إنما كان لعلة، وهي خشية الافتتان بالمقبور، وقد زالت، فزال المنع!! لا أعلم أحدا من العلماء ذهب إلى القول بهذه الشبهة إلا مؤلف «إحياء المقبور» فإنه تمسك بها وجعلها عمدته في رد تلك الأحاديث المتقدمة واتفاق الأمة عليها فقال ما نصه (ص 18 - 19): «وأما النهي عن بناء المساجد على القبور فاتفقوا على تعليله بعلتين: إحداهما أن يؤدي إلى تنجيس المسجد (¬1) وثانيهما وهو قول الأكثرين بل الجميع حتى من نص على العلة السابقة أن ذلك قد يؤدي إلى الضلال والفتنة بالقبر، لأنه إذا وقع بالمسجد وكان قبر ولي مشهور بالخير والصلاح لا يؤمن مع طول المدة أن يزيد اعتقاد الجهلة فيه ويؤدي بهم إلى فرط التعظيم إلى قصد الصلاة إليه، إذا كان في قبلة المسجد، فيؤدي بهم ذلك إلى الكفر والإشراك». ثم ساق شيئاً من النقول في العلة المذكورة عن بعض العلماء منهم الإمام الشافعي وقد تقدم نصه في ذلك (- صلى الله عليه وسلم -. . . .. ) ثم قال المؤلف المشار إليه (ص 20 - 21): «فالعلة المذكورة قد انتفت برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين، ونشأتهم على التوحيد الخالص، واعتقاد نفي الشريك مع الله تعالى، وأنه سبحانه المنفرد بالخلق والإيجاد والتصريف (!) وبانتفاء العلة ينتفي الحكم المترتب عليها، وهو ¬

(¬1) قلت: وهذه العلة باطلة من وجوه لا مجال لبيانها الآن ومن أدلة ذلك بخصوص قبور الأنبياء أن أجسادهم لا تبلى كما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف تنجس الأرض بهم؟!. [منه].

كراهة اتخاذ المساجد والقباب على قبور الأولياء والصالحين»! قلت: والجواب: أن يقال: أثبت العرش ثم انقش! أثبت أولاً أن الخشية المذكورة هي وحدها علة النهي، ثم أثبت أنها قد انتفت، ودون ذلك خرط القتاد. أما الأول، فإن لا دليل مطلقا على أن العلة هي الخشية المذكورة فقط نعم من الممكن أن يقال: انها بعض العلة وأما حصولها بها فباطل، لأن من الممكن أيضا أن يضاف إليها أمور أخرى معقولة كالتشبه بالنصارى، كما تقدم في كلام الفقيه الهيتمي، والمحقق الصنعاني، وكالإسراف في صرف المال فيما لا فائدة فيه شرعاً، وغير ذلك مما قد يبدو للباحث الناقد. وأما زعمه أن العلة انتفت برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين ... إلخ. فهو زعم باطل أيضاً وبيانه من وجوه: الأول: أن الزعم بني على أصل باطل، وهو أن الإيمان بأن الله هو المنفرد بالخلق والإيجاد كاف في تحقيق الإيمان المنجي عند الله تبارك وتعالى، وليس كذلك فإن هذا التوحيد وهو المعروف عند العلماء بتوحيد الربوبية، كان يؤمن به المشركون الذين بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (¬1). ومع ذلك فلم ينفعهم هذا التوحيد شيئاً، لأنهم كفروا بتوحيد الألوهية والعبادة وأنكروه على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أشد الإنكار، بقولهم فيما حكاه الله عنهم ¬

(¬1) سورة لقمان الآية 25. [منه].

{أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (¬1). ومن مقتضيات هذا التوحيد الذي أنكروه ترك الاستغاثة بغير الله، وترك الدعاء والذبح لغير الله، وغير ذلك مما هو خاص بالله تعالى من العبادات، فمن جعل شيئاً من ذلك لغير الله تبارك وتعالى فقد أشرك به، وجعل له نداً وإن شهد له بتوحيد الربوبية، فالإيمان المنجي إنما هو الجمع بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإفراد الله بذلك وهذا مفصل في غير هذا الموضع. فإذا تبين هذا نعلم أن الإيمان الصحيح غير راسخ في نفوس كثير من المؤمنين بتوحيد الربوبية، ولا أريد أن أبعد بالقارئ الكريم في ضرب الأمثلة فحسبي هنا أن أنقل ما ذكره المؤلف الذي نحن في صدد الرد عليه فإنه قال بعد أسطر من كلامه السابق (ص 21 - 22): «ونراهم (يعني العامة) يحلفون بالأولياء، وينطقون في حقهم بما ظاهره الكفر الصراح بل هو الكفر حقيقة بلا ريب ولا شك ... فكثير من جهلة العوام بالمغرب ينطق بما هو كفر صراح في حق مولانا عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ... فإن عندنا بالمغرب من يقول عن القطب الأكبر مولانا عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه أنه الذي خلق الدين والدنيا! ومنهم من قال والمطر نازل بشدة: يا مولانا عبد السلام ألطف بعبادك! فهذا كفر! ... ». قلت: فهذا الكفر أشد من كفر المشركين، لأن هذا فيه التصريح بالشرك في توحيد الربوبية أيضاً، وهو مما لا نعلم أنه وقع من المشركين أنفسهم! وأما الشرك في الألوهية فهو أكثر في جهَّال هذه الأمة- ولا أقول عوامهم- فإذا كان هذا حال ¬

(¬1) سورة ص الآية 5. [منه].

المسلمين اليوم وقبل اليوم فكيف يقول هذا الرجل: «وقد انتفت العلة برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين .. »؟! وإذا كان يريد بـ «المؤمنين» الصحابة رضي الله عنهم، فلا شك أنهم كانوا مؤمنين حقاً، عالمين بحقيقة التوحيد الذي جاءهم به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولكن الشريعة الإسلامية شريعة عامة أبدية فلا يلزم من انتفاء العلة- ولو ثبت- بالنسبة إليهم أن ينتفي الحكم بالنسبة لمن بعدهم، لأن العلة لا تزال قائمة، والواقع أصدق شاهد على ذلك. الوجه الثاني: علمت مما سبق من الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حذر من اتخاذ المساجد على القبور في آخر حياته، بل في مرض موته فمتى زالت العلة التي ذكرها؟ إن قيل: زالت عقب وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم - فهذا نقض لما عليه جميع المسلمين أن خير الناس قرنه - صلى الله عليه وآله وسلم -، لأن القول بذلك يستلزم- بناء على ما سبق من كلامه- أن الإيمان لم يكن قد رسخ بعد في نفوس الصحابة رضي الله عنهم وإنما رسخ بعد وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم -! ولذلك لم تزل العلة وبقي الحكم وهذا مما لا أتصور أحداً يقول به لوضوح بطلانه. وإن قيل: زالت قبل وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم - قلنا: وكيف ذلك وهو - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما نهى عن ذلك في آخر نفس من حياته؟ ويؤيده: الوجه الثالث: أن في بعض الأحاديث المتقدمة باستمرار الحكم إلى قيام الساعة كالحديث (12). الوجه الرابع: أن الصحابة رضي الله عنهم إنما دفنوه في حجرته - صلى الله عليه وآله وسلم - خشية أن يتخذ قبره مسجدا كما تقدم عن عائشة رضي الله عنها في الحديث (4) [[وكذا الحديث رقم 1]]، فهذه خشية إما أن يقال: إنها كانت منصبة على الصحابة

أنفسهم، أو على من بعدهم، فإن قيل بالأول قلنا فالخشية على من بعدهم أولى وإن قيل بالثاني، وهو الصواب عندنا فهو دليل قاطع على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يرون زوال العلة المستلزم زوال الحكم، لا في عصرهم، ولا فيما بعدهم، فالزعم بخلاف رأيهم ضلال بين. ويؤيده: الوجه الخامس: أن العمل استمر من السلف على هذا الحكم ونحوه مما يستلزم بقاء العلة السابقة وهي خشية الوقوع في الفتنة والضلال فلو أن العلة المشار إليها كانت منتفية لما استمر العمل على معلولها، وهذا بين لا يخفى والحمد لله وإليك بعض الأمثلة على ما ذكرنا: 1 - عن عبد الله بن شرحبيل بن حسنة قال: رأيت عثمان بن عفان يأمر بتسوية القبور فقيل له هذا قبر أم عمرو بنت عثمان! فأمر به فسوي (¬1). 2 - عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرا مشرفاً إلا سويته (¬2). ¬

(¬1) رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (4/ 138) وأبو زرعة في «تاريخه» (66/ 121، 2/ 2) (*) بسند صحيح عن عبد الله هذا وقد أورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/ 2/8182) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. [منه]. (*) مخطوطان قيمان الأول محفوظ بعض مجلداته في المكتبة الظاهرية، ويوجد منه نسخة تامة في غيرها. والآخر منه نسخة مصورة في المجمع العلمي العربي بدمشق. [منه]. (¬2) رواه مسلم (3/ 61) وأبو داود (3/ 70) والنسائي (1/ 285) والترمذي (2/ 153 - 154) والبيهقي (4/ 3) والطيالسي (1/ 168) وأحمد (رقم 741، 1064) وله طرق عند الطيالسي وأحمد (رقم 657 و658 و889 و1175 و1176 و1177 و1238 و1283) وابن أبي شيبة (4/ 139) والطبراني في «الصغير» (ص 29): «ولا مخالفة بين هذا الحديث وبين ما ثبت في السنة من مشروعية رفع القبر شبراً أو شبرين، حتى يتميز فيصان عن أن يهان، لأن المراد به تسوية ما رفع عليه من البناء، وإن قيل بخلافه قال الشيخ علي القارئ في «المرقاة» (2/ 372) في شرح الحديث: «(قبراً مشرفاً) هو الذي بني عليه حتى ارتفع دون الذي أعلم عليه بالرمل والحصباء أو محسومة (!) بالحجارة ليعرف ولا يوطأ، (إلا سويته) في الأزهار: قال العلماء: يستحب أن يرفع القبر قدر شبر ويكره فوق ذلك ويستحب الهدم وفي قدره خلاف قيل إلى الأرض تغليظا، وهذا أقرب إلى اللفظ أي لفظ الحديث من التسوية» وكذا في «تحفة الأحوذي» (2/ 154) نقلا عن «المرقاة». [منه].

ولما كان هذا الحديث حجة واضحة على إبطال ما ذهب إليه الشيخ الغماري في كتابه المشار إليه سابقاً حاول التقصي منه من طريقين: الأول: تأويله، حتى يتفق مع مذهبه. والآخر: التشكيك في ثبوته فقال (ص 57): «فلا بد من أحد أمرين: إما أن يكون غير ثابت في نفسه، أو هو محمول على غير ظاهره ولا بد». قلت: أما ثبوته فلا شك فيه لأن له طرقا كثيرة بعضها في «الصحيح» كما سبق ولكن أصحاب الأهواء لا يلتزمون القواعد العلمية في التصحيح والتضعيف، بل ما كان عليهم ضعفوه ولو كان في نفسه صحيحا كهذا الحديث (¬1)، وما كان لهم صححوه أو مشوه ولو كان في نفسه ضعيفاً، وسيأتي لذلك بعض الأمثلة الأخرى والله المستعان. ¬

(¬1) وكذلك فعل بعض غلاة الشيعة في كتابه «كشف الارتياب» (ص 366 فصرح فيه بتضعيف الحديث من طريق مسلم وطعن في رجاله وكلهم ثقات وكذلك غمز من صحته الكوثري الجهمي في «مقالاته» (ص 159) وهكذا ترى أهل الأهواء على اختلاف مذاهبهم يتتابعون على رد الحديث الصحيح بأوهى الشبه إتباعا لأهوائهم، ونعوذ بالله تعالى من الخذلان!. [منه].

وأما تأويله فقد ذكر له وجوها واهية أقواها قوله: «إنه خبرٌ متروك الظاهر بالاتفاق لأن الأئمة متفقون على كراهة تسوية القبر وعلى استحباب رفعه قدر شبر». قلت: العجب ممن يدعي الاجتهاد ويحرم التقليد كيف يصرف الأحاديث ويتأولها حتى تتفق مع أقوال الأئمة بزعمه، بينما الاجتهاد الصحيح يقتضي عكس ذلك تماما على أن الحديث لا ينافي الاتفاق المذكور، لأنه خاص بالقبر المبني عليه فحينئذ يسوى بالأرض كما سبق عن الأزهار واتفاق الأئمة إنما هو في الأصل الذي ينبغي أن يراعى حين دفن الميت فيرفع قليلاً فهذا لا يعنيه الحديث كما أفاده القارئ رحمه فيما تقدم نقله قريباً في الحاشية. ثم نقل الغماري في تأويل الحديث عن الشافعية أنهم قالوا: «لم يرد تسويته بالأرض، وإنما أراد تسطيحه جمعاً بين الأحاديث». قلت: لو سلم هذا فهو دليل على الغماري لا له لأنه لا يقول بوجوب تسطيحه بل يقول باستحباب رفعه بدون حد، وباستحباب البناء عليه قبة أو مسجداً! ثم قال الغماري في الجواب الأخير عن الحديث: «وهو الصحيح عندنا أنه أراد قبور المشركين التي كانوا يقدسونها في الجاهلية وفي بلاد الكفار التي افتتحها الصحابة رضي الله عنهم بدليل ذكر التماثيل معها». قلت: في بعض طرق الحديث عند أحمد أن بعث علي رضي الله عنه إنما كان إلى بعض نواحي المدينة حين كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيها، فهذا يبطل ما ادعاه من أن

الإرسال كان إلى بلاد الكفار. ثم إن موضع الشاهد من الحديث إنما هو بعث علي أبا الهياج إلى تسوية القبور، وكان رئيس الشرطة ففيه دليل واضح على أن علياً وكذا عثمان رضي الله عنهما في الأثر المتقدم كانا يعلمان هذا الحكم بعد وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم - خلافا لما زعمه الغماري. 3 - عن أبي بردة قال: أوصى أبو موسى حين حضره الموت فقال: إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي ولا يتبعني مجمر، ولا تجعلوا في لحدي شيئا يحول بيني وبين التراب ولا تجعلوا على قبري بناء وأشهدكم أني بريء من كل حالقة أو سالقة أو خارقة (¬1) قالوا أو سمعت فيها شيئا؟ قال: نعم من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬2). 4 - عن أنس: كان يكره أن يبنى مسجد بين القبور (¬3). 5 - عن إبراهيم أنه كان يكره أن يجعل على القبر مسجداً (¬4). وإبراهيم هذا هو ابن يزيد النخعي الثقة الإمام، وهو تابعي صغير مات سنة (96)، فقد تلقى هذا الحكم بلا شك من بعض كبار التابعين أو ممن أدركهم من الصحابة، ففيه دليل قاطع على أنهم كانوا يرون بقاء هذا الحكم واستمراره بعده ¬

(¬1) (الحالقة) هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، و (السالقة): التي ترفع صوتها، و (الخارقة): التي تخرق ثيابها عند المصيبة. [منه]. (¬2) أخرجه أحمد (4/ 397) وإسناده قوي. [منه]. (¬3) رواه ابن أبي شيبة (2/ 185) ورجاله ثقات رجال الشيخين، ورواه أبو بكر ابن الاثرم كما في «فتح الباري» لابن رجب (65/ 81/1 من الكواكب). [منه]. (¬4) رواه ابن أبي شيبة (4/ 134) بسند صحيح عنه. [منه].

- صلى الله عليه وآله وسلم - فمتى نسخ؟! 6 - عن المعرور بن سويد قال: «خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} (¬1) و {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} (¬2) فلما قضى حجه ورجع والناس يتبدرون، فقال: ما هذا؟ فقال: مسجد صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً! من عرضت له منكم فيها الصلاة، فليصل ومن لم يعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل» (¬3). 7 - عن نافع قال: «بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت» (¬4). ¬

(¬1) سورة الفيل الآية 1. [منه]. (¬2) سورة قريش الآية 1. [منه]. (¬3) رواه ابن أبي شيبة (2/ 84/1) وسنده صحيح على شرط الشيخين. [منه]. (¬4) - قلت: رواه ابن أبي شيبة أيضا (2/ 73/2) ورجاله ثقات كلهم لكنه منقطع بين نافع وعمر فلعل الواسطة بينهما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ثم استدركت فقلت: يبعد ذلك كله ما أخرجه البخاري فيه «صحيحه الجهاد» من طريق أخرى عن نافع قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: «رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله» قلت: يعني خفاءها عليهم. فهو نص على أن الشجرة لم تبق معروفة المكان يمكن قطعها من، عمر فدل ذلك على ضعف رواية القطع الدال عليه الانقطاع الظاهر فيها نفسها ومما يزيدها ضعفا ما روى البخاري في «المغازي» من «صحيحه» عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: «لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد فلم أعرفها». ومن طريق طارق بن عبد الرحمن قال: «انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون، قلت: ما هذا المسجد قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان فأتيت سعيد بن المسيب، فضحك فقال: حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها. وفي رواية: فعميت علينا فقال سعيد: إن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم! أقول: ولئن كنا خسرنا هذه الرواية المنقطعة كشاهد فيما نحن فيه من البحث بعد التأكد من ضعفها فقد كسبنا ما هو أقوى منها مما يصلح دليلا لما نحن فيه وهو حديث المسيب هذا وحديث ابن عمر: فقد قال الحافظ في شرحه إياه: » والحكمة في ذلك أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم الأمر إلى اعتقاد أن لها قوة نقع أو ضر كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: «كانت رحمة من الله» أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى «. قلت: ومن تلك الأشجار التي أشار إليها الحافظ شجرة كنت رأيتها من أكثر من عشر سنين شرقي مقبرة شهداء أحد خارج سورها وعليها خرق كثيرة، ثم رأيتها في موسم السنة الماضية (1371 هـ) قد استأصلت من أصلها. والحمد لله وحمى المسلمين من شر غيرها من الشجر وغيره من الطواغيت التي تعبد من دون الله تعالى. [منه].

8 - عن قزعة قال سألت ابن عمر: آتي الطور؟ فقال: دع الطور ولا تأتها، وقال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (¬1). 9 - عن علي بن حسين: أنه رأى رجلا يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه (كذا الأصل) فيدخل فيها فيدعو، فدعاه فقال: ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قال: «لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي ¬

(¬1) رواه ابن أبي شيبة أيضا (2/ 83/2) والأزرقي في «أخبار مكة» (ص 304) وإسناده صحيح وروى أحمد (6/ 8) وأبو يعلى وابن منده في «التوحيد» (26/ 1، 2) مثله عن أبي بصرة الغفاري وهو صحيح أيضا خرجته في «سلسة الأحاديث الصحيحة» أواخر المائة الثالثة وفي «إرواء الغليل» رقم (970). [منه].

فإن صلاتكم وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم» (¬1). ويقويه ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضا وابن خزيمة في «حديث علي ابن حجر» (ج 4/رقم 48) وابن عساكر (4/ 217/1) (¬2) من طريقين عن سهيل بن أبي سهيل أنه رأى قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فالتزمه ومسح قال: فحصبني حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تتخذوا قبري عيداً ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، [وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني]» (¬3). 10 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني (¬4) حيثما كنتم» (¬5). ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة أيضا (2/ 83/2) وعنه أبو يعلى في «مسنده» (ق 32/ 2) وإسماعيل القاضي في كتاب «فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -» الحديث 20 من طبع المكتب الإسلامي ورواه الضياء في «المختارة» (1/ 154) من طريق أبي يعلى والخطي في «الموضح» (2/ 30). وسنده مسلسل بأهل البيت رضي الله عنهم إلا أن أحدهم وهو علي بن عمر مستور كما قال الحافظ في «التقريب». [منه]. (¬2) هذا والمصادر المذكورة قبله كلها مخطوطات وغالبها في المكتبة الظاهرية، ومكتبة الأوقاف في حلب. [منه]. (¬3) قلت: وأخرجه عبد الرزاق أيضا في «مصنفه» (3/ 577/6694) وسهيل هذا أورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 1/24) وذكر له عنه راويين أحدهما محمد بن عجلان وهو الراوي لهذا الحديث عنه عند ابن أبي شيبة، والآخر سفيان الثوري ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً وله راو ثالث وهو إسماعيل الراوي لهذا عنه عند ابن خزيمة وهو إسماعيل بن علية وهذه فائدة عزيزة لا تجدها في كتب الرجال فقد روى عنه ثلاثة من الثقات فهو معروف غير مجهول. والله أعلم. [منه]. (¬4) قوله «تبلغني» هذا الحديث وغيره مما تقدم صريح في أنه عليه الصلاة والسلام لا يسمع صلاة المصلين عليه فمن زعم أن النبيص يسمعها فقد كذب عليه فكيف حال من يزعم أنهص يسمع غيرها؟! [منه]. (¬5) رواه أبو داود (2042) وأحمد (2/ 367) بسند حسن ورواه أبو يعلى في «مسنده» (4/ 1597)، مصورة الكتب (أو النسخة الخطية؟) من حديث الحسن بن علي بن أبي طالب بسند فيه نظر. [منه].

11 - ورأى ابن عمر فسطاطاً (¬1) على قبر عبد الرحمن فقال: «انزعه يا غلام فإنما يظله عمله» (¬2). 12 - عن أبي هريرة أنه أوصى أن لا يضربوا على قبره فسطاطا ً (¬3). 13 - وروى ابن أبي شيبة وابن عساكر (7/ 96/2) مثله عن أبي سعيد الخدري (¬4). 14 - عن محمد بن كعب قال: هذه الفساطيط التي على القبور محدثة (¬5). 15 - سعيد بن المسيب أنه قال في مرضه الذي مات فيه: إذا ما مت فلا تضربوا على قبري فسطاطا (¬6). 16 - عن سالم مولى عبد الله بن علي بن حسين قال: أوصى محمد بن علي أبو جعفر قال: لا ترفعوا قبري على الأرض (¬7). 17 - عن عمرو بن شرحبيل قال: ¬

(¬1) السفطاط بيت من شعر في «اللسان» وفي «الكواكب الدراري» (ق 87/ 1 تفسير 548): «وكره أحمد أن يضرب على القبر فسطاط». [منه]. (¬2) رواه البخاري تعليقاً (2/ 98). [منه]. (¬3) رواه عبد الرزاق (3/ 418/6129) وابن أبي شيبة 4/ 135، والربعي في «وصايا العلماء» (141/ 2) وابن سعد (4/ 338) وإسناده صحيح. [منه]. (¬4) وإسناده ضعيف، لكن له طرق أخرى عند ابن عساكر فهو بها صحيح. [منه]. (¬5) رواه ابن أبي شيبة أيضاً ورجاله ثقات غير ثعلبة وهو ابن الفرات، قال أبو حاتم وأبو زرعة: «لا أعرفه «كما في» الجرح والتعديل» (1/ 464 ـ 465). [منه]. (¬6) رواه ابن سعد (5/ 142). [منه]. (¬7) رواه الدولابي (1/ 134ـ 135) ورجاله ثقات غير سالم هذا فهو مجهول كما قال الذهبي في «الميزان» والحلي الشيعي في «خلاصة الأقوال» (ص 108). [منه].

«لا ترفعوا جدثي- يعني القبر - فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك» (¬1). واعلم أن هذه الآثار وإن اختلفت دلالاتها فهي متفقة على النهي في الجملة عن كل ما ينبئ عن تعظيم القبور تعظيما يخشى منه الوقوع في الفتنة والضلال، مثل بناء المساجد والقباب على القبور وضرب الخيام عليها ورفعها أكثر من الحديث المشروع، والسفر والاختلاف إليها (¬2) والتسمح بها، ومثل التبرك بآثار الأنبياء ونحو ذلك. فهذه الأمور كلها غير مشروعة عند السلف الذين سميناهم من الصحابة وغيرهم، وذلك يدل على أنهم كانوا جميعا يرون بقاء علة النهي عن بناء المساجد على القبور وتعظيمها بما لم يشرع ألا وهي خشية الإضلال والافتتان بالموتى، كما نص عليها الإمام الشافعي رحمه الله فيما سبق بدليل استمرارهم على القول بالحكم المعلول بهذه العلة فإن بقاء أحدهم يستلزم بقاء الآخر كما لا يخفى وهذا بالنسبة لمن نص منهم على كراهية بناء المساجد على القبور ظاهراً، أما الذين صرحوا بالنهي عن غير ذلك مثل رفع القبر وضرب الخيمة عليه ونحوه مما أجملنا الكلام عليه آنفا فهم يقولون ببقاء الحكم المذكور من باب أولى وذلك لوجهين: الأول: أن بناء المساجد على القبور أشد جرماً من رفع القبور وضرب الخيام عليها، لما ورد من اللعن على البناء، دون الرفع والضرب المذكور. الثاني: أن المفروض في أولئك السلف الفهم والعلم، فإذا ثبت عن أحد ¬

(¬1) رواه ابن سعد (6/ 108) بسند صحيح. [منه]. (¬2) الاختلاف إليها أي: إكثار التردد لزيارتها، وهذا مستفاد من قولهص «اللهم لا تجعل قبري عيداً». [منه].

منهم النهي عن شيء هو دون ما نهى عنه الشارع، ولم ينقل هذا النهي عن أحدهم، فنحن نقطع بأنه ينهى عنه أيضاً، حتى ولو فرض عدم بلوغ النهي إليه لأن نهيه عما هو دون هذا يستلزم النهي عنه من باب أولى، كما لا يخفى. فثبت أن القول بانتفاء العلة المذكورة وما بني عليه كله باطل، لمخالفته نهج السلف الصالح رضي الله عنهم، مع مصادمته للأحاديث الصحيحة، والله المستعان. "تحذير الساجد" (ص47 - 100)

جماع أبواب الكلام حول حكم زيارة القبور وما يشرع عند القبور وما لا يشرع والمسائل التي تتصل بذلك

جماع أبواب الكلام حول حكم زيارة القبور وما يشرع عند القبور وما لا يشرع والمسائل التي تتصل بذلك

[165] باب أئمة دعوة التوحيد يجيزون زيارة القبور زيارة شرعية

[165] باب أئمة دعوة التوحيد يجيزون زيارة القبور زيارة شرعية [نقل الآلوسي في "الآيات البينات" أن زيارة القبور مشروع عند أئمة الحنفية، فعلق الألباني قائلا]: وكذلك سائر الأئمة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية، وإمام دعوة التوحيد محمد بن عبد الوهاب، وغيرهم، فمن نسب إنكارهم للزيارة فقد اعتدى وظلم، وإنما هم ينكرون الزيارة التي يقترن بها بعض المخالفات الشرعية كالاستغاثة بالمقبور، والنذر له، والحلف به، ونحو ذلك كشد الرحل إليه، ويسمون هذه الزيارة بالزيارة البدعية. وتجد تفصيل الكلام على الزيارة الشرعية وما جاء فيها من الأحاديث في " أحكام الجنائز وبدعها ". "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص107). [166] باب ذكر جملة من أحكام زيارة القبور وتحقيق القول في حكم زيارة النساء للقبور [قال الإمام]: -وتشرع زيارة القبور للاتعاظ بها وتذكر الآخرة شريطة أن لا يقول عندها ما يغضب الرب سبجانه وتعالى كدعاء المقبور والاستغاثة به من دون الله تعالى، أو تزكيته والقطع له بالجنة، ونحو ذلك، وفيه أحاديث. الأول: عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، [فإنها تذكركم الآخرة]، [ولتزدكم

زيارتها خيرا]، [فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هجرا]» أخرجه مسلم (53/ 6،6/ 82) وأبو داود (2/ 72،131) ومن طريقة البيهقي (4/ 77) والنسائي (1/ 285،286،2/ 329،330) وأحمد (5/ 350،355،356،361) والزيادة الأولى والثانية له، ولأبي داود الأولى بنحوها وللنسائي الثانية والثالثة. قال النووي رحمه الله في (المجموع) (5/ 310): والهجر: الكلام الباطل، وكان النهي أولا لقرب عهدهم من الجاهلية فربما كانوا يتكلمون بكلام الجاهلية الباطل، فلما استقرت قواعد الإسلام، وتمهدت أحكامه، واشتهرت معالمه أبيح لهم الزيارة، واحتاط - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «ولا تقولوا هجرا». قلت: ولا يخفي أن ما يفعله العامة وغيرهم عند الزيارة من دعاء الميت والاستغاثة به وسؤال الله بحقه. لهو من أكبر الهجر والقول الباطل، فعلى العلماء أن يبينوا لهم حكم الله في ذلك، ويفهموهم الزيارة المشروعة والغاية منها. وقد قال الصنعاني في (سبل السلام) (2/ 162) عقب أحاديث في الزيارة والحكمة منها: (الكل دال على مشروعية زيارة القبور وبيان الحكمة فيها، وأنها للاعتبار- ... ،فإذا خلت من هذه لم تكن مرادة شرعا). الثاني: عن أبي سعيد الخدري قا: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإن فيها عبرة. [ولا تقولوا ما يسخط الرب]». أخرجه أحمد (3/ 38،63،66) والحاكم (1/ 374 - 375) وعنه البيهقي (4/ 77) ثم قال: (صحيح على شرط مسلم)،ووافقه الذهبي وهو كما قالا. ورواه البزار أيضاً والزيادة له كما في (مجمع الهيثمي) (3/ 58) وقال: (وإسناده رجاله رجال الصحيح).

قلت: وهي عند أحمد بنحوها من طريق أخرى، وإسنادها لا بأس به في المتابعات، ولها شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ البزار. أخرجه الطبراني في (المعجم الصغير) (ص 183) ورجاله موثقون. الثالث: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كنت نهتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجرا». أخرجه الحاكم (1/ 376) بسند حسن، ثم رواه (1/ 375،376) وأحمد (3/ 237،250) من طريق أخرى عنه بنحوه، وفيه ضعف. وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه، وسيأتي. - والنساء كالرجال في استحباب زيارة القبور، لوجوه: الأول: عموم قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - « .. فزوروا القبور» فيدخل فيه النساء، وبيانه: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما نهى عن زيارة القبور في أول الأمر. فلا شك أن النهي كان شاملا للرجال والنساء معا، فلما قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور» كان مفهوما أنه كان يعني الجنسين ضرورة أنه يخبرهم عما كان في أول الأمر من نهي الجنسين، فإذا كان الأمر كذلك، كان لزاما أن الخطاب في الجملة الثانية من الحديث وهو قوله: «فزوروها» إنما أراد به الجنسين أيضا. ويؤيده أن الخطاب في بقية الأفعال المذكورة في زيادة مسلم في حديث بريدة المتقدم آنفاً: «ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الاسقية كلها ولا تشربوا مسكراً»، أقول: فالخطاب في جميع هذه الأفعال موجه إلى الجنسين قطعا، كما هو الشأن في الخطاب الأول: «كنت: نهيتكم»، فإذا قيل بأن الخطاب في قوله: «فزوروها» خاص بالرجال، اختل نظام

الكلام وذهبت طراوته، الأمر الذي لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم، ومن هو أفصح من نطق بالضاد، - صلى الله عليه وآله وسلم -،ويزيده تأييدا الوجوه الآتية: الثاني: مشاركتهن الرجال في العلة التي من أجلها شرعت زيارة القبور: «فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة». الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد رخص لهن في زيارة القبور، في حديثين حفظتهما لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: 1 - عن عبد الله بن أبي مليكة: (أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم: ثم أمر بزيارتها).وفي رواية عنها (أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رخص في زيارة القبور).أخرجه الحاكم (1/ 376) وعنه البيهقي (4/ 78) من طريق بسطام بن مسلم عن أبي التياح يزيد بن حميد عن عبد الله بن أبي مليكة، والرواية الاخرى لابن ماجه (1/ 475). قلت: سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي (صحيح)، وقال البوصيري في (الزوائد) (988/ 1): (إسناده صحيح رجاله ثقات).وهو كما قالا. وقال الحافظ العراقي في (تخريج الإحياء) (4/ 418): (رواه ابن أبي الدنيا في (القبور) والحاكم بإسناد جيد) (¬1). ¬

(¬1) قلت: وقد أعله ابن القيم بشئ عجيب، والأحرى بلا شيء! فقال في (تهذيب السنن) (4/ 350): (وأما رواية البيهقي فهي من رواية بسطام بن مسلم، ولو صح، فعائشة تأولت ما تأول غيرها من دخول النساء)! قلت: وبسطام ثقة بدون خلاف أعلمه، فلا وجه لغمز ابن القيم له، والاسناد صحيج لا شبهة فيه. ولا يعله ما أخرجه الترمذي (2/ 157) من طريق ابن جريج عن عبد الله ابن أبي مليكة قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر ب‍ (الحبشي) (مكان بينه وبين مكة اثنا عشر ميلا) فحمل إلى مكة فدفن فيها، فلما قدمت عائشة أتت قبر عبد الرحمن بن أبى بكر فقالت: وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا فلما تفرقتا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك) وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) (4/ 140)، واستدركه الهيثمي فأورده في (المجمع) وقال: (3/ 60): (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح)، فوهم في الاستدراك لاخراج الترمذي له، ورجاله رجال الشيخين لكن ابن جريح مدلس وقد عنعنه. فهي علة الحديث، ومع ذلك فقد ادعى ابن القيم (4/ 349) أنه (المحفوظ مع ما فيه).كذا قال، بل هو منكر لما ذكرنا ولانه مخالف لرواية يزيد بن حميد وهو ثقة ثبت عن ابن أبي مليكة، ووجه المخالفة ظاهرة من قوله (ولو شهدتك ما زرتك) فانه صريح في أن سبب الزيارة إنما هو عدم شهودها وفاته، فلو شهدت ما زارت، بينما حديث ابن حميد صريح في أنها زارت لان النبيص أمر بزيارة القبور، فحديثه هو المحفوظ خلاف ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله تعالى. وأما ما ذكره من تأول عائشة فهو محتمل، ولكن الاحتمال الاخر وهو أنها زارت بتوقيف منهص أقوى بشهادة حديثها الاتي.

2 - عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما: ألا أحدثكم عني وعن أمي؟ فظننا أنه يريد أمه التي ولدته، قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قلنا: بلى: قالت: (لما كانت ليلتي التي كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظهر أنه قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب [رويدا]، فخرج، ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت: وتقنعت إزاري (¬1)،ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، وأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت، فسبقته، فدخلت، فليس إلا أن ¬

(¬1) بغير باء التعدية، بمعنى لبست إزاري فلهذا عدي بنفسه.

أضجعت، فدخل فقال، مالك يا عائش (¬1) حشيا (¬2) رابية؟ قالت: قلت: لا شئ [يا رسول الله]، قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فأخبرته [الخبر]، قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم، فلهزني في صدري لهزة (¬3) أوجعتي، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله!؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، [قال]: نعم قال فان جبريل أتاني حين رأيت فناداني- فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن ليدخل عليك، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي-فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون). أخرجه مسلم (3/ 14) والسياق له والنسائي (1/ 286، 2/ 160،160 - 161) وأحمد (6/ 221) والزيادات له إلا الأولى والثالثة فإنها للنسائي (¬4). ¬

(¬1) يجوز في (عائش) فتح إلشين وضمها، وهما وجهان جاريان في كل المرخمات. (¬2) بفتح المهملة وإسكان المعجمة معناه وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه من ارتفاع النفس وتواتره. وقول: (رابية) أي مرتفعة البطن. (¬3) اللهز: الضرب بجمع الكف في الصدر. (¬4) والحديث استدل به الحافظ في (التلخيص) (5/ 248) على جواز الزيارة للنساء وهو ظاهر الدلالة عليه، وهو يؤيد أن الرخصة شملتهن مع الرجال، لان هذه القصة إنما كانت في المدينة، لما هو معلوم أنهص بنى بعائشة في المدينة، والنهي إنما كان في أول الامر في مكة، ونحن نجزم بهذا وإن كنا لا نعرف تاريخا يؤيد ذلك، لان الاستنتاج الصحيح يشهد له، وذلك من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (كنت نهيتكم) إذ لا يعقل في مثل هذا النهي أن يشرع في العهد المدني، دون العهد المكي الذي كان أكثر ما شرع فيه من الاحكام إنما هو فيما يتعلق بالتوحيد والعقيدة، والنهي عن الزيارة من هذا القبيل لانه من باب سد الذرائع، وتشريعه إنما يناسب العهد المكي لان الناس كانوا فيه، حديثي عهد بالاسلام، وعهدهم بالشرك قريبا، فنهاهمص عن إلزيارة لكي لا تكون ذريعة إلى الشرك، حتى إذا استقر التوحيد في قلوبهم، وعرفوا ما ينافيه من أنواع الشرك أذن لهم الزيارة، وأما أن يدعهم طيلة العهد المكي على عادتهم في الزيارة، ثم ينهاهم عنها في المدينة فهو بعيد جدا عن حكمة التشريع، ولهذا جزمنا بأن النهي إنما كان تشريعه في مكة، فإذا كان كذلك فأذنه لعائشة بالزيارة في المدينة دليل واضح على ما ذكرنا، فتأمله فانه شئ انقدح في النفس، ولم أر من شرحه على هذا الوجه، فان أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي. وأما استدلال صاحب رسالة (وصية شرعية) على ذلك بقوله (ص 26): (وقد أقر الرسولص ابنته فاطمة رضي الله عنها على زيارة قبر عمها حمزة رضي الله عنه).فهو استدلال باطل، لان الاقرار المذكور لا أصل له في شئ من كتب السنة، وما أظنة إلا وهما من ألمولف، فإن المروي عنها رضي الله عنها إنما هو زيارة فقط ليس في ذكر للاقرار المزعوم أصلا، ومع ذلك فلا يثبت ذلك عنها، فإنه من رواية سليمان بن داود عن جعفر بن محمد عن أبيه على بن الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده. هكذا أخرجه الحاكم (1/ 377) ومن طريقه البيهقي (4/ 78) وقال: (كذا قال، وقد قيل عن سليمان بن داود عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه دون ذكر على بن الحسين عن أبيه فيه، فهو منقطع).وقال الحاكم: (رواته عن آخرهم ثقات)! ورده الذهبي بقوله: (قلت: هذا منكر جدا، وسليمان ضعيف).قلت: وأنا أظنه سليمان بن داود بن قيس الفراء المدني، قال أبو حاتم (شيخ لا أفهمه فقط كما ينبغي) وقال الازدي: (تكلم فيه) ولهذا أورده الذهبي في (الضعفاه)، وحكى قول الازدي المذكور، فلا تغتر بسكوت الحافظ على هذا الاثر في (التلخيص) (ص 167)، وإن تابعه عليه الشوكاني كما هي عادته في (نيل الاوطار) (4/ 95)!! على أنه وقع عند الاول (على بن الحسين عن على)، فجعله من مسند علي رضي الله عنه وإنما هو من رواية ابنه الحسين رضي الله عنهما، كما عند الحاكم، أو من رواية جعفر بن محمد عن أبيه كما في رواية البيهقي المعلقة، فلعل ما في (التلخيص) وهو قوله (عن علي) محرف عن (عن أبيه).وسقط هذا كله عند الصنعاني في (سبل السلام) (2/ 151) فعزاه للحاكم من حديث علي بن الحسين أن فاطمة .... ثم قال: (قلت: وهو حديث مرسل، فإن علي بن الحسين لم يدرك فاطمة بنت محمد)! والحديث إنما هو من حديث علي بن الحسين عن أبيه على ما سبق بيانه.

الرابع: إقرار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المرأة التي رآها عند القبر في حديث أنس رضي الله عنه: (مر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بامرأة عند قبر وهي تبكي، فقال لها: اتقي الله واصبري .. )

رواه البخاري وغيره، وقد مضى بتمامه في المسألة (19) (ص 22)، وترجم له (باب زيارة القبور)، قال الحافظ في (الفتح): (وموضع الدلالة منه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة).وقال العيني في (العمدة) (3/ 76): (وفيه جواز زيارة القبور مطلقا، سواء كان الزائر رجلا أو امرأة: وسواء كان المزور مسلما أو كافرا، لعدم الفصل في ذلك). وذكر نحوه الحافظ أيضا في آخر كلامه على الحديث فقال عقب قوله (لعدم الاستفصال في ذلك): (قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط (¬1).انتهى). وما دل عليه الحديث من جواز زيارة المرأة هو المتبادر من الحديث، ولكن إنما يتم ذلك إذا كانت القصة لم تقع قبل النهي، وهذا هو الظاهر، إذا تذكرنا ما أسلفناه من بيان أن النهي كان في مكة، وأن القصة رواها أنس وهو مدني جاءت به أمه أم سليم إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين قدم المدينة، وأنس ابن عشر سنين، فتكون القصة مدنية، فثبت أنها بعد النهي. فتم الاستدلال بها على الجواز، وأما قول ابن القيم في (تهذيب السنن) (4/ 350): (وتقوى الله، فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن جملتها النهي عن الزيارة).فصحيح لو كان عند المرأة علم بنهي النساء عن الزيارة وأنه استمر ولم ينسخ، فحينئذ يثبت قوله: (ومن جملتها النهي عن الزيارة) أما وهذا غير معروف لدينا فهو استدلال غير صحيح، ويؤيده أنه لو كان النهي لا يزال مستمرا لنهاها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الزيارة صراحة وبين ذلك لها، ولم يكتف بأمرها ¬

(¬1) قلت: والدليل عليه في المسألة الآتية.

بتقوى الله بصورة عامة، وهذا ظاهر إن شاء الله تعالى. - لكن لا يجوز لهن الإكثار من زيارة القبور والتردد عليها، لان ذلك قد يفضي بهن إلى مخالفة الشريعة، من مثل الصياح والتبرج واتخاذ القبور مجالس للنزهة، وتضييع الوقت في الكلام الفارغ، كما هو مشاهد اليوم في بعض، البلاد الإسلامية، وهذا هو المراد- إن شاء الله- بالحديث المشهور: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (وفي لفظ: لعن الله) زوارات القبور).وقد روي عن جماعة من الصحابة: أبو هريرة، حسان بن ثابت، وعبد الله ابن عباس. 1 - أما حديث أبي هريرة، فهو من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عنه. أخرجه الترمذي (2/ 156 - تحفة) وابن ماجه (1/ 478) وابن حبان 789) والبيهقي (4/ 78) والطيالسي (1/ 171 - ترتيبه) وأحمد (2/ 337)، واللفظ الآخر للطيالسي والبيهقي، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح، وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي في زيارة القبور. فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء، وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور في النساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن). قلت: ورجال إسناد الحديث ثقات كلهم، غير أن في عمر بن أبي سلمة كلاما لعل حديثه لا ينزل به عن مرتبة الحسن، لكن حديثه هذا صحيح لما له من الشواهد الآتية. 2 - وأما حديث حسان بن ثابت، فهو من طريق عبد الرحمن بن بهمان عن عبد الرحمن بن ثابث عن أبيه به. أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 141) وابن ماجه (1/ 478) والحاكم (1/ 374) والبيهقي وأحمد (2/ 243) وقال البوصيري في

(الزوائد) (ق 98/ 2): (إسناده صحيح، رجاله ثقات). كذا قال، وابن بهمان هذا لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وهما معروفان بالتساهل في التوثيق، وقال ابن المديني فيه: (لا نعرفه)، ولذا قال الحافظ في (التقريب): (مقبول) يعني عند المتابعة، ولم أجد له متابعا، لكن الشاهد الذي قبله وبعده في حكم المتابعة، فالحديث مقبول. 3 - وأما حديث ابن عباس، فهو من طريق أبي صالح عنه باللفظ الأول إلا أنه قال: (زائرات القبور) وفي رواية (زوارات).أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 140) وأصحاب السنن الأربعة وابن حبان (788) والحاكم والبيهقي والطيالسي والرواية الأخرى لهما، وأحمد (رقم2030،2603،2986،3118) وقال الترمذي: (حديث حسن، وأبو صالح هذا مولى أم هانئ بنت أبي طالب واسمه باذان، ويقال: باذام). قلت: وهو ضعيف بل اتهمه بعضهم، وقد أوردت حديثه في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) لزيادة تفرد بها فيه، وذكرت بعض أقوال الأئمة في حاله فيراجع (223). فقد تبين من تخريج الحديث أن المحفوظ فيه إنما هو بلفظ «زوارات» لاتفاق حديث أبي هريرة وحسان عليه وكذا حديث ابن عباس في رواية الأكثرين، على ما فيه من ضعف فهي إن لم تصلح للشهادة فلا تضر، كما لا يضر في الاتفاق المذكور الرواية الأخرى من حديث ابن عباس كما هو ظاهر، وإذا كان الأمر كذلك فهذا اللفظ «زوارات» إنما يدل على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة. بخلاف غيرهن فلا يشملهن اللعن، فلا يجوز حينئذ أن يعارض بهذا الحديث ما سبق من الأحاديث الدالة على استحباب الزيارة للنساء، لانه خاص وتلك

عامة. فيعمل بكل منهما في محله، فهذا الجمع أولى من دعوى النسخ، وإلى نحو ما ذكرنا ذهب جماعة من العلماء، فقال القرطبي: (اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج. وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن، لان تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء). قال الشوكاني في (نيل الاوطار) (4/ 95): (وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر) (¬1). - ويجوز زيارة قبر من مات على غير الإسلام للعبرة فقط. وفيه حديثان: الأول: عن أبي هريرة قال: (زار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قبر أمه. فبكى: وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها ¬

(¬1) وإلى هذا الجمع ذهب الصنعاني أيضا في: (سبل السلام)، ولكنه استدل للجواز بأدلة فيها نظر فأحببت أن أنبه عليها، أولا: حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما (أن فاطمة بنت النبيص كانت تزرو قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي).أخرجه الحاكم (1/ 377) وعنه البيهقي (4/ 78) وقال (وهو منقطع، وسكت عليه الحافظ في (التلخيص) (5/ 248) وتبعه الصنعاني! وسكوت هذين واقتصار البيهقي علي إعلاله بالانقطاع قد يوهم أنه سالم من علة أخرى. وليس كذلك كما سبق بيانه قريبا. ثانيا: حديث البيهقي في (شعب الايمان) مرسلا: (من زار قبر الولدين أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب بارا).سكت عليه الصنعاني أيضا. وهو ضعيف جدا بل هو موضوع، وليس هو مرسل فقط كما ذكر الصنعاني، بل هو معضل لان الذي رفعه إنما هو محمد بن النعمان وليس تابعيا، قال إلعراقي في (تخريج الاحياء) (4/ 418): (رواه ابن أبى الدنيا وهو معضل، محمد بن النعمان مجهول).قلت: وهو تلقاه عن يحيى بن العلاء البجلي بسنده عن أبى هريرة أخرجه الطبراني في الصغير (199) ويحيي كذبه وكيع وأحمد، وقال ابن أبى حاتم (2/ 209) عن أبيه: (الحديث منكرا جدا، كأنه موضوع).

فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت).أخرجه مسلم (3/ 65) وأبو داود (2/ 72) والنسائي (1/ 286) وابن ماجه (1/ 476) (1/ 476) والطحاوي (3/ 189) والحاكم (1/ 375 - 376) وعنه البيهقي (4/ 76) وأحمد (2/ 441). الثاني: عن بريدة رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -[في سفر، وفي رواية: في غزوة الفتح].فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب، فقداه بالأب والأم، يقول: يا رسول لله مالك؟ قال: إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي، فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النار، [واستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي]، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولتزدكم زيارتها خيرا).أخرجه أحمد (5/ 355،357،359) وابن أبي شيبة (4/ 139) والرواية الأخرى لهما وإسنادها عند ابن أبي شيبة صحيح، والحاكم (1/ 376) وكذا ابن حبان (791) والبيهقي (4/ 76) والزيادة الأولى لها: والرواية الأخرى فيها لمن سبق ذكره، والزيادة الأخرى للحاكم وقال: (صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي، وهو كما قالا: ورواه الترمذي مختصرا وصححه، وروى مسلم وغيره منه الإذن بالزيارة فقط كما تقدم في المسألة (118ص178) الحديث الأول (¬1). والمقصود من زيارة القبور شيئان: 1 - انتفاع الزائر بذكر الموت والموتى، وأن مآلهم إما إلى جنة وإما إلى نار ¬

(¬1) قال النووي في شرح حديث أبى هريرة الاول: (فيه جواز زيارة المشركين في الحياة، وقبورهم بعد الوفاة، لانه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة، ففي الحياة أولى. وفيه النهي عن الاستغفار للكفار، قال عياض: سبب زيارتهص قبرها أنه قصد قوة الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها، ويؤيده قولهص: فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت).

وهو الغرض الأول من الزيارة، كما يدل عليه ما سبق من الأحاديث. 2 - نفع الميت والإحسان إليه بالسلام عليه، والدعاء والاستغفار له، وهذا خاص بالمسلم، وفيه أحاديث: الاول: عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يخرج إلى البقيع، فيدعو لهم، فسألته عائشة عن ذلك؟ فقال: إني أمرت أن أدعو لهم).أخرجه أحمد (6/ 252) بسند صحيح على شرط الشخين. ومعناه عند مسلم وغيره من طريق أخرى مطولا، وقد مضى بتمامه في المسألة (119). الثاني: عنها أيضا قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كلما كان ليلتها من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخرج من آخر الليل فيقول: السلام عليكم [أهل] دار قوم مؤمنين، وإنا وإياكم وما توعدن غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد).أخرجه مسلم (3/ 63) والنسائي (1/ 287) وابن السني (585) والبيهقي (4/ 79) وأحمد (6/ 180) وليس عنده الدعاء بالمغفرة (والزيادة له ولابن السني. الثالث: عنها أيضا في حديثها الطويل المشار إليه قريبا قالت: (كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون).أخرجه مسلم وغيره. الرابع: عن بريدة قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله [بكم] للاحقون، [أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع]، أسأل الله لنا ولكم

العافية).أخرجه مسلم (3/ 65) والنسائي وابن ماجه (1/ 469)، وكذا ابن أبي شيبة) (4/ 138) وابن السني في (582) والبيهقي وأحمد (5/ 353، 359، 360))، والزيادتان لهم جميعا حاشا ابن ماجه ومسلما. والزيادة الثانية، أخرجها ابن أبي شيبة من حديث علي وإسناده صحيح، ومن حديث سلمان (وإسناده حسن) وكلاهما موقوف عليهما. الخامس: عن أبي هريرة: (أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لا حقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله. قال [بل] أنتم أصحابي، وأخواننا الذين يأتون بعد، [وأنا فرطهم على الحوض]، فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله: فقال أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر (¬1) محجلة، بين ظهري خيل دهم بهم (¬2) ألا يعرف خيله؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: فأنهم يأتون [يوم القيامة] غراً محجلين من الوضوء. [يقولها ثلاثا]، وأنا فرطهم على الحوض. ألا ليذادن رجال [منكم] عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم [ألا هلم].فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، [ولم يزالوا يرجعون على أعقابهم]، فأقول: [ألا]، سحقا سحقا).اخرجه مسلم (1/ 150 - 151) ومالك (1/ 49 - 50) والنسائي (1/ 35) وابن ماجه (2/ 580) والبيهقي (4/ 78) وأحمد (2/ 300،408) والزيادات كلها له إلا الأخيرتين فإنها لابن ماجه، ولمالك الثلاثة الأولى مع السادسة، وللنسائي الأولى والثالثة. ¬

(¬1) بضم فتشديد جمع الاغر، وهو الابيض الوجه. (محجلين) اسم مفعول من التحجيل، والمحجلل من الدواب التي قوائمها بيض. (¬2) بضمتين أو بسكون الثاني وهو الاشهر للازدواج، وهو تأكيد (دهم) جمع أدهم وهو الاسود.

وفي الباب عن بشير بن الخصاصية، وقد ذكرت لفظه في التعليق على المسألة (88)، (ص 135) وعن ابن عباس، وفيه ضعف كما يأتي التنبيه عليه في خاتمة المسألة الآتية بعد مسألة، وعن عمر وغيره، وفيها ضعف كما بينه الحافظ الهيثمي في (المجمع) (3/ 60). -وأما قراءة القرآن عند زيارتها، فمما لا أصل له في السنة، بل الأحاديث المذكورة في المسألة السابقة تشعر بعدم مشروعيتها، إذ لو كانت مشروعة، لفعلها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعلمها أصحابه، لا سيما وقد سألته عائشة رضي الله عنها-وهي من أحب الناس إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - عما تقول إذا زارت القبور؟ فعلمها السلام والدعاء. ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن، فلو أن القراءة كانت مشروعة لما كتم ذلك عنها، كيف وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في علم الأصول، فكيف بالكتمان، ولو أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - علمهم شيئا من ذلك لنقل إلينا، فإذ لم ينقل بالسند الثابت دل على أنه لم يقع. ومما يقوي عدم المشروعية قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) أخرجه مسلم (2/ 188) والترمذي (4/ 42) وصححه وأحمد (2/ 284،337، 378،388) من حديث أبي هريرة. وله شاهد من حديث الصلصال بن الدلهمس. رواه البيهقي في (الشعب) كما في (الجامع الصغير). فقد أشار - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن القبور ليست موضعا للقراءة شرعا، فلذلك حض على قراءة القرآن في البيوت ونهي عن جعلها كالمقابر التي لا يقرأ فيها، كما أشار في الحديث الآخر إلى أنها ليست موضعا بلصلاة أيضا، وهو قوله: «صلوا في

بيوتكم، ولا تتخذوها قبورا» أخرجه مسلم (2/ 187) وغيره عن ابن عمر، وهو- عند البخاري بنحوه، وترجم له بقوله: بـ (باب كراهية الصلاة في المقابر) فأشار به إلى أن حديث ابن عمر يفيد كراهة الصلاة في المقابر، فكذلك حديث أبي هريرة يفيد كراهة قراءة القرآن في المقابر، ولا فرق (¬1).ولذلك كان مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وغيرهم (¬2) كراهة للقراءة عند القبور، وهو قول الإمام أحمد ¬

(¬1) وقد استدل جماعة من العلماء بالحديث على ما استدل به البخاري، وأيده الحافظ في شرحه، وقد ذكرت كلامه في المسألة الاتية (رقم 128 فقره 7) (¬2) ذكره عنهم شيخ الاسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) (ص 128) وقال: (ولا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام، وذلك لان ذلك كان عنده بدعة، وقال مالك: ما عملت أحدا يفعل ذلك، فعلم أن الصحابة، والتابعين ما كانوا يفعلونه).وقال في (الاختيارات العملية) (ص 53) (والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضر فإنها تستحب ب‍ (ياسين}.قلت: لكن حديث قراءة ياسين ضعيف كما تقدم (ص 11) والاستحباب حكم شرعي، ولا يثبت بالحديث الضعيف كما هو معلوم من كلام ابن تيمية نفسه في بعض مصناته وغيرها. وأما جاء في (كتاب الروح) لابن القيم (ص 13): قال الخلال: وأخبرني الحسن بن أحمد الورّاق: ثنا علي ابن موسى الحداد- وكان صدوقا- قال: كنت مع أحمد بن جنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر، فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة! فلما خرجت من المقابر، قال محمد بن قدامة لاحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة، قال: كتبت عنه شيئا؟ قال: نعم، قال: فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج، (الاصل: الحلاج وهو خطأ) عن أبيه أنه أوصي إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك. فقال له أحمد: فارجع وقل للرجل: يقرأ).فالجواب عنه من وجوه: الاول: إن في ثبوت هذه القصة عن أحمد نظر، لان شيخ الحلال الحسن بن أحمد الوراق لم أجد ترجمة فيما عندي الان من كتب الرجال، وكذلك شيخه علي بن موسى الحداد لم أعرفه، وإن قيل في هذا السند أنه كان صدوقا، فإن الظاهر أن القائل هو الوارق هذا، وقد عرفت حاله. الثاني، إنه إن ثبت ذلك عنه فإنه أخص مما رواه أبو داود عنه، وينتج من الجمع بين الروايتين عنه أن مذهبه كراهة القراءة عند القبر إلا عند الدفن. الثالث: أن السند بهذا الاثر لا يصح عن ابن عمر، ولو فرض ثبوته عن أحمد، وذلك لان عبد الرحمن ابن العلاء بن اللجلاج معدود في المجهولين، كما يشعر بذلك قول الذهبي في ترجمته من (الميزان): (ما روي عنه سوى مبشر هذا)، ومن طريقة رواه ابن عساكر (13/ 399/2) وأما توثيق ابن حيان إياه فمما لا يعتد به لما اشهر به من التساهل في التوثيق، ولذلك لم يعرج عليه الحافظ في (التقريب) حين قال في المترجم: (مقبول) يعني عند المتابعة وإلا فلين الحديث كما نص عليه في المقدمة، ومما يؤيد ما ذكرنا أن الترمذي مع تساهله في التحسين لما أخرج له حديثا آخر (2/ 128) وليس له عنده غيره سكت عليه ولم يحسنه! الرابع: أنه لو ثبت سنده كل عن ابن عمر، فهو موقوف لم يرفعه إلى النبيص فلا حجة فيه أصلا. ومثل هذا الاثر ما ذكره ابن القيم أيضا (ص 14): (وذكر الحلال عن الشعبي قال: كانت الانصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرؤون القرآن).فنحن في شك من ثبوت ذلك عن الشعبي بهذا اللفظ خاصة، فقد رأيت السيوطي قد أورده في (شرح الصدور) (ص 15) بلفظ: (كانت الانصار يقرؤون عند الميت سورة البقرة).قال: (رواه ابن أبي شيبة والمروزي) أورده في (باب ما يقول الانسان في مرض الموت، وما يقرأ عنده).ثم رأيته في (المصنف) لابن أبى شيبة (4/ 74) وترجم له بقوله: (باب ما يقال عند المريض إذا حضر) ".فتبين أن في سنده مجالدا وهو ابن سعيد قال الحافظ في (التقريب): (ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره).فظهر بهذا أن الاثر ليس في القراءة عند القبر بل عند الاحتضار، ثم هو على ذلك ضعيف الاسناد. وأما حديث (من مر بالمقابر فقرأ (قل هو الله أحد) إحدى عشر مرة ثم وهب أجره للاموأت أعطي من الاجر بعدد الاموات).فهو حديث باطل موضوع، رواه أبو محمد الحلال في (القراءة على القبور) (ق 201/ 2) والديلمي عن نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن علي الرضا عن آبائه، وهي نسخة موضوعة باطلة لا تنفك عن وضع عبد الله هذا أو وضع أبيه، كما قال الذهبي في (الميزان) وتبعه الحافظ ابن حجر في (اللسان) ثم السيوطي في (ذيل الأحاديث الموضوعة)، وذكر له هذا الحديث وتبعه ابن عراق في (تنزيه الشريعة المرفوعة، عن الأحاديث الشيعة الموضوعة).ثم ذهل السيوطي عن ذلك فأورد الحديث في (شرح الصدور) (ص 130) برواية أبي محمد السمرقندي في (1 فضائل قل هو الله أحد) وسكت عليه! نعم قد أشار قبل ذلك إلى ضعفه، ولكن هذا لا، يكفي فإن الحديث، موضوع باعترافه فلا يجزي الاقتصار على تضعيفه كما لا يجوز السكوت عنه، كما صنع الشيخ إسماعيل العجلوني في (كشف الخفاء) (2 - 382) فإنه عزاه للرافعي في تاريخه وسكت عليه! مع أنه وضع كتابه المذكرر للكشف (عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس)! ثم إن سكوت أهل الاختصاص عن الحديث قد يوهم من لا علم عنده به أن الحديث مما يصلح للاحتجاج به أو العمل به في فضائل الاعمال كما يقولون، وهذا ما وقع لهذا الحديث، فقد رأيت بعض الحنفية قد احتج بهذا الحديث للقراءة عند القبور وهو الشيخ الطهطاوي على (مراقي الفلاح) (ص 117)! وقد عزاه هذا إلى الدارقطني، وأظنة وهما، فإني لم أجد غيره عزاه إليه، ثم إن المعروف عند المشتغلين بهذا العلم أن العزو إلى الدارقطني مطلقا يراد به كتابه (السنن)، وهذا الحديث لم أره فيه. والله أعلم.

فقال أبو داود في مسائله (ص 158): (سمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا). - ويجوز رفع اليد في الدعاء لهما، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ذات ليلة، فأرسلت بريرة في أثره لتنظر أين ذهب! قالت: فسلك نحو بقيع الغرقد، فوقف في أدنى البقيع ثم رفع يديه، ثم انصرف، فرجعت إلي بريرة، فأخبرتني، فلما أصبحت سألته، فقلت: يارسول الله أين خرجت الليلة؟ قال: بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم).أخرجه أحمد (6/ 92)، وهو في (الموطأ) (1/ 239 - 240) وعنه النسائي (1/ 287) بنحوه، لكن ليس فيه رفع اليدين، وإسناده حسن. وقد ثبت رفع اليدين في قصة أخرى لعائشة رضي الله عنها تقدمت في المسألة (119). - ولكنه لا يستقبل القبور حين الدعاء لها، بل الكعبة، لنهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الصلاة إلى القبور كما سيأتي، والدعاء مخ الصلاة ولبها كما هو معروف فله حكمها، وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: (الدعاء هو العبادة، ثم قرأ «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم».أخرجه ابن المبارك في (الزهد) (10/ 151) والبخاري في (الأدب المفرد) رقم (714) وأبو داود (1/ 551 - بشرح العون) والترمذي (4/ 178،223) وابن ماجه (2/ 428 - 429) وابن حبان (2396) والحاكم (1/ 491) وابن منده في (التوحيد) (ق 69/ 1) وأحمد (4/ 167،271،276،277) وقال الحاكم:

(صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح). ورواه أبو يعلى من حديث البراءة بن عازب كما في "الجامع الصغير".وفي الباب عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: «الدعاء مخ العبادة».أخرجه الترمذي (2234) وقال: (حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة). قلت: وهو ضعيف لسوء حفظه، فيستشهد به إلا ما كان من رواية أحد العبادلة عنه فيحتج به حينئذ، وليس هذا منها، لكن معناه صحيح بدليل حديث النعمان. قال الطيبي في شرحه: (أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام [هو العبادة] ليدل على الحصر، وأن العبادة ليست غير الدعاء. وقال غيره: المعنى هو من اعظم العبادة فهو كخبر (الحج عرفة) أي ركنه الاكبر، وذلك لدلالته على أن فاعله يقبل بوجهه إلى الله، معرضا عما سواه، لأنه مأمور به، وفعل المأمور عبادة، وسماه عبادة ليخضع الداعي ويظهر ذلته ومسكنته وافتقاره، إذ العبادة ذل وخضوع ومسكنة).ذكره المناوي في (الفيض). قلت: فإذا كان الدعاء من أعظم العبادة فكيف يتوجه به إلى غير الجهة التي أمر باستقبالها في الصلاة، ولذلك كان من المقرر عند العلماء المحققين أن (لا يستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة).قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم) (ص 175): (وهذا أصل مستمر أنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه، ألا ترى أن الرجل لما نهي عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها فإنه

ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء. ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره، وهذا ضلال بين، وشر واضح، كما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين، وهو يستدبر الجهة التي فيها بيت الله. وقبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -! وكل هذه الأشياء من البدع التي تضارع دين النصارى). وذكر قبل ذلك بسطور عن الإمام أحمد وأصحاب مالك أن المشروع استقبال القبلة بالدعاء حتى عند قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد السلام عليه. وهو مذهب الشافعية أيضا، فقال النووي في (المجموع) (5/ 311 (: وقال الإمام أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني- وكان من الفقهاء المحققين- في كتابه في (الجنائز): (ولا يستلم القبر بيده: ولا يقبله).قال: (وعلى هذا مضت السنة).قال: واستلام القبور وتقبيلها الذي يفعله العوام الآن من المبتدعات المنكرة شرعا، ينبغي تجنب فعله، وينهى فاعله) قال: (فمن قصد السلام على ميت سلم عليه من قبل وجهه، وإذا أراد الدعاء تحول عن موضعه، واستقبل القبلة).وهو مذهب أبي حنيفة أيضا، فقال شيخ الإسلام في (القاعدة الجليلة، في التوسل والوسيلة) (ص 125): (ومذهب الأئمة الأربعة: مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الإسلام أن الرجل إذا سلم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة، واختلفوا في وقت السلام عليه، فقال الثلاثة مالك والشافعي وأحمد: يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه، وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم، ثم في مذهبه قولان: قيل: يستدبر الحجرة، وقيل يجعلها عن يساره. فهذا نزاعهم في وقت السلام. وأما في

وقت الدعاء فلم يتنازعوا في أنه إنما يستقبل القبلة، لا الحجرة).وسبب الاختلاف المذكور إنما هو من قبل أن الحجرة المكرمة لما كانت خارجة عن المسجد، وكان الصحابة يسلمون عليه لم يكن يمكن أحدا أن يستقبل وجهه - صلى الله عليه وآله وسلم - ويستدبر القبلة (¬1)، كما صار ذلك ممكنا بعد دخولها في المسجد بعد الصحابة، فالمسلم منهم إن استقبل القبلة صارت الحجرة عن يساره، وإن استقبلوا الحجرة، كانت القبلة عن يمينهم وجهة الغرب من خلفهم، قال شيخ الإسلام في (الجواب الباهر) (ص 14) بعد أن ذكر هذا المعنى: (وحينئذ فإن كانوا يستتقبلونه ويستدبرون الغرب فقول الأكثرين أرجح، وإن كانوا يستقبلون القبلة حينئذ ويجعلون الحجرة عن يسارهم فقول أبي حنيفة أرجح). قلت: لقد ترك الشيخ رحمه الله المسألة معلقة، فلم يبت في أنهم كانوا يستقبلونها، أو يستقبلون القبر وكأن ذلك لعدم وجود رواية ثابتة عنهم في ذلك، ولكن لو فرض أنهم كانوا يستقبلونه، فقد علمت أنهم في هذه الحالة كانوا يستدبرون الغرب لا القبلة، لعدم إمكان ذلك في زمانهم، وسبق أن الأكثرين يقولون باستقبال وجهه - صلى الله عليه وآله وسلم - أيضا عند السلام عليه، وهذا يستلزم استدبار القبلة. الأمر الذي نقطع أنه لم يقع في عهد الصحابة كما سلف، فهذا أمر زائد على استقبال الحجرة، ولا بد له من دليل. لإثباته، فهل له من وجود؟ ذلك مما لا أعرفه، ولا رأيت أحداً من العلماء تعرض لهذا، سواء في خصوص قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أو في ¬

(¬1) وأما ما رواه اسماعيل القاضي في (فضل الصلاة على النبيص) (رقم 101 بتحقيقي وطبع المكتب الاسلامي) عن ابن عمر (أنه كان يأتي النبيص فيضع، يده على قبره ويستدبر القبلة ثم يسلم عليه) فضعيف منكر كما بينه في التعليق عليه.

القبور عامة. نعم، استدل بعضهم على ذلك بحديث ابن عباس قال: (مر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن على الأثر).أخرجه الترمذي (2/ 156) والضياء في (المختارة) (58/ 192/1) من طريق الطبراني وقال الترمذي: (حسن غريب). قلت: في سنده قابوس بن أبي ظبيان قال النسائي: (ليس بالقوي). وقال ابن حبان: (ردئ الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له). قلت: وهذا من روايته عن أبيه، فلا يحتج به، ولعل تحسين الترمذي لحديثه هذا إنما هو باعتبار شواهده، فإن معناه ثابت في الأحاديث الصحيحة وقد مضى قريبا ذكر قسم طيب منها، إلا أن قوله: (فأقبل عليهم بوجهه) منكر لتفرد هذا الضعيف به. إذا عرفت هذا، فقد قال الشيخ علي القاري في (مرقاة المفاتيح) (2/ 407): (فيه دلالة على أن المستحب في حال السلام على الميت أن يكون وجهه لوجه الميت وأن يستمر كذلك في الدعاء أيضا، وعليه عمل عامة المسلمين، خلافا لما قاله ابن حجر من أن السنة عندنا أنه في حالة الدعاء يستقبل القبلة كما علم من أحاديث أخر في مطلق الدعاء). قلت: وفي هذا الاستدلال نظر ظاهر، إذ ليس في الحديث إلا إقباله - صلى الله عليه وآله وسلم - بوجهه على القبور، وأما الإقبال على وجوه الموتى، فشئ آخر وهو يحتاج إلى نص آخر غير هذا، وهو مما لا أعرفه. فالحق أن الحديث لو ثبت سنده لكان دليلا واضحا على أن المار بالقبور

يستقبلها بوجهه حين السلام عليها والدعاء لها، كيفما كان الاستقبال، وحسبما يتفق دون قصد لوجوه الموتى، أما والسند ضعيف كما سبق بيانه فلا يصلح للاستدلال به أصلا. ولا ينافي ما تقدم (¬1) عن الإمام مالك من عدم مشروعية استقبال الحجرة عند الدعاء الحكاية التي جاء فيها أن مالكا لما سأله المنصور العباسي عن استقبال الحجرة، أمره بذلك، وقال: هو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم، لأنها حكاية باطلة، مكذوبة على مالك، وليس لها إسناد معروف، ثم هي خلاف الثابت المنقول عنه بأسانيد الثقات في كتب أصحابه كما ذكره إسماعيل في إسحاق القاضي وغيره. ومثلها ما ذكروا عنه أنه سئل عن أقوام يطيلون القيام مستقبلي الحجرة يدعون لانفسهم فأنكر مالك ذلك، وذكر أنه فمن البدع التي لم يفعلها الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وقال (لا يصلح آخر هذه الامة إلا ما أصلح أولها) (¬2). -وإذا زار قبر الكافر فلا يسلم عليه، ولا يدعو له، بل يبشره بالنار، كذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث سعد بن أبي وقاص قال: (جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: إن أبي كان يصل الرحم، وكان، وكان، فأين هو؟ قال: في النار، فكأن الأعرابي وجد من ذلك، فقال: يارسول الله! فأين أبوك؟ قال: (حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار). قال: فأسلم الأعرابي بعد، فقال: لقد كلفني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تعبا! ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار). أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (1/ 191/1) وابن السني في (عمل اليوم والليلة) رقم (588) والضياء المقدسي في (الأحاديث المختارة) (1/ 333) بسند صحيح، وقال الهيثمي (1/ 117 - ¬

(¬1) أي في كتاب الشيخ "أحكام الجنائز". (¬2) انظر (قاعدة جليلة) لابن تيمية (ص 53 - 62).

118): (رواه البزار والطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح). وقد أخرجه ابن ماجه (1/ 476 - 477) من هذا الوجه لكنه جعله من مسند عبد الله ابن عمر، وقال البوصيري في (الزوائد) (ق 98/ 2): (إسناده صحيح، رجاله ثقات). قلت: لكنه شاذ، والمحفوظ أنه من مسند سعد كما بينته في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (18). وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: (إذا مررتم بقبورنا وقبوركم من أهل الجاهلية، فأخبروهم أنهم من أهل النار).رواه ابن السني في (اليوم والليلة) (رقم 587) بسند فيه يحيى بن يمان وهو سيئ الحفظ عن محمد بن عمر، ولم أعرفه عن أبي سلمة عنه. لكن الظاهر انه (ابن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ثم واو بعد الراء، سقط من الطابع حرف الواو. وهو حسن الحديث. وما ذكرنا في هذه المسألة هو مذهب الحنابلة كما في (كشاف القناع) (2/ 134) وغيره من كتبهم. - ولا يمشي بين قبور المسلمين في نعليه، لحديث بشير بن الحنظلية قال: (بينما أماشي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ... أتى على قبور المسلمين ... فبينما هو يمشي إذ حانت منه نظرة، فإذا هو برجل يمشي بين القبور عليه نعلان، فقال: يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك، فنظر، فلما عرف الرجل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خلع نعليه، فرمى بهما) أخرجه أصحاب السنن وغيرهم، وقد مضى بتمامه في المسألة (88) (¬1). ¬

(¬1) قال الحافظ في (الفتح) (3 - 160): (والحديث يدل على كراهة المشي بين القبور بالنعال، وأغرب ابن حزم فقال: يحرم المشي بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها! وهو جمود شديد. وأما قول الخطابي يشبه أن يكون النهي عنهما لما فيهما من الخيلاء، فإنه متعقب بأن ابن عمر كان يلبس النعال السبتية، ويقول: إن النبيص كان يلبسها. وهو حديث صحيح. وقال الطحاوي: (يحمل نهي الرجل المذكور على أنه كان في نعليه قذر، فقد كان النبيص يصلي في نعليه ما لم ير فيهما أذى).قلت: وهذا الاحتمال بعيد، بل جزم ابن حزم (5/ 137) ببطلانه، وأنه من التقول على الله! والاقرب أن النهي من باب احترام الموتى، فهو كالنهي عن الجلوس على القبر الاتي في المسألة (128 فقرة 6)، وعليه فلا فرق بين النعلين السبتيتين وغيرهما من النعال التي عليها شعر، إذ الكل في مثابة واحدة في المشي فيها بين القبور ومنافاتها لاحترامها، وقد شرح ذلك ابن القيم في (تهذيب السنن) (4/ 343 - 345) ونقل عن الامأم أحمد أنه قال: (حديث بشير إسناده جيد، أذهب إليه إلا من علة).وقد ثبت أن الامام أحمد كان يعمل بهذا الحديث، فقال أبو داود في مسائله (ص 158): (رأيت أحمد إذا تبع الجنازة فقرب من المقابر خلع نعليه).فرحمه الله، ما كان أتبعه للسنة.

-ولا يشرع وضع الآس ونحوها من الرياحين والورود على القبور، لأنه لم يكن من فعل السلف، ولو كان خيرا لسبقونا إليه "وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة) (¬1). رواه ابن بطة في (الإبانة عن ¬

(¬1) ولا يعارض ما ذكرنا حديث ابن عباس في وضع النبيص شقي جريدة النخل على القبرين وقوله: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).متفق عليه وقد خرجته في (صحيح أبي داود) (15).فإنه خاص بهص بدليل أنه لم يجر العمل به عند السلف ولامور أخرى يأتي بيانها. قال الخطابي رحمه الله تعالى في (معالم السنن) (1/ 27) تعليقا على الحديث: (إنه من التبرك بأثر النبيص ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان تغرس الحوص في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا، وليس لما تعاطوه من ذلك وجه).قال الشيخ أحمد شاكر في تعيلقه على الترمذي (1/ 103) عقب هذا: (وصدق الحطابي، وقد ازداد العامة إصرارا على هذا العمل الذي لا أصل له، وغلوا فيه، خصوصا في بلاد مصر، تقليدا للنصارى، حتى صاروا يضعون الزهور على القبور، ويتهادونها بينهم، فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحية لهم، ومجاملة للاحياء، وحتى صارت عادة شبيهة بالرسمية في المجاملات الدولية، فتجد الكبراء من المسلمين إذا نزلوا بلدة من بلاد أوربا ذهبوا إلى قبور عظمائها أو إلى قبر من يسمونه (الجندي المجهول) ووضعوا عليها الزهور، وبعضهم يضع الزهور الصناعية التي لا نداوة فيها تقليدا للافرنج، واتباعا لسنن من قبلهم، ولا ينكر ذلك عليهم العلماء أشباه العامة، بل تراهم أنفسهم يضعون ذلك في قبور موتاهم، ولقد علمت أن أكثر الاوقاف التي تسمى أوقافا خيرية موقوف ريعها على الخوص والريحان الذي يوضع على القبور وكل هذه بدع ومنكرات لا أصل لها في الدين، ولا سند لها من الكتاب والسنة، ويجب على أهل العلم أن ينكررها وأن بطلوا هذه العادات ما استطاعوا) .. قلت: ويؤيد كون وضع الجريد على القبر خاص به، وأن التخفيف لم يكن من أجل نداوة شقها أمور: أ- حديث جابر رضي الله عنه الطويل في (صحيح مسلم) (8/ 231 - 236) وفية قالص: (إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين).فهذا صريح في أن رفع العذاب إنما هو بسبب شفاعتهص ودعائه لا بسبب النداوة، وسواء كانت قصة جابر هذه هي عين قصة ابن عباس المتقدمة كما رجحه العيي وغيره، أو غيرها كما رجحه الحافظ في (الفتح)، أما على الاحتمال الأول فظاهر، وأما على الاحتمال الاخر، فلان النظر الصحيح يقتضي أن تكون العلة واحدة في القصتين للتشابه الموجود بينهما، ولان كون النداوة سببا لتخفيف العذاب عن الميت مما لا يعرف شرعا ولا عقلا، ولو كان الامر كذلك لكان أخف الناس عذابا إنما هم الكفار الذين يدفنون في مقابر أشبه ما تكون بالجنان لكثرة ما يزرع فيها من النباتات والاشجار التي تظل مخضرة صيفان شتاء! يضاف إلى ما سبق أن بعض العلماء كالسيوطي قد ذكروا أن سبب تأثير النداوة في التخفيف كونها تسبح الله تعالى، قالوا: فإذا ذهبت من العود ويبس انقطع، تسبيحه! فإن هذا التعليل مخالف لعموم قوله تبارك وتعالى: (وإن من شئ إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم). ب- في حديث ابن عباس نفسه ما يشير إلى أن السر ليس في النداوة، أو بالاحرى ليست هي السبب في تخفيف العذاب، وذلك قوله (ثم دعا بعسيب فشقه اثنين) يعني طولا، فإن من المعلوم أن شقه سبب لذهاب النداوة من الشق ويبسه بسرعة، فتكون مدة التخفيف أقل مما لو لم يشق، فلو كانت هي العلة لابقاهص بدون شق ولوضع عل كل قبر عسيبا أو نصفه على الاقل، فإذا لم يفعل دل على أن النداوة ليست هي السبب، وتعين أنها علامة على مدة التخفيف الذي أذن الله به استجابة لشفاعة نبيهص كما هو مصرح به في حديث جابر، وبذلك يتفق الحديثان في تعيين السبب، وإن احتمل اختلافهما في الواقعة وتعددها. فتأمل هذا، فإنما هو شئ انقدح في نفسي، ولم أجد من نص عليه أو أشار إليه من العلماء، فإن كان صوابا فمن الله تعالى وإن كان خطأ فهو مي، واستغفره من كل ما لا يرضيه. ج- لو كانت النداوة مقصودة بالذات، لفهم ذلك السلف الصالح ولعملوا بمقتضاه، ولوضعوا الجريد والاس ونحو ذلك على القبور عند زيارتها، ولو فعلوا لاشهر ذلك عنهم، ثم نقله الثقات إلينا، لانه من الامور التي تلفت النظر، وتستدعي الدواعي نقله، فإذ لم ينقل دل على أنه لم يقع، وأن التقرب به إلى الله بدعة، فثبت المراد. وإذا تبين هذا، سهل حينئذ فهم بطلان ذلك القياس الهزيل الذى نقله السيوطي في (شرح الصدور) عمن لم يسمعه: (فإذا خفف عنهما بتسبيح الجريدة فكيف بقراءة المومن القرآن؟ قال: وهذا الحديث أصل في غرس الاشجار عند القبور) قلت: فيقال له: (أثبت العرش ثم انقش)، (وهل يستقيم الظل واعوج)؟ القياس صحيحا لبادر إليه السلف لانهم أحرص على الخير منا. فدل ما تقدم على أن وضع الجريد على القبر خاص بهص، وأن السر في تخفيف العذاب عن القبرين لم يكن في نداوة العسيب بل في شفاعتهص ودعائه لهما، وهذا مما لا يمكن وقوعه مرة أخرى بعد انتقالهص إلى الرفيق الاعلى ولا لغيره من بعدهص، لان الاطلاع على عذاب القبر من خصوصياته عليه الصلاة والسلام، وهو من الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الرسول كما جاء في نص القرآن (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) واعلم أنه لا ينافى ما بينا ما أورده السيوطي في (شرح الصدور) (131): (وأخرج ابن عساكر من طريق حماد بن سلمة عن قتادة أن أبا برزة الاسلمي رضي الله عنه كان يحدث أن رسول اللهص مر على قبر وصاحبه يعذب، فأخذ جريدة فغرسها في القبر، وقال: عسى أن يرفه عنه ما دامت رطبة. وكان أبو برزة يوصي: إذا مت فضعوا في قبري معي جريدتين. قال: فمات في مفازة بين (كرمان) و (قومس)، فقالوا: كان يوصينا أن تضع في قبره جريدين وهذا مو ضع لا نصيبهها فيه، فينما هم كذلك إذ طلع عليهم ركب من قبل (سجستان)، فأصابوا معهم سعفا، فأخذوا جريدتين، فوضعوهما معه في قبره. وأخرج ابن سعد عن مورق قال: أوصى بريدة أن تجعل في قبره جريدتان).قلت: ووجه عدم المنافاة، أنه ليس في هذين الاثرين- على فرض التسليم بثبوتهما معا- مشروعية وضع الجريد عند زيارة القبور، الذي ادعينا بدعيتة عدم عمل السلف به، وغاية ما فيهما جعل الجريدتين مع الميت في قبره وهي قضية أخرى، وإن كانت كالتي قبلها في عدم المشروعية لان الحديث الذي رواه أبو برزة كغيره من الصحابة لا يدل على ذلك، لا سيما والحديث فيه وضع جريدة واحدة، وهو أوصى بوضع جريدتين في قبره على أن الاثر لا يصح إسناده، فقد أخرجه الخطيب في تاريخ (بغداد) (1/ 183 182) ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) في آخر ترجمة نضلة بن عبيد بن أبي برزة الاسلمي عن الشاه بن عمار قال: ثنا أبو صالح سليمان بن صالح الليثي قال: أنبأنا النضر بن المنذز بن ثعلبة العبهدي عن حماد بن سلمة به. قلت: فهذا إسناد ضعيف، وله علتان: الاولى: جهالة الشاه والنضر فإني لم أجد لهما ترجمة. والاخرى: عنعنة قتادة فإنهم لم يذكروا له رواية عن أبي برزة، ثم هو مذكور بالتدليس فيخشى من عنعنته في مثل إسناده هذا. وأما وصية بريدة، فهي ثابتة عنه، قال ابن سعد في (الطبقات) (ج 7 ق 1 ص 4): أخبرنا عفان بن مسلم قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا عاصم الاحول قال: قال مورق: أوصى بريدة الاسلمي أن توضع في قبره جريدتان. فكان أن مات بأدنى خراسان فلم توجد إلا في جوالق حمار. وهذا سند صحيح، وعلقه البخاري (3/ 173) مجزوما. قال الحافظ في شرحه: (وكان بريدة حمل الحديث على عمومه، ولم يره خاصا بذينك الرجلين، قال ابن رشيد: ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما، فلذلك عقبه بقول ابن عمر: إنما يظله عمله).قلت: ولا شك أن ما ذهب إليه البخاري هو الصواب لما سبق بيانه، ورأي بريدة لا حجة فيه، لانه رأى والحديث لا يدل عليه حتى لو كان عاما، فإن النبيص لم يضع الجريدة في القبر، بل عليه كما سبق. و (خير الهدى هدى محمد).

[167] باب ما يحرم عند القبور

أصول الديانة) (2/ 112/2) واللالكائي في (السنة) (1/ 21/1) موقوفا بإسناد صحيح، والهروي في (ذم الكلام) (2/ 36/ 1) مرفوعا، وما أراه إلا وهما. وإنما يصح منه مرفوعا الشطر الاول منه وقد مضى حديث جابر. "أحكام الجنائز" (ص227 - 258) [167] باب ما يحرم عند القبور [قال الإمام]: يحرم عند القبور ما يأتي: 1 - الذبح والنحر، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاعقر في الاسلام»، قال عبد الرزاق بن همام: «كانو يعقرون عند القبر بقرة أو شاة».أخرجه أبو داود (2/ 71) وقول عبد الرزاق له وهو في مصنفه (6690)، والبيهقي (4/ 57) وأحمد (3/ 197) وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقال شيخ الإسلام في «الاقتضاء» (ص 182): «وأما الذبح هناك- يعني عند القبور- فمنهي عنه مطلقاً ذكره أصحابنا وغيرهم لهذا الحديث، قال أحمد

في رواية المروزي-: قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: لا عقر في الاسلام. كانوا إذا مات لهم الميت تحروا جزوراً على قبره، فنهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ذلك. وكره أبو عبد الله أكل لحمه. قال أصحابنا: وفي معنى هذا ما يفعله كثير من أهل زماننا في التصدق عند القبر بخبز أو نحوه». وقال النووي في «المجموع» (5/ 320): «وأما الذبح والعقر عند القبر فمذموم لحديث أنس هذا، رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح». قلت: وهذا إذا كان الذبح هناك لله تعالى وأما إذ كان لصاحب القبر كما يفعله بعض الجهال فهو شرك صريح، وأكله حرام وفسق كما قال تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق}، أي والحال أنه كذلك بأن ذبح لغير الله، إذ هذا هذا الفسق هنا كما ذكره الله تعالى بقوله: {أو فسقا أهل لغير الله به}، كما في «الزواجر» (1/ 171) للفقيه الهيتمى. وقال: «لعن الله (وفي رواية: ملعون) من ذبح لغير الله».أخرجه أحمد (رقم 2817، 2915، 2917) بسند حسن عن ابن عباس، ومسلم (6/ 84) عن علي نحوه 2 - رفعها زيادة على التراب الخارج منها. 3 - طليها بالكِلْس ونحوه. 4 - الكتابة عليها. 5 - البناء عليها. 6 - القعود عليها.

وفي ذلك أحاديث: الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبني عليه، [أو يزاد عليه]، [أو يكتب عليه]».أخرجه مسلم (3/ 62) وأبو داود (2/ 71) والنسائي (1/ 284 - 285،286) والترمذي (2/ 155) وصححه، والحاكم (1/ 370) والبيهقي (4/ 4) وأحمد (3/ 295، 332، 339، 399)، والزيادتان لأبي داود والنسائي، وللبيهقي الأولى. والثانية عند الترمذي والحاكم وصحح إسنادها ووافقه الذهبي. وأعلها المنذري (4/ 341) وغيره بالانقطاع بين سليمان بن موسى وجابر. لكن هذا بالنظر لطريق أبي داود وغيره، وإلا فقد أخرجها الحاكم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر. وهذا سند على شرط مسلم، وقد صرح ابن جريج عنده بسماعه من أبي الزبير وهذا من جابر، فزال بذلك شبهة تدليسهما، ومن هذا الوجه جاءت الرواية الأولى عند من ذكرنا، وقال النووي (5/ 296): «وإسنادها صحيح».ثم استدل بها على أنه يستحب أن لا يزاد القبر على التراب الذي أخرج منه وقال: «قال الشافعي: فإن زاد فلا بأس، قال أصحابنا: معناه أنه ليس بمكروه». قلت: وهذا خلاف ظاهر النهي فإن الأصل فيه التحريم، فالحق ما قاله ابن حزم في «المحلى» (5/ 33): «ولا يحل أن يبنى القبر، ولا أن يجصص، ولا أن يزاد على ترابه شئ ويهدم كل ذلك». وهو ظاهر قول الإمام أحمد، فقال أبو داود في «المسائل» (ص 158):

«سمعْت أحمد قال: لا يزاد على القبر من تراب غيره، إلا أن يسوى بالأرض فلا يعرف، فكأنه رخص إذ ذاك». لكن ذكر في «الإنصاف» (2/ 548) عنه الكراهة فقط! وقال الإمام محمد في «الآثار» (ص 45): «أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: كان يقال: ارفعوا القبر حتى يعرف أنه قبر فلا يوطأ. قال محمد: وبه نأخذ، ولا نرى أن يزاد على ما خرج منه، ونكره أن يجصص، أو يطين، أو يجعل عنده مسجداً أو علماً، أو يكتب عليه، ويكره الآجُرّ أن يبنى به، أو يدخله القبر، ولا نرى برش الماء عليه بأسا، وهو قول أبي حنيفة». قلت: ويدل الحديث بمفهومه على جواز رفع القبر بقدر ما يساعد عليه التراب الخارج منه، وذلك يكون نحو شبر، فهو موافق للنص المتقدم في المسألة (107). وأما التجصيص فهو من «الجص» وهو الكِلس، والمراد الطلي به قال في «القاموس»: «وجصص الإناء: ملأه، والبناء: طلاه بالجص». ولعل النهي عن التجصيص من أجل أنه نوع زينة كما قال بعض المتقدمين، وعليه فما حكم تطيين القبر؟ للعلماء فيه قولان: الأول: الكراهة، نص عليه الإمام محمد فيما نقلته آنفا عنه، والكراهة عنده للتحريم إذا أطلقت. وبالكراهة قال أبو حفص من الحنابلة كما في «الإنصاف» (2/ 549) والآخر: أنه لا بأس به. حكاه أبو داود (158) عن الإمام أحمد. وجزم به في

«الإنصاف».وحكاه الترمذي (2/ 155) عن الإمام الشافعي، قال النووي عقبه: «ولم يتعرض جمهور الأصحاب له، فالصحيح أنه لا كراهة فيه كما نص عليه، ولم يرد فيه نهي». قلت: ولعل الصواب التفصيل على نحو ما يأتي: إن كان المقصود من التطين المحافظة على القبر وبقائه مرفوعا قدر ما سمح به الشرع، وأن لا تنسفه الرياح ولا تبعثره الأمطار، فهو جائز بدون شك لأنه يحقق غاية مشروعة، ولعل هذا هو وجه من قال من الحنابلة أنه يستحب، وإن كان المقصود الزينة ونحوها مما لا فائدة فيه فلا يجوز لأنه محدث، وأما الكتابة، فظاهر الحديث تحريمها، وهو ظاهر كلام الإمام محمد، وصرح الشافعية والحنابلة بالكراهة فقط! وقال النووي (5/ 298): «قال أصحابنا: وسواء كان المكتوب على القبر في لوح عند رأسه كما جرت عادة بعض الناس، أم في غيره، فكله مكروه لعموم الحديث». واستثنى بعض العلماء كتابة اسم الميت لا على وجه الزخرفة، بل للتعرف قياساً على وضع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الحجر على قبر عثمان بن مظعون ... قال الشوكاني: «وهو من التخصيص بالقياس وقد قال به الجمهور، لا أنه قياس في مقابلة النص كما قال في «ضوء النهار»، ولكن الشأن في صحة هذا القياس». والذي أراه والله أعلم أن القول بصحة هذا القياس على إطلاقه بعيد، والصواب تقييده بما إذا كان الحجر لا يحقق الغاية التي من أجلها وضع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الحجر، ألا وهي التعرف عليه، وذلك بسبب كثرة القبور مثلاً وكثرة الأحجار المعرفة! فحينئذ يجوز كتابة الاسم بقدر ما تتحقق به الغاية المذكورة. والله أعلم. وأما قول الحاكم عقب الحديث: «ليس العمل عليه، فإن أئمة

المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم، وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف». فقد رده الذهبي بقوله: «ما قلت طائلاً، ولا نعلم صحابياًّ فعل ذلك، وإنما هو شئ أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم- ولم يبلغهم النهي». الثاني: عن أبي سعيد وهو الخدري «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى أن يبنى على القبر».أخرجه ابن ماجه (1/ 473 - 374) بسند رجاله جميعاً رجال الصحيح، إلا أنه منقطع، فقد قال البوصيري في «الزوائد» (ق97/ 2): «رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، القاسم بن مخيمرة لم يسمع من أبي سعيد». قلت: فقول السندي في حاشية ابن ماجه: «وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات»، وَهْمٌ لا أدري ممن هو؟ ورواه أبو يعلى بلفظ: «نهى نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يبنى على القبور، أو يقعد عليها، أو يصلى عليها» قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 61): «ورجاله ثقات». الثالث: عن أبي الهياج الأسدي قال: «قال لي على بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ أن لا تدع تمثالا [رواية: صورة] [في بيت] إلا طمسته، ولا قبراً مشرفا إلا سويته».أخرجه مسلم (3/ 61) وأبو داود (2/ 70) والنسائي (51/ 28) والترمذي (2/ 153 - 154) حسنه، والحاكم (1/ 369) والبيهقي (4/ 3) والطيالسي في (رقم 155) وأحمد (رقم 741، 1064) من طريق أبي وائل عنه، والطبراني في «المعجم الصغير» (ص 29) من طريق أبي إسحاق عنه. وله في مسند الطيالسي (رقم96) وأحمد (رقم657،658، 683،689) طريقان آخران عن علي رضي الله عنه.

قال الشوكاني رحمه الله تعالى (4/ 72) في شرح هذا الحديث: «فيه أن السنة أن القبر لا يرفع رفعاً كبيراً من غير فرق بين من كان فاضلا ومن كان غير فاضل، والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد، وجماعة الشافعي ومالك، قال: ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أولياً القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فاعل ذلك كما سيأتي. وكم قد نشأ عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام؛ منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج، وملجا لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال وتمسحوا واستغاثوا. وبالجملة أنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه! فإنا لله وإنا إليه راجعون، ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله، ويغار حمية للدين الحنيف، لا عالماً ولا متعلماً، ولا أميراً ولا وزيراً ولا ملكاً، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيراً من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجراً، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني! تلعثم وتلكأ وأبي واعترف بالحق! وهذا من أبين الادلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين، أو ثالث ثلاثة. فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للاسلام أشد من الكفر، وأي بلاء. لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأى مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك واجباً؟! لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد وللشوكاني رحمه الله تعالى رسالة لطيفة نافعة في هذا الباب أسماها «شرح الصدور في تحريم رفع القبور» مطبوعة في «المجموعة المنيرية» (1/ 62 - 76). الرابع: عن ثمامة بن شفي قال: «خرجنا مع فضالة بن عبيد إلى أرض الروم، وكان عاملاً لمعاوية على الدرب، (وفي رواية: غزونا أرض الروم، وعلى ذلك الجيش فضالة بن عبيد الانصاري)، فأصيب ابن عم لنا [بـ] (رودس) (¬1) فصلى عليه فضالة، وقام على حفرته حتى واراه، فلما سوينا عليه حفرته قال: أخفوا عنه، (وفي الرواية الاخرى: خففوا عنه) (¬2) فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يأمرنا بتسوية القبور».أخرجه أحمد (6/ 18) بالروايتين وإسناده حسن، وابن أبي شيبة (4/ 135 - 138) بالرواية الاخرى. ورواه مسلم (3/ 61) وأبو داود (2/ 70) والنسائي (1/ 285) والبيهقي (4/ 2 - 3) من طريق أخرى عن ثمامة نحوه أخصر منه، وهو رواية لأحمد (6/ 21) ولفظها عنده: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: سووا قبوركم بالأرض». وفي سنده ابن لهيعة وهو سئ الحفظ. وأما الحديث المشهور على الالسنة بلفظ: «خير القبور الدوارس» فلا أصل له في شئ من كتب السنة، وهو بظاهره منكر؛ لأن القبر لا ينبغي أن يدرس، بل ¬

(¬1) جزيرة معروفة في البحر الابيض المتوسط، جنوب غرب تركيا. [منه] (¬2) هي بمعنى الرواية التي قبلها، إلا أن هذه عديت بالتشديد وتلك بالالف. [منه]

ينبغي أن يظل ظاهراً مرفوعاً عن الأرض قدر شبر كما سبق، ليعرف فيصان ولا يهان، ويزار ولا يهجر. ثم إن الظاهر من حديث فضالة «كان يأمرنا بتسوية القبور» تسويتها بالأرض بحيث لا ترفع إطلاقاً، وهذا الظاهر غير مراد قطعاً، بدليل أن السنة الرفع قدر شبر كما مرت الإشارة إليه سابقاً، ويؤيد هذا من الحديث نفسه قول فضالة «خففوا» أي التراب، فلم يأمر بإزالة التراب عنه بالكلية، وبهذا فسره العلماء انظر «المرقاة» (2/ 372). الخامس: عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس (وفي رواية: يطأ) على قبر».أخرجه مسلم (3/ 62) وأبو داود (2/ 71) والنسائي (1/ 287) وابن ماجه (1/ 484) (1/ 484) والبيهقي (4/ 79) وأحمد (2/ 311،389، 444)، والرواية الأخرى إحدى روايتيه (2/ 528). السادس: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لأن أمشي على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي (¬1) أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق».أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 133) وابن ماجه (1/ 474) بإسناد صحيح كما قال البوصيري في «الزوائد» (ق 98/ 1)، وقال المنذري في «الترغيب»: إنه جيد. السابع: عن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «لا تصلوا ¬

(¬1) أي وذلك أمر صعب شديد إن أمكن. [منه].

إلى القبور، ولا تجلسوا عليها».أخرجه مسلم (3/ 62) وأصحاب السنن الثلاثة وغيرهم، وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» وقد تكلمت على إسناده في «تخريج صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -» ثم في «تحذير الساجد» (ص 21). وفي هذه الأحاديث الثلاثة دليل على تحريم الجلوس والوطأ على قبر المسلم، وهو مذهب جمهور العلماء على ما نقله الشوكاني (4/ 57) وغيره، لكن حكى النووي والعسقلاني عنهم الكراهة فقط، وهو نص الامام الشافعي في «الأم» (¬1) وكذلك نص الامام محمد في «الآثار» (ص 45) على الكراهة وقال: «وهو قول أبي حنيفة». قلت: والكراهة عندهما إذا أطلقت فهي للتحريم، وهذا أقرب إلى الصواب من القول بالكراهة فحسب، والحق القول بالتحريم لأنه الذي ينص عليه حديث أبي هريرة وعقبة؛ لما فيهما من الترهيب الشديد، وبهذا قال جماعة من الشافعية، منهم النووي، وإليه ذهب الصنعاني في «سبل السلام» (1/ 210)، ومال الفقيه ابن حجر الهيتمى في «الزواجر» (1/ 143) إلى أنه كبيرة، لما أشرنا إليه من الوعيد الشديد، وليس ذلك عن الصواب ببعيد. ¬

(¬1) قال الشافعي رحمه الله (1/ 246): (وأكره وطأ القبر والجلوس والاتكاء عليه، إلا أن لا يجد الرجل السبيل إلى قبر ميته إلا بأن يطأه فذلك موضع ضرورة، فأرجو حينئذ أن يسعه إن شاء الله تعالى، وقال بعض أصحابنا: لا بأس بالجلوس عليه، وإنما نهي عن الجلوس عليه للتغوط! وليس هذا عندنا كما قال، وإن كان نهي عنه للمذهب فقد نهي عنه مطلقا لغير المذب).وكان الشافعي رحمه الله يشير إلى إلامام مالك رحمه الله فإنه صرح في (الموطأ) بالتأويل المذكور، ولا شك في بطلانه كما بينه النووي فيما نقله الحافظ (3/ 174). [منه].

7 - الصلاة إلى القبور للحديث المتقدم آنفاً: «لا تصلوا إلى القبور .. » وفيه دليل على تحريم الصلاة إلى القبر لظاهر النهي، وهو اختيار النووي، فقال المناوي في «فيض القدير» شارحاً للحديث: «أي مستقبلين إليها، لما فيه من التعظيم البالغ، لأنه من مرتبة المعبود، فجمع-يعنى الحديث بتمامه-بين النهي عن الاستخفاف بالتعظيم، والتعظيم البليغ» ثم قال في موضع آخر: «فإن ذلك مكروه، فإن قصد إنسان التبرك بالصلاة في تلك البقعة فقد ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله، والمراد كراهة التنزيه، قال النووي: كذا قال أصحابنا، ولو قيل بتحريمه لظاهر الحديث لم يبعد. ويؤخذ من الحديث النهي عن الصلاة في المقبرة، فهو مكروه كراهة تحريم». وينبغي أن يعلم أن التحريم المذكور إنما هو إذا لم يقصد بالاستقبال تعظيم القبور، وإلا فهو شرك، قال الشيخ علي القاري في «المرقاة» (2/ 372) في شرحه لهذا الحديث: «ولو كان هذا التعظيم حقيقة للقبر ولصاحبه لكفر المعظم، فالتشبه به مكروه، وينبغي أن يكون كراهة تحريم، وفي معناه بل أولى منه: الجنازة الموضوعة، وهو مما ابتلي به أهل مكة، حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها». 8 - الصلاة عندها ولو بدون استقبال، وفيه أحاديث: الاول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام».أخرجه أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي وغيرهم بسند صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم ووافقه الذهبي، وأعل بالإرسال، وليس بشئ، ولو سلم به فقد جاء من طريق أخرى سالمة

من الإرسال وهي على شرط مسلم، وقد فصلت القول في ذلك في «الثمر المستطاب» في المبحث السادس من «الصلاة». الثاني: عن أنس: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن الصلاة بين القبور».قال في «المجمع» (2/ 27) «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح». قلت: ورواه ابن الأعرابي في «معجمه» (235/ 1) والطبراني في (الأوسط) (1/ 280) والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (79/ 2) وزادوا: «على الجنائز». الثالث: عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً».أخرجه البخاري (1/ 420) ومسلم (2/ 187) وأحمد (رقم4511، 4653، 6045). الرابع: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة».أخرجه مسلم. وقد ترجم البخاري للحديث الثالث بقوله: «باب كراهية الصلاة في المقابر». وبين وجه ذلك الحافظ في شرحه فقال ما مختصره: «استنبط من قوله في الحديث: «لا تتخذوها قبوراً «أن القبور ليست بمحل للعبادة، فتكون الصلاة فيها مكروهة، وقد نازع الإسماعيلي المصنف في هذه الترجمة فقال: الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر: قلت: قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ» لا تجعلوا بيوتكم مقابر «، وقال ابن التين: تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر: وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت، إذ الموتى لا يصلون، كأنه قال: لا تكونوا كالموتى الذين لا

يصلون في بيوتهم وهي القبور، قال: فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك، قلت: إن أراد أنه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم، وإن أراد نفي ذلك مطلقاً فلا، فقد قدمنا وجه استنباطه، وقد نقل ابن المنذر عن أكثر أهل العلم أنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع للصلاة. وكذا قال البغوي في «شرح السنة» والخطابي. قلت: وهذا هو الأرجح أن الحديث يدل على أن المقبرة ليست موضعاً للصلاة، لا سيما بلفظ أبي هريرة فهو أصرح في الدلالة، وقول الإسماعيلي: يدل على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر، مع مخالفته الصريحة لحديث أبي هريرة، فلا يحسن حمل حديث ابن عمر عليه؛ لأن الصلاة في القبر غير ممكنة عادةً، فكيف يحمل كلام الشارع عليه؟! وقول ابن التين: (هو من شراح «صحيح البخاري» واسمه عبد الواحد) «الموتى لا يصلون».ليس بصحيح، لأنه لم يرد نص في الشرع بنفي ذلك، وهو من الأمور الغيبية التي لا ينبغي البت فيها إلا بنص، وذلك مفقود، بل قد جاء ما يبطل إطلاق القول به، وهو صلاة موسى عليه الصلاة والسلام في قبره كما رآه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليلة أسري به على ما رواه مسلم في «صحيحه»، وكذلك صلاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقتدين به في تلك الليلة كما ثبت في «الصحيح» بل ثبت عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون». أخرجه أبو يعلى بإسناد جيد، وقد خرجته في «الأحاديث الصحيحة» (622).بل قد جاء عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما هو أعم مما ذكرنا، وذلك في حديث أبي هريرة في سؤال الملكين للمؤمن في القبر: «فيقال له اجلس، فيجلس قد مثلت له الشمس وقد آذنت للغروب، فيقال له: أرأيتك هذا الذي كان فيكم ما تقول فيه؟ وماذا

تشهد عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولان: إنك ستفعل». أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (781) والحاكم (1/ 379 - 380) وقال: «صحيح على شرط مسلم» ووافقه الذهبي! وإنما هو حسن فقط، لان فيه محمد بن عمرو ولم يحتج به مسلم وإنما روى له مقرونا أو متابعة. فهذا الحديث صريح في أن المؤمن أيضا يصلي في قبره، فبطل بذلك القول بأن الموتى لا يصلون، وترجح أن المراد بحديث ابن عمر أن المقبرة ليست موضعاً للصلاة، والله أعلم. وقد دل الحديث وما ذكر معه على كراهة الصلاة في المقبرة، وهي للتحريم لظاهر النهي في بعضها، وذهب بعض العلماء إلى بطلان الصلاة فيها لأن النهي يدل على فساد المنهي عنه، وهو قول ابن حزم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، والشوكاني في «نيل الاوطار» (2/ 112)، وروى ابن حزم (4/ 27 - 28) عن الإمام أحمد أنه قال: «من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبداً».ثم قال ابن حزم: «وكره إلصلاة إلى القبر وفي المقبرة وعلى القبر أبو حنيفة والأوزاعي وسفيان ولم ير مالك بذلك بأساً! واحتج له بعض مقلديه بأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى على قبر المسكينة السوداء! قال ابن حزم: «وهذا عجب ناهيك به أن يكون هؤلاء القوم يخالفون هذا الخبر فيما جاء فيه، فلا يجيزون أن نصلى صلاة الجنازة على من دفن، ثم يستبيحون ما ليس فيه أثر منه ولا إشارة، مخالفة للسنن الثابتة. قال: كل هذه الاثار حق، فلا تحل الصلاة حيث ذكرنا إلا صلاة الجنازة فإنها تصلى في المقبرة، وعلى القبر الذي قد دفن صاحبه كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، نحرم ما نهى عنه، ونَعُدُّ من التقرب إلى الله تعالى أن نفعل! مثل ما فعل فأمره ونهيه حق، وفعله حق، وما عدا ذلك فباطل «.قلت: وفيما قاله في صلاة الجنازة نظر؛ لأنه لا نص

على جوازها في المقبرة ولو كان ابن حزم من القائلين بالقياس لقلنا أنه قاس ذلك على الصلاة على القبر: ولكنه يقول ببطلان القياس من أصله، وصلاة الجنازة في المقبرة خلاف السنة التي لم تأت إلا بصلاتها في المصلى وفي المسجد كما سبق بيانه في محله، بل قد جاء النهي الصريح عن الصلاة عليها بين القبور كما في رواية في حديث أنس المذكور في هذا الفصل، وهو الحديث الثاني منه. ثم إن كراهة الصلاة في المقبرة تشمل كل مكان منها سواء كان القبر أمام المصلي أو خلفه أو عن يمينه، أو عن يساره؛ لأن النهي مطلق، ومن المقرر في علم الأصول أن المطلق يجرى على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده، ولم يرد هنا شئ من ذلك، وقد صرح بما ذكرنا بعض فقهاء الحنفية وغيرهم كما يأتي، فقال شيخ الاسلام ابن تيمية في «الاختبارات العلمية» (ص 25): «ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها، والنهي عن ذلك إنما هو سد لذريعة الشرك وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة؛ لأنه لا يتناوله اسم المقبرة، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعداً، وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور، وهو الصواب، والمقبرة كل ما قبر فيه، لا أنه جمع قبر. وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه، فهذا يعين أن المنع يكون متناولاً لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه، وذكر الآمدي وغيره: أنه لا تجوز الصلاة فيه أي المسجد الذي قبلته إلى القبر حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر. وذكر بعضهم: «هذا منصوص أحمد». وفي كلام الشيخ رحمه الله التصريح بأن علة النهي عن الصلاة في المقبرة إنما هي سد الذريعة، وهذا أحد قولي العلماء في ذلك، والقول الآخر أن العلة إنما هي

نجاسة أرض المقبرة! وهما قولان في مذهب الحنفية، وقد نظر ابن عابدين في «الحاشية» (1/ 352) في الثاني منهما، وذلك لأن الاستحالة مطهرة عندهم، فكيف تكون هذه العلة صحيحة؟! ولا شك عندنا أن القول الأول هو الصحيح، وقد بين ذلك شيخ الإسلام في كتبه، واستدل له بما لا تجده عند غيره، فراجع مثلا كتابه: «اقتضاء الصراط المستقيم». (152،193)، وعليه مشى في «الخانية» من كتب الحنيفة، وأشار إليه الطحطاوي في حاشيته على «مراقي الفلاح» فقال عند قول الشارح: «وتكره الصلاة في المقبرة» (1/ 208): «بتثليث الباء، لأنه تشبه باليهود والنصارى، قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وسواء كانت فوقه أو خلفه أو تحت ما هو واقف عليه، ويستثنى مقابر الانبياء عليهم السلام فلا تكره الصلاة فيها مطلقاً منبوشة أو لا، بعد أن لا يكون القبر في جهة القبلة؛ لأنهم أحياء في قبورهم»! قلت: وهذا الاستثناء باطل ظاهر البطلان، كيف وهو يناقض العلة التي ذكرها والحديث الذي استدل به عليها، وكيف يصح مثل هذا الاستثناء والأحاديث مستفيضة في لعن أهل الكتاب لا تخاذ قبور أنبيائهم مساجد، ثم صح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نهانا عن ذلك، فالنهي منصب على اتخاذ قبور الأنبياء مباشرة، وغيرهم يلحق بهم، فكيف يعقل استثناؤهم!؟ والحق أن مثل هذا الاستثناء إنما يتمشى مع القول الثاني أن العلة النجاسة، وقبور الانبياء بلا شك طاهرة؛ لأنهم كما قال عليه السلام: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»، ولكن هذه العلة باطلة وما بني على باطل فهو باطل (¬1). ¬

(¬1) وقد فصلت القول في خطأ الطحطاوي وتناقصه في الاستثناء المذكور في كتابي «الثمر المستطاب في تمه السنة والكتاب». [منه].

9 - بناء المساجد عليها. وفيه أحاديث: الاول: عن عائشة وعبد الله بن عباس معا قالا: «لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال: وهو كذلك:- «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر [مثل] ما صنعوا». أخرجه البخاري (1/ 6.422/ 8.386/ 116) ومسلم (2/ 67) والنسائي (1/ 115) والدارمي (1/ 326) والبيهقي (4/ 80) وأحمد (1/ 6.218/ 275.229.34)، والزيادة لمسلم والدارمي وغيرهما. الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).قالت: فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا. أخرجه البخاري (3/ 156، 198، 8/ 114) وأبو عوانة (2/ 399) وأحمد (6/ 255.121.80).وله عنده (6/ 252.146) طريق آخر عنها. الثالث: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قاتل الله اليهود (وفي رواية: لعن الله اليهود والنصارى) اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».أخرجه البخاري (1/ 422) ومسلم وأبو عوانة (2/ 400) وأبو داود (2/ 71) والبيهقي (4/ 80) وأحمد (2/ 284،366،396،453،518) والرواية الثانية له ولمسلم وأبي عوانة، وهي من طريق أخرى عن أبي هريرة. الرابع: عنه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اللهم لا تجعل قبري وثناً، لعن الله قوماً اتخذوا

قبور أنبيائهم مساجد».أخرجه أحمد (2/ 246) وابن سعد في «الطبقات» (2/ 362) وأبو نعيم في «الحلية» (7/ 317) بإسناد صحيح، وأما قول الهيثمي، في «مجمع الزوائد» (23): «رواه أبو يعلى، وفيه إسحاق بن أبي إسرائيل وفيه كلام لوقفه في القرآن، وبقية رجاله ثقات». فقيه نظر من وجوه: 1 - إنه اقتصر على أبي يعلى في العزو فأوهم أنه ليس في «مسند أحمد» وليس كذلك كما عرفت. 2 - أن إسحاق المذكور ثقة، ووقفه في القرآن لا يجرحه كما هو مقرر في المصطلح. 3 - أنه لم يتفرد به، فهو عند أحمد من غير طريقه، فالحديث صحيح لاشك فيه. وله شاهد مرسل. أخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 185 - 186) بسند صحيح. وروي موصولاً عن أبي سعيد الخدري. الخامس: عن جندب قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل أن يموت بخمس يقول: [قد كان لي فيكم أخوة وأصدقاء، و] إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانو يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك «. أخرجه مسلم (2/ 67 - 68) دون سائر الستة، ونسبه الشوكاني (2/ 114) للنسائي أيضاً، فلعله يعني «السنن الكبرى» له، ولم ينسبه في «الذخائر» إلا لمسلم وحده، نعم أخرجه عوانة في «صحيحه» (2/ 401) والزيادة له.

السادس: عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد».أخرجه أحمد (رقم 4342.4144.4143.3844) بإسنادين في حسنين عنه. ورواه ابن أبي شيبة وابن حبان في «صحيحه»، وقال ابن تيمية: «إسناده جيد».وذهل الهيثمي عن كونه في «المسند» فقال (2/ 27): «رواه الطبراني في» الكبير «وإسناده حسن». السابع: عن عائشة قالت: «لما كان مرض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها (مارية) - وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة- فذكرن من حسنها وتصاويرها. قالت: فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح [فمات] بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله [يوم القيامة]». أخرجه البخاري (1/ 416،422) ومسلم (2/ 66 - 67) والنسائي (1/ 115) وكذا أبو عوانة (2/ 400 - 401) والبيهقي (4/ 80) والسياق لهما، وأحمد (6/ 51) وابن أبي شيبة (4/ 140)، والزيادتان للشيخين وغيرهما. وفي الباب أحاديث أخرى عن جماعة آخرين من الصحابة، أوردتها في «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» وهي تدل دلالة قاطعة على أن اتخاذ القبور مساجد حرام لما فيها من لعن المتخذين، ولذلك قال الفقيه الهيتمي في «الزواجر» (1/ 120 - 121): «الكبيرة الثالثة والتسعون: اتخاذ القبور مساجد»، ثم ساق بعض الأحاديث المتقدمة وغيرها مما ليس على شرطنا ثم قال: «وعد هذه من الكبائر وقع في كلام

بعض الشافعية، وكأنه أخذ ذلك مما ذكره من هذه الأحاديث، ووجهه واضح، لأنه لعن من فعل ذلك بقبور أنبيائه، وجعل من فعل ذلك بقبور صلحائه شر الخلق عند الله يوم القيامة، ففيه تحذير لنا كما في رواية «يحذر ما صنعوا»، أي يحذر أمته بقوله لهم ذلك من أن يصنعوا كصنع أولئك، فيلعنوا كما لعنوا .. قال بعض الحنابلة: قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً بها عين المحادة لله ورسوله، وابتداع دين لما يأذن به الله للنهي عنها ثم إجماعاً، فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها، واتخاذها مساجد، أو بناؤها عليها، والقول بالكراهة محمول على غير ذلك، إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعن فاعله، وتجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أسست على معصية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لأنه نهى عن ذلك، وأمر - صلى الله عليه وآله وسلم - بهدم القبور المشرفة، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره. انتهى». هذا والاتخاذ المذكور في الأحاديث المتقدمة يشمل عدة أمور: الأول: الصلاة إلى القبور مستقبلاً لها. الثاني: السجود على القبور. الثالث: بناء المساجد عليها. والمعنى الثاني ظاهر من الاتخاذ والآخران مع دخولهما فيه؛ فقد جاء النص عليهما في بعض الأحاديث المتقدمة، وفصلت القول في ذلك وأوردت أقوال العلماء مستشهداً بها في كتابنا الخاص «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» وذكرت فيه تاريخ إدخال القبر النبوي في المسجد الشريف، وما فيه من المخالفة

للأحاديث المتقدمة، وأن الصلاة مع ذلك لا تكره فيه خاصة، فمن شاء بسط القول في ذلك كله فليرجع إليه. 10 - اتخاذها عيداً، تقصد في أوقات معينة، ومواسم معروفة، للتعبد عندها، أو لغيرها؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وحيثما كنتم فصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني».أخرجه أبو داود (1/ 319) وأحمد (2/ 367) بإسناد حسن، وهو على شرط مسلم، وهو صحيح مما له من طرق وشواهد. فله طريق أخرى عن أبي هريرة، عند أبي نعيم في «الحلية» (6/ 283) وله شاهد مرسل بإسناد قوي عن سهيل قال: «رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر، فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى، فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لا أريده. فقال: مالي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: «إذا دخلت المسجد فسلم «ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، ما أنتم ومن بالاندلس إلا سواء. رواه سعيد بن منصور كما في «الاقتضاء» لابن تيمية، وهو عند الشيخ اسماعيل بن اسحاق القاضي في «فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -» (رقم30) (¬1) دون قوله: «لعن الله اليهود ... » وكذا رواه ابن أبي شيبة (4/ 140) مقتصراً على المرفوع منه فقط. وله شاهد آخر بنحو هذا من طريق علي بن الحسين عن أبيه عن جده مرفوعاً. ¬

(¬1) قام بنشره لاول مرة المكتب الاسلامي بتحقيقنا، فيطلب منه. [منه].

أخرجه إسماعيل القاضي (رقم 20) وغيره. انظر «تحذير الساجد» (98 - 99) والحديث دليل على تحريم اتخاذ قبور الانبياء والصالحين عيدا. قال شيخ الاسلام ابن تيمية في «الاقتضاء» (ص 155 - 156): «ووجه الدلالة أن قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل قبر على وجه الأرض وقد نهى عن اتخاذه عيدا، فقبر غيره أولى بالنهي كائناً من كان، ثم قرن ذلك بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً» أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم. قال: فهذا أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنهم، نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره - صلى الله عليه وآله وسلم -، واستدل بالحديث الذي سمعه من أبيه الحسين عن جده علي، وهو أعلم بمعناه من غيره، فتبين أن قصده أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عند غير دخول المسجد، ورأى أن ذلك من الدعاء ونحوه اتخاذه عيداً. وكذلك ابن عمه حسن بن حسن شيخ أهل بيته كره اتخاذه عيداً، فانظر هذه السنة كيف أن مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قرب النسب وقرب الدار؛ لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا له أضبط. والعيد إذا جعل اسماً للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وإتيانه للعبادة عنده أو لغير العبادة، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة جعلها الله عيداً مثابةً للناس، يجتمعون فيها وينتابونها للدعاء والذكر والنسك، وكان للمشركين أمكنة ينتابونها للاجتماع عندها، فلما جاء الاسلام محا الله ذلك كله، وهذا النوع من الامكنة يدخل فيه قبور الانبياء والصالحين».

ثم قال الشيخ (ص 175 - 181): «ولهذا كره مالك رضي الله عنه وغيره من أهل العلم لأهل المدينة، كلما دخل أحدهم المسجد أن يجيئ فيسلم على قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصاحبيه، قال: وإنما يكون ذلك لأحدهم إذا قدم من سفر، أو أراد سفراً ونحو ذلك، ورخص بعضهم في السلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها، وأما قصده دائما للصلاة والسلام فما علمت أحداً رخص به؛ لأن ذلك نوع من اتخاذه عيداً .. مع أنه قد شرع لنا إذا دخلنا المسجد أن نقول: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» (¬1) كما نقول ذلك في آخر صلاتنا. قال: فخاف مالك وغيره أن يكون فعل ذلك عند القبر كل ساعة نوعاً من اتخاذ القبر عيداً وأيضا فإن ذلك بدعة؛ فقد كان المهاجرون والأنصار على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يجيئون إلى المسجد كل يوم لعلمهم رضي الله عنهم بما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يكرهه من ذلك وما نهاهم عنه، وإنهم يسلمون عليه حين دخول المسجد والخروج منه، وفي التشهد كما كانوا يسلمون عليه كذلك في حياته، وما أحسن ما قال مالك: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم، ونقص إيمانهم، عوضوا ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك وغيره لهذا كرهت الأمة استلام القبر وتقبيله، وبنوه بناءً منعوا الناس أن يصلوا إليه، قال: ¬

(¬1) قلت: لم أر هذه الصيغة في شئ من الأحاديث الواردة في آداب الدخول إلى المسجد والخروج منه، وأخذها من مطلق قوله: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبيص ... » الحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (1/ 414) وأبو داود في «سننه» (رقم 465)، فمما لا يخفى بعده، لا سيما وقد جاءت الصيغة في حديت فاطمة رضي الله عنها بلفظ: «السلام على رسول الله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» أخرجه القاضي إسماعيل (82 - 84) وغيره. وانظر «نزل الأبرار» (72).و «الكلم الطيب» (رقم 63 بتحقيقي وضع المكتب الاسلامي). [منه].

وقد ذكرنا عن أحمد وغيره أنه أمر من سلم على النبي وصاحبيه ثم أراد أن يدعو أن ينصرف فيستقبل القبلة، وكذلك أنكر ذلك من العلماء المتقدمين كمالك وغيره، ومن المتأخرين مثل أبي الوفاء بن عقيل وأبي الفرج ابن الجوزي، وما أحفظ لا عن صحابي ولا عن تابعي ولا عن إمام معروف أنه استحب قصد شئ من القبور للدعاء عنده، ولا روى أحد في ذلك شيئاً، لا عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.ولا عن أصحابه ولا عن أحد من الأئمة المعروفين، وقد صنف الناس في الدعاء وأوقاته وأمكنته وذكروا فيه الآثار، فما ذكر أحد منهم في فضل الدعاء عندها شئ من القبور حرفاً واحداً فيما أعلم، فكيف يجوز والحالة هذه أن يكون الدعاء عندها أجوب وأفضل، والسلف تنكره ولا تعرفه وتنهى عنه ولا تأمر به!؟ قال: وقد أوجب اعتقاد استجابة الدعاء عندها وفضله أن تنتاب لذلك وتقصد، وربما اجتمع عندها اجتماعات كثيرة في مواسم معينة. وهذا بعينه هو الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «لا تتخذوا قبري عيداً».قال: حتى إن بعض القبور يجتمع عندها في يوم من السنة، ويسافر إليها إما في المحرم أو رجب أو شعبان أو ذي الحجة أو غيرها، وبعضها يجتمع عندها في يوم عاشوراء، وبعضها في يوم عرفة، وبعضها في النصف من شعبان. وبعضها في وقت آخر، بحيث يكون لها يوم من السنة تقصد فيه، ويجتمع عندها فيه، كما تقصد عرفة ومزدلفة ومنى في أيام معلومة من السنة، وكما يقصد مصلى المصر يوم العيدين، بل ربما كان الاهتمام بهذه الاجتماعات في الدين والدنيا أهم وأشد، ومنها ما يسافر إليه من الامصار في وقت معين، أو وقت غير معين لقصد الدعاء عنده والعبادة هناك، كما يقصد بيت الله الحرام لذلك وهذا السفر لا أعلم بين المسلمين خلافا في النهي عنه. قال: ومنها ما يقصد الاجتماع عنده في يوم معين من الأسبوع، وفي الجملة هذا

الذي يُفْعَل عند هذه القبور هو بعينه الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «لا تتخذوا قبري عيدا» فإن اعتياد قصد المكان المعين في وقت معين عائد بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع هو بعينه معنى العيد، ثم ينهى عن دق ذلك وجله، وهذا هو الذي تقدم عن الإمام أحمد إنكاره. قال (يعني أحمد): وقد أفرط الناس في هذا جداًّ وأكثروا. وذكر ما يفعل عند قبر الحسين. ثم قال الشيخ: ويدخل في هذا ما يفعل بمصر عند قبر نفيسة وغيرها، وما يفعل بالعراق عند القبر الذي يقال: إنه قبر علي رضي الله عنه، وقبر الحسين وحذيفة بن اليمان و ... و ... وما يفعل عند قبر أبي يزيد البسطامي إلى قبور كثيرة في أكثر بلاد الإسلام لا يمكن حصرها. قال: واعتياد قصد هذه القبور في وقت معين، والاجتماع العام عندها في وقت معين هو اتخاذها عيداً كما تقدم، ولا أعلم بين المسلمين أهل العلم في ذلك خلافاً، ولا يغتر بكثرة العادات الفاسدة فإن هذا من التشبه بأهل الكتابين الذي أخبرنا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كائن في هذه الأمة، وأصل ذلك إنما هو اعتقاد فضل الدعاء عندها، وإلا فلو لم يقم هذا الاعتقاد في القلوب لا نمحى ذلك كله، فإذا كان قصدها يجر هذه المفاسد كان حراماً كالصلاة عندها وأولى، وكان ذلك فتنة للخلق، وفتحاً لباب الشرك، وإغلاقاً لباب الإيمان». قلت: ومما يدخل في ذلك دخولاً أولياًّ ما هو مشاهد اليوم في المدينة المنورة، من قصد الناس دبر كل صلاة مكتوبة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: للسلام عليه والدعاء عنده وبه، ويرفعون أصواتهم لديه، حتى ليضج المسجد بهم، ولا سيما في موسم الحج حتى لكأن ذلك من سنن الصلاة! بل إنهم ليحافظون عليه أكثر من محافظتهم على السنن وكل ذلك يقع من مرأى ومسمع من ولاة الأمر، ولا أحد

منهم ينكر، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ووَأَسَفًا على غربة الدين وأهله، وفي مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي ينبغي أن يكون أبعد المساجد بعد المسجد الحرام عما يخالف شريعته عليه الصلاة والسلام. هذا، وقد سبق في كلام شيخ الاسلام ابن تيمية أن بعض أهل العلم رخص في إتيان القبر الشريف للسلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها، وكأن ذلك يفيد عدم الإكثار والتكرار بدليل قوله عقب ذلك: «وأما قصده دائماً للصلاة والسلام فما علمت أحداً رخص فيه». قلت: وهذا الترخيص الذي نقله الشيخ عن بعض أهل العلم هو الذي نراه ونعتمد عليه بشرط القيد المذكور، فيجوز لمن بالمدينة إتيان القبر الشريف للسلام عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - أحياناً؛ لأن ذلك ليس من اتخاذه عيداً كما هو ظاهر، والسلام عليه وعلى صاحبيه مشروع بالأدلة العامة، فلا يجوز نفي المشروعية مطلقاً لنهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن اتخاذ قبره عيداً، لإمكان الجمع بملاحظة الشرط الذي ذكرنا، ولا يخرج عليه أننا لا نعلم أن أحداً من السلف كان يفعل ذلك، لأن عدم العلم بالشئ لا يستلزم العلم بعدمه كما يقول العلماء، ففي مثل هذا يكفي لإثبات مشروعيته الأدلة العامة مادام أنه لا يثبت ما يعارضها فيما نحن فيه. على أن شيخ الإسلام قد ذكر في «القاعدة الجليلة» (ص 80 طبع المنار) عن نافع أنه قال: كان ابن عمر يسلم على القبر، رأيته مائة مرة أو أكثر يجيئ إلى القبر فيقول: السلام على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، السلام على أبي بكر، السلام على أبي، ثم ينصرف؛ فإن ظاهره أنه كان يفعل ذلك في حالة الإقامة لا السفر؛ لأن قوله «مائة مرة»، مما يبعد حمل هذا الأثر على حالة السفر.

11 - السفر إليها: وفيه أحاديث: الأول: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومسجد الأقصى». وفي رواية عنه بلفظ: «إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيلياء».أخرجه البخاري باللفظ الأول، ومسلم باللفظ الآخر من طريق ثان عنه، وأخرجه من الطريق الاول أصحاب السنن وغيرهم. وله طريق ثالث عند أحمد (2/ 501) والدارمي (1/ 330) وقد خرجت الحديث مبسوطاً في «الثمر المستطاب». الثاني: عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «لا تشد (وفي لفظ: لا تشدوا) الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الاقصى». أخرجه الشيخان وغيرهما، وله عنه أربعة طرق أوردتها في المصدر السابق واللفظ الآخر لمسلم. والطريق الرابعة: يرويها شهر بن حوشب، وعنه اثنان: أحدهما: ليث بن أبي سليم عنه قال: «لقينا أبا سعيد ونحن نريد الطور، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «لا تعمل المطي إلا ... » الحديث. والآخر: عبد الحميد بن بهرام عنه قال: «سمعت أبا سعيد الخدري وذكرت عنده صلاة الطور، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى

مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام».الحديث. أخرجهما أحمد (3/ 93،64). وشهر ضعيف، وقد تفرد بهذه الزيادة «إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة» فهي منكرة لعدم ورودها في الطرق الأخرى عن أبي سعيد، حتى ولا في طريق ليث عن شهر، وكذلك لم ترد في الأحاديث الأخرى، وهي ثمانية وغالبها لها أكثر من طريق واحد، وقد سقتها كلها في «الثمر المستطاب» فعدم ورود هذه الزيادة في شئ من هذه الأحاديث على كثرتها وتعدد مخارجها لأكبر دليل على نكارة الزيادة وبطلانها، فهي من أوهام شهر بن حوشب أو الراوي عنه عبد الحميد، فإن فيه بعض الضعف من قبل حفظه، وقال الحافظ في ترجمة شهر من «التقريب»: «صدوق كثير الاوهام». الثالث: عن أبي بصرة الغفاري أنه لقي أبا هريرة وهو جاءٍ، فقال: من أين أقبلت؟ قال: أقبلت من الطور، صليت فيه، قال: أما إني لو أدركتك لم تذهب، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى».أخرجه الطيالسي (1348) وأحمد (6/ 7) والسياق له، وإسناده صحيح. وله عند أحمد طريقان آخران، إسناد الاول منهما حسن، والآخر صحيح. وأخرجه مالك والنسائي والترمذي وصححه من الطريق الثالث، إلا أن أحد الرواة أخطأ في سنده فجعله من مسند بصرة بن أبي بصرة. وفي متنه حيث قال: «لاتعمل المطي». الرابع: عن قزعة قال: «أردت الخروج إلى الطور فسألت ابن عمر، فقال: أما

علمت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، والمسجد الأقصى»، ودع عنك الطور فلا تأته».أخرجه الازرقي «في أخبار مكة» (ص 304) بإسناد صحيح رجاله رجال الصحيح، وأورد المرفوع منه الهيثمي في «المجمع» (4/ 4) وقال: «رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات». وفي هذه الأحاديث تحريم السفر إلي موضع من المواضع المباركة، مثل مقابر الانبباء والصالحين، وهي وإن كانت بلفظ النفي «لا تشد»، فالمراد النهي كما قال الحافظ، على وزن قوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، وهو كما قال الطيبي: «هو أبلغ من صريح النهي، كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به». قلت: ومما يشهد لكون النفي هنا بمعنى النهي رواية لمسلم في الحديث الثاني: «لا تشدوا».ثم قال الحافظ: «قوله: «إلا إلى ثلاثة مساجد»، الاستثناء مفرغ، والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها، لان المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام، ولكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا المخصوص، وهو المسجد». قلت: وهذا الاحتمال ضعيف، والصواب التقدير الأول؛ لما تقدم في حديث أبي بصرة وابن عمر من إنكار السفر إلى الطور، ويأتى بيانه، ثم قال الحافظ: «وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد، ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء، ولأن الأول، قبلة الناس، وإليه حجهم، والثاني كان قبلة الأمم السالفة،

والثالث أسس على التقوى. (قال:) واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياءً وأمواتاً، وإلى المواضع الفاضلة، لقصد التبرك بها، والصلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمد الجويني (¬1): «يحرم شد الرحال إلى غيرها عملاً بظاهر الحديث»، وأشار القاضي حسين إلى اختياره، وبه قال عياض وطائفة، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور، وقال له: «لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت»، واستدل بهذا الحديث، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة، والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن الحديث بأجوبة: 1 - منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها فإنه جائز، وقد وقع في رواية لاحمد سيأتي ذكرها بلفظ: «لا ينبغي للمطي أن تعمل» وهو لفظ ظاهر في غير التحريم. 2 - ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة، فإنه لا يجب الوفاء به، قاله ابن بطال. 3 - ومنها أن المراد حكم المساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة، وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب، أو طلب علم أو تجارة أو نزهة، فلا يدخل في النهي، ويؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال: سمعت أبا سعيد- وذكرت عنده ¬

(¬1) هو عبد الله بن يوسف شيخ الشافعية ووالد إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله، كان إماما في التفسير والفقه والادب. مات سنة (438). [منه].

الصلاة في الطور- فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام، والمسجد الاقصى، ومسجدي». وشهر حسن الحديث، وإن كان فيه بعض الضعف». قلت: لقد تساهل الحافظ رحمه الله تعالى في قوله في شهر أنه حسن الحديث، مع أنه قال فيه في «التقريب»: «كثير الأوهام» كما سبق، ومن المعلوم أن من كان كذلك فحديثه ضعيف لا يحتج به، كما قرره الحافظ نفسه في «شرح النخبة» ثم هب أنه حسن الحديث، فإنما يكون كذلك عند عدم المخالفة، أما وهو قد خالف جميع الرواة الذين رووا الحديث عن أبي سعيد، والآخرين الذين رووه عن غيره من الصحابة كما تقدم بيانه، فكيف يكون حسن الحديث مع هذه المخالفة!؟ بل هو منكر الحديث في مثل هذه الحالة، دون أي شك أو ريب. أضف إلى ذلك أن قوله في الحديث «إلى مسجد» مما لم يثبت عن شهر نفسه؛ فقد ذكرها عنه عبد الحميد ولم يذكرها عنه ليث بن أبي سليم، وهذه الرواية عنه أرجح لموافقتها لروايات الثقات كما عرفت. وأيضا فإن المتأمل في حديثه يجد فيه دليلاً آخر على بطلان ذكر هذه الزيادة فيه، وهو قوله: أن أبا سعيد الخدري احتج بالحديث على شهر لذهابه إلى الطور، فلو كان فيه هذه الزيادة التي تخص حكمه بالمساجد دون سائر المواضع الفاضلة، لما جاز لأبي سعيد رضي الله عنه أن يحتج به عليه، لأن الطور ليس مسجدا، وإنما هو الجبل المقدس الذي كلم الله تعالى موسى عليه، فلا يشمله الحديث لو كانت الزيادة ثابتة فيه، ولكان استدلال أبي سعيد به والحالة هذه وهماً، لا يعقل أن يسكت عنه شهر ومن كان معه، فكل هذا يؤكد بطلان هذه الزيادة، وأنها لا أصل لها عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فثبت مما تقدم أنه لا دليل يخصص الحديث بالمساجد،

فالواجب البقاء على عمومه الذي ذهب إليه أبو محمد الجويني ومن ذكر معه، وهو الحق. بقي علينا الجواب على جوابهم الأول والثاني، فأقول: 1 - إن هذا الجواب ساقط من وجهين: الاول: أن اللفظ الذي احتجوا به «لا ينبغي .. » غير ثابث في الحديث لأنه تفرد به شهر وهو ضعيف كما سبق بيانه. الثاني: هب أنه لفظ ثابت، فلا نسلم أنه ظاهر في غير التحريم، بل العكس هو الصواب، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة، أجتزئ ببعضها: أ-قوله تعالى: {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء} (الفرقان: 18). ب-قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار».رواه أبو داود (2675) من حديث ابن مسعود، والدارمي (2/ 222) من حديث أبي هريرة. ج- «لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا».رواه مسلم. د- «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد .. ».رواه مسلم. هـ- «لا ينبغي لعبد أن يقول: إنه خير من يونس بن متى».رواه البخاري. الثالث: هب أنه ظاهر في غير التحريم، فهو يدل على الكراهة، وهم لا يقولون بها، ففي «شرح مسلم» للنووي: «الصحيح عند أصحابنا أنه لا يحرم ولا يكره».! فالحديث حجة عليهم على كل حال. 2 - إن هذا الجواب كالذي قبله ساقط الاعتبار؛ لأنه لا دليل على التخصيص،

فالواجب البقاء على العموم لا سيما وقد تأيد بفهم الصحابة الذين رووا الحديث أبي بصرة، وأبي هريرة، وابن عمر، وأبي سعيد إن صح عنه- فقد استدلوا جميعاً به على المنع من السفر إلى الطور، وهم أدرى بالمراد منه من غيرهم، ولذلك قال الصنعاني في «سبل السلام» (2/ 251): «وذهب الجمهور إلى أن ذلك غير محرم، واستدلوا بما لا ينهض، وتأولوا أحاديث الباب بتآويل بعيدة، ولا ينبغي التأويل إلا بعد أن ينهض على خلاف ما أولوه الدليل» زاد عقبه «فتح العلام» (1/ 310): «ولا دليل، والأحاديث الواردة في الحث على الزيارة النبوية وفضيلتها ليس فيها الأمر بشد الرحل إليها، مع أنها كلها ضعاف أو موضوعات، لا يصلح شئ منها للاستدلال، ولم يتفطن أكثر الناس للفرق بين مسألة الزيارة وبين مسألة السفر إليها، فصرفوا حديث الباب عن منطوقه الواضح بلا دليل يدعو إليه». قلت: وللغفلة المشار إليها اتهم الشيخ السبكي عفا الله عنا وعنه شيخ الاسلام ابن تيمية بأنه ينكر زيارة القبر النبوي ولو بدون شد رحل، مع أنه كان من القائلين بها، والذاكرين لفضلها وآدابها، وقد أورد ذلك في غير ما كتاب من كتبه الطيبة (¬1) وقد تولى بيان هذه الحقيقة، ورد تهمة السبكي العلامة الحافظ محمد بن عبد الهادي في مؤلف كبير أسماه «الصارم المنكى في الرد على السبكي»: نقل فيه عن ابن تيمية النصوص الكثيرة في جواز الزيارة بدون السفر إليها. وأورد فيه الأحاديث الواردة في فضلها، وتكلم عليها مفصلاً، وبين ما فيها من ضعف ووضع، وفيه فوائد أخرى كثيرة، فقهية وحديثية وتاريخية، حري بكل طالب علم ¬

(¬1) مثل كتابه» مناسك الحج «(3/ 390) من «مجموعة الرسائل الكبرى». [منه].

أن يسعى إلى الاطلاع عليها. ثم إن النظر السليم يحكم بصحة قول من ذهب إلى أن الحديث على عمومه؛ لأنه إذا كان بمنطوقه يمنع من السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة، مع العلم بأن العبادة في أي مسجد أفضل منها في غير المسجد، وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أحب البقاع إلى الله المساجد» حتى ولو كان ذلك المسجد هو المسجد الذي أسس على التقوى ألا وهو مسجد قباء الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «صلاة في مسجد قباء كعمرة»، إذا كان الأمر كذلك فلأن يمنع الحديث من السفر إلى غيرها من المواطن أولى وأحرى، لا سيما إذا كان المقصود إنما هو مسجد بني على قبر نبي أو صالح، من أجل الصلاة فيه والتعبد عنده، وقد علمت لعن من فعل ذلك، فهل يعقل أن يسمح الشارع الحكيم بالسفر إلى مثل ذلك ويمنع من السفر إلى مسجد قباء!؟ والخلاصة: إن ما ذهب إليه أبو محمد الجويني الشافعي وغيره من تحريم السفر إلى غير المساجد الثلاثة من المواضع الفاضلة، هو الذي يجب المصير إليه، فلا جرم اختاره كبار العلماء المحققين المعروفين باستقلالهم في الفهم، وتعمقهم في الفقه عن الله ورسوله أمثال شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله تعالى؛ فإن لهم البحوث والكثيرة النافعة في هذه المسألة الهامة، ومن هؤلاء الافاضل الشيخ ولي الله الدهلوي، ومن كلامه في ذلك ما قال في «الحجة البالغة» (1/ 192): «كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها ويتبركون بها، وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى، فَسَدَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - الفساد، لئلا يلحق غير الشعائر بالشعائر، ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله، والحق عندي أن القبر، ومحل عبادة

ولي من الأولياء والطور كل ذلك سواء في النهي». ومما يحسن التنبيه عليه في خاتمة هذا البحث أنه لا يدخل في النهي السفر للتجارة وطلب العلم، فإن السفر إنما هو لطلب تلك الحاجة حيث كانت لا لخصوص المكان، وكذلك السفر لزيارة الأخ في الله فإنه هو المقصود كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية في «الفتاوي» (2/ 186). 12 - إيقاد السرج عندها. والدليل على ذلك عدة أمور: أولا: كونه بدعة محدثة لا يعرفها السلف الصالح، وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».رواه النسائي وابن خزيمه في «صحيحه» بسند صحيح. ثانيا: أن فيه إضاعة للمال وهو منهي عنه بالنص كما تقدم في المسألة (42ص 64). ثالثا: أن فيه تشبها بالمجوس عباد النار، قال ابن حجر الفقيه في «الزواجر» (1/ 134): «صرح أصحابنا بحرمة السراج على القبر وإن قل، حيث لم ينتفع به مقيم ولا زائر، وعللوه بالإسراف وإضاعة المال، والتشبه بالمجوس، فلا يبعد في هذا أن يكون كبيرة». قلت: ولم يورد بالإضافة إلى ما ذكر من التعليل دليلنا الأول، مع أنه دليل وارد، بل لعله أقوى الادلة؛ لأن الذين يوقدون السرج على القبور إنما يقصدون بذلك التقرب إلى الله تعالى- زعموا، ولا يقصدون الإنارة على المقيم أو الزائر،

بدليل إيقادهم إياها والشمس طالعة في رابعة النهار! فكان من أجل ذلك بدعة ضلالة. فإن قيل: فلماذا لم تستدل بالحديث المشهور الذي رواه أصحاب السنن وغيرهم عن ابن عباس: «لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج». وجوابي عليه: أن هذا الحديث مع شهرته ضعيف الإسناد، لا تقوم به حجة، وإن تساهل كثير من المصنفين فأوردوه في هذا الباب وسكتوا عن علته، كما فعل ابن حجر في «الزواجر»، ومن قبله العلامة ابن القيم في «زاد المعاد»، واغتر به جماهير السلفيين وأهل الحديث فاحتجوا به في كتبهم ورسائلهم ومحاضراتهم، وقد كنت انتقدت ابن القيم من أجل ذلك فيما كنت علقته على كتابه، وبينت علة الحديث مفصلا هناك، ثم في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (رقم 223)، ثم رأيث ابن القيم في «تهذيب السنن» (4/ 342) نقل عن عبد الحق الإشبيلي أن في سند الحديث باذام صاحب الكلبي وهو عندهم ضعيف جداً، وأقره ابن القيم، فالحمد لله على توفيقه. وأما الجملة الأولى من الحديث فصحيحة لها شاهدان من حديث أبي هريرة وحسان بن ثابت أوردتهما في المسألة (119 ص 185،186). وأما الجملة الثانية فهي صحيحة أيضا متواترة المعنى، وقد ذكرت في هذا الفصل في المسألة السابعة سبعة أحاديث صحيحة تشهد لها. 13 - كسر عظامها.

والدليل عليه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن كسر عظم المؤمن ميتاً، مثل كسره حياً».أخرجه أبو داود (2/ 69) وابن ماجه (1/ 492) والطحاوي في «المشكل» (2/ 108) وابن حبان في «صحيحه» (رقم 776 موارد) وابن الجارود في «المنتقى» (ص 551) والدارقطني في «سننه» (367) والبيهقي (4/ 58) وأحمد (6/ 58، 105، 184، 200، 264)) واللفظ له، وأبو نعيم في «الحلية» (7/ 95) والخطيب في «تاريخ بغداد» (12/ 106،13: 120) من طرق عن عمرة عنها. قلت: وبعض طرقه صحيح على شرط مسلم، وقواه النووي في «المجموع» (5/ 300)، وقال ابن القطان: «سنده حسن» كما في «المرقاة» (2/ 380). وله طريقان آخران عن عائشة رضي الله عنها. الأول: عند أحمد (6/ 100): والآخر: عند الدارقطني (367). وله شاهد من حديث أم سلمة، أخرجه ابن ماجه (¬1) وزاد في آخره: «في الاثم». لكن إسناده ضعيف، وهي عند الدارقطني في الحديث الأول في بعض طرقه من الوجه الاول. لكن الظاهر أنها مدرجة في الحديث، فإن في رواية أخرى له بلفظ: «يعني في الاثم». فهذا ظاهر في أن هذه الزياذة ليست من الحديث بل هي من تفسير بعض ¬

(¬1) وعزاه في «الإمام» لمسلم ورد عليه كما في «فيض القدير» و «الإمام» كتاب عظيم جدا في الأحكام لابن دقيق العيد، قال الذهبي: «ولو كمل تصنيفه وتبييضه لجاء في خمسة عشر مجلدا» [منه].

الرواة، ويؤيده رواية لأحمد بلفظ: «قال: يرون أنه في الاثم. قال عبد الرزاق أظنه قول داود». قلت: يعني داود بن قيس، وهو شيخ عبد الرزاق فيه. ومن الظاهر أن هذا التفسير هو المراد من الحديث، وبه جزم الطحاوي وعقد له باباً خاصاًّ في «مشكله»، فليراجعه من شاء. والحديث دليل على تحريم كسر عظم الميت المؤمن، ولهذا جاء في كتب الحنابلة: «ويحرم قطع شئ من أطراف الميت، وإتلاف ذاته، وإحراقه، ولو أوصى به». كذا في «كشاف القناع» (2/ 127)، ونحو ذلك في سائر المذاهب بل جزم ابن حجر الفقيه في «الزواجر» (1/ 134) بأنه من الكبائر، قال: «لما علمت من الحديث أنه ككسر عظم الحي». وبالغت الحنابلة في ذلك حتى قالوا كما في «الكشاف» (2/ 130): «وإن ماتت حامل بمن يرجى حياته حرم شق بطنها من أجل الحمل، مسلمة كانت أو ذمية، لما فيه من هتك حرمة متيقنة، لابقاء حياة موهومة، لأن الغالب والظاهر أن الولد لا يعيش، واحتج أحمد على ذلك في رواية أبي داود بما روت عائشة ... ».قلت.: ثم ذكر الحديث ونص أبي داود في «المسائل» (ص 150): «سمعت أحمد سئل عن المرأة تموت والولد يتحرك في بطنها أيشق عنها؟ قال: لا، كسر عظم الميت ككسره حيا».وعلق عليه السيد محمد رشيد رضا فقال: «والاستدلال به على ترك الجنين الحي في بطن أمه يموت مطلقاً فيه غرابة من وجهين: أحدهما: أن شق البطن ليس فيه كسر عظم للميت. وثانيهما: أن الجنين إذا

كان تام الخلق، وأخرج من بطن أمه بشقه فإنه قد يعيش كما وقع مرارا، فههنا يتعارض إنقاذه، وحفط حياته، مع حفظ كرامة أمه بناء على أن شق البطن ككسر العظم. ولا شك أن الأول أرجح، على أن شق البطن بمثل هذا السبب لا يعد إهانة للميت كما هو ظاهر في عرف الناس كلهم. فالصواب قول من يوجب شق البطن وإخراجه إذا رجح الطبيب حياته بعد خروجه، وقد صرح بهذا بعضهم».وقال في «منار السبيل» (1/ 178): وإن خرج بعضه حياً شق للباقي لتيقن حياته بعد أن كانت متوهمة. قلت: وما اختاره السيد رحمه الله تعالى هو الأصح عند الشافعية كما قال النووي (5/ 301) وعزاه لقول أبي حنيفة وأكثر الفقهاء، وهو مذهب ابن حزم (5/ 166 - 167) وهو الحق إن شاء الله تعالى. ويستفاد من الحديث: 1 - حرمة نبش قبر المسلم لما فيه من تعريض عظامه للكسر، ولذلك كان بعض السلف يتحرج من أن يحفر له في مقبرة يكثر الدفن فيها، قال الإمام الشافعي في «الأم» (1/ 245): «أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ما أحب أن أدفن بالبقيع! لأن أدفن في غيره أحب ألي، إنما هو أحد رجلين، إما ظالم، فلا أحب أن أكون في جواره، وإما صالح فلا أحب أن ينبش في عظامه، قال: وإن أخرجت عظام ميت أحببت أن تعاد فتدفن».وقال النووي في «المجموع» (5/ 303) ما مختصره: «ولا يجوز نبش القبر لغير سبب شرعي باتفاق الأصحاب، ويجوز بالأسباب الشرعية كنحو ما سبق (في المسألة 109)، ومختصره: أنه يجوز نبش القبر إذا بلى الميت وصار تراباً، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه، ويجوز زرع تلك الأرض وبناؤها، وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها باتفاق الأصحاب، وهذا كله إذا لم يبق للميت

أثر من عظم وغيره، ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض. ويعتمد فيه قول أهل الخبرة بها»: قلت: ومنه تعلم تحريم ما ترتكبه بعض الحكومات الإسلامية من درس بعض المقابر الإسلامية ونبشها من أجل التنظيم العمراني، دون أي مبالاة بحرمتها، أو اهتمام بالنهي عن وطئها وكسر عظامها ونحو ذلك. ولا يتوهمن من أحد، أن التنظيم المشار إليه يبرر مثل هذه المخالفات، كلا، فإنه ليس من الضروريات، وإنما هي من الكماليات التي لا يجوز بمثلها الاعتداء على الأموات، فعلى الأحياء أن ينظموا أمورهم، دون أن يؤذوا موتاهم. ومن العجائب التي تلفت النظر، أن ترى هذه الحكومات تحترم الأحجار والأبنية القائمة على بعض الموتى أكثر من احترامها للأموات أنفسهم، فإنه لو وقف في طريق التنظيم المزعوم بعض هذه الأبنية من القباب أو الكنائس ونحوها تركتها على حالها، وعدلت من أجلها خارطة التنظيم إبقاء عليها؛ لأنهم يعتبرونها من الآثار القديمة! وأما قبور الموتى أنفسهم فلا تستحق عندهم ذلك التعديل! بل إن بعض تلك الحكومات لتسعى فيما علمنا-إلى جعل القبور خارج البلدة، والمنع من الدفن في القبور القديمة- وهذه مخالفة أخرى في نظري؛ لأنها تفوت على المسلمين سنة زيارة القبور؛ لأنه ليس من السهل على عامة الناس أن يقطع المسافات الطويلة حتى يتمكن من الوصول إليها، ويقوم بزيارتها والدعاء لها! والحامل على هذه المخالفات- فيما أعتقد- إنما هو التقليد الأعمى لأوروبا المادية الكافرة، التي تريد أن تقضي على كل مظهر من مظاهر الإيمان بالآخرة، وكل ما يذكر بها، وليس هو مراعاة القواعد الصحية كما يزعمون، ولو كان ذلك صحيحا لبادروا إلى محاربة الأسباب التي لا يشك عاقل في ضررها مثل بيع الخمور وشربها، والفسق والفجور على اختلاف أشكاله وأسمائه، فعدم اهتمامهم

بالقضاء على هذه المفاسد الظاهرة، وسعيهم إلى إزالة كل ما يذكر بالآخرة وإبعادها عن أعينهم أكبر دليل على أن القصد خلاف ما يزعمون ويعلنون، وما تكنه صدورهم أكبر. 2 - أنه لا حرمة لعظام غير المؤمنين، لإضافة العظم إلى المؤمن في قوله: «عظم المؤمن»، فأفاد أن عظم الكافر ليس كذلك، وقد أشار إلى هذا المعنى الحافظ في «الفتح» بقوله: «يستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته» (¬1). ومن ذلك يعرف الجواب عن السؤال الذي يتردد على ألسنة كثير من الطلاب في كليات الطب، وهو: هل يجوز كسر العظام لفحصها وإجراء التحريات الطبية فيها؟ والجواب: لا يجوز ذلك في عظام المؤمن، ويجوز في غيرها، ويؤيده ما يأتي في المسألة التالية: 129 - ويجوز نبش قبور الكفار؛ لأنه لا حرمة لها كما دل عليه مفهوم الحديث السابق، ويشهد له حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا متقلدي السيوف كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على راحلته وأبو بكر ردفه، وملأ من بني النجار حوله، حتى أتى بفناء أبي أيوب، كان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، وكان أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ من بنى النجار، فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، قال: فكان فيه ¬

(¬1) ذكره في «الفيض» (4/ 551) [منه].

قبور المشركين، وخرب ونخل، فأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقبور المشركين فنبشت، ثم بالحزب فسويت، وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعل عضاديته الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - معهم، وهو يقول، [وهو ينقل اللبن: هذا الحمال (¬1) لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر] اللهم لا خير إلا خير الاخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة. وفي رواية من حديث عائشة رضي الله عنها: اللهم إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة). أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أنس، والسياق له، والبخاري من حديث عائشة، وما بين القوسين من حديثها، وقد أخرجت الحديثين في «الثمر المستطاب». قال الحافظ في «الفتح»: «وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع، وجواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة، وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها وجواز بناء المساجد في أماكنها». «أحكام الجنائز» (ص259 - 301) وانظره ملخصًا في «تلخيص أحكام الجنائز» (ص84 - 94). ¬

(¬1) بالكسر من الحمل، والذي يحمل من خيبر التمر، أي أن هذا في الآخرة أفضل من ذاك وأحمد عاقبة، كأنه جمع حَمِل «بكسر الميم» أو حَمَل «بفتح الميم»، ويجوز أن يكون مصدر حمل أو حامل، كما في «النهاية». [منه].

[168] باب بدع زيارة القبور

[168] باب بدع زيارة القبور [قال الإمام]: بدع زيارة القبور (¬1): 1 - زيارة القبور بعد الموت ثالث يوم ويسمونه الفرق، وزيارتها على رأس أسبوع، ثم في الخامس عشر، ثم في الاربعين، ويسمونها الطلعات، ومنهم من يقتصر على الأخيرتين. «نور البيان في الكشف عن بدع آخر الزمان» (ص 53 - 54) (¬2). 2 - زيارة قبر الأبوين كل جمعة. والحديث الوارد فيه موضوع. 3 - قولهم إن الميت إذا لم يخرج إلى زيارته ليلة الجمعة بقي خاطره مكسورا بين الموتي ويزعمون أنه يراهم إذا خرجوا من سور البلد. (المدخل 3/ 277). 4 - قصد النساء الجامع الأموي غلس السبت إلى الضحى لزيارة المقام اليحيوي وزعمهم أن الدأب على هذا العمل أربعين سبتا لما ينوى له! «إصلاح المساجد» (230). 5 - قصد قبر الشيخ ابن عربي أربعين جمعة بزعم قضاء الحاجة! 6 - زيارة القبور يوم عاشوراء. «المدخل» (1/ 290). 7 - زيارتها ليلة النصف من شعبان وايقاد النار عندها. «تلبيس ابليس» (429) «المدخل» (1/ 310). 8 - ذهابهم إلى المقابر في يومي العيدين ورجب وشعبان ورمضان. «السنن» (104). ¬

(¬1) ترقيم المسائل من عملي. (¬2) هذا عزو من الشيخ إلى مرجع المسألة.

9 - زيارتها يوم العيد. «المدخل» 1/ (286)، «الإبداع» (135)، «السنن» (71). 10 - زيارتها يوم الاثنين والخميس. 11 - وقوف بعض الزائرين قليلا بغاية الخشوع عند الباب كأنهم يستأذنون! ثم يدخلون «الإبداع» (99). 12 - الوقوف أمام القبر واضعاً يديه كالمصلي ثم يجلس. (منه). 13 - التيمم لزيارة القبر. 14 - صلاة ركعتين عند الزيارة يقرأ في كل ركعة الفاتحة وآية الكرسي مرة، وسورة الإخلاص ثلاثاً، ويجعل ثوابها للميت! (¬1). 15 - قراءة الفاتحة للموتى. «تفسير المنار» (8/ 268). 16 - قراءة (يس) على المقابر (¬2). 17 - قراءة [قل هو الله أحد] إحدى عشرة مرة ... 18 - الدعاء بقوله: اللهم إني أسألك بحرمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -! أن لاتعذب هذا الميت (¬3). ¬

(¬1) ذكره في (شرح الشرعة) (ص 570) بقوله: (والسنة في الزيارة أن يبدأ فيتوضأ ويصلي ركعيتن يقرأ في كل ركعة ... الخ)! وليس في السنة شيء من هذا بل فيها تحريم قصد الصلاة عند القبور ... [منه]. (¬2) وحديث: «من دخل المقابر فقرأ سورة (يس) خفف الله عنهم وكان لهم بعدد ما فيها حسنات» لا أصل في شئ من كتب السنة، والسيوطي لما أورده في «شرح الصدور» (ص 130) لم يزد في تخريجه على قوله: «أخرجه عبد العزيز صاحب الخلال بسنده عن أنس»! ثم وقفت على سنده فإذا هو إسناد هالك كما حققته في «الأحاديث الضعيفة» (1291). [منه]. (¬3) أورده البركوي في «أحوال أطفال المسلمين» (ص 229) فقال: «وفي الخبر: من زار قبر مؤمن وقال: اللهم اني أسألك ... الخ رفع الله عنه العذاب إلى يوم ينفخ في الصور»! وهذا حديث باطل لا أصل له في شئ من كتب السنة ولا أدري كيف استجاز البركوي رحمه الله نقله دون عزوه لأحد من المحدثين مع ما فيه من التوسل المبتدع والمحرم والمكروه تحريماً عنده كما قرر ذلك في رسالته المذكورة (ص 352). [منه].

19 - السلام عليها بلفظ: «عليكم السلام» بتقديم «عليكم» على «السلام» (والسنة عكس ذلك كما في جميع الأحاديث الواردة في الباب (¬1). 20 - القراءة على مقابر أهل الكتاب: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا، قل: بلى وربي لتبعثن} الآية (¬2). 21 - الوعظ على المنابر والكراسي في المقابر في الليالي المقمرة. «المدخل» (1/ 268). 22 - الصياح بالتهليل بين القبور (¬3). 23 - تسمية من يزور بعض القبور حاجا! (¬4). ¬

(¬1) وشبهة القائل بهذه البدعة ومنهم شارح «الشرعة» (ص 750): حديث جابر بن سليم قال: لقيت رسول اللهص ... فقلت عليك السلام، فقال: عليك السلام تحية الميت .. ! الحديث. أخرجه أبو داود (2/ 179) والترمذي (2/ 120 طبع بولاق) والحاكم (4/ 186) وصححه ووافقة الذهبي وهو كما قالا. قال الخطابي: (وإنما قال ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة منهم في تحية الاموات- يعني في الجاهلية-- إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم كقول الشاعر: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما فالسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات. وأيده ابن القيم في «التهذيب» وعلي القارئ في «المرقاة» (2/ 406 و479) فراجعهما. [منه]. (¬2) استحبه في «شرح الشرعة» (ص 568) ولا أصل له في السنة، بل فيها خلافه فراجع (المسألة 125). [منه]. (¬3) لقد رأيت ذلك من أحدهم غير مرة يقف صباح كل يوم قبيل طلوع الشمس قائما على قبر. فجمع بين محرم وبدعة!! [منه]. (¬4) قال شيخ الإسلام في «الاختيارات» (181): «ويعزر من يسمي من زار القبور والمشاهد حاجا إلا أن يسمى حاجا بقيد كحج الكفار والضالين، ومن سمى زيارة ذلك حجا أو جعل له مناسك فانه ضال مضل وليس لأحد أن يفعل في ذلك ما هو من خصائص حج البيت». [منه].

24 - إرسال السلام إلى الأنبياء عليهم السلام بواسطة من يزورهم! 25 - انصراف النساء يوم الجمعة لمزارات في الصالحية (بدمشق) وشاركهن في ذلك الرجال على طبقاتهم. «إصلاح المساجد» (231). 26 - زيارة آثار الأنبياء التي بالشام مثل مغارة الخليل عليه السلام، والآثار الثلاثة التي بجبل قاسيون في غربي الربوة. «تفسير الإخلاص» (169). 27 - زيارة قبر الجندي المجهول أو الشهيد المجهول! 28 - إهداء ثواب العبادات كالصلاة وقراءة القرآن إلى أموات المسلمين. (راجع التعليق على المسألة 117 (ص 173). 29 - إهداء ثواب الأعمال إليه - صلى الله عليه وآله وسلم -. «القاعدة الجليلة (32،111)،» الاختيارات العلمية» (54)، «شرح عقيدة الطحاوي» (386 - 387) «تفسير المنار» (8/ 249، 254، 270، 304 - 308). 30 - إعطاء أجرة لمن يقرأ القرآن ويهديه للميت. «فتاوى شيخ الإسلام» (354). 31 - قول القائل: إن الدعاء يستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين (الفتاوى). 32 - قصد القبر للدعاء عنده رجاء الاجابة. «الاختيارات العلمية» (50). 33 - تغشية قبور الأنبياء والصالحين وغيرهم (¬1). (منه 55)، «المدخل» (3/ 278)، «الإبداع» (95 - 96). ¬

(¬1) وفي حاشية ابن عابدين (1/ 839) أن ذلك مكروه. يعني كراهة تحريم. [منه].

34 - اعتقاد بعضهم أن القبر الصالح إذا كان في قرية أنهم ببركته يرزقون وينصرون، ويقولون: إنه خفير البلد، كما يقولون: السيدة نفيسة خفيرة القاهرة، والشيخ رسلان خفير دمشق وفلان وفلان خفراء بغداد وغيرها. «الرد على الاخنائي» (82). 35 - اعتقادهم في كثير من أضرحة الأولياء اختصاصات كاختصاصات الاطباء، فمنهم من ينفع في مرض العيون، ومنهم من يشفي من مرض الحمى .. «الإبداع» (266). 36 - قول بعضهم: قبر معروف الترياق المجرب، «الرد على البكري» (232 - 233). 37 - قول بعض الشيوخ لمريده: إذا كانت لك إلى الله حاجة فاستغث بي أو قال: استغث عند قبري. (منه). 38 - تقديس ما حول قبر الولي من شجر وحجر واعتقاد أن من قطع شيئاً من ذلك يصاب بأذى. 39 - قول بعضهم: من قرأ آية الكرسي واستقبل جهة الشيخ عبد القادر الجيلاني وسلم عليه سبع مرات يخطو مع كل تسليمة خطوة إلى قبره قضيت حاجته! «الفتاوى (4/ 309). 40 - رش الماء على قبر الزوجة المتوفاة عن زوجها الذي تزوج بعدها زاعمين أن ذلك يطفئ حرارة الغيرة! «الإبداع» (265). 41 - السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين. «الفتاوى» (1/ 118،122، 4/ 315)، «مجموعة الرسائل الكبرى» (3952)، «الرد على البكري» (233) «الإبداع» (100 - 101)، «الرد على الاخنائي» (45،123،

124،124،219،384) (وراجع المسألة 128/ 11). 42 - الضرب بالطبل والأبواق والمزامير والرقص عند قبر الخليل عليه السلام تقربا إلى الله. «المدخل» (4/ 246). 43 - زيارة الخليل عليه السلام من داخل البناء. (منه 4/ 245). 44 - بناء الدور في القبور والسكن فيها. (منه 1/ 251 - 252). 45 - جعل الرخام أو ألواحاً من الخشب عليها. (منه 3/ 272، 273). 46 - جعل الدرابزين على القبر. (منه 3/ 272). 47 - تزيين القبر. «شرح الطريقة المحمدية» (1/ 114، 115). 48 - حمل المصحف إلى المقبرة والقراءة منه على الميت. «تفسير المنار» (عن أحمد8/ 267). 49 - جعل المصاحف عند القبور لمن يقصد قراءة القرآن هناك. «الفتاوى» (1/ 174)، «الاختيارات» (53). 50 - تخليق حيطان القبر وعمده. «الباعث لأبي شامة» (14). 51 - تقديم عرائض الشكاوى وإلقاؤها داخل الضريح زاعمين أن صاحب الضريح يفصل فيها «الإبداع» (98)، «القاعدة الجليلة» (14). 52 - ربط الخرق على نوافذ قبور الأولياء ليذكروهم ويقضوا حاجتهم. 53 - دق زوار الأولياء توابيتهم وتعلقهم بها. «الإبداع» (100). 54 - إلقاء المناديل والثياب على القبر بقصد التبرك. (المدخل 1/ 263). 55 - امتطاء بعض النسوة على أحد القبور واحتكاكها بفرجها عليه لتحبل! 56 - استلام القبر وتقبيله. «الاقتضاء» (176)، «الاعتصام» (2/ 134، 140)، «إغاثة اللهفان» لابن القيم (1/ 194)، «البركوى في أطفال

المسلمين» (234)، «الباعث» (70)، «الإبداع» (90) (¬1). 57 - إلصاق البطن والظهر بجدار القبر. «الباعث» (70). 58 - إلصاق بدنه أو شئ من بدنه بالقبر، أو بما يجاور القبر من عود ونحوه. «الفتاوى» (4/ 310). 59 - تعفير الخدود عليها. «الإغاثة» (1/ 194 - 198). 60 - الطواف بقبور الانبياء والصالحين. «مجموعة الرسائل الكبرى» (2/ 372)، «الإبداع» (90). 61 - التعريف عند القبر، وهو قصد قبر بعض من يحسن به الظن يوم عرفة والاجتماع العظيم عند قبره كما في عرفات. «الاقتضاء» (148). 62 - الذبح والتضحية عنده. (منه 182)، «الاختيارات» (53)، «نور البيان» (72). 63 - تحري استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح وقت الدعاء. «الاقتضاء» (175) «الرد على البكري» (266). 64 - الامتناع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين (منه). 65 - قصد قبور الانبياء والصالحين للدعاء عندهم رجاء الاجابة (¬2) «القاعدة الجليلة» (17، 126 - 127) «الرد على البكري» (27 - 57) «الرد على ¬

(¬1) وقد أنكر ذلك الغزالي في «الإحياء» (1/ 244) وقال: «إنه عادة النصارى واليهود».وراجع المسألة (124 ص 195). [منه]. (¬2) قال في «الإغاثة» (1/ 218) وغيرها: «والحكاية المنقولة عن الشافعي: أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر».وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (4/ 310، 311، 318): «ويقرب من ذلك تحري الصلاة والدعاء قبلي شرقي جامع دمشق عند الموضع الذي يقال أنه قبر هود، والذي عليه العلماء أنه قبر معاوية بن أبي سفيان. أو عند المثال الخشب الذى تحته رأس يحيي بن زكريا».

الأخنائي» (24) «الاختيارات العلمية» (50) «الإغاثة» (2011 - 202 - 217). 66 - قصدها للصلاة عندها. (الرد على الاخنائي 124، الاقتضاء 139). 67 - قصدها للصلاة إليها. (الرد على البكري71 القاعدة الجليلة 125 - 126، الاغاثة1/ 194 - 198 الخادمي على الطريقة 4/ 322). 68 - قصدها للذكر والقراءة والصيام والذبح. (الاقتضاء181،154). 69 - التوسل إلى الله تعالى بالمقبور. (الإغاثة 1/ 201 - 202، 217، السنن 10). 70 - الإقسام به على الله. (تفسير سورة الإخلاص لابن تيمية 174). 71 - أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين: ادع الله أو أسأل الله تعالى (القاعدة 124،زيارة القبور له108، 109،الرد على البكري57). 72 - الاستغاثة بالميت منهم كقولهم: يا سيدي فلان أغثني أو انصرني على عدوي (القاعدة 14، 17، 124، الرد على البكري 30 - 31، 38، 56، 144، السنن 124). 73 - اعتقاد أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى! (السنن 118). 74 - العكوف عند القبر والمجاورة عنده. (الاقتضاء 183، 210). 75 - الخروج من زيارة المقابر التي يعظمونها على القهقرى! (المدخل 4/ 238، السنن69). 76 - قول بعض المدروشين الوافدين إلى المدن لخصوص زيارة قبور من بها من الأولياء والأموات عند إرادة الأوبة إلى بلادهم: الفاتحة لجميع سكان هذه البلدة سيدي فلان وسيدي فلان، ويسميهم ويتوجه إليهم ويشير ويمسح وجهه! (منه 69).

77 - قولهم: السلام عليك يا ولي الله، الفاتحة زيادة في شرف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والأربعة الأقطاب والأنجاب والأوتاد وحملة الكتاب والأغواث! وأصحاب السلسلة وأصحاب التعريف والمدركين بالكون وسائر أولياء الله على العموم كافة جمعاً يا حي يا قيوم، ويقرأ الفاتحة ويمسح وجهه بيديه وينصرف بظهره! (منه). 78 - رفع القبر والبناء عليه. (الاقتضاء 63 تفسير سورة الإخلاص 170 سفر السعادة 57.شرح الصدور للشوكاني 66 شرح الطريقة المحمدية 1/ 114، 115). 79 - التوصية بأن يبنى على قبره بناء. (الخادمي على الطريقة المحمدية 4/ 326). 80 - تجصيص القبور. (الاغاثة 1/ 196 - 198، الخادمي على الطريقة 4/ 324). 81 - نقش اسم الميت وتاريخ موته على القبر. (المدخل 3/ 272،الذهبي في تلخيص المستدرك، الإغاثة (1/ 198 196)، الخادمي على الطريقة 4/ 322، الإبداع 95، المسألة 128 فقرة 1 - 6). 82 - بناء المساجد والمشاهد على القبور والآثار. (تفسير سورة الإخلاص 192، الاقتضاء 6، 158، الرد على البكري 233، الإبداع 99). 83 - اتخاذ المقابر مساجد بالصلاة عليها وعندها. (الإبداع 9، الفتاوى2/ 186، 178، 4/ 311، الاقتضاء 52، راجع المسألة 128 فقرة 8 و9). 84 - دفن الميت في المسجد، أو بناء مسجد عليه. (إصلاح المساجد 181،المسألة 128فقرة9). 85 - استقبال القبر في الصلاة مع استدبار الكعبة! (الاقتضاء 218).

86 - اتخاذ القبور عيداً. (منه 148،الإغاثة 1/ 190 - 193، الإبداع 85 - 90 وراجع الفقرة10 من المسألة 128). 87 - تعليق قنديل على القبر ليأتوه فيزورونه. (المدخل 3/ 273، 278، الاغاثة 194 - 198، الطريقة المحمدية 4/ 236، الإبداع 88، المسألة المشار إليها آنفا فقرة) (ل). 88 - نذر الزيت والشمع لإسراج قبر أو جبل أو شجرة. (الاصلاح232 - 233والاقتضاء 151). 89 - قصد أهل المدينة زيارة القبر النبوي كلما دخلوا المسجد أو خرجوا منه. (الرد على الاخنائي24،150 - 151،156،217،218، الشفافي حقوق المصطفى للقاضي عياض (2/ 79)،المسألة المتقدمة فقرة10) (¬1). 90 - السفر لزيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم -. (انظر البدعة رقم 172) العلامة. 91 - زيارته - صلى الله عليه وآله وسلم - في شهر رجب. 92 - التوجه إلى جهة القبر الشريف عند دخول المسجد والقيام فيه بعيداً عن القبر بغاية الخشوع واضعا يمينه على يساره كأنه في الصلاة! (¬2) (انظر البدعة 194). 93 - سؤاله - صلى الله عليه وآله وسلم - الاستغفار وقراءة آية [ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم] الاية. (الرد على الاخنائي 164، 165، 216، السنن 68). 94 - التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم -.انظر البدع 200 - 203. ¬

(¬1) وقد كره مالك ذلك فقال: «لم يبلغني عن أول هذه الامة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده».كذا نقله القاضي عياض. [منه]. (¬2) وقد رأيت ذلك سنة 68 فقف شعري لكثرة من يفعل ذلك سيما من الغرباء. [منه].

95 - الإقسام به على الله تعالى. 96 - الاستغاثة به من دون الله تعالى. 97 - قطعهم شعورهم ورميها في القنديل الكبير القريب من التربة النبوية. (الإبداع في مضار الابتداع 166، الباعث 70). 98 - التمسح بالقبر الشريف. (المدخل 1/ 263 السنن 69، الإبداع 166). 99 - تقبيله. (منهما). 100 - الطواف به (مجموعة الرسائل الكبرى2/ 10،13، المدخل1/ 263، الإبداع 166،السنن 69، الباعث 70 (¬1). 101 - إلصاق البطن والظهر بجدار القبر الشريف (الإبداع166،الباعث70). 102 - وضع اليد على شباك حجرة القبر الشريف وحلف أحدهم بذلك بقوله: وحق الذي وضعت يدك على شباكه وقلت: الشفاعة يا رسول الله! 103 - إطالة القيام عند القبر النبوي للدعاء لنفسه مستقبلاً، الحجرة. (القاعدة الجليلة 125 الرد على البكري 125، 232، 282، مجموعة الرسائل الكبرى 2/ 391). 104 - تقربهم إلى الله بأكل التمر الصيحاني في الروضة الشريفة بين القبر والمنبر. (الباعث70 الإبداع 166). 105 - الاجتماع عند قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لقراءة ختمة وإنشاد قصائد. (مجموعة الرسائل الكبرى 2/ 398). 106 - الاستسقاء بالكشف عن قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو غيره من الانبياء والصالحين (¬2). (الرد على البكري 29). ¬

(¬1) ونقل عن ابن الصلاح أنه قال: «ولا يجوز أن يطاف بالقبر الشريف». [منه]. (¬2) قلت: وأما ما روى أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت: أنظروا قبر النبيص فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال: ففعلوا فمطرنا مطراً حتى نبت العشب، وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق «فلا يصح، أخرجه الدارمي في» سننه «(1/ 43 - 44) وفيه أبو النعمان وهو محمد بن الفضل المعروف بعارم وقد كان اختلط في آخر عمره كما قال العقيلي وغيره من أهل الحديث. وقال شيخ الاسلام في الرد على البكري (ص 68):» وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر؛ فليس بصحيح ولا يثبت إسناده. قال: ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان بعضه باقياً كما كان على عهد النبيص، بعضه مسقوف وبعضه مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه كما ثبت في الصحيحين عنها أن النبيص كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء بعد «.

107 - إرسال الرقاع فيها الحوائج إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. 108 - قول بعضهم: انه ينبغي أن لا يذكر حوائجه ومغفرة ذنوبه بلسانه عند زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأنه أعلم منه بحوائجه ومصالحه! (¬1). 109 - قوله: لا فرق بين موته - صلى الله عليه وآله وسلم - وحياته في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وتحسراتهم وخواطرهم! (¬2). «أحكام الجنائز» (324 - 336)، وانظره ملخصًا في «تلخيص أحكام الجنائز» (ص105 - 111). ¬

(¬1) ومما يؤسف له أن هذه البدعة واللتين بعدها قد نقلتها من «كتاب المدخل» لابن الحاج (1/ 259، 264) حيث أوردها مسلما بها كأنها من الأمور المنصوص عليها في الشريعة! وله من هذا النحو أمثلة كثيرة سبق بعضها دون التنبيه على أنها منه، وسنذكر قسماً كبيراً منها في الكتاب الخاص بالبدع إن شاء الله تعالى، وقد تعجب من ذلك لما عرف أن كتابه هذا مصدر عظيم في التنصيص على مفردات البدع وهذا الفصل الذي ختمت به الكتاب شاهد عدل على ذلك، ولكنك إذا علمت أنه كان في علمه مقلدا لغيره، ومتأثرا إلى حد كبير بمذاهب الصوفية وخزعبلاتها يزول عنك العجب وتزداد يقيناً على صحة قول مالك: «ما منا من أحد إلا رد ورد عليه الاصاحب هذا القبر» - صلى الله عليه وآله وسلم -. (¬2) قال شيخ الاسلام في «الرد على البكري» (ص 31)، «ومنهم من يظن أن الرسول أو الشيخ يعلم ذنوبه وحوائجه وإن لم يذكرها وأنه يقدر على غفرانها وقضاء حوائجه ويقدر على ما يقدر الله، ويعلم ما يعلم الله، وهؤلاء قد رأيتهم وسمعت هذا منهم وعنهم شيوخ يقتدى بهم، ومفتين وقضاة ومدرسين! «والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

[169] باب حد الزيارة الشرعية للقبور، وكيفية السلام على الموتى؟

[169] باب حد الزيارة الشرعية للقبور، وكيفية السلام على الموتى؟ سؤال: يا شيخ! ما هو القول الفصل في زيادة النساء للقبور؟ الشيخ: هن شقائق الرجال، هذا هو القول الفصل. مداخلة: فما هي الزيارة الشرعية للرجال أنفسهم؟ الشيخ: معروف: هو السلام على الموتى بالسلام المشروع، والاعتبار بهم، وكفى الله المؤمنين القتال. مداخلة: ما حكم يعني من يقف عند قبر معين ويقول: هذا فلان وفلان ويكون مع مجموعة من الناس، ويقول السلام عليك يا سيدنا فلان .. السلام عليك يا سيدنا فلان .. السلام عليك ... الشيخ: لا، هذا ليس وارد. "لقاءات المدينة" (1/ 00:34:04) [170] باب هل يصح شيء في النهي عن زيارة القبور ليلاً للرجال؟ سؤال: هل يصح شيء في النهي عن لزيارة القبور ليلاً للرجال؟ الشيخ: لا، لا يصح أي شيء، زيارة القبور يجوز ليلاً نهاراً، في أي وقت شاء الزائر، دون تخصيص وقت للزيارة، كما يفعل بعض الناس ببعض المواسم والأعياد، هذا لا أصل له في السُّنة، والرسول عليه السلام قد ثبتت زيارته للبقيع ليلاً، فلا فرق في النهار أو في الليل كانت الزيارة. "الهدى والنور" (12/ 19:90: 00)

[171] باب هل زيارة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للمقبرة ليلا خاص به؟

[171] باب هل زيارة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للمقبرة ليلاً خاص به؟ سؤال: هل زيارة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - المقبرة ليلاً خاص به عليه الصلاة والسلام؟ الشيخ: لا ليس خاصاً به. "الهدى والنور" (2/ 56: 10: 00) [172] باب الرد على القول بتحريم زيارة النساء للقبور سؤال: حديث: «لعن الله زائرات القبور» هو هذا الحديث شيخنا له طريقان: طريق عن أبي هريرة وعن ابن عباس فيهما ضعف، بعض أهل العلم نزع منزعاً في مبنى الكلام، مبنى الحديث إلى تصحيحه، بحديث: «لعن الله زوارات القبور». الشيخ: كيف ذلك؟ مداخلة: أقرأ لك ما قال؟ الشيخ: تفضل. مداخلة: يقول: مع أن رواية: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - زوارات القبور» هي بمعنى زائرات؛ لأن زوارات بضم الزاي المعجمة زُوارات كما قاله الجلال المحلي في شرح المنهاج والسيوطي، وأقره السندي والمناوي وصاحب «تنقيح الرواة شرح المشكاة»، قال هؤلاء: المشهور على الألسنة ضم الزاي من زُوارات، جمع زوار، جمع زائرة سماعاً، وزائر قياساً، وقيل: زُوارات للمبالغة، فلا يقتضي وقوع اللعن على وقوع الزيارة إلا نادراً. ونوزع بأنه إنما قابل المقابلة بجميع القبور، ومن ثم جاء في رواية أبي داود زائرات بلا مبالغة، فعلى هذا الضبط فهي بمعنى: زائرات، لا للمبالغة كما ظنه كثير

من طلبة العلم، فصيغة المبالغة بفتح الزاي لا بضمها، كما أن الصيغة الدالة على النسب بالفتح كقوله عز وجل: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (فصلت: 46)، وذلك معلوم عند أهل التصريف، قال ابن مالك في ألفيته: فعال فعال أو مفعال أو فعول بكسرة عن فاعل بديل وقال في النسب: ومع فاعل وفعال فعل في نسب أغنى عن الياء فقبل. فيقول معنى زوارات القبور ذوات زيارة القبور على أن الصيغة للنسب، فاتفقت الروايتان على منع النساء من زيارة القبور مطلقاً .. إلى آخره. الشيخ: الجواب الذي يبدو لي من ناحيتين: الأولى: قوله المشهور على الألسنة ليس يعني المشهور والصحيح في الرواية، ولذلك فالذي ينبغي هنا هو التثبت من رواية الحديث عن أهل الحديث، هل هو (زَوارات) أم هو (زُوارات) كونه المشهور على الألسنة (زُوارات) هذا ليس حجة، وفي ظني لو كانت الرواية (زُوارات) لما قال مشهورة على الألسنة، وكلمة المشهور على الألسنة مقتبسة من مثل كتاب «المقاصد الحسنة في بيان ما اشتهر على الألسنة»، هذا الاشتهار على الألسنة ليس له قيمة علمية يبنى عليها حكم شرعي. هذا الجواب رقم (واحد) فيما بدا لي. الثانية: هب أنه ثبت أن كل من الروايتين (زائرات) و (زُوارات) و (زَوارات) بمعنى واحد، بمعنى الرواية المشهورة تماماً، ونحن نعني ما نقول. الرواية المشهورة (زَائرات) لكنها ضعيفة السند، هب أن الروايات كلها تلتقي

بعد التمحيص والتحقيق على أنها بمعنى زائرات القبور، حينئذ نقول: هذا النص بلا شك يكون نصاً محرماً لزيارة النساء للقبور، والقاعدة التي نحن نركن إليها في كثير من مثل هذا التعارض ودفعه، هو أنه إذا تعارض حاظر ومبيح، قدم الحاضر على المبيح، لكن هنا يوجد ما يمنع من تطبيق هذا القاعدة ويحملنا على قلبها رأساً على عقب، لنقول أن هذا النهي أو هذا التحريم على النساء لزيارة القبور هو أخو التحريم العام الذي كان في أول الإسلام، نهاهم عن زيارة القبور، ثم رخص لهم بها، فقال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها». وسمعتم ولا شك منا مراراً أننا نقول للذين يحتجون بهذا الحديث لتحريم زيارة القبور للنساء، نحن نقول: قوله عليه السلام: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور» لا شك ولا ريب أن الخطاب موجه في هذا الحديث للجنسين الذكر والأنثى، لا يستطيع أحد أبداً أن يقول: كنت نهيتكم معشر الرجال عن زيارة القبور، هذا أمر بائن ظاهر خطؤه. إذا الأمر كذلك وهو من المسلمات التي لا تقبل الجدل أبداً، ننتقل إلى الخطوة الثانية: «ألا فزوروها» المخاطب هو عين المخاطب هناك في النهي. كنت نهيتكم معشر الرجال والنساء عن زيارة القبور، ألا فزوروها معشر الرجال والنساء. إذاً: لعن الله زائرات القبور مقترن مع النهي العام، فهذا جزء من أجزاء النهي العام. هذا الجواب رقم واحد. والجواب رقم اثنين: الحديث الذي نستشهد به على خلاف ما يذهبون إليه

من قصة السيدة عائشة في نوبة الرسول عليه السلام في البيات عندها، وأن الرسول عليه السلام كان نائماً بجانبها، فانسل من فراشها انسلالاً، وفتح الباب برفق، وخرج، فهي كامرأة غيرة وبشر، حدثتها نفسها أين سيذهب في هذا الليل، فهو يمشي عليه السلام وهي تمشي خلفه، حتى وصل إلى البقيع، وهناك وقف الرسول عليه السلام يدعو لأهل البقيع، ثم أدبر، قالت: فأدبرت، وأسرع فأسرعت، حتى دخلت الحجرة وامتدت على فراشها، وسرعان ما دخل خلفها الرسول عليه السلام كأنه رأى خيالاً أمامه في الطريق، فوجدها تتنهد، الإنسان لما يركض ركضة غير طبيعية لا بد ما يحتاج يعوض الهواء ... قال: «يا عائشة! مالك حشياً رابية؟ قالت: لا شيء يا رسول الله! قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ إن جبريل أتاني آنفاً، وقال: إن ربك يقرئك السلام، ويأمرك أن تذهب إلى البقيع وتستغفر لهم». هنا اهتبلتها فرصة، فقالت: يا رسول الله! إذا أنا زرت القبور، ماذا أقول؟ قال: «قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين ... » إلى آخر الدعاء المعروف. فأنا ألاحظ أن هذه الحادثة كانت حتماً في المدينة المنورة، والنهي عن زيارة القبور لا يعقل أن يتأخر إلى وقت المدينة المنورة، وإنما هذا يكون في أول الإسلام من باب سد الذريعة، نهاهم عن زيارة القبور، كما تعلمون؛ لأن القبور وزيارتها كانت سبباً لوقوع قوم نوح وأمثالهم في عبادة غير الله عز وجل من المقبورين. ففي هذا النظر السليم نقول أن قوله عليه السلام: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور» كان في العهد المكي، فقد يستمر هذا النهي ما شاء الله من سنين، لكن ليس معقولاً أن يستمر إلى ما بعد إذن الرسول للسيدة عائشة أن تزور القبور.

[173] باب حكم زيارة النساء للقبور

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، السيدة عائشة تمتعت بهذه الرخصة بعد وفاة الرسول عليه السلام، فلو تكلف متكلف ما، وادعى بأن هذا النهي: «لعن الله زوارات القبور» كان بعد، لكانت السيدة عائشة ستنتهي على افتراض أنه إذنه عليه السلام لها بالزيارة كان قبل قوله: «لعن الله زائرات -أو زوارات- القبور» لكن استمرارها على التمتع بهذه الرخصة التي رخص الرسول عليه السلام لها بها، أوضح دليل على أن النهي الخاص بالنساء هو كان في زمن النهي العام للنساء والرجال. هذا وأخيراً، يقال: إن النساء شقائق الرجال كما جاء في الحديث الصحيح، وذلك يعني أن الفائدة والمصلحة التي يجنيها الرجال من زيارة القبور، النساء أيضاً بحاجة إلى تحصيلها، فكما رخص للرجال بالزيارة بعد النهي، كذلك رخص للنساء بعد النهي. إذاً: ليس هناك أي دلالة في هذا الحديث مع تسليمنا بصحة رواية: «لعن الله زائرات ... » والتسليم جدلاً بأن الرواية الصحيحة في الحديث الثابت: «زُورات» لأنه هذا كان في وقت النهي، ووقت النهي تلاه وقت الإذن. هذا ما عندي. "الهدى والنور" (164/ 36: 08: 00) [173] باب حكم زيارة النساء للقبور سؤال: ما حكم زيارة النساء للمقابر وخاصة في العيد؟ الشيخ: لا فرق عندنا بين النساء والرجال في شرعية زيارة المقابر بالشرط المعروف للرجال فضلاً عن النساء، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقسم الزيارة

[174] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لعن الله زوارات القبور»

إلى قسمين: زيارة شرعية وزيارة بدعية، الزيارة الشرعية: هي التي يقصدها الزائر لقصد إلقاء السلام عليهم والاعتبار بموتهم ليس إلا، أما الذهاب إلى المقبرة من أجل الجلوس إلى القبر وقراءة القرآن أوقات القرآن هناك، فضلاً عن الجلوس على الكراسي واتخاذ القبر هناك كأنه مقهى ونحو ذلك، فهذا طبعاً لا يجوز لا للرجال ولا للنساء، فالزيارة قسمان شرعية وبدعية، الزيارة الشرعية كما تشرع للرجال تشرع للنساء، الزيارة البدعية كما لا تشرع للرجال لا تشرع أيضاً للنساء، المناط في الشرعية في الزيارة هو الشرعية فمن زار من النساء أو الرجال المقابر لأجل فقط يعتبر هو ويلقي السلام على الميت لعله يستفيد هو؛ فهذه هي الزيارة الشرعية وإلا فلا (¬1). "الهدى والنور" (542/ 17: 45: 00) [174] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لعن الله زوارات القبور» سؤال: طيب في بيقولوا: «لعن الله زوارات القبور» أيش هذا؟ الشيخ: حديث صحيح. الملقي: حديث صحيح، طبعاً هذا المقصود فيه زوارات، يعني المخالفات؟ الشيخ: لا المقصود فيه أكثر من ذلك، وهن اللآتي يكثرن التردد على القبور. الملقي: ايوه. الشيخ: ويكثرن زيارة القبور؛ لأن هذا الإكثار ما بيكون المقصود فيه العبرة. ¬

(¬1) وعلى هذا فيلحق حكم تخصيص زيارة القبور للنساء في العيد بحكم ذلك للرجل.

[175] باب هل يجوز زيارة النساء للقبور للاتعاظ؟

الملقي: أيوه، ولو كانوا محتشمات في اللباس. الشيخ: ولو كانوا. "الهدى والنور" (679/ 29: 20: 00) [175] باب هل يجوز زيارة النساء للقبور للاتعاظ؟ سؤال: هل يجوز للنساء زيارة القبور إذا كانت للاتعاظ فقط؟ الشيخ: نعم، هذا شرط، والشرط الآخر وهو شرط عام أن يكن متحجبات متجلببات بالجلباب الشرعي، يلقين السلام ويذكرن العبرة بالأموات، ثم يعدن أدراجهن، فلا فرق والحالة هذه بين النساء وبين الرجال؛ ذلك لأن النهي عن زيارة القبور في أول الإسلام كان نهياً عاماً يشمل الرجال والنساء، ثم لما تمكن التوحيد من هؤلاء المسلمين رجالاً ونساءً جاءهم الإذن عامة رجالاً ونساءً، وقد جمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الإشارة إلى هذين الأمرين في حديث واحد، أي: أشار إلى أن النهي كان موجهاً توجيهاً عاماً للنساء والرجال، وأشار أيضاً إلى أن الإذن كان موجهاً للنساء والرجال؛ ذلك قوله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور»، الخطاب لمن؟ للمسلمين عامة نساء ورجال: «ألا فزوروها»، الخطاب لمن؟ لأولئك الذين نهوا من قبل، أي: نساء ورجالاً، ويؤكد ذلك العلة التي علل بها الرسول عليه السلام الإذن بالزيارة بعد النهي عنها: «فزوروها فإنها تذكركم الآخرة»، إذاً: كما أن الرجال بحاجة إلى أن يتعاطوا سبباً شرعياً لتذكر الآخرة، فالنساء كالرجال في ذلك إن لم يكن أولى بأن يتخذن مثل هذا السبب الذي يذكرهن بالآخرة. أما الحديث المعروف: «لعن الله زائرات القبور» فالحديث مروي بلفظين

اثنين: اللفظ الأول هو هذا: «زائرات»، وهو ضعيف، أما اللفظ الآخر، فهو بلفظ: «زوارات»، أي: اللاتي يكثرن الزيارة، وهذا الإكثار عادة لا يكون لتحقيق الغاية التي من أجلها أذن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالزيارة للجنسين تذكر الآخرة، هذا الإكثار كما نراه نحن مشاهداً في كثير من المناسبات كالأعياد ونصف شعبان ونحو ذلك؛ يجلسن حول القبر ويتخذن ذلك المكان مقهى، يتحدثون في جلسوهم هذا شتى الأحاديث، فإذاً: الحديث يصح، بلفظ: «زوارات القبور»، والمعنى هذا لا ينافي الإذن العام وإنما يخصصه ويبين أن الزيارة التي يراد بها تذكر الآخرة فهي مشروعة، لكن الإكثار والمبالغة فهذا منهي عنه، هذا جواب ما سألت. مداخلة: طيب، في حَدّ للإكثار؟ الشيخ: لا ما في. نعم. مداخلة: شيخنا مثلاً: أنت قلت: لزيارة النساء شرطان، هما: أن تكون متجلببة والثانية للعظة والعبرة، لكن امرأة تذهب لزيارة قبر والدها أو زوجها مع وجود مقبرة قرب بيتهم، وهي تشد الرحل لهذا، فهل هذا يجوز مع وجود مقبرة عند بيتهم؟ الشيخ: الله يهديك اصبر، هو قضية يجوز يجوز، لكن تخصيصها بزيارة أبيها أو قريبها دون زيارة المقابر حينئذ هذا التخصيص مع أنه دون مخصص فهو يشعر أن الزيارة هذه ليست لتذكر الآخرة، وإنما أحسن ما يقال فيها: هي بباعث العاطفة فقط، وليس بباعث العلم والدين، ولذلك نحن نقول لهؤلاء الذين يشدون الرحال إلى زيارة بعض القبور التي يقال إنها قبور أولياء وصالحين، سواء كان هذا القول صحيحاً أو غير صحيح، لماذا هذه الزيارة؟ إن كان المقصود هو تحقيق الغاية والحكمة التي سبق وأن أشرنا إليها من حديث الرسول عليه السلام، فنقول لهم:

[176] حكم تخصيص زيارة الأحياء للأموات، أو للأحياء يوم العيد

هاهي المقبرة أمامكم والعظة بهذه القبور التي يكفي أن يتخيل الإنسان ويراها في المنام ليقوم فزعاً، العظة من هذه القبور أكثر بكثير من زيارة قبر ولي أو نبي خاصة إذا كان مزخرفاً ومزيناً وعليه أبهة، فحينئذ يخضعون خضوعاً لا ينبغي أن يكون إلا لله عز وجل، فلهذا نحن نقول: إن شد الرحال إلى هذه القبور أكبر دليل أنهم لا يقصدون بها تحقيق الغاية المذكورة في الحديث الصحيح. "الهدى والنور" (603/ 14: 40: 00) و (603/ 15: 44: 00) [176] حكم تخصيص زيارة الأحياء للأموات، أو للأحياء يوم العيد الملقي: بارك الله فيك. أيضاً يسأل حول قضية زيارات يوم العيد كما يفعل كثير من الناس وتخصيصها، فالبعض امتنع هذه الزيارة بحجة أن هذا شيء لم يرد في السنة أو كذا، فما هو القول هذا؟ الشيخ: نقول: بارك الله في هذا البعض، ونسأل الله أن يجعلنا من ذاك البعض؛ لأننا نقول دائماً وأبداً واليوم كنا مع بعض إخواننا في هذا الحديث، قلت له: يبدو لك يا فلان أنك لم تسمع الدعوة الجديدة التي كانت تذكر من قديم فتقول أن من البدع الفاشية في هذا الزمان هو زيارة الأحياء للأموات، ألم تسمع الدعوة الجديدة التي هي في أصلها دعوة قديمة وهي أن زيارة الأحياء للأحياء يوم العيد بدعة، ومن أجل ذلك قلت لأبي أوفى أول الجلوس، لكني لاحظت أنه ما انتبه أي نعم. أنا قلت: ما جئتك عائداً، ما جئتك زائراً. فزيارة الأحياء للأموات في العيد بدعة، هو من البدع. مداخلة: هذا القياس مع فارق

الشيخ: هذا ليس قياساً. الملقي: لأنه هناك لا يشعر الميت ولا يستفيد من هذه الزيارة، أما هنا الأحياء للأحياء فهي صلة وتواس وتحاب. الشيخ: يعني أنت لما بتزور الأموات من أجل يحسوا بزيارتك. الملقي: مو لكن من أجل الدعاء، لكن هنا هذا يوم عيد وفرح. الشيخ: لا أنا سؤالي مختصر يا أبو أوفى، لما تزور الأموات يوم العيد بتزورهم من شان يحسوا بك. الملقي: لا .. للدعاء لهم. الشيخ: هاه، وغير أيام العيد، وغير أيام العيد، لما بتزورهم من شان يحسوا بك؟ الملقي: للدعاء والاعتبار. الشيخ: عم اسألك الله يرضى عليك، من شان يحسوا بك؟ الملقي: لا. الشيخ: طيب، فإذاً لماذا لا تزورهم من أجل الغاية اللي أنت تزورهم في غير العيد، ما دام أنها غاية حسنة، فلماذا لا تزورهم في يوم العيد من أجل هذه الغاية الحسنة. الملقي: غاية حسنة هنا لأنها تتنافى مع بهجة العيد وسرور العيد يذهب إلى الأموات. الشيخ: هذا هو القياس.

مداخلة: هههه. الشيخ: وهل هذا هو الجواب؟ الجواب بارك الله فيك ... الجواب في موضوع زيارة الأحياء للأموات ليس من أجل هذا التعليل المنطقي، بل الفلسفي، الذي ربما يجيء واحد متفلسف أكثر منك فيقضي على فلسفتك، لكن الجواب هو: لو كان خيراً لسبقونا إليه، شو رأيك بهذا الجواب. فيه فلسفة. الملقي: جيد .. جيد. الشيخ: طيب، لو كان خيراً لسبقونا إليه، نحن الآن لما نقول: زيارة الأحياء للأموات بدعة ما في عندنا نص في السنة، فضلاً عن القرآن الكريم أنه زيارة الأحياء للأموات بدعة، ما في عندنا شيء من هذا، وهذا القول يقال في كل البدع، وهي مع الأسف الشديد بالألوف المؤلفة، كل بدعة يقول فيها الرسول عليه السلام: «كل بدعة ضلالة»، لا يوجد نص في أي بدعة عن الرسول أنه هذه بدعة، مع ذلك فالعلماء مجمعون على بدعية الألوف المؤلفة من الأمور الحادثة بعد الرسول عليه السلام، طيب كيف بنقول هذه بدعة وما في عندنا نص ببدعيتها، أو بإنكارها، بهذه الجملة المختصرة التي تدل عليها أدلة من الكتاب والسنة كثيرة وهي: لو كان خيراً لسبقونا إليه، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115)، إذاً هذا غير سبيل المؤمنين، إنه الناس يروحوا يزوروا القبور يوم العيد لم يكن هذا من سبيل المؤمنين، إذاً نحن بنلخص هذا وما شابهه من أدلة بكلمة لكي نبعد الناس عن أي محدثة بقولنا: لو كان خيراً لسبقونا إليه. فالآن زيارة القبور كمبدأ عام خير ولا شك، لكن هذا المبدأ العام لما خصصه

العرف الخلفي بيوم العيد ولا بد، وأطلقوه في أيام السنة الأخرى صار بدعة في الدين، ودفعناها بتلك الكلمة الطيبة المباركة: لو كان خيراً لسبقونا إليه، فإذاً زيارة الأحياء للأموات الأصل فيها أنها شرع، ولا حاجة إلى الأدلة، كذلك نقول: زيارة الأحياء للأحياء شرع ما في خلاف في هذا، فحينما يأتي من يذكر الناس الغافلين عن هديه عليه السلام، وعن هدي السلف الذين اتبعوه عليه السلام بإحسان، ويقول لهم: زيارة الأحياء في العيد للأحياء كزيارة الأحياء في العيد للأموات، لا فرق بين هذا وهذا إطلاقاً، إن طلبت الدليل على هذا نذكرك بالدليل على ذاك الذي اتفقنا عليه، وهو: زيارة الأحياء في العيد للأموات بدعة، نحن والحمد لله فيما أظن الآن، هالجمع القليل الطيب المبارك إن شاء الله متفقون على أنه زيارة الأحياء في العيد للأموات بدعة، ومقتنعين بها تماماً منطلقين من ذاك المنطق الذي لخصناه آنفاً، هذا المنطق ما ينبغي أن نخل به، وأن نعرض عنه؛ لأننا نحن مغلوبون على أمرنا، ومعتادون عادة تشبه تلك العادة التي اجتمعنا على إنكارها، وهي أننا اعتدنا أن نزور المسلمين بمناسبة العيد، فنقول جازمين قانعين تماماً بأن زيارة الأحياء في العيد للأحياء كزيارة الأحياء في العيد للأموات ولا فرق إطلاقاً، فأي إنسان بده يقول بقى: يا أخي شو فيها، زيارة الأحياء للأحياء في العيد أمر مشروع، وكما قيل اليوم: لزيارة الأرحام وصار له سنة أو سنتين إلى آخره ما زارهم، إيه هذا وحده يكفي لينبه على فساد هذه الزيارة، لأنهم يتواكلون فيتكاسلون عن القيام بواجبهم، سواءً كان بواجب زيارة الأحياء للأموات التي ترقق القلوب، وتذكر الآخرة ما بيفعلوها إلا يوم العيد، كمان واحد له رحم بده يوصله، بيقول: هاه [متى] ليجي العيد، الزيارة في العيد أفضل، لأنه الزيارة في الأصل مشروعة، والعيد كمان أيامه فاضلة، لا: لو كان خيراً لسبقونا إليه؛ فكل ما يثبت به البدعة

[177] باب حكم زيارة القبور يوم العيد

الأولى، يثبت به البدعة الأخرى، وكل من يعترض على البدعة الأولى يلزمه أن يعترض على البدعة الأخرى، وكل من يشك في البدعة الأخرى يجب ويلزمه أن يشك في البدعة الأولى، وإلا كان فكره متناقضاً متناقضاً، ونسأل الله عز وجل أن يهدينا سواء السبيل. "الهدى والنور" (530/ 21: 02: 01) (531/ 46: 00: 00 ( [177] باب حكم زيارة القبور يوم العيد سؤال: يقول: ما حكم زيارة القبور يوم العيد؟ الشيخ: حكم زيارة القبور يوم العيد كحكم زيارتها يوم عيد الجمعة، هل من قائل: بأنه يستحب زيارة القبور يوم الجمعة؟ الجواب: لا، كل ما في الأمر أن الناس اعتادوا عادةً وتوهموها سنةً وهي البدعة بعينها؛ ذلك لأن من القواعد الشرعية التي يستفيدها طالب العلم من عموم أدلة الكتاب والسنة أن هذه الأدلة ما كان منها مطلقاً وجب إجراؤها على إطلاقها ولا يجوز تخصيصها إلا بدليل مخصص ولا يجوز تقييد ما جاء مطلقاً من النصوص إلا إذا جاء ما يقيده، وعلى العكس من ذلك: إذا جاء نص مقيد لصفة أو بكيفية أو بعدد فلا يجوز فك هذا القيد عنه وإطلاقه؛ كلُّ هذا مخالفة للنصوص، ولما كانت أدلة الأمر بزيارة القبور مطلقةً كمثل الحديث المشهور من قوله عليه الصلاة والسلام: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور أَلَا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة» قوله عليه السلام: «ألا فزوروها» في هذا الحديث وفي غيره أيضاً مطلق فينبغي إجراؤه على إطلاقه ولا يجوز تقييده بزمن لم يأت تقييده به في الشرع لا بصفة ولا بكيفية، فإذا كان الأمر كذلك كان تخصيص العيدين بزيارة القبور يكون من باب تقييد المطلق بغير نص شرعي،

[178] باب حكم تخصيص زيارة القبور في العيد

وهذا اعتداء على الشارع الحكيم ويخشى على من يفعل ذلك أن يدخل في إنكار ربنا تبارك وتعالى على المشركين بقوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى: 21) فإذاً: لا يجوز زيارة القبور يوم العيد خاصةً. "الهدى والنور" (319/ 47: 17: 00) [178] باب حكم تخصيص زيارة القبور في العيد سؤال: سمعنا أن زيارة الناس بعضهم بعضاً يوم العيد بدعة، فالرجاء بيان الحكم فما سبق مما يتعلق بزيارة الإخوان وما يقوم به الناس في الأعياد؟ الشيخ: نحن قلنا مراراً وتكراراً ولسنا الآن بحاجة إلى تفصيل ما تكرر، فنقول بإيجاز: زيارة الأحياء للأموات يوم العيد من محدثات الأمور؛ لأنه يعني تقييد ما أطلقه الشارع، الشارع الحكيم قال في الحديث الصحيح: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة» فقوله: ألا فزوروها. أمر عام لا يجوز تقييده بزمن أو بمكان خاص؛ لأن تقييد النص أو إطلاقه ليس من وظيفة الناس، وإنما هو من وظيفة رب العالمين الذي كلف رسوله الكريم فقال له: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44). فما كان من نص مطلق وهو مقيد بينه، وما كان من نص عام وهو مخصص خصصه، وما لا فلا. فحينما قال: «ألا فزوروها».مطلقاً في كل أيام السنة، لا فرق بين يوم ويوم، ولا فرق بين زمن في يوم واحد: صباحاً، أو مساءً، أو ظهراً، أو نهاراً، أو ليلاً ... إلخ. كذلك نقول: كما أن زيارة الأحياء للأموات يوم العيد [بدعة]، كذلك زيارة الأحياء للأحياء يوم العيد ... كزيارة الأحياء للأموات.

الزيارة المشروعة يوم العيد هو ما ألغي مع الأسف الشديد بسبب تهافت الناس على إقامة صلاة العيد في المساجد التي يتفرقون فيها، والواجب عليهم جميعاً أن يجتمعوا في المصلى، المصلى هو خارج البلد، يتسع لكل أهل البلد، فهناك يلتقون، ويصلون صلاة العيد، ويتعارفون بطبيعة الحال، عطلت هذه السنة التي واظب عليها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - طيلة حياته. وهنا ملاحظة مهمة جداً يجب أن ننتبه لها، فإننا نعلم جميعاً قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة مما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام». فمع أن الصلاة في مسجده بألف صلاة ما كان يصلي صلاة عيد الفطر وعيد الأضحى إلا خارج هذا المسجد، وهو في المصلى، لماذا؟ لأنه يريد، يجمع المسلمين في المدينة من كل مكان، من القرى التي حولها في مكان واحد تسع لهم جميعاً. هذا المصليات مع الزمن، ومع ابتعاد الناس عن أولا: التعرف على سنة الرسول عليه السلام وابتعادهم عما بقي عندهم من العلم بسنة الرسول عليه السلام ابتعادهم عن تطبيقها، وعن العمل بها، قنعوا بأن يقيموا صلاة العيد في المساجد، كما يفعلون بصلاة الجمعة، والصلوات الخمس. أما السنة فاستمر الرسول عليه السلام طيلة حياته لا يصلي صلاة العيد في المسجد ولو مرةً واحدة، وإنما دائماً يصليها في المصلى. الآن منذ بضع سنين بدأ بعض المسلمين في مثل هذه البلاد يفيؤون إلى هذه السنة، سنة صلاة العيد في المصلى. فلا بد أنكم تسمعون الآن بأن هناك مصليات عديدة يصلى فيها الناس بدل ما

يصلوا صلاة العيد في المساجد، ولكن بقى عليهم شيء واحد، ولعل هذه الظاهرة، التي أشرت إليها: من خروج الناس من المساجد في صلاة العيد إلى المصليات لعل هذه الظاهرة بشارة إلى أنه سيأتي يوم يجتمع المسلمون في مكان واحد في البلد الواحد في مصلى واحد، كما يفعل المسلمون من جميع أقطار الدنيا، يجتمعون في بلدة واحدة وهي مكة وما حولها من منى ومزدلفة وعرفة ونحو ذلك، ليس لهم بديل عنها، مع أنهم يعدون الملايين، وفيها كثر الناس في البلدة الواحدة فلن يعجزوا أبدا أن يجتمعوا في أرض في مصلى واحد، لعل خروجهم الآن من المساجد إلى المصليات هو بصيص خير إلا أنهم فيما بعد إن شاء الله حينما يفهمون حقيقة معنى قوله عليه السلام: «يد الله على الجماعة» (¬1)، وأنها هي الجماعة التي جمعهم الرسول عليه السلام بوسائله المشروعة، ومن تلك الوسائل: المصلى الواحد وليس المساجد بل ولا المصليات العديدة في البلدة الواحدة. فإذن، الزيارة هذه أو تلك هي مخالفة للسنة. الزيارة تكون مشروعة يوم العيد هو أن يفد الناس بجماهيرهم المتكاثرة إلى صلاة العيد في المصلى، ولا شك أن الناس هناك سيتزاورون وسيتعارفون أكثر من هذه الزيارة التقليدية، لأنه حينما يزور بعضهم بعضاً في العيد، في الغالب يزور بعض من يعرفون، لكن ما أبيحت لهم الزيارة في أثناء السنة، فخصصوا هذه الزيارة في يوم العيد بذلك وقلنا: زيارة الأحياء للأموات ليس من السنة في شيء، بل هو من البدع، وكذلك زيارة الأحياء للأحياء. ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم1848).

[179] باب هل هناك دليل نقلى على عدم جواز تخصيص العيد بزيارة القبور؟

وما معنى هذا؟ يجب أن تكون الزيارة سواء من الأحياء للأموات ليست في السنة مرة، وكذلك زيارة الأحياء للأحياء ليست في السنة مرة، وإنما يجب أن يستمر، لأن في هذه الزيارة تحقيق زيارة الأحياء للأحياء، تحقيق المودة، والتعارف بين المسلمين كما قال رب العالمين: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات: 13). أما زيارة الأحياء للأموات فيجب أيضاً أن تستمر لتحقيق الغاية التي من أجلها أمر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بزيارة القبور بعد أن كان نهى عنا ألا وهي قوله عليه السلام «ألا فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة». "الهدى والنور" (527/ 09: 50: 00 ( [179] باب هل هناك دليل نقلى على عدم جواز تخصيص العيد بزيارة القبور؟ سؤال: واحد بيسألني سؤالاً بيقول: انتوا بتقولوا: لا يجوز تخصيص زيارة القبور بيوم العيد. الشيخ: أي نعم. الملقي: السائل .. قال: [هل هناك] دليل نقلي يفيد في هذا، هل يحضركم. الشيخ: دليل نقلي؟ الملقي: نعم. الشيخ: من حيث أنه يدخل يعني في منعه .. الملقي: أيوه هكذا. الشيخ: الأدلة الشرعية ما كل الناس بيفهموها.

[180] باب هل ما يقع فيه القبوريون يعد من الكفر العملي؟

الملقي: أيوه. الشيخ: أي نعم، لذلك قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43) الدليل النقلي إن الرسول-عليه السلام- والصحابة والسلف والأئمة ما كانت هذه الظاهرة، موجودة عندهم، والرسول يقول: «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».هذا هو دليل. الملقي: أيوه. هذا هو. الشيخ: أي نعم. "الهدى والنور" (679/ 36: 21: 00) [180] باب هل ما يقع فيه القبوريون يُعَد من الكفر العملي؟ سؤال: فضيلة الشيخ هل يعتبر ما يحمله غالب صوفية اليوم من المغالين في القبور والمقبورين والصالحين من مظاهر شركية وأحوال فاسدة مخالفة للشرع؛ هل يعتبر هذا من الكفر العملي؟ الشيخ: ليس هذا فقط، قد يكون كفر اعتقادي. الملقي: يعني أنه القصد بشكل عام يعني لما نرى عليه الجمهرة هو قد يكون كما لعلكم ترون يعني والله أعلم، فأخشى أن أكون متسرعاً يعني في هذا أنكم ترون أن البعض يكون فيه هذا الأمر اعتقادياً. الشيخ: وهذا الذي قلته الآن. الملقي: فالقصد أنه بشكل عام لما نرى عليه من أهلنا وعشريتنا يعني ممن حولنا من أهل بلدنا.

الملقي: لما يأتونه من طواف أو تقبيل أو استغاثة بالمقبورين والصالحين. الشيخ: ما أستطيع أن أعطي قاعدة عامة، قد يكون من هذا وقد يكون من هذا، قد يكون كفراً اعتقادياً، وقد يكون كفراً عملياً، وأنا أقول شيئاً قد يكون غريباً أنا لا أتجرأ على القول بتكفير الشيعة قوم يسمونهم بالرافضة؛ إلا إذا عرفنا عقيدة كل واحد منهم، مثلاً الخميني أعلن عن عقيدته بما سماه بـ أيش؟ مداخلة: «الحكومة الإسلامية». الشيخ: «الحكومة الإسلامية»، إيه هذا كُفْرٌ بلا شك يعني، لكن أنا مش ضروري أتصور كل مداخلة: شيعي. الشيخ: كل عالم شيعي هو يحمل نفس الفكرة هذه، فأقول: من كان يحمل هذه الفكرة، من كان يعتقد أنه هذا القرآن الذي بين أيدينا هو ربع القرآن الحقيقي اللي هو في مصحف فاطمة، لا شك في كفر من يقول هذا، لكن أقول: الشيعة كفار؛ لأنه كثير منهم، أو لأنه كتابهم الكافي يقول كذا وكذا! هذا غير كافي لتعميم إطلاق لفظة الكفر على الشيعة وعلى الرافضة؛ لأنه هنا في سبيين مانعين من هذا الإطلاق: الأول: أننا لا نستطيع أن نقول: كل عالم شيعي يحمل هذه العقيدة المكفرة. ثانياً: ينبغي أن يتحقق الشرط الثاني: وهو إقامة الحجة. فهذا وهذا مفقود يكفينا إذاً أن نقول: هؤلاء ضالون، أما بدقة متناهية، فينبغي أن نعرف عقيدتهم إما من لسانهم أو من قلمهم. الملقي: جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ. " الهدى والنور" (754/ 50: 27: 00)

[181] باب حرمة استقبال القبر بالصلاة

[181] باب حرمة استقبال القبر بالصلاة قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها». [قال الإمام]: حديث صحيح. [وعلق على قوله: «لا تصلوا إليها» قائلاً]: أي مستقبلين إليها. لما فيه من التعظيم البالغ؛ لأنه من مرتبة المعبود, فجمع بين النهي عن الاستخفاف بالتعظيم, والتعظيم البليغ. كذا في «الفيض» للمناوي. ثم قال في موضع آخر: فإن ذلك مكروه فإن قصد إنسان التبرك في الصلاة في تلك البقعة؛ فقد ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله, والمراد كراهة التنزيه. قال النووي: كذا قال أصحابنا. ولو قيل بتحريمه-لظاهره-لم يبعد, ويؤخذ من الحديث النهي عن الصلاة في المقبرة؛ فهي مكروهة كراهة تحريم. اهـ. وفي «الأم» (1/ 246): وأكره أن يبنى على القبر مسجد, وأن يُسَوَّى, أو يصلى عليه وهو غير مسوى, أو يصلى إليه. قال: وإن صلى إليه؛ أجزأه, وقد أساء, أخبرنا مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «قاتل الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد». قال: وأكره هذا للسُّنة والآثار, وأنه كره-والله تعالى أعلم- أن يعظم أحد من

المسلمين-يعني: يتخذ-قبره مسجداً, ولم تُؤْمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي من بعد. انتهى. والحديث الذي ذكره عن مالك مُعضَلاً حديث صحيح جداً؛ جاء في «الصحيحين» وغيرهما عن جمع من الصحابة؛ منهم: عائشة, وابن عباس, وأبو هريرة, وزيد بن ثابت, وأبو عبيدة بن الجراح, وأسامة بن زيد. وفي الباب: عائشة أيضاً, وجندب بن عبد الله البجلي, وابن مسعود, وأبي سعيد الخدري, وعطاء بن يسار مرسلاً. وقد خرجتُ أحاديثهم وسقت ألفاظهم في «التعليقات الجياد» وبينت فيه ما يستفاد منها من المسائل المهمة التي غفل عنها أكثر المسلمين؛ فوقعوا في الغلو في الأولياء والصالحين, وتعظيمهم تعظيماً خارجاً عن حدود الشرع والدين, وقد قال ابن حجر الهيتمي الفقيه في «الزواجر عن اقتراف الكبائر» (ص 121): قال بعض الحنابلة: قَصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً بها عَيْنُ المحاداة لله ولرسوله, وإبداع دين لم يأذن به الله؛ للنهي عنها, ثم إجماعاً؛ فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها, واتخاذها مساجد, أو بناؤها عليها. والقول بالكراهة محمول على غير ذلك؛ إذ لا يُظَنُّ بالعلماء تجويزُ فعلٍ تواتر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لَعْنُ فاعِلِهِ, ويجب المبادرة لهدمها, وهدم القباب التي على القبور, إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أُسست على معصية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأنه نهى عن ذلك, وأمر - صلى الله عليه وآله وسلم - بهدم القبور المشرفة, وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر, ولا يصح وقفه ونذره. انتهى ما في «الزواجر». فأفاد كلام المناوي والحنبلي أن قصد الصلاة إلى القبر وعنده محرم, وأنه

تشريع لم يأذن به الله, ومع ذلك ترى كثيراً من الناس-حتى بعض المشايخ-يقصدون مقامات الأولياء والصالحين للصلاة عندها, والتبرك بها, وإذا قيل لهم في ذلك؛ قالوا: إنما الأعمال بالنيات, ونياتنا طيبة, وعقائدنا سليمة! ولئن صدقوا في ذلك؛ فما هو بمنجيهم من المؤاخذة عند الشارع الحكيم؛ لأنه إنما بنى الأحكام على الظواهر, والله يتولى السرائر. ولقد أنكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على من خاطبه بقوله: ما شاء الله وشئت يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: «جعلتني لله نداً؟! قل: ما شاء الله وحده». ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم أن ذلك الرجل ما قصد أن يجعله شريكاً مع الله, وهو-رضي الله عنه-ما آمن به - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا فراراً من الشرك؛ فكيف يجعله شريكاً لله؟! كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم ذلك منه, وإنما أنكر عليه ما سمعه من لسانه حتى يُقَوِّمَهُ مرة؛ فلا يتكلم مرة أخرى بما يوهم الشرك والضلال. فمال هؤلاء الناس يأتون أعمالاً منكرة, ظاهرها شرك وضلال, ثم يبررون ذلك بقصدهم الحسن في زعمهم؟! والله يعلم أن كثيراً من هؤلاء قد فسدت عقائدهم, وداخَلَها الشرك من حيث يشعرون أو لا يشعرون؛ ذلك جزاؤهم بما كسبوا, وجعلوا أحاديثه عليه الصلاة والسلام وراءهم ظهرياً. "أصل صفة الصلاة" (1/ 140 - 144).

[182] باب التمسح بالقبور من الشرك

[182] باب التمسح بالقبور من الشرك [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله». (ضعيف). [قال الإمام]: أخرجه أحمد (5/ 422) والحاكم (4/ 515) من طريق عبد الملك بن عمرو العقدي عن كثير بن زيد عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعاً وجهه على القبر، فقال: أتدري ما تصنع؟! فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم جئت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم آت الحجر، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ... " فذكره، وقد شاع عند المتأخرين الاستدلال بهذا الحديث على جواز التمسح بالقبر لوضع أبي أيوب وجهه على القبر، وهذا مع أنه ليس صريحاً في الدلالة على أن تمسحه كان للتبرك- كما يفعل الجهال- فالسند إليه بذلك ضعيف كما علمت فلا حجة فيه، وقد أنكر المحققون من العلماء كالنووى وغيره، التمسح بالقبور وقالوا: إنه من عمل النصارى وقد ذكرت بعض النقول في ذلك في " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " وهي الرسالة الخامسة من رسائل كتابنا " تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة " وهي مطبوعة والحمد لله فانظر (ص 108) منه. "الضعيفة" (1/ 552 - 554).

[183] باب هل في حديث: «الله الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا» دليل على جواز التمسح بالقبور؟

[183] باب هل في حديث: «الله الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا» دليل على جواز التمسح بالقبور؟ السائل: حديث في البخاري: «الله الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا» بعض الصوفية يستدل [به على] جواز التسمح .. الشيخ: هذا مع وضوح بطلان هذا الاستدلال؛ لأن التسمح المذكور في هذا الحديث كما ترون دائرته ضيقة جدًا، ومناسبته الاستشفاء بالريق وبالدعاء وبالتراب البسيط الذي يتعلق بالإبهام أو بالإصبع، فأين هذا من التسمح بقبور الأموات وعدم قراءة ذكر وارد عن الرسول عليه السلام، وأنا أقول وقد قلت قريبًا: لو كان هناك حديث عام، وهذا حديث خاص، وله قيوده كما تسمع ونسمع .. لو كان هناك حديث عام وطبق على صورة خاصة ولم يطبق بالصورة العامة لا يجوز لنا أن نطبقه في الصورة العامة؛ لأن الذي تحدث بالحديث، والذين تلقوا الحديث عن الرسول عليه السلام مباشرةً لم يطبقوه بالصورة التي تدخل في النص العام، وضربت على ذلك مثلًا أذكره الآن ليتضح المراد من هذا الكلام، فقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الرجلين» إلى آخر الحديث، فلو صلى جماعة السنة القبلية قبل الظهر جماعةً واحتج بهذا الحديث كان مردودًا عليه احتجاجه، لماذا؟ لأن الذي قال هذا الحديث، والذين سمعوا هذا الحديث من فم الرسول عليه السلام غضًا طريًا لم يطبقوه بهذا المعنى العام حيث أدخلوا فيه الجماعة في السنن الرواتب، فكيف يستدل بحديث خاص على موضوع عام ونحن نرد الاستدلال بالحديث العام على موضوع خاص لم يجر العمل عليه في العهد الأول؟ وهذا من الفقه الذي

[184] باب حكم قراءة القرآن عند القبور

ينبغي على طلاب العلم أن يعضوا عليه بالنواجذ؛ لأنه يفتح لهم بابًا من العلم قد لا يتنبه له كبار العلماء خاصة إذا كانوا من أهل الجمود والتقليد. (فتاوى جدة -الأثر-" (6/ 00:54:43) [184] باب حكم قراءة القرآن عند القبور [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من زار قبر والديه كل جمعة، فقرأ عندهما أو عنده «يس» غفر له بعدد كل آية أو حرف». (موضوع). [قال الإمام]: والحديث يدل على استحباب قراءة القرآن عند القبور، وليس في السنة الصحيحة ما يشهد لذلك، بل هي تدل على أن المشروع عند زيارة القبور إنما هو السلام عليهم وتذكر الآخرة فقط، وعلى ذلك جرى عمل السلف الصالح رضي الله عنهم، فقراءة القرآن عندها بدعة مكروهة كما صرح به جماعة من العلماء المتقدمين، منهم أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في رواية كما في " شرح الإحياء " للزبيدي (2/ 285) قال: لأنه لم ترد به سنة، وقال محمد بن الحسن وأحمد في رواية: لا تكره، لما روى عن ابن عمر أنه أو صى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها. قلت: هذا الأثر عن ابن عمر لا يصح سنده إليه، ولوصح فلا يدل إلا على القراءة عند الدفن لا مطلقاً كما هو ظاهر.

[185] باب حكم القراءة على القبر

فعليك أيها المسلم بالسنة، وإياك والبدعة، وإن رآها الناس حسنة، فإن " كل بدعة ضلالة " كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الضعيفة" (1/ 126 - 128). [185] باب حكم القراءة على القبر [نقل الآلوسي في الآيات البينات عن الغزالي قوله]: إن مسألة القراءة على القبر ذات خلاف؛ قال الإمام [يعني أبا حنيفة]: تكره لأن أهلها جيفة، ولم يصح فيها شيء عنده عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -. [فعلق الألباني قائلاً]: قلت: وهذا التعليل الثاني هو المعتمد، بخلاف الأول فإنه مما لا دليل عليه. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص130). [186] باب حكم زراعة أشجار على القبور سؤال: الموضوع يا شيخنا بعض الناس يا شيخنا يزرعون شجرة على القبر، ويترددون على هذا القبر بحجة أنهم يسقون هذه الشجرة، فما رأيكم في هذا، هل تقطع هذه الشجرة، وممكن يكون نساء أيضاً يفعلن هذا الفعل، حتى كثرت أشجار الزيتون والتين والفواكه على المقابر؟ الشيخ: نعم، هذا أسلوب لا شك ليس إسلامياً من جهات عديدة، أهمها أنه أسلوب الكفار الذين ينزعجون من زيارة القبور، ولذلك فمن سافر إلى بلاد الكفر يجد المقابر أشبه ما تكون بالحدائق الغناء، مزروعة بالأشجار الكثيرة والورود والزهور ونحو ذلك، حتى إذا مر المار من تلك المنطقة لا ينزعج بذكر

الموت، فالمسلمون الآن يسلكون سنن من قبلهم كما تنبأ بذلك النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» .. إلى آخر الحديث، فهذه الظاهرة هو تقليد للكفار. ومن تمام التقليد ما ابتلي به بعض البلاد الإسلامية وبلدنا هذا مع الأسف منها وهو إخراج المقابر خارج البلد، وبذلك يقطعون الصلة بين الأحياء والأموات، أي: يعطلون زيارة القبور؛ لأنه ليس من الممكن عادة أن المسلم الذي مات أبوه أنه يشد الرحل ويخرج خارج البلد من أجل أن يرى أباه، لا والله لن يسأل عن أبيه ولا عن أمه ولا عن أخته، هذا هدف لقطع الصلة بين الأحياء والأموات بطريق تحقيق الغاية الشرعية التي سبق ذكرها آنفاً، ولذلك فلو أن هناك دولة إسلامية حقاً فهذه المسألة مع أنها-كما يقول بعضهم: ثانوية- ولا نقول من باب القشور، لكنها ثانوية، لكن مع ذلك سوف تضع المخطط البلد أو المدينة أو العاصمة لا تكون القبور فيها إلا في داخلها، لكيلا يقطعوا الصلة بين المسلمين وبين قوله عليه السلام: «ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة». مداخلة: .. يا شيخنا يعني: يستدل بعض المسلمين بأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مر على قبر فأخذ غصناً رطباً أو كذا ما أذكر النص، فوضعه على القبر، فيستدلون بهذا الحديث أنهم يجوز لهم أن يضعوا شجر أو غيره، فما أدري إذا كان هذا الحديث يكون .. الشيخ: هذا الحديث بلا شك هو حديث صحيح، ولكن لا يدل الحديث على الغاية التي يستند إليها هؤلاء الذين يضعون الورود والزهور ويزرعون

الأشجار على مقابرهم أو قبورهم بزعم أنها تخفف العذاب عن أولئك الأموات بسبب أن هذا الشجر الأخضر يسبح الله عز وجل، وبهذا التسبيح يخفف العذاب عن أهل القبور، هذا الحديث الصحيح لا يدل على هذا التعليل الذي لا أصل له في الشرع أولاً، بل الحديث الذي سألت عنه يدل على أن هذا الغصن الرطب الذي وضعه الرسول عليه السلام لم يكن سبباً لتخفيف العذاب حتى يصح أن يتخذ هذا السبب نظاماً ويطبق في مقابر المسلمين، وإنما يدل على أن رطابة هذا الغصن إنما كان علامة وتحديداً لزمن تخفيف العذاب عن أولئك المقبورين؛ ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما سئل عما فعل من وضع الغصنين على القبرين، قال: «لعل الله أن يخفف عنهما ماداما رطبين»، هذا حديث البخاري ومسلم، وهناك رواية من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما سئل أجاب: بأن الله عز وجل قبل شفاعته عليه السلام أن يخفف العذاب مادام الغصن رطباً، إذاً ما هو السبب في التخفيف؟ شفاعة الرسول أي: دعاء الرسول، إذاً: الرطابة هذه ليست هي السبب، إنما هي علامة، ماداما رطبين فالعذاب مخفف، هذا صريح في الحديث، لكن هناك أشياء استنباطية نظرية سليمة تؤكد هذا المنصوص في الحديث، أول ذلك: لو كان مجرد وضع الغصن الأخضر على القبر سبباً لتخفيف العذاب لجرى السلف الأول على اتخاذ هذه الوسيلة تخفيفاً للعذاب، وإذ لم يفعلوا، فهذا دليل أنهم لم يفهموا ذلك الفهم الخلفي أن سبب التخفيف هو رطابة الغصن هذا شيء، وشيء ثانٍ: لو أن ذلك يكون سبباً شرعياً لتخفيف العذاب فهنيئاً للكفار الذين أصبحت مقابرهم حدائق غناء، فإذاً يخفف عنهم العذاب بسبب هذه العلة المبتدعة المختلقة التي لا أصل لها في السنة، وثالثاً وأخيراً: ربنا عز وجل يقول: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ

[187] باب لا حج إلا لبيت الله الحرام أما الحج إلى القبور فمن الشرك

تَسْبِيحَهُمْ} (الإسراء: 44)، كل شيء حول الميت، بل الميت نفسه سواء كان لا يزال لحماً على عظم، أو ذاب اللحم وبقي العظم، أو صار العظم رميماً، كل هذا وهذا وهذا، داخل في عموم قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (الإسراء: 44)، إذاً: لا فرق بين الأخضر وبين اليابس، لا فرق بين الشجر وبين الحجر، بين الحجر وبين المدر، كله داخل في عموم الآية الكريمة، لذلك: إن هذا الذي يقولونه إلا اختلاق. "الهدى والنور" (603/ 31: 46: 00) و (603/ 33: 49: 00) [187] باب لا حج إلا لبيت الله الحرام أما الحج إلى القبور فمن الشرك [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يا أبا هريرة، علم الناس القرآن وتعلمه، فإنك إن مت وأنت كذلك زارت الملائكة قبرك كما يزار البيت العتيق، وعلِّم الناس سنتي وإن كرهوا ذلك، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة فلا تحدث في دين الله حدثا برأيك». (موضوع). [قال الإمام]: أخرجه الخطيب (4/ 380) وأبو الفرج بن المسلمة في "مجلس من الأمالي" (120/ 2) من طريق عبد الله بن صالح اليماني، حدثني أبوهمام القرشي، عن سليمان ابن المغيرة، عن قيس بن مسلم عن طاووس عن أبي هريرة

مرفوعاً، ومن هذا الوجه ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (1/ 264) وقال: لا يصح، وأبوهمام: محمد بن مجيب (الأصل محبب وهو تصحيف). قال يحيى: كذاب، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1/ 222) بقوله: قلت له طريق آخر قال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن شبيب عن محمد بن قدامة المصيصي عن جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. قلت: فذكره نحوه إلا أنه قال: «فإن أتاك الموت وأنت كذلك حجت الملائكة إلى قبرك كما يحج المؤمنون إلى بيت الله الحرام». وسكت عليه السيوطي، وهو بهذا اللفظ أشد نكارة عندي من الأول لما فيه من ذكر الحج إلى القبر فإنه تعبير مبتدع لا أصل له في الشرع ولم يرد فيه إطلاق الحج إلى شيء مما يزار إلا إلى بيت الله الحرام، وإنما يطلق الحج إلى القبور، المبتدعة الذين يغالون في تعظيم القبور مثل شد الرحال إليها والبيات عندها والطواف حولها، والدعاء والتضرع لديها ونحوذلك مما هو من شعائر الحج حتى لقد ألف بعضهم كتاباً سماه " مناسك حج المشاهد والقبور "! على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه، وهذا ضلال كبير لا يشك مسلم شم رائحة التوحيد الخالص في كونه أكره شيء إليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكيف يعقل إذن أن ينطق عليه السلام بهذه الكلمة: " حجت الملائكة إلى قبرك كما يحج المؤمنون إلى بيت الله الحرام "؟! اللهم إن القلب يشهد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما صدر منه حرف من هذا، فقبح الله من وضعه. "الضعيفة" (1/ 430 - 431).

[188] باب حكم الطواف بالقبور وهل يعذر بالجهل في مثل ذلك وهل أخذ الميثاق يكفي كحجة؟ وحكم أهل الفترة

[188] باب حكم الطواف بالقبور وهل يعذر بالجهل في مثل ذلك وهل أخذ الميثاق يكفي كحجة؟ وحكم أهل الفترة السؤال: ... ما حكم الطواف بالقبور؟ الشيخ: الطواف في القبور شرك لا شك في ذلك ولا ريب، إذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد قال كما في صحيح مسلم: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» وهذا نص صريح أنه لا يجوز اتخاذ القبر قبلة؛ لأن قبلة المسلم إنما هي بيت الله الحرام أو الكعبة المشرفة، فإذا طاف الطائف حول القبر فمعنى ذلك أنه نقل عبادة هي لله وحده لا شريك له إلى ذاك المقبور الذي يعتقد بأنه من الأنبياء أو الاولياء أو الصالحين، ولا شك أن مثل هذا الارتكاب هو إخلال بحق لا إله إلا الله؛ لأن معنى هذه الكلمة الطيبة: لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى، فربنا عز وجل يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (البينة: 5) فأي عبادة توجه لغير الله عز وجل فهو شرك بالله في توحيد العبادة لأنكم تعلمون فيما أعتقد أن العلماء المحققين قسموا التوحيد الذي ينجي يوم القيامة .. يوم رب العالمين ينقسم إلى ثلاثة أقسام فإذا أخل المسلم بواحد منها لم يكن موحداً حقاً: القسم الأول: توحيد الربوبية. والقسم الثاني: توحيد الألوهية، أي: توحيد العبادة. والقسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات. فمن وجه عبادة من العبادات التي تعبد الله عز وجل بها عباده إلى غيره عز وجل فقد اتخذه معه إلهاً؛ ولذلك نجد في القرآن الكريم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما كان يدعو المشركين من قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له بالكلمة الطيبة: {إِذَا قِيلَ

لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات: 35) وأيضاً حكى عنهم أنهم قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5) المشركون لم يكونوا ينكرون التوحيد الأول وهو توحيد الربوبية وتوحيد الخالقية وإنما كانوا يعترفون بذلك تماماً وإنما أنكروا توحيد العبادة لذلك قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5) فأنكروا على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما أمرهم بأن لا يذبحوا إلا لله، وأن لا يحلفوا إلا بالله، وأن لا ينذروا إلا لله .. أنكروا ذلك عليه وجعلوا ذلك علامة منهم على كفرهم وشركهم للألوهية وتوحيد الله عز وجل في العبادة، فقول المسلم أي مسلم كان: لا إله إلا الله محمد رسول الله هذا بلا شك ينجيه من عذاب الدنيا ألا وهو القتل كما قال عليه السلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإذا قالواها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» فمن قال: لا إله إلا الله نجا بنفسه من الموت لكن لا ينجو أمام الله عز وجل من الخلود في النار إلا إذا قام بحق هذه الكلمة وأول حقها هو عبادة الله عز وجل وحده لا شريك له. من طاف إذاً حول القبور فمعنى هذا أن ما عظمه بعبادة جعلها الله عز وجل عبادة له فنقلها هذا الضال من عبادته لله إلى عبادة مقبور وهو شرك لا شك ولا ريب فيه. الشيخ: هل هناك شيء آخر؟ مداخلة: [متى يقام الحد على مثل هذا؟] الشيخ: نعم، هذا السؤال حينما يراد إقامة الحد عليه؛ لأن هذا بهذا العمل يرتد، فإذا كان هناك من يقيم الحد، أي: القتل على المرتد حينذاك هذا الإنسان يؤتى به فيستتاب، لا يسأل: تعتقد أو لا تعتقد؛ لأن عمله برهان عن عقيدته، إنما

يستتاب بعد أن تقام عليه الحجة، أن هذا الطواف هو لبيت الله فقط عبادة وخضوع لله كالسجود لا فرق، فلو أن إنساناً سجد لشيخ له أو أمير له فهذا لا يسأل لماذا أنت تسجد، وهل تعتقد أن هذا يستحق التعظيم؛ لأن عمله يدل على التعظيم لكنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فالرسول عليه السلام قال كما على العموم: «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها» (¬1) فالسجود بعد هذا التعظيم ليس من حاجة أن يسأل: لماذا أنت تسجد؟ لكن نحن بحاجة أن نفهمه أن هذا السجود إشراك مع الله لمن تعظمه بنفس الوسيلة التي تعظم بها ربك، فإما أن ترتدع وإما أمامك لا سمح الله القتل. وسبب هذا الحديث الأخير أن معاذاً رضي الله عنه أتى الشام في زمن النبي عليه الصلاة السلام وغاب ما غاب عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم لما جاء إلى المدينة ووقع بصره على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أراد أن يسجد له، فقال له: «مه يا معاذ! قال: يا رسول الله! إني أتيت الشام فوجدت النصارى يسجدون لقسيسيهم وعلمائهم فرأيتك أنت أحق بالسجود منهم، فقال عليه السلام: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها» لكن لا يصلح السجود إلا لله تبارك وتعالى. إذاً: سواء من سجد لغير الله أو طاف بغير بيت الله لا حاجة بنا أن نسأله ماذا تعني .. أتعتقد أن هذا يستحق العبادة؟ سيقول لك: لا، ما أعتقد؛ لأنه لا يفهم ما هي العبادة، لكن نحن نقيم الحجة عليه ونفهمه أن هذا إشراك في قسم من التوحيد، ... الأول: قلنا الربوبية، والثاني: العبادة أو الألوهية، فإن استجاب وذلك ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم9370).

ما نبغي فبها ونعمت وإلا قتل كفراً ولا يدفن في مقابر المسلمين. مداخلة: هل يعذر الجاهل في أمور العقيدة مثل هذه الأمور؟ الشيخ: هذه أيضاً لنا فيها أكثر من شريط فيما أعتقد، والسؤال يحتاج إلى تفصيل، ... فالشاهد: يختلف الجاهل باختلاف المجتمع الذي يعيش فيه، فإذا كان مجتمعاً جاهلياً فهو يعذر؛ لأن ما في من يقيم الحجة عليه ويبين له التوحيد، وإذا كان مجتمعاً إسلامياً محضاً موحداً فلا يعذر، وبين هذا وهذا طبعاً وجوه كثيرة وربنا عز وجل هو الذي يعلم ما في الصدور، فمن علم الله منه أنه لم تبلغه حجة الله فيما كان جاهلاً به فهذا معذور عند الله لقوله تبارك وتعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: 15) ولقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» (¬1) يسمع بي، يعني: يسمع بدعوتي على حقيقتها ثم هو مع ذلك لا يؤمن فهو خالد في النار أبداً. هذا هو مجمل القول في هذه المسألة: المحيط والبيئة له أثر كبير جداً في تقويم الإنسان أو إفساده؛ ولذلك نهى عليه الصلاة السلام أن يسافر المسلم إلى بلاد الكفر ويساكنهم ويعاشرهم. مداخلة: ذهب القائلون يا شيخ بارك الله فيك: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (الأعراف: 172) ذهب القائلون في هذا إلى أنه لا يعذر الإنسان بجهله وقد أخذ الله عز وجل العهد عليه من ظهور .. فما رأيكم في هذا الدليل يا شيخ جزاك الله خيرًا؟ الشيخ: هذا بارك الله فيك استدلال هزيل جداً، وإنما معنى الآية السابقة: ¬

(¬1) السلسلة الصحيحة (7/ 1/245 - 251).

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: 15) هذا الاستدلال معناه: تعطيل حكمة بعث الرسل وإنزال الكتب، فلو كان ما وقع في عالم الأرواح كما يقولون يكفي لإقامة الحجة كان لم يقل ربنا عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: 15) ولم يكن هناك حاجة قصوى لإرسال الرسل وإنزال الكتب، وهذا استدلال خاطئ اعتزالي؛ لأن المعتزلة يفسرون الآية التي ذكرتها آنفاً: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: 15) أي: العقل، وهذا انحراف طبعاً عن السنة؛ لأن السنة توضح أن أربعة أجناس يوم القيامة يدلون بحجتهم: الطفل الذي لم يبلغ سن التكليف، والمجنون، والشيخ ... ، والرابع لا أذكره الآن .. المهم هؤلاء يحاسبون يوم القيامة حساباً غير حساب الناس .. يرسل الله تبارك وتعالى إليهم رسولاً فمن أطاع هذا الرسول دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، فلذلك الآية السابقة وهذا الحديث وما جاء في كتب التفاسير من السلف تبطل الاستدلال بالآية التي ذكرتها آنفاً. فضلاً عن الحديث الذي ذكرته أيضاً آنفاً وهو من الحجج: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل» فلو كانت الحجة السابقة صحيحة لم يكن لهذا الحديث معنى أبداً؛ لأن الحجة السابقة تسوي بين من سمع عن الرسول وبين من لم يسمع به إطلاقاً، وهذا لا يقول به عالم أبداً. مداخلة: معنى سمع بي؟ الشيخ: شرحته آنفاً .. سمع بدعوتي وعلى حقيقتها، وبأوصافه وشمائله المعروفة، وهذا أيضاً لنا بعض تسجيلات في هذه الفترة عندكم، نعم.

[189] باب الطواف حول القبور وثنية لا يرضاها الإسلام

مداخلة: أهل الفترة يا شيخ [ما حكمهم]؟ الشيخ: إذا كان المقصود باهل الفترة جماعة بخصوصهم فينبغي تعيينهم، وإذا كان المقصود بأهل الفترة ليس جماعة بخصوصهم وإنما هم أقوام لم تبلغهم دعوة نبي ورسول فقد سبق الجواب، فيا ترى! ما هو المقصود بأهل الفترة في سؤالك؟ مداخلة: يقول: هم الذين ما بلغتهم رسالة نبي الشيخ: سبق البحث: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: 15). رحلة النور" (2ب/10: 05: 00) [189] باب الطواف حول القبور وثنية لا يرضاها الإسلام [ذكر المعلمي في ترجمة أحمد بن عبد الله أبوعبد الرحمن العكي من «التنكيل» أن الرجل كان له شهرة وصيت .. ،فعلق الإمام قائلاً]: ولذلك كان زوار قبره يدورون حوله، وهذه وثنية لا يرضاها الإسلام، والله المستعان. "التعليق على التنكيل" (1/ 123). [190] باب لا تستقبل القبور حين الدعاء [قال الإمام]: لا (تُستقبل) القبور حين الدعاء لها، بل الكعبة؛ لنهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الصلاة إلى القبور كما سيأتي، والدعاء مخ الصلاة ولبها كما هو معروف فله حكمها، وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}

أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (10/ 151) والبخاري في «الادب المفرد» رقم (714) وأبو داود (1/ 551 - بشرح العون) والترمذي (4/ 178،223) وابن ماجه (2/ 428 - 429) وابن حبان (2396) والحاكم (1/ 491) وابن منده في «التوحيد» (ق 69/ 1) وأحمد (4/ 167،271،276،277) وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». ورواه أبو يعلى من حديث البراءة بن عازب كما في «الجامع الصغير»، وفي الباب عن أنس بن مالك مرفوعاً بلفظ: «الدعاء مخ العبادة»، أخرجه الترمذي (2234) وقال: «حديث غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة». قلت: وهو ضعيف لسوء حفظه، فيستشهد به إلا ما كان من رواية أحد العبادلة عنه فيحتج به حينئذ، وليس هذا منها، لكن معناه صحيح بدليل حديث النعمان، قال الطيبي في شرحه: «أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام «هو العبادة» ليدل على الحصر، وأن العبادة ليست غير الدعاء. وقال غيره: «المعنى هو من أعظم العبادة فهو كخبر «الحج عرفة» أي ركنه الأكبر، وذلك لدلالته على أن فاعله يقبل بوجهه إلى الله، مُعْرضاً عما سواه؛ لأنه مأمور به، وفعل المأمور عبادة، وسماه عبادة ليخضع الداعي، ويظهر ذلته، ومسكنته، وافتفاره؛ إذ العبادة ذل وخضوع ومسكنة» ذكره المناوي في «الفيض». قلت: فإذا كان الدعاء من أعظم العبادة، فكيف يتوجه به إلى غير الجهة التي

أمر باستقبالها في الصلاة، ولذلك كان من المقرر عند العلماء المحققين أن «لا يستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة». قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم» (ص 175): «وهذا أصل مستمر أنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه، ألا ترى أن الرجل لما نهي عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره، وهذا ضلال بين، وشر واضح، كما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين، وهو يستدبر الجهة التي فيها بيت الله، وقبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -! وكل هذه الاشياء من البدع التي تضارع دين النصارى». وذكر قبل ذلك بسطور عن الإمام أحمد وأصحاب مالك أن المشروع استقبال القبلة بالدعاء حتى عند قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد السلام عليه، وهو مذهب الشافعية أيضاً، فقال النووي في «المجموع» (5/ 311): وقال الإمام أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني- وكان من الفقهاء المحققين- في كتابه في «الجنائز»: «ولا يستلم القبر بيده: ولا يقبله»، قال: «وعلى هذا مضت السنة».قال: «واستلام القبور وتقبيلها الذي يفعله العوام الآن من المبتدعات المنكرة شرعاً، ينبغي تجنب فعله، وينهى فاعله» قال: «فمن قصد السلام على ميت سلم عليه من قبل وجهه، وإذا أراد الدعاء تحول عن موضعه، واستقبل القبلة»، وهو مذهب أبي حنيفة أيضاً، فقال شيخ الاسلام في «القاعدة

الجليلة في التوسل والوسيلة» (ص 125): «ومذهب الأئمة الأربعة: مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الاسلام أن الرجل إذا سلم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة، واختلفوا في وقت السلام عليه، فقال الثلاثة مالك والشافعي وأحمد: يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه، وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم، ثم في مذهبه قولان: قيل: يستدبر الحجرة، وقيل يجعلها عن يساره، فهذا نزاعهم في وقت السلام. وأما في وقت الدعاء فلم يتنازعوا في أنه إنما يستقبل القبلة، لا الحجرة، وسبب الاختلاف المذكور إنما هو من قبل أن الحجرة المكرمة لما كانت خارجة عن المسجد، وكان الصحابة يسلمون عليه لم يكن يمكن أحداً أن يستقبل وجهه - صلى الله عليه وآله وسلم - ويستدبر القبلة (¬1)، كما صار ذلك ممكناً بعد دخولها في المسجد بعد الصحابة، فالمسلم منهم إن استقبل القبلة صارت الحجرة عن يساره، وإن استقبلوا الحجرة، كانت القبلة عن يمينهم وجهة الغرب من خلفهم، قال شيخ الاسلام في «الجواب الباهر» (ص 14) بعد أن ذكر هذا المعنى: «وحينئذ فإن كانوا يستتقبلونه ويستدبرون الغرب فقول الأكثرين أرجح، وإن كانوا يستقبلون القبلة حينئذ ويجعلون الحجرة عن يسارهم فقول أبي حنيفة أرجح». ¬

(¬1) - وأما ما رواه اسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبيص» (رقم 101 بتحقيقي وطبع المكتب الاسلامي) عن ابن عمر» أنه كان يأتي النبيص فيضع، يده على قبره ويستدبر القبلة ثم يسلم عليه» فضعيف منكر كما بينته في التعليق عليه. [منه].

قلت: لقد ترك الشيخ رحمه الله المسألة معلقة، فلم يبت في أنهم كانوا يستقبلونها، أو يستقبلون القبر، وكأن ذلك لعدم وجود رواية ثابتة عنهم في ذلك، ولكن لو فرض أنهم كانوا يستقبلونه، فقد علمت أنهم في هذه الحالة كانوا يستدبرون الغرب لا القبلة، لعدم إمكان ذلك في زمانهم، وسبق أن الاكثرين يقولون باستقبال وجهه - صلى الله عليه وآله وسلم - أيضا عند السلام عليه، وهذا يستلزم استدبار القبلة، الأمر الذي نقطع أنه لم يقع في عهد الصحابة كما سلف، فهذا أمر زائد على استقبال الحجرة، ولا بد له من دليل لإثباته، فهل له من وجود؟ ذلك مما لا أعرفه، ولا رأيت أحداً من العلماء تعرض لهذا، سواء في خصوص قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أو في القبور عامة. نعم، استدل بعضهم على ذلك بحديث ابن عباس قال: «مر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن على الأثر».أخرجه الترمذي (2/ 156) والضياء في «المختارة» (58/ 192/1) من طريق الطبراني وقال الترمذي: «حسن غريب». قلت: في سنده قابوس بن أبي ظبيان قال النسائي: «ليس بالقوي».وقال ابن حبان: «ردئ الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له». قلت: وهذا من روايته عن أبيه، فلا يحتج به، ولعل تحسين الترمذي لحديثه هذا إنما هو باعتبار شواهده، فإن معناه ثابت في الأحاديث الصحيحة وقد مضى قريباً ذكر قسم طيب منها، إلا أن قوله: «فأقبل عليهم بوجهه» منكر لتفرد هذا الضعيف به. إذا عرفت هذا، فقد قال الشيخ علي القاري في «مرقاة المفاتيح» (2/ 407): «فيه دلالة على أن المستحب في حال السلام على الميت أن يكون وجهه

لوجه الميت، وأن يستمر كذلك في الدعاء أيضاً، وعليه عمل عامة المسلمين، خلافاً لما قاله ابن حجر من أن السنة عندنا أنه في حالة الدعاء يستقبل القبلة كما علم من أحاديث أخر في مطلق الدعاء». قلت: وفي هذا الاستدلال نظر ظاهر، إذ ليس في الحديث إلا إقباله - صلى الله عليه وآله وسلم - بوجهه على القبور، وأما الاقبال على وجوه الموتى، فشئ آخر وهو يحتاج إلى نص آخر غير هذا، وهو مما لا أعرفه. فالحق أن الحديث لو ثبت سنده لكان دليلاً واضحاً على أن المار بالقبور يستقبلها بوجهه حين السلام عليها والدعاء لها، كيفما كان الاستقبال، وحسبما يتفق دون قصد لوجوه الموتى، أما والسند ضعيف كما سبق بيانه فلا يصلح للاستدلال به أصلاً. ولا ينافي ما تقدم عن الإمام مالك من عدم مشروعية استقبال الحجرة عند الدعاء الحكاية التي جاء فيها أن مالكاً لما سأله المنصور العباسي عن استقبال الحجرة، أمره بذلك، وقال: هو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم؛ لأنها حكاية باطلة، مكذوبة على مالك، وليس لها إسناد معروف، ثم هي خلاف الثابت المنقول عنه بأسانيد الثقات في كتب أصحابه كما ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي وغيره. ومثلها ما ذكروا عنه أنه سئل عن أقوام يطيلون القيام مستقبلي الحجرة يدعون لأنفسهم، فأنكر مالك ذلك، وذكر أنه فمن البدع التي لم يفعلها الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وقال: «لا يصلح آخر هذه الامة إلا ما أصلح أولها» (¬1). "أحكام الجنائز" (ص246 - 251) ¬

(¬1) انظر «قاعدة جليلة» لابن تيمية (ص 53 - 62). [منه]

[191] باب حكم قصد القبر للدعاء عنده تبركا

[191] باب حكم قصد القبر للدعاء عنده تبركاً [قال الإمام]: (قصد) القبر للدعاء عنده تبركاً به لا يشرع، بل هو من الشركيات والوثنيات التي ابتلي بها كثير من المسلمين، كما شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص128). [192] باب منه [قال الإمام]: [جاء] في " حاشية الباجوري على ابن قاسم " [ما] نصه (1/ 277): " ويكره تقبيل القبر واستلامه، ومثله التابوت الذي يجعل فوقه وكذلك الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء ".ثم استثنى مخرِّباً بيده لما بنى فقال: " إلا إن قصد به التبرك بهم فلا يكره " قلت [القائل الألباني]: وهل البلاء كله إلا من مثل هذا التبرك الموصل إلى الشرك؟. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص129). [193] باب حكم استقبال القبور بالدعاء [قال الإمام]: يستقبل كثير من الناس الهلال عند الدعاء، كما يستقبلون بمثله القبور، وكل ذلك لا يجوز؛ لما تقرر في الشرع أنه «لا يستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة» وما أحسن ما روى ابن أبي شيبة (12/ 8/11) عن علي قال: «إذا رأى الهلال فلا

[194] باب هل يشرع تقصد القبر بالسلام والدعاء؟

يرفع إليه رأسه، إنما يكفي من أحدكم أن يقول: ربي وربك الله».وعن ابن عباس: أنه كره أن ينتصب للهلال، ولكن يعترض ويقول: «الله أكبر ... ». "تحقيق الكلم الطيب" (ص 139). [194] باب هل يشرع تقصد القبر بالسلام والدعاء؟ سؤال: بالنسبة لبعض الناس الذين يصلون في الحرم، الملاحظ بعض الناس يقفون في مكانهم بعد التسليم، ثم بعد ذلك يتجه باتجاه القبر .. الذي يقول: أنا أصلي وأسلم على قبر .. الشيخ: ... هذا لا يجوز في الإسلام، لا يجوز استقبال القبور في أثناء السلام والدعاء إلا ما يتيسر، أما أن يتقصد من بعيد أن يتوجه إلى قبر النبي عليه السلام أو الولي أو الصالح فهذا ليس من الإسلام في شيء. "لقاءات المدينة" (1/ 00: 39: 03) [195] باب وضع المال عند القبر غير مشروع [قال صديق حسن في «الروضة الندية» (2/ 516): «ومن وضع مالا في مسجد أو مشهد لا ينتفع به أحد؛ جاز صرفه في أهل الحاجات ومصالح المسلمين». [فعلق الإمام قائلاً]: «ليس يريد المؤلف به [أي بالمشهد] المعنى المتعارف عليه؛ وهو المكان الذي دُفن فيه أحد الصالحين؛ فإن هذا غير مشروع». «التعليقات الرضية» (2/ 516).

[196] باب هل يجوز تعليم القبر وزيارته بعينه؟

[196] باب هل يجوز تعليم القبر وزيارته بعينه؟ سؤال: بالنسبة لزيارة القبور: هل يجوز تعريف قبر معين والذهاب إليه لزيارته خصيصاً قبر صديق، يعني: صديق دفن في البقيع هل يجوز تعريف قبره والذهاب إليه الوقوف عليه والدعاء له فيه. الشيخ: يجوز؛ لأن الرسول قال: «وعلموا به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي» لكن لا ينبغي أن يترتب من وراء ذلك شيء من الغلو. "الهدى والنور" (80/ 42: 39: 00 ( [197] باب حكم البناء على القبر للضرورة والكتابة عليه [سئل الإمام سؤالاً مفاده أنه إذا كان الحجر الذي يوضع على القبر كعلامة له يضيع بسبب كثرة الزائرين وكثرة من يمشي على القبور، فهل يجوز في هذه الحالة إقامة بناء صغير على القبر يقوم بالغرض؟] الشيخ: عرفت الحكم الشرعي، يعني الأصل هو تحريم البناء على القبر، لكن إذا الله عز وجل يقول بعدما حرم اللحوم المحرمة كلحم الخنزير يقول: «إلا ما اضطررتم إليه»، فمعناها الضرورات تبيح المحظورات، لكن مش على كيفنا، الضرورة تقدر بقدرها في حدود القاعدة هذه تقدر تتصرف بالإضافة إلى القبر بغرض صيانتة وعدم إهانته، أما نقعد نشتغل بالبنى والتزيين والزخرفة ... فإذاً عرفت فالزم. مداخلة: عندما دفنا الميت جبنا حجر وضعناه كشاهد لأجل التراب والهواء والغبرة لو أجينا صبينا صبة باطون على نفس الأرض ووضعنا الشاهد بدون كتابة.

الشيخ: هذا نفس البحث في حدود الحاجة بس. مداخلة: أما يعمل حجرة حجرة هذا مكروه. الشيخ: نعم. مداخلة: ... قبل سنتين تقريبا [قرأت] فتوى في الجريدة ذكروا بالنسبة للكتابة على الشاهد جواز ذلك واستشفوا ذلك من حديث: « ... قبر أخي»، قال الآن الكتابة من وسائل التعلم أو من وسائل معرفة القبر هذا لمن صاحبه فما رأيكم؟ -رأيي يعرف بالجواب السابق الضرورة تقدر بقدرها، فأنا أقول إذا كان ليس هناك وسيلة لتعليم القبر إلا بالكتابة فيجوز بحكم الضرورة إذا كان لا يوجد هناك وسيلة أخرى، أنا الآن راح أضرب لك مثل، أدخل المقبرة هذه التي ممكن تكون أوسع مقبرة في هذا البلد ستجد شواهد كثيرة وكل شاهد مكتوب عليها اسم صاحب القبر، أولاً ستجد الكتابات ما هي واقفة في حدود الحاجة مش مكتوب فقط الاسم مكتوب سنة وفاته رحمه الله والفاتحة وإلخ هذا نحن بحاجة له؟ مداخلة: لا. الشيخ: الذين أعطوا هذه الفتوى ما أعطوا هذه القيود. هذه واحدة، ثاني واحدة إذا مثل أبو عزت الله يرحمه وضعنا شاهدين وخطينا خط هيك أسود صار علامة ولّا لا. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب من شان إيش الكتابه. هذا مثال لتحديد الكلام الذي قلناه آنفا أن الضرورات تبيح المحظورات،

[198] باب حكم إحياء قبور الصحابة والعناية بها

لكن أيش؟ تقدر بقدرها، ما دام في نهي عن الكتابة نبتعد عن الكتابة النهي، إذا كان في بديل عنها وهاي أنا جبتلك بديل، هلا عندك إشكال شو إشكالك حول الخط؟ مداخلة: الإشكال على الخط أنه هذه العلامة التي أراها لا يعرفها إلا واضعها. الشيخ: وهذا المقصود. مداخلة: لكن مثلاً بعض الأقارب. الشيخ: شو المقصود بالكتابة التي أبيحت وهي منهي عنها أليس أن أصحابه يعرفون القبر. مداخلة: نعم لكن في مثلاً أقارب مثلا بدهم يجوا يزوروا القبر ما بيعرفوا هذه العلامة. الشيخ: يعرفوا من الأقارب، يعرفوا من الأقارب. "الهدى والنور" (174/ 06: 17: 00 ( [198] باب حكم إحياء قبور الصحابة والعناية بها سؤال: شيخنا قلت أن عائشة رضي الله عنها بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - زارت القبور، هل هناك نص في هذا؟ الشيخ: أي نعم، جاء في سنن الترمذي أن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق أخاها، مات بعيداً عن المدينة. زارت قبره، وأظن بهذه المناسبة ذكرت بيتين من الشعر وقالت:

من يذكر منكم البيتين؟ هم بيتين حلوين، المهم أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن. مداخلة: يعني الأثر هذا في سنن الترمذي. الشيخ: أي نعم، وفي هذا الأثر فائدة بالنسبة لنا نحن الدمشقيين؛ لأن هناك في منتصف شارع بغداد مسجد يسمى بمسجد عبد الرحمن، ويعنون به مكتوب لوحة هناك: مسجد عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وفيه قبر بالداخل، وأنا بطبيعة الحال عمري ما صليت هناك، نريد أن نقول لهم: يا جماعة! ما الذي أتى بعبد الرحمن بن أبي بكر هنا في دمشق، وهو مات قريب من المدينة، وذهبت أخته السيدة عائشة وزارته، وقالت هذا الشعر الذي يحزن ويذكر، كيف كانت عائشة في هناء وسرور، ثم جاء الموت الذي لا نجاة منه ففرق بينهما. وهكذا تساعد الروايات الصحيحة بإبطال كثير من الأفكار والآراء القائمة على التقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان. وبهذه المناسبة جاءني منذ ليلتين أظن على موعد سابق بيني وبين الأخ عبد الفتاح عمر، قال في مهندس ما أذكر إيش قال بالجامعة له علاقة بالأوقاف، نسيت ... المهم، كان يريد موعد لأجل مناسبة سمعتم أنه هناك مشروع لإحياء قبور الصحابة والعناية بها، و ... إلى آخره من هذا الكلام، فهو يريد أن يعرف رأيك بالموضوع. المهم، حصل اللقاء، جاؤوا هم الثلاثة، عبد الفتاح وهذا المهندس ومهندس آخر، فهو نقل الفكرة التي يتذرعون بها لتجديد مقامات الصحابة، وبعض الأنبياء

الذين يزعمون أن لهم قبور هنا، مثل شعيب وغيره ويوشع ... [وذكروا] أن هذا الغرض منه إبقاء وتخليد ذكراهم وتذكير الناس؛ من هذه الفلسفة المادية التي لا قيمة لها إطلاقاً. وكانت جلسة مفيدة في اعتقادي، لأن هذا المهندس لأول مرة يسمع رأي الشرع الصحيح في مسألة مقامات، لأنه هو سأل السؤال، وأنا استلمت الجواب من بعد صلاة المغرب إلى أذان العشاء على سؤال واحد، وقلنا له: يا أخي الشرع .. لخصنا له الموضوع ... وأنا ذكرت له المصدرين كمرجع له: «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد»، «وأحكام الجنائز وبدعها». الشيخ: أي نعم، فقلت له: يا أخي! هذه النغمة التي تذاع الآن وتشاع، أن هذا لأجل التذكير بأعمال هؤلاء الصالحين .. وإلى آخره. هذه أولاً وَهْمٌ لا حقيقة لها. ثانياً: يترتب على المفاسد المتعلقة بالتوحيد ما لا قيمة تذكر لذلك الوهم لو كان حقيقة، تجاه هذه المفاسد. وذكرت له حكمة التشريع، وكيف أن الرسول نهى في أول الأمر الحديث السابق، ثم أذن لما تمكن الناس من معرفة حق الله على عباده، وأنه يجب عليهم ألا يشركوا به شيئاً إطلاقاً، فقال لهم: «ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة». وفي نهاية الجلسة قلت: إذا كان الأخ أخذ الجواب بتمامه فالحمد لله، وإلا نتواعد بجلسة أخرى إن شاء الله، ننظر فيما إذا كان هناك بعض الأسئلة. "الهدى والنور" (164/ 54: 43: 00).

جماع أبواب الكلام حول حكم شد الرحال للقبور والمواطن الفاضلة وحكم تتبع آثار الأنبياء والصالحين وتقصدها

جماع أبواب الكلام حول حكم شد الرحال للقبور والمواطن الفاضلة وحكم تتبع آثار الأنبياء والصالحين وتَقَصُّدَها

[199] باب بدعية تتبع آثار الأنبياء والصالحين

[199] باب بدعية تتبع آثار الأنبياء والصالحين [ذكر الإمام من بدع الحج]: «قصد بقعة يرجو الخير بقصدها، ولم تستحب الشريعة ذلك، مثل المواضع التي يقال: إن فيها أثر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يقال في صخرة بيت المقدس، ومسجد القدم قبلي دمشق، وكذلك مشاهد الأنبياء والصالحين». [ثم علق في الحاشية قائلاً]: وقد صح عن عمر رضي الله عنه انه رأى الناس في حجته يبتدرون إلى مكان، فقالوا: ما هذا، فقال مسجد صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: «هكذا هلك أصحاب الكتاب، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً من عرضت له منكم فيها الصلاة فليصل وإلا فلا يصل». انظر كتابنا «تحذير الساجد» (ص 97) ثم قابل ذلك بما في «الإحياء» (1/ 235 طبع الحلبي) تر عجباً. "حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص109 - 110). [200] باب حكم تتبع آثار الأنبياء؟ مداخلة: هناك أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى أناسًا يتبادرون إلى مكان، فسأل عن هذا المكان فقالوا: ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى فيه، فنهاهم عنه فقال: «ما أدركتم فصلوا ولم تدركوا فليمض» فما هو وجه التناقض مع عبد الله بن عمر ... وكان يتابع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في جميع أفعاله، فكيف نوفق بين القولين؟ الشيخ: لا شك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أفقه من ابنه عبد الله، وإن كان ابنه عبد الله كان فيما يبدو أعبد من كثير من الصحابة، فعمر بن الخطاب

في القصة التي أنت أشرت إليها، قال: ما أدركته الصلاة في موطن من هذه المواطن التي كان قد صلى فيها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فليصل، ومن لا فلا تفعلوا، فإنما أهلك من كان قبلكم اتباعهم آثار أنبيائهم، فهو رضي الله عنه نهى الناس عن تتبع آثار الرسول عليه السلام خشية أن يقعوا في نوع من الغلو الذي نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في مثل قوله: «إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك الذين من قبلكم غلوهم في دينهم» (¬1) فعمر خشي على الناس خاصة الناس الذين يأتون من بعد أن يقعوا في شيء من هذا الغلو فنهاهم عن تتبع الآثار. أما ابن عمر عبد الله فهو كان يتتع آثار الرسول عليه السلام، وهذا من حبه لنبيه كان يغالي في التتبع غلوًا لا يراه والده عمر ولا غيره من الصحابة، فكان موقف عمر أقرب إلى باب سد الذريعة من موقف ابنه عبد الله بن عمر، فالصواب الذي ينبغي أن يكون عليه سائر الناس: هو ما نصح به عمر الناس يومئٍذ وليس ما كان عليه ابنه عبد الله بن عمر؛ لأن هذا يحتاج إلى إنسان فقيه دقيق الفقه حتى يقف عند الحدود ولا يغالي في محبة الرسول عليه السلام، هذه المحبة التي قد تدفع بعض المحبين إلى أن يغالوا في محبوبهم كما فعلت النصارى في عيسى عليه الصلاة والسلام، فما فعله عمر هو الصواب في هذه المسألة، فلا يجوز تتبع آثار الأنبياء وكأن من أدلة ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» فلم يحض الرسول عليه السلام على أن يتتبع المسلم شيئًا من آثار الأنبياء إلا هذه المساجد الثلاثة. "فتاوى جدة -الأثر-" (24/ 01: 08: 06) ¬

(¬1) السلسلة الصحيحة (3/ 278).

[201] باب تقصد آثار الأنبياء للصلاة عندها وسيلة للشرك

[201] باب تَقَصًد آثار الأنبياء للصلاة عندها وسيلة للشرك [قال الإمام]: بالغ ابن حزم فقال: «ولا تجزئ الصلاة في مسجد أحدث مباهاة أو ضراراً على مسجد آخر إذا كان أهله يسمعون نداء المسجد الأول، ولا حرج عليهم في قصده، والواجب هدمه، وهدم كل مسجد أحدث لينفرد فيه الناس كالرهبان أو يقصدها أهل الجهل طلباً لفضلها، وليست عندها آثار لنبي من الأنبياء عليهم السلام». وفي كلامه الأخير إشارة إلى جواز قصد آثار الأنبياء للصلاة عندها، وهذه مسألة اختلف فيها العلماء قديماً، والذي يترجح عندنا المنع من قصدها؛ لأنه لا دليل من الكتاب والسنة على جوازه، ولأنه قد يؤدي إلى الغلو وهو منهي عنه، ولنهي عمر رضي الله عنه، فقد روى سعيد بن منصور في (سننه): ثنا أبو معاوية: ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن عمر رضي الله عنه قال: خرجنا معه في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} (الفيل: 1) و {لإيلاف قريش} (قريش: 1) في الثانية، فلما رجع من حجته رأى الناس ابتدروا المسجد فقال: ما هذا؟ قالوا: مسجد صلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه، فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً، من عرضت له منكم الصلاة فيه فليصل، ومن لم تعرض له الصلاة فليمض» وهذا إسناد صحيح على شرط الستة. فقد كره رضي الله عنه اتخاذ مصلًّى النبي عيداً، وبين أن أهل الكتاب إنما هلكوا بمثل هذا، وهذا مذهب مالك وغيره من أهل المدينة، فقد كانوا يكرهون

[202] باب من وسائل الشرك: تتبع آثار الأنبياء والصاحين

إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي في المدينة ما عدا قباء وأُحداً. وتفصيل القول في هذا المقام راجعه في «اقتضاء الصراط المستقيم». وما رجحناه من المنع إنما هو في المواضع التي صلى فيها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اتفاقاً، وأما الأماكن التي كان عليه الصلاة والسلام يقصدها للصلاة والدعاء عندها فقصدها من أجل ذلك سنة اقتداءً به عليه السلام، ثم إن ذلك المنع إذ لم يقترن به شد رحل، وأما إذا اقترن به ذلك فهو ممنوع قطعاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... » الحديث. "الثمر المستطاب" (1/ 471 - 472). [202] باب من وسائل الشرك: تتبع آثار الأنبياء والصاحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «اجتمع الكفار يتشاورون في أمري فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ياليتني بالغوطة بمدينة يقال لها دمشق، حتى آتي الموضع مستغاث الأنبياء حيث قَتَلَ ابن آدم أخاه، فأسال الله أن يهلك قومي فإنهم ظالمون، فأتاه جبريل فقال يا محمد ائت بعض جبال مكة فأوإلى بعض غاراتها، فإنها معقلك من قومك، قال: فخرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأبو بكر رضي الله عنه معه حتى أتيا الجبل، فوجدا غاراً كثير الدواب، فجعل أبو بكر رضي الله عنه يمزق رداءه، وسد الثغور، والثقب، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول اللهم لاتنساها لأبي بكر». [قال الإمام]: حديث منكر ... وحديث هجرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مشهور مستفيض من وجوه شتى، وليس في شيء منهما ما في هذا الحديث من تمنية - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يكون بالغوطة ليأتي

مستغاث الأنبياء فيدعو على قومه! ولست أشك أن هذا القدر منه مكذوب موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقد علم كل مطلع على السنّة أن لم يكن من هديه عليه السلام تتبع آثار الأنبياء والدعاء عندها، بل هذا مما نهى عنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره، وقد ورد عنه في ذلك ثلاث قصص: القصة الأولى: عن ابن سويد قال: خرجت مع أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب من مكة إلى المدينة، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة، ثم رأى الناس يذهبون مذهباً فقال: «أين يذهب هؤلاء؟» قيل: «يا أمير المؤمنين مسجد صلّى فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هم يأتون يصلّون فيه».فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعاً، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصلّ، ومن لا فليمضِ ولا يتعمدها». رواه سعيد بن منصور في «سننه»، وابن وضاح القرطبي في «البدع والنهي عنها» (ص41 و42) بإسناد صحيح على شرط الشيخين. القصة الثانية: عن نافع: أن الناس كانوا يأتون الشجرة. فقطعها عمر. (رواه ابن وضاح ص: 42 - 43، ورجال إسناده ثقات، وروى عن شيخه عيسى بن يونس مفتي أهل طرطوس: «قطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحت فخاف عليهم الفتنة».وراجع لي كتابي «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد». القصة الثالثة: ما وقع في عهده رضي الله عنه من تعمية قبر دانيال، فيما رواه أبو خلدة خالد

بن دينار، قال ما مختصره: حدثنا أبو العالية قال: «لما فتحنا تستر، وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس لا ينبشونه، قلت: وما يرجون منه؟ قالت: من كنت تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له: دانيال» (رواه ابن إسحاق في مغازيه، ورواه غيره على وجوه أخر وفي بعضها أن الدفن كان بأمر عمر). ومن هذا الباب ما ورد عن علي بن الحسين رضي الله عنها أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، فقال: «ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا تتخذوا عند قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم». (رواه الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» , ورواه أبو يعلي في مسنده، وفي إسناده رجل من أهل البيت مستور، وبقية رجاله ثقات). ففي هذه الآثار النهي عن قصد قبور الأنبياء وتتبع آثارهم للصلاة والدعاء عندها، وذلك سداً للذريعة وخشية الغلو فيهم المؤدي إلى الشرك بالله تعالى. ولذا لم يكن ذلك من فعل السلف الصالح رضي الله عنهم، بل قال شيخ الإسلام في «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» ما ملخصه (ص186 - 187): كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجاً وعمَّاراً ومسافرين ولم ينقل عن أحد منهم أنه تحرَّى الصلاة في مصليات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحباً لكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسنته، وأتبع لها من غيرهم، وأيضاً

فإن تحرَّي الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد، وذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والشارع قد حسم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وبالنهي عن اتخاذ القبور مساجد. فإذا كان قد نهى عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان سداً للذريعة فكيف يستحب قصد الصلاة والدعاء في مكان اتفق قيامهم فيه أو صلاتهم فيه من غير أن يكون قصدوه للصلاة فيه؟.ولو ساغ هذا لاستحب قصد جبل حراء والصلاة فيه، وقصد جبل ثور والصلاة فيه، وقصد الأماكن التي يقال أن الأنبياء قاموا فيها كالمقامين اللذين بجبل قاسيون بدمشق اللذين يقال أنهما مقام إبراهيم عليه السلام، والمقام الذي يقال إنه مغارة دم قابيل، وأمثال ذلك من البقع التي بالحجاز والشام وغيرها. ثم ذلك يفضي إلى ما أفضت إليه مفاسد القبور، فإنه يقال: أن هذا مقام نبي أو قبر نبي أو ولي، بخبر لا يعرف قائله، أو نمام لا تعرف حقيقته!. ثم يترتب على ذلك اتخاذه مسجداً فيصير وثناً يعبد من دون الله تعالى؛ شرك مبني على إفك، والله سبحانه يقرن في كتابه بين الشرك والكذب، كما يقرن بين الصدق والإخلاص. ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح: «عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله (مرتين)». ثم قرأ: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان، واجتنبوا قول الزور، حنفاء لله غير مشركين} (¬1). ثم قال مثل هذا القول في الكتاب المذكور (ص203 - 204) ثم قال: ¬

(¬1) سورة الحج، الآية 30. [منه].

(ص208 - 209): وقد صنف طائفة من الناس مصنفات في فضائل بيت المقدس وغيره من البقاع التي بالشام، وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب وعمن أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم، وأمثل من ينقل عنه تلك الإسرائيليات كعب الأحبار. وكان الشاميون قد أخذوا عنه كثيراً من الإسرائيليات، وقد قال معاوية رضي الله عنه: وما رأينا في هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب أمثل من كعب، وإن كنا لنبلو عليه الكذب أحياناً. وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم باطل فتصدقوه، وإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه». ومن العجب أن هذه الشريعة المحفوظة مع هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة، إذا حدث بعض أعيان التابعين عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بحديث كعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وأبي العالية ونحوهم، وهم من خيار علماء المسلمين وأكابر أئمة الدين، توقف أهل العلم في مراسيلهم وليس بين أحدهم وبين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا رجل أو رجلان أو ثلاثة مثلاً، فكيف بما ينقله كعب الأحبار وأمثاله عن الأنبياء، وبين كعب وبين النبي الذي ينقل عنه ألف سنة أو أكثر أو أقل، وهو لم يسند ذلك عن ثقة بعد ثقة بل غايته أن ينقل عن بعض الكتب التي كتبها شيوخ اليهود، وقد أخبر الله عن تبديلهم وتحريفهم، فكيف يحل للمسلم أن يصدق شيئاً بمجرد هذا النقل؟ بل الواجب أن لا يصدق ذلك ولا يكذبه إلا بدليل يدل على كذبه، وهكذا أمرنا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وفي هذه الإسرائيليات مما هو كذب على الأنبياء أو منسوخ في شريعتنا ما لا يعلمه إلا الله، ومعلوم أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان قد فتحوا البلاد بعد موت النبي

[203] باب هل شد الرحال يحرم لغير المساجد الثلاثة من المساجد فقط أم أن ذلك عام؟

وسكنوا بالشام والعراق ومصر، وغير هذه الامصار، وهم كانوا أعلم بالدين وأتبع له ممن بعدهم وليس لأحد أن يخالفهم فيما كانوا عليه، فما كان من هذه البقاع لم يعظموه أو لم يقصدوا تخصيصه بصلاة أو دعاء أو نحو ذلك، لم يكن لنا أن نخالفهم في ذلك. وإن كان بعض من جاء بعدهم من أهل الفضل والدين فعل ذلك لأن اتّباع سبيلهم أولى من أتباع سبيل من خالف سبيلهم، وما من أحد نقل عنه ما يخالف سبيلهم إلا وقد نقل عن غيره ممن هو أعلم وأفضل انه خالف سبيل هذا المخالف، وهذه جملة جامعة لا يتسع هذا الموضع لتفصيلها. وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - «لما أتى بيت المقدس ليلة الإسراء صلى فيه ركعتين، ولم يصل بمكان غيره ولا زار». "تخريج أحاديث فضائل الشام" (ص 48 - 56). [203] باب هل شد الرحال يحرم لغير المساجد الثلاثة من المساجد فقط أم أن ذلك عام؟ سؤال: [قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: تشد الرحال هذا يا شيخ: يقصد في المساجد أو عام لكل .. لكل الأسفار. لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد يعني: لا تشد إلا إلى هذه من بين المساجد؟ الشيخ: هذه مسألة كما لا يخفاك خلافية منذ القديم، لكن الصحيح أن النص عام والمستثنى خاص لا تشد الرحال إلى الموضع من المواضع لقصد تفضيل ذلك المكان إلا هذه المساجد الثلاثة، وأذكر أنني كنت عالجت هذه المسألة بالذات في كتاب: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، وذكرت هناك أقوال العلماء في تأويل الحديث ودعمت هذا القول الذي ذكرته آنفاً بخبر صحيح

[204] باب حديث: «لا تشد الرحال» يشمل المواطن الفاضلة

الإسناد في مسند الإمام أحمد أن أبا بصرة الغفاري رضي الله عنه لقي أبا هريرة قادماً من سفر، فلما سأله من أين؟ قال: من الطور، قال: لو علمت لما ذهبت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وذكر الحديث في لفظ آخر لا تعمل المطي إلى مسجد من المساجد إلا المساجد الثلاثة. فاستفدنا من هذه الرواية أن الصحابي راوي الحديث الذي سمعه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يفهم أن الحديث على عمومه، هذا بالإضافة إلى أنه لا يوجد من يعارض هذا الفهم العام. "الهدى والنور" (723/ 58: 47: 00) و (723/ 00: 49: 00) [204] باب حديث: «لا تشد الرِّحال» يشمل المواطن الفاضلة عن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال: لقي أبو بصرة الغفاري أبا هريرة وهو جاء من الطور فقال: من أين أقبلت؟ قال: من الطور صليت فيه قال: أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلت؛ إنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى. (صحيح). [قال الإمام]: الحديث عام يشمل المساجد وغيرها من المواطن التي تقصد لذاتها أو لفضل يدعى فيها، ألا ترى أن أبا بصرة رضي الله عنه قد أنكر على أبى هريرة سفره إلى الطور وليس هو مسجدًا يصلى فيه، وإنما هو جبل كلم الله فيه موسى عليه

[205] باب بدعية شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين

السلام فهو جبل مبارك ومع ذلك أنكر أبو بصرة السفر إليه وقد ثبت مثله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كما بينته في غير هذا الموضع. "إرواء الغليل" (4/ 143). [205] باب بدعية شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين [ذكر الإمام مِن بدع ما قبل الإحرام في الحج]: «السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين» [ثم علق في الحاشية قائلاً]: وأما الزيارة التي ليس معها سفر فهي مشروعة باتفاق العلماء ومنهم أبن تيمية، وكل من يتهمه بانكارها فهو جاهل أو مغرض. "حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص108). [206] باب ما هو الحكم الشرعي في شد الرحال إلى القبور؟ سؤال: ما هو الحكم الشرعي في شد الرحال إلى القبور؟ الشيخ: ... (إذا) كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن شد الرحال إلى مسجد من المساجد الثلاثة، فمن باب أولى ينهى عن السفر إلى قبر من القبور الذي لا فضيلة له ولا مزية من حيث أنه لا شبه له بالمساجد التي هي خير البقاع لعموم قوله عليه الصلاة والسلام، فإذا نهى عن شد الرحال إلى المساجد وهي خير البقاع، إلا ما سوى المساجد الثلاثة، فلأن ينهى عن شد الرحال إلى أي مزار أو قبر هذا من باب أولى، وهنا نستطيع أن نقول: يلتقي صحة النظر مع صحة الأثر وليس بعد ذلك لأحد من أمر. " الهدى والنور" (6/ 46: 24: 00)

[207] باب حكم شد الرحال إلى القبور وإلى المواطن الفاضلة

[207] باب حكم شد الرحال إلى القبور وإلى المواطن الفاضلة [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إنما تضرب أكباد المطي إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى». [قال الإمام]: «عن سعيد بن أبي سعيد المقبري: أن أبابصرة جميل بن بصرة لقى أبا هريرة وهو مقبل من الطور فقال لو لقيتك قبل أن تأتيه لم تاته، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: فذكره» والحديث في " الصحيحين " وغيرهما من طرق عن أبي هريرة بلفظ " لا تشد الرحال " وقد خرجتها في " إرواء الغليل " (رقم 951)، وإنما خرجته هنا لهذه الزيادة التي فيها إنكار أبي بصرة على أبي هريرة رضي الله عنهما سفره إلى الطور، ولها طرق أخرى أوردتها هناك، فلما وقفت على هذه الطريق أحببت أن أقيدها هنا، وقد فاتتني ثم. وفي هذه الزيادة فائدة هامة، وهي أن راوي الحديث وهو الصحابي الجليل أبو بصرة رضي الله عنه قد فهم من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن النهي يشمل غير المساجد الثلاثة من المواطن الفاضلة كالطور وهو جبل كلم الله عليه موسى تكليما ولذلك أنكر على أبي هريرة سفره إليه، وقال: " لو لقيتك قبل أن تأتيه لم تأته " وأقره على ذلك أبو هريرة ولم يقل له كما يقول بعض المتأخرين: " الاستثناء مفرغ، والمعنى: لا تسافر لمسجد للصلاة فيه إلا لهذه الثلاثة "! بل المراد: لا يسافر إلى موضع من المواضع الفاضلة التي تقصد لذاتها ابتغاء بركتها وفضل العبادة فيها إلا إلى ثلاثة مساجد.

[208] باب بدعية قصد المساجد التي بمكة غير المسجد الحرام

وهذا هو الذي يدل عليه فهم الصحابين المذكورين، وثبت مثله عن ابن عمر رضي الله عنه كما بينته في كتابي " أحكام الجنائز وبدعها " وهو الذي اختاره جماعة من العلماء كالقاضي عياض، والإمام الجويني والقاضي حسين، فقالوا: "يحرم شد الرحل لغير المساجد الثلاثة كقبور الصالحين والمواضع الفاضلة".ذكره المناوي في " الفيض ". فليس هو رأي ابن تيمية وحده كما يظن بعض الجهلة وإن كان له فضل الدعوة إليه، والانتصار له بالسنة وأقوال السلف بما لا يعرف له مثيل، فجزاه الله عنا خير الجزاء. فهل آن للغافلين أن يعودوا إلى رشدهم ويتبعوا السلف في عبادتهم وأن ينتهوا عن اتهام الأبرياء بما ليس فيهم؟. "الصحيحة" (2/ 697 - 698). [208] باب بدعية قصد المساجد التي بمكة غير المسجد الحرام [ذكر الإمام: مِن بدع الحج]: «قصد المساجد التي بمكة، وما حولها، غير المسجد الحرام، كالمسجد الذي تحت الصفا، وما في سفح أبي قبيس، ومسجد المولد، ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -». «مجموعة الرسائل الكبرى» (2/ 388 - 389) و «تفسير سورة الإخلاص» لابن تيمية (179). "حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص112 - 113).

[209] باب بدعية قصد الجبال والبقاع التي حول مكة

[209] باب بدعية قصد الجبال والبقاع التي حول مكة [ذكر الإمام من بدع الحج]: «قصد الجبال والبقاع التي حول مكة، مثل جبل حراء، والجبل الذي عند منى، الذي يقال: إنه كان فيه الفداء، ونحو ذلك». «مجموعة الرسائل الكبرى» (2/ 289). "حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - "" (ص112 - 113). [210] باب بدعية قصد الصلاة في مسجد عائشة [ذكر الإمام من بدع الحج]: «قصد الصلاة في مساجد عائشة بـ (التنعيم)». «مجموعة الرسائل الكبرى» (2/ 357 - 358). "حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص113). [211] باب بدعية قصد شيء من المساجد والمزارات التي بالمدينة غير المسجد النبوي ومسجد قباء [ذكر الإمام من بدع زيارة المدينة النبوية]: «قصد شيء من المساجد والمزارات التي بالمدينة وما حولها بعد مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا مسجد قباء». «تفسير سورة الإخلاص» (173 - 177). حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص144)

[212] باب لا يجوز شد الرحل إلى مسجد قباء مع فضيلته

[212] باب لا يجوز شد الرحل إلى مسجد قباء مع فضيلته [تَكلَّم الإمام على فضل المساجد الثلاثة ثم قال]: ثم مسجد قباء وهو المراد من قوله تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} (التوبة/108) فإنه لما نزلت «أتاهم عليه الصلاة والسلام في مسجد قباء فقال: «إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئاً إلا أنه كان لنا جيران من اليهود، وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا [قال: وهو ذاك فعلكيم به]» ... وللصلاة فيه أجر عظيم فقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من خرج حتى يأتي هذا المسجد- يعني مسجد قباء (وفي لفظ: من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء) فيصلي فيه كان كعدل عمرة (وفي اللفظ الآخر: كان له كأجر عمرة» ... ولذلك «كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يأتي قباء [كل سبت] راكباً وماشياً [فيصلي فيه ركعتين]». قال الحافظ: «وفي هذا الحديث- على اختلاف طرقه- دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة، والمداومة على ذلك، وفيه أن النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة ليس على التحريم؛ لكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يأتي مسجد قباء راكباً، وتعقب بأن مجيئه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى قباء إنما كان لمواصلة الأنصار، وتفقد حالهم، وحال من تأخر منهم، عن حضور الجمعة معه، وهذا هو السر في تخصيص ذلك بالسبت».

قلت: فعلى هذا فذهابه عليه الصلاة والسلام يوم السبت لم يكن مقصوداً بالذات، بل مراعاة لمصلحة التفقد المذكور، وعليه فالأيام كلها سواء في الفضيلة في زيارة قباء لعدم وجود قصد التخصيص، فما ذكره القاري في «المرقاة» (1/ 448) عن الطيبي أن: «الزيارة يوم السبت سُنة» ليس كما ينبغي (¬1) قط. ثم وقفت على من ذكر ذلك وهو الإمام أبو شامة الشافعي في كتابه «الباعث على إنكار البدع والحوادث» وقد ذكر فيه ما يوافق ما ذهبنا إله من عدم جواز التخصيص وإليك كلامه في ذلك كله قال رحمه الله (ص34): «ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصها بها الشرع، بل يكون جميع أنواع البر مرسلة في جميع الأزمان ليس لبعضها على بعض فضل، إلا ما فضله الشرع وخصه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك؛ اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها، كصوم يوم عرفة وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان، ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر كعشر ذي الحجة، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر، فالحاصل أن المكلف ليس له منصب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفة عبادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -». ثم ساق حديث «الصحيحين» عن عائشة أنها قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وحديث علقمة قال: ¬

(¬1) وأذكر أنني قرأت عن بعض العلماء أنه ذهب إلى أن المراد من قوله في الحديث: «كل سبت» أي كل أسبوع، وأنه ليس المراد يوم السبت نفسه، وقد احتج لذلك من اللغة بما لا أستحضره، ولا أذكر الآن في أي كتاب قرأت ذلك، فمن وجده فليكتب، فإذا صح ذلك فلا دلالة حينئذ في الحديث على التخصيص. [منه].

قلت لعائشة رضي الله عنها: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخص من الأيام شيئاً؟ قالت: لا كان عمله ديمة».ثم قال: «قال محمد بن سلمة: ولا يؤتى شيء من المساجد يعتقد فيه الفضل بعد المساجد الثلاثة إلا مسجد قباء، قال: وكره أن يعد له يوماً بعينه فيؤتى فيه خوفاً من البدعة، وأن يطول بالناس زمان فيجعل ذلك عيداً يعتمد، أو فريضة تؤخذ، ولا بأس أن يؤتى كل حين ما لم تجئ فيه بدعة. قلت: وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يأتي قباء كل سبت، ولكن معنى هذا أنه كان يزوره في كل أسبوع، وعبر بالسبت عن الأسبوع كما يعبر عنه بالجمعة ونظيره ما في «الصحيحين» من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في استسقاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم الجمعة قال فيه: فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً. والله أعلم. وكذلك الاستدلال بالحديث على جواز التخصيص المذكور ليس بجيد أيضاً، إلا أن يكون المراد به التخصيص مراعاة للمصلحة لا ترجيحاً ليوم على آخر بدون نص من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، مثال ذلك تخصيص يوم للتدريس أو إلقاء محاضرة ليجتمع الناس لسماع ذلك، فهذا لا مانع منه لأن اليوم ليس مقصوداً بالذات، ولذلك ينتقل منه إلى غيره مراراً ملاحقة للمصلحة، وهذا بخلاف تخصيص بعض الأيام ببعض العبادات بزعم أنها فيها أفضل منها في غيرها، كتخصيص ليلة العيدين بالقيام والعبادة، وتخصيص يومهما بالزيارة- أعني زيارة القبور-، وتخصيص شهر ربيع الأول بقراءة قصة مولد الرسول عليه الصلاة والسلام، فكل هذا وأمثاله بدع ومنكرات يجب نبذها والنهي عنها، ولذلك لما استدل النووي في «شرح مسلم» بالحديث على جواز التخصيص قال: «وكره ابن مسلمة المالكي ذلك، ولعله لم تبلغه هذه الأحاديث».

[213] باب بدعية الصلاة عند قبر إبراهيم الخليل عليه السلام

قلت: هذا بعيد والأقرب أنها بلغته ولكنه لم يفهم منها ما ذهب إليه النووي وغيره، وقد بينا ما هو الحق عندنا في المسألة. والله أعلم (فائدة): قال شيخ الإسلام في «الفتاوى» (2/ 186): «ذكر بعض المتأخرين من العلماء أنه لا بأس بالسفر إلى المشاهد، واحتجوا بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يأتي قباء كل سبت راكباً وماشياً، ولا حجة لهم فيه؛ لأن قباء ليس مشهداً، بل مسجد، وهي منهي عن السفر إليها باتفاق الأئمة؛ لأن ذلك ليس بسفر مشروع، بل لو سافر إلى قباء من دويرة أهله لم يجز، ولكن لو سافر إلى المسجد النبوي ثم ذهب منه إلى قباء فهذا يستحب، كما يستحب زيارة قبور أهل البقيع، وشهداء أحد». قلت: ولهذا قلنا: «ولكن لا يجوز أن يشد الرحل إليه للحديث السابق» وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... الحديث» وليس هذا منها. "الثمر المستطاب" (2/ 567 - 578). [213] باب بدعية الصلاة عند قبر إبراهيم الخليل عليه السلام [ذكر الإمام من بدع زيارة بيت المقدس]: - «الصلاة عند قبر إبراهيم الخليل عليه السلام» «مجموعة الرسائل» (2/ 56). حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص146 - 147)

[214] باب فتوى الشيخ في النصب المزعوم للخضر الذي كان موجودا في جزيرة فيلكا وعلى دعوى المبتدعة وعبدة القبور في حياة الخضر

[214] باب فتوى الشيخ في النُصُب المزعوم للخضر الذي كان موجوداً في جزيرة فيلكا وعلى دعوى المبتدعة وعَبدَةِ القبور في حياة الخضر [قال الإمام]: إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات العمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد، أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد فقد رغب مني بعض الأساتذة الفضلاء، أن أكتب كلمة موجزة حول الخضر عليه الصلاة والسلام، والأثر المنسوب إليه في جزيرة (فيلكا) في (الكويت)، بمناسبة طبع الكتاب الذي ألفه في ذلك الأخ الفاضل أحمد بن عبد العزيز الحصين، وفتاوى السادة العلماء التي ألحقها به، نفع الله بها المسلمين آمين. وبناء عليه فقد رأيت أن أدير الكلام في ذلك حول مسألتين اثنتين: الأولى: التبرك بأثره المزعوم في الكويت وغيرها من البلاد الإسلامية، وقصد التقرب إلى الله تعالى بزيارته والتعبد بالصلاة والدعاء لديه. والأخرى: النظر في قول من رجح أن الخضر عليه الصلاة والسلام ليس نبياً. والله تعالى أسأل أن يلهمني التوفيق في القول والعمل فأقول: 1 - اعلم أيها القارئ الكريم أنه إذا كان الراجح بل الصحيح من أقوال العلماء أن الخضر عليه الصلاة والسلام قد مات في جملة من خلا من الرسل والأنبياء {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} فليس من الممكن عادة، أو فمن البعيد جداً، أن يظل مقام من مقاماته عليه السلام معروفًا حتى اليوم، وقد

مضى عليه آلاف السنين، ولذلك صرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من المحققين أنه لا يعرف قبر نبي من الأنبياء على التعيين واليقين، إلا قبر نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، هذا مع حرص أتباعهم من اليهود والنصارى على اتخاذ قبورهم مساجد كما أشارت الآية الكريمة إلى شيء من ذلك: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}، وكما أخبرنا بذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في أحاديث كثيرة متواترة وأنهم لعنوا بسبب ذلك (¬1)، فإذا كان الأمر كذلك في قبورهم التي كانت ظاهرة على الأرض بل مرفوعة البنيان، ومع ذلك لم يبق لها أثر تعرف به، فأولى ثم أولى أن يضيع مقام من مقاماته التي قام فيه الخضر وصلى، والذي ليس عليه دليل مادي متوارث خلفاً عن سلف مثلا, ولئن فرض أنه ظل مقامه معروفاً، فذلك مما يمكن التسليم به إلى ما قبل الإسلام وظهوره، وأما بعد ذلك، وتمكين الله تبارك وتعالى له في الأرض، وقضاؤه على كل آثار الشرك والوثنية، مما هو في قدرته، وتحت سلطانه، فلو كان مقام الخضر المزعوم في الجزيرة (فيلكا) أو غيره موجوداً أو مقصوداً للتبرك به كما هو الواقع اليوم لقضى عليه المسلمون الأولون وقطعوا دابره، منعاً لافتتان الناس به والتعبد لديه. ألا ترى أن شجرة الرضوان التي بويع تحتها النبي عليه الصلاة والسلام، من أصحابه الكرام، قد عميت على الصحابة أنفسهم ثم على الذين جاؤوا من بعدهم، حتى صار مكانها نسيا منسياً، كما جاء في صحيح البخاري، وغيره مما هو مفصل في موضع آخر (¬2)، وما ذلك إلا سداً للذريعة، وقطعاً لدابر الفتنة، ولا سيما بالنسبة للذين يأتون من بعدهم، ممن لا معرفة لديهم بالكتاب والسنة، وأصول الشريعة ¬

(¬1) راجع كتابي «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد». [منه] (¬2) انظر كتابي: «تحذير الساجد» (ص137 - 139) [منه].

وقواعدها المحكمة، وقد قيل إن عمر رضي الله عنه هو الذي قطعها، وفي ذلك نظر ذكرته في غير هذا الزمان (¬1). وأيضا فلو ادعى مدع مكابر، أن مقام (فيلكا) أو غيره من المقامات المنسوبة للخضر في غيرها من البلاد الإسلامية كمسجد دمشق، وحلب وغيرها أنه هو مقام الخضر عليه السلام حقيقة وأنه بقي معروفاً حتى اليوم، فليس ذلك بالذي يبرر قصده للصلاة فيه، والتعبد لله عنده، بله طلبه لشيء من البدع والشركيات التي وصف المؤلف حفظه الله بعضها مما يقع لديه، لأن ذلك القصد ليس من سنة المسلمين الأولين، بل هو من سنن اليهود المغضوب عليهم، والنصارى الضالين، وقد ثبت عن عمر بن الخطاب أن ذلك كان من أسباب هلاكهم، فقد رأى في حجة له في خلافته الراشدة أناساً يبتدرون مكاناً يقصدونه للصلاة والعبادة فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهم يقصدون الصلاة فيه، فقال رضي الله عنه: هكذا هلك أهل الكتاب، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً، من عرضت له منكم فيها الصلاة فليصل، ومن لم يعرض له منكم فيها الصلاة فلا يصل (¬2). وهذا من فقه عمر رضي الله عنه وحكمته، وقد يخفى ذلك على كثير من الخاصة فضلا عن غيرهم، وبيانه: أنه إذا كان من المعلوم عند الفقهاء أنه يجب التزام السنة في أفعال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعبادته الظاهرة، وأنه لا يجوز بوجه من الوجوه قصد مخالفته في هذه السنة ن فأولى ثم أولى أن لا يجوز قصد مخالفته في نيته ¬

(¬1) انظر كتابي: «تحذير الساجد» (ص137 - 139) [منه]. (¬2) انظر: المصدر السابق (136) [منه].

التي نواها فيها، لأنه مخالف للأدلة الكثيرة الموجبة للاقتداء به - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬1). فإذا كان من المعلوم مثلا أنه كان يصلي صلاة الضحى بنية التطوع، فلا يجوز لأحد أن يخالفه فيها فيصليها بنية الفرض، والعكس بالعكس تماماً، فكذلك ما نحن فيه: إذا صلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مكانٍ ما، ولم يظهر لنا أنه كان قاصداً له متقرباً إلى الله بقصده إياه وإنما وقع له ذلك اتفاقًا، فلا شك حينئذ أن الذي يقصد ذلك المكان بالصلاة فيه متقرباً إلى الله بقصده إياه- أنه يكون مخالفاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من جهة أنه قصد مالم يقصد، ونوى مالم ينو عليه الصلاة والسلام، ومن كان كذلك، فهو مبتدع مردودة عليه بدعته، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (¬2)، ولا ريب أن قصد مخالفة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سواء كانت في أفعاله أو نواياه من أعظم أسباب الفتنة والهلاك، كما هو صريح قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. فاحفظ هذا البيان لفقه عمر المذكور يساعدك في كثير من المسائل التي هي من مواطن النزاع، تكن مهتدياً بإذن الله تعالى، فإنه على ذلك جرى السلف الصالح رضي الله عنهم، ولذلك لم يكن لهذه المقامات المزورة عندهم ذكر، بل ولا كانوا يقصدون المقامات التي صلى فيها الرسول نفسه - صلى الله عليه وآله وسلم -، بله مقام غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، على ندرة المقامات الثابتة نسبتها إليهم. فهذا جبل الطور مثلا، وهو الجبل الذي قام عليه نبي الله موسى لمنا جاة ربه عليه [وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا] ومع ذلك فلا يجوز قصده للصلاة فيه والدعاء عنده، وغير ذلك من العبادات، ولذلك لم يكن السلف يقصدونه، وتوارث الخلف ¬

(¬1) انظر مقدمة رسالتي «الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام». [منه]. (¬2) أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في كتابي «تخريج الحلال والحرام» رقم 5. [منه].

ذلك عن السلف فهو لا يقصد-فيما أعلم-حتى اليوم، بل ثبت النهي عنه من بعض الصحابة رضي الله عنهم حينما توهم أحدهم جواز قصده، فقد قال قزعة بن يحيى البصري: «سألت ابن عمر رضي الله عنه: آتي الطور؟ فقال: دع الطور ولا تأته [أما علمت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -] قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» (¬1)؟ وهذا الحديث الذي استدل ابن عمر رضي الله عنه، هو حديث مرفوع، قد صح عن جمع من الصحابة مرفوعاً (¬2) ومنهم أبو بصرة الفباري (¬3)، وفي بعض الطرق الصحيحة عنه أنه أنكر أيضاً إتيان الطور (¬4). فإذا كان هذا شأن هذا المقام الحق ومقامات الرسول التي كان صلى فيها كما سبق، وهي لا يفعل فيها إلا الصلاة ونحوها من العبادات فماذا يقال عن مقام جزيرة «فيلكا» وغيره من المقامات المزورة المضللة، وهي بؤرة للفساد، والشركيات والوثنيات؟ لا شك أنها بالنهي عنها أولى، وباستئصال شأفتها أحرى ولكن يجب أن يتولى ذلك في هذا الزمان ولاة الأمور والحكام الذين يحكمون بما أنزل الله من كانوا وأينما كانوا، فهم المسؤولون عن استمرار هذه البدع والشركيات وبقائها بين ظهراني المسلمين أكثر من العلماء، فإذا لم يُدعم هؤلاء من أولئك ذهبت أصواتهم وجهودهم أدراج الرياح كما هو المشاهد اليوم، وقديماً ¬

(¬1) أنظر «تحذير الساجد» (ص 338 - 339)، و «أحكام الجنائز» (ص 226). [منه] (¬2) قد خرجت أحاديثهم في «أحكام الجنائز» (224 - 226)، و «إرواء الغليل» (452)، «والروض النضير» (713). [منه] (¬3) كذا وهو خطأ مطبعي صوابه: الغفاري. [أبوحفص] (¬4) وهو مخرج في «تحذير الساجد» (ص 139 - 140) وغيره. [منه]

قيل: «إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن»، وأسوتهم في ذلك-إن فعلوا-رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي هدم مسجد الضرار وحرقه على أهله كما جاء في تفاسير القرآن الكريم ن عند قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} الآية، فقد استدل بها العلماء على النهي عن الصلاة فيمن بني المساجد مباهاة أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله عز وجل، فهذه المقامات أولى بالهدم والحرق لأنها لا تقصد إلا لوجه الشيطان نسأل الله السلامة من أوليائه! 2 - لقد أشار المؤلف الفاضل في أول كتابه إلى اختلاف العلماء في نبوة الخضر عليه الصلاة والسلام فقال «والراجح من أقوالهم أنه ليس نبياً». ولما كان هذا القول مرجوحاً عند العلماء المحققين، فقد رأيت أن أذكر شيئاً من أقوالهم وأدلتهم، تنبيهاً وتذكيراً، فأقول: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في أول رسالته «الزهر النضر»: «باب ما ورد في كونه نبياً، قال الله تعالى في خبره عن موسى حكاية عنه: {وما فعلته عن أمري}، وهذه ظاهرة أنه فعله بأمر من الله، والأصل عدم الوساطة، ويحتمل أن يكون بوساطة نبي آخر لم يذكره، وهو بعيد، ولا سبيل إلى القول بأنه إلهام، لأن ذلك لا يكون من غير نبي وحياً حتى يعمل به ما عمل؛ من قتل النفس، وتعريض الأنفس للغرق. فإن قلنا: إنه نبي، فلا إنكار في ذلك. وأيضاً، كيف يكون غير النبي أعلم من النبي، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في

الحديث الصحيح (¬1): «أن الله تعالى قال لموسى: بلى عبدنا خضر»؟!. وأيضا فكيف يكون النبي تابعاً لغير نبي؟! وقال الثعلبي: هو نبي في جميع الأقوال. وكان بعض أكابر العلماء يقول: أول عقدة تحل من الزندقة اعتقاد كون الخضر نبياً، لأن الزنادقة يتذرعون بكونه غير نبي إلى أن الولي أفضل من النبي! كما قال قائلهم (¬2): مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي قلت: وهناك آية أخرى تدل على نبوته عليه الصلاة والسلام، وهي قوله تعالى في: {آتيناه رحمة من عندنا}، فقد ذكر العلامة الآلوسي في تفسيرها ثلاثة أقوال، أشار إلى تضعيفها كلها، ثم قال: «والجمهور على أنها الوحي والنبوة، وقد أطلقت على ذلك في مواضع من القرآن، وأخرج ذلك ابن أبي حاتم عن ابن عباس، ... والمنصور ما عليه الجمهور، وشواهده من الآيات والأخبار كثيرة، وبمجموعها يكاد يحصل اليقين» (¬3). قلت: ولقد صدق رحمه الله تعالى، فإن المتأمل في قصته مع موسى عليهما الصلاة والسلام يجد أن الخضر كان مظهراً على الغيب وليس ذلك لأحد من الأولياء، بدليل قوله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبة أحداً إلا من ارتضى من ¬

(¬1) (*) أخرجه الشيخان، وهو في كتابي «مختصر صحيح البخاري» برقم (57)، وفي لفظ لهما «هو أعلم منك»، وهو في «المختصر» برقم (112) يسر الله إتمام طبعه، بمنه وكرمه وقد تم طبع المجلد الأول منه يسر الله تعالى طبع الأجزاء التالية. [منه] (¬2) قلت: هو ابن عربي صاحب «الفصوص» و «الفتوحات المكية» [منه] (¬3) روح المعاني (5/ 92 - 93). [منه]

رسول}، وذلك ظاهر في مواطن عدة من القصة، أذكر ما تيسر منها: 1 - قوله لموسى عندما طلب منه الصحبة {إنك لن تستطيع معي صبرا} فهذا الجزم منه عليه السلام لدليل واضح على أنه كان على علم بذلك، ولم يكن من باب الظن والتخرص منه، حاشاه، ويؤيده زيادة جاءت في بعض طرق الحديث عقب هذه الآية بلفظ: «وكان رجلاً يعلم علم الغيب، قد علم ذلك» (¬1). 2 - ومثله قوله في تأويله قتل الغلام: «وأما الغلام فطبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك، أرهقهما طغياناً وكفراً, فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً». زاد في رواية: «ووقع أبوه على أمه فعلقت فولدت منه خيراً منه زكاة وأقرب رحماً» (¬2). وإخباره عليه السلام أن الغلام طبع كافراً، وأن أباه وقع على أمه فحملت وولدت خيراً منه، لهو من الأمور الغيبية المحضة التي لا مجال للاطلاع عليها إلا من طريق النبوة والوحي، فذلك من أقوى الأدلة على أنه كان نبياً، إن لم يكن رسولا. 3 - ومن ذلك قول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لما لقي موسى الخضر عليهما السلام، جاء طير، فألقى منقاره في الماء فقال الخضر لموسى: تدري ما يقول هذا الطير؟ قال: وما يقول؟ قال: يقول: ¬

(¬1) الدر المنثور (4/ 231). [منه]. (¬2) أخرجه مسلم، والزيادة لعبد الله بن أحمد (5/ 118 - 119). [منه].

ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذا منقاري من الماء» (¬1). فهذا صريح في أن الخضر، قد علم منطق الطير، وهو من الغيب الذي لا يعلمه البشر، فهو في هذا على نحو النبي سليمان عليه الصلاة والسلام الذي حكى الله عنه في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} (النمل: 16). وخلاصة القول في هذه المسألة أن الأدلة المتقدمة إذا تأملها المسلم ووعاها بقلبه، تيقن أن الصواب القول بنبوة الخضر كما ذهب إليه جمهور العلماء ولذلك فعل ما فعل من العجائب التي لم يصبر لها موسى عليه الصلاة والسلام، وهو كليم الله تعالى، وبه نستطيع أن نحل تلك العقدة من الزندقة التي أشار إليها الحافظ ابن حجر فيما سبق، ونحوها مما يعتقده كثير من الصوفية من الاعتقاد بالظاهر والباطن، والحقيقة والشريعة التي أفسد عقيدة كثير من الخاصة فضلاً عن العامة، فاعتقدوا الصلاح بل الولاية في كثير من الفساق الذين لا يصلون ولا يشهدون جماعات المسلمين ولا أعيادهم بدعوى الظاهر، وأنهم في الباطن من كبار أولياء الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وما قصة شيخ الإسلام ابن تيمية مع البطائحية الذين كانوا يتظاهرون في دمشق بالولاية والكرامة في زمانه حتى نصره الله عليهم، وقضى على باطنهم وباطلهم عن القارئ يعيد. {إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق: 37). وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم دمشق 9 ربيع الأول سنة 1394 محمد ناصر الدين الألباني "حياة الألباني" (1/ 420 - 429). ¬

(¬1) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والسيوطي وهو مخرج في «الصحيحة» (2467) [منه].

جماع أبواب الكلام حول مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

جماع أبواب الكلام حول مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

[215] باب تحرير القول في مسألة زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع سرد جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذا الباب

[215] باب تحرير القول في مسألة زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع سرد جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذا الباب [قال الإمام في معرض كلامه على أخطاء البوطي في كتاب فقه السيرة]: قال [أي البوطي في "فقه السيرة"] (ص 521) وهو يسرد الوجوه الدالة على مشروعية زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم -. «الوجه الثاني ما يثبت من إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم على زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - والسلام عليه كلما مروا على الروضة الشريفة. روى ذلك الأئمة الأعلام وجماهير العلماء بما فيهم ابن تيمية رحمه الله». أقول: هذا كذب على الأئمة الأعلام, وبخاصة ابن تيمية شيخ الإسلام, فإن أحداً منهم لم يرو عن المذكورين زيارتهم للقبر الشريف كلما مروا على الروضة فضلاً عن أن ينقلوا الإجماع عليه!! بل نص الإمام مالك على كراهة ذلك. وأقوال العلماء الشاهدة لما أقول كثيرة, اجتزئ منها على قولين اثنين: أحدهما لابن تيمية المفُترى عليه, والآخر للإمام النووي باعتباره من أئمة الشافعية الذين يقلدهم الدكتور البوطي! 1ـ أما ابن تيمية فأقواله كثيرة جداً في هذا الصدد وإليك نصين منها: الأول قوله: «ولم يكن الصحابة يدخلون إلى عند القبر, ولا يقفون عنده خارجاً, مع أنهم يدخلون إلى مسجده ليلاً ونهاراً, وكانوا يقدمون من الأسفار للاجتماع بالخلفاء الراشدين وغير ذلك فيصلون في مسجده ويسلمون عليه في الصلاة وعند دخول المسجد والخروج منه ولا يأتون القبر, إذ كان هذا عندهم مما

لم يأمرهم به ولم يسنه لهم, وإنما أمرهم وسن لهم الصلاة والسلام عليه في الصلاة وعند دخولهم المساجد, وغير ذلك, ولكن ابن عمر كان يأتيه فيسلم عليه وعلى صاحبيه عند قدومه من السفر, وقد يكون فعله غير ابن عمر أيضاً، فلهذا رأى من رأى من العلماء هذا جائزاً اقتداء بالصحابة رضوان الله عليهم. وابن عمر كان يسلم ثم ينصرف ولا يقف, يقول: السلام عليك يا رسول الله, السلام عليك يا أبا بكر, السلام عليك يا أبت, ثم ينصرف. ولم يكن جمهور الصحابة يفعلون كما فعل ابن عمر, بل كان الخلفاء وغيرهم يسافرون للحج وغيره, ويرجعون, ولا يفعلون ذلك, إذ لم يكن هذا عندهم سنة سنّها لهم, وكذلك أزواجه كن على عهد الخلفاء وبعدهم يسافرن إلى الحج, ثم ترجع كل واحدة إلى بيتها كما وصاهن بذلك. وكانت أمداد اليمن الذين قال الله تعالى فيهم: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} على عهد أبي بكر وعمر يأتون أفواجاً من اليمن للجهاد في سبيل الله, ويصلون خلف أبي بكر وعمر في مسجده, ولا يدخل أحد منهم إلى داخل الحجرة, ولا يقف في المسجد خارجاً منها, لا لدعاء ولا لصلاة ولا لسلام ولا لغير ذلك, وكانوا عالمين بسنته كما علمتهم الصحابة والتابعون». كذا في كتابه «الجواب الباهر في زوار المقابر». (ص60 - الطبعة السلفية) الثاني: قوله في رده على الأخنائي (ص45): «وأما ما يظن أنه زيارة لقبره - صلى الله عليه وآله وسلم - مثل الوقوف خارج الحجرة للسلام والدعاء فهذا لا يستحب لأهل المدينة، بل ينهون عنه. لأن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان- الخلفاء الراشدين وغيرهم-كانوا يدخلون إلى مسجده للصلوات الخمس وغير ذلك، والقبر عند جدار المسجد، ولم يكونوا يذهبون إليه، ولا يقفون عنده، وقد ذكر هذا مالك وغيره من العلماء ذكروا أنه لا

يستحب بل يكره للمقيمين بالمدينة الوقوف عند القبر للسلام أو غيره لأن السلف من الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك إذا دخلوا المسجد للصلوات الخمس وغيرها على عهد الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يصلون بالناس في المسجد، وكان الناس يقدمون من الأمصار يصلون معهم، ومعلوم أنه لو كان مستحباً لهم أن يقفوا حذاء القبر ويسلموا أو يدعوا أو يفعلوا غير ذلك لفعلوا ذلك، ولو فعلو لكثر وظهر واشتهر. لكن مالك وغيره خصوا من ذلك عند السفر لما نقل عن ابن عمر، قال القاضي عياض: قال مالك: ولا بأس لمن قدم من سفر أو خرج على سفر أن يقف على قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر. قيل له: فإن ناساً من أهل المدينة لا يقدمون من سفر، ولا يريدونه يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر، وربما وقفوا في الجمعة وفي الأيام المرة أو المرتين أو أكثر من ذلك عند القبر يسلمون ويدعون ساعة؟ فقال: لم يبلغني هذا عن أهل الفقه ببلدنا، وتركه واسع ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده». 2 - قال النووي «في كتابه» مناسك الحج» (29/ 2 - مخطوط): «كره مالك رحمه الله لأهل المدينة كلما دخل أحدهم وخرج الوقوف على القبر. قال وإنما ذلك للغرباء. قال ولا بأس لمن قدم من سفر وخرج إلى سفر أن يقف عند قبر النبي^ فيصلي عليه، ويدعو له ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما قال الباجي: فرق مالك بين أهل المدينة والغرباء لأن الغرباء قصدوا ذلك، وأهل المدينة مقيمون بها، وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم - اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد». قلت: وهذه الأقوال من الإمام النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية، صريحة في

إبطال الإجماع الذي نقله البوطي، بل هي ناطقة بعدم مشروعية ما ذكره، وأنه كذب على العلماء عامة، وابن تيمية خاصة فيما عزاه إليهم من الرواية. فماذا يقول المنصف المتجرد في مثل هذا الإنسان الذي لا يبالي بما يخرج من فيه. فإلى الله المشتكي. ثم قال الدكتور: «الوجه الثالث: ما ثبت من زيارة كثير من الصحابة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - منهم بلال رضي الله عنه رواه ابن عساكر بإسناد جيد». قلت فيه أمور: أولاً: أنه أبهم على القراء نص رواية ابن عساكر واكتفى بالإشارة إليها، لأنه لو ساقها بتمامها لتبين للناس بطلانها، ولو لم يقفوا على ضعف إسنادها، فكان لابد لي من أن أسوق الرواية ليتيقن القراء الكرام معنا أن الدكتور لا يجري فيما يكتب على منهج علمي محقق، وانما هو الهوى والغرض وعلى القاعدة المزعومة «الغاية تبرر الوسيلة»! فروى الحافظ ابن عساكر في «تاريخ دمشق» في ترجمة إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء الأنصاري (ج2ق254/ 1) بإسناده عنه قال: حدثني أبي محمد بن سليمان عن أبيه سليمان ابن بلال عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال (فذكر قصة قدوم بلال إلى الشام في عهد عمر ثم قال): «ثم إن بلالاً رأى في منامه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يقول له، ما هذه الجفوة يا بلال؟ ما آن لك أن تزورني يا بلال؟ فانتبه حزينًا وجلاً خائفاً، فركب راحلته وقصد المدينة، فأتي قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه، وأقبل الحسن والحسين، فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال نشتهي نسمع أذانك الذي

كنت تؤذنه لرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في السحر، ففعل فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: «الله أكبر» عجت المدينة فلما أن قال: «أشهد أن لا إله إلا الله» زاد عجيجها، فلما أن قال: «أشهد أن محمداً رسول الله» ^ خرج العواتق من خدورهن، فقالوا: «أبعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فما رؤي يوم أكثر باكياً ولا باكية بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من ذلك اليوم». قلت: فهذه الرواية باطلة موضوعة، ولوائح الوضع عليها ظاهرة من وجوه عديدة أذكر أهمها: 1 - قوله: «فأتي قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فجعل يبكي عنده» فإنه يصور لنا أن قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - كان ظاهراً كسائر القبور التي في المقابر يمكن لكل أحد أن يأتيه! وهذا باطل بداهة عند كل من يعرف تاريخ دفن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حجرة عائشة رضي الله عنها وبيتها الذي لا يجوز لأحد أن يدخله ألا بإذن منها، كذلك كان الأمر في عهد عمر رضي الله عنه، فقد ثبت أنه لما طُعن رضي الله عنه أمر ابنه عبد الله أن يذهب إلى عائشة ويقول لها: إن عمر يقول لك إن كان لا يضرك ولا يضيق عليك فإني أحب أن أدفن مع صاحبي فقالت: أن ذلك لا يضرني ولا يضيق علي قال: فادفنوني معهما. أخرجه الحاكم (3/ 93). ثم أخرج (3/ 7) بإسناده الصحيح عنها قالت: «كنت أدخل البيت الذي دفن معهما عمر والله ما دخلت إلا وأنا مشدود على ثيابي حياء من عمر رضي الله عنه». ولقد استمر القبر الشريف في بيت عائشة إلى ما بعد وفاتها بل إلى آخر قرن الصحابة رضي الله عنهم ثم أدخلوا البيت ضموه إلى المسجد لتوسعته فصار

بذلك في المسجد على النحو المشاهد اليوم، فيظن من لا علم عنده بحقيقة الأمر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما مات دفنه الصحابة في المسجد وحاشاهم من ذلك وإنما دفنوه في البيت ثم حدث بعد ذلك ما ذكرنا، خلافاً لما يظنه كثير من الجهال ومنهم واضع هذه القصة، الذي أعطي صورة للقبر مخالفة للواقع يومئذ وللصحابة رضي الله عنهم كما شرحه شيخ الإسلام وغيره من المحققين، وذكرت طرفاً منه في كتابي «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد»، فليراجعه من شاء. 2 - قوله: «ويمرغ وجهه عليه».قلت: وهذا دليل آخر على وضع هذه القصة وجهل واضعها، فإنه يصور لنا أن بلالاً رضي الله عنه من أولئك الجهلة الذين لا يقفون عند حدود الشرع إذا رأو القبور، فيفعلون عندها ما لا يجوز من الشركيات والوثنيات، كتلمس القبر والتسمح به وتقبيله، وغير ذلك مما هو مذكور في محله وإن كان يجيز ذلك بعض المتفقهة، الذين لا علم عندهم بالكتاب والسنة ينير بصائرهم وقلوبهم ممن يسايرون العامة على أهوائهم، ويبررون لهم كثيراً من ضلالاتهم. ولقد أعجبني حقاً أن لا يكون الدكتور البوطي منهم في هذه المرة، فقد رأيته يقول في آداب زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - (ص523): «فإياك أن تهجم عليه، أو تلتصق بالشبابيك، أو تتمسح بها كما يفعل كثير من الجهال، فتلك بدعة توشك أن تكون محرمة». فهذا القول من الدكتور على مافيه من التردد في حكم ما ذكر مما يدل على أنه لم يفقه بعد قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كل بدعة صلالة وكل ضلالة في النار» يدل دلاله واضحة على أنه لا يمكن أن يعتقد أن بلالاً مرغ وجهه على قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو

الحق، وحينئذ فكيف يحتج الدكتور برواية ابن عساكر هذه وفيها هذا المنكر!؛ لأنه لا يملك الوسائل التي تمكنه من ذلك، فهو يأخذ من الرواية الواحدة ما يشتهي ويحتج به، ويعرض عمالا يشتهي بل وينكره!! وإلا فماذا يقول الدكتور لمن قد يحتج عليه من المبتدعة والمتفقهة برواية ابن عشاكر هذه على جواز التمرغ بالقبر الشريف، وهو نفسه قد احتج بها وقواها؟! قوله «خرج العواتق من خدورهن .... » الخ كلام شعري خيالي ظاهر الوضع، وإلا فما علاقة خروجهن بسماعهن الشهادة الأخرى وقولهن، أبعث سول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -»! من أجل ذلك جزم الحافظ ابن حجر بأن هذه القصة موضوعة كما يأتي. ثانياً: قول البوطي: «رواه ابن عساكر بإسناد جيد». فأقول: فيه مؤاخذتان: الأولى: أن هذا التجويد ليس من علم الدكتور واجتهاده، لأنه لا علم عنده مطلقا يؤهله لإصدار مثل هذا الحكم، كما عرف القراء من المقالات السابقة، وإن كان هذا الحكم خطأ في ذاته كما يأتي، فكان من الواجب عليه أن يعزوه إلى من نقله عنه، لكي لا يتشبع بما ليس له لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» متفق عليه. الثانية: أن القول المذكور إنما هو للشيخ السبكي الشافعي قال في كتابه «شفاء السقام في زيارة خير الأنام» وقد رده عليه الحافظ المحقق محمد بن عبد الهادي الحنبلي في كتابه العظيم: «الصارم المنكي في الرد على السبكي» (ص 210 - 215) وأطال النفس فيه بما حاصله أن إسناده لا يصلح الاعتماد عليه ولا يرجع عند التنازع إليه عند أحد من أئمة هذا الشأن. وسأبين علته قريباً إن شاء

الله تعالى، فهل الدكتور على علم بهذا ومع ذلك آثر عليه قول السبكي لا لشيء إلا لأنه شافعي المذهب مثله، أم أنه لم يعلم به مطلقاً؟ الأمر كما قيل: فإن كنت لا تدري ... الثالثة: أن إسناد القصة أبعد ما يكون عن الجودة، فانه عند ابن عساكر كما سبق-من رواية إبراهيم بن محمد بن سليمان عن أبيه سليمان بن بلال .. وهذا إسناد مظلم فيه مجهولان: الأول: سليمان بن بلال، قال الحافظ ابن عبد الهادي «غير معروف، بل هو مجهول الحال (كذا الأصل) قليل الرواية، لم يشتهر بحمل العلم ونقله، ولم يوثقه أحد من الأئمة فيما علمنا، ولم يذكر البخاري ترجمته في كتابه، وكذلك ابن أبي حاتم، ولا يعرف له سماع من أم الدرداء». قلت فهو مجهول العين، وما في الأصل «مجهول الحال» لعله خطأ مطبعي، أو سبق قلم من المؤلف رحمة الله تعالى. وتبعاً للبخاري وابن أبي حاتم لم يذكره الذهبي في «الميزان» ولا الحافظ في «اللسان». والآخر: إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال، قال الحافظ ابن عبد الهادي «شيخ لم يعرف بثقة وأمانة ولا ضبط وعدالة، بل هو مجهول غير معروف بالنقل، ولا مشهور بالرواية، ولا مشهور بالرواية، ولم يرو عنه غير محمد بن الفيض، روى عنه هذا الأثر المنكر». وأورده الذهبي في «الضعفاء» وقال: «لا يعرف» وقال في «الميزان» «فيه جهالة، حدث عنه محمد بن الفيض الغساني». وأقره الحافظ ابن حجر في «اللسان» وزاد عليه، فقال:

«ترجمة ابن عساكر ثم ساق من روايته عن أبيه عن جده عن أم الدرداء عن أبي الدرداء في قصة رحيل بلال إلى الشام، وفي قصة مجيئه إلى المدينة وأذانه بها وارتجاج المدينة بالبكاء لأجل ذلك، وهي قصة بينة الوضع». قلت: وقد أشار إلى ضعف هذه القصة كل من الحافظين المزي، وابن كثير أما الأول ففي ترجمة بلال في كتابه «تهذيب الكمال» والآخر في ترجمته من كتابه «البداية» (2/ 102)، فهؤلا خمسة من الحفاظ المشهورين- وكلهم شافعية من حظ البوطي! -إلا ابن عبد الهادي جزموا بعدم صحتها ما بين مصرح بالوضع ومضعف، يقابلهم السبكي وحده الذي جود إسنادها، والنقد العلمي يقطع بوهمه؛ إن لم يقل باتباعه لهواه ومع هذا قلده فضيلة الدكتور دون أولئك! فماذا يقول كل متجرد عن الهوى منصف في هذا الدكتور الذي يؤلف في السيرة، ويقرر أحكاماً شرعية، وهو لا يحسن الاتباع ولا التقليد!! فاللهم هداك. (تنبيهان): الأول: محمد بن سليمان بن بلال ترجمه الحافظ ابن عبد الهادي (ص 224) بما يؤخذ منه أنه مجهول الحال، لكني وجدت ابن أبي حاتم روى في «الجرح والتعديل» (3/ 2/267) عن أبيه أنه قال فيه: «ما بحديثه بأس».وبذلك تجنبت إعلال القصة به أيضاً. والآخر: أورد البوطي رواية ابن عساكر السابقة عن بلال محتجا بها على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله في مخالفته-بزعم البوطي- الإجماع القائل بمشروعية زيارة قبره عليه الصلاة السلام، وهي فرية على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حمل رايتها الشيخ الأخنائ والسبكي وغيرهما قديماً، وزيني

دحلان وأمثاله في محاربته لمجدد دعوة التوحيد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه ومن تبعهم عليها من المتقدمين والمتأخرين، ومنهم البوطي المسكين، فقال (ص 520): (واعلم أن زيارة مسجده وقبره - صلى الله عليه وآله وسلم - من أعظم القربات إلى الله عز وجل أجمع على ذلك جماهير المسلمين في كل عصر إلى يومنا هذا. لم يخالف في ذلك إلا ابن تيمية غفر الله له. فقد ذهب إلى أن زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - غير مشروعة). ثم استدل عل الإجماع المذكور بوجوه أربعة منها راوية ابن عساكر، ثم قال: (فاعلم أنه لا وجه لما انفرد به ابن تيمية رحمه الله من دفعه هذه الأوجه في غير ما دافع، والقول بأن زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - غير مشروع). قلت: وهذا كذب وافتراء عظيم من هذا الدعي على شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، فكتبه وفتاويه طافحة مصرحة بمشروعية زيارة قبور المسلمين عامة، وزيارة قبره عليه الصلاة والسلام خاصة، كما يعلم ذلك كل من اطلع على شيء من كتب الشيخ ودرسها، ومن ذلك كتابه "الرد على الأخنائي"، وهو من المعاصرين للشيخ الذين ردوا عليه بظلم مقروناً بالافتراء عليه، ومن ذلك هذه التهمة التي تلقفها البوطي عنه أو عن أمثاله من المفترين الكذابين، دون أن يرجع إلى بعض كتب الشيخ ليتبين حقيقة الأمر، فقد قال الشيخ رحمه الله في أول "الرد على الأخنائي" بعد أن ذكر فريته المذكورة عليه: (والمجيب (يعني نفسه) قد عرفت كتبه، وفتاويه مشحونة باستحباب زيارة القبور، وفي جميع مناسكه، يذكر استحباب زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد، ويذكر زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا دخل مسجده والأدب في ذلك).

وقال في أول كتابه "الجواب الباهر في زوار المقابر" (ص14): (وقد ذكرت فيما كتبت من المناسك أن السفر إلى مسجده وزيارة قبره كما يذكره أئمة المسلمين في مناسك الحج عمل صالح مستحب، وذكرت السنة في ذلك، وكيف يسلم عليه، فهل يستقبل الحجرة أم القبلة على قولين ... ). وقد شرح هذا ابن عبد الهادي في رده على السبكي، فليراجعه من شاء الزيادة، فماذا يقول القائل في الدكتور البوطي وفريته هذه؟ هل لم يطلع على هذه المصادر التي تحول بينه وبينها؟ أم أنه اطلع وعلم أن شيخ الإسلام بريء منها، ثم أصر على اتهامه بها لما في قلبه من الغل والحقد على شيخ الإسلام ابن تيمية بصورة خاصة والسلفيين بصورة عامة غير مبال بمثل قوله تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم، لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم}، وقوله عز وجل: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً}. وسواء كان هذا أم ذاك، فالله سبحانه هو حسيب البوطي وأمثاله، ونحن إنما علينا أن ندافع عن الذين آمنوا نبرئ ساحتهم مما اتهموا به من الأكاذيب والأباطيل التي يكون الدافع عليها تارة الجهل وأخرى الظلم، وقد يجتمعان! ومن النوع الأول قوله: "لم يخالف في ذلك إلا ابن تيمية".فإن من الواضح أن اسم الإشارة (ذلك) يرجع إلى كل من زيارة مسجده - صلى الله عليه وآله وسلم - وزيارة قبره، وهذه فرية جديدة تفرد بها البوطي دون أسلافه المشار إليهم، فإن زيارة مسجده - صلى الله عليه وآله وسلم - مما يقول شيخ الإسلام بمشروعيته أيضاً، بل إنه يقول بمشروعية السفر إليه خاصة كما سبق دون السفر لزيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - خاصة وظاهر كلام البوطي أنه لايفرق بين

الزيارتين، كأسلافه السابقين، ومن الدليل على ذلك قوله عقب ما سبق نقله عنه آنفاً. (وجملة ما اعتمده ابن تيمية في ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... )، وهذا إنما استدل به ابن تيمية لإثبات مشروعية السفر إلى المسجد دون القبر، فيرد البوطي استدلاله بأن الحديث كناية عن أولى الأماكن بالاهتمام للتوجه إليها من مسافات بعيدة، هذه المساجد الثلاثة بدليل أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يخص أماكن أخرى غير هذه المساجد بالزيارة (!). فتأمل كيف يخلط بين الزيارة بسفر، وهو المنفي في الحديث الأول، وبين الزيارة بدون سفر، وهو المثبت في حديث قبا فلا تعارض بينهما، كما هو ظاهر، وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى؛ لأنه يقول بمشروعية زيارة مسجد قباء وزيارة قبور البقيع والشهداء وغيرها من القبور، ولكنه لا يجيز السفر إليها كما يدل عليه الحديث الأول، فهو قائل بالحديثين، بينما البوطي -هداه الله- ليس عنده من العلم ما يوفق بينهما لو كانا متعارضين-إلا بتعطيل دلالة الأول منهما بأنه كناية! وهذا خلاف ما فهمه السلف من الصحابة وغيرهم، فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه نهى رجلاً أراد الذهاب إلى الطور فقال له: (دع عنك الطور فلا تأته) واحتج عليه بحديث النهي عن شد الرحال، وثبت نحوه عن غير واحد من الصحابة كما تراه مبسوطاً في كتابي "أحكام الجنائز" (ص224 - 231) فلو كان الحديث يعني ما ذهب إليه البوطي ما استقام نهي ابن عمر عن الذهاب إلى الطور ترى البوطي أصاب أم ابن عمر؟! فاللهم هداك. وليس غرضي الآن مناقشة البوطي في كل ما جاء في هذه المسألة من تخاليط

لأن لهذا مجالاً آخر وهو الذي سبقت الإشارة إليه في بيان الأخطاء الفقهية-وما أكثرها- وإنما هو التنبيه فقط على افترائه على شيخ الإسلام ابن تيمية وتحذير القراء من أن يغتروا بمثله، والله تعالى المسؤول أن يسدد خطانا، ويخلص نوايانا ويوفقنا للعمل الصالح الموافق للكتاب والسنة. 15 - ثم قال الدكتور في حاشية (ص521): (هنالك أيضاً طائفة من الأحاديث الواردة عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في فضل زيارة قبره لا يخلو معظمها من ضعيف أو لين، وهي وإن كانت ترتقي في مجموعها إلى درجة القوة، فقد آثرنا أن لا نسوقها مع هذه الدلائل التي ذكرناها حتى لا يتعلق المخالفون بما قد يطيب لهم التعلق به من لين أو ضعف فيها، فيجدوا بذلك منفذاً للانتصار لرأي ابن تيمية على ما فيه من شذوذ)! أقول: لقد ذكرني هذا بالمثل المشهور: أحمق من نعامة! ذلك لأنها إذا رأت الصياد أدخلت رأسها في الرمل لكي لا يراها الصياد لحماقتها، وهكذا صنع الدكتور، فإنه بإيثاره أن لا يسوق تلك الأحاديث، توهم أن ينجو من النقد والكشف عن الخطأ، وما هو بناج، فالأحاديث المشار إليها معروفة الضعف والنكارة-سواء ساقها أم لم يسقها. ولو أنه أراد النجاة حقاً لاستغنى عن هذه الحاشية ولما سود بها كتابه! ولم يفتح باب الانتقاد عليه ولكن يأبى الله تعالى إلا أن يتم نوره، ويظهر للناس الحقيقة الجلية وما ينبغي الاضطلاع بهذا العلم الشريف، حتى لا يغتروا بالمؤلف وبكتابه مرة أخرى، فيضلوا سواء السبيل. ويبدو أن الذي اضطره إلى هذا القول إنما هو شعوره بجهله وعجزه عن إثبات ما زعمه من القوة، فلم يسعه إلا الدعوى التي لا

يعجز عنها أي جاهل ولم يكتفِ بها حتى لجأ إلى تبريرها بما يضحك الثكلى وليس هذا فقط، بل إنه أعرض عن أقوال الأئمة الصريحة في تضعيف جميع طرق الأحاديث المشار إليها، وفيهم جماعة من كبار أئمة الشافعية الذي يتعصب لهم الدكتور عادة، كالإمام النووي والحافظ ابن حجر العسقلاني فضلاً عن غيرهم من الحفاظ المحققين كما سأبينه بإذن الله تعالى، مفصلاً ما في قوله هذا من الجهل والتجاهل والافتراء والتقليد الأعمى واتباع الهوى. 1 - لقد قلد في دعواه ارتفاع حديث فضل زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى درجة القوة بعض الفقهاء المتقدمين المقلدين الذين لا علم عندهم بهذا العلم الشريف مثل الأخنائي والسبكي وغيرهما من المتأخرين، وهو يعلم أن الذين ردوا عليهم من أهل المعرفة بهذا العلم قد بينوا بطلان الدعوى المذكورة بما لا يدع شبهة، فهذا هو الأخنائي يقول: (ورد في زيارة قبره أحاديث صحيحة وغيرها مما لم يبلغ درجة الصحيح، لكنها يجوز الاستدلال بها على الأحكام الشرعية ويحصل بها الترجيح). فرد ذلك عليه شيخ الإسلام ابن تيمية بوجوه يهمنا منها بعضها، فقال رحمه الله (ص87) وكأنه يرد على البوطي لتشابه ما بينه وبين الأخنائي! (الثالث) أنه قول لم يذكر عليه دليلاً، فإذا قيل له: لا نسلم أنه ورد في ذلك حديث صحيح احتاج إلى الجواب. وهو لم يذكر شيئاً من تلك الأحاديث فبقي ما ذكره دعوى مجردة تقابل بالمنع. (الوجه الرابع) أن نقول: هذا قول باطل لم يقله أحد من علماء المسلمين العارفين بالصحيح، وليس في الأحاديث التي رويت بلفظ: زيارة قبره حديث

صحيح عند أهل المعرفة، ولم يخرج أرباب الصحيح شيئاً من ذلك، ولا أرباب السنن المعتمدة، كسنن أبي داود والنسائي ونحوهم، ولا أهل المسانيد التي من أهل هذا الجنس كمسند أحمد وغيره، ولا في موطأ مالك، ولا مسند الشافعي ونحو ذلك. ولا احتج إمام من أئمة المسلمين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم بحديث فيه ذكر زيارة قبره، فكيف يكون في ذلك أحاديث صحيحة ولم يعرفها أحد من أئمة الدين ولا علماء الحديث؟ ومن أين لهذا وأمثاله أن تلك الأحاديث صحيحة وهو لا يعرف هذا الشأن؟ (الوجه الخامس) قوله: وغيرها بما لم يبلغ درجة الصحيح .. فنقول له لا نسلم أنه ورد من ذلك ما يجوز الاستدلال به، وهو لم يذكر إلا دعوى مجردة، فتقابل بالمنع. (الوجه السادس) أن يقال: ليس في هذا الباب ما يجوز الاستدلال به، بل كلها ضعيفة، كما بسط في مواضع، وذكرت هذه الأحاديث، وذكرت كلام الأئمة عليها حديثاً حديثاً، بل ولا أعرف عن أحد من الصحابة أنه تكلم بلفظ زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - البتة، فلم يكن هذا اللفظ معروفاً عندهم، ولهذا كره مالك التكلم به (¬1) بخلاف لفظ (زيارة) مطلقاً، فإن هذا اللفظ معروف عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعن أصحابه ... ). أقول: فما الذي صرف الدكتور البوطي عن الاعتماد على هذا الكلام لشيخ الإسلام وهو أعلم من السبكي وغيره ممن يقلده البوطي بما لا يصح المفاضلة ¬

(¬1) قلت: وقد يستنكر الدكتور البوطي وأمثاله من ذوي الأهواء ثبوت هذا عن مالك، فماذا يفعل وهو في "المدونة" (2/ 132)؟ [منه]

بينهما كما يقول مالك بكراهة التكلم بزيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - فضلاً عن غيره من أئمة الحديث كما يأتي-لولا الهوى وخوف أن يقال فيه "وهابي"! أم أن الدكتور لضيق عطنه وقلة اطلاعه، لا علم عنده بوجهة نظر ابن تيمية هذه، وأقوال الموافقين له من العلماء، وهذا مما استبعده، وسواء كان هذا وذاك فأحلاهما مر! وكذلك ما الذي منعه من الانتفاع بنقد الحافظ محمد بن عبد الهادي للشيخ السبكي في كتابه "الصارم المنكي في الرد على السبكي". وقد تتبع فيه أحاديث السبكي في الزيارة حديثاً حديثاً وبين عللها، وأقوال أئمة الحديث فيها من (ص10 - 171) وفصل القول فيها تفصيلاً لا يدع أي شك في قلب أحد من المنصفين بضعفها، وعدم ثبوت شيء منها إطلاقاً، وأنه ليس فيها ما يقوي بعضه بعضاً لشدة ضعفها واضطراب أسانيدها، وتضارب ألفاظها، ولذلك فإني أرى لزاماً على أن أوجز الكلام عليها هنا بمقدار ما يكشف عن عللها، وتقوم الحجة به على البوطي وأمثاله من المقلدين والمغترين بها (ليحيى من حيّ عن بينة) محيلاً لمن شاء التفصيل إلى كتاب الحافظ ابن عبد الهادي فإنه جمع فأوعى، وكتاب التلخيص لابن حجر (ج2/ 266و 367) وإلى كتابي "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" فقد كنت بسطت الكلام فيه على بعضها رقم (25و 47و 204). الحديث الأول عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: «من زار قبري وجبت له شفاعتي» وله عنه طرق): الأولى: من رواية موسى بن هلال العبدي وهو مجهول، وقد اضطرب في إسناده فقال مرة: عن عبد الله بن عمر، وقال: عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه. قال البيهقي:

(وسواء قال عبيد الله، أو عبد الله فهو منكر عن نافع عن ابن عمر لم يأت به غيره) وقال فيه العقيلي: (ولا يصح حديثه ولا يتابع عليه).ثم ساقه بإسناده وقال عقبه: (والرواية في هذا الباب فيها لين).وفي نقل الحافظ ابن حجر عنه أنه قال: (ولا يصح في هذا الباب شيء. والمعنى واحد، وهو أن طرقه كلها ضعيفة) وذلك مما صرح به الحافظ في آخر كلامه على الحديث. وعبيد الله المصغر-ثقة، بخلاف أخيه عبد الله -المكبر- فإنه ضعيف ورجع ابن عدي أنه هو صاحب هذا الحديث، ووافقه الإمام ابن خزيمة وصرح بأن الثقة لا يروي هذا الخبر المنكر كما قال الحافظ ابن حجر: ولذا قال النووي: (إسناده ضعيف جداً). الثانية: من رواية عبد الله بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر. وعبد الله بن إبراهيم وهو ابن أبي عمرو الغفاري متهم بالكذب والوضع. ونحوه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فإنه ضعيف جداً، وهو راوي حديث توسل آدم عليه السلام بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو موضوع كما بينته في "الأحاديث الضعيفة" رقم (25) وقد قال النووي في هذه الطريق أيضاً: "إسناده ضعيف جداً". الثالثة: من رواية مسلمة بن سالم الجهني عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عنه بلفظ: «من جاءني زائراً لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقاً على أن أكون

له شفيعاً يوم القيامة». ومسلمة هذا مجهول، ويقال فيه مسلمة بن سالم الجهني، قال أبو داود: ليس بثقة. وقد اضطرب في إسناده فرواه مرة هكذا. وقال مرة: عن عبد الله بن عمر عن نافع. وهذا هو الأشبه أنه من روايته عن عبد الله بن عمر العمري المكبر المضعف، فيكون الجهني هذا متابعاً لموسى بن هلال الذي في الطريق الأولى، إلا أن متابعته له مما لا يفرح بها العلماء، لأنه غير ثقة كما عرفت، ولو نفعت لم يتقوى الحديث بها لأن فوقهما عبد الله بن عمر الضعيف، على أنه ليس فيه زيارة القبر الشريف! فيمكن حمله على زيارته في حياته، وهذا مما لا شك في شرعيته فتنبه ولا تكن من أهل الأهواء الغافلين! ثم إن المحفوظ في هذا المعنى ما رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليفعل أشهد (وفي رواية: أشفع) لمن مات فيها». فهذا هو أصل الحديث ولفظه، فحرفه أولئك المجهولون والضعفاء عمداً أو سهواً، واغتر بهم من لا علم عندهم! الرابعة: من رواية حفص بن سليمان أبي عمر عن الليث بن أبي سليم عن مجاهد عنه بلفظ: «من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي زاد بعضهم وصحبني». وهذا منكر جداً، حفص بن سليمان وهو الأسدي القارئ الغاضري متروك متهم بالكذب والوضع، وقد تفرد به كما قال البيهقي، وليث بن أبي سليم ضعيف مختلط، وهو مخرج في "الضعيفة" برم (47). الخامسة: من راوية محمد بن محمد بن النعمان بن شبل: حدثني جدي قال:

حدثني مالك عن نافع عنه بلفظ: «من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني». وهذا موضوع، كما قال ابن الجوزي والذهبي والزركشي وغيرهم كما تراه في "الضعيفة" (45)، والآفة من محمد بن محمد، أو من جده النعمان بن شبل، وكلاهما متهم، ورجح ابن عبد الهادي الأول فليراجعه من شاء. وليس فيه أيضاً ذكر زيارة القبر الشريف. الحديث الثاني: عن عمر مرفوعاً بلفظ: «من زار قبري، أو قال: من زارني كنت له شفيعاً أو شهيداً». يرويه سوار بن ميمون أبو الجراح العبدي: حدثني رجل من آل عمر عنه. وهذا متن مضطرب، وإسناد مظلم، سوار هذا مجهول لا يعرف، وبعض الرواة يقلبه فيقول: ميمون بن سوار. وشيخه رجل لم يسم وهو أسوأ حالاً من المجهول، وقد اضطربوا فيه، فبعضهم يقول: "رجل من آل عمر"، كما في هذه الرواية، وبعضهم يقول: "رجل من ولد حاطب". وبعضهم يدخل بينه وبين سوار هارون أبا قزعة وهو مجهول أيضاً، وبعضهم يقول فيه هارون بن أبي قزعة، وذكره العقيلي والساجي وابن الجارود في "الضعفاء"! وقال "البيهقي": "هذا إسناد مجهول". الحديث: الثالث: عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: «من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتب له حجتان مبرورتان». وهذا موضوع، آفته أسيد بن زيد الجمال الكوفي، قال ابن معين: كذاب، سمعته يحدث بأحاديث كذب ومع ذلك فليس فيه ذكر القبر مطلقاً. وله عنه طريق آخر بلفظ: «من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي،

ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيداً أو قال شفيعاً». وهذا موضوع أيضاً، في إسناده فضالة بن سعيد بن زميل مجهول لا يعرف إلا في هذا الخبر الذي تفرد به ولم يتابع عليه. وقال الذهبي: "هذا موضوع". الحديث الرابع: عن علي مرفوعاً: «من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن حج ولم يزر قبري فقد جفاني». وهذا موضوع، آفته أنه من رواية النعمان بن شبل المتقدم، اتهمه الحافظ موسى بن هارون الحمال، وقال ابن حبان: يأتي عن الثقات بالطامات، وعن الأثبات بالمقلوبات. وهو يرويه عن محمد بن الفضل بن عطية، وكان كذاباً، كما قال ابن معين، وقال أحمد: حديثه حديث أهل الكذب. وهذا يرويه عن جابر الجعفي، وهو رافضي متروك شديد الضعف، قال أبو حنيفة رحمه الله: ما رأيت أكذب منه. الحديث الخامس: عن ابن مسعود مرفوعاً بلفظ: «» من حج حجة الإسلام، وزار قبري، وغزا غزوة، وصلى في بيت المقدس، لم يسأله الله فيما افترض عليه». وهذا حديث باطل ظاهر البطلان، ولذلك قال السيوطي وغيره: إنه حديث موضوع، وهو مخرج في "الأحاديث الضعيفة" برقم (204). الحديث السادس: عن أبي هريرة مرفوعاً: «من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي». وهذا موضوع، في إسناده خالد بن يزيد العمري، قال ابن معين، وأبو حاتم:

"كذاب". وقال ابن حبان: "يروي الموضوعات عن الأثبات". قلت: والسند إليه مظلم، فيه من لا يعرف. الحديث السابع: عن أنس، وله عنه لفظان بطريقين: الأول بلفظ: «» من زارني محتسباً كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة». وفي إسناده سليمان بن يزيد الكعبي، قال أبو حاتم: "منكر الحديث". ثم هو منقطع، لأن الكعبي هذا لم يسمع من أنس. والآخر بلفظ: ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر". وهذا موضوع، في سنده سمعان بن المهدي، قال الذهبي: "ولا يكاد يعرف، ألصقت به نسخة مكذوبة رأيتها، قبح الله من وضعها". قلت: وإسناده إليه ظلمات بعضها فوق بعض، وليس فيه ذكر القبر أيضاً. الحديث الثامن: عن رجل عن بكير بن عبد الله مرفوعاً: «من أتى المدينة زائراً وجبت له شفاعتي يوم القيامة». وهذا باطل كما قال ابن عبد الهادي، وإسناده مرسل أو معضل، وفيه الرجل المبهم، وليس فيه ذكر القبر. قلت: هذه هي الأحاديث التي أشار إليها الدكتور البوطي، وتلك طرقها التي زعم أن الحديث يرتقي بمجموعها إلى درجة القوة! دون أن يجري أي دراسة حولها -لو كان يستطيعها- ليعلم شدة ضعفها وتنافر متونها، فيحول ذلك بينه وبين الزعم المذكور. ولكن إذا كان لا يستطيع تلك الدراسة، فهل لا يحسن التقليد

أيضاً؟ فهو بدل أن يقلد شيخ الإسلام الذي صرح بتضعيف الحديث من جميع طرقه كما رأيت، يقلد الاخنائي، أو بدل أن يقلد الإمام النووي الذي ضعف جداً طريقيه المتقدمين -وهما أشهر طرقه- قلد السبكي الذي قوى الحديث خلافاً لكل من تكلم على الحديث من المتقدمين عليه- علماً وزمناً- الذين جزموا بأنه حديث منكر كابن خزيمة والبيهقي وغيرهما ممن تكلموا على مفردات طرقه وضعفوها كلها ممن سبق ذكرهم كالعقيلي الذي صرح بضعف جميع طرقه والعسقلاني والذهبي والسيوطي، فضلاً عن ابن تيمية وابن عبد الهادي، فلو أن الدكتور كان يحسن التقليد على الأقل لقلد هؤلاء لاختصاصهم بهذا العلم وكثرة عددهم وتقدمهم، ولكن صدق الله العظيم: «ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور». واعتقادي أن الدكتور يظن (وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً) أن أي حديث كثرت طرقه تقوى بها! وهذا جهل مخالف لما هو مقرر في علم مصطلح الحديث، قال ابن الصلاح في "المقدمة" (ص36 - 37) بعد أن ذكر الحديث الحسن لغيره وهو الذي جاء من أكثر من وجه ليس فيه مغفل كثير الخطأ. (لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها مع كونها رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث: «الأذنان من الرأس» ونحوه، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن، لأن بعض ذلك يعضد بعضاً كما قلتم في الحسن على ما سبق آنفاً؟ وجواب ذلك أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه صنف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه، وكذلك إذا كان ضعفه

من حيث الإرسال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر. ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك، لقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن جبره، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي، متهماً بالكذب، أو كون الحديث شاذاً. وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة). أقول: أي والله إنه لمن النفائس العزيزة التي يغفل عنها كثير من المشتغلين بهذا العلم، فضلاً عن غيرهم ممن لا معرفة لهم به مطلقاً، كهذا الذي نحن في صدد الرد عليه، والتحذير من آثار جهله، ولذلك فإنه لما لخص الحافظ ابن كثير كلام ابن الصلاح هذا في "مختصره" (¬1) (ص43) وأقره عليه. علق عليه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله بقوله: (وبذلك يتبين خطأ كثير من العلماء المتأخرين في إطلاقهم أن الحديث الضعيف إذا جاء من طرق متعددة ضعيفة ارتقى إلى درجة الحسن أو الصحيح، فإنه إذا كان ضعف الحديث لفسق الراوي أو اتهامه بالكذب، ثم جاء من طرق أخرى من هذا النوع ازداد ضعفاً، لأن تفرد المتهمين بالكذب أو المجروحين في عدالتهم بحيث لا يرويه غيرهم، يرفع الثقة بحديثهم، ويؤيد ضعف روايتهم وهذا واضح). قلت: إذا أمعن القارئ النظر في تلك الطرق المتقدمة لحديث الزيارة لم يجد فيها أي صفة من تلك الصفات التي ذكرها ابن الصلاح في الطرق التي يتقوى الحديث بها، فليس فيها مثلاً راوٍ واحد على الأقل هو من أهل الصدق، علمنا أنه ¬

(¬1) كذا ولعل صوابها: مختصره.

ضعيف الحفظ، بل هم من المتهمين بالكذب، أو المعروفين بالضعف الشديد، أو من المجهولين، أو المبهمين مع عدم سلامة الحديث من الاضطراب والنكارة في المتن، كما أنه ليس فيها طريق واحدة مرسلة، أرسلها إمام حافظ!! من أجل ذلك نجد كثيراً من الأحاديث الضعيفة، قد جزم العلماء بضعفها مع أن لها طرقاً كثيرة، وقد ضرب ابن الصلاح لذلك مثلاً بحديث: «الأذنان من الرأس»، وفيه عندي نظر من وجوه أهمها أنني وجدت له طريقاً قوية الإسناد، ولذلك خرجته في "صحيح أبي داود" (123) و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم (26) وهذا مطبوع، فليراجعه من شاء. ولذلك، فالأولى عندي التمثيل بحديث: «من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة كنت له شفيعاً له يوم القيامة» كما فعل الحافظ السخاوي في "فتح المغيث" (1/ 71) وقال عقبة: "فقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه مع كثرة طرقه". والجهل بهذه القاعدة الهامة يؤدي إلى تقوية كثير من الأحاديث الضعيفة من أجل طرقها، بل وقد يؤدي إلى الالتحاق ببعض الفرق الضالة، فهذا مثلاً حديث: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه» فقد روي من حديث أبي سعيد، وعبد الله بن مسعود، وجابر، وسهل بن حنيف، وغيرهم، ومع ذلك فهو معدود في جملة الأحاديث الموضوعة (¬1).ومثله حديث: «على خير البشر، من أبي فقد كفر» له طرق كثيرة أيضاً (¬2). والأمثلة من هذا النوع كثيرة جداً لا تكاد تحصر، فراجع إن ¬

(¬1) انظر "اللآلئ المصنوعة" للسيوطي (1/ 425)، و"تنزيه الشريعة"، لابن عراق (82) و"الفوائد المجموعة" للشوكاني (رقم 1198) وغيرها. [منه] (¬2) "تنزيه الشريعة" (1/ 353). [منه]

[216] باب جواز زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دون شد الرحل إليه بقصد الزيارة

شئت كتابي "سلسلة الأحاديث الضعيفة" ففيها الشيء الكثير منها: (55، 133، 134، 139 و134، 226، 230و 266و 332و 337و 451و 583و 585و 649). أقول: فهذه الأمثلة من الأحاديث الموضوعة ينبغي أن تكون عند الدكتور البوطي، صحيحة لأنه يصدق فيها قوله المتقدم: "بعضها يقوي بعضاً ... "!! {فهل من مدكر}؟ "دفاع عن الحديث النبوي" (ص92 - 112). [216] باب جواز زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دون شد الرحل إليه بقصد الزيارة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يا معاذ! إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، [أ] ولعلك أن تمر بمسجدي [هذا أ] وقبري». [قال الإمام]: أخرجه أحمد (5/ 235): حدثنا الحكم بن نافع أبو اليمان حدثنا صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني، أن معاذاً لما بعثه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خرج إلى اليمن معه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: فذكره. وزاد: فبكى معاذ بن جبل جشعاً لفراق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تبك يا معاذ! لَلبكاء، أو إن البكاء من الشيطان».

[217] باب بدع زيارة القبر النبوي

(تنبيه): هذا الحديث استدل به الدكتور البوطي في آخر كتابه " فقه السيرة " على شرعية زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - التي زعم أن ابن تيمية ينكرها! ونحن وإن كنا لا نخالفه في هذا الاستدلال، فإنه ظاهر، ولكنا ننبه القراء بأن هذا الزعم باطل وافتراء على ابن تيمية رحمه الله، فإن كتبه طافحة بالتصريح بشرعيتها، بل وتوسع في بيان آدابها، وإنما ينكر ابن تيمية قصدها بالسفر إليها، المعني بحديث: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... » الحديث، كما كنت بينت ذلك وبسطت القول فيه من أقوال ابن تيمية نفسه في ردي على البوطي المسمى: "دفاع عن الحديث النبوي"، فما معنى إصرار الدكتور على هذه الفرية حتى الطبعة الأخيرة من كتابه؟! الجواب عند القراء الألباء. "الصحيحة" (5/ 665 - 667). [217] باب بدع زيارة القبر النبوي [ذكر الإمام من بدع زيارة القبر النبوي]: - قصد قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - بالسفر (¬1). - ارسال العرائض مع الحجاج والزوار إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. - إبقاء القبر النبوي في مسجده (¬2). - زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل الصلاة في مسجد. ¬

(¬1) والسنة قصد المسجد لقولهص: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... » الحديث، فاذا وصل إليه وصلى التحية زار قبرهص. [منه] (¬2) والواجب فصله عن المسجد بجدار كما كان في عهد الخلفاء الراشدين كما بينته منذ سنوات في «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد». [منه]

- وقوف بعضهم أمام القبر بغاية الخشوع واضعاً يمينه على يساره كما يفعل في الصلاة. - قصد استقبال القبر اثناء الدعاء. - قصد القبر للدعاء عنده رجاء الإجابة. «الاختيارات العلمية» (50). - التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الله في الدعاء. - طلب الشفاعة وغيرها منه. - قول ابن الحاج (¬1) في «المدخل» (1/ 259) أن من الأدب: «أن لا يذكر حوائجه ومغفرة ذنوبه بلسانه عند زيارة قبره^ لأنه أعلم منه بحوائجه ومصالحه»!! - قوله أيضاً (1/ 264): «لا فرق بين موته عليه السلام وحياته في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وتحسراتهم وخواطرهم»!! - وضعهم اليد تبركاً على شباك حجرة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - وحلف البعض بذلك بقوله: وحق الذي وضعتَ يدك على شباكه وقلت: الشفاعة يا رسول الله!! - «تقبيل القبر أو استلامه أو ما يجاور القبر من عود ونحوه». «فتاوى ابن تيمية» (4/ 310) و «الاقتضاء» (176) و «الاعتصام» (2/ 134 - 140) و «إغاثة اللهفان» (1/ 194) و «الباعث» لأبي شامة (70) والبركوي في ¬

(¬1) وهذا الرجل مع فضله وكون كتابه المذكور مرجعاً حساً لمعرفة البدع، فانه في نفسه مخرف لا يعتمد عليه في التوحيد والعقيدة. [منه]

«اطفال المسلمين» (234) و «الإبداع» (90) (¬1). - «قصد الصلاة تجاه قبره» (¬2). «الرد على البكري» لا بن تيمية (71) و «القاعدة الجليلة» (125 - 126) و «الإغاثة» (1/ 194 - 195) والحادمي على «الطريقة المحمدية» (4/ 322). - «الجلوس عند القبر وحوله للتلاوة والذكر» «الاقتضاء» (183 - 210). - قصد القبر النبوي للسلام عليه دبر كل صلاة (182). - «قصد أهل المدينة زيارة القبر النبوي، كلما دخلوا المسجد، أو خرجوا منه». «الرد على الاخنائي» (ص 150 - 151 و156، 217، 218) و «الشفا في ¬

(¬1) وقد أحسن الغزالي رحمه الله تعالى حين أنكر التقبيل المذكور وقال (1/ 244): «إنه عادة النصارى واليهود».فهل من معتبر؟ [منه] (¬2) لقد رأيت في السنوات الثلاث، الّتي قضيتها في المدينة المنورة (1381 - 1383) أستاذاً في الجامعة الإسلامية، بدعاً كثيرة جداً تفعل في المسجد النبوي، والمسؤولون فيه عن كل ذلك ساكتون، كما هو الشأن عندنا في سورية تماماً. ومن هذه البدع ما هو شرك صريح، كهذه البدعة: فإن كثيراً من الحجاج يتقصدون الصلاة تجاه القبر الشريف، حتى بعد الصلاة العصر في وقت الكراهة! وشجعهم على ذلك أنهم يرون في جدار القبر الذي يستقبلونه محراباً صغيراً من آثار الأتراك ينادي بلسان حاله: الجهال وما يأتون من المخالفات، وكان من أبسط ما اقترحته رفع السجاد من ذلك المكان، وليس المحراب! فوعدنا خيراً، ولكن المسؤول الذي يستطيع ذلك لم يفعل ولن فإلى الله المشتكى، من ضعف الإيمان وغلبة الهوى الذي لم يغد فيه حتى التوحيد لغلبة حب المال على أهله إلا من شاء الله وقليل ما هو، وصدق رسول الله صلى عليه وسلم إذا يقول: «فتنة لأمي المال». [منه]

[218] باب من صور الغلو في زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -

حقوق المصطفى» للقاضي عياض (2/ 79) و «المدخل» (1/ 262). - التوجه إلى جهة القبر الشريف عند دخول المسجد أو الخروج منه، والقيام بعيداً منه بغاية الخشوع. - تبركهم بما يسقط مع المطر من قطع الدهان الأخضر من قبة القبر النبوي! - «تقربهم بأكل التمر الصيحاني في الروضة الشريفة بين المنبر والقبر». «الباعث على إنكار البدع» (ص 70) و «مجموعة الرسائل الكبرى» (2/ 396). «قطعهم من شعور هم ورميها في القنديل الكبير القريب من التربة النبوية». «المصدران السابقان». حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص136 - 142). [218] باب من صور الغلو في زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني» (موضوع) [قال الإمام]: ومما يدل على وضعه أن جفاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الكبائر إن لم يكن كفراً، وعليه فمن ترك زيارته - صلى الله عليه وآله وسلم - يكون مرتكباً لذنب كبير، وذلك يستلزم أن الزيارة واجبة كالحجٍ، وهذا مما لا يقوله مسلم، ذلك لأن زيارته - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن كانت من القربات

[219] باب منه

فإنها لا تتجاوز عند العلماء حدود المستحبات، فكيف يكون تاركها مجافياً للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعرضاً عنه؟! "الضعيفة" (1/ 119). [219] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي». (موضوع). [قال الإمام]: واعلم أنه قد جاءت أحاديث أخرى في زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد ساقها كلها السبكي في " الشفاء " وكلها واهية وبعضها أو هى من بعض، وهذا أجودها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الآتي ذكره، وقد تولى بيان ذلك الحافظ ابن عبد الهادي في الكتاب المشار إليه آنفاً [كتاب " الصارم المنكي"] بتفصيل وتحقيق لا تراه عند غيره فليرجع إليه من شاء. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة " (ص 57): "وأحاديث زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - كلها ضعيفة لا يعتمد على شيء منها في الدين، ولهذا لم يروأهل الصحاح والسنن شيئا منها، وإنما يرويها من يروي الضعاف كالدارقطني والبزار وغيرهما. ثم ذكر هذا الحديث ثم قال: فإن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره في حياته وكان مؤمنا به كان من أصحابه، لاسيما إن كان من المهاجرين إليه المجاهدين معه، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «لا تسبوا أصحابي

فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» خرجاه في الصحيحين، والواحد من بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة كالحج والجهاد والصلوات الخمس، والصلاة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين (يعني زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم -) بل ولا شرع السفر إليه، بل هو منهي عنه، وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه فهو مستحب ". (تنبيه): يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحى نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذا كذب وافتراء وليست أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى، وعليهم، وكل من له اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - واستحبابها إذا لم يقترن بها شيء من المخالفات والبدع، مثل شد الرحل والسفر إليها لعموم قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تشد الرحل إلا إلى ثلاثة مساجد» والمستثنى منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط كما يظن كثيرون بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجدا أو قبرا أو غير ذلك، بدليل ما رواه أبوهريرة قال (في حديث له): فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لوأدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد» الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 226). فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه، ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لزيارة قبر ما، فَهُم سلف ابن تيمية في هذه المسألة، فمن طعن فيه فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم، ورحم الله من قال: وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف. "الضعيفة" (1/ 120، 123 - 125).

[220] باب منه

[220] باب منه [روي عن الني - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «من زارني بعد موتي، فكأنما زارني في حياتي».باطل. [ثم علل الإمام بطلانه ثم قال]: ومما سبق تعلم أن ما جاء في بعض كتب التربية الدينية التي تدرس في سورية تحت عنوان: زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: أن هذا الحديث رواه الدارقطني وابن السكن والطبراني وغيرهم بروايات مختلفة تبلغ درجة القبول، لم يصدر عن بحث علمي في إسناده، ولا نظر دقيق في متنه، الذي جعل من زار قبره - صلى الله عليه وآله وسلم -، بمنزلة من زاره في حياته، ونال شرف صحبته، التي من فضائلها ما تحدث عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس محمد بيده، لوأنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»!. فمن كان بينه وبين هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم هذا البون الشاسع في الفضل والتفاوت، كيف يعقل أن يجعله - صلى الله عليه وآله وسلم - مثل واحد منهم، بمجرد زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهي لا تعدوأن تكون من المستحبات؟! "الضعيفة" (3/ 89،91).

[221] باب بيان بطلان ما ينسب إلى أسامة بن زيد من صلاته عند قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

[221] باب بيان بطلان ما ينسب إلى أسامة بن زيد من صلاته عند قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن محمد بن إسحاق يحدث عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله قال: رأيت أسامة بن زيد يصلي عند قبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فخرج مروان بن الحكم فقال: تصلي إلى قبره؟ فقال: إني أحبه فقال له قولا قبيحاً ثم أدبر، فانصرف أسامة فقال: يا مروان إنك آذيتني وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «إن الله يبغض الفاحش المتفحش» وإنك فاحش متفحش. [قال الإمام]: صحيح لغيره المرفوع فقط, والقصة ضعيفة، وقوله: يصلي عند قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - منكر باطل. [ثم علق قائلاً]: ومع ضعف الإسناد؛ فإنَّ في القصة ما لا يخفى بطلانه على طالب علم فقيه, بل ولا على عارف بفضل الصحابة, وبعدهم عن الشركيات؛ من الصلاة عند القبر, والاحتجاج على ذلك بحبِّ النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - , كما تقول جهلة العوام اليوم, هذا لو كانَ من الممكن يومئذ الصلاة إلى القبر الشريف, وهو في بيت عائشة رضي الله عنها. "صحيح موارد الظمآن" (2/ 262)

[222] باب زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حكمها حكم زيارة باقي القبور؟

[222] باب زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حكمها حكم زيارة باقي القبور؟ سؤال: .. هل زيارة قبره عليه الصلاة والسلام مثل بقية مقابر المسلمين حيث علمنا وأرشدنا بأن زيارة القبور تذكرنا بالآخرة، فتكون عبرةً لنا، أم هي خصوصية أخرى؟ الشيخ: لا خصوصية هاهنا، فزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مشروعة كسائر قبور المسلمين، ولكن ينبغي أن نذكر من يتذكر بأن هناك فرقًا بين هذه المسألة التي لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح فيها عنزان ألا وهي زيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام فهي مشروعة دون خلاف بين ... لكن هذا شيء وشد الرحال والسفر خاصًة لزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فضلًا عن قبور الأنبياء والأولياء والصالحين، هذا أمر لا يجوز في الإسلام لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» ولذلك فمن يريد أن يزور قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - زيارًة شرعية فعليه أن ينوي السفر باكتساب فضيلة الصلاة في مسجده عليه الصلاة والسلام حيث قال: «صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة مما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» عليه أن يقصد بسفره المسجد لينال هذه الفضيلة البالغة، وبطبيعة الحال إذا وصل إلى هناك وزار قبره عليه السلام، وزار البقيع، زار شهداء أحد، هذا كله جائز لا خلاف فيه، لكن الفرق بين أن يخلص النية في شد الرحل للصلاة في المسجد أو يجعل النية لزيارة قبر الرسول عليه السلام، وفي هذا مخالفة لذاك الحديث الصحيح: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد». "فتاوى الإمارات" (5/ 00: 42: 59)

[223] باب هل تشرع زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

[223] باب هل تشرع زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - السائل: بالنسبة للحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء، أحيانًا يأتي بعبارات تستغرب منه، كقوله في زيارة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: إن زيارة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من أعظم القرب، لا أذكر أين قرأتها في السير .. ؟ الشيخ: من أين وجه الاستغراب؟ مداخلة: يعني: زيارة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من أعظم القرب. الشيخ: أعدت العبارة بدون فائدة. مداخلة: الحافظ الذهبي يعني معروف من كبار .. يعني: العبارة ما فيها خطأ، يعني: هل ترى أن ما فيها خطأ؟ الشيخ: أعدت كلامك. مداخلة: أرفق بي جزاك الله خيرًا، يعني: الحافظ الذهبي معروف أنه من السلفيين، يعني: من علماء السلف لا شك إن شاء الله، يعني: هذه العبارة كأنها غريبة، أو ما فهمتها أنا؟ الشيخ: أنا ما فهمت استشكالك، فلأدخل أنا معك الآن لاستكشاف ما وراء الأكمة، هل الاستغراب هو اسم التفضيل بالذات، أم غير ذلك؟ مداخلة: لا، غير ذلك. الشيخ: جميل! فلو أردنا أن نعبر نيابةً عن الذهبي بعبارة تكون مقبولة عندنا نحن معشر السلفيين، ماذا نقول؟ مداخلة: لا تشرع زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

الشيخ: لماذا؟ مداخلة: لأنه لا تشرع زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الشيخ: .. الآن قد نصل إلى ما تقصد، لو قال قائل: يجوز شد الرحل إلى مسجد الرسول عليه السلام، فيه اعتراض؟ مداخلة: فيه اعتراض. الشيخ: طيب! لو قال قائل: يجوز زيارة قبر الرسول، هناك اعتراض؟ مداخلة: فيه اعتراض. الشيخ: لِمَ؟ مداخلة: لأنه ما شُرِع هذا، .. لعموم الحديث حديث أبي هريرة: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء أو بيت المقدس» شك أبو هريرة حسب الراوي ... فيعني: لا يشرع هذا الذي أفهمه. الشيخ: من هنا أوتيت! كان سؤالي بناًء على استشكالك، ليس هو: هل يجوز شد الرحل لزيارة قبر الرسول عليه السلام، وإنما كان بعد أن قلنا وسألنا: هل يجوز شد الرحل إلى مسجد الرسول عليه السلام؟ كان الجواب حقًّا، ثم تصرفنا في العبارة ورفعنا المسجد ووضعنا الزيارة، فقلنا: هل يجوز زيارة قبر الرسول، ولم نقل: هل يجوز شد الرحل لزيارة قبر الرسول؟ فلا شك أنك تفرق معنا بين العبارتين، فالعبارة الأولى: هل يجوز زيارة قبر الرسول، العبارة الثانية: هل يجوز شد الرحل لزيارة قبر الرسول؟ فأنت كان جوابك ينصب على السؤال الثاني الذي ما كنت وجهته إليك، جوابك يصلح لما لو كان السؤال: هل يجوز شد الرحل

[224] باب الانتصار لشيخ الإسلام في قوله بحرمة شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي

لزيارة قبر الرسول؟ فذكرت حديث أبي هريرة وهذا صواب، لكن لم يكن السؤال هكذا، كان السؤال: هل يجوز زيارة قبر الرسول؟ واضح الآن الفرق؟ مداخلة: واضح. الشيخ: طيب! يعود السؤال: هل يجوز زيارة قبر الرسول؟ مداخلة: نعم يجوز. الشيخ: فإذًا: لا إشكال. (فتاوى جدة -الأثر-" (3/ 01: 09: 05) [224] باب الانتصار لشيخ الإسلام في قوله بحرمة شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي سؤال: باختصار! نقل ابن حجر رحمه الله في الفتح في المجلد الثالث أنه قال: من أبشع المسائل التي ذكرت عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه منع شد الرحال إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام، انتهى كلامه بتصرف، فيفهم من ذلك أن ابن حجر يعتمد على قوله هذا بأحاديث وأقوال .. مداخلة: فيفهم من كلامك ... فهمت الآن عن النسبة التي فهمت: أن ابن حجر يعتمد على أحاديث طيب! ويرى بجواز شد الرحال إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام. الشيخ: ما هي الأحاديث؟ مداخلة: ما أدري، ما يفهم من هذا الآن؟ الشيخ: لا.

مداخلة: وإلا ماذا يفهم؟ الشيخ: يفهم باستغراب هذا القول ولا يعني أن هناك أحاديث؛ لأنه يجب أن نستحضر في أذهاننا أن الأحكام الشرعية لا تثبت بأحاديث صريحة كلها، تارةً هكذا وتارةً باستنباط، وتارةً بالقياس، طيب! فإذا كان هناك استنباط وقياس ورأيت إنسانًا ذهب إلى قول ما واستغربته أنت ليس من الضروري أن تتصور أن هذا القول يوجد عليه حديث، ممكن أن يكون بالقياس، طيب! والآن: فسؤالك: هل الأحاديث تجيز شد الرحل إلى قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أم لا، أم أنت تريد أن تسأل ما موقفك من استغراب الحافظ ابن حجر لقول ابن تيمية أنه لا يجوز شد الرحل إلى قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ مداخلة: نعم يا شيخ. الشيخ: وهو؟ مداخلة: استغراب الحافظ الشيخ: أنا أقول: قوله هو المستغرب، قول ابن حجر هو المستغرب، لماذا؟ لأنه يعلم قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» وذكرها، وفي رواية لمسلم: «لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» فالآن: المسجد النبوي لم يكن القبر فيه، تعرف هذه الحقيقة؟ فهل كان شد الرحل فيه قبل دفنه عليه السلام وبعدما قال هذا الحديث مشروعًا أم لا؟ أعيد ما قلته: عندما قال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» كان ميتًا أم كان حيًا؟ مداخلة: حيًا. الشيخ: كان قبره في المسجد؟

مداخلة: لا. الشيخ: كان شد الرحل إلى المسجد مشروعًا؟ مداخلة: نعم. الشيخ: نعم، عندما أصبح القبر في المسجد بعد موته عليه السلام بزمان، وبعدما أجروا التوسعة، أصبح الآن القبر في المسجد، هل تغير الحكم السابق؟ مداخلة: لا ما تغير. الشيخ: إذًا: بقي الحكم السابق كما هو، ولذلك يقول ابن تيمية أو غيره: أن الذي يسافر إلى المدينة فيجب أن يخلص النية لشد الرحل إلى مسجده عليه السلام؛ ذلك لأن الصلاة فيه بألف صلاة، فإذا وصل إلى ذلك المكان أو المقام فأمكن أن يزور قبر الرسول عليه السلام كما يزور أي قبر من قبور الأولياء أو الأنبياء أو الصالحين، بينما إذا عكس النية فنوى أن يشد الرحل لزيارة قبره عليه السلام هذا أولًا لا حديث فيه إطلاقًا، وثانيًا: قلب الحكم الشرعي، فالحكم الشرعي قال: لا تشد الرحال إلا إلى المسجد، فكيف هو عكس الموضوع وشد الرحل إلى القبر، واضح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: فإذًا: قول ابن حجر هو المستغرب، وأظنكم تعلمون قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (¬1) وفي حديث الفقراء الذي فيه: «إن لكم في كل تسبيحة صدقة وتحميدة صدقة وأمر بمعروف ونهي عن منكر» ثم ¬

(¬1) البخاري (رقم1) ومسلم (رقم5036).

[225] باب رد بعض شبهات المجيزين لشد الرحال إلى قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

ختم الحديث بقوله: «وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته وله عليها أجر؟ قال: أليس إذا وضعها في حرام يكون عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك إذا وضعها في حلال يكون له عليها أجر» (¬1) كلٌّ ممن أتى الحلال أو الحرام قضى شهوته، لكن والاختلاف بالنية، العمل الواحد يختلف باختلاف النية فمن شد الرحل إلى المسجد النبوي فهذا اتقى الله فأجر، ثم له بعد ذلك أن يزور قبر الرسول وقبر أبي بكر الصديق وأُحُد وقباء ... وليس كذلك من عكس الحكم فشد الرحل لزيارة قبر الرسول وزيارة قبر أبي بكر وعمر، هذا واضح إن شاء الله. مداخلة: واضح. "رحلة النور" (ب40/ 00:35:51) [225] باب رد بعض شبهات المجيزين لشد الرحال إلى قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سؤال: بعض الذين يقولون بجواز قصد السفر لزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يحتجون بحجة يقولون: لو أن شخصاً مقيماً في مكة ويريد أن يسافر إلى المدينة فماذا ينوي؟ لو قلنا: أنه ينوي زيارة المسجد النبوي فالصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في المسجد النبوي، فيقولون: فنحن إذاً لا بد أنه ينوي زيارة القبر الشريف حتى تكون نيته يعني: للبيت قد تكون لها معنى، فكنا نحب أن نسمع الرد على ذلك؟ الشيخ: الرد واضح، هل زيارة قبر الرسول أفضل من الصلاة في مسجد الرسول؟ ¬

(¬1) مسلم (رقم2376).

[226] باب هل تجوز زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد كل صلاة؟

فإذا كان هو يعيش في مكة والصلاة فيها بمائة ألف، فإذاً لا مبرر له من أن يشد رحلاً للصلاة في المسجد النبوي فإذاً لا مبرر له من أن يشد الرحل من أجل زيارة قبر الرسول عليه السلام .. "الهدى والنور" (80/ 34: 57: 00) [226] باب هل تجوز زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد كل صلاة؟ [سئل الإمام سؤالاً مفاده هل يجوز لمن سافر إلى المدينة النبوية أن يزور قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد كل صلاة؟] السائل: عفواً أنت ذكرت من سافر إلى المدينة ثم ثنيت فذكرت أهل المدينة، أكذلك؟ الشيخ:- إذا كنت تعني ما تقول كلما صلى فنقول لا، لكنه يجوز أن يفعل ذلك أحياناً وكذلك أهل المدينة لا يجوز لهم أن يترددوا دبر كل صلاة كما هو الواقع اليوم، لأنهم بذلك يتخذون قبره عليه السلام عيداً وقد جاءت أحاديث ثابتة في النهي عن اتخاذ قبره عيداً، لكن من فعل ذلك أحياناً سواءً كان من سكان المدينة أو من الوافدين إليها فيفعل ذلك أحياناً ولا يكرر. مداخلة: [ألم يكن ابن عمر يفعل ذلك]. الشيخ: مش دائماً كان إذا مثلاً غاب من سفر جاء إلى قبر الرسول عليه السلام وسلم عليه وعلى أبي بكر وعلى أبيه، أما أن يجعل ذلك ديدنه كما يفعل المبتدعة في هذا الزمان، فحاشاه من مثل ذلك. " الهدى والنور" (97/ 15: 04: 00)

[227] باب الفرق بين السلام على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من المدينة المنورة ومن خارجها

[227] باب الفرق بين السلام على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من المدينة المنورة ومن خارجها مداخلة: يسأل السائل فيقول: ما الفرق بين السلام على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من بلد آخر غير المدينة المنورة علمًا بأن الملائكة يبلغون السلام بنص الحديث، وبين وقوف الشخص أمام قبره عليه الصلاة والسلام. الشيخ: الحقيقة أنه لا فرق، وقد جاءت أحاديث تؤكد هذا، ذكرت شيئًا منها قديمًا في كتابي: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، جاء عن بعض أهل البيت أنه رأى رجلًا جالسًا بجانب قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فسأله عن سبب جلوسه بهذا القرب من قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: إنه يصلي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأجابه: بأن صلاة المصلي أنت هنا ومن كان في الأندلس سواء؛ ذلك لأن من خصوصيات نبينا صلوات الله وسلامه عليه، ومما فضله الله تبارك وتعالى على من قبله من إخوانه من الأنبياء والرسل أنه كما قال: «إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام» (¬1) سياحين: طوافين في الدنيا كلها، يبلغوني عن أمتي السلام، ولا فرق بين من يصلي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مسجده وعند قبره وبين من يصلي هنا وهناك في أقاصي البلاد كلها؛ لأن الملائكة الموظفين بتبليغ الصلاة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - إليه يقومون بذلك خير قيام. وهذا في الحقيقة يذكرني بشيء لعل من المفيد أن أذكره: في أول مرة حينما كتب لي أن أسافر إلى السعودية وأن أؤدي فريضة الحج لأول مرة، فلما جئت لآخذ الجواز ويوقع عليه الضابط المسئول رأى أن الأمر في دخول المدينة، قال: ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم2174).

أريد منك شيئًا، قلت له: تفضل، قال: إذا وصلت إلى هناك بالسلامة أقرئ سلامي إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كان الوضع يومئٍذ خير مما هو الآن، مع الأسف تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح، فقلت له: ألا أدلك هو الشاهد على ما هو خير لك مما توصيه، قال: تفضل، قلت: أنا إنسان قد لا أصل بسبب أو أكثر إلى المدينة، وقد أصل فلا أتذكر، فالآن: أفلا أدلك على ما هو خير لك قال: تفضل، قلت: صل عليه الآن يصل الآن بأسرع من طرف البصر، وذكرت له هذا الحديث: «إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام» فهؤلاء موظفون من رب العالمين فقط لتبليغ نبينا صلوات الله وسلامه عليه سلام أمته. ويحسن التنبيه أيضًا بحديث: «من صلى علي نائيًا أبلغته، ومن صلى علي قريبًا مني سمعته» هذا حديث موضوع لا أصل له، فقد كنت خرجته تخريجًا علميًا في الجزء الأول كما أذكر من "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة". "فتاوى الإمارات" (5/ 00: 38: 52)

جماع أبواب أحكام التوسل

جماع أبواب أحكام التوسل

[228] باب بيان اضطراب الأقوال في حكم التوسل مما يوجب تحقيق القول فيه

[228] باب بيان اضطراب الأقوال في حكم التوسل مما يوجب تحقيق القول فيه [قال الإمام]: اضطرب الناس في مسألة التوسل، وحكمها في الدين اضطراباً كبيراً، واختلفوا فيها اختلافاً عظيماً، بين مُحلِّل ومُحرِّم، ومغال ومتساهل، وقد اعتاد جمهور المسلمين منذ قرون طويلة أن يقولوا في دعائهم مثلاً: «اللهم بحق نبيك أو بجاهه أو بقدره عندك عافني واعف عني" و «اللهم إني أسألك بحق البيت الحرام أن تغفر لي" و «اللهم بجاه الأولياء والصالحين، ومثل فلان وفلان" أو «اللهم بكرامة رجال الله عندك، وبجاه من نحن في حضرته، وتحت مدده فرج الهم عنا وعن المهمومين"و «اللهم إنا قد بسطنا إليك أكف الضراعة، متوسلين إليك بصاحب الوسيلة والشفاعة أن تنصر الإسلام والمسلمين .. " إلخ. ويسمون هذا توسلاً، ويدَّعون أنه سائغ ومشروع، وأنه قد ورد فيه بعض الآيات والأحاديث التي تقره وتشرعه، بل تأمر به وتحض عليه، وبعضهم غلا في إباحة هذا حتى أجاز التوسل إلى الله تعالى ببعض مخلوقاته التي لم تبلغ من المكانة ما يؤهلها لرفعة الشأن، كقبور الأولياء، والحديد المبني على أضرحتهم، والتراب والحجارة والشجر القريبة منها، زاعمين أن ما جاور العظيم فهو عظيم، وأن إكرام الله لساكن القبر يتعدى إلى القبر نفسه حتى، يصح أن يكون وسيلة إلى الله، بل قد أجاز بعض المتأخرين الاستغاثة بغير الله! "التوسل" (ص9 - 10)

[229] باب التوسل في اللغة والقرآن

[229] باب التوسل في اللغة والقرآن [قال الإمام]: أحب أن ألفت النظر إلى سبب هام من أسباب سوء فهم كثير من الناس لمعنى التوسل، وتوسعهم فيه، وإدخالهم فيه ما ليس منه، وذلك هو عدم فهمهم لمعناه اللغوي، وعدم معرفتهم بدلالته الأصلية، ذلك أن لفظة (التوسل) لفظة عربية أصيلة، وردت في القرآن والسنة وكلام العرب من شعر ونثر، وقد عنى بها: التقرب إلى المطلوب، والتوصل إليه برغبة، قال ابن الأثير في «النهاية": (الواسل: الراغب، والوسيلة: القربة والواسطة، وما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به، وجمعها وسائل) وقال الفيروز أبادي في «القاموس": (وسل إلى الله تعالى توسيلاً: عمل عملاً تقرب به إليه كتوسل) وقال ابن فارس في «معجم المقاييس": (الوسيلة: الرغبة والطلب، يقال: وسل إذا رغب، والواسل: الراغب إلى الله عز وجل، وهو في قول لبيد: أرى الناس لا يدرون ما قدْرُ أمرهم بلى، كل ذي دين إلى الله واسلُ). وقال الراغب الأصفاني في «المفردات": (الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة، لتضمنها لمعنى الرغبة، قال تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة}، وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى: مراعاة سبيله بالعمل والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة، والواسل: الراغب إلى الله تعالى). وقد نقل العلامة ابن جرير هذا المعنى أيضاً وأنشد عليه قول الشاعر: إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل هذا وهناك معنى آخر للوسيلة هو المنزلة عند الملك، والدرجة والقربة، كما

ورد في الحديث تسمية أعلى منزلة في الجنة بها، وذلك هو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة} (¬1). وواضح إن هذين المعنيين الأخيرين للوسيلة وثيقا الصلة بمعناها الأصلي، ولكنهما غير مرادين في بحثنا هذا. معنى الوسيلة في القرآن: إن ما قدمته من بيان معنى التوسل هو المعروف في اللغة، ولم يخالف فيه أحد، وبه فسر السلف الصالح وأئمة التفسير الآيتين الكريمتين اللتين وردت فيهما لفظة (الوسيلة)، وهما قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدا في سبيله لعلكم تفلحون} (المائدة: 35 (، وقوله سبحانه: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً} (الإسراء: 57 (. فأما الآية الأولى، فقد قال إمام المفسرين الحافظ ابن جرير رحمه الله في تفسيرها: (يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله فيما أخبرهم، ووعد من الثواب، وأوعد من العقاب. {اتقوا الله} يقول: أجيبوا الله فيما أمركم، ونهاكم بالطاعة له في ذلك. {وابتغوا إليه الوسيلة}: يقول: واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه). ¬

(¬1) رواه مسلم وأصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج في كتابي "إرواء الغليل" يراجع (242) طبع المكتب الإسلامي. [منه].

ونقل الحافظ ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن: معنى الوسيلة فيها القربة، ونقل مثل ذلك عن مجاهد وأبي وائل والحسن وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد، ونقل عن قتادة قوله فيها: (أي تقربوا إليه بطاعته، والعمل بما يرضيه) ثم قال ابن كثير: (وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه .. والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود) (¬1). وأما الآية الثانية فقد بين الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مناسبة نزولها التي توضح معناها فقال: (نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن، فأسلم الجنيون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون) (¬2). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (¬3): (أي استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن، والجن لا يرضون بذلك، لكونهم أسلموا، وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة، وهذا هو المعتمد في تفسير الآية). قلت: وهي صريحة في أن المراد بالوسيلة ما يتقرب به إلى الله تعالى، ولذلك قال: {يبتغون} أي يطلبون ما يتقربون به إلى الله تعالى من الأعمال الصالحة، وهي كذلك تشير إلى هذه الظاهرة الغريبة المخالفة لكل تفكير سليم، ظاهره أن يتوجه بعض الناس بعبادتهم ودعائهم إلى بعض عباد الله، يخافونهم ويرجونهم، مع أن هؤلاء العباد المعبودين قد أعلنوا إسلامهم، وأقروا لله بعبوديتهم، وأخذوا يتسابقون في التقرب إليه سبحانه، بالأعمال الصالحة التي يحبها ويرضاها، ¬

(¬1) "تفسير ابن كثير" (2/ 52 - 53). [منه]. (¬2) رواه مسلم (8/ 245 نووي) والبخاري بنحوه (8/ 320 - 321 فتح) وفي رواية له: (فأسلم الجن، وتمسك هؤلاء بدينهم). [منه]. (¬3) "فتح الباري" (10/ 12 - 13). [منه].

ويطمعون في رحمته، ويخافون من عقابه، فهو سبحانه يُسَفه في هذه الآية أحلام أولئك الجاهلين الذين عبدوا الجن، واستمروا على عبادتهم مع أنهم مخلوقون عابدون له سبحانه، وضعفاء مثلهم، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، وينكر الله عليهم عدم توجيههم بالعبادة إليه وحده، تبارك وتعالى، وهو الذي يملك وحده الضر والنفع، وبيده وحده مقادير كل شيء وهو المهيمن على كل شيء. الأعمال الصالحة وحدها هي الوسائل المقربة إلى الله: ومن الغريب أن بعض مدعي العلم اعتادوا الاستدلال بالآيتين السابقتين على ما يلهج به كثير منهم من التوسل بذوات الأنبياء أو حقهم أو حرمتهم أو جاههم، وهو استدلال خاطئ لا يصح حمل الآيتين عليه، لأنه لم يثبت شرعاً أن هذا التوسل مشروع مرغوب فيه، ولذلك لم يذكر هذا الاستدلال أحد من السلف الصالح، ولا استحبوا التوسل المذكور، بل الذي فهموه منهما أن الله تبارك وتعالى يأمرنا بالتقرب إليه بكل رغبة، والتقدم إليه بك قربة، والتوصل إلى رضاه بكل سبيل. ولكن الله سبحانه قد علمنا في نصوص أخرى كثيرة أن علينا إذا أردنا التقرب إليه أن نتقدم إليه بالإعمال الصالحة التي يحبها ويرضاها، وهو لم يكل تلك الأعمال إلينا، ولم يترك تحديدها إلى عقولنا وأذواقنا، لأنها حينذاك ستختلف وتتباين، وستضطرب وتتخاصم، بل أمرنا سبحانه أن نرجع إليه في ذلك، ونتبع إرشاده وتعليمه فيه؛ لأنه لا يعلم ما يرضي الله عز وجل إلا الله وحده، فلهذا كان من الواجب علينا حتى نعرف الوسائل المقربة إلى الله أن نرجع في كل مسألة إلى ما شرعه الله سبحانه، وبينه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويعني ذلك أن نرجع إلى كتاب الله

وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهذا هو الذي وصانا به رسولنا محمد صلوات الله عليه وسلامه حيث قال: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله" (¬1). متى يكون العمل صالحاً: وقد تبين من الكتاب والسنة أن العمل حتى يكون صالحاً مقبولاً يقرب إلى الله سبحانه، فلا بد من أن يتوفر فيه أمران هامان عظيمان، أولهما: أن يكون صاحبه قد قصد به وجه الله عز وجل، وثانيهما: أن يكون موافقاً لما شرعه الله تبارك وتعالى في كتابه، أو بينه رسوله في سنته، فإذا اختل واحد من هذين الشرطين لم يكن العمل صالحاً ولا مقبولاً. ويدل على هذا قوله تبارك وتعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} (الكهف: 110) فقد أمر سبحانه أن يكون العمل صالحاً، أي موافقاً للسنة، ثم أمر أن يخلص به صاحبه لله، لا يبتغي به سواه. قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره": (وهذان ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصاً لله، صواباً على شريعة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -) وروي مثل هذا عن القاضي عياض رحمه الله وغيره. "التوسل" (11 - 16) ¬

(¬1) رواه مالك مرسلا، والحاكم من حديث ابن عباس، وإسناده حسن. وله شاهد من حديث جابر خرجته في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1761). [منه].

[230] باب الوسائل الكونية والشرعية وكيفية معرفة مشروعية الوسائل

[230] باب الوسائل الكونية والشرعية وكيفية معرفة مشروعية الوسائل [قال الإمام]: إذا عرفنا أن الوسيلة هي السبب الموصل إلى المطلوب برغبة فاعلم أنها تنقسم إلى قسمين، وسيلة كونية، ووسيلة شرعية. فأما الوسيلة الكونية فهي كل سبب طبيعي يوصل إلى المقصود بخلقته التي خلقه الله بها، ويؤدي إلى المطلوب بفطرته التي فطره الله عليها، وهي مشتركة بين المؤمن والكافر من غير تفريق، ومن أمثلتها الماء فهو وسيلة إلى ريّ الإنسان، والطعام وسيلة إلى شبعه، واللباس وسيلة إلى حمايته من الحر والقر، والسيارة وسيلة إلى انتقاله من مكان إلى مكان، وهكذا. وأما الوسيلة الشرعية فهي كل سبب يوصل إلى المقصود عن طريق ما شرعه الله تعالى، وبينه في كتابه وسنة نبيه، وهي خاصة بالمؤمن المتبع أمر الله ورسوله. ومن أمثلتها النطق بالشهادتين بإخلاص وفهم وسيلة إلى دخول الجنة والنجاة من الخلود في النار، وإتباع السيئة الحسنة وسيلة إلى محو السيئة، وقول الدعاء المأثور بعد الأذان وسيلة إلى نيل شفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وصلة الأرحام وسيلة لطول العمر وسعة الرزق، وهكذا. فهذه الأمور وأمثالها إنما عرفنا أنها وسائل تحقق تلك الغايات والمقاصد عن طريق الشرع وحده، لا عن طريق العلم أو التجربة أو الحواس، فنحن لم نعلم أن صلة الرحم تطيل العمر وتوسع الرزق إلا من قوله صلوات الله وسلامه عليه:

«من أحب أن يُبْسَط له في رزقه، وأن يُنْسَأ له في أثره فَلْيَصِلْ رحمه " (¬1). وهكذا الأمثلة الأخرى. ويخطئ الكثيرون في فهم هذه الوسائل بنوعيها خطأ كبيراً، ويهمون وهماً شنيعاً، فقد يظنون سبباً كونياً ما يوصل إلى غاية معينة، ويكون الأمر بخلاف ما يظنون، وقد يعتقدون سبباً شرعياً ما يؤدي إلى مقصد شرعي معين، ويكون الحق بخلاف ما يعتقدون. فمن أمثلة الوسائل الباطلة شرعاً وكوناً في آن واحد، ما يراه المار في شارع النصر في دمشق في كثير من الأحيان، إذ يجد بعض الناس قد وضعوا أمامهم مناضد صغيرة، وعليها حيوان صغير يشبه الفأر الكبير، وقد وضع بجانبه بطاقات مضمومة كتب فيها عبارات فيها توقعات لحظوظ الناس، كتبها صاحب الحيوان، أو أملاها عليه بعض الناس كما شاء لهم جهلهم وهواهم، فيمر الصديقان الحميمان فيقول أحدهم للأخر: تعال لنرى حظنا ونصيبنا، فيدفعان للرجل بضعة قروش، فيدفع الحوين لسحب بطاقة ما، ويعطيها أحدهما فيقرؤها، ويطالع حظه المزعوم فيها! ترى ما مبلغ عقل هذا الإنسان الذي يتخذ الحيوان دليلاً ليعلمه ما جهله، وليطلعه على ما غُيّب عنه من قدره؟ إنه إن كان يعتقد فعلاً أن هذا الحيوان يعلم الغيب فلا شك أن الحيوان خير منه، وإن كان لا يعتقد ذلك ففعله هذا عبث وسخف وإضاعة وقت ومال يتنزه عنه العقلاء. كما أن تعاطي هذا العمل تدجيل وتضليل وأكل لأموال الناس بالباطل. ¬

(¬1) رواه الشيخان وغيرهما ن وهو مخرج في كتابي "صحيح أبي داود" (1486). [منه].

ولا شك أن لجوء الناس إلى هذا الحيوان لمعرفة الغيب وسيلة كونية بزعمهم، ولكنها باطلة تدحضها التجربة، ويهدمها النظر السليم، فهي وسيلة خرافية أدى إليها الجهل والدجل، وهي من الناحية الشرعية باطلة أيضاً تخالف الكتاب والسنة والإجماع، ويكفي في ذلك مخالفتها لقوله سبحانه في الثناء على نفسه: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول .. } (الجن:26 - 27). ومن الأسباب الكونية الموهومة ظن بعضهم انه إذا سافر أو تزوج مثلاً يوم الأربعاء أخفق في سفره وخاب في زواجه، واعتقادهم أنه من شرع في عمل هام فرأى أعمى أو ذو عاهة لم يتم عمله ولم ينجح فيه! ومن هذه الأسباب أيضاً ظن كثير من العرب والمسلمين اليوم أنهم بعددهم الكبير فقط ينتصرون على أعدائهم من الصهاينة والمستعمرين، وأنهم على وضعهم الذي هم عليه سيرمون اليهود في البحر، وقد أثبتت التجارب خطأ هذه الظنون وبطلانها، وأن الأمر أعمق من أن يعالج بهذه الطريقة السطحية. ومن الأسباب الشرعية الموهومة اتخاذ بعض الناس أسباباً يظنونها تقربهم إلى الله سبحانه، وهي تبعدهم منه في الحقيقة، وتجلب لهم السخط والغضب، بل واللعنة والعذاب، فمن ذلك استغاثة بعضهم بالموتى المقبورين من الأولياء والصالحين، ليقضوا لهم حوائجهم التي لا يستطيع قضاءها إلا الله سبحانه وتعالى، كطلبهم منهم دفع الضر وشفاء السقم، وجلب الرزق وإزالة العقم، والنصر على العدو وأمثال ذلك، فيتمسحون بحديد الأضرحة وحجارة القبور، ويهزونها أو يلقون إليها أوراقاً كتبوا فيها طلباتهم ورغابتهم، فهذه وسائل شرعية بزعمهم، ولكنها في الحقيقة باطلة، ومخالفة لأساس الإسلام الأكبر الذي هو

العبودية لله تعالى وحده، وإفراده سبحانه بجميع أنواعها وفروعها. ومن ذلك اعتقاد بعضهم الصدق في خبر يتحدث به إنسان ما إذا عطس هو أو أحد الحاضرين عند تحدثه بذلك (¬1). ومنها اعتقادهم بأن أحداً من أصحابهم أو أقربائهم يذكرهم بخير إذا طنت آذانهم (¬2)، وكذلك اعتقادهم بأن بلاء ينزل عليهم إذا قصوا أظافرهم في الليل وفي أيام السبت والأحد (¬3) ... ، أو إذا كنسوا بيوتهم ليلاً ... ، ومنها اعتقادهم أنهم إذا حسنوا ظنهم بحجر واعتقدوا فيه فإنه ينفهم (¬4). ¬

(¬1) لعل مستند هذا الاعتقاد حديث: " من حدث حديثاً فعطس عنده فهو حق " وهو حديث باطل، وقد أورده الشوكاني في كتابه "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص224).وهذا وما بعده أمثلة جيده لبيان خطر الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأثرها السيئ في نشر العقائد الباطلة، والعادات المسترذلة، مما يوجب على كل مسلم واع معرفتها والتحذير منها، ولا يتم ذلك إلا بالاهتمام بعلوم السنة ودراستها، وهذا مما حدا بي إلى وضع كتابي "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" وقد صدر منه ثلاثة مجلدات، يسر الله نشر المجلدات الباقية، وهذا الحديث تجد الكلام عليه وبيان بطلانه مفصلاً فيه برقم (136). (طبع المكتب الإسلامي) [منه]. (¬2) أصل هذه العقيدة حديث موضوع هو: "إذا طنت أذن أحدكم فليصل علي، وليقل: ذكر الله بخير من ذكرني " وأورده الشوكاني في "الفوائد المجوعة" (ص224). [منه]. (¬3) وقد تلقى هذه العقيدة الباطلة بعض المتفقهة فنظمها شعراً يلقن لبعض طلاب المدارس الشرعية، ومنها قوله: قص الأظافر يوم السبت آكلة ... تبدو وفيما يليه تذهب البركة وعالم فاضل يبدو بتلوهما وإن يكن في الثلاثاء فاحذر الهلاكة. [منه]. (¬4) أصل هذه العقيدة الضالة حديث: "لو أحسن أحدكم ظنه في حجر لنفعه الله به " اورده الحافظ العجلوني في "كشف الخفاء" (2/ 152) ونقل عن ابن تيمية أنه كذب، وعن ابن حجر أنه لا أصل له، وعن صاحب "المقاصد" أنه لا يصح، ونقل عن ابن القيم قوله: (هو من كلام عباد الأصنام الذين يحسنون ظنهم بالأحجار) وانظر كتابي السابق، رقم (450) [منه].

فهذه وأمثالها اعتقادات باطلة، بل خرافات وترهات، وظنون وأوهام ما أنزل الله بها من سلطان، وقد رأيت أن أصلها أحاديث موضوعة مكذوبة، لعن الله واضعها، وقبح ملفقها. وعلى هذا فإن الوسائل الكونية منها ما هو مباح أذن الله به، ومنها ما هو حرام نهى الله عنه، وقد ذكرت فيما سبق أمثلة من هذه الوسائل بنوعيها مما يَهم الناس فيه، ويظنونه مباحاً وموصلاً إلى القصد مع أنه بعكس ذلك، وأذكر فيما يلي بعض الأمثلة على الوسائل الكونية المشروعة وغير المشروعة. فمن الوسائل الكونية المشروعة للكسب والحصول على الرزق اتخاذ البيع والشراء والتجارة والزراعة والإجارة، ومن الوسائل الكونية المحرمة الإقراض بالربا وبيع العينة والاحتكار والغش والسرقة، والميسر وبيع الخمور والتماثيل، ومن أدلة ذلك قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} (البقرة: 275). فكل من البيع والربا سبب كوني لكسب الرزق، ولكن الله تعالى أحل الأول، وحرم الثاني. كيف تعرف صحة الوسائل ومشروعيتها: والطريق الصحيح لمعرفة مشروعية الوسائل الكونية والشرعية هو الرجوع إلى الكتاب والسنة، والتثبت مما ورد فيهما عنها، والنظر في دلالات نصوصهما، وليس هناك طريق آخر لذلك البتة. فهناك شرطان لجواز استعمال سبب كوني ما، الأول أن يكون مباحاً في الشرع، والثاني أن يكون قد ثبت تحقيقه للمطلوب، أو غلب ذلك على الظن. وأما الوسيلة الشرعية فلا يشترط فيها إلا ثبوتها في الشرع ليس غير.

فاتخاذ الحيوان في المثال الأسبق وسيلة مزعومة لمعرفة الغيب هو من الناحية الكونية باطل تدحضه التجربة والنظر، ومن الناحية الشرعية كفر وضلال، بين الله بطلانه وحذر منه. وكثيراً ما يخلط الناس في هذه الأمور، فيظنون أنه بمجرد ثبوت النفع بوسيلة ما تكون هذه الوسيلة جائزة ومشروعة، فقد يحدث أن يدعو أحدهم ولياً، أو يستغيث بميت فيتحقق طلبه، وينال رغبته، فيدعي أن هذا دليل على قدرة الموتى والأولياء على إغاثة الناس، وعلى جواز دعائهم والاستغاثة بهم، وما حجته في ذلك غير حصوله على طلبه، وقد قرأنا مع الأسف في بعض الكتب الدينية أشياء كثيرة من هذا القبيل، إذ يقول مسطرها، أو ينقل عن بعضهم قوله مثلاً: إنه وقع في شدة، واستغاث بالولي الفلاني، أو الصالح العلاني، وناداه باسمه، فحضر حالاً، أو جاءه في النوم فأغاثه، وحقق له ما أراد. وما درى هذا المسكين وأمثاله أن هذا- إن صح وقوعه- استدراج من الله عز وجل للمشركين والمبتدعين، وفتنة منه سبحانه لهم، ومكر منه بهم، جزاءاً وفاقاً على إعراضهم عن الكتاب والسنة، واتباعهم لأهوائهم وشياطينهم. فهذا الذي يقول ذاك الكلام يجيز الاستغاثة بغير الله تعالى، هذه الاستغاثة التي هي الشرك الأكبر بعينه، بسبب حادثة وقعت له أو لغيره، ويمكن أن تكون هذه الحادثة مختلقة من أصلها، أو محرفة ومضخمة لإضلال بني آدم، كما يمكن أن تكون صحيحة، وراويها صادقاً فيما أخبر، ولكنه أخطأ في حكمه على المنقذ والمغيث، فظنه ولياً صالحاً، وإنما هو شيطان رجيم، فعل ذلك عن قصد خبيث، هو تلبيس الأمور على الناس، وإيقاعهم في حبائل الكفر والضلال من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

وقد تضافرت الأخبار على أن المشركين في الجاهلية كانوا يأتون إلى الصنم، وينادونه فيسمعون صوتاً، فيظنون أن الذي يكلمهم ويجيبهم إنما هو معبودهم الذي قصدوه من دون الله، وليس هو في الحقيقة والواقع غير شيطان لعين يريد إضلالهم، وإغراقهم في العقائد الباطلة. والمقصود من ذلك كله أن تعرف أن التجارب والأخبار ليست الوسيلة الصحيحة لمعرفة مشروعية الأعمال الدينية، بل الوسيلة الوحيدة المقبولة لذلك هي الاحتكام للشرع المتمثل في الكتاب والسنة وليس غير. وأهم ما يخلط فيه كثير من الناس في هذا الباب الاتصال بعالم الغيب بطريقة من الطرق، كإتيان الكهان والعرافين، والمنجمين والسحرة والمشعوذين، فتراهم يعتقدون في هؤلاء معرفة الغيب، لأنهم يحدثونهم عن بعض الأمور المغيبة عنهم، ويكون الأمر وفق ما يحدثون أحياناً، ويظنون ذلك جائزاً مباحاً، بدليل وقوعه كما يخبرون. وهذا خطأ جسيم، وضلال مبين، فإن مجرد حصول منفعة ما بواسطة ما لا يكفي لإثبات مشروعية هذه الواسطة، فبيع الخمر مثلاً قد يؤدي إلى منفعة صاحبه وغناه وثروته، وكذلك الميسر واليانصيب أحياناً، ولذلك قال ربنا تبارك وتعالى فيهما: {يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير، ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما} (البقرة: 219) ومع ذلك فهما محرمان، وملعون في الخمر عشرة كما ثبت في الحديث (¬1). فإتيان الكهان كذلك حرام، لأنه قد ثبت في الدين النهي عنه، والتحذير منه، قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -:» من أتى كاهناً، فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل ¬

(¬1) وهو مخرج في بعض مصنافتي، فانظر "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (4967). [منه].

على محمد" (¬1). وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أتى عرافاً، فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» (¬2). وقال معاوية بن الحكم السلمي للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: إن منا رجالاً يأتون الكهان؟ فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فلا تأتهم .... » (¬3). وقد بين الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه طريقة حصول الكهان والسحرة على بعض المغيبات بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كالسلسلة على صفوان (¬4)، فإذا فُزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر، ووصف سفيان- أحد رواة الحديث- (وهو ابن عيينة كما قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره" (3/ 537) بيده، وفرَّج بين أصابع يده اليمنى، نصبها بعضها فوق بعض، فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه، وربما لم تدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه، الذي هو أسفل منه، حتى يلقوها إلى الساحر، فيكذب معها مائة كذبة، فيصدق، فيقولون: ألم يخبرنا يوم كذا وكذا، يكون كذا وكذا، فوجدناه حقاً؟ «للكلمة التي سُمعت من السماء" (¬5). ¬

(¬1) رواه أحمد وأبو داود، وإسناده صحيح. انظر المصدر السابق (5818). [منه]. (¬2) رواه مسلم. أنظر المصدر السابق (5816). [منه]. (¬3) رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (862). [منه]. (¬4) هو الصخر الأملس. [منه]. (¬5) رواه البخاري في عدة مواضع من "صحيحه"، منه كتاب التفسير (9/ 452 فتح) عن أبي هريرة، وصححه الترمذي وابن خزيمة، وهو مخرج في "الصحيحة". (1293) وانظر "صحيح الجامع الصغير" (1/ 262). [منه].

وورد مثل هذا في حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جالساً في نفر من أصحابه، فاستنار نجم، فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية؟ " قالوا: كنا نقول: يولد عظيم أو يموت عظيم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فإنها لا يُرْمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء، حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع، فيُرمَون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون" (¬1). فمن هذين الحديثين وغيرهما نعلم أن الاتصال بين الإنس والجن واقع، وأن الجني يخبر الكاهن ببعض الأخبار الصادقة، فيضيف إليها الكاهن أخباراً أخرى ملفقة من عنده، فيحدث الناس، فيطلعون على صدق بعضها، ومع ذلك فقد نهى الشارع الحكيم عن إتيان هؤلاء الكهان، وحذر من تصديقهم فيما يقولون، كما مر معنا آنفاً. وبهذه المناسبة فلا يفوتنا أن نذكر أن الكهانة والعرافة والتنجيم ما يزال لها أثر كبير على كثير من الناس، حتى في عصرنا هذا الذي يدعي أهله أنه عصر العلم والتفكير، والتمدن والثقافة، ويظنون أن الكهانة والشعوذة والسحر قد ولّت أيامها ¬

(¬1) رواه أحمد في "مسنده" (1/ 218) ومسلم في "صحيحه" (7/ 36 و37) والترمذي (9/ 91 - 92 - "تحفة") وغيرهم، (يقرفون) يخلطون فيه الكذب، وضبطها بعضهم (يقذفون) بوزنها ومعناها، ورواها الترمذي بلفظ: (يحرفونه). [منه].

وانقضى سلطانها، ولكن الذي يمكن النظر، ويطلع على خفايا ما يحدث هنا وهناك يعلم علم اليقين أنها ما تزال تسيطر على كثيرين، ولكنها لبست لبوساً جديداً، وتبدّت بأشكال عصرية، لا يفطن إلى حقيقتها إلا القليل، وما استحضار الأرواح ومخاطبتها، والاتصال بها بأنواعه المختلفة إلا شكل من أشكال هذه الكهانة الحديثة التي تضلل الناس، وتفتنهم عن دينهم، وتربطهم بالأوهام والأباطيل، ويظنونها حقيقة وعلماً، وديناً، والحقيقة والعلم والدين منها بُراء. والخلاصة أن الأسباب الكونية، وما يُظن أنه من الأسباب الشرعية لا يجوز إثباتها، ولا تعاطيها إلا بعد ثبوت جوازها في الشرع، كما يجب في الأسباب الكونية إثبات صحتها وفائدتها بالنظر والتجربة. ومما يجب التنبه له، أن ما ثبت كونه وسيلة كونية، فإنه يكفي في إباحته والأخذ به، أن لا يكون في الشرع النهي عنه، وفي مثله يقول الفقهاء: الأصل في الأشياء الإباحة. وأما الوسائل الشرعية، فلا يكفي في جواز الأخذ بها، أن الشارع الحكيم لم ينه عنها، كما يتوهمه الكثيرون بل لا بد فيها من ثبوت النص الشرعي المستلزم مشروعيتها واستحبابها؛ لأن الاستحباب شيء زائد على الإباحة، فإنه مما يتقرب إلى الله تعالى، والقربات لا تثبت بمجرد عدم ورود النهي عنها، ومن هنا قال بعض السلف: (كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تتعبدوها)، وهذا مستفاد من أحاديث النهي عن الابتداع في الدين وهي معروفة، ومن هنا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «الأصل في العبادات المنع إلا لنص، وفي العادات الإباحة إلا لنص".فاحفظ هذا فإنه هام جداً يساعدك على استبصار الحق فيما اختلف فيه الناس. "التوسل" (ص17 - 28)

[231] باب التوسل المشروع والتوسل الممنوع وأنواعهما

[231] باب التوسل المشروع والتوسل الممنوع وأنواعهما [قال الإمام]: إن هناك قضيتين مستقلتين، أولاهما وجوب أن يكون التوسل به مشروعاً، وذلك لا يعرف إلا بدليل صحيح من الكتاب والسنة، وثانيهما أن يكون التوسل بسبب كوني صحيحاً يوصل إلى المطلوب. ونحن نعلم أن الله عز وجل أمرنا بدعائه سبحانه والاستغاثة به، فقال: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (غافر: الآية 60 (.وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداعٍ إذا دعان، فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة: 178 [. وقد شرع لنا عز شأنه أنواعاً من التوسلات المشروعة المفيدة المحققة للغرض، والتي تكفل الله بإجابة الداعي بها، إذا توفرت شروط الدعاء الأخرى، فلننظر الآن فيم تدل عليه النصوص الشرعية الثابتة من التوسل دون تعصب أو تحيز. إن الذي ظهر لنا بعد تتبع ما ورد في الكتاب الكريم والسنة المطهرة أن هناك ثلاثة أنواع للتوسل شرعها الله تعالى، وحث عليها، وَرَدَ بعضها في القرآن، واستعملها الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وحض عليها، وليس في هذه الأنواع التوسل بالذوات أو الجاهات أو الحقوق أو المقامات، فدل ذلك على عدم مشروعيته وعدم دخوله في عموم (الوسيلة) المذكورة في الآيتين السالفتين. أما الأنواع المشار إليها من التوسل المشروع فهي: 1 - التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى، أو صفة من صفاته

العليا: كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير أن تعافيني. أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي. ومثله قول القائل: اللهم إني أسألك بحبك لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم -.فإن الحب من صفاته تعالى. ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} (الأعراف: 180 (. والمعنى: ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى. ولا شك أن صفاته العليا عز وجل داخلة في هذا الطلب، لأن أسماءه الحسنى سبحانه صفات له، خصت به تبارك وتعالى. ومن ذلك ما ذكره الله تعالى من دعاء سليمان عليه السلام حيث قال: {قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} (النمل: 19 (. ومن الأدلة أيضاً قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في أحد أدعيته الثابتة عنه قبل السلام من صلاته: «اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي .. " (¬1). ومنها أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - سمع رجلاً يقول في تشهده: (اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم) فقال - صلى الله عليه وآله وسلم - «قد غفر له قد غفر له» (¬2). ¬

(¬1) رواه النسائي والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. [منه]. (¬2) رواه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم وإسناده صحيح. [منه].

وسمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رجلاً آخر يقول في تشهده: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنان يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار) فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه: «تدرون بما دعا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم (وفي رواية: الأعظم) الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي" (¬1). ومنها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من كثر همه فليقل: (اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي) إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا " (¬2). ومنها ما ورد في استعاذته - صلى الله عليه وآله وسلم - وهي قوله: «اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني .. " (¬3). ومنها ما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كان إذا حزبه- أي أهمه وأحزنه- أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث " (¬4). فهذه الأحاديث وما شابهها تبين مشروعية التوسل إلى الله تعالى باسم من ¬

(¬1) رواه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم بإسناد صحيح. [منه]. (¬2) رواه أحمد (3712) واللفظ له والحاكم (1/ 509) وغيرهما، وإسناده صحيح كما بينته في "السلسلة الصحيحة" [منه]. (¬3) متفق عليه. [منه]. (¬4) رواه الترمذي (1/ 267 - "تحفة") والحاكم (1/ 509) وهو حديث حسن. [منه].

أسمائه أو صفه من صفاته، وأن ذلك مما يحبه الله سبحانه ويرضاه، ولذلك استعمله رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد قال الله تبارك وتعالى: [وما آتاكم الرسول فخذوه]] سورة الحشر: الآية 8 [.فكان من المشروع لنا أن ندعوه سبحانه بما دعاه به رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فذلك خير ألف مرة من الدعاء بأدعية ننشئها، وصيغ نخترعها. 2 ـ التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي: كأن يقول المسلم: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك اغفر لي .. أو يقول: اللهم إني أسألك بحبي لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وإيماني به أن تفرج عني .. ومنه أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بالٍ، فيه خوفه من الله سبحانه، وتقواه إياه، وإيثاره رضاه على كل شيء، وطاعته له جل شأنه، ثم يتوسل به إلى ربه في دعائه، ليكون أرجى لقبوله وإجابته. وهذا توسل جيد وجميل قد شرعه الله تعالى وارتضاه، ويدل على مشروعيته قوله تعالى: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار} (آل عمران: 16) وقوله: {ربنا آمنا بما أنزلت وتبعت الرسول فاكتبا مع الشاهدين} (آل عمران: 53) وقوله: {إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار} (آل عمران: 193 و194 [وقوله: {إنه كان فريق من عبادي يقولون: ربنا آمنا فاغفر لنا، وارحمنا، وأنت خير الراحمين} (المؤمنون: 109) وأمثال هذه الآيات الكريمات المباركات. وكذلك يدل على مشروعية هذا النوع من التوسل ما رواه بريدة بن الحٌصَيب رضي الله عنه حيث قال: سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رجلاً يقول: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحداً)، فقال: «قد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي

به أجاب " (¬1). ومن ذلك ما تضمنته قصة أصحاب الغار، كما يرويها عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار، فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم (وفي رواية لمسلم: فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله، فادعوا الله بها، لعل الله يفرجها عنكم).فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبُقُ (¬2) قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي طلب شيء (وفي رواية لمسلم: الشجر) يوماً، فلم أرٍحْ عليهما (¬3)، حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج. قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: قال الآخر: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي، فأردتها عن نفسها، فامتنعت مني حتى ألمت بها سَنَة (¬4) من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إذا ¬

(¬1) رواه أحمد (5/ 349 و350) وأبو داود (1493) وغيرهما وإسناده صحيح. [منه]. (¬2) الغبوق: هو الذي يشرب العشي، ومعناه: كنت لا أقدم عليهما في شرب اللبن أهلا ولا غيرهم، عن "الترغيب والترهيب". [منه]. (¬3) المراح: موضع مبيت الماشية، والمعنى: لم أرد الماشية من المرعى إلى حظائرها. [منه]. (¬4) السنة: العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً، سواء نزل غيث أم لم ينزل، عن "الترغيب والترهيب". [منه].

قدرت عليها قالت: لا أحل لك أن تفض (وفي رواية لمسلم: يا عبد الله اتق الله، ولا تفتح) الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء، فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره، حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدّ لي أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك، من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبد الله! لا تستهزئ بي. فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذه كله، فاستاقه، فلم يترك منه شيئاً. اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة ... فخرجوا يمشون " (¬1). ويتضح من هذا الحديث أن هؤلاء الرجال المؤمنين الثلاثة حينما اشتد بهم الكرب، وضاق بهم الأمر، ويئسوا من أن يأتيهم الفرج من كل طريق إلا طريق الله تبارك وتعالى وحده، فلجأوا إليه، ودعوه بإخلاص واستذكروا أعمالاً لهم صالحة، كانوا تعرفوا فيها إلى الله في أوقات الرخاء، راجين أن يتعرف إليهم ربهم مقابلها في أوقات الشدة، كما ورد في حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي فيه: « .. تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " (¬2) فتوسلوا إليه سبحانه بتلك الأعمال؛ توسل ¬

(¬1) رواه البخاري في كتاب الإجارة واللفظ له ومسلم والنسائي وغيرهم. [منه]. (¬2) رواه أحمد عن ابن عباس وإسناده صحيح لغيره كما بينته في "ظلال الجنة في تخريج السنة" لابن أبي عاصم يراجع (138) طبع المكتب الإسلامي. [منه].

الأول ببره والديه، وعطفه عليهما، ورأفته الشديدة بهما حتى كان منه ذلك الموقف الرائع الفريد، وما أحسب إنساناً آخر، حاشا الأنبياء ـ يصل بره بوالديه إلى هذا الحد. وتوسل الثاني بعفته من الزنا بابنة عمه التي أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء بعدما قدر عليها، واستسلمت له مكروهة بسبب الجوع والحاجة، ولكنها ذكرته بالله عز وجل، فتذكر قلبه، وخشعت جوارحه، وتركها والمال الذي أعطاها. وتوسل الثالث بحفاظه على حق أجيره الذي ترك أجرته التي كانت فَرَقاَ (¬1) من أرز كما ورد في رواية صحيحة للحديث وذهب، فنماها له صاحب العمل، وثمرها حتى كانت منها الشاه والبقر والإبل والرقيق، فلما احتاج الأجير إلى المال ذكر أجرته الزهيدة عند صاحبه، فجاءه وطالبه بحقه، فأعطاه تلك الأموال كلها، فدهش وظنه يستهزئ به، ولكنه لما تيقن منه الجد، وعرف أنه ثمرّ له أجره حتى تجمعت منه تلك الأموال، استساقها فرحاً مذهولاً، ولم يترك منها شيئاً. وأيْم الله إن صنيع رب العمل هذا بالغ حد الروعة في الإحسان إلى العامل، ومحقق المثل الأعلى الممكن في رعايته وإكرامه، مما لا يصل إلى عشر معشاره موقف كل من يدعي نصرة العمال والكادحين، ويتاجر بدعوى حماية الفقراء والمحتاجين، وإنصافهم وإعطائهم حقوقهم، دعا هؤلاء الثلاثة ربهم سبحانه متوسلين إليه بهذه الأعمال الصالحة أي صلاح، والمواقف الكريمة أي كرم، معلنين أنهم إنما فعلوها ابتغاء رضوان الله تعالى وحده، لم يردوا بها دنيا قريبة أو مصلحة عاجلة أو مالاً، ورجوا الله جل شأنه أن يفرج ¬

(¬1) مكيال تقدر سعته بثلاثة آصع. [منه].

عنهم ضائقتهم، ويخلصهم من محنتهم، فاستجاب سبحانه دعاءهم، وكشف كربهم، وكان عند حسن ظنهم به، فخرق لهم العادات وأكرمهم بتلك الكرامة الظاهرة، فأزاح الصخرة بالتدرج على مراحل ثلاث، كلما دعا واحد منهم تنفرج بعض الانفراج حتى انفرجت تماماً مع آخر دعوة الثالث بعد أن كانوا في موت محقق. ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه يروي لنا هذه القصة الرائعة التي كانت في بطون الغيب، لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ليذكرنا بأعمال فاضلة مثالية لأناس فاضلين مثاليين من أتباع الرسل السابقين، لنقتدي بهم، ونتأسى بأعمالهم، ونأخذ من أخبارهم الدروس الثمينة، والعظات البالغة. ولا يقولن قائل: إن هذه الأعمال جرت قبل بعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تنطبق علينا بناء على ما هو الراجح في علم الأصول أن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا. لأننا نقول: إن حكاية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لهذه الحادثة إنما جاءت في سياق المدح والثناء، والتعظيم والتبجيل، وهذا إقرار منه - صلى الله عليه وآله وسلم - بذلك، بل هو أكثر من إقرار لما قاموا به من التوسل بأعمالهم الصالحة المذكورة، بل إن هذا ليس إلا شرحاً وتطبيقاً عملياً للآيات المتقدمة، وبذلك تتلاقى الشرائع السماوية في تعاليمها وتوجيهاتها، ومقاصدها وغاياتها، ولا غرابة في ذلك، فهي تنبع من معين واحد، وتخرج من مشكاة واحدة، وخاصة فيما يتعلق بحال الناس مع ربهم سبحانه، فهي لا تكاد تختلف إلا في القليل النادر الذي يقتضي حكمة الله سبحانه تغييره وتبدليه. 3 - التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح: كأن يكون المسلم في ضيق شديد، أو تحل به مصيبة كبيرة، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى، فيجب أن يأخذ بسبب قوي إلى الله، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة، فيطلب

منه أن يدعوا له ربه، ليفرج عنه كربه، ويزيل عنه همه. فهذا نوع آخر من التوسل المشروع، دلت عليه الشريعة المطهرة، وأرشدت إليه، وقد وردت أمثلة منه في السنة الشريفة، كما وقعت نماذج منه من فعل الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، فمن ذلك ما رواه أنس ابن مالك رضي الله عنه حيث قال: «أصاب الناس سنَة على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فبينما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يخطب] على المنبر 2/ 22 [قائماً في يوم الجمعة، قام] وفي راوية: دخل 2/ 16 [أعرابي] من أهل البدو 2/ 21 [] من باب كان وجَاه المنبر] [نحو دار القضاء ورسول الله قائم، فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قائماً 2/ 17 [فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع] وفي رواية: هلك [العيال] ومن طريق أخرى: هلك الكُراع، وهلك الشاء] [وفي أخرى هلكت المواشي، وانقطعت السبل [فادعُ الله لنا] أن يَسْقِيَنا] [وفي أخرى: يُغيثنا [فرفع يديه يدعو] حتى رأيت بياض إبطه]: [اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا]، [ورفع الناس أيديهم معه يدعون، [] ولم يذكر أنه حوَّل رداءه، ولا استقبل القبلة 2/ 18 [و] لا والله [ما نرى في السماء] من سحاب ولا [قزعة] ولا شيئاً، وما بيننا وبين سَلْع من بيت ولا دار] [وفي رواية: قال أنس: وإن السماء لمثل الزجاجة] [قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت [فوالذي نفسه بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطرَ يتحادر على لحيته - صلى الله عليه وآله وسلم -] وفي رواية: فهاجت ريح أنشأت سحاباً، ثم اجتمع، ثم أرسلت السماءُ عزاليها] ونزل عن المنبر فصلى 2/ 19] [فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا] [وفي رواية: حتى ما كاد الرجل يصل إلى منزله 7/ 154] فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد وبعد الغد، والذي يليه حتى الجمعة الأخرى [ما تقلع] [حتى سالت مثاعب المدينة] [وفي رواية: فلا والله ما رأينا الشمس ستاً].

وقام ذلك الأعرابي أو غيره [وفي رواية: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قائم يخطب، فاستقبله قائماً] فقال: يا رسول الله تهدم البناء [وفي رواية: تهدمت البيوت، وتقطعت السبل، وهلكت المواشي] [وفي طريق: بشَق المسافر، ومُنع الطريق] وغرق المال، فادع الله [يحبُسه] لنا [فتبسم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -] فرفع يده، فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، [اللهم على رؤوس الجبال والإكام] [والظراب] وبطون الأودية ومنابت الشجر [فما] جعل [يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت مثل الجوْبَة،] وفي رواية: فنظرت إلى السحاب تصدع حول المدينة] يميناً وشمالاً [كأنه إكليل] [وفي أخرى: فانْجابَتْ] عن المدينة انجياب الثوب] [يمطر ما حولينا ولا يمطر فيها شيء] وفي طريق: قطرة] [وخرجنا نمشي في الشمس] يريهم الله كرامة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - وإجابة دعوته [، وسال الوادي [وادي] قناة شهراً، ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود". ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أيضاً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيُسقَون. ومعنى قول عمر: إنا كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، أننا كنا نقصد نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - ونطلب منه أن يدعو لنا، ونتقرب إلى الله بدعائه، والآن وقد انتقل - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الرفيق الأعلى، ولم يعد من الممكن أن يدعو لنا، فإننا نتوجه إلى عم نبينا العباس، ونطلب منه أن يدعوَ لنا، وليس معناه أنهم كانوا يقولون في دعائهم: (اللهم بجاه نبيك اسقنا)، ثم أصبحوا يقولون بعد وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم -: (اللهم بجاه العباس اسقنا)، لأن مثل هذا دعاء مبتدع ليس له أصل في الكتاب ولا في السنة،

ولم يفعله أحد من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، كما سيأتي الكلام على ذلك بشيء من البسط قريباً إن شاء الله تعالى. ومن ذلك أيضاً ما رواه الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى في «تاريخه" (18/ 151/1) بسند صحيح عن التابعي الجليل سليم ابن عامر الخبَائري: (أن السماء قحطت، فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر، قال: أين يزيد بن الأسود الجُرَشي؟ فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية فصعد على المنبر، فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ورفع الناس أيديهم، فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس، وهبت لها ريح، فسقتنا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم). وروى ابن عساكر أيضاً بسند صحيح أن الضحاك بن قيس خرج يستسقي بالناس فقال ليزيد بن الأسود أيضاً: قم يا بكاء! زاد في رواية: (فما دعا إلا ثلاثاً حتى أمطروا مطراً كادوا يغرقون منه). فهذا معاوية رضي الله عنه أيضاً لا يتوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، لما سبق بيانه، وإنما يتوسل بهذا الرجل الصالح: يزيد ين الأسود رحمه الله تعالى، فيطلب منه أن يدعو الله تعالى، ليسقيهم ويغيثهم، ويستجيب الله تبارك وتعالى طلبه. وحدث مثل هذا في ولاية الضحاك بن قيس أيضاً. بطلان التوسل بما عدا الأنواع الثلاثة السابقة: فمما سبق تعلم أن التوسل المشروع الذي دلت عليه نصوص الكتاب

والسنة، وجرى عليه عمل السلف الصالح، وأجمع عليه المسلمون وهو: 1 - التوسل باسم من أسماء الله تبارك وتعالى أو صفة من صفاته. 2 - التوسل بعمل صالح قام به الداعي. 3 - التوسل بدعاء رجل صالح. وأما ما عدا هذه الأنواع من التوسلات ففيه خلاف، والذي نعتقده وندين الله تعالى به أنه غير جائز، ولا مشروع، لأنه لم يرد فيه دليل، تقوم به الحجة-وقد أنكره العلماء المحققون في العصور الإسلامية المتعاقبة، مع أنه قد قال ببعضه بعض الأئمة، فأجاز الإمام أحمد التوسل بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وحده فقط، وأجاز غيره كالإمام الشوكاني التوسل به وبغيره من الأنبياء والصالحين: ولكنا-كشأننا في جميع الأمور الخلافية-ندور مع الدليل حيث دار ولا نتعصب للرجال، ولا ننحاز لأحد إلا للحق كما نراه ونعتقده، وقد رأينا في قضية التوسل التي نحن بصددها الحق مع الذين حظروا التوسل بمخلوق، ولم نر لمجيزيه دليلاً صحيحاً يعتد به، ونحن نطالبهم بأن يأتونا بنص صحيح صريح من الكتاب أو السنة فيه التوسل بمخلوق، وهيهات أن يجدوا شيئاً يؤيد ما يذهبون إليه، أو يسند ما يدعونه، اللهم إلا شبهاً واحتمالات، سنعرض للرد عليها بعد قليل. فهذه الأدعية الواردة في القرآن الكريم وهي كثيرة، لا نجد في شيء منها التوسل بالجاه أو الحرمة أو الحق أو المكانة لشيء من المخلوقات، وهاك بعض الأدعية الكريمة على سبيل المثال: يقول ربنا جل شأنه معلماً إيانا ما ندعو به ومرشداً: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تُحمَّلْنا ما لا طاقة لنا به، واعْفُ عنا واغفر لنا

وارحمنا، أنت مولانا، فانصرنا على القوم الكافرين} (البقرة: 286) ويقول: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار]} (البقرة: 201) ويقول: {فقالوا: على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين} (يونس: 85 - 86) ويقول: {وإذ قال إبراهيم: رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبَنيَّ أن نعبد الأصنام}، {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} (إبراهيم:35 - 41) ويقول على لسان موسى عليه السلام: {قال: رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي .. } (طه: 25 - 28) ويقول سبحانه: {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً .. } (الفرقان: 65 ( ... إلى آخر ما هنالك من الأدعية القرآنية الكريمة، وبعضها مما يعلمنا الله تعالى أن ندعو به ابتداء، وبعضها مما يحكيه سبحانه عن بعض أنبيائه ورسله، أو بعض عباده وأوليائه، وواضح أنه ليس في شيء منها ذاك التوسل المبتدع الذي يدندن حوله المتعصبون، ويخاصم فيه المخالفون. وإذا انتقلنا إلى السنة الشريفة لنطلع منها على أدعية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التي ارتضاها الله تعالى له، وعلمه إياها، وأرشدنا إلى فضلها وحسنها، نراها مطابقة لما في أدعية القرآن السالفة من حيث خلوها من التوسل المبتدع المشار إليه، وهاك بعض تلك الأدعية النبوية المختارة: فمنها دعاء الاستخارة المشهور الذي كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلمه أصحابه إذا هموا بأمر كما كان يعلمهم القرآن، وهو: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة

أمري، وعاجله وآجله، فأقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، وعاجله وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به). ومنها: (اللهم أصلح لي ديني، الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر) و: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ... ) و: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى) و: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك) و: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمد نعوذ بك من النار) ومثل هذه الأدعية في السنة كثير، ولا نجد فيها دعاء واحداً ثابتاً فيه شيء من التوسل المبتدع الذي يستعمله المخالفون. ومن الغريب حقاً أنك ترى هؤلاء يعرضون عن أنواع التوسل المشروعة السابقة، فلا يكادون يستعلمون شيئاً منها في دعائهم أو تعليمهم الناس مع ثبوتها في الكتاب والسنة وإجماع الأمة عليها، وتراهم بدلاً من ذلك يعمدون إلى أدعية اخترعوها، وتوسلات ابتدعوها لم يشرعها الله عز وجل، ولم يستعملها رسوله المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم ينقل عن سلف هذه الأمة من أصحاب القرون الثلاثة الفاضلة، وأقل ما يقال فيها: إنها مختلف فيها، فما أجدرهم بقوله تبارك وتعالى: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} (البقرة: 61). ولعل هذه أحد الشواهد العلمية التي تؤكد صدق التابعي الجليل حسان بن عطية المحاربي رحمه حيث قال: (ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من

سننهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة). هذا ولم ننفرد نحن بإنكار تلك التوسلات المبتدعة، بل سبقنا إلى إنكارها كبار الأئمة والعلماء، وتقرر ذلك في بعض المذاهب المتبعة، ألا وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، فقد جاء في «الدر المختار" (2/ 630) -وهو من أشهر كتب الحنفية-ما نصه: (عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه، المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}). ونحوه في «الفتاوى الهندية" (5/ 280).وقال القُدوري في كتابه الكبير في الفقه المسمى بـ «شرح الكرخي" في (باب الكراهة): (قال بشر بن الوليد حدثنا أبو يوسف قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك، وهو قول أبي يوسف، قال أبو يوسف: معقد العز من عرشه هو الله، فلا أكره هذا، وأكره أن يقول: بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام، قال القُدوري: المسألة بخلقه لا تجوز لأنه لا حق للخلق على الخالق، فلا تجوز وفاقاً).نقله شيخ الإسلام في «القاعدة الجليلة" وقال الزبيدي في «شرح الإحياء" (2/ 285): (كره أبو حنيفة وصاحباه أن يقول الرجل: أسألك بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، أو بحق البيت الحرام والمشعر الحرام، ونحو ذلك، إذ ليس لأحد على الله حق، وكذلك كره أبو حنيفة ومحمد أن يقول الداعي: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، وأجازه أبو يوسف لما بلغه الأثر فيه). أقول: لكن الأثر المشار إليه باطل لا يصح، رواه ابن الجوزي في

[232] باب بيان بعض أنواع التوسل الشركي، ومناقشة بعض الأدلة التي يستدل بها المخالفون على جوازه

"الموضوعات" وقال: (هذا حديث موضوع بلا شك)، وأقره الحافظ الزيلعي في «نصب الراية" (273) فلا يحتج به، وإن كان قول القائل: (أسألك بمعاقد العز من عرشك) يعود إلى التوسل بصفة من صفات الله عز وجل، فهو توسل مشروع بأدلة أخرى كما سبق، تغني عن هذا الحديث الموضوع. قال ابن الاثير رحمه الله: (أسألك بمعاقد العز من عرشك، أي بالخصال التي استحق بها العرش العز، أو بمواضع انعقادها منه، وحقيقة معناه: بعز عرشك، وأصحاب أبي حنيفة يكرهون هذا اللفظ من الدعاء). فعلى الوجه الأول من هذا الشرح، وهو الخصال التي استحق بها العرش العز، يكون توسلاً بصفة من صفات الله تعالى فيكون جائزاً، وأما على الوجه الثاني الذي هو مواضع انعقاد العز من العرش، فهو توسل بمخلوق فيكون غير جائز، وعلى كلٍ فالحديث لا يستحق زيادة في البحث والتأويل لعدم ثبوته، فنكفي بما سبق. "التوسل" (ص29 - 49) [232] باب بيان بعض أنواع التوسل الشركي، ومناقشة بعض الأدلة التي يستدل بها المخالفون على جوازه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم» [قال الإمام]: (لا أصل له)

وقد نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة ".ومما لا شك فيه أن جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - ومقامه عند الله عظيم، فقد وصف الله تعالى موسى بقوله: [وكان عند الله وجيها]، ومن المعلوم أن نبينا محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل من موسى، فهو بلا شك أوجه منه عند ربه سبحانه وتعالى، ولكن هذا شيء والتوسل بجاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - شيء آخر، فلا يليق الخلط بينهما كما يفعل بعضهم، إذ أن التوسل بجاهه - صلى الله عليه وآله وسلم -. يقصد به من يفعله أنه أرجى لقبول دعائه، وهذا أمر لا يمكن معرفته بالعقل إذ أنه من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل في إدراكها، فلابد فيه من النقل الصحيح الذي تقوم به الحجة، وهذا مما لا سبيل إليه البتة، فإن الأحاديث الواردة في التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - تنقسم إلى قسمين: صحيح وضعيف، أما الصحيح فلا دليل فيه البتة على المدعى مثل توسلهم به - صلى الله عليه وآله وسلم - في الاستسقاء، وتوسل الأعمى به - صلى الله عليه وآله وسلم - فإنه توسل بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - لا بجاهه ولا بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولما كان التوسل بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن كان بالتالي التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته غير ممكن وغير جائز. ومما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر توسلوا بعمه - صلى الله عليه وآله وسلم - العباس، ولم يتوسلوا به - صلى الله عليه وآله وسلم -، وما ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع وهو ما ذكرناه من التوسل بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - ولذلك توسلوا بعده - صلى الله عليه وآله وسلم - بدعاء عمه لأنه ممكن ومشروع، وكذلك لم ينقل أن أحداً من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى، ذلك لأن السر ليس في قول الأعمى: " اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة "، وإنما السر الأكبر في دعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - له كما يقتضيه وعده - صلى الله عليه وآله وسلم - إياه بالدعاء له، ويشعر به قوله في دعائه " اللهم فشفعه في " أي اقبل شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - أي دعاءه في " وشفعني فيه " أي اقبل شفاعتي أي دعائي في قبول

دعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - في، فموضوع الحديث كله يدور حول الدعاء كما يتضح للقاريء الكريم بهذا الشرح الموجز، فلا علاقة للحديث بالتوسل المبتدع، ولهذ أنكره الإمام أبو حنيفة فقال: أكره أن يسأل الله إلا بالله، كما في " الدر المختار " وغيره من كتب الحنفية. وأما قول الكوثري في مقالاته (ص 381): وتوسُّل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكور في أوائل " تاريخ الخطيب " بسند صحيح فمن مبالغاته بل مغالطاته فإنه يشير بذلك إلى ما أخرجه الخطيب (1/ 123) من طريق عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال: نبأنا علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: "إنى لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم- يعني زائراً- فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره، وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تقضى". فهذه رواية ضعيفة بل باطلة فإن عمر بن إسحاق بن إبراهيم غير معروف، وليس له ذكر في شيء من كتب الرجال، ويحتمل أن يكون هو عمرو- بفتح العين- بن إسحاق بن إبراهيم بن حميد بن السكن أبو محمد التونسى وقد ترجمه الخطيب (12/ 226) وذكر أنه بخاري قدم بغداد حاجاًّ سنة (341) ولم يذكر فيه جرحاًّ ولا تعديلاً فهو مجهول الحال، ويبعد أن يكون هو هذا إذ أن وفاة شيخه علي بن ميمون سنة (247) على أكثر الأقوال، فبين وفاتيهما نحومائة سنة فيبعد أن يكون قد أدركه. وعلى كل حال فهي رواية ضعيفة لا يقوم على صحتها دليل وقد ذكر شيخ الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم " معنى هذه الرواية ثم أثبت بطلانها فقال (ص 165): هذا كذب معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل، فالشافعي

لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة، بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفاً، وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء، فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده؟! ثم (إن) أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد وطبقتهم لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند أبي حنيفة ولا غيره، ثم قد تقدم عن الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها، وإنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه ودينه، وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف. وأما القسم الثاني من أحاديث التوسل فهي أحاديث ضعيفة تدل بظاهرها على التوسل المبتدع، فيحسن بهذه المناسبة التحذير منها والتنبيه عليها، فمنها: " الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين ... ". ضعيف. رواه الطبراني في " الكبير " (24/ 351 ـ 352) و" الأوسط " (1/ 152،153 - الرياض)، ومن طريقه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (3/ 121): حدثنا أحمد بن حماد بن زغبة قال روح بن صلاح قال: حدثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول ومن طريقه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (3/ 121) عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما ... دعا أسامه بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاما أسود يحفرون ... فلما فرغ، دخل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فاضطجع فيه فقال ... فذكره، وقال

الطبراني: تفرد به روح بن صلاح. قلت: قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9/ 257): وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح. وفي قوله: وبقية رجاله رجال الصحيح نظر رجيح، ذلك لأن زغبة هذا ليس من رجال الصحيح، بل لم يرو له إلا النسائي، أقول هذا مع العلم أنه في نفسه ثقة. بقي النظر في حال روح بن صلاح وقد تفرد به كما قال الطبراني، فقد وثقه ابن حبان والحاكم كما ذكر الهيثمي، ولكن قد ضعفه من قولهم أرجح من قولهما لأمرين: الأول: أنه جرح والجرح مقدم على التعديل بشرطه. والآخر: أن ابن حبان متساهل في التوثيق فإنه كثيراً ما يوثق المجهولين حتى الذين يصرح هو نفسه أنه لا يدري من هو ولا من أبوه؟ كما نقل ذلك ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي "، ومثله في التساهل الحاكم كما لا يخفى على المتضلع بعلم التراجم والرجال، فقولهما عند التعارض لا يقام له وزن حتى ولوكان الجرح مبهما لم يذكر له سبب، فكيف مع بيانه كما هو الحال في ابن صلاح هذا؟! فقد ضعفه ابن عدي (3/ 1005)، وقال ابن يونس: رويت عنه مناكير، وقال الدارقطني: ضعيف في الحديث، وقال ابن ماكولا: ضعفوه، وقال ابن عدي بعد أن خرج له حديثين: وفي بعض حديثه نكارة. فأنت ترى أئمة الجرح قد اتفقت عباراتهم على تضعيف هذا الرجل، وبينوا أن السبب روايته المناكير، فمثله إذا تفرد بالحديث يكون منكراً لا يحتج به، فلا يغتر بعد هذا بتوثيق من سبق ذكره إلا جاهل أو مغرض. ومما تقدم يتبين للمنصف أن الشيخ زاهدا الكوثري ما أنصف العلم حين

تكلم على هذا الحديث محاولاً تقويته حيث اقتصر على ذكر التوثيق السابق في روح بن صلاح دون أن يشير أقل إشارة إلى أن هناك تضعيفا له ممن هم أكثر وأو ثق ممن وثقه! انظر (ص 379) من " مقالات الكوثرى " نفسه!. ومن عجيب أمر هذا الرجل أنه مع سعة علمه يغلب عليه الهوى والتعصب للمذهب ضد أنصار السنة وأتباع الحديث الذين يرميهم ظلما بالحشوية، فتراه هنا يميل إلى تقوية هذا الحديث معتمداً على توثيق ابن حبان ما دام هذا الحديث يعارض ما عليه أنصار السنة! فإذا كان الحديث عليه لا له، فتراه يرده وإن كان ابن حبان صححه أو وثق رواته! فانظر إليه مثلاً يقول في حديث مُضيه - صلى الله عليه وآله وسلم - في صلاته بعد خلع النعل النجسة، وقد أخرجه ابن حبان والحاكم في " صحيحيهما " قال: وتساهل الحاكم وابن حبان في التصحيح مشهور!! (انظر ص 185) من " مقالاته ". والحديث صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " وإعلاله بتساهل المذكورين تدليس خبيث، لأنه ليس فيه من لم يوثقه غيرهما، بل رجاله كلهم رجال مسلم. وانظر إليه في كلامه على حديث الأوعال وتضعيفه إياه وهو في ذلك مصيب تراه يعتمد في ذلك على أن راويه عبد الله بن عميرة مجهول، ثم يستدرك في التعليق فيقول (ص 309): نعم ذكره ابن حبان في الثقات، لكن طريقته في ذلك أن يذكر في الثقات من لم يطلع على جرح فيه، فلا يخرجه ذلك عن حد الجهالة عند الآخرين، وقد رد ابن حجر شذوذ ابن حبان هذا في " لسان الميزان ".

قلت: فقد ثبت بهذه النقول عن الكوثري أن من مذهبه عدم الاعتماد على توثيق ابن حبان والحاكم لتساهلهما في ذلك، فكيف ساغ له أن يصحح الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه لمجرد توثيقهما لراويه روح بن صلاح، ولاسيما أنه قد صرح غيرهما ممن هو أعلم منهما بالرجال بتضعيفه؟! اللهم لولا العصبية المذهبية لم يقع في مثل هذه الخطيئة، فلا تجعل اللهم تعصبنا إلا للحق حيثما كان. ومن الأحاديث الضعيفة في التوسل وهي في الوقت نفسه تدل على تعصب الكوثري، الحديث الآتي: «من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ... أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له ألف ملك». ضعيف. أخرجه ابن ماجه (1/ 261 - 262) وأحمد (3/ 21) والبغوي في " حديث علي بن الجعد " (9/ 93/3) وابن السني (رقم 83) من طريق فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به. وهذا سند ضعيف من وجهين، الأول: فضيل بن مرزوق وثقه جماعة وضعفه آخرون، وقول الكوثري في بعض " مقالاته " (393): وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ولم يضعفه سواه وجرحه غير مفسر، بل وثقه البستي. فيه أخطاء مكشوفة: أولاً: قوله لم يضعفه غير أبي حاتم، فإنه باطل، وما أظن هذا يخفى على

مثله، فإن في ترجمته من " التهذيب " بعد أن حكى أقوال الموثقين له ما نصه: وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: صالح الحديث صدوق يهم كثيرا يكتب حديثه. قلت: يحتج به؟ قال: لا. وقال النسائي: ضعيف ... قال مسعود عن الحاكم: ليس هو من شرط الصحيح. وقد عيب على مسلم إخراجه لحديثه، قال ابن حبان في الثقات: يخطئ، وقال في " الضعفاء": كان يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات. فأنت ترى أنه قد ضعفه مع أبي حاتم النسائي والحاكم وابن حبان مع أنهما من المتساهلين في التوثيق كما تقدم. ثانياً: قوله: وجرحه غير مفسر. فهذا غير مسلم به، بل هو مفسر في نفس كلام أبي حاتم الذي نقلته، وهو قوله: يهم كثيراً، وقد اعتمد الحافظ ابن حجر هذا القول فقال في ترجمته: "صدوق يهم "، فمن كان يهم في حديثه كثيراً، فلا شك أنه لا يحتج به كما هو مقرر في محله من علم المصطلح. ثالثاً: قوله: بل وثقه البستي. قلت: البستي هو ابن حبان، وإنما عدل الكوثري عن التصريح باسم (ابن حبان) إلى ذكر نسبته (البستي) تدليساً وتمويهاً، وقد علمت أن ابن حبان كان له فيه قولان، فمرة أورده في " الثقات " (7/ 316) وأخرى في " الضعفاء " (2/ 209) والاعتماد على هذا أولى من الأول، لأنه بين فيه سبب ضعفه، فهو جرح مفسر يقدم على التعديل كما تقرر في المصطلح أيضاً.

الوجه الثاني في تضعيف الحديث: أنه من رواية عطية العوفي، وهو ضعيف أيضاً. قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يخطيء كثيرا كان شيعياً مدلساً، فهذا جرح مفسر يقدم على قول من وثقه مع أنهم قلة، وقد خالفوا جمهور الأئمة الذين ضعفوه وتجد أقوالهم في " تهذيب التهذيب " وعبارة الحافظ التي نقلتها عن " التقريب " هي خلاصة هذه الأقوال كما لا يخفى على البصير بهذا العلم فلا نطيل الكلام بذكرها، ولهذا جزم الذهبي في " الميزان " بأنه ضعيف. أما تدليسه فلابد من بيانه هاهنا لأن به تزول شبهة يأتي حكايتها، فقال ابن حبان في " الضعفاء " ما نصه: سمع من أبي سعيد أحاديث فلما مات جعل يجالس الكلبي يحضر بصفته، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك هذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد الكلبي! قال: لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب. فهل تدري أيها القارئ الكريم ما كان موقف الشيخ الكوثري تجاه تلك الأقوال المشار إليها في تضعيف الرجل؟ إنه لم يشر إليها أدنى إشارة واكتفى بذكر أقوال القلة الذين وثقوه، الأمر الذي ينكره على خصومه (انظر ص 392 من "مقالاته ") وليته وقف عند هذا، بل إنه أو هم أن سبب تضعيفه أمر لا يصلح أن يكون جرحاً فقال (ص 394): وعطية جرح بالتشيع، لكن حسن له الترمذي عدة أحاديث.

وقصده من هذا إفساح المجال لتقديم أقوال الموثقين بإيهام أن المضعفين إنما ضعفوه بسبب تشيعه، وهو سبب غير جارح عند المحققين، مع أن السبب في الحقيقة إنما هو خطأه كثيراً كما تقدم في كلام الحافظ ابن حجر، فانظر كم يبعد التعصب بصاحبه عن الإنصاف والحق! وأما تحسين الترمذي له فلا حجة فيه بعد قيام المانع من تحسين الحديث، والترمذي متساهل في التصحيح والتحسين، وهذا شيء لا يخفى على الشيخ- عفا الله عنا وعنه- فقد نقل هو نفسه في كلامه على حديث الأوعال الذي سبقت الإشارة إليه عن ابن دحية إنه قال: كم حسن الترمذي من أحاديث موضوعة وأسانيد واهية؟! وعن الذهبي أنه قال: لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي (انظر ص 311 من " مقالات الكوثرى "). فانظر كيف يجعل كلام الرجل في موضع حجة، وفي آخر غير حجة!! ثم أجاب عن شبهة التدليس بقوله: وبعد التصريح بالخدري لا يبقى احتمال التدليس ولاسيما مع المتابعة. يعني أن عطية قد صرح بأن أبا سعيد في هذا الحديث هو الخدري، فاندفعت شبهة كونه هو الكلبي الكذاب. قلت: وهذا دفع هزيل، فالشبهة لا تزال قائمة، لأن ابن حبان صرح كما تقدم نقله عنه أن عطية لما كان يحدث عن الكلبي ويكنيه بأبي سعيد كان الذين يسمعون الحديث عنه يتوهمون أنه يريد الخدري، فمن أين للشيخ الكوثري أن التصريح بالخدري إنما هو من عطية وليس من توهم الراوي عنه أو من وهمه فقد علمت أنه كان سيء الحفظ؟! هذان احتمالان لا سبيل إلى ردهما وبذلك تبقى

شبهة التدليس قائمة. وأما المتابعة التي أشار إليها فهي ما فسره بقوله قبل: ولم ينفرد عطية عن الخدري، بل تابعه أبو الصديق عنه في رواية عبد الحكم بن ذكوان، وهو ثقة عند ابن حبان، وإن أعله به أبو الفرج في علله. قلت: لقد عاد الشيخ إلى الاعتداد بتوثيق ابن حبان مع اعترافه بشذوذه في ذلك كما سبق النقل عنه، هذا مع قول ابن معين في ابن ذكوان هذا: لا أعرفه، فإذا لم يعرفه أمام الجرح والتعديل، فأنى لابن حبان أن يعرفه؟! فتبين أن لا قيمة لهذا المتابع لجهالة الراوي عنه، فإعلال أبي الفرج للحديث به حق لا غبار عليه عند من ينصف! ثم بدا لي وجه ثالث في تضعيف الحديث وهو اضطراب عطية أو ابن مرزوق في روايته حيث أنه رواه تارة مرفوعا كما تقدم، وأخرى موقوفاً على أبي سعيد كما رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12/ 110/1) عن ابن مرزوق به موقوفاً، وفي رواية البغوي من طريق فضيل قال: أحسبه قد رفعه، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2/ 184): موقوف أشبه. ثم إن الشيخ حاول أن يشد من عضد الحديث بأن أوجد له طريقا أخرى فقال: وأخرج ابن السني في عمل " اليوم والليلة " بسند فيه الوازع عن بلال، (كذا) وليس فيه عطية ولا ابن مرزوق. قلت: ولم يزد الشيخ على هذا فلم يبين ما حال هذا الوازع وهل هو ممن يصلح أن يستشهد به، أو هل عنده وازع يمنعه من رواية الكذب؟ ولو أنه بين ذلك لظهر لكل ذي عينين أن روايته لهذا الحديث وعدمها سواء، ذلك لأنه ضعيف بمرة

عند أئمة الحديث بلا خلاف عندهم، حتى قال أبو حاتم: ضعيف الحديث جدًّا ليس بشىء، وقال لابنه: اضرب على أحاديثه فإنها منكرة. بل قال الحاكم- على تساهله-: روى أحاديث موضوعة! وكذا قال غيره، وهو الوازع بن نافع العقيلي. فمن كان هذا حاله في الرواية لا يعتضد بحديثه ولا كرامة حتى عند الشيخ نفسه فاسمع إن شئت كلامه في ذلك (ص 39) من " مقالاته ": " إن تعدد الطرق إنما يرفع الحديث إلى مرتبة الحسن لغيره إذا كان الضعف في الرواة من جهة الحفظ والضبط فقط، لا من ناحية تهمة الكذب، فإن كثرة الطرق لا تفيد شيئا إذ ذاك ". ومن هنا يتبين للقارئ اللبيب لم سكت الشيخ عن بيان حال الوازع هذا! وجملة القول أن هذا الحديث ضعيف من طريقيه وأحدهما أشد ضعفاً من الآخر، وقد ضعفه البوصيرى والمنذري وغيرهما من الأئمة، ومن حسنه فقد وهم أو تساهل، وقد تكلمت على حديث بلال هذا، وكشفت عن تدليس الكوثري فيما سيأتي (6252). ومن الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة في التوسل: " لما اقترف آدم الخطيئة، قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك،

فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي، ادعني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك ". موضوع. أخرجه الحاكم في " المستدرك " (2/ 615) وعنه ابن عساكر (2/ 323/2) وكذا البيهقي في باب ما جاء فيما تحدث به - صلى الله عليه وآله وسلم - بنعمة ربه من " دلائل النبوة " (5/ 488) من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري، حدثنا إسماعيل ابن مسلمة، نبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب مرفوعا، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب. فتعقبه الذهبي بقوله: بل موضوع، وعبد الرحمن واه، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو. قلت: والفهري هذا أورده في " ميزان الاعتدال " لهذا الحديث وقال: خبر باطل رواه البيهقي في " دلائل النبوة " وقال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم وهو ضعيف. وأقره ابن كثير في " تاريخه " (2/ 323) ووافق الحافظ ابن حجر في " اللسان " أصله " الميزان " على قوله: خبر باطل وزاد عليه قوله في هذا الفهري: لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته. قلت: والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رشيد، ذكره ابن حبان فقال: متهم بوضع الحديث، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة لا يحل كتب حديثه، وهو

الذي روى عن ابن هدبة نسخة كأنها معمولة. والحديث أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (207) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن زيد ثم قال: لا يروي عن عمر إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في " المجمع " (8/ 253): رواه الطبراني في " الأوسط " و" الصغير " وفيه من لم أعرفهم. قلت: وهذا إعلال قاصر ما دام فيه عبد الرحمن بن زيد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة " (ص 69): ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب " المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم ": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه. قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً. وصدق شيخ الإسلام في نقله اتفاقهم على ضعفه وقد سبقه إلى ذلك ابن الجوزي، فإنك إذا فتشت كتب الرجال، فإنك لن تجد إلا مضعفاً له، بل ضعفه جداّ علي بن المديني وابن سعد، وقال الطحاوى: حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف. وقال ابن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف، فاستحق الترك. وقال أبو نعيم نحو ما سبق عن الحاكم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة. قلت: ولعل هذا الحديث من الأحاديث التي أصلها موقوف ومن الإسرائيليات، أخطأ عبد الرحمن بن زيد فرفعها إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويؤيد هذا أن

أبا بكر الآجري أخرجه في " الشريعة " (ص 427) من طريق الفهري المتقدم بسند آخر له عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب موقوفاً عليه. ورواه (ص 422 - 425) من طريق أبي مروان العثماني قال: حدثني أبي (في الأصل: ابن وهو خطأ) عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: " من الكلمات التي تاب الله عز وجل على آدم عليه السلام أنه قال: اللهم إني أسألك بحق محمد عليك .. " الحديث نحوه وليس فيه ادعني بحقه إلخ. وهذا موقوف وعثمان وابنه أبو مروان ضعيفان لا يحتج بهما لو رويا حديثا مرفوعاً، فكيف وقد رويا قولاً موقوفاً على بعض أتباع التابعين، وهو قد أخذه- والله أعلم- من مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم، أو عن كتبهم التي لا ثقة لنا بها، كما بينه شيخ الإسلام في كتبه. وكذلك رواه ابن عساكر (2/ 310/2) عن شيخ من أهل المدينة من أصحاب ابن مسعود من قوله موقوفا عليه وفيه مجاهيل. وجملة القول: أن الحديث لا أصل له عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا جرم أن حكم عليه بالبطلان الحافظان الجليلان الذهبي والعسقلاني كما تقدم النقل عنهما. ومما يدل على بطلانه أن الحديث صريح في أن آدم عليه السلام عرف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عقب خلقه، وكان ذلك في الجنة، وقبل هبوطه إلى الأرض، وقد جاء في حديث إسناده خير من هذا على ضعفه أنه لم يعرفه إلا بعد نزوله إلى الهند وسماعه باسمه في الأذان! انظر الحديث (403). ومع هذا كله فقد جازف الشيخ الكوثري وصححه مع اعترافه بضعف عبد

الرحمن بن زيد لكنه استدرك (ص 391) فقال: إلا أنه لم يتهم بالكذب، بل بالوهم، ومثله ينتقى بعض حديثه. قلت: لقد بلغ به الوهم إلى أنه روى أحاديث موضوعة كما تقدم عن الحاكم وأبي نعيم، فمثله لا يصلح أن ينتقى من حديثه حتى عند الكوثري لولا العصبية والهوى، فاسمع إن شئت ما قاله (ص 42) في صدد حكمه بالوضع على حديث " إياكم وخضراء الدمن ... " وقد تقدم برقم (14). وإنما مدار الحكم على الخبر بالوضع أو الضعف الشديد من حيث الصناعة الحديثية هو انفراد الكذاب أو المتهم بالكذب أو الفاحش الخطأ به. وقد علمت مما سبق أن مدار الحديث على عبد الرحمن بن زيد الفاحش الخطأ، فيكون حديثه ضعيفاً جداًّ على أقل الأحوال عنده لو أنصف! ومن عجيب أمره أنه يقول عقب عبارته السابقة (ص 391): وهذا هو الذي فعله الحاكم حيث رأى أن الخبر مما قبله مالك فيما روى ابن حميد عنه حيث قال لأبي جعفر المنصور: وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام. فمن أين له أن الحاكم رأى أن الخبر مما قبله مالك؟! فهل يلزم من كون الرجل كان حافظاً أنه كان يحفظ كل شيء عن أي إمام، هذا ما لا يقوله إنسان؟! فمثل هذا لابد فيه من نقل يصرح بأن الحاكم رأى ... وإلا فمن ادعى ذلك فقد قفا ما ليس له به علم. ثم هب أن مالكا قَبٍلَ الخبر، فهل ذلك يلزم غيره أن يقبله وهو لم يذكر إسناده المتصل منه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، أفلا يجوز أن يكون ذلك من الإسرائيليات التي تساهل العلماء في روايتها عن بعض مسلمة أهل الكتاب مثل كعب الأحبار، فقد

كان يروي عنه بعضها ابن عمر وابن عباس وأبوهريرة باعتراف الكوثري نفسه (ص 34 ـ " مقالة كعب الأحبار والإسرائيليات ") فإذا جاز هذا لهؤلاء، أفلا يجوز ذلك لمالك؟ بلى ثم بلى. فثبت أن قول مالك المذكور لا يجوز أن يكون شاهداً مقوياًّ للحديث المروى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. وهذا كله يقال لوثبت ذلك عن مالك، كيف ودون ثبوته خرط القتاد! فإنه يرويه عنه ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي في الراجح عند الكوثري ثم اعتمد هو على توثيق ابن معين إياه وثناء أحمد والذهلي عليه، وتغافل عن تضعيف جمهور الأئمة له، بل وعن تكذيب كثيرين منهم إياه، مثل أبي حاتم والنسائي وأبي زرعة وصرح هذا أنه كان يتعمد الكذب، ومثل ابن خراش فقد حلف بالله أنه كان يكذب، وقال صالح بن محمد الأسدي: كل شيء كان يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه فيه، وقال في موضع آخر: كانت أحاديثه تزيد، وما رأيت أحداً أجرأ على الله منه، وقال أيضاً: ما رأيت أحدا أحذق بالكذب من رجلين سليمان الشاذكوني ومحمد ابن حميد، كان يحفظ حديثه كله. وقال أبو علي النيسابوري: قلت لابن خزيمة: لوحدث الأستاذ عن محمد بن حميد فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه؟ فقال: إنه لم يعرفه، ولوعرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلاً. فهذه النصوص تدل على أن الرجل كان مع حفظه كذاباً، والكذب أقوى أسباب الجرح وأبينها، فكيف ساغ للشيخ تقديم التعديل على الجرح المفسر مع أنه خلاف معتقده؟! علم ذلك عند من يعرف مبلغ تعصبه على أنصار السنة وأهل الحديث، وشدة عداوته إياهم سامحه الله وعفا عنه.

فتبين مما ذكرناه أن هذه القصة المروية عن مالك قصة باطلة موضوعة، وقد حقق القول في ذلك على طريقة أخرى شيخ الإسلام في " القاعدة الجليلة " (1/ 227 - ضمن مجموع الفتاوى) وابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " فليراجعهما من أراد المزيد من الاطلاع على بطلانها، فإن فيما أوردت كفاية. وبذلك ثبت وضع حديث توسل آدم بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وخطأ من خالف. ولقد أطلت كثيراً في تحقيق الكلام عليه وعلى الأحاديث التي قبله، وما كنت أود ذلك لولا أنى وجدت نفسي مضطراًّ لذلك، لما وقفت على مغالطات الشيخ الكوثري، فرأيت من الواجب الكشف عنها لئلَّا يغتر بها من لا علم له بما هنالك! فمعذرة إلى القراء الكرام. هذا وإن من الآثار السيئة التي تركتها هذه الأحاديث الضعيفة في التوسل أنها صرفت كثيراً من الأمة عن التوسل المشروع إلى التوسل المبتدع، ذلك لأن العلماء متفقون- فيما أعلم- على استحباب التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه أو صفة من صفاته تعالى، وعلى توسل المتوسل إليه تعالى بعمل صالح قدمه إليه عز وجل. ومهما قيل في التوسل المبتدع فإنه لا يخرج عن كونه أمراً مختلفاً فيه، فلو أن الناس أنصفوا لانصرفوا عنه احتياطاً وعملاً بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» إلى العمل بما أشرنا إليه من التوسل المشروع، ولكنهم مع الأسف أعرضوا عن هذا وتمسكوا بالتوسل المختلف فيه كأنه من الأمور اللازمة التي لابد منها ولازموها ملازمتهم للفرائض! فإنك لا تكاد تسمع شيخاً أو عالماً يدعو بدعاء يوم الجمعة وغيره إلا ضمنه التوسل المبتدع، وعلى العكس من ذلك فإنك

لا تكاد تسمع أحدهم يتوسل بالتوسل المستحب كأن يقول مثلا: "اللهم إنى أسألك بأن لك الحمد لا إله ألا أنت، وحدك لا شريك لك، المنان، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك ... " مع أن فيه الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما صح عنه. فهل سمعت أيها القارئ الكريم أحداً يتوسل بهذا أو بغيره مما في معناه؟ أما أنا فأقول آسفاً: إننى لم أسمع ذلك، وأظن أن جوابك سيكون كذلك، فما السبب في هذا؟ ذلك هو من آثار انتشار الأحاديث الضعيفة بين الناس، وجهلهم بالسنة الصحيحة، فعليكم بها أيها المسلمون علماً وعملاً تهتدوا وتعزُّوا. وبعد طبع ما تقدم اطلعت على رسالة في جواز التوسل المبتدع لأحد مشايخ الشمال المتهورين، متخمة بالتناقض الدال على الجهل البالغ، وبالضلال والأباطيل والتأويلات الباطلة والافتراء على العلماء بل الإجماع! مثل تجويز الاستغاثة بالموتى والنذر لهم، وزعمه أن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية متلازمان! وغير ذلك مما لا يقول به عالم مسلم، كما أنه حشاها بالأحاديث الضعيفة والواهية كما هي عادته في كل ما له من رسائل- وليته سكت عنها، بل إنه صحح بعض ما هو معروف منها بالضعف كقوله (ص 42) وفي الأحاديث الصحيحة: " إن أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعباده " وغير ذلك مما لا يمكن البحث فيه الآن. وإنما القصد أن أنبه القراء على ما وقع في كلامه على الأحاديث المتقدمة في التوسل من التدليس بل الكذب المكشوف ليوهمهم صحتها، كي يكونوا في حذر منه ومن أمثاله من الذين لا يتقون الله فيما يكتبون، لأن غرضهم الانتصار

لأهوائهم وما وجدوا عليه آبائهم وأمهاتهم. فحديث أنس (رقم 23) الذي فيه «اغفر لأمي فاطمة .. بحق نبيك .. » الذي بينا ضعف إسناده، أوهم هو أنه صحيح بتمكسه بتوثيق ابن حبان والحاكم لروح بن صلاح! وقد أثبتنا ضعف هذا الراوي وعدم اعتداد العلماء بتوثيق المذكورين فتذكر، كما أثبتنا عدم أمانة الكوثري في النقل واتباعه للهوى وقد جرى على طريقته هذه مؤلف هذه الرسالة بل زاد عليه! فإنه بعد أن ساق الحديث موهما القارئ أنه صحيح قال عقبه (ص 15): ولهذا طرق منها عن ابن عباس عند أبي نعيم في " المعرفة " والديلمي في " الفردوس " بإسناد حسن كما قاله الحافظ السيوطي. فهذا كذب منه على ابن عباس رضي الله عنه- وربما على السيوطي أيضا- فليس في حديث ابن عباس موضع الشاهد من حديث أنس وهو قوله " بحق نبيك والأنبياء الذين قبلي فإنك أرحم الراحمين " وذلك مما يوهن هذه الزيادة ولا يقويها خلافا لمحاولة المؤلف الفاشلة المغرضة! وأما حديث عمر (رقم 25) فقال في تخريجه (ص 15): وأخرج البيهقي في " دلائل النبوة " وقد التزم أن لا يذكر في هذا الكتاب حديثاً موضوعاً. قلت: والجواب من وجهين: الأول: أن الالتزام المذكور غير مسلم به، فقد أخرج فيه غيرما حديث موضوع وقد نص على ذلك بعض النقاد، ومن يتتبع مقالاتنا هذه في الأحاديث الضعيفة والموضوعة يجد أمثلة على ذلك وحسبك دليلا الآن هذا الحديث فقد حكم عليه الحافظان الذهبي والعسقلاني بأنه حديث باطل كما سبق، فما

بال المؤلف يتغاضى عن حكمهما وهما المرجع في هذا الشأن ويتعلق بالمتشابه من الكلام؟!. الآخر: أن البيهقي الذي أخرجه في " الدلائل " قد ضعف الحديث فيه كما سبق نقله عنه، فإن لم يكن الحديث عنده موضوعا فهو على الأقل ضعيف، فهو حجة على الشيخ الذي يحاول بتحريف الكلام أن يجعله صحيحا؟! ثم نقل المؤلف تخريج الحاكم للحديث وتصحيحه إياه، وتغاضى أيضا عن تعقب الذهبي إياه الذي سبق أن ذكرناه، والذي يصرح فيه أنه حديث موضوع! كما تغاضى عن حال راويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، الذي اتهمه الحاكم نفسه بالوضع! وعن غيره ممن لا يعرف حاله أو هو متهم، وعن قول الحافظ الهيثمي في الحديث فيه من لم أعرفهم!. عجباً من هذا المؤلف وأمثاله إنهم يزعمون أن باب الاجتهاد قد أغلق على الناس فليس لهم أن يجتهدوا لا في الحديث تصحيحاً وتضعيفاً، ولا في الفقه، ترجيحاً وتفريعاً، ثم هم يجتهدون فيما لا علم لهم فيه البتة، وهو علم الحديث، ويضربون بكلام ذوي الاختصاص عرض الحائط! ثم هم إن قلدوا قلدوا دون علمٍ متبعين أهواءهم، وإلا فقل لي بالله عليك: إذا صحح الحاكم حديثاً- وهو معروف بتساهله في ذلك- ورده عليه أمثال الذهبي والهيثمي والعسقلاني أفيجوز والحالة هذه التعلق بتصحيح الحاكم؟! اللهم إن هذا لا يقول به إلا جاهل أو مغرض! اللهم فاحفظنا من اتباع الهوى حتى لا يضلنا عن سبيلك. ثم زعم المؤلف (ص 16) أن الإمام مالكاً قد صح عنده محل الشاهد من

هذا الحديث حيث قال للخليفة العباسى: ولم تصرف وجهك عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم؟. وقد بينا فيما سلف بطلان نسبة هذه القصة إلى مالك، وأما المؤلف فلا يهمه التحقق من ذلك، وسيان عنده أثبتت أو لم تثبت، ما دام أنها تؤيد هواه وبدعته إذ الغاية عنده تسوغ الوسيلة!. ومن تهو ر هذا المؤلف وجهله أنه يصرح (ص 12): أن التوسل برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وسائر الأنبياء والأولياء والصالحين والاستغاثة بهم ... مما أجمعت عليه الأمة قبل ظهور هذا المبتدع ابن تيمية الذي جاء في القرن الثامن الهجري وابتدع بدعته!. فإن إنكار التوسل بغير الله تعالى مما صرح به بعض الأئمة الأولين المعترف بفضلهم وفقههم، وقد نقلنا نص أبي حنيفة في ذلك (ص 77) من الكتب الموثوق بها من كتب الحنفية وفيها عن صاحبيه الإمام محمد وأبي يوسف نحو ذلك مما يعتبر قاصمة الظهر لهؤلاء المبتدعة، فأين الإجماع المزعوم أيها المتهور؟! وإن من أكبر الافتراء على الإجماع أن ينسب إليه هذا المؤلف جواز الاستغاثة بالأموات من الصالحين؟ وهذه ضلالة كبري لم يقل بها- والحمد لله- أحد من سلف الأمة وعلمائها، ونحن نتحدى المؤلف وغيره من أمثاله أن يأتينا ولو بشبه نص عنهم في جواز ذلك، بل المعروف في كتب أتباعهم خلاف ذلك ولولا ضيق المجال لنقلنا بعض النصوص عنهم. وأما حديث أبي سعيد الخدري (رقم 24) فاكتفى المؤلف (ص 36) بأن نقل تحسينه عن بعض العلماء، وقد بينا خطأ ذلك من وجوه بما لا مرد لها فأغنى عن

الإعادة، والمؤلف لا يهمه مطلقا التحقيق العلمي لأنه ليس من أهله، بل هو يتعلق في سبيل تأييد هواه بالأوهام ولو كانت كخيوط القمر أو مدد الأموات!. وبهذه المناسبة أريد أن أقول كلمة وجيزة من جهة استدلال المؤلف بهذا الحديث وأمثاله على التوسل المبتدع فأقول: إن حق السائلين على الله تعالى هو أن يجيب دعاءهم، فلو صح هذا الحديث وما في معناه فليس فيه توسل مَّا إلى الله بالمخلوق، بل هو توسل إليه بصفة من صفاته وهي الإجابة، وهذا أمر مشروع خارج عن محل النزاع فتأمل منصفاً، وبهذا يسقط قول هذا المؤلف عقب الحديث: فالنبى - صلى الله عليه وآله وسلم - توسل بالسائلين الأحياء والأموات، لأننا نقول هذا من تحريف الكلم فإننا نقول- إنما توسل- لو صح الحديث بحق السائلين، وعرفت المعنى الصحيح- وبحق الممشى، وهو الإثابة من الله لعبده، وذلك أيضاً صفة من صفاته تعالى فأين التوسل المبتدع وهو التوسل بالذات؟! وأنهي هذا الرد السريع بتنبيه القراء الكرام إلى أمرين آخرين وردا في الرسالة المذكورة: الأمر الأول ذكر (ص 16) حديث الأعمى وقد سبق بيان معناه، ثم أتبعه بذكر قصة عثمان بن حنيف مع الرجل صاحب الحاجة وكيف أنه شكي إليه أنه يدخل على عثمان بن عفان فلا يلتفت إليه! فأمره ابن حنيف أن يدعو بدعاء الأعمى ... فدخل على عثمان بن عفان فقضى له حاجته! احتج المؤلف بهذه القصة على التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته. وجوابنا من وجهين: الأول: أنها قصة موقوفة، والصحابة الآخرون لم يتوسلوا مطلقاً به - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته، لأنهم يعلمون أن التوسل به معناه التوسل بدعائه وهذا غير ممكن كما سبق بيانه.

[233] باب من التوسل البدعي

الآخر: أنها قصة لا تثبت عن ابن حنيف، وبيان ذلك في رسالتنا الخاصة " التوسل أنواعه وأحكامه " وقد سبقت الإشارة إليها. ونحو ذلك أنه: ذكر (ص 25) قصة مجيء بلال بن الحارث المزني الصحابي لما قحط الناس في عهد عمر إلى قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومنادته إياه: "يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا". فهذه أيضا قصة غير ثابتة وأوهم المؤلف صحتها محرفاً لكلام بعض الأئمة، مقلداً في ذلك بعض ذوي الأهواء قبله، وتفصيل ذلك في الرسالة المومئ إليها. "الضعيفة" (1/ 76 - 99). [233] باب من التوسل البدعي [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يا أبا هريرة! إن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء الأَخْفِياء الأبرياء الشَّعِثَةَ رؤوسُهم، المُغْبَرَّة وجوههم، الخَمِصَة بطونهم؛ إلا من كسب الحلال، الذين إذا استأذنوا على الأمراء؛ لم يُؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعِّمات لم يُنكَحوا، وإن غابوا؛ لم يُفتقدوا، وإن حَضَروا؛ لم يُدْعَوا، وإن طلعوا؛ لم يُفرح بطلعتهم، وإن مَرِضوا؛ لم يُعاودوا، وإن ماتوا؛ لم يَشْهَدوا». قالوا: يا رسول الله! كيف لنا برجل منهم؟ قال: «ذاك أويس القرني»، قالوا: وما أويس القرني؟ قال: «أشهل ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة آدم شديد الأدمة، ضارب بذقنه إلى صدره، رام بذقنه إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلو القرآن، يبكي على نفسه، ذو طِمْرين لا يُؤْبَه له، مُتَّزِرٌ بإزارِ

صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض، معروف في أهل السماء، لو أقسم على الله؛ لأبر قسمه، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة؛ قيل للعباد ادخلوا الجنة، ويقال لأويس: قف فاشفع. فيُشَفِّعُه الله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومُضَرَ، يا عمرُ ويا عليُّ، إذا أنتما لقيتماه؛ فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله تعالى لكما ... » الحديث بطوله. (منكر جداً) [قال الإمام]: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (2/ 80 - 82)، ومن طريقه الرافعي في "تاريخ قزوين " (1/ 91 - 95)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق، (3/ 200 - 202) من طريق سلمة بن شبيب: ثنا الوليد بن إسماعيل الحراني: ثنا محمد ابن إبراهيم بن عبيد؛ حدثني مخلد بن يزيد عن نوفل بن عبد الله عن الضحاك ابن مزاحم عن أبي هريرة قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حلقة من أصحابه إذ قال: "ليصلين معكم غداً رجل من أهل الجنة".قال أبو هريرة: فطمعت أن أكون أنا ذلك الرجل، فغدوت فصليت خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأقمت في المسجد حتى انصرف الناس وبقيت أنا وهو، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل أسود متزر بخرقة، مرتد برقعة، فجاء حتى وضع يده في يد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال: يا نبي الله ادع الله لي؛ فدعا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - له بالشهادة وإنا لنجد منه ريح المسك الأذفر، فقلت: يا رسول الله أهو هو؟ قال: "نعم! إنه لمملوك لبني فلان".قلت: أفلا تشتريه فتعتقه يا نبي الله؟ قال: "وأنى لي ذلك، إن كان الله تعالى يريد أن يجعله من ملوك الجنة يا أبا هريرة، إن لأهل الجنة ملوكاً وسادة، وإن هذا الأسود أصبح من ملوك الجنة وسادتهم. يا أبا هريرة ... " الحديث. وزاد بعده: قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران

عليه ... إلى آخر القصة، وفيها طول لا حاجة بنا إلى ذكرها. قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم منقطع؛ الضحاك بن مزاحم، قال الحافظ العلائي في "مراسيله " (ص 243) وقد ذكر الضحاك هذا: "وقال أبو حاتم: لم يدرك أبا هريرة ولا أبا سعيد رضي الله عنهم. وقال ابن حبان: أما رواياته عن أبي هريرة، وابن عباس وجميع من روى عنه، ففي ذلك كله نظر". قلت: والسند إليه لا يصح؛ فيه ثلاثة ليس لهم ذكر في شيء من كتب التراجم التي عندي، وهم: الوليد بن إسماعيل، ومحمد بن إبراهيم، ونوفل بن عبد الله؛ فلم يترجمهم البخاري ولا ابن أبي حاتم ولا ابن حبان، ولا الذين جاءوا من بعدهم، اللهم! إلا الأول منهم؛ فقد ذكره المزي في شيوخ سلمة بن شبيب. أقول: ومع جهالة هؤلاء والانقطاع المشروح آنفاً، لم يتورع السيوطي أن يقول في "اللآلئ" (1/ 451): "وسنده لا بأس به "! والعجيب حقاً أن ابن عراق في "التنزيه " (2/ 36) أقره على ذلك، ولم يتعقبه بشيء! وليتأمل القارئ اللبيب الفرق بين السيوطي وقوله هذا، وبين قول الحافظ الذهبي وقد ساق من هذا الحديث بعضه في كتابه "السير" (4/ 27 - 28): " وهذا سياق منكر، لعله موضوع ". وقد أورده ابن الجوزي في موضوعاته " (2/ 43 - 44) من رواية ابن حبان، وهذا في "الضعفاء" (2/ 297 - 298) من طريق محمد بن أيوب عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: بينما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بفناء الكعبة إذ نزل عليه جبريل فقال: "يا محمد! إنه سيخرج من أمتك رجل يشفع، فيشفعه الله في عدد ربيعة ومضر، فإن أدركته؛ فسله الشفاعة

[234] باب أقسام التوسل المشروع وحكم التوسل غير المشروع

لأمتك، قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اجبريل! ما اسمه وما صفته؛ قال: أما اسمه فأويس ... ». قال ابن حبان: "فذكر حديثاً طويلاً في ورقتين، وهو باطل لا أصل له عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا ابن عمر أسنده، ولا نافع حدث به، ولا مالك رواه. ومحمد بن أيوب يضع الحديث على مالك ". وأقره ابن الجوزي؛ ولكنه قال فأفاد: "وقد وضعوا خبراً طويلاً في قصة أويس من غير هذه الطريق؛ وإنما يصح عن أويس كلمات يسيرة جرت له مع عمر، وأخبره رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: «يأتي عليكم أويس، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل»، فأطال القصاص وأعرضوا (كذا) في حَدِيثِ أويس بما لا فائدة في الإطالة بذكره". قلت: وحديث ابن عمر هذا قد ساقه بطوله ابن عساكر (ص 208 - 210) من طريق محمد بن أيوب نفسه، وليس فيه حديث الترجمة، ولا في غيره من طرقه الكثيرة المختلفة عند ابن عساكر سنداً ومتناً، طولاً وقصراً، لكن فيه-مع الطول البالغ فيه- جملتان استنكرتهما جداً: الأولى: قول علي لأويس: "إنا نسألك بحق حرمنا هذا إلا أخبرتنا باسمك" .. فإنه توسل بمخلوق، وهو غير مشروع كما هو معلوم. "الضعيفة" (13/ 1/595 - 599). [234] باب أقسام التوسل المشروع وحكم التوسل غير المشروع سؤال: فضيلة الشيخ! سائل يسأل يقول: ما هو التوسل المشروع، وما قولكم في التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وما صحة الأحاديث التي وردت في التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حيًا وميتًا؟

الشيخ: هذا بحث جديد، ولا أظن أنكم تصبرون عليه لا لرغبتكم عن العلم وإنما لشرطكم أن تسمعوا الجواب عما يمكن الجواب عنه وعن بقية الأسئلة، ولذلك فأنا سأوجز الجواب عن هذا السؤال بقدر ما أستطيع، فإن أطلت فلا مؤاخذة، وسلفًا أحيل إلى كتاب لمن كان حديثًا على القراءة والاطلاع إن لم يكن قد اطلع عليه البعض، ألا وهو الذي كنت سميته: "التوسل أنواعه وأحكامه"، وهو كتاب قد طبع مرارًا وتكرارًا. التوسل نوعان: مشروع، وغير مشروع .. عبادة وغير عبادة. أما التوسل المشروع: فهو توسل العبد إلى الله تبارك وتعالى باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته تبارك وتعالى، أو بعمله الصالح، أو بدعاء أخيه المسلم، كما جاء في هذا القسم الأخير الاستسقاء بالصالحين كما فعل عمر بن الخطاب حينما أصيبوا في عام الرمادة، خرج يستسقي فقال: «اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون»، هذا هو الشرط المذكور، باسم من أسماء الله أو بصفة من صفات، أو بعمله الصالح، أو بدعاء الرجل الصالح، وبخاصة إذا كان من أهل البيت كالعباس عم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ولعل من المستحسن والمفيد أن نذكركم، وقد لا يكون بعضكم سمع بالحديث الذي فيه مشروعية توسل الداعي إلى الله بعمله الصالح وليس بعمل غيره الطالح، ألا وهو حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه، قال: بينما ثلاثة نفر ممن قبلكم يمشون في فلاة، إذ أصابهم المطر، فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليه، صخرة من الجبل ... سد عليهم طريق الخروج من الغار، فهم في مشكلة لا مغيث لهم إلا الله

تبارك وتعالى، فلما وجدوا أنفسهم مقبورين في ذلك الغار قال أحدهم: يا هؤلاء! ادعوا الله بأعمالكم الصالحة .. توسلوا إلى الله بعمل لكم صالح لعل الله يفرجها عنكم، فقام أحدهم داعيًا فقال: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وامرأتي، وكان لي صبية صغار أرعى عليهم. وأظنكم تفهمون بدون شرح هذه الكلمات لأنها عربية أصيلة .. كان لي أبوان شيخان كبيران أرعى عليهم، فإذا أردت حلبت فبدأت بأبوي قبل بنيي، فنأى بي ذات يوم شجر فأرحت وقد أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، وجئت للخيام قد قمت على رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون من الجوع عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر .. بقي واقفًا حذرًا أن يوقظ أبويه ليبدأ بهما كما هي عادته، يقول لعل هذا الأفضل لكن لا أريد أن أزعجهما أبدأ إذًا بالصبية الصغار وهم يتضاغون يصيحون جوعًا، إذًا: أبدأ بهما قبل أبوي، عاش هكذا مهلة أتى الصباح، وهذا من تمام تبجيله وتقديره لحق الأبوين على أولاده الصغار، لذلك قال: فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، قال: فاللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، فانزاحت الصخرة شيئًا قليلًا، لكن لا يستطيعون الخروج. حتى قام الرجل الثاني، فقال: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت منها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، قال: فتعبت حتى جمعت لها مائة دينار، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، وقمت عنها وتركت لها مائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا كربة، فانزاحت الصخرة أيضًا شيئًا قليلًا، ولكن لا يستطيعون الخروج. يرون آيات الله واستجابة الله لدعاء عباده الصالحين ... ولكن لما تتم المعجزة بعد حتى يقوم الرجل الثالث ليقول: اللهم إن كنت تعلم إني استأجرت أجيرًا على فرق من أرز، يعني: شيء من أرز، فلما قضى عمله عرضت عليه فرقه فلبث عنده. قال: فلم أزل أزرع هذا الفرق حتى جمعت بقرًا ورعائها، ثم جاءني بعد زمن طويل .. سنين عديدة، والظاهر أن الرجل ألمت به مصيبة أو أصاب قومه جوع، فتذكر أن له عند ذلك الرجل صاحب المزرعة فرق من أرز، فذهب إليه وقال له: يا عبد الله! أعطني حقي، قال: انظر إلى تلك البقر فاذهب وخذها، قال: يا عبد الله! اتق الله ولا تستهزئ بي، إنما لي عندك فرق من أرز، قال: اذهب وخذها فإنما تلك البقر من ذاك الفرق، فذهب فساقها، فاللهم إن كنت تعلم

أنني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما بقي، ففرج الله عنهم ما بقي وانزاحت الصخرة فخرجوا يتمشون. هذا دليل التوسل الثابت وهو توسل المتوسل إلى الله بعمل صالح توفر فيه الشرطان اللذان سبق ذكرهما في كلمتي الأولى وهي صالح وأنكم ترون الرجل الأول يعنى بخدمة أبيه أكثر من أولاده، والرجل الثاني اشتهى الزنا بالمرأة الغريبة عنه، فلما ذكرته بالله تذكر وانتهى، وذاك الرجل الغني لم يطمع بالرغم أنه استغل ذلك الفرق فجمع منه مالًا كثيرًا فلم يستغل هذا المال لصالح نفسه، بل أعاده إلى صاحب الأصل ألا وهو الفرق، فهذه بلا شك أعمال صالحة جليلة، ثم قالوا في توسلهم: إن كنت تعلم أننا فعلنا ذلك ابتغاء مرضاة الله، وهذا هو الإخلاص، ولذلك استجاب الله لهم وأنقذهم من ذلك الضيق الذي ألم بهم لا يقدر على

تفريج كربهم هذا إلا الله تبارك وتعالى. أما غير هذه التوسلات الأربعة: التوسل باسم من أسماء الله، أو بصفة من صفات الله، أو بعمل الداعي الصالح، أو التوسل بدعاء الرجل الصالح، ما سوى ذلك من التوسلات فكلها من محدثات الأمور، وطالما سمعتم قول الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض خطبه: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» وشر البدع ما كان منها يؤدي إلى إشراك بالله تبارك وتعالى. وبعض هذه التوسلات المبتدعة غير مشروعة كثيرًا ما يختلط بها ما هو الشرك الأكبر، كقولهم: اللهم إني أسألك بحق فلان وبحق فلان .. بجاه نبيك أو بنحو ذلك؛ لأن هذا التوسل يُشعر أن هذا المُتوسِل يعتقد أن المتوسَّل به له تأثير على الله عز وجل، وأن الله ليس يفعل ما يشاء كما نص القرآن .. إن الله عز وجل يفعل ما يشاء: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (الإنسان: 30) بل بعض هؤلاء المتوسلين يشعرون أنفسهم بأن لصاحب الجاه تأثيرًا على الخالق للناس أجمعين، والدليل على ذلك كما جربنا كثيرًا وناقشنا فيهم أي: العامة وبعض الخاصة، يقولون في إنكارهم علينا حينما ننكر عليهم التوسل المبتدع بغير هذه التوسلات الأربعة، يقولون يضربون مثلًا وبئس المثل: أليس إذا كان لأحدنا حاجة عند ملك أو وزير أو أمير أنه لا بد من أن يقدم إليه واسطة لنقضي حاجتنا، نقول: نعم هكذا الناس، ولكن هل هذا مدح لذاك الأمير أو الوزير أو الملك أم هو قدح؟ فكنا نقول: ما رأيك في عمر بن الخطاب الذي ضرب به الكفار مثلًا للحاكم العادل فسموه: بالحاكم الديمقراطي زعموا لعدالته في شعبه، فهل كان عمر أهدى سبيلًا من هؤلاء الأمراء الذين تضرب المثل بهم لله

[235] باب حكم التوسل بالمخلوق

تبارك وتعالى فتقولون: كما أننا نتوسل إلى هؤلاء بالواسطة فنحن أيضًا نتوسل إلى الله بالواسطة، ما رأيكم عمر خير أم هؤلاء الذين لا يقضون الحاجة إلا بواسطة، مساكين ضالين تائهين لا يعرفون ما يليق بالله عز وجل وما لا يليق كان، فما يسعهم إلا أن يقولوا: عمر بن الخطاب خير من هؤلاء الأمراء الذين لا يصلون إليهم إلا بالوساطة. فنقول حينئًذ: اتقوا الله عز وجل، لو أنكم شبهتم رب العالمين بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب لكفرتم؛ لأن الله يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11) فكيف وأنتم قد أبيتم أن تشبهوا الله بالأمير العادل والتشبيه هذا كفر حتى شبهتموه بالظَلَمة من الحكام والأمراء، أفلا تتقون؟! إذا اقترن بالتوسل هذا المعنى وهو شرك في الربوبية وليس فقط بالعبادة، أما إذا تعرى التوسل عن هذا التشبيه للخالق بالمخلوقين فهو بدعة وكفى بذلك تحذيرًا كما سمعتم آنفًا من قوله عليه السلام: «وإياكم ومحدثات الأمور ... » إلى آخر الحديث. "رحلة النور" (ب42/ 00:08:32) [235] باب حكم التوسل بالمخلوق سؤال: فضيلة الوالد حفظكم الله، ما حكم الصلاة خلف بعض الأئمة الذين تقع منهم أعمال شركية، كسؤال الله بجاه النبي، وما شابه ذلك، وجزاكم الله خيرًا. الشيخ: تكلمنا عن هذه المسألة في بعض المجالس. أولًا: لا يجوز المبادرة إلى تكفير بعض أهل البدع لمجرد وقوعهم في شيء

منها قبل أن تقام حجة العلماء عليهم، لما عُرِف من قواعد الشريعة أن الكفار كفرًا بواحًا لا نحكم لهم بنار إلا بعد أن تقوم حجة الله عليهم، كما في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: 15) وكما في قوله عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» فإذًا: الذي يدخل النار هو الذي تبلغه الحجة، ورسالة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم لا يُؤمن بها، على هذا علماء المسلمين قاطبة، ولذلك فالسلف الصالح في عقائدهم التي ورثها الخلف عنهم يقولون بصحة الصلاة وراء كل بر وفاجر وبالصلاة على الميت سواء كان برًا أو كان فاجرًا، ولا يكفرون من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله إلا بعد أن تقام حجة الله عليه، إذا عرفنا هذه الحقيقة ورأينا بعض الطوائف الإسلامية قد وقعوا في بدع شركية محضة لا مجال لأن تفسر بغير الشرك، فلا يجوز المبادرة إلى التكفير إلا بعد إقامة الحجة. وأنا أعتقد أن الحجة بالنسبة لكثير من الناس وبخاصة منهم الأعاجم الذين لا يفقهون اللغة العربية، وبخاصة منهم الذين لم يسبق أن هدوا هم أو آباؤهم إلى الإسلام كالأوروبيين والأمريكيين ونحوهم، فهؤلاء ليس من السهل أن يقال: قد أقيمت حجة الله عليهم فهذا هو كلام الله يتلى عليهم ليلًا نهارًا، أنتم تعلمون أن كثيرًا من العرب المسلمين لا يفهمون كلام رب العالمين، فكيف نظن بالأعاجم الكفار، أما هم فهموا القرآن وقامت حجة الله عليهم، هذا أولًا. وثانيًا: أن بعض البدع ليست شركًا، وإنما يمكن اعتبارها خطئًا أو ضلالًا أو بدعة؛ لأن الشرك أمر عظيم كما قال ربنا في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ

يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48) والمثال السابق الوارد في السؤال وهو: يتوسلون بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، هذا بلا شك خطأ مخالف للسنة، وهذا له بحث طويل ... [التوسل] بالمخلوق كما كنا نسمع هذا كثيرًا في بلادنا السورية، ولنا مجادلات ومناقشات مع بعض المبتدعة الضالة، فكان أحدهم يعادل القضية بعقله الأعوج المنحرف، فيقول: الإنسان إذا كان له حاجة عند أمير أو وزير، هل يأتيه ويطلب منه حاجته أن يقضيها أم يدخل بينه وبين ذلك الأمير واسطة، فكنا نقول لهم: نعم، لا بد من واسطة، لكن ما رأيك الذي ليس بحاجة للواسطة ويقبل ويفتح بابه لكل الناس أن يخاطبوه وجهًا لوجه، وألا يدخلوا واسطة بينه وبينهم، هل هذا أفضل عندك أم الأمير الذي لا بد من واسطة؟ يفكر قليلًا المسكين ويتبع لضلاله على تردد، لكن لا يسعه أن يقول خاصة حينما أُذَكِّره بعمر بن الخطاب الذي أطلق عليه بعض المعاصرين وكذب: إنه أول ديمقراطي في الإسلام، وهم يعنون بالديمقراطية كما تعرفون: العدالة، عمر بن الخطاب هو أول ديمقراطي بزعمهم، أما أبو بكر وأما الرسول الذي رباهم فلم يكن أول ديمقراطي في حد تعبيره. الشاهد: فحينما نُذَكِّر هؤلاء الضالين بأن عمر بن الخطاب كان يأتيه البدوي ويقول له: يا عمر حاجتي كذا وكذا، ماذا ترى؟ هذا أفضل وإلا هذا الأمير الذي ضربتَ به المثل؟ فلا يسعه إلا أن يقول: إن عمر أفضل، فنقول لهم: يا مساكين يا ويلكم لقد شبهتم رب العالمين بالأمراء الضالين وأبيتم أن تشبهوه بعمر العادل الحكيم، ولو أنكم شبهتموه لكنتم في ضلال مبين؛ لأن الله يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى: 11) فكيف وأبيتم أن تشبهوه بعمر وشبهتموه بالضللة، ألا يكفيكم هذا تنبيهًا في ضلالكم في توسلكم إلى الله بالنبي عليه

[236] باب مشروعية التوسل بأسماء الله تعالى، وحرمة التوسل بحق فلان وجاه فلان

الصلاة والسلام، فضلًا عن توسلكم بمن دونه مقامًا ومنزلًة فيسقط في أيديهم كما يقال. هذا النوع لا شك فيه أنه شرك أكبر، لكن هناك نوع من التوسل ليس من هذا القبيل إطلاقًا، فقد جاء عن بعض المعروفين بتمسكهم بالكتاب والسنة أنهم جوزوا التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقط دون كل الأنبياء .. دون كل المخلوقات، تمسكوا بحديث الضرير منهم العز بن عبد السلام، منهم الإمام الشوكاني الذي خالف مذهبه مذهب الزيدية وارتمى إلى الكتاب والسنة ولم يرض بديلهما شيئًا آخر، بل قد روي عن الإمام أحمد إمام السنة أنه قال بالتوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقوفًا منه عند ظاهر حديث الضرير، فهل نقول في هذا النوع الثاني ممن أجاز التوسل وإن كنا لا ندين الله به أنهم ... الشرك أو وقعوا فيه؟ الجواب: لا، إذًا: التوسل بالمخلوقات له حالتان: من توسل مشبهًا الخالق بالمخلوق فهو الكفر بعينه. ومن توسل ظانًا منه أن هذا عليه دليل، هو حديث الأعمى فيخطَّأ ولا يُضلل، فكيف يُكفر، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا هادين مهتدين، غير ضالين ولا مفتونين .. "رحلة النور" (29أ/00:40:26) (29ب/00: 00: 00) [236] باب مشروعية التوسل بأسماء الله تعالى، وحرمة التوسل بحق فلان وجاه فلان [سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رجلا يقول في تشهده]: «اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك

المنان، يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار. فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه: «تدرون بما دعا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم (وفي رواية: الأعظم) الذي إذا دعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى». [صححه الإمام ثم قال]: فيه مشروعية التوسل إلى الله تعالى بأسماء الله تعالى الحسنى وصفاته, وهو ما أمر الله تعالى به في قوله: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف: 18)؛ ولا سيما الاسم الأعظم. وقد اتفق العلماء على ذلك؛ لهذا الحديث وما في معناه. وإن ما يؤسف له أن ترى الناس اليوم-وفيهم كثير من الخاصة-لا تكاد تسمع أحداً منهم يتوسل بأسماء الله تعالى؛ بل إنهم على العكس من ذلك يتوسلون بما لم يأت به كتاب ولا سنة, ولم يعرف عن السالفين من الأئمة؛ كقولهم: أسألك بحق فلان, أو جاه فلان, أو حرمة فلان! وقد يحتج أولئك على علمهم هذا بأحاديث بعضها صحيح-كحديث الأعمى, وإن تكلم فيه بعض المتأخرين, فالصواب ما قلناه-, ولكنه لا يدل على ما زعموه-كما بين ذلك العلماء المحققون-؛ والبعض الآخر ضعيف لا يصح, وفيها كثير من الموضوعات؛ كحديث: «لما أذنب آدم عليه الصلاة والسلام ... , وفيه قال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي. كما بينت ذلك في تعليقي على «المعجم الصغير» (2/ 148) , [و «السلسلة الضعيفة» (رقم 25)].

ولا أريد التوسع في ذلك الآن, وإنما أردت أن ألفت نظر المسلم البصير في دينه إلى ما يفعله الإحداث في الدين من صرف الناس عن الصحيح الثابت عن سيد المرسلين, وذك مصداق قول بعض الصحابة رضي الله عنهم: "ما أُحدث بدعه إلا وأُميتت سنة". ومما يتعجب منه أن أكثر علماءنا المتأخرين لا يجيزون لأحدهم مخالفة المذهب, ولو كان معه دليل صريح من الكتاب والسنة! ثم هم يخالفون المذهب بتجويزهم لذلك التوسل المبتدع بدون أي دليل صريح من الكتاب والسنة الصحيحة! أقول: إنهم يخالفون المذهب؛ لأنه قد جاءت نصوص صريحة عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأصحابه في المنع مما أجازوا؛ فقال أبو حنيفة رضي الله عنه: «أكره أن يسأل الله تعالى إلا به».وكذا قال أبو يوسف, وزاد: «وأكره أن يقول: بحق فلان, أو بحق أنبيائك ورسلك». وكُتب المتون مليئة بهذا المعنى. والكراهة إذا أطلقت؛ فهي للتحريم-كما هو معروف عند علمائنا-وقال القُدُوري: «المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للخلق على الخالق؛ فلا تجوز وفاقاً». فإذن المسألة متفق عليها بين علمائنا, فما بال المنتسبين إلى أبي حنيفة اليوم ينبزون بشتى الألقاب مَن ذهب هذا المذهب الصحيح؛ الموافق للكتاب والسنة, وعمل السلف الصالح رضي الله عنهم؟! وصدق الله العظيم: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}. "أصل صفة الصلاة" (3/ 1019 - 1021)

[237] باب حرمة التوسل بحق الأنبياء وجاههم وذكر بعض من خالف في ذلك

[237] باب حرمة التوسل بحق الأنبياء وجاههم وذكر بعض من خالف في ذلك [وصف أبوغدة شارحَ الطحاوية بالإمامة، فأراد الإمام الألباني إلزامه ببعض أهم المسائل العقدية التي قررها الشارح في عقيدته والتي يعلم الشيخ الألباني إنكار أبي غدة أو شيخه الكوثري لها فقال الإمام]: قلت: فإذا كان أبو غدة مؤمناً حقاً بهذه الإمامة الملموسة المشهورة فأنا أختار له من كلام هذا الإمام سبع مسائل, فإن أجاب عنها بما يوافق ما ذهب إليه هذا الإمام المشهور من قلبٍ مخلصٍ فذلك ما نرجوه, وأعتذر إليه من إساءة الظن به, وإن كانت الأخرى فذلك مما يؤيد-مع الأسف- ما رميته به من المداراة. [فذكر ست مسائل ثم قال]: المسألة السابعة: ذهب شارح الطحاوية (ص 236 - 239) تبعاً لإمامه أبي حنيفة وصاحبيه إلى كراهة التوسل بحق الأنبياء وجاههم. وهذا مما خالف فيه الكوثري إمامه أبا حنيفة رحمه الله تعالى, اتباعاً لأهواء العامة, ونكاية بأهل السنة. كما يعلم ذلك من اطلع على رسالة "محق التوسل" وغيرها. وقد كنت بينت شيئاً من تعصبه واتباعه لهواه في محاولته تقويته إسناد حديث في التوسل فيه من هو ضعيف عنده, كما هو مشروح في الجزء الأول من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" رقم (24) , فليراجعه من شاء. قلت: فهذه سبع مسائل هامة, كلها في العقيدة, إلا الأخيرة منها, قد وجهتها إلى أبي غدة الذي تظاهر بالثناء على شارح "الطحاوية" ووصفه بأنه صاحب "إمامة ملموسة مشهورة", فإذا أجاب بمتابعته له فيها-وهذا ما استبعده على

[238] باب حرمة التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

كوثريته-فالحمد لله. وإن خالفه فيها, وظل على كوثريته. فقد تبين للناس-إن شاء الله تعالى-أن ثناءه على شارح "الطحاوية" (الإمام) , لم يكن عن اعتقاد وثقة به كما زعم, وإنما ليتخذه سلماً للطعن, بمخرج أحاديثه, وإلا كيف ساغ له أن يسكت عن الشارح في هذه الأخطاء بل الضلالات السبع بزعمه تبعاً لشيخه الكوثري, وعن أخطائه الأخرى الحديثية التي سبقت الإشارة إلى أنواع منها, وينتقدني شاكياً إلى بعض رؤسائه أو المسؤولين هناك-في أمور-لو صح نقده فيها-لا تكاد تذكر تجاه تلك, كماً ولا كيفاً؟! "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 59 - 60). [238] باب حرمة التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال يوسف النبهاني في آخر مقدمة «الفتح الكبير»: «وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم، بجاه نبيه الرؤوف الرحيم ... » فعلَّق الإمام قائلاً]: قلت: هذا التوسل غير مشروع، وليس غريباً صدوره من مثل النبهاني وهو الذي يجيز ما هو شر منه ألا وهو الاستغاثة بالأموات، وقد أفصح بنحو ذلك في قوله الآتي: «وأن يحشرني مع مؤلفه في زمرة المقبولين عنده وعند نبيه»، فلم يكفه المسكين أن يطلب من الله أن يكون عنده وحده من المقبولين حتى قرن معه تعالى نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد قال في مثل هذا المقام «أجعلتني لله ندا؟!» فالله المستعان. وقد أنكر هذا التوسل الإمام أبو حنفية وغيره من الأئمة, فمن أراد تحقيق القول في ذلك، فعليه بكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة»، فإنه أجمع كتاب في موضوعه، وأكثره علماً، وفائدةً وتحقيقاً، ولنا بعض تعليقات حول ذلك، في بعض كتبنا، فانظر مثلاً «سلسلة الأحاديث

[239] باب حكم التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

الضعيفة» (ج1 ص 32 - 47 طبع المكتب الإسلامي) فقد أوردنا هناك قول الإمام أبي حنفية، وبعض الأحاديث الواهية الموضوعية، التي يحتج بها أمثال النبهاني. "صحيح الجامع الصغير" (1/ 37) [239] باب حكم التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - السؤال: الجاه، الاستعانة بجاه النبي عليه السلام هل يجوز أو لا يجوز؟ الشيخ: يعني أن يقول القائل: يا رب! أسألك بجاه محمد أن تغفر لي مثلاً. مداخلة: نعم. الشيخ: لا ما يجوز؛ لأن كل شيء يتعلق بالمخلوق فهو مخلوق، والتوسل إلى الله بمخلوق لا يجوز، فالله أكبر من ذلك، لكن يتوسل الإنسان بما ثبت في الشرع ولا يزيد على ذلك أبداً. تجد الناس كل الناس وفيهم بعض الخاصة بعض أهل العلم والمشايخ يلهجون في دعواتهم السؤال بجاه محمد، بحق محمد، هل سمعت أحدهم يلهج بالتوسل إلى الله باسم من أسماء الله أو بصفة من صفاته؟ الجواب: لا. مداخلة: أنا حقيقة سمعت كثير. الشيخ: الجواب: لا. كيف سمعت كثير، اعطني شيخ يتوسل عندما يدعي لعامة الناس في المسجد يقول: أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد. مداخلة: أنا بصراحة سمعت هذا الدعاء أكثر من مرة من واحد ...

[240] باب هل يجوز التوسل بأعمال الغير الصالحة؟

الشيخ: لك يا أخي الله يهديك سمعته من واحد، هذا لا يخرق القاعدة الذي نتكلم عنها. مداخلة: لا، لا يخرق القاعدة صحيح. الشيخ: سبحان الله، نحن لم نحكم على أهل السنة بالإعدام، نقول هؤلاء قلة، يعني نحن نقول أنهم بدلاً من أن يلهجوا بالشيء المشهور والثابت في السنة، يلهجوا بالشيء المهجور غير الثابت في السنة، يعني يحققوا الآية التي أنزلها الله في حق اليهود: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} (البقرة: 61)، هذا هو الاستبدال. "الهدى والنور" (227/ 0056: 50: 00) [240] باب هل يجوز التوسل بأعمال الغير الصالحة؟ سؤال: مثلاً أنا لو قلت: اللهم إني أتوسل إليك مثلاً في محبتي للشيخ ناصر، أو اللهم إني أتوسل إليك مثلاً في أعمال الشيخ ناصر، يجوز هذا؟ الشيخ: لا، لا يجوز؛ لأن الشيخ ناصر هو فرد من أفراد الأمة .. لكن لو قلت: أتوسل إليك بحبي لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فهذا يجوز؛ لأنه مقطوع به، نعم. مداخلة: لو قلت: اللهم إني أتوسل إليك بأعمال الشيخ ابن تيمية الصالحة، ... هل يجوز هذا التوسل؟ الشيخ: أقول لك الآن، كما لو قلت: أتوسل إليك يا رب بأعمال رسول الله هكذا؟ مداخلة: ممكن؟ الشيخ: أقول: سؤالك هكذا؟

مداخلة: نعم. الشيخ: لا، لا يمكن. مداخلة: بالمحبة لله؟ الشيخ: المحبة تتعلق بك فيجوز؛ لأن هذا عمل صالح. مداخلة: الشيء اللي أعمله أنا أتوسل به. الشيخ: نعم. مداخلة: أما الشيخ ابن تيمية لا أعلم أعماله أنا، ظاهره طيب! ولكن باطنه لا أعلمه. الشيخ: لا لا، أريد أن أقول: هناك فرق بين أن تتوسل بشيء يتعلق بك تتقرب به إلى الله فهو توسل بعمل صالح، أما أن تتوسل بعمل صالح لفلان هذا يخالف قوله تعالى: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} (فاطر: 18) هذا العمل الصالح هو لصالح ذاك الذي عمله لنفسه، وأنت لا تستفيد منه شيئاً، لو توسلت بأعمال الأنبياء والرسل والصالحين جمعياً ما يفيدك هذا شيئاً .. لكن بعملك الصالح .. بمحبتك لله .. بمحبتك لرسوله .. باتباعك إياه هذا هو التوسل بالعمل الصالح أما عمل غيرك فهذا لا يمكن. مداخلة: وهل يجوز التوسل بمحبة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ الشيخ: نعم. مداخلة: وهل يجوز أن يتوسل بمحبة الله والصالحين، سواء أحياء أو أموات؟ الشيخ: إذا كانوا صالحين يجوز، لكن لا تعين شخصاً لأن المسألة فيها دقة، إذا أطلقت كما فعلت أخيراً فلا بأس. "الهدى والنور" (87/: 00:47:20)

[241] باب هل يجوز التوسل بقول القائل: اللهم انصر هذه الأمة إكراما لمحمد؟

[241] باب هل يجوز التوسل بقول القائل: اللهم انصر هذه الأمة إكراماً لمحمد؟ مداخلة: يقول: بعضهم اللهم انصر هذه الأمة إكراماً لمحمد. وأنا أعرف أن التوسل المشروع قد يكون بصالح الأعمال, «فهل هذا جائز»؟ الشيخ: هذا وإن كان غير وارد فهو لا يدخل في نوع التوسل بالمخلوق وإنما هو يدخل في موضوع التوسل بصفة من صفات الله تبارك وتعالى، وهذا المعنى هو الذي قيل في حديث على فرض صحته ... «اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا»، فاستدل به بعض المبتدعة على جواز التوسل المبتدع، فكان الرد عليهم من وجهين أو من ناحيتين: الأولى: أن الحديث ضعيف لا يصح. والأخرى أنه لو صح فإنما هو توسل باستجابة الله عز وجل ويعود الحديث حينذاك إلى أنه توسل بصفة من صفات الله، فكذلك يقال في هذه الجملة وإن كانت غير مأثورة. مداخلة: يعني لو قال واحد اللهم انصر هذه الأمة إكراماً لهذه الأمة لا ننكر عليه. الشيخ: لا ننكر عليه، كما لو قلنا بمحبتك لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ونحو ذلك، لكن قد يكون الإنكار من جهة أخرى قد لا يفيد إذا كان المتوسل مبطئاً في العمل، من هذه الناحية فقط يمكن إلفات النظر، أما من حيث العبارة نفسها فلا غبار عليها. " الهدى والنور" (437/ 01: 01: 00)

[242] باب ذكر جملة من شبهات المجوزين للتوسل الممنوع والرد عليها

[242] باب ذكر جملة من شبهات المجوزين للتوسل الممنوع والرد عليها [قال الإمام]: يورد المخالفون في هذا الموضوع [أي موضوع التوسل] بعض الاعتراضات والشبهات، ليدعوا رأيهم الخاطئ، ويوهموا العامة بصحته، ويلبسوا الأمر عليهم، وأعرض فيما يلي هذه الشبهات واحدة إثر واحدة، وأرد عليها رداً علمياً مقنعاً إن شاء الله، بما يقرر ما بينته في الفصل السابق وينسجم معه، ويقنع كل مخلص منصف، ويدحض كل افتراء علينا بالباطل، وبالله تعالى وحده التوفيق، وهو المستعان. الشبهة الأولى: حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما: يحتجون على جواز التوسل بجاه الأشخاص وحرمتهم وحقهم بحديث انس السابق: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قَحَطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون). فيفهمون من هذا الحديث أن توسل عمر رضي الله عنه إنما كان بجاه العباس رضي الله عنه، ومكانته عند الله سبحانه، وأن توسله كأنه مجرد ذكر منه للعباس في دعائه، وطلب منه لله أن يسقيهم من أجله، وقد أقره الصحابة على ذلك، فأفاد بزعمهم ما يدعون. وأما سبب عدول عمر رضي الله عنه عن التوسل بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بزعمهم-وتوسله بدلاً منه بالعباس رضي الله عنه، فإنما كان لبيان جواز التوسل بالمفضول

مع وجود الفاضل ليس غير. وفهمهم هذا خاطئ، وتفسيرهم هذا مردود من وجوه كثيرة أهمها: 1 - إنّ من القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية أن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضاً، ولا يفهم شيء منها في موضوع ما بمعزل عن بقية النصوص الواردة فيه. وبناء على ذلك فحديث توسل عمر السابق إنما يفهم على ضوء ما ثبت من الروايات والأحاديث الواردة في التوسل بعد جمعها وتحقيقها، ونحن والمخالفون متفقون على أن في كلام عمر: (كنا نتوسل إليك بنبينا .. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا) شيئاً محذوفاً، لا بد له من تقدير، وهذا التقدير إما أن يكون: (كنا نتوسل بـ (جاه) نبينا، وإنا نتوسل إليك بـ (جاه) عم نبينا) على رأيهم هم، أو يكون: (كنا نتوسل إليك بـ (دعاء) نبينا، وإنا نتوسل إليك بـ (دعاء) عم نبينا) على رأينا نحن. ولا بد من الأخذ بواحد من هذين التقديرين ليفهم الكلام بوضوح وجلاء. ولنعرف أي التقديرين صواب لا بد من اللجوء إلى السنة، لتبين لنا طريقة توسل الصحابة الكرام بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ترى هل كانوا إذا أجدبوا وقحَطوا قبع كل منهم في دراه، أو مكان آخر، أو اجتمعوا دون أن يكون معهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم دعوا ربهم قائلين: (اللهم بنبيك محمد، وحرمته عندك، ومكانته لديك اسقنا الغيث).مثلاً أم كانوا يأتون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذاته فعلاً، ويطلبون منه أن يدعو الله تعالى لهم، فيحقق - صلى الله عليه وآله وسلم - طلْبتهم، ويدعو ربه سبحانه، ويتضرع إليه حتى يسقوا؟ أما الأمر الأول فلا وجود له إطلاقاً في السنة النبوية الشريفة، وفي عمل

الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ولا يستطيع أحد من الخلفيين أو الطُّرُقيين ان يأتي بدليل يثبت أن طريقة توسلهم كانت بأن يذكروا في أدعيتهم اسم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويطلبوا من الله بحقه وقدره عنده ما يريدون. بل الذي نجده بكثرة، وتطفح به كتب السنة هو الأمر الثاني، إذ تبين أن طريقة توسل الأصحاب الكرام بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما كانت إذا رغبوا في قضاء حاجة، أو كشف نازلة أن يذهبوا إليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويطلبوا منه مباشرة أن يدعو لهم ربه، أي أنهم كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء الرسول الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس غير. ويرشد إلى ذلك قوله تبارك وتعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} (النساء: 64). ومن أمثلة ذلك ما مر معنا في حديث أنس السابق الذي ذكر فيه مجيء الأعرابي إلى المسجد يوم الجمعة حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخطب، وعرضه له ضنك حالهم، وجدب أرضهم، وهلاك ماشيتهم، وطلبه منه أن يدعو الله سبحانه لينقذهم مما هم فيه، فاستجاب له - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو الذي وصفه ربه بقوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عَنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة: 128 (، فدعا - صلى الله عليه وآله وسلم - لهم ربه، واستجاب سبحانه دعاء نبيه، ورحم عباده ونشر رحمته، وأحياء بلدهم الميت. ومن ذلك أيضاً مجيء الأعرابي السابق نفسه أو غيره إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يخطب الجمعة الثانية، وشكواه له انقطاع الطرقات وتهدم البنيان، وهلاك المواشي، وطلبه منه أن يدعو لهم ربه، ليمسك عنهم الأمطار، وفعل - صلى الله عليه وآله وسلم - فاستجاب له ربه جل شأنه أيضاً.

ومن ذلك ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها حيث قالت: شكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه. قالت: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر وحمد الله، ثم قال: «إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم ... " الحديث، وفيه انه - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا الله سبحانه، وصلى بالناس، فأغاثهم الله تعالى حتى سالت السيول، وانطلقوا إلى بيوتهم مسرعين، فضحك الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى بدت نواجذه، وقال: «أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله ". فهذه الأحاديث وأمثالها مما وقع زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وزمن أصحابه الكرام رضوان الله عليهم تُبين بما لا يقبل الجدال أو الممارة أن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو بالصالحين الذي كان عليه السلف الصالح هو مجيء المتوسل إلى المتوسل به، وعرضه حاله له، وطلبه منه أن يدعو له الله سبحانه، ليحقق طلبه، فيستجيب هذا له، ويستجيب من ثم الله سبحانه وتعالى. 2 - وهذا الذي بيناه من معنى الوسيلة هو المعهود في حياة الناس واستعمالهم، فإنه إذا كانت لإنسان حاجة ما عند مدير أو رئيس أو موظف مثلاً، فإنه يبحث عمن يعرفه ثم يذهب إليه ويكلمه، ويعرض له حاجته فيفعل، وينقل هذا الوسيط رغبته إلى الشخص المسؤول، فيقضيها له غالباً. فهذا هو التوسل المعروف عند العرب منذ القديم، وما يزال، فإذا قال أحدهم: إني توسلت إلى فلان، فإنما يعني أنه ذهب إلى الثاني وكلمه في حاجته، ليحدث بها الأول، ويطلب منه قضاءها، ولا يفهم أحد من ذلك أنه ذهب إلى الأول وقال له: بحق فلان (الوسيط) عندك، ومنزلته لديك اقض لي حاجتي.

وهكذا فالتوسل إلى الله عز وجل بالرجل الصالح ليس معناه التوسل بذاته وبجاهه وبحقه، بل هو التوسل بدعائه وتضرعه واستغاثته به سبحانه وتعالى، وهذا هو بالتالي معنى قول عمر رضي الله عنه: (اللهم إنا منا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا) أي: كنا إذ قل المطر مثلاً نذهب إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ونطلب منه أن يدعو لنا الله جل شأنه. 3 - ويؤكد هذا ويوضحه تمام قول عمر رضي الله عنه: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، أي إننا بعد وفاة نبينا جئنا بالعباس عم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وطلبنا منه أن يدعو لنا ربنا سبحانه ليغيثنا. تُرى لماذا عدل عمر رضي الله عنه عن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه، مع العلم أن العباس مهما كان شأنه ومقامه فإنه لا يذكر أمام شأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومقامه؟ أما الجواب برأينا فهو: لأن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غير ممكن بعد وفاته، فأنى لهم أن يذهبوا إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - ويشرحوا له حالهم، ويطلبوا منه أن يدعو لهم، ويؤمنوا على دعائه، وهو قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، وأضحى في حال يختلف عن حال الدنيا وظروفها مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فأنى لهم أن يحظوا بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - وشفاعته فيهم، وبينهم وبينه كما قال الله عز شأنه: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} (المؤمنون: 100 (. ولذلك لجأ عمر رضي الله عنه، وهو العربي الأصيل الذي صحب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولازمه في أكثر أحواله، وعرفه حق المعرفة، وفهم دينه حق الفهم، ووافقه القرآن في مواضع عدة، لجأ إلى توسل ممكن فاختار العباس رضي الله عنه،

لقرابته من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من ناحية، ولصلاحه ودينه وتقواه من ناحية أخرى، وطلب منه أن يدعو لهم بالغيث والسقيا. وما كان لعمر ولا لغير عمر أن يدع التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويلجأ إلى التوسل بالعباس أو غيره لو كان التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ممكناً، وما كان من المعقول أن يقر الصحابة رضوان الله عليهم عمر على ذلك أبداً، لأن الانصراف عن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى التوسل بغيره ما هو إلا كالانصراف عن الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصلاة إلى الاقتداء بغيره، سواء بسواء، ذلك أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يعرفون قدر نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - ومكانته وفضله معرفة لا يدانيهم فيها أحد، كما نرى ذلك واضحاً في الحديث الذي رواه سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: «أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي بالناس، فأقيم؟ قال: فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن أمكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله عز وجل على ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فصلى ثم انصرف، فقال: «يا أبا بكر: ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ «قال أبو بكر: ما كان لان أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - " فأنت ترى أن الصحابة رضي الله عنهم لم يستسيغوا الاستمرار على الاقتداء بأبي بكر رضي الله عنه في صلاته عندما حضر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، كما أن أبا بكر رضي الله عنه لم تطاوعه نفسه على الثبات في مكانه مع أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - له بذلك، لماذا؟ كل ذلك لتعظيمهم نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم -، وتأدبهم معه، ومعرفتهم حقه وفضله، فإذا كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لم يرتضوا الاقتداء بغير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عندما أمكن ذلك، مع أنهم كانوا بدأوا

الصلاة في غيابه - صلى الله عليه وآله وسلم - عنهم، فكيف يتركون التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - أيضاً بعد وفاته، لو كان ذلك ممكناً، ويلجئون إلى التوسل بغيره؟ وكما لم يقبل أبو بكر أن يؤم المسلمين فمن البديهي أن لا يقبل العباس أيضاً أن يتوسل الناس به، ويدعوا التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لو كان ذلك ممكناً. (تنبيه): وهذا يدل من ناحية أخرى على سخافة تفكير من يزعم أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في قبره حي كحياتنا، لأنه لو كان ذلك كذلك لما كان ثمة وجه مقبول لانصرافهم عن الصلاة وراءه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الصلاة وراء غيره ممن لا يدانيه أبداً في منزلته وفضله. ولا يعترض احد على ما قررته بأنه قد ورد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «أنا في قبري حي طري، من سلم علي سلمت عليه".وأنه يستفاد منه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - حي مثل حياتنا، فإذا توسل به سمعنا واستجاب لنا، فيحصل مقصودنا، وتتحقق رغبتنا، وأنه لا فرق في ذلك بين حاله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته، وبين حاله بعد وفاته أقول: لا يعترض أحد بما سبق لأنه مردود من وجهين: الأول حديثي: وخلاصته أن الحديث المذكور لا أصل له بهذا اللفظ، كما أن لفظة (طري) لا وجود لها في شيء من كتب السنة إطلاقاً، ولكن معناه قد ورد في عدة أحاديث صحيحة، منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي" قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمتَ (قال: يقولون: بَليتَ)، قال: «إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء" ومنها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون" وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مررت ليلة أسري بي على موسى قائماً يصلي في قبره " وقوله: «إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ".

الجواب الثاني فقهي: وفحواه أن حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة، ذلك أن الحياة البرزخية غيب من الغيوب، ولا يدري كنهها إلا الله سبحانه وتعالى، ولكن من الثابت والمعلوم أنها تختلف عن الحياة الدنيوية، ولا تخضع لقوانينها، فالإنسان في الدنيا يأكل ويشرب، ويتنفس ويتزوج، ويتحرك ويتبرز، ويمرض ويتكلم، ولا أحد يستطيع أن يثبت أن أحداً بعد الموت حتى الأنبياء عليهم السلام، وفي مقدمتهم نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - تعرض له هذه الأمور بعد موته. ومما يؤكد هذا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في مسائل كثيرة بعد وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم يخطر في بال أحد منهم الذهاب إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - في قبره، ومشاورته في ذلك، وسؤاله عن الصواب فيها، لماذا؟ إن الأمر واضح جداً، وهو أنهم كلهم يعلمون أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - انقطع عن الحياة الدنيا، ولم تعد تنطبق عليه أحوالها ونواميسها. فرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته حي، أكمل حياة يحياها إنسان في البرزخ، ولكنها حياة لا تشبه حياة الدنيا، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من احد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " وعلى كل حال فإن حقيقتها لا يدريها إلا الله سبحانه وتعالى، ولذلك فلا يجوز قياس الحياة البرزخية أو الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية، كما لا يجوز أن تعطى واحدة منهما أحكام الأخرى، بل لكل منها شكل خاص وحكم معين، ولا تتشابه إلا في الاسم، أما الحقيقة فلا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى. ونعود بعد هذا التنبيه إلى ما كنا فيه من الرد على المخالفين في حديث توسل عمر بالعباس، فنقول: إن تعليلهم لعدول عمر رضي الله عنه عن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه بأنه لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل هو تعليل مضحك وعجيب. إذ كيف يمكن أن يخطر في بال عمر

رضي الله عنه، أو في بال غيره من الصحابة الكرام رضي الله عنهم تلك الحذلقة الفقهية المتأخرة، وهو يرى الناس في حالة شديدة من الضنك والكرب، والشقاء والبؤس، يكادون يموتون جوعاً وعطشاً لشح الماء وهلاك الماشية، وخلو الأرض من الزرع والخضرة حتى سمي ذاك العام بعام الرمادة، كيف يَرِد في خاطره تلك الفلسفة الفقهية في هذا الظرف العصيب، فيدع الأخذ بالوسيلة الكبرى في دعائه، وهي التوسل بالنبي الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم -، لو كان ذلك جائزاً ويأخذ بالوسيلة الصغرى، التي لا تقارن بالأولى، وهي التوسل بالعباس، لماذا؟ لا لشيء إلا ليبين للناس أنه يجوز لهم التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل!! إن الشاهد والمعلوم أن الإنسان إذ حلّت به شدة يلجأ إلى أقوى وسيلة عنده في دفعها، ويدَع الوسائل الأخرى لأوقات الرخاء، وهذا كان يفهمه الجاهليون المشركون أنفسهم، إذ كانوا يَدعون أصنامهم في أوقات اليسر، ويتركونها ويدْعون الله تعالى وحده في اوقات العسر، كما قال تبارك وتعالى: {حتى إذا ركبوا في الفُلْك دعوا الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} (العنكبوت: 265). فنعلم من هذا أن الإنسان بفطرته يستنجد بالقوة العظمى، والوسيلة الكبرى حين الشدائد والفواقر، وقد يلجأ إلى الوسائل الصغرى حين الأمن واليسر، وقد يخطر في باله حينذاك أن يبين ذلك الحكم الفقهي الذي افترضوه، وهو جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل. وأمر آخر نقوله جواباً على شبهة أولئك، وهو: هب أن عمر رضي الله عنه خطر في باله أن يبين ذلك الحكم الفقهي المزعوم، ترى فهل خطر ذلك في بال معاوية والضحاك بن قيس حين توسلا بالتابعي الجليل: يزيد بن الأسود الجُرَشي أيضاً؟ لا شك أن هذا ضرب من

التمحل والتكلف لا يحسدون عليه. 4 - إننا نلاحظ في حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما أمراً جديراً بالانتباه، وهو قوله: «إن عمر بن الخطاب كان إذا قَحطوا، استسقى بالعباس بن عبد المطلب، ففي هذا إشارة إلى تكرار استسقاء عمر بدعاء العباس رضي الله عنهما، ففيه حجة بالغة على الذين يتأولون فعل عمر ذلك أنه إنما ترك التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى التوسل بعمه رضي الله عنه، لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل، فإننا نقول: لو كان الأمر كذلك لفعل عمر ذلك مرة واحدة، ولما استمر عليه كلما استسقى، وهذا بيّن لا يخفى إن شاء الله تعالى على أهل العلم والإنصاف. 5 - لقد فسرت بعض روايات الحديث الصحيحة كلام عمر المذكور وقصده، إذ نقلت دعاء العباس رضي الله عنه استجابة لطلب عمر رضي الله عنه، فمن ذلك ما نقله الحافظ العسقلاني رحمه الله في «الفتح" (3/ 150) حيث قال: (قد بين الزبير بن بكار في «الأنساب" صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: «اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث)، قال: فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس". وفي هذا الحديث: أولاً: التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه لا بذاته كما بينه الزبير بن بكار وغيره، وفي هذا رد واضح على الذين يزعمون أن توسل عمر كان بذات العباس لا بدعائه، إذ لو كان الأمر كذلك لما كان ثمة حاجة ليقوم العباس، فيدعو بعد عمر دعاءً جديداً.

ثانياً: أن عمر صرح بأنهم كانوا يتوسلون بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته، وأنه في هذه الحادثة توسل بعمه العباس، ومما لا شك فيه أن التوسليْن من نوع واحد: توسلهم بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وتوسلهم بالعباس، وإذ تبين للقارئ-مما يأتي-أن توسلهم به - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما كان توسلاً بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - فتكون النتيجة أن توسلهم بالعباس إنما هو توسل بدعائه أيضاً، بضرورة أن التوسليْن من نوع واحد. أما أن توسلهم به - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما كان توسلاً بدعائه، فالدليل على ذلك صريح رواية الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح لهذا الحديث بلفظ: (كانوا إذ قحطوا على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - استسقوا به، فيستسقي لهم، فيسقون، فلما كان في إمارة عمر ... ) فذكر الحديث، نقلته من "الفتح" (2/ 399)، فقوله: (فيستسقي لهم) صريح في أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يطلب لهم السقيا من الله تعالى ففي "النهاية" لابن الأثير: "الاستسقاء، استفعال من طلب السقيا أي إنزال الغيث على البلاد والعباد، يقال: سقى الله عباده الغيث وأسقاهم، والاسم السقيا بالضم، واستقيت فلاناً إذا طلبت منه أن يسقيك". إذا تبين هذا، فقوله في هذه الرواية (استسقوا به) أي بدعائه، وكذلك قوله في الرواية الأولى: (كنا نتوسل إليك بنبينا)، أي بدعائه، لا يمكن أن يفهم من مجموع رواية الحديث إلا هذا. ويؤيده: ثالثاً: لو كان توسل عمر إنما هو بذات العباس أو جاهه عند الله تعالى، لما ترك التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا المعنى، لأن هذا ممكن لو كان مشروعاً، فعدول عمر عن هذه إلى التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه أكبر دليل على أن عمر والصحابة الذين كانوا معه كانوا لا يرون التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعلى هذا جرى عمل السلف من بعدهم، كما رأيت في توسل معاوية بن أبي سفيان والضحاك ابن

قيس بيزيد بن الأسود الجرشي، وفيهما بيان دعائه بصراحة وجلاء. فهل يجوز أن يجمع هؤلاء كلهم على ترك التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - لو كان جائزاً، سيّما والمخالفون يزعمون أنه أفضل من التوسل بدعاء العباس وغيره؟! اللهم إن ذلك غير جائز ولا معقول، بل إن هذا الإجماع منهم من أكبر الأدلة على أن التوسل المذكور غير مشروع عندهم، فإنهم أسمى من أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير! اعتراض ورده: وأما جواب صاحب "مصباح الزجاجة في فوائد قضاء الحاجة" عن ترك عمر التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله (ص25): "إن عمر لم يبلغه حديث توسل الضرير، ولو بلغه لتوسل به". فهو جواب باطل من وجوه: الأول: أن حديث الضرير إنما يدل على ما دل عليه توسل عمر هذا من التوسل بالدعاء لا بالذات، كما سبق ويأتي بيانه. الثاني: أن توسل عمر لم يكن سراً، بل كان جهراً على رؤوس الأشهاد، وفيهم كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فإذا جاز أن يخفى الحديث على عمر، فهل يجوز أن يخفى على جميع الموجودين مع عمر من الصحابة؟! الثالث: أن عمر-كما سبق-كان يكرر هذا التوسل كلما نزل بأهل المدينة خطر، أو كلما دعي للاستسقاء كما يدل على ذلك لفظ (كان) في حديث أنس السابق (أن عمر كان إذا قحَطوا استسقى بالعباس) وكذلك روى ابن عباس عن عمر كما ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" (3/ 98)، فإذا جاز أن يخفى ذلك

عليه أول مرة، أفيجوز أن يستمر على الجهل به كلما استسقى بالعباس، وعنده المهاجرون والأنصار، وهم سكوت لا يقدمون اليه ما عندهم من العلم بحديث الضرير؟! اللهم إن هذا الجواب ليتضمن رمي الصحابة جميعهم بالجهل بحديث الضرير مطلقاً، أو على الأقل بدلالته على جواز التوسل بالذات، والأول باطل لا يخفى بطلانه، والثاني حق فإن الصحابة لو كانوا يعلمون أن حديث الضرير يدل على التوسل المزعوم لما عدلوا عن التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى التوسل بدعاء العباس كما سبق. رابعاً: أن عمر ليس هو وحده الذي عدل عن التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى التوسل بالدعاء، بل تابعه على ذلك معاوية بن أبي سفيان فإنه أيضاً عدل إلى التوسل بدعاء يزيد بن الأسود، ولم يتوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - وعنده جماعة من الصحابة وأجلاء التابعين، فهل يقال أيضاً إن معاوية ومن معه لم يكونوا يعلمون بحديث الضرير؟ وقل نحو ذلك في توسل الضحاك بن قيس بيزيد هذا أيضاً. ثم أجاب صاحب المصباح بجواب آخر، وتبعه من لم يوفق من المتعصبين المخالفين فقال: "إن عمر أراد بالتوسل بالعباس الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في إكرام العباس وإجلاله، وقد جاء هذا صريحاً عن عمر، فروى الزبير بن بكار في "الأنساب" من طريق داود بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: "استسقى عمر ابن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب، فخطب عمر فقال: إن رسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد، فاقتدوا أيها الناس برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، واتخذوه وسيلة إلى الله ... " ورواه البلاذري من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه به".

والجواب من وجوه أيضاً: الأول: عدم التسليم بصحة هذه الرواية، فإنها من طريق داود ابن عطاء وهو المدني، وهو ضعيف كما في "التقريب"، ومن طريق الزبير بن بكار عنه رواه الحاكم (3/ 334) وسكت عنه، وتعقبه الذهبي بقوله: (داود متروك) قلت: والرواي عنه ساعدة بن عبيد الله المزني لم أجد من ترجمه، ثم إن في السند اضطراباً، فقد رواه-كما رأيت-هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فقال: (عن أبيه) بدل ابن عمر، لكن هشاماً أوثق من داود، إلا أننا لم نقف على سياقه، لننظر هل فيه مخالفة لسياق داود هذا أم لا؟ ولا تغتر بقولهم في "المصباح" عقب هذا الإسناد: (به) المفيد أن السياق واحد، فإن عمدته فيما نقله عن البلاذري إنما هو "فتح الباري" وهو لم يقل: (به).انظر "الفتح" (2/ 399). الثاني: لو صحت هذه الرواية، فهي إنما تدل على السبب الذي من أجله توسل عمر بالعباس دون غيره من الصحابة الحاضرين حينذاك، وأما أن تدل على جواز الرغبة عن التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - لو كان جائزاً عندهم-إلى التوسل بالعباس أي بذاته فكلا، ثم كلا، لأننا نعلم بالبداهة والضرورة-كما قال بعضهم-أنه لو أصاب جماعة من الناس قحط شديد، وأرادوا أن يتوسلوا بأحدهم لما أمكن أن يعدلوا عمن دعاؤه أقرب إلى الإجابة، وإلى رحمة الله سبحانه وتعالى، ولو أن إنساناً أصيب بمكروه فادح، وكان أمامه نبي، وآخر غير نبي، وأراد أن يطلب الدعاء من أحدهما لما طلبه إلا من النبي، ولو طلبه من غير النبي، وترك النبي لعد من الآثمين الجاهلين، فكيف يظن بعمر ومن معه من الصحابة أن يعدلوا عن التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى التوسل بغيره، لو كان التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - جائزاً، فكيف وهو أفضل عند المخالفين من التوسل بدعاء العباس وغيره من الصالحين؟! لا سيما

وقد تكرر ذلك منهم مراراً كما سبق، وهم لا يتوسلون به - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا مرة واحدة، واستمر الأمر كذلك، فلم ينقل عن أحد منهم خلاف ما صنع عمر، بل صح عن معاوية ومن معه ما يوافق صنيعه حيث توسلوا بدعاء يزيد بن الأسود، وهو تابعي جليل، فهل يصح أن يقال: إن التوسل به كان اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! الحق أقول: إن جريان عمل الصحابة على ترك التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - عند نزول الشدائد بهم -بعد أن كانوا لا يتوسلون بغيره - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته-لهو أكبر الأدلة الواضحة على أن التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - غير مشروع، وإلا لنقل ذلك عنهم من طرق كثيرة في حوادث متعددة، ألا ترى إلى هؤلاء المخالفين كيف يلهجون بالتوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - لأدنى مناسبة لظنهم أنه مشروع، فلو كان الأمر كذلك لنُقِل مثله عن الصحابة، مع العلم أنهم أشد تعظيماً ومحبة له - صلى الله عليه وآله وسلم - من هؤلاء، فكيف ولم يُنقل عنهم ذلك ولا مرة واحدة، بل صح عنهم الرغبة عنه إلى التوسل بدعاء الصالحين؟! الشبهة الثانية: حديث الضرير: بعد أن فرغنا من تحقيق الكلام في حديث توسل عمر بالعباس رضي الله عنه، وبينا أنه ليس حجة للمخالفين بل هو عليهم، نشرع الآن في تحقيق القول في حديث الضرير، والنظر في معناه: هل هو حجة لهم أم عليهم أيضاً؟ فنقول: أخرج أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: " إن شئت دعوت لك، وإن شئت أخّرتُ ذاك، فهو خير "، (وفي رواية: " وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك ")، فقال: ادعهُ. فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم

إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهتُ بك إلى ربي في حاجتي هذه، فتقضى لي، اللهم فشفّعه فيَّ] وشفّعني فيه [.قال: ففعل الرجل فبرأ. يرى المخالفون: أن هذا الحديث يدل على جواز التوسل في الدعاء بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو غيره من الصالحين، إذ فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه، وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيراً. وأما نحن فنرى ان هذا الحديث لا حجة لهم فيه على التوسل المختلف فيه، وهو التوسل بالذات، بل هو دليل آخر على النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع الذي أسلفناه، لأن توسل الأعمى إنما كان بدعائه. والأدلة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة، وأهمها: أولاً: أن الأعمى إنما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليدعو له، وذلك قوله: (أدعُ الله أن يعافيني) فهو توسل إلى الله تعالى بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم -، لأنه يعلم أن دعاءه - صلى الله عليه وآله وسلم - أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربه بأن يقول مثلاً: (اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن يشفيني، وتجعلني بصيراً). ولكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم، ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم الموسَّل به، بل لابد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة، وطلب الدعاء منه له.

ثانياً: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن شئت دعوتُ، وإن شئت صبرت فهو خير لك». وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: " إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه-أي عينيه-فصبر، عوضته منهما الجنة". ثالثاً: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: (فادع) فهذا يقتضي أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا له، لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - خير من وفى بما وعد، وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدعاء وأصر عليه، فإذن لا بد أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا له، فثبت المراد، وقد وجه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الأعمى بدافع من رحمته، وبحرص منه أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه، وجهه إلى النوع الثاني من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه وهذه الأعمال طاعة لله سبحانه وتعالى يقدمها بين يدي دعاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - له، وهي تدخل في قوله تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة} كما سبق. وهكذا فلم يكتف الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بدعائه للأعمى الذي وعده به، بل شغله بأعمال فيها طاعة لله سبحانه وتعالى وقربة إليه، ليكون الأمر مكتملاً من جميع نواحيه، وأقرب إلى القبول والرضا من الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا، فالحادثة كلها تدور حول الدعاء-كما هو ظاهر-وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون. وقد غفل عن هذا الشيخ الغماري أو تغافل، فقال في "المصباح" (24): ("وإن شئتَ دعوتُ ".أي وإن شئت علمتك دعاء تدعو به، ولقنتك إياه، وهذا التأويل واجب ليتفق أول الحديث مع آخره). قلت: هذا التأويل باطل لوجوه كثيرة منها: أن الأعمى إنما طلب منه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن

يدعو له، لا أن يعلمه دعاء، فإذا كان قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - له: " وإن شئت دعوت " جواباً على طلبه تعين أنه الدعاء له، ولابد، وهذا المعنى هو الذي يتفق مع آخر الحديث، ولذلك رأينا الغماري لم يتعرض لتفسير قوله في آخره: " اللهم فشفعه في، وشفعني فيه " لأنه صريح في أن التوسل كان بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - كما بيناه فيما سلف. ثم قال: (ثم لو سلمنا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا للضرير فذلك لا يمنع من تعميم الحديث في غيره). قلت: وهذه مغالطة مكشوفة، لأنه لا أحد ينكر تعميم الحديث في غير الأعمى في حالة دعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - لغيره، ولكن لما كان الدعاء منه - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير معلوم بالنسبة للمتوسلين في شتى الحوائج والرغبات، وكانوا هم أنفسهم لا يتوسلون بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته، لذلك اختلف الحكم، وكان هذا التسليم من الغماري حجة عليه. رابعاً: أن في الدعاء الذي علمه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إياه أن يقول: " اللهم فشفعه في " وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، أو جاهه، أو حقه، إذ أن المعنى: اللهم اقبل شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - في، أي اقبل دعائه في أن ترد عليَّ بصري، والشفاعة لغة الدعاء، وهو المراد بالشفاعة الثابتة له - صلى الله عليه وآله وسلم - ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة، وهذا يبين أن الشفاعة أخص من الدعاء، إذ لا تكون إلا إذا كان هناك اثنان يطلبان أمراً، فيكون أحدهما شفيعاً للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره، قال في "لسان العرب": (الشفاعة كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره، والشافع الطالب لغيره، يتشفع به إلى المطلوب، يقال بشفعت بفلان إلى فلان، فشفعني فيه).

فثبت بهذا الوجه أيضاً أن توسل الأعمى إنما كان بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - لا بذاته. خامساً: إن مما علم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الأعمى أن يقوله: " وشفعني فيه " أي اقبل شفاعتي، أي دعائي في أن تقبل شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم -، أي دعاءه في أن ترد علي بصري. هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه. ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد، لأنها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه. ذلك أن شفاعة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الأعمى مفهمومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كيف تكون؟ لا جواب لذلك عندهم البتة. ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحداً منهم يستعملها، فيقول في دعائه مثلاً: اللهم شفع في نبيك، وشفعني فيه. سادساً: إن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ودعائه المستجاب، وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره، ولذلك رواه المصنفون في "دلائل النبوة" كالبيهقي وغيره، فهذا يدل على ان السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.ويؤيده كل من دعا به من العميان مخلصاً إليه تعالى، منيباً إليه قد عوفي، بل على الأقل لعوفي واحد منهم، وهذا ما لم يكن ولعله لا يكون أبداً. كما أنه لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقدره وحقه، كما يفهم عامة المتأخرين، لكان من المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل ويضمون إليه أحياناً جاه جميع الأنبياء المرسلين، وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وجاه كل من له جاه عند الله من

الملائكة، والإنس والجن أجمعين! ولم نعلم ولا نظن أحداً قد علم حصول مثل هذا خلال القرون الطويلة بعد وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى اليوم. إذا تبين للقارئ الكريم ما أوردناه من الوجوه الدالة على أن حديث الأعمى إنما يدور حول التوسل بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأنه لا علاقة له بالتوسل بالذات، فحينئذ يتبين له أن قول الأعمى في دعائه: "اللهم إني أسألك، وأتوسل إليك بنبيك محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - " إنما المراد به: أتوسل إليك بدعاء نبيك، أي على حذف المضاف، وهذا أمر معروف في اللغة، كقوله تعالى: {واسأل القرية التي كنا فيها، والعير التي اقبلنا فيها} أي أهل القرية وأصحاب العير. ونحن والمخالفون متفقون على ذلك، أي على تقدير مضاف محذوف، وهو مثل ما رأينا في دعاء عمر وتوسله بالعباس، فإما أن يكون التقدير: إني أتوجه إليك بـ (جاه) نبيك، ويا محمد إني توجهت بـ (ذات) ك أو (مكانت) ك إلى ربي كما يزعمون، وإما أن يكون التقدير: إني أتوجه إليك بـ (دعاء) نبيك، ويا محمد إني توجهت بـ (دعاء) ك إلى ربي كما هو قولنا. ولا بد لترجيح احد التقديرين من دليل يدل عليه. فأما تقديرهم (بجاهه) فليس لهم عليه دليل لا من هذا الحديث ولا من غيره، إذ ليس في سياق الكلام ولا سباقه تصريح أو إشارة لذكر الجاه أو ما يدل عليه إطلاقاً، كما أنه ليس عندهم شيء من القرآن أو من السنة أو من فعل الصحابة يدل على التوسل بالجاه، فيبقى تقديرهم من غير مرجح، فسقط من الاعتبار، والحمد لله. أما تقديرنا فيقوم عليه أدلة كثيرة، تقدمت في الوجوه السابقة. وثمة أمر آخر جدير بالذكر، وهو أنه لو حمل حديث الضرير على ظاهره، وهو التوسل بالذات لكان معطلاً لقوله فيما بعد: "اللهم فشفعه في، وشفعني فيه"

وهذا لا يجوز كما لا يخفى، فوجب التوفيق بين هذه الجملة والتي قبلها. وليس ذلك إلا على ما حملناه من أن التوسل كان بالدعاء، فثبت المراد، وبطل الاستدلال به على التوسل بالذات، والحمد لله. على أنني أقول: لو صح أن الأعمى إنما توسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فيكون حكماً خاصاً به - صلى الله عليه وآله وسلم -، لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين، وإلحاقهم به مما لا يقبله النظر الصحيح، لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - سيدهم وأفضلهم جميعاً، فيمكن أن يكون هذا مما خصه الله به عليهم ككثير مما صح به الخبر، وباب الخصوصيات لا تدخل فيه القياسات، فمن رأى أن توسل الأعمى كان بذاته لله، فعليه أن يقف عنده، ولا يزيد عليه كما نقل عن الإمام أحمد والشيخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالى. هذا هو الذي يقتضيه البحث العلمي مع الإنصاف، والله الموفق للصواب. دفع توهم: هذا ولا بد من بيان ناحية هامة تتعلق بهذا الموضوع، وهي أننا حينما ننفي التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وجاه غيره من الأنبياء والصالحين فليس ذلك لأننا ننكر أن يكون لهم جاه، أو قدر أو مكانة عند الله، كما أنه ليس ذلك لأننا نبغضهم، وننكر قدرهم ومنزلتهم عند الله، ولا تشعر أفئدتنا بمحبتهم، كما افترى علينا الدكتور البوطي في كتابه "فقه السيرة" (ص354) فقال ما نصه: "فقد ضل أقوام لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وراحوا يستنكرون التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته ... " كلا ثم كلا، فنحن ولله الحمد من أشد الناس تقديراً لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأكثرهم حباً له، واعترافاً بفضله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإن دل هذا الكلام على شيء فإنما يدل على الحقد الأعمى الذي يملأ قلوب أعداء الدعوة السلفية على هذه الدعوة

وعلى أصحابها، حتى يحملهم على أن يركبوا هذا المركب الخطر الصعب، ويقترفوا هذه الجريمة البشعة النكراء، ويأكلوا لحوم إخوانهم المسلمين، ويكفروهم دونما دليل، اللهم إلا الظن الذي هو أكذب الحديث، كما قال النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم -. ولا أدري كيف سمح هذا المؤلف الظالم لنفسه أن يصدر مثل هذا الحكم الذي لا يستطيع إصداره إلا الله عز وجل، المطلع وحده على خفايا القلوب ومكنونات الصدور، ولا تخفى عليه خافية. أتراه لا يعلم جزاء من يفعل ذلك، أم إنه يعلم، ولكنه أعماه الحقد الأسود والتحامل الدفين على دعاة السنة؟ أي الأمرين كان فإننا نذكره بهذين الحديثين الشريفين لعله ينزجر عن غيه، ويفيق من غفلته، ويتوب من فعلته. قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " إيما رجل أكفر رجلاً مسلماً، فإن كان كافراً وإلا كان هو الكافر" وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: " إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق ". كما نقول له أخيراً: ترى هل دريت يا هذا بأنك حينما تقول ذاك الكلام فإنك ترد على سلف هذه الأمة الصالح، وتكفر أئمتها المجتهدين ممن لا يجيز التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وغيره بعد وفاتهم كالإمام أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله تعالى، وقد قال أبو حنيفة: (أكره أن يتوسل إلى الله إلا بالله) كما تقدم. فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ ونعود لنقول: إن كل مخلص منصف ليعلم علم اليقين بأننا والحمد لله من أشد الناس حباً لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومن أعرفهم بقدره وحقه وفضله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبأنه

أفضل النبيين، وسيد المرسلين، وخاتمهم وخيرهم، وصاحب اللواء المحمود، والحوض المورود، والشفاعة العظمى، والوسيلة والفضيلة، والمعجزات الباهرات، وبأن الله تعالى نسخ بدينه كل دين، وأنزل عليه سبعاً من المثاني والقرآن العظيم، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس. إلى آخر ما هنالك من فضائله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومناقبه التي تبين قدره العظيم، وجاهه المنيف - صلى الله عليه وآله وسلم - تسليماً كثيراً. أقول: إننا-والحمد لله-من أول الناس اعترافاً بذلك كله، ولعل منزلته - صلى الله عليه وآله وسلم - عندنا محفوظة أكثر بكثير مما هي محفوظة لدى الآخرين، الذين يدعون محبته، ويتظاهرون بمعرفة قدره، لأن العبرة في ذلك كله إنما هي في الاتباع له - صلى الله عليه وآله وسلم -، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، كما قال سبحانه وتعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، ويغفر لكم ذنوبكم}، ونحن بفضل الله من أحرص الناس على طاعة الله عز وجل، واتباع نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - وهما أصدق الأدلة على المودة والمحبة الخالصة بخلاف الغلو في التعظيم، والإفراط في الوصف اللذين نهى الله تعالى عنهما، فقال سبحانه: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم، ولا تقولوا على الله إلا الحق} كما نهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عنهما فقال: " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله ". ومن الجدير بالذكر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جعل من الغلو في الدين أن يختار الحاج إذا أراد رمي الجمرات بمنى الحصوات الكبيرة وأمر أن تكون مثل حصى الخذف، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - غداة العقبة: "هات ألْقِطْ لي ".قال: فلقطت له نحو حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: "مثل هؤلاء-ثلاث مرات-وإياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين " ذلك لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - يعد مسألة رمي الجمار مسألة رمزية الغرض منها

نبذ الشيطان ومحاربته، وليس حقيقية يراد بها قتله وإماتته، فعلى المسلم تحقيق الأمر، ومنابذة الشيطان عدو الإنسان اللدود بالعداء ليس غير، ومع هذا التحذير الشديد من الغلو في الدين، وقع المسلمون فيه مع الأسف، واتبعوا سنن أهل الكتاب، فقال قائلهم: دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم فهذا الشاعر الذي يعظمه كثير من المسلمين، ويترنمون بقصيدته هذه، المشهورة بالبردة، ويتبركون بها، وينشدونها في الموالد وبعض مجالس الوعظ والعلم، ويعدون ذلك قربة إلى الله تبارك وتعالى، ودليلاً على محبتهم نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم -، أقول: هذا الشاعر قد ظن النهي الوارد في الحديث السابق منصباً فقط على الادعاء بأن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - ابن الله، فنهى عن هذه القولة، ودعا إلى القول بأي شيء آخر مهما كان. وهذا غلط بالغ وضلال مبين، ذلك لأن للإطراء المنهي عنه في الحديث معنيين اثنين أولهما مطلق المدح، وثانيهما المدح المجاوز للحد. وعلى هذا فيمكن أن يكون المراد الحديث النهي عن مدحه - صلى الله عليه وآله وسلم - مطلقاً، من باب سد الذريعة، واكتفاءً باصطفاء الله تعالى له نبياً ورسولاً، وحبيباً وخليلاً، ومما أثنى سبحانه عليه في قوله: {وإنك لعلى خلق عظيم}، إذ ماذا يمكن للبشر أن يقولوا فيه بعد قول الله تبارك وتعالى هذا؟ وما قيمة أي كلام يقولونه أمام شهادة الله تعالى هذه؟ وإن أعظم مدح له - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تقول فيه ما قال ربنا عز وجل: إنه عبد له ورسوله، فتلك أكبر تزكية له - صلى الله عليه وآله وسلم -، وليس فيها إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تقصير. وقد وصفه ربنا سبحانه وتعالى وهو في أعلى درجاته، وأرفع تكريم من الله تعالى له، وذلك حينما أسرى وعرج به إلى السماوات العلى، حيث أراه من آيات ربه الكبرى، وصفه حينذاك بالعبودية فقال: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من

المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى} (الإسراء: 1). ويمكن أن يكون المراد: لا تبالغوا في مدحي، فتصفوني بأكثر مما أستحقه، وتصبغوا علي بعض خصائص الله تبارك وتعالى. ولعل الأرجح في الحديث المعنى الأول لأمرين اثنين: أولهما تمام الحديث، وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "فقولوا عبد الله ورسوله " أي اكتفوا بما وصفني به الله عز وجل من اختياري عبداً له ورسولاً، وثانيهما ما عقد بعض أئمة الحديث له من الترجمة، فأورده الإمام الترمذي مثلاً تحت عنوان: "باب تواضع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " فَحَمَل الحديث على النهي عن المدح المطلق وهو الذي ينسجم مع معنى التواضع ويأتلف معه. تنبيه: واعلم انه وقع في بعض الطرق الأخرى لحديث الضرير السابق زيادتان لا بد من بيان شذوذهما وضعفهما، حتى يكون القارئ على بينة من أمرهما، فلا يغتر بقول من احتج بهما على خلاف الحق والصواب. الزيادة الأولى: زيادة حماد بن سلمة قال: حدثنا أبو جعفر الخطمي .. فساق إسناده مثل رواية شعبة، وكذلك المتن إلا أنه اختصره بعض الشيء، وزاد في آخره بعد قوله: وشفع نبيي في رد بصري: " وإن كانت لك حاجة فافعل مثل ذلك " رواه أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه، فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا حماد بن سلمه به. وقد أعلَّ هذه الزيادة شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة"

(ص102) بتفرد حماد بن سلمة بها، ومخالفته لرواية شعبة، وهو أجلّ من روى هذا الحديث وهذا إعلال يتفق مع القواعد الحديثية، ولا يخالفها البتة، وقول الغماري في "المصباح" (ص30) بأن حماداً ثقة من رجال الصحيح، وزيادة الثقة مقبولة، غفلة منه أو تغافل عما تقرر في المصطلح، أن القبول مشروط بما إذا لم يخالف الراوي من هو أوثق منه، قال الحافظ في "نخبة الفكر": (والزيادة مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، فإن خولف بأرجح، فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ). قلت: وهذا الشرط مفقود هنا، فإن حماد بن سلمة، وإن كان من رجال مسلم، فهو بلا شك دون شعبة في الحفظ، ويتبين لك ذلك بمراجعة ترجمة الرجلين في كتب القوم، فالأول أورده الذهبي في "الميزان" وهو إنما يورد فيه من تُكُلَّم فيه، ووصفه بأنه (ثقة له أوهام) بينما لم يورد فيه شعبة مطلقاً، ويظهر لك الفرق بينهما بالتأمل في ترجمة الحافظ لهما، فقد قال في "التقريب": "حماد بن سلمة ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره" ثم قال: "شعبة بن الحجاج ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال، وذب عن السنة، وكان عابداً". قلت: إذا تبين لك هذا عرفت أن مخالفة حماد لشعبة في هذا الحديث وزيادته عليه تلك الزيادة غير مقبولة، لأنها منافية لمن هو أوثق منه فهي زيادة شاذة كما يشير إليه كلام الحافظ السابق في "النخبة" ولعل حماداً روى هذا الحديث حين تغير حفظه، فوقع في الخطأ، وكأن الإمام أحمد أشار إلى شذوذ هذه الزيادة، فإنه أخرج الحديث من طريق مؤمَّل (وهو ابن إسماعيل) عن حماد-عقب رواية شعبة المتقدمة-إلا أنه لم يسق لفظ الحديث، بل أحال به على لفظ حديث شعبة،

فقال: (فذكر الحديث) ويحتمل أن الزيادة لم تقع في رواية مؤمل عن حماد، لذلك لم يشر إليها الإمام أحمد كما هي عادة الحفاظ إذا أحالوا في رواية على أخرى بينوا ما في الرواية المحالة من الزيادة على الأولى. وخلاصة القول: إن الزيادة لا تصح لشذوذها، ولو صحت لم تكن دليلاً على جواز التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، لاحتمال أن يكون معنى قوله: "فافعل مثل ذلك " يعني من إتيانه - صلى الله عليه وآله وسلم - في حال حياته، وطلب الدعاء منه والتوسل به، والتوضؤ والصلاة، والدعاء الذي علمه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يدعو به. والله أعلم. الزيادة الثانية: قصة الرجل مع عثمان بن عفان، وتوسله به - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى قضى له حاجته، وأخرجها الطبراني في "المعجم الصغير" (ص103 - 104) وفي "الكبير" (3/ 2/1/ 1 - 2) من طريق عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف، فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان: إئت الميضأة، فتوضأ، ثم ائت المسجد، فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك عز وجل، فاقضِ لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إليَّ حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال، ثم أتى باب عثمان رضي الله عنه فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله عليه، فأجلسه معه على الطنفسة، وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فآتنا، ثم إن الرجل خرج من

عنده، فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إلي حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأتاه ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: فتصبر، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد، وقد شق علي، فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ائت الميضأة، فتوضأ ثم صلي ركعتين، ثم ادعُ بهذه الدعوات» قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا، وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط. قال الطبراني: "لم يرواه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة، وهو الذي يحدث عنه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي-واسمه عمير بن يزيد-وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة، والحديث صحيح". قلت: لا شك في صحة الحديث، وإنما البحث الآن في هذه القصة التي تفرد بها شبيب بن سعيد كما قال الطبراني، وشبيب هذا متكلم فيه، وخاصة في رواية ابن وهب عنه، لكن تابعه عنه إسماعيل وأحمد ابنا شبيب بن سعيد هذا، أما اسماعيل فلا أعرفه، ولم أجد من ذكره، ولقد أغفلوه حتى لم يذكروه في الرواة عن أبيه، بخلاف أخيه أحمد فإنه صدوق، وأما أبوه شبيب فملخص كلامهم فيه: أنه ثقة في حفظه ضعف، إلا في رواية ابنه أحمد هذا عنه عن يونس خاصة فهو حجة، فقال الذهبي في "الميزان": "صدوق يغرب، ذكره ابن عدي في "كامله" فقال .. له نسخة عن يونس بن يزيد مستقيمة، حدث عنه ابن وهب بمناكير، قال ابن المديني: كان يختلف في تجارة إلى مصر، وكتابه صحيح قد كتبته عن ابنه أحمد. قال ابن عدي: كان شبيب لعله يغلط ويهم إذ حدث من حفظه، وأرجو أنه لا يتعمد، فإذا حدث عنه ابنه أحمد بأحاديث يونس فكأنه يونس آخر. يعني يجوَّد".

فهذا الكلام يفيد أن شبيباً هذا لا بأس بحديثه بشرطين اثنين: الأول: ان يكون من رواية ابنه أحمد عنه، والثاني: أن يكون من رواية شبيب عن يونس، والسبب في ذلك أنه كان عنده كتب يونس بن يزيد، كما قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" عن أبيه (2/ 1/359)، فهو إذا حدث من كتبه هذه أجاد، وإذا حدث من حفظه وهو كما قال ابن عدي، وعلى هذا فقول الحافظ في ترجمته من "التقريب": "لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه، لا من رواية ابن وهب" فيه نظر، لأنه أوهم أنه لا بأس بحديثه من رواية أحمد مطلقاً، وليس كذلك، بل هذا مقيد بأن يكون من روايته هو عن يونس لما سبق، ويؤيده أن الحافظ نفسه أشار لهذا القيد، فإنه أورد شبيباً هذا في "من طعن فيه من رجال البخاري" من "مقدمة فتح الباري" (ص133) ثم دفع الطعن عنه-بعد أن ذكر من وثقه وقول ابن عدي فيه-بقوله: (قلت: أخرج البخاري من رواية ابنه عنه عن يونس أحاديث، ولم يخرج من روايته عن غير يونس، ولا من رواية ابن وهب عنه شيئاً". فقد أشار رحمه الله بهذا الكلام إلى أن الطعن قائم في شبيب إذا كانت روايته عن غير يونس، ولو من رواية ابنه أحمد عنه، وهذا هو الصواب كما بينته آنفاً، وعليه يجب أن يحمل كلامه في "التقريب" توفيقاً بين كلاميه، ورفعاً للتعارض بينهما. إذا تبين هذا يظهر لك ضعف هذه القصة، وعدم صلاحية الاحتجاج بها. ثم ظهر لي فيها علة أخرى وهي الاختلاف على أحمد فيها، فقد أخرج الحديث ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص202) والحاكم (1/ 526) من ثلاثة طرق عن أحمد بن شبيب بدون القصة، وكذلك رواه عون بن عمارة البصري ثنا روح ابن القاسم به، أخرجه الحاكم، وعون هذا وإن كان ضعيفاًً، فروايته أولى من رواية شبيب، لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي.

وخلاصة القول: إن هذه القصة ضعيفة منكرة، لأمور ثلاثة: ضعف حفظ المتفرد بها، والاختلاف عليه فيها، ومخالفته للثقات الذين لم يذكروها في الحديث، وأمر واحد من هذه الأمور كاف لإسقاط هذه القصة، فكيف بها مجتمعة؟ ومن عجائب التعصب واتباع الهوى أن الشيخ الغماري أورد روايات هذه القصة في "المصباح" (ص12و17) من طريق البيهقي في "الدلائل" والطبراني، ثم لم يتكلم عليها مطلقاً لا تصحيحاً ولا تضعيفاً، والسبب واضح، أما التصحيح فغير ممكن صناعة، وأما التضعيف فهو الحق ولكن ... ونحو ذلك فعل من لم يوفق في "الإصابة"، فإنهم أوردوا (ص21 - 22) الحديث بهذه القصة، ثم قالوا: "وهذا الحديث صححه الطبراني في "الصغير" و"الكبير""! وفي هذا القول على صغره جهالات: أولاً: أن الطبراني لم يصحح الحديث في "الكبير" بل في "الصغير" فقط، وأنا نقلت الحديث عنه للقارئين مباشرة، لا بالواسطة كما يفعل أولئك، لقصر باعهم في هذا العلم الشريف (ومن ورد البحر استقل السواقيا). ثانياً: أن الطبراني إنما صحح الحديث فقط دون القصة، بدليل قوله وقد سبق: (قد روى الحديث شعبة ... والحديث صحيح) فهذا نص على أنه أراد حديث شعبة، وشعبة لم يرو هذه القصة، فلم يصححها إذن الطبراني، فلا حجة لهم في كلامه.

ثالثاً: أن عثمان بن حنيف لو ثبتت عنه القصة لم يُعَلَّم ذلك الرجل فيها دعاء الضرير بتمامه، فإنه أسقط منه جملة " اللهم شفعه في وشفعني فيه " لأنه يفهم بسليقته العربية أن هذا القول يستلزم أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - داعياً لذلك الرجل، كما كان داعياً للأعمى، ولما كان هذا منفياً بالنسبة للرجل، لم يذكر هذه الجملة؟ قال شيخ الإسلام (ص104): (ومعلوم أن الواحد بعد موته - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه-مع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يدعُ له-كان هذا كلاماً باطلاً، مع أن عثمان بن حنيف لم يأمره ان يسأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شيئاً، ولا أن يقول: (فشفعه في)، ولم يأمره بالدعاء المأثور على وجهه، وإنما أمره ببعضه، وليس هناك من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شفاعة، ولا ما يظن أنه شفاعة، فلو قال بعد موته: (فشفعه في) لكان كلاماً لا معنى له، ولهذا لم يأمر به عثمان، والدعاء المأثور عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يأمر به، والذي أمر به ليس مأثوراً عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومثل هذا لا تثبت به شريعة، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في حسن العبادات أو الإباحات أو الايجابات أو التحريمات، إذ لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يخالفه ولا يوافقه، لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته ان يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول). ثم ذكر أمثلة كثيرة مما تفرد به بعض الصحابة، ولم يتبع عليه مثل إدخال ابن عمر الماء في عينيه في الوضوء، ونحو ذلك فراجعه. ثم قال: وإذا كان في ذلك كذلك، فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته من غير أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - داعياً له، ولا شافعاً فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعاً بعد مماته كما كان يشرع في حياته، بل كانوا في الاستسقاء في حياته

- صلى الله عليه وآله وسلم - يتوسلون فلما مات لم يتوسلوا به، بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور، لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر: لا يأكل سميناً حتى يخصب الناس، ثم لما استسقى بالناس قال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيسقون. وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة، ولم ينكره أحد مع شهرته، وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية، ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته، فلو كان توسلهم بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا: كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما، ونعدل عن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي هو أفضل الخلائق، وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله؟ فلما لم يقل ذلك أحد منهم، وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته، وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره، وشفاعة غيره، علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به، لا بذاته). هذا، وفي القصة جملة إذا تأمل فيها العاقل العارف بفضائل الصحابة وجدها من الأدلة الأخرى على نكارتها وضعفها، وهي أن الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه كان لا ينظر في حاجة ذلك الرجل، ولا يلتفت إليه! فكيف يتفق هذا مع ما صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن الملائكة تستحي من عثمان، ومع ما عرف به رضي الله عنه من رفقه بالناس، وبره بهم، ولينه معهم؟ هذا كله يجعلنا نستبعد وقوع ذلك منه، لأنه ظلم يتنافى مع شمائه رضي الله عنه وأرضاه. (تنبيه): اطلعنا بعد صف هذه الملزمة على كتاب "التوصل إلى حقيقة التوسل" للشيخ محمد نسيب الرفاعي، الذي ذيل اسمه عليه بلقب "مؤسس الدعوة السلفية وخادمها"، وتقتضينا الأمانة العلمية، والنصيحة الدينية وقول كلمة

الحق أن نبين حكم الله كما نفهمه، وندين الله تعالى به في هذا اللقب فنقول: إن من نافلة القول أن نبين أن الدعوة إنما هي دعوة الإسلام الحق كما أنزله الله تعالى على خاتم رسله وأنبيائه محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، فالله وحده سبحانه هو مؤسسها ومشرعها، وليس لأحد من البشر كائناً من كان أن يدعي تأسيسها وتشريعها، وحتى النبي الأكرم محمد صلوات الله وسلامه عليه إنما كان دوره فيها التلقي الواعي الأمين، والتبليغ الكامل الدقيق، ولم يكن مسموحاً له التصرف في شيء من شرع الله تعالى ووحيه، ولهذا فادعاءه إنسان مهما علا وسما تأسيس هذه الدعوة الإلهية المباركة إنما هو في الحقيقة خطأ جسيم وجرح بليغ، هذا إن لم يكن شركاً أكبر، والعياذ بالله. فلا ندري كيف وقع هذا من رجل عاش دهراً طويلاً مع إخوانه في حلب وغيرها من البلاد الشامية في الدعوة السلفية التي هي أخص خصائصها وأهم اهتماماتها محاربة الشركيات والوثنيات اللفظية، فضلاً عن الشركيات الاعتقادية، ثم اعتزلهم جميعاً، هدانا الله تعالى وإياه، وجنبنا الزلل والفتن ومضلات الأهواء. ولعل أحداً يحاول التماس عذر للمؤلف بأنه إنما قصد من ذاك اللقب أنه مجدد الدعوة السلفية، وليس أنه منشئها وصائغ تعاليمها، وقد كان في المسلمين قديماً وحديثاً مجددون، والمؤلف واحد من هؤلاء في ظنه. ونقول: نعم، إن هناك مجددين لدعوة الإسلام الحق على تتالي الزمان، ولكن شتان بين المؤلف وأولئك المجددين، وحسبه أن يكون تابعاً لأحدهم، ولو وافقناه جدلاً على حشر نفسه معهم لكان من الواجب عليه أن يحدد دائرة لتجديده المزعوم كبلد أو قطر، أما إطلاقه ذاك اللقب الفضفاض فإنه يوحي إلى القراء بأنه

المجدد للإسلام في العالم الإسلامي كله في هذا العصر، وأين هو من هذا؟ أضف إلى ذلك أن من الأخلاق الأساسية التي يجب أن يتصف بها الداعية المسلم التواضع، والبعد عن حب الظهور والتفاخر والادعاء، فإن هذه أدواء قاتلة تجرد الساعي إليها، والحريص عليها من أهلية الدعوة، وتفقده سلاحاً ماضياً للنصر على أعدائها، وتجعل عمله هباءً منثوراً، والعياذ بالله، فاللهم عصمتك وهداك. هذا وقد تصفحنا الكتاب المشار إليه على عجل، فوجدنا فيه بعض الأخطاء، ننبه على بعضها في محله، ومنها أنه قال في (ص237) في صدد الحديث عن إسناد القصة السابقة ما نصه: "إن في سند هذا الحديث رجلاً اسمه روح بن صلاح، وقد ضعفه الجمهور وابن عدي وقال ابن يونس: يروي أحاديث منكرة".وهذا خطأ محض لا ندري وجهه، وهذا الرجل "أي روح بن صلاح" إنما هو علة الحديث الثالث كما سيأتي. الشبهة الثالثة: الأحاديث الضعيفة في التوسل: يحتج مجيزو التوسل المبتدع بأحاديث كثيرة، إذا تأملناها نجدها تندرج تحت نوعين اثنين، الأول ثابت بالنسبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولكنه لا يدل على مرادهم، ولا يؤيد رأيهم كحديث الضرير، وقد تقدم الكلام على هذا النوع. والنوع الثاني غير ثابت النسبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبعضه يدل على مرادهم، وبعضه لا يدل، وهذه الأحاديث التي لا تصح كثيرة، فأكتفي بذكر ما اشتهر منها، فأقول: الحديث الأول: عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال: اللهم

إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ... أقبل الله عليه بوجهه ". رواه أحمد (3/ 21) واللفظ له، وابن ماجه، وانظر تخريجه مفصلاً في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم 24).وإسناده ضعيف لأنه من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، وعطية ضعيف كما قال النووي في "الأذكار" وابن تيمية في "القاعدة الجليلة" والذهبي في "الميزان" بل قال في "الضعفاء" (88/ 1): "مجمع على ضعفه"، والحافظ الهيثمي في غير موضع من "مجمع الزوائد" منها (5/ 236) وأورده أبوبكر بن المحب البعلبكي في "الضعفاء والمتروكين"، والبوصيري كما يأتي، وكذا الحافظ ابن حجر بقوله فيه: "صدوق يخطىء كثيراً، كان شيعياً مدلساً"، وقد أبان فيه عن سبب ضعفه وهو أمران: الأول: ضعف حفظه بقوله: "يخطىء كثيراً"، وهذا كقوله فيه "طبقات المدلسين": "ضعيف الحفظ" وأصرح منه قوله في "تلخيص الحبير" (ص241 طبع الهند) وقد ذكر حديثاً آخر: "وفيه عطية بن سعيد العوفي وهو ضعيف". الثاني: تدليسه، لكن كان على الحافظ أن يبين نوع تدليسه، فإن التدليس عند المحدثين على أقسام كثيرة من أشهرها ما يلي: الأول: أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهماً أنه سمعه منه، كأن يقول: عن فلان، أو قال فلان. الثاني: أن يأتي الراوي باسم شيخه أو لقبه على خلاف المشهور به تعمية لأمره، وقد صرحوا بتحريم هذا النوع إذا كان شيخه غير ثقة، فدلسه لئلا يعرف حاله، أو أوهم أنه رجل آخر من الثقات على وفق اسمه أو كنيته، وهذا يعرف عندهم بتدليس الشيوخ.

قلت: وتدليس عطية من هذا النوع المحرم، كما كنت بينته في كتابي "الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" (24). وخلاصة ذلك أن عطية هذا كان يروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فلما مات جالس أحد الكذابين المعروفين، بالكذب في الحديث وهو الكلبي، فكان عطية إذا روى عنه كناه أبا سعيد، فيتوهم السامعون منه أنه يريد أبا سعيد الخدري! وهذا وحده عندي يسقط عدالة عطية هذا، فكيف إذا انضم إلى ذلك سوء حفظه! ولهذا كنت أحب للحافظ رحمه الله أن ينبه على أن تدليس عطية من هذا النوع الفاحش، ولو بالإشارة كما فعل في "طبقات المدلسين" إذ قال: "مشهور بالتدليس القبيح" كما سبق. ثم كأن الحافظ نسي أو وهم-أو غير ذلك من الأسباب التي تعرض للبشر-فقال في تخريجه لهذا الحديث: إن عطية قال في رواية: حدثني أبو سعيد. قال: (فأمن بذلك تدليس عطية) كما نقله ابن علان عنه، وقلده في ذلك بعض المعاصرين. قلت: والتصريح بالسماع إنما يفيد إذا كان التدليس من النوع الأول، وتدليس عطية من النوع الآخر القبيح، فلا يفيد فيه ذلك، لأنه في هذه الرواية أيضاً قال: (حدثني أبو سعيد) فهذا هو عين التدليس القبيح. فتبين مما سبق أن عطية ضعيف لسوء حفظه وتدليسه الفاحش، فكان حديثه هذا ضعيفاً، وأما تحسين الحافظ له الذي اغتر به من لا علم عنده فهو بناء على سهوه السابق، فتنبه ولا تكن من الغافلين. وفي الحديث علل أخر تكلمت عليها في الكتاب المشار إليه سابقاً، فلا حاجة للإعادة، فليرجع إليه من شاء الزيادة.

وأما فهم بعض المعاصرين من عبارة الحافظ ابن حجر السابقة في "التقريب" أنها تفيد توثيق عطية هذا ففهم لا يغبطون عليه، وقد سألت الشيخ أحمد بن الصديق حين التقيت به في ظاهرية دمشق عن هذا الفهم فتعجب منه، فإن من كثر خطؤه في الرواية سقطت الثقة به بخلاف من قال ذلك منه، فالأول ضعيف الحديث، والآخر حسن الحديث، ولذلك جعل الحافظ في "شرح النخبة" من كثر غلطه قرين من ساء حفظه، وجعل حديث كل منهما مردوداً فراجعه مع حاشية الشيخ علي القاري عليه (ص121، 130). وإنما غرّ هؤلاء ما نقلوه عن الحافظ أنه قال في "تخريج الأذكار": "ضعف عطية إنما جاء من قبل تشيعه، وقيل تدليسه، وإلا فهو صدوق". وهم لقصر باعهم إن لم نقل لجهلهم في هذا العلم لا جرأة لهم على بيان رأيهم الصريح في أوهام العلماء، بل إنهم يسوقون كلماتهم كأنها في مأمن من الخطأ والزلل، لا سيما إذا كانت موافقة لغرضهم كهذه الجملة، وإلا فهي ظاهرة التعارض مع قول الحافظ المنقول عن "التقريب" إذ أنها تعلل ضعف عطية بسببين: أحدهما: التشيع، وهذا ليس جرحاً مطلقاً على الراجح. والثاني: التدليس، وهذا جرح قد يزول كما سيأتي، ومع ذلك فإنه أشار إلى تضعيفه لهذا السبب بقوله: (قيل).بينما جزم في "التقريب" بأنه كان مدلساً، كما جزم بأنه كان شيعياً، ولذلك أورده "أعني الحافظ نفسه" في رسالة "طبقات المدلسين" (ص18) فقال: "تابعي معروف، ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح" ذكره في "المرتبة الرابعة" وهي التي يورد فيها "من اتفق على أنه لا يحتج

بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل كبقية بن الوليد" كما ذكره في المقدمة، فهذان النصان من الحافظ نفسه دليل على وهمه في تضعيفه كون عطية مدلساً في الجملة المذكورة آنفاً. فهذا وجه من وجوه التعارض بينها وبين عبارة "التقريب".وثمة وجه آخر وهو أنه في هذه الجملة لم يصفه بما هو جرح عنده-كما سبق عن "شرح النخبة"-وهو قوله في "التقريب": "يخطىء كثيراً" فهذا كله يدلنا على أن الحافظ رحمه الله تعالى لم يكن قد ساعده حفظه حين تخريجه لهذا الحديث، فوقع في هذا القصور الذي يشهد به كلامه المسطور في كتبه الأخرى، وهي أولى بالاعتماد عليها من كتابه "التخريج"، لأنه في تلك ينقل عن الأصول مباشرة، ويلخص منها بخلاف صنيعه في "التخريج". ولما ذكرنا من حال العوفي ضعف الحديث غير واحد من الحفاظ كالمنذري في "الترغيب" والنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة" وكذا البوصيري، فقال في "مصباح الزجاجة" (2/ 52): (هذا إسناد مسلسل بالضعفاء: عطية وفضيل بن مرزوق والفضل بن الموفق كلهم ضعفاء).وقال صديق خان في "نزل الأبرار" (ص71) بعد أن أشار لهذا الحديث وحديث بلال الآتي بعده: (وإسنادهم ضعيف، صرح بذلك النووي في"الأذكار"). الحديث الثاني: وحديث بلال الذي أشار إليه صديق خان هو ما روي عنه أنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا خرج إلى الصلاة قال: بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم بحق السائلين عليك، وبحق مخرجي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً .. " الحديث أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة-

رقم82" من طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عنه. قلت: وهذا سند ضعيف جداً، وآفته الوازع هذا، فإنه لم يكن عنده وازع يمنعه من الكذب، كما بينته في "السلسلة الضعيفة" ولذلك لما قال النووي في "الأذكار": "حديث ضعيف أحد رواته الوازع بن نافع العقيلي وهو متفق على ضعفه، وأنه منكر الحديث" قال الحافظ بعد تخريجه: "هذا حديث واه جداً، أخرجه الدارقطني في "الأفراد" من هذا الوجه وقال: تفرد به الوازع، وهو متفق على ضعفه وأنه منكر الحديث. والقول فيه أشد من ذلك، فقال ابن معين والنسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم وجماعة، متروك الحديث، وقال الحاكم: يروي أحاديث موضوعة". قلت: فلا يجوز الاستشهاد به كما فعل الشيخ الكوثري، والشيخ الغماري في "مصباح الزجاجة" (56) وغيرهما من المبتدعة. ومع كون هذين الحديثين ضعيفين فهما لا يدلان على التوسل بالمخلوقين أبداً، وإنما يعودان إلى أحد أنواع التوسل المشروع الذي تقدم الكلام عنه، وهو التوسل إلى الله تعالى بصفة من صفاته عز وجل، لأن فيهما التوسل بحق السائلين على الله وبحق ممشى المصلين. فما هو حق السائلين على الله تعالى؟، لا شك أنه إجابة دعائهم، وإجابة الله دعاء عباده صفة من صفاته عز وجل، وكذلك حق ممشى المسلم إلى المسجد هو أن يغفر الله له، ويدخله الجنة ومغفرة الله تعالى ورحمته، وإدخاله بعض خلقه ممن يطيعه الجنة. كل ذلك صفات له تبارك وتعالى. وبهذا تعلم أن هذا الحديث الذي يحتج به المبتدعون ينقلب عليهم، ويصبح بعد فهمه فهماً جيداً حجة لنا عليهم، والحمد لله على توفيقه.

الحديث الثالث: عن أبي أمامة قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا أصبح، وإذا أمسى دعا بهذا الدعاء: اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد .. أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، وبكل حق هو لك، وبحق السائلين عليك ... ". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 117): "رواه الطبراني، وفيه فضال بن جبير، وهو ضعيف مجمع على ضعفه". قلت: بل هو ضعيف جداً، اتهمه ابن حبان فقال: "شيخ يزعم أنه سمع أبا أمامة، يروي عنه ما ليس منه حديثه".وقال أيضاً: "لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي أحاديث لا أصل له". وقال ابن عدي في "الكامل" (25/ 13): "أحاديثه كلها غير محفوظة". قلت: فالحديث شديد الضعف، فلا يجوز الاستشهاد به أيضاً، كما فعل صاحب "المصباح" (ص56). الحديث الرابع: عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما دعا أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون ... فلما فرغ دخل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فاضطجع فيه فقال: " الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بين أسد، ولقنها حجتها، ووسع مدخلها بحق

نبيك، والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين ... ". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 257): "رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه روح بن صلاح، وثقة ابن حبان والحاكم وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح". قلت: ومن طريق الطبراني رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/ 121) وإسناده عندهما ضعيف، لأن روح بن صلاح الذي في إسناده قد تفرد به، كما قال أبو نعيم نفسه، وروح ضعفه ابن عدي، وقال ابن يونس: رويت عنه مناكير، وقال الدارقطني "ضعيف في الحديث" وقال ابن ماكولا: "ضعفوه" وقال ابن عدي بعد أن أخرج له حديثين: "له أحاديث كثيرة، في بعضها نكرة" فقد اتفقوا على تضعيفه فكان حديثه منكراً لتفرده به. وقد ذهب بعضهم إلى تقوية هذا الحديث لتوثيق ابن حبان والحاكم لروح هذا، ولكن ذلك لا ينفعهم، لما عرفا به من التساهل في التوثيق، فقولهما عند التعارض لا يقام له وزن حتى لو كان الجرح مبهماً، فكيف مع بيانه كما هي الحال هنا، وقد فصلت الكلام على ضعف هذا الحديث في "السلسلة الضعيفة" (23) فلا نعيد الكلام عليه في هذه العجالة، ولكن المشار إليهم جاؤوا بما يضحك فقالوا: "حكم عليه الشيخ ناصر بالضعف، فنطالبه بمن ضعف هذا الحديث من المحدثين". قلت: قد ذكرنا من ضعف رواية روح بن صلاح الذي تفرد به، وهذا يستلزم ضعف حديثه كما لا يخفى إلا عند المتابعة وقد نفاها أبو نعيم، أو عند مجيئه من طريق آخر وهيهات!

ثم قالوا: "ولو فرض تضعيفه، فضعفه خفيف فلا يمنع جواز العمل، لأنه من باب ما جوزه المحدثون والفقهاء من العمل بالضعيف الذي ليس ضعفه بشديد في الترغيب والترهيب". قلت: ليس في هذا الحديث شيء من الترغيب، ولا هو يبين فضل عمل ثابت في الشرع، إنما هو ينقل أمراً دائراً بين أن يكون جائزاً أو غير جائز، فهو إذن يقرر حكماً شرعياً لو صح، وأنتم إنما توردونه من الأدلة على جواز هذا التوسل المختلف فيه، فإذا سلمتم بضعفه لم يجز لكم الاستدلال به، وما أتصور عاقلا يوافقكم على إدخال هذا الحديث في باب الترغيب والترهيب، وهذا شأن من يفر من الخضوع للحق، يقول ما لا يقوله جميع العقلاء. الحديث الخامس: عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يستفتح بصعاليك المهاجرين". فيرى المخالفون أن هذا الحديث يفيد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يطلب من الله تعالى أن ينصره، ويفتح عليه بالضعفاء المساكين من المهاجرين، وهذا-بزعمهم-هو التوسل المختلف فيه نفسه. والجواب من وجهين: الأول: ضعف الحديث، فقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 81/2): حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه حدثنا أبي حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن أبيه عن أميه به. وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي بن عبيد الله بن عمر

القواريري حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي إسحاق عن أمية بن خالد به. ثم رواه من طريق قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن المهلب بن أبي صفرة عن أمية بن خالد مرفوعاً بلفظ: " ... يستفتح ويستنصر بصعاليك المسلمين ". قلت: مداره على أمية هذا، ولم تثبت صحبته، فالحديث مرسل ضعيف، وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (1/ 38): "لا تصح عندي صحبته، والحديث مرسل" وقال الحافظ في "الإصابة" (1/ 133): "ليست له صحبة ولا رواية". قلت: وفيه علة أخرى، وهي اختلاط أبي اسحاق وعنعنته، فإنه كان مدلساً، إلا أن سفيان سمع منه قبل الاختلاط، فبقيت العلة الأخرى وهي العنعنة. فثبت بذلك ضعف الحديث وأنه لا تقوم به حجة. وهذا هو الجواب الأول. الثاني: أن الحديث لو صح فلا يدل إلا على مثل ما دل عليه حديث عمر، وحديث الأعمى من التوسل بدعاء الصالحين. قال المناوي في "فيض القدير": " كان يستفتح " أي يفتتح القتال، من قوله تعالى: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} ذكره الزمخشري. " ويستنصر " أي يطلب النصرة " بصعاليك المسلمين " أي بدعاء فقرائهم الذين لا مال لهم. قلت: وقد جاء هذا التفسير من حديثه، أخرجه النسائي (2/ 15) بلفظ: " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم وإخلاصهم " وسنده صحيح، وأصله في "صحيح البخاري" (6/ 67)، فقد بين الحديث أن الاستنصار إنما يكون بدعاء الصالحين، لا بذواتهم وجاههم.

ومما يؤكد ذلك أن الحديث ورد في رواية قيس بن الربيع المتقدمة بلفظ: " كان يستفتح ويستنصر ... " فقد علمنا بهذا أن الاستنصار بالصالحين يكون بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم، وهكذا الاستفتاح، وبهذا يكون هذا الحديث-إن صح-دليلاً على التوسل المشروع، وحجة على التوسل المبتدع، والحمد لله. الحديث السادس: عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: " لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال: يا آدم! وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضِف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال: غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتُك ". أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/ 615) من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري: حدثنا إسماعيل بن مسلمة: أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر. وقال: "صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب". فتعقبه الذهبي فقال: "قلت: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ، وعبد الله بن أسلم الفهري لا أدري من ذا" قلت: ومن تناقض الحاكم في "المستدرك" نفسه أنه أورد فيه (3/ 332) حديثاً آخر لعبد الرحمن هذا ولم يصححه، بل قال: "والشيخان لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد! ". قلت: والفهري هذا أورده الذهبي في "الميزان" وساق له هذا الحديث وقال: (خبر باطل)، وكذا قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (3/ 360) وزاد عليه قوله في الفهري هذا: (لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته) قلت:

والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رُشيد، قال الحافظ: ذكره ابن حبان، متهم بوضع الحديث، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة، لا يحل كتب حديثه، وهو الذي روى عن ابن هدية نسخة كأنها معمولة). قلت: والحديث رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص207): ثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي المصري: ثنا أحمد ابن سعيد المدني الفهري: ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم به. وهذا سند مظلم فإن كل من دون عبد الرحمن لا يعرفون، وقد أشار إلى ذلك الحافظ الهيثمي حيث قال في "مجمع الزوائد" (8/ 253): "رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه من لم أعرفهم". قلت: وهذا إعلال قاصر، يوهم من لا علم عنده أن ليس فيهم من هو معروف بالطعن فيه، وليس كذلك فإن مداره على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال البيهقي: "إنه تفرد به" وهو متهم بالوضع، رماه بذلك الحاكم نفسه، ولذلك أنكر العلماء عليه تصحيحه لحديثه، ونسبوه إلى الخطأ والتناقض، فقال "وراث علم الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين شيخ الإسلام ابن تيمية" (¬1) رحمه الله في "القاعدة الجليلة" (ص89): (ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم": "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة، لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه" (¬2).قلت: وعبد الرحمن بن ¬

(¬1) من كلام العلامة الشيخ محب الدين الخطيب في مقدمته للقاعدة الجليلة. [منه]. (¬2) نقل هذا الكلام عن الحاكم وابن حبان أيضاً الحافظ ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي" (ص29) والحافظ ابن حجر في "التهذيب". [منه].

زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً (¬1)، ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني، وغيرهم. وقال ابن حبان: "كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف، فاستحق الترك". وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث، وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث. ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم. قلت: وقد أورد الحاكم نفسه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في كتابه "الضعفاء" كما سماه العلامة ابن عبد الهادي، وقال في آخره: "فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم، لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة، فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به، فإن الجرح لا أستحله تقليداً، والذي أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم، فالراوي لحديثهم داخل في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَيْن" (¬2). قلت: فمن تأمل في كلام الحاكم هذا والذي قبله يتبن له بوضوح أن حديث عبد الرحمن بن زيد هذا موضوع عند الحاكم نفسه، وأن من يرويه بعد العلم بحاله ¬

(¬1) هذا نص من شيخ الإسلام على أن كلمة "يغلط كثيراً" صيغة جرح لا تعديل، ولا يخفى أنه لا فرق بينها وبين كلمة "يخطئ كثيراً" التي وصف الحافظ بها عطية العوفي كما سبق. [منه]. (¬2) أخرجه مسلم (1/ 7) وابن حبان في "صحيحه" (1/ 27) من حديث سمرة بن جندب، ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة، وقال: "هو حديث مشهور". [منه]

فهو أحد الكاذبَيْن. وقد اتفق عند التحقيق كلام الحفاظ ابن تيمية والذهبي والعسقلاني على بطلان هذا الحديث، وتبعهم على ذلك غير واحد من المحققين كالحافظ ابن عبد الهادي كما سيأتي، فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصحح الحديث بعد اتفاق هؤلاء على وضعه تقليداً للحاكم في أحد قوليه، مع اختياره في قوله الآخر لطالب العلم أن لا يكتب حديث عبد الرحمن هذا، وأنه إن فعل كان أحد الكاذبين كما سبق. (تنبيه): إذا عرفت هذا فقول بعض المشايخ: "إن حكم الشيخ ناصر على الحديث بأنه "كذب وموضوع" باطل لأن مستنده قول الذهبي إنه موضوع" باطل حقاً لأن الذهبي قد وافقه من ذكرنا من الحفاظ الأعلام، ثم قالوا: "ومستند الذهبي ما في إسناد الحاكم من رجل قيل فيه إنه متهم".قلت: "هذا باطل أيضاً، لأن الرجل المشار إليه وهو عبد الله بن مسلم الفهري جهله الذهبي ولم يتهمه كما تقدم نقله عنه، وما أظن هذا يخفى عليهم ولكنهم تجاهلوه لغرض في أنفسهم، وهو أن يتسنى لهم أن يقولوا عقب ذلك: "لكن للحديث إسناد آخر عند الطبراني ليس فيه هذا المتهم، وغاية ما فيه أن فيه من هو غير معروف"، قلت: بل فيه ثلاثة لا يعرفون، وإذا كانوا لا يعلمون ذلك فلماذا عدلوا عن تقليد الهيثمي في قوله: "وفيه من لم أعرفهم" كما سبق، وهم هلكى وراء التقليد، إلى قولهم: "فيه من هو غير معروف"؟! السبب في ذلك أن قول الهيثمي نص على أن "من هو غير معروف" جماعة، وأما قولهم فليس نصاً على ذلك، بل هذا يقال إذا كان في السند شخص لا يعرف أو أكثر، فهو في الحقيقة من تلبيساتهم على القراء. نعوذ بالله من الخذلان. ثم قالوا عطفاً على ما سبق: "وإن فيه عبد الرحمن بن زيد وهو على

الراجح عند الحافظ ابن حجر ممن يقال فيه ضعيف، وهذه الكلمة من أخف مراتب التضعيف" أقول: لكن الراجح عند غير الحافظ أنه أشد ضعفاً من ذلك، فقد قال فيه أبو نعيم: (روى عن أبيه أحاديث موضوعة).وكذا قال الحاكم نفسه كما سبق، وهو وكذا أبو نعيم من المعروفين بتساهلهم في التوثيق، فإذا جرحا فإنما ذلك بعد ان ظهر لهما ان عبد الرحمن مجروح حقاً، ولذلك اتفقوا على تضعيفه كما في نص كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل ضعّفه جداً علي بن المديني وابن سعد وغيرهما، وقال الطحاوي: "حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف" فهو معروف بالضعف الشديد منذ القديم، فما الذي حمل المخالفين على الإعراض عن هذه الأقوال المتضافرة على أن عبد الرحمن هذا ضعيف جداً-إن لم يكن كذاباً-إلى التمسك بقول الحافظ فيه "ضعيف"؟! أقول هذا مع احتمال أن يكون سقط من قلم الحافظ أو قلم بعض النساخ عقب قوله "ضعيف" لفظة "جداً" وعلى كل حال فإن تقليدهم للحافظ في هذه الكلمة لا يفيدهم شيئاً، بعد أن حكم هو على الحديث بأنه "خبر باطل" كما سبق نقله عن "لسانه"! فهذا من الأدلة الكثيرة على أن هؤلاء أتباع هوى، وليسوا طلاب حق، وإلا لأخذوا بقول الحافظ هذا الموافق لقول الذهبي وغيره من المحققين، ولم يعرجوا على تضعيفه فقط لعبد الرحمن، ليعارضوا به الذهبي، ويدلسوا على الناس أمر الحديث، ويظهروه بمظهر الأحاديث التي اختلف فيها العلماء حتى يتسنى لهم ابتداع رأي جديد حول الحديث يتلاءم مع قول أحد الحفاظ في احد رواته! فانظر اليهم كيف قالوا عقب ما سبق: (فما كان حاله هكذا عند المحدثين فليس من الموضوع، ولا من الضعيف الشديد، بل هو من القسم الذي يعمل به في الفضائل)!

أقول: وهذا كلام ساقط من وجهين: الأول: أنه مبني على أن عبد الرحمن ضعيف فقط وليس كذلك بل هو ضعيف جداً كما سبق، وسيأتي التصريح بذلك عن أحد الحفاظ النقاد. الثاني: أنه معارض لحكم الحافظ بل الحفاظ على الحديث بالبطلان كما سبق، فكيف جاز لهم مخالفتهم لا سيما قد صرح أحدهم في "التعقيب الحثيث" (21) "أنه ليس له صفة التصحيح والتضعيف"! فلعله قال ذلك تواضعاً! وإلا فأنت تراه هنا قد أعطى لنفسه منزلة تسوغ له الاستقلال في البحث ولو أدى إلى مخالفة كل أولئك الحفاظ والنقاد! ويؤيد هذا الذي نقوله فيه انه قال عطفاً على ما سبق: "فنحن في هذا الحديث مع من لم ير به ذلك (يعني الوضع) كالحاكم والحافظ السبكي، فليس علينا فيه افتيات على الحافظ الذهبي، لكن رأينا ما عليه الحافظان المذكوران أقرب إلى الصواب". أقول: ولا يخفى ما في هذا الكلام من التلبيس والتدليس فإن الحاكم إنما ذهب في "المستدرك" إلى تصحيح الحديث كما سبق، والسبكي قلده في ذلك كما بينه الحافظ ابن عبد الهادي فقال في رده عليه في "الصارم المنكي" (ص32): (وإني لاتعجب منه كيف قلد الحاكم في تصحيحه مع أنه حديث غير صحيح ولا ثابت، بل هو حديث ضعيف الإسناد جداً، وقد حكم عليه بعض الأئمة بالوضع، وليس إسناده من الحاكم إلى عبد الرحمن بن زيد بصحيح بل مفتعل على عبد الرحمن كما سنبينه، ولو كان صحيحاً إلى عبد الرحمن لكان ضعيفاً غير محتج به، لأن عبد الرحمن في طريقه، وقد أخطأ الحاكم وتناقض تناقضاً فاحشاً كما عرف له ذلك في مواضيع، فإنه قال في كتاب "الضعفاء"، بعد أن ذكر عبد الرحمن متهم) وذكر ما نقلته عنه فيما سبق (ص86 - 87): "فانظر إلى ما وقع للحاكم في هذا الموضع من الخطأ العظيم والتناقض الفاحش، ثم إن هذا المعترض المخذول

عمد إلى هذا الذي اخطأ فيه الحاكم وتناقض، فقلده فيه، واعتمد عليه، فقال " ونحن قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم"، وذكر قبل ذلك بقليل أنه مما تبين له صحته. فانظر يرحمك الله إلى هذا الخذلان البين والخطأ الفاحش! كيف جاء هذا المعترض إلى حديث غير صحيح ولا ثابت، بل هو حديث موضوع، فصححه واعتمد عليه، وقلد في ذلك الحاكم مع ظهور خطئه وتناقضه، مع معرفة هذا المعترض بضعف راويه وجرحه واطلاعه على الكلام المشهور فيه". أقول: هذا شأن السبكي رحمه الله تعالى في هذا الحديث، وتقليد الحاكم في تصحيحه، وهذا مع كونه خطأ في نفسه كما سبق بيانه فهو خلاف رأي المشار إليه سابقاً الذي صرح بأن الحديث ضعيف لا صحيح ولا موضوع، فقد خالف-هو ومن قلده وناصره-الحاكم والسبكي كما خالفوا من سبق ذكرهم من العلماء الفحول الذين قالوا بوضع الحديث أو بطلانه، فليس افتئاتهم على الذهبي فقط، بل وعلى من وافقه وخالفه جميعاً! فليتأمل العاقل ما يفعل الهوى بصاحبه! لقد أرادوا أن ينزهوا أنفسهم عن الافتئات على الذهبي، وإذا بهم يقولون بما هو أدهى وأمر من الافتئات على من ذكرنا من العلماء! ومن مغالطاتهم المكشوفة عند أهل العلم قولهم في أثناء كلامهم السابق بعد أن أشاروا إلى طريق الطبراني الذي سبق الكلام عليه: "فالذهبي لم يطلع على هذا الطريق، وإلا لو اطلع عليه لم يقل ذلك". أقول: وهذا كلام باطل، إذ أن الذهبي حكم على الحديث بالوضع والبطلان من طريق الحاكم، وفيه عبد الرحمن بن زيد ورجل آخر لا يعرفه، كما سبق بيانه في أول هذا التنبيه، وطريق الطبراني فيه علاوة على عبد الرحمن هذا ثلاث رجال

آخرون لا يعرفون كما سبق أيضاً، فكيف يصح أن يقال حينئذ: (إن الذهبي لو اطلع على هذا الطريق لم يقل بذلك)؟! اللهم إن هذه مغالطة ومكابرة مكشوفة أو جهل مركب، فرحمتك اللهم وهداك! لقد تبين للقراء الكرام مما سلف أن للحديث علتين: الأولى: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأنه ضعيف جداً. الثانية: جهالة الإسناد إلى عبد الرحمن. وللحديث عندي علة أخرى. وهي اضطراب عبد الرحمن أو من دونه في إسناده، فتارة كان يرفعه كما مضى، وتارة كان يرويه موقوفاً على عمر، لا يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، كما رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" (ص427) من طريق عبد الله ابن إسماعيل بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن زيد به، وعبد الله هذا لم أعرفه أيضاً، فلا يصح عن عمر مرفوعاً ولا موقوفاً، ثم رواه الآجري من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال: من الكلمات التي تاب الله بها على آدم قال: اللهم أسألك بحق محمد عليك .. الحديث نحوه مختصراً، وهذا مع إرساله ووقفه، فإن إسناده إلى ابن أبي الزناد ضعيف جداً، وفيه عثمان بن خالد والد أبي مروان العثماني، قال النسائي: (ليس بثقة). وعلى هذا فلا يبعد أن يكون أصل هذا الحديث من الإسرائيليات التي تسربت إلى المسلمين من بعض مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم. أو عن كتبهم التي لا يوثق بها، لما طرأ عليها من التحريف والتبديل كما بينه شيخ الإسلام في كتبه، ثم رفعه بعض هؤلاء الضعفاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خطأ أو عمداً.

مخالفة هذا الحديث للقرآن: ومما يؤيد ما ذهب إليه العلماء من وضع هذا الحديث وبطلانه أنه يخالف القرآن الكريم في موضعين منه: الأول: أنه تضمن أن الله تعالى غفر لآدم بسبب توسله به - صلى الله عليه وسلم -، والله عز وجل يقول: {فتلقى آدم من ربه كلمات، فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}.وقد جاء تفسير هذه الكلمات عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما مما يخالف هذا الحديث، فأخرج الحاكم (3/ 545) عنه: {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال: أي رب! ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى. قال: ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى. قال: أي رب! ألم تسكنّي جنتك؟ قال: بلى. قال: ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى. قالت: أرأيت إن تبتُ وأصلحت، أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: بلى. قال: فهو قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} وقال الحاكم: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. قلت: وقول ابن عباس هذا في حكم المرفوع من وجهين: الأول: أنه أمر غيبي لا يقال من مجرد الرأي. الثاني: أنه ورد في تفسير الآية، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع كما تقرر في محله، ولا سيما إذا كان من قول إمام المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: " اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل". وقد قيل في تفسير هذه الكلمات: إنها ما في الآية الأخرى {قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}.وبهذا جزم السيد رشيد رضا في "تفسيره"

(1/ 279).لكن أشار ابن كثير (1/ 81) إلى تضعيفه، ولا منافاة عندي بين القولين، بل أحدهم يتمم الآخر، فحديث ابن عباس لم يتعرض لبيان ما قاله آدم عليه السلام بعد أن تلقى من ربه تلك الكلمات وهذا القول يبين ذلك، فلا منافاة والحمد لله، وثبت مخالفة الحديث للقرآن، فكان باطلاً. الموضع الثاني: قوله في آخره: " ولولا محمد ما خلقتك " فإن هذا أمر عظيم يتعلق بالعقائد التي لا تثبت إلا بنص متواتر اتفاقاً، أو صحيح عند آخرين، ولو كان ذلك صحيحاً لورد في الكتاب والسنة الصحيحة، وافتراض صحته في الواقع مع ضياع النص الذي تقوم به الحجة ينافي قوله تبارك وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون}.والذكر هنا يشمل الشريعة كلها قرآناً وسنة، كما قرره ابن حزم في "الإحكام" وأيضاً فإن الله تبارك وتعالى قد أخبرنا عن الحكمة التي من أجلها خلق آدم وذريته، فقال عز وجل: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فكل ما خالف هذه الحكمة أو زاد عليها لا يقبل إلا بنص صحيح عن المعصوم - صلى الله عليه وآله وسلم - كمخالفة هذا الحديث الباطل. ومثله ما اشتهر على ألسنة الناس: " لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك " فإنه موضوع كما قاله الصنعاني ووافقه الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص116).ومن الطرائف أن المتنبي ميرزا غلام أحمد القادياني سرق هذا الحديث الموضوع فادعى أن الله خاطبه بقوله: (لولاك لما خلقت الافلاك)!! وهذا شيء يعترف به أتباعه القاديانيون هنا في دمشق وغيرها، لوروده في كتاب متنبئهم "حقيقة الوحي" (ص99). ثم على افتراض أن هذا الحديث ضعيف فقط كما يزعم بعض المخالفين خلافاً لمن سبق ذكرهم من العلماء والحفاظ، فلا يجوز الاستدلال به على

مشروعية التوسل المختلف فيه، لأن-على قولهم-عبادة مشروعة، وأقل أحوال العبادة أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي من الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص صحيح تقوم به الحجة، فإذا الحديث عنده ضعيف، فلا حجة فيه البتة، وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى. الحديث السابع: "توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم": وبعضهم يرويه بلفظ: "إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم". هذا باطل لا أصل له في شيء من كتب الحديث البتة، وإنما يرويه بعض الجهال بالسنة كما نبَّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "القاعدة الجليلة" (ص132، 150) قال: (مع أن جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - عند الله أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين، ولكن جاه المخلوق عند الخالق ليس كجاه المخلوق عند المخلوق فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه، فهو شريك له في حصول المطلوب، والله تعالى لا شريك له كما قال سبحانه: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وما لهم فيهما من شرك، وما له منهم من ظهير، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} (سبأ: 22 - 23). فلا يلزم إذن من كون جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - عند ربه عظيماً، أن نتوسل به إلى الله تعالى لعدم ثبوت الأمر به عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويوضح ذلك أن الركوع والسجود من مظاهر التعظيم فيما اصطلح عليه الناس، فقد كانوا وما يزال بعضهم يقومون ويركعون ويسجدون لمليكهم ورئيسهم والمعظم لديهم، ومن المتفق عليه بين المسلمين أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - هو أعظم الناس لديهم، وأرفعهم عندهم. ترى فهل يجوز لهم أن

يقوموا ويركعوا ويسجدوا له في حياته وبعد مماته؟ الجواب: إنه لا بد لمن يجوز ذلك، من أن يثبت وروده في الشرع، وقد نظرنا فوجدنا أن السجود والركوع لا يجوزان إلا له سبحانه وتعالى، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يسجد أو يركع أحد لأحد، كما أننا رأينا في السنة كراهية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للقيام، فدل ذلك على عدم مشروعيته. ترى فهل يستطيع أحد أن يقول عنا حين نمنع السجود لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: إننا ننكر جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - وقدره؟ كلا ثم كلا. فظهر من هذا بجلاء إن شاء الله تعالى أنه لا تلازم بين ثبوت جاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبين تعظيمه بالتوسل بجاهه ما دام أنه لم يرد في الشرع. هذا، وإن من جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه يجب علينا اتباعه وإطاعته كما يجب إطاعة ربه، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: " ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا أمرتكم به" فإذا لم يأمرنا بهذا التوسل ولو أمرَ استحباب فليس عبادة، فيجب علينا اتباعه في ذلك وأن ندع العواطف جانباً، ولا نفسح لها المجال حتى ندخل في دين الله ما ليس منه بدعوى حبه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فالحب الصادق إنما هو بالاتبْاع، وليس بابتداع كما قال عز وجل: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} ومنه قول الشاعر: تعصى الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمرك في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع أثران ضعيفان: 1 - أثر الاستسقاء بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته:

وبعد أن فرغنا من إيراد الأحاديث الضعيفة في التوسل، وتحقيق القول فيها يحسن بنا أن نورد أثراً، كثيراً ما يورده المجيزون لهذا التوسل المبتدع، لنبين حاله من صحة او ضعف، وهل له علاقة بما نحن فيه أم لا؟ فأقول: قال الحافظ في "الفتح" (2/ 397) ما نصه: "وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار-وكان خازن عمر-قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا رسول الله! استسق لأمتك، فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجلُ في المنام، فقيل له: ائت عمر .. الحديث. وقد روى سيف في "الفتوح" أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة". قلت: والجواب من وجوه: الأول: عدم التسليم بصحة هذه القصة، لأن مالك الدار غير معروف العدالة والضبط، وهذان شرطان أساسيان في كل سند صحيح كما تقرر في علم المصطلح، وقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 213) ولم يذكر راوياً عنه غير أبي صالح هذا، ففيه إشعار بأنه مجهول، ويؤيده أن ابن أبي حاتم نفسه-مع سعة حفظه واطلاعه-لم يحك فيه توثيقاً فبقي على الجهالة، ولا ينافي هذا قول الحافظ: " ... بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان ... " لأننا نقول: إنه ليس نصاً في تصحيح جميع السند بل إلى أبي صالح فقط، ولولا ذلك لما ابتدأ هو الإسنادَ من عند أبي صالح، ولقال رأساً: "عن مالك الدار ... وإسناده صحيح" ولكنه تعمد ذلك، ليلفت النظر إلى أن ها هنا شيئاً ينبغي النظر فيه، والعلماء إنما يفعلون ذلك لأسباب منها: أنهم قد لا يحضرهم ترجمة بعض الرواة، فلا يستجيزون لأنفسهم

حذف السند كله، لما فيه من إيهام صحته لاسيما عند الاستدلال به، بل يوردون منه ما فيه موضع للنظر فيه، وهذا هو الذي صنعه الحافظ رحمه الله هنا، وكأنه يشير إلى تفرد أبي صالح السمان عن مالك الدار كما سبق نقله عن ابن أبي حاتم، وهو يحيل بذلك إلى وجوب التثبت من حال مالك هذا أو يشير إلى جهالته. والله أعلم. وهذا علم دقيق لا يعرفه إلا من مارس هذه الصناعة، ويؤيد ما ذهبت اليه أن الحافظ المنذري أورد في "الترغيب" (2/ 41 - 42) قصة أخرى من رواية مالك الدار عن عمر ثم قال: (رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون، ومالك الدار لا أعرفه).وكذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 125). وقد غفل عن هذا التحقيق صاحب كتاب "التوصل" (ص241) فاغتر بظاهر كلام الحافظ، وصرح بأن الحديث صحيح، وتخلص منه بقوله: "فليس فيه سوى: جاء رجل .. " واعتمد على أن الرواية التي فيها تسمية الرجل ببلال بن الحارث فيها سيف، وقد عرفت حاله. وهذا لا فائدة كبرى فيه، بل الأثر ضعيف من أصله لجهالة مالك الدار كما بيناه. الثاني: أنها مخالفة لما ثبت في الشرع من استحباب إقامة صلاة الاستسقاء لاستنزال الغيث من السماء، كما ورد ذلك في أحاديث كثيرة، وأخذ به جماهير الأئمة، بل هي مخالفة لما أفادته الآية من الدعاء والاستغفار، وهي قوله تعالى في سورة نوح: {فقلت: استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً .. } وهذا ما فعله عمر بن الخطاب حين استسقى وتوسل بدعاء العباس كما

سبق بيانه، وهكذا كانت عادة السلف الصالح كلما أصابهم القحط أن يصلوا ويدعوا، ولم ينقل عن أحد منهم مطلقاً أنه التجأ إلى قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وطلب منه الدعاء للسقيا، ولو كان ذلك مشروعاً لفعلوه ولو مرة واحدة، فإذا لم يفعلوه دل ذلك على عدم مشروعية ما جاء في القصة. الثالث: هب أن القصة صحيحة، فلا حجة فيها، لأن مدارها على رجل لم يسم، فهو مجهول أيضاً، وتسميته بلالاً في رواية سيف لا يساوي شيئاً، لأن سيفاً هذا-وهو ابن عمر التميمي-متفق على ضعفه عند المحدثين، بل قال ابن حبان فيه: "يروي الموضوعات عن الأثبات، وقالوا: إنه كان يضع الحديث".فمن كان هذا شأنه لا تقبل روايته ولا كرامة، لا سيما عند المخالفة. (تنبيه): سيف هذا يرد ذكره كثيراً في تاريخ ابن جرير وابن كثير وغيرهما، فينبغي على المشتغلين بعلم التاريخ أن لا يغفلوا عن حقيقة أمره حتى لا يعطوا الروايات ما لا تستحق من المنزلة. ومثله لوط بن يحيى أبو مخنف قال الذهبي في "الميزان" "أخباري تالف لا يوثق به، تركه أبو حاتم وغيره. وقال الدارقطني: ضعيف، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال ابن عدي: شيعي محترق صاحب أخبارهم". ومثله محمد بن عمر المعروف بالواقدي-شيخ ابن سعد صاحب "الطبقات" الذي يكثر الرواية عنه-وقد اغتر به الدكتور البوطي، فروى أخباراً كثيرة في "فقه السيرة" من طريقه مع أنه تعهد بأن ينقل عن الصحاح، وما صح من السيرة! والواقدي هذا متروك الحديث أيضاً كما قال علماء الحديث، فتأمل. الفرق بين التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبين طلب الدعاء منه:

الوجه الرابع: أن هذا الأثر ليس فيه التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل فيه طلب الدعاء منه بأن يستسقي الله تعالى أمته، وهذه مسألة أخرى لا تشملها الأحاديث المتقدمة، ولم يقل بجوازها أحد من علماء السلف الصالح رضي الله عنهم، أعني الطلب منه - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة" (ص19 - 20): لم يكن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصالحين، ويستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم، ولا في مغيبهم، فلا يقول أحد: يا ملائكة الله اشفعوا لي عند الله، سلوا الله لنا أن ينصرنا أو يرزقنا أو يهدينا، وكذلك لا يقول لمن مات من الأنبياء والصالحين: يا نبي الله يا ولي الله (الأصل: رسول الله) ادع الله لي، سل الله لي، سل الله أن يغفر لي ... ولا يقول: أشكو إليك ذنوبي أو نقص رزقي أو تسلط العدو علي، أو أشكو إليك فلاناً الذي ظلمني، ولا يقول: أنا نزيلك، أنا ضيفك، أنا جارك، أو أنت تجير من يستجيرك. ولا يكتب أحد ورقة ويعلقها عند القبور، ولا يكتب احد محضراً أنه استجار بفلان، ويذهب بالمحضر إلى من يعمل بذلك المحضر ونحو ذلك مما يفعله أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين، كما يفعله النصارى في كنائسهم، وكما يفعله المبتدعون من المسلمين عند قبور الأنبياء والصالحين أو في مغيبهم، فهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام، وبالنقل المتواتر وبإجماع المسلمين أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يشرع هذا لأمته، وكذلك الأنبياء قبله لم يشرعوا شيئاً من ذلك، ولا فعل هذا احد من أصحابه - صلى الله عليه وآله وسلم - والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا ذكر أحد من الأئمة لا في مناسك الحج ولا غيرها أنه يستحب لأحد أن يسأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عند قبره أن يشفع له أو يدعو لأمته، أو يشكو إليه ما نزل بأمته من مصائب الدنيا والدين، وكان أصحابه

يبتلون بأنواع البلاء بعد موته، فتارة بالجدب، وتارة بنقص الرزق، وتارة بالخوف وقوة العدو، وتارة بالذنوب والمعاصي، ولم يكن أحد منهم يأتي إلى قبر الرسول ولا قبر الخليل ولا قبر أحد من الأنبياء فيقول: نشكوا إليك جدب الزمان أو قوة العدو، أو كثرة الذنوب ولا يقول: سل الله لنا أو لأمتك أن يرزقهم أو ينصرهم أو يغفر لهم، بل هذا وما يشبهه من البدع المحدثة التي لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين، فليست واجبة ولا مستحبة باتفاق أئمة المسلمين، وكل بدعة ليست واجبة ولا مستحبة فهي بدعة سيئة وضلالة باتفاق المسلمين (¬1). ومن قال في بعض البدع: إنها بدعة حسنة فإنما ذلك إذا قام دليل شرعي على أنها مستحبة، فأما ما ليس بمستحب ولا واجب فلا يقول أحد من المسلمين: إنها من الحسنات التي يتقرب بها إلى الله، ومن تقرب إلى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر إيجاب ولا استحباب فهو ضال متبع للشيطان، وسبيله من سبيل الشيطان، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خطاً، وخط خطوطاً عن يمينه وشماله، ثم قال: " هذا سبيل الله، وهذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه " ثم قرأ {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} (الأنعام: 53). قلت: إنما وقع بعض المتأخرين في هذا الخطأ المبين بسبب قياسهم حياة ¬

(¬1) يحمل كلام شيخ الإسلام هنا على أحد وجهين: أولهما: ان يكون خاطب المخالفين بما يعتقدون من انقسام البدعة بحسب الأحكام الخمسة، ومنها الوجوب والاستحباب. وثانيهما: أن يكون أراد بالبدعة اللغوية منها، وهي ما حدث بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ودل عليها الدليل الشرعي. وإنما قلنا هذا لما هو معروف عنه رحمه الله انه يعد البدعة الشرعية كلها ضلالة، وتمام كلامه هنا يدل عليه. [منه].

الأنبياء في البرزخ على حياتهم في الدنيا، وهذا قياس باطل مخالف للكتاب والسنة والواقع، وحسبنا الآن مثالاً على ذلك أن أحداً من المسلمين لا يجيز الصلاة وراء قبورهم، ولا يستطيع أحد مكالمتهم، ولا التحدث إليهم، وغير ذلك من الفوارق التي لا تخفى على عاقل. الاستغاثة بغير الله تعالى: ونتج من هذا القياس الفاسد والرأي الكاسد تلك الضلالة الكبرى، والمصيبة العظمى التي وقع فيها كثير من عامة المسلمين وبعض خاصتهم، ألا وهي الاستغاثة بالأنبياء الصالحين من دون الله تعالى في الشدائد والمصائب حتى إنك لتسمع جماعات متعددة عند بعض القبور يستغيثون بأصحابها في أمور مختلفة، كأن هؤلاء الأموات يسمعون ما يقال لهم، ويطلب منهم من الحاجات المختلفة بلغات متباينة، فهم عند المستغيثين بهم يعلمون مختلف لغات الدنيا، ويميزون كل لغة عن الأخرى، ولو كان الكلام بها في آن واحد! وهذا هو الشرك في صفات الله تعالى الذي جهله كثير من الناس، فوقعوا بسببه في هذه الضلالة الكبرى. ويبطل هذا يرد عليه آيات كثيرة. منها قوله تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه، فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً} (الإسراء: 56).والآيات في هذا الصدد كثيرة، بل قد ألف في بيان ذلك كتب ورسائل عديدة (¬1).فمن كان في شك من ذلك فليرجع إليها يظهر له الحق إن شاء الله، ولكني وقفت على نقول ¬

(¬1) منها"قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" و"الرد على البكري" لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومن أجمعها "مجموعة التوحيد النجدية" فعليك بمطالعتها. [منه].

لبعض علماء الحنفية رأيت من المفيد إيرادها هنا حتى لا يظن ظان أن ما قلناه لم يذهب إليه أحد من أصحاب المذاهب المعروفة. قال الشيخ أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي في "التعليق المغني على سنن الدارقطني" (ص520 - 521): "ومن أقبح المنكرات وأكبر البدعات وأعظم المحدثات ما اعتاده أهل البدع من ذكر الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله بقولهم: يا شيخ عبد القادر الجيلاني شيئاً لله، والصلوات المنكوسة إلى بغداد، وغير ذلك مما لا يعد، هؤلاء عبدة غير الله ما قدروا الله حق قدره، ولم يعلم هؤلاء السفهاء أن الشيخ رحمه الله لا يقدر على جلب نفع لأحد ولا دفع ضر عنه مقدار ذرة، فلم يستغيثون به ولم يطلبون الحوائج منه؟! أليس الله بكاف عبده؟!! اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك أو نعظم أحداً من خلقك كعظمتك، قال في "البزازية" وغيرها من كتب الفتاوى: "من قال: إن أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر" (¬1) وقال الشيخ فخر الدين أبو سعد عثمان الجياني بن سليمان الحنفي في رسالته: "ومن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله، واعتقد بذلك كفر. كذا في "البحر الرائق"، وقال القاضي حميد الدين ناكوري الهندي في "التوشيح": "منهم الذين يدعون الأنبياء والأولياء عند الحوائج والمصائب باعتقاد أن أرواحهم حاضرة تسمع النداء وتعلم الحوائج، وذلك شرك قبيح وجهل صريح، قال الله تعالى: {ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة، وهم عن دعائهم غافلون} (الأحقاف:5 (، وفي "البحر" (¬2): لو تزوج بشهادة الله ¬

(¬1) "البحر" (5/ 134). [منه]. (¬2) (ج3/ص94). [منه].

ورسوله لا ينعقد النكاح، ويكفر لاعتقاده أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم الغيب (¬1)، وهكذا في فتاوى قاضي خان والعيني والدر المختار والعالمكيرية وغيرها من كتب العلماء الحنفية، وأما في الآيات الكريمة والسنة المطهرة في إبطال أساس الشرك، والتوبيخ لفاعله فأكثر من أن تحصى،- ولشيخنا العلامة السيد محمد نذير حسين الدهلوي في رد تلك البدعة المنكرة رسالة شافية". 2 - أثر فتح الكوى فوق قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى السماء: روى الدارمي في "سننه" (1/ 43): حدثنا أبو النعمان ثنا سعيد ابن زيد ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: قحَط أهل المدينة قحطاً شديداً، فشكوا إلى عائشة، فقالت: انظروا قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال: ففعلوا، فمطرنا مطراً حتى نبت العشب، وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق. قلت: وهذا سند ضعيف لا تقوم به حجة لأمور ثلاثة: أولها: أن سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن زيد فيه ضعف. قال فيه الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام. وقال الذهبي في "الميزان": "قال يحيى بن سعيد: ضعيف، وقال السعدي: ليس بحجة، يضعفون حديثه، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي، وقال أحمد: ليس به بأس، كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه". وثانيهما: أنه موقوف على عائشة وليس بمرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولو صح لم تكن فيه حجة، لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة، ¬

(¬1) ومن هذا القبيل ما اعتاده كثير من الناس من الإجابة بقولهم: "الله ورسوله اعلم"! وما ورد من قول بعض الصحابة ذلك فإنما كان في حال حياته - صلى الله عليه وآله وسلم -، أما في حال وفاته فلا يجوز هذا بحال. [منه].

مما يخطئون فيه ويصيبون، ولسنا ملزمين بالعمل بها. وثالثها: أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل، يعرف بعارم، وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره. وقد أورده الحافظ برهان الدين الحلبي حيث أورده في "المختلطين" من كتابه "المقدمة" وقال (ص391): "والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط ولا يقبل حديث من أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده". قلت: وهذا الأثر لا يدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده، فهو إذن غير مقبول، فلا يحتج به (¬1)، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في"الرد على البكري" (ص68 - 74): (وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء، لينزل المطر فليس بصحيح، ولا يثبت إسناده، ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة، بل كان باقياً كما كان على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، بعضه مسقوف وبعضه مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه، كما ثبت في "الصحيحين" عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، لم يظهر الفيء بعد، ولم تزل الحجرة النبوية كذلك في مسجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - .. ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد، ثم إنه بُنيَ حول حجرة عائشة التي فيها القبر جدار عال، وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف. وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بين لو صح ذلك لكان حجة ودليلاً على أن القوم لم يكونوا يقسمون على الله بمخلوق ولا يتوسلون في دعائهم بميت، ولا يسألون الله به، وإنما فتحوا على ¬

(¬1) وتغافل عن هذه العلة الشيخ الغماري في "المصباح" (43) كما تغافل عنها من لم يوفق للإصابة، ليوهموا الناس صحة هذا الأثر. [منه].

القبر لتنزل الرحمة عليه، ولم يكن هناك دعاء يقسمون به عليه، فأين هذا من هذا، والمخلوق إنما ينفع المخلوق بدعائه أو بعمله، فإن الله تعالى يحب أن نتوسل إليه بالإيمان والعمل والصلاة والسلام على نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ومحبته وطاعته وموالاته، فهذه هي الأمور التي يحب الله أن نتوسل بها إليه، وإن أريد أن نتوسل إليه بما تُحَبُ ذاته، وإن لم يكن هناك ما يحب الله أن نتوسل به من الإيمان والعمل الصالح، فهذا باطل عقلاً وشرعاً، أما عقلاً فلأنه ليس في كون الشخص المعين محبوباً له ما يوجب كون حاجتي تقضى بالتوسل بذاته إذا لم يكن مني ولا منه سبب تقضى به حاجتي، فإن كان منه دعاء لي أو كان مني إيمان به وطاعة له فلا ريب أن هذه وسيلة، وأما نفس ذاته المحبوبة فأي وسيلة لي منها إذا لم يحصل لي السبب الذي أمرت به فيها. وأما الشرع فيقال: العبادات كلها مبناها على الاتباع لا على الابتداع، فليس لأحد أن يشرع من الدين ما لم يأذن به الله، فليس لأحد أن يصلي إلى قبره ويقول هو أحق بالصلاة إليه من الكعبة، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصحيح أنه قال: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" مع أن طائفة من غلاة العباد يصلون إلى قبور شيوخهم، بل يستدبرون القبلة، ويصلون إلى قبر الشيخ ويقولون: هذه قبلة الخاصة، والكعبة قبلة العامة! وطائفة أخرى يرون الصلاة عند قبور شيوخهم أفضل من الصلاة في المساجد حتى المسجد الحرام [والنبوي] والأقصى. وكثير من الناس يرى أن الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل منه في المساجد، وهذا كله مما قد علم جميع أهل العلم بديانة الإسلام أنه مناف لشريعة الإسلام. ومن لم يعتصم في هذا الباب وغيره بالكتاب والسنة فقد ضَل وأضل، ووقع في مهواة من التلف. فعلى العبد أن يسلم للشريعة المحمدية الكاملة البيضاء

الواضحة، ويسلم أنها جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإذا رأى من العبادات والتقشفات وغيرها التي يظنها حسنة ونافعة ما ليس بمشروع علم أن ضررها راجح على نفعها، ومفسدتها راجحة على مصلحتها، إذ الشارع الحكيم لا يهمل المصالح) ثم قال: "والدعاء من أجل العبادات، فينبغي للإنسان أن يلزم الأدعية المشروعة فإنها معصومة كما يتحرى في سائر عبادته الصور المشروعة، فإن هذا هو الصراط المستقيم. والله تعالى يوفقنا وسائر إخواننا المؤمنين". "تنبيه": أعلم أن كتاب الدارمي هذا هو على طريقة السنن الأربعة في ترتيب الكتب والأبواب، ولذلك فالصواب إطلاق اسم "السنن" عليه كما فعل فضيلة الشيخ دهمان في طبعته إياه. وقد اشتهر قديماً بـ"مسند الدارمي"، وهذا وهم لا وجه له مطلقاً عند أهل العلم، ومثله تسميته بـ"الصحيح" وهذا أبعد ما يكون عن الصواب، لأن فيه أحاديث مرفوعة كثيرة ضعيفة الأسانيد، وبعضها مرسلات ومعضلات، وفيه آثار موقوفة، وكثير منها ضعيفة كهذا الأثر، فأنَّى له الصحة!! ومثل هذا الخطأ إطلاق لفظ "الصحاح" على السنن الأربعة أيضاً، كما يفعل بعض الدكاترة! فإن هذا مع منافاته لأسمائها الحقيقية "السنن" فإنها منافية أيضاً لواقع الأمر، فإن فيها أحاديث ضعيفة كثيرة أيضاً، ومنافية أيضاً لصنيع مؤلفيها، فإنهم ينبهون أحياناً على بعض الأحاديث الضعيفة التي وقعت فيها، وبخاصة منهم الإمام الترمذي فإنه واسع الباع في بيان الضعيف الذي في كتابه، كما يعرف ذلك أهل العلم بهذه "السنن".وفي "سنن ابن ماجه" غير ما حديث موضوع فضلاً عن الضعيف، فلا يطلق على هذه "السنن" اسم "الصحاح" إلا جاهل أو مغرض.

الوجه الرابع: الشبهة الرابعة: قياس الخالق على المخلوقين: يقول المخالفون، إن التوسل بذوات الصالحين وأقدارهم أمر مطلوب وجائز، لأنه مبني على منطق الواقع ومتطلباته، ذلك أن أحدنا إذا كانت له حاجة عند ملك أو وزير أو مسؤول كبير فهو لا يذهب إليه مباشرة، لأنه يشعر أنه ربما لا يلتفت إليه، هذا إذا لم يرده أصلاً، ولذلك كان من الطبيعي إذا أردنا حاجة من كبير فإننا نبحث عمن يعرفه، ويكون مقرباً إليه أثيراً عنده، ونجعله واسطة بيننا وبينه، فإذا فعلنا ذلك استجاب لنا، وقضيت حاجتنا، وهكذا الأمر نفسه في علاقتنا بالله سبحانه-بزعمهم-فالله عز وجل عظيم العظماء، وكبير الكبراء، ونحن مذنبون عصاة، وبعيدون لذلك عن جناب الله، ليس من اللائق بنا أن ندعوه مباشرة، لأننا إن فعلنا ذلك خفنا أن يردنا على أعقابنا خائبين، أو لا يلتفت إلينا فنرجع بخفي حنين، وهناك ناس صالحون كالأنبياء والرسل والشهداء قريبون إليه سبحانه، يستجيب لهم إذا دعوه، ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا لديه، أفلا يكون الأولى بنا والأحرى أن نتوسل إليه بجاههم، ونقدم بين يدي دعائنا ذكرهم، عسى ان ينظر الله تعالى إلينا إكراماً لهم، ويجيب دعاءنا مراعاة لخاطرهم، فلماذا تمنعون هذا النوع من التوسل، والبشر يستعملونه فيما بينهم، فلم لا يستعملونه مع ربهم ومعبودهم؟ ونقول جواباً على هذه الشبهة: إنكم يا هؤلاء إذن تقيسون الخالق على المخلوق، وتشبهون قيوم السماوات والأرض، أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، الرؤوف الرحيم بأولئك الحكام الظالمين، والمتسلطين المتجبرين الذين لا يأبهون لمصالح الرعية، ويجعلون بينهم وبين الرعية حجباً وأستاراً، فلا يمكنها أن تصل

إليهم إلا بوسائط ووسائل، ترضي هذه الوسائط بالرشاوي والهبات، وتخضع لها وتتذلل، وتترضاها وتتقرب إليها، فهل خطر ببالكم أيها المساكين أنكم حين تفعلون ذلك تذمون ربكم، وتطعنون به، وتؤذونه، وتصفونه بما يمقته وما يكرهه؟ هل خطر ببالكم إنكم تصفون الله تعالى بأبشع الصفات حين تقيسونه على الحكام الظلمة، والمتسلطين الفجرة، فكيف يسَّوغ هذا لكم دينكم، وكيف يتفق هذا مع ما يجب عليكم من تعظيمكم لربكم، وتمجيدكم لخالقكم؟ ترى لو كان يمكن لأحد الناس أن يخاطب الحاكم وجهاً لوجه، ويكلمه دون واسطة أو حجاب أيكون ذلك أكمل وأمدح له، أم حين لا يتمكن من مخاطبته إلا من خلال وسائط قد تطول وقد تقصر؟ يا هؤلاء إنكم تفخرون في أحاديثكم بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وتمجدونه وتشيدون به وتبينون للناس أنه كان متواضعاً لا يتكبر ولا يتجبر، وكان قريباً من الناس، يتمكن أضعفهم من لقائه ومخاطبته، وأنه كان يأتيه الأعرابي الجاهل الفظ من البادية، فيكلمه دون واسطة أو حجاب، فينظر في حاجته ويقضيها له إن كانت حقاً. ترى هل هذا النوع من الحكام خير وأفضل، أم ذاك النوع الذي تضربون لربكم به الأمثال؟ فما لكم كيف تحكمون؟ وما لعقولكم أين ذهبت، وما لتفكيركم أين غاب، وكيف ساغ لكم تشبيه الله تعالى بالملك الظالم، أم كيف غطى عنكم الشيطان بشاعة قياس الله سبحانه على الأمير الغاشم؟ يا هؤلاء إنكم لو شبهتم الله تعالى بأعدل الناس وأتقى الناس، وأصلح الناس لكفرتم، فكيف وقد شبهتموه بأظلم الناس، وأفجر الناس، وأخبث الناس؟

يا هؤلاء إنكم لو قستم ربكم الجليل على عمر بن الخطاب التقي العادل لوقعتم في الشرك، فكيف تردى بكم الشيطان، فلم ترضوا بذلك حتى أوقعكم في قياس ربكم على أهل الجور والفساد من الملوك والأمراء والوزراء؟ إن تشبيه الله تعالى بخلقه كفر كله حذر منه سبحانه حيث قال: {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السماوات والأرض شيئاً ولا يستطيعون. فلا تضربوا لله الأمثال. إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون} (النحل: الآية 74) (¬1) كما نفى سبحانه أي مشابهة بينه وبين أي خلق من مخلوقاته فقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: الآية 11 (.ولكن شر تشبيه أن يشبهه المرء بالأشرار والفجار والفساق من الولاة، وهو يظن أنه يحسن صنعاً! إن هذا هو الذي يحمل بعض العلماء والمحققين على المبالغة في إنكار التوسل بذوات الأنبياء، واعتباره شركاً، وإن كان هو نفسه ليس شركاً عندنا، بل يخشى أن يؤدي إلى الشرك، وقد أدى فعلاً بأولئك الذين يعتذرون لتوسلهم بذلك التشبيه السابق الذي هو الكفر بعينه لو كانوا يعلمون. ومن هنا يتبين أن قول بعض الدعاة الإسلاميين اليوم في الأصل الخامس عشر من أصوله العشرين: "والدعاء إذا قُرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء، وليس من مسائل العقيدة" ليس صحيحاً على إطلاقه لما علمت أن في الواقع ما يشهد بأنه خلاف جوهري، إذ فيه شرك صريح كما سبق. ولعل مثل هذا القول الذي يهوّن من أمر هذا الانحراف هو أحد الأسباب التي تدفع الكثيرين إلى عدم البحث فيه، وتحقيق الصواب في أمره، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى استمرار المبتدعين في بدعهم، واستفحال خطرها بينهم، ولذلك ¬

(¬1) قال الحافظ ابن كثير: (أي لا تجعلوا لله أنداداً وأشباهاً وأمثالاً). [منه].

قال الإمام العز بن عبد السلام في رسالة "الواسطة" (ص5): "ومن أثبت الأنبياء وسواهم من مشايخ العلم والدين وسائط بين الله وبين خلقه كالحجّاب الذين بين الملك ورعيته، بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله تعالى حوائج خلقه، وأن الله تعالى إنما يهدي عباده ويرزقهم وينصرهم بتوسطهم، بمعنى أن الخلق يسألونهم، وهم يسألون الله كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملك حوائج الناس لقربهم منهم، والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك، ولأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك، لكونهم أقرب إلى الملك من الطلب، فمن أثبتهم وسائط على هذه الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهؤلاء مشبَّهون لله، شبهوا الخالق بالمخلوق، وجعلوا لله أنداداً ... ". الشبهة الخامسة: هل هناك مانع من التوسل المبتدع على وجه الإباحة لا استحباب؟ قد يقول القائل: صحيح أنه لم يثبت في السنة ما يدل على استحباب التوسل بذوات الأنبياء والصالحين، ولكن ما المانع منه إذا فعلناه على طريق الإباحة، لأنه لم يأتِ نهي عنه؟ فأقول: هذه شبهة طالما سمعناها ممن يريد أن يتخذ موقفاً وسطاً بين الفريقين لكي يرضي كلاً منهما، وينجو من حملاتهما عليه! والجواب: يجب أن لا ننسى في هذا المقام معنى الوسيلة إذ هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود كما تقدم بيانه. ولا يخفى أن الذي يراد التوصل إليه إما أن يكون دينياً، أو دنيوياً، وعلى الأول لا يمكن معرفة الوسيلة التي توصل إلى الأمر الديني إلا من طريق شرعي، فلو ادعى رجل ان توسله إلى الله تعالى بآية من آياته الكونية العظيمة كالليل

والنهار مثلاً سبب لاستجابة الدعاء لرد عليه ذلك إلا أن يأتي بدليل، ولا يمكن أن يقال حينئذ بإباحة هذا التوسل، لأنه كلام ينقض بعضه بعضاً، إ أنك تسميه توسلاً، وهذا لم يثبت شرعاً، وليس له طريق آخر في إثباته، وهذا بخلاف القسم الثاني من القسمين المذكورين وهو الدنيوي، فإن أسبابه يمكن أن تعرف بالعقل أو بالعلم أو بالتجربة ونحو ذلك، مثل الرجل يتاجر ببيع الخمر، فهذا سبب معروف للحصول على المال، فهو وسيلة لتحقيق المقصود وهو المال، ولكن هذه الوسيلة نهى الله عنها، فلا يجوز اتباعها بخلاف ما لو تاجر بسبب لم يحرمه الله عز وجل، فهو مباح، أما السبب المدعى أن يقرب إلى الله وأنه أرجى في قبوله الدعاء، فهذا سبب لا يعرف إلا بطريق الشرع، فحين يقال: بأن الشرع لم يرد بذلك، لم يجز تسميته وسيلة حتى يمكن أن يقال إنه مباح التوسل به، وقد تقدم الكلام في هذا النوع مفصلاً في الفصل الثاني من هذه الرسالة. وشيء ثان: وهو أن التوسل الذي سلمنا بعدم وروده قد جاء في الشرع ما يغني عنه، وهو التوسلات الثلاثة التي سبق ذكرها في أول البحث، فما الذي يحمل المسلم على اختيار هذا التوسل الذي لم يرد، والإعراض عن التوسل الذي ورد؟ وقد اتفق العلماء على أن البدعة إذا صادمت سنة فهي بدعة ضلالة اتفاقاً، وهذا التوسل من هذا القبيل، فلم يجز التوسل به، ولو على طريق الإباحة دون الاستحباب!. وأمر ثالث: وهو أن هذا التوسل بالذوات يشبه توسل الناس ببعض المقربين إلى الملوك والحكام، والله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء باعتراف المتوسلين بذلك، فإذا توسل المسلم إليه تعالى بالأشخاص فقد شبهه عملاً بأولئك الملوك والحكام كما سبق بيانه، وهذا غير جائز.

الشبهة السادسة: قياس التوسل بالذات على التوسل بالعمل الصالح هذه شبهة أخرى يثيرها بعض أولئك المبتدعين (¬1) زينها لهم الشيطان، ولقنهم إياها حيث يقولون: قد قدمتم أن من التوسل المشروع اتفاقاً التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح، فإذا كان التوسل بهذا جائزاً فالتوسل بالرجل الصالح الذي صدر منه هذا العمل أولى بالجواز، وأحرى بالمشروعية، فلا ينبغي إنكاره. والجواب من وجهين: الوجه الأول: أن هذا قياس، والقياس في العبادات باطل كما تقدم (ص130)، وما مثل من يقول هذا القول إلا كمثل من يقول: إذا جاز توسل المتوسل بعمله الصالح-وهو بلا شك دون عمل الولي والنبي-جاز أن يتوسل بعمل النبي والولي، وهذا وما لزم منه باطل فهو باطل. الوجه الثاني: أن هذه مغالطة مكشوفة، لأننا لم نقل-كما لم يقل أحد من السلف قبلنا-أنه يجوز للمسلم أن يتوسل بعمل غيره الصالح، وإنما التوسل المشار إليه إنما هو التوسل بعمل المتوسل الصالح نفسه، فإذا تبين هذا قلبنا عليهم كلامهم السابق فقلنا: إذا كان لا يجوز التوسل بالعمل الصالح الذي صدر من غير الداعي فأولى ثم أولى ألا يجوز التوسل بذاته، وهذا بين لا يخفى والحمد لله. الشبهة السابعة: قياس التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على التبرك بآثاره: وهذه شبهة أخرى لم تكن معروفة فيما مضى من القرون، ابتدعها ورَوّجها الدكتور البوطي ذاته، إذ قرر في كتابه "فقه السيرة" (ص344 - 455) خلال حديثه عن الدروس المستفادة من غزوة الحديبية مشروعية التبرك بآثاره النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم ¬

(¬1) منهم صاحب كتاب "التاج". [منه].

قاس على ذلك التوسل بذاته بعد وفاته، وأتى نتيجة لذلك برأي غريب وعجيب لم يقل به أحد من المشتغلين بالعلم، حتى من المغرقين في التقليد والجمود والتعصب والابتداع في الدين. ولكي لا يظن أحد أننا نتقول عليه أو نظلمه ننقل نص كلامه بتمامه، ونعتذر إلى القراء لطوله، قال: " وإذا علمت أن التبرك بالشيء إنما هو طلب الخير بواسطته ووسيلته علمت أن التوسل بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر مندوب إليه ومشروع، فضلاً عن التوسل بذاته الشريفة، وليس ثمة فرق بين أن يكون ذلك في حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - أو بعد وفاته، فآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفضلاته لا تتصف بالحياة مطلقاً، سواء تعلق التبرك والتوسل بها في حياته أو بعد وفاته، ولقد توسل الصحابة بشعراته من بعد وفاته كما ثبت ذلك في صحيح البخاري في باب شيب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. ومع ذلك فقد ضل أقوام لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وراحوا يستنكرون التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته، بحجة أن تأثير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد انقطع بوفاته، فالتوسل به إنما هو توسل بشيء تأثير له البتة. وهذه حجة تدل على جهل عجيب جداً، فهل ثبت لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تأثير ذاتي في الأشياء في حال حياته حتى نبحث عن مصير هذا التأثير بعد وفاته؟ إن أحداً من المسلمين لا يستطيع أن ينسب أي تأثير ذاتي في الأشياء لغير الواحد الأحد، ومن اعتقد خلاف ذلك يكفر بإجماع المسلمين كلهم ... فمناط التبرك والتوسل به أو بآثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس هو إسناد أي تأثير إليه، وإنما المناط كونه أفضل الخلائق عند الله على الإطلاق، وكونه رحمة من الله للعباد، فهو التوسل بقربه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى ربه وبرحمته الكبرى للخلق، وبهذا المعنى توسل الأعمى به - صلى الله عليه وآله وسلم - في أن يرد عليه بصره، فرده الله عليه، وبهذا المعنى كان الصحابة يتوسلون بآثاره وفضلاته دون أن يجدوا منه أي إنكار. وقد مر بيان

استحباب الاستشفاع بأهل الصلاح والتقوى وأهل بيت النبوة في الاستسقاء وغيره، وأن ذلك مما أجمع عليه جمهور الأئمة والفقهاء بما فيهم الشوكاني وابن قدامة والصنعاني وغيرهم. والفرق بعد هذا بين حياته وموته - صلى الله عليه وآله وسلم - خلط عجيب وغريب في البحث لا مسوغ له". ولنا على هذا الكلام مؤاخذات كثيرة نورد أهمها فيما يلي: 1 - لقد أشرنا (ص77 - 78) إلى تعريض البوطي بالسلفيين، واتهامه إياهم بأن أفئدتهم لا تشعر بمحبة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والاستدلال على ذلك بإنكارهم التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته. وهذه فرية باطلة، وبهتان ظالم لا شك أن الله تعالى سيحاسبه عليه أشد الحساب ما لم يتبْ إليه التوبة النصوح. ذلك لأن فيها تكفيراً لآلاف المسلمين دونما دليل أو برهان إلا الظن والوهم اللذين لا يغنيان من الحق شيئاً. 2 - إنه قد خلط في كلامه السابق بين الحق والباطل خلطاً عجيباً، فاستدل بحقه على باطله، فوصل من جرّاء ذلك إلى رأي لم يسبقه إليه أحد من العالمين. وإذا أردنا أن نميز بين نوعي كلامه فإننا نقول: إن الحق الذي تضمنه هو: أ-أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قريب إلى الله تبارك وتعالى، وأنه كان رحمة من الله تعالى للخلق. ب-أنه لا تأثير لأحد حتى للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تأثيراً ذاتياً في الأشياء، وإنما التأثير كله لله الواحد الأحد.

ج-أنه يشرع التبرك بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأن الصحابة فعلوا ذلك في حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - وبإقرار منه. هذه النقاط الثلاثة صحيحة لا خلاف فيها، ولو وقف الكاتب عندها لما كان ثمة حاجة للتعليق عليه. وأما الباطل الذي تضمنه كلامه وفيه الخلاف العريض فهو: أ-أن التوسل بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جائز، وأن الصحابة كانوا يتوسلون بآثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - وفضلاته. ب-تسويته بين التبرك والتوسل. ج-أن التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - جائز كجواز التبرك بفضلاته. د-أن مناط التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - هو كونه أفضل الخلائق عند الله على الإطلاق. هـ- جهله بمعنى كلمة الاستشفاع مما حمله على الاستدلال بها على التوسل المبتدع. وافتراؤه على السلفيين بأنهم يرون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان له تأثير ذاتي في الأشياء خلال حياته، وقد انقطع ذاك التأثير بوفاته، وأن هذا هو سبب إنكارهم التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته! ز-ادعاؤه أن الأعمى توسل بقربه - صلى الله عليه وآله وسلم - من ربه. ح-ادعاؤه أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل الخلائق على الإطلاق. وننتقل بعد هذا الإجمال إلى الشرح والتفصيل فنقول:

1 - تخليط البوطي في التسوية بين التبرك والتوسل: لقد قال الدكتور البوطي: "ان التوسل بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر مندوب إليه ومشروع فضلاً عن التوسل بذاته الشريفة".وظاهر كلامه أن يقيس التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - قياساً أولوياً على التبرك بآثاره، ويسمى هذا التبرك توسلاً، ويؤكد ما ذكرناه قوله في (ص196) من كتابه المذكور حيث ذكر بعض الروايات التي فيها تبرك بعض الصحابة بآثاره - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم قال: "فإذا كان هذا شأن التوسل بآثاره المادية، فكيف بالتوسل بمنزلته عند الله جل جلاله؟ وكيف بالتوسل بكونه رحمة للعالمين؟ ". ولكنه سرعان ما تراجع عن كل ذلك زاعماً أن التبرك والتوسل معناهما واحد، منكراً أنه يقيس التوسل على التبرك، وأن المسألة لا تعدو أن تكون استدلالاً بالقياس، فإن التوسل والتبرك كلمتان تدلان على معنى واحد، وهو التماس الخير والبركة عن طريق المتوسل به، وكل من التوسل بجاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - عند الله والتوسل بآثاره أو فضلاته أو ثيابه أفراداً وجزئيات داخلة تحت نوع شامل هو مطلق التوسل الذي ثبت حكمه بالأحاديث الصحيحة، وكل الصور الجزئية له يدخل تحت عموم النص بواسطة ما يسمى بتنقيح المناط عند علماء الأصول". والحقيقة أن ظاهر كلام الدكتور الأول كان أهون بكثير من كلامه الأخير هذا، لأن التوسل يختلف اختلافاً بيناً عن التبرك، ومن يسوي بينهما فإنه يكون قد ارتكب خطأ شنيعاً، ووقع في جهل فظيع بالحقائق الشرعية، مما لا يجوز أن يقع في طالب علم يحترم نفسه. إن التبرك هو التماس من حاز أثراً من آثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حصول خير به خصوصية له - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأما التوسل فهو إرفاق دعاء الله تعالى بشيء من الوسائل التي

شرعها الله تعالى لعباده، كأن يقول: اللهم إني أسألك بحبي لنبيك - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تغفر لي، ونحو ذلك. ويتبدى هذا الفرق في أمرين: أولهما: أن التبرك يرجى به شيء من الخير الدنيوي فحسب، بخلاف التوسل الذي يرجى به أي شيء من الخير الدنيوي والأخروي. ثانيهما: أن التبرك هو التماس الخير العاجل كما سبق بيانه، بخلاف التوسل الذي هو مصاحب للدعاء ولا يستعمل إلا معه. وبياناً لذلك نقول: يشرع للمسلم أن يتوسل في دعائه باسم من أسماء الله تبارك وتعالى الحسنى مثلاً، ويطلب بها تحقيق ما شاء من قضاء حاجة دنيوية كالتوسعة في الرزق، أو أخروية كالنجاة من النار، فيقول مثلاً: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بأنك أنت الله الأحد، الصمد، أن تشفيني أو تدخلني الجنة ... ، ولا أحد يستطيع أن ينكر عليه شيئاً من ذلك، بينما لا يجوز لهذا المسلم أن يفعل ذلك حينما يتبرك بأثر من آثاره - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهو لا يستطيع ولا يجوز له أن يقول مثلاً: " اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بثوب نبيك أو بصاقه أو بوله أن تغفر لي وترحمني .. " ومن يفعل ذلك فإنه يعرّض نفسه من غير ريب ليشك الناس في عقله وفهمه فضلاً عن عقيدته ودينه. وظاهر كلام الدكتور أنه يجيز هذا التوسل العجيب، ويعده هو والتبرك بأثر من آثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شيئاً واحداً، وهو بهذا يخلط خلطاً قبيحاً، ومع ذلك لا يخجل من اتهام السلفيين بأنهم يخلطون خلطاً عجيباً لا مسوغ له، فقد علم القراء من الذين يخلط ويخبط خبط عشواء. إن هذا ليذكرنا حقاً بالمثل العربي القائل: رمتني بدائها وانسلّت. وصدق النبي الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - حيث يقول: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم

تسنح فاصنع ما شئت " (¬1). وثمة ملاحظة هامة وخطيرة في كلام الدكتور السابق، وهي أنه يدعي ثبوت مطلق التوسل بالأحاديث الصحيحة، وهذا باطل، لأنه ليس أكثر من افتراض ودعوى مجردة لا حقيقة لها إلا في ذهنه، إذ لم يثبت من التوسل المتعلق بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا دعاؤه - صلى الله عليه وآله وسلم - كما تقدم في ثنايا هذه الرسالة، وأما التوسل بجاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - أو آثاره فلم يثبت منه شيء البتة في كتاب أو سنة، ونحن نطالب الدكتور أن يدلنا على حديث واحد ثابت، فيه هذه الدعوى، ونحن على يقين أنه لن يجد شيئاً من ذلك، فقد عوّدنا على تقرير أحكام ضخمة دونما دليل (خبط لزق)! وادعاء دعاوى عريضة لا تقوم على أساس إلا أنها بدت له هكذا، وحسب القارئ له أن يؤمن بما يقول ويسلم له تسليماً، وإياه ثم إياه أن يسأله عن الدليل، لأن ذلك من قلة الأدب، ورقة الدين، وطريقة السلفيين، والعياذ بالله. فتأمل! 2 - بطلان التوسل بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: وبعد إثبات الفرق بين التوسل والتبرك نعلم أن آثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يتوسل بها إلى الله تعالى وإنما يتبرك بها فحسب، أي يرجى بحيازتها حصول بعض الخير الدنيوي كما سبق بيانه. إننا نرى أن التوسل بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غير مشروع البتة، وأن من الافتراء على الصحابة رضوان الله عليهم الادعاء بأنهم كانوا يتوسلون بتلك الآثار، ومن ادعى خلاف رأينا فعليه الدليل، بأن يثبت أن الصحابة كانوا يقولون في دعائهم مثلاً: اللهم ببصاق نبيك اشفِ مرضانا، أو: اللهم ببول نبيك أو غائطه أجرنا من النار!! ¬

(¬1) رواه أحمد والبخاري وغيرهما وهو مخرج في " الصحيحة" برقم (684) [منه].

إن أحداً من العقلاء لا يستسيغ رواية ذلك مجرد رواية فكيف باستعماله، وإذا كان الدكتور البوطي ما يزال في شك من ذلك، وإذا كان يرى جواز ذلك فعليه أن يثبته عملياً بأن يدعو من على منبره بمثل الدعوات السابقة، وإن لم يفعل-ولن يفعل إن شاء الله ما بقي فيه عقل، وفي قلبه ذرة من إيمان-فذلك دليل على أنه يقول بلسانه ما لا يعتقد في قلبه. هذا ولابد من الإشارة إلى أننا نؤمن بجواز التبرك بآثاره - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا ننكره خلافاً لما يوهمه صنيع خصومنا، ولكن لهذا التبرك شروطاً منها الإيمان الشرعي المقبول عند الله، فمن لم يكن مسلماً صادق الإسلام فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا، كما يشترط للراغب في التبرك أن يكون حاصلاً على أثر من آثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - ويستعمله، ونحن نعلم أن آثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - من ثياب أو شعر أو فضلات قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين، وإذا كان الأمر كذلك فإن التبرك بهذه الآثار يصبح أمراً غير ذي موضوع في زماننا هذا (¬1)، ويكون أمراً نظرياً محضاً، فلا ينبغي إطالة القول فيه، ولكن ثمة أمر يجب تبيانه، ¬

(¬1) لقد حاول الدكتور في هامش (ص197) من كتابه المذكور الرد على ما كنت بينته في رسالتي "نقد نصوص حديثية" للكتاني، ونقل أنني قلت فيها: "أنه لا فائدة ترجى من أحاديث التبرك بآثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا العصر .. " ومن المؤسف أن الدكتور قد ارتكب في هذا النقل الصغير خيانة علمية مكشوفة، وحرف كلامي تحريفاً سيئاً، والذي قلته حقاً هو: "لا يتعلق كبير فائدة في تقرير مشروعية التبرك بآثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - في زماننا الحاضر" فانظر رحمك الله كيف غير الدكتور كلامي وحروفه، وما أرى له بذلك من غرض إلا أن يتاح له المجال للطعن في وإثارة العامة علي، فهل يتفق هذا الصنيع-أخي القارئ-مع تقوى الله عز وجل، والإخلاص في الوصول إلى الحق؟ وقد فصلت القول في الرد على هذه الفرية في أحدى مقالاتي التي تنشر في مجلة التمدن الإسلامي بعنوان "تعليق على أحاديث فقه السيرة"،وقد نشرت قريباً في رسالة خاصة تحت عنوان "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات الدكتور البوطي في كتاب فقه السيرة". [منه].

وهو أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن أقر الصحابة في غزوة الحديبية وغيرها على التبرك بآثاره والتمسح بها، وذلك لغرض مهم وخاصة في تلك المناسبة، وذلك الغرض هو إرهاب كفار قريش وإظهار مدى تعلق المسلمين بنبيهم، وحبهم له، وتفانيهم في خدمته وتعظيم شأنه، إلا أن الذي لا يجوز التغافل عنه ولا كتمانه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد تلك الغزوة رغّب المسلمين بأسلوب حكيم وطريقة لطيفة عن هذا التبرك، وصرفهم عنه، وأرشدهم إلى أعمال صالحة خير لهم منه عند الله عز وجل، وأجدى، وهذا ما يدل عليه الحديث الآتي: عن عبد الرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - توضأ بوماً، فجعل أصحابه يتمسحون بوضوئه، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "ما يحملكم على هذا؟ " قالوا: حب الله ورسوله. فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "من سره أن يحب الله ورسوله، أو يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدث، وليؤد أمانته إذا اؤتمن، وليحسن جوار من جاوره " (¬1). 3 - افتراء عريض: والظاهر أن الدكتور لا يطيب له عيش، ولا يهنأ له بال إلا إذا افترى على السلفيين، وكذب عليهم، كذباً مكشوفاً حيناً ومغطى حيناً آخر. وها هو هنا يفتري علينا حين يزعم أننا نحتج على منع التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته بالقول بأن تأثيره - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحوادث قد انقطع بعد وفاته، ويتطوع بأن يثبت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سواء في حياته أو بعد وفاته ليس له تأثير ذاتي في الأشياء في كل ظرف وفي كل حين، وأن ¬

(¬1) قلت: وهو حديث ثابت، له طرق وشواهد في معجمي الطبراني وغيرهما وقد أشار المنذري في "الترغيب" (3/ 26) إلى تحسينه، وقد خرجته في "الصحيحة" برقم (2998). [منه].

المؤثر الوحيد فيها هو الله وحده سبحانه. وواضح من هذا بجلاء أنه يتهم السلفيين بأنهم يعتقدون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان له تأثير ذاتي في الأشياء حال حياته. وهذا كذب صراح، وافتراء مكشوف، لم يقل به سلفي قط، بل ولا خطر في بال أحد من السلفيين البتة، وكيف يقولونه وهم دعاة التوحيد الخالص، والدين الصحيح، والذين جعلوا أكبر همهم دعوة الناس إلى إخلاص عبوديتهم لله تعالى وحده، وتخليص عقائدهم من كل شائبة من شوائب الشرك، والتنديد بكل ما يخدش جناب التوحيد، ولو كان ذلك خطأ لفظياً. وقد تحملوا في سبيل ذلك الأذى من الناس والتشهير بهم والافتراء عليهم واتهامهم بأقبح التهم، وما نقم الناس-وفيهم الدكتور البوطي-عليهم إلا لدعوتهم الحقة هذه، ومع ذلك فلا يخجل من أن يرميهم بهذه التهمة الباطلة التي يعلم هو-فيما نرجح-قبل غيره أنها باطلة مفتراة، وإلا فليبين لنا-إن استطاع-مصدر هذا القول المزعوم، ومن قاله من السلفيين، وفي أي كتاب ورد من كتبهم أو نشراتهم، فإن لم يفعل-وهيهات أن يفعل-فإنه يكون قد ظهر لكل أحد كذبه وافتراؤه. وشيء آخر نذكره هنا، وهو أن كلام البوطي السابق "ومن ادعى شيئاً من ذلك يكفر بإجماع المسلمين" يفيد لمن تأمله تكفير السلفيين عموماً، وهذا كذب آخر واتهام ظالم، لا شك أن الله تعالى سيحاسبه عليه، لأن السلفيين هم مسلمون، بل هم أحق الناس بصفة الإسلام، وهم يعلمون حق العلم أن نسبة التأثير الذاتي للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو لغيره هو من الشرك في الربوبية المخرج من الملة، وهم من أشد الناس تنبهاً له وتحذيراً منه، بينما البوطي وأمثاله يلتمسون للواقعين فيه مختلف الأعذار والتبريرات. ولا يفوتنا هنا أن نذكره وأمثاله بما بيناه في ثنايا هذه الرسالة من أن السبب

الذي يدعونا إلى منع التوسل بذوات الصالحين ومكانتهم وجاههم إنما هو كونه لم يرد في الشريعة الغراء، ولم يستعمله النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا أصحابه، فهو لذلك محدَث مبتدع، وما ورد من النصوص التي يحتج بها المخالفون بعضها ثابت ولكنه لا يدل على ما يدعون، وبعضها الآخر غير ثابت، وقد مضى تفصيل ذلك. إن هذا هو السبب الذي يحملنا على إنكار ذلك التوسل، ونقول بصراحة: إنه لو ورد في الشرع لقلنا به، ولم يمنعنا منه مانع، لأننا أسرى في يد الشريعة، فما أجازته أجزناه، وما منعته منعناه، والغريب أن الدكتور تغافل عن هذا السبب الأساسي، واختلق من عنده سبباً تخيله كما شاء له هواه قاصداً بذلك أن يتمكن من الطعن فينا والتشهير بنا، وإثارة الغوغاء علينا، فانظر-رحمك الله-إلى هذا الأسلوب الغريب المنافي للدين والعلم، واشتكِ معنا إلى الله عز وجل من غربة الحق وأهله في هذا الزمان. 4 - خطؤه في ادعائه أن مناط التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كونه أفضل الخلائق: وهذا خطأ آخر وقع فيه الدكتور نتيجة لتهوره وعدم تفكيره فيما يكتب، حيث ادعى أن مناط التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو كونه أفضل الخلائق عند الله على الإطلاق، وكونه رحمة من الله للعباد كما تقدم من كلامه. ونقول له: ان معنى ذلك عندك أن من لم يكن كذلك "أي أفضل الخلائق عند الله .. " فلا يجوز التوسل به، لأنه لم يتحقق فيه المناط المزعوم، ذلك لأن المناط أصلاً هو علة الحكم التي يوجد بوجودها، وينعدم بعدمها، وعلى هذا فمعنى عبارة الدكتور-لو كان يعقل ما يقول-إنه لا يجوز التوسل بأحد مطلقاً إلا بالنبي

- صلى الله عليه وآله وسلم -، ونحن نعلم علم اليقين أنه يعتقد خلاف ذلك، ويرى جواز التوسل بكل نبي أو ولي أو صالح، وبهذا يكون هو نفسه قد قال ما لا يعتقد، وناقض نفسه بنفسه، والسبب في ذلك أحد أمرين، فإما أن يكون غير فاهم لاصطلاح المناط عند العلماء، وإما أن يكون غير متأمل فيما ينتج عنه من كلامه، وهذا هو الأقرب، والله أعلم. وأمر آخر نذكره في هذه المناسبة وهو أن من المقرر لدى علماء الأصول أنه لابد لاعتبار المناط في حكم ما من أن يكون قد ورد تعيينه في نص من كتاب أو سنة، ولا يكفي فيه الاعتماد على الظن والاستنباط. وإذا عدنا إلى ما ذكره الدكتور وجدنا أنه قد ادعى مناطاً ليس عليه شبة دليل من الكتاب والسنة، وإنما عمدته في ذلك مجرد الظن والوهم، فهل هكذا يكون العلم وإثبات الحقائق الشرعية عند الدكتور الذين يُعَنْون لبعض كتبه بأنها "أبحاث في القمة"؟ وأمر ثالث وأخير وهو أن الدكتور قد ادعى أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل الخلائق عند الله على الإطلاق. وهذه عقيدة، وهي لا تثبت عنده (¬1)، إلا بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة (¬2)، أي بآية قطعية الدلالة، أو حديث متواتر قطعي الدلالة، فأين هذا النص الذي يثبت كونه - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل الخلائق عند الله على الإطلاق؟ ومن المعلوم أن هذه القضية مختلف فيها بين العلماء، وقد توقف فيها الإمام ¬

(¬1) كما قرر ذلك في أكثر من كتاب من كتبه مثل "كبرى اليقينات الكونية" ط2 (ص26) و"اللامذهبية". [منه]. (¬2) انظر بيان خطأ هذا الرأي في رسالتنا "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة". [منه].

أبو حنيفة رحمه الله تعالى، ومن شاء التفصيل فعليه بشرح عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي رحمه الله، (ص337 - 348، طبعة المكتب الإسلامي بتحقيقي). ولعل مستند الدكتور في تقرير تلك العقيدة ما ورد في قصة المعراج المنسوبة كذباً وعدواناً إلى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، مع أنه هو نفسه يقول (¬1) عن هذه القصة: "إنه كتاب ملفق من مجموعة أحاديث باطلة لا أصل لها ولا سند"! والحقيقة أن كلامه هذا بهذا الإطلاق هو الباطل، إذ يوجد في الكتاب المذكور كثير من الأحاديث الصحيحة، وبعضها مما رواه الشيخان، ولكن المؤلف خلطها بأحاديث أخرى بعضها موضوع وبعضها لا أصل له، وبعضها ضعيف، وقد بينت ذلك في ردي على الدكتور البوطي الذي نشر في مجلة التمدن الإسلامي أولاً، ثم في كتاب مستقل، كما سبق بيانه قريباً (ص121). 5 - جهله بالمعنى اللغوي لكلمة الاستشفاع: وهذه غلطة شنيعة أخرى وقع فيها الدكتور-اصحله الله وهداه-إذ استدل بالاستشفاع الوارد في أحاديث الاستسقاء على التوسل المبتدع، فقال: "وقد مر بيان استحباب الاستشفاع بأهل الصلاح والتقوى، وأهل بيت النبوة الوارد في الاستسقاء وغيره، وأن ذلك مما أجمع عليه جمهور الأئمة والفقهاء بما فيهم الشوكاني وابن قدامة والصنعاني وغيرهم" وما كان للدكتور أن يقع في هذا الخطأ لو كان يفقه معنى الاستشفاع في اللغة، ورغبة في تنوير القراء وإفادتهم نورد بعض ¬

(¬1) في كتابه "فقه السيرة" (ص155). [منه].

ما ذكرته كتب اللغة في بيان معنى الشفاعة والاستشفاع. قال صاحب "القاموس المحيط": "الشَفْع خلاف الوتر وهو الزوج، والشفعة هي أن تشفع فيما تطلب، فتضمه إلى ما عندك فتشفعه أي تزيده، وشاة شافع: في بطنها ولد يتبعها آخر، سميت شافعاً لأن ولدها شفعها أو شفعته، واستشفعه إلينا: سأله أن يشفع". وفي "المعجم الوسيط" الذي أصدره مجمع اللغة العربية في مصر: "شفع الشيء شفعاً: ضم مثله إليه وجعله زوجاً، والبصرُ الأشباحً: رآها شيئين، واستشفع: طلب الناصر والشفيع، والشفائع: المزدوجات، والشفاعة: كلام الشفيع، والشفيع: ما شفع غيره، وجعله زوجاً". وفي "النهاية" لابن الأثير: (الشُفْعة مشتقة من الزيادة، لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه، فيشفعه به، كأنه كان واحداً وتراً، فصار زوجاً شفعاً، والشافع هو الجاعل الوتر شفعاً .. ". فمن هذه النقول وأمثالها يظهر معنى الاستشفاع بوضوح، وهو أن يطلب إنسان من آخر أن يشاركه في الطلب، فيزيد به ويكونا شفعاً أي زوجاً، وقد أخذ من هذا الأصل اللغوي المعنى الشرعي للاستشفاع حيث أريد به الطلب من أهل الخير والعلم والصلاح أن يشاركوا المسلمين في الدعاء إلى الله في الملمات، فيشفعوهم بذلك ويزيدوا الداعين، فيكون ذلك أرجى لقبول الدعاء. وبهذا يمكننا فهم الشفاعة العظمى للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم القيامة، فهي باتفاق العلماء دعاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للناس بعد مجيئهم إليه، وطلبهم منه أن يدعو الله تعالى ليعجّل لهم الحساب، ولم يفهم أحد من أهل العلم من ذلك أن يقول الناس مثلاً:

اللهم بمنزلة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - عندك عجّل لنا الحساب. ومن الغريب حقاً أن يتجرأ الدكتور البوطي فيدعي إجماع الأئمة والفقهاء بما فيهم الشوكاني وابن قدامة والصنعاني على فهمه الشاذ المبني على جهل فظيع بمعاني الألفاظ المستعملة في اللغة والشرع. ونكتفي للرد عليه بنقل كلام أحد الأئمة الذين نص على أسمائهم، وادعى مشاركتهم إياه في فهمه لمعنى الاستشفاع، ونعني الإمام ابن قدامة المقدسي صاحب أكبر كتاب في الفقه الحنبلي وهو "المغني" إذ قال فيه (2/ 295) ما نصه: "ويستحب بأن يستسقي بمن ظهر صلاحه، لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء، فإن عمر استسقى بالعباس عم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.قال ابن عمر: استسقى عمر عام الرمادة بالعباس، فقال: اللهم إن هذا عم نبيك نتوجه إليك به، فاسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله، وروي أن معاوية خرج يستسقي، فلما جلس على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجُرَشي؟ فقام يزيد، فدعاه معاوية فأجلسه عند رجليه، ثم قال: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا يزيد بن الأسود، يا يزيد ارفع يديك، فرفع يديه ودعا الله تعالى، فثارت في الغرب سحابة مثل الترس، وهبَّ لها ريح، فسقوا حتى كادوا لا يبلغون منازلهم، واستسقى به الضحاك مرة أخرى". وواضح من كلام ابن قدامة هذا أنه يعني بالاستشفاع الوارد في الاستسقاء أن يطلب إمام المسلمين من بعض أهل العلم والصلاح أن يشترك مع المسلمين في التوجه إلى الله ودعائه سبحانه لكشف الشدة عن عبادة المؤمنين. ولم يقصد الإمام ابن قدامة بل ونجزم بأنه لم يخطر في باله ذاك المعنى الخاطىء الذي يحمله عليه البوطي وأمثاله من المبتدعين، ويريدون حمل الألفاظ الشرعية عليه.

ترى كيف يدعي البوطي مثل هذا الإجماع المزيف ويستشهد بابن قدامة وغيره، وها هو كلام ابن قدامة ينسف فهمه من الجذور؟ أم أنه لا يفهم ما في كتب القوم، أم لعله يدعي ما يروق له من الدعاوى الساقطة دون أن يراجع الكتب، أو يقرأ كلام العلماء اعتماداً منه على أن قارئيه مقلدون تقليداً أعمى وليسوا ممن يراجع أو يقرأ أو يتثبت مما يقال؟ إنه لأمر مؤسف والله، وبلية من أعظم البلايا التي نشهدها في واقع المسلمين، وهي من غير شك من الأسباب الكبرى في تأخر المسلمين وضعفهم وانحطاطهم، ومحال أن تتغير هذه الحال إلا إذا غيروا ما بأنفسهم من الجمود والتصوف والفقه المذهبي وعلم الكلام، وعادوا إلى هدي الله الحق المتمثل في الكتاب والسنة، والذي توضحه الدعوة السلفية الغراء. 6 - خطؤه في ادعائه أن توسل الأعمى كان بمنزلة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عند الله: ونختم الرد على الدكتور البوطي بالإشارة إلى خطئه في ادعائه أن توسل الأعمى إنما كان بمنزلة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبكونه أفضل الخلائق عند الله، لأن ذلك مجرد دعوى لا برهان عليها، ولم يستطع الدكتور أن يأتي بشبه دليل على ذلك، وقد تقدم في هذه الرسالة إثبات أن توسل الأعمى إنما كان بدعاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد فندنا كل الشبهات فيما علمنا التي يوردها المخالفون، ويحتجون بها على رأيهم الخاطىء، كما بيَّنا (ص65) ضعف الزيادة التي أشار الدكتور إليها، وسكت عنها جهلاً أو تجاهلاً، وهي قوله: (فإن كان لك حاجة فافعل مثل ذلك).ورغبة في عدم الإطالة لا نعيد ذلك. ومما سبق كله، يتبين لكل منصف مريد للحق بطلان تلك الشبهة البوطية

[243] باب هل يدل الدعاء الذي علمه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للضرير على جواز التوسل بالأشخاص؟

وسقوطها، وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه، فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون} ويقول: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا}. والحمد لله أولاً وآخراً على توفيقه وهداه، وهو وحده المستعان، لا إله غيره، ولا رب سواه. "التوسل" (ص51 - 154) [243] باب هل يدل الدعاء الذي علَّمه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للضرير على جواز التوسل بالأشخاص؟ [جاء في حديث الضرير الذي طلب من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يدعو له أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علَّمه هذا الدعاء]: «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه في». (صحيح). [قال الإمام]: وزاد أحمد وابن خزيمة: "وشفعني فيه"، وهي من الأدلة الكثيرة على أن التوسل والتوجه المذكور في الحديث إنما هو بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأن معناها: اقبل شفاعتي، أي في دعائه. وكذلك قوله: فشفعه في أي اقبل شفاعته أي دعاءه في. وهذه الزيادة من الكنوز، من عرفها استطاع بها أن يطيح بشبهات المخالفين. "صحيح الجامع" (1/ 275).

[244] باب منه

[244] باب منه عن عثمان بن حنيف قال: إن رجلا ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: ادع الله أن يعافيني فقال: " إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك ".قال: فادعه قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء: " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني توجهت بك إلي ربي ليقضي لي في حاجتي هذه اللهم فشفعه في ". (إسناده صحيح). [قال الإمام]: لم يصب من استدل به على التوسل بالأشخاص، وإنما هو دليل على التوسل بدعاء الرجل الصالح، كما شرحه شيخ الإسلام في كتاب "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة". "تحقيق مشكاة المصابيح" (2/ 769). [245] باب ما حكم سؤال المخلوق للمخلوق أن يقضي حاجته أو يدعو له؟ وما الجواب عن حديث الأعرابي الذي أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وطلب منه الدعاء؟ سؤال: شيخنا، هنا شيخ الإسلام رحمه الله بيقول: وأما سؤال المخلوقِ المخلوقَ أن يقضي حاجة نفسه أو يدعو له فلم يُؤمر به، ويستدل على هذا الكلام ... الشيخ مقاطعاً: نُهي عنه؟ لم يؤمر به، نُهي عنه؟ قبل ما تقرأ لي، نُهي عنه؟

[246] بيان وهاء استدلال أرباب التوسل المبتدع بحديث «أسألك بحق السائلين عليك»

السائل: لم يذكر نهي، ولا نعلم نهياً. الشيخ: طيب، مو هذا كلام صحيح؟ لا تسأل الناس شيئاً، ولو ناولْني السوط، وكان الواحد إذا سقط السوط من يده من الناقة يبرك الناقة وينيخها حتى يأخذ السوط؟ وَّلا يقول لأحد: من فضلك أعطني؟ السائل: هو ذكر هذا الحديث واستدل بهذا، وقال: إن الدعاء-يعني-سؤال. الشيخ: فعلاً سؤال، لكن مو حرام، هذا الأفضل. السائل: يعني: الأفضل ما يسأل؟ الشيخ: ما أمكنه، ما أمكنه. السائل: شيخنا، هناك حديث الأعمى الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وطلب منه أن يدعو له، فَخَيَّرَه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بين أن يدعو له أو أن يصبر، هذا فيه إقرار من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على الدعاء. الشيخ: طبعاً، لكنه قال: " إنْ صبرت، فهو خير لك ". " الهدى والنور" (3/ 57: 36: 00) [246] بيان وهاء استدلال أرباب التوسل المبتدع بحديث «أسألك بحق السائلين عليك» كان إذا خرج إلى الصلاة؛ قال: «باسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حولَ ولا قوة إلا بالله. اللَّهُمَّ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقِّ مَخرجي هَذَا، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَراً، وَلاَ بَطَراً، وَلاَ رِيَاءً، وَلاَ سُمْعَةً، خَرَجْتُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، وَاتِّقَاءَ سُخْطِكَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنِي مِنَ النَّارِ، وتُدخِلَني الجنة».

[قال الإمام]: ضعيف جداً. أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (30/ 82) من طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عن بلال مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ إن لم يكن موضوعاً، فقد قال ابن حبان في الوازع هذا (3/ 83): "كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات على قلة روايته، ويشبه أن يكون المتعمد لذلك؛ بل وقع ذلك في روايته لكثرة وهمه؛ فبطل الاحتجاج به لما انفرد عن الثقات بما ليس من أحاديثهم". والحاكم على تساهله المعروف قال فيه: "روى أحاديث موضوعة ". وأشار إلى ذلك البخاري بقوله في "التاريخ " (4/ 2/183): "منكر الحديث ".وقال أحمد وابن معين وأبو داود: "ليس بثقة".وقال النسائي: "متروك الحديث ".وقال ابن عدي في "الكامل " (7/ 98): "عامة ما يرويه عن شيوخه غير محفوظة". قلت: فقد اتفقت أقوال أئمة هذا الشأن على أن الوازع هذا ضعيف جداً لا يستشهد به، وهذا ما صرح به الحافظ ابن حجر في "تخريج الأذكار"، فقال: "هذا حديث واهٍ جداً ... " إلى آخر كلامه الذي كنت نقلته عنه في كتابي "التوسل: أنواعه وأحكامه " (ص 99). ومع هذه النقول عن هؤلاء الأئمة الفحول، نجد أهل البدع والأهواء الذين

يرمون أهل السنة بما ليس فيهم، يتجاهلون تلك النقول، ويستشهدون بهذا الحديث الواهي؛ ليقووا به آخر مثله، وهو حديث أبي سعيد الخدري- "لمجرد اشتراكهما في التوسل المبتدع-: «اللهم إني أساثك بحق السائلين عليك» كما كنت بينت ذلك في الكتاب المومي إليه، وفي "الضعيفة" أيضاً برقم (24)، فتجد أولئك المبتدعة يكتمون الحق وهم يعلمون، فخذ مثلاً الشيخ عبد الله الغماري المغربي التي تطفح كتبه بالجهل بهذا العلم الشريف، مقروناً بالتجاهل في كثير من الأحيان، فها هو في رسالته التي أسماها "مصباح الزجاجة" تجاهل العلل التي كنا شرحناها في الكتابين المذكورين للحديث الآخر المشار إليه- وهو حديث أبي سعيد- فيرد على النووي تضعيفه إياه، ويصرح بأنه حسن- دون أن يسوق إسناده ويتكلم عليه كما يقتضيه هذا العلم الشريف- مع أن فيه ضعفاً في بعض رواته، وتدليساً خبيثاً واضطراباً كما هو مبين هناك، فتجاهل ذلك كله، وزاد تجاهلاً آخر؛ فقال (ص 55 - 56): "وله شاهد من حديث بلال عند ابن السني "!! ونحوه؛ بل وشر منه قول الكوثري في "مقالاته " (ص 294): "وأخرج ابن السني في "عمل اليوم والليلة" بسند فيه الوازع عن بلال "!!! وقد كنت رددت عليه تجاهله لحال الوازع هذا في "الضعيفة" (ص 87 - الطبعة الجديدة)؛ وإنما أردت هنا- بعد أن عرضت على أعين القراء إسناد ابن السني- لأبين لهم كيف يخاتل الكوثري قُرَّاءَه، ويُدلس عليهم، ويعمي حال الراوي الذي هو علة الحديث، وأنه لا فائدة من ذكره لشدة ضعفه؟! فإنه عند ابن السني-كما رأيت- من رواية الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابرابن عبد الله عن بلال. فماذا فعل الكوثري- عامله الله بما يستحق-: أولاً: أسقط الواسطتين بين

[247] باب الرد على من استدل بحديث «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم» على جواز التوسل بالأشخاص

الوازع وبلال؛ ليوهم القراء أنه تابعي! ثانياً: لم ينسب الوازع إلى أبيه (نافع) ولا إلى قبيلته (العقيلي)، وذلك كله تعمية لحاله على طلبة العلم من قرائه؛ لأن أحدهم لو أراد أن يتحقق من هويته، ويتعرف على منزلته في الرواية، وليس الإسناد بين يديه؛ فسيرى فيمن يسمى (وازعاً) ثلاثة من الرواة ليس فيهم من روى عن بلال! وهذا هو المقصود من تعميته. ثالثاً: قد علم الكوثري من إسناد ابن السني أن الوازع هو ابن نافع العقيلي، ومما لا شك فيه أنه يعلم أيضاً سوء حاله في الرواية من أقوال الأئمة المتقدمة فيه، ومع ذلك تجاهل ذلك كله، وأوهم القراء أنه ممن يستشهد به. وكم له ولأمثاله من أهل الأهواء من نحو هذا التدليس والمكر! والله المستعان. "الضعيفة" (13/ 1/542 - 545). [247] باب الرد على من استدل بحديث «هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم» على جواز التوسل بالأشخاص عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد أن له فضلاً على من دونه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟».رواه البخاري [قال الإمام]: أي بِدُعائهم وإخلاصهم كما في بعض الروايات الصحيحة, فلا دليل في الحديث على التوسل بالأشخاص كما ظن بعض المبتدعة. " تحقيق مشكاة المصابيح" (3/ 1442).

[248] باب نصوص قد يفهم منها جواز التوسل بالصالحين وليس كذلك

[248] باب نُصوص قد يفهم منها جواز التوسل بالصالحين وليس كذلك [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ابغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم». [قال الإمام]: اعلم أنه قد جاء تفسير النصر المذكور في الحديث، وأنه ليس نصراً بذوات الصالحين، وإنما هو بدعائهم وإخلاصهم وذلك في الحديث الآتي: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم». "الصحيحة" (2/ 408 - 409). [249] باب شرح أثر أنس في الاستسقاء بعم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - والرد على من استدل به على جواز الاستسقاء بالميت عن أنس: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب. فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون. [قال الإمام]: في أول الحديث زيادة مفيدة عند الإسماعيلي بإسناد البخاري إلى أنس قال: "كانوا إذا قحطوا على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - استسقوا به, فيستسقى لهم فيسقون, فلما كان في إمارة عمر .. " فذكر الحديث. قلت: فاستسقاؤهم به - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هو طلبهم منه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يدعو الله لهم أن

يسقيهم, بدليل قولهم: فيستسقي لهم؛ أي يطلب لهم ذلك من الله فيسقيهم, وقصة أنس المتقدمة في (الجمعة) أوضح مثال عملي على الصورة الحقيقية لاستسقائهم وتوسلهم به - صلى الله عليه وآله وسلم - في السقيا. وكذلك كان استسقاء عمر بالعباس, لم يكن استسقاؤه بذاته, وإنما بدعائه, ويؤيده حديث ابن عباس: "أن عمر استسقى بالمصلى، فقال للعباس قم استسق, فقام العباس فقال: اللهم إن عندك سحابًا .. " إلخ الدعاء. أخرجه عبد الرزاق (4913) بسند واه, سكت عليه الحافظ؛ ولعله لشواهده. إذا تبين هذا فإن الحديث ليس فيه دليل على جواز التوسل بالميت, لأن مداره على التوسل بدعاء الحي, وهذا لا يمكن بعد وفاته, وهذا هو السبب الذي جعل عمر يتوسل بالعباس دون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , وليس هو من باب التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل كما زعموا، ومما يؤيد ذلك أن أحدًا من السلف لم يستسق بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته, وإنما استسقوا بالأحياء كما فعل الضحاك بن قيس رضي الله عنه حين استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي في زمن معاوية رضي الله عنه. وأما ما روى ابن أبي شيبة أن رجلًا جاء إلى قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في زمن عمر فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا, فأتى الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر .. الحديث. فلا يصح إسناده, خلافًا لما فهم بعضهم من قول الحافظ في (الفتح): " .. بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمَان عن مالك الدار", فإن إسناده صحيح إلى أبي صالح, وأما من فوقه فليس كذلك, لأن مالكًا هذا لم يوثقه أحد فيما عَلِمْتُ, وبيض له ابن أبي حاتم (4/ 1/213) , والرجل المستسقي لم يسمِّ, فهو مجهول, وتسمية سيف إياه في كتابه "الفتوح" ببلال بن الحارث المزني أحد الصحابة, لا شيء! لأن سيفًا هذا, وهو ابن عمر التميمي الأسدي؛ قال

[250] باب بيان أن استسقاء عمر إنما كان بدعاء العباس

الذهبي: "تركوه واتهم بالزندقة" ثم رأيت ابن حبان قد وثق مالك الدار هذا (5/ 384) , وتساهله معروف, فإن ثبت توثيقه فالعلة جهالة الرجل. وقد تكلمت على التوثيق المذكور في كتابي "تيسير انتفاع الخلان بثقات ابن حبان". "مختصر صحيح البخاري" (1/ 306). [250] باب بيان أن استسقاء عمر إنما كان بدعاء العباس عن أنس أن عمر بن الخطاب كان إذ قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا». قال: فيسقون. رواه البخاري [قال الإمام]: فيه إشارة إلى تكرر استسقاء عمر بدعاء العباس رضي الله عنهما, ففيه حجة بالغة على الذين يتأولون فعل عمر بأنه إنما ترك التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى التوسل بعمه, بياناً لجواز التوسل بالمفضول مع إمكان التوسل بالفاضل!! فإننا نقول: لو كان الأمر كما يزعمون لفعل ذلك مرة واحدة, ولما استمر عليه كلما استسقى, وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى على أهل العلم والإنصاف. " تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 478).

جماع أبواب الكلام حول مسألة سماع الأموات

جماع أبواب الكلام حول مسألة سماع الأموات

[251] باب بيان أن الاعتقاد بأن الموتى يسمعون هو السبب الأقوى لوقوع كثير من المسلمين اليوم في الشرك الأكبر

[251] باب بيان أن الاعتقاد بأن الموتى يسمعون هو السبب الأقوى لوقوع كثير من المسلمين اليوم في الشرك الأكبر [قال الإمام في مقدمة تحقيقه على "الآيات البينات في عدم سماع الأموات"]: اعلم أن هذه الرسالة وإن كان موضوعها في بيان حكم فقهي كما سترى، فذلك لا يعني-في اعتقادي-أنه لا علاقة لها بما هو أسمَى من ذلك وأعلى، ألا وهو التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ودعاؤه تعالى دون سواه، ومن المعلوم أن الاعتقاد بأن الموتى يسمعون، هو السبب الأقوى لوقوع كثير من المسلمين اليوم في الشرك الأكبر؛ ألا وهو دعاء الأولياء والصالحين وعبادتهم من دون الله- عز وجل- جهلاً أو عنادًا، ولا ينحصر ذلك في الجهال منهم، بل يشاركهم في ذلك الكثير ممن ينتمي إلى العلم، بل وقد يظن الجماهير أنه من كبار العلماء! فإنهم يبررون لهم ذلك خطابةً وكتابةً بمختلف التبريرات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والأحزاب الإسلامية كلها-مع الأسف-لا تُعير لذلك اهتمامًا يذكر؛ لأنه يؤدِّى بزعم بعضهم إلى الاختلاف والتفرقة! مع أنهم يعلمون أن الأنبياء إنما كان أوَّل دعوتهم {أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطاغوت} (النحل: 36). وخيرهم من يسكت عن قيام غيره بهذا الواجب، ومن الظاهر أن ذلك الشيخ الذي ألَّف العلامة الآلوسى هذه الرسالة في الرد عليه كان منهم؛ ولذلك ثارت ثائرته حينما صرَّح المؤلف-رحمه الله-في درسه بأن الموتى لا يسمعون؛ لأنه يعلم أن ذلك ينافي ما عليه أولئك الجُهَّال من المناداة للأولياء والصالحين، ودعائهم من دون الله-عز وجل-وفي ظني أن المؤلف-رحمه الله-ما ألَّف هذه الرسالة إلا تمهيدًا للقضاء على هذه

الضلالة الكبرى، ألا وهي الاستغاثة بغير الله تعالى، على اعتبار أن السبب الأقوى الموجب لها عند من ضلَّ من المسلمين، إنما هو الاعتقاد بأن الموتى يسمعون، فإذا تبين أن الصواب أن الموتى لا يسمعون، لم يبقَ حينئذٍ معنى لدعاء الموتى من دون الله تعالى. فإني لا أكاد أتصور-ولا غيري يتصور-مسلمًا يعتقد أن الميت لا يسمع دعاء الداعية، ثم هو مع ذلك يدعوه، ومن دون الله يناديه، إلا أن يكون قد تمكنت منه عقيدة باطلة أخرى، هي أضل من هذه وأخزى؛ كاعتقاد بعضهم في الأولياء، أنهم قبل موتهم كانوا عاجزين، وبالأسباب الكونية مقيدين؛ فإذا ماتوا انطلقوا وتفلتوا من تلك الأسباب، وصاروا قادرين على كل شيء كربِّ الأرباب! ولا يستغربن أحد هذا ممن عافاهم الله تعالى من الشرك على اختلاف أنواعه؛ فإن في المسلمين اليوم من يصرِّح بأنَّ في الكون متصرفين من الأولياء دون الله تعالى ممن يسمونهم هنا في الشام بـ "المدَّرِّكين " وبـ"الأقطاب" وغيرهم، وفيهم من يقول: "نظرة مِن الشيخ تقلب الشقي سعيداً "! ونحوه من الشركيات. قال العلامة السيد رشيد رضا في "تفسيره" (11/ 391) تحت قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ} (يونس: 49). " أي لكن ما شاء الله من ذلك كان متى شاء، لا شأن لي فيه؛ لأنه خاص بالربوبية دون الرسالة التي وظيفتها التبليغ لا التكوين. وقد بلغ من جهل الخرافيين من المسلمين بتوحيد الله أن مثل هذه النصوص من آيات التوحيد لم تصدّ الجاهلين به منهم عن دعوى قدرة الأنبياء والصالحين-حتى الميتين منهم-على كل شيء من التَّصَرُّف في نفعهم وضرهم مما يجعله الله

تعالى من الكسب المقدور لهم بمقتضى سننه في الأسباب، بل يعتقدون أن منهم من يتصرفون في الكون كله؛ كالذين يُسَمُّونهم بالأقطاب الأربعة. وإنَّ بعض كبار علماء الأزهر في هذا العصر يكتب هذا حتى في مجلة الأزهر الرسمية (نور الإسلام)! فيفتي بجواز دعاء غير الله من الموتى والاستغاثة بهم في كل ما يعجزون عنه من جلب نفع، ودفع ضر. وألَّف بعضهم كتابًا في إثبات ذلك (¬1)، وكونُ الميتين من الصالحين ينفعون ويضرون بأنفسهم، ويخرجون من قبورهم، فيقضون حوائج من يدعونهم ويستغيثون بهم! قال في "فتح البيان" (¬2) بعد نقله الأول في الاستثناء عن أئمة المفسرين وترجيحه ما نصه: " وفي هذا أعظم وازع، وأبلغ زاجر، لمن صار دَيْدَنُه وهِجِّيراه المناداة لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أو الاستغاثة به عند نزول النوازل التي لا يقدر على دفعها إلا الله سبحانه؛ وكذلك من صار يطلب من الرسول ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه، فإن هذا مقامُ رب العالمين، الذي خلقَ الأنبياءَ والصالحين وجميع المخلوقين، ورزقهم وأحياهم ويميتهم، فكيف يطلب مِن نبي من الأنبياء، أو ملك من الملائكة، أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه غير قادر عليه؟ ويترك الطلب لرب الأرباب، القادر على كل شيء، الخالق الرازق المعطي المانع؟! وحسبك بما في الآية من موعظة؛ فإن سيد ولد آدم وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقول لعباده: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} فكيف ¬

(¬1) قلت: كأنه يشير إلى كتاب "شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق" للشيخ يوسف النبهاني؛ فإنه أزهري، وكانت وفاته في بيروت سنة 1350 هـ- 1932م، وقيل: إنه مات ودفن في بلدته إجزم شمالي فلسطين كما في "الأعلام" للأستاذ الزركلي. غير أن أخي الأستاذ زهير يصر على أنه مات في بيروت ودفن بمقبرة الباشورة. [منه]. (¬2) (ج4 ص 225 - 226). [منه].

يَمْلُكُه غيرُه؟! وكيف يُمَلِّكُه غيرُه- ممن رتبته دون رتبته، ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته-لنفسه، فضلاً عن أن يُمَلِّكَه لغيره؟! فيا عجبًا لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى، ويطلبون منهم من الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله-عز وجل-! كيف لا يتيقَّظُون لما وقعوا فيه من الشرك، ولا ينتبهون لما حل بهم من المخالفة لمعنى (لا إله إلا الله)، ومدلول {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}؟! وأعجب من هذا اطِّلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم، ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى، بل إلى ما هو أشد منها؛ فإن أولئك يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق الرازق، المحيي المميت، الضار النافع، وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله، ومُقرِّبين لهم إليه، وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر والنفع، وينادونهم تارةً على الاستقلال، وتارةً مع ذي الجلال، وكفاكَ عن شرٍّ سماعُه، واللهُ ناصر دينه، ومُطَهِّر شريعته من أوضار الشرك، وأدناس الكفر، ولقد توسَّل الشيطان-أخزاه الله-بهذه الذريعة إلى ما تَقَرُّ به عينُه، وينثلج به صدره؛ مِن كفرِ كثيرٍ من هذه الأمة المباركة {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (لكهف: 104).؛ "إنا لله وإنا إليه راجعون". وقال السيد رشيد أيضاً تحت قوله تعالى: {دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (يونس: 22). " وفي هذه الآية وأمثالها بيانٌ صريح لكون المشركين كانوا لا يَدْعون في أوقات الشدائد وتقطُّع الأسباب بهم إلا اللهَ ربهم، ولكن من لا يُحْصَى عددهم من مسلمي هذا الزمان بزعمهم لا يدعون عند أشد الضيق إلا معبوديهم من الميتين؛ كالبدوي والرفاعي والدسوقي والجيلاني والمتبولي وأبي سريع وغيرهم ممن لا

يُحْصَى عددهم، وتجد من حملة العمائم الأزهريين وغيرهم ولا سيما سَدَنَهُ المشاهد المعبودة الذين يتمتعون بأوقافها ونذورها من يغريهم بشركهم، ويتأوله بتسميته بغير اسمه في اللغة العربية كالتوسُّل وغيره. وقد سمعت من كثيرين من الناس في مصر وسورية حكاية يتناقلونها، ربما تكررت في القطرين لتشابه أهلهما وأكثر مسلمي هذا العصر خرافاتهم، وملخصها: أن جماعة ركبوا البحر فهاج بهم حتى أشرفوا على الغرق؛ فصاروا يستغيثون معتقديهم، فبعضهم يقول: يا سيد يا بدوي! وبعضهم يصيح: يا رفاعي! وآخر يهتف: يا عبد القادر يا جيلاني! .. الخ، وكان فيهم رجل موحد ضاق بهم ذرعًا؛ فقال: يا ربّ أغرِقْ؛ ما بقى أحدٌ يعرفك! ". (11/ 338 - 339). ثم ذكر في معنى الآية نحو ذلك عن الإمام الآلوسي والد المؤلف في "روح المعاني"، ثم قال الآلوسي: "وظاهرُ الآية أنَّه ليس المراد تخصيص الدُّعاء فقط به سبحانه، بل تخصيص العبادة به تعالى أيضاً؛ لأنهم بمجرد ذلك لا يكونون مخلصين له الدين، وأيًّا ما كان فالآية دالةً على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمرٌ خطير، وخطبٌ جسيم، في برٍ أو بحر، دعْوا من لا يضر ولا ينفع، ولا يرى ولا يسمع؛ فمنهم من يدعوا الخضر وإلياس، ومنهم من ينادي أبا الخميس والعباس، ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة، ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمَّة، ولا ترى أحداً فيهم يخص مولاه، بتضرُّعِه ودُعاه، ولا يكاد يمرُّ له بال، انه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال، فبالله عليكَ قل لي: أي الفريقين من هذه الحيثية أهدى سبيلا؟ وأي الدَّاعيين أقومُ قِيلا؟ وإلى الله المشتكَى من زمان عصفَتْ فيه ريحُ الجهالة، وتلاطمت أمواجُ الضَّلالة،

وخُرِقَت سفينة الشَّريعة، واتُّخذت الاستغاثة بغير الله للنجاة ذريعة، وتَعذَّر على العارفين الأمر بالمعروف، وحالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف ". قلتُ: يشير العلاَّمة الآلوسي-رحمه الله-إلى ما يلقاه الدُّعاة المصلحون في كلِّ زمانٍ ومكان من الشِّدة والمعارضة لدعوتهم الحق؛ بسبب فشوِّ الشِّرك والبدع في الناس مٍن عامتهم، وشيوخ البدع من علمائهم، والمنافقين من حُكَّامهم، {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف: 21). هذا، وليس غرضي الآن أن أُشبع الكلام في توحيد الربوبية والألوهية وما ينافيهما من الشرك والوثنية؛ فذلك أمرٌ لا تتسع له هذه المقدمة، لا سيما وقد قامَ بذلك خيرَ القيام، أئمة التوحيد وشيوخ الإسلام؛ كالإمام ابن تيمية، وابن قيم الجوزية، ومحمد بن عبد الوهاب، والصنعاني، والشوكاني، وغيرهم من أولي الألباب، وإنما الغرض بيان ارتباط هذه المسألة-"سماع الموتى"-بنوع من أنواع الشِّرك، وأنَّ القضاء عليه يكون بتحقيق أنَّ الموتى لا يسمعون؛ فإني أعلم علم اليقين أنَّ في المستغيثين بالأولياء والصَّالحين من لم يَقُمْ في نفوسهم ما تَقَدَّم بيانه من الضَّلال الأكبر، ولكنَّهم لما كانوا يعتقدون أنَّهم يسمعون كالأحياء، وكان من المسلَّم لديهم مناداتهم والاستغاثة بهم في حياتهم، استجازوا ذلك بهم بعد موتهم! وقد ردَّ الأئمة عليهم بما هو معروف لدى علماء المسلمين من أن الاستغاثة بهم في حياتهم ليست على إطلاقها وشمولها، وإنما هي بما تدخل تحت قدرتهم التي مكَّنهم الله تعالى منها، وليس من ذلك السَّعادة، والرِّزق والشِّفاء، وهداية القلوب، وغفران الذنوب، ونحوه مما هو مُتَعَلِّق بربوبَّيته سبحانه وتعالى؛ فطلبُ ذلك من الأولياء في حياتهم شركٌ وضلال أكبر، مُخِلّ بتوحيد الربوبية بَلهَ الألوهية كما هو ظاهر، فكيف بذلك بعد موتهم؟ لا شك أنَّه أدهى وأمرُّ. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص24 - 31).

[252] باب تحقيق أن الموتى لا يسمعون

[252] باب تحقيق أن الموتى لا يسمعون [قال الإمام في مقدمة تحقيق "الآيات البينات في عدم سماع الأموات "الآلوسي]: اعلم أن كون الموتى يسمعون أو لا يسمعون إنما هو أمر غيبي من أمور البرزخ التي لا يعلمها إلا الله عز وجل, فلا يجوز الخوض فيه بالأقيسة والآراء, وإنما يوقف فيه مع النص إثباتاً ونفياً, وسترى المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ ذكر في الفصل الأول كلام الحنفية في أنهم لا يسمعون, وفي الفصل الثاني نقل عن غيرهم مثله, وحكى عن غير هؤلاء أنهم يسمعون, وليس يهمني أن هؤلاء قلة وأولئك الكثرة فالحق لا يعرف بالكثرة ولا بالقلة وإنما بدليله الثابت في الكتاب والسنة مع التفقه فيهما وهذا ما أنا بصدده إن شاء الله تعالى؛ فأقول: استدل الأولون بقوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} (فاطر: 22) وقوله: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} (النمل:80 والروم 52) وأجاب الآخرون بأن الآيتين مجاز وأنه ليس المقصود «الموتى» بـ «من في القبور» الموتى حقيقة في قبورهم وإنما المراد بهم الكفار الأحياء شبهوا بالموتى " والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر " كما قال الحافظ ابن حجر على ما يأتي في الرسالة (ص 72). فأقول: لا شك عند كل من تدبر الآيتين وسياقهما أن المعنى هو ما ذكره الحافظ رحمه الله تعالى (¬1) وعلى ذلك جرى علماء التفسير لا خلاف بينهم في ¬

(¬1) وقد بين ذلك بيانا شافيا العلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه " أضواء البيان " (6/ 416 - 421). [منه].

ذلك فيما علمت, ولكن ذلك لا يمنع الاستدلال بهما على ما سبق؛ لأن الموتى لما كانوا لا يسمعون حقيقة وكان ذلك معروفاً عند المخاطبين شبه الله تعالى بهم الكفار الأحياء في عدم السماع فدل هذا التشبيه على أن المشبه بهم- وهم الموتى في قبورهم- لا يسمعون, كما يدل مثلاً تشبيه زيد في الشجاعة بالأسد على أن الأسد شجاع بل هو في ذلك أقوى من زيد ولذلك شبه به, وإن كان الكلام لم يسق للتحدث عن شجاعة الأسد نفسه وإنما عن زيد, وكذلك الآيتان السابقتان وإن كانتا تحدثتا عن الكفار الأحياء وشبهوا بموتى القبور فذلك لا ينفي أن موتى القبور لا يسمعون, بل إن كل عربي سليم السليقة لا يفهم من تشبيه موتى الأحياء بهؤلاء إلا أن هؤلاء أقوى في عدم السماع منهم كما في المثال السابق, وإذا الأمر كذلك فموتى القبور لا يسمعون. ولما لاحظ هذا بعض المخالفين لم يسعه إلا أن يسلم بالنفي المذكور ولكنه قيده بقوله: " سماع انتفاع " يعني أنهم يسمعون ولكن سماعا لا انتفاع فيه (¬1) وهذا في نقدي قلب للتشبيه المذكور في الآيتين حيث جعل المشبه به مشبهاً فإن القيد المذكور يصدق على موتى الأحياء من الكفار فإنهم يسمعون حقيقة ولكن لا ينتفعون من سماعهم كما هو مشاهد فكيف يجوز جعل المشبه بهم من موتى القبور مثلهم في أنهم يسمعون ولكنهم لا ينتفعون من سماعهم، مع أن المشاهد أنهم لا يسمعون مطلقاً, ولذلك حسن التشبيه المذكور في الآيتين الكريمتين فبطل القيد المذكور. ولقد كان من الممكن القول بنحو القيد المذكور في موتى القبور لو كان ¬

(¬1) انظر (ص 45 - 46) من كتاب " الروح " المنسوب لابن القيم رحمه الله تعالى فإن فيه غرائب وعجائب من الروايات والآراء كما سنرى شيئا من ذلك فيما يأتي: وانظر (ص 87). [منه].

هناك نص قاطع على أن الموتى يسمعون مطلقاً إذن لوجب الإيمان به والتوفيق بينه وبين ما قد يعارضه من النصوص كالآيتين مثلاً، ولكن مثل هذا النص مما لا وجود له بل الأدلة قائمة على خلافه وإليك البيان: الدليل الأول: قوله تعالى في تمام الآية الثانية: {ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} فقد شبههم الله تعالى- أعني موتى الأحياء من الكفار بالصم أيضاً فهل هذا يقتضي في المشبه بهم " الصم " أنهم يسمعون أيضاً ولكن سماعاً لا انتفاع فيه أيضاً, أم أنه يقتضي أنهم لا يسمعون مطلقاً كما هو الحق الظاهر الذي لا خفاء فيه. وفي التفسير المأثور ما يؤيد هذا الذي نقول فقال ابن جرير في " تفسيره" (21/ 36) لهذه الآية: هذا مَثَلٌ معناه: فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم فسلبهم فَهْمَ ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله, كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين سلبهم الله أسماعهم بأن تجعل لهم أسماعاً, وقوله: {ولا تسمع الصم الدعاء} يقول: كما لا تقدر أن تسمع الصم الذين قد سلبوا السمع إذا ولوا عنك مدبرين؛ كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فَهْمَ آيات كتابه لسماع ذلك وفهمه. ثم روى بإسناده الصحيح عن قتادة قال: هذا مَثَلٌ ضربه الله للكافر فكما لا يسمع الميت الدعاء كذلك لا يسمع الكافر {ولا تسمع الصم الدعاء .. } يقول: لو أن أصمَّ ولىَّ مدبراً ثم ناديته لم يسمع, كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما سمع. وعزاه في " الدرر " (5/ 114) لعبد بن حميد, وابن المنذر, وابن أبي حاتم,

دون ابن جرير, وقد فسر القرطبي (13/ 232) هذه الآية بنحو ما سبق عن ابن جرير وكأنه اختصره منه. فثبت من هذه النقول عن كتب التفسير المعتمدة أن الموتى في قبورهم لا يسمعون كالصم إذا ولوا مدبرين, وهذا هو الذي فهمته السيدة عائشة رضي الله عنها واشتهر ذلك عنها في كتب السنة وغيرها, ونقله المؤلف عنها في عدة مواضع من رسالته فانظر (ص 54، 56، 58، 68، 69، 71) وفاته هو وغيره أنه هو الذي فهمه عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة لما نادى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أهل القليب على ما يأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى. الدليل الثاني: قوله تعالى: {ذلك الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} (فاطر 13 و14). قلت: فهذه الآية صريحة في نفي السمع عن أولئك الذي كان المشركون يدعونهم من دون الله تعالى وهم موتى الأولياء والصالحين الذين كان المشركون يمثلونهم في تماثيل وأصنام لهم يعبدونهم فيها وليس لذاتها, كما يدل على ذلك آية سورة (نوح) عن قومه: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} ففي التفسير المأثور عن ابن عباس وغيره من السلف: أن هؤلاء الخمسة أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا, وسموها بأسمائهم, ففعلوا فلم تعبد, حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم (أي علم تلك الصور بخصوصها) عبدت. رواه البخاري وغيره. ونحوه قوله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (الزمر:3) فإنها صريحة في أن

المشركين كانوا يعبدون الصالحين ولذلك اتخذوهم وسائط بينهم وبين الله تعالى قائلين: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. ولاعتقادهم بصلاحهم كانوا ينادونهم ويعبدونهم من دون الله توهما منهم أنهم يسمعون ويضرون وينفعون, ومثل هذا الوهم لا يمكن أن يقع فيه أي مشرك مهما كان سخيف العقل لو كان لا يعتقد فيمن يناديه الصلاح والنفع والضر كالحجر العادي مثلاً, وقد بين هذا العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى فقال في كتابه " إغاثة اللفهان " (2/ 222 - 223): وتلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام له أسباب عديدة, تلاعب بكل قوم على قدر عقولهم؛ فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم كما تقدم عن قوم نوح عليه السلام ولهذا لعن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المتخذين على القبور المساجد, ونهى عن الصلاة إلى القبور (¬1) .. فأبى المشركون إلا خلافه في ذلك كله إما جهلاً وإما عناداً لأهل التوحيد ولم يضرهم ذلك شيئا. وهذا السبب هو لغالب على عوام المشركين. وأما خواصهم فإنهم اتخذوها- بزعمهم- على صور الكواكب المؤثرة في العالم عندهم وجعلوا لها بيوتا وسدنة وحجاباً وحجباً وقرباناً ولم يزل هذا في الدنيا قديماً وحديثاً (ثم بين مواطن بيوت هذه الأصنام وذكر عباد الشمس والقمر وأصنامهم وما اتخذوه من الشرائع حولها ثم قال 2/ 224): فوضع الصنم إنما كان في الأصل على شكل معبود غائب, فجعلوا الصنم على شكله وهيئته وصورته ليكون نائباً منابه وقائماً مقامه, إلا فمن المعلوم أن ¬

(¬1) انظر كتابي: " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " [منه].

عاقلاً لا ينحت خشبة أو حجراً بيده ثم يعتقد أنه إلهه ومعبوده ". قلت: ومما يؤيد أن المقصود بقوله في الآية المتقدمة {لا يسمعوا دعاءكم} إنما هم المعبودون من دون الله أنفسهم وليست ذوات الأصنام تمام الآية: {ويوم القيامة يكفرون بشرككم} والأصنام لا تبعث؛ لأنها جمادات غير مكلفة كما هو معلوم، بخلاف العابدين والمعبودين فإنهم جميعا محشورون قال تعالى: {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ءأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا} (الفرقان:17 - 18) وقال: {يوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا: سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} (سبأ:40 - 41) وهذا كقوله تعالى: [وإذا قال الله: يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ قال: سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق] الآية (المائدة/116) وخير ما فسر به القرآن إنما هو القرآن والسنة وليس فيهما- فيما أعلم- ما يدل على أن الله يحشر الجمادات أيضا فوجب الوقوف عند هذه الآية الصريحة فيما ذكرنا. وقد يقول قائل: إن هذا الذي بينته قوي متين ولكنه يخالف ما جرى عليه كثير من المفسرين في تفسير آية سورة (فاطر) وما في معناها من الآيات الأخرى فقالوا: إن المراد بها الأصنام نفسها وبناء على ذلك عللوا قوله تعالى فيها: {لا يسمعوا دعاءكم} بقولهم: " لأنها جمادات لا تضر ولا تنفع " فأقول: لا شك أن هذا بظاهره ينافي ما بينت، ولكنه لا ينفي أن يكون لهم قول آخر يتماشى مع ما حققته فقال القرطبي (14/ 336) عقب التعليل المذكور

آنفا وتبعه الشوكاني (4/ 333) وغيره ما معناه: ويجوز أن يرجع {والذين تدعون من دونه ... } وما بعده إلى من يعقل ممن عبدهم الكفار كالملائكة والجن والأنبياء والشياطين، والمعنى أنهم يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقاًّ، وينكرون أنهم أمروكم بعبادتهم، كما أخبر عن عيسى عليه السلام بقوله: {ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق}. وقد ذكرا نحوه في تفسير آية (الزمر) المتقدمة. قلت: وهو أولى من تفسيرهما السابق؛ لأنه مدعم بالآيات المتقدمة، بخلاف تفسيرهما المشار إليه فإنه يستلزم القول بحشر الأصنام ذاتها، وهذا مع أنه لا دليل عليه فإنه يخالف الآيات المشار إليها ولهذا قال الشيخ عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب- رحمهما الله- في كتابه " قرة عيون الموحدين " (ص 107 - 108) في تفسير آيتي (فاطر) ما نصه: ابتدأ تعالى هذه الآيات بقوله: {ذلكم الله ربكم له الملك} يخبر الخبير أن الملك له وحده، والملوك وجميع الخلق تحت تصرفه وتدبيره، ولهذا قال: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} فإن من كانت هذه صفته فلا يجوز أن يرغب في طلب نفع أو دفع ضر إلى أحد سوى الله تعالى وتقدس بل يجب إخلاص الدعاء- الذي هو أعظم أنواع العبادة- له، وأخبر تعالى أن ما يدعوه أهل الشرك لا يملك شيئاً، وأنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم، ولو فرض أنهم يسمعون فلا يستجيبون لداعيهم، وأنهم يوم القيامة يكفرون بشركهم أي: ينكرونه، ويتبرؤون ممن فعله معهم، فهذا الذي أخبر به الخبير الذي [لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء] وأخبر أن ذلك الدعاء شرك به وأنه لا يغفره

لمن لقيه فأهل الشرك ما صدقوا الخبير ولا أطاعوه فيما حكم به وشرع بل قالوا: إن الميت يسمع ومع سماعه ينفع، فتركوا الإسلام والإيمان رأساً كما ترى عليه الأكثرين من جهلة هذه الأمة". فتبين مما تقدم وجه الاستدلال بقوله تعالى: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم} على أن الصالحين لا يسمعون بعد موتهم وغيرهم مثلهم بداهة، بل ذلك من باب أولى كما لا يخفى فالموتى كلهم إذن لا يسمعون. والله الموفق الدليل الثالث: حديث قليب بدر وله روايات مختصرة ومطولة أجتزئ هنا على روايتين منها: الأولى: حديث ابن عمر قال: وقف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على قليب بدر فقال: «هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول» فذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق» ثم قرأت: {إنك لا تسمع الموتى} حتى قرأت الآية. أخرجه البخاري (7/ 242 - فتح الباري) والنسائي (1/ 693) وأحمد (2/ 31) من طريق أخرى عن ابن عمر وسيأتي بعضه في الكتاب (ص 68، 71) والأخرى: حديث أبي طلحة: أن نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان

ابن فلان: ويا فلان ابن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم».قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخاً وتصغيراً ونقمةً وحسرةً وندماً. أخرجه الشيخان وغيرهما وقد خرجته في التعليق الآتي (ص 54) من الكتاب ووجه الاستدلال بهذا الحديث يتضح بملاحظة أمرين: الأول: ما في الرواية الأولى منه من تقييده - صلى الله عليه وآله وسلم - سماع موتى القليب بقوله: «الآن» (¬1) فإن مفهومه أنهم لا يسمعون في غير هذا الوقت، وهو المطلوب. وهذه فائدة هامة نبه عليها العلامة الآلوسي- والد المؤلف رحمهما الله- في كتابه " روح المعاني " (6/ 455) ففيه تنبيه قوي على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون، ولكن أهل القليب في ذلك الوقت قد سمعوا نداء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبإسماع الله تعالى إياهم خرقاً للعادة ومعجزة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما سيأتي في الكتاب (ص 56، 59) عن بعض العلماء الحنفية وغيرهم من المحدثين. وفي " تفسير القرطبي " (13/ 232): قال ابن عطية (¬2): فيشبه أن قصة بدر خرق عادة لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - في أن رد الله ¬

(¬1) ولها شاهد صحيح في حديث عائشة الآتي (ص 70) عند المؤلف رحمه الله تعالى " [منه]. (¬2) هو عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربي الغرناطي مفسر فقيه أندلسي عارف بالأحكام والحديث. توفي سنة (542) له المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز " طبع منه جزءان في المغرب" ثم علمت الآن وأنا في زيارة الدوحة- قطر (أوائل ربيع الأول سنة 1401 هـ) من فضيلة الشيخ عبد الله الأنصاري أنه يقوم بطبع الكتاب طبعة جديدة وقد تم حتى اليوم. طبع أربع مجلدات منه يسر الله تمامه ".

إليهم إدراكا سمعوا به مقاله، ولولا إخبار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بسماعهم لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين". قلت: ولذلك أورده الخطيب التبريزي في " باب المعجزات " من " المشكاة" (ج 3 رقم 5938 - بتخريجي) والآمر الآخر: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقر عمر وغيره من الصحابة على ما كان مستقرا في نفوسهم واعتقادهم أن الموتى لا يسمعون، بعضهم أومأ إلى ذلك إيماءً، وبعضهم ذكر صراحة، لكن الأمر بحاجة إلى توضيح فأقول: أما الإيماء فهو في مبادرة الصحابة لما سمعوا نداءه - صلى الله عليه وآله وسلم - لموتى القليب بقولهم: " ما تكلم أجساداً لا أرواح فيها؟ " فإن في رواية أخرى عن أنس نحوه بلفظ " قالوا " بدل: "قال عمر " كما سيأتي في الكتاب (ص 71 - 73) فلولا أنهم كانوا على علم بذلك سابق تلقوه منه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما كان لهم أن يبادروه بذلك، وهب أنهم تسرعوا وأنكروا بغير علم سابق فواجب التبليغ حينئذ يوجب على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يبين لهم أن اعتقادهم هذا خطأ، وأنه لا أصل له في الشرع، ولم نر في شيء من روايات الحديث مثل هذا البيان وغاية ما قال لهم: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ".وهذا- كما ترى- ليس فيه تأسيس قاعدة عامة بالنسبة للموتى جميعا تخالف اعتقادهم السابق، وإنما هو إخبار عن أهل القليب خاصة، على أنه ليس ذلك على إطلاقه بالنسبة إليهم أيضاً إذا تذكرت رواية ابن عمر التي فيها " إنهم الآن يسمعون " كما تقدم شرحه، فسماعهم إذن خاص بذلك الوقت، وبما قال لهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقط، فهي واقعة عين لا عموم لها؛ فلا تدل على أنهم يسمعون دائماً وأبداً، وكل ما يقال لهم، كما لا تشمل غيرهم من الموتى مطلقاً، وهذا واضح إن شاء الله تعالى. ويزيده ووضوحا ما يأتي.

وأما الصراحة فهي فيما رواه أحمد (3/ 287) من حديث أنس رضي الله عنه قال: " .... فسمع عمر صوته فقال: يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاث؟ وهل يسمعون؟ يقول الله عز وجل: {إنك لا تسمع الموتى} فقال: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع [لما أقول] منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا ".وسنده صحيح على شرط مسلم (¬1). فقد صرح عمر رضي الله عنه أن الآية المذكورة هي العمدة في تلك المبادرة وأنهم فهموا من عمومها دخول أهل القليب فيه، ولذلك أشكل عليهم الأمر فصارحوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بذلك ليزيل إشكالهم؟ وكان ذلك ببيانه المتقدم. ومنه يتضح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقر الصحابة- وفي مقدمتهم عمر- على فهمهم للآية على ذلك الوجه العام الشامل لموتى القليب؛ وغيرهم لأنه لم ينكره عليهم ولا قال لهم: أخطأتم، فالآية لا تنفي مطلقا سماع الموتى بل إنه أقرهم على ذلك، ولكن بين لهم ما كان خافياً من شأن القليب وأنهم سمعوا كلامه حقًّا، وأن ذلك أمر مستثنى من الآية معجزة له - صلى الله عليه وآله وسلم - كما سبق. هذا وإن مما يحسن التنبيه عليه وإرشاد الأريب إليه أن استدلال عائشة المتقدم بالآية يشبه تماماً استدلال عمر بها، فلا وجه لتخطئتها اليوم بعد تبين إقرار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعمر عليه، اللهم إلا في ردها على ابن عمر في روايته لقصة القليب بلفظ السماع، وتوهيمها إياه؛ فقد تبين من اتفاق جماعة من الصحابة على روايتها كروايته هو أنها هي الواهمة، وإن كان من الممكن الجمع بين روايتهم وروايتها ¬

(¬1) وأصله عنده (8/ 163 - 164) والزيادة له وهو رواية لأحمد (3/ 219 - 220) والحديث عزاه في " الدر " (5/ 157) لمسلم وابن مردويه وكأنه يعني أن أصله لمسلم وسياقه لابن مردويه ولا يخفى ما فيه من إيهام وتقصير. [منه].

كما سيأتي بيانه في التعليق على " الرسالة " (ص 7 - 8) فخطؤها ليس في الاستدلال بالآية وإنما في خفاء القصة عليها على حقيقتها ولولا ذلك لكان موقفها موقف سائر الصحابة منها، ألا وهو الموقف الجازم بها، على ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - واعتبارها مستثناةً من الآية. فتنبه لهذا، واعلم أن من الفقه الدقيق الاعتناء بتتبع ما أقره النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأمور، والاحتجاج به؛ لأن إقراره - صلى الله عليه وآله وسلم - حق كما هو معلوم، وإلا فبدون ذلك قد يضل الفهم عن الصواب في كثير من النصوص، ولا نذهب بك بعيداً فهذا هو الشاهد بين يديك فقد اعتاد كثير من المؤلفين وغيرهم أن يستدلوا بهذا الحديث- حديث القليب- على أن الموتى يسمعون متمسكين بظاهر قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» غير منتبهين لإقراره - صلى الله عليه وآله وسلم - الصحابة على اعتقادهم بأن الموتى لا يسمعون، وأنه لم يرده عليهم إلا باستثناء أهل القليب منه معجزة له - صلى الله عليه وآله وسلم -، فعاد الحديث بالتنبه لما ذكرنا حجة على أن الموتى لا يسمعون، وأن هذا هو الأصل فلا يجوز الخروج عنه إلا بنص كما هو الشأن في كل نص عام. والله تعالى الموفق. وقد يجد الباحث من هذا النوع أمثلة كثيرة ولعله من المفيد أن أذكر هنا ما يحضرني الآن من ذلك وهما مثالان: الأول: حديث جابر عن أم مبشر رضي الله عنهما أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول عند حفصة: «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها». قالت: بلى يا رسول الله فانتهرها. فقالت حفصة: {وإن منكم إلا واردها} فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قد قال الله عز وجل: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا}».

رواه مسلم وغيره وهو مخرج في " الصحيحة " (2160) و" تخريج السنة " (860 - طبع المكتب الإسلامي) أقول: ففي استدلال السيدة حفصة رضي الله عنها بآية الورود دليل على أنها فهمت (الورود) بمعنى الدخول وأنه عام لجميع الناس الصالح والطالح منهم، ولذلك أشكل عليها نفي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخول النار في حق أصحاب الشجرة، فأزال - صلى الله عليه وآله وسلم - إشكالها بأن ذكرها بتمام الآية: {ثم ننجي الذين اتقوا} ففيه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أقرها على فهمها المذكور، وأنه على ذلك أجابها بما خلاصته أن الدخول المنفي في الحديث هو غير الدخول المثبت في الآية، وأن الأول خاص بالصالحين ومنهم أهل الشجرة، والمراد به نفي العذاب، أي أنهم يدخلونها مرورا إلى الجنة دون أن تمسهم بعذاب، والدخول الآخر عام لجميع الناس ثم هم فريقان: منهم من تمسه بعذاب ومنهم على خلاف ذلك وهذا ما وضحته الآية نفسها في تمامها وراجع لهذا " مبارق الأزهار " (1/ 250) و" مرقاة المفاتيح " (5/ 621 - 632). قلت: فاستفدنا من الإقرار المذكور حكما لولاه لم نهتد إلى وجه الصواب في الآية، وهو أن الورود فيها بمعنى الدخول وأنه لجميع الناس، ولكنها بالنسبة للصالحين لا تضرهم بل تكون عليهم برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، وقد روي هذا صراحةً مرفوعاً في حديث آخر لجابر لكن استغربه الحافظ ابن كثير وبينت علته في " الأحاديث الضعيفة " (4761)، لكن حديثه هذا عن أم مبشر يدل على صحة معناه، وقد مال إليه العلامة الشوكاني في تفسيره للآية (3/ 333) واستظهره من قبله القرطبي (11/ 138 - 139) وهو المعتمد. والآخر: حديث " الصحيحين " والسياق للبخاري نقلا من " مختصر

البخاري " بقلمي لأنه أتم جمعت فيه فوائده وزوائده من مختلف مواضعه قالت عائشة: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعندي جاريتان [من جواري الأنصار 3/ 3] (وفي رواية: قينتان 4/ 266] [في أيام منى تدففان وتضربان 4/ 161] تغنيان بغناء (وفي رواية: بما تقاولت (وفي أخرى تقاذفت) الأنصار يوم) بعاث (¬1). "وليستا بمغنيتين" فاضطجع على الفراش وحَوَّل وجهه ودخل أبو بكر "والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - متغش بثوبه 2/ 11] فانتهرني" وفي رواية: فانتهرهما) وقال: مزمارة (وفي رواية: مزمار) الشيطان عند (وفي رواية: أمزامير الشيطان في بيت) رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -[(مرتين)]؟ فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (وفي رواية: فكشف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن وجهه) فقال: «دعهما يا أبا ¬

(¬1) بالصرف وعدمه وهو اسم حصن وقعت الحرب عنده بين الأوس والخزرج قبل الهجرة بثلاث سنين. [منه].

بكر [ف] إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا]». فلما غفل غمزتهما فخرجتا ". (رقم 508 من المختصر "). قلت: فنجد في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ينكر قول أبي بكر الصديق في الغناء بالدف أنه " مزمار الشيطان " ولا نهره لابنته أو للجاريتين بل أقره على ذلك فدل إقراره إياه على أن ذلك معروف وليس بمنكر فمن أين جاء أبو بكر بذلك؟ الجواب: جاء به من تعاليم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأحاديثه الكثيرة في تحريم الغناء وآلات الطرب، وقد ذكر طائفة منها العلامة ابن قيم الجوزية في كتابه " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " (1/ 258 - 267) وخرجت بعضها في " الصحيحة " (91) و" المشكاة " (3652) ولولا علم أبي بكر بذلك وكونه على بينة من الأمر ما كان له أن يتقدم بين يدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي بيته بمثل هذا الإنكار الشديد، غير أنه كان خافياً عليه أن هذا الذي أنكره يجوز في يوم عيد فبينه له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " فبقي إنكار أبي بكر العام مسلماً به لإقراره - صلى الله عليه وآله وسلم - إياه، ولكنه استثنى منه الغناء في العيد فهو مباح بالمواصفات الواردة في هذا الحديث. فتبين أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كما أقر عمر على استنكاره سماع الموتى، كذلك أقر أبا بكر على استنكاره مزمار الشيطان، وكما أنه أدخل على الأول تخصيصاً, كذلك أدخل على قول أبي بكر هذا تخصيصاً اقتضى إباحة الغناء المذكور في يوم العيد، ومن غفل عن ملاحظة الإقرار الذي بَيَّنَّا؛ أخذ من الحديث الإباحة في كل الأيام كما يحلو ذلك لبعض الكتاب المعاصرين وسلفهم فيه ابن حزم، فإنه استدل به على الإباحة مطلقا جموداً منه على الظاهر فإنه قال في رسالته في الملاهي (ص98 - 99): وقد سمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قول أبي بكر: مزمار الشيطان " فأنكر عليه ولم ينكر على الجاريتين غناءهما " والواقع أنه ليس في كل روايات الحديث الإنكار المذكور وإنما فيه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي بكر: " دعهما ... " وفرق كبير بين الأمرين فإن الإنكار الأول لو وقع لشمل الآخر ولا عكس كما هو ظاهر، بل نقول زيادة على ذلك: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقر قول أبي بكر المذكور كما سبق بيانه وقد قال ابن القيم في " إغاثة اللهفان " بعد أن ذكر الحديث (1/ 257): فلم ينكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على أبي بكر تسميته الغناء مزمار الشيطان وأقرهما؛ لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب وكان اليوم يوم عيد.

وأما أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ينكر على الجاريتين فحق، ولكن كان ذلك في يوم عيد فلا يشمل غيره أولا. وثانياًّ: لما أمر - صلى الله عليه وآله وسلم - أبا بكر بأن لا ينكر عليهما بقوله: " دعهما " أتبع ذلك بقوله: " فإن لكل قوم عيداً ... " فهذه جملة تعليلية تدل على أن علة الإباحة هي العيدية إذا صح التعبير، ومن المعلوم أن العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، فإذا انتفت هذه العلة بأن لم يكن يوم عيد لم يبح الغناء فيه كما هو ظاهر، ولكن ابن حزم لعله لا يقول بدليل العلة كما عرف عنه أنه لا يقول بدليل الخطاب، وقد رد عليه العلماء ولا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية في غير ما موضع من " مجموع الفتاوى " فراجع المجلد الثاني من " فهرسه ". لقد طال الكلام على حديث عائشة في سماع الغناء ولا بأس من ذلك إن شاء الله تعالى؛ فإن الشاهد منه واضح ومهم، وهو أن ملاحظة طالب العلم إقرار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأمرٍ ما يفتح عليه باباً من الفقه والفهم ما كان ليصل إليه بدونها، وهكذا كان الأمر في حديث القليب فقد تبين بما سبق أنه دليل صريح على أن الموتى لا يسمعون، وذلك من ملاحظتنا إقرار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لاستنكار عمر سماعهم واستدلاله عليه بالآية {إنك لا تسمع الموتى} فلا يجوز لأحد بعد هذا أن يلتفت إلى أقوال المخالفين القائلين بأن الموتى يسمعون، فإنه خلاف القرآن الذي بينه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. الدليل الرابع: قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام» (¬1). ¬

(¬1) وهو حديث صحيح [منه].

أقول: ووجه الاستدلال به أنه صريح في أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يسمع سلام المسلمين عليه؛ إذ لو كان يسمعه بنفسه لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى، وإذا كان الأمر كذلك فبالأولى أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يسمع غير السلام من الكلام، وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيره من الموتى أولى وأحرى. ثم إن الحديث مطلق يشمل حتى من سلم عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - عند قبره، ولا دليل يصرح بالتفريق بينه وبين من صلى عليه بعيدا عنه، والحديث المروي في ذلك موضوع كما سيأتي بيانه في التعليق (ص 80). وهذا الاستدلال لم أره لأحد قبلي فإذا كان صواباً- كما أرجو- فهو فضل من الله ونعمة وإن كان خطأ فهو من نفسي، والله تعالى أسأل أن يغفره لي وسائر ذنوبي. أدلة المخالفين: فإن قيل: يظهر من النقول التي ستأتي في الرسالة عن العلماء أن المسألة خلافية فلا بد أن للمخالفين فيها أدلة استندوا إليها. فأقول: لم أر فيها من صرح بأن الميت يسمع سماعاً مطلقاً عاماً كما كان شأنه في حياته، ولا أظن عالماً يقول به، وإنما رأيت بعضهم يستدل بأدلة يثبت بها سماعاً لهم في الجملة، وأقوى ما استدلوا به سندا حديثان: الأول: حديث قليب بدر المتقدم وقد عرفت مما سبق بيانه أنه خاص بأهل القليب من جهة، وأنه دليل على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون من جهة أخرى، وأن سماعهم كان خرقاً للعادة فلا داعي للإعادة.

والآخر: حديث: «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا».وفي رواية: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان ... » الحديث (انظر ص 55، 56، 57، 82) من " الآيات ". وهذا كما ترى خاص بوقت وضعه في قبره ومجيء الملكين إليه لسؤاله " فلا عموم فيه، وعلى ذلك حمله العلماء كابن الهمام وغيره كما سيأتي في " الآيات " (ص 56، 59، 73). ولهم من هذا النوع أدلة أخرى ولكن لا تصح أسانيدها، وفي أحدها التصريح بأن الموتى يسمعون السلام عليهم من الزائر، وسائرها ليس في السماع، وبعضها خاص بشهداء أحد، وكلها ضعيفة، وبعضها أشد ضعفا من بعض كما ستراه في التعليق (ص 69). وأغرب ما رأيت لهم من الأدلة قول ابن القيم رحمه الله في " الروح " (ص8) تحت المسألة الأولى: هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا؟ فأجاب بكلام طويل جاء فيه ما نصه: ويكفي في هذا تسمية المسلم عليهم زائراً، ولولا أنهم يشعرون به لما صح تسميته زائراً؛ فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره لم يصح أن يقال: زاره (!) هذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم، وكذلك السلام عليهم أيضا فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال (!) وقد عَلَّم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا: سلام عليكم أهل الديار. وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد وإن لم يسمع المسلم الرد ".

أقول وبالله تعالى التوفيق: رحم الله ابن القيم فما كان أغناه من الدخول في مثل هذا الاستدلال العقلي الذي لا مجال له في أمر غيبي كهذا، فوالله لو أن ناقلاً نقل هذا الكلام عنه ولم أقف أنا بنفسي عليه لما صدقته؛ لغرابته وبعده عن الأصول العلمية والقواعد السلفية التي تعلمناها منه ومن شيخه الإمام ابن تيمية، فهو أشبه شيء بكلام الآرائيين والقياسيين الذين يقيسون الغائب على الشاهد، والخالق على المخلوق، وهو قياس باطل فاسد طالما رد ابن القيم أمثاله على أهل الكلام والبدع، ولهذا وغيره فإني في شك كبير من صحة نسبة " الروح " إليه أو لعله ألفه في أول طلبه للعلم. والله أعلم. ثم إن كلامه مردود في شطريه بأمرين: الأول: ما ثبت في " الصحيح " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يزور البيت في الحج وأنه كان وهو في المدينة يزور قباء راكباً وماشياً ومن المعلوم تسمية طواف الإفاضة بطواف الزيارة. فهل من أحد يقول: بأن البيت وقباء يشعر كل منهما بزيارة الزائر أو أنه يعلم بزيارته؟ وأما الآخر: فهو مخاطبة الصحابة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في تشهد الصلاة بقولهم: " السلام عليكم أيها النبي .... " وهم خلفه قريباً منه وبعيداً عنه في مسجده وفي غير مسجده، أفيقال: إنه كان يسمعهم ويشعر بهم حين يخاطبونه به وإلا فالسلام عليه محال؟ اللهم غفراً. وانظر التعليق الآتي على الصفحة (95 - 96). وإذا كان لا يسمع هذا الخطاب في قيد حياته أفيسمعه بعد وفاته وهو في الرفيق الأعلى لا سيما وقد ثبت أنه يبلغه ولا يسمعه كما سبق بيانه في الدليل الرابع (ص 36)؟

ويكفي في رد ذلك أن يقال: إنه استدلال مبني على الاستنباط والنظر، فمثله قد يمكن الاعتداد به إذا لم يكن مخالفا للنص والأثر، فكيف وهو مخالف لنصوص عدة، واحد منها فقط فيه كفاية وغنية كما سلف، وبخاصة منها حديث قليب بدر، وفيه إقرار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعمر أن الموتى لا يسمعون، فلا قيمة إذن للاستنباط المذكور فإن الأمر كما قيل: " إذا جاء الأثر بطل النظر، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ". وقد يتساءل القارئ- بعد هذا- عن وجه مخاطبة الموتى بالسلام وهم لا يسمعونه؟ وفي الإجابة عنه أحيل القارئ إلى ما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى فيما يأتي من الرسالة وما علقته عليها (ص 95 - 96) فإن في ذلك كفاية وغنية عن الإعادة. وخلاصة البحث والتحقيق: أن الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة الحنفية وغيرهم- كما ستراه في الكتاب مبسوطاً- على أن الموتى لا يسمعون، وأن هذا هو الأصل، فإذا ثبت أنهم يسمعون في بعض الأحوال كما في حديث خفق النعال، أو أن بعضهم سمع في وقت ما كما في حديث القليب فلا ينبغي أن يجعل ذلك أصلاً فيقال إن الموتى يسمعون كما فعل بعضهم (¬1) كلا فإنها قضايا جزئية لا تشكل قاعدة كلية يعارض بها الأصل المذكور، بل الحق أنه يجب أن تستثني منه على قاعدة استثناء الأقل من الأثر، أو الخاص من العام، كما هو المقرر في علم أصول الفقه ولذلك قال العلامة الآلوسي في " روح المعاني " بعد بحث مستفيض في هذه المسألة (6/ 455): ¬

(¬1) انظر " الأضواء " (6/ 425). [منه].

[253] باب اعتقاد سماع الموتى من وسائل الشرك

والحق أن الموتى يسمعون في الجملة فيقتصر على القول بسماع ما ورد السمع بسماعه. وهذا مذهب طوائف من أهل العلم كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي على ما سيأتي في الرسالة (ص 70) وما أحسن ما قاله ابن التين رحمه الله: " إن الموتى لا يسمعون بلا شك، لكن إذا أراد الله تعالى إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع لقوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة} الآية وقوله: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها} الآية. كما نقله المؤلف فيما يأتي (ص 72). فإذا علمت أيها القارئ الكريم أن الموتى لا يسمعون فقد تبين أنه لم يبق هناك مجال لمناداتهم من دون الله تعالى ولو بطلب ما كانوا قادرين عليه وهم أحياء كما تقدم بيانه في (ص 16 - 21) بحكم كونهم لا يسمعون النداء، وأن مناداة من كان كذلك والطلب منه سخافة في العقل وضلال في الدين وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: {ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون. وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} (الأحقاف: 5 - 6). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص37 - 63). [253] باب اعتقاد سماع الموتى من وسائل الشرك [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إذا مررت عليهم (يعني أهل القبور) فقل: السلام عليكم يا أهل القبور من المسلمين والمؤمنين، أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. فقال أبو رزين: يا رسول الله ويسمعون؟ قال: ويسمعون، ولكن

لا يستطيعون أن يجيبوا، أولا ترضى يا أبا رزين أن يرد عليك "بعددهم من" الملائكة». (منكر). [قال الإمام]: أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (369) وعبد الغني المقدسي في " السنن " (ق 92: 2) عن النجم بن بشير بن عبد الملك بن عثمان القرشي، حدثنا محمد بن الأشعث، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: " قال أبو رزين: يا رسول الله: إن طريقي على المقابر، فهل من كلام أتكلم به إذا مررت عليهم؟ قال: " فذكره. وقال العقيلي والزيادة له: " محمد بن الأشعث مجهول في النسب والرواية، وحديثه هذا غير محفوظ، ولا يعرف إلا بهذا الإسناد. وأما " السلام عليكم يا أهل القبور " إلى قوله " وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " فيروى بغير هذا الإسناد من طريق صالح، وسائر الحديث غير محفوظ ". والنجم بن بشير أورده ابن أبي حاتم (4/ 1) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. قلت: فهو بهذه الزيادة منكر، لتفرد هذا المجهول بها، وأما بدونها فهو حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث عائشة وبريدة، وهو مخرج في كتابي " أحكام الجنائز وبدعها ". وهذه الزيادة منكرة المتن أيضاً، فإنه لا يوجد دليل في الكتاب والسنة على أن الموتى يسمعون، بل ظواهر النصوص تدل على أنهم لا يسمعون. كقوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه وهم في المسجد: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإن صلاتكم تبلغني ... » فلم يقل: أسمعها. وإنما تبلغه الملائكة كما في الحديث الآخر: «إن لله ملائكة سياحين

يبلغوني عن أمتي السلام». رواه النسائي وأحمد بسند صحيح. وأما قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «العبد إذا وضع في قبره، وتولىَّ وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له ... » الحديث رواه البخاري فليس فيه إلا السماع في حالة إعادة الروح إليه ليجيب على سؤال الملكين كما هو واضح من سياق الحديث. ونحوه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لعمر حينما سأله عن مناداته لأهل قليب بدر: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» هو خاص أيضاً بأهل القليب، وإلا فالأصل أن الموتى لا يسمعون، وهذا الأصل هو الذي اعتمده عمر رضي الله عنه حين قال للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: إنك لتنادي أجساداً قد جيفوا، فلم ينكره الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بل أقره، وإنما أعلمه بأن هذه قضية خاصة، ولولا ذلك لصحح له ذلك الأصل الذي اعتمد عليه، وبين له أن الموتى يسمعون خلافا لما يظن عمر، فلما لم يبين له هذا، بل أقره عليه كما ذكرنا، دل ذلك على أن من المقرر شرعا أن الموتى لا يسمعون. وأن هذه قضية خاصة. وبهذا البيان ينسد طريق من طرق الضلال المبين على المشركين وأمثالهم من الضالين، الذين يستغيثون بالأولياء والصالحين ويدعونهم من دون الله، زاعمين أنهم يسمعونهم، والله عز وجل يقول: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}. وراجع لتمام هذا البحث الهام مقدمتي لكتاب " الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات " للآلوسي. "الضعيفة" (3/ 284 - 286).

[254] باب منه

[254] باب منه [قال الإمام]: مِن جماهير المسلمين مَن لا يزال يعيش في أوحال الجاهلية الأولى؛ من الاستغاثة بغير الله، والاستعانة بالأنبياء والصَّالحين الأموات وغيرهم من عباد الله، متوهِّمين أنَّهم يسمعونهم حين ينادون، وأنهم على الاستجابة لهم قادرون، غير آبهين بما في القرآن الكريم والسُّنَّة الصَّحيحة من آياتٍ بينات، ونصوص قاطعات، بأنَّ الأموات لا يسمعون، وأنهم لو فُرٍضَ سماعهم، لا يستجيبون، وصدق الله العظيم إذ يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 73 - 74). وقال: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} فاطر13 - 14). إلى غير ذلك مما شرحناه في مقدمة الكتاب "أي كتاب الآيات البينات للآلوسي" شرحًا استفاد منه الكثير من المسلمين الطَّيِّبين، وهُدوا بذلك إلى صراط المستقيم، بعد أن كانوا في ضلال مبين، فله تعالى وحده الحمد والمنَّة على ما أنعم علينا وهدانا، وهدى بنا. {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ في الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العَالَمِينَ} (الأنعام: 71). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص 3 - 4).

[255] باب هل يسمع الميت؟

[255] باب هل يسمع الميت؟ سؤال: بالنسبة لموضوع الموتى حديث أن الميت يسمع قرع النعال .. ما صحة الحديث؟ الشيخ: أولًا: هذا حديث صحيح؛ لأنه مخرج في صحيح البخاري: «إذا وضُع الميت في قبره وانصرف الناس عنه إنه ليسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرون» هذا الحديث صحيح، لكن هذا كذاك، أي: هذا مستثنى من القاعدة العامة؛ لأنه يقول: "حين" فهو ليس في كل حين يسمع، نفس الحديث يعطيك تخصيص ولا يعطيك العموم، يسمع قرع نعالهم حين .. حين ما معنى حين؟ يعني: وقت، «حين يولون عنه مدبرين» لكن هل يعني الحديث أن الموتى كلما مر المرء من المقابر فهو ... بسمع قرع النعال؟! مداخلة: ألا يُحمل على وجه البلاغة يعني: مثلًا في الإعلانات .. الشيخ: ما هو الذي يحمل يا أخي حدد كلامك. مداخلة: حتى أنهم يسمعون قرع نعالهم مثلًا في إعلان عن شقة ما هو مقبول؟ شقة ترى البحر، هي لا ترى البحر ولكنها في موضع يسمح لمن فيها برؤية البحر، فهنا المعنى يحمل على أنهم .. أن الصوت يصل إليهم، لو أن حيًا في مكانهم لسمع قرع النعال. الشيخ: أما قرع النعال ما يسمعون؟ مداخلة: نعم؟ الشيخ: يعني: في النهاية تعني أنهم لا يسمعون قرع النعال؟

مداخلة: أنا أتصور والله أعلم .. الشيخ: أنا أسألك حتى أفهم منك، تعني: أنهم لا يسمعون قرع النعال؟ مداخلة: قد يحمل المعنى على هذا والله أعلم. الشيخ: وقد لا يحمل، ما الذي تستفيده من القدقدة؟ ثم أنا أُذكِّر السائل وسائر الحاضرين بقاعدة لغوية مهمة جدًا: إذا دار الأمر بين التقدير وعدمه فالأصل عدم التقدير، بعبارة أخرى: إذا أمكننا أن نفسر العبارة أو الجملة العربية من كلام الله أو من حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو أي جملة عربية إذا أمكننا أن نُفسِّرها على الحقيقة، فلا يجوز تفسيرها على المجاز إلا إذا قامت القرينة الشرعية أو العقلية فحينذاك يقال: وجدت القرينة التي تضطرنا إلى تفسير الآية أو الحديث أو الجملة العربية على المجاز وليس على الحقيقة لكن إذا دار الأمر بدون وجود قرينة بين تفسير الجملة على الحقيقة أو على المجاز فالأصل الحقيقة وليس المجاز، وإلا فسدت اللغة وفسدت استعمالها بين الناس، إذا قال قائل: جاء الأمير، فهل يجوز للسامع أن يفهم جاء خادم الأمير؟ وهذا تعبير عربي معروف بتقدير مضاف محذوف، لا يجوز؛ لأنه ليس هناك ما يضطر السامع أن يتأول قول القائل: جاء الأمير يعني: لا ليس الأمير وإنما جاء خادمه، أو جاء نائبه أو أو إلى آخره، لو فتح هذا الباب لفسد التفاهم بين الناس باللغة العربية. ومن هنا كان من رد العلماء والفقهاء على غلاة الصوفية الذين يقولون من جهة بما يعرف عند العلماء بوحدة الوجود، والذين يتكلمون بعبارات صريحة في الكفر وفي وحدة الوجود فيأتي المدافعون عن أولئك الصوفية بالباطل فيتأولون كلامهم تأويلًا يتفق في نهاية المطاف مع الشريعة، فنحن نقول لهؤلاء بهذه الطريقة: لا يمكن أن نقول أن هذا الكلام كفر، حتى قلت مرة لبعضهم: ائتني بأي

جملة هي كفر في ظاهر العبارة وأنا على طريقتك أجعلها توحيدًا خالصًا؟ طريقته ما هي؟ تأويل النصوص، مثلًا مما قال قائلهم المغرق في الضلال: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة يتكلفون في تأويل: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا، أي: إلا إلى هنا .. إلى هنا ... إلى: حرف جر، ما هذا التأويل؟! ولذلك مثل هذا التأويل يمكن إجراؤه على أي عبارة، مثلًا أنا أقول: لو قال قائل: "فرعون" خلق السموات والأرض، ما رأيكم في هذا الكلام يجوز أو لا يجوز؟ طبعًا بالإجماع لا يجوز، لكن أنا أجعله توحيدًا بطريقة الصوفية، وهو رب "فرعون"، هذا معروف في اللغة تقدير مضاف محذوف، على حد قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (يوسف: 82) اسأل القرية ماذا؟ حيطانها .. شجرها؟ لا، إنما أهلها، كذلك العير، لكن هذا المضاف المحذوف، الأسلوب العربي نفسُه يوحي به إلى السامع فإن أحدًا لا يتساءل يا ترى! المقصود هنا ... القرية؟ لا، ولذلك تسمية هذا التعبير في اللغة العربية أن هذا مجاز مما يدفعه ابن تيمية رحمه الله في رسالته الخاصة بالحقيقة والمجاز، يقول: تسمية هذه العبارة خاصة بأنها مجاز من باب حذف المضاف هذا اصطلاح طارئ، وإلا فالعرب ما كانوا يفهمون من هذه العبارة إلا معنًى واحدًا هو الذي يسمونه بالمجاز بحذف المضاف. كذلك مثلًا في الأسلوب العربي: سال الميزاب، على طريقة المتأخرين في تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، حقيقة هذه العبارة: سال الميزاب، يعني: الميزاب من شدة الحرارة ذاب وصار سائلًا سال الميزاب، لكن مَن مِن العرب إذا سمع هذه العبارة يتبادر إلى ذهنه المعنى الذي يسمونه حقيقة، فيقولون: لا، هنا المقصود المجاز، هذا المعنى الذي يسمونه مجازًا في هذا المثال هو المعنى

الحقيقة المراد منه، سال الميزاب، يعني: سال ماء الميزاب، مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (يوسف: 82) تمامًا، وهكذا أمثلة كثيرة يذكرها ابن تيمية. منها مثلًا: جرى النهر، النهر هو الأخدود الذي يجري فيه الماء فحينما يقول العربي: جرى النهر، لا هو يعني جرى الأخدود نفسه بدون ماء ولا السامع منهم من العرب يفهم إلا الذي أراده، أي: جرى ماء النهر، إذًا: تسمية هذه التعابير بأنها مجاز يقول ابن تيمية: هذا خطأ، المجاز هو الذي يخرج المعنى الظاهر من العبارة إلى معنى آخر لوجود قرينة، لكن هنا لا معنى آخر إلا معنى واحد محدد هو اسأل القرية، يعني: أهلها .. سال الميزاب، أي: ماؤه .. جرى النهر، أي: ماؤه، من هنا يصل ابن تيمية إلى الرد على المتأخرين الذين يتأولون آيات الصفات وأحاديث الصفات باللجوء إلى ارتكاب طريق التأويل وهو سلوك طريق المجاز، لكن ما الذي يضطرهم إلى ترك فهم المعاني من هذه الآيات وتلك الأحاديث المتعلقة كلها بالصفات أن تفسر على حقائقها؟ لا سيما وهم يقولون جميعًا المتقدمون منهم والمتأخرون: الأصل في كل عبارة أن تفسر على حقيقتها. فمثلًا قوله تبارك وتعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر: 22) لا، جاء ربك لا يجوز هذا الفهم، إذًا: جاءت رحمة ربك، جاء أي مضاف محذوف يقدمونه، وعلى ذلك فقس، نحن نقول: الحق كما نطق الحق في كتابه: {وَجَاءَ رَبُّكَ} (الفجر: 22) لكن كيف يجيء؟ ما ندري. وهذا البحث طرقه العلماء قديمًا وحديثًا، فنحن في مناسبة قريبة تعرضنا لمثله أيضًا، الخلاصة: أن الكلام العربي أول ما ينبغي أن يُفسَّر به هو على الحقيقة، فقوله عليه السلام: «إذا وضع الميت في قبره فإنه ليسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرين» على الحقيقة يسمع قرع النعال، بل أنا أقول خلاف ما قلت أنت: هو

[256] باب لا يلزم من السلام على الأموات أو مخاطبتهم أنهم يسمعون

لا يمكن القول أنه يسمع كل شيء؛ لأنه هو بكل شيء سمع، هذا أمر مستحيل، لكن ما دام أن الأصل أن الموتى لا يسمعون كما شرحنا لكم آنفًا فإذا جاء نص ما، يعطي لميت أو موتى ما سماعًا ما نستثنيه من القاعدة، نقول: أولئك المشركين في القليب سمعوا قول الرسول عليه السلام، لكن ما كان يجري حولهم من أحاديث الصحابة وحينما قال عمر: يا رسول الله! إنك لتنادي أجسادًا لا أرواح فيها، ما نقول أنهم سمعوا قول عمر؛ لأن سماعهم لقول الرسول معجزة للرسول فيوقف عندها، كذلك في هذا الحديث يسمع الميت قرع نعالهم وفقط، وما نزيد على ذلك لسببين اثنين: أولًا: أنه خلاف الأصل، أن الموتى لا يسمعون، ثانيًا وأخيرًا: أن الأمور الغيبية، وهذا من الغيب في البرزخ لا يتوسع فيها أبدًا، والحق الوقوف عند النص وعدم التزيد عليه .. "أسئلة وفتاوى الإمارات" (2/ 47: 05: 00) [256] باب لا يلزم من السلام على الأموات أو مخاطبتهم أنهم يسمعون [قال الآلوسي في "الآيات البينات"]: فإن قيل: إذا كان مذهب الحنفية وكثير من العلماء المحققين على عدم السماع (أي سماع الأموات) فما فائدة السلام على الأموات وكيف (صحت) مخاطبتهم عند السلام؟ قلت: لم أجد فيما بين يدي الآن من كتبهم جوابهم عن ذلك، ولا بد أن تكون لهم أجوبة عديدة فيما هنالك، والذي يخطر في الذهن، ويتبادر إلى الخاطر

والفهم، أنهم لعلهم أجابوا بأن ذلك أمر تعبدي، وبأنا نُسلِّم سراًّ في آخر صلاتنا إذا كنا مقتدين، وننوي بسلامنا الحفظة، والإمام، وسائر المقتدين، مع أن هؤلاء القوم لا يسمعونه لعدم الجهر به، فكذا ما نحن فيه. [فعلق الإمام الألباني قائلاً]: ومن هذا القبيل قول الضرير في حديثه المشهور: " يا محمد إني توجهت بك إلى ربي ... " الحديث وهو مخرج في رسالتي " التوسل " (ص 67 - 68).وهذا إذا افترض أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان بعيدا أو غائباً عنه لا يسمعه، وأما إذا كان ذلك في حضوره - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا إشكال. [ثم قال الآلوسي]: على أن السلام هو الرحمة للموتى، وننزلهم منزلة المخاطبين السامعين، وذلك شائع في العربية كما لا يخفى على العارفين، فهذه العرب تُسَلِّمُ على الديار، وتخاطبها على بعد المزار. [فعلق الألباني قائلا]: ومن ذلك مخاطبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الهلال حين يراه بقوله: " ... ربنا وربك الله " ونحوه مما جاء في عدة أحاديث مخرجة في " المشكاة " (2428 و2451) و" الكلم الطيب " (ص 91/ 161) و" الصحيحة " (1816).و" الضعيفة " (1506) ومثله ما روي عن ابن عمر مرفوعاً: " كان إذا سافر فأقبل الليل قال: يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك ... " الحديث، وقد صححه بعضهم، لكن في إسناده جهالة كما بينته في " الكلم الطيب " (99/ 180) و" المشكاة " (3439 - التحقيق الثاني).

[257] باب هل تجوز مخاطبة الميت مع اعتقاد أنه لا يسمع؟

وفي ذلك كله رد قوي على قول ابن القيم في " الروح " (ص 8) وقد ذكر السلام على الأموات-: "فإن السلام على من لا يَشْعُرُ ولا يَعْلَمُ بالمسلم محال"، قال: " وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويرد "وكأنه رحمه الله لم يستحضر خطاب الصحابة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في التشهد: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " خلفه في المدينة، وبعيداً عنه في سائر البلاد، بحيث لو خاطبوه بذلك جهراً لم يسمعهم - صلى الله عليه وآله وسلم -، فضلاً عن جمهور المسلمين اليوم وقبل اليوم الذي يخاطبونه بذلك، أفيقال: إنه يسمعهم؟ أو أنه من المحال السلام عليه وهو لا يشعر بهم ولا يعلم؟ وكذلك لم يستحضر رحمه الله قول شيخ الإسلام ابن تيمية في توجيه هذا السلام ونحوه فقال في " الاقتضاء " (ص 416) وقد ذكر حديث الأعمى المشار إليه آنفاً: وقوله: "يا محمد " هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادي في القلب، فيخاطب لشهوده بالقلب، كما يقول المصلي: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " والإنسان يفعل هذا كثيراً يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من سمع الخطاب ". "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص131 - 132). [257] باب هل تجوز مخاطبة الميت مع اعتقاد أنه لا يسمع؟ سؤال: ثبت عن بعض الصحابة أنهم خاطبوا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته مثل قول أبي بكر: طبت حياً وميتاً يا رسول الله، وقول عبد الله بن عمر، وقول فاطمة: أبتاه أجاب ربّاً دعاه ..

الشيخ: ابن عمر ماذا؟ مداخلة: السلام عليك يا رسول الله اللهم اهدني .. فهل يصح أن يخاطَب الرسول بقول بعض الخطباء: فداك أبي وأمي يا رسول الله بصيغة النداء مع عدم الاعتقاد أنه يسمع يعني الرسول؟ الشيخ: بلا شك الروايات التي ذكرتها هي ثابتة، ومثل هذا النداء من حيث الأسلوب العربي سائغ وجائز، فالعرب ينادون الأبطال مثلاً والبلاد وإلى آخره والليل والنهار والشمس والقمر إلى آخره ولا يترتب من وراء ذلك شيء، لكن يختلف الأمر اليوم عن ذاك الوقت .. [انقطاع صوتي] فضلاً عن عامتهم، ولا يخفاكم أن هذا من الإشراك بالله عز وجل في دعائه، فحينما نتساهل في مثل هذا النداء الذي كان سابقاً قائماً، لكن سابقاً كانت العقيدة عقيدة التوحيد سالمة من أوضار وأوساخ الشرك الأصغر فضلاً عن الشرك الأكبر، وليس الأمر اليوم كذلك؛ لهذا لا يحسن للخطيب أن يفتح باب الإشكال هذا على عامة الناس لبعدهم عن فهمهم للتوحيد الصحيح. أنت قلت آنفاً كلمة حق وهو بأن هذا الذي ينادي يعتقد أن المنادى لا يسمع، لكن ما رأيك اليوم في خاصة المسلمين وعلمائهم ماذا يعتقدون بالموتى ... ؟ هل يعتقدون أنهم لا يسمعون أم أنهم يسمعون؟ الذي أنا أعرفه أنه وجدنا عشرات منهم أنهم يعتقدون أن الموتى يسمعون، لهم في ذلك شبهات كثيرة ولسنا الآن في صدد بيان ذلك، لكن لعلكم رأيتم كتاباً بعنوان: "الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات"، ومقدمتي لهذا الكتاب بنحو خمسين صفحة، فهناك أنا عالجت هذه المسألة بالأدلة وأثبتُّ أن الموتى لا يسمعون. ولذلك أنتم تعلمون أن من الحكمة أن يُكلِّم المسلم الناس على قدر عقولهم

[258] باب هل الأموات على علم بحال الأحياء؟

كما جاء في "صحيح البخاري" من حديث علي موقوفاً عليه رضي الله عنه قال: «كلموا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يُكذَّبَ اللهُ ورسولهُ» فنحن إذا نادينا وعقيدتنا سالمة، وننادي كما نادى أبو بكر وغيره من الصحابة, لكن الذين حولنا ما يفهمون أن هذا النداء ليس من باب الاستغاثة وليس من باب الاستعانة، فحينئذٍ ينبغي أن ندع هذا وأن نعالج عقيدة الناس حتى تستقيم على الكتاب والسنة, بعد ذلك يمكن استعمال هذا الأمر الذي أحسن أحوالهِ أنه يجوز، ولكن ليس كل ما يجوز؛ يجوز فعله في كل مناسبة. "الهدى والنور" (87/ 43: 27: 00) [258] باب هل الأموات على علمٍ بحال الأحياء؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس على الله، وتعرض على الأنبياء، وعلى الآباء والأمهات يوم الجمعة، فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا وإشراقا، فاتقوا الله، ولا تؤذوا أمواتكم». (موضوع). [ثم بيّن الإمام وضعه ثم قال]: ومنه تعلم أن السيوطي قد أساء بإيراده لهذا الحديث في " الجامع الصغير " وباستشهاده به على ما جزم به في " الحاوي " أن الأموات على علم بأحوال الأحياء، وبما هم فيه! وقد ساق في هذه المسألة أحاديث أخرى، لا يحتج بشيء منها مثل حديث: " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات .. "الحديث، وقد مضى (867). "الضعيفة" (3/ 672).

[259] باب الجمع بين قوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} و {إنك لا تسمع الموتى} وبين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا»

[259] باب الجمع بين قوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} و {إنك لا تسمع الموتى} وبين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا» [ذكر الآلوسي في"الآيات البينات" بعض أدلة من يقول بعدم سماع الأموات فذكر قوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} (فاطر: 22) و {إنك لا تسمع الموتى} (النمل: 80)، ثم قال]: لكن يشكل عليهم ما في " مسلم ": «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا» إلا أن يخصوا ذلك بأول الوضع في القبر مقدمةً للسؤال. [فعلق الألباني قائلاً]: والتخصيص المشار إليه أمر لا بد منه للجمع المذكور، ولكن ينبغي أن يعلم أن ذلك كذلك ولو لم يتعارض ظاهره بالآيتين المذكورتين فإن الحديث يدل أنه خاص بأول الوضع فإن لفظه: " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان ... " الحديث متفق عليه. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص81). [260] باب منه [وقال الإمام الألباني حول الجواب بالتخصيص بأول الوضع في القبر في موضع آخر]: وهذا الجواب هو الأصح لقول قتادة المتقدم في حديث أبي طلحة (ص78) (¬1) وهو الذي اعتمده الحافظ البيهقي، وغيره، ويأتي في الكتاب (99) ¬

(¬1) قال قتادة: «أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيراً، ونقمة، وحسرة وندماًً».

[261] باب كيف سلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على القبور فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ... » مع أن الموتى لا يسمعون؟

قول السهيلي في ذلك، ويظهر أن مناداة الكفار بعد هلاكهم سنة قديمة من سنن الأنبياء فقد قال تعالى في قوم صالح عليه السلام: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين. فتولى عنهم وقال: يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} (الأعراف: 78، 79)، قال ابن كثير (2/ 229 - 230): هذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه لما أهلكهم الله بمخالفتهم إياه وتمردهم على الله وإبائهم الحق وإعراضهم عن الهدى، قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريعاً وتوبيخاً وهم يسمعون ذلك كما ثبت في "الصحيحين " ... فذكر حديث القليب. لكن قوله: " وهم يسمعون ذلك " ليس في الآية ما يدل عليه. ثم ذكر الله تعالى عن شعيب عليه السلام وقومه نحو ذلك فانظر " ابن كثير" (2/ 233). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص84). [261] باب كيف سلّم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على القبور فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ... » مع أن الموتى لا يسمعون؟ [قال الآلوسي في "الآيات البينات"]: رأيت في " شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك " في " فصل جامع للوضوء " في الكلام على حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خرج إلى المقبرة فقال: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " ما لفظه: " قال الباجي وعياض: يحتمل أنهم أحيوا له حتى سمعوا كلامه كأهل القليب، ويحتمل أن يسلم عليهم مع كونهم أمواتاً لامتثال أمته ذلك بعده، قال الباجي: وهو الأظهر ".

[262] باب لا يستدل بحديث أهل القليب على أن الموتى يسمعون

[فعلق الألباني قائلاً]: قلت: كل من الاحتمالين غير قوي عندي أما الأول فلأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يخاطب الموتى بالسلام المذكور كلما زار القبور كما في حديث عائشة رضي الله عنها: " كان - صلى الله عليه وآله وسلم - كلما كان ليلتها من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخرج من آخر الليل فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين ... " الحديث. رواه مسلم وغيره وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 189) فهل كانوا يجيبونه كلما سلم عليهم؟ وأما الآخر فهو أضعف منه لأنه يعود السؤال السابق: لماذا خاطبهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بذلك؟ اللهم إلا أن يكون مراده أن الأمر تعبدي محض. والله أعلم. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص133 - 134). [262] باب لا يستدل بحديث أهل القليب على أن الموتى يسمعون عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلاَثًا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: «يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّى قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِى رَبِّى حَقًّا». فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا، قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا».ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ. [قال الإمام معلقًا على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ»]: أي لأن الله أحياهم له كما قال قتادة في «صحيح البخاري» , لا لأن الموتى يسمعون كما يظن البعض. كيف والله عز وجل يقول فيهم {إن تدعوهم لا يسمعوا

[263] باب منه

دعاءكم, ولو سمعوا ما استجابوا لكم}. فمن أكبر الضلال, استدلال بعض الجهال بالحديث على أن الموتى يسمعون, ثم الاستدلال بسماعهم على جواز الاستعانه بهم. والآية صريحة في نفي الأمرين معاً. والله المستعان. "مختصر صحيح مسلم" (ص 307). [263] باب منه [قال ابن أبي عاصم في "السنة"]: ثنا أبو الشعثاء، ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن أشعث عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود في بيت المال، قال: قام رسول الل هـ - صلى الله عليه وآله وسلم - على القليب قليب بدر فقال: «يا فلان يا فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقاًّ»؟ قالوا: يا رسول الله هل يسمعون؟ قال: «ما أنتم لأسمع لما أقول منهم، ولكنهم اليوم لا يجيبون». [قال الإمام]: حديث صحيح. قال أبو بكر -هو ابن أبي عاصم- والأخبار التي في قليب بدر، ونداء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إياهم، وما أخبر أنهم يسمعون كلامه؛ أخبار ثابتة توجب العمل والمحاسبة، فيه أخبار كثيرة قد أثبتناها في مواضعها. [فعلق الإمام قائلاً]: قلت: لكن ليس فيها أن الموتى عامة يسمعون, وإنما فيها أن أهل القليب سمعوا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - إياهم (¬1) , فهي قضية خاصة لا عموم لها, فلا تعارض بينها وبين ¬

(¬1) كذا.

[264] باب متى كانت مخاطبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأهل القليب

الآيتين اللتين احتجت بهما السيدة عائشة رضي الله عنها, فاحتجاجها بهما صحيح كأصل, لكن خفي عليها أن الحادثة وقعت كما رواها ابن عمر, وكذا أنس وعمر كما تقدم. فتمسكت بالأصل الثابت في القرآن, لعدم ثبوت القصة عندها, ولو ثبتت لاستثنتها من هذا الأصل كما هو الواجب للتوفيق بين القرآن والحديث, ويؤيده قول قتادة المتقدم: أحياهم الله له ... فالقضية خاصة فلا يجوز أن يلحق بها غيرها فيقال: إن الموتى كلهم يسمعون, كما يقول كثير من الناس اليوم! "ظلال الجنة في تخريج السنة" (ص 384) [264] باب متى كانت مخاطبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأهل القليب [نقل الآلوسي في "الآيات البينات" عن ابن جحر قولاً لبعضهم بأن مخاطبة النبي لأهل القليب كانت وقت سؤال الملكين في القبر، فعلق الألباني على هذا القول قائلاً]: قلت: وكذا قال الطحطاوي (ص 546).وهذا باطل فقد ثبت في بعض طرق القصة عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم فناداهم ... وفيه أن عمر قال: يا رسول الله كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا؟ الحديث. أخرجه مسلم (8/ 163) وأحمد (3/ 286) من رواية ثابت عنه. ورواه حميد عنه بلفظ "قالوا " بدل " قال عمر " كما تقدم قريباً، ومعناه في طريق قتادة الذي سبق تخريجه (ص 54)، فالعجب من الحافظ كيف فاته هذا وهو الذي نقل في شرحه لهذا الحديث قول السهيلي .. وفيه قول الصحابة: " أتخاطب أقواما قد جيفوا " بل وذكر قبل ذلك حديث أنس هذا من طريق مسلم؟ إلا أن يقال: إن الروح تبقى مدة في جسدها بعد إعادتها إليه وهو بعيد جداً لعدم ورود نص بذلك. والله أعلم. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص102).

جماع أبواب صور من الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غير ما تقدم

جماع أبواب صور من الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غير ما تقدم

[265] باب كيف يكون تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التعظيم المشروع

[265] باب كيف يكون تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التعظيم المشروع [قال الإمام]: وتعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تعظيماً مشروعاً، إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - صحيحا ثابتاً، وبذلك يجتمع الإيمان به - صلى الله عليه وآله وسلم - عبداً ورسولاً، دون إفراط ولا تفريط، فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - بشر، بشهادة الكتاب والسنة، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقاً بنص الأحاديث الصحيحة، وكما يدل عليه تاريخ حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - وسيرته، وما حباه الله تعالى به من الأخلاق الكريمة، والخصال الحميدة، التي لم تكتمل في بشر اكتمالها فيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وصدق الله العظيم، إذ خاطبه بقوله الكريم: {وإنك لعلى خلق عظيم}. "الصحيحة" (1/ 1/167). [266] باب النهي عن الغلو في تعظيمه - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يا أيها الناس! لا ترفعوني فوق قدري، فإن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (6/ 1/106). [267] باب من مفاسد الغلو في تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رد الأحاديث الصحيحة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يا أم سليم! أما تعلمين أن شرطي على ربي؟ أني اشترطت على ربي فقلت:

إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة». [قال الإمام]: اعلم أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذه الأحاديث: «إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر ... » إنما هو تفصيل لقول الله تبارك وتعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم، يوحى إلي .... } الآية. وقد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء، إلى إنكار مثل هذا الحديث بزعم تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتنزيهه عن النطق به! ولا مجال إلى مثل هذا الإنكار فإن الحديث صحيح، بل هو عندنا متواتر، فقد رواه مسلم من حديث عائشة وأم سلمة كما ذكرنا، ومن حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما، وورد من حديث سلمان وأنس وسمرة وأبي الطفيل وأبي سعيد وغيرهم. انظر " كنز العمال " (2/ 124). وتعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تعظيماً مشروعاً، إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - صحيحاً ثابتاً، وبذلك يجتمع الإيمان به - صلى الله عليه وآله وسلم - عبداً ورسولاً، دون إفراط ولا تفريط، فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - بشر، بشهادة الكتاب والسنة، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقاً بنص الأحاديث الصحيحة. وكما يدل عليه تاريخ حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - وسيرته، وما حباه الله تعالى به من الأخلاق الكريمة، والخصال الحميدة، التي لم تكتمل في بشر اكتمالها فيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وصدق الله العظيم، إذ خاطبه بقوله الكريم: {وإنك لعلى خلق عظيم}. "الصحيحة" (1/ 1/166 - 167).

[268] باب النهي عن إطراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

[268] باب النهي عن إطراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله». (صحيح). [قال الأستاذ الدعاس في تحقيق «الشمائل»: الإطراء هو حسن الثناء، أي لا تبالغوا في مدحي كما بالغت النصارى في مدح سيدنا عيسى فجعلوه إلها أو ابن إله. فتعقبه الإمام قائلاً]: «قلت: حمل الحديث على المبالغة في مدحه - صلى الله عليه وآله وسلم - مما لا يناسب ما ترجم له المؤلف رحمه الله -أي الترمذي في الشمائل-، ألا وهو تواضعه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ذلك أن المبالغة تقترن عادةً بالكذب والغلو في الدين، وذلك محرم فالنهيُ عن مثله من الأمور التي لا يظهر بها تواضعه كما لا يخفى، فيبعد أن يكون هذا هو مراد المؤلف، فلعل الأولى أن يقال: إن المراد: لا تمدحوني مطلقاً، وهو من معاني الإطراء لغة، وهو وإن كان جائزاً في الأصل، فقد ينهى عن مثله من باب سد الذريعة، كما هو معلوم من علم الأصول، فإن فتح باب المدح قد يؤدي إلى مخالفة الشرع كما هو مشاهد في الواقع، إما جهلاً، وإما علواً، ألا ترى معي إلى ما قال بعضهم في مدحه - صلى الله عليه وآله وسلم -: دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحاً فيه وأحتكمِ كيف أوصله إلى أن قال فيه - صلى الله عليه وآله وسلم -: فإن من جودك الدنيا وضرَّتَها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

[269] باب من وسائل الشرك: الغلو في مدح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

وهذا مدح بما هو باطل بداهة، ومثله كثير فيما يسمونه بالأناشيد الدينية، فنهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - أمته عن مدحه بما هو جائز أصلاً خشية وقوع المادح فيما لا يجوز، لاشك أنه من تواضعه - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يدل عليه سائر أحاديث الباب وغيرها، بخلاف حمل النهي على المدح المحرم، وهذا بين لا يخفى إن شاء الله. يؤيده قوله في آخر الحديث. «إنما أنا عبد ... » لأنه كأنه خرج مخرج الجواب عن سؤال مقدر: فماذا نقول في مدحك يا رسول الله؟ فقال: «قولوا عبد الله ورسوله».أي قولوا مالا شك فيه شرعاً مما أنا متصف به ولا تزيدوا عليه. وأين هذا مما يصفه بعض المسلمين اليوم فيما يسمونه بالموالد وغيرها مما لم يكن معروفاً عند السلف الصالح، كقولهم: إنه نور. وإنه أول خلق الله, وأن جبريل كان خادمه ليلة الإسراء، ونحو ذلك من المماديح والأباطيل. {فاعتبروا يا أولي الأبصار}. "مختصر الشمائل" (ص 175) [269] باب من وسائل الشرك: الغلو في مدح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم. يعني يوم ذي قار» (ضعيف). [قال الإمام]: (تنبيه): بلغ جهل بعض الناس بالتاريخ والسيرة النبوية في هذا العصر أن أحدهم طبع منشوراً يرد فيه على صديقنا الفاضل الأستاذ علي الطنطاوي طلبه من الإذاعة أن تمتنع من إذاعة ما يسمونه بالأناشيد النبوية، لما فيها من وصف جمال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعبارات لا تليق بمقامه - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل فيها ما هو أفظع من ذلك من مثل الاستغاثة به - صلى الله عليه وآله وسلم - من دون الله تبارك وتعالى، فكتب المشار إليه في نشرته ما نصه

بالحرف (ص 4): " وها هي (!) الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا يستصحبون بعض نسائهم لخدمة أنفسهم في الغزوات والحروب، وكانوا يضمدون (!) الجرحى ويهيئون (!) لهم الطعام، وكانوا يوم ذي قار عند اشتداد وطيس الحرب بين الإسلام والفرس كانت النساء تهزج أهازيج وتبعث الحماس في النفوس بقولها: إن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق، أو تدبروا نفارق فراق غير وامق، فانظر إلى هذا الجهل ما أبعد مداه!. فقد جعل المعركة بين الإسلام والفرس، وإنما هي بين المشركين والفرس، ونسب النشيد المذكور لنساء المسلمين في تلك المعركة! وإنما هو لنساء المشركين في غزوة أحد! كن يحمسن المشركين على المسلمين كما هو مروي في كتب السيرة! فقد خلط بين حادثتين متباينتين، وركب منهما ما لا أصل له البتة بجهله أو تجاهله ليتخذ من ذلك دليلا على جواز الأناشيد المزعومة، ولا دليل في ذلك- لوثبت- مطلقاً إذ أن الخلاف بين الطنطاوي ومخالفيه ليس هو مجرد مدح النبي بل إنما هو فيما يقترن بمدحه مما لا يليق شرعا كما سبقت الإشارة إليه وغير ذلك مما لا مجال الآن لبيانه، ولكن صدق من قال: " حبك الشيء يعمي ويصم " فهؤلاء أحبوا الأناشيد النبوية، وقد يكون بعضهم مخلصاً في ذلك غير مغرِض فأعماهم ذلك عما اقترن بها من المخالفات الشرعية. ثم إن هذا الرجل اشترك مع رجلين آخرين في تأليف رسالة ضدنا أسموها " الإصابة في نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة " حشوها بالافتراءات والجهالات التي تنبيء عن هوى وقلة دراية، فحملني ذلك على أن ألفت في الرد عليهم كتاباً أسميته " تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة " موزعاً على ست رسائل صدر منها الرسالة الأولى وهي في بيان بعض افتراءاتهم

[270] باب اعتقاد سماع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته من وسائل الشرك

وأخطائهم، والثانية في " صلاة التراويح " والثالثة في أن " صلاة العيدين في المصلى هي السنة " ثم أصدرنا الخامسة بعنوان " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ". "الضعيفة" (2/ 47، 49 - 50). [270] باب اعتقاد سماع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته من وسائل الشرك [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيا وُكل بها ملك يبلغني، وكُفي بها أمر دنياه وآخرته، وكنت له شهيدا أو شفيعا». (موضوع بهذا التمام). [قال الإمام]: فائدة: قال الشيخ ابن تيمية عقب كلامه المتقدم على الحديث: وهو لو كان صحيحاً فإنما فيه أنه يبلغه صلاة من صلى عليه نائياً، ليس فيه أنه يسمع ذلك كما وجدته منقولاً عن هذا المعترض (يريد الأخنائي)، فإن هذا لم يقله أحد من أهل العلم، ولا يعرف في شيء من الحديث، وإنما يقوله بعض المتأخرين الجهال: يقولون: إنه ليلة الجمعة ويوم الجمعة يسمع بأذنيه صلاة من يصلي عليه، فالقول إنه يسمع ذلك من نفس المصلين (عليه) باطل، وإنما في الأحاديث المعروفة إنه يبلغ ذلك ويعرض عليه، وكذلك السلام تبلغه إياه الملائكة. قلت: ويؤيد بطلان قول أولئك الجهال قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني ... » الحديث وهو صحيح كما تقدم (ص 364)

[271] باب منه

فإنه صريح في أن هذه الصلاة يوم الجمعة تبلغه ولا يسمعها من المصلي عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الضعيفة" (1/ 366،369). [271] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائياً وُكِّلَ بها ملك يبلغني، وكفي بها أمر دنياه وآخرته، وكنت له شهيداً أو شفيعاً». (موضوع بهذا التمام). [قال الإمام]: فائدة: قال الشيخ ابن تيمية عقب كلامه المتقدم على الحديث: "وهو لوكان صحيحاً فإنما فيه أنه يبلغه صلاة من صلى عليه نائياً، ليس فيه أنه يسمع ذلك كما وجدته منقولاً عن هذا المعترض (يريد الأخنائي)، فإن هذا لم يقله أحد من أهل العلم، ولا يُعرف في شيء من الحديث، وإنما يقوله بعض المتأخرين الجهال: يقولون: إنه ليلة الجمعة ويوم الجمعة يسمع بأذنيه صلاة من يصلي عليه، فالقول إنه يسمع ذلك من نفس المصلين (عليه) باطل، وإنما في الأحاديث المعروفة أنه يبلغ ذلك ويعرض عليه، وكذلك السلام تبلغه إياه الملائكة ". قلت: ويؤيد بطلان قول أولئك الجهال قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني ... » الحديث وهو صحيح كما تقدم (ص 364) فإنه صريح في أن هذه الصلاة يوم الجمعة تبلغه ولا يسمعها من المصلي عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الضعيفة" (1/ 366،369).

[272] باب هل يسمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته سلام من سلم عليه؟ وهل يلزم من رده - صلى الله عليه وآله وسلم - السلام أن يكون سمعه؟

[272] باب هل يسمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته سلام من سلم عليه؟ وهل يلزم من رده - صلى الله عليه وآله وسلم - السلام أن يكون سمعه؟ [قال الإمام]: لم أجد دليلاً على سماعه - صلى الله عليه وآله وسلم - سلام من سلَّم عليه عند قبره، وحديث أبي داود: وهو: " ما من أحد يُسلِّم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام "وإسناده حسن كما بينه الشيخ في " الصحيحة " (2266) ليس صريحاً في ذلك. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص113). [273] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيا وُكل بها ملك يبلغني، وكفي بها أمر دنياه وآخرته، وكنت له شهيداً أو شفيعاً». (موضوع بهذا التمام). [قال الإمام]: فائدة: قال الشيخ ابن تيمية عقب كلامه المتقدم على الحديث: وهو لو كان صحيحاً فإنما فيه أنه يُبِلغه صلاة من صلى عليه نائياً، ليس فيه أنه يسمع ذلك كما وجدته منقولا عن هذا المعترض (يريد الأخنائي)، فإن هذا لم يقله أحد من أهل العلم، ولا يعرف في شيء من الحديث، وإنما يقوله بعض المتأخرين الجهال: يقولون: إنه ليلة الجمعة ويوم الجمعة يسمع بأذنيه صلاة من يصلي عليه، فالقول إنه يسمع ذلك من نفس المصلين (عليه) باطل، وإنما في الأحاديث المعروفة أنه

[274] باب هل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حي في قبره؟ وهل يسمع بعد موته؟

يُبلغ ذلك ويعرض عليه، وكذلك السلام تبلغه إياه الملائكة. قلت: ويؤيد بطلان قول أولئك الجهال قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني ... " الحديث وهو صحيح كما تقدم (ص 364) فإنه صريح في أن هذه الصلاة يوم الجمعة تبلغه ولا يسمعها من المصلي عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الضعيفة" (1/ 366،369). [274] باب هل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حي في قبره؟ وهل يسمع بعد موته؟ سؤال: حديث يقول فيما معناه مما من عبداً يصلي عليّ يوم الجمعة إلى رد الله علي روحي. الشيخ: ما فيش يوم الجمعة (ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي فأرد عليه السلام). السائل: نعم فبعض الصوفيين استدل عليه بأن الرسول الصلاة والسلام ما مات بل حي في القبر ويستدلوا بهذا الحديث. الشيخ: وإش معنى يرد علي روحي, ما مات, أنت روحك هلا في نفسك ولا مردودة إليك, هذا كلام صوفي ويكفي أنه كلاماً صوفياً؛ لأنه خالف حديث الرسول عليه السلام ولذلك أقول هدول الصوفية لبالغ جهلهم ينكرون النصوص القاطعة بشبهات ما أنزل الله بها من سلطان ربنا يقول في صريح القرآن {إنك ميت وإنهم ميتون} فإذاً هو كسائر البشر ميت, كما هم أيش؟ ميتون, إيش معنى ميت؟ أي: ستموت, أي: ستصبح ميتاً, وكذلك الناس جميعا. أينكرون هذه الحقائق بشبهات مثل هذه الشبه التي ذكرتها عن الحديث, الحديث يعني أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

يعني مات, وكل حي فإنما سبيله الموت, ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام، ولذلك لما قال عليه السلام في الحديث الآخر الصحيح: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة, فإن صلاتكم تبلغني» , قالوا: «كيف ذاك وقد أَرَمْتَ» , ماذا فهم الصحابة من قوله عليه السلام هذا؟ فهموا أنه ميت, ولذلك استغربوا كيف تبلغه صلاته وقد أَرِمَ؟ أي: فني, أي: صار رميماً, {قال من يحيي العظام وهي رميم} فالصحابة كانوا يتلقوا عن الرسول عليه السلام هذه الحقيقة التي لا مناص لأحدٍ من البشر إلا وأن يقع فيها وهي {إنك ميت وإنهم ميتون} كانوا عرفوا هذه الحقيقة, ولذلك لما جاءهم الرسول عليه السلام بشيء ما كانوا يعرفونه من قبل: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني» قالوا كيف ذاك وقد أرمت أي فنيت, طبعاً مت وأكثر من مت أي فنيت وصرت رميماً, قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» فأجساد الأنبياء كل الأنبياء لا تصبح رميماً كأجساد الآخرين, ولذلك فرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جسده في قبره كما هو من قبل, هذه معجزة هذه كرامه من الله عز وجل لنبيه عليه السلام, بل ولِسائر الأنبياء الكرام, ولكن الله كرم نبيه عليه السلام بكرامةٍ أخرى لا يشاركه أحد من الأنبياء وهي قوله عليه السلام: «فإن صلاتكم تبلغني» قالوا: كيف ذاك وقد أرمت, قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» ,أي: أنا كسائر الأنبياء جسدي في القبر حي طري, ولكن اصطفاني ربي عز وجل بخصلة أخرى أنه كلما سلم علي مسلمون رد الله إلي روحي فأرد عليه السلام, وهذا الحديث وهو ثابت فيه دلاله على أن الرسول عليه السلام خلاف ما يتوهم كثير من العامة, بل وفيهم بعض الخاصة وهي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يسمع سلام المسلمين عليه, وإنما كما جاء في الحديث الصحيح: «إن لله ملائكة سياحين, يبلغوني عن أمتي السلام» , إن لله ملائكة سياحين: يعني طوافين على المسلمين, فكلما سمعوا مسلماً يصلي على

[275] باب من وسائل الشرك: اعتقاد أن روح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مستقرة فيه بعد موته

النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بلغوه بذلك وهو لا يسمع؛ لأن الميت لا يسمع, انفصل عن هذه الحياة الدنيا ومتعلقاتها كلها, ولكن الله عز وجل اصطفى نبيه عليه السلام فيما ذكرنا من الحياة ومن تمكينه بإعادة روحه إلى جسده, ورد السلام على المسلمين عليه, ومن ذلك أيضاً أن هناك ملائكةً يبلغونه السلام فكلما سلموا عليه من فلان هو رد عليهم السلام. " الهدى والنور" (268/ 08: 22: 00) [275] باب من وسائل الشرك: اعتقاد أن رُّوْحَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مستقرة فيه بعد موته [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحاً حتى ترد إليه روحه، ومررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم في قبره بين عائلة وعويلة». [قال الإمام]: وأنا أرى أن هذا الحديث يعارض قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام». رواه أبو داود (1/ 319) والبيهقي (5/ 245) وأحمد (2/ 527) بإسناد حسن عن أبي هريرة، وهو مخرج في الكتاب الآخر " الصحيحة " (2266). ووجه التعارض أنه يدل على أن روحه - صلى الله عليه وآله وسلم - ليست مستقرة في جسده الشريف، بل هي تُردُّ إليه ليرد سلام المُسلِّمين عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، بينما هذا الحديث الموضوع يقرر صراحة أن روح كل نبي ترد إليه بعد أربعين صباحاً من وفاته،

[276] باب من صور الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنكار كون أبواه في النار

فلوصح هذا فكيف ترد روحه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جسده ليرد السلام، هذا أمر غير معقول، بل هو ظاهر التناقض، فلابد من رد أحدهما، وليس هو إلا هذا الحديث المنكر حتى يَسْلَم الحديثُ القوي من المعارِض، فتأمل هذا فإنه مما ألهمت به، لا أذكر أني رأيته لأحد قبلي، فإن كان صوابا فمن الله، وإلا فمن نفسي. "الضعيفة" (1/ 360، 362 - 363). [276] باب من صور الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنكار كون أبواه في النار [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أبي وأباك في النار». [قال الإمام]: والحديث أخرجه الجورقاني (¬1) في " الأباطيل والمناكير " (1/ 235) من طريق أخرى عن داود بن أبي هند في جملة أحاديث أخرى تدل كلها- كهذا- على أن من مات في الجاهلية مشركاً فهو في النار، وليس من أهل الفترة كما يظن كثير من الناس، وبخاصة الشيعة منهم، ومن تأثر بهم من السنة! ومن تلك الأحاديث، ما رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفَّى دعاه، فقال: فذكر حديث الترجمة حرفا بحرف. أخرجه مسلم (1/ 132 - 133) وأبو عوانة (1/ 99) وأبو داود (4718) ¬

(¬1) اختلفوا في ضبطه اختلافا كثيرا، هل هو بالراء أم بالزاي؟ وهل هو بفتح الجيم أم بالضم. انظر الحاشية على " السير " (20/ 178).اهـ.

والجورقاني (1/ 233) وصححه، وأحمد (3/ 268) وأبو يعلى (6/ 229/3516) وابن حبان (578 - الإحسان) والبيهقي (7/ 190) من طرق عن حماد بن سلمة به. ومنها سعد بن أبي وقاص المتقدم في المجلد الأول برقم (18) بلفظ: «حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار».فراجع سببه هناك، فإنه بمعنى حديث الترجمة لمن تأمله. وإن مما يتصل بهذا الموضوع قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما زار قبر أمه: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي .. » الحديث. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 187 - 188) من حديث أبي هريرة وبريدة، فليراجعهما من شاء. والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرنا خير كبير وبركة. واعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس اليوم وقبل اليوم لا استعداد عندهم لقبول هذه الأحاديث الصحيحة، وتبني ما فيها من الحكم بالكفر على والدي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل إن فيهم من يظن أنه من الدعاة إلى الإسلام ليستنكر أشد الاستنكار التعرض لذكر هذه الأحاديث ودلالتها الصريحة! وفي اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصب منهم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي قالها إن صدقوا بها، وهذا- كما هو ظاهر- كفر بواح، أو على الأقل: على الأئمة الذين رووها وصححوها، وهذا فسق أو كفر صراح، لأنه يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم، لأنه لا طريق لهم إلى معرفته والإيمان به، إلا من طريق نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - كما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه، فإذا لم يصدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم وأذواقهم وأهوائهم- والناس في ذلك مختلفون أشد الاختلاف- كان في ذلك فتح باب عظيم جدا لرد

الأحاديث الصحيحة، وهذا أمر مشاهد اليوم من كثير من الكتاب الذين ابتلي المسلمون بكتاباتهم كالغزالي والهويدي وبليق وابن عبد المنان وأمثالهم ممن لا ميزان عندهم لتصحيح الأحاديث وتضعيفها إلا أهواؤهم! واعلم أيها المسلم- المشفق على دينه أن يهدم بأقلام بعض المنتسبين إليه- أن هذه الأحاديث ونحوها مما فيه الإخبار بكفر أشخاص أو إيمانهم، إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها وتلقيها بالقبول، لقوله تعالى: {ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب} (البقرة: 1 - 3) وقوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .. } (الأحزاب: 36)، فالإعراض عنها وعدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لا ثالث لهما- وأحلاهما مر-: إما تكذيب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإما تكذيب رواتها الثقات كما تقدم، وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين ينكرون هذه الأحاديث أو يتأولونها تأويلاً باطلاً كما فعل السيوطي- عفا الله عنا وعنه- في بعض رسائله، إنما يحملهم على ذلك غلوهم في تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وحبهم إياه، فينكرون أن يكون أبواه - صلى الله عليه وآله وسلم - كما أخبر هو نفسه عنهما، فكأنهم أشفق عليهما منه - صلى الله عليه وآله وسلم -!! وقد لا يتورع بعضهم أن يركن في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الذي فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحيا الله له أمه، وفي رواية: أبويه، وهو حديث موضوع باطل عند أهل العلم كالدارقطني والجورقاني، وابن عساكر والذهبي والعسقلاني، وغيرهم كما هو مبين في موضعه، وراجع له إن شئت كتاب " الأباطيل والمناكير " للجورقاني بتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي (1/ 222 - 229) وقال ابن الجوزي في " الموضوعات " (1/ 284): " هذا حديث موضوع بلا شك، والذي وضعه قليل الفهم، عديم العلم، إذ لو كان له علم

لعلم أن من مات كافراً لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة، لا بل لو آمن عند المعاينة، ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى: {فيمت وهو كافر}، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في (الصحيح): «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي». ولقد أحسن القول في هؤلاء بعبارة ناصعة وجيزة الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله في تعليقه على" الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للإمام الشوكاني، فقال (ص 322):" كثيراً ما تجمح المحبة ببعض الناس، فيتخطى الحجة ويحاربها، ومن وفق علم أن ذلك منافٍ للمحبة الشرعية، والله المستعان ". قلت: وممن جمحت به المحبة السيوطي عفا الله عنه، فإنه مال إلى تصحيح حديث الإحياء الباطل عند كبار العلماء كما تقدم، وحاول في كتابه " اللآلئ " (1/ 265 - 268) التوفيق بينه وبين حديث الاستئذان وما في معناه، بأنه منسوخ، وهو يعلم من علم الأصول أن النسخ لا يقع في الأخبار وإنما في الأحكام! وذلك أنه لا يعقل أن يخبر الصادق المصدوق عن شخص أنه في النار ثم ينسخ ذلك بقوله: إنه في الجنة! كما هو ظاهر معروف لدى العلماء. ومن جموحه في ذلك أنه أعرض عن ذكر حديث مسلم عن أنس المطابق لحديث الترجمة إعراضاً مطلقاً، ولم يشر إليه أدنى إشارة، بل إنه قد اشتط به القلم وغلا، فحكم عليه بالضعف متعلقا بكلام بعضهم في رواية حماد بن سلمة! وهو يعلم أنه من أئمة المسلمين وثقاتهم، وأن روايته عن ثابت صحيحة، بل قال ابن المديني وأحمد وغيرهما: أثبت أصحاب ثابت حماد، ثم سليمان، ثم حماد بن زيد، وهي صحاح. وتضعيفه المذكور كنت قرأته قديماً جدا في رسالة له في حديث الإحياء

[277] باب من صور الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ادعاء إحياء أمه بعد موتها وإيمانها به وبيان وضع القصة في ذلك

- طبع الهند- ولا تطولها يدي الآن لأنقل كلامه، وأتتبع عواره، فليراجعها من شاء التثبت. ولقد كان من آثار تضعيفه إياه أنني لاحظت أنه أعرض عن ذكره أيضا في شيء من كتبه الجامعة لكل ما هب ودب، مثل " الجامع الصغير " و" زيادته" و"الجامع الكبير "! ولذلك خلا منه " كنز العمال " والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وتأمل الفرق بينه وبين الحافظ البيهقي الذي قدم الإيمان والتصديق على العاطفة والهوى، فإنه لما ذكر حديث: «خرجت من نكاح غير سفاح»، قال عقبه: " وأبواه كانا مشركين، بدليل ما أخبرنا .. "، ثم ساق حديث أنس هذا وحديث أبي هريرة المتقدم في زيارة قبر أمه - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الصحيحة" (6/ 1/177 - 182). [277] باب من صور الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ادعاء إحياء أمه بعد موتها وإيمانها به وبيان وضع القصة في ذلك [تَكلَّم الإمام على أن السيوطي رحمه الله قد ملأ كتابه "الخصائص الكبرى" بالأحاديث الضعيفة والموضوعة ثم بدأ بضرب أمثلة على ذلك فقال]: قصة إحياء أم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وإيمانها به (ج2 ص 280) , وهي قصة موضوعة باطلة عند المحققين من العلماء كابن الجوزي وابن تيمية وغيرهم. ومما يبطلها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لمن سأله عن أبيه فقال له: «إن أبي وأباك في النار». رواه مسلم وغيره, وهو حديث صحيح, رغم تعنت السيوطي الذي أعله في بعض رسائله بما لا يقدح, ولا سيما وله بعض الشواهد التي تكشف أنه ليس من

[278] باب من صور الغلو في النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: اعتقاد أنه خلق قبل الذوات

الممكن تضعيفه لولا الهوى, ولذلك لما غلب ذلك عليه لم يورده في "الجامع الصغير" ولا في "الزيادة عليه" نسأل الله السلامة. وما أحسن ما قاله الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله تعليقًا له على هذا الحديث, وقد أورده الشوكاني في (الأحاديث الموضوعة) ص (¬1) 322: "كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس فيتخطى الحجة ويحاربها, ومن وفق علم أن ذلك منافٍ للمحبة المشروعة والله المستعان" "تحقيق بداية السول" (ص16 - 17). [278] باب من صور الغلو في النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: اعتقاد أنه خُلِقَ قبل الذوات [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين». (موضوع). ومثله: «كنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين». (موضوع) [قال الإمام]: ذكر هذا والذي قبله السيوطي في ذيل " الأحاديث الموضوعة " (ص 203) نقلاً عن ابن تيمية، وأقره، وقد قال ابن تيمية في رده على البكري (ص 9): لا ¬

(¬1) من طبع المكتب الإسلامي. [منه].

[279] باب هل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أول خلق الله

أصل له، لا من نقل ولا من عقل، فإن أحداً من المحدثين لم يذكره، ومعناه باطل، فإن آدم عليه السلام لم يكن بين الماء والطين قط، فإن الطين ماء وتراب، وإنما كان بين الروح والجسد. ثم هؤلاء الضُلَّال يتوهمون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان حينئذ موجوداً، وأن ذاته خلقت قبل الذوات، ويستشهدون على ذلك بأحاديث مفتراة، مثل حديث فيه أنه كان نورا حول العرش، فقال: يا جبريل أنا كنت ذلك النور. ويدعي أحدهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يحفظ القرآن قبل أن يأتيه به جبريل. ويشير بقوله: " وإنما كان بين الروح والجسد " إلى أن هذا هو الصحيح في هذا الحديث ولفظه: " كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " وهو صحيح الإسناد كما بينته في " الصحيحة " (1856). "الضعيفة" (1/ 473 - 474). [279] باب هل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أول خلق الله [قال الإمام]: [قال] .. - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد».رواه أحمد في " السنة " (ص 111) عن ميسرة الفجر. وسنده صحيح، ولكن لا دلالة فيه ولا في الذي قبله على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أول خلق الله تعالى، خلافاً لما يظن البعض. وهذا ظاهر بأدنى تأمل. "الضعيفة" (2/ 115).

[280] باب هل خلق النبي قبل الذوات؟

[280] باب هل خلق النبي قبل الذوات؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين». (موضوع) [قال الإمام]: ومثله: «كنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين». (موضوع). [قال الإمام]: ذكر هذا والذي قبله السيوطي في ذيل " الأحاديث الموضوعة " (ص 203) نقلاً عن ابن تيمية، وأقره، وقد قال ابن تيمية في رده على البكري (ص 9): لا أصل له، لا من نقل ولا من عقل، فإن أحداً من المحدثين لم يذكره، ومعناه باطل، فإن آدم عليه السلام لم يكن بين الماء والطين قط، فإن الطين ماء وتراب، وإنما كان بين الروح والجسد، ثم هؤلاء الضُلَّال يتوهمون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان حينئذ موجوداً، وأن ذاته خلقت قبل الذوات، ويستشهدون على ذلك بأحاديث مفتراة، مثل حديث فيه أنه كان نورا حول العرش، فقال: يا جبريل أنا كنت ذلك النور، ويدعي أحدهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يحفظ القرآن قبل أن يأتيه به جبريل. ويشير بقوله: " وإنما كان بين الروح والجسد " إلى أن هذا هو الصحيح في هذا الحديث ولفظه: " كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " وهو صحيح الإسناد كما بينته في " الصحيحة " (1856) "الضعيفة" (1/ 473 - 474).

[281] باب هل خلق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من نور؟ وهل هو أول الخلق؟

[281] باب هل خلق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من نور؟ وهل هو أول الخلق؟ [تكلم الإمام على بعض أخطاء الشيخ الشعراوي-رحمه الله- العقدية ... إلى أن قال]: من عقائده يقول: أن محمد عليه السلام هو رسول ... كما قال تعالى في القرآن الكريم: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (آل عمران: 144) إلى آخر الآية، يقولون ويمكن هذا سمعته: محمد خلق من نور الله، سمعت هذا الشيء أو لا؟ الشيخ: في سوريا موجود، وفي الأردن موجود يقول: "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر"، ما سمعت هذا الحديث عندك؟ مداخلة: هذا سمعته من الشعراوي. الشيخ: هه، أتت ... يقولون:- على رجليها-، رأيت؟! وهذا من أبطل الباطل، كيف خلق الله محمدًا من نوره، وأول ما خلق الله القلم والحديث صحيح كما ذكرته آنفًا: «أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: ما هو كائن إلى يوم القيامة» بعد ذلك نحن نعرف ... الرسول أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وهكذا، وبعد ذلك ينقطع السند أو النسب، لكن هو على كل حال جده الأول من هو؟ آدم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كلكم كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «كلكم من آدم وآدم من تراب» كيف إذًا محمد وبينه وبين آدم، الله أعلم كم جد، ثم هو قبل هؤلاء خلق من نور، هذه تريد إيمان .. تريد مخ كبير لا وجود له في هذا الكون، أنه يؤمن بمثل هذه الخرافات أما عامة المسلمين وبعض الخاصة منهم وأن تشاهد ومنهم الشيخ الشعراوي يؤمن بهذه الخرافة. هذا حديث لا هو في البخاري ولا في مسلم ولا في السنن الأربعة ولا

[282] هل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - نور؟!

الأربعين ولا الأربعمائة لا أصل لهذا الحديث إطلاقًا إلا إذا صح التعبير في أمخاخ المُخرِّفين، هذا له وجود هناك فقط، هذا ما هو الإسلام؟ الإسلام قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه إلى آخر ما قال ابن القيم رحمه الله. "رحلة النور" (40أ/00: 00: 00) [282] هل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - نور؟! [قال الإمام]: [رددنا] قول من قال: بأن الرسول عليه السلام نور، وأبطلنا هذا القول بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (الكهف: 110) فهو عليه السلام كالبشر تماماً، خلق كما خلق البشر، يعني: حملت فيه أمه كما تحمل كل الأمهات تسعة أشهر، ووضعته كما تضع كل أم ولدها، سوى أنها رأت في المنام أنها خرج منها نور أضاءت لها الشام، أو بُصرى الشام، هذا صحيح كرؤيا كمنام، فعليه الصلاة والسلام كان كما تعلمون يأكل ويشرب ويمرض، ويجرح و .. و .. إلى آخره، فهو بشر لا يختلف عنهم إطلاقاً إلا بما اصطفاه الله من الوحي والنبوة والرسالة. "الهدى والنور" (322/ 29: 01: 00) [283] باب هل خلق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من النور؟ وهل النور المحمدي أول خلق الله! [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم وأمره أن يكتب كل شيء يكون».

[284] باب منه

[ترجم له الإمام بما ترجمناه به، ثم قال]: في الحديث إشارة إلى رد ما يتناقله الناس حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى، وليس لذلك أساس من الصحة، وحديث عبد الرزاق غير معروف إسناده، ولعلنا نفرده بالكلام في " الأحاديث الضعيفة " إن شاء الله تعالى. "الصحيحة" (1/ 1/257 - 258). [284] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار السموم وخلق آدم عليه السلام مما قد وصف لكم». [قال الإمام]: قلت: وفيه إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس: " أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر "، ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - خلق من نور، فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور، دون آدم وبنيه، فتنبه ولا تكن من الغافلين "الصحيحة" (1/ 2/820). [285] باب هل إضاءة النبي صلى الله عليه وسلم كل شيء في المدينة لما دخلها إضاءة مادية أو معنوية؟ سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عندنا الله يسلمك! أتانا شيخ من قريب اسمه عبد الرحيم الطحان، وكانت له محاضرة عنوانها: تعظيم أنبياء الله ومن

بعض ما قاله في نفس المحاضرة قوله: ليتنا كنا نساء وحظينا بريق الحسن، من يحظ بالحسن .. ليلة لو نظرَ، وقوله: ووالله لو أدركنا الحسين لمسحنا نعليه بلحانا وفي ذلك شرف لنا وفخر. وقوله: ثبت عن أنس بإسناد صحيح: إن النبي عليه الصلاة والسلام عندما دخل المدينة أضاء فيها كل شيء أما تنورت بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأشرقت. وقوله: ينقل الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في الجزء الحادي عشر صفحة (211) عن بعض طلبة العلم أنه قال: نظرة إلى الإمام أحمد تعدل عبادة سنة وأكثر، علق الإمام الذهبي على هذه الجملة بقوله: هذا غلو لا ينبغي، وقال: والله ليس بغلو وإنه مما ينبغي. وقال ... : كان جعفر الصادق يقول: إذا وجدت في قلبي فتور وقسوة نظرت إلى وجه محمد بن واسع فاجتهدت أسبوع، وقال: النظر إلى أئمتنا يستشفى به .. يتداوى به .. يذكر بالله، ويقولون: من لم ينفعك لحظه لم ينفعك لفظه ووعظه. وقوله: ذكر أحمد من مجالس الذكر عندما نذكره ذكرنا الله، ذكر الإمام أحمد من مجالس الذكر ... وقوله: نظرة إلى وجه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تعدل عبادة آلاف السنين، والنظرة إلى الصحابة الطيبين تعدل عبادة آلاف السنين. قابل هذا الشيخ بعض الشيوخ يقول: واسمه الشيخ عبد الرحمن زيد العابدين، ويقول: قابلته وقلت له: ووالله ما رأيته إلا قبلت يده، وكان يقول، أي: الشيخ عبد الرحمن زين-يقول للشيخ عبد الرحيم: من مقاصدي إذا ذهبت لأحج

رؤية الإمام الشنقيطي، وهذا الشيخ يا شيخنا! معروف على مستوى في دولتنا قطر، وكل طلبة العلم يحضرون له، فما رأيكم وما الرد على هذا؟ الشيخ: بارك الله فيك، ما كان ينبغي أن تطيل علينا بسردك لمثل هذا الهراء، فانتبه لما سأقول: باستثناء حديث أنس الذي حكيته عن الطحان أقول: أولاً: حديث أنس هو فعلاً حديث صحيح ولكن الإضاءة هي إضاءة معنوية يعني: هو كناية عن انتشار نور الإسلام، وإلا فالمدينة كما تعلم إذا أطفئت الأنوار اليوم فسنراها مظلمة كما كان الشأن في عهد الرسول عليه السلام، وقد جاء في الحديث الصحيح أن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها استيقظت ليلة قالت: ولم تكن المصابيح يومئذٍ، لم تجد نبيها بجانبها فأخذت تبحث عنه والليل ظلام فوقعت يدها على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو ساجد في صلاته وقدماه منصوبتان وهو يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك» فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بلا شك نور هدى الله به العرب ثم العجم بسبب الهدى والنور الذي أنزله الله تبارك وتعالى على قلب الرسول، فلم تكن إضاءة المدينة المذكورة في حديث أنس هي إضاءة مادية وإلا كانت السيدة عائشة ترى نبيها - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يصلي في الغرفة .. في البيت، لكنها صرَّحت بأنها لم تره لم؟ لأنه لم تكن عندهم المصابيح يومئذٍ فأقول: باستثناء حديث أنس من ذاك الهراء، فحديث أنس صحيح ومعناه ليس كما يفسِّره الرجل. أقول بعد تكريري لهذا الاستثناء: الكلام الذي حكيته عنه كله هراء ويجب أن يطحن من الطحانين طحناً. سمعت الجواب؟ مداخلة: ماذا تنصحون طلبة العلم جزاكم الله خيراً؟

[286] باب ما هو المقام المحمود لنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وهل هو جلوسه على العرش؟

الشيخ: أنصحهم ألا يحضروا للرجل درساً؛ لأنه صوفي مبتدع ويتستر بالسنة وهو جاهل بها، والسلام عليكم ورحمة الله. مداخلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مداخلة: هذا عبد الرحيم ما كان يُصْدِرُ هذا في السعودية. الشيخ: ما كان نعم، هؤلاء يا أخي مصلحية هؤلاء. "الهدى والنور" (801/ 08: 20: 00) [286] باب ما هو المقام المحمود لنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وهل هو جلوسه على العرش؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يجلسني أي الله تعالى على العرش». (باطل). [قال الإمام]: ذكره الذهبي في " العلو" (55 طبع الأنصار) من طريقين عن أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن أشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود قال: بينا أنا عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أقرأ عليه حتى بلغت {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: فذكره ومما يدل على بطلانه .. أنه ثبت في " الصحاح " أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الضعيفة" (2/ 255).

[287] باب منه

[287] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}؛ قال: يُجْلِسُني معه على السريرِ». (باطل). [قال الإمام]: هذا حديث باطل مخالف لأحاديث جمع من الصحابة بعضها في "البخاري" (4718): أن المقام المحمود هي شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - الكبرى يوم القيامة. وراجع إن شئت "ظلال الجنة" (2/ 784 و785 و789 و804 و813)، و"الصحيحة" (2369 و2370)، و"الدر المنثور" (4/ 197). "الضعيفة" (13/ 2/1043 - 1044). [288] باب ما أُثْبِتَ للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا يصح [قال الإمام]: والناس في هذه المسألة -أي مسألة إثبات خصوصيات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على طرفي نقيض، فمنهم من ينكر كثيراً من خصوصياته الثابتة بالأسانيد الصحيحة، إما لأنها غير متواترة بزعمه، وإما لأنها غير معقولة لديه! ومنهم من يثبت له عليه السلام ما لم يثبت، مثل قولهم: إنه أول المخلوقات، وإنه لا ظل له في الأرض وإنه إذا سار في الرمل لا تؤثر قدمه فيه، بينما إذا داس على الصخر عَلم عليه، وغير ذلك من الأباطيل. والقول الوسط في ذلك أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بشر بنص القرآن والسنة

وإجماع الأمة، فلا يجوز أن يُعطى له من الصفات والخصوصيات إلا ما صح به النص في الكتاب والسنة، فإذا ثبت ذلك وجب التسليم له، ولم يجز رده بفلسفة خاصة علمية أو عقلية، زعموا، ومن المؤسف، أنه قد انتشر في العصر الحاضر انتشارا مخيفا رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترد من بعض الناس، حتى ليكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من البشر الذين ليسوا معصومين، فهم يأخذون منها ما شاؤوا، ويدعون ما شاؤوا، ومن أولئك طائفة ينتمون إلى العلم، وبعضهم يتولى مناصب شرعية كبيرة! فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله تعالى أن يحفظنا من شر الفريقين المبطلين والغالين. الصحيحة (1/ 1/296).

[289] باب هل يعلم نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟ ونقض قول البوصيري: وإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

[289] باب هل يعلم نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟ ونقض قول البوصيري: وإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم سؤال: شيخنا! ورد في أثناء الكلام حديث: ستفتحون قسطنطينية، فذكرتم أن هذا من الغيب وهو من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فما هو رأيكم في ضوء هذا الكلام بقول البوصيري في البردة: وإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم هذا كثير من الناس يمدحون به رسول الله عليه الصلاة والسلام ويذكرون أشياء أخرى، فما هو رأيكم؟ الشيخ: هذا صحيح، من كماله عليه السلام وعبوديته لله رب الأنام أنه خشي على أمة الإسلام أن يغالوا فيه كما غلت النصارى في عيسى عليهما الصلاة والسلام، وهذا ما صرَّح به في حديث البخاري ومسلم أيضاً المتفق على صحته، حيث قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد لله، فقولوا: عبد الله ورسوله» هذا في الحقيقة مما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان عبداً لله مخلصاً تمام الإخلاص، لدرجة أنه نهى أمته أن يرفعوه فوق منزلته التي وضعه الله عز وجل فيها، ولذلك جاء في بعض الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما قدَّموا له شيئاً آثروه على الجالسين كلهم، فقال عليه السلام: «هذه أثرة ولا أحب الأثرة» (¬1)، هو يريد أن يكون فرداً من أفراد أمته عليه السلام، فقال: «لا تنزلوني فوق منزلتي التي أنزله الله عز وجل فيها»، وأي منزلة لقد أعطي المقام المحمود يوم القيامة، يوم ¬

(¬1) السلسلة الضعيفة (12/ 1/569 - 572).

يشتد الكرب في الناس، كما جاء في الحديث أيضاً المتفق عليه بين البخاري ومسلم، يجتمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد، فتدنوا الشمس من رؤوس الناس، ويشتد العرق بهؤلاء الذين هم في صعيد واحد، مع ذلك ينفذهم البصر، فيشتد بهم الكرب، ويزداد العرق، وكلٌ بحسب أعماله، فمنهم من يصل العرق إلى قدمه، ومنهم من إلى ركبته، ومنهم ومنهم من يكاد أن يلجمه العرق، من يكاد أن يغرق في العرق من هول ذلك اليوم، فيتفق الناس من أهل المحشر فيتداولون بعضهم مع بعض، يا جماعة نذهب إلى آدم عليه السلام نستشفع به عند الله، نتوسل به إلى الله تبارك وتعالى، لعله يدعو الله عز وجل أن يفرج ما بنا من الكرب، فيذهبون إلى آدم، فيقولون له: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسكنك الجنة، ألا ترى ما نحن فيه، ألا تشفع لنا عند الله تبارك وتعالى؟ فيقول: نفسي نفسي، إني نهيت عن أكل الشجرة فأكلتها، نفسي نفسي، اذهبوا إلى نوح عليه السلام، فإنه أول رسول أرسل إلى أهل الأرض، فيأتون نوحاً عليه السلام فيقولون نفس الكلام بدون إطالة وتكرار، ويقولون له: أنت أول رسول أرسلك الله إلى أهل الأرض، ألا ترى ما نحن فيه ألا تشفع لنا عند الله، يقول: نفسي نفسي، إني دعوت دعوة: {لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً} اذهبوا إلى إبراهيم فإنه خليل الرحمن، يذهبون إلى خليل الرحمن فيقول نفس الجواب: نفسي نفسي إني كذبت ثلاث كذبات، الله أكبر، ليت كذبات البشر كلها تجتمع كلها وتساوي ثلاث كذبات إبراهيم عليه السلام، الكذبة الأولى لما دعوه إلى عيدهم والاجتماع على معبوداتهم من دون الله قال: إني سقيم، والكذبة الثانية قال: هذا ربي هذا أكبر، معروف هذا في القرآن، الكذبة الثالثة قال عن زوجته لفرعون: هذه أختي، وكل هذه كلمات.

مداخلة: والكذبة الثانية: (بل فعله كبيرهم هذا)؟ الشيخ: أي نعم، هذا في بعض الروايات، قال عن زوجته: أختي، وهذه لها قصة، الشاهد فقال: نفسي نفسي اذهبوا إلى عيسى عليه السلام فإنه روح الله، فيذهبون إليه ويقولون نفس الكلام، فيقول: نفسي نفسي، يقول نبينا صلوات الله وسلامه عليه من تمام حكايته؛ لأن ذلك بوحي من ربه، ولا يذكر ذنباً، عيسى لا يذكر ذنباً، ولكن يقول: اذهبوا إلى محمد فإنه رجل قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتونني يقول الرسول عليه السلام، فيقولون له كما قالوا للأنبياء من قبل، فيقول عليه الصلاة والسلام: «أنا لها أنا لها، قال: فأذهب وأسجد تحت العرش وأحمده تبارك وتعالى بمحامد لا أذكرها الآن»، يعني: في الدنيا، وإنما هي من وحي الساعة، هناك في المحشر، فيقول الله تبارك وتعالى منادياً له: يا محمد! ارفع رأسك، واشفع تشفع، وسل تعطى، ذلك هو المقام المحمود الذي نحن نطلبه دائماً بعد كل أذان فنقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، ويقول الرسول: من دعا بهذا الدعاء حلت له شفاعتي يوم القيامة. كلمة مختصرة جملة معترضة، هذه العقيدة من عقيدة الوهابية زعموا، هذا الحديث مشهور عند من يسمون أو يلقبون بالوهابية، فأنتم ترون إجلال الرسول وتعظيمه، ولكن الفرق بينهم وبين الآخرين الذين لا يهتدون بهدي الرسول عليه السلام وسنته كما جاء في البحث السابق أن أهل السنة يقفون ولا يتجاوزون، لا يرفعونه عليه السلام فوق منزلته التي أنزله الله فيها، بينما الآخرون يخاطبونه بما سمعتم: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

الله أكبر! رسول الله يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم» كأن قائلاً يقول وهو يجيب عليه السلام بحكمته قبل أن يأتي السؤال، كأن قائلاً يقول: إذاً ماذا نقول يا رسول الله، أنت تنهانا عن مدحك فماذا نقول، أو بعبارة أخرى: ما هي العصمة حتى لا نقع فيما وقعت فيه النصارى؟ قولوا: عبد الله ورسوله. إذاً: معنى هذا ألا نتشبه بالنصارى، لكن هنا قد يجول في نفوس بعض الناس كما سمعنا ذلك مراراً وتكراراً: النصارى قالوا: عيسى ابن الله وكفروا وكذبوا، والمسلمون الحمد لله لا يقولون محمد ابن الله، الحمد لله أيضاً أن المسلمين ما وقعوا تماماً كما وقع النصارى، ولكنهم قد وقعوا فيما يشبه ما وقع فيه النصارى، وليس من الضروري أن يكون خطؤهم كخطأ النصارى مائة بالمائة، هذا من جهة، من جهة أخرى معلوم بواقع التجربة والحياة أن الشر الأكبر لا يأتي عادة إلا من طريق الشر الأصغر، وهذا من وساوس الشيطان لبني الإنسان، أنه لا يخرجه عن دينه مرة واحدة، ولكنه يمكر به، ويخطو به خطوة بعد خطوة، ومن هنا يتمكن الشيطان من إضلال بني الإنسان، العصمة أن يقف المسلم عند ما أمره الله عز وجل، من ذلك أن يعتقد في الرسول ما وصفه الله عز وجل في مثل قوله مثلاً: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4) وأن يقف في مدح الرسول على ما ذكره عن نفسه وذكرنا لكم آنفاً أن الله قال له: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (الإسراء:79) وهذا هو المقام المحمود، حيث يشفع للبشر كلهم، بينما يعتذر عن هذه الشفاعة من قبله من الأنبياء والرسل، فنقف عند هذه الحدود التي فيها تعظيم الرسول ولا نغالي، فحينما يقول المسلم المؤمن بكل هذا الحق الذي نقوله، والذي يقال فيه: لا يختلف فيه اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان، من كان كذلك كيف

يخاطب الرسول فيقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم هذا معناه سويناه مع رب العالمين، صحيح ما قلنا والحمد لله أنه محمد ابن الله كما قالت النصارى في نبيهم، لكن قلنا ما يساوي ذلك أو يزيد عليه، حيث قال هذا القائل غفر الله لنا وله: فإن من جودك الدنيا وضرتها لنقف قليلاً في هذا المعنى من الشعر، ما معنى: فإن من جودك الدنيا؟ جاء هناك في الحديث أنه عرضت عليه الجبال أن يقلبها ربنا عز وجل عليه ذهباً فأبى، وقال جبريل عليه السلام له: كن عبداً نبياً ورسولاً، ولا تكن ملكاً، فرضي بذلك ولم يقبل أن الله عز وجل يقلب له الجبال ذهباً، كلام سليم، فإن من جودك الدنيا، لكن ما معنى العطف المذكور: فإن من جودك الدنيا وضرتها؟ ما هي ضرة الدنيا؟ بلا شك هي الآخرة، هل جاد الرسول عليه السلام بالآخرة؟ هل يتصور أن يجود بالآخرة وأن يعرض عنها كما أعرض عن الدنيا؟ هذا أمر مستحيل؛ لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس: 26) (للذين أحسنوا الحسنى) أي: الجنة، (وزيادة) رؤية الله في الآخرة، هذا النعيم الأكبر، إذا شاهد المؤمنون ربهم يوم القيامة نسوا كل نعيم الجنة، ذلك أشهى لديهم في الآخرة، كيف يقال: إن الرسول أعرض عن الدنيا وضرتها، جاد بها وأعرض عنها؟ إذا وقفنا عند الدنيا كلام معقول، لكن أن نعطف عليها أيضاً الآخرة هذا أمر خطير جداً جداً، ولكن مع الأسف هذا أسلوب الشعراء، أسلوب الشعراء أن يغالي

بعضهم ولا ينتبه أن هذا الغلو قد يترتب من ورائه شيء مخالف للشريعة، كذاك الذي قال لبعض الحكام: ما شئت لا ما شاءت الأقدار ... فاحكم فأنت الواحد القهار ماذا يعني بهذا؟ أنه الملك الأعلى في الدنيا، لكن وصفه بصفات الله عز وجل: ما شئت لا ما شاءت الأقدار ... فاحكم فأنت الواحد القهار يصف الرسول فيقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها يا جماعة قلنا: من جوده الدنيا، نقطة ونقطة حديثية كما أقول أنا أحياناً، كيف تكون النقطة الحديثية؟ علماء الحديث كانوا إذا كتبوا جملة كاملة أداروا دائرة في آخرها، وتركوا جوفها فارغاً، هذا شيء جميل جداً ما نعرفه اليوم، فإذا ما أعيد مقابلة هذه الجملة بالأصل، يعني: من قبيل تصحيح التجارب اليوم التي تطبع وضعت النقطة في الدائرة، أي: كل من يرى هذه الجملة في آخرها دائرة ما فيها نقطة هذه غير مقابلة، غير صحيحة، ممكن يكون فيه خطأ، أما إذا كانت الدائرة فيها نقطة هذه مقابلة وهذه صحيحة. نحن نقول الآن: فإن من جودك الدنيا؛ دائرة ووسطها نقطة، آمنا وسلمنا، لكن وضرتها هذا ما يجوز إطلاقاً أن نقول عن الرسول أنه جاد بالآخرة كما جاد بالدنيا، لأن معناها أنه لا يفكر أبداً أن يرى الله في الآخرة، وكيف يصح أن يوصف الرسول عليه السلام بمثل هذه الصفة، حاشاه من ذلك، لكن هل وقف الشاعر عند

هذا البُطل حيث عطف الآخرة على الدنيا؟ لا، قال: ومن علومك علم اللوح والقلم الله أكبر، ما قال: فإن من علمك لأن وزن الشعر يضطرب، لازم الشعر يكون موزوناً، فلازم يقول: من علومك، لكن هذا خطير جداً، معليش، يغتفر في الشعر يقولون الذين يكتبون الشعر يرتكب فيه أشياء لا يجوز حتى في اللغة العربية، هذا لضرورة يقولون الشعر، لكن ما وقفوا عند هذا؛ حتى في المناهي. ومن علومك إذاً: الرسول عليه السلام له علوم غير علم اللوح والقلم، ما هو علم اللوح والقلم؟ كل شيء، وكل شيء, في القرآن الكريم ماذا؟ {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} (القمر: 53) يعني: مسطر، كل شيء، والرسول عليه السلام بين هذه الحقيقة، أن كل شيء مستطر في اللوح المحفوظ، قال في الحديث الصحيح المشهور الذي رواه أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده بالسند الصحيح: «أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» إذاً: كيف يوصف الرسول عليه السلام بأنه علم ما هو مسطور إلى يوم القيامة، وليس هذا فحسب، بل ذلك بعض علومه. فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم هذا غلو لا يرضاه الرسول عليه السلام الذي قال في الحديث السابق: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله». الرسول عليه السلام لما ذكر في القرآن نادراً ما يذكر باسمه، لكنه لما أثنى عليه بتلك المعجزة التي اصطفاه الله عز وجل بها على كل الأنبياء ألا وهي معجزة

المعراج أو الإسراء والمعراج ماذا قال عنه؟ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} (الإسراء:1)؛ لأن هذه الكلمة فيها تشريف ما بعده تشريف لمحمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، ولجهل الناس بهذا المعنى ما يكتفون به، ولا يقفون عنده، بل يضيفون إليه أشياء وأشياء من باب التعظيم، فهنا أنا أقول بكل صراحة: القصد حسن لكن اللفظ سيء، فليكُن المسلم على الخط المستقيم يجب أن يكون لفظه وفعله كقصده حسن، فلا يكفي الإنسان أن يقول كلمه وتكون خطأ ويقول بعد ذلك: والله أنا ما قصدت هذا أنا قصدت كذا وكذا، أنا قصدت تعظيم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فنحن نقول في هؤلاء الناس الذين يتناشدون بعض الأبيات والشعر، ومن ذلك هذا الشعر نقول: إنهم يريدون مدح الرسول عليه السلام والثناء عليه، ولكننا نقول: أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل تريدون [أن] تمدحوا الرسول عليه السلام تمدحوه في الحد الذي وضع لكم إياه: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما إنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» لو كنا نهتم بقراءة السنة التي قال الرسول عليه السلام عنها: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» لو أن المسلمين تمسكوا بسنة سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لما تفرقوا مذاهب شتى وطرائق قدداً، بل لكانوا على هذا الخط المستقيم، لو درسوا السنة. ماذا نجد في السنة؟ الذي يوجد في السنة ما ذكرته آنفاً وزيادة على ذلك يجد في مسند الإمام أحمد الحديث التالي: جاء ناس إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالوا له: «أنت

سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، فقال عليه السلام: قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان» لا يأتي لكم بهذا الدهليز، دهليز بسيط، أنت سيدنا، هو بلا شك عليه السلام سيدنا بلا شك، لماذا؟ لأنه قال في الحديث الصحيح: «أنا سيد الناس يوم القيامة أتدرون مم ذاك؟ -ذكر الحديث السابق تبع الشفاعة- أتدرون مم ذاك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يجتمع الناس في صعيد واحد ... » إلخ، فهو سيد الناس بحق، وفي الحديث الآخر: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة» فهو بلا شك سيد البشر جميعاً كما في هذين الحديثين وفي غيرهما، لكن مع ذلك ماذا قال لهم: «قولوا بقولكم أو ببعض قولكم» وهم قالوا له: أنت سيدنا، كلام صحيح، ولكن قال: «ولا يستجرينكم الشيطان» يعني: يتسلسل بكم من كلمة إلى أخرى ويوصلكم إلى تلك الكلمة: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم وفي حديث آخر في مسند الإمام أحمد أيضاً أن رجلاً قال للرسول عليه السلام: «أنت سيدنا، قال: السيد الله» لماذا أنكر عليه وهو كما قلنا آنفاً هو سيدنا بحق؟ خشي أن يؤدي بهذا الإنسان في مدحه للرسول عليه السلام بكلمة نحن ندين الله بأنه سيدنا أن يرتقي به إلى ما لا يجوز أن يُمتدح عليه السلام به، فقطع عليه الطريق وقال: «السيد الحق» هو الله تبارك وتعالى. لذلك فنحن ننصح المسلمين، طبعاً ليس لنا كلام مع الزنادقة والملحدين، إنما كلامنا مع المسلمين الصالحين الذين يخافون الله ويرجون يوم الآخرة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ننصحهم أن لا يُضيِّعوا جهودهم في هذه الحياة الدنيا وراء أفكار وعقائد وعبادات لم تأت في السنة، فقد سمعتم

[290] باب منه

آنفاً قوله عليه السلام في قصة الرهط: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» هذه نصيحة نوجهها لكل إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لعل الله تبارك وتعالى ينفع بها. "الهدى والنور" (292/ 36: 17: 00) [290] باب منه [قال الإمام]: الأمر عندنا معشر المسلمين ... أنه عليه السلام مميز على البشر بالوحي، ولذلك أمره الله-تبارك وتعالى-أن يبين هذه الحقيقة للناس فقال في آخر سورة الكهف: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وعلى هذا كان لكلامه - صلى الله عليه وآله وسلم - صفة العصمة من الخطأ لأنه كما وصفه ربه عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وليس هذا الوحي محصوراً بالأحكام الشرعية فقط، بل يشمل نواحي َ أخرى من الشريعة منها الأمور الغيبية، فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن كان لا يعلم الغيب كما قال فيما حكاه الله عنه: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: 187) فإن الله تعالى يطلعه على بعض المغيبات وهذا صريح في قول الله تبارك وتعالى: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} وقال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}. فالذي يجب اعتقاده أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يعلم الغيب بنفسه ولكن الله تعالى يُعْلِمُهُ ببعض الأمور المغيبة عنا، ثم هو - صلى الله عليه وآله وسلم - يُظهرنا على ذلك بطريق الكتاب والسنة، وما نعلمه من تفصيلات أمور الآخرة من الحشر والجنة والنار ومن عالم الملائكة والجن وغير ذلك مما وراء المادة، وما كان وما سيكون، ليس هو إلا من

الأمور الغيبية التي أظهر الله تعالى نبيه عليها، ثم بلَّغنا إياها، فكيف يصح بعد هذا أن يرتاب مسلم في حديثه لأنه يخبر عن الغيب؟! ولو جاز هذا للزم منه رد أحاديث كثيرة جداً قد تبلغ المائة حديثاً أو تزيد، هي كلها من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - وصدق رسالته، وردُّ مثل هذا ظاهر البطلان، ومن المعلوم أن ما لزم منه باطل فهو باطل، وقد استقصى هذه الأحاديث المشار إليها الحافظ ابن كثير في تاريخه وعقد لها باباً خاصاً فقال: " باب ما أخبر به - صلى الله عليه وآله وسلم - من الكائنات المستقبلة وفي حياته وبعدها فوقعت طبق ما أخبر به سواء بسواء " ثم ذكرها في فصول كثيرة فليراجعها [من] .. شاء في "البداية والنهاية" (6/ 182 - 256) يجد في ذلك هدى ونوراً بإذن الله تعالى, وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ}. وقال: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ}. فليقرأ المسلمون كتاب ربهم وليتدبروه بقلوبهم يكن عصمة لهم من الزيغ والضلال، قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً» (¬1). " مقالات الألباني" (ص 159 - 161) ¬

(¬1) حديث صحيح، أخرجه ابن نصر في "قيام الليل" (ص74) وابن حبان في صحيحة (ج 1 رقم 122) بسند صحيح، وقال المنذري في "الترغيب" (1/ 40): "رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد". [منه].

[291] باب لا يصح إطلاق القول بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علم جميع الكائنات

[291] باب لا يصح إطلاق القول بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلِمَ جميع الكائنات عن عبد الرحمن بن عائش قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " رأيت ربي عز وجل في أحسن صورة قال: فبم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: أنت أعلم قال: فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماوات والأرض وتلا: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين}. [قال الإمام معلقًا على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فعلمت ما في السموات والأرض»]: يعني ما أعلمه الله تعالى مما فيهما من الملائكة والأشجار وغيرهما، وهو عبارة عن سعة علمه الذي فتح الله عليه، ولابد من هذا التقييد الذي ذكرناه؛ إذ لا يصح إطلاق القول بأنه علم جميع الكائنات التي في السماوات والأرض، كما قال العلامة الشيخ علي القاري (1/ 463) وهو الظاهر. "تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 225).

جماع أبواب الكلام حول اختصاص الرب تعالى بمعرفة الغيب المطلق، وذكر صور من الخلل العقدي في هذا الباب، والكلام على حكم الخط في الرمل وقراءة الكف، وغير ذلك

جماع أبواب الكلام حول اختصاص الرب تعالى بمعرفة الغيب المطلق، وذكر صور من الخَلل العقدي في هذا الباب، والكلام على حكم الخط في الرمل وقراءة الكف، وغير ذلك

[292] باب ما هو علم الغيب الذي اختص به الله تعالى؟

[292] باب ما هو علم الغيب الذي اختص به الله تعالى؟ سؤال: ما معنى علم الغيب الذي اختص الله عز وجل به، ثم لو أن رجلاً علم أمراً مغيب بواسطة فنجان أو نحو ذلك من هذه الطرق الذي يستعملونها، فما المحظور أن يقال علم الغيب أو علم المغيب؟ الشيخ: الغيب كما لا يخفى على جميع الحاضرين إذا أُطلق فالمقصود به الغيب الذاتي، أي الذي يعرفه الإنسان بذاته، يعني بعلمه الذاتي دون أن يتخذ وسيلة من الوسائل التي خلقها الله عز وجل ليصل بها إلى معرفة ما غاب عن بعض الناس، هذا الغيب هو الذي اختص الله عز وجل به دون الناس، نحن مثلاً نعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أخبرنا بكثير من المغيبات، ولكن هذا العلم الذي حدثنا به الرسول عليه السلام لم يكن علماً ذاتياً به، وإنما أخبره الله عز وجل بواسطة الوحي، كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن:27)، فالله عز وجل إذا ارتضى رسولاً فينبئه ببعض المغيبات، هذا الرسول المنبأ لا يوصف بأنه عالم بالغيب، وإنما هو مُنبأ بالغيب كما جاء في صحيح البخاري: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر ذات يوم بجارية من الأنصار، وهي تغني تضرب على دف وتقول: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال عليه السلام: لا يعلم الغيب إلا الله، دعي هذا وقولي ما كنت تقولين». دعي قولك: وفينا نبي يعلم ما في غد؛ لأنه هو لا يعلم الغيب بواسطة ذاته، وإنما بواسطة إعلام ربه إياه على بعض المغيبات، إذا عرفنا هذه الحقيقة وخلاصة ذلك أن العلم بالغيب إما أن يكون ذاتياً، وإما أن يكون بالواسطة، فالذي اختص الله به هو القسم الأول، أما القسم الآخر فقد يتحقق به بعض الناس، وهؤلاء الناس

قسمان: قسم وهم الأقلون بالنسبة لعموم الناس، هم الرسل الذين يصطفيهم الله برسالاته وبكلماته، ويوحي إليهم ما يشاء من وحيه. والقسم الآخر من الناس الذين يتخذون المعرفة والعلم الكسبي وسيلة لاكتشاف بعض الأمور التي تغيب عادة عن عامة الناس، فهذا لا يقال علم بالغيب، هذا كأي علم، أنا مثلاً أقول لكم: قال رسول الله، وأنت ما سمعت بهذا الحديث إطلاقاً، فهذا بالنسبة لك غيب، لكن أنا ما قلت هذا في غيب من الله؛ لأنه لا واحد بعد رسول الله، لكن أنا بحثت ودرست وفتشت، فوجدت هذا الحديث فأعلمتك به، فهذا علمي بالنسبة إليك كان غيباً، لكن لما أنبأتك به صار شهوداً، وخرج عن كونه غيباً. على هذا المثال البسيط تماماً قس كل الوسائل العلمية الحديثة، والقديمة منها، الفطرية والتي أخذت جهداً جهيداً من العلماء حتى وصلوا إلى اكتشاف أمور دقيقة جداً بعض عامة الناس، أنا كسائر الناس كنت لا أعلم أن الفلاح في مزرعته يعلم ما لا يعلمه الطبيب المطلع الآن بواسطة الجهاز التلفزيوني هذا على الجنين في بطن الأم، هذا الطبيب الذي وصل بهذا الاكتشاف أن يعرف هوية الجنين هو ذكر أم أنثى، لا يعرف ما يعرفه الفلاح في حقله ومزرعته، مثلاً هو يستطيع أنه إذا قطع الشجر أن يقول لك كم عمرها، لكن اسأل الطبيب الخريت في مهنته لا يعرف، فهذه هي المسألة بسيطة، بالتجربة قرأتها قديماً من أربعين سنة أو أكثر، أن هناك دوائر في جذع الشجرة كل دائرة تدل على سنة، هذا ليس علم بالغيب، هذا علم تجربي، لكن هو بالنسبة لعامة الناس غيب، لكن ليس هو الغيب الذي اختص الله به. من هذا القبيل أيضاً مما كنت قرأته وهذا أدق، ويمكن الآن تحاولوا تجربوا

أنتم بأنفسكم، لكن ما أظن ستنجحوا بهذه اللحظة السريعة، قال ممكن معرفة عمر الإنسان من عدد الخطوط الموجودة في أظافره، هناك خطوط لا بد رأيتموها، كل خط يعطي سنة، الآن ترقى هذا العلم، قبل هذا الرقي الذي ربما يلمح السائل إليه، نعرف من قديم الزمان أن علماء الفلك يحكمون قبل سنين، ويضعون لك مخططاً ومنهجاً وروزنامة أنه في السنة الفلانية في شهر كذا، في يوم كذا، في ساعة كذا سيكسف الشمس أو القمر، ويعطيك تفاصيل دقيقة كسوف أو خسوف كلي أو نصفي أو جزئي .. إلى آخره، هذا غيب بالنسبة لعامة الناس، لكن هذا ليس غيباً إنما هو علم إذا درسه أي إنسان ممكن أن يصبح مثل هؤلاء الفلكيين، أخيراً الآن وصلوا إلى اكتشاف كما قد يظن أن هذا من خصوصيات الله عز وجل، أن ربنا يعلم ما في الأرحام، صاروا الآن بعض الأطباء أو كلهم؛ لأنها وسيلة صارت مبذولة، حتى النساء أصبحوا يعرفون إن كان ذكراً أو أنثى، هذا بواسطة العلم الذي يسره الله عز وجل للناس، وعلى مدى هذا الزمان الطويل. إذاً: هو كعلم الفلك، كمعرفة الخسوف والكسوف، فهذا من هذا القبيل تماماً، فهذا ليس علماً بالغيب، الغيب هو العلم الذاتي، وهذا من صفة الله عز وجل، ولا يشاركه أحد من عباده. من هنا نستطيع أن نتوصل إلى أن العقيدة الإسلامية وسط بين غلاة الصوفية الذين يزعمون بأن بعض مشائخهم يطلعون على ما في الصدور، وهذا مع الأسف نعرفه من كثير من المريدين المزعومين، وبين بعض المشائخ الجامدين والعلماء المتفقهين الذين ينكرون حقائق علمية لا مجال لإنكارها بسبب توهمهم أن هذا ينافي اعتقادنا أن العلم بالغيب هو مما اختص الله به عز وجل، فنحن نقول نعم، العلم بالغيب بدون وسيلة خلقها الله، هذا من خصوصيات الله عز وجل لا يشاركه

[293] باب هل يعلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟ ونقاش مطول حول ذلك

فيه أحد، أما العلم ببعض المغيبات الخافية على عامة الناس باستعمال الوسائل التي ذكرها الله وذللها الله، فهذا ممكن، وهذا لا ينافي استقلال الله وانفراد الله عز وجل بعلمه بالغيب. "الهدى والنور" (426/ 52: 04: 00) [293] باب هل يعلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟ ونقاش مطول حول ذلك سؤال: شيخنا في سؤال إذا تفضلت لي، الوارد أنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الفجر يوماً ثم صعد المنبر فخطب الناس إلى صلاة الظهر، ثم صلى وصعد، ثم عاد وهكذا، فأخبرهم بما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، يقول الصحابي: حفظه منا من حفظه، ونسيه من نسيه، وإنه لتمر علي الحاجة فأتذكرها كما يتذكر الرجل وجه الرجل؛ فالإمام البوصيري عندما قال: ومن علومك علم اللوح والقلم، فهو قال: حدثنا بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهذا يطابق: قال له: اكتب، قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة؟ الشيخ: أولاً: والحمد لله هذا الحديث صحيح وفي صحيح مسلم، ثانياً: كلمة: حدثنا بما هو كائن إلى يوم القيامة يحتمل يا أخي أن يكون تحديثه عليه السلام تحديث بالأمور الهامة، وليس بالأمور التفصيلية التي لا يستطيع أي بشر أن يعيها وأن يدركها مهما أوتي علماً وقوة من الله تبارك وتعالى، بمعنى: أنا أقول معك فرضاً وجدلاً: من الممكن أن الله عز وجل يصطفي نبيه عليه الصلاة والسلام بما يشاء فيحفظه فعلاً ظاهر هذا الحديث الصحيح، أي: ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، لكن كيف ذلك وهو يحدث ناساً غير أنبياء وغير رسل وطاقتهم محدودة، وليس لهم تلك الصفة التي اصطفاها ربنا عز وجل نبينا عليه الصلاة والسلام.

ولذلك بارك الله فيك لا يجوز أن نفهم الحديث، وأنا أقول: يمكن جاءت مناسبة آنفاً، يمكن ونحن على الطعام، وأنا أذكر هذا المثال لأن الحقيقة سيساعدنا على فهم هذا الحديث الصحيح، لا يجوز أن نفسر حديثاً من أحاديث الرسول عليه السلام وقوفاً عنده فقط، وإنما نوسع دائرة النظر وننظر في الأحاديث الأخرى، وهل تساعدنا على أن نقف في فهمنا لهذا الحديث الصحيح بالمعنى الواسع الشامل العام، كما قال تعالى: {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} (الكهف: 49)، أم المعنى يكون أضيق من ذلك؟ آنفاً تحدثنا على الطعام سأل سائل عن حديث فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «من ادان ديناً وفي نيته الوفاء به، ثم لم يف به، وفَّى الله عز وجل عنه يوم القيامة» قلنا: هذا حديث صحيح، وبهذا الحديث يفسر حديث آخر وهنا الشاهد، قال عليه السلام: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين» فهل نفسر هذا الحديث: «إلا الدين» مات الشهيد وعليه دين فلا يغفر هذا الذنب منه ولو كان ناوياً الوفاء؟ نقول: لا، لأن الحديث الأول يفسر ويخصص الحديث الثاني. حديثك هذا يشبه حديثنا الثاني، إذا نظرنا إليه وحده: «يغفر للشهيد كل ذنب إلى الدين» والله هذا شيء خطير وخطير جداً، جاهد في سبيل الله ومات في سبيل الله ولا يغفر له ذنبه حيث مات مديناً لبعض المسلمين؟ لا، هذا ليس على إطلاقه وشموله، وإنما هو مخصص فيما إذا كان ليس في نيته أن يفي الحق لصاحبه، هنا هذا مثاله تماماً، هذا الحديث الذي تفضلت به لا شك أنه نفهم منه أن الرسول عليه السلام علمه الله كل كبير وصغير، وأنه كما قال تعالى: {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} (الكهف: 49) لكن لا، هذا غير صحيح، وإنما معنى الحديث:

أنه علمه أشياء جوهرية أساسية مثل أشراط الساعة الكبرى ونحو ذلك من الصغرى التي يهم المسلمين أن يتعرفوا عليها، كما قال تعالى في القرآن الكريم: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن: 26، 27). هنا نحن نقول: كلمة «غيب» هنا كحديثنا السابق تماماً، هل ربنا يُطْلِع الأنبياء على غيبه كله؟ لا، قال علماء التفسير: على ما يراه رَبُّنَا عز وجل أن يُعلم من شاء من الرسل يطلعه على بعض المغيبات، وليس على كل المغيبَات، ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كل نبي إذا علمه الله علماً وجب عليه أن يُبلِّغه المسلمين، تماماً كما قالت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها في حديث طويل ولسنا الآن في صدده، تقول فيه: «ومن حدثكم بأن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - كتم شيئاً أُمر بتبليغه ... » {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة: 67)، قالت: «من حدثكم أن محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - كتم شيئاً أُمر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية». فإذاً: ربنا عز وجل كما قال: {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ} (الجن: 26) أي: على بعض غيبه، تقدير مضاف محذوف، لأن النبي ولو كان مصطفى كما قلنا ليس ممكن يكون إلها ثانياً في علمه في إحاطته بكل شيء سيكون، حينئذٍ صار شريكاً، وهنا نتذكر شيئاً مهماً جداً يتعلق بعلم التوحيد، الله تبارك وتعالى واحد في ذاته، فليس هناك ما قال الكفار من النصارى أن الله ثالث ثلاثة، لا، إنما هو إله واحد، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4) فالله واحد في ذاته، خلاف قول النصارى، وهو واحد في عبادته، فهو إله واحد، أي: وليس كما يقول المشركون العرب ويقولون حتى الآن، ليس الأمر كما قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فالله واحد أيضاً في عبادته، فمن اعتقد أن الله

واحد في ذاته لكنه عبد معه غيره فما وحده، والتوحيد الأخير أن نقول بعد أن قلنا: واحد في ذاته، وواحد في عبادته، وواحد في صفاته، فلا يجوز للمسلم أن يعتقد بأن الله عز وجل أطلع نبيه على علم الغيب كله، لأنه صار شريكاً معه في صفة الغيب، {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65) هكذا الآية إن شاء الله؟ مداخلة: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} (الأنعام: 59). الشيخ: لا، نحن ما يناسبنا الآية هذه، لأن هذه مفاتيح، رءوس، مجامع، لكن نحن نريد الآن التفصيل، أنا أقول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ} (النمل: 65) أي: كل الغيب {إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65) تبارك وتعالى، انظروا يا إخواننا وتعلموا، واعلموا بأن العلم ليس أن الإنسان يسلط عقله في آية يقول: هاه، {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65) إذاً: رسول الله لا يعلم شيئاً من الغيب، هذا خطأ، لماذا؟ لأن الله قال في الآية السابقة: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن:26، 27) تمام، لا تقفوا عند قوله: فلا يظهر على غيبه كل الغيب، لا، لأنه واحد في صفاته كما هو واحد في عبادته، كما هو واحد في ذاته، فلا يجوز للمسلم أن يعتقد أن الله أعلم نبيه عليه السلام بكل ما هو كائن إلى يوم القيامة، لأن هذه صفة الله عز وجل. بقي شيءٌ آخر أشرت إليه أنفاً، لكن أريد أن أدندن حوله قليلاً، وأرجو ألا يكون كثيراً، وهو: إذا كان الله اصطفى نبيه عليه السلام بأن أعلمه بكل الغيب، من هذا الإنسان الذي يحيط بعلم الرسول عليه السلام، ويدعي أنه حفظه؟ نحن نقول الآن: أستاذ ماهر في أي فن قلته، وله تلميذ من أذكى الناس وأكيس الناس وأحفظ

الناس، ماذا يحفظ من علمه؟ الشيء القليل، إذاً: هذا الأستاذ العاقل هل سيصب العلم كله في صدر هذا الطالب؟ سيكلفه رهقاً وسيكلفه شططاً، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فمن هذه الحيثية التي تنافي الطبيعة البشرية ليس معقولاً أن الرسول عليه السلام لو أن الله أعلمه بكل شيء وجعله شريكاً معه في العلم بالغيب ليس معقولاً أنه يحدث الناس بما لا يتحملونه ولا يطيقونه. فخلاصة القول بارك الله فيك: أن مثل هذا الحديث يجب أن يُفسَّر على ضوء عقيدة المسلمين المستقاة من كتاب الله كله، ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وحديثه كله، ولا نقف على حديث واحد، ولذلك أنا أقول لك الآن كلمة الختام في هذه المسألة: نحن ندعي بأننا أولاً مسلمون جميعاً والحمد لله. لكن فيه شيء آخر ندعيه وهو أننا نحترم سلفنا الصالح من صحابة وتابعين وأئمة مجتهدين، تلقينا من طريقهم علم الكتاب والسنة والفقه والعقيدة، فَمَنْ من علماء المسلمين يقول بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علمه الله كل شيء كما قال في الحديث القلم: «اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» بناء على حديث مسلم، لا أعلم مسلماً عالماً سبقنا إلى مثل هذا، ولذلك لا يجوز لإنسان أن يقول خلاف ما قال علماؤنا من قبل على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم. سؤال: المعروف عند فضيلتك سيدنا الشيخ أن الصحابة كانوا أصدق الناس وأدق الناس في الرواية عن النبي عليه الصلاة والسلام، حتى أن أحدهم كان لا يتحدث حرجاً مخافة أن يقع في شيء من النسيان، فنحن وصلت لنا الرواية على لسان الصحابي بدقة، «حدثنا بما كان وبما هو كائن»، والصحابي يستطيع أن يقول: حدثنا بمفاتيح الأشياء، أو حدثنا بمجملها، أو حدثنا بعظائمها، إنما قوله

رضي الله عنه: «بما كان وما هو كائن» تعني الشمول، هذا واحد. الشيء الثاني: أن الصحابي يقول: «حتى ما سرية إلا وعلمنا عنها وعلمنا عن قائدها»، والسرية معروف أنها: المجموعة. أما قولك أن الله سبحانه وتعالى إذا أطلعه على علمه أصبح له شريكاً فهذا لا يقال به لسبب واحد، طالما أنا أسندنا الأمر إلى الله عز وجل، وقلنا: أطلعه فأصبح مخلوقاً، هذا واحد. الشيء الثاني معروف عند حضرتك أن الله سبحانه وتعالى شق له من أسمائه الحسنى ما هو موجود في القرآن الكريم، قال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيمٌ} (التوبة: 128) وهذه من الأسماء الحسنى، إنما نقول كالتالي: قال في حق سيدنا إسحاق: {بِغُلامٍ عَلِيمٍ} (الحجر: 53) وهذا من الأسماء الحسنى أيضاً، لكن إذا أسند العلم إلى الله عز وجل فهو قديم ولا يشاركه فيه أحد، فإذا خرج عن الله عز وجل فهو حادث بالنسبة للمعلوم للنبي عليه الصلاة والسلام، فلو أطلعه على الغيب وقول الصحابي الصريح بأنه أطلعه بما كان وبما هو كائن فهو علم حادث بالنسبة للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي عليه السلام محدَّث، فلا تعني فيه المشاركة بحال، ولا تعني أن رأفة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هي عين الرأفة الإلهية، ولا الرحمة النبوية هي عين الرحمة الإلهية، لأن الرحمة الأولية أزلية ورحمة النبي عليه السلام حادثة مخلوقة فيه، كذلك علم سيدنا إسحاق علم حادث، بينما علم الحق جل جلاله أزلي. فإذاً: الإمام البوصيري له وجه عندما قال: ومن علومك علم اللوح والقلم، يعني: أن هذا الحديث مر عليه، والرجل ليس بجاهل ولا مشرك، بل كان في قرن

فيه علماء، وفيه أهل توحيد، ويعلمون الغث من السمين، فلو كان مشركاً لردوا عليه، ثم المعروف أنه إذا كان لنا تسعة وتسعين باباً نكفر بها مسلماً ثم باب لم نكفره به؛ نأخذ بالأحوط طالما أن هناك وجهاً. الشيخ: عفواً أنت الآن تشرد علن الموضوع ولا مؤأخذة. السائل: ما شردت أبداً. الشيخ: أُثْبِتُ لك أنك شردت. السائل: إذا شردت أنا أسترجع كلامي. الشيخ: معليش، لأنه الآن أنت تقول أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً، والله أنا أعترف لك أنه أنا حافظتي كليلة، لن أقول لك الجواب عن رقم واحد كذا ورقم اثنين كذا .. إلخ، لكن شعرت أنك أخيراً خرجت عن الموضوع لما قلت أن البوصيري مشرك وما أحد كفره .. إلخ، نحن لم نكن في هذا الوادي. مداخلة: السائد عند مجموعة الناس .. المجلس هذا مبرأ ونظيف .. الشيخ: معليش، لكن أنت الآن ما قلت قضية الشرك وما شرك, أنه ليس بمشرك. السائل: لأنه في قصة ... الشيخ: معليش يا أستاذ، قلت أنه ليس بمشرك أم لا؟ السائل: طبعاً، ... الشيخ: هذا ما أذكر أيضاً ففي هذا المجلس حتى يكون نظيفاً، ما دام ما أحد قال أنه مشرك فأنت لا تقل: ليس بمشرك لأنه هنا تبدأ الوساخة في المجلس ولا

مؤآخذة، لأني أضطر أقول لك الآن أنا في هذا المجلس على العكس من ذلك، قلنا: إنه ذلك الشاعر يغلو في القول ما قلنا أنه مشرك حتى تقول أنت: هو ليس بمشرك وما أحد كفره وما أحد شركه .. إلخ، فهذا اسمه خروج عما كنا نحن في صدده، نحن معك في الحديث الذي رواه الإمام مسلم، وقلت من باب كذا وكذا وكذا .. إلخ، والصحابي كان كذا وكذا، بعضه مُسلَّم وبعضه غير مُسَلَّم، لكن مع ذلك فأنت أنا شاعر تماماً أنك حدت وأقول لك كما قلت بالنسبة للبوصيري وغيره بدون قصد، لكن الحيدة موجودة، والغلو هناك موجود، لكن نحن لا نطلع على ما في القلوب، لأنه لا يعلم ذلك إلا علام الغيوب. أنت الآن حدت لما قلت لك: نحن مسلمون والحمد لله، ثم نحن نتبع السلف والأئمة وو .. إلخ، ولم يقل أحد منهم بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما تقول أنت الآن: هو مساوٍ لله في العلم، لكنك أنت تفرق أن علم الرسول حادث، لأن الله علَّمه، وهذه حقيقة أيضاً لا يختلف فيها اثنان، ولا ينتطح فيها عنزان، لكن أنا سألتك: مَنْ مِن العلماء الذين نحن ننتمي إليهم سواء كان في الأصول في العقائد كمذهب أهل الحديث ومذهب الماتريدية ومذهب الأشاعرة مَنْ مِنْ هؤلاء العلماء ساوى بين الله وبين رسوله في علم الغيب مع هذا الفارق الذي لابد أن يقوله المسلم كما قلت أنت آنفاً: أن هذا بخلق الله وبتعليم الله للنبي، من الذي قال أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مشارك لله في الاطلاع على المغيبات التي كانت وستكون إلى يوم القيامة، هذا الذي حدت عنه ولا مؤاخذة فأنا أرجو الجواب منكم بصراحة هل تعلم ذلك؟ السائل: الجواب بصراحة، أنا لا أستشهد على حديث الصحابي بآخر. الشيخ: هذا ما هو جواب.

السائل: أنا أعدل موقف الصحابي بموقف تابعي. الشيخ: هذا ليس جواباً بارك الله فيك. السائل: كلام الصحابي يُحَدِّثُ، وهو أعدل الناس بعد النبي عليه السلام. الشيخ: عفواً أبو أنت يدعوك أنت. مداخلة: أبو عبد الرحمن. الشيخ: أبو عبد الرحمن، التقينا أنا وأبو عبد الرحمن أيضاً، يا أبا عبد الرحمن لو سمحت! أنت تقول: لا أقدم على حديث رسول الله شيئاً، ترى أن عبد الرحمن هذا الذي هو سميك وعبد الرحمن ذاك يخالفونك في هذا القول؟ طبعاً لا، أليس كذلك؟ شايفها ضعيفة منك، لازم تكون بنبرة قوية، لأن ما فيها خلاف هذه، صح أم لا. لكن إذاً الخلاف أين هو؟ الخلاف في أن هذا الحديث هل أحد من علماء المسلمين فهمه بهذا الشمول حيث صار مشاركاً لله في هذه الصفة مع الفارق الذي تفضلت به؟ ما أجبتنا عن هذا، أجبت جواب السياسيين ولا مؤآخذة، أعني: كلام السياسي يكون إذا جاءت مناسبة يمد معه ويقول: أنا هكذا أقصد، وإذا اقتضت السياسة ... يقصره يضيقه يقول: أنا هذا الذي قصدته، أما جواب المسلم الصريح في عقيدته يقول شيئاً واضحاً بيناً، بحيث أن أهل المجلس يخرجوا على فهم واحد، أنه الشيخ أبو عبد الرحمن الذي هو أنا يقول كذا، والشيخ أبو عبد الرحمن الذي هو أنت. السائل: الفقير أبو عبد الرحمن، أنا فقير، ما صرت شيخ الفقير.

الشيخ: أنا الغني بإيماني بالله. ما لنا يا أستاذ بهذه الألقاب بارك الله فيك، المهم إذا خرج المجلس وانفض يخرج على بينة وبصيرة، يقولون: أن أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني يقول: أنه لا يجوز لمسلم أن يعتقد بأن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - يشارك الله في صفة من صفاته ولو كان ذلك بخلق من ربه، هكذا أنا أقول. السائل: لا يمكن الحادث يكون مثل القديم. الشيخ: اسمح لي يا أبا عبد الرحمن! أنا أتكلم خطأ الآن. السائل: .... هو محدث فكيف يكون مثل الله عز وجل. الشيخ: ما تجاوبني ... معليش، لكن ما علاقته بالجواب هو، المهم يا أبا عبد الرحمن فيه خلاف فيه؟ الذي قلته أنا، ليس أنت تعتقد اعتقادي، أنا أقول عن نفسي: الآن أنا أقول أن رب العالمين هو السميع البصير، فلا يشاركه أحد في هذه الصفة، هنا في بعض العلماء يقولون: يمكن أن يكون هناك مشاركة، لكن مشاركة بصورة لا يمكن أن تذكر، بمعنى: كما- الآن استحضرت شيئاً، الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.، تعرف قصة الخضر عليه السلام، تعرفها طبعاً؟ السائل: نعم. الشيخ: الحمد لله، قصة الخضر مذكورة في القرآن الكريم بصورة موجزة ومختصرة جاء الحديث الصحيح فوضَّح أشياء كثيرة وكثيرة جداً، وتذكرت الآن ما له علاقة ببحثنا، وهو يؤكد وجهة نظري أنا على الأقل، وأنا لا أنسى أنه أنا طلبي منك أن يفهم الناس رأيك في الموضوع كجواب عن سؤال وجه إليك.

السائل: أنا أتحدث ... الشيخ: معليش، فأنا قلت: لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ورسوله حقاً، وكما جاء في الكتاب والسنة أن يعتقد بأن الله عز وجل أعطى لنبيه عليه السلام علمه الغيبي كله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها عِلمُه، أي: علم الرسول، لأن الله علمه ذلك، هذا لا يجوز لمسلم أن يقول ذلك، بمعنى: لا فرق عندي بين من يقول: إن الله عالم الغيب كما في القرآن الكريم وهذا حق، وبين من يقول: إن الله علمني ... علم الغيب وهذا اكتساب من النبي من الله، أن الله علمه، فعلم الرسول حادث وعلم الله عز وجل قديم واجب الوجود، لا يكفي هذا التفريق، فلا يجوز أن نقول: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تَعلَّم كل شيء مما كان ومما سيكون إلى يوم القيامة بتعليم الله له، لا يجوز أن يقال هذا، لماذا؟ لأن هذه مشاركة أو تشريك للرسول في صفة من صفات الله لا يسوغ هذا التشريك ولا يبرره أنه والله هكذا الله علمه، أنا هذا رأيي، أنت قلت: لا يجوز، لأن هذا بتعليم من الله لرسوله، فخطر ببالي قبل أن أعيد عليك السؤال السابق حديث الخضر عليه السلام، وجرى ما جرى بينهما قصة السفينة وقصة، وقصة الجدار وقصة الغلام، بعد أن انتهت القصة صعد السفينة فأرسل الله طيراً وقف على حرف السفينة فنقر بمنقاره من الماء قطر قطرات فقال الخضر عليه السلام لموسى: ما علمي وعلمك بالنسبة لعلم الله إلا كهذه القطرة التي التقطها الطير من البحر. فالعلم الإلهي في المثال هنا هو البحر وعلم الأنبياء والرسل هو قطرة من القطرات، فلا يجوز بارك الله فيك أن يقول مسلم: أنه لا، أنا أعتقد بظاهر حديث مسلم أنه الله علَّم الرسول عليه السلام كل ما هو كائن إلى يوم القيامة بدون تقييد بالنصوص الأخرى.

فأنا سألتك ولا أزال أسألك: هل تعلم أحدا ًمن علماء المسلمين الذين نقلدهم سواء في العقيدة، أهل الحديث، الأشاعرة، الماتريدية، أو فقهاء .. إلخ، قد قال بهذا القول الواسع الشامل، مع الاستثناء الذي قلته وهو أن الله علمه، فعلم الرسول حادث، هل تعلم من قال ذلك من المسلمين؟ السائل: الصحابي راوي الحديث. الشيخ: هذا ليس جواباً بارك الله فيك. السائل: ولا أحتج بتابعي على صحابي، لقول الصحابي، قال: ما من سرية وهو المجموعة الصغيرة إلا وأخبرنا عنها وعن قائدها، ثم كانت تمر بي الحادثة ... الشيخ: إذا سمحت يا أبا عبد الرحمن نحن سمعناه منك، لكن الذي نريده منك ونرجو أن نحظى به ما سمعناه، أنت تفهم من الحديث هذا الفهم. السائل: أنا أفهم ما قاله الصحابي. الشيخ: هذا تكرار يا أخي بارك الله فيك، هذا تكرار لثالث مرة أو رابع مرة، هذا أنت تفهمه من الحديث، أنا أفهم من الحديث أن المقصود به أصول ورؤوس الأمور الغيبية وليس كل التفاصيل التي جرى بها الخلق، ما هو كائن وما سيكون إلى يوم القيامة، فأنا الآن مختلف معك في الفهم، معليش أنا أختلف معك وأنت تختلف معي في الفهم، ولكن نريد ما يدعم فهمك أو فهمي، ما هو الدعم؟ قال الصحابي، قال التابعي، قال الإمام المجتهد: أبو حنيفة .. مالك .. الإمام الشافعي .. الإمام أحمد .. إلخ، لا أرجوك ولا أطلب منك أبداً أن تكرر على مسامعي رأيك، فإني فهمته كما أرى هذا النور.

السائل: أنا أرد عليك؛ يبقى الحديث على ما هو عليه، إلا إذا احتاج شيء يخرجه عما هو عليه، فالحديث يفيد الشمول ويفيد الكلية، فأنا أطالبك بما طالبتني به. الشيخ: هذه رابع مرة. السائل: أنا أطالبك بما طالبتني به، هات لي أيضاً صحابي أو تابعي أو إمام أو مجتهد قال بأن الحديث يعني مجملات الأمور ورءوس الأشياء. الشيخ: أنا قلت آنفاً. مداخلة: اتق الله يا أخي. السائل: الشيخ ليس قاصراً عن الإجابة. الشيخ: إن شاء الله، أنا أجبت عن هذا السؤال. السائل: أنت طالبتني وأنا أطالبك. الشيخ: يا أبا عبد الرحمن الله يرضى عليك. السائل: الحديث على شموليته يحتاج إلى تخصيص، المُطالَب بالتخصيص أنت. الشيخ: يا أبا عبد الرحمن! القضية ليست مبارزة، ولا هي مصارعة، نحن لا نعرف ما في قلبك، نسمع من لفظك، بس أنت لما قلت لك: أنا أجبتك عن هذا، تقابلني أنت: وأنا أجبتك، لا، أنا أريد أن ألفت نظرك إلى ما سبق في تضاعيف كلامي لما قلت لك: قال الله عز وجل: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن:26، 27) قلت: الغيب هنا لا يعني كل الغيب وإنما بعض الغيب.

السائل: ما الدليل على ذلك؟ الشيخ: اللغة العربية التي نفهمها، أنت الآن تقول لي هنا: ما هو الدليل؟ الدليل هو تفسير القرآن الذي تلقيناه خلفاً عن سلف، أنت هل تعتقد وهذا يأخذنا إلى موضوع الحقيقة لعله هذا الشيء الذي نحن مختلفون فيه الآن هو فرع من ذاك الموضوع، وأرجو أن أكون متوهماً أنه نحن وإياك الآن مختلفون في شيء هو أصل من أصول الشريعة، وأرجو أن أكون واهماً، لأن هذا من مصلحتنا، أنه إذا كنت واهماً في ذلك الشيء الذي سأدلي به أننا سنتفق أخيراً أنه لا يجوز نحن نفسر حديث مسلم بهذا التفسير الشامل الواسع، ذلك هو: هل يجوز لمسلم بعد خمسة عشر قرناً أن يأتي إلى نص في القرآن أو في السنة ويفسره منخلعاً عن كل هذه الجهود العلمية التي ورثناها عن سلفنا وخلفنا ويأتي برأي من عنده ويقول: هذا رأيي يفسر به كتاباً أو آية أو حديثاً نبوياً ولاَّ الأمر كما قلنا في تضاعيف كلامنا السابق: وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف وكما قال بعضهم ولم نذكره آنفاً، والآن جاءت المناسبة: العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذراً من التعطيل والتشبيه فالآن ألست مؤمناً مَعَنا أن كل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف؟ السائل: [هذا الذي] عليه المسلمون.

الشيخ: الحمد لله، أعود إلى السؤال الأول: هل تعتقد بأنه يجوز للمسلم أن يفسر نصاً من كتاب أو سنة تفسير من عنده؟ السائل: طبعاً لابد من تفسيره إما بالكتاب وإما بالسنة. الشيخ: لا لا، هذا غلط، جواب خطأ، لأنك تقول: تفسير بالكتاب، أنا أسألك: هل يجوز أن تفسر الكتاب بفهمك الخاص أن تستند كما قلنا إلى السلف الصالح الذين فسروه. السائل: الذي مثلي قاصر لا يستطيع أن يفسر الكتاب برأيه، لأنه ما فيش صفات الاجتهاد، ولا لغة عربية شاملة. الشيخ: جميل جداً، إذاً: لا يجوز لإنسان أن يفسر آية أو حديث إلا وقد دعم رأيه وتفسيره بشيء منقول عن السلف، وإلا وقعنا في الانحراف الذي أشرنا إليه آنفاً في التصوير النبوي الجميل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام: 153). أنت تعلم أن هناك كتب في العقائد على اختلاف المذاهب كما أشرنا آنفاً، لن تجد من يقول بأن علم النبي مساوي لعلم الله مع التفريق الذي ذكرته. السائل: الغيب بعض من علوم الله، وليس علم الله ... الشيخ: أرجوك ما تعيد علينا، نريد شيئاً جديداً. السائل: الغيب هو بعض علوم الله، هو ليست كل علوم الله عز وجل محصورة بالغيب. الشيخ: كيف؟

السائل: يعني: علم الله عز وجل. الشيخ: علم الله يتعلق بالمعدوم أم بالموجود؟ السائل: الله سبحانه وتعالى ... الشيخ: أرجوك يا سيد جاوب عن سؤالي: علم الله يتعلق بالموجود أم بالمفقود؟ السائل: بالموجود. الشيخ: ما معنى كلامك إذاً؟ الموجود هو الذي جرى به القلم. السائل: يعني: كل ما نراه هو بس علم الله عز وجل، بس هذا هو علم الله عز وجل؟ الشيخ: كل شيء جرى سبق في علم الله أنه سيكون فهو يعلمه، أما الذي لم يجر في علم الله أنه. السائل: إذا كان علمه هو ما جرى به القلم بس فقط فهذا أطلع الحق جل جلاله الصحابي يقول: بما كان وما يكون. الشيخ: رجعت حليمة إلى عادتها القيمة. السائل: نفس الشيء، وبعدين الشطرة .. التي سيقت عن الإمام البوصيري: ومن علومك علم اللوح والقلم، القلم كتب بما كان وما هو كائن، والصحابي يقول: حدثنا بما كان وبما هو كائن، فإذاً: البوصيري له سند في هذا. الشيخ: على كل حال نحن الآن ندعك لتفكر وتدعنا لنفكر، ندعك لتفكر

فيما طرحت من رأي، وتدعنا نفكر فيما سمعنا من رأي لعل الله عز وجل يهدي الضال منا، وأنا ما أقول كما قلت أنت آنفاً غمزاً ولمزاً: أنه ما أحد كفره ولا أحد شركه، لكني أقول بلسان القرآن الكريم: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ في ضَلالٍ مُبِينٍ} (سبأ: 24)، لذلك اسمح لي، أنا أقول عن نفسي أنا بارك الله فيك. السائل: هذه قيلت في حق الكافر. الشيخ: أنا أقول عن نفسي. السائل: فلذلك غفر الله لنا جميعاً. الشيخ: أنا أسألك الآن خاصة على منهجك: الضلال محدود أم غير محدود؟ السائل: نحن ما وصلنا إلى علم المنطق ولا إلى غيره. الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله. السائل: أقول: نحن وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين، أنا أترفع عن هذا القول. الشيخ: أنا أقول القرآن، يا شيخ الله يهديك، أتعرف شيء عند العلماء اسمه اقتباس. السائل: هذه قيلت في حق المشركين. الشيخ: في شيء عند العلماء اسمه اقتباس تعرفه؟ مداخلة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. الشيخ: ولذلك أسأله: الضلال عندك ..

السائل: يا شيخ هذه الآية وردت في حق الكافر. مداخلة: اتفاق العلماء كلهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. السائل: ما يصير تقيس مؤمن تستشهد عليه بهذه الآية. الشيخ: نحن لا نقيس يا شيخ الله يهديك، أنا لو .. السائل: .... الشيخ: معليش معليش، اسمح لي قليلاً، نريد نضع النقطة على طريقة المحدثين، دائرة ووسطها نقطة إن شاء الله. ما أرجو الحقيقة أنا في الواقع وأنا رجل صريح كما يعلم إخواني هنا أني سمعت من سميي أبو عبد الرحمن ما كنت لا أراه في المنام مسموعاً، وأقول ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكن بجانب هذا أقول: أن الجلسة كانت ممتازة من حيث طريقة الأخذ والرد، لأنا نحن اجتمعنا مع كثير من أمثاله ولا مؤآخذة ممن يغالون في الأنبياء بل وفي غير الأنبياء، لكن مع الأسف الشديد كان لا يمكن أبداً نمشي دقائق معدودات، فأنا أشكره من هذه الحيثية حيث مكننا من أن نفهم منه وأن يفهم منا، ونخرج من المجلس كل على بصيرة فيما قال فلان وقال فلان، هذه مزية يجب ألا تهدر، ويجب أن تحفظ؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: 8) وأنا أرجو منه ألا يأخذ من الآية الشطر الأول، لأنه قصدي أنا الشطر الثاني، وهو (اعدلوا هو أقرب للتقوى) ما يقول أنت تطبق علي الآية، (لا يجرمنكم شنآن قوم) أي بغض قوم فيقول: أنت بغضتني.

السائل: لا لا. الشيخ: إنما أنا قصدي من الآية: اعدلوا هو أقرب للتقوى. السائل: ... العلم دائماً متزن بالحلم وهذا نعهده فيك ... الشيخ: جزاك الله خيراً، تفضل يا أخي. مداخلة: .... للتذكير بس حديث النبي عليه الصلاة والسلام عندما سمع الجارية التي كانت تنشد وتغني، وتقول: وفينا رسول يعلم ما في غد فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: دعي هذا، وقولي الذي كنت تقولين: فإنه لا يعلم الغيب إلا الله، فهل الرسول متناقض. الشيخ: حاشا لله. المداخل نفسه: لا يمكن إلا بالفهم الذي ذكره شيخنا حفظه الله. الشيخ: لكن بارك الله فيك، نحن ما سمعنا رأيه في حديث الخضر، ذلك صريح بأن الله يتفرد بعلم الغيب، وأرجو أن تتذكروا ما قال الرجل، عمم علم الله حتى في الأشياء التي لم تخلق، من أجل يكون علمه غير علم الرسول الذي علمه إياه افترض شيئاً معلوماً عند الله، ما هو هذا الشيء، هو الشيء الذي لم يجر به القلم، ولم يكن إلى يوم القيامة. مداخلة: استذكر في هذا الموضع من الحديث أنه جاء للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعه صحيفتان بأهل الجنة وأهل النار، يمكن هذا يوضح على أنه إحدى صور ... علم الغيب، يمكن إذا ذكرت الحديث ..

الشيخ: هذا صحيح فعلاً. مداخلة: آيات يسألونك يسألونك قل يسألونك قل، وعلم آدم الأسماء كلها، علم آدم كل الأسماء هذا من أجزاء الغيب. مداخلة: بس الفكرة أن هذا الحديث كان عن الفتن، عندما صعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فتحدث عن الفتن أليس كذلك؟ الشيخ: هو كذلك طبعاً. المداخل: إذاً معنى ذلك هو محصور حسب فهمي وإذا أنا غلطان يصحح، أن الحديث منسوب إلى ما كان وسيكون من الفتن، ما علم .. ما قال له على الكمبيوتر ماذا يصير فيه. السائل (أبو عبد الرحمن): ... النبي عليه الصلاة والسلام عندما في الصبحيات تأخر عنهم في صلاة الفجر، ثم قام وأردوا أن يقوموا عن الصلاة بعدما صلوا وخلصوا قال: علام ... الحديث يرويه الشيخ بلفظه أنا لا أذكر لفظه. الشيخ: ما عليك، يكفينا المعنى تابع. السائل: ... فيم يختصم الملأ الأعلى، فقلت: ... لا أعلم، قال: فوضع كفيه بين كتفي بلا كيف ولا تشبيه حتى وجدت بردها بين ثديي، فعلمت كل شيء، فسألني، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: في الكفارات وكذا وكذا ...... علم كل شيء، وبعدين: أوتيت علم الأولين والآخرين، فنحن مختلفين في الواقع ليس مختلفين، احنا عندنا الفهم في الحديث، هذا الذي كنا مختلفين فيه، أن الصحابي يقول كذا، ويقول: تمر علي الحادثة فأتذكرها كما يتذكر النائم

شيئاً يراه في المنام أو شيئاً مثله، معناه حوادث بسيطة وحوادث كبيرة لا يحتاج إلى تذكير، ثم حدثنا بكل سرية ومن هو قائدها، فهذا احنا نقول إذا كان الولي يقول فيه الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: حتى أكون سمعه وبصره الذي يسمع به ويبصر به، ويده التي يبطش بها، فهذا لا يعني أنا لما نُكْسِبُ العبد شيئاً من الله عز وجل أن نجعله إله أو شريك، والمعروف أن صفة رؤوف فعول ورحيم فعيل، والثنتين للمبالغة، وهي تعني المبالغة في الحدوث لا بالمبالغة في المشاركة، فالنبي عليه السلام رؤوف وهو رحمة وعين الرحمة. الشيخ: لا، ما تقول عين الرحمة، قل: رحمة وكفى، الله ما قال: عين الرحمة. السائل: فهو عليه الصلاة .. رحمة فهو عين الرحمة، يقول: أنا رحمة مهداة، فهذا لا يخرج النبي عليه السلام من كونه رسول، بينما رؤوف فعول فهو كثير الرأفة، كثير وإلى الأعلى، ثم رحيم كثير وإلى الأعلى، ومنها رحمن رحيم، منها نقول: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رحيم والحق رحيم إذاً يشتركان في المعنى، يشتركان في اللفظ، ولكن كل له مدلوله، انحصرت المشاركة في اللفظ لا تعني المشاركة في المعنى. الشيخ: هذا رد عليك، الجملة الأخيرة يا أبو عبد الرحمن لو تأملت فيها لوجدت رداً عليك، مشاركة في الاسم صدقت، لكن ليس مشاركة في الصفة، الآن أنت قف عند صفة الرحيم والرأفة التي وصف ربنا نبيه بهما: هل تستطيع أن تقول أن رحمة النبي في كيفيتها في شمولها كرحمة رب العالمين الرحمن الرحيم، أم تقول؟ السائل: طبعاً لا.

الشيخ: والغيب كذلك. السائل: الرحمة حادثة مخلوقة. الشيخ: والغيب كذلك، لا حول ولا قوة إلا بالله، أرجوك ما دام أنت تقول: نحن نريد أن نعرف الحق، لماذا تدير الموضوع حول القضية لا خلاف فيها، نحن ما فيه خلاف أن هذا مخلوق، لكن الخلاف هذا المخلوق يساوي ذاك الذي ليس بمخلوق، أنت قلت الآن في الرحمة طبعاً لا، لماذا لا تقول في العلم طبعاً لا؟ السائل: أنا قلت أنه علم أزلي علم الله عز وجل؟ طبعاً لا. الشيخ: وتقول رحمة الرسول أزلية؟ السائل: طبعاً لا، حادثة، وعلمه حادث. الشيخ: لكن ليس هذا البحث الله يرضى عليك، ليس هذا البحث، البحث صفة الرحمة في عمومها وشمولها كصفة رحمة الرحمن، تقول: لا. السائل: طبعاً لا. الشيخ: وهذا نحن معك، لكن تخالف وتقول: العلم الإلهي الذي هو صفة من صفات الله أن الرسول يشارك الله في هذه الصفة. السائل: لا لا، ... الشيخ: اسمح لي يا أخي، أنا أكمل كلامك، أنا أعيد عليك بضاعتك، أنت تقول: أن علم الرسول بالغيب يساوي علم الله، والفرق أن هذا مخلوق وذاك غير مخلوق، هذا قولك. مداخلة: يعني ... يساوي علم الله بالغيب إلا الله سبحانه وتعالى ...

الشيخ: الآن نريد نرجع للقاعدة التي اتفقنا عليها بارك الله فيك، وهي: أنا ما يجوز لنا نفسر بآرائنا وأفكارنا، أنت الآن تفهم من كلمة حديث معاذ بن جبل الذي ذكرته أخيراً عندما وضع رب العالمين كفه بين يديه .. إلخ، فعلم كل شيء، هذه الكلية هل هي كلية علم الله عز وجل من حيث الكلية والشمول، أم دون ذلك؟ أرجو جواب يكون واضح. السائل: يجيبك الحديث الذي ساقه الصحابي. الشيخ: ما يجاوب. السائل: بما كتب القلم إلى يوم القيامة. الشيخ: نقف عند هذا، أنت تجعل هذا الكلام الذي أنت تعتقد [أن] فيه تفسيراً لكلام البوصيري، هذا التفسير يصح فيما لو كان كما قلنا: فإن من علمك علم اللوح، هو يقول: من علومك، وأنت آنفاً جعلت علم الله علمين: علم موجود وعلم ما نعرفه نحن، فهو جعل هذا العلم الموجود من علم الرسول وهناك علم آخر، فأنت الآن تدافع عن كلام البوصيري، أنت دافع عن البوصيري ما شئت، نحن ما عندنا خلاف، وما فيه عندنا عداء أبداً بيننا وبين مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لكن لا تدافع عن خطئه، من أجل ماذا؟ هو خطاء، وخير الخطائين التوابون، هو يقول: ومن علومك، أنت الآن تجعل كلامه: ومن علمك علم اللوح والقلم، أي: الفرق بينك وبين البوصيري واضح جداً، أنت تجعل من علم الرسول علم اللوح والقلم، أي: علمه، وليس من أيضاً، لأنه من في العلم هي تبعيضية. السائل: وقد تكون بيانية.

الشيخ: اسمح لي، أنت تجعل، فيه فرق بينك وبين البوصيري، أنت تدافع عنه أنت تدافع عن كلامه، أنت تقول: العلم المسطور الذي سطر بالقلم عَلِمَهُ الرسول عليه السلام. [نقول ذلك] جدلاً ولا نبارك لك فيه طبعاً، لأن هذا خلاف عقيدة المسلمين جميعاً، لكن أنت تدافع عن البوصيري الذي يقول: من علومك علم اللوح والقلم، وأنت لا تؤمن بهذا، هل تؤمن بكلام البوصيري على ظاهره. السائل: أنا أقول. الشيخ: أسألك بارك الله فيك. السائل: وقد تكون من للتبعيض يا شيخ. الشيخ: لا لا، علوم لفظة العلوم. السائل: من قد تكون بيانية. الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، يا أخي قد تكون بيانية والعلوم جمع أم مفرد؟ السائل: طالما فيه وجه يا شيخ طالما فيه وجه أن لا نحرج الرجل في كلامه ... الشيخ: رجعت إلى ما نفيناه، لا تتكلم عن الرجل، نحن لا نتكلم عن الرجل، نتكلم عن كلامه. السائل: يا شيخ! البوصيري يقول: دع ما ادعته النصارى في نبيهم، هذا موافق لحديث النبي عليه السلام: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم.

الشيخ: ما جاوبت يا أستاذ، هذه حيدة تتسجل عليك، نحن نسألك: أنت لا تقول بقول البوصيري، هو يقول: من علوم الرسول علم اللوح، أنت تقول: علم الرسول هو ما في اللوح، وشتان بينك وبينه، فإن كنت ما تتكلم به لا يزيد عما في نفسك فإذاً: يجب أن تعترف أن هذا الكلام خطأ، لا تكفره ولا تشركه، وهذا ما يهمنا، لأن مصيره إلى الله، لكن هذا الكلام الذي يتبرك به المسلمون ويضعون الماء في الشربة في المجلس الذي يتلى عليه هذا الكلام المخالف للشرع هذا يجب أن تنكره لأنه خلاف رأيك، خلاف عقيدتك، وإلا فعقيدتك مثل عقيدته، أي: أنت تعتقد إن سَلَّمت بكلام البوصيري أنت تعتقد أنه علم الرسول عليه السلام بما كان وما سيكون هو جزء ... من كل، ليس هو الكل، وإلا ستقول: أخطأ البوصيري في قوله: ومن علومك علم اللوح والقلم، هذا لو سلمنا لك بقولك أن الرسول عليه السلام أحاط بكل ما كان وما سيكون علماً إلى يوم القيامة، لكن هو البوصيري يزيد عليك، فواحدة من ثنتين: يا تقول البوصيري مخطئ لكن هو لا معنا ولا معك، تقول هكذا نقول لك: أنت أنصفت ولو مرة واحدة، أما تقول أنا أدافع عن البوصيري لأنه الله علم الرسول ما كان وما سيكون ليس هذا قول البوصيري: من علوم، فهل تستطيع أن تقنعنا قبل أن نخرج أنك متفق معنا أن هذا الكلام لا هو قرآن ولا هو حديث عن الرسول عليه السلام، إنما هو كلام رجل، وقد يخطئ وقد يصيب، إن اجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، فهل عندك من الجرأة الأدبية بل الاعتقادية أن تقول: أخطأ في قوله: من علومه ولو كان مأجوراً في ذلك إذا كان هو قاصد مجتهداً، فنرجو هذا الاعتراف. السائل: أنا ما وصلت في الناحية اللغوية حتى [أخطئه] ولا أنا في مستوى علمه ولا أعلمه، أنا طالب علم.

الشيخ: نحن نراك أكثر من هذا، لأنك تقول ما لا يقوله أحد. السائل: فلذلك أنا لا أنصب نفسي حكماً. مداخلة: شيخنا قبل ننتقل، فيه نقطة بنفس الحديث الذي تفضلت في ذكر أنه في مسلم الذي تفضل به أخونا ... في الحديث نفسه أن الصحابي الراوي قال: حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، إذاً: فيه من الصحابة حفظوا هذا الحديث، والذي نعتقده يقيناً في الصحابة أمناء الشريعة الذين حفظوا لنا الإسلام وما رواه سيد الأنام وكان أحدهم يلتقط لفظ رسول الله ليبثه للناس، هل كانوا يكتمون هذا الذي قاله الرسول من هنا إلى قيام الساعة ما كان وما يكون، إذاً: لابد أنهم قالوا، ولم يقولوا، ها هي الكتب بين أيدينا الصحيحان والكتب الستة والمسند لم يقولوا هذا الذي ذكره من كل هذه التفاصيل، إنما هي عيون الأشياء كما تفضل الشيخ. الشيخ: أنا أزيد عليك، هات الأحاديث الصحيحة التي تجمع الأحاديث الصحيحة والأحاديث الحسنة والأحاديث الضعيفة والأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله، فهي لا تساوي قطرة مما في اللوح المحفوظ، يا جماعة أمر رهيب جداً أن يخرج المسلم في عقيدته عن النقل وعن العقل، العقل لا يتسع أن يقبل أصحاب الرسول طبيعتهم أنهم ينقلوا هذا العلم الذي لا يحيط به البشر كله، البشر كله بما فيهم من أنبياء ورسل وأولياء وصالحين مستحيل أن يحيطوا بما كان وما سيكون إلى يوم القيامة، هذا أمر مستحيل. مداخلة أخرى: محاضرة الرسول نصف ساعة أو ساعة ما الذي يمكن أن يقال فيها، ربما رؤوس أقلام، أنه في آخر الزمان. الشيخ: هو هذا، رؤوس أقلام.

مداخلة أخرى: هل من الجائز أن يحاط علم الله بحديث يوم؟ الشيخ: مستحيل هذا يا جماعة، مستحيل. مداخلة أخرى: أمتي أمتي، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. معناه أنه لا يدري. الشيخ: طيب جداً. السائل: هذا الحديث لابد من تأويله. الشيخ: الله أكبر، يا شيخ أوِّل بارك الله فيك. السائل: يا شيخ ما سمعت مني هذا. الشيخ: سمعت منك كلمة التأويل. السائل: هل تحكم علي قبل أن أتحدث؟ الشيخ: لا، أنا سمعتك تقول: نؤول، نقول لك: لماذا لا تؤول ما استندت إليه من نصوص تأخذها بأدلتها العامة، أنا الآن لما سألتك أخيراً بعض الأسئلة قلت: أنا لست بذاك العالم، وأنا لا أنصب نفسي لأكون حكماً، ولماذا تنصب نفسك للدفاع عن رأي لك أول ما تسمع نصاً وتشعر في أن عندك استعداد للجواب عنه تبرز وتجاوب عنه، وحينما تُسأل سؤالٌ وما عندك جواب قلت: أنا لست عالماً أنا طالب علم، والله أنا وكل إخواننا طلاب علم، فيكم إنسان يقول [أنا عالم؟!] مهما الإنسان طلب من العلم فهو لا يزال طالباً للعلم، فإذا قال: علمت فقد جهل، كلنا طلاب علم، لكن ما نتخلص من الحجة بكلمة: أنا طالب علم، أنا ما أنصب نفسي حكماً، أنا قلت لك مراراً: اسمح لي أكمل كلامي، وهذا كما تعلم من أدب المجلس أيضاً، فالرجل ذكرنا جزاه الله خيراً بحديث، رأساً قلت: هذا الحديث

نؤوله، أنا أخذت هذه الكلمة وكفاني، لماذا تؤول هذا النص ولم ترض بتأويل النصوص التي قلناها لك، تقول: الصحابي أدرى، نقول لك: ما اختلفنا أن الصحابي أدرى، لكن ما معنى كلام الصحابي؟ تقول: العموم والشمول، على هذه المزلقة نأتي لك بآية من القرآن ما رأيك في هذه الآية، يمكن تقول: والله أنا ما أنا عالم، أنا طالب علم. الآن في آية وأنت يبدو والحمد لله أنك حافظ للقرآن، ما الآية كلها التي تقول: ما تذر من شيء إلا جعلته كالرميم من يحفظها؟ مداخلة: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} (الذاريات: 41، 42). الشيخ: أحسنت جزاك الله خير، (ما تذر من شيء) هذا عموم أم خصوص؟ السائل: عموم. الشيخ: طيب، ما تقول بعمومه أم بِتْخَصِّصُه؟ السائل: لا أعلم. الشيخ: هذا الذي ظننته، لما تسأله سؤال علمي، يقول لك: لا أعلم، لما تَحتَكُّ القضية برأيك وعقيدتك وأنت فيها على خطر تقول: ندع النص على عمومه، لماذا لا تدع هذا النص على عمومه {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ} (الذاريات: 42) (ما) وبعدها (من شيء) نفي يتبعها الحصر، هذا نص عام، لكن علماء التفسير بارك الله فيك يأتون يقولون لك: «ما تذر من شيء» أراد الله عز وجل أن يمحوه من وجه الأرض، وإلا من هذه الأشياء أرض الله الواسعة، فهل أهلك الأرض كُلَها وجعلها هباء منثوراً كما سيكون شأن هذه الأرض والكواكب الأخرى يوم القيامة؟ طبعاً

لا، فالعلماء هم المصابيح، فيجب أن نعتد برأيهم وتفسيرهم، ما نستقل في فهم ونقول: هكذا الصحابي قال؛ آمنا الصحابي قال هكذا، لكن هل أراد العموم أم الشمول، آمنا بأن الله قال: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ} (الذاريات: 42) أنه قال، لكن هل المعنى هو العموم والشمول، الجواب هنا: لا، الجواب هناك: لا، لماذا؟ لأن الأدلة الأخرى إذا جمعناها كلها تدلنا على أن علم الله لا يساويه علم عالم في الدنيا، ولا ينجيك من المخالفة أن تقول: علم هذا العالمَ الله أعطاه إياه، وليس من ذاته، وعلم الله من ذاته، هذا لا يجوز أبداً. وحسبك ختاماً ولو مللنا إخواننا بطول الكلام أرجوك أن تُفكِّر فيما قلت آنفاً جواباً عن سؤالنا، أن الرسول رؤوف والرسول رحيم، وصدق الله العظيم، لكن لما سألناك: هل رحمة الرسول كرحمة الله؟ قلت: لا، هل علم الرسول عليه السلام كعلم الله؟ ما قلت: لا. السائل: قلت لا ... الشيخ: اسمح لي، يا أخي الله يرضى عليك، أنا أقرأ الآية {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (الماعون: 4) أعوذ بالله، أسمع مني أكمل الكلام، قلت: علم الرسول كعلم الله من حيث الإحاطة والشمول، لكنه حادث، هذا قلته، وكما تقول: كلامك مسجل، أنا أعيد عليك هذا الكلام وأقول: كلامك مسجل، لذلك أرجو أن تفكر في هذا الاعتراف الصريح، رحمة النبي لا تساوي رحمة الله، رأفته لا تساوي رأفة الله، علم الرسول لا يساوي علم الله، ومعنى ذلك أنه لا يعلم بكل شيء كما تحتج بحديث معاذ وغيره، وهذا الدليل المانع من أن تقول: احفظ حديث الخضر عليه السلام: مثل العلم البشري والعلم الإلهي كقطرة من بحر، والحديث الذي ذكرته حضرتك ما هو.

مداخلة: لا يعلم الغيب إلا الله، دعي هذا وقولي ... الشيخ: أي نعم لا يعلم الغيب إلا الله. السائل: الحديث الذي ساقه [حديث الحوض] وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام، فهو النبي يخبر عنه، هو النبي يخبر عنه، فكيف لا يعلمه، هو يخبر. الشيخ: الله أكبر. السائل: هو يخبر، فهو طالما يخبر يقول: ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، فأقول: هلم هلم. الشيخ: أنا أسمع لك لكن اسمع لي أنت فيما بعد. السائل: فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً، الآن النبي عليه السلام ألا يحدث، يحدث عن شيء سيكون، فهو يخبر عنه؟ الشيخ: لا. السائل: لا يخبر عنه. الشيخ: لا، يخبر عنه إجمالاً كما نقول نحن، ولا يخبر عنه تفصيلاً كما تزعم أنت، وهذه حجة قاصمة الظهر في هذا الموضوع إذا كنت صحيح تريد تكون منصفاً، هو يخبر إجمالاً؛ لأن الله عز وجل أعلمه بما يكون مجملاً، وهذا من الأحاديث الذي يؤيد تفسيرنا لحديث حذيفة وغيره مما جاء في مسلم، هو يعلم إجمالاً ولا يعلم تفصيلاً، ولذلك يقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأرجو منك قليلاً من الإنصاف يا أبا عبد الرحمن، اليوم دنيا وغداً آخرة، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وأنا أراك مثل حكايتي؛ ابيضَّت، وما بيننا وبين القبر إلا شبر،

ولذلك يجب أن تراجع نفسك، هذه عقيدة تخالف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين خلفاً وسلفاً، وربنا عز وجل يقول في القرآن الكريم: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115)، عائذاً بالله عز وجل أن يكون أحد في هذا المجلس ممن خرج عن سبيل المؤمنين. مداخلة: أستاذنا على التأويل الذي ذكره الحاج الله يجزيه الخير، أن الرسول عليه السلام يحدِّث عن هذا، واستدل من هذا التحديث أنه يعلم، فنحن نقول: هذا الذي حَدّث عنه الرسول عليه الصلاة والسلام سيحدث أم لم يحدث؟ سيحدث، فإذا سئل النبي عليه السلام وقال: أصحابي أصحابي، ماذا سيقال له؟ السائل: إنك لا تدري ماذا ... الشيخ: كذبت كذبت كذبت. مداخلة: لا تدري، هل كذب رسول الله عليه الصلاة والسلام، إذاً: إذا قلت بواحدة جانبت الصواب في الأخرى، وإن أصبت في الأخرى أخطأت في الأخرى ... الشيخ: الحقيقة يا إخواننا أن أخانا أبا عبد الرحمن إن شاء الله ربنا عز وجل يهدينا وإياه إلى سواء الصراط قال كلمة حق: أنه هو طالب علم وليس بعالم، وأنا أعترف أنه مثلي طالب علم، ولكن يجب عليه أن يدرس اللغة العربية وأساليبها، فأنا إذا قلت له الآن: أن في علم اللغة شيء يقال فيه: هذا من إطلاق الكل وإرادة الجزء، يا ترى تعرف أنت هذا الأسلوب في اللغة العربية؟ السائل: لا.

الشيخ: هذه المشكلة، فلما الرسول عليه السلام يقول: (الحج عرفة) الذي لا يعرف اللغة العربية ماذا يقول؟ إذا حجيت [أصعد عرفة] وبس انتهى الموضوع ... لكن الأسلوب العربي يقول: أَطْلَقَ الكل: الحج، وأراد شيئاً من الحج وهو عرفة، لماذا؟ لأهميته هذا الشيء، فمهم جداً أن الله يعلم رسوله عليه السلام عن بعض أعلام الغيب ويعلم أصحابه بذلك، أما عن كل كبير وصغير، هذا أمر كما قلنا ولا نؤيد ما قلنا وكفى: مشاركاً لله في الصفة، مع الفارق الذي هو يتمسك به ويدندن حوله، كذلك أيضاً إذا قال الله عز وجل: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} (الإسراء: 78) قرآن الفجر يعني: تلاوته، لكن ما هو هذا المقصود، المقصود صلاة الفجر، سبحان الله! ... يقول لي: لماذا أنت تؤول القرآن، القرآن يقول: وقرآن الفجر، أنا أقول: هكذا قرآن الفجر، لا، أنا أقول له: صلاة الفجر، هو يقول لي: هكذا اللغة، لا، أنت ما تعرف اللغة، مع الأسف العرب اليوم كثير منهم نسي لغته العربية، وما نحن فيه الآن يكفي {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} (الإسراء: 78) الصلوات الأربعة ذكرت في أول الآية، وعطف عليها قرآن الفجر، أي: صلاة الفجر، {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ} (الإسراء: 78) أي: صلاة الفجر {كَانَ مَشْهُودًا} (الإسراء: 78) هذا بارك الله فيك أسلوب في اللغة العربية كما قال ذلك الصحابي أقول اقتباساً منه: عرفه من عرفه وجهل من جهله، فيطلق العموم ويراد الخصوص، يطلق الكل ويراد الجزء، فهذا أساليب في اللغة العربية نحن إذا جهلناها انحرفنا كثيراً وخطيراً. مداخلة: الله يجزيك خيراً شيخنا. "الهدى والنور" (292/ 21: 47: 00) و (293/ 54: 01: 00)

[294] باب هل يعلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟

[294] باب هل يعلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟ [قال الإمام]: الأمر عندنا معشر المسلمين ... أنه عليه السلام مميز على البشر بالوحي، ولذلك أمره الله-تبارك وتعالى-أن يبين هذه الحقيقة للناس فقال في آخر سورة الكهف: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وعلى هذا كان لكلامه - صلى الله عليه وآله وسلم - صفة العصمة من الخطأ لأنه كما وصفه ربه عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. وليس هذا الوحي محصوراً بالأحكام الشرعية فقط، بل يشمل نواحي َ أخرى من الشريعة منها الأمور الغيبية، فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن كان لا يعلم الغيب كما قال فيما حكاه الله عنه: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: 187) فإن الله تعالى يُطلعه على بعض المغيبَات وهذا صريح في قول الله تبارك وتعالى: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} وقال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}. فالذي يجب اعتقاده أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يعلم الغيب بنفسه، ولكن الله تعالى يُعلمه ببعض الأمور المغيبَّة عنا، ثم هو صلى الله تعالى عليه وسلم يظهرنا على ذلك بطريق الكتاب والسنة، وما نعلمه من تفصيلات أمور الآخرة من الحشر والجنة والنار ومن عالم الملائكة والجن وغير ذلك مما وراء المادة، وما كان وما سيكون، ليس هو إلا من الأمور الغيبية التي أظهر الله تعالى نبيه عليها، ثم بلَّغنا إياها، فكيف يصح بعد هذا أن يرتاب مسلم في حديثه لأنه يخبر عن الغيب؟! ولو جاز هذا للزم منه رد أحاديث كثيرة جداً قد تبلغ المائة حديثاً أو تزيد، هي كلها

من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - وصدق رسالته، وردُّ مثل هذا ظاهر البطلان، ومن المعلوم أن ما لزم منه باطل فهو باطل، وقد استقصى هذه الأحاديث المشار إليها الحافظ ابن كثير في تاريخه وعقد لها باباً خاصاً فقال: «باب ما أخبر به - صلى الله عليه وآله وسلم - من الكائنات المستقبلة وفي حياته وبعدها فوقعت طبق ما أخبر به سواء بسواء» ثم ذكرها في فصول كثيرة (فلتراجع) ... في «البداية والنهاية» (6/ 182 - 256) يجد في ذلك هدى ونوراً بإذن الله تعالى, وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ}. وقال: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ}. فليقرأ المسلمون كتاب ربهم وليتدبروه بقلوبهم يكن عصمة لهم من الزيغ والضلال، قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً» (¬1). " مقالات الألباني" (ص 159 - 161) ¬

(¬1) حديث صحيح، أخرجه ابن نصر في «قيام الليل» (ص74) وابن حبان في صحيحة (ج 1 رقم 122) بسند صحيح، وقال المنذري في «الترغيب» (1/ 40): «رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد». [منه].

[295] باب هل يعلم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟ وما حكم الصلاة خلف من يعتقد ذلك؟

[295] باب هل يعلم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟ وما حكم الصلاة خلف من يعتقد ذلك؟ سؤال: إمام مسجد يدعي بأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم الغيب فهل يجوز الصلاة خلفه؟ الجواب: النصوص القرآنية الواردة صريحة بأن الرسول عليه السلام لا يعلم الغيب كما في قوله تعالى: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} والأحاديث الواردة أيضاً مؤكِّدةً لهذا المعنى كمثل الحديث الذي في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بجاريةٍ صغيرةٍ وهي تُغنِّي وتقول: «وفينا نبي يعلم ما في غد» فقال عليه الصلاة والسلام: «دعي هذا؛ لا يعلم الغيب إلا الله وقولي مثل ما كنت تقولين»، يعني: من الكلام المباح، فإذا بُلِّغَ ذلك ثم أصر على ضلاله فحينئذٍ لا يجوز الصلاة خلفه، نعم. "الهدى والنور" (19/ 26: 50: 00) [296] باب لا يصح إطلاق القول بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلِمَ جميع الكائنات عن عبد الرحمن بن عائش قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " رأيت ربي عز وجل في أحسن صورة قال: فبم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: أنت أعلم قال: فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماوات والأرض وتلا: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين}.

[297] باب لا كيف في المغيبات

[قال الإمام معلقًا على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "فعلمت ما في السموات والأرض"]: يعني ما أعلمه الله تعالى مما فيهما من الملائكة والأشجار وغيرهما، وهو عبارة عن سعة علمه الذي فتح الله عليه، ولابد من هذا التقييد الذي ذكرناه؛ إذ لا يصح إطلاق القول بأنه علم جميع الكائنات التي في السماوات والأرض، كما قال العلامة الشيخ علي القاري (1/ 463) وهو الظاهر. "تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 225). [297] باب لا كيف في المغيبات سؤال: في حديث المعراج عندما فرضت الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وراجعه سيدنا موسى .. كيف كانت المسألة هذه؟ الشيخ: لا كيف بارك الله فيك! الأمور غيبية خذوها قاعدة واستريحوا .. لا كيف في المغيبات، وحسبك أن تقصر فتقول كيف، غيرك يلف ويدور ويحكي كلاماً طويلاً لكن ينتهي إلى هذه الكلمة التي أنت قلت عنها: كيف؟ لا كيف في المغيبات، الإيمان المطلق وفقط بدون تكييف؛ لأنه عالم ما وراء المادة كما يقولون اليوم .. ما وراء العقل ما يقاس عليه حياتنا هذه المادية والعكس بالعكس أيضاً. "الهدى والنور" (28/ 54: 59: 00) [298] باب لا يُطَّلع على الغيب بطريق الكشف [قال الإمام]: مع كون هذه الطريقة [أي طريقة الكشف] غير مشروعة، فهي من المستحيل

[299] باب هل معرفة جنس الجنين في البطن يتنافى مع تفرد الله سبحانه بمعرفة الغيب، وإذا قلنا بجواز معرفة ذلك فلماذا يمنع الذهاب للكهان؟

أن توصل إلى الإطلاع على المغيبات بعد ختم رسالة بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ونزول قوله تعالى: {عالم الغيب فلا يطهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}، نعم هي في الحقيقة إنما توصل إلى أوهام وخيالات يتوهمونها كشوفًا ومغيبات. "التعليق على التنكيل" (2/ 194). [299] باب هل معرفة جنس الجنين في البطن يتنافى مع تفرد الله سبحانه بمعرفة الغيب، وإذا قلنا بجواز معرفة ذلك فلماذا يُمنع الذهاب للكهان؟ سؤال: يقول السائل: توجد طريقة علمية لاكتشاف الولد من البنت وهو في بطن أمه أثناء الحمل، فهل هذا صحيح؟ الشيخ: أما هل هذا صحيح أو ليس بصحيح فهذا ليس من اختصاصي؛ لأن هذا له علاقة بعلم الطب، ولكن في حدود ما قرأنا أن القضية لا تزال في حدود البحث والتحقق، وأشعر بأن الدافع على مثل هذا السؤال أن السائل أو غيره يخشى من أن يُصبح ذلك حقيقةً علميةً، فيختلف ذلك أو يتضاد مع النصوص الشرعية التي تُصرِّح بأنه لا يعلم ما في الأرحام إلا الله تبارك وتعالى، هذا التوهم هو الذي يجعل بعض المسلمين يخشون أن يكون هذا النبأ صحيحًا ... حين ذلك العلم التجريبي مع العلم الديني، والواقع أنه لا خوف على العقيدة الإسلامية بهذه القضية كما هو الشأن في كل قضايا الإسلام فيما لو ثبت علميًا إمكان معرفة كون الجنين ذكرًا أو أنثى بواسطة من الوسائط أو بوسيلة من الوسائل العلمية التي يسخرها الله تبارك وتعالى لمن يشاء من عباده، لا خوف من ذلك؛ لأن المقصود من تفرد الله عز وجل بعلمه بما في الأرحام أمران اثنان:

الأمر الأول: أنه يعلم ذلك علمًا ذاتيًا، أما هذا العلم التجريبي فهو يُعلم بوسيلة من هذه الوسائل التي يخلقها الله تبارك وتعالى لمن يشاء من عباده كما ذكرنا، ففرق بين العلم الإلهي حيث أنه علم ذاتي: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} (الملك:14) فهو ليس بحاجة إلى وسيلة، بينما العباد هم بحاجة إلى أن يتعاطوا كل وسيلة من الوسائل التي يسخرها الله لهم فيطلعون بها على ما يكون عادًة خافيًا على سائر الناس الذين لا يتعاطون هذه الوسائل، فالتفريق بين العلم الذاتي بالغيب أمر ضروري جدًا ينبغي أن نستحضره دائمًا في مثل هذه المسائل التي تشكل على بعض الناس. فإنكم تعلمون حقيقة علمية لا ريب فيها ولا شك وهي أن كثيرًا من الفلكيين يتنبئون على الكسوف والخسوف قبل أن يقع ليس بشهور ولا بسنة ولا بسنين وإنما هي عمليات حسابية دقيقة جدًا لما سخر الله كما ذكرنا للناس بها يتمكنون من أن يتنبئوا وأن يخبروا الناس بالكسوف والخسوف إلى ما بعد سنين طويلة، ثم إن نبئهم يحتوي عادًة على تفاصيل دقيقة بحيث يقولون: أن الخسوف في المنطقة الفلانية يكون خسوفًا كليًا .. في منطقة ثانية يكون نصفيًا .. في منطقة ثالثة يكون جزئيًا، وهكذا يُرى الخسوف في مكان كذا ولا يرى في مكان كذا إلى آخره، هل هذا الذي أصبح أمرًا ملموسًا لا شك فيه ولا ريب وليس هو كالمسألة التي وُجِّه السؤالُ حولها، الكسوف والخسوف هذا دائمًا نقرؤه في الجرائد ويقع ذلك، فهل هذا من العلم الغيب الذي تفرد الله تبارك وتعالى به كما في آيات كثيرة منها: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65)؟ الجواب: لا؛ لأن المقصود بالغيب هنا هو ما يتخيله كثيرًا ممن ينتمون إلى التصوف أو إلى الطرق حيث يذكرون في كتب هؤلاء بأن الولي الفلاني كان ينظر هكذا فيطلع

على اللوح المحفوظ ويقول: فلان يموت وفلان يسعد وفلان يشقى إلى آخره، هذا العلم الذاتي ليس إلا لله وحده لا شريك له في كل شيء، ومن ذلك لا شريك له في علم الغيب. كنت ذكرت لكم في جلسة مضت قول الله تبارك وتعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن: 26 - 27) انظروا كيف يقول ويُفرِّق بين علمه تبارك وتعالى بالغيب فيذكر أنه يعلم الغيب بذاته، أما الرسل المصطفين الأخيار الذين يأتوننا أحيانًا ببعض المغيبات فعلمهم بها ليس من باب العلم بالغيب ذاتية منهم وإنما بإطلاع الله لهم عليه، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ} (الجن:26) فلا يطلع .. فلا يُعلِم أحدًا على ذلك الغيب {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن: 27) فإذًا: هذه الأحاديث الكثيرة والكثيرة جدًا التي جاءت في كتب الحديث والتي تدخل بصورة خاصة في علامات الساعة سواًء ما كان منها من العلامات الكبرى أو الصغرى، هذا ليس من علم الرسول بالغيب؛ لأن هذا كما ذكرنا تفرد الله به سبحانه وتعالى، وإنما هذا من إطلاع الله عز وجل لنبيه على ما شاء من الغيب، إذا عرفنا هذه الحقيقة سَهُلَ علينا أن نفهم أن تنبؤ الفلكيين بخسوف الشمس والقمر هذا ليس من باب الاطلاع على الغيب وليس من باب العلم بالغيب وإنما هو استعمال منهم للوسائل التي سخرها الله لهم فيصلِون بها إلى معرفة ما غاب عن سائر الناس، وهؤلاء الناس هم في الحقيقة لو سلكوا نفس السبيل من التعلم للوسائل التي هم تعلموها فتمكنوا بها معرفة متى يقع الخسوف على التفصيل السابق ذكره لكانوا أيضًا عارفين معرفتهم بالكسوف والخسوف. فإذًا: العلم بشيء غاب عن الناس بوسيلة من الوسائل التي خلقها الله هذا ليس من باب معرفة الغيب فلا إشكال، هناك مثلًا أمر كنت قرأته قديمًا في بعض

الكتب يمكن أن يكون صحيحًا وهو الغالب: أن الفلاح يمكنه أن يعرف عمر الشجرة بعد قطع جذعها من الدوائر التي يراها في نفس الجذع، فيقولون: بأن كل دائرة تعني سنة، فإذا كان هناك في هذا الجذع دائرتان فهو يقول: عمر هذه الشجرة سنتان، ثلاثة ثلاثة وهكذا، بل كنت قرأت ما هو أدق وأغرب من ذلك: بأنه يمكن معرفة عمر الإنسان بالنظر إلى الخطوط التي تُرى بشيء من الدقة في أظافر الإنسان فكل خط أيضًا يعني سنة، فهذا ما يهمني هل صح أم لم يصح، كمسألة الجنين والاكتشاف أنه ذكر أو أنثى، لكن إن صح ذلك فلا إشكال وليس هو من باب مشاركة الله عز وجل في علم الغيب وإنما هو من طريق استغلال هذه الوسائل التي خلقها الله وتعرَّف بها على ما يَخفى على الناس. إذا عرفنا هذا فلا يهمنا أبدًا صح طبيًا اكتشاف هوية الجنين أذكر هو أم أنثى أو لم يصح؛ لأنه إن صح فليس ذلك من باب العلم بالغيب وإنما هو من باب استغلال الوسائل التي سخرها الله للإنسان لاستكشاف ما ورائها من الأمور التي تغيب عادًة على سائر الناس. قلت: أن هذا لا يعني مشاركة الله في الغيب من ناحيتين هذه إحداهما، والأخرى: أن الله تبارك وتعالى حينما قال: {وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَامِ} (لقمان: 34) أي: هو وحده فقط يعلم تفصيليًا، فإن استطاع العلم مثلًا أن يكتشف هوية الجنين هل هو ذكر أو أنثى ولكن هو لا يستطيع أن يحيط علمًا بهذا الجنين مثلًا هل هو سيكون كاملًا أم يكون ناقصًا؟ يعني: خلقه يكون تامًا أم ناقصًا، ثم يعلم ما في الأرحام قبل أن تعلق العلقة هناك أو البويضة كما يقولون بمني الرجل، فمجرد أن يقذف الرجل بمائه في رحم المرأة فالله عز وجل يعرف أن هذا الماء سينعقد أو لا، وإذا انعقد سيكون ذكرًا أو أنثى، وإذا كان ذكرًا أو أنثى هل سيكون خلقه تامًا أم لا، هل سيكون سعيدًا أم شقيًا أم أم إلى آخره، هذه التفاصيل مستحيل على العلم

مهما علا وسما أن يحيط بها علمًا، كذلك هو مما تفرد الله به عز وجل وهو المعنى بقوله: {وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَامِ} (لقمان: 34). مداخلة: تقريبًا بالسؤال، أحد الإخوة يقول: فلماذا حُرِّم إتيان الكهان وهم أيضًا يستعملون بعض الوسائل لمعرفة بعض الغيب عن سائر الناس؟. الشيخ: ثمة فرق كبير بين المسألتين، الكهان يتصلون بالجان، وكما ثبت في الأحاديث الصحيحة ولعلكم تذكرون ذلك جميعًا أن الجن يسترقون السمع، ثم ينزل أحدهم إلى قرينه من الإنس فيلقي في أذنه ما يكون قد سمعه من السماء مما تتحدث به الملائكة، ثم يضيفون إلى ذلك أكاذيب كثيرة وكثيرة جدًا، فيختلط الحق الذي سمعه الجني من حديث الملائكة بالباطل الذي أضافوه إليه، وألقوا ذلك جميعًا في أذن قرينهم من الإنس، ولذلك فكانوا يستغلون ولا يزالون يستغلون هذا إلى اليوم ليوهموا الناس أنهم يعرفون ما يجهله الناس من العلم بالغيب، ولذلك ولأنهم أضلوا بذلك وضلوا نهى الرسول عليه السلام عن إتيان الكهان وقال: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد». أما هؤلاء الأطباء فهم مع أنهم في ضلال مبين بسبب أنهم كفروا برب العالمين ولم يؤمنوا بشريعته التي أنزلها على قلب نبينا عليه السلام فهم مع هذا الضلال لا يدعون أنهم يعرفون الغيب، بل هم يصرحون بأنهم كلما ازدادوا علمًا ازدادوا معرفة بجهلهم فشتان بين هؤلاء الذين يتعاطون الوسائل العلمية لمنفعة الناس والكشف عما يضرهم وعما ينفعهم ولا يدَّعون شيئًا من الصلة بعالم السماء شتان بين هؤلاء وبين العرَّافين والكهان الذين حذرنا نبينا عليه الصلاة والسلام من الإتيان إليهم وتصديقهم. "فتاوى الإمارات" (6/ 0040: 38: 00)

[300] باب الإخبار بما في نفس الغير من خصوصياته تعالى وبيان الفرق بين ذلك وبين الإلهام والفراسة

[300] باب الإخبار بما في نفس الغير من خصوصياته تعالى وبيان الفرق بين ذلك وبين الإلهام والفراسة [قال الإمام]: الإخبار عما في نفس الغير ليس من الجزئيات القريبة, بل هو من خصوصيات الله تبارك وتعالى: {تعلم ما في نفسي ... } فيستحيل أن يصل إلى هذه المرتبة من يتعاطى الرياضة من مؤمن أو كافر, ونحوه الإخبار بموت الغائب, أو بقدومه, نعم هذا الأمران, الأخيران ونحوهما قد يكون من وحي الشيطان الجني الذي يسترق السمع إلى الشيطان الإنسي، أو يمكنه بحكم جبلته أن يطلع على موت فلان، قبل أن يطلع عليه البعيد عنه من بني الإنسان، فيخبر به من يريد أن يضله من الإنس ... ومثله قدوم الغائب، ومكان الضالة ونحو ذلك، فهذه أمور ميسورة للجن، فيطلِعون بعض الأنس بها لإضلالهم {وأنه كان رجال من الأنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً}، وأما الاطلاع على ما في الصدور والإخبار به فليس في طوق أحد منهم إلا بإخبار الله عز وجل من شاء من عباده الذين ارتضاهم للرسالة كما قال: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ... }، نعم ليس من هذا القبيل ما يُلِهَمُه الرجل الصالح، ثم يقع كما ألهم، لأنه لو سئل عنه قبل ذاك لم يستطيع الجزم به، فلأنه (¬1) لا يدري أمن إلهام الرحمن هو، أم من وحي الشيطان؟ بخلاف النبي {قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير}. وليس منه أيضاً ما يتنبأ به الإنسان بفراسته وملاحظته الدقيقة التي لا يتنبه لها غيره، وقد وقع لي شخصياً من هذا النوع حوادث كثيرة لولا أنني كنت أبادر إلى ¬

(¬1) كذا ..

الكشف عن أسبابها الطبيعية لظنها الناس كشفاً صوفياً! فمن ذلك أنني كنت يوماً في حلقة الدرس أنتظر أن يكتمل الجمع، إذ قلت لمن عن يميني ـ وهو حي يرزق ـ بعد قليل يدخل فلان ـ لشاب سميته، فلم يمض سوى لحظات حتى دخل! فنظر إلى جليسي دهشاً كأنه يقول: أَكَشْفٌ؟ فقلت: لا بل هي الفراسة. ثم شرحت له سر المسألة، وذلك أن الشاب المشار إليه أعرف أن له دراجة عادية يأتي عليها إلى الدرس. وأعرف أيضاً أن الراكب لها إذ أرد النزول عنها أوقف تحريك رجليه إذا اقترب من المكان الذي يريد النزول عنده، وأنه عند ذاك يسمع منها صوت بعض مسنناتها، وكانت دراجة الشاب من النوع المعروف بـ «السباقية»، والصوت الذي يسمع منها عند النزول أنعم من الأخريات، وكان هو الوحيد الذي يركبها من بين الذين يحضرون الدرس عادة، فلما أراد النزول، وأوقف رجليه طرق سمعي ذلك الصوت، فعرفت أنه هو، وأخبرت جليسي به، فكان كذلك! وقد اتفق لي مراراً ـ ويتفق مثله لغيري ـ أنني وأنا في صدد تقرير مسألة يقوم بعض الحاضرين يريد أن يسال، فأشير إليه بأن تمهل، فإذا فرغت منها قلت له: الآن فسل. فيقول: ما أردت السؤال عنه قد حصل! فأقول: أهذا هو الكشف؟! فمثل هذه الإجابة قد تقع تارة عفواً، وتارة بقصد من المدرس الذي بحكم مركزه قد ينتبه لما لا ينتبه له الحاضرون فيعرف من علامات خاصة تبدو له مِن الذي يريد السؤال ما هو سؤاله فيجيبه قبل أن يسأل! فيظن كثير من الناس أنه كشف أو إخبار عما يضمر في نفسه، وإنما هو الظن والفراسة، ويستغل ذلك بعض الدجالين فيلقون في نفوس مريديهم أنهم يطلعون على الضمائر، وأنهم يعلمون الغيب، فيتقبلون ذلك منهم ببساطة وسلامة قلب، حتى أن الكثير منهم لا يسافرون، ولا يأتون عملا يهمهم، إلا بعد موافقة شيخهم عليه، فكأنه عندهم (بكل شيء عليم). والله المستعان. "التعليق على التنكيل" (2/ 238 - 239)

[301] باب لا يعلم الغيب إلا الله وبيان الفرق بين الوحي والإلهام

[301] باب لا يعلم الغيب إلا الله وبيان الفرق بين الوحي والإلهام عن جابر قال: «لما حَضر أُحُد دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك، غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فإن علي ديناً فاقض، واستوص بأخواتك خيراً، فأصبحنا فكان أول قتيل ودفنته مع آخر في قبر». رواه البخاري. [قال الإمام]: ينبغي أن يُعلم أن هذا ليس من قبيل العلم بالغيب، فإنه لا يعلم الغيب إلا الله، ولا من باب إطلاع الله عباده على الغيب، كما يظن كثير من الجهال، فإن الله تعالى يقول: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ}، وإنما هو من قبيل الإلهام الصادق، والفرق بينه وبين الوحي، أن الإلهام غير معصوم من الخطأ والتخلف، بخلاف الوحي فإنه معصوم دائماً، فاحفظ هذا فإنه به تزول مشكلات كثير من الكرامات التي يظن أولئك الجهال أنها من الاطلاع على الغيب، والجزم به كفر، لأنه خلاف القرآن، ولذلك يبادر المتمسكون به إلى إنكار مثل هذه الكرامات بزعم أنها مخالفة للقرآن، فهؤلاء في واد وأولئك في واد والحق ما ذكرنا، والتوفيق من الله تعالى، فعض على هذا التحقيق بالنواجذ، فإنك قد لا تراه في غير هذا المكان. " تحقيق مشكاة المصابيح" (3/ 1674).

[302] باب هل تأويل الرؤى من معرفة الغيب؟ والفرق بين الوحي والإلهام

[302] باب هل تأويل الرؤى من معرفة الغيب؟ والفرق بين الوحي والإلهام السائل: هل الرؤية هي من الغيب أم ليست من الغيب؟ الشيخ: الرؤى غيب وقال عليه الصلاة والسلام: الرؤى جزء من ستة وثلاثين جزءاً من النبوة (¬1) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. مداخلة: نعم. الشيخ: نعم؟ مداخلة: الرؤية الصالحة. الشيخ: الصالحة نعم. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب، فهي غيب .. مداخلة: طيب هل .. هل هناك أحد يعلم بالغيب إلا من علمه الله سبحانه وتعالى من الأنبياء؟ كما قلت: أن العلماء يعلمون هذه الرؤى هبة. الشيخ: أنا ما قلت: نعم يعلمون كإلهام من الله عز وجل. مداخلة: يلهمهم غيباً, يعني: .. يلهمهم بعض الغيب؟ الشيخ: لا. هذا ليس غيباً بارك الله فيك. ¬

(¬1) البخاري ({قم6588) ولفظه: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة».

مداخلة: تفضل .. الشيخ: الغيب الآن هذا السؤال الحقيقة مهم جداً .. لنعرف ما هو الفرق بين العلم بالغيب والفراسة التي يصيب بها أحياناً ويتحدث بها بعض كتب السنة الصحيحة من جهة ويغالي فيها الذين ينتمون إلى التصوف من جهة أخرى، أظنكم جميعاً تعلمون قوله عليه الصلاة والسلام: «لقد كان في أمتي محدَّثون لقد كان فيمن قبلكم محدَّثون، فإن يكن في أمتي محدَّث فعمر» (¬1)، ومعنى محدَّثون: أي: ملهمون الإلهام ليس هو الوحي لكنه يلتقي مع الوحي أحياناً من حيث اكتشاف ما سيقع ظناً وليس يقيناً يعني: الذي ألهم بشيء لا يستطيع أن يقول: إن هذا سيكون حتماً إلا ما ندر جداً .. جداً وهو يعترف بأنه ليس معصوماً، أما الوحي فهو يقطع بها كما هو حي تماماً يقطع بأن هذا الذي أوحاه الله إليه هو من وحي السماء لا يدخله شك ولا لبس ولا ريب، فالآن لقد كان فيمن قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر ما هو معنى مُحدَّثون؟ أي: ملهمون، فما هو الإلهام؟ أنتم تعرفون أن عمر بن الخطاب تحدث بأمور نزل القرآن على وفق ما تحدث به كقوله مثلاً: لو حجبت نساءك فأنزل الله آية الحجاب (¬2)، وقوله مثلاً: لو اتخذنا .. لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى إلى آخره، من هذا القبيل ما رواه الإمام مالك في "الموطأ" بالسند الصحيح أنه عن أبي بكر الصديق أنه قال: لابنته عائشة في أرض تتعلق بإرث أولاد أبي بكر رضي الله عنه، قال فيما أذكر الآن: أنه هذه لأختك والأخت هي كانت لا تزال جنيناً في بطن زوج أبي بكر الصديق، قالت: وأين أختي؟ قالت: هي التي في بطن فلانة، ¬

(¬1) مسلم (رقم6357). (¬2) البخاري (رقم4213).

وفعلاً رزقت بنتاً فكانت ترث مع أختها تلك الأرض بوصية من أبي بكر الصديق .. في هذا الإلهام وهذه القصة في «الموطأ» وبالسند الصحيح الذي لا إشكال فيه؛ لأنه في الموطأ يوجد روايات مقطوعات وبلاغات كثير منها لا يصح وإن كانت موصولة بعضها في كتب أخرى، أما هذه القصة فهي صحيحة. إذا عرفنا هذه الحقيقة الفرق بين الوحي وبين الإلهام يمكننا نحن الآن أن ندخل في صلب الإجابة إلى رجل عالم مثل ابن سيرين فسر الرؤية التي قص عليه قاصٌّ ما أو رائي ما فهو لا يستطيع أن يقول: أنها ستكون كذلك، فإذاً هذا ليس من باب الاطلاع على الغيب إطلاقاً وإنما هو الظن والظن قد يصيب وقد يخطئ وهذا يقع من العلماء بمناسبات كثيرة وكثيرة جداً حتى أن بعض مشايخ الطرق يستغلون هذه الوقائع ويوهمون الناس أنها كشوفات وأنهم يطلعون على ما في صدور الناس، والحقيقة أنه ليس شيء من ذلك إنما هي الفراسة، فإذاً وسأقص بعض ما وقع لي أنا شخصياً مع كشف السر لكي لا تنغشوا ببعض ما قد تسمعون من بعض الناس، إذا تبين أن ابن سيرين وأمثاله ممن قد يوهبون علم تأويل الرؤيا فذلك ليس من باب الاطلاع على الغيب؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا الله بنص القرآن الكريم ثم كما قال في القرآن الكريم أيضاً: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن: 26، 27)، الغيب: هو الأمر الذي يقطع به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أن الله عز وجل أوحى، أما العالم ذو الفراسة أو مفسر المنام فهذا لم يطلع على الغيب فقد يصيب وقد يخطئ أنا أقص لكم بعض القصص التي وقعت لي وهي أولاً: لا تدل على صلاح ولا تدل على طلاح، وإنما تدل أنه هذا المسؤول في عنده شيء من العلم وفي عنده شيء من اليقظة فأصاب الهدف، فلو أراد أن يغش هؤلاء الناس سيقول لهم: هذه كشوفات وأنتم تنكرونها.

أنا أذكر جيداً أنني كنت في دكاني أُصَلّح الساعات لما دخل علي أحد إخوانا من الفلسطينيين الذين كانوا فروا من ظلم اليهود إلى دمشق وتعرفوا على الدعوى السلفية والحمد لله. جاءني يوماً ومعه رجل فلاح وأنا أعلم مسبقاً وهنا يبدأ موضوع الفراسة أعلم مسبقاً أن هذا أستاذ في بعض القرى التي حول بلدة حمص هناك في الطريق إلى حلب، فأطلعني على ساعة اسمها الأجنبي «رِبكو» قال: انظر الساعة هذه تقف نريد نصلحها لأخوانا هذا، ففهمت أن أخوه هذا من تلك القرية، رأساً قلت له: اشتراها من هنا من دمشق من المحل الفلاني؟ قال: نعم، ولم يهتم بها، لكن أنا لفت نظره؛ لأنه هو معنا سلفي، قلت: ها أنتم تنكرون الكشف هذا كشف, ها أنا عرفت أن هذه الساعة الذي ساكن في قرية بعيدة عن دمشق نحو مائة وخمسين مائتين كيلو متر وقريبة من حمص بأقول: اشترها من أين؟ من دمشق، فأصبت هذه فراسة؛ لأني ربطت بين الماركة هذه ما هي معروف تاجرها إلا في دمشق وهذا الذي يريد أن يشتريها لا بد ما يأتي إلى هنا؛ لأنه ما هو موجودة في بلد آخر، فأصاب الهدف تماماً، فلفت نظره إلى النكتة هذه .. هذا كشف وأنتم تنكروا الكشف. لكن بنفس الوقت نكتة أبلغ من هذه بكثير دخل إلي طالب علم .. طالب علم قوي فيما يسمى بعلوم الآلة في النحو والصرف إلى آخره يقول لي يا شيخ! بعدما سلم طبعاً: آية أشكل عليّ مرجع الضمير فيها آية أشكل عليه مرجع الضمير فيها، قلت له: انظر بقى «لعل» ما قلت له: هي كذا؛ لأني محتاط، قلت: لعلك تعني قوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} (الأعراف: 190)، قال: والله هذه فلما رجعت قلت لهم: ما زلتم تنكرون الكشف هذا الكشف ما صار معي

[303] باب هل التنبؤ بنزول المطر وما شابه ذلك من علم النجوم المذموم؟

أنا؟ صار معي إذا صح التعبير كمبيوتر إلهي ما هو رجل طالب علم أقوى مني في علوم الآلة أشكل عليه الضمير في آية إلى أين راجع؟ على حدود ما علمت أنا استحضرت هذه الآية قلت له: لعلها هي، قال: هي .. هي. فإذاً هذا ما هو كشف هذا عبارة عن فراسة وعن مقدمات تكون في نفس المتفرد فيصيب الهدف أحياناً ويخطأ أحياناً، كذلك المفسر أو المؤول للرؤى قد يصيب أحياناً ويخطئ أحياناً هذا ليس أن له علاقة إطلاقاً بأنه اطلع على الغيب هذا جواب ما سألته. "الهدى والنور" (688/ 11: 11: 00) [303] باب هل التنبؤ بنزول المطر وما شابه ذلك من علم النجوم المذموم؟ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من اقتبس علماً من النجوم، اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد». (صحيح). قال [المنذري]: والمنهي عنه من علم النجوم هو ما يدَّعِيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان، كمجيء المطر، ووقوع الثلج، وهبوب الريح، وتغيير الأسعار، ونحو ذلك ويزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب، واقترانها وافتراقها، وظهورها في بعض الأزمان، وهذا علم استأثر الله به، لا يعلمه أحد غيره، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجه القبلة، وكم مضى من الليل والنهار، وكم بقي، فإنه غير داخل في النهي، والله أعلم.

[304] باب رد الاستدلال بقصة عمر مع سارية على إمكانية معرفة الغيب

[قال الإمام معلقًا]: قلت: ومن ذلك عندي التنبؤ بنزول المطر، وتساقط الثلج، وهبوب الرياح، ونحوها، فإن لمعرفة ذلك اليوم موازين دقيقة سخرها الله للناس في هذا الزمان، مثل الساعات التي يعرف بها الوقت، فلا علاقة لذلك البتة بعلم النجوم المذموم. "التعليق على الترغيب والترهيب" (3/ 1113). [304] باب رد الاستدلال بقصة عمر مع سارية على إمكانية معرفة الغيب [قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه]: «يا سارية الجبل، يا سارية الجبل». مما لا شك فيه أن النداء المذكور إنما كان إلهاماً من الله تعالى لعمر وليس ذلك بغريب عنه، فأنه " محدث " كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولكن ليس فيه أن عمر كشف له حال الجيش، وأنه رآهم رأي العين، فاستدلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء وعلى إمكان اطلاعهم على ما في القلوب من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين المنفرد بعلم الغيب والاطلاع على ما في الصدور. وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله عز وجل يقول في كتابه: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول} فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل من رسل الله حتى يصح أن يقال إنهم يطلعون على الغيب بإطلاع الله إياهم!! سبحانك هذا بهتان عظيم.

على أنه لو صح تسمية ما وقع لعمر رضي الله عنه كشفاً، فهو من الأمور الخارقة للعادة التي قد تقع من الكافر أيضاً، فليس مجرد صدور مثله بالذي يدل على إيمان الذي صدر منه فضلا على أنه يدل على ولايته ولذلك يقول العلماء إن الخارق للعادة إن صدر من مسلم فهو كرامة وإلا فهو استدراج، ويضربون على هذا مثل الخوارق التي تقع على يد الدجال الأكبر في آخر الزمان كقوله للسماء: أمطري، فتمطر وللأرض: أنبتي نباتك فتنبت، وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ما قرأته اليوم من عدد " أغسطس " من السنة السادسة من مجلة " المختار " تحت عنوان: " هذا العالم المملوء بالألغاز وراء الحواس الخمس " ص 23 قصة " فتاة شابة ذهبت إلى جنوب أفريقيا للزواج من خطيبها، وبعد معارك مريرة معه فسخت خطبتها بعد ثلاثة أسابيع، وأخذت الفتاة تذرع غرفتها في اضطراب، وهي تصيح في أعماقها بلا انقطاع: " أواه يا أماه ... ماذا أفعل؟ " ولكنها قررت ألا تزعج أمها بذكر ما حدث لها؟ وبعد أربعة أسابيع تلقت منها رسالة جاء فيها: " ماذا حدث؟ لقد كنت أهبط السلم عندما سمعتك تصيحين قائلة: " أواه يا أماه ... ماذا أفعل؟ ".وكان تاريخ الرسالة متفقاً مع تاريخ اليوم الذي كانت تصيح فيه من أعماقها ".وفي المقال المشار إليه أمثلة أخرى مما يدخل تحت ما يسمونه اليوم بـ " التخاطر " و" الاستشفاف " ويعرف باسم " البصيرة الثانية " اكتفينا بالذي أوردناه لأنها أقرب الأمثال مشابهة لقصة عمر رضي الله عنه، التي طالما سمعت من ينكرها من المسلمين لظنه أنها مما لا يعقل! أو أنها تتضمن نسبة العلم بالغيب إلى عمر، بينما نجد غير هؤلاء ممن أشرنا إليهم من المتصوفة يستغلونها لإثبات إمكان اطلاع الأولياء على الغيب، والكل

[305] باب هل كشف لعمر عن حال "سارية"وأصحابه لما نادى: يا سارية الجبل؟

مخطئ. فالقصة صحيحة ثابتة وهي كرامة أكرم الله بها عمر، حيث أنقذ به جيش المسلمين من الأسر أو الفتك به ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الاطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام (في عرف الشرع) أو (التخاطر) في عرف العصر الحاضر الذي ليس معصوما، فقد يصيب كما في هذه الحادثة وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر، ولذلك كان لابد لكل ولي من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل فقال: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون}.ولقد أحسن من قال: إذا رأيت شخصا قد يطير ... وفوق ماء البحر قد يسير ولم يقف على حدود الشرع ... فإنه مستدرج وبدعي "الصحيحة" (3/ 101 - 104). [305] باب هل كُشف لِعُمَر عن حال "سارية"وأصحابه لما نادى: يا سارية الجبل؟ [أشار الآلوسي في "الآيات البينات" إلى قصة سماع سارية لكلام عمر بن الخطاب، فعلَّق الألباني عليها قائلا]: يشير إلى ما رواه عبد الله بن وهب عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أن عمر وَجَّه جيشا ورأَّس عليهم رجلا يقال له: (سارية) قال: فبينما عمر يخطب فجعل ينادي: يا سارية الجبل يا سارية الجبل (ثلاثا) ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر؟ فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا: يا سارية الجبل (ثلاثا) فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك كنت

[306] باب هل يستدل بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "كان نبي من الأنبياء يخط" على جواز الخط على الرمل؟

تصيح بذلك. وهذا إسناد جيد حسن كما قال ابن كثير في " البداية " (7/ 131) ومن هذا الوجه رواه البيهقي في " الدلائل " (3/ 181/1)، وكل ما يروى عن عمر في هذه القصة سوى هذا فلا يثبت مثل ما جاء في " روض الرياحين " (ص 25) أنه كشف لعمر عن حال سارية وأصحابه من المسلمين وحال العدو؛ فإنه لا أصل له، وإنما هو من ترهات الصوفية لدعم كشوفاتهم المزعومة. نسأل الله السلامة. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص153). [306] باب هل يُستدل بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "كان نبي من الأنبياء يخط" على جواز الخط على الرمل؟ [جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي المعروف بحديث الجارية أنه قال للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالا يأتون الكهان. قال: "فلا تأتهم". قلت: ومنا رجال يتطيرون. قال: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم". قال قلت ومنا رجال يخطون. قال: "كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك ". رواه مسلم. [قال الإمام معلقا على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فذاك»]: أي مصيب. وهو كالتعليق بالمحال لأن خط ذاك النبي كان معجزة وقد انقضت، فكيف يمكن أن نعرف الموافقة؟ "تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 311).

[307] باب هل يجوز الخط على الرمل لمعرفة الغيب؟

[307] باب هل يجوز الخط على الرمل لمعرفة الغيب؟ السائل: [هل قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قد كان نبي يخط .. » فيه جواز هذا الفعل؟] الشيخ: نعم، المعنى أن الله تبارك وتعالى كان قد جعل لبعض الأنبياء وفي بعض الأقوال ولم يرد في الأحاديث أنه يونس عليه السلام كان قد جعل له وسيلة يتوصل بها إلى معرفة بعض المغيبات، بواسطة الضرب على الرمل، فالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ربط إصابة الرمال بأن يوافق معجزة ذلك النبي، وهذا كما يقول العلماء من باب التعليق بالمحال، قال عليه السلام: «فمن وافق خطُه خط ذاك النبي فذاك هو المصيب» ولا شك أن هذه الموافقة لا يمكن الوصول إليها؛ لأن ذلك النبي أولاً كانت هذه المعجزة خاصة به، وثانياً: هو لم يدع كتاباً يتخذ وسيلة لمعرفة طريقة الضرب بالرمل ليكتشف بهذه الطريقة شيئاً من الغائب فهو من باب التعجيز في المحال، قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه هذا الرمال خط ذلك النبي فذاك هو المصيب، وهذا أمر مستحيل. مداخلة: [بعضهم يرسم] خطوط كثيرة في الأرض [ثم يمسح] خطين خطين، فإذا بقي في الأخير خطان فهذا علامة النجاح، وإن بقي الخط فهذا علامة الفشل. الشيخ: علامة النجاح في ماذا؟ مداخلة: في الأمر الذي أتى هذا الرجل [من أجله] الشيخ: لمعرفة الغيب يعني. مداخلة: فهل هذا مباح للأثر وارد عن النبي بهذه الطريقة أو هذا من طريقة الكهان؟

الشيخ: لا هذا .. ليس عن الرسول طريقة معينة في هذا، كيف يمكن أن يدع لنا طريقة وهو يعلق إصابة الرمال بأن يوافق خط ذلك النبي ثم .. هذا أسلوب من أساليب الرسول عليه السلام وإلا فنحن نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن: 26 - 27) فلا يمكن الوصول إلى الأمور الغيبية باتخاذ وسائل لم يشرعها ربنا تبارك وتعالى، فسواء كانت هذه الصورة ولأول مرة أنا أسمعها أو صور أخرى مما يتعاطاها الرمالون هؤلاء أو المنجمون فالمهم أنهم يحاولون بذلك الوصول إلى معرفة بعض المغيبات إن لم يكونوا كما أعتقد يدجلون على الناس ويموهون عليهم، أي: أنهم يعلمون أنهم ليس عندهم طريقة متوارثة مثلاً حتى تتصل بذاك النبي، بهذه الطريقة يعرفون بعض المغيبات، هم يعلمون أنهم يدجلون على الناس ويدلسون عليهم ابتغاء مادة عاجلة فعلاً، فلا يجوز هذا التعاطي ولذلك قال عليه السلام في بعض الأحاديث الأخرى: «من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» وكأنه عليه السلام يشير في هذا الحديث إلى الآية السابقة وهي قوله تعالى: {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن: 26 - 27) فهذا الكاهن أو العراف أو الرمال ليس رسول يمكن أن يوحي الله إليه بشيء من علمه بالغيب تبارك وتعالى؛ لهذا كان تعاطي هذا الضرب بالرمل أو أي وسيلة مما فيه التدجيل على الناس هو [كفر] بمثل هذه الآية الكريمة. مداخلة: مخرج من الملة؟ الشيخ: هذا يختلف بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي، فإن كان مستحلاً ذلك بقلبه فهو كفر الخروج عن الملة، وإن كان يعتقد بأن ذلك لا يجوز كما يأكل المرابي الربا ويسرق السارق وإلى آخره كل هؤلاء في المنزلة سواء، من استحل

[308] باب هل تجوز قراءة الكف؟

بقلبه شيئاً من المحرمات فهو كافر كفر ردة، ومن اقتصر استحلاله على العلم دون الاستحلال القلبي فهو كفر معصية وليس كفر ردة. "رحلة النور" (5أ/18: 06: 00) [308] باب هل تجوز قراءة الكف؟ السائل: [بعضهم] يقول: يتكون في الكفين الرقم تسعة وتسعين، يعني: جمع الرقم في خطين في الكف الأيمن بعدد ثمانية عشر، وفي الأيسر بواحد وثمانين، مجموعهما: تسعة وتسعين، وهي يقول: هذه أسماء الله الحسنى، وبعض الناس يقرؤون الكف، فما حكم ذلك؟ الشيخ: هذا مما لا يلتفت إليه؛ لأن أسماء الله الحسنى أكثر من تسعة وتسعين اسمًا، والحديث الذي جاء في صحيح البخاري ومسلم من قوله عليه الصلاة والسلام: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة» (¬1) فهذا الحديث لا يعني: أنه ليس لله تبارك وتعالى أسماء أخرى، وإنما يعني: أن هذه التسعة وتسعين اسمًا من أحصاها، أي: من استخرجها من الكتاب والسنة وعمل بمعانيها فكان ذلك بشارة له بدخول الجنة، وإلا فقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سأل ربه بكل اسم سمى به نفسه أو علمه بعض خلقه، أو استأثر هو تبارك وتعالى بعلمه، فأسماء الله عز وجل ليست محصورة بهذا العدد الذي زعم .. "فتاوى جدة-الأثر -" (26ب /57: 28: 01) ¬

(¬1) البخاري (رقم2585) ومسلم (رقم6986).

جماع أبواب أحكام التبرك

جماع أبواب أحكام التبرك

[309] باب هل كان الصحابة يتبركون بمخلفات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يعلم ذلك فلا ينكره؟

[309] باب هل كان الصحابة يتبركون بمخلفات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يعلم ذلك فلا ينكره؟ سؤال: ... هل كان المسلمون يتبركون بالتفال ومخلفات الوضوء، وهل كان النبي يرضى بذلك؟ الشيخ: هذا سؤال هام، الواقع أن ذلك وقع ووقع على علم من الرسول عليه السلام وسكوت منه، ولكن هذا السكوت كان برهة من الزمن، ولم يستمر منه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولقد ظهر حكمة ذلك السكوت المؤقت واضحًا بينًا جليًا في صلح الحديبية، حيث أخذ المشركون يرسلون سفيرًا منهم- وما أريد أن أقول: رسولًا منهم، وإن كان هذا سائغًا من حيث العربية-فكلما أرسلوا سفيرًا منهم ليحادث الرسول عليه السلام ويفهموا ما يريد، كان يرى هذا السفير تلك المبالغة العجيبة التي لا يعرفونها في ملوك كسرى وقيصر، من تهافت الصحابة على وضوء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الماء الذي كان يتوضأ به وتبركهم به، فكان من آثار ما شاهدوا أو شهدوا أنهم عادوا إلى رؤوس قريش وقالوا لهم: صالحوا محمدًا فوالله لقد رأينا كسرى وقيصر فما رأينا أحدًا يُعظَّمهم كما أرينا أصحاب محمد يُعظِّمون محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعلى هذا جرى الصلح المعروف في صلح الحديبية. فكان سكوت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على مثل تلك المبالغة في التبرك به عليه السلام من السياسية الشرعية الحكيمة، ولكنه لأنه طبع على ما وصف بحق في قوله تبارك وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4) وكما قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» وكما قال في حديث آخر: «لا تنزلوني فوق منزلتي التي أنزلني الله فيها» (¬1) فهو تجاوب في نهاية ¬

(¬1) السلسلة الصحيحة (3/ 88).

[310] باب إنما أقر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على التبرك به يوم الحديبية لحكمة بالغة

مع هذا المبدأ الأساسي الذي كان يحياه الرسول عليه السلام وذلك حينما شاهدهم مرة يتهافتون أيضًا على التبرك بوضوئه فقال لهم: «ما يحملكم على هذا؟ قالوا: حب الله ورسوله، قال:- هنا الشاهد-إن كنت تحبون الله ورسوله فاصدقوا في الحديث وأدوا الأمانة» انظر هذا اللطف في النقد من الأمر المفضول إلى الحكم الفاضل، لم يصدهم الرسول عليه السلام صدًا، وإنما مهد لهم تمهيدًا بأسلوب عظيم جدًا: «ما الذي يحملكم على هذا؟ قالوا: حب الله ورسوله» وهم صادقون في ذلك، فقال لهم: هذا لا يدل حبكم لله والرسول، الذي يدلكم على ذلك هو أن تعملوا بما جاء به الرسول عن ربه تبارك وتعالى. ولهذا فنحن نرى أن ما ثبت من التبرك هو ثابت وفي صحيح البخاري قصة الحديبية في صحيح البخاري، لا مجال لإنكارها من حيث الرواية أبدًا، لكن بعض الناس يأخذون الأمور بالعجلة ولا يأخذونها بالرَويِّة، فلو أنهم نظروا أولًا إلى الحكمة من ذاك السكون ثم اطلعوا على الحديث الأخير لزال الإشكال ولعرفوا عظمة الرسول عليه السلام في ذاك وفي هذا الحديث. "فتاوى الإمارات" (76: 31: 00) [310] باب إنما أقر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على التبرك به يوم الحديبية لحكمة بالغة [جاء في حديث المسور بن مخرمة الطويل في غزوة الحديبية قوله]: فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ... رواه البخاري.

[311] باب هل يقاس التبرك بآثار الصالحين على التبرك بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

[قال الإمام]: فعلوا ذلك تبركًا به - صلى الله عليه وآله وسلم - وحبًّا له، وقد أقرهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليه لحكمةٍ بالغة، ظهرت فيما يأتي من القصة، وقد جاء ما يشعر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صرفهم عن ذلك في حادثة أخرى، كما حققته في بعض مؤلفاتي. انظر "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2998). "مختصر صحيح البخاري" (2/ 233). [311] باب هل يقاس التبرك بآثار الصالحين على التبرك بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال الإمام منبهًا على بعض أخطاء البوطي في فقه السيرة]: قال [أي البوطي في "فقه السيرة"] في حاشية (ص 197) بعد أن نبه إلى معجزة فرس سراقة وغوص قائمتيها في الأرض، ومعجزة خروجه - صلى الله عليه وآله وسلم - من بيته وقد أحاط به المشركون، وتبرك أبي أيوب الأنصاري وزوجه، ثم استطرد فذكر تبرك أم سلمه بشعره - صلى الله عليه وآله وسلم - وأم سليم بعرقه وغير ذلك ثم علق عليه فقال: «يرى الشيخ ناصر الألباني أن مثل هذه الأحاديث لا فائدة منها في هذا العصر، ذكر ذلك في نقد له على أحاديث كان قد انتقاها الأستاذ محمد المنتصر الكتاني لطلاب كلية الشريعة. ونحن نر ى أن هذا كلام خطير لا ينبغي أ، يتفوه به مسلم، فجميع أقوال الرسول وأفعاله وإقراراته تشريع، والتشريع باق مستمر إلى يوم القيامة ما لم ينسخه كتاب أو سنة صحيحة، ومن أهم فوائد التشريع ودليله معرفة الحكم، والاعتقاد بموجبه.

وهذه الأحاديث الثابتة الصحيحة لم ينسخها كتاب ولا سنة مثلها فمضمونهما التشريعي باق إلى يوم القيامة ومعنى ذلك أنه لا مانع من التوسل والتبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام فضلاً عن التوسل بذاته وجاهه عند الله تعالى، وأن ذلك ثابت ومشروع مع الزمن، فكيف يقال مع ذلك أنه لا فائدة منها في هذا العصر؟! أكبر الظن أن السبب الذي ألغى فائدتها بنظر الأستاذ الشيخ ناصر أنها تخالف مذهبه في التوسل غير أن ذلك وحده لا يكفي موجباً لنسخها وإنهاء فائدتها كما هو معلوم». هذا كلام البوطي بالحرف الواحد نقلته على طوله وقلة فائدته ليكون القراء على يقين من مبلغ علم هذا الرجل وخوفه من الله تعالى، وعدم مبالاته بتهمة الأبرياء والطعن فيهم بغير حق، ولبيان هذه الحقيقة هنا أقول: أولاً: إن ما نسبه إليّ من الرأي إن هو إلا اختلاق. وإن مما يدل على جرأة الرجل وقلة خوفه من الله وحيائه من الناس عزوه ذلك إلى نقدي لأحاديث الكتاني، وليس فيه هذا الفرية الباطلة كما سترى ولو كان الدكتور ينتقد بإخلاص وعلم لنقل عبارتي، وانتقدها انتقاد علمياً موضوعياً، ولكنه يعلم أنه لو فعل ذلك لانكشف عند القراء، ولذلك فهو جرئ على هذه الطريقة من النقد يعزو القول إلى القائل وهو لم يقل ذلك أصلاً، أو قال شيئاً منه ولكن الدكتور يأخذ بعضاً، ويترك بعضا كمثل من يقول "ولا تقربوا الصلاة" ويسكت، فاسمع نص كلامي في نقدي المذكور للكتاني؛ قلت: (ص56) ما نصه: 6 - إيراده أحاديث لا يترتب على معرفتها اليوم كبير فائدة تحت العناوين الآتية: (ص21) «التبرك بآثار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بأمره» وذكر فيه حديث علي بن أبي طالب وفيه أمره - صلى الله عليه وآله وسلم - له ولغيره أن

يشربا من إناء مج فيه - صلى الله عليه وآله وسلم - وأن يفرغاه على وجوههما، ثم قال: «تبرك الصحابة بآثار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -».ثم أورد فيه حديث طلق بن علي وفيه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - توضأ وتمضمض ثم صبه في إداوة لهم. ثم أعاد الترجمة ذاتها وذكر تحتها حديثاً ثالثاً في تبرك أسماء بجبته - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم أعاد الترجمة للمرة الرابعة وأورد فيه حديثاً في تبرك أم سلمه بشعر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. فما هو الفائدة من تكرار هذه العناوين والتراجم في الوقت الذي لا يمكن اليوم التبرك بآثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - لعدم وجودها؟ وما يفعلونه اليوم في بعض البلاد من التبرك في بعض المناسبات بشعرة محفوظة في زجاجة فهو شيء لا أصل له في الشرع، ولا يثبت ذلك بطرق صحيحة. نعم إنما يستفيد من هذه التراجم بعض مشايخ الطرق كما سبق ذكره في المقدمة، ولعل المصنف وضع هذه التراجم مساعدة منه لهم على استعباد مريديهم وإخضاعهم لهم باسم التبرك بهم والله المستعان». هذا الذي قلته في النقد المذكور نقلته مضطراً بالحرف الواحد ليقابله القارئ الكريم بما نسبه البوطي إليّ، ليتبين له افتراؤه وغلواءه في قوله: «هذا كلام خطير لا ينبغي أن يتفوه به مسلم،»! فأنت ترى أن الدكتور تعمد حذف لفظة «كبير» المضافة إلى «فائدة» والتي هي نص صريح في أنني لا أنفي الفائدة مطلقاً من معرفتها كما زعم البوطي، وإنما أنفي فائدتها الكبرى وهذا أمر واضح لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى، وقد عللت ذلك بتعليل بين فقلت: «لا يمكن اليوم التبرك بآثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - لعدم وجودها .... » فتبقى الفائدة التي ليست بكبيرة إنما هي معرفتها لمجرد العلم بالشيء ولا الجهل به، فكيف ينسب البوطي إليّ تلك الفرية: «هذه الأحاديث لا فائدة منها في هذا العصر»؟!

ثانياً: هب أنني قلت ذلك، فهلا ذكر السبب الذي قلته في تعليل ذلك بديل أن يكتمه عن الناس فيوقعهم في الولوغ في عرض الألباني وذهابهم مذاهب شتى في تعليل ذلك والطعن فيه، أم أن هذا هو الذي يقصده البوطي بكل ما يكتبه ضد الألباني، وليس هو النصح لهم؟! ثالثاً: أما كان من الواجب على الدكتور البوطي أن يرد على تعليلي المذكور إن كان عنده رد، بديل أن يأخذ من نقدي المتقدم على الكتاني- على طوله- تلك الجملة المبتورة، «لا فائدة منها» فيكذب علي! رابعاً: لا أشك أن هناك خلافاً كبيراً بيننا وبين الدكتور البوطي في تقدير فائدة أحاديث التبرك فهي عندي وعند كل ذي عليم فيما اعتقد غير ذي موضوع اليوم، وهذا لا ينافي فائدة معرفتها كما سبق بيانه، بينما يرى الدكتور أنها ذات موضوع، لأنها تدل على التبرك، وهو والتوسل بمعنى واحد عنده كما يدل عليه قوله المتقدم: «ومعنى ذلك أنه لا مانع من التوسل والتبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام فضلاً عن التوسل بذاته وجاهه ... » إلخ. وأصرح منه قوله في صلب الكتاب في الصفحة (197): «فإن التوسل والتبرك كلمتان تدلان على معنى واحد، وهو التماس الخير والبركة عن طريق التوسل به. وكل من التوسل بجاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - عند الله والتوسل بآثاره أو فضلاته أو ثيابه، أفراد وجزئيات داخلة تحت نوع شامل هو مطلق التوسل الذي ثبت حكمه بالأحاديث الصحيحة، وكل الصور الجزئية له تدخل تحت عموم النص بواسطة ما يسمى بـ (تنقيح المناط) عند علماء الأصول». وصرح في مكان آخر (ص 355) أن المناط إنما هو كونه - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل الخلائق عند الله على الإطلاق.

فأقول: في الكلام خبط وخلط كثير وادعاء ما لا أصل له، وما لا يعقل، كما أنه ليس هناك ولا حديث واحد يثبت به مطلق التوسل الذي زعمه الدكتور (المقلد الذي يقول ما لم يقله أي مجتهد في الدنيا!!) فهلا ذكر شيئاً من تلك الأحاديث التي تثبت مطلق التوسل، وبين وجه دلالتها على ما زعم، وأعرض عن هذا الكلام والجعجعة التي لا طحن فيها. ثم كيف يجعل التوسل بمعنى التبرك، والتوسل عنده لا يستلزم حضور المتوسل به، كما هو صريح كلامه، وبين التبرك الذي يقتضي حضور الشيء المتبرك به، كما هو ظاهر الأحاديث التي ذكرها الأستاذ البوطي ومن قبله الكتاني وغيرهما؟! وإلا فكيف يمكن التبرك بها؟! وأيضاً فكلامه صريح في جواز التوسل بقوله في دعائه: اللهم إني أتوسل إليك بفضلات نبيك وعرقه و ... وغير ذلك مما يستحي من كتابته فضلا عن النطق به كل مسلم عاقل غيور على مقام الإلوهية، ويا خجلتاه إذا قام الدكتور على المنبر يوم الجمعة يدعو بهذا الدعاء تحقيقاً منه لما ذهب إليه من فلسفة التوسل بالفضلات!! وتالله لقد ازددنا يقيناً بعدم مشروعية التوسل بالذات لما رأينا الدكتور البوطي قد استلزم منه مشروعية التوسل بجزء من أجزاء الذات حتى ولو كان من الجنس الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نفسه يتطهر ويتنزه منه كما هو ثابت في «الصحيحين» وغيرهما من كتب السنة المطهرة. خامساً: لقد تبين مما سبق أن ما ظنه الدكتور البوطي في السبب ظن إثم؛ لأني أولاً لم ألغ فائدة أحاديث التبرك بآثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - كما سبق بيانه. وثانياً لأنه قائم على

تسويته الباطلة بين التبرك والتوسل من جهة, وعلى مشروعية التوسل بالذات من جهة أخرى, وكلاهما غير صحيح كما قدمنا ولو بإيجاز. وأما غمزه إياي بالشذوذ في قوله: «أنها تخالف مذهبه في التوسل» فهو ناشئ من عدم مراعاته الأدب مع الأئمة الذين يخالفون رأيه ولا ـ أقول مذهبه؛ فأنه لا مذهب له على الرغم من لا مذهبيته! وإلا فأين هو من قول الإمام أبي حنيفة: «أكره أن يسأل الله إلا بالله» فلم يجز الإمام السؤال بالذات فضلاً عن الفضلات كما هو رأي المقلد المجتهد الجامع للمتناقضات!! وما ذهب إليه الإمام هو مذهب صاحبيه أيضاً فضلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين, وهو المذهب المنصور من الأحاديث النبوية والآثار السلفية, كما تراه مفصلاً في رسالتي الخاصة في التوسل, مع الرد على شبهات المخالفين ونقدها روايةً ودرايةً, ومن ذلك الرد مفصلاً على البوطي في خلطه بين التوسل والتبرك, وتجويزه التوسل بالفضلات, وما يصل هذا المقال إلى أيدي القراء الكرام إلا وتكون الرسالة قد تداولتها الأيدي وانتفع بها إن شاء الله كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, ومعذرة إلى القراء مما اضطررنا إليه من الإطالة في الرد على البوطي في هذه الفقرة التي جرتنا إلى الخروج عما نحن بصدده من الرد عليه من الناحية الحديثية المحضة التي توجهتُ إليها في هذه المقالات دون مناقشة في آرائه الفقهية التي خالف فيها الأدلة الشرعية, ولعلي أتفرغ بعد للكتابة في ذلك بإذن الله تعالى. "دفاع عن الحديث النبوي" (ص74 - 79)

[312] باب خطأ نشر أحاديث التبرك بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بين العوام سدا للذريعة

[312] باب خطأ نشر أحاديث التبرك بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بين العوام سدًّا للذريعة [ذكر الإمام من ضمن مآخذه على كتاب الكتاني «نصوص حديثية في الثقافة العامة»]: إيراده "أي الكتاني في كتابه" أحاديث لا يترتب على معرفتها اليوم كبير فائدة، تحت العناوين الآتية: (ص22): «التبرك بآثار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بأمره»: وذكر فيه حديث على بن أبي طالب وفيه أمره - صلى الله عليه وآله وسلم - له ولغيره أن يشربا من إناء مج فيه - صلى الله عليه وآله وسلم - وأن يفرغا على وجوههما. ثم قال: «تبرك الصحابة بآثار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -» ثم أورد فيه حديث طلق بن علي وفيه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - توضأ وتمضمض ثم صبه في أداوة لهم. ثم أعاد الترجمة للمرة الرابعة وأورد فيه حديثاً في تبرك أم سلمة بشعر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. فما هو الفائدة من تكرار هذه العناوين والتراجم في الوقت الذي لا يمكن اليوم التبرك في بعض المناسبات بشعرة محفوظة في زجاجة فهو شيء لا أصل له في الشرع، ولا يثبت ذلك بطريق صحيح. نعم إنما يستفيد من هذه التراجم بعض مشايخ الطرق كما سبق ذكره في المقدمة، ولعل المصنف وضع هذه التراجم مساعدة منه لهم على استعباد مريديهم واخضاعهم لهم باسم التبرك بهم! والله المستعان. ثم قال: (ص23) تقبيل يد الرسول ورجليه!

[313] باب حكم التبرك بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهل ثبت هذا عن بعض الصحابة وعن الإمام أحمد؟

ثم ساق حديثاً فيه أن يهوديين قبلا يده - صلى الله عليه وآله وسلم - ورجله! قلت: ومع أن الحديث في ثبوته نظر كما سبق بيانه في موضعه (ص14) فهل يريد الشيخ في ذلك أن يشرع للناس أن يًقبِّل المريد رجل شيخه أيضاً اعتماداً منه على فعل اليهوديين؟! فإن قيل: لكن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أقرهما على ذلك فيقال: أثبت العرش ثم انقش، فالحديث لم يثبت كما ذكرنا، ولو ثبت، فليس يجوز قياس المسلم على اليهودي، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فلئن أقر - صلى الله عليه وآله وسلم - اليهوديين على تقبيل رجله، فلا يلزم منه إقرار المسلم على مثله لأنه عزيز وذاك ذليل صاغر، فأي قياس أفسد من هذا على وجه الأرض أن يقاس المسلم على الكافر، والعزيز على الذليل؟! ولو جاز فلا يجوز لأي شيخ أن يقيس نفسه على الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فيجيز لها ما جاز له - صلى الله عليه وآله وسلم -! لأنه من باب قياس الحدادين على الملائكة! أو هو على الأقل قياس مع الفارق! "نقد نصوص حديثية" (ص 75) [313] باب حكم التبرك بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهل ثبت هذا عن بعض الصحابة وعن الإمام أحمد؟ سؤال: سؤال آخر عن مسألة التبرك بآثار الرسول سواء متصلة كشعره أو منفصلة كثيابه أو المنبر، يُروى عن ابن عمر أثر أنه كان يتبرك بمنبر الرسول، كذلك عن الإمام أحمد: ذكر الذهبي هناك في معرض الاحتجاج على الحنابلة بأنه كان يتبرك بشعرات الرسول، كذلك بمنبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فما أدري هل صحت هذه الأسانيد عن ابن عمر أولًا ثم عن الإمام أحمد، ثم ما الموقف الصحيح في هذه؟ الشيخ: أما عن الإمام أحمد فلست أدري؛ لأن ما يذكر في مناقب الأئمة

والحفاظ لا شك أن علماء الحديث لا يعنون برواية هذه المناقب كما يعنون برواية الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالأسانيد الصحيحة، وهم في الأغلب يذكرون المناقب معلقة دون ذكر إسناد ما مثل هذه المناقب، وعلى ذلك فلا نستطيع أن نثبت أو أن ننكر وندع الأمر هكذا معلقًا حتى يتسنى لنا الوقوف على إسناد يمكن تطبيق قواعد علم الحديث عليه، ثم لا يترتب من وراء ذلك أي فائدة شرعية تذكر، وما هذه المناقب التي تذكر في بعض التراجم عندي إلا كمثل ما يروى عن بني إسرائيل، وقد تعلمون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يقول: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» وقال في بعض الأحاديث الأخرى: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم» (¬1) لأننا قد نصدق بشيء وهو كذب، أو نكذب بشيء وهو صدق. وهكذا أنا أقول بالنسبة لبعض المناقب، فضلًا عن المثالب فلا نقف عندها كثيرًا إلا إذا جاء شيء منها ... بالسند الذي نصحح به الحديث أو نحسنه على الأقل، حينذاك نقول: ثبت هذا أو لم يثبت، أما ما أشرت إلى بعض ما جاء عن بعض الصحابة فلا شك أن بعض ذلك ثابت صحيح عنهم، وما تبرك بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعرقه - صلى الله عليه وآله وسلم - وخلطها إياه بطيبها هذا مما لا شك فيه لوروده في صحيح مسلم، ولذلك فلا يستطيع حديثي عنده إلمام بالروايات وبنقلها تصحيحًا وتضعيفًا أن ينكر وقوع مثل هذا التبرك من بعض الصحابة لبعض آثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته وبعد وفاته. لكننا نرى نحن أن هذا الحكم ينبغي سده من باب سد الذرائع؛ لأن الذين ¬

(¬1) السلسلة الصحيحة (6/ 1/712 - 714).

كانوا يفعلون ذلك هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذين عرفوا التوحيد بمعانيه الصحيحة، ولا يدور في الذهن أنهم يمكن أن يقعوا في شيء من الغلو في النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بخلاف هؤلاء المتأخرين الذين جاءوا فقد ... لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - غلوًا كثيرًا وفي صور شتى، فلا نستطيع أن نقيس الخلف على السلف فلئن ثبت كما ذكرنا عن بعض الصحابة ذلك فهو حكم ومن أحسن أحواله أن يقال بأنه جائز، والأمر الجائز إذا خشي أن يترتب من ورائه فساد في العقيدة أو القلوب فيجب إيقافه من باب سد الذريعة. ولعل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان ينظر هذه النظرة البعيدة حينما حج في خلافته ونزل منزلًا من تلك المنازل فرأى بعض الناس ينحون منحًى عن الجادة وعن الطريق، فلما سأل إلى أين هؤلاء يذهبون؟ قيل له: بأن هناك مصلًى صلى فيه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهم يقصدون الصلاة في هذا المصلى، فقال رضي الله تعالى عنه: من أدركته الصلاة من شيء من هذه المصليات التي صلى فيها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فليصلّ ومن لا فلا تفعلوا فإنما أهلك من قبلكم اتباعهم آثار أنبيائهم. فهذا الاتباع كان سببًا في وقوع الفساد ... بالنسبة لمن كان قبلنا من اليهود والنصارى، فلا غرابة ولا جرم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» فعلى الرغم من أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نصح أمته بهذا الحديث إذا بهذه الأمة من على فيه وقال: دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت فيه مدحًا فاحتكم فهذا في واد، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تطروني كما أطرت النصارى .. » في واد آخر،

ومنشأ هذا الغلو ينشأ من فهم هذا الحديث بمعنًى واسع أكثر مما يدل عليه الحديث بتمامه؛ لأن هذا الحديث يمكن تمريره وتفسيره بأحد معنيين: الأول: لا تطروني: لا تبالغوا في مدحي، وهذا مفهوم عنده، ولكن لا تبالغوا، فهذا هو المعنى الأول. المعنى الآخر، وهو الذي يبدو لي: أنه ينهى أمته أيضًا من باب سد الذريعة أن يمدحوه عليه الصلاة والسلام بشيء من عند أنفسهم خشية أن ينحرف بهم المدح عن العدل وعن كلمة الحق، هذا المعنى هو الذي سيترجح عندي أولًا بالنظر إلى تمام الحديث حيث قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» وكأن سائلًا سيسأل: فماذا وكيف نقول وكيف نمدح؟ فأجاب الرسول عليه السلام كما هي عادته ولا غرابة في ذلك، فإنه كما قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 3 - 4) «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد-إذًا-فقولوا: عبد الله ورسوله» لا تزيدوا في مدحي على ما مدحني ربي تبارك وتعالى، وليس المعنى إذًا: لا تبالغوا وإنما لا تمدحوا إلا بما جاء في الكتاب والسنة. والذي جعلني أميل إلى هذا المعنى الثاني هو أن علماء الحديث ذكروا هذا الحديث في باب: تواضع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، [وإذا أخذنا] الحديث بالمعنى الأول لم يتفق الحديث مع الترجمة ولم يترجم الباب لهذا الحديث؛ لأنه أن يُقال ... لا تبالغ في مدحي فهذا واجب، بينما الباب تواضع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي يليق بهذا التواضع إنما هو أن يقول عليه الصلاة والسلام: لا تمدحوني ولا تقولوا شيئًا إلا عبد الله ورسوله؛ لأن الله عز وجل هكذا وصفه عليه الصلاة والسلام.

[314] باب هل يجوز التمسح بمنبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

فإذًا من باب سد الذريعة كما جاء هذا الحديث وإن كان قد وقع شيء من التبرك من بعض الصحابة وإن صح ذلك من بعض ما جاء من بعده فهذه قضايا فردية لا يبنى عليها حكم عام يذاع بين المسلمين؛ لأن العاقبة ستكون الغلو في رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهذا مما نهى عنه هو مباشرًة وكان ذلك تفسيرًا لمثل قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (النساء: 171). هذا ما عندي جوابًا عن هذا السؤال. "رحلة النور" (31أ/18: 09: 00) [314] باب هل يجوز التمسح بمنبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مداخلة: هنا يقول السائل: أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية التمسح بقبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولكنه لم ينكر التمسح بالمنبر ويستدل بما نقله عن الإمام أحمد عن ابن عمر أنه فعله، فما حكم هذا؟ ذكره شيخ الإسلام في ... الشيخ: ذكر الحكم أو ذكر الرواية عن ابن عمر؟ مداخلة: ... أنه ذكر هذا الكلام الذي نقله هذا السائل. الشيخ: وما هو أعده. مداخلة: يقول: أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية التمسح بقبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولكنه لم ينكر التمسح بالمنبر ويستدل بما نقله عن الإمام أحمد عن ابن عمر أنه فعل، فما حكم هذا؟ الشيخ: أنا جوابي على هذا أظن أنه سبق في كلمتي في أول هذه الجلسة: أن هذا يمنع من باب سد الذريعة، وإن كنا نشعر بفرق كبير بين التمسح بقبره عليه

[315] باب السجود على التربة الحسينية

الصلاة والسلام؛ لأنه يشعر أن المتمسح يطلب منه المدد ونحو ذلك من المعاني التي لا يجوز صرفها إلا الله تبارك وتعالى، أما التمسح بالمنبر فلا يتبادر المسلم بمثل هذا المعنى الشركي وهو كسائر أنواع التبرك التي جاء ذكرها في أول جلستنا هذه، فأنا أقول بالمنع من كل هذه الأشياء من باب سد الذريعة؛ ولأن الناس ليس عندهم هذه الدقة التي تحملهم على التفريق بين التمسح بالقبر وبين التمسح بالمنبر. "رحلة النور" (31ب/00:07:01) [315] باب السجود على التربة الحسينية [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات». [ثم ذكر الإمام شواهده ثم قال]: [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: فائدة: ليس في شيء من هذه الأحاديث ما يدل على قداسة كربلاء وفضل السجود على أرضها واستحباب اتخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصلاة كما عليه الشيعة اليوم ولو كان ذلك مستحباً لكان أحرى به أن يُتخذ من أرض المسجدين الشريفين المكي والمدني ولكنه من بدع الشيعة وغلوهم في تعظيم أهل البيت وآثارهم، ومن عجائبهم أنهم يرون أن العقل من مصادر التشريع عندهم، ولذلك فهم يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين ومع ذلك فإنهم يروون في فضل السجود على أرض كربلاء من الأحاديث ما يشهد العقل السليم ببطلانه

بداهة، فقد وقفت على رسالة لبعضهم وهو المدعو السيد عبد الرضا (!) المرعشي الشهرستاني بعنوان " السجود على التربة الحسينية ". ومما جاء فيها (ص 15): " وورد أن السجود عليها أفضل لشرفها وقداستها وطهارة من دفن فيها، فقد ورد الحديث عن أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام أن السجود عليها ينور إلى الأرض السابعة. وآخر: أنه يخرق الحجب السبعة، وفي (آخر): يقبل الله صلاة من يسجد عليها ما لم يقبله من غيرها، وفي (آخر) أن السجود على طين قبر الحسين ينور الأرضين ". ومثل هذه الأحاديث ظاهرة البطلان عندنا وأئمة أهل البيت رضي الله عنهم براء منها وليس لها أسانيد عندهم ليمكن نقدها على نهج علم الحديث وأصوله وإنما هي مراسيل ومعضلات! ولم يكتف مؤلف الرسالة بتسويدها بمثل هذه النقول المزعومة على أئمة البيت حتى راح يوهم القراء أنها مروية مثلها في كتبنا نحن أهل السنة، فها هو يقول: (ص 19): " وليس أحاديث فضل هذه التربة الحسينية وقداستها منحصرة بأحاديث الأئمة عليهم السلام، إذ أن أمثال هذه الأحاديث لها شهرة وافرة في أمهات كتب بقية الفرق الإسلامية عن طريق علمائهم ورواتهم، ومنها ما رواه السيوطي في كتابه " الخصائص الكبرى " في " باب إخبار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقتل الحسين عليه السلام، وروى فيه ما يناهز العشرين حديثا عن أكابر ثقاتهم كالحاكم والبيهقي وأبي نعيم والطبراني والهيثمي في " المجمع " (9/ 191) وأمثالهم من مشاهير رواتهم ". فاعلم أيها المسلم أنه ليس عند السيوطي ولا الهيثمي ولو حديث واحد يدل على فضل التربة الحسينية وقداستها، وكل ما فيها مما اتفقت عليه مفرداتها إنما هو إخباره - صلى الله عليه وآله وسلم - بقتله فيها، وقد سقت لك آنفا نخبة منها، فهل ترى فيها ما ادعاه

الشيعي في رسالته على السيوطي والهيثمي؟! اللهم لا، ولكن الشيعة في سبيل تأييد ضلالاتهم وبدعهم يتعلقون بما هو أوهى من بيت العنكبوت!. ولم يقف أمره عند هذا التدليس على القراء بل تعداه إلى الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو يقول (ص 13): " وأول من اتخذ لوحة من الأرض للسجود عليها هو نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - في السنة الثالثة من الهجرة لما وقعت الحرب الهائلة بين المسلمين وقريش في أحد وانهدم فيها أعظم ركن للإسلام وهو حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نساء المسلمين بالنياحة عليه في كل مأتم، واتسع الأمر في تكريمه إلى أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى، ويعملون المسبحات منه كما جاء في كتاب " الأرض والتربة الحسينية " وعليه أصحابه، ومنهم الفقيه ... ".والكتاب المذكور هو من كتب الشيعة، فتأمل أيها القارئ الكريم كيف كذب على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فادعى أنه أول من اتخذ قرصاً للسجود عليه، ثم لم يسق لدعم دعواه إلا أكذوبة أخرى وهي أمره - صلى الله عليه وآله وسلم - النساء بالنياحة على حمزة في كل مأتم ومع أنه لا ارتباط بين هذا لو صح وبين اتخاذ القرص كما هو ظاهر، فإنه لا يصح ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كيف وهو قد صح عنه أنه أخذ على النساء في مبايعته إياهن ألا ينحن كما رواه الشيخان وغيرهما عن أم عطية (انظر كتابنا " أحكام الجنائز " ص 28) ويبدو لي أنه بنى الأكذوبتين السابقتين على أكذوبة ثالثة وهي قوله في أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: " واتسع الأمر في تكريمه إلى أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى ... "، فهذا كذب على الصحابة رضي الله عنهم وحاشاهم من أن يقارفوا مثل هذه الوثنية، وحسب القارئ دليلاً على افتراء هذا الشيعي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه أنه لم يستطع أن يعزو ذلك لمصدر معروف من مصادر المسلمين،

سوى كتاب " الأرض والتربة الحسينية " وهو من كتب بعض متأخريهم ولمؤلف مغمور منهم، ولأمر ما لم يجرؤ الشيعي على تسميته والكشف عن هويته حتى لا يفتضح أمره بذكره إياه مصدرا لأكاذيبه! ولم يكتف حضرته بما سبق من الكذب على السلف الأول بل تعداه إلى الكذب على من بعدهم، فاسمع إلى تمام كلامه السابق: " ومنهم الفقيه الكبير المتفق عليه مسروق بن الأجدع المتوفى سنة (62) تابعي عظيم من رجال الصحاح الست كان يأخذ في أسفاره لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها (!) كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ إمام السنة أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه " المصنف " في المجلد الثاني في " باب من كان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه، فأخرجه بإسنادين أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها ". قلت: وفي هذا الكلام عديد من الكذبات: الأولى: قوله: " كان يأخذ في أسفاره " فإنه بإطلاقه يشمل السفر براً وهو خلاف الأثر الذي ذكره! الثانية: جزمه بأنه كان يفعل ذلك يعطي أنه ثابت عنه وليس كذلك بل ضعيف منقطع كما يأتي بيانه. الثالثة: قوله " ... بإسنادين " كذب وإنما هو إسناد واحد مداره على محمد بن سيرين، اخُتلِف عليه فيه، فرواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/ 43/2) من طريق يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين قال: " نبئت أن مسروقاً كان يحمل معه لبنة في السفينة، يعني يسجد عليها "، ومن طريق ابن عون عن محمد " أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها "، فأنت ترى أن الإسناد الأول من

طريق ابن سيرين، والآخر من طريق محمد وهو ابن سيرين، فهو في الحقيقة إسناد واحد ولكن يزيد بن إبراهيم قال عنه: نبئت "، فأثبت أن ابن سيرين أخذ ذلك بالواسطة عن مسروق ولم يثبت ذلك ابن عون وكل منهما ثقة فيما روى إلا أن يزيد ابن إبراهيم قد جاء بزيادة في السند، فيجب أن تقبل كما هو مقرر في " المصطلح " لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وبناء عليه فالإسناد بذلك إلى مسروق ضعيف لا تقوم به حجة لأن مداره على راو لم يسم مجهول، فلا يجوز الجزم بنسبة ذلك إلى مسروق رضي الله عنه ورحمه كما صنع الشيعي. الرابعة: لقد أدخل الشيعي في هذا الأثر زيادة ليس لها أصل في " المصنف " وهي قوله: " من تربة المدينة المنورة "! فليس لها ذكر في كل من الروايتين عنده كما رأيت. فهل تدري لم أفتعل الشيعي هذه الزيادة في هذا الأثر؟ لقد تبين له أنه ليس فيه دليل مطلقا على اتخاذ القرص من الأرض المباركة " المدينة المنورة " للسجود عليه إذا ما تركه على ما رواه ابن أبي شيبة ولذلك ألحق به هذه الزيادة ليوهم القراء أن مسروقا رحمه الله اتخذ القرص من المدينة للسجود عليه تبركاً، فإذا ثبت له ذلك ألحق به جواز اتخاذ القرص من أرض كربلاء بجامع اشتراك الأرضين في القداسة!! وإذا علمت أن المقيس عليه باطل لا أصل له وإنما هو من اختلاق الشيعي عرفت أن المقيس باطل أيضا لأنه كما قيل: وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟! فتأمل أيها القارئ الكريم مبلغ جرأة الشيعة على الكذب حتى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في سبيل تأييد ما هم عليه من الضلال، يتبين لك صدق من وصفهم من الأئمة بقوله: " أكذب الطوائف الرافضة "! ومن أكاذيبه قوله (ص 9): " ورد في صحيح البخاري صحيفة (!) (331

[316] باب بيان بطلان ما قد يستدل به على جواز التبرك بالأحجار

ج1) أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض "! وهذا كذب من وجهين: الأول: أنه ليس في " صحيح البخاري " هذا النص لا عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا عن غيره من السلف. الآخر: أنه إنما ذكره الحافظ ابن حجر في " شرحه على البخاري " (ج1/ص 388 - المطبعة البهية) عن عروة فقال: " وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض ". قلت: وأكاذيب الشيعة وتدليسهم على الأمة لا يكاد يحصر، وإنما أردت بيان بعضها مما وقع في هذه الرسالة بمناسبة تخريج هذا الحديث على سبيل التمثيل، وإلا فالوقت أعز من أن يضيع في تتبعها. "الصحيحة" (3/ 159، 12 - 167). [316] باب بيان بطلان ما قد يُسْتَدل به على جواز التبرك بالأحجار (¬1) [السؤال]: وبعد، قرأنا في باب «إن لبدنك عليك حقاً» ص816 من المجلد الخامس من مجلتنا العزيزة «المسلمون» في الإجابة على السؤال عن الزوائد في الجلد وطريقة شفائها، ومما ذكر قول: «لو اعتقد أحدكم في حجر لنفعه»، فأرجوكم إجابتنا على صفحات «المسلمون» هل هذا قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - أو حكمة من حكم العرب أو غير ذلك؟ وقد قرأت في مجلة (الهدى النبوي) العدد 2 - 7، 1376، ص99 أن هذا الحديث من وضع المشركين عبَّاد الأوثان. ¬

(¬1) مقال نشره الإمام في "مجلة المسلمون" (6/ 293 - 294)، بواسطة «مقالات الألباني».

أرجوكم عرض ذلك على الشيخ ناصر الدين الألباني لإفادتنا مشكورين؟ خالد محمد حسون .. سلمية [الجواب]: الحديث المذكور، قال ابن تيمية: إنه كذب، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: إنه لا أصل له، وأقرهما الحافظ السخاوي في «المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة» (195 - 160) ولا يمكن أن يكون حكمةً من حكم العرب، إلا أن يكون للعرب المشركين لما فيه من تأييد ظاهر لوثنيتهم المعروفة التي إنما بعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لتحطيمها، وإنقاذ أصحابهم منها إلى نور التوحيد الخالص من أوضارها {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ في السَّمَاوَاتِ وَلَا في الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. محمد ناصر الدين الألباني دمشق "مقالات الألباني" (ص 164 - 165).

[317] باب في بيان ضعف حديث استدل به بعضهم على جواز التبرك بآثار الصالحين

[317] باب في بيان ضعف حديث استدل به بعضهم على جواز التبرك بآثار الصالحين [روي عن ابن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «كَانَ يَبْعَثُ إِلَى الْمَطَاهِرِ فَيُؤْتَى بِالْمَاءِ فَيَشْرَبُهُ؛ يَرْجُو بَرَكَةَ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ». (منكر). [ثم حقق الإمام القول في نكارته ثم قال]: ولقد زاد من قيمة هذا التحقيق وضرورة بيانه أنني سمعت شريطاً مسجلاً في رمضان هذه السنة (1414) لأحد الدكاترة المدرسين في بعض البلاد العربية، ممن يحسن الوعظ، ولا يحسن العلم بالحديث وفقهه، سمعته يحتج بهذا الحديث على جواز التبرك بآثار الصالحين، ويصححه بطريقة تدل على أنه لا معرفة عنده بهذا العلم الشريف. "الضعيفة" (13/ 2/1074، 1078). [318] باب بدعية التمسح بحيطان الكعبة والمقام [ذكر الإمام من بدع الحج]: «التمسح بحيطان الكعبة والمقام». «تفسير سورة الإخلاص» (177) وإغاثة اللهفان (1/ 212) و «السنن والمبتدعات» (113). "حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص117).

[319] باب بدعية التبرك بالمطر النازل من ميزاب الكعبة

[319] باب بدعية التبرك بالمطر النازل من ميزاب الكعبة [ذكر الإمام من بدع الحج]: التبرك بالمطر النازل من ميزاب الرحمة من الكعبة. "حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص118). [320] باب بدعية الاغتسال في البِركة التي بجانب قبور الشهداء بالمدينة [ذكر الإمام من بدع زيارة المدينة النبوية]: - التبرك بالاغتسال في البركة التي بجانب قبورهم. "حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص146). [321] باب بدعية التمسح بالنخلتين النحاسيتين الموضوعتين في المسجد النبوي [ذكر الإمام من بدع زيارة المسجد النبوي]: - مسح البعض بأيديهم النخلتين النحاسيتين الموضوعتين في المسجد غربي المنبر (¬1). "حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص142). ¬

(¬1) ولا فائدة مطلقاً من هاتين النخلتين، وإنما وضعتا للزينة، ولفتنة النار، وقد وعدنا حين كنا هناك برفعهما، ولكن عبثاً!

[322] باب بدعية ربط الخرق بالنافذة المطلة على أرض الشهداء بالمدينة

[322] باب بدعية ربط الخرق بالنافذة المطلة على أرض الشهداء بالمدينة [ذكر الإمام من بدع زيارة المدينة النبوية]: - ربط الخرق بالنافذة المطلة على أرض الشهداء (¬1). حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص145). [323] باب بدعية ربط الخرق بالمقام والمنبر لقضاء الحاجات [ذكر الإمام من بدع الحج]: ربط الخرق بالمقام والمنبر لقضاء الحاجات [وعلق في الحاشية قائلاً]: هذه الظاهرة قد تضخمت في الآونة الأخيرة تضخماً لم يكن فيما سبق مما ¬

(¬1) كانت الأرض التي فيها قبر حمزة وغيره من شهداء أحد لا بناء عليها إلى السنة الماضية (1383)، ولكن الحكومة السعودية في هذه السنة أقامت على أرضهم حائطاً مبنياً بالاسمنت، وجعلت له باباً كبيراً من الحديد. الجهة القبلية، ونافذة من الحديد في آخر الجدار الشرقي، فلما رأينا ذلك استبشرنا شراً، وقلنا هذا نذير شر، ولا يبعد أن يكون توطئه لإعادة المسجد والقيت على قبورهم كما كان الأمر قبل الحكم السعودي الأول حين كان القوم متحمسين الدين عاملين بأحكامه، والله غالب على أمره. وهذا أول الشر، فقد رأيت الحرق على النافذة تتكاثر، ولما يتكامل بناء الحائط، وقيل لي: أن بعضهم صاروا يصلون في داخل البناء تبركاً، وإذا استمر الأمر على هذا المنوال من التساهل في تطبيق الشرع والتجرأ على مخالفته، فلا استبعد يوماً تعود مظاهر الوثنية إلى أرض دولة التوحيد كما كان الشأن من قبل حكمها، ثبت الله خطاها، ووجهها إلى العمل بالشرع كاملا، لا تأخذها في الله لومه لائم. وهو المستعان.

[324] باب حكم تقبيل أيدي الصالحين

يدل على أن «دولة التوحيد بدأت تتهاون بالقضاء على ما ينافي توحيدها الذي هو رأس مالها! والمشايخ وجماعة الأمر بالمعروف هيئة! إلا من شاء الله». حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص134). [324] باب حكم تقبيل أيدي الصالحين السؤال: حكم تقبيل الأيدي للصالحين ... الجواب: أما أفعال الصوفية فهي غير مرضية، أما تقبيل يد العالم الصالح وليس الصالح غير العالم فكما أقول: تقبيل يد العالم الصالح، وليس يد الصالح فقط غير العالم، فهذا يجوز أحياناً وليس عادة بمعنى كما يفعل الصوفية. "الهدى والنور" (188/ 21: 52: 00)

جماع أبواب الكلام على صخرة القدس

جماع أبواب الكلام على صخرة القدس

[325] باب هل لصخرة القدس فضيلة؟

[325] باب هل لصخرة القدس فضيلة؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الصخرة صخرة بيت المقدس على نخلة، والنخلة على نهر من أنهار الجنة، وتحت النخلة آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران ينظمان سموط أهل الجنة إلى يوم القيامة». (موضوع). [قال الإمام]: ولقد شددت الرحل إلى بيت المقدس لأول مرة بتاريخ (23/ 5/1385 هـ) حين اتفقت حكومتا الأردن وسوريا على السماح لرعاياهما بدخول أفراد كل منهما إلى الأقصى، وزرت الصخرة للاطلاع فقط؛ فإنه لا فضيلة لها شرعاً، خلافاً لزعم الجماهير من الناس ومشايعة الحكومات لها، ورأيت مكتوباً على بابها من الداخل حديثاً فيه أن الصخرة من الجنة، ولم يخطر في بالي آنئذ أن أسجله عندي لدراسته، وإن كان يغلب على الظن أنه موضوع كهذا. وأما حديث " العجوة والصخرة من الجنة ".فهو ضعيف لاضطرابه كما بينته في " إرواء الغليل " رقم (2763) طبع المكتب الإسلامي. "الضعيفة" (3/ 406 - 407). [326] باب هل صخرة القدس مقدسة؟ الشيخ: [مخاطباً صاحب البيت الذي عقدت فيه الجلسة وكان قد علق صورة المسجد الأقصى على الحائط]:- يا أخي هذه الصورة يجب أن ترفع من هنا هذه الصورة التي لا أكبر منها عندك.

[327] باب التنبيه على عدم قداسة صخرة الأقصى وحرمة التبرك بها

-مداخلة: إن شاء الله. -الشيخ: تدري لما السبب؟ هذه الصورة الآن ظللت العلم الإسلامي وجعلت الصخرة صخرة مقدسة، وهي صخرة من الصخور لا قيمة لها سواء كانت هناك أو كانت في بريطانيا لا قيمة لها إطلاقاً، والمسؤلون عنها مباشرة هم الملوك الذين ينفقون أمولاً طائلة في سبيل زخرفتها وتزيينها وفي ذلك تضليل للشعوب الإسلامية فصارت هذه الصخرة صخرة مقدسة ... ،ثم استغلت سياسياً لا يكفيهم أن يستغلوا الواقع المسجد الأقصى الذي هو من المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال يكفينا هذا إذا كانوا يريدون أن يستغلوا الوضع سياسياً ويثيروا حماس المسلمين وإن كانوا كما قيل: ولئن ناديت أسمعت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي ولو ناراً نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد فإذا أرادوا أن يثيروا عواطف المسلمين إن كان هذا يثير فالمسجد الأقصى باعتباره من المساجد الثلاثة يكفي فهي مضلة ومضللة ومن جملة تأييدها نصبها ووضعها في صدور المجالس ونحن معشر السلفيين صاننا الله عز وجل من أن نقدس حجارة لا قيمة لها إسلامياً واضح. "الهدى والنور" (541/ 22: 48: 00) [327] باب التنبيه على عدم قداسة صخرة الأقصى وحرمة التبرك بها [قال الإمام]: نريد نذكر بصورة الصخرة المنتشرة بين أخواننا الفلسطينيين بخاصة؛ لأن

الشائع في كثير من البلاد العربية بخاصة أن الصخرة التي تذكر في المسجد الأقصى لها قداسة ولها مزية خاصة، وهذا مما لا حقيقة له في الشرع إطلاقاً، ومن المؤسف أن هذه القداسة المزعومة للصخرة المسجد الأقصى تستغل سياسياً ويتظاهر الحكام ويتسابقون في القيام بترميمها وتجديد بناءها وما شبه ذلك، وكأن هذه الصخرة هي المسجد الحرام. فمن واجبنا أن نذكر والذكرى تنفع المؤمنين أن هذه الصخرة لا قيمة لها إلا ما لكل جبل خلقه الله في الأرض من قيمة وهذا طبعاً أمر عادي وعام، والقداسة إنما تنحصر فقط في المسجد الأقصى حيث أنه قد جاء فيه فضيلتان اثنتان الأولى: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قرن المسجد الأقصى مع الحرمين مكة والمدينة في الحديث المعروف صحته ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»، هذه هي القضية الأولى التي جاء ذكرها في الشرع وصح ذلك كما سمعتم عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. أما القضية الأخرى: فكأنها فرع للقضية الأولى ذلك؛ لأن شد الرحل إلى مكان ما إذا ما أذن به الشارع الحكيم فما يكون ذلك إلا لفضل قائم في ذلك المكان، ولكن هذا الفضل قد يكون عاماً كما في هذا الحديث الأول وقد يكون خاصاً وهو الفضل الثاني الذي أنا الآن في صدد بيانه ألا وهو مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى، فكل مسجد من مساجد الدنيا الجماعة فيه بخمس أو بسبع وعشرين درجة، لكن فضيلة هذه المساجد الثلاثة التي أجاز الشارع الحكيم شد الرحل وتخصيصها بالسفر قد جاء فيها تضعيف فضيلة الصلاة فيها فقال عليه السلام: «صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة مما سواه من المساجد إلا المسجد

الحرام»، هكذا جاء الحديث في صحيح البخاري ومسلم، لم يقرن مع الحرمين الشريفين هنا في الفضيلة المذكورة له بخلاف الحديث الأول، ولكن قد جاءت فضيلة الصلاة في المسجد الأقصى في بعض الأحاديث الأخرى خارج الصحيحين بعضها مما يصح إسناده وبعض آخر مما لا يصح إسناده، المشهور من هذه الأحاديث في الكتب وعلى ألسنة الناس أن الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، لكن في سند هذا الحديث ضعف وبخاصة أنه قد جاء في حديث آخر وهو بإسناد قوي أن الصلاة في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة. إذاً الفضيلة ليست للصخرة وإنما للمسجد نفسه، وما يقال في بعض الكتب التي تروي ما هب ودب من أن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - عرج به من الصخرة، وأنها حينما رفع نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وعرج به لحقت به الصخرة ولذلك بقيت معلقة في الهواء، فهذا كلام هراء لا قيمة له إطلاقاً من الناحية العلمية. هذا ما أردت التذكير به وخلاصة ذلك: أنه لا ينبغي تقديس ما لم يقدسه الشرع وتعظيم ما لم يعظمه الشرع، فوضع هذه الصورة التي انتشرت اليوم ينبغي التنبيه على ذلك. مداخلة: .. أقول: بالنسبة للصلاة يعني: في الحرم يعني: لو زار الإنسان هذا المكان يعني: الحرم طبعاً يصلي فيه الصلاة كانت راتبة أو نافلة، لكن في المكان الذي فيه الصخرة هل يعني: في هناك صلاة معينة أو .. الشيخ: إذا كانت الزيارة لمجرد الاستطلاع والمعرفة ما في مانع من ذلك، أما الذهاب إليها بقصد التبرك كما يفعل الجمهور مع الأسف ما ينبغي هذا. "الهدى والنور" (723/ 57: 39: 00)

[328] باب حكم تعظيم صخرة القدس

[328] باب حكم تعظيم صخرة القدس [قال القاسمي في "إصلاح المساجد"]: وأما أهل العلم من الصحابة والتابعين فلم يكونوا يعظِّمون الصخرة. [فعلق الإمام قائلاً]: قلت: وهذا على خلاف ما عليه الناس اليوم من تعظيمها وقصد الصلاة عندها، والله تعالى أعلم بما صرف من الأموال في تجديدها أو ترميمها بعد ضرب اليهود لها بالقنابل، وهي اليوم تحت أيديهم، بظلم المسلمين لأنفسهم، ومخالفتهم لشريعة نبيهم، أمراء ومأمورين، حكاماً ومحكومين، ألهمهم الله العودة إلى العمل بدينهم ليتمكنوا من طرد العدو من بلادهم، والله المستعان. "التعليق على إصلاح المساجد" (ص 167). [329] باب بدعية الطواف بقبة الصخرة أو التمسح بها وما شابه ذلك [ذكر الإمام مِنْ بدع زيارة بيت المقدس]: - «الطواف بقبة الصخرة تشبهاً بالطواف بالكعبة». «مجموعة الرسائل الكبرى» (2/ 372, 380 - 381). - «تعظيم الصخرة بأي نوع من أنواع التعظيم كالتمسح بها وتقبيلها، وسوق الغنم إليها لذبحها هناك والتعريف بها عشية عرفة، والبناء عليها، وغير ذلك». «مجموعة الرسائل الكبرى» (2 56 - 57) حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص146 - 147)

جماع أبواب الكلام حول الكرامات والخوارق والفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان

جماع أبواب الكلام حول الكرامات والخوارق والفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان

[330] باب إثبات كرامات الأولياء

[330] باب إثبات كرامات الأولياء [قال الإمام]: الكرامة في الجملة ما يجوز إنكارها، فهي ثابتة للمؤمنين الصالحين في كل زمان وفي كل عصر، ولذلك قال قائلهم من أهل العلم: وأثبتن للأوليا الكرامة ومن نفاها فانبذن كلامه إلا أنه مع الأسف الذي وقع أن الناس غلو في حكاية الكرامات عن الأولياء والصالحين بحيث أنهم أصبحوا يروون كرامات هي لو تأملنا فيها إيهانات وليست كرامات، هذا مبثوث في بطون الكتب عرفها من درسها، لكن أصل الكرامة ثابتة في الكتاب والسنة، ففي القرآن مثلًا: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ} (آل عمران: 37) فهذه كرامة من الله عز وجل للسيدة مريم، كانت تجد الطعام أو الثمار الطازجة الجديدة في بيتها دون يدٍ منها. كذلك: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} (مريم: 25) هذه أيضًا كرامة، ثم لم تزل الكرامات تترا وتُروى وبالأحاديث الصحيحة بحيث أنه لا يمكن الإنسان أن ينكر شيئًا منها لا فيما قبل ... ولا فيما بعد الرسالة، ففي زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقعت كرامات متعددة لبعض الصحابة، كذلك وقعت لمن قبلهم. فلعلكم تذكرون معي قصة الغار: الثلاثة الذين أووا في الغار، قال عليه الصلاة والسلام: بينما ثلاثة نفر ممن قبلكم يتمشون، إذا أصابهم المطر فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم، فقال

بعضهم: يا هؤلاء! انظروا أعمالًا عملتموها صالحةً لله فادعوا الله بها لعل الله يفرجها عنكم. فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وامرأتي، وكان لي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت حلبت فبدأت بأبوي قبل بنيّ، فنأى بي ذات يوم الشجر، فلما أرحت حلبت كما كنت أحلب فجئتهما فوجدتهما قد ناما، فكنت على رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومها وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون من الجوع عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر. أي: ظل قائمًا على رؤوس أبويه متحريًا أيوقظهما ليسقيهما قبل الأولاد؟ لا، في هذا إزعاج لهما، أيسقي الأولاد وهم يتضاغون .. يصيحون جوعًا؟ لا، هذا فيه تقديم لحق الولد على الوالدين فهو حيران، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، قال في تمام دعائه وتضرعه إلى ربه: فاللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا منها فرجةً نرى منها السماء، فانزاحت الصخرة شيئًا قليلًا. صخرة، معناها: جبل .. جبل انحط على فم غار، ما تحركها لو كان هناك آلات كالآلات التي ترونها اليوم ما تستطيع أن تحركها، لكن الله عز وجل القادر على كل شيء استجاب دعاء هذا المتضرع وحرك الصخرة شيئًا قليلًا حتى رأوا النور، لكن ما يستطيعون الخروج، حتى قام الرجل الثاني فقال: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت منها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتى جمعت لها مائة دينار،

فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها وتركت لها المائة دينار، فإن كنت اللهم تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا منها فرجة، فتحركت الصخرة أيضًا شيئًا قليلًا، لكنهم لا يستطيعون الخروج. حتى قام الرجل الثالث، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني كنت استأجرت أجيرًا على فرق من أرز، فلما قضى عمله عرضت عليه فرقه فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا ورعاًء، ثم جاءني فقال: يا عبد الله! أعطني حقي، الفرق من الأرز ... ؟ فقلت له: انظر إلى تلك البقر فاذهب وخذها، قال: يا عبد الله! اتق الله ولا تستهزئ بي، إنما لي عندك فرق من أرز، قال: اذهب وخذها فإنما تلك البقر من ذاك الفرق، فذهب واستاقها، إن كنت اللهم تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما بقي، ففرج الله عنهم ما بقي فخرجوا يتمشون. هذه كرامة ومثلها الشيء الكثير والكثير جدًا. في عهد الصحابة جاء بعضهم شغلوا عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى هزيع متأخر من الليل والليل ظلمة فكانت مع أحدهم عصا، فكانت تضيء الطريق أمامه عشرة أذرع كأن هناك قنديل مصباح منير حتى وصلوا إلى الدار، فالكرامات الصحيحة لا يمكن إنكارها إطلاقًا، ولكن كما أشرت آنفًا توسع الناس في رواية الكرامات حتى صارت إهانات. والمذكور في الكتب وبخاصة كتاب مع الأسف الشديد طبع عشرات المرات في القاهرة، اسمه: الطبقات الكبرى للإمام الشعراني، هذا الرجل يترجم لعلماء أفاضل يكفي أنه ترجم للعشرة المبشرين بالجنة ولكبار العلماء الذين

جاءوا من بعدهم، ثم أسَفَّ وانحط في التراجم حتى وصل إلى ترجمة البدوي وأمثال هؤلاء من المعروفين من الصوفية، فيروي عنهم أشياء هي كما قلنا: إهانات، بل هي كفريات، وهذا الكتاب مطبوع عشرات الطبعات. يذكر في ترجمة أحدهم أنه قال: تركت قولي للشيء كن فيكون عشرين سنة أدبًا مع الله! هو بعينه يعني: وصل إلى مرتبة الألوهية، بل إلى مرتبة الربوبية، تركت قولي للشيء كن فيكون عشرين سنة أدبًا مع الله! أما قبل ذلك وبعد ذلك لم يكن متأدبًا مع الله فكان يقول للشيء: كن فيكون، هذا كفر وشرك في الربوبية، هذا ما كان المشركون يشركون به: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25) هذا يذكر أن هذا من الواصلين من كبار الأولياء. كذلك يذكر قصة ذلك الرجل الذي رئي أنه يفعل الفاحشة في الحمارة على قارعة الطريق، فأنكروا ذلك عليه فقال: هناك سفينة في البحر تغرق فأنا سددتها، هذا مذكور في الكرامات يا جماعة! أشياء كثيرة وكثيرة جدًا، نعرض نضرب صفحًا عما في هذا الكتاب من سخافات بل كفريات باسم الكرامات ... كرامات الأولياء. وأذكر لكم قصة وقعت في حلب: ... جاء رجل من إخواننا أهل السنة قدم طلبًا ليكون إمامًا في مسجد من المساجد هناك، فمشت المعاملة كما هي المعتاد من دائرة إلى دائرة، وصلت إلى المفتي، المفتي أرسل خلفه ليمتحنه؛ لأن هناك كانت الدعوة التي نحن نسميها بالدعوة السلفية وهم يسمونها بالدعوة الوهابية، كانت سائرة والحمد لله في سوريا خاصة في دمشق ثم في حلب، وكان هذا المفتي بلغه عن هذا الرجل اسمه أظن: أحمد المصري، كان بلغه عنه شيء من الوهابية في زمنهم، فأخذ يسأله، قال له: ما رأيك بالكرامات؟ فأجاب بجواب مختصر: أن

لها أصل في الكتاب والسنة، قال له: ما رأيك بالكرامة التالية-هنا الشاهد-: حكى القصة .. سبحان الله! كيف وصل عقل بعض المشايخ إلى الانحطاط في الدرك الأسفل .. حكى له قصة خلاصتها: أن أحد الخطباء عندما يخطب يوم الجمعة كُشِفَ؛-لأن هذا من كبار الأولياء- كشف له أن أحد الحاضرين حاقن، تقولون: حاقن؟ طيب! لكن ماذا يفعل؟! المسجد غاص بالناس، وكيف يقوم هكذا بينهم، فالخطيب كل هؤلاء يعرفهم؛ لأن ربنا كَشَف، فذهب إليه ... إذا بالخطيب يمد جبته يقول هكذا، والرجل الحاقن انفتح أمامه طريق إلى حديقة .. دخل من كُمِّ الشيخ يعني: يوصل إلى حديقة، فقضى حاجته في الحديقة وتوضأ وعاد إلى مكانه ولا أحد يشعر بهذا؛ لأن الشيخ حواه بكرامته. المفتي سأل صاحبنا: تصدق بهذه الحكاية أو الكرامة؟ قال له: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، هذه إهانة وليست كرامة، قال له: أنت لا تصلح أن تكون إمامًا، ومثل هذا كثير وكثير جدًا. الآن يروى عن كرامات تقع في الجهاد في بلاد الأفغان، الكرامات التي تذكر الآن ما فيها غرابة .. ما فيها استنكار، لكن كل ما في الأمر أننا بحاجة إلى التثبت من صحتها كرواية، فكون الشهيد يشم منه رائحة المسك ما في ذلك غرابة إطلاقًا، وكون ربنا عز وجل يعنى ببعض المجاهدين فتقع القنبلة بجانبهم ولا تنفجر فالله يدافع عن الذين آمنوا، كل هذا ممكن يعني، لكن تبقى القضية يخشى أن يكون فيه زيادة تساهل أنه لمجرد أن واحد يقص قصة نحن نلتقفها ونصدق بها. فالذي أعتقده وأدين الله به أنه يجب على كل مسلم أن يؤمن بأن الله عز وجل يكرم بعض أوليائه الصالحين الصادقين في بعض كراماته الخارقة للعادة، ولكن

ذلك لا يشترط أن يعلن كل مسلم كرامة، نحن نعلم مثلًا أن أفضل الناس بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هم العشرة المبشرين بالجنة، وأفضلهم الخلفاء الراشدون، ما أدري عن أحد منهم شيء من هذه الكرامات فليس من الضروري أن يروى عن كل مسلم صادق أنه رئيت منه كرامة، لكن أنه قد يمكن أن يقع يمكن هذا أن يقع، والمستند حينذاك إلى صحة الرواية، كما يذاع الآن من الكرامات التي تقع في أفغانستان ما اأستبعد أن صحتها؛ لأنها مقبولة وفعلًا هي كرامة من الله عز وجل لبعض هؤلاء الشهداء أو المجاهدين، ولكن ترى هل صحت أم لا؟ تبقى القضية داخلة في علم الرواية، أما من حيث الإمكان فكما قلنا في أول الكلام: وأثبتن للأولياء الكرامة ومن نفاها فانبذن كلامه السائل: طيب، يبقى العاصي في بعض الأوقات يدعون أنهم يشوفون ما يحدث له في القبر. الشيخ: هذا ممكن، لعلكم سمعتم الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن العباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بقبرين فقال عليه الصلاة والسلام: «أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر: فكان لا يستنزه-وفي رواية-: لا يستتر من البول، ثم أمر بأن يؤتى له بغصن فشقه شقين ووضع كل شق منهما على القبر، فسألوه عن ذلك عليه الصلاة والسلام فقال: لعل الله عز وجل يخفف عنهما ما داما رطبين». فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - سمع عذاب هذين المعذبين، وكانا مسلمين لكن أحدهما يسعى بالنميمة والآخر: لا يستتر، أي: يتساهل في الكشف عن عورته أمام الناس،

أو لا يستنزه من البول، أي: لا يتحاشى أن يصيبه رشاش البول، ولذلك عذبا، وقال عليه الصلاة والسلام: «استنزهوا من البول فإن أكثر عذاب القبر من البول». كذلك جاء في الصحيح: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر ذات يوم راكبًا دابته فشمست به، فنزل فرأى قبرين فسأل أصحابه الذين كانوا معه: متى مات هذان؟ قال: في الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام: لولا أن تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر» أي: إن الدابة لما شمست به عليه السلام سمعت صوت عذاب المقبورين، فلا يستبعد أن يرى بعض الناس بعض العصاة في قبورهم يعذبون؛ لأن عذاب القبر حق، ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من قوله: «إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» فعذاب القبر حق يمكن أن يرى بالأعين العادية أفعى تنهش منه ... ونحو ذلك، لكن يبقى كل شيء خاضع لعلم الرواية صحت الرواية أم لا؟ الذي يحدث صادق أو مهول، كل هذا ممكن أن يقال، أما الأصل فثابت. مداخلة: طيب يا شيخ في قصة أويس القرني، وقصة أبي مسلم الخولاني، مدى صحتها؟ الشيخ: أما قصة أبو مسلم الخولاني فصحيحة، ألست تعني لما ألقي في النار؟ مداخلة: نعم. الشيخ: فهي صحيحة، وفيه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من جعل النار بردًا وسلامًا عليه كما جعلها على إبراهيم،

[331] باب خطر التوسع في رواية الكرامات

أما قصة أويس القرني ماذا تعني؟ مداخلة: التي قال - صلى الله عليه وآله وسلم - لعلي وعمر: «إذا رأيتم أويس القرني فاطلبا منه أن يستغفر لكما» أو كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -. الشيخ: صحيح هذا. "فتاوى جدة-الأثر -" (29/ 00:49:48) [331] باب خطر التوسع في رواية الكرامات -[قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية «ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم»]: قلت: لقد أحسن المؤلف صنعاً بتقييد ذلك بما صح من الروايات، ذلك لأن الناس وبخاصة المتأخرين منهم قد توسعوا في رواية الكرامات إلى درجة أنهم رووا باسمها الأباطيل، التي لا يشك في بطلانها من له أدنى ذرة من عقل، بل إن فيها أحيانا ما هو الشرك الأكبر وفي الربوبية، وكتاب «طبقات الأولياء» للشعراني من أوسع الكتب ذكراً لمثل تلك الأباطيل، التي منها قول أحد أوليائه: تركت قولي للشيء كن فيكون عشرين سنة أدباً مع الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواًّ كبيراً. وتجد طائفة لا بأس بها من الكرامات الصحيحة عن بعض الصحابة في كتاب «رياض الصالحين» للإمام النووي (باب 253 الأحاديث 1516 - 1523 بتحقيقي). "التعليق على متن الطحاوية" (ص106 - 107).

[332] باب النبوة أخص من الولاية

[332] باب النبوة أخص من الولاية [قال الإمام]: النبوة أخص من الولاية، والرسالة أخص من النبوة. "التعليق على متن الطحاوية" (ص106). [333] باب هل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي؟ سؤال: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد: يقول السائل: سمعنا من أحد المشايخ يقول: ما جاز أن يكون معجزةً لنبي جاز أن يكون كرامةً لولي. الشيخ: يكفي أن نقول: أن هذا الكلام كلام لبعض المشايخ وانتهى أمره، ليس كلامًا لله ولا حديثًا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لكي نهتم بمعالجته أو ببيان تزييفه، وهو من جهة أخرى كلام باطل من أصله؛ ذلك لأن من معجزات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا القرآن الكريم الذي هو معجزة المعجزات كلها، كما الإشارة كذلك في بعض الأحاديث الصحيحة، فإذا أخذنا تلك الكلمة على إطلاقها: ما كان معجزةً لنبي جاز أن يكون كرامةً لولي، فقد كان القرآن معجزةً لنبينا أفيجوز أن يكون ذلك كرامةً لولي من أتباع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! هذا مستحيل. نعم! على طريقة غلاة الصوفية يمكن أن يكون ذلك، لكن ما بني على فاسد فهو فاسد، لقد جاء مع الأسف في كتاب ربما أعيدت طباعته أكثر من طباعة

صحيح البخاري ومسلم، وهو الكتاب المعروف بطبقات الأولياء لعبد الوهاب الشعراني، لقد ذكر في هذا الكتاب طامات وبلايا كثيرة وكثيرة جدًا تتنافى مع أصول وقواعد الشريعة الإسلامية، وأنا أعجب كيف يطبع هذا الكتاب عشرات المرات، ويروج بين المسلمين ولا رواج الصحيحين، لقد جاء فيه ما يناسب جواب الكلمة السابقة أنه زار شيخًا له، فوقف عند الباب تحت نافذة وإذا به يسمع صوتًا يشبه كأن صاحبه يتلو من القرآن الكريم لكنه حينما أنصت وفهم ما يقرأ إذا به ليس شيئًا من القرآن؛ لأنه كان يعرف الآيات القرآنية، فيتميز مثله الكلام القرآني من الكلام البشري، قال: فلما انتهى الرجل من قراءته تأكدت أنه كان يتلو كلامًا إلهيًا غير القرآن الكريم لأنه قال: اللهم أوهب ثواب ما تلوته من كلامك إلى شيخي فلان وفلان كما هي عادته، هذا مذكور في طبقات الأولياء للشعراني. فإذًا: يمكن أن يكون هذا الكلام نشأ من تلك الضلالة التي صارت عندهم قاعدة، ونبطلها بعقيدتنا الصحيحة أن هذه القاعدة قاعدة باطلة؛ لأنها تستلزم أن يكون كلام كالقرآن الكريم من رب العالمين أن يأتي به من ليس بنبي؛ لأنهم قالوا: ما كان معجزًة لنبي جاز أن يكون كرامًة لولي، وإذا هذا نجده منصوصًا عليه في كتاب الطبقات للشعراني هذا، لذلك لا يجوز أن يغتر مسلم بمثل هذا الكلام وحسبه أن يعلم أنه كلام ما أنزل به من سلطان. "فتاوى الإمارات" (6/ 00:10:10)

[334] باب التفاضل بين النبوة والولاية وذكر بعض ضلالات أولياء الشيطان

[334] باب التفاضل بين النبوة والولاية وذكر بعض ضلالات أولياء الشيطان [قال الإمام مُعلِّقاً على قول صاحب الطحاوية «ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء»]: قال في الشرح: يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الاتحادية وجهلة المتصوفة، وإلا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع. فقد أوجب الله على الخلق كلهم متابعة الرسل قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} (النساء: 64). وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياسته واجتهاده في العبادة وتصفية نفسه إلى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتباع لطريقتهم، ومنهم من يظن أنه قد صار أفضل من الأنبياء، ومنهم من يقول إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء، ويدعي لنفسه أنه خاتم الأولياء، ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول فرعون، وهو أن هذا الوجود المشهود واجب بنفسه، ليس له صانع مباين له، ولكن هذا يقول: هو الله، وفرعون أظهر الإنكار بالكلية، لكن كان فرعون في الباطن أعرف بالله منهم؛ فإنه كان مثبتاً للصانع، وهؤلاء ظنوا أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق كابن عربي وأمثاله، وهو لما رأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره، قال: «النبوة ختمت، ولكن الولاية لم تختم، وادعى في الولاية ما هو أعظم من النبوة وما يكون للأنبياء والمرسلين، وأن الأنبياء مستفيدون منها كما قال:

[335] باب الولاية ليست بادعاء الكرامة

مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي وهذا قلب للشريعة فإن الولاية ثابتة للمؤمنين المتقين كما قال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} (يونس: 62 - 63): والنبوة أخص من الولاية، والرسالة أخص من النبوة كما تقدم التنبيه على ذلك. "التعليق على متن الطحاوية" (ص104 - 106) [335] باب الولاية ليست بادعاء الكرامة [علق الإمام على قول صاحب الطحاوية: «والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن» قائلاً]: وهم الموصوفون في قوله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون} (يونس: 62 - 63) وليست الكرامة بادعاء الكرامات وخوارق العادات كما يتوهم كثير من الناس، بل ذلك من الإهانات التي تُشَوِّه جمال الإسلام. "التعليق على متن الطحاوية" (ص70). [336] باب ذكر بعض أحوال أولياء الشيطان [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «حد الساحر ضربة بالسيف». (ضعيف).

[قال الإمام]: أخرجه الترمذي (1/ 276) والدارقطني (ص 336) والحاكم (4/ 360) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم- 1665) والرامهرمزي في " الفاصل " (ص 141) وابن عدي في " الكامل " (8/ 2) وعنه البيهقي (8/ 136) من طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: فذكره. وقال الترمذي: " لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث، والصحيح عن جندب موقوف ". وأما الحاكم فقال: " صحيح الإسناد؛ وإن كان الشيخان تركا حديث إسماعيل بن مسلم؛ فإنه غريب صحيح "!. قلت: ووافقه الذهبي! وهذا هو الغريب حقا، فإن الذهبي نفسه قد أورد إسماعيل هذا في " الضعفاء والمتروكين " وقال: " متفق على ضعفه ".وقال في " الكاشف ": " ضعفوه، وتركه النسائي ". وقد وجدت له متابعاً، يرويه محمد بن الحسن بن سيار أبو عبد الله: حدثنا خالد العبدي عن الحسن به. أخرجه الطبراني (1666) وأبو سهل القطان في " حديثه " (4/ 245/2). لكنها متابعة واهية، فإن خالداً هذا، لم أجد من ترجمة، وكذلك الراوي عنه، فلا يعضد بها، على أن مدار الطريقين على الحسن، وهو مدلس وقد عنعن. ولذلك فمن رام تحسين الحديث فما أحسن، لا سيما والصحيح عن جندب

موقوف كما تقدم عن الترمذي، وقد أخرجه الحاكم (4/ 361) من طريق أشعث بن عبد الملك عن الحسن: " أن أميرا من أمراء الكوفة دعا ساحرا يلعب بين يدي الناس فبلغ جندب، فأقبل بسيفه، واشتمل عليه، فلما رآه ضربه بسيفه، فتفرق الناس عنه، فقال: أيها الناس لن تراعوا، إنما أردت الساحر- فأخذه الأمير فحبسه. فبلغ ذلك سلمان، فقال: بئس ما صنعا! لم يكن ينبغي لهذا وهو إمام يؤتم به يدعو ساحرا يلعب بين يديه، ولا ينبغي لهذا أن يعاتب أميره بالسيف ". قلت: وهذا إسناد موقوف صحيح إلى الحسن. وقد توبع، فقال هشيم: أنبأنا خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي: " أن ساحراً كان يلعب عند الوليد بن عقبة، فكان يأخذ سيفه فيذبح نفسه، ولا يضره، فقام جندب إلى السيف فأخذه فضرب عنقه، ثم قرأ: {أفتأتون السحر وأنتم تبصرون}. أخرجه الدارقطني وعنه البيهقي وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4/ 19/1 و2) والسياق له من طرق عن هشيم به. وهذا إسناد صحيح موقوف، صرح فيه هشيم بالتحديث. وله طريق أخرى عند البيهقي عن ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود: " أن الوليد بن عقبة كان بالعراق يلعب بين يديه ساحر، وكان يضرب رأس الرجل، ثم يصيح به، فيقوم خارجا، فيرتد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله، يحيى الموتى! ورآه رجل من صالح المهاجرين، فنظر إليه، فلما كان من الغد، اشتمل على سيفه فذهب يلعب لعبه ذلك، فاخترط الرجل سيفه فضرب عنقه،

[337] باب منه

فقال: إن كان صادقا فليحي نفسه! وأمر به الوليد ديناراً صاحب السجن- وكان رجلاً صالحاً- فسجنه، فأعجبه نحو الرجل، فقال: أتستطيع أن تهرب؟ قال: نعم، قال: فاخرج لا يسألني الله عنك أبداً ". قلت: وهذا إسناد صحيح إن كان أبو الأسود أدرك القصة فإنه تابعي صغير، واسمه محمد بن عبد الرحمن بن نوفل يتيم عروة. قلت: ومثل هذا الساحر المقتول، هؤلاء الطرقية الذين يتظاهرون بأنهم من أولياء الله، فيضربون أنفسهم بالسيف والشيش، وبعضه سحر وتخييل لا حقيقة له، وبعضه تجارب وتمارين، يستطيعه كل إنسان من مؤمن أو كافر إذا تمرس عليه وكان قوي القلب، ومن ذلك مسهم النار بأفواههم وأيديهم، ودخولهم التنور، ولي مع أحدهم في حلب موقف تظاهر فيه أنه من هؤلاء، وأنه يطعن نفسه بالشيش، ويقبض على الجمر فنصحته، وكشفت له عن الحقيقة، وهددته بالحرق إن لم يرجع عن هذه الدعوى الفارغة! فلم يتراجع، فقمت إليه وقربت النار من عمامته مهددا ً، فلما أصر أحرقتها عليه، وهو ينظر! ثم أطفأتها خشية أن يحترق هو من تحتها معانداً. وظني أن جندباً رضي الله عنه، لو رأى هؤلاء لقتلهم بسيفه كما فعل بذلك الساحر " ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ". "الضعيفة" (3/ 641 - 643). [337] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «لو عرفتم الله حق معرفته؛ لعلمتم العلم الذي ليس معه به جهل، ولو عرفتم الله حق معرفته؛ لزالت الجبال بدعائكم، وما أوتي أحد من اليقين شيئاً إلا ما لم

[338] باب لا يجوز طاعة أحد في معصية الله

يؤت منه أكثر مما أوتي»، فقال معاذ ابن جبل: ولا أنت يا رسول الله! فقال: ولا أنا. قال معاذ: فقد بلغنا أن عيسى ابن مريم عليه السلام كان يمشي على الماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ولو ازداد يقيناً لمشى على الهواء». منكر، ضعيف الإسناد. قلت: وهو عندي منكر المتن بهذا السياق؛ فإن فيه أن عيسى لم يكن يقينه من القوة بحيث يمكنه أن يمشي على الهواء، بينما حكوا أن هذا كان لبعض الأولياء، فينتج من ذلك أن هذا البعض كان أقوى يقيناً من عيسى عليه السلام!! ولا يخفى ما في هذا من الضلال البين، ويلزم من ذلك أحد أمرين ولا بد: إن كان هذا الذي حكوا صحيحاً، فالحديث غير صحيح، وإن كان هذا الحديث صحيحاً؛ فالذي حكوا غير صحيح ولا بد. فتأمل. "الضعيفة" (9/ 347 - 348). [338] باب لا يجوز طاعة أحد في معصية الله [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لا طاعة لبشر في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف». [قال الإمام]: وفي الحديث فوائد كثيرة أهمها أنه لا يجوز إطاعة أحد في معصية الله تبارك وتعالى، سواء في ذلك الأمراء والعلماء والمشايخ. ومنه يعلم ضلال طوائف من الناس: الأولى: بعض المتصوفة الذين يطيعون شيوخهم ولو أمرهم بمعصية ظاهرة

بحجة أنها في الحقيقة ليست بمعصية، وأن الشيخ يرى ما لا يرى المريد، وأعرف شيخاً من هؤلاء نصب نفسه مرشداً قص على أتباعه في بعض دروسه في المسجد قصة خلاصتها أن أحد مشايخ الصوفية أمر ليلة أحد مريديه بأن يذهب إلى أبيه فيقتله على فراشه بجانب زوجته، فلما قتله، عاد إلى شيخه مسرورا لتنفيذ أمر الشيخ! فنظر إليه الشيخ وقال: أتظن أنك قتلت أباك حقيقة؟ إنما هو صاحب أمك! وأما أبوك فهو غائب! ثم بنى على هذه القصة حكما شرعيا بزعمه فقال لهم: إن الشيخ إذا أمر مريده بحكم مخالف للشرع في الظاهر أن على المريد أن يطيعه في ذلك، قال: ألا ترون إلى هذا الشيخ أنه في الظاهر أمر الولد بقتل والده، ولكنه في الحقيقة إنما أمره بقتل الزاني بوالدة الولد، وهو يستحق القتل شرعا! ولا يخفى بطلان هذه القصة شرعا من وجوه كثيرة. أولاً: أن تنفيذ الحد ليس من حق الشيخ مهما كان شأنه، وإنما هو من الأمير أو الوالي. ثانياً: أنه لو كان له ذلك فلماذا نفذ الحد بالرجل دون المرأة وهما في ذلك سواء؟ ثالثاً: إن الزاني المحصن حكمه شرعا القتل رجما، وليس القتل بغير الرجم. ومن ذلك يتبين أن ذلك الشيخ قد خالف الشرع من وجوه، وكذلك شأن ذلك المرشد الذي بنى على القصة ما بنى من وجوب إطاعة الشيخ ولو خالف الشرع ظاهرا، حتى لقد قال لهم: إذا رأيتم الشيخ على عنقه الصليب فلا يجوز لكم أن تنكروا عليه! ومع وضوح بطلان مثل هذا الكلام، ومخالفته للشرع والعقل معا نجد في الناس من ينطلي عليه كلامه وفيهم بعض الشباب المثقف. ولقد جرت

[339] باب الفرق بين الكرامة والاستدراج

بيني وبين أحدهم مناقشة حول تلك القصة وكان قد سمعها من ذلك المرشد وما بنى عليها من حكم، ولكن لم تجد المناقشة معه شيئا وظل مؤمنا بالقصة لأنها من باب الكرامات في زعمه، قال: وأنتم تنكرون الكرامة ولما قلت له: لو أمرك شيخك بقتل والدك فهل تفعل؟ فقال: إنني لم أصل بعد إلى هذه المنزلة!! فتبا لإرشاد يؤدي إلى تعطيل العقول والاستسلام للمضلين إلى هذه المنزلة، فهل مِنْ عَتْب بعد ذلك على من يصف دين هؤلاء بأنه أفيون الشعب؟ "الصحيحة" (1/ 1/351 - 353). [339] باب الفرق بين الكرامة والاستدراج [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يا سارية الجبل، يا سارية الجبل». مما لا شك فيه أن النداء المذكور إنما كان إلهاماً من الله تعالى لعمر وليس ذلك بغريب عنه، فإنه " محدث " كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولكن ليس فيه أن عمر كشف له حال الجيش، وأنه رآهم رأي العين، فاستدلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء وعلى إمكان اطلاعهم على ما في القلوب من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين المنفرد بعلم الغيب والاطلاع على ما في الصدور. وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله عز وجل يقول في كتابه: {عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}. فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل من رسل الله حتى يصح أن يقال إنهم يطلعون على الغيب بإطلاع الله إياهم!! سبحانك هذا بهتان عظيم.

على أنه لو صح تسمية ما وقع لعمر رضي الله عنه كشفاً، فهو من الأمور الخارقة للعادة التي قد تقع من الكافر أيضاً، فليس مجرد صدور مثله بالذي يدل على إيمان الذي صدر منه فضلا على أنه يدل على ولايته ولذلك يقول العلماء إن الخارق للعادة إن صدر من مسلم فهو كرامة وإلا فهو استدراج، ويضربون على هذا مثل الخوارق التي تقع على يد الدجال الأكبر في آخر الزمان كقوله للسماء: أمطري، فتمطر وللأرض: أنبتي نباتك فتنبت، وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ما قرأته اليوم من عدد " أغسطس " من السنة السادسة من مجلة " المختار " تحت عنوان: " هذا العالم المملوء بالألغاز وراء الحواس الخمس " ص 23 قصة " فتاة شابة ذهبت إلى جنوب أفريقيا للزواج من خطيبها، وبعد معارك مريرة معه فسخت خطبتها بعد ثلاثة أسابيع، وأخذت الفتاة تذرع غرفتها في اضطراب، وهي تصيح في أعماقها بلا انقطاع: " أواه يا أماه ... ماذا أفعل؟ " ولكنها قررت ألا تزعج أمها بذكر ما حدث لها؟ وبعد أربعة أسابيع تلقت منها رسالة جاء فيها: " ماذا حدث؟ لقد كنت أهبط السلم عندما سمعتك تصيحين قائلة: " أواه يا أماه ... ماذا أفعل؟ ".وكان تاريخ الرسالة متفقاً مع تاريخ اليوم الذي كانت تصيح فيه من أعماقها ".وفي المقال المشار إليه أمثلة أخرى مما يدخل تحت ما يسمونه اليوم بـ " التخاطر " و" الاستشفاف " ويعرف باسم " البصيرة الثانية " اكتفينا بالذي أوردناه لأنها أقرب الأمثال مشابهة لقصة عمر رضي الله عنه، التي طالما سمعت من ينكرها من المسلمين لظنه أنها مما لا يعقل! أو أنها تتضمن نسبة العلم بالغيب إلى عمر، بينما نجد غير هؤلاء ممن أشرنا إليهم من المتصوفة يستغلونها لإثبات إمكان اطلاع الأولياء على الغيب، والكل

[340] باب من بدع أولياء الشيطان التصحيح للأحاديث بطريق الكشف

مخطئ. فالقصة صحيحة ثابتة وهي كرامة أكرم الله بها عمر، حيث أنقذ به جيش المسلمين من الأسر أو الفتك به ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الاطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام (في عرف الشرع) أو (التخاطر) في عرف العصر الحاضر الذي ليس معصوما، فقد يصيب كما في هذه الحادثة وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر، ولذلك كان لابد لكل ولي من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل فقال: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} ولقد أحسن من قال: إذا رأيت شخصاً قد يطير ... وفوق ماء البحر قد يسير ولم يقف على حدود الشرع ... فإنه مستدرج وبدعي "الصحيحة" (3/ 101 - 104). [340] باب من بدع أولياء الشيطان التصحيح للأحاديث بطريق الكشف [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم». (موضوع). [قال الإمام]: وأما قول الشعراني في " الميزان " (1/ 28): "وهذا الحديث وإن كان فيه مقال عند المحدثين، فهو صحيح عند أهل الكشف "، فباطل وهراء لا يتلفت إليه! ذلك لأن تصحيح الأحاديث من طريق الكشف بدعة صوفية مقيتة، والاعتماد

[341] باب استنكار مقولة: فلان جمع بين علم الظاهر والباطن

عليها يؤدي إلى تصحيح أحاديث باطلة لا أصل لها، كهذا الحديث لأن الكشف أحسن أحواله- إن صح- أن يكون كالرأي، وهو يخطيء ويصيب، وهذا إن لم يداخله الهوى، نسأل الله السلامة منه، ومن كل ما لا يرضيه. "الضعيفة" (1/ 144 - 145). [341] باب استنكار مقولة: فلان جمع بين علم الظاهر والباطن [قال الإمام]: وعلي بن محمد الفقيه يعرف بـ (ماذشاه)، قال أبو نعيم (2/ 24): "كان من شيوخ الفقهاء أحد أعلام الصوفية .. جمع بين علم الظاهر والباطن (!) [والإمام رحمه الله يكثر من استخدام علامة التعجب للاستنكار] "الضعيفة" (7/ 338 - 339). [342] باب لقاء الألباني بالولي الحشاش! سؤال: سؤالي في مجال الحديث الذي ذكره الأخ الشيخ محمد بالنسبة للقصص والأحاديث التي ترد على ألسنة بعض الشيوخ، على سبيل المثال: القصة التي سمعتها والتي وردت على لسان الشيخ عبد الحميد كشك والتي أرى يعني فيها من التناقض الكبير من حيث أنه لا أستطيع أصدق أنها نسبت أو ذكرت حتى في التاريخ، يعني القصة يقولها كما ذكر هو: إنه بعض الناس كان يشرب من قِربة كان فيها خمر، فمر عليه عمر بن الخطاب أول مرة وعندما رآه هدده بأنه سوف يجلد إن رآه يشرب الخمر مرة ثانية، فمر عنه مرة ثانية مر عنه وهو عن مسافة فرآه الرجل رأى عمر بن الخطاب فدعا الله أن يحول الخمر إلى خل، نعم فعندما سأله

عمر بن الخطاب ما الذي في القربة قال: إنه خل، فشمه عمر بن الخطاب فكان خلاً فهذا في رأيي فيه نوع من التناقض ومخالفة الفقه ... قصدي إنه كان على معصية، ويدعو الله أن ينجيه من المعصية وهو يفعلها، وأيضاً يذكر عن عبد الحميد كشك أيضاً أنه يروي أو يقول بعض الأحاديث الضعيفة والتي سندها يعني غير صحيح، وسؤالي بالنسبة للمجال هذا لأنه أعلم أن عبد الحميد كشك له تأثير كبير على الشباب اليوم ويذكر الأحاديث والقصص الضعيفة، فبدنا تعليقك على المسألة هذه؟ الشيخ: الحقيقة أن هذه القصة التي نقلتها عن الرجل أنا ما مرت علي لا في الأحاديث الصحيحة ولا في الحسنة ولا في الضعيفة ولا في الموضوعة ولا في التي لا أصل لها، وحقيقة أخرى مؤسفة أن الشيخ كشك هذا لا ينكر أن أسلوبه في التأثير على عامة الناس أسلوب عجيب لكن لا أعني أن هذا الأسلوب هو أسلوب مشروع لأنه يستعمل العاطفة وإثارة عواطف الحاضرين بمثل الأمر بالصلاة على الرسول زيدوه صلاة وأسمعوني إلى أخره، لكن في النهاية أسلوبه مؤثر، لكنه مع الأسف الشديد أنه قصاص وليس بالعالم وخاصة فيما يتعلق في مجال الحديث النبوي، فهو حواش مع كونه قصاصاً، فهو يجمع ما هب ودب من الأحاديث ويعظ الناس بها ويذكرهم فيها، وهنا تدخل كسبب يحمل مثل هذا الواعظ على الانحراف قاعدةٌ مزعومة تذكر في بعض كتب مصطلح الحديث على أنه قاعدة مسلمة لا شية فيها، وأنه يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، هذه الجملة مع أنها من المختلف فيها عند علماء الحديث هل هي مسلمة أم هي مرفوضة، والذي نتبناه نحن وذكرنا ذلك في أكثر من كتاب واحد أو رسالة واحدة أن المسلم لا يجوز له أن يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بحديث يعرف ضعفه، هذا

الذي نتبناه، لكن مع أن الذين تبنوا هذه القاعدة وضعوا للعمل بها شروطاً فلما أخل جماهير المتبنين من المتأخرين لهذه القاعدة انتشرت الأحاديث الضعيفة والموضوعة. لكن نحن لنا تجارب كثيرة وكثيرة جداً مع الذين ينتمون إلى العلم إذا حدث أحدهم بالحديث وهو نعلم يقيناً لا يدري من أين جاء هذا الحديث ولا يدري أنه صحيح أو ضعيف لكنه إذا فوجئ بالإنكار عليه وقيل له: يا أخي أنت تروي هذا الحديث وهذا الحديث ضعيف رأساً أجاب بالقاعدة المزعومة: لكن يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، لكن هذه القاعدة ليست على إطلاقها هل أنت تعلم أن هذا الحديث الذي رويته آنفاً هو حديث ضعيف؟ ما يعلم شيئاً من ذلك؟ إذاً قد أخل بالقاعدة لأنها وضعت لها شروط منها أن يعلم أن هذا الحديث حديث ضعيف حتى لا يختلط عليه الضعيف بالصحيح هذه القاعدة تساعد الوعاظ والقصاص والخطباء وو أن لا يتحفظوا في رواية الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأنه إن كان الحديث صحيحاً فالحمد لله، وإن كان الحديث ضعيفاً يعمل به في فضائل الأعمال. فالشيخ المذكور ليس عنده معرفة بالحديث ولذلك يروي في قصصه وفي مواعظه ما هب ودب من أحاديث، فلا تستغرب أن يروي ما لا أصل له إطلاقاً من الآثار التي ليست لها صلة بحديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. قصة الخمر والخل وهذه مصيبة الدهر والبحث في هذا الحقيقة يطول وبخاصة أن بعض العلماء يستجيزون رواية ما هو أخطر من مثل هذه الرواية أنه هذا دعى الله أن يتحول الخمر المحرم إلى خل محلل، لكن ما بالك والقصص

كثيرة وكثيرة جداً بأن الشخص يشرب الخمر فينكر عليه بيقول هذا بيشرب من خمر الجنة ليس من خمركم بشيء، آخر يبيع الحشيش فيقول حينما ينكر عليه أنت تظن أنا أبيع حشيش مخدر أنا أبيع ضد الحشيش المخدر، وأن كل إنسان يشتري من عندي هذا الحشيش؟ فهو يقلع عن عادته في استعمال الحشيش المخدر، وبهذا عطلوا العقل وعطلوا الشريعة، وحسبكم في ذلك قولهم: هناك شريعة وهناك حقيقة، والحقيقة تخالف الشريعة، ولهم كلمات خطيرة وخطيرة جداً. ولعله يعني يحسن أن أذكر لكم قصة وقعت لي شخصياً: خرجت كعادتي في طريقي إلى إخواننا إلى حلب واتخذنا في الطريق منزلاً بتنا فيه ليلة في قرية تبعد عن دمشق نحو 60 كيلو متر اسمه دير عطية، ونحن سامرون فيها ساهرون بدل أن يطرق الباب- الدار على الجادة طبقة دنيا- فبدل أن يطرق الباب تطرق النافذة فيخرج رب الدار للنظر من هذا الطارق الغريب في طرقه، بدل أن يطرق الباب يطرق النافذة، ففوجئنا بصياح صاحب الدار مرحباً بالطارق أهلاً وسهلاً بفلان، نحن بقى اشرأبت أعيننا إلى هذا الضيف الكريم االذي احتفى به صاحب الدار هذا الاحتفاء العظيم، دخل هذا الضيف المزعوم ففوجئت به كما فوجئ هو بي، وأعني: الرجل حشاش، تارك صلاة، لا يصوم في رمضان، يشرب الدخان في رمضان، وهو ساند ظهره لزاوية من زوايا المسجد خارج المسجد وعيناه شاخصتان مصفرتان من تأثير الحشيش فيهما، فأنا فوجئت به من جهة أن هذا رب الدار الذي نحن ضيوف عنده عم بيرحب بحشاش بفاسق فاجر إن لم يكن كافراً، فوجئ هو بي لأنه جارنا أنا دكانتي هناك كانت بجنب هذا المسجد فكل ما خرجت للصلاة وهو يحشش يشرب دخان طبعاً فيه الحشيش، كلما رآني جلس بعيداً عني وأخذ يتظاهر بأنه مأخوذ يعني مجذوب أخذه الحال يعني يأخذ يركع

ويسجد هكذا ويقول كلام بيقولوا عنه في الشام كلام مقطع يعني كلام شو بيقولوا في اللغة العربية جملة غير تامة شو بندورة حشيش بيض باذنجان ما في جملة غير تامة. حينئذٍ عرفت بأن رب الدار يعتقد بهذا الإنسان أنه من كبار الأولياء فارتجلت كلمة افتتحتها بالآية الكريمة {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ-الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ -لَهُمُ الْبُشْرَى في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} (يونس: 64) ما هي التقوى؟ ما هو الإيمان؟ تكلمنا في هذا الصدد ثم عرجنا على أمثال هذا الدجال؛ إن هذا ليس من الإسلام في شيء، وكرامة المسلم إنما هو إيمانه بالله وتقواه لله، هذا هو فقط سواء صدر منه كرامة حقيقية أو لا قال أحد المشايخ عندنا في دمشق. إذا رأيت شخصاً قد يطيرُ ... وفوق ما البحر قد يسيرُ ولم يقف على حدود الشرع ... فإنه مستدرج وبدعي وما أذكر يعني شو تكلمنا بهذا الصدد لكن ضربنا هذا الاتجاه أن يؤمن بأن الرجل الفاسق الفاجر المتظاهر بأنه مسلوب هذا من كبار الأولياء، وإذا بصاحب الدار بيقول يا أستاذ والله نحن في هذه البلدة-وهنا العبرة- في هذه البلدة كنا كما تقول إن الإيمان والتقوى هذا هو الإسلام، لكن جاءنا الشيخ فلان وقد درس في الأزهر الشريف عشرين سنة غاب عن القرية عشرين سنة ثم جاء يعظ الناس ويعلمهم في المسجد في السهرات إلخ، فكنا نسمع منه أكثر من مرة إن لله خواص في الأمكنة والأزمنة والأشخاص كلام مرجع، والحجر الذي ما بيعجبك بيفجك بيجرحك، الحجر الذي ما بيعجبك بيفجك، إذا شفت إنسان بيشرب خمر بيحشش بيجوز هذا يكون من كبار الأولياء الصالحين بس إياك ثم إياك أن تنتقد

فتقع في مشكلة مع هذا الولي الصالح ثم روى لهم القصة التالية؛ قال: كان هناك شيخ محتسب يعني يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يخرج إلى الأسواق ومعه بعض الطلبة الحريصين على مصاحبة الشيخ، كلما رأى منكرا في السوق عند بائع عند بقال عند عطار ينصح ويذكر، حتى وقف عند بقال عندنا يقولون عن البقال عطار فرآه يبيع الحشيش لشخص فأنكر عليه وبالغ في الإنكار يا فاسق يا فاجر أنت تبيع ما يضر وما لا ينفع ووإلى آخره، بيقولهم الشيخ الأزهري فما أتم هذا العالم الفاضل الذي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما أتم كلامه إلا أصبح كالبهيمة لا يعقل شيئاً، الشيخ البقال تعرفونه من كبار الأولياء والصالحين ولذلك لما أنكر عليه هذا العالم الفاضل كان الشيخ سلبه وأخذ عقله ولبه، احتار أتباعه في حقه فأخذوا يسألوني معالجة المشكلة التي لا يعرفون لها دواء، من شخص إلى شخص من مكان إلى مكان حتى جاؤوا إلى شخص فقال لهم هذا الرجل ما يدلكم على مشكلته إلا فلان اذهبوا عليه فإنه ذو الجناحين؛ يعني: جمع بين شريعة وبين الحقيقة اذهبوا إليه، ذهبوا إليه، قالوا له القصة كذا وكذا، قال هذا البقال- وأنا باسميه الولي الحشاش- هذا من كبار الأولياء والصالحين علاج شيخكم تأخذونه تسترضون هذا الولي الحشاش يرضى عن الشيخ يرجع الشيخ كما كان، ذهبوا إليه ذهبوا إليه وقالوا له يا سيدنا ما تآخذ الشيخ الشيخ مش عارف مقامك- يعني كما أرشدهم ذو الجناحين المزعوم الجامع بين الحقيقة وبين الشريعة- هكذا ما زالوا يسترضونه حتى رضي الولي الحشاش عن الشيخ العالم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ومثل واحد كان نائم صحي وأحسوا الجماعة إنه فعلاً كلام ذو الجناحين صحيح؛ أي: رجع الشيخ كما كان، الشيخ بدوره أخذ يعتذر للولي الحشاش إنه ما تآخذنا نحن ما عرفنا مقامك ومنزلتك عند الله عز وجل. أين العبرة: قال الولي الحشاش لهذا العالم: أنت يا شيخ بتظن إن أنا أبيع

الحشيش المخدر، أنا أبيع حشيش صورته صورة حشيش لكن أثره ضد الحشيش، فما أحد بيشتري من عندي إلا ويشفى من شرب الحشيش، هكذا يعطلون أحكام الله عز وجل وعقول الناس حتى يستعبدوهم ويخضعوهم. ونحن نعرف مشايخ في دمشق في الشام ورجل في حلب يصرحون في دروسهم العامة في المساجد الكبيرة إذا رأيت شيخاً قد علق الصليب على رقبته فلا تنكر عليه؛ لأنه يرى ما لا ترى ويعلم ما لا تعلم، والدليل على ذلك اسمعوا القصة التالية: كان هناك شيخ له أتباع مريدين، قال لأحدهم: تعال يا ابني اذهب إئتني برأس والدك، سمعاً وطاعاً، هكذا مُعَلَّم الولد إن الشيخ إذا أمر يجب إطاعته ولو بمخالفة شرع الله، راح الولد للبيت ففصل رأس أبيه عن بدنه وهو نائم بجانب زوجته وجاء إلى شيخه فرحاً مسروراً، لماذا؟ لأنه نفذ أمر الشيخ، فتبسم الشيخ ضاحكا قال له كليشة قال له تظن أنت أنك قتلت والدك لا، يا ابني والدك مسافر، أما هذا صاحب أمك، أنا بآمرك تقتل أبوك؟! حاشا لله لكن هذا صاحب أمك يزني بها ولذلك أنا أمرتك أن تقتله، الناس المساكين المخدرين بهذا النوع من الأفيون الذين لا يعرفون أصحاب الأفيونات فلما بيحدث الشيخ بهذه القصة هذه وبالنتيجة هذه بتلاقي المسجد ضج بماذا بالتكبير والتعظيم والله أكبر. هذه القصة وقعت في رمضان من رمضانات السنين قبل عشر سنوات تقريباً، وأنا هناك جاءني أحد إخواننا بعد ما صلينا التراويح في بعض المساجد المهجورة على السنة، وكنا يومئذ نجتمع في ابتداء الدعوة في دكاني وأنا أصلح الساعات، قال لي أتعرف ماذا حدث الشيخ فلان اليوم قلت له: لا، ماذا حدث؟ ذكر لي هذه القصة ونحن في هذا الحديث يمر شخص قريب صاحبي هذا ابن خالته بالضبط

ويعرف بأبو يوسف هذا من مريدي الشيخ الذي حدث بهذه القصة. الحقيقة يا إخواننا يجب أن نحمد الله عز وجل الذي عافانا من هذا النوع من الأفيون؛ لأنه هذا أخطر من الأفيون المادي؛ الأفيون المادي صحيح بيغيب بالإنسان ولكن مش كل الزمان، أما هذا الأفيون المعنوي ضايع مسلوب رايح، والدليل في تمام القصة مر أبو يوسف أمام الدكان فناداه صاحبي وهو ابن خالته يا أبو يوسف تعال؛ دخل، قال له ما رأيك في الدرس في الليلة درس الشيخ، قال له: ما شاء الله تجليات تجليات، أنا عندنا نكتة في الشام أوفي دمشق بصورة خاصة، في دمشق في محلة خاص بالنصارى اسمها باب تومة هناك صاحب دكانة واجهتين يبيع الخمر وفي اللافتة كاتب عليها: «تجليات بقلة»، بقلة هو النصراني صاحب الدكان ومسميها بغير اسمها كما هي العادة «تجليات بقلة» فلما هؤلاء الصوفية بيسموها ما شاء الله يقولوا تجليات نحن ِبُنِتْبعَها «تجليات بقلة». الشاهد ما شاء الله بيقول أبو يوسف تجليات بقلة، قال ما رأيك بالقصة هذه قال صحيح أنتم جماعة وهابية تنكرون كرامات الأولياء، هو ذاكر في مخه أن هذه كرامة، دخل صاحبنا وهو على قد حالة في العلم مثل ابن خالته أبو يوسف دخل معه في نقاش أنا جالس وراء الطاولة أصلح الساعات، شعرت بأنه ما في فائدة من الاثنين ما في نتيجة ما في ثمرة، قلت لا بد ما أنا أدخل في الموضوع قمت وجلست بجانبهما وأخذت أتكلم مع أبو يوسف وأقول له يا أبو يوسف، بارك الله فيك انتبه؛ القصة بتدلك أنها مركبة تركيبة عندنا بيقولوا على المصيبة تركيبة، أنت ما ترى كيف الشيخ بيقول هذه أمك وهذا الرجل ما هو أبوك فهو لأنه عم يزني بها أنا أمرتك أن تذبحه تقتله وهل أنا سآمرك تذبح أبوك؟! طيب هنا مبين إنه في جهل من ناحيتين: الناحية الأولى: أن هل لغير الحاكم المسلم أن ينفذ الحدود؟ لأنه يقع

[343] باب ضرب الصوفيين أنفسهم بالشيش هل هو كرامة؟

فتنة بين الناس، ثانياً هل حد الزاني المحصن أن يفصل رأسه عن بدنه ولّا أن يرجم بالحجارة حتى يموت، وشيء ثالث وأخير: ولماذا أقام الحد على الزاني هذا الرجل ويمكن يكون غير محصن وترك الأم المزني بها كما هي، فمبينه أن القصة تركيبة وما تحتاج إلى نقاش يعني ما في فائدة {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} أخيرا قلت لا يوجد عندنا سلاح غير سلاح العاطفة ولا حول ولا قوة إلا بالله، قلت له: يا أبو يوسف الآن باختصار الآن لو أنه الشيخ شيخك اللي روى لكم القصة هذه أمرك بأنك تذبح أبوك تفعل؟ سؤال محرج جداً، ما هو المفروض بالنسبة لواحد من عامة المسلمين إذا سُئل هذا السائل يقول: أعوذ بالله أنا أقتل أبي؟ عارف ماذا قال؟!، قال: أنا ما وصلت هذا المقام ونفر وخرج وأنا خاطبته بلغتنا السورية قولتله: عمرك إن شاء الله ما تصل، هو يعتبر أن وصوله للمقام إذا أُمِرَ من قبل الشيخ اقتل أبوك اذبحه ما شاء الله وصل، هلّا هو لم يصل فنحن قلنا له عمرك إن شاء الله ما تصل، فلذلك العلاج هو الرجوع للكتاب والسنة وليس ما قال وقيل وحكاية وإلخ. "الهدى والنور" (196/ 40: 00: 00) [343] باب ضرب الصوفيين أنفسهم بالشيش هل هو كرامة؟ سؤال: بالنسبة لبعض الزوايا للصوفيين، يضربون على الدف ويستعملون الشيش، أي نعم، شو في هذا الحكم في هذه المسألة؟ الشيخ: .. الضرب على الدف كلهو من الملاهي حرام، لكن أشد من هذا الحرام إدخال هذا الحرام في العبادة، في الذكر لله عز وجل، فهذا حرام لا يجوز؛ لأن الإتيان بالمعصية معصية، لكن أشد من هذه المعصية التقرب إلى الله تبارك

وتعالى بها. فهؤلاء الصوفيون أو الطرقيون الذين يرقصون في الذكر ويضربون عليه بالدف، بل بالطبل، هذا يصدق فيهم قول بعض أهل العلم: متى علم الناس في ديننا ... بأن الغناء سنة تتبع وأن يأكل المرء أكل الحمار ... ويرقص في الجمع حتى يقع وقالوا سكرنا بحب الإله ... وما أسكر القوم إلا القِصَع كذلك البهائم يرقصها ريها والشبع فيا أولى للعقول ويا أولى ... للنهى ألا منكر منكم للبدع تهان مساجدنا بالسماع ... وتكرم مثل ذاك البيع وكما قال آخر: أيا جيل ابتداعٍ شر جيل ... لقد جئتموا بأمر مستحيل أفي القرآن قال لكم إلهي ... كلوا مثل البهائم وارقصوا لي حاشاه. فإذاً: الضرب على الدف أو الطبل في الذكر، هذا أشد تحريماً من الضرب على الدف في اللهو؛ لأنهم يصدق فيهم قول الله ربنا عز وجل في كتابه: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} (الأعراف: 51). وقال تبارك وتعالى في حق المشركين: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (الأنفال: 35). {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ} عبادتهم لله.

{عِنْدَ الْبَيْتِ} الحرام. {إِلَّا مُكَاءً)} صفيراً، وأنتم ترون الشباب الآن كيف يصفرون، هذا إرث ورثه الكفار بعضهم من بعض، وكان المشركون في عهد الجاهلية في بيت الله الحرام يتقربون إلى الله بالصفير والتصفيق. {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} هكذا اليوم يفعل بعض المسلمين ممن عرفتم ذم فقهاء المسلمين لهم، وإنكارهم عليهم أشد الإنكار، حتى أفتى بعضهم بأن المكان الذي يذكر فيه هؤلاء الرقصة الأكلة، يجب أن يحرث؛ لأنه تلوث؛ أتي فيه بمعصية الله عز وجل، ذلك الذكر الذي زعموا أنه ذكر وإنما هو لهوٌ. " الهدى والنور" (20/ 26: 01: 01). أما الضرب بالشيش، هذه مصيبة المصائب، أن يكون هناك مئات الألوف من المسلمين يتوهمون أيضاً هذا الإيذاء للنفس هو معجزة، هو كرامة لهؤلاء الناس الذين يزعمون أنهم على شي من الدين، وليسوا على شيء؛ لأن الدين هو اتباع ما كان عليه الرسول عليه السلام، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا أصحابه الكرام يذكرون الله بهذه الصفة، التي عرفتم شيئاً منها من تلك الأشعار التي أسمعتكم إياها. فهنا حرامان اجتمعا عند هؤلاء، الضرب على الدف في الذكر، وضرب هؤلاء الناس لأنفسهم بالشيش، وهذا إيذاء للنفس يقترن به تضليل للمسلمين، وإيهامهم أن هذه كرامة، والحقيقة هي ليست أولاً بكرامة، بل هي إهانة، ثم هي

تمرين يستطيع أفجر الفاجرين أن يفعل فعلهم، يستطيع ذلك أن يفعل ذلك الكافر، الكافر الذي لا يؤمن بالله ورسوله، لماذا؟ لأنه تمرين، رياضة، وأنتم لعلكم جميعاً سمعتم بعض غرائب الهندوس الوثنيين الذين يدفن أحدهم على مرأى من شهود، بل وأطباء فحاصين، حضروا خصيصاً كيف يدفن هذا في الأرض، ثم يخرج حياً، من أين يتنفس؟ هل معنى هذا الوثني؛ لأنه عاش تحت التراب أياماً مش ساعات، ثم خرج حياً، هذا من أولياء الله الكبار، حاشا لله عز وجل. هذه تمارين ورياضة، والرياضة تأتي بعجائب الأمور، أنتم مثلاً ترون حوادث كثيرة وكثيرة جداً، حبل ممدود على البحر، نحن لو مشينا [نمشي] على جسر ضيق، أما هو يمشي على الحبل، أيش هذه كرامة؟! مالها علاقة بالكرامة أبداً، هذا هو تمرن، ويشترك فيه الصالح والطالح والمؤمن والكافر، وعلماء المسلمين قديماً وحديثاً لهم تجارب مع هؤلاء الناس الذين لا يعرفون من دينهم سوى هذه التمارين التي اعتادوها ثم يُضلِّلون الناس بها، مع أن العلماء يقولون: إذا رأيت شخصاً قد يطير ... وفوق ماء البحر قد يسير ولم يقف على حدود الشرع ... فإنه مُسْتَدْرَجٌ وبدعي لماذا قالوا؟ قالوا: لأن .. خوارق العادات تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1 - معجزة. 2 - كرامة. 3 - استدراج. المعجزة: من النبي، والكرامة: من الولي، والاستدراج: من الكافر والمنافق. لستم بحاجة لنتحدث عن المعجزات، فهي في الكتاب والسنة ما شاء الله كثيرة، والكرامات أيضاً .. كرامات الأولياء الصادقين الصالحين، فهذه والحمد لله

أيضاً كثيرة، يقول تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} (آل عمران: 37)، هذه كرامة لمريم عليها السلام، وهناك كتب مؤلفة في هذا الصدد، ومن أحسنها كتاب ابن تيمية رحمه الله .. شو اسمه؟ مداخلة: ... الشيخ: نعم؟ مداخلة: القاعدة في كرامات الأولياء ... الشيخ: لا، لا ذكرونا باسمه يا جماعة. مداخلة: الكرامة ومعجزات الأنبياء والرسل. الشيخ: لا. مداخلة: القاعدة في كرامات الأولياء (¬1). الشيخ: الخلاصة، أما الحديث الذي ينبغي أن نتحدث عنه هو الاستدراج، لقد جاء في أحاديث كثيرة وصحيحة، بل ومتواترة أن الدجال الأكبر في آخر الزمان يقول للسماء: أمطري، فتمطر. يقول للأرض: أنبتي نباتك، فتنبت، يقول للخرابة -أرض خربة-: أخرجي كنوزك، فتخرج وتتبعه، يقطع الرجل قسمين بالسيف، ثم يعيده حياً، هل هذه كرامات؟ هذه خوارق عادات، يجريها الله على [يد] هذا الدجال الأكبر الذي حدثنا عنه الرسول عليه السلام، فقال: «ما بين خلق آدم والساعة فتنة أكبر من فتنة المسيح الدجال» فها هو هذا المسيح الدجال يأتي بهذه الخوارق والعادات. ¬

(¬1) يظهر لي أن الشيخ-رحمه الله-إنما أراد كتاب: "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان".

فإذاً: الخارق للعادة ما يدل على صلاح أبداً، الصلاح هو العمل الصالح؛ لذلك قال الشاعر السابق: إذا رأيت شخصاً قد يطير أي: يطير بدون أجنحة، مش بالطائرة، فالكفار يطيرون وسبقونا بالطيران. إذا رأيت شخصاً قد يطير ... وفوق ماء البحر قد يسير ولم يقف عند حدود الشرع ... فإنه مُسْتَدْرَجٌ وبدعي فهؤلاء الذين يضربون أنفسهم بالشيش، هذه تمارين، ومن أكبر الأدلة على ذلك: أنك إذا قلت لأحدهم، هات أنا بضربك بدبوس صغير، بيقول لك: لا، ليه إذا كان هو صاحب كرامة فعلاً، خليه يأتي كرامته لأي شخص بيريد يضربه في أي مكان، يقول لك: لا، ليه؛ لأن هو مش متمرن يضرب حاله هون في الصدر، في القلب، ولا هون .. ولا هون، وإنما هون، حيث العضل، حيث اللحم، ليس حيث الأعصاب وحيث العظام. قلتُ آنفاً: لعلماء المسلمين على مر الزمان تجارب مع هؤلاء الدجالين، من أشهرهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي تحدى شيخ الرفاعيين في زمانه، والمعروفين بالبطائحيين الذي كان يتظاهر بأنه يدخل النار ولا يحترق، فتحداهم، ووصل خبر التحدي إلى أمير دمشق يومئذ، فاستدعى شيخ الطريق، وشيخ الإسلام ابن تيمية، ليشوف كيف يتجادلان وماذا يفعلان في النهاية، فتكلم شيخ الإسلام بما عنده من علم، وأن هؤلاء من أشرار الخلق، من شرار الخلق، وأنهم لا علم ولا تقوى ولا صلاح، وإنما يدجلون الناس بأمور يشترك في فعلها الصالح والطالح، والمؤمن والكافر، وقال في جملة ما قال: إن هؤلاء يدهنون

أبدانهم بمادة خاصة، وثيابهم كذلك، فيدخلون التنور ولا تحرقهم النار، وأنا أتحداهم بشرط واحد، تأمر يا حضرة الأمير أن يخلعوا هذه الثياب وتأتيهم ثياب غسيل من عندك، وتأمرهم أن يغسلوا بالماء والخل أبدانهم، ثم يلبسون هذه الثياب البياض، وأدخل أنا حينذاك معه التنور، فمن احترق منا فهو الكاذب، فلما انكشف الأمر لذاك الدجال، نكث على عقبيه. حوادث كثيرة وكثيرة، لعله من المفيد أن أذكر لكم قصة بسيطة جداً وقعت بي أنا، وأنا العبد الفقير، كنت سافرت إلى حلب من دمشق في سبيل الدعوة، ألقينا الدرس وانفض الناس، ويبقى عادة أربع خمس هيك من إخواننا الأصدقاء، تأخر معهم شخص ما رأيته البتة قبل تلك الساعة، جالس هناك بعيد عني، وبطنه هيك، ما هو بالبدين، نحيل، مع ذلك كرشه هيك، قلت له: (ما) هذا يا رجل؟ قال: هذه الرحمانية، أنا لأول مرة أسمع كلمة الرحمانية هناك في حلب، قلت: إيش يعني الرحمانية؟ قال: يعني الشيش، قلت: يعني أنت جئت بي لماذا، أنا أعرف، قال: نوريكم كراماتنا، قلت له: الأمر سهل، كنت أحمل يومئذ موسى ذي نصلين، كل نصل هيك طوله صغير، منشان بَرَّاية القلم، قلت له: إذاً أنا أضربك بهذه الموسى بيدي، فقال: بيدي. يعني: هو بيضرب حاله بها الموس اللي بعطيه إياه بإيده، قلت له: لا بيدي، قال: بيدي. فالناس بدءوا يتفرجوا على هالكلمة التي تتكرر من الفريقين، أنا بقول: بيدي، وهو بيقول: بيدي، بيدي .. بيدي .. بيدي .. بيدي، وأنا بطبيعة الحال أَصْبَر منه، أولاً: محق، وثانياً مضى علي ما شاء الله من سنين وأنا أدعو الناس أشكالاً وألواناً إلى دين الله الحق، فَكَلَّ ومَلَّ، ولذلك طلع منه آخر كلمة: شو الفرق، أنا بقول له: بيدي، وهو بيقول لي: بيدي بيدي، وبعدين مَلَّ

[344] باب ما هي الطريقة السلفية للإنكار على المشعوذين؟

وكَلَّ، وقال: إيش الفرق، قلت له: ما دام ما في فرق، فبيدي .. حول الموضوع رأساً، وهذا من تجهيلهم، نادى صاحب الدار واسمه كمان أبو أحمد، قال له: يا أبو أحمد، هات المنقل، بتقولوا المنقل أنتم تبع الفحم، فهمت أنا ماذا يريد، قلت له: يا أبو أحمد، لا تجيب المنقل، هات الكبريتة. سبحان الله، كان هو من الصوفية بيعتادوا يحطوا حطة بيضاء بدون العقال، فجاء بالكبريت، شعلت كبريتة وقمت إليه، قلت له: ترجع عن دعواك هذه الباطلة، ولا بحرقك، مسكين، وجم، يعني خرس، ما يحكي ولا كلمة، وأنا أتقدم إليه خطوة خطوة حتى اقتربت منه فعلاً حطيت الكبريت في ... في الحطة تبعه، وبدأت تلتهب، ثم أخذتها هيك فركتها، خشية إنه يزداد الشرر، عملتها هيك، قلت: روح بقى لعند الشيوخ تبعكم، قلهم هاي كرامات السلفيين. "الهدى والنور" (20/ 16: 09: 01) [344] باب ما هي الطريقة السلفية للإنكار على المشعوذين؟ سؤال: نريد الطريقة السلفية للإنكار على المشعوذين؟ الشيخ: الطريقة السلفية معروفة: وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف، فيقال لهؤلاء: من سلفكم في هذا؟ سلفهم أمثالهم من الدجالين، أنا قلت لبعض إخواننا أن هؤلاء لا يفهمون الأدلة ولو فهموها ما رجعوا إليها، لأن ما هم عليه هو ما وجدوا عليه الآباء والأجداد، هم بلا شك من الناحية الفقهية يدَّعون المذهبية، فكل منهم ينتسب إلى مذهب من المذاهب الأربعة المتبعة اليوم، لكن هذا في الحقيقة اسماً وشكلاً، أما حقيقةً وواقعاً فلا أحد منهم يتقيد

بالأحكام الشرعية، لكن لو سألتهم: ما مذهبك؟ سيقول: أنا حنفي أو شافعي حينئذٍ يقال له: هل إمامك الشافعي قال بجواز هذا العمل؟ هناك خطتنا نرجع إلى السنة وإلى السلف، لكن هؤلاء ما يفقهون هذه الخطة المثلى، لكن هم إذا ما أعوزهم الأمر رجعوا للاحتجاج عليه بالأئمة، وقالوا لنا: أنتم خامسية وأنتم وهابية وأنتم .. فإذاً: نحن نخاطبهم بلغتهم، أولاً نقول لهم: من سلفكم في هذه الأعمال التي تأتون بها؟ ثم القضية تحتاج إلى نوع من الاختبار والامتحان العملي ... بعضهم رأى من يضرب نفسه بالشيش، هذه القضية معروفة منذ مئات السنين عن هؤلاء وأنهم جريئين جداً في أن يطعنوا أنفسهم بأيديهم، لكنهم هم في الواقع كما يقال أحدهم يعرف كيف تؤكل الكتف، هو يعرف [كيف يضرب] نفسه بنفسه ولذلك تعود القضية إلى أمرين رياضة وممارسة فتقلب عليهم القضية ويطلب منهم أن يُطعن من أحدكم مثلا ً وليس بالشيش وإنما بالموس الصغير، ... فهؤلاء يجب أن ينبهوا بخطوة عملية تبين للناس أنهم يدجلون فعلاً؛ لأن الحجة العلمية ما تفيدهم. ولوالدي سابقة وتجربة مع بعض هؤلاء الطرقيين ثم جرت لي أيضاً حادثة: كان هناك في بلدنا الأصيلة ألبانيا .. كان هناك شيخ نقشبندي كان يأتي بمثل هذه الدعاوى الباطلة مما يدعونه بأنهم .. وأنه يفعل ويفعل ويطعن حاله بالشيش فأبي تحداه رحمه الله وقال له: أنا رجل فقير لا أملك إلا هذه الدار فمع ذلك فهي لك إن بقيت في قيد الحياة إذا ما مكنتني من أن أطعنك بهذه الموسى الصغيرة بدل الشيش الكبيرة فأبى، والسر في هذا معروف أنهم يُطعنون من أبدانهم في أماكن يعرفون أنها غير قاتلة.

وكذلك وقعت لي حادثة منذ عشر سنوات في حلب التي هي في شمال دمشق، وكان من عادتي أن أسافر إليها في سبيل الدعوة كل شهر أياماً، فبعد أن ألقيت الكلمة أو المحاضرة وانفض الناس عادةً يتخلف ويتأخر بعض الإخوان المقربين، ثلاثة أربعة لكن بقي أحدهم ما رأيته حتى في الجلسة ما تنبهت له، لأن الجلسة تكون عامرة لكن لما انصرفوا بقي ثلاثة أربعة ممن نعرفهم فهو برز أمامي بشخصه المجهول عندي، ثم لفت نظري شيء ناتئ هكذا، وهو نحيف وليس بدين مثلي .. مع كونه نحيل بطنه خارج، ما هذا يا أخي؟ قال: هذه الرحمانية ولأول مرة أسمع بها، قلت له: ما معنى الرحمانية؟ قال: يعني: الشيش، فهمت حينئذ أنه صوفي، قلت له: تريد تورينا بشيشك كرامة؟ قال: نعم، وسبحان الله! يومئذٍ كنت أحمل موسى كموسى والدي موس صغير له طرفين, قلت له: لا تحتاج إلى شيش ... لكن ما رأيك أن أضربك بهذه الموسى بيدي؟ قال الخبيث: لا، بيدي، قلت له: لا، بيدي، وما يسمع الحاضرون إلا هذه الكلمة تتكرر من كلينا، هو يقول: بيدي، وأنا أقول: بيدي، بيدي بيدي حتى أزعجته وأمللته، قال: ما الفرق؟ قلت له: ما دام ما في فرق فبيدي، بهت الرجل ولف ودار في الكلام ونادى صاحب البيت، قال: يا أبو أحمد! هات المنقل،- تبع الفحم- فهمت أنا ما يريد، قلت له: تريد أن ترينا كيف النار لا يؤثر فيك؟ قال: نعم، قلت له: يا أبو أحمد! لا تأتي بالمنقل ائت فقط بكبريت، سبحان الله! ما أسرع ظهور الباطل! أتى بكبريت الرجل فهو واضع حطة هكذا .. هو بعيد قليلاً عني فقمت إليه، هو جالس في مقعده ... ، أشعلت الكبريت وقلت له: سترجع عن ادعاء الباطل أو أحرقك، مسكين وجهه وجم فما نطق ولا بكلمة، كيف؟ أبداً ما يتكلم، فبدأت أحرق الحطة تبعه فعلاً، التهبت "ففركتها" عملت لها هكذا وأصبحت هكذا فجوة

وقلت له: اذهب إلى شيخك وأريه كراماتنا نحن. هؤلاء الجماعة يريدون هكذا؛ لأن القضية قضية تمرين ليس قضية فيها أولاً كرامة حتى قد يكون سحر أحياناً لكن هذه ليست [سحراً] هذه كلها تمارين، ربنا عز وجل كان ألهم أحد مشايخ الطرق في حلب .. ما ندري هو بإخلاص .. هو بهدف ما ندري ماذا كان هو؟! أصبح سلفي [انقطاع] أنه تحمله الملائكة .. خفيف تحمله الملائكة بأن يلقي في الطبل الذي يدق عليه من أجل أن يجمعوا الناس والحقيقية يريدون أن يجمعوا الشياطين التي تعينهم على المنكر، فيرموا هذا الطبل على الأرض ثم يقف هو على الطبل فلا ينبعج الطبل؛ لأنه تحمله الملائكة هكذا يوهمون الناس. يقول هذا الرجل ولا أزال أحفظ اسمه .. اسمه حسن ويقول الأرنؤوط يعني من بلادنا ... حسن الأرنؤوط شيخ طريقة يتظاهر أنه سلفي قال: أتى مرة شيخ طريقة شاب إلى حلب وأصبح يجمع الناس في الساحات في حلب ويعملوا ذكر، حلقة الذكر على طريقتهم فالحلقة تستدعي إذاً أنه يرمي هذا الطبل ويقف عليه ويشوفه الناس كيف أنه ما هوى به الطبل، أراد هذا لكن ربنا خذله ما كاد يقف إلا انبعج الطبل وهبط .. صاحبنا موجود وفي إبان مشيخته، قال له: اذهب أنت لم تَصِلْ بعد، أتى وقلب الطبل على الوجه الثاني ووقف فصفقوا له الناس، يعني: هذا ابن طريق وابن شيخ وهكذا، قال لي: ما الحيلة في هذا؟ القضية ما فيها شيء إلا نوع من التمرين هذا الشيخ الصغير ليس متمرن بعد .. الحيلة في ذلك أنه الذي يريد أن يعمل العملية يضع الكعب تبع القدم يضعه على حرف الإطار تبع الطبل وبقية القدم [على] الجلد وبذلك لا يصير شيء .. هذا الرجل باعتبار أنه غير متمرن

أتى بالكعب تبع القدم على الجلد فهوى به، وهكذا حكى لنا أشياء كثيرة وكثيرة جداً كلها تدور حول أمور عادية تماماً لكن تحتاج إلى تمرين وإلى نوع من الرشاقة والخفة. أتى مرة ونحن في دمشق من ألبانيا بعض الشباب، ليس بالشباب الصالح، أرادوا أن يذهبوا للحياة في سوريا لعله أحسن من هناك وإذا به يفعل بعض هذه الأفاعيل التي يرتكبها الطرقيون، من جملتها يأكل الزجاج ويومئذ لم تكن الكهرباء هذه انتشرت في البلاد، كانت القناديل هذه تبع الزيت والفتيلة، واللمبة صنع البلد، فيأخذ اللمبة هذه [أمام] الناس ويعض عليها، نحن عندما نسمع جسمنا ماذا؟ يتقزز، يقرطها هكذا بالأسنان ويبلعها، أخي أكبر مني بسنتين توفي إلى رحمة الله، اسمه أبو أحمد يمكن بعض إخواننا أبو أحمد يعرفه، تمرن وأصبح هو الآخر يأكل زجاج لكن ليس بنفس الدعوى التي يدعيها الطرقيون. يعني في قضايا تحتاج إلى نوع من الجرأة والممارسة، وهؤلاء الجماعة هكذا لا يغلبون إلا بأن يُؤتون على عكس ما يدعون هم، أما قضية حجة .. كتاب .. سنة .. أئمة .. علماء، لا يفهمون شيئاًَ من هذا إطلاقاً، لذلك فلازم نعرف كيف نجابههم ونعارضهم. مداخلة: نقول لهم: ما دمتم أولياء .. الولي ما يحتاج إلى مقدمات من الطبل والأناشيد .. فجربوا .. أثبتوا كرماتكم بدون الطبل مثلاً .. مداخلة: يقول لك: هذه الحضرة، لا تصبح كرامة إلا بعد الحضرة حتى يتقربوا ويصلوا ..... [كلام غير واضح يحكي فيه الحضور بعض ما يفعله الدجالون].

الشيخ: هذه من ... المصريين ... قضايا، ... ناس عندنا في دمشق يعمل حلقة هكذا يأخذ له ... ورق سورية خمسين ليرة .... على مشهد من الناس وبعد ذلك يرجعه، لا شك أن هذا من أنواع السحر، كما قال تعالى بالنسبة لسحرة فرعون: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (الأعراف: 116) نعم، كذلك يأخذ الخاتم من يد إنسان وإذا به أصبح في يد إنسان آخر، أشياء غريبة جداً مع أنه رجل لا خلاق له، يمكن أنه لا يصلي ولا يصوم وإلى آخره، ولكن الفارق بين هذا أنه يتخذها مهنة .. أولئك يتخذونها كرامة وولاية. " الهدى والنور" (28/ 47: 23: 00)

جماع أبواب الكلام حول الاستغاثة وأحكامها

جماع أبواب الكلام حول الاستغاثة وأحكامها

[345] باب من الشرك: الاستغاثة بالأموات وبيان جواز الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه

[345] باب من الشرك: الاستغاثة بالأموات وبيان جواز الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبيناهم كذلك استغاثوا بآدم فيقول: لست صاحب ذلك، ثم بموسى، فيقول كذلك، ثم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، فيشفع بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً، يحمده أهل الجمع كلهم». [قال الإمام]: (فائدة): قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " استغاثوا بآدم "، أي: طلبوا منه عليه السلام أن يدعو لهم، ويشفع لهم عند الله تبارك وتعالى، والأحاديث بهذا المعنى كثيرة معروفة في " الصحيحين "، وغيرهما، وليس فيه جواز الاستغاثة بالأموات، كما يتوهم كثير من المبتدعة الأموات! بل هو من باب الاستغاثة بالحي فيما يقدر عليه، كما في قوله تعالى: {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه .. } الآية. ومن الواضح البَيَّن أنه لا يجوز- مثلاً- أن يقول الحي القادر للمقيد العاجز: أَعِنيِّ! فالميت الذي يستغاث به من دونه تعالى أعجز منه، فمن خالف، فهو إما أحمق مهبول، أو مشرك مخذول لأنه يعتقد في ميته أنه سميع بصير، وعلى كل شيء قدير، وهنا تكمن الخطورة لأن الشرك الأكبر، وهو الذي يخشاه أهل التوحيد على هؤلاء المستغيثين بالأموات من دون الله تبارك وتعالى، وهو القائل: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين. ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم

[346] باب منه

آذان يسمعون بها} وقال: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}. "الصحيحة" (5/ 590 - 592). [346] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا علي، يا عباد الله احبسوا علي، فإن لله في الأرض حاضراً سيحبسه عليكم». (ضعيف). [قال الإمام]: وقال الحافظ السخاوي في " الابتهاج بأذكار المسافر والحاج " (ص 39): " وسنده ضعيف، لكن قال النووي: إنه جرَّبه هو وبعضُ أكابر شيوخه ".قلت: العبادات لا تؤخذ من التجارب، سيما ما كان منها في أمر غيبي كهذا الحديث، فلا يجوز الميل إلى تصحيحه بالتجربة! كيف وقد تمسك به بعضهم في جواز الاستغاثة بالموتى عند الشدائد وهو شرك خالص. والله المستعان. "الضعيفة" (2/ 108 - 109). [347] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إذا أضل أحدُكم شيئاً، أو أراد أحدكم غوثاً، وهو بأرض ليس بها أنيس

فليقل: يا عباد الله أغيثوني، يا عباد الله أغيثوني، فإن لله عبادا لا نراهم». (ضعيف) [قال الإمام]: ومع أن هذا الحديث ضعيف كالذي قبله، فليس فيه دليل على جواز الاستغاثة بالموتى من الأولياء والصالحين، لأنهما صريحان بأن المقصود بـ " عباد الله " فيهما خلق من غير البشر، بدليل قوله في الحديث الأول: " فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليهم ".وقوله في هذا الحديث: " فإن لله عباداً لا نراهم". وهذا الوصف إنما ينطبق على الملائكة أو الجن، لأنهم الذين لا نراهم عادة، وقد جاء في حديث آخر تعيين أنهم طائفة من الملائكة. أخرجه البزار عن ابن عباس بلفظ: «إن لله تعالى ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أعينوني». قال الحافظ كما في " شرح ابن علان " (5/ 151): " هذا حديث حسن الإسناد غريب جداً، أخرجه البزار وقال: لا نعلم يروى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ". وحسنه السخاوي أيضا في " الابتهاج " وقال الهيثمي: "رجاله ثقات". قلت: ورواه البيهقي في " الشعب " موقوفا كما يأتي. فهذا الحديث- إذا صح- يعين أن المراد بقوله في الحديث الأول "يا عباد الله" إنما هم الملائكة، فلا يجوز أن يلحق بهم المسلمون من الجن أو الإنس ممن يسمونهم برجال الغيب من الأولياء والصالحين، سواء كانوا أحياء أو أمواتاً، فإن

[348] باب منه

الاستغاثة بهم وطلب العون منهم شرك بين لأنهم لا يسمعون الدعاء، ولو سمعوا لما استطاعوا الاستجابة وتحقيق الرغبة، وهذا صريح في آيات كثيرة، منها قوله تبارك وتعالى: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم، ولو سمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم، ولا ينبئك مثل خبير} (فاطر 13 - 14). "الضعيفة" (2/ 109 - 110). [348] باب منه [قال الإمام]: وأما الركن الأول من هذه الأركان الخمسة " شهادة أن لا إله إلا الله " فبدونها لا ينفع شيء من الأعمال الصالحة، وكذلك إذا قالها ولم يفهم حقيقة معناها، أو فهم، ولكنه أخل به عملياًّ كالاستغاثة بغير الله تعالى عند الشدائد ونحوها من الشركيات. "الضعيفة" (1/ 213). [349] باب منه [قال الإمام]: الشرك: كالاستغاثة بغير الله، والاستغاثة بالأموات من الأنبياء والصالحين، ودعائهم من دون الله، والحلف بهم تعظيماً لهم. "مناسك الحج والعمرة" (ص7)

[350] باب من الشرك الاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته

[350] باب من الشرك الاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته [قال الإمام]: (تنبيه): أورد البيهقي ... في " الشعب " (2/ 1/82/ 2) بإسناده عن أبي يزيد الرقاشي عن محمد بن روح بن يزيد البصري: حدثني أيوب الهلالي قال: " حج أعرابي، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا، أستشفع بك على ربك لأنه قال في محكم كتابه: [ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما] .. ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول: يا خير من دفنت في الترب أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم. قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم، لم أعرف أيوب الهلالي ولا من دونه. وأبو يزيد الرقاشي، أورده الذهبي في " المقتنى في سرد الكنى " (2/ 155) ولم يسمه، وأشار إلى أنه لا يعرف بقوله: " حكى شيئاً "، وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية، وهي منكرة ظاهرة النكارة، وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية! وقد ذكرها- مع الأسف- الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم .. } وتلقفها منه كثير من أهل الأهواء والمبتدعة، مثل الشيخ الصابوني، فذكرها برمتها في " مختصره "! (1/ 410) وفيها زيادة في آخرها: " ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في النوم، فقال: يا عتبي! الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له " وهي في " ابن كثير " غير معزوة لأحد من

[351] باب الرد على شبه المستغيثين

المعروفين من أهل الحديث، بل علقها على " العتبي "، وهو غير معروف إلا في هذه الحكاية، ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد البيهقي. وهي حكاية مستنكرة، بل باطلة، لمخالفتها الكتاب والسنة، ولذلك يلهج بها المبتدعة، لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وطلب الشفاعة منه بعد وفاته، وهذا من أبطل الباطل، كما هو معلوم، وقد تولى بيان ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وبخاصة في " التوسل والوسيلة "، وقد تعرض لحكاية العتبي هذه بالإنكار، فليراجعه من شاء المزيد من المعرفة والعلم. "الصحيحة" (6/ 2/1034 - 1035). [351] باب الرد على شبه المستغيثين [قال الإمام في مقدمة تحقيقه على "الآيات البينات في عدم سماع الأموات بعد أن رد أهم شبه المستغيثين بغير الله]: وإني لأشعر-وقد بلغت في تسلسل هذا البحث العلمي إلى هذه النقطة الهامة-أنه لم يبق عند المستغيثين بغير ربِّ العالمين شبهة تُذْكَر إلا أن يقولوا: سلَّمْنَا بكلِّ ما ذَكَرْتُم، ولكن هل من مانع يمنع أن نطلب منهم ما كان بمقدورهم في الحياة الدنيا؛ كالدعاء مثلاً، فبدل أن نقول مثلا: يا رسول الله أغِثْنَا، أو اشفع لنا، نقول: ادعُ الله لنا أنْ يغيثنا، أو أنْ يشفِّعك فينا، ولا نقول: يا رسول الله اغفر لنا ذنوبنا، وإنما نقول: استغفر لنا ذنوبنا، بل إن هذا بعينه هو قصدنا نحن وإن أسأنا التعبير! فقد جاء في الحديث: " تعرض على أعمالكم؛ فإن رأيتُ خيراً حمدت الله، وإن رأيتُ شراً استغفرت لكم" (¬1). ¬

(¬1) قلت: وهو حديث ضعيف كما حققته في "الأحاديث الضعيفة" (971 - المجلد الثاني). [منه]

وجواباً عليه أقول: إنْ سلَّمنا بأنَّ ذلك هو القصد، فالطَّلَب من أصله خطأ وضلال لا يجوز، بل يجب الامتناع منه فوراً، وبيانه من وجهين: الأول: أنه ينافي الإخلاص لله تعالى في دعائه وعبادته وحده، وفي ذلك آيات كثيرة صريحة في النهي عن دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين كما سيأتي، وقد مضى بعضها، ومنها قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ في السَّمَاوَاتِ وَلَا في الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (سبأ: 22 - 23). قال شيخ الإسلام ابن تيمية في"مجموع الفتاوى" (1/ 197 - 281) بعد ذكر هذه الآية وغيرها: "ومثل هذا في القرآن كثير: ينهى أن يُدْعَى غير الله؛ لا الملائكة، ولا الأنبياء، ولا غَيْرهم؛ فإنَّ هذا شرك، أو ذريعة إلى الشِّرك، بخلاف ما يُطْلَبُ من أحدهم في حياته من الدعاء والشفاعة؛ فإن لا يُفضِى إلى ذلك؛ فإنَّ أحداً من الأنبياء والصالحين لم يُعْبِد في حياته بحضرته؛ فإنه ينهى من يفعل ذلك بخلاف دعائهم بعد موتهم؛ فإن ذلك ذريعة إلى الشِّرك بهم، وكذلك دعاؤهم في مغيبهم هو ذريعة إلى الشٍّرك. فمن رأى نبيًّا أو مَلَكاً من الملائكة، وقال له: "ادعُ لي " لم يُفْضِ ذلك إلى الشرك به، بخلاف مَن دعاه في مغيبه؛ فإنَّ ذلك يفضي إلى الشرك به كما قد وقع؛ فإنَّ الغائب والميت لا ينهى من يشرك به، بل إذا تعلَّقت القلوب بدعائه وشفاعته أَفْضَى ذلك إلى الشرك به، فدُعِي، وقُصِد مكان قبرِه أو تمثاله أو غير ذلك، كما قد

وقع فيه المشركون ومَن ضاهاهم من أهل الكتاب ومبتدعة المسلمين. ومعلومٌ أن الملائكة تدعو للمؤمنين وتستغفر لهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ} (غافر: 7). فالملائكة يستغفرون للمؤمنين مِن غير أن يسألهم أحد، وكذلك ما رُوِى أنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو غيره من الأنبياء والصالحين- يدعو ويشفع للأخيار من أمته هو من هذا الجنس، هم يفعلون ما أَذِنَ الله لهم فيه بدون سؤال أحد. وإذا لم يُشرع دعاء الملائكة لم يُشرع دعاء من مات من الأنبياء والصالحين، ولا أن نطلب منهم الدُّعاء والشَّفَاعَة، وإنْ كانوا يدعون ويشفعون؛ لوجهين: أحدهما: أنَّ ما أمَرهم اللهُ به من ذلك هم يفعلونه وإن لم يُطْلَبْ منهم، وما لم يُؤمروا به لا يفعلونه ولو طُلِبَ منهم؛ فلا فائدة في الطلب منهم. الثاني: أن دعاءهم وطلبَ الشفاعة منهم في هذه الحال يُفْضِى إلى الشِّرك بهم؛ ففيه هذه المفسدة، فلو قُدِّر أنَّ فيه مصلحة لكانت هذه المفسدة راجحة، فكيف ولا مصلحة فيه، بخلاف الطلب منهم في حياتهم وحضورهم؛ فإنه لا مفسدة فيه؛ فإنهم ينهون عن الشِّرك بهم، بل فيه منفعة؛ وهو أنهم يُثَابُون ويُؤجَرُون على ما يفعلونه حينئذٍ من نفع الخلق كلهم؛ فإنَّهم في دارِ العمل والتكليف، وشفاعتهم في الآخرة فيها إظهار كرامة الله لهم يوم القيامة". وقال في موضع آخر (1/ 330 - 331): "وكذلك الأنبياء والصَّالحون، وإن كانوا أحياء في قبورهم، وإنْ قُدِّر أنَّهم

يدعون للأحياء، وإنْ وردت به آثار (¬1)، فليس لأحدٍ أن يطلبَ منهم ذلك، ولم يفعل ذلك أحدٌ من السَّلف؛ لأنَّ ذلك ذريعةٌ إلى الشِّرك بهم، وعبادتهم من دون الله تعالى، بخلاف الطلب من أحدهم في حياته، فإنه لا يُفْضِى إلى الشرك، ولأن ما تفعله الملائكة ويفعله الأنبياء والصالحون هو بالأمر الكوني؛ فلا يؤثِّرُ فيه سؤال السائلين، بخلاف سؤال أحدهم في حياته؛ فإنه يشرع إجابة السائل، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم". والخلاصة: أن طلب الدعاء والشفاعة ونحو ذلك من الأنبياء والصالحين بعد موتهم لا يجوز؛ لأنَّه شِرك، أو ذريعةٌ إلى الشِّرك، وهذا هو الوجه الأول من الوجهين الدَّالَّين على ذلك. والوجه الآخر: أن ذلك يعني عند الطالبين أن الأنبياء والصالحين يسمعون طلبتهم، وإلا كان دعاؤهم ومناداتهم بذلك سخفا جليًّا، وضلالاً بيِّناً، وهذا مما يترفع عنه العاقل، بله المؤمن؛ لأنه باطل بداهةً وفطرة، وبذلك احتج الله على المشركين في مواطن كثيرة من القرآن، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}؟! (الأعراف: 194 - 195)؛ ولذلك كانت حجة إبراهيم على أبيه وقومه: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (مريم: 42) وقال: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ، قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ، قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ¬

(¬1) كأنه يشير إلى الحديث السابق. [منه]

(الشعراء:70 - 74). فقد اعترفوا بهذه الحجة القاطعة وخضعوا لها في قلوبهم، ولكنهم عاندوا وعدلوا عنها إلى قولهم: {بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (الشعراء: 74). إذا عَرَفت هذا؛ فتنبَّه أيُّها المسلم المبتلَى بدعاء الأولياء والصالحين من دون الله تعالى، هل أنت تعتقد أنهم حين تناديهم لا يسمعونك؟ إذن فأنت مع مخالفتك للعقل والفطرة السليمة مثل أولئك المشركين من قوم إبراهيم وغيرهم، ولا فرق، فلا ينفعك والحالة هذه ما تدِّعيه من إسلام وإيمان؛ لأن الله تعالى يقول في القرآن: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} (الزُّمر: 65) وإن كنت تزعم أنهم يسمعونك؛ ولذلك تناديهم وتستغيث بهم وتطلب منهم، فهي ضلالةٌ أخرى فُقْتَ بها المشركين! وإني لأعيذك بالله أن تكون منهم في شيء. فأعلم أخي المسلم أنَّ كلَّ ما أعطاه الله تعالى للبشر-وفيهم الأنبياء والأولياء-من قدرات وصفات، أن كلَّ ذلك يذهب بالموت؛ كالسَّمع والبصر، والبطش، والمشي، ونحو ذلك، فما يبقى منها شيءٌ كما هو مُشَاهَد، اللهم إلا الرّوح باتفاق المسلمين، وأجساد الأنبياء كما في الحديث الصحيح، فمن زعم أنَّ الموتى يسمعون، فهو كالذي يزعم أنهم يبصرون ويبطشون ويتصرفون، فكل هذا-مع كونه خلاف المشَاهَد-إنما هو تحدُّثٌ عما وراء العقل والمادة، وذلك مما لا يجوز شرعاً؛ لأنه من الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وإذا كان الأمر كذلك-وهو كذلك يقيناً لا شكَّ فيه-فلا يجوز نسبة شيء مما ذُكِرَ إلى الموتى جميعاً إلا بنصٍّ من الشارع الحكيم، فهل جاء نص يثبت للموتى صفة السمع؛ أي أنَّ من طبيعة الميت أن يسمع الكلام كما كان قبل موته، وأن ذلك صفة له كما كانت له قبل ذلك، أم الأمر على النقيض من ذلك، كما شرحه المؤلف-رحمه الله

[352] باب هل تجوز الاستغاثة بكلام الله؟

تعالى-وبسط القول فيه معتمداً على أقوال المذهب والأئمة؟ هذا ما أردتُ تحقيقه وتأييده بما وقفتُ عليه من الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة، راجياً ممن وقف عليه أنْ يصيخ بسمعه، ويصغي بقلبه، ويتبع آيات ربه القائل في كتابه: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَمَا أَنْتَ بِهَادِي العُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} (النمل:80 - 81). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص 31 - 37). [352] باب هل تجوز الاستغاثة بكلام الله؟ سؤال: أمس واحد يسألني يا شيخنا، يقول لي: هل يجوز أن نستغيث بكلام الله نقول: يا كلام الله؟! قلت له: يغنيك الاستغاثات الواردة عن السلف وعن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعن الأنبياء وكذا .. أن تأتي بهذه الاستغاثة التي لم ترد. الشيخ: الحقيقة أن الوقوف مع النصوص الشرعية خاصة في العبادات تريح النفس، ويطمئن القلب. "الهدى والنور" (653/ 07: 13: 00) [353] باب هل تجوز الاستغاثة بنداء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو ذكر اسمه؟ [أورد ابن تيميه في "الكلم الطيب"]: عن الهيثم بن حنش، قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فخدرت رجله، فقال له رجل: «اذكر أحب الناس إليك. فقال: يا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. قال: فقام فكأنما نشط من عقال. (ضعيف).

[و] عن مجاهد، قال: خدرت رِجْل رَجُل عند ابن عباس، فقال ابن عباس: «اذكر أحب الناس إليك. فقال: محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -.فذهب خدره». [قال الإمام معلقًا على الأثر الثاني]: موضوع، أخرجه ابن السني (165) فيه غياث بن إبراهيم، قال ابن معين: كذاب خبيث، ولذلك فإني استقبحت إيراد المؤلف إياه، ثم تتابع المؤلفون على ذلك كابن القيم وابن الجزري وصديق حسن خان وغيرهم، بل لم أستحسن إيرادهم للأثر الذي قبله، وإن كان سنده أحسن حالاً من هذا، لأنه موقوف، ولا هو في حكم المرفوع لما يأتي، فلا يحتج به لو صح، ولا سيما وبعض المبتدعة يستدلون به على جواز الاستغاثة بغير الله تبارك وتعالى! ولقد قارب الصواب الإِمام الشوكاني حين قال في «تحفة الذاكرين» (ص206): «ليس في هذا ما يفيد أن لذلك حكم الرفع، فقد يكون مرجع مثل هذا التجريبَ».ثم قال: (والمحبوب الأعظم لكل مسلم هو رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فينبغي ذكره كما ورد ما يفيد ذلك في كتاب الله سبحانه مثل قوله: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، وكما في حديث: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين»). قلت: لا ريب أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هو المحبوب الأعظم لكل مسلم، لكن هل شرع الله لنا أن نذكره أو نناديه عند الخدر حتى يكون فعل ذلك دليلاً على حبه تعالى؟! إن قيل: نعم، فأين الدليل؟! وإن قيل لا، فما ذكره الشوكاني من الآية والحديث حجة عليه لا له. والله المستعان. "تحقيق الكلم الطيب" (ص 174)

جماع أبواب حكم الذبح لغير الله تعالى والكلام على حكم الفرع والعتيرة والبحيرة

جماع أبواب حكم الذبح لغير الله تعالى والكلام على حكم الفرع والعتيرة والبحيرة

[354] باب من الشرك: الذبح لغير الله

[354] باب من الشرك: الذبح لغير الله [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «في الإبل فرع، وفي الغنم فرع». [قال الإمام]: (الفرع): أول ما تلده الناقة، كانوا يذبحونه لآلهتهم، فأبطله الإسلام، وجعله الله لمن شاء على التخيير لا الإيجاب، وهو المراد بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا فرع ... ». كما ترى بيانه في " الإرواء " (4/ 409 - 413). "الصحيحة" (4/ 651 - 653). [355] باب ذبائح الجن من الشرك [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «نهى عن ذبائح الجن». (موضوع). [قال الإمام]: والحديث في " سنن البيهقي " (9/ 314) من الوجه الذي ذكره السيوطي وعنده عقب الحديث ما نصه: قال: (لعله يعني الزهري) وأما ذبائح الجن: أن تشتري الدار وتستخرج العين وما أشبه ذلك فتذبح لها ذبيحة للطيرة، وقال أبو عبيد: وهذا التفسير في الحديث معناه: أنهم يتطيرون إلى هذا الفعل مخافة أنهم إن لم يذبحوا فيطمعوا أن يصيبهم فيها شيء من الجن يؤذيهم، فأبطل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا

[356] باب حكم الفرع والعتيرة

ونهى عنه. قلت: لقد علمت أن الحديث غير صحيح، فالعمدة في النهي عن هذه الذبائح الأحاديث الصحيحة في النهي عن الطيرة، والله أعلم. "الضعيفة" (1/ 413). [356] باب حكم الفرع والعتيرة عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ».زَادَ ابْنُ رَافِعٍ فِي رِوَايَتِهِ وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ فَيَذْبَحُونَهُ. [قال الإمام]: ولفظ البخاري: «كانوا يذبحونه لطواغيتهم» وزاد: «والعتيرة في رجب» وفي رواية لأحمد: « ... ذبيحة في رجب».وصرح أن هذا التفسير من قول الزهري. وهو من رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. واعلم أنه قد جاءت أحاديث تدل على جواز الفرع والعتيرة, فيحمل حديث الباب على تحريم ذلك إذا كانت لغير الله كما كانوا يفعلون في الجاهلية. والأحاديث المبيحة على ما إذا كانت لله, وقد خرجت بعضها في «الإرواء» (1167). "مختصر صحيح مسلم" (ص 336).

[357] باب ذكر ما يجوز من الفرع

[357] باب ذكر ما يجوز من الفرع [خرج الإمام في "الإرواء" حديث] أبي هريرة مرفوعًا «لا فرع ولا عتيره». متفق عليه [ثم خرج] حديث الحارث بن عمرو أنه (لقي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حجة الوداع قال: فقال رجل: يا رسول الله الفرائع والعتائر؟ قال: من شاء فَرَع ومن شاء لم يَفْرَع، ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر في الغنم الأضحية).رواه أحمد والنسائي) [وحكم عليه بأنه] ضعيف. [ثم قال]: لكن يشهد لمعنى الحديث أحاديث أخرى. الأول: عن داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (وسئل عن الفرع؟ قال: والفرع حق وأن تتركوه حتى يكون بكرًا شفزيًّا (أي غليظا) ابن مخاض أو ابن لبون فنعطيه أرملة، أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه فيلزق لحمه بوبره وتكفأ إناءك وتوله ناقتك) زاد في رواية: (قال: وسئل عن العتيرة؟ فقال: العتيرة حق. قال بعض القوم لعمرو ابن شعيب: ما العتيرة؟ قال: كانوا يذبحون في رجب شاة فيطبخون ويأكلون ويطعمون) ... الثاني: عن نَبيشة الهذلي قال: (قالوا: يا رسول الله إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية فما تأمرنا؟ قال: "اذبحوا لله عز وجل في أي شهر ما كان، وبروا الله تبارك وتعالى، وأطعموا" قالوا: يا رسول الله إنا كنا نفرع في الجاهلية فرعا فما تأمرنا؟

[358] باب حكم أكل ما ذبح للأولياء والأضرحة

قال: «في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك، حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه- قال خالد: أراه قال: على ابن السبيل- فإن ذلك هو خير». [إلى أن قال]: هذا وقد أفادت هذه الأحاديث مشروعية الفرع وهو الذبح أول النتاج على أن يكون لله تعالى ومشروعية الذبح في رجب وغيره بدون تمييز وتخصيص لرجب على ما سواه من الأشهر، فلا تعارض بينها وبين الحديث المتقدم (لا فرع ولا عتيرة)؛ لأنه إنما أبطل - صلى الله عليه وآله وسلم - به الفرع الذي كان أهل الجاهلية [يفعلونه] لأصنامهم، والعتيرة وهى الذبيحة التى يخصون بها رجبًا. والله أعلم "إرواء الغليل" (4/ 409 - 413). [358] باب حكم أكل ما ذبح للأولياء والأضرحة سؤال: هل يجوز أكل ما ذبح للأولياء والأضرحة، علمًا بأن الذابح يذكر اسم الله عند الذبح؟ الشيخ: هذا مما أهل لغير الله فلا يحل أكله. "فتاوى الإمارات" (2/ 00:03:21) [359] باب البحيرة وحكمها عن مالك بن نضلة رضي الله عنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: «هل تنتج إبل قومك صحاحًا [آذانها] فتعمد إلى الموسى فتقطع آذانها، وتشق جلودها، وتقول هذه صرم، فتحرمها عليك، وعلى أهلك قلت: نعم.

قال: «فكل ما آتاك الله حل، ساعد الله أشد من ساعدك، وموسى الله أشد من موساك». (صحيح). [قال الإمام]: كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية يوقفونها لأصنامهم ويُحرِّمونها على أنفسهم، يسيبونها ليس لها راع، وهي «البحيرة» المذكورة في قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 469).

جماع أبواب الرقى والتمائم والتولة والأوتار وأحكامها

جماع أبواب الرقى والتمائم والتولة والأوتار وأحكامها

[360] باب جواز الرقى المشروعة وكراهة الاسترقاء

[360] باب جواز الرقى المشروعة وكراهة الاسترقاء [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل». [قال الإمام]: أخرجه مسلم (7/ 18 - 19) وأحمد (3/ 382) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 90) من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " أرخص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في رقية الحية لبني عمرو. قال أبو الزبير: سمعت جابر بن عبد الله يقول: " لدغت رجلاً منا عقربٌ ونحن جلوس مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال رجل: يا رسول الله أرقي؟ قال ... "فذكره. وفي الحديث استحباب رقية المسلم لأخيه المسلم بما لا بأس به من الرقى، وذلك ما كان معناه مفهوماً مشروعاً، وأما الرقى بما لا يعقل معناه من الألفاظ فغير جائز. قال المناوي: " وقد تمسك ناس بهذا العموم، فأجازوا كل رقية جُرّبت منفعتها، وإن لم يعقل معناها، لكن دل حديث عوف الماضي أن ما يؤدي إلى شرك يمنع، وما لا يعرف معناه لا يؤمن أن يؤدي إليه، فيمنع احتياطاً ". قلت: ويؤيد ذلك أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يسمح لآل عمرو بن حزم بأن يرقي إلا بعد أن اطلع على صفة الرقية، ورآها مما لا بأس به، بل إن الحديث بروايته الثانية من طريق أبي سفيان نص في المنع مما لا يعرف من الرقى، لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى نهياً عاماًّ أول الأمر، ثم رخص فيما تبين أنه لا بأس به من الرقى، وما لا يعقل معناه

[361] باب مشروعية ترقية المرء غيره بما لا شرك فيه من الرقى

منها لا سبيل إلى الحكم عليها بأنه لا بأس بها، فتبقى في عموم المنع. فتأمل. وأما الاسترقاء، وهو طلب الرقية من الغير، فهو وإن كان جائزاً، فهو مكروه كما يدل عليه حديث " هم الذين لا يسترقون ... ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون " متفق عليه. وأما ما وقع من الزيادة في رواية لمسلم: " هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ... " فهي زيادة شاذة، ولا مجال لتفصيل القول في ذلك الآن من الناحية الحديثية، وحسبك أنها تنافي ما دل عليه هذا الحديث من استحباب الترقية. وبالله التوفيق. "الصحيحة" (1/ 2/843 - 844) [361] باب مشروعية ترقية المرء غيره بما لا شرك فيه من الرقى [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ارقيه، وعلميها حفصة، كما علمتيها الكتاب، وفي رواية الكتابة». [قال الإمام]: وفي الحديث فوائد كثيرة [منها] ... : مشروعية ترقية المرء لغيره بما لا شرك فيه من الرقى، بخلاف طلب الرقية من غيره فهو مكروه لحديث " سبقك بها عكاشة " وهو معروف مشهور. "الصحيحة" (1/ 1/340، 345).

[362] باب من الرقى غير المشروعة

[362] باب من الرقى غير المشروعة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «عالجيها بكتاب الله». [قال الإمام]: أخرجه ابن حبان (1419) من طريق عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة: " أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها، فقال: " فذكره. قلت: وإسناده صحيح، وفي الحديث مشروعية الترقية بكتاب الله تعالى ونحوه مما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الرقى كما تقدم في الحديث (178) عن الشفاء قالت: دخل علينا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنا عند حفصة فقال لي: «ألا تُعَلِّمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة؟».وأما غير ذلك من الرقى فلا تشرع، لاسيما ما كان منها مكتوباً بالحروف المقطعة والرموز المغلقة التي ليس لها معنى سليم ظاهر، كما ترى أنواعا كثيرة منها في الكتاب المسمى بـ " شمس المعارف الكبرى " ونحوه. "الصحيحة" (4/ 565 - 566). [363] باب الرقى- غير الشرعية- والتمائم والتولة من الشرك [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الرقى، والتمائم، والتِوُلة شرك». [قال الإمام]: " الرقى " هي هنا ما كان فيه الاستعاذة بالجن، أو لا يفهم معناها، مثل كتابة

[364] باب كراهة الاكتواء والاسترقاء

بعض المشايخ من العجم على كتبهم لفظة " يا كبيج " لحفظ الكتب من الأرضة زعموا. و " التمائم " جمع تميمة، وأصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين، ثم توسعوا فيها فسموا بها كل عوذة. قلت: ومن ذلك تعليق بعضهم نعل الفرس على باب الدار، أو في صدر المكان! وتعليق بعض السائقين نعلا في مقدمة السيارة أو مؤخرتها، أو الخرز الأزرق على مرآة السيارة التي تكون أمام السائق من الداخل، كل ذلك من أجل العين زعموا. وهل يدخل في "التمائم " الحجب التي يعلقها بعض الناس على أولادهم أو على أنفسهم إذا كانت من القرآن أو الأدعية الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، للسلف في ذلك قولان، أرجحهما عندي المنع كما بينته فيما علقته على " الكلم الطيب " لشيخ الإسلام ابن تيمية (رقم التعليق 34) طبع المكتب الإسلامي. و" التولة " بكسر التاء وفتح الواو، ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره قال ابن الأثير: " جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر، ويفعل خلاف ما قدره الله تعالى ". "الصحيحة" (1/ 2/648 - 650). [364] باب كراهة الاكتواء والاسترقاء [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من اكتوى أو استرقى، فقد برئ من التوكل». [قال الإمام]: قلت: وفيه كراهة الاكتواء، والاسترقاء. أما الأول فلِمَا فيه من التعذيب بالنار، وأما الآخر، فلما فيه من الاحتياج إلى الغير فيما الفائدة فيه مظنونة غير راجحة،

[365] باب هل الاسترقاء للطفل محرم؟

ولذلك كان من صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون. كما في حديث ابن عباس عند الشيخين. وزاد مسلم في روايته فقال: «لا يرقون ولا يسترقون» وهي زيادة شاذة كما بينته فيما علقته على كتابي " مختصر صحيح مسلم " (رقم 254). "الصحيحة" (1/ 1/489 - 490). [365] باب هل الاسترقاء للطفل محرم؟ سؤال: امرأة طلبت من الزوج أن يرقى ابن الابن هل هذا من الاسترقاء؟ الشيخ: ستأخذ الجواب ... ما جزاء الذين يسترقون؟ الجزاء أنه ليس من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، طيب! إذا كان الأمر كذلك فهل الطفل الصغير يمكن أن يدخل في هذا؟ مداخلة: لو قلنا مثلاً: لها بَنِيَّة واسترقت لهم. الشيخ: نعم، ليس فيها شيء هذه. "الهدى والنور" (172/ 20: 01: 01) [366] باب هل السبعون ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب كلهم من أهل البقيع [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يا أم قيس! ترين هذه المقبرة؛ يبعث الله منها سبعين ألفاً يوم القيامة على صورة القمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب، [كأن وجوههم القمر ليلة البدر]. فقام عكاشة فقال: وأنا يا رسول الله؟! قال: وأنت. فقام آخر فقال: وأنا يا

[367] باب هل الأفضل رقية الإنسان نفسه بنفسه، أم الذهاب إلى القراء وطلب الرقية منهم؟

رسول الله؟! قال: سبقك بها عكاشة» (منكر) [قال الإمام]: والحديث منكر؛ لأن المحفوظ أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في السبعين ألفاً أنهم: "الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون".أخرجه الشيخان. والظاهر: أنه في عامة أمته - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ وليس في الذين يدفنون في البقيع. والله أعلم. "الضعيفة" (11/ 2/849 - 850). [367] باب هل الأفضل رقية الإنسان نفسه بنفسه، أم الذهاب إلى القراء وطلب الرقية منهم؟ سؤال: بالنسبة لقراءة القرآن هل يجوز قراءة القرآن للعامة أو للخاصة، يعني خاصة مثلاً بالنسبة للشيخ هنا أنه يقرأ، يذهبوا إليه الناس فيقرأ القرآن عليهم، يعني يجوز نفس للشخص المصاب يقرأ القرآن، يعني يكفيه ذلك أو يجوز له أن يذهب إلى الشيخ ... ؟ الشيخ: أن يقرأ المصاب القرآن بنفسه على نفسه، خير له من أن يذهب إلى غيره ويطلب الرقية منه؛ لأن في الحقيقة انكباب كثير من الناس على الذهاب إلى بعض المشائخ لطلب المعالجة منهم، الأمر عندي ليس مشروعاً بمثل هذا التوسع حتى الذهاب عند إخواننا الأطباء الدكتور عصام، ولا مؤاخذة لا نريد أن نفسد

عليك المهنة ولكن نعدّل الموقف ... المعروف اليوم في المعالجة الطبية المادية المعروفة، أن الإنسان الذي يشعر بأي نوع من المرض يسرع إلى الطبيب، بل وأكثر من ذلك، فكنا نتكلم فلا يشرع، وأرجو الانتباه .. أقول لا يشرع ولا أقول لا يجوز أن يُسارِع المسلم إلى الطبيب لأقل مرض يشعر به، فضلاً عن أنه لا يشرع أن يفحص نفسه احتياطاً، ... فالسبب في هذا .. أن واحد مريض مثلاً يذهب يطلب قراءة القرآن من غيره أم أنه يرقي نفسه؟ كان الجواب يرقي نفسه بنفسه أولى من أن يذهب إلى غيره، السبب الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يدخل الجنة من أمتي يوم القيامة سبعون ألفاً وجوههم كالقمر ليلة البدر بغير حساب ولا عذاب» ثم دخل عليه السلام حجرته، فأخذ أصحابه يتظننون من يكون هؤلاء السبعون ألف، منهم من يقول: نحن المهاجرون الذين هاجرنا في سبيل الله، منهم من يقول: نحن الأنصار الذين ناصرنا رسول الله، منهم من يقول: هم هؤلاء أبناؤنا الذين يأتون من بعدنا يؤمنون بنبينا ولم يروه .. طلع عليهم الرسول عليه السلام قائلاً وهنا الشاهد: «هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» فقال أحدهم قال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، قام آخر قال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «سبقك بها عكاشة»، الشاهد أن هذا الحديث يقول أن من صفات السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ووجوههم كالقمر ليلة البدر أنهم لا يطلبون الرقية من غيرهم. فذهاب الرجل إلى غيره يقول له: ارقني، ينافي هذه الفضيلة، وهذا الذي

نعنيه بأنه غير مشروع أي غير مستحب. كذلك هناك بعض المعالجات الطبية المادية، والناجحة، والمفيدة، والثابت نفعها بالتجربة ألا وهو الكي وأيد الرسول عليه السلام ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة حيث قال: «خير ما تداويتم به» وذكر «وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي» فإذاً ليست كل معالجة ولو كانت ناجحة هي مشروعة شرعاً، منها الكي بالنار، منها الاسترقاء طلب الرقية بالقرآن وبالتعاويذ المشروعة الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن من فقه الحديث الآن لماذا كان غير مشروع، بل كان مكروهاً أن يطلب المسلم من أخيه المسلم الرقية بالقرآن أو بالتعاويذ عن الرسول عليه السلام لماذا؟ قال أهل العلم: لأن طلبك الرقية من غيرك علاج غير ناجح غالباً، قد ينجح وقد لا ينجح، إذاً في هذه الحالة يحسن للمسلم أن يتوكل على الله عز وجل، ولذلك أنهى الحديث بالذين وصفهم بقوله: «لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون». فإذاً في الأمراض نستطيع أن نقسمها الآن ثلاثة أقسام، وأظن أن هذا أمر لا نقاش فيه: أمراض لها معالجات حاسمة وقاطعة، فهذه المعالجات الواجبة فرض، إذا تركها المريض يكون آثماً ويكون مذنباً، أمراض أخرى لها معالجات يترجح نفعها فهنا يأتي قوله عليه السلام: «تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء علمه من علمه، وجهله من جهله» فيشرع هنا الأخذ بهذا العلاج الذي يترجح فائدته ولكن لا يجب إلا إذا كان من النوع الأول القاطع الحاسم. يأتي العلاج الثالث مرجوح نفعه، فهنا يأتي التوكل، من هذه المرجوحية قضية طلبك من أخيك المسلم أن يرقيك، أو يدعي لك أو ما شابه لك، فهذا وإن

كان جائزاً لكنه جائز مرجوح، هذا ما أردت لفت النظر إليه. مداخلة: الحديث عن الجارية التي فيها السعفة أو السفعة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر .. الشيخ: نعم هلا استرقيتم لها؟ مداخلة: فأمرهم بالاسترقاء وليس برقيها مباشرة، يعني لم يُعَلِّمْهُم رقيةً هم يرقوا الجارية بها .. الشيخ: هلا استرقيتم لها؟ فيه فرق يا أخي .. في الأمس القريب وقع بيني وبين زوجتي كانت تشكو من أيام وجع في رأسها ملازم لها، المهم على قلة ... ما أفعل لأسباب كثيرة، وضعت يدي على رأسها ورقيتها ببعض ما جاء في السنة .. ، المهم بارحة الأمس في الليل أقول لها: هل لا زلت متألمة؟ فتبسمت قالت: لا، الحمد لله، من يومها ما عد رأيتها، وهنا انفتح الموضوع هذا وهنا الشاهد، قالت لي: أنه إذا أحسست بهذا الشيء أطلب منك؟ قلت لها: لا، وذكرنا هذا الموضوع، قالت: لكن أنت من نفسك، قلت: هو كذلك، وهنا الشاهد الآن يقول الرسول عليه السلام: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» هذا قاله في الرقية فالآن هنا يقول ألا استرقيتم لها؟ أي ألا طلبتم الرقية لها وليس لكم، واضح؟ مداخلة: واضح. الشيخ: هذا هو جواب السؤال. مداخلة: هل الرقية من الراجح نفعها؟ الشيخ: الرقية لها جانبتان، الرقية عبادة سواء نفعت أو ما نفعت هي عبادة

[368] باب هل رقى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ وما هي الآيات التي يرقى بها الإنسان؟ والكلام على لفظة «لا يرقون» في حديث الذين يدخلون الجنة بغير حساب

وهي دعاء، كالرجل يدعو الله عز وجل فقد يستجاب له وقد لا يستجاب له، فكونه مشكوك الاستجابة لا نقول نحن نلحقها بطلب الرقية لا، لأن طلب الرقية طلب من العبد، لكن أنت عندما تدعو الله برقية أو بدعاء مطلق مثلاً هذه عبودية كما قال عليه السلام: «الدعاء هو العبادة» الرقية هي العبادة، فسواء تحقق أثرها أو لم يتحقق فهما سواء لأنها عبادة. "الهدى والنور" (628/ 51: 06: 00) و (628/ 23: 19: 00) [368] باب هل رَقَى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ وما هي الآيات التي يُرقى بها الإنسان؟ والكلام على لفظة «لا يرقون» في حديث الذين يدخلون الجنة بغير حساب سؤال: بالنسبة للرقية من الجن .. عملية الرقية من الجن، فيه حديث للرسول عليه الصلاة والسلام في عملية الرقية أنه رقى أعرابياً وما هي الآيات التي يُرقى فيها الإنسان؟ الشيخ: أما أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رقى فهذا صحيح، رقى بآيات من القرآن، أما ما هي الرقية؟ فلم نقف على نص للرقية التي رقى الرسول عليه السلام بها، ولكن القرآن كما وصفه الله عز وجل في القرآن نفسِه هو شفاء لما في الصدور، فأي شيء وبخاصة مما هو معروف بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رقى أو رُقي به مثل المعوذتين و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص: 1) و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (الكافرون: 1) فهذه معوذات معروفة، فبها يرقي الراقي وبغيرها من الآيات الكريمات التي لها صلة بالاستعانة بالله عز وجل على إخراج ذلك الجني من الإنسي المصروع. إذاً باختصار صح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قرأ على بعض الناس واستخرج الجن منهم،

أما ما هو الذي قرأ ورقى به فالله أعلم، لكن معلوم في السنة الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عندما سحره لبيد اليهودي وبقي في فراشه شهوراً مريضاً، حتى جاءه في مرضه شخصان ولنقل بصراحة الواقعة ملكان أحدهما عند رأسه والآخر عند رجله فقال أحدهما وهما يسمعان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو في فراشه قال أحدهما للآخر: ما بالرجل؟ قال: مطبوب، أي مسحور، قال: من طبّه، من سحره؟ قال: لبيد هذا اليهودي، بم سحره؟ بمشط ومشاط في بئر أظن جاء ذكرها في الحديث وأنا أُنسيته، فالمقصود أنه عليه السلام فهم هذه المخاطبة التي جرت بين الملكين فقال لعائشة: هل علمت بأن الله عز وجل أرسل إلي ملكين؟ وذكر القصة هذه، فأمر علياً بأن يذهب إلى تلك البئر فاستخرج الشيء ملفوف بشعر للرسول عليه السلام ومشط مجرد ما فك هذا، وكان الرسول عليه السلام قرأ على نفسه المعوذات التي ذكرناها آنفاً هو عليه السلام كأنما نُشط من عقال، فُك عنه بهذه المعوذتين بفك السحر، فالمعوذات هذه الشاهد منها أنها معروفة وأنها خير ما يُرقى بها المريض كذلك الفاتحة وفي ذلك قصة معروفة في صحيح البخاري، هذا جواب ما سألته. مداخلة: حكيت أن الرسول عليه الصلاة والسلام قرأ على نفسه المعوذات، يعني نستطيع أن نقول أنه رقى نفسه؟ الشيخ: نعم نستطيع. مداخلة: طيب والسبعين ألف الذين يدخلون الجنة الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون. الشيخ: هذا فيه وهم، فيه وهم في الرواية وهذا أمر يجب التنبيه عليه،

الحديث في الصحيحين بلفظ هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون وليس فيهما ولا يرقون، لا يسترقون أما رواية لا يرقون ولا يسترقون فهذه رواية تفرد بها مسلم بإحدى روايتيه، مسلم شارك الإمام البخاري في رواية وفارقه في رواية، شاركه في الرواية الصحيحة المحفوظة وهي قوله عليه الصلاة والسلام: «هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» فارق مسلم البخاري في رواية أخرى في صحيح مسلم فزاد فيها وقال: «هم الذين لا يرقون ولا يسترقون» فزيادة «لا يرقون» في الاصطلاح الحديثي زيادة شاذة، الحديث الشاذ في تعريفهم هو: الراوي الثقة يأتي بزيادة في متن ما أو في سند ما وبحثنا الآن في المتن، يأتي بزيادة في متن يخالف الثقات، وهنا تكون هذه الزيادة ضعيفة مرفوضة ويفرّقون بين الحديث الشاذ وبين الحديث المنكر، وهذا كله اصطلاح بين أهل الاختصاص بهذا العلم وهم علماء الحديث جزاهم الله خيراً، إذا كان الذي خالف الثقات ثقة فحديثه شاذ، وإذا كان الذي خالف الثقات ضعيفاً فحديثه منكر، لكن في النتيجة كلاهما ضعيف، واقع هذه الزيادة «لا يرقون» أنه تفرد به ثقة، وهو بالضبط حافظ من حفاظ الحديث ومن شيوخ الشيخين، واسمه سعيد بن منصور وله كتاب يُعرف بالسنن وهو كتاب مفقود منذ قديم، لكن منذ عشر سنين تقريباً طبع منه جزءان، فهذا الرجل سعيد بن منصور تفرد برواية «لا يرقون» عن سائر الثقات الذين اشتركوا في رواية الحديث دون هذه الزيادة، هذا من جهة، والحديث في الصحيحين المحفوظ منه وغير المحفوظ أي الشاذ هو من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وجاء الحديث في خارج الصحيحين وبالضبط في مستدرك الإمام أبي عبد الله الحاكم النيسابوري رواه بالسند القوي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه كما رواه ابن عباس في رواية الشيخين أي بدون الزيادة الشاذة، فهذا أكد أيضاً الشذوذ، ثم يزداد تأكيداً على تأكيد أن كلمة "لا يرقون"

تعطّل أحاديث كثيرة وكثيرة جداً صريحة في الحض على تعاطي الإرقاء للآخرين من ذلك ما رواه مسلم نفسه في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» قال هذا بمناسبة الرقية. هناك حديث آخر وله صلة وثقى بما نحن فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل يوماً على زوجته حفصة رضي الله عنها فوجد عندها امرأة فقال لها: «ألا تعلمينها الكتابة كما علمتيها رقية النملة؟» (¬1) فهذا فيه حض أن يتعلم المسلم الرقية لينفع أخاه المسلم، ولذلك جاءت أحاديث أخرى كما أشرت آنفاً فيها الأمر بالإرقاء، من ذلك مثلاً أنه عليه الصلاة والسلام رأى أظن في وجه امرأة أو شخص لا أذكر الآن علامات مرض، فقال: «ارقوها» أمر بالإرقاء، ولذلك فلا بد هنا من شيئين اثنين ألا وهما: التفريق في الحديث بين الرواية من جهة، والشيء الآخر التفريق بينهما في الدراية، أي في الفقه؛ ففقهاً يستحب للمسلم أن يرقي غيره، ولكن لا يستحب للمسلم أن يطلب الرقية من غيره جمعاً بين هذه النصوص؛ لأن من صفات المتوكلين على الله حقاً والذين يدخلون الجنة وجوههم كالقمر ليلة البدر من صفاتهم أنهم لا يسترقون، ولكن قد علمتم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أمر بالإرقاء فإذاً لا بد من التفريق فقهاً أيضاً بين الإرقاء للغير فهذا مستحب، وبين طلبك الرقية من الغير فهذا مكروه، وفي النهاية إذا ربطنا هذا البحث بسؤالك الآنف ذكره أن الرسول رقى نفسه نعم، لكن هو لم يسترق من غيره، فإذاً ما فيه خلاف. مداخلة: هناك سؤال يا شيخ: عائشة رقت الرسول عليه الصلاة والسلام؟ الشيخ: كانت ترقيه؟ ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم260).

[369] باب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرقي

مداخلة: نعم. الشيخ: إي نعم، لكن بدون طلب. مداخلة: يعني من دون ما يطلب هو الرقية نعم. الشيخ: هو هذا السر بدون طلب غيره. مداخلة: الرواية الشاذة في صحيح مسلم؟ الشيخ: إيش؟ مداخلة: الرواية الشاذة كلمة «لا يرقون» الرواية الشاذة موجودة في الصحيح أيضاً؟ الشيخ: قد قلت اشترك الإمام مسلم مع البخاري في رواية الرواية المحفوظة «هم الذين لا يسترقون»، وانفرد مسلم عن البخاري في رواية الرواية الشاذة، فروى الحديث بلفظ «لا يرقون ولا يسترقون» هذا ذكرناه. مداخلة: الشاذة موجودة في الصحيح. الشيخ: وأين الصحيح؟ مداخلة: صحيح مسلم يعني. الشيخ: وأنا أقول عن مَن الله يهديك. " الهدى والنور" (616/ 29: 37: 00) [369] باب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرقي [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «سبعون ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، قالوا: ومن هم؟ قال: هم الذين لا يكتوون، ولا يرقون، ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون».

[370] باب هل رقى جبريل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟

(منكر بذكر «ولا يرقون»). وقد صح عندهما [أي عند البخاري ومسلم] أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرقي ويكوي، في غير ما حديث صحيح. "الضعيفة" (8/ 168 - 169). [370] باب هل رقى جبريل النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ سؤال: بالنسبة لرقية جبريل لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في أخ قعد يحكي عاوز يستفسر عن مدى صحة الرقية وهي موجودة في زاد المعاد وبيحكي إذا كان بده يأخذها مهنة ويأخذ عليها أجر أو لا والدليل على ذلك؟ الشيخ: أولاً ما الرقية الجبريلية التي أنت تشير إليها السائل: الرقية معروفة اللى تبدأ بالآذان الشرعي وخمس آيات أو أربع آيات من البقرة وكذلك من أواخر البقرة والآية أحد عشر من آل عمران وهكذا يعني الشيخ: نحن ما نعرف هذه الرقية علمها جبريل أو رقى بها جبريل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا نعلم هذا، والإرقاء لا بد أن يكون بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وليس بما لم يثبت. السائل: طب يعني حضرتك مقرأتش بالنسبة لهذه الفتوى يمكن الشيخ أبو بكر جابر الجزائري متكلم فيها. الشيخ: أنت قرأت؟ السائل: قرأت وعالجتَ بيها كمان. الشيخ: عالجت بها.

[371] باب هل نثبت الرقية بالتجربة إذا كانت خالية من الشرك

السائل: يعني للجان والسحر. الشيخ: طيب أبو بكر الجزائري هل صححها السائل: أبو بكر الجزائري صححها الشيخ: كيف قال؟ وأين صححها؟ السائل: قال هذه الرقية صحيحة ويمكن أخيراً في كتاب لم اذكر اسمه صدر حديثاً له, وفي للكاتب احمد عاشور أعتقد له كتاب الشيخ: لا تبعد قل لي في أي كتاب حتى نشوف الذي نقلته عن أبي بكر أنه صح كما تقول ولَّا لا. السائل: نعم نعم. الشيخ: ما هو الكتاب؟ السائل: والله .. الشيخ: فالآن أنت أرح نفسك في اتصال آخر تتصل معي وتذكر لي أولاً: نص كلامه الذي نسبت إليه التصحيح، وثانياً: اسم الكتاب الذي فيه ما تقول. "الهدى والنور" (564/ 50: 15: 00) [371] باب هل نثبت الرقية بالتجربة إذا كانت خالية من الشرك السائل: سؤال عن الرقية: هل عمل الرقية أمر توقيفي أو اجتهادي، يعني: هل إذا جربنا طريقة معينة خالية من الشرك: «ارقوا ما لم يكن شركاً» ... من هذا النص، يجوز هذا أم لا يجوز؟

[372] باب هل تثبت الرقية بالتجربة؟

الشيخ: أرى في حدود ما قَيَّدْتَ أنه يجوز إذا لم يكن هناك يعني: أي شيء مما يخالف الشريعة كأن يتوهم أن هناك أسراراً خفيةً، أو يتوهم أن يكون هناك أضرار أيضاً غير ملموسة، فبالشرط وبالقيد الذي ذكرته ما أرى بذلك بأساً. "الهدى والنور" (232/ 40: 32: 00) [372] باب هل تثبت الرقية بالتجربة؟ سؤال: إذا كان قد ثبت بالتجربة أن الأشياء [أي الرقى] تنجح، ولم [نعرف] .. أنه ثبت عن نبي أو ثبت عن حديث؟ .. الشيخ: .. بقيد أنه لا يخالف الشرع. مداخلة: أن تكون قد سبق بمثلها. الشيخ: ما دام فقط تلاوة القرآن ليس فيها جس ليس فيها مس. ليس هناك مانع. مداخلة: ربما إنسان آخر يقرأ عليهم أشياء غير القرآن وينجح. الشيخ: لا يجوز. مداخلة: التحديد بقراءة القرآن؟ الشيخ: هو بس، أو الأدعية الوارد في السنة طبعاً، مثل التعويذات .. مداخلة: عندما يأكل الزيت ويدِّهِن به ربما يراجع هذا ... وهذا حاصل بالتجربة. الشيخ: وربما ..

مداخلة: وربما لا يراجع ولكن بالتجربة. الشيخ: حسناً، لكن هو يسأل أبو عبد الله ما علاقة الزيت في موضوع معالجة الممسوس، فلما يراجع يطلع الجني مع المراجعة أو ماذا؟ مداخلة: يعني من خلال تجربتي أنا، عندما أقرأ على الزيت أو أنفث على الزيت، عندما نأخذ زيت الزيتون ونقربه من الفم ونقرأ آيات الرقية ويدهن به المصروع يصيح الجني به ويتأذى، وهذا أمر جربناه كثيراً. الشيخ: وإذا لم تستعمل الزيت، يعود السؤال السابق .. مداخلة: هو جزء من العلاج. الشيخ: يعود الجواب السابق أو هناك تقييد، آنفاً سئلنا أنه لو رفعنا يدنا عن الضرب ولو مع الرفق بالقوارير كما قلت، ألا تنجح تلاوة الآيات؟ قلت: نعم. فنقول نفس السؤال وأظن أنه سيكون نفس الجواب، لو لم نستعمل الزيت، ألا تكفي الآيات القرآنية؟ مداخلة: والله يا شيخنا القرآن يكفي. الشيخ: فظني كان حسناً فيك، أنه سيكون الجواب هو نفس الجواب. مداخلة: تتمة هذا للعلاج بس وليس هو علاجاً أساسياً. الشيخ: هذا كلام ينقض آخرهُ أولَه، وأولُه آخرَه .. مداخلة: .. في آخر كتاب «النبوات» يذكر تجربته مع الجن بالتفصيل، ثم قال إن صنفاً من الجن لا يصلح معه إلا الضرب، وإن صنفاً آخر لا يصلح معه إلا الوعظ والزجر، وصنفاً ثالثاً لا يصلح معه إلا قراءة القرآن، وصنف رابع قد يتأذى بالأذان، فيظهر من خلال ما تفضلتم به، وعلى هذا الكلام أن بعض أنواع أو بعض

أصناف الجن قد لا ينفع معه إلا الضرب أو مثلاً إلا الوعظ والزجر وما شابه ذلك. الشيخ: نعم. أولاً هو ذكر القرآن في بعض الأنواع والأذان، هذا ليس فيه إشكال. نأخذ قسمين آخرين الزجر والضرب، الزجر أنا لا أفهم مجرد كلام غير مقرون بتلاوة القرآن، لا بد أن يكون هناك شيء من ذلك، يبقى الشيء الرابع والأخير وهو الضرب، هذا يستعمله كثيرون في الواقع، لكن أنا لا أعتقد لأنه ليس عندي سند ولا يكفيني هنا التجربة كما قلنا آنفاً؛ لأنه ليس كل تجربة ناجحة تدل على شرعية هذه الوسيلة، وإلا فتحنا باباً واسعاً من الدجل والبدعة والخرافة، بل ومن الشرك أيضاً، الذين يتوسلون بالأنبياء والأولياء والصالحين، ويتضرعون عند قبورهم ويطلبون منهم قضاء حوائجهم، يقولون جربنا مراراً وتكراراً؛ حتى أنه سطر في الكتب كما أظنك تذكر معي "قبر معروف" الترياق المجرب، هذا أمر مسجل تاريخياً، والآن مهضوم عند الناس عملياً ومعترف به، لكن أنا لا أعتقد لأنه ليس عندي سند، ولا يكفيني هنا التجربة كما قلنا آنفاً، فيقول قائلهم: نحن يا أخي جربنا ورأينا البركة والفائدة .. وإلى آخره، فأنا أقول نجاح التجربة لا يكفي للدلالة على شرعيتها، لا بد أن يكون هناك دليل يؤيد الشرعية وإلا فلا. مداخلة: شيخنا التوقيف وبذلك نربط بين الأمرين. الشيخ: تفضل. مداخلة: فالتوسل أمر يعني عبادة محضة تحتاج لدليل. الشيخ: نعم. مداخلة: بينما التداوي الأصل فيه: المشروعية والجواز، فما دام هذا

للمشروعية والجواز، والأصل فيه عدم التقييد، فما أدري يعني ما جوابكم على هذا التقرير؟ الشيخ: هذا الكلام أراه صحيحاً فيما لو كان الأمر متعلقاً بمعالجة أمور لا تتعلق بالغيب، لا تتعلق بما يقال اليوم: فيما وراء المادة، وهم الجن من هذا القبيل، فما أرى هذا من هذا حتى نقول بالموافقة، احفظ سؤالك ونشوف أخونا. مداخلة: يا شيخنا ابن باز ينقل عن أبي داود في سننه في كتاب الطب أن النبي عليه الصلاة والسلام نفث على ماء، هل صح عندكم هذا؟ الشيخ: لا، إسناده ضعيف لا يصح. مداخلة: طيب، الشيخ عمر الأشقر ذكر في كتابه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عالج طفلاً أو رجلاً وضربه وخرج من فمه قط أسود، قال: أخرج عدو الله أنا عبد الله، في حديث في كتابه عالم الجن والشياطين؟ الشيخ: تحسن إلينا إذا رجعت إلى دارك أن تعطيني مصدر هذا الحديث. مداخلة: كأنه في المسند شيخنا. الشيخ: مش مهم، في المسند ست مجلدات، يعني من أحالك على غائب فما أنصفك أراجع لك ست مجلدات سيقول مثلاً من حديث فلان الصحابي، أو في جزء. مداخلة: فإن صح يا شيخنا. الشيخ: لا نحن ما نرى نحن جماعة سلفيين، لا نناقش الفرضيات، لكني أقول: إذا صح عندك فاعمل به، أما إذا لم يصح عندك فلا يجوز أن تعمل به إلا بعد أن يصح. "الهدى والنور" (627/ 33: 22: 00) و (627/ 52: 32: 00)

[373] باب الرقية التي وردت مرة واحدة هل يجوز التزام تكرارها وكيفية رقية الجمع؟

[373] باب الرقية التي وردت مرة واحدة هل يجوز التزام تكرارها وكيفية رقية الجمع؟ سؤال: أعيذكما بكلمات الله التامة لكل شيطان وهامة إلى آخره، هل يقال ثلاث مرات متتالية أم مرة واحدة؟ الشيخ: لا. هو ورد مرة ولكن إذا بدا للراقي أن يكرر دون التزام فلا بأس. مداخلة: جماعة يعني: أطفال مجموعة كيف يضع يده عليهم؟ الشيخ: يضع اليدين على طفلين، ثم يكرر ذلك بالنسبة للآخرين. مداخلة: يضع يديه الاثنتين الشيخ: إيه نعم. "الهدى والنور" (323/ 03: 42: 00) [374] باب هل تشرع الرقية بقراءة خواتم سورة المؤمنين في أذن المصروع اليمنى؟ سؤال: يوجد أثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه وجد رجلاً مصروعاً فقرأ في أذنيه اليمنى سبع مرات خواتم المؤمنين، فأفاق الرجل المصروع، فإن صح هذا الأمر، هل هو دليل في العلاج بآيات القرآن حول الصرع؟ الشيخ: طبعاً إذا صح فهو يعني دليل واضح، لكن هل صح ذلك؟ الله أعلم. السائل: [الأدلة] التي مضت، أو دليلين نسميهم؛ الدليل الأول حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه بشيء فليفعل»؟ الشيخ: واحدة واحدة، «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل»، ينفعه بما يُشرع أم بما لا يشرع؟

[375] باب حكم الرقية بقولهم: يا كبير

السائل: بما يشرع. الشيخ: طيب، إذاً هذا ما فيه دليل، حتى تُثْبِت أن ما سبق يشرع، فإذا أَثْبَتَّ ما نفينا شرعيته، انتهت المشكلة وما (أنت) بحاجة إلى الحديث. " الهدى والنور" (12/ 20: 14: 00) [375] باب حكم الرقية بقولهم: يا كبير [سئل الإمام عن حكم الرقية بقولهم: يا كبير، فأجاب] الشيخ: ما يجوز الترقية بكلام غير مفهوم بإمكان أن يكون الكلام فيه شرك، فأول شيء هنا يتبادر إلى الذهن: يا حرف نداء ... كبير يمكن يكون اسم شيطان رجيم، فهو يستغيث به، وفعلاً الشيطان هذا وظيفته يضلل المستغيثين به، فيمنع الأرضة، وبالتجربة ثابت هذا الشيء، فأضلهم بهذا الاسم الذي ليس معروفاً ما قصده بل هو مجهول، كأن يقول: هكذا نحن توارثنا، الأتراك يعني توارثوا الكتابة هذه أنه ضد الأرضة، وكتب الفقه تقول: أن هذا الاستعمال لا يجوز، وهذا هو الحق، لكن الناس عادات وتقاليد ماشيين عليها، وأهل العلم ماشيين عليها فماذا تقول عنهم. علي حسن: أنا رأيت في المخطوطات التركية لما ذهبت تركيا، يعني: قلَّ أن كتابًا وقع تحت يدي إلا عليه هذه «يا كبير»، يخطوها وتكون كبيرة وبصورة عجيبة جداً. الشيخ: أي نعم، هو كذلك. مداخلة: ومن هو كبير؟

[376] باب هل تجوز الرقية بوضع آيات من القرآن على موضع الألم؟

الشيخ: الله يبعده عنك. مداخلة: يعني: الشيطان باللغة التركية؟ الشيخ: يمكن. "الهدى والنور" (257/ 45: 45: 00) [376] باب هل تجوز الرقية بوضع آيات من القرآن على موضع الألم؟ السؤال: يقول: ما حكم من وضع بعض آيات من القرآن أو قرآن على مكان فيه وجع من جسمه، مستشهداً بجواز الرقية على مكان الوجع في القرآن الكريم؟ الشيخ: لا، هذا ليس مشروعاً، الرقية هي أن يتلو القرآن على نفسه أو على موضع مرضه ما جاء في القرآن أو في بعض الأدعية الصحيحة عن الرسول عليه السلام، أما أن يستعمل حجاباً فهذا من المحدثات، وبعض العلماء المتقدمين يعتبرونه تميمة، ولو كان من كلام الله عز وجل، فكل ما يعلق فهو تميمة، لكن فرق بين أن يكون هذا المعلق كلام لله عز وجل أو دعاء من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبين أن يكون من الكلام الغير مفهوم الذي قد يكون شركاً وقد يكون ضلالاً، فهذا هو الفرق، لكن في النتيجة كله تميمة، إلا أنه بعض الشر أهون من بعض، فلا يجوز إلا الرقية، أما تعليق آية أو حديث في مكان ما من الإنسان أو من الدار أو ما شابه ذلك فهذا من محدثات الأمور. السائل: أثر ابن عمرو في تعليق آيات على ابنه صح. الشيخ: لا ما صح. "الهدى والنور" (485/ 47: 25: 00)

[377] باب هل تجوز الرقية بكتابة آيات ثم بلها والاستحمام بمائها؟

[377] باب هل تجوز الرقية بكتابة آيات ثم بلّها والاستحمام بمائها؟ سؤال: .. هل [تجوز] الرقية بكتابة آيات من القرآن مما فيها (ذكر) السحر بِبَلِّ هذه الآيات كتابتها ثم بلها في الماء حتى تبوش ثم الاستحمام بالماء؟ الشيخ: لا، لا يوجد رقية إلا بالتلاوة .. السنة: لا رقية إلا بالتلاوة، أما الكتابة ومحو الكتابة بالماء فهذا قول لبعض العلماء ولكن لم نجد له أثراً في السنة. " الهدى والنور" (28/ 54: 59: 00) [378] باب لا كيف في المغيبات سؤال: في حديث المعراج عندما فرضت الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وراجعه سيدنا موسى .. كيف كانت المسألة هذه؟ الشيخ: لا كيف بارك الله فيك! الأمور غيبية خذوها قاعدة واستريحوا .. لا كيف في المغيبات، وحسبك أن تقصر فتقول كيف، غيرك يلف ويدور ويحكي كلاماً طويلاً لكن ينتهي إلى هذه الكلمة التي أنت قلت عنها: كيف؟ لا كيف في المغيبات، الإيمان المطلق وفقط بدون تكييف؛ لأنه عالم ما وراء المادة كما يقولون اليوم .. ما وراء العقل ما يقاس عليه حياتنا هذه المادية والعكس بالعكس أيضاً. "الهدى والنور" (28/ 54: 59: 00) [379] باب هل يقتصر النفث على ما عُلِّمنا من القرآن؟ وهل يلحق المسح بنفس الحكم؟ سؤال: شيخنا! ورد النفث فيما علمت في المعوذات والفاتحة. الشيخ: ورد ماذا؟

[380] باب هل تجوز الرقية بشريط كاسيت؟

مداخلة: النفث. الشيخ: النفث. مداخلة: يعني فيما علمت في المعوذات والفاتحة، فهل يقتصر على هذا أم يعمم في كل القرآن؟ يعني: ليس على سبيل الحصر. الشيخ: ذلك ما لا نعلمه عن الرسول عليه السلام فنقف عند ما علمنا. سؤال: كذلك شيخنا! بالنسبة لقضية الدعاء للمريض، يعني: لا أعلم ورود قضية المسح إلا في دعاء اللهم رب الناس أذهب البأس .. حين كان يمسح بيده، فهل ما قيل هناك يقال هنا أم لديك إجابة أخرى؟ الشيخ: هي نفس القاعدة. "الهدى والنور" (804/ 02: 12: 00) [380] باب هل تجوز الرقية بشريط كاسيت؟ سؤال: هل يجوز الرقية بشريط الكاست؟ الشيخ: هل يجوز الرقية إيش؟ مداخلة: عن طريق شريط كاست؟ الشيخ: طريق كاست؟ مداخلة: شريط. الشيخ: كشريط يعني. مداخلة: نعم. الشيخ: هل يجوز الأذان؟ هل يجوز الإقامة؟ إن كنت في شك حتى

[381] باب ضرورة اهتمام الإنسان بالمعوذات دائما

أجاوبك، وإن كنت تعلم أنه لا يجوز فالجواب هو هو، لا يجوز، ولذلك أنا قلت في بعض المناسبات نظن والله أعلم إن كان الخبر صحيحاً أن الأذان الموحَّد أحياناً على الأقل يذاع من شريط، فإن كان هذا خبراً صحيحاً فأنا أقول أخشى أن يأتي يوم يصلي الناس وراء الكاست تفضل. "الهدى والنور" (616/ 29: 37: 00) [381] باب ضرورة اهتمام الإنسان بالمعوذات دائماً الشيخ: يجب على كل مسلم أولاً تعبداً، وثانياً تطبباً أن يستعيذ بالله عز وجل بالكلمة المنقولة عن الرسول عليه السلام بالنقل الصحيح أن يقول إما: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم»، وإما أن يقول: «أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق» فإنه لن يضره شيء في ذلك اليوم، هذا الحديث يرويه الإمام أحمد في مسنده، وأصحاب "السنن" في سننهم من طريق أبان بن عثمان بن عفان، عثمان بن عفان معروف أشهر من نار على علم أحد الخلفاء الراشدين، الخليفة الثالث، ابنه أبان من ثقات التابعين وحفاظهم كان في مجلس لما حدَّث بهذا الحديث فنظر إليه أحد الجالسين نظرة لها معنى فهمها المحدث أبان، المحدث أبان مصاب بيده بالفالج، فالجالس الذي نظر تلك النظرة التي لها معنى خاص، وفهمها أبان، قال له: يا بني- ذكر معنى ما يأتي وهو-: إذا نزل القدر عمي البصر، أنا أنسيت أن أتعوذ هذا التعوذ في ذلك اليوم، فأصبت بالفالج. مداخلة: لا إله إلا الله. الشيخ: ولذلك ينبغي للمسلم أن يجعل ديدنه وقاعدته التي لا يمكن أن تنسى إلا إذا نسي الطعام والشراب وهو أحوج ما يكون إليه، هذا لا يمكن، وعلى

[382] باب هل من المشروع كتابة القرآن بالمداد ثم شربه أو كتابته على أوراق واستنشاقها؟

هذا ينبغي أن يكون حريصاً على مثل هذه التعاويذ. أما إذا وقعت الواقعة، فليس لها من دون الله كاشفة. "الهدى والنور" (746/ 22: 31: 00) [382] باب هل من المشروع كتابة القرآن بالمداد ثم شربه أو كتابته على أوراق واستنشاقها؟ سؤال: علماء في السودان يكتبون القرآن بالمداد ويشربوه .. كذلك .. يعني: يكتبون آيات قرآنية في أوراق صغيرة ويعطوها للمريض لكي يستنشقها، فالأدلة التي تمنع ذلك. الشيخ: ... لم يصح نقلها عن السلف فلا نراه مشروعًا. "فتاوى جدة" (4/ 00:51:07) [383] باب التميمة من الشرك [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: " من علَّق تميمة فقد أشرك ". [قال الإمام]: (فائدة) التميمة: خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطلها الإسلام كما في " النهاية " لابن الأثير. قلت: ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو والفلاحين وبعض المدنيين

[384] باب هل يجوز تعليق التمائم القرآنية؟ وهل ثبت ذلك عن ابن عمرو

ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة! وبعضهم يعلق نعلا في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها! وغيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار أو الدكان! كل ذلك لدفع العين زعموا، وغير ذلك مما عم وطم بسبب الجهل بالتوحيد، وما ينافيه من الشركيات والوثنيات التي ما بعثت الرسل وأنُزلت الكتب إلا من أجل إبطالها والقضاء عليها، فإلى الله المشتكى من جهل المسلمين اليوم، وبُعدِهم عن الدين. ولم يقف الأمر ببعضهم عند مجرد المخالفة، بل تعداه إلى التقرب بها إلى الله تعالى! فهذا الشيخ الجزولي صاحب " دلائل الخيرات " يقول في الحزب السابع في يوم الأحد (ص 111 طبع بولاق): " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ما سجعت الحمائم، وحمت الحوائم وسرحت البهائم، ونفعت التمائم "!. وتأويل الشارح لـ " الدلائل " بأن " التمائم جمع تميمة وهي الورقة التي يكتب فيها شيء من الأسماء أو الآيات وتُعلَّق على الرأس مثلا للتبرك "، فمما لا يصح لأن التمائم عند الإطلاق إنما هي الخرزات كما سبق عن ابن الأثير، على أنه لو سلم بهذا التأويل فلا دليل في الشرع على أن التميمة بهذا المعنى تنفع، ولذلك جاء عن بعض السلف كراهة ذلك كما بينته في تعليقي على " الكلم الطيب " (ص44 - 45 طبع المكتب الإسلامي). "الصحيحة" (1/ 2/889 - 891). [384] باب هل يجوز تعليق التمائم القرآنية؟ وهل ثبت ذلك عن ابن عمرو عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يُعلِّمهم من الفزع كلمات:

«أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون». قال: «وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه، ومن لم يعقل فَأَعْلَقَهُ عليه». [قال الإمام]: لم يصح إسناده إلى ابن عمرو، لأن فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه، فلا يجوز الاحتجاج به على جواز تعليق التمائم من القرآن، لعدم ثبوت ذلك عن ابن عمرو. ولا سيما وهو موقوف عليه، فلا حجة فيه، قال الشوكاني: «وقد ورد ما يدل على عدم جواز تعليق التمائم، فلا يقوم بقول عبد الله بن عمرو حجة». والسلف من التابعين وغيرهم مختلفون في ذلك، فأجازه بعضهم وكرهه آخرون، وهذا الذي نختاره، لعدم ثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولأن القول بجوازه يعطل سُنة الترقية بالمعوذات وغيرها. وقد روى أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ق 111/ 1) بسند صحيح عن إبراهيم-وهو النخعي التابعي الجليل-قال: كانوا يكرهون-يعني الصحابة-التمائم من القرآن وغيره. وقال المغيرة-وهو ابن مقسم الضبي الفقيه الثقة-: وسألت إبراهيم، فقالت: أعلق في عضدي هذه الآية: {يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم} من حمّى كانت بي؟ فكره ذلك. ثم روى أبو عبيدة عن الحسن البصري أنه كان يكره أن يغسل القرآن ويسقاه المريض، أو يعلَّق القرآن.

[385] باب حكم تعليق التمائم القرآنية

وإسناده صحيح لولا أن فيه عثمان بن وكيع، قال أبو حاتم: لا أعرفه. قلت: لكن قد ذكر هو أنه روى عنه ثلاثة من الثقات أحدهم عبد الرحمن بن مهدي، وروى عنه رابع، وهو السكن بن أبي السكن كما في «التاريخ الكبير» للبخاري، و «ثقات» لابن حبان (5/ 155)، فاطمأنت النفس لروايته والله أعلم. "تحقيق الكلم الطيب" (ص84). [385] باب حكم تعليق التمائم القرآنية السائل: [بالنسبة للتمائم التي تحتوي على آيات من كتاب الله] ما حكم تعليقها؟ الشيخ: للعلماء في ذلك قولان: الجواز والكراهة، والراجح عندي الكراهة؛ لأنها تمائم ولو كانت من كتاب الله أو من أدعية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والسبب الذي يحملني على ترجيح هذا القول يعود إلى شيئين اثنين: الشيء الأول: أنه لم يكن من عمل السلف. والشيء الآخر وهو مهم: أن فيه الاتكال على مثل هذه التعاويذ، أو على مثل هذه التمائم دون استعمال الرقى التي هي من السنة، أن يرقي الإنسان نفسه أو أن يرقي غيره، فحينما يضع الرقية في تميمة أو تعويذة فهو تواكل عليها، ولا يعود يستعمل الرقى التي أمرنا باستعمالها عند كل مناسبة، فلهذا وذاك يترجح عندي كراهة التعليق ولو بالصورة المذكورة آنفًا. "فتاوى جدة -الأثر-" (28/ 00:39:52)

[386] باب من شرك الجاهلية: تقليد الأوتار

[386] باب من شرك الجاهلية: تقليد الأوتار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الخيل معقود في نواصيها الخير والنيل إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، فامسحوا بنواصيها، وادعوا لها بالبركة، وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار. (صحيح لغيره). [قال الإمام]: أي: قلدوها طلب أعداء الدين والدفاع عن المسلمين، ولا تقلدوها طلب أوتار الجاهلية التي كانت بينكم. و «الأوتار» جمع «وتر» وهو الدم وطلب الثأر، يريد: اجعلوا ذلك لازماً لها في أعناقها لزوم القلائد للأعناق، كما في «النهاية» قال: «وقيل: أراد بـ «الأوتار» جمع وتر: القوس. أي لا تجعلوا في أعنقاقها الأوتار فتختنق وقيل: إنما نهاهم عنها لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار يدفع عنها العين والأذى، فتكون العوذة لها، فنهاهم». قلت: وهذا هو الذي رجحه أبو عبيدة وتبعه الطحاوي في «مشكل الآثار» (1/ 132) ولعله الصواب. "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 533).

[387] باب التولة وحكمها

[387] باب التولة وحكمها سؤال: التِوَلة، يقول عنها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: شيء يصنعونه يحبب المرأة إلى زوجها. ويقول الشيخ ابن باز جزاه الله خيراً يقول بأن هذه التمائم التي تعلق على الصغار. فما ضابط التِوَله الله يكرمك؟ الشيخ: هي الكتابة التي يقصد بها تحقيق شيء بطريقة غير مشروعة، ومن هذا الطرق المشروعة: الحجب التي تعلق على العنق، أو تحت الإبط، أو على الصدر، أو ... أو .. الخ. لكن هنا قولان للعلماء قديماً وحديثاً. يختلف الأمر بين أن يكون هذا الحجاب الذي هو التِوَلة، أن يكون قاصراً على كتابة آية تعويذة من آية، أو تعويذة من حديث نبوي، فيجوز عند بعضهم، ولا يجوز عند الآخرين، لأن هذه لم تكن من عمل السلف. أما إذا كانت الكتابة ليست من الآية أومن حديث نبوي، فهذا متفق عليه على أنه لا يجوز تعليقه، إنما الخلاف: إذا كانت كتابة شرعية، فهل يجوز التعليق؟ منهم من يقول نعم، ومنهم من يقول لا، وأنا شخصياً أميل إلى هذا الأخير، أي لا يجوز تعليق شيء من هذه الحجب ولو كانت مقتصرة فقط على آية من القرآن الكريم، أو تعويذة من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وبلا شك: المقاصد تختلف إذا كان المقصد مثلاً إصابة من العين فهي تعويذة مطلقه، وإذا كان المقصود: تحصيل المودة بين الزوجين فهذا خصص بلفظة: التولة. "الهدى والنور" (527/ 52: 43: 00)

[388] باب هل يستشهد بحديث الواهنة؟

[388] باب هل يستشهد بحديث الواهنة؟ سؤال: حديث الواهنة قرأته ضعيفاً في كتب محمد بن عبد الوهاب يستشهد به، هل يجوز الاستشهاد به بصيغة التمريض؟ الشيخ: يستشهد به مع بيان ضعفه. مداخلة: جزاك الله خير. "الهدى والنور" (337/ 56: 38: 00)

جماع أبواب الكلام على العلاج الشرعي للمس والصرع، والكلام حول حكم الاستعانة والتعامل مع الجن، والتنويم المغناطيسي، واستحضار الأرواح، والكلام على حكم السحر، والشعوذة، والكهانة، وغير ذلك

جماع أبواب الكلام على العلاج الشرعي للمس والصرع، والكلام حول حكم الاستعانة والتعامل مع الجن، والتنويم المغناطيسي، واستحضار الأرواح، والكلام على حكم السحر، والشعوذة، والكهانة، وغير ذلك

[389] باب تلبس الجن في الإنس

[389] باب تلبس الجن في الإنس السائل: سؤال .. بالنسبة للجن وهو تلبس الجن في الإنس .. كثير من الإخوان يقرؤون على الجن ثم يحضر الجني ثم يتكلم على لسان الرجل أو المرأة فإذا تكلم هل يجوز لهذا القارئ الشيخ أن يسأل الجني الذي تلبس الرجل أو المرأة .. هل يسأله: ما بال فلان وابن فلان الفلاني هل متلبس بالجني أو كذا أو كذا ... الشيخ: هذا لا يجوز يا أخي؛ لأنه فيه استعانة بالجن .. مداخلة: ولو كان الجن مثلاً يا شيخ كيف الاستعانة أولاً .. ثم إن الجن يعني: لن نخدمهم في شيء .. الشيخ: أنا لا أقول الخدمة .. فيه استعانة أم ليس فيه استعانة؟ عندما أنت تسأل هذا الجني المتلبس بالإنسي عن مسألة غائبة عنك باعتبارك من الإنس أليس معنى ذلك أنك تستعين به؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! ولذلك قلنا: لا يجوز؛ لأن الاستعانة بالجن هي من أسباب وقوع الإنس في الشرك والضلال {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن: 6) وقلنا لأخونا السائل وهو الظاهر كان ناقلاً عنك السؤال، قلنا: بأنه لا يجوز لهؤلاء الذين يعنون بإخراج الجني المتلبس بالإنسي إلا بتلاوة قرآن فقط كما جاء عن الرسول عليه السلام أو كما جاء عن ابن تيمية نفسه وكان يحكي ذلك عن نفسه، وأما أكثر من ذلك كما نسمع اليوم ومنه هذا السؤال هذا لا يجوز في دين الإسلام؛ ولذلك علينا أن نتقي الله عز وجل في كل شيء. "الهدى والنور" (336/ 18: 08: 00)

[390] باب الطرق الشرعية لإخراج الجني من الإنسي وبيان خطأ التوسع في هذا الباب؟

[390] باب الطرق الشرعية لإخراج الجني من الإنسي وبيان خطأ التوسع في هذا الباب؟ السائل: ما هي الطرق الشرعية لمحاولة إخراج هذا الجن؟ الشيخ: هي الطريقة الوحيدة .. وهي تلاوة القرآن. مداخلة: ثم كيف يعرف أن هذا الشخص قد تلبسه جني؟ الشيخ: ربما قد يكون لها ظواهر ويكفي منها أن يكون المريض الممسوس قد عالج نفسه مراراً وتكرارً عن الأطباء الماديين فما نجح طبهم فيه، فيصبح عنده قناعة أنه لعله ممسوس، يذهب إلى بعض من [عُرِف] بأنه يقرأ على أمثال هؤلاء، لكن هناك ظاهرة مريبة الآن، وهي أن الناس .. أردت أن أقول أن مس الجن للإنس هذه حقيقة شرعية لا سبيل لإنكارها، وفي القرآن الكريم آية يُشبِّه ربنا عز وجل فيها: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (البقرة: 275)، فهذه الآية تشير إلى أن الشيطان يمس الإنسان ويتلبسه بحيث يجعله يصطرع، وانصراع الإنس حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها؛ لأننا نراه يرتمي أرضاً ويخرج الزبد من فمه وتتطور مظاهر بدنه ويعترف الطب إلى أنه لا معالجة لديه لهذه الظاهرة، بينما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد عالج بعض الناس في زمانه بتلاوته بعض الآيات الكريمة ومخاطبته عليه السلام للشيطان الذي كان متلبساً بذاك الإنسان، ثم جرى على هذا بعض العلماء الأفاضل الذين نعتقد بأنهم أبعد العلماء عن الخرافة وعن الدجل وأن يمشي من تحتهم الزغل ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد كان مشهوراً بمعالجته لأمثال هؤلاء المصابين، فهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن أردت أن أقول بأن الناس اليوم داخلتهم كثير من الأوهام؛ بحيث أنه بمجرد أن يصاب

أحدهم بشيء ولو كان أمراً طبيعياً إلا ويتوهم أن هناك سحراً، أو يكون هناك جني متلبس يحول بين المسلم أو المسلمة وما يريدون، هذا كثيراً ما يقع وفي الأمس القريب .. ليلة أمس اتصلت بي امرأتان الأولى أم لثلاث بنات تقول في المقدمة أريد أن أعرض مشكلتي عليك. فقلت لها: تفضلي، فقالت: عندي ثلاث بنات يأتيهم الخُطَّاب ولا يحدث نصيب، فالأم كأم متضجرة من هذه الحالة، فربما يكون هناك سحر أو يكون هناك كتابة أو كذا .. تسأل عن معالجة بالطريقة التي تَخصَّص فيها بعض الناس اليوم من الكتابة أو من مخاطبة من يظن أنه متلبس بجني ونحو ذلك. الحقيقة أني أطلت النفس معها وأفهمتها بأن هذه ظاهرة طبيعية يا بنت الحلال، وسألتها عن عمر ابنتها الكبيرة فقالت سبع وعشرين سنة، والصغيرة سبعة عشر تقريباً، قلت هذا الوضع وضع طبيعي خاصة شباب اليوم مشغولين بالدراسة وبالشغل وبايعين التعجيل بالزواج بمثل هذه الدراسة التي ما أنزل الله بها من سلطان. الخلاصة اقتنعت مني أخيراً أن الوضع طبيعي وليس له علاقة بموضوع السحر والجن .. إلى آخره. بعد قليل اتصلت بنت تسألني أظن تسألني عن الدكتور عادل في الزرقاء، تسألني ما رأيك هناك شخص يعالج بعض الناس الذي يظن أنهم مصابون بشيء من المس، قلت لها رأساً: أنت بنت المرأة التي كانت تحكي معي قبل دقائق؟ فوجِئَت، طبعاً هي أنكرت، أخذت الخلاصة أتكلم معها أيضاً، والخلاصة أنني تعمقت معها في السؤال وسألتها ماذا يفعل هذا الرجل وهنا الشاهد الآن، هل عندما تذهب إليه المرأة يمد يده إليها، قالت: يضع يده على جبينها، قلت: هذا لا

[391] باب حكم الاستعانة بالجني المتلبس بالإنسي للعلاج

يجوز. وبعد ذلك رَقَّعَت الجواب بأنه من فوق الثوب أو الغطاء أو ما شابه ذلك، قلت على كل حال أنا لا أستطيع أن أجيبك بجواب سلبي أو إيجابي إلا إذا عرفت حقيقة حال هذا الرجل، هل تعرفيه أو لا تعرفيه؟ قالت: أنا لا أعرفه. قلت لها: ليس عندي جواب. والسلام عليكم. الشاهد الآن هناك وسوسة حول هذه الناحية مع أن هذه حقيقة فتوسَّعوا فيها، واستُغلت هذه الوسوسة من كثير من الناس الذين يريدون أن يصطادوا في الماء العكر حتى بعض النساء يتعاطون هذه المهنة ويتعاطون مع قراءة بعض الآيات وقد لا يحسنون تلاوتها أمور هي عين الدجل، ولذلك الذي ينبغي أن يكون موقف المسلم من هذه الظاهرة هو الإيمان بما سبق ذكره آنفاً أن الجني قد يتلبس بالإنسي، وأن معالجة هذه المشكلة إنما يكون بتلاوة القرآن فقط، فمن أصيب بشيء من هذا فعليه أن يسأل عن المشايخ الذين يتعاطون التلاوة في حدود الأحكام الشرعية ولا يتوسعون في ذلك، بعضهم يستعملون الزيت، وبعضهم يستعملون الماء الذي ألقي على إناء مقروءاً مكتوباً عليه بعض الآيات، وهذه مع الأسف يفتي به بعض القدامى والمحدثين من العلماء، ولكن لا أجد لهم في ذلك سلفاً. "الهدى والنور" (627/ 17: 14: 00) [391] باب حكم الاستعانة بالجني المتلبس بالإنسي للعلاج سؤال: أنا يعني أقرأ على المصابين بالجن. الشيخ: حفظك الله. مداخلة: بارك الله فيك، وعندي بعض الأسئلة في هذا الموضوع.

الشيخ: نعم. مداخلة: أحياناً عندما أقرأ أدعوا الجني للإسلام ويسلم والحمد لله ومرات أساله عن موضع السحر ليس فقط للمريض وإنما لمرض آخر، هل سؤالي له جائز، وأحياناً هو يساعد في إخراج السحر، يساعد ويخبرك عن مكان الصفة ويساعد كذلك في إخراجه وفك السحر عن هذا المريض بهذه الطريقة، هو نفسه يأخذ السحر ويفكه، ويعود المريض معافى سليماً خالياً من المرض، هل هذا جائز؟ الشيخ: أنا أعتقد أنك سلفي معنا أليس كذلك؟ مداخلة: نسأل الله أن نكون عند حسن الظن. الشيخ: إن شاء الله. مداخلة: نعم. الشيخ: فهل لك سلف في ذلك؟ مداخلة: لا أعلم. الشيخ: وأنا مثلك لا أعلم، فماذا يكون الجواب؟ مداخلة: في العلاج أم في المرض في العلاج أم في السؤال؟ الشيخ: أنت عن ايش عم تسأل؟ مداخلة: أنا بسأل عن العلاج وعن السؤال. الشيخ: وأنا أجيب عن السؤال والعلاج.

مداخلة: أما في العلاج في أثر في هذا الشيخ: لأن العلاج ناتج عن سؤال. مداخلة: نعم. الشيخ: ولَّا ليس كذلك؟ مداخلة: لا، هناك نوعين الشيخ: آه. مداخلة: النوع الأول: أنني أعالج بالكتاب والسنة، أقرأ على المريض بعض الآيات التي وردت يعني قرأها رسول الله مثل الفاتحة، مثل آية الكرسي، المعوذات. الشيخ: معليش نحن ما هذا موضوعنا ... مداخلة: لكن أحياناً يحصل هذا مثلاً أقرأ مع هذا الجني وما يطلع، فأقرأ على مريض آخر ويكون الجني قد أسلم و .. الشيخ: يكون ما فيه حاجة لهذا. مداخلة: نعم. الشيخ: ما لك فيه سلف فأنت سلفي، وما ليس لك فيه سلف فأنت خلفي. مداخلة: نعم. الشيخ: المسألة واضحة. مداخلة: طيب يعني إن ملخص الكلام لا يجوز؟

الشيخ: لا يجوز طبعاً، هذا استعانة بالجن. مداخلة: وقد حصل هذا ماذا أعمل؟ الشيخ: هذا استعانة بالجن. مداخلة: حصل هذا. الشيخ: تب إلى الله. مداخلة: أستغفر الله. الشيخ: أي نعم ... ، لا يجوز سؤال الجن أن هذا مرضه كذا ما هو علاجه ما هو كذا؟ قال إنه أسلم ما دراك أنه أسلم، يجوز أن هذا تورية من شان يجرك إلى قضية أخرى كما كانت تفعل الشياطين مع العرب في الجاهلية، حيث ينطقون من أصناهم فيضلونهم سواء السبيل. مداخلة: نعم. الشيخ: لا يجوز التعاون مع عالم الغيب إطلاقاً، ولا يجوز مناداتهم ولا يجوز الطلب منهم. مداخلة: أما العلاج فجائز الشيخ: انتهينا لما ذكرت أن علاجك نوعين: سلفي وخلفي فقلنا: علاجك السلفي فنعما هو، أما علاجك الخلفي [فلا]. مداخلة: طيب إذا أخبرك وأنت يعني بدون أن تطلب منه بشيء. الشيخ: لا أسمع منه.

[392] باب حكم الاستعانة بالجن لعلاج المصروع

مداخلة: لا أسمع منه. الشيخ: إلا إن عرفت أنه صدق فيه قوله عليه السلام: -وأنَّى لك ذلك-: «صدقك وهو كذوب». "الهدى والنور" (355/ 06: 23: 00) [392] باب حكم الاستعانة بالجن لعلاج المصروع السائل: هل يجوز للرجل الذي يقرأ على الإنسان المريض بمسة من الجن بعد حضور الجن على الإنسان المريض، هل يجوز أن يأمر الجن ببعض أمور مثل الاستعانة به على معرفة مكان كنز مثلاً، أو استخراج الكنز، أو معرفة إنسان آخر إذا كان مريضاً بلمسة الجن أم لا، ما حكم الدين في هذا جزاكم الله خيراً؟ الجواب: لا يجوز إلا ما جاء في أول السؤال من قراءة القرآن على الممسوس بالجن، أما الاستعانة بالجن على ما ذُكر أو غير ذلك فهذا أولاً خلاف السنة العملية التي جرى عليها الرسول عليه السلام، ومن اهتدى بهداه، وثانياً إنه مخالف لقوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن: 6)، فالاستعاذة والاستعانة بمعنى واحد، فلا يجوز لمن ابتلي في هذا العصر الحاضر ونصَّب نفسه لإخراج الجن من المصابين بمس منهم، بأن يتلو عليهم بعض الآيات، وبعض الاستعاذات المشروعة في السنة الصحيحة، هذا جائز وما سواه فضلال. والشيطان إذا صح التعبير أشطن من الأمريكان والبريطان وغيرهم، لأنهم يطلبون المعونة من شياطين الجن، لذلك أعني أن شياطين الإنس حينما يريدون أن يصلوا إلى بعض أهدافهم غير المشروعة، يقدمون بين يدي ذلك طُعماً، يعني

مصيدة يصطادون بها الفريسة بتقديم شيء تشتهيه نفوسهم وتطمئن إليه قلوبهم، هكذا يفعل شياطين الإنس، فما بالكم بشياطين الجن الذين لا نعرف عنهم شيئاً سوى أنهم قد يقدمون بعض العلاجات وهي كما قلت آنفاً يعتبر مصيدة تعمل لاستدراج هذا المستعين بالجن، ولذلك فنحن لا نجيز استعانة مسلم بالجن الذي يوهم الإنسي بأنه مسلم مؤمن بالله ورسوله، ويظهر أنه صالح وأنه يريد أن يعين إخوانه المسلمين من الإنس، هذا أمر غيب لا يمكن للمسلم الإنسي أن يطمئن إليه، ونحن نعلم بالتجربة أحدنا يعاشر مثيله من الإنس سنين طويلة، وإذا هو بعد ذلك تبين له بأنه عدو مبين، وهو إنسي مثل حكايته، ويركن إليه ويطمئن ويعتمد عليه، لكن بعد زمن طويل يتبين أن هذا التظاهر كله كان في سبيل الوصول إلى هدف له، هذا الهدف كان مجهولاً بالنسبة للآخر، وهذا بين إنسي وإنسي طبيعتهما واحدة، تفكيرهما واحد .. إلى آخره، فما بالكم بإنسي يستعين بجني، وأنا أراني على الرغم من ضيق الوقت، سأضرب لكم مثلاً: جرى لي مع أحد الذين يزعمون بأنهم يستحضرون الأرواح، أرواح ابن سيرين مثلاً، روح الطبيب ابن سينا، ابن عربي النكرة .. إلى آخره، في قصة طويلة نروي لكم خلاصتها، حضرت جلسة، أطفئت الأنوار وبقي هناك نور خافت، يعني بصعوبة أن تميز من بجانبك، ثم بدأت الجلسة وتبين لي فيما بعد زعم هذا المستحضر أنها جلسة طبية، وفعلاً لما دخلت وجدت الصالة ممتلئة أربعة جدرانها بالزباين، شيخ كبير، امرأة كبيرة، امرأة في يدها طفل صغير .. إلى آخره، كل هؤلاء حضروا للاستشفاء والتطبب على يد روح الطبيب الذي سيحتضره حقي بك، هذا مستحضر هناك في دمشق، أطفئت الأنوار كما قلنا، وابتدأ الجلسة

حقي بيك أفندي، فسمعنا بكلمة استغربنا، قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، والجلسة كما يقال لو ألقي فيها إبرة لسمع صوتها، صمت، لمن يقول؟! فيما بعد ستعرفون .. أهلاً وسهلاً دكتور، واحد يسمون عندنا بالشام بجانبوه، يسموه (مكولك) ما بعرف شو بتسموه إنتم، يعني مداهن، قال له: مرحباً دكتور، يلقي كلمة الطبيب هذا، لأنه جزاك الله خير، احنا .. على أفضالك، وزباينا الحمد لله بيكثروا بسبب الوصفات الطبية الناجحة، من هذا الكلام، والآن عندنا طفل صغير اسمه كذا ابن كذا ساكن في منطقة كذا .. إلى آخره، وعمره -هنا في نكتة- سبعة شهور، أمه الغلام حاملته تقول: لا يا دكتور هذا عمره تسعة مو سبعة، المكولك هذا اللي بجانب الطبيب يقول لها: اسكتي أنتي أعرف من الدكتور؟! الشاهد هذا رجل جالس حول طاولة مستديرة عليها أرقام وفنجان مقلوب على وجهه، وحاطط هو إصبع هكذا وزوجته تجاهه، والحق يقال الزوجة هناك مستورة حتى في وجهها لا يرى منها شيء، رأينا هذا الفنجان يلعب بيروح وبيجي، يمين ويسار وهيك إلى آخره، فهمنا أن هذا الفنجان يمر على أرقام، يمشي دورة ودورتين يوقف وهو معه ورقة يكتب رموز مطلع هو عليها، ويشغل الفنجان مرتين وثلاث وهكذا، بيعطي هذه الراشيتة للموظف المختص للمرأة ومع السلامة، وهكذا مقدار ساعة يدخل مريض ويخرج مريض ساعة تمام زمنية انتهت الجلسة، أوقدت الأنوار، الناس الحضور وأنا منهم مع الأسف كلهم بيقولوا له: الله يعطيك العافية يا دكتور، الله يجزيك الخير، لكن أنا أكاد أتفجر غيظاً، وخاصة أنه يومئذ أنا شاب وأشقر، وتظهر علي آثار الحرارة والغضب، فلمح الرجل، شو رأي الأستاذ، والله يا أستاذ، يا دكتور يا كذا، عندي سؤالين إذا بتسمح، قال: تفضل، قلت له:

الجلسة افتتحتها بقولك: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لمن كنت تقول: وعليكم السلام، والناس جالسين، واحد يتكلم، واحد ... قال: أنا رديت السلام على الدكتور. أنو دكتور؟ قال: روح الدكتور الذي استحضرناه، قلت له: هو سلم عليك؟ قال: نعم، قلنا له: كيف أنت سمعت هذا السلام ونحن ما سمعنا؟ هل صماخ أذنك يعني تركيب غير تركيب البشر عامة. قال: لا، هاي سر المهنة، هذا شيء ما بإمكانك تعرفه حتى تدخل فيه، هاي كلام الصوفيين تماماً، طيب وصاحبك ما بقدر أقول له طبعاً، هذا اللي عم يكولك معك، كمان الثاني سمع معك، لما قال له: مرحبا دكتور، المهم دخلت معه في نقاش من الناحية الذي يسمونها فسيولوجية نفسية، لكن انتقلت معه سريعاً إلى السؤال الثاني وهو الناحية الشرعية، يا دكتور هذا الروح اللي حضرته إنسان ميت ولا حي؟ قال: لا، ميت. قلنا له: ميت، كيف تستحضر روحه وهو بين روحين لا ثالث لهما. إما سعيدة وإما شقية، فإن كانت سعيدة فوالله ما راح تدخل الدنيا مرة أخرى إطلاقاً؛ لأنها مشغولة بنعيمها في قبرها، وذكرنا بعض الأحاديث التي تدل على أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وإن كانت روح شقية فأولى وأولى أن لا تستطيع الخروج من سجنها المحيط بها، كيف أنت تستطيع أن تستحضر هذه الروح، هذا شرعاً غير ممكن. ثانياً وأخيراً وهنا الشاهد: هب أن هذه الروح باستطاعتك أن تستحضرها، كيف تعرف أن هذه روح الطبيب ابن سينا مثلاً المسلم على عجره وبجره كما يقول العلماء العارفون به، بأنه كان فيلسوفاً وكان منحرفاً عن كثير من العقائد الإسلامية أو كان الدكتور الطبيب الرازي مثلاً قديم، شو عرفك إن هذا كافر مشرك بالله، مجرد ما يقول لك أنا روح فلان، تقول أنت آمين، اليوم المعاملات بين

البشر، بين دولة ودولة، لما الدولة تريد أن ترسل سفير لها إلى دولة أخرى تبعث مع السفير شهادات وقيود واعتمادات وختوم وتواقيع .. وغير ذلك من هذه المصطلحات، حتى تكون الدولة المرسل إليها هذا السفير مطمئنة إن هذا فعلاً سفير دولة إسلامية، وليس دجال جاء ليلعب على هذه الدولة، وهؤلاء بشر مع بعضهم البعض، فهذا عالم من وراء الغيب، من أين لك أن تعرف أن هذا فعلاً الدكتور الفلاني، ما وسعه إلا أن يقول وقد أفحم وأقيمت الحجة عليه، قال: الحقيقة يا أستاذ أن هذه جلسة طبية، وعندنا جلسة علمية إذا تريد أن تناقش فيها فأهلاً وسهلاً، أنا ما صدقت أن هناك جلسة علمية ... ، قلت له: متى؟ قال لي: يوم الأحد، قلنا له إن شاء الله موعدنا يوم الأحد، يشاء الله جاء يوم الأحد فاضطررت أن أتعاون وأحد إخواننا هناك كان موظفاً في المعارف، وكان هناك محاولة لإصلاح بعض الكتب التي تسمى بالتربية الإسلامية، كتب التربية الإسلامية، فيها أحاديث ضعيفة وموضوعة وفيها أفكار حنفية مخالفة للسنة، فدعاني أحدهم أن أتعاون معه، هو موظف في المعارف وأنا لست موظفاً والحمد لله، لكن عندي شوية علم كما تعلمون، فرأيت الاجتماع مع هذا الشخص أولى من الوفاء بالوعد، لكن صاحبي الذي أخذني إليه جاءني في اليوم الموعود يوم الأحد صباحاً إلى مكتب الظاهرية على أساس نتو اعد ونذهب، قلت له: أنا قصتي كذا وكذا ولن أستطيع أن أذهب معك، فأنت جزاك الله خير اذهب إليه واعتذر له إن شاء الله في جلسة أخرى، ذهب الرجل وإذا به يفاجئ أن البيت ليس به أحد إطلاقاً في اليوم الموعود، ومظلوم ليس فيه نور وليس فيه شيء، جاء اليوم الثاني يقول لي القصة كذا وكذا، قلت له: هذا نصر من الله لنا، روح لعنده الأحد الثاني، طبعاً الأحد الثاني بيلاقيه كالعادة، قلت له أنا لا تقول له أن الشيخ لم يأتِ، خليها معماية، أجينا حسب الموعد ما وجدناك، خير إن شاء الله يا دكتور يا حقي بيك، قال له هذا

الكلام فعلاً وهنا الشاهد يا إخواننا، وهنا فاعتبروا يا أولي الأبصار، قال له: روح أنت جبت لنا واحد وهابي كبير خطير، ما بيحب الرسول. قاتله الله! قال له: شو عرفك، هذا الرجل صاحبنا نحضر دروسه دائماً قال الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .. إلى آخره، قال له: عرفني أنا بعدما راح،-يعني: أنا رحت من عنده- قال استحضر روح مدري مين نسيت أنا، وسأله عني وأعطاه هذه البيانات، أن هذا رجل وهابي لا يحب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقلت: يا جماعة هذا دليل أن هؤلاء يستعينوا بالشياطين، ليس هناك استحضار أرواح هذا أمر مستحيل، لكن فعلاً يحضرهم الشياطين ويوحون إليهم كما قال رب العالمين: و {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} (الأنعام: 112)، لذلك أقول: إن كان هناك أحد من إخواننا الذين ابتلوا، وأقول ابتلوا، لأنه حقيقة كما تبلغنا الأخبار أن هذا موضع امتحان واختبار، فقد تأتيه امرأة وهي مصروعة وممسوسة، فقد يرى أنه من الفائدة أن يمسها وأن يجسها في عضدها في عنقها في في إلى آخره، فالشيطان يأتي من هذه الأبواب الهينة اللينة في أول الأمر، ثم لا يزال الأمر يكبر ويكبر حتى تقع الفتنة الكبرى، فإذا كان هناك أحد من إخواننا ابتلي أقول فقط، بتلاوة آيات من كتاب الله أو من الاستعاذات الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لإخراج الجني الصارع لهذا الإنسي فهذا كما قال عليه السلام: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» أما أن يسأله ما اسمك، ما دينك، ما عملك، وأين ساكن، وأين كذا، وكيف ينفع المرض الفلاني .. إلى آخره، هذا داخل في عموم قوله تعالى الذي ذكرته آنفاً: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن: 6)، أسأل الله العافية والسلامة. "الهدى والنور" (455/ 17: 28: 00)

[393] باب منه

[393] باب منه السؤال: عندنا ظاهرة استخراج الجني من الإنسي، ويقول الإخوة الذين يستخرجون الجن من الإنس، أن هذا نوع من أعمال الدعوة، وهي ظاهرة انتشرت كثيراً عندنا في اليمن فما تعليقكم على هذا؟ الجواب: هذا أيضاً هنا وفي كل مكان، وأعتقد هذا من البلاء الجديد الذي ابتلي به المسلمون في بلاد الإسلام في هذا الزمان. الأصل في هذا قوله تعالى عن الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن:6)، فالاتصال بالجن على الطريقة التي ذكرت شيئاً منها لا يجوز شرعاً؛ لأن هذا من الكهانة، كل ما يجوز هو ما ثبت عن الرسول عليه السلام من تلاوة بعض الآيات القرآنية على المصاب بمس من الجن، أما مخاطبة الجن وسؤالهم والاستعانة بهم زعموا على اكتشاف السحر وأين موضوع، ومن الذي سحر .. إلى آخره، فهذا من الكهانة التي لا يجوز تعاطيها، والتي قال عنها الرسول عليه السلام في كثير من الأحاديث الصحيحة أنه: «من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد»، فهذا القرين الإنسي بالجني حينما يسأله عن شيء ويجيبه فيصدقه، فقد شمله هذا الوعيد، كذلك الذي يذهب إليه ويستعين به فقد شمله هذا الوعيد، فلا يجوز تعاطي هذه المهنة إطلاقاً إلا في هذه الحدود الضيقة جداً جداً، وهي تلاوة بعض الآيات على المصروع لعل الصارع له الجني يخرج منه، أما سين وجيم .. إلى آخر ما هنالك من تفاصيل، فهذا لا يجوز في الإسلام. وليكن هذا آخر سؤال منك. "الهدى والنور" (590/ 00:31:02)

[394] باب منه

[394] باب منه سؤال: في بالنسبة للجن .. هناك مسألتان في أمر الجن في منهم أسأل الأول وهو الاستعانة بالجن، من المعلوم أن الجن لدينا أن الجني هناك كافر وفاسق ومسلم. الشيخ: أي والله. مداخلة: فهل يجوز للمسلم إذا كان باستطاعته أو وقع بعض الأمور وظهر له الجني مثلاً مسلم، فاستعان به في بعض الأمور الدنيوية، فهل يجوز للمسلم استعمال هذا الجن .. ، كما استعين أنا بالأخ المسلم الإنسي. الشيخ: .. أنت حينما ذكرت الاستعانة بالجني المسلم ما يدريك أنه مسلم. مداخلة: هو يقول! الشيخ: هو يقول؟ مداخلة: نعم. الشيخ: وهو عندك مجهول. مداخلة: نعم. الشيخ: وهو عندك مجهول. مداخلة: نعم. مجهول لأني لا أعرفه. الشيخ: فكيف تحكم بشهادة مجهول. مداخلة: هو يعني في الحقيقة كأن بعض الإخوة.

الشيخ: لا أنا أسألك أنا أخ كان بجانبك ما يدريك؟ مداخلة: لا أدري. الشيخ: إذاً: السؤال من أصله خطأ. فيبقى السؤال في منطلقه الأول العام، هل يجوز الاستعانة بالجن أم لا؟ الجواب: لا. أما تقسيم الجن فله اعتباران تقسيم الجن من حيث فيهم الصالح والطالح والمؤمن والكافر هذا صحيح، {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (الجن: 11). هذا من حيث الواقع الغيبي غير مشهود عندنا، أما تقسيم الجن بالنسبة إلينا نحن البشر، فهذا التقسيم ضائع بالنسبة إلينا، لا نستطيع أن نقول: فلان الذي يتكلم معنا هو جني مسلم، أو كافر، أو مسلم جني مسلم صالح، أو مسلم جني مسلم صالح، لا ما نستطيع أن نظهر هذه الأحكام؛ لأن هذا حكم عما وراء-كما يقولون اليوم-: الطبيعة يعني: بالتعبير الشرعي الغيب. نحن ما نعرف الغيب، وتصديق المجهول مما هو وراء الغيب، هذه في الوقت الذي ليس شرعاً فهو حماقة؛ لأنك لو جاءك إنسان لا تعرفه مطلقاً، وقال لك: أنا رجل مسلم أمين، وأريد أن أُشارِكَك، لا توافق على هذا؛ لأنك لا تعرفه، فمن باب أولى ألا تقبل شهادة شخص من وراء الجدار يقول لك: أنا مسلم صالح طيب. وسأتعامل معك على مقتضى الدين النصيحة من وراء الجدار. مداخلة: نعم. الشيخ: فهل يقبل الإنسان هذه المعاملة؟

[395] باب حكم التعامل مع الجن وحكم استحضار الأرواح والتنويم المغناطيسي

مداخلة: لا. الشيخ: فما بالك وراء جدر، وراء المادة كلها إذاً: السؤال الصحيح هل يجوز التعامل مع الجن مطلقاً؟ الجواب: لا يجوز مطلقاً، كلا هو جائز فيما يتعلق بالجن والإنس إنما هو إذا غلب على الظن أن هناك إنسي صريع بسبب تسلط الجني عليه، فليتلى عليه بعض الآيات، وينذر بها وله أكثر من ذلك، فهذا الذي ثبت في السنة، أما القرآن فهو يحذرنا من الاستعانة بالجن على لسان الجن المؤمنين الذين جاءوا إلى الرسول عليه السلام مؤمنين به، وتحدثوا عن واقعهم بمثل قولهم: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن: 6) أي: تعباً وضلالاً. لذلك لا يجوز الاستعانة بالجن، وهذا هو الجواب عن السؤال. "الهدى والنور" (704/ 50: 03: 00) [395] باب حكم التعامل مع الجن وحكم استحضار الأرواح والتنويم المغناطيسي سؤال: ما حكم التعامل مع الجن؟ الشيخ: أقول التعامل مع الجن ضلالة عصرية، لم نكن نسمع من قبل قبل هذا الزمان تعامل الإنس مع الجن، ذلك أمر طبيعي جداً أن ألَّا يمكن تعامل الإنس مع الجن لاختلاف الطبيعتين، قال-عليه الصلاة والسلام- تأكيداً لما جاء في القرآن: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} (الرحمن: 15)، وزيادة على ما جاء في القرآن قال -عليه السلام-: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وخلق آدم مما وصف لكم»، فإذاً البشر خُلِقوا من طين، والجان خلقوا من نار، فأنا أعتقد أن من يقول بإمكان التعامل مع الجن مع هذا التفاوت في أصل الخلقة، مثله عندي كمثل

من قد يقول وما سمعنا بعد من يقول ماذا؟ تعامل الإنس مع الملائكة، هل يمكن أن نقول بأن الإنس بإمكانهم أن يتعاملوا مع الملائكة، الجواب: لا، لماذا؟ نفس الجواب، خلقت الملائكة من نور، وخلق آدم مما وصف لكم أي من تراب، فهذا الذي خلق من تراب، لا يمكنه أن يتعامل مع الذي خلق من نور، كذلك أنا أقول: لا يمكن للإنسي أن يتعامل مع الجني بمعنى التعامل الذي هو معروف بيننا نحن البشر، نعم يمكن أن يكون هناك نوع من التعامل بين الإنسي والجني كما أنه يمكن أن يكون هناك نوع من التعامل بين الإنس والملائكة-أيضاً-، لكن هذا نادر نادر جداً جداً، ولا يمكن ذلك مع الندرة إلا إذا شاء الملَك، وشاء الجان، أما أن يشاء الإنس أن يتعامل معاملة ما مع ملك ما فهذا مستحيل، وأما أن يشاء الإنس أن يتعامل مع الجن رغم أنف الجن هذا مستحيل، لأن هذا كان معجزة لسليمان-عليه الصلاة والسلام-، ولذلك جاء في الحديث الصحيح في البخاري أو مسلم أو في كليهما معاً أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قام يصلي يوماً بالناس إماماً، وإذا بهم يرونه كأنه يهجم على شيء ويقبض عليه، ولما سَلّم، قالوا له: يا رسول الله، رأيناك فعلت كذا وكذا، قال: «نعم، إن الشيطان هجم» أو كما قال-عليه السلام- هذا المعنى «علي وفي يده شعلة من نار، يريد أن يقطع علي صلاتي، فأخذت بعنقه حتى وجدت برد لعابه في يدي، ولولا دعوة أخي سليمان-عليه السلام-: رب {هَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} (ص: 35) لربطته بسارية من سواري المسجد حتى يصبح أطفال المسلمين يلعبون به»، لكن-عليه الصلاة والسلام- تذكر دعاء أخيه سليمان-عليه السلام-: رب {هَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} (ص: 35)، لولا هذه الدعوة كان الرسول ربطه، لكنه لم يفعل؛ لأنه أطلق سبيله بالرغم أنه أراد أن يقطع عليه صلاته.

فالآن ما يشاع في هذا الزمان من تخاطب الإنس مع الجن، أو الإنسي المتخصص في هذه المهنة-زَعَمَ- أن يتخاطب مع الجني وأن يتفاهم معه وأن يسأله عن داء هذا المصاب أو هذا المريض وعن علاجه هذا إلى حدود معينة يمكن لكن يمكن واقعياً ولا يمكن شرعاً؛ لأن ليس كل ما هو ممكن واقعاً يمكن أن يجوز شرعاً، يمكن للمسلم أن ينال رزقه بالحرام كما ابتلي اليوم بالتعامل بالربا، معاملات كثيرة وكثيرة جداً، لكن هذا لا يمكن شرعاً هذا لا يجوز شرعاً فما كل ما يجوز واقعاً يجوز شرعاً. لذلك نحن ننصح الذين ابتلوا بإرقاء المصروعين من الإنس بالجن أن لا يحيدوا أو أن لا يزيدوا على تلاوة القرآن على هذا المصروع أو ذاك في سبيل تخليص هذا الإنسي الصريع من ذاك الجني الصريع، صريع اسم مفعول واسم فاعل، ففي هذه الحدود فقط يجوز وما سوى ذلك في تنبيه لنا في القرآن الكريم على أنه لا يجوز بشهادة الجن الذين آمنوا بالله ورسوله وقالوا كما حكى ربنا-عز وجل- في قرآنه: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن: 6)، وكانت الاستعانة على أنواع، الآن ما في حاجة للتعرض لها، المهم أن الاستعانة بالجن سبب من الأسباب لإضلال الإنس؛ لأن الجني ما يخدم الإنسي لوجه الله، وإنما ليتمكن منه لقضاء وطره منه بطريقة أو بأخرى. لقد كنا في زمن مضى ابتلينا بضلالة لم تكن معروفة من قبل، وهي ضلالة استحضار؛ عفواً أولاً التنويم المغناطيسي، فكانوا يضللون بشيء سموه بالتنويم المغناطيسي يسلطون بصر شخص معين على شخص عنده استعداد لينام ثم يتكلم -زعم- بأمور غيبية، ومضى على هذه الضلالة ما شاء الله-عز وجل- من السنين تقديراً ثم حل محلها ضلالة جديدة وهي استحضار الأرواح، ولا نزال إلى الآن

نسمع شيئاً عنها، ولكن كما كنا نسمع من قبل؛ ذلك لأنه حل محلها الآن الاتصال بالجن مباشرة، لكن من طائفة معينين وهم الذين دخلوا في باب الاتصال بالجن باسم الدين، وهذا أخطر من ذي قبل: التنويم المغناطيسي لم يكن باسم الدين وإنما كان باسم العلم، استحضار الأرواح لم يكن باسم الدين إنما كان باسم العلم-أيضاً-، أما الآن فبعض المسلمين وقعوا في ضلالة الاستعانة بالجن باسم الدين، أنه الرسول-عليه السلام- ثبت عنه أنه قرأ بعض الآيات على بعض الناس الذين كانوا يصرعون من الجن فشفاهم الله؛ هذا صحيح، لكن هؤلاء بدأوا من هذه النقطة ثم وسعوا هذه الدائرة إلى الكلام: هل أنت مسلم؟ لا ماني مسلم، شو دينك؟ نصراني يهودي بوذي، وبعدين بيتكلموا معه: أسلم تسلم، وكلام .. إه بيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، آمنوا الإنس بكلام الجني وهم لا يرونه ولا يحسون به إطلاقاً، نحنا اليوم سنين طويلة نتعامل مع بني جنسنا إنس مع إنس سنين بعد كل هذه السنين بيتبين معك إنه هذا والله كان غاش إلك، كيف بدك تتعامل مع رجل من الجن لا تعرف حقيقته، هو بيقول لك: أسلمت، أو بيقول لك سلفاً: أنا مؤمن أنا ترى في خدمتك، شو بدك مني أنا حاضر، هذا نسمعه كثيراً، سبحان الله، من هنا يدخل الضلال على المسلمين، كما يقال: وما معظم النار إلا من مستصغر الشرر. بدأنا مهنة نتعاطاها في استخراج الجن من الإنس وتوسعنا فيها حتى صارت بقى في علاقات، أخيراً جاء هذا السؤال: هل يمكن التعامل مع الجن؟ الجواب: لا يمكن، إلا بما ذكرته آنفاً من التفصيل، والنصيحة كما قلت آنفاً أنه لا يجوز لمسلم أن يزيد على الرقية في معالجة الإنسي الذي صرعه الجني، يقرأ عليه ما شاء من كتاب الله، ومن أدعية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصحيحة وكفى، أما الزيادة على

[396] باب حكم التنويم المغناطيسي وحكم الاستعانة بالجن

ذلك، بعضهم بيستعملوا البخور، وبعضهم يستعملون الزيت، ما أدري أشياء عجيبة جداً، هذا كله تمويه على الناس، ومحاولة الانفراد بهذه المهنة عن كل الناس؛ لأنه لو بقيت القضية على تلاوة آيات كل واحد بيحسن أنه يقرأ بعض الآيات، وإذا بالجني يخرج، لا بدنا بقى الحيطة بشيء من التمويه والسرية-زعموا- حتى مخصصة في طائفة دون طائفة، أُذكِّر بقوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن: 6)، نسأل الله-عز وجل- أن يحفظنا عن أن يصرفنا إلى الاستعانة بالجن. "الهدى والنور" (678/ 52: 17: 00) [396] باب حكم التنويم المغناطيسي وحكم الاستعانة بالجن سؤال: سئل الشيخ عن حكم ما يدعيه البعض من القدرة على معرفة «السارق» مثلاً بطريقة التنويم المغناطيسي] فأجاب: هذه وسائل غير شرعية، ولا يمكن الاطلاع على الغيب بهذه الطرق المبتدعة، ومن الثابت بالأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - النهي الجازم القاطع عن إتيان الذين يَدَّعون اكتشاف المغيبات، من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «من أتى كاهناً فصدَّقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -» وفي حديث آخر: «من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم يقبل له صلاة أربعين يوماً» وهذا الحديث الثاني وبلفظ: «من أتى عرافاً» يَصدُق على كل هؤلاء العرافين الذين يتعاطون وسائل غير معروفة عند الجماهير يزعمون أنهم يكتشفون بها، ويتعرفون بها على أمور غيبية عند جماهير الناس، وبذلك يقع فتنة بين الناس، فقد يُتهم البريء، وقد يُبرَّأ المتهم، فقوله عليه السلام: «من أتى عرافاً فسأله عن شيء

فصدقه لم يقبل له صلاة أربعين يوماً»، ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يأتي مثل هذا العراف، مهما كانت وسيلته، وفي الحديث الآخر مما يؤكد الأحاديث السابقة، وبعضها في صحيح مسلم، قال عليه السلام: «من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» أنا أعتقد أن التنويم هذا هو من هذه الوسائل الغيبية عن الناس، والتي لا يستطاع أن يثبت صحتها أو بطلانها، وما كان كذلك فلا ينبغي أن يُتخذ وسيلةً شرعية لاتهام الأبرياء، هذا ما عندي جواباً عن سؤالك. السائل: شيخي موجود عندنا الآن الأخ علي عبد الفتاح الشيشاني، فيه عنده ملاحظة ممكن. علي عبد الفتاح: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته. علي عبد الفتاح: سؤال تعقيب على نفس السؤال يا شيخ. الشيخ: ما عاد طلع الصوت. علي عبد الفتاح: ودي أعقب على نفس السؤال بسؤال آخر. الشيخ: تفضل. علي عبد الفتاح: ... إن شاء الله تكون بخير. الشيخ: الله يحفظك. علي عبد الفتاح: هذه الأمور الغيبية هي غائبة عن الناس يا شيخ، بالنسبة لهذا الشخص الذي ينوم بواسطة الدكتور عادل أو غيره يأتيه جني فيتكلم هذا الشخص بلسان الجني.

الشيخ: لا تصف لي، الاستحضار أعرفه، إنما قل ما تريد أن تبني عليه. علي عبد الفتاح: أريد أن أبني على [هذا] أن هذا شيء لا يعرف الجني إلا ما حصل، فالأمور إذاً رآها الجن بواسطة الجن الذي ينتشر حيث لا نراهم وهم يروننا، فهم رأوا من سرق هذا المال، فإذا تمكن هذا الشخص الذي يستحكم في الجن أن يستنطق الجني فهو يخبرنا صاغراً بذلك، صاغراً كما يقولون، فما رأيك بذلك؟ الجواب: سامحك الله يا شيخ علي. علي عبد الفتاح: آمين وأنت كذلك. الشيخ: لو جاءك إنسي تعرفه، وقال: السارق لهذا المال هو فلان، ما هو موقفك؟ علي عبد الفتاح: موقفي أسأله الدليل كيف تعرف. الشيخ: شو دليل، هو يدعي دعوى أين الدليل. علي عبد الفتاح: أقول له كيف شفته كيف عرفت، فأنت هنا تقول: أن احنا لا نرى الجني، ... الشيخ: ما قدم لك دليلاً، قدم لك دعوى، ماذا تقول؟ علي عبد الفتاح: جزاك الله خيراً. الشيخ: كيف؟ علي عبد الفتاح: أقول: جزاك الله خير، يعني: آخذ بالجواب الأول معك.

الشيخ: الموضوع: ماذا تقول إذا جاءك إنسي وادعى أن المتهم هو فلان، تقبل دعواه؟ علي عبد الفتاح: لا يجوز. الشيخ: وهو إنسي مثلك. علي عبد الفتاح: لا يجوز. الشيخ: فكيف تقبل دعوى جني مزعوم أنه جني لا تعرف إسلامه من كفره، لا تعرف صدقه من كذبه، بمجرد الدعوى؟ ما يجوز هذا بارك الله فيك. علي عبد الفتاح: بالنسبة للحديث الذي ذكرته يا شيخ، إن شاء الله ما تعتبره جهل مني أو غباء .. ، أنت ذكرت من جاء عرافاً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، أليس «فلم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً»؟ الشيخ: كيف؟ علي عبد الفتاح: أليس الحديث: «فلم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً»؟ الشيخ: كيف فلم يصدقه؟ علي عبد الفتاح: أنا كنت (أظن). الشيخ: فصدقه فصدقه، ليس فلم يصدقه. علي عبد الفتاح: أنا كنت أعتقد أنه صنفين الحديث، الذي لا يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوم، والذي يصدقه كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. الشيخ: الحديث هنا في صحيح مسلم هذا اللفظ، أما حديثك فبحاجة إلى أن يُسند ...

علي عبد الفتاح: بعضهم أستاذي يستدل بقول شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد التاسع عشر فهل هذه حجة. الشيخ: ماذا يقول ابن تيمية في المجلد التاسع عشر ما الذي يدريني؟ علي عبد الفتاح: يجوز الاستعانة يا شيخ. الشيخ: يعني بمن؟ علي عبد الفتاح: بالجن. الشيخ: يا حبيبي الاستعانة بالجن للشفاء (¬1)، أن يفعل هو ويفعل بعض الناس اليوم مش لاتهام الأبرياء، لا يجوز أن يؤخذ كلام ابن تيمية. علي عبد الفتاح: أستاذنا الآن بالشفاء يجوز؟ الشيخ: هذا نقوله إذا كان في آيات وأحاديث وبس، وليس هناك شريخة وبطيخة وكتابة أحرف مقطعة واستعانة بالشياطين، يجوز، كل شيء له مجاله. علي عبد الفتاح: جزاك الله خير يا شيخي. الشيخ: وإياك. مداخلة: شيخنا! ألا يقال في هذه الحالة وحالة أيضاً الشفاء من المرض أو كذا يسد هذا الباب لأنه يؤدي إلى الشرك والبدع والترهات والخزعبلات في دين الله عز وجل؟ ¬

(¬1) يظهر لي من مجموع كلام الشيخ في هذه المسألة أنه يريد جواز التعامل مع الجن بإنذاره بآيات القرآن وإرهابه بها من خلال قراءة القرآن على المصروع كما صرح بهذا في غير ما موضع.

[397] باب حكم التنويم المغناطيسي

الشيخ: يمكن أن يقال هذا، لكن ما نستطيع أن نفرضه على أناس يقومون بطرد الجن الذي يصرع الإنسي بآيات، يعني: المجال هنا غير المجال هناك، المجال هنا إخراج الجني الصارع من المصروع بآيات أو أحاديث أو أدعية نبوية، فهذه قضية محدودة النطاق جداً، أما الاتصال بالجن لاكتشاف المغيبات فهذه يصدق عليها الأحاديث السابقة. السؤال: طيب شيخي أيضاً المصروع بالجن هل يجوز لمن يريد أن يعالجه أن يستعين مثلاً حتى يعرف كيف يعالجه أو كذا؟ الشيخ: لا، ما يجوز، لأنه يعود الأمر إلى الاستعانة بمجهولين، لا تعرف صدقهم من كذبهم. " الهدى والنور" (27/ 09: 44: 00) [397] باب حكم التنويم المغناطيسي سؤال: حكم التنويم المغناطيسي ما حكمه؟ الشيخ: بكلمة مختصرة في اعتقادي "تدجيل عصري" .. تدجيل: دجل عصري، دجل يتناسب مع الزمن والرقي المزعوم، فهمتني؟ مداخلة: نعم، يعني: نستطيع أن نقول أنه لا يجوز. الشيخ: طبعاً لا يجوز. مداخلة: سبب الحرمة شيخنا؟ الشيخ: لأنه إذا كان الأمر يقف فقط عند التنويم فلأن فيه تعاطي أسباب لا يدركها الناس كلهم، وهي تستغل في سبيل ما أشرتُ إليه آنفاً من التدجيل

والتضرير، ومثل ذلك ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح، فكل ذلك تدجيل عصري، والمسلم لا يعتمد إلا على الأسباب الميسرة المذلَّلة التي تدخل في نطاق العلم والتجربة. مداخلة: شيخنا إذا سمحت يعني: كان سأل السؤال أحد الأصدقاء لي الآن ... وكما تعلم الامتحانات التوجيهي على الأبواب، وهو غير مستعد تماماً للامتحانات، فعرض عليه أحد أصدقائه أو أقربائه، عرض عليه أنه ينومه تنويماً مغناطيسي ويُحَفِّظُهُ المواد بحيث يكون حافظها تماماً، فما رأيك؟ الشيخ: أولاً هذه بالنسبة لهذا الطالب خيانة من عنده للمعلمين والمدرسين؛ لأنه المفروض في مثله أن يكد وأن يتعب وأن يجتهد لينجح، وهذا المثال الذي تسأل عنه الآن هو من جملة الأمثلة التي تصلح لتأييد ما قلته آنفاً، ما رأيك فيما لو أن الطلبة كلهم لجؤوا إلى مثل هذه الوسيلة من احتيال على أساتذة ليستحضروا كما لو فتحوا الكتاب ونقلوا منه وزوروا، فهل يكون صلاح الأمة في العلم وفي الدراسة على هذا الأسلوب؟ مداخلة: طبعاً لا. الشيخ: فإذا عرفت فالزم. مداخلة: جزاك الله خير شيخنا هل من نص شرعي ... للدلالة على الحرمة هذه؟ الشيخ: يا أخي ما يكفيك هذا المثال بارك الله فيك. مداخلة: الله يبارك فيك شيخنا.

[398] باب منه

الشيخ: «من غشنا فليس منا» (¬1). مداخلة: جزاك الله خيراً شيخنا. الشيخ: وإياك إن شاء الله. "الهدى والنور" (324/ 25: 07: 00) [398] باب منه السؤال: هل يجوز استعمال التنويم المغناطيسي لاستخراج شيء ما من الأرض؟ الجواب: هذه كانت قديمة بطرق باخت وبارت، الآن طلعوا لنا بطرق تنويم مغناطيسي، وهذا التدجيل عصري لا يجوز الاعتماد عليه. "الهدى والنور" (141/ 35: 45: 00) [399] باب تلبس الجن بالإنس، وهل تجوز الاستعانة بالجن؟ السؤال: ... يدور كثير من الأمر حول موضوع تلبس الجني بالإنسي، فكثير من الأدبيات صدرت تُحذِّر من الجان ومن التلبس وحول مسألة إخراج الجني بهذه الطرق التي نسمعها، يعني: حبينا نسمع رأيك في هذا الموضوع؟ الشيخ: نحن كثيراً ما نُسأل عن هذا، واليوم بالذات سألني سائل من الضفة الغربية، يقول: أنه هو نسب هذا إلى غيره-،لكن كأني شعرت أنه هو المعنيّ، بأنه هناك شخص من الإخوان الطيبين له أخ جني صالح وأنه يستقي منه الأخبار، فأنا ¬

(¬1) مسلم (رقم294).

تكلمت معه طويلاً في هذا الصدد، وقال لي: إذا شئت أنا آتيك على موعد تحدده لكي نعطيك بعض التفاصيل، قلت له: أنا آسف لأني أعتقد أن الاستعانة بالجن أو المؤاخاة مع الجن كما يقولون اليوم هذا سبيل ضلال، وأنه لا يجوز للمسلم أن يستعين بمن يظن أنه من الجن لقوله تبارك وتعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن: 6) وبالإضافة إلى ذلك أن المسلم يخالط أخاه المسلم الإنسي سنين طويلة وهو واثق به وإذا به بعد هذه السنين كلها يتبين أنه ليس كذلك، وهو مثله يعامله ويفهم منه ويأخذ ويعطي وو .. إلخ، فكيف بإمكان الإنسي أن يعرف هذا الشخص الذي هو من عالَم ما يسمى اليوم بما وراء المادة، كيف بإمكانه أن يعرف أنه مسلم أو كافر أو يعرف أنه صالح أو طالح، ونحن الإنس ما نقدر نتمكن من الوثوق بعضنا في بعض. ولذلك فنحن نرى سد هذا الباب إطلاقاً إلا فقط مما ثبت في السنة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أولاً، وعن بعض علماء المسلمين ثانياً، وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، من تلاوة بعض الآيات القرآنية على الممسوس من الجن، هذا يمكن أن يقال بجوازه، وفائدته ملموسة قديماً وحديثاً، أما التوسع بأكثر من هذا القدر فهذا لا يجوز شرعاً، لأنه من مزالق الأقدام، ولأنه من الممكن أن يُضلَّل هذا الإنسي بهذا الجني بما قد يقدمه إليه من أخبار أو معلومات يتوهم الإنسي أنها معلومات صحيحة وصادقة، هذا ما نعتقده وندين الله به. السائل: طيب، عملية دخول الجني في الإنسي. الشيخ: هذا لا يمكن إنكاره أولاً؛ لظاهر الآية المعروفة: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (البقرة: 275)، وثانياً لمجيء بعض الأحاديث وكما تعلم أن

السنة دائماً تُوضِّح القرآن وتفسره وتزيده بياناً على بيان، ففي بعض الأحاديث بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بأمرأة عجوز وعندها صبي لها يُصْرَع، فقرأ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليه بعض الآيات وخاطب الجني المتلبس بذلك الغلام، وأمره بالخروج فخرج وكأنه خرج من بدن ذلك الصبي شيء من الدخان، ثم تابع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - طريقه فيما كان في صدده، ولما رجع مر أيضاً بالمرأة العجوز فسأله عن صبيها وغلاماها فأجابت بأنه والحمد لله بخير، فمثل هذا يؤكد أن معنى الآية هو على ظاهرها، وأنه لا مجال لتأويلها كما يفعل اليوم بعض الإسلاميين المعاصرين الذين يحاولون أن يُقرِّبوا كثيراً من الأمور الغيبية إلى العقول البشرية وبخاصة إذا كانت هذه العقول من العقول المادية التي لم تتشرب بشرف الإيمان، وأول شرط من شروط الإيمان هو كما قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم في أول سورة البقرة: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ،} (البقرة: 1، 2) من هم؟ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة: 3) فنحن معشر المسلمين وربما يُشاركنا في هذا بعض المتدينين ببعض الأديان الأخرى المنحرفة نؤمن بشيء اسمه جن، كما نؤمن بعالم ثالث ألا وهم الملائكة، وهذا الإيمان وذاك هو من الإيمان بالغيب الذي لا يدخل في عالم المحسوسات والماديات، فلهذا يجب الإيمان أولاً بالجن كخلق من خلق الله عز وجل، وأن لهم طبائع ولهم عادات جاء ذكرها في بعض الأحاديث الصحيحة، ومنها مما يتعلق بسؤالك ما ذكرت لك آنفاً ... السائل: طيب، بالنسبة لتشكل الجن على شكل بعض المخلوقات. الشيخ: هذا أيضاً وارد، ويحضرني بهذه المناسبة قصة أبي هريرة حينما كان حارساً على بيت المال، حيث كان ليلة حينما رأى شخصاً لا يدري من أين دخل يحثو في ثوبه من التمر بيت المال، فهجم عليه وقبض عليه ويريد أن يسلمه للنبي

- صلى الله عليه وآله وسلم -، فاستعطفه وقال: إني رب عيال وفقير ومن هذا الكلام اللين، فترجاه أن يطلق سبيله فحن قلب أبي هريرة وأطلقه، فلما أصبح الصباح ذكر للرسول عليه السلام ما وقع له، فقال له عليه السلام: «ذاك شيطان وسيعود إليك» وفعلاً عاد إليه في الليلة الثانية، وعاد الشيطان إلى استعطافه المذكور آنفاً، فأيضاً أطلق سبيله، ثم ذكر ثاني يوم ما وقع له مع الشيطان فأكد له قوله السابق: «ذاك شيطان وسيعود إليك».وهكذا جاء الشيطان في المرة الثالثة، فلما ألقى القبض عليه وأراد أن يأخذه إلى الرسول عليه السلام، قال: أطلقني وأنا أنصحك بنصيحة، إذا قرأت آية الكرسي حينما تأخذ مضجعك فإنه لا يمسك في تلك الليلة إنس ولا جان، فكأنه دخل في قلبه صدق هذا الكلام فأطلق سبيله، وفي الصباح ذكر أبو هريرة للرسول عليه السلام ما فعل مع الشيطان، قال كلمته المشهورة: «صدقك وهو كذوب». فهذا حديث في صحيح البخاري، فهو يؤكد أن للشيطان حق التمثل وقدرة التمثل بالصور التي يريدها، وفي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يصلي ذات ليلة أو ذات يوم بأصحابه، فرأوه وهو يؤمهم كأنه مد يده ويقبض على شيء، وبعد الصلاة قالوا له: رأيناك يا رسول الله فعلت كذا وكذا، قال: نعم، «لقد هجم علي شيطان بشعلة من النار يريد أن يقطع علي صلاتي، فأخذت بيدي وشددت على عنقه حتى وجدت برد لعابه في يدي، ولولا دعوة أخي سليمان عليه الصلاة والسلام لربطته بسارية من سواري المسجد حتى يصبح أولاد المدينة يلعبون به»، فهذه أمور يعني لا يمكن للمسلم الذي يؤمن بعالم الغيب أولاً ثم يؤمن بما صح من الأخبار ثانياً إلا أن يؤمن بهذه الحقيقة. هذا هو الجواب أيضاً عن هذا السؤال الأخير. "الهدى والنور" (485/ 44: 00: 00)

[400] باب حكم الكهانة واستحضار الأرواح والتنويم المغناطيسي

[400] باب حكم الكهانة واستحضار الأرواح والتنويم المغناطيسي [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من أتى كاهناً، فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد». [قال الإمام]: (فائدة): قال ابن الأثير في "النهاية": "الكاهن: الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدَّعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أن له تابعاً من الجن ورَئيًّا يُلقي إليه الأخبار، ومنهم من يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله، أو من فعله، أو حاله، وهذا يخصّونه بالعراف، كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق، ومكان الضالة ونحوهما. والحديث الذي فيه: "من أتى كاهنا ... " قد يشتمل على إتيان الكاهن، والعراف، والمنجِّم ". قلت: فإذا عرفت هذا؛ فمن (الكهانة) ما كان يعرف بـ "التنويم المغناطيسي"، ثم بـ "استحضار الأرواح"، وما عليه اليوم كثير من الناس- وفيهم بعض المسلمين الطيبين- ممن اتخذوا ذلك مهنة يعتاشون منها، ألا وهو القراءة على الممسوس من الجني، ومكالمتهم إياه، وأنه يحدثهم عن سبب تلبسه بالإنسي؛ حبّاً به أو بغضاً! وقد يزعمون أنهم يسألونه عن دينه، فإذا أخبرهم بأنه مسلم؛ صدقوه في كل ما ينبئهم به! وذلك منتهى الغفلة والضلال؛ أن يصدقه وهو لا يعرفه ولا يراه، فكن

[401] باب من صور الشعوذة

حذراً منهم أيها الأخ المسلم! ولا تأتهم ولا تصدقهم، وإلا صدق فيك هذا الحديث الصحيح وما في معناه. "الصحيحة" (7/ 2/1155 - 1157). [401] باب من صور الشعوذة سؤال: اسمح لنا يا شيخ أنا رأيت أحدَهم يضع مفتاح مثل هذا كتاب ... فيمسك يد الملبوس يحطه على أصبعه وهذا يحط أصبعه سيقرأ هذا الإنسان، فيقول إذا كان جن هذا مسلم يلف على اليمين. الشيخ: هذا تدجيل. مداخلة: شيخنا طبعاً اكتشفتُ أن هذا تدجيل لأني رأيت إصبعه وهو يحرك المفتاح. الشيخ: هذه كانت تستعمل عندنا في دمشق مش من شان التضليل هذا وإنما من شان الاستخارة. مداخلة: يجوز هذا يعني شيخنا؟ الشيخ: رجل هناك كان زَجَّاجاً وكان من زبائني كان يصلح الساعات وهو كان زبون عندي جاءني شاب متخرج من الأزهر ومن رؤوس الإخوان المسلمين سألني عن هذه العملية، قال لي ماذا رأيك فيها، قلت له هذا أولاً استخاره غير شرعية لأنها تنافي الاستخارة التي جاءت في صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، يُعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يُعلِّمنا السورة من القرآن، يقول عليه السلام «إذا همَّ أحدَكم الأمرُ فليصلي لله

ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم أني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاجل أمري وآجله، فقدره لي، ويسره لي، ثم بارك فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبت أمري عاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، ثم قدر لي الخير حيث كان، ورضني به» فهذه الاستخارة مخالفة لهذه الاستخارة الشرعية كالاستخارة بالمصحف يفتح حظه ونصيبه وإذا يطلع له آية وعيد في جهنم. فحدثني: يا أخي بس هذه القضية مجربه، كيف مجربه؟ قال يحط مفتاح بين أصبعه وإصبع هذا الذي بده يستخير ويعلق على المفتاح مفتاح كبير من المفاتيح القديمة، يسموها عنا سقاطه المهم وبيعلق المصحف في منديل، ألي أنا شفت بعيني هذا الأزهري بيقول، اسمه عبد الرزاق ما ادري حي أو ميت. المهم قال لي أنا شفت بعيني بيقرأ هذا الشخص وإذ المصحف يميل يميناً أو يسارا، ويبني على ذلك أنه إذا مال يمينا استخارة كويسة، وإذا مال المصحف يساراً ما هي كويسه، قلت له: والله أنت صادق، لكن أنا ما أنا ماني منشرح لهذا الكلام أريد أشوف بعيني، خذلي معه [موعد] مع الرجل، وهو كما قلنا صاحبي، فعلاً حط هذا المفتاح الطويل على أنملته والطرف الثاني على أنملتي وعلَّق المصحف، ليس صغير مصحف كبير وإذ القضية طبيعية جداً، أنا شعرت أنه في حركة بسيطة، لأنه ما وضعها بالكف وضعها بأيش بالأنملة ومقابل الأنملة ثانية، واليد في الهواء، لا بد ما يصير ابتعاد لا يرى بالعين المجردة. مداخلة: ... أعصاب.

[402] باب النشرة من عمل الشيطان وحكم استحضار الأرواح

الشيخ: أعصاب، لا بد ما المصحف يتحرك يميناً أو يساراً أمر طبيعي تماماً، فانكشف السر عندي، لكني أنا احتلت على الزلمه، وهو مسكين درويش يعني وإلا كان ينتبه، فأنا كل ما اشعر أن المصحف سيميل هيك ولا هيك مش أعمل مثل أبو أحمد، حركة لا ينتبه لها أي إنسان، اعمل هكذا بسيط جداً، خلاصة تَمَّ المصحف [ثابتاً] لا مال يميناً ولا يساراً، الزلمة لا زال يقرأ، يقرأ، يقرأ شفته فعلاً تصبب عرقاً، وصاحبنا موجود، الوسيط يعني، فماذا قال هذا المسكين الدجال، قال: والله أنا عمري ما صارت معي هذه القضية لأنة ما عرف ايش السر، السر مثلما قلت لكم تماماً أن هذا لا بد ما يتحرك المصحف يميناً ويساراً. "الهدى والنور" (573/ 59: 29: 00) [402] باب النشرة من عمل الشيطان وحكم استحضار الأرواح [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «النشرة من عمل الشيطان». [قال الإمام]: و" النشرة ": الرقية. قال الخطابي: " النشرة: ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يظن به مس الجن ". قلت: يعني الرقى غير المشروعة، وهي ما ليس من القرآن والسنة الصحيحة وهي التي جاء إطلاق لفظ الشرك عليها في غير ما حديث، وقد يكون الشرك مضمراً في بعض الكلمات المجهولة المعنى، أو مرموزاً له بأحرف مقطعة، كما

يرى في بعض الحجب الصادرة من بعض الدجاجلة، وعلى الرقى المشروعة يحمل ما علقه البخاري عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب (أي سحر) أو يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه. ووصله الحافظ في " الفتح " (10/ 233) من رواية الأثرم وغيره من طرق عن قتادة عنه. ورواية قتادة أخرجها ابن أبي شيبة (8/ 28) بسند صحيح عنه مختصراً. هذا ولا خلاف عندي بين الأثرين، فأثر الحسن يحمل على الاستعانة بالجن والشياطين والوسائل المرضية لهم كالذبح لهم ونحوه، وهو المراد بالحديث، وأثر سعيد على الاستعانة بالرقى والتعاويذ المشروعة بالكتاب والسنة، وإلى هذا مال البيهقي في " السنن "، وهو المراد بما ذكره الحافظ عن الإمام أحمد أنه سئل عمن يطلق السحر عن المسحور؟ فقال: " لا بأس به ".وأما قول الحافظ: " ويختلف الحكم بالقصد، فمن قصد بها خيرا، وإلا فهو شر ". قلت: هذا لا يكفي في التفريق، لأنه قد يجتمع قصد الخير مع كون الوسيلة إليه شر، كما قيل في المرأة الفاجرة: ككفالة الأيتام من كسب فرجها ... لكِ الويل لا تزني ولا تتصدقي ومن هذا القبيل معالجة بعض المتظاهرين بالصلاح للناس بما يسمونه بـ "الطب الروحاني " سواء كان ذلك على الطريقة القديمة من اتصاله بقرينة من الجن كما كانوا عليه في الجاهلية، أو بطريقة ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح، ونحوه عندي التنويم المغناطيسي، فإن ذلك كله من الوسائل التي لا تشرع لأن

[403] باب حكم استحضار الأرواح

مرجعها إلى الاستعانة بالجن التي كانت من أسباب ضلال المشركين كما جاء في القرآن الكريم: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} أي خوفا وإثماً. وادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم أنهم إنما يستعينون بالصالحين منهم، دعوى كاذبة لأنهم مما لا يمكن- عادة- مخالطتهم ومعاشرتهم، التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم، ونحن نعلم بالتجربة أن كثيراً ممن تصاحبهم أشد المصاحبة من الإنس، يتبين لك أنهم لا يصلحون، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} هذا في الإنس الظاهر، فما بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}. "الصحيحة" (6/ 1/611، 613 - 615). [403] باب حكم استحضار الأرواح سؤال: بالنسبة للروح، بعد وفاة الشخص هل تعود إليه ثانية عندما ينزل إلى القبر وهل يُعذب حسب أعماله في القبر؟ الشيخ: لا شك أن الميت حينما يوضع في قبره فتعود الروح إليه ساعة مجيء الملكين: منكر ونكير لسؤاله، فإذا ما أجاب بالجواب عاد ميتاً كما كان من قبل، وأنا أعني بهذا أن الميت حين يوضع في قبره تعود إليه الروح وتتلبسه بحيث أنه لما بيكون ضجيع القبر يجلس حتى يوجه إليه السؤال فيجيب، فالروح تتلبس قسمه الأعلى فإذا ما انتهى من الجواب عاد كما كان ميتاً، هنا الآن سؤال: أين مصير روحه؟

الجواب: يعذب أو ينعم بروحه لأن جسده ميت، طريقة التنعيم والتعذيب طبعاً هذه الأمور الغيبية التي لا يجوز لمسلم أن يتعمق فيها، لأنه من باب الغيب وما نعلم الغيب ولا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، ولكن في عندنا بعض التفاصيل التي عرفناهما من السنة الصحيحة، من ذلك مثلاً إذا كانت روح الميت مؤمنة يفتح له طاقة من القبر يطل منها على منزله في الجنة، من روحها، ونعيمها ولا يزال هكذا يتنعم إلى قيام الساعة. في حديث آخر أن هنا الميت المؤمن إما أن يكون من عامة المؤمنين، وإما أن يكون شهيداً، فإذا كان من عامة المؤمنين فتتنقل روحه منه إلى بطن طير من طيور الجنة فيتنعم يأكل هذا الطير من شجر الجنة، إذا كان هذا الميت شهيدا فتكون روحه في حوصلة طير من طيور الجنة. روح المؤمن العادي في بطن الطير، روح المؤمن الشهيد في حوصلة الطير. فإذن روح المؤمن نعيمه إما في قبره وقد ينتقل في الجنة بروحه وليس بجسده، أما إذا كان لا سمح الله فاسقا أو كافراً فيفتح له طاقة ويرى منزله في النار، في جهنم، يفتح له منها طاقة فيأتيه من ريحها ولهيبها ودخانها فلا يزال يعذب حتى تقوم الساعة. ومن هنا نصل إلى نقطة هامة جداً لها علاقة ببعض مشاكل العصر الحاضر، فلا بد أنكم تسمعون بناس يزعمون أنهم يستحضرون الأرواح، تسمعون الشيء هذا ولا لا؟ يعني استحضار الأرواح اليوم من بدع العصر الحاضر، وضلالات الكفار الأوربيين وأمثالهم.

[404] باب هل ضرب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - جنيا بالعصى؟

هؤلاء لا يؤمنون بشيء اسمه بعث ونشور والخ. فيزعمون أن بإمكانهم أن يستحضروا روح من شاؤوا من الأطباء، من العلماء، من الصالحين، من الطالحين الخ. واغتر بهم كثر من المسلمين في مصر، في سوريا الخ. نحن نعرف بعضهم، فإذا استحضرنا هذه العقيدة الإسلامية وهي أن روح الميت في القبر: ينعم أو يعذب أن ينتقل إذا كان مؤمناً إلى الجنة، كيف يمكن استعادة هذا الأرواح إلى عالم الدنيا، واستنطاقها، واستجوابها؟ هذا من تدجيل الشيطان على هؤلاء الناس اليوم إذا تذكرتم هذا الحقيقة فاذكروا معها عملية استحضار الأرواح هو دجل عصري، دجل عصري يخالف الشريعة الإسلامية. "الهدى والنور" (528/ 15: 49: 00) [404] باب هل ضرب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - جنيًّا بالعصى؟ سؤال: ورد عن النبي عليه السلام أنه عالج شخصاً فرآه الجن فضربه الرسول بالعصا، هل صح هذا؟ الشيخ: لا. "الهدى والنور" (339/ 40: 05: 00) [405] باب حكم علاج المس وكيفيته، وكلمة حول استحضار الأرواح والتنويم المغناطيسي، وحكم تسجيل شريط مع جني وتوزيعه!! سؤال: انتشرت عندنا بين الشباب مؤخراً علاج المس من الجن، فما رأيكم بهذا وبما تنصح الشباب في هذه الأمور؟

الشيخ: بالنسبة لمس الجن نحن لا نرى أكثر من تلاوة آيات من القرآن الكريم إتباعاً لسنته عليه الصلاة والسلام، فقد جاء في أكثر من حديث أنه عليه الصلاة والسلام كان يُخرج الجان من بني الإنسان بقراءة بعض الآيات من القرآن، أما ما يشاع في كثير من البلاد الإسلامية أن بعض هؤلاء يفعلون ويأتون بأعمال أكثر من تلاوة القرآن، فهذا ليس من الإسلام إطلاقاً مثلاً بعضهم يكلم الجني المتلبس بالإنسي، وقد يسأله ما بال هذا الصريع، بيقول الجني مثلاً: هذا مسحور، وين السحر تبعه؟، والله في الفلاة أو الصحراء الفلانية أو البئر الفلانية، هذا كله محرم لأنة استعانة بالجني وليس استعانة بالله عز وجل وباختصار كما قلت آنفاً لا يجوز أكثر من تلاوة القرآن الكريم، وأنا أخشى ما أخشى أن يكون هناك نوع من التدجيل الحديث اليوم، كما كان قبل بضع سنين المسمى باستحضار الأرواح أو التنويم المغناطيسي، فهذه كلها كانت عبارة عن بهلوانيات يتعاطاها بعض الدجالين بأسماء حديثه، تنويم مغناطيسي، استحضار أرواح، الآن استحضار الجان، هذا ما يجوز أبدا، وربنا عز وجل ذكر في القرآن الكريم في حق العرب في الجاهلية الذين كان من عادتهم أنهم إذا سافروا ونزلوا وادياً ليباتوا فيه ينادي رئيس القبيلة من الإنس يا رئيس هذا الوادي من الجان نحن الآن في أمانك في ضيافتك، وما شابة ذلك، فأشار الله عز وجل إلى هذه الضلالة بقولة {وَأنه كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن: 6)، هذه الزيادة الآن المذكورة في القرآن هي التي تقع من أكثر هؤلاء الذين يدعون أنهم يستخرجون الجان من إنسان، فلا يجوز، وذلك من الكهانة التي قال الرسول عليه الصلاة والسلام، «من أتى كاهناً، وفي رواية عَرَّافاً، فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد»، ذلك لأنة يستعين به وستنبئه عن أمور غيبيه لا يعلمها الناس عادةً فَيَضِلُّوْنَ

ويُضِلُّوْنَ، هذا جوابي عن هذا السؤال. مداخلة: جزاك الله خيراً يا شيخ بس في بعض الأمور مثلاً هؤلاء الشباب يعالجون بالقرآن، ولكن يعني في بعض الطرق مثلاً يعني يمسك أحدهم برأس المريض ويقرأ آية من القرآن، ويمسك الثاني بيديه ويقرأ آية من القرآن، ويمسك الثالث برجليه مثلاً ويقرأ آية من القرآن، كلهم يقرؤون في آن واحد وجهراً، وهناك من يكتبون في ورق أو في منديل ورقي، يكتبون القرآن ثم يحرقون هذا المنديل بالنار ليخرج البخار يقولون في واحد من العلماء لا أعلم باسمه يمكن الدمرداش في مصر أخرج كتاباً لعلاج المس من الجن، نعم الدمرداش تقريباً هذا يقول أن هذه الطريقة، هم يقولون هذا لم نقرأها في الكتاب ولم نجدها، الله أعلم يعني أن هذه الطريقة تحرق الجن الموجود في الإنسي. الشيخ: ولماذا يحرقوه؟ مداخلة: لأنة لا يريد أن يخرج. الشيخ: لكن هو يخرج بتلاوة القرآن كما فعل الرسول عليه الصلات والسلام، على كل حال الصورة التي تصورها الآن، هي من بدع آخر الزمان، ولذلك نحن نعود إلى ما ذكرناه في أول الجواب، ليس هناك لمعالجة مس الجن إلا تلاوة القرآن ومن شخص، أما واحد بيأخذ بيد والثاني بيأخذ بيد والثالث بالرجل والرابع بالرجل، فهذه تمثيليات فعلاً. مداخلة: في آيات مخصوصة في هذا؟ الشيخ: لا. مداخلة: ما ورد يعني؟

الشيخ: لا ما في شيء مُعيَّن. مداخلة: مثل آية الكرسي أو أواخر البقرة أو المعوذات؟ الشيخ: ما في آية معينة لهذا الخصوص، آية الكرسي معروف أن الجني الذي قبض عليه أبو هريرة ولما رآه يريد أن يسرق من تمر بيت المال أول ليلة وثاني ليلة وثالث ليلة وكل مرة يحكي للرسول ويقول أنه الجن، وسيعود إليك، في ثالث مرة ألقى القبض عليه فتدخل وأشفق عليه أبو هريرة قال له لما أصر أن يأخذه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: دعني، وأعلمك آية من القرآن الكريم، إذا أنت قرأتها حينما تضع جنبك للنوم لا يقربك في تلك الليلة إنسٌ ولا جان، فكأنه اطمأن لهذا الجواب فأطلقه، ولما أصبح به الصباح ذكر ذلك للرسول قال عليه السلام «صدقك وهو كذوب»، لا شك أن هذه الصورة أو هذه الآية تفيد لبعض الجن. مداخلة: بلفظ إنس ولا جان، ذكرتُ ولا ولا يقربك شيطان؟ الشيخ: لا في روايات متعددة في هذا الخصوص، حتى بعض المعاصرين اليوم مع الأسف حاولوا تضعيف هذا الحديث مع كونه في البخاري، وتجاهل الروايات الآخرى التي يزيد بعضها على بعض. مداخلة: هل يُمكن أن نُشير مثلاً لبعض آيات نتيجة التجربة من أهل العلم، مثلاً شيخ الإسلام ابن تيمية كان أحياناً يقرأ على المصروع يقول أنها، أو أن ابن القيم بالذات يقول أن آية {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} (المؤمنون: 115)، تؤثر كثيراً في أذن المصروع فهل ممكن أن نشير إلى هذه الآيات؟ الشيخ: ما في مانع.

علي حسن: شيخنا أذكر إني قرأت في «اللآلئ المصنوعة» للسيوطي في تعليقه على بعض الحديث كما لا يخفاكم شيخنا هو يورد من الأسانيد الكثيرة أحياناً ليشد عضد حديث أو كذا فكأني رأيت بعض الأسانيد تكاد تقوى عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا جاءه المصروع الذي لبسه الجني قرأ في أذنه {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (المؤمنون: 115)، قال فكأنما نشط من عقال. الشيخ: هذا السيوطي وين؟ مداخلة: اللآلئ للمصنوعة. الشيخ: طيب يعني وين. مداخلة: لكن كاتبها عندي على الصفحة. الشيخ: على كل حال يحتاج إلى مراجعة، إن شاء الله غيره. مداخلة: بالنسبة الذين يُسجِّلون على الأشرطة حوار مع جني صراع مع جني وتوزع للأسواق. الشيخ: يا أخي إذا كان ما سبق نفيناه وهذا من باب أولى، نعم. مداخلة: ما رأيكم بالتداوي بالقرآن بطريقة القراءة مثلاً في كأس من الماء وتقريب الفم ... الشيخ: هذا كالكتابة على الورقة ثم شعلها، كما ذكرت آنفاً كل هذا ليس له أصل وكل خيرٍ في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف. مداخلة: ذُكِر عن ابن تيميه أنه كان يضرب المصروع فهل هذا كذلك يعني من

[406] باب هل يجوز التعامل مع الجن والتحدث معهم؟

الأمور المنهية أم يجوز فعلها؟ الشيخ: إذا كان ضربه أولاً لا يؤذي المصروع ويفيد في إخراج الجن فجائز. مداخلة: الماء ... الشيخ: هذا ليس له أصل. "الهدى والنور" (573/ 35: 17: 00) [406] باب هل يجوز التعامل مع الجن والتحدث معهم؟ سؤال: صحة الحديث الذي هو حديث أبي بن كعب: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقال: إن أخي به لمم فأجلسه بين يديه ووضع يده على رأسه وقرأ بهذه الآيات: التي هي الفاتحة أو البقرة .. وإلهكم إله واحد .. آية الكرسي .. آخر البقرة .. {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (آل عمران: 18) وآية (54) في سورة الأعراف وأواخر المؤمنون، وأول عشر آيات من الصافات، وآيتين من سورة الرحمن، وآية من سورة الجن، وأواخر الحشر، والإخلاص والمعوذتين، فيقول: فقام الرجل كأن لم يشكو قط. فمنذ فترة طويلة أرقي بهذه الرقية وفي يوم من الأيام أرقي أحد الشباب فنطق على لسانه جني وقال: أنا لا دخل لي .. لا دخل لي .. المهم: اختصار الموضوع لأن الأمر ظل عدة أيام، حوالي أربعة أيام .. المهم: تكلم على الطريقة المعتادة التي كنت أعملها سابقاً: حادثته وما اسمك ومن أنت ولماذا دخلت وهل تعمل مع ساحر أم لا إلى آخره، فقال: أعمل مع ساحر والساحر فلان وفلانة التي ذهبت إلى الساحر إلى آخر ما قال، فنهايتها قال: أنا أسلمت منذ الأمس عندما أتيت إليك أول مرة فأريد أن أخدم، قلت: ما هي الخدمة التي تريد أن تقدمها؟ قال: أخدم

المسلمين فقط ادعوني آتيك على حسب ما سمى نفسه، قلت له: نعم والله! بدل أن أقول: يا الله أقول: يا عبد الله، فقال: لا أقصد .. قلت له: لا، هذه هي، اذهب عني من أتى بك سيأتي بغيرك وغير غيرك إلى آخره. الشيخ: جميل. مداخلة: نعم، المهم قال: لا تنادي إذا كان في ذلك شرك، امسك بالسواك واستاك به خمس مرات أكون حاضراً عندك، قلت له: نعم والله! الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وضح أن السواك سنة غير محدودة العدد، آتي أنا أشرك بهذا الفعل .. أنا لا أقبل ذلك، إذا أردت أن تخدم اذهب عني فاخدم بالطريقة التي تراها. خلاصة الحديث: قال: أريد أن أجلس عندك أتعلم أحكام التجويد. الشيخ: ما شاء الله. مداخلة: نعم، قلت أنا: لا أقبل هذا كله ولكن انصرف واخرج أنا لا آمرك إلا بالخروج، آمرك بتقوى الله ثم أن تخرج من هذا الرجل؛ لأنه وجودك في جسده ظلم إلى آخره، فقال: أنا لا أقدر على الخروج إلا بعد استخراج السحر، وكان هذا الوقت متأخر من الليل وكانت ليلة مثلجة فانتظرنا حتى الصباح يعني: بالخبرة المدة الطويلة أعرف أن السحر .. طبعاً هو لو صدق في إسلامه لخرج، لكنه لم يصدق في إسلامه وهذا ما عرفت. الشاهد في الموضوع: انتظر حتى الصباح حتى ذهبنا إلى مكان السحر الذي دل عليه فقاموا الشباب بحفر المكان ولم يجدوا شيئاً .. نهاية الحديث، قلت: لا بد أن تخرج، قال: لا أقدر على الخروج، قلت له: اخرج وإلا قتلتك أو حرقتك وأقسمت عليه بالله عز وجل أن يخرج منه وإلا

حرقته، قال: لا أقدر على الخروج، وحاول على الخروج حوالي من عشر مرات تقريباً أقرأ عليه سورة يس حتى يجمع نفسه. الشاهد: في النهاية ما وجدت حل وهذه طريقة لا أدري مدى صحتها، علمنا إياها أحد المشايخ سابقاً قلت إذاً: جمع نفسك في رجله، أين تسكن؟ قال: أسكن باليمين، قلت له: جمع نفسك في الشمال .. جمع نفسه، طبعاً: له جرم تحت يدي .. الشيخ: له ماذا؟ مداخلة: له منتفخ المكان تحت يدي .. له حجم مبين .. ضربته بالسكين صرخ، قلت له: جمع نفسك وقل: أشهد أن لا إله إلا الله .. وهذا الذي كان معي، قال: أشهد أن لا إله إلا اله وأن محمد رسول الله .. جمع نفسك! جمع نفسه مرة أخرى فضربته بالسكين مرة أخرى، المهم: انتهى .. الشيخ: ماذا تعني: ضربته بالسكين يعني: جرحته؟ مداخلة: نعم، جرحت الشاب نفس الشاب ضربته في نفس المكان الذي هو مجمع فيه .. الشيخ: نعم. مداخلة: طبعاً هذا بناءً على رغبته هو، يعني: انتقلت للحديث للسرعة الذي هو بناءً على رغبته، قال: ما في أمامك أي حل إلا أنك .. اقتلني بالصورة التي تراها، فهذا ما فعلت، المهم: ليس هذا هو الأمر فقط ولكن بعد يوم قال .. قبلها بفترة قال: له أخوه مع أخت الشاب الذي قرأت عليه، وذهبت وقرأت على الشاب .. أيضاً تكلم على لسانها ما اسمك .. الأول هذا الذي مع صاحبنا اسمه مروان والثاني اسمه مراد ..

الشاهد .. خلاصة الحديث: أنه لما قتل هذا بعد يوم أو يومين من هذه الحادثة جاءني نفس الشاب ويقول: أنا اسمع صوت حولي يقول: إس .. إس .. ما أدري، المهم: قرأت عليه .. وأنا في أول الفاتحة تكلم على لسانه، من أنت؟ قال: مراد، طيب! ما الذي أتى بك؟ قال: والله أنا أخي أوصاني أن آتي على نفس الشاب وأُشهر إسلامي أمامك وهكذا بسم الله، قلت له: طيب! قل: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، قال: أوصاني أخي أن أسمي نفسي سليمان .. طبعاً وهذا استدراج آخر؛ لأن لي ابني الأكبر اسمه عبد الله وذاك سمى نفسه عبد الله عليه والابن الثاني اسمه سليمان فهذا يعني .. الشاهد في الموضوع أنه قال: أجلس معك؟ قلت له: اخرج إلى بلاد الله سبحانه وتعالى .. اخرج إلى مكة المكرمة إلى آخره، وظل فترة .. قال: أخدم، قلت له: نحن في غنى عن هذه الخدمة. الشاهد في الموضوع أنه بعد يومين خرج طبعاً .. وبعد يومين نفسه سليمان، قال: لي زوجتي ولي ابني .. ابني اسمه برديس وزوجتي اسمها مايسة فأريد أدعوهم للإسلام ويأتي يسلمون، قلت له:- هذا الذي كان معي-قلت له: لا بأس، فقال: يا برديس يا برديس تعال على فلان .. ليس نفس الشاب على إنسان آخر. طبعاً هذا بصوت واضح أمامنا .. في نفس الليلة التي خرج فيها سليمان .. الشيخ: فهل يكون معك أحد أو وحدك؟ مداخلة: طبعاً عندي جماهير .. الشيخ: جماهير، طيب!

مداخلة: ليس واحد أو اثنين عشرة خمسة عشر .. المهم: فترة .. في نفس الليلة طبعاً لم يأت على الشاب الذي قال له: يا برديس تعال عليه .. أتى على نفس الشاب الذي أنا أعالجه، لحظات ما رأيت إلا صار رجله تهتز الهزة المعروفة هذه، المهم: من أنت؟ قال: برديس، لماذا أتيت؟ أتيت أنتقم، لماذا ممن تنتقم؟ قال: منك ومن هذا الشاب الذي أنا فيه، قلت: أبوك وصاك أن تأتي على فلان، قال: لا أرد عليك ولا أرد على أبي .. أنت خربت العائلة .. أنت صنعت وصنعت .. إلى آخره .. قلت له: لا تقدر أن تنتقم وإلى آخره حذرته .. لم أجد حلاً ضربته، أصبح يصرخ والمهم قلت له: أنت أتيت تنتقم أخرج ... قال: أنا مجنون لن تستفيد مني ولا أنا سأسكن في غيره أنت خربت العائلة، فقلت له: أنا خربت العائلة أو الساحر الذي خرب لكم العائلة؟ قال: صحيح ولكن أنا .. قلت له: إذاً تخرج. الشاهد: في الموضوع إلا أنه .. اخرج! لن أخرج .. اخرج! لن أخرج، خرج بقسوة وشدة لحظات نسمع على نفس الشاب صوت امرأة .. ابني ابني ابني صوت امرأة عادي، من أنتي؟ مايسة، ما الذي أتى بك؟ قالت: أتيت أبحث عن ابني وكذا .. طيب! اخرجي! ما أخرج .. طيب! اخرج الحقي بزوجك وأسلمي وهكذا إلى آخره، قالت: لا أخرج إلا عندما أنام مع هذا الرجل الليلة، تنامي مع الرجل! هذا زنا حرام، قالت: هذا عندكم أما عندنا ليس حرام .. يهديك .. يرضيك ما في فائدة. اختصار الموضوع في اللحظة التي أنا .. أتتني بعض الأفكار أريد كيف أتعامل الآن مع هذا الموج الذي فتح .. في لحظة تقول: أن رجلاً دخل الجسم، قلت: من الرجل؟ قالت: رجل لا أعرفه .. أصبحت الرجل الثانية تهتز .. من أنت؟ إذ هو يقول لي: عبد الله بن أحمد .. من عبد الله بن أحمد؟ الذي قتل .. الذي قتل أول مرة ..

مداخلة: الذي ضربته بالسكين. مداخلة: نعم الذي ضربته بالسكين .. طيب! كيف أتيت، يقول لي:- من أجل أن يقطع علي الخط-يقول: روحي عندك وجسدي في مكة .. الشيخ: ما شاء الله. مداخلة: قلت له: كيف هذا؟ قال: هكذا .. قلت له: طيب! كيف أتيت و .. إلى آخره، قال: وجدتك متضايف مع هذه المرأة الفاسقة فأردت مساعدتك، قلت له: طيب! كيف وأنت مت؟ قال: لا تسألني عن شيء، أنا أعرف شيء .. قلت له: طيب! كيف نقتلها هذه أو كيف نخرجها؟ قال: أمرها أن تخرج وهي لن تخرج، قلت له: كيف؟ قال: هذه فاسقة .. المهم: اخرجي! لن أخرج .. اخرجي! لن أخرج .. قال: ليس هناك حل إلا أنك تقتلها، قلت: له كيف أقتلها إذا أنا قتلتك وأتيت؟ قال: أنا سأحشرها في رجله .. إصبع رجله وأنت انقض عليه، قلت له: أي رجل؟ قال: رجله اليمين، بالفعل أصبح أصبعه يتحرك حركة غير شكل وتقول له: اتركني صوتين في نفس الوقت يعني لا يمكن فيها التصنع أنا خطر في بالي أن هناك تصنع .. أنه مثلاً ممكن واحد يقوم بصوتين، ولكن في نفس الوقت يكون الصوت .. نعم، المهم: ضغطت .. عندما قال لي: اخنقها، يعني: حشرها .. ضغطت أنا على إصبع رجله اليمين بالفعل أصبعه ازرق أصبح أزرق وبعدها قال: انتهت الحمد لله، قلت له: إذاً أنت كيف أتيت؟ قال: لا تسألني عن شيء أنا الآن لا بد أخرج، قلت له: اخرج فخرج .. فاق الرجل وقال: ليس بي شيء ..

المشكلة طبعاً الأرواح معروف أنا بالنسبة إلي لا .. يعني: إن كان ممكن الروح تعود .. ما قرأت ولا علم لي في ذلك .. هذه المشكلة لا أدري مدى ما ترى فضيلتكم بالنسبة لهذا الموضوع أو رأيكم في الموضوع باختصار؟ الشيخ: أنا أرى أنك تترك العمل هذا كله ولا تكن موضعاً لتلاعب الشيطان بك .. هؤلاء كلهم من شياطين الجن، وقد يكون هناك شيطان من شياطين الإنس، لكن القصة التي ترويها أنت قصة بالنسبة لما هو معلوم من وسائل البشر هي قصة خيالية .. مداخلة: أنا لولا أنها حصلت معي لن أصدقها .. الشيخ: طول بالك! لكن عندما كان المسلم يؤمن بأن هناك حياة غير حياة البشرية هي حياة الملائكة وحياة الجن وأنهم لهم من القدرات والطاقات والمكنات ما لا يطيقها ولا يستطيعها البشر عادة، ومن ذلك كما قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} (الأعراف: 27) فمن هذا المنطلق ممكن هذه الصورة أو هذه القصة الخيالية بالنسبة إلينا ممكن أن تكون حقيقة واقعية لكن من شياطين من هذا النوع الذين يروننا ولا نراهم. فأنت الآن تحكي كأنك مشاهد للموضوع بينما تسمع صوتاً ولا ترى شخصاً، وتقول: أنه أسلم .. وتقول: أنه مات .. وتقول: أنه رجع من مكة وتسأله كيف رجعت؟ يقول: هذا ليس من عملك .. أو لا تسأل هذا السؤال .. مداخلة: هو يقول: لا أدري. الشيخ: فاهم .. لكن أنت الآن موقفك بالنسبة لكل هذه التمثيلية التي قد تكون حقيقة واقعية بالنسبة للجن، لكن بالنسبة إلينا خيال في خيال، مع ذلك أنت

آخذها وتنظر إليها بنظرة الصحة وأنه الواقع وفلان قال كذا واسمه كذا وأسلم ومات وما أدراك أنه مات؟ وماذا .. يعني: قضية في الوقت الذي أنت تظن أنه يكون فيها غش .. يكون فيها سحر .. أنت الآن يلعب بعقلك وتوهم بأمور تتبناها، فتقول: أسلم، ما أدراك أنه أسلم؟ هو قال .. مداخلة: هكذا ادعى .. الشيخ: من هذا الذي قال؟! تعرفه هل هو صادق أو كاذب؟ مداخلة: لا أدري. الشيخ: فإذاً .. مداخلة: فيهم الكذب ولكن هو هكذا قال .. الشيخ: إذاً بارك الله فيك أبعد عن الشر وغني له، ولا تضيع وقتك في هذه الأمور إطلاقاً ولا تنس أن الحديث أو الرقية التي سألت عنها في أول القصة هذه، هذا حديث ليس له أصل في كتب السنة المعروفة اليوم، وإن كنت ولا بد راقياً مصروعاً بصرع الجن فاقرأ ما تيسر من القرآن ولا تتعمق .. وكما أشرت أنك كنت من قبل تتكلم وتسأل وما أنت مسلم .. إلى آخره .. كل هذا لا يجوز أن تدخل فيه إطلاقاً إما أن تنصرف إلى عملك .. إلى وظيفتك .. إلى دراستك .. إلى إماميتك ... وإما أن تقتصر فقط على قراءة قرآن على من يكون فعلاً مصروعاً، أما أن تدخل في مثل هذه التفاصيل فأنا أخشى عليك أن تضل ضلالاً بعيداً .. لأن الآن الجاهلية من أسباب ضلالهم أنه كان الشيطان يدخل في الصنم ويتكلم ويأمرهم وينهاهم ويقول: هكذا الرب قال وهكذا الإله قال وإلى آخره،

[407] باب هل يجوز إخراج الجني المتلبس بالإنس بكلام غير مفهوم؟

وهم يسمعون صوتاً فعلاً الآن! فالآن أصبحنا نحن نسمع أصوات ونصدق فيها وأن هذا يهودي وأسلم .. نصراني وأسلم .. أو مسلم ارتد أو ما شابه ذلك .. أو هذا عاشق أو هي معشوقة .. ونأخذها ونسلم بها تسليماً، وهذا لا يجوز في الأمور الغيبية التي ورائنا .. وراء عقولنا أن نأخذها ونسوقها مساق المُسَلَّمات من الأمور كأنها أمور غيبية .. جاءنا كتاب .. جاءنا حديث صحيح عن رسول الله فوجب [الأخذ به وإلا] فلا، لذلك دعك من هذا الأمر إطلاقاً أو اقتصر فقط على قراءة آيات من القرآن، فإن نفع فبها وإلا فلست عليهم بوكيل والسلام عليكم. "الهدى والنور" (643/ 57: 36: 00) [407] باب هل يجوز إخراج الجني المتلبس بالإنس بكلامٍ غير مفهوم؟ سؤال: هل يأثم شخص مصاب بصرع من الجن فذهب لأحدهم متخصص في علم الجن وفكه بخير يعني؟ الشيخ: كيف؟ مداخلة: اختصاص يعني التلبس من الجن. الشيخ: نعم. مداخلة: يعني مصروع. الشيخ: فهمت. مداخلة: ذهب عند شخص مشعوذ احتمال أو ليس مبين الشخص الذي

ذهب إليه، لكن تم بنجاح استطاع أن يفكه بمثله يعني، هل فيه إثم على عقيدة الذي ذهب: المريض؟ الشيخ: فكه بمثله ماذا تعني بمثله؟ مداخلة: يعني بأسلوب مثلما دخل خرج [بنفس] الأسلوب يعني، أو استطاع أن يعالجه بخير ولا يعود إليه، يعني الشخص هذا هل يقع تحت قول: «من ذهب إلى عرافاً فقد كفر على محمد»، هو من العراف قد يكون هذا الرجل. الشيخ: يا أخي أنت تقول بأسلوب ولا توضح ما هو الأسلوب، ولذلك أنا لا أعرف كيف سأجيبك، إن كان الأسلوب أنه تلا عليه بعض الآيات القرآنية فهذا بطبيعة الحال لا شيء عليه. مداخلة: ما فيه شيء أما إذا .. الشيخ: لكن ماذا فعل هو أنت لا توضح ماذا فعل. مداخلة: ... الإيضاح بأسلوب قرأه خرج منه. الشيخ: ماذا قرأ؟ هل قرأ شمشريخة بطيخة؟ مداخلة: نعم يجب أن نعرف ماذا قرأ يعني. الشيخ: نعم. مداخلة: أحسنت، أما إذا كان قرأ قرآن, طَيِّب هذا الشيء. الشيخ: ما فيها شيء. مداخلة: أما إذا مثلما قلت خرابيش، يأثم؟ الشيخ: نعم. مداخلة: ولو خرج منه هذا الجني.

[408] باب هل تشرع قراءة القرآن على الماء والسدر لإخراج الجن؟

الشيخ: ولو. مداخلة: سبحان الله. الجواب: لأن هذا معالجة على طريقة أبي نواس. السؤال: نعم. الجواب: أتعرف طريقة أبي نواس؟ هذا كان مدمناً للخمر فكان يقول لندمائه وجلاسه: وداوني بالتي كانت هي الداء. "الهدى والنور" (205/ 44: 19: 00) [408] باب هل تشرع قراءة القرآن على الماء والسدر لإخراج الجن؟ سؤال: ... بعض الشباب [يجعلون] أوقاتًا مُعيَّنة للقراءة ... ويجعلون مثلًا ماء وسدر يُقرأ عليه ... فهل هذا جائز؟ الشيخ: ما في عندنا طريقة وردت عندنا في الشرع إلا تلاوة القرآن الكريم، ليس عندنا مما ورد إلا هذا، وإن كنا نعلم أن ابن القيم وغيره من العلماء يأتون بأشياء أخرى ما أدري ثبتت لهم بالتجربة، أما في السنة فما علمنا لذلك أصلًا، فنحن نقول: من كان يخرج الجآن من الصرعى بتلاوة كتاب الله عز وجل فهذا لا يجوز إنكاره؛ لأنه أمر ثابت ونافع دون أن يكون هناك شرك أو أن يكون فيه بدعة، هذا الذي نعلمه ولا نزيد عليه "لقاءات المدينة" (2/ 00:41:50)

[409] باب هل القرآن يحرق الجن؟

[409] باب هل القرآن يُحْرِقُ الجن؟ السائل: جزاكم الله عن الإسلام خير الجزاء ورزقنا وإياكم والحاضرين مرافقة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الجنة وغفر لوالديك. هل ثبت في السنة الصحيحة أن القرآن يحرق الجن؟ وكذلك الجني الذي يصرع الإنسان إذا أُمر بالخروج فلم يخرج هل يحرقه القرآن؟ أفيدونا أفادكم الله. الشيخ: لا أعلم شيئا من هذا في السنة: أن تلاوة القرآن تحرق الجني المتلبس بإنسان. لكن الذي نعلمه أن القرآن الكريم كما قال رب العالمين {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} (النحل: [69). وهو {شِفَاءٌ لِمَا في الصُّدُورِ} (يونس: 57). وقد جاء في بعض الأحاديث في مسند الإمام أحمد وفي غيره أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بامرأة ولها ولد مصاب باللمم أي: بالجنون فقرأ عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعض الآيات القرآنية فكأنما نُشط من عقال، وسافر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتابع طريقه ثم لما رجع ومر بالمرأة فسألها عن ولدها فقالت: والحمد لله لا يزال كما تركته بعد أن شفي، فهذا ثابت في السنة أن القرآن يُفيد في إخراج الجني المتلبس بالإنسان، وهذا حديث شاهد على ذلك ثم إن بعض الأئمة الصادقين في اتباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وآله سلم كانوا يستنون به في محاولتهم لإخراج الجني المتلبس بالإنسان وعلى رأس هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد كان معروفًا في زمانه بأنه إذا قرأ على المصروع شيئًا من آيات الله تبارك وتعالى قام في الحال وكأنما لم يمسه الشيطان, فقراءة القرآن تفيد إلى هذا المجال. أما أن القرآن يُحرق الجني فهذا شيء ما سمعت به ولا عرفتُه ولا أظنه أنه يمكن أن يصح. "فتاوى جدة- الأثر" (16أ/50: 44: 00)

[410] باب هل قراءة القرآن على الماء والنفث فيه ورش المنزل به مشروع لإخراج الجن من البيت؟

[410] باب هل قراءة القرآن على الماء والنفث فيه ورش المنزل به مشروع لإخراج الجن من البيت؟ سؤال: بارك الله فيك يا شيخ! هل قراءة القرآن والنفث في الماء ورش به المنزل الذي تسكنه الجن فيه بأس؟ الشيخ: لا يوجد في السنة شيء من ذلك، وإنما السنة أن المسلم يقرأ القرآن في بيته وبخاصة سورة البقرة فإن الشيطان لا يقرب بيتًا تُقرأ فيه سورة البقرة، هذا هو العلاج بديل ذاك الذي سألت عنه. "فتاوى جدة" (6/ 00:11:57) [411] باب هل يجوز الاستعانة بالعرافين لإخراج الجن؟ السؤال: يقول السائل: إنسان أُصيب بمس من الجن، ولم ينفع الطب في علاجه، ولا يوجد من يخرج هذا الجن من المصاب، فإذا لجأ إلى عرَّاف من أجل أن يُخرج الجن من بدنه، فهل هذا يجوز له أم لا، وماذا يفعل؟ الشيخ: إذا كان السائل يعني ما يقول حينما يقول: عرافاً، فالجواب: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «من أتى عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» إن كان يعني ما يقول، أما إن كان يعني أنه يأتي إنساناً يخرج الجن بطريقة مشروعة وهي محدودة جداً، وهي أن يتلوَ آيات من القرآن الكريم أو رُقي ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام وتعويذات يقرؤها على هذا الممسوس أو هذا المصروع، فقد يشفى بإذن الله تبارك وتعالى، أما إن كان يستعمل أشياء أخرى كما يبلغنا عن كثير من هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم لمعالجة هذا الجنس من الناس ألا وهم الممسوسون فيزعمون أنهم مؤاخون لجني، وأنهم يتصلون معهم أو معه كلما

أراد، وأنه يتكلم معهم، وأنه يسمع كلامهم، وأنهم ينصحونه ويدلون على مرض هذا الممسوس وعلى العلاج وما شابه ذلك فهذا هو العراف الذي نهى الرسول عليه السلام عن إتيانه، وهو من الاستعانة بالجن المنهي عنها بمثل قوله تعالى حكاية عن لسان الجن الذين آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، قالوا: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن: 6) أي: تعباً وضلالاً ومقتاً، فحينئذٍ لا يجوز الذهاب إلى مثل هذا الكاهن أو العراف، لأنه من باب أو لأن ذلك يكون على مذهب أبي نواس: وداوني بالتي كانت هي الداء يعني: يطلب شرب الخمر، هكذا يكون شأن هذا الإنسان المصاب بالمس من بعض الجان حينما يأتي بعض الناس للاستشفاء على يده وهو يستعين بالجن، وليس فقط يتلو على الجني المتلبس بالإنسي آيات من القرآن كما ذكرنا أو من التعاويذ الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإخراج الجن بهذه الطريقة القرآنية أمر جائز ومفيد؛ لأنه من باب قوله عليه السلام: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» أما ما سوى ذلك غير التلاوة القرآن والأدعية الواردة عن الرسول عليه السلام فهو تدجيل في تدجيل، فلا يجوز الإتيان، وحينئذٍ نقول لمن كان مبتلى أن يقصد إلى مثل إنسان صالح معروف أنه يقرأ على الجني، ويمكن أن ربنا عز وجل يفيد الممسوس بمثل هذه القراءة، فإن لم يستفد فحسبه الله، لأن الله عز وجل يَبتلي عباده بما يشاء، وكثير من الأمراض يُصاب بها بعض الناس وتستعصي هذه الأمراض على الأطباء جميعاً، ويعيش ويعيش ويعيش، ثم يأتيه اليقين بهذا المرض، يموت به، لكن يسعى إلا أن سعيه يجب أن يكون سعياً مشكوراً. "الهدى والنور" (290/ 46: 25: 00)

[412] باب حكم سؤال الجن عن أمور الغيب النسبي

[412] باب حكم سؤال الجن عن أمور الغيب النسبي السؤال: ما حكم سؤال الجن عن أمور الغيب النسبي؟ الجواب: لا نرى التوجه إلى الجن في أسئلة تتعلق بأمور غيبية؛ لأن ذلك من بواعث ضلال البشر، والله عز وجل ذكر في القرآن الكريم شيئاً من ضلال المشركين السابقين حيث قال رب العالمين تبارك وتعالى حكاية عن أهل الجن الذين جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وآمنوا به، فقد كان من قولهم: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن: 6) فالاستعانة بالجن في معرفة الغيب هو كما يقول بعض المتقدمين حينما يستنكر استغاثة المخلوق بالمخلوق، إنه كاستغاثة السجين بالسجين، فاستعانة البشر بالجن على معرفة الغيب، هذا كاستعانة البشر بالبشر، فإن الجنسين من الإنس والجن يشتركان في عدم معرفة الغيب، أما حينما يكون المقصود بالغيب هو أمر واقع ولكنه غائب عن البشر بسبب أن طاقاتهم وقدراتهم محدودة، وطاقات الجن أوسع، فكذلك نقول لا ينبغي؛ لأن الأمر مع الاستمرار في الاستعانة بهم سيتوسع ويتسع الخرق على الراقع، فيقع الناس في الإشراك بالله عز وجل في شرك الصفات؛ لأنكم تعلمون جميعاً أن الله عز وجل واحد في ذاته، واحد في عبادته، واحد في صفاته، فلا يشاركه أحد من المخلوقات مطلقاً في معرفة الغيب كما قال تبارك وتعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن: 27) فالأنبياء والرسل أنفسهم لا يعلمون الغيب، ولكن الله عز وجل بطريق الإيحاء إليهم يُعلِّمهم عن بعض المغيبات، ولا نبي بعد نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -، لذلك فطريق معرفة الغيب هذا طريق مسدود سواء كان من الغيب الذي لم يقع، أو من الغيب الذي وقع، وهو غير داخل في طوق البشر، فالاستعانة بالجن في هذا النوع وهو بلا شك مزلة

[413] باب اعتقاد أهل الجاهلية في الغول

وضلالة وقد يؤدي كما قلت آنفاً إلى الإشراك بالله عز وجل ... الشاهد أن فتح باب الاتصال بالجن يورث البشر في الوقوع في الضلال المنهي عنه. نعم. "الهدى والنور" (188/ 00:55:51) [413] باب اعتقاد أهل الجاهلية في الغول [قال الإمام]: «الغول»: جنس من الجن والشياطين، كانوا يعتقدون في الجاهلية أنها تتلون في البراري لتضل الناس وتهلكهم، فأبطل ذلك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «لا غول» ... [و] قال ابن الأثير: «الغول أحد الغيلان» وهي جنس من الجن والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغولاً، أي: تتلون تلوناً في صور شتى، وتغولهم أي: تضلهم عن الطريق، وتهلكهم فنفاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأبطله. "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 602 - 603). [414] باب كيف يعالَج المصاب بالعين؟ سؤال: هل يا ترى هناك علاج لمن أصيب بالعين، يعني بمعنى آخر أنه يقرأ عليه شيء فيخفف عليه. الشيخ: إيه هذا موجود في السنة. الملقي: وبالتالي تأثيرها ما نعرفه، بس اللي في العلاج موجود شيخنا. الشيخ: إيه موجود، لكن يشترط معرفة العائن.

مداخلة: الذي ما حضرني أنه شافوا من هو العائن وبالتالي. الشيخ: إيه نعم، العائن يؤخذ ويتوضأ من المصاب بالعين من الصائب بالعين وتمسك أطراف ثياب المعان المصاب بالعين. مداخلة: معليش سيدي مرة أخرى. الشيخ: أقول: يكلف العائن بأن يتوضأ. مداخلة: العائن الذي أصاب بالعين. الشيخ: أي نعم، ثم هذا الماء لا يكب وإنما يحفظ أي الوضوء الماء الذي توضأ به العائن المصيب بالعين هذا الماء لا يراق يحتفظ في وعاء، ثم يؤخذ ويمسح به بطانة الثوب هاللي لابسه المصاب بالعين. أي نعم، وهذا وقع في عهد الرسول عليه السلام. الملقي: مع أذكار معينة أو رقية معينة؟ الشيخ: لا، الأذكار تنفع قبل الإصابة، مداخلة: أين هذا النص الشيخ: في "موطأ" مالك. مداخلة: في الموطأ. الشيخ: أي نعم. الملقي: طيب يا سيدي إذا كان الآن اشترطت تحقيق كما يجب أن يكون العائن معروف، يعني لنفرض أن العائن مشكوك في أمره، وتم هذا الأمر، أعتقد

أنه والله أعلم أنه لا ضير، يعني هو لن يكون هناك شفاء، ولكن لو حصل أن أنت شككت في إنسان معين، وهو ليس بالعائن، فهل هناك ضير، ولا لا بد من .. الشيخ: ما في ضير، هنا في ناحيتين، إحداهما تتعلق بأهل المُعان، والأخرى تتعلق بالعائن، ولا أقول بآله إلا إذا كان صغيراً. أما ما يتعلق بالمعان أو أهل المعان لأنه هو بيكون غائب عن رشده، ولا يعرف معالجة نفسه، فيحسن بالنسبة لهم البحث الآن في المعان وأهله، يحسن والآن في السيارة كنا نجيب عن سؤال: هل يعني كل دواء يجب تعاطيه، وهل من التوكل على الله الإعراض عن التداوي، فكان الجواب بشيء من التفصيل ألخصه الآن فأقول: الأدوية من حيث قوة تأثيرها في المريض ثلاثة أقسام: قسم مقطوع علاجه وأثره فهذا واجب تعاطيه، وقسم يغلب على الظن إما ظن الطبيب المسلم أو ظن المريض نفسه أنه النوع الفلاني من العلاج هو يعني له أثره الشافي، القسم الثالث والأخير .. مداخلة: هذا شو حكمه؟ الأول واجب الشيخ: واجب، هذا مستحب أحسنت؟ القسم الثاني لا يشرع وهو الذي ظن شفائه به مرجوح؛ لأنه من باب الأخذ بالظن الذي لا يجوز الأخذ به شرعاً، إذا عرفنا هذا وهذه الخلاصة وكما قلت آنفاً كان الكلام في السيارة بشيء من التفصيل، نعود الآن إلى أهل المعان، فإذا كان يعني من المقطوع عندهم أنه فلان العائن فهذا يجب الأخذ به، وإذا كان عندهن ظن راجح فيستحب الأخذ به، وإذا كان عندهم ظن مرجوح فلا يجوز الأخذ به، هذا فيما يتعلق بالمعان أو أهله، نجي بقى بالنسبة للعائن، بالنسبة للسؤال هذه مشكلة تتعلق بالعائن، قد يكون أهل المعان في المرتبة الأولى يقطعون بأنه هذا هو العائن، لكن هو راح يترفع راح

يقول: أنا! أعوذ بالله، أنا كذا، ما رح يخضع للحكم الشرعي، فلذلك المسألة ما بنقدر نحن نقول إنه يجب ولا يستحب ولا يكره، لأنه هذا أمر يتعلق برجل متدين، فإذا كان متديناً، وكان أهل المعان يقطعون فيجب عليه هو أن يخضع لهذا العلاج الشرعي، وإن كان الظن راجحاً فيستحب في حقه، وإلا فلا يجوز له أن يخضع لمثل هذا الظن المرجوح. أنا كمثال حدثني به أخ لي شقيق لا يزال في قيد الحياة اسمه فخري، بيقول: في أيام شبابه كان له صديق، هذا طبعاً في ألبانيا، صديقه كأنه صياد بالعين شيء شيء رهيب جداً، لكن الظاهر يعني كيف مثلاً في صياد هواه إنه يصطاد نوعاً من الطيور أو نوعاً من الوحوش، هذا والحمد لله شره في عينه محصور في اصطياد العنب، لكن عجيب شيء، الآن هذا ذكرني كان يقول له صاحبه: خلينا نخرج يا فلان نصطاد العنب، في عز إيش، قطافه، عندنا في ألبانيا كانت الدور دور إسلامية عربية يعني مش دور إفرنجية كما بلينا الآن، كل دار لا بد ما يكون فيه فسحة داخلية، ولا يمكن أنه يكون فيه نافذة تطل على الطريق، لا ترى المرأة منها الذاهب والجاي أبداً، محصور البيت، لكن مقابل الحصر أمام السَّكَن في فسحة في أشجار في عنب في تين إلى آخره، فهذه العرائس كانت أحياناً أغصانها تتدلى على السور العالي على الشارع فيقول هذا صاحبه لأخي: هيا بنا نصطاد العنب، يمر يشوف عنب ناضج ومستوي وفحل إلى آخره، الله أكبر، مجرد ما يوجه بصره كأنه قطعه بالسكين. "الهدى والنور" (746/ 21: 20: 00)

[415] باب حكم جلوس المرأة جلسة معينة لتكون سببا في الولادة، وهل يجوز فك السحر بكتابة آيات ثم بلها بالماء ثم يؤمر المسحور بالشرب منه؟

[415] باب حكم جلوس المرأة جلسة معينة لتكون سبباً في الولادة، وهل يجوز فك السحر بكتابة آيات ثم بلها بالماء ثم يؤمر المسحور بالشرب منه؟ [سُئل الإمام عن امرأة لا تلد فنصحت أن تجلس جلسة معينة ستكون سبباً في الولادة]. ثم قال السائل: وسؤال آخر عن السحر: شيخٌ أفتاهم يقولوا: يكتبوا آية من القرآن لأن الولد مسحور ثم يشرب الماء فهل هذا جائز أو لا يجوز؟ الشيخ: نعم، بالنسبة للمسألة الأولى هذه لا شك من خرافات عجائز النساء فلا يجوز العمل بمثل ذلك؛ لأن الأسباب التي يتوصل بها المسلم إلى المسببات تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أسباب شرعية، والقسم الآخر: أسباب كونية كالطب التجربة المعروف اليوم؛ هذه أسباب علمية كونية .. ، هناك أسباب دينية كالدعاء مثلاً، كاستعمال العسل واستعمال الحبة السوداء التي إلى الآن لا يعرف الأطباء الشفاء الذي في الحبة السوداء كما قال عليه السلام: «الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام» (¬1) فإذا تعاطى المسلم سبباً من هذين النوعين فهو على الجادة وعلى الاستقامة، وهناك أسباب أخرى هي أسباب وهمية خرافية كالطِيَرة مثلاً ونحو ذلك فلا يجوز للمسلم أن يتعاطى شيئاً من ذلك. فمثل هذا الخبر التي لا تحبل تذهب وتجلس كما سمعتم هذا الجلوس ¬

(¬1) البخاري (رقم5363) ومسلم (رقم5896).

[416] باب ما هو الجائز في فك السحر؟ وما هي الأمراض التي تعالج بالقرآن؟

العجيب الغريب هذا خرافة لم تأت لا في الشريعة ولا في الطب التجربي فلذلك فلا يجوز العمل به. أما كتابة القرآن وغسل هذه الكتابة وشربه بالماء هذا يقول به بعض العلماء لكن لا نعلم لذلك أصلاً في السنة الصحيحة التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فعندنا التعوذ قراءة قرآن, الترقية بالقرآن وبما جاء عن الرسول عليه السلام هذا ثابت، أما أن يقرأ ويكتب في صحيفة ثم يُمحى بالماء ويشرب فهذا لا نعلم له أصلٌ في السنة. "الهدى والنور" (81/ 33: 49: 00) [416] باب ما هو الجائز في فك السحر؟ وما هي الأمراض التي تُعالج بالقرآن؟ سؤال: يقول: بارك الله فيك يا شيخ! هل السنة تمنع علاج المرضى بالقرآن بدون تخصيص لِسُوَر السحر فيه بأس؟ الشيخ: فيه ماذا؟ مداخلة: يعني: بدون تخصيص على جميع الأمراض العلاج بالقرآن فيه بأس .. السحر .. إيذاء الجن للشخص، بالقراءة في الماء مثلًا النفث أو القراءة .. الشيخ: إذا وقف العلاج على تلاوة التالي للقرآن على المريض فذلك طبعًا جائز ومشروع، أما إذا انضاف إلى تلاوة القرآن أشياء أخرى لم تَرِد في السنة فليس ذلك مشروعًا، مع ملاحظة واحدة وهي: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد قال: «إن الله تبارك وتعالى ما أنزل داءً إلا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله» فإذا كان الإنسان أصيب بمرض ما مرض مادي بدني ظاهر، فعليه أن يعالج ذلك بالأدوية

[417] باب هل يشرع فك السحر بدق سبع أوراق من السدر وقراءة بعض الآيات؟

المادية الطبية المعروفة سواء ما كان منها من الطب النبوي أو ما كان من الطب التجربي، فإذا كان المرض لا يعالج بمثل هذه الأدوية المادية والتي أرادها الرسول عليه السلام بحديثه السابق: «ما أنزل الله داًء إلا وأنزل له دواء» حينئذٍ لا بد أن يلجأ إلى التلاوة بالقرآن؛ لأنه شفاء للناس، ولكن لو ضربنا مثلًا الآن أن إنسانًا ارتفعت حرارته فلا يشرع هنا ليلجأ ... لمعالجته بالقرآن وإنما يعالج بالأدوية المسكنة والمخفضة للحرارة، وأوضح من هذا المثال: إذا انقطع عرق وريده مثلًا فهذا يجب رأسًا أن يبادر إلى ربطه وتعصيبه ولا يشرع هنا أن يلجأ إلى تلاوة القرآن. أما الأمراض النفسية التي عجز الطب المادي بقسميه عن معالجته فحينذاك يرجع بالمعالجة إلى تلاوة القرآن الكريم، بالشرط الذي ذكرته آنفًا وهو: ألا يقترن معه شيء لم يرد في السنة. "فتاوى جدة" (6/ 00:42:21) [417] باب هل يشرع فك السحر بدق سبع أوراق من السدر وقراءة بعض الآيات؟ سؤال: ... في كتاب التوحيد ذكر .. علاج السحر: دق سبع أوراق من السدر وقراءة بعض الآيات. الشيخ: جوابنا السابق يشمل هذا السؤال؛ لأنني سأقول: هذه الأوراق وهذا الدق هل جاء في السنة؟ ما علمنا ذلك، فمن يدعي ذلك فعليه أن يبرز: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 111) وأنا في حدود علمي ما علمت شيئًا من ذلك أبدًا. "فتاوى جدة" (6/ 00:45:19)

[418] باب كيف يكون العلاج من السحر والعين والصرع؟

[418] باب كيف يكون العلاج من السحر والعين والصرع؟ [قال الإمام]: لا أعلم علاجًا للسحر سوى الرقية المشروعة وتلاوة قرآن واللجأ إلى الله عز وجل والتضرع إليه لمعافاة هذا المسحور من السحر، أما إتيان الكُهان وإتيان العرَّافين لاستكشاف من الذي سحر؟ وما نوع السحر؟ من أجل فكه ونحو ذلك؛ فهذا مع أنه لا ينفع فهو تعاطٍ لأسباب غير شرعية؛ بل قد تكون من الأسباب الشركية لما في بعضها من الرقى التي لا يُعرف معانيها، وقد يكون فيها استعاذة بالشياطين الذين لا نعرف ما هي أسماؤهم، وإنما يعرف ذلك هؤلاء الدجالون الذين يستعينون بقرنائهم من الجن كما قال رب العالمين في القرآن الكريم: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن: 6)، أما ما يتعلق بالمصاب بالعين والمصروع؛ فالمصاب بالعين له علاج مذكور في كتاب الموطأ وغيره؛ أن يُظنَّ بالعائن فإذا عُرف؛ فيؤمر بأن يتوضأ وأن يؤخذ وضوءه- ماءه الذي توضأ به- ويمسح بذلك أطراف المُعان فيكون ذلك سببًا شرعيًا لشفائه، وفي الحديث شيء من التفصيل الآخر ربما لا يحضرني الآن، فهذا موجود في كتاب الموطأ وفي غيره من كتب السنن. أما المصروع الذي تلبَّس به الجني فهذا علاجه تلاوة آيات من القرآن الكريم من مسلم صالح معروف بالصلاح؛ فهذا يفيد في كثير من الأحيان هذا ما عندي من الجواب على هذا السؤال. "فتاوى جدة -الأثر-" (21/ 00:37:41)

[419] باب حكم إزالة السحر بسحر

[419] باب حكم إزالة السحر بسحر سؤال: الرجل المسحور هل يجوز إزالة السحر عنه بسحر؟ الشيخ: لا، إلا على مذهب واحد، وهو مذهب الخِمِّيْر السكير أبو نواس الذي قال: وداوني بالتي كانت هي الداء. "الهدى والنور" (133/ 59: 59: 00) [420] باب نوع سحر سحرة فرعون السائل: سحر سحرة فرعون، كان سحراً بتسخير الشياطين أم كان سحراً من النوع الآخر؟ الشيخ: هو الظاهر الأول {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (الأعراف: 116)، تخييل ... ولهذا يقول المفسرون في قوله تعالى: {وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} (البقرة: 102) هذان الملكين ربُنا أنزلهم في زمن كان انتشر السحر عند الملوك، ويستخدمون السحرة كما جاء في قصة الغلام مع الساحر، معروفة هذه القصة في صحيح مسلم، كان هناك ملك مستعبد لشعبه وشعر بأنه الساحر الذي كان يستعين به على استرقاق شعبه أسن وشاخ، فهو يريد بديله، فأمره بأن يختار له غلاماً من الشعب ذكياً لكي يكون خليفته من بعده، فاختار غلاماً، فكان هذا الغلام يخرج كل يوم صباحاً من بيته إلى الساحر يتعلم منه السحر. ذات يوم وقع بصره في الطريق على راهب في صومعة منزوية عن الطريق، فحوَّل إليه، فكلمه الراهب فأعجبه كلامه، ووجد له حلاوة في قلبه، فصار كل يوم

يتردد على هذا الراهب صباح مساء، فإذا خرج من دار أبيه صباحاً حول عليه وتأخر بمجيئه إلى معلمه الساحر، فعاقبه وضربه لماذا تتأخر، وحينما ينصرف من الساحر ليعود إلى دار أبيه حول على الراهب فتأخر عن الدار فضربه الوالد، وهكذا هو بين ضاربين. ذات يوم خرج كعادته من بيته ويمشي في الطريق وإذا الطريق واقف والناس واقفين هنا وهنا، نظر وإذا أفعى قطعت الطريق على الناس، ولا أحد يتجرأ للسير، فرفع الغلام يديه ودعا وقال: اللهم إن كان الراهب على حق فاصرف عنا هذه الآفة، فما كاد يتم كلامه إلا انصرفت الآفة، وانتبه الناس الذين حوله واعتقدوا، تعرف يومئذ الناس يعتقدون بهذه الأشياء كثيراً، صاروا يتبركون به. وشاع خبر هذا الغلام، عند الملك وزير أعمى، بلغه خبر هذا الغلام المبارك، فأرسل إليه أو جاء إليه وقال له: عافني أو اشفني، قال: ربك هو الذي يعافيك، لكني أدعو لك ربي أن يعافيك، فدعا له فشفاه، ورجع بصيراً، لكن هذا الشفاء العاجل كان مرِّبياً للوزير ومُذكِّراً له بضلال ملكه الذي كان مستعبداً له ولمن دونه، فصار يعبد الله لا شريك له. فلما دخل على الملك ورآه بصيراً سأله عن السبب، قال: ربِّ عافاني، فعرف الملك أنه كفر به، فسأله: فدله على الغلام، وهنا كان الراهب أوعز إلى الغلام بأنك ستبتلى بي، فإذا سئلت عني فلا تخبر، الملك لما رأى الوزير كفر به وآمن بربه بعد أن عاد بصيراً فقتله لكن بعد أن سأله من أين هذا؟ قال: من الغلام، أرسل وراء الغلام، واستجوبه واستنطقه فصارحه بأن الله عز وجل هو الذي شفاه، فعرف الملك أن الغلام هو سبب إضلال وزيره، فأمر بقتله بطريقة غريبة جداً، وهي: أمر الجند أن يأخذوه إلى أعلى قمة في جبل ويرموه من أعلى الجبل إلى الأسفل

فيموت شر ميتة. فصعدوا ولما هموا بقذفه قال: اللهم اكفنيهم كيف شئت، فاضطرب الجبل من تحتهم فوقعوا جميعاً هلكى موتى، وهو مشى وكأنه يمشي في سهل حتى وصل إلى الملك، استغرب الملك، قال له: ربي كفاني شرهم. فأمر جنداً بأن يركبوه في قرقور سفينة صغيرة وأن يتوسطوا به البحر ثم يقذفوه في البحر، فأخذوه ولما هموا بقذفه قال: اللهم اكفنيهم كيف شئت، فاطَّرب المركب أو القرقور ووقعوا جميعاً في البحر ورجع هو يمشي إلى الملك، فاغتاظ الملك جداً وعرف أنه ليس له سبيل إلى قتله، وصارحه الغلام بذلك فقال له: لن تستطيع الوصول إلي إلى قتلي إلا إذا فعلت ما آمرك به، الغلام الآن بيحكي من فوق، يتعالى على الملك إلا إذا فعلت ما آمرك به، قال له: ماذا؟ قال: تدعو الناس لميعاد يوم عظيم، وتضعني على الخشبة، ثم تأخذ سهماً من كنانتي وتقف بعيداً عني وترميني به، وتقول: باسم الله رب الغلام، فإذا فعلت ذلك قتلتني وإلا لا سبيل لك إلي، فعل الملك ذلك واجتمعت الأمة في ساحة كبيرة جداً، ونصبوا الغلام على خشبة ووقف الملك أمامه، واستل سهماً من كنانته، ثم وقف بعيداً عنه ورماه بسهم قائلاً: بسم الله رب الغلام، فأصابه في صدره، فوضع يده هكذا ومات، لكن الشعب لما سمعوا الملك يقول: بسم الله رب الغلام كفروا به، وآمنوا بالرب سبحانه وتعالى. وهنا أدرك الملك مكر الغلام به، وأنه بفدائه بنفسه فدى شعبه من الإيمان به إلى الإيمان بربه تبارك وتعالى، هنا جاءت قصة الأخدود، فحفر الأخدود وأوقد النار وجاء دور امرأة تحمل صبياً لها، فلما أوقفت بجانب النار ضعفت طبيعتها كأم، فقال لها الغلام: اصبري يا أماه! فقذفت نفسها، وهنا جاء قوله تعالى: {قُتِلَ

[421] باب كلمة حول علم الجفر، وأنه لا تنسب معرفة الغيب لبشر حتى ولا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -

أَصْحَابُ الأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} (البروج:4 - 7) فالشاهد في قصة هاروت وماروت كان الملوك يومئذ يستعينون بالسحرة، فربنا عز وجل أنزل الملكين ليجعلوا علم السحر علماً عاماً يعرفه الشعب برمته، حتى يعرفوا أن هؤلاء السحرة ما يأتون بشيء فوق طاقة بشر، إنما يختصون بعلم دون سائر البشر، فلما عرفوا بطريق تعليم الملائكة أو الملكين لهم طريق السحر صاروا ما عاد ينغشوا بسحر السحرة، فنجوا من كيدهم ومن ضلالهم، فهذا هو السحر في الغالب يعني عبارة عن تخييل، لكن إذا تعاون شيطان الإنس مع شيطان الجن كان تأثيره أشد وضرره أكبر، أي نعم. السؤال: هذا الطفل الثاني بعد سيدنا عيسى عليه السلام الذي تكلم وهو في المهد؟ الشيخ: أي نعم. مداخلة: والثالث من يا شيخ. الشيخ: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى عليه السلام، وهذا، وغلام جريج، جريج الراهب الذي اتهم بامرأة بغي. "الهدى والنور" (257/ 49: 19: 00) [421] باب كلمة حول علم الجفر، وأنه لا تنسب معرفة الغيب لبشر حتى ولا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. سؤال: يقول السائل: بعض من يتسمون بالمشايخ يتعاملون بما يسمى الجَفْر ومفاتيح الرموز والأعداد وغير ذلك، ويعدُّون هذه الأمور من الدين، فالمرجو هو توضيح الأمر في ذلك؟

الشيخ: يقول بعض الظرفاء أو الأدباء من أصعب الأمور التحدث عن البدهيات والتدليل عليها ... نحن نقول: هذا العلم لا هو في الكتاب ولا هو في السنة، ولا هو مدروس ومعلوم عند السلف الصالح، بل نقول: ولا أحد من علماء المسلمين لا المجتهدين ولا المتبعين ولا المقلدين يقولون بهذا العلم، إنما يقول به ويدعيه من يريد أن يأكل أموال الناس بالباطل، ولذلك الجفر المنسوب إلى علي رضي الله عنه وكدت أن أقع في خطأ مشهور يقع فيه غيري، كدت أن أقول: الجفر المنسوب إلى الإمام علي، فحبست نفسي وحفظت لساني فلم أقل الإمام علي لأنه ليس إماماً، لا. هو من أئمة المسلمين بلا شك، ولكن العرف خصه بهذه اللفظة الإمام، أيُّ عرفٍ؟ العرف السني أم العرف البدعي؟ نعم. هو العرف الشيعي، هم الذين سحبوا هذا اللقب وخصوه بعلي رضي الله عنه تعصباً منهم له وعلى الخلفاء الراشدين الأولين: أبي بكر وعمر وعثمان، ولذلك فمن الخطأ أن نذكر علياً بلفظة الإمام دون بقية الخلفاء الراشدين، فإذا قلنا: الإمام أبو بكر حينئذ جاز لنا أن نقول: الإمام علي، لكن أنا أذكركم: هل سمعتم يوماً ما عالماً من أهل السنة، أما الشيعة فلا نسأل عنهم لأنهم أعداء الإمامين الشيخين أبي بكر وعمر، لكن هل سمعتم يوماً ما عالماً من علماء المسلمين أهل السنة والجماعة يقولون: قال الإمام أبو بكر؟ الجواب: لا، لكن سمعتم مثلي وكدتم أن تسمعوا مني الإمام علي، لماذا؟ هذه الغفلة التي تسيطر على الناس، والتقليد الذي ران على قلوب كثير من الناس المسلمين فضلاً عن غيرهم، يقولون: قال الإمام علي رضي الله عنه، على الرأس والعين هو إمامنا بلا شك، ولكن لماذا خصصتم علياً بالإمامة؟ لأنه الإمام عند

الشيعة، ولأنهم يزعمون ضغثاً على إبالة أن الخلافة كانت له بوصية الرسول زعموا له، ثم صادرها منه أبو بكر وعمر وعثمان طيلة هذه القرون الفاضلة، وهو لم يستطع أن يأتي ساكناً، لماذا؟ لأنهم زعموا أنه رأى المصلحة في ذلك، ما يطالب بحقه الذي أعطاه الرسول عليه السلام وفي حجة الوداع زعموا. إذاً: هذا تعبير شيعي، فيجب أن تحفظوا ألسنتكم منه. ومثله أيضاً قولهم: علي كرم الله وجهه، أيضاً خصَّصوا علياً بهذا التكريم، نحن نقول: عليٌ كرم الله وجهه لا شك، لكن لماذا خصصنا علياً دون أبي بكر وعمر وعثمان؟ نقول لكم كما قلنا آنفاً: لقد سمعتم الشيعة يقولون: الإمام علي كرم الله وجهه، لكن ما سمعتم منهم من يقول في أبي بكر والبقية: الإمام أبو بكر. كذلك ما قالوا ولن يقولوا: أبو بكر كرم الله وجهه إلى آخره، لكن ألم تسمعوا كثيراً من مشايخ المسلمين يقولون: قال علي كرَّم الله وجهه؟ نعم. الأخرى كالأولى تماماً، والأخرى كالأولى تماماً. أعني: الأخرى كالأولى تماماً من حيث استعمالهم، والأخرى كالأولى من حيث عدم جواز تخصيص الأولى كالأخرى بعلي دون الأولين من الخلفاء الراشدين، لذلك ينبغي أن نحفظ ألسنتنا من أن نقول: قال علي كرم الله وجهه وحده، أو قال الإمام علي وحده، إن كان ولا بد أعطينا لبقية الخلفاء ما نعطيه لهم من الوصف ووصف يصدق عليهم جميعاً لكي لا نفرق بين أحد منهم. لا شك أن هذه آية جاءت في الأنبياء والرسل: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (البقرة: 285) ولكن أتباع الرسل ينبغي أن نسلك فيهم سبيل الذي نسلكه مع الرسل، فهؤلاء جمعهم الرسول عليه السلام في ملتقى واحد كما يقولون في عبارة

واحدة في جملة واحدة حيث قال: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي». وقال: «النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة» إلى آخر العشرة المبشرين بالجنة. فإذاً: لا نفرق بين أحد منهم. غيره. مداخلة: الجفر يا شيخ. الشيخ: أحسنت. كنا نتكلم، وسبحان الله! في ذهني يعني شردت فجزاك الله خيراً. يقولون: أن الجفر هذا ينسب لمن؟ للإمام علي. علي ما عنده خبر لا بهذه اللفظة ولا عنده خبر بهذا الجفر المزعوم، ثم هذا الجفر باطل شرعاً ذلك؛ لأن الله عز وجل يقول منبهاً عباده معرفاً لهم به تعالى ببعض صفاته: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (الجن: 27). فالجفر يزعمون أنهم- الذين يدرسونه ويتعاطونه ويعتمدون عليه- يزعمون أنهم به يتحدثون عن أمور غيبية، لا سبيل لأحد أبداً بأي طريق [من الطرق] التي ليست طرقاً ميسرة إما كوناً أي بقوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (البقرة: 117) أو شرعاً أي: بما جاءنا به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من التحدث عن الأمور الغيبية، لا نستطيع أن نقول: سيكون كذا إلا إذا كان هناك نص في كتاب الله أو في حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صحيح. الجفر ليس فيه شيء من هذا وذاك، ولذلك فهم يتنبؤون ويضلون أنفسهم

ويضلون غيرهم لأنه لا أحد يستطيع أن يطلع على الغيب، كما قال عز وجل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65) تبارك وتعالى. وإذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سمع يوماً جارية تُغنِّي وتقول في غنائها: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال لها عليه السلام وهي جارية، قال لها عليه السلام: «لا يعلم الغيب إلا الله، -دعي هذا، دعي هذا، لا تقولي: وفينا نبي يعلم ما في غد لا يعلم الغيب إلا الله-، وقولي ما كنت تقولين» يعني من وصف الرسول عليه السلام وليس كما يفعل النشادون الذين ينشدون الأناشيد ويسمونها بأنها أناشيد إسلامية وهي بدعة اسمية وذاتية، ليست بدعة اسمية فقط بل وذاتية، لأن الإسلام في كل هذه القرون التي مضت-ولست أعني فقط القرون التي نحن نحتج بها دائماً أبداً هي القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية-بل كل هذه القرون-ما عدا هذا القرن الذي نعيشه أو كنا نعيشه القرن الرابع عشر-ما يعرف المجتمع الإسلامي في كل هذه القرون أناشيد تسمى بالأناشيد الدينية، لكن ضعفاء الإيمان وضعفاء العلم معاً لما ارتاحت نفوسهم إلى بعض الأغاني المائعة التي لا يجوز النطق بها إسلامياً، لا يجوز النطق بها لما فيها من الفسق والمجون والكلام الفاحش فمن باب أولى أنه لا يجوز التغني والتطريب بها. لما وجدوا ذلك حراماً بَيِّنَ التحريم أرادوا أن يجدوا مخرجاً لهم للتنفيس والترويح عن النفوس فجاءوا بأناشيد يسمونها أناشيد إسلامية، ولقد كانوا من قبل ما نجوا حتى من التحريم الظاهر الموجود في الأغاني الماجنة، فقد وجدت أغاني يسمونها أناشيد إسلامية وفيها من الكفر ما لا يوجد في الأغاني المائعة. أي نعم. نحن مثلاً نقرأ فيما يسمونه بالبردة: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

رسول الله يقول للجارية كما سمعتم آنفاً: «لا يعلم الغيب إلا الله» ماذا قالت؟ ما قالت: يعلم الرسول كل شيء، وإنما قالت: وفينا نبي يعلم ما في غد. فرد عليها الرسول عليه السلام: «لا يعلم الغيب إلا الله، دعي هذا» إلى آخر الحديث. أما هذا الشاعر البوصيري يقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم مش يدري ما يكون غداً وما مضى ما كان وما سيكون إلى يوم يبعثون، هذا أكبر من تلك الكلمة التي صدرت من تلك الجارية الطيبة القلب مع ذلك لم يرض بها رسول الله وقال لها: «دعي هذا، لا يعلم الغيب إلا الله» إلى آخر الحديث. أيضاً: مضى دور على هذه الأناشيد الدينية وبسبب دندنة الدعاة السلفيين فقط، برهة نصف قرن من الزمان في هذا القرن الماضي يدندنون حول إنكار مثل هذه الألفاظ دون سائر الجماعات الموجودة في الساحة قديماً وحديثاً كان لدعوتهم ذلك التأثير المرجو والحمد لله، فتنبه كثير من الشباب المسلم أنه لا ينبغي نحن أن ننشد أناشيد ونروح عن نفوسنا ونُذْهِبُ الكلل عن أبداننا بالتطريب بأناشيد يكون فيها ما حرم الله عز وجل من مثل قول البوصيري. إذاً يجب أن نأتي بأشعار جديدة تكون وسطاً بين أشعار المجون وأشعار المديح المغالي في الرسول عليه السلام أو في الأنبياء والصالحين، وفعلاً ظهرت مثل هذه الأناشيد في الزمن الأخير قد تكون يعني أنزه وأقرب إلى الشرع من سابقاتها من أناشيد، ولكن مع ذلك لا يخلو الكثير منها من شيء من الانحراف والغلو والتقرب إلى التصوف المقيت. كنت أحفظ وأنا في دمشق بعض الأبيات من الشعر. أيش يقول. ساعدونا،

أيش يقول ياسين. مداخلة: أيش أولها. الشيخ: لا، راح أقول ... كل شيء باقي أولها وآخرها، باقي في ذهني: الدنيا فيء ... مداخلة: ... فالدنيا فيء. الشيخ: فالدنيا فيء. مداخلة: الكل يفني والباقي حي. الشيخ: أيش معنى الدنيا فيء؟ هذه وحدة الوجود، الدنيا خيال، ظلٌّ لمن؟ لرب العالمين، من هو رب العالمين؟ هنا بقى بدنا ندخل في كفريات ولكن ناقل الكفر ليس بكافر، يقولون: كل ما تراه بعينك فهو الله، وهذه المخلوقات هي ظل الله وهي وهم ولا حقيقة لها، هذا الشاعر يرمي إلى هذه العقيدة الباطلة. المهم قد أيضاً تحسنت الألفاظ ولكن دخل فيها شيئان اثنان: أول شيء دخل فيها: أن هذه الأناشيد إذا سلمنا بصحة معانيها وعدم تعارضها مع الشريعة-كما ذكرنا بعض الأمثلة آنفاً من التعارض-إذا سلمنا بسلامتها سلامة معانيها فقد دخل فيها أولاً شيء ثم لحقه شيء آخر. الشيء الأول هو: أنهم يوزنوها بالأوزان الأغاني المائعة ... هذا لا بد منه لكل هذه الأناشيد والمنشدين. الشيء الثاني وهو الأفظع: أدخلوا فيه الضرب على الدف، فتسمع الآن أناشيد يسمونها بأناشيد دينية وقيض لي على قلة ما أبتلى بالنظر إلى التلفزيون

بأنهم أحضروا شخصاً هنا ومع الأسف هو سوري من بلدي، وإذا به يضرب على الدف ومكيف تماماً وشايف حاله بالتعبير السوري: قاضي غرض يعني. فهذا يضرب على الدف ويغني أغاني وأناشيد دينية، حتى وصل الدف إلى المساجد بحيلة ماذا؟ أناشيد دينية وفي المساجد إسلامية، فكله متجانس. قلت متناجس، معليش لغو لكن له معنى ... فمتجانس كله بعضه مع بعض. المساجد اليوم مع الأسف لو دخلتها دخلتها كأنك تدخل كنائس، هذه مع الأسف ظاهرة تأخذ بألباب غير المسلمين من جهة وبألباب المسلمين المنحرفين. نحن لما كنا في دمشق كنا نرى-مع الأسف الشديد-أصبح المسجد الأموي كعبة الأوربيين والأمريكيين نساءً ورجالاً، لماذا؟ ليصلوا، ليهتدوا؟ لا، لم يكن شيء من هذا، وإنما يتفرجوا على الفسيفساء وعلى النقوش التي نقشت في زمن بني أمية وإلى آخره، آثار قديمة هذه، وتدخل النساء كاسيات متبرجات، وأكثر من ذلك نرى الذل المجسد المجسم واستعلاء الكافر على المسلم وربنا عز وجل يقول في القرآن الكريم: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (النساء:141). نرى ماذا؟ نرى بعض خدم المسجد وعلى رؤوسهم العمائم الصفراء ما تعرفونها هنا، هذه تدل على أن المتعمم بهذه العمامة ما هو عالم لكن هو متمسك بدينه، فبعض هؤلاء الخدم يأتي بنعال يكسيها على أقدام النساء الأوربيات اللي هن متبرجات كاسيات عاريات وهو جالس القرفصاء وهي فوقه فوق رأسه وهو يخدمها، لماذا؟ لتدخل المسجد، وفي اعتقادي أنا، لو دخلت هذه الكافرة أو ذاك الكافر بنعالهم أشرف للمسلمين من هذا الذل الذي كنا نراه آسفين.

المقصود: فالمساجد كما قال عمر رضي الله عنه لما جدد المسجد النبوي، قال للبَنَّاء المهندس: «أكِنَّ الناس من الحر والقر ولا تحمر ولا تصفر».رضي الله عن عمر، لو جاء اليوم ورأى مسجد «الفيحاء» مسجدنا هذا لكن ما هو مسجدنا، مسجد يعني سوريين لرأى العجب العجاب، لرأى أن خبر عبد الله بن عباس تحقق فعلاً مما يدل على أنه كان تلقى ما قاله لفظاً من نبيه معنىً أو لفظاً، حيث جاء في سنن أبي داود بالسند القوي عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما أمرت بتشييد المساجد» أي: رفع بنيانها، كما قال في القرآن: {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} (الحج: 45) قال ابن عباس معقباً على الحديث: «لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى». زخرفة اليهود والنصارى دخلت مساجد المسلمين اليوم، لا أقول: كما دخلت صور اليهود والنصارى إلى بيوت المسلمين، هذا واقع أيضاً، لكن هناك فرقاً كبيراً جداً بين دخول الزخارف إلى المساجد وبين دخول الصور إلى البيوت، صحيح كلٌ منهما منكرٌ مخالف للشرع، لكن دخول الزخارف إلى المساجد أغرق في الإنكار من دخول الصور إلى البيوت، ذلك لأننا اتخذنا المعصية عبادة وتقرباً إلى الله. إلى اليوم-والحمد لله-لم نسمع ونرجو ألا نسمع ونرجو أخيراً أن لن نسمع أن أحداً من المسلمين يتقرب إلى الله بإدخال الصور إلى البيوت، لكننا الآن نعيش في ناس يتقربون إلى الله بإدخال الزخارف إلى بيوت الله تبارك وتعالى، فصدق فيهم قول ابن عباس هو في اللفظ وفي الرواية موقوف، لأنه فرق بين ما سمعه من الرسول أو بين ما قاله الرسول وبين ما قاله هو. قال عن الرسول عليه السلام أنه قال: «ما أُمرت بتشييد المساجد». قال ابن عباس: (لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى) فمن الممكن أن يكون ابن

[422] باب ما هو الجفر؟

عباس سمع معنى هذا الكلام الذي قاله من عند نفسه من الرسول عليه السلام، لكن هو عبر عنه بلفظ من عنده، وممكن أن يكون هذا كما يقوله علماء الحديث في كثير من الأحاديث: إنه موقوف في حكم المرفوع. «لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى» هذا اليوم واقع، فدخلت الأناشيد التي يسمونها بغياً وظلماً وعدواناً بالأناشيد الدينية دخلت مع الدف إلى المساجد يتقربون بها إلى الله تبارك وتعالى. فنسأل الله عز وجل أن يُعرِّفنا بهدي نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأن يمسكنا به حتى نلقاه تبارك وتعالى. نعم. "الهدى والنور" (313/ 34: 28: 00) [422] باب ما هو الجفر؟ السائل: ... الجفر هذا يقال أنه علم قائم بذاته، فيه معلومات تعطينا عنه؟ الشيخ: مثل شمس المعارف الموصوف بشمس المعارف الكبرى، الجفر لا أصل له إطلاقاً، إنما روايات لا خطام لها ولا سنام تنسب لعلي رضي الله عنه ولا أصل لها إطلاقاً، وفيها أخبار تتعلق بأمور غيبية لا يمكن للبشر أن يعرفوها إلا بطريق الوحي، وهي ليست من الوحي الذي أنزله الله على قلب محمد عليه السلام، فالجفر يمكن أن يعبر عنه بعبارة أخرى عبارة عن أحاديث موضوعة مجموعة باسم كتاب الجفر، ثم أين هذا الكتاب؟ لا وجود له إلا مفرقاً في بعض الروايات في بعض الكتب، فليس له .. مداخلة: هو كتاب أستاذ، أم علم أنا فهمت أنه علم. الشيخ: إيه كتاب، كتاب الجفر منسوب لعلي.

مداخلة: لعله من هذا الكتاب مثل ما قال الأخ وجعلوه علماً، لذلك صديق حسن خان في كتاب «أبجد العلوم» وقد جعله للعلوم كما لا يخفى وضع علم الجفر. الشيخ: لكن هو كتاب الجفر. مداخلة: لكن طبعاً مصبه من كتاب الجفر. الشيخ: أي نعم. مداخلة: لكن يدَّعوا أنه تفسير {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (الفتح: 1) لابن عباس أن هذا الجزء من العلم القائم هذا الذي يتكلمون عنه. الشيخ: أي تفسير هذا. مداخلة: الذي هو موت الرسول عليه الصلاة والسلام .. الشيخ: إذا كان المقصود لما نزل قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (النصر: 1) بكى أبو بكر الصديق، فسألوه، قال: هذا نعي وفاة الرسول عليه السلام، فهذا موجود في صحيح البخاري، لكن ليس فيه التفاصيل المدعاة، وبعدين أي شيء مُدعى نقول: "هاتوا برهانكم"، ما يتعلق بوفاة الرسول فيه صحيح وفيه ضعيف، وهذه القصة يمكن سمعتوها، أنه ملك الموت جاء بصورة سائل طرق الباب بيت فاطمة أو ما أدري، قصة مركبة يقصد إثارة الأحزان والأشجان، هذه القصة موضوعة بلا شك لها علاقة بوفاة الرسول عليه السلام، فهل هذا يقال عنه علم الجفر؟ والإنسان ليس من اللازم أن يتعلق بالأسماء بقدر ما ينبغي أن يتعلق

بالمسميات، فعلم الجفر ما فيه عندنا علم الجفر كعلم مقنن معروف علم الحديث، علم التفسير، علم الفقه، علم النحو، علم الصرف إلخ، ما فيه شيء من هذا إطلاقاً، لكن هو كتاب الجفر. مداخلة: فيه مؤلفات تقول: حقيقة علم الجفر. مداخلة: الشيخ رشيد رضا له تحقيق بديع في مسألة الجفر، كتاب طبع في المكتب الإسلامي بعنوان: الوحدة الإسلامية ... الشيخ: موجودة طبعة المنار القديمة. مداخلة: يناقش فيها قضية الجفر ويثبت الكلام بتوسع لكن الخلاصة كما ذكرتم شيخنا حول قضية الجفر وأنه خرافات وأشياء ما لها خطام. الشيخ: هذا مثل حساب الأحرف، ... حساب الأحرف نعم، [انقطاع] هو يذكر في هذا الكتاب قصة طريفة، ما أدري وقعت لشخص من هؤلاء أم يحكيها عن بعض السابقين السالفين، اجتمع معه وناقشه أن هذه حسابات الأحرف ما هي منضبطة يا أخي، فقال له: أنت ما اسمك، قال له: حمد، قال له: حمد مجموع هذه الأحرف مجموع كلب، قال له: لا أنا أصل اسمي أحمد، قال له: أنت إذاً أكلب، فما هذا الحساب الذي يطلع منه ... من حمد إلى كلب، ومن أحمد إلى أكلب. مداخلة: كنت أظنه علماً. الشيخ: هي علم عند الشمشريخة وبطيخة مثل ما نقول بالشام. "الهدى والنور" (257/ 47: 05: 00)

[423] باب حكم ما يسمى بخفة اليد وهل هو من السحر؟

[423] باب حكم ما يسمى بخفة اليد وهل هو من السحر؟ سؤال: ما هو حكم الحيل، التي تسمى خفة اليد، ويقوم بها بعض الناس ... مثلاً أن يخرج المال من جيبك دون أن تشعر، ثم يخرجه من وراء أذنه بطريقة [معينة]، فهل هذا من السحر؟ وبالتالي هل يكفر صاحبه؟ ... الشيخ: لا هذا ليس من السحر، لكنه من الدجل، الذي يَنهى عنه الشارع الحكيم. نعم. "الهدى والنور" (439/ 08: 30: 00) [424] باب ما حكم التوسع في القراءة على المرضى دون التأكد من أمرهم، وهل تجوز الرقية بالماء والزيت، وهل تجوز بالصدمات الكهربائية؟ سؤال: السؤال الأول: يقول السائل: من المعلوم أن القراءة على المصروع جائزة، ولكن انتشر عندنا جلوس بعض الشباب لهذا الأمر، مع العلم أنهم يقرؤون على كل من يأتيهم زاعمًا أنه مريض بدون التأكد منهم، وما زال هذا في تزايد بين الشباب حتى انتشرت الوسوسة بين كثير من الناس، وقد أقدم بعض الشباب في عقد مجالس خاصة في أماكن معينة في الرقية لمن يأته، وينفثون في الماء والزيت ويبيعونه بأكثر مما اشتروه به، وقد تكالب الناس عليهم بين موسوس وطالب للبركة ومريض حقًا، وهم يقرؤون على كل من يزعم أنه مريض، ما رأي الشيخ؟ الشيخ: هذا السؤال سبق بالأمس القريب، وأيضًا ذكرنا الجواب وقلنا: إن الذي نعلمه في هذه المسألة ليس إلا قراءة شيء من القرآن على المصروع، أما ما

سوى ذلك فلا نعلم له أصلًا في السنة، أما بيع الزيت والنفث فيه والتبرك فيه فهذا كذلك مما لا نعرف له أصلًا ولا نستطيع أن نقر أمرًا أولًا: لم نجد له أصلًا في الكتاب والسنة، وثانيًا: لم نعرف ذلك من عمل سلفنا الصالح، أما أن هناك ناس يفعلون ذلك أو لا يفعلون فهذا كما قلت أيضًا في الأمس القريب: العهدة فيه على الراوي فنحن عندنا ما نعرف شيئًا من ذلك أبدًا. أما قضية التلاوة على المصروع فأمر معهود على مر العصور الإسلامية، فقط التلاوة أما ما سوى ذلك فلا علم لنا به ولا نُقِرُّه فيما سبق بيانه. مداخلة: والصعق بالكهرباء. الشيخ: أيضًا يوجد صعق بالكهرباء؟ مداخلة: نعم. الشيخ: ما أدري صعقة الكهرباء نحن نعرفها عند الأطباء، الحقيقة أن هناك أمور تتعلق بالتجربة، يعني: هذا السؤال الأخير يلفت نظري إلى أن نقول شيئًا: هناك أمور تتعلق بالتجربة ولا تتعلق بالديانة، فالصعق بالكهرباء أظنكم تعلمون أن هذا أمر معهود عند الأطباء الماديين، فهم حينما يأتيهم بعض المصابين بنوع من الصرع يستعملون كل العلاجات المعهودة لديهم وثم يلجؤون إلى هذه التيارات الكهربائية على قاعدة: آخر الدواء الكي، فلا نستطيع أن نقول-بحثي الآن بالنسبة للأطباء الماديين-لا نستطيع أن نقول: ما حكم تصليط هذه التيارات الكهربائية على بعض المرضى المصابين بالصرع أو بغيره؟ لأن الأمر لا يتعلق أولًا بالدين وإنما يتعلق بالطب ولست طبيبًا، أما الدين فلم يتعرض لهذا لا سلبًا ولا إيجابًا. وبالمناسبة يحسن أن أذكر لكم أن أحد إخواننا في دمشق كان قد أصيب بنوع

من الصرع يشتد عليه أحيانًا حتى لا يقف أمامه شيء في الدار حيث يكسره ويحطمه شر تحطيم، وتَعالَج في المستشفيات التي تُعالِج هذا النوع من المرض حتى ذهب إلى بيروت إلى الجامعة الأمريكية وتعالج هناك بهذه الطريق، أي: بالصدمات الكهربائية ولم يشفى بقي كذلك لكن كان على نوبات ليس دائمًا هو مصروع، وبعد ذلك قَدَّمت أنا إليه اقتراحًا وهو ما يسمى حديثًا بالتطبيب بالصوم، والمقصود بالصوم ليس هو بطبيعة الحال الصوم الشرعي وإنما قد يسميه بالتجويع، التطبيب بالجوع! هذا التطبيب بالجوع ليس له علاقة الشرع فلا نقول بدعة ولا نقول سنة، إن نجحت هذه الوسيلة كوسيلة لمعالجة بعض الأمراض فهو خير، وإن لم ينجح فلا شيء في ذلك إطلاقًا، وأنا شخصيًا لعل بعضكم يعلم أنني بلغت هذا النوع من التطبيب بالجوع فصمت أربعين يومًا، ومعنى هذا الصوم ألا يأكل هذا الصائم شيئًا إطلاقًا ولا يشرب شيئًا مطلقًا سوى هذا الماء أربعين يومًا، وبعد هذه الأيام كلها يبدأ يتمرن رويدًا رويدًا على الطعام الذي هو معتادًا له، فيجد أثر الشفاء في كثير مما كان يشكوه من الأمراض، أنا بلوت هذا بنفسي ولا أطيل الشرح. إنما الشاهد هذا الذي يعود إلى هذه الصدمات الكهربائية وأنفق الأموال الطائلة في المستشفيات العديدة في سوريا وفي لبنان ما عوفي إلا في هذا الصوم، صام أو ستة أيام ثم بعد ذلك أكثر وأكثر حتى وصل به الأمر أنه صام أربعًا وثلاثين يومًا، ثم لم ير لهذا المرض أثرًا، فمثل هذه العلاج الذي لم يكن معهود وإن كان بعض الوعاظ اليوم يشجعون به لمثل قوله عليه السلام فيما يقولون: "صوموا تصحوا"، لا شك أن الصوم الشرعي فيه كل الفوائد، لكن هذا الحديث وبهذا اللفظ لم يصح كما كنا بينا ذلك في سلسلة الأحاديث الضعيفة، لكن هذا الصوم

الطبي الذي يباح فيه لهذا الصائم أن يشرب من الماء ما يشاء ومتى ما شاء حصل منه فوائد كثيرة وكثيرة جدًا في شخصي وفي شخص ذلك الطالب من إخواننا هناك، وفي غيرهم كثير وكثير. وعلى سبيل أيضًا المثال الأخير مع شيء من الطرافة والنكتة: هذا الذي كان يصرع مما لمس من هذا النوع من الصوم من الفائدة صار كلما جاء إليه إنسان يشكو مرضًا ألم به وعي الأطباء علاجه يقول له: عليك بالصوم .. جاءه شخص شاب وسيم يشكو إليه أمه وهي عجوز وأصبحت طريحة الفراش ولا تستطيع أن تنطلق لقضاء حاجتها، ومع أن لها ابنتين ممرضتين في بعض المستشفيات ملتا وكلتا من خدمتهما لأمهما العجوز؛ لأنه تصورون معي أصبحت بحالة من القذارة بحيث وحتى الأولاد يعافون هذه الأم، فلما شكا ابن هذه العجوز أمرها قال له: صَوِّمها .. وهو شرح له ماذا يعني بالصوم أي: امنعها من كل الطعام وضع أمامها على الطاولة مثل هذه إبريق الماء والكأس ومتى شاءت تشرب، قال: يا أخي! هذه تصيح وهذه عجوز وربما تموت وإلى آخره .. تموت جوعًا في زعمه، ويقول له مازحًا: هذا الكلام بيننا! أنت ما أنت مصدق أنه تموت العجوز وتستريح أنت وأختك منها، صَوِّمها، فالرجل كأنه اقتنع وفعلًا وضع الماء أمام العجوز ومنعوا عنها الطعام بكل أشكاله والشراب بكل أنواعه .. هي تصيح وهم لا يردون عليها طعام طعام أكل .. ما أحد يرد عليها، تضطر أن تشرب الماء حينما تشعر بالحاجة، يقول ابنها الذي أخذ هذه الوصفة من صاحبنا: ما مضى إلا نحو ست أيام إلا جاء يبشر صاحبنا بأن أمه قامت من فراشها وبدأت تخدم نفسها بنفسها وهكذا ظلت هي بعد أن رأت أثر هذا الشعور صارت هي تمنع نفسها من الطعام حتى شفاها الله تبارك وتعالى.

أريد من هذا أن أقول: سواء استعمل الصدمات الكهربائية، الأطباء الماديون أو هؤلاء المحدثون اليوم الذين سيسألون عنهم، فهذه الوسيلة لا يجوز لنا أن نبادر إلى إنكارها إلا في حالة ظهور آثارها السيئة في الذين تستعمل فيهم هذه الوسيلة الحديثة، لذلك فما ينبغي لنا أن نخلط بين ما هو من الوسائل المادية التي لا تدخل في البدعة الدينية، وبمعنى آخر: يجب أن نفرق بين المصالح المرسلة وبين البدع الدينية، فالمصالح المرسلة هي الوسائل الحديثة التي تحدث ويتبين للمسلمين أنهم بحاجة إليها فلا مانع من استعمالها ما دام أنها لا تصادم نصًا شرعيًا، أما كونه أمرٌ حدث فهذا ليس إشكالاً الآن نحن نعيش في محدثات كثيرة ولكنها ليست من المحدثات في الدين وأنتم تعلمون جميعًا إن شاء الله أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «من أحدث في أمرنا هذا-أي: في ديننا هذا-ما ليس منه فهو رد» إذًا: يجب أن نُفرِّق بين هذا وبين وسائل أخرى تدخل في الدين باسم البركة والتبرك وما شابه ذلك، فهذا ما دام أنه لم يرد فنحن لا نقره أما ذاك النوع كالصدمات الكهربائية فلا ننكره ما دام أنها وسيلة من وسائل المعالجة، هذا ما عندي. مداخلة: ... الشيخ: لا يختلف جوابي عن ذلك؛ لأن القضية قائمة على شيئين: ترى! الأطباء الماديون حينما وصلت تجاربهم إلى استعمال هذه الوسيلة هم وصلوا إلى هذه الوسيلة بالتجارب دون أن يعرفوا السر، هل هناك أدلة تتأثر بمثل هذه الوسيلة أم لا، لكنهم عرفوا، يعني: كما قيل عن بعض الأعراب: كيف عرفت ربك؟ قال: الأثر يدل على المسير، فهم استنبطوا من هذا الاستعمال بعد التجربة أن هذه التجربة مفيدة، لكن مثلًا هل هناك جراثيم يقتلونها بواسطة هذه الوسيلة؟ ... ما

[425] باب هل يجوز الذهاب للكهنة والمشعوذين من أجل الحمل؟

يستطيعون أن يعللوا، لكنهم وجدوا أن هذه الصدمات هي صدمات نافعة لنوع من أنواع هذه الأمراض، هؤلاء الآن كما تنقلون ونحن عندنا في الشام لا نعرف شيئًا من ذلك يعللون أن الجن الذي صرع ذاك الإنسي يتأثر بهذه الصدمات الكهربائية، ممكن أن يكون الأمر كذلك، وممكن ألا يكون كذلك لكن المهم نحن نريد أن ننظر إلى آثار هذه الصدمات: هي نفعت؟ نعم نفعت كالضرب الذي ينقل أيضًا عن بعضهم من المحدثين اليوم أو من القدامى، هذا الضرب كما نعلم هو بالنسبة للأحياء بعادته مضر، لكن هم يقولون بالتجربة أن هذا المصروع مهما ضربته بالعصا الغليظة مثلًا بحيث لو كان غير صريع لأوجعته ولربما كسرته، بينما في هذه الحالة لا يتأثر وإنما يتأثر الصارع من الجني إذا صح التعبير، فإذًا: نحن لا نستطيع أن نقول أن هذا التعليل هو صحيح، لكن المهم أن ننظر إلى الأثر، إذا كان الأثر مفيدًا للمصروعين فبها ما دام أن هذه الوسيلة أولًا: لا تخالف الطبيعة وثانيًا: لا تضر بالمصروع. هذا ما عندي والله أعلم. "لقاءات المدينة" (4/ 00:02:02) [425] باب هل يجوز الذهاب للكهنة والمشعوذين من أجل الحمْل؟ «سُئل الإمام عن رجل يلجأ إلى وسائل غير مشروعة من الذهاب للكهنة والمشعوذين في سبيل أن تحمل زوجته, فأجاب الإمام»: -أنا بقول للأخ الفاضل ولأمثاله من المسلمين المؤمنين حقّاً بالله ورسوله

وبكلمات الله وبأحاديث نبيه عليه السلام, بأنه لا يجوز له أن يتعاطى الأسباب غير المشروعة في سبيل أن تحمل زوجته التي مضى على زواجه بها سنين وما حملت, ما في مانع أن يتعاطى الأسباب الجائزة المشروعة, أما يتعاطى الأسباب التي لا تجوز فذلك حرام, ولا يليق بالمسلم أن يؤمن حقا بالله ورسوله أن يتعاطى مثل هذه الوسائل المحرمة أن يأتي العرافين والمنجمين والمستحضرين للجن ونحو ذلك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد»، وفي الحديث الآخر: «من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول لن تقبل صلاته أربعين يوماً» فلذلك يجب على هذا الأخ بما كتب له أن يرضى بقضاء الله وقدره, فإذا كان رزق من الزوجة الأولى ولداً أو أكثر فذلك بقضاء الله وقدره, وإذا لم يرزق من الزوجة الثانية شيئاً فذلك أيضا بقضاء الله وقدره, وإذا اعتبر هذه مصيبة إذا اعتبر عدم مجيء أولاد من الزوجة الثانية مصيبة فيتذكر قول الرسول عليه السلام: «عجباً لأمر المؤمن خير كله إن أصابته سراء فشكر الله فكان خير له وإن أصابته ضراء يعني شيء بيضرر منه ما بيعجبوا فصبر كان خير له» (¬1) فأمر المؤمن كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن, ثم يتذكر مع هذه الحقيقة الشرعية وهي وجوب الرضا من المسلم بقضاء الله وقدره سواء كان سلباً أو إيجاباً يتذكر بعض الحوادث الواقعية, وهنا قصة يرويها والدي رحمة الله خلاصتها: أنه كان له صديق غني وله زوجة جميلة ورضية وكل شيء فيها طيب, ولكنها عقيم, فكان هذا الصديق كلما جلس مع والدي يتحسر ويقول يا ريت ربي رزقني ولد يقوله أبي يا حبيبي ارضى بقضاء الله وقدره شو بيدريك هذا الولد لو أجاك بيصير نقمه عليك, هذا الولد لو رزقته ربما يسلطه الله عليك, ¬

(¬1) مسلم (رقم7692).

[426] باب بيان سبب موافقة كلام الكهان للحق أحيانا

يقول: مش مهم بس يجيلي ولد, وراحت أيام وجاءت أيام والله بعث له ولد, وكان الرجل غني وزوجته كذلك يعني متجاوبة معه تماماً, فربى الولد تربية نادراً ما يقوم الزوجان بتربيته هيك, إلى أن بلغ مبلغ من الرجال, لما بلغ مبلغ الرجال هنا انقلب الولد والداً والوالد ولداً فصار الولد يضرب الوالد ويهينه هيك, كما يقولون عندنا في سوريا: حتى أراه نجوم السماء في وضح النهار, فكان يقول: يا ليتني بقيت مثل ما كنت عقيماً وما رزقت مثل هذا الولد, كان أبي يقول له: الله يرحمه شفت لما كنت أقول لك ارضي بقضاء الله وقدره فذلك خير لك, فلعل الأخ هذا يعتبر أولاً بما ذكرنا من أمر شرع الديني وهو الرضا بما كتب الله له والأمر الثاني أنه ... «يتأمل» هل أكثر الأولاد سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً طائعين مرضيين الوالدين أم أكثرهم عاقين ناشزين ونحو ذلك هذا ما عندي وسلام الله عليك وعليه. السائل: -عليك وعليه سلام الله ورحمة الله وبركاته شيخنا. " الهدى والنور" (186/ 52: 47: 00 طريق الإسلام) [426] باب بيان سبب موافقة كلام الكهان للحق أحياناً عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: سأل ناس النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: عن الكهان؟ فقال لهم: «ليسوا بشيء».فقالوا: يا رسول الله! فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقاً؟ فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تلك الكلمة [من الحق] يخطفها الشيطان، فيقرقره بأذني وليه كقرقرة الدجاجة، فيخلطون فيه بأكثر من مائة كذبة». (صحيح).

[قال الإمام]: (فائدة) في رواية أخرى صحيحة بيان كيفية خطف الشيطان للكلمة، وهي بلفظ: «إن الملائكة تنزل في العنان (وهو السحاب)، فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان، فيذكرون معها مائة كذبة من عند أنفسهم». أخرجه المؤلف [أي البخاري] في «الصحيح» (2210) والطبري في «التفسير» (23/ 26). "صحيح الأدب المفرد" (ص237).

جماع أبواب الكلام حول العدوى وثبوتها شرعا، والجمع بين حديث: «لا عدوى .. » وحديث: «فر من المجذوم .. » والكلام على التطير والشؤم، والاعتقاد في الأنواء، وما شابه ذلك

جماع أبواب الكلام حول العدوى وثبوتها شرعًا، والجمع بين حديث: «لا عدوى .. » وحديث: «فر من المجذوم .. » والكلام على التطير والشؤم، والاعتقاد في الأنواء، وما شابه ذلك

[427] باب ثبوت العدوى شرعا

[427] باب ثبوت العدوى شرعًا [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن كان شيء من الداء يعدي فهو هذا». (موضوع) [قال الإمام]: وظاهر الحديث ينفي العدوى، وهي ثابتة في أحاديث كثيرة منها حديث «اتقوا المجذوم كما يُتقى الأسد»، وهو مخرج في " الصحيحة " (781) "الضعيفة" (6/ 506 - 507). [428] باب منه عَنْ الشريد قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ». [قال الإمام]: هذا دليل واضح على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرى أن الجذام مرض معد, ولذلك اتخذ السبب في عدم انتقال المرض إليه من المجذوم, وليس ينافي هذا التوكل على الله تعالى كما أشار عمر رضي الله عنه، وقد عزم على أن لا يدخل الأرض الموبوءة: «نفر من قدر الله, إلى قدر الله» , وقد تأول بعضهم هذا الحديث تأويلاً بعيداً فلا يلتفت إليه فإنما حملهم عليه حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أكل مع مجذوم وقال: «كل بسم الله ثقةً بالله وتوكلاً عليه» وهو حديث ضعيف كما قد بينته في «السلسلة» (1144). "مختصر صحيح مسلم" (ص 387).

[429] باب هل حديث «لا عدوى ولا طيرة» ينفي العدوى من أساسها؟

[429] باب هل حديث «لا عدوى ولا طِيَرة» ينفي العدوى من أساسها؟ مداخلة: ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «لا عدوى ولا طيرة» فهو يعني كما في الحديث يبين أنه ليس هناك عدوى وكثير من الأطباء يقولون: أن العدوى ثابتة، فنود منكم أن توجهوا هذا الحديث هل ينفي العدوى من أساسها أم لا؟ الشيخ: لا، الحديث لا ينفي، ودعنا والأطباء؛ لأن فيما جاء عن الرسول عليه السلام من إثبات العدوى ما يغنينا عن آراء الأطباء، حديث: «لا عدوى» في الحقيقة إذا فُهِم فهماً صحيحاً دقيقاً فيه نفي عدوى، وفيه إثبات عدوى، والمثبت في الحديث غير المنفي فيه، والمثبت في الحديث يلتقي مع أحاديث أثبتت العدوى، وبالتالي ما يقوله الأطباء في بعض الأمراض المعدية لا ينافي حينذاك الحديث. بيان ذلك: لما قال الرسول عليه السلام: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» فهم أحد الحاضرين من الأعراب البدو أن قوله عليه السلام: «لا عدوى» هو نفي للعدوى على الإطلاق، وهذا فهم توارثه بعض أهل العلم، فنفوا العدوى إطلاقاً بناء على الطرف الأولى من الحديث، لكننا إذا تابعنا رواية الحديث ووجدنا ذلك الرجل البدوي الأعرابي فهم نفس الفهم: «لا عدوى» أي: مطلقاً، بناء على هذا الفهم ورد عليه إشكال، فطرحه على الرسول عليه السلام فجاءه الجواب بما يثبت العدوى، ذلك الرجل قال: «يا رسول الله! إنا نرى الجمل الأجرب يدخل بين الجمال السليمة فيعديها» (¬1) ما قال له الرسول عليه السلام: ¬

(¬1) البخاري (رقم5387) ومسلم (رقم5919).

هذا خطأ، وهذا وهم، وهذا من عقائد الجاهلية، لكنه قال مقراً له وملفتاً نظره إلى ما يسمى ببعض التعابير إلى مسبب الأسباب وهو الله عز وجل، قال له: «فمن أعدى الأول؟» إذاً: هنا عدوى، لكن يا أعرابي يا بدوي ارجع إلى الوراء، هذا الجمل الذي رأيته دخل في الأول الذي خلق الله فيه العدوى. فإذاً: فالرسول عليه السلام الحقيقة بهذا الحديث يبطل عادة الجاهلية ويبطل أيضاً عدوى الطبية في هذا الزمان؛ لأن الأطباء خاصة الكفار منهم حينما يثبتون العدوى لا يربطونها بإرادة الله ومشيئته، لا، يعني هم يجعلون الأسباب هي كل شيء، أما أن هذه الأسباب قد تتخلف وقد تتأخر بمشيئة الله عز وجل خالق الأسباب والمسببات، فهذا ما لا يفكرون فيه. إذاً: الأطباء اليوم خاصة الكفار منهم وقعوا في نفس الوهم الذي وقع فيه أهل الجاهلية الأولى، من هنا قال عليه السلام لإبطال هذا الوهم: «لا عدوى» فلما عارض هذا النفي ما كان قائماً في ذهن العرب في الجاهلية، وأورد ما يشاهده بعينه، ما قال له الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أنت واهم أنت مخطئ، لكنه لفت نظره إلى أن هذه العدوى التي تراها هي بخلق الله وتقديره، وليس أن هذا الجمل الحيوان المصاب بداء الجرب مثلاً وبقدرته وبإرادته ومشيئته يعدي الجمال السليمة، لا، ليس الأمر كذلك. إذاً: فالحديث هذا كما قلنا آنفاً ينفي عدوى ويثبت عدوى، ينفي عدوى الجاهلية، ويثبت العدوى الشرعية. من هنا جاءت أحاديث تؤكد هذا المعنى الثاني، أي: هناك عدوى يعني بإرادة الله ومشيئته، وذلك لا ينافي أن يتحاشاها المسلم أخذاً بالأسباب كما جاء في

[430] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا عدوى .. ولا هامة»

صحيح مسلم أن رجلاً مجذوماً جاء ليبايع الرسول عليه السلام، فقال له: «ارجع فإنا قد بايعناك» وأبى أن يصافحه كما كان يصافح الناس الآخرين، هذا من باب الأخذ بالأسباب، لكن العدوى هي من مشيئة الله. "الهدى والنور" (622/ 53: 44: 00) [430] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا عدوى .. ولا هامة» عن أَبُى سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ عَدْوَى وَلاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ».فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَجِىءُ الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا، قَالَ: «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ». [قال الإمام]: [هامة] بالتخفيف: دابة تخرج من رأس القتيل أو تولد من دمه, فلا تزال تصيح حتى يؤخذ بثأره, كذا زعمه العرب فكذبهم الشرع. [وقوله: لا عدوى] أي بطبعها, كما يدل عليه سياق الحديث, فلا ينفي عدوى بإرادة الله تعالى وتقديره, فإنها ثابتة شرعاً وقدراً, ومما يدل عليه حديث الطاعون المتقدم والحديثان الآتيان بعد هذا, بل يدل على ذلك الحديث نفسه فإن الأعرابي لما أخبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بما يشاهده من إجراب البعير الأجرب الإبلَ السليمة, لم ينكر ذلك عليه, بل أقره على قوله, لأنه أمر مُشاهد وثابت بالتجربة, وإنما لفت نظره إلى أن ذلك بفعل الله وإرادته لا بعدوى تعدي بنفسها, لأنه لو كان كذلك لم يَجربِ الجملُ الأول لعدم العدوى. "مختصر صحيح مسلم" (ص 386).

[431] باب نفي العدوى التي كان يعتقدها أهل الجاهلية

[431] باب نفي العدوى التي كان يعتقدها أهل الجاهلية [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: " لا يورد الممرض على المصح " ... [قال الإمام]: وفي معناه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - للمجذوم: «إنا قد بايعناك فارجع» "الممرض": هو الذي له إبل مرضى و" المصح "، من له إبل صحاح. واعلم أنه لا تعارض بين هذين الحديثين وبين أحاديث " لا عدوى ... " المتقدمة برقم (781 - 789) لأن المقصود بهما إثبات العدوى وأنها تنتقل بإذن الله تعالى من المريض إلى السليم والمراد بتلك الأحاديث نفي العدوى التي كان أهل الجاهلية يعتقدونها، وهي انتقالها بنفسها دون النظر إلى مشيئة الله في ذلك كما يرشد إليه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - للأعرابي: " فمن أعدى الأول؟ ". فقد لفت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نظر الأعرابي بهذا القول الكريم إلى المسبب الأول ألا وهو الله عز وجل ولم يُنكر عليه قوله " ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها الأجرب فيجربها "، بل إنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أقره على هذا الذي كان يشاهده، وإنما أنكر عليه وقوفه عند هذا الظاهر فقط بقوله له: " فمن أعدى الأول؟ ". وجملة القول: أن الحديثين يثبتان العدوى وهي ثابتة تجربةً ومشاهدةً. والأحاديث الأخرى لا تنفيها وإنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله تعالى الخالق لها. وما أشبه اليوم بالبارحة، فإن الأطباء الأوربيين في أشد الغفلة عنه تعالى لشركهم وضلالهم وإيمانهم بالعدوى على الطريقة الجاهلية، فلهؤلاء يقال:

[432] باب الجمع بين حديث: «لاعدوى ولا طيرة» وحديث: «فر من المجذوم فرارك من الأسد»

" فمن أعدى الأول؟ " فأما المؤمن الغافل عن الأخذ بالأسباب، فهو يذكر بها، ويقال له كما في حديث الترجمة " لا يورد الممرض على المصح " أخذاً بالأسباب التي خلقها الله تعالى، وكما في بعض الأحاديث المتقدمة: " وفر من المجذوم فرارك من الأسد ".هذا هو الذي يظهر لي من الجمع بين هذه الأخبار وقد قيل غير ذلك مما هو مذكور في " الفتح " وغيره. والله أعلم. "الصحيحة" (2/ 659 - 660). [432] باب الجمع بين حديث: «لاعدوى ولا طيرة» وحديث: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» سؤال: الجمع بين حديث: «لا عدوى ولا طِيَرة ولا هامة ولا صفر»، وحديث: «فر من المجذوم فرارك من الأسد»، لأنه كثير من الناس يسألوا عن هذا؟ الشيخ: من مزايا القرآن الكريم وكذلك كلام الرسول الأمين: بأنه يخرج من مشكاة واحدة، وهو كما قال تعالى في القرآن الكريم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 1 - 4)، فرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كلامه يوحى إليه من السماء كالقرآن، والفرق بين القرآن الكريم أنه لفظه ومعناه من رب العالمين، أما أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام فهي معانيه من وحي السماء، من هذا الجانب الحديث يلتقي مع القرآن، لكن يفترق عن القرآن من حيث أن اللفظ لهذه المعاني هو من ألفاظ الرسول عليه الصلاة والسلام، أما القرآن فهو كلام الله، فهو كلامه ومعناه، أما حديث الرسول عليه السلام فاللفظ منه والمعنى من ربه تبارك وتعالى؛ ولذلك فهو من حيث الحيثية معصوم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا

مِنْ خَلْفِهِ} (فصلت: 42). بناء على ذلك: كما أن الله عز وجل شهد لكلامه وهو القرآن تلك الشهادة المسطورة في القرآن ألا وهي قوله تبارك وتعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} (النساء: 82)، ولو كان هذا القرآن من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً، ولكن لما كان من عند الله فلن تجدوا فيه اختلافاً قليلاً فضلاً عن أنكم سوف لا تجدون فيه اختلافاً كثيراً. كذلك ينبغي لكل مسلم أن يعتقد في حديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه لا تناقض فيه ولا تضارب ولا اختلاف؛ لأنه كما ذكرت آنفاً هو من الله معناه ولفظه عليه الصلاة والسلام منه، ثم هو في لفظه معصوم، يؤكد لكم هذا الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر، الشك الآن مني (¬1)، المهم أن الحديث يدور على أحد عبادلة الصحابة، فهو إما عبد الله بن عمرو بن العاص وإما عبد الله بن عمر بن الخطاب، قال: «كنت في مجلس فيه المشركون، وكنت أكتب عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الحديث، فقالوا له في ذلك المجلس: إنك لتكتب عن محمد ما يتكلم به في ساعة الرضا والغضب»، صار في نفسه شيء، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وذكر له هذه الشبهة الشركية، فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن قال له وقد وضع إصبعه على فمه الكريم وقال له: «اكتب فوالذي نفس محمد بيده لا يخرج منه إلا حق» (¬2). ولكن حينما ترد بعض الأحاديث تبدو لبعض الناس خاصة إذا كان من الذين ¬

(¬1) هو عبد الله بن عمرو. (¬2) صحيح الجامع (رقم1196).

لم يؤتوا حظاً كبيراً من العلم، فيتوهمون التعارض بينهما، ثم يكون عاقبة ذلك بالنسبة إليهم أن يَشَكُّوا في كل من الحديثين، أي: في ثبوتهما، وبالتالي أن يضربوا أحدهما بالآخر، فيقعون في الضلال الكبير؛ حيث أعرضوا عن حديث الرسول عليه السلام وهو صحيح. وهناك علم في علم الحديث يعرف بعنوان: اختلاف الحديث، هذا فصل من فصول علم الحديث، ولكن بعض العلماء الأقوياء ألفوا كتباً في اختلاف الحديث، من هذه الكتب مثلاً: كتاب: «مختلف الحديث» لابن قتيبة وهو مطبوع أكثر من طبعة واحدة، ومن ذلك أيضاً «كتاب: مشكل» الآثار لأبي جعفر الطحاوي، وهما كتابان مهمان جداً؛ لأنهما يدربان طالب العلم على معرفة طريق التوفيق بين الأحاديث التي يبدو منها التعارض، يبدو ولا تعارض بينهما، والأمثلة في هذا النوع كثيرة وكثيرة جداً، حسبكم أن تعلموا ما سبق ذكره أن العلماء ألَّفوا كتباً في هذا المجال، وإنما يهمنا الآن الإجابة عن ذاك السؤال. هناك الحديث المشهور: «لا عدوى»، وهناك حديث آخر يبدو أنه معارض لهذا الحديث الأول وهو: «ارجع فإنا قد بايعناك»، ولا بد من ذكر كل من الحديثين؛ حتى أولاً يتقوى في الظاهر التعارض بينهما، لكن في الحقيقة سنتمكن من القضاء على التعارض قضاء مبرماً، وأن نتفهم الصواب من المعنى المراد من كل من الحديثين معاً. أما الحديث الأول: «لا عدوى»، وهو فقرة وقطعة من حديث له تتمة: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا غول»، فلما تحدث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الحديث كان في المجلس بدوي صاحب مال، فعرض عليه شبهة في قوله عليه السلام الذي فيه: «لا عدوى»، قال: «يا رسول الله! إنا نرى الجمل الأجرب يدخل

بين الجمال السليمة فيعديها، فقال عليه السلام: فمن أعدى الأول؟»، انتهى الحديث الأول. الحديث الثاني: «جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليبايعه على الإسلام، وفي يده داء الجذام»، وداء الجذام مرض معدي معروف، «فقال له عليه السلام: ارجع فإنا قد بايعناك»، يعني: لم يرد الرسول عليه السلام أن يصافحه وبايعه خلاف مبايعته لعامة الصحابة، حيث كان يبايعهم بالمصافحة، فجاء الرجل أيضاً يريد أن يبايع الرسول عليه السلام بالمصافحة، فاعتذر له وقال له: «ارجع فإنا قد بايعناك»، من هنا جاء التعارض. ولكن الحقيقة أن الحديث الأول لا ينفي العدوى، لكنه ينفي عدوى معينة موصوفة بصفة خاصة، ولا ينفي العدوى بصورة عامة، كيف؟ لما قال عليه السلام: «لا عدوى» تبادر إلى ذهن الأعرابي البدوي أنه ما يتبادر إلى أذهان كثير من الناس: إنه .. ينفي العدوى، ولذلك أورد الإشكال الذي هو يلمسه بيده ويراه بعينه، جماله السليمة التي كما جاء في بعض الأحاديث: «وبرها كالذهب»، فإذا دخل فيها الجمل الأجرب سرى الجرب إلى بدنها وصار يعني رؤية مكربة جداً، فعرض على الرسول هذه الشبهة، فالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سلك معه سبيلاً حكيماً جداً، لم يقل له: أنت لم تفهم الحديث، لن تفهم قصدي ومرادي، وإنما قال له كلمة واحدة ليفهم مقصود الرسول عليه السلام، من باب: الإشارة تغني عن صريح العبارة، قال له: «فمن أعدى الأول؟». بهذا الجواب يمكننا أن نقول: وضع الرسول عليه السلام النقاط على الحروف كما يقال في هذا الزمان، فهو حينما قال: «لا عدوى» نفى العدوى التي

يعتقدها أهل الجاهلية، وهي: أنها تنتقل بذاتها، بمجرد مخالطة الجمل الأجرب الجمل السليم لا بد أن يعديه بجربه، فالرسول عليه السلام نفى هذا العقيدة الجاهلية، وهي عقيدة يمكن أن نقول: إنها رجعت اليوم في جاهلية القرن العشرين؛ ذلك لأن الأطباء لا أقول الأطباء الكفار فقط، بل وبعض الأطباء المسلمين الذين ليس عندهم الفقه الإسلامي الصحيح-،أصبحوا قد وقر في نفوسهم أن هيك طبيعة الداء أنه يعدي بذاته بطبيعته، والأمر ليس كذلك، هناك فرق كبير جداً بين العدوى وبين أسباب أخرى جعلها الله عز وجل أسباباً مطردة لا تختل إلا بصورة خارقة للعادة كالمعجرات والكرامات .. ونحو ذلك. مثلاً: شخص جوعان يأكل يشبع، ما نقدر نقول: ما يشبع، هكذا سنة الله في خلقه، إنسان عطشان يشرب ماء يرتوي، انتهى الأمر، لكن ليس كذلك مجرد ما إنسان سليم يخالط شخصاً آخر مريضاً بمرض يعدي، إنه لا بد هذا المرض أن ينتقل إلى هذا السليم، قد وقد، فحينما يقع المسلم في افتراض أمر في شيء خلقه الله لحكمة بالغة فيبالغ في هذا المخلوق ويصفه بما يخالف الواقع، حينئذ يكون قد وقع في الخطأ، وهذا ما كان عليه أهل الجاهلية الأولى وما عليه كثير من الأطباء في هذا العصر كما ذكرت آنفاً، فالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما قال: «لا عدوى»، أبطل عدوى الجاهلية، أي: التي تنتقل بذاتها، والدليل على هذا: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لذات الأعرابي: أنت تقول كذا وكذا وقولك لا نرده؛ لأنه أمر مشاهد، ولكن من أعدى الجمل الأول؟ اللي هو بدأ يعدي في نظركم؟ الجواب: هو الله، إذن الأمر كله بيد الله تبارك وتعالى، فإذا فهم المسلم أن هناك عدوى في بعض الأمراض، وهذه حقيقة علمية، بل وشرعية لا يمكن إنكارها، أي: العدوى حقيقة شرعية قبل أن تكون حقيقة علمية؛ ولذلك لا يمكن إنكارها، فالذي ينصب عليه إنكار النبي

- صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «لا عدوى» إنما هي عدوى الجاهلية التي كانوا يغفلون عن الله عز وجل، وأنه هو إن شاء أذن بذلك الداء بأن ينتقل إلى السليم من الداء أو لم يأذن. هذا هو مقصود الحديث وهو قوله عليه السلام: «لا عدوى»، فهو لا ينكر العدوى مطلقاً، ولا ينفيها مطلقاً، العدوى ثابتة كما قلت آنفاً شرعاً وعلماً، أما شرعاً فالحديث الثاني: «ارجع فإنا قد بايعناك»، وعندكم حديث يعتبر من المعجزات العلمية الطبية النبوية، وهو ما يسمى اليوم بالحجر الصحي، حيث قال عليه الصلاة والسلام واضعاً الأصل للحجر الصحي الذي جاءنا من أوروبا وأوروبا أخذوه من ديننا، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا وقع الطاعون بأرض أنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع الطاعون في أرض لستم فيها فلا تدخلوا إليها» (¬1)، إذاً لماذا نهى من كان في أرض الطاعون أن يخرج إلى أرض لا طاعون فيها؟ خشية أن ينقل داء الطاعون، هذا يسمى بالكوليرا مثلاً، وأمر من كان الطاعون في أرض غير أرضه ألا يدخل عليها خشية ماذا؟ أن يصيبه الطاعون، فإذاً هناك عدوى لا يمكن إنكارها شرعاً فضلاً عن تجربٍة وعلم. ثم العدوى هذه يمكن أن تشاهدوها في غير الحيوان، وأعني بالحيوان الجنسين: الحيوان الناطق أو الإنسان، والحيوان الصامت وهو الدواب والحيوانات التي سخرها الله لنا، يمكن أن نرى العدوى في غير الحيوان، في بعض النباتات مثلاً، أو في بعض النتائج من بعض الحيوانات، مثلاً: البصل إذا بصلة واحدة فسدت تعدي من حولها، البيضة العفنة إذا وضعتها بين بيض سليم طازج اليوم، بعد أيام ثلاثة يسري إليها الفساد، هذه العدوى، هذه حقيقة لا يمكن ¬

(¬1) مسلم (رقم5905).

[433] باب منه

إنكارها، لكن هذا بمشيئة الله عز وجل وبتقديره، فهذه النقطة هي التي أراد الرسول عليه السلام أن يلفت إليها نظر العرب يومئذ؛ لأنهم كانوا يعيشون في جاهلية جهلاء، كانوا لا يعرفون الله عز وجل؛ ولذلك كانت أفكارهم تنصب على المظاهر في الحياة الدنيوية وهم عن الآخرة هم غافلون. إذاً: لا عدوى باختصار بذاتها، لا عدوى بذاتها، أما بمشيئة الله وإرادته فهذا يقع، وهنا يأتي حديث: «ارجع فإنا قد بايعناك» حديث الحجر الصحي كما ذكرنا وهكذا، وهناك أحاديث كثيرة جداً من هذا النوع، فمن أراد التوسع فعليه بالكتابين المذكورين آنفاً: «مختلف الحديث» لابن قتيبة، «ومشكل الآثار» لأبي جعفر الطحاوي. "الهدى والنور" (696/ 35: 00: 00) [433] باب منه سؤال: أخ يسأل ويقول: كيف نوفق بين حديث: «لا عدوى ولا طيرة»، وحديث: «فر من المجذوم فرارك من الأسد»؟ الشيخ: أي نعم، إذا أَحْسَنَّا فهم الحديث الأول، زال الإشكال ولم يبق هناك داعي للجمع، إذا فهمنا أن المقصود من قوله عليه السلام: «لا عدوى»: بنفسها، ومفهوم ذلك أن هناك عدوى بإذن ربها، فلا إشكال. الحديث يُوضِّح أن العقيدة الجاهلية قبل النبوة والرسالة، والتي يشببها تماماً عقيدة الأطباء غير الإسلاميين اليوم وبعض الإسلاميين، هم يتوهمون أن العدوى تنتقل بطبيع الحال، والنبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يبطل هذه العقيدة التي كانت مقترنة بالعدوى، وأن يلفت نظر هؤلاء العرب الذين هداهم الله على يدي

نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يعرفوا أن هذه العدوى صحيحة، لكن هذه مشيئة الله، ولله عز وجل أن يؤخر المسَبَّب عن السبب، أي أن يَبطل السبب فلا يظهر ولا يتَحقق المسبَّب، كما هو معروف في قصة النار مع إبراهيم عليه السلام، فالنار هي تحرق ولكن تحرق بإذن الله عز وجل، الله تبارك وتعالى هو الذي جعل لها هذه الخصوصية، لكن ما هو ملزم بها بحيث أنه يكون هو مترتبط معها ارتباطاً ... ، هذه خصوصية أنها تحرق إلا أن يشاء [الله] فلا تحرق. هكذا العدوى أو في بعض الأمراض طبيعة وضعها الله عز وجل فيها أن تنتقل إلى السليم من المخلوقات، لكن ذلك كله بمشيئة الله تبارك وتعالى، وهذا واضح في تمام الحديث لما ذكر الرسول عليه السلام: «لا عدوى ولا طيرة»، قال رجل أعرابي: «نرى الجمال السليمة يدخل بينها الجمل الأجرب فيعيدها،» فقال له عليه السلام: .. ما قال له: أنت ما فهمت عليّ، أنه أنا أقول ما في عدوى، لا، هو أراد أن يثبت له العدوى بإذن الله، فقال له: «فمن أعدى الأول؟»، طبعاً جواب المؤمن: الله. إذاً العدوى موجودة لكن بإذن الله تبارك وتعالى، وحينئذٍ إذا كان معنى الحديث لا عدوى إلا بمشيئة الله عز وجل، فما في منافاة أن يتخذ مسلم السبب المشروع بألاَّ يصاب بذاك المرض الذي معروف عند الناس بأنه يعدي، وعلى هذا يحمل قوله عليه السلام كما في "صحيح مسلم": أن رجلاً جاء ليبايع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي يده مرض جذام، فأراد أن يبايعه فقال له عليه السلام: «ارجع فإنا قد بايعناك»، إما أنه فعل هذا عليه السلام من باب الأخذ بالأسباب، وإما أنه فعل ذلك تعليماً، وإما أخيراً للأمرين معاً، يعني تعليماً وأخذاً بالأسباب.

[434] باب منه

فإذاً؛ لا منافاة بين قوله عليه السلام: «لا عدوى»؛ لأنه لا يعني إبطال العدوى كلها، وإنما يعني إبطال العدوى القائمة في أذهان الجاهلية الأولى وجاهلية القرن العشرين، وهي أنها تعدي بنفسها، هذا الذي نفاه عليه السلام، وإلا فالأحاديث الأخرى فيها إثبات العدوى، وعلى هذا جاء ما يُسَمَّى اليوم بالحجر الصحي، والذي وضع نواته نبينا عليه السلام في قوله: «إذا وقع الطاعون بأرضٍ وأنتم فيها فلا تخرجوا منها» إلى آخر الحديث، هذا معناه الأخذ [بالأسباب] بالابتعاد عن المرض المعدي. " الهدى والنور" (12/ 48: 29: 00) [434] باب منه سؤال: كيف نجمع بين قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصحيح: «لا عدوى ولا طيرة» وقوله: «فر من المجذوم فرارك من الأسد»؟! الشيخ: هذا أيضاً تعرضنا لبيانه في المجلد الثاني أو الثالث الله أعلم، من سلسلة الأحاديث الصحيحة. قوله عليه السلام: «لا عدوى» المعنى: بنفسها وذاتها، وإذا أنت عرفت هذه المعنى فحينئذ لا يتنافى مع قوله عليه السلام في الحديث الآخر في الصحيح: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» كما أنه لا يتنافى مع قوله عليه السلام: «إذا سمعتم بالطاعون وقع في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع الطاعون في أرض فلا تدخلوها» فهذا كقوله: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» فيه الأخذ بأسباب: الوقاية والابتعاد عن العدوى، لكن العدوى لا تعني بنفسها وإنما بإرادة الله عز وجل ومشيئته

[435] باب هل الفرار من أرض الطاعون طعن في التوكل؟ وهل الأخذ بأسباب منع العدوى طعن في التوكل؟

ويدل على هذا يعني لهذه الجملة، «لا عدوى»: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما تحدث بهذا الحديث كان هناك أعرابي يعيش مع الإبل، قال: «يا رسول الله! إنا نرى الإبل السليمة يدخل فيها الجمل الأجرب فيعديها» كأنه يقول: إن الذي تقوله يا رسول الله يخالف الواقع، أنت تقول: لا عدوى، نحن نرى العدوى بأعيننا، نرى الجمال السليمة الفارهة الجميلة تدخل بين الجمل الأجرب فيعديها مع الزمن، تسري العدوى منه إلى غيرها قال عليه السلام: «فمن أعدى الأول؟». طبعاًَ جواب المؤمن: الله، إذاً: على حد تعبير بعضهم: السبب الأول هو الله تبارك وتعالى فإذا دخل الجمل الأجرب بين الجمال السليمة إن شاء ربنا أن ينقل هذه العدوى من الأجرب إلى السليم عدى وإلا فلا. فإذاً: العدوى سبب لمرضٍ ما، لكن السبب قد لا يؤثر أي: أن يتأخر المسبب عن السبب بمشيئة الله عز وجل كما هو مثلاً في قصة إبراهيم عليه السلام: النار تُحرق لكن الله عز وجل أبطل تأثير النار التي أودع فيها ذاك التأثير كرامة لنبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام. " الهدى والنور" (188/ 10: 22: 00 طريق الإسلام) [435] باب هل الفرار من أرض الطاعون طعن في التوكل؟ وهل الأخذ بأسباب منع العدوى طعن في التوكل؟ السائل: سمعت لك شريطاً تقول فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وضع أصل الحِجْرِ الطبي المعروف الآن. الشيخ: نعم.

مداخلة: واستشهدت بحديث. الشيخ: الطاعون .. حديث الطاعون. مداخلة: نعم. الشيخ: ما هو سؤالك؟ مداخلة: حديث ابن عباس. الشيخ: نعم؟ مداخلة: أقول استشهدت بحديث ابن عباس. الشيخ: حديث الطاعون. مداخلة: حديث الطاعون نعم. الشيخ: نعم ما سؤالك؟ مداخلة: سؤالي يا شيخ: هل الأمر بعدم القدوم وعدم الخروج من الأرض هو من أجل ماذا؟ الشيخ: من أجل المحافظة على سلامة الإنسان وسلامة المجتمع من عدوى الطاعون، ولعلك من الناس الذين لا يؤمنون بالعدوى؟ مداخلة: لا [أنا] أؤمن بالعدوى. الشيخ: نعم .. إذاً ما إشكالك في الموضوع؟ مداخلة: أن الحديث معلل يا شيخ. الشيخ: معلل بماذا؟

مداخلة: قال عبد الرحمن بن عوف أنه قال: «وأنت إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه»، أي أن العلة معلقة بالفرار، يعني الذي يخرج غير فار من الطاعون ليس مخالفاً لهذا الحديث. الشيخ: لكن بارك الله فيك أولاً قلت أن عبد الرحمن بن عوف يقول، وهذا ليس من قوله وإنما هو من قول نبيه. مداخلة: نعم. الشيخ: أنت معي؟ مداخلة: معك .. معك. الشيخ: هذا أولاً، وثانياً فراراً منه هذا لماذا يفر منه؟ لأنه يخشى أن يصاب. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب. مداخلة: يعني طعن في التوكل. الشيخ: اسمع. مداخلة: نعم. الشيخ: فإذا خرج وكان مصاباً وانتقل إلى البلدة الأخرى، ماذا يفعل؟ أو ماذا تكون نتيجة فراره؟ مداخلة: نقل المرض معه. الشيخ: وهل هذا يجوز؟ والرسول يقول: «فر من مجذوم فرارك من

الأسد» واضح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: واضح؟ مداخلة: نعم واضح. الشيخ: طيب أتم الحديث. مداخلة: انتهى الحديث فقال: الحمد لله فقال عمر: الحمد لله. الشيخ: لا الحديث أخي له جملة أخرى قد تكون في أوله في بعض الروايات، وقد تكون في آخره. مداخلة: نعم في رواية أخرى يقول عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنها أخبرته أنها سألت الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الطاعون؟ فأخبرها النبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أنه كان عذاباً يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد». الشيخ: نعم هذا حديث صحيح لكن ما هذا الذي عنيته، ألا تعلم أن هناك جملة أخرى تقابل الجملة التي تلوتها وأسمعتنا إياها وهي: ومن كان في أرض ليس فيها طاعون فلا يدخل إلى الأرض التي فيها الطاعون، ألا تذكر هذا؟ مداخلة: نعم موجود في نص الحديث. الشيخ: وهذا الذي نقوله لك فلماذا لا تقرؤه؟

مداخلة: «إذا سمعتم به بأرض لا تقدموا عليها». الشيخ: لماذا؟ مداخلة: هذا حتى ما تصابوا بالمرض. الشيخ: فإذاً لا يجوز الدخول إلى الأرض المصابة خشية أن يُصاب الداخل، ولا يُجوز لمن كان في الأرض المصابة أن يخرج خشية أن ينقل الداء إلى الأرض التي ليس فيها الداء. مداخلة: طيب يا شيخ الآن قول من يقول أن العلة هي التوكل، هل هذا قوله صحيح؟ الشيخ: هذا صحيح ولكن لا ينافي ما قلناه بارك الله فيك. مداخلة: نعم. الشيخ: لا ينافي؛ لأنه حينما يرى المقيم في الأرض التي فيها الطاعون يرى الناس يتساقطون بين يديه أفراداً وجماعات بلا شك لا يصبر على هذا المنظر الذي يهدده بالموت القريب إلا من كان متوكلاً على الله حق التوكل، هذا ما ينافي التوكل ولا ينافي أيضاً أن النهي عن الخروج من أرض الطاعون لحكمة طبية كما أشعرتنا بذلك الزيادة التي لفت النظر إليها. مداخلة: طيب يا شيخ الآن لو كان هذا غير مصاب في أرض انتشر فيها الطاعون .. الشيخ: ما يدريه أنه غير مصاب؟ مداخلة: فلنفرض أنه مصاب.

الشيخ: الله يهديك، أنت تتكلم عن الذي لم يصب. مداخلة: نعم يا شيخ لكن أنا قصدي أخذ العلاج بغض النضر هل هو مصاب أم لا؟ لكن القصد في أرض انتشر فيها الطاعون هل هذا ينافي التوكل؟ ... الشيخ: ما هو الذي ينافي أو لا؟ أخذ الدواء؟ مداخلة: ما سمعتك. الشيخ: أسألك أنت أولاً قلت إذا فرضنا أنه غير مصاب بالداء. مداخلة: نعم. الشيخ: ثم لما لفت نظرك بقولي: وما يدرينا أنه لم يصب؟ عدلت عن ذلك الكلام إلى القول إنه مصاب. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب فأنت الآن تريد أن تقول عن هذا المصاب هل يأخذ الدواء أم لا. مداخلة: أنا أريد أن أقول يا شيخ .. الشيخ: يا شيخ الله يهديك لا تضيع وقتي أنا أسألك قل نعم أو لا. مداخلة: نعم. الشيخ: إيه، وماذا تريد أن تفصل عليّ؟ أنت تريد أن تقول هذا المصاب يجوز له أن يتعالج ويأخذ الدواء أم لا؟ مداخلة: نعم.

الشيخ: تريد هذا؟ مداخلة: أريد هذا. الشيخ: فلماذا تريد أن تقول كلاماً غير أن تقول نعم أريد هذا؟ هذا لا ينافي التوكل، لأن التوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب فإذا كان يغلب على الظن أن أخذ العلاج لمنع ضرر الطاعون أنه يشفى فهذا لا ينافي التوكل على الله أبداً كما لا ينافي أخذ أي علاج لأي مرض أو لأي داء، طيب بقي شيء عندك؟ مداخلة: بقي إشكال واحد بس. الشيخ: تفضل. مداخلة: الآن يا شيخ نحن اليوم كنا نقرأ في هذا الحديث ... فقال لنا شيخنا ... أن علة أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعدم الخروج هي التوكل على الله عز وجل، فلو أن إنساناً خرج من أرضه غير فار منها .. من أرضه التي انتشر فيها الطاعون غير فار منها فلا ينطبق عليه النهي، فورد علينا إشكال لو أنه ... على هذا التعليل على قولهم هذا ... العلة هي التوكل، لو أنه ابتلع شيئاً تناول دواءاً في درء الطاعون، هل يعد فاراً أم لا؟ فأريدك أن تجيبني على هذا بهذا الفهم؟ الشيخ: وقد فعلت، وهذا الذي نصحتك أن لا تتكلم كثيراً، قد فعلت وأجبت بأن أخذ العلاج الذي يغلب على الظن أن فيه الشفاء لا ينافي التوكل هنا ولا في أي داء يصاب به المسلم يأخذ عليه دواءه، قد أجبتك فماذا تريد مني؟ مداخلة: أريد منك أن تحل لي قضية الفرار يا شيخ. الشيخ: يا شيخ بارك الله فيك قد بيّنت لك أن الفرار تعليله في الحديث بأنه ينافي التوكل لا ينافي أن يكون هناك علة أخرى، أي لا ينافي أن يكون الشرع

الحكيم أمر من كان في الأرض الموبوئة بالطاعون أمره بالتوكل على الله لا ينفي أن يكون هذا الأمر بالتوكل على الله شيء آخر يدل عليه دليلاً آخر ألا وهو تمام الحديث الذي سجّلنا حوله آنفاً. مداخلة: نعم. الشيخ: وضح لك الجواب أم لا؟ مداخلة: وضح وجزاك الله خيراً. الشيخ: وإياك يا أخي. مداخلة: الطاعون يا شيخ هو وباء عام أم أنه وباء خاص؟ الشيخ: لا .. لا يمكن أن يكون وباءاً عاماً كما يقال في بعض روايات المفسرين أن طوفان نوح عليه السلام كان عاماً، لا يمكن أن يكون الطاعون كذلك وإلا لما بقي على وجه الأرض حي، وإنما قد يستشري أحياناً فيعم ويسيطر على دولة وأخرى وأخرى، لكن ستبقى هناك بمشيئة الله تبارك وتعالى وتصرفه في تكثير الطاعون كما يشاء ستبقى هناك بلاد أخرى نظيفة منه، أو نظيفة منه؛ لأن الله عز وجل لم يأذن بعد بالقضاء على سكان الأرض، وإنما يكون ذلك كما تعلم في آخر الساعة حينما يُرسل الريح الطيبة فتقبض أرواح كل المؤمنين ثم لا يبقى في الأرض إلا شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة، إذاً فلا منافاة بين التعليل المذكور في الحديث وبين أن يكون هذا التعليل ضمن تعليل طبي كما دل على ذلك أمر الرسول عليه السلام أو نهيه بعدم الدخول إلى الأرض التي فيها الطاعون، لماذا لا يقال هنا أيضاً فليدخل وليتوكل على الله؟ كما جاء في حديث الترمذي أن مجذوماً، أي رجل مصاب بداء الجذام جلس يأكل مع الرسول عليه السلام فقال له: «كُلْ ثقة بالله وتوكلاً عليه» هذا لو صح لجاز أن نقول أنه يجوز للسليم أن يُخالط المريض المصاب بداء يعدي بأمر الله عز وجل يمكن أن يخالطه توكلاً

[436] باب هل التطعيم طعن في التوكل

على الله بهذا الحديث لو صح؛ ولكن الحديث أولاً ضعيف، ثم هو بظاهره ينافي حديث مسلم في صحيحه الذي فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جاءه رجل مصاب بداء الجذام ليبايعه على الإسلام فقال له: «ارجع فإنا قد بايعناك» ولم يبايعه باليد كما هي السنة، وضح لك إن شاء الله. "الهدى والنور" (212/ 28: 23: 00) [436] باب هل التطعيم طعن في التوكل سؤال: قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من استرقى أو اكتوى فقد برئ من التوكل»، قال بعض العلماء: أنه المقصود به الكي للصحيح قبل المرض، هل يدخل في هذا التطعيم الآن يا شيخ الذي يحدث من أجل الوقاية من الأمراض، التطعيم؟ الشيخ: أولاً: (فقد برئ من التوكل) التوكل نوعان: واجب ومستحب، فإذا عرفت أن التوكل المذكور هنا من نوع المستحب هان الأمر واضح؟ مداخلة: أي نعم. "الهدى والنور" (719/ 14: 48: 00) [437] باب هل يجوز استخدام لفظ التوكل بدل الاعتماد؟ السؤال: «هل يجوز استخدام لفظ التوكل بدل الاعتماد؟» ... الشيخ: يعني: توكلت عليك؟ مداخلة: هل يجوز يقول ليس لها توكل إلا على أخيها؟ الشيخ: لا, بس التوكل له معنى شرعي غير لفظة الاعتماد. مداخلة: آه.

[438] باب لا طيرة ولا شؤم ولا هامة في الإسلام

الشيخ: نعم, فلا يجوز. " الهدى والنور" (326/ 05: 19: 00 طريق الإسلام) [438] باب لا طيرة ولا شؤم ولا هامة في الإسلام [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن يك من الشؤم شيء حق ففي المرأة والفرس والدار». [قال الإمام]: والحديث يعطي بمفهومه أن لا شؤم في شيء، لأن معناه: لو كان الشؤم ثابتاً في شيء ما، لكان في هذه الثلاثة، لكنه ليس ثابتا في شيء أصلاً. وعليه فما في بعض الروايات بلفظ " الشؤم في ثلاثة ".أو " إنما الشؤم في ثلاثة " فهو اختصار، وتصرف من بعض الرواة. والله أعلم. "الصحيحة" (1/ 2/804). [439] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار». [قال الإمام]: قوله: "وإنما الشؤم .. " بظاهره يثبت الشؤم، فكأنه رواية بالمعنى؛ فإنه لا شؤم في الإسلام. "الصحيحة" (2/ 416).

[440] باب منه

[440] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن لكل يومٍ نحساً؛ فادفعوا نحسً ذلك اليوم بالصدقة». (منكر) [قال الإمام]: وإني لأشم منه رائحة التشاؤم والتطير، ولا شيء من ذلك في الإسلام- كما هو معلوم-، ونحوه حديث: " آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر ".وهو موضوع- كما تقدم بيانه برقم (1581) -. "الضعيفة" (14/ 1/436 - 437). [441] باب توجيه حديث: الشؤم في المرأة والدار والفرس [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «كان أهل الجاهلية يقولون: الطِيَرة من الدار والمرأة والفرس». [قال الإمام]: وجملة القول أن الحديث اختلف الرواة في لفظه، فمنهم من رواه كما في الترجمة، ومنهم من زاد عليه في أوله ما يدل على أنه لا طيرة أو شؤم "وهما بمعنى واحد كما قال العلماء"، وعليه الأكثرون، فروايتهم هي الراجحة، لأن معهم زيادة علم، فيجب قبولها، وقد تأيد ذلك بحديث عائشة الذي فيه أن أهل الجاهلية هم الذين كانوا يقولون ذلك، وقد قال الزركشي في " الإجابة " (ص128):

[442] باب منه

" قال بعض الأئمة: ورواية عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء الله تعالى (يعنى من حديث أبي هريرة) لموافقته نهيه عليه الصلاة والسلام عن الطيرة نهيا عاما، وكراهتها وترغيبه في تركها بقوله: " يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، وهم الذين لا يكتوون ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون ". قلت: وقد أشار بقوله: " بعض الأئمة " إلى الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى، فقد ذهب إلى ترجيح حديث عائشة المذكور في " مشكل الآثار "، ونحوه في " شرح المعاني " وبه ختم بحثه في هذا الموضوع، وقال في حديث سعد وما في معناه: " ففي هذا الحديث ما يدل على غير ما دل عليه ما قبله من الحديث، (يعني حديث ابن عمر برواية عتبة بن مسلم وما في معناه عن ابن عمر)، وذلك أن سعداً انتهر سعيداً حين ذكر له الطيرة، وأخبره عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: لا طيرة، ثم قال: إن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والفرس والدار، فلم يخبر أنها فيهن، وإنما قال: إن تكن في شيء ففيهن، أي: لو كانت تكون في شيء لكانت في هؤلاء، فإذ لم تكن في هؤلاء الثلاث فليست في شيء ". "الصحيحة" (2/ 689، 692 - 693). [442] باب منه سؤال: حديث ابن عمر في الصحيحين، يقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الشؤم في المرأة والدار والفرس» فما فقه هذا الحديث؟ الشيخ: هذا الحديث جاء بلفظين هذا أحدهما: الشؤم، وجاء بلفظ بهذا المعنى: إنما الشؤم، لكن اللفظ الصحيح هو: لو كان الشؤم في شيء لكان في هذه الأنواع الثلاثة، لو كان الشؤم هذا الذي عليه الاعتماد في رواية هذا الحديث

[443] باب ذكر الهامة

عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأن الألفاظ الأخرى مع كونها مرجوحةً روايةً فهي مخالفة للنصوص الصريحة التي تقول: لا شؤم في الإسلام .. لا طيرة في الإسلام، فقد نهى الرسول عليه السلام عن التطير فكيف يقره ويجزم بوجوده في الدار والمرأة والفرس، لا هذا من حيث الرواية شاذ والرواية المحفوظة الصحيحة: لو كان الشؤم في شيء لكان في المرأة والدار والفرس، هذا هو الجواب عن هذا السؤال. (فتاوى جدة (14أ) /01:08:11) [443] باب ذكر الهامة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لا شيء في الهام، والعين حق، وأصدق الطير الفأل». [قال الإمام]: اعلم أن (هام) هو جمع (هامة)، قال ابن الأثير في " النهاية ": " الهامة: الرأس، واسم طائر، وهو المراد في الحديث، وذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها، وهي من طير الليل، وقيل: هي البومة، وقيل: كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة، فتقول: اسقوني، فإذا أدرك بثأره طارت .. ". "الصحيحة" (6/ 2/1088، 1090). [444] باب في عدم المؤاخذة بما قد يجده المرء في قلبه من التطير عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الطيرة شرك وما منا إلا .. ولكن يذهبه الله بالتوكل».

[قال الهيثمي في الموارد]: قلت: قول: «وما منا .. » الخ من قول ابن مسعود [فعلق الإمام قائلاً]: قلت: يعني: أنه مدرج والمؤلف تبع في ذلك «سليمان بن حرب» من شيوخ البخاري, وهذا هو الذي نقله عنه, فيما حكاه الترمذي, وهو من الغرائب عندي؛ لأنه يستلزم تخطئة الثقة من رواته-وكلهم ثقات لا مغمز فيهم-بمجرد الدعوى, وهذا خلاف الأصول, ولم أزل مستنكراً لها, حتى وجدت-والحمد لله-من سبقني إلى ذلك تلويحاً أو تصريحاً, فهذا هو البيهقي يشير في «شُعَبِه» إلى تمريض الدعوى بقوله (2/ 62): يقال: هذا من قول عبد الله بن مسعود. وتبعه في هذا التمريض عبد الحق الأشبيلي, فأورد الحديث في «الأحكام الصغرى» , وهي خاصة بما صح من الحديث عنده, كما نص عليه في «المقدمة» , ثم أكد بذلك بقوله (2/ 521) عقبه مثل قول البيهقي المذكور, وكذا قال في الإحكام الوسطى (3/ 30). ثم صرح برد الدعوى الحافظ ابن القطان الفاسي في كتابه القيم «بيان الوهم والإيهام» عقب قول عبد الحق المذكور (5/ 387)؛ فقال: كل كلام مسوق في السياق لا ينبغي أن يقبل ممن يقول: إنه مدرج؛ إلا أن يجيء بحجة, وهذا الباب معروف عند المحدثين, وقد وضعت فيه كتب. قلت: ومن المعروف عند أهل العلم: أن أبا حاتم الرازي من المتشددين في هذا المجال, ومن أوسع الحفاظ خطواً في استنكار الأحاديث, ومع ذلك فقد خلا كتاب ابنه «العلل» من هذا الحديث. ولعل الحامل على تلك الدعوى إنما هو الوقوف عند لفظه «شرك» الذي لا

[445] باب منع التسمي بيسار لأنه مفضاة للتطير

يليق بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأقول: المراد بها شرك الجاهلية؛ فإنها كانت تصدهم عن حاجاتهم, وهذا ليس مراداً من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وما منا إلا ... » , وإنما قد يجده الشخص في نفسه, ثم يصرفه بالتوكل على الله, فهذا التوكل مما كلف به العبد بخلاف ما يجده فإنه لا يملكه, وهذا صريح في حديث معاوية بن الحكم السلمي؛ أنه قال للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومنا رجال يتطيرون؟ قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم؛ فلا يصدنهم» رواه مسلم (2/ 70). فلم ينكر عليهم ما يجدون من الطيرة, فضلاً أن يصفه بالشرك, وقد صح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «من ردته الطيرة فقد قارف الشرك» , وهو مخرج في «الصحيحة» (1065) ,فهذا يوضح تمام التوضيح حديث الباب, ويبطل الإدراج المدعى, فتأمل! "صحيح موارد الظمآن" (2/ 37 - 38). [445] باب منع التسمي بيسار لأنه مفضاة للتطير السائل: فيه حديث يا شيخ «لأنهين أن يُسمَّى بنافع وبركة ويسار»، يسار يا شيخ لو ذكرت شيء لماذا المنع مثلاً، ما صلته مثلاً هل فيه تزكية في شيء؟ الجواب: يسار من اليسر. السؤال: نعم. الجواب: [فإذا سألت] هل هنا يسار؟ يعني كما لو قلت هل هنا يسر؟ تقول: لا، هذا مدعاة للتطير وليس تزكية. السؤال: الاسم يسار يا شيخ ألا يقارب اسم سهل؟ الجواب: لا يوجد قياس في الموضوع.

[446] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: لا صفر

السؤال: أي نعم. الجواب: ما دام جاء النص فنحن نوجه النص ولا نقيس عليه إلا إذا كان هناك قياس كما يقال أولوي ... ممكن أن نقيس. "الهدى والنور" (209/ 12: 45: 00) [446] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: لا صفر قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا عدوى ولا هامة ولا صفر».رواه البخاري [قال الإمام]: قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في شرح «ولا صفر» في كتابه «فتح المجيد شرح كتاب التوحيد» ص 308 ما يلي: «روى أبو عبيدة في غريب الحديث عن رؤبة أنه قال: هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس, وهي أعدى من الجرب عن العرب, وعلى هذا فالمراد بنفيه ما كانوا يعتقدونه من العدوى. وممن قال بهذا سفيان بن عينة, والإمام أحمد, والبخاري, وابن جرير, وقال آخرون: المراد به شهر صفر, والنفي لِمَا كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسيء، وكانوا يحلّون المحرم، ويحرمون صفر مكانه، وهو قول مالك. روى أبو داود عن محمد بن راشد عمن سمعه يقول: إن أهل الجاهلية يتشاءمون بصفر ويقولون: إنه شهر مشؤوم, فأبطل النبي صلى اله عليه وسلم ذلك. قال ابن رجب: ولعل هذا القول أشبه الأقوال» وهذا الشرح ذكره أبو داود في باب الطيرة رقم (3915). " تحقيق مشكاة المصابيح" (2/ 1289).

[447] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الشؤم في ثلاثة .. »

[447] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الشؤم في ثلاثة .. » سؤال: بارك الله فيك يا شيخ حديث أبي هريرة الذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنما الشؤم في ثلاث: المرأة والدار والفرس» يعني قال بعض العلماء فيما استدركته عائشة على الصحابة أنها قالت: رحم الله أبا هريرة إنما دخل على الشطر الأخير من هذا الحديث، فقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأول الحديث إنما يقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قاتل الله اليهود، تقول إنما الشؤم في ثلاث .. » ثم ذكرت تكملة الحديث، فما أدري ما صحة هذه الزيادة يا شيخ، وهل هذه هي مناسبة الحديث أم لا؟ الشيخ: تعني بالزيادة ما يتعلق بحديث عائشة؟ مداخلة: بحديث عائشة لما استدركته على أبي هريرة. الشيخ: استدراك السيدة عائشة رضي الله عنها صحيح، لكن هذه الصحة لا تنفي أن يكون لحديث أبي هريرة أصل صحيح، ولكن بغير هذا اللفظ، وأنا عالجت هذه المشكلة لأن الحديث في الواقع روي في الصحاح، فضلاً عما دونها، بألفاظ ثلاثة، أحدها ما ذكرت عن أبي هريرة: «إنما الشؤم»، الثاني: «الشؤم». الثالث: وهو الصحيح: «لو كان الشؤم في شيء لكان في هذا»، هذا اللفظ الأخير هو الصحيح من حيث اعتماد صاحبي الصحيحين عليه، ومجيء أيضاً هذا اللفظ من طرق كثيرة وعديدة ترجحه على اللفظين الأولين من حيث أولاً الرواية ثم من حيث الدراية؛ لأن الأحاديث متتابعة إن لم نقل متواترة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في إنكار التطير، فأن يقال الشؤم في ثلاثة، أو إنما الشؤم في ثلاثة، فهذا يتنافى مع نفي الشارع الحكيم في تلك الأحاديث الكثيرة المشار إليها: «لا طيرة» وفي لفظ: «لا طيرة في الإسلام» هذا يجعلنا نُقوِّي موقفنا من حيث الرواية أن اللفظ الثالث والأخير لو كان الشؤم في شيء لكان في ثلاثة، وبذلك نخلص من المشكلة التي تتبادر إلى الذهن من اللفظ الأول أو الثاني، ونقول هذا جاء من

[448] باب الأنواء من عادات الجاهلية

اختصار بعض الرواة وليس من الضروري أن يكون هذا الاختصار من بعض الرواة حادثاً فيما بعد، وإنما يمكن أن يكون وقع فيه بعض الرواة أيضاً الذي أوصلوا الحديث إلى السيدة عائشة، فهي روت ما سمعت، والرسول عليه السلام رد عليهم بلا شك، إنما الشؤم، هذه ليست عقيدة إسلامية. إذاً: نحن نثبت الروايتين، رواية ودراية، نثبت رواية عائشة لأنه سند صحيح، ونثبت رواية عائشة على الترجيح وهي باللفظ الأخير الثالث .. ؟ وهذا أنا ذكرته في السلسلة الصحيحة، في أكثر من موضع. نعم. "الهدى والنور" (668/ 03: 38: 00) [448] باب الأنواء من عادات الجاهلية [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ثلاث لن تزال في أمتي: التفاخر في الأحساب، والنياحة والأنواء». [ترجم له الإمام بقوله: "من عادات الجاهلية" ثم قال]: [قال الإمام]: " الأنواء ": جمع نوء، وهو النجم إذا سقط في المغرب مع الفجر، مع طلوع آخر يقابله في المشرق، والمراد الاستسقاء بها كما يأتي في الحديث المشار إليه، أي طلب السقيا. قال في " النهاية ": " وإنما غَلَّظ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في أمر الأنواء؛ لأن العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى، وأراد بقوله: " مطرنا بنوء كذا ": في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز، أي أن الله قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات ". "الصحيحة" (4/ 409 - 410).

جماع أبواب مناهي لفظية عقدية لها تعلق بأبواب الشرك

جماع أبواب مناهي لفظية عقدية لها تعلق بأبواب الشرك

[449] باب الحلف بغير الله شرك لفظي أو قلبي

[449] باب الحلف بغير الله شرك لفظي أو قلبي [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «كل يمين يحلف بها دون الله شرك». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به ثم قال]: (فائدة): قال أبو جعفر الطحاوي: " لم يُرد به الشرك الذي يخرج من الإسلام حتى يكون به صاحبه خارجاً عن الإسلام، ولكنه أراد أنه لا ينبغي أن يُحلف بغير الله تعالى لأن من حلف بغير الله تعالى، فقد جعل ما حلف به محلوفاً به كما جعل الله تعالى محلوفا به، وبذلك جعل من حلف به أو ما حلف به شريكاً فيما يحلف به وذلك أعظم، فجعله مشركا بذلك شركا غير الشرك الذي يكون به كافراً بالله تعالى خارجا عن الإسلام ". يعني- والله أعلم- أنه شرك لفظي، وليس شركاً اعتقادياً، والأول تحريمه من باب سد الذرائع، والآخر محرم لذاته، وهو كلام وجيه متين، ولكن ينبغي أن يستثني منه من يحلف بولي؛ لأن الحالف يخشى إذا حنث في حلفه به أن يصاب بمصيبة، ولا يخشى مثل ذلك إذا حلف بالله كاذباً، فإن بعض الجهلة الذين لم يعرفوا حقيقة التوحيد بعد إذا أنكر حقاً لرجل عليه وطلب أن يحلف بالله فعل، وهو يعلم أنه كاذب في يمينه، فإذا طلب منه أن يحلف بالولي الفلاني امتنع واعترف بالذي عليه، وصدق الله العظيم: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (¬1). "الصحيحة" (5/ 69 - 71). ¬

(¬1) يوسف: الآية: 106. اهـ[منه].

[450] باب منه

[450] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «وأَبِيْكَ! لو سَكَتَّ، ما زلتُ أُناوَلُ منها ذراعاً ما دعوتُ به». (منكر). [قال الإمام]: أخرجه أحمد (2/ 48): ثنا إسماعيل: ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي إسحاق حدثني رجل من بني غفار في مجلس سالم بن عبد الله: حدثني فلان: أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وآله وسلم - أُتِيَ بِطَعَامٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَقَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ».فَنُووِلَ ذِرَاعاً فَأَكَلَهَا- قَالَ يَحْيَى لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا هَكَذَا- ثم قال: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ».فَنُووِلَ ذِرَاعاً فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ».فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّمَا هُمَا ذِرَاعَانِ فَقَالَ: ... فذكره. فَقَالَ سَالِمٌ: أَمَّا هَذِهِ فَلَا، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ». قلت: وهذا إسناد ضعيف، لجهالة الغفاري الذي لم يسم. وأبو إسحاق الراوي عنه لم أعرفه. ويحتمل أن يكون سليمان بن أبي سليمان الشيباني المخرج له في "الصحيحين"، وسائر رجاله ثقات من رجالهما. والحديث قال الهيثمي (8/ 312): "رواه أحمد، وفيه راو لم يسم". قلت: وفي متن الحديث نكارة ظاهرة، وهو قوله: "وأبيك"، فإنه من الحلف بغير الله المنهي عنه، ولذلك أنكره سالم بن عبد الله بن عمر، للحديث الذي رواه عن أبيه. وهو حديث متفق عليه من حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو مخرّج في "الإرواء" (8/ 187/2560) من طريق نافع عنه، ومن طريق الزهري عن سالم .. به. "الضعيفة" (13/ 2/681 - 682).

[451] باب منه

[451] باب منه [قال الإمام]: الحلف بغير الله عز وجل ... شرك. "الضعيفة" (11/ 2/567). [452] باب منه [قال الإمام]: الذي يؤثر الحلف بغير الله على الحلف بالله فقد جعله شريكا مع الله، وهذا النوع من الشرك مع الأسف أكثر المسلمين لا يعرفونه. الهدى والنور " (52/ 00: 18: 00) [453] باب الإقسام بغير الله لا يجوز [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الله لو شاء لأطلعكم عليها، التمسوها في السبع الأواخر». (ضعيف). [قال الإمام]: أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 221/ 1 - 2)، وابن حبان (926)، والبزار في "مسنده" (ص110)، والحاكم (1/ 437) من طريق مالك بن مرثد عن أبيه قال: سألت أبا ذر، فقلت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ليلة القدر؟ فقال: أنبأنا كنت اسأل الناس عنها، قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني عن ليلة القدر، في

[454] باب جواز الحلف بصفات الله تعالى

رمضان أو غيره؟ قال: «بل هي في رمضان».قال: قلت: يا رسول الله! تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبض الأنبياء رفعت أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: «بل هي إلى يوم القيامة»؟.قال: فقلت: يا رسول الله! في رمضان هي؟ قال: "التمسوها في العشر الأول والعشر الأواخر".قال: ثم حدث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وحدث، فاهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله في أي العشرين؟ قال: «التمسوها في العشر الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها».ثم حدث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وحدث، فاهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله! أقسمت عليك! لتخبرني- أو لما أخبرتني- في أي العشر هي؟ قال: «فغضب علي غضباً ما غضب علي مثله قبله ولا بعده فقال: ... » فذكره. وأنكر ما فيه قوله: "إن الله لو شاء لأطلعكم عليها". وقد أخرجه أحمد (5/ 171) من هذا الوجه دون قوله هذا، وزاد فقال: "أقسمت عليك بحقي عليك".والإقسام بغير الله تعالى منكر آخر لا يجوز. "الضعيفة" (7/ 99 - 100). [454] باب جواز الحلف بصفات الله تعالى [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يؤتى بأشد الناس كان بلاء في الدنيا من أهل الجنة، فيقول أصبغوه صبغة الجنة، فيصبغونه فيها صبغة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط أو شيئا تكرهه؟ فيقول: لا وعزتك ما رأيت شيئاً أكرهه قط، ثم يُؤتى بأنعم الناس كان في الدنيا من أهل النار فيقول: أصبغوه فيها صبغة، فيقول: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط قرة عين قط؟ فيقول: لا وعزتك ما رأيت خيرا قط ولا قرة عين قط).

[455] باب هل يجوز الحلف بالقرآن؟

[قال الإمام]: (فائدة) في الحديث جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى ومن أبواب البيهقي في " السنن الكبرى " (10/ 41) " باب ما جاء في الحلف بصفات الله تعالى كالعزة والقدرة والجلال والكبرياء والعظمة والكلام والسمع ونحو ذلك ".ثم ساق تحته أحاديث وأشار إلى هذا الحديث واستشهد ببعض الآثار عن ابن مسعود وغيره وقال: " فيه دليل على أن الحلف بالقرآن كان يمينا ... ".ثم روي بإسناد الصحيح عن التابعي الثقة عمرو بن دينار قال: " أدركت الناس منذ سبعين سنة يقولون: الله الخالق وما سواه مخلوق والقرآن كلام الله عز وجل ". "الصحيحة" (3/ 155 - 156). [455] باب هل يجوز الحلف بالقرآن؟ سؤال: هل يجوز الحلف بالقرآن؟ الشيخ: القرآن كما اتفق عليه أهل السنة والجماعة أنه كلام الله تبارك وتعالى وكلام الله أيضًا صفة من صفاته فالتالي يجوز الحلف بكلامه تبارك وتعالى وقرآنه، نعم. مداخلة: وهل يجوز السجود للقرآن؟ الشيخ: إذا توهمت السجود للقرآن بكلامه فنعم، أما للمصحف فالمصحف فيه شيء ليس من صفة الله عز وجل. "فتاوى الإمارات" (2/ 00: 29: 42)

[456] هل يجوز الحلف بـ «لعمر الحق»؟

[456] هل يجوز الحلف بـ «لعمر الحق»؟ السائل: القسم بـ (ولعمر الحق) هل هو قسم بغير الله؟ الشيخ: (لعمر الحق) على حسب قاصد القاسم، إذا قصد الحق يعني الحق سبحانه وتعالى، فليس فيه شيء إطلاقاً؛ لأنه حلف بالله، وإذا قصد بالحق شيء معنوي؛ هو: الصواب مثلاً جاز أيضاً؛ لأنه يرجع إلى المعنى الأول، أما إذا قصد شيء مادي فلا يجوز؛ لأنه حلف بغير الله، فهنا يقال: «إنما الأعمال بالنيات». "الهدى والنور" (245/ 44: 47: 00) [457] باب كفارة الحلف بالكعبة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: " من حلف فليحلف برب الكعبة ". [ترجم له الإمام بقوله الحلف بالكعبة]. "الصحيحة" (3/ 154) [458] باب هل السؤال بوجه الله لغير الجنة حرام؟ عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة». [قال الإمام]: إِسناده ضعيف وفي الاستدلال بهذا الحديث على عدم الجواز نظر من وجوه: الأول: أنه ضعيف لا يصح إسناده, فإن فيه سليمان بن قرم بن معاذ, وقد تفرد به كما قال ابن عدي في «الكامل» , (ق 155/ 1) ثم الذهبي, وهو ضعيف لسوء حفظه, فلا يحتج به, ولذلك لما أورد السيوطي هذا الحديث من رواية أبي

[459] باب منه

داود والضياء في «المختارة» تعقبه المحقق عبد الرؤوف المناوي بقوله: «قال في «المهذب»: فيه سليمان بن معاذ, قال ابن معين: ليس بشيء. اهـ. وقال عبد الحق وابن القطان: ضعيف» قلت: وقال الحافظ في «التقريب»: سيء الحفظ. الثاني: لو صح الحديث لم يدل على ما ذهب إليه من رأى عدم الجواز, لأن المتبادر منه النهي عن السؤال به تعالى شيئاً من حطام الدنيا, أما أن يسأل به الهداية إلى الحق الذي يوصل به إلى الجنة, فلا يبدوا لي أن الحديث يتناوله بالنهي, ويؤيدني في هذا ما قاله الحافظ العراقي: «وذكر الجنة إنما هو للتنبيه به على الأمور العظام لا للتخصيص؛ فلا يسأل الله بوجهه في الأمور الدنيئة, بخلاف الأمور العظام تحصيلاً أو دفعاً كما يشير إليه استعاذة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - به» نقله المناوي وأقره. الثالث: إنما بوّب النووي للحديث بالكراهة لا بعدم الجواز فقال: «باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله غير الجنة» والكراهة عند الشافعية للتنزيه». " تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 605). [459] باب منه [قال تعالى]: {يا أيها الناس اتَّقوا ربكم الذي خَلَقَكُم من نفسٍ واحدةٍ وخلقَ منها زوجَها وبَثَّ منهُما رِجالاً كثيراً ونساءً واتَّقوا الله الذي تساءَلونَ به والأرْحامَ إِنَّ الله كانَ عليكم رَقيباً}. [قال الإمام معلقاً على قوله تعالى: «تساءَلون به»]. فيه جواز السؤال بالله تعالى، وأما حديث: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة".

[460] باب من شرك الألفاظ قول القائل: ما شاء الله وشئت

فضعيف. وعلى فرض صحته؟ فهو محمول على سؤال الأمور الحقيرة. كما بينت ذلك في مجلة " المسلمون ". "الضعيفة" (1/ 39). [460] باب من شرك الألفاظ قول القائل: ما شاء الله وشئت [عن ابن عباس قال]: " جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فراجعه في بعض الكلام، فقال: ما شاء الله وشئت! فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أجعلتني مع الله عدلاً (وفي لفظ: ندا؟!)، لا بل ما شاء الله وحده». [قال الإمام] فقه الحديث: قلت: وفي هذه الأحاديث أن قول الرجل لغيره: " ما شاء الله وشئت " يعتبر شركا في نظر الشارع، وهو من شرك الألفاظ، لأنه يوهم أن مشيئة العبد في درجة مشيئة الرب سبحانه وتعالى، وسببه القرن بين المشيئتين، ومثل ذلك قول بعض العامة وأشباههم ممن يدعى العلم: ما لي غير الله وأنت، وتوكلنا على الله وعليك، ومثله قول بعض المحاضرين: «باسم الله والوطن»، أو «باسم الله والشعب» ونحو ذلك من الألفاظ الشركية، التي يجب الانتهاء عنها والتوبة منها، أدباً مع الله تبارك وتعالى. ولقد غفل عن هذا الأدب الكريم كثير من العامة، وغير قليل من الخاصة الذين يبررون النطق بمثل هذه الشركيات كمناداتهم غير الله في الشدائد، والاستنجاد بالأموات من الصالحين، والحلف بهم من دون الله تعالى، والإقسام

[461] باب سبب تأخير بيان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لخطأ قولهم: ما شاء الله وشاء محمد

بهم على الله عز وجل، فإذا ما أنكر ذلك عليهم عالم بالكتاب والسنة، فإنهم بدل أن يكونوا معه عونا على إنكار المنكر عادوا بالإنكار عليه، وقالوا: إن نية أولئك المنادين غير الله طيبة! وإنما الأعمال بالنيات كما جاء في الحديث! فيجهلون أو يتجاهلون- إرضاء للعامة- أن النية الطيبة إن وجدت عند المذكورين، فهي لا تجعل العمل السيئ صالحاً، وأن معنى الحديث المذكور إنما الأعمال الصالحة بالنيات الخالصة، لا أن الأعمال المخالفة للشريعة تنقلب إلى أعمال صالحة مشروعة بسبب اقتران النية الصالحة بها، ذلك ما لا يقوله إلا جاهل أومغرض! ألا ترى أن رجلاً لو صلى تجاه القبر لكان ذلك منكَراً من العمل لمخالفته للأحاديث والآثار الواردة في النهي عن استقبال القبر بالصلاة، فهل يقول عاقل أن الذي يعود إلى الاستقبال بعد علمه بنهي الشرع عنه أن نيته طيبة وعمله مشروع؟ كلا ثم كلا، فكذلك هؤلاء الذين يستغيثون بغير الله تعالى، وينسونه تعالى في حالة هم أحوج ما يكونون فيها إلى عونه ومدده، لا يعقل أن تكون نياتهم طيبة، فضلاً عن أن يكون عملهم صالحاً، وهم يصرون على هذا المنكر وهم يعلمون. "الصحيحة" (1/ 1/266). [461] باب سبب تأخير بيان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لخطأ قولهم: ما شاء الله وشاء محمد فهؤلاء الشباب المتحمسين لإقامة حكم الله في الأرض ما بين آونة وأخرى ونسمع أنهم خرجوا، وأنهم قتلوا ثم نسمع أنه قتل مقابل عشرة من هؤلاء الجنود أو الشرطة قتل منهم مائة، حبس منهم ألوف مؤلفة هذا لجهلهم بالقاعدة: إذا وقع المسلم بين مفسدتين اختار أيسرهما، لذلك نحن نقول: لا ينافي السعي في تحقيق

قوله تعالى المذكور آنفاً: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (الأنفال: 60) السعي في هذا بغض النظر الآن عن هذا الخروج الذي لا فائدة منه إلا الضرر إلا ضغثاً على إباَّله كما يقال حين ذاك نقول: الاحتجاج بقوله عليه السلام: «من رأى منكم منكراً» هذا غفلة عن كون الرسول رأى بعض المنكرات وسكت عنها خشية أن يترتب من وراء هذا المنكر مفسدة أكبر من تغيير المنكر، وأنا أذكر لكم الآن مثالاً أهون من هذا التغيير. رأى رجل من أصحاب الرسول عليه السلام رؤيا فجاء إليه وقص عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «يا رسول الله رأيت نفسي وأنا أمشي في طريقي من طرق المدينة فلقيت رجلاً من اليهود فقلت: نِعمَ القوم أنتم معشر اليهود لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: عزير ابن الله». الصحابي يقول هذا الكلام لليهود في المنام، نعم القوم أنتم معشر اليهود لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: عزير ابن الله فأجابه اليهودي في المنام، «ونعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد». الآن يقولون الناس هذا الكلام لجهلهم بالإسلام، نعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد قال: ثم مضيت فلقيت رجلاً من النصارى فقلت له: نعم القوم أنتم معشر النصارى لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد، هذا نصراني بيقابل .. مداخلة: المسيح. الشيخ: نعم. مداخلة: المسيح.

الشيخ: آه المسيح عفواً المسلم يقول للنصراني: نِعْمَ القوم أنتم معشر النصارى لولا أنتم تشركون بالله فتقولون: عيسى ابن الله فقابله النصراني بقوله: ونِعْمَ القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد. لما قص القصة على الرسول عليه السلام قال له - صلى الله عليه وآله وسلم -: «هل قصصت على أحد؟» قال: لا. فخطب الرسول الصحابة قال: «طالما سمعت منكم كلمة تقولونها فأستحيي منكم» انظروا أين الشاهد: يسمع منهم هذه الكلمة فيستحيي منهم أن يبادرهم بالإنكار؛ لأنه عليه السلام يعلم أنهم يقولونها خطأً بألسنتهم، وليس عقيدة منحرفة عن التوحيد في قلوبهم، فيقول لهم: طالما سمعتها منكم، ثم قص عليهم الرؤيا هذه فقال عليه السلام بناءً على ذلك: «لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء محمد، ولكن ليقل: ما شاء الله وحده». إذاً: بارك الله فيكم تغيير المنكر مش رأساً ترى منكراً تبادر إنكاره بدك تعمل ماذا يقولون اليوم في العملية الحسابية؟ معادلة تقابل الحسنات بالسيئات وتوازن .. بين الحسنات والسيئات، فإذا غلب على ظنك أنه في تغييرك لهذا المنكر ستكون الحسنات أكثر من السيئات، وأنت مأجور وأنت منفذ لهذا الحديث، أما إذا بدا لك أن السيئات والمفاسد ستكون أكثر من المصالح التي تبتغي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأمسك كما أمسك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن هدم الكعبة، بل كما أمسك أياماً عن أن يقول لأصحابه: «لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء محمد، ولكن ليقل: ما شاء الله وحده». " الهدى والنور" (706/ 10: 21: 00)

[462] باب خطأ قول بعضهم: الله ورسوله أعلم

[462] باب خطأ قول بعضهم: الله ورسوله أعلم [قال الإمام]: جرت عادة كثيرة من الناس أنهم إذا سئل أحدهم عما لا علم له به, سواء كان باستطاعة البشر عادةً معرفته أم لا؛ أجاب بقوله: الله ورسوله أعلم. وهذا جهل بالشرع؛ فإنه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما كان يعلم الغيب وهو في قيد الحياة-كما حكى الله تعالى عنه في القرآن: [وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ]-؛ فكيف يعلم - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى؟! فالصواب اليوم أن يقتصر في الجواب على قوله: الله أعلم. وإنما كان الصحابة رضي الله عنهم يجيبونه - صلى الله عليه وآله وسلم - بقولهم: الله ورسوله أعلم. لعلمهم بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما سألهم إلا وعنده علم ذلك, وإلا؛ ليُنَبِّئَهُم به. فتنبه لهذا, ولا تكن من الغافلين. "أصل صفة الصلاة" (3/ 1019). [463] باب منه [قال الإمام]: إياكم أن تقولوا في مثل هذه المناسبة: الله ورسوله أعلم؛ لأن هذا شرك لفظي، ... وأنا أُذكِّركم بشيء مهم جداً، الواحد يقول للثاني: تعرف البارح ماذا تعشينا؟ فيقول: الله ورسوله أعلم. فهذا لا يجوز أن يقال؛ لأن رسول الله ليس يعلم كل ما يقع وما يحدث، هذا علم اختص الله به، لكن الشبه من أين تأتي؟ أن هناك أحاديث كثيرة، أن الرسول

عليه السلام سأله أصحابه في بعض المناسبات مثل هذا السؤال، فكان جوابهم: الله ورسوله أعلم، في هذا الشيء وبعد انتقال الرسول عليه السلام من هذه الحياة الدنيا الفانية إلى حياة البرزخية التي هو فيها يرقى يلقى نوعاً أو بعض جزائه من ربه تبارك وتعالى على قيامه بواجب الدعوة والتبليغ لها، وهو كان في قيد حياته متصلاً بسبب قوي بالسماء بوحي السماء، هذا من جهة. من جهة أخرى: حينما كان يسأل أصحابه كأن الصحابة ينتبهون إلى أنه عليه السلام يسألهم عن شيء هو على علم به؛ ولذلك كان يكون جوابهم: الله ورسوله أعلم، وفعلاً الذي انتبهوا له تحققوا منه حينما يخبرهم الرسول عليه السلام عن الشيء الذي توجه به يسألهم عنه. والأمثلة التي تمر بالقارئ للسُنَّةِ والباحث فيها كثيرة وكثيرة جداً، لعل من أشهرها مما لا يخفى على كل الحاضرين إن شاء الله قصة جبريل عليه السلام التي رواها عبد الله بن عمر ورواها أبوه أيضاً عمر بن الخطاب التي فيها: «بينما نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذ جاء رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى دنا من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأسند ركبتيه بركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، ثم قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، أخبرني عن الإيمان، أخبرني عن الإحسان، أخبرني عن الساعة .. » وإلى آخر الحديث، ثم ولى الرجل، قال لهم عليه السلام-وهنا الشاهد-: «أتدرون من السائل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك جبريل جاءكم يعلمكم دينكم»، ففي مثل هذا السؤال من الرسول عليه السلام للأصحاب فيه إشعار لهؤلاء المسئولين أن الرسول على علم؛ لذلك قالوا له في مثل هذا السؤال: الله ورسوله أعلم، أما اليوم تعرف أنا ماذا

[464] باب حكم مخاطبة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بقولهم سيدنا، وهل يجوز إطلاق ذلك على آحاد الناس؟

أريد أنا أسألك الآن؟ الله ورسوله أعلم، لا الرسول ما يعرف الغيب، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن:26، 27)، من رسول حي مبلغ رسالات ربه، أما بعد وفاته فهو الآن في طريق لقائه لجزائه من ربه، فلا تقولوا اليوم في أي شيء: الله ورسوله أعلم، إلا إذا كانت المسألة منصوص عليها في الكتاب والسنة، ونحن على يقين أن الرسول كان على علم بها. "الهدى والنور" (729/ 24: 29: 00) [464] باب حكم مخاطبة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بقولهم سيدنا، وهل يجوز إطلاق ذلك على آحاد الناس؟ -[انقطاع] قاله عليه الصلاة والسلام بمناسبة قول بعضهم في خطابهم إياه عليه الصلاة والسلام بمثل هذا اللفظ ألا وهو السيادة، فخشي عليه الصلاة والسلام على هؤلاء أمرين؛ الأمر الأول أن يوصلهم مدحهم للرسول عليه السلام إلى الغلوّ وهذا يكاد يكون صريحاً بالحديث الآخر الذي جاء في «مسند الإمام أحمد» «أن ناسا جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالوا له أنت سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، فقال عليه الصلاة والسلام: قولوا بقولكم أو بنحو قولكم هذا، ولا يستجرينكم الشيطان» فقوله: لا يستجرينكم الشيطان، هو صريح؛ لأنه عليه الصلاة والسلام خشي من هؤلاء الذين خاطبوه بقولهم المذكور «أنت سيدنا وابن سيدنا» إلى آخره أن يمهد الشيطان لهؤلاء بمثل هذه الكلمات فيصلوا إلى الغلوِّ بمدحه عليه الصلاة والسلام فلذلك جاء الحديث المتفق عليه بين الشيخين وهو قوله عليه السلام: «إنما أنا عبد» أيش أول الحديث؟! «لا تطروني كما أطرت

[465] باب لا يقال فلان خليفة الله

النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله».هذا هو السبب الأول: وهو أنه عليه السلام خشي من الذين مدحوا الرسول بذلك المدح الجائز أصلاً أن يُوصِلَهم الشيطان إلى أن يقولوا فيه ما قالته النصارى. والأمر الثاني: هو أن يلفت نظرهم إلى أن السيد الحقيقي هو الله لذلك قال لهم السيد الله، ومن هذا البيان نفهم أنه لا منافاة بين هذا الحديث وبين الحديث الآخر وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» وفي الحديث الآخر: «أنا سيد الناس يوم القيامة، أتدرون مما ذاك» ثم ذكر عليه السلام حديث الشفاعة الطويل هذا ما عندي جوابا عن سؤالك هذا مداخلة: وقوموا إلى سيدكم أيضا يأخذ هذا المجرى؟ -سيدكم بمعناه اللغوي؛ أي: ذا رئيسكم، وليس معنى السيادة هنا من باب التعظيم الذي يستحقه مثل الرسول عليه السلام، وإنما كما لو قال لهم: قوموا إلى أميركم، فهو سيدهم، يعني: أميرهم، نعم. "الهدى والنور" (33/ 04: 22: 00) [465] باب لا يقال فلان خليفة الله [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قَبِلِ المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي- وفي رواية- إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبوا .. إلخ».

[قال الإمام]: الحديث صحيح المعنى، دون قوله: فإن فيها خليفة الله المهدي فقد أخرجه ابن ماجه (2/ 517 ـ 518) من طريق علقمة عن ابن مسعود مرفوعا نحورواية ثوبان الثانية، وإسناده حسن بما قبله، فإن فيه يزيد بن أبي زياد وهو مختلف فيه فيصلح للاستشهاد به، وليس فيه أيضا ذكر خليفة الله ولا خراسان، وهذه الزيادة خليفة الله ليس لها طريق ثابت، ولا ما يصلح أن يكون شاهدا لها، فهي منكرة كما يفيده كلام الذهبي السابق، ومن نكارتها أنه لا يجوز في الشرع أن يقال: فلان خليفة الله، لما فيه من إيهام ما لا يليق بالله تعالى من النقص والعجز، وقد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقال في " الفتاوى " (2/ 461): وقد ظن بعض القائلين الغالطين كابن عربي، أن الخليفة هو الخليفة عن الله، مثل نائب الله، والله تعالى لا يجوز له خليفة، ولهذا قالوا لأبي بكر: يا خليفة الله! فقال: لست بخليفة الله، ولكن خليفة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، حسبي ذلك بل هو سبحانه يكون خليفة لغيره، قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا»، وذلك لأن الله حي شهيد مهيمن قيوم رقيب حفيظ غني عن العالمين، ليس له شريك ولا ظهير، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، والخليفة إنما يكون عند عدم المستخلف بموت أو غيبة، ويكون لحاجة المستخلف، وسمي خليفة، لأنه خلف عن الغزو وهو قائم خلفه، وكل هذه المعاني منتفية في حق الله تعالى، وهو منزه عنها، فإنه حي قيوم شهيد لا يموت ولا يغيب ... ولا يجوز أن يكون أحد خلفاً منه ولا يقوم مقامه، إنه لا سمي له ولا كٌفء، فمن جعل له خليفة فهو مشرك به. "الضعيفة" (1/ 195، 197 - 198).

[466] باب في خطأ التلقيب بـ «قاضي القضاة» وشاهنشاه» و «ملك الأملاك»

[466] باب في خطأ التلقيب بـ «قاضي القضاة» وشاهنشاه» و «ملك الأملاك» [قال الإمام]: لا نرى جواز استعمال مثل هذا اللقب [أي قاضي القضاة]؛ لأنه يشبه لقب (شاهنشاه) المنهي عنه في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك «، قال ابن عيينة: «ملك الأملاك، مثل شاهنشاه» رواه الشيخان. «تحقيق مشكاة المصابيح» (3/ 1774). [467] باب منه [قال الإمام]: لقب قاضي القضاة مما يُكره استعماله، قياساً على ملك الملوك، كما ذكر ذلك العلامة الإمام ابن القيم في «زاد المعاد»: وقد كره رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: أن يقال للسلطان ملك الملوك، أخرج ذلك البخاري من حديث أبي هريرة. وإيراد شيخ الإسلام ذلك في مسودته [أي مسودة كتابه «مناقب الشام وأهله»] على الحكاية لما كان مصطلحاً عليه بينهم، ولا يعني ذلك إقراره له. "التعليق على مناقب الشام وأهله (ص 86) [468] باب حكم قول القائل: يا رضا الله ورضا الوالدين سؤال: هل ينطبق بالقول لما شاء الله ثم شئت على قول كثير ما نردده يا رضا الله ورضا الوالدين؟ الشيخ: هذا سؤال طيب، هو رضا الوالدين الحقيقة يحتاج إلى تقييم إذا كان

المتكلم بهذا القول يا رضا الله ورضا الوالدين يقصد رضاءهم المشروع، فيكون هذا من رضا الله كما قال تعالى في القران الكريم {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا- وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء: 24) هذا من قام بهذه النصيحة فقد أرضى الله أولاً ثم الوالدين ثانياً هذا الإرضاء هو عبادة، أما إذا أرضى الوالد أو الوالدة بمعصية الله حينئذ هذا ليس بعبادة ولا يجوز أن تقال حين ذاك هذه الكلمة إطلاقا فهذا الفرق لا بد من ملاحظته إذا قيلت هذه الكلمة على أننا لا نستحسن أن تقال من هذا الباب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ لأنه لما يقول: الإنسان يا رضا الوالدين ما بيلاحظ هذا التفصيل الذي أذكره الآن لأن أكثر الناس لا يعلمون كما قال الله في القرآن الكريم ونحن نعرف من واقع من حياة المسلمين أن كثيرا من الآباء مع الأبناء والأبناء مع الآباء لا يلاحظون الرضا المشروع وإنما رضا بدون هذا القيد مثلا إذا فرضنا أبًا فقيرًا أو متوسط الحال وأنه غني .. فهو يحسن على أبيه ويكرمه ويغذيه بالمال وكل شئ لإرضائه، لكن هذا الابن لا يصلي وأبواه راضيان عنه، ليش؟ لأنه عم ينفعه، لكن ربك مو راضيان عن هذا الولد، فهنا لا يقال يا رضا الله ورضا الوالدين، صحيح الوالدان راضيانين عنه لكن رب العالمين مش راضيان، وهنا أذكر عادةً نكتة لأحد أصحابنا الظرفاء في دمشق مع أنه كان شبه عامي كان يأتي ببعض أصحابه يحضر المجلس لعله يستفيد فائدة علمية أو يسمع موعظة حسنة، فينكت ويقول بعرفك بفلان: هذا فلان ابن فلان مرضي الوالدين مغضوب من رب العالمين، ونلاحظ نحن كيف يرضي الأبناء عادةً وغالبًا آباءهم فيصبحوا بتقبيل اليد، ولما بدهم يروحوا يناموا كمان بدهم يودعوهم بتقبيل اليد، لكن هم لا بيصلوا ربما لا بيصوموا، ولذلك قال صاحبنا هذا: هذا مرضي الوالدين مغضوب

[469] باب حكم قول القائل: أسوق الله عليك وما شابه ذلك

من رب العالمين. فشو فائدة هذا الرضا من الوالدين ما دام هذا الرضا لا يرضاه الله عزوجل، من هنا نعرف الفرق بين رضا الوالدين المشروع ورضا الوالدين غير المشروع. مع ذلك أعود فأقول ما ينبغي توجيه مثل هذا النداء ولو كان قاصدًا الرضا المشروع لأنه يتعلق بالمخلوق فهو صفة للمخلوق وليس صفة للخالق إلا الطرف الأول من العبارة: يا رضا الله، فنقف إلى هنا. "الهدى والنور" (534/ 28: 34: 00) [469] باب حكم قول القائل: أسوق الله عليك وما شابه ذلك السائل: في كلمة تدور كثيرًا على ألسنة الناس، يقول: أسوق الله عليك أو سائق الله عليك أو شيء من هذا؟ الشيخ: هذا مثال يدخل في الصميم اليوم من غفلة الناس؛ بأسوق الله عليك! مسكين هذا الإنسان، هذا لا يفكر فيما يقول إطلاقًا؛ لأن قول القائل: بأسوق الله عليك، من السائق هنا ومن المسوق؟! مداخلة: الله السائق. الشيخ: لا، العبارة عكس ذلك تمامًا؛ بأسوق الله عليك، أنا بأسوق الله! هذا كفر، فالمسوق هو الله والسائق عبد الله، هذا قلب لعظمة الله ولعجز عباد الله، لكن هيك اللفظة ماشية، مثل هذا اللي قال: ما شاء الله وشئت، شو مشيئة محمد عليه السلام مع كونه أفضل البشر بالنسبة لمشيئة الله اللي خلق الملائكة والرسل والأنبياء والصالحين جميعًا مع ذلك قال له: أجعلتني لله ندًّا، هذا أفظع لما يقول

[470] باب حكم قول القائل أدامك الله

القائل في هذه البلاد: أنا بأسوق الله عليك، الله أكبر، جعل القادر عاجزًا والعاجز قادرًا ولذلك لا ينبغي أن نتكلم إلا بما نفكر. الهدى والنور" (534/ 00:40:03) [470] باب حكم قول القائل أدامك الله [قال الإمام]: قول القائل: أدامك الله هذا كلام ظاهر؛ لأنه لا يدوم إلا الله عز وجل، هذه عقيدة يعرفها المسلمون جميعاً، لكن ممكن تأويلها أدامك الله يعني حياةً قررها ربنا لهؤلاء البشر مثلما قال الرسول عليه السلام: «أعمار أمتي ما بين ستين وسبعين وقل من يجوز ذلك» أدامك الله يعني هذه المدة، ليس معنى أدامك الله يعني أبقاك الله إلى الأبد؛ لأن هذه خصلة مزية تفرد بها ربنا عز وجل دون خلقه فهو الأول والظاهر والباطن سبحانه وتعالى هذا الذي أردنا بيانه حول هذه الكلمة. "الهدى والنور" (534/ 52: 00: 00) [471] باب حكم التعبيد لغير الله كعبد الحسين وعبد علي وعبد الرسول .. [قال الإمام]: فائدة: نقل ابن حزم الاتفاق على تحريم كل اسم مُعَّبد لغير الله كعبد العزى وعبد الكعبة، وأقره العلامة ابن القيم في " تحفة المودود " (ص 37) وعليه فلا تحل التسمية بـ: عبد على، وعبد الحسين، كما هو مشهور عند الشيعة، ولا بـ: عبد النبي أو عبد الرسول كما يفعله بعض الجهلة من أهل السنة. "الضعيفة" (1/ 596).

[472] باب كيف الجمع بين نهي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن التعبيد لغير الله مع قوله: « ... أنا ابن عبد المطلب؟»

[472] باب كيف الجمع بين نهي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن التعبيد لغير الله مع قوله: « ... أنا ابن عبد المطلب؟» السؤال: ما الفهم الصحيح لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أنا النبي لا كذب .. أنا ابن عبد المطلب» مع نهي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن التعبيد لغير الله عز وجل. الشيخ: ليس في هذا الكلام الذي صح عن الرسول عليه السلام، ليس فيه أي تعارض بينه وبين نهيه أو أمره المستفاد منه النهي عن التعبيد لغير الله، ذلك لأنه هو ينتسب إلى جده عبد المطلب حيث أن هذا هو اسمه، علم المعروف به عند الناس، فهو لم ينشأ اسماً عبَّد فيه شخصاً إلى غير الله عز وجل، وإنما عرف الناس بأنه ابن عبد المطلب، فهو لا يستطيع أن يعرف الناس بانتسابه إلى عبد المطلب بتغيير اسمه، يعني أنا أضرب لكم مثلاً: كثير من الشيعة كما تعلمون يسمون بعبد الحسين، وعبد الحسن .. ونحو ذلك، فنحن نقول: قال عبد الحسين في كتاب المراجعات كذا وكذا، ونحن الذين نقرر في كتبنا بأنه لا يجوز التعبيد لغير الله تبارك وتعالى، فلا يتبادر لذهن من يقرأ قولي: قال عبد الحسين في كتاب كذا .. أنني عبَّدت إنساناً لغير الله عز وجل؛ لأنه كما يقول العلماء: ناقل الكفر -أو حاكي الكفر- ليس بكافر. فإذاً هذا الحديث: «أنا النبي لا كذب .. أنا ابن عبد المطلب» لا يتعارض مطلقاً مع المعروف عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه يحرم التعبيد لغير الله عز وجل، فهو ناقل وليس بمؤسس. "الهدى والنور" (188/ 01:02:09)

[473] باب السؤال عن بعض الألفاظ المتعلقة بالعقيدة

[473] باب السؤال عن بعض الألفاظ المتعلقة بالعقيدة السائل: هناك بعض الجمل وبعض الكلمات وقع فيها كثير من الناس [نرجو بيان] جوازها من عدمه .. قول قائل: يا فاسق، أو يا فتال، ... ، ويقال: أنا عند الله ثم عندك ... أو إذا قال: تفضل معنا قال يأكل معك الرحمن، أو قال: عندك الرحمن، من هذه الكلمات .. الشيخ: هذه .. عندكم؟ مداخلة: نعم. الشيخ: عجيب! نحن عندنا كلمات تضاهي هذه، وكلها لا تجوز .. عندنا في سوريا يقولون: توكلنا على الله وعليك ... بعض هذه العبارات التي جاء السؤال عنها لا شك أنها خطأ، فكما قلت لكم آنفاً عندنا في بعض البلاد السورية ما يشابهها كمثل قولهم: توكلنا على الله وعليك، هذا شرك، وما شاء الله وشئت شرك، لكن العبارة الصحيحة ما شاء الله ثم شئت، فأكثر العرب اليوم ما يفرقون بين ثم وبين واو العاطفة. كلمة: توكلنا على الله وعليك كفر لقوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (إبراهيم: 12) أي: على الله وحده، فهو يقول بغير مبالاة: توكلنا على الله وعليك، متى نقول له؛ لأنه ليس فاهم القضية أو نقدم له شكوى ويريد أنه يسعى له في حلها، نقول له: على عيننا ... توكلنا على الله وعليك، هذا شرك. كذلك يقولون عندنا: يد الله ويدك ... مداخلة: أو مثلاً يقول هذه العبارة الثانية: تفضل معنا يا شيخ، يقول: أكلت

معك ... أكل معك الرحمن .. اسأل عن هذا .. هذه هي [ما فيها شيء] الشيخ: ماذا اللفظة الثانية؟ مداخلة: قال: يأكل معك الرحمن ... يأكل عندك الرحمن .. الشيخ: ليس فيها شيء هذه؟! مداخلة: هذه العبارة ... ما أقول لك أن فيها شيء. الشيخ: فيها شيء أو ما في؟ مداخلة: ما أعرف. الشيخ: يأكل؛ الله يأكل؟! مداخلة: نحن نعم .. يأكل معك الرحمن. الشيخ: يأكل ربنا عز وجل؟ لا هذا كفر .. هذا تشبيه الخالق بالمخلوق لا يجوز، غيره؟ مداخلة: بعضهم يقول .. عندك الرحمن. الشيخ: عندك الرحمن؟ مداخلة: تفضل عندنا .. يقول: عندك الرحمن .. الشيخ: لا بأس! دعنا نسمع تأويلها .. مداخلة: يقول: يا شيخ تفضل عندنا ... معنا، قال: عندك الرحمن يعني: يعتذر ما .. ما تقول: لا، لست آتي .. يأتي بها بلغة لطيفة .. الشيخ: لا بأس! لكن ما معنى: عندك الرحمن؟

مداخلة: يعني: الرحمن البركة .. الخير .. لست أجلس معك .. عندك الرحمن .. الشيخ: لكن إذا لم يكن يريد أن يقدم كلمة قاسية يقول كلمة ما تليق شرعاً؟ مداخلة: لأجل خاطره لأنها طيبة. الشيخ: لأجل خاطره، لكن نحن نريد أن نصحح خاطره. مداخلة: لا بأس! إذا كان فيها ذم ينهى عنها. الشيخ: ... ما يجوز أن يقال: عندك الرحمن؛ لأنه انظر الآن: أهل البدع ... أهل الحديث والذين يتمسكون بما عليه السلف الصالح والذين يؤمنون بآيات الصفات وأحاديث الصفات يسمون هؤلاء مشبهة .. يقولوا عنهم: مشبهة .. مجمسة، يعني: يقولون عنا أننا مجسمة لماذا؟ لأننا نقول: الرحمن على العرش استوى، أي: استعلى استعلاءً يليق بكماله، فإذا قلت أنت بتفسير هذه الآية: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) استعلى، أي: جلس على العرش فتحت باب الطعن فيك وتأييد قولهم بأنك مجسم، هذا القول: عندك الرحمن، هم ينكرون معنى أن يكون الرحمن على العرش استوى وهي آية نفسرها بما فسرها السلف، أي: استعلى ينكرون المعنى لأنهم يتوهمون أن هذا فيه تشبيه لله عز وجل كأنه جالس على المجلس وهو غني عن العالمين، كيف لو سمعوا بهذا القول: عندك الرحمن، يعني: عندك الرحمن ضيف .. عندك الرحمن جالس .. هذه معاني قبيحة جداً .. {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) ممكن تأويل هذا بمعنى جميل لكن من تأديب الرسول عليه السلام لأتباعه المؤمنين قوله: «لا تكلمن بكلام يعتذر به عند الله» كما لم أقصد أن الرحمن هو بذاته تعالى عندك، لكن أنا أقصد خيره ومعونته وبركته إلى آخره فهذا تأويل، التأويل هذا ما فيه خير، في الحديث

الآخر: «إياك وما يعتذر منه» (¬1) يعني: لا تتكلم بكلام أنت تحتاج إلى أن تقول: والله أنا قصدت كذا .. مداخلة: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. الشيخ: أحسنت، هذا هو. "رحلة النور" (3أ/29: 03: 00). ¬

(¬1) صحيح الجامع (2671).

موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني «موسوعة تحتوي على أكثر من (50) عملاً ودراسة حول العلامة الألباني وتراثه الخالد» العمل الأول سلسلة جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة «تحتوي على ما يقارب ألفي مسألة وفائدة عقدية مستخرجة من تراث العلامة الألباني بعناية» (3) (الإسلام والإيمان والكفر - أهل الأعذار في العقيدة) الجزء الأول صَنَعَهُ شادي بن محمد بن سالم آل نعمان

كتاب الإسلام والإيمان

كتاب الإسلام والإيمان

جماع مقدمات في مسمى الإيمان والإسلام والفرق بينهما وبعض المسائل المتعلقة بالإيمان

جماع مقدمات في مسمى الإيمان والإسلام والفرق بينهما وبعض المسائل المتعلقة بالإيمان

[474] باب تعريف الإسلام وبيان ما يخرج المرء منه

[474] باب تعريف الإسلام وبيان ما يخرج المرء منه [قال الإمام]: (دين) الإسلام هو ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده على ألسنة رسله، وأصل هذا الدين وفروعه روايته عن الرسل وهو ظاهر غاية الظهور يمكن كل مميز من صغير وكبير وفصيح وأعجم وذكي وبليد أن يدخل فيه بأقصر زمان، وإنه يقع الخروج منه بأسرع من ذلك من إنكار كلمة، أو تكذيب، أو معارضة، أو كذب على الله، أو ارتياب في قول الله تعالى، أو رد لما أنزل، أو شك فيما نفى الله عنه الشك، أو غير ذلك مما في معناه. فقد دل الكتاب والسنة على ظهور دين الإسلام وسهولة تعلمه وأنه يتعلمه لوافد ثم يولي في وقته، واختلاف تعليم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الألفاظ بحسب من يتعلم فإن كان بعيد الوطن كضمام بن ثعلبة النجدي ووفد عبد القيس علمهم ما لم يسعهم جهله مع علمه أن دينه سينشر في الآفاق، ويرسل إليهم من يفقههم في سائر ما يحتاجون إليه، ومن كان قريب الوطن يمكنه الإتيان كل وقت بحيث يتعلم على التدريج أو كان قد علم فيه أنه قد عرف ما لا بد منه أجابه بحسب حاله وحاجته على ما تدل قرينة حال السائل كقوله: «قل آمنت بالله ثم استقم» وأما من شرع ديناً لم يأذن به الله فمعلوم أن أصوله المستلزمة له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا عن غيره من المرسلين إذ هو باطل وملزوم الباطل باطل كما أن لازم الحق حق. نقله الإمام عن شارح الطحاوية في"التعليق على متن الطحاوية" (ص109 - 110) مقرِّرًا.

[475] باب معنى «الدين الحنيف»

[475] باب معنى «الدين الحنيف» السائل: ما معنى: الدين الحنيف؟ الشيخ: الدين الحنيف: المائل عن الشرك. "الهدى والنور" (241/ 00: 23: 00) [476] باب الإسلام نسخ ما قبله من شرائع سؤال: ... اليوم مع بعض الإخوة: ذكرنا النصارى واليهود والكتب السماوية، فقلت لهم: أنا ما أعرفه هم كفرة، فقال: هم أصحاب كتب سماوية، قلت له: نعم هم أصحاب كتب سماوية، ائتني بالكتاب الأصلي، لأن الإسلام جب ما قبله، هل هذا كلامي خاطئ، أم كان صواب؟ الشيخ: صواب يقابله خطأ، ليس "خاطئ"، خاطئ يعني المذنب. أنا أقول: أخطأت بعضاً وأصبت بعضاً، لأنك قلت: هات الكتب السماوية التي أنزلت، ما في حاجة، لو كانت موجودة كما أنزلت فقد نسخت بشريعة محمد عليه السلام، الكلام الأخير الذي لك هو الصواب، يعني: شريعة الإسلام نسخت الشرائع السابقة حتى لو كانت كما أنزلت، وكيف وهي محرفة كما أنت أشرت في كلامك، وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ذات يوم في يد عمر بن الخطاب صحيفة يقرأ فيها، قال: ما هذا؟ قال: هذه صحيفة كتبها لي رجل من اليهود، فقال عليه الصلاة والسلام مغضباً: أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى، والذي نفس محمد بيده لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي. فلو كانت صحف إبراهيم وموسى كما أنزلها الله على إبراهيم وموسى بعينها غير محرفة ولا مبدلة لم يجز لليهود ولا للنصارى إلا أن يتبعوا نبينا صلوات الله

[477] باب هل تسمى اليهودية والنصرانية وغيرها بالديانات؟

وسلامه عليه، لذلك الآيات التي تعرفونها بالقرآن والتي منها: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107) فدعوة الرسول عليه السلام دعوة عامة ليست خاصة بالعرب كما يدعي اليهود قديماً وحديثاً، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من رجل من هذه الأمة -أمة الدعوة- من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار»، «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي -يعني: بالرسول عليه السلام وبدعوته- ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار». ولذلك فمن يقول أن هؤلاء أهل كتاب، الجواب من ناحيتين: أولاً: أهلُ كتابٍ محرف، وثانياً كما سمعت أخيراً ـ: لو كان غير محرف لوجب اتباع الرسول، لأن موسى لو كان حياً لوجب عليه اتباع الرسول، عيسى عليه السلام حينما ينزل في آخر الزمان يحكم بشريعة الإسلام، لأن شريعة الإنجيل ألغيت ونسخت بشريعة الإسلام. "الهدى والنور" (261/ 51: 30: 00) [477] باب هل تسمى اليهودية والنصرانية وغيرها بالديانات؟ سؤال: [سئل الإمام عن اليهودية والنصرانية] تسميتنا لها ديانات ... ، يعني بمعنى الشرائع: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} (آل عمران:19)،هكذا المقصود يعني؟ الشيخ: أنت تذكر معي قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} (آل عمران:19)، فهل تفهم أن الإسلام الذي جاء به الأنبياء كلهم هو الدين أم لا؟ الملقي: نعم.

[478] باب هل يقبل الله تعالى من الناس دينا غير الإسلام؟

الشيخ: طيب، فإذاً الإسلام ليس هو إسلامنا فقط، بل هو إسلام الذين كانوا من قبلنا، فإذا كان الدين الإسلام الآن فهو كذلك في قديم الزمان، فهي أيضاً أديان، وكلها يجمعها الإسلام. الملقي: الدين يعني بمعنى شرائع؟ الشيخ: شو معنى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]؟ الملقي: يعني بمعنى الاعتقاد ... الشيخ: إيه، هذا المعنى نفسه اللي عندنا الآن هو في ذاك الزمان. "الهدى والنور" (530/ 18: 35: 00) [478] باب هل يقبل الله تعالى من الناس ديناً غير الإسلام؟ [سئل الإمام]: كيف نوفق بين هاتين الآيتين {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (آل عمران85) , وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (المائدة69)؟ [فأجاب رحمه الله بقوله]: لا تعارض بين الآيتين كما يوهم السؤال, وذلك لأن آية الإسلام هي بعد أن تَبلُغَ دعوةُ الإسلامِ أولئك الأقوام الذين وصفهم الله عزوجل في الآية الثانية {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وذكر منهم الصابئة, والصابئة حينما يذكرون يسبق إلى الذهن أن المقصود بهم: عُباد الكواكب لكنهم -في الحقيقة- كل قوم وقعوا في الشرك بعد أن كانوا من أهل التوحيد فالصابئة كانوا موحدين, ثم عرض لهم الشرك وعبادة الكواكب, فالذين ذُكروا في هذه الآية

هم المؤمنون منهم الموحدون, فهؤلاء قبل مجيء دعوة الإسلام هم كاليهود والنصارى, وهم ذُكروا أيضاً في نفس السياق الذي ذُكر فيه الصابئة فهؤلاء مَنْ كان منهم متمسكاً بدينه في زمانه, فهو من المؤمنين {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. ولكن بعد أن بعث الله عزوجل محمداً عليه الصلاة والسلام بدين الإسلام, وبلغت دعوة هذا الإسلام أولئك الناس من يهود ونصارى وصابئة, فلا يقبل منه إلا الإسلام. إذاً قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا} أي: بعد مجيء الإسلام على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام, وبلوغ دعوة الإسلام إليه, فلا يُقبل منه إلا الإسلام. وأما الذين كانوا قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام بالإسلام, أو الذين قد يوجدون اليوم على وجه الأرض ولم تبلغهم دعوة الإسلام أو بَلَغَتْهُمْ دعوةُ الإسلام ولكنْ بلغتهم محرفةً عن أساسها وحقيقتها, كما ذكرتُ في بعض المناسبات عن القاديانيين -مثلاً- الذين انتشروا في أوربا وأمريكا يدعون إلى الإسلام لكن هذا الإسلام الذين يدعون إليه ليس من الإسلام في شيء, لأنهم يقولون بمجيء أنبياء بعد خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام, فهؤلاء الأقوام -من الأوربيين والأمريكيين الذين دعوا إلى الإسلام القادياني, ولم تبلغهم دعوة الإسلام الحق-على قسمين: قسم منهم على دين سابق وهم متمسكون به, فعلى ذلك تحمل آية {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. وقسم انحرف عن هذا الدين -كما هو شأن كثير من المسلمين اليوم -فالحجة قائمة عليهم.

[479] باب مسمى الإيمان غير مسمى الإسلام

أما من لم تبلغهم دعوة الإسلام مطلقاً -سواء بعد الإسلام أو قبله-, فهؤلاء لهم معاملة خاصة في الآخرة, وهي أن الله عزوجل يبعث إليهم رسولاً يمتحنهم - كما امتحن الناس في الحياة الدنيا - فمن استجاب لذلك الرسول في عرصات يوم القيامة وأطاعه دخل الجنة, ومن عصاه دخل النار (¬1). "كيف يجب علينا أن نفسر القرآن" (ص21 - 23). [479] باب مسمى الإيمان غير مسمى الإسلام [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص». [قال الإمام]: وفي الحديث أيضاً إشارة إلى أن مسمى الإسلام غير الإيمان، وقد اختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيراً، والحق ما ذهب إليه جمهور السلف من التفريق بينهما لدلالة الكتاب والسنة على ذلك فقال تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} وحديث جبريل في التفريق بين الإسلام والإيمان معروف مشهور، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب " الإيمان " (ص 305 طبع المكتب الإسلامي). "والرد إلى الله ورسوله في مسألة الإسلام والإيمان يوجب أن كلا من الاسمين وإن كان مسماه واجباً، ولا يستحق أحد الجنة إلا بأن يكون مؤمناً مسلماً، فالحق في ذلك ما بينه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث جبريل، فجعل الدين وأهله ثلاث ¬

(¬1) الصحيحة (2468). (منه).

[480] باب منه

طبقات: أولها الإسلام، وأوسطها الإيمان، وأعلاها الإحسان، ومن وصل إلى العليا، فقد وصل إلى التي تليها، فالمحسن مؤمن، والمؤمن مسلم وأما المسلم فلا يجب أن يكون مؤمناً". ومن شاء بسط الكلام على هذه المسألة مع التحقيق الدقيق فليرجع إلى الكتاب المذكور، فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع. "الصحيحة" (1/ 1/288، 290). [480] باب منه [قال الإمام]: الحقيقة التي لا تخفى على عالم أن هناك فرقاً بين الإسلام وبين الإيمان، وبينهما كما يقول الفقهاء: عموم وخصوص، أي: كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن، لماذا؟ لأن الإيمان هو الاعتقاد فهو أمر قلبي، أما الإسلام وهو أمر عملي ظاهر .. أما الإسلام فعمل ظاهري، عمل الجوارح ... ، الإيمان قلبي باطني غير ظاهر، أما الإسلام فهو ظاهري عملي فيظهر، فقد يمكن أن يُسْلِمَ بعض الناس لمصلحة شخصية، هذه المصلحة تتغير وتختلف باختلاف الزمان والمكان، في الزمن الأول: زمن قوة الإسلام التي نبع منها تشريع خاص من ذلك قوله عليه السلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم وحسابهم على الله» فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا بها دمائهم وأموالهم، إذا قالوها عن عقيدة .. عن إيمان .. أو عن خوف

[481] باب منه

قتل .. خوف دفع جزية أو ما شابه ذلك؟ لذلك كان الإسلام غير الإيمان، فالإسلام عمل ظاهري، والإيمان عمل باطني " الهدى والنور" (170/ 15: 48: 00) [481] باب منه [قال الإمام]: [ادعى بعضهم أنه] يقع كثيراً في القرآن وفي السنة [أن] يعطف بالشيء على الشيء، ويراد بالتالي نفس الأول كما في قوله: {إن المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات}، فغاير بينهما بحرف العطف، ومعلوم أن المسلمين هم المؤمنون، والمؤمنين هم المسلمون ". فأقول: هذا غير معلوم، بل العكس هو الصواب، كما شرح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه، وبخاصة منها كتابه " الإيمان "، ولذلك قال في " مختصر الفتاوى المصرية " (ص586): " الذي عليه جمهور سلف المسلمين: أن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، فالمؤمن أفضل من المسلم، قال تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} ". فالآية كما ترى حجة عليه، ويؤيد ذلك تمامها: {القانتين والقانتات ... } الآية: فإن من الظاهر بداهة أنه ليس كل مسلم قانتاً! "الصحيحة" (6/ 1/367). [482] باب هل حب الوطن من الإيمان؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]:

[483] باب منه

«حب الوطن من الإيمان». (موضوع). [قال الإمام]: ومعناه غير مستقيم إذ إن حب الوطن كحب النفس والمال ونحوه، كل ذلك غريزي في الإنسان لا يمدح بحبه ولا هو من لوازم الإيمان، ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب لا فرق في ذلك بين مؤمنهم وكافرهم؟! "الضعيفة" (1/ 110). [483] باب منه الشيخ: الجملة اللي هي شائعة بين الناس إن الرسول قال: «حب الوطن من الإيمان». هذا كلام ما أنزل الله به من سلطان. إذن الرسول ما صح عنه أنه قال: حب الوطن من الإيمان. نرجع بقى نقول: سؤال فقهي، سؤال فقهي بعد ما طهرنا الأذهان من كون الرسول قال: «حب الوطن من الإيمان». هل صحيح أن حب الوطن من الإيمان أم يجوز حب الوطن؟ في فرق: شيء يجوز وشيء له علاقة بالإيمان، أي شيء له علاقة بالإيمان فهو مستحب وأنت صاعد حتى يصير فرضاً، صح ولا لا؟ لكن الأمر الجائز سواء عليك فعلته أو تركته. حب الوطن أمر غريزي، حب الوطن أمر غريزي، مثل حب الحياة، ومثل كراهية الموت، فالإنسان الذي يحب الحياة لا يمدح ولا يذم لكن يمدح ويذم

باعتبار ما يتعلق بحياته كما قال عليه الصلاة والسلام: «خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء عمله» (¬1). فإذن حب الوطن أمر غريزي في الناس؛ ولذلك قال تعال في حق اليهود: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ} (النساء:66) لماذا؟ لأن الإنسان يتعلق بوطنه، فالتعلق بالوطن أمر غريزي، أمر طبيعي، ولكن حب الوطن لا لذاته، لا لأن أرضك فلسطين، فأنت بتحب فلسطين ديناً، لا، بحت أصوات الدعاة الإسلاميين بالتفاخر أن من كمال الإسلام وعظمته أن كل بلاد الإسلام هو وطن واحد، صح ولَّا لا؟ هذا من الناحية الإسلامية، أما من الناحية الغريزية الطبيعية المفطورة، الواحد مش بيحب الوطن فلسطين، بيحب البلدة التي ولد فيا، بيحب الحارة، المحلة التي ولد فيها، هذا له علاقة يا أخي بالإيمان؟ هذا له علاقة بطبيعة الإنسان، ولذلك فيجب أن نفرق بين كون حب الشيء غريزة، طبيعة، فطرة، وبين كون الشيء من الإيمان. ظهر لك الفرق الآن؟ آه ... بدي أرجع أنا لحديثك، صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما عزم على الهجرة من مكة إلى المدينة توجه إلى مكة وقال: أما إنك انتبه بقية الحديث أيش يختلف الأمر عن المعنى اللي دار في ذهنك خطأ، خطأ، الحديث ليس له علاقة بحب الوطن أي وطن، كان له علاقة بحب خير بلاد الله، قال عليه السلام: «إنك أحب بلاد الله إلي الله وأحب بلاد الله إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت» (¬2)، ليه؟ لأنه وطنه؟ لا؛ لأنه خير بلاد الله، ولأن هذه مكة أحب البلاد الله إلى الله، بالتالي أحب بلاد الله إلى رسول الله. ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم3297). (¬2) "صحيح الجامع" (رقم7089).

[484] باب المؤمن كلما كان أقوى إيمانا ازداد ابتلاء

فإذن هذا الكلام لا يطبق على كل بلاد الدنيا. فمثلاً لا يجوز لمسلم-نضربها كما يقولون: علاوية-أُخْرِجَ من بلده مصر مكرهاً بيلتفت بيقول: أما إنك من أحب بلاد الله إلى الله، وأحب بلاد الله إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت؟ ما بيجوز هذا الكلام، فأنت يا أخي فبارك الله فيك، العلم نور، فلا يجوز للإنسان المسلم أن يتكلم بغير علم لأن الله عز وجل يقول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36). "الهدى والنور" (527/ 06: 12: 00) [484] باب المؤمن كلما كان أقوى إيماناً ازداد ابتلاءً [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب (وفي رواية: قدر) دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه, وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة». [وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر، حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة التي يحويها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء». [وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن من أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين

[485] باب الفرق بين العقيدة والإيمان

يلونهم». [ترجم الإمام لهذه الأحاديث بقوله: «من أشد الناس بلاءً» فذكرها مع تخريجها ثم قال]: وفي هذه الأحاديث دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيماناً، ازداد ابتلاءً وامتحاناً، والعكس بالعكس، ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة ونحوها أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى! وهو ظن باطل، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو أفضل البشر، كان أشد الناس حتى الأنبياء بلاء، فالبلاء غالباً دليل خير، وليس نذير شر، كما يدل على ذلك أيضا الحديث الآتي: " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ". "الصحيحة" (1/ 1/273 - 276). [485] باب الفرق بين العقيدة والإيمان سؤال: يا شيخنا ما الفرق بين العقيدة والإيمان؟ الشيخ: ما في فرق، كلمة الإيمان هي المستعملة في السنة والقرآن، العقيدة تعبير للعلماء عن هذا الإيمان. " الهدى والنور" (57/ 09: 27: 01)

[486] باب الإيمان: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان وهو يزيد وينقص والرد على من أنكر ذلك

(تعريف الإيمان) [486] باب الإيمان: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان وهو يزيد وينقص والرد على من أنكر ذلك [وصف أبوغدة شارحَ الطحاوية أبن أبي العز بالإمامة، فأراد الإمام الألباني إلزامه ببعض أهم المسائل العقدية التي قررها الشارح في عقيدته والتي يعلم الشيخ الألباني إنكار أبي غدة أو شيخه الكوثري لها فقال الإمام:] قلت: فإذا كان أبو غدة مؤمناً حقاً بهذه الإمامة الملموسة المشهورة فأنا أختار له من كلام هذا الإمام سبع مسائل, فإن أجاب عنها بما يوافق ما ذهب إليه هذا الإمام المشهور من قلبٍ مخلصٍ فذلك ما نرجوه, وأعتذر إليه من إساءة الظن به, وإن كانت الأخرى فذلك مما يؤيد - مع الأسف- ما رميته به من المداراة. [فذكر أربع مسائل ثم قال:] المسألة الخامسة: يقول "الإمام" [أي: أبن أبي العز] تبعاً للأئمة مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهوية وسائر أهل الحديث وأهل المدينة: إن الإيمان هو تصديق بالجنان, وإقرار باللسان, وعمل بالأركان. وقالوا: يزيد وينقص. وشيخك تعصباً لأبي حنيفة يخالفهم مع صراحة الأدلة التي تؤيدهم من

الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح رضي الله عنهم, بل ويغمز منهم جميعاً مشيراً إليهم بقوله في "التأنيب" (ص 44 - 45) إلى "أناس صالحون" يشير أنهم لا علم عندهم فيما ذهبوا إليه ولا فقه, وإنما الفقه عند أبي حنيفة دونهم, ثم يقول: إنه الإيمان والكلمة, وإنه الحق والصراح. وعليه فالسلف وأولئك الأئمة الصالحون (!) هم عنده على الباطل في قولهم: بأن الأعمال من الإيمان, وأنه يزيد وينقص. وقد نقل أبو غدة كلام شيخه الذي نقلنا موضوع الشاهد منه, نقله بحرفه, في التعليق على "الرفع والتكميل" (ص 67 - 69) , ثم أشار إليه في مكان آخر منه ممجداً به ومكبراً له بقوله (ص 218): وانظر لزاماً ما سبق نقله تعليقاً فإنك لا تظفر بمثله في كتاب ثم أعاد الإشارة إليه (ص 223) مع بالغ إعجابه به. وظني به أنه يجهل - أن هذا التعريف للإيمان الذي زعم شيخه أنه الحق الصراح - مع ما فيه من المخالفة لما عليه السلف كما عرفت, مخالف لما عليه المحققون من علماء الحنفية أنفسهم الذين ذهبوا إلى: أن الإيمان هو التصديق فقط ليس معه الإقرار! كما في "البحر الرائق" لابن نجيم الحنفي (5/ 129) , والكوثري في كلمته المشار إليها يحاول فيها أن يصور للقارئ أن الخلاف بين السلف والحنفية في الإيمان لفظي, يشير بذلك إلى أن الأعمال ليست ركناً أصلياً, ثم يتناسى أنهم يقولون بأنه يزيد وينقص, وهذا ما لا يقول به الحنفية إطلاقاً, بل إنهم قالوا في صدد بيان الألفاظ المكفرة عندهم: وبقوله: الإيمان يزيد وينقص كما في "البحر الرائق" - "باب أحكام المرتدين"! فالسلف على هذا كفار عندهم مرتدون!! راجع شرح الطحاوية (ص 338 - 360) و"التنكيل" (2/ 362 - 373) الذي كشف عن مراوغة الكوثري في هذه المسألة.

وليعلم القارئ الكريم أن أقل ما يقال في الخلاف المذكور في المسألة أن الحنفية يتجاهلون أن قول أحدهم - ولو كان فاسقاً فاجراً -: أنا مؤمن حقاً, ينافي مهما تكلفوا في التأويل - التأدب مع القرآن ولو من الناحية اللفظية على الأقل الذي يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}. فليتأمل المؤمن الذي عافاه الله تعالى مما ابتلى به هؤلاء المتعصبة, من هو المؤمن حقاً عند الله تعالى, ومن هو المؤمن حقاً عند هؤلاء؟! "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 57 - 58)

جماع أبواب أركان الإيمان

جماع أبواب أركان الإيمان

[487] باب قول القلب وعمله ركن في الإيمان والرد على غلاة المرجئة في ذلك

(قول القلب وعمله) [487] باب قول القلب وعمله ركن في الإيمان والرد على غلاة المرجئة في ذلك [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «حضر ملك الموت عليه السلام رجلاً يموت فلم يجد فيه خيراً، وشق عن قلبه فلم يجد فيه شيئاً، ثم فك عن لحييه فوجد طرف لسانه لاصقاً بحنكه يقول: لا إله إلا الله، فغفر الله له بكلمة الإخلاص». (منكر). [قال الإمام]: ثم إن الحديث منكر عندي يناقض بعضه آخره، لأن قوله: لا إله إلا الله، لا ينفعه ما دام لم يوجد في قلبه شيء من الإيمان إلا على مذهب بعض المرجئة الغلاة الذين لا يشترطون مع القول الإيمان القلبي. فتأمل. "الضعيفة" (6/ 99، 101).

[488] باب العمل سبب لابد منه لدخول الجنة

(عمل الجوارح وموقعها من الإيمان) [488] باب العمل سبب لابد منه لدخول الجنة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة [ولا ينجيه من النار]، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا -[وأشار بيده هكذا على رأسه:]-إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة، [مرتين أو ثلاثا] [فسددوا وقاربوا] [وأبشروا] [واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا] [واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل]». [قال الإمام]: واعلم أن هذا الحديث قد يشكل على بعض الناس، ويتوهم أنه مخالف لقوله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} ونحوها من الآيات والأحاديث الدالة على أن دخول الجنة بالعمل، وقد أجيب بأجوبة أقربها إلى الصواب: أن الباء في قوله في الحديث: " بعمله " هي باء الثمنية، والباء في الآية باء السببية، أي أن العمل الصالح سبب لابد منه لدخول الجنة، ولكنه ليس ثمنا لدخول الجنة، وما فيها من النعيم المقيم والدرجات ... "الصحيحة" (6/ 1/195، 198). [489] باب الإيمان بدون عمل لا يفيد [قال الإمام]: إن الإيمان بدون عمل لا يفيد؛ فالله عز وجل حينما يذكر الإيمان يذكره

[490] باب لا يمكن تصور صلاح القلوب إلا بصلاح الأعمال، وبيان أن تفاضل العباد في الدرجات في الجنة إنما هو بالنسبة للأعمال الصالحة كثرة وقلة

مقرونًا بالعمل الصالح؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله تخيلاً، آمن من هنا، قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله، ومات من هنا، هذا نستطيع أن نتصوره، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويعيش دهره مما شاء الله ولا يعمل صالحاً؛ فعدم عمله الصالح هو دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح. "شرح الأدب المفرد، الشريط السادس، الوجه الأول"بواسطة"الإيمان عند السلف" [490] باب لا يمكن تصور صلاح القلوب إلا بصلاح الأعمال، وبيان أن تفاضل العباد في الدرجات في الجنة إنما هو بالنسبة للأعمال الصالحة كثرةً وقلة [قال الإمام في مقدمة تحقيقه على رياض الصالحين تحت عنوان "فوائد متفرقة"]: الحديث (8) "وعن أبى هريرة ... إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ,ولكن ينظر إلى قلوبكم. رواه مسلم " قلت: وزاد مسلم وغيره في رواية:"وأعمالكم "، وهو مخرج في " غاية المرام في تخريج الحلال والحرام " (410).وهذه الزيادة هامة جدًّا؛ لأن كثيرًا من الناس يفهمون الحديث بدونها فهمًا خاطئًا، فإذا أنت أمرتهم بما أمرهم به الشرع الحكيم من مثل إعفاء اللحية، وترك التشبه بالكفار، ونحو ذلك من التكاليف الشرعية، أجابوك بأن العمدة على ما في القلب، واحتجوا على زعمهم بهذا الحديث، دون أن يعلموا بهذه الزيادة الصحيحة الدالة على أن الله تبارك

وتعالى ينظر أيضًا إلى أعمالهم، فإن كانت صالحة قبلها وإلا ردها عليهم كما تدل على ذلك عديد من النصوص كقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" والحقيقة أنه لا يمكن تصور صلاح القلوب إلا بصلاح الأعمال، ولا صلاح الأعمال إلا بصلاح القلوب. وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل بيان في حديث النعمان بن بشير: " .... ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، إذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب " (الحديث593). وحديثه الآخر:" لتسوُّنَّ صفوفكم أوليخالفن الله بين وجوهكم".أي قلوبكم (الحديث1096). وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال". وهو وارد في الجمال المادي المشروع خلافا لظن الكثيرين .. وإذا عرفت هذا , فمن أفحش الخطأ الذي رأيته في هذا الكتاب: "الرياض" في جميع نسخه المخطوطة والمطبوعة التي وقفت عليها، أن الزيادة المذكورة قد استدركها المصنف - رحمه الله تعالى- في الحديث (1578) لكن قلمه أو قلم كاتبه انحرف بها فوضعها في مكان مفسد للمعنى. فوقعت فيه هكذا:" .... ولا إلى صوركم وأعمالكم , ولكن ينظر ... " وانطلى ذلك على جميع الطابعين والمصححين والمعلقين، ولا أستثنى من ذلك مصححي الطبعة المنيرية ولا غيرها. بل لقد انطلى أمرها على الشارح ابن علان نفسه , فشرح الحديث على القلب! فقال: (4/ 406): "أي أنه تعالى لا يرتب الثواب على كبر الجسم , وحسن الصورة، وكثرة العمل"! وهذا الشرح مما لايخفى بطلانه لأنه مع منافاته للحديث في نصه الصحيح , معارض للنصوص الكثيرة من الكتاب والسنة الدالة على أن تفاضل العباد في الدرجات في الجنة إنما هو بالنسبة للأعمال الصالحة

[491] باب العمل الصالح سبب لدخول الجنة

كثرة وقلة. من ذلك قوله تعالى: [وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا] {الأنعام:132}.وقوله في الحديث القدسي:" ..... يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله ..... " الحديث (133).وكيف يعقل أن لا ينظر الله إلى العمل كالأجساد والصور , وهو الأساس في دخول الجنة بعد الإيمان كما قال تعالى: [ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)]. {النحل الآية:32)}. فتأمل كم يبعد التقليد أهله عن الصواب , ويلقى بهم في وادٍ من الخطأ سحيق. وما ذلك إلا لإعراضهم عن دراسة السنة في أمهات كتبها المعتمدة المصححة , والله المستعان. "تحقيق رياض الصالحين" (ص21 - 23). [491] باب العمل الصالح سبب لدخول الجنة [قال الإمام]: الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء سببًا، فالعمل الصالح سبب لدخول الجنة، والعمل السيئ سبب لدخول النار. "الضعيفة" (11/ 1/516). [492] باب الرد على من أخرج العمل من مسمى الإيمان وبيان أن الخلاف بين أهل السنة وبين الحنفية والماتريدية حقيقيًّا لا صورياًّ -[قال الإمام معلقا على قول صاحب الطحاوية]:"والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان":

هذا مذهب الحنفية والماتريدية خلافاً للسلف وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق: العمل بالأركان. وليس الخلاف بين المذهبين اختلافاً صورياًّ كما ذهب إليه الشارح رحمه الله تعالى بحجة أنهم جميعا اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان وأنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. فإن هذا الاتفاق وإن كان صحيحاً فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفةً حقيقيةً في إنكارهم أن العمل من الإيمان لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته بالطاعة ونقصه بالمعصية مع تضافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفية على ذلك وقد ذكر الشارح طائفة طيبة منها (ص 384 - 387) ولكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنقصان وتكلفوا في تأويلها تكلفاً ظاهراً بل باطلاً ذكر الشارح (ص 385) [342] نموذجاً منها بل حكى عن أبي المعين النسفي أنه طعن في صحة الحديث " الإيمان بضع وسبعون شعبة ... " مع احتجاج كل أئمة الحديث به ومنهم البخاري ومسلم في " صحيحيهما " وهو مخرج في " الصحيحة " (1769) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم. ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صوريًّا؛ وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول: إيماني كإيمان أبي بكر الصديق بل كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبريل وميكائيل عليهم الصلاة والسلام، كيف وهم بناءً، على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم - مهما كان فاسقاً فاجراً - أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، بل يقول: أنا مؤمن حقاً، والله عز وجل يقول: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين

[493] باب رد قول من أخرج الأعمال من الإيمان

يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا} (الأنفال:2 - 4) {ومن أصدق من الله قيلاً} (النساء:22). وبناء على ذلك كله اشتطوا في تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالمرأة الشافعية وتسامح بعضهم - زعموا - فأجاز ذلك دون العكس وعلل ذلك بقوله: تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب. وأعرف شخصاً من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية فأبى قائلا: ... لولا أنك شافعي! فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي؟ ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: " الإيمان " فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع. "التعليق على متن الطحاوية" (ص66 - 69). [493] باب رد قول من أخرج الأعمال من الإيمان [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم وهو مؤمن». [قال الإمام]: الحقيقة أن الحديث وإن كان مؤولاً، فهو حجة على الحنفية الذين لا يزالون مصرين على مخالفة السلف في قولهم بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فالإيمان

[494] باب الاعتقاد بأن الإيمان مجرد التصديق دون الأعمال من أقبح الغلط وأعظمه

عندهم مرتبة واحدة، فهم لا يتصورون إيماناً ناقصاً، ولذلك يحاول الكوثري رد هذا الحديث، لأنه بعد تأويله على الوجه الصحيح يصير حجة عليهم، فإن معناه: " وهو مؤمن إيماناً كاملاً ". قال ابن بطال: " وحمل أهل السنة الإيمان هنا على الكامل، لأن العاصي يصير أنقص حالاً في الإيمان ممن لا يعصي " ذكره الحافظ (10/ 28). ومثله ما نقله (12/ 49) عن الإمام النووي قال: " والصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، هذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء، والمراد نفي كماله، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا ما نيل، ولا عيش إلا عيش الآخرة ". ثم أيده الحافظ في بحث طويل ممتع، فراجعه. ومن الغرائب أن الشيخ القاري مع كونه حنفيّاً متعصبا فسر الحديث بمثل ما تقدم عن ابن بطال والنووي، فقال في " المرقاة " (1/ 105): " وأصحابنا تأولوه بأن المراد المؤمن الكامل .. "، ثم قال: "على أن الإيمان هو التصديق، والأعمال خارجة عنه "! فهذا يناقض ذاك التأويل. فتأمل. "الصحيحة" (6/ 2/1269، 1276 - 1277). [494] باب الاعتقاد بأن الإيمان مجرد التصديق دون الأعمال من أقبح الغلط وأعظمه [نقل الإمام كلاماً لابن القيم في ذلك مقرراً فقال]: قال بعض المحققين: (المطلوب في المسائل العملية أمران: العلم والعمل، والمطلوب في العلميات العلم والعمل أيضاً، وهو حب القلب وبغضه، حبه للحق الذي دلت عليه وتضمنته، وبغضه للباطل الذي يخالفها، فليس العمل مقصوراً

[495] باب الإيمان الذي وقر في القلب لا بد من أن يظهر على البدن والجوارح

على عمل الجوارح، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح، وأعمال الجوارح تبع، فكل مسألة علمية، فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه، وذلك عمل بل هو أصل العمل. وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال! وهذا من أقبح الغلط وأعظمه، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غير شاكين فيه، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب، من حب ما جاء به، والرضا به وإرادته، والموالاة له والمعاداة عليه. فلا تهمل هذا الموضوع، فإنه مهم جداً، به تعرف حقيقة الإيمان، فالمسائل العلمية عملية، والمسائل العملية علمية، فإن الشارع لم يكتفِ من المكلفين في العمليات بمجرد العمل دون العلم، ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل" (¬1). "وجوب الأخذ بحديث الآحاد" (ص26 - 27). [495] باب الإيمان الذي وقر في القلب لا بد من أن يظهر على البدن والجوارح [قال الإمام]: العمل بالإيمان عمل قلبي ليس كما يظن بعض الناس أنه لا علاقة له بالعمل، لا الإيمان أولاً، لا بد من أن يتحرك القلب بالإيمان بالله ورسوله، ثم لا بد أن يقترن مع هذا الإيمان الذي وقر في القلب أن يظهر .. على البدن والجوارح، ¬

(¬1) «الصواعق» (2/ 420 - 421) [منه].

[496] باب أهمية العمل وخطر التواكل

لذلك فقوله تبارك وتعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل:32)، نص قاطع صريح بأن دخول الجنة ليس بمجرد الأماني كما قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (النساء:123)، من يعمل خيراً يجز به، من يعمل سوءاً يجز به، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} (الزلزلة:8). "الهدى والنور" (11ب/ 00:07:24) [496] باب أهمية العمل وخطر التواكل [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: - «كان فيمن كان قبلكم رجل مسرف على نفسه، وكان مسلماً، كان إذا أكل طعاماً طرح تفالة طعامه على مزبلة، فكان يأوي إليها عابد، فإن وجد كسرة أكلها وإن وجد بقلة أكلها، وإن وجد عرقاً تعرقه .... (الحديث وفيه): فأمر الله عز وجل بذلك الملك فأخرج من النار جمرة ينفض فأعيد كما كان، فقال: يا رب هذا الذي كنت آكل من مزبلته قال: فقال الله عز وجل: خذ بيده فأدخله الجنة من معروف كان منه إليك لم يعلم به، أما لو علم به ما أدخلته النار». (باطل). [قال الإمام]: وإن مثل هذا الحديث ليفتح باباً كبيراً على الناس من التواكل والتكاسل عن القيام بما أمر الله به، والانتهاء عما نهى عنه، والاعتماد على الأعمال العادية التي لا يقصد بها التقرب إلى الله، متعللين بأنه عسى أن ينتفع بها بعض الناس فيغفر الله لنا!! "الضعيفة" (2/ 289 - 291).

[497] باب التفاضل يكون بالإيمان والعمل الصالح

[497] باب التفاضل يكون بالإيمان والعمل الصالح [قال الإمام]: من المقطوع به شرعاً أن التفاضل إنما يكون بالايمان والعمل الصالح وليس بالحسب والنسب. "الصحيحة" (7/ 1/645). [498] باب المدح والقدح للإنسانإنما يكونان على العمل الصالح [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إنما الأسود لبطنه وفرجه». (موضوع). [قال الإمام]: [الحديث] باطل ظاهر البطلان؛ لمخالفته لما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام أن المدح والقدح ليس على اللون والجنس؛ وإنما على العمل الصالح؛ [إن أكرمكم عند الله أتقاكم] [13/ الحجرات]، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى». "الضعيفة" (7/ 202 - 203). [499] باب العمل على قدر العلم بالله [عن] عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: أتيت رسول الله وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء. (صحيح).

[500] باب بيان أن العمل الصالح من الإيمان

[قال الإمام]: أي غليان كغليان القدر. وهذا دليل على كمال خوفه - صلى الله عليه وآله وسلم - من ربه، ومعلوم أن العمل على قدر العلم والمعرفة، وهو - صلى الله عليه وآله وسلم - سيد العارفين بالله ... "مختصر الشمائل" (ص 169). [500] باب بيان أن العمل الصالح من الإيمان [سئل الشيخ عمن يقول: لا يجوز للإنسان أن يقول: أنا مؤمن، بل يقول: أنا مسلم، فأجاب رحمه الله]: فإذا عرفنا هذه الحقيقة وهي منصوص عليها في كتاب الله وفي أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في نصوص كثيرة من أشهرها قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا} (الحجرات:14) أتى الأمر الإلهي: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ في قُلُوبِكُمْ} (الحجرات:14) هؤلاء أسلموا يعني: تظاهروا بأنهم يشهدوا أن لا إله إلا الله .. يقوموا إلى الصلاة، ولكن ربنا علم منهم أن الإيمان لم يدخل إلى قلوبهم، فهؤلاء مسلمون، أي: قد يكونون منافقين في قلوبهم لكن مسلمون في أعمالهم. ولذلك فمن كان مؤمناً حقيقةً في قلبه فهو مسلم ولا شك، والعكس، أي: ليس كل مسلم مؤمن؛ لذلك أنا استنكرت قول ذلك الشاب: أنه أنت عندما تقول: أنا مؤمن .. لا، أنت مسلم ما لك مؤمن، فلما قال لك ذاك الإنسان: أنك أنت لست مؤمناً أنت مسلم كنت مستحسن أنك تعكس عليه السؤال: فأنت مؤمن أو مسلم؟ إذا قال: لا، أنا مؤمن، طيب! ما الفرق بيني وبينك؟ لماذا تنكر علي قولي: أنا مؤمن؟

هو الواقع بدا لي من هذا السؤال ومن بعض المناقشات التي جرت بينك وبينه أن هذا سامع كلمات، وجد كلمات من بعض المحاضرات أو بعض الدروس وليس مستوعبها، يوجد عند علماء السلف هذا الحديث، أنه إذا سئل الإنسان: «هل أنت مؤمن»؟ يقول: «أنا مؤمن إن شاء الله»، بينما أناس آخرين يقولوا: «لا، لا تقل: إن شاء الله، قل: أنا مؤمن اجزم»، وجهة نظر الذي يقول: «أنا مؤمن إن شاء الله»؛ ليس هو الشك في إيمانه، أنا وأنت كلُّ أحدٍ منا يعرف نفسه أنه مؤمن بالله ورسوله وما جاء في كتاب الله وسنة رسوله. فلما المسلم حقاً يسأل مثل هذا السؤال: المنهج السلفي يقول له: لا تقل: «أنا مؤمن» جزماً وحقاً، لكن قل: «أنا مؤمن إن شاء الله»، لماذا؟ لأن الإيمان ليس هو مجرد الاعتقاد، وإنما يضاف إليه العمل الصالح؛ لذلك: إذا ذكر الله الإيمان قرن معه العمل الصالح: {وَالْعَصْرِ} [العصر:1] {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3]. ولذلك من المقرر عند علماء السلف أن العمل الصالح من الإيمان، بينما الذين يسمون بالماتريدية هؤلاء يقولون: لا، العمل الصالح لوحده، والإيمان وحده، أي: العمل الصالح ليس له علاقة بالإيمان، عرفت؟ هكذا يقولوا، وهذا بلا شك خطأ، ويبنون على هذا الخطأ خطأ ثان، وهو: هذا الماتريدي إذا سئل: هل أنت مؤمن؟ يقول لك: أنا مؤمن حقاً، لماذا؟ لأنه يتكلم على العقيدة لا يعني العمل الصالح؛ لأنه يقول هكذا: الإيمان ليس له علاقة بالعمل الصالح، صحيح العمل الصالح فرض واجب لكن لا يدخل في مسمى الإيمان، بينما عند الجمهور: الإيمان من معانيه العمل الصالح، من هنا يختلف الجواب، هل الذي يقول:

الإيمان هو الاعتقاد الجازم فيسأل: يقول: «أنا مؤمن حقاً»، أما الذي يعتقد أن من الإيمان العمل الصالح يقول لك: «أنا مؤمن إن شاء الله»؛ لأنه لا يعرف أنه قائم بحق هذا الإيمان أو لا. هذا الشاب يمكن سمع أن السلف لا يقولون: أنا مؤمن حقاً، يقولون: مؤمن إن شاء الله، ففسرها: أنه لا تقل: مؤمن مطلقاً، وإنما أقول: أنا مسلم، أنت تقدر تقول عن إنسان مسلم إذا شكيت في إيمانه! مثل المنافقين الذين كانوا في زمن الرسول، وما أظن هو يريد أن يتهمك بالنفاق، ولذلك كنت أستحسن جداً أنك تقول له: أنت مؤمن؟ هذا السؤال أنا أجبتك عليه، ما جوابك أنت عليه إذا أنا قلت لك: هل أنت مؤمن؟ فإذا قال لك: أنا مؤمن، معناه: كشفته أنه يتهمك بالنفاق، يعني: يقول لك: أنت كافر تظهر الإسلام، وإذا قال لك: أنا مسلم ولم يقل: أنا مؤمن، يتحقق أنه لا يفهم القضية، آخذ رؤوس أقلام من قول السلف: أنه أنا مؤمن إن شاء الله، إذاً: لن يقول أنا مؤمن. فأنت عندما قلت له: أنا مؤمن كنت مخطئ عنده، لكن ما الصواب؟ أنه لازم تقول: أنا مسلم، لا، الجواب الصحيح: أنا مؤمن إن شاء الله، أما إذا كنت قصدت أو فهمت من سؤال السائل: هل أنت تعتقد اعتقاد جازم بالإسلام والقرآن والسنة وإلى آخره، فقلت له: نعم، أنا مؤمن ما من مانع من هذا الجواب، لكن عندما يسأل سؤالاً مطلقاً: هل أنت مؤمن؟ الجواب السلفي: أنا مؤمن إن شاء الله، لأنه داخل في مسمى الإيمان العمل الصالح. هذا السائل: عندما سألك: هل أنت مؤمن؟ ما ندري ماذا قصد؟ فأنا أخشى ما أخشاه أحد شيئين وأحلاهما مر:

[501] باب أحوال العمل مع الإيمان

الشيء الأول: أنه يتهمك بالكفر، ولذلك سيقول لك: أنت لست مؤمناً، أنت مسلم. الشيء الثاني الذي يمكن يقصده: هو هذا المعنى الذي لا يقوله عالم؛ لأن السلفيين أتباع أهل الحديث يقولون: أنا مؤمن إن شاء الله، الماتريديين يقولوا: أنا مؤمن حقاً، فهو: لماذا ينكر هذه وينكر هذه؟ لذلك قال لك: قل: أنا مسلم، فيعاد عليه السؤال: أنك أنت سألتني كذا وقلت لي: لا، أنت لازم تقول: أنا مسلم، فأنت شو تقول .. يتبين حينئذ ما قصده بهذا السؤال. "الهدى والنور" (170/ 15: 48: 00). [501] باب أحوال العمل مع الإيمان [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «أبشروا وبشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة». [قال الإمام]: هذا وقد اختلفوا في تأويل حديث الباب وما في معناه من تحريم النار على من قال لا إله إلا الله على أقوال كثيرة ذكر بعضها المنذري في "الترغيب" (2/ 238) وترى سائرها في " الفتح". والذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر وبه تجتمع الأدلة ولا تتعارض، أن تحمل على أحوال ثلاثة: الأولى: من قام بلوازم الشهادتين من التزام الفرائض والابتعاد عن الحرمات، فالحديث حينئذ على ظاهره، فهو يدخل الجنة وتحرم عليه النار مطلقاً.

[502] باب هل الأعمال الواجبة شرط صحة في الإيمان؟

الثانية: أن يموت عليها، وقد قام بالأركان الخمسة ولكنه ربما تهاون ببعض الواجبات وارتكب بعض المحرمات، فهذا ممن يدخل في مشيئة الله ويغفر له كما في الحديث الآتي بعد هذا وغيره من الأحاديث المكفرات المعروفة. الثالثة: كالذي قبله ولكنه لم يقم بحقها ولم تحجزه عن محارم الله كما في حديث أبي ذر المتفق عليه: " وإن زنى وإن سرق ... " الحديث، ثم هو إلى ذلك لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله، فهذا إنما تحرم عليه النار التي وجبت على الكفار، فهو وإن دخلها، فلا يخلد معهم فيها بل يخرج منها بالشفاعة أو غيرها ثم يدخل الجنة ولابد، وهذا صريح في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه». وهو حديث صحيح كما سيأتي في تحقيقه إن شاء الله برقم (1932). والله سبحانه وتعالى أعلم. "الصحيحة" (3/ 297،299 - 300). [502] باب هل الأعمال الواجبة شرط صحة في الإيمان؟ عن أنس بن مالك قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال في الخطبة: «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له» [قال الإمام]: (صحيح لغيره). [وعلق على الحديث قائلاً]: قلت: فيه -كما ترجم له المؤلف-[أي الهيثمي في الموارد حيث ترجم له بقوله: باب فيما يخالف كمال الإيمان] رد صريح على بعض الجهلة الذين يقولون بأن الأعمال الواجبة شرط صحة في الإيمان, فإذا تركه كفر وخرج من الملة بزعمهم! ذلك لأن أداء الأمانة والوفاء بالعهد من الواجبات، ومع ذلك لا يوجد

[503] باب الإيمان الكامل يستلزم العمل

أحد من أهل العلم يقول بأنها شرط صحة؛ ما دام المخالف مؤمناً بالوجوب, معترفاً بذنبه غير مستكبر, فهل من معتبر؟! ويراجع لهذا رسالتي "حكم تارك الصلاة". "صحيح موارد الظمآن" (1/ 112). [503] باب الإيمان الكامل يستلزم العمل [قال الإمام]: الإيمان الكامل يستلزم العمل لكن الكمال ليس شرطاً في كل إيمان حتى ولو كان ذرة تنجيه من الخلود يوم القيامة في النار. "الهدى والنور" تحت (830/ 55: 38: 00). [504] باب الشهادة لا يبطلها الإخلال بشيء من أعمال الجوارح الواجبة [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ثلاثة لا يُقبل لهم شهادة أن لا إله إلا الله: الراكب والمركوب، والراكبة والمركوبة، والإمامُ الجائر». (موضوع). [قال الإمام]: ثم إنني أقول: هذا الحديث عندي موضوع باطل، ظاهر البطلان؛ لأنه مخالف لما عليه أهل السنة: أن الشهادة لا يبطلها الإخلال بشيء من أعمال

[505] باب بيان أن الموحد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفا لما يسلتزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال

الجوارح الواجبة؛ لقوله تعالى: {إن الله لا يغفرأن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، إلى غير ذلك من النصوص الثابتة التي يرد بها العلماء على أهل الأهواء؛ كالإباضية والخوارج، ومن جرى مجراهم، وضل ضلالهم من جهلة العصر الحاضر. فالعجب كيف خلت منه كتب الموضوعات، مثل "موضوعات ابن الجوزي "، و" اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي، و"ذيل الموضوعات " له؛ فضلاً عن " العلل المتناهية " لابن الجوزي، وغيرها. "الضعيفة" (14/ 1/378 - 379). [505] باب بيان أن الموحِّد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفاً لما يسلتزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله: انظروا: إذا أنا متُّ أن يحرِّقوه حتى يدعوه حمماً، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم ريح، [ثم اذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله؛ لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين]، فلما مات فعلوا ذلك به، [فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه]، فإذا هو [قائم] في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا ابن آدم! ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي ربِّ! من مخافتك (وفي طريق آخر: من خشيتك وأنت أعلم)، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيراً قطُّ إلا التوحيد». [قال الإمام]: واعلم أن قوله في حديث الترجمة: "إلا التوحيد" مع كونها صحيحة الإسناد، فقد شكك فيها الحافظ ابن عبد البر من حيث الرواية، وإن كان قد جزم

بصحتها من حيث الدراية، فكأنه لم يقف على إسنادها، لأنه علقها على أبي رافع عن أبي هريرة، فقال رحمه الله (18/ 40): "وهذه اللفظة- إن صحت- رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل؛ فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها، لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار؛ لأن الله عز وجل قد أخبر أنه {لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} لمن مات كافراً، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة. والدليل على أن الرجل كان مؤمناً قوله حين قيل له " لم فعلت هذا؟ " فقال:" من خشيتك يا رب! ". والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق؛ بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم؛ كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر:28)، قالوا: كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه، ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده. وأما قوله: "لئن قدر الله علي "؛ فقد اختلف العلماء في معناه؛ فقال منهم قائلون: هذا رجل جهل بعض صفات الله عز وجل، وهي القدرة، فلم يعلم أن الله على كل ما يشاء قدير، قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله عزوجل، وآمن بسائر صفاته وعرفها؛ لم يكن بجهله بعض صفات الله كافراً. قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله. وهذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين. وقال آخرون: أراد بقوله: "لئن قدر الله علي " من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة والاستطاعة في شيء. قالوا: وهو مثل قول الله عز وجل في

ذي النون: {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} (الأنبياء:87). وللعلماء في تأويل هذه اللفظة قولان: أحدهما: أنها من التقدير والقضاء. والآخر: أنها من التقتير والتضييق. وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية فهو جائز في تأويل هذا الحديث في قوله: "لئن قدر الله علي "، فأحد الوجهين تقديره: كأن الرجل قال: لئن كان سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه؛ ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين غيري. والوجه الآخر: تقديره: والله! لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك. ثم أمر بأن يحرق بعد موته من إفراط خوفه. وأما جهل هذا الرجل بصفة من صفات الله في علمه وقدره؛ فليس ذلك بمخرجه من الإيمان، ألا ترى أن عمر بن الخطاب وعمران بن حصين وجماعة من الصحابة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن القدر. ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم جاهلون به، وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك كافرين، أو يكونوا حين سؤالهم عنه غير مؤمنين. وروى الليث عن أبي قبيل عن شُفَيٍّ الأصبحي عن عبد الله بن عمرو بن العاص- فذكر حديثاً في القدر، وفيه: فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: فأي شيء نعمل إن كان الأمر قد فرغ منه؟ (¬1)، فهؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم العلماء ¬

(¬1) رواه أحمد والترمذي وصححه، وهو مخرج في "الصحيحة " (848)، و"المشكاة" (96)، وحديث عمران الذي أشار إليه متفق عليه، وهو مخرج في "ظلال الجنة" (412 و413)، وفيه حديث عمر (170). [منه].

الفضلاء- سألوا عن القدر سؤال متعلم جاهل؛ لا سؤال متعنت معاند، فعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما جهلوا من ذلك، ولم يضرهم جهلهم به قبل أن يعلموه، ولو كان لا يسعهم جهله وقتاً من الأوقات؟ لعلمهم ذلك مع الشهادة بالإيمان، وأخذ ذلك عليهم في حين إسلامهم، ولجعله عموداً سادساً للإسلام، فتدبر واستعن بالله. فهذا الذي حضرني على ما فهمته من الأصول ووعيته، وقد أديت اجتهادي في تأويل حديث هذا الباب كله ولم آلُ، وما أبرئ نفسي، وفوق كل ذي علم عليم. وبالله التوفيق ". هذا كله كلام الحافظ ابن عبد البر، وهو كلام قوي متين يدل على أنه كان إماماً في العلم والمعرفة بأصول الشريعة وفروعها، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً. وخلاصته؛ أن الرجل النباش كان مؤمناً موحداً، وأن أمره أولاده بحرقه ... إنما كان إما لجهله بقدرة الله تعالى على إعادته- وهذا ما أستبعده أنا- أو لفرط خوفه من عذاب ربه، فغطى الخوف على فهمه؛ كما قال ابن الملقن فيما ذكره الحافظ (11/ 314)، وهو الذي يترجح عندي من مجموع روايات قصته، والله سبحانه وتعالى أعلم. وسواء كان هذا أو ذاك؛ فمن المقطوع به أن الرجل لم يصدر منه ما ينافي توحيده، ويخرج به من الإيمان إلى الكفر؛ لأنه لو كان شيء من ذلك لما غفر الله له؛ كما تقدم تحقيقه من ابن عبد البر. ومن ذلك يتبين بوضوح أنه ليس كل من وقع في الكفر من المؤمنين وقع الكفر عليه وأحاط به. ومن الأمثلة على ذلك: الرجل الذي كان قد ضلت راحلته،

وعليها طعامه وشرابه، فلما وجدها قال من شدة فرحه: "اللهم! أنت عبدي وأنا ربك "! (¬1). وفي ذلك كله رد قوي جداً على فئتين من الشباب المغرورين بما عندهم من علم ضحل: الفئة الأولى: الذين يطلقون القول بأن الجهل ليس بعذر مطلقاً؛ حتى ألف بعض المعاصرين منهم رسالة في ذلك! والصواب الذي تقتضيه الأصول والنصوص التفصيل؛ فمن كان من المسلمين يعيش في جو إسلامي علمي مصفى، وجهل من الأحكام ما كان منها معلوماً من الدين بالضرورة- كما يقول الفقهاء- فهذا لا يكون معذوراً؛ لأنه بلغته الدعوة وأقيمت الحجة. وأما من كان في مجتمع كافر لم تبلغه الدعوة، أو بلغته وأسلم؛ ولكن خفي عليه بعض تلك الأحكام لحداثة عهده بالإسلام، أو لعدم وجود من يبلغه ذلك من أهل العلم بالكتاب والسنة؛ فمثل هذا يكون معذوراً. ومثله- عندي- أولئك الذين يعيشون في بعض البلاد الإسلامية التي انتشر فيها الشرك والبدعة والخرافة، وغلب عليها الجهل، ولم يوجد فيهم عالم يبين لهم ما هم فيه من الضلال، أو وجد ولكن بعضهم لم يسمع بدعوته وإنذاره؛ فهؤلاء ¬

(¬1) رواه مسلم (8/ 93)، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (5/ 87) وصححه من حديث أنس، وعزاه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (4/ 5) لمسلم من حديث النعمان بن بشير أيضاً بزيادة " اللهم! أنت .. "، وهو وهم؛ فإنه عنده دون الزيادة، وكذلك أخرجه أحمد (4/ 273 و275) عن النعمان، والبخاري، ومسلم أيضاً من طريق أخرى عن أنس مختصراً، وأخرجاه من حديث ابن مسعود مطولاً؛ غير أن البخاري أوقفه. ومسلم، وابن حبان (2/ 9/ 620 - الإحسان)، وأحمد (2/ 316 و500) عن أبي هريرة مختصراً نحو روايتهما عن أنس. [منه].

أيضاً معذورون بجامع اشتراكهم مع الأولين في عدم بلوغ دعوة الحق إليهم؛ لقوله تعالى: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} (الأنعام:19) وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} (الإسراء:15)، ونحو ذلك من الأدلة التي تفرع منها تبني العلماء عدم مؤاخذة أهل الفترة؛ سواء كانوا أفراداً أو قبائل أو شعوباً؛ لاشتراكهم في العلة؛ كما هو ظاهر لا يخفى على أهل العلم والنُّهى. ومن هنا يتجلى لكل مسلم غيور على الإسلام والمسلمين عظم المسؤولية الملقاة على أكتاف الأحزاب والجماعات الإسلامية الذين نصبوا أنفسهم للدعوة للإسلام، ثم هم مع ذلك يدعون المسلمين على جهلهم وغفلتهم عن الفهم الصحيح للإسلام، ولسان حالهم يقول- كما قال لي بعض الجهلة بهذه المناسبة -: "دعوا الناس في غفلاتهم"! بل وزعم أنه حديث شريف!! أو يقولون- كما تقول العوام في بعض البلاد-: "كل مين على دينه، الله يعينه "! وهذا خطأ جسيم لو كانوا يعلمون، ولكن صدق من قال: "فاقد الشيء لا يعطيه "!. والفئة الثانية: نابتة نبتت في هذا العصر؛ لم يؤتوا من العلم الشرعي إلا نزراً يسيراً، وبخاصة ما كان منه متعلقاً بالأصول الفقهية، والقواعد العلمية المستقاة من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومع ذلك؛ اغتروا بعلمهم فانطلقوا يبدِّعون كبار العلماء والفقهاء، وربما كفروهم لسوء فهم أو زلة وقعت منهم، لا يرقبون فيهم (إلاً ولا ذمة)، فلم يشفع عندهم ما عرفوا به عند كافة العلماء من الإيمان والصلاح والعلم، وما ذلك إلا لجهلهم بحقيقة الكفر الذي يخرج به صاحبه من الإيمان؛ ألا وهو الجحد والإنكار لما بلغه من الحجة والعلم؛ كما قال تعالى في قوم فرعون: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين، وَجَحَدُوا

بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} (النمل:13، 14). وقال في الذين كفروا بالقرآن: {ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُون} (فصلت:28) ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (16/ 434 - مجموع الفتاوى): " لا يجوز تكفير كل من خالف السنة؛ فليس كل مخطئ كافراً، لا سيما في المسائل التي كثر فيها نزاع الأمة ". يشير إلى مثل مسألة كلام الله وأنه غير مخلوق، ورؤية الله في الآخرة، واستواء الله على عرشه، وعلوه على خلقه؛ فإن الإيمان بذلك واجب، وجحدها كفر، ولكن لا يجوز تكفير من تأولها من المعتزلة والخوارج والأشاعرة بشبهة وقعت لهم؛ إلا من أقيمت عليه الحجة وعاند. وهذا هو المثال بين أيدينا: الرجل النباش؟ فإنه مع شكه في قدرة الله على بعثه غفر الله له؛ لأنه لم يكن جاحداً معانداً؛ بل كان مؤمناً بالله وبالبعث على الجملة دون تفصيل لجهله. قال شيخ الإسلام بعد أن ساق الحديث برواية " الصحيح " وذكر أنه حديث متواتر (12/ 491): " وهنا أصلان عظيمان: أحدهما: متعلق بالله تعالى؛ وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير. والثاني: متعلق باليوم الآخر؛ وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله. ومع هذا فلما كان مؤمناً بالله في الجملة، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملاً صالحاً- وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه-؛ غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم

الآخر والعمل الصالح ". ولهذا؛ فإني أنصح أولئك الشباب أن يتورعوا عن تبديع العلماء وتكفيرهم، وأن يستمروا في طلب العلم حتى ينبغوا فيه، وأن لا يغتروا بأنفسهم، ويعرفوا حق العلماء وأسبقيتهم فيه، وبخاصة من كان منهم على منهج السلف الصالح كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وأَلْفِتُ نظرهم إلى "مجموع الفتاوى" فإنه "كُنَيْف مُلِىءَ علماً"، وبخاصة إلى فصول خاصة في هذه المسالة الهامة "التكفير"، حيث فَرَّقَ بين التكفير المطلق وتكفير المعين، وقال في أمثال أولئك الشباب: "ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين؛ إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه ". يعني الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق. ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة؛ وأمثالهم. فأقول: وملاحظة هذا الفرق هو الفيصل في هذا الموضوع الهام، ولذلك فإني أحث الشباب على قراءته وتفهمه من "المجموع " (12/ 464 - 501) الذي ختمه بقوله:"وإذا عُرف هذا؛ فتكفير (المعين) من هؤلاء الجهال وأمثالهم- بحيث يحكم عليه أنه من الكفار- لا يجوز الإقدام عليه؛ إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت مقالتهم لا ريب أنها كفر، (يعني: الدعاة إلى البدعة).

[506] باب حكم ترك الأعمال

وهكذا الكلام في تكفير جميع (المعينين)؛ مع أن بعض هذه البدع أشد من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض، فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين- وإن أخطأ وغلط- حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة ". هذا؛ وفي الحديث دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار؛ مهما كان فعله مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية، وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط، ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها، فانظره بالرقم (3054). "الصحيحة" (7/ 1/105 - 116). [506] باب حكم ترك الأعمال سؤال: السؤال الأول: هل صحيح أن من مات على التوحيد وإن لم يعمل بمقتضاه وأول مقتضى التوحيد إقامة الصلاة .. هل يكفر ويخلد مع الخارج الكافر في نار جهنم أم لا؟ الشيخ: السلف فرقوا بين الإيمان وبين العمل فجعلوا العمل شرط كمال في الإيمان ولم يجعلوه شرط صحة خلافاً للخوارج، واضح هذا الجواب؟!

مداخلة: ما قولكم في تأويلهم لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن كلمة: من لم يعمل أو جملة: «من لم يعمل خيراً قط» ليست على ظاهرها. الشيخ: طيب! ولماذا؟ مداخلة: لأنها جاءت من باب إفهام القارئ أنها من جملة نفي كمال العمل ليس جنسه. الشيخ: نطور السؤال: ما الدليل؟ مداخلة: الدليل من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر». الشيخ: طيب! هل الكفر حينما يطلق يراد به الكفر المقارن بالردة؟ مداخلة: لا، هم يقولون: لا لكن الصلاة .. الشيخ: معليش معليش. إذا قالوا: لا، فما هو الحد الفاصل بين كفر في نص ما أي: القائل إنه كفر ردة، وفي نص آخر ليس كفر ردة، وكل من الأمرين المذكورين في النصين عمل، ما الفرق بين هذا وهذا؟ مداخلة: الفرق كثير جداً يطول تفصيله عندهم بتأويلات أن من ترك جزء العمل ليس كمن ترك كل العمل، أو أن من شابه ببعض الأعمال الكافرين ليس كما يشابه بعض أفعالهم التي نص عليها الشارع أنها كفر يخرج من الملة. الشيخ: هل أجبت عن السؤال؟ مداخلة: هذا جوابهم. الشيخ: لا ما أريد جوابهم، هل أنت شعرت بأن هذا الذي تقول جوابهم هو

جواب سؤالي .. مداخلة: لا. الشيخ: إذاً ما الفائدة يا أخي، أنا أريد أن يتنبه إخواننا الطلاب أنه ليس بمجرد الدعوى تثبت القضية، أنا أقول: ما الفرق بين كفر يذكر في مثل هذا الحديث وبين كفر يذكر في حديث آخر، وكل من الأمرين الذي أنيط به الكفر في كل من النصين ... أي: الجامع هو العمل فلماذا هذا العمل كفر ردة وذاك العمل ليس كفر ردة مثلاً قال عليه السلام: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» هل هذا كفر أم دون ذلك؟ كذلك مثلاً قوله عليه السلام والأحاديث في هذا الصدد كثيرة جداً: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ما هو الفارق بين كفر في حديث الصلاة وكفر في حديث القتال؟ لا بد أن يكون هناك دليل يعتمد عليه الذي يفرق. أهل السنة والجماعة الذين نقلنا عنهم آنفاً أن العمل ليس شرط صحة وإنما هو شرط كمال، ولا يفرقون بين عمل وعمل آخر بشرط أن يكون المؤمن قد آمن بذلك الحكم الذي تساهل في القيام به والعمل به، وما نقلته عنهم آنفاً لم يعمل خيراً قط هذا تأويل وإذا صح التأويل في نص كهذا ممكن أن يصح التأويل في نصهم أيضاً. وأنا أريد الآن أن ألفت النظر بأن هؤلاء الذين يأتون بمفاهيم جديدة تدندن حول تكفير المسلمين بسبب إهمالهم بقيام عمل أمر الشارع الحكيم به، هؤلاء ينبغي أن لا يأتوا بشيء نابع من أهوائهم أو لنقل من جهلهم، بل لنقل من علمهم؛ لأن علمهم مهما كان صحيحاً ودقيقاً فهو لا يساوي هذه المسألة. وهنا لا بد من أن نذكر بما أذكره دائماً وأبداً حول قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115) هؤلاء

يتبعون غير سبيل المؤمنين .. هؤلاء لا يقيمون وزناً لهذا المقطع من هذه الآية الكريمة يعني: عندهم الآية سواءً آمنوا في هذا المقطع ومعناه أو لم يؤمنوا به لا فرق عندهم بين أن تكون الآية: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى) لا فرق عندهم بين ما لو كانت هكذا الآية وبين ما هي عليه أنزلت، {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} فنحن نسألهم: هذه التآويل وهذه التفاسير التي تأتون بها من حيث اللغة العربية الأمر واسع جداً، ولا يستطيع أحد أبداً أن يوقف باب التأويل أمام الناس وبخاصة إذا كان أهل الأهواء. إذاً: ما هو الأمر الفاصل القاطع في الموضوع؟ هو الرجوع إلى ما كان عليه السلف، هؤلاء كما أنهم لا يؤمنون بمعنى هذه القطعة من الآية {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هم أيضاً أنا على مثل اليقين لا يؤمنون بمثل قوله عليه السلام: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» لا يؤمنون بمثل قوله عليه السلام حينما سئل عن الفرقة الناجية، قال: «هي الجماعة»؛ لأنهم خرجوا عن الجماعة، وكالرواية الأخرى: «هي ما أنا عليه وأصحابي» لا يقيمون وزناً إطلاقاً لما كان عليه السلف الصالح، هذا يكفينا في بيان خروجهم عن مفاهيم السلف الصالح وبالتالي خروجهم عن الفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة، كأنه عندك شيء؟ مداخلة: عندي جواب على سؤالك شيخ يقول الطبري ... أَذْكُرُه؟ الشيخ: تفضل. مداخلة: ينقلون ويتكئون على كلمة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «الاقتضاء» يقول فيها: أن لفظة كفر إذا جاءت منكرة تدل على أنها كفر اعتقادي، أما إذا جاءت معرفة بأل ومصدراً فإنها تدل الكفر العملي .. الحديث الكفر: «بينه

وبين الكفر ترك الصلاة» ... فلم يقل كُفْر قال: الكفر فهذا هو الكفر الاعتقادي .. الشيخ: معليش .. المسألة هنا تكون فرعية والموضوع ليس فرعياً وإنما هو أصل .. مداخلة: صح. الشيخ: نعم، فنحن نعلم أن بعض الحنابلة لا يزالون إلى اليوم يفتون بأن ترك الصلاة كفر ردة، لكنهم ليسوا خوارج ولا يتعدون الخط الذي يمشون عليه الخوارج فلو سلمنا لهم جدلاً بمثل هذا الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغضضنا النظر عن النصوص الأخرى التي نذكرها خاصة في رسالة الصلاة التي تعرفها فإذا صرفنا النظر عن هذه المسألة بالذات؛ لأن الأدلة فيها متقاربة متشابهة، لكن المهم أنهم إذا وفقوا للصواب في تكفير تارك الصلاة فذلك لا يعني فرض تكفير المؤمن في أي عمل فرض عليه لا يقوم به، فهنا المعنى: أن القاعدة سليمة لكن لكل قاعدة شواذ، كما يقول الحنابلة مثلاً .. هم لا يقولون بصحة مذهب الخوارج بل هم ضد هذا المذهب لكنهم التقوا مع هؤلاء أو بعبارة أصح هؤلاء التقوا مع الحنابلة في القول بتكفير تارك الصلاة، لكنهم خرجوا عن الحنابلة وعن الشافعية والمالكية والحنفية وعن بقية المسلمين في قولهم بتكفير التارك للعمل كما قلت أنت أن الإيمان لا يكفي نقلاً طبعاً عنهم .. لا يكفي إنما مقتضاه العمل، بينما الأحاديث التي تعرفونها جيداً والتي من بعض أجزاء أحاديث الشفاعة أن الله عز وجل يأمر بإخراج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة .. مثقال ذرة من إيمان، هذا الإيمان هو الذي ينجي من الخلود في النار وهذا هو من معاني قوله تعالى، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48). "الهدى والنور" (830/ 02: 28: 00)

جماع أبواب الكلام حول تلازم الظاهر والباطن

(جماع أبواب الكلام حول تلازم الظاهر والباطن)

[507] باب التلازم بين الظاهر والباطن

[507] باب التلازم بين الظاهر والباطن [قال الإمام]: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:70، 71) أما بعد: فإن خير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار وبعد أيضاً: كنا نشاهد في كثير من المساجد أن الحلقة العلمية مع قلة أفرادها تتسع وتتسع على حسب منزلة الشيخ، فكلما كانت منزلة الشيخ في صدور المتحلقين حوله عظيمة ضمت واتسعت ماذا؟ الدائرة، والعكس بالعكس تماماً. لو كانوا يعلمون [أن] من فوائد السنة وثمارها اليانعة الجنية: أن المسلم بها تستقيم حياته مع الناس جميعاً، وبخاصة من كان منهم طلاب علم.

من .. الأحاديث التي كنت أنا وغيري في غفلة عنها أومنها ولم نتنبه لها إلا بعد أن هدانا الله تبارك وتعالى إليها: حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: «كنا إذا سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فنزلنا منزلاً من تلك المنازل في الوديان والشعاب تفرقنا فيها». وإذا كان التفرق في مجالس العلم حقيقة واقعة، ولكنها مرة، فأولى وأولى أن يتفرقوا في الصحراء حينما ينزلون بعض المنازل، مع ذلك لم يرض ذلك لهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال لهم ذات يوم: «إنما تفرقكم في هذه الوديان والشعاب من عمل الشيطان» (¬1). أمر عجيب تفرق لا يلاحظ فيه تباعد بين القلوب؛ لأن أصحاب الرسول عليه السلام كانوا بحق إخواناً على سرر متقابلين، مع ذلك فنبينا صلوات الله وسلامه عليه يقول لهم: «إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان». يعني: بذلك أنه من عمل الشيطان الذي قد يؤدي بالأحبة المتوادين المتحابين إلى التباعد وإلى التنافر، ومن أجل ذلك وصف الله عز وجل أن شرب الخمر هو من عمل الشيطان؛ لأنه يلقي العداوة والبغضاء بين الناس. قال أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه: «فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلاً اجتمعنا حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا». في الصحراء لو اجتمعنا على بساط لوسعنا، إذا كان هذا في ذاك المجلس فأولى وأولى أن يكون الناس مجتمعين في مجالس العلم، وألا يكونوا عزين متباعدين متفرقين؛ لأن الظاهر عنوان الباطن. ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم2352).

ربما يتوهم بعض الناس أن هذه الكلمة: الظاهر عنوان الباطن كلمة صوفية، ومن تمام التوهم عند بعض الناس أيضاً: أن يظن أن كل شيء يتكلم به بعض الصوفية يكون ماذا؟ منبوذاً إسلامياً ليس الأمر كذلك. هم طائفة من المسلمين يحاسبون، ويؤاخذون كغيرهم يوزنون بالميزان الشرعي، فهذه الكلمة كذلك ينبغي أن توزن بميزان الشرع: الظاهر عنوان الباطن، هل هذا كلام صحيح أم هو كلام باطل؟ نقول: لا هو كلام صحيح ذلك لأن هناك أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى؛ من أشهر هذه الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الذي أوله: «إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ... » (¬1) إلى آخره. ثم قال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». فإذاً: صلاح الظاهر بصلاح الباطن، لكن من العجائب الغيبية الدقيقة التي لو لم نؤتَ بهذا الشرع السمح لما عرفناها: أن كلاًّ من الظاهر والباطن يتفاعلان ويتعاونان، إذا قوي القلب صلح الظاهر، إذا صلح الظاهر ازداد القلب قوةً، وهكذا دواليك، ولذلك نخرج بنتيجة هامة جداً، وهي أن على كل مسلم يهتم بأحكام دينه أن يعنى بظاهره كما يعنى بباطنه، ولا يقول: كما تقول الجهلة حينما تأمرهم بالإتيان بما فرض الله عليهم من الفروض والواجبات كالصلاة مثلاً يقول لك: يا أخي العبرة ما هو بالصلاة العبرة بما في القلب الجواب الآن تعرفونه لو كان هذا ¬

(¬1) صحيح البخاري (رقم52) ومسلم (رقم4178).

قلبه سليماً صحيحاً لنضحت جوارحه بما ينبئ عن صلاح قلبه، لكن الواقع أن الأمر على العكس تماماً، هو يقول العبرة بما في القلب، طيب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». إذاً: علينا أن نهتم بإصلاح الظواهر كما نهتم بإصلاح البواطن، ولا نغتر بهذه الكلمة التي تصدر من بعض الجهلة، وهي أن العبرة بما في الباطن فقط، لا؛ لأن الظاهر والباطن مترابطان متعاونان أشد التعاون فأحدهما يقوي الآخر كما ذكرنا آنفاً؛ من أجل ذلك كان من آداب مجالس العلم هو التقارب إلى أن هذه الظاهرة هي ظاهرة ليس لها علاقة بالقلب، لكن هذا التجمع وهذا التقارب في مجلس العلم يوجد ارتباطاً وثيقاً في القلوب أيضاً، ويؤكد لكم هذه الحقيقة العلمية الشرعية: تلك السنة التي هجرها وأعرض عنها أكثر أئمة المساجد، ولا يحافظ عليها إلا من كان متمسكاً بالسنة، وهي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان من هديه وسنته أنه لا يكبر تكبيرة الإحرام إلا بعد أن يأمر بتسوية الصفوف، وأن يسويها كما جاء في الحديث كما تسوى الأقداح، فيقول لهذا: تقدم ولذاك تأخر حتى يصبح الصف كالبنيان مرصوص، ويوعدهم عليه السلام ويهددهم بمثل قوله: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم». إذاً: تسوية الصفوف وعكسها كل منهما يؤثر في القلب صلاحاً أو فساداً: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» (¬1). فإذاً: هذا أيضاً مما يؤكد أن الظاهر له تأثير في الباطن حتى ظواهر الأشخاص المتعددين، فضلاً عن ظاهر الشخص نفسه وذاته. ¬

(¬1) البخاري (رقم685) ومسلم (رقم1006).

[508] باب التلازم بين الظاهر والباطن

فهو عليه الصلاة والسلام يجعل اختلاف الناس بالصف الواحد تقدماً وتأخراً سبب لفساد القلوب، والعكس بالعكس، تسوية الصفوف سبب شرعي لإصلاح ما في القلوب، لهذا ينبغي الاهتمام كل الاهتمام بإصلاح الظواهر ومنها عند القيام إلى الصلاة بتسوية الصفوف كما كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يسويها، ويأمر بتسويتها، هذه كلمة بين يدي تلك الحلقة التي كانت متباعدة، والآن إن شاء الله كما اقتربنا، أو اقترب بعضنا إلى بعض بالأبدان، فنرجوا أن يكون من ثمرة ذلك أن ترتبط قلوبنا بعضنا مع بعض إن شاء الله تبارك وتعالى. "الهدى والنور" (201/ 57: 00: 00) [508] باب التلازم بين الظاهر والباطن [قال الإمام]: أقول: حينما يكون الجمع جمعاً كثيراً مباركاً ويكونون متفرقين ومبتعدين عن مجلس الشيخ المزعوم (¬1) أنه شيخ قد يكون حقاً وقد يكون كذباً، فأنا أقول بهذه المناسبة أن هذا التفرق وهذا التوسيع لدائرة الحلقة خلاف السنة، أما من حيث التفرق فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل المسجد يوماً فرآهم متفرقين فقال لهم: «مالي أراكم عزين» بالعين والزاي أي متفرقين، وقد وصل اهتمام الرسول عليه السلام بالنهي عن التفرق في المكان وعن ابتعاد الناس بعضهم عن بعض إلى درجة أنه نهاهم عن ذلك حتى في الصحراء، حتى في السفر فقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد قوي عن أبي ثعلبة الخشني قال: كنا إذا ¬

(¬1) كان العلامة الألباني كثيراً ما يُطلق هذا اللقب "الشيخ المزعوم" على نفسه، فتأمَّل ... ولا تعليق!!!

سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نزلنا في الوديان والشعاب فقال لنا يوماً: «إنما تفرقكم هذا في الوديان والشعاب من عمل الشيطان» قال أبو ثعلبة: «فكنا بعد ذلك إذا نزلنا في مكان اجتمعنا، أي انضم بعضنا إلى بعض حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا»، ولذلك التقارب في الجلوس وعدم ابتعاد الناس بعضهم عن بعض هو اقتراب من الجنة بسبب تعاطي الأسباب التي تؤدي إلى الجنة، أنا أقتبس هذا من مثل قوله عليه السلام: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة» (¬1) ومن قوله عليه السلام وهو حديث عجيب قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل» (¬2). يقول أهل العلم: يعني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الحديث الأسرى الذين يقعون في أيدي المسلمين فيجرونهم مغللين في السلاسل إلى بلاد الإسلام، وهناك يوزعون حسب التقسيم الشرعي للمكاسب والغنائم على الغارمين، فيدخلون بيوت المسلمين وهم بعد أن كانوا مغللين يصبحون شبه أحرار, أقول: شبه؛ لأنهم في الواقع من حيث حرية العمل حتى بقاء أحدهم على دينه الباطل كانوا أحراراً لكنهم لا يزالون أرقاء, إلا أن الله عز وجل بما أوحى إلى نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأحكام التي وجهها إلى أتباعه عليه السلام من العناية والوصاية الطيبة بالأسرى وبالعبيد صار هؤلاء العبيد كأنهم أحرار، وحسبكم في هذا الصدد دلالة قوله عليه السلام: «أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون» (¬3) إلى آخر الحديث الذي لا أذكره الآن بتمامه (¬4) , الشاهد أن هؤلاء الأسرى دخلوا حياة جديدة غير الحياة التي كانوا ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم6297). (¬2) البخاري (رقم2848). (¬3) مسلم (رقم4403). (¬4) تمامه: «ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم».

يحيونها وهم أحرار دخلوا حياة جديدة وهم عبيد، ولكنهم في حياتهم خير مما كانوا عليه وهم كانوا أحراراً، ذلك لأنهم تداخلوا مع المسلمين في بيوتهم، في أسواقهم، في مساجدهم .. فعرفوهم وعرفوا أخلاقهم، وعرفوا تأثير دينهم في تربيتهم عن كثب وعن قرب, فتجلى لهم عملياً ما هو الدين الحق فآمنوا غير مكرهين، وآمنوا بقلوبهم بوازع من شخصهم, وليس كأولئك الذين يؤمنون رغم أنوفهم إما خلاصاً من القتل إذا ما وقفوا أمام الدعوة الإسلامية، أو خلاصاً من دفع الجزية عن يد وهم صاغرون .. , أما هؤلاء قد أسلموا طواعية وبإخلاص من قلوبهم ودخلوا في الإسلام, ولا شك أن من دخل في الإسلام دخل الجنة بسلام إلى هذه الحقيقة التي لو أراد الإنسان أن يشرحها شرحاً مبسطاً موسعاً لكان من ذلك كتاب إلى هذه الحقيقة أشار عليه السلام في الحديث السابق: {إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل} فإذاً الأسباب التي تكون مشروعة فهي تؤدي إلى الجنة، ومن هذه الأسباب طلب العلم ومن وسائل طلب العلم هو طلبه مع الجماعة، وهذه الجماعة ينبغي عليهم حسب ما عرفتم أن يكونوا متقاربين في أبدانهم كما يجب عليهم أن يكونوا متقاربين متوادين متحابين في قلوبهم .. فكثير من الناس لا ينتبه وقد لا يعلم مطلقاً تأثير الظاهر على الباطن، قد لا يعلم أن الأمور الظاهرة لها أكبر تأثير في القلوب الباطنة المكنونة في الصدور سواء كانت هذه الأمور الظاهرة حسنة خيرة أو كانت باطلة سيئة، فكل من النوعين يؤثر في القلب إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهذه حقيقة شرعية قبل أن تُصبح حقيقة علمية نفسية؛ ذلك لأن الإسلام سبق كل العلوم التي قد تصل مع الزمن القصير أو المديد إلى حقائق كان الناس عنها غافلين, سابقهم الإسلام إلى هذه الحقائق قبلهم بسنين وبكثير من الأيام، قلت: إن تأثير الظاهر على الباطن هذه حقيقة علمية شرعية قبل أن تصبح حقيقة علمية تجربية، وقد حرص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

أشد الحرص على غرس هذه الحقيقة في قلوب أتباعه بمناسبات شتى فقد كان عليه السلام يقول كما قد تسمعون أحياناً قليلاً هذا التوجيه النبوي الكريم من بعض أئمة المساجد المهتمين باتباع سنة سيد المرسلين، تسمعون من هذا البعض حينما يقوم إلى الصلاة لا يباشر الصلاة فوراً بعد انتهاء المقيم من الإقامة لا يقول: الله أكبر كما يفعل الجهلة، وكما يفعل أولئك الأئمة الذين لا يهتمون بإحياء السنة ونشرها بين الأمة إنما يفعل هذا الذي ألمحنا إليه آنفاً بعض الحريصين على اتباع السنة حينما يقف في المقام الذي يصلي فيه ولا أقول في المحراب لأنني لو قلت إذا أقام في المحراب أقررت المحراب وهو بدعة في المساجد لم تكن في مسجد الرسول عليه السلام ولا في المساجد التي كانت في زمنه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإذا قام الإمام في مقام الإمام لا يباشر الصلاة وتكبيرة الإحرام وإنما يلتفت يمنةً ويسرةً ويأمرهم بتسوية الصفوف ويقول لهم ما كان الرسول عليه السلام يقول لأصحابه «سووا صفوفكم، أو .. » وهنا الشاهد «ليخالفن الله بين وجوهكم» وفي رواية «بين قلوبكم» الشاهد هنا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد ربط تسوية الصف وهي التسوية عمل ظاهري بدني, لكنه قد رتب على ذلك إما اتفاق القلوب إذا ما تحققت التسوية أو اختلاف القلوب إذا ما اختلفت الصفوف ولم تحقق التسوية فقال عليه السلام: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» , فهنا إذاً ربط بين الظاهر والباطن الذي هو القلوب، وكان الربط في الحالتين حالتا تسوية الصفوف أو الإخلال بهذه التسوية، فهدد عليه الصلاة والسلام الذين لا يسوون الصفوف ويجعلونها مضطربةً متقدمةً ومتأخرةً بأن ذلك وسيلة شرعية للاضطراب في القلوب والاختلاف فيها، وقد أشار إلى هذه الحقيقة بجملة نبوية هامة حين قال في الحديث المشهور وهو في الصحيحين البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما الابن والأب صحابيان .. النعمان صحابي وأبوه بشير

صحابي قال النعمان بن بشير: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله ما حرمه، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» قال عليه السلام في تمام هذا الحديث وهو الشاهد: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد كله ألا وهي القلب» أنتم ترون معي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ربط صلاح القلب بصلاح البدن ويجب أن نعلم أن هذا الصلاح المذكور في الحديث هنا ليس صلاحاً مادياً طبياً وإن كان الأمر كذلك طبياً لكنه عليه السلام هنا أراد الصلاح إذا صح تعبيرنا بالصلاح الروحي المعنوي الإيماني «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله» أي صلحت أعمال الجسد الصادرة منه كلها، «وإذا فسدت» هذه المضغة فسدت أعمال الجسد كله؛ ما هي؟ قال عليه السلام: «ألا وهي القلب» إذاً هذا يؤكد بأن الظواهر مرتبطة بالبواطن، فمهما كان القلب صالحاً كان ما يخرج من جسد هذا القلب الصالح صالحاً والعكس بالعكس تماماً «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد القلب كله ألا وهي القلب». لذلك - والبحث في هذا طويل وطويل جداً - على المسلمين أن لا يغتروا بقول بعض القائلين أن العبرة بما في القلب تمويهاً على الناس نحن نقول معهم العبرة بما في القلب ولكننا نزيد عليهم فنقول: لا يمكن أن يكون ما في القلب صلاح ثم يظهر من الجسد طلاح، والعكس بالعكس .. لا يمكن أن يكون ما في القلب طلاح ويظهر من الجسد صلاح هذا أمر غير سليم وغير صحيح إطلاقاً شأن ذلك شأن القلب مع الجسد من الناحية الطبية إذا كان القلب سليماً لا يمكن أن يكون القلب مريضاً، والعكس أيضاً بالعكس إذا كان القلب مريضاً من الناحية الطبية لا يمكن أن يكون الجسد سليماً, أمر مضطرد سلباً وإيجاباً، طباً بدنياً وطباً

[509] باب منه

نبوياً فالذين يقولون حينما يؤمرون مثلاً بأداء الصلوات أو بالمحافظة عليها يقول لك يا أخي الأمر ليس بما في الصلاة الأمر بما في القلب! نقول صدقت الأمر بما في القلب لكن لو كان ما في القلب إيمان صحيح وسليم لنضح هذا القلب بالصلاح والطاعة والعبادة وإلا فالأمر على العكس تماماً، والأمر كما قيل: فحسبكموا هذا التفاوت بيننا وكل إناء بما فيه ينضح فإذا كان هذا الوعاء الذي وضعه الله عز وجل في الصدر بعناية وحكمة بالغة إذا كان صحيحاً وسليماً لا شك أنه سينضح صحيحاً وسليماً والعكس بالعكس، قلت إن هذا البحث طويل الذيل وأكتفي بهذا القدر لتوجيه النظر إلى أن التضامّ في حلقات الذكر والعلم هو أمر مرغوب مشروع والابتعاد فيه بعض الجالسين عن بعض إنما هو كما سمعتم من عمل الشيطان اقتربوا ما استطعتم. "الهدى والنور" (213/ 34: 00: 00) و (213/ 26: 11: 00) [509] باب منه [قال الإمام]: الحقيقة أن الاجتماع حتى في الأجساد له تأثير جيد للاجتماع في القلوب، يكون الاجتماع قلباً وقالباً؛ لأن الأمر كما يقول بعض أهل العلم: أن الظاهر عنوان الباطن، وإلى هذه الحقيقة أشار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما قال في الحديث الصحيح في البخاري وغيره من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» الشاهد فيما يأتي: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد

الجسد كله، ألا وهي القلب» ومما لا شك فيه أن المجتمع مؤلف من أفراد، فهذا المجتمع ينبغي أن يكون كما جاء في الحديث الصحيح أيضاً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وإذا كان المجتمع الإسلامي مجتمعاً واحداً مؤلف من مجموعة من الأفراد، وكان هؤلاء الأفراد يعنون بإصلاح بواطنهم كما يعنون بإصلاح ظواهرهم فسيكون نتيجة الأمر المجتمع صالحاً ظاهراً وباطناً «إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» فإذاً: كما يجب إصلاح الظاهر يجب أيضاً إصلاح الباطن، وكل من الإصلاحين يساعد في إصلاح الآخر، هذا كما يشبه ما أدري الأستاذ عدنان يمكن يذكرني ما كان بعض العلماء يفكرون بما يسمونه بالحركة الدائمة ... يعني يمكن يكون في حد زعمي أنا كالجاذبية افترضوها لحل مشاكل نظرية، لكن هذه حقيقة شرعية، الله عز وجل الذي خلق الإنسان وسوى خلقه وأوحى إلى نبيه عليه السلام أن يخبرنا بهذه الحقيقة، إذا صلح القلب صلح الجسد، وإذا صلح الجسد صلح القلب، فإذاً: فيه تجاذب بين الجسد وبين المضغة إفساداً وإصلاحاً، إذا كان الأمر كذلك وهو كذلك لا شك ولا ريب فالإسلام عني كل العناية بإصلاح الظواهر لأن هذا الإصلاح يؤدي إلى إصلاح البواطن، من ذلك وهنا بيت القصيد ... ،المقصود من هذا الكلام كله هو حديث واحد بالإضافة إلى ما سبق من الأحاديث النبوية الطيبة، حديث أبي ثعلبة الخشني، قال: كنا إذا سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ونزلنا منزلاً فيها الصحراء فيها ... كما يقول بعض البدو تفرقنا في المنازل، فسافرنا ذات يوم وتفرقنا، فقال عليه الصلاة والسلام: «إنما تفرقكم في هذه الشعاب والوديان من عمل الشيطان» تفرق مادي جسدي، قال أبو ثعلبة: فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلاً

[510] باب منه

انضم بعضنا إلى بعض حتى لو جلسنا إلى بساط لوسعنا، فإذاً: الانضمام الظاهري يؤثر في الانضمام القلبي، وهذه حقيقة شرعية ربما يعبر عنها بعض علماء الكلام أو الفلسفة في آخر الزمان بأنها فلسفة شرعية وهي حقيقة شرعية، ارتباط الظاهر بالباطن وهذا له أمثلة كثيرة وكثيرة جداً. "الهدى والنور" (290/ 00:00:44) [510] باب منه [قال الإمام موجهاً كلامه للحاضرين في حلقته]: [أرجو] الانضمام وعدم التفرق، فمن شاء أن يستمع للعلم فلينضم إلى الحلقة، فقد جاء في السنة في مسند الإمام أحمد رحمه الله من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: «كنا إذا سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فنزلنا منزلاً تفرقنا في الوديان والشعاب، فقال لنا ذات يوم: ألا إن تفرقكم هذا في الوديان والشعاب من عمل الشيطان، قال: فكنا إذا سافرنا بعد ذلك ونزلنا منزلاً اجتمعنا حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا». جمع غفير يمشون في الصحراء، فإذا نزلوا منزلاً حضهم الرسول عليه الصلاة والسلام على أن لا يتفرقوا فيه، وعلى أن يجتمعوا، وأن يتضاموا؛ لأن الاجتماع بالأبدان والأجساد له تأثير بتجميع القلوب وفي إصلاحها، وذلك مما جاء التصريح به عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتق الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ألا وإن لكل ملك حمى يوشك أن

يقع فيه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». والشاهد من هذا الحديث إنما هو الفقرة الأخيرة منه، ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي والقلب». ففي هذا الحديث تصريح بأن الظاهر مربوط بالباطن، صلاحاً وطلاحاً، إذا صلح القلب صلح الجسد، وإذا فسد القلب فسد الجسد، ومن هنا نأخذ مبدأًً هاماً جداً، يغفل أو يتغافل عنه كثير من المسلمين المعاصرين اليوم الذين لم يتلقوا شيئاً من العلم الشرعي، وإنما شرعهم عقولهم، وأهواءهم، فإذا ما قلت لأحد: لماذا لا تصلي مثلاً؟ يقول: العبرة ليست بالصلاة، وإنما العبرة بصلاح الباطن، فهو يتجاهل هذه الحقيقة، أنه لو كان باطنه أي قلبه صالحاً، لنضح صلاحاً، والعكس بالعكس. ولذلك فينبغي على كل مسلم أن يهتم بإصلاح ظاهره وألَّا يغتر بأن الأمر بما وقر في قلبه؛ لأن الظاهر عنوان الباطن، هذا ليس كلام علماء وفقهاء فقط، بل ذلك ما يدل عليه هذا الحديث الصحيح الذي أنا في صدد التعليق عليه أولاً، ثم الحديث الأول، حديث أبي ثعلبة الخشني بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أمرهم بأن يجتمعوا وألا يتفرقوا في المنزل، ولو في الصحراء الواسعة الأطراف، أمرهم أن يجتمعوا؛ لأن هذا الاجتماع بالأجساد يقرب القلوب بعضها إلى بعض، ولعلكم ما نسيتم ما ذكرتكم به أثناء الاصطفاف لصلاة الظهر في هذا اليوم مما ذكرته ساعتئذ من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لتسون الصفوف أو ليخالفن الله بين الوجوه»، فتسوية الصفوف أمر ظاهر

[511] باب منه

ربط به عليه السلام فيما إذا أخل به القائمون في الصف أن يضرب الله قلوب بعضهم ببعض. فإذاً: لا يجوز للمسلم أن يستهين بظاهره بدعوى أن باطنه صالح؛ لأنه يكون أولاً يكذب على نفسه فضلاً عن أنه يكذب على غيره، لهذا فليس من الأدب الإسلامي في شيء إذا ما اجتمع طلاب العلم أن يجلسوا هكذا كما يشاؤون متفرقين بعضهم عن بعض، بل عليهم أن ينضموا. وأخيراً: جاء في صحيح مسلم: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل ذات يوم المسجد فوجد الناس متفرقين فيه، فقال لهم: ما لي أراكم عزين؟» أي: متفرقين. فإذاً: علينا أن نتذكر هذا الأدب في تلقي العلم سواء كان التلقي بطريق جرى عليه العلماء اليوم، وهو تلقي الأسئلة والإجابة عليها، أو بالطريقة القديمة التي كانت ولا تزال طريقة مطروقة لتعليم الناس، ألا وهو أن يجلس الشيخ مع طلابه، ويقرأ عليهم من الكتاب سواء كان من التفسير أو من الحديث أو الفقه المستقى من الكتاب والسنة، أو يقرأ عليه أحدهم ثم هو يعلق على ما قرأ ويشرح لهم ما قد يكون غامضاً عليهم. "الهدى والنور" (385/ 14: 25: 00) [511] باب منه [قال الإمام]: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) .. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1) .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (الأحزاب:70) .. {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:71). أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. قبل أن نقدم إليكم ما ييسر الله لي من ارتجال كلمة حول الدعوة التي بعث الله تبارك وتعالى بها محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم -، أرى لزاماً علي أن أذكر بأدب من آداب المجالس العلمية التي أخل بها جماهير الناس وفيهم بعض طلبة العلم، فإننا نجد في كثير من المجالس تعقد حلقة علمية واسعة كما كان الأمر حينما دخلنا في هذا المكان المبارك إن شاء الله تعالى، حيث كان المفروض أن الناس يجلسون على أطراف هذا المكان الوسيع، لا بأس من الجلوس مثل هذه الجلسة في غير الجلسة العلمية، أما الجلسة العلمية فأدبها الانضمام والتجمع والتكتل لكي لا يكون المسلمون المجتمعون لطلب العلم بعيدين بأجسامهم بعضهم عن بعض؛ لأن الظاهر عنوان الباطن كما جاء في أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. من هذه الأحاديث التي تتعلق بأدب الجلوس في طلب العلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل يوماً مسجده فرأى الناس متفرقين حلقات حلقات، فقال لهم: «ما

لي أراكم عزين؟!» أي: متفرقين، والحديث هذا في صحيح مسلم، فلفت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نظر الجالسين في المسجد النبوي يومئذ ألا تتعدد حلقاتهم وأن يوحدوا الحلقة العلمية وأن يجتمع بعضهم إلى بعض .. لقد اهتم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بتجميع الناس وحذرهم من أن يتفرقوا في أجسامهم وأجسادهم حتى ولو كانوا في العراء أو الصحراء، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه قال: «كنا إذا سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تفرقنا في الشعاب والوديان، فقال لنا يوماً: إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان» ليسوا في جلسة علمية، وإنما في سفرة في البرية، كانوا يتفرقون كلٌّ ينتحي ناحية من أشجار ظليلة أو واد رطب أو نحو ذلك، فأنكر عليه الصلاة والسلام ذلك التفرق وقال: «إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان». قال أبو ثعلبة رضي الله تعالى عنه: فكنا بعد ذلك إذا نزلنا وادياً اجتمعنا، حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا. استجابوا لله وللرسول حينما دعاهم، فكانوا لا يتفرقون في منازلهم وهم قوم سفر مسافرون، كانوا يجتمعون. ما السر في اهتمام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في تجميع الناس وأن لا يسمح لهم أن يتفرقوا في أبدانهم حتى في الصحراء ما هو السر؟ سبق مني آنفاً الإشارة إلى ذلك، ولكن الإشارة في كثير من الأحيان لا تغني عن صريح العبارة، بل صريح العبارة تحتاج أحياناً إلى البيان والشرح والتوضيح، فلا بد لي من شيء من هذا. قلت آنفاً: لأن الظاهر عنوان الباطن، أي: إن المسلمين إذا تفرقوا في

ظواهرهم كان ذلك سبباً ومدعاة لأن يتفرقوا في قلوبهم، وهذا ما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يصرح به حينما كان يقوم إلى الصلاة ولا يدخل فيها إلا بعد أن يأمر بتسوية الصفوف كما هو معلوم لدى الجميع، ولكن القليل من الناس الذين أولاً يعلمون ماذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول للناس حينما يأمرهم بتسوية الصفوف، كان يقول عليه الصلاة السلام: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم». وهذا الحديث مع الأسف الشديد من سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - العملية من ناحية والقولية من ناحية أخرى؛ ذلك لأنه كان يسوي الصفوف ويحضهم على الاعتناء بالتسوية، ويحذرهم من المخالفة، وينبؤهم بأن هذه المخالفة تكون سبباً للتفريق بين قلوبهم، «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم». نحن نرى اليوم أن أكثر أئمة المساجد لا أستثني منهم أئمة المسجد الحرام والمسجد النبوي فضلاً عن غيرها من المساجد، كلهم قد أخلوا بالاهتمام بتسوية الصفوف وتحذير الناس من المخالفة في تسويتها، فلا تكاد تسمع منهم، أحسنهم من يقول: استووا. ويلتفت يميناً ويساراً وانتهى الأمر، أما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، أما أصحابه الخلفاء الراشدين من بعده فقد كانوا يهتمون اهتماماً بالغاً جداً جداً، فلا يكبر أحدهم تكبيرة الإحرام إلا بعد أن يطمئن أن الناس استجابوا للأمر بتسوية الصفوف من جهة، وأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وكذلك أصحابه من بعده، كانوا لا يكتفون فقط بكلمة استووا، استووا، ولا أن يقول فقط لهذا تقدم ولهذا تأخر، وإنما كان يقدم عليه السلام وأصحابه الكرام بين يدي ذلك المرغبات والمنشطات لأن يستجيب الناس لدعوة الرسول عليه السلام في تسوية الصف بالإضافة إلى الحديث السابق: «لتسون صفوفكم .. » كان يقول عليه الصلاة السلام: «سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة» وفي رواية: «من حسن الصلاة». روايتان صحيحتان.

وأمره - صلى الله عليه وآله وسلم - بالشيء يقتضي أن هذا الشيء واجب تطبيقه وتنفيذه؛ لأن الله عز وجل قال في حقه نبيه عليه السلام: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء:80). وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63). لهذا ينبغي الاهتمام بأن يستوي الناس في الصلاة وأن يتقاربوا في المجلس العلمي خارج الصلاة استجابة لأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وفي بعض هذا الأوامر تعليل ذلك؛ لأن إصلاح الظواهر سبب شرعي في إصلاح البواطن، وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا المعنى أيضاً في بعض الأحاديث الصحيحة التي لا بد أنكم كثيراً ما سمعتموها ولكني أعتقد أن القليل من العلماء من يذكركم بالحكمة التي جاء ذكرها أو الإشارة إليها في الحديث الذي سمعتموه دائماً، ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتق الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا -هنا الشاهد- وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». فإذاً: صلاح القلب فيه صلاح البدن، وهذه من أسرار الشريعة التي نبه عليها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث؛ لأنه يشير في هذا الحديث وفي الأحاديث الأخرى أن ظاهر الجسد مرتبط بباطنه ألا وهو القلب، والقلب أيضاً مرتبط بظاهر البدن، فكأن هناك حركة دائمة مستمرة تشبه ما كنا ولا نزال نسمعه، وأنهم يحاولون إلى اكتشاف ما يسمونه بالحركة الدائمة، الحركة الدائمة أوجدها الله تبارك وتعالى في هذا الإنسان الذي صوره وأحسن صوره، تلك الحركة هي: إذا أصلحت قلبك لزم

[512] باب منه

منه صلاح بدنك، وإذا أصلحت جسدك لزم منه صلاح قلبك. فإذاً: لا يقولن أحد كما نسمع ذلك في كثير من الأحيان من بعض الشباب الذين لم يربوا تربية إسلامية، وأخلوا بكثير من الأركان الشرعية كالصلاة مثلاً، إذا قيل لهم: يا أخي لماذا لا تصلي؟ يقول لك: العبرة بما في القلب، كأنه يقول أو كأنه يتصور أنه من الممكن أن يكون القلب صالحاً وصحيحاً وسليماً أما الجسد فلا يتجاوب مع الأحكام الشرعية، هذا أمر باطل تمام البطلان. فلا بد أن نلاحظ هذه الحقيقة ألا وهي ارتباط الظاهر بالباطن وأن صلاح أحدهما لا يعني إلا صلاح الآخر، وأن فساد أحدهما لا يعني إلا فساد الآخر. إذاً: من هنا نفهم لماذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يأمر الناس بأن يجتمعوا وأن يتضاموا في مجلس العلم؛ لأن هذا التضامن الظاهري البدني يؤثر في تضامن القلوب والتحابب الذي لا بد أن يكون متحققاً في قلب كل مسلم كما جاء في كثير من الأحاديث من الحض على الحب في الله والتزاور في الله مما معلوم لديكم، والقصد أنني أردت الإشارة إلى هذه السنة التي ينبغي على طلاب العلم ألا يكبروا الحلقة العلمية وإنما أن يصغروا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فيكون بعضهم قريباً إلى بعض، ويكونوا جميعاً قريبين أيضاً من هذا الشخص الذي يتولى تعليمهم وتوجيههم إلى ما ينفعهم في دنياهم وفي آخرتهم. "الهدى والنور" (445/ 48: 00: 00) [512] باب منه الشيخ: أقول في الواقع: إن ارتباط إصلاح الظاهر بصلاح الباطن وصلاح الباطن بصلاح الظاهر هذه الحقيقة نفسية شرعية للإسلام الفضل الأول في

الكشف عنها وبيانها ثم تلا الإسلام ما يسمى اليوم بعلم النفس على عجره وبجره، فقد استطاعوا فعلاً أن يكشفوا بجهودهم المتتابعة والمتتالية شيئاً يسيراً جداً من هذا الموضوع الذي كان الإسلام إليه سابقاً كل الاجتهادات وكل الفلسفات ولا أقول الديانات؛ لأن هذه ديانات غير واضحة، ولم ترد إلينا كاملة. فأقول: هناك أحاديث كثيرة وكثيرة جداً تؤكد هذه الظاهرة النفسية من الارتباط الوثيق بين القلب والبدن، بين الباطن والظاهر، فمنها قوله عليه الصلاة السلام في حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». فهذا الحديث صريح جداً في شطره الأخير: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، فصلاح الجسد إذاً من الناحية النفسية والمعنوية كافٍ من الناحية المادية الطبية، صلاح البدن بصلاح القلب ظاهراً وباطناً، فإذا صلح القلب صلح الجسد، والجسد إذا صلح أيضاً كان ذلك مدعاة لصلاح القلب، ولذلك ففي الحديث تنبيه قوي جداً على أن المسلم لا ينبغي أن يغتر بقوله: أنا طويتي صحيحة وسالمة ونيتي طيبة، لكن عمله ليس كنيته التي يزعمها أنها صالحة وطيبة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يكذبه في هذا الحديث حينما يقول: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» يعني أن القلب إذا كان

صالحاً كما يدعي بعض الناس فلا بد من أن ينضح صلاحه على جسده وعلى ظاهره على حسب قول من قال: ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم يؤكد هذا المعنى الذي أوضحه هذا الحديث من ارتباط الظاهر بالباطن نصوص أخرى كثيرة، من ذلك أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما جاء في غير ما حديث صحيح، كان إذا قام إلى الصلاة لم يكبر إلا بعد أن يأمر بتسوية الصفوف، ويؤخر المتقدم ويقدم المتأخر حتى يسوي الصفوف كالقداح، كالرماح، خط مستقيم جداً، ويقول لهم في جملة ما يقول في بعض الأحيان: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» وفي رواية: «بين قلوبكم»، فهذا نص آخر صريح وصريح جداً؛ لأن الاختلاف اختلاف المسلمين في ظواهرهم ومظاهرهم يؤدي إلى اختلافهم في صدورهم وفي بواطنهم. «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» فجعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - اختلاف المسلمين في تسوية الصف سبباً لاختلافهم في قلوبهم، ونحن نشاهد اليوم إهمال المسلمين لتسوية هذه الصفوف التي لو اقتصرنا في إصدار الحكم عنها، لاكتفينا أن نقول إنه واجب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يقول في جملة ما يقول كما أشرت إلى ذلك آنفاً: «سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة» لو اقتصرنا على هذا الحديث لقلنا إن المسلمين مقصرون في القيام بهذا الواجب، فكيف ونحن في صدد بيان أن إخلالهم بالقيام بهذا الواجب الديني هو سبب شرعي للاختلاف الذي يجعله الله عز وجل جزاء تقصيرهم في تطبيقهم لأمر نبيهم أن يضرب على قلوبهم وأن يوقع الفرقة والخلاف بينهم، فهذا أيضاً حديث عظيم جداً حيث ربط

صلاح قلوب الذين يقفون في الصف بإصلاحهم للصفوف، وأن لا يخلوا في تنظيمها وفي ترتيبها. ومما أيضاً يؤكد هذه القاعدة النفسية القلبية من ارتباط الباطن بالظاهر والظاهر بالباطن أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في غير ما حديث صحيح وفي مختلف أبواب الشريعة نهى عليه الصلاة والسلام المسلمين أن يتشبهوا بغيرهم، ذلك لأن التشبه يوجب ألفة ويوجب تقارباً بين المتشبه وبين المتشبه به، ولما كان الكفار يعيشون حقاً في ضلال مبين في دنياهم فضلاً عن آخرتهم، كان بدهياً جداً أن الشارع الحكيم ينهى الأمة أن تتشبه بشيء من عادات هؤلاء الكفار؛ لأن ما هم عليه ضلال في ضلال، قلت إن الأحاديث التي وردت في النهي كثيرة وكثيرة جداً في نحو أكثر من أربعين حديثاً، في أبواب مختلفة من أبواب الشريعة في الملبس، في المظهر، في المساكنة والمجامعة والاختلاط، في الصيام، في الطعام، في الحج، في أبواب الشريعة كلها، جاءت نصوص تأمرنا بمخالفة المشركين، هديهم خالف هدي المشركين، ومن المهم من ذلك أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «من جامع المشرك فهو مثله» المجامعة تعني مطلق المخالطة، من جامع بمعنى من خالط المشرك أي: من ساكنه وجاوره وقاربه في مسكنه وعاش حياته معه فهو مثله، وتعلمون هنا حتى لا يرد إشكال أن المثلية لا تقتضي ولا تستلزم المشابهة بالكلية من كل الجوانب، كمثل قوله تبارك وتعالى حينما حذر المسلمين من موالاة المشركين قال رب العالمين: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} أي: في هذه الموالاة، أي: فهو منهم عملاً. وهذا بحث آخر أن الكفر والشرك ينقسم إلى قسمين، شرك عملي وشرك اعتقادي، فهذا هو منهم، أي: عملاً وليس عقيدة. النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد نهى في أكثر من حديث عن مخالطة المشركين؛ لأن الظاهر

يؤثر في الباطن، ولابن تيمية رحمه الله كلام جميل جداً يقول إن التشابه في الظواهر يوجد ارتباطاً بين القلوب، يضرب بعض الأمثلة أذكر بعضها، يقول مثلاً: الرجل الغريب في بلد ما إذا وجد فيه غريباً مثله مال إليه؛ لأن هناك تجانس بلديٍّ فهو يميل إليه ويؤالفه أكثر من أولئك الغرباء الذين هو يعيش بين ظهرانيهم، كذلك يضرب مثلاً آخر فيقول مثلاً: جندي يلبس ثياب الجند فحينما يرى شخصاً آخر يلبس نفس اللباس أيضاً يميل إليه ويركن إليه ويتآنس معه من باب: إن الطيور على أشكالها تقع. فإذا رأيت مسلماً يتشبه بالكافر، يخالط كافراً، معنى ذلك أنه وجدت هناك مجانسة قلبيه بينه وبين ذاك الكافر أو المشرك، لذلك حذر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المسلم من مخالطة المشرك، ومن مساكنته أشد التحذير، فقال في حديث آخر غير الحديث السابق، قال عليه الصلاة والسلام: «أنا بريء من كل مسلم أقام بين ظهراني المشركين» (¬1). قال في حديث ثالث: «المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما» (¬2) يعني: ابعد عن مجاورة المشرك بعيداً بعيداً على عادتهم القديمة أنهم كانوا يوقدون النيران أمام الخيام، فينبغي أن يكون المسلم في خيمته بعيداً عن خيمة المشرك، بحيث أنهما إذا أوقدا النيران لا تظهر نار هذا لهذا والعكس بالعكس. كل هذا محافظة منه عليه الصلاة والسلام على قلب المسلم أن يتأثر بهدي المشرك وعاداته وتقاليده وأخلاقه، وهذا معناه يؤكد قاعدة، هذه القاعدة هي أن ¬

(¬1) المعجم الكبير (2/ 303رقم2264). (¬2) الصحيحة (6/ 356).

البيئة تؤثر، البيئة الموبوءة بالأجواء المادية حقيقة طبية لا يشك فيها الأطباء سواء كانوا مسلمين أو كافرين، أما المسلمين فأولاً بدينهم، وثانياً بتجربتهم، أن البيئة تؤثر من الناحية المادية يؤيدها الأحاديث النبوية، حديث الطاعون مثلاً: «إذا وقع الطاعون في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع الطاعون بأرض لستم فيهم فلا تدخلوا إليها» هذا الحديث من أحاديث أخرى يؤكد الحقيقة الطيبة التي تسمى بالحجر الصحي، وأن البيئة تؤثر بالأصحاء إذا كانت موبوءة، كذلك الأمر تماماً من الناحية الأخلاقية والإيمانية، من أجل ذلك قال عليه السلام ما ذكرناه آنفاً من الأحاديث ثم حكى لنا عليه الصلاة والسلام حديثاً فيه عن حادثة وقعت فيمن مضى ممن قبلنا أوضح لنا تأثير الأرض الموبوءة بالأخلاق السيئة أنها أيضاً تؤثر في الساكنين فيها، فقال عليه الصلاة والسلام: كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم أراد أن يتوب، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب، يعني: لم يدل لحكمة أرادها الله على ما سأل، على عالم، وإنما دل على عابد جاهل وعلى حسب ما دل ذهب إليه، فقال له: أنا قتلت تسعة وتسعين نفساً، فهل لي من توبة، فقال له الجاهل: قتلت تسعة وتسعين نفساً وتسأل هل لك توبة، لا توبة لك. فقتله وأكمل به عدد المائة، ويبدو من سياق القصة أن الرجل كان مخلصاً في توبته أو في رغبته في التوبة، لكن يريد الطريق فسأل أيضاً عن عالم فدل عليه فأتاه، فقال: إني قتلت مائة نفس بغير حق، فهل لي من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكنك -هنا الشاهد- بأرض سوء فاخرج منها، واذهب إلى القرية الفلانية الصالح أهلها، فخرج الرجل من القرية الظالم أهلها إلى القرية الصالح أهلها، وفي الطريق جاءه الأجل فتنازعته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأرسل الله إليهم رسولاً يحكمونه بينهم، فقال انظروا إلى أي القريتين

هو أقرب فألحقوه بأهلها، فكان أقرب إلى القرية الصالح أهلها فتولت موته ملائكة الرحمة (¬1). وللحديث بقية. ومن تمام الحديث السابق أقول أنه لا يخفى على الحاضرين جميعاً الحقيقة التي تضمنتها تلك النصوص الشرعية من حيث أن البيئة لها تأثيرها، إن صالحة فصلاحاً، وإن طالحة فطلاحاً، ولذلك نرى الشباب المسلم الذي يعيش برهة من الزمن في بلاد الكفر والفسق والفجور سواء ما كان منها أوروبا أو أمريكا يعودون إلى بلاد الإسلام وجماهيرهم يحملون تعظيماً لأولئك الكفار وعاطفة مائلة إليهم وتقديراً وتمجيداً، حتى إن الكثير منهم لنسمع بأنه يكاد يتبرأ من الإسلام ومن المسلمين، لأنه فتن بحضارتهم المادية، فَتَأَثُّرُ الناس بالبيئات هذه قضية لا تحتاج إلى بحث طويل، فإن الواقع يؤيد ذلك بالإضافة إلى أن الشرع قد أكد ذلك بما تقدم من الأدلة الشرعية. وكما يقال: إن أنسى فلن أنسى، القصة التالية التي وقعت لي ثم أتيحت لي أن أسافر سفرة إلى بلاد أوروبا في سبيل الاتصال بالجاليات الإسلامية هناك وخاصة في بريطانيا، فانتهت رحلتي إلى بلد تبعد عن لندن نحو مائة وعشرين كيلو متر، نسيت اسمها، قيل لي بأن هناك داعية مسلماً طيباً صالحاً فذهبت إليه والوقت رمضان، فلما جلسنا على مائدة الإفطار جلسنا جلسة شرعية على الأرض، هو رجل باكستاني أو هندي لست أذكر، منظره ملتحي لكن لابس الجاكيت والبنطلون وزيادة على ذلك الجرافيت، أنا الحقيقة سررت بسمته وبهديه وبمنطقه ¬

(¬1) مسلم (رقم7184).

وإلى حد كبير بفهمه الإسلام، لكن ما أعجبني مظهره اللا إسلامي، ونحن على مائدة الإفطار تكلمت على ما يشبه الموضوع السابق فيما يتعلق خاصة بنهي الشارع عن تشبه المسلم بالكافر وفصلت بشيء من التفصيل أن التشبه أنواع؛ أسوأها ما يفعل لمجرد التشبه بالكفار وليس فيه فائدة للمتشبه، وضربت على ذلك الجرافيت، العقدة هذه، ومن طيب الرجل أنه استجاب فوراً، ففك العقدة ورماها أرضاً، فسررت جداً لهذه الاستجابة السريعة، لكن سرعان ما أزعجني باعتذاره عن وضعه لعقدته، قال: نحن نعيش هنا في بريطانيا والبريطانيون ينظرون لإخواننا الفلسطينيين نظرة خاصة، ومن عادة الفلسطينيين أنهم لا يضعون هذه الجرافيت ويفكون زر القميص ويبقى الصدر مبين من أعلى، فهم ينقمون على الفلسطينيين، ولذلك فهو لكي لا يتشبه بالفلسطينيين الذين يمقتون من قبل البريطانيين وضع هذه العقدة، فقلت له سامحك الله ليتك سكت عن هذا التعليل؛ لأن هذا التعليل أقبح من الفعل، يعني أنت تهتم بنظرة الأوروبيين الكفار البريطانيين لإخواننا الفلسطينيين المسلمين نظرة تحقير لما بينهم من عداء للحق ... مع إخواننا الفلسطينيين، فأنت تهتم برأي هؤلاء الكفار ولذلك لا تريد أن ينظروا إليك نظرتهم إلى إخوانك المسلمين، هذا أكبر دليل على أن البيئة تؤثر في الساكنين فيها والعايشين معها؛ لذلك نهى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عن معاشرة الكفار؛ لأن ظاهرهم يؤثر في باطن المسلمين، ويؤثر في أخلاقهم وفي مفاهيمهم. مداخلة: كذلك السفر ... الشيخ: إذا كان السفر لأيام محدودة ولغاية مشروعة، فلا أرى في ذلك مانعاً من باب قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا في الأَرْضِ} (الأنعام:11)، ومن باب أن المسلمين كانوا يسافرون في عهد الرسول عليه الصلاة السلام إلى بلاد الكفار والمشركين،

وكان ذلك أمراً معهوداً ومقرراً، وحسبكم في ذلك دليلاً قصة معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه لما غاب عن الرسول عليه السلام مدة، ثم لما رجع ووقع بصره على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هم أن يسجد له، فنهاه عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله! إني سافرت إلى الشام فرأيت النصارى يسجدون لقسيسيهم ورهبانيهم، فرأيتك أنت أحق بالسجود منهم، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف: «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها، لكن لا يصلح السجود إلا لله» كما في بعض الروايات. متاجرة المسلمين حتى بعد عهد الجاهلية التي امتن الله عليهم في آية: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (قريش4:1)، استمرارهم على المتاجرة وإقرار الشارع الحكيم لهم يجيز لنا أن نقول بجواز السفر إلى بلاد الكفر، لكن ليس للاستيطان فيهم، وإنما لقضاء مصالح ثم الرجوع، ولكني مع ذلك نظراً لفساد المجتمعين المجتمع المسلم اليوم بالنسبة للمجتمع المسلم الأول وفساد المجتمع الكافر من الناحية الأخلاقية والفسق والفجور، بالنسبة للمجتمع الكافر الأول لذلك أنا أرى أن الذي يريد أن يسافر هذا السفر الذي قررنا جوازه لا بد أن يكون محصناً ومحصناً، محصناً أخلاقياً ومحصناً نفسه غيره بالزواج، حتى لا يفتتن في ذات نفسه. هذا ما لدي جواباً عن هذا السؤال، وبذلك ينتهي الموضوع السابق ذكره الذي كان موضوعه: ارتباط الظاهر بالباطن صلاحاً وطلاحاً، ومنه نتوصل إلى التنبيه إلى أمر يقع فيه بعض الشباب البعيد كل البعد عن الإسلام حينما نراه لا

[513] باب منه

يصلي ولا يصوم ولا يأتي بشيء من الأركان الإسلامية، فإذا ذكر بذلك قال يا أخي العبرة ليس بالصلاة، وإنما العبرة بما في القلب، وقد يورد بهذه المناسبة حديثاً لا أصل له: اثنان لا تقربهما: الشرك بالله والإضرار بالناس، هذا هو، فهو يقول لك أنا معاملتي مع الناس لا أغش ولا أسرق ولا .. انظر الرجل الفلاني لا يصلي إلا بالصف الأول، ولحيته كذا .. لكن غشاش، لكن كذا ... إلى آخره، فهذا عذر أقبح من ذنب؛ لأننا نقول لمثل هذا المنحرف، إذا كان فلاناً يصلي ولكن يغش، فأنت خذ خيره ودع شره، وخذ خيره وهو يصلي فالصلاة خير، هو يغش وأنت لا تغش، فظل على أمانتك للناس، وعدم غشك، لكن لا تنس حق الله وعليك أن تعبده وأن تخضع له في كل يوم خمس مرات .. إلى آخره. " الهدى والنور" (625/ 45: 00: 00). [513] باب منه [قال الإمام]: إن هناك ارتباطاً بين الظاهر والباطن، وأنه إذا صلح الظاهر صلح الباطن، وإذا صلح الباطن صلح الظاهر، فبينهما ترابط عجيب، عجيب جداً، نعم. ولذلك فإصلاح الظواهر من إصلاح البواطن، إصلاح الظواهر، ولهذا تجد أن هدي المشركين كما جاء في بعض الأحاديث يختلف عن هدي المؤمنين منطلقهم في حياتهم، في مجالسهم في دخولهم في خروجهم في لقائهم بعضهم لبعض حسبكم من ذلك: تحية بعضهم لبعض بالانحناء، أو برفع القبعة، ونحو ذلك من التكلفات التي قامت عليها حياة الأعاجم من قبل، فهذه كلمة الأعاجم التي إذا أطلقت يراد بها غير المسلمين، كما أن عند الأعاجم المسلمين استعمال

معاكس له، إذا أطلق عندهم العرب فالمراد بهم: المسلمون خلاف العرب الذين يزعمون أنهم يدعون إلى القومية العربية، الله أكبر، مفارقات عجيبة جداً. الأعاجم إذا قالوا فلان عربي يعني مسلم عربي، أما العرب إذا قال فلان عربي سواءً كان نصراني ولّا يهودي ولّا لا ديني عرب وانتهى الأمر. فالأعاجم كانوا من قبل يطلق على من ليس مسلماً، ولذلك قال عليه السلام في الحديث الذي فيه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى ذات يوم بأصحابه صلاة الظهر، وهو جالس، فقام مع أصحابه من خلفه قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا لما سلم قال: «إن كدتم أن تفعلوا آنفاً فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوسهم وهم جالسون، إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين». ففي هذا الحديث اهتمام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بالمسلمين من حيث أنه يجب عليهم أن يحافظوا على شخصيتهم المسلمة، وأن يتميزوا فيها عن الأعاجم أي: الكفار حتى في الصلاة، حتى لو أدى بهم ذلك إلى أن يتركوا ركناً الأصل فيه أنه ركن أي: الصلاة فلإبطال هذه الظاهرة الوثنية التي كان عليها الأعاجم من حيث أنهم يقومون على رؤوسهم وهم قيام، قال لهم: اجلسوا، مع أننا نعلم جميعاً لا فرق بين عالم وغير عالم، ومثقف وغير مثقف الفرق الجوهري بين ظاهرة الأعاجم الذين يقومون على رؤوس ملوكهم، وظاهرة قيام أصحاب الرسول خلف الرسول في الصلاة حيث أنهم قاموا لله قانتين، إنما يقصدون بقيامهم ربَّ العالمين، وحيث إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما جلس متكبراً متعجرفاً على القائمين خلفه، وإنما جلس مضطراً مع هاتين الفارقتين الكبيرتين بين ظاهرة المسلمين خلف الرسول، وظاهرة الأعاجم خلف ملوكهم مع ذلك قال: «لا تتشبهوا في الصلاة لا تقوموا خلفي اجلسوا، وإذا

[516] باب منه

والأحاديث في هذا الصدد كثيرة، ولستُ الآن في صدد بيانها؛ لأنها كلمة حول التجمع في المجلس، وعدم التفرق فيه، ولكني قبل أن أنهيها أرى نفسي مضطراً أن أذكِّر بحديث آخر فقط؛ لما فيه من الروعة في اهتمام الرسول صلوات الله وسلامه عليه في إصلاح تعابير الناس وظواهرهم: ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يقولون أحدكم: خبثت نفسي، ولكن لقست» (¬1) ما معنى لقست؟ في اللغة: يساوي خبثت، لقصت لغة بمعنى: خبثت، لكن كلمة الخبيثة خبيثة، فما أرادها الرسول عليه السلام أن يتلفظ بها المسلم حينما يجد في نفسه شيء من هذه الخباثة، وإنما عدل به عنها إلى لفظة لقست، وهذه اللفظة بطبيعة الحال وأنتم عرب ما تعرفونها، لكن سيد العرب والعجم هو علمكموها، وقال: «لا يقولون أحدكم: خبثت نفسي، ولكن لقست». هذا في تأدب المسلم مع نفسه لأنه مسلم، فما بالك في التأدب مع الله ومع نبيه عليه الصلاة والسلام، فبالأحرى أن يتأدب المسلم مع الله ثم مع رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا يأتي بعبارة قد تمس مقام النبوة أو مقامة الرسالة. " الهدى والنور" (1/ 28: 51: 00) [516] باب منه [قال الإمام]: [نبينا]- صلى الله عليه وآله وسلم - خير الدنيا والآخرة، لم يأت فقط لإصلاح القلوب هو جاء لإصلاح القلوب ولا شك كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف الذي أوله «إن الحلال بين والحرام بين ... » إلى آخره في الأخير قال: «ألا أن في ¬

(¬1) البخاري (رقم4714) ومسلم (6015).

الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»، أقول: لا شك أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جاء لإصلاح القلوب، ولكنه لم يأت فقط لإصلاح القلوب بل ولإصلاح الظاهر أيضاً، ذلك لأن هذه الظواهر تنبئ عن البواطن، في ذلك يقول العلماء الظاهر عنوان الباطن، ويقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الآخر الذي يربط فيه العمل وهو ظاهر بالقلب وهو باطن لا يعلم ما في القلوب إلا الله عز وجل فيقول - صلى الله عليه وآله وسلم - تعبيراً عن هذه الحقيقة: «إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، «ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (¬1)، وبهذه المناسبة أقول من الخطأ الشائع والفاحش أن يقال في بعض المناسبات إن العبرة بما في القلب؛ لا، هذا كلام ناقص، العبرة بما في القلب وما في العمل، ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذكر في الحديث السابق: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، ولذلك كما جاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لإصلاح القلوب جاء أيضاً لإصلاح الأعمال، ومما لا شك فيه أنه يدخل في الأعمال [انقطاع]- صلى الله عليه وآله وسلم - جاء لإصلاح القلوب والأعمال أيضاً بدليل تلك النصوص، ولا شك ولا ريب أن الأقوال من جملة الأعمال وإذا الأمر كذلك؛ فينبغي أن تكون أقوالنا في حد ذاتها صالحة كالعمل، وكما أنه لا يجوز لمسلم أن يأتي بعمل ثم يظهر أن هذا العمل مخالف للشرع فيرقعونه بحجة أن نيته طيبة، هذا ترقيع؛ ذلك لأنه لا يشفع للعمل الطالح النية الصالحة؛ أي: إذا كان العمل مخالفاً للشرع وكانت النية صالحة هذه النية الصالحة لا تقلب العمل الطالح المخالف للشرع إلى عمل صالح، كما أنه على العكس من ذلك تماماً، لو كان العمل صالحاً ¬

(¬1) مسلم (رقم6708).

وكانت النية فاسدة فهذا العمل الصالح لا يقلب النية الفاسدة فيجعلها صالحة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (¬1) المقصود في الهجرة هنا هو الجهاد في سبيل فيقول عليه الصلاة والسلام: «فمن كانت هجرته» أي: جهاده في سبيل الله فهو العمل الصالح، ومن كانت هجرته أي جهاده في أمر مادي كامرأة يصيبها أو دنيا فحينئذ عمله يصبح فاسداً، هكذا الشرع يربط بين وجوب صلاح العمل مع صلاح النية وأن صلاح أحدهما لا يكون مصلحاً لما فسد من الآخر والعكس تماماً بالعكس، وعلى هذا إذا كان لا بد من أن يكون العمل صالحاً مع صلاح القلب، وكانت الأقوال هي من الأعمال فلا بد من أن تكون الأقوال صالحة كالأعمال، فوجود النية أو القصد الصالح كما ذكرنا آنفا لا يجعل العمل الفاسد صالحاً، كذلك وجود النية الصالحة لا يجعل القول الفاسد المخالف للشرع صالحاً، وعندنا نصوص وأحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يتجلى فيها اهتمامه - صلى الله عليه وآله وسلم - بإصلاح الألفاظ، كما اهتم بإصلاح الأعمال من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام وهذا مبدأ عام وعظيم جداً: «إياك وما يعتذر منه» (¬2)، «إياك وما يعتذر منه»، وأوضح من هذا قوله عليه السلام: «لا تكلمن بكلام تعتذر به عند الناس» (¬3) هذا هو التأويل، ويزيد الأمر وضوحاً المعالجة الفعلية منه عليه الصلاة والسلام لبعض الأقوال التي صدرت من بعض الأصحاب خطأ فما نظر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما نظر إلى فساد تلك الأقوال التي ستسمعون بعضها ما نظر إلى صلاح قلوب قائليها ¬

(¬1) البخاري (رقم1) ومسلم (رقم5036) .. (¬2) صحيح الجامع (رقم3776). (¬3) صحيح الجامع (رقم744) ..

وإنما توجه إلى إصلاح تلك الأقوال؛ لأنه مكلف من رب العالمين أن يصلح الأعمال والأقوال مع القلوب بذلك الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في «مسنده» من حديث عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يخطب يوماً فقام رجل من الصحابة فقال ما شاء الله وشئت يا رسول الله، ما شاء الله وشئت، فقال عليه الصلاة والسلام بشيء من الانزعاج والغضب: «أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده» وفي الرواية الأخرى قل: «ما شاء الله ثم شئت»، ما أكثر ما نسمع الآن عدم التجاوب من كثير من المسلمين مع هذا التوجيه النبوي الكبير في هذا الحديث؛ ذلك لأن كثيراً من العرب المسلمين عادوا كالعجم المسلمين يعني ما يعرفون لغتهم العربية، ولا يفرقون بين قول القائل: ما شاء الله ثم شئت، وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت، ويكاد كثير من الناس حينما يقرؤون هذا الحديث أو يسمعونه لا يفهمون السر في كون الرسول غضب من ذاك الصحابي حينما قال: ما شاء الله وشئت، وعاد الرسول عليه السلام بالإنكار، وأَصَّل له العبارة وقال: قل: ما شاء الله وحده، أو ما شاء الله ثم شئت، والفرق أن الواو في اللغة العربية تفيد الجمع، إذا قال القائل: جاء الملك والوزير، معناه جاؤوا معاً، أما إذا قال القائل جاء الملك ثم الوزير معناه: أن الملك جاء متقدماً، ثم الوزير جاء متأخراً، لهذا السبب أنكر الرسول عليه السلام قول ذلك القائل ما شاء الله وشئت؛ لأنه قرن مشيئة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وجمعها مع مشيئة الله {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين} فمشيئة الله هي الغالبة ومشيئة عباده هي من مشيئة الله وبعد مشيئة الله تبارك وتعالى، لو رجعنا إلى ذلك القائل: ما شاء الله وشئت، ودققنا في قوله عليه السلام: أجعلتني لله نداً أي شريكاً، وسألناه: هل أنت تعني أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ند وشريك مع الله؟ لقال: أعوذ بالله أنا ما آمنت به نبياً ورسولاً إلا فراراً من الإشراك بالله تبارك وتعالى، مع ذلك فقد أنكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليه تلك اللفظة لأنها

تشعر بخلاف ما يريد المتكلم، وهنا بيت القصيد كما يقال إن هذه الكلمة العاجلة -بيت القصيد- أن المتكلم ذاك لا يريد أن يجعل نبيه شريكاً مع الله في الإرادة والمشيئة، بمعنى: أنه لا يكون شيء في هذا الكون إلا بمشيئة الله ومشيئة رسول الله، حاشا هذا الصحابي بل حاشا أي مسلم أن يعني هذا الشرك الصريح، لكن اللفظ توهم هذا عربيةً. من هذا أيضاً ما جاء في حديث آخر صحيح وفيه عبرة لمن يعتبر وهو أن رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جاء صباح يومٍ إليه فقال: يا رسول الله، رأيت البارحة في المنام بينما وأنا أمشي في طريق من طرق المدينة لقيت رجلاً من اليهود فقلت له في المنام: نعم القوم أنتم معشر يهود لولا أنكم تشركون بالله فتقولون عزير ابن الله فعارضه اليهودي في المنام أيضاً فقال: فنعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله فتقولون ما شاء الله وشاء محمد، ثم مضى فلقي رجل من النصارى وقال له: نعم القوم أنتم معشر النصارى لولا أنكم تشركون بالله فتقولون عيسى ابن الله فعارضه النصراني مثل ما عارضه اليهودي فقال: ونعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله، فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فقال عليه السلام لهذا الرجل الرائي تلك الرؤيا في المنام: هل قصصت رُؤياك على أحد؟ قال: فوقف عليه السلام خطيباً لأصحابه وقال ما معناه: «طالما كنت أسمع أحدكم يقول ما شاء الله وشاء محمد فأستحي منكم»، يعني يصعب عليه إنه يكشف عن خطأ هذه الكلمة لعلمه بحسن نواياهم لكن الآن جاء وقت البيان: «لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء محمد، ولكن ليقل ما شاء الله وحده" هذا الحديث والذي قبله والذي قبله وقبله كل ذلك لإصلاح الألفاظ ولا يغتر إنسان بقوله والله أنا نيتي طيبة، يا أخي بارك الله في نيتك الطيبة، لكن ألا تريد

أن يبارك الله في قولك الطيب أيضاً لازم يلتزم القول الصالح كما قلنا مع العمل الصالح. لقد وصلت عناية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بتوجيه المسلمين إلى إحسان الكلام والتلفظ به إلى أمر عجيب جداً يغفل عنه جماهير المسلمين ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن لقست» شو معنى لقست: خبثت، لغةً المعنى واحد، «لا يقولن أحدكم خبثت نفسي لكن ليقل لقست"، والمعنى واحد، لكن اللفظ الخبيث خبيث في عرف الناس، ولذلك قد يقال بلفظة تؤدي نفس المعنى ولكن تكون اللفظة في ذاتها ألطف لفظاً وعرفاً. مثاله من واقع الناس بدل ما يقول الرجل: زوجتي قالت لي كذا، امرأتي قالت لي كذا، يقول قالوا لي في البيت، المعنى واحد لكن بدل ما يذكر زوجته أمام رجل غريب، ويخلي الذهن يشتغل بهذه اللفظة، يبتعد في اللفظ ويقرب في التعبير والمعنى، فيقول قالوا في البيت؛ هذا مثال يقرب كل ما سبق الكلام عليه آنفاً. الشاهد من هذا الحديث الأخير المسلم كما جاء في باب الأحاديث كالسنبلة تأتي الرياح فتميل بها يميناً ويساراً وأحياناً تستقيم، هذا الميل هو كناية عن الميل مع الأهواء والشهوات، فهنا يشعر الإنسان في هذا الميل بأنه نفسه أصابها شيء من الخباثة فهو يريد أن يعبر عنها فلا يقول ولا يكون التعبير باللفظ خبثت ولكن بلفظ لقست. إذا كان هذا شأن الإسلام في توجيه ألفاظ أتباعه حتى فيما يتعلق بنفوسهم الخبيثة؛ فكيف يجوز للمسلم أن يأتي بلفظة تتعلق بدينه بنبيه بربه أولى وأولى ألا يكون هذا جائزاً، قلنا آنفاً: إنه عليه السلام كما جاء لإصلاح القلوب والأعمال،

فأيضاً جاء لإصلاح الأقوال، وأن النية الصالحة لا تغني عن هذه الأمور الأخرى وهي الأعمال والأقوال الفاسدة. كثير من الناس مثلاً نراهم يأتون إلى بعض القبور منسوبة لأنبياء أو صالحين فيدعون عندها وقد يصلون إليها مع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن ذلك أشد النهي، فقال: «اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وقال: «لا تجلسوا على القبور» " لما فيه من إهانتها وهذا إكرام من الرسول للميت وهو في قبره لكنه بالمقابل أيضاً قال: «ولا تصلوا إليها"؛ لأنه في الصلاة إليها تعظيم لها أكثر مما يجوز شرعاً، فنجد بعض الناس يفعلون هذه الأمور المخالفة للشريعة نجد في المقابل ناس ينكرونها ولكننا مع الأسف لا نعدم من يقول اتركه يا أخي هذا نيته طيبة، نيته طيبة، إذاً هذا الذي يقول هذا الكلام؛ هذه الأحاديث كأنه ما قرأها ولا سمعها أو أنه قرأها وسمعها ثم مر عنها كما يقال مر الكرام، وإلا كيف يعتمد على هذه الكلمة: دعه نيته طيبة، وهو يراه يخالف الشرع، وقد ذكرنا آنفا أن ذاك الصحابي الذي قال للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما شاء الله وشئت»، ما قصد أن يجعله شريكاً، مع ذلك أصلح له لفظه. فمن المخالفة للشرع أن ندع الناس يخالفون الشرع بدعوى أن قلوبهم صالحة علماً أننا لا نستطيع أن نكشف عما في القلوب، هل هي حقيقةً صالحة، هل هي حقيقةً صالحة أم طالحة، هذه علمها عند ربي فإذا ما ربطنا آنفا بين قوله عليه السلام: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله» حينئذ نستطيع أن نجعل عمل المسلم دلَّ على ما في قلبه؛ ذلك لأن الظاهر مرتبط مع الباطن وقد أكد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه الحقيقة حينما كان يأمر أصحابه حينما ينهضون لعبادة الله وحده لا شريك له كان يقول لهم: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين

وجوهكم» فإذاً الإخلال العملي بتسوية الصفوف يؤدي إلى الإخلال في إصلاح القلوب، ولذلك تعجبني كلمة يقولها بعض أهل العلم رداً على بعض من ينتمون إلى التصوف بحق أو بباطل، يقول هؤلاء العلماء رداً عليهم: الظاهر عنوان الباطن، الظاهر عنوان الباطن لهذا يجب على المسلمين أقول في ختام هذه الكلمة يجب على المسلمين أنهم قبل أن يتكلموا أن يزنوا كلمتهم فقد ابتدأنا هذا الكلام بقوله عليه السلام: «لا تكلمن بكلام تعتذر به عند الناس»، ما لازم تحكي كلام بعدين تندم عليه، وتضطر ماذا إلى تأويله، لا فكر ثم قل، لذلك جاء في بعض الآثار: «عقل المؤمن قبل كلامه، وكلامه وراء عقله، وعقل المنافق بعد الكلام» يتكلم ثم يفكر، المسلم ليس كذلك؛ يفكر ثم يتكلم. "الهدى والنور" (534/ 52: 00: 00)

[517] باب الإيمان يزيد وينقص

(زيادة الإيمان ونقصانه) [517] باب الإيمان يزيد وينقص [قال الإمام]: الإيمان يزيد وينقص، وزيادته الطاعة ونقصانه المعصية. "صحيح الأدب المفرد" (ص40). [518] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الإيمان بضع وسبعون باباً، فأدناه إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به] "الصحيحة" (4/ 369) [519] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «الإيمان مثبت في القلب كالجبال الرواسي، وزيادته ونقصه كفر». (موضوع).

[520] باب منه

[قال الإمام]: قلت: وهذا الحديث مخالف للآيات الكثيرة المصرحة بزيادة الإيمان كقوله تعالى: { ... ليزداد الذين آمنوا إيمانا ... } (الفتح: 4) فكفى بهذا دليلاً على بطلان مثل هذا الحديث وإن قال بمعناه جماعة. "الضعيفة" (1/ 677 - 678). [520] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إذا سئل أحدكم: أمؤمن أنت؟ فلا يشك». (منكر). [قال الإمام]: وهو ... مخالف للآثار السلفية المجمعة على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن زيادته بالطاعة، وقد تفرع منه جواز الاستثناء فيما إذا سئل المؤمن-كما في الآثار-: هل أنت مؤمن؟ أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله, خلافاً لما في حديث ابن بديل. وذلك مشروح في كتب السنة والعقيدة، ومنها كتاب الإمام الطبري المتقدم "تهذيب الآثار"، وغيرها، فليرجع إليها من شاء، فمن كان على علم بها مسبقاً؛ كان عوناً له على تحقيق القول في حديث ابن بديل والقطع بأنه حديث منكر. والله الموفق. "الضعيفة" (6/ 148، 152).

[521] باب منه

[521] باب منه [قال الإمام]: من شاء الاطلاع على الأحاديث الواردة في زيادة الإيمان ونقصانه وكذا الآثار من الصحابة والتابعين فليرجع إلى كتاب الإيمان لأبي بكر بن أبي شيبة الذي قمنا بتحقيقه. "التعليق على التنكيل" (2/ 365). [522] باب رد قول من أنكر أن الإيمان يزيد وينقص [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم وهو مؤمن». [قال الإمام]: الحقيقة أن الحديث وإن كان مؤولاً، فهو حجة على الحنفية الذين لا يزالون مصرين على مخالفة السلف في قولهم بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فالإيمان عندهم مرتبة واحدة، فهم لا يتصورون إيماناً ناقصاً، ولذلك يحاول الكوثري رد هذا الحديث، لأنه بعد تأويله على الوجه الصحيح يصير حجة عليهم، فإن معناه: " وهو مؤمن إيماناً كاملاً ". قال ابن بطال: " وحمل أهل السنة الإيمان هنا على الكامل، لأن العاصي يصير أنقص حالاً في الإيمان ممن لا يعصي " ذكره الحافظ (10/ 28).

[523] باب الرد على قول الحنفية بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص

ومثله ما نقله (12/ 49) عن الإمام النووي قال: " والصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، هذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء، والمراد نفي كماله، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا ما نيل، ولا عيش إلا عيش الآخرة ". ثم أيده الحافظ في بحث طويل ممتع، فراجعه. ومن الغرائب أن الشيخ القارئ مع كونه حنفيّاً متعصبا فسر الحديث بمثل ما تقدم عن ابن بطال والنووي، فقال في " المرقاة " (1/ 105): " وأصحابنا تأولوه بأن المراد المؤمن الكامل .. "، ثم قال: " على أن الإيمان هو التصديق، والأعمال خارجة عنه "! فهذا يناقض ذاك التأويل. فتأمل. "الصحيحة" (6/ 2/1269، 1276 - 1277) [523] باب الرد على قول الحنفية بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص سؤال: مادام تكلمنا عن العقيدة وعقيدة المذاهب لو نلقي الضوء على عقيدة أبي حنيفة. الشيخ: أبو حنيفة أولاً: ليس له عقيدة مسطورة ثانياً: له كتاب ينسب إليه اسمه الفقه الأكبر, وأبو حنيفه باعتبار تقدمه في الطبقة لأنه كان من أهل القرن الثاني توفي سنة (150) للهجرة, فهو لم يترك كتابا لكن ترك تلامذة, هذا الكتاب المنسوب إليه الفقه الأكبر الحقيقة يمثل ما عليه المنتسبون إلى أبي حنيفة رحمه الله تعالى, أبو حنيفة فيما يتعلق بالإيمان هو رأيه كما قلنا لا يزيد ولا ينقص وهاي عقيدة كل الأحناف من أول الزمان إلى اليوم وهاي من مشاكل الجمود على التقليد خاصة بالعقيدة, ومن عجائبهم أنهم يقولون في كتب العقيدة أن التقليد في العقيدة لا يجوز, مع ذلك بتشوف الماتريدية

ماتريدية والأشاعرة أشاعرة على مُضِيّ القرون كلها, وأين ما بيجوز التقليد في العقيدة وأنتم جامدين على هذا التقليد، فأتباع أبي حنيفة إذا صح لنا ولا نجد سبيلا إلا إلى ذلك أن نقول إنهم يمثلون عقيدة أبي حنيفة، فأبو حنيفة يقولٌ بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأتباعهم معه في هذا وينقلونه عنه بدون أي خلاف، بينما في مسائل فقهية ينقلون عن الإمام بعض الأقوال المتعارضة المتناقضة في المسألة الواحدة، هذا لا عجب [فيه]؛ لأن الإمام يجتهد برأيه ثم يبدو له رأي آخر, ما فيه مانع أبدا, لكن ما أحد منهم نقل عن أبي حنيفة مشياً مع نص القرآن في أكثر من آية {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب:22). فالإيمان يزيد بنص القرآن في أكثر من آية في القرآن الكريم, ما نقلوا ولا رواية عن أبي حنيفة ولو ضعيفة أن الإيمان يزيد وينقص وأنه زيادته الطاعة ونقصانه المعصية. مداخلة: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (محمد:17). الشيخ: فيه آيات كثيرة, فيه آيات كثيرة. مداخلة: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (الأنفال:2). الشيخ: الشاهد: في الفقه الأكبر ناقلين عبارة تلتقي .. مع عقيدة أهل السنة فيما يتعلق بالعلو لله عز وجل فقالوا بأن أبا حنيفة قال: من اعتقد بأن الله ليس في السماء فقد كفر, هذه العقيدة موجودة عند بعض الماتريدية مش كلهم، وإلا الماتريدية مثل الأشاعرة في موضوع صفة العلو للعلي الأعلى فهم يعتقدون أن الله في كل مكان مع الأسف الشديد، لكن أبا حنيفة في هذه الكلمة التي رووها عنه فهو مع الكتاب والسنة ومع أهل السنة والحديث، وأَكَّد ذلك بعض أتباعه في القرن

[524] باب القول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص مخالف للكتاب والسنة وأقوال السلف

السادس, فيه رجل منهم (¬1) له قصيدة تسمى بقصيدة «بدء الأمالي»: يقول العبد في بدء الأمالي ... بتوحيد -ما دري إيه- بذي الجلال (¬2) قديما كنت حفظتها وبعدين ذهبت مع الإهمال والنسيان, بالجملة بيقول الشاعر: ورب العرش فوق العرش لكن ... بلا وصف التمكن واتصال هاي عقيدة أهل السنة وهي معنى كلام أبو حنيفة "من اعتقد بأن الله ليس في السماء فقد كفر"؛ لأنه خالف الكتاب والسنة. في الجملة أبو حنيفة والأئمة الأربعة هم على الخط السلفي, إلا لابد يعني كل واحد له زلة, لكن الأتباع هم في واد والأئمة أنفسهم في واد. "الهدى والنور" (52/ 34: 07: 00) [524] باب القول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص مخالف للكتاب والسنة وأقوال السلف [قال الإمام]: بعض الأئمة المتقدمين ممن يقلدهم اليوم جماهير المسلمين ... ذهب إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، مع مخالفة ذلك لأدلة الكتاب والسنة الصريحة وأقوال سلف هذه الأمة. "تحقيق رفع الأستار" (ص30). ¬

(¬1) هو علي الأوشي الفرغاني. انظر: اكتفاء القنوع بما هو مطبوع (ص171). (¬2) أول القصيدة: يقول العبد في بدء الأمالي ... لتوحيد بنظم كاللآلي

[525] باب ضلال من يعتقد أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص

[525] باب ضلال من يعتقد أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص [ذكر الإمام ضمن الأمثلة على ضلال أبي غدة]: إصراره على القول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص تعصبًا لحنفيته وكوثريته خلافًا للآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة وأقوال السلف. "كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات" (ص56) [526] باب نقاش حول زيادة الإيمان ونقصانه سؤال: صلاح الظواهر سبب شرعي لإصلاح البواطن، وعلمنا من ساداتنا كبراءنا في العلم أن السبب ينتج المسبب قطعاً كزوال الشمس أو غروبها سبب توجد الصلاة، فهل إصلاح الظاهر يوجب قطعاً إصلاح الباطن إذا كان هذا سبباً شرعياً، فما بال عبد الله بن أبي بن سلول كان ممن صلح ظاهرهم ولكنه كان منافقاً، وشكراً. الشيخ: لكل قاعدة شواذ؛ لأنك وأنت السائل لا تستطيع أن تقول بأنه إذا صلح قلب المسلم لا يصلح ظاهره، لا يمكن لمسلم أن يتصور أنه إذا صلح قلبه لا يمكن أن يصلح ظاهره أليس كذلك حتى أمضي في كلامي؟ أعيد ما أقول لا يمكن لمسلم أن يتصور أنه قلبه صالح ومع ذلك يظل ظاهره طالحاً، هل يتصور هذا؟ مداخلة: الحقيقة أن السؤال كان ... الشيخ: أنا عارف سؤالك، لا لا اسمح لي بارك الله فيك، أنا أريد أن أمهد للجواب عن سؤالك، هذا التمهيد قام على توجيه سؤال؛ لأنه أنا لأفهم سؤالك السابق أريد أن أفهم جوابك عن هذا السؤال.

هل تتصور وأنت مسلم مثلي قلب رجل مسلم مخلص مؤمن بالله ورسوله يبقى ظاهره طالحاً وليس صالحاً، هل تتصور هذا؟ مداخلة: لا أتصور. الشيخ: الآن، نعود للإجابة عن سؤالك. المنافق الكبير الذي ضربت به المثل هل كان قلبه صالحاً؟ الجواب: لا. مداخلة: قطعاً لا. الشيخ: إذاً، أنا حينما قلت القلب الباطن متعلق بالظاهر والظاهر متعلق بالباطن، ما قلت البدء يكون من الظاهر؛ حتى يرد سؤالك. فيبدو لي والله أعلم أن سؤالك كان قائماً أنه إذا صلح ظاهر إنسان، مثلاً إنسان يلبس جميل و [يضع] الطِّيْب وما شابه ذلك إلى آخره وقلبه خراب يباب، فهذا يدخل في قلبه صلاحاً؟ لا هذا ما قلته ولن أقوله، ولا أتصور مسلماً يقوله، لكن العكس هو صواب من كان مشركاً لا يحرم ولا يحلل ولا يتخلق بالأخلاق الجميلة التي جاء بها الإسلام، ألا تعتقد بأنه مجرد أن يؤمن بالله ورسوله يصير هناك انقلاب في هذا الإنسان داخلياً وخارجياً ألا تعتقد معي هذا؟ السائل: نعم يغلب على الظن ذلك. الشيخ: ما تقول يا أخي يغلب على الظن قل: أقطع بذلك كما قلت آنفاً. السائل: لا أستطيع. الشيخ: عجيب، طيب نسمع منك إذاً.

يعود السؤال السابق بارك الله فيك: رجل آمن بالله ورسوله وقد كان كافراً بالله ورسوله، ما يتغير منه شيء إطلاقاً؟ السائل: يتغير. الشيخ: ظناً ولا يقيناً؟ السائل: قطعاً يتغير. الشيخ: طيب وكان سؤالي ماذا؟ السائل: كان سؤال حضرتك يعني لا بد وأن يتغير كلية. الشيخ: لا أنا ما قلت كلية، لا يا أخي بارك الله فيك، أرجو ألا تضيف لكلامي كلمات إضافية تغير الموضوع، لعلك تؤمن معنا بأن الإيمان يقوى ويضعف ويزيد وينقص، أسألُ لأن المسألة فيها قولان كما ذكرنا آنفاً ما رأيك؟ السائل: لا أتقدم على فضيلتكم برأي، ولكنني أقول: إن توابع الإيمان هي التي تنزل وترتفع، أما الإيمان في حد ذاته فلا يمكن أن ينقص؛ لأنه إذا نقص أصبح كفراً. الشيخ: أنا أقول لك بصراحة: هذا خطأ؛ لأنه يخالف نص القرآن الكريم في أكثر من آية التصريح فيها فزادهم إيماناً: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} (آل عمران:173)، كيف أنت الآن مؤمن بالله ورسوله وتقول: أنا لا أعتقد! من أين تأخذ العقيدة؟، أنا أسألك الآن: من أين تأخذ العقيدة الصحيحة، أمن الكتاب والسنة أم من خارجهما؟ لابد أن تقول من داخلهما أليس كذلك؟

السائل: نعم. الشيخ: فإذا كان هناك بارك الله فيك عديد من الآيات تصرح بأن الإيمان يزيد، وأي شيء يزيد يقبل النقص؛ فكيف يستطيع أن يتصور أن مؤمناً يؤمن بمثل هذه النصوص، ثم إنه يقول: لا أعتقد أن الإيمان يزيد وينقص؛ لأنه إن نقص معناه خرج عن كونه مؤمناً، إذا كنا متفقين والحمد لله أن العقيدة تؤخذ من الكتاب والسنة وهذا نص بل نصوص في القرآن، أن الإيمان يزيد وينقص، والسنة تؤكد ذلك كما في الحديث المتفق عليه بين الشيخين وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» (¬1). فإذاً: أنا أقول من هنا أتيت يا أستاذ حينما اعتقدت عقيدة خلاف الكتاب الكريم والسنة الصحيحة أشكل عليك ما قد سمعت مني، وعلى كل حال لا أريد أن أذهب بعيداً بك عن الإجابة على سؤالك، أنا لا أزال أقول أن هناك ارتباط وثيق جداً بين قلب المؤمن وجسده، وأقول عادة كلمة ما ألهمت أن أقولها، وسأستدركها على نفسي كما إنه صلاح القلب من الناحية المادية له ارتباط بصلاح البدن، فإنني لا استطيع أن أتصور رجلاً مريض القلب ويكون صحيح في البدن، لا استطيع أن أتصور هذا. كذلك الأمر تماماً فيما يتعلق بالناحية الإيمانية، لا استطيع أتصور مؤمناً وقد كان كافراً ثم آمن بالله ورسوله حقاً، مستحيل أن أتصور أنه سيبقى كما كان وأظن أنك وافقت معي، لكن قلت ليس ضرورياً كما أضفت على لساني سهواً منك ¬

(¬1) البخاري (رقم9) ومسلم (رقم162).

كلياً، أنا ما قلت كلياً، والسبب أن الإيمان كما قلنا يزيد وينقص، ولا أستطيع أتصور إنساناً كامل الإيمان بعد المعصوم ألا وهو رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لكنني أتصور ناس يتفاوتون في الإيمان، فكل ما قوي إيمان أحدهم كلما قويت الآثار الصالحة الظاهرة في بدنه، وكلما ضعف هذا الإيمان أو قلت قوته أو على الأقل كل ما كان الظاهر في بدنه قليلاً أيضاً، إذاً: إذا رفعنا كلمة كلياً أظن نقترب بعضنا من بعض كذلك. السائل: إن شاء الله مقتربون يا شيخنا. الشيخ: كذلك؟ السائل: إلا أن الحديث ... الشيخ: ما أجبتني، بارك الله فيك، قلها. السائل: إلا أن الحديث: «الإيمان بضع وستون شعبه أعلاها شهادة أن لا آله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، يخدم قولي بأن الذي يزيد وينقص هو توابع الإيمان، لا الإيمان ذاته؛ لأن الإيمان متعلق بالتصديق، وأما الحكم الشرعي هو المتعلق بالعمل فعندما يكون الإيمان صادقاً أي العقائد متعلقة بالتصديق، فمعنى هذا أنه لو نقص التصديق جزءاً بسيطاً، يعني: لو تصورنا أن الإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إلى كل ما جاء من الإسلام مقطوعاً فيه، أن لو نقص جزءاً منه يعني كما تقول أحد الفسقة الكفرة الظلمة الذي قال: إنه قل هو الله أحد ما لها داعي ما لها داعي فهل يبقى ذلك من إيمانه شيء. الشيخ: أنت الآن فهمتُ المشكلة عندك، أنت تتكلم عن العقيدة، نحن نتكلم عن الإيمان بمفهوم الإسلام، العقيدة يعني: مثلاً إنسان يؤمن بوجود الله، إذا دخله

ذرة من شك فهو كافر، هذا الذي تعنيه أنت، لكن ليس هذا هو البحث أنا أتكلم ليس بالمنطق والعقل فقط، أتكلم بالمنطق والعقل والشرع فوق رؤوسنا، الإيمان في الشرع ما هو؟ السائل: الإيمان هو التصديق الجازم المطابق عن دليل، هذا ما أعلمه؟ الشيخ: اسمح لي هذا ما تعلمت هذه كليشة نعرفه نحن، لكن من أين جئت بهذا؟ نحن آنفاً ذكرنا لك ذكرناك ببعض النصوص أن الإيمان يزيد وينقص، فأنت تخلص من هذه الحجج القرآنية بأن تقول الإيمان تعريفه كذا وكذا، وكذا، هذا تعريف للإيمان العقلي المنطقي فقط، أما الإيمان الذي ذكره الله عز وجل فهذا له صفة أخرى، ثم أنت لا تذهب بعيداً، وما أظنك إلا أنك قلت ما في قلبك عندما أضفت كلمة كلياً واتفقنا على حذفها، معناها أنت تقول إنه إذا المؤمن زاد إيمانه ظهر أثره في عمله، لكن أنت قلت مش كلياً، إذاً: هذه الآثار التي تظهر في عمل الإنسان هو من آثار إيمانه، وإذا كنت تريد أن تبحث الموضوع منطقياً وعقلياً، أخي الإيمان كما تعلم ليس شيء مادة هو كهذا النور لو سلط في هذا المكان أنوار، أنوار فالنور يقبل الزيادة ويقبل الزيادات، فأنت مثلاً حينما تسمع خبراً من شخص تثق به صدقته لكن هذا التصديق يقبل القلقلة، أليس كذلك؟ السائل: نعم، إذا كان من غير المعصوم؟ الشيخ: ما يحتاج إلى شرط، لأني أقول لك شخص. السائل: شخص نعم. الشيخ: أنت تقول معصوم ليس هناك معصوم الآن، ثم سمعت هذا الخبر من شخص آخر، هذا التصديق الذي كان من قبل، ما الذي حصل في قلبك؟

السائل: تصديق أيضاً. الشيخ: ما أجبتني. السائل: تصديق، تصديق. الشيخ: لا، لا ليس هذا سؤالي، قلت لك: بقي كما هو، قل: نعم أو قل: لا. السائل: يعني تقصد أنه زاد عن السابق، نعم تأكد, الشيخ: نعم زاد عن السابق ولا لا؟ السائل: تأكد. الشيخ: حسناً ... ثالث ورابع وعاشر وعشرين. السائل: تأكد. الشيخ: هذا هو الإيمان الذي يزيد وبالعكس ينقص. السائل: بارك الله فيك يا شيخ، بس أنا اقصد أن الإيمان لغة وشرعاً، يعني هل لدى فضيلتكم، تعريف للإيمان غير الذي عرفته؟ الشيخ: حتماً. السائل: تفضل. الشيخ: الآيات الذي ذكرناها. السائل: على عيني وراسي، ولكن أريد تعريفاً حتى أستطيع أن أنقل عليه النصوص. الشيخ: يا أخي الإيمان بارك الله فيك التعريف أمور اصطلاحية، المهم أنت

وأنا وكل مسلم أن يسلم قلبه لما أخبر الله به أما ما هو التعريف الذي تضعه أنت، في الأمس القريب كنا في بحث يشبه هذا، فقلنا لأحدهم لا مشاحة في الاصطلاح، فأنت وضعت تعريفاً فيمكن لإنسان آخر أن يضع تعريفاً آخر، لكن المهم الآية التي تعلم ما في القلوب قلوب البشر، ماذا تقول عن إيمان المؤمنين، يقبل الزيادة أم لا؟ يجب أن تقول: نعم يقبل الزيادة؛ لأن هذا النص القرآني بعد ذلك، التعريف الذي لقنته منذ صباك بدك تعرضه على هذا النص القرآني مش تعكس الموضوع، تعرض النص القرآني على التعريف فإذا وافق هذا النص التعريف على الرأس والعين قبلنا النص، وإذا لم يوافق رفضنا النص، من أجل التعريف، نحن نقول لك الآن من أين جئت بهذا التعريف وأنا أقول لك مخالف للنص القرآني التعريف، يقول: الإيمان لا يقبل الزيادة وانه أن نقص منه ذره وأنا وافقتك لأنك عم تحكي عقلاً، لكن الشرع يخبرنا بما لا نعلم نحن فيقول أن الإيمان يزيد؛ فلماذا أنت لا تقول بقول الله عز وجل ما الذي يصدك عن ذلك؟ السائل: الحقيقة أنني أقول بقول الله ولا أخالف قول الله إن شاء الله إنما جاء ... للرسول عليه وعليكم السلام للإيمان بزيادته ونقصانه ما يفيد تعلقه بالعمل، فأقول إنه إن تعلق بالعمل فانه يزيد وينقص العمل، يعني ما يتبع الإيمان من عمل، وذلك الرسول عليه الصلاة والسلام بيقول: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر شاربها وهو مؤمن». الشيخ: ألهمك الله الحجة عليك، فهل كفر الزاني؟ السائل: لا، إلا في ساعة أن غاب عن ذهبنه اتصاله بالله. الشيخ: أنا ما بيهمني الاستثناء، في تلك الساعة كفر؟ السائل: لا ابتعد.

الشيخ: كيف؟ السائل: ابتعد عن الإيمان في عمله. الشيخ: يا أخي أنت جبت الحجة عليك ولا تستعجل، «لا يزني الزاني وهو مؤمن»، أي ليس مؤمناً حين يزني, إذا قلت بأن الإيمان لا يقبل بالزيادة والنقص حكمت على هذا الزاني في تلك اللحظة إنه غير مؤمن، نحن ما نقول هكذا لأننا نقول الإيمان يزيد وينقص، فهو لو كان إيمانه كاملاً، ما زنا ما سرق ما نهب ما، ما إلى آخره، أما أنت بتقول هو كافر هو كافر هو كافر ولن تجد وسيله لتخرج من هذا المأزق إلى أن تقول برأي أهل السنة والجماعة، الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، يصل إلى درجة إذا نَقَصَ ذَهَبَ، لكن ما كل ناقص معناه ذهب والآن هذا الحديث في الحقيقة من حجج أهل السنة والجماعة الذين يقولون أن الإيمان يزيد وينقص فماذا يضرك إذا تركت ذاك التعريف جانباً وأنت تعلم بأن ذاك التعريف ما جاء في كتاب الله ولا جاء في حديث رسول الله، إنما هو اصطلاح جماعة من المسلمين أليس كذلك. السائل: نعم. الشيخ: طيب، فماذا يضرك أن تدع هذا التعريف جانباً وأن تقول بقول الله وأن تقول بقول رسول الله حتى لا تقع في مثل هذه الورطة وهذه الورطة لها أمثله وأمثله عديدة جداً، أنا أقول لك الآن: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»، شو رأيك هذا كافر الذي لا أمانة له. السائل: أقول: ليس كافراً. الشيخ: لكن هو قال: لا إيمان.

السائل: أي إنه من توابع ايمانه نقص. الشيخ: لماذا لا تقول إيمان كامل وناقص. السائل: لو نقص كفر، يا سيدي. الشيخ: يا أخي بارك الله فيك أنت لا تزال الآن ما تآخذني ويمكن الجماعة الآن بيآخذونا أننا استطردنا كثيراً، أنت لا تزال بتحن لمذهبك القديم، أن شو الإيمان؟ يا أخي هذا الإيمان هذا التعريف الذي أنت جئت به، أنا بقول مثلاً أنا كفرتُ به، هل كفرت؟ السائل: لا طبعاً ما كفرت والعياذ بالله. الشيخ: لكن الذي بينكر النص القرآني بيكفر. السائل: صحيح. الشيخ: فإذاً شو بيقولوا: هذا الذي ما يريد يشوف منامات مكربه لا ينام بين القبور؛ هذا التعريف ما دام ما جاء لا عن الله ولا عن الرسول تركناه جانباً ونتمسك بالنصوص من الكتاب والسنة، ما في أي إشكال إلا إذا حنيت لمذهبك القديم، ونحن افترضنا الآن أن نترك هذا جانباً، الآن أنا أسألك هذا التعريف، هذا التعريف هل هو متفق عليه بين المسلمين ولَّا هو رأي من آراء مذهبيين؟ السائل: والله ما أعلم أن أحداً اختلف على هذا التعريف. الشيخ: الله اكبر السائل: لا أعلم يعني مبلغ علمي، ولذلك سألت فضيلتكم عن تعريفٍ آخر.

الشيخ: جميل .. جميل، لماذا لا تعرف؟ ألا تعلم أن هذا مذهب الماتريدية، ومذهب الأشاعرة يختلف عنهم، وأن الأشاعرة يقولون الإيمان يزيد وينقص، زيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية لماذا لا تعرف هذا. السائل: لماذا جلست معكم؟، حتى أعرف. الشيخ: ... نشكر لطفك على كل حال لكن استغرب أنك أنت مبين أنك دارس لكن لماذا درست مذهباً وتركت مذهباً آخر وهذا مشهور جداً مذهبان ماتريدية والاشاعرة، غير مذهب أهل الحديث، فالما تريدية هذا هو رأيهم هذا هو تعريف الإيمان، أما الاشاعرة ومعهم أهل الحديث فهم يقولون: الإيمان يزيد وينقص زيادته الطاعة ونقصانه المعصية، شو بدك بقى التعريف من عندي، أنا ما بدي شي من عندي حسبك القرآن حسبك الحديث الذي أنطقك الله به وقامت الحجة به عليك، وحسبك الحديث الذي أنا أوردته الآن فاضطررت أنت إلى أن تؤوله على ضوء تحن لمذهبك القديم: «لا إيمان لمن لا أمانة له» لا إيمان يا أخي؛ ... نقول: لا إيمان كاملاً ما الذي يمنعك أن تقول بهذا. السائل: المسألة يا سيدنا مش أنا عايز، أحن لمذهبي القديم ولكنه سمعٌ وعلمٌ أخذناه عن أمثال ابن تيميه رحمة الله عليه الشيخ: لا، لا. السائل: عرف بهذا التعريف. الشيخ: لا، لا أبداً أنت واهم تماماً، ابن تيميه يقول هذا الكلام، أعوذ بالله. السائل: يقول: أن الإيمان هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل.

الشيخ: معليش يا أخي لكن الإيمان هذا أنا قلت: أنا متوافق معك، لكن ما عم تعرف الإيمان الذي جاء في الشرع، عطني بالك إذا ابن تيميه لا يقول الإيمان يزيد وينقص. السائل: يقول نعم. الشيخ: فإذاً يا أخي بارك الله فيك أنت أخذت شيئاً وتركت شيئاً. السائل: شكراً. "الهدى والنور" (446/ 10: 00: 00)

[527] باب جواز الاستثناء في الإيمان وذكر من أنكر ذلك

(حكم الاستثناء في الإيمان وقول المرء أنا مؤمن) [527] باب جواز الاستثناء في الإيمان وذكر من أنكر ذلك [وصف أبوغدة شارحَ الطحاوية أبن أبي العز بالإمامة، فأراد الإمام الألباني إلزامه ببعض أهم المسائل العقدية التي قررها الشارح في عقيدته والتي يعلم الشيخ الألباني إنكار أبي غدة أو شيخه الكوثري لها فقال الإمام:] قلت: فإذا كان أبو غدة مؤمناً حقاً بهذه الإمامة الملموسة المشهورة فأنا أختار له من كلام هذا الإمام سبع مسائل, فإن أجاب عنها بما يوافق ما ذهب إليه هذا الإمام المشهور من قلبٍ مخلصٍ فذلك ما نرجوه, وأعتذر إليه من إساءة الظن به, وإن كانت الأخرى فذلك مما يؤيد - مع الأسف- ما رميته به من المداراة. [فذكر خمس مسائل ثم قال:] المسألة السادسة: ذهب "الإمام" شارح الطحاوية (ص 351) إلى جواز الاستثناء في "الإيمان" وهو قول المؤمن: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى. على تفصيل في ذلك بينه, والحنفية يمنعون منه مطلقاً, بل إن طائفة منهم ذهبوا إلى تكفير من قال ذلك, ولم يقيدوه بأن يكون شاكاً في إيمانه, ومنهم الاتقاني في "غاية البيان", وصرح في "روضة العلماء" (من كتبهم) بأن قوله "إن شاء الله" يرفع إيمانه, فلا يجوز الاقتداء به (يعني في الصلاة). وفي الخلاصة و"البزازية" في كتاب النكاح, عن الإمام أبي بكر محمد بن الفضل:" من قال: أنا مؤمن إن شاء الله فهو كافر لا

[528] باب منه

تجوز المناكحة معه". قال الشيخ أبو حفص في "فوائده": لا ينبغي للحنفي أن يتزوج بنته من رجل شفعوي المذهب. وهكذا قال بعض مشايخنا, ولكن يتزوج بنتهم. زاد في "البزازية" تنزيلاً لهم منزلة أهل الكتاب. كذا في "البحر الرائق" (2/ 51). "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 58 - 59) [528] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إذا سئل أحدكم: أمؤمن أنت؟ فلا يشك». (منكر). [قال الإمام]: وهو ... مخالف للآثار السلفية المجمعة على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن زيادته بالطاعة، وقد تفرع منه جواز الاستثناء فيما إذا سئل المؤمن - كما في الآثار -: هل أنت مؤمن؟ أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله, خلافاً لما في حديث ابن بديل. وذلك مشروح في كتب السنة والعقيدة، ومنها كتاب الإمام الطبري المتقدم " تهذيب الآثار "، وغيرها، فليرجع إليها من شاء، فمن كان على علم بها مسبقاً؛ كان عوناً له على تحقيق القول في حديث ابن بديل والقطع بأنه حديث منكر. والله الموفق. "الضعيفة" (6/ 148، 152).

[529] باب منه

[529] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «اتقوا زلة العالم وانتظروا فيئته». (ضعيف جداً). [قال الإمام]: رواه ابن عدي (274/ 1) والبيهقي في " السنن الكبرى " (10/ 211) والديلمي في " المسند " (1/ 1/43) عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده مرفوعاً، وقال: " كثير هذا عامة أحاديثه لا يتابع عليها ". قلت: وهو ضعيف جدّاً، وفي " الضعفاء " للذهبي: " قال الشافعي: ركن من أركان الكذب". وقال ابن حبان: له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة. وقال آخرون: ضعيف". ومن طريقه رواه الحلواني أيضا، كما في " الجامع الصغير "، وقال شارحه المناوي: " سكت عليه، فلم يرمز له بضعف وغيره، ومن قال: إنه رمز لضعفه، فقد وهم، فقد وقفت على نسخته بخطه، ولا رمز فيها، إن سلم عدم وضعه، فقد علمت القول في كثير، وقال الزين العراقي: رواه ابن عدي من حديث عمرو بن عوف هذا وضعفه. انتهى. فعزو المصنف الحديث لابن عدي وسكوته عما أعله به غير مرضي، ولعله اكتفى بإفصاحه بكثير ". قلت: وسكت عنه المناوي أيضا في " التيسير "، أفلا يقال فيه ما قاله هو في السيوطي؟! هذا، ولعل أصل الحديث موقوف، فرفعه كثير عمدا أوخطأ، فقد رأيت

الشطر الأول منه من قول معاذ بن جبل رضي الله عنه، في مناقشة هادئة رائعة بين ابن مسعود وأبي مسلم الخولاني التابعي الجليل، لا بأس من ذكرها لما فيها من علم وخلق كريم، ما أحوجنا إليه في مناظراتنا ومجادلاتنا، وأن المنصف لا يضيق ذرعاً مهما علا وسما إذا وجه إليه سؤال أو أكثر في سبيل بيان الحق، فأخرج الطبراني في " مسند الشاميين " (ص 298) بسند جيد عن الخولاني: أنه قدم العراق فجلس إلى رفقة فيها ابن مسعود، فتذاكروا الإيمان، فقلت: أنا مؤمن. فقال ابن مسعود: أتشهد أنك في الجنة؟ فقلت: لا أدري مما يحدث الليل والنهار. فقال ابن مسعود: لو شهدت أني مؤمن لشهدت أني في الجنة. قال أبو مسلم: فقلت: يا ابن مسعود! ألم تعلم أن الناس كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على ثلاثة أصناف: مؤمن السريرة مؤمن العلانية، كافر السريرة كافر العلانية، مؤمن العلانية كافر السريرة؟ قال: نعم. قلت: فمن أيهم أنت؟ قال: أنا مؤمن السريرة مؤمن العلانية. قال أبو مسلم: قلت: وقد أنزل الله عز وجل: " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن "، فمن أي الصنفين أنت؟ قال: أنا مؤمن. قلت: صلى الله على معاذ. قال: وما له؟ قلت: كان يقول: " اتقوا زلة الحكيم ". وهذه منك زلة يا ابن مسعود! فقال: أستغفر الله. وأقول: رضي الله عن ابن مسعود ما أجمل إنصافه، وأشد تواضعه، لكن يبدو لي أنه لا خلاف بينهما في الحقيقة، فابن مسعود نظر إلى المآل، ولذلك وافقه عليه أبو مسلم، وهذا نظر إلى الحال، ولهذا وافقه ابن مسعود، وأما استغفاره، فالظاهر أنه نظر إلى استنكاره على أبي مسلم كان عاما فيما يبدو من ظاهر كلامه. والله أعلم. "الضعيفة" (4/ 193 - 194).

[530] باب منه

[530] باب منه [سئل الشيخ عمن يقول: لا يجوز للإنسان أن يقول: أنا مؤمن، بل يقول: أنا مسلم، فأجاب رحمه الله]: الحقيقة التي لا تخفى على عالم أن هناك فرقاً بين الإسلام وبين الإيمان، وبينهما كما يقول الفقهاء: عموم وخصوص، أي: كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن، لماذا؟ لأن الإيمان هو الاعتقاد فهو أمر قلبي، أما الإسلام وهو أمر عملي ظاهر .. أما الإسلام فعمل ظاهري، عمل الجوارح ... ، الإيمان قلبي باطني غير ظاهر، أما الإسلام فهو ظاهري عملي فيظهر، فقد يمكن أن يُسْلِمَ بعض الناس لمصلحة شخصية، هذه المصلحة تتغير وتختلف باختلاف الزمان والمكان، في الزمن الأول: زمن قوة الإسلام التي نبع منها تشريع خاص من ذلك قوله عليه السلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم وحسابهم على الله» فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا بها دمائهم وأموالهم، إذا قالوها عن عقيدة .. عن إيمان .. أو عن خوف قتل .. خوف دفع جزية أو ما شابه ذلك؛ لذلك كان الإسلام غير الإيمان، فالإسلام عمل ظاهري، والإيمان عمل باطني فإذا عرفنا هذه الحقيقة وهي منصوص عليها في كتاب الله وفي أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في نصوص كثيرة من أشهرها قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا} (الحجرات:14) أتى الأمر الإلهي: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ في قُلُوبِكُمْ} (الحجرات:14) هؤلاء أسلموا يعني: تظاهروا بأنهم يشهدوا أن لا إله إلا الله .. يقوموا إلى الصلاة، ولكن ربنا علم منهم أن الإيمان لم يدخل إلى قلوبهم، فهؤلاء مسلمون، أي: قد يكونون منافقين

في قلوبهم لكن مسلمون في أعمالهم. ولذلك فمن كان مؤمناً حقيقةً في قلبه فهو مسلم ولا شك، والعكس، أي: ليس كل مسلم مؤمن؛ لذلك أنا استنكرت قول ذلك الشاب: أنه أنت عندما تقول: أنا مؤمن .. لا، أنت مسلم ما لك مؤمن، فلما قال لك ذاك الإنسان: أنك أنت لست مؤمناً أنت مسلم كنت مستحسن أنك تعكس عليه سؤال: فأنت مؤمن أو مسلم؟ إذا قال: لا، أنا مؤمن، طيب! ما الفرق بيني وبينك؟ لماذا تنكر علي قولي: أنا مؤمن؟ هو الواقع بدا لي من هذا السؤال ومن بعض المناقشات التي جرت بينك وبينه أن هذا سامع كلمات، وجد كلمات من بعض المحاضرات أو بعض الدروس وليس مستوعبها، يوجد عند علماء السلف هذا الحديث، أنه إذا سئل الإنسان: «هل أنت مؤمن»؟ يقول: «أنا مؤمن إن شاء الله»، بينما أناس آخرين يقولوا: «لا، لا تقل: إن شاء الله، قل: أنا مؤمن اجزم»، وجهة نظر الذي يقول: «أنا مؤمن إن شاء الله»؛ ليس هو الشك في إيمانه، أنا وأنت كلُّ أحدٍ منا يعرف نفسه أنه مؤمن بالله ورسوله وما جاء في كتاب الله وسنة رسوله. فلما المسلم حقاً يسأل مثل هذا السؤال: المنهج السلفي يقول له: لا تقل: «أنا مؤمن» جزماً وحقاً، لكن قل: «أنا مؤمن إن شاء الله»، لماذا؟ لأن الإيمان ليس هو مجرد الاعتقاد، وإنما يضاف إليه العمل الصالح؛ لذلك: إذا ذكر الله الإيمان قرن معه العمل الصالح: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (العصر:1 - 3). ولذلك من المقرر عند علماء السلف أن العمل الصالح من الإيمان، بينما الذين يسمون بالماتريدية هؤلاء يقولون: لا، العمل الصالح لوحده، والإيمان وحده، أي: العمل الصالح ليس له علاقة بالإيمان، عرفت؟ هكذا يقولوا، وهذا بلا

شك خطأ، ويبنون على هذا الخطأ خطأ ثان، وهو: هذا الماتريدي إذا سئل: هل أنت مؤمن؟ يقول لك: أنا مؤمن حقاً، لماذا؟ لأنه يتكلم على العقيدة لا يعني العمل الصالح؛ لأنه يقول هكذا: الإيمان ليس له علاقة بالعمل الصالح، صحيح العمل الصالح فرض واجب لكن لا يدخل في مسمى الإيمان، بينما عند الجمهور: الإيمان من معانيه العمل الصالح، من هنا يختلف الجواب، هل الذي يقول: الإيمان هو الاعتقاد الجازم فيسأل: يقول: «أنا مؤمن حقاً»، أما الذي يعتقد أن من الإيمان العمل الصالح يقول لك: «أنا مؤمن إن شاء الله»؛ لأنه لا يعرف أنه قائم بحق هذا الإيمان أو لا. هذا الشاب يمكن سمع أن السلف لا يقولون: أنا مؤمن حقاً، يقولون: مؤمن إن شاء الله، ففسرها: أنه لا تقل: مؤمن مطلقاً، وإنما أقول: أنا مسلم، أنت تقدر تقول عن إنسان مسلم إذا شكيت في إيمانه! مثل المنافقين الذين كانوا في زمن الرسول، وما أظن هو يريد أن يتهمك بالنفاق، ولذلك كنت أستحسن جداً أنك تقول له: أنت مؤمن؟ هذا السؤال أنا أجبتك عليه، ما جوابك أنت عليه إذا أنا قلت لك: هل أنت مؤمن؟ فإذا قال لك: أنا مؤمن، معناه: كشفته أنه يتهمك بالنفاق، يعني: يقول لك: أنت كافر تظهر الإسلام، وإذا قال لك: أنا مسلم ولم يقل: أنا مؤمن، يتحقق أنه لا يفهم القضية، آخذ رؤوس أقلام من قول السلف: أنه أنا مؤمن إن شاء الله، إذاً: لن يقول أنا مؤمن. فأنت عندما قلت له: أنا مؤمن كنت مخطئ عنده، لكن ما الصواب؟ أنه لازم تقول: أنا مسلم، لا، الجواب الصحيح: أنا مؤمن إن شاء الله، أما إذا كنت قصدت أو فهمت من سؤال السائل: هل أنت تعتقد اعتقاد جازم بالإسلام والقرآن والسنة وإلى آخره، فقلت له: نعم، أنا مؤمن ما من مانع من هذا الجواب، لكن عندما

يسأل سؤالاً مطلقاً: هل أنت مؤمن؟ الجواب السلفي: أنا مؤمن إن شاء الله، لأنه داخل في مسمى الإيمان العمل الصالح. هذا السائل: عندما سألك: هل أنت مؤمن؟ ما ندري ماذا قصد؟ فأنا أخشى ما أخشاه أحد شيئين وأحلاهما مر: الشيء الأول: أنه يتهمك بالكفر، ولذلك سيقول لك: أنت لست مؤمناً، أنت مسلم. الشيء الثاني الذي يمكن يقصده: هو هذا المعنى الذي لا يقوله عالم؛ لأن السلفيين أتباع أهل الحديث يقولون: أنا مؤمن إن شاء الله، الماتريديين يقولوا: أنا مؤمن حقاً، فهو: لماذا ينكر هذه وينكر هذه؟ لذلك قال لك: قل: أنا مسلم، فيعاد عليه السؤال: أنك أنت سألتني كذا وقلت لي: لا، أنت لازم تقول: أنا مسلم، فأنت شو تقول .. يتبين حينئذ ما قصده بهذا السؤال. " الهدى والنور" (170/ 15: 48: 00)

جماع أبواب الرد على المرجئة والأحناف في مسائل الإيمان

جماع أبواب الرد على المرجئة والأحناف في مسائل الإيمان

[531] باب تعريف المرجئة

[531] باب تعريف المرجئة [قال الإمام]: (المرجئة) هم فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. سموا مرجئة، لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي أي أخره عنهم. كذا في "النهاية". "تحقيق الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام" (ص63 - 64) [532] باب ذكر بعض طوائف المرجئة وبيان بطلان مذهبهم [قال الإمام]: من المعلوم أنهم [أي الحنفية] لا يقولون بما جاء في الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة من التصريح بأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال من الإيمان، وعليه جماهيرُ العلماء سَلَفاً وخلفاً ما عدا الحنفّية؛ فإنهم لا يزالون يُصِرُّون على المخالفة؛ بل إنهم لَيُصَرِّحون بإنكار ذلك عليهم، حتى إن منهم من صرّح بأن ذلك ردة وكفر - والعياذ بالله تعالى -، فقد جاء في (باب الكراهية) من ((البحر الرائق)) - لا بن نُجَيم الحنفي - ما نصُّه (8/ 205): "والإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال" (¬1). ¬

(¬1) وهذا يخالف - صراحةً - حديث أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سُئل: أيُّ العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله ... » - الحديث-، أخرجه البخاري - وغيره -، وفي معناه أحاديث أخرى ترى بعضها في "الترغيب" (2/ 107). وقد فصّل شيخ الإسلام ابن تيميَّة وجهَ كون الإيمان من الأعمال، وأنه يزيد وينقص - بما لا مزيد عليه - في كتابه "الإيمان"، فلْيراجعه من شاء البسط. أقولُ: هذا ما كنتُ كتبتُهُ منذ أكثرَ من عشرين عاماً؛ مُقَرِّراً مذهبَ السلف، وعقيدةَ أهل السُّنَّةِ - ولله الحمدُ - في مسائل الإيمان، ثُمَّ يأْتي - اليومَ - بعضُ الجهلةِ الأغمار، والناشئةِ، الصِّغار: فيرموننا بالإرجاء!! فإلى اللهِ المشتكى مِن سوءِ ما هم عليه مِن جهالة وضلالة وغُثاء ... (منه).

[533] باب بدعة الشهادة من بدع المرجئة

وقال في (باب أحكام المرتدّين) (5/ 129 - 131) ما نصّه: "فيكفر إذا وصف الله بما لا يليق به، أو سخر باسم من أسمائه ... - ثم سرد مكفرات كثيرة، ثم قال: - ... وبقولة: الإيمان يزيد وينقص"!. "الذب الأحمد" (ص 32 - 34) [533] باب بدعة الشهادة من بدع المرجئة [قال] أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "الإيمان": حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، قال: اجتمع الضحاك وميسرة وأبو البختري فأجمعوا على أن الشهادة بدعة، والإرجاء بدعة، والبراءة بدعة. (إسناده إلى الجمع المذكور صحيح). [قال الإمام]: أما (الشهادة) فالظاهر أنها من بدع (المرجئة) الذين يشهدون لكل مؤمن بالجنة، الذين يقولون: كما لا ينفع مع الشرك عمل، كذلك لا يضر مع الإيمان عمل. أو لعلها من بدع المعتزلة، فقد اختلفوا في (الشهادة) على أربعة أقوال، منها قول بعضهم: الشهداء هم العدول قتلوا أولم يقتلوا. راجع بقية أقوالهم في "مقالات الإسلاميين" (1/ 296 - 297). "تحقيق الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام" (ص 65)

[534] باب رد قول المرجئة: لا يضر مع الإيمان ذنب، وبيان خطورة قولهم

[534] باب رد قول المرجئة: لا يضر مع الإيمان ذنب، وبيان خطورة قولهم [قال الإمام معلقا على قول صاحب الطحاوية: "ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله"]. وذلك لأنه من قول المرجئة المؤدي إلى التكذيب بآيات الوعيد وأحاديثه الواردة في حق العصاة من هذه الأمة وأن طوائف منهم يدخلون النار ثم يخرجون منها بالشفاعة أو بغيرها. "التعليق على متن الطحاوية" (ص63). [535] باب رد قول المرجئة أن الإيمان واحد وأهله في أصله سواء [قال الإمام معلقًا على قول صاحب الطحاوية]:" والإيمان واحد وأهله في أصله سواء والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة الأولى". قلت: هذا على ما تقدم من قوله في الإيمان أنه إقرار وتصديق فقط وقد عرفت أن الصواب فيه أنه متفاوت في أصله وأن إيمان الصالح ليس كإيمان الفاجر. فراجعه. "التعليق على متن الطحاوية" (ص69 - 70). [536] باب بيان بطلان عقيدة الأحناف في الإيمان السائل: بالنسبة لمسألة الإيمان عند الأحناف، هل ثبت القول عن أبي حنيفة بأنه لا يشترط العمل في الإيمان .. ؟

الشيخ: لا شك هذا مذهب الحنفية كلهم، إمامهم وتابعهم كأبي يوسف ومحمد وأبو جعفر الطحاوي الذي أعتبره من نوادر المحدثين الأحناف ومن المجتهدين، مع ذلك فأنتم قرأتم رأيه في العقيدة الطحاوية، فهو ينحو منحى شيوخه: أن الإيمان: إقرار باللسان، واعتقاد بالجنان، أما العمل فلا يذكره، ولذلك قالوا: إن الإيمان كتلة واحدة وشيئًا واحدًا لا يزيد ولا ينقص، هذا خلاف القرآن والسنة. مداخلة: هل يصح أن يقال: أن هذا الخلاف خلاف لفظي؟ الشيخ: [بل] هو خلاف جوهري، وحسبكم دليلًا على ذلك أنهم رتبوا على ذلك -بعض المتأخرين منهم-، أن من قال: أنا مؤمن إن شاء الله فهو كافر، ورتبوا على ذلك مسألتين عجيبتين، قال قائلهم من قبل: لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالشافعية؛ لأن الشافعية يقولون إذا سئلوا: هل أنت مؤمن؟ قالوا: أنا مؤمن إن شاء الله، فقولهم: إن شاء الله شك في الإيمان، ومن شك في إيمانه فقد كفر، ومضت هذه الفتوى ما شاء الله من سنين، ثم جاء من يسمى بمفتي الثقلين أبو السعود صاحب التفسير المعروف فيه، فسئل هذا السؤال نفسه، فما أدري كان جوابه خيرًا من السابق أم شرًّا منه، وإن كان من الناحية العملية ألطف منه، حيث أجاب بأنه يجوز للحنفي أن يتزوج بالشافعية تنزيلًا لها منزلة أهل الكتاب، فهذا التصريح خطير جدًا ولازمه أنه لا يجوز للحنفية .. المرأة الحنفية أن تتزوج الشافعي؛ لأنه يشك في إيمانه فهو كافر، يعني: كالنصرانية تتزوج المسلم لكن المسلمة ما تتزوج النصراني. فالخلاف جوهري، لكن زاهد الكوثري والكوثري الصغير هذا يحاول أنه يقولون بالتعبير الشامي: "يبردخ" يزين يقرب الموضوع من أجل أن يدفع النقمة

[537] باب الرد على من أخرج العمل من مسمى الإيمان وبيان أن الخلاف بين أهل السنة وبين الحنفية والماتريدية حقيقيا لا صوريا

عن هذا المذهب، فأبي حنيفة في اعتقادي ما يحتاج إلى مثل هذا التسويغ وهذا التجويب فهو رجل عالم وفقيه فاضل لكنه غير معصوم، وكما قال مالك: ما منا من أحد إلا رَدَّ ورد عليه إلا صاحب هذا القبر. (فتاوى جدة -الأثر-" (3/ 01:05:08) [537] باب الرد على من أخرج العمل من مسمى الإيمان وبيان أن الخلاف بين أهل السنة وبين الحنفية والماتريدية حقيقيًّا لا صورياًّ -[قال الإمام معلقا على قول صاحب الطحاوية]:"والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان": هذا مذهب الحنفية والماتريدية خلافا للسلف وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق: العمل بالأركان. وليس الخلاف بين المذهبين اختلافاً صورياًّ كما ذهب إليه الشارح رحمه الله تعالى بحجة أنهم جميعا اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان وأنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. فإن هذا الاتفاق وإن كان صحيحاً فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفةً حقيقيةً في إنكارهم أن العمل من الإيمان لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته بالطاعة ونقصه بالمعصية مع تضافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفية على ذلك وقد ذكر الشارح طائفة طيبة منها (ص 384 - 387) ولكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنقصان وتكلفوا في تأويلها تكلفاً ظاهراً بل باطلاً ذكر الشارح (ص 385) [342] نموذجا منها بل

حكى عن أبي المعين النسفي أنه طعن في صحة الحديث " الإيمان بضع وسبعون شعبة ... " مع احتجاج كل أئمة الحديث به ومنهم البخاري ومسلم في " صحيحيهما " وهو مخرج في " الصحيحة " (1769) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم. ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صوريًّا؛ وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول: إيماني كإيمان أبي بكر الصديق بل كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبريل وميكائيل عليهم الصلاة والسلام، كيف وهم بناءً، على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم - مهما كان فاسقاً فاجراً - أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، بل يقول: أنا مؤمن حقاً، والله عز وجل يقول: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقا} (الأنفال: 2 - 4) {ومن أصدق من الله قيلا} (النساء: 22). وبناء على ذلك كله اشتطوا في تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالمرأة الشافعية وتسامح بعضهم - زعموا - فأجاز ذلك دون العكس وعلل ذلك بقوله: تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب. وأعرف شخصاً من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية فأبى قائلا: ... لولا أنك شافعي! فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي؟ ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: " الإيمان " فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع. "التعليق على متن الطحاوية" (ص66 - 69).

[538] باب رد قول من أخرج الأعمال من الإيمان

[538] باب رد قول من أخرج الأعمال من الإيمان [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم وهو مؤمن». [قال الإمام]: الحقيقة أن الحديث وإن كان مؤولاً، فهو حجة على الحنفية الذين لا يزالون مصرين على مخالفة السلف في قولهم بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فالإيمان عندهم مرتبة واحدة، فهم لا يتصورون إيماناً ناقصاً، ولذلك يحاول الكوثري رد هذا الحديث، لأنه بعد تأويله على الوجه الصحيح يصير حجة عليهم، فإن معناه: " وهو مؤمن إيماناً كاملاً ". قال ابن بطال: " وحمل أهل السنة الإيمان هنا على الكامل، لأن العاصي يصير أنقص حالاً في الإيمان ممن لا يعصي " ذكره الحافظ (10/ 28). ومثله ما نقله (12/ 49) عن الإمام النووي قال: " والصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، هذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء، والمراد نفي كماله، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا ما نيل، ولا عيش إلا عيش الآخرة ". ثم أيده الحافظ في بحث طويل ممتع، فراجعه. ومن الغرائب أن الشيخ القاري مع كونه حنفيّاً متعصبا فسر الحديث بمثل ما تقدم عن ابن بطال والنووي، فقال في " المرقاة " (1/ 105): " وأصحابنا تأولوه بأن المراد المؤمن الكامل .. "، ثم قال: " على أن الإيمان هو التصديق، والأعمال خارجة عنه "! فهذا يناقض ذاك التأويل. فتأمل. "الصحيحة" (6/ 2/1269، 1276 - 1277).

[539] باب الرد على قول الحنفية بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص

[539] باب الرد على قول الحنفية بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص سؤال: مادام تكلمنا عن العقيدة وعقيدة المذاهب لو نلقي الضوء على عقيدة أبي حنيفة. الشيخ: أبو حنيفة أولاً: ليس له عقيدة مسطورة ثانياً: له كتاب ينسب إليه اسمه الفقه الأكبر, وأبو حنيفه باعتبار تقدمه في الطبقة لأنه كان من أهل القرن الثاني توفي سنة (150) للهجرة, فهو لم يترك كتابا لكن ترك تلامذة, هذا الكتاب المنسوب إليه الفقه الأكبر الحقيقة يمثل ما عليه المنتسبون إلى أبي حنيفة رحمه الله تعالى, أبو حنيفة فيما يتعلق بالإيمان هو رأيه كما قلنا لا يزيد ولا ينقص وهاي عقيدة كل الأحناف من أول الزمان إلى اليوم وهاي من مشاكل الجمود على التقليد خاصة بالعقيدة, ومن عجائبهم أنهم يقولون في كتب العقيدة أن التقليد في العقيدة لا يجوز, مع ذلك بتشوف الماتريدية ماتريدية والأشاعرة أشاعرة على مُضِيّ القرون كلها, وأين ما بيجوز التقليد في العقيدة وأنتم جامدين على هذا التقليد، فأتباع أبي حنيفة إذا صح لنا ولا نجد سبيلا إلا إلى ذلك أن نقول إنهم يمثلون عقيدة أبي حنيفة، فأبو حنيفة يقولٌ بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأتباعهم معه في هذا وينقلونه عنه بدون أي خلاف، بينما في مسائل فقهية ينقلون عن الإمام بعض الأقوال المتعارضة المتناقضة في المسألة الواحدة، هذا لا عجب [فيه]؛ لأن الإمام يجتهد برأيه ثم يبدو له رأي آخر, ما فيه مانع أبدا, لكن ما أحد منهم نقل عن أبي حنيفة مشياً مع نص القرآن في أكثر من آية {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب:22). فالإيمان يزيد بنص القرآن في أكثر من آية في القرآن الكريم, ما نقلوا ولا رواية عن أبي حنيفة ولو ضعيفة أن الإيمان يزيد وينقص وانه زيادته الطاعة

ونقصانه المعصية مداخلة: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (محمد:17). الشيخ: فيه آيات كثيرة, فيه آيات كثيرة مداخلة: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (الأنفال:2). الشيخ: الشاهد: في الفقه الأكبر ناقلين عبارة تلتقي .. مع عقيدة أهل السنة فيما يتعلق بالعلو لله عز وجل فقالوا بأن أبا حنيفة قال: من اعتقد بأن الله ليس في السماء فقد كفر, هذه العقيدة موجودة عند بعض الماتريدية مش كلهم، وإلا الماتريدية مثل الأشاعرة في موضوع صفة العلو للعلي الأعلى فهم يعتقدون أن الله في كل مكان مع الأسف الشديد، لكن أبا حنيفة في هذه الكلمة التي رووها عنه فهو مع الكتاب والسنة ومع أهل السنة والحديث، وأَكَّد ذلك بعض أتباعه في القرن السادس, فيه رجل منهم له قصيدة تسمى بقصيدة «بدء الأمالي»: يقول العبد في بدء الأمالي ... بتوحيد -ما دري إيه- بذي الجلال قديما كنت حفظتها وبعدين ذهبت مع الإهمال والنسيان, بالجملة بيقول بيت الشاعر: ورب العرش فوق العرش لكن ... بلا وصف التمكن واتصال هاي عقيدة أهل السنة وهي معنى كلام أبو حنيفة " من اعتقد بأن الله ليس في السماء فقد كفر " لأنه خالف الكتاب والسنة. في الجملة أبو حنيفة والأئمة الأربعة هم على الخط السلفي, إلا لابد يعني كل واحد له زلة, لكن الأتباع هم في واد والأئمة أنفسهم في واد. "الهدى والنور" (52/ 34: 07: 00)

[540] باب القول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص مخالف للكتاب والسنة وأقوال السلف

[540] باب القول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص مخالف للكتاب والسنة وأقوال السلف [قال الإمام]: بعض الأئمة المتقدمين ممن يقلدهم اليوم جماهير المسلمين ... ذهب إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، مع مخالفة ذلك لأدلة الكتاب والسنة الصريحة وأقوال سلف هذه الأمة. "تحقيق رفع الأستار" (ص30). [541] باب ضلال من يعتقد أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص [ذكر الإمام ضمن الأمثلة على ضلال أبي غدة]: إصراره على القول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص تعصبًا لحنفيته وكوثريته خلافًا للآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة وأقوال السلف. "كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات" (ص56) [542] باب التحذير من أحاديث موضوعة تشهد لبدعة الإرجاء [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: - «إنما حر جهنم على أمتي كحر الحمام». (موضوع). [قال الإمام]: أقول: وحري بمثل هذا الحديث الباطل أن لا يرويه إلا مثل هذين الكذابين، فإنه حديث خطير يقضي على باب كبير من أبواب التربية والإصلاح في الشرع، ألا وهو باب الوعيد وما فيه من الآيات والأحاديث في إيعاد العصاة من هذه الأمة

بالنار الموقدة [التي تطلع على الأفئدة]، والأحاديث الصحيحة في بيان هذا كثيرة جداً أذكر بعض ما يحضرني الآن منها على سبيل المثال: 1 - «ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب». رواه مسلم عن أبي ذر وهو مخرج في " إرواء الغليل " (892) و"تخريج الحلال " (170). 2 - «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب وعائل مستكبر». رواه مسلم عن أبي هريرة. 3 - قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث الشفاعة: «حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الله الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا " (¬1) رواه الشيخان عن أبي هريرة. وفي حديث أبي سعيد: فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه و ... ». رواه مسلم. فهذه الأحاديث وغيرها صريحة في بطلان هذا الحديث، إذ كيف يكون العذاب أليماً وهو كحر الحمام؟! بل كيف يكون كذلك وقد أحرقتهم النار، وأكلت لحمهم، حتى ظهر عظمهم؟! وبالجملة فأثر هذا الحديث سيء جداً لا يخفى على المتأمل فإنه يشجع الناس على استباحة المحرمات، بعلة أن ليس هناك عقاب إلا كحر الحمام! "الضعيفة" (2/ 145،147 - 148). ¬

(¬1) أي احترقوا، والمحش احتراق الجلد وظهور العظم. كذا في " الفتح ". اهـ. [منه].

[543] باب ما كل حديث تحدث به العامة كأن يكون ظاهر الحديث يقوي بدعة الإرجاء

[543] باب ما كل حديث تُحَدَّثُ به العامة كأن يكون ظاهر الحديث يقوي بدعة الإرجاء [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أبشروا وبشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة». [ترجمه الإمام بقوله: ما كل حديث تُحَدَّثُ به العامة، ثم قال]: أخرجه أحمد (4/ 411) حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: (فذكره). فخرجوا يبشرون الناس، فلقيهم عمر رضي الله عنه فبشروه، فردهم. فقال: رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " من ردكم؟ ". قالوا: عمر قال: لم رددتهم يا عمر؟ " قال: إذا يتكل الناس يا رسول الله! قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وأبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب الأزدي. وحسنه الحافظ (1/ 200) فقصر وكأنه أراد طريق مؤمل الآتية. ثم أخرجه أحمد (4/ 402) حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة به وزاد في آخره. " قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ". لكن مؤمل بن إسماعيل فيه ضعف من قبل حفظه إلا أنه يشهد له حديث أبي هريرة بمثل هذه القصة مطولا بينه وبين عمر، وفي آخرها: " قال عمر: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: فخلهم ". أخرجه مسلم (1/ 44) من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة. وفي قصة أخرى نحو الأولى وقعت بين جابر وعمر، وفي آخرها:

" قال: يا رسول الله! إن الناس قد طمعوا وخبثوا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (يعني لجابر): اقعد ". أخرجه ابن حبان (رقم 7) بإسناد صحيح من حديث جابر. وفي الباب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو الآتي بعده، وفيه: " قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله؟ قال: دعهم يعملوا ". وقد أخرجه البخاري (1/ 199 - فتح) ومسلم (1/ 45) وغيرهما من حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل قال: يا معاذ ... " الحديث وفيه: «أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذا يتكلوا» وأخبر بها معاذ عند موته تأثما». وأخرجه أحمد (5/ 228 و229 و230 و232 و236) من طرق عن معاذ قال في أحدها: " أخبركم بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يمنعني أن أحدثكموه إلا أن تتكلوا، سمعته يقول: «من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه، أو يقينا من قلبه لم يدخل النار، أو دخل الجنة» وقال مرة: «دخل الجنة ولم تمسه النار». وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد ترجم البخاري رحمه الله لحديث معاذ بقوله: " باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله". ثم ساق إسناده بذلك وزاد آدم بن أبي إياس في " كتاب العلم " له: " ودعوا ما ينكرون " أي ما يشتبه عليهم فهمه. ومثله قول ابن مسعود: " ما أنت بمحدث قوما حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ". رواه مسلم (1/ 9). قال الحافظ: " وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان, ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب, ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من

[544] باب منه

الفتن, ونحوه عن حذيفة. وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحَجَّاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي. وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب. والله أعلم ". "الصحيحة" (3/ 297 - 299). [544] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي هريرة]: «اذهب بنعليِّ هاتَين؛ فمَن لقِيتَ من وراءِ هذا الحائط يشهدُ أن لا إله إلا الله مُستَيقِناً بها قلبُه؛ فَبَشِّره بالجنّةِ». [قال الإمام]: أخرجه مسلم (1/ 44 - 45)، وأبو عوانة (1/ 9 - 10) من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثني أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة قال: كنا قعوداً حول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من بين أظهرنا، فأبطأ علينا، وخشينا أن يُقتَطَعَ دوننا، وفزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له باباً؛ فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة- والربيع: الجدول-، فاحتفزت فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: "أبو هريرة؟ ". فقلت: نعم يارسول الله! قال: "ماشأنك؟ ". قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط، فاحتفزت كما يحتفز

الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي! فقال: "يا أبا هريرة! "، وأعطاني نعليه، قال: ... (فذكر الحديث). وقال: فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟! فقلت: هاتان نعلا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، بعثني بهما: من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه؛ بشرته بالجنة. فضرب عمر بيده بين ثديي، فخررت لاستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة! فرجعت إلى رسول الله عيشة، فأجهشت بكاء، وركبني عمر، فإذا هو على إثري؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "مالك يا أبا هريرة؟! ". قلت: لقيت عمر، فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي؛ قال: ارجع! قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟! ". قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك؛ من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، بشره بالجنة؟! قال: "نعم ". قال: فلا تفعل؛ فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون. قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "فخلِّهم ". [قال الإمام]: وفي الحديث توجيه سديد للدعاة أن لا يحدثوا بأحاديث الترغيب والترهيب، إلا مع بيان المراد منها بالتفصيل؛ خشية أن يساء فهمها، فيتكلوا، فيبن مثلاً: أن الشهادة لله بالوحدانية يجب أن تفهم جيداً، بحيث تمنع قائلها من عبادة غير الله بأي نوع من أنواع العبادات المعروفة. وأن من شهد بها وقصر بالقيام ببعض الأحكام الشرعية، أو ارتكب بعض المعاصي؛ فذلك لا يعني أنه لا يستحق أن يعذب عليها؛ إلا أن يغفر الله له. "الصحيحة" (7/ 3/1708 - 1710).

[545] باب الإيمان: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان وهو يزيد وينقص والرد على من أنكر ذلك

[545] باب الإيمان: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان وهو يزيد وينقص والرد على من أنكر ذلك [وصف أبوغدة شارحَ الطحاوية أبن أبي العز بالإمامة، فأراد الإمام الألباني إلزامه ببعض أهم المسائل العقدية التي قررها الشارح في عقيدته والتي يعلم الشيخ الألباني إنكار أبي غدة أو شيخه الكوثري لها فقال الإمام]: قلت: فإذا كان أبو غدة مؤمناً حقاً بهذه الإمامة الملموسة المشهورة فأنا أختار له من كلام هذا الإمام سبع مسائل, فإن أجاب عنها بما يوافق ما ذهب إليه هذا الإمام المشهور من قلبٍ مخلصٍ فذلك ما نرجوه, وأعتذر إليه من إساءة الظن به, وإن كانت الأخرى فذلك مما يؤيد - مع الأسف- ما رميته به من المداراة. [فذكر أربع مسائل ثم قال]: المسألة الخامسة: يقول "الإمام" [أي: أبن أبي العز] تبعاً للأئمة مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهوية وسائر أهل الحديث وأهل المدينة: إن الإيمان هو تصديق بالجنان, وإقرار باللسان, وعمل بالأركان. وقالوا: يزيد وينقص. وشيخك تعصباً لأبي حنيفة يخالفهم مع صراحة الأدلة التي تؤيدهم من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح رضي الله عنهم, بل ويغمز منهم جميعاً مشيراً إليهم بقوله في "التأنيب" (ص 44 - 45) إلى "أناس صالحون" يشير أنهم لا علم عندهم فيما ذهبوا إليه ولا فقه, وإنما الفقه عند أبي حنيفة دونهم, ثم يقول: إنه الإيمان والكلمة, وإنه الحق والصراح. وعليه فالسلف وأولئك الأئمة

الصالحون (!) هم عنده على الباطل في قولهم: بأن الأعمال من الإيمان, وأنه يزيد وينقص. وقد نقل أبو غدة كلام شيخه الذي نقلنا موضوع الشاهد منه, نقله بحرفه, في التعليق على "الرفع والتكميل" (ص 67 - 69) , ثم أشار إليه في مكان آخر منه ممجداً به ومكبراً له بقوله (ص 218): وانظر لزاماً ما سبق نقله تعليقاً فإنك لا تظفر بمثله في كتاب ثم أعاد الإشارة إليه (ص 223) مع بالغ إعجابه به. وظني به أنه يجهل - أن هذا التعريف للإيمان الذي زعم شيخه أنه الحق الصراح - مع ما فيه من المخالفة لما عليه السلف كما عرفت, مخالف لما عليه المحققون من علماء الحنفية أنفسهم الذين ذهبوا إلى: أن الإيمان هو التصديق فقط ليس معه الإقرار! كما في "البحر الرائق" لابن نجيم الحنفي (5/ 129) , والكوثري في كلمته المشار إليها يحاول فيها أن يصور للقارئ أن الخلاف بين السلف والحنفية في الإيمان لفظي, يشير بذلك إلى أن الأعمال ليست ركناً أصلياً, ثم يتناسى أنهم يقولون بأنه يزيد وينقص, وهذا ما لا يقول به الحنفية إطلاقاً, بل إنهم قالوا في صدد بيان الألفاظ المكفرة عندهم: وبقوله: الإيمان يزيد وينقص كما في "البحر الرائق" - "باب أحكام المرتدين"! فالسلف على هذا كفار عندهم مرتدون!! راجع شرح الطحاوية (ص 338 - 360) و"التنكيل" (2/ 362 - 373) الذي كشف عن مراوغة الكوثري في هذه المسألة. وليعلم القارئ الكريم أن أقل ما يقال في الخلاف المذكور في المسألة أن الحنفية يتجاهلون أن قول أحدهم - ولو كان فاسقاً فاجراً -: أنا مؤمن حقاً, ينافي

[546] باب الرد على غلاة المرجئة الذين لا يشترطون العمل القلبي في الإيمان

مهما تكلفوا في التأويل - التأدب مع القرآن ولو من الناحية اللفظية على الأقل الذي يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}. فليتأمل المؤمن الذي عافاه الله تعالى مما ابتلى به هؤلاء المتعصبة, من هو المؤمن حقاً عند الله تعالى, ومن هو المؤمن حقاً عند هؤلاء؟! "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 57 - 58) [546] باب الرد على غلاة المرجئة الذين لا يشترطون العمل القلبي في الإيمان [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «حضر ملك الموت عليه السلام رجلاً يموت فلم يجد فيه خيراً، وشق عن قلبه فلم يجد فيه شيئاً، ثم فك عن لحييه فوجد طرف لسانه لاصقاً بحنكه يقول: لا إله إلا الله، فغفر الله له بكلمة الإخلاص». (منكر). [قال الإمام]: ثم إن الحديث منكر عندي يناقض بعضه آخره، لأن قوله: لا إله إلا الله، لا ينفعه ما دام لم يوجد في قلبه شيء من الإيمان إلا على مذهب بعض المرجئة الغلاة الذين لا يشترطون مع القول الإيمان القلبي. فتأمل. "الضعيفة" (6/ 99، 101).

[547] باب الرد على من حصر الإيمان في المعرفة

[547] باب الرد على من حصر الإيمان في المعرفة [قال الإمام]: المعرفة بالشيء لا تعني الإيمان به. "صفة الصلاة" (ص6).

جماع أبواب الرد على من اتهم الشيخ وأهل السنة بالإرجاء

(جماع أبواب الرد على من اتهم الشيخ وأهل السنة بالإرجاء)

[548] باب الرد على بعض من غمز الشيخ بالإرجاء

[548] باب الرد على بعض من غمز الشيخ بالإرجاء [قال الإمام]: وقد بدا لي من مطالعتي للكتاب المذكور [أي كتاب "ظاهرة الإرجاء"لسفر الحوالي] أنه ذو فائدة كبيرة جداً في الرد على علماء الكلام الذين يخالفون أهل الحديث في قولهم: (الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال الصالحة من الإيمان)، مع غلو ظاهر في بعض عباراته؛ حتى ليخال إليَّ أنه يميل إلى مذهب الخوارج، مع أنه يرد عليهم، وغمزني بالإرجاء أكثر من مرة؛ تارة تصريحاً وأخرى تلويحاً، مع إظهاره الاحترام والتبجيل - خلافاً لبعض الغلاة ولا أقول: الأتباع -، وهو يعلم أنني أنصر مذهب أهل الحديث، متذرعاً بأنني لا أكفر تارك الصلاة كسلاً؛ ما لم يدل على أن تركه عن عقيدة وجحود، كالذي يقاله: (إن لم تصل، وإلا؛ قتلناك)، فيأبى فيقتل؛ فهذا كافر مرتد - كما كنت نقلته في رسالتي " حكم تارك الصلاة " عن ابن القيم وشيخه ابن تيمية - وعلى مثله حمل ابن تيمية الآثار التي استفاضت عن الصحابة في كفر تارك الصلاة، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة». انظر كلامهما في الرسالة المذكورة (ص 38 - 46). ومع هذا رمانا المؤلف المذكور بالإرجاء .. سامحه الله، وهدانا الله وإياه لما اختلف فيه من الحق؛ إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ومجال مناقشته واسع جداً فيما نبا قلمه عن الصواب، وما فيه من الأخطاء والتناقضات، وبخاصة في تأويله للأحاديث والنصوص, وليّه إياها إلى ما يتفق مع ما ذهب إليه, مع محاولته التشكيك في صحة الحديث المتفق على صحته؛ إذ شعر أن تأويله إياه غير مقنع - كما فعل بحديث الجهنميين الذين يخرجهم الله من

[549] باب منه

النار بغير عمل عملوه -, بل وإعراضه أحياناً عن ذكر ما هو عليه منها. أقول: هذا باب واسع جداً يتطلب التفرغ له وقتاً مديداً، مما لا أجده الآن. والله المستعان (¬1). "الضعيفة" (14/ 2/949). [549] باب منه [قال الإمام]: طَبَعْتُ ... رسالة خاصة بعنوان "حكم تارك الصلاة " فنفع الله بها من شاء من عباده، واستنكر بعض المؤلفين ما [فيها] من الحكم: أن تارك الصلاة كسلاً - مع إيمانه بها- ليس بكافر؛ لمخالفته إياه عقيدة، فهو بهذا الاعتبار مخالف له؛ وهو عمل قلبي؛ والله عز وجل ضمن أن لا يضيعه؛ كما قال أبو سعيد في الحديث هذا: " فمن لم يصدق بهذا الحديث؛ فليقرأ هذه الآية: {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ... }. وبالنظر إلى تركه الصلاة فهو مشابه للكفار عملاً؛ الذين يتحسرون يوم القيامة؛ فيقولون وهم في سقر: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين} (المدثر:43، 44)؛ فكفره كفر عملي؛ لأنه عمل عمل الكفار؛ فهو كالتارك للزكاة؛ وقد صح الحديث أيضاً أن مانع الزكاة يعذب يوم القيامة بماله الذي كان منعه، ثم يساق إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولكن المؤلف المشار إليه - هدانا الله وإياه- ¬

(¬1) وانظر بعض ما علقه الإمام على الكتاب المذكور في "الدرر المتلألئة بنقض الإمام العلامة الألباني فرية موافقة المرجئة" لتلميذه الفاضل: علي بن حسن الحلبي.

تأول هذا الحديث كما تأول حديث المانع للزكاة تأويلاً عطل دلالته الصريحة على ما ذهبنا إليه من الفرق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي؛ مع أنه قد صح هذا عن ابن عباس وبعض تلامذته، وجرى عليه من بعدهم من أتباع السلف؛ كابن القيم وشيخه؛ كما تقدم في هذا البحث؛ ومع ذلك لم يعرج عليه المومى إليه مطلقاً ولو لرده؛ ولا سبيل له إليه! والله عز وجل يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون} (القلم:35، 36)؟ وكذلك صرف المؤلف المذكور نظره عن حديث:" إن للإسلام صوى .. " الصريح في التفريق بين: "من ترك سهماً؛ فهو سهم من الإسلام تركه "؛ وبين " من ترك الأسهم كلها؛ فقد نبذ الإسلام كله "؛ فلم يتعرض له بجواب. ولا أستبعد أن يحاول تأويله أو تضعيفه؛ كما فعل بغيره من الأحاديث الصحيحة. وبالجملة؛ فمجال الرد عليه واسع جداً، ولا أدري متى تسنح لي الفرصة للرد عليه، وبيان ما يؤخذ عليها فقهاً وحديثاً؟ وإن كنت أشكر له أدبه ولطفه وتبجيله لكاتب هذه الأحرف، ودفاعه عن عقيدة أهل الحديث في أن الإيمان يزيد وينقص؛ وإن كان قد اقترن به أحياناً شيء من الغلو والمخالفة؛ والاتهام بالإرجاء؛ مع أنه يعلم أنني أخالفهم مخالفة جذرية؛ فأقول: الإيمان يزيد وينقص؛ وإن الأعمال الصالحة من الإيمان، وإنه يجوز الاستثناء فيه؛ خلافاً للمرجئة، ومع ذلك رماني أكثر من مرة بالإرجاء! فقلب بذلك وصية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: " وأتبع السيئة الحسنة تمحها .. "! فقلت: ما أشبه اليوم بالبارحة! فقد قال رجل لابن المبارك: " ما تقول فيمن يزني ويشرب الخمر؛ أمؤمن هو؟ قال: لا أخرجه من الإيمان. فقال الرجل: على كبر السن صرت مرجئاً! فقال له ابن المبارك: إن المرجئة لا تقبلني! أنا أقول: الإيمان يزيد وينقص. والمرجئة لا تقول ذلك. والمرجئة تقول: حسناتنا

[550] باب الرد على من اتهم أهل السنة بالإرجاء

متقبلة. وأنا لا أعلم تُقبلت مني حسنة؟ وما أحوجك إلى أن تأخذ سبورة فتجالس العلماء ". رواه ابن راهويه في "مسند هـ " (3/ 670 - 671). قلت: ووجه المشابهة بين الاتهامين الظالمين هو الإشراك بالقول مع المرجئة في بعض مايقوله المرجئة؛ أنا بقولي بعدم تكفير تارك الصلاة كسلاً؛ وابن المبارك في عدم تكفير مرتكب الكبيرة ولو أردت أن أقابله بالمثل لرميته بالخروج؛ لأن الخوارج يكفرون تارك الصلاة وبقية الأركان الأربعة! و {أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين}. "السلسلة الصحيحة" (7/ 1/127 - 154). [550] باب الرد على من اتهم أهل السنة بالإرجاء سؤال: شيخنا ظهرت هناك بعض الكتب فتكلموا عن مسائل التكفير, فأورد بعض الأدلة في مسألة الإيمان, واتهموا بها أن عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة هي من مسائل المرجئة, وأوردوا كلاماً لابن أبي العز وللطحاوي فما ردكم على هذه الشبهة, جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: ردنا أن أولاً: الخلاف جذري بين أهل السنة حقًّا وبين المرجئة حقًّا من ناحيتين اثنتين: أن أهل السنة يعتقدون أن الأعمال الصالحة من الإيمان, أما المرجئة فلا يعتقدون ذلك, ويصرحون بأن الإيمان هو إقرار باللسان وتصديق بالجنان وهو القلب, أما الأعمال الصالحة فليست من الإيمان, وبذلك يردون نصوص كثيرة لا حاجة بنا إلى ذكر شيء منها على الأقل إلا إذا اضطررنا. هذه هي النقطة الأولى التي يخالف المرجئة [فيها] أهل السنة حقًّا، النقطة الثانية وهي تتفرع من النقطة الأولى وهي: أن أهل السنة يقولون: الإيمان يزيد

وينقص, زيادته بالطاعة, ونقصانه بالمعصية, المرجئة ينكرون هذه الحقيقة الشرعية, ويقولون: بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص, فاتهام من أشرت إليهم والعهدة على الراوي اتهام هؤلاء الكاتبين في العصر الحاضر أهل السنة بأنهم مرجئة في مسألة الإيمان, فذلك يدل دلالة واضحة على أحد أمرين اثنين وأحلاهما مر؛ إما أنهم يجهلون هذه الحقيقة, وإما أنهم يتجاهلونها, كيف يتهم من يقول الإيمان يشمل العمل الصالح, والإيمان يزيد وينقص, كيف يتهم هؤلاء بأنهم مرجئة, والمرجئة يخالفون هؤلاء جذريّاً فيقولون: الإيمان لا يشمل العمل الصالح, ولا يقبل الزيادة والنقصان, حتى رووا عن أحد كبارهم أنه كان يقول: إيماني كإيمان جبريل عليه السلام, وهو قد يكون صادقاً مع نفسه, لكنه ليس صادقاً مع نص كتاب ربه حينما يقول: إيماني كإيمان جبريل؛ لأنه يعتقد أن الإيمان ليس له علاقة بالصلاة والعبادة والتقوى, وإنما هو إيمان, وهذا الإيمان الذي هو مجرد الاعتقاد لا يقبل الزيادة والنقصان؛ لأنه إن نقصت تحت اليقين دخله الريب والشك حين ذاك لا يفيد, لكن الإيمان لا يقبل الجمود كهذا النور كهذا المكان مهما سلطت فيه من أنوار فهو يتسع ويتسع إلى ما لا حدود له, فإذن اتهام أهل السنة من هؤلاء الذين يبدوا مما سمعت من السؤال يلحقون بالخوارج أولئك الذين يقولون بمثل هذه الكلمة, ويكفرون من ارتكب كبيرة من الكبائر, ويخالفون في ذلك نصوص كثيرة وكثيرة جدًّا من الكتاب والسنة, فيا عجباً كيف يتهمون جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين وأتباعهم الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنهم خير قرون يتهمونهم بأنهم مرجئة, ويخالفون بذلك أساطيل من نصوص الكتاب والسنة, والأمر في ظني لا يتطلب توسعاً في رد هذه الفرية أكثر مما ذكرته آنفاً ولعل في هذا كفاية إن شاء الله. " الهدى والنور" (764/ 33: 16: 00 طريق الإسلام)

[551] باب التحرير لأصول التكفير وفيه كلمة حول موقع العمل من الإيمان [مجلس مع الأستاذ خالد العنبري]

[551] باب التحرير لأصول التكفير وفيه كلمة حول موقع العمل من الإيمان [مجلس مع الأستاذ خالد العنبري] الملقي [خالد العنبري]: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: أبا عبد الرحمن فضيلة الشيخ الداعية العلامة النقاد المحدث ... الشيخ: دعك دعك من هذه الألفاظ. الملقي: ناصر الدين الألباني، لا شك كما يقول أبو قلابة: إنما مثل العلماء كمثل النجوم التي يهتدى بها، والأعلام التي يقتدى بها، فإذا تغيبت تحيروا، وإذا تركوها ضلوا. ألا وإن الشباب اليوم في حيرة شديدة تجاه مسائل الإيمان والكفر ولا شك أن هذه المسائل من الخطورة بمكان، وأنه يتعين على كل أحد الاعتناء بتحقيقها؛ لأن الله -تبارك وتعالى- علق بها السعادة والشقاوة، والاختلاف في هذه المسائل هو أول اختلاف وقع في هذه الأمة بين الصحابة والخوارج كما لا يخفى على فضيلتكم، ولذلك كان لزاماً علينا أن نطرح بعض الأسئلة، لعل الله ينفع بالجواب عليها من فضيلتكم، ونبدأ بالسؤال الأول وهو في مسائل الإيمان: فلا شك أن الإيمان عند أهل السنة كما يعبر بعض العلماء خمس نونات: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان. وبعبارة أخرى فإن الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب

والجوارح، فلا يكون الرجل مؤمناً حتى يصدق بقلبه، ويقر بلسانه، ولا يكون بذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من الحب والخشية والتعظيم والإجلال للرب -تبارك وتعالى-، ونحو ذلك من الأعمال القلبية، والسؤال فضيلة الشيخ: ما موقع العمل من الإيمان؟ وهل هو شرط كمال أم شرك صحة؟ أرجو توضيح هذه القضية، وبارك الله فيكم. الشيخ: الذي فهمناه من أدلة الكتاب والسنة ومن أقوال الأئمة من صحابة وتابعين وأئمة مجتهدين أن ما جاوز العمل القلبي وتعداه إلى ما يتعلق بالعمل البدني فهو شرط كمال وليس شرط صحة، ولذلك فالزيادة والنقصان الذي هو معروف عند العلماء، وجاء ذكره في تضاعيف السؤال إنما يزيد بهذه الأعمال وينقص، فهناك ارتباط وثيق جداً بين العمل القلبي، والعمل البدني، فكلما ازداد الإيمان في القلب كلما ظهرت آثاره على البدن، وكلما ازداد العمل بدنياً عاد بزيادة في الإيمان القلبي، فهذا هو الذي نفهمه مما أشرت إليه آنفاً من أقوال العلماء الذين كانوا أعلم الناس بدلالات الكتاب والسنة، وقد فهمت بالأمس القريب أنك توسعت في هذا الموضوع وجلبت كل ما تيسر لك من الأدلة من كتاب الله ومن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأقوال أئمة السلف ومن جرى على منهجهم ما فيه كفاية وغنية عن الإفاضة بالنسبة لمثل هذا الوقت، والذي نرتجل فيه الجواب عن سؤالك ارتجالاً، فإذا كان هناك شيء يحتاج إلى توضيح أو بيان فنوضحه، وإلا ننتقل إلى ما بعد هذا السؤال. الملقي: فضيلة الشيخ ما دام العمل شرط كمال لا شرط صحة كما يقول المعتزلة والخوارج، فإن بعض الناس يتهم أهل السنة أو يتهم بعض السلفيين بأنهم

مرجئة ذلك؛ لأنهم يعتقدون أنهم إن قالوا إن العمل شرط كمال فإن ذلك يؤدي إلى أن الإيمان قول بلا عمل، ويقولون هذا قول المرجئة، فما دمتم أنتم أيها السلفيون لا تكفرون تارك الأعمال، ومن تلك الأعمال الأركان الخمسة، وكذلك من ترك الحكم بغير ما أنزل الله من غير ما جحود واستحلال، فأنتم مرجئة، فما ردكم على هذه الفرية -بارك الله فيكم-؟ الشيخ: أولاً: نحن ما يهمنا الاصطلاحات الحادثة بقدر ما يهمنا اتباع الحق حيثما كان، فسواءٌ قيل إنه هذا مذهب الخوارج أو المعتزلة، فهم يقولون معنا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهل معنى كوننا وافقناهم على هذه الكلمة الطيبة أن نحيد عنها؛ لأن غيرنا من أصحاب الانحراف عن الحق هم يقولون ذلك -أيضاً-، بداهة سيكون الجواب: لا، وإنما نحن كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة ندور مع الحق حيث دار، فالذين يتهمون أهل السنة الذين يقولون بما ذكرنا مما عليه الأئمة بالإرجاء؛ فما هو هذا الإرجاء؟ عندهم، ما هو هذا الإرجاء؟ الذين يقولون بالإرجاء لا يقولون بأن الإيمان يزيد وينقص بالأعمال الصالحة، ولذلك فثمة خلاف واضح جداً بين أهل الحق وبين المرجئة، فنحن نعلم أن علماء السلف يذكرون عن بعض السلف من المرجئة الذين يقولون إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص أن أحدهم لا يتورع عن أن يقول: إيماني كإيمان جبريل، هذا منقول؛ ذلك لأن حقيقة الإيمان عندهم غير قابلة للزيادة والنقصان أين مذهب الإرجاء من قولنا نحن بأن الإيمان يزيد وينقص، وكما جاء في السؤال مما لا حاجة إلى تكرار أنه زيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية، ولقد بلغ من انحراف القائلين بالإرجاء حقيقة مبلغاً خالفوا فيه نصوصاً غير النصوص التي تدل صراحة في الكتاب والسنة على أن الإيمان يزيد، فقالوا بأنه بناء على قولهم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص قالوا تلك الكلمة وبنوا عليها أنه لا يجوز الاستثناء في الإيمان، لا يجوز أن يقول: أنا مؤمن

-إن شاء الله-، ورتبوا على هذه القولة حكماً خطيراً جداً وهو تكفير من يستثني في إيمانه، فمن قال: أنا مؤمن -إن شاء الله- قد جاء في كتب الفروع بأنه لا يجوز لحنفي أن يتزوج بشافعية؛ لأنهم يستثنون في إيمانهم، هكذا كان قد صدر من بعض علمائهم من قبل، ثم جاء من يظن بأنه كان من منصفيهم أو من المعتدلين فيهم، فأفتى بالجواز، لكن الحقيقة أنني أتساءل: أيهما أخطر؟ أهذا الذي أفتى بالجواز بالتعليل الآتي؟ أم أولئك الذين صرحوا بأنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالشافعية؛ لأنهم يشكون في إيمانهم؟ فالتي تشك في إيمانها لا تكون مسلمة ولا من أهل الكتاب ليجوز أن يتزوجها، لو كانت من أهل الكتاب، فجاء هذا الذي قد يظن أنه من المعتدلين فيهم فأجاب حينما سئل وهو المعروف بمفتي الثقلين ومؤلف التفسير قال: يجوز والتعليل -الآن هو موضع العبرة- تنزيلاً لها منزلة أهل الكتاب، فهذا هو جواب المرجئة، ولا شك أن الذين يتهمون القائلين بكلمة الحق مما سبق بيانه آنفاً أن الإيمان يزيد وينقص إلى آخره أنهم يقولون على أهل الحق ما ليس فيهم، وفي اعتقادي أنهم يعلمون ما يقولون، ويعلمون أنهم مبطلون فيما يقولون، فالفرق في اعتقادي واضح جداً بين عقيدة السلف وبين المرجئة، فشتان بين الفريقين، والظلم من هؤلاء الناشئين اليوم الذين يتهمون أتباع السلف الصالح بأنهم مرجئة، نعم. الملقي: ثم إن شيخ الإسلام ابن تيمية قسم فرق المرجئة إلى ثلاثة أقسام: فمنهم من يقول إن الإيمان مجرد ما في القلب. ومنهم من يقول: إنه مجرد قول اللسان، وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية الفرقة المعروفة. الشيخ: نعم. الملقي: وهناك قول ثالث للمرجئة، وهم مرجئة الفقهاء إذ يقولون: هو

تصديق القلب وقول اللسان، وعامة المرجئة كما تعلمنا من فضيلتكم يذهبون إلى أنه لا يزيد ولا ينقص ولا يتبعض ولا يتفاضل أهله فيه، بل إيمان الجميع سواء، أما السلفيون أهل الحديث والسنة فإنهم يقولون إنه اعتقاد وقول وعمل يزيد وينقص ويتبعض ويتفاضل أهله فيه، ويتسثنون في الإيمان ويرون أنه أصل وفرع، كما أني أضيف إلى كلمتكم الطيبة قولةً طيبة لابن أبي العز في شرحه للعقيدة الطحاوية يقول فيما يقول: إن الإرجاء المذموم الذي ذمه. الشيخ: عفواً كيف يقول: الملقي: يقول: إن الإرجاء المذموم يؤدي إلى ظهور الفسق والمعاصي، بأن يقول: أنا مؤمن مسلم حقاً كامل الإسلام والإيمان الشيخ: هاه الملقي: ولي من أولياء الله فلا يبالي بما يكون منه من المعاصي، وبهذا المعنى قالت المرجئة: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله، وهذا باطل قطعاً كما يقول ابن أبي العز. كما أن هناك قول آخر لحافظ أهل المغرب أبي عمر ابن عبد البر يؤيد ما قاله فضيلتكم يقول: هذا قول -يعني القول بعدم كفر تارك الصلاة-، يقول: هذا قول قد قال به جماعة من الأئمة ممن يقول: الإيمان قول وعمل، وقالت به المرجئة -أيضاً-؛ إلا أن المرجئة تقول: المؤمن المقر مستكمل الإيمان، وقد ذكرنا اختلاف أئمة أهل السنة والجماعة في تارك الصلاة، فأما أهل البدع فإن المرجئة قالت: تارك الصلاة مؤمن مستكمل الإيمان إذا كان مقر غير جاحد ولا مستكبر انتهى كلام الحافظ -رحمه الله-. على أن -فضيلة الشيخ- هذه الفرية ليست بالحديثة، وإنما هي فرية قديمة إذ

ذكر القاضي الشيخ العلامة أبو الفضل السكسكي في كتابه: البرهان في عقائد أهل الأديان، أن طائفة من أهل البدع تسمى بـ المنصورية، يتهمون أهل السنة بأنهم مرجئة لقولها -أي لقول أهل السنة-: إن تارك الصلاة إذا لم يكن جاحداً لوجوبها مسلم على الصحيح من المذهب، أي من مذهب الإمام أحمد. ويقولون هذا يؤدي إلى أن الإيمان عندهم قول بلا عمل، ودافع الشيخ السكسكي عن أهل السنة ورد هذا الاتهام في كتابه المذكور آنفاً. فضيلة الشيخ. الشيخ: عفواً، ما أدري إذا كان عبارة الرجل الفاضل في لفظة: مسلم، هل هي دقيقة؟ لأن المنافق الذي يظهر الإسلام يقال فيه: مسلم، لكنه غير مؤمن، والبحث الآن أنه هذا تارك الصلاة وهو مؤمن بها هل هو مؤمن أم لا؟ وجوابنا: إنه مؤمن لكن إيمانه ناقص. الملقي: نعم نعم. الشيخ: فتركه للصلاة دليل نقصان إيمانه، أما أن يقال إنه مسلم فيقال: حتى الذي ليس في قلبه ذرة من إيمان، لكنه يتظاهر بشيء من أركان الإسلام فيقال عنه إنه مسلم، مفهوم ملاحظتي. الملقي: نعم نعم الشيخ: شو يبدو لكم في هذا؟ الملقي: يبدوا لي أنه ربما يقصد بالمسلم المؤمن، وأنه ممن لا يفرق بين الإسلام والإيمان. الشيخ: لكن هذا

الملقي: لعل هذا والله أعلم. الشيخ: آه الملقي: ولا أظن أن .. الشيخ: هو القصد يعني أنه لو قيل مؤمن ألا يكون أدفع للشبهة وللسؤال؟ الملقي: بلا شك. الشيخ: لأنه لا يخفاكم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، هكذا بقي في ذهني من مطالعتي القديمة، وهي أن الإيمان إذا أطلق والإسلام إذا أطلق فلكل منهما معنىً، لكن قد يقوم أحدهما مقام الآخر. الملقي: أي نعم. الشيخ: هذا صحيح، لكن هنا والموضوع موضوع الإيمان وترك الصلاة ينافي الإيمان سواءً مطلقاً أو نقصاناً فكنت أظن أنه يكون بدل كلمة مسلم أن يقال إنه مؤمن، ثم يقرن معه ألَّا يتوهم من هذا الإطلاق بأنه كامل الإيمان رداً على المرجئة، هذه ملاحظة أحببت أن أذكرها بالنسبة لهذا النص، وهذا النص بلا شك يفيد رداً قوياً على الذين يستغلون القول الصحيح، ويحاولون إلقاء التهمة على أهل الحق. نعم. الملقي: بهذا انتهينا من مبحث الإيمان، وإن كان على سبيل الاختصار الشديد. لكن نظراً لوقتكم الذي سمحتم به لنا فنطرق إلى موضوع التكفير: فلا شك أن الكفر نوعان: كفر أكبر، وكفر أصغر، والمقصود من بحثنا معكم هو الكفر الأكبر المخرج من الملة.

الشيخ: نعم الملقي: ولا شك أن الكفر المخرج من الملة كما هو عند أهل السنة والجماعة ستة أنواع وليس بنوع واحد: تكذيب، وجحود، وعناد، ونفاق، وإعراض، وشك. وإنما تنوع الكفر هذا التنوع بسبب اختلاف مواقف الناس تجاه الحق الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به الكتب، فمن الناس من يكفر بلسانه وقلبه، وهذا هو كفر التكذيب، والغالب على هؤلاء هو عدم إحاطتهم بما أنزل الله؛ لذلك كفروا وكذبوا، ومما يشير إلى ذلك قول ربنا: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النمل:83، 84)، ومن الناس من يتيقن بقلبه أنه الحق، ولكن يكتم ذلك ويكذبه بلسانه. الشيخ: عفواً ممكن نقف عند النوع الأول؛ لأنه بدا لي فيه شيء وهو ذكرتم معنى أنهم ما أحاطوا، أعد، أعد كلامك. الملقي: نعم، أقول الغالب على هؤلاء أنهم كَذَّبوا. الشيخ: آه. الملقي: بالإسلام لأنهم لم يحيطوا به علماً. الشيخ: إيه هنا نقف. الملقي: لم يحيطوا بالإسلام علماً ... الشيخ: لم يحيطوا به علماً الملقي: نعم.

الشيخ: هل هذا شرط؟ الملقي: أقول: الغالب، بدليل قول ربنا الشيخ: الإحاطة بالإسلام يا أستاذ يعني بالكاد أن نقوله بعلماء المسلمين أنفسهم فضلاً عن الكفار الذين هم لا يعرفون من الإسلام إلا الشيء القليل، فأنا أعتقد أنه الإتيان بلفظة الإحاطة هنا يفسد علينا عقيدتنا. الملقي: نعم. الشيخ: لأن الإحاطة لا حدود لها، وإنما يكفي كما لا يخفاكم جميعاً يكفي ليقع الشخص في الكفر أن يتحقق فيه معنى قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) إذا علم أن آية من كتاب الله أنزلها الله ثم جحد بها هنا لا يوجد إحاطة، لكن يوجد إنكار لما أحاط به علمه في هذه الجزئية، فما يبدوا لي أن وضع كلمة الإحاطة هنا هي تفيد في ضبط العقيدة. الملقي: المقصود -بارك الله فيكم- أنه إذا كذب إنسان بالإسلام فمعنى ذلك إما أن يكون جاهلاً بالإسلام، ولم يبحثه حق البحث، ولذلك كذب به، هذا إذا كان مكذباً بقلبه وبلسانه، يعني يكون في واقع الأمر مكذباً بقلبه، وهو صادق في ذلك التكذيب من حيث الواقع، قلت هذا لكي أفرق بين هذا النوع والنوع الآخر ألا وهو كفر الجحود، وكفر الجحود فهو أن يتيقن بقلبه أنه الحق ولكنه يكتم ذلك ويكذبه بلسانه، وذلك ككفر فرعون بموسى واليهود بمحمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي ذلك يقول ربنا كما تفضلتم آنفاً: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل:14) {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} (البقرة:89)، هذا هو كفر الجحود. أما كفر العناد فهو أن يقر بالإسلام باطناً وظاهراً بقلبه ولسانه، لكنه لا ينقاد

للإسلام بغضاً واستكباراً ومعارضة لله ورسله، فهو وإن كان مصدقاً بهذا الحق فإن تلك المعاندة تنافي هذا التصديق، وذلك ككفر إبليس اللعين، كما قال ربنا: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (البقرة:34)، وأما كفر الإعراض فأن يعرض عنه لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يصغي له البتة، ولا يسمعه عمداً واستهتاراً واستكباراً كما قال ربنا: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} (فصلت:3، 4)، ثم قال: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} (فصلت:5)، ثم كفر الشك، فمن الناس من يظل في شك وتردد لا يجزم بشيء، والنوع الأخير هو كفر النفاق ولا يحتاج إلى تبيان. وبناءً على ذلك أتوجه بسؤالي إليكم: هل يكون الكفر بالقلب فقط؟ أم أنه يكون بالقلب واللسان والعمل؟ وبعبارة أخرى: هل يكون الكفر بالاعتقاد فقط؟ أم يكون بالاعتقاد والقول والعمل؟ نبئوني بعلمٍ -بارك الله فيك-. الشيخ: هو الذي أفهمه في هذه المسألة أن الأصل هو الكفر القلبي، لكن هناك أقوالٌ وأعمال قد تصدر من الإنسان تنبي عما وقر في قلبه من الكفر، لكننا لا نرى ضرورة الجمع بين أن يكفر بقلبه وبشيء من عمله، فقد يجتمعان وقد لا يجتمعان، بمعنى: المنافق لا يصدق فيه أنه كفر بقلبه وعمله، فإنه بعمله مسلم، ولذلك جاء صريح القرآن في هذا الصدد بالنسبة للأعراب فما يبدو لي أن هناك ضرورة التوفيق، بل والتساؤل: هل يكون الكفر بالقلب والعمل؟ قد يكون، لكن لا يشترط أن يقترن العمل مع الكفر القلبي؛ لأن الأصل هو الكفر القلبي، فما أدري إذا كان هناك شيء ما وضح لي حتى أستحسن مثل هذا السؤال؟ الملقي: لعلي أوضح هذا

الشيخ: نعم. الملقي: بكلمة لابن القيم -رحمه الله تعالى- توضح ما أريد أن أصل إليه. الشيخ: نعم. الملقي: وفيه يوضح ابن القيم أن الإيمان قولٌ وعمل، فيقول ابن القيم -رحمه الله-: الإيمان قول وعمل، والقول قول القلب واللسان، والعمل عمل القلب واللسان، وبيان ذلك: أن من عرف الله بقلبه ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمناً، كما قال عن قوم فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) فهؤلاء حصل لهم قول القلب وهو المعرفة والعلم ولم يكونوا بذلك مؤمنين، ولذلك من قال بلسانه ما ليس في قلبه لم يكن بذلك مؤمناً بل كان من المنافقين، وكذلك من عرف بقلبه وأقر بلسانه، لم يكن بمجرد ذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من الحب والبغض والموالاة والمعاداة، فيحب الله ورسوله، ويوالي أولياء الله ويعادي أعداءه، ويستسلم بقلبه لله وحده، وينقاد لمتابعة رسوله وطاعته والتزام شريعته ظاهراً وباطناً، وإذا فعل ذلك لم يكف في كمال إيمانه حتى يفعل ما أمر به، فهذه الأركان الأربعة هي أركان الإيمان التي قام عليها بناؤه. والشاهد من كلمة ابن القيم هي ضرورة عمل القلب، فقد يصدق الإنسان بالإسلام ثم يستهزئ بآيات الله ورسله وهو مستقر في قلبه التصديق بآيات الله ورسله إلا أنه يستهزي هذا فقد العمل القلبي، كان يلزمه أن يوقر الله ورسوله مع التصديق فهو بافتقاد هذا الركن قد كفر بالله العظيم؛ لأن أركان الإيمان كما علمنا الآن من ابن القيم: القول قول القلب، واللسان عمل القلب والجوارح، فعمل القلب ركن، هذا المستهزئ بآيات ورسوله وإن كان في بعضهم من يكون مصدقاً

فَقَدْ فَقَدَ هذا الركن الركين من أعمال الإيمان، ولذلك فإن الكفر لا يكون بالتكذيب فقط، ولا يكون بعدم التصديق وربما يقع الإنسان في الكفر وهو مصدق كما كان إبليس اللعين، كان مصدقاً إلا أنه استكبر عن السجود كما أمر ربه وربنا -تبارك وتعالى-، وكذلك كان فرعون مصدقاً، {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} (الإسراء:102)، فقد يكون وهذه خلاصة القول قد يكون الإنسان مصدقاً ومع ذلك يقع في الكفر لانتفاء العمل القلبي عنه، فيستهزئ بآيات الله ورسله وهو يصدق بالإسلام وقد انتفى منه العمل القلبي من التوقير والتعظيم والموالاة لله ورسله، وهذا المنحى في حدود علمي أن المرجئة نحوه، أقصد أن الكفر يكون بالتكذيب فقط، ولذلك كان لزاماً علينا أن نعرف الكفر عند المرجئة حتى يتضح للسامعين أن السلفيين لا ينحون هذا المنحى، أعني منحى المرجئة في التكفير، وإذا تحرر لنا الإيمان عند المرجئة على اختلاف فرقهم كما تكلمنا فيه سابقاً فمن السهل الميسور معرفة الكفر عند المرجئة. فالمرجئة. الشيخ: عفواً، كلام ابن القيم في الواقع يجب الوقوف عنده قليلاً، أنتم تعلمون أن هناك إيمان وتصديق ومعرفة. الملقي: نعم. الشيخ: وتعلمون -أيضاً- بأن المعرفة والكفر يجتمعان. الملقي: نعم. الشيخ: لكن هل يجتمعان الكفر والإيمان في آن واحد، وأعني هنا بالإيمان هو الأصل الذي جاءت الأحاديث تتحدث عنه بالنسبة لأهل النار الذين يعذبون

على حسب استحقاقهم بسبب بعدهم عن الإسلام عملياً حينما تأتي الشفاعة فتخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، هذا المثقال من الإيمان هل يلتقي معه كفرٌ؟ الملقي: الإيمان المقصود في هذا الحديث هو الإيمان الصحيح، وإن كان ذرة، فإن الإيمان إذا أو أعني التصديق إذا التقى معه البغض لله والاستكبار عن أوامر الله -جل وعلا- فإن هذا الاستكبار بلا شك ينافي هذا الإيمان ويمحوه من القلب. ولذلك فإن المرجئة حصروا الكفر في التكذيب بالقلب، وظنوا كما يقول شيخ الإسلام أن كل من كفره الشارع فإنما كفره لانتفاء تصديق القلب بالرب -تبارك وتعالى-، ومعلوم أن التكذيب بالقلب لا سبيل لمعرفته والكشف عنه، ومن ثم فلا يتحقق كفر إنسان قط -كما يقول ابن الوزير- إلا بالنص الخاص في شخص شخص، وقد كفر السلف من يقول بهذا القول، فإبليس الرجيم كافر بنص القرآن ولم يكن مكذباً بل كان معانداً لله مستكبراً، فإبليس بلا شك في قلبه التصديق، ومع ذلك كفر بنص الكتاب العزيز، وكذلك فرعون وقومه، كما قال ربنا: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل:14)، وقال -أيضاً-: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} (الصف:5) فإيذاء إيذاء قوم موسى له مع أنهم يعلمون أنه رسول الله بنص الكتاب العزيز، هذا الإيذاء وما .. وهو ينجم عن عدم توقير للرسول وعدم موالاة له بلا شك ينافي هذا التصديق، ولذلك كفرهم ربنا -تبارك وتعالى-. وكما يقول ... الشيخ: .... هنا يا أستاذ ما في تصديق. الملقي: نعم. الشيخ: بالنسبة لفرعون ما في تصديق. بالنسبة لفرعون والآية لا يوجد

تصديق منهم. فمن أين نأخذ التصديق. الملقي: (وجحدوا بها) هذا على فرعون وقومه. الشيخ: الآية .. موسى شو قال له؟ الملقي: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} (الصف:5). الشيخ: نعم، طيب، (وقد تعلمون) هنا ما في تصديق ما في نسبة موسى-عليه السلام- لفرعون أنه مصدق؛ لأنه لا يخفاك (تعلم) هو من حيث المعنى كما يقال (تعرف) وكما قال الله -عز وجل- بالنسبة لليهود: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146)، لكن مع هذه المعرفة كان عندهم إيمان، أظن أنه الجواب لا؟ الملقي: لا، نعم. الشيخ: طيب، هذه المعرفة التي جاءت التعبير عنها في خطاب موسى -عليه السلام- لفرعون (تعلمون) فـ (تعلمون) على وزن (تعرفون) لفظاً ومعنى. الملقي: نعم. الشيخ: إي هذا لا يعني أنهم كانوا مصدقين، أي كانوا مؤمنين، فيعني في المسألة فيها غموض. الملقي: شيخنا -بارك الله فيكم- قوله تعالى: (وقد تعلمون) هذا العلم لا يفيد أنهم كانوا في قرارة أنفسهم مصدقون بأنه رسول، إلا أنهم لم يأتوا ببقية أركان الإيمان من الإذعان والانقياد؟ الشيخ: ما ينبغي أن نكرر الكلام. اليهود كانوا يؤمنون بالرسول.

الملقي: كانوا يصدقون به. الشيخ: عفواً، قل لي: كانوا يؤمنون؟ مداخلة: لا الملقي: لا. الشيخ: كانوا يعرفون؟ الملقي: نعم. الشيخ: طيب، إذاً هناك فرق الآن يعني واضح بيننا أن هناك فرقاً بين الإيمان والمعرفة، فكل من كان مؤمناً فهو يعرف، ولا عكس، ليس كل من كان عارفاً يكون مؤمناً، إلى هنا ما شي الكلام؟ الملقي: نعم. الشيخ: جميل جداً، الآن نرفع كلمة من الكلمتين ونضع مكانها كلمة أخرى وهي الإيمان في علمي أنا الإيمان يرادفه التصديق بخلاف المعرفة. الملقي: نعم. الشيخ: فإذاً لا نفرق بين فلان مصدق بالرسول ومؤمن بالرسول؛ هل هناك فرق؟ فيما تعلم. الملقي: نعم هناك فرق. الشيخ: هذا الذي أنا بحاجة أن أعرفه، كيف؟ الملقي: قولي: مصدق بالرسول، بمعنى أنه توفر فيه ركن من أركان الإيمان،

وهو التصديق بقلبه، ربما يصدق بقلبه، ولكن لا يقر بلسانه. الشيخ: من أين نأخذ هذا؟ الملقي: طيب، دعك من هذا يا شيخ. ربما يصدق بقلبه ويستهزئ بآيات الله ورسله. هذا الاستهزاء بآيات الله ورسله يعني أن ليس في قلبه التوقير والحب لله ورسله، أفلا نكفره بـ؟ الشيخ: بلى بلى الملقي: بانتفاء هذا الركن. الشيخ: نحن لا نختلف في هذا -بارك الله فيك-، هناك أعمال تنبئ عما في القلب، هناك أعمال تصدر من الإنسان تنبئ عما في القلب من الكفر والطغيان، من ذلك الاستهزاء، لكن نحن الآن بحثنا أننا نفهم من كلامك أن ثمة فرقاً بين الإيمان وبين التصديق، فكأنه كما يقولون في غير هذه المناسبة: هناك عموم وخصوص. الملقي: نعم. الشيخ: فكل من كان مؤمناً فهو مصدق، كما قلت أنا آنفاً: كل من كان مؤمناً فهو عارف، الآن أنت كأنك تنزل كلمة تصديق مقابل المعرفة. الملقي: نعم. الشيخ: فتريد أن تقول -وأرجوا أن أكون مخطئاً فيما فهمت-: أن ليس كل من كان مؤمناً في لحظة من اللحظات، أقولها بالقيد حتى ما نميل إلى القول: عرض لهذا شيء فدل على أنه كفر، هذا يأتي فيما بعد، لكني أقول: أفهم من كلامك أن من كان مؤمناً في لحظة من اللحظات فهو مصدق يقيناً وعارف يقيناً،

لكن ليس من كان مصدقاً في لحظة من اللحظات هو مؤمن، هكذا أفهم منك. أي: من كان مصدقاً في لحظة من اللحظات فهو ليس مؤمناً، كما نقول نحن بالنسبة لمن كان عارفاً بصدق الرسول -عليه السلام- لحظة من اللحظات فهو ليس مؤمناً؛ لأن المعرفة لا تجامع الإيمان، أم الإيمان تجامع المعرفة. الملقي: نعم. الشيخ: لكني الآن أنا في شك كبير من التفريق بين الإيمان والتصديق. الملقي: أقول. الشيخ: ثم أريد بالنسبة للآية التي فيها ومصدقاً، هل هي تعني معنى: غير مؤمن، هكذا فهمت منك. الملقي: أعني بقولي التصديق أنه ركن من أركان الإيمان، أنا أريد أن أختصر. الشيخ: لا عفواً أنا سألت سؤالاً. الملقي: نعم. الشيخ: سألت سؤالاً: الآية: "ومصدقاً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد" (¬1) هي بمعنى غير الإيمان؟ الملقي: لا. الشيخ: هذه مشكلة. فمن أين نحن نأتي بتعريف للتصديق يباين الإيمان في جانب ما، والآية صريحة. فهذه -أيضاً- أنا أرى أنه تحتاج إلى تأمل وإنعام النظر ¬

(¬1) كذا تلاها الشيخ، وصواب الآية: {مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}.

-أيضاً-؛ لأن الذي استقر في نفسي من معلوماتي القديمة هو ليس التفريق بين التصديق والإيمان، وإنما التفريق بين المعرفة والإيمان، وسواءً علينا قلنا التفريق بين المعرفة والإيمان، أو التفريق بين المعرفة والتصديق، فالتصديق والإيمان فيما أفهم شيء واحد، أي لفظان مترادفان يدلان على ما وقر في القلب من الإيمان بالله ورسوله، أما المعرفة فليست كذالك. الملقي: يعني أرى هذا اختلافاً لفظياً. لكن أنتم معي بلا شك أن التصديق هو ركن من أركان الإيمان، وأن الرجل قد يكون مصدقاً ويكفر ويطلق عليه كلمة الكفر إذا أتى بفعل من الأفعال الكفرية كالاستهزاء بالله ورسوله، أنتم معي في هذا يا شيخ؟ -بارك الله فيكم-. الشيخ: لكن أنا أقول: حينما كفر المؤمن بكفر يخرجه عن الملة هل بقي مؤمناً؟ الملقي: لا. الشيخ: طيب حينما يكفر المصدق بكفر يخرجه عن الملة هل بقي مصدقاً؟ حسب ما فهمت ستقول: بلى. الملقي: نعم. الشيخ: إي هذا التفريق أنا أريد له إيضاحاً. الملقي: قلت يا شيخ -سلمك الله-، إبليس كان مصدقاً أم لا؟ الشيخ: كَفَرَ، كان مصدقاً ومؤمناً. الملقي: لكن هو إلى الآن مصدق أم لا؟

الشيخ: هذا حجة لنا، كَفَرَ الذي كان مصدقاً وكان في اعتباري مؤمناً، أما أنت فعلى يعني تفريقك بين الأمرين تجمع بين النقيضين، ففي الوقت الذي أنت تفرق بين التصديق والإيمان، دعك وهذا التفريق الآن، قبل كفر إبليس كان مؤمناً أم لا؟ الملقي: كان مؤمناً؟ الشيخ: طيب، وحينما كفر ظل مؤمناً أم لا؟ الملقي: كافراً. الشيخ: أجب -بارك الله فيك- عن السؤال. حتى يكون الـ (س) و (ج) موضحاً. الملقي: لم يكن مؤمناً. الشيخ: بارك الله فيك. الملقي: نعم. الشيخ: هذا هو، طيب، قبل أن يكفر كان مصدقاً. الملقي: وبعد أن كفر كان مصدقا أجبتُ وزيادة. الشيخ: معليش. ما هو الدليل؟ الملقي: الدليل أنه رأى الحق بعينه ... الشيخ: ما هو الدليل من القرآن أو السنة أو أقوال الأئمة أنه التصديق هو يباين الإيمان، يلتقي مع الإيمان ويباينه، كما قلنا في المعرفة تماماً، فالآن مثالنا إبليس الرجيم باتفاق الجميع ثم لما كفر في استنكاره حكم الله -عز وجل- في مثل قوله: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} (الإسراء:61)، كفر أي لم يبق مؤمناً، لكني أنا أقول:

-أيضاً- لم يبق مصدقاً؛ لأنه لو كان مصدقاً وبقي مصدقاً لسجد، الخلاصة حتى ما نضيع الوقت، وسبحان الله الوقت يمضي أرجوا أن تعيد النظر في هذه النقطة لأنها فيها دقة من جهة، ومن جهة أخرى أنا لا أعلم في حدود ما علمت {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (يوسف:76) أن العلماء يفرقون بين الإيمان والتصديق والنصوص التي تمر بنا وقد ننساها وذكرنا إحداها آنفاً هي ترادف الإيمان تماماً، [ومُصَدِّقًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" (¬1) أي: ومؤمناً، أنت إذا أردت أن تقول: مصدقاً لا تعني مؤمناً، أنت بحاجة إلى نصوص من الكتاب والسنة وعلى الأقل من نصوص من أقوال أئمة السلف الذين نحن نقتدي بهم، فأرجوا أن تعيد النظر في هذه النقطة؛ لأننا كما تعلم الغاية عندنا لا تبرر الوسيلة، يعني إذا أردنا من هذا الجانب أن نرد على المرجئة وكنا مخطئين في التفريق بين التصديق والإيمان ما بيكون يعني إلا أننا خربنا خربنا بيوتنا بأيدينا، فأرجوا أن تعيد النظر في هذه النقطة، وتستجلب ما يتيسر لك من أدلة من الكتاب أو السنة الصحيحة ثم من أقوال الأئمة في الفريق بين التصديق وبين الإيمان، على الأقل لأتعلم أنا ما كان علي خافياً. الملقي: طيب يا شيخ. الشيخ: والآن. الملقي: أرى أن ما زال الخلاف لفظياً وأتلو عليكم قول ربنا: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146) فكفرهم ربنا -تبارك وتعالى- مع أنهم كانوا عارفين بصدق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهنا كلمة لابن القيم قال: ومن تأمل القرآن والسنة وسير الأنبياء في أممهم ودعوتهم لهم وما جرى لهم معهم يجزم ¬

(¬1) كذا تلاها الشيخ خطأ وقد تقدم التنبيه على هذا.

بخطأ أهل الكلام ومنهم المرجئة فيما قالوه، وعلم أن عامة كفر الأمم عن تيقن وعلم ومعرفة بصدق أنبيائهم. انتهى كلام ابن القيم -رحمه الله تعالى-. فأنا أريد. الشيخ: هذا نحن قلناه آنفاً، وأنت وافقت معي الملقي: لذلك أنا أقول الخلاف لفظي يا شيخ. الشيخ: أن المعرفة قد تجتمع مع الإيمان وقد لا تجتمع. الملقى: طيب أقول يا شيخ -بارك الله فيكم- إذا انسحبت من كلمة تصديق وقلت: إن إبليس بعد أن لم يمتثل لأمر ربنا -تبارك وتعالى- كفره الله -عز وجل- وكان بعد كفره يعرف أن الله حق وما أمر به كان لا بد أن يمتثله، وكان يعرفه صدق الله -عز وجل- وصدق ما أمر به. فلندع كلمة التصديق ونضع بدلا ًمنها كلمة المعرفة، ونقول كذلك إن قوم موسى حينما كفروا به كانوا يعلمون ويعرفون أنه رسول الله حقاً، ومع ذلك كفرهم ربنا -تبارك وتعالى-، فليس الكفر محصور في التكذيب بالقلب، فما رأيكم في هذه المقالة؟ الشيخ: ما ني شايف غير عم ندور في حلقة مفرغة، ما أنا قلت المعرفة لا تستلزم الإيمان، وأنت الآن ما تزيد على هذا. سواءً حينما جئت بمثال إبليس أو بفرعون، نحن متفقان أن الإيمان يجامع المعرفة، ولا عكس، المعرفة لا تجامع الإيمان، نحن متفقون على هذا. الملقي: لذلك أقول الخلاف لفظي. الشيخ: اسمح لي. الملقي: أي نعم.

الشيخ: لا الخلاف لفظي بالنسبة للنقطة هذه، قد يكون، لكن بالنسبة لما تقول التصديق غير الإيمان وتجعل التصديق كأنه مرادف للمعرفة، هنا خلاف حقيقي مو لفظي، المهم -بارك الله فيك- لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، فرعون .. عفواً إبليس الرجيم متفقون أنه كفر بعد أن كان مؤمناً. الملقي: نعم. الشيخ: وأنا وجهت سؤالاً فبعد أن كفر هل بقي مؤمناً؟ قلت: لا، لكن قلت: بقي أيش؟ الملقي: مصدقاً. أنا انسحبت منها، وأقول ... الشيخ: معليش معليش انسحبت منها الملقي: كان عارفاً أو عالماً. الشيخ: انسحبت منها الملقي: نعم. الشيخ: هذا الانسحاب قد يكون الآن للمناقشة، لكن أنا أرجو منك أن تعيد النظر وتدرس المسألة من جديد، فإما أن توصلك الدراسة إلى البقاء على ما كنت عليه من التفريق بين التصديق وبين الإيمان، وهذا خلاف الآية الصريحة في القرآن، وإما أن تجعل التصديق هو الإيمان نفسه وأن الإيمان والتصديق لفظان مترادفان بخلاف المعرفة، فإذا رجعنا إلى كفر إبليس. الشيخ: فإذا رجعنا إلى كفر إبليس، إبليس كفر، وهنا نقطة لم يكفر إبليس بمجرد أنه خالف أمر الله.

الملقي: نعم. الشيخ: وإنما لأنه استكبر بنص القرآن القرآن الكريم وكان من الكافرين. الملقي: أحسنتم. الشيخ: فمجرد المخالفة والمعصية عند أهل السنة جميعاً لا تكون سبباً للتكفير، لكن إذا اقترن مع هذه المعصية شيء ينبي عن الكفر القلبي ولو بعد أن كان عامراً بالإيمان فهذا الإيمان يطيح ويزول بسبب هذا الكفر الذي يعتبر كفراً اعتقادياً، أو يعتبر كفراً عملياً منبئًا عن الكفر الاعتقادي، انتهى الوقت ومعذرة وأنا رجائي إليك أن نستفيد من بحثك مجدداً هذه النقطة لأنه حقيقة أنا لأول مرة أسمع التفريق بين التصديق وبين الإيمان وأعرف منذ القديم والحمد لله التفريق بين المعرفة وبين الإيمان وهذا لا شك فيه ولا إشكال أما التفريق بين التصديق وبين الإيمان في لغة القرآن هذا ما أعلمه فنرجو أن تمدنا بمددك. الملقي: لكن أنتم عرفتم مقصدي وأني أريد بالتصديق المعرفة بالقلب وأنتم. الشيخ: المعرفة في القلب اليهود حينما يوصفون {يَعْرِفُونَهُ} (البقرة:146) كيف بقلبهم يعني؟ الملقي: بقلبهم. الشيخ: فإذاً المشكلة لن تزال، يعرفونه بقلوبهم هل يؤمنون؟ ستقول لا، هل يصدقون؟ أخشى أن تقول بلى. الملقي: أقول يعرفون، أقف عند القرآن.

الشيخ: أنا معك في هذا يعرفون وانتهى الموضوع كل من يعرف ليس مؤمناً لكن كل من كان مؤمناً فهو عارف بلا شك. الملقي: هذه النقطة مهمة جداً بارك الله فيكم لأن الكثير من الشباب يعتقدون أنكم تقولون: إنه لا يكفر أحد إلا وهو قد كذب بقلبه فعرفنا الآن بما لا مجال للافتراء على فضيلتكم أنكم تقولون لا يكفي المعرفة فقط، وقد يكون الرجل كافراً ويعرف وأن الإيمان ... الشيخ: كيف لا هذا صريح القرآن لا وأنا أقول أخي: في هناك -وقلت آنفاً- في هناك أعمال تدل على كفر العامل ونحن في الحالة هذه نكفره وخطر في بالي وأنت تسمعني بعض النقول المفيدة إن شاء الله أن أستدرك عليك لكني أستدركت على نفسي أردت أن أقول وإلا ما يعرب عنه بلسانه فقد يعرب عن كفره الذي في القلب ونحن لا ندري بلسانه فندينه به هذا هو، ولذلك نحن لا نقف عند هذه الشكلية والظاهرة التي أشرت إلى أن بعضهم يتهمنا بها. الملقي: إذاً أنا فهمت منكم الآن أنكم تقولون الكفر يكون بالاعتقاد ويكون أيضاً بالقول ويكون أيضاً بالعمل كمن استهزأ بآيات الله .. الشيخ: لكن أقول من باب الإيضاح أن هذا العمل يكون دالاً على ما في القلب من الكفر لماذا هذا العمل كان كفراً؟ لأنه دل على ما في القلب من الكفر. الملقي: من التكذيب. الشيخ: نعم؟ الملقي: كفر التكذيب أم لا.

الشيخ: التكذيب شيء ثاني. الملقي: هذا هو بارك الله فيك، هذه النقطة الثالثة من الأهمية. الشيخ: بارك الله فيك ووفق جهودك. الملقي: بارك الله فيك ما زلنا نتعلم من فضيلتكم، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا بكم في جنات النعيم. الشيخ: آمين ومعذرة إليكم. [المجلس الثاني] الملقي: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، فضيلة الشيخ انتهينا في المجلس السابق المؤرخ بالحادي والعشرين من شهر رمضان عام ألف وأربعمائة وستة عشر، انتهينا إلى القول بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ويتبعض ويتفاضل أهله فيه، ثانياً: وأن من عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من التوقير والحب والبغض والموالاة والمعاداة، ثالثاً: وأن الكفر ستة أنواع: تكذيب وجحود وعناد وإعراض ونفاق وشك، رابعاً: وأن الكفر لا يكون بالاعتقاد وحده بل بالاعتقاد والقول والعمل، خامساً: وأن المرجئة هم الذين حصروا التكذيب بالقلب. الشيخ: عفواً: وأن الكفر لا يكون؟ الملقي: رابعاً: وأن الكفر لا يكون بالاعتقاد وحده بل بالاعتقاد والقول والعمل. الشيخ: هل قلت آنفاً وحده؟

الملقي: نعم قلت وحده. الشيخ: بل بالاعتقاد والقول والعمل. الملقي: بل وبالاعتقاد. الشيخ: بل بالاعتقاد؟ الملقي: بل وبالاعتقاد والقول والعمل. الشيخ: نعم. الملقي: خامساً: وأن المرجئة هم الذين حصروا الكفر بالتكذيب بالقلب وذهبوا إلى أن كل من كفره الشارع فإنما كفره لانتفاء تصديق القلب بالرب تبارك وتعالى، ثم حصل اختلاف لفظي فيما أتصور خلاصته أن يقولوا: إن الرجل قد يكفر وهو مصدق بالحق وأنتم تقولون إنه لا يسمى مصدقاً، ولكن عارفاً أي قد يكفر الرجل وهو عارف كإبليس اللعين، ثم أن آتي ببعض النصوص تؤيد ما أذهب إليه وقد وفقني الله لذلك فهل تسمحوا بأن أتلوا عليكم شيئاً من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية يؤيد الذي قلت؟ الشيخ: تفضل. الملقي: كان شيخ الإسلام يتكلم عن كفر العناد وأن الله تبارك وتعالى ربما يعاقب المعاند وهو الذي يقر بالحق ظاهراً وباطناً بيد أنه لا ينقاد له بغضاً واستكباراً واستهتاراً، أقول؛ كان شيخ الإسلام يتكلم عن سر من أسرار الله في خلقه أن الله ربما عاقب هذا المعاند بزيغ القلب وضلاله فقال في شرح العقيدة الأصفهانية. الشيخ: نعم.

الملقي: الصحيفة مائة وثلاثة وعشرين: ثم هؤلاء إذا لم يتبعوا التصديق بموجبه من عمل القلب واللسان وغير ذلك فإنه قد يطبع على قلوبهم حتى يزول عنها التصديق كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} (الصَّف:5) فهؤلاء كانوا عالمين، فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم، والمقصود هنا أن ترك ما يجب من العمل بالعلم الذي هو مقتضى التصديق والعلم قد يفضي إلى سلب التصديق والعلم، كما قيل: العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل، وموضع الشاهد قوله: والمقصود هنا أن ترك ما يجب من العمل بالعلم الذي هو مقتضى التصديق والعلم قد يفضي إلى سلب التصديق والعلم. وقال أيضاً في «الصارم المسلول»: «وهو يبين كفر الجحود وكفر العناد فيقول: إن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه واعتقاده انقياده لله فيما حرمه وأوجبه فهذا ليس بكافر، فإن اعتقد أن الله لم يحرمه أو أنه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم وأبى أن يذعن لله فهو إما جاحد وإما معاند، ولهذا قالوا: من عصى الله مستكبراً كإبليس كفر باتفاق، ومن عصى مشتهياً لم يكفر عند أهل السنة، وإنما يكفره الخوارج فإن العاصي المستكبر وإن كان مصدقاً بأن الله ربه فإن معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق "إلى أن قال" وحقيقته كفر هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، ولكن يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك ولا ألتزمه وأبغض هذا الحق وأنفر عنه، فهذا نوع غير النوع الأول وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع». وقال في «مجموع الفتاوى» وهو أيضاً يتكلم عن كفر العناد ويتكلم كذلك

عن تارك أركان الإسلام يقول: "الثاني: أن لا يجحد وجوبها يعني أركان الإسلام ومبانيه الأربعة، لكنه ممتنع من التزام فعلها كبراً أو حسداً أو بغضاً لله ورسوله فيقول: أعلم أن الله أوجبها على المسلمين والرسول صادق في تبليغ القرآن ولكنه ممتنع عن التزام الفعل استكباراً، أو حسداً للرسول، أو عصبية لدينه، أو بغضاً لما جاء به الرسول، فهذا كافر؛ فإن إبليس لما ترك السجود المأمور به لم يكن جاحدً للإيجاب فإن الله باشره بالخطاب وإنما أبى واستكبر وكان من الكافرين، وكذلك أبو طالب كان مصدقاً للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما بلغه لكنه خاف اتباعه حمية لدينه، وخوفاً من عار الانقياد، واستكباراً عن أن تعلو إسته رأسه، فهذا ينبغي أن يتفطن له"إلخ كلام شيخ الإسلام فما تعليقكم أحسن الله إليكم وزادكم علماً وفهماً؟ الشيخ: جزاك الله خيرًا، أولاً أظن كان كلامي بالأمس القريب هو الاحتجاج كما هو الأصل بالكتاب والسنة، أنت الآن على التعبير بالنظام العسكري المتبع مكانك راوح ما جئت إلا بالآية التي جرى النقاش بيني وبينك حولها، وهي قول موسى لفرعون (تعلم) وتذكر ما جرى بيني وبينك أنه تعلم بمعنى تعرف أنا كنت أود أن أحظى بآية أو بحديث صحيح يبين أن التصديق ينافي الإيمان ولا يرادفه كما اتفقنا على المعرفة تماماً، وقلنا بصراحة ووضوح لا خلاف فيه: أن كل من كان مؤمناً فهو عارف والعكس، فاختلفت معك هل الأمر كذلك؟ أن المتفق عليه أن كل من كان مؤمناً فهو مصدق هل كل من كان مصدقاً هو مؤمن أم لا؟ هذه نقطة الخلاف بيني وبينك أليس كذلك؟ الملقي: بلى. الشيخ: طيب الآن فين الحجة الشرعية الملزمة كتاباً وسنة بأن التصديق ينافي

الإيمان أحياناً ينافيه أحياناً وقد يلتقي أحياناً كما قلنا في المعرفة، هذا شيء إلى الآن أنا أقول ما سمعت شيئاً جديداً سوى أن الإمام ابن تيمية رحمه الله يستعمل التصديق فيما أفهم مقابل الإيمان ولعلك تذكر لا أقول في مقابل إيمان وإنما أريد أن أقول بمعنى الإيمان فأقول ابن تيمية في هذا الكلام يستعمل التصديق بمعنى الإيمان ولعلك تذكر أننا في الأمس القريب أتينا بآية "ومُصَدِّقًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" (¬1) (الصَّف:6) فاتفقنا أن التصديق هنا بمعنى الإيمان تماماً وأنا كنت أود أن أحظى منك بدليل من الكتاب أو السنة يبين لي شيئاً جديداً كنت عنه غافلاً في كل ما مضى، وهو أن التصديق قد يأتي بمعنى المعرفة التي لا إيمان معها، فأنا أقول الآن في كلام ابن تيمية رحمه الله أنا لا أجد أنه يستعمل التصديق بالمعنى الذي أنت شرحته بالأمس القريب، وخلاصته أنه قد لا يكون المصدق مؤمناً، فأنا أقول الآن احذف كلمة التصديق في كلام ابن تيمية كله وضع كلمة الإيمان هل يضطرب كلام الشيخ بهذا التعديل اللفظي أم يستقيم؟ الملقي: وكذلك أبو طالب كان مؤمناً بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما بلغه لكنه ترك اتباعه حمية لدينه. الشيخ: أيش رأيك استقام المعنى؟ الملقي: ما استقام المعنى بالمعنى الاصطلاحي للإيمان. الشيخ: ليه. الملقي: كوني أقول كان أبو طالب وكذلك أبو طالب كان مؤمناً معناه أنه أتى باعتقاد القلب وقول اللسان وعمل القلب أيضاً لكن أنا الآن تذكرت آية كريمة. ¬

(¬1) كذا تلاها الشيخ خطأ كما نبهنا عليه قبل.

الشيخ: تفضل. الملقي: وهي قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل:14)، فلا شك أن اليقين مرتبة أعلى من مرتبة التصديق وبذلك بقياس الأولى كما يقول العلماء يستقيم كلامي فيما أتصور جداً فما رأيكم؟ الشيخ: رأيي أن الذي استقر في القلب يقيناً هو إيمان، لكن هذا الإيمان زال بالمبطلات الكثيرة التي نحن متفقون عليها، منها: الاستكبار الذي هو علة كفر إبليس، ومنها الجحد، ومنها، ومنها إلخ، هذا الذي أنا أراه، الصفات التي جاءت في كلام ابن تيمية تماماً لا تنافي الإيمان الذي يخرب بسبب من تلك الأسباب التي تخرب التصديق، لا أرى هناك فرقاً بين التصديق وبين الإيمان، ما دام أنه يوجد بين أيدينا الآن آية واحدة هي آية ومصدقاً، وأنا أعتقد وما أدري لعلك بحثت ولم تجد أو لم تبحث فلم تجد؛ لو تتبعنا كلمة الصدق في الآيات التي ذكر فيها هل نجده بمعنى الإيمان أم بمعنى غير الإيمان كما تريد أنت أن تقول ماذا ترى الآن دون أن تعود إلى تلك الآيات التي فيها لفظ الصدق ولفظة التصديق الآن ما الذي يخطر في بالك، ومن الممكن الآن وبطريقة سريعة جداً أن نفتح على القرآن الكريم على بعض الآيات التي فيها لفظة الصدق وما اشتق منها - ماشي - فهل نجد فيها التفريق الذي أنت تدندن حوله؟ الملقي: أنا أعدكم أن أبحث عن مادة التصديق في كتاب الله؟ الشيخ: كيف. الملقي: أن أعدكم أن أبحث عن مادة التصديق في نصوص الكتاب والسنة وأوافيكم بما وصلت إليه.

الشيخ: هذا هو الخط المستقيم وجزاك الله خيرًا. الملقي: إذاً ننتقل إلى نقطة أخرى. الشيخ: تفضل. الملقي: هذه النقطة خاصة بموضوع أصول التكفير. الشيخ: أصول .. الملقي: أصول التكفير، فكنت قد كتبت شيئاً من أصول التكفير فكنت أود أن أقرأها عليكم باختصار شديد حتى تصوبوني إن كنت صائباً، وتخطئوني إن كنت مخطأً، ومن ثم يستفيد من ورائي. الشيخ: قبل هذا لو سمحت كنت سجلت أنا هنا كلمة من كلام ابن تيمية جاء ذكر يقر جاء في تضاعيف كلامه يقر. الملقي: نعم. الشيخ: طيب ماذا يرادف كلمة يقر يؤمن أم يعرف؟ الملقي: يعرف. الشيخ: فإذاً ما في خلاف، نعود الآن إلى المسألة التي تريد أن تبحثها بس أردت أن أركز في بالك هذه الملاحظة (¬1)، تفضل نعم. ¬

(¬1) سيأتي الكلام على هذه المسألة المثارة "التصديق" في كتابي "الإيمان عند الشيخ الألباني"، وسأبين هناك دقة نظر الشيخ رحمه اله في هذه المسألة، وموافقته للأئمة في ذلك. إلا أنني أرى لزاماً عليّ أن أرد شبهة -ولو بلمحة سريعة- لبعض الجهلة الحمقى ممن فهم -أو أُفهم كلام الألباني هنا على غير وجهه فاتهم العلامة الألباني بالتجهم؛ لأنه يحصر الإيمان في التصديق ويجعله مرادفاً له. فأقول: - ... اعلم أن التصديق الذي جعله الألباني مرادفاً للإيمان إنما هو التصديق في لغة الرع. - ... والتصديق في لغة الشرع لا يُطلق -عنده- إلا على التصديق اللغوي، وهو مجرد اعتقاد الشء على ما هو عليه اعتقاداً جازماً مقروناً بلوازمه ومقتضياته من إذعان اللسان والقلب والجوارح لهذا التصديق اللغوي. - ... وعليه فبما أن الإيمان مرادف -عند الإمام- للتصديق الشرعي. والتصديق الشرعي عنده هو: تصديق (لغوي) بالجنان [+] إقرار باللسان [+] عمل بالجوارح والأركان، فالإيمان عند الإمام هو: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والأركان، فأين هذا من جهم والتجهم، اللهم لطفك. - ... ولا يفوتني أن أنبه على أن موافقة العلامة الألباني أو مخالفته في مسألة المراد بالتصديق في لغة الشرع لا مدخل له في هذا المبحث -مبحث تعريف الإيمان عنده- فالعبرة بالمعاني -وقد بيناها لك- فتأمل منصفاً.

الملقي: أحسنتم وأجملتم أقول لا ينبغي لمؤمن أن يخوض في مسائل التكفير من قبل أن يقف على أصوله ويتحقق من شروطه وضوابطه، وإن أورد نفسه المهالك والآثام وباء بغضب الرحمن، ذلك أن مسائل التكفير من أعظم مسائل الدين وأكثرها دقة، لا يتمكن منها إلا الأكابر من أهل العلم الواسع والفهم الثاقب وهذه أهم أصوله وضوابطه: الأول: التكفير حكم شرعي وحق محض للرب سبحانه لا تملكه هيئة من الهيئات، ولا جماعة من الجماعات، ولا اعتبار فيه لعقل أو ذوق، ولا دخل فيه لحماسة طاغية وعداوة ظاهرة، ولا يحمل عليه ظلم ظالم تمادى في ظلمه وغيه، أو بطش جبار عنيد تناهى في بطشه وغدره، فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله. الثاني: أن المسلم لا يكفر بقول أو فعل أو اعتقاد إلا بعد أن تقام عليه الحجة

وتزال عنه الشبهة. الثالث: ولا فرق في ذلك بين أصول وفروع أو اعتقاد وفتيا. الرابع: والعذر في المسائل الدقائق والخفية آكد من العذر في غيرها. الخامس: والعذر في المكان والزمان الذي يغلب فيه الجهل ويقل العلم كذلك أولى وآكد. السادس: والعذر في حق غير المتمكن في العلم أو العاجز عنه أولى وآكد من المتمكن منه القادر على تحصيله. السابع: التكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال يكون كافراً بل ولا فاسقاً بل ولا عاصياً كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية. الشيخ: أعد هذه الفقرة من أولها؟ الملقي: السابع: التكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال يكون كافراً بل ولا فاسقاً بل ولا عاصياً كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية. الشيخ: ألا ترى أن العبارة تحتاج إلى قيد ولو وقع في الكفر؟ الملقي: جميل أرى ذلك. تاسعاً: وأنه يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين، فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك

بين الأصول والفروع. الشيخ: لو ذكرت لا فرق أيضاً .. أيضاً لأنك ذكرت مثل هذا في ما تقدم. الملقي: أي نعم. عاشراً: وأن الكفر ذو أصل وشعب. الشيخ: لماذا إفراد الأولى وجمع الأخرى، لماذا لا يقال أصول وشعب. الملقي: أي نعم. الشيخ: على كل حال هذا اقتراح أنت تدرسه فيما بعد وبتتأكد إن رأيته حسناً سجلته. الملقي: الحادي عشر: ولا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمى مؤمناً وإن كان ما قام به إيماناً، ولا من قيام شعبة من شعب الكفر أن يسمى كافراً وإن كان ما قام به .. الشيخ: عفواً .. أن يسمى كافراً أم أن يكون كافراً أو أن يصير كافراً؟ الملقي: هذه من الخيارات اللفظية فيما أظن. الشيخ: مِن؟ الملقي: الخيارات اللفظية ليس الشيء الجوهري. الشيخ: أنا أعتقد أن المسألة يعني كما لا يخفى على الجميع الآن نحن في صدد بيان فكرة وعقيدة مهمة جداً، فهل نحن نقصد يعني أن نسميه كافراً أم أن يكون عند الله كافراً؟

الملقي: نقصد أن نطلق عليه كلمة الكفر. الشيخ: إيه، لكننا هل كل من أطلقنا نحن عليه .. كلمة الكفر يكون عند الله كافراً؟ الملقي: لا نتدخل فيما بين الله وبين عباده. الشيخ: هذا هو فبحثنا الآن في أي جانب من الجانبين بماذا يكفر بحيث أنه يستحق الخلود في النار أم بماذا يستحق أن نطلق نحن عليه لفظة كافر مع أنه كان يمكن أن يكون عند الله ليس بكافر، ما هو بحثنا الآن؟ الملقي: الثاني. الشيخ: الثاني؟ الشيخ: أي نعم. الشيخ: وهو؟ الملقي: وهو هل يستحق أن نطلق عليه كلمة الكفر أم لا؟ الشيخ: أنا ما أفهم هذا أن البحث كله في هذا البحث فيما يكون مؤمناً وفيما يكون كافراً عند الله، أنت ذكرت الآن آنفاً بأنه إذا كان فيه شعبة من شعب الأيمان لا يصير بذلك مؤمناً؟ الملقي: نعم. الشيخ: طيب، لا يصير عندنا أم عند الله؟ الملقي: عندنا في الظاهر، لأننا نحكم في الظاهر.

الشيخ: نعم، طيب نحن حينما رأيناه أتى شعبة من شعب الإيمان ماذا نحكم عليه ظاهراً؟ الملقي: نعم نحكم عليه. الشيخ: بماذا؟ الملقي: بأنه مؤمن لكنه تخلل في إيمانه .. الشيخ: اصبر عندك الآن خرجت عما قلت آنفاً؟ الملقي: لا يا شيخ. الشيخ: كيف؟ الملقي: .. عندما أقول ولا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمى مؤمناً كمن قام بشعبة الصلاة ولكنه التزم بجحود معلوم من الدين بضرورة وأقيمت عليه الحجة هل يسمى مؤمناً؟ الشيخ: عفواً أرجو أن لا يطول البحث لأنه بيشعب الموضوع بيضيع لنا أصل الموضوع، أنت قلت الآن البحث ليس محصوراً فيمن يكون عند الله مؤمناً أو كافراً وإنما فيمن نطلق نحن عليه أنه مؤمن أو أنه كافر. الملقي: نعم. الشيخ: الآن حينما نرى شخصاً تحققت فيه خصال من خصال الإيمان حسب اعترافك آنفاً أننا لسنا نحكم بما يكون مؤمناً أو بما يكون كافراً أنه ما ينبغي أن نقول عنه أنه مؤمن بينما قلت لا هذا نقول في به، صح؟ الملقي: نعم.

الشيخ: طيب، وذاك إذاً الذي وقع في الكفر نقول عنه كافراً، لكن الواقع نحن نقول عند الله هل يكون مؤمناً أو يكون كافراً، نقول مجرد تحقق شعبة من شعب الإيمان لا يجعله مؤمناً عند الله، كما أن الشخص الآخر الذي وقع في شعبة من شعب الكفر ممكن أن لا يكون عند الله عز وجل كافراً، فهذه نقطة أيضاً سجلها أنت على الهامش وتفكر فيها ثم بتحرر الموضوع كما ينتهي إليه رأيك. الملقي: الثاني عشر: وقد يجتمع في الرجل كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان، وهذا من أعظم أصول أهل السنة كما يقول ابن قيم الجوزية، وخالفه في ذلك غيره من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة إلخ كلام ابن القيم. الثالث عشر: كفر عمل وكفر جحود وعناد. الرابع عشر: أن جاحد الحكم المجمع عليه إنما يكفر إذا كان معلوماً من الدين بالضرورة، وأما المجمع الذي ليس معلوماً من الدين بالضرورة فلا يكفر بإنكاره مثل كون بنت الابن لها السدس مع البنت مجمع عليه، وليس معلوماً للضرورة فلا يكفر منكره، والذي يكفر جاحده إذا كان معلوماً بالضرورة إنما هو الحكم الشرعي؛ لأنه من الدين والصلاة والزكاة والحج إلخ كلام السبكي، وقال مثله ابن حجر العسقلاني، وابن دقيق العيد، وتتمته في الأصل الخامس عشر. الشيخ: عفواً، لأنه حكم شرعي قلت أو نقلت؟ الملقي: نعم. الشيخ: طيب المسألة الإرثية التي ذكرتها والتي لا يكفر جاحدها أو منكرها أليس حكماً شرعياً؟

الملقي: حكم شرعي. الشيخ: إذاً ما قيمة هذا التعليل هناك؟ الملقي: هذا قيد آخر يا شيخ، قيد آخر أن الذي يكفر جاحده إذا كان معلوماً من الدين بالضرورة هو الحكم الشرعي، فلو أن شيئاً معلوماًَ بالدين بالضرورة من أشياء الدنيا لا يكفر جاحده، إذا جحد إنسان أن هذه .. الشيخ: بارك الله فيك ما في داعي لهذا التفصيل لأن هذا ما هو نقطة خلاف، عندنا مسألتين كلتاهما شرعيتان الأولى ما يتعلق بالإرث الذي ذكرته هذه قضية شرعية ومجمع عليها شرعية ومجمع عليها لا يكفر منكرها. الملقي: نعم. الشيخ: طيب بينما جئت للأخرى فعللته بأنه حكم شرعي وهي مسألة شرعية أيضاً. الملقي: ما هي يا شيخ المسألة الشرعية الأخرى؟ الشيخ: ذكرني الذي جئت بها في هذا التعليل. الملقي: لكن أنا أقول النقطة الأخرى أقول يعني نقطة أخرى والذي يكفر جاحده إذا كان معلوماً بالضرورة إنما هو الحكم الشرعي. الشيخ: ذاك ليس حكماً شرعياً؟ الملقي: هذا حكم شرعي انتهينا منه. الشيخ: معليش خذ واعطي، أليس حكماً شرعياً الجواب لا إرث قضية الإرث؟

الملقي: حكم شرعي. الشيخ: طيب ومجمع عليه؟ الملقي: نعم. الشيخ: طيب لماذا لا يكفر وهو حكم شرعي ومجمع عليه؟ الملقي: لا يكفر يا شيخ عفواً عفواً هذا لا يكفر. الشيخ: بلى لا تعد على الكلام أجب على سؤالي لماذا لا يكفر؟ يعني ما الفرق بين هذه المسألة والمسألة الثانية كلاهما حكم شرعي؟ الملقي: الفرق أننا نكفر جاحد الحكم الشرعي، أما إذا كان حكماً غير شرعي فلا نكفره، هذا المقصود بكلامي أنا. الشيخ: سبحان الله. الملقي: لذلك أرجو أن أقرأ الكلام مرة ثانية. الشيخ: لا يا أخي لا أنت افهمني وأجبني قضية الإرث التي ذكرتها وقلت أنها مجمع عليها هذا حكم شرعي. الملقي: نعم. الشيخ: طيب، لماذا لا يكفر أجبني؟ الشيخ: لأنه ليس معلوماً من الدين بالضرورة. الشيخ: أليس مجمعاً عليه؟ الملقي: بلى.

الشيخ: جميل، المجمع عليه لا يرادف قولنا معلوم من الدين بالضرورة؟ الملقي: لا يرادفه، المجمع عليه قد يكون معلوماً من الدين بالضرورة وقد لا يكون معلوماً من الدين بالضروة. الشيخ: الآن سلكنا الجادة إذاً هناك إجماع معلوم من الدين بالضرورة فبيكون التعليل في المسألة الأولى هو مع كونها إجماعاً لكنها ليست من المعلوم من الدين بالضرورة. الملقي: أي نعم. الشيخ: هذا ليس مبين في العبارة، لأنك تعلم أنت أن كثيراً من الإجماعات لا يُضَلل منكرها فضلاً عن أن يُكفر، لكن يقيناً بالمقابل في بعض الإجماعات من أنكرها فهو كافر، لماذا؟ للعلة التي ذكرتها أخيراً، ذكرتها أنت مش أنا، وهي: أنها من المعلوم من الدين بالضرورة فلا بد من هذا القيد لإيضاح السبب الحقيقي في عدم تكفير من جحد هذا الحكم الإرثي. الملقي: أي نعم، الخامس عشر: وكون الشيء معلوم من الدين بالضرورة أمر إضافي؛ فحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة قد لا يعلم هذا بالكلية فضلاً عن كونه يعلمه بالضرورة، وكذلك كثير من العلماء يعلم بالضرورة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سجد للسهو، وقضى أن الولد للفراش وغير ذلك، مما يعلمه الخاصة بالضرورة، وأفهم الناس لا يعلمه البتة كما قال شيخ الإسلام في كتاب «الفرقان». السادس عشر: ولا تكفير بما يلزم من المذاهب والأقوال ولا اعتبار بما تؤول إليه من أفكار.

الأخير: وأخيراً فإنه لا يكفر إلا من اتفق أهل السنة على تكفيره، أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له. الشيخ: ماشي. الملقي: انتهى ما تيسر لي من جمع لأصول التكفير. الشيخ: جزاك الله خيرا. الملقي: ما رأيكم فيها بالجملة. الشيخ: ما أرى فيها شيئاً إلا بعض الفروع التي جرى النقاش فيها لكن عادة الذاكرة حينما .. من سبق في بعض تلك الشروط فيما أظن ذكر فيها لفظة المعاداة، المعاداة القلبية هذه. الملقي: نعم. الشيخ: ممكن أن تذكرني بالعبارة التي جاء فيها هذه اللفظة؟ الملقي: هذه العبارة أن من عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من التوقير والحب والبغض والموالاة والمعاداة وهذه اللفظة جاءت في نصوص شيخ الإسلام وابن القيم وغيره .. الشيخ: الموالاة والمعاداة حينما تطلق هل يراد بها الموالاة والمعاداة القلبية أم العملية؟ الملقي: إذا أطلقت. الشيخ: نعم. الملقي: القلبية.

الشيخ: ما أظن. الملقي: في كلامي هنا القلبية فإذا كان يوالي .. الشيخ: هذا قيد جيد لكن .. الملقي: حتى أخرج بشيء. الشيخ: تفضل. الملقي: حتى أخرج من مسألة الموالاة والمعاداة؛ فإن كثير من الناس يكفرون الشخص بمجرد أن يوالي فلاناً من أعداء الله عز وجل من غير ما .. أي هذا الذي خشيت أن يفهم فيا ترى ما تحتاج العبارة إلى توضيح أكثر؟ وضحته في تضاعيف الكتاب. كيف؟ الملقي: وضحت مثل هذا في تضاعيف الكتاب؟ الشيخ: ذلك ما نبغيه. الملقي: حبارك الله فيك. الشيخ: وفيك بارك. الملقي: حإذا انتهينا من هذه القضية. الشيخ: تفضل لسه معك ربع ساعة أو ثلث ساعة. الملقي: فنأتي إلى قضية القضايا. الشيخ: قضية ... القضايا؟ تفضل.

الملقي: كما في هذا العصر. الشيخ: يعني خلصت مما عندك في الكتاب انتهيت؟ الملقي: ما انتهيت. الشيخ: فإذاً؟ الملقي: لكن هناك قضية هي من لب الكتاب كنت أحب أن نستغل الوقت ما دام الوقت وقتي ندندن حول هذه القضية حتى يكون المجلس عامراً بجميع مسائل التكفير. الشيخ: تفضل. الملقي: هذه المسألة التي ما زلتم تدندنون حولها وهي قضية من حكم بغير ما أنزل الله، وتفريقكم الذي ذهبتهم إليه بين من حكم بغير ما أنزل الله جحوداً واستحلالاً وبين من حكم بغير ما أنزل الله من غير ما جحود واستحلال، وهذا الرأي الذي ذهبتهم إليه وهو مذهب السلف عامة، ولم أجد فيما اطلعت عليه من يخالف في هذا وللعلم، فقد نشرت مجلة الشرق الأوسط والمسلمون مقالاً لكم في هذا الشأن وعلق عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بالإقرار والموافقة والتأييد، ثم بعد ذلك قرأ كلامكم وكلام الشيخ عبد العزيز على فضيلة الشيخ ابن عثيمين فأقر الكلام جميعه وأيده فأقول .. الشيخ: وبارك الله في الشيخين. الملقي: وبارك الله فيكم وفي الشيخين وفي جميع علماء السنة، بعد ذلك أقول: لا ينبغي للشباب أن يخالفوا في هذه المسألة الخطيرة، أفلا ترون فضيلة

الشيخ أن هذه المسألة هي الباب الأكبر للخروج على الأمراء والسلاطين، وحدوث فتن مدلهمة، ومشاكل لا تخفى على الجميع، وهل ترون قبل ذلك أن هذه المسألة يسوغ الخلاف فيها؟ أذ إن أهل العلم فيما قرأت لم أجد أحداً منهم يخالف هذا الرأي الذي ذهبتم إليه وتبين لي أن أهل العلم مجمعون على الرأي الذي ذهبتهم إليه من ثلاثة طرق الطريق: الأول: أن أهل العلم وأهل التفسير لم يختلفوا في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} (المائدة:44) وأن ما ظهر من اختلاف في عباراتهم إنما هو من قبيل اختلاف التنوع ليس اختلاف التضاد، وقد صرح بأن ليس بين العلماء اختلاف في تفسير هذه الآية بعض العلماء وقد سجلته في الكتاب، ثانياً: لا يخفى عليكم أن البدعة: تشريع ما لم يأذن به الله، وأن الحكم بغير ما أنزل الله، تشريع ما لم يأذن به الله وأن كليهما مستدرك على الشارع الشريف، وأن الحاكم بغير ما أنزل الله هو في حقيقة الأمر أخطر من المبتدع، إذ إن المبتدع قد انتهى أمره، ولا أظن أن المسلمين يأخذون فتوى من الحاكم بغير ما أنزل الله، في حينما يأخذون فتوى من المبتدع، ولذلك أقول أن المبتدع أشد خطراً على المسلمين من الحاكم بغير ما أنزل الله؛ فإن المبتدع يقول أن هذه البدعة هي من عند الله وهي من شرع الله، حينما لا يجرأ على هذا الحاكم بغير ما أنزل الله، بل هو يصرح أن هذه القوانين محض هي نتاج البشر. ثالثاً: وقد اتفق أهل السنة أن البدعة قسمان: بدعة مكفرة، وبدعة غير مكفرة ومن ثم إذا كان الحاكم بغير ما أنزل الله حكم بغير ما أنزل الله من غير ما جحود

واستحلال فإنه لا يكفر، وينزل منزلة المبتدع في دين الله عز وجل. الطريق [الرابعة]: وتعلمون أن أهل السنة أجمعوا على عدم تكفير مرتكب الكبيرة وقد جعل العلماء الحكم بغير ما أنزل الله من كبائر الذنوب، كما صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وكما نقل إجماع أهل العلم حافظ أهل المغرب ابن عبد البر، ومن ثم فإذا ثبت الإجماع فهل يسوغ لأحد أن يخالف في هذه المسألة الخطيرة؟ وقبل ذلك ألا ترون أن الخطأ في هذه المسألة يجلب على المسلمين شرور كثيرة وفتن مدلهمة وكبيرة و - صلى الله عليه وآله وسلم - على نبينا محمد وبارك الله فيكم وأحسن الله إليكم. الشيخ: أعطاك الله العافية، ونفع بك، أنا أقول جواباً على نقطتين بدت لي من خلال كلامك: النقطة الأولى هل يجوز لأحد أن يخالف؟ أقول بطبيعة الحال لا يجوز إلا إن كان من أهل العلم، المخلصين للعلم الخاشين لله، والخائفين منه، فقد يمكن أن يجتهد ويخالف، ولذلك نحن نقول: قد يقع بل قد وقع بعض الأئمة في البدعة ولا يسمون بمبتدعين؛ لأن ليس كل من وقع في البدعة وقعت البدعة عليه، وشملته فصار بذلك مبتدعاً، لا، وكذلك قد يكون من وقع في الكفر لا نقول بأن الكفر، تلبسه وانغمس فيه ومن هنا نجد من مذهب السلف الصالح عدم تكفير الفرق الصالحة إلا من قد ذرت قرنها بكفرها ولا شك أن في مثل هذه الفرق من وقعت في الكفر، لكننا لا نكفر لوجود مانع من موانع التكفير التي جاء ذكرها في تضاعيف كلامك فيما أذكر، فهذا فيما يتعلق بسؤالك هل يجوز؟ الجواب: لا يجوز إلا بالقيد الذي ذكرته آنفاً، أما أنه يجر شراً مستطيرا فالأمر لا شك ولا ريب فيه، والواقع المؤسف في العالم الإسلامي يجعل الأمر مع

الأسف ليس نظرياً بل أمراً واقعياً، فقد خرج كثيرون ممن يعني ينتمون للإسلام وقد ينتمون للكتاب والسنة، وقد يكون فيهم من ينتمي إلى السلف الصالح لكنهم ما عرفوا بعد منهج السلف الصالح، فكثير من هؤلاء قد خرجوا على الحكام وكانوا سبباً كبيراً جداً لسفك دماء المسلمين من الفريقين الذين خرجوا، والذين خرجوا عليهم، فأي فتنة أشد من هذه الفتنة؟! أنا قلت في كثير مما تحدثنا في هذه المسألة، وسجل الشيء الكثير منها أننا نقول: لو وجد في هؤلاء الحكام من أعلن كفره بالإسلام، وأعلن ردته عن الإسلام بحيث لم يبق لمتأول مجال للتأويل، أنا أقول: لا يجوز الخروج عليهم، ليس من حيث النص الشرعي؛ وإنما هو من حيث ملاحظة القواعد الإسلامية التي منها ترجيح المفسدة الغالبة على المصلحة، والتي منها ما أشار إليه الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث: «لولا أنا قومك حديثوا عهد بالشرك لهدمت الكعبة، ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه السلام، ولجعلت لها بابين مع الأرض باب يدخلون منه وباب يخرجون منه» (¬1)، كم في هذا الإصلاح من فائدة ومن تيسير لعملية الحجاج وأداء مناسكهم، لم يصنع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو القادر عليه قدرة وقوة، وكان متمكناً؛ لأن الله نصره على المشركين كافة، لكنه نظر إلى بعيد، فقال: لولا أن قومك حديثو عهد بالشرك، وأنا أقول: لو أن حاكماً من هؤلاء الحكام أعلن كفره على الناس من الذين يخرجون عليهم، من الذين يستطيعون أن يقاتلوهم، وأين المسلمون الذين أخذوا على الأقل بمثل قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال:60) لا ¬

(¬1) البخاري (رقم1509) ومسلم (رقم3308).

يوجد شيء من هذا الاستعداد، وأنا أقول بهذه المناسبة وأنهي هذه الكلمة لأن الوقت انتهى: أنا أفهم من هذه الآية شيئاً ثميناً في طواياه عندما قال الله عز وجل {وَأَعِدُّوا} (الأنفال:60) كان الخطاب للمؤمنين الأولين المربين التربية المحمدية، هؤلاء الخطاب اليوم لا يتوجه إلى هؤلاء؛ لأن أكثرهم منحرفون عن أن يستحقوا مثل هذا الخطاب؛ لذلك نحن نقول إن وجد هناك حاكم أعلن كفره، فيجب أن نهيئ أنفسنا للخروج عليه بحقه، ولنتمكن من قتاله وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين. "الهدى والنور" (855/ 07: 01: 00) و (856/ 39: 44: 00)

كتاب الكفر والتكفير والنفاق

كتاب الكفر والتكفير والنفاق

جماع أبواب مقدمات هامة في تعريف الكفر، والكلام على التكفير وشروطه وموانعه، وخطورة الخوض فيه بغير علم، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالموضوع

جماع أبواب مقدمات هامة في تعريف الكفر، والكلام على التكفير وشروطه وموانعه، وخطورة الخوض فيه بغير علم، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالموضوع (¬1) ¬

(¬1) تنبيه هام: سيأتي الكلام على هذه المسائل بأوسع من هنا في "جامع تراث الألباني في المنهج" يسر الله نشره.

[552] باب الشرك هو الكفر

[552] باب الشرك هو الكفر [قال الإمام]: الشرك .. هو الكفر ولا فرق بينهما شرعاً، فكل كفر شرك، وكل شرك كفر، كما يدل عليه محاورة المؤمن صاحب الجنتين المذكورة في سورة (الكهف). فتنبه لهذا فإنه به يزول عنك كثير من الإشكالات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. "التعليق على متن الطحاوية" (ص73). [553] باب كل كفر شرك [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إنَّا جِئْنَاكُمْ لِخَيْرٍ، (يعني: اليهودَ) إنَّا أَهْلُ الْكِتَابِ، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَإِنَّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ النَّصْرَ، وَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَقْبَلَ إلَيْنَا بِجَمْعٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِمَّا قَاتَلْتُمْ مَعَنَا، وَإِمَّا أَعَرْتُمُونَا سِلَاحاً» (منكر) [قال الإمام]: أخرجه أبو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 239 - 240) عن عبد الرحمن بن شريح: أنه سمع الحارث بن يزيد الحضرمي يحدث عن ثابت بن الحارث الأنصاري عن بعض من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَمْعُ أَبِي سُفْيَانَ لِيَخْرُجَ إلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ؛ فَانْطَلَقَ إلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بالنَّضِيرِ، فَوَجَدَ مِنْهُمْ نَفَراً عِنْدَ مَنْزِلِهِمْ فَرَحَّبُوا، فَقَالَ لهم: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير ثابت بن الحارث الأنصاري؛ فإنه غير معروف بعدالة أو جرح، ولم يورده أحد من أئمة الجرح والتعديل غير ابن أبي حاتم برواية الحارث بن يزيد هذا فقط عنه، وبيَّض له. وقد ذكر ابن هشام في "السيرة" (3/ 8) عن محمد بن إسحاق عن الزهري: أن الأنصار يوم أحد قالوا لرسول الله قيم: يا رسول الله! ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ فقال: "لا حاجة لنا فيهم ". وذكر نحوه ابن كثير في "البداية" (4/ 14)، ومن قبله ابن القيم في "زاد المعاد"، وهو الموافق لحديث عائشة الصحيح: " إنا لا نستعين بمشرك أو بالمشركين ". وهو مخرج في "الصحيحة " (1101) كما تقدم قريباً. وعليه فإني أقول: إذا تبين لك ضعف حديث الترجمة، وما فيه من عرضه - صلى الله عليه وآله وسلم - على اليهود أن يقاتلوا معه؛ فلا حاجة حينئذٍ إلى التوفيق بينه وبين حديث عائشة الصحيح كما فعل الطحاوي حين قال: "لأن اليهود الذين دعاهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى قتال أبي سفيان معه؛ ليسوا من المشركين الذين قال رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - في الآثار الأُوَل: فإنه لا يستعين بهم؛ أولئك عبدة الأوثان، وهؤلاء أهل الكتاب الذين قد ذكرنا مباينة ما هم عليه مما عبدة الأوثان عليه في الباب الذي تقدم قبل هذا ... ". قلت: يشير إلى بعض الأحكام التي خص بها أهل الكتاب دون المشركين كحل ذبائحهم، ونكاح نسائهم، وغيرها مما بعضه موضع نظر، وبنى على ذلك قوله (ص 234): "فكان كل شرك بالله كفراً، وليس كل كفر بالله شركاً"!

فأقول: لو سلمنا جدلاً بقوله هذا؛ فلا حاجة للتأويل المذكور لأمرين اثنين: الأول: أن التأويل فرع التصحيح كما هو معلوم، وما دام أن الحديث غير صحيح كما بينا؛ فلا مسوغ لتأويل الحديث الصحيح من أجله كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى. والآخر: كيف يصح أن يقال في اليهود والنصارى: إنهم ليسوا من المشركين، والله عَزَّ وَجَلَّ قال في سورة {التوبة} بعد آية: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ... }: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}. فمن جعل لله ابناً؛ كيف لا يكون من المشركين؟! هذه زَلَّة عجيبة من مثل هذا الإمام الطحاوي. ولا ينافي ذلك أن لهم تلك الأحكام التي لا يشاركهم فيها غير أهل الكتاب من المشركين؛ فإنهم يشتركون جميعاً في أحكام أخرى - كما لا يخفى على أولي النُّهى -. وقد لا يعدم الباحث الفقيه - الذي نجَّاه الله من التقليد - في الكتاب والسنة ما يؤكد ما تقدم، ويبطل قول الطحاوي السابق: " ... وليس كل كفر بالله شركاً"من ذلك تلك المحاورة بين المؤمن والكافر الذي افتخر بماله وجنَّتيه؛ كما قال عز وجل في سورة الكهف؛ { ... وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً}؛ فهذا كفر ولم يشرك في رأي الطحاوي! ولكن السِّياق يردّه؛ فتابع معي قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ

ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً. لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً}؛ فتأمل كيف وصف صاحبَه الكافر بالكفر، ثم نره نفسه منه معبِّراً عنه بمرادِفِه وهو الشرك؛ فقال. {وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً}. وهذا الشرك مما وصَف به الكافرُ نفسَه فيما يأتي؛ فتابع قوله تعالى - بعد أن ذكر ما وعظه به صاحبه المؤمن -: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً}. قلت: فهذا القول منه - مع سباق القصة - صريح جداً في أن شركه إنما هو شَكُّه في الآخرة، وهذا كفر وليس بشرك في رأي الطحاوي! فهو باطل ظاهر البطلان. وإن مما يؤكد ذلك من السنة قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -:"أخرجوا المشركين من جزيرة العرب". رواه الشيخان وغيرهما عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، وهو مخرج في "الصحيحة" برقم (1133)، فإن المراد بهم اليهود والنصارى؛ كما دلت على ذلك أحاديث أخر، منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لئن عشت؛ لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أترك فيها إلا مسلماً». رواه مسلم وغيره وهو مخرج هناك (1134). ولما كان حديث ابن عباس حجة قاطعة في الموضوع؛ غمز من صحته الطحاوي عصباً لمذهبه - مع الأسف -! وزعم أنه وهم من ابن عيينة قال (4/ 16): "لأنه كان يحدث من حفظه؛ فيحتمل أن يكون جعل مكان (اليهود والنصارى): (المشركين) (!) ولم يكن معه من الفقه ما يميزبه بين ذلك "! كذا قال سامحه الله! فإنه يعلم أن تحديث الحافظ الثقة - كابن عيينة - من حفظه ليس

[554] باب هل بين الكفر والشرك فرق؟

بعلة؛ بل هو فخر له، وأن تخطئة الثقة بمجرد الاحتمال ليس من شأن العلماء المنصفين، ولكنها العصبية المذهبية؛ نسأل الله السلامة! وعلى مذهب الطحاوي هذا يمكن أن يغفر الله الكفر لقوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ]!! وبهذه الآية احتج ابن حزم رحمه الله على أبي حنيفة الذي هو مَتبوعُ الطحاويُ في التفريق المزعوم؛ فقال عقبها (4/ 244): "فلو كان ههنا كفر ليس شركاً؛ لكان مغفوراً لمن شاء الله تعالى بخلاف الشرك، وهذا لا يقوله مسلم ". ثم أتبع ذلك بأدلة أخرى قوية جداً، ثم قال: "فصح أن كل كفر شرك، وكل شرك كفر، وأنهما اسمان شرعيان، أوقعهما الله تعالى على معنى واحد". ولولا خشية الإطالة؛ لنقلت كلامه كله لنفاسته وعزته، فليراجعه من شاء المزيد من العلم والفقه. والخلاصة أن الحديث ضعيف الإسناد، منكر المتن، وأن الاستعانة بأهل الكتاب في جهاد الكفار يشملها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنا لا نستعين بمشرك». ولفظ مسلم (5/ 201): «فارجع فلن أستعين بمشرك». "الضعيفة"13/ 1/209 - 213). [554] باب هل بين الكفر والشرك فرق؟ الشيخ: الحقيقة شأن كل طالب مبتدئ في العلم وأنا كنت كذلك وربما لا أزال كذلك، كنت أقرأ هذا الحديث ويصير فيه إشكال؛ لأن في بعض الروايات: «ليس بين الكفر والرجل إلا ترك الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر» في بعض الروايات: «فقد أشرك».

مداخلة: سبحان الله العظيم. الشيخ: أتساءل أنا كيف فقد أشرك؟! يا أخي! هذا تارك الصلاة - خاصة الذي يتركها كسلاً - كيف يعني أشرك؟ كنت أظن أنه لعله في وهم من الراوي، أنا طالب علم، بعد ذلك ربنا فتح ولو على سن والحمد لله فعرفت أنه شرعاً خلاف اللغة، لا فرق بين الكفر والشرك، ... (فكل) كفر شرك وكل شرك كفر ولا فرق بينهما شرعاً، أما لغةً فيوجد فرق؛ لأن الكفر في اللغة هو التغطية، أما الشرك فهو جعل الشيء شريكاً لآخر، كالمشركين الذي يجعلون لله أنداداً؛ لكن فيما بعد عرفت أن كل كافر ولو كان غير مشرك لغةً فهو مشرك واقعياً لا يخلو أي كافر إلا أن يكون مشركاً ربنا يقول: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية:23) اتخذ إلهه هواه، إذاً فكل من يتبع هواه فقد جعله شريكاً مع الله، فإذاً: أي كفر لو واحد أنكر حرف من آية من قرآن كريم هذا معناه أنه حكم عقله، واتخذ عقله إلهاً من هنا جاء الشرك، فإذاً: صدق من قال: كل كفر شرك وكل شرك كفر وليس كل كفر شرك، ليس كمن يقول ليس كل كفر شرك، كما سمعت من الطحاوي، هذا في الواقع من العلوم النادرة جداً، والتي تحل بها مشاكل كثيرة وكثيرة منها: آية: {إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48) أنا قرأت إشكالاً حول هذه الآية في مجلة المنار الذي كان يصدرها السيد: رشيد رضا، جاء عليه اعتراض قال: إن الآية معناها: أن هؤلاء الكفار الأوروبيون الذين يؤمنون بالديانة الطبيعية يسمونها طبيعية يعني أن لهذا الكون خالقاً، وما يعرفون أكثر من ذلك، فيمكن أن هؤلاء الله يغفر لهم؛ لأنهم غير مشركين وما استطاع السيد رشيد رضا يومئذ أن يجيب بجواب كمثل هذا الجواب الذي لو كان يحضره يومئذ كان فصل الخطاب، كل كفر شرك وكل شرك كفر. "الهدى والنور" (341/ 05: 49: 00)

[555] باب كلمة حول الفرق بين الكفر والشرك

[555] باب كلمة حول الفرق بين الكفر والشرك سؤال: ... هل الكتابيات اللواتي كن في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كن ممن كان يقول بأن الله هو عيسى بن مريم. الشيخ: إيه، لا شك، معلوم. مداخلة: وعلى الرغم من ذلك أحل الزواج منهن ولم يكن هذا الزواج مشروطاً بتغيير دينهن إلى الإسلام. الشيخ: نعم. مداخلة: لما تحدثنا على .. أهل الكتاب أنه يفترض أن ذبحهم حلال أهل الكتاب، لأنهم كانوا يذبحون حلالاً ويذكون. الشيخ: نعم. مداخلة: فالآن لا يذبحون إلا خنق فطعامهم ما عاد حلاً لنا. الشيخ: هو هذا. هن مشركات لكن زائد كتابيات، فكل كتابي مشرك ولكن ليس كل مشرك كتابي، فلتميز الكتابي على المشرك لكونه كتابياً أعطيت له خصوصيات يتميز بها عن المشركين والمشركات. مداخلة: ويجوز أنه ليس كل كتابي مشرك. الشيخ: يجوز هذا، لكن على التعبير الإسلامي الصحيح كل من كفر بالله فهو مشرك، لا تنسى هذه محاضرة كنا ألقيناها ربما أكثر من مرة، تتذكرون هذا؟ كل كافر مشرك، ولو كان هو ليس مشركاً لغة، هل الكلام مفهوم لديك أبو عبد الله.

مداخلة: إن شاء الله. الشيخ: سمعت الكلمة في هذا. مداخلة: لا ما سمعت. الشيخ: إذاً لا يكون مفهوم لديك، يكون مفهوم هكذا يعني .. المسألة تريد بحث. الآن أنت تعلم بأن هناك مذهب الطبيعيين الذين يؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً، فالضرورة أدتهم إلى أن يعتقدوا بأن لهذا الكون خالقاً، لو أن مسلماً حتى لا نبتعد بالأمثلة، لو أن مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم ما شاء الله عليه، لكن يقول هذه الآية لم تعجبني، هذا كفر، هل هناك شك؟ مداخلة: لا. الشيخ: لكن أشرك، هذه ليس عندكم خبر بها، كونه كفر لا شك، لكن كونه أشرك تحتاج إلى بيان وتوضيح. الشرك في اللغة أخف من الكفر، فكل مشرك كافر وليس كل كافر مشركاً، فالذي يشهد أن لا إله إلا الله وأنه لا يستحق العبادة سواه، هذا موحد ليس مشركاً، ويؤمن بكل ما جاء من عند الله، لكنه قال: الآية الفلانية لم تعجبني، أو الحديث النبوي ما أعجبني، هذا لغةً: كَفَرَ، لكنه ما أشرك، أما شرعاً فقد أشرك أيضاً، والسبب: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية:23)، إذاً: هنا صار شرك لأنه جعل هواه إلهاً. إذاً: هو يقول لا إله إلا الله، لكن من حيث واقعه جعل مع الله إلهاً، وليس من

الضروري يكون إلهه فرعون أو اللات أو مناة .. إلى آخره، يكفي أن يكون إلهه هواه، من هنا الآن الشرع يجعل كل من كفر بمكفر ما مشركاً، وإليك الآن النص الصريح من القرآن الكريم، قصة المؤمن والملحد الذي أنكر البعث والنشور في سورة الكهف: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} (الكهف:32 - 35). هو كفر في هذه الآية، لكن في الآيات التي بعدها سيحكم عليه ربنا بأنه أشرك. {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} (الكهف:35 - 38). فهو قال له: (وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا) لأنه اعتبره مشركاً حينما قال: (ما أظن أن تبيد هذه أبداً .. وما أظن الساعة قائمة) {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} (الكهف:39 - 42).

[556] باب بيان خطأ مقولة: الخطأ مغفور في الفروع دون الأصول، والتعرض لمسألة التفريق بين الكفر والشرك

إذاً شركه كان شكه في البعث والنشور، إذاً: الشرع -وقدمت آنفاً التعليل- يعتبر كل كفر شركاً، فهكذا أهل الكتاب هم مشركون، ولو وجد هناك موحدون يعتقدون بأن عيسى ليس ابناً لله، فهو مشرك؛ لأنه ما آمن بالله ورسوله، واضح أظن القصد. مداخلة: هو مشرك لأنه كافر. الشيخ: هذا هو، كل كافر مشرك. "الهدى والنور" (626/ 29: 03: 00) و (626/ 34: 13: 00) [556] باب بيان خطأ مقولة: الخطأ مغفور في الفروع دون الأصول، والتعرض لمسألة التفريق بين الكفر والشرك سؤال: يا شيخنا طبعاً ذكرتم أن المنهج الصحيح موجود في القرآن والسنة، وقواعد المنهج معلومة لدينا فهما الكتاب والسنة على فهم الصحابة وما إلى ذلك، فيعني وكلنا يعلم أنكم قد بذلتم جهدكم في يعني سبيل إقامة قواعد هذا المنهج، ولست أنا أشهد أو غيري، ولكن السلسلة الصحيحة تشهد والسلسلة الضعيفة وإرواء الغليل .. وما إلى ذلك من الكتب التي كان هدفها تصفية الدين مما علق به من الشوائب من بدع ومنكرات وأحاديث ضعيفة ومنكرة، فالسؤال يا شيخنا يعني طبعاً على سبيل ضرب المثل الإمام ابن حجر في كتابه «فتح الباري في شرح أحاديث صحيح البخاري» كانت له بعض الزلات في مجال العقيدة، ونبه عليها شيخنا عبد العزيز بن باز في تعليقاته، فالسؤال: طبعاً هو في زلاته هذه يعني خفق في فهم الصحابة، فكانت له زلات في مجال العقيدة، فسؤالي: هل يخرج من المنهج أو زلاته في الاعتقاد تنفي عنه كونه على المنهج الصحيح. هذا السؤال يا شيخ؟

الشيخ: إذا كنا متذكرين جميعاً أن كل بني آدم خطاء، وأن خير الخطائين التوابون، وأن العصمة ليست لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا غرابة في أن يخطئ من كان إماماً في دعوة الحق، فإذا أخطأ في مسألة أو أخرى في مسألتين أو ثلاث أو أكثر، فذلك لا يخرجه عن دعوة الحق إذا تبناها، فالحافظ ابن حجر كالإمام النووي وغيره ممن أخطؤوا في بعض المسائل العقدية، كما يقولون اليوم، فذلك لا يخرجهم عن كونهم من أهل السنة والجماعة؛ لأن العبرة بما يغلب على الإنسان من فكر صحيح أو عمل صالح، متى يكون المسلم صالحاً؟ هل يشترط في أن يكون صالحاً: ألا يقع منه أي ذنب أو معصية؟ الجواب: لا، بل من طبيعة الإنسان أن يقع منه الذنب والمعصية مراراً وتكراراً، فمتى يكون العبد صالحاً؟ إذا غلب خيره شره، وصلاحه على ضلاله .. وهكذا، كذلك تماماً يقال في المسائل العلمية سواء كانت هذه المسائل العلمية مسائل عقدية أو فقهية، فإذا كان هذا العالم يغلب عليه العلم الصحيح فهو الناجي، أما أن له زلة أو زلات في الفقه أو في العقيدة فهذا لا يخرجه عن ما غلب عليه من العقيدة الصحيحة، فابن حجر ما ذكرت من له تلك الزلات فلا يعني ذلك أنه لا ينبغي أن نستفيد من كتابه، وألا نترحم عليه، وألا نحشره في زمرة علماء المسلمين المتمسكين بالكتاب والسنة. كل إنسان يخطئ، ولا مجال من الخطأ؛ لأن الله عز وجل حينما خلق ملائكة وخلق بشراً فقد قدر على هؤلاء البشر أن يخطئوا رغم أنوفهم، كما قال عليه الصلاة والسلام، حديثان مهمان جداً، ولكن حذاري أن يفهم فهماً خاطئاً: الحديث الأول: قال عليه الصلاة والسلام: «كتب على ابن آدم حظه من الزنا

فهو مدركه لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه» (¬1)، الشاهد من هذا الحديث: «فهو مدركه لا محالة»، أي: لا يمكن أن يتخلص، لماذا؟ لأنه إنسان ليس مَلَكاً. الحديث الآخر وهو الأهم، قال عليه الصلاة والسلام: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» (¬2)، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يحلون محلكم ويذنبون بخلافكم، فهل أنتم لا تذنبون؟ فهذا قضاء الله قدره، لا بد لجنس البشر من أن يقع في الخطأ الذي لا يحبه الله، لكن هذا الخطأ قد يكون من الصغائر من اللمم وقد يكون من الكبائر، فسواء كان هذا أو هذا، هذا أمر لا بد منه، ولكن هل معنى الحديث: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»، هل معنى الحديث ومغزى الحديث: الحض على الذنوب وارتكاب المعاصي؟ الجواب: لا، المقصود من الحديث تماماً عاقبته، يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم، ومعنى هذا حينئذ: يا معشر البشر .. كما قال تعالى في الحديث القدسي: «كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ... » إلى آخر الحديث، الشاهد: أن حديث: «لو لم تذنبوا»، الهدف منه: أيها البشر ما دام أنكم فطرتم على المعصية فلا تتكلوا عليها، وإنما أتبعوها بالمغفرة بالاستغفار؛ حتى تعقبها المغفرة؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (هود:114)، إذا كان إذاً هذه طبيعة البشر أن يخطئوا في مخالفة النص ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم1797). (¬2) مسلم (رقم7141).

قصداً وهي الذنوب، وأن يخطئوا في مخالفة النص لا قصداً وإنما لسوء فهم فلا مؤاخذة في ذلك، المؤاخذة متى تكون؟ إذا أقيمت الحجة على إنسان، سواء كانت الحجة في مسألة عقدية فكرية أو كانت الحجة في مسألة فقهية، ثم عاند وأصر على خطئه فهنا تكون المؤاخذة، والعكس لا، أي: إذا إنسان وقع في خطأ عقدي لكنه هو كان حريصاً على معرفة الصواب في تلك العقيدة لكنه لم يوفق إلى ذلك، ولو أقيمت الحجة عليه لرجع إلى الصواب فلا مؤاخذة عليه. لذلك هذا الكلام في الحقيقة يجرنا إلى مسألة من تلك المسائل المنهجية التي يجب أن نعرفها، فإن بعض العلماء، وبخاصة الكتاب اليوم، يخطئون في هذه المسألة، كثيراً ما تقرءون أو تسمعون: أن الخطأ في الفهم يغتفر في الفروع وليس في الأصول، هذا خطأ، الخطأ يغتفر مطلقاً، سواء كان في الفروع أو كان في الأصول؛ لأنه عدم المؤاخذة من الله عز وجل لعباده هو لعدم وجود قصد المخالفة من هذا العبد لربه، فإذا وجدت المخالفة، سواء كانت المخالفة في العقيدة أو في الحكم في الفقه ولم يكن القصد هو العناد والمكابرة والجحد فلا مؤاخذة في ذلك، فالتفريق بين الأصول والفروع، بين العقيدة والفقه في مسألة عدم المؤاخذة بالخطأ في الفروع والمؤاخذة في الأصول، هذا التفريق لا أصل له، فهذا التفريق يشبه تماماً التفريق البدعي الآخر وهو: أنه يجب الأخذ بحديث الآحاد في الفروع ولا يؤخذ بحديث الآحاد في الأصول، هذا خطأ وهذا خطأ. أروي لكم الآن حديثاً من الأحاديث الصحيحة التي أخرجها الشيخان في صحيحهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ومن حديث حذيفة بن اليمان أيضاً رضي الله تعالى عنه: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «كان في من قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط، فلما حضره الموت جمع بنيه حوله فقال لهم: أي أب لكم؟ قالوا:

خير أب، قال: فإني مذنب مع ربي، ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» هل ترونه مؤمناً وهو يقول: (إن قدر الله علي)؟ هذا شك في قدرة الله عز وجل، إذاً نستطيع أن نقول: هل أخطأ في الفرع أم أخطأ في أصل الأصول في الله عز وجل الذي ذكر في خاتمة سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:78)؟ هذا الإنسان هو هذا الذي عناه الله عز وجل في هذا المثال، قال هذا الرجل: «ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» يعترف بأنه كان مخطئاً مع ربه، وأن الله عز وجل إذا عذبه يكون عادلاً؛ لأنه كان مخطئاً معه، فللخلاص من عذابه دار في ذهنه مخرج مخلص، فأوصى بوصية في علمه وفي اعتقاده لم يقع مثلها في الدنيا من غير هذا الإنسان، «قال: فإذا أنا مت فحرقوني بالنار، ثم خذوا رمادي فذروا نصفه في البحر ونصفه في الريح» أحرقوه بالنار وأخذوا رماده والريح يهوج فذروه في الريح، والنصف الثاني في البحر، لماذا فعل هذا الرجل هذه الفعلة؟ ظن أنه يضل عن ربه، وأن الله عز وجل ليس بقادر على أن يقول له: كن بشراً سوياً، لكن الله عز وجل فعل ذلك به، فلما مات وذروا رماده في الريح وفي البحر قال الله له: كن فلاناً، فكان بشراً سوياً، قال له .. هنا الشاهد: «قال له: أي عبدي ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رب خشيتك -أنا خفت منك- قال: اذهب فقد غفرت لك». هذا الحديث وقد عرفتم أنه من صحاح الأحاديث في البخاري ومسلم وعن صحابيين جليلين: أبي سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان، هذا الحديث من مخصصات عموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48)، في هذا الحديث قد غفر الله لهذا الجاني على نفسه بوصيته الجائرة. لكن هنا لا بد لي من وقفة، وهذا من العلم الذي نحن بحاجة إليه باعتبارنا

أننا ندعو الناس إلى الكتاب والسنة: هذا الذي أوصى بهذه الوصية الجائرة هل هو كافر أم مشرك؟ الآن أنا أوجه هذا السؤال وما أريد أن أسمع صوتاً، لكن أرى يداً رفعت، من كان عنده الجواب عن هذا السؤال يرفع يده، هذا الذي أوصى بهذه الوصية الجائرة هل هو كافر أم مشرك؟ تفضل. مداخلة: كافر. الشيخ: كافر، تفضل. مداخلة: لا كافر ولا مشرك. الشيخ: تفضل. مداخلة: ليس بكافر ولا مشرك؛ لأن الله عز وجل لا يغفر الشرك، والله عز وجل غفر له. الشيخ: هاه، مع الأسف ما سمعنا جواباً صحيحاً، الذي أنكر قدرة الله عز وجل على إعادته بشراً كما كان هذا كافر بلا شك؛ لأن هذا هو الذي ذكرناكم بخاتمة سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:78)، هو جعل نفسه رميماً سلفاً، يعني: ما صبر حتى يدفن ويصير جسمه رميماً تراباً، وإنما عجل على نفسه بتلك الوصية الجائرة فجعل نفسه رماداً، لا شك أن هذا كفر. لكن كنت أتمنى أن أسمع الجواب الصحيح، ومن أجل هذا أنا وقفت هذه الوقفة معكم من باب التذكير أو التعليم: هذا الرجل كفر وهذا الرجل أشرك، ولولا أنه أشرك ما جاز لي أن أقول: إن آية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (النساء:48)، قلنا: إن هذه الآية مخصصة بمثل هذه الحادثة، أي: أن بعض

الشرك يغفر، هذا معنى الآية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (النساء:48) ليست الآية على عمومها وشمولها، فبعض الشرك يغفر، وأنا الآن ذكرت لكم نوعاً، أذكر لكم نوعاً آخر، وهذا ستعرفونه، لأنكم تسمعون بأن أهل الفترة غير معذبين، أليس كذلك؟ طيب، هل تقولون: أنهم كانوا غير مشركين؟ كانوا مشركين، لكنهم لا يعذبون، لماذا؟ لأن حجة الله لم تقم عليهم، أي: لم تبلغهم دعوة الرسول، وأنا أتكلم بصورة عامة عن أهل الفترة لا أعني الذين بعث إليهم الرسول لكن بقاعدة عامة: أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة الرسول ولو كانوا مشركين فهم لا يعذبون على شركهم، لماذا؟ لأن الحجة لم تصلهم. فهنا في هذه القصة هذا الرجل بالنسبة للفكرة القائمة: أن الشرك أخص من الكفر، والكفر أعم من الشرك، بمعنى: كل من أشرك فقد كفر، وليس كل من كفر أشرك، هذا هو الفقه القائم في أذهان الناس إلا قليلاً منهم. أوضح ذلك بمثال: رجل يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم .. إلى آخره، لكنه أنكر آية من القرآن، هذا كفر أم لم يكفر؟ مداخلة: كفر. الشيخ: كفر، هل أشرك؟ مداخلة: ما أشرك. الشيخ: ما أشرك، لا الصواب أشرك، كل كافر مشرك وكل مشرك كافر، لا فرق بين اللفظين إطلاقاً، هذه الحقيقة التي جرني إلى بيانها حديث ذلك الجائر في وصيته، إنه أشرك، كل من كفر فقد أشرك، ومن أشرك فقد كفر، لا إشكال في ذلك، والدليل على ذلك: لو تذكرنا محاورة المؤمن والكافر في سورة الكهف:

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} (الكهف:32 - 35) انتبهوا الآن: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} (الكهف:35، 36) بمفهومكم السابق هذا كفر أم أشرك؟ مداخلة: أشرك. الشيخ: كفر. مداخلة: أشرك. مداخلة: كفر. الشيخ: مفهومكم السابق مفهومكم الخطأ هذا كفر وما أشرك، أنكر البعث والنشور، {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} (الكهف:35) {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا} (الكهف:36) {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} (الكهف:37)، {إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} (الكهف:39) {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} (الكهف:40 - 42]، إذاً: هو لما أنكر البعث والنشور أشرك مع الله، فكل من كفر بشيء جاء في الكتاب أو في السنة فهو في حالة كفره مشرك، هذا هو من ناحية النص القرآني، فما هو الوجه الفكري والعقلي؟

الجواب: قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية:23)، فإذاً كل من كفر بكفرية ما يكون مشركاً مع الله؛ لأنه جعل عقل نفسه شريكاً مع ربه تبارك وتعالى؛ ولذلك لا تفرقوا بين الكفر والشرك، إذا عرفتم هذه الحقيقة فيزول إشكال قد يعرج أحياناً في البال لبعض من يسمع حديث الرسول عليه السلام بروايته: «من ترك الصلاة فقد كفر»، «من ترك الصلاة فقد أشرك»، كيف هذا؟ الذي يفرق بين الكفر والشرك يشكل عليه لفظة: (أشرك)، لا، الصواب أن يقال: كفر، كذلك الحديث الآخر: «من حلف بغير الله فقد كفر»، «من حلف بغير الله فقد أشرك»، كفر أشرك، أشرك كفر، لا فرق بين اللفظين من حيث الاصطلاح الشرعي، من حيث الاصطلاح اللغوي في فرق بلا شك، لكن الشرع فتح بصائرنا وأفكارنا وأفهمنا لماذا كل من كفر بالله عز وجل أي نوع من الكفر يكون مشركاً؛ لأنه شرَّك عقله مع ربه عز وجل فجعله شريك فيما يصدر منه من قرار ومن حكم. إذا عرفنا هذا نعود إلى وصية ذلك الرجل: «غفر الله له»، لماذا؟ هنا كان بيت القصيد من الاستدلال بالحديث؛ لأن الكفر لم يعقد في قلبه، إنما عرض له لشبهة طرأت له من هول تصوره لعذاب ربه له فيما إذا تمكن منه، فليتخلص من هذا العذاب الذي هو يستحقه أوصى بتلك الوصية الجائرة، فإذا أصابت مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله يؤمن بكتاب الله وبحديث رسول الله فتأول نصاً من كتاب الله، إن كان تأوله وهو يعلم أنه مبطل فهو كافر، أما إن كان شُبِّه له فلا مؤاخذة عليه. وهذا هو نهاية الجواب عن ذلك السؤال. "الهدى والنور" (724/ 55: 00: 00)

[557] باب هل كان الناس على الإيمان أم الكفر؟

[557] باب هل كان الناس على الإيمان أم الكفر؟ السائل: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (البقرة:213) الناس كانوا على الإيمان أم على الكفر؟ الشيخ: على الإيمان بلا شك. مداخلة: طيب. {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} (البقرة:213) يعني الآية يعني تلمح على أنهم كانوا على غير الإيمان وإلا لمَ بَعَثَ الله النبيين بعد؟ الشيخ: الأمر سهل، كانوا على الإيمان والتوحيد وعلى الشرائع التي أنزلها الله عز وجل على آدم ومن بعده، ثم اختلفوا فبعث الله النبيين وانتهى الأمر، فالبعث لا يعني أنه لم يكن هناك توحيد ولم يكن هناك تشريع وإنما يعني أنه وجد مخالفات ومقتضيات تقتضي بالحكمة الإلهية إرسال هؤلاء الرسل. مداخلة: يعني كما يقولون إيجاز، حذف في الآية؟ الشيخ: إيه في طي، يقولون في طي في الآية. نعم. "الهدى والنور" (235/ 11: 29: 00) [558] باب هل يفسر الكفر بالجحود فقط؟ سؤال: هل الكفر يفسر بالجحود فقط من الناحية الاصطلاحية، أم أن هناك صوراً أخرى للكفر يفسر بها كالإعراض والاستكبار والإباء وغيرها؟ الجواب: هذا سؤال غير وارد؛ لأنَّا قسمنا الكفر إلى قسمين كفر عملي وكفر اعتقادي، مقدم سلفاً كنا تقدمنا بهذا التقسيم وقلنا أن الكفر قد يكون كفراً عملياً وليس كفراً اعتقادياً فإذاً ليس الكفر فقط يعني الجحود؛ وإنما يعني أيضاً معنى

[559] باب لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله

آخر؛ من ذلك: ما جاء في سؤال السائل فقد يكون كفر نعمة مثلاً: "يكفرن النعمة ويكفرن العشير" كما جاء في حديث البخاري عن النساء، فإذاً الكفر له عدة معاني حقيقية، لكن بما كان يتعلق بالبحث السابق كالكفر فيما يتعلق بتارك الصلاة وغير الصلاة إما أن يكون الكفر بمعنى الجحد فهو يكفر به، وإما أن يكون الكفر بمعنى أنه يعمل عمل الكفار فلا يصلي، فهذا لا يكفر به وإنما يفسق. " الهدى والنور" (2/ 47: 28: 00) [559] باب لا يُكَفَّر أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله [قال الإمام معلِّقاً على قول صاحب الطحاوية: ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله]: قلت: يعني استحلالاً قلبياً اعتقادياًّ، وإلا فكل مذنب مستحل لذنبه عملياًّ، أي: مرتكب له، ولذلك فلا بد من التفريق بين المستحل اعتقاداً فهو كافر إجماعاً، وبين المستحل عملاً لا اعتقاداً، فهو مذنب يستحق العذاب اللائق به، إلا أن يغفر الله له، ثم ينجيه إيمانه، خلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يحكمون عليه بالخلود في النار، وإن اختلفوا في تسميته كافراً أو منافقاً. وقد نبتت نابتة جديدة اتبعوا هؤلاء في تكفيرهم جماهير المسلمين رؤوساً ومرؤوسين، اجتمعت بطوائف منهم في سوريا ومكة وغيرها، ولهم شبهات كشبهات الخوارج، مثل النصوص التي فيها من فعل كذا فقد كفر، وقد ساق الشارح رحمه الله تعالى طائفة منها هنا، ونقل عن أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص - أن الذنب أي ذنب كان هو كفر عملي لا اعتقادي، وأن الكفر عندهم على مراتب: كفر دون كفر كالإيمان عندهم، ثم ضرب على ذلك

[560] باب منه

مثالاً هاماًّ طالما غفلت عن فهمه النابتة المشار إليها فقال رحمه الله تعالى (ص 363): وهنا أمر يجب أن يُتفطن له، وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة، وقد يكون معصية: كبيرة أو صغيرة. ويكون كفراً: إما مجازياًّ وإما كفراً أصغر على القولين المذكورين، وذلك بحسب حال الحاكم؛ فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله: فهذا كفر أكبر، وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة، وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاص، ويسمى كافراً كفراً مجازياًّ، أو كفراً أصغر، وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه، فهذا مخطئ له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور. "التعليق على متن الطحاوية" (ص61 - 63). [560] باب منه [نقل الإمام تعليق شارح الطحاوية على قول الماتن: «ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين». مقررا إياه فقال]: قال الشارح: يشير الشيخ رحمه الله إلى أن الإسلام والإيمان واحد، وأن المسلم لا يخرج من الإسلام بارتكاب الذنب ما لم يستحله. والمراد بقوله: «أهل قبلتنا» من يدعي الإسلام، ويستقبل الكعبة، وإن كان من أهل الأهواء، أو من أهل المعاصي، ما لم يُكذب بشيء مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. "التعليق على متن الطحاوية" (ص55).

[561] باب منه

[561] باب منه سؤال: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فإنا نستسمح من شيخنا في أن نكمل بعض الأسئلة في مسألة التكفير، فنأمل الإذن بذلك. قول الطحاوي في الطحاوية: ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، قال شارح الطحاوية: ينبغي أن يقيد هذا، ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بكل ذنب؛ هل هذا التقييد صحيح؟ الشيخ: نعم، لا نكفر أحداً من أهل القبلة بأي ذنب صدر منه بالشرط الذي كنا ذكرناه بشيء من التفصيل في جلسة سابقة، ألا وهو: ألَّا يستحل بقلبه ذلك الذنب، أما إذا واقع ذنباً من الذنوب حتى ولو كانت من الذنوب الكبائر حتى ولو كان ذلك الذنب هو ترك الصلاة، إذا كان ما ارتكبه من هذا الذنب أو ذاك يعترف في قرارة قلبه أنه مذنب مع ربه -عز وجل- فلا يكفر بهذا الذنب مهما كان شأنه. أما إذا استحله بقلبه كما استحله بعمله، فهذا هو الكفر المخرج عن الملة، فلا فرق بين ذنب وذنب، أنه لا يجوز أن نكفر مسلماً به إلا بالشرط المذكور آنفاً، أي ما دام أنه له ذنب، وأن هذه العقيدة هي يجب الإيمان بها، ولكنه غلبه هواه وشيطانه فهو يعترف. فأنا أذكركم بهذه المناسبة بذنب ذلك الذي أوصى بتلك الوصية الجائرة التي لا نتصور وصية جائرة أكثر منها، وهي حينما أمر بنيه لكي يحرقوه ليضل على ربه، هذا ذنب ما بعده ذنب، ومع ذلك فربنا -عز وجل- لم يؤاخذه حينما أفصح الرجل والله أعلم بما كان في قلبه أنه لم يعمل أو لم يوص بتلك الوصية الجائرة إنكاراً لقدرة الله -عز وجل- واعتقاداً بعجزه عن أنه لا يستطيع أن يعيده بشراً سوياً؛ لا،

[562] باب حد الكبيرة

وإنما قال: خشيتك، فغفر الله -عز وجل- له، فمهما المسلم ارتكب كبيرة من الكبائر وهو غير مستحل لها بقلبه، هنا يأتي قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره»، وهنا تأتي أحاديث الشفاعة التي تصرح في خاتمة الشفاعة: «أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان»، لذلك كان عقيدة السلف الصالح وأهل السنة والجماعة حقاً أن مرتكب الكبيرة هو فاسق لا يخرج بكبيرته عن الإسلام. "الهدى والنور" (672/ 05: 06: 00) [562] باب حد الكبيرة [قال الإمام]: اعلم أنهم اختلفوا في تعريف الكبائر على أقوال، أمثلُها أنها ما يترتب عليها حد، أو توعد عليها بالنار، أو اللعنة أو الغضب. وراجع «الشرح [أي شرح الطحاوية]» و «مجموع الفتاوى» للشيخ ابن تيمية (11/ 650). "التعليق على متن الطحاوية" (ص73). [563] باب لا يُشهد لأحد من أهل القبلة بجنة ولا بنار إلا من شُهد له، وحكم قول بعضهم عن الميت: «المغفور له» وما شابهه -[نقل الإمام تعليق الشيخ ابن مانع على قول صاحب الطحاوية: «ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم، ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة» مقررًا إياه فقال]: قال الشيخ ابن مانع رحمه الله: «اعلم أن الذي عليه أهل السنة والجماعة أنهم

[564] هل يدخل الكافر كفرا اعتقاديا الجنة؟

لا يشهدون لأحد مات من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله وأخبر عنه بذلك، ولكنهم يرجون للمحسن، ويخافون على المسيء، وبهذا تعلم ما عليه كثير من الناس إذا ذكروا عالماً أو أميراً أو ملكاً أو غيرهم قالوا: المغفور له، أو ساكن الجنان، وأنكى من ذلك قولهم: نقل إلى الرفيق الأعلى، ولا شك أن هذا قول على الله بلا علم، والقول على الله بلا علم عديل الشرك كما قال تعالى: {وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (الأعراف: 33) وأما المشرك فنشهد له بالنار لأن الله قال: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} (المائدة: 72). "التعليق على متن الطحاوية" (ص64 - 65). [564] هل يدخل الكافر كفراً اعتقاديّاً الجنة؟ السائل: الكافر كفر اعتقادي هل هناك يعني إمكانية في دخوله الجنة؟ الشيخ: لا، إنها محرمه على الكافرين، بنص القرآن الكريم. "الهدى والنور" (428/ 25: 24: 00) [565] باب الكافر هل يجازى على عمله الصالح؟ [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغي به وجهه». [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: فهذا الحديث وغيره يدل على أن المؤمن لا يقبل منه عمله الصالح إذا لم يقصد به وجه الله عز وجل، وفي ذلك يقول تعالى: ٍ {فمن كان يرجو لقاء ربه

فليعمل عملا صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} فإذا كان هذا شأن المؤمن فماذا يكون حال الكافر بربه إذا لم يخلص له في عمله؟ الجواب في قول الله تبارك وتعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}. وعلى افتراض أن بعض الكفار يقصدون بعملهم الصالح وجه الله على كفرهم، فإن الله تعالى لا يضيع ذلك عليهم، بل يجازيهم عليها في الدنيا، وبذلك جاء النص الصحيح الصريح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو: «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنته، يعطى بها (وفي رواية: يثاب عليها الرزق في الدنيا) ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها» ... تلك هي القاعدة في هذه المسألة: أن الكافر يجازى على عمله الصالح شرعاً في الدنيا، فلا تنفعه حسناته في الآخرة، ولا يخفف عنه العذاب بسببها فضلاً عن أن ينجو منه. تنبيه: هذا في حسنات الكافر الذي يموت على كفره كما هو ظاهر الحديث وأما إذا أسلم فإن الله تبارك وتعالى يكتب له كل حسناته التي عمل بها في كفره، ويجازيه بها في الآخرة وفي ذلك أحاديث كثيرة كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا أسلم العبد فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة كان أزلفها» الحديث. هذا وقد يظن بعض الناس أن في السنة ما ينافي القاعدة المذكورة من مثل الحديث الآتي: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ذكر عنده عمه أبو طالب، فقال: «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ

كعبيه، يغلي منه دماغه» ... وجوابنا على ذلك من وجهين أيضاً: الأول: أننا لا نجد في الحديث ما يعارض القاعدة المشار إليها، إذ ليس فيه أن عمل أبي طالب هو السبب في تخفيف العذاب عنه، بل السبب شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهي التي تنفعه، ويؤيد هذا، الحديث التالي: عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: «نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا (أي شفاعته) لكان في الدرك الأسفل من النار» ... فهذا الحديث نص في أن السبب في التخفيف إنما هو النبي عليه السلام، أي شفاعته - كما في الحديث قبله - وليس هو عمل أبي طالب، فلا تعارض حينئذ بين الحديث وبين القاعدة السابقة، ويعود أمر الحديث أخيراً إلى أنه خصوصية للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكرامة أكرمه الله تبارك وتعالى بها حيث قبل شفاعته في عمه وقد مات على الشرك، مع أن القاعدة في المشركين أنهم كما قال عز وجل: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين}، ولكن الله تبارك وتعالى يخص بتفضله من شاء، ومن أحق بذلك من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سيد الأنبياء؟ عليهم جميعاً صلوات الله. والجواب الثاني: أننا لو سلمنا جدلاً أن سبب تخفيف العذاب عن أبي طالب هو انتصاره للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع كفره به، فذلك مستثنى من القاعدة، ولا يجوز ضربها بهذا الحديث كما هو مقرر في علم أصول الفقه، ولكن الذي نعتمده في الجواب إنما هو الأول لوضوحه. والله أعلم. "الصحيحة" (1/ 1/118 - 121).

[566] باب منه

[566] باب منه [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «إذا أسلم العبد، فحسن إسلامه، كتب الله له كل حسنة كان أزلفها، ومحيت عنه كل سيئة كان أزلفها، ثم كان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عز وجل عنها». [قال الإمام]: أخرجه النسائي (2/ 267 - 268) من طريق صفوان بن صالح قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح، وقد علقه البخاري في " صحيحه " فقال: قال مالك: أخبرني زيد بن أسلم به دون كتب الحسنات. وقد وصله الحسن بن سفيان والبزار والإسماعيلي والدارقطني في " غرائب مالك " والبيهقي في " الشعب " من طرق أخرى عن مالك به. قال حافظ في " الفتح " (1/ 82): " وقد ثبت في جميع الروايات ما سقط من رواية البخاري وهو كتابة الحسنات المتقدمة قبل الإسلام. وقوله " كتب الله " أي أمر أن يكتب، وللدارقطني من طريق زيد بن شعيب عن مالك بلفظ " يقول الله لملائكته اكتبوا "، فقيل: إن المصنف أسقط ما رواه غيره عمدا، لأنه مشكل على القواعد. وقال المازري: الكافر ليس كذلك، فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه في شركه، لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفاً لمن يتقرب إليه، والكافر ليس كذلك.

وتابعه القاضي عياض على تقرير هذا الإشكال. واستضعف ذلك النووي فقال: " والصواب الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل أفعالا جميلة كالصدقة وصلة الرحم، ثم أسلم، ثم مات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له، وأما دعوى أنه مخالف للقواعد، فغير مسلم، لأنه قد يعتد ببعض أفعال الكفار في الدنيا ككفارة الظهار، فإنه لا يلزمه إعادتها إذا أسلم وتجزئه " انتهى. ثم قال الحافظ: والحق أنه لا يلزم من كتابة الثواب للمسلم في حال إسلامه تفضلاً من الله وإحساناً أن يكون ذلك لكون عمله الصادر منه في الكفر مقبولاً. والحديث إنما تضمن كتابة الثواب، ولم يتعرض للقبول، ويحتمل أن يكون القبول يصير معلقاً على إسلامه، فيقبل ويثاب إن أسلم، وإلا فلا. وهذا قوي. وقد جزم بما جزم به النووي: إبراهيم، الحربي وابن بطال، وغيرهما من القدماء، والقرطبي وابن المنير من المتأخرين. قال ابن المنير: المخالف للقواعد، دعوى أن يكتب له ذلك في حال كفره، وأما أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيراً، فلا مانع منه كما لو تفضل عليه ابتداء من غير عمل، وكما تفضل على العاجز بثواب ما كان يعمل وهو قادر، فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل البتة جاز أن يكتب ثواب ما عمله غير موفى الشروط. واستدل غيره بأن من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين كما دل عليه القرآن والحديث الصحيح، وهو لو مات على إيمانه الأول لم ينفعه شيء من عمله الصالح، بل يكون هباء منثوراً، فدل على أن ثواب عمله الأول يكتب له مضافا إلى عمله الثاني، وبقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما سألته عائشة عن ابن جدعان وما كان يصنعه من الخير: هل ينفعه؟ فقال: «إنه لم يقل

يوما، رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»، فدل على أنه لو قالها بعد أن أسلم نفعه ما عمله في الكفر ". قلت: وهذا هو الصواب الذي لا يجوز القول بخلافه لتضافر الأحاديث على ذلك، ولهذا قال السندي في حاشيته على النسائي: " وهذا الحديث يدل على أن حسنات الكافر موقوفة، إن أسلم تقبل، وإلا ترد. وعلى هذا فنحو قوله تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب} محمول على من مات على الكفر، والظاهر أنه لا دليل على خلافه، وفضل الله أوسع من هذا وأكثر فلا استبعاد فيه، وحديث " الإيمان يجب ما قبله " من الخطايا في السيئات لا في الحسنات ". قلت: ومثل الآية التي ذكرها السندي رحمه الله سائر الآيات الواردة في إحباط العمل بالشرك كقوله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك، ولتكونن من الخاسرين}، فإنها كلها محمولة على من مات مشركا، ومن الدليل على ذلك قوله عز وجل: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}. ويترتب على ذلك مسألة فقهية وهي أن المسلم إذا حج، ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام، لم يحبط، حجه ولم يجب عليه إعادته، وهو مذهب الإمام الشافعي وأحد قولي الليث بن سعد، واختاره ابن حزم وانتصر له بكلام جيد متين، أرى أنه لابد من ذكره، قال رحمه الله تعالى (7/ 277): "مسألة - من حج واعتمر، ثم ارتد، ثم هداه الله تعالى واستنقذه من النار فأسلم فليس عليه أن يعيد الحج ولا العمرة، وهو قول الشافعي وأحد قولي الليث

وقال أبو حنيفة ومالك وأبو سليمان: يعيد الحج والعمرة، واحتجوا بقول الله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}، ما نعلم لهم حجة غيرها، ولا حجة لهم فيها، لأن الله تعالى لم يقل فيها: لئن أشركت ليحبطن عملك الذي عملت قبل أن تشرك، وهذه زيادة على الله لا تجوز، وإنما أخبر تعالى أنه يحبط عمله بعد الشرك إذا مات أيضا على شركه، لا إذا أسلم، وهذا حق بلا شك. ولو حج مشرك أو اعتمر أو صلى أو صام أو زكى لم يجزه شيء من ذلك عن الواجب، وأيضا فإن قوله تعالى فيها: {ولتكونن من الخاسرين} بيان أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يحبط ما عمل قبل إسلامه أصلاً بل هو مكتوب له ومجازى عليه بالجنة، لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة في أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام ليس من الخاسرين بل من المربحين المفلحين الفائزين، فصح أن الذي يحبط عمله هو الميت على كفره، مرتدا أو غير مرتد، وهذا هو من الخاسرين بلا شك، لا من أسلم بعد كفره أو راجع الإسلام بعد ردته، وقال تعالى: «ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم» فصح نص قولنا: من أنه لا يحبط عمله إن ارتد إلا بأن يموت وهو كافر، ووجدنا الله تعالى يقول: «إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى»، وقال تعالى: «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره»، وهذا عموم لا يجوز تخصيصه، فصح أن حجه وعمرته إذا راجع الإسلام سيراهما، ولا يضيعان له. وروينا من طرق كالشمس عن الزهري وعن هشام بن عروة المعنى كلاهما عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله عليه السلام: أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أسلمت على ما أسلفت من خير». "الصحيحة" (1/ 1/492 - 495).

[567] باب منه

[567] باب منه [قال الإمام]: إذا أسلم [الكافر] فإن الله تبارك وتعالى يكتب له كل حسناته التي عمل بها في كفره، ويجازيه بها في الآخرة وفي ذلك أحاديث كثيرة كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا أسلم العبد فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة كان أزلفها» "الحديث. "الصحيحة" (1/ 1/120). [568] باب منه عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله عليه السلام: أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أسلمت على ما أسلفت من خير». [قال الإمام]: قال ابن حزم: فصح أن المرتد إذا أسلم، والكافر الذي لم يكن أسلم قط إذا أسلما، فقد أسلما على ما أسلفا من الخير، وقد كان المرتد إذ حج وهو مسلم قد أدى ما أمر به وما كلف كما أمر به، فقد أسلم الآن عليه فهو له كما كان. وأما الكافر يحج كالصابئين الذين يرون الحج إلى مكة في دينهم، فإن أسلم بعد ذلك لم يجزه لأنه لم يؤده كما أمر الله تعالى به؛ لأن من فرض الحج وسائر الشرائع كلها أن لا تؤدى إلا كما أمر بها رسول الله محمد بن عبد الله عليه السلام في الدين الذي جاء به الذي لا يقبل الله تعالى دينا غيره، وقال عليه السلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».

والصابئ إنما حج كما أمره يوراسف أو هرمس فلا يجزئه، وبالله تعالى التوفيق. ويلزم من أسقط حجه بردته أن يسقط إحصانه وطلاقه الثلاث وبيعه وابتياعه وعطاياه التي كانت في الإسلام، وهم لا يقولون بهذا، فظهر فساد قولهم، وبالله تعالى نتأيد ". وإذا تبين هذا فلا منافاة بينه وبين الحديث المتقدم برقم (52) «أن الكافر يثاب على حسناته ما عمل بها لله في الدنيا» لأن المراد به الكافر الذي سبق في علم الله أنه يموت كافرا بدليل قوله في آخره: «حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها»، وأما الكافر الذي سبق في علم الله أنه يسلم ويموت مؤمنا فهو يجازى على حسناته التي عملها حالة كفره في الآخرة، كما أفادته الأحاديث المتقدمة، ومنها حديث حكيم بن حزام الذي أورده ابن حزم في كلامه المتقدم وصححه ولم يعزه لأحد من المؤلفين، وقد أخرجه البخاري في "صحيحه " (4/ 327، 5/ 127، 10/ 348) ومسلم (1/ 79) وأبو عوانة في " صحيحه "أيضا (1/ 72 - 73) وأحمد (3/ 402). ومنها حديث عائشة في ابن جدعان الذي ذكره الحافظ غير معزو لأحد، فأنا أسوقه الآن وأخرجه وهو: " لا يا عائشة، إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " ... وفي الحديث دلالة ظاهرة على أن الكافر إذا أسلم نفعه عمله الصالح في الجاهلية بخلاف ما إذا مات على كفره فإنه لا ينفعه بل يحبط بكفره. وفيه دليل أيضاً على أن أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل البعثة المحمدية ليسوا

[569] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر»

من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة رسول، إذ لو كانوا كذلك لم يستحق ابن جدعان العذاب ولما حبط عمله الصالح، وفي هذا أحاديث أخرى كثيرة سبق أن ذكرنا بعضها. "الصحيحة" (1/ 1/495 - 498). [569] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر» سؤال: قال رجلٌ للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أرئيت الرجل يحسن في الإسلام، أيؤاخذ بما عمل في الجاهلية، قال فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أحسن في الإسلام، لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام، أخذ بالأول والآخر»، فماذا يقصد، «من أحسن في الإسلام، لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية»، هل يقصد بذالك انه لم يرتد على الإسلام؟ الشيخ: واحد كان يسرق في الجاهلية، ويسرق، وظل يسرق في الإسلام، فيؤاخذ بهذا وذاك، رجل كان كافراً مشركاً، وعلى شركه كان سيء التصرف، كان يسرق، كان يضرب، كان يشرب الخمر، كان إلى أخره، ثم أسلم، الإسلام يَجُبُّ ما قبله، لكن هذا الحديث، يدخل لهذه الجملة، لهذه القاعدة تخصيصاً، الإسلام يجب ما قبله، فالذي أسلم وكان مثلاً سارقاً، فبإسلامه كما انتهى عن الكفر، انتهى عن السرقة، هذا سيحسن إليه في كل ما يفعل، من حسنات في إسلامه، ولا يؤاخذ على سيئته في الجاهلية، على العكس من ذلك، فرجل آخر أسلم وكان يسرق، ومع إسلامه، ظل يسرق، فهو بناءً على القاعدة العامة الإسلام يجب ما قبله، بيتصور الإنسان، أن هذا لا يؤاخذ بما فعل في الجاهلية، من السرقة، لكن هذا

الحديث يقيد هذه القاعدة، ويقول بأن هذا الذي أسلم وأساء في الإسلام، فسيؤاخذ على إساءته هذه في إسلامه [مثل] إساءته في الجاهلية. السائل: هذا إذا دخل الإسلام، واستغفر الله عز وجل، عما فعل في الجاهلية، وعاد إلى ذنبه، فأين نذهب بحديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، الذي من خلاله يقول حديث المطول، « ... إذا أذنب عبدي، ذنباً، فعرف أن له رباً يغفر الذنب، [إلى أن قال] قد غفرت لعبدي» (¬1)، فهذا الإنسان أسلم، ثم بعد ذلك استغفر، قد رجع إلى السرقة، أو إلى الخمر أو كذا، فالله قد غفر له، ثم استغفر، هل يقصد بذلك: «ومن أساء في الإسلام» ... أنه مات على الإساءة؟ الشيخ: ليس شرطاً، إذا كان أساء في الجاهلية، وما رجع عن إساءته في الجاهلية، سؤالك الأخير أخي ما يخرج عن التوفيق بين قاعدة الإسلام يجب ما قبله، فهي قاعدة عامة، لكن هذا الحديث يخصص هذه القاعدة فيقول بأنه إذا أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما فعل في الجاهلية، أما بعد إسلامه إذا أساء في الإسلام كما أساء في الجاهلية فهو يؤاخذ بالإساءتين، سواء في الإسلام أو في الجاهلية، والحديث الذي ذكرته العبد إذا تاب، فهذا أيضاً من النصوص العامة، أي: التي يتبادر إلى الذهن أنه يشمل من كان مشركاً فأسلم، ويشمل من كان مسلماً أب عن جد. هنا هذا الحديث الآن يأخذ جزئية من جزئيات حديث العبد الذي ذكرته أخيراً، ويعطينا أنه إذا كان مشركاً فأسلم، فأساء في إسلامه كما أساء في جاهليته، أخذ بالإساءتين معاً، تخصيص وتعميم فقط. "الهدى والنور" (425/ 55: 55: 00) و (426/ 46: 00: 00) ¬

(¬1) البخاري (رقم7068) ومسلم (رقم7162).

[570] باب تعريف الإسلام، وبيان ما يخرج المرء منه

[570] باب تعريف الإسلام، وبيان ما يُخرجُ المرء منه [قال الإمام]: (دين) الإسلام هو ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده، على ألسنة رسله، وأصل هذا الدين وفروعه: روايته عن الرسل، وهو ظاهر غاية الظهور، يمكن كل مميز من صغير وكبير، وفصيح وأعجم، وذكي وبليد، أن يدخل فيه بأقصر زمان، وإنه يقع الخروج منه بأسرع من ذلك من إنكار كلمة، أو تكذيب، أو معارضة، أو كذب على الله، أو ارتياب في قول الله تعالى، أو رد لما أنزل، أو شك فيما نفى الله عنه الشك، أو غير ذلك مما في معناه. فقد دل الكتاب والسنة على ظهور دين الإسلام، وسهولة تعلمه، وأنه يتعلمه لوافد ثم يولي في وقته واختلاف تعليم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الألفاظ بحسب من يتعلم، فإن كان بعيد الوطن كضمام بن ثعلبة النجدي، ووفد عبد القيس؛ علمهم ما لم يسعهم جهله، مع علمه أن دينه سينشر في الآفاق، ويرسل إليهم من يفقههم في سائر ما يحتاجون إليه، ومن كان قريب الوطن يمكنه الإتيان كل وقت بحيث يتعلم على التدريج، أو كان قد علم فيه أنه قد عرف ما لا بد منه أجابه بحسب حاله وحاجته على ما تدل قرينة حال السائل، كقوله: [قل آمنت بالله ثم استقم]. وأما من شرع ديناً لم يأذن به الله فمعلوم أن أصوله المستلزمة له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا عن غيره من المرسلين، إذ هو باطل، وملزوم الباطل باطل، كما أن لازم الحق حق. نقله الإمام عن شارح الطحاوية في «التعليق على متن الطحاوية» (ص109 - 110) مقررًا.

[571] باب متى يخرج المسلم من إسلامه؟

[571] باب متى يخرج المسلم من إسلامه؟ سؤال: [الأخ] يريد أن يعرف .. بأقصر الطرق وأسهل شيء متى يخرج المسلم من الإسلام؟ الشيخ: متى يخرج المسلم من الإسلام .. متى يكفر يعني؟ مداخلة: متى يكفر، نعم. الشيخ: المسلم يخرج من إسلامه إذا أنكر شيئاً منه كان دخل فيه، مفهوم هذا الكلام؟ إذا أنكر .. إذا جحد شيئاً يتبناه في إسلامه وفي دينه وهو يعرف ذلك فأنكره بقلبه وليس بلسانه، فهو مرتد عن دينه، ولو كان [يوجد] حكم إسلامي يقتل؛ لأنه ارتد عن دينه، أما إذا لم يُخْرِجْ ذلك عن عقيدةٍ، وإنما إما قال ذلك جهلاً بدينه، أو قاله مضطراً، أو خوفاً، أو نحو ذلك فهو لا يكفر به. فالخلاصة: يرتد عن الدين إذا جحد شيئاً منه وهو عالم به، لكن إذا أنكر شيئاً هو لا يعرفه أنه من الإسلام فأنكره فلا يُكَفَّر إلا بعد أن يُبَيَّنَ له أن هذا الإسلام جاء به فأصر على إنكاره فهو الذي يحكم بكفره وردته؛ تطلق منه زوجته؛ وإذا مات لا يدفن في مقابر المسلمين، يعني: تترتب [عليه] أحكام أهل الردة. أما الشيء الذي يُنْكِرُهُ ويَكفُر بإنكاره إياه فهو ما يسميه أو يعبر عنه العلماء الفقهاء: [ما] كان معلوماً من الدين بالضرورة، ما معنى هذا الكلام؟ أكثر الناس اليوم لا يعرفون أن الدخان شربه حرام، لكن كل المسلمين حتى النصارى يعرفون عن الإسلام أن شرب الخمر حرام في الإسلام، فإذا مسلمٌ ما قال: الخمر ليس حرام، هذا مرتد عن دينه لماذا؟ لأنه لا يتصور أنه يجهل أن دينه الذي هو يعتقده ويؤمن به .. لا يتصور فيه أنه يجهل أن الإسلام يحرِّمه بل هو يقيناً

يعلم أن الخمر حرام، لكن هو أبى هذا الحكم في الإسلام، ففي مثل إنكاره لهذا الحكم يكفر. هذا (يسميه) الفقهاء: معلوم من الدين بالضرورة بمعنى: مجرد كون المسلم مسلماً يعلم هذا الحكم، بينما هناك أحكام فيها دقة متناهية لا يعرفها إلا أهل العلم بل ربما إلا خواص أهل العلم، [مثل] شرب الدخان وكونه حراماً، المسلمين كلهم يعرفون أنه حرام مثل الخمر؟! لا، فالدخان يا أخي أنا أريد أشربه وما هو حرام فهل يكفر؟! [لا]؛ لأنه ما أنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة. ومن صفات المعلوم من الدين بالضرورة أنه يكون مذكوراً إما في القرآن الكريم أو في السنة المتواترة المتلقاة عند علماء المسلمين بالقبول، فإذا أنكر حكماً مختلَفاً فيه فلا يكفر به وإنما يُخطّأ إذا كان مخالفاً للدليل، هذا ما عندي جواباً على ذاك السؤال، ولعله وضح عندك وزال الإشكال أو يوجد غموض؟ مداخلة: لو أقمنا عليه الحجة والدليل هل نصلي خلفه أو نقول أنه قد كفر؟ الشيخ: من الذي يريد أن يقيم الدليل زيد وبكر وعمرو أو أهل العلم؟ مداخلة: من الأحاديث ... الشيخ: الأحاديث لا تكفي .. ، إذا كانوا أهل العلم وأهل العلم بالكتاب والسنة أتوا بهذا الرجل وبينوا له أنك أنت تخالف صريح القرآن وتخالف صريح السنة وتخالف إجماع المسلمين؛ لأن هذا العالم قد يبين له الحجة والدليل فعلاً لكن ليس هذا أمِّي الذي أنكر هذا الشيء .. علماء كبار أنكروا هذا الشيء الذي يقيم الدليل على حرمته، فلا يكفي إقامة الدليل بالنسبة لوجهة نظر العالم وإنما

بالنسبة لوجهة نظر كل علماء المسلمين متفقين معه على هذا، ومع ذلك كان راكب رأسه ومتبع هواه، فهذا يكفر وإلا فلا سبيل إلى تكفيره، ماذا تريد أن تقول؟ نعم؟ مداخلة: وإن كان الجاهل ... يعني: يجهل حكماً، يجهل الأحاديث، ويجهل الآيات. الشيخ: هو البحث في هذا طبعاً .. البحث في هذا، هناك من يعرف؟! مداخلة: ومن لا يعرف. الشيخ: نعم. مداخلة: نتج عن هذا البحث أن الرجل أنكر حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو لا يعتقد صحة هذا الحديث، ما حكمه؟ الشيخ: .. يصلي؟ مداخلة: لا ما حكمه، أهو مسلم؟ الشيخ: يصلي؟ مداخلة: يصلي. الشيخ: طيب! فهو مسلم لكن يعود البحث السابق. مداخلة: البحث السابق. الشيخ: هذا تبع [هذه] الرواية أنكر حديثاً، ونفترض أن هذا الحديث صحيح، فإن كان متبعاً لهواه فهو ضال، وإن كان متبعاً لرجل أفتاه فهو غير ضال؛ وزره على من أفتاه.

[572] باب ذكر الحد الفاصل بين الإسلام والكفر

مداخلة: أما مسألة كفره هذا لا. الشيخ: لا أبداً أعوذ بالله. "الهدى والنور" (14/ 46: 45: 00) [572] باب ذكر الحد الفاصل بين الإسلام والكفر سؤال: ما الحد الفاصل بين الإسلام والكفر؟ الشيخ: الحد الفاصل هو من أنكر من الإسلام ما هو معلوم بالدين بالضرورة فهو كافر، ومع ذلك فهذه الجملة إنما تطبق في المجتمع الإسلامي، واضح؟ لماذا؟ المعلوم من الدين بالضرورة ماذا يعنون [به]؟ يعني: يكون الحكم المعلوم من الدين بالضرورة شائعاً بين المسلمين، لا فرق بين عالمهم وجاهلهم، بين قارئهم وأميهم، كلهم يشتركون في معرفة كون هذا الشيء هو مثلاً فرض أو هو حرام، نضرب مثالاً مثلاً: هل تتصورون مسلماً يجهل تحريم الخمر؟ أنا أقول: لا أتصور، لكني سأقول: أتصور، لكن قبل أن أقول كيف أتصور، هل تتصورون مسلماً يجهل تحريم الدخان؟ هنا سَتُسْألون ستقولون: نعم، أكثر الناس لا يعلمون أن الدخان حرام، فإذا واحد استحل الدخان ما نكفره، لكن إذا واحد استحل الخمر قال: لا، الخمر حلال، وهذا شراب طيب إلخ، هذا نكفره. أرجع إلى كلمتي السابقة وهو أنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، نقول: هذا يكفر، وأحيانا ًلا يكفر، لأنه شرط تكفير من أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن يكون عائشاً في جو إسلامي، في جو إسلامي هذا الجو يعبق برائحة العلم، على الأقل بهذه الأمور التي نقول: إنها معلومة من الدين بالضرورة.

نتصور الآن مجتمع أمريكي زنجي دخل في الإسلام أفواجاً، لكن هل تتصورون أنه بمجرد دخولهم في الإسلام أفواجاً أنهم عرفوا الحلال والحرام والمحرم .. إلخ، لا، هؤلاء بدهم زمن طويل حتى يعيشوا مع أهل العلم وتنتقل معلوماتهم من هؤلاء إلى صدور أولئك الأقوام الذين دخلوا في دين الله أفواجاً، بحيث أنه يتكون جو جديد بالنسبة لهؤلاء الأقوام الذين دخلوا في الإسلام جديداً، فممكن نحن نتصور رجلاً أسلم في أي بلد من البلاد غير الإسلام، قرأ يمكن ترجمة من تراجم القرآن، فدخل الإيمان في قلبه وآمن بالله ورسوله، لكن لسه ما يعرف أن الخمر محرم بالقرآن، ما فهم هذا، فنحن ما بنقوله: أنت كفرت لأنك تشرب خمر وتقول ما في شيء. على العكس من ذلك، لما يكون المسلم عايش في مجتمع إسلامي، وهذا المجتمع الإسلامي يشع فيه العلم الصحيح فحينئذٍ من أنكر فرضاً من هذا المجتمع أنكر شيئاً معلوماًَ من الدين بالضرورة يتوارثه الأب عن أبيه والأب عن جده وهكذا، حينئذٍ يكفر لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة .. وأنا أضرب الآن لكم مثلاً في بلاد الإسلام: أنتم تعلمون مع الأسف أن كثيراً من المسلمين الذين يشهدون معنا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون ويصومون وإلخ، لكنهم ما فهموا التوحيد بعد، ما فهموا التوحيد إيجابيا وسلبياً، ما عرفوا أن التوحيد حينما يفهمه المسلم ويؤمن به حقاً يستلزم أن يكفر بما سواه، أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن يكفر بما سوى الله عز وجل، فنجد كثيراً من المسلمين اليوم يطوفون حول القبور، وينذرون لها النذور، ويستغيثون بها من دون الله عز وجل، ويستشفون يطلبون الشفاء منهم لمرضاهم، هذا معروف في كثير من البلاد الإسلامية، خاصة مصر، فتجد كبار العلماء يتأولون هذه الضلالات كلها،

ويسمونها بغير اسمها، يسمونها: توسلاً إلى الله وتقرباً إلى الله إلخ، وهي الشرك بعينه، فالعامة هؤلاء الذين عاشوا في مجتمع كبار الشيوخ يبررون لهم هذه الأعمال، وليس عندهم من ينبئهم بأن هذا هو الشرك الذي الله بعث محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم -، وحارب المشركين من أجله، أولئك المشركين الذين قالوا: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3) أصبح كثير من المسلمين اليوم يعيدون كلام المشركين الأولين، ... ؟ نحن نتقرب إلى الله، الفرق بين جهلة المسلمين اليوم والمشركين في ذاك الزمان أن المشركين - هنا سيظهر شيئاً من فضل العرب طبيعة، مش ديانةً-، المشركون كانوا يعرفوا أن ما يفعلونه من دعائهم لأصنام أنه عبادة لغير الله عز وجل، كانوا يعرفون هذه الحقيقة ويعترفون بها، كما حكى الله عز وجل عنهم في الآية السابقة: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} (الزمر:3) (يوجد) طيّ هنا في الكلام، وهذا من بلاغة القرآن، إذا قيل لهم: لماذا تعبدونهم من دون الله عز وجل؟ قالوا: ما نعبدهم لذاتهم، ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، .. الآن شيخ الأزهر يقول لك: نحن ما نعبدهم؛ ... لأنهم ما فهموا اللغة العربية كما فهمها الأولون، ثم كفروا عن بصيرة عن علم، ولذلك قال تعالى في أمثالهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14). أما المسلمون اليوم الذين يعيشون في هذه البلاد، ولا يجدون الأصوات العالية التي تبين لهم كما قال تعالى في القرآن: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (الأنبياء:98)،بل يجدون من يتأول لهم أقوالهم وأفعالهم وشركهم وضلالهم، هؤلاء نحن نقول: وقعوا في الكفر، لكننا لا نكفرهم، لأن حجة الله لم تقم عليهم، فهم أنكروا شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة، لكن في أي وقت؟ في وقت كان الدين الحق الكتاب والسنة كان

منتشراً بين الناس، ثم خَلَفَ من بعدهم خَلْفٌ أضاعوا العلم وأضاعوا العبادة على وجهها وصرفوها لغير الله تبارك وتعالى. لعلي أوضحت الجملة التي تقال وليست على إطلاقها، الفرق هو أن من أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة فهو الكفر، أما إذا أنكر أشياء يختص بمعرفتها الفقهاء والعلماء فهذا لا يكفر، ولكنه يرشد ويهدى إلى الصواب. سؤال: [نريد] التعريف الجامع المانع للإسلام، الذي فيه يدخل مثل هذا الجواب أصلاً؟ الشيخ: يا أخي الإسلام غير، هو يسأل بماذا يكفر. مداخلة: من حيث النقض، قصدي: أن أصل الإسلام إذا عرفناه يعني: ألا ينتقض معه، هذا الجواب أو المسألة الأخرى. الشيخ: يمكن يحتاج إلى التوضيح سؤالك، لأن الإسلام معروف يعني: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة .. إلخ. والشهادة لله بالوحدانية تستلزم ما تعلم، والشهادة للرسول عليه السلام تستلزم ما تعلم، فإذاً وضح السؤال. السؤال: أستاذي لما نحن عرفنا هذا أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإيتاء الزكاة وكذا، هذا قد لا يكون جامعاً مانعاً، لأن من ترك الصلاة عندنا لا يكفر، وبالتالي هو داخل دائرة الإسلام، فهذا لا يعد تعريفاً جامعاً لأنه أدخل الشيء، يعني: ليس من أصل الإسلام بمعنى أنه إذا تركه لا يكون كافراً. الشيخ: يعني: كأنك تريد تقول من حيث العقيدة؟ السؤال: يعني: هل الإسلام إذا قلنا: هو الاعتقاد فقط، وبالتالي الأعمال

الأخرى هي متممة لهذا الإسلام ومدخلة لصاحبه في الإيمان مثلاً؟ الشيخ: تعرف أنت الإسلام هو شيء ظاهر، والإيمان هو شيء متعلق بالقلب، فحتى أي شخص يعيش في الدولة المسلمة فإذا أراد أن يكون له حقوق المسلمين فيجب أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم يلتزم أحكام الإسلام كلاًّ أو بعضاً على حسب التفصيل المعروف، لكن قد يسلم هذا ظاهراً ويكفر باطناً كما هو شأن المنافقين، فإسلامه هذا لا يفيده شيئاً. فإذاً: الموضوع إذا كان قضية كفر وإيمان، فالقضية لها علاقة بالإيمان وليس لها علاقة بالإسلام، ولذلك فمن أنكر بقلبه ما هو من الإسلام فهو كافر، لكن قد يصلي وقد يصوم، فنحن نقول: هو من حيث الظاهر فهو مسلم، لكن حينما يبدو لنا أنه أنكر شيئاً فعندنا فيه تفاصيل معروفة في كتب العلم، إذا كان (يوجد) حكم إسلامي يؤتى بهذا الإنسان الذي أنكر هذا الشيء الذي يستحق به الكفر، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل، إذاً: هنا شيئان: إسلام ظاهري وإيمان قلبي، هذا الإيمان القلبي هو الذي يجزئ عند الله عز وجل، أما الإسلام الظاهري فهو ينجي من السيف في الدنيا فقط، لكن ما ينجي من عذاب الخلد في الآخرة، ما دام أنه كان يكتم كفره ويظهر إسلامه. على كل حال أنت تدندن حول كلمة: جامع، هذه كلمة جامع التي أنت تسأل عنها حول أي نقطة، لأن كل واحد له سؤاله؟ السؤال: يعني: لفظ الإسلام إذا سئلنا عن لفظ الإسلام، وهذا اللفظ لا ينتقض مع الدلائل الشرعية الأخرى له، وأنا أقول هذا لأني متأثر في أجواء نقاش رسائل الكفر والإيمان وما شابه ذلك، فهم عندما يريدون أن يعرفوا الإسلام يقولون: الإسلام هو الإتيان بجميع الفرائض والانتهاء عن جميع المحرمات،

يقولون هكذا يعني: هذا هو الإسلام، [و] أيُّ نَقْضٍ يُخْرِجُ من الإسلام، فأنا أريد تعريف للإسلام أي نقض له يخرج منه، هل هذا السؤال هكذا دقيق؟ الشيخ: السؤال الآن وضح، لكن يرجع الجواب نفسه السابق. مداخلة: إن الإسلام فقط أنه لا يعني نقض الإيمان، لأن الإسلام ربط بين الأعمال الظاهرة التي هي .... الشيخ: يعني: يرجع السؤال نفس الجواب السابق، من أنكر بقلبه ما هو معلوم من الدين بالضرورة فهذا هو الكفر، هذا هو الخروج عن الإسلام، أما واحد ما حج وواحد ما زكى إلخ، فنرى عقيدته، هل يؤمن بهذه الفرائض كشرع من الله، نعم يقر بذلك، فهذا لا يكفر، لكنه قصر، وقد يقتل، وقد يعرض للسيف كما هو معلوم، لكن هذا العرض متى؟ لما يكون فيه حكم بالإسلام، فأنت كما تعلم من محاضرات عديدة جداً جداً أن الكفر كفران، كفر عملي وكفر اعتقادي، الذي يخرج من الملة هو الكفر الاعتقادي، فإذاً: هذا الإسلام الذي هو أحكام شرعية إذا أنكر شيء منها بقلبه فقد كفر مهما كان هذا الشيء، لكن يشترط أن يعلم أن هذا من الإسلام، لذلك نشترط المعلوم من الدين بالضرورة، لأن إذا واحد قال: الدخان ليس حرام عندي، وأنا على يقين عندي حرام، لكن لا أقدر أقول: أنه يكابر وأنه يستحل ما حرم الله، بعكس ما لو قال أن الخمر حلال أو حرام، فهنا عندي مجال لتكفيره. فإذاً: الذي أنت تدندن حوله وتسميه إسلاماً هو ليس إسلامًا، هو إيمان، الأمر يتعلق بالجنان وهو بالقلب، لأن الإسلام يتعلق بالأعمال التي قد يفعلها غير المسلم أيضاً كما كانوا من قبل يصلون، والحقيقة يراؤون الناس بصلاتهم، فالكفر

[573] باب هل وضع العلماء شروطا للتكفير؟

الذي هو الخروج عن دين الله لا يكون إلا بشيء وقر في القلب، بس بيني وبين الله، لو قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن ربنا يعلم أنه كاذب، فهو استطاع أنه يغرر على الناس ويضللهم، ولكن عند الله هو في الدرك الأسفل من النار. " الهدى والنور" (56/ 42: 05: 00) [573] باب هل وضع العلماء شروطًا للتكفير؟ السؤال: هل وضع العلماء شروطاً أن من عمل كذا يكفر، يعني عشرة شروط نواقض الإسلام؟ الجواب: نعم، وضعوا، لكن في الحقيقة هم قد أفرطوا كثيراً وبخاصة بعض علماء الحنفية، حيث خلطوا ولا مؤاخذة بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي، وهذا أمر ضروري جداً التفريق بينهما، الكفر الاعتقادي هو الذي يخرج به المسلم من الملة، أما الكفر العملي أن يعمل عمل الكفار مثلاً، جعلوا هذا النوع من الكفر ردة، مثلاً ذكروا في [أنواع] الردة: ومن شد الزنار فقد كفر، أي: زنار النصارى، أو الرهبان والقسيسين، هذا بلا شك لا يجوز، لكن مجرد العمل كمجرد التشبه بالكفار لا يستحق المتشبه أن يحكم عليه بالردة، والخروج عن الملة، وإنما هو عمل الكفار، والتشبه بالكفار، وهذا يؤدي به إلى التنبيه على مسألة طالما تثار في العصر الحاضر لكثرة ابتلاء المسلمين بها ألا وهي: ترك الصلاة، كثير من الشباب المسلم بل نستطيع أن نقول مع الأسف أكثرهم لا يصلون، فهؤلاء الذين لا يصلون هل يحكم بكفرهم أم لا؟ الآن نسمع فتاوى كثيرة وكثيرة جداً بأن تارك الصلاة كافر، أي: مرتد عن

[574] باب من لم يوف بالميثاق

الدين والملة، والواقع أن هذه المسألة كتلك، يجب التفريق بين من ترك الصلاة كسلاً وعملاً وانشغالاً بدنياه، ليس إنكاراً منه لفرضيتها فهذا فاسق وليس بكافر، أما من أنكر شرعية الصلاة كما نسمع من بعض الشباب للأسف يقولون: يا أخي الصلاة [شُرعت] في وقت العرب حينما كانوا يعيشون حياة البداوة، القذارة والوساخة ورعي الإبل ونحو ذلك، أما الآن فالناس متمدنون متحضرون زعموا، ولذلك فهذه الصلاة إن فعلها فبها وإلا إن تركها فلا شيء عليه، هذا هو الكفر الذي يخرجه صاحبه من الملة، أما المسلم إذا قيل له: يا أخي صل، يقول: الله يتوب علينا، يعترف بفرضية الصلاة، ويعترف بأنه مذنب مع الله عز وجل، لكن يتعذر بأن الشيطان متسلط عليه، حب الدنيا محيطة بها فيقول: الله يتوب علينا، هذا لا يجوز تكفيره، والحديث الذي يستدل به في هذه المناسبة وهو قوله عليه السلام: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر» يفسر هنا فقد كفر على كفرين: كفر عملي، وكفر اعتقادي، من ترك الصلاة مؤمناً بشرعيتها فكفره كفر عملي، ومن تركها جاحداً لشرعيتها فهو يعمل عمل الكفار ويعتقد عقيدة الكفار، وهذا مرتد عن الملة وإلى جهنم وبئس المصير .. "الهدى والنور" (634/ 00:00:01) [574] باب من لم يوف بالميثاق [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة: يا ابن آدم! كيف وجدت مضجعك؟ فيقول: شر مضجع، فيقال له: لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتدياً بها؟ فيقول: نعم، فيقول: كذبت قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب "

[575] باب لا ينجي العمل الصالح مع الكفر ولو في الجاهلية

وفي رواية: ظهر " آدم أن لا تشرك بي شيئاً ولا أدخلك النار، فأبيت إلا الشرك، فيؤمر به إلى النار». [قال الإمام]: قوله:" وأنت في صلب آدم ". قال القاضي عياض: " يشير بذلك إلى قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ... } الآية، فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن، ومن لم يوف به فهو كافر، فمراد الحديث: أردت منك حين أخذت الميثاق، فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك ". ذكره في " الفتح ". "الصحيحة" (1/ 1/331 - 332، 334). [575] باب لا ينجِّي العمل الصالح مع الكفر ولو في الجاهلية [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن هشام بن المغيرة]: «لا، إنه كان يعطي للدنيا وذكرها وحمدها، ولم يقل يوما قط: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين». [قال الإمام]: أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (6965) والطبراني في " المعجم الكبير " (23/ 279/606 و391/ 932) من طرق عن منصور عن مجاهد عن أم سلمة قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: هشام بن المغيرة كان يصل الرحم ويقري الضيف ويفك

[576] باب لمن يكون الحكم على المعين بالتكفير؟ وما هي شروط ذلك وضوابطه؟

العناة ويطعم الطعام، ولو أدرك أسلم، هل ذلك نافعه؟ قال: فذكره. [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (6/ 2/1030). [576] باب لِمَن يكون الحكم على المعين بالتكفير؟ وما هي شروط ذلك وضوابطه؟ سؤال: الحكم على المعين بالتكفير لمن يكون؟ أهو للعلماء أم لغيرهم؟ وما هي شروطه؟ وما هي موانعه؟ الشيخ: أولاً بلا شك، هذا الحكم يكون لأهل العلم وليس لأهل الجهل، وثانياً: بعد تلك الكلمة التي كان فيها شيء من الطول وفرقنا بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي، فالعالم الذي ليس لأحد سواه أن يتولى إصدار الحكم بتكفير مسلم لا شك أنه سيكون مستحضراً لقسمي الكفر: الكفر الاعتقادي، والكفر العملي. فقبل أن يصدر حكمه بالكفر الاعتقادي يجب أن يدرس المسألة المتعلقة بالذي يراد تفكيره على ضوء: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، هذه الآية مهمة جداً، ذلك لأن المسلم حقاً قد يخفى عليه حكم ما فيقع في الكفر المخرج عن الملة، لكن هو لا يدري ولا يشعر، ولذلك فلا يجوز أن نحكم على مسلم بعينه أنه كفر ولو كان وقع في الكفر كفر ردة إلا بعد إقامة الحجة عليه؛ لأنه {لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} (الأنعام:149)، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). وهنا يحسن بي أن أذكر بحديث رغم كونه مروياً في أصح الكتب بعد كتاب الله وهو صحيح البخاري مع ذلك فقلما تسمع هذا الحديث من عالم أو واعظ أو

[577] باب أهمية التفريق بين الحكم على عمل ما بأنه كفر، وبين الحكم على من تلبس به بأنه كافر

مرشد، مع أن له صلة قوية جداً جداً بمثل هذا السؤال، أعني بهذا الحديث قوله -عليه السلام-: «» كان فيمن قبلكم رجل حضرته الوفاة فجمع أولاده حوله، فقال لهم: أي أب كنت لكم، قالوا: خير أبٍ، قال: فإني مذنب مع ربي، ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» كفر هذا ولَّا ليس بكفر؟ كفر؛ لأنه شك في قدرة الله -عز وجل- يصدق عليه قوله تعالى في آخر سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:78) إلى آخر الآيات، هذا الرجل قال: «ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً؛ فإذا أنا مت فخذوني وحرقوني في النار، ثم اجعلوني قسمين، قسم ذروني في الريح، وقسم في البحر» لماذا؟ واضح، هه حتى يضل على ربه زعم، «فحرقوه بالنار، ونصفه من رماده ذروه في الريح، والآخر في البحر. فقال الله -عز وجل- لذراته: كوني فلاناً فكانت بشراً سوياً، قال الله -عز وجل-: أي عبدي ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا ربي خشيتك، قال: اذهب فقد غفرت لك» فنحن يجب أن نلاحظ هذا الذي نريد أن نصدر الحكم بالكفر عليه لعله معذور، لعله معذور، فنحاول إذاً قبل إصدار هذا الحكم أن نلتمس لكفره عذراً، لا لنقره على كفره، وإنما لننقذ أنفسنا من تكفيره، أظن في فرق كبير بين الأمرين. "الهدى والنور" (671/ 25: 51: 00) [577] باب أهمية التفريق بين الحكم على عملٍ ما بأنه كفر، وبين الحكم على من تلبس به بأنه كافر الشيخ: نسأل الله أن يمدنا بفضله وعلمه، الحقيقة محمد بن عبد الوهاب فضله كبير على الأمة الإسلامية، لكن فيه شيء من الغلو والشدة، وظهرت هذه

الشدة ظهرت في الإخوان. السائل: الذين حاربوا المذهب. مداخلة: هناك من سماهم إخوان من عاهد الله. الشيخ: كان فيه عندهم شدة، ويظهر أن هذه سنة الله في خلقه إلا من عصم الله وقليل ما هم، كما قال عليه السلام: «إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل» (¬1) الجماعة كان عندهم شيء من الشدة أخذوها طبعاً من بعض نصوص محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، واستمر الأتباع إلى هذا العهد موصومون بهذه الشدة، وكنا نسمع نحن قديماً أن هؤلاء النجديين يكفرون عامة المسلمين، أو يقولون عنهم خوارج .. إلخ، أنا لما بدأت أسافر إلى تلك البلاد تجلى لي في أتباعهم شيء من هذه الشدة، يكفي في ذلك أنه مجرد ما واحد يتوسل بالتوسل المبتدع عندنا جميعاً؛ أن هذا كفر وأشرك، ما ينبغي أن نقول رأساً أنه كفر أو أشرك، يجب أن نستفصل القول أن هذا الذي يتوسل ماذا يعني، ماذا يريد، وإلا كفرنا وشركنا إمام من أئمة المسلمين، ألا وهو محمد بن علي الشوكاني، لأنه يقول بجواز التوسل، تعرف هذا أظن. السائل: بالجاه؟ الشيخ: بالرسول، بعد موته. السائل: بجاهه يا شيخ أم بذاته. ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم3915).

الشيخ: بذاته، أنا الآن ما أستحضر. السائل: الظاهر بجاهه، وكذلك أحمد بن حنبل رحمه الله جواز التوسل بجاه النبي. الشيخ: لكن أما تشعر معي أن الوقوف عند هذه الألفاظ جمود؛ إذا توسل بالجاه يختلف عن التوسل بالذات، فالذي يتوسل بالجاه لا ينكر عليه، والذي يتوسل بالذات ينكر عليه؟ السائل: لا، ينكر على الاثنين. الشيخ: طيب، فما حصيلة التفريق؟ السائل: التفريق أن هذا يكفر والثاني لا يكفر. الشيخ: لماذا يكفر أحدهما دون الآخر؟ السائل: لأن الذات بذاته نهينا عن التوسل بالذات، الشيخ: لا تطل علي الجواب، ستتعبني الآن، ما الفرق بين هذا التوسل فهو شرك، تقول: فيه عندهم دليل. السائل: لا يا شيخ، لأن النص في النهي عن التوسل بالذات أجدى منه بالنص بالنهي عن التوسل بالجاه. الشيخ: أين النهي، أين هذا النهي؟ السائل: أنه لا يستغاث به وإنما يستغاث بالله. الشيخ: بحثنا في التوسل وليس بالاستغاثة.

ليس هناك نهي يا أستاذ، نهي صريح ليس هناك، لكن المسلم العالم حينما يتتبع السنة ونصوصها بالأمر بالتوسل باسم من أسماء الله، بصفة من صفات الله، بالعمل الصالح، يجد أن هذا التوسل مخالف لهذا التوسل المشروع، هذه واحدة، والأخرى أن هذا التوسل بالمخلوق قد يؤدِّي إلى تعظيمه إن لم يؤدِّي إلى تأليهه، فإذا لم يؤدي إلى تعظيمه وتأليهه يكون هو مخالفاً للسنة. السائل: قول الله سبحانه وتعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3)، كانوا يقولون: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (يونس:18) أي: نتوسل بهم إلى الله ونستشفع بهم عند الله سبحانه وتعالى، هذا ليس نصاً في النهي؟ الشيخ: سبحان الله وأنت هاهنا بعد، ما علاقة هذه الآيات بالتوسل، التوسل أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة أن تغفر لي، كيف {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3) هذا ما يعبد، هذا يعبد الله ويدعو الله، لا يدعو غير الله، لكنه يجعل واسطة بينه وبين الله عز وجل أن يتقبل دعاءه. السائل: وهذه الواسطة البدعية يا شيخ عاب الله سبحانه وتعالى عليهم ... الشيخ: وأنا قلت ماذا. السائل: معك أنها بدعية أنا معك. الشيخ: لكن سألتني كيف تكون معي على شيء وتسألني؟ السائل: تريد مني دليلاً على عدم مشروعية التوسل. الشيخ: الله أكبر. السائل: أقصد على النهي.

الشيخ: أي نعم، على النهي الذي يؤكد أنه مخالف للسنة، والآن تورط حالك الآن، اثبت لي أنه شرك؟ السائل: أيش يا شيخ. الشيخ: أنه الذي يقول في دعاؤه: اللهم إني أسألك بنيك محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تغفر لي، تقول: هذا مشرك، يعني: كتارك الصلاة؟ السائل: الذي يتوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام. الشيخ: الله أكبر، أنا أحكي أقول: يقول في دعائه كذا، أسألك بنيك ... هذا مشرك كتارك الصلاة؟ مداخلة: ياشيخ هذا التفريق بين الذات والجاه تذكر شيئاً عن أحد قال به قط. الشيخ: سنصل، لكن هو قفز قفزة الغزلان يا أستاذ علي، نقلنا من موضوع مشروع أو غير مشروع إلى أنه كفر، وهذا من الغلو يا جماعة، هذا الذي نشكو منه. {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3) هذا قول المشركين، أظن أول الآية: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3) الآن نتساءل: كيف كانت عبادة المشركين لآلهتهم ولأوليائهم كما في هذه الآية، ماذا كانوا يفعلون؟ السائل: من الذبح والطواف .. الشيخ: جميل، فواحد مثل الشوكاني فعل شيئاً من ذلك؟

السائل: لا. الشيخ: قل لا، فإذا قال واحد مثل الشوكاني أنا أقول مثل حتى ما تدندن حول الشوكاني، إذا قال واحد مثل الشوكاني: اللهم إني أسألك بمحمد أن تغفر لي. هل ذبح له .. إلخ. السائل: لا لم يذبح. الشيخ: هل هذا مشركاً. السائل: لا، ليس مشرك. الشيخ: هل يجوز الاستدلال عليه بالآية السابقة؟ السائل: لا. الشيخ: هذا الذي تفعلونه، وهنا يكمن الخطأ، فيجب لما تبحثون هذه البحوث الخطرة الدقيقة [أن] تفرقوا بين من عمله كله شرك فيقال: هذا توسل منه من هذا النوع، لأنه الإنسان يندفع حسب العقيدة والأفكار التي هو متشبع بها، فإذا كان إنسان زيد من الناس متشبع بأنه لا يذبح إلا لله، ولا ينذر إلا لله، ولا يطاف إلا ببيت الله، ولا يدعى عند الشدائد إلا الله، قل ما شئت من السلبيات، لا لا لا لا .. إلخ ما هنالك، لكن نقول: أنا أعتقد أنه يجوز أن نقول: يا الله اغفر لي بجاه محمد، أسألك بمحمد أن تغفر لي، ما وجه الاستدلال على هذا أنه مشرك لأن الله يقول على لسان المشركين: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3) وهو لا يعبدهم؟ السائل: الآية الثانية طيب.

الشيخ: هاتها. السائل: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (يونس:18). الشيخ: هو لا يقول هؤلاء شفعاؤنا عند الله، هو يسأل ويتوسل، فإما أن الله يستجيب وإما أن لا يستجيب، فهذا ليس كقول المشركين الجازمين بأن هؤلاء الآلهة التي لا حقيقة لها أنهم شفعاؤهم عند الله تبارك وتعالى. مداخلة: دقيقة جداً هذه ...... السائل: وإذا اعتقد أن هذا الولي .. الشيخ: إذا اعتقد رجعنا للكفر الاعتقادي والكفر العملي، وهذا الذي نريده نحن منكم أنكم تفرقون بينهما، ... الشوكاني أعتقد نريد نحكي عن شخصه، أعتقد أنك لا تخالفنا حينما نقول: أنه له فضل كبير في نشر التوحيد في اليمن، وإن كان الفضل الأول يعود إلى صاحب الفضل الأول محمد بن عبد الوهاب، وكل ذلك يعود إلى محمد بن عبد الله، فما نعتقد أن الشوكاني كان في نفسه شيء من الكفر الاعتقادي، لا، أنا ما أريد، ولكن اجتهد وظن أن حديث الأعمى ساري المفعول بعد وفاة الرسول عليه السلام، فقال بجواز التوسل على النحو الذي قيل عن الإمام أحمد، ولو أن الإمام أحمد ذكر لفظة الجاه، والآن نريد نرى ما الفرق عندكم بين التوسل بالجاه أو بالذات، ما الفرق؟ التوسل بالذات التوسل بمخلوق، أليس كذلك؟ السائل: نعم. الشيخ: والتوسل بجاه المخلوق توسل بخالق أم بمخلوق؟

السائل: توسل بمخلوق. الشيخ: ما الفرق؟ السائل: الفرق أن هذه الذات كالأحجار يعني: أشياء حسية. أن الذات توسل بذاته بشيء حسي مشاهد ومحسوس. الشيخ: من الذي يتوسل. السائل: المتوسل بالذات متوسل بشيء محسوس، والمتوسل بالجاه متوسل بشيء معنى. الشيخ: ليس صحيحاً أبداً. السائل: الجاه معنوي يا شيخ أم محسوس؟ الشيخ: لكن معنى قائم في ذات في جماد أم لا؟ السائل: معناه قائم بذاته. الشيخ: منفصل عن الذات؟ السائل: لا لا ينفصل. الشيخ: فإذاً: لماذا أنت تفصل ذهنياً والواقع عملياً ليس كذلك. مداخلة: والدلالة على الذات. الشيخ: صفات الله ليست عين ذاته، ولا سواه لا انفصال، تعرف هذه الفلسفة؟ مداخلة: من هذا قائلها.

الشيخ: صاحب قصيدة «بدء الأمالي». مداخلة: «بدء الأمالي» مالكي هذا. الشيخ: لا، أظنه حنفياً، صفات الله ليست عين ذات ولا غير سواه لا انفصال، المهم الجاه هذا مفصول عن الإنسان؟ السائل: لا. الشيخ: فإذاً: مثلما نقول عندنا في الشام: كل الدروب على الطاحون، مشيت هكذا أو هكذا أين توصله، يلتقوا في الطاحون، فإن قلت الذات أو قلت الجاه كلهم يدلون على توسل غير مشروع، لكن هنا يظهر ... العصبية للأشخاص، ما دام الإمام أحمد قال بجواز التوسل بالذات، والإمام أحمد إمام السنة. السائل: بالجاه. الشيخ: عفواً بالجاه، والإمام أحمد إمام السنة، إذاً: لازم نفرق بين ما نقول من الكفر بالتوسل بالذات وبين من يقول بالتوسل بالجاه؛ لأن إمام السنة قال: بجواز التوسل بالجاه دون التوسل بالذات. يا أخي ما فيه فرق بين هذا وهذا، قولوها صراحة الإمام أحمد قالها اجتهاداً، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد. السائل: نحن نعتقد أنه أخطأ، هم يعتقدون هذا يا شيخ. الشيخ: لكن يفرقون، يقولون: إنه فيه فرق بين توسل بالذات وتوسل بالجاه، أنا أقول: ما فيه فرق النتيجة واحدة، لكن فرق بين أن يقول هذا أو ذاك ما يقوله تعصباً وتمسكاً بما وجد عليه الآباء والأجداد أو يكون عن قناعة نفسية، كما قال الشوكاني، ما تذكرون ماذا قال الشوكاني، هل قال بالتوسل بالذات أم بالجاه.

مداخلة: أظن شيخنا ... بالجاه يا شيخ. الشيخ: ما أعتقد، انظر هذا الكتاب. السائل: هم يقولون .. الشيخ: فيه هنا كتاب الظاهر في هذا الصف. السائل: وحق السائلين يا شيخ، هم يقولون يا شيخ أن الإمام أحمد رحمه الله عنده شبهه في حاله الحديث، لكن الذين يتوسلون بالذات ما عندهم شبهة. الشيخ: لا، بالعكس القضية. السائل: يقولون عنده شبهة. الشيخ: بالعكس العكس، الذي يقول بالذات شبهته الحديث، أما الجاه ما فيه حديث حوله. السائل: الظاهر: اللهم إني أسألك بحق ممشاي هذا وحق السائلين عليك. وفي رواية أخرى: وبحق نبيك .... فيقولون: إن الإمام أحمد بن حنبل صححها وهي ضعيفة، فهو مخطئ، ولكنه لأنه ظن أن هذا الحديث صحيح. الشيخ: أين الإمام صحح الحديث. السائل: يعني: عمله به يا شيخ. الشيخ: هذا خلاف أصول الحديث. السائل: العمل يعني به؟ ... الشيخ: عرفت هذا؟

السائل: نعم. الشيخ: الحمد لله. ماذا يقول؟ مداخلة: يقول تحت عنوان: وجه التوسل بالأنبياء وبالصالحين، قوله: ويتوسل إلى الله سبحانه بأنبيائه والصالحين أعني ابن الجزري. الشيخ: هذا من يقول هذا. مداخلة: ابن الجزري. الشيخ: نكفره .. مداخلة: أقول: ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي الشيخ: ... مداخلة: أي نعم، وأما التوسل بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة استسقوا بالعباس رضي الله عنه عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن شيخنا يبدو والله أعلم أن فيه العبارة أصرح في «الدر النضيد»، هذا قائم في ذهني، له «الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد» له عبارة أصرح، مع أنه يشدد النكير فيها على الاستغاثة لكن تكلم فيها بمثل هذا الكلام أوسع قليل. الشيخ: ... كان ينكر. مداخلة: لا لا ينكر، قصدي التفريق بين الذات والجاه. الشيخ: لا، خلينا احنا مع عبد الله يا عبد الله، خلينا مع عبد الله، لأنه هو يقول بالتفريق، هنا يحكي عن التوسل بالذات، فالتوسل بالذات هو الذي يقول بجوازه

الشوكاني، الشوكاني هنا تبعاً لابن الجزري يقول بالتوسل بالذات، هم يفرقون كما سمعت من صاحبك آنفاً بين التوسل بالذات وبين التوسل بالجاه، وحديث الأعمى هو أقرب إلى دلالته على التوسل بالذات من التوسل بالجاه، لأنه هو التوسل بالجاه ليس مذكور إطلاقاً في الحديث لا في السياق ولا في السباق، لذلك قال بالتوسل هو وابن الجزري وغيره، فالآن يستدل هو بحديث الأعمى، وكأنه استدرك على نفسه أنه ليس الاستدلال بحديث الأعمى وإنما بحديث دعاء الخروج إلى المسجد، الذي يستدل به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبهذه المناسبة قامت زوبعة ضدنا ... حول كلمتنا حول محمد بن عبد الوهاب لا تزال قائمة. السائل: بردت قليلاً. الشيخ: سبحان الله! فحديث: اللهم إني أسألك بحق السائلين. أيضاً هذا ليس فيه لا الذات ولا الجاه، ولذلك أمكن تأويل هذا الحديث لو صح إلى ما لا يتنافى مع التوسل المشروع، لأنه كما قيل بأنه حق المتوسلين أو السائلين هو استجابة من الله، فرجع الأمر إلى صفة من صفات الله، لكن الجاه له علاقة بالإنسان كما قلنا، فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على جواز التوسل بجاه الإنسان المخلوق، لو صح لكنا نحن أول القائلين به، ومع شرط الفهم على الوجه الصحيح، والرد به على المستدلين به على التوسل بالمبتدع، لأن هذا ليس فيه توسلا ًمبتدعاً، إنما هو توسل بحق السائلين وحق ممشاي، هذا هو الأجر والثواب عند الله تبارك وتعالى. إذاً: يا شيخ عبد الله التفريق بين هذا وهذا لا محل له من الإعراب. "الهدى والنور" (297/ 57: 35: 00)

[578] باب الفرق بين لفظة كافر وكفر

[578] باب الفرق بين لفظة كافر وكفر السائل: ما الفرق بين لفظ كافر وكَفَرَ؟ الشيخ: كافر يحمل معنى الصفة اللازمة له، وليس كذلك كَفَرَ، فليس كل من كفر يصير كافراً، مثال: ليس كل من عدل مرة واحدة يصير عادلاً، وليس كل من ظلم مرة واحدة يصبح ظالماً، وإلا كانت اختلطت الصفات بين الناس، فالحجاج الظالم المبير لا بد أنه عدل مرات وليس مرة واحدة، فهل نقول أنه عادل؟ ولا بد زيد من الناس آخَر عادل لكنه ظلم في قضية، فيصبح يأخذ اسم ظالم، فهذا اسم الفاعل هذا يعطي صفة معينة فيمن قام فيه هذا الفعل أكثر من كلمة كفر، ولذلك لا يجوز لنا أن نطلق كلمة كافر على شخص أطلق الرسول عليه لفظة (كفر)؛ لأن لفظة كفر دون لفظة كافر، بمعنى كل من قيل فيه كافر، فقد كفر، ولا عكس، ليس كل من كفر فهو كافر. "الهدى والنور" (249/ 41: 52: 00) [579] باب حول فتنة التكفير سؤال: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فلا يخفى عليكم يا شيخ الساحة الأفغانية التي تكثر فيها الجماعات، والفرقة الضالة التي استطاعت وللأسف أن تبث أفكارها الخارجة عن منهج السلف

الصالح في شبابنا السلفي الذي كان يجاهد في أفغانستان، ومن هذه الأفكار تكفير الحكام وإحياء السنن المهجورة كالاغتيالات كما يدعون، والآن وبعد رجوع الشباب السلفي إلى بلادهم قاموا ببث ونشر هذه الآراء والشبه عندنا، وعلمنا يا شيخ أنه قد حصل بينكم وبين إحدى الإخوان قبل عدة سنين مناقشة طويلة في مسألة التكفير، وهذه الأشرطة تسجيلها غير واضح، لذا نود من فضيلتكم البيان في هذه المسألة، وجزاكم الله خير. الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: في الحقيقة أن مسألة التكفير ليس فقط للحكام، بل وللمحكومين أيضاً هي فتنة قديمة تبنتها فرقة من الفرق الإسلامية القديمة وهي المعروفة بالخوارج، والخوارج طوائف مذكورة في كتب الفرق ومنها فرقة موجودة لا تزال الآن باسم آخر وهو الإباضية، وهؤلاء الإباضية كانوا إلى عهد قريب منطوين على أنفسهم، ليس لهم أي نشاط دعوي كما يقال اليوم، لكن منذ بضع سنين بدؤوا ينشطون وينشرون بعض الرسائل وبعض العقائد التي هي عين عقائد الخوارج القدامى إلا أنهم يتسترون ويتشيعون بخصلة من خصال الشيعة ألا وهي التقيّة، فهم يقولون نحن لسنا بالخوارج، وأنتم تعلمون جميعاً أن الاسم لا يغير من حقائق المسميات إطلاقاً، وهؤلاء يلتقون في جملة ما يلتقون مع الخوارج في تكفير أصحاب الكبائر.

الآن يوجد في بعض الجماعات الذين يلتقون مع دعوة الحق في اتباع الكتاب والسنة، ولكنهم مع الأسف الشديد يقعون في الخروج عن الكتاب والسنة من جديد وباسم الكتاب والسنة، والسبب في ذلك يعود إلى أمرين اثنين في فهمي ونقدي، أحدهما هو ضحالة العلم وقلة التفقه في الدين، والأمر الآخر وهو مهم جداً أنهم لم يتفقوا بالقواعد الشرعية والتي هي من أسس الدعوة الإسلامية الصحيحة التي يعتبر كل من خرج عنها من تلك الفرق المنحرفة عن الجماعة التي أثنى عليها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في غير ما حديث، بل والتي ذكرها ربنا عز وجل دليلاً واضحاً بيناً على أن من خرج عنها فيكون قد شاق الله ورسوله. أعني بذلك قوله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115). الله عز وجل بأمر واضح جداً عند أهل العلم لم يقتصر على قوله عز وجل: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى، لم يقل هكذا وإنما أضاف إلى مشاققة الرسول اتباع غير سبيل المؤمنين، فقال عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115). إذاً: اتباع سبيل المؤمنين وعدم اتباع سبيل المؤمنين أمر هام جداً إيجاباً وسلباً، فمن اتبع سبيل المؤمنين فهو الناجي عند رب العالمين، ومن خالف سبيل المؤمنين فحسبه جنهم وبئس المصير، من هنا ضلت طوائف كثيرة وكثيرة جداً قديماً وحديثاً، حيث إنهم لم يلتزموا سبيل المؤمنين، وإنما ركبوا عقولهم، بل اتبعوا أهواءهم في تفسير الكتاب والسنة ثم بنوا على ذلك نتائج خطيرة وخطيرة جداً من ذلك الخروج عما كان عليه سلفنا الصالح.

هذه الفقرة من الآية الكريمة: {ويتبع غير سبيل المؤمنين} لقد دلنا حولها وأكدها عليه الصلاة والسلام تأكيداً بالغاً في غير ما حديث نبوي صحيح، وهذه الأحاديث التي أنا أشير إليها الآن وسأذكر بعضاً منها مما تساعدني ذاكرتي ليست مجهولة عند عامة المسلمين، فضلاً عن خاصتهم، لكن المجهول فيها هو أنها تدل على ضرورة التزام سبيل المؤمنين في فهم الكتاب والسنة، هذه النقطة يسهو عنها كثير من الخاصة، فضلاً عن العامة، فضلاً عن هؤلاء الذين عرفوا بجماعة التكفير. هؤلاء قد يكونون في قرارة نفوسهم صالحين، وقد يكونون أيضاً مخلصين، ولكن هذا وحده غير كاف ليكون صاحبه عند الله عز وجل من الناجين المفلحين. لا بد للمسلم أن يجمع بين أمرين اثنين، بين الإخلاص في النية لله عز وجل، وبين حسن الاتباع لما كان عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا يكفي إذاً أن يكون المسلم مخلصاً وجاداً فيما هو في صدده من العمل بالكتاب والسنة، والدعوة إليهما، فلا بد بالإضافة إلى ذلك أن يكون منهجه منهجاً سوياً سليماً. فمن تلك الأحاديث المعروفة كما أشرت آنفاً حديث الفرق الثلاث والسبعين، ولا أحد منكم إلا وهو يذكره، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله؟! قال: هي ما أنا عليه وأصحابي» (¬1) نجد أن جواب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأولئك ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم9474) والصحيحة (1/ 358).

الذين سألوا عن الفرقة الناجية يلتقي تماماً مع الآية السابقة: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115)، فالمؤمنون المقصودون في هذه الآية الكريمة هم الأصحاب أول ما يدخل في عموم الآية: (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) هم سبيل أصحاب الرسول عليه الصلاة السلام، فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الجواب عن ذاك السؤال عن الفرقة الناجية ما هي وما أوصافها، قال: «هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي»، لم يكتف الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث على قوله: «ما أنا عليه» وقد يكون ذلك كافياً في الواقع للمسلم الذي يفهم حقاً الكتاب والسنة، ولكنه عليه الصلاة السلام كتحقيق عملي لقوله عز وجل في حقه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128)، فمن رأفته ورحمته بأصحابه وأتباعه أنه أوضح لهم أن علامة الفرقة الناجية هي التي تكون على ما كان عليه الرسول عليه السلام وعلى ما عليه أصحابه من بعده. فإذاً: لا يجوز للمسلم أن يقتصر فقط في فهمه للكتاب والسنة على الوسائل التي لا بد منها، منها مثلاً معرفة اللغة العربية والناسخ والمنسوخ، وكل القواعد، لكن من هذه القواعد الهامة أن يرجع في كل ذلك إلى ما كان عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأنهم كما تعلمون من كثير من الآثار ومن سيرتهم أنهم كانوا أخلص لله عز وجل في العبادة وأفقه منا للكتاب والسنة .. إلى غير ذلك من الخصال الحميدة الذي كانوا تخلقوا بها. هذا الحديث يلتقي مع الآية تماماً، حيث أنه ألمح عليه السلام في هذا الجواب أنه لا بد من الرجوع ليكون المسلم من الفرقة الناجية إلى ما كان عليه أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -.

يشبه هذا الحديث تماماً حديث الخلفاء الراشدين الذي ذكر في السنن من رواية العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال: «وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: أوصنا يا رسول الله. قال: أوصيكم بالسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسير اختلافاً كثيرا، فعليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ... » إلى آخر الحديث. الشاهد من هذا الحديث هو كالشاهد من جوابه عليه السلام عن السؤال السابق، حيث حض أمته في أشخاص أصحابه أن يتمسكوا بسنته، ثم لم يقتصر على ذلك قال: «وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي». إذاً: لا بد لنا من أن ندندن دائماً وأبداً إذا أردنا أن نفهم عقيدتنا، أن نفهم عبادتنا، أن نفهم أخلاقنا وسلوكنا، لا بد من أن نعود إلى سلفنا الصالح .. كل هذه الأمور التي لا بد منها للمسلم ليتحقق فيه أنه من الفرقة الناجية. من هنا ضلت طوائف قديمة وحديثة حينما لا يلتفتون إطلاقاً إلى الآية السابقة وإلى حديث الفرقة الناجية، وإلى حديث سنة الخلفاء الراشدين من بعده عليه السلام، فكان أمراً طبيعياً جداً أن ينحرفوا كما انحرف من سبقهم من المنحرفين عن كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومنهج السلف الصالح، من هؤلاء الخوارج قديماً وحديثاً. التكفير الذي ذر قرنه في هذا الزمان الآية التي يدندنون حولها دائماً وأبداً، ألا وهي قوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44).

ونعلم جميعاً أن هذه الآية جاءت في خاتمتها بألفاظ ثلاثة، فأولئك هم الكافرون، فأولئك هم الظالمون، فأولئك هم الفاسقون. فمن جهل الذين يحتجون بهذه الآية في اللفظ الأول منها: {فأولئك هم الكافرون} أنهم لم يلموا على الأقل ببعض النصوص التي جاء فيها ذكر لفظة الكفر، فأخذوا لفظة الكفر في الآية على أنها تعني الخروج من الدين، وأنه لا فرق بين هذا الذي وقع الكفر وبين أولئك المشركين من اليهود والنصارى وأصحاب الملل الأخرى الخارجة عن ملة الإسلام، بينما الكفر في لغة الكتاب والسنة لا تعني هذا الذي هم يدندنون حوله ويسلطون هذا الفهم الخاطئ على كثير من المسلمين وهم بريئون من ذاك التكفير الذي يطبقونه على هؤلاء المسلمين، شأن لفظة التكفير من حيث إنها لا تدل على معنى واحد وهو الردة والخروج عن الملة شأن هذا اللفظ شأن اللفظين الآخرين الذين ذكرا في الآيتين الأخريين الفاسقين والظالمين، فكما أنه ليس كل من وصف بأنه كفر لا يعني أنه ارتد عن دينه، كذلك لا يعني أن كل من وصف بأنه ظالم أو فاسق بأنه مرتد عن دينه. هذا التنوع في معنى اللفظ الواحد هو الذي يدل عليه اللغة ثم الشرع الذي جاء بلغة العرب، لغة القرآن الكريم كما هو معلوم. من أجل ذلك كان من الواجب على كل مسلم من يتصدى للحكم بما أمر الله عز وجل، لست أعني الآن الحكام، وإنما أعني أولئك الذين يصدرون الأحكام على المسلمين سواء كانوا حكاماً أو محكومين، كان من الواجب على هؤلاء أن يكونوا على علم بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح والكتاب لا يمكن فهمه وكذلك ما ضم إليه إلا بطريق معرفة اللغة العربية معرفة خاصة، وقد يكون إنسان

ما ليس عنده معرفة قوية أو تامة باللغة العربية فيساعده في استدراك هذا النقص الذي قد يشعر به في نفسه حينما يعود إلى من قبله من العلماء خاصة إذا كانوا من أهل القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، فالرجوع إليهم حينئذ سيكون شاهداً له لاستدراك ما قد يفوته من المعرفة باللغة العربية وآدابها. نعود الآن إلى هذه الآية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، هل الضروري أن يكون هذا اللفظ: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} أنه يعني كفراً خروجاً عن الملة، قد يعني هذا، وقد يعني ما دون ذلك، فهنا العبرة في فهم هذه الآية، فهذه الآية الكريمة: (فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قد تعني: أي: الخارجون عن الملة، وقد تعني أنهم خرجوا عملياً عن بعض ما جاءت به الملة الإسلامية، يساعدنا على ذلك قبل كل شيء ترجمان القرآن ألا وهو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه؛ لأنه من الصحابة الذين اعترف المسلمون جميعاً إلا من كان من تلك الفرق الضالة على أنه كان إماماً في التفسير ولذلك سماه بعض السلف من الصحابة ولعله هو عبد الله بن مسعود بترجمان القرآن، هذا الإمام في التفسير والصحابي الجليل كأنه طرق سمعه يومئذ ما نسمعه اليوم تماماً أن هناك أناساً يفهمون هذه الآية على ظاهرها دون التفصيل الذي أشرت إليه آنفاً، وهو أنه قد يكون أحياناً المقصود بالكافرين المرتدين عن دينهم، وقد يكون ليس هو المقصود وإنما هو ما دون ذلك، فقال ابن عباس رضي الله عنه: «ليس الأمر كما يفهمون، أو كما يظنون، وإنما هو كفر دون كفر»، ولعله كان يعني بذلك الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين، ثم كان من عواقب ذلك أنهم سفكوا دماء المؤمنين وفعلوا فيهم ما لم يفعلوا بالمشركين، فقال: ليس الأمر كما قالوا أو كما

ظنوا، وإنما هو كفر دون كفر. هذا الجواب المختصر الواضح من ترجمان القرآن في تفسير هذه الآية هو الذي لا يمكن أن يفهم سواه من النصوص التي ألمحت إليها آنفاً في مطلع كلمتي هذه، أن كلمة الكفر ذكرت في كثير من النصوص، مع ذلك تلك النصوص لا يمكن أن تفسر بهذا التفسير الذي فسروا به الآية، أو لفظ الكفر الذي جاء في تلك النصوص لا يمكن أن يفسر بأنه يساوي الخروج من الملة، فمن ذلك مثلاً الحديث المعروف في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر». قتاله كفر، عندي هو تفنن في الأسلوب العربي في التعبير؛ لأنه لو قال قائل سباب المسلم وقتاله فسوق يكون كلاماً صحيحاً؛ لأن الفسق هو المعصية وهو الخروج عن الطاعة، لكن الرسول عليه الصلاة السلام باعتباره أفصح من نطق بالضاد، قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ترى هل يجوز لنا أن نفسر الفقرة الأولى من هذا الحديث سباب المسلم فسوق بالفسق المذكور في اللفظ الثاني أو الثالث في الآية السابقة: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}، و «سباب المسلم فسوق» نقول: قد يكون الفسق أيضاً مرادفاً للكفر الذي هو بمعنى الخروج عن الملة، وقد يكون الفسق مرادفاً للكفر الذي لا يعني الخروج عن الملة، وإنما يعني ما قاله ترجمان القرآن إنه كفر دون كفر، وهذا الحديث يؤكد أن الكفر قد يكون بهذا المعنى؛ لأن الله عز وجل ذكر في القرآن الكريم الآية المعروفة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات:9)، إذاً: قد ذكر هنا ربنا عز وجل الفرقة الباغية التي تقاتل الفرقة الناجية الفرقة المحقة المؤمنة، ومع ذلك

فما حكم عليها بالكفر مع أن الحديث يقول: «وقتاله كفر». إذاً: قتاله كفر، أي: دون كفر كما قال ابن عباس في تفسير الآية السابقة. فقتال المسلم للمسلم بغي واعتداء وفسق وكفر، ولكن هذا يعني أن الكفر قد يكون كفراً عملياً، وقد يكون كفراً اعتقادياً، من هنا جاء التفصيل الدقيق الذي تولى بيانه وشرحه الإمام بحق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعده تلميذه البار ابن القيم الجوزية، حيث أن لهم الفضل في الدندنة حول تقسيم الكفر إلى ذلك التقسيم الذي رفع رايته ترجمان القرآن بتلك الكلمة الجامعة الموجزة، فابن تيمية رحمه الله وتلميذه وصاحبه ابن القيم الجوزية يفرقون أو يدندنون دائماً بضرورة التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي، وإلا وقع المسلم من حيث لا يدري في فتنة الخروج عن جماعة المسلمين التي وقع فيها الخوارج قديماً، وبعض أذنابهم حديثاً. فإذاً: قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وقتاله كفر» لا يعني الخروج عن الملة، وأحاديث كثيرة وكثيرة جداً لو جمعها المتتبع لخرج منها برسالة نافعة في الحقيقة فيها حجة دامغة لأولئك الذين يقفون عند الآية السابقة ويلتزمون فقط تفسيرها بالكفر الاعتقادي، بينما هناك النصوص الكثيرة والكثيرة جداً التي فيها لفظة الكفر ولا يعنى أنها تعني الخروج عن الملة، فحسبنا الآن هذا الحديث؛ لأنه دليل قاطع على أن قتال المسلم لأخيه المسلم هو كفر بمعنى الكفر العملي وليس الكفر الاعتقادي، فإذا عدنا إلى جماعة التكفير وإطلاقهم الكفر على الحكام، وعلى من يعيشون تحت رايتهم وبالأولى الذين يعيشون تحت إمرتهم وتوظيفهم، فوجهة نظرهم هي الرجوع إلى أن هؤلاء ارتكبوا المعاصي فكفروا بذلك.

من جملة الأمور التي يذكرني بها سؤال الأخ إبراهيم السائل آنفاً الذي سمعته من بعض أولئك الذين كانوا من جماعة التكفير ثم هداهم الله عز وجل، قلنا لهم: ها أنتم كفرتم بعض الحكام، فما بالكم تكفرون مثلاً أئمة المساجد، خطباء المساجد، مؤذني المساجد، خدمة المساجد، ما بالكم تكفرون أساتذة العلم الشرعي في المدارس الثانوية مثلاً أو الجامعات؟ قال: الجواب لأن هؤلاء رضوا بحكم هؤلاء الحكام الذين يحكمون بما أنزل الله. يا جماعة هذا الرضا إن كان رضاً قلبيا بالحكم بغير ما أنزل الله، حينئذ ينقلب الكفر العملي إلى كفر اعتقادي، فأي حاكم يحكم بغير ما أنزل الله وهو يرى أن هذا الحكم هو الحكم اللائق بتبنيه في هذا العصر وأنه لا يليق تبني الحكم الشرعي المنصوص في الكتاب والسنة، لا شك أن هذا يكون كفره كفراً اعتقادياً، وليس كفراً عملياً، ومن رضي بمثل هذا الحكم أيضاً فيلحق به، فأنتم أولاً لا تستطيعون أن تحكموا على كل حاكم يحكم ببعض القوانين الغربية الكافرة أو بكثير منها أنه لو سئل لأجاب بأن الحكم بهذه القوانين هو اللازم في العصر الحاضر، وأنه لا يجوز الحكم بالإسلام، لو سئلوا لا تستطيعون أن تقولوا بأنهم لا يجبيون بأن الحكم بما أنزل الله اليوم لا يليق، وإلا صاروا كفاراً دون شك ولا ريب، فإذا نزلنا إلى المحكومين وفيهم العلماء وفيهم الصالحون .. وإلى آخره، كيف أنتم مجرد أن ترونهم يعيشون تحت حكم يشملهم كما يشملكم أنتم تماماً، لكنكم تعلنون أنكم كفار، وهؤلاء لا يعلنون أنهم كفار بمعنى المرتدين، لكنهم يقولون إن الحكم بما أنزل الله هو الواجب، وأن مخالفة الحكم الشرعي بمجرد العمل هذا لا يستلزم الحكم على هذا العالم بأنه مرتد عن دينه.

من جملة المناقشات التي توضح خطأهم وضلالهم قلنا لهم: متى يحكم على المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقد يصلي كثيراً أو قليلاً، متى بحكم بأنه ارتد عن دينه، يكفي مرة واحدة أو يجب أن يعلن سواء بلسان حاله أو بلسان قاله إنه مرتد عن الدين، كانوا كما يقال لا يحيلون جواباً، لا .. جواب. فاضطر إلى أن أضرب لهم المثل التالي، أقول: قاض يحكم بالشرع، هكذا عادته ونظامه، لكنه في حكومة واحدة زلت به القدم، فحكم بخلاف الشرع، أي: أعطى الحق للظالم وحرمه المظلوم، هل هذا حكم بغير ما أنزل الله أم لا؟ حكم بغير ما أنزل الله. هل تقولون بأنه كفر بمعنى الكفر عندهم، كفر ردة؟ قالوا: لا. قلنا: لم؟ وهو خالف حكم الشرع. قالوا: لأن هذا صدر منه ذلك مرة واحدة. قلنا: حسناً، صدر نفس الحكم مرة ثانية أو حكم آخر لكن خالف فيه الشرع أيضاً؟ فهل كفر؟ أخذت أكرر عليهم ثلاث مرات أربع مرات، متى تقول إنه كفر؟ لا تستطيع أن تضع حداً بتعداد أحكامه التي خالف فيها الشرع، تستطيع العكس تماماً، لأنه في الحكم الأول استحسنه واستقبح الحكم الشرعي أن تحكم عليه بالردة، وعلى العكس من ذلك: لو رأيت منه عشرات الحكومات في قضايا متعددة خالف فيها الشرع، لكن قلت له يا شيخ: أنت حكمت بغير ما أنزل الله عز وجل، فلم ذلك؟ والله خفت خشيت على نفسي، أو ارتشيت مثلاً وهذا أسوأ من الأول بكثير .. إلى آخره، مع ذلك لا تستطيع أن تقول بكفره حتى يعرب عن كفره المضمور في قلبه أنه لا يرى الحكم بما أنزل الله عز وجل، حينئذ تستطيع أن تقول

بأنه كافر كفر ردة. إذاً: وخلاصة الكلام الآن أنه لا بد من معرفة أن الكفر كالفسق والظلم ينقسم إلى قسمين: كفر ظلم فسق يخرج عن الملة، وكل ذلك يعود للاستحلال القلبي، وخلاف ذلك يعود إلى الاستحلال العملي، وبخاصة ما فشى في هذا الزمان من استحلال الربا وكل هذا كفر عملي، فلا يجوز لنا أن نكفر هؤلاء بمجرد ارتكابهم معصية واستحلالهم إياها عملياً إلا إذا صدر منهم أو بدا لنا منهم ما يكشف لنا عما في قرارة نفوسهم أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله عقيدة، فإذا عرفنا أنهم وقعوا في هذه المخالفة القلبية حكمنا حينئذ بأنهم كفروا كفر ردة، أما إذا لم نعلم ذلك فلا سبيل لنا إلى الحكم بكفرهم؛ لأننا نخشى أن نقع في وعيد قوله عليه الصلاة والسلام: «من كفر مسلماً فقد باء به أحدهما» والأحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة وكثيرة جداً. نذكر بهذه المناسبة بقصة ذلك الصحابي الذي بارز مشركاً فلما رأى المشرك أنه صار تحت ضربة سيف المسلم الصحابي قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فما بالاها الصحابي وقتله، فلما بلغ خبره النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنكر عليه ذلك أشد الإنكار كما تعلمون، فاعتذر الرجل بأنه ما قالها إلا خوفاً من القتل، فكون جوابه - صلى الله عليه وآله وسلم -: «هلا شققت عن قلبه» (¬1). إذاً: الكفر الاعتقادي ليس له علاقة بالعمل، ونحن لا نستطيع أن نعلم ما في قلب الكافر الفاجر السارق الزاني المرابي إلى آخره إلا إذا عبر عما في قلبه بلسانه، أما عمله فعمله ينبئ أنه خالف الشرع مخالفة عملية، فنحن نقول إنك ¬

(¬1) "تحقيق الإيمان" لابن تيمية (ص89).

خالفت وإنك فسقت وفجرت، لكن ما نقول إنك كفرت وارتددت عن دينك، حتى يظهر منه شيء يكون لنا عذر عند الله عز وجل أن نحكم بردته وبالتالي يأتي الحكم المعروف في الإسلام ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «من بدل دينه فاقتلوه» (¬1). ثم كنت ولا أزال أقول لهؤلاء الذين يدندنون حول تكفير حكام المسلمين، هبوا يا جماعة أن هؤلاء فعلاً كفار كفر ردة، وأنهم لو كان هناك حاكم أعلى عليهم واكتشف منهم أن كفرهم كفر ردة، لوجب على ذلك الحاكم أن يطبق فيهم الحديث السابق: «من بدل دينه فاقتلوه». الآن ماذا تستفيدون أنتم من الناحية العملية إذا سلمنا جدلاً أن كل هؤلاء الحكام هم كفار كفر ردة، ماذا يمكنكم أن تعملوا، هؤلاء الكفار احتلوا كثيراً من بلاد الإسلام ونحن هنا مع الأسف ابتلينا باحتلال اليهود لفلسطين، فماذا أنتم ولا نحن نستطيع أن نعمل مع هؤلاء حتى تستطيعوا أنتم أن تعملوا مع الحكام الذين تظنون أنهم من الكفار، هلا تركتم هذه الناحية جانباً، وبدأتم بتأسيس وبوضع القاعدة التي على أساسها تقوم قائمة الحكومة المسلمة، وذلك باتباع سنة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - التي ربى أصحابه عليها ونشأهم على نظامها وأساسها، وذلك ما نحن نعبر عنه في كثير من مثل هذه المناسبة بأنه لا بد لكل جماعة مسلمة تعمل بحق لإعادة حكم الإسلام ليس فقط على أرض الإسلام، بل على الأرض كلها تحقيقاً لقوله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة:33). ¬

(¬1) "البخاري" (رقم2854).

وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن هذه الآية ستحقق فيما بعد، فلكي يتمكن المسلمون من تحقيق هذا النص القرآن، هل يكون البدء بإعلان الثورة على هؤلاء الحكام الذين يظنون فيهم أن كفرهم كفر ردة، ثم مع ظنهم وهو ظن خطأ لا يستطيعون أن يعملوا شيئاً. إذاً: لتحقيق هذا النبأ القرآني الحق: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة:33) ما هو المنهج؟ ما هو الطريق؟ لا شك أن الطريق هو ما كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يدندن ويذكر أصحابه في كل خطبة: خير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. إذاً: فعلى المسلمين كافة وبخاصة منهم من يهتم لإعادة الحكم بالإسلام على الأرض الإسلامية بل الأرض كلها، أن يبدأ من حيث بدأ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو ما نكني نحن عنه بكلمتين خفيفتين: التصفية والتربية؛ ذلك لأننا نحن نعلم حقيقة يغفل عنها أو يتغافل عنها بالأصح؛ لأنه لا يمكن الغفلة عنها، يتغافل عنها أولئك الغلاة الذين ليس لهم هم إلا إعلان تكفير الحكام، ثم لا شيء، وسيظلون كما ظلت جماعة من قبلهم يدعون إلى إقامة حكم الإسلام على الأرض، لكن دون أن يتخذوا لذلك الأسباب المشروعة، فيظلون يعلنون تكفير الحكام، ثم لا يصدر منهم إلا .. ، والواقع في هذه السنوات الأخيرة التي تعلمونها بدءاً من فتنة الحرم المكي، ثم فتنة مصر وقتل السادات وذهاب دماء كثير من المسلمين الأبرياء بسبب هذه الفتنة، ثم أخيراً في سوريا، ثم الآن في الجزائر مع الأسف .. إلى آخره. كل هذا سببه أنهم خالفوا نصوصاً من الكتاب والسنة، من أهمها: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} (الأحزاب:21).

إذاً: إذا نحن أردنا أن نقيم حكم الله عز وجل في الأرض، هل نبدأ بقتال الحكام ونحن لا نستطيع أن نقاتلهم، أم نبدأ بما بدأ به الرسول عليه السلام؟! لا شك أن الجواب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب:21)، بماذا بدأ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، تعلمون بأنه بدأ بالدعوة بين بعض الأفراد الذين كان يظن فيهم أنهم عندهم استعداد لتقبل الحق، ثم استجاب له من استجاب كما هو معروف في السيرة النبوية، ثم الضعف والشدة التي أصابت المسلمين في مكة، ثم الأمر بالهجرة الأولى والثانية .. إلى آخر ما هنالك، حتى وطد الله عز وجل الإسلام في المدينة المنورة، وبدأت هناك المناوشات، وبدأ القتال بين المسلمين وبين الكفار من جهة ثم اليهود من جهة أخرى .. وهكذا. إذاً: لا بد أن نبدأ نحن بالتعليم كما بدأ به الرسول عليه السلام، لكن نحن لا نقول الآن بالتعليم، أي: لا نقتصر فقط على كلمة تعليم الأمة الإسلام؛ لأننا في وضع الآن من حيث أنه دخل في التعليم الإسلامي ما ليس من الإسلام بسبيل إطلاقاً، بل ما به يخرب الإسلام ويقضى على الثمرة التي يمكن الوصول إليها بالإسلام الصحيح، ولذلك فواجب الدعاة الإسلاميين أن يبدؤوا بما ذكرت آنفاً، بتصفية هذا الإسلام، مما دخل فيه من الأشياء التي تفسد الإسلام، ليس فقط في فروعه في أخلاقه، بل وفي عقيدته أيضاً. والشيء الثاني أن يقترن مع هذه التصفية تربية الشباب المسلم الناشئ على هذا الإسلام المصفى، ونحن إذا درسنا الجماعات الإسلامية القائمة الآن منذ نحو قرابة قرن من الزمان، لوجدنا كثيراً منهم لم يستفيدوا شيئاً رغم صياحهم ورغم زعاقهم أنهم يريدونها حكومة إسلامية، وربما سفكوا دماء أبرياء كثيرة وكثيرة جداً

[580] باب حكم تكفير المعين

دون أن يستفيدوا من ذلك شيئاً إطلاقاً، فلا نزال نسمع منهم العقائد المخالفة للكتاب والسنة وهم يريدون أن يقيموا دولة الإسلام. وبهذه المناسبة نحن نقول هناك كلمة لأحد أولئك الدعاة كنت أتمنى من أتباعه أن يلتزموها وأن يحققوها، الكلمة هي قوله: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم لكم في أرضكم؛ لأن المسلم إذا صحح عقيدته بناء على الكتاب والسنة فلا شك أنه من وراء ذلك، ستصلح عبادته ستصلح أخلاقه، سلوكه إلى آخره. لكن هذه الكلمة الطيبة في نقدي وفي نظري لم يعمل عليه هؤلاء الناس، فظلوا يصيحون بإقامة الدولة المسلمة وصدق فيهم قول ذلك الشاعر: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس لعل في هذا الذي ذكرته كفاية جواباً عن هذا السؤال. "الهدى والنور" (670/ 52: 00: 00) [580] باب حكم تكفير المعين سؤال: أحببت أن أفهم منك ... جواب هذا السؤال؛ تكفير المعين، حكم تكفير المعين؟ الشيخ: قبل الجواب على هذا السؤال مباشرة نحن نذكر بما سبق بيانهُ ... بأن الكفر نوعان، كفر اعتقادي وكفر عملي وأظن أن السؤال يتعلق بالكفر الاعتقادي، أليس كذلك، طيب، حينئذٍ نقول التكفير يجوز تارةً ولا يجوز تارةً أخرى، يجوز ... إذا أُقيمت الحجة على الرجل الذي وقع في الكفر الاعتقادي وأصر

[581] باب خطورة الخوض في التكفير بغير علم

عليه، حين ذاك ليس فقط يجوز القول بكفرهِ أو بتكفيرهِ؛ وإنما يجب ذلك، أما إذا لم تقام الحجة فلا يجوز المبادرة إلى التكفير لأنه قد يكون له عذر، وأصعب شيء هو أن يكفر المسلم أخاهُ المسلم، هذا هو الجواب عن السؤال. "الهدى والنور" (580/ 36: 15: 00) [581] باب خطورة الخوض في التكفير بغير علم السؤال: قول النبي عليه الصلاة والسلام: «من قال لمسلم يا كافر فقد باء بها أحدهما» على حد ما رأيت أنا تفسير من الإخوة، يتعلم قليلاً ثم يبدأ يكفر الناس، هل من كلمة توجيهية عن الكفر، ومتى يكفر الإنسان؟ الشيخ: أحسنت. أولاً: لا يجوز الحكم من عالم متفقه في الكتاب والسنة، لا يجوز لهذا العالم أن يطلق الكفر على شخص أو على جماعة بالجملة إلا بعد إقامة الحجة، وهذا طبعاً يتطلب أن يستوعب هذا العالم رأي ذلك الذي هو في صدد تكفيره، وعليه قبل كل شيء أن يفهم رأيه فهماً صحيحاً، ثم يعرضه على أدلة الكتاب والسنة، فإذا كانت هذه الأدلة تشهد بأن هذا الإنسان يستحق الكفر، أو يستحق التكفير، مع ذلك لا يجوز إصدار الحكم في حقه إلا بعد إقامة الحجة عليه، ولا شك ولا ريب أن طلاب العلم ليس هذا مجالهم، طلاب العلم بحسبهم أن يستحضروا في ذوات أنفسهم قول ربهم عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة:105) فطالب العلم يجب أن ينأى وأن ينجو بنفسه من أن يقع فيما يقع فيه من يريد أن يطلق لفظة الكفر عليه. وقوله عليه السلام: «من قال لأخيه كافر أو يا كافر فقد به أحدهما» هذا فيه وعيد شديد للمسلم الذي يتسرع في

[582] باب بيان خطأ التكفير بالجملة

إطلاق لفظة الكفر على مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإذا كان عند هذا طالب العلم وجهة نظر، فعليه أن يعرضها على من هو يريد أن يوجه التكفير إليه، وأن يناقشه، فقد يكون هو المخطئ بدلاً من ذلك الذي يريد أن يكفره. خلاصة القول: التكفير أمر خطير وخطير جداً، ولذلك قال بعض العلماء: إذا كان هناك مائة قول في خصوص شخص معين، تسع وتسعون قولاً منها بتكفيره، والقول والواحد بعدم تكفيره، الحيطة والحذر أن نتبنى هذا القول الفريد الوحيد، ولا نتبني قول التسعة والتسعين؛ لأن هذا فيه خطورة، ثم إذا .. الإنسان الذي يراد تكفيره فعلاً وقع في الكفر، [وسبب] هذا اعتقد أنه من الغرور والعجب والافتتان بهذا العلم الضحل القليل الذي أصابه بعض هؤلاء الطلاب، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. فعلى طالب العلم حقاً أن يتذكر الآية السابقة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة:105) هذا جوابي عما سألت، ولعلي أجبتك عن سؤالك. "الهدى والنور" (634/ 00:00:01) [582] باب بيان خطأ التكفير بالجملة سؤال: سمعت لك شريطاً أنه تتكلم على التحريرية: أنك تقول: لا أكفر بالكوم. الشيخ: أقول ماذا؟ مداخلة: لا أكفر بالكوم. الشيخ: إيه.

مداخلة: فنريد توضيح المسألة هذه. الشيخ: يعني ما أقول أنا في هؤلاء التحريريين لا أقرنهم مع الآخرين، أظنك أنك واهم، أنا أقول في الشيعة وفي الرافضة وهم شر الفرق الضالة: لا نكفرهم بالكوم، يعني: بالجملة، وإنما ندين كل إنسان بما يسمع منه، أما كون الرافضة يقولون في بعض كتبهم: أن هذا المصحف الذي بين أيدينا هو ربع المصحف والمصحف الكامل هو مصحف فاطمة رضي الله عنه، فمن يقول بهذا القول هو كافر بلا شك؛ لأنه يكفر بقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9)، لكن هل نستطيع أن نقول في كل فرد من أفراد الشيعة، سواء كانوا من علمائهم أو طلابهم أو عامتهم؟ الجواب: لا، لا يجوز التكفير بالكوم، فهمت مقصودي بالكوم؟ يعني: بالجملة، لا بد من التفصيل. أما الأحزاب الإسلامية فهؤلاء لا يجوز أن يصفوا مع بعض الفرق الضالة، هؤلاء لهم مناهجهم ارتضوها لأنفسهم، لا نؤيدهم فيها، بل ننصحهم أن ينخلعوا منها؛ لأنها ليست على الكتاب والسنة، لكننا لا نقرنهم مع الفرق الضالة. اسمح لي لعلي أجبتك عن سؤالك؟ مداخلة: كذلك البهائية والقاديانية؟ الشيخ: كذلك البهائية والقاديانية من يعتقد عقيدتهم كمن يعتقد بنقصان المصحف فهو كافر، لكن فرداً فرداً لا، أنا من فضل الله عليّ من أعرف الناس بالقاديانية؛ لأني بليت بهم في دمشق سنين طويلة، ففيهم من يعرفون بالقاديانيين وفيهم من يعرفون بالأحمديين، وكلهم ينتسبون إلى ميرزا غلام أحمد القادياني، لكن الطائفة الأولى يعتقدون بنبوته، الطائفة الأخرى يعتقدون بأنه مصلح من المصلحين، وكلاهما في ضلال، لكن الطائفة الأولى أشد إغراقاً في الضلال؛

[583] باب كلمة حول خطورة التوسع في التكفير

لأنهم يؤمنون ببقاء النبوة بعد النبي عليه الصلاة والسلام، أما الآخرون يقولون: لا؛ ولذلك أولاً بمعرفتي بالفقه الإسلامي أولاً، وتجربتي ثانياً، هو الذي يمنعني أن أنصح المسلمين جميعاً ألا يكفروا من يستحق التكفير بالكوم وإنما بالتفصيل، من اعتقد كذا وكذا فهو كافر، أما الشيعة فيهم وفيهم، أما القاديانيين ففيهم وفيهم، أما البهائيين فكلهم كفار. مداخلة: كفار؟ الشيخ: البهائية كلهم كفار؛ لأنهم لا يدينون بالإسلام. "الهدى والنور" (728/ 21: 36: 00) [583] باب كلمة حول خطورة التوسع في التكفير سؤال: شيخنا! أيضاً وردت بعض الآثار عند بعض الأئمة وعن بعض الصحابة كخالد بن الوليد، وبعض الأئمة كالإمام أحمد بكفر شاتم الله أو الرسول واعتبروه كفر ردة فهل هذا على إطلاقه؟ نرجو الإفادة. الشيخ: ما نرى ذلك على الإطلاق، فقد يكون السب والشتم ناتجاً عن الجهل وعن سوء التربية، وقد يكون عن غفلة، وأخيراً: قد يكون عن قصد ومعرفة، فإذا كان بهذه الصورة عن قصد ومعرفة فهو الردة الذي لا إشكال فيه، أما إذا احتمل وجه من الوجوه الأخرى التي أشرت إليها فالاحتياط في عدم التكفير أهم إسلامياً من المسارعة إلى التكفير. ويعجبني بهذه المناسبة أن لبعض الفقهاء قول: إذا اتفق تسع وتسعون عالماً على القول بتكفير شخص بسببٍ ما بدر منه من مكفر، وواحد في المائة قال هذا

ليس كفراً فإنما هو الفسق، قال: لا يكفر هذا حتى يجمع على تكفيره من المائة مائة، هذا هو الحيطة والحذر الذي يستفاد من مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «من كفر مسلم فقد حار الكفر على أحدهما» والعبارة الأشهر: من كفر مسلماً فقد كفر. فلذلك ينبغي التحفظ والاحتياط من إطلاق الكفر على مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وبهذه المناسبة أذكِّر بالحديث الصحيح المعروف بأن رجلاً من أصحاب الرسول عليه السلام لقي مشركاً وبَدَءَا بالمبارزة والمقاتلة، فلما صار المشرك تحت ضربة سيف المسلم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فما بالاه بل قتله، فلما بلغ خبره النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غضب غضباً شديداً وأنكر على الرجل المسلم الصحابي الذي قتل ذلك المشرك حينما سمع منه تلك الكلمة الطيبة: لا إله إلا الله، قال: يا رسول الله! ما قالها إلا فراراً من القتل، قال: «هلا شققت عن قلبه» هنا الشاهد «هلا شققت عن قلبه» ظاهر هذا المشرك الذي كان يقاتل المسلم على دينه في تلك اللحظة التي شعر بأنه أصبح تحت ضربة سيف الصحابي قال: أشهد أن لا إله إلا الله الظاهر أنه ما قالها إلا تقية، لكن مع ذلك اعتد عليه الصلاة والسلام بهذه الكلمة الطيبة ونهى ذلك الصحابي عن فعلته التي فعلها. إذاً: التكفير أمر صعب جداً، ثم أنا أرى وهذا يوصلنا بطبيعة البحث إلى لفت النظر إلى ما عليه كثير من الشباب المتحمس اليوم من أن يضيع وقته في إطلاق كلمة الكفر على كثير إن لم نقل على كل حكام المسلمين، أنهم هؤلاء كلهم كفار، فشغلوا أنفسهم بإطلاق هذه الكلمة فنحن نقول: إن هؤلاء الذين يُكَفَّرُون قد يكون فيهم من يصلي مثلاً وقد يكون فيهم من يصوم ومن يحج إلى آخره، فهناك ظواهر تدل على إسلامهم، وهناك ظواهر أخرى قد تدل على كفرهم، فما ينبغي

نحن أن نسارع إلى تغليب الكفر على الإسلام بخطورة التكفير كما ذكرنا آنفاً، هذا من جهة، من جهة أخرى: ما الذي نستفيده نحن اليوم من تشهير سلاح التكفير على الحكام أو على بعض أتباع الحكام ما دام أننا لا نستطيع أن نعمل شيئاً مما أباحه الرسول عليه السلام في مثل الحديث المعروف حينما قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا» وفي الحديث الآخر: «ما لم تروا كفراً بواحاً» فإذا رأينا الكفر الصريح ونحن لا نستطيع أن نقاتلهم فما الفائدة من إثارة هذا الموضوع سوى تشغيل أنفسنا أولاً بما ليس هو الأهم بالنسبة إلينا كطلبة علمٍ وفِقْهٍ، وثانياً: بما قد يضرنا في حياتنا الإسلامية ثانياً. إذاً: نحن يجب أن نتورع في استعمال كلمة: «تكفير»، ومن أجل التحذير من فعلة هؤلاء الذين يريد أولئك أن ينزلوا عليهم أحكام الكفر نكتفي بأنهم ضالون، وأنهم قد حادوا عن أحكام الشريعة في كثير منها وفي قليل، فهذا يكفينا أن نقول أن هذا هو الضلال المبين، أما فلان كافر وفلان كافر .. ومن قال كذا فقد كفر إلى آخره. على هذا نحن نقول بالنسبة لذاك السؤال، أما من صدر منه كلمة الكفر فهو معروف عند المسلمين أنه يستتاب فإن تاب فهذا يدل على أنه لم يكن قاصداً لكلمة كفر، وإن أصر على ذلك قُتل قتل ردة وكفر ولا يدفن في مقابر المسلمين. مسألة الكفر حقيقة مسألة خطيرة جداً وهنا أذكر بالحديث وأنهي الجواب عن هذا السؤال .. الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً» .. عفواً هذا لا يهمنا الآن: «كان فيمن قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط فلما

حضرته الوفاة جمع بنيه حوله فقال لهم: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: - وهنا الشاهد - فلئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» هذا هو الكفر شك في قدرة الله عز وجل أن يتمكن من تعذيب هذا المجرم الذي لم يعمل في حياته خيراً قط: «قال: ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» ولتكملة هذه الكفرية ماذا أوصى: «قال: فإذا أنا مت فحرقوني بالنار، ثم ذروا الرماد نصفه في البحر ونصفه في الريح» لماذا؟ في زعمه ليضل عن ربه، الشاهد: فلما مات حرقوه بالنار وأخذوا الرماد نصفه في الريح الهائج والنصف الثاني في البحر المائج، فقال الله تعالى لذراته هذه: «كوني فلاناًَ فكان فلان، أي عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك قال: فقد غفرت لك» هنا الآن نأتي إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48). هذا أشرك، وقد يقول بعضكم: لا هذا ما أشرك هذا كفر، فأقول بمثل هذه المناسبة: أن الشرك والكفر في لغة الشرع لفظان مترادفان، فكل من كفر فقد أشرك ومن أشرك فقد كفر، وهذا له بحث آخر ولا نخوض فيه الآن، الشاهد: أن هذا الرجل حينما ظهر منه أقول: حينما ظهر منه أنه ينكر قدرة الله على جمعه وعلى بعثه ثم على تعذيبه بناء على أنه لم يعمل خيراً قط لما ظهر منه هذا: هذا كفر، إذاً: ما جوابنا عن قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48) هذا كُفْرٌ، ومع ذلك قد غفر؟ الجواب: إنه كُفْرٌ لم يكن مقصوداً بالقلب، لم يكن معقوداً في القلب وإنما من خوفه من ربه تبارك وتعالى على ما جنت يداه من المعاصي والآثام أوصى بمثل هذه الوصية الجائرة التي ربما لم تقع مثلها في تاريخ هذه الدنيا كلها، ثم أوصى بتلك الوصية إنها كفر وإنها ضلال لكننا نقول: ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، هذه حقيقة يجب أن نستحضرها حتى ما نكون من

[584] باب خطورة الخوض في التكفير بدون علم

الخوارج الذين يبالغون في تكفير المسلمين بسبب ارتكابهم لبعض الذنوب والمعاصي، وإن كان بحثنا ليس في الذنب والمعصية وإنما هو في الكفر لكننا نفرق بين الكفر المقصود قلباً وبين الكفر الذي لم يُقْصَد قلباً، وإنما قالباً وفعلا، هذا ما أردت التذكير به. " الهدى والنور" (820/ 03: 46: 00) [584] باب خطورة الخوض في التكفير بدون علم الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. لا شك أن مشكلة الساعة هي هذه الفتنة التي يصدق فيها أنها دخلت كل بيت من بيوت المسلمين، وقبل أن ندلي برأينا فيها وقد تكرر البحث حولها مراراً وتكراراً، ولكن لابد مما لابد منه من على الأقل من إيجاز واختصار الكلام حول هذا الموضوع موضوع الساعة، ولكن لابد لي بين يدي ذلك أن أتكلم عن مسألة فقهية أصولية طالما وقع في مخالفتها جماهير المسلمين قديماً وحديثاً، وبخاصة في هذه الفتنة. هذه المقدمة هي أنه لا يجوز للمسلم الذي يخشى الله عز وجل ويتقيه أن يتكلم في مسألة شرعية في التحريم أو في التحليل بل في التكفير والتضليل إلا

على بينة من الله ورسوله؛ لقوله تبارك وتعالى في كتابه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36)، ومعلوم من علم أصول الفقه أن المسائل الشرعية تدور على أصول أربعة مقطوع بها عند أهل السنة والجماعة حقاً، ألا وهي الكتاب والسنة الصحيحة، وليس كل ما يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بصحيح، ولذلك نقول في الأصل الثاني: السنة الصحيحة، ثم الإجماع علماً أنه ليس كل إجماع يُدعى يكون إجماعاً صحيحاً واقعاً، فالإجماع الذي هو حجة هو ما يساوي قول بعض أهل العلم: ما كان معلوماً من الدين بالضرورة، فهذا هو الدليل أو المرجع الثالث والمصدر الثالث من المصادر الأربعة. رابعها وآخرها: القياس، والقياس منه ما هو جلي ومنه ما هو خفي. وإذا عرفنا أن أدق هذه المراجع أو هذه الأصول الأربعة هي القياس وعرفنا أن منه ما يكون خفيًّا أي: لا يظهر لكل أهل العلم فضلاً عن غيرهم حينئذٍ نأخذ من هذه المقدمة النتيجة التالية، ألا وهي أنه لا يجوز للمسلم حتى ولو كان طالب علم أن يقول: أنا أرى كذا، إلا إذا كان لديه نص صريح من كتاب الله ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصحيحة كما قلنا، فهنا من الممكن لطالب العلم القوي أن يقول: أنا أعتقد أو أرى كذا وكذا، بناء على قول الله تبارك وتعالى كذا، أو قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ويذكره. أما أن يدعي أو يتبنى رأياً له في مسألة ليس عليها نص صريح من كتاب الله أو من سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصحيحة وإنما هناك يمكن أن يكون إجماعاً أو أن يكون هناك قياساً، فاللجوء والاعتماد على هذين المصدرين إنما هو من شأن أهل العلم

المتخصصين في دراسة الكتاب والسنة، فإن هؤلاء فقط هم الذين يستطيعون أن يثبتوا إجماعاً صحيحاً، وهم الذين فقط يستطيعون أن يقيسوا النظير على النظير، والمثيل على المثيل، أما من دونهم من طلاب العلم فضلاً عن عامة الناس الذين ليس لهم صلة بالعلم مطلقاً فهؤلاء وهؤلاء لا يجوز لهم أن يتدخلوا في مثل هذه المسائل التي تبنى إما على الإجماع وإما على القياس. إذا عرفنا هذه المقدمة وهي مقدمة لا يمكن أن يناقش فيها أحد من أهل العلم؛ لأنها قضية مسلمة لا نزاع فيها. إذا عرفنا ذلك حينئذٍ ندخل في صلب هذه الفتنة التي ألمت بالعالم الإسلامي العربي خاصة، ثم الإسلامي عامة فإننا سنجد أن من آثار هذه الفتنة أن يتكلم فيها من لا علم عنده مطلقاً بالشريعة، فيقول: هذا فيه فلان من الناس إنه كافر أو في فلان من الناس: إنه مجاهد، أو فلان أصاب وفلان أخطأ، هؤلاء الناس لا يجوز لهم أن يصدروا رأياً لهم فيكونون والحالة هذه قد خالفوا الآية السابقة: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36)، كما أنهم يخالفون قول الله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43) والرسول عليه السلام يأمر أهل العلم بأن يجيبوا إذا سئلوا، وألا يكتموا العلم الذين أعطوا كما قال عليه الصلاة والسلام: «من سئل عن علم فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار» والناس اليوم إما عالم وإما غير عالم، ولا حالة وسطى بين هؤلاء وهؤلاء. وربنا عز وجل قد أوضح السبيل لكل من الطائفتين في قوله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43) فأهل الذكر عليهم البيان،

[585] باب الرد على غلاة التكفير

ومن سواهم عليهم السؤال عن البيان، وحينئذٍ عندما ينطلق المجتمع الإسلامي بعلمائه وبغير علمائه في هذا الحدود تستقيم حياتهم، وإن خالفوا اضطربت حياتهم كما هو واقع المسلمين اليوم. إذاً: يجب على كل فرد من أفراد المسلمين أن ينظر إلى نفسه، إن كان يرى في نفسه أهلية العلم فسئل فعليه أن يجيب، وإن كان يعرف من نفسه أنه ليس من أهل العلم فحذار أن يتكلم بما لا علم عنده، وعليه أن يصمت وأن يسأل أهل العلم كما سمعتم آنفاً في الآية السابقة. "الهدى والنور" (454/ 01: 01: 00). [585] باب الرد على غلاة التكفير [علق الإمام على قول صاحب الطحاوية: «ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه» قائلاً]: قال الشارح: «يشير الشيخ إلى الرد على الخوارج والمعتزلة في قولهم بخروجه من الإيمان بارتكاب الكبيرة». قلت: وأمثال هؤلاء اليوم الذين يحكمون على مسلمي البلاد الإسلامية كلها بدون استثناء بالكفر، ويوجبون على أتباعهم مباينتهم ومفاصلتهم تماماً كما فعلت الخوارج من قبلهم، هداهم الله، وغفر للغلاة الذين كانوا السبب في هذا الانحراف الخطير. "التعليق على متن الطحاوية" (ص65 - 66).

[586] باب من ضلال فرق التكفير

[586] باب من ضلال فرق التكفير قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وأنا آمركم بخمس أمرني الله بها: بالجماعة، والسمع، والطاعة والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فمن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثا جهنم» قال رجل: وإن صام وصلى؟ قال: «وإن صام وصلى، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله» [قال الإمام]: صحيح. [ثم علق قائلاً]: الربقة في الأصل: عروة في حبل, تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها, فاستعارها للإسلام, يعني: ما يشد به المسلم نفسه من عرى الإسلام؛ أي: حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه, قاله ابن الأثير. قلت: هذا النص من عشرات النصوص التي تدين فرقة التكفير بالضلال والخروج, ففيه الأمر بهذه الخمس الّتي لم يقوموا بشيء منها؛ فقد خرجوا عن الجماعة, وعن السمع والطاعة, ولم يهاجروا. ولم يجاهدوا, بل, لقد هاجر بعضهم إلى بلاد الكفر لتكفير المسلمين وبخاصة حكامهم!! فإن تعللوا ونفوا أن ينطبق الحديث عليهم؛ سألناهم: ما قولكم بمن ترك واحدة من هذه الأوامر؟ أيكفر بذلك كفر ردة, وإن لم يستحل ذلك بقلبه, بل هو معترف بذنبه؟! فإن أجابوا بالإيجاب التزموا مذهبهم الخارج عن الجماعة,

[587] باب في الرد على الخوارج المكفرين

وكفروا أنفسهم بأنفسهم؛ لأنهم لابد أن يعترفون أنهم مخلون بكثير من الأوامر من هذه الخمس وغيرها! وإن أجابوا سلباً؛ فقد نقضوا مذهبهم, وذلك ما نبغي, هداهم الله! "صحيح موارد الظمآن" (1/ 496). [587] باب في الرد على الخوارج المكفرين [عن عبادة بن الصامت]: "بايعنَا رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على السمعِ والطّاعةِ في العُسر واليُسر، والمنشَطِ والمَكره، وعلى أثَرةٍ علينا، وعَلى أن لا نُنازعَ الأمرَ أَهله، [إلا أن ترَوا كُفراً بَواحاً، عندكم من اللهِ فيه بُرهانٌ]، وعلى أن نقولَ بالحقِّ أينَما كنَّا، لا نخافُ في اللهِ لومة لائمٍ". [قال الإمام]: ثم إن في هذا الحديث فوائد ومسائل فقهية كثيرة، تكلم عليها العلماء في شروحهم، وبخاصة منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري". والذي يهمني منها هنا: أن فيه رداً صريحاً على الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فإنهم يعلمون دون أي شك أو ريب أنه لم يروا منه (كفراً بواحاً)، ومع ذلك استحلوا قتاله وسفك دمه هو ومن معه من الصحابة والتابعين، فاضطر رضي الله عنه لقتالهم واستئصال شأفتهم، فلم ينج منهم إلا القليل، ثم غدروا به رضي الله عنه كما هو معروف في التاريخ. والمقصود أنهم سنوا في الإسلام سنة سيئة، وجعلوا الخروج على حكام

المسلمين ديناً على مر الزمان والأيام، رغم تحذير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - منهم في أحاديث كثيرة، منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -." الخوارج كلاب النار" (¬1). ورغم أنهم لم يروا كفراً بواحاً منهم، وإنما ما دون ذلك من ظلم وفجور وفسق. واليوم- والتاريخ يعيد نفسه كما يقولون-، فقد نبتت نابتة من الشباب المسلم، لم يتفقهوا في الدين إلا قليلاً، ورأوا أن الحكام لا يحكمون بما أنزل الله إلا قليلاً، فرأوا الخروج عليهم دون أن يستشيروا أهل العلم والفقه والحكمة منهم، بل ركبوا رؤوسهم، وأثاروا فتناً عمياء، وسفكوا الدماء، في مصر، وسوريا، والجزائر، وقبل ذلك فتنة الحرم المكي، فخالفوا بذلك هذا الحديث الصحيح الذي جرى عليه عمل المسلمين سلفاً وخلفاً إلا الخوارج. ولما كان يغلب على الظن أن في أولئك الشباب من هو مخلص يبتغي وجه الله، ولكنه شُبِّهَ له الأمر أو غرر به؛ فأنا أريد أن أوجه إليهم نصيحة وتذكرة، يتعرفون بها خطأهم، ولعلهم يهتدون. فأقول: من المعلوم أن ما أمر به المسلم من الأحكام منوط بالاستطاعة؛ حتى ما كان من أركان الإسلام، قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} (آل عمران:97) وهذا من الوضوح بمكان فلا يحتاج إلى تفصيل. والذي يحتاج إلى التفصيل؛ إنما هو التذكير بحقيقتين اثنتين: الأولى: أن قتال أعداء الله- من أي نوع كان- يتطلب تربية النفس على ¬

(¬1) وهو مخرج في "المشكاة" (3554)، و"الروض النضير" (906 و908). [منه].

الخضوع لأحكام الله واتباعها؛ كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» (¬1). والأخرى: أن ذلك يتطلب الإعداد المادي والسلاح الحربي؛ الذي ينكأُ أعداء الله؛ فإن الله أمر به أمير المؤمنين فقال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} (الأنفال:60). والإخلال بذلك مع الاستطاعة؛ إنما هو من صفات المنافقين، ولذلك قال فيهم رب العالمين: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدَّةً} (التوبة:46). وأنا اعتقد جازماً أن هذا الإعداد المادي لا يستطيع اليوم القيام به جماعة من المؤمنين دون علم من حكامهم- كما هو معلوم-، وعليه؛ فقتال أعداء الله من جماعة ما سابق لأوانه، كما كان الأمر في العهد المكي، ولذلك؛ لم يؤمروا به إلا في العهد المدني؛ وهذا هو مقتضى النص الرباني: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} (البقرة:286). وعليه؛ فإني أنصح الشباب المتحمس للجهاد، والمخلص حقاًّ لرب العباد: أن يلتفتوا لإصلاح الداخل، وتأجيل الاهتمام بالخارج الذي لا حيلة فيه، وهذا يتطلب عملاً دؤوباً، وزمنا طويلاً؛ لتحقيق ما أسميه بـ (التصفية والتربية)؛ فإن القيام بهذا لا ينهض به إلا جماعة من العلماء الأصفياء، والمربين الأتقياء، فما أقلهم في هذا الزمان، وبخاصة في الجماعات التي تخرج على الحكام! وقد ينكر بعضهم ضرورة هذه التصفية، كما هو واقع بعض الأحزاب الإسلامية، وقد يزعم بعضهم أنه قد انتهى دورها، فانحرفوا إلى العمل السياسي أو ¬

(¬1) "الصحيحة" (549). [منه].

[588] باب قاعدة التفريق بين " كفر دون كفر"

الجهاد، وأعرضوا عن الاهتمام بالتصفية والتربية، وكلهم واهمون في ذلك، فكم من مخالفات شرعية تقع منهم جميعاً بسبب الإخلال بواجب التصفية، وركونهم إلى التقليد والتلفيق، الذي به يستحلون كثيراً مما حرم الله! وهذا هو المثال: الخروج على الحكام؛ ولو لم يصدر منهم الكفر البواح. وختاماً أقول: نحن لا ننكر أن يكون هناك بعض الحكام يجب الخروج عليهم؛ كذاك الذي كان أنكر شرعية صيام رمضان، والأضاحي في عيد الأضحى، وغيرذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهؤلاء يجب قتالهم بنص الحديث، ولكن بشرط الاستطاعة كما تقدم. لكن مجاهدة اليهود المحتلين للأرض المقدسة، والسافكين لدماء المسلمين أوجب من قتال مثل ذاك الحاكم من وجوه كثيرة، لا مجال الآن لبيانها، من أهمها أن جند ذاك الحاكم من إخواننا المسلمين، وقد يكون جمهورهم- أو على الأقل الكثير منهم- عنه غير راضين، فلماذا لا يجاهد هؤلاء الشباب المتحمس اليهود، بدل مجاهدتهم لبعض حكام المسلمين؟! أظن أن سيكون جوابهم عدم الاستطاعة بالمعنى المشروح سابقاً، والجواب هو جوابنا، والواقع يؤكد ذلك؛ بدليل أن خروجهم- مع تعذر إمكانه- لم يثمر شيئاً سوى سفك الدماء سُدى! والمثال - مع الأسف الشديد- لا يزال ماثلاً في الجزائر، فهل من مدَّكر؟!. "الصحيحة" (7/ 2/1237 - 1243). [588] باب قاعدة التفريق بين " كفر دون كفر" سؤال: ما القاعدة التفريق بين كفر دون كفر، كما قال ابن عباس للذين لم يحكموا بما أنزل الله كفر دون كفر، ما القاعدة التفريق بين هذا؟

الشيخ: هو هذا الكفر الاعتقادي والكفر العملي، الكفر الاعتقادي والكفر العملي، فمن قام في قلبه كفر اعتقادي فهذا الذي يخرج عن الملة، من قام في ذاته كفر عملي عمله يخالف اعتقاده فهذا هو الكفر الدون الذي لا يكفر به. وهنا نقطة دقيقة بعض الشيء يجب على الحاضرين أن يعرفوها: كما أن الكفر كفران كذلك النفاق نفاقان .. النفاق نفاقان، اليوم يطرح بين الناس الكفر كفران لكن لا يطرح النفاق نفاقان، وهذا أمر هام أيضاً، من أضمر في نفسه الكفر فهو كافر كفر اعتقادي، صحيح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: ولكن هو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقد يصوم مع المسلمين إلى آخره هذا من تمام نفاقه، فهو كافر باطناً مسلم ظاهراً، مفهوم إلى هنا أظن؟ الكفر العملي مع الكفر الاعتقادي على العكس تماماً، الكافر عملياً اعتقاده حسب الإيمان الصحيح، لكن عمله عمل الكافر، المنافق على عكس عمله عمل المسلمين لكن اعتقاده اعتقاد الكافرين، فالمسلم الذي يكون اعتقاده اعتقاد المسلمين لكن عمله عمل الكافرين هذا لا يكفر؛ لأن اعتقاده اعتقاد المسلمين أما عمله فعمل الكافرين، فإذا عرفنا هذا التفصيل انتهينا من مشكلة تكفير المسلمين بالكوم بالألوف المؤلفة، وحينئذٍ نعرف قوله عليه السلام: «بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة» فمن ترك الصلاة فقد كفر، هذا إما أن يكون كفره اعتقادياً، وإما أن يكون كفره عملياً، متى يكون هذا أو هذا؟ إذا عرفنا منه بطريقة أو بأخرى أنه يؤمن بشرعية الصلاة ويعترف في قرارة نفسه بخطئه مع الله ويقول: الله يتوب علينا فهذا مؤمن في قلبه مع المسلمين لكن هو مع

[589] باب هل يلزم إيقاع الوعيد؟

الكافرين في عمله؛ لأن الكفار لا يصلون، فهذا هو الفرق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي. " الهدى والنور" (547/ 58: 17: 00 طريق الإسلام) [589] باب هل يلزم إيقاع الوعيد؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة». [قال الإمام]: الحديث ثابت لا شك فيه، ولذلك تتابع العلماء خلفاً عن سلف على الاحتجاج به حتى قال الحاكم في أول كتابه " المستدرك ": " إنه حديث كبير في الأصول " ولا أعلم أحداً قد طعن فيه، إلا بعض من لا يعتد بتفرده وشذوذه، أمثال الكوثري الذي سبق أن أشرنا إلى شيء من تنطعه وتحامله على الطريق الأولى لهذا الحديث، التي ليس فيها الزيادة المتقدمة: " كلها في النار "، جاهلاً بل متجاهلاً حديث معاوية وأنس على كثرة طرقه عن أنس كما رأيت. وليته لم يقتصر على ذلك إذن لما التفتنا إليه كثيراً، ولكنه دعم رأيه بالنقل عن بعض الأفاضل، ألا وهو العلامة ابن الوزير اليمني، وذكر أنه قال في كتابه: " العواصم والقواصم " ما نصه: " إياك أن تغتر بزيادة " كلها في النار إلا واحدة " فإنها زيادة فاسدة، ولا يبعد أن تكون من دسيس الملاحدة، وقد قال ابن حزم: إن هذا الحديث لا يصح ".

وقفت على هذا التضعيف منذ سنوات، ثم أوقفني بعض الطلاب في " الجامعة الإسلامية " على قول الشوكاني في تفسيره " فتح القدير " (2/ 56): " قال ابن كثير في تفسيره: وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين، مروي من طرق عديدة، قد ذكرناها في موضع آخر. انتهى. قلت: أما زيادة كونها في النار إلا واحدة " فقد ضعفها جماعة من المحدثين (!)، بل قال ابن حزم: إنها موضوعة ". ولا أدري من الذين أشار إليهم بقوله: " جماعة ... " فإني لا أعلم أحداً من المحدثين المتقدمين ضعف هذه الزيادة، بل إن الجماعة قد صححوها وقد سبق ذكر أسمائهم، وأما ابن حزم فلا أدري أين ذكر ذلك، وأول ما يتبادر للذهن أنه في كتابه " الفصل في الملل والنحل " وقد رجعت إليه، وقلبت مظانه فلم أعثر عليه ثم إن النقل عنه مختلف، فابن الوزير قال عنه: " لا يصح "، والشوكاني قال عنه: " إنها موضوعة"، وشتان بين النقلين كما لا يخفى، فإن صح ذلك عن ابن حزم، فهو مردود من وجهين: الأول: أن النقد العلمي الحديثي قد دل على صحة هذه الزيادة، فلا عبرة بقول من ضعفها. والآخر: أن الذين صححوها أكثر وأعلم بالحديث من ابن حزم، لاسيما وهو معروف عند أهل العلم بتشدده في النقد، فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم المخالفة فكيف إذا خالف؟! وأما ابن الوزير، فكلامه الذي نقله الكوثري يشعر بأنه لم يطعن في الزيادة من جهة إسنادها، بل من حيث معناها، وما كان كذلك فلا ينبغي الجزم بفساد المعنى لامكان توجيهه وجهة صالحة ينتفي به الفساد الذي ادعاه، وكيف يستطاع الجزم بفساد معنى حديث تلقاه كبار الأئمة والعلماء من

مختلف الطبقات بالقبول وصرحوا بصحته، هذا يكاد يكون مستحيلاً! وإن مما يؤيد ما ذكرته أمرين: الأول: أن ابن الوزير في كتاب آخر له قد صحح حديث معاوية هذا، ألا وهو كتابه القيم: " الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم " فقد عقد فيه فصلاً خاصاًّ في الصحابة الذين طعن فيهم الشيعة وردوا أحاديثهم، ومنهم معاوية رضي الله عنه، فسرد ما له من الأحاديث في كتب السنة مع الشواهد من طريق جماعة آخرين من الصحابة لم تطعن فيه الشيعة، فكان هذا الحديث منها! الأمر الآخر: أن بعض المحققين من العلماء اليمانيين ممن نقطع أنه وقف على كتب ابن الوزير، ألا وهو الشيخ صالح المقبلي، قد تكلم على هذا الحديث بكلام جيد من جهة ثبوته ومعناه، وقد ذكر فيه أن بعضهم ضعف هذا الحديث فكأنه يشير بذلك إلى ابن الوزير، وأنت إذا تأملت كلامه وجدته يشير إلى أن التضعيف لم يكن من جهة السند، وإنما من قبل استشكال معناه، وأرى أن أنقل خلاصة كلامه المشار إليه لما فيه من الفوائد. قال رحمه الله تعالى في " العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ " (ص 414): " حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، رواياته كثيرة يشد بعضها بعضاً بحيث لا يبقى ريبة في حاصل معناها، (ثم ذكر حديث معاوية هذا، وحديث ابن عمرو بن العاص الذي أشار إليه الحافظ العراقي وحسنه الترمذي ثم قال:) والإشكال في قوله: " كلها في النار إلا ملة "، فمن المعلوم أنهم خير الأمم، وأن المرجو أن يكونوا نصف أهل الجنة، مع أنهم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود حسبما صرحت به الأحاديث، فكيف يتمشى هذا؟ فبعض الناس تكلم في ضعف هذه الجملة، وقال: هي زيادة غير ثابتة. وبعضهم تأول الكلام. قال: ومن المعلوم أن ليس

المراد من الفرقة الناجية أن لا يقع منها أدنى اختلاف، فإن ذلك قد كان في فضلاء الصحابة، إنما الكلام في مخالفة تصير صاحبها فرقة مستقلة ابتدعها، وإذا حققت ذلك فهذه البدع الواقعة في مهمات المسائل، وفيما يترتب عليه عظائم المفاسد لا تكاد تنحصر، ولكنها لم تخص معينا من هذه الفرق التي قد تحزبت والتأم بعضهم إلى قوم وخالف آخرون بحسب مسائل عديدة. ثم أجاب عن الإشكال بما خلاصته: " إن الناس عامة وخاصة، فالعامة آخرهم كأولهم، كالنساء والعبيد والفلاحين والسوقة ونحوهم ممن ليس من أمر الخاصة في شيء، فلا شك في براءة آخرهم من الابتداع كأولهم. وأما الخاصة، فمنهم مبتدع اخترع البدعة وجعلها نصب عينيه، وبلغ في تقويتها كل مبلغ، وجعلها أصلا يرد إليها صرائح الكتاب والسنة، ثم تبعه أقوام من نمطه في الفقه والتعصب، وربما جددوا بدعته وفرعوا عليها وحملوه ما لم يتحمله، ولكنه إمامهم المقدم وهؤلاء هم المبتدعة حقاًّ، وهو شيء كبير {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} (مريم:90)، كنفي حكمة الله تعالى، ونفي إقداره المكلف، وككونه يكلف ما لا يطاق، ويفعل سائر القبائح ولا تقبح منه، وأخواتهن! ومنها ما هو دون ذلك، وحقائقها جميعها عند الله تعالى، ولا ندري بأيها يصير صاحبها من إحدى الثلاث وسبعين فرقة. ومن الناس من تبع هؤلاء وناصرهم وقوى سوادهم بالتدريس والتصنيف، ولكنه عند نفسه راجع إلى الحق، وقد دس في تلك الأبحاث نقوضها في مواضع لكن على وجه خفي، ولعله تخيل مصلحة دنيئة، أو عظم عليه انحطاط نفسه وإيذاؤهم له في عرضه وربما بلغت الأذية إلى نفسه. وعلى الجملة فالرجل قد عرف الحق من الباطل، وتخبط في تصرفاته، وحسابه على الله سبحانه، إما أن

يحشره مع من أحب بظاهر حاله، أو يقبل عذره، وما تكاد تجد أحدا من هؤلاء النظار إلا قد فعل ذلك، لكن شرهم والله كثير، فلربما لم يقع خبرهم بمكان، وذلك لأنه لا يفطن لتلك اللمحة الخفية التي دسوها إلا الأذكياء المحيطون بالبحث، وقد أغناهم الله بعلمهم عن تلك اللمحة، وليس بكبير فائدة أن يعلموا أن الرجل كان يعلم الحق ويخفيه. والله المستعان. ومن الناس من ليس من أهل التحقيق، ولا هيئ للهجوم على الحقائق، وقد تدرب في كلام الناس، وعرف أوائل الأبحاث، وحفظ كثيراً من غثاء ما حصلوه ولكن أرواح الأبحاث بينه وبينها حائل، وقد يكون ذلك لقصور الهمة والاكتفاء والرضا عن السلف لوقعهم في النفوس. وهؤلاء هم الأكثرون عدداً، والأرذلون قدراً، فإنهم لم يحظوا بخصيصة الخاصة، ولا أدركوا سلامة العامة، فالقسم الأول من الخاصة مبتدعة قطعاً، والثاني ظاهره الابتداع، والثالث له حكم الابتداع. ومن الخاصة قسم رابع ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين، أقبلوا على الكتاب والسنة وساروا بسيرها، وسكتوا عما سكتا عنه، وأقدموا وأحجموا بهما وتركوا تكلف مالا يعنيهم، وكان تهمهم السلامة، وحياة السنة آثر عندهم من حياة نفوسهم، وقرة عين أحدهم تلاوة كتاب الله تعالى، وفهم معانيه على السليقة العربية والتفسيرات المروية، ومعرفة ثبوت حديث نبوي لفظاً وحكماً. فهؤلاء هم السنية حقاً، وهم الفرقة الناجية، وإليهم العامة بأسرهم، ومن شاء ربك من أقسام الخاصة الثلاثة المذكورين، بحسب علمه بقدر بدعتهم ونياتهم. إذا حققت جميع ما ذكرنا لك، لم يلزمك السؤال المحذور وهو الهلاك على معظم الأمة، لأن الأكثر عدداً هم العامة قديماً وحديثاً، وكذلك الخاصة في

الأعصار المتقدمة، ولعل القسمين الأوسطين، وكذا من خفت بدعته من الأول، تنقذهم رحمة ربك من النظام في سلك الابتداع بحسب المجازاة الأخروية، ورحمة ربك أوسع لكل مسلم، لكنا تكلمنا على مقتضى الحديث ومصداقة، وأن أفراد الفرق المبتدعة وإن كثرت الفرق فلعله لا يكون مجموع أفرادهم جزءا من ألف جزء من سائر المسلمين: فتأمل هذا تسلم من اعتقاد مناقضة الحديث لأحاديث فضائل الأمة المرحومة ". قلت: وهذا آخر كلام الشيخ المقبلي رحمه الله، وهو كلام متين يدل على علم الرجل وفضله ودقة نظره، ومنه تعلم سلامة الحديث من الإشكال الذي أظن أنه عمدة ابن الوزير رحمه الله في إعلاله إياه. والحمد لله على أن وفقنا للإبانة عن صحة هذا الحديث من حيث إسناده، وإزالة الشبهة عنه من حيث متنه. وهو الموفق لا إله إلا هو. ثم وقفت على كلام لأحد الكتاب في العصر الحاضر ينكر في كتابه " أدب الجاحظ " (ص 90) صحة هذا الحديث للدفاع عن شيخه الجاحظ! فهو يقول: " ولو صح هذا الحديث لكان نكبة كبرى على جمهور الأمة الإسلامية؛ إذ يسجل على أغلبيتها الخلود في الجحيم ولو صح هذا الحديث لما قام أبو بكر في وجه مانعي الزكاة معتبرا إياهم في حالة ردة ... " إلى آخر كلامه الذي يغني حكايته عن تكلف الرد عليه، لوضوح بطلانه لاسيما بعد قراءة كلام الشيخ المقبلي المتقدم. على أن قوله " الخلود في الجحيم " ليس له أصل في الحديث، وإنما أورده الكاتب المشار إليه من عند نفسه ليتخذ ذلك ذريعة للطعن في الحديث. وهو سالم من ذلك كله كما بينا والحمد لله على توفيقه. "الصحيحة" (1/ 1/404، 408 - 414).

[590] باب قبول توبة الكافروإزلة إشكالات حول ذلك

[590] باب قبول توبة الكافروإزلة إشكالات حول ذلك [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الله تبارك وتعالى لا يقبل توبة عبد كفر بعد إسلامه». [قال الإمام]: أخرجه أحمد (4/ 446 و5/ 2 و3) من طريق أبي قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال: قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، واسم أبي قزعة سويد بن حجير. وفي لفظ له: " لا يقبل الله عز وجل من أحد توبة أشرك بعد إسلامه ". وتابعه عليه بهز بن حكيم عن أبيه به، إلا أنه قال: " عملا " مكان: " توبة ". أخرجه أحمد (5/ 5). قلت: وبهز ثقة حجة، لاسيما في روايته عن أبيه، وفيها ما يفسر رواية أبي قزعة، ويزيل الإشكال الوارد على ظاهرها، فهي في ذلك كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} (آل عمران: 90). ولذلك أشكلت على كثير من المفسرين، لأنها بظاهرها مخالفة لما هو معلوم من الدين بالضرورة من قبول توبة الكافر، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى قبل الآية المذكورة: [كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم] إلى قوله: {أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين، خَالِدِينَ فِيهَا ... } إلى قوله: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيم} (آل عمران: 87 - 89) فاضطربت أقوال المفسرين في التوفيق بين الآيتين، وإزالة الإشكال على أقوال كثيرة لا مجال لذكرها الآن، وإنما أذكر منها ما تأيد برواية بهز هذه، فإنها كما فسرت رواية أبي قزعة فهي أيضا تفسر الآية وتزيل الإشكال عنها. فكما أن معنى قوله في الحديث: «لا يقبل توبة عبد كفر بعد إسلامه»، أي توبته من ذنب في أثناء

[591] باب منه

كفره، لأن التوبة من الذنب عمل، والشرك يحبطه كما قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (الزمر: 65) فكذلك قوله تعالى في الآية: {لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}، أي من ذنوبهم، وليس من كفرهم. وبهذا فسرها بعض السلف، فجاء في " تفسير روح المعاني " للعلامة الآلوسي (1/ 624) ما نصه بعد أن ذكر بعض الأقوال المشار إليها: " وقيل: إن هذه التوبة لم تكن عن الكفر، وإنما هي عن ذنوب كانوا يفعلونها معه، فتابوا عنها مع إصرارهم على الكفر، فردت عليهم لذلك، ويؤيده ما أخرجه ابن جرير (¬1) عن أبي العالية قال: هؤلاء اليهود والنصارى كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفراً بذنوب أذنبوها، ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم، فلم تقبل توبتهم، ولو كانوا على الهدى قبلت، ولكنهم على ضلالة ". قلت: وهذا هو الذي اختاره إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى، فليراجع كلامه من أراد زيادة تبصر وبيان. "الصحيحة" (6/ 1/99 - 101). [591] باب منه "كان رجلٌ من الأنصار أسلمَ؛ ثم ارتدَّ ولَحِقَ بالشركِ؛ ثم تَنَدَّمَ، فأرسل إلى قومِهِ: سَلُوا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: هل له من توبةٍ؟ فجاء قومُهُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالوا: إنَّ فلاناً قد نَدِمَ، وإنّه أمَرَنا أن نسألك: هل له من توبةٍ؟ فنزلت: {كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ... } إلى قوله: {غَفُورٌ رَّحِيم} (آل عمران:86 - 89)، فأرسل إليهِ [قومُه]؛ فأَسلَم". ¬

(¬1) أخرجه في تفسيره (6/ 579 رقم 7376 - 7381) من طرق عن داود بن أبي هند عن أبي العالية بنحوه، والسياق المذكور لفقه الآلوسي من مجموع الطرق، فتنبه. [منه].

[592] باب الفرق بين الإقرار والاستحلال، وهل يكفر المقر والمستحل وبيان الفرق بين الكفر العلمي والاعتقادي

[قال الإمام]: ولتمام الفائدة لا بد من ذكر الآيات الأربع بتمامها، وهي في (آل عمران:86 - ـ89): {كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين، أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين، خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُون، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيم}. ولا ينافي ذلك قوله تعالى بعدها: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّون، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِين} (آل عمران:90، 91). ذلك؛ لأن المقصود: لن تقبل توبتهم عند الممات كما قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء:18). قاله الحافظ ابن كثير. "الصحيحة" (7/ 1/184، 186 - 187). [592] باب الفرق بين الإقرار والاستحلال، وهل يكفر المقر والمستحل وبيان الفرق بين الكفر العلمي والاعتقادي سؤال: ما الفرق بين الإقرار والاستحلال؟ الشيخ: عفواً الإقرار والاستحلال؟ الملقي: والاستحلال.

الشيخ: في فرق كبير جداً، الإقرار أن يرى الشيء ويقره واقعياً، ولكن قد يكون في قرارة قلبه غير مقر بهذا الذي أقره. مثلاً: قوله عليه السلام: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» (¬1)، فإذا وقع منكر بين يديه ما أنكره بيده ولا أنكره بلسانه إذاً هذا يمكن أن يقال في الظاهر إنه أقر ذلك نعم. السائل: ما الفرق بين الإقرار والاستحلال؟ وهل يحكم فيهما جميعاً على المعين بعد إقامة الحجة بالكفر؟ تتمة السؤال السابق. الشيخ: نحن قلنا إن الكفر نوعان كفر اعتقادي وكفر عملي، والكفر الاعتقادي لا سبيل لمعرفته إلا بأن يعرب الذي صدر منه الكفر عن كفره بلسانه، أما أن نحكم عليه بما صدر منه من عمله [الذي] هو موصوف بأنه كفر في الشرع فهذا لا يلزم منه أن نصفه بأنه كفر باطناً، كما كفر ظاهراً، وكنت آنفاً وأنا أتحدث عن موضوع التعبير عن الفرقة الناجية وعن الطائفة المنصورة بالعبارة المتداولة اليوم ومنذ مئات السنين أهل السنة والجماعة، كنت أتحدث بأن الإسلام من كماله أنه جاء لإصلاح الظواهر والبواطن، لم يأت فقط الإسلام لإصلاح البواطن دون الظواهر، وإنما عني بإصلاح الأمرين كليهما، والسبب في هذا واضح جداً لمن له عناية خاصة بتتبع كثير من الأحكام الشرعية التي تنص على ارتباط الباطن بالظاهر وارتباط الظاهر بالباطن، من ذلك مثلاً حديث النعمان بن بشير المتفق عليه بين الشيخين وهو حديث فيه بعض الطول، وفيه يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد ¬

(¬1) صحيح مسلم (رقم186).

كله؛ ألا وهي القلب»، وكما جاء أيضاً في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان من هديه حينما يقوم ليصلي إماماً بأصحابه أن يأمرهم بتسوية الصفوف ويرهبهم ويخيفهم أن لا يُخلُّوا بشيء من تسوية الصفوف بمثل قوله عليه السلام: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم»، فالاختلاف في تسوية الصف أمر ظاهري اعتبره الشارع الحكيم سبباً لاختلاف القلوب، فإذاً الظاهر مربوط بالباطن، وهذه حقيقة عليها أدلة كثيرة جداً من الشريعة الإسلامية كتاباً وسنة، والذي أريد أن أصل إليها هو أن الألفاظ يجب الاهتمام بها؛ لأنها من الأمور الظاهرة، وأن لا نقول كما يقول بعض الجهلة: يا أخي العبرة بما في القلب؛ لا، قد سمعنا آنفاً أنه إذا صلح القلب صلح البدن، صلح الباطن صلح الظاهر، صلح الظاهر صلح الباطن، فسبحان الذي ربط الظاهر بالباطن فكل منهما يمد الآخر إمداداً عجيباً غريباً جداً، ما تدري آلقلب ينصلح قبل الظاهر؟ أم الظاهر قبل الباطن فهما متشابكان تمام التشابك. فالشاهد نريد أن نقول بأن الكفر قد يكون لفظاً وقد يكون قلباً، ومن الأحاديث المشهورة في الكفر اللفظي دون الكفر القلبي أنه كما جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله، بالسند الصحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خطب في أصحابه يوماً فقام رجل من أصحابه ليقول له: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، ما شاء الله وشئت، فغضب عليه السلام وقال: «أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده»، وفي الحديث الآخر أن رجلاً رأى رؤيا في المنام أنه بينما كان يمشي في بعض طرق المدينة لقي رجلاً من اليهود، قال له: نعم القوم أنتم معشر اليهود لولا أنكم تشركون بالله، فتقولون: عزير ابن الله، فأجابه اليهودي بقوله: ونعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله، فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مضى، فلقي رجلاً من النصارى فقال له: نعم القوم أنتم معشر

النصارى لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: عيسى ابن الله، فقال النصراني للمسلم: ونعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد؛ فلما أصبح به الصباح جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقص عليه الرؤيا، فقال له عليه السلام: «هل قصصتها على أحد»، قال: لا، فخطبهم عليه الصلاة والسلام فقال لهم ما معناه: «طالما كنت أسمعكم تقولون كلمة فأستحي منكم؛ فلا يقولن أحدكم: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن ليقل: ما شاء الله وحده. أو: ما شاء الله ثم شاء محمد». الشاهد: في كل من الحديثين أن الرجل الأول حينما خاطبه الرسول عليه السلام بقوله: أجعلتني لله نداً إنما يعني: جعله لله نداً لفظاً؛ لأنه لو جعله لله نداً قلباً لحكم عليه بالردة، ولفرق بينه وبين الزوجة، ولا بد من تجديد الإسلام والنكاح. لكن يعلم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن هذا الصحابي ما آمن بالله ورسوله إلا فراراً من الشرك، ولكن لم ينتبه لسوء اللفظ وسوء التعبير، الذي يدل على أن إرادة الله مقرونة بإرادة رسول الله، أو أن إرادة رسول الله مقرونة بإرادة الله، لو اعتقد إنسان هذا لَكَفَرَ ولا ريب، لكن ما خطر في باله هذا المعنى، ولذلك اكتفى عليه الصلاة والسلام بالإنكار اللفظي أيضاً؛ لأن الرجل إنما وقع في الكفر اللفظي، ولم يقع في الكفر القلبي؛ لذلك اكتفى عليه السلام بأن ينكر عليه لفظاً، الرجل الذي رأى تلك الرؤيا في المنام، فيها أن الرسول قال له: «هل قصصت على أحد؟» قال: لا، قال مخاطباً لأصحابه، كان يسمعهم يقولون هذه الكلمة فيستحي منهم، لو كان يعلم أنهم يقولونها قاصدين وهو الشرك بعينه لما استحيا منهم، لكن لما كان قد لاحظ عليه الصلاة والسلام أنهم على جاهليتهم السابقة من التهاون في التعبير كما ذكرنا آنفاً أن أحدهم كان يقول: لقست نفسي، خبثت نفسي، فأصلح ذلك الرسول منهم، وقال: «ليقول: لقست نفسي»، كذلك كانوا يستعملون مثل هذه العبارات حتى فيما يتعلق بذات الله تبارك وتعالى، فهنا الآن الإقرار والاستحلال، كلٌ من

الأمرين قد يكون عملياً وقد يكون قلبياً، الاستحلال يقول الرسول عليه السلام في حديث البخاري الصحيح، وإن كان صورته عند بعض المحدثين صورة الحديث المعلق: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف، يمسون في لهو ولعب، ويصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير» (¬1)، هذا الاستحلال يمكن أن يقع من هؤلاء الممسوخين استحلالاً اعتقادياً، وهذا هو الظاهر لشدة العقوبة التي يخبر الرسول عليه السلام عنها في هذا الحديث، ويمكن أن يكون استحلالاً قلبياً، وكل عاصٍ لا بد له من استحلال على وجه من الوجهين المشار إليهما، كل عاصٍ الذي يشرب الخمر، والذي يسرق، والذي يزني، والذي يأكل الربا، كل هؤلاء بلا شك فساق وعصاة وبعض هذه الأمور من أكبر الكبائر كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، فهل هؤلاء يحكم عليهم أنهم كفار؛ لأنهم استحلوا ارتكاب ما حرم الله عز وجل؟ الجواب: لا، لا نقول هذا، ولا نقول خلافه، وإنما لابد من التفصيل، من واقع شيئاً من هذه المحرمات، وهو يعترف بمخالفته لربه فهو كفره كفر عملي، ومن يستحل ذلك قلباً وقالباً فكفره كفر اعتقادي، هكذا يقال عن الشخص يقر المعصية أي لا ينكر، أو يستحلها عملياً في نفسه، فإما أن يكون هذا الإقرار وذاك الاستحلال قلباً فهو الكفر بعينه، أو بدناً فهو الكفر دون كفر، كما صح عن ابن عباس. الملقي: قلتم بأن القلب يعكس على الظاهر، وأنهما توأمان، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا نزع أحدهما نزع الآخر» (¬2)، فإذا كان إنسان بظاهر أعماله يدل على الكفر عملاً فكيف نوفق يعني إذا كيف نقول بأنهما قرنا ¬

(¬1) البخاري (رقم5268). (¬2) صحيح الترغيب والترهيب (رقم2636).

جميعاً، وأنهما قالباً واحداً، والآن نقول كفر عملي واعتقادي بارك الله فيكم. الشيخ: نحن ما نقول اجتهاداً كفر عملي وكفر اعتقادي، هذا لا بد لكل مسلم أن يعتقد كذلك، أما الحديث الذي أنت تعني تنزع إليه أو تستدل به فليس فيه ما ينافي هذا التفصيل الذي ذكرناه آنفاً، ولا علمت أحداً من العلماء يقول بأن هذا الحديث يقطع بأن مرتكب المعصية هو كافر قلبياً، وهذا معلوم أنه مذهب الخوارج، قديماً والإباضية منهم حديثاً، فلا يمكن لمسلم إلا أن يقع في معصية، فإذا فهمت أن هذا الحديث يعني خلاف هذه الحقائق التي لا يسع المسلم إلا أن يعترف بها، معنى ذلك أنه لا يبقى على وجه الأرض مسلم؛ لأنه لا عصمة لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. يعني مثلاً قصة الإفك العظيمة الخطيرة هذه، لما الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وصله خبر بعض المنافقين الذين أشاعوا الفاحشة كان موقفه من عائشة ليس موقف المتصل بوحي السماء وهو متصل بذلك دائماً إلا ما شاء الله، إنما كان ينتظر من السماء الخبر اليقين، كان موقفه موقف أي بشر، الشاهد من هذه القصة أنه أخذ يسأل الرسول عليه السلام من له صلة بالسيدة عائشة من النساء والجواري والأقارب كعلي .. إلى آخره، الشاهد أن الرسول دخل عليها فقال: يا عائشة، إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، فهل معنى ذلك لو أنها لا سمح الله وقعت في الفاحشة أنها ارتدت عن دينها، الجواب لا، إذاً أوِّل حديثك بأي تأويل لا يتنافى مع الأساطين هذه من الحقائق الشرعية التي لا خلاف بين المسلمين إلا الغلاة من الخوارج الذين يكفرون المسلم بارتكاب كبيرة من الكبائر. وأنا أنصح بهذه المناسبة أن المتمسكين اليوم أو الذين يدعون التمسك

بالكتاب والسنة عليهم أن يفهموا الكتاب والسنة على ما كان عليه سلفنا الصالح، وفي مقدمتهم عبد الله بن عباس ترجمان القرآن الذي كان له الفضل في تفتيح أذهان المسلمين لهذه الحقيقة الشرعية أن هناك كفر دون كفر، فقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، الواقع يشهد أن كثيراً ممن يحكمون سواءً كان حكمهم على أنفسهم أو على شعبهم أو على أمتهم، إنهم لا بد أن يكون كفرهم إما كفراً خروجاً عن الملة أو كفراً دون كفر، ذلك لما أشرت إليه آنفاً أن ما منا من أحد إلا وهو يعصي الله عز وجل، فهل نتصور أن كل عاص لا بد أن يكون كافراً كفر ردة، وهو في نفسه يعترف بأنه عصى الله، أو عصى رسول الله، يعترف في هذه الحقيقة وقد يستغفر حينما يستيقظ من غفلته هذا لا يقال إنه كفر كفر ردة، وإنما كفر كفراً دون كفر كما قالها عبد الله بن عباس، لهذا يجب أن نأخذ عقيدتنا من سلفنا الصالح؛ لأنهم هم الذين فهموا كتاب الله، وسنة رسول الله ونقلوا هذه المفاهيم الصحيحة إلينا، فلا يجوز لمسلم أن يركب رأسه اليوم لا سيما إذا كان في ابتداء طلبه للعلم، ويقول: أنا أفهم من آية كذا أنه هؤلاء الحكام مثلاً كلهم كفار مرتدون عن دينهم، وأنه يجب الخروج عليهم، وهو لا يستطيع الخروج على أهله، مش يخرج على الحكام، فعلى هذا ينبغي أن نفهم هذا الموضوع. الملقي: شيخنا بارك الله فيكم، أيضاً بس يعني شبهة في هذا الموضوع: لو كان هذا الإنسان يرتكب الكفر العملي هذا دأبه، أيضاً هذا يشمله أن لا نستطيع بأن نقول إنه كافر؟ الشيخ: نعم هو كذلك.

الملقي: لأنه مرتبط القلب مع الظاهر. الشيخ: نعم لا نستطيع. الملقي: جزاكم الله خير. الشيخ: إلا إذا عبر بلسانه كما قلت آنفاً. الملقي: بارك الله فيكم. الشيخ: والآن المسألة واضحة، رجل يقضي بالشرع مش بالقانون، لا بالنظم المستوردة، قاض يحكم بـ قال الله قال رسول الله، لكن في حكومةٍ ما اتبع هواه، أعطى الحق لغير أهله، هذا حكم بما أنزل الله؟ الملقي: لم يحكم. الشيخ: طيب، ماذا نقول فيه؟ ارتد عن دينه. الملقي: لا. الشيخ: ما ارتد عن دينه؟ الملقي: لا .. الشيخ: لا أنا ما أقول هكذا، انتبه. الملقي: إن كان وإن كان. الشيخ: أيوه، بارك الله، ماشي، طيب، نفترض الآن من شان أتوصل للإجابة عن سؤالك، إنه هذا الذي يتكرر منه المعصية ومخالفة الشرع، فزيد من الناس ممن يحكمون عادة بالكتاب والسنة، في حكومة ما حكم بغير الشرع، نقول: إن

استحل ذلك قلباً فقد كفر وارتد عن دينه، وإلا فكفره كفر دون كفر، إذا كان من هذا النوع الثاني، هذا القاضي كان حكمه الأول من النوع الثاني، أي: لم يرتد عن دينه؛ لأنه كفره كان كفراً عملياً، مرة أخرى بعد مسافة طويلة قصيرة مش مهم، مرة أخرى في قضية أخرى أيضاً اتبع هواه، وحكم بغير ما أنزل الله، أنقول إنه قد ارتد؟ الملقي: لا. الشيخ: طيب، أنقول: لم يرتد؟ هاه انتبه. الملقي: نركب القاعدة: كفر دون كفر. الشيخ: هذا هو. الملقي: جزاكم الله خيراً. الشيخ: هذا هو. طيب تصور بقى انته مهما تكرر هذا الفعل منه، الجواب لا يختلف أبداً، فإذاً لا فرق بين لم يتكرر، وبين تكرر، لا فرق بين تكرر قليلاً أو كثيراً، الضابط هو أن يستحل ذلك بقلبه أو لا؟ فمهما كان الحكم كثيراً، وهو في قرارة نفسه يقول: يا رب اغفر لي، فهذا ليس كافراً، هذا فاسق، هذا عاص لله عز وجل، في حكم واحد قال: يا أخي الزمن تغير والإسلام ما عاد يصلح للحكم إلى آخره، حكم واحد كفر وارتد عن دينه؛ لماذا؟ لأنه استحل مخالفة الشرع بقلبه. الملقي: كيف يحكم الناس عليه إن لم يقل؟ الشيخ: نحن الآن لسنا بارك الله فيك في صدد الناس، نحن في صدد من هو الكافر عند الله عز وجل، قد يكون هو كافر عند الله، ولا تستطيع أنت أن تحكم عليه بأنه كافر.

مداخلة: كحال المنافقين. الشيخ: هذا هو، ففي الإسلام الأول كان هناك منافقون. مداخلة: لعل الصورة أيضاً تزداد وضوحاً شيخنا. الشيخ: نعم. الملقي: إذا قلنا بأن رجلاً كافراً هو قاض من القضاة، ويقضي في الناس، وهذا الرجل أعجبه أن يقضي بنظام الإسلام أو بقضاء الإسلام، ولكنه كافر نصراني مثلاً، الشيخ: ما يفيده شيء الملقي: فأعجبه أن يقضي بنظامه فهل يصبح مثلاً هذا ينفعه. الشيخ: أبداً. الملقي: في شبهة يا شيخ. الشيخ: اسمعونه. الملقي: هي التي يعني يدندنون لها يقولون: فرق بين من قضى في قضية لهواه، وبين من نسف الشريعة جملةً وتفصيلاً، وجعل بدلاً منها القوانين. الشيخ: نعم. الملقي: هذا بدل الدين. وأما هذا لا. الشيخ: نعم، أنا لا أزال أقول: هذا الذي بدل إذا صح هذا التعبير، أي أقام القوانين مقام الشريعة الإسلامية كلها، تبنى القانوني الفرنسي أو السويسري أو أو إلى آخره، وأعرض عن الإسلام بالكلية، الجواب: هو ما سبق تماماً، إن كان يتبنى ذلك استحلالاً قلبياً وليس اتباعاً لهوىً، مثلاً محافظة على الكرسي، محافظة على

السلطة وعلى الرياسة وو ونحو ذلك، لكن الله عز وجل يعلم منه بأنه في قرارة قلبه يعترف بأنه مخطئ، نحن الآن أخونا أبو فارس آنفاً خلط شيئاً بشيء، نحن الآن بحثنا فيما يتعلق بإيمان المرء وكفره، وحسابه عند ربه، من هو الكافر عند الله، ومن ليس بالكافر سبق الكلام؟ الملقي: نعم. الشيخ: الآن الصورة التي تفضلت بها آنفاً، وهي شبه تذكر حقيقة، نحن نقول الحديث صريح: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما لم تروا كفراً بواحاً»، إذاً هؤلاء لو فرضنا أنهم في قرارة نفوسهم كفرهم كفر عملي وليس اعتقادي، لكن منعوا الناس من الصلاة والاجتماع في المساجد، وإقامة شعائر الدين والزكاة ونحو ذلك، هذا كفر بواح لنا أن نقاتلهم وحسابهم. الملقي: إلى الله. الشيخ: إلى الله، إذاً في فرق بين بين منزلة هذا الذي يحكم بغير ما أنزل الله عند الله فيأتي التفصيل السابق، أما من حيث لنا الخروج على هؤلاء الحكام أو ليس لنا الخروج، الجواب في الحديث، «ما لم تروا كفراً بواحاً»، فإذا رأينا هذا الكفر جاز لنا الخروج، لكن نحن نقول هنا: يجوز الخروج كما يجب الجهاد اليوم يجوز الخروج كما يجب الجهاد فهل نحن نجاهد اليوم؟ الجواب: لا، فهل إذا كنا لا نقوم بما يجب؟ هل نقوم بما يجوز؟ الملقي: لا. الشيخ: من باب أولى، لماذا لا نجاهد وهو فرض واجب علينا؛ لأننا لا نستطيع؛ إذاً نستطيع أن نخرج، نستطيع أن نخرج على حكامنا وهنا اليهود

بجوارنا؟! فإذاً يجب الفصل تماماً بين الحكم على شخص أو أشخاص بأنهم كفار عند الله فالضابط هو الاستحلال القلبي أو العملي، وبين هل لنا الخروج على هؤلاء الذين ظهر منهم الكفر البواح؟ الجواب: نعم لنا الخروج، لكن من الذي يخرج؟ هو الذي يجاهد، من الذي يجاهد؟ هو الذي يستطيع الجهاد ويعد العدة ويتخذ الأسباب التي نتكلم عنها دائماً وأبداً. فإذاً هنا لا يجوز الخلط بين هذا وبين هذا. الملقي: إذاً صار الخروج ليس أسلوباً شرعياً. الشيخ: نعم؟ الملقي: إذاً صار الخروج ليس أسلوباً شرعياً. الشيخ: راح يكون كذلك. الملقي: نعم. الشيخ: لأنه. مداخلة: وكذلك نستطيع نقول أن نقول يا شيخنا بارك الله فيكم أن الكفر البواح هو كمنعهم قيام الصلاة. الشيخ: أي نعم. الملقي: بارك الله فيكم. الشيخ: لكن أنا أدندن: لا يصلح أن يكون هذا عذراً مسوغاً لكثير من المسلمين المتحمسين الذين يخالفون الحكمة التي نكررها في كثير من المجالس وهي: من استعجل الشيء قبل أوانه؛ ابتلي بحرمانه، هذا مأخوذ من حديث:

«ولكنكم قوم تستعجلون» (¬1)، ولذلك فلا يجوز الاستعجال للقيام بما فرض الله من الجهاد قبل اتخاذ العدة الواجبة، سواءً كانت معنوياً أو مادياً. الملقي: بقي نقطة واحدة. الشيخ: تفضل. الملقي: هل يجب علينا أن نعتقد أن هذا القانون كفر أكبر، بحيث تعامل هذه الدولة على أنها ليست دولة إسلام؟ أو أنه كفر دون كفر كما تفضلت. الشيخ: هو كذلك. كفر دون كفر، خاصة إذا كان كما جاء في السؤال في أحكام شرعية في أحكام قانونية غير شرعية. الملقي: آه. مداخلة: شيخنا بارك الله فيكم، لو كان تبين للمسلمين أن هذا العمل الذي يعني يحق للمسلمين الخروج على حاكمهم أنه كفر اعتقادي؛ فكيف يكون خروجهم؟ بتنسيق مع العلماء مثلاً، كيف يكون الخروج يا شيخنا بارك الله فيك؟ الشيخ: الخروج بإعداد العدة للجهاد، فمن كان مستعداً للجهاد يخرج هذا الخروج وإلا فلا. "الهدى والنور" (751/ 40: 49: 00) و (752/ 15: 11: 00) و (752/ 31: 15: 00) و (752/ 10: 18: 00) و (752/ 24: 20: 00) ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم8578) بلفظ: «ولكنكم تستعجلون».

[593] باب تعريف الإلحاد وبيان حكمه

[593] باب تعريف الإلحاد وبيان حُكْمِهِ سؤال: ما هو الإلحاد وما حكمه في الدين؟ الشيخ: الإلحاد هو إنكار الدين. مداخلة: وحكمه؟ الشيخ: حكمه الخلود في نار جهنم. "الهدى والنور" (763/ 37: 20: 00) [594] باب تعريف دار الكفر ودار الإسلام سؤال: ما هو تعريف بلاد إسلام وبلاد كفر، وكيف تصير بلاد الإسلام بلاد كفر والعكس؟ الشيخ: هذه مسألة بلا شك عالجها الفقهاء المتقدمون، واختلفوا كما هو شأنهم في كثير من المسائل، ولم يستطيعوا أن يضعوا جواباً حاسماً للخلاف يمكن الاطمئنان إليه والاعتماد عليه، وأنا أقول: أي إقليم يغلب عليه المسلمون ولو كان حكامهم لا يحكمون بما أنزل الله كلاًّ أو بعضاً فذلك لا يضر ولا يخرج ذلك الشعب عن كونه شعباً مسلماً، ولا يجوز مقاتلته فيما لو كان هناك دولة إسلامية، لأنها أو لأنهم إذا دعوا إلى الإسلام فسوف يستجيبون له وينقلبون تماماً مع ذلك الداعي المسلم على الحكومة التي تحكم فيهم بغير ما أنزل الله، فإذاً: نحن لا نجعل الشعب المسلم بسبب حكم حكامهم بغير ما أنزل الله أنها غير إسلامية وأنه يجوز مقاتلتهم وفرض الأحكام التي تترتب على دار الحرب وليس على دار السلم.

هذا الذي نعتقده وندين الله تعالى به، والله أعلم لأنني قلت تحدثوا قديماً في هذه المسألة، وما ذكروا دليلاً حاسماً للموضوع، لكننا نحن نعلم الآن أن حَدِّثوا ما شئتم عن أي بلد، فالشعب الجزائري شعب مسلم، الشعب السوري شعب مسلم، الشعب الأردني كذلك وقيسوا على ذلك إلخ، لكن القوانين التي تطبق عليهم الكثير منها أو أكثرها هي ليست إسلامية، ذلك لا يجعل هذه الشعوب غير مسلمة تماماً كما قلت آنفاً، حزب البعث في سوريا لا يجعل المسلمين بعثيين، حزب البعث في العراق لا يجعل العراقيين غير مسلمين، ولذلك نفرق نحن بين الحاكم وبين المحكومين، وحينما نقول: يجب مناصرة الشعب العراقي فذلك لا يعني مطلقاً ... أنه يجب مناصرة الحزب البعثي أو مناصرة رئيس حزب البعث، ذلك لا يعني أنه يجوز مناصرته، لكن الشعب هو الذي يجب مناصرته. السائل: سؤالي بالضبط ليس هكذا، نحن نريد أن نعرف وأنا شخصياً قرأت أن ابن القيم رحمه الله رجح قول الجمهور على أن الدار التي تعلوها -إن كان صحيح- تعلوها أحكام إسلامية فهي دار إسلام، وقد استدلوا بخيبر خيبر أهلها كلهم أهل ذمة، وعندما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أَمَّرَ صحابة فأصبحت دار إسلام، لأنه تعلوها أحكام إسلامية، أما الدار التي تجري عليها نحن نعرف أن الأحكام التي تجري الآن هي اشتراكية أو قوانين وضعية، فالأحكام الدار التي تجري عليها الأحكام الوضعية هل هي دار إسلام أم دار كفر بغض البصر عن الشعوب؟ ... الشيخ: أنا أظن أجبت عن هذا فيما سبق آنفاً ولابد فيما يبدوا من الإعادة، ماذا يترتب من الأحكام حينما نقول: هذه الدار حرب ونقول: هذه دار إسلام، هذه دار حرب ما الذي يترتب عليها من الأحكام، أليس أول ذلك مقاتلتها؟

السائل: نعم. الشيخ: أنا تعرضت للجواب عن هذا الإشكال أو هذا السؤال، عندما قلت: لو كان هناك دولة مسلمة تطبق شريعة الله، فهل تقاتل الشعب الجزائري أو السوري؟ قل لي بناء على ما ذكرت من النقل عن ابن القيم وابن تيمية. السائل: أعد بارك الله فيك. الشيخ: أقول: إذا قلت آنفاً وأعيد ما قلته آنفاً: إذا كان فرضنا أنه يوجد أو سيوجد يوماً ما - وهذا لابد منه - دولة تحكم بما أنزل الله، هل هذه الدولة هي ستقاتل الشعب السوري ويصل إلى كل الشعوب الأخرى التي على البحر المتوسط ومنها الجزائر ومنها ليبيا وما أدراك ما ليبيا وتونس وما أدراك ما تونس هل هذه الشعوب إسلامية أم غير إسلامية؟ الجواب: إسلامية، هل هذه الدول تحكم بما أنزل الله؟ الجواب: لا، فإذاً: هذه الدولة التي افترضناها أنها ستكون تحكم بما أنزل الله تقاتل هذه الشعوب المسلمة؟ السائل: ولكن يا شيخ .. الشيخ: لا لا عفواً، أنت لا يخفاك قولي، «ولكن» للاستدراك، على ماذا تستدرك؟ ما قلت شيئاً لتستدرك عليه أنت، فأنت أجب على سؤالي. ءالسائل: أي نعم سأجيب على سؤالك إن شاء الله. الشيخ: تفضل. السائل: يا شيخ الآن نحن عند عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يحكموننا بالظاهر.

[595] باب في مصطلح «جاهلية القرن العشرين»

الشيخ: ما أجبتني. يا شيخ أنت قل: نعم قل: لا، ثم اشرح ما شئت. السائل: لا يا شيخ، بطبيعة الحال لا يقاتلون الشعوب الإسلامية. الشيخ: لكن هذا هو لازم القول الذي نقلته آنفاً، ولذلك أنا أحرص أن يكون جواباً مختصراً حتى ما ندخل في متاهات نحن في غنى عنها، فما دام تقول الآن: أن هذه الدولة التي تحكم بما أنزل الله لا تقاتل هذه الشعوب المسلمة، إذاً: كيف ينطبق عليها ذلك التعريف؟ والتعريف صادق فيها، أليس كذلك؟ التعريف الذي نقلته صادق منطبق على هذه الشعوب، لأن الذي عليهم من الحكام لا يحكمون بشريعة الإسلام، إذاً: كيف نوفق، صار فيه ناقض ومنقوض، صار فيه ليل ونهار، صار في حق وباطل، فلابد من التفريق بينهما. أنا أعتقد التفريق هو ما قلت لك آنفاً. "الهدى والنور" (467/ 30: 46: 00) [595] باب في مصطلح «جاهلية القرن العشرين» [سئل الإمام]: تناول الداعية «سيد قطب» رحمه الله مصطلحاً متداولاً بكثرة في إحدى المدارس الإسلامية التي يمثلها، ألا وهو مصطلح «جاهلية القرن العشرين». فما مدى الدقة والصواب في هذه العبارة؟ وما مدى التقائها مع الجاهلية القديمة وفقاً لتصوركم؟ فأجاب رحمه الله: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله آله وصحبة ومن والاه وبعد:

الذي أراه أن هذه الكلمة «جاهلية القرن العشرين» لا تخلو من مبالغة في وصف القرن الحالي "القرن العشرين" فوجود الدين الإسلامي في هذا القرن، وإن كان قد دخل فيه ما ليس منه يمنعنا من القول بأن هذا القرن يمثل جاهليةً كالجاهلية الأولى. فنحن نعلم أن الجاهلية الأولى، إن كان المعني بها العرب فقط فهم كانوا وثنيين وكانوا في ضلال مبين، وإن كان المعني بها ما كان حول العرب من أديان كاليهودية والنصرانية فهي أديان محرفة، فلم يبق في ذلك الزمان دين خالص منزه عن التغير والتبديل، فلا شك في أن وصف الجاهلية على ذلك العهد وصف صحيح، وليس الأمر كذلك في قرننا هذا ما دام أن الله تبارك وتعالى قد مَنَّ على العرب أولاً ثم على سائر الناس ثانياً بأن أرسل إليهم محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - خاتم النبيين وأنزل عليه دين الإسلام وهو خاتم الأديان وتعاهد الله عز وجل بحفظ شريعته هذه بقوله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ونبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أخبر أن الأمة الإسلامية وإن كان سيصيبها شيء من الانحراف الذي أصاب الأمم من قبلهم في مثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذارع، حتى لو دخلوا جحر ضرب لدخلتموه قالوا من هم يا رسول الله اليهود والنصارى؟ فقال عليه الصلاة والسلام فمن الناس» (¬1) أقول وإن كان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أخبر بهذا الخبر المفيد أن المسلمين سينحرفون إلى حد كبير ويقلدون اليهود والنصارى في ذلك الانحراف لكن عليه الصلاة والسلام في الوقت نفسه قد بشر أتباعه بأنهم سيبقون على خطة الذي رسمه لهم فقال عليه الصلاة والسلام في حديث التفرقة: وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة قال عليه الصلاة والسلام كلها في النار إلا واحدة، قالوا: «ما هي يا رسول الله» قال: «هي الجماعة»، وفي رواية قال «هي التي ¬

(¬1) البخاري (رقم3269) ومسلم (رقم6952) ..

تكون على ما أنا عليه وأصحابي» وأكد ذلك، عليه الصلاة والسلام، في قوله في الحديث المتفق عليه بين الشيخين «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله» فإذن لا تزال في هذه الأمة جماعة مباركة طيبة قائمة على هدي الكتاب والسنة فهي أبعد ما تكون عن الجاهلية القديمة أو الحديثة، ولذلك فإن الذي أراه أن إطلاق الجاهلية على القرن العشرين فيه تسامح قد يوهم الناس بأن الإسلام كله قد انحرف عن التوحيد وعن الإخلاص في عبادة الله عز وجل انحرافًا كلياً، فصار هذا القرن، القرن العشرين، كقرن الجاهلية الذي بُعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وصحبه إلى إخراجه من الظلمات إلى النور حينئذ، هذا الاستعمال أو هذا الإطلاق يحسن تقييده في الكفار أولاً الذين -كما قال تعالى في شأنهم - {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِاليَوْمِ الآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}. وصف القرن العشرين بالجاهلية إنما ينطبق على غير المسلمين الذي لم يتبعوا الكتاب والسنة ففي هذا الإطلاق إيهام بأنه لم يبق في المسلمين خير، وهذا خلاف ما سبق بيانه من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المبشرة ببقاء طائفة من الأمة على الحق ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء ... قالوا من هم يا رسول الله» جاء الحديث على روايات عدة في بعضها يقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - واصفاً الغرباء: «هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي» (¬1) وفي رواية أخرى (¬2)، قال عليه الصلاة ¬

(¬1) ضعف الجامع (رقم1441). (¬2) صحيح الجامع (رقم7368).

[596] باب قد تطلق الجاهلية ويراد النسبية

والسلام: «هم أناس قليلون صالحون بين أناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» فلذلك لا يجوز هذا الإطلاق في العصر الحاضر على القرن كله لأن فيه - والحمد الله - بقية طيبة لا تزال على هدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعلى سنته وستظل كذلك حتى تقوم الساعة. ثم إن في كلام سيد قطب رحمه الله وفي بعض تصانيفه مما يشعر الباحث أنه كان قد أصابه شيء من التحمس الزائد للإسلام في سبيل توضيحه للناس. ولعل عذره في ذلك أنه كان يكتب بلغة أدبية؛ ففي بعض المسائل الفقهية، كحديثه عن حق العمل في كتاب «العدالة الاجتماعية» أخذ يكتب بالتوحيد وبعبارات كلها قوية تحيي في نفوس المؤمنين الثقة بدينهم وإيمانهم فهو من هذه الخلفية في الواقع قد جدّد دعوة الإسلام في قلوب الشباب وإن كنا نلمس أحياناً أن له بعض الكلمات تدل على أنه لم يساعده وقته على أن يحرر فكره من بعض المسائل التي كان يكتب حولها أو يتحدث فيها، فخلاصة القول: إن إطلاق هذه الكلمة في العصر الحاضر لا يخلو من شيء من المبالغة التي تدعو إلى هضم حق الطائفة المنصورة وهذا ما عنَّ في البال فذكرته. "حياة الألباني" (1/ 391 - 394) [596] باب قد تطلق الجاهلية ويراد النسبية عن عكرمة: {وَكَأْسًا دِهَاقًا} (النبأ:34). قال ملأى متتابعة. قال: وقال ابن عباس: سمعت أبي يقول في الجاهلية اسقنا كأسا دهاقا. رواه البخاري. [نقل الإمام شرح ابن حجر لقول ابن عباس "في الجاهلية" مقررًا فقال]:

[597] باب كيف الجمع بين قوله تعالى: «لا إكراه في الدين» وقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس ... »

أي وقع سماعي لذلك منه في الجاهلية، والمراد بها جاهلية نسبية لا المطلقة، لأن ابن عباس لم يدرك ما قبل البعثة بل لم يولد إلا بعد البعث بنحو عشر سنين، فكأنه أراد أنه سمع العباس يقول ذلك قبل أن يسلم. "فتح". "مختصر صحيح البخاري" (2/ 532). [597] باب كيف الجمع بين قوله تعالى: «لا إكراه في الدين» وقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس ... » السائل: بالنسبة لقول الله تبارك وتعالى: {لا إِكْرَاهَ في الدِّينِ} (البقرة: 256)، وقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله»، فكيف نجمع بين الآية والحديث؟ الشيخ: ألا تعلم أن هناك ثلاثة أحكام في الشرع، إما الإسلام، وإما الجزية عن يد وهم صاغرون، وإما القتال، تعرف هذا؟ السائل: نعم، أعرف. الشيخ: فإذاً لا تقف عند حديث واحد, خذ الأحكام مجموعة من الأحاديث, فإذا كنت تعلم أن هناك جزية ومعنى ذلك أن الكافر يبقى على دينه, فلا يتعارض حينئذ مع قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ في الدِّينِ} (البقرة: 256)، إنما يكره على دفع الجزية إذا اختار البقاء على دينه، واضح؟ السائل: نعم الشيخ: فإذاً، لا تعارض. "الهدى والنور" (442/ 48: 28: 00)

[598] باب تعريف المنافق وعلامات نفاقه

[598] باب تعريف المنافق وعلامات نفاقه [قال الإمام]: [المنافقون] هم الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، وإنما يتبين كفرهم بما يترشح من كلماتهم في الغمز في بعض أحكام الشريعة واستهجانها، وزعمهم أنها مخالفة للعقل والذوق! وقد أشار إلى هذه الحقيقة ربنا تبارك وتعالى في قوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُم، وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُم} (محمد:29، 30) وأمثال هؤلاء المنافقين كثير في عصرنا، والله المستعان. "تلخيص أحكام الجنائز" (ص48). [599] باب هل يحكم على أعيان الناس الذين لا يشهدون صلاة الفجر أو العصر في جماعة بالنفاق؟ سؤال: بالنسبة لمن يحكم على من يتخلف عن صلاة الفجر أو صلاة العصر بالنفاق، نفاقاً عينيًّا يعني يذكر أنت منافق بسبب عدم حضورك لهاتين الصلاتين، فما أدري يا شيخ حكم هذا مع نصيحتك لمن يعني يرمي؟ الشيخ: مع نصيحة لمن؟ مداخلة: لمن يرمي الأخ. الشيخ: طبعاً الحديث في ذلك يعني معروف في السنة أن صلاة العشاء وصلاة الفجر هي أشد الصلوات على المنافقين، لكن الحكم على زيد من الناس شخص معين بأنه منافق فلا نراه جائزاً، إلا إذا ثبت ثبوتاً جازماً بأنه لا عذر له،

[600] باب الغناء ينبت النفاق في القلب

وحينئذ فلا تكون المعالجة بإطلاق لفظة المنافق عليه، وإنما بتذكيره وبنصيحته المرة بعد المرة والكرة بعد الكرة، فإذا تبين أنه لا يستجيب لتذكير المذكرين ولنصيحة الناصحين فلا شك والحالة هذه أنه يجوز أن يطلق عليه لفظ المنافق ما دام انتفى أن يكون له عذر شرعي، لأنه يدخل حينذاك في عموم قول الشاعر الفقيه، أو الفقيه الشاعر حيث قال: القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومعرف ومحذر ومجاهر فسقاً ومستفتٍ ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر هذا هو الجواب عن السؤال الأخير، والحمد لله رب العالمين. "الهدى والنور" (307/ 17: 03: 00) [600] باب الغناء ينبت النفاق في القلب [قال الإمام في معرض الكلام على حكمة تحريم الغناء]: ومن الآثار السلفية الدالة على حكمة التحريم: أولاً: عن ابن مسعود قال: «لغناء ينبت النفاق في القلب». [ثم بين الإمام صحة الأثر ثم قال]: وقد روي مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لكن في إسناده كذاب ولذلك خرجته في «الضعيفة» رقم (6515). (فائدة): قال ابن القيم رحمه الله عقب أثر ابن مسعود المتقدم (1/ 248): فإن قيل: فما وجه إنباته للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي؟ قيل: هذا من أدل شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأعمالها،

ومعرفتهم بأدويتها وأدوائها، وأنهم هم أطباء القلوب دون المنحرفين عن طريقتهم، الذين داووا أمراض القلوب بأعظم أدوائها، فكانوا كالمداوي من السقم بالسم القاتل، وهكذا والله فعلوا بكثير من الأدوية التي ركبوها، أو بأكثرها، فاتفق قلة الأطباء، وكثرة المرضى، وحدوث أمراض مزمنة لم تكن في السلف، والعدول عن الدواء النافع الذي ركبه الشارع، وميل المريض إلى ما يقوي مادة المرض، فاشتد البلاء، وتفاقم الأمر، وامتلأت الدور والطرقات، والأسواق من المرضى، وقام كل جهول يطبب الناس. فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء. فمن خواصه: أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن، وتدبره، والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً لما بينهما من التضاد؛ فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان، فإنه صنو الخمر ورضيعه، ونائبه وحليفه، وخدينه وصديقه، عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذي لا يفسخ، وأحكم بينهما شريعة الوفاء التي لا تنسخ، وهو جاسوس القلب، وسارق المروءة، وسوس العقل، يتغلغل في مكامن القلوب، ويطلع على سرائر الأفئدة، ويدب إلى محل التخيل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة، والسخافة والرقاعة، والرعونة والحماقة، فبينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة

القرآن، فإذا استمع الغناء ومال إليه نقص عقله وقل حياؤه، وذهبت مروءته وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله تعالى، إيمانه وثقل عليه قرآنه وقال: يا رب لا تجمع بيني وبين قرآن عدوك في صدر واحد، فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه، وأبدى من سره ما كان يكتمه، وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب والزهزهة والفرقعة بالأصابع، فيميل برأسه، ويهز منكبيه، ويضرب الأرض برجليه، ويدق على أم رأسه بيديه، ويثب وثبات الدباب، ويدور دوران الحمار حول الدولاب، ويصفق بيديه تصفيق النسوان، ويخور من الوجد ولا كخوار الثيران، وتارة يتأوه تأوه الحزين، وتارة يزعق زعقات المجانين، ولقد صدق الخبير به من أهله حيث يقول: أتذكر ليلة وقد اجتمعنا على ... طيب السماع إلى الصباح؟ ودارت بيننا كأس الأغاني ... فأسكرت النفوس بغير راح فلم تر فيهم إلا نشاوى سروراً ... والسرور هناك صاحي إذا نادى أخو اللذات فيه ... أجاب اللهو حي على السماح ولم نملك سوى المهجات شيئاً ... أرقناها لألحاظ الملاح وقال بعض العارفين: السماع يورث النفاق في قوم، والعناد في قوم، والكذب في قوم، والفجور في قوم، والرعونة في قوم ... إلى أن قال: فالغناء يفسد القلب، وإذا فسد القلب هاج في النفاق. وبالجملة فإذا تأمل البصير حال أهل الغناء وحال أهل الذكر والقرآن تبين لهم حذق الصحابة ومعرفتهم بأدواء القلوب وأدويتها، وبالله التوفيق. «تحريم آلات الطرب» (ص145 - 151).

[601] باب هل صلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على رأس المنافقين؟

[601] باب هل صلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على رأس المنافقين؟ سؤال: هل صلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول؟ الشيخ: هل صلى على رأس المنافقين؟ هو صلى، والقصة معروفة بينه وبين سيدنا عمر رضي الله عنه، حتى نزلت الآية بالنهي عن الصلاة على المنافقين. "الهدى والنور" (56/ 05: 21: 00)

جماع أبواب الكلام على حكم تارك الصلاة -غير ما تقدم-

جماع أبواب الكلام على حكم تارك الصلاة -غير ما تقدم-

[602] باب حديث الشفاعة وأنها تشمل تاركي الصلاة من المسلمين

[602] باب حديثُ الشفاعة وأنَّها تشملُ تاركي الصلاةِ منَ المسلمين [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إذا خَلصَ المؤمنونَ من النار وأَمِنُوا؛ فـ[والذي نفسي بيده!] ما مُجَادَلَةُ أحَدِكُم لصاحبِهِ في الحقِّ يكون له في الدنيا بأشدِّ من مجادلة المؤمنين لربِّهم في إخوانِهِمُ الذين أُدْخِلُوا النار. قال: يقولون: ربَّنا:! إخوانُنَا كانوا يصلُّون معنا؛ ويصومون, معنا؛ ويحُجُّون معنا؛ [ويُجاهدون معنا]؛ فأدخلتَهم النار. قال: فيقولُ: اذهَبُوا فأخرِجُوا من عَرَفْتُم منهم؛ فيأتُونهم؛ فَيَعْرفونَهُم بِصُورِهم؛ لا تأكلُ النار صُوَرَهُم؛ [لم تَغْشَ الوَجْهَ]؛ فَمِنْهم من أَخَذتْهُ النارُ إلى أنصافِ ساقَيْهِ؛ ومنهم من أخذته إلى كَعْبَيْه (¬1) [فَيُخرِجُونَ مِنْها بشراً كثيراً]؛ فيقولون: ربَّنا! قد أَخْرَجنا مَنْ أَمَرتنا. قال: ثم [يَعُودون فيتكلمون فـ] يقولُ: أَخْرِجُوا من كان في قلبهِ مِثقالُ دينارٍ من الإيمانِ. [فيُخرِجُون خلقاً كثيراً]، ثم [يقولون: ربَّنا! لم نَذَرْ فيها أحداً ممن أَمَرتَنا. ثم يقول: ارجعوا، فـ] من كان في قلبه وزنُ نصف دينارٍ [فأًخْرِجُوهُ. فيُخرِجونَ خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربَّنا! لم نَذَرْ فيها ممن أمرتنا ... ]؛ حتى يقول: أخرِجُوا من كان في قلبه مثقال ذَرَّةٍ. [فيخرجون خلقاً كثيراً]، قال أبو سعيد: فمن لم يُصّدِّقْ بهذا الحديث فليَقْرَأْ هذه الآية: {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء:40)؛ قال: فيقولون: ربنا! قد أَخْرَجْنا ¬

(¬1) الأصل: " كفيه" وعلى الهامش: "في "مسلم": ركبتيه". قلت: والتصويب من "المسند"، و"النسائي"، وابن ماجة ".وفي "البخاري": "قدميه " وفي رواية مسلم سويد بن سعيد؛ وهو متكلم فيه. [منه].

من أمرتنا؛ فلم يَبْقَ في النار أحدٌ فيه خيرٌ. قال: ثم يقول الله: شفعَتِ الملائكة؛ وشَفَعَتِ الأنبياء؛ وشَفَعَ المؤمنون؛ وبَقِيَ أرحم الراحمين قال: فَيَقْبضُ قبضةً من النار- أو قال: قَبْضَتَينِ - ناساً لم يعملوا خيراً قَطُّ؛ قد احتَرَقُوا حتى صاروا حُمَماً. قال: فَيُؤْتَى بهم إلى ماء يُقالُ له: (الحياةُ)؛ فَيُصَبُّ عليهم؛ فَيَنْبُتُونَ كما تَنْبُتُ الحبَّةُ في حَمِيلِ السَّيلِ؛ [قد رَأَيْتُمُوها إلى جانب الصخرة؛ وإلى جانب الشجرة؛ فما كان إلى الشمس منها كان أخضر؛ وما كان منها إلى الظلِّ كان أبيض]؛ قال: فَيَخْرُجُونَ من أجسادِهِم مِثلَ اللؤلؤِ؛ وفي أعناقهم الخاتمُ؛ (وفي رواية: الخواتِمُ): عُتَقاءُ الله. قال: فيُقالُ لَهُمُ: ادخلوا الجنة؛ فما تمنَّيتمُ وَرَأيتُم من شيءٍ فهو لكُم [ومِثلُهُ مَعَهُ]. [فيقول أهل الجنة: هؤلاء عُتقاءُ الرحمن أَدْخَلَهُمُ الجنة بغيرِ عملٍ عَمِلُوهُ؛ ولا خيرٍ َقدَّمُوهُ]. قال: فيقولون: ربَّنا! أَعَطَيْتَنا ما لم تُعطِ أحداً من العالمين. قال: فيقول: فإن لكم عندي أفْضَلَ منه. فيقولون: ربَّنا! وما أَفْضَلُ من ذلكَ؟ [قال:] فيقولُ: رِضائي عَنْكُم؛ فلا أَسْخَطُ عليكم أبداً». [قال الإمام]: أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (11/ 409 - 411): أخبرنا معمر عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ... فذكره. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (3/ 94)، والنسائي (2/ 270)، وابن ماجة (رقم 60)، والترمذي (2598) - مختصراً-، وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 184و201و212)؛ وابن نصر المروزي في (تعظيم قدرالصلاة رقم:276) وتابعه محمد بن ثور عن معمر به؛ لم يسق لفظه؛ وإنما قال: بنحوه. يعني: حديث هشام بن سعد الآتي تخريجه.

أخرجه أبو عوانة. وتابعه سعيد بن هلال عن زيد بن أسلم به أتم منه؛ وأوله: " هل تضارُّون في رؤية الشمس والقمر .. " الحديث بطوله. أخرجه البخاري (7439)، ومسلم (1/ 114 - 117)، وابن خزيمة أيضاً (ص201) وابن حبان (333 - الإحسان). وحفص بن ميسرة عن زيد: أخرجه مسلم (1/ 114 - 117)، وكذا البخاري (4581)؛ لكنه لم يسقه بتمامه؛ وكذا أبو عوانة (1/ 168 - 169). وهشام بن سعد عنه: أخرجه أبو عوانة (1/ 181 - 183) بتمامه؛ وابن خزيمة (ص200)؛ والحاكم (4/ 582 - 584) وصححه، وكذا مسلم (1/ 117)؛ إلا أنه لم يسق لفظه، وإنما أحال به على لفظ حديث حفص بن ميسرة نحوه. وتابع عطاء (¬1): سليمان بن عمرو بن عبيد العتواري- أحد بني ليث، وكان في حجر أبي سعيد- قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول ... فذكره نحوه مختصراً، وفيه الزيادة الثالثة. أخرجه أحمد (3/ 11 - 12)، وابن خزيمة (ص 211)، وابن أبي شيبة في "المصنف " (13/ 176/16039)، وعنه ابن ماجه (4280)، وابن جرير في "التفسير" (16/ 85)، ويحيى بن صاعد في "زوائد الزهد" (ص 448/ 1268)، والحا كم (4/ 585) وقال: "صحيح الإسناد على شرط مسلم "! وبيض له الذهبي، وإنما هو حسن فقط؛ لأن فيه محمد بن إسحاق، وقد صرح بالتحديث. أقول- بعد تخريج الحديث هذا التخريج الذي قد لا تراه في مكان آخر، ¬

(¬1) ووقع في رسالتي، حكم تارك الصلاة" (ص 31 - المطبوعة): "وتابع زيداً" وهو سهو وسبقُ قَلَم. [منه].

وبيان أنه متفق عليه بين الشيخين وغيرهما من أهل" الصحاح " و" السنن" و" المسانيد"-:فيه فوائد جمة عظيمة؛ منها شفاعة المؤمنين الصالحين في إخوانهم المصلين الذين أدخلوا النار بذنوبهم، ثم في غيرهم ممن هم دونهم على اختلاف قوة إيمانهم. ثم يتفضل الله تبارك وتعالى على من بقي في النار من المؤمنين، فيخرجهم من النار بغير عمل عملوه؛ ولا خير قدموه. ولقد توهم بعضهم أن المراد بالخير المنفي تجويز إخراج غير الموحدين من النار! قال الحافظ في "الفتح" (13/ 429): «ورد ذلك بأن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين؛ كما تدل عليه بقية الأحاديث». قلت: منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث أنس الطويل في الشفاعة أيضاً: «فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع. فأقول: يا رب! ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله. فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله». متفق عليه، وهو مخرج في "ظلال الجنة" (2/ 296/ رقم: 828). وفي طريق أخرى عن أنس رضي الله عنه: « .. وفرغ الله من حساب الناس، وأدخل من بقي من أمتي النار، فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله عز وجل لا تشركون بالله شيئاً؟ فيقول الجبار عز وجل: فبعزتي لأعتقنهم من النار. فيرسل إليهم فيخرجون وقد امتحشوا، فيدخلون في نهر الحياة، فينبتون .. » الحديث. أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في "الظلال " تحت الحديث (844)، وله فيه شواهد (842 - 843)، وفي "الفتح " (11/ 455) شواهد

أخرى. وفي الحديث رد على استنباط ابن أبي جمرة من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه: "لم تغش الوجه "، ونحوه الحديث الآتي بعده: "إلا دارات الوجوه ": أن من كان مسلماً ولكنه كان لايصلي لايخرج؛ إذ لا علامة له! ولذلك تعقبه الحافظ بقوله (11/ 457): " لكن يحمل على أنه يخرج في القبضة؛ لعموم قوله: " لم يعملوا خيراً قط "؛ وهو مذكور في حديث أبي سعيد الآتي في (التوحيد) "، يعني هذا. وقد فات الحافظ رحمه الله أن في الحديث نَفْسِهِ تعقباً على ابن أبي جمرة من وجه آخر؛ وهو أن المؤمنين كما شفعهم الله في إخوانهم المصلين والصائمين وغيرهم في المرة الأولى، فأخرجوهم من النار بالعلامة، فلما شُفِّعوا في المرات الأخرى، وأخرجوا بشراً كثيراً؛ لم يكن فيهم مصلون بداهة، وإنما فيهم من الخير كل حسب إيمانه. وهذا ظاهر جداً لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى. وعلى ذلك؛ فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة- إذا مات مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله- لا يخلد في النار مع المشركين، ففيه دليل قوي جداً أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى في قوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} (النساء:48)، وقد روى الإمام أحمد في "مسنده " (6/ 240) حديثاً صريحاً في هذا من رواية عائشة رضي الله عنها مرفوعاً بلفظ: «الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة .. » الحديث، وفيه: «فأما الديوان الذي لا يغفره الله؛ فالشرك بالله، قال الله عز وجل: {مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} (المائدة:72). وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً؛ فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه؛ من صوم يوم تركه؛ أو صلاة تركها؛ فإن الله عز وجل يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء .. " الحديث. وقد صححه الحاكم (4/ 576)، وهذا وإن كان غير مُسَلْمٍ عندي - لما بينته في "تخريج شرح الطحاوية" (رقم: 384) -؛ فإنه يشهد له هذا الحديث

الصحيح: حديث الترجمة. فتنبه. إذا عرفت ما سلف يا أخي المسلم! فإن عجبي حقاً لا يكاد ينتهي من إغفال جماهير المؤلفين الذين توسعوا في الكتابة في هذه المسألة الهامة؛ ألا وهي: هل يكفر تارك الصلاة كسلاً أم لا؟ لقد غفلوا جميعاً- فيما اطلعت- عن إيراد هذا الحديث الصحيح مع اتفاق الشيخين وغيرهما على صحته، لم يذكره من هو حجة له، ولم يجب عنه من هو حجة عليه، وبخاصة منهم الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، فإنه مع توسعه في سوق أدلة المختلفين في كتابه القيم: "الصلاة"، وجواب كل منهم عن أدلة مخالفه؛ فإنه لم يذكر هذا الحديث في أدلة المانعين من التكفير؛ إلا مختصراً اختصاراً مخلاً لا يظهر دلالته الصريحة على أن الشفاعة تشمل تارك الصلاة أيضاً، فقد قال رحمه الله: "وفي حديث الشفاعة: "يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله ". وفيه: "فيخرج من النار من لم يعمل خيراً قط ... ". قلت: وهذا السياق ملفق من حديثين؛ فالشطر الأول هو في آخر حديث أنس المتفق عليه؛ وقد سبق أن ذكرت (ص 131) الطرف الأخير منه؛ والشطر الآخر هو في حديث الترجمة: " فيقبض قبضة من النار ناساً لم يعملوا لله خيراً قط ... ". وأما أن اختصاره اختصار مخل؛ فهو واضح جداً إذا تذكرت أيها القارئ الكريم ما سبق أن استدركته على الحافظ (ص132) متمماً به تعقيبه على ابن أبي جمرة؛ مما يدل على أن شفاعة المؤمنين كانت لغير المصلين في المرة الثانية وما بعدها؛ وأنهم أخرجوهم من النار؛ فهذا نص قاطع في المسألة؛ ينبغي أن يزول به النزاع في هذه المسألة بين أهل العلم الذين تجمعهم العقيدة الواحدة؛ التي منها: عدم تكفير أهل الكبائر من الأمة المحمدية؛ وبخاصة في هذا الزمان الذي توسع

فيهم بعض المنتمين إلى العلم في تكفير المسلمين؛ لإهمالهم القيام بما يجب عليهم عمله مع سلامة عقيدتهم؛ خلافاً للكفار الذين لا يصلون تديناً وعقيدة؛ والله سبحانه وتعالى يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون} (القلم:35، 36)؟! لما تقدم كنت أحب لابن القيم رحمه الله أن لا يغفل ذكر هذا الحديث الصحيح كدليل صريح للمانعين من التكفير؛ وأن يجيب عنه إن كان لديه جواب؛ وبذلك يكون قد أعطى البحث والإنصاف للفريقين دون تحيز لفئة. نعم؛ إنه لممّا يجب علي أن أنوه به أنه عقد فصلاً خاصاً " في الحكم بين الفريقين؛ وفصل الخطاب بين الطائفتين "؛ يساعد الباحث على تفهم نصوص الفريقين؛ فهماً صحيحاً؛ فإنه حقق فيه تحقيقاً رائعاً ما هو مسلم به عند العلماء؛ أنه ليس كل كفر يقع فيه المسلم يخرج به من الملة. فمن المفيد أن أقدم إلى القارىء فقرات أو خلاصات من كلامه تدل على مرامه؛ ثم أعقب عليه بما يلزم مما يلتقي مع هذا الحديث الصحيح؛ ويؤيد المذهب الرجيح. لقد أفاد رحمه الله أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود واعتقاد. وأن كفر العمل ينقسم إلى ما يضاد الإيمان، وإلى ما لا يضاده، فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه؛ يضاد الإيمان. وأما الحكم بغير ما أنزل الله، وترك الصلاة؛ فهو من الكفر العملي قطعاً. (قلت: قد يكون ذلك من الكفر الاعتقادي أحياناً، وذلك إذا اقترن به ما يدل على فساد عقيدته؛ كاستهزائه بالصلاة والمصلين، وكإيثاره القتل على أن يصلي إذا دعاه الحاكم إليها، كما سيأتي، فتذكر هذا؛ فإنه مهم. ثم قال:) ولا يمكن أن يُنفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه؛ ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد.

وقد نفى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الإيمان عن الزاني، والسارق، وشارب الخمر، وعمن لا يأمن جاره بوائقه، وإذا نفى عنه اسم الإيمان؛ فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد. (قلت: لكني أرى أنه لا يصح أن يطلق على أمثال هؤلاء لفظة الكفر؛ فيقال مثلاً: من زنى فقد كفر، فضلاً عن أنه لا يجوز أن يقال: فهو كافر، حتى على تارك الصلاة وعلى غيره ممن وصف في الحديث بالكفر، وقوفاً مع النص- ودفعاً لإيهام الوصف بالكفر الاعتقادي-، ومن باب أولى أن لا يقال: كافر حلال الدم! قال بعد أن ذكر الحديث الصحيح: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"): ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية؛ كما لا يخرج الزاني والشارب من الملة، وإن زال عنه اسم الإيمان. وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله، وبالإسلام والكفر ولوازمهما. ثم ذكر الأثر المعروف عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون} (المائدة:44): ليس بالكفر الذي تذهبون إليه. (قلت: زاد الحاكم: إنه ليس كفراً ينقل عن الملة، كفر دون كفر. وصححه هو (2/ 313) والذهبي. وهذا قاصمة ظهر جماعة التكفير وأمثالهم من الغلاة. ثم قال ابن القيم رحمه الله): والمقصود أن سلب الإيمان عن تارك الصلاة أولى من سلبه عن مرتكب الكبائر، وسلب اسم الإسلام عنه أولى من سلبه عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده، فلا يسمى تارك الصلاة مسلماً ولا مؤمناً؛ وإن كان معه

شعبة من شعب الإسلام والإيمان. (قلت: نفي التسمية المذكورة عن تارك الصلاة فيه نظر؛ فقد سمى الله تعالى الفئة الباغية بالمؤمنة في الآية المعروفة: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ... } (الحجرات:9) مع قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث المتقدم: «وقتاله كفر»، فكما لم يلزم من وصف المسلم الباغي بالكفر نفي اسم المؤمن عنه فضلاً عن اسم المسلم، فكذلك تارك الصلاة؛ إلا إن كان يقصد بذلك أنه مسلم كامل، وذلك بعيد. قال): نعم، يبقى أن يقال: فهل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود في النار؟ فيقال: ينفعه إن لم يكن المتروك شرطاً في صحة الباقي واعتباره، وإن كان المتروك شرطاً في اعتبار الباقي لم ينفعه. فهل الصلاة شرط لصحة الإيمان؟ هذا سر المسألة. (قلت: ثم أشار إلى الأدلة التي كان ذكرها للفريق الأول المكفر، ثم قال:) وهي تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة. (فأقول: يبدو لي جلياً أن ابن القيم رحمه الله بعد بحثه القيم في التفريق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي، وأن المسلم لا يخرج من الملة بكفر عملي؛ لم يستطع أن يحكم للفريق المكفر بترك الصلاة؛ مع الأدلة الكثيرة التي ساقها لهم؛ لأنها كلها لا تدل إلا على الكفر العملي. ولذلك لجأ أخيراً إلى أن يتساءل: هل ينفعه إيمانه؟ وهل الصلاة شرط لصحة الإيمان؟ وإن كل من تأمل في جوابه على هذا التساؤل يلاحظ أنه حاد عنه إلى القول بأن الأعمال الصالحة لا تقبل إلا بالصلاة، فأين الجواب عن كون الصلاة شرطاً لصحة الإيمان؟ أي: ليس فقط شرط كمال؛ فإن الأعمال الصالحة كلها شرط

كمال عند أهل السنة؛ خلافاً للخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد أهل الكبائر في النار؛ مع تصريح الخوارج بتكفيرهم، فلو قال قائل بأن الصلاة شرط لصحة الإيمان، وأن تاركها مخلد في النار؛ فقد التقى مع الخوارج في بعض قولهم هذا، وأخطر من ذلك أنه خالف حديث الشفاعة هذا كما تقدم بيانه. ولعل ابن القيم رحمه الله بحيدته عن ذاك الجواب أراد أن يشعر القارئ بأهمية الصلاة في الإسلام من جهة؛ وأنه لا دليل على أنها شرط لصحة الإيمان من جهة أخرى. وعليه؛ فتارك الصلاة كسلاً لا يكفر عنده إلا إذا اقترن مع تركه إياها ما يدل على أن كفره كفر اعتقادي، فهو في هذه الحالة فقط يكفر كفراً يخرج به من الملة؛ كما تقدمت الإشارة بذلك مني. وهو ما يشعر به كلام ابن القيم في آخر هذا الفصل)؛ فإنه قال: "ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها ودعي إلى فعلها على رؤوس الملأ، وهو يرى بارقة السيف على رأسه، ويشد للقتل، وعصبت عيناه، وقيل له: تصلي وإلا قتلناك؟ فيقول: اقتلوني ولا أصلي أبداً! " .. قلت: وعلى مثل هذا المصر على الترك والامتناع عن الصلاة- مع تهديد الحاكم له بالقتل- يجب أن تحمل كل أدلة الفريق المكفر للتارك، وبذلك تجتمع أدلتهم مع أدلة المخالفين؛ ويلتقون على كلمة سواء: أن مجرد الترك لا يكفر؛ لأنه كفر عملي لا اعتقادي؛ كما تقدم عن ابن القيم، وهذا ما فعله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- أعني أنه حمل تلك الأدلة هذا الحمل-، فقال في "مجموع الفتاوى" (22/ 48) - وقد سئل عن تارك الصلاة من غير عذر هل هو مسلم في تلك الحال؟ فأجاب رحمه الله ببحث طويل ملىء علماً؛ لكن المهم منه الآن ما يتعلق منه بحديثنا هذا؛ فإنه بعد أن حكى أن تارك الصلاة يقتل عند جمهور

العلماء: مالك والشافعي وأحمد؛ قال: "وإذا صبر حتى يقتل؛ فهل يقتل كافراً مرتداً؛ أو فاسقاً كفساق المسلمين؟ على قولين مشهورين حُكيا روايتين عن أحمد؛ فإن كان مقراً بالصلاة في الباطن معتقداً لوجوبها؛ يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل ولا يصلي، هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم، ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام، ولا يعرف أن أحداً يعتقد وجوبها، ويقال له: إن لم تصل وإلا قتلناك. وهو يصر على تركها مع إقراره بالوجوب، فهذا لم يقع قط في الإسلام. ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها ولا ملتزماً بفعلها، فهذا كافر باتفاق المسلمين؛ كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة؛ كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة». رواه مسلم ... فمن كان مصراً على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط فهذا لا يكون قط؛ مسلماً مقراً بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب، واعتقاد أن تاركها يستحق القتل؛ هذا داع تام إلى فعلها، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور، فإن كان قادراً ولم يصل قط؛ علم أن الداعي في حقه لم يوجد، والاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل. لكن هذا قد يعارضه أحياناً أمور توجب تأخيرها، وترك بعض واجباتها، وتفويتها أحياناً. فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك؛ فهذا لا يكون مسلماً. لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في "السنن "، حديث عبادة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ أنه قال: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة؛ من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ

عليهن لم يكن له عهد عند الله؛ إن شاء عذبه؛ وإن شاء غفر له» (¬1). فالمحافظ عليها: الذي يصليها في مواقيتها كما أمر الله تعالى. والذي يؤخرها (الأصل: ليس يؤخرها) أحياناً عن وقتها، أو يترك واجباتها؛ فهذا تحت مشيئة الله تعالى. وقد يكون لهذا نوافل يكمل بها فرائضه كما جاء في الحديث " (¬2). وعلى هذا المحمل يدل كلام الإمام أحمد أيضاً؛ الذي شهر عنه بعض أتباعه المتأخرين القول بتكفير تارك الصلاة دون تفصيل، وكلامه يدل على خلاف ذلك " بحيث لا يخالف هذا الحديث الصحيح، كيف وهو قد أخرجه في "مسنده " كما أخرج حديث عائشة بمعناه كما تقدم؟! فقد ذكر ابنه عبد الله في "مسائله (55) قال: "سألت أبي رحمه الله عن ترك الصلاة متعمداً؟ قال: والذي يتركها لا يصليها، والذي يصليها في غير وقتها؛ أدعوه ثلاثاً؛ فإن صلى وإلا ضربت عنقه، هو عندي بمنزلة المرتد .. ". قلت: فهذا نص من الإمام أحمد بأنه لم يكفر بمجرد تركه للصلاة، وإنما بامتناعه من الصلاة مع علمه بأنه سيقتل إن لم يصل، فالسبب هو إيثاره القتل على الصلاة، فهو الذي دل على أن كفره كفر اعتقادي، فاستحق القتل. ¬

(¬1) حديث صحيح مخرج في "صحيح أبي داود" (451 و1276). [منه]. (¬2) يشير- رحمه الله- إلى قوله له: «أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة؛ يقول ربنا عز وجل لملائكته- وهو أعلم-: انظروا؛ في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال: انظروا؛ هل لعبدي من تطوع؛ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم» وهو حديث صحيح، مخرج في "صحيح أبي داود" (810). [الناشر "ناشر الصحيحة"]

ونحوه ما ذكره المجد ابن تيمية- جد شيخ الإسلام ابن تيمية- في كتابه " المحرر في الفقه الحنبلي " (ص 62):" ومن أخر صلاة تكاسلاً لا جحوداً أمر بها؛ فإن أصر حتى ضاق وقت الأخرى؛ وجب قتله ". قلت: فلم يكفر بالتأخير، وإنما بالإصرار المنبئ عن الجحود. ولذلك قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في "مشكل الآثار" في باب عقده في هذه المسألة، وحكى شيئاً من أدلة الفريقين، ثم اختار أنه لا يكفر؛ قال (4/ 228): " والدليل على ذلك أنا نأمره أن يصلي، ولا نأمر كافراً أن يصلي، ولو كان بما كان منه كافراً لأمرناه بالإسلام؛ فإذا أسلم أمرناه بالصلاة؛ وفي تركنا لذلك وأمرنا إياه بالصلاة؛ ما قد دل على أنه من أهل الصلاة؛ ومن ذلك أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي أفطر في رمضان يوماً متعمداً بالكفارة التي أمره بها وفيها الصيام؛ لا يكون الصيام إلا من المسلمين. ولما كان الرجل يكون مسلماً إذا أقر بالإسلام قبل أن يأتي بما يوجبه الإسلام من الصلوات الخمس؛ ومن صيام رمضان كان كذلك؛ ويكون كافراً بجحوده لذلك؛ ولا يكون كافراً بتركه إياه بغير جحود منه له؛ ولا يكون كافراً إلا من حيث كان مسلماً، وإسلامه كان بإقراره بالإسلام؛ فكذلك ردته لا تكون إلا بجحوده الإسلام ". قلت: وهذا فقه جيد، وكلام متين لا مرد له، وهو يلتقي تماماً مع ما تقدم من كلام الإمام أحمد رحمه الله الدال على أنه لا يكفر بمجرد الترك؛ بل بامتناعه من الصلاة بعد دعائه إليها، وإن مما يؤكد ما حملت عليه كلام الإمام أحمد؛ ما جاء في كتاب " الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل " للشيخ علاء الدين المرداوي؛ قال رحمه الله (1/ 402) - كالشارح لقول أحمد المتقدم آنفاً: " أدعوه ثلاثاً " -: " الداعي له هو الإمام أو

نائبه، فلو ترك صلوات كثيرة قبل الدعاء لم يجب قتله، ولا يكفر على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم ". وممن اختار هذا المذهب أبو عبد الله بن بطة، كما ذكر ذلك الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة المقدسي في كتابه " الشرح الكبير على المقنع " للإمام موفق الدين المقدسي (1/ 385)، وزاد أنه أنكر قول من قال بكفره. قال أبو الفرج: " وهو قول أكثر الفقهاء؛ منهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي .. ".ثم استدل على ذلك بأحاديث كثيرة أكثرها عند ابن القيم، ومنها حديث عبادة المتقدم في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال عقبه: "ولو كان كافراً لم يدخله في المشيئة". قلت: ويؤكد ذلك حديث الترجمة وحديث عائشة تأكيداً لا يدع لأحد شكاً أو شبهة، فلا تنسى. ثم قال أبو الفرج: " ولأن ذلك إجماع المسلمين؛ فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه، ولا مُنع ميراث مورِّثه، ولا فُرِّقَ بين زوجين لِتَرْكِ الصلاة من أحدهما- مع كثرة تاركي الصلاة-! ولو كفر لثبتت هذه الأحكام، ولا نعلم خلافاً بين المسلمين أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها مع اختلافهم في المرتد (¬1). وأما الأحاديث المتقدمة (يعني: التي احتج بها المكفرون كحديث: " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة "؛ فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة؛ كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» .. وأشباه هذه مما أريد به التشديد في الوعيد. قال شيخنا رحمه الله (يعني: الموفق المقدسي): وهذا أصوب القولين. والله أعلم". قلت: ونقله الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ¬

(¬1) قلت: الراجح أنه لا يضيء؛ كما حققه ابن تيمية رحمه الله (22/ 46). [منه].

رحمهم الله في حاشيته على "المقنع " لابن قدامة (1/ 95 - 96) مقراً له. ومع تصريح الإمام الشوكاني في "السيل الجرار" (1/ 292) بتكفير تارك الصلاة عمداً، وأنه يستحق القتل، ويجب على إمام المسلمين قتله؛ فقد بين في "نيل الأوطار" أنه لا يعني كفراً لا يغفر، فقال بعد أن حكى أقوال العلماء واختلافهم، وذكر شيئاً من أدلتهم (1/ 254 - 255): "والحق أنه كافر يقتل، أما كفره؛ فلأن الأحاديث صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم (!) وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتض لجواز الإطلاق. ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون؛ لأنا نقول: لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة؛ ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفراً. فلا مُلْجِئَ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها ". ولقد صدق رحمه الله. لكن ذهابه إلى جواز إطلاق اسم (الكافر) على تارك الصلاة؛ هو توسع غير محمود عندي، لأن الأحاديث التي أشار إليها ليس فيها الإطلاق المدعى، وإنما فيها: "فقد كفر"، وما أظن أن أحداً يستجيز له أن يشتق منه اسم فاعل فيقول فيه: (كافر)، إذن؛ لزمه أن يطلقه أيضاً على كل من قيل فيه: "كَفَر"؛ كالذي يحلف بغير الله، ومن قاتل مسلماً، أو تبرأ من نسب، ونحو ذلك مما جاء في الأحاديث. نعم؛ لو صح ما رواه أبو يعلى وغيره عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: " عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة؛ عليهن أسس الإسلام؛ من ترك واحدة منهن فهو بها

كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان ". أقول: لو صح هذا؛ لكان دليلاً واضحاً على جواز إطلاقه على تارك الصلاة، ولكنه لم يصح كما كنت بينته في " السلسلة الضعيفة " (94). والخلاصة؛ أن مجرد الترك لا يمكن أن يكون حجة لتكفير المسلم، وإنما هو فاسق، أمره إلى الله، إن شاء عذبه؛ وإن شاء غفر له، وحديث الترجمة نص صريح في ذلك لا يسع مسلماً أن يرفضه. وأن من دعي إلى الصلاة، وأنذر بالقتل؛ إن لم يستجب فقتل؛ فهو كافر يقيناً حلال الدم، لا يُصَلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، فمن أطلق التكفير فهو مخطئ، ومن أطلق عدم التكفير فهو مخطئ, والصواب التفصيل. فهذا الحق ليس به خفاءُ فدعني عن بنيات الطريق وبعد؛ فإن أخشى ما أخشاه أن يبادر بعض المتعصبين الجهلة إلى رد هذا الحديث الصحيح؛ لدلالته الصريحة على أن تارك الصلاة كسلاً مع الإيمان بوجوبها داخل في عموم قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء]؛كما فعل بعضهم أخيراً بتاريخ (1407 هـ)، فقد تعاون اثنان من طلاب العلم: أحدهما سعودي، والآخر مصري، فتعقباني في بعض الأحاديث من المئة الأولى من " سلسلة الأحاديث الصحيحة "؛ منها حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه المتقدم برقم (87) ولفظه: «يَدْرُسُ الإسلام كما يَدْرُسُ وشْيُ الثوب حتى لا يُدرى ما صيام؛ ولا صلاة ولا نسك، ولا صدقة، ولَيُسْرَى على كتاب الله عز وجل في ليلة؛ فلا يبقى منه آية، وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير، والعجوز؛ يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: " لا إله إلا الله "، فنحن نقولها».

قال صلة بن زفر لحذيفة: ما تغني عنهم " لا إله إلا الله " وهم لا يدرون ما صلاة، ولا صيام، ولا نسك، ولا صدقة؟! فأعرض عنه حذيفة، ثم رددها عليه ثلاثاً، كل ذلك يعرض عنه حذيفة. ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة! تنجيهم من النار (ثلاثاً). قلت: فسوّدا في تضعيف هذا الحديث ثلاث صفحات كبار في الرد عليَّ لتصحيحي إياه، لم يجدا ما يتعلقان به لتضعيفه؛ إلا أنه من رواية أبي معاوية محمد بن خازم الضرير؛ بحجة أنه كان يرى الإرجاء! وأن الحديث موافق لبدعة الإرجاء!! وهذا من الجهل البالغ، ولا مجال الآن لبيانه إلا مختصراً، فإن أبا معاوية مع كونه ثقة محتجاً به عند الشيخين؛ فإنه قد توبع من ثقة مثله، ثم إن الحديث لا صلة له بالإرجاء مطلقاً، وهما إنما ادعيا ذلك لجهلهما بالعلم، وكيف يكون كذلك وقد صححه الحاكم والذهبي، وكذا ابن تيمية والعسقلاني والبوصيري؟! ولئن جاز في عقلهما أنهم كانوا في تصحيحهم إياه جميعاً مخطئين فهل وصل الأمر بهما أن يعتقدا بأنهم يصححون ما يؤيد الإرجاء؟! تالله إنها لإحدى الكبر؛ أن يتسلط على هذا العلم من لا يحسنه، وأن يضعف ما يصححه أهل العلم! وهذا الحديث الصحيح يستفاد منه؛ أن الجهل قد يبلغ ببعض الناس أنهم لا يعرفون من الإسلام إلا الشهادة، وهذا لا يعني أنهم يعرفون وجوب الصلاة وسائر الأركان ثم هم لا يقومون بها؛ كلا، ليس في الحديث شيء من ذلك، بل هم في ذلك ككثير من أهل البوادي والمسلمين حديثاً في بلاد الكفر لا يعرفون من الإسلام إلا الشهادتين، وقد يقع شيء من ذلك في بعض العواصم، فقد سألني أحدهم هاتفياً عن امرأة تزوجها، وكانت تصلي دون أن تغتسل من الجماع! وقريباً سألني إمام مسجد ينظر إلى نفسه أنه على شيء من العلم يسوغ له

أن يخالف العلماء! سألني عن ابنه أنه كان يصلي جنباً بعد أن بلغ مبلغ الرجال واحتلم؛ لأنه كان لا يعلم وجوب الغسل من الجنابة! وقد قال ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (22/ 41): " ومن علم أن محمداً رسول الله فآمن بذلك، ولم يعلم كثيراً مما جاء به؛ لم يعذبه الله على ما لم يبلغه؛ فإنه إذا لم يعذر على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنه [أن] لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلوغ أولى وأحرى، وهذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - المستفيضة عنه في أمثال ذلك ". ثم ذكر أمثلة طيبة؛ منها: المستحاضة؛ قالت: إني أستحاض حيضة شديدة تمنعني الصلاة والصوم؟ فأمرها بالصلاة زمن دوام الاستحاضة، ولم يأمرها بالقضاء. قلت: وهذه المستحاضة هي فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها، وحديثها في "الصحيحين " وغيرهما، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (281). ومثلها: أم حبيبة بنت جحش زوجة عبد الرحمن بن عوف، واستحيضت سبع سنين، وحديثها عند الشيخين أيضاً، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" أيضاً (283). وثمة ثالثة؛ وهي حمنة بنت جحش، وهي التي أشار إليها ابن تيمية؛ فإن في حديثها: "إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة؛ فما ترى فيها؛ قد منعتني الصلاة والصوم .. " الحديث. أخرجه أبو داود وغيره من أصحاب "السنن " بإسناد حسن، وصححه جمع، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (293) و"الإرواء" (881). هذا؛ وهناك نص آخر للإمام أحمد كان ينبغي أن يضم إلى ما سبق نقله عنه؛ لشديد ارتباطه به ودلالته أيضاً على أن تارك الصلاة لا يكفر بمجرد الترك، ولكن

هكذا قُدِّر؛ قال عبد الله بن أحمد في "مسائله " (ص 56/ 195): "سألت أبي عن رجل فرط في صلوات شهرين؟ فقال: يصلي ما كان في وقت يحضره ذكر تلك الصلوات؛ فلا يزال يصلي حتى يكون آخر وقت الصلاة التي ذكر فيها هذه الصلوات التي فرط فيها؛ فإنه يصلي هذه التي يخاف فوتها؛ ولا يضيع مرتين؛ ثم يعود فيصلي أيضاً حتى يخاف فوت الصلاة التي بعدها؛ إلا إن كثر عليه؛ ويكون ممن يطلب المعاش؛ ولا يقوى أن يأتي بها؛ فإنه يصلي حتى يحتاج إلى أن يطلب ما يقيمه من معاشه؛ ثم يعود إلى الصلاة؛ لا تجزئه صلاة وهو ذاكر الفرض المتقدم قبلها، فهو يعيدها أيضاً إذا ذكرها وهو في صلاة ". فانظر أيها القارئ الكريم! هل ترى في كلام الإمام أحمد هذا إلا ما يدل على ما سبق تحقيقه؛ أن المسلم لا يخرج من الإسلام بمجرد ترك الصلاة؛ بل صلوات شهرين متتابعين! بل وأذن له أن يؤجل قضاء بعضها لطلب المعاش. وهذا عندي يدل على شيئين: أحدهما - وهو ما سبق -: أنه يبقى على إسلامه، ولو لم تبرأ ذمته بقضاء كل ما عليه من الفوائت. والآخر: أن حكم القضاء دون حكم الأداء؛ لأنني لا أعتقد أن الإمام أحمد - بل ولا من هو دونه في العلم- يأذن بترك الصلاة حتى يخرج وقتها لعذر طلب المعاش. والله سبحانه وتعالى أعلم. واعلم أخي المسلم! أن هذه الرواية عن الإمام أحمد- وما في معناها- هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه كل مسلم لذات نفسه أولاً؛ ولخصوص الإمام أحمد. ثانياً؛ لقوله رحمه الله: " إذا صح الحديث فهو مذهبي "؛ وبخاصة أن الأقوال الأخرى المروية عنه على خلاف ما تقدم مضطربة جداً؛ كما تراها في كتاب

" الإنصاف " (10/ 327 - 328) وغيره من الكتب المعتمدة؛ ومع اضطرابها؛ فليس في شيء منها التصريح بأن المسلم يكفر بمجرد ترك الصلاة؛ وإذ الأمر كذلك؛ فيجب حمل الروايات المطلقة عنه على الروايات المقيدة والمبنية لمراده رحمه الله؛ وهي ما تقدم نقله عن ابنه عبد الله. ولو فرضنا أن هناك رواية صريحة عنه في التكفير بمجرد الترك؛ وجب تركها والتمسك بالروايات الأخرى؛ لموافقتها لهذا الحديث الصحيح الصريح في خروج تارك الصلاة من النار بإيمانه ولو مقدار ذرة. وبهذا صرح كثير من كبار علماء الحنابلة المحققين؛ كابن قدامة المقدسي -كما تقدم في نقل أبي الفرج عنه-، ونص كلام ابن قدامة: " وإن ترك شيئاً من العبادات الخمس تهاوناً؛ لم يكفر". كذا في كتابه "المقنع "، ونحوه في "المغني " (2/ 298 - 302) في بحث طويل له؛ ذكر الخلاف فيه وأدلة كل فريق؛ ثم انتهى إلى هذا الذي في " المقنع"؛ وهو الحق الذي لاريب فيه؛ وعليه مؤلف " الشرح الكبير" و" الإنصاف " كما تقدم وإذا عرفت الصحيح من قول أحمد؛ فلا يرد عليه ما ذكره السبكي في ترجمة الإمام الشافعي؛ من " طبقات الشافعية الكبرى " (1/ 220)، قال: " حكي أن أحمد ناظر الشافعي في تارك الصلاة؛ فقال له الشافعي: يا أحمد! تقول: إنه يكفر؟ قال: نعم. قال: إذا كان كافراً فبم يسلم؟ قال: يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال: فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه!! قال: يسلم بأن يصلي. قال: صلاة الكافر لا تصح ولا يحكم بالإسلام بها. فانقطع أحمد وسكت ". فأقول: لا يرد هذا على أحمد رحمه الله لأمرين: أحد هما: أن الحكاية لا تثبت، وقد أشار إلى ذلك السبكي رحمه الله

بتصديره إياها بقوله: " حُكي"، فهي منقطعة. والآخر: أنه ذكر بناءً على القول بأن أحمد يكفر المسلم بمجرد ترك الصلاة؛ وهذا لم يثبت عنه كما تقدم بيانه؛ وإنما يرد هذا على بعض المشايخ الذين لا يزالون يقولون بالتكفير بمجرد الترك! وأملي أنهم سيرجعون عنه بعد أن يقفوا على هذا الحديث الصحيح؛ وعلى قول أحمد وغيره من كبار أئمة الحنابلة الموافق له؛ فإنه لا يجوز تكفير المسلم الموحد بعمل يصدر منه؛ حتى يتبين منه أنه جاحد ولو بعض ما شرع الله؛ كالذي يدعى إلى الصلاة فإن استجاب وإلا قتل كما تقدم. ويعجبني بهذه المناسبة ما نقله الحافظ في "الفتح " (12/ 300) عن الغزالي أنه قال: "والذي ينبغي الاحتراز منه: التكفير؛ ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة دماء المسلمين المقرِّين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد ". هذا؛ وقد بلغني أن بعضهم لما أُوِقف على هذا الحديث؛ شك في دلالته على نجاة المسلم التارك للصلاة من الخلود في النار مع الكفار، وزعم أنه ليس له ذكر في كل الدفعات التي أخرجت من النار. وهذه مكابرة عجيبة تذكرنا بمكابرة متعصبة المذاهب في رد دلالات النصوص انتصاراً للمذهب، فإن الحديث صريح في أن الدفعة الأولى شملت المصلين بعلامة أن النار لم تأكل وجوههم، فما بعدها من الدفعات ليس فيها مصلون بداهة، فإن لم ينفع مثل هذا بعض المقلدين الجامدين؛ فليس لنا إلا أن نقول: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِين}. (تنبيه): ابن قدامة رحمه الله من جملة الذين فاتهم الاستدلال بهذا الحديث الصحيح للمذهب الصحيح في عدم تكفير تارك الصلاة كسلاً. لكن العجيب أنه

ذكر حديثاً آخر لو صح لكان قاطعاً للخلاف؛ لأن فيه أن مولى للأنصار مات وكان يصلي ويدع، ومع ذلك أمر - صلى الله عليه وآله وسلم - بغسله والصلاة عليه ودفنه، وهو وإن كان قد سكت عنه؛ فإنه قد أحسن بذكره مع إسناده من رواية الخلال، الأمر الذي مكنني من دراسته والحكم عليه بما يستحق من الضعف والنكارة، ولذلك أودعته في الكتاب الآخر: " الضعيفة " (6036). بعد كتابة ما تقدم بأيام أطلعني بعض إخواني على كتاب بعنوان هام: "فتح من العزيز الغفار بإثبات أن تارك الصلاة ليس من الكفار" تأليف عطاء بن عبد اللطيف بن أحمد، ففرحت به فرحاً كبيراً، وازداد سروري حينما قرأته، وتصفحت بعض فصوله، وتبين لي أسلوبه العلمي وطريقته في معالجة الأدلة المختلفة التي منها- بل هي أهمها- تخريج الأحاديث وتتبع طرقها وشواهدها، وتمييز صحيحها من ضعيفها؛ ليتسنى له بعد ذلك إسقاط ما لا يجوز الاشتغال به لضعفه، والاعتماد على ما ثبت منها، ثم الاستدلال به أو الجواب عنه، وهذا ما صنعه الأخ المؤلف جزاه الله خيراً؛ خلافاً لبعض المؤلفين الذي يحشرون كل ما يؤيدهم دون أن يتحروا الصحيح فقط؛ كما فعل الذين ردوا علي في مسألة وجه المرأة من المؤلفين في ذلك من السعوديين والمصريين وغيرهم. أما هذا الأخ (عطاء)؛ فقد سلك المنهج العلمي في الرد على المكفرين؛ فتتبع أدلتهم، وذكر ما لها وما عليها، ثم ذكر الأدلة المخالفة لها على المنهج نفسه، ووفق بينها وبين ما يخالفها بأسلوب رصين متين، وإن كان يصحبه أحياناً شيء من التساهل في التصحيح باعتبار الشواهد، ثم التكلف في التوفيق بينه وبين الأحاديث الصحيحة الدالة على عدم كفر تارك الصلاة؛ كما فعل في حديث أبي الدرداء في الصلاة: " فمن تركها فقد خرج من الملة ". فإنه بعد أن تكلم عليه وبين ضعف إسناده؛ عاد فقواه بشواهده،

وهي في الحقيقة شواهد قاصرة لا تنهض لتقوية هذا الحديث، ثم أغرب فتأول الخروج المذكور فيه بأنه خروج دون الخروج!! وله غير ذلك من التساهل والتأويل؛ كالحديث المخرج في " الضعيفة " (6037). والحق؛ أن كتابه نافع جداً في بابه؛ فقد جمع كل ما يتعلق به سلباً أو إيجاباً، قبولاً أو رفضاً؛ دون تعصب ظاهر منه لأحد أو على أحد، وأحسن ما فيه الفصل الأول من الباب الثاني؛ وهو كما قال: " في ذكر أدلة خاصة تدل على أن تارك الصلاة لا يخرج من الملة "! وعدد أدلته المشار إليها (12) دليلاً، ولقد ظننت حين قرأت هذا العنوان في مقدمة كتابه أن منها حديث الشفاعة هذا؛ لأنه قاطع للنزاع كما سبق بيانه، ولكنه- مع الأسف- قد فاته كما فات غيره من المتقدمين على ما سلف ذكره. غير أنه لابد لي من التنويه بدليل من أدلته لأهميته وغفلة المكفرين عنه؛ ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " إن للإسلام صُوىً ومناراً كمنار الطريق .. " الحديث، وفيه ذكر التوحيد، والصلاة وغيرها من الأركان الخمسة المعروفة والواجبات، ثم قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فمن انتقص مِنْهُنَّ شيئاً؛ فهو سهم من الإسلام تركه؛ ومن تركهن؛ فقد نبذ الإسلام وراءه». وقد خرجه المومى إليه تخريجاً جيداً، وتتبع طرقه؛ وبين أن بعضه صحيح الإسناد، ثم بين دلالته الصريحة على عدم خروج تارك الصلاة من الملة. فراجعه وراجع الكتاب كله؛ إن كان عندك شك في المسألة. وقد كنت خرجته قديماً برقم (333) منذ أكثر من ثلاثين سنة، واستفاد هو منه- كما هو شأن المتأخر مع المتقدم- ولكنه لم يشر إلى ذلك أدنى إشارة، ولقد كان يحسن به ذلك؛ ولا سيما أنه خصني بالنقد في بعض الأحاديث، وذلك مما

لا يضرني البتة؛ بل إنه لينفعني أصاب أم أخطأ، وليس الآن مجال تفصيل القول في ذلك. والخلاصة؛ أن حديثنا هذا حديث الشفاعة حديث عظيم، ومن ذلك دلالته القاطعة على أن تارك الصلاة- مع إيمانه بوجوبها- لا يخرج من الملة، وأنه لا يخلد في النار مع الكفرة الفجرة. ولذلك؛ فإني أرجو مخلصاً كل من وقف على هذا الحديث وغيره مما في معناه أن يتراجع عن تكفير المسلمين التاركين للصلاة مع إيمانهم بها، والموحدين لله تبارك وتعالى؛ فإن تكفير المسلم أمر خطير جداً كما تقدم. وعليهم فقط أن يذكروا بعظمة منزلة الصلاة في الإسلام بما جاء في ذلك في الكتاب والأحاديث النبوية، والآثار السلفية الصحيحة، فإن الحكم قد خرج- مع الأسف- من أيدي العلماء، فهم لذلك لا يستطيعون أن ينفذوا حكم الكفر والقتل في تارك واحد للصلاة؛ بله جمع من التاركين؛ ولو في دولتهم فضلاً عن الدول الإسلامية الأخرى! فإن قتل التارك للصلاة بعد دعوته إليها إنما كان لحكمة ظاهرة، وهو لعله يتوب إذا كان مؤمناً بها، فإذا آثر القتل عليها؛ دل ذلك على أن تركه كان عن جحد، فيموت- والحالة هذه- كافراً؛ كما تقدم عن ابن تيمية، فامتناعه منها في هذه الحالة دليل عملي على خروجه من الملة. وهذا مما لا سبيل إلى تحقيقه اليوم مع الأسف، فليقنع العلماء- إذن من الوجهة النظرية- على ما عليه جمهور أئمة المسلمين؛ بعدم تكفير تارك الصلاة مع إيمانه بها، وقد قدمنا الدليل القاطع على ذلك من السنة الصحيحة؛ فلا عذر لأحد بعد ذلك {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} (النور:63).

ثم طَبَعْتُ هذا البحث في رسالة خاصة بعنوان " حكم تارك الصلاة " فنفع الله بها من شاء من عباده، واستنكر بعض المؤلفين ما فيه من الحكم: أن تارك الصلاة كسلاً- مع إيمانه بها- ليس بكافر؛ لمخالفته إياه عقيدة، فهو بهذا الاعتبار مخالف له؛ وهو عمل قلبي؛ والله عز وجل ضمن أن لا يضيعه؛ كما قال أبو سعيد في الحديث هذا: " فمن لم يصدق بهذا الحديث؛ فليقرأ هذه الآية: {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ... }. وبالنظر إلى تركه الصلاة فهو مشابه للكفار عملاً؛ الذين يتحسرون يوم القيامة؛ فيقولون وهم في سقر: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين} (المدثر:43، 44)؛ فكفره كفر عملي؛ لأنه عمل عمل الكفار؛ فهو كالتارك للزكاة؛ وقد صح الحديث أيضاً أن مانع الزكاة يعذب يوم القيامة بماله الذي كان منعه، ثم يساق إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولكن المؤلف المشار إليه- هدانا الله وإياه-تأول هذا الحديث كما تأول حديث المانع للزكاة تأويلاً عطل دلالته الصريحة على ما ذهبنا إليه من الفرق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي؛ مع أنه قد صح هذا عن ابن عباس وبعض تلامذته، وجرى عليه من بعدهم من أتباع السلف؛ كابن القيم وشيخه؛ كما تقدم في هذا البحث؛ ومع ذلك لم يعرج عليه المومى إليه مطلقاً ولو لرده؛ ولا سبيل له إليه! والله عز وجل يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون} (القلم:35، 36)؟ وكذلك صرف المؤلف المذكور نظره عن حديث:" إن للإسلام صوى .. " الصريح في التفريق بين: "من ترك سهماً؛ فهو سهم من الإسلام تركه "؛ وبين " من ترك الأسهم كلها؛ فقد نبذ الإسلام كله "؛ فلم يتعرض له بجواب. ولا أستبعد أن يحاول تأويله أو تضعيفه؛ كما فعل بغيره من الأحاديث الصحيحة.

وبالجملة؛ فمجال الرد عليه واسع جداً، ولا أدري متى تسنح لي الفرصة للرد عليه، وبيان ما يؤخذ عليها فقهاً وحديثاً؟ وإن كنت أشكر له أدبه ولطفه وتبجيله لكاتب هذه الأحرف، ودفاعه عن عقيدة أهل الحديث في أن الإيمان يزيد وينقص؛ وإن كان قد اقترن به أحياناً شيء من الغلو والمخالفة؛ والاتهام بالإرجاء؛ مع أنه يعلم أنني أخالفهم مخالفة جذرية؛ فأقول: الإيمان يزيد وينقص؛ وإن الأعمال الصالحة من الإيمان، وإنه يجوز الاستثناء فيه؛ خلافاً للمرجئة، ومع ذلك رماني أكثر من مرة بالإرجاء! فقلب بذلك وصية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: " وأتبع السيئة الحسنة تمحها .. "! فقلت: ما أشبه اليوم بالبارحة! فقد قال رجل لابن المبارك: " ما تقول فيمن يزني ويشرب الخمر؛ أمؤمن هو؟ قال: لا أخرجه من الإيمان. فقال الرجل: على كبر السن صرت مرجئاً! فقال له ابن المبارك: إن المرجئة لا تقبلني! أنا أقول: الإيمان يزيد وينقص. والمرجئة لا تقول ذلك. والمرجئة تقول: حسناتنا متقبلة. وأنا لا أعلم تُقبلت مني حسنة؟ وما أحوجك إلى أن تأخذ سبورة فتجالس العلماء ". رواه ابن راهويه في "مسند هـ " (3/ 670 - 671). قلت: ووجه المشابهة بين الاتهامين الظالمين هو الإشراك بالقول مع المرجئة في بعض مايقوله المرجئة؛ أنا بقولي بعدم تكفير تارك الصلاة كسلاً؛ وابن المبارك في عدم تكفير مرتكب الكبيرة ولو أردت أن أقابله بالمثل لرميته بالخروج؛ لأن الخوارج يكفرون تارك الصلاة وبقية الأركان الأربعة! و {أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين}. "السلسلة الصحيحة" (7/ 1/127 - 154).

[603] باب منه

[603] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: " لا إله إلا الله " فنحن نقولها». [قال الإمام]: هذا وفي الحديث فائدة فقهية هامة، وهي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة، ولو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام الخمسة الأخرى كالصلاة وغيرها، ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك الصلاة خاصة، مع إيمانه بمشروعيتها، فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك، بل يفسق وذهب أحمد إلى أنه يكفر وأنه يقتل ردة، لا حداًّ، وقد صح عن الصحابة أنهم كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي والحاكم، وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور، وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصا على أنهم كانوا يريدون بـ (الكفر) هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ولا يحتمل أن يغفره الله له، كيف ذلك وهذا حذيفة بن اليمان - وهو من كبار أولئك الصحابة - يرد على صلة بن زفر وهو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له، فيقول: ما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة .... " فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه: «يا صلة تنجيهم من النار. ثلاثاً». فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة، ومثلها بقية الأركان

ليس بكافر، بل هو مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة، فاحفظ هذا فإنه قد لا تجده في غير هذا المكان. وفي الحديث المرفوع ما يشهد له، ولعلنا نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. ثم وقفت على " الفتاوى الحديثية " (84/ 2) للحافظ السخاوي، فرأيته يقول بعد أن ساق بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة وهي مشهورة معروفة: "ولكن كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحداً لوجودها مع كونه ممن نشأ بين المسلمين، لأنه يكون حينئذ كافراً مرتداًّ بإجماع المسلمين، فإن رجع إلى الإسلام قبل منه، وإلا قتل، وأما من تركها بلا عذر، بل تكاسلاً مع اعتقاد وجوبها، فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر، وأنه - على الصحيح أيضاً - بعد إخراج الصلاة الواحدة عن وقتها الضروري، كأن يترك الظهر مثلا حتى تغرب الشمس أو المغرب حتى يطلع الفجر - يستتاب كما يستتاب المرتد، ثم يقتل إن لم يتب، ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، مع إجراء سائر أحكام المسلمين عليه، ويؤول إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض أحكامه. وهو وجوب العمل، جمعا بين هذه النصوص وبين ما صح أيضاً عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «خمس صلوات كتبهن الله -» فذكر الحديث. وفيه: «إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له» وقال أيضا: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة» إلى غير ذلك. ولهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة ويورثونه ولو كان كافرا لم يغفر له، ولم يرث ولم يورث ". وقد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في "حاشيته على المقنع" (1/ 95 - 96) وختم البحث بقوله: "ولأن ذلك إجماع المسلمين، فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة، ترك تغسيله والصلاة عليه، ولا منع

ميراث موروثه مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كفر لثبتت هذه الأحكام، وأما الأحاديث المتقدمة، فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة، كقوله عليه الصلاة والسلام: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر "، وقوله "من حلف بغير الله فقد أشرك " وغير ذلك. قال الموفق: وهذا أصوب القولين ". أقول: نقلت هذا النص من " الحاشية " المذكورة، ليعلم بعض متعصبة الحنابلة، أن الذي ذهبت إليه، ليس رأيا لنا تفردنا به دون أهل العلم، بل هو مذهب جمهورهم، والمحققين من علماء الحنابلة أنفسهم، كالموفق هذا، وهو ابن قدامة المقدسي، وغيره، ففي ذلك حجة كافية على أولئك المتعصبة، تحملهم إن شاء الله تعالى، على ترك غلوائهم، والاعتدال في حكمهم. بيد أن هنا دقيقة، قل من رأيته تنبه لها، أو نبه عليها، فوجب الكشف عنها وبيانها. فأقول: إن التارك للصلاة كسلاً إنما يصح الحكم بإسلامه، ما دام لا يوجد هناك ما يكشف عن مكنون قلبه، أو يدل عليه، ومات على ذلك، قبل أن يستتاب كما هو الواقع في هذا الزمان، أما لو خير بين القتل والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على الصلاة، فاختار القتل عليها، فقتل، فهو في هذه الحالة يموت كافرا، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا تجري عليه أحكامهم، خلافا لما سبق عن السخاوي لأنه لا يعقل - لو كان غير جاحد لها في قلبه - أن يختار القتل عليها، هذا أمر مستحيل، معروف بالضرورة من طبيعة الإنسان، لا يحتاج إثباته إلى برهان. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموعة الفتاوى " (2/ 48): " ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل، لم يكن في الباطن مقراًّ

[604] باب منه

بوجوبها ولاملتزما بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة .... فمن كان مصراًّ على تركها حتى يموت، لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون قط مسلماً مقرا بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب واعتقاد أن تاركها يستحق القتل، هذا داع تام إلى فعلها، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادراً ولم يفعل قط، علم أن الداعي في حقه لم يوجد ". قلت: هذا منتهى التحقيق في هذه المسألة، والله ولي التوفيق. "الصحيحة" (1/ 1/171، 175 - 178). [604] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود» رواه البخاري ومسلم. [قال الإمام]: فيه أن عصاة المصلين لا يخلدون في النار، وكذلك لو كان الموحد تاركًا للصلاة كسلاً فإنه لا يخلد. "صفة الصلاة" (ص149).

[605] باب منه

[605] باب منه سؤال: بالنسبة جزاك الله خير لتارك الصلاة: الآن كثير من أهل العلم بعضهم يقول: هو كافر وبعضهم يقول: هو فاسق، فما حكمه في هذه المسألة وهل هو كفر دون كفر أو كفر يخرج من الملة؟ الشيخ: نحن ذكرنا هذه المسألة في سلسلة الأحاديث الصحيحة وذكرنا بأن من ترك الصلاة عامداً متعمداً جاحداً لها فهو كفر بإجماع الأمة، أما من تركها كسلاً معترفاً بوجوبها ويتمنى من الله عز وجل أن يهديه وأن يوفقه للصلاة فهذا ليس بكافر كفراً يرتد به ويخرج به من الملة؛ لأن الكفر الذي يخرج به صاحبه من الملة مَقَرُّهُ القلب فإذا كان هذا التارك للصلاة مؤمناً في قلبه معترفاً بما فرض الله عليه من فرائض لكنه يعرف بأن الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والتجارة وإلى آخره لا شك أن هذا التعلل مردود عليه، ولكن يشفع له أن لا يُكفَّر ما دام أنه يؤمن بما شرع الله تبارك وتعالى. والعلماء والمحققون كابن تيمية وابن القيم الجوزية وغيره قد وضعوا قاعدة عامة ألا وهي التفريق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي، فمن وقع في الكفر الاعتقادي فهو الذي ارتد عن الدين، أما من وقع في الكفر العملي فهذا لا يحكم بردته وإنما بفسقه وفجوره، فتارك الصلاة هكذا لا يحكم بأنه كافر إلا إذا جحد ذلك جحداً فحينئذٍ يكفر؛ ولذلك كان مذهب جماهير العلماء عدم تكفير تارك الصلاة إلا مع الجحد، وهذه رواية عن الإمام أحمد نفسه فهو وافق فيه جماهير الأئمة على أن الترك إن كان ليس عن جحد فهو فسق وليس كفر. مداخلة: طيب! بالنسبة للحديث بارك الله فيك: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» يا ليت تشرح الحديث؟

الشيخ: هو بارك الله فيك! ليس هذا هو أول حديث يقال فيه من فعل كذا فقد كفر، عندكم الحديث المشهور: «من حلف بغير الله فقد أشرك، كفر» ألا نقول نحن من قال: «وحياة أبي» إنه ارتد عن دينه. وأنتم تعلمون مثلاً حديث عمر بن الخطاب في صحيح البخاري لما سمعه الرسول عليه السلام يحلف بأبيه فقال عليه السلام: «لا تحلفوا بآبائكم من كان منكم حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» (¬1) وفي حديث ابنه عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من حلف بغير الله فقد أشرك» (¬2) وفي رواية أخرى: فقد كفر، فلا يلزم من مجيء لفظة من فعل كذا فقد كفر أي: أنه كفر كفر ردة وإنما له معان كثيرة، منها مثلاً: كفر أي أشرف على الكفر .. كفر كفراً عملياً ونحو ذلك من المعاني التي يضطر إليها أهل العلم بالتوفيق بين النصوص: «من ترك الصلاة فقد كفر» نقول: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة» .. من قال: «لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره» كما جاء في حديث البزار وغيره، «أيما عبد أبق من مولاة فقد كفر» (¬3) هذه الألفاظ كثيرة وكثيرة جداً فقد كفر فقد كفر ولا يوجد حديث يُفَسَّر هكذا على ظاهره إذا جاء بلفظ فقد كفر. هذا الحديث حديث: «من ترك الصلاة فقد كفر» يعامل نفس المعاملة التي تعامل بها الأحاديث الأخرى التي تشترك مع حديث الصلاة في لفظة «فقد كفر»، فهنا تأتي تآويل كثيرة لهذا النص فكثير من الأحاديث مثلاً: «لا يدخل الجنة قتات» (¬4) .. «لا يدخل الجنة نمام» هل معنى ذلك أنه كفر بسبب نميمته؟ الجواب: ¬

(¬1) البخاري (رقم2533) ومسلم (رقم4346). (¬2) صحح الجامع (رقم6204). (¬3) صحيح الجامع (رقم2731). (¬4) البخاري (رقم5709).

إن كان يستحل ذلك بقلبه فقد حرمت عليه الجنة .. إن كان يعترف بتحريم ذلك ويعترف بأنه مخطئ وأنه مذنب ومجرم؛ فهو أمره إلى الله كما قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48). فترك الصلاة هو فعل يعرض صاحبه أن يموت والعياذ على غير الإيمان، وترك الصلاة هو من شيم الكفار الذين لا يصلون .. لا يؤتون الزكاة ولا يصلون، فالمسلم إذا لم يصل فقد شابه الكفار، فكفره هنا كفر عملي والأحاديث كثيرة وكثيرة جداً التي لا بد من تأويلها، مثلاً: قال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع وقد خطب فيهم أمر جرير بن عبد الله البجلي أن يستنصت الناس، فقال عليه السلام: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» .. ومثل قوله عليه السلام: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» فإذا قتل مسلم مسلماً أو قاتله فهل هذا يرتد عن دينه؟ الجواب: لا؛ لأن الله قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات:9) فاعتبر كلاًّ من الطائفتين الباغية والمبغي عليها من المؤمنين مع أن الرسول يقول في الحديث السابق: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» فبماذا يفسر هنا الكفر؟ كفر دون كفر .. كفر عملي .. وهكذا أيضاً أحاديث الصلاة التي فيها التصريح بأن من ترك الصلاة فقد كفر، إما أن يقال أشرف على الكفر الاعتقادي .. أشرف أن يموت على غير ملة الإسلام، أو أنه كفر كفراً عملياً، هذا التأويل لا بد منه حتى لا نضرب أحاديث الرسول عليه السلام بعضها ببعض. "الهدى والنور" (81/ 29: 25: 00)

[606] باب منه

[606] باب منه سؤال: ما حكم تارك الصلاة وهو موحد ويعرف حدود الله وقد ألهته الدنيا عن ذكر ربه، ومات على ذلك وما حكم تارك الصلاة خوفاً من حاكم ظالم ولا يصلي إلا عندما يصبح بأمان ومات على ذلك؟ الشيخ: يصلي خوفاً من الحاكم الظالم وحين لا يكون في أمان لا يصلي؟ مداخلة: هو تارك للصلاة خوفاًَ من الحاكم الظالم ولا يصلي إلا إذا أمن الحاكم؟ الشيخ: كيف تارك الصلاة خوفاً من الحاكم؟ مداخلة: لا يصلي خوفاً من الحكام، هو تارك للصلاة إذا علموا أنه يصلي يؤذونه. الشيخ: هم كفار يعني؟ مداخلة: والأول هو موحد يعرف حدود الله وقد ألهته الدنيا عن ذكر ربه؟ الشيخ: والثاني أيش الفرق بينه وبين الأول يعني غير موحد؟ مداخلة: الثاني يعني نفس الشيء لكن ترك الصلاة خوفاً من الحاكم؟ الشيخ: المهم أن المسلم إذا كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حقاً ولكنه يرتكب كثيراً من المعاصي الكبائر والصغائر كأكل الربا والزنا ونحو ذلك، ومن ذلك تركه للصلاة، فهو إن فعل كل ذلك جحداً بحكم الله فيها فهو كافر مرتد، فمن جحد مثلاً شرعية الصلاة فهو كافر، من جحد تحريم الربا والزنا والسرقة وغير ذلك من المعاصي فهو كافر؛ لأن هذا الجحد يتعلق بالقلب وهو

[607] باب منه

الكفر الاعتقادي فحينئذ مثل هذا لا يكون مسلماً إطلاقاً. وعلى العكس من ذلك من كان مؤمناً بالله ورسوله وكل ما جاء عنهما ولكنه يواقع شيئاً من تلك الكبائر فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وحينئذ فالصورتان تُعَالجان بهذا الجواب: الكفر الذي يساوي الخروج عن الملة هو الكفر الاعتقادي، أما إذا كان هناك كفر عملي كترك الصلاة فهذا لا يخرج صاحبه عن الملة؛ لأنه مؤمن بشرعيتها؛ فلا يكفر إلا إذا جحد شرعيتها. "الهدى والنور" (97/ 09: 23: 00) [607] باب منه [سئل الشيخ عمن يصلي الفجر بعد طلوع الشمس، ثم قال السائل]: فهذه الصلاة التي يصليها دائماً وأبداً بعد طلوع الشمس لا قيمة لها في الشرع أبداً. هل تجزي هذه الصلاة وما يترتب عليها من إثم أم يعتبر كافراً؟ الشيخ: أقول: هذه الصلاة لا تجزيه، أي: لا تبرأ ذمته بأدائه صلاة الفجر دائماً وأبداً بعد طلوع الشمس إلا في الحالة التي ذكرتها آنفاً. وخلاصة ذلك أنه ينام بعد صلاة العشاء، فإذا غلبه النوم وما استيقظ إلا بعد الشمس، فلا مؤاخذة نائم. لكن أن يظل في منهجه السابق ما يجوز ولا تجزئه هذه الصلاة. أما أنه يعتبر كافراً أم مقصراً فقط؟

أقول: لا يعتبر كافراً إذا كان معترفاً بشرعية هذه الصلاة كل في وقتها، وضميره كما يقولون اليوم يؤنبه على تقصيره، فهذا لا يعتبر كافراً .. مداخلة: بخلاف المنهج. الشيخ: بخلاف المنهج. لا يعتبر كافراً وإنما يعتبر مقصراً أشد التقصير، وأخيراً: أدى فريضة الحج فهل تعتبر صحيحة؟ نقول: إذا كان قد أدى فريضة الحج بشروطها وبأركانها فهي صحيحة، واضح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: وهل تجوز أم لا؟ الجواب: نعم. مداخلة: ... الشيخ: هو يصلي أو لا يصلي؟ مداخلة: بعد التوبة؟ الشيخ: نعم. مداخلة: مكث ثلاث سنوات يصلي. الشيخ: يصلي، طيب ما اغتسل؟ مداخلة: نعم، بعدما رجع إلى الله صار له ثلاث سنوات يقول ما أغتسل، جاهلاً فيه. الشيخ: كل هذه السنين. مداخلة: نعم يغتسل، ولكن اغتسال الرجوع إلى الله مثل مثلاً المسيحيين لما

يدخل الإسلام يغتسل الشيخ: هل كان كافراً؟ مداخلة: لا. الشيخ: هو كان ضالاً. مداخلة: ضالاً تاركاً للصلاة وسائر العبادات. الشيخ: إذاً: ليس كافراً، عندما كان تاركاً للصلاة كان مؤمناً بها كما قلنا في المرة الأولى. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب هذا ليس كافراً، ولذلك لا يجب أن يغتسل، كما يجب على الكافر إذا أسلم أن يغتسل، لكن هو لما مثلاً تاب إلى الله عز وجل توبة نصوحة، وفاجأته أول صلاة، فإن كان جنباً مثلاً فعليه أن يغتسل، وإن كان محدثاً حدثاً أصغر عليه أن يتوضأ. لا بد أنه فعل هذا وهذا، أما اغتسال لأنه ارتد، هذا إنما يجب على قول من يقول من مشايخكم في هذه البلاد، أن تارك الصلاة كسلاً كافر مرتد عن دينه، وهذا ليس صواباً. ولذلك فهو ضال؛ أسلم منذ ثلاث سنوات، لا يجب عليه إلا ما فعله، أن يغتسل غسل الجنابة عند اللزوم، وأن يتوضأ لكل صلاة، ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم جميعاً. "الهدى والنور" (402/ 20: 11: 00)

[608] باب منه

[608] باب منه السؤال: حكم تارك الصلاة قطعياً؟ الشيخ: حكم تارك الصلاة إن كان تركها كسلاً وهو يؤمن بشرعيتها فهو مسلم فاسق، أما إذا كان ينكر شرعيتها فهو كافر مرتد عن دينه. " الهدى والنور" (437/ 28: 14: 00) [609] باب منه السؤال: ما حكم تارك الصلاة، وماذا يفعل من كان أبوه أو أخوه أو ابنه تارك لصلاته؟ الجواب: بالنسبة للشطر الأول: تارك الصلاة له حالتان: إما أن يتركها كسلاً وإما أن يتركها جحداً لشرعيتها، فإن تركها كسلاً فجمهور العلماء أيضاً على أنه لا يكفر، ومذهب أحمد في رواية عنه تخالف الرواية الأخرى التي توافقه توافق الجمهور، يقول بأنه يكفر بترك الصلاة ولو كسلاً، لكن الرواية التي رجحها كبار فقهاء الحنابلة كابن قدامة المقدسي في المغني وغيره، رجحوا روايته الأخرى الموافقة لرواية الجمهور وهي أن تارك الصلاة كسلاً يفسق ولا يكفر، أما إن تركها جحداً لشرعيتها، فهذا كافر بالإجماع. لكن هنا صورة لا بد من التنبيه إليها؛ لأنها تذكر في فروع الجمهور الذين لا يكفرون تارك الصلاة؛ لأنه تركها كسلاً، فما جزاء تارك الصلاة كسلاً.

هناك مذهبان: مذهب أبي حنيفة أنه يحبس حتى يتوب، ومذهب الإمام الشافعي وغيره أنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. الخطأ أن تمام الجواب فإن لم يتب قتل، قالوا: وغسل وصلي عليه ودفن في مقابر المسلمين، هذا خطأ. مداخلة: .. كفر .. الشيخ: لا، هم ما يقولون كفر. مداخلة: قتل حدًّا. الشيخ: لا في دقة هنا، ما يأتي بيانه وتجاوباً مع قول أهل العلم الذي أخل به أكثر طلاب العلم في هذا الزمان، من بركة العلم أن يعزى كل قول لقائلهن فأنا استفدت ما يأتي من كلام ابن تيمية لم يسبقه إليه أحداً إطلاقاً. يقول: من عرض على النطع -على القتل- وهو تارك صلاة، قيل له: إما أن تتوب وتصلي وإلا قتلناك فآثر القتل على الصلاة، هذا يموت كافراً؛ لأنه لا يتصور أن يكون يدين الله عز وجل بشرعية الصلاة وأمامه القتل ويعاند ويختار القتل على الصلاة، هذا مستحيل، لذلك فهذا قول خطأ يا أبا عبد الرحمن، هذا القول خطأ، لا يقتل حداً مثل هذا الرجل. مداخلة: هم يقولون .. الشيخ: سامحك الله، وأنا أقول ماذا؟ أنا أقول إنما يقولون قول باطل لا يجوز. إذاً: تارك الصلاة كسلاً لا يحكم عليه بالكفر، لكن يستتاب فإن تاب فبها.

[610] باب حكم من ترك الصلاة عنادا واستكبارا

فما الفرق بين القولين الذي يحكم بالكفر والذي يقول لا، ليس بكافر، تارك الصلاة كافر طلقت زوجته بانت منه، فلا بد أن يعقد من جديد ويجدد إيمانه من جديد، أما الذي يقول تارك الصلاة كسلاً لا يكفر لا يترتب عليه هذه الأمور الأخرى، لكن إذا ما جيء به أمام القاضي الشرعي، وقيل له: صل وإلا قتلناك، فآثر القتل على الصلاة هذا يموت كافراً، لا يتصور أن يكون إلا عقائدياً كما يقولون اليوم، لا يرى الصلاة، فهذا يموت كافراً. "الهدى والنور" (642/ 00:27:21) [610] باب حكم من ترك الصلاة عنادًا واستكبارًا عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له» رواه ابن عبد البر وغيره موقوفاً. (صحيح موقوف). وقال ابن أبي شيبة قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من ترك الصلاة فقد كفر». وقال محمد بن نصر المروزي: سمعت إسحاق يقول: «صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تارك الصلاة كافر, وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر». [قال الإمام]: قلت: وزاد ابن عبد البر في التمهيد (4/ 226) عن إسحاق: إذا أبي من قضائها وقال: لا أصلي. ففي قوله هذا ما يشعر أنه لا يصلي عناداً واستكباراً عن

[611] باب نقاش حول حكم تارك الصلاة

الخضوع لله بها, فهو في هذه الحالة ونحوها كافر. وليس كذلك من يقول مثلاً في هذا الزمان الذي عطلت فيها إقامة الحدود الشرعية - حين ينكر عليه ترك الصلاة قال -: الله يتوب علي, والله يعلم أنه صادق فيما يقول ... فليس الكفر هو لمجرد الترك, بل ما اقترن به من العمل الدال على الكفر القلبي, فعليه تحمل أحاديث الباب وآثاره. والله أعلم. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 259). [611] باب نقاش حول حكم تارك الصلاة السائل: سؤال على أساس نحن نعلم بأن من ينكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة يعني تذاكرنا بهذا الكلام عند كثير من المشايخ الله يجزيهم خيراً، ولكن الله يجزيك الخير تفصل لنا، واحد ينكر شيء معلوم من الدين بالضرورة نزل من الله سلطان بأنه كافر من فعل ذلك، مثلاً: آتي لحديث صحيح رواه مثلاً البخاري ومسلم بين الرجل والكفر ترك الصلاة، ومن تركها فقد كفر، وأيضاً ورد بأن البعث واجب الإيمان به وورد بأنه مثلاً أحاديث متواترة عن عذاب القبر أو المسيح الدجال كذا .. إلخ، طيب أحد أنكر شيئاً من هذه المعلومات بالضرورة، ما حكمه، وكيف نتعامل معه، ألا يكفر بهذا الكلام. الشيخ: أنت حشرت أموراً اعتقادية بأمور عملية، مثلاً: إنكار البعث والنشور قرنت معها ترك الصلاة، وأنت تعرف أن ترك الصلاة عمل يقترن به نية، أما البعث فهو مجرد إيمان وقر في القلب أو خرج من القلب، فالأحكام أحكام العبادات والمعاملات لا يمكن أن تقرن مع الغيبيات، فالآن حدد كلامك حتى يتضح لك الجواب، هل أنت في موضوع الإيمانيات والغيبيات كالبعث والنشور ونحو ذلك،

أم أنت في العمليات كالصلاة والزكاة ونحو ذلك؟ السائل: حددت السؤال يا شيخ، قلت: معلومات من الدين بالضرورة، أمور معلومة من الدين بالضرورة. الشيخ: معلوم من الدين بالضرورة الصلاة مثلاً معلوم من الدين بالضرورة، هل سؤالك أنه أنكرها أم تركها؟ السائل: تركها. الشيخ: وما أنكرها؟ السائل: وما أنكرها. الشيخ: طيب، فالمعلوم من الدين بالضرورة العلماء يسوقوه في مساق الغيبيات أم الأحكام؟ السائل: نريد منك التفصيل. الشيخ: العلماء لما يقولوا العبارة يقصدون بمن أنكر شيئاً معلوم من الدين بالضرورة فهو كافر، «من أنكر»، ليس من ترك العمل، فيجب أن تفرق. السائل: ورد بالنص يا شيخ: من تركها. الشيخ: يجب أن تفرق الله يهديك، الآن نحن نبحث في اصطلاح العلماء ومن هو الكافر عندهم، ما نبحث بخصوص تارك الصلاة، هذه لها حجرة لوحدها، بحث لوحده، فمن أنكر شيئاً معلوم من الدين بالضرورة، هو الذي يكفره العلماء، أما من ترك شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة وهو يؤمن أنه من الدين بالضرورة فهذا لا يدخل في قاعدة من أنكر شيئاً من الدين بالضرورة فقد

كفر لأنه لا ينكر، يعني: الآن أنت جئت بمثال الصلاة، لأنه موضوع الساعة، ومشايخ السعودية دائماً يدندنون حول القضية هذه، اترك الآن مؤقتاً موضوع الصلاة، وخذ الذي لا يصوم، هل هو أنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة؟ السائل: لا. الشيخ: طيب، هل هو كافر وهو لا يصوم؟ السائل: لا. الشيخ: طيب. السائل: ما ورد هنا نص يا شيخ. الشيخ: لا تقل يا أخي ما ورد. السائل: ورد نص بأنه يكفر تارك الصلاة. الشيخ: الله يهديك اصبر. السائل: تفضل. الشيخ: الآن نحن نزيل عراقيل؛ لكي لا يقع الإنسان في سوء الفهم، منها: أن نعلم ماذا يعني العلماء بمن أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، فالصيام هي من الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، الصيام، فمن أنكر شرعية الصيام كمن أنكر شرعية الصلاة، كلاهما كافر، بل من أنكر ما هو دون ذلك من أنكر مثلاً تحريم الخمر فهو كافر، والأمثلة بالعشرات إن لم نقل بالمئات والألوف. إذاً: الآن واضح لك ما المقصود من قاعدة المعلوم من الدين بالضرورة،

لكني أنا أظن ما هو هذا أنت موضوعك، بس اختلط عليك شعبان في رمضان، موضوعك أن تارك الصلاة جاء فيه نص من ترك الصلاة فقد كفر، ولذلك هذا ظهر منكم أكثر من مرة خاصة لما أتيت لك بمثال الصيام، قلت: ما جاء فيمن ترك الصيام، أنا أقول الآن: إذاً موضوعك: ما حكم من ترك الصلاة؟ السائل: أيضاً أنا أقصد الأمور الأخرى جزاك الله خير أنت فصلت لي سؤالي. الشيخ: إذاً انتهينا منها. السائل: نعم انتهينا منها. الشيخ: طيب نحن في الصلاة الآن. السائل: الآن تارك الصلاة نعم جزاك الله خيراً. الشيخ: فمن ترك الصلاة فقد كفر، ألا تتصور معي أن كل تارك للصلاة يمكن أن يتوفر فيه أمران اثنان، ويمكن ألا يتوفر فيه الاثنان وإنما شيء واحد، فرب تارك للصلاة لا يصلي، هذا شيء، الشيء الثاني لا يرى شرعية الصلاة، هو يقول لك كما نسمع من بعض الشباب: بلا صلاة بلا صيام، هذا كان في وقت مضى وانقضى، الآن المدنية والرقي والرياضة كل هذا يغنينا عن مثل هذه التمارين، هذا يختلف عن الأول، الأول لا يصلي فعلاً، لكنه يؤمن بشرعية الصلاة، وإذا قلت له: يا أخي لماذا لا تصلي؟ يقول: الله يتوب علينا، هذا مؤمن أم كافر؟ السائل: شيخ, قلت لك ورد فيه نصاً. الشيخ: كافر؟. السائل: كافر.

الشيخ: لا تحيد عن الجواب، كافر؟ السائل: كافر. الشيخ: لا، مؤمن. السائل: ترك الصلاة يا شيخ. الشيخ: الله يهديك الله يهديك، أنت بتقول لي تارك الصلاة هل أنبأتني بشيء مجهول عندي، أنا أقول لك: هو تارك صلاة، أنت تقول لي: تارك صلاة. الله يهديك. قل آمين. السائل: آمين. الشيخ: الرجلين كلاهما تارك للصلاة، أحدهما تارك للصلاة ويؤمن بشرعيتها وأتيت لك بمثال واقعي، إذا قيل له يقول: الله يتوب علينا، الآخر يقول: بلا صلاة بلا صيام، فهذا تارك للصلاة ومنكر لشرعية الصلاة، هل هما سواء؟ الآن ما أظنك تقول سواء. السائل: قد يكون كفراً دون كفر يا شيخ. الشيخ: .... يخوِّف يخوِّف. السائل: يا شيخ فيه منافق في الدرك الأسفل من النار ومنافق .. الشيخ: الله يهدينا وإياك قل آمين. السائل: آمين اللهم آمين. الشيخ: هؤلاء الاثنين مثل بعض؟

السائل: قد يكون هذا في الدرك الأسفل من النار وذلك .. الشيخ: هؤلاء الاثنين مثل بعض؟ السائل: لا. الشيخ: الحمد لله، ... ليس مثل بعض، ما الفرق؟ السائل: هذا أنكرها يعني أنكر مشروعيتها وذلك تركها فقط. الشيخ: هذا لا يقابل أنكر الله يهديك، ذلك تركها فقط تركها واستوى مع الآخر الذي في الترك، لكن اذكر لي نقطة الخلاف بينهما ... السائل: هذا تركها جحوداً بشرعيتها، وذلك تركها مؤمناً بشرعيتها. الشيخ: هذه جاءت منك، احفظ ما قلت الآن، ما هو. السائل: حافظ حافظ، قلت: أن هذا أنكرها. الشيخ: نقطة الفرق. السائل: الجحود وعدم الجحود. الشيخ: لا. السائل: جحود وإيمان بالشرعية. الشيخ: الجحود يقابله الإيمان. السائل: شيخنا أرجع وأقول: أن هناك ورد نص. الشيخ: الله يهديك. السائل: آمين.

الشيخ: أنا عارف ما تريد أن تقول، لكن نريد أن نمشي خطوة خطوة، هذا مؤمن وذاك كافر، ذاك أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة فهو كافر كفر ردة، هذا الآخر كفر بتركه الصلاة فعلاً، لكنه آمن بشرعيتها، فهو يجمع بين إيمان وبين ترك لما يؤمن به، صح؟ طيب، قال عليه الصلاة والسلام: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» ماذا تقول بهذا الحديث؟ «لا إيمان لمن لا أمانة له» أنت حطيت أمانة عند زيد من الناس ورجعت بعد مدة طلبتها منه أنكرها، كافر أم مؤمن؟ السائل: أي سماء تضلني وأي أرض تقلني، ما أعلم والله لا إيمان غَيْرَ كُفْر. الشيخ: إذاً فأنت خضت .. السائل: لا إيمان, غير كفر. الشيخ: نعم؟ السائل: لا إيمان لما يقول: لا إيمان قد تكون غير كفر، «لا إيمان لمن لا أمانة له» غير من تركها. الشيخ: الله يهديك. السائل: آمين. الشيخ: أنت لا تشعر الآن أنك تتكلم بغير علم؟ السائل: أنا لست عالماً، أستفتيك يا شيخ. الشيخ: أنا أسألك: أنت تقرر لا تستفيد، فأنا أسألك: هذا الحديث ما رأيك؟ قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له» فأنكر الأمانة فهل هو كفر؟

السائل: نقول كما قال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: لا إيمان له. لا أعلم .. الشيخ: أرأيت كيف تجادل، من أجل هذا قلت لصاحبك: هذا يخوف، ليست تخوف يعني بعلمك، لا، العكس تماماً، أنت تجادل بالباطل، وربك يقول لك: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36) أنت تقول: لا أعلم، أما أن تتكلم هكذا بأوهامك التي أنت عايش فيها لأنه عندك شيء من العلم، هذا لا يجوز في دين الله أبداً، ما معنى: (ولا دين لمن لا عهد له)؟ السائل: قلت لك: هذا لا أعلم تفصيله يا شيخ. الشيخ: قلت، طيب كذلك أنت لا تعلم ما معنى: «بين الكفر وبين الرجل ترك الصلاة» لا تعلم، لأنك لم تحط بالأدلة التي تتعلق بموضوع الكفر العملي والكفر الاعتقادي، الآية المعروفة اليوم التي يطرحها المعروفون قديماً بجماعة الهجرة والتكفير، والمعروفون اليوم باسم الجهاد أو المجاهدين في مصر أو غيره، أو جماعة الجهاد اسمهم: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) ما رأيك في إنسان حكم بحكم خالف فيه الشرع كَفَرَ؟ السائل: الحاكم يعني؟ الشيخ: أنا أسألك سؤالاً أنت أجب عنه. السائل: أعد السؤال إذا ممكن. الشيخ: الله يهديك. السائل: آمين.

الشيخ: اسمع، ما رأيك في رجل حكم في حكومة في قضية بخلاف ما أنزل الله، أكفر؟ السائل: ما أستطيع أحكم في هذا، إن كان حاكماً. الشيخ: أنا أسألك الآن: وأنت مكلف أن تحكم؟ السائل: كيف يعني، يعني: بالنسبة لي أحكم على تارك الصلاة مثلاً؟ أنا لا أفهم السؤال. الشيخ: الله يهديك، أنت قلت: ما أستطيع أن أحكم. السائل: أنا سألتك الحاكم. الشيخ: أنت سألتني؟ السائل: نعم سألتك الحاكم. الشيخ: الله يهديك أنا السائل: رجل حكم بحكومة على خلاف حكم الله عز وجل أكفر؟ أنا السائل، أنت عليك الجواب، تقول: كفر، ما كفر، لا أدري. السائل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44). الشيخ: لا تجاوب. السائل: أنا أقول لك: نعم الآية تقول: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44). الشيخ: يا أخي أنا عارف الآية أنا تلوتها على مسامعك ترجع بنفس القضية السابقة ... أن هذا تارك الصلاة وأنا سألتك عن تارك الصلاة الله يهديك.

السائل: لا أقول يعني: نفس الآية {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) يعني: يكفر بصريح الآية يكفر نعم. الشيخ: الله يهديك، أنا أسألك عن الآية تلوتها أنا على مسامعك وبنيت عليها هذا السؤال: رجل حكم في قضية ما بخلاف ما أنزل الله أكفر؟ الآية. السائل: أنا لم أستوعب سؤالك. الشيخ: لن تستطيع أن تستوعبه، تعرف لماذا؟ لأنك ليست بهذا المستوى، لازم تعرف حالك. السائل: معليش يا شيخ. الشيخ: لا أنت معليش، فهمت، أنت فهمت السؤال؟ السائل: أنا أسألك إن كنت تقصد .. الشيخ: أنا أسألك: فهمت السؤال قل لي نعم أو لا. السائل: لا ما فهمت. الشيخ: سبحان الله، ما سمعتك مرة تقول إيه أو لا، إلا تلف وتدور، هل فهمت السؤال؟ السائل: لا ما فهمته. الشيخ: إذاً: كيف تجاوب عنه. السائل: قلت لك: ما استوعبت سؤالك. الشيخ: الله أكبر. السائل: قلت يا شيخ: ما استوعبت سؤالك. الشيخ: قلت؛ ألست أنت قرأت علي الآية وقلت لي: كفر، أنت أم غيرك؟

السائل: نعم قلت، ومن لم يحكم بما أنزل الله. الشيخ: إذاً: ما التناقض هذا، التناقض كله يأتي من الحرارة التي ليست قائمة على علم، أعيد عليك: هل فهمت السؤال؟ السائل: لا. الشيخ: كيف تجيب إذاً؟ السائل: فهمت .. الشيخ: الآن أطور السؤال: رجل حكم في حكومتين بغير ما أنزل الله هل هناك فرق بين هذا الثاني والأول؟ السائل: كلهم ما حكم بما أنزل الله، لا. الشيخ: ما فيه فرق؟ السائل: لا. الشيخ: هل هناك قاض لا يمكن أن يحكم ولو مرة في زمانه بغير ما أنزل الله؟ السائل: لا. الشيخ: إذاً: كلهم كفار. السائل: لا نستطيع أن نحكم بكفرهم يا شيخ. الشيخ: الآن أنت استطعت، الآن أنت حكمت، لأنك ما فرقت بين رجلين، لأنه ظننت أنك ستفرق، كنت أريد أوصلك إلى عند أبو رقيبة، هذا الذي يعترف أن الإسلام مضى وانقضى والصيام هذا والضحايا والأموال لازم ندخرها، فأنت ما تفرق بين إنسان حكم مرة واحدة بخلاف ما أنزل الله اتبع هوى اتبع شهوة خاف

من ضرر .. إلخ، فتقول: أن هذا كفر، وبين إنسان ثاني أعاد القضية ثاني مرة ويقول لك: هو دائماً يحكم بغير ما أنزل الله، ما تفرق بين الأمثلة كلها؟ السائل: لا، أفرق. الشيخ: تفرق؟ السائل: أفرق نعم. الشيخ: طيب، خلينا نأخذ الرقم الأصغر، ما الفرق بين رقم واحد ورقم اثنين؟ السائل: رقم واحد ورقم اثنين كأنه أخطأ، مرة واحدة تقول في عمره مثلاً لم يحكم بغير ما أنزل الله. الشيخ: تعيد علي كلامي، جزاك الله خير، أنا أسألك ما الفرق؟ السائل: الأول أخطأ وذاك .. الشيخ: ما الفرق بالنسبة لكفر وما كفر؟ السائل: هذا مقر بالحكم بما أنزل الله، وأخطأ في تنفيذه، وذاك لا يقر به إطلاقاً. الشيخ: من قال لك، أنا هكذا قلت لك، الله يهديك، يا الله يا سيدي، فيه عندكم سؤال ضروري. تفضل (¬1). "الهدى والنور" (491/ 51: 36: 00) ¬

(¬1) قمت بإثبات النقاش مع أن الشيخ قد قطعه؛ لأنه لا يخلو من فائدة في طريقة الشيخ في المحاججة.

[612] باب تحقيق أقوال بعض الصحابة ومن بعدهم في حكم ترك الصلاة

[612] باب تحقيق أقوال بعض الصحابة ومن بعدهم في حكم ترك الصلاة [قال المنذري: قد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمداً لتركها، حتى يخرج جميع وقتها، منهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم، ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب وغيرهم رحمهم الله تعالى. فعلق الإمام قائلاً]: في ذكر المؤلف بعض هؤلاء الصحابة وغيرهم في جملة من قال بكفر تارك الصلاة نظر لا يتسع المجال لتفصيل القول في ذلك وبيانه, لكن اذكر منهم على سبيل المثال عمر بن الخطاب وعبد الله بن العباس؛ فإنه لم يصح ذلك عنهما, فانظر التعليق على هذين الأثرين في (ص 258,259) [من صحيح الترغيب والترهيب] و «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (5650). ونحو ذلك ذكره فيهم أحمد بن حنبل، وهذا وإن كان يذكره بعض الحنابلة المتأخرين، فإنه لا يصح عند محققيهم، فقد ذهب كثير منهم إلى عدم تكفيره إلا بالجحد ونحوه، كمثل ابن بطة ... ، وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه البار ابن قيم الجوزية، ومن سار على منوالهم، كالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعاً، كيف ولا وقد صح عن إمام السنة أنه سئل عن ترك الصلاة متعمداً، فقال: « ... والذي يتركها لا يصليها، والذي يصليها في غير وقتها؛ أَدْعُوْهُ ثلاثاً فإن صلى

[613] باب توجيه كلام عبد الله بن شقيق في تارك الصلاة

وإلا ضربت عنقه، هو عندي بمنزلة المرتد ... » ونحوه كلام المجد ابن تيمية، وحفيده ابن تيمية، وكثير من محققي الحنابلة، ومنهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما تراه محققاً مفصلاً في كتابي «حكم تارك الصلاة». "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 263). [613] باب توجيه كلام عبد الله بن شقيق في تارك الصلاة عن عبد الله بن شقيق العقيلي رضي الله عنه قال: «كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة». (صحيح موقوف). [قال الإمام]: هذا ونحوه محمول على المعاند المستكبر الممتنع عن أدائها ولو أنذر بالقتل. كما قال ابن تيمية وابن القيم, انظر رسالتي «حكم تارك الصلاة». "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 256) [614] باب هل يحكم على من لا يصلي بالكفر وبالتالي مقاطعته؟، وبيان متى تكون المقاطعة وسيلة تأديبية السائل: شيخنا! ما قولك في قوله تعال: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... } (المجادلة:22) إلخ الآية، فيه نعرف أن ترك الصلاة كفر، ممكن الآباء أو الأبناء أو الأخوان تاركين الصلاة، هل نعتبرهم ممن يحادون الله ورسوله، وهل مطلوب منا ألا نوادهم إذا كنا مؤمنين بالله؟ الشيخ: الآية كيف تقول؟

السائل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} (المجادلة:22). الشيخ: يجب أن نقف عند قوله تعالى: (يحادون الله ورسوله) ماذا نفهم منها؟ السائل: مفهومي أنا الصحيح أنا لست شيخًا أنا محاسِب، أنا رجل مالي يعني؛ مطلوب وضع نفسه في حد ووضع الرسول والله سبحانه وتعالى في حد آخر، إن كان بإعلان الكفر، أو بارتكابه المعاصي، فيه أمور كثيرة جداً. الشيخ: لا، بس فيه عندنا هنا بدي أنت نظرك لشي أنت ما دام تقول: أنا محاسب، معناها تُعَرِّفُني أنك لست عالماً على الأقل بعلم التفسير، صحيح هذا؟ السائل: صحيح بس أقرأ التفسير وأتعلم. الشيخ: حينئذٍ ينبغي أن يعلم كل منا كما أنه لا يجوز للعالم بالفقه أو الحديث أو التفسير أن يعتدي على صنعة الدكتور تيسير وهو طبابة لأنه أنا جاهل بالطب، فأنا أستمد منه المعرفة التي خصه الله بها، فكذلك هو بدوره لا يعتدي على غيره من أهل العلم إن كان محدثاً فما يأتي يفتأت عليه ويقول: هذا حديث صحيح وغير صحيح وضعيف .. إلخ، لأن هذا ليس من اختصاصه، كما أني أنا مسؤول أن أسأل أهل العلم، فهو أيضاً مسئول أن يسأل أهل العلم، كما قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43)، كذلك لا يجوز لعامة المسلمين أن يفسروا القرآن بما يبدوا لكل واحد منهم، وإنما كما قال تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (الفرقان:59)، أو الآية الأولى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43)، معليش أنا ما أعتب عليك أنك سألت، لا، لكن أقول: ما

ينبغي لك ولأمثالك أن يكوِّنوا رأياً في فهم آية إلا بعد أن يسألوا أهل العلم، فهنا الذين يحادون الله ورسوله المقصود بهم المشركون، فلا يقصد به الولد الذي ضربت به مثلاً أنه تارك صلاة. مداخلة: الولد أنا ما أقصد طفل، ما أقصد طفل أنا. الشيخ: لا لا، أنا أقصد معك، أي تارك الصلاة أنا أقول الذي تقصده أنت، الولد ما قصدت الولد الصغير أنت ذكرتني الآن بحديث، والشيء بالشيء يذكر، جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال: يا رسول الله! أركبني، يعني: يريد دابة تحمله أمامه سفر، قال للمختص بالإركاب: أركبه يا فلان ولد الناقة، قال: يا رسول الله! «وهل يحملني ولد الناقة»، قال له: وهل الناقة إلا ولد الناقة. فكلمة ولد في اللغة العربية لا تعني معناها صبي غير بالغ. مداخلة: الشائع حالياً. الشيخ: معليش ما معليش، يمكن أنا غلب علي الفقه الحديثي في هذا، فأنا قلت الولد يعني: ولد الابن، ولو كان مكلفاً، وإنما المقصود هنا الذين يحادون الله يعني: يعادونه ويعلنون عداءه، فلا ينبغي للمسلم أن يوادد ويحابب هؤلاء، فما فيه إشكال، أما إذا كان هناك والد ابتلي بولد أعيد كلمة ولد، ولنقل الآن توضيحاً: ولد بالغ مكلف بأنه لا يصلي، فما ينبغي أن يعاديه، لكن ينبغي أن يناصحه، وأن يلتزم دائماً توجيهه وتذكيره، ولا يكون كما يفعل اليوم الآباء يتركون الأبناء كما يقولون: يرخوا لهم الحبل على الغارب، ويتركوهم يشرقوا ويغربوا، ويمشوا على كيفهم، ويروحوا سينما وما يأتون إلا نصف الليل .. إلخ، هذا لا ينبغي، كما أنه ليس هذا معناه أنه يعادونه ويحاربونه ...

[فالواجب] أن يعتني بالولد، وأن يسعى دائماً لتوجيهه، كما تعلمون من قوله تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم:6)، والآية الأخرى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (طه:132) ما معناها: صلِّ، وهذا الأمر أيضاً لا تقل: أنا أمرته ما فيه فائدة، لا. مداخلة: الصبر عليها على الصلاة ليس على التربية. الشيخ: الصبر على الصلاة طبعاً، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (طه:132)، فالشاهد أن الأمر ينبغي أن يتكرر من الوالد لابنه، حتى يشعر بأنه الولد هذا تأثر بنصيحة والديه، لكن لا ينبغي معاداته. السائل: لم أقصد هذا، قد يكون قريب أو صديق. الشيخ: معليش، إذا الابن بارك الله فيك فمن باب أولى الآخرون ... السائل: من شوية الأخ سأل سؤال عن العمة، أقرت منكر فتم مقاطعتها. الشيخ: لا، هذا شيء آخر، أنت لا تسأل بارك الله فيك عن المقاطعة، أنت تسأل عن الآية المواددة والمحاببة، المقاطعة وسيلة في الإسلام تأديبية، المقاطعة في الإسلام وسيلة تأديبية، أنا قلت للرجل: نعم ما فعلت فعلاً، لأن ربنا يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2)، فإذا الابن زنا والأم أقرته على الزنا وما أنكرته، والولد هذا ما أدري ماذا سيكون بالنسبة لها، قلت: عمتك آه؛ فأقرها أيضاً، معناها سيصيب المسلمين ما أصاب اليهود، {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة:79)

فالمقاطعة هي وسيلة تربوية شرعها الرسول عليه السلام، مع خيرة من خيرة أصحاب الرسول عليه السلام، وهم الثلاثة الذين خلفوا (¬1)، تعرف هذه القصة يمكن في القرآن الكريم. حيث أعلن الرسول عليه السلام أنه سيتوجه للغزو وللجهاد، فثلاثة منهم تأخروا وانشغلوا، وفعلاً تخلفوا، وأحدهم اسمعه كعب بن مالك، كان من خيرة أصحاب الرسول عليه السلام، بعد أن رجع الرسول من الغزوة ندم على ما فعل، وهو كل يوم يقول: اليوم أروح اليوم أروح، وشغل، فلما رجع الرسول عليه السلام وجاء المتخلفون وفيهم كثير من المنافقون، كل واحد يقدم العذر، والرسول يقبل العذر، يقول هو عن نفسه هذا: لما جئت إلى الرسول عليه السلام قال له: والله يا رسول الله إني لأعلم أنني أوتيت نطقاً وكلاماً، أنني أستطيع أن أقول كما قال الآخرون، ولكنني أخشى أن أقول خلاف الواقع فيفضحني الله تبارك وتعالى، فأقر الرجل أنه تخلف، فأمر زوجته بأن تذهب إلى دار أهلها، وأمر الصحابة بأن يقاطعوه هو واثنين آخرين ممن تخلفوا، وهكذا خمسين يوماً، ويحكي هذا الرجل كعب بن مالك الحالة النفسية التي أصيب بها كما عبر الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} (التوبة:118)، يعني: كان يهم أن يصعد إلى جبل ويلقي نفسه، كلما رأى شخص: السلام عليكم، السلام عليكم؛ لا أحد يرد السلام؛ لأن الرسول أمر بالمقاطعة، فكانت هذه المقاطعة سبب لتزكية نفوس هؤلاء، وندموا على ما فعلوا للتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، حتى أنزل الله عز وجل التوبة عليهم، فالمقاطعة أمر مشهور مرغوب في الواقع، ولكن فيها دقة فيجب أن توضع في مكانها. ¬

(¬1) البخاري (رقم4156) ومسلم (رقم7192).

[615] باب خطورة القول بتكفير تارك الصلاة

والناس أيضاً هنا ككثير من المسائل ما بين إفراط وتفريط، اسم المقاطعة اليوم لا ذكر لها على ألسنة الخطباء والمدرسين، لماذا؟ لأني أنا أقول في كثير من الأحيان لما أسأل يقول: يا أخي إذا تُقاطع الناس كلها معناها تنزوي على رأس جبل ولا تخالط الناس، لكن بدك تصبر، لكن لما يكون العلاقة بين شخص وشخص قريبه فهنا المقاطعة يكون لها تأثير، أما مقاطعة الناس كلها هذا لا يمكن، لذلك قال عليه السلام: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم». "الهدى والنور" (261/ 41: 00: 00) [615] باب خطورة القول بتكفير تارك الصلاة سؤال: قلتم في بعض مجالسكم أن الخطأ في مسألة تكفير تارك الصلاة مفتاح لباب من أبواب الضلال، نرجو أن تفصلوا لنا القول في هذه المسألة؟ الجواب: تفصيل هذه المسألة هو ما تكلمنا عنه مراراً وتكراراً: التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي؛ لأن تارك الصلاة له حالتان: إما أن يؤمن بها بشرعيتها، وإما أن يجحد شرعيتها، ففي الحالة الثانية هذه فهو كافر بإجماع المسلمين، وكذلك كل من جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، من جحد الصيام مثلاً فهو كافر، الحج إلى آخر ما هناك من أمور معروفة عن المسلمين جميعاً أنها من ضروريات الدين، فهذا لا خلاف فيه، من جحد شرعية الصلاة فهو كافر، لكن إذا كان هناك رجل لا يجحد الصلاة، يعترف بشرعيتها، ولكن من حيث العمل هو لا يقوم بها، لا يصلي، فربما لا يصلي مطلقاً، وربما يصلي تارة وتارة، ففي هذه الحالة إذا قلنا: هذا رجل كفر ما يصدق عليه هذا الكلام بإطلاقه؛ لأن

الكفر هو الجحد، وهو لا يجحد شرعية الصلاة، كما قال تعالى بالنسبة للكفار: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) فإذا أخذنا مثالاً: زيدا ًمن الناس لا يصلي، ولكن حينما يُسْأَل: لماذا لا تصلي يا أخي؟ يقول لك: الله يتوب علي، والله الدنيا شغلتني، الأولاد شغلوني، من هذا الكلام، هذا الكلام طبعاً ليس له عذر مطلقاً، لكن يعطينا فائدة لا نعرفها نحن؛ لأننا لا نطلع على ما في قلبه، يعطينا فائدة أنه رجل يؤمن بشرعية الصلاة، بخلاف ما لو كان الجواب لا سمح الله: يا أخي الصلاة هذه راح وقتها، كانت في زمن كان الناس غير مثقفين، كانوا وسخين، كانوا بحاجة إلى نوعية من النظافة والطهارة والرياضة، وهذا الآن ذهب زمانه، الآن الوسائل جديدة تغنينا عن الصلاة، فهذا كفر فإلى جهنم وبئس المصير. أما إذا كان الجواب هو الأول: لماذا لا تصلي؟ الله يتوب علينا، الله يلعن الشيطان، من هذا الكلام الذي ينبئنا أن الرجل لا ينكر شرعية الصلاة، فإذا قلنا: هذا رجل كافر نكون خالفنا الواقع؛ لأنه هذا رجلٌ مؤمن بشرعية الصلاة، مؤمن بالإسلام كله، فكيف نكفره؟ من هنا نحن نقول: لا فرق بين تارك الصلاة، وتارك الصيام وتارك الحج، وتارك أي شيء من العبادات العملية في أنه يُكَفَّر وأنه لا يكفَّر؛ متى يكفَّر؟ إذا جحد، متى لا يكفَّر؟ إذا آمن وعلى ذلك جاءت الأحاديث الكثيرة التي آخرها: «أدخلوا الجنة من قال: لا إله إلا الله وليس له من العمل مثقال ذرة» ولكن له مثقال ذرة من إيمان، فهذا الإيمان هو الذي يمنعه من أن يخلد في النار، ويدخل الجنة ولو بعد أن صار فحماً أسود، لكن هذا الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويؤمن بكل ما جاء عن الله ورسوله لكن لا يصلي، أو لا يصوم، أو لا يحج، أو نحو ذلك، أو يسرق أو يزني، كل هذه الأمور لا فرق فيها إذا ما وضعت

[616] باب مناقشة بعض أدلة مكفري تارك الصلاة

في ميزان الكفر العملي والكفر الاعتقادي. فرجل مثلاً: يزني هل نكفره؟ ستقولون: لا، أنا أقول: لا، رويداً، ننظر هل يقول: الزنا حرام، أم يقول كما يقول بعض الجهال: بَلَا حرام بَلَا حلال، إذا قال هذه الكلمة كفر، كذلك السارق، أي ذنب، الرجل الذي مثلاً يستغيب الناس، تقول له: اتق الله، الرسول قال: «الغيبة ذِكْرُكَ أخاك بما يكره» يقول: بَلَا قال الرسول بَلَا كذا، كفر، هكذا كل الأحكام الشرعية سواء ما كان منها حكم إيجابي بمعنى فرض من الفرائض، أو كان حكماً سلبياً بمعنى: أنه [من] المحرمات [التي] يجب أن يبتعد عنها، فإذا استحل شيئاً من هذه المحرمات في قلبه كَفَرَ، لكن إذا واقعها عملياً وهو معتقد أنه عاصي لا يكفر، فلا فرق في هذا بين الأحكام الشرعية كلها، سواء ما كانت من الفرائض أو ما كانت محرمات، الفرائض يجب القيام بها، ولا يجوز تركها، لكن من تركها كسلاً لم يجز تكفيره، من تركها جحداً كفر، من استحل شيئاً من المحرمات كذلك يكفر، لا فرق في هذا أبداً بين الواجبات والمحرمات، هذا ما أردت بكلمة السائل. " الهدى والنور" (8/ 10: 41: 00) [616] باب مناقشة بعض أدلة مكفري تارك الصلاة سؤال: ... يُكَفِّرُ بعض العلماء تارك الصلاة ... ، ويقولون أيضاً بالكتاب والسنة وقول الصحابة والنظر الصحيح، والسامع لهذا الكلام يظن أن المسألة هكذا فعلاً، فنرجو حفظكم الله توضيح وتفصيل الجواب، أولاً: يقولون: القرآن يستدلون بالآية التي في سورة التوبة آية إحدى عشر {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ} (التوبة:11) يقولون: مفهوم الآية يدل على أنهم إن لم يفعلوا

ذلك فليسوا بإخوانكم، والإخوة لا تنتفي بالمعاصي، وإن عظمت، ولكن تنتفي عند الخروج عن الإسلام، ما مدى صحة هذا الاستدلال بهذه الآية، ولا يخفاكم أن السياق يتحدث عن المشركين؟ الشيخ: جوابي من ناحيتين: أن الإخوة قد تكون عامة، وقد تكون خاصة، فإذا كانت الإخوة المنفية هنا بسبب ترك ما فرض الله هي الإخوة العامة فكلامهم صحيح، لكن هذا ليس عليه دليل يُلْزِمُ المخالفين لهذا الرأي بقولهم؛ لاحتمال أن تكون الإخوة المنفية هي الإخوة الخاصة، وهذا لا بد لهم من أن يتبنوه، وهذه من الحجج القوية، لأنهم يفرقون بين تارك الصلاة وتارك الزكاة، من حيث أن تارك الزكاة ما يقطعون بكفره وردته كما يفعلون بالنسبة لتارك الصلاة، وقد ذكر مع ترك الصلاة ترك الزكاة، فما كان جوابهم، هذا الجواب جدلي، لكنه صحيح، وقد قدمنا الجواب العلمي، فما كان جوابهم عن تارك الزكاة هو جوابهم عن تارك الصلاة. مداخل آخر: شيخنا: ألا يقال أنه رتب تلك الأعمال على التوبة التي هي التوبة توبة الإسلام، وبالتالي إذا فقدت هذه التوبة الأعمال تلك الأخرى لا ثمرة لها، بالتالي كالكلام عن التوبة يعني: وتلك تبع للتوبة والسياق عن المشركين. الشيخ: ويش معنى كلامك؟ الآخر: يعني الآن فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم الكلام عن المشركين، وهو صدر البحث عن التوبة، يعني: توبة الإسلام الدخول في الإسلام، وبالتالي رتب تلك الأمور (فإخوانكم في الدين) يعني: لا يستلزم أنها تكون بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة إنما بسبب التوبة التي دخلوا فيها، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة طبعاً بالتوبة، فبالتالي لا ننزع عنه الإخوة في الدين بسبب تركه للصلاة فقط، يعني:

فيه قبل الصلاة توبة التي هي الأصل. الشيخ: طيب، وسياق الجواب مفهوم المخالفة فإخوانكم وإلا فليسوا بإخوانكم. الآخر: وهذا صحيح بسبب التوبة، مش بسبب إقام الصلاة. الشيخ: كيف؟ لأنه هو لسه مش موضح مراده، مفهوم المخالفة- وهنا الحجة-، فإن لم يؤتوا الزكاة فإن لم يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فليسوا بإخوانكم. الآخر: ما هو في قبل قوله: بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة توبة، فإن لم يتوبوا، وتلك الأعمال تبع. الشيخ: جميل، إذاً بنقول: فإن لم يتوبوا فليسوا بإخوانكم. الآخر: طبعاً. الشيخ: طيب، فإن لم يتوبوا ولم يصلوا أليسوا .. الآخر: هذا مصير البحث الآخر اللي تفضلت فيه أستاذنا. الشيخ: إيه نعم، يعني: نحن [لا ينبغي] أن نقول: أن المقصود فقط الجملة الأولى، وهي التوبة، وإنما التوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، المجموعة هذه، إذا انتفت يساوي نفي الإخوة، لكن هذه الإخوة المنفية هذه هي إخوة مطلقة أي: فهم مشركون كما كانوا من قبل أم بقدر ما ينقصون تنقص الإخوة، فبيكون المنفي إخوة الكمال كنفي «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له»، نفي الكمال وليس نفي الصحة. مداخلة: إذاً: في الفقرة الأخيرة هذه أجبت عن استدلالهم من السنة وهو

قولهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة وأن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» أن هذه الأحاديث ليست على ظاهرها؟ الشيخ: طبعاً، كفر دون كفر، حَلَّها ابن عباس رضي الله عنه. مداخلة: طيب إذا فيه كلام زيادة بيان في هذا؟ الشيخ: حسبك هذا الأمر. مداخلة: ويقولون أيضاً أقوال الصحابة أقوال الصحابة يقول أمير عمر الخطاب رضي الله عنه: «لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة» (¬1) والحظ: النصيب، وهو هنا نكرة في سياق النفي، فيكون عاماً لا نصيب قليل ولا كثير، هذا قول عمر بن الخطاب ما الجواب عليه، أوهل يصح هذا الاستدلال؟ الشيخ: والله ما ... أستحضر هو موجود في الترغيب، بس ما أدري إذا كان غير صحيح، ما أقدر أستحضر الآن، أقول: موجود في الترغيب، لكن لا أدري إذا كان صحيحاً أو لا. هذا لا يخرج عن البحث السابق ... مثل لا إيمان ما هو الفرق، ولا دين، ولا حظ. يعني: أريد أضيف تضيفوا على ما سبق أن هذا نكرة تفيد الشمول، هذا كلام عربي صحيح، لكن هذا حينما لا يكون هناك أدلة تضطرنا إلى تقييد هذه الدلالة، وإلا إذا أخذنا لا إيمان ولا يدخل الجنة و .. و .. ونحو ذلك من العبارات هذه، خرجنا بمذهب الخوارج، لكن حينما يضم إلى مثل هذا النص لا سيما وهو ¬

(¬1) سنن الدارقطني (رقم1) وسنن البيهقي الكبرى (3/ 366) رقم (6291).

موقوف، وليس بمرفوع، إذا ضم إليه الأحاديث التي فيها إثبات الإيمان لمن يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأنه ينجو من الخلود في النار، حينئذ نضطر أن نقول أن هذا الاصطلاح العلمي الفقهي من حيث أن هذا نكرة منفية وهي تفيد الشمول، هذا إذا نظرنا نظرة خاصة بهذا النص، أما إذا نظرنا إلى الأدلة الأخرى فحينئذ نقول: لا حظ كمثل قولنا في لا إيمان ولا دين ونحو ذلك، أي: لا حظ كاملاً كما قلنا أيضاً في الإخوة. مداخلة: لا إخوة كاملة. الشيخ: نعم. مداخل آخر: شيخنا ... في الموطأ موطأ يحيى الليثي عن مالك حدثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها فأيقظ عمر لصلاة الصبح فقال عمر نعم، ... ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. الشيخ: كأنه في البخاري هذا. الآخر: أنا ما حبيت أقول إنه في البخاري والله وقع في قلبي أنه في البخاري لكن ما حبيت أقول لأنه ما أشار مع انه من عادته يشير فؤاد عبد الباقي ولكنه ما أشار. الشيخ: صحيح هذا. الآخر: نعم. مداخلة: ويكون الجواب أيضاً على قول عبد الله بن شقيق كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ... الجواب [نفس الجواب].

[كذلك يذكرون من الأدلة على كفر تارك الصلاة] النظر الدقيق أو الصحيح، فأما من جهة النظر الصحيح فيقال: هل يعقل أن رجلاً في قلبه حبه من خردل من إيمان يعرف عظمة الصلاة وعناية الله بها، ثم يحافظ على تركها هذا شيء لا يمكن، وقد تأملت الأدلة التي استدل بها من يقول أنه لا يكفر، فوجدتها لا تخرج من أقوال أربعة: أما أنها لا دليل فيها أصلاً، أو أنها قيدت بوصف يمتنع معه ترك الصلاة، أو أنها قيدت بحال يعذر فيها من ترك هذه الصلاة أو أنها عام فتخصص في أحاديث كفر تارك الصلاة. الشيخ: طيب هذا شو؟ مداخلة: ابن عثيمين الشيخ: كويس مداخلة: نعم الشيخ: هذا هو أول من يخالف هذا الكلام. مداخلة: أول من يخالف هذا الكلام. الشيخ: المؤلف هو أول من يخالف ما ألف، وما قال في هذه الفقرة؛ لأنه البحث عندهم ليس فيمن لم يصلِّ في عمره صلاتاً، وإنما من ترك صلاة صلاتين إلى آخره، فهذا ينطبق عليه الحكم يعني: الحنابلة اللي بيختلفوا عن الجمهور ... أنت لاحظت أول عبارته هل يُعْقَل؟ مداخلة: نعم. الشيخ: ماذا قال؟

مداخل: هل يعقل أن رجلاً في قلبه حبه من خردل من إيمان يعرف عظمة الصلاة وعناية الله بها، ثم يحافظ على تركها، هذا شيء لا يمكن. الشيخ: ما هو معنى يحافظ على تركها حتى الوفاة، ولا قبل الوفاة؟ مداخلة: الظاهر من كلامه أنه ما صلى أبداً. الشيخ: هذا هو، فليس هذا قولهم، يعني: لو ما صلى يوماً بكامله، هل هو مسلم ولا كافر؟ هو عندهم كافر لذلك هذه بنسميها لغة خطابية، لغة شعرية، للأخذ بألباب السامعين، أنا بقول مثلما هو بيقول لا يعقل، لكن القضية مش قضية معقول أو غير معقول، القضية كما قال عليه السلام: «وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، فإنما الأعمال بالخواتيم». الشيخ: يعني: الحقيقة إخواننا هؤلاء الحنابلة مش محررين مذهبهم في موضوع تارك الصلاة، كثيراً ما سمعتهم يتحدثون في الإذاعة ما بيوضحوا المسألة توضيحاً يفهمه كل السامعين لكلامهم، هل يكفر بترك صلاة واحدة، ولا بترك خمس صلوات في اليوم والليلة، ولا ولا إلى آخره ما تفهم أنه من هذا الموضوع إطلاقاً، وإذا أرادوا أن يتمسكوا بهذه الأدلة، فمن ترك صلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ورسوله، صلاة واحدة بتخرجه بقي عن الملة حسب فهمه لهذه النصوص دون مراعاة النصوص الأخرى، وإذا تصورنا أو افترضنا أنهم وضعوا حداً، كأن يقولوا مثلاً: إذا ترك صلاة واحدة لا يكفر، لكن إذا ترك خمس صلوات يكفر نقول لهم: ما الدليل؟ ولا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً؛ لذلك القضية ما بِتِنْحَلّ إلا بمذهب ابن عباس، كفر عملي وكفر اعتقادي، من ترك صلاة واحدة مستحلاً لها

[617] باب الرد على من استدل بتعريف كلمة الكفر في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «بين المرء وبين الكفر .. » على أن المراد الكفر الكبر

فهو مرتد عن دينه، لكن من ترك صلاة واحدة مؤمناً بها معترفاً بتقصيره مع الله تبارك وتعالى فهو عاصي ومجرم وأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء عفى عنه؛ لأنه هذا عمل والله عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48) وما أدري ليش المشائخ هناك يظلون يكررون هذه المسألة على العالم الإسلامي دون - كما يقال اليوم- وضع النقاط على الحروف أن يقولوا: صلاة واحدة بتكفر، لا، صلاة واحدة ما بتكفر، خمس صلوات، وحينما يدخلون في هذا التفصيل وهذا التحديد يتبين ضعف مذهبهم، لأنه لا سبيل لوضع تحديد، وبالتالي إذا وضعوا حداً سقط الكلام النظري الذي قرأته علينا آنفاً. "الهدى والنور" (140/ 31: 09: 00) [617] باب الرد على من استدل بتعريف كلمة الكفر في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «بين المرء وبين الكفر .. » على أن المراد الكفر الكبر سؤال: آخر سؤال يا شيخ عندي: هو ذكرت اليوم الصبح في نقاش عن قضية تارك الصلاة في حديث صحيح مسلم عن جابر: «بين المرء والكفر ترك الصلاة»، وذكرت أن هناك أحاديث جاءت فيها: كسباب المسلم فسوق وقتاله كفر وغيره من الأحاديث، لكن لم يرد لفظ الكفر بأل التعريف إلا في قضية الصلاة في هذا الحديث. الشيخ: نعم. مداخلة: فعلى معاني "أل" في اللغة سواء كانت الاستغراق أم العهد على ماذا نخرجه؟ أليس الكفر العهدي الذي هو الكفر الخروج من الملة، أو

الاستغراق فإن هذا أشد في الحجة، فكيف يرد على المستدل بهذا الحديث على أن الكفر المقصود به هو الكفر الأكبر؟ الشيخ: والحديث ماذا يقول؟ مداخلة: «بين المرء والكفر والشرك ترك الصلاة». الشيخ: وأين التعريف؟ الاستغراق والشمول أين؟ مداخلة: «بين الكفر والشرك» هذا في كلمة الكفر والشرك، هذا ليس فيه استغراق؟ الشيخ: لو كان كفرًا .. لو أراد كفرًا عمليًا ما يختلف التعبير. مداخلة: لكن جزاك الله خيرًا سمعت لك في كلام قديم أنه دائمًا يؤخذ بالحكم بالأعلى فالأعلى، يعني: إذا كان مثلًا .. فهنا عندنا الآن فقد كفر هذا ممكن يحمل على العملي، لكن أسأل الآن الكفر والشرك، علمًا بأنه ليس هناك حديث نص عليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه الكفر أو الشرك إلا في قضية ترك الصلاة، فألا يمكن الاستدلال به على كفر تارك الصلاة كفرًا اعتقاديًا؟ الشيخ: أظنك تعلم أن إذا كان الحديث له دلالة ظاهرة ينصرف الذهن إليها، ولكن إذا قام مانع شرعي يمنع من أن ينصرف الذهن إلى هذه الدلالة الظاهرة فهنا يأتي ما يسمى بالتأويل والتوفيق بين الأحاديث، يعني: مثلًا قوله عليه الصلاة والسلام: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» فإذا نظرنا إلى هذا الإطلاق أليس يعني ذلك أنه كافر؛ لأنه نفى مطلق الإيمان؟ مداخلة: الإيمان هنا نكرة.

الشيخ: نعم، نكرة ألا تفيد الشمول؟ مداخلة: تفيد الشمول بلى. الشيخ: فإذًا! فنفى الإيمان مطلقًا، لا إيمان مطلقًا لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، ... الشيء الكثير النصوص الشرعية، ولكن لما الإنسان يجمع بين هذا النص وبين نص آخر، يضطر أن يقول: لا إيمان كاملًا، لا دين كاملًا، وعلى هذا تؤولت كثير من الأحاديث، كمثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - عند جمهور الأئمة: «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر» (¬1) فلا صلاة له، هذا نفي للصلاة، أي: تكون الصلاة باطلة، لكن الذين يقولون بأن هذه الصلاة مع الجماعة فريضة لكن ليست شرطًا أو ركنًا من أركان الصلاة، يضطرون أن يفسروا هذا الحديث على ضوء الأحاديث الأخرى، صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، وليس القصد الآن هنا تحرير القول بمثل هذا الحديث، وإنما المقصود التذكير بأساليب العلماء في سبيل التوفيق بين حديث يدل بظاهره على شيء ثم لما يضمون إليه الأحاديث الأخرى يضطرون أن يخرجوا عن هذه الدلالة الظاهرة ويفهموا أن دلالة الحديث على ضوء الأحاديث الأخرى. وما أكثر الأحاديث بهذا الصدد، مثلًا: «لا يدخل الجنة قتات» ما الذي يتبادر للذهن؟ لا يدخل أبدًا، لكن عندما تأتي للأحاديث التي تفيد عدم خلود المسلم مهما كان عاصيًا في النار، ويذكر مثلًا حديث الشفاعة ونحو ذلك: «وأخرجوا من النار من كان في ... » كل هذه الأحاديث لما تجمع مع مثل حديث: «لا يدخل الجنة قتات» أو نمام أو ديوث أو .. إلى آخره، يضطر أن يفهم الحديث على غير ¬

(¬1) صحيح الترغيب والترهيب (رقم426).

[618] باب رد شبهة حول الاستدلال بحديث الشفاعة على عدم تكفير تارك الصلاة

المتبادر إلى الذهن، قد يكون الحديث المشهور هكذا؛ لأنه لا يوجد في الشريعة مطلقًا أن الإنسان يكفر بترك عمل، وهو يؤمن بأن هذا العمل [واجب]. "رحلة النور" (30ب/00:18:23) [618] باب رد شبهة حول الاستدلال بحديث الشفاعة على عدم تكفير تارك الصلاة سؤال: عندي سؤال يتعلق بقضية التكفير، تكفير تارك الصلاة، في الرسالة الأخيرة: حكم تارك الصلاة. الشيخ: نعم. الملقي: أعني الحديث الذي هو حديث الشفاعة ذكر لي بعض الإخوة إنه هناك يَرِدُ على حديث الشفاعة الذي في آخره: «يخرج من وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان»، وقوله: بعد هذا، يعني بعد شفاعة الله ورحمة الله يخرجوا أقواماً لم يعملوا خيراً قط، قال هذا خاصة الأخيرة: لم يعملوا خيراً قط، مثل اللفظ الذي في حديث الذي قتل المائة فقالت ملائكة العذاب: أنه لم يعمل خيراً قط، مع أن الرجل أتى تائباً وقد عمل خيراً، فهذا يعني إشكال عن: لم يعمل خيراً قط، مع أن هذا الرجل مؤمن بالله ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، كيف الجواب على هذا الإشكال؟ لأنهم قالوا إنما هذا خرج مخرج الغالب، الغالب اللي هو لم يعمل خيراً قط. الشيخ: شو له علاقة بالموضوع؟ الملقي: عن قضية أنه رد هذه الجزئية في أنه تارك الصلاة كافر إذا قلنا إنه هذا

ما ينفع العمل معاه الباقي إذا ترك الصلاة. الشيخ: أولاً: شو علاقته بحديث الشفاعة اللي ذكرناه نحنا إنه: «هؤلاء إخواننا كانوا يصلون ويصمون معنا» إلى آخره، فيأذن الله -عز وجل- بأن يشفعوا لهم، فيشفعوا لهم، ثم يشفعون لوجبة أخرى، ما علاقة هذا الحديث بهذا الحديث. الملقي: يعني قوله: أنه لم يعمل خيراً قط، أي يعني ليس معناه. الشيخ: مالي وله يا أخي، خليه يؤول الحديث: «لم يعمل خيراً قط» بما يشاء؛ لأنه ليس موضوعنا الآن فيه. الملقي: آه. الشيخ: موضوعنا إنه هذا حديث صحيح وصريح أن الله -عز وجل- أذن للمؤمنين الصالحين من أهل الجنة بأن يشفعوا لإخوانهم الذين كانوا معهم، كانوا يصومون ويصلون لكنهم ما نراهم معنا، فيستأذنون ربهم بأن يشفعوا لهم فيأذن لهم، خرجت أول وجبة، هالوجبة فيهم الذين كانوا يصومون ويصلون، لكن ارتكبوا ذنوباً فاستحقوا بها أن يدخلوا النار فأخرجوا بشفاعة الصالحين هؤلاء، ثم يؤذن لهم بإخراج وجبة أخرى، هذه الوجبة الأخرى ليس فيهم أولئك المصلون أو مثل أولئك المصلين، فأنا عم أتساءل الآن: ما علاقة حديث لم يعمل خيراً قط بهؤلاء الذين أخرجوا بشفاعة الصالحين الشافعين، ولم يكونوا من المصلين، شو وجه العلاقة؟ الملقي: وجه العلاقة أنه يعني الفهم القائم عند هؤلاء لعله أنه الوجبة الثانية أنهم: أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة أو مثقال دينار لا ينفي أنهم غير مصلين،

لا ينفي أنهم الشيخ: نحن مو هذا دليلنا، دليلنا أن الذين كانوا يصلون أخرجوا أول وجبة. الملقي: أيوه، والآخرين اللي بينهم، هل ينفي ... الشيخ: ما فيهم مصلين طبعاً؛ لأنه الذين قالوا: هؤلاء إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون وما نراهم معنا، أيش فعلوا له: فأخرجوهم، فلما أذن لهم بأن يشفعوا بجماعة ثانية هؤلاء ليس فيهم أولئك المصلون، ولذلك أنا بتساءل أيش علاقة هذا الحديث بذاك. الملقي: إذاً هنا الشيخ: التصنيف والترتيب هو الذي جعلنا نحن نستدل بالحديث على أن تارك الصلاة إذا كان مؤمناً كما قلنا آنفاً في التفصيل بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي، إذا كان مؤمناً بالصلاة ولكنه لم يكن يصلي كسلاً أو عملاً، وليس عن عناد أو إنكار فهؤلاء يشفع لهم فيشفعون فيهم. الملقي: إذاً انقطع عني الإشكال، إنما السؤال الآن توجيه هذه العبارة بحيث أنه لم يعمل خيراً قط ولا يدخل الجنة إلا المؤمن. الشيخ: إيه أيش معنى: لا يدخل الجنة إلا مؤمن؛ كامل؟ مداخلة: لا، لا شك. الشيخ: وأنا بقول: تارةً بلى، تارةً لا، لا يدخل الجنة إلا مؤمن مع السابقين الأولين مؤمناً كاملاً، أو على الأقل رجحت سيئاته على، حسناته على سيئاته، أما إذا كان مؤمناً لكن له سوابق، له سيئات إلى آخره، فإذاً إن لم تشمله مشيئة الله

بالمغفرة كما قال الله -عز وجل-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48)، إن لم تشمله مغفرة الله فيدخل النار ويعذب ما يشاء، حينئذٍ كما قلنا في الحديث السابق: «من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره»، أي تكون هذه الشهادة مش الشهادة بمقتضياتها، «إلا بحقها» كما جاء في حديث: «أمرت أن أقاتل الناس» هذا بالنسبة للمؤمنين الكاملين، أما بالنسبة للمؤمنين العصاة فتنجيهم شهادة أن لا إله إلا الله، هذا هو الإيمان، وهذا هو أقل ذرة إيمان، أي لم يكن هنا يعني التزام لحقوق شهادة لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، هذه الحقوق إذا التزمها الإنسان قد يدخل الجنة ترانزيت مع السابقين الأولين، قد يدخلها بعد الحساب، ويكون الحساب نوع من العذاب، ولكنه لا يدخل النار إلى آخره. فهناك المهم يعني درجات، أما إذا افترضنا أشقى الناس مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله، فهذه الشهادة تنفعه وتخرجه ولا تجعله من المخلدين في النار، فحينما نحن نقول إنه تارك الصلاة كافر، أي مرتد عن دينه، ما هو الكفر، الكفر ما هو؟ لا يمكن أن أتصور عالماً حقاً لا يوافق على هذا التفصيل الذي استفدناه من شيخي الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية، كفر عملي وكفر اعتقادي، لا بد من هذا التقسيم، وإلا ألحق من لا يتبنى هذا التقسيم بالخوارج ولا بد، فالذين يكفرون تارك الصلاة ليس عندهم حجة إطلاقاً قاطعة في الموضوع سوى ظاهر نصوص، طيب هذه الظواهر من النصوص معارضة بظواهر من نصوص أخرى، فلا بد من التوفيق بينها، فبماذا نوفق، نوفق من ترك الصلاة مؤمناً بها معترفاً بشرعيتها، معترفاً في قرارة نفسه بأنه مقصر مع الله تبارك وتعالى في إضاعته إياها، فهو بلا شك يوماً ما يخرج من النار، أما أن نسوي بين هذا وبين ذاك المشرك الذي لا يعترف لا بصلاة ولا بزكاة يعني أنا مستغرب جداً كيف بين من كفره كفر

اعتقادي وعملي، المشرك كافر كفراً اعتقادياً وعملياً، أي: هو ينكر الشريعة الإسلامية بحذافيرها ومنها الصلاة فهو إذاً لا يصلي، فهو إذاً كافر كفر اعتقادي وكفر عملي، وهناك مسلم وقد يصلي أحياناً كما هو الواقع في كثير من المبتلين بترك الصلاة، كيف نقول هذا كهذا، هذا يخالف هذا تماماً في العقيدة، هذا المشرك لا يشهد بـ لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا بلوازمها، لا يؤمن بذلك كله، أما هذا المسلم الفاسق الخارج عن طاعة الله وعن طاعة رسول الله يخالفه مخالفة جذرية، فهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويؤمن بكل لوازمها، ولكن غلبه هوى النفس، غلبه حب المال، غلبه ووو إلى آخره، من معاذير ليست معاذير له تشفع في أن يترك الصلاة، لكنها معاذير تشفع له عند الله يوم القيامة، إنه أنا آمنت بالله ورسوله، لكني قصرت، فالتسوية بين هذا وهذا، بلا شك أنه ظلم وأنه ميزان جائر غير عادل. هذا مع الأدلة الأخرى الكثيرة والكثيرة جداً التي أشرنا إليها في الجلسة السابقة، أنه مجرد: «من ترك الصلاة فقد كفر» مش معناها يعني ارتد عن دينه؛ لأنه من حلف بغير الله فقد كفر مش معناها إنه ارتد عن دينه، مثل هذا التعبير كثير وكثير جداً في أحاديث الرسول -عليه السلام-، فما الذي يحملنا على أن نفسر: «من ترك الصلاة فقد كفر» أي: ارتد عن دينه، «من حلف بغير الله فقد كفر» ما ارتد عن دينه؟ ما هو؟! أنا بقول: هذا وهذا قد يلتقيان وقد يختلفان ويفترقان: «من ترك الصلاة فقد كفر» جحوداً فقد ارتد عن دينه، «من حلف بغير الله فقد كفر» جحوداً لهذا الحكم ألحق بالأول أي فهو كافر، «من ترك الصلاة فقد كفر» معترفاً بأنه ترك الصلاة حرام ولا يجوز وكفر عملي، فهذا لا نلحقه بالكافر، «من حلف بغير الله» عز وجل، معذرةً أنا ما أعرف هذا، طيب مو ذكرناك؟ أي والله غلبت علي العادة،

هذا لا يكفر كفراً اعتقادياً، هذا يكفر كفر عملي، فالأحاديث والنصوص كلها تتجاوب بعضها مع بعض، وتضطرنا اضطراراً فكرياً عقدياً أنه ما نقع في حيص بيص، هنا كفر ارتد عن دينه، وهنا ما ارتد عن دينه، هو يؤمن بأنه هذا شريعة الله، وهون لا كَفَرَ يعني عصى الله -عز وجل- وكفر كفراً عملياً إلى آخر ما هنالك من أشياء كثيرة وكثيرة جداً. ولذلك فأنا استغربت قولك: إنه هذا لم يعمل خيراً قط، ربط بموضوع حديث الشفاعة، لا نحن لاحظنا التصنيف المذكور في هذا الحديث الصحيح، الذي يشعرنا تماماً أن هناك معذبين في النار كانوا مصلين أخرجوا، دخلوا النار ليس بسبب تركهم للصلاة، وإنما قد يزني قد يسرق قد يأكل الربا إلى آخره، فدخلوا النار كما جاء في بعض الأحاديث بذنوب اجترحوها، لكن في الوقت نفسه كانوا مع المصلين، ولذلك إخوانهم المصلون الصالحون قالوا: يا ربنا لا نرى معنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا، فالله -عز وجل- تفضل وأمرهم بأن يشفعوا فشفعوا لهم، قالوا: إخواننا، ما ذكروا كما ذكروا في الأولين يصلون معنا ويصومون، فأخرجوا من عرفتم منهم، فأخرجوهم، وهكذا، هذا التصنيف هو الذي جعلنا نحتج بالحديث ونحن لم نكن من قبل نحتج بهذا الحديث، عندنا أشياء كثيرة وكثيرة جداً، لكن الحديث هذا في الحقيقة جاء نوراً على نور، أوضح لمن كان غافلاً إنه هذه المسألة فيها غلو من بعض المشايخ والعلماء، ويكفي في ذلك أن تعلموا أن جماهير العلماء المجتهدين حتى الإمام أحمد حتى الإمام أحمد الذي ينسب إليه القول بتكفير تارك الصلاة كسلاً، في روايات كثيرة أنا ذكرتها أظن ذكرتها في كتابي. مو هيك. مداخلة: صحيح.

الشيخ: فيقولون: لو كان هذا مرتد عن دينه بترك الصلاة، متى يؤمن متى يسلموا إذاً إذا كان ارتد عن دينه لا بد أن يجدد إيمانه، لا هو بيقول يأمره بقضاء الصلاة وبس يعني، حتى أذكر في رواية وأنا أنسى كثيراً، أنه إذا كان عنده عمل مضطر يعتاش، به يسمح له بأن يترك الصلاة أي قضاءها حينما يتفرغ لها، هذا الإمام أحمد إمام السنة، ولذلك فأنا أرى أنه المسألة أخذت بشيء من الشدة أكثر من اللازم، شقرة: وأظن هذا والله أعلم المشهور عند الحنابلة هذا القول، لكن أريد تعقيباً على سؤال الأخ عبد الله. الشيخ: أبو عبد الرحمن. شقرة: أبو عبد الرحمن أقول بأنه أولاً العذاب الذي يمس أولئك العصاة ممن لم ينج من النار، هناك طبعاً العذاب متفاوت في درجاته، ولا نعرف كم يمكثون، آخر من يخرج من النار كم يمكث في العذاب، فيا ترى يعني أولاً هذا العذاب الذي مس أولئك ربما يبقى أو يمتد إلى وقت طويل جداً لا يدرى الشيخ: أحقاباً شقرة: أحقاباً؛ لأن الله -عز وجل- ما حدد لنا الوقت، أو الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما حدد لنا الأزمنة التي يتفاوت فيها الخارجون من النار بها أبداً، فلذلك هؤلاء الذين ذاقوا مس النار عياذاً بالله، وهم آخر من يخرج من النار من المؤمنين، ألا يكفيهم ذلك العذاب، أولاً، نسأل الله العافية. الشيخ: آمين.

شقرة: يعني هل نقول بأن تخليد هؤلاء في النار هو الذي نرجوه لهم، أم نرجو للذين يقولون لا إله إلا الله ما نرجو لمن ينطق بالشهادة، والشهادة كما قال شيخنا يكفي أنها كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «من قال لا إله إلا الله خالصاً بها قلبه نفعته يوماً من الدهر» أو «يوماً من دهره»، هذه واحدة، أما المسألة الثانية فإن برضه شيخنا أشار إلى هذه المسألة، لكن أنا أقول حتى يعني بصورة مختلفة أو بلفظ آخر، بأن الذي لم يعمل خيراً قط، الذي لم يعمل خيراً، أي لم يعمل عملاً صالحاً غير لا إله إلا الله، فلا إله إلا الله هي العمل الذي نفعه وهي القول الذي قاله، لأنه هي لسانه يتحرك بها فهو عمل، وقلب يعتقد فهو عمل أيضاً، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أراد أنه لم يعمل خيراً قط، أي من الأعمال التي كان يعملها سائر المؤمنين. مداخلة: مقتضياتها. شقرة: مقتضياتها مثل ما قال شيخنا، فهذه مسألة مهمة جداً الحقيقة، ونحن المسلمين طبعاً ما ينبغي أن يفرطوا؛ لأنه كل مسلم معرض نسأل الله العافية، إذا انتكس أمره في أول عمره في وسطه في آخره ألا يبقى له إلا هذا الذي يقوله، أو هذه الكلمة التي يقولها وهي: لا إله إلا الله، فكيف نرضى لمن يقول: لا إله إلا الله أن نسوي بينه وبين من يقول غيرها أو من يجحدها حقها، أو من يجحدها هي أصلاً. مداخلة: هذه الزيادة .. يعني الأخيرة لم يعمل خيراً قط، نحن استثينا لفظ الإيمان الذي هو والشهادة، ألا تكفي وحدها لرد الحكم بكفر تارك الصلاة؟ الشيخ: يكفي من طريق دلالة العموم.

مداخلة: هاه، يعني كيف شيخنا هذا. الشيخ: لم يعمل قط، هلا نحنا حسبما شرح الأستاذ أبو مالك لم يعمل خيراً قط استثنينا نحن. مداخلة: أيوه وهذا يمكن يكون استثني أيضاً .. الشيخ: عرفت كيف، أما حديث الشفاعة خاص، نص في الموضوع. مداخلة: أستاذ، لعل في زيادة في مسند أحمد من حديث ابن مسعود: لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد. الشيخ: هذا هو. مداخلة: بهذا النص جاءت. الشيخ: نعم. علي حسن: الإشكال .. شيخنا هنا هذا اللفظ الذي أشار إليه أخونا أبو عبد الرحمن: «لم يعملوا خيراً قط» أصل من الأصول العظيمة التي استدل بها أهل السنة على قاعدة كلية تجيب على الإشكال من أصله أن أعمال الجوارح ليست شرط صحة في أصل الإيمان، ولكنها شرط كمال الشيخ: كمال الإيمان، نعم علي حسن: من شرط كمال الإيمان، هذا أحد الأدلة على ذلك. الشيخ: صحيح. علي حسن: هذا نقطة أولى، بعدين نقطة ثانية شيخنا، تفضلتم بإشارة غالية

[619] باب بيان ضعف أحد أدلة كفر تارك الصلاة

عزيزة منكم في التفريق، أولئك الذين لا يفرقون بين الذي عنده إيمان بالصلاة وبالتالي التوحيد، والذي عنده جحود وإنكار للألوهية وكذا، أنا أقول هذه نقطة شيخنا، وهنا ملحظ اجتهادي أرجو منكم تقويمي فيها. الشيخ: تفضل. علي حسن: إنه هؤلاء يخشى أن يكون قولهم بعدم التفريق هذا سبباً في أن يجعلوا الصلاة أهم من كلمة التوحيد؛ لأن كلمة التوحيد هي الأساس الذي تقبل تحته الصلاة، وليس العكس. الشيخ: تمام. علي حسن: فقط. الشيخ: تمام. يعطيك العافية. علي حسن: الله يبارك فيك. الشيخ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (الأعراف:43). "الهدى والنور" (672/ 24: 53: 00) و (673/ 14: 22: 00) [619] باب بيان ضعف أحد أدلة كفر تارك الصلاة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بسبع خصال: فقال: لا تشركوا بالله شيئاً، وإن قطعتم، أو حرقتم، أو صلبتم، ولا تتركوا الصلاة متعمدين، فمن تركها متعمداً فقد خرج من الملة، ولا تركبوا المعصية فإنها سخط الله، ولا تشربوا الخمر فإنها رأس الخطايا كلها. الحديث.

(ضعيف). [قال المنذري في «الترغيب والترهيب»: رواه الطبراني ومحمد بن نصر في «كتاب الصلاة» بإسنادين لا بأس بهما «فعلق الإمام قائلاً]: قلت: إنما هو إسناد واحد! وفيه عندهما سلمة بن شريح, قال الذهبي: لا يعرف! وهو مخرج في الضعيفة (5991) , وفيه الرد على من احتجّ بالحديث على تكفير تارك الصلاة كسلاً. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 255)

جماع أبواب الكلام حول الحكم بغير ما أنزل الله وموقع ذلك من الكفر وغير ما تقدم

جماع أبواب الكلام حول الحكم بغير ما أنزل الله وموقع ذلك من الكفر (¬1) وغير ما تقدم ¬

(¬1) تنبيه هام: جمع كلام الإمام على مسألة الحكم بغير ما أنزل الله باستيعاب سيأتي في "جامع تراث الألباني في المنهج"، يسر الله نشره.

[620] باب خطورة ما وقع فيه الحكام والمحكومين من استباحة المعاصي وأثر ذلك في مصاب المسلمين

[620] باب خطورة ما وقع فيه الحكام والمحكومين من استباحة المعاصي وأثر ذلك في مصاب المسلمين [قال الإمام]: لقد أصاب أكثر المسلمين - حكاماً ومحكومين - ما أصابهم, فأكثرهم لا يحكّمون كتاب الله؛ وهو بين أيديهم, فحكامهم استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير, فحكموا القوانين, وأعرضوا عن كتاب رب العالمين, واتبعهم المحكومين إلا القليل, فهم يستبيحون الربا والغناء وكثيراً من المعاصي, والقليل فيهم من يؤثر التقليد على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - , والله المستعان. "صحيح موارد الظمآن" (1/ 135). [621] باب هل الحكم بغير ما أنزل الله كفر؟ [سئل الشيخ عن الحكم بغير ما أنزل الله هل هو كفر فأجاب]: الشيخ: الكفر عند علماء أهل السنة ينقسم إلى قسمين، وكذلك النفاق: فأحد القسمين هو الكفر الاعتقادي والنفاق الاعتقادي، والقسم الأخر الكفر العملي والنفاق العملي، الكفر الاعتقادي واضح من هذه الصفة كفراً اعتقادياً واضح المقصود منه تماماً، أي: له علاقة بالعقيدة أما الكفر العملي ليس له علاقة بالعقيدة وإنما له علاقة بالعمل فأنت مثلاً لا بد أنك قرأت أو على الأقل سمعت مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» (¬1) نعم سمعت بهذا الحديث ولا بد. ¬

(¬1) البخاري (رقم48) ومسلم (رقم330)

السائل: نعم يا شيخ الشيخ: حسناً هل لهذا الحديث معنى مفهوم عندك خاصة ما يتعلق بالشطر الثاني منه: «وقتاله كفر» هل هذا الكفر يعني المسلم إذا قاتل المسلم يكفر. السائل: لا. الشيخ: هه إذاً هذا الكفر أطلق على المسلم الذي يقاتل أخاه المسلم هذا لا يجوز أن نسميه كفراً اعتقادياً فإذاً هو كفر عملي، هذا الكفر العملي هل يخرج صاحبه عن دائرة الإسلام بل عن دائرة الإيمان؟ السائل: كلا. الشيخ: كلا حسناً إذا هذه النقطة ما تحتاج إلى بحث لأنها واضحة عندك والحمد لله، نعود إلى الكفر الاعتقادي ونقف عند المثال ذاته السابق ذكره فنقول إذا استحل مسلم قتل مسلمٍ غير متأول استحل بقلبه بعقيدته قتل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هل هذا كفر عملي أم كفر اعتقادي؟ فكر ثم بعد قليل أجب. السائل: كفراً عملياً وإن لم يكن متأولاً فهو كفر اعتقادي، والله تعالى أعلم. الشيخ: حسناً إذاً هناك كفر عملي، وهناك كفر اعتقادي، ووضح لك الفرق بين الكفرين: ما كان متعلقاً بالعقيدة تخالف الشريعة فهو كفر اعتقادي، وما كان متعلقاً بالعمل ليس بالعقيدة فهذا كفر عملي وليس كفراً اعتقادياً، الآن يسهل علينا أن نجيبك عن سؤالك أي إنسان يحكم بغير ما أنزل الله كلاً أو جزءاًً وهذا مستحيل لأنه لابد من ... أحكام هناك تطابق الشريعة وأحكام تخالف الشريعة،

وإنما الفرق قد يكون قلةً وكثرة، واضح هذا حينئذ نقول الذي يحكم بغير ما أنزل الله إما أن يكون عن عقيدة فهو كافر مرتد عن دينه، وإنما أن يكون عملاً كأي قاضي شرعي يتبع هواه ويقضي مخالفاً لدينه فهذا كفر عملي وليس كفراً اعتقادياً، واضح؟ السائل: نعم. الشيخ: طيب هذا هو الجواب عن مثل هذا السؤال وما أكثر ما سئلناه وما أكثر ما أجبنا عليه. السائل: بارك الله فيك. الشيخ: طيب وفيك. سائل آخر: شيخنا لتمام الفائدة طالما أنه تفضلتم بهذا الجواب المختصر المفيد كما يقال لو تجيبون شيخنا على شبهة تطرح حديثاً قد أفلس المخالفون عن إتيان أو عن الإتيان بجديد فبدؤوا يعني يأتونا بالقديم بثوب جديد فيقولون مثلاً: إن هؤلاء الذين يحكمون بغير ما أنزل الله يستبدلون الشريعة، فالاستبدال استبدال الشريعة منهم نوع من الاستحلال غير مجرد الحكم بما أنزل الله. الشيخ: الجواب هو نفس الجواب السابق؛ لأن الحقيقة العبارة التي نقلتها اليوم أو الآن عن أولئك الناس هو من نوع التلاعب بالألفاظ وإلا نحن سنقول هذا الذين يسمونه بالاستبدال إما أن يكون عن قناعة بأن الحكم بما أنزل الله لا يصلح في هذا الزمان فقد انتهى الحكم فهذا كفر ردة، وإما أن يكون ليس بهذه العقيدة المكفرة، وإما إتباعاً لهوى النفس يعني هو متمسك بالكرسي والكرسي لا

[622] باب سبب نزول ومن لم يحكم بما أنزل الله وأن الكفر العملي غير الاعتقادي وأمثلة ذلك

يستطيع أن يثبت عليه إلا بأن يحكم هذا القانون الذي وجده وتلقاه من قبله إما كافراً متحكماً في البلاد الإسلامية أو ممن خلفه من بعده ممن يعدون أنفسهم مسلمين، فالمهم أن هذا الاستبدال إما أن يكون عن عقيدة فهو كفر ليخرج به صاحبة عن الملة وإما أن يكون ليس عن عقيدة وإنما يعمل عمل الكفار أن يحكم بغير ما أنزل الله وهذا مما انطبع عليه الكفار حين قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} {فأولئك هم الظالمون} {فأولئك هم الفاسقون} ولذلك ذكر علماء التفسير أن هذه الآيات هي نزلت في حق اليهود الذين كانوا يدسون بعض أفرادهم ليسألوا الرسول فإن كان جوابه موافقاً لهواهم تبنوه، وإلا قالوا نحن لا نؤمن بهذا الكلام، فالجواب هو نفس الجواب الحقيقة لكن في لفت نظر هو تلاعب بالألفاظ. "الهدى والنور" (563/ 41: 00: 00) [622] باب سبب نزول ومن لم يحكم بما أنزل الله وأن الكفر العملي غير الاعتقادي وأمثلة ذلك -" إن الله عز وجل أنزل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} و {أولئك هم الظالمون} و {فأولئك هم الفاسقون}. قال ابن عباس: أنزلها الله في الطائفتين من اليهود، وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتله (العزيزة) من (الذليلة) فديته خمسون وسقا، وكل قتيل قتله (الذليلة) من (العزيزة) فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك، حتى قدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المدينة، فذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويؤمئذ لم يظهر ولم يوطئهما عليه وهو في الصلح، فقتلت

الذليلة من العزيزة قتيلاً، فأرسلت (العزيزة) إلى (الذليلة) أن ابعثوا إلينا بمائة وسق، فقالت (الذليلة): وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض؟! إنا إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا، وفرقاً منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك، فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بينهما، ثم ذكرت (العزيزة) فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيماً منا وقهرا لهم، فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه، إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه. فدسوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ في الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا ... } إلى قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون}، ثم قال: فيهما والله نزلت، وإياهما عنى الله عز وجل ". [قال الإمام]: (فائدة هامة): إذا علمت أن الآيات الثلاث: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون}، {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}، {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون} نزلت في اليهود وقولهم في حكمه - صلى الله عليه وآله وسلم -: " إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه "، وقد أشار القرآن إلى قولهم هذا قبل هذه الآيات فقال: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ}، إذا عرفت هذا، فلا يجوز حمل هذه الآيات على بعض الحكام المسلمين وقضاتهم الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من القوانين الأرضية، أقول: لا يجوز تكفيرهم بذلك،

وإخراجهم من الملة إذا كانوا مؤمنين بالله ورسوله، وإن كانوا مجرمين بحكمهم بغير ما أنزل الله، لا يجوز ذلك، لأنهم وإن كانوا كاليهود من جهة حكمهم المذكور، فهم مخالفون لهم من جهة أخرى، ألا وهي إيمانهم وتصديقهم بما أنزل الله، بخلاف اليهود الكفار، فإنهم كانوا جاحدين له كما يدل عليه قولهم المتقدم: " ... وإن لم يعطكم حذرتموه فلم تحكموه "، بالإضافة إلى أنهم ليسوا مسلمين أصلاً، وسر هذا أن الكفر قسمان: اعتقادي وعملي، فالاعتقادي مقره القلب، والعملي محله الجوارح، فمن كان عمله كفراً لمخالفته للشرع، وكان مطابقا لما وقر في قلبه من الكفر به، فهو الكفر الاعتقادي، وهو الكفر الذي لا يغفره الله، ويخلد صاحبه في النار أبداً، وأما إذا كان مخالفا لما وقر في قلبه، فهو مؤمن بحكم ربه، ولكنه يخالفه بعمله، فكفره كفر عملي فقط، وليس كفراً اعتقادياً، فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، وعلى هذا النوع من الكفر تحمل الأحاديث التي فيها إطلاق الكفر على من فعل شيئاً من المعاصي من المسلمين، ولا بأس من ذكر بعضها: 1 - «اثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في الأنساب والنياحة على الميت». رواه مسلم (¬1). 2 - «الجدال في القرآن كفر» (¬2). 3 - «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر». رواه مسلم (¬3). ¬

(¬1) "تخريج الطحاوية" (ص 298). (¬2) "صحيح الجامع الصغير" (3/ 83/3101). (¬3) تخريج " الإيمان " لأبي عبيد (ص 86)، وتخريج " الحلال " (رقم 341).

4 - كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق (¬1). 5 - «التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر» (¬2). 6 - لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض. متفق عليه (¬3). إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لاستقصائها. فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي، فكفره كفر عملي، أي إنه يعمل عمل الكفار، إلا أن يستحلها، ولا يرى كونها معصية فهو حينئذ كافر حلال الدم، لأنه شارك الكفار في عقيدتهم أيضاً، والحكم بغير ما أنزل الله، لا يخرج عن هذه القاعدة أبداً، وقد جاء عن السلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير الآية: " كفر دون كفر "، صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم، ولابد من ذكر ما تيسر لي عنهم لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضل اليوم في هذه المسألة الخطيرة، ونحا نحو الخوارج الذين يكفرون المسلمين بارتكابهم المعاصي، وإن كانوا يصلون ويصومون! 1 - روى ابن جرير الطبري (10/ 355/12053) بإسناد صحيح عن ابن عباس: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون} قال: هي به كفر، وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله. 2 - وفي رواية عنه في هذه الآية: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه (¬4)، إنه ¬

(¬1) "الروض النضير" (رقم 587). (¬2) "الأحاديث الصحيحة " (رقم 667). (¬3) "الروض النضير" (رقم 797)، و" الأحاديث الصحيحة " رقم (1974). (¬4) كأنه يشير إلى الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه. [منه].

ليس كفراً ينقل عن الملة، كفر دون كفر. أخرجه الحاكم (2/ 313) وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي، وحقهما أن يقولا: على شرط الشيخين، فإن إسناده كذلك، ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في "تفسيره" (6/ 163) عن الحاكم أنه قال: "صحيح على شرط الشيخين"، فالظاهر أن في نسخة "المستدرك" المطبوعة سقطاً، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضا ببعض اختصار. 3 - وفي أخرى عنه من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق. أخرجه ابن جرير (12063). قلت: وابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، لكنه جيد في الشواهد. 4 - ثم روى (12047 - 12051) عن عطاء بن أبي رباح قوله: (وذكر الآيات الثلاث): كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم. وإسناده صحيح. 5 - ثم روى (12052) عن سعيد المكي عن طاووس (وذكر الآية) قال: ليس بكفر ينقل عن الملة. وإسناده صحيح، وسعيد هذا هو ابن زياد الشيباني المكي، وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان وغيرهم، وروى عنه جمع. 6 - وروى (12025 و12026) من طريقين عن عمران بن حدير قال: أتى أبا مجلز (¬1) ناس من بني عمرو بن سدوس (وفي الطريق الأخرى: نفر من الإباضية) (¬2) فقالوا: أرأيت قول الله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ¬

(¬1) من كبار ثقات التابعين واسمه لاحق بن حميد البصري. [منه]. (¬2) طائفة من الخوارج. [منه].

الْكَافِرُون} أحق هو؟ قال: نعم. قالوا: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} أحق هو؟ قال: نعم. قالوا: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون} أحق هو؟ قال: نعم. قال: فقالوا: يا أبا مجلز فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه يقولون وإليه يدعون -[يعني الأمراء]- فإن هم تركوا شيئاً منه عرفوا أنهم أصابوا ذنباً. فقالوا: لا والله، ولكنك تفرق (¬1). قال: أنتم أولى بهذا مني! لا أرى، وإنكم أنتم ترون هذا ولا تحرجون، ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك، أو نحواً من هذا، وإسناده صحيح. وقد اختلف العلماء في تفسير الكفر في الآية الأولى على خمسة أقوال ساقها ابن جرير (10/ 346 - 357) بأسانيده إلى قائليها، ثم ختم ذلك بقوله (10/ 358): " وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيون بها، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبراً عنهم أولى. فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصاًّ؟ قيل: إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم - على سبيل ما تركوه - كافرون، وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به هو بالله كافر، كما قال ابن عباس؛ لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه، نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي "، وجملة القول أن الآية ¬

(¬1) أي: تجزع وتخاف. [منه].

[623] باب في تفسير آيات {ومن لم يحكم بما أنزل الله ... }

نزلت في اليهود الجاحدين لما أنزل الله، فمن شاركهم في الجحد، فهو كافر كفراً اعتقاديا، ومن لم يشاركهم في الجحد فكفره عملي لأنه عمل عملهم، فهو بذلك مجرم آثم، ولكن لا يخرج بذلك عن الملة كما تقدم عن ابن عباس - رضي الله عنه -. وقد شرح هذه وزاده بيانا الإمام الحافظ أبو عبيد القاسم ابن سلام في " كتاب الإيمان " " باب الخروج من الإيمان بالمعاصي " (ص 84 - 87 - بتحقيقي)، فليراجعه من شاء المزيد من التحقيق. وبعد كتابة ما سبق، رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول في تفسير آية الحكم المتقدمة في " مجموع الفتاوي " (3/ 268): " أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله ". ثم ذكر (7/ 254) أن الإمام أحمد سئل عن الكفر المذكور فيها؟ فقال: كفر لا ينقل عن الإيمان مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه. وقال (7/ 312): " وإذا كان من قول السلف أن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم أنه يكون فيه إيمان وكفر، وليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون}، قالوا: كفرا لا ينقل عن الملة. وقد اتبعهم على ذلك أحمد وغيره من أئمة السنة ". "الصحيحة" (6/ 1/109 - 116). [623] باب في تفسير آيات {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ ... } [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون}، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا

أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون}، قال: هي في الكفار كلها». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به، ثم قال]: أخرجه أحمد (4/ 286): حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قوله: ... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. والحديث دليل صريح في أن المقصود بهذه الآيات الثلاث الكفار من اليهود والنصارى، وأمثالهم الذين ينكرون الشريعة الإسلامية وأحكامها، ويلحق بهم كل من شاركهم في ذلك ولو كان يتظاهر بالإسلام، حتى ولو أنكر حكماً واحداً منها. ولكن مما ينبغي التنبه له، أنه ليس كذلك من لا يحكم بشيء منها مع عدم إنكاره ذلك، فلا يجوز الحكم على مثله بالكفر وخروجه عن الملة لأنه مؤمن، غاية ما في الأمر أن يكون كفره كفراً عملياً. وهذه نقطة هامة في هذه المسألة يغفل عنها كثير من الشباب المتحمس لتحكيم الإسلام، ولذلك فَهُم في كثير من الأحيان يقومون بالخروج على الحكام الذين لا يحكمون بالإسلام، فتقع فتن كثيرة، وسفك دماء بريئة لمجرد الحماس الذي لم تعد له عدته، والواجب عندي تصفية الإسلام مما ليس منه كالعقائد الباطلة، والأحكام العاطلة، والآراء الكاسدة المخالفة للسنة، وتربية الجيل على هذا الإسلام المصفى. والله المستعان. "الصحيحة" (6/ 1/457 - 458).

[624] باب منه

[624] باب منه سؤال: في بعض العلماء يقولون على قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة:45) ... إلى آخره. يقولون: حين يقولون: هذا يخرج من الملة، وفي منهم من يقول: ليس مخرجاً من الملة، مع العلم اليوم أكثر البلدان إلا من رحم الله يحكمون بالقوانين، فهل هؤلاء الذين يحكمون بالقوانين يخرجون من الملة والعياذ بالله، أم لا يخرجوا من الملة؟ الجواب: تفسير الآيات الثلاث هذه التي أشرت إليها ذكر إمام المفسرين وهو: محمد بن جرير الطبري أن معنى هذه الآية: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) إذا استحل الحكم بغير ما أنزل الله، فيكون شأنه شأن الكفار، لكن يجب أن يلاحظ أن الاستحلال قسمان: استحلال قلبي، واستحلال عملي. الذي يخرج من الملة هو: الاستحلال القلبي، أما الاستحلال العملي فكل الأوساط واقعون فيه، الذي يسرق والذي يزني، والذي يغش والذي .. إلى آخره، كلهم يواقعون هذه المعاصي، ويرتكبونها ويستحلونها عملياً، ولا فرق بين هؤلاء، وبين من يحكم بغير ما أنزل الله كلهم مجرمون، كل الأوساط ولكن كما قيل: حنانيك بعض الشر أهون من بعض. ذاك الذي يرابي والربا من أكبر الكبائر كما تعلمون إن استحل ذلك بقلبه ارتد عن دينه! وإذا اعترف بمعصيته فهو فاسق أمره إلى الله، وداخل في عموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48).

[625] باب منه

كذلك كل من يحكم بغير ما أنزل الله إن حكم بما حكم به، ولو في حكومة واحدة مش ضروري في كل الأحكام، ولو في حكومة واحدة إذا رأى أن هذا الحكم هو الذي يصلح لهذا الزمان بخلاف حكم الإسلام فقد ارتد عن دينه، ليس في كل الأحكام ولو في حكم واحد، فما بالك إذا كان يستحسن الحكم بكل القوانين التي هو يطبقها على الأمة، فإن استحل ذلك قلبياً فهو مرتد عن دينه، أما لو حوسب ونوقش فقيل له: لماذا أنت تفعل هكذا، وهذا خلاف الشرع؟ الله يتوب علينا وإن شاء الله نتمكن من الحكم بما أنزل الله، فهذا ليس كفره كفر ملة، وإنما هو كفر عملي. لذلك فمما استفدناه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه تقسيم الكفر إلى قسمين بل إلى أربعة أقسام، لكن هما في النتيجة قسمان: كفر عملي، وكفر اعتقادي، كفر لفظي وكفر قلبي، كفر لفظي وكفر قلبي، الكفر اللفظي لا يخرج من الملة الذي يخرج هو الكفر القلبي. "الهدى والنور" (85/ 00:55:53) [625] باب منه السائل: يقول السائل: ما هو التفسير الصحيح لقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44). الجواب: نعم. التفسير الصحيح هو ما جاء في تفسير ابن جرير الطبري وتفسير ابن كثير الدمشقي أن المقصود بالكافرون هنا: هم الذين لا يؤمنون بشريعة الله تبارك وتعالى أي: لا يحكمون بما أنزل الله؛ لأنهم لا يرون ما أنزل الله شرعاً صالحاً للحكم به في كل زمان، وفي كل مكان، فكل من اعتقد هذا الاعتقاد

كاليهود الذين في حقهم نزلت هذه الآية الكريمة، يكون كافراً مرتداً عن دينه. ولكن هنا شيء لابد من ذكره: إن آمن بشريعة الله تبارك وتعالى، وأنها صالحة لكل زمان، ولكل مكان، ولكنه لا يحكم فعلاً بها، إما كلاً وإما بعضاً أو جزأً فله نصيب من هذه الآية، له نصيب من هذه الآية، لكن هذا النصيب لا يصل به إلى أن يخرج عن دائرة الإسلام، فيجب أن نعلم أن هناك إيماناً وهناك إسلاماً، الإيمان هو الذي استقر في القلب، والإسلام: هو أثر هذا الإيمان الذي يظهر على الجسد والأبدان، وبنسبة قوة الإيمان الذي يكون لقلب المؤمن يكون صلاح ظاهر هذا الإنسان واستقامة جوارحه وبدنه. كما أشار عليه الصلاة والسلام إلى هذه الحقيقة بقوله في حديث النعمان بن بشير الذي أوله: «إن الحلال بين والحرام بين ... » إلى أن يقول عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي: القلب». فصلاح الظاهر مرتبط بصلاح الباطن بشهادة هذا الحديث وبعض الأحاديث الأخرى التي سبق ذكرها في ابتداء هذه الجلسة، لكن إذا كان بنسبة قوة الإيمان يكون نسبة الصلاح في البدن كما ذكرنا، هذا الصلاح الظاهر هو الإسلام، فإذا المسلم أخل بشيء من الأحكام الإسلامية، فالإخلال هذا لا يخرجه عن دائرة الإسلام قد يخرجه عن دائرة الإيمان، المطلق أي: الكامل، بعض العلماء يفسرون قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» هل الزاني إذا زنى كفر وارتد عن دينه؟ الجواب: لا أحد من المسلمين الذين هم على طريقة أهل السنة والجماعة يقولون بأن الزنا أو غير الزنا من

المعاصي، بل ومن الكبائر يخرج المسلم من دائرة الإسلام. إذاً: ما معنى قوله عليه السلام: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن؟» أي: لا يكون مؤمناً كامل الإيمان، لكن هو بذلك لا يخرج عن دائرة الإسلام، وشبه بعضهم الإيمان بدائرة وحول هذه الدائرة دائرة أخرى تحيط بالدائرة الأولى، فحينما زنى الزاني خرج من الدائرة الأولى أي: الإيمان الكامل، لكنه ما خرج من الدائرة الأخرى وهي: دائرة الإسلام فهو لا يزال مسلماً. كذلك كل من يعصي الله عز وجل أي معصية كانت، لا يجوز إخراجه من الدائرة الأخرى الكبرى وهي: دائرة الإسلام إلا إذا جحد شيئاً مما يتعلق بالدائرة الأولى أي: دائرة الإيمان، فإذا أنكر ما جاء في الشرع، وهذا الإنكار له علاقة بالإيمان حينئذ خرج عن دائرة الإيمان، وعن دائرة الإسلام. فالآية السابقة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) إن كان الذي لا يحكم ينكر صلاح الشريعة أن يحكم بها في كل زمان ومكان، فقد خرج عن الدائرتين: دائرة الإيمان، ودائرة الإسلام أي: صار مرتداً عن دين الله تبارك وتعالى. أما إن كان يؤمن بما في الدائرة الأولى وهو: وجوب الحكم بما أنزل الله، لكن هو فعلاً كما قلنا آنفاً لا يحكم بما أنزل الله إما كلاً وإما جزءاً، فحينئذ خرج عن دائرة الإيمان الدائرة الكاملة، ولكنه لا يزال داخل الدائرة الأخرى وهي دائرة الإسلام؛ لذلك قال ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ليس الأمر في تفسير هذه الآية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) كما يقولون: أي: كما يقولون الغلاة قديماً، ويقول بعضهم اليوم حديثاً:

إنه الكفر بعينه؟ قال: لا ابن عباس يقول: لا إنما هو كفر دون كفر، إنما هو كفر دون كفر، وهذه الجملة التي نطق بها ترجمان القرآن وفسر بها تلك الآية الكريمة عليها شواهد عديدة جداً من السنة بل ومن القرآن الكريم. في الحديث الصحيح المتفق على صحته بين الشيخين: أنه عليه السلام قال: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر». فالمسلم حينما يقاتل أخاه المسلم كفر بنص هذا الحديث كفراً، لكن احفظوا جيداً كلمة عبد الله بن عباس كفر دون كفر، ما الدليل على ذلك؟ أدلة كثيرة كما قلت آنفاً منها: قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات:9). فإذاً: هنا طائفتان من المؤمنين اقتتلوا إحداهما: باغية، إحداهما معتدية أمرت الطائفة المسلمين المحقة أن يقاتلوا الطائفة الباغية، لكن نحن نرى هنا في نص الآية أن الله عز وجل ما رفع عنهم اسم الإيمان، وهو قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (الحجرات:9). فإذاً: هؤلاء البغاة الذين يقاتلون أهل الحق هم مؤمنون من جهة، ولكن وقعوا في الكفر من جهة أخرى، ذلك هو معنى قول ابن عباس: كفر دون كفر. فإذاً: الآية المسئول عنها: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44). إنما تعني كفر جحود أو كفر عمل، فمن جحد شرعية العمل بالقرآن فهو كافر مرتد عن دينه، ومن اعترف وأقر بذلك فهو مؤمن، ولكنه إيمانه ناقص؛ لأنه لا

[626] باب رد فهم مغلوط لقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله .. }

يعمل بما يؤمن به، من هنا قال أهل العلم: بأن الإيمان يزيد، وينقص وزيادته الطاعة، ونقصانه المعصية. "الهدى والنور" (218/ 01: 28: 00) [626] باب رد فهم مغلوط لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ .. } سؤال: يا شيخنا بارك الله فيكم، بعض أفراد الجماعات الإسلامية كحزب التحرير مثلاً، يؤولون قول الله جل جلاله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، وهناك آيات أخرى مشابهة لهذا التكفير: كالظالمون، والفاسقون مثلاً، يؤولون هذا التأويل على أن هذه الآيات بين قوسين يكون معناها للحاكم فقط دون غيره ممن يصنع ما يصنع الحاكم من الفسوق والعصيان، فأرجو بيان ذلك بارك الله فيكم. جزاكم الله خير؟ الشيخ: عفواً يبدو لي توضيح: هل يعنون بالحاكم مطلق حاكم، أم يعنون بالحاكم يعني الملك أو الخليفة؟ مداخلة: هو كذلك يعني الملك أو الخليفة أو الرئيس الدولة. الشيخ: رئيس الدولة؟ مداخلة: نعم. الشيخ: يعني مثلاً: واحد مثلي أنا ابتلي بأن يتصدر هذا المكان فسئل عن حكم الله عز وجل في مسألة ما، فخالف حكم الله وهو يعلم، لا ينطبق عليه الآية السابقة فيما تنقل عنهم؟

مداخلة: فيما أنقل عنهم لا ينطبق. الشيخ: لا ينطبق بس؟ مداخلة: نعم. الشيخ: هذا الذي أردت استيضاحه. لا شك أن قصر الآية أو قصر دلالة الآية على الملوك والرؤساء وحكام الشعوب والدول الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، لا شك أن في هذا القصر للآية شطب وضرب للقسم الأكبر من معناها، ذلك أن الآية أولاً من حيث دلالتها تشمل كل حاكم، سواء كان رئيساً أو كان مرؤوساً، سواء كان والياً على المسلمين ولاه المسلمون أو كان والياً من طرف هذا الملك أو هذا الإمام الأعلى، كما هو شأن مثلاً القضاة في كل زمان ومكان هم يأتمرون بأمر الحاكم الأعلى من البشر أو الرئيس أو الملك أو الخليفة، فقوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} (المائدة:44) يشمل كل هؤلاء الحكام، سواء الأعلى أو الأدنى، أولاً: لعموم الدلالة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} (المائدة:44)، وهناك ما هو أقوى في الدلالة أيضاً من عموم النص ألا وهو سبب ورود النص، هناك مقولة للفقهاء تعتبر قاعدة علمية فقهية ينبغي على طلاب العلم أن يكونوا أولاً على معرفة بها، وثانياً: على التزام منهم لها، وهي: قولهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهنا عموم اللفظ يشمل كل حاكم، ولو كان السبب ورد بالنسبة للحاكم الأعلى لقلنا: العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، لكن الواقع هنا على العكس تماماً، أي: أن سبب ورود هذه الآية ليس بالنسبة للرئيس الأعلى الحاكم الأعلى، وإنما هو بالنسبة لبعض أفراد الشعب، ذلك أنه جاء في سبب ورود هذه الآية: أن اليهود

كانوا طائفتين: طائفة تنظر إلى نفسها أنها طائفة عليا، وطائفة أخرى ينظر إليها من الطائفة الأولى بأنها طائفة دنيا، يعني: أشبه ما يكون بالأحرار والعبيد لكن كلهم أحرار، إلا أنهم كانوا ينظرون إلى طائفة نظرة أرستقراطية كما يقولون اليوم، والأخرى نظرة شعبية، يعني: دون أولئك، وترتب من وراء هذا التمايز بين هذه الطائفة وتلك بعض الأحكام في القصاص، فلو أن الطائفة العليا قتلت قتيلاً من الطائفة الدنيا فلا يؤخذ بثأر هذا القتيل، وبالعكس يؤخذ، عاش اليهود ما شاء الله وهم على هاتين القسمتين، إلى أن بعث الله محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - رحمة للعالمين، فوقع في اليهود مشكلة من هذه النوعية، فتنازعت الطائفتان، فبعد أن تناقشوا في الموضوع وتدابروا وتباغضوا اتفقوا على أن يحكموا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذا من خبثهم وضلالهم؛ لأنهم أولاً: كما قال تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146)، ومع ذلك لم يؤمنوا به، وثانياً: مع كفرهم به أرادوا أن يحكموه فما وقع بينهم الخلاف، ولكن فيما بينهم ماذا قالوا؟ هنا الشاهد: قالوا: إن حكم لنا قبلنا حكمه، وإن حكم علينا رفضناه، فأنزل الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44). إذاً: الآية بدلالتيها: بدلالة عموم اللفظ، ودلالة سبب الورود، تدل أنه ليس المقصود بها فقط الملوك والرؤساء، وإنما كل من يحكم بغير ما أنزل الله؛ لأن هؤلاء لما لجؤوا إلى رئيسهم، فالرئيس قال: نحكم محمداً فإن حَكَمَ لنا قبلنا وإلا رفضنا، لا هي الطائفة التي ترى نفسها أعلم من الأخرى هي التي قالت هكذا. نعم. مداخلة: يشمل هذا بارك الله فيكم أرباب الأسر وأرباب العمل مثلاً؟

الشيخ: بلا شك، لكن أنا أريد أن أقول: المسألة هي خاصة من ناحية وهي عامة من ناحية أخرى، هي خاصة في الحكم في .. الحكم، ليست خاصة في التطبيق، فمن حكم .. مثلاً: المعروف، ماذا يسمونه هؤلاء البدو لما يصطلحوا بين بعضهم البعض على .. مداخلة: عشائري. الشيخ: نعم؟ مداخلة: صلح عشائري. الشيخ: صلح عشائري، فهؤلاء يصطلحون على أحكام ما أنزل الله بها من سلطان، هؤلاء بلا شك تشملهم الآية، لكن مثلاً الذي يسرق .. الذي ينهب .. والذي يفعل كل ما يخالف الشرع هذا لا يقال فيه: حكم بغير ما أنزل الله، .. مداخلة: مثلاً: رب الأسرة يطلب من بناته أن يتزين وأن يلبسن القصير، وأنه ينبذ المتحجبات ويقول لبناته: هذا لباس قبيح، فيأمرهم بالمنكر، يعني هذه صورة من الصور يا شيخنا بارك الله فيك هل يشمل هذا؟ الشيخ: لا لا، هذا ما يدخل في الحكم، هذا يدخل في .. مداخلة: القضاء. الشيخ: لا، في اتباع الهوى، يدخل في اتباع الهوى، الحكم كما قلنا هو القضاء كما قال يعني؛ ولذلك قال عليه السلام في الحديث الذي في البخاري: «إذا شهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» (¬1)، هذا له علاقة ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم493) بلفظ: «إذا حكم».

في الحكم وهو القضاء. مداخلة: نعم. الشيخ: أما أن يعرف الإنسان حكم الله وشريعة الله ثم يتبع هواه مخالفاً لشريعة الله، هنا تأخذ المسألة طوراً آخر كما تعرفون من تقسيم الكفر: إلى كفر اعتقادي، وكفر عملي، فإذا كان هذا الشخص الذي أشرت إليه بأنه يقبح الحجاب الشرعي، ويزين التبرج للنساء .. وما شابه ذلك، هو في قرارة قلبه يرى هذا، فهذا مرتد عن دينه، أما إذا كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، والله هذا يريد جهاد ويريد صبر وو .. إلى آخره. مداخلة: والبنات تتأخر حتى يتزوجوا مثلاً. الشيخ: إلى آخره، فهذا يكون كفره كفراً عملياً وليس كفراً اعتقادياً. مداخلة: نعم. الشيخ: خلاصة المثال الأخير الذي طرحته لا يدخل فيما نحن في صدده، إنما الذي يجب أن نفهمه هو ما ذكرته آنفاً وخلاصته، وأذيل عليه بشيء آخر، الخلاصة: أن هذه الآية الكريمة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) تشمل كل حاكم، سواء كان رئيساً أو مرؤوساً، ما دام أنه يخالف شرع الله وهو يعلم. أما التذييل الذي أشرت إليه فهو: أننا وجدنا في زمن أصبنا فيه بمختلف الفتن التي ما كان المسلمون الأولون على ما كان بينهم من خلافات وفتن يعرفون هذه الأنواع من الفتن.

لا شك أنكم تعلمون أن المسلمين اختلفوا منذ القرن الأول من الخوارج ومن دونهم وتفرقوا في دينهم شيعاً وأحزاباً، لكن المصيبة اليوم تضخمت جداً بحيث أن المسلمين بالإضافة إلى ما توارثوه من مذهب وطرق مختلفة ومتدابرة ومتباغضة، وكل حزب بما لديهم يفرحون، فقد تجدد فيهم التحزب وتكتل جديد اقترن به أنه أصبح كل فرد ينتمي إلى حزب يتبنى أفكاراً معينة، ليس لأنه على علم بالكتاب والسنة، وإنما بأن حزبه الذي هو ينتمي إليه يرى هذا الرأي. فأنا أردت أن أذيل بهذا التذييل بناء على ما سمعت آنفاً من السؤال، حزب التحرير يتبنى رأياً مثلاً، أو جماعة التبليغ أو الإخوان المسلمين .. إلى آخره، هذا التحزب وهذا التكتل الذي طرأ على الجماعات الإسلامية اليوم هو توسيع لدائرة التفرق الذي ورثناه خلفاً عن سلف، فأصبح الفرد الواحد الذي ينتمي إلى حزب قد يعد الألوف بل الملايين يتبنى رأي الرئيس الذي أسس هذه الجماعة أو رئس على هذه الجماعة دون أن يكون على علم من كتاب الله ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والأمثلة كثيرة، ولا أريد الخوض إنما أردت التذكير، فالمثال بين أيديكم الآن، الآية مطلقة لكن الحزب الفلاني قصر معناها على الحاكم الرئيس الأعلى؛ لماذا؟ لأن هذا الحزب أو ذاك نصب نفسه لمحاربة الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله، ثم نسي أن الحكم بغير ما أنزل الله لا ينكر فقط على هذا الرئيس، وإنما ينكر أيضاً على كل من له حكم على طائفة أو جماعة، لنقل: رئيس الحزب الفلاني، فهو أيضاً يصدق عليه مثل تلك الآية إذا ما حكم بغير ما أنزل الله عز وجل، فهذا الفرد من أفراد الحزب تبنى فهم الآية على خلاف ما عليه علماء المسلمين كما ذكرت لكم آنفاً، عموم النص يدل على أن من لم يحكم بما أنزل الله يشمل كل حاكم، وسبب ورود النص كذلك يشمل من هو دون الحاكم الأعلى.

[627] باب الرد على من تأول قول ابن عباس: كفر دون كفر، بأنه أراد بذلك تغيير نظام الحكم لا استبدال الشرع

فلهذا نحن ننصح المسلمين كافة أن يتذكروا مثل قوله تبارك وتعالى: لهذا نحن ننصح المسلمين كافة أن يتذكروا مثل قوله تبارك وتعالى: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم:31، 32)، كل مسلم واجب عليه أن يفهم هذه الآية كما جاءت في كتب التفسير، أما أن نسلط على هذه الآية أو غيرها الآراء الحزبية الشخصية فهذا هو مما يصدق عليه نفس الآية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44). هذا ما أردت التنبيه عليه. " الهدى والنور" (728/ 52: 00: 00) [627] باب الرد على من تأول قول ابن عباس: كفر دون كفر، بأنه أراد بذلك تغيير نظام الحكم لا استبدال الشرع سؤال: يتأولون تفسير قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) تأدباً أن ابن عباس لم يقصد في قوله هذا فيمن ضاهى بتشريعه أحكام وتشريع الله تعالى، وأتى بتشريعات مضاهية لتشريعات الله، بل قصد هذا فيمن غير وبدل في نظام الحكم من شورى أو خلافة إلى ملكي وإلى آخره فقط، فأرجوا الجواب عن هذا فقط. الشيخ: لا يفيدهم شيئاً إطلاقاً هذا التأويل الهزيل؛ ذلك لأنه أولاً كأي تأويل من تأويلاتهم؛ لأننا سنقول لهم: ما دليلكم على هذا التأويل؟ فسوف لا يحيرون جواباً هذا أولاً. ثانياً: الآية التي قال فيها عبد الله بن عباس هذه الكلمة معروفة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) بماذا فسرها علماء التفسير

[628] باب الرد على من أدعى أن تبديل الشرع كفر مطلقا

سيعود للمناقشة من أولها. مداخلة: نعم. الشيخ: علماء التفسير اتفقوا على أن الكفر قسمان: كفر اعتقادي وكفر عملي، وقالوا في هذه الآية بالذات: من لم يعلم بحكم أنزله الله فهو في حالة من حالتين: إما أنه لم يعمل بهذا الحكم كفراً به فهذا من أهل النار خالداً فيها ... وإما اتباعاً لهواه لا عقيدة إنما عملاً كهؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون بالإسلام فلا كلام فيهم، هذا بالنسبة للكفر الاعتقادي، وكهؤلاء المسلمين الذين فيهم المرابي وفيهم الزاني، وفيهم السارق وو إلى آخره .. هؤلاء لا يطلق عليهم كلمة الكفر بمعنى الردة إذا كانوا يؤمنون بشرعية تحريم هذه المسائل؛ لذلك علماء التفسير في هذه الآية صرحوا بخلاف ما تأولوا فقالوا: الحكم الذي أنزله الله إن لم يعمل به اعتقاداً فهو كافر، وإن لم يعمل به إيماناً بالحكم لكنه تساهل في تطبيقه فهذا كفره كفر عملي، إذاً: هم خالفوا ليس السلف الأولين بل وأتباعهم من المفسرين والفقهاء والمحدثين، إذاً هم خالفوا الفرقة الناجية. "الهدى والنور" (830/ 05: 57: 00). [628] باب الرد على من أدعى أن تبديل الشرع كفرٌ مطلقاً سؤال: مكفرا الحكام يستدلون على إطلاق تكفير الحكام بأدلة، كانوا أولاً عندما يتكلمون معنا في قضية تكفير الحكام، قلنا لهم: هل أنتم تقولون أن كل من حكم بغير ما أنز الله يكفر؟ فإذا قالوا: نعم، فكنا نقول لهم: ماذا تقولون مثلاً في حكام بني أمية الذين حكموا بغير ما أنز الله، وحكام بني العباس وأمراء الجور؟

والذين أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالصبر عليهم إلا نرى كفراً بواحاً، معنى ذلك: أن الذي فعلوه ليس كفراً بواحاً، فلجئوا إلى تغيير العبارة فبدل ما يقولون: يحكم بغير ما أنزل الله، قالوا: يبدل شرع الله ويبدل حكم الله، فقالوا: نحن نسلم بتفصيل السلف أن من حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم الله هو الحق وما دونه هو الباطل .. يحل الحلال ويحرم الحرام باعتقاده وبلسانه، وإن كان بفعله يخالف ذلك ويعتقد أنه لا يجوز أن يحكم مع الله شيء، نحن نقول: أن هذا كفره كفر عملي، وأما إذا اعتقد أن حكمه أفضل من حكم الله، أو يساوي حكم الله، أو يجوز له أن يحكم مع الله، فهو كفر اعتقادي، قالوا: نسلم لكم بتفصيل السلف في قضية الحكم، أما قضية التشريع فلا نسلم لكم فإن من شرع في جزئية واحدة يكون كافراً. الشيخ: عملاً أم اعتقاداً؟ مداخلة: لا يعني: اعتقاداً وخروجاً من الإسلام. الشيخ: لا، أقول عملاً أم اعتقاداً؟ مداخلة: هم يقولون: لا يصرف بذلك الاستحلال، وكافر يعني: كافر بمجرد عمله. الشيخ: عفواً، نحن نرد عليهم الآن. مداخلة: نعم. الشيخ: أنت لم تُقَصِّرْ، بينت وجهة نظرك، نحن نقول: هم يقولون: ليس كذلك من شرع حكماً، نحن نقول: شَرَّعَ إما قولاً وإما اعتقاداً، فلا نزال نحن في النقطة التي هم التقوا معنا.

مداخلة: في الأولى التقوا معنا فيها؟ الشيخ: أي نعم. مداخلة: وبدلوا اسمها ونحن لا نزال على هذه التسوية. الشيخ: أي نعم، فنحن نسألهم الآن: شرَعوا أو شرّعوا اعتقاداً أم عملاً؟ فإن كان قالوا اعتقاداً فهم معنا كما كانوا من قبل، وإن قالوا: لا، قولاً، إذاً: هم خرجوا عما كانوا معنا، إن قالوا: شرعوا عملاً وليس اعتقاداً، لم يستفيدوا كما أشرت أنت في كلامكم أنهم بدلوا الألفاظ. يعني: تفنن في التعبير للتضليل، وإلا لماذا الفرق بين شرع معناها: أنه سيحكم بهذا الذي شرع، فكلمة شرع رجع إلى الحكم، والحكم يرجع إلى العمل، والعمل إما أن يقترن به عقيدة وإما أن لا يقترن به عقيدة، فلم يستفيدوا شيئاً من هذا التلاعب بالألفاظ؛ لأننا سنلزمهم بهذا التسلسل المنطقي الذي لا مجال له من التهرب منه. رجل وضع نظاماً حبر على ورق، وآخر لم يضع نظاماً حبر على ورق، وكل منهما التقيا في العمل بهذا النظام أحدهما سود به، والآخر ترك الصحيفة بيضاء لكنهما يشتركان في العمل، هل يختلفان؟ قد يختلفان وقد يلتقيان، قد يلتقيان كل منهما وقد اختلفا في الوسيلة فأحدهما كتب والآخر لم يكتب واتفقا في العمل فاختلفا في الوسيلة. قد يتفقان في الغاية، كل منهما لا يستحل في قرارة قلبه هذا الذي عملوا به أحدهما كتب والآخر لم يكتب، كل منهما لا يستحل ذلك بقلبه والله أعلم بما في نفسه.

بل لعله يقول: الله يتوب علينا، مضطرين نحافظ على الكرسي .. نريد أن نحافظ على جاهنا .. على منزلتنا إلى آخره، هذا كفر عملي. قد يختلفان أحدهما يستحل ذلك بقلبه فيكون كفره اعتقاداً، ولو لم يكتب ولا كلمة واحدة .. الذي عمل بما كتب أحدهما استحل ذلك بقلبه، وقال: الشرع هذا الذي جاء به الإسلام كان ومضى زمانه، ونحن الآن في زمان غير ذاك الزمان، هذا أكفر من الذي كتب؛ لأنه استحل ما فعل بقلبه ذاك الذي لم يستحل ما فعل وما كتب بقلبه، فإذاً: هذا تلاعب بالألفاظ يا أستاذ. مداخلة: نعم. الشيخ: النتيجة واحدة. سؤال: طيب! هم يا شيخنا يستدلون على كلامهم .. وقبل ما أذكر استدلالهم هناك: بعضهم قد تكلمت معه في بعض الأدلة أذكرها لكم وأعرف قولكم فيها حفظكم الله. الشيخ: تفضل. مداخلة: قلت لهم: بنو أمية قد شرعوا بدلوا بعض الأشياء التي كانت موجود على عهد النبوة كما ألزموا الناس بالحكم الوراثي وأن من رفع رأسه ضربت عنقه في هذا الأمر. الشيخ: أي نعم. الشيخ: فقالوا: أن بني أمية لم يبدلوا؛ لأنهم عندما حكموا بالحكم الوراثي كان الأمير قرشياً والشرط أن يكون قرشياً: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى:38)

هذه لا التفات إليها، فقلت لهم: إذا كانوا لم يبدلوا ماذا تقولون في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء، ثم تكون مُلكاً عاضاً .. » (¬1) إذا كان الملك العاض هو نفسه على الحالة التي كانت على منهاج النبوة الأولى، لماذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «ثم يرفعها ثم تكون ملكاً عاضاً» إذاً: هناك تبديل وهناك تغيير! الشيخ: لا شك. مداخلة: وهم يقولون في مثل هذا، يقولون: هذا شيء خفيف .. شيء هين لو بدلوا فيه .. قلت لهم: الكفر لا يوجد فيه خفيف وهين، من ثبت كفره .. والكفر هو درجات. الشيخ: من أنكر اللفظ من القرآن كما لو أنكر آية من القرآن، أو أنكر سورة من القرآن، أو أنكر القرآن كله. مداخلة: أذكر لك شيخ ماذا يستدلون به؟ في الحديث الصحيح في قصة حديث أنس في قصة اليهوديين الذين زنيا، وقد بدلا حكم الرجم بالتجبية والتحميم وغير ذلك .. فيقولون: أن الله سبحانه وتعالى حكم بكفرهم - وانظر؛ الكلام في اليهود شيخنا بارك الله فيك - أن الله حكم بكفرهم؛ لأنهم بدلوا شرع الله في هذا الأمر. الشيخ: من أين لهم هذا التعليل؟ ¬

(¬1) الصحيحة (1/ 8).

مداخلة: يقولون: الحديث قصة سياق الحديث أن الله سبحانه وتعالى حكم بكفرهم حينما فعلوا ذلك. الشيخ: الحديث يعلل هكذا؟ مداخلة: قصة حديث أنس حينما ذكر يعني .. الشيخ: لا، لا أنا أسأل سؤالاً؛ لأني بعيد عهد لكن. مداخلة: فيه فنزل، يعني: بعدما ذكر القصة كان ذلك تم في نزول الآية. الشيخ: طيب! مداخلة: نعم. الشيخ: لكن هذا لا يعني أن التكفير كان بسبب هذه الجزئية، وإنما كانت سبب نزول الآية هو هذه الجزئية. مداخلة: نعم. الشيخ: يعني: لا يمكننا أن نوافقهم على قولهم بأنهم كفروا؛ لأنهم حكموا بخلاف ما حكم الله عز وجل على أنه يأتي هنا ولا شك ولا ريب التفصيل الذي لا بد أن نذكرهم به؛ نقول: لا بد من التذكير هنا بأن الاستحلال إما أن يكون عملياً وإما أن يكون قلبياً، فإذا كان في الحديث تعليل كفرهم بسبب هذا الحكم وهذا الجزء من الأحكام الشرعية فلا يكون ذلك نصاً على أن الكفر العملي - وهم متفقون معنا - على أن الكفر العملي يخرج عن الملة، يعني: استدلالهم بهذا لا يفيدهم شيئاً إطلاقاً؛ لأننا سنقول لهم: اليهود في هذه المسألة التي غيروا فيها حكم الرجم هل

كان ذلك استحلالاً قلبياً أم عملياً؟ لا بد لهم من أن يقولوا واحدة من الاثنتين: إن قالوا بدلوا قولاً عملاً وليس اعتقاداً؛ فاستدلالهم خطأ على أن الله كفرهم بسبب تغييرهم هذا الحكم، وإن قالوا: لأنهم غيروا وبدلوا عقيدةً؛ التقوا معنا كما التقوا معنا هناك، فما يفيدهم شيء الاستدلال بهذا الحديث. مداخلة: نعم، بارك الله فيكم، هو هذا شيخنا؛ لأني أنا قلت لهم أيضاً: نحن نريد معرفة محل النزاع .. محل النزاع فيمن يقول بلسانه: إني أؤمن بأن حكم الله هو الحق وإن شرعت خلاف حكم الله عز وجل، فهل لكم أن اليهود كانوا مقرين أن حكم الله هو الحق وهم مخطئون في فعلهم هذا؟ فإن قلتم: ليس لنا دليل على ذلك، قلنا إذاً: هذا دليلكم ليس في محل النزاع، فقال لي قائلهم: وأنتم أيضاً ليس معكم دليل أنهم كفرهم الاعتقادي، قلت: وأنا يعني .. لم أدعِ هذا إنما هو دليلك أنت ليس لي. الشيخ: لا يهمنا نحن، نعم. مداخلة: هو دليلك أنت فدليلك تطرق إليه الاحتمال فيسقط به الاستدلال. الشيخ: أي نعم. مداخلة: والشيء الثاني: اليهود كفار بدون ما يحكموا بهذا الحكم، يعني: كفرهم سابق لهذا الشيء. الشيخ: هو كذلك، بارك الله فيك. مداخلة: أيضاً يستدلون بقصة الياسق وكلام الحافظ ابن كثير في ياسق جنكيز خان وقضيته مع التتار بأن من شرع حكماً غير حكم الله فقد كفر.

الشيخ: مكانك راوح. مداخلة: هو، هو. الشيخ: أبداً. مداخلة: نفس الكلام. الشيخ: أبداً. مداخلة: نقول لهم: هل كانوا هؤلاء يعتقدون بطلان ما أتى به جنكيز خان؟ الشيخ: نعم. مداخلة: فإن قالوا: وما عندكم دليل أنهم كانوا .. قلنا إذاً: سقط دليلكم. الشيخ: بلى. مداخل آخر: شيخنا إضافة إلى أن ابن كثير في البداية والنهاية عندما ذكر الياسق وموضوعه قال: أنه كان يدعي النبوة. الشيخ: يا سلام! مداخل آخر: وأنه يتناول من عند الله أحكام الياسق هذا. الشيخ: الله أكبر. مداخل آخر: فانظر كيف الدليل واستدلالهم؟! الشيخ: الله أكبر، لا هؤلاء يتبعون ما تشابه .. إذا كانوا يتبعون ما تشابه من القرآن وأحاديث الرسول عليه السلام، فلم لا يفعلون بأخبار التاريخية ما يفعلون بالقرآن والسنة؟! هذا هو الهوى! هذا هو الهوى والعياذ بالله.

مداخلة: يتصل بهذا يا شيخنا في نفس هذه المسألة مسألة أخرى وهي أنهم يقولون: إذا شرع فقد استحل، وإن لم يكن ذلك في قلبه، فهنا سؤال: هل الاستحلال .. الشيخ: مكانك راوح. مداخلة: أي نعم، هل الاستحلال لا بد فيه من النطق باللسان بتحليل ما حرم الله بعد إقامة الحجة عليه، أو يكتفى فيه بمجرد الفعل في بعض المواضع؟ الشيخ: الاستحلال هو كالكفر لا فرق بين الأمرين، الكفر كلفظ لغوي أدل على كفر الواقع فيه من دلالة الاستحلال أنه أن هذا المستحل هو كافر، فإذا كان موقفنا وهم معنا أن الكفر ينقسم إلى قسمين: كفر يخرج به من الملة، وكفر لا يخرج به من الملة، فأولى ثم أولى ثم أولى أن الاستحلال ينقسم أيضاًَ إلى قسمين: استحلال يخرج به من الملة ويعود إلى الاستحلال القلبي، واستحلال لا يخرج به من الملة وهو الاستحلال العملي. ومن هنا قلنا في حديث البخاري الذي يضعفه بعض ذوي الأهواء في هذا الزمان، وتقليداً من بعضهم لابن حزم الإمام، قوله عليه السلام: «ليكونن في أمتي أقواماً يستحلون الحرا والحرير والخمر والمعازف، يمسون في لهو ولعب، ويصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير». فالاستحلال هنا كتعبير لغوي يحتمل أن يكون فعلاً؛ لأنهم يبيتون على خمر ومعازف وما شابه ذلك، ويستحقون ذلك العذاب المذكور في الحديث، ويحتمل أن يكون استحلالاً قلبياً وهذا أوضح وأقرب إلى العقوبة المذكورة في هذا الحديث.

فإذاً: ما يستفيدون شيئاً من كلمة الاستحلال إذا ما وردت في مكان ما أنها تعني كفر الردة؛ لأن لفظة الكفر نفسها لا تعني كفر الردة دائماً وأبداً، هذا ما عندي وأرجو الله عز وجل أن يلهمنا رشدنا، نعم. مداخل آخر: شيخنا الحديث الذي أشار إليه أخونا أبو الحسن. الشيخ: ماله؟ مداخل آخر: حديث البراء في صحيح مسلم. الشيخ: أي نعم. مداخل آخر: قال: «مر على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بيهودي محمماً مجلوداً، فدعاهم - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم». الشيخ: كذبوا. مداخل آخر: هنا أهم نقطة شيخنا في الحديث كله. الشيخ: نعم. مداخل آخر: «فدعا رجل من علمائهم: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى! أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: لا، لولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم فأنز الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ في الْكُفْرِ ... } إلى قوله: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا

فَخُذُوهُ} (المائدة:41) يقول: ائتوا محمدا ً - صلى الله عليه وآله وسلم - فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) {الظَّالِمُونَ} (المائدة:45) {الْفَاسِقُونَ} (المائدة:47) في الكفار كلها. الشيخ: في الكفار. مداخل آخر: شيخنا! فالحقيقة هذا النص واضح جداً أنهم نسبوا التغيير لكتاب الله، وهنا موضع الاعتقاد الذي هم فيه، لو كان هذا ناسبينه إلى أنفسهم نتيجة شهوى أو كذا لا يكون هذا تكفيراً، أليس كذلك يا أستاذنا؟ الشيخ: هو كذلك نعم. "الهدى والنور" (849/ 03: 11: 01) و (849/ 34: 18: 01) و (849/ 02: 02: 01) و (849/ 04: 01: 00)

[629] باب هل استبدال الشرع كفر؟ وبيان أقسام الكفر، ونقاش بين الشيخ محمد إبراهيم شقرة! وبعض المخالفين حول حكم تارك جنس العمل!!

[629] باب هل استبدال الشرع كفر؟ وبيان أقسام الكفر، ونقاش بين الشيخ محمد إبراهيم شقرة! وبعض المخالفين حول حكم تارك جنس العمل!! سؤال: الإجماع الذي قاله ابن كثير في البداية والنهاية أن من حكم الياسق فهو كافر بإجماع المسلمين، وأيضاً يا شيخنا! يعني: إذا قلنا أن .. كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: ومعنى الطاغوت أو رؤوس الطواغيت خمسة: وذكر منهم الثاني والثالث قال: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله، وذكر الثالث قال: الحاكم بغير ما أنزل الله، وكما نعلم أن الكفر بالطاغوت الركن الثاني من أركان التوحيد؛ لأن الله عز وجل قال في سورة البقرة وقال في سورة النحل في سورة النحل غير الآية ولكن في البقرة: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (البقرة:256) فالكفر بالطاغوت هو الركن الثاني من أركان الإيمان، وإذا قلنا أن الإجماع قد انعقد على كفر المستبدل لشرع الله عز وجل فينبغي أن أقيم هذه العقيدة وأقيم دولة الإسلام كما سمعنا منكم في قلبي فأنا ينبغي أن أعتقد بهذا في قلبي بخاصة أن علماء المسلمين أكثر من عالم نقلوا الإجماع على كفر الحاكم مستبدلاً .. ومنهم: محمود شاكر، ومنهم الدكتور: عمر الأشقر تقريباً ست علماء نقلوا الإجماع في هذه المسألة. الشيخ: أنت بارك الله فيك! هل انتبهت سابقاً أو لاحقاً في هذه الجلسة أن الكفر عمل قلبي وليس عمل بدني، هل انتبهت لهذا أم لا؟ مداخلة: نحن لا نقر بهذا.

الشيخ: هنا تكمن المشكلة، طيب! ما هو الكفر ما معنى كفر لغة وشرعاً؟ مداخلة: الكفر قيل في اللغة: هو الجحود، وأما في الشرع قسمه العلماء إلى كفر عملي أو اعتقادي، أو كفر أكبر وكفر أصغر، فالكفر الأكبر قالوا: هو الكفر الذي يخرج من الملة، والكفر الأصغر هو الكفر الذي لا يخرج من الملة. الشيخ: صحيح بارك الله فيك! لا نريد أن نلقي الآن محاضرات نريد تفاهم سين وجيم. مداخلة: نعم. الشيخ: الآن أنت بدر منك أنه يوجد هناك كفر عملي ويوجد كفر اعتقادي فهل أنت تعني ما تقول؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! الكفر العملي يكفر به صاحبه؟ مداخلة: نعم، إن كان مخرجاً من الملة. الشيخ: لا لا، الكفر العملي يكفر به صاحبه؟ مداخلة: نعم إن كان مخرجاً من الملة .. إن كان كفراً أكبر؛ لأن الكفر العملي يوجد منه كفر أكبر وكفر أصغر. الشيخ: يا أخي بارك الله فيك! أنا قلت لك كلمة آنفاً .. لا نريد أن نلقي محاضرات الآن نريد أن نتفاهم كلمة يقول عنها في سوريا: كلمة وغطائها، نحن كأننا اتفقنا أنه يوجد كفر اعتقادي ويوجد كفر عملي. مداخلة: نعم.

الشيخ: فسألتك هل الكفر العملي هو يخرج صاحبه من الملة؟ الجواب: إما أن تقول نعم، أو أن تقول لا، ثم لا مانع من التفصيل إن لزم الأمر للتفصيل. مداخلة: هنا يلزم التفصيل. الشيخ: لم نأت بعد! أنت أجبنا قل إن الكفر العملي هو ردة أو لا؟ مداخلة: ما أجيب إلا بتفصيل. الشيخ: سبحان الله! الكفر الاعتقادي كفر ردة؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! لماذا لم تفصل؟ مداخلة: لأن هذا متفق عليه، ولكن الكفر العملي هو محل الخلاف بين المرجئة وأهل السنة. الشيخ: طيب! الكفر العملي له ارتباط بالكفر الاعتقادي الذي تقول عنه أنه ردة أم ليس له ارتباط؟ مداخلة: له ارتباط. الشيخ: إذاً رجع إلى الكفر الاعتقادي بارك الله فيك! رجع إذاً إلى الكفر الاعتقادي. الكفر العملي فيما يبدوا ولا تؤاخذني .. وإن كنت أحاول أن ألطف العبارة لم يتبين لك بعد الفرق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي ليتبين لك ثمرة هذا الاختلاف بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي، الكفر العملي: عمل يصدر من المسلم هو عمل الكفار، لكن هذا العمل الذي يصدر من المسلم هو مشابه لذاك

العمل الذي يصدر من الكافر من جهة، أي: من حيث العمل، لكنه يختلف من جهة أخرى عن ذلك العمل الذي يصدر من الكافر، ذلك العمل الذي يصدر من الكافر مقرون بالكفر الاعتقادي، أما هذا المسلم هنا يظهر الفرق والثمرة بين الكفرين هذا المسلم إن صدر منه كفر عملي وأيضاً مقترن معه كفر اعتقادي ككفر الكافر فهو كفر ردة لا إشكال فيه، أما إذا لم يخرج منه ما يدل على أنه قد اقترن بكفره العملي كفر اعتقادي حينئذٍ لا يكون كفراً اعتقادياً؛ لأن الكفر الاعتقادي يختلف عن الكفر العملي من حيث أنه كفر قلبي، أما الكفر العملي ليس كفراً قلبياً وإنما هو كفر عملي، خذ مثلاً الحديث الصحيح المتفق عليه ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» قتال المسلم لأخيه المسلم كفر، الآن أنا أسألك مسلم يقاتل مسلماً هل كفر بهذه المقاتلة؟ مداخلة: لا يكفر؛ لأن هذا كفر أصغر. الشيخ: يا أخي بارك الله فيك. مداخلة: لا لا يكفر. الشيخ: خير الكلام ما قل ودل، طيب هذا كفر. مداخلة: نعم كفر. الشيخ: أنت الآن تسميه كفراً أصغر، طيب! أنا أسميه كفر عملي، فما الفرق بيني وبينك، أنا سميته كفراً عملياً .. أنت سميته كفر أصغر، الآن نحن نقول هذا كفر عملي لماذا؟ لأنه عمِل عمل الكفار، الكفار من طبيعتهم كما هو مشاهد دائماً وأبداً أن بعضهم يقاتل بعضاً، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى هذه الحقيقة التي تساعدنا نحن عليك وعلى تأويلك بأن هذا الكفر كفر أصغر .. يساعدنا على تفسير كفر أي

كُفراً عملياً: قوله عليه السلام في حجة الوداع كما جاء في صحيح البخاري من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال له رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «استنصت لي الناس فخطبهم عليه الصلاة والسلام وقال: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» جملة يضرب بعضكم رقاب بعض هذا بلا شك عمل وهو تفسير لقوله عليه السلام: «من قبل كفاراً» «لا ترجعوا بعدي كفاراً» كيف؟ «يضرب بعضكم رقاب بعض» إذاً: هذا كفر عملي: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» فهو لا يخرج عن الملة ولكن إذا اقترن مع قتال المسلم لأخيه المسلم استحلال دمه قلباً وهو يعتقد أنه مسلم حينئذٍ يتحول كفره العملي إلى كفر اعتقادي. أنت تحتج بالإجماع الذي نقلته عن فلان وفلان من المتقدمين أو من المعاصرين، لا بد أنك قرأت في تفسير الأئمة لمثل قوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) أعني أنك قرأت أن الآية نزلت في اليهود الذين كانوا يدفعون بعضهم إلى أن يسألوا الرسول؛ لأنهم كانوا حزبين ومتخاصمين فيدفعون أحدهم ليسأل محمداً فإن أجابهم بما يوافقهم قبلوه وإلا رفضوه، ومن أئمة المفسرين المعروفين والمشهورين ابن جرير الطبري يقول في تفسير هذه الآية: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)؛ لأنهم لا يؤمنون بحكم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قلباً؛ لأنهم هم في الأصل كفروا برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا إذا حكم لهم ولصالحهم فحينئذٍ يتبنون هذا الحكم؛ لأنه لصالحهم لكن إذا لم يكن لذلك فهم يرفضونه قلباً وقالباً. ولذلك فهو يقرر وكذلك ابن كثير أنه لا يجوز سحب هذه الآية على المسلم الفاجر الفاسق الذي يدين ويؤمن بما أنزل الله عز وجل ولكنه قد يحكم إما في نفسه أو في غيره بخلاف ما حكم الله عز وجل في كتابه أو نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - في سنته، لا

يجوز سحب هذه الآية على أولئك المسلمين؛ لأنهم يختلفون عن المشركين بأنهم آمنوا بما أنزل الله لكن إيمان بما أنزل الله لم يقترن به العمل، بينما أولئك كفار جحدوا ما أنزل الله قلباً وقالباً، لذلك فالعلماء علماء المسلمين في تفسير هذه الآية التي يحتج بها كثير من الذين يتمسكون بالتكفير إطلاقاً ومنه قولك: أن الكفر العملي قد يكون كفر خروج عن الملة ولم تلاحظ أن هذا يستحيل أن يكون الكفر العملي خروج عن الملة إلا إذا كان الكفر قد أنعقد في قلب هذا الكافر عملاً. فيجب التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي، لا يوجد عندنا في الشريعة أبداً نص يصرح ويدل دلالة واضحة على أن من آمن بما أنزل الله لكنه لم يفعل بشيء مما أنزل الله فهذا هو كافر، الذي مثلاً يأكل الربا ما حكمه؟ هل هو كافر مرتد عن دينه؟ ستقول: لا، أليس كذلك؟ مداخلة: نعم .. بلى. الشيخ: أنا لا أقول بقولك هكذا، أنا أقول: قد وقد، أي: إذا استحل الربا بقلبه أيضاً كما استحله بعمله فهو كفر ردة وإلى جهنم وبئس المصير، أما إذا قال: الله يتوب علينا ونريد أن نعيش من الكلمات الفارغة هذه إلى آخره مما يشعرنا بأنه هو يؤمن بأنه يعصي الله عز وجل ورسوله ولكنه من جهة أخرى اتبع هواه. ولا فرق يا حضرة الأخ المسلم بين من يعص الله عز وجل في أكله الربا مثلاً وبين من يعصي الله في أن يحكم بغير ما أنزل الله. والآن أنهي هذه الكلمة بمثال بسيط جداً، أقول: قاضٍ شرعي يحكم، لا أقول: يحكم بالشرع بل أقول كما نقول نحن دائماً: يحكم بالكتاب والسنة، لكن في حكومة وفي قضية معينة تقاضى عنده اثنان فحكم للظالم بحق المظلوم هل

هذا حكم بما أنزل الله؟ مداخلة: أنا أجيب لكن باستفسار .. قبل ما أجيب أستفسر من سؤالك. الشيخ: طيب! يقولون عندنا في الشام الذي لا يأتي معك امشي معه. مداخلة: حسناً. الشيخ: تفضل. مداخلة: هل هذا القاضي جعل هذا الحكم شريعة يقضي بها في كل حال في هذه الحالة في القضية، فلنضرب مثالاً الآن: إنسان سرق وجاء عند هذا القاضي الذي يحكم بما أنزل الله عز وجل ولكن في هذا القضية لهوى أو لقرابة قال: أنا لن أقطع يده أنا سأقيم عليه حدًّا آخر، مهما أن شروط السرقة توفرت فيه .. مهما أنه في الحالات الأخرى يقطع اليد، فهذا لا نقول كفر ننزل عليه قول ابن عباس: كفر دون كفر، أما أن جعل حد السرقة السجن أو الحبس نقول هذا كفر بمجرد حكمه في هذه القضية أن جعلها شرعاً يتبع؛ لأنه جعل نفسه نداً لله. الشيخ: أنت بارك الله فيك! ما تؤاخذني أنت تؤيد عبارات قرأتها، وطلبك أن تقطع كلامي لتبين هذا لا يفيدك شيئاً، أنا سأقول: هذا الإنسان الذي حكم للظالم على المظلوم هل حكم بشرع الله؟ المفروض أن تقول: لا، ثم نتابع الموضوع إلى نهايته بعد ذلك إن وجدت مناسبةً لتقول ما قلت تقول ذلك. نعود إلى ما كنا في صدده: هذا المسلم والقاضي الذي يحكم بما أنزل الله عادةً، حكم في قضية ما بغير ما أنزل الله، وما ظن أن مسلماً عالماً يحكم بمجرد أن صدر منه هذا الحكم المخالف للشرع أنه يحكم عليه بأنه كفر، ما أظن أحداً يفعل هذا! فأريد أن أقول في قضية أخرى لسبب أو آخر تكرر ذلك السبب أو تجدد

ليس مهم، وإنما حكم أيضاً بغير ما أنزل الله. كذلك أنا أقول: لا أستطيع أن أقول بأنه كفر كُفر اعتقاد وكفر ردةٍ، إلى متى؟ سنكرر خمس مرات .. عشر مرات .. عشرين مرة .. مائة مرة .. إلى آخره، متى أستطيع أن أقول بأن حكمه هذا يدينه بأنه كُفر ردة وليس كُفر عمل فقط؟ إذا ما بدا منه ما ينبئ عما وقر في قلبه؟ فإذا بدا منه شيء ينبئ عما وقر في قلبه وهو أن هذا الحكم لا يصلح الحكم به بالرغم أنه مما أنزله الله، هنا يقال بأن كفره كفر ردة، فلا نعود -لعلنا نلتقي-،أن هذا الذي اتخذ نظاماً قد يكون سبب قول القائلين بأن هذا كفر ردة هو أنهم اتخذوا نظامه دليلاً على ما وقر في نفسه بأن الحكم في الإسلام لا يصلح. وأنا أقول: إن صح حكمهم أو استنباطهم ويكون هذا حكماً صحيحاً مطابقاً للكفر الاعتقادي. إذاً: الآن مناط الحكم والبحث والتفريق بين كفر وكفر هو أن ننظر إلى القلب، فإن كان القلب مؤمناً والعمل كافراً فهنا يتغلب الحكم المستقر في القلب على الحكم المستقر في العمل، أما إذا كان ما في القلب مطابق للعمل، أي: هو لا يقر بهذا الحكم الذي جاء في الشرع إما إعراباً وإفصاحاً بلسانه أو تعبيراً كما يقال بلسان قاله .. بلسان حاله .. يعني: التعبير قد يكون بلسان القال أو بلسان الحال، إذا كان تعبيره عن كفره القلبي بلسان القال انتهى الموضوع، أما إذا كان بلسان الحال هنا لسان الحال قد يقبل الجدال، فماذا تقول الآن في مثل هذا التفصيل؟ وألخص ما سبق: الكفر العملي الذي قد يكون كفراً اعتقادياً كما قلت في أول جوابك هذا لا بد أن يكون مربوطاً بالكفر الاعتقادي، أما كفر عملي وهو حكمه كالكفر الاعتقادي أي: مرتد عن الملة وهو مؤمن بقلبه هذا لا وجود له في

الإسلام، والآن تفضل ما عندك. مداخلة: أول شيء جزآكم الله خيراً. الشيخ: وإياك. مداخلة: نحن ما نعتقده: أن هناك كفر عملي يخرج من الملة بغض النظر عن الاعتقاد كان مؤمناً أو كان غير مؤمن، ولنا في ذلك سلف منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى. الشيخ: نريد أدلة الآن .. نريد أدلة من الكتاب قبل كل شيء. مداخلة: الأدلة {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} (التوبة:74). الشيخ: اسمح لي يا أخي! مداخلة: تفضل. الشيخ: رجعت إلى قولي، قلت لك آنفاً: الكفر الاعتقادي الذي - أرجوك لا تستعجل علي - الكفر الاعتقادي الذي مركزه القلب إما أن يدل عليه لسان القال أو لسان الحال، أنت الآن تحتج بالآية: {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} (التوبة:74). مداخلة: نعم. الشيخ: سبحان الله! هذا لي .. هذا لي ما تشعر معي؟ مداخلة: لا ما أشعر، لأن الله عز وجل لم يبين أنهم استحلوا أو لم يستحلوا الله عز وجل أطلق وهذا ... الشيخ: يا أخي الله يهديك! أنا أقول لك بلسان عربي مبين: المؤمن بما تحكم

على إيمانه أليس بقوله؟! مداخلة: بإقراره، نعم. الشيخ: طيب! والكافر بما تحكم عليه؟ بقوله؟! مداخلة: نعم. الشيخ: وأنا معك، وأنا سبقتك قلت لك: الكفر الذي وقر في القلب نحن ما نصل إلى القلب لكن نتخذ طريقاً للوصول إلى ما في القلب أحد طريقين: إما القال وهذا لسان القال، وإما لسان الحال تفرق معي بين أمرين أم لا؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! فالآن أنت احتججت بالآية .. الآية حجة لي. مداخلة: لكن ما فهمته من كلامك أنا: أنك لا تكفره ما دام قال كلمة الكفر بدليل أنك قلت: إنسان سيء التربية في بيت أهله يشتم الله عز وجل هذا لا نكفره، وهذا مخالف إجماع العلماء الذين نقله ابن تيمية، هذا بغض النظر لو كان مؤمن أو غير مؤمن بمجرد شتمه لله كفر. الشيخ: طيب! هل يقتل؟ مداخلة: نعم يقتل. الشيخ: لا، يستتاب. مداخلة: هذا خلاف بين العلماء. الشيخ: الخلاف بين العلماء ما هو الراجح؟

مداخلة: الذي رجحه من كتب هذه المسألة أنه لا يقتل. الشيخ: طيب! يكفر أو لا يكفر؟ مداخلة: يكفر ويستتاب. الشيخ: لا يستتاب؟ مداخلة: يستتاب. الشيخ: نحن قلنا هل يستتاب أم لا؟ قلت: يوجد قولين. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! ما هو الراجح؟ مداخلة: الذي قرأناه الذي رجحه أنه لا .. يستتاب. الشيخ: الذي أعلن الردة عن دينه يستتاب؟ مداخلة: يستتاب. الشيخ: الذي أعلن الردة عن دينه؟ مداخلة: الذي يكفر يستتاب. الشيخ: «من بدل دينه». مداخلة: «فاقتلوه». الشيخ: «فاقتلوه». يستتاب؟ مداخلة: الذي نعلمه أنه يستتاب.

الشيخ: يوجد فرق يا أخي بين إنسان يعلن الردة عن دينه، وبين إنسان يتكلم بكلمة الكفر قد يكون له في ذلك عذر كما ذكرنا بالنسبة للجهال آنفاً، ولعلك تذكر معي أن سبب رواية الصحابي لهذا الحديث: «من بدل دينه فاقتلوه» أن أنا أشك الآن .. هي القضية تدور بين معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري، كانا في اليمن لما أرسلهما الرسول عليه السلام، فإما نزل أبو موسى ضيفاً - هنا أشك فقط - إما نزل أبو موسى ضيفاً على معاذ أو العكس تماماً، فوجد عنده رجل مغلل في الأصفاد، سأل عنه قال: هذا بدل دينه، رأساً سحب السيف وقتله لا يهمنا هل هو أبو موسى الذي فعل أو معاذ بن جبل، وكلاهما صحابي جليل ورأساً نفذ فيه الحكم: «فمن بدل دينه فاقتلوه» تبديلاً لا يحتمل عذراً له هذا لا يستتاب، أما الذي يتكلم بكلمة الكفر وقد يكون له وجهة نظر خاطئة من ناحية العلم أو من ناحية الجهل أو لأي سبب من أسباب كما ألمحت أنا آنفاً إلى شيء من ذلك وكررته وهو سوء التربية مثلاً. فهؤلاء نحن نسمعهم اليوم بسبب سوء التربية تجد الواحد يتكلم بكلمة كفر في حالة ثورة غضبية، وإذا به فوراً ماذا يقول: أستغفر الله، الله يلعن الشيطان إلى آخره، هذا ماذا تحكم هذا متناقض مع نفسه .. هذا إذا كان هناك حكم بالإسلام يتوبه إذا ما هو تاب، إذا سب الرسول عليه السلام كما كان في بعض الأسئلة هذا يستتاب فإن تاب وإلا قتل، أما وهو فوراً استغفر الله وأناب فهذا دليل أن الرجل ما خرج ذلك عن قصد منه للكفر. فالشاهد: نحن نكرر في كلامنا أن الكفر الاعتقادي طريقة معرفتنا نحن به إما بإقرار الكافر كما في الآية التي ذكرتها، إما أن نستدل بلسان حاله، الاستدلال بلسان الحال مجال للاختلاف والمناقشة .. يا ترى! هذا استنباط صحيح أو غير

صحيح؟ لكن حينما يكون يعلن الكفر بلسانه انتهى الموضوع، فما هو الدليل الآن إذا كنا نقول بالكفر العملي غير مقرون بالكفر الاعتقادي أنه كفر يخلد صاحبه في النار، ما هو الدليل من كتاب الله أو من حديث رسول الله؟ ونحن نعلم أن الحجة إنما تقوم بمعرفته بالحكم الشرعي، فإذا لم يعلم لسبب أو آخر - وهذا موضوع سبق الإشارة إليه، فما هو الدليل على أنه من وقع في شيء من المكفرات قولاً وبجهل أو غفلة كما ذكرنا في قصة الذي أوصى بتلك الوصية، أو بعمله ما هو الدليل أن هذا كفر كفراً يخلد صاحبه في النار؟ لا يوجد عندنا دليل، إما أن نقول قال فلان وقال فلان، فهذه الأقوال متناقضة والله عز وجل يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (النساء:59) إلى آخر الآية؛ فهل تذكر دليلاً مداخلة: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} (النحل:106) فالله عز وجل كما قالوا العلماء لم يستثن إلا المكره، وأما غير المكره بغض النظر كان مستحلاًّ أو لم يكن مستحلًّ بمجرد تلفظه بالكفر كفر. الشيخ: هذا حجة عليك الآية، تدري لم؟ مداخلة: لم؟ الشيخ: شرح صدره بارك الله فيك، فهذا حجة عليك .. تأمل كثيراً .. مداخلة: يعني: من أجل هذا الانشراح .. مداخلة: هو قبول الكفر ..

الشيخ: لا، لا هو عارف للكفر ومطمئن له، هذا معنى الآية .. مداخلة: ولكن ما قرأناه مخالف لهذا التفسير وما نعلمه .. الشيخ: إذن يجب أن تجدد طريقة فهم النصوص .. ما قرأته .. قل قرأت هذه النقطة التي في الآية .. من شرح صدره .. من شرح .. محمد شقرة: يا شيخ أنا أريد لعلي أوجز أو أختصر الطريق .. الشيخ: تفضل يا أخي. شقرة: أنا أقول: أن أولاً لو سألنا سؤالاً وأذعناه في الناس لنجد الجواب عنه، عند الناس جميعاً ثم نعزل الجواب السلبي عن الجواب الإيجابي ولنرى النسبة بين الطرفين، السؤال هو: ما ثمرة تكفير المسلم الذي يقول: لا إله إلا الله إن بدا منه شيء يحكم عليه بالكفر ظاهراً؟ أنا في زعمي هذا سؤال يحتاج إلى دقة فهم في الجواب، أما أنا في الجواب عندي أقول: إن الفائدة والثمرة التي تترتب على الجواب: يجب أن يكون الإنسان مقتنعاً بها أولاً، فإذا قلت أنا: الثمرة هي أن أحكم عليه بالكفر، إذاً: حكمت عليه بالكفر وكفى، ما الشيء الذي بعد الحكم عليه بالكفر؟ لا شيء وبخاصة في زمان نحن فيه أحوج ما نكون إلى أن نبين للناس طريق الحق الذي ينبغي أن يتبعوه حتى نخرجهم من دائرة الكفر إلى دائرة الإيمان، وأما إذا قلنا: هذا الجواب الذي ينتظر من الآخرين: إن الثمرة التي تترتب على هذا السؤال بالجواب، أن نقول: يجب علينا أن نقتل هذا الذي يثبت كفره لدينا بسؤالنا وبجوابه، وأظن أن الشق الثاني أو الجواب الثاني هذا يكون شيئاً من العبث في زماننا هذا؛ لذلك يجب أن تتوحد النظرة في الحكم على هذا الإنسان. ما حكم أو لماذا نكفر؟ يجب علينا أن نتريث قبل أن نجيب فنقول: إذا كان

الكفر أو إذا كان التكفير له ثمرة عملية من حيث تأديب المجتمع فعندئذٍ يمكن أن نقول، لكن ألا تعلم بأن التكفير يزيد في تكفير الناس وخروجهم عن الإسلام، لذلك لا بد من تعديل النظرة والحكم على هؤلاء الناس بأنهم مرضى وأننا يجب أن نخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا قلت الحكام فطائفة الحكام طائفة قليلة وأنا كنت بالأمس القريب أتكلم في مجلس عام وذكرت بأن حالة الإكراه التي أشرت إليها لا تقتصر على حالة الفرد الواحد وإنما الأمة كلها الآن مكرهة .. الأمة كلها الآن واقعة في بوتقة الإكراه، من الذي يستطيع أن يقول: إذا قال أعداء الإسلام .. إذا قالوا للأمة نريد منكم كذا فمن الذي يملك أن يقول: لا، الآن علماً بأنك تستطيع أن تقول ذلك في بيتك أو بينك وبين الناس الآخرين على صداقة بينكم أو مودة، ولكن لا تستطيع أن تعلن ذلك في الناس، فهذا دليل على أنك مكره على فعل الشيء أو على قبول الشيء الذي لا تؤمن به أولاً. وهناك شيء آخر لا بد من لفت النظر إليه وهو أن .. الآن أنا أسأل سؤالاً: ما الذي يرتجى للإنسان الذي يحكم عليه بالكفر .. أنا حكمت عليه بأنه كافر اعتقاداً، مصيره أين؟ الخلود في النار أليس كذلك، طيب .. أنت قلت يا سامي! الكفر العملي قسمان: قسم يحكم عليه بأنه كافر ردةً أو اعتقاداً والقسم الآخر لا .. فأنا أريد أن أختار أيهما شئت، واضرب لي مثلاً أولاً أو حدد لي من تعتقد أنه بالكفر العملي يكون قد كفر كفراً اعتقادياً حدد لي ما هو؟! سامي: ما ضربناه من مثل لمجرد الإنسان أنه يستبدل دين الله عز وجل بالقوانين الوضعية هذا كفر أكبر وهذا عمل .. أنه حكم بغير ما أنزل الله بمجرد أنه بدل دين الله هذا كفر كفر أكبر مخرج من الملة ..

شقرة: لا الذي ... قلت: بدل .. سامي: هذا واقعنا الآن .. أنهم الآن هم بدلوا شريعة الله بالقوانين الوضعية .. أو حكموا بغير ما أنزل الله سَمِّهِ ما شئت .. فهذا عمل، فهذا نحكم عليه بأنه خرج من الملة كما قال ابن القيم عليه رحمة الله في كتاب الصلاة وحكم تاركها قال: كما أن هناك من الإيمان شعب قولية توجب زوالها زوال الإيمان، كذلك الشعب الفعلية وكذلك الشعب الكفر القولية والعملية .. شقرة: ... خلطت الآن الأمور .. الآن أنا أسألك، طيب هذا الذي استبدل دين الله بنظام الكفر أو نظام الكفر استبدله بدين الله .. العبارة الصحيحة .. الآن أنا أسألك: من يوافقه في ظاهره ماذا تقول فيه؟ سامي: إذا رضي .. شقرة: لا تقل لي: إذا رضي .. سامي: كيف يوافقه؟ شقرة: هو الآن رجل يحكم بغير ما أنزل الله .. استبدل دين الله بنظام الكفر أو نظام الله بنظام الكفر أليس كذلك؟ سامي: نعم. شقرة: من يوافقه ظاهراً، ماذا تقول فيه؟ سامي: غير مكره كَفَرَ. شقرة: طيب كيف تحكم بأنه غير مكره. سامي: وضعه الإكراه يعني هل هو ..

شقرة: نعم .. الآن تستقصي أمة من أدناها إلى أقصاها كيف تستطيع أن تحدد هذا؟ أنا أريد أن نصل معاً إلى من يحكم عليه بأنه كافر أو بأنه موافق بإكراه أو بغير إكراه .. كيف تحكم على ذلك؟ سامي: أنا أقول أنه الشعوب الآن إذا رضيت بأنظمة الكفر التي هي سائدة كفروا بغض النظر إن شاء الله تكون الأمة كفرت ... نكفرها .. شقرة: جاوبني جواباً محدداً، الآن هذه الفئة الموجودة حالياً هنا هل تستطيع أن تحدد المكره من غير المكره؟ سامي: لا، نحن الأصل عندنا هم الآن الإسلام .. الأصل عندنا أنهم مسلمون .. شقرة: يا أخي! أنا أقول لك: هل تستطيع أن تخرج لي من هؤلاء الجالسين المكره من غير المكره؟ سامي: لا أستطيع. شقرة: لا تستطيع، إذاً بارك الله فيك: الظاهر أنهم محكومون عليهم بأنهم قد رضوا باتباع هذا النظام وقبلوه بدليل أنك أنت تدرس في الجامعة ولا تأبى دراسة الجامعة علماً بأن نظام الجامعة نظام كافر، وهو نظام طاغوتي وترضى بأن تدرس في الجامعة وترضى بأنظمة الجامعة، وترضى بالاختلاط في الجامعة، وترضى بحلاق اللحى الذين ظاهرهم يدل على أنهم يجحدون نظام الله، لماذا تفعل هذا أنت؟ إذاً: أول من يحكم عليه هو أنت! سامي: أنا ما أرضى بالأنظمة الوضعية الآن. شقرة: سبحان الله! أنا أقول لك أنت رضيت.

سامي: ما رضيت. شقرة: كيف لم ترض إذاً لماذا تدرس في الجامعة؟ سامي: أنا الآن وضعي غير. شقرة: الرضا قلبي أم عملي؟ سامي: هناك رضا قلبي وعملي أنا ما رضيت .. أنا الآن أذهب إلى الجامعة بغض النظر .. شقرة: يا شيخ! أنت الآن الرضا تقسمه قسمين .. قلبي سامي: أنا ما ... شقرة: تتوقف عن الكلام .. سامي: أتوقف عن الكلام أجيبوا أسئلة أخرى .. شقرة: لماذا؟ سامي: انتهى .. شقرة: لا، لا بد أن تجيب .. لا، أنا ما عهدتك تهرب .. أنا ما عهدتك هراباً يا سامي .. سامي: الذي عندهم كلام يتكلمون شقرة: لا، أريد أن تجيب أنت .. تجيب أن الله يبارك فيك .. سامي: أنا قلت أنا غير راض بالأنظمة .. شقرة: إذاً يا أخي بارك الله فيك أنا ..

سامي: لا توجد مشكلة .. العقيدة .. شقرة: كيف أرى أو كيف أحكم عليك بأنك غير راض وأنا أراك كل يوم تذهب إلى الجامعة؟! سامي: أي إنسان مسلم يرضى بالأنظمة الآن إلا الذي عنده عقيدة صحيحة .. شقرة: يا سامي! دعني من هذه الأجوبة العامة الفضفاضة، أنا أسألك أنت .. أنت الآن كافر أو غير كافر؟ سامي: لا لست بكافر. شقرة: لماذا؟ لا، أنت كافر تحكم على نفسك بأنك كافر. سامي: لا، أنا ما أحكم على نفسي .. شقرة: سبحان الله! أنت .. الشيخ: خاصة أنه جعل الرضا عملياً. سامي: نعم أن الرضا عملي .. بالظاهر الله يبارك فيك. شقرة: يا سامي! أنا أقول لك شيئاً وهو: أن هذه الفكرة التي استحوذت عليك أو هي مستحوذة عليك .. هذه ما كنت أحسبها فيك، ولكنها ظهرت الآن، وإني أحمد الله على أنني قد ظهرت أمامي ولم تنقل إلي نقلاً على ألسنة الآخرين .. ما كنت لأصدق؛ وذلك لسببين اثنين: السبب الأول: أنا أعلم بأنك لن تستحكم بعد فكرة التكفير والإيمان أو الحكم بالإيمان والكفر على الناس عندك بدليل أنك الآن لا تريد أن تخوض في

هذه المسألة وقفت. أما ثانياً: فلأني أرى بأن واقعك الذي أنت فيه يتنافى مع منطقك وكلامك من لسانك. ثم أخيراً يا سامي أريد أن أقول لك: الحكم على الإنسان بالكفر كما قال عليه الصلاة والسلام يقتضي واحداً من أمرين: إما أن يكون القائل هو الكافر، وإما أن يكون المقول فيه هو الكافر، فقد حار على أحدهما، فلذلك بارك الله فيك! ما أغناك عن هذا أن تقول قال فلان وقال فلان .. والله عمر الأشقر وابن تيمية وسيد قطب وابن كثير والطبري لو قال وكل علماء الدنيا قالوا: هذه الكلمة لقالوها بلا دليل، وأنت استشهدت بآية من كتاب الله: {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} (التوبة:74) ولكن ما أتممتها {وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} (التوبة:74) لقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} (التوبة:74) هذا في شأن المنافقين بارك الله فيك، ما هو في شأن واحد مسلم يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله! وأنا أريد أن أحيلك أيضاً إلى ما جاء في صحيح البخاري وسائلك قبل أن أحيلك إليه: ومعذرة من شيخنا، سائلك: الآن أن تقول: لا إله إلا الله، وأنت تعيش في مجتمع كهذا المجتمع الذي نعيش فيه .. مجتمع مطبق بالكفر وحكمه حكم كافر جائز .. أنت تعيش بلا إله إلا الله وحدها .. لا تصلي ولا تصوم ولا تزكي ولا تحج ولكنك تعتقد مخلصاً بلا إله إلا الله، فهل أنت كافر أم مؤمن؟ سامي: كافر، إذا تركت جنس العمل كافر. شقرة: سبحان الله! طيب، كيف تحكم على نفسك بأنك كافر وأنت تقول لا

إله إلا الله مخلصاًَ بها قلبك، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «من قال لا إله إلا الله مخلصاً بها قلبه نفعته يوماً من الدهر» أو قال: «دخل الجنة» كيف تحكم على ذلك؟! سامي: لأني لم آت .. شقرة: لا لا، جاوبني على قدر سؤالي .. كيف تحكم وأنت تقول مخلصاً والرسول يقول مخلصاً ولم يشترط العمل بدليل الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الشفاعة: «حتى يخرج من لم يعمل خيراً قط من النار» ما عمل خيراً قط .. لا صلى ولا صام ولا زكى ولا حج بل قال: لا إله إلا الله، فماذا تقول في هذا، والكافر يخلد في النار بحكمك أنت سواء كان كفراً عملياً يجره إلى سوء الاعتقاد أو كان كفراً اعتقادياً، فماذا تقول؟ سامي: هذا الذي .. شقرة: جاوبني .. سامي: أنا أريد أن أجيبك أنت الآن تحشرني .. أنا عندي أمور تفصيلية .. الآن لا بد أن نجمع بين النصوص التي في المسألة لا آخذ بالنصوص الذي أخذ بها أهل الإرجاء ونجعلها قاعدة ... شقرة: طيب تسمح أن تفهمني معنى الإرجاء؟ سامي: هم الذين قالوا: أن الإيمان هو الإقرار مجرد الإقرار .. شقرة: نعم. سامي: وقالوا: بأنه يستمر على الإيمان حتى ولو لم يأت بعمل .. ومنهم من

غلا وهم الجهمية قالوا: أنه التصديق .. شقرة: نعم. سامي: فهم فريقان: فريق قالوا هو الإقرار حتى لو أقر بلا إله إلا الله، ولم يأت بأي عمل قالوا: هذا يستمر له ويخرج من جهنم، ومنهم من غلا كالجهمية قالوا: الإيمان .. شقرة: طيب أنا أسألك الآن: من أصدق قيلاً .. أنت أم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! سامي: لا ريب ولا شك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. شقرة: لا، أنت تكذب رسول الله. سامي: أنا لا أكذب رسول الله. شقرة: لأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مرجئ .. مرجئ الرسول .. لا والله مرجئ يا أخي! لا تقول لي: أعوذ بالله، أنتم تحكمون عليه بالإرجاء .. سامي: شيخ نحن تعلمنا .. شقرة: هات لي يا سامي نصين متناقضين يتناقض أحدهما مع قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من قال لا إله إلا الله مخلصاً بها قلبه نفعته يوماً من الدهر» هات لي نص يناقضها .. سامي: أنا قلت: لا أريد أن أتكلم من الأصل ولكن أنت أردت أن أتكلم .. أنا الآن .. شقرة: أنا أردت أن أتكلم .. ؟! سامي: أردت أن تكلمني أنا أقول لك شيخنا: كما تعلمنا منكم أنه لا بد أن نجمع بين النصوص فهناك نصوص ..

شقرة: أنا قلت لك هات لي نص. سامي: طيب الآن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (النساء:64) فالله عز وجل بين حكمة إرسال الرسل أو بعث الرسل وهي الطاعة، فأنا إذا لم أطع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد ناقضت الحكمة التي بعثها الله .. شقرة: طيب، أنا الآن أجيبك عن سؤالك هذا واعتراضك .. {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (النساء:64) هل طاعة العباد متساوية أم متفاوتة؟ سامي: متفاوتة لا شك .. شقرة: طيب، من قال: لا إله إلا الله أطاع الرسول أو ما أطاع الرسول؟ وهي أصل الاعتقاد. سامي: اكتفى بها؟ شقرة: أنا أسألك اكتفى ولا ما اكتفى. سامي: ما اكتفى. شقرة: ما أطاع؟! سامي: طيب يا شيخنا دعني أفصل .. شقرة: يا حبيبي يا سامي أنا أسألك فأجبني على قدر سؤالي: من قال لا إله إلا الله مخلصاً به قلبه أطاع الله ورسوله أو لم يطع .. سامي: كبداية أطاع. شقرة: ما هو كبداية .. هناك بداية ونهاية يا أخي؟! سامي: دخل الإسلام الآن، ولكن لا يستمر له وصف الإسلام حتى ...

شقرة: طيب، أنا أسألك سؤال الآن .. واحد كان نصرانياً أو يهودياً وقال: لا إله إلا الله، ثم قام فاغتسل وجاء وكان وقت صلاة الظهر قد أتى، ولكنه لم يصل فمات على لا إله إلا الله دخل الجنة أو لم يدخلها؟ مداخلة: دخل الجنة .. شقرة: لماذا؟ مداخلة: لأنه حديث عهد بالإسلام .. شقرة: من أين هذه حديث عهد بالإسلام .. مداخلة: من الأحاديث التي وردت .. شقرة: منها .. مداخلة: الحديث الذي جاء للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال له: «أقاتل أم أسلم، قال له: أسلم» هذا مات ولم يُصَلِّ، حديث عهد بالإسلام .. شقرة: طيب! هذا الرجل مات بكامل عمله يا أستاذ ولذلك لو جاؤوا اثنين أو ثلاثة وواحد مات في التوّ وواحد انتظر ولم يُصَلِّ المغرب ولا العشاء ومات، لا يؤاخذ بتركه الصلاة لكن ألا يثاب على لا إله إلا الله؟ مداخلة: يثاب لأنهم الآن فقط هذا العمل المطلوب منه .. شقرة: لا، أنا أقول لك الثاني يثاب على لا إله إلا الله أو لا؟ مداخلة: على خلاف بين ترك الصلاة الآن، نأتي إلى ترك الصلاة. شقرة: لا حول ولا .. أنا لا أفرض ترك الصلاة أي عمل من الأعمال؟

مداخلة: إذا قال بلا إله إلا الله ثم لم يأت بأي عمل هذا كافر عياذاً بالله .. ترك العمل بالكلية وكفر. شقرة: استدلالك خطأ {وَمَا أَرْسَلْنَا} (النساء:64) أنا سألتك سؤالاً، قلت: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (النساء:64) هذا الذي قال: لا إله إلا الله واستمر مخلصاً بها قلبه ألا تقول بأنه أطاع الله؟ مداخلة: لا، لم يطع الله. شقرة: ما يطيع الله؟!، طيب! ما علامة دخوله الإسلام؟ سامي: ما هذا هو الفرق بين المرجئ وأهل السنة. شقرة: يا أخي! اتركنا ... أن محمداً مرجئ صار .. سامي: لا، أنا ما أقول أن محمداً مرجئ عياذاً بالله .. أنت أخذت يا شيخنا بعض النصوص ونحن نأخذ كل النصوص .. شقرة: يا أخي ما في عندي نصوص أنا، أنا قلت لك هات لي نص .. جئت لي بنص مبتور؛ لأنك قلت: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (النساء:64) واحد قال: لا إله إلا الله ولم يصل .. واحد قال لا إله إلا الله وصلى .. واحد قال: لا إله إلا الله ولم يصل ولكنه زكى .. هذا الذي لم يصل وزكى وقال: لا إله إلا الله، أتقول: أطاع الله أو لا؟ سامي: على خلاف في ترك الصلاة .. شقرة: يا سبحان الله! سامي .. سامي: لأن هذه المسألة [لا تخوض فيها] فيه حتى نعلم هل هو كافر

تارك الصلاة .. شقرة: يعني أريد أن أقول: ترك ثلاثة من أركان الإسلام غير الشهادتين وعمل بركن واحد أطاع الله أو لم يطع الله؟ سامي: أعد السؤال .. شقرة: واحد قال لا إله إلا الله .. اثنين: واحد قال لا إله إلا الله وعمل بأركان الإسلام كلها .. وواحد قال: لا إله إلا الله ولم يعمل بأركان الإسلام وعمل بركن واحد .. أطاع الله أو لم يطع الله .. سامي: ننظر هل تركه لهذه الأعمال هل هي توجب الكفر، إن كانت توجب الكفر نكفره. شقرة: ترك الصيام ما صام .. سامي: لم يترك جنس العمل الآن هو الآن ترك الصلاة .. شقرة: ترك الصيام .. سامي: ما نعلمه الراجح من أقوال العلماء أنه ليس بكافر تارك الصيام .. شقرة: طيب! ترك الزكاة .. سامي: كذلك ما نعلمه أنه لا يكفر .. شقرة: ترك الحج .. سامي: تارك الحج كذلك. شقرة: طيب! ترك الصلاة

سامي: نتوقف. شقرة: لماذا؟ سامي: لأن المسألة خلافية بين العلماء. شقرة: إذاً ما كفر. سامي: لا، نتوقف ربما يكون كافراً وربما يكون مسلماً نحن لا .. شقرة: لا أنا أريد أرجح القولين عندك .. ما هو؟ سامي: نتوقف ما نحكم عليه .. أنا الآن ما أعلم ما الراجح في المسألة .. شقرة: طيب! إذاً معناها كل واحد من هؤلاء أطاع الله أو لم يطع الله؟ سامي: أطاع الله عز وجل بإتيان الأعمال شقرة: قل فقط يا أخي كلمة واحدة أجبني .. أطاع الله أو لم يطع الله؟ سامي: أطاع الله بإتيان الأعمال. شقرة: بإتيان العمل .. سامي: الأعمال التي أتى بها. شقرة: هو أتى بعمل واحد. سامي: هو لم يترك جنس العمل الآن .. شقرة: أريد طيب لا إله إلا الله عمل أو لا؟! سامي: هو عمل ولكن وحده لا يكفي. شقرة: سامي .. أنت هذا الفكر من أين أتيت به يا سامي؟! هذا الكلام الذي

تحكيه كلام مناقض لكل عقول العقلاء .. هذا الكلام الذي تأخذه مبتور لا ينفعك يا سامي أبداً .. لا يفيدك هذا إطلاقاً .. أنت تحتاج إلى ترتيب جديد في قراءتك .. أنت تناقض نفسك في الموطن الواحد ثلاث أربع مرات .. سامي: كيف؟ شقرة: الآن تناقض نفسك مرة تقول: نعم؛ لأنه لم يترك جنس العمل .. يا أخي! أنا أقول لك: ترك الصلاة تقول لي: نتوقف لا نكفره .. طيب! أنا أريد مع توقفك .. سامي: لا نكفره ولا نقول عنه مسلم. شقرة: ماذا؟ سامي: لا نكفره ولا نقول عنه مسلم. شقرة: وما تريد أن تقول عنه؟! سامي: لا أتوقف فيه الآن هذا حكمه أن أتوقف فيه؛ لأنه الآن شقرة: هو قال لا إله إلا الله وأنت تتوقف في الحكم عليه لا تقول عنه كافر ولا تقول عنه مسلم ما هو إذاً؟! سامي: ... لسنا بالمعتزلة شقرة: إذاً قل لي ما هو؟ سامي: الآن هذا تارك لجنس العمل عندنا كافر .. هذا نريد أن نبين، تارك جنس العمل أو تارك العمل بالكلية كافر .. ترك الصلاة نتوقف فيه .. غير الصلاة الآن ننظر هو الآن صلى وترك الزكاة غير كافر ..

شقرة: هذا تناقض هذا. سامي: لا، ليس تناقضاً شقرة: طيب! أنا أريد أقول عنه أنا كافر فماذا ترى؟ مداخلة: لك اجتهادك. شقرة: طيب! إذاً من الذي يحكم عليه بالكفر وعدم الكفر .. مداخلة: النصوص الشرعية الكتاب والسنة .. شقرة: ما اختلفنا في النصوص الشرعية .. اختلفنا تماماً .. إذاً يا سامي! عندما يختلف الناس في الحكم على إنسان بأنه كافر أو ليس بكافر ليس معنى هذا .. من الذي .. ما الذي نرجحه لكي ننجي أنفسنا وننجي هذا الذي اختلفنا في الحكم عليه، كيف نرجح ماذا ترى .. أنحكم عليه بالكفر ليحور على واحد منا كفره أو الكفر، أم لا نحكم عليه بالكفر وهو أنجى .. ما الذي تراه؟ مداخلة: إن كان فعله كفر نكفره .. شقرة: أنا أتكلم عن الصلاة الآن .. مداخلة: الصلاة أنا أقول: لا هو كافر ولا مسلم الله أعلم بتركه .. حتى نعلم الراجح في المسألة .. هل هو كافر أم مسلم. شقرة: متى ستعرف الراجح يوم القيامة .. سامي: يعني نبحث .. شقرة: أو قبل أن تأتي الغرغرة .. الآن يا سامي تحتاج إلى إعادة النظر في كل ما قرأته .. والله العظيم أنا الآن أسألك سؤالاً أخيراً أنا تقول: أنا أذهب إلى

الجامعة، وضربت لك مثلاً في الجامعة وهذا المثل يعني .. أعلى صوتاً في الأمثلة صراخاً ليحكم عليك بأنك ترتكب منكراً من القول وزوراً وأنك راض عن نظام الكفر الذي تقول بأنه نظام كافر، ما أجبت لي وقلت لي: أنا أرضى بالجامعة، لماذا تذهب للجامعة؟ سامي: أنا غير راض بالذهاب إلى الجامعة. شقرة: إذاً لماذا تذهب يا أخي؟! سامي: هذا عندي ظروف أذهب للجامعة ولكن غير راض، ليس ضروري أن كل إنسان يعلم لم يذهب إلى الجامعة. شقرة: طيب! أنا عندما أراك ذاهباً للجامعة وأنا أحكم بالظاهر سوف أحكم عليك بالكفر؛ لأنك راض بالطاغوت .. ماذا ترى؟ سامي: من قال أني راضي به؟ شقرة: لكن أنا أحكم عليك بالظاهر .. أنا حكمت عليك بالكفر .. سامي: لا هذا .. لست راض ولكن .. شقرة: سبحان الله! سامي: الآن الذي [لا يرضى] نكفره؟ لا، لا نكفره .. لا؛ لأنه ليس راضي، أما إنسان .. أنا الآن أرضى بعبادة الأصنام أصبحنا الآن تحكيم القوانين .. أنا إنسان أرضى بالأحكام .. بعبادة الأصنام أكافر أو ليس بكافر؟ شقرة: ما يدريني. سامي: أرضى أرضى يعني: ظاهر قولي أذهب عندهم .. لا أنكر عليهم ..

أعاشرهم .. أفعل معهم كذا .. ربما أفعل فعلهم هذا كافر أو ليس بكافر .... الآن هذه القضية خلافنا مع الشباب الذين .. الخلاف بيننا وبينهم ليس قضية الحكام .. هذا الحكام لا نبحث فيه الآن .. قضية جنس العمل .. الآن أنا راضي بالكفر .. هل هو كفر أم ليس بكفر .. اتركنا من الوضع الحالي، الوضع الحالي ما في إنسان .. شقرة: ما يعرفني أنك راضي أو غير راضي .. سامي: راضي .. أنا ... عندما أقول: أنني لست براضٍ ... وأنا مرتكب .. شقرة: ما وضعك يعني؟ شقرة: شيخنا أطال الله في عمره قال أن هناك أمران يدلان: لسان المقال ولسان الحال، أما لسان القال فالقول فيه مقطوع به أنه يحكم عليه بالكفر؛ لأنه قال بلسانه، لكن لسان الحال هو الذي يمكن تأويله حتى يقال بأنه كافر أو غير كافر؛ ولذلك لا نستطيع بلسان الحال؛ لأنه يقبل التأويل، وأنت الآن تقول بالتأويل، أنت نفسك ولذلك أنا لا أريد أحكم عليك بالكفر لكن أنت تحكم على نفسك بالكفر .. الشيخ: يعني: بلسان حاله .. شقرة: نعم، بلسان حاله. الشيخ: خاصة فسر الرضا بالقلب وبالعمل .. سامي: سؤال: نرجع للآية: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:106) الإكراه هنا لا يكون إلا على الظاهر .. إلا على العمل {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} لا يكره الإنسان على عقيدة أو على ..

شقرة: كيف لا يكره؟! هذه الآية فيم نزلت؟! في من نزلت الآية؟ سامي: عمار بن ياسر .. شقرة: ماذا قال عمار؟ سامي: قال كلمة الكفر. شقرة: أنت تقول على العمل. سامي: نحن ليس بالسبب، أنت قلت سبب النزول .. شقرة: لا إله إلا الله! يا حبيبي الله يرضى عليك اذهب واقرأ سبب النزول وتعال بعد ذلك نتكلم .. مداخلة: شيخنا .. المسألة كما قال شيخ الإسلام في هذه الآية، قال: من كفر بعد إيمانه فقد شرح بالكفر صدراً، والإصرار لا يكون على العقيدة .. أنا سأكره على عملي .. أكره أنني أسجد للصنم .. أكره أنني ألبس صليب .. أكره على ماذا؟ على العمل ولكن العقيدة أكره عليها ما أحد يكره على العقيدة .. واضح ولكن كل من كفر فعلاً هو قد شرح بالكفر صدراً .. هذا هو التفسير، لذلك شيخ الإسلام قال: وهذه الآية دليل على فساد قول الجهم ومن تبعه: أن كل من تكلم الكفر صح عليه -أو وقع عليه- وعيد أهل الكفر .. الشيخ: على كل حال ما دندنته حول شرح صدره .. ما دندنت حول هذه الكلمة وهي نقطة الفصل في الموضوع، فلعلك تدرس الآية في هذه النقطة بالذات .. يعني: إذا سمحت .. هل كل من وقع في الكفر شرح صدره له؟ سامي: إذا انتفت عنه .. تكفير ..

الشيخ: يا أخي سين جيم. سامي: لا. الشيخ: نعم، إذاً: لا تستطيع أن تقول في إنسان تقول: ليس ضروري أن يكون شرح صدره للكفر بأنه كافر لا تستطيع .. سامي: نحن عندنا موانع للتكفير .. ليس كل إنسان وقع في الكفر نكفره؛ لأن هناك موانع كالرجل الذي .. الشيخ: أرجوك لا تحيد عن الآية .. الآية تكفر من شرح صدره .. فكل من شرح صدره بالكفر فهو الكافر .. سامي: شيخ! نحن مختلفون في تفسير الآية .. أنت تقول بهذا والعلماء الذين نتبع لم يقولوا بهذا. الشيخ: لا، أنت لا تستطيع أن تأتي بعالم يقول: ولو لم يشرح صدره للكفر، لن تستطيع أبداً ولا أتصور أن عالماً يخالف صراحة القرآن .. سامي: كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب ذكر هذا. الشيخ: يا أخي محمد بن عبد الوهاب ولا مؤاخذة .. له جهوده في الدعوة وإلى آخره، لكن هذا يذكرنا بحديث الذبابة، تذكره؟ سامي: لا، ما أذكره .. الشيخ: الذي ذكره في كتابه الذي دخل النار بأنه قدم ذبابة .. ذكرت الحديث؟ سامي: ضعفته ..

الشيخ: ما يهمنا هذا ألا ترى كيف تشرد .. لا تشرد عنه بارك الله فيك، كفى كفى ما مضى، الآن هل تذكر الحديث .. «دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب، قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟! قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئاً، فقالوا لأحدهما: قرب! قال: ليس عندي شيء أقربه، قالوا له: قرب ولو ذباباً، فقرب ذباباً فخلوا سبيله ودخل النار، وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة» المهم ماذا تقول في رجل أكره أن يقدم ذبابةً؟ سامي: هو أورده الشيخ عبد الوهاب! الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله! سامي: نحن لا نتبع الشيخ محمد عبد الوهاب لا نتبع الإنسان على الخطأ .. هذا كما تعلم له ممكن؛ لا نتبع الإنسان على الخطأ .. شقرة: من أين تعلمت هذا؟ الشيخ: لا، هو صادق تعلم بعضاً ولم يتعلم بعضاً .. المهم ماذا تقول في رجل أكره أن يقدم ذبابة وإلا قتل كما قتل صاحبه في القصة، هل هو يدخل النار؟ سامي: إذا توفرت شروط الإكراه لا لأنه مؤمن كونه يكره على فعل الكفر .. الشيخ: طيب! ومحمد بن عبد الوهاب قص القصة هذه ليستدل بها على ماذا؟ أنه لو قرب ذبابة يكفر، إنما لا بد من التفريق، وهنا تأتي آية عمار بن ياسر: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} (النحل:106) المهم بارك الله فيك أنا أضم صوتي إلى صوت أبي مالك وقد تأخر الوقت أنه يجب أن تعيد النظر في دراستك ومتأثراً بالمنهج: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ

وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء:59) وأن تهيئ نفسك للتفكير الإيجابي عن كل سؤال قد يورده غيرك عليك أو تورده أنت بنفسك على نفسك، فالأستاذ آنفاً عندما استدللت [إلا ليطاع بإذن الله] كان هو كلامه يدندن معك ولا يحصل على جواب. ليطاع إطاعة كاملةً وإلا ولو إطاعة ناقصةً كيف تفسر الآية؟ إطاعة كاملةً ولو إطاعة ولو ناقصةً كيف تفسر الآية؟ أو كيف تهفم الآية؟ ما أظنك تفهمها إطاعة كاملةً .. ظني في محله؟ سامي: نعم. الشيخ: طيب! إذا العكس هو الصواب؟ إطاعة ولو ناقصة؟ سامي: نعم، لأنه ما يستطيع .. الشيخ: أجب يا أخي بارك الله فيك. سامي: نعم. الشيخ: طيب! هو لا يرد كلام الشيخ، الذي قال مخلصاً من قلبه لا إله إلا الله ولم يعمل عملاً قط أطاع إطاعة ناقصة، لا بد لك من أن تسلم بهذه النتيجة أبداً لكن نحن نقدم لك عذراً .. إذا عندك دليل مثل مثلاً الصلاة فقد كفر مثلاً وفسرتها كما يفسر بعض العلماء يعني: كفر ردة إلى قدر مثلاً، لكن ما دام أنت متوقف في هذه الجزئية في خصوص الصلاة فما ينبغي أن تجادل الشيخ كل هذه الساعات حينما يسألك: «من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه حرم الله بدنه على النار» أطاع الله إطاعة ناقصة ما كان ليحظى منك بجواب لم؟ مع الآن قلت ليطاع بإذن الله ليس من الضروري أن تكون إطاعة كاملة وأن ما كان هناك مسلم على وجه

[630] باب ما المقصود بالكفر البواح؟

الأرض .. إذاً ولو أطاعة ناقصة وهنا يأتي أن الإيمان يزيد وينقص زيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية إلى آخره. فأنا عجبت كل هذه المدة والأستاذ حريص على أن يسمع منك ويبدوا أن هناك أحاديث سابقة بينك وبينه إلى آخره ما كنت لتحظيه إذا صح تعبيري بأنه والله هنا يوجد إطاعة ولو ناقصة، لماذا؟! ما دام أنت اتفقت الآن مع الصواب .. ليطاع ولو إطاعة ناقصة فهذا الذي قال: لا إله إلا الله ومخلصاً من قلبه يصدق عليه هذه الآية وبهذا التفسير الذي وضح أخيراً .. فلماذا أنت تجادله كل هذه المدة؟ والسلام عليكم. "الهدى والنور" (821/ 10: 01: 00) و (821/ 58: 28: 00) [630] باب ما المقصود بالكفر البواح؟ سؤال: بالنسبة لحديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إلا أن تروا كفراً بواحاً». ما المقصود بالكفر، هل هو العملي أو الاعتقادي؟ الشيخ: الاعتقادي. مداخلة: طيب بالنسبة لقوله أيضاً في حديث آخر: «ما أقام الصلاة». ونحن نعلم أن الصلاة لا يكفر صاحبها بتركها، كيف نجمع بين القولين، أو بين الحديثين أو الروايتين؟ الشيخ: ما وضح لي التعارض حتى نتكلم في الجمع، فاشرح لي التعارض. مداخلة: نحن نعلم أن الصلاة تركها ليس بالكفر الاعتقادي، وفي الحديث الآخر: «إلا أن تروا كفراً بواحاً» قلت أنه الكفر الاعتقادي، فكيف نجمع؟

الشيخ: تريد أن تقول كأنه كفر اعتقادي ترك الصلاة؟ مداخلة: لا. قصدت أنه يعني هذا كفر عملي هنا ما أقام الصلاة. الشيخ: هذا ... مداخلة: أنا أقول أنه كفر عملي. الشيخ: أقول يعني ما هو التعارض حتى أستطيع أن أزيله إن كان هناك تعارض. يعني الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول لا يجوز الخروج على الأئمة، على الحكام، إلا أن نرى كفراً اعتقادياً، وهنا في الحديث الثاني ما صلوا، أي: لا تخرجوا عليهم ما صلوا، فمعنى أن الحديث الأول يتعارض مع الحديث الثاني، فإقامتهم الصلاة سبب مانع لقتالهم؟ مداخلة: نعم. الشيخ: لهذا معناه أننا لم نر كفراً بواحاً، صح أو لا؟ مداخلة: صح. مداخلة: خطر في بالي ... لعلي فهمت الآن ما الذي يقصده. الشيخ: تفضل. مداخلة: إلا أن تروا كفراً بواحاً، يعني اعتقادياً. الشيخ: نخرج عليه. مداخلة: لا، هذه النقطة الأولى التي فيها ... الشيخ: ما المقصود من الحديث؟

[631] باب معنى الكفر البواح

مداخلة: الخروج. الآن فنلفرض أنه قال ما أقاموا الصلاة فيكم، فإذا تركوها يخرج عليهم؟ الشيخ: لا، لا يخرج عليهم. مداخلة: هنا الإشكال، فلو قلنا يخرج عليهم يكون قد عملوا كفراً عملياً وخرجنا عليهم، هنا وضح الإشكال. الشيخ: نحن الآن نفهم من هذا الحديث غير الفهم الذي تفهمه أنت، أقاموا الصلاة فيكم، وليس أقاموا الصلاة هم في أنفسهم، هل هناك فرق بين الأمرين عندك؟ مداخلة: نعم. الشيخ: فإذا كان المعنى ما أقاموا الصلاة فيكم، يطيح الإشكال أو يبقى؟ مداخلة: يطيح. الشيخ: هذا هو. "الهدى والنور" (677/ 42: 27: 00) [631] باب معنى الكفر البواح السائل: جاء في حديث عبيدة بن الصامت دعانا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله قال: «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان» (¬1) فالسؤال المطروح هو توضيح معنى الكفر البواح؟ ¬

(¬1) البخاري (رقم6647) ومسلم (رقم4877).

الشيخ: يعني الكفر الصريح الذي ليس عند صاحبه حجة يقتنع بها في نفسه فضلاً عن أن يستطيع أن يقنع بها غيره، فالحجة هنا هي الحجة القاطعة البيّنة؛ أن يأتي بحجة على الكفر الذي نسميه نحن، أما إذا كان جاء بحجة هو مقتنع بها فلا يجوز الخروج عليه؛ لأنه خالف معهودنا وخالف معلوماتنا، وبهذا نعلل فتنة المأمون العباسي حيث خرج على العالم الإسلامي في خلافته بقوله بأن القرآن مخلوق، فهم ما خرجوا عليه .. فنجد العالم الإسلامي يومئذ وفيه العلماء الفطاحل من المحدثين والفقهاء والأئمة ما خرجوا عليهم وهم كانوا بلا شك يعني أقوى منا اليوم في الخروج عليهم؛ لكنهم لما كانوا يتبنون هذا الحكم وهو أنه لا يجوز للمسلمين أن يخرجوا على حكامهم وأمرائهم إلا إذا رأوا منهم كفراً بواحاً، ما رأوا منه الكفر البواح؛ لأن الكفر البواح يمكن أن نفهمه بما يعبر عنه بعض العلماء في بعض المناسبات بما كان معلوماً من الدين بالضرورة، يعني حكم يشترك في معرفته الخاصة والعامة، العالم والجاهل فإذا أعلن الحاكم يوماً ما استباحة أمر مقطوع تحريمه مثلاً من الدين بالضرورة حينئذ تسقط البيعة التي بويع بها؛ لأنه ارتكب كفراً بواحاً صريحاً، أما مسألة خلق القرآن صحيح أنها خطأ بلا شك لكن أين الدليل علماء السلف، الصحابة الأولون ما تكلموا في هذه القضية لكن لما خرجت المعتزلة بهذه العقيدة الباطلة المنحرفة طبعاً عن الأدلة الشرعية فقالوا أن كلام الله مخلوق؛ اضطر علماء السنة وبخاصة منهم علماء الحديث أن يقابلوا هذا القول بنقيضه وهو الصفة، وأن يقولوا كلام الله صفة من صفاته ولا يُعقل أن يكون مخلوقاً لكن هذا أشبه شيء بما يسمى بعلم الكلام، ولنقل عبارة أخرى أشبه شيء بالفلسفة من يفهم أن هذه صفة والصفة تبع للذات، والذات قديمة والصفات قديمة فيلزم منه أن الكلام ليس مخلوقاً؛ لأن هذا صفة للخالق .. ، هذه أمور اجتهادية استنباطية وليست كل أمور اجتهادية استنباطية باطلة ولا هي كلها صواب

[632] باب هل تطبيق أنظمة الكفر السياسية والاقتصادية يعد كفرا بواحا

لكن يختلف الأمر بين ما هو منصوص عليه وبين ما هو بطريق الاجتهاد والاستنباط لذلك نجد العلماء يومئذ ما قابلوا ضلالة المهدي بالخروج عليهم؛ لأنه صحيح جاء بأمر منكر لكن ما جاء كفراً بواحاً، ولذلك لقوا ما لقوا من التعذيب والسجن وربما الموت والقتل وما خرجوا عليه، وهنا الآن نحن بعد أن تبيّن لنا ما هو الكفر البواح وضربنا بعض الأمثلة ما فائدة فهم هذا الحديث في هذا العصر حيث لا بيعة، أنا أعتقد أن الذين يثيرون هذا السؤال وأمثاله هم من جماعة الخوارج المحدثين، هم يحملون الفكر الجديد الذي تبنته جماعة سموا بحق أو بباطل بجماعة الكفر والهجرة ... "الهدى والنور" (211/ 05: 57: 00) [632] باب هل تطبيق أنظمة الكفر السياسية والاقتصادية يعد كفراً بواحاً سؤال: هل يعد تطيبق أنظمة الكفر السياسية والاقتصادية في بلاد المسلمين كفراً بواحاً، وإن كان كذلك فما حكم منابذتهم بالسيف من قبل أهل القوة والمنعة الجيش مثلاً وما هو حكم من يطبق هذه الأنظمة الوضعية الكافرة؟ الشيخ: أولاً أعد السؤال أو أعد الأسئلة سؤلاً سؤلاً فما هو السؤال الأول؟ السائل: هل يعد تطبيق السياسية والاقتصادية في بلاد المسلمين كفراً بواحاً؟ الشيخ: هذا يتعلق الكفر البواح الصريح لا يتعلق بالعمل فقط وإنما يتعلق بالعقيدة التي تقترن بالعمل، وإلا كان كل مرتكب لمخالفة شرعية كافراً كفراً بواحاً، فالذي يأكل الربا ويتعامل بالربا هذا ارتكب كبيرة من الكبائر بلا شك فلماذا لا يرد السؤال التقليدي هذا حول من يأكل الربا، مدير بنك مثلاً، موظف في

البنك، هل هذا يكفر؟ لا فرق بين آكل الربا وفرق بين مرتكبيها، سواء من حيث أنهم كفروا كفراً بواحاً أي كفر ردة أو لم يكفروا كفر ردة، إلا إذا تميز أحدهم بشيء وقر في نفسه واستقر في قلبه فميز بذلك على غيره من أولئك المشاركين له في المعصية للرب تبارك وتعالى، ما هو هذا الاعتقاد؟ فمن استحل الربا قلباً وقالباً فهو كافر مرتد عن دينه، وقس على ذلك كل المعاصي التي سردتها أنا، والمعصية التي أنت تدندن في السؤال حولها وهو الحكم بغير ما أنزل الله. فمن كان يحكم بغير ما أنزل الله ليس فقط من الحكام الرؤوس، بل والذين أيضاً تحت أيديهم من القضاة من المفوضين كمدير البنك ومن دونه كلهم يشتركون في ارتكاب إثم الربا لكن هل يكفرون الجواب سبق: مَنْ استحل فعله بقلبه فهو كافر، كذلك نقول على رئيس الدولة الذي يحكم بالقوانين الوضعية ومن دونه ممن ينفذها كل ذلك إثم ومخالفة صريحة للشرع، لكن هل هو كفر بواح وصريح الجواب: كل من استحل من هؤلاء الأفراد من الرئيس إلى أصغر مرؤوس من استحل هذا الحكم بغير ما أنزل الله بقلبه فهو قد ارتد عن دينه هذا جواب سؤالك رقم واحد والرقم الثاني ما هو. مداخلة: وإن كان كذلك فما حكم منابذتهم بالسيف من قِبَلِ أهل القوة والمنعة مثل الجيش؟ الشيخ: مثل الجيش هذا السؤال في ظني يسلم على بالتعبير سوري طبعاً يسلم على سؤال صدر آنفاً حول العملة الورقية هذا سؤال يتعلق بالخيال كيف تتصور جيشاً يستطيع أن يخرج على الحاكم بغير ما أنزل الله وهو جزء من هذا الحكم هذا خيال ولذلك لا تكن خيالياً كن واقعياً ما هو السؤال الثالث؟

[633] باب الفرق بين التولي والولاية وهل يكفر من وقع فيهما؟

مداخلة: وما هو حكم من يطبق هذه الأنظمة الوضعية الكافرة؟ الشيخ: سبق الجواب. "الهدى والنور" (541/ 49: 27: 00) [633] باب الفرق بين التولي والولاية وهل يكفر من وقع فيهما؟ سؤال: ما هو الفرق بين التولي والولاية؟ وهل يحكم فيهما جميعاً على المعين بالكفر؟ الشيخ: لا لا يحكم بالكفر، لأنه الكفر كما نذكر دائماً وأبداً ينقسم إلى كفر عملي وكفر اعتقادي، فمن تولى الكفار عملاً هو فاسق، أما من تولاهم عقيدة فهو كافر. "الهدى والنور" (751/ 11: 49: 00) [634] باب حكم التحاكم إلى المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية سؤال: [حكم] النزول إلى المحاكم، وأنتم تعرفون أن هذه المحاكم تحكم بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى، فإذا غلب على ظن الرجل بأن هذا الحق مهضوم ولا يمكن الحصول عليه إلا بواسطة هذه المحاكم، وهو في نظره أنه حق سواء كان قرض أو كان أجرة .. إلى غير ذلك، فهل يجوز خاصة وأنه يعلم أنه يوجد من القضاة من النصارى وليس من المسلمين وأنه قد يطبقون على هذا الشخص أحكام تناقض شريعة الإسلام، وهو لا يعلم مضمون هذه الأحكام الذي قد لا يطبقونها، فهل يجوز اللجوء؟ وهل يجوز للمحامي الذي يقول أنني لا أدافع إلا

عن الناس المظلومين الذين هضمت حقوقهم، والذين نهبت أموالهم من تجار ومن غيرهم، ولا أدافع عن جنايات يحكم فيها بغير ما أنزل الله، كمسائل القتل وما أشبه ذلك، هل يجوز له أن يدخل ويدافع في مثل هذه القضايا؟ الشيخ: بالقيد الذي ذكرته طبعاً يجوز، لكن أعتقد أنه صعب تحقيقه، هذا جواب الشق الثاني من السؤال. أما الشق الأول فأنا شعرت أن سؤالك فيه تناقض؛ لأنه في أول كلامك أتى فيه أنه يعتقد أنه .. مداخلة: يغلب على ظنه بأنه حق لن يحصل عليه إذا لم يلجأ إلى المحكمة، فإذا لجأ يغلب على ظنه أنه سيحصل على هذا الحق. الشيخ: هذا هو، وبعد ذلك قلت أنه قد يحكم الحاكم وقد يكون نصرانياً، فهل تعني أنه قد يحكم بخلاف الشرع؟ مداخلة: نعم، قد يحمل هذا الشخص أكثر مما عليه، يدفعه رسوم وأشياء ثانية وسجن وغيرها، يعني لا يقف القضاء إلى حد تحصيل الحقوق فقط، فقد يتجاوزها ... الشيخ: إذاً نحن ما فهمنا عليك. أنا الشخص المظلوم وزيد هو القاضي، الظالم هو ذاك بكر، أنا أريد منه ألف دينار، أنا الآن لي نظرة في القضاء بصورة عامة الآن أنه إذا قدمت شكوى على هذا الإنسان سأحصل على الألف دينار أو لن أحصله؟ مداخلة: بحصله، لكن يمكن يسجنوه ويدفعوه كمان غرامات ويعني يزيد

[635] باب لماذا لم يحكم النجاشي بعد إسلامه بالإسلام؟ والربط بين ذلك وبين من لم يحكم بما أنزل الله من حكام زماننا

على هذا الشيء، ورسوم المحكمة ورسوم محاماة، ويعني أشياء .. الشيخ: إذا كانت المخالفة تقف في هذه الصورة الذي أنت تصورها الآن؛ فهو المسؤول ليس المظلوم الذي يطالب بحقه، أما إذا كانت المحكمة ستعطيه أكثر مما يستحق، هذا الذي لا يجوز التحاكم فيه. مداخلة: يعني أكثر من الألف دينار؟ الشيخ: نعم. "الهدى والنور" (274/ 38: 00: 00) [635] باب لماذا لم يحكُم النجاشي بعد إسلامه بالإسلام؟ والربط بين ذلك وبين من لم يحكم بما أنزل الله من حكام زماننا السائل: بالنسبة لموضوع النجاشي، يعني: كونه أعلن النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة عليه، هذه إشارة واضحة على أنه مات على الإسلام، لكنه قصر من ناحية أخرى في موضوع وهو حاكم بتحكيم شرع الله عز وجل، فنريد تعليقك حول هذا الموضوع؟ الشيخ: أنا لا أتهمه بالتقصير مباشرة، ولكني أقول: إنه إن كان عند ربنا تبارك وتعالى غير معذور وليس في تطبيقه أحكام الشرع ابتداء، بل قبل كل ذلك في دعوته لشعبه الذي هو حاكم عليه إلى الإيمان بمثل ما هو آمن به، فهذا قبل أن يطبق الأحكام الشرعية، لأن الأحكام الشرعية تتطلب وجود محكوم لهم يتقبلون هذه الأحكام، فإذا كان شعبه من النصارى شأنهم شأنه قبل أن يهديه الله عز وجل للإسلام، فليس من المشروع بل ولا من المعقول لا من قريب ولا من بعيد أن يحكمهم بالإسلام، وهم لا يعلمون عن الإسلام شيئاً، بل إن أول ما يجب عليه

هو أن يدعوهم إلى الإسلام، وأن يوضح لهم هذا الإسلام الذي آمن به. يجب عليه، قبل أن نقول أنه مقصر في تركه لتحكيم أحكام ربه عز وجل. فالشيء الواضح البين تماماً هو أن يدعوهم إلى هذا الإسلام الذي آمن هو به، كما أشار إلى ذلك رسولنا - صلى الله عليه وآله وسلم - في الكتاب الذي كان أرسله إلى هرقل ملك الروم قال له: أسلم تسلم، فإنما عليك إثم الأريسيين. مداخلة: يؤتك الله أجرك مرتين. الشيخ: مرتين، فإن لم تفعل فإنما عليك إثم الأريسيين، فدعاه الرسول عليه السلام أول ما دعاه إلى أن يدخل في الإسلام، ثم بالتالي أن يدعو الأريسيين وهم الشعب وهم الفلاحين إلى أن يؤمنوا بمثل ما آمن به، ويكون بذلك له أجران: أجر إيمانه وأجر تسببه لإيمان شعبه بمثل ما آمن هو به. أقول: هذا هو كان الواجب على النجاشي رحمه الله، لكن لا أقول كما جاء في السؤال: إنه مقصر في عدم تطبيقه للأحكام، لأن الأحكام هنا غير واردة، لكن قد يكون مقصراً في عدم دعوته لشعبه إلى أن يؤمنوا بمثل ما آمن به، فنحن نكل الأمر إلى الله عز وجل، ولا نقطع سلباً أو إيجاباً بأنه كان مقصراً أو كان غير مقصر، لكن أسوأ أحواله أنه كان مؤمناً يكتم إيمانه، لكن لماذا؟ الله أعلم لماذا، فإن كان له عذر عند الله والله يعرف ويقبل وإلا فلا يقبل عذره، لكن ذلك لا يخرجه عن دائرة الإيمان، فهو مؤمن، شأنه في هذا شأن كثير من حكام زماننا اليوم الذين يظهر منهم بعض الإسلاميات، ويظهر منهم أشياء معاكسة، ومن أبرزها: أنهم لا يظهرون اهتماماً بتطبيق أحكام الله وشريعته تبارك وتعالى، فلا شك أن هذا تقصير، كما أن ذاك تقصير، لكن إما أن يكون معذوراُ أو ألا يكون معذوراً، فحساب كل من

هؤلاء وهؤلاء إلى الله عز وجل، فمن لم يكن معذوراً فهو يستحق العقاب والعذاب عند الله تبارك وتعالى، وإن كان معذوراً فربنا عز وجل يعامل كل إنسان بما يعرف من حقيقة أمره، هذا رأيي في موضوع النجاشي رحمه الله. سؤال: كان الظن في هذه المسألة أنها تنفذ على مسألة تكفير تارك الصلاة والحكام. الشيخ: لا، نحن ربطنا في الجواب بمسألة الحكام، والآن تكلمنا بشيء من التفصيل، أما قضية ترك الصلاة ما كان خاطراً في البال، لكن أنا الآن يخطر في بالي شيء آخر، وهو يتعلق بتطبيق الأحكام، أنه هو لو آمن هو وشعبه فليس من المتيسر له أن يطلع بهذه السرعة على الأحكام، لأنه ليس عايش مع الرسول عليه السلام، ولذلك فليس مكلفاً أن يسارع في تطبيق الأحكام التي نزلت على النبي عليه السلام، وإنما يمكن أن يقال: ما يعلم من ذلك يطبقه، هذا هو. مداخلة: إذاً أستاذي الكفر المنسوب إلى عدم تحكيم شرع الله عز وجل هو بما نعلم من أن الكفر دون كفر، وكفر عملي وكفر اعتقادي، وهكذا، يعني: هذا ينطبق على الآية حسب التخصيص. الشيخ: أي نعم، يختلف باختلاف الأشخاص. "الهدى والنور" (257/ 58: 49: 00)

جماع أبواب الكلام حول حكم جحد شيء من القرآن والسنة وحكم رد الأحاديث النبوية بالعقل ورد حديث الآحاد

جماع أبواب الكلام حول حكم جحد شيءٍ من القرآن والسنة وحكم رد الأحاديث النبوية بالعقل ورد حديث الآحاد

[636] باب حكم جحد شيء من القران أو الشك فيه

[636] باب حكم جحد شيء من القران أو الشك فيه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لا تجادلُوا بالقُرْآن، ولا تكذِّبُوا كتابَ اللهِ بعضَه ببعْضٍ؛ فو الله! إنّ المؤمنَ لَيجادلُ بالقرآن فيُغلَبُ وإنّ المنافقَ لَيجادلُ بالقرآن فيَغلِبُ» [قال الإمام]: (فائدة): قال ابن عبد البر عقب الحديث:"والمعنى: أن يتمارى اثنان في آية؛ يجحدها أحدهما ويدفعها، أو يصير فيها إلى الشك، فذلك هو المراء الذي هو الكفر. وأما التنازع في أحكام القرآن ومعانيه؛ فقد تنازع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في كثير من ذلك، وهذا يبين لك أن المراء الذي هو الكفر: هو الجحود والشك كما قال عز وجل: {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا في مِرْيَةٍ مِّنْهُ} (الحج:55)، والمراء والملاحاة غير جائز شيء منهما؛ وهما مذمومان بكل لسان، ونهى السلف رضي الله عنهم عن الجدال في الله جل ثناؤه في صفاته وأسمائه. وأما الفقه؛ فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر؛ لأنه علم يحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك، وليس الاعتقادات كذلك؛ لأن الله عز وجل لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو أجمعت عليه الأمة، وليس كمثله شيء فيدرك بقياس أو بإنعام نظر، وقد نهينا عن التفكر في الله، وأمرنا بالتفكر في خلقه الدال عليه" (¬1). "الصحيحة" (7/ 2/1323، 1325). ¬

(¬1) قلت: وهو حديث قوي بمجموع طرقه، وقد خرجت بعضها في "الصحيحة" (رقم 1788)، ثم وجدت له مرسلاً صحيح الإسناد، فألحقته به. [منه]

[637] باب بيان كفر من يدعي أن القرآن الذي بين أيدينا ليس كاملا

[637] باب بيان كفر من يدعي أن القرآن الذي بين أيدينا ليس كاملاً [سئل الشيخ عن فتوته الخاصة بالخميني، فأجاب:] الفتوى خلاصتها: أنه وقفنا على عبارات للخميني أنه يقول: كذا وكذا، أربع خمس عبارات، فهذه العبارات هي الكفر بعينه، وكل من يقول بهذا الكلام فهو كافر أو يكفر، وشرحنا هنا في الأسباب المقتضية لهذا الحكم، وبلا شك أنه نفس الكلمات عندما يقرأها مسلم مهما كان الثقافة الإسلامية ضحلة فهو لا يشك في أن هذا الكلام كفر. من ذلك مثلاً أنه يقول في بعض كتبه: بأن أئمة أهل البيت هم من المنزلة عند الله تبارك وتعالى فوق منزلة الملائكة والرسل والأنبياء، ومن ذلك أنه يقول: أن مصحف فاطمة أظن مذكور هذا في الأشياء .. مصحف فاطمة هو المصحف الكامل، أما المصحف المتداول اليوم بين الأئمة فهو جزء من ذاك المصحف، وهذا كفر لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9) وهكذا أربع خمس عبارات نقلت من كتبه .. كتب الخميني نفسه، هذه الأشياء خطيرة جداً وكتابه الذي أصدره: «فوائد الثورة الإيرانية» هذه وهي: الكتاب المعروف: «بالحكومة الإسلامية»، لا أدري رأيتم هذا الكتيب الصغير؟ مداخلة: لا. الشيخ: لم تروه،، في هذا الكتيب الصغير الذي سماه: الثورة الإسلامية أو: الحكومة الإسلامية مع أن هذا الكتاب هو كتاب دعاية، والمفروض عند كل الناس المسلمين والكافرين أن أي كتاب سياسي لا يحسن بالكاتب أن ينشر في

هذا الكتاب العقائد التي يعلم أن الخصوم سوف ينكرونها ويبادرون إلى عدم الاستجابة لمضمون الكتاب بصورة عامة، ومع أن الشيعة يوجد عندهم عقيدة يساعدهم أوسع ما تكون المساعدة في سلوك هذا السبيل السياسي وهو: كتمان عقائدهم عن الناس؛ لأنه يوجد لديهم شيء يسمى: بالتقية، لا بد أنك سمعت عن التقية شيء، فالأمر عندهم في موضوع التقية خطير جداً بحيث أنه لا يمكن لإنسان يعرف أن عندهم التقية أن يركن إليهم؛ لأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وهذا دين عندهم، فهو إذا قال لك عن شيء وهو يعلم أنه كاذب لا يستوحش من هذا الكلام إطلاقاً؛ لأن هكذا دينه الذي منه التقية يأمره بذلك. فمع كون عندهم هذه التقية التي تسوغ لهم أن يقولوا ما شاؤوا، وعلى العكس أكثر من ذلك أن يكتموا عن الناس عقائدهم، لكن الله عز وجل لحكمته البالغة ألهم هذا الرجل الخميني في كتيبه المشار إليه آنفاً: الحكومة الإسلامية أن يبيح عن بعض العقائد مع أنه كتاب دعوة وسياسة، منها: ما ذكرته آنفاً من تعظيمه لأهل البيت أكثر من الملائكة والأنبياء والرسل. ومن ذلك وهذه كفرية أخرى، وهي: أنهم يعني: أهل البيت يعلمون كل حركة تقع في الكون ما من ذرة تقع في الكون إلا وهم على علم بها، مع أن أهل البيت ماتوا وصاروا تراباً مهما كان شأنهم، فجعلوهم شركاء في العلم مع الله عز وجل، يعني: أشياء غريبة جداً، فربنا تبارك وتعالى ليقيم الحجة على من قد يغتر بدعايتهم يعني: سَخَّرَ هذا الإنسان أن يضع في هذا الكتيب الذي هو كتاب دعاية العقيدتين الوافدتين، واحدة منها تكفي لتحذير الناس من الاغترار بما سموه بالثورة الإسلامية.

[638] باب حكم من يطعن في آيات الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -

ومع الأسف يعني: لما قامت هذه الثورة اغتر بها بعض الشخصيات الإسلامية ويمكن ذهبوا إليهم، فمنهم من رجع وقد تبين له الحق، ومنهم من لا يزال إلى الآن يدعو إلى دعوتهم ... "الهدى والنور" (137/ 00:05:18) [638] باب حكم من يطعن في آيات الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - مداخلة: شيخنا بالنسبة للذي ظهر في هذا الزمان من بعض النسوة من يتكلم في آيات الله سبحانه وتعالى، ويتهمها بالظلم، ومن قد تجرأ على أحاديثه صلى الله تعالى عليه وسلم، ولعلكم سمعتم شيخنا بالنسبة لهذا الأمر، إحدى النسوة تكلمت في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وردتها، وقالت عن معنى قوله تبارك وتعالى: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ} (الأحزاب:33)، قالت: هذا ظلم. وقالت على أحاديثه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن المرأة أنهن ناقصات عقل ودين. فقالت: هذا لا يختلف فيه اثنان بأن من يقول هذا بأنه مريض، وقد شتمت في هذا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. في هذا الزمان الذي انقرض فيه حكم الله تعالى بالنسبة للحاكمين، هل يجوز لفرد من المسلمين أن يقاص هذه المرأة ويوقفها عند حدها، لتكون عبرة لمن اعتبر؟ يقتلها أو يفعل فيها شيء يكون عبرة؟ الشيخ: لا، هنا يصير مشكلة. مداخلة: يعني يجعلها عبرة. مداخلة: ...

مداخلة: يعني يشوهها مثلاً. الشيخ: إذا كان هذا هو بيت القصيد كما يقال، فأنا جوابي في هذا معروف دائماً: أن إقامة الحدود ليست للأفراد؛ لأن ذلك يترتب منه مفاسد كثيرة وكثيرة جداً، وبخاصة في مثل هذا الزمن الذي أشرت إليه، فالرجل الذي يريد مثلاً أن يقيم الحد على هذه المرأة بالقتل، على اعتبار أنها مرتدة مثلاً، أو أنه يؤذيها بعض الإيذاء؛ تأديباً لها، هي لن تأخذها بمعنى التأديب، ستأخذها أولاً بمعنى الاعتداء عليها، ثم لا بد أن يكون لها أقارب أب أو أخ .. إلى آخره، فهم يقومون بدورهم بالاعتداء على المعتدي عليها .. وهكذا يتسلسل الاعتداء من مرحلة إلى أخرى، ويكثر الفساد في الأرض، وليس هذا هو المقصود من شرعية الحدود. فإذا كان المقصود من سؤالك هذا هو فقط، فالجواب ما سمعت، لا يجوز مقاصصتها ولا يجوز إيذاءها بأي نوع من أنواع الإيذاء أو تعذيبها بأي نوع من العذاب، إلا للحاكم الذي يحكم بما أنزل الله، وطبعاً أنت قيدت، ما دام لا يوجد من يحكم بما أنزل الله، فإذاً: يحكم بذلك فرد من الأفراد. هذا في الواقع من أخطاء بعض من يفكر من التكتلات الإسلامية أن يتولى بعض الأفراد إقامة الحدود، هذا لا يجوز إطلاقاً إلا في مجتمع تهيأت فيه أسباب إقامة الحدود التي يتحقق فيها قوله تبارك وتعالى: {وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:179). لكن الفرد حينما يريد أن يفرض نفسه حاكماً على غيره، بالإضافة إلى المفاسد التي قد تترتب من وراء هذا الحكم أو التنفيذ مما أشرت إليه آنفاً، فقد يقع هو في مخالفة الشرع من زاوية أخرى وهي:

مثل هذه المرأة مثلاً، أنا ما قرأت كلماتها، ونقل إلي شيء منها، لكن أنا أتصور أن مثلها كثير وكثير جداً في المجتمع الإسلامي أنهم لا يميزون حديث الرسول عليه السلام من أحاديث الناس، فهن يسمعن أن هؤلاء المسلمين المتسمكين أو المتنطعين في زعمهم والمتشدقين يقولون: أن النساء ناقصات عقل ودين. يظنون أن هذا رأياً لهم، حكم مثلاً من الأحكام، لكن لا يعرفون أن هذا قاله الرسول عليه السلام حقاً؛ حتى أنا أفترض ما هو أوسع من ذلك، لكي لا يقع المسلم في مؤاخذة شرعية، حتى لو كانت هي أو غيرها سمعت أنه حديث عن الرسول، هكذا يقول المشائخ، لكن هؤلاء المشائخ مشائخ مهابيل في رأيها، وليس عندهم وعي، وليس عندهم ثقافة، ما عندهم .. بالخلاصة: رجعيين يهرفون بما لا يعرفون، من هذا الكلام الكثير. أي: أنها ليس قائماً في ذهنها أن هذا فعلاً حديثاً قاله نبي الإسلام؛ لذلك هذه المرأة وأمثالها لو كان هناك حاكم مسلم، أفترض أنه أنا هذا الحاكم المسلم -لا سمح الله- ما رأيك؟ مداخلة: إن شاء الله تكون حاكم مسلم وتحكم المسلمين. الشيخ: ... المقصود: أفترض أن حاكماً من حكام المسلمين على الكتاب والسنة، لا يأتي إلى هذه المرأة ويحاسبها ويأخذها من ذيلها، وإنما يمسكها من رأسها من عقيدتها، يسألها: هل أنت مسلمة؟ فتقول: أي نعم، الحمد لله أنا مسلمة؟ تؤمنين بالله ورسوله؟ أي نعم. يقيناً؟ أي نعم. ما رأيك إذا ثبت عندك حديث عن الرسول عليه السلام، وخالف هواك أو عقلك أو ثقافتك هذه التي

ترين نفسك فيها .. إلى آخره، ما موقفك بالنسبة لحديث كهذا، أو قبل الحديث، هذا الشيخ الحاكم المزعوم بيخطئ، سيأتي لها بآية مثلما أنت قلت عن تلك الآية: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} (الأحزاب:33)، أنت تقولين أنك مؤمنة بالله ورسوله، بالكتاب والسنة؟ أي نعم. هل تعرفين أن هذه آية في القرآن الكريم؟ لا والله أنا لا أعرف. إذاً: لا يجوز أن يقال أنها مرتدة عن دينها؛ لأنها لا تعرف أن هذا من دينها، هذا جهل. فهذا الذي نصب نفسه حاكماً ... يريد أن يقاصصها، يريد أن يؤدبها .. إلى آخره، لكن هو لم يفهم أنها عن علم أوعن زندقة، أو عن جهل؟ وأنا الحقيقة لا ألوم كثيراً من الشباب ولا الشابات؛ لأنهم يسمعون أشياء هي من الإسلام والإسلام بريء منها كما يقال: براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وأنتم تشاركوني في هذا الرأي؟ مداخلة: أكيد. الشيخ: وأنا أذكر لما كنت في دمشق وألقي دروساً هناك أسبوعية منظمة، كانت تأتي مناسبة نتحدث فيها على بعض البدع، وعلى بعض الصوفيات المقيتة من الآراء والأفكار، هناك صاحب الدار الذي كان الله يجزيه الخير، عطل الدار عن أن يتم بناءها، ليقطعها إلى غرف، وجعل هذه الغرف ينفذ بعضها إلى بعض في

سبيل أن الجمع يسمع كل ما يقوله الشيخ، فأوقفه تقريباً إيقافاً مؤقتاً، لكنه عاقل وذكي مع أنه شبه أمي، يقف هناك ويقول: يا إخواننا! والله لا تؤاخذون هؤلاء الشيوعيين إذا كفروا بالإسلام؛ لأن الحقيقة أنهم يسمعون كلمات من المشايخ، فيقولوا: إذا كان هذا هو الإسلام، فنحن بريئين من هذا الإسلام، يرون مظاهر من بعض المشايخ تقرف النفوس، عندنا هناك عادة، بعض الناس خاصة في المسجد الكبير في دمشق الذي هو مسجد بني أمية، في بيوت قضاء الحاجة هناك صفين، وممر بين الصفين، تجد بعض الشيوخ يطلع من قضاء الحاجة يكون لابس صاية مفتوحة، يطلع من المرحاض يحط يده ويغطي، ويمشي ويدبك برجليه ويهز، من شان يتصفي. مداخلة: الله يهديه. الشيخ: مهزلة ما بعدها مهزلة، هذا هو الإسلام، لا أريد هذا الإسلام، ويسمعون كلمات خرافية وسخافة .. إلى آخره، لذلك يقول: لا تؤاخذوا هؤلاء الناس الشيوعيين عندما يقولون أن الدين أفيون الشعوب، هذا صاحبنا الأمي يقول: لا تؤاخذوا الشيوعيين عندما يقولون أن الدين أفيون الشعوب؛ لأن الحقيقة هذه الأشياء التي يسمعونها، هذه ليست من الإسلام، وحق أن يقول هؤلاء أن الدين أفيون الشعوب؛ لأنهم لا يفهمون الإسلام الصحيح. فالآن ماذا نفترض في هذه المرأة، نرى دكاترة ومتخصصين في الشريعة غير فاهمين الإسلام، ذلك اليوم تسألني امرأة في الجامعة، وهي تدرس في الجامعة أيضاً، ناقشها دكتور في موضوع علو الله على العرش، يقول الدكتور: هذا خطأ، الله في كل مكان.

مداخلة: الله يهديه. الشيخ: والله! هذه العقيدة الكافر لا يقبلها، وأنا دخلت في تجربة، كنت مرة منطلق من حلب إلى إدلب، ومن إدلب إلى اللاذقية غرباً هناك في سوريا، وكان معي أحد إخواننا اسمه عبد الرحمن شلبي، ذهبنا إلى اللاذقية من إدلب، تعرفون الأوروبيين عندهم طريقة الشحاذة، الذي يكون في سيارة مجاناً ماذا يعملوا. مداخلة: ... ستوب بيسموها. الشيخ: ما أعرف، يوقف شحاذ في الطريق بس بطريقة عصرية، وأنا ماشي بسيارتي وبجانبي صاحبي، طبعاً مسرعين بعض الإسراع، أو كثير الإسراع، ما أدري ... ، المهم بعدما قطعنا شوطاً سمعنا أن هناك شخصاً رافع إبهامه، وقفنا هكذا وتطلعنا بالمرآة، فعلاً: ما رأيك يا عبد الرحمن، دعنا نأخذه معنا، السيارة فاضية، الشاهد، رجعنا والله، وإذ بالرجل أمريكي، وزوجته واقفه ... ، ولكن ليست واقفة علناً، (واقفة) جانباً، فلما أوقفنا السيارة أشار إليها، فقلت (لأخينا) عبد الرحمن، إذاً: سنقطع الطريق معهما بعدما عرفنا أنهم أجانب، الشاهد: ركبوا الاثنين ومشينا، صاحبي يرطن الانجليزية، أما أنا لا أرطنها، حسبي ألبانيتي. بدأ قلت له: اسألهم من أين هم، ... حتى وصلنا: ما هي عقيدتك أنت في الله عز وجل، قال: في كل مكان. هذه عقيدة الدكتور، غرابة أن تكون عقيدة واحد كافر أمريكي، ليس هناك غرابة، فقلت أنا لصاحبنا: قل له كذا .. قل له كذا .. وهو يترجم ... حتى وصلنا إلى بيت القصيد، قال لي: والله هذا هو المعقول، المعقول أن الله فوق المخلوقات كلها؛ لأنه كان وليس هناك خلق، لا زمان ولا مكان، كيف يقال أن الله في كل مكان، الدكاترة المصريون لا يفهمون بعد هذه العقيدة،

ويلقنونها الطلاب، وفي الأزهر الشريف، ويأتي الأزهري ويناقشك ويضللك فوق هذا؛ لأنك تقول: الرحمن على العرش استوى. فما يؤاخذ كثير من الناس من الرجال فضلاً عن النساء، أنهم إذا أنكروا حقائق شرعية؛ لذلك أنا مذهبي، وقلت هذا مراراً وتكراراً قريباً وبعيداً: لا نسارع في إطلاق كلمة الكفر على أحد ممن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إلا بعد الاستنطاق والاستجواب؛ فإذا تبين أنه يعني ما يقول، فهنا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل من الحاكم المسلم، نسأل الله أن يوجده لنا. مداخلة: الصحيفة تقول أنهم طلبوا منها في المحكمة أنها تعود عن قولها بعدما فهموها الأمر، فهموها أن أنتي مخطئة وتكلمتي .. إلى آخره، وعودي عن قولك ولن نعمل محاكمة، اكتبي في الجريدة: أنه أنا أخطأت كذا .. إلى آخره، فقالت: أنا مصممة على ما أنا أقوله، والذين تريدونه اعملوه، فأقيمت المحكمة، الآن أريد أن أقول: إذا قالت هذا اعتقاداً وهي أثبتت أنها معتقدة فيما تقول، وتبرع أحد المسلمين على أن يقتلها، وتبرع بنفسه، وحتى أنه يسلم نفسه أنه أنا قاتل هذه المرأة واعلموا هذا حتى تكون عبرة لغيرها، واستشف من حديث لعله يكون ضعيف أو صحيح لا أدري، أن أحد الصحابة الكرام وكانت عنده زوجة قد شتمت الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فوضع خنجره على صدرها واتكأ عليها فماتت، فبلغ ذلك الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: إنها شتمتك يا رسول الله! ...... الشيخ: هذا حديث صحيح. مداخلة: الحمد لله. الشيخ: أي نعم، لكن الذي يطبق هذا الحكم في هذا الزمان يكون عندي

حيوان؛ لأنه هذه لها أخوات أو ليس لها أخوات، أقصد بأخوات مثيلات. مداخلة: والله ما أكثرهن بهذا الزمان. الشيخ: فهذا الحيوان كل ما سمع بواحدة مثل هذه يريد أن يقتلها؟ مداخلة: بس هذه أشهرت في ظنه، أشهرت علناً. الشيخ: لا يجوز هذا يا أخي، ما دام المجتمع كله فاسد، فنرجع إلى أصل المنهج التربوي، هل تكون التربية باستعمال القوة، أنت اليوم وأنا وكل هؤلاء المسلمين ضعفاء، فإذا أردت أن تقوم الاعوجاج القائم في المجتمع، فسيقضى عليك وعلى من يلوذ بك، ويقضى على الدعوة في النهاية. مداخل آخر: بالنسبة لقضية هذه المرأة، اليوم في الجريدة شيخنا كاتبة المقال هي نفسها، فيعني معتذرة شبه اعتذار مُبَطَّن، يعني ما قالت تراجعت أنا، وقلت كذا .. الشيخ: ولا بيقولوها، المشايخ لا يقولوها. مداخلة: والله صحيح يا شيخ. فهي تقول: هؤلاء يشككون في إسلامي وإيماني، وتقول هذه الأشياء التي قالوها محض افتراء، وقالوا عن البيان أن فيه مناقضة لكلام الله وكلام رسوله، وأنا ما طلبت إلا ما في القرآن وما في الأحاديث، وهذا هو بياني. فهذا شبه اعتذار مبطن، ومثلما تفضل الأستاذ نحن لا نريد من الناس أن يقولوا: والله إحنا كفرنا وتبنا، لكن مثل هذا ألا تستمر في كفرها .. "الهدى والنور" (282/ 54: 08: 00)

[639] باب هل الكفر في قوله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} اعتقادي أم عملي؟

[639] باب هل الكفر في قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} اعتقادي أم عملي؟ سؤال: الاستهزاء بالدين الذي جاء في قوله -تبارك وتعالى-: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (التوبة:66)، السؤال: هل الكفر هنا اعتقادي أم عملي؟ الشيخ: لا شك هذا كفر اعتقادي، بل هذا كفر له قرنان؛ لأن الاستهزاء بآيات الله -عز وجل- لا يمكن أن يصدر من مؤمن مهما كان ضعيف الإيمان، وهذا النوع من الكفر هو الذي يدخل في كلامنا السابق حينما كنا نقول: (لا يجوز تكفير مسلم إلا إذا ظهر من لسانه شيء يدلنا على ما وقر في قلبه) فهنا استهزاؤه بآيات الله -عز وجل-، هذا أكبر إقرار منه على أنه لا يؤمن بما استهزأ به، فهو إذاً كافر كفراً اعتقادياً. "الهدى والنور" (672/ 44: 10: 00) [640] باب حكم الاستهزاء بكلام الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - السائل: ما جزاء من يستهزئ بكلام الله ورسول الله. الشيخ: طبعًا كُفر ... الاستهزاء بالله وآياته كفر. "الهدى والنور" (431/ 00:39:08). [641] باب حكم منكري السنة؟ السائل: سؤال فضيلة الشيخ: بما يُرَدُّ على من لم يحتج بالحديث الصحيح نتيجة أنه لا يُصَرَّح في القرآن على هذا الأمر، أو يتأول الحديث على ما يوافق هواه؟

الشيخ: كيف ... طبعاً هذا لا يكون مسلماً؛ لأن الله عز وجل قد أمر حينما يختلف الناس ويتنازعون في شيء ما من الأحكام أن يرجعوا إلى أمرين اثنين: إلى كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء:59) وقد اتفق علماء التفسير على أن الرد في هذه الآية إلى الله إنما هو الرد إلى كتابه، وهذا من البداهة والظهور بمكان؛ لأن الرد إلى الله لا يعني كما لو رد الأمر إلى حاكم أو قاضي فيذهب المتخاصمان إليه، فربنا عز وجل لا يمكن للبشر أن يرتدوا إليه لذاته تبارك وتعالى؛ ولذلك أجمعوا على أن المقصود بالرد إلى الله لتقدير مضاف محذوف أي: إلى كتابه. كذلك بالنسبة للرد إلى رسوله: لا يمكن الرد إلى شخصه وبخاصة لمن كان بعيداً عنه في حياته وبصورة أخص بالنسبة للذين جاءوا بعد وفاته عليه السلام فلا يمكنهم الرد إلى شخصه فأيضاً الأمر أن المقصود بالرد إلى الرسول الرد إلى سنته. فمن زعم بأنه يستكفي بالقرآن دون السنة فقد كفر بالله ورسوله لهذه الآية وبأمثالها من آيات كثيرة، كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} (الأحزاب:36) وقوله تبارك وتعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) فمن لم يؤمن ببيانه عليه الصلاة والسلام الذي هو كما يضاف إليه هذا البيان للقرآن ... ، والآية الأشهر في هذا المجال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء:80). فالذي يزعم بأنه لا يتحاكم إلى سنته عليه السلام وإنما إلى القرآن فهو ليس

مؤمناً بالقرآن وإنما يصدق عليه ما قاله تعالى في بعض أهل الكتاب: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} (البقرة:85) ولذلك جاء التحذير الشديد من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الاعتماد على القرآن فقط دون السنة فقال عليه الصلاة والسلام: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يقول: هذا كتاب الله فما وجدنا فيه حراماً حرمناه وما وجدنا فيه حلالاً حللناه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله» (¬1)؛ لأنه كما جاء في القرآن: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:3، 4). وختاماً: قد جمع المصدرين الأساسين للمسلمين كتابًا وسنةً في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» فمن صرح من المسلمين ولو كان يصلي ويصوم بأنه لا يعتمد في دينه إلا على القرآن الكريم فهو كافر، وأول ما يدل على كفره وتناقضه أنه يصلي صلاة إن كان مخلصاً في هذه الصلاة، هذه الصلاة لم تأت في ... القرآن فمن أين جاءته هذه الصفة؟ من ركوع .. سجود .. وأذكار وتشهد، هذه التفاصيل كلها إنما جاءتنا من طريق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فمن زعم أنه لا يعتمد إلا على القرآن فلا يصح إسلامه، بل لو كان هناك حاكماً ينفذ الشرع بجميع أحكامه يستتاب فإن أصر على أنه لا يعتمد في دينه على القرآن قتل كفراً وليس حداً، وإن تاب تاب الله عليه. "رحلة النور" (10ب/00:29:25) ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم2657).

[642] باب هل من رد السنة يكفر؟

[642] باب هل من رد السنة يكفر؟ سؤال: شيخ ... كلمة الإمام أحمد "من رد السنة فقد كفر"؟ الشيخ: الله المستعان، طبعاً هو المقصود من رد السنة كأصل، فهذا صحيح. مداخلة: لا، لكن أقول هو الإمام أحمد لما ساقها في مورد قصه ما تحضرني الآن أن رجل بلغه حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فرده، فقال من رد السنة فقد كفر. الشيخ: نحن إذا أخذنا هذه الجملة وتأولناها بأن المقصود رد السنة إطلاقاً والذي جاءت المناسبة من أجل هذه الجملة في جزء، فلا شك أن إنكار السنة إطلاقاً ردة، لكن إنكار حديث بذاته، أنا لا أقول بهذا الكلام في خصوص حديث معين، وأنا أفرق بين إنكار السنة جملة وتفصيلاً، وبين إنكار جزء من السنة، فإذا كان هذا الإنكار لهذا الجزء مع الاعتراف بأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فعل أو قال فهو ردة أيضاً، أما إذا كان إنكار كما هو شأن كثير من أهل الأهواء والبدع؛ لأنه لم يثبت عنده ولو بسبب جهله، فأنا أعتقد بفسقه وليس بكفره، أكبر مثال اليوم هؤلاء، الرجل الذي كنا نتكلم عنه آنفاً السقاف وقبله حسان، وقبل هؤلاء الذي بليتم بإقامته عندكم وتدريسه عندكم وهو الغزالي. مداخلة: والصابوني ... الشيخ: لكن الغزالي غير. مداخلة: صريح. الشيخ: الصابوني الآن يصحح أحاديث في مختصر لابن كثير، ابن كثير ما صححها، لكن بجهده هو، بأسلوب سوق ابن كثير للأحاديث وجهله بعلم

[643] باب هل يكفر من ينكر الحديث المتواتر

الحديث، يظن أن سكوت ابن كثير على بعض الأحاديث التي ذكرها وبخاصة فيما كان منها مسبوق بالسند من المسند مثلاً أو غيره، علماء الحديث يقولون بأن المؤلف إذا ساق الحديث عن الرسول عليه السلام بإسناده منه إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أو بإسناد نقله من بعض المؤلفين إلى الرسول عليه السلام فلا مسؤولية عليه، فهو بريء الذمة، ولكن هذا الأسلوب يعني أيها القارئ انظر فأنا ما سقت السند إلا لتنظر لا لأعتقد أن هذا السند صحيح وأنا كنت استغنيت عنه وقلت كما يقول في الغالب إسناده صحيح .. إسناده حسن .. إلى آخره. فالصابوني يصحح أحاديث لو سئل الغزالي عنها لأنكرها أشد الإنكار، فأسلوب الغزالي أسلوب عقلي هوائي. "الهدى والنور" (597/ 40: 14: 00) و (597/ 51: 16: 00) [643] باب هل يكفر من ينكر الحديث المتواتر [تكلم الإمام عن كون التواتر أمر نسبي فقد يتواتر عند بعضهم ما لم يتواتر عند الآخرين، ثم قال]: المسألة الثانية: حكم من ينكر الحديث المتواتر؟ الجواب عن هذه المسألة الثانية تنبني على المسألة الأولى، إذا عرفنا إنه القضية نسبية فلا يجوز تكفير من ينكر حديثاً، هو متواتر عند بعضهم، وغير متواتر عند البعض الآخر، على أنه نفترض حديثاً مجمعاً على تواتره، ومثال هذا معروف في كتب المصطلح، ألا وهو قوله عليه السلام: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» حينئٍذ نقول: لا فرق بين تكفير أو عدم تكفير منكر الحديث المتواتر أو منكر حديث الآحاد الصحيح لا فرق بينهما لماذا؟ لأنه العبرة بقناعته

[644] باب الضابط في تكفير المستهزئ بالسنة، وهل إنكار خبر الآحاد يعد كفرا؟

الشخصية هو، إذا افترضنا إنساناً عالماً هو يعتقد بأن حديثاًً ما صحيح، قاله الرسول، لكن هو ليس عنده متواتر وأنكره فقد كفر، عرفت ليش؟ لأنه عرف أنه خالفه عليه السلام، لكن لا بطريق التواتر، [بل] طريق الآحاد، والعكس بالعكس تماماً، هو لم يصح عنده حديث متواتر عند غيره، فلا يجوز تكفيره؛ لأنه العبرة بما قام في نفسه سلباً أو إيجاباً، أظنه الآن ظهر لك أنه تكفير منكر حديث التواتر أو عدم تكفيره كتكفير منكر الحديث الصحيح أو عدم تكفيره؛ لأنه في كل من الأمرين العلة هو ما قام في نفسه بغض النظر أنه متواتر أو غير متواتر، إن قام في نفسه إنه هذا حديث صحيح ثم جحده فهو كافر، وإن قال في نفسه بأنه غير صحيح فلا يجوز تكفيره؟ مداخلة: حتى لو أجمعت الأمة على إنه هذا الحديث متواتر، يعني: علماء الأمة أجمعوا على أن هذا الحديث متواتر ... الشيخ: أنا ضربت لك مثال إنه الإجماع موجود في حديث: «من كذب عليَّ متعمداً» هذا الإجماع الذي ينكره هل هو صار عنده قناعة ووجدانية ضميرية نفسية بأن الأمة مجمعة؟ فإذا حصل هذا وأنكر فهو كافر، لكن هذا تصوره صعب جداً. "الهدى والنور" (134/ 34: 00: 00) [644] باب الضابط في تكفير المستهزئ بالسنة، وهل إنكار خبر الآحاد يعد كفراً؟ سؤال: يسأل السائل ما الضابط في تكفير المستهزئ بالسنة أهو العلم بكونها سنة أم غير ذلك.

الشيخ: لا شك أنه لا يجوز تكفير مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا وهو يعلم أن الذي ينكره هو ثابت في السنة، أما إذا كان جاهلاً فينبغي أن يُعَلَّم بدل أن يكفر، فمن أنكر شيئاً يؤمن بثبوته في السنة ومع ذلك فهو أنكره هذا بلا شك كافر يحل دمه. وهذا الجواب يجرنا إلى مسالة خلافية منذ قديم ألا وهي أن كثير من العلماء المتأخرين يقسمون الحديث النبوي من حيث وروده إلينا إلى قسمين حديث متواتر، وحديث آحاد، ويبنون على ذلك أنهم يقولون من أنكر حديث التواتر فهو كافر، ومن أنكر حديث الآحاد فليس بكافر، أنا أعتقد أن هذا الجواب التفصيلي قائم على التفصيل السابق للحديث المتواتر وحديث الآحاد، وكلٌّ من التفصيلين لا أصل له في الشرع, من حيث الواقع في حديث متواتر وفي حديث آحاد؛ لأن التواتر والآحاد هو طريقة وصول الحديث إلى فرد من الأفراد، لكن هذا ليس من طبيعة الحديث، لأن الحديث هو ما صدر من فم الرسول عليه السلام وليس من القرآن، فالتفصيل السابق بالتفريق بين من أنكر حديث التواتر فهو كافر، ومن أنكر حديث الآحاد فهو فاسق، هذا ليس دقيقاً؛ إنما الصحيح أن يقال: كل من أنكر حديثاً يعتقد أن الرسول قاله فهو كافر سواء كان هذا الحديث عند زيد من الناس متواتر أو آحاد، المهم أن الشخص الذي أنكر الحديث يعتقد أن النبي عليه السلام قاله مع ذلك بيقول لك: هذا الحديث لا يمكن أن يُقبل لأنه ما يدخل في العقل إلى آخر الفلسفة العصرية المعروفة اليوم أما كونه حديث متواتر أو حديث آحاد فهذا التفصيل لا يمكن أن يعرفه إلا في المليون واحد من المسلمين، وبالكاد أن يوجد هذا الواحد في المليون، ولذلك أنا اعتقد أن من الدسائس التي أدخلت في الإسلام بسوء نيه أو بحسن قصد لكن على كل حال هذا دخيل في الإسلام ألا

وهو التفريق بين الحديث الحديث الآحاد وحديث التواتر، ثم ربط نتيجة تختلف واحدة عن الأخرى باختلاف كون الحديث متواتراً أو آحاداً. ذكرنا آنفاً من جملة النتيجة إنه إن من أنكر حديث التواتر فهو كافر، هو حديث متواتر عند أهل العلم، نرجع لنفس المعنى السابق، لنأتي بمثال آخر فيما بعد حديث متواتر عند أهل العلم لكن ملايين المسلمين ما عندهم خَبَرُهُ هذا الحديث، فواحد سمع به قال: هذا مش معقول مش مقبول، لكن ما عنده علم بأن هذا حديثاً قاله الرسول لكن أهل العلم يقولون حديث متواتر، وعلى عكس ذلك هو يعلم هو حديث ثابت عن الرسول لكن مو متواتر مع ذلك هو بينكره، الأول ما يكفر، والآخر بيكفر. نتيجةٌ أخرى نتجت من التفريق بين حديث الآحاد وحديث التواتر؛ حديث الآحاد يؤخذ فيه بالأحكام دون العقيدة، حديث التواتر لا يجوز الأخذ به في العقيدة أو على الأقل لا يجب الأخذ به في العقيدة فرقوا بين حديث الآحاد فيؤخذ به في الأحكام ليس في العقيدة، أما العقيدة فلا بد أن يكون الحديث فيها - أيش؟ - متواتر هذا الكلام من العجائب أنه يقرره بعض العلماء قديماً وحديثاً؛ لو سئل هذا العالم الحديث صحيح ولَّا ضعيف؟ ما بيعرف فضلاً أن يعرف إذا قيل له هذا متواتر وإلا آحاد، (سيقول لك) شو بيعرفني هذه ما هي شغلتي؛ (إذاً كيف) قررت تفرق بين الحديث الآحاد وحديث التواتر، ورتبت على ذلك أنه من ينكر حديث الآحاد في العقيدة لا ضير عليه لأن العقيدة لا تثبت إلا بحديث التواتر. مع الأسف الشديد حزب التحرير وقع في هذه الطابوسة بالتعبير السوري يعني في هذا المطب في هذه الحفرة، فقال أول ما نشأ حزب التحرير: لا يجوز

أخذ حديث الآحاد في العقيدة، وبعدين صار مناقشات بينهم وبين بعض أفراد من أهل السنة عدَّلوا عبارتهم؛ كانت سابقاً: لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة، فحولوها إلى لا يجب، كانوا من قبل في العبارة السابقة: لا يجوز؛ يعني: أن الحزبي التحريري حرام عليه أن يعتقد بحديث آحاد، لكن لما عدلوا العبارة أعطوه فسحة شويه، لا يجب عليك؛ فأنت حر بقى تأخذ بهذا الحديث ولّا ما تأخذ ما في مانع، في الأول: لا يجوز، وجرى طبعا ًمناقشات كثيرة هناك في دمشق وغير دمشق من سوريا بيني وبينهم، فاضطروا أن يعدلوا هذه العبارة وكان من جملة ما قلت لهم: يا جماعة أنتم عندما تقولون لا يجوز الأخذ بحديث الآلحاد في العقيدة معناه أنكم لا عقيده عندكم قائمة على السنة، لا يوجد هناك عقيدة تعتقدونها مأخوذة من السنة من الحديث؛ لماذا؟ لأنكم تشترطون أن يكون متواتراً، لكن هذا الحديث المتواتر في واقعه عند أهل العلم هو مجهول عند غير أهل العلم، ونُعَدِّل العبارة فنقول هذا الحديث عند أهل الاختصاص في الحديث وما أقلهم وخاصة في هذا الزمان يكون متواتراً، لكن عند عامة العلماء فضلاً عن عامة المسلمين ما عندهم خبر إلا أنه حديث آحاد، ولذلك فسوف لا تقيمون عقيدة على حديث ولو كان متواتراً عند أهل العلم؛ لماذا؟ لأنه سيعود إليكم حديث آحاد. كنت ضربت لهم مثلاً قلت لهم: شيخكم الشيخ تقي الدين النبهاني نفترضه بأنه أعلم أهل الزمان في الحديث وهو ليس كذلك لكن نفترض كذلك، بحث في حديثٍ ما بحثاً هو شأنه لأنه متخصص فخرج معه أنه حديث مثلاً مثلاً: «اتقوا البول فإن عامة عذاب القبر منه» (¬1)، ثبت لديه مثلاً أن هذا الحديث حديث ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم3002) بلفظ: «تنزهوا من البول ... ».

متواتر، إذاً هو تضمن: إن في عذاب قبر؛ هم لا يؤمنون بعذاب القبر؛ لأن ما في بالقرآن زعموا. الآن شيخكم يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اتقوا البول فإن عامة عذاب القبر منه»، حديث متواتر عندي، أنت يا حزبي هل عندك متواتر؟ لا, ليه؟ لأن التواتر يشترط عند أهل العلم أن يتسلسل في كل طبقة؛ يعني حديث رواه أبو بكر الصديق وحده رواه عنه مليون شخص هذا حديث آحاد، مليون من الصحابة رووا حديثاً نقله إلينا واحد هذا حديث آحاد؛ إذاً لازم هذا التواتر، نخفف العدد شوية لا يكون خيالياً يكون واقعياً؛ حديث رواه عشرة من الصحابة، وعنه عشرة من التابعين، وعنه عشرة من أتباع التابعين، وهكذا إلى أن سُطِّر هذا الحديث في عشرات كتب السنة بهذا التسلسل؛ عشرة من الصحابة، عشرة من التابعين إلى آخره، يجيء تقي الدين النبهاني وجد لهذا الحديث عشرة طرق صار عنده قناعة يقينية أن هذا الحديث قطعي قاله الرسول عليه السلام, وهذا واقع لكن حينما يقوله لحزبه: هذا الحديث المتواتر، فكل حزبي يصبح عنده الحديث حديث آحاد ليه؟ لأن الذي نقل له التواتر هو واحد انتبَهَ الحزبي، يمكن يقول: هذا حديث متواتر عندي- عند حزب التحرير-، وهذا لا وجود عنده ولاعند غيره من الأحزاب، في عندهم عشرة من المتخصصين في علم الحديث؛ الشيخ تقي الدين والشيخ أحمد ومحمد وعبد الرحيم وعبد الرحمن إلى آخرة عشرة، كل واحد بحث في هذا الحديث ووجده متواتراً، العشرة هذول يعلنون على الملأ- حزب التحرير- أن الحديث الفلاني حديث متواتر، حينئذ يصبح هذا الحديث عند كل الأفراد حديثاً متواتراً ليش؟! لأن الذي نقل التواتر هو متواتر هو عشرة أشخاص، لكن هذا لا وجود له هذا لا وجود له.

ولذلك أنا قلت لهذه الجماعة: أنتم لا يمكن أن تجدوا حديثاً متواتراً؟ لأن ... لأنه مرة من المرات صارت مجادلة بيني وبينهم يا جماعة أنا شايف كتبكم ممتلئة بالأحاديث الضعيفة والتي لا أصل لها إلى أخره قالوا نستعين بأمثالك قلت لهم ما شاء الله ... بدكم تستعينون برجال من خارج حزبكم لازم العلم ينبع منكم ويرجع على غيركم إلى آخره، فقلت لهم افترضوا أنه أنا هذا الحديث ثبت لدي بطريق التواتر، قلنا لكم حديث عذاب القبر متواتر، هذا ما أفاد التواتر عندكم؛ لأن أنا شخص واحد لابد أن يجيكم من أطراف العالم الإسلامي علماء متخصصون في علم الحديث يقولون نفس القول هذا بأن حديث عذاب القبر متواتر وهذا غير واقع، لذلك لا يمكن أن أتصور أنكم تؤمنون بعقيدة نابعة من حديث متواتر؛ لأن هذا التواتر لا وجود له، مش عندكم كأفراد من حزب التحرير؛ عند شيخهم الكبير تقي الدين؛ لأنه هو كأي قارئ يقرأ في كتاب يقرأ أن هذا حديث آحاد أو حديث تواتر لكن ما صار متواتراً عنده؛ لأنه قراه بدلالة شخص واحد، وهذا يختلف اختلافاً كبيرا في الحكم على الحديث بالتواتر. في البحوث الفقهية علماء الأحناف عندهم فلسفة أخرى تتعلق بالفقه، علماء الكلام جاؤوا بالفلسفة السابقة حديث الآحاد لا تؤخذ منه عقيدة، لكن فقهاء الحنفية أيش قالوا؟ قالوا حديث الآحاد لا يجوز تخصيص القرآن به، تخصيص القرآن لا يجوز؛ لأن القرآن متواتر، وحديث الآحاد غير متواتر وبهذا الجواب يعطلون عشرات الأحكام الشرعية الثابتة في السنة الصحيحة، من ذلك مثلاً يختلفون مع جماهير الفقهاء في حكم قراءة الفاتحة؛ الجماهير يقولون: بأنها ركن من أركان الصلاة، وهم يقولون: لا هذا واجب وليس بفرض، فضلاً عن أن يكون ركناً لا تصح الصلاة إلا به، طيب الحديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة

الكتاب» (¬1)؟! يقولون هذا حديث آحاد والقرآن يقول: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} وهذا نص عام {مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} لا يجوز تخصيصه بحديث الآحاد: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، .... ونشوف إمام المحدثين البخاري مؤلف رسالة للقراءة «جزء في القراءة» اسم الرسالة، فإذا به في أول الرسالة يقول تواتر لدينا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (كيف) بتقولوا يا فقهاء يا حنفيون تقولون هذا الحديث حديث آحاد؟! هذا إمام المحدثين بيقول إنه حديث متواتر عندنا وهذا صحيح هذا الكلام، لكن صحيح عند البخاري لكن مو صحيح عند الفقهاء؛ لأنه هذا الحديث ما جاء عندهم بطريق التواتر الذي بيجيء عن اليقين، لكن هذه فلسفة دخيلة في الإسلام التفريق بين حديث وحديث؛ ما دام كلاً منهما حديث صحيح ثابت؛ لكن واحد جاء من طريق ثاني جاء من طريقين وثاني جاء من ثلاثة من عشرة إلى آخره، وكل واحد من هذا الأنواع له اسم خاص عند المحدثين: حديث مشهور، حديث مستفيض، حديث متواتر، هذه اصطلاحات للكشف عن طريقة وصول الحديث إلينا، لكن ليس المقصود من هذا الاصطلاحات أن نعطل العمل بالحديث لأنه هو في منزلة كذا، وليس في منزلة كذا، لهذا لا يجوز إلا أن نأخذ الحديث عن الرسول عليه السلام مجرد أن يكون صحيحاً أما متواتر وآحاد فهذه قضية نسبية أولاً بصورة عامة، وثانياً هي نسبية بالنسبة لأهل العلم، أما جماهير الناس لا علم عندهم. فالتكفير إذاً ليس متعلقاً بطريقة وصول الحديث إلى منكر الحديث هل آحاد ¬

(¬1) البخاري (رقم723) ومسلم (رقم900).

[645] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد؟

أم هو تواتر، ولا هو بطريقة وصول الحديث إلى غير المنكر، فقد يكون عند غير المنكر متواتر، وهو ما عنده خبر بهذا الحديث، كما ذكرنا آنفاً، لكن الحديث عند جميع العلماء غير متواتر لكنه صحيح، والذي أنكره أيضاً يعتقد أنه صحيح، مع ذلك ينكره فهو كافر. إذاً قضية التكفير لا تتعلق بما قام في نفس المكفِّر، وإنما ما قام في نفس المكفَّر؛ فإن كان المكفَّر يعتقد بأن هذا الحديث صح عن الرسول مع ذلك ينكره فلا شك بأنه يكفر بذلك، وإن قال- وإن كان لاهياً- هذا الحديث والله أنا أستبعد صحته عن الرسول والله يعلم من قلبه أنه لا ينافق، يقول ما في قلبه؛ هذا لا يكفر عند رب العالمين، لكنه إذا كان يعلم أن هذا الحديث قاله الرسول لكن ظهر بيقول أنا أشك في أن الرسول قال هذا، فهو عند الله كافر؛ لأنه في قرارة قلبه يؤمن بأن النبي عليه السلام قد قال هذا الحديث مع ذلك ينكره. فإذاً التكفير لا يجوز أن يحكم به بالنسبة لما قام في نفس المكفِّر وإنما لما قام في نفس المكفَّر، واضح إن شاء الله. السائل: واضح، [لكن الفرق] بين المنكر والمستهزئ. الشيخ: ما في فرق الذي يستهزئ بحديث يؤمن بأن الرسول قاله مثل ذاك الذي أنكر فهما سواء. "الهدى والنور" (269/ 12: 27: 00) [645] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد؟ سؤال: يقول: ما حكم الأشخاص الذين ينكرون أحاديث الآحاد على الرغم من إقامة الحجة عليهم، هل هم فساق أو ضالين أو كفرة؟

الشيخ: لا شك أن كل مسلم يتبنى مذهباً له أو منهجاً أو سبيلاً أو طريقاً لم يكن عليه سلفنا الصالح، الذي يعني صحابة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، والتابعين لهم، وأتباع التابعين، لا شك أن هذا المسلم الذي يخالف هؤلاء يعيش في ضلال مبين، ثم هذا الضلال الذي لا نشك في أنه واقع فيه ومتلبس له من قمة رأسه إلى أخمص قدمه قد يكون يورده موارد الكفر والخروج من الملة؛ ذلك لأن الله عز وجل قال في صريح القرآن الكريم: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115)، فالذين يتفلسفون بفلسفة إنكار حديث الآحاد، هؤلاء يخالفون سبيل المؤمنين، وقد ذكرنا أكثر من مرة: أن هدي السلف الصالح وتبليغهم لدعوة الإسلام، حتى شملت قسماً كبيراً من أقطار الدنيا، إنما كان ذلك بنقل الآحاد والأفراد في دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، من أشهر ذلك مما هو معروف في السيرة النبوية وفي التاريخ الإسلامي الأول، أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يرسل الشخص الواحد يدعو القبيلة الواحدة إلى الدخول في الإسلام، فيأمرهم بأن يوحدوا الله وحده لا شريك له، وإذا استجابوا أن يصلوا وأن يصوموا وأن يزكوا .. وو إلى آخره، كيف انتشر الإسلام بهؤلاء الأفراد؟ وهكذا استمر انتشار الإسلام حتى شمل كثيراً من البلاد، حتى البلاد التي هي في وسط البحار كأستراليا مثلاً وأمثالها؛ بسبب: أن مسلماً يسافر في سبيل التجارة فينزل في بلد ما طرقته قدمه من قبل فيقول لهم: الإسلام كذا وكذا وكذا، فيدخل الناس في دين الله أفواجاً بخبر الواحد؛ ولذلك فهؤلاء الذين يستهينون بخبر ويقولون: أن خبر الواحد لا تثبت به عقيدة، يخالفون سبيل المؤمنين، بل سبيل سيد المؤمنين الذي كان أرسل معاذاً وأرسل علياً وأرسل أبا

موسى الأشعري دعاة إلى الإسلام في اليمن، ودحية الكلبي إلى بلاد سوريا إلى الروم .. وهكذا، هؤلاء الدعاة الأولين معروفين في التاريخ الإسلامي كانوا أفراداً، فكيف يقال: أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة؟! نحن لنا والحمد لله رسالتان تعالج هذه القضية معالجة علمية وعقلية شرعية، ليس عقل فلتان، عقل شرعي مأخوذ من الكتاب ومن السنة، وكل ما خرج عن الكتاب والسنة .. فصدقوا حينما قالوا: ليس عقلاً؛ لأن الله عز وجل حينما ذكر الكفار وهم في عذاب النار حكى عنهم أنهم قالوا: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10)، فإذاً من هو العاقل؟ هو الذي يحكم الشرع على عقله؛ لأن هذا العقل كما قلنا العقل المطلق موزع في البشر، ليس معروفاً محدوداً بشخص، لو قيل: عقل الرسول المعصوم على الرأس والعين، هذا مرجع، لكن عقل البشر الضائع الفلتان الذي لا حدود له هذا من تمام الضلال حينما تبنوا ما أداه عقلهم المجرد عن انطباع الكتاب والسنة إلى أن يقولوا: أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة. وأنا أضرب لكم مثلاً يحمل في طواياه نكتتين، وكيف يظهر، وما هو الموقف هؤلاء الناس الذين حكموا عقولهم على نصوص نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم -. لقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم - حديث البخاري ومسلم: «إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» (¬1)، هذا حديث آحاد يؤخذ عندهم في الأحكام، لا يؤخذ به في العقيدة، لكن هذا ¬

(¬1) البخاري (رقم6016) ومسلم (رقم7046).

[646] باب حكم الصلاة خلف من ينكر بعض الأحاديث الصحيحة, وخلف من يتلبس ببعض الشركيات

الحديث يتضمن أمرين: يتضمن حكماً، ويتضمن عقيدة، الحكم: «فليستعذ بالله من أربع»، العقيدة: عذاب القبر، العقيدة: المسيح الدجال في آخر الزمان، وكيفما يستطيع هذا أن يستعيذ بشيء لا يؤمن به؟ لا يستطيع، إذاً هو في حيص بيص، وكيفما مال فهو في ضلال، إن أخذ بالحديث؛ لأن فيه حكم شرعي، وهذا واجبه، لكنه لم يأخذ بما فيه من عقيدة وهو الإيمان بعذاب القبر وبالمسيح الدجال في آخر الزمان. فإذاً: في أثناء تطبيقه لهذا الحكم هو مخالف لعقيدته، وهذا من الضلال المبين. (الهدى والنور /728/ 20: 19: 00) [646] باب حكم الصلاة خلف من ينكر بعض الأحاديث الصحيحة, وخلف من يتلبس ببعض الشركيات سؤال: الصلاة خلف أئمة يظهرون بعض البدع الشركية، في ليبيا يوجد كثير من الأئمة جهلة، وبعضهم حتى المتعلم منهم ولكن لديه بدع شركية، وبعضهم ينكر بعض الآيات أو بعض الأحاديث. الشيخ: ينكر بعض الآيات؟ مداخلة: نعم. الشيخ: كيف هذا؟ مداخلة: مثلاً: ينكر الإسراء قصة الإسراء ينكرها من أصلها. الشيخ: ما تقول هكذا.

مداخلة: هذا موجود عندنا. الشيخ: يواش .. يواش! على قول ذالك التركي؟! أنت لا ينبغي لك أن تنسب مسلماً إلى أنه ينكر الإسراء؛ لأن المتبادر من هذا الكلام وخاصة أظن قلت: بعض الآيات القرآنية فهذا خطأ، أنت تريد أن تقول: ينكر بعض المعاني لبعض الآيات القرآنية، أو أنك تصر على قولك الأول؟ مداخلة: بعضهم ينكر حتى يعني: معنى تفسير الآية مثلاً. الشيخ: رجعت إلي .. دعك معي خير لك، أنت تريد أن تقول: ينكر بعض المعاني لبعض الآيات، أما أن تقول: بعضهم ينكر الآيات أو بعض الآيات هذا خطأ؛ لأن النتيجة تكون يعني خطيرة جداً وفرق كبير بين من يؤوِّل الآية ويخرجها عن ظاهرها ولكنه يؤمن بها على أنها منزلة من السماء فهذا مسلم ضال، أما الذي ينكر الآية من أصلها فهذا كافر مرتد عن دينه، فأنا أظن أنك تعني بعض المؤولين وبعض المعاصرين الذين يعتقدون بأن الرسول أسري بروحه وليس بجسده، هذا هو المعنى الذي تريد بقولك: إنهم ينكرون؟ مداخلة: نعم، لكن في الأحاديث ينكرون أصل الحديث. الشيخ: أنا أتكلم عن الآية. مداخلة: نعم هذا في الآية نعم. الشيخ: فإذاً: هم يؤمنون بآية الإسراء لكن ينكرون المعنى، ماذا يقولون في المعنى الذي يؤمنون به هم؟ مداخلة: أنه لم يسر به، بعضهم ينكر أنه أسري به ..

الشيخ: ماذا يقولون في الآية؟ ما دام أنهم يؤمنون بالآية، ما هو المعنى الذي يؤمنون به في هذه الآية؟ أهو الذي قلته لك؟ مداخلة: نعم. الشيخ: أسري بروحه. مداخلة: نعم. الشيخ: أو يوجد عندهم شيء آخر نحن لا نعرفه؟ مداخلة: هم يقولون هذا. الشيخ: طيب! إذاً هؤلاء أكرر لا يجوز أن نقول عنهم: ينكرون آية الإسراء، وإنما نصحح تعبيرنا عنهم فنقول: إنهم ينكرون المعنى الصحيح لهذه الآية، صحيح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: بعد ذلك لك أن تعود وتقول: ينكرون الأحاديث. مداخلة: نعم. الشيخ: هؤلاء الذين ينكرون الأحاديث لهم حالة من حالتين: إما أنهم ينكرون الحديث كمرجع ثان بعد القرآن الكريم .. الحديث مطلقاً فهؤلاء ليسوا مسلمين، وما أظنك تعني هذا فيهم، أليس كذلك؟ مداخلة: هم ينكرون. الشيخ: أليس كذلك؟

مداخلة: نعم. الشيخ: أنا أريحك، لماذا تريد أن تلقي محاضرة في الجواب، أليس كذلك؟ قل: نعم قل: لا، قل ما شئت .. قل ما تعتقد، أنا أظن أن هؤلاء لا تريد أن تقول عنهم: ينكرون الحديث كله؟. مداخلة: نعم. الشيخ: إذاً: هم ينكرون بعض الأحاديث؟ مداخلة: نعم. الشيخ: منها أحاديث الإسراء والمعراج، صحيح طيب! ما هو الفرق بين إنكار الحديث كلاًّ وإنكار الحديث جزءًا؟ إنكار الحديث كلاًّ يستلزم إنكار نصوص قرآنية وهذا لا أظن يحتاج إلى إيضاح، ولذلك فمن أنكر السنة لا يكون مسلماً؛ لأنه لا يؤمن بالقرآن: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (الحشر:7) إلى آخره. أما من ينكر بعض الأحاديث وهذا موجود قديماً وحديثاً، فالآن: ممن اشتهر في إنكار كثير من الأحاديث النبوية الصحيحة ممن ينتمي إلى أهل السنة والجماعة الشيخ الأزهري المصري: محمد الغزالي، هذا لا ينكر السنة .. لا ينكر الأحاديث من أصلها فيما يبدو والله حسيبه، لكن ينكر كثيراً من الأحاديث، فهذا لا يجوز تكفيره بناءً على أنه لم ينكر السنة من أصلها، لكن بلا شك هو ليس على هدىً من ربه حينما ينكر كثيراً من الأحاديث الصحيحة التي تلقتها الأمة بالقبول، فهو في ضلال مبين من هذه الحيثية. ولا شك أنه إذا كان مثله وقع في مثل هذا الضلال فلا شك أن له أتباعاً كثيرين في البلاد، وأظن أنه كان مدرساً عندكم أو عند بعض جواركم، فَسَرَت

عدواه إلى .. من جاور وما شابه ذلك، فهؤلاء نحن موقفنا تجاههم أن ننصحهم، وأن نجادلهم بالتي هي أحسن. بعد أن نقوم بواجب النصيحة والتوجيه والتعليم فإذا أصروا على ضلالهم المبين نصفهم بأنهم ضالون ولا نزيد على ذلك، أي: لا نكفرهم، بناءً على هذا نعود إلى الجواب: هل الصلاة خلفهم صحيحة أم باطلة؟ الجواب: الصلاة صحيحة؛ لأننا نصلي وراء كل مسلم ما دام لا يزال في دائرة الإسلام مهما كان بعيداً عنا في بعض الأفكار أو الآراء أو العقيدة ما لم يخالف نصاً مجمعاً عليه بين المسلمين، فإذا كان هناك نص ويتأولونه بتآويل ليست حادثة وإنما هي معروفة منذ القديم من بعضهم، والمسلمون لم يكفروهم؛ لأن هذه المسألة تحتمل ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، حينئذٍ لا نقول بتكفير هذا النوع من الأئمة، وما دام أن الأمر كذلك فالصلاة خلفهم صحيحة، لكننا بطبيعة الحال ننصح بأن من وجد إماماً خير من هذا الإمام عقيدةً وسلوكاً فلا يصلي وراء ذاك الإمام. مداخلة: طيب! النوع الآخر الذي لديه شرك مثلاً في الألوهية مثلاً: يعبد يزور القبور ويتبركون بها وهكذا؟ الشيخ: لا شك أن هذا نوع من الشرك، لكن التكفير نفسه لا يصار إليه إلا بعد إقامة الحجة، فإذا مثلاً رأيت إماماً لا يؤمن بتوحيد الألوهية فهو يعبد مع الله غيره، ينادي غير الله مثلاً في الشدائد وينذر ويذبح لغير الله عز وجل في الأفراح، هذا كفر لا شك فيه، لكن لا نستطيع أن نقول: إنه كافر إلا بعد تفهيمه وبخاصة إذا كان من الأعاجم؛ لأننا نحن مشكلتنا اليوم مع العرب الذين يفترض فيهم أن يفهموا القرآن كما أراده منزله من السماء، فما بالك بالأعاجم؟ ما بالك من استعجم من العرب؟! فهم كالعجم لا يفهمون لغة القرآن، إذاً: هؤلاء وهؤلاء يجب قبل

[647] باب هل يكفر من يرد الأحاديث الصحيحة؟

المبادرة إلى تكفيرهم وإخراجهم عن دائرة دينهم إقامة الحجة عليهم، فإن جحدوها فصدق فيهم قول ربنا تبارك وتعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) حينئذٍ نخرجهم من دائرة الإسلام ولا نبالي. " الهدى والنور" " الهدى والنور" (547/ 49: 07: 00 طريق الإسلام) و (547/ 02: 16: 00 طريق الإسلام) [647] باب هل يكفر من يرد الأحاديث الصحيحة؟ السؤال: في معرض الحديث عن الغزالي، وإن كان السؤال قد يكون قاسي أو شديد، يعني يختلف بعض الناس أن الغزالي الآن ثبت بما لا يقبل الشك رده للأحاديث الصحيحة، ولا يردها بدعوى أنها لم تثبت عنده، ما قال في صحتها شيء، لكن رد العمل به يعني لا أدري هل يمكن أن يقال قد يخرجه هذا من الملة؟ الجواب: لا، إلا بشرط، أنت أظن تعلم أن الكفر الذي يخرج من الملة له علاقة بالقلب وليس بالعمل، ومن الخطأ السائد في أذهان كثير من أهل العلم فضلاً عن طلاب العلم أن الذي ينكر حديث التواتر فهو كفر، أما الذي ينكر حديث الآحاد فهو فسق. أنا أقول: هذا خطأ؛ والسبب أنني أستطيع أن أتصور العكس تماماً، فأقول: رجل أنكر حديث آحاد، يمكن أن يكون كافراً، وهو غير متواتر. هذا الذي أنكر حديث الآحاد، وأريد أن ألفت النظر أنه حديث الآحاد في اصطلاح العلماء لا يعني المعنى اللغوي، يعني رواه فرد. لا. مداخلة: ما دون التواتر. الشيخ: هذا هو، فهذا الحديث ..

[648] باب هل يكفر من ينكر حديثا بعقله؟

مداخلة: حد التواتر كم يا شيخ؟ الشيخ: احفظ سؤالك؛ لأن هذا له بحث خاص. فحديث ما آحاد أنكره منكر ما، فإذا كان يعتقد في قرارة قلبه أن هذا الحديث نطق به الرسول عليه السلام فقد كفر وخرج من الدين كما تخرج الشعرة من العجين. مداخلة: برد العمل به. الشيخ: لا، ليس له علاقة القضية برد العمل، بمجرد أنه اعترف بقلبه أن الرسول قال هذا ثم هو أنكره. مداخلة: أنكره رد العمل به. الشيخ: قد يكون ليس له علاقة بالعمل. مداخلة: يعني يقره ولا يعمل به. وارد هذا الحال؟ الشيخ: يا أخي قضية العمل به يدخل في حديث الأحكام، أما المسألة أوسع من ذلك، وبالعكس قد أتصور إنساناً ينكر حديثاً متواتراً ولا يكفر. "الهدى والنور" (238/ 00:31:21) [648] باب هل يكفر من ينكر حديثًا بعقله؟ سؤال: ... الذي ينكر مثلاً حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه مثلاً بصق في الطعام، ويقول: أن هذا يتنافى مع الأدب .. مع خلقهصفلا يمكن أن يصدر هذا عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يعني: ينكره من هذا الباب ليس من باب أنه صحة السند أو عدم صحة السند وإنما من هذا الباب.

[649] باب هل يكفر من يقول: هذا الحديث لا يدخل عقلي؟

الشيخ: [انقطاع صوتي] .. في تكفيرهم لكن هم ضالون منحرفون عن الخط، لماذا لا يجب تكفيرهم؟ لأنهم هم في قرارة نفوسهم ينزهون الله عز وجل بذلك التأويل الذي شبه لهم، فهذا ضال وهؤلاء ضالون؛ لأنهم خالفوا الحق، لكن لا نتجرأ على تكفيرهم، لا نتجرأ على تكفيرهم أبداً، هذا الإنسان يُكَلَّم بهدوء وعلم وفكر وإلى آخره، يقال له: عقلك حَكَم؟ مهما كان هو معجب بعقله لا أظن أنه سيتورط معك ويقول لك: نعم عقلي حكم. مداخلة: هذا له مقالة ... الشيخ: لا لا، اسمح لي أخي! قد يقول لك أنت، لكن لو تابعته في الحديث، قلت له: عقلك حَكَم؟ قال لك: نعم، طيب! وعقل زميلك الثاني حَكَم؟ قال لك: نعم، والعشرات والمئات والألوف من العقول المتباينة كل هؤلاء حكم؟ لأنه مهما كان رجل أبله جاهل لن يقول .. : نعم هذا عقله حَكَم .. هذا عقله حَكَم، إذًا صاروا الحكام هؤلاء بعدد البشر بالملايين المملينة، [من] في الدنيا يقول هذا الكلام؟! لكن أنت حينما تقف عنده وهو مغرور بنفسه سيقول لك: نعم عقلي حكم، لكن بَيِّن له عاقبة هذا القول حيجي يعني ينتبه لعاقبة حماقته. "الهدى والنور" (15/:00:00:33) [649] باب هل يكفر من يقول: هذا الحديث لا يدخل عقلي؟ سؤال: ذكرت شيخ في كلامك قاعدة أن من اعتقد بحديث عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال أن هذا الحديث لا يدخل عقلي بأنه كافر، هل هذا الكلام ينطبق على طلبة العلم فقط أم على العامة عامة؟ الشيخ: كل من اعتقد حديثاً قاله الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم هو مع ذلك يرده بعقله

فهو كافر. مداخلة: حتى وإن كان عن جهل؟ الشيخ: أنت بارك الله فيك لو دققت في كلامي لما أوردت سؤالك. مداخلة: .. يا شيخ ولكن كثير من العامة ... الشيخ: اسمح لي يا أخي بارك الله فيك، أنا أقول: كل من اعتقد أن الرسول عليه الصلاة السلام قال حديثاً ما، ثم قال: رافضاً له ما دخل في عقلي؛ فهو كافر. الآن أنت تخصص بالذكر العامي، فإن كان أنت -بقول الآن-: ما دخل في عقلك أن عامي يعتقد حديثاً صحيحاً ثم يرفضه، إذاً: هو لا يشمله؛ لأنك لا تعتقد أن عامياً يعتقد صحة حديث قاله الرسول ثم هو يرفضه، ونعرف سؤالك نابع من شبهة، أنا سأردها الآن. قلنا آنفاً الغزالي ما هو سبيل معرفته بكون الحديث صحيحاً أو ضعيفاً؟ هو عقله أم العلم؟ مداخلة: عقله. الشيخ: العلم. لا ما هو الذي ينبغي؟ عفواً، ما هو الطريق؟: العلم هو ليس عالماً بالحديث، إذاً: قلنا يجب أن يطبق الآية: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43). أنا الآن أقول: رجل من عامة المسلمين سأل عالماً في الحديث: هذا الحديث صحيح أم لا؟ قال له: هذا حديث صحيح. إذاً: هذا العامي تبنى هذا الحكم واعتقد بأن هذا الحديث صحيح، لكن

رفضه لأنه ما دخل في عقله. فإذاً: قوله حتى لو كان عامياً؟ نعم يا أخي، لأن طريق الوصول إلى معرفة العلم إما أن يكون مباشرة وهذه وظيفة المجتهد، وإما أن يكون بالواسطة وهي وظيفة المتبع أو المقلد. إذاً: اعقل معي هذا الصورة التي كررت السؤال عنها. "الهدى والنور" (631/ 54: 30: 00)

جماع أبواب الكلام على البدع الكفرية هل يكفر أصحابها والكلام على بعض البدع العقدية وموقعها من الكفر

جماع أبواب الكلام على البدع الكفرية هل يكفر أصحابها والكلام على بعض البدع العقدية وموقعها من الكفر

[650] باب هل كل من وقع في البدعة المكفرة كافر؟

[650] باب هل كل من وقع في البدعة المكفرة كافر؟ سؤال: هل نقول عن من ابتدع بدعة مكفرة أنه صاحب بدعة مكفرة وهو كافر؟ الشيخ: [الحكم] طبعاً كالكفر. مداخلة: ارتكب بدعة مكفرة. الشيخ: كالكفر، ما هو الفرق؟ وأيش البدعة؟ كفر، وقع في الكفر، هل كل من وقع في الكفر هو كافر؟ مداخلة: لا. الشيخ: فذلك أولى. "الهدى والنور" (24/ 43: 22: 00) [651] باب هل يجوز تكفير الفرق الضالة بعد إقامة الحجة عليهم؟ سؤال: هل يجوز تكفير الفرق الضالة كالخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم بعد إقامة الحجة عليهم؟ الشيخ: إذا كان السؤال مقيداً بما جاء في آخره بعد إقامة الحجة عليهم؟ الجواب: نعم، ولكن لا بد هنا من القول: هل كل من ادعى بأنه أقام الحجة على المنكر أو المخالف هو أهل لإقامة الحجة على ذلك المخالف؟ لأننا نشاهد اليوم مع الأسف أن كثيراً من شبابنا السلفي إذا ما تعلم بعض

المسائل واختلف هو وأحد المشايخ العلماء، وقد يكونون علماء فعلاً بما يسمونه بعلوم الآلة يعني: بعلم النحو والصرف والبيان وإلى آخره، والأصول: أصول الحديث وأصول الفقه، لكن لم يطبقوا ذلك، فيأتي أحد إخواننا المبتدئ في العلم ويكون تعلم مسألة أو مسألتين أو ثلاثة واختلف مع ذلك العالم فيقول أنا أقمت الحجة عليه، ما أظن بمثل هذه السهولة نستطيع أن نقول بأن الحجة قد أقيمت عليه؛ ولذلك فأنا أقول: في هذا السؤال: إذا أقيمت الحجة عليه فعلاً فقد سبق الجواب في هذا تماماً، لكن من الذي يقيم الحجة؟ هم أهل العلم .. أهل المعرفة بالكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح من المنهج السليم، فكما قلتم يعني: هذا السؤال تقدم جوابه في تضاعيف الجواب عن السؤال الأول. مداخل آخر: شيخنا تعقيباً على كلمتكم حيث قلتم: من الذي يملك إقامة الحجة على من يجب إقامة الحجة عليه ليؤوب إلى الحق؟ دائماً نذكر لكم كلمة لطيفة كنتم تقولونها وأطلقتموها منذ عقود: العلماء قسمان: عالم عامل، وعامل عالم، وقد جرى قياساً على ذلك حيث أصبحت كلمة العالم الآن استبدلت بكلمة أخرى وجرى ذكرها على ألسنة الكثيرين حيث صاروا يقولون: شيخ. الشيخ: وكثر الشيوخ في آخر الزمان مداخلة: فأقول: أيضاً قياساً على تلك الكلمة، ونسجاً على من منوالها: هناك الشيوخ قسمان: شيخ عامل، وعامل شيخ. الشيخ: الحقيقة بهذه المناسبة أنا أريد أن أذكر إخواننا أن لا يستعملوا هذه

الكلمة يعني: أن ينبهوا أهاليهم أنهم لا ينادون رب البيت مثلاً الذي هو طالب علم مثلاً الشيخ فلان، وإنما بدل الاسم الكنية: أبو فلان .. أبو أحمد .. أبو محمد .. أبو عبد الرحمن .. أبو عبد الله .. أبو زيد أبو إلى آخره، أما الشيخ فلان في الحقيقة بالتعبير السوري هذه الكلمة: تبهدلت يعني: نزلت قيمتها. سبحان الله ككلمة العالم. مداخلة: هنا شيخنا أيضاً ما دام ذكرنا هذه المسألة، لقيني بالأمس القريب بعض الإخوة كنت داخل السوق فجاؤوا مسرعين إلي وقالوا: أنجدنا أنجدك الله، قلت: أسأل الله أن يعيننا على النجدة ما وراءكم؟ قال: نحن من تلاميذ فلان، وهناك إخوة لنا من تلاميذ فلان وقبل أن ينقسم التلامذة إلى شيخين كنا نحب بعضنا بعضاً. الشيخ: الله أكبر. مداخلة: والآن صار يكره بعضنا بعضاً. الشيخ: أعوذ بالله. مداخلة: أي نعم، وحدثت يعني منافرة قلبية حتى أن الواحد منا صار لا يحب أن يلقى أخاه، والسبب في ذلك هما: الشيخان. الشيخ: نعم. مداخلة: فلان وفلان، ولذلك نرجوك أنك تتدارك الأمر بينهما لعل الله يصلح بينهما على يديك. الشيخ: الله المستعان، الله المستعان.

[652] باب متى يكفر أتباع الفرق الإسلامية؟

مداخلة: والأمر يزداد نسأل الله العافية بسبب الهوى نسأل الله العافية. الشيخ: هذا الداء العضال ...... مداخلة: نعم والله. "الهدى والنور" (820/ 58: 39: 00) [652] باب متى يكفر أتباع الفرق الإسلامية؟ سؤال: قلتم إنه لا يجوز تضليل أتباع الفرق الإسلامية كالمعتزلة والأشاعرة والشيعة فضلاً عن تكفيرهم، فما هو الدليل على ذلك، ومتى يكفر هؤلاء؟ الشيخ: لا، أنا ما أقول هذا الكلام، أنا أقول لا نكفرهم، أما أن نضللهم، فكل من ضل سواء السبيل فهو ضال، شئنا أم أبينا، أنا أقول الفرق الضالة طبعاً لأنه الفرقة الناجية واحدة بنص الحديث المعروف، لكننا نتورع عن المبادرة إلى التكفير، أولاً: تكفير جماعة بالكوم، كما يقولون إنه الفرقة الفلانية كافرة، وقد يكون فيهم أشخاص مثلاً يريدون معرفة الحق، لكن لا سبيل له إليهم، فنحن ما ننكر أن نقول إنهم من الفرق الضالة، لكننا لا نكفرهم، فنفرق بين التضليل وبين التكفير، وليس كما قال السائل، ونسب إلينا أو إلى غيرنا ما أدري، فإن كان يعنينا فنحن لا نقول بأننا لا نضلل، وإلا صارت القضية فلتانة لا حدود لها، نحن نضلل كل من حاد عن الكتاب والسنة، حتى ممن ينتمي إلى السنة، لكننا لا نكفر، هذا هو الجواب مداخلة: كل واحد ضلاله بقدر بعده عن الكتاب والسنة. الشيخ: نعم. "الهدى والنور" (79/ 04: 52: 00) (79/ 02: 57: 00)

[653] باب ضابط كفر المتأول والتنبيه على أن ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه

[653] باب ضابط كفر المتأول والتنبيه على أن ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه سؤال: ما ضابط كفر المتأول الذي يقول أو يفعل فعل الكافر أو قوله .. ؟ الشيخ: الضابط بين البشر مفقود، لكن الله يعلم ما في القلوب، علماء السلف كما تعلمون يضللون المرجئة ويضللون المعتزلة لكنهم لا يكفرونهم [انقطاع] صحة هذه الرواية من حيث السند؛ لأنه لم يتح لي الوقوف على السند لكن المعنى هو معنىً صحيح بمعنى: أنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه لأننا نعلم المؤاخذة هو كالإيمان فمن آمن هكذا دون قصد لا [قيمة] لإيمانه ومن كفر دون قصد للكفر فلا يحكم بكفره، إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .. وهناك الأحاديث كثيرة وكثيرة جداً ومنها مما له صلة مما نقلت آنفاً عنهم من الغلو من قولهم: أن من فعل فعل الكفار فهو كافر، سبحان الله! ما هو الدليل؟ سيعودون إلى الدعوة التي لا أصل لها وهي أن الإيمان يستلزم العمل .. نحن نقول: الإيمان الكامل يستلزم العمل لكن الكمال ليس شرطاً في كل إيمان حتى ولو كان ذرة تنجيه من الخلود يوم القيامة في النار؛ فمن تلك الأقوال والأحاديث التي تبطل دعواهم الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مسير له مروا بشجرة ذات أنواط فقال بعضهم: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال عليه الصلاة والسلام: الله أكبر هذه السنن لقد قلتم كما قال قوم موسى لموسى {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} (الأعراف:138)» (¬1). إذاً: مجرد القول بكلمة الكفر لا تستلزم أن قائله كافر فعلاً، وتعلمون قصة ¬

(¬1) صحيح الترمذي (رقم2180).

عمار بن ياسر ونزول قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:106) كذلك ذلك الرجل الذي أشرت إلى حديثه آنفاً حيث جاء في حديثه: لم يعمل خيراً قط، كان فيمن قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط فلما حضرته الوفاة جمع بنيه حوله فقال له: أي أب كنت لكم؟! قالوا: خير أب، قال: لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً فإذا أنا مت فحرقوني بالنار ثم ذروا نصفي في الريح ونصفي في البحر فلما مات فعلوا ونفذوا وصيته، فقال الله عز وجل لذراته كوني فلاناً فكان فلاناً، قال الله عز وجل: أي عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك، قال: اذهب فقد غفرت لك. لو كان كفراً .. الكفر لا يغتفر بنص الآية .. ليس كفراً؛ لأنه لم يقصد الكفر، إذاً: هذا من أدلة ضلال هؤلاء وأنهم يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأوليه، نعم. مداخلة: هل يلزم ما أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقتله لارتكابه محرماً ما أو أو إلى آخره بأنه قد استحله فأمر بقتله .. الشيخ: كيف؟ مداخلة: إذا أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقتل فلان قد اقترف ذنباً .. الشيخ: الله أكبر .. مداخلة: هل يكون بمجرد اقترافه مستحلاً فيكون بهذا الاستحلال كافراً .. الشيخ: هذا ... من كذباتهم أيضاً وحديث التي زنت وقال عليه السلام في حقها: «لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم» (¬1) مع أنه أقام ¬

(¬1) مسلم (رقم4528).

الحد عليها. مداخلة: نعم. الشيخ: فهذا من أكاذيبهم أيضاً، ومن إعراضهم لكثير من النصوص التي تخالف أهوائهم، ولذلك فما أرى فائدة كبيرة من ذكر شبهات هؤلاء الضلال لأن هذا باب لا ينتهي .. علي حسن: يذكرون حديثاً شيخنا ... الشيخ: تفضل .. مداخلة: عن البراء بن عازب قال: «لقيت عمي أبا بردة بن نيار مع لواء قلت: أي عم! أين ذاهب؟ قال: أمرني النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن أذهب إلى رجل تزوج بامرأة أبيه فأقتله» .. الشيخ: طيب! ما فيه هذا؟! مداخلة: أن هذا النص دليل على أن من أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقتله لارتكابه هذا المحظور لزم من هذا أنه استحل ذلك .. الشيخ: يا أخي! فهمت ما الدليل على هذا؟ مداخلة: أنه تزوج، وهذا استحلال. الشيخ: يا أخي ما اختلفنا .. الذي يقتل النفس المؤمنة أليس استحلالاً؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! فهل هو كافر؟

مداخلة: ليس بكافر. الشيخ: ما الفرق بين هذا وذاك، كما قلت لك آنفاً: ما الفرق بين الكفر في عمل وكفر في عمل .. ما الفرق؟ ... قالوا ... يعني: ممكن الإنسان أن يضع احتمالات في نصوص الكتاب والسنة .. النصارى يمكن تعرفون يحتجون ببعض نصوص القرآن .. وعلى كفرهم .. الأهواء لا يمكن وضع حدود لها إلا أن نتبع السلف الصالح تماماً، وهذا هو الحكم الفصل بيننا وبينهم وإلا سيأتونك بكل دليل ويضعون له تأويلاً حتى يتطابق مع أهوائهم؛ ولذلك قلت لك: هذا باب لا ينتهي .. علي حسن: كأن شيخنا يقصد أنه أفراد الشبهات لا تنتهي .. الشيخ: لا تنتهي. مداخلة: أصل .. أصول كاملة يعني: كل الكلام اللي اتفضلت به يدل على قضية تحريف في الاستدلال .. الشيخ: هذا هو .. مداخلة: هل من تأول عن تقصير ولم يقصد قلنا بأنه لا يكفر .. الشيخ: بلى ولكنه يؤاخذ. مداخلة: يؤاخذ لكنه لا يكفر. الشيخ: نعم. مداخلة: الجاهل الذي يقصد بجهله الكفر هذا أظنه الذي لا يعذر بجهله أليس كذلك؟!

[654] باب متى يكفر المؤولة؟

الشيخ: يقصد الكفر؟ مداخلة: الجاهل الذي قصد بجهله إرادة الكفر هذا أظنه لا يعذر بجهله؟ الشيخ: نعم، لكن ظنك سابق لأوانه إلا بعد أن تتأمل في الكفر الذي قصده هذا الجاهل، هل هو يعلم أنه كفر شرعاً؟ مداخلة: يعلم نعم .. الشيخ: هه، بهذا القيد ممكن، أما بدون قيد ما يكفر، وحينئذٍ لا فرق بينه وبين .. يعني: حينئذٍ يكون سؤالك ولا مؤاخذة شكلي محض؛ لأنه إن كان يعلم أن هذا الكفر كفر شرعاً يعلم فهو والعالم سواء، ولذلك أنا خشيت أن تطلق عليه الكفر وهو يجهل مع أنه قاصد الكفر لكنه يجهل أنه كفر شرعاً فحينئذٍ نقول: أن هذا لا يكفر، لكن إذا كان عالماً فلا فرق إذاً بينه وقد وصفته بأنه جاهل وبين غيره وقد وصفته بأنه عالم؛ لأنه اشترك كلاهما في معرفة أن هذا الكفر هو كفر شرعاً؛ فإذاً لا عذر لهذا. "الهدى والنور" (830/ 55: 38: 00) [654] باب متى يكفر المؤولة؟ السائل: المؤولة الذين يؤولون متى يُكَفَّر الشخص؟ الشيخ: لا يكفر المسلم ما دام لم يظهر منه المعاندة للنصوص، وإنما عنده وجه نظر هو مخطئ عندنا بلا شك، لكنه لم يتبين لنا أنه تبين له الحق ثم جحده كما هي طبيعة الكفار الذين كفروا بالقرآن الكريم وأخبرنا رب العالمين عنهم بقوله {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) الذي يستيقن الحق ثم يحيد

[655] باب هل يكفر من ينفي رؤية الله تعالى يوم القيامة؟ وهل يكفر القائل بأن كلام الله مخلوق؟

عنه فهو الكافر، أما الذي يتبين لنا أنه تبين له الحق فنحن نضلله نبين انه ضل سواء السبيل، لكن ما نكفره ولا نخرجه عن دائرة الإسلام. "الهدى والنور" (582/ 07: 42: 00) [655] باب هل يُكفر من ينفي رؤية الله تعالى يوم القيامة؟ وهل يكفر القائل بأن كلام الله مخلوق؟ [قال الإمام]: لا شك أن الإباضية وكل من دان برأيهم وبعقيدتهم في أن كلام الله عز وجل مخلوق، ومن ذلك هذا القرآن المعجز مخلوق، وكذلك من نفى إنكار رؤية المؤمنين لرب العالمين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لا شك أن هؤلاء المنكرين لكون القرآن كلام الله حقيقة وليس مخلوقاً، وأن الله عز وجل يمتن على عباده المؤمنين فيتجلى لهم يوم القيامة، ويوم يدخل المسلمون الجنة، هذا الإنكار فيه ضلال واضح جداً، وأما أن هذا الضلال كفر ردة عن الدين أو لا، نقول: من تبينت له الحجة ثم أنكرها فهو كافر مرتد عن دينه، لكن من أنكر ذلك فهو في ضلال، ونحن لا يهمنا أن نقول فلان من الناس أو الطائفة الفلانية من الناس هم كفار، حسبنا أن نقول هم ضلّال؛ لأن المقصود هدايتهم وأن يعرفوا أنهم على خطأ وعلى ضلال حتى يعودوا إلى الصواب .. "الهدى والنور" (310/ 00:49:33)

[656] باب هل استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين؟

[656] باب هل استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين؟ مداخلة: شيخ ما تقول فيما ورد في أبي حنيفة رحمه الله في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بإسناد صحيح يروي عن أبيه أن أبا حنيفة استتيب من الكفر مرتين، وأشياء كثيرة من هذا القبيل؟ الشيخ: هذه كلمة مبهمة .. مطلقة، لم يذكر فيها نوع الكفر الذي استتيب منه، فقد يكون كفرًا بإجماع الأمة وهذا مستحيل بالنسبة لأبي حنيفة، وقد يكون كفرًا بالنسبة للبعض دون البعض، ولذلك فنسبة هذا النص المطلق لا يجوِّز اتهام أبي حنيفة بالكفر الذي هو يساوي الردة، نحن نعلم مثلًا أنه قد روي عنه في بعض الروايات أنه كان يقول بخلق القرآن، فخلق القرآن صحيح أنه ضلالة وأنه مذهب المعتزلة ومذهب الخوارج، ولكن ذلك لا يعني أنه يكفر ويخرج من الملة، فإذا صح السند عن إمام بما يثلب أحد العلماء المشهورين ويطعن فيه فنحن لا نطعن بالإمام أحمد ... كما يقول متعصبة الحنفية، أن هذا من باب الطعن بمعاصرة المعاصر له، وإنما نقول أن هذا الكفر لم نعرف ما نوعيته كما ذكرت آنفًا، ثم أن أبا حنيفة رحمه الله في ... الجرح لا مجال لأحد أن يتجرد عن العصبية المذهبية أن يرد كل أقوال الطاعنين فيه بحجة أن أبا حنيفة إمام من أئمة المسلمين، ومن الأئمة الأربعة المتبعين، لا شك أنه كذلك هو من أئمة ولكن ليس من الضروري أن يتوفر في كل إمام كل الخصال المميزة له على غيره، فأبو حنيفة متميز تميزًا لا نناقش فيه أحد وفقهه وفهمه واستنباطه للأحكام الفقهية، وإن كان له في بعض ذلك شيء من الاعتماد والرأي، وهذا من المآخذ عليه أيضًا، لكن ذلك لا يعني أن نحكم بكفره. "رحلة النور" (32ب/00:41:31)

[657] باب كفر القائلين بوحدة الوجود

[657] باب كفر القائلين بوحدة الوجود السؤال: الصوفية حديثة عهد في بلدنا، بماذا تنصحنا؟ الشيخ: الصوفية فيها خلاف قديم جداً بين المسلمين، المسلمين بالمعنى العام كما شرحناه آنفاً، والحقيقة أن لهذا الاسم التصوف والذين ينتمون إليه الصوفية أو المتصوفة معاني كثيرة ومختلفة، نحن نعلم لمخالطتنا لكثير من هؤلاء، أنهم حينما تقام عليهم الحجة فهم يقولون: التصوف ليس إلا التمسك بالأخلاق التي كان عليها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومنها مثلاً: الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، هكذا يقولون حينما تقوم عليهم الحجة، وحينئذ نحن نقول إن كان التصوف هو هذا بزعمكم، فيبقى الخلاف بيننا وبينكم لفظياً، ارفعوا كلمة التصوف؛ لأنها أصبحت كلمة لها معاني كثيرة وكثيرة جداً، بعضها ومنها ما ذكرنا عنهم آنفاً التمسك بالأخلاق الكريمة والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة، ليس هناك ضرورة أن نطلق هذا الاسم المشكوك في المراد منه على هذا الأمر المتفق عليه من التمسك بأخلاق الرسول عليه السلام والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة، لكن الحقيقة أن لمفهوم التصوف معاني أبعد بكثير عن هذا المعنى الصحيح، ثم هذا البعد تارة يخرج صاحبه من دائرة الإسلام، وتارة يلحقه بفرقة من الفرق الضالة، أما الحالة الأولى فأولئك هم الذين يؤمنون بما يعرف عند أهل العلم بعقيدة الوحدة، أو وحدة الوجود بالتعبير الأوضح، وحدة الوجود تعني -هنا إلحاد بعينه- تعني الطبيعة بتعبير علماء الطبيعة، أي: لا شيء إلا المادة، حيث يقول قائلهم: كل ما تراه بعينك فهو الله. إذاً: فهي المادة، كل ما تراه بعينك فهو الله!

ويقول آخر: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة ويقول ثالث: العبد رب والرب عبد فليت شعري من المكلف؟ إن قلت عبد فذاك نفي أو قلت رب أنى يكلف؟ والرابع يقول: لما عبد المجوس النار ... ما عبدوا إلا الواحد القهار هذه كلها عبارات مسطرة في كتبهم التي يتبركون بها، فمثل هذه العقيدة تخرج صاحبها من دائرة الإسلام؛ لأنها عقيدة أكفر من عقيدة اليهود والنصارى، وهذا يذكرني بقول أحد غلاتهم، حيث قال: إنما كفر اليهود والنصارى؛ لأن اليهود حصروا الله في العزير، أما النصارى فحصروا الله في الآب والابن والروح القدس، أما نحن أي: هم، قال: فقد عممناه في كل شي، ولذلك فمن ذكرهم ليس ذكرهم ذكر المسلمين كما قال عليه السلام: «أفضل الذكر لا إله إلا الله» ذكرهم: هو هو. ويقولوا في بعض العبارات التي مع الأسف تلقفها بعض العامة عندنا في سوريا، تجد الواحد جالساً يريد أن يذكر الله فيقول: ما في غيره. ماذا يعني بما في غيره؟ في خالق وهناك مخلوق. فهذه عقيدة وحدة الوجود تلت في ألفاظ بعض الناس، لكنهم لا ينتبهون إلى ضلالها، ومثلها تماماً قول كثير من الخاصة والعامة: الله موجود في كل الوجود، الله موجود في كل مكان، .. عقيدة وحدة الوجود، لكنها مع ذلك عقيدة الأشاعرة والماتريدية في آخر الزمان، الله موجود في كل مكان، هذا مكان، الله موجود هنا، ما هو الموجود؟ زيد وبكر وعمرو ومادة وحيطان وهواء .. إلى آخره، الله هنا؟!

{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، هذه عقيدة السلف الصالح. فهذا النوع من التصوف هو أكفر الكفر الذي وجد على وجه الأرض. هناك نوع دونه وهو الذي انحرف في سلوكه عما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من تحميل النفس ما لا تطيق، باسم تربيتها، وهنا نحن نقول: لسنا نحن بصفتنا مسلمين، لسنا بحاجة أبداً إلى وسيلة نتلقاها من طريق غير طريق نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -، لنربي بها أنفسنا، كيف وفي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند، وغيره في غيره من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ذات يوم في يد عمر بن الخطاب صحيفة يقرأ فيها، قال: ما هذا يا عمر؟ قال: هذه صحيفة كتبها لي رجل من اليهود، فقال عليه الصلاة والسلام: يا ابن الخطاب! أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟! والذي نفس محمد بيده! لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي». إذاً: إذا كان موسى كليم الله والذي أنزل الله عليه التوراة مباشرة لو كان أدرك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يسعه أن يتبع توراته، بل لا يسعه إلا أن يتبع نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -. إذاً: كيف بنا نحن اليوم باسم الإسلام الصوفي نربي أنفسنا على طريقة من الحمل عليها بزعم تهذيب النفس الأمارة بالسوء بالتشديد عليها، لهم قصص عجيبة وغريبة جداً، كان أحدهم، وهذا في بعض القرون الأولى المشهود لها بالخيرية، أما فيما بعد في عهد الشعراني، وما أدراك ما الشعراني فحدث ولا حرج، لكن في العهود الأولى حيث بدأ التصوف يذر قرنه، كان فيهم من يلبس أغلظ الثياب، ثم ينغمس في نهر دجلة أو طلاء الفرات في اليوم البارد الشديد البرودة، ثم يصعد فيقف على سطح الدار، تلفحه الرياح الباردة، ما هذا؟ قال:

تهذيباً للنفس. هذا ليس تهذيباً، هذا تعذيب، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي قال بحق، ونحن بحاجة لنعرف أثر هذه الكلمة في حياتنا العلمية الإسلامية اليوم: «ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه» (¬1) ومن ذلك حديثان في صحيحي البخاري ومسلم أحدهما من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: جاء رهط إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يجدوه، وسألوا أهله عن عبادته، عن قيامه في الليل وقيامه في النهار، وقربانه للنساء، فتحدثن بما يعلمن وقلن: إنه عليه السلام يصوم ويفطر، ويقوم الليل وينام، ويتزوج النساء. قال أنس: فلما سمعوا ذلك تقالوها، أي: وجدوا عبادة الرسول عليه السلام قليلة؛ لأنهم كانوا يتصورون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ينام الليل؟! لازم أن يقوم الليل كله. كذلك يفطر؟! لا بد أن يفطر الدهر كله، كذلك يتزوج النساء؟! وبعض الناس يقولون: ضاع العلم بين أفخاذ النساء. كيف الرسول يتزوج أربع، يتزوج تسعة وزيادة، فوجدوا عبادته عن الكلام قليلة، لكن رجعوا إلى أنفسهم قالوا: هذا رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ¬

(¬1) الصحيحة (6/ 2/865).

ذنبه وما تأخر. الحقيقة هذا الكلام يخرج من أناس أفهم من بعيد أنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، لأنه ليس من الممكن من إنسان فهم نبيه عليه السلام في كماله السامي الذي لا مثل له، يقول: لماذا يتزوج الرسول، ولماذا ينام؟ ولماذا يفطر؟ الله غفر له، ماذا يريد أكثر من هكذا. لا ينبغي أن يقال هذا الكلام، لكن هكذا وقع. المهم، فرجعوا إلى أنفسهم، قالوا: هذا رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. إذاً: نحن لا بد أن نكد ونتعب ونتعبد لله حتى يغفر لنا الله. ما هو السبيل في زعمهم؟ قال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر لا أفطر أبداً. قال الآخر: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام. وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء. وانصرفوا، بعد قليل جاء الرسول عليه السلام فأخبر الخبر، خطب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خطبة وجيزة فقال: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا، أما إني أتقاكم لله وأخشاكم لله، أما أني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» (¬1). هنا الشاهد: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» فهؤلاء الصوفية الصالحين قديماً لا أعني عن جماعة الشعراني وأمثاله ووحدة الوجود، لا، هؤلاء حادوا عن هدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فجاءوا بأساليب بوذية هندية قديمة، توارثوها، ولعلهم كانوا من الأعاجم الذين دخلوا في الإسلام ولما يفقهوا الإسلام بعد، فجاءوا بطريقة تعذيب النفس بزعم تصفيتها، وهذا هو نبيكم - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «فمن رغب عن سنتي فليس مني». ثم إنه عليه السلام طبق هذا النهج في بعض أصحابه حينما بلغه عن عبد الله بن عمر بن العاص صحابي ابن صحابي رضي الله عنهما، بلغه أن أباه زوجه بفتاة ¬

(¬1) البخري (رقم4776) ومسلم (رقم3469).

من قريش (¬1)، فدخل عليها يوماً فسألها عن زوجها، فقالت له: ما به من بأس إلا أنه لم يطأ لنا بعد فراشاً، إنه قائم الليل صائم النهار، أي: تزوج وما تزوج. فصعب الأمر على عمر وشكا ابنه إلى نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال له عليه الصلاة والسلام: يا عبد الله! بلغني عنك أنك تقوم الليل وتصوم النهار ولا تقرب النساء، قال: قد كان ذلك يا رسول الله! وهنا الحديث فيه طول وأختصره فأقول: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وضع له منهجاً ليتعبد الله فيه ويجمع كما يقولون اليوم بين حق الجسم وحق النفس من جهة، وحق الروح من جهة أخرى، أي: العبادة، فقال وقد كان يقوم الليل كله يختم القرآن، ويصوم الدهر، قال بالنسبة لقراءة القرآن هذا في نهاية المطاف، والقصة طويلة، قال: اقرأ القرآن في ثلاث ليال، فمن قرأ القرآن في أق ل من ثلاث لم يفقه. وفيما يتعلق بالصيام قال له في أول الأمر: صم من كل شهر ثلاث أيام، والحسنة بعشرة أمثالها، فكأنهما صمت الشهر كله، فكان يقول: يا رسول الله! إني شاب إن بي قوة، إنني أستطيع أكثر من ذلك، وتلاحظون هنا الفرق بين ذاك الجيل وجيلنا اليوم، شاب في مقتبل العمر زوجه أبوه بفتاة من قريش يعرض عنها ويقوم الليل ويصوم النهار و .. إلى آخره، وعندما يقول له الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هون على نفسك يقول له: يا رسول الله! أنا شاب، أنا قوي، أنا أستطيع أكثر من ذلك، اليوم على العكس من ذلك ينشأ شاب في طاعة الله تجد الصادين من حوله القريب والبعيد، أولاً الأب وثانياً الأم يقولون له: ما زلت شاباً تعبد فيما بعد، انظر الفرق بين ذاك الزمان وهذا الزمان. ¬

(¬1) البخاري (رقم4765).

[658] باب هل يكفر المعتزلة؟

الشاهد قال له في نهاية المطاف: صم يوماً وأفطر يوماً، فإنه صوم داود عليه السلام، وكان لا يفر إذا لاقى، قال: يا رسول الله! إني أريد أفضل من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك. فأين هذه الصوفية الزاهدة الزاعمة، مخالفة للكتاب والسنة. فإذاً: ما كان من التصوف مفسراً بما يوافق الكتاب والسنة حقيقة فحينئذ ارفعوا هذا الاسم ونبقى على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، وما خالفهما فنحن نضرب بذلك عرض الحائط. "الهدى والنور" (632/ 00:40:29) [658] باب هل يكفر المعتزلة؟ سؤال: يقول السائل: ذكرتم .. أن المعتزلة لا يكفرون، فكيف ذلك وهم يقولون بخلق القرآن وغيره من الأمور العقدية المخالفة، فما هو الضابط في قضية الكفر؟ الجواب: نعم، هذا سؤال مهم. الحقيقة أن هناك شيئاً وسطاً: لا يلزم من وقوع الإنسان في الكفر أن يقع الكفر عليه، ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، لكن إذا أردنا أن نقول: إنه كفر وارتد عن الدين فلا بد من إقامة الحجة عليه حتى تتجلى له الحقيقة وتزول عنه الشبهة التي كانت هي السبب في انحرافه عن الحق الذي جاء به الشرع وخالفه فوقع في الضلال المبين. هذا الجواب يشمل كل الفرق الإسلامية التي لا تزال مسلمة معنا، لا تنكر شيئاً من الأحكام المتعلقة بالإسلام، يعني الأحكام العملية.

فما دام مسلماً لا ينكر ما هو ثابت من الدين بالضرورة - كما يقول الفقهاء - فهو مسلم ولو ضل سواء السبيل في بعض الأفكار أو في بعض العقائد، فمن أنكر - كما قلنا عن المعتزلة وغيرهم من الجبرية وأمثالهم من المبتدعة قديماً وحديثاً، حديثاً اليوم جبرية ما شئت من المسلمين جبرية، يقول لك: ما في فائدة، الإنسان مجبور، وكلمة سائرة على الألسنة يمكن كلكم يشترك في معرفتها، الإنسان مسير وإلا مخير؟ ويش يقولون؟ مسير، أيش هو معنى مسير؟ مداخلة: مجبور. الشيخ: يعني مجبور. فإذاً أمة يغلب عليها هذه العقيدة أن الإنسان مسير ما هو مخير مش ممكن أنها تنهض، بدها علاج بدها تصحيح المفهوم. هل نكفر هؤلاء؟ نقول: لا. لماذا؟ لأنهم يعيشون في جو جاهلي الحقيقة. نرجع للمعتزلة الموجودين اليوم، كثير منهم بيقول لك: أن الإنسان مش معقول أن الله يكتب عليه أنه شقي وبعدين أيش يعذبه، فأنكروا الكتاب الإلهي السابق، قال تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} (القمر:53) يعني: مسجل. {مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:38) الكتاب هنا ليس كما تسمعون أحياناً من بعض الكتاب المعاصرين يعني القرآن، ويريدون [أن] يتفاخروا على سائر الأديان بباطل، والمسلمون ليسوا بحاجة إلى مثل هذا الافتخار بالباطل حين يقولون: أن القرآن كل شيء مذكور فيه. {مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:38) الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ، الكتاب في هذه الآية هو اللوح المحفوظ وليس القرآن الكريم. القرآن الكريم بشهادة أهل السنة والجماعة ليس فيه كل شيء مما يتعلق

بإصلاح عبادة الإنسان وسلوكه، وإنما تمام ذلك في سنة نبيه، كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض». فإذا كانت السنة متممة للقرآن فكيف يقال: إن القرآن فيه كل شيء من الاختراعات والابتكارات وعلم الفلك والجغرافيا وو، هذه مبالغة ليس الإسلام بحاجة إليها أبداً. {مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:38) أي: اللوح المحفوظ، فالناس اليوم ينكرون هذه الكتابة ويتوهمون شيئاً آخر وهو الذي وقع فيه المعتزلة: أن القدر الإلهي هو العلم الإلهي، بينما القدر ليس هو العلم الإلهي كالكتابة، القدر مشتق من التقدير من تفصيل كل شيء ووضعه في مكان لائق به، فالقدر الإلهي هو فعل الإله عز وجل، لكن حسب العلم الإلهي الأزلي. كذلك الكتابة، كتب كل شيء في اللوح المحفوظ كما جاء في الحديث الصحيح: «لما خلق الله القلم، أو أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» (¬1) هذه عقيدة المسلمين كافة، إلا المعتزلة يقولون: لا قدر، لا كتابة. إذاً: ليس فقط إلا العلم الإلهي. الحقيقة أنهم حينما يؤمنون بالعلم الإلهي من جهة يجعلهم في دائرة الإسلام، لكن من جهة يخرجون عن الإيمان - كما قلنا آنفاً - بعض الخروج بإنكارهم التقدير الإلهي والتسطير الإلهي والكتابة الإلهية. لكن من عجائب عقولهم: أنهم ما استفادوا شيئاً من تعطيل هذه النصوص ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم2017).

التي قصدوا بهذا التعطيل تخليص جماهير الجبريين من الجبر، ما استفادوا شيئاً، لماذا؟ لأن الذي قدره الله وفق علمه ولأن الذي كتبه الله هو وفق علمه، فإذاً بزعمهم الجبر لا يزال ملازماً لهذا الإنسان المخلوق. إذا رفعنا الآن من أذهاننا كما يريد المعتزلة لا كتابة ولا قدر، طيب. ألم يسبق في علم الله أن فلاناً من أهل النار؟ مثلاً: أن إبليس هو في أسفل الدرك من النار؟ نعم، سبق في علم الله. طيب. هل يستطيع ألا يفعل ذلك؟ نفس الشبهة هم يوردونها على أهل السنة حينما يقولون بالقدر ويقولون بالكتابة، الشبهة واردة عليهم أيضاً، لأن الكتابة لا تزيد على أكثر مما في العلم الإلهي. بلا تشبيه، إنسان منا عنده فكرة أجى كتبها، الكتابة هذه ما زادت على ما في فكره وفي عقله فهي تبقى هذا الفكر، فما أدت بشيء جديد إلا لماذا يكتب أحدنا الآن؟ ليبين للناس الحقيقة التي في مخه. بلا تشبيه، ربنا عز وجل أراد أن يبين ما سبق في علمه فقدر كل شيء وكتب كل شيء، وذلك لتأكيد أن الله عز وجل على كل شيء قدير. إذاً: الجواب لإبطال شبهة الجبر ليس هو بإنكار الكتابة والقدر وإنما بأن نلاحظ شيئاً واحداً وهو: أن ندرس طبيعة هذا الإنسان الذي خلقه ربنا عز وجل في أحسن تقويم، هل هو فعل المجبور؟ أو بالتعبير العامي: هل هو ميسر ما هو مخير؟ الجواب: لا يصح أن نقول كما يقولون، الإنسان مسير ما هو مخير، ولا يصح العكس أيضاً أن نقول: الإنسان مخير ما هو مسير، وإنما نقول: إنه تارة يكون

مسيراً أي: مجبوراً، وتارة يكون مخيراً مختاراً، فلا نطلق لا سلباً ولا إيجاباً، لا نقول كما تقول العامة: مسير ما هو مخير، ولا العكس نكاية في العامة نقول: لا، هو مخير ما هو مسير، لأن الواقع يشهد أن الإنسان تارة مسير وتارة مخير. بدليل حينما يكون الإنسان في أي شيء ما صدر منه، لوحظ في ذلك أنه كان مجبوراً، كان مسيراً من الغير وهو رب العالمين ولم يكن مخيراً هل عليه مسئولية عند الله تبارك وتعالى؟ لا مسئولية. لماذا؟ لأنه ثابت كتاباً وسنة وعقلاً: أن المسئولية والجبر لا يجتمعان، كما قال الجبري المقيت واصفاً ربه عز وجل بما لا يصح أن نصف به جباراً ظالماً مبيراً، قال في الله واصفاً علاقة العبد مع ربه: ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له إياك إياك أن تبتل بالماء هكذا الإنسان مع رب الأنام؟ حاشا لله عز وجل. قال بصريح القرآن: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف:29). قال الرسول: «من أراد الحج فليتعجل، ومن أراد أن يضحي ودخل عليه عشر ذي الحجة فلا يأخذن من شعره وظفره» إلى غير ذلك من النصوص. إذاً: الإنسان له إرادة، له اختيار، فإذا سلبت منه هذه الإرادة رفع عنه التكليف، وإذا ثبتت هذه الإرادة وهذا الاختيار ترتب من ورائه التكليف. فإذاً: الإنسان تارة يكون مسيراً وتارة يكون مخيراً، الذي يقتل إنساناً خطأً هذا مسير، رمى عصفور، رمى غزال، رمى أرنب راحت الرصاصة وصابت أيش؟ وراء الأكمة مزارع يعمل في الأرض هذا قتل خطأ، لا يقول لهذا الإنسان رب العالمين: لماذا قتلت فلاناً؟ لأنه غير مختار. وعلى العكس من ذلك الذي يُبَيِّتُ قتل زيد من الناس ويتخذ الأسباب

ويعزم على قتله ويقتله كما يقولون اليوم في لغة المحامين: عن سابق إصرار وترصد. نعم. هذا يستوي مع ذاك؟ لا يستويان مثلاً، هذا سيقول رب العالمين: لم قتلت فلاناً؟ ولم عزمت على قتله؟ وسيحاسبه حساباً عسيراً جداً. فكل نصوص الشريعة فضلاً عن العقل الفطري السليم يحكمان معاً على أن الإنسان تارة يكون مختاراً وتارة مجبوراً، فلما يقول لك الجبري: لا قدر، كيف لا قدر يا أخي؟ هذا أرغم وقتل إنسان خطأً هذا هو القدر، لكن أين الذي قتل الإنسان بإرادته وبسابق ترصد؟ هذا أيضاً بقدر، لكن الذي أردت بهذه الأمثلة أن أقول: كتب الله على فلان هكذا في اللوح المحفوظ بوفق العلم الإلهي، كتب الله على إبليس أنه سيكون في أسفل سافلين، في الدرك الأسفل من النار، لماذا؟ لأنه يؤمر بالسجود وهو مستطيع فيستكبر على أمر ربه ويقول ناسباً إلى الله الظلم: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} (الإسراء:61). إذاً هو لا يسجد وباستطاعته أن يسجد، فإذاً كُتب من أهل النار بل أشقى أهل النار، لكن على العكس، نرجع الآن لموضوع المعتزلة؛ الذي مات في القطب الشمالي أو القطب الجنوبي ولم يطرق سمعه شيء اسمه دين الإسلام، أو إنسان اسمه محمد بن عبد الله نبي الإسلام ما طرق سمعه فعاش يعبد الأصنام التي كان يعبدها أهل الجاهلية الأولى هل هذا يقال له يوم القيامة: لم كفرت؟ لا. قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). وهذا باب واسع جداً، ولذلك فلا أريد أن أذهب بعيداً عن السؤال. فالمعتزلة وكل الفرق الضالة إذا ضلوا سواء السبيل وظلوا مع المسلمين يقومون بالواجبات

[659] باب لماذا كفر السلف الجهمية؟

الدينية فهم ضالون ولا شك، ولكن لا نخرجهم من دائرة الإسلام إلا بعد إقامة الحجة عليهم، فإذا أقيمت الحجة عليهم فهناك أمران اثنان: أمر يتعلق برب العالمين، ونحن ما ندري ما سيكون عاقبة أمره عند الله. وأمر يتعلق بحاكم المسلمين، حاكم المسلمين هنا يظهر أهمية الحكم الإسلامي، يؤتى بهذا الإنسان إليه ويؤتى ببعض علماء المسلمين ويقيمون الحجة عليه، فإذا أصر على ضلاله بعد أن تبينت له حجة الله عليه قتلوه ردةً، لأنه كفر فعلاً وأقيمت الحجة عليه. أما إنسان لم يتاح له مثل هذه الفرصة أن تقام عليه الحجة فنحن نكتفي وبخاصة بالنسبة للماضين معتزلة وخوارج ومرجئة وجبرية وو إلى آخره، نقول: أمرهم إلى الله، فمن يعلم الله عز وجل بأنه كابر وجحد فحسبه جهنم، ومن يعلم الله عز وجل بأنه ما جحد شيئاً وهو يؤمن بحقيقة الأمر فهذا لا يحاسب حساب الكفار، يجوز أن يحاسب لأنه مقصر، ما سلك الطريق الذي يوصله لمعرفة الحق فحينئذ ربنا عز وجل هو حسيبه. أما نحن فلا نخرج مسلماً من دائرة الإسلام مهما كان ضالاً إلا بعد إقامة الحجة. هذا آخر الجواب. "الهدى والنور" (219/ 36: 10: 00) [659] باب لماذا كفر السلفُ الجهمية؟ مداخلة: بسم الله الرحمن الرحيم. معلوم أن كثيرًا من السلف كفروا الجهمية، وكفروا من قال بخلق القرآن وغيره من المكفرات ... فهل نحرم على من يكفر هؤلاء على طريقة السلف، ثم إن

[660] باب هل يكفر الجهمية أم يعذروا بجهلهم؟

حمل الناس على أحد القولين وهو عدم التكفير يجرئ دعاة البدعة، و [يجغل] الجهال يتبعونهم على البدع المكفرات، فلو أضاف الداعية إلى جانب القول بعدم التكفير حكاية ... السلف حتى يكون رادعًا لكثير من الدعاة السيئين وأرباب البدعة من التمادي واتخاذ الشركيات ... ؟ الشيخ: نعم، تكفير السلف للجهمية أو الجمهيين في اعتقادي أن علماء السلف أقاموا الحجة على أولئك وأصروا على ضلالهم وزيغهم، ونحن لا نشك في أن مثل هذا التكفير هو على الجادة، لكن لا يقاس الضلالات الأخرى على ضلالة الجهمية، لعدم وجود في اعتقادي من يقيم الحجة كما ذكرنا اليوم في بعض المجالس على هؤلاء الذين انحرفوا عن العقيدة الإسلامية الصحيحة، ولذلك فنفرق فنقول: هذا كفر وهذا شرك لكن لا نبادر إلى التكفير وإخراج هذا الذي وقع في الكفر من الملة إلا بعد إقامة الحجة، فما جاء في السؤال من أن السلف كفروا الجهمية فالجواب: في اعتقادي أنهم اعتقدوا أن الحجة قامت عليهم من أطراف كثيرة وكثيرة، لا سيما وكانت الظروف مواتية لأهل السنة أن يقيموا الحجج الدامغة لضلال هؤلاء الجهمية مع ذلك فهم أصروا على ضلالهم فالمقابل أصر علماء السلف على تكفيرهم. "لقاءات المدينة" (1/ 00:08:07) [660] باب هل يُكَفَّر الجهمية أم يعذروا بجهلهم؟ سؤال: الإمام ابن حزم رحمه الله، يعني: ذكر ابن عبد الهادي ونقلته في السلسلة بأنه يقول: بأنه جهمي جلد، الذي نقله ابن القيم في الجهمية الذين يقولون بخلق القرآن: ولقد تقلد كفرهم خمسمائة من العلماء، كيف التوفيق بين هذا وهذا؟

الشيخ: شغل بالي في قولك: الذي نقلته وأنه ظهر لي في شيء من الخطأ فأرجوا أن تعيد علي، من القائل: جهمي جلد، ومن المقول فيه ... ؟ مداخلة: القائل: ابن عبد الهادي. الشيخ: لمن قال؟ مداخلة: ابن حزم. الشيخ: ابن عبد الهادي هو القائل؟! مداخلة: نعم. الشيخ: أو هو المقول فيه؟ مداخلة: لا، هو القائل. الشيخ: والمقول فيه؟ مداخلة: ابن حزم. الشيخ: ابن حزم، صحيح، والعبارة الثانية؟ مداخلة: ابن القيم. الشيخ: ماذا قال؟ مداخلة: ولقد تقلد كفرهم خمسون ... في عشر من العلماء في البلدان الشيخ: طيب! من هم؟ مداخلة: على الجهمية والذين يقولون بخلق القرآن. الشيخ: فأنت سؤالك الذي سمعته جيدًا: ما التوفيق بين هذا وهذا؟

مداخلة: نعم، كيف نجمع بين ... الشيخ: أين التعارض؟ ينبغي أن يقال في السؤال: أليس في هذا مبالغة؟ بما يتعلق بابن حزم، أما ما في تعارض بين القولين حتى تقول: كيف التوفيق؟ مداخلة: ابن حزم الآن إذا كان يقول بقول الجهمية ... وابن القيم ينقل عن خمسمائة عالم بأنهم يكفرون الجمهية كيف نقول: بأن ابن حزم ليس بكافر؟ الشيخ: كيف نقول أن ابن حزم ماذا؟ مداخلة: ليس بكافر. الشيخ: هذا الذي أقول لك، أقول لك أنا: صحة السؤال أنه: أليس هناك مبالغة في أن يقال في حزم إنه جهمي جلد؛ لأن هذا يساوي أنه كافر، طيب! وهذا من جملة أولئك الكفار في حد تعبير .. فهل هناك تعارض حتى يكون سؤالك كيف التوفيق؟! فالسؤال ساقط، وإنما الحقيقة أنه كيف يقال في ابن حزم بأنه جهمي جلد؟ وبخاصة أنه ابن القيم كفر الجهميين، وضح الآن أن السؤال كان خطأ؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! الجواب: كنا تكلمنا في بعض مجالسنا في هذه الرحلة أن من الخطأ الشائع بين المسلمين اليوم علمائهم إلا من عصم الله منهم جعل الدين أو تقسيمه إلى قسمين: أصول وفروع، ويفرعون على هذا التقسيم أن الخطأ في الأصول كفر، والكفر في الفروع مغتفر، هذا التقسيم لا أصل له، وهذا هو الذي يشرحه ابن تيمية رحمه الله في بعض كتبه شرحًا وافيًا جدًا، الخطأ الذي يكفر به

المسلم لا يتعلق بكونه في العقيدة دون الفروع، بل يتعلق بأن يتبين له الخطأ ثم يصر عليه عقيدةً وليس عملًا، ولما كانت الأحكام فيها عمل والعمل قد يصحبه عقيدة سيئة وقد لا يصحبه عقيدة سيئة، أما القسم الأول قسم العقائد فليس فيها عمل، فإذا تكلم أحد العلماء بعقيدة خالف فيها نص الكتاب والسنة في وجهة نظر الآخرين، فهل يكفر أم لا يكفر، كما لو أخطأ في حكم عملي، مثلًا لعلكم تعرفون بعض العلماء الموقرين يرون أن الخمر ليس كل خمر حرامًا خلافًا للحديث الوارد في صحيح مسلم: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام» بل يفصلون فيقولون: ما كان مستنبطًا من الخمر من العنب فهذا قليله وكثيره حرام، وما كان مستنبطًا من غيره فكثيره المسكر هو الحرام، أما قليله فحلال، هذا وجد في العراقيين من قال مثل هذا القول، وهو مصادم لقوله عليه السلام: "كل ما أسكر كثيره فقليله حرام"، فهل يكفر مثل هذا المخالف؟ الجواب: لا؛ لأنه صدر منه اجتهاد. لكن لو جئنا إلى الخمر الذي اتفق على تحريمه فاستحله مستحل بقلبه، هذا ارتد عن دينه، مع أنه حكمًا ليس عقيدةً ولكن آنفًا أظن قبل ما يأتي كثير منكم، كنا نبين خطأ من يفرق في وجوب الأخذ بحديث الآحاد بين ما إذا كان فيه عقيدة أو كان في العقائد فلا يجوز الأخذ به بخلاف الأحكام فقد أثبتنا بشيء من التفصيل والبيان أن كل حكم شرعي يتضمن عقيدةً لا بد أن يتبنى المسلم لها وإلا لم يكن قوله بما تضمنه هذا الحكم مفيدًا له؛ لأنه أي حكم هذا حرام، والحرام يجب أن يكون في قلبه معتقدًا حرمته فإذا لم يعتقد ذلك فلا قيمة لهذا الحكم دون ذاك، فأقول: فإذا نقلنا موضوع الخمر من غير العنب وفي ذاك الخلاف الذي أشرت إليه آنفًا، إلى الخمر المجمع على تحريمه وصرح أحد المسلمين بأن هذا ليس بحرام كما هو الشأن في خمر غير العنب، لا شك أنه باعتقاده في هذا الحكم أنه غير

حرام قد كفر، لماذا؟ لأن هذا الحكم تضمن كما قلنا آنفًا عقيدة، فحينئٍذ ننتقل إلى نص فيه عقيدة وليس فيه حكم كما هو في موضوع ما نحن فيه آنفًا مما يتعلق بالجهمية الذين أنكروا كثيرًا من صفات الله عز وجل الثابتة في الكتاب فضلًا عن السنة. فالآن: ندخل في صميم الموضوع: من أنكر عقيدةً ما وهو يعتقد أن هذه العقيدة قد جاءت عن الله ورسوله فهو كافر، ولا نقول عنه فقط جهمي جلد، وبل وكافر مرتد عن دينه، ولكن إذا كان لا يغلب على ظننا على الأقل أنه هو حينما وقع في هذا الإنكار وفي هذا الجحد لصفة من صفات الله عز وجل إنما وقع في ذلك خطأًوتوهمًا وليس قصدًا، فحينذاك لا يلزم من قولنا فيه إنه جهمي جلد أنه كافر، وعلى العكس من ذلك، إذا قلنا في أحد: إنه كافر جهمي جلد فهذا لا يحتمل ... عن الآخر سوى التكفير، أما مجرد قولنا فيه: جهمي جلد، فهذا لا يعني أنه كافر. لعلك وصلت إلى الجواب عن سؤالك؟ مداخلة: يا شيخ الآن عندنا ... الشيخ: أنا سألتك! مداخلة: نعم. الشيخ: أرحتني، جزاك الله خير، فقل الآن استدرك ما شئت. مداخلة: الآن عندنا الجهمية الآن ما ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه إلا من أجل التأويل والخطأ، لأنهم أنكروا الأسماء والصفات ..

الشيخ: إلا من أجل التأويل والخطأ! أنت زدت علي شيئًا؟ مداخلة: لا، لأن .. الشيخ: سألنا: زدت علي شيئًا؟ مداخلة: لا ما زدت. الشيخ: إذًا: ما محل ذلك الاستدراك من الإعراب؟ مداخلة: الاستدراك: كان كلامك الأول منصب إلى ابن حزم، وكلامي ينصب إلى الاثنين. الشيخ: طيب! يعني: أنت سرت معي ووسعت الدائرة، أكذلك؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! أنا أقول كلمة عامة: كل من وقع في التجهم بعد أن تبينت له الحجة أنه على ضلال وأصر فهو كافر، لكن تعيين فلان هذا موضع اجتهاد، فابن حزم هل يقول باحث مسلم يعرف قيمة هذا الإمام وعلمه وفضله وإلى آخره كالجعد الجهمي هل يسوي بينهما؟ ومن ذلك تأخذ الفرق ولا تستطيع أن تقيس وتقول مثلًا لماذا يقال عن الجعد أنه كافر، وقتل أو ذبح على كفره، وهذا ابن حزم إمام من أئمة المسلمين ويشترك معه في ذلك، ذلك لأن هذا ينفك بعلمه وفضله في الكتاب والسنة عن ذاك وإن كان يشترك معه في ضلالة من الضلالات، لكن هذا لا يلزمنا أن نحكم عليه بنفس الحكم الذي صدر عن غيره ممن لا يعرف عنه له جهاد في العلم بالكتاب والسنة، هذا ما عندي جوابًا عن ذاك السؤال. "رحلة النور" (44ب/00:00:54)

[661] باب هل يكفر الشيعة بعامة؟

[661] باب هل يُكفر الشيعة بعامة؟ سؤال: هل يصح تكفير الشيعة عامتهم أم فرق خاصة منهم؟ أم فرق خاصة منهم؟ الشيخ: نحن نقول دائماً وأبداً: لا يجوز في شرع الله -تبارك وتعالى- تكفير طائفة أو جماعة من المسلمين بالجملة، لا يجوز هذا؛ ذلك لأن أي طائفة قد يكون فيهم من لم يستحق أن يوجه إليه التكفير لعذر أو لآخر، كما أنه قد يوجد فيهم من يستحق التكفير، ولذلك فلا يجوز بوجه من الوجوه أن يقال: الشيعة مثلاً كلهم كفار، أو الزيدية مثلاً، أو الخوارج، أو الإباضية، أو غير هذه الفرق التي كانت قديماً، ولا يزال شيء من آثارها موجودة حتى يومنا هذا، هذا أولاً، وخلاصة ذلك: لا يجوز التكفير بالجملة، وإنما لا بد من التفصيل، ونحن نعلم بالتجربة بأن كثيراً من عامة المسلمين بغض النظر عن انتمائهم إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى غيرهم نجد فيهم من لا يزال على الفطرة ولم يتأثر بما يسمى عند العلماء بعلم الكلام، كما تأثر به كثير من المشتغلين بالعلم، ولذلك فهؤلاء العامة يبقون على سلامتهم، وعلى فطرتهم، بينما يكون بعض خاصتهم قد انحرفوا عن الخط المستقيم بسبب أنهم تثقفوا بثقافة غير إسلامية، وإن كان يطلق عليها أنها من الإسلام، فإذا تركنا هؤلاء العامة، وتوجهنا إلى الخاصة منهم من أي أعود لأقول: من أي جماعة كانت، حتى من أهل السنة الذين يقولون إنهم من أهل السنة والجماعة، فنحن مع الأسف نعلم بأن في أهل السنة والجماعة كثيراً من الطرق الصوفية التي يتبنى بعضها على الأقل مذهباً أو عقيدة يعتبر أنها تضل من عقيدة اليهود والنصارى، ألا وهي: عقيدة وحدة الوجود، فيوجد في الصوفية كثير من

أمثال هؤلاء الذين يؤمنون بالوحدة هذه، ولا شك أن من كان يؤمن بها يكون كافراً مرتداً عن الدين؛ لأن عقيدة وحدة الوجود تعني الطبيعة، كما يقول الكفار والملاحدة الشيوعيون وأمثالهم إنه ليس هناك إلا المادة، الكفر اليوم يعلن به صراحة، فالشيوعيون يعلنونها: ليس هناك شيء سوى المادة. المؤمنون بوحدة الوجود يغمغمون للقضية ويلبسونها ثوباً من الإسلام والدين، كي يضللوا عامة المسلمين، فهم مثلاً حينما يفسرون كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، ينتهون بها إلى أن يقول: لا هو إلا هو، ثم يختصرون هذه الجملة التي تتضمن مستثنىً ومستثنىً منه، فيقولون: هو هو، لا هو إلا هو يلخصونها فيقولون: هو هو، لا شيء سواه، ويعبرون عن ذلك بكثير من العبادات الشركية المكشوفة القناع، كقول بعضهم مثلاً: كل ما تراه بعينك فهو الله، إذاً هذه هي المادة التي يؤمن بها الملاحدة، وبعض آخر فيقول: لما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار، والشاهد هؤلاء ليسوا في الشيعة، ولا في الخوارج، هؤلاء من أهل السنة والجماعة، فهل يجوز تكفير الصوفية عامة؟ الجواب: لا؛ لأن كثيراً منهم إنما يتبعون التصوف جملة بظنهم أنه هو السلوك الذي يوصلهم إلى رب العالمين، لكن أكثرهم لا يعلمون هذه العقيدة التي هي من أبطل الباطل، أما خاصتهم فهم يؤمنون بها، فإذاً لنبدأ بأصحابنا وأهل سنتنا ومذهبنا وهم أهل السنة والجماعة، وفيهم من ذكرنا ممن يؤمن بوحدة الوجود، وهؤلاء إنما يوجدون على الغالب عند الصوفية، ولكن مع ذلك يوجد هؤلاء حتى عند غير الصوفية، حتى عند بعض الذين يحاربون التصوف جملة وتفصيلاً كالمعتزلة مثلاً، المعتزلة الذين يسمون أنفسهم بأهل التوحيد، وأنهم يفخرون على الطوائف الأخرى منها أهل الحديث ومنها الأشاعرة والماتريدية وغيرهم، هؤلاء ليسوا من أهل التوحيد وأهل العدل؛

لأنهم في ظن المعتزلة يؤمنون بالجبر، يعني أهل السنة عند المعتزلة يؤمنون بالجبر حينما يعتقدون، واعتقادهم حق بلا شك أن ما من شيء يقع في هذا الكون من خير أو شر إلا بمشيئة الله -تبارك وتعالى- وإرادته، أما المعتزلة فيقولون لا: ليس كل شيء يقع في هذا الكون بإرادة الله ومشيئته، بل الإنسان هو الفعال لما يريد، وهو الذي يخلق، خاصة هم يدندنون حول الشر، فهو يخلق الشر وليس لله في ذلك إرادة، وهذا بحث طويل ولا نريد أن ننسى أصل السؤال، المهم أن هؤلاء المعتزلة يشتركون مع القائلين بوحدة الوجود حينماً ينكرون نصوصاً قاطعة في الكتاب والسنة تثبت أن لله -عز وجل- صفة العلو، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (الأعلى:1)، نقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، والنصوص التي أشرنا إليها -إن شاء الله- معروفة عندكم، هم ينكرون هذه النصوص، لا ينكرونها لفظاً، وإنما ينكرونها معنىً؛ لأنهم إن صرحوا بإنكارها لفظاً خرجوا عن الإسلام، فينكرونها بطريق التأويل، فهم لا يؤمنون بأن الله -عز وجل- على العرش استوى -كما قال الله -عز وجل-؛ لأنهم يؤولون الاستواء بمعنى الاستيلاء وهذا باطل -أيضاً-، وله مجال آخر لتفصيل القول في ذلك، فإذاً لو سئلوا السؤال الذي ورثنا إياه نبينا -صلوات الله وسلامه عليه- ألا وهو: «أين الله؟» فجوابهم: الله في كل مكان، إذاً الله في كل مكان، المكان خَلْقٌ من خلق الله، التقى قولهم هذا مع قول أهل الوحدة أي: لا شيء إلا هذا الكون المخلوق، وبخاصة حينما يؤكدون في نفي الوجود الإلهي بأن الله -عز وجل-، هكذا يقولون كما ستسمعون: الله لا يوصف بأنه فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه؛ إذاً لم يبق إلا المادة؛ إلا هذا الكون المشاهد، فالتقت -أيضاً- المعتزلة مع الجماعة القائلين بوحدة الوجود في أن لا شيء هناك إلا الطبيعة، هل

يشترك مع المعتزلة ومع الصوفية الغلاة في هذه النقطة بالذات كثير ممن ينتمي إلى السنة والجماعة ممن ينتمي إلى الماتريدية أو الأشعرية؟ نقول: نعم، وهذا نلمسه ونسمعه دائماً أبداً في كل مجتمع سني ليس شيعياً ولا معتزلياً يقولون: الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل وجود، أهل السنة هاللي عايشين معنا وعايشين معهم هكذا يقولون، إذا كان الأمر هكذا، فهل نكفر هؤلاء الذين ينكرون أن من صفة الله -تبارك وتعالى- أنه {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، و {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10)، إلى غير ما هنالك من كثيرة أجمعت على أن الله -عز وجل- فوق المخلوقات كلها، هل نكفر هؤلاء بالجملة بالكوم؟ نقول: لا، نبدأ بأهل العلم منهم: هل نكفرهم؟ أيضاً لا إلا بشرط واحد، بعد إقامة الحجة؛ لأنه يمنعنا من المبادرة إلى تكفير أي مسلم ما دام أنه يلتقي معنا في الأصل الأول من أصول الإسلام الخمسة، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، فكل مسلم يشهد هذه الشهادة فابتداءً لا يجوز الحكم بتكفيره؛ لأنه رفع راية الإسلام بشهادته بشهادة الإسلام، وأنتم فيما أعتقد جميعاً تعلمون قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها: فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم عند الله-تبارك وتعالى-»، إذاً هذا المسلم الذي يشهد هذه الشهادة نحن لا يغيب عنا ولا يفوتنا أنه قد يقولها وهو كافر بما تدل عليه من الحق ومن العقيدة الصحيحة؛ لأن هذا من طبيعة المنافقين الذين كانوا موجودين حتى في العصر الأول الأنور الأطهر، وهو العصر الذي قال عنه الرسول -عليه السلام-: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» قد كان فيهم خاصة في المدينة من أهل المدينة مردوا على النفاق، الله كان يعلمهم، وقال للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} (التوبة:101)، فكيف

عاملهم الرسول -عليه السلام- هل عاملهم معاملة اليهود والنصارى؟ فرض عليهم الجزية يعطونها ويدفعون عن يد وهم صاغرون؟ أم مشى عليهم أحكام الإسلام؟ مشى عليهم أحكام الإسلام؛ لأنهم شهدوا بألسنتهم، أما قلوبهم فكما قال في الحديث السابق: حسابه عند الله -تبارك وتعالى-، يؤكد لكم هذا المعنى الذي خلاصته أن الإسلام يبني أحكامه على ما يظهر للناس، ولذلك كان من قواعد علماء الفقه والأصول: نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر. وهذا مأخوذ من بضعة أحاديث ثابتة في السنة الصحيحة، منها تلك القصة الواردة في كتب السيرة وفي الصحيح -أيضاً- أن رجلاً كان يبارز مشركاً فلما شعر المشرك بأنه صار تحت ضربة السيف وأنه مقتول لا محالة قال: لا إله إلا الله، فالمسلم ما بالاه، قتله، ولما بلغ الخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أرسل خلفه وقال له: «كيف أنت ولا إله إلا الله»، قال: يا رسول الله ما قالها إلا خوفاً من القتل، وحقيقة الأمر: كل واحد منا فضلاً عن ذاك الصحابي الذي باشر الأمر يشعر تماماً أنه هذا المشرك ما قال هذه الكلمة إلا فراراً من القتل، ولذلك ما اقتنع هذا الصحابي بهذه الشهادة فقتله، مع ذلك فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال له: «هلا شققت عن قلبه؟!»، «هلا شققت عن قلبه؟!»؛ إذاً كأنه يقول: ليس لك إلا الظاهر، أما القلوب فلا يعلم ما فيها إلا علام الغيوب -سبحانه وتعالى-. وحقيقة الأمر أننا في الوقت الذي نتصور ما سبق بيانه أنه من الممكن أن هذا المشرك ما قالها إلا تقية، وإلا خوفاً من القتل، يمكن -أيضاً- أن نلاحظ احتمالاً آخر، وهو أن يكون هذا المشرك معتداً بقوته وشجاعته وبطولته، فلما رأى نفسه مغلوباً، بل ومقتولاً تحت ضربة سيف ذلك الصحابي كأنه تجلى له أن هناك قوة قاهرة مُدّ بها هذا الصحابي حتى تمكن من أن يجعل ذلك المشرك الذي كان

يتوهم في نفسه أنه البطل الصنديد، فحينئذٍ خضع لهذه القوة وليس لأنه خاف كما قلنا في الاحتمال الأول من القتل فقال: لا إله إلا الله، وهذا يقربه إلينا -هذا الاحتمال الثاني- يقربه إلينا حادثة مصارعة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لركانة، الذي كان يعد في زمن الجاهلية المصارع الذي لا غالب له، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وطلب منه المصارعة، فما كان منه -عليه السلام- بقوة من الله -تبارك وتعالى- ولا شك إلا مجرد أن أخذه ورماه على ظهره، قوة خارقة، طلب منه المرة الثانية والثالثة، فكان عاقبة أمره أن قال: أشهد أنك رسول الله، فآمن، لماذا؟ لأنه رأى قوة لا يعتقد إنها من قوة البشر. إذاً الشارع الحكيم يبني أحكامه على ما يظهر للناس، فكل مسلم إذاً يرفع هذه الراية الإسلامية، فيشهد أن لا إله إلا الله؛ لا يجوز لنا أن نبادر إلى تكفيره إلا في حالة واحدة، حينما يعلن مع تلك الشهادة ما يعارضها وما يعطلها وينكرها، حينئذٍ ندينه ونلزمه بما يلزم منه، حينذاك باستطاعتنا أن نكفره، ومع ذلك رويدك، ولا يجوز -أيضاً- المسارعة إلى تكفيره إلا بعد إقامة الحجة عليه. إذاً عندنا الآن شرطان؛ ليجوز للعالم المسلم أن يكفر مسلماً: الشرط الأول: أن يسمع من هذا المسلم ما يكفر به. الشرط الثاني: أن تقام الحجة عليه؛ لأن الله -تبارك وتعالى- ما أنزل الكتب وأرسل الرسل إلا لتكون حجة الله -تبارك وتعالى- قائمة على الناس، ولا يكون لإنسان ما ارتد أو كفر بالله ورسوله عذرٌ يوم القيامة، من هنا اتفق علماء المسلمين على أنه إذا وجد هناك قومٌ لم تبلغهم دعوة الإسلام فهؤلاء لا يحكم لهم بالنار التي وُعد بها الكفار؛ لأن الكفار هم الذين بلغتهم الدعوة ثم جحدوها وأنكروها، كما قال الله -عز وجل- في كثير من هؤلاء: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) وأصل الكفر -كما تعلمون- من

الكَفْر وهو التغطية؛ لذلك فالزراع يسمون بالكفار {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} (الحديد:20) أي الزراع، فلما كان الزارع يستر الحب بالحرث وبالتراب، كذلك الكافر يستر الحق بباطله، فمن كان بهذه المثابة فهو الذي يكفر، ويكون مخلداً في النار، أما من لم تأته الدعوة ولم تظهر له الحجة ثم ظل على كفره وعلى ضلاله، فهذا يعتبر عند علماء المسلمين من أهل الفترة، ولذلك فأهل الفترة لا يحكم لهم لا بإسلام ولا بكفر، لهم معاملة خاصة عند الله -تبارك وتعالى-، ونكتفي بهذه الإشارة إلى هؤلاء، والمهم: فلله الحجة البالغة على الناس، فلا يجوز المبادرة إلى تكفير أي إنسان ظهر منه ما يحملنا على أن نقتنع بأنه كفر بـ لا إله إلا الله، فلا بد من إقامة الحجة عليه، فإن جحدها ألحق بالكفار، وإن خضع لها فهو لا يزال في إسلامه، على هذا نحن نسوق هذه القاعدة بالنسبة لعامة المسلمين، سواء كانوا ينتمون إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى أي طائفة أخرى، لا بد قبل كل شيء من أن يعلن إنكاره لما هو ثابت في الشرع على طريق اليقين، وهنا يعبر العلماء بكلمة: أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أنا أضرب لكم مثلاً: الذي ينكر حرمة الخمر، فهذا يعتبر كافراً مرتد عن الدين؛ لأن هذا معلوم من الدين بالضرورة، وليس كذلك من ينكر حرمة الحشيش المخدر أو الأفيون أو هذا الدخان الذي ابتلي به عامة الناس، هؤلاء لا يكفرون؛ لأنهم لا ينكرون ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ثم إنهم يجدون كثيراً ممن يظنون أنهم من أهل العلم يفتونهم بأنه هذا مكروه، معليش تركه أولى، من هذا الكلام، ولذلك فمن أنكر ما كان معلوماً من الدين بالضرورة ثم أقيمت عليه الحجة الشرعية من كتاب الله ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فكفر وجحد فهذا هو الكافر، ما يهمنا كان سنياً منتسباً إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى غيرهم، هذا نهاية الجواب عن السؤال.

[662] باب منه

ولكن عندي شيء أريد أن ألفت نظر الشباب المسلم اليوم؛ هذا الكلام لا يفيد المسلمين اليوم، ذلك لأن قضية التكفير هذا يعود إلى رأي الحاكم المسلم؛ لأن هذا الحاكم المسلم هو الذي له صلاحية إقامة الحدود الشرعية، فإذا قال فرد من أفراد العلماء أو من طلاب العلم مثلي: فلان كافر، ماذا ترتب على ذلك؟ ترتب عليه فقط إني أنا ما أزاوجه ما كذا .. أعامله إلى آخره، لكن لما بيكون هناك يوجد حاكم مسلم يدعوه أن يؤمن بالإسلام وإلا قطع رأسه، ولذلك فليس من المفيد اليوم بين المسلمين إثارة هذه القضايا؛ لأنها أحكام تتعلق بالحكام الذين يحكمون بما أنزل الله وأين هؤلاء في هذا الزمان، زمن الغربة بين أفراد المسلمين أنفسهم، فضلاً عن حكامهم، وصدق من قال: دود الخل منه فيه، ولذلك فما يفيد كثيراً أن نتكلم: هل يجوز تكفير الشيعة؟ أو تكفير الخوارج، أو ... الخ؟! ما الذي يترتب من هذا؟! وإنما يجب أن نبلغ الناس شريعة الله، وهذا يتطلب منا نحن الذين نفكر ونتساءل: هل يجوز تكفير هؤلاء وهؤلاء؟ يجب علينا أن نتفقه في دين الله، وعلى كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم بعد ذلك نرجوا أن نكون قد وضعنا نواة لتحقيق المجتمع الإسلامي المنشود أولاً، والذي بدونه لا يمكن إقامة الحكم الإسلامي على وجه الأرض، بهذا أنصح بعد أن قدمت الجواب عن ذاك السؤال. "الهدى والنور" (518/ 42: 00: 00) [662] باب منه سؤال: أنا كنت يعني في مأدبه وانأ خطيب جمعة كنت أناهض الشيعة؛ لأنني في الواقع كنت مدرس توحيد في السعودية وعرفت عنهم الكثير، فكثير من أخواننا بعثوا لي تهديداً؛ لأن الخميني في رأيه هو الداعية إلى الإسلام وإقامة دولة

إسلامية، فلكي أقنعهم لازم أقول لهم روحوا إقرؤوا مصطلح الحديث وحياة الصحابه والقرآن هذا طريق طويل ولا يمكن السير فيه، فنحن نريد من فضيلتكم أن تبين لنا فعلاً الفرق القائمة الآن مثلاً العلويين إسماعيلين الشيعة بأصنافها (باختصار)، وأعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر ذلك في سورة الحشر لأنه صنف المسلمين ثلاث أنواع، مهاجرين وأنصار والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر:10)، وجزاكم الله خيراً. الشيخ: ... الطريق طويل صحيح لكن أنا قلت آنفاً وكررت على مسامعكم أكثر من مرة إنه إن كنت فقيهاً فاستفتي نفسك، إن كنت محدثاً فاستفتي علمك، إن كنت فقيهاً لتعرف الحرام والحلال استفتي نفسك، وإن كنت محدثاً لتعرف الصحيح من الخطأ، لأنك عالم لأنك فقيه، وإن كنت لست كذلك قلت: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون». السائل: يا سيدي نريد. الشيخ: اسمح لي، اسمح لي شوي، ألم تسمع هذا الجواب؟ السائل: نعم، نعم. الشيخ: طيب هذا الطريق الثاني قصير ولَّا طويل؟ السائل: والله هذا قصير طبعاً. الشيخ: طيب اسمح لي.

السائل: إذا كان فيه صلاح الشيخ: فإذاً أنت أخذت بعض كلامي ودندنت حوله وهولت أن هذا الطريق طويل وأنا بقول معك طويل، و (الذي) طَوَّلَه؟ قلت آنفاً: أن أكثر المسلمين انصرفوا عنه، تذكر هذا الكلام ولَّا لا؟ السائل: نعم، نعم أذكره. الشيخ: فإذاً لماذا أنت ذكرت هذا الطريق الطويل، وجعلته عذراً لك، من كلفك يا أخي أنت الله ما كلَّف أن كل مسلم يكون عالماً، يكون يعني متخصص في كل علوم الشرع، الله ما كلَّف، لكن كلف كل مسلم أنه إذا تعبد الله بعبادةٍ ما أن يكون فيها على بصيرة، وذكرت الآية {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (يوسف:108)، فإذاً في عندك طريق مختصر وهو: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43)، الآن أنا ذكرتك بأنه نصف كلامك نصف سؤالك كان جاء في تضاعيف كلامي السابق، صح. السائل: نعم. الشيخ: الآن ما هذا الذي تسأل عنه أنت، أن احكي لك عن الشيعة، احكي لك عن الاسماعيليين، عن .. السائل: ملخص كلمة مش كثير نبذة عن مبادئهم. الشيخ: آه. السائل: بعض الناس في الواقع أنا أريد أجي في الموضوع بصراحة بعض الناس خطؤونني كثيراً لأنني حقيقةً قلت: أنا مستعد أن أقاتل الشيعة.

الشيخ: فخطؤوك لماذا؟ السائل: خطؤونني لأن يعني هذول جماعة يقولون: أشهد أن لا إله إلا الله، وإنهم مسلمون بل يعني يَكْفُر من كَفَّرَهُم، وجاءني تهديد بواسطة أخي هذا، أن يعني يجوز يقتلوني ... مداخلة: احمد ربك إنك كويس. الشيخ: أنا أظن الموضوع له علاقة بالعلم السائل: نعم. الشيخ: ونحن نعرف أن لما الخميني طلع بدعوته راح ناس من أهل السنة والجماعة ومن هالبلد ليبايعوه .. والسبب أنهم لا يعرفون مذهب الشيعة بعامة، ولا يعرفون دعوة الخميني بخاصة ومن جهل شيئاً عاداه، فحينئذ هل نقموا عليك، كان أنت لازم تبين لهم شو عقيدة الشيعة؟ وماذا يقولون؟ وما موقف الذي انتقدوك أنت. السائل: قلت لهم لو عقيدة فقط لو قال فقط لو قال بها أي إنسان من السنة أن القرآن الذي نقرؤه الآن ليس القرآن الذي نزل على محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، لكفى هذا لتكفيره هذا ما قلته. الشيخ: أنا أقول، ما أظن مسلم سواءً من هؤلاء الذين كان أشرت إليهم أو ما أشرت إليهم بيخالفك في هذا، شو رأيك؟ السائل: لكن ما هو تطلع النتيجة كما هي قلت لك مش معقول أنهم ينكرون القرآن.

الشيخ: لا، نحن نجعله يعقل غصباً عنه، نجبله الكتاب ها ألي اسمه « ... في إثبات كتاب رب الأرباب». السائل: صح، هذا الذي قرأت منه. الشيخ: طيب نجيب له هذا الكتاب. السائل: فصل الخطاب. الشيخ: كويس شو بده يكون موقفه الحين. السائل: موقفه يقول: مش معقول هذولا جماعه ألي كتبوا غير الآن الموجودين. الشيخ: حينئذ، تخرج أخي القضية عن العلم وتخرج عن المناقشة، ورجعنا إلى المعقول، هل المعقولات عند الناس كلها سواء خذ وأعطي معي. السائل: لا. الشيخ: فإذاً معقولك أنت شيء ومعقول زيد شيء ثاني وإلى آخره، لكن نحن بدنا ندرس أولا عقيدتنا ثانياً في حدود الواقع ندرس عقائد الشعوب أو الطوائف الآخرى هذا الإنسان الذي قال لك هذا الكلام نربطه بالواقع هل قرأ كتاب الحكومة الإسلامية للخميني. السائل: لا أظن، أنا قرأته. الشيخ: طيب، ليش أنت ماقَرَّأته، فأنت مخطى، لازم تجعله أمام الأمر الواقع، تقول له شوف الخميني يقول أن أئمة أهل البيت ما في ذرة في الكون إلا وهم يعلمون بها.

هذا الذي أنكر عليك شو رأيه هذا كلام مسلم ولا غير مسلم؟ وأئمة أهل البيت في منزلة عند الله تبارك وتعالى دونها منازل الأنبياء والرسل والملائكة، فلما أنت تجعله تحت أمر واقع بيصير هو ما يكابر .. السائل: سؤال، سؤال كنت ضيف عند ابن باز في الطائف فسألته سؤالاً أيضاً خاص بالشيعة قلت: هل يجوز للسني أن يتزوج شيعية؟ فقال لي: لا؛ قلت: لماذا؟ قال لأنهم مشركون، ثم انصرفت عنه قليلاً فتذكرت أن النصارى مشركون وأن اليهود مشركون فلماذا أجاز الله عز وجل لنا زواج النصرانية واليهودية، ولم يجز لنا زواج الشيعية. الشيخ: أنا خمنت انك وجهت سؤالاً لابن باز. السائل: ما وجهت، وفوجئت بالجواب، لكن أنا يعني حصل عندي شك. الشيخ: شو كان جوابه السائل: لا وجدته نائماً، ما يعني ما أجابني على السؤال الثاني. الشيخ: احفظ سؤالك وطول عليا بالك أنا راح أسمعك أولاً جواب يختلف مع جواب ابن باز (هذا الذي) سمعته منه، ونتج من ورائه سؤال أجيت أنك بدك تسأله وجدته نائماً الآن إن شاء الله أنا بتلاقيني يقظان معك وبجاوبك عن سؤالك وبطرح عليك فكره غير (التي) سمعت من ابن باز، أنا أولاً لا أجيز لمسلم أن يصدر فتوى عامة بتكفير طائفة من المسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله شو رأيك، قل لي أنت توافق معي؟ السائل: والله لا أعرف.

الشيخ: لا، لا اسمح لي لا تعمل مثل غيرك من رأى العبرة بغيره فليعتبر، لا تشرد عني سؤالي محدود جداً، أنا أقول لا أرى من الجائز شرعاً أن نكفر طائفة وبزيد على كلامي السابق بالكوم، فهمت عليّ، شو رأيك بهذا الجواب قلي صحيح أو قلي مو صحيح. السائل: مع الاعتبار مو صحيح، في رأيي أنا لماذا؟، لأن كثيراً من الناس يقولون أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم تراه يفعل الكفر. الشيخ: هذا يؤيد كلامي الله يهديك يا أخي الله يهديك أنا أقول لك هذا الذي قُلْتَ يؤيد كلامي وينقض كلامك. السائل: لماذا؟ الشيخ: لأنك قلت كثيراً من يقول أشهد أن لا إله إلا الله، تراه يعمل الكفر وأنا عم أقول لك حينئذ إذاً رأيته يعمل الكفر ويعتقد الكفر، حينئذ لك صلاحيتك فيه، أنا عم أقول لك تكفير بالكوم وعملت لك هيك، بالكوم بالكمشة. السائل: ... كلهم بالكوم بالكمشة. الشيخ: اسمح لي اسمح لي السائل: اليوم سئلت على التلفون، قالوا لي في ناس يسألون عن القاديانية والوهابية قالوا لي أن في واحد متزوج يعني قاديانية أو وهابية أتصور. مداخلة: بهائية مش وهابية. السائل: بهائية، أستغفر الله. الشيخ: وين راح تضيع الشيخ ابن باز معك.

السائل: طيب بيقول لي هذا متزوج وبعدين بيقول لي هو بهائي، أو قادياني وبعدين متزوج سنيه ويقول لها أن الصلاة تصلح بدون وضوء، طب فبيقول يعني هل يجوز هذا الزواج ولا لا الشيخ: أبو أيش أنت بيقولوا لك؟ السائل: أبو سامي. الشيخ: أبو سامي أهلاً وسهلاً، بارك الله فيك أنا أعود لأقول لا يجوز تكفير طائفة من المسلمين بالكوم بالكمشه بالجملة وإنما بالتفصيل، شو رأيك. السائل: ماشي. الشيخ: ماشي، هذه خطوه طيبة ... ، اسمع فكل من ينتمي إلى طائفة وتعلم يقيناً منه إنه يدين بدينها، بكفرياتها بتكفره، أما كونه شيعي، يا أخي أولا أنا راح ألفت نظرك لشيء في شوية حساسية بالنسبة لها المجلس الآن، هل كل أهل السنة مثل بعضهم. السائل: لا. الشيخ: طيب فالشيعة من باب أولى ألَّا يكونوا مثل بعضهم، صح. السائل: لكن. الشيخ: لا تقل: لكن، عم أقول لك يا أبو سامي صح؟ فأنا أرجو أن اسمع صح؛ ما صح؟ السائل: إذا كان تعني العقيدة كل أهل السنة في عقيدتهم سواء. الشيخ: لا.

السائل: ولا ما يكونون سنيين. الشيخ: لا ليسوا سواء، قل لي لا تصمت ولا تسكت، أنا عم أقول لك ليسوا سواء نفس أهل السنة ليسوا سواء في العقيدة. السائل: مظهر من مظاهر العقيدة. الشيخ: حاضر أفندم، أنا أبين لك ذلك، هل طرق سمعك قول من يقول يجوز لله تبارك وتعالى تعذيب الطائع وإثابة العاصي، قل لي لا مثلما قلت لصاحبك تلك الساعة ما بيعرف إنه في ناس يقولون: الإيمان يزيد وينقص وزيادته العمل الصالح. السائل: ندرس هذا في الأزهر أن يعني يجوز لله سبحانه وتعالى لأنه يعني هو يعني مالك الكون ... الشيخ: اهه بارك الله فيك شو رأيك هذه العقيدة صحيحة. السائل: لا، شرعاً لا؛ لأن الله سبحانه وتعالى ... الشيخ: لا، لا، لا وبدنا نضيع الجلسة بكلام يا أبو سامي خير الكلام ما قل ودل في ناس عندنا هون ربما عندهم أسئلة بدنا نخفف المشوار أنا عم أقول لك: صح؟ قل لي: صح، قلي ما صح، هلا قلت لي هكذا درسنا في الأزهر، هذا الذي درسته في الأزهر هذه العقيدة صحيح قل لي إيه قل لي لا؟ السائل: ليست صحيحة. الشيخ: بس هذا هو، وهل الذي درسوك هم من أهل السنة أو من أهل الشيعة؟

السائل: من السنة. الشيخ: فإذاً صح من قال إنه في أهل السنة عقائد غير صحيحة فما بالك بأهل الشيعة، نرجع نحن للشيعة، وأرجو من الأخوان أن يعرفوا هذه الحقيقة مُرَّة جداً، يوجد في بعض المذاهب السنية من يقول هكذا يجوز لله تبارك وتعالى أن يعذب الطائع وأن يثيب العاصي وبعضهم تجرأ فقال: يجوز لله تعالى أن يأخذ سيد البشر ويحطه في أسفل سافلين من النار، وإن إبليس الرجيم الملعون المطرود من رحمة الله إلى يوم الدين يحطوه في أيش المقام أيش المقام، المحمود قالوا هكذا. مداخلة: يا سيدي هذه من غلاه التصوف هم من قال ذلك وليس من السنة. الشيخ: لا، لا اسمح لي ليس لهذا علاقة بالتصوف، التصوف هذا نحن ما لنا فيه الآن. مداخله: وحدة الوجود ... الشيخ: هذا من عقيدة أهل السنة هذا الذي نقوله. مداخلة: ... أهل السنة، ثم أجمعوا على ذلك من هم إذاً .. الشيخ: اسمح لي هلا هو كمان الظاهر سرت العدوى أخي من شخص ثم نقول أجمعوا أنا قلت: أجمعوا؟ الله يهدينا وإياكم، نحن لا نتكلم عن الصوفية الآن أبداً حتى أنت تجيء وتقول عن مذهب هو درسه في الأزهر الشريف ونحن درسناه في كتب الناس هالي بيعتقدوا عقائد كثيرة من عقائد أهل السنة والجماعة، لكن مع ذلك في بعض الجوانب انحرفوا عن طريق السنة والجماعة فاترك لي الصوفية الآن جانباً والآن أنا مضطر بناءً على كلام الأستاذ هنا، أبوا أيش حضرتك؟

السائل: أبو عمر. الشيخ: ما شاء الله، عمر الفاروق، فيا أبا عمر الآن نحن نذكر ألا يوجد اليوم في مجتمعنا الإسلامي العام من يعتقد أن الله عز وجل موجود في كل مكان أنبؤوني بعلم. السائل: نعم. الشيخ: طيب شوا رأيك بأهل العقيدة هذه، عقيدة أهل السنة والجماعة، ننتظر الجواب. السائل: ليست هذه عقيدة هذه وحدة الوجود، وليست من عقيدة أهل السنة والجماعة. الشيخ: جميل، لكن ألا يوجد من يتبنى هذه العقيدة في المسلمين الذين يعيشون معنا ونتزوج منهم ويتزوجون منا وو إلى آخره، وهو من أهل السنة والجماعة قلها صريحة يا أبا عمر لا تخشى في الله، لا تأخذك في الله لومة لائم. السائل: ... نقول من أمة الإجابة، لكن السنة يعني ما وافق عليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. الشيخ: أنا ما أسألك أن تعرف لي السُّنة، المسلمين ألي عم نتزاوج معهم ألا يعتقدون هذه العقيدة؟ السائل: والله أنا ما عرفت مسلم يلتزم السنة يقول بوحدة وجود. مداخلة: يا سيدي ... درسونا إياها في المرحلة الابتدائية الشيخ: مبين، مبين

مداخلة: هناك أصحاب مناصب عالية بها البلد كذبوها ... الشيخ: أنت تشعرني بكلامك هذا بأنك تراجعت عما قلت آنفاً. السائل: وهو؟. الشيخ: وهو إنه هذا ليس من الإسلام أن يقول المسلم الله موجود في كل مكان، كأنك تراجعت أليس كذلك؟ السائل: أقول الله عز وجل بعلمه يعلم الشيخ: هل سمعت مني لفضة العلم؟ السائل: ... إطلاقاً لكن الذين يقولون أن الله ... الشيخ: أنا أسألك افترض ألا أحد يقول ما رأيك فيما إذا قال قائل الله موجود في كل مكان، هل هذه عقيدة إسلامية ويجوز أن يقوله المسلم؟ السائل: المعنى صحيح أن الله معنا بعلمه. الشيخ: وبذاته. السائل: وبذاته، يتنزه أن يكون بيننا سبحانه وتعالى الشيخ: إذاً لماذا هيك وهيك؟ السائل: لأنه إذا فصلنا؛ أن نقول بعلمه، يجوز أن نقول وإذا بذاته الشيخ: أنت آنفاً طلعت بدعوى طويلة عريضة أن لما قلت عن الشيعة ما قلت، قاموا ناس عارضوك وو إلى آخره، والآن أنت تقف بين أيدي سؤال واضح جداً لا يمكن أن يقول مسلم أن الله في كل مكان ومن هذه الأمكنة الدهاليز ...

وإلى آخره، والمفروض لمثلك أن تقول أعوذ بالله أعوذ بالله، وإذا بك تلين القول، وتقول. السائل: ... ما يكون من نجوى ثلاثة. الشيخ: هذا ما محلها هذه يقول بها كل مسلم: بعلمه، وهو معكم بعلمه، ولم يكن السؤال، هل الله عليم بكل شيء؟ هذا إن شك فيه مسلم فهو كافر، السؤال ما رأيك فيمن يقول: الله موجود في كل مكان، أنا اعتبرك الآن أنت مسؤول أمام الله. نرجع بعدنا كثير عن شيخك ابن باز. السائل: الله يبارك فيك. الشيخ: أنا عم أقول لك نرجع إلى الشيخ ابن باز، أنا أقول لا يجوز تكفير مسلم بعينه لأنه ينتمي إلى طائفة من الطوائف الإسلامية والمنحرفة، لا يجوز تكفيره بعينه، إلا أن تراه مثلما قلت آنفاً تراه وقع في الكفر حينئذ، أما الشيعة كفار، الزيدية كفار، القاديانية كفار، البهائية كفار، (قل) من كان يعتقد كذا وكذا فهو كافر أما بالكوم بالكمشه بالجملة هذا ما يجوز، لأنه بتعي خطورة تكفير المسلم، «من كفر مسلماً فقد كفر»، هذا صحيح، لذلك أنا قلت لك آنفاً ما أتيتم بكتاب الشيعة اللي اسمه كتاب الكليني وما يقول فيه أن مصحف فاطمة مصحفنا هذا جزء من ذاك المصحف والباقي ضايع فهذا من يراه ... مداخلة: طيب بناءً على هذه العقيدة فلا يجوز تكفيرهم بالكوم؟ الشيخ: اسمع يا شيخ، بدنا نرجع إلى عند الشيخ ابن باز الله يرضى عليك، فالمهم هذه العقيدة كُفْر ومن اعتقدها فهو كافر، لكن أنا على يقين أن كباراً من

علماء الشيعة كفروا بهذا القول، كفروا بهذا القول واعتبروا هؤلاء شاذين وخارجين عن مذهب الشيعة، ما بالك بالعامة يا أخي (الذين) بيشهدوا أن لا إله إلا الله وبيصلوا، يا أخي ما عندهم هالمعلومات ... اللي بتضلل المسلم وتخرجه عن هذا الدين فلذلك فهذا تكفير بالكمشة، بالكوم، بالجملة، هذا خطأ من أهل السنة ولا يجوز أن يقع فيه المسلم، على هذا أنا ما أقول بأن الشيعة كفار؛ بقول من كان يعتقد كذا وكذا، وكذا من كان يقول أن القرآن ناقص من يقول أهل البيت أفضل عند الله من الأنبياء والرسل والملائكة من يقول أن السيدة عائشة التي طهرها الله عز وجل. مداخلة: برأها. الشيخ: أي نعم برأها مما رميت به إلى آخره، ... فهؤلاء كفار بلا شك لكن لا تستطيع لا أنت ولا غيرك أن يأتي ويقول بأن كل شيعي يعتقد هذه العقائد الباطلة لا يجوز هذا، بناءً على هذا التفصيل تقدر تقول: يجوز للمسلم أن يتزوج شيعية ولَّا لا، يجوز لمسلم أن يزوج بنته لشيعي ولا لا، وعلى هذا التفصيل مما عرفته. مداخلة: نفحصه أولاً. الشيخ: أيوه من عرفته فتعطيه ما يستحقه من الحكم، أما هيك ما يجوز هذا. "الهدى والنور" (446/ 22: 19: 00)

[663] باب من كفر معاوية رضي الله عنه هل يكفر؟

[663] باب من كَفَّرَ معاوية رضي الله عنه هل يكفر؟ سؤال: يا شيخ مثلاً من يكفر الصحابة مثلاً يقول يزيد بن معاوية: فاسق أو فاجر، وكذلك أبيه يعني: هذا يكون كافراً أم فاجراً أو فاسقاً؟ الشيخ: هذا يختلف يا أخي باختلاف هذا الإنسان هل هو جاهل هل هو عالم، هل أقيمت الحجة عليه من كتاب الله ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، هل هو معاند هل هو متأول؟ كل هذا التفصيل يمنع أهل العلم من المبادرة إلى القول بأنه كافر أو بأنه ليس بكافر، لابد من تطبيق هذه القيود لنتمكن بعدها من القول أنه كافر أو ليس بكافر. "الهدى والنور" (342/ 06: 59: 00). [664] باب كفر من أنكر عالم الجن عن جابر بن سمرة قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلاة مكتوبة فضم يده في الصلاة، فلما صلى قلنا: يا رسول الله، أَحَدَثَ في الصلاة شيء؟ قال: «لا، إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي، وأيم الله لولا ما سبقني إليه أخي سليمان لارتبط إلى سارية من سواري المسجد حتى يطيف به ولدان أهل المدينة». [قال الإمام]:إسناده صحيح على شرط مسلم. [وعلق قائلاً]: وهو من الأحاديث الكثيرة التي يكفر بها طائفة القاديانية؛ فإنهم لا يؤمنون

بعالم الجن المذكور في القرآن والسنة، وطريقتهم في رد النصوص معروفة، فإن كانت من القرآن؛ حرفوا معانيها؛ كقوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} قالوا: أي من الإنس! فيجعلون لفظة «الجن» مرادفة للفظة «الإنس»؛ كـ «البشر»! فخرجوا بذلك عن اللغة والشرع، وإن كانت من السنة؛ فإن أمكنهم تحريفها بالتأويل الباطل؛ فعلوا، وإلا؛ فما أسهل حكمهم ببطلانها؛ ولو أجمع أئمة الحديث كلهم والأمة من ورائهم على صحتها؛ بل تواترها! هداهم الله. "أصل صفة الصلاة" (1/ 124)

جماع أبواب حكم سب الله أو الرسول أو الدين

جماع أبواب حكم سب الله أو الرسول أو الدين

[665] باب حكم سب الله ورسوله والدين

[665] باب حكم سب الله ورسوله والدين سؤال: هناك أناس يشتمون الذات الأهلية ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والدين فهل يخرج هؤلاء من ملة الإسلام، وما التصرف الذي ينبغي أن يكون؟ الشيخ: أما هل يخرج من ملة الإسلام من يسب الذات الإلهية هذا بلا شك ما يحتاج إلى سؤال فضلاً عن جواب؛ لأنه هو الكفر الذي ذر قرنه، ولكن الذي يمكن أن يقال في مثل هذه المناسبة: أن من صدرت منه كلمة الكفر له حالة من حالتين: إما أن يعني ما يقول، وإما أنه لا يدري ما يقول ففي الحالة الأولى الجواب السابق أنه كافر مرتد عن دينه، ولو كان هناك حاكم مسلم يحكم بما أنزل الله فهذا يصدق عليه قوله عليه السلام: «من بدل دينه فاقتلوه» لو أن مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، لكن مثل القاديانية أنكر أن يكون محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - خاتم الأنبياء هذا يقتل؛ لأنه أنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة، ما بالك من سب الذات الإلهية؟! ما بالك من سب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! إلى آخره، فلا شك أن هذا يعتبر مرتداً وأنه يقتل ردةً، هذا في الحالة الأولى إذا كان يعني ما يقول. أما إن كان لا يعني ما يقول فهنا لا بد من شيء من التفصيل، إما أن يكون أعجمياً يقول كلمة عربية لا يفقه معناها وهي الكفر أو أن يكون عربياً مستعجماً .. نسي اللغة العربية وما عاد يفقه فتكلم بكلمة الكفر وهو لا يفهم أنها كلمة كفر، وهذا المثال في بعض الكلمات السابقة سمعتم قول الرسول عليه السلام: «من حلف بغير الله فقد كفر» فما أكثر ما نسمع من المسلمين الحلف بغير الله كيف؟ لأنهم يجهلون أن الحلف بغير الله كفر، فهل هذا يحكم بكفره؟ هذا يدخل على

التفصيل السابق: إن كان يعني فهو كافر، وإن كان لا يعني فهنا يأتي البيان. لا بد أن يذكر هذا الإنسان بأن هذا الكلام الذي يقوله هو كفر فعليه أن يرجع عنه وإلا قطع رأسه، جاء في مسند الإمام أحمد بالسند الصحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خطب يوماً في أصحابه فقام رجل وقال له: ما شاء الله وشئت يا رسول الله! فقال عليه السلام: أجعلتني لله نداً قل: ما شاء الله وحده» أجعلتني لله نداً، أي: شريكاً، ترى! هذا الصحابي الذي جلس في مجلس نبيه وقد آمن به وأنقذه الله به من الشرك إلى التوحيد لما قال له الرسول عليه السلام: «أجعلتني لله نداً» شريكاً، ترى! هل قصد أن يجعل رسول الله شريكاً مع الله؟ الجواب: لا؛ لذلك اكتفى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بتذكير هذا الرجل أن هذه الكلمة التي قلتها هي كلمة كفر لكن أنا أدري أنك لا تعني ما تقصد؛ ولذلك اكتفى بتذكيره ولم يطبق عليه حكم المرتد عن دينه؛ لأنه ما كان قاصداً لما يقول. فمن نطق إذاً بكلمة الكفر وهو يدري ما يقول فهو المرتد وحكمه القتل، ومن كان لا يدري لسبب أنه لم يعرف الدقة في المعنى الذي تضمنه كلامه كما في حديث ابن عباس أو قال كلمة الكفر وهو يدري ما يقول لكنه قالها مضطراً، هذه صورة أخرى: فهو لا يكفر وفي ذلك نزل قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:106). كما جاء في كتب التفسير ولو أنه في السند شيء من الضعف لكن الآية معناها واضح جداً، وهذه الرواية توضح هذا المعنى أو تزيده بياناً وتوضيحاً أن المشركين لما أخذوا بلالاً وعدي بن حاتم الطائي وعذبوهما عذاباً شديداً، أما بلال فذلك الرجل الصبور الذي كان تحت العذاب الشديد يطلبون منه الإشراك

بالله فما يكون منه إلا أن يقول: أحد أحد، وهم يعذبونه أشد العذاب عمار بن ياسر رضي الله عنه لم يصبر فعرضوا عليه لما جسوا نبضه وأن صبره نفد عرضوا عليه أنه يسب الرسول ويشتمه كما هم يشتمونه حتى يتركوا سبيله، فوافقهم فقال عن الرسول بأنه ساحر شاعر كذاب، فأطلقوا سبيله، لكن سرعان ما انتبه لخطئه فجاء إلى الرسول عليه السلام فذكر له ما فعل، وهذا من قوة إيمانه، فقال له عليه السلام: «كيف تجد قلبك؟ قال: أجده مطمئناً بالإيمان، فقال عليه السلام: فإن عادوا فعد» فإن عادوا إلى تعذيبك ولم تجد مخلصاً من العذاب إلا بأن تشتمني وقلبك عامر بالإيمان .. مطمئن بالإيمان فاتخذ هذه الوسيلة ما دام أنك لا تزال في إيمانك، إذاً: كلمة الكفر لا يدان بها القائل إلا بهذا التفصيل الذي لا بد منه، نعم. مداخلة: من قالها في الغضب؟ الشيخ: كذلك يا أخي! لا يؤاخذ .. ربنا عز وجل ذكر في القرآن الكريم قصة موسى مع قومه حينما ذهب لمناجاة ربه، ولما رجع وفي يده الألواح من التوراة وأخبر الخبر من أخيه موسى بأن قومه عبدوا العجل من بعده أخذ الألواح وضربها أرضاً، لو فعل هذا مسلم بالقرآن الكريم عامداً متعمداً يكفر فكليم الله .. كلام الله الذي هو التوراة ما يفعل هذا عامداً، إذاً: الغضب أيضاً عذر لذلك كان من رأي بعض العلماء وهو الصواب أن حكم القاضي غضبان لا ينفذ، مطلق زوجته وهو غضبان لا ينفذ طلاقه، قال عليه السلام: «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان» (¬1) لماذا؟ لأن الغضب يحول بين صاحبه وبين التفكير السليم، كذلك قال ¬

(¬1) البخاري (رقم6739).

عليه السلام: «لا طلاق في إغلاق» (¬1) الإغلاق فسر بمعنيين: المعنى الأول: الإكراه فإذا واحد أكره رجلاً لغاية في نفسه أن يطلق زوجته وهذا يقع كثيراً فذهب يطلقها، لا يقع هذا الطلاق؛ لأنه مكره. فسر بالمعنى الثاني وهو الإغلاق، أي: الغضب، فإذا غضب الإنسان من زوجته في ظرف ما .. في حالة ما وذهب يطلقها هذا الطلاق لغو لا قيمة له، وقصة موسى عليه السلام مع الألواح أكبر دليل على أن صاحب الغضب لا يؤاخذ ولكن هذا الغضوب ينصح بأن يملك أعصابه، ونحن ننصح هؤلاء الذين يسارعون إلى تطليق زوجاتهم بحالة غضبية ننصحهم: يا جماعة اتقوا الله، وتذكروا قول الرسول عليه السلام: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب» (¬2) فنقول لهم: قد تسأل بعض الناس عن طلاقك لزوجتك في حالة الغضب فيطلقها منك وأنت تثق بعلمه لكن فيما بعد تندم ولات حين مندم؛ لذلك لا تغضب. ويعجبني في هذه المناسبة حديث في صحيح البخاري: «أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال له: أوصني يا رسول الله، قال: لا تغضب» (¬3) كأنه وجدها كلمة ليس لها قيمة ... «قال: يا رسول الله أوصني، قال: لا تغضب، قال: يا رسول الله أوصني، قال له: لا تغضب» ثلاث مرات، كأن الرجل في الأخير فاء لنفسه وطبقها في حياته، قال: فوجدت الخير كله في ترك الغضب؛ لذلك الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب. "الهدى والنور" (743/ 19: 05: 00) ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم7525). (¬2) البخاري (رقم5763) ومسلم (رقم6809). (¬3) البخاري (رقم5765).

[666] باب منه

[666] باب منه سؤال: شيخنا في بعض الأمور ترتكب خاصة في بلادنا هون من الأمور الكفرية يعني نرى خطورتها أعظم من المسألة اللي احنا بصددها، ألا وهي سب الدين والرب، كثير من جماعاتنا وكذا من يسب الله والدين تكراراً ويومياً ويصلي، ولكن هذا أليس كفراً؟ عندك تفصيل لهذا يا شيخ؟ الشيخ: ما يحتاج إلى كبير تفصيل هذا، أنا أعتقد أن هؤلاء الذين تصدر منهم هذه الكفريات اللفظية، خلينا نسميها، بواقع أمرها: الذين تصدر منهم هذه الكفريات اللفظية، نحن نسمع الكثيرين منهم، من يُتْبِعُ كفره بالاستغفار، هذا إيش معناه، معناه أنه هذا يحتاج إلى عصايتين تلاتة ولن يعود مرة أخرى إلى مثل هذه اللفظة الكافرة. أريد أن أقول: هذا من سوء التربية، وعدم قيام الحاكم بالواجب من تربية المسلمين على شريعة رب العالمين، كما قال عز وجل: {وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (البقرة:179)، فلو أن هناك نظاماً يحكم بالإسلام على الأقل من بعض الجوانب منها، اليوم نعرف مع الأسف الشديد أن فرداً من أفراد الرعية لو أنه سب مقاماً سامياً من البشر هذا لا بد من أن يعاقب وأن يسجن، ولا يدقق فيه التدقيق الواجب شرعاً، يا ترى هذه تهمة .. ، بينما تصل القضية المتعلقة بسب رب العالمين أو سب نبيه الكريم أو شريعة الإسلام يفهمون جيداً أن هذا وقع بيلفوها وبمشوها، فهذا كله عكس للحقائق، فلو كان هناك من يؤدب هؤلاء مرة مرتين ثلاثة، وشاع الخبر بين أمثال هؤلاء القليلي الأدب والتربية فسوف لن تسمع أحداً يقع في هذا الكفر اللفظي، فأنا أريد أن أصل، هذا واقعنا مع

الأسف الشديد، يعني ما في من يقيم الحكم الشرعي على هذا الفاسق، فنحن الآن ما الذي نملكه مع هؤلاء، ما نملك شيئاً سوى أن نذكرهم وأن نعرفهم بأنه هذا كفر، فهل أنت تعني ما تقول؟ نحن نعرف أن بعض الكفار من الشباب الذين ربوا تربية لا دينية قد يصارحك بالواقع، بيقلك: بلا الله بلا إسلام بلا كذا إلى آخره، هذا شر ما يمكن أن يقع من أنواع هؤلاء الفاسقين، ماذا يمكنك أن تفعل معهم؟ لا شيء، إذاً ليس لك إلا الكلمة الطيبة إلا النصيحة، وتذكيره بأنك إن كنت مسلماً حقاً، فما ينبغي لك أن تسب رب العالمين الذي خلقك وعدلك وسواك إلى آخره، لذلك بارك الله فيكم نحن يجب الآن أن نهتم بالإصلاح المزدوج، إصلاح القلب والقالب، ولا نتحمس إنه هذا كفر يلاَّ بقى اقتله، ستقتله وقد تكون مخطئاً لأنه قد لا يكون قد كفر كفراً يستحل به دمه، فتقتل أنت مقابل قتلك إياه، وربما تتسع القضية بسبب القبلية أو البلدية أو ما شابه ذلك، لذلك نقول: لا بد من هذا التفصيل لنخلص من كثير من المشاكل، منها هذا الخروج السابق لأوانه. الملقي: هل يدخل في هذا بالنسبة للألفاظ حديث المتفق عليه في الرجل الذي ضلت ناقته. الشيخ: آه أنت ربي. الملقي: اللهم أنت عبدي وأنا ربك الشيخ: اللهم أنت عبدي وأنا ربك نعم، هذا قال بلسانه ما ليس في قلبه. لكن لكن لا يخفى على جميع الحاضرين بخاصة على مثلكم أن هناك فرقاً كبيراً بين هذا؛ لأنه هذا من شدهه. الملقي: نعم.

[667] باب منه

الشيخ: قالها هذه الكلمة الكافرة، لكن ذاك من سوء تربيته. الملقي: لا أقصد أنه هما أن القلب لم يربط على هذه الشيخ: قصدك مفهوم تماماً، الملقي: نعم. الشيخ: لكن أردت أن أنبه على الفرق. "الهدى والنور" (752/ 24: 21: 00) [667] باب منه مداخلة: من الناس من يسب الذات الإلهية، وهؤلاء على ثلاثة أصناف: الصنف الأول: يسب في حالة غضب شديد فإذا هدأ وتذكر استغفر وتاب. الصنف الثاني: يسب جحوداً وإنكاراً وتكبراً وفي كل حالة. الصنف الثالث: يسب عناداً للمتدينين، أو إذا رأى متدين يثير غضبه، فما حكم كل من هؤلاء، وماذا يجب على كل منهم، وماذا يجب على من يعاشرهم أو يسكن معهم؟ الشيخ: الأصناف الثلاثة أنا فهمت صنفين يجمعهما الإيمان وهو الذي يسب في حالة الغضب، والذي يسب في حالة الغضب لكن نعرف عنه أنه يجحد الشرع، فالقسم الثالث ليس واضح حتى نفكر في جواب عنه. مداخلة: يدعي أنه مؤمن لكن ... مثلاً غضب مع أحد المتدينين. الشيخ: هذا واحد، اترك الملحد، والثاني من؟

مداخلة: الثاني: الذي إذا غضب لأي غضب مثلاً يسب ثم إذا هدأ استغفر. الشيخ: هذا هو. مداخلة: ليس [نفسه] ... ، ذاك فقط مع المتدينين. الشيخ: هذا هو واحد يا أخي! ما الفرق بينهم؟ مداخلة: لا، يوجد اثنين مع الملتزمين، إنسان لا يستعمل هذه الطريقة إلا مع الملتزمين، وإنسان مع كل الناس في أي غضب. الشيخ: المهم أخي! من سب الله عز وجل وهو قاصد فهو كافر مرتد عن دينه، أما من يسب الله أو شرعه ودينه وهو في ثورة غضبية، فإذا ما ذكر تذكر وتاب وأناب واستغفر فهذا ليس كافراً بل هو فاسق ينبغي أن يؤدب، ولكن فيما يتعلق بجزء آخر من سؤالك، ما موقف من يسمع من هذا أو ذاك هذا الضلال وهذا الكفر، فنحن نقول: بالنسبة لهذا السامع ليس له إلا أن يذكره وأن ينصحه وأن ينكر ذلك عليه بقوله، أما أن ينكر عليه بالفعل فذلك أولاً: ليس من خصوص الأفراد وإنما هذا من خصوص من كلفه الشارع بإقامة الحدود، فهذا الذي يسب الله أو شريعته هذا إما أن يكون ملحداً فيستتاب فإن تاب وإلا قتل، من الذي يستتيبه ومن الذي يقتله إذا لم يتب؟ هو الحاكم. وإذا قيل كما نسمع دائماً وأبداً: أن الحاكم اليوم مع الأسف في أكثر البلاد الإسلامية لا يطبق أحكام الشريعة، فنقول: إذا الحاكم لم يطبق أحكام الشريعة فذلك معناه: أنه لا يريد أن يطبق أحكام الشريعة، فإذا قمت أنت وطبقت الحكم الشرعي في مثل هذا الكافر معنى ذلك: هو سيعود ويطبق حكمه غير الشرعي عليك، ولهذا فليس لك إلا أن تنصح وأن تذكر.

ثم هناك تفصيل لا بد من مراعاته: كثيراً ما نسمع أن رجلاً وحديثاً سمعنا حادثة مؤسفة: أن أخاً قتل أخته لماذا؟ لأنه علم أنها تتعاطى الفاحشة، وهذا يتكرر مع الأسف في هذا الزمان، يمكن أن تكون هذه الفتاة التي قتلت من أخيها أو من أبيها أن يكون مسئولاً عن وقوعها في الفاحشة هو أبوها وأخوها، حيث أرخوا لها الحبل كما يقال على الغارب وأطلقوا لها الحرية الكاملة، فإذا خرجت من بيت أبيها أو أخيها تخرج متبرجة بزينتها، وهم يشاهدونها بل هم الذين يشترون لها هذا اللباس الخليع، فإذا ما وقعت في الفاحشة الكبرى وهم الذين يسروا السبيل لها في وقوعها في هذه الفاحشة ثارت فيهم الغيرة فقتلوها، فهم الجناة عليها أولاً، ثم قد لا تستحق القتل فقد تكون مثلاً غير متزوجة فلا يجوز قتلها وإنما جلدها. فهؤلاء الذين يريدون أن يتولوا تنفيذ بعض الحدود الشرعية هؤلاء أولاً: يجب أن يكونوا من أهل العلم. وثانياً: يجب أن يكون قد وكل إليهم تنفيذ الأحكام الشرعية، وهذا لا يتحقق في أكثر الأحوال التي تقع اليوم منها: هؤلاء الناس الذين يسبون دين الإنسان لثورة غضبية، فأنت لا تستطيع أن تطبق عليه الحكم الشرعي؛ لأنك ينبغي أن يكون لك سلطة عليه غير الكلام .. سلطة تنفيذية كما يقولون. لهذا إذا سمعتم إنساناً يكفر بلسانه كفراً ما فليس عليكم إلا أن تذكروه، وأن تأمروه بالمعروف وأن تنهوه عن المنكر فإن تاب فبها ونعم وإلا فأمره إلى الله. مداخلة: شيخ! بالنسبة للذي يهدأ ويستغفر، ينفعه الاستغفار أو تلزمه الشهادة؟ الشيخ: الشهادة أخي هنا تجب فيما إذا كان قاصداً والعياذ بالله؛ لأنه كفر،

[668] باب منه وكلمة حول خطورة التوسع في التكفير

وحينئذٍ لا تجب الشهادة فقط، إذا كان متزوجاً طُلِّقَت زوجته فعليه أن يعقد عليها من جديد، تترتب أحكام شرعية فيما إذا كان قاصداً للسب؛ لأن هذا يكون كفراً قلبيًّا. وكثير من هؤلاء الذين تقول عنهم يستغفرون كفرهم هذا كفر لفظي ليس كفر قلبي، فحينئذٍ لا تجب الشهادة، لكن إذا قالها على سبيل الذكر والتوبة والأوبة إلى الله فهذا جيد بلا شك، لكن يجب أن نعرف أنه إذا قلنا: ألا تجب عليه الشهادة من جديد؟ نقول: تجب إذا كان سب عن عقيدة .. عن قلب، ويجب عليه بعد ذلك أمور وأشياء كثيرة كما قلنا آنفاً. "الهدى والنور" (544/ 45: 55: 00) [668] باب منه وكلمة حول خطورة التوسع في التكفير سؤال: شيخنا! أيضاً وردت بعض الآثار عند بعض الأئمة وعن بعض الصحابة كخالد بن الوليد، وبعض الأئمة كالإمام أحمد بكفر شاتم الله أو الرسول واعتبروه كفر ردة فهل هذا على إطلاقه؟ نرجو الإفادة. الشيخ: ما نرى ذلك على الإطلاق، فقد يكون السب والشتم ناتجاً عن الجهل وعن سوء التربية، وقد يكون عن غفلة، وأخيراً: قد يكون عن قصد ومعرفة، فإذا كان بهذه الصورة عن قصد ومعرفة فهو الردة الذي لا إشكال فيه، أما إذا احتمل وجه من الوجوه الأخرى التي أشرت إليها فالاحتياط في عدم التكفير أهم إسلامياً من المسارعة إلى التكفير. ويعجبني بهذه المناسبة أن لبعض الفقهاء قول: إذا اتفق تسع وتسعون عالماً على القول بتكفير شخص بسببٍ ما بدر منه من مكفر، وواحد في المائة قال هذا

ليس كفراً فإنما هو الفسق، قال: لا يكفر هذا حتى يجمع على تكفيره من المائة مائة، هذا هو الحيطة والحذر الذي يستفاد من مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «من كفر مسلم فقد حار الكفر على أحدهما» (¬1) والعبارة الأشهر: من كفر مسلماً فقد كفر. فلذلك ينبغي التحفظ والاحتياط من إطلاق الكفر على مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وبهذه المناسبة أذكِّر بالحديث الصحيح المعروف بأن رجلاً من أصحاب الرسول عليه السلام لقي مشركاً وبَدَءَا بالمبارزة والمقاتلة، فلما صار المشرك تحت ضربة سيف المسلم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فما بالاه بل قتله، فلما بلغ خبره النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غضب غضباً شديداً وأنكر على الرجل المسلم الصحابي الذي قتل ذلك المشرك حينما سمع منه تلك الكلمة الطيبة: لا إله إلا الله، قال: يا رسول الله! ما قالها إلا فراراً من القتل، قال: «هلا شققت عن قلبه» هنا الشاهد «هلا شققت عن قلبه» ظاهر هذا المشرك الذي كان يقاتل المسلم على دينه في تلك اللحظة التي شعر بأنه أصبح تحت ضربة سيف الصحابي قال: أشهد أن لا إله إلا الله الظاهر أنه ما قالها إلا تقية، لكن مع ذلك اعتد عليه الصلاة والسلام بهذه الكلمة الطيبة ونهى ذلك الصحابي عن فعلته التي فعلها. إذاً: التكفير أمر صعب جداً، ثم أنا أرى وهذا يوصلنا بطبيعة البحث إلى لفت النظر إلى ما عليه كثير من الشباب المتحمس اليوم من أن يضيع وقته في إطلاق كلمة الكفر على كثير إن لم نقل على كل حكام المسلمين، إنهم هؤلاء كلهم كفار، فشغلوا أنفسهم بإطلاق هذه الكلمة فنحن نقول: إن هؤلاء الذين يُكَفَّرُون قد ¬

(¬1) سنن البيهقي الكبرى (7/ 403).

يكون فيهم من يصلي مثلاً وقد يكون فيهم من يصوم ومن يحج إلى آخره، فهناك ظواهر تدل على إسلامهم، وهناك ظواهر أخرى قد تدل على كفرهم، فما ينبغي نحن أن نسارع إلى تغليب الكفر على الإسلام بخطورة التكفير كما ذكرنا آنفاً، هذا من جهة، من جهة أخرى: ما الذي نستفيده نحن اليوم من تشهير سلاح التكفير على الحكام أو على بعض أتباع الحكام ما دام أننا لا نستطيع أن نعمل شيئاً مما أباحه الرسول عليه السلام في مثل الحديث المعروف حينما قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا» وفي الحديث الآخر: «ما لم تروا كفراً بواحاً» فإذا رأينا الكفر الصريح ونحن لا نستطيع أن نقاتلهم فما الفائدة من إثارة هذا الموضوع سوى تشغيل أنفسنا أولاً بما ليس هو الأهم بالنسبة إلينا كطلبة علمٍ وفِقْهٍ، وثانياً: بما قد يضرنا في حياتنا الإسلامية ثانياً. إذاً: نحن يجب أن نتورع في استعمال كلمة: «تكفير»، ومن أجل التحذير من فعلة هؤلاء الذين يريد أولئك أن ينزلوا عليهم أحكام الكفر نكتفي بأنهم ضالون، وأنهم قد حادوا عن أحكام الشريعة في كثير منها وفي قليل، فهذا يكفينا أن نقول أن هذا هو الضلال المبين، أما فلان كافر وفلان كافر .. ومن قال كذا فقد كفر إلى آخره. على هذا نحن نقول بالنسبة لذاك السؤال، أما من صدر منه كلمة الكفر فهو معروف عند المسلمين أنه يستتاب فإن تاب فهذا يدل على أنه لم يكن قاصداً لكلمة كفر، وإن أصر على ذلك قُتل قتل ردة وكفر ولا يدفن في مقابر المسلمين. مسألة الكفر حقيقة مسألة خطيرة جداً وهنا أذكر بالحديث وأنهي الجواب عن هذا السؤال .. الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً» ..

عفواً هذا لا يهمنا الآن: «كان فيمن قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط فلما حضرته الوفاة جمع بنيه حوله فقال لهم: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: - وهنا الشاهد - فلئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» هذا هو الكفر شك في قدرة الله عز وجل أن يتمكن من تعذيب هذا المجرم الذي لم يعمل في حياته خيراً قط: «قال: ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» ولتكملة هذه الكفرية ماذا أوصى: «قال: فإذا أنا مت فحرقوني بالنار، ثم ذروا الرماد نصفه في البحر ونصفه في الريح» لماذا؟ في زعمه ليضل عن ربه، الشاهد: فلما مات حرقوه بالنار وأخذوا الرماد نصفه في الريح الهائج والنصف الثاني في البحر المائج، فقال الله تعالى لذراته هذه: «كوني فلاناًَ فكان فلان، أي عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك قال: فقد غفرت لك» هنا الآن نأتي إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48). هذا أشرك، وقد يقول بعضكم: لا هذا ما أشرك هذا كفر، فأقول بمثل هذه المناسبة: أن الشرك والكفر في لغة الشرع لفظان مترادفان، فكل من كفر فقد أشرك ومن أشرك فقد كفر، وهذا له بحث آخر ولا نخوض فيه الآن، الشاهد: أن هذا الرجل حينما ظهر منه أقول: حينما ظهر منه أنه ينكر قدرة الله على جمعه وعلى بعثه ثم على تعذيبه بناء على أنه لم يعمل خيراً قط لما ظهر منه هذا: هذا كفر، إذاً: ما جوابنا عن قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48) هذا كُفْرٌ، ومع ذلك قد غفر؟ الجواب: إنه كُفْرٌ لم يكن مقصوداً بالقلب، لم يكن معقوداً في القلب وإنما من خوفه من ربه تبارك وتعالى على ما جنت يداه من المعاصي والآثام أوصى بمثل هذه الوصية الجائرة التي ربما لم تقع مثلها في تاريخ هذه الدنيا كلها، ثم أوصى بتلك الوصية إنها كفر وإنها ضلال لكننا نقول: ليس كل من

[669] باب حكم من سب الله ورسوله مع أنه يصلي

وقع في الكفر وقع الكفر عليه، هذه حقيقة يجب أن نستحضرها حتى ما نكون من الخوارج الذين يبالغون في تكفير المسلمين بسبب ارتكابهم لبعض الذنوب والمعاصي، وإن كان بحثنا ليس في الذنب والمعصية وإنما هو في الكفر لكننا نفرق بين الكفر المقصود قلباً وبين الكفر الذي لم يُقْصَد قلباً، وإنما قالباً وفعلا، هذا ما أردت التذكير به. " الهدى والنور" (820/ 03: 46: 00) [669] باب حكم من سب الله ورسوله مع أنه يصلي [قال الإمام]: الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «نهيت عن قتل المصلين» (¬1) فهذا الذي رأيته يصلي ومع ذلك سب الله والرسول، هذا يجب أن ينصح، فإذا نصحته تبين لك هل صلاته عن عقيدة أم عن نفاق، فإذا قال لك كما قلنا بالنسبة لبعض المصلين حينما ينصحون أن يصلوا، يقول لك: الله يتوب عليك، أيضاً هذا الذي سب الله ورسوله نصحته قال: الله يلعن الشيطان، استغفر الله، ماذا تقول فيه؟ هل كان كفره عن قصد وعن قلب، أم كان كفره عن لفظ وليس عن قلب .. مداخلة: نحن لا نريد أن نتسرع، نحن نسأل حتى نستفيد بارك الله فيك، لكن معظم الذين ننصحهم ليتركوا سب الله وسب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يتركون ويصرون على ذلك، فما حكم هذا؟ أما الذي يصلي ويسب الله غضب أو جهلاً أو كذا كما تفضلت، هذا علمناه. ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم4271).

[670] باب حكم سب الدين، وبيان موانع التكفير

أما ذاك الذي يصر عليها ونحن ننصحه ويصر عليها. فما حكمه. الشيخ: كافر. "الهدى والنور" (634/ 00:00:01) [670] باب حكم سب الدين، وبيان موانع التكفير سؤال: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني سلمه الله في لقاء سابق معكم قبل ثلاث سنوات سألتم عن بعض السفهاء الذين يستهزئون بالدين وربما سبوا الدين فكان جواب سماحتكم أن مثل هؤلاء يؤدبون ويضربون بالأسواط ثم بعد ذلك ينتهى يعني يتركون ولا يحكم عليهم بشيء، فهذه مسألة حقيقة يعني فهمت من بعض الناس فهماً لا يريده الشيخ ناصر سلمه الله بحيث أنهم ظنوا أن الشيخ يطلق أن الاستهزاء مثلاً بالدين أو سب الدين أو سب النبي ليس كفراً فأريد من الشيخ سلمه الله توضيح هذا، وإن أذن لي الشيخ قبل الجواب أن أقرأ شيئاً يسيرا من فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم العلامة مفتي الديار السعودية رحمه الله حول يعني سؤال سئل الشيخ حول هذه المسألة فأجاب؟ الشيخ: إذا شئت تفضل؟ مداخلة: قال بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة مساعد قاضي محكمة سابطة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ فقد جرى اطلاعنا على خطابكم برقم وتاريخ كذا وكذا بخصوص مسألة معوض بن فلان، وما صدر منه من لعنه دين محمد بن المهدي، وما قررتموه في حقه من جلده

عشرة أسواط تعزيراً واستتابته، ثم توبته واستغفاره وطلبكم منا الإحاطة بذلك؛ ونفيدكم أن سبه دين محمد بن مهدي- والحال أن محمد المهدي مسلم- هو سب للدين الإسلامي وسب الدين كما لا يخفى عليكم ارتداد والعياذ بالله، وعليه فليزمكم علاوة على ما أجريتم إحضار المذكور وأمره بالاغتسال ثم النطق بالشهادتين وتجديد التوبة بعد إخباره بشروطها الثلاثة من الإقلاع عن موجب الإثم والندم على صدوره منه والعزم على عدم العودة إليه، ونظراً لما ذكرته عنه بأنه جاهل بمدلول ما صدر منه فيكتفى بما قررتموه عليه تعزيراً، وفقكم الله والسلام عليكم،، مفتي الديار السعوية، إن أذنت لي أيضاً بفتوى أخرى؟ الشيخ: تفضل. مداخلة: أيضاً هنا حكم من سمى علم التوحيد علم التوحيش وعلم الفقه علم حزاوي العجائز، من محمد بن إبراهيم الشيخ: سماه ماذا؟ مداخلة: حزاوي العجائز. الشيخ: شو يعني العجائز، حزاوي أيش يعني. مداخلة: يعني أحاديث، أحاديث العجائز. الشيخ: هي لغة نجدية يعني؟ مداخلة: لا أعلم يا شيخ. الشيخ: طيب. من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي ... سلمه الله، السلام عليكم ورحمة

الله وبركاته وبعد: فقد وصل إلينا كتابك رقم كذا وكذا وتاريخ كذا وكذا، الذي ذكرت فيه حالة بعض الشباب من تلاميذ المدارس وأنهم يسمون علم التوحيد علم التوحيش ويسمون علم الفقه علم حزاوي العجائز تسأل عن حكم هؤلاء والجواب: لا شك أن مثل هؤلاء متجنون على الشريعة الإسلامية وعلومها، وهذا يدل على استخفافهم بالدين وجرأتهم على رب العالمين، ومن أطلق هذه المقالة على علم التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب وهو يعلم معناها فلا شك أنه مرتد، ولكن ينبغي معرفة الفرق بين الحكم على شخص بعينه وبين من قال من فعل كذا وكذا أو قال كذا وكذا فهو كافر، لأن الشخص المعين لا بد من إثبات صدورها منه باختياره وكونه مكلفاً بالغاً عاقلاً، ومن أطلق هذه المقالة على علم الفقه فهو مخطئ ومتجن على علوم الشريعة لكن لا يبلغ به إلى الحكم عليه بالردة، وعلى كل فيتعين تعزير كل من يصدر منه مثل هذه الألفاظ، فإن كانوا أطفالاً وسفهاء فهذا أخف، وإن كانوا كباراً عقلاء فهذا أغلظ والعياذ بالله، والحقيقة أن هذا مما يستغرب وقوعه ولا سيما من طلاب المدارس الذين يتلقون هذه العلوم في مدارسهم وهي من أهم مقرراتهم. انتهى إلى هنا المقصود من كلامه عليه رحمة الله، تفضل سلمك الله. الشيخ: الذي أراه وأدين الله به وأقول بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسوله: أن الأمر لا يتعدى في عقيدتي ما أسمعتني إياه من كلام الشيخ رحمه الله في فتاواه، لكني أريد أن أوضح شيئاً تضمنه جواب الشيخ لكن يحتاج إلى شيء من البيان؛ فأنا أقول من المعلوم عند كافة العلماء أن الأقوال بمقاصد قائليها فإذا تكلم المتكلم بكلمة تحتمل أمراً مخالفاً للشرع، والمخالفة قد تزدوج فقد تكون كفراً وردة، وقد تكون معصية، وأوضح مثال في ذلك هو الحلف بغير الله تبارك

وتعالى فنعلم جميعاً قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من حلف بغير الله فقد أشرك»، وفي اللفظ الآخر: «فقد كفر»، فلا نستطيع [نقول أن] كل من حلف بغير الله أنه كفر كفر ردة، ولكن قد يكون هذا الحالف بغير الله كفر كفر ردة، قد يكون، وقد لا يكون. ولذلك فلتأكيد أحد الاحتمالين ورفع الاحتمال الآخر فلا بد من معرفتنا بطريقة أو بأخرى ما الذي قصده هذا الحالف؛ فإن كان قصد فعلاً تعظيم المحلوف وهو غير رب العالمين عز وجل تعظيماً له كتعظيمه لله عز وجل -وهذا ما لا يفعله فيما أعتقد أي مسلم- فيكون في هذه الحالة كفر ردة، ولكن كما قلت آنفاً هذا ما لا أعتقده؛ أن فرداً من أفراد المسلمين وما أكثر هؤلاء الذين يحلفون بغير الله عز وجل في بلاد الإسلام، ما أعتقد أن أحدهم يعني تعظيم المحلوف بغير الله عز وجل كحلفه بالله أو أن يجعله أعظم منه، لا أعتقد هذا ولذلك نرى كثيراً من هؤلاء المسلمين الذين غلبت عليهم هذه العادة -عادة الحلف بالآباء والأنبياء والرسل بل وبرأس الرجل وبلحيته وشاربه ونحو ذلك من الأيمان القبيحة- إذا ما ذكر وقيل له رسول الله يقول كذا وكذا فهذا لا يجوز؛ يقول: جزاك الله خيراً، وأنا ما كنت أعرف هذا، ويستغفر الله. هذا مثال أريد أن أصل به إلى موضوع من يسب الله عز وجل، أو يسب نبيه عليه السلام، أو يسب الدين؛ الأمر يعود إلى القصد؛ لأن الإنسان قد يتكلم وقد يفعل فعلاً في حالة غضب شديد يعميه عن الكلام المستقيم الذي ينبغي أن يتكلم به، فإذا ما سمعنا شخص من هؤلاء كما قال الشيخ في بعضهم السفهاء يسبوا الشرع أو الدين أو رب العزة أو نبيه عليه السلام إلخ، فإذا ما ذكروا -هذا يقع كثيراً منهم ومن الناصحين والمذكرين لهم- بيقول: لعنة الله على الشيطان .. أستغفر الله، فهذا يدل على شيء مهم جداً يضطرنا نحن ألا نتسارع إلى إصدار حكم التكفير

بحقه؛ لأنه لم يتقصد الكفر، كيف وهو يستغفر الله ويعترف بخطئه فيما بدر منه، لكن هذا لا يجعلنا .. نبارك له قولته، بل ننكر عليه ذلك أشد النكير، ولو كان هناك حكم أو حاكم يحكم بالشرع لاقترحنا بأن يعزر بأن يجلد عشر أسواط، كما جاء في حديث الرسول عليه السلام المعروف، لكن مع الأسف الشديد مثل هذا الحكم لا يوجد في أكثر بلاد الإسلام اليوم آسفين. ولعل هذا يسوغ لي أن أقول لفقدان مثل هذه الأحكام الشرعية التي نص الشارع الحكيم على فائدتها في مثل قوله تبارك وتعالى في القرآن الكريم {وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} (البقرة:179) عدم قيام الحكام بتنفيذ الأحكام الشرعية هو من أسباب انطلاق ألسنة هؤلاء السفهاء بما لا ينبغي ولا يجوز شرعاً أن يتفوهوا به. فخلاصة الكلام: أن التكفير أمر صعب جداً كما هو معروف عند أهل العلم والأحاديث صحيحة في البخاري وغيره معروفة في هذا المعنى. لكني أريد أن أذكر فرعاً بهذه المناسبة أريد أن أذكر فرعاً فقهياً جاء في بعض كتب المذاهب، وهذا في الواقع متجاوب تماماً مع رهبة تلك الأحاديث التي تحذر المسلم أن يبادر إلى تكفير أخيه المسلم خشية ألَّا يكون كافراً فيعود الكفر على المكفر، لقد ذكروا أنه إذا صدر من مجموعة من العلماء بلغ عددهم تسعة وتسعين شخصاً بتكفير مسلم، لكن عالم واحد قال لا ليس بكافر، فينبغي ألَّا يصدر حكم التكفير بالنسبة لهذا الإنسان ما دام أن هناك عالماًَ يقول هذا ليس بكفر، أفهم من هذا أن هؤلاء الذين فرعوا هذا الفرع لخطورة إصدار الكفر بحق الرجل المسلم، لا سيما إن كان معلوماً بمحافظته على الأركان الإسلامية، ليس

فقط الشهادة، بل على الصلاة والصيام، وكثيراً ما نسمع خلافاً ينشب بين زوجين، فتأتي المرأة وتسأل أن زوجي سب كذا، نسأل يصلي؟ تقول: بيصلي، بيصوم؟ بيصوم إلخ، إذا كيف هذا، وقد خاصمته ونصحته إلخ، إذاً فهذه السبة إذا صدرت في إنسان من حالة غضب يستتاب ويعزر ويجلد إلخ، لكن إذا ما أردنا أن نصدر في حقه التكفير الذي يلازمه الردة، لابد أن نفهم اعترافه بما فعل، فإن اعترف فهو ردة ويقتل وكما هو معروف من الإسلام لقوله عليه السلام: «من بدل دينه فاقتلوه» أما إذا أتبع كلامه بالاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل فهذا دليل أنها ثورة غضبية لا نستطيع أن نرتب عليها ما نرتب على الكلام الصادر بقصدٍ وإرادة، وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «إنما الأعمال بالنيات» وهذا لم تكن النية أن يقصد ما سبه مما ذكر آنفاً، فلا يجوز أن ندينه بكلمته ما دام أن قلبه يخالف كلمته، هذا رأيي في هذا الموضوع. مداخلة: سلمك الله هل يمكن أن نجمل هذا ونقول مثلاً إن شروط التكفير ثلاثة وموانعها ثلاثة؛ شروطها أولاً: العلم ويقابلها الجهل مانعه الجهل، الاختيار: مانعه الإكراه والجبر، التأويل ومانعه عدم التأويل، يعني لو لم نفتح باب التأويل في مسألة نرى أن التأويل قد يدخل فيها لكفرنا الجهمية ولكفرنا المعتزلة الذي يقول لا أدري الله فوق العرش أو تحت العرش، والسلف لم يفعلوا ذلك. هنا سلمك الله عبارة أريد أن أقرأها عليك لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتاب الشيخ الفاضل صالح العبود يقول الشيخ: والشيخ يُكَفِّرُ من كفر بإجماع المسلمين، وهو الذي قامت عليه الحجة، ولا يكفر من لم تقم عليه الحجة حتى أن الشيخ قال- عليه رحمة الله-: إن أول الأركان

الخمسة للإسلام الشهاداتان، وقد أجمع العلماء على كفر تاركها، ووجوب قتاله، أما الأربعة الباقية فإذا أقر الإنسان بها وتركها تهاوناً، فالشيخ يقول: ونحن وإن قاتلناه على فعلها فلا نكفره بتركها؛ لأن العلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود. أيضاً هنا عبارة أخرى ... ينقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: لما استحل طائفة من الصحابة والتابعين الخمر كقدامة وأصحابه ظنوا أنها تباح لمن عمل عملاً صالحاً على ما فهموا من آية المائدة؛ اتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على أنهم يستتابوا فإن أصروا على الاستحلال كفروا، وإن أقروا بالتحريم جلدوا، فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداءً؛ لأجل الشبهة حتى يبين لهم الحق فإن أصروا كفروا، ولهذا كنت أقول الجهمية الذين نفوا أن يكون الله فوق العرش، أنا لو وافقتكم كنت كافراً، وأنتم عندي لا تكفرون. الشيخ: تمام. مداخلة: لأنكم جهال ونحن نعلم بالضرورة -هذا كلام لعله كلام الشيخ ابن عبد الوهاب الباقي الآن- أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يشرع لأمته- أو لعل هذا كلام شيخ الإسلام- أن يدعوا أحداً من الأحياء ولا الأموات ولا الأنبياء ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة، ولا بلفظ الاستعاذة، ولا غيرها، كما أنه لم يشرع لهم السجود لميت ولا إلى غير ميت ونحو ذلك، بل نعلم وأنه نهى عن ذلك كله، وأنه من الشرك الذي حرمه الله ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين، لم يكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولهذا ما بينت هذه المسألة قط - الآن هذا كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -

لمن يعرف أصل دين الإسلام إلا تفطن له، وقال: هذا أصل دين الإسلام، وكان بعض أكابر شيوخ العارفين من أصحابنا [يقول]: وهذا أعظم ما بينته لنا. الشيخ: الله يجزيه خير هذا كلام شيخ الإسلام أكيد؟ مداخلة: كلام شيخ الإسلام نعم، عاد هنا كلام لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لو أذنت لي يا شيخ. الشيخ: تفضل. مداخلة: حينما اتهم بأنه يكفر المسلمين قال: وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم إنا نكفر بعموم. الشيخ: جميل. ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وأنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه- يعني زعمهم أنه يكفر من لم يقم عليه الحجة ونحو ذلك- يقول الشيخ: وكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر- لعله قصده ما يوضع على القبور- وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما؛ لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل؟! سبحانك هذا بهتان عظيم. الشيخ: سبحان الله، هذا كلام عظيم جداً، وأنا أقول: هذا هو الحق ما به خفاء فدعني عن بنيات الطريق

لقد قلنا في كثير من المجالس وإخواننا الحاضرين يعرفون هذا وخاصة هؤلاء النابتة الجديدة التي ديدنها هو تكفير الحكام المسلمين وبالتالي المحكومين، يقولون بأنا نكفر الجماهير ولا نكفر الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، فحكمنا بالنسبة للحكم بغير ما أنزل الله معروف، ولا حاجة للخوض فيه، ولكن أنا قصدي أن أقول أنا لا أكفر هؤلاء العامة الذين يطوفون حول القبور لغلبة الجهل، بل وقلت- ولعل الأخ أبو الحسن يذكر هذا: أنني أتعجب من بعض العلماء الذين يقولون بأنه لا يوجد اليوم أهل فترة، فأنا أقول أهل الفترة موجودون خاصة في بلاد الكفر أوروبا وأمريكا ووإلى آخره، بل أنا أقول قولة ما أظن أحد يقولها اليوم، أنا أقول: أهل الفترة موجودون بين ظهرانينا، وأعني هؤلاء الجهلة الذين يجدون من يؤيد ضلالهم: استغاثتهم بغير الله، والنذر لغير الله والذبح لغير الله، ويسمون هذه الشركيات كلها بالتوسل، والتوسل كما تعلمون نوعان، فهؤلاء من أين لنا أن نكفرهم وهم لم تبلغهم دعوة الكتاب والسنة، أعني هؤلاء العامة والمضللين من بعض الخاصة، والبعض الآخر قد يوجدون في بلد، ولا يوجدون في بلد آخر، هذا الكلام الذي تلوته علي آنفاً أنا متأثر به جداً جداً، حتى قلت أن أهل الفترة اليوم يعيشون بين ظهرانينا يصلون معنا، ويصومون، ويحجون، لكن هم ما يفقهون ماذا يقولون حينما يقولون أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله وهو كما أشرتم في كلامكم، فيما قرأتم؛ لا بد قبل كل شيء من تحققنا من حال هذا المتكلم بأنه عالم بما يقول ويعني ما يقول، فإذا انتفى أحد الأمرين لم يجز لنا بحقه إلا التعزير. ومنذ أيام قريبة جرى بحث بيني وبين بعض الإخوان رداً على هؤلاء الذين

يبادرون إلى تكفير الحكام، وكما يقولون عندنا في سوريا بالكوم بالجملة يعني، المقصود بينت له خطورة التكفير لهذا الذي كنت أتناقش معه وأشرت إلى هؤلاء الذين يفترون علينا الكذب، كما افتروا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره، ولنا أسوة بالأنبياء والرسل كما هو معلوم بالقرآن، قلت إذا رأينا مسلماً، نعرف أنه مسلم، رأينا مسلماً داس المصحف، لا شك هذا أمر منكر، لكن لا يجوز إلى إصدار الحكم بتكفيره حتى نتثبت أنه أولاً فعل هذا الفعل وهو يريد إهانة المصحف، وهو عارف أن هذا الكتاب الذي يدوسه بقدمه هو القرآن الكريم، فإذا كان عارفاً بإنه القرآن الكريم وقاصداً إهانته، فهذ كفره كفر ردة، لكن ما دام أنه يحتمل أن ألَّا يكون هذا القرآن هو كلام الله، أو هذا الكتاب الذي داسه بقدمه يحتمل أنه ليس كتاب الله، ثم مع الاحتمال الآخر يحتمل أنه كتاب الله وهو أراد أن يستهزأ به وأن يهينه أما إن فعل ذلك في حال ثورة غضبية فهو لا يدان وإنما أيضاً يعزر. وأنا أذكر في مثل هذه المناسبة أنني لا أفرق في النتيجة وفي العاقبة بين أن يأخذ الرجل المصحف ويدوسه، أو أن يضرب به الأرض، كل من الصورتين لابد من التفريق، كل من الاحتمالين الأول أنه يدري أنه هذا كلام الله، وثانياً: أنه يقصد الإهانة والاستهزاء بكلام الله، وإلا فنحن نقرأ في القرآن الكريم بأن كليم الله موسى ضرب الألواح بالأرض فهل هذا يعتبر كفراً وكفر ردة؟! حاشا، لكن هو لغيرته على التوحيد ولما رأى قومه قد عبدوا العجل ثارت ثورته، غيرة على التوحيد، ووقع، منه ما وقع لكن هذا الذي وقع ليس بقصد منه، فالقصد هو الأساس في المحاسبة والمعاقبة، فإذا لم يوجد هذا القصد مقترناً مع اللفظ لم يجز المبادرة إلى التكفير وإنما إلى التعزير.

مداخلة: لعل هناك صورة تبين بوضوح ما أردتم الإشارة إليه؟ الشيخ: تبين؟ مداخلة: بوضوح ما أشرتم إليه: قد نرى رجلين كلاهما يمزق المصحف فنعطي هذا حكماً وهذا حكماً، فهذا أراد تمزيقه إكراماً له وحتى لا يهان، فله حكمه، وذاك أراد تمزيقه مما علمنا من نيته إهانة له و ... الشيخ: جميل جداً إذاً إنما الأعمال بالنيات هو هذا أحسنت، لا حول ولا قوة إلا بالله. مداخلة: كلمة ابن القيم وجدناها فأقول لعل أخونا أبو أحمد يضيفها في الشريط بطريقته الخاصة. الشيخ: جميل. مداخلة: وأيضاً هذا كلام ابن القيم يدل على ما تقدم من كلام الشيخ فضيلة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم، يقول ابن القيم: «وسأله - صلى الله عليه وآله وسلم - الحجاج بن علاط فقال إن لي بمكة مالاً، وإن لي بها أهلاً، وإني أريد أن آتيهم، فأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئاً، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقول ما شاء» ... وفيه دليل على أن الكلام إذا لم يرد به قائله معناه إما لعدم قصده له، أو لعدم علمه به، أو أنه أراد به غير معناه لم يلزمه ما لم يرده بكلامه. الشيخ: الله أكبر. مداخلة: وهذا هو دين الله الذي أرسل به رسوله، ولهذا لم يَلْزَمْ المكرهَ على التكلم بالكفر الكفرُ، ولم يلزم زائل العقل بجنون أو نوم أو سكر ما تكلم به، ولم

[671] باب منه

يلزم الحجاج بن علاط حكم ما تكلم به؛ لأنه أراد به غير معناه، ولم يعقد قلبه عليه، وقد قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} (المائدة:89) وفي الآية الأخرى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (البقرة:225) فالأحكام في الدنيا والآخرة مرتبة على ما كسبه القلب وعقد عليه وأراده من معنى كلامه. الشيخ: هذا هو الحق ما شاء الله. علي حسن: كالمسمار في التاج. الشيخ: كلام العلماء يا سيدي، فينطبق عليه خير الكلام ما دخل الأُذُن بغير إِذْن. "الهدى والنور" (880/ 03: 57: 00) و (880/ 10: 24: 01) [671] باب منه سؤال: ما حكم سب الدين؟ الشيخ: حرام، ومن استحل ذلك بقلبه فهو كُفر. "الهدى والنور" (192/ 30: 06: 00) [672] باب منه مداخلة: بعض الناس لما يغضب يعني غضباً شديداً مع أهله أو مع أي واحد آخر يسب الدين أو يسب الرب، ما يكون الحكم عليه؟ الشيخ: الحكم عليه أنه إذا في حاكم مسلم ومتبني مذهب من المذاهب التي

[673] باب منه

ما يحققون ولا يدققون يقطعون رأسه، وإن كان بعد التدقيق فيجلدونه ويحبسونه حتى يتربى، وثاني مرة ما يرجع يتكلم بهذه الكلمة، وهذا يعني أحسن أحواله. "الهدى والنور" (235/ 50: 31: 00) [673] باب منه سؤال: ما حكم الذي يسب الدين؟ الشيخ: إما كافر أو فاسق. مداخلة: طيب مثلاً عصبية ... الشيخ: فاسق. مداخلة: ماذا عليه أن يعمل؟ الشيخ: يتوب إلى الله عز وجل ويعزم على أن لا يعود، ولو أن هناك حكم إسلامي قائم يعملوا له كم عصاية يبطل هو وغيره. "الهدى والنور" (664/ 18: 16: 00)

جماع أبواب متفرقة في مسائل التكفير

جماع أبواب متفرقة في مسائل التكفير

[674] باب متى يكفر من أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة؟

[674] باب متى يكفر من أنكر شيئًا معلومًا من الدين بالضرورة؟ [قال الإمام]: الحق الذي لا ريب فيه أن من أنكر شيئاً ثابتاً في الدين، سواء كان في الأصول أو الفروع فهو كافر إذا علم كونه من الدين، ومع ذلك أنكر، فبهذا الشرط يكفر؛ لأن معنى ذلك أنه لا يصدق الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في كل ما جاء به، وما جاء به كله صواب، فجحد أي شيء منه يعتبر طعناً فيه - صلى الله عليه وآله وسلم -. وذلك كفر بين. وعلى ذلك إذا أنكر شيئاً وهو لا يعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جاء به، فلا سبيل إلى تكفيره إلا بعد تبليغه وإقامة الحجة عليه لقوله تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، ولا مجال بعد ذلك للتردد في تكفيره، ولو زعم أنه يقتنع بذلك أو لم تطمئن نفسه به فإنه ينافي الإيمان به - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. "تحقيق كتاب: التوحيد والعقائد الإسلامية" (ص12 - 13). [675] باب حكم الاستخفاف بفرائض الله [قال الإمام]: الاستخفاف بفرائض الله تعالى كفر ورده؛ لأنه كفر قلبي. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 330).

[676] باب حكم ترك الأعمال

[676] باب حكم ترك الأعمال سؤال: السؤال الأول: هل صحيح أن من مات على التوحيد وإن لم يعمل بمقتضاه وأول مقتضى التوحيد إقامة الصلاة .. هل يكفر ويخلد مع الخارج الكافر في نار جهنم أم لا؟ الشيخ: السلف فرقوا بين الإيمان وبين العمل فجعلوا العمل شرط كمال في الإيمان ولم يجعلوه شرط صحة خلافاً للخوارج، واضح هذا الجواب؟! مداخلة: ما قولكم في تأويلهم لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن كلمة: من لم يعمل أو جملة: «من لم يعمل خيراً قط» ليست على ظاهرها. الشيخ: طيب! ولماذا؟ مداخلة: لأنها جاءت من باب إفهام القارئ أنها من جملة نفي كمال العمل ليس جنسه. الشيخ: نطور السؤال: ما الدليل؟ مداخلة: الدليل من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر». الشيخ: طيب! هل الكفر حينما يطلق يراد به الكفر المقارن بالردة؟ مداخلة: لا، هم يقولون: لا لكن الصلاة .. الشيخ: معليش معليش. إذا قالوا: لا، فما هو الحد الفاصل بين كفر في نص ما أي: القائل إنه كفر ردة، وفي نص آخر ليس كفر ردة، وكل من الأمرين المذكورين في النصين عمل، ما الفرق بين هذا وهذا؟

مداخلة: الفرق كثير جداً يطول تفصيله عندهم بتأويلات أن من ترك جزء العمل ليس كمن ترك كل العمل، أو أن من شابه ببعض الأعمال الكافرين ليس كما يشابه بعض أفعالهم التي نص عليها الشارع أنها كفر يخرج من الملة. الشيخ: هل أجبت عن السؤال؟ مداخلة: هذا جوابهم. الشيخ: لا ما أريد جوابهم، هل أنت شعرت بأن هذا الذي تقول جوابهم هو جواب سؤالي .. مداخلة: لا، الشيخ: إذاً ما الفائدة يا أخي، أنا أريد أن يتنبه إخواننا الطلاب أنه ليس بمجرد الدعوى تثبت القضية، أنا أقول: ما الفرق بين كفر يذكر في مثل هذا الحديث وبين كفر يذكر في حديث آخر، وكل من الأمرين الذي أنيط به الكفر في كل من النصين ... أي: الجامع هو العمل فلماذا هذا العمل كفر ردة وذاك العمل ليس كفر ردة مثلاً قال عليه السلام: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» هل هذا كفر أم دون ذلك؟ كذلك مثلاً قوله عليه السلام والأحاديث في هذا الصدد كثيرة جداً: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ما هو الفارق بين كفر في حديث الصلاة وكفر في حديث القتال؟ لا بد أن يكون هناك دليل يعتمد عليه الذي يفرق. أهل السنة والجماعة الذين نقلنا عنهم آنفاً أن العمل ليس شرط صحة وإنما هو شرط كمال، ولا يفرقون بين عمل وعمل آخر بشرط أن يكون المؤمن قد آمن بذلك الحكم الذي تساهل في القيام به والعمل به، وما نقلته عنهم آنفاً لم يعمل خيراً قط هذا تأويل وإذا صح التأويل في نص كهذا ممكن أن يصح التأويل في

نصهم أيضاً. وأنا أريد الآن أن ألفت النظر بأن هؤلاء الذين يأتون بمفاهيم جديدة تدندن حول تكفير المسلمين بسبب إهمالهم بقيام عمل أمر الشارع الحكيم به، هؤلاء ينبغي أن لا يأتوا بشيء نابع من أهوائهم أو لنقل من جهلهم، بل لنقل من علمهم؛ لأن علمهم مهما كان صحيحاً ودقيقاً فهو لا يساوي هذه المسألة. وهنا لا بد من أن نذكر بما أذكره دائماً وأبداً حول قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115) هؤلاء يتبعون غير سبيل المؤمنين .. هؤلاء لا يقيمون وزناً لهذا المقطع من هذه الآية الكريمة يعني: عندهم الآية سواءً آمنوا في هذا المقطع ومعناه أو لم يؤمنوا به لا فرق عندهم بين أن تكون الآية: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى) لا فرق عندهم بين ما لو كانت هكذا الآية وبين ما هي عليه أنزلت، {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} فنحن نسألهم: هذه التآويل وهذه التفاسير التي تأتون بها من حيث اللغة العربية الأمر واسع جداً، ولا يستطيع أحد أبداً أن يوقف باب التأويل أمام الناس وبخاصة إذا كان أهل الأهواء. إذاً: ما هو الأمر الفاصل القاطع في الموضوع؟ هو الرجوع إلى ما كان عليه السلف، هؤلاء كما أنهم لا يؤمنون بمعنى هذه القطعة من الآية {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هم أيضاً أنا على مثل اليقين لا يؤمنون بمثل قوله عليه السلام: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» لا يؤمنون بمثل قوله عليه السلام حينما سئل عن الفرقة الناجية، قال: «هي الجماع»؛ لأنهم خرجوا عن الجماعة، وكالرواية الأخرى: «هي ما أنا عليه وأصحابي» لا يقيمون وزناً إطلاقاً لما كان عليه السلف الصالح، هذا يكفينا في بيان خروجهم عن مفاهيم السلف

الصالح وبالتالي خروجهم عن الفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة، كأنه عندك شيء؟ مداخلة: عندي جواب على سؤالك شيخ يقول الطبري ... أَذْكُرُه؟ الشيخ: تفضل. مداخلة: ينقلون ويتكئون على كلمة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «الاقتضاء» يقول فيها: أن لفظة كفر إذا جاءت منكرة تدل على أنها كفر اعتقادي، أما إذا جاءت معرفة بأل ومصدراً فإنها تدل الكفر العملي .. الحديث الكفر: «بينه وبين الكفر ترك الصلاة» ... فلم يقل كُفْر قال: الكفر فهذا هو الكفر الاعتقادي .. الشيخ: معليش .. المسألة هنا تكون فرعية والموضوع ليس فرعياً وإنما هو أصل .. مداخلة: صح. الشيخ: نعم، فنحن نعلم أن بعض الحنابلة لا يزالون إلى اليوم يفتون بأن ترك الصلاة كفر ردة، لكنهم ليسوا خوارج ولا يتعدون الخط الذي يمشون عليه الخوارج فلو سلمنا لهم جدلاً بمثل هذا الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغضضنا النظر عن النصوص الأخرى التي نذكرها خاصة في رسالة الصلاة التي تعرفها فإذا صرفنا النظر عن هذه المسألة بالذات؛ لأن الأدلة فيها متقاربة متشابهة، لكن المهم أنهم إذا وفقوا للصواب في تكفير تارك الصلاة فذلك لا يعني فرض تكفير المؤمن في أي عمل فرض عليه لا يقوم به، فهنا المعنى: أن القاعدة سليمة لكن لكل قاعدة شواذ، كما يقول الحنابلة مثلاً .. هم لا يقولون بصحة مذهب الخوارج بل هم ضد هذا المذهب لكنهم التقوا مع هؤلاء أو بعبارة أصح

[677] باب هل ترك الفرائض مخرج من الملة؟

هؤلاء التقوا مع الحنابلة في القول بتكفير تارك الصلاة، لكنهم خرجوا عن الحنابلة وعن الشافعية والمالكية والحنفية وعن بقية المسلمين في قولهم بتكفير التارك للعمل كما قلت أنت أن الإيمان لا يكفي نقلاً طبعاً عنهم .. لا يكفي إنما مقتضاه العمل، بينما الأحاديث التي تعرفونها جيداً والتي من بعض أجزاء أحاديث الشفاعة أن الله عز وجل يأمر بإخراج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة .. مثقال ذرة من إيمان، هذا الإيمان هو الذي ينجي من الخلود في النار وهذا هو من معاني قوله تعالى، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48). "الهدى والنور" (830/ 02: 28: 00) [677] باب هل تَرْكُ الفرائض مخرج من الملة؟ عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة». (صحيح لغيره). [قال الإمام]: قلت: من فقه هذا الحديث ما قاله أبو عبد الله ابن بطة في «الشرح والإبانة عن أصول السنة والديانة» (37 - تحقيق رضا نعسان): لا يخرج الرجل من الإسلام إلا الشرك بالله, أو رد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحداً بها, فإن تركها تهاوناً أو كسلاً؛ كان في مشيئة الله, إن شاء عذبه, وإن شاء غفر له. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 193).

[678] باب حكم تارك الزكاة

[678] باب حكم تارك الزكاة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفايح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار». (صحيح). [قال الإمام]: قلت: هذا نص صريح من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تارك الزكاة الذي يعذب تلك المدة الطويلة أنه ليس بكافر مخلد في النار لقوله: «فيرى سبيله إما إلى جنة، وإما إلى نار» ففيه رد قويّ على بعض الدكاترة وغيرهم الذين يكفرون التارك لمجرد الترك، ويتشبثون بالمتشابه من الروايات! ويتأولون النصوص كعلماء الكلام. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 338). [679] باب منه سؤال: يا شيخ بس أريد أن تشرح لي قضية البخاري والله أعلم بوب باب الردة عندما قاتل مناع الزكاة، كيف تفسر هذا يا شيخ بحكم أنهم تركوا الزكاة قاتلهم أبو بكر الصديق، وسميت: حرب الردة؟ الشيخ: التفسير بارك الله فيك أنت ستجيبني عنه، كيف تفسر قتل الزاني المحصن؟ مالكم لا تنطقون، كيف تفسر يا أخي.

مداخلة: حداً. الشيخ: إذاً: الذي يمنع الصلاة يقاتل، يمنع الزكاة يقاتل، يمنع الصيام يقاتل، المهم لا تربط بين مقاتلة وبين الكفر، لا تلازم بين مقاتلة قوم وبين كونهم مرتدين، وأكبر شيء عندك مشكلة الساعة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات:9) قاتلوا التي تبغي لأنها كفرت؟ لأنها بغت. مداخلة: ولكن .. الشيخ: هذه «ولكن» اسحبها من قاموسك، {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات:9) مقاتلة طائفة من المسلمين لا نستلزم من مجرد المقاتلة أن هؤلاء المسلمين كفار مرتدون مخلدون في النار يوم القيامة، لا نستلزم هذا، الآن قاتل أبو بكر أولئك الناس الذين امتنعوا من الزكاة، هذه المقاتلة لا تعني أنه قاتلهم على أساس أنهم مرتدين عن دينهم بمجرد امتناعهم من أداء الزكاة، الآن ألا تعلم أن هناك أغنياء كثيرون أصحاب ملايين مملينة إذا صح التعبير لا يؤدون زكاتها؟ ألا تعلم؟ هل تقول: هؤلاء كفار مرتدون عن دينهم؟ مداخلة: لا. الشيخ: لا، فإذاً: لو كانت الآن دولة مسلمة ستعيد دولة الخلافة الراشدة وأولها أبو بكر الصديق أي: سيقاتل هؤلاء الممتنعين من أداء الزكاة، إذاً: اجمع الآن في ذهنك يقاتلون لأنهم امتنعوا من الزكاة، ولا يقاتلون أنهم مرتدون عن دينهم لأنك ما حكمت أن تارك الزكاة مرتد عن دينه، فإذاً: لا تلازم بين مقاتلة الخليفة لقوم أنهم قوتلوا لأنهم مرتدون، وإنما أعود لأقول: قد يكونون مرتدين

وقد لا يكونون، أنا ما أقول «قد» واحدة، أقول اثنتين، قد يكونون مرتدين وقد لا يكونون مرتدين، وأتبعها بقد ثالثة، قد يكون بعضهم مرتداً وبعضهم غير مرتد، وهذا موجود في العالم كله، الذي نقول: قد يكون مرتداً، أي: استحل منع الزكاة، وهذا يروى عن بعضهم أنه يحتج بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (التوبة:103) الخطاب موجه للرسول، الآن الرسول راح، فإذاً: نحن لا ندفع الزكاة وليس علينا زكاة، فهذا يكون مرتداً عن دينه، أما الآخرون فلا ... السؤال: في البحث شيخنا نقطة ظهرت لي أثناء مناقشة التكفير في مسألة منع الزكاة، فأحب أن أعرضها لأرى رأيكم فيها. الشيخ: تفضل. السائل: شيخنا في نفس الحديث لما أنكر عمر على أبي بكر، قال أبو بكر كلمة تدل على أنه ما قاتلهم من أجل منع الزكاة بعينها، وإنما من أجل تواطؤهم على المنع، فقال: (والله لو منعوني عناقاً أو عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه) وهذا العناق أو العقال منعه لا يكفر فضلاً عن أن يكون من أركان الإسلام المتروكة أو كذا. هذا أولاً. ثانياً: النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: «ومن منعها فإنا أخذوها وشطر ماله» فلم يقل: كفره أو قتله أو شيء من هذا، فدل هذا أن مقاتلته رضي الله عنه لهم إنما هو لتواطؤهم على منعها ومقاتلتهم عليها، وخاصة في ظروف الردة وحرب الردة وما شابه ذلك. الشيخ: أحسنت جزاك الله خير. "الهدى والنور" (468/ 00: 09: 00) و (468/ 20: 13: 00)

[680] باب الشك في قدرة الله؛ من أي أنواع الكفر هو؟

[680] باب الشك في قدرة الله؛ من أي أنواع الكفر هو؟ سؤال: في الحديث الصحيح الرجل الذي أوصى أحد أبنائه أن يحرقه من أي نوع يكون كفره؟ الشيخ: من أي نوع, تقصد نوع .. ؟ السائل: كفر يعني عملي أو اعتقادي؟ الشيخ: لا اعتقادي, هذا كفر اعتقادي, لكنه كفر بغفلة. " الهدى والنور " (52/ 00:18:00) [681] باب كيف غفر الله للرجل الذي أمر بنيه بأن يحرقوه ... والله عز وجل يقول: «إن الله لا يغفر أن يشرك به» السائل: هل الذي أوصى الرجل أبناءه إذا مات أن يذروه في التراب، أن يذروه في الريح يحرقوه ويذروه حتى لا يستطيع الله أن يجمعه ثم جمعه، فكيف وأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء؟ الشيخ: نعم. نحن ذكرنا هذا أكثر من مرة أن الآية التي ذكرت في ختام سؤالك هي القاعدة وهي الأصل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48) كما أن الآية: {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ} (البقرة:86) المشركون لا يخفف عنهم العذاب، لكن هناك قاعدة في علم الأصول أن كثيراً من العمومات يدخلها التخصيص وإن كان الأصل البقاء مع النص العام حتى يأتي المخصص، فإذا جاء المخصص لا يتردد الإنسان في قبوله سلفاً لا يتردد، ولو أنه لم يظهر له وجه التوفيق بين العام والخاص، يكفي أن ذاك نص عام وهذا

نص خاص. أما ما هي الحكمة وما هي فلسفة الموضوع وتوجيهه هذا بحث ثاني، قد يستطيعه بعض الناس وقد لا يستطيعه، لكن المشي مع القواعد يريح عقل الإنسان ونفسه، هذا عام وهذا خاص: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:116). {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ} (البقرة:86) ممكن يدخل تخصيص من الناحية العقلية؟ ممكن، لكن من الناحية الشرعية ننتظر الشرع، إن جاء ما يدل على التخفيف قبلناه وإلا فنحن مع النص العام ونرفض كل رأي يخالف النص العام إلا إذا كان مقروناً بالدليل ... نحن ننظر ما هو موقفنا نحن أهل الحديث، بالنسبة للحديث الصحيح أن الرسول سئل أن عمك أبو طالب كان يدافع عنك، كان وكان إلى آخره: «هل نفعه ذلك شيء؟ قال: لقد خفف عنه العذاب وهو أخف أهل النار عذاباً، وإنه ليغلي دماغه من شدة العذاب في نعليه» (¬1). المهم خفف عنه العذاب، وربنا يقول ما يخفف عنهم العذاب، إذاً هذا نص عام وهذا نص خاص ما في مانع، نقبله ما دام صح، ولهذه القاعدة والجهل بها يضل كثير من الناس قديماً وحديثاً. الخوارج مثلاً الذين ضلوا في كثير من الأمور الاعتقادية والفروع الشرعية، لماذا؟ لأنهم استندوا إلى نصوص عامة ورفضوا النصوص الخاصة، وقواعد أهل ¬

(¬1) البخاري (رقم3670) ومسلم (رقم531).

العلم هو الجمع بين النص العام والنص الخاص. الآن ما نحن في صدده [ننظر إليه] من زاوية عامة شوية وهي: الذين أشركوا وكفروا وبغوا واعتدوا وما بلغتهم الدعوة، ما حكمهم عند الله؟ هل هم في النار؟ هل هذا ذنبهم مغفور؟ الجواب: نعم، هؤلاء لا يشملهم العذاب الذي هو جزاء الكافرين المخلدين في النار، وإنما لهم معاملة أخرى في عرصات يوم القيامة، يؤمرون بطاعة الرسول هناك، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. هؤلاء الذين دخلوا الجنة داخلين في عموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:116). إذاً: ما جاز لنا أن نأخذ هذا العموم على شموله وإطلاقه، وأنا سأدخل في موضوع الإجابة عن السؤال من باب ممكن الجميع يدركه يعني، حتى ما ندرك شيء ربما لا يدركه بعض الناس. فإذاً إذا وصلنا إلى هذه الحقيقة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (النساء:116) شو صار في هذه الآية؟ بقيت على عمومها وإلا دخلها شيء من التخصيص؟ دخلها شيء من التخصيص، لا يغفر أن يشرك به إلا إذا كان الشرك به دون بلوغ ماذا؟ دعوة، إذاً: الآية ليست على الإطلاق والشمول الذي يتبادر إلى الأذهان، إذا كان هذا واضحاً وظاهراً وهو كذلك بإذن الله. ننتقل الآن إلى قصة هذا الرجل الذي أوصى أولاده بتلك الوصية والتي أعتقد أنها أغرب وصية علمناها في الدنيا، أنه إذا مات أنه يحرقوه، ولماذا؟ قال: «لأني مذنب مع ربي، ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» فهو الآن بين عقيدتين متناقضتين أشد التناقض، هو يعتقد بأنه عاصي ومذنب وهو كذلك،

ويعتقد أن الله عز وجل إذا عذبه فهو عادل، لكن هو يريد أن يخلص من هذا العذاب فوقع في الضلال، فأوصى أنهم يحرقوه بالنار وأن يجعلوا نصف رماده في الريح ونصف رماده في البحر، لماذا؟ ليضل على ربه زعم، ونسي قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:78). هذا الرجل أنا أتصور الآن أنه كان في ساعة شدة فيها غاب عقله ووعيه عن الحقيقة التي يؤمن بها كل من يعتقد أنه عاص مع ربه وأن ربه عز وجل إذا عذبه عادل به، وهو لخوفه من ربه غلب عليه هذا الضلال، والدليل أنه ربنا لما أحياه وقال لذراته المنتشرة في الريح الهائج والبحر المائج: كوني فلاناً فكان بشراً سوياً، قال له: «أي فلان! ما حملك على ذلك؟ قال: خشيتك». فهو مؤمن بالله، لكن يعني خفت منك أي: الخوف [اشتد به] به فأوحى إليه بأن يأتي بهذه الوصية الجائرة، فعلم الله ما في قلبه فقال له: قد غفرت لك. فإذاً هذا النوع من الكفر ليس من الكفر المستمكن في النفس، وإنما هو الكفر العارض لحالة نفسية واضحة جداً في هذه الحادثة، فلا إشكال والحمد لله في هذا الحديث الصحيح. أما الذين يتسرعون ويتفهمون نصوص الشرعية بألفاظها العامة دون أن يدققوا النظر في معانيها الخاصة فهم يضربون نصوص الشريعة بعضها في بعض، بيقولك هذا الحديث غير صحيح ولو رواه البخاري ومسلم، نحن نعرف بعض إخواننا كانت عندهم هذه الجرأة أنه هذا الحديث ما هو صحيح ولو رواه البخاري ومسلم، ... الشاهد: يجب دائماً وأبداً إذا جاءنا حديث صحيح أن نتريث ونتثبت، هذا حديث صحيح؟ إي نعم حديث صحيح على الرأس والعين.

كيف التوفيق بين الحديث والآية؟ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (الأنبياء:7). قد لا توفقون لأهل الذكر، إما لأنكم حرمتم منهم، أو أنتم حرمتم أنفسكم منهم، ممكن هذا وممكن هذا حتى ما نظلم الناس، حينئذ نقف نؤمن أن هذه الآية وهذا الحديث صحيح، التوفيق بينهما الله أعلم به، لكن نحن ما نتسرع فنضرب الحديث بالآية أو العكس لا سمح الله نضرب الآية بالحديث، ليس هذا هو سبيل المؤمنين، ورب العالمين يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115). عندكم الآن مثال واقع في كتاب هذا المسمى بمحمد الغزَّالي أو الغزَالي ما ندري، محمد الغَّزالي القديم فهو بالتشديد، أما الغزالي الحديث فما أدري إن كان بالتشديد أو بالتخفيف. المهم هو في كتابه الآن يضرب حديثاً في البخاري ومسلم بعديد من الروايات يضربها لضيق عطنه وسوء تفكيره، فيأتي مثلاً إلى حديث: «جاء ملك الموت إلى موسى فقال له: أجب ربك، فلطمه لطمة ففقأ عينه» (¬1) يبني هنا علالي وقصوراً. مداخلة: في أي كتاب؟ الشيخ: كتابه الأخير هذا تبع السنة. أيش؟ مداخلة: «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث». ¬

(¬1) مسلم (رقم6298).

الشيخ: أي نعم. يقول لك معقول؟ ملك الموت يأتي إلى موسى كليم الله ويقول له: أجب ربك، يخاف من الموت وبيروح يضرب ملك الموت ففقأ عينه، فرجع ملك الموت إلى ربه قال: «يا رب، أرسلتني إلى رجل لا يحب الموت، قال: اذهب إليه، ارجع إليه وقل له: ليضع كفه على جلد ثور»، «فليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة تحت كفه سنة» رجع ملك الموت وقال له هذه الرسالة التي أمره الله عز وجل بها، قال له موسى: «وماذا بعد ذلك؟ قال: الموت. قال: فالآن إذاً. قال عليه السلام: فقبض روحه، ولو كنت هناك لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر». بيقول لك بقى هذا الغزالي في العصر الحاضر أن هذا الحديث باطل ولو يا أخي رواه البخاري ومسلم، هذه الكلمة لا يقولها عالم، لأن القضية لو قالها الألباني وابن باز مثلاً أمر سهل، لكن هذا رواه البخاري ومسلم وأجمعت عليه الأمة، أجمعت عليه الأمة، ما هو أنه هذا اليوم صحح، هذا مصحح من مئات السنين وتلقته الأمة بالقبول، فلما يضرب هذا الحديث في صدره يقول: ولو رواه البخاري ومسلم هذا لا يعني أنه لا يعتد بعلم البخاري ومسلم وبدقتهما وقوة المناهج التي أقاموا عليها صحاحهما لا، هو لا يعتد بإجماع الأمة، بينما تجد هذا الرجل يقيم النكير على بعض أو أفراد من أهل السنة لأنهم يخالفون الفقهاء المعروفين اليوم، أو على قول بعضهم أو بالأحسن أكثرهم؛ لأنهم يتبعون السنة، يقول: هؤلاء ما يعرفون من الفقه شيء، يخالفون جمهور العلماء ثم يخالفون العلماء كلهم ركوباً لرأسه فقط وجهله فيقول هذا الحديث لا يمكن أن يكون صحيحاً، ياواش ياواش. "الهدى والنور" (234/ 38: 58: 00) و (235/ 38: 00: 00)

[682] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن»

[682] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن» [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن». [قال الإمام]: (فائدة): ذكر الضياء عن ابن حبان أنه قال: " يشبه أن يكون معنى الخبر: من لقي الله مدمن خمر مستحلا لشربه لقيه كعابد وثن، لاستوائهما في حالة الكفر". "الصحيحة" (2/ 287، 289). [683] باب هل الاستعانة بالمشركين ردة؟ السؤال: يا شيخ، فيما يخص قضية الاستعانة بالمشركين وموالاة المشركين، هل هذه تعد ردة أم لا؟ الشيخ: الجواب: في ظني أن السائل يعتقد معي أن الكفر ينقسم إلى قسمين باعتبارٍ ما، كفر اعتقادي وكفر عملي، كفر اعتقادي وكفر عملي، أليس كذلك، أنت معنا في هذا التقسيم أم ما عندك فكرة واضحة حوله؟ السائل: ما عندي فكرة في هذا. الشيخ: حسن جداً، ومن تمام الفكرة أن أي عمل يقترن به نية، فإذا أردنا أن نقول جواباً عن سؤالك: ... موالاة الكفار هل هو كفر ردة؟ يجب أن نطبق التعريف السابق: الكفر كفران، كفر قلبي وكفر عملي، فسؤالك إما أن يتعلق بما يتعلق في القلب سلباً أو إيجاباً، فيعطى له الحكم، أي: إذا كان الموالي للكفار

يفعل ذلك معتقداً جواز ذلك، ومعلوم أن هذا لا يجوز شرعاً باتفاق العلماء فهذا هو الردة بتمامها، وإذا كان إنما يفعل ما يفعل من الموالاة كما يفعل العصاة كلهم من استحلالهم عملياً لما حرم الله ومع ذلك ما يخرجهم العلماء من دائرة الإسلام إلا إذا ظهر من أحدهم أنه لا يستحل ما يفعله من المحرمات عملياً فقط، بل وقلبياً أيضاً، فحينئذٍ نقول: هذا قد ارتد عن دينه، لعلي أجبتك عن سؤالك. السائل: ... تعريف هذا يا شيخ، كيف نعرفه بحكم أنا لا نعلم الغيب، نحكم بالظاهر، كيف نعرفه يا شيخ؟ الشيخ: بنفس الطريق الذي ستعرف كيف نحكم على هذا الذي يأكل الربا، هل عمله كفر ردة أو كفرة عمل؟ كيف تعرف؟ السائل: يعني: إقامة الحجة والبينة، أو يا شيخ ألاترى أن هؤلاء بحكم أنهم يعيشون مثلاً في بلد مسلمين وأقصد هؤلاء الذين تحالفوا بعضهم بعض ألا تقصد أنهم يعيشون بين أيدي علماء، وبين بلدة مسلمة، كيف تقام عليهم الحجة وهم يعني .. الشيخ: هذه مشكلة، يعني: إذا كان بعض الأفراد يعيشون في مجتمع فيه علماء هل معنى ذلك أن هذا المجتمع لا يعصي الله؟ السائل: يعصي الله، لكن هنا تختلف هذه ليست معصية. الشيخ: ما كان بحثنا تختلف أو لا تختلف، نحن يجب أن نمشي إلى توضيح الأمور ليس بالطريق القفز، لأن هذا لا يفيد، لأن الذي يقفز بسرعة يهوي بسرعة، هل هناك في ذاك المجتمع الذي ابتلي مع الأسف بموالاة الكفار قبل هذا الابتلاء كان هناك من يتعامل بالربا؟ كان هناك بنوك تتعامل بالربا؟

السائل: نعم. الشيخ: طيب، هل كان الفرق بين هؤلاء الذين يأكلون الربا ويطعمون الربا في تلك البلاد فرق بينهم وبين هذه البلاد الأخرى من حيث الحكم الشرعي، لماذا؟ ماذا تلاحظ حينما هنا تقول لا فرق، وهناك تقول: يوجد فرق، انظر الآن كيف الإنسان العجل يقع فيما لا يحبه، ما الفرق بين هذا وهذا، ما رأيك فهمت سؤالي؟ مداخلة: أنا فاهم سؤالك يا شيخ. الشيخ: ما جوابك، مد لصاحبك بمددك الآن. مداخلة: نفس الاستعانة نفس أكل الربا، نفسها. الشيخ: نفس الشيء. مداخلة: نفس المعصية واحدة. الشيخ: لا، ليس هذا السؤال، السؤال أنه هل هناك فرق في هذه المعصية بين بلد يعيش أهله بين علماء وبلد آخر قل فيه العلماء كما يريد أن يقول أخونا الجزائري، هل هناك فرق؟ مداخلة: لا ما فيه. الشيخ: هو ما ظهر له بعد، لماذا لم يظهر لك. مداخلة: نرجو من فضيلتكم تفسير هذا الفرق لكي يتبين لنا الحق. الشيخ: معليش، لكن أنا لا أعترف فيما تقول، ليس هناك فرق بارك الله فيك، الفرق يتصور بالنسبة لشخص يعلم أن هذا حرام، وشخص لا يعلم أنه حرام، هذا فرق معترف فيه، يعني: مثلاً هذا أخونا الذي أنعم الله عليه بالإسلام إبراهيم هذا،

باعتبار أنه حديث عهد بالإسلام وكان لما كان في ضلاله القديم يشرب الخمر، وربما ما أقول عنه بالذات ربما غيره ومش بعيد أسلم ولا يزال يشرب الخمر، ممكن هذا أم لا؟ مداخلة: ممكن. الشيخ: ويشرب الخمر وهو لا يدري أنه محرم، ممكن أم لا؟ مداخلة: ممكن. الشيخ: لكن في بلاد الإسلام ليس ممكناً، هذا الفرق موجود، أما أنا أقول الآن: الربا حرام سواء كان رباً سعودياً أو كان أردنيا ًأو سورياً أو جزائرياً، فيه فرق؟ هل هناك فرق؟ مداخلة: لا ما فيه فرق. الشيخ: لا فرق، هل كل هؤلاء في كل هذه البلاد سواء من حيث القول فيهم أنهم كفار، مرتدون كلهم عن الإسلام لأنهم يستحلون ما حرم الله أو كلهم هم مسلمون، وإن كانوا يستحلون ما حرم الله أم قد يكون بعضهم كفاراً مرتدين عن الدين وبعضهم لا يزالون مسلمين؟ ماذا ترى في هذا التقسيم العادل؟ أراك ضعت عني. مداخلة: يا شيخ، أنا أقصد في كلامي هل هؤلاء الحكام آل سعود أو الكويتيين أو المصريين أو أي حكام سواء الجزائريين فنحن يا شيخ هل نحن نعلم أن هؤلاء ظاهرهم يوالون أعداء الله ولا يتبرؤون منهم، فهل هذه أريد جواب دقيق جداً، فهل هذه ردة أم لا؟

الشيخ: ما جوابك بالنسبة للذين يأكلون الربا وهم يعلمون تحريمه؟ ما جوابك المطمئن أنت له؟ مداخلة: نعم يا شيخ ممكن يقدر يأكل الربا وهو ليس معتقد ... الشيخ: أحسنت، لا، يظهر أن هذا المعروف يصبح في كثير من الأحيان مجهولاً، والآن هذا هو الواقع، احفظ هذه الكلمة: ما قولك في الذين يأكلون الربا هل هم كفار؟ مداخلة: لا، إذا كانوا مستحلين لهذا كفار خارجين عن الملة، وإن لم يكونوا مستحلين [فلا]. الشيخ: وإذا قلت هذا الكلام في أولئك الحكام الذين يوالون أعداء الله تكون مخطئاً؟ مداخلة: لا أكون مخطئاً. الشيخ: فهو هذا، إذاً التقينا، ليست المولاة في حد ذاتها كفراً، كفر ردة، ولكنه معصية كبيرة، فمن استحلها بقلبه كالذي استحل الربا بقلبه، كلاهما ارتد عن الإسلام، ومن لم يستحل بقلبه هذه المعصية أو تلك فلا يزال في دائرة الإسلام، وأذكرك بما فعل حاطب بن أبي بلتعة تذكر حديثه، هل كفر؟ مداخلة: لا ما كفر. اشليخ: لماذا، مع أنه والى المشركين، وفي قضية خطيرة جداً؟ مداخلة: أخبر عن أمور المسلمين. الشيخ: وأمور المسلمين وعليهم سيد المرسلين.

مداخلة: ولكن أليست هذه الحالة خاصة. الشيخ: لا تقل: «ولكن» يا أخي، «لكن» استدراك، أنت تستدرك على ماذا، ما في شيء يُستدرك عليه، أنا الآن أسألك: أليس هذا قد والى المشركين؟ إذاً: ما كفر، أليس كذلك. مداخلة: نعم. الشيخ: إذاً: ليس كل موالاة كفرَ ردة، واضح إلى هنا، [الردة] هو الذي اقترن بالاستحلال القلبي، وآنفاً أنت قلت: نحن ليس لنا أن نشق عن قلوبهم، لنا الظاهر، أنا أسألك الآن: هذا الظاهر الذي أنت تركن إليه في مسألة الموالاة المحرمة إسلامياً، ما هو؟ هو أنهم عصوا رب العالمين {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة:51) هذا هو الظاهر، لكن هذا الظاهر نحن اتفقنا أنه محرم، لكن ما هو الظاهر الذي دلك على أن هذا الاستحلال الظاهري هو استحلال باطني أيضاً، عندك دليل على هذا؟ مداخلة: عندي ظاهرهم يا شيخ، أنا أظن أن الباطن قد يوافق الظاهر، نحن نتكلم مع الشيخ لكي نتعلم هذه فرصة لعلها لا تتح لنا مرة أخرى. الشيخ: أنا أذكرك بأن «لا تكن من المقدقدين»، لأن هذه قد تقابل بقد مثلها، أليس كذلك أم ضعت عني أيضاً؟ مداخلة: لا لا، نعم نعم. الشيخ: إذاً: ارفع كلمة قد، وأجب عن سؤالي، هؤلاء الذين والوا المشركين

[684] باب التألي على الله يحبط العمل كالكفر

ظاهرهم أنهم خالفوا نص القرآن الكريم، هذا ما فيه إشكال، لكن كيف توصلت أو تريد أن تتوصل إلى باطنهم لتقول: أن هؤلاء استحلوا موالاة الكفار بقلوبهم، هل لك سبيل إلى ذلك أن تكشف عما في قلوبهم؟ ... إذاً: تبقى عند الظاهر، ما هو الظاهر؟ أنهم خالفوا نص القرآن الكريم، وهذا ليس موضع خلاف. "الهدى والنور" (467/ 59: 53: 00) و (468/ 43: 00: 00) [684] باب التألي على الله يحبط العمل كالكفر [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟! فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك. أو كما قال». [قال الإمام]: فيه دليل صريح أن التألي على الله يحبط العمل أيضا كالكفر، وترك صلاة العصر، ونحوها. "الصحيحة" (4/ 254، 256). [685] باب هل سوء الخلق لا يُغفَر كالشرك؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «سوء الخلق ذنب لا يغفر، وسوء الظن خطيئة تفوح» (باطل لا أصل له) [قال الإمام]:

[686] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الكاسيات العاريات: «لا يدخلن الجنة ... » وهل هو على التأبيد؟

وقد أورده الغزالي (3/ 45) جازماً بنسبته إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - وإذا جاز أن يخفى عليه بطلانه من الناحية الحديثية فلست أدري كيف خفي عليه بطلانه من الناحية الفقهية؟! فإن الحديث معارض تمام المعارضة لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}. "الضعيفة" (1/ 247 - 248). [686] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الكاسيات العاريات: «لا يدخلن الجنة ... » وهل هو على التأبيد؟ سؤال: حديث لا يدخلن الجنة ... الشيخ: .. هذا له عدة تآويل، .. لا يدخلن الجنة إذا استحللن ذلك في قلوبهن، [أما إذا لم يستحللن ذلك] ... فيدخلن الجنة بعد َلأْيٍ ليس مع السابقين الأولين. "الهدى والنور" (19/ 29: 26: 00) [687] باب هل السجود لشخصٍ كفر؟ سؤال: جرى يا شيخ نقاش بين طرفين في مسألة يعني: أراد أحد الطرفين أن يقيم مشهد تمثيلي، وهذا المشهد يستلزم أن أحد الأفراد يسجد لشخص، رفض ذلك الذي طلب منه ذلك الدور بحجة أن هذا كفر، حتى لو لم يقصد به يعني السجود لغير الله حقيقة، فاحتج عليه الطرف الآخر بأن هذا لا يكون كفراً إلا إذا صاحبه اعتقاد، فأي القولين صحيح، وما هو الصواب في المسألة؟ الشيخ: هو في الأصل في الإسلام لا يوجد تمثيليات. مداخلة: نعم صحيح.

الشيخ: إذاً: ما في سجود فهو غير جائز. مداخلة: لأنه تمثيل؛ لكن نفترض أن هذا حدث، ما .. ما. الشيخ: أخذت الجواب: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (الإسراء:23) فمن باب أولى لا تضربهما بكف التمثيل هذا أصله لا يجوز، فإذا كان فيه معصية من باب أولى. مداخلة: أحسنت، بس قول هذا الرجل أن هذا السجود لا يكون كفراً إلا إذا صاحبه اعتقاد؟ الشيخ: معروف، صب هذا القول على التمثيلية. مداخلة: أيوه نعم. الشيخ: أليس كذلك. مداخلة: أي نعم. الشيخ: طيب، السجود هو عمل، والعمل منه اللفظ، وقد يكون اللفظ أشد تعبيراً عن الكفر من الفعل، فإذا قال الرجل المسلم: أنا أعبد اللات، دلالته كلفظ أشد من أن يسجد للات أو لغير اللات، فهل التلفظ هو أولاً خلينا نقول: التلفظ أليس عملاً؟ لا شك، طيب هل كل عمل كفر يدل على الكفر القلبي؟ الجواب أظن متفقون: لا، أليس كذلك أو عندك ريب؟ أو ما لك ماشي معي .. مداخلة: [أرجو] إعادة النقطة الأخيرة؟ الشيخ: أقول: هل كل لفظ صريح في الكفر يدل على أنه نابع من قلبه فهو كافر؟ الجواب: لا؛ لأن هذا في صريح القرآن: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (الأنعام:119)، والآية كما يذكر المفسرون وإن كان في السند شيء من

الضعف، وإلا في قصة عدي بن حاتم الطائي الذي .. هو عدي أو؟ مداخلة: عمار. الشيخ: هاه؟ مداخلة: عمار. الشيخ: عمار. مداخلة: عمار بن ياسر. الشيخ: عمار بن ياسر، عذبه المشركون كما تذكرون جيداً كما عذبوا بلالاً وعرضوا عليه أن يكفر بمحمد عليه السلام وأن يقول فيه: إنه ساحر شاعر كذاب حتى يطلقوا سبيله، فيظهر من شدة العذاب استروح إلى هذه الكلمة وأطلقوا سبيله، لكنه عاد إلى رشده، وقال: ماذا فعلت بنبيي، ذهب إلى الرسول عليه السلام وقص عليه القصة، فقال له عليه السلام: «كيف تجد قلبك؟ قال: أجده مطمئناً بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد»، الشاهد من الآية وليس من الحديث؛ لأن الحديث كما قلنا فيه نظر من حيث ثبوته، لكن لأنه يلتقي مع الآية من حيث دلالاته أن كلمة الكفر إن قالها المسلم غير قاصد لها ومعذوراً لقولها ليس معصية فضلاً عن أن يكون كفراً. واضح إلى هنا؟ مداخلة: أي نعم. الشيخ: طيب، الآن نقول .. نعود إلى جواب ذلك الذي نقلت عنه أنه لا يكون كفراً، نحن الآن عندنا قاعدة شرعية، وهي التي يقولها علماء الأصول: نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، فإذا رأينا رجلاً صدر منه كلمة الكفر ولم يكن هناك قرينة بالنسبة إلينا تدلنا على أنه معذور في هذا القول فنحن لا نكفره هذه أول

مرحلة، ثاني مرحلة: ننظر هل هو معذور بحيث أنه ليس مؤاخذاً بالكلية أو حسبه ألا يكون كافراً؛ لأنه لم يقل ذلك معتقداً وإنما قاله لغواً؟ هنا لابد أيضاً من بحث، فسنقول: إن قال هذا اللفظ وهو مثلاً لا يدريه، ولا يعنيه فشأنه شأن ذلك الرجل الذي قال للرسول عليه السلام حينما خطبهم: «ما شاء الله وشئت يا رسول الله، قال: أجعلتني لله نداً؟ قل ما شاء الله وحده»، ما رتب على لفظه أو على لفظته بالكفر كما يقولون مثلاً تجديداً للإيمان تجديداً للعهد وما شابه ذلك، لماذا؟ لأنه قالها وما يدري معناها ومغزاها، أما إن قالها تحصيلاً للدنيا، يعني: في عندنا هنا معلومتان: إحداهما: من قالها اعتقداً فلا نكفرهم، الأخرى: قالها كسباً مادياً فنضلله ولا نسمح له بمثل هذا الكلام، وليس له عذر في ذلك، هنا يأتي الجواب على ذاك السؤال، أظنه واضح إن شاء الله، يعني: أنا قلنا نحن التمثيليات هذه كلها جاءت لنا من الغرب، وكلها يشوبها إن لم يغلب عليها الكذب، وقد يداخلها كثير من المعاصي كاختلاط الرجال بالنساء وتشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال .. إلى آخره، فهي كفكرة هي غربية أجنبية، وتبني .. أن نتبناها نحن هو من باب: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، فهنا لا عذر لهذا الإنسان إطلاقاً إما ما قد يلزمه من فائدة قد تكون عاجلة وقد تكون آجلة في زعمه أن فيها تحريك النفوس على الخير وما شابه ذلك، لكن الرسول عليه السلام كما قال في الحديث الصحيح: «ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يباعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه». "الهدى والنور" (719/ 44: 17: 00)

[688] باب هل المشاركة في البرلمان كفر أكبر؟ والتفريق بين الكفر العملي والاعتقادي

[688] باب هل المشاركة في البرلمان كفر أكبر؟ والتفريق بين الكفر العملي والاعتقادي سؤال: هل المشاركة في البرلمانات كفر أكبر يخرج كل من شارك في هذا البرلمان [من الملة]؟ الشيخ: لا ... المشاركة عمل، فإذا لم يقترن به ما يدل على أنه يستحل هذا العمل بقلبه فهو ذنب ومعصية، وقد يكون كبيرة وأقول وأعني ما أقول: قد يكون كبيرة؛ لأن بعض الذين يشاركون يضلون بسبب جهلهم بالإسلام، ولا يكونون يعني قاصدين معصية الله -عز وجل-، فعلى كل حال، المشاركة في البرلمانات نحن نعتقد أولاً أنه لا يجوز إسلامياً؛ لأنه يعتبر من أوضح الموالاة للحكم بغير ما أنزل الله -عز وجل-، هذا عملي، هذا كقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة:51)، فهذا التولي هو كفر عملي، فإذا ما اقترن به كفر قلبي فهو كفر، كفر ملة يخرج به عن الإسلام، فالمشاركة بالبرلمانات بلا شك أنه معصية كبيرة، لكن لا يجوز القول بأنه كفر ردة إلا حسب الأفراد، إذا بدر من أحدهم ما يدل على أنه يستحل الحكم بغير ما أنزل الله بقلبه فهو كافر كما كنا شرحنا ذلك في جلسة سابقة. علي حسن: الله يبارك فيكم. شيخنا مسألة كنا سمعنا منكم دليلاً واضحاً عن التفريق أو على التفريق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي وهو حديث: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك مثقال حبة من خرج من إيمان» (¬1). ¬

(¬1) مسلم (رقم188).

الشيخ: نعم. علي حسن: فحبذا لو هكذا نبذه يسيرة في الموضوع حتى يكون تماماً لما قبله. الشيخ: والله، أنت ما شاء الله، تذكر ما صار عندي نسياً منسياً. علي حسن: جزاك الله خيراً يا شيخ. الشيخ: فلعلك تساعدنا في الموضوع، وتذكر ما كنا ذكرناه في بعض المناسبة. الآن لا يحضرني شيئاً أكثر مما يتضمنه هذه الحديث، وهذا الحديث يلتقي كثيراً وكثيراً جداً مع أحاديث أخرى، من ذلك الحديث المعروف عند عامة طلاب العلم من مثل قوله -عليه السلام-: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، الحقيقة أن الإنكار القلبي لكل أنواع الشرك والضلال والذنوب والمعاصي هو مخرج إسلامي لكي لا يقع المسلم في الكفر المخرج عن الملة؛ لأنه جعل مساغاً وملجأً للمسلم أن ينكر المنكر، ومن ذلك بلا شك، بل هو من أوضح المنكرات: الحكم بغير ما أنزل الله، أنه ينجي منكره بقلبه من أن يكون داخلاً في قوله -تبارك وتعالى- على أحد وجهي المعنى الذي ذكرناه في الجلسة السابقة في قوله -عز وجل-: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) أولئك هم الكافرون كفراً يخرج به عن الملة إذا استحله بقلبه، وكفراً عملياً إذا استحله بعمله دون قلبه، كذلك هذا المسلم إذا رأى منكراً ومن ذلك الحكم بغير ما أنزل الله كما قلنا، فلم ينكره بيده؛ لأنه لا يستطيع، الدرجة الثانية: لم ينكره بلسانه -أيضاً- لأنه لا يستطيع، أو يستطيع فلنقل وهذا أهم بلا شك، ولكنه لأمر ما وأسوأه أن يتبع

هواه لم ينكر -أيضاً- بيده، ولكنه أنكر ذلك بقلبه، فهذا الإنكار يرفع مسؤولية كونه أنه أقر هذا المنكر وبسبب هذا الإصرار كفر، لا، لا يكفر كفر ملة خروجاً عن الملة، ولكنه يدور عليه الحكم التفصيلي، إن كان يستطيع أن ينكر بيده فلم يفعل فهو عاصي، وإن كان يستطيع أن ينكر بيده بلسانه فهو عاصي، وإن أنكر بقلبه فهو مسلم عاصي، أما إذا وصل به الأمر إلى أن لا ينكر -أيضاً- بقلبه فهنا المشكلة الخطيرة جداً؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في هذا الحديث وفي ذاك الحديث أنه: «ليس وراء ذلك ذرة من إيمان»، وهنا لا بد لي من التذكير بأنه المسلم يجب أن يأخذ حذره من أن يعتاد بعض المعاصي فلا يجد إنكاراً في قلبه لها، فيخشى حينذاك أن يقع في الكفر الذي يخرج من الملة، وأنا أعتقد أن كثيراً من المسلمين والمسلمات يقعون في هذه المشكلة الكبيرة جداً، بحيث أن قلوبهم أصبحت غلفاً لا تنكر منكراً حتى ولا بالقلب، فهذا المعاصي المنتشرة الآن، مثل التبرج، تبرج النساء وخلاعتهن، ومثل الربا وانتشار التعامل به، بحيث أن كثيراً من الناس انمحى من ذهنهم أن يكون كل هذه الأنواع من المعاصي هي معاصي، ما بقوا يشعرون بذلك، وأنا أستحضر مثالاً يتعلق ببعض النسوة، تجد المرأة متبرجة تبرج الجاهلية قبل العصر العشرين، بمعنى تكون قد لبست لباساً إلى نصف الساقين، ووضعت خماراً ما يسمونه الإيشار وهي تكشف بهذا ناصية رأسها، ولا تشعر بأنه قد عصت ربها، فإذا مرت بجانبها امرأة أخرى زادت عليها في التبرج الحديث كأن يكون مثلاً ثوبها إلى ركبتيها، كأن تكون حاسرة الرأس، كأن تكون مخصرة الثياب ونحو ذلك، فما تكاد تمر بها إلا وتلتفت هكذا تستنكر عليها بقلبها، هذا معناه أنها لا تشعر بأنها هي واقعة في مثلها من حيث أنها خالفت شريعة ربها، لكن لا شك أن تلك أنكر، وقعت فيما هو أشد إنكاراً من هذه التي هي أنكرت ذلك، هذا أيش

معناه، هذا يدلنا أنه هذا النوع من النساء لم يعدن يشعرن بالمعصية، فإذاً لم يبق في قلوبهن إنكار هذه المعصية، فلذلك: على المسلمين أن يحافظوا على أنفسهم بأن يكونوا دائماً في صحبة من يذكرونهم دائماً وأبداً بأن يكونوا بعيدين عن استحلال ما حرم الله، ... على كل حال وضح فيما أظن الجواب عن السؤال السابق أنا لا نؤيد الدخول في البرلمان مهما كان الباعث على ذلك، لكن لا بد من التذكير والتنبيه دائماً وأبداً على أنه لا يجوز الغفلة أو التغافل عن هذه القاعدة الإسلامية الهامة، والهامة جداً جداً، ألا وهو التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي؛ لأنه هذه حقيقة جاءت عليها نصوص شرعية كثيرة وكثيرة جداً، تكلمنا عما يسر الله -عز وجل- من ذلك في الجلسة السابقة، فدخول البرلمان هو كفر عملي، فإذا اقترن به استحلال الحكم بغير ما أنزل الله بالقلب فهو الكفر الاعتقادي المخرج من الملة. غيره. مداخلة: شيخنا بعض الدعوات الآن التي ترى دخول البرلمانات والوزارات يذبون عن الديموقراطية ويتبنونها، ونحن نعلم أن الديموقراطية هي حكم الطاغوت وهي كفر، ففي أي دائرة هؤلاء، بل سمعت أحدهم يقول لما رأى مقالة لشيخنا أبي مالك في المجلة الجديدة الأصالة، قال: هل تسمح لي أن أرد على هذا المقال الذي شيخنا يهاجم فيه الديموقراطية وينتقده، فهذا يعني هم يتبنونها ويدعون إليها، ماذا نقول في هؤلاء؟ الشيخ: يا أخي أنا ولا أظن غيري عنده جواب غير ما سبق، لا بد من التفريق بين الأمرين، هذا الذي أنت تشير إليه، كتب رداً على مقالة الأستاذ أبي مالك، حينذاك سيتبين موقفه إن كان كافراً مرتداً عن دينه، أو يكون ضعيف الإيمان يريد أن ينافح وأن يداهن وما شابه ذلك، فما يكفي، أنت تعرف وهذا -أيضاً- يجرنا

إلى بحث قد يكون -أيضاً- مهماً، في الجلسة السابقة ذكرنا الآية بأطرافها الثلاثة {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة:45) {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (المائدة:47)، وأشرنا إلى أنه كما ينقسم الكفر إلى هذين القسمين، كذلك الفسق، وكذلك الظلم، الآن أريد أن أذكر بتقسيم ثانٍ للفظ رابع، وأظن أن هذا التقسيم سيقضي -أيضاً- على مشكلة قد تكون قائمة في صدور بعض إخواننا من طلاب العلم، فحينما نقرأ قول الله -تبارك وتعالى- في المنافقين أنهم في الدرك الأسفل من النار، ثم نقرأ قوله -عليه الصلاة والسلام-: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» (¬1) فهل يكون هذا المنافق في الدرك الأسفل من النار، الآية تقول في المنافقين أنهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (النساء:145)، والرسول يقول: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب»، فهذا الذي إذا حدَّث كذب هل يكون في الدرك الأسفل من النار، استحضروا التقسيم الثالث، هذا الـ عفواً السابق، استحضروا معي التقسيم السابق، هذا الذي يستحل الكذب أو الخيانة أو ما شابه ذلك من المعاصي التي ذكرت في هذا الحديث أو في غيره، استحل ذلك بقلبه، فهو في جهنم ومع المنافقين، لا، استحله عملياً؛ إذاً كيف الرسول -عليه السلام- في هذا الحديث جعل آية المنافق ثلاثاً، هذا كمثل كثير من الآيات أنه عمل عمل المنافقين، هذا الذي يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ذلك يستلزم أن يحرم ما حرم الله ورسوله، فإذا هو استحل ما حرم الله ورسوله، فيكون قد خالف فعله قلبه، قد خالف فعله اعتقاده، لكن هنا المخالفة من نوعية تختلف عن مخالفة ظاهر المنافق الكافر لباطنه، المنافق الذي هو في الدرك الأسفل من النار يضمر الكفر ويظهر الإسلام، ¬

(¬1) البخاري (رقم33) ومسلم (رقم220).

يضمر الكفر ويضمر الإسلام. نعم، يضمر الكفر ويظهر الإسلام، أما هذا الذي قال فيه الرسول -عليه السلام-: «آية المنافق ثلاث»، هو يضمر الإيمان، ويظهر عملاً خلاف ما أمره الإسلام، فالتقى مع المنافق في هذه الصورة ليس في الحقيقة، الفرق كبير جداً، المنافق الكافر هو كافر بقلبه مسلم في ظاهره، هذا المنافق الذي من علامته: إذا حدَّث كذب، هو مؤمن في قلبه لكنه يخالف في عمله حكم دينه الذي عمل به آمن به، لذلك قال -عليه السلام-: «آية المنافق ثلاث» إلى آخره، إذاً النفاق -أيضاً- ينقسم إلى قسمين: نفاق يخلد صاحبه في النار، ونفاق لا يخلد صاحبه في النار، النفاق الذي يخلد صاحبه في النار هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام، النفاق الذي لا يخلد هو الذي يبطل الإيمان ويظهر عملاً يخالف فيه الإسلام، لذلك قال -عليه السلام-: «آية المنافق ثلاث» إلى آخره، فهذه الدقائق ينبغي أن نكون على معرفة بها حتى ما نقع في إفراط أو تفريط، حتى ما نكفر مسلماً بذنب فنقع في مخالفة السلف الصالح جميعاً وأهل السنة، ولا نتساهل -أيضاً- نقول: معليش، فنقع في الإرجاء الذين كانوا يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، ولا ينفع مع الشرك حسنة، نحن نقول: لا ينفع مع الشرك حسنة، لكن نقول: يضر في الإيمان المعصية والإيمان كما تعلمون جميعاً يقبل الزيادة والنقص، وزيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية؛ إذاً النفاق كالكفر كالفسق كالظلم، لا يمكن أن يساق مساقاً واحداً، وإنما حسب ما قام في الإنسان، فهذا المثال الذي ذكرته يا أبا أنس، هذا قد يرد على الأستاذ أبي مالك أو على غيره، لكن ينبغي أن ننظر إلى رده، هل هو رد يصرح بأنه ينكر شرع الله، فهو مرتد عن دينه. "الهدى والنور" (672/ 58: 11: 00)

[689] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من كفر مسلما فقد كفر»

[689] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من كفر مسلماً فقد كفر» سؤال: أخ يسأل عن قوله عليه الصلاة والسلام: «من كفر مسلماً فقد كفر» يقول: ذكر الإمام النووي عدة أقوال في هذا الحديث، ثم ذكر أن من كفر مسلماً لا يكفر وأن السبب في ذلك هو أن التكفير معصية وبالتالي فإن صاحب المعصية لا يكفر، فهل هذا التوجيه والتعليل قائم على حجة، وما هو رأيكم في هذا؟ الشيخ: هذا الكلام إن كان نقله عن الإمام النووي صحيحاً فليس على إطلاقه، لكن من الصحيح أنه ليس من كفر مسلماً كفر كفر ردة، أي: خرج عن الملة، وإنما قد وقد، والتفصيل الذي لا بد منه: أن من كفر مسلماً مجتهداً مبتعداً أولاً عن حظ النفس والانتصار لها، ثانياً: عاملاً بالقواعد الشرعية الفقهية، أي: أن يكون عالماً بطريق الفقه الصحيح من الكتاب والسنة فَكَفَّرَ مع ملاحظة هذين القيدين بعيداً عن الهوى .. بعيداً عن الجهل، أي: متمسكاً بالعلم الصحيح فكفر مسلماً وتبين أن هذا المكفَّر ليس كما توهم المكفِّر، فالمكفَّر هنا لا يعود الكفر عليه إلا في الحالة الأخرى وهي: أن يكون أطلق الكفر عليه ليس مندفعاً بعيداً عن الهوى .. بعيداً عن الجهل بل هو غارق في الجهل والهوى، فهذا الذي يصدق عليه كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، فإن كان كذلك لحقه الكفر وإلا حار الكفر عليه، أي: رجع إليه فهذا التفصيل هو الذي ينبغي أن يراعى فيه بين الكفر الذي نقول دائماً وأبداً كفر اعتقادي وكفر عملي .. من أطلق الكفر على مسلم باجتهاد صائب فهو لا شيء عليه، بل هو مأجور، أما من أطلق الكفر باتباع الهوى وبالجهل فهنا إما أن يعني الخروج عن الملة فعلاً حينما نسب الكفر إلى المسلم المؤمن بالله ورسوله وهو يعلم أنه مؤمن حقاً فهو الذي يحار ويعود الكفر عليه

[690] باب هل يكفر من عطل الجهاد؟ والكلام على الفرق بين الكفر العملي والاعتقادي

وإلا يكون قد تساهل في شيء من الشروط فيكون عاصياً آثماً كما قال الإمام النووي رحمه الله. هذا ما يبدو لي جواباً عن هذا السؤال. "الهدى والنور" (797/ 10: 07: 00) [690] باب هل يكفر من عطل الجهاد؟ والكلام على الفرق بين الكفر العملي والاعتقادي [قال الإمام]: [ثمة] بحث وموضوع طالما طرقناه في محاضراتنا وفي كثير من تسجيلاتنا، ألا وهو التفريق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي، وهذا أمر ضروري جداً، ومن لم يفرق بين كفر وكفر، يخشى عليه أن يقع في الكفر من حيث لا يدري أو من حيث يدري، من أجل ذلك صح عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وهو ترجمان القرآن بحق أنه فسر قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، قال: ليس كما يظنون إنما هو كفر دون كفر، فمن لم يحكم بما أنزل الله، هنا بيت القصيد من الجواب عن سؤالك عن الآية المذكورة، هل تنطبق على هؤلاء الذين عطلوا الجهاد، فجوابي قد تنطبق على بعضهم ولا تنطبق على بعضهم، كيف ذلك؟ بدليل أثر ابن عباس المذكور: كفر دون كفر. فمن أنكر شرعية الجهاد عقيدة فهذا هو كافر، وهذا هو الذي ينطبق عليه الآية وغيرها، أما من اعترف بفرضية الجهاد سواء كان حاكماً أو محكوماً ولكنه لا يجاهد اتباعاً لهواه، اتباعاً لتكالبه

للدنيا ونحو ذلك، فهذا يكون كفره كفراً عملياً، وليس كفراً اعتقادياً، لا فرق بين الذي يترك الجهاد، وبين الذي يترك الكسب الحلال، وإنما يكسب الحرام بطريق الربا أو بيع الخمر أو ما شابه ذلك، فكل هذه معاصي بلا شك يصدق في متعاطيها ما يصدق على كل حاكم بغير ما أنزل الله، إما أن يكون استحل هذه الأمور قلباً وقالباً أو استحلها قالباً لا قلباً، أي: استحلها عملياً وليس اعتقادياً، فمن ارتكب محرماً في الإسلام وهو يعتقد أنه محرم فهذا كفره دون كفر، ومن استحل محرماً وهو يعتقد أنه لا شيء في هذا الاستحلال ككثير من الشباب اليوم مثلاً الذين ربوا تربية أوروبية خالصة، إذا قيل لهم لماذا لا تصلون؟ يقول لك: الصلاة والطهارة والغسل من الجنابة والوضوء إلى آخره، هذه كانت في زمن الجاهلية القذرين الوسخين، أما اليوم فليس هناك حاجة لمثل هذه الصلاة، هذا هو الكفر الاعتقادي، أما كما هو شأن كثير من الشباب المسلم مع الأسف يقال له: لماذا لا تصلي؟ يقول: الله يتوب علينا. إذاً: هو معترف بالفرضية لكن غير قائم بما فرض الله، كذلك أي حاكم في الدنيا إذا قيل له: لماذا لا تجاهد في سبيل الله؟ إذا قال: الآن ليس هناك جهاد. الآن حرية فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، من هذه التأويلات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فهذا المنكر للجهاد كشرع هذا هو الكافر، أما الذي يعتقد أنه والله يجب أن نجاهد، لكن الله يعيننا، وليس عندنا استعداد كما ينبغي، وريثما نستعد وإلى آخره، وهو يستطيع أن يستعد، فيكون آثماً، لكن إذا كان لا يستطيع ككثير ممن يتكلم الآن من أفراد المسلمين، لا يستطيعون أن يجاهدوا، في المثل العامي: عين لا تقاوم مخرز. وهذه حقيقة، ولذلك خلاصة الكلام أن الجهاد فرض عين،

[691] باب هل كفر سلمان رشدي بكتابه "الآيات الشيطانية" وهل يجب قتله؟

وأشد ما يكون فرضية هو في هذا الزمان؛ لأن الأمم تداعت كما جاء في الحديث السابق تداعياً لم ير مثله في التاريخ الإسلامي مطلقاً. "الهدى والنور" (720/ 00:31:40) [691] باب هل كَفَرَ سلمان رشدي بكتابه "الآيات الشيطانية" وهل يجب قتله؟ السؤال: ما قولكم في أمر سلمان رشدي كاتب كتاب "الآيات الشيطانية"؟ الشيخ: أستغرب من السؤال، أنا ما قرأت الكتاب، وعلى حسب ما نشروا عنه فهو ليس مسلماً، هل يريد غير هكذا، أو السؤال يكون واضح. السائل: هل في رأيكم مما علمتم أن الفتوى بقتل سلمان رشدي من الخميني فتوى صحيحة، والآن وقد أعلن عودته إلى الإسلام هل تنتهي مثل هذه الفتوى؟ الشيخ: ... أرجع أقول أنا ما قرأت كتابه، لكن المقاطع التي نشرت تكفي لإدانته، بناء على ذلك أقول ليس هو أول مرتد عن دينه يجب قتله، ولذلك أنا أقول لماذا التسائل عن هذا الإنسان، والذين كفروا لا يزالوا يكفرون في مصر وفي غيره، لا أحد يتسائل هل يجب قتلهم أم لا وهم مرتدين، لكن هذه أخذت هالة خاصة حول كفر هذا الإنسان من جهة، ودولة إسلامية منحرفة عن الإسلام الصحيح هي الشيعة استغلت وقالت أنه لا بد أن هذا يقتل، وكأنه لا يوجد في دنيا الإسلام في هذا الزمان من يجب قتله من المسلمين المرتدين إلا هذا الرجل مع أنه مع الأسف هؤلاء كثير لا يمكن إحصاءهم. بعدين يا ترى! هل الشرع يفرق بين مسلم ارتد، وبين كافر أصيل في كفره نال

من الإسلام ونبي الإسلام، هل يفرق بين وجوب قتل هذا وذاك؟ مداخلة: هل هذا سؤال له أم سؤال تحديثي؟ الشيخ: لا .. هل فهمته ماذا قلت؟ مداخلة: نعم. الشيخ: أنا أتمم وأقول: هل الكافر الذي نال من الرسول عليه السلام، إما أن يكون ذمياً ومعاهداً، هذا الكافر الذي طعن في الرسول عليه السلام أو في دين الإسلام أو في القرآن أو في أي شعيرة من شعائر الإسلام المعروفة، هذا الكافر إما أن يكون ذمياً، وإما أن يكون معاهداً، وإما أن يكون حربياً، فإذا كان ذمياً أو معاهداً فمجرد طعنه في الإسلام في جانب من جوانبه فقد رفع الذمة من نفسه وأباح دمه؛ لأن دمه أحصن بخضوعه للذمة، فحينما أباها ولم يخضع لها استحق القتل، ولذلك وقع في الإسلام الأول حينما كانت العزة للمسلمين، أن كثيراً من الذميين قتلوا حداً إسلامياً، وإن كان كافراً فهو حلال الدم أصالة، فلماذا لا تثار هذه القضايا وما أكثرها، وإنما قضية مثل هذا الإنسان يألف كتاب تقوم الدنيا، استغلال سياسي غير شريف. مداخلة: هل معنى هذا أنه لا يقتل. الشيخ: هو المعنى يُقتَل ولا يُقتَل؛ لأنه ليس هناك من يَقْتُل. مداخلة: لماذا لا يوجد من يَقْتُل؟ الشيخ: لأنه سيقتل مقابله أكثر من المسلمين، وأنا أضرب له مثلاً وهو عندي أخطر من هذا الكتاب .. يجب قتل العشرات إن لم نقل المئات من البريطانيين غير

[692] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من قال أنا يهودي أو نصراني فهو كما قال»

هذا صاحب الكتاب، منهم صاحب لا أدري ماذا أقول لأن عهدي بعيد، أقول مقهى .. حانة .. مرقص .. ونحن نمر في بعض طرق لندن مكتوب: مكة. هل هو رأى هذا الشيء أو غير وبدل؛ لأنه قامت احتجاجات من بعض الدول العربية؟ مداخلة: موجود. الشيخ: قل له، لو كنت أرى القتل وكان هو معي فيما أرى، لقلت له في ليلة لا قمر فيها، يجب أن ينسف هذا المقهى أو الحانة بمن فيها؛ لأن هؤلاء شر، لأن هذا عنوان مستديم، مستمر، ولا أحد يغير. انتبه يا أبو محمد أن يفهم أني آمره يفعل ... مداخلة: .. الشيخ: وأنا سمعت، يمكن أنتم رأيتم أم لا، بعض الألبسة الداخلية يكتبوا اسم الشهادة أو النعل يكتبوا تحت منه لا إله إلا الله، في هيك شيء؟ أنا قرأت هذا الشيء ولكن ما رأيته، فهذا شيء منه كثير، شو بده الإنسان ليقتل. "الهدى والنور" (436/ 00:37:48) [692] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من قال أنا يهودي أو نصراني فهو كما قال» سؤال: في الـ يعني قول: أنا يهودي، «من قال أنا يهودي أو نصراني فهو كما قال». هنا كيف نفسر الحديث أو كيف. الشيخ: إذا قاله قاصداً. الملقي: أي نعم.

الشيخ: أما إذا قال غاضباً أو مداخلة: نفس المنهج. الشيخ: أخي كل هذه نفس القاعدة تدخل يعني. مداخلة: الحقيقة شيخنا إذا هذه، كل هذه النصوص لم تضبط بالقاعدة الشيخ: أبداً. مداخلة: يصبح خلط عظيم جداً. الشيخ: الله أكبر. الله أكبر. مداخلة: في شيخنا من باب التذكير للإخوان والوصية، أنا أقول بأنا كنا نسمع في السابق من كثير من الجماعات الإسلامية التي كانت ترى بأن الديمقراطية كفر، وبأن الذي يتولى الديمقراطية ولا ندري كيف يتولاها هو من أهل الكفر. الشيخ: الله أكبر. مداخلة: عياذاً بالله تعالى. ثم تغير الحال وتبدل، فأصبحوا يقولون غير ما كانوا يقولون. الشيخ: الله أكبر. شقرة: لذلك أنا أريد، الوصية التي أوصي بها نفسي وإخواني أنه لا ينبغي لنا إلا أن نكون على الخط السوي، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} (الأنعام:153)، لا ينبغي أن نغير أو نبدل مهما كانت الظروف؛ لماذا؟ لأمرين اثنين: أما الأمر الأول: فمنهجنا واضح لا يقوم على الدليل من الكتاب والسنة، وعلى الفهم الصحيح الدقيق الذي عرفناه من سلفنا الصالح. وأما الأمر الثاني: فإني الذي أخشاه -لا سمح الله- إن تغير الحال وتبدل إلى مآل -لا سمح الله- غير ما نرجو، فإن الأمر يكون، كما كان من غيرنا يكون منا -لا قدر الله، ولا سمح الله-.

الشيخ: -لا سمح الله- هناك أثر عن حذيفة بن اليمان، شيء عجيب جداً، كنت ذكرت في بعض الأشرطة حينما تكلمنا عن حرب الخليج فرأينا أناساً كانوا في الأمس القريب يقولون قولاً، فعادوا يقولون قولاً مناقضاً، كانوا ينصرون شخصاً وإذا بهم خذلوه، وكانوا يخذلون شخصاً وإذا بهم نصروه، فعجبت من حذيفة بن اليمان ولا عجب فإنه صاحب سر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كان يقول والعهد بهذا النص بعيد مني، لكن على الأقل سأحاول استحضار المعنى، ولعل الأخ علي أو غيره من إخواننا يستحضر لفظه، يقول: إذا أراد أحدكم أن يعرف هل أصابته الفتنة فتنة هل أصابته أم لا فلينظر إذا كان يقول شيئاً خلاف ما كان يقوله سابقاً فقد أصابته الفتنة. تذكر اللفظ؟ علي حسن: شيخنا، هو الأمر كما قلتَ، يعني الصدر الأول، لكن هو: فلينظر حلالاً كان يحرمه بالأمس وحراماً أصبح يحلله اليوم. الشيخ: هذا هو صدق على كثير من الناس اليوم. علي حسن: شيخنا، في رواية أعم شوي عن حذيفة -رضي الله عنه-. الشيخ: أيوه. مداخلة: إن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وتنكر ما كنت تعرف. الشيخ: الله أكبر، الله أكبر. نعم. "الهدى والنور" (673/ 09: 47: 00) و (673/ 57: 48: 00)

[693] باب هل المنتحر كافر؟

[693] باب هل المنتحر كافر؟ السؤال: قوله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم (¬1): «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ -أي: يطعن- يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ... » الحديث، فما نوع هذا التأبيد، وهل يقتضي الكفر؟ الشيخ: نعم، ظاهر الحديث أن هذا فيمن يستحل الانتحار، فهو كما جاء في الحديث خالداً مخلداً فيها. والكفر عندنا قسمان كما يقول أهل العلم والتحقيق: كفر اعتقادي وكفر عملي، فمن فعل فعل الكفار واعترف بخطأ هذا الفعل آمن بأنه خطأ اتباعاً للشرع، ولكنه غلبه الهوى وغلبته النفس الأمارة بالسوء فكفره كفر عملي، أما إذا اقترن به الاستحلال القلبي فهو الكفر الاعتقادي، وبه يخرج المسلم عن الملة، فمثل هذا يحمل على من كان كفره كفراً اعتقادياً، لأنه لا يخلد في النار إلا من كان كافراً مشركاً بالله تبارك وتعالى. السائل: طيب يا شيخ من أين نأخذ الاستحلال إذا استحل ذلك من ظاهر الحديث؟ الشيخ: من الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48) ومن وصف هذه العقوبة، لأنه لا يخلد في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. " الهدى والنور" (300/ 49: 43: 00) و (300/ 23: 45: 00) ¬

(¬1) (رقم313).

[694] باب هل الكذب المتعمد على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كفر؟

[694] باب هل الكذب المتعمد على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كفر؟ سؤال: بمناسبة ذكر نوح بن أبي مريم، هل الكذب عمداً على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يستوجب الخلود في النار؟ المسألة أن هذا كذب متعمداً كعبد الكريم بن أبي العوجاء، لأجل أن يحرم الحلال، ويحلل الحرام، كما صرح هو بنفسه. هذا يعتبر خرج من الملة لو قصد هذا؟ الشيخ: ... إذا قصد ماذا؟ مداخلة: إذا قصد أن يدخل في الشريعة عمداً لأجل تزييفها ونحوها، هذا كافر؟ الشيخ: كافر. مداخلة: وعامة الوضاعين الذين كانوا يضعون الحديث؟ الشيخ: ليسوا سواء، هناك ... يعني من يضع مثلاً حديث: «شكوت إلى جبريل ضعفي من الإلقاء، فأمرني بأكل الهريسة» (¬1). هذا لا يقصد الدس في الشريعة أو تغييرها، هذا من أجل ترويج البضاعة، كالذي روى أيضاً حديث: «من أكل اليخنة دخل الجنة» .. هذا يروونه بعضهم عن إمام قرية جاءه أحد فلاحي القرية، فوجد اليخنة عنده متكدسة عنده ويخشى أن تفسد، قال له: ما عليك، أنت أحضرها غداً أو اليوم إذا كان يوم جمعة، وضعها أمام المسجد والباقي علي، ففعل الرجل، صعد المنبر: يا عباد الله! اتقوا الله .. إلى آخره، تسلسل، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أكل اليخنة دخل ¬

(¬1) الضعيفة (4/ 181).

[695] باب ما حد الإعراض عن دين الله الذي يكفر صاحبه؟

الجنة»، الناس ما يكادون يصدقون، يخرجون من مسجد اليخنة مكومة أمام باب المسجد، يشترون اليخنة من شان يدخلون الجنة، وفي لحظات انصرفوا من المسجد، نظف المكان من اليخنة، لأن الشيخ قال على المنبر: «من أكل اليخنة دخل الجنة». فهذا بلا شك ريب وافتراء، ويستحق النار، فليتبوأ مقعده من النار، لكن هذا يختلف عن ذلك الذي قصد إفساد الدين والشريعة، هذا متبع هواه. سؤال: أذكر أن الجويني ذكره العلماء فيمن تفرد بأنه حكم على الكاذب على رسول الله بالكفر؟ مداخلة: أبو محمد. مداخلة: أبو محمد الجويني، يذكرون أنه قال عنه أنه كافر. الشيخ: نعم، هذا المنصوص عليه في المصطلح، لكن أنا في اعتقادي لا بد من التفصيل، لا بد من دراسة الدافع له على الكذب. "الهدى والنور" (31/ 45: 34: 00) [695] باب ما حد الإعراض عن دين الله الذي يكفر صاحبه؟ السائل: هناك قول للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في "نواقض الإسلام" يقول: الإعراض عن دين الله: لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} (السجدة:22) فنرجو شرح هذا الكلام، يعني: كيف يكفر من يأتي بهذا العمل، الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به؟

[696] باب هل صدام كافر؟

الشيخ: أنا أفهم الإعراض هنا كما أفهم لفظة الكفر في مواطنه التي ذكر فيها الكفر من الكتاب والسنة، أفهم أن الكفر نوعان: كفر اعتقادي، وكفر عملي، كذلك أقول ولا حاجة للتفصيل؛ لأني أعتقد أنك فيما أظن والله أعلم تعلم الفرق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي؟ أليس كذلك؟ مداخلة: نعم. الشيخ: نعم، ولذلك فلا داعي للتفصيل، لكني أقول: إن الإعراض يكون كالكفر إما أن يكون عملاً وإما أن يكون عملاً واعتقاداً، فإذا كان الإعراض فيه الاعتقاد فهو الكفر الاعتقادي، وإذا لم يكن فيه الاعتقاد فهو كالكفر العملي ولا إشكال في ذلك وبمعنى آخر: نستطيع أن نقول: إن الآية تعني بصراحتها حيث قال: {وَمَنْ أَظْلَمُ} (السجدة:22) أي: لا أظلم فهي تعني الإعراض القلبي وليس فقط الإعراض العملي فهي تعني الكفر الاعتقادي. "الهدى والنور" (232/ 14: 42: 00) [696] باب هل صدام كافر؟ سؤال: نريد أن نسأل هل صدام كافر؟ الشيخ: صدام اضطربت فيه الأقوال، وأنا أقول دائماً وأبداً: لا يهم المسلم، بل المسلمين جميعاً أن يعرفوا أن الفلان الحاكم هو كافر أو فاسق؛ لأن كلاًّ من الأمرين حسابهما واحد بالنسبة للمسلمين؛ لأننا إذا قلنا بأنه كافر، أو قلنا بأنه فاسق مسلم فاسق ليس بكافر ما هو الحصيلة؟ مداخلة: الخروج عليه والمواجهة ....

الشيخ: نعم. ومن الذي سيخرج الذين عجزوا أن يخرجوا على اليهود، مَنْ الذين سيخرجون؟! ولذلك فأنا أقول: إن الشباب المسلم اليوم ضائع حينما يسأل مثل هذا السؤال، ويظن ويتوهم أو يتحقق مش مهم أنه فلان الحاكم كافر مرتد عن الدين طيب. ماذا يفعل الشاب؟ يخرج عليه هو مش قادر أنه يخلص حاله من ظلم هذا الحاكم المستبد فضلاً من أن يتمكن من الخروج عليه والقضاء عليه. ثم التاريخ المعاصر اليوم أكبر دليل على أن المسلمين أو الشباب المسلم بالأحرى لا يستطيع لا يعرف كيف يعمل لدينه ولإسلامه، فكلنا يعلم أنه قامت هناك ثورات عديدة في بعض البلاد الإسلامية، وكانت الحماسة الدينية فيها هو الدافع الأول، لكن ماذا كانت الثمرة؟ كانت مرة جداً كانت العاقبة سيئة من حيث أرادوا الإصلاح فوقعوا في الإفساد، والسبب هو ما ذكرته آنفاً بالنسبة للانتفاضة عدم الأخذ بالوسائل الشرعية والمادية، واضح؟ فإذاً: نعود إلى سؤالك، فإن كان صدام كافراً مرتداً عن دينه فواجبنا نحن بصفتنا مسلمين أن نعمل لإقامة المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية، ويومئذ ينسحب من الطريق زيد وبكر سواءً كان كافراً أو كان فاسقاً، عرفت كيف؟ ولذلك فأنا لا أستحسن بأي وجه من الوجوه أن الشباب المسلم يشغل نفسه باستصدار أو استجلاب فتاوى بأنه فلان حاكم كافر، أو فلان الحاكم مسلم؛ لأنه ما هناك فائدة عملية من وراء هذه الفتاوى وهذه الإجابات أو الأسئلة فيما ذكرت لك آنفاً. "الهدى والنور" (344/ 53: 12: 00)

[697] باب ذكر أذناب الخوارج

[697] باب ذكر أذناب الخوارج [عن جرير] رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة»، وفي رواية: «فقد كفر حتى يرجع إليهم». (صحيح). [قال الإمام]: قلت: هذا اللفظ موقوف على مسلم لكن قال راويه منصور بن عبد الرحمن: «قد روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولكني أكره أن يروي عني ههنا بالبصرة»، يعني أنها كانت ممتلئة بأهل البدعة من الخوارج وغيرهم القائلين بتكفير أهل المعاصي وتخلديهم في النار كما في «شرح مسلم». قلت: وقلدهم في العصر الحاضر جماعات عدة، وسرت فتنتهم في كثير من البلاد بسبب الجهل بعقيدة السلف، وفيهم مع الأسف من ينتمي إلى العمل بالحديث، وقد لقيت كثيرين منهم وناقشتهم مرات ومرات، فهدى الله منهم جماعات، والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات. "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 757). [698] باب بدعة البراءة [قال] أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "الإيمان": حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، قال: اجتمع الضحاك وميسرة وأبو البختري فأجمعوا على أن الشهادة بدعة، والإرجاء بدعة، والبراءة بدعة. (إسناده إلى الجمع المذكور صحيح).

[699] باب رد شبهة لمكفري أصحاب الكبائر

[قال الإمام]: و (البراءة) هي من بدع الخوارج، الذين خرجوا على علي رضي الله عنه وتبرؤوا منه، ثم صارت البراءة لهم مذهباً عرفوا به، حتى كانوا يتبرؤون ممن كان منهم لمخالفته لهم، ولو في مسألة واحدة. انظر تفسير ذلك في "مقالات الإسلاميين" لأبي الحسن الأشعري (1/ 156 - 196). "تحقيق الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام" (ص 64) [699] باب رَدُّ شبهةٍ لمكفري أصحاب الكبائر سؤال: قد ذكرنا لأفراد من جماعة التكفير أن أصحاب الكبائر قد يغفر لهم أو يدخلون النار لمدة معينة ثم يخرجون ولا يخلدون, فقالوا: إن هؤلاء قد تابوا في الدنيا، ولكن توبتهم لم تطهرهم كلياً من الذنوب، كأن لا تقام عليهم الحدود مثلا واستدلوا بحديث بمعناه، هو: أن من الناس من يعني يذكِّره الله عز وجل بذنوبه يوم القيامة، ثم يقول: رب قد تبت، قد تبت، فما مدى صحة هذا القول والحديث؟ الشيخ: أما الحديث بهذا اللفظ ما أعرفه, وأنت باعتبارك طالب علم يجب أن تعرف كيف تُؤكل الكتف، فعندما يقول لك واحد من هؤلاء الذين يسمون بجماعة الهجرة والتكفير: الحديث الفلاني، فبدل ما تنتظر تُحَصِّل الفرصة تجتمع مع الشيخ الذي ابتليت به وهو الألباني وتسأله هذا الحديث شو, له رأساً وجه له السؤال قل له هذا الحديث من أين جئت به هل هو حديث صحيح ومن الذي رواه؟ بهذه الصورة نضع حدًّا لهؤلاء أن يحتجوا بكل ما يشتهون, بعدين بتخففوا عنا, أنا والله ما عرفت هذا الحديث ولا سمعته إلا هذه الساعة, فربما هو لأنه بيهمه هذا الحديث بيجوز يكون شايفه في كتاب بيقول لك هذا رواه البزار مثلا؛

[700] باب في الرد على من يكفر بالذنوب ومن يوجب تعذيب الفاسق

فأنا حينئذٍ رأساً براجع البزار بينما هلاََّ إذا بدي أراجع شو بدي أراجع مئات الكتب وقد نحصله ولا ما نحصله. أما التأويل الذي ذكرته آنفا فهذا دليل أنه الجماعة بيتطوروا، يعني: من أين جاء أنه تاب لكن توبته ما كانت نصوحاً, فالذي تاب ولم تكن توبته نصوحا أهو مذنب أم غير مذنب؟ هو مذنب, طيب, فهل هؤلاء يغفر لهم أم لا؟ ثم أنت خليك مع قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48)؛ لأن هذه الآية في الواقع بالنسبة لهؤلاء الجهلة هي قاصمة الظهر لأن النص جامع مانع كما يقول العلماء "لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " يغفر ما دون ذلك؛ يعني: يغفر ما ليس بشرك، فالكبائر ومو كبائر هذه فلسفة دخيلة في الإسلام، وهؤلاء أذناب أولئك الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين وصار مذهباً لهم الخروج على كل الخلفاء الذين يأتون من بعده. " الهدى والنور " (52/ 10: 14: 00) [700] باب في الرد على من يكفر بالذنوب ومن يوجب تعذيب الفاسق [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه».

[701] هل إخراج أهل الكبائر من النار خاص بأمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -

[قال الإمام]: وفي الحديث رد كما قال العلماء على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، وعلى المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة، لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أخبر بأنه تحت المشيئة، ولم يقل لابد أن يعذبه. قلت: ومثله قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48). فقد فرق تعالى بين الشرك وبين غيره من الذنوب، فأخبر أن الشرك لا يغفره، وأن غيره تحت مشيئته، فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له، ولابد من حمل الآية والحديث على من لم يتب، وإلا فالتائب من الشرك مغفور له، فغيره أولى، والآية قد فرقت بينهما. وبهذا احتججت على نابتة نبتت في العصر الحاضر، يرون تكفير المسلمين بالكبائر تارة، وتارة يجزمون بأنها ليست تحت مشيئة الله تعالى وأنها لا تغفر إلا بالتوبة، فسووا بينها وبين الشرك فخالفوا الكتاب والسنة، ولما أقمت عليهم الحجة بذلك في ساعات، بل جلسات عديدة، رجع بعضهم إلى الصواب، وصاروا من خيار الشباب السلفيين، هدى الله الباقين. "الصحيحة" (6/ 2/1267 - 1268). [701] هل إخراج أهل الكبائر من النار خاص بأمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - قال صاحب الطحاوية: وأهل الكبائر [من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -] في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون .. [فعلق الإمام قائلاً]: ما بين المعكوفتين لم ترد في المخطوطات الثلاث. ولا في مطبوعة (خ)

[702] باب من عقائد الخوارج في العبادات

وحذفها أصح؛ لأن مفهوم هذه الزيادة أن أهل الكبائر من أمة غير أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل نسخ تلك الشرائع به؛ حكمهم مخالف لأهل الكبائر من أمة محمد، وفي ذلك نظر فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أخبر أنه: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» ولم يخص أمته بذلك بل ذكر الإيمان مطلقاً، فتأمله. "التعليق على متن الطحاوية" (ص72). [702] باب من عقائد الخوارج في العبادات [قال الإمام]: الخوارج لا يرون المسح على الخفين. "الصحيحة" (7/ 2/1343). [703] باب هل للقاتل توبة؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه متلبباً قاتله بيده الأخرى، تشخب أوداجه دماً، حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني. فيقول الله للقاتل: تعست، ويذهب به إلى النار». [قال الإمام]: قلت: وقول ابن عباس: " وأنى له التوبة " مشهور عنه من طرق، والجمهور على خلافه، وقد صح عن ابن عباس ما يدل على تراجعه عنه إلى قول الجمهور. "الصحيحة" (6/ 1/444 - 445).

[704] باب منه

[704] باب منه لما نزلت هذه الآية التي في (الفرقان): {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} عجبنا للينها، فلبثنا ستة أشهر، ثم نزلت التي في (النساء): {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} حتى فرغ ". [قال الإمام]: في رواية البخاري المتقدمة عن ابن عباس أنه قال: لا توبة للقاتل عمداً، وهذا مشهور عنه، له طرق كثيرة كما قال ابن كثير وابن حجر، والجمهور على خلافه، وهو الصواب الذي لا ريب فيه، وآية (الفرقان) صريحة في ذلك، ولا تخالفها آية (النساء) لأن هذه في عقوبة القاتل وليست في توبته، وهذا ظاهر جدا، وكأنه لذلك رجع إليه كما وقفت عليه في بعض الروايات عنه، رأيت أنه لابد من ذكرها لعزتها، وإغفال الحافظين لها: الأولى: ما رواه عطاء بن يسار عنه: أنه أتاه رجل، فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا. قال: " تب إلى الله عز وجل، وتقرب إليه ما استطعت ". فذهبت فسألت ابن عباس: لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: " إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 4) بسند صحيح على شرط " الصحيحين ". الثانية: ما رواه سعيد عن ابن عباس في قوله: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا}، قال: ليس لقاتل توبة، إلا أن يستغفر الله. أخرجه ابن جرير (5/ 138) بسند جيد، ولعله يعني أنه لا يغفر له، على قوله الأول، ثم استدرك على نفسه فقال: " إلا أن يستغفر الله ". والله أعلم. "الصحيحة" (6/ 1/708، 711 - 712).

[705] باب هل يقبل الله توبة القاتل؟

[705] باب هل يقبل الله توبة القاتل؟ السائل: التقيت بأخ بلغ من العمر السن الكبير، ولا يصلي ... ، فأقول له: يا أخي بلغت من العمر، والله سبحانه وتعالى منعم بصحة ومال وكل شيء، لماذا لا تصلي؟ قال: كيف أصلي وأنا قاتل، قتل أثناء وظيفته، وهذه عنده كعقدة دائمة كيف أصلي وأنا قاتل وأنا عارف حالي إلى الله، فأفدني بماذا أجيبه؟ الشيخ: سامحه الله، هذه مشكلة الجهل، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا، وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الفرقان:63 - 70). فإذاً: هذا الإنسان عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وكما قال عليه السلام في الحديث الصحيح: (الندم توبة)، فإذا كان هذا كما تنقل عنه ندم على قتله بذاك الإنسان، فهذه توبة، فلماذا لا يصلي، أنا أخشى ما أخشاه أن يتخذ الذنب الذي وقع منه مرة في حياته تبريراً لآثامه وذنوبه المتكررة وهي المثابرة على ترك الصلاة. مداخلة: سألته كيف حدث القتل، قال: كنت في الجبهة في زيارة لبعض المواقع، كان فيه مركز رئيسي، وأحسست بإحساس الجندي أننا أصبحنا مستهدفين

[706] باب كيف الجمع بين عدم قبول توبة القاتل وبين ما هو معلوم من قبول توبة الكافر؟

لقذائف العدو، طلبت من آمر السرية الموجودين أن يأمر أعضاء السرية بالتفرق، فأبى، فما كانت هي إلا لحظات حتى سقط عليهم القذائف، وكان نتيجتها أن قتل من السرية ستة عشر واحد، قائد السرية ومعاونة كانوا سليمين، فيقول له: هذا جزاء مخالفتك للأوامر عشان الوضع الحرج الذين كانوا موجودين فيه قائد السرية، فلما شتمه كمل عليه وقال له نم مع الذين قتلوا، هذه القصة التي هو رواها. الشيخ: معليش، بس هذه صورة ما تنجيه من إثم القتل وإن كان قتل من نوعية غير نوعية الاعتداء المباشر، لكن على كل حال أرجو أن تكون أنك فهمت الجواب، أنه لو واحد قتل إنساناً ظلماً وبغياً وعدواناً دون أي تأويل كهذا التأويل الذي تنقله عن صاحبك هذا، لو قتل هكذا عامداً متعمداً عن سابق عزم وتصميم فهذا إذا تاب إلى الله عز وجل قبل الله توبته، أنا أرجو أن تنقل ما سمعت، أنا أخشى ما أخشى أن يتخذ هذا القتل ولو بهذه الصورة وسيلة له أن لا يصلي، فيتخذ الذنب وسيلة لذنوب متراكمة عليه، أما أن تتوب إلى الله عز وجل، والله عز وجل يقبل التوبة، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (الزمر:53)، فهكذا تبلغه إن شاء الله. "الهدى والنور" (261/ 28: 25: 00) [706] باب كيف الجمع بين عدم قبول توبة القاتل وبين ما هو معلوم من قبول توبة الكافر؟ سؤال: يقول السائل: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة» (¬1) ما هو تفسير الممكن لهذا الحديث بما لا يتعارض مع المعلوم من أن الله ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم23).

[707] باب حكم من يدوس المصحف والكلام على الكفر العملي والاعتقادي

يتوب على الكافر إذا أسلم، فهل قتل المؤمن أشنع من الكفر؟ الشيخ: الجواب: نصف العلم لا أدري. "فتاوى الإمارات" (2/ 00:03:35) [707] باب حكم من يدوس المصحف والكلام على الكفر العملي والاعتقادي سؤال: ... والحديث الآخر: «بين الرجل وبين الكفر والشرك» نعم، فإن قيل بأنها من العمليات والعمل، وأن الكفر العملي مطلقًا لا يخرج من الملة حتى من وقع منه السخرية والاستهزاء بالدين، أو من ألقى المصحف في مزبلة مثلًا .. الشيخ: من يقول هذا الكلام؟ مداخلة: لا، لا، أنا أُمَثِّل الشيخ: كيف؟ مداخلة: أنا أمثل الآن ليس جواب عنها، نعم، فهل يقال: أن هذه بمجموعها داخلة تحت هذا الكفر العملي؟ الشيخ: أنت عرفت هذا الكفر العملي والكفر الاعتقادي؟ مداخلة: نعم. الشيخ: الذي يستهزئ إيش كفره. مداخلة: هو قد يكون أنه مؤمن وأنه .. الشيخ: لا تقدقد الله يرضى عليك! مادام تريد إزالة الإشكال كن صريحًا: ما

حكم من يستهزئ بكتاب الله أو يضع قدمه على كتاب الله، هذا كفر عملي عندك أو اعتقادي؟ مداخلة: يدل على أنه كافر كفرًا اعتقاديًا. الشيخ: ما في حاجة إلى هذا الكلام، كفر عملي، أو اعتقادي؟ خير الكلام ما قل ودل، ما يمنعك أن تقول كفر اعتقادي؟ لماذا تبعدون النجعة تقول: يدل على كذا وكذا، السؤال واضح: هل هو كفر عملي فيما تفهم أنت أو كفر اعتقادي؟ الجواب: كفر عملي أو كفر اعتقادي، ما هو الجواب عندك؟ مداخلة: الذي أفهم أنه كفر عملي، ولكن طبعاً هذا خارج من الملة؛ لأنه هذا يدل على عقيدته، ليس مؤمن، ليس أنه مشرك ... الشيخ: أنت إذًا أنت ما تعرف والله أعلم بجوابك هذا، وهو قولك: يبدو لي أنه كفر عملي! مداخلة: لا. الشيخ: الكفر العملي مثل النفاق العملي، والكفر الاعتقادي مثل الكفر الاعتقادي .. ما هو النفاق العملي؟ مداخلة: يعمل عمل المنافقين كالكذب. الشيخ: طيب! فهل هذا يكفر؟ مداخلة: لا. الشيخ: طيب، متى يكفر؟ مداخلة: إذا اعتقد حله مثلًا.

الشيخ: إذا إيش؟ مداخلة: كأن يعتقد حله ... الشيخ: حسن، فكيف يدخل في عقلك أن إنسانًا مؤمنًا بأن هذا كتاب الله حق وصدق ويدوسه بقدمه؟! أنت نظرت فقط إلى عمله، فقلت: إنه كفر عملي، لكن لو نظرت إلى ما يدل هذا العمل على ما وقر في قلبه، فهل تجمع في ذهنك أن مؤمنًا بكتاب الله يضع قدمه على كلام الله؟ مداخلة: أبدًا. الشيخ: إذًا: كيف قلت: يظهر لي أنه كفر عملي؟ مداخلة: نعم، أنا أريد أن أصل إلى هذا حتى أورد إشكالاً وهو .. الشيخ: لكن لا يجوز أن تقول بارك الله فيك: الذي لي يظهر لي أنه كفر عملي؛ لأنك سرعان ما ستقول: لا، بل هو الكفر بعينه، ما ينبغي هذا؛ لأن الجدل والبحث والمناقشة يكون بأن يكون المؤمن صريحًا مع أخيه المسلم، وليس يلف ويدور إلى آخره حتى يصل إلى هدف ... إلى آخره. فأنت أحد الرجلين: إما تعتقد أن هذا العمل هو الكفر الاعتقادي الذي يُخَلِّدُ في النار، وإما أن تعتقد كما نقول نحن بالنسبة لذاك التفصيل الذي تقول أنك حضرته، وما أدري حضرت هذه النقطة؟!، رجلان تاركان للصلاة أحدهما يؤمن بأن هذا فرض ويقول نسأل الله أن يهدينا وأن يغفر لنا إلى آخره، والآخر يقول كما يقول بعض الناس عندنا في تلك البلاد: بلا طهارة بلا صلاة .. فهل يستويان مثلًا؟ لا يستويان مثلًا، فأنت بارك الله فيك ضربت مثالاً من أسوأ الأمثلة مع ذلك جوابك لما سألتك قلت: أنا الذي يبدو لي أنه كفر عملي، ما نظرت إلى العمل

الذي يدل على ما وقر في القلب وهو الاستهزاء بآيات الله، فهذا ليس كفراً عمليًا؛ لأن الكفر العملي هو كالنفاق العملي، نفاقه العملي غير الاعتقادي، اعتقاده ... بخلاف النفاق الاعتقادي، بل هناك مخلد في النار يُظهر الإسلام ويصلي مع المسلمين ويتلو القرآن إلى آخره، لكن قلبه ممتلئ بالكفر فهو في الدرك الأسفل من النار، لكن المسلم يصلي ويصوم، ولكنه يكذب كما قلت أو يعد ولا يفي ... فهذا كفره عملي ليس اعتقاديًا، متى يصبح كفره اعتقاديًا؟ إذا اعتقد أن هذا الكذب ليس حرامًا، إذا اعتقد أن الإخلاف بالوعد ليس حرامًا، إلى آخره ... تفضل ... مداخلة: ... أنه إذا قيل كفر عملي سواء هذا الاصطلاح اصطلحه العلماء الذي يتبادر إلى الذهن هو ما ارتبط بالعمل فقط .. فيكون عندهم أن الكفر الاعتقادي هو ما مس الاعتقاد فقط، والكفر العملي هو مس العمل، فبالتالي ترد هنا الشبهة أن ترك الصلاة عمل، إذًا هو ليس اعتقاد .. أن الاستهزاء بالدين عمل إذًا ليس اعتقاد .. دوس المصحف عمل ليس باعتقاد، فأقول: حبذا لو يقال أن هذا مجرد اصطلاح، والكفر الاعتقادي قد يكون فيه عمل أيضًا. أقول: فلو .. يعني: خلاصة هذه الكلمة: أن الكفر الاعتقادي قد يكون عمل، هو عمل بذاته، والعمل ... هذا في الكلام. الشيخ: انظر يا أستاذ .. مداخلة: أقول يا شيخ: فعندما يظن البعض أن الكفر الاعتقادي هو ما كان في القلب فقط ولا علاقة له بالعمل فهنا يرد الإشكال .. نعم، فكما تقول أنت يا شيخ، وأنا أنقل قول من يقول وليس قولي، فكما تقول أنت يا شيخ: لا يمكن أن نتصور إنسان يدوس المصحف بقدمه، أو أنه كما ذكر الأخ مثال آخر لذلك: لا يمكن أن

يكون في قلبه ذرة من إيمان، هناك من يقول: لا يتصور المؤمن لا يسجد لله سجدةً واحدة ثم يقال عنه مؤمن بيوردون نفس الإيراد، يقول: هل في ذلك أنه ليس كفرًا اعتقاديًا؟ الشيخ: لا يستويان مثلًا، لكن على كل حال أنا أجيبك عن سؤالك: نحن حينما نتكلم عن هذه القضية نقول: كل كفر اعتقادي فهو كفر عملي، وليس العكس: ليس كل كفر عملي هو كفر اعتقادي، واضح هذا الجواب؟ مطمئن؟ مداخلة: مطمئن نعم، لأن هذا الكلام لا يذكر دائمًا مثل المرة هذه ربما فيرد ... الإشكال عند بعض الناس. الشيخ: لا يذكر دائمًا هذا يمكن أن يكون كذلك؛ لأن نحن ما نذكر المسألة نعمل عليها محاضرة ولكن واحد يسأل سؤالاً فنجيبه، أما الإحاطة بالموضوع من كل الجوانب فهذا يتطلب تحرير المسألة وجمع الفكر والبحث فيه، لكن الذي نحن نعتقده في قرارة نفوسنا: كل كفر اعتقادي يقترن به الكفر العملي، وليس كل كفر عملي يقترن به الكفر الاعتقادي، ولذلك أتيت للأخ بالمنافق العملي والمنافق الاعتقادي، فالمنافق الاعتقادي يظهر الصلاة والصيام وإلى آخره، لكن أمره هو الكفر، بينما المسلم يصلي ويصوم لكنه يكذب .. يعد ولا يفي .. يخون إذا اؤتمن وما شابه ذلك، فهذا لما كان عمله خلاف اعتقاده كان عمله عمل الكفار، لكن عقيدته ليست عقيدة الكفار .. مداخلة: يا شيخ! المشايخ الذي هنا يقولون: من قال: لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه دخل الجنة، فهل تتصور أن رجل لا يصلي صلاة قط يقول: لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه، يعني: ممكن نتصور حالة واحد يقول فعلًا ....

الشيخ: لا لا، لا بأس! هذا الذي قال فيه الرسول: «مخلصًا من قلبه دخل الجنة» ابتداءً أم انتهاءً؟ يعني: دخل الجنة دون أن يمسه نصب من العذاب؟ مداخلة: ما في تحديد في الحديث. الشيخ: ما في لكن نسأل: ما معنى، يعني: مثلًا .. مداخلة: ... دخل الجنة دون حساب ولا عذاب، دون أن يعني: ... الشيخ: نعم، من بسط في هذه الصفات دخل الجنة كما يقال اليوم: ترانزيت، لكن من كان إخلاصه لهذه الكلمة الطيبة مناصفًة أو مرابعًة أو إلى آخره كما جاء في الحديث الذي كنا فيه ... فيه قلب جرب الإيمان، هل هذا هو الذي أراده الرسول في حديث: مخلصًا من قلبه؟ لا، هذا في آخر نهاية الإخلاص. مداخلة: وما الذي حملك على هذا الحمل؟ لا يوجد ... من قال ... قلبه دخل الجنة، يعني: مباشرًة. الشيخ: طبعًا. مداخلة: طيب! هل يعني مباشرًة ما الذي حملنا عليه؟ على .... الشيخ: هو الأحاديث الأخرى من .. مداخلة: ..... في الحديث: حدثنا عبد الله: حدثنا أبي، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن المغيرة بن معيقيب، عن سليمان بن عمرو العتواري .. الشيخ: لكن على كل حال ....

مداخلة: «فيقولون: أي ربنا عباد من عبادك كانوا معنا في الدنيا، يصلون صلاتنا، ويزكون زكاتنا، ويصومون صيامنا، ويحجون حجنا، ويغزون غزونا لا نراهم، فيقول: اذهبوا إلى النار فمن وجدتم فيها منهم فأخرجوه، قال: فيجدونهم قد أكلتهم النار على قدر أعمالهم، - فمنهم من ... ومنهم ومنهم .. - ومنهم من أخذته إلى عنقه ولم تغش الوجوه، فيستخرجونهم منها فيطرحون في ماء الحياة، قيل: يا رسول الله، وما ماء الحياة؟ قال: غسل أهل الجنة فينبتون نبات الزرعة، وقال مرة فيها: كما تنبت الزرعة في غثاء السيل، ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله ألا الله مخلصًا، فيخرجونهم منها، قال: ثم يتحنن الله برحمته على من فيها، فما يترك فيها عبدًا في قلبه مثقال حبة من إيمان» .. الشيخ: هذا غير رواية ... انظر في صفحة هنا في إحدى عشر إلى ستة عشر. مداخلة: .. إحدى عشر التي ... منها الرواية، ... هذه أثنا عشر .. الشيخ: ما هذه الطبعة الباهتة؟ مداخلة: ..... الشيخ: طبعة جديدة هذه ... طيب! مداخلة: حدثنا ربعي بن إبراهيم، وعبد الرحمن بن إسحاق، وزيد بن أسلم، وعطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: «سألنا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب» .. الشيخ: يمكن هذا ... مداخلة: طيب! «فيبقى المؤمنون ومنافقوهم بين ظهريهم، وبقايا أهل الكتاب وقللهم بيده قال: فيأتيهم الله عز وجل فيقول» ..

« .. فإذا جاوزوه فما أحدكم في حق يعلم أنه حق له بأشد مناشدة منهم في إخوانهم الذين سقطوا في النار، يقولون: أي رب! كنا نغزو جميعًا، ونحج جميعًا، ونعتمر جميعًا، فبم نجونا اليوم وهلكوا؟ قال: فيقول الله عز وجل: انظروا من كان في قلبه زنة دينار من إيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون، قال: ثم يقول: من كان في قلبه زنة قيراط من إيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون، قال: ثم يقول: من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون، قال: ثم يقول أبو سعيد: بيني وبينكم كتاب الله». الشيخ: الآن انظر، هذه الرواية ليس فيه ذكر الصلاة، رأيت كيف؟ مداخلة: نعم. الشيخ: وأنا لاحظت أن في الصحيح ... سويد بن سعيد هذا وفيه كلام، ولذلك الآن يحتاج أن المسألة لها تدقيق .. مداخلة: لها ... زيادة سويد بن ... بن سعيد. الشيخ: نعم. مداخلة: ممكن تكون شاذة؟ الشيخ: نعم، ممكن، فما بقي علينا إلا أن نرجح رواية البخاري في ... مداخلة: طيب! .... في البخاري .. الشيخ: يا الله. "رحلة النور" (27أ/00:15:29)

[708] باب حكم رمي المصحف على الأرض حال الغضب

[708] باب حكم رمي المصحف على الأرض حال الغضب سؤال: كان أحد إخواننا طرح عليك مسألة المرأة اللي رمت المصحف يا شيخنا التي حلف عليها زوجها بالطلاق، ... فهذا يا شيخنا في واحد من إخواننا من طلبة العلم مستدل أنه برمية المصحف لهذه المرأة على سيدنا موسى لما رمى الألواح، لما رجعوا على قومه ألقى الألواح، هل هذا الاستدلال صحيح؟ الشيخ: يا أخي بدنا نفهم استدل على ماذا؟ مداخلة: على قصة هذه المرأة لما تنازعت هي وزوجها. الشيخ: شو كان جوابنا. مداخلة: والله يا شيخي جوابك أنا، خلي أخونا علي يا شيخ يحكي معك فيها. الشيخ: تفضل. علي حسن: أستاذي يومها لما تكلم الرجل عن امرأة سيئة الخلق زوجته الذي لما كان يتكلم معها أو يأمرها أو ينهاها، حتى أمرها أنها تحلف على القرآن، فرمته على الأرض بشدة، فأنتم قلت أن هذا لا يجوز، وهذه امرأة سيئة الخلق، ولا يرفع له عمل من تحته امرأة سيئة خلق، وننصحه بالطلاق إلى آخر هذا الكلام، فالآن هم يسألوا أن هذا نفسه سائل بعض الناس يبدو، فقالوا له إن مثل هذا العمل لا يعد حراماً أو كفراً أو شيئاً من هذا؛ لأنه موسى لما رجع إلى قومه ألقى الألواح. الشيخ: الله يهديه، هذا قياس مثلما يقولوا عندنا في الشام: الملائكة على الحدادين.

[709] باب امرأة رمت المصحف على الأرض هل يطلقها زوجها؟

يقيس سيدنا موسى كليم الله على هذه المرأة الفاسقة الفاجرة، لا يجوز. لأنه نحن ما قلنا بتكفيرها، قلنا بفسقها فسقاً على فسق. مداخلة: صحيح لا شك ولا ريب، جزاك الله خيرًا يا شيخنا. "الهدى والنور" (163/ 00: 59: 40) [709] باب امرأة رمت المصحف على الأرض هل يطلقها زوجها؟ سؤال: في إنسان صديقي كلفني أن أستشيرك في مسألة الإنسان هذا صديقي متزوج وعنده ثلاثة أولاد ويريد الطلاق من زوجته يعني للشقاق والنزاع بحجة أنها لا تصلي، وصار النزاع بينه وبين زوجته وقال لها احلفي علي القرآن رمت القرآن من يده، فتشتمه وتسبه بأفظع المسبات فما نصيحتكم في هذا الشأن؟ الشيخ: طبعا النصيحة الشرعية أن يبادر إلى الخلاص منها بتطليقها (انقطاع) فنحن لجهلنا بخُلُق هذا الإنسان هذا الزوج المبتلى بالزوجة السيئة الخلق، وهذا الزوج الذي ابتلي بمثل هذه المرأة قد جاء في حديث: «ثلاثة لا تستجاب دعوتهم: ورجل عنده امرأة سيئة الخلق ولا يطلقها» (¬1)، ولذلك نحن نأمره بطلاقها، ولو كانت أقل سوءاً مما حكيت عنها آنفاً، ولكن وجود هؤلاء الأطفال أولاً، وجهلنا بخلق هذا الزوج ثانياً، وقوة إيمانه ثالثاً، ما نستطيع أن نقول يجب أن يبادر إلى التطليق وهذا هو الحكم؛ لأننا نخشى أن يكون هو من ذاك النوع من مثل ذاك الشخص الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: «يا رسول الله زوجتي ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم3075).

[710] باب الجمع بين حديث: «إذا اقتتل مسلمان .. » وقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به .. }

لا ترد يد لامس، قال: طلقها»، وأنا أقول لهذا الرجل الذي أجهله: طلقها، قال: «إني أحبها» قال له: «فأمسكها» (¬1)، شو يسوي معه لأنه إذا قال له طلقها طلقها يمكن يروح يعاشرها بالحرام، لا، حنانيك بعض الشر أهون من بعض قال له طلقها قال: إني أحبها، قال: أمسكها. هذا الرجل الذي أنت تحكي عنه أنا في اعتقدي يجب عليه أن يبادر إلى تطليقها ليستريح منها في الدنيا والأخرى، لكن سيعرض للمشكلة، وهذا يقع معنا، كثير أسئلة تردنا من هذه النوع لكن لي منها كذا وكذا ولد، طيب ماذا أعمل لك؟ أنت أدرى ما تستطيع أن تصبر دونها، وأن تقوم أنت على أولادها، أو تعطيها الأولاد وتقوم هي بتربيتهم فتفسد تربيتهم وإلخ، هذه قضايا نحن ما نستطيع أن نقدرها أولاً حق قدرها ونعرف حقيقة واقعها، وثانياً رب الدار أدرى بما فيها. فالجواب: يقال لهذا الإنسان طلقها، لكن انظر إذا طلقتها هل تعود إليها فتصبح ذليلا معها فيما لو استرجعتها أكثر من الحالة الأولى. "الهدى والنور" (196/ 54: 00:16) [710] باب الجمع بين حديث: «إذا اقتتل مسلمان .. » وقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به .. } سؤال: الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «إذا اقتتل المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول هما في النار» بعض الناس يظنون أن آية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48)، فيظنون أن [الآية تختلف مع الحديث .. ] الشيخ: هل قال: هما مخلدين في النار؟ ¬

(¬1) صحيح سنن النسائي (رقم3465).

[711] باب: معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يجتمعان في النار ... » قيل من هم يا رسول الله قال «مؤمن قتل كافرا ثم سدد»

مداخلة: يعني هما في النار، ما قال مخلدين. الشيخ: لا يوجد خلاف إذاً بين الآية وبين الحديث: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48). مداخلة: ممكن يدخل النار ويخرج كمان. الشيخ: طبعاً إذا مات على التوحيد يخرج كما قال عليه السلام: «من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره» والأحاديث المعروفة بأحاديث الشفاعة التي فيها أن الله يقول: «أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان»، فهذا الحديث لا يعني إلا تحريم مقاتلة المسلم للمسلم، أما هذا المقاتل يخلد في النار أو لا يخلد في النار، هذه قضية أخرى تؤخذ من أدلة الشريعة التي أشرنا إلى بعضها آنفاً، حينما تكلمنا عن تارك الصلاة، وفرقنا بين من يترك الصلاة جحداً فهو كافر مخلد في النار، وبين من يتركها كسلاً مؤمناً بها، فهذا لا يخلد في النار؛ لأن التوحيد الذي في قلبه ينجيه من الخلود في النار. "الهدى والنور" (93/ 45: 23: 00) [711] باب: معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ ... » قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مُؤْمِنٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ» عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ اجْتِمَاعًا يَضُرُّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ». قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ». [قال الإمام]: معناه - والله أعلم - أن المؤمن القاتل للكافر, إذا سدد بعد ذلك واستقام, لا

[712] باب الرد على من قال بأن شيخ الإسلام كافر

يجتمع مع الكافر في النار اجتماعاً يتضرر هو به, وإنما لم ينف عنه دخولها أصلاً لقوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} فلا بد من دخول النار حتى المؤمن, ولكن ذلك لا يضره, وإنما تكون عليه برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم, كما جاء ذلك مصرحاً من حديث جابر. هذا ما بدا لي, وقد استشكلوا الحديث وأجابوا عنه بما لا يروي كما ترى في الشرح وغيره, حتى قيل أن الحديث مقلوب, وإن الصواب: «مؤمن قتله كافر ثم سدد». ولقد كدت أركن إلى هذا (القيل) حين رأيت الحديث في «سند أحمد» (2/ 399) من طريق أبي إسحاق (الفزاري. وهو شيخ شيخ مسلم) في هذا الحديث عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: إلا أنه قال: قالوا: من يا رسول الله؟ قال: «مؤمن يقتله كافر ثم يسدد بعد ذلك» , ولكن منعني من ذلك أنني رأيت أبا إسحاق قد تابعه على لفظ مسلم جماعة, منهم محمد بن عجلان عند النسائي (2/ 55) وأحمد (2/ 340) وحماد بن سلمة عنده (2/ 232 و353). فتبين لي من ذلك أن لفظ أبي إسحاق عنده شاذ. وأن لفظ الكتاب هو المحفوظ. ومعناه ما ذكرته. والله أعلم. "مختصر صحيح مسلم" (ص286). [712] باب الرد على من قال بأن شيخ الإسلام كافر سؤال: يا شيخ: كثر الكلام في حديث شيخ الإسلام ابن تيمية، أحد الناس يحدثني حقيقة قبل فترة: أن شيخ الإسلام ابن تيمية كافر، فلما توقفت عن تكفيره قال: من توقف أو شك في تكفير ابن تيمية فهو كافر، ... تركني في حيرة حقيقة من هذا الموضوع، واستشهد بفكرة الذي هو قول ابن تيمية وما رواه عنه ابن القيم الجوزية أحد تلاميذه بقوله: أن النار تفنى، فكيف يقول ابن تيمية أن النار تفنى، إذاً

ابن تيمية كافر، وإذا توقفنا أو شكينا في تكفير ابن تيمية فنحن كفار. الشيخ: ومن الذي يقول هذا الكلام؟ مداخلة: جماعة السقاف. مداخلة: الحقيقة شاب من الأحباش. الشيخ: غرضي بارك الله فيك الذي يقول هذا الكلام ليس هو شيخ من شيوخ الإسلام، أليس كذلك؟ مداخلة: نعم. الشيخ: هل هو من شيوخ الإسلام؟ مداخلة: لا، طبعاً. الشيخ: هاه، لماذا ما أنتم بارك الله فيكم كلما نعق ناعق أو صاح صائح تخافوا وتلتفتوا لعل كلامه صواب أوحق. يا أخي! هؤلاء أولاً ليسوا بعلماء هم جهلة، ثم ليت أن الأمر كان قاصراً على الجهل، بل هناك ضلال، جهل مقرون بالضلال، وهذا الضلال ناشئ من الهوى، وهو اتباع الهوى الذي يضل عن سبيل الله، ولذلك مثل السقاف وأذناب السقاف لماذا أنتم يعني تهتمون بأمثال هؤلاء، ولو سألتم أهل الأرض اليوم من العلماء وطلاب العلم ما يجرؤ أن يقول في شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه ضال، ونحن نفرق بين أن نقول: فلان كافر، أو أن نقول: فلان ضال؛ لأنه من خالف الكتاب والسنة ولو في بعض المسائل فقد ضل، لكن هذا الضلال قد لا يوصل صاحبه إلى الكفر؛ ولذلك فاليوم بعد أن طبعت كتب ابن تيمية وانتشرت؛ بسبب تيسر وسيلة النشر

بالوسائل المختلفة والمعروفة لدى الجميع عرف الناس من هو شيخ الإسلام ابن تيمية، هذه التي نسميها اليوم بالصحوة، هذه في الحقيقة من أسبابها بعد الله ورسوله بعد كتاب وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هو انتشار كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا العصر الحاضر؛ لأن كتبه كانت غير منتشرة؛ لعدم وجود أولاً الوسائل الميسرة للنشر، وثانياً: لقلة العارفين بعلم ابن تيمية وقدره. وأنا والله أتعجب من إخوان لنا طيبين والله سمعنا كذا وكذا أن شيخ الإسلام ابن تيمية كافر، وليس هذا فقط والذي لا يكفره فهو كافر، من الذي يقول هذا الكلام؟! يقول: من يستحق أن يُعاد إليه هذا الكفر فهو الكافر؛ لأن الرسول يقول: «من كفر مسلماً فهو كافر»، هناك كتاب ألفه رجل من كبار علماء الحديث في دمشق الشام وكان معاصراً لأحمد بن حجر العسقلاني شارح فتح الباري وهو المعروف بالشيخ ابن ناصر الدين الدمشقي، ألف كتاباً: في أن من قال: بأن شيخ الإسلام كافر فهو كافر، وهناك نشر فتاوى لعشرات من العلماء في زمان ابن تيمية والذين جاؤوا من بعده يؤيدون هذا الكلام؛ لأنه قد يُكَفَّرُ إنسانٌ رجل عادي مغمور ليس معروف حقيقته؛ لأنه تكلم بكلمة كفرية فعلاً، أما ابن تيمية الذي رد على الفلاسفة وعلى الدهرية وعلى علماء الكلام وعلى الصوفية وعلى القائلين بوحدة الوجود .. إلى آخره، هذا إنسان نادر أن تلد النساء مثله، مع ذلك يأتي مثل هذا الإنسان المغمور المأبون فيقول: إن شيخ الإسلام كافر ومن لم يقل بإنه كافر فهو كافر، هذا من مصائب الدهر، وهذه من الحرية التي تستلزمها الديمقراطية زعموا، لو كان هناك حكم يحكم بما أنزل الله لجيء بهذا الإنسان ووضع أمام النطع أن يتراجع عن هذا الكلام، وإلا قطع رأسه وفصل عن بدنه؛ لأن إنسان مثل هذا الرجل يعترف بفضله كبار علماء المسلمين فمعناه: أنه ليس فقط يكفر ابن تيمية، بل من

[713] باب في كفر اليهود مع ما أوتوا من علم

لم يكفره أيضاً كافر، إذاً كل العلماء الذين جاؤوا مثل: ابن قيم الجوزية، مثل ابن عبد الهادي، مثل ابن كثير، كل هؤلاء كفار، الله أكبر! الله أكبر! الله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. دعونا من هذا الكلام الله يعافينا. "الهدى والنور" (728/ 20: 30: 00) [713] باب في كفر اليهود مع ما أوتوا من علم عن أبي أنملة: أنه بينما هو جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جاء رجل من اليهود فقال: هل تكلم هذه الجنازة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (الله أعلم) فقال اليهودي: أنا أشهد أنها تتكلم فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا: آمنا بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، فإن كان حقاًّ لم تكذبوهم، وإن كان باطلاً لم تصدقوهم «وقال: «قاتل الله اليهود لقد أوتوا علما». [قال الإمام]: صحيح. [وعلق على قوله (- صلى الله عليه وآله وسلم -: «لقد أوتوا علمًا» قائلاً]: قلت: يعني بالنسبة لسائر الملل, وبخاصة الوثنيين منهم, لما كان عندهم من التوراة, ولكنهم لم ينفعهم علمهم بعد أن كفروا بنبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - , وهم كما قال تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ}. "صحيح موارد الظمآن" (1/ 133). [714] باب هل يباح الدعاء على الكفار في قنوت الوتر؟ سؤال: هل يجوز بعد دعاء قنوت الوتر الدعاء للمسلمين والدعاء على الكفار؟

[715] باب هل الفرح بتغيير رؤساء أمريكا خلل عقدي؟

الشيخ: لو كان يقنت في صلاته، وبدا له أن يقنت في دعاء قنوت الوتر، يمكن أن يتسامح به، وبخاصة إذا كان قنوت الوتر في النصف الثاني من رمضان، لأنه في روايات ثابتة عن السلف أنهم كانوا يلعنون الكفار ويدعون عليهم في قنوت الوتر بالنصف الثاني من رمضان، لكنهم ما كانوا ليعرضوا عن القنوت بالدعاء على الكفار في الصلوات الخمس، فخلاصة الجواب: ترك القنوت في الصلوات الخمس والدعاء على الكفار، ونقل هذا الدعاء إلى قنوت الوتر، هذا قلب للسنة. "الهدى والنور" (59/ 28: 45: 00) [715] باب هل الفرح بتغيير رؤساء أمريكا خلل عقدي؟ الملقي: شيخنا بعض المسلمين يرقبون الغرب وتطورات الغرب فإذا حدَّث بعض الشيء فيه أظهروا الفرح والسرور، فهل هذا يعتبر من الخلل العقدي العملي أم القلبي، وماذا تنصح هؤلاء الناس؟ الشيخ: عفواً، تقصد ماذا، ماذا تقصد؟ مداخلة: كلينتون شيخ. مداخلة: رؤساء أمريكا ذهب فلان وجاء فلان. الشيخ: آه مداخلة: فهذا أخف من ذاك، وهذا يعني سينفع المسلمين إلى غير ذلك. الشيخ: هذا ضعف إيمان وعقل معاً. ضعف إيمان وعقل، الحقيقة الذي لا بد لكل مسلم أن يستحضرها في ذهنه بمثل هذه المناسبة، أن يتذكر قوله -تبارك وتعالى-: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} (الأعراف:38) ليذوقوا العذاب.

مداخلة: الآية {إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ} (الأعراف:38). الشيخ: الله أكبر. الشيخ: أي نعم، فالشاهد، في الحقيقة هذا الفرح فرح صبياني ليس فرح رجال أولاً، ثم هو ليس فرح رجال مسلمين ثانياً؛ لأنه كون سقط بوش وقام مكانه. مداخلة: كلينتون. الشيخ: ما أعرف شو اسمه. مداخلة: ههههه. الشيخ: أسماء غريبة على ذهني. مداخلة: والله شيخنا أسماء شياطين. الشيخ: ههه هه فالشاهد، سقط بوش ونجح في الانتخاب فلان، هم كلهم يمشون على سياسة واحدة، وإنما تغيير وجوه، ولذلك فمن السخافة بمكان أن نفرح أنه راح بوش وجاء فلان مكانه، وبخاصة أنه فلان لسه ما عرفنا خيره من شره إن كان منهم خير، فلماذا هذا الاستعجال، ما دام أنه الكفر أولاً كله ملة واحدة، والشعب الأمريكي كشعب سياسته مع اليهود، فكونه سقط بوش ونجح فلان هذا ما يغير من سياسة هذا الشعب بهذه السرعة التي يتوهمها بعض ضعفاء الأحلام والعقول، إنه خلصنا من بوش، طيب وهذا لعله شر من بوش، على كل حال، المسلم لا يفرح بسقوط شخص كافر وقيام شخص كافر مكانه؛ لأنه الكفر ملة واحدة، والسياسة هي سياسة واحدة، انظروا الآن: مين كان في الوزارة تبع اليهود وقام مكانه ...

مداخلة: آخشاميور، وإسحاق رابين. الشيخ: إسحاق رابين، شو شوفنا بين سقط هذاك وقام هذا لا شيء أبداً، إنما هو لعب على ذوي الأحلام الضعيفة، ومع الأسف بعض المسلمين أو بعض السياسيين الذين لم يساسوا بسياسة القرآن والسنة، ولذلك أنا أستطيع أن أقول إن الله، كما قال الله -عز وجل- أقول بهذه المناسبة: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} (القصص:76)، هؤلاء الذين يفرحون بسقوط هذا ونجاح هذا، هؤلاء كما قلت آنفاً أحلامهم كأحلام الصبيان بل العصافير، الله المستعان. الملقي: هل لهذا الأمر علاقة في العقيدة، يعني هل من الممكن أن يطلق، يعني بعض إخواننا يطلق على من يظهر الفرح لمثل هؤلاء: الكفر؟ الشيخ: لا لا، هذا كله خطأ ومعصية إذا كان له علاقة بالكفر فالكفر العملي يا أخي، نحن نأخذ القاعدة ونستريح، الكفر المخرج عن الملة يتعلق بالقلب، لا يتعلق باللسان، والآن سؤالك هذا يذكرني بقسمة عادلة أخرى للكفر، فهناك كفر لفظي، وكفر قلبي، التقسيم السابق كان كفر اعتقادي وكفر عملي، الآن قسمة أخرى عادلة كفر لفظي، وكفر قلبي، الكفر القلبي يساوي الكفر الاعتقادي، الكفر اللفظي يساوي الكفر العملي، فإنسان يظهر فرحاً بسقوط بوش ونجاح جورج أو أنطونيوس أو ما شابه ذلك، هذا فرح بلا شك لا ينبغي أن يصدر من مسلم، فهذا ممكن نسميه كفراً لفظياً، لكن هذا لا يكفر به؛ لأنه قد وقع في زمن الرسول -عليه السلام- كما أعتقد أنه لا يخفى على أحد منكم شيء من ذلك، كمثل حديث ابن عباس لما قال إن الرسول -عليه السلام- خطب يوماً في أصحابه فقام رجل ليقول له: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، فقال: «أجعلتني لله نداً، قل: ما شاء الله وحده»، فهذا كفر لفظي، قال له: «أجعلتني لله نداً»، لكنه ما ألزمه بشيء.

الشيخ: من لوازم الكفر الاعتقادي، فإذاً نحن يجب أن نضع أمام أعيننا دائماً وأبداً هذه القسمة الصحيحة: كفر اعتقادي أو قلبي، وكفر عملي أو لفظي؛ لأنه اللفظ من العمل، فإذا رأينا مثل هذا ما نبادر إلى أن نقول: كفر، حتى لو تكلم بلفظة الكفر ما نبادر إلى تكفيره وإخراجه عن الملة، حتى نستوضح ماذا يريد بهذه الكلمة. مداخلة: بعد إذنك شيخنا، لو سمحتم. الشيخ: تفضل مداخلة: أقول في هناك في سياسة البلاد الغربية أو الكفار بعامة في هناك أصول وفروع. الشيخ: أيوه. مداخلة: فالأصول لا تتغير على مدى السنين .. أبداً، في هناك أصول ثابتة للسياسة، وهذه الأصول الثابتة هي التي ينطلق منها وتحكم مسيرة السياسيين الصغار والكبار في تلك البلاد. الفروع في الحقيقة هي متفرعة من هذه الأصول، وعندما نتابع نحن مسيرة السياسات الدولية العالمية التي أحاطت خصوصاً بنا وأوقعتنا فيما أوقعتنا فيه من البلايا نجد أن التغير الذي حدث إنما حدث فقط في الصيغ التي صيغت بها هذه الفروع المتفرعة عن هذه الأصول. مداخلة: ولذلك، نحن نضرب مثال مثلاً لذلك، مثلاً قضية فسلطين، قضية فلسطين الحقيقة منذ ما يقرب من خمسة وأربعين من خمس وأربعين سنة ونحن نتابع هذه القضية متابعة تُخْرِجُنا، ... في كل خمس سنوات أو عشر سنوات مرحلية

سنوية قسمت لها القضية بأبعاد الزمن، تخرجنا من حال إلى حال، ونحن ننظر في هذا الحال الذي سبق فنجده أحسن من الحال الذي يأتي، والسياسة الدولية هي التي تلجؤنا إلى استحسان المرحلة الآتية وعدم استحسان المرحلة التي فاتت. الشيخ: الله أكبر. مداخلة: ولذلك وصلنا الآن بهذه السياسات التي صاغتها لنا الدولة الكافرة وصلنا إلى قناعة بأن أفضل ما يمكن أن نفعله الآن بالنسبة للقضية الفلسطينية أن نسلم بكل ما يحدث من غير أن نسأل: لم ولا كيف؟ الشيخ: الله أكبر. مداخلة: وهذه النهاية التي انتهت إليها تعطينا فكرة، فيا ترى لو أنه كان هناك مثلاً جاء أو بقي بوش هل يمكن أن نتصور بأن النهاية التي انتهت إليها القضية الفلسطينية ووضعت على مائدة المباحثات التي تجري الآن في واشنطن مثلاً، هل كان يمكن لبوش أن يعجل في النهاية قبل أن يتغير موقعه وأن يكون أن يأتي الرئيس الجديد؟ طبعاً الجواب: لا. هل هذا الرجل الآتي هل هو سيستعجل في حل القضية ويقول بأنني رأيت ما كان قبل السياسة التي رسمها بوش لهذه القضية هل أعود إلى المرحلة السابقة لأقف عندها وأحل القضية أو أجعل القضية محلولة بالنظريات التي كانت تحكم هذه القضية في المرحلة الزمنية السابقة؟ الجواب: لا. ولذلك سياسة واحدة لا تختلف، الفرح إذا فرحنا بقدوم كلنتون، نبكي على بوش. الشيخ: الله أكبر، الله المستعان. "الهدى والنور" (672/ 15: 44: 00)

[716] باب هل يجوز استغابة الكافر والمشرك وسبهم؟

[716] باب هل يجوز استغابة الكافر والمشرك وسبهم؟ سؤال: هل يجوز استغابة الكافر والمشرك، وهل يجوز أن نسبهم؟ الجواب: يجوز كل ذلك؛ لأن الكافر لا حرمة له إلا إذا كان يترتب على ذلك مفسدة، فمثلاً: إذا كان يسب الكافر في وجهه، أو بقفاه فَيَبْلُغُهُ ذلك، فربما يسب المسلم ويسب دينه ونبيه .. إلخ، فعند ذلك يحرم سب المسلم للمشرك. "الهدى والنور " (1/ 42: 29: 00) [717] باب هل يجوز لعن اليهود والنصارى؟ سؤال: بالنسبة للنصارى واليهود لو لعناهم؟ يعني: مثلاً أنا مرة بزعل فأقول لابني: الله يلعن اليهود والنصارى. هل هذا جائز؟ الشيخ: هو لعن الكفار جائز، لكن بمثل هذه المناسبة غير جائز .. ، لا تلعن لا الشيطان ولا اليهود، خاصة لعن الشيطان ينبسط منك إذا لعنته، وإنما تقول له: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. "الهدى والنور" (23/ 00:04:01) [718] باب هل يجوز لعن المعين؟ سؤال: بالنسبة للعن فضيلة الشيخ كلنا رأينا من النساء الكاسيات العاريات ... هل يجوز لعنهن أم لا يجوز؟ الشيخ: لو كان الذكر الصوفي مشروعاً وهو الله الله الله الله الله الله نقول: لا؟! مداخلة: ...

الشيخ: لم يفهم، نحن ننكر الذكر الصوفي، هم يسمونه الذكر بالاسم المفرد، وهو: الله الله الله الله، لو كان مشروعاً ننكره عليهم؟ مداخلة: لا. الشيخ: فإذا جاء ذكر مشروع بلفظ لعنة الله عليك، لعنة الله عليك، لعنة الله عليك، ننكره؟! مداخلة: لا. الشيخ: هذا لو كان هكذا، ... مثل الذكر الصوفي، فما بالك ما بين الآونة والأخرى ترى واحدة متبرجة تقول لها: لعنة الله عليك، ما فيها تكرار وما فيها إشكال. مداخلة: وأحياناً يجوز .. تلفت النظر بأنك تلعنها؟ الشيخ: كأن سؤالك ليس هذا، أنت تقصد هل يجوز لعنها بحيث يسمعها، أم ما يُسْمِعُها؟ مداخلة: لا ما يسمعها. الشيخ: إذا؛ فماذا فيها، تقول: سبحان الله سبحان الله لعنة الله عليك لعنة الله عليك، ... نعم، "فالعنوهن فإنهن ملعونات" لكن هنا ترد قاعدة: وهي: أن الأمر بعد نهي لا يفيد الوجوب، واللعن كقاعدة منهي عنه! «لا تكونوا لعانين» «واللعانون لا يكونون شهداء يوم القيامة» فما دام الأصل في اللعن النهي ثم جاء أمر به في مكانٍ ما فمعنى ذلك لا يفيد الوجوب إنما الجواز ... [إذاً] (فالعنوهن) ليس للوجوب وإنما للجواز، وللتأديب مع الأسف إما تأديب الملعون مباشرة إذا كان من الممكن إسماعه، أو تأديب النفس لكي تكون على حذر من الوقوع في

نفسه وفي أهله في مثل ذلك. مداخلة: يعني: ممكن يسمعها؟ الشيخ: قد قلت لك، في المجتمع الإسلامي ممكن، في المجتمعات اليوم لا يمكن. مداخلة: [يعني] لا تسمعها اللعنة إذا ترتب عليها مفسدة. الشيخ: يمكن آتي لك بصورة خيالية تعجبك، إذا كنت تمشي في الصحراء ورأيت امرأة متبرجة وأنت متلثم قلت لها: لعنة الله عليك، وغير معروف مين أنت. مداخلة: أو يكون الإنسان راكب السيارة وهي تمشي في الأرض يلعنها ويمشي. الشيخ: [لا] ممكن يقع شيء، يمكن تأخذ رقم السيارة مثلاً. "الهدى والنور" (23/ 31: 59: 00)

كتاب أهل الأعذار في التوحيد

كتاب أهل الأعذار في التوحيد

جماع أبواب الكلام حول مدى صحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع وربط ذلك بمسائل التكفير

جماع أبواب الكلام حول مدى صحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع وربط ذلك بمسائل التكفير

[719] الكلام حول مدى صحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع وربط ذلك بمسائل التكفير

[719] الكلام حول مدى صحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع وربط ذلك بمسائل التكفير سؤال: شيخ! ما أدري كأني سمعت أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول ببدعية تقسيم الدين إلى أصول وفروع، وإن هذا يعني: الشق الأول .. هل هذا صحيح ما ينقل عن شيخ الإسلام؟ الشق الثاني: كيف تكون ثمرة الخلاف، أو كيف نفرق بين من يستهين في أمر اعتقادي ومن يستهين في مسألة فقهية معينة، هل يستوي هذا مع ذاك؟ أحسن الله إليك. الشيخ: ... هذا هي ثمرة عدم التفريق! والذي نقلته عن ابن تيمية صحيح النقل عنه، وهو صحيح من حيث الحق ومفارقته للصواب، والثمرة هو ما ذكرته آنفًا، فهذا أمر واضح جدًا، فإن تقسيم الدين إلى أصول وفروع يعني خلاف الثمرة التي ذكرتها أنت آنفًا، فبعض الأحكام الشرعية التي ليس لها علاقة بالأصول أي: بالعقيدة لو استحلها الإنسان فلا فرق بينه وبين من استهان بالشيء من العقيدة، اسمع قوله عليه الصلاة والسلام: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرا والحرير والخمر والمعازف يمسون في لهو ولعب ويصبحون قد مسخوا قردة وخنازير» فالآن قوله عليه الصلاة والسلام: «يستحلون الحرا» أي: الفرج، أي: الزنا، والحرير يعني: حرير الحيوان، والخمر معروف، والمعازف وهي آلات الطرب، يمسون في لهو ولعب ويصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير، يستحلون الآن يمكن التفسير لاستحلال معنيين: المعنى الأول: استحلال القلبي. والمعنى الآخر: الاستحلال العملي

[720] باب منه

فالتفريق إذًا أولًا: غير صحيح، وثانيًا: لا تكون الثمرة في التفريق بين العقيدة فيكفر من أنكر شيئًا منها، وبين الأحكام، فلو أنكر بعضهم شيئًا منها يظل مسلمًا جاء بنتيجة واحدة. "رحلة النور" (40ب/00:42:31) [720] باب منه سؤال: يا شيخنا طبعاً ذكرتم أن المنهج الصحيح موجود في القرآن والسنة، وقواعد المنهج معلومة لدينا فهما الكتاب والسنة على فهم الصحابة وما إلى ذلك، فيعني وكلنا يعلم أنكم قد بذلتم جهدكم في يعني سبيل إقامة قواعد هذا المنهج، ولست أنا أشهد أو غيري، ولكن السلسلة الصحيحة تشهد والسلسلة الضعيفة وإرواء الغليل .. وما إلى ذلك من الكتب التي كان هدفها تصفية الدين مما علق به من الشوائب من بدع ومنكرات وأحاديث ضعيفة ومنكرة، فالسؤال يا شيخنا يعني طبعاً على سبيل ضرب المثل الإمام ابن حجر في كتابه «فتح الباري في شرح أحاديث صحيح البخاري» كانت له بعض الزلات في مجال العقيدة، ونبه عليها شيخنا عبد العزيز بن باز في تعليقاته، فالسؤال: طبعاً هو في زلاته هذه يعني خفق في فهم الصحابة، فكانت له زلات في مجال العقيدة، فسؤالي: هل يخرج من المنهج أو زلاته في الاعتقاد تنفي عنه كونه على المنهج الصحيح. هذا السؤال يا شيخ؟ الشيخ: إذا كنا متذكرين جميعاً أن كل بني آدم خطاء، وأن خير الخطائين التوابون، وأن العصمة ليست لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا غرابة في أن يخطئ من كان إماماً في دعوة الحق، فإذا أخطأ في مسألة أو أخرى في مسألتين أو ثلاث

أو أكثر، فذلك لا يخرجه عن دعوة الحق إذا تبناها، فالحافظ ابن حجر كالإمام النووي وغيره ممن أخطؤوا في بعض المسائل العقدية، كما يقولون اليوم، فذلك لا يخرجهم عن كونهم من أهل السنة والجماعة؛ لأن العبرة بما يغلب على الإنسان من فكر صحيح أو عمل صالح، متى يكون المسلم صالحاً؟ هل يشترط في أن يكون صالحاً: ألا يقع منه أي ذنب أو معصية؟ الجواب: لا، بل من طبيعة الإنسان أن يقع منه الذنب والمعصية مراراً وتكراراً، فمتى يكون العبد صالحاً؟ إذا غلب خيره شره، وصلاحه على ضلاله .. وهكذا، كذلك تماماً يقال في المسائل العلمية سواء كانت هذه المسائل العلمية مسائل عقدية أو فقهية، فإذا كان هذا العالم يغلب عليه العلم الصحيح فهو الناجي، أما أن له زلة أو زلات في الفقه أو في العقيدة فهذا لا يخرجه عن ما غلب عليه من العقيدة الصحيحة، فابن حجر ما ذكرت له من تلك الزلات فلا يعني ذلك أنه لا ينبغي أن نستفيد من كتابه، وألا نترحم عليه، وألا نحشره في زمرة علماء المسلمين المتمسكين بالكتاب والسنة. كل إنسان يخطئ، ولا مجال من الخطأ؛ لأن الله عز وجل حينما خلق ملائكة وخلق بشراً فقد قدر على هؤلاء البشر أن يخطئوا رغم أنوفهم، كما قال عليه الصلاة والسلام، حديثان مهمان جداً، ولكن حذاري أن يفهم فهماً خاطئاً: الحديث الأول: قال عليه الصلاة والسلام: «كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدركه لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه»، الشاهد من هذا الحديث: «فهو مدركه لا محالة»، أي: لا يمكن أن

يتخلص، لماذا؟ لأنه إنسان ليس مَلَكاً. الحديث الآخر وهو الأهم، قال عليه الصلاة والسلام: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يحلون محلكم ويذنبون بخلافكم، فهل أنتم لا تذنبون؟ فهذا قضاء الله قدره، لا بد لجنس البشر من أن يقع في الخطأ الذي لا يحبه الله، لكن هذا الخطأ قد يكون من الصغائر من اللمم وقد يكون من الكبائر، فسواء كان هذا أو هذا، هذا أمر لا بد منه، ولكن هل معنى الحديث: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»، هل معنى الحديث ومغزى الحديث: الحض على الذنوب وارتكاب المعاصي؟ الجواب: لا، المقصود من الحديث تماماً عاقبته، يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم، ومعنى هذا حينئذ: يا معشر البشر .. كما قال تعالى في الحديث القدسي: «كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم .. » إلى آخر الحديث، الشاهد: أن حديث: «لو لم تذنبوا»، الهدف منه: أيها البشر ما دام أنكم فطرتم على المعصية فلا تتكلوا عليها، وإنما أتبعوها بالمغفرة بالاستغفار؛ حتى تعقبها المغفرة؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (هود:114)، إذا كان إذاً هذه طبيعة البشر أن يخطئوا في مخالفة النص قصداً وهي الذنوب، وأن يخطئوا في مخالفة النص لا قصداً وإنما لسوء فهم فلا مؤاخذة في ذلك، المؤاخذة متى تكون؟ إذا أقيمت الحجة على إنسان، سواء كانت الحجة في مسألة عقدية فكرية أو كانت الحجة في مسألة فقهية، ثم عاند وأصر على خطئه فهنا تكون المؤاخذة، والعكس لا، أي: إذا إنسان وقع في خطأ عقدي لكنه هو كان حريصاً على معرفة الصواب في تلك العقيدة لكنه لم يوفق إلى

ذلك، ولو أقيمت الحجة عليه لرجع إلى الصواب فلا مؤاخذة عليه. لذلك هذا الكلام في الحقيقة يجرنا إلى مسألة من تلك المسائل المنهجية التي يجب أن نعرفها، فإن بعض العلماء، وبخاصة الكتاب اليوم، يخطئون في هذه المسألة، كثيراً ما تقرءون أو تسمعون: أن الخطأ في الفهم يغتفر في الفروع وليس في الأصول، هذا خطأ، الخطأ يغتفر مطلقاً، سواء كان في الفروع أو كان في الأصول؛ لأنه عدم المؤاخذة من الله عز وجل لعباده هو لعدم وجود قصد المخالفة من هذا العبد لربه، فإذا وجدت المخالفة، سواء كانت المخالفة في العقيدة أو في الحكم في الفقه ولم يكن القصد هو العناد والمكابرة والجحد فلا مؤاخذة في ذلك، فالتفريق بين الأصول والفروع، بين العقيدة والفقه في مسألة عدم المؤاخذة بالخطأ في الفروع والمؤاخذة في الأصول، هذا التفريق لا أصل له، فهذا التفريق يشبه تماماً التفريق البدعي الآخر وهو: أنه يجب الأخذ بحديث الآحاد في الفروع ولا يؤخذ بحديث الآحاد في الأصول، هذا خطأ وهذا خطأ. أروي لكم الآن حديثاً من الأحاديث الصحيحة التي أخرجها الشيخان في صحيحهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ومن حديث حذيفة بن اليمان أيضاً رضي الله تعالى عنه: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «كان في من قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط، فلما حضره الموت جمع بنيه حوله فقال لهم: أي أب لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني مذنب مع ربي، ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» هل ترونه مؤمناً وهو يقول: (إن قدر الله علي)؟ هذا شك في قدرة الله عز وجل، إذاً نستطيع أن نقول: هل أخطأ في الفرع أم أخطأ في أصل الأصول في الله عز وجل الذي ذكر في خاتمة سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}) (يس:78)؟ هذا الإنسان هو هذا الذي عناه الله عز وجل في هذا

المثال، قال هذا الرجل: «ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» يعترف بأنه كان مخطئاً مع ربه، وأن الله عز وجل إذا عذبه يكون عادلاً؛ لأنه كان مخطئاً معه، فللخلاص من عذابه دار في ذهنه مخرج مخلص، فأوصى بوصية في علمه وفي اعتقاده لم يقع مثلها في الدنيا من غير هذا الإنسان، «قال: فإذا أنا مت فحرقوني بالنار، ثم خذوا رمادي فذروا نصفه في البحر ونصفه في الريح» أحرقوه بالنار وأخذوا رماده والريح يهوج فذروه في الريح، والنصف الثاني في البحر، لماذا فعل هذا الرجل هذه الفعلة؟ ظن أنه يضل عن ربه، وأن الله عز وجل ليس بقادر على أن يقول له: كن بشراً سوياً، لكن الله عز وجل فعل ذلك به، فلما مات وذروا رماده في الريح وفي البحر قال الله له: كن فلاناً، فكان بشراً سوياً، قال له .. هنا الشاهد: «قال له: أي عبدي ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رب خشيتك -أنا خفت منك- قال: اذهب فقد غفرت لك». هذا الحديث وقد عرفتم أنه من صحاح الأحاديث في البخاري ومسلم وعن صحابيين جليلين: أبي سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان، هذا الحديث من مخصصات عموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48)، في هذا الحديث قد غفر الله لهذا الجاني على نفسه بوصيته الجائرة. لكن هنا لا بد لي من وقفة، وهذا من العلم الذي نحن بحاجة إليه باعتبارنا أننا ندعو الناس إلى الكتاب والسنة: هذا الذي أوصى بهذه الوصية الجائرة هل هو كافر أم مشرك؟ الآن أنا أوجه هذا السؤال وما أريد أن أسمع صوتاً، لكن أرى يداً رفعت، من كان عنده الجواب عن هذا السؤال يرفع يده، هذا الذي أوصى بهذه الوصية الجائرة هل هو كافر أم مشرك؟ تفضل.

مداخلة: كافر. الشيخ: كافر، تفضل. مداخلة: لا كافر ولا مشرك. الشيخ: تفضل. مداخلة: ليس بكافر ولا مشرك؛ لأن الله عز وجل لا يغفر الشرك، والله عز وجل غفر له. الشيخ: هاه، مع الأسف ما سمعنا جواباً صحيحاً، الذي أنكر قدرة الله عز وجل على إعادته بشراً كما كان هذا كافر بلا شك؛ لأن هذا هو الذي ذكرناكم بخاتمة سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:78)، هو جعل نفسه رميماً سلفاً، يعني: ما صبر حتى يدفن ويصير جسمه رميماً تراباً، وإنما عجل على نفسه بتلك الوصية الجائرة فجعل نفسه رماداً، لا شك أن هذا كفر. لكن كنت أتمنى أن أسمع الجواب الصحيح، ومن أجل هذا أنا وقفت هذه الوقفة معكم من باب التذكير أو التعليم: هذا الرجل كفر وهذا الرجل أشرك، ولولا أنه أشرك ما جاز لي أن أقول: إن آية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (النساء:48)، قلنا: إن هذه الآية مخصصة بمثل هذه الحادثة، أي: أن بعض الشرك يغفر، هذا معنى الآية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (النساء:48) ليست الآية على عمومها وشمولها، فبعض الشرك يغفر، وأنا الآن ذكرت لكم نوعاً، أذكر لكم نوعاً آخر، وهذا ستعرفونه، لأنكم تسمعون بأن أهل الفترة غير معذبين، أليس كذلك؟

طيب، هل تقولون: أنهم كانوا غير مشركين؟ كانوا مشركين، لكنهم لا يعذبون، لماذا؟ لأن حجة الله لم تقم عليهم، أي: لم تبلغهم دعوة الرسول، وأنا أتكلم بصورة عامة عن أهل الفترة لا أعني الذين بعث إليهم الرسول لكن بقاعدة عامة: أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة الرسول ولو كانوا مشركين فهم لا يعذبون على شركهم، لماذا؟ لأن الحجة لم تصلهم. فهنا في هذه القصة هذا الرجل بالنسبة للفكرة القائمة: أن الشرك أخص من الكفر، والكفر أعم من الشرك، بمعنى: كل من أشرك فقد كفر، وليس كل من كفر أشرك، هذا هو الفقه القائم في أذهان الناس إلا قليلاً منهم. أوضح ذلك بمثال: رجل يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم .. إلى آخره، لكنه أنكر آية من القرآن، هذا كفر أم لم يكفر؟ مداخلة: كفر. الشيخ: كفر، هل أشرك؟ مداخلة: ما أشرك. الشيخ: ما أشرك، لا الصواب أشرك، كل كافر مشرك وكل مشرك كافر، لا فرق بين اللفظين إطلاقاً، هذه الحقيقة التي جرني إلى بيانها حديث ذلك الجائر في وصيته، إنه أشرك، كل من كفر فقد أشرك، ومن أشرك فقد كفر، لا إشكال في ذلك، والدليل على ذلك: لو تذكرنا محاورة المؤمن والكافر في سورة الكهف: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا،

وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} (الكهف:32 - 35) انتبهوا الآن: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} (الكهف:35، 36) بمفهومكم السابق هذا كفر أم أشرك؟ مداخلة: أشرك. الشيخ: كفر. مداخلة: أشرك. مداخلة: كفر. الشيخ: مفهومكم السابق مفهومكم الخطأ هذا كفر وما أشرك، أنكر البعث والنشور، {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُه، إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} (الكهف:35 - 42)، إذاً: هو لما أنكر البعث والنشور أشرك مع الله، فكل من كفر بشيء جاء في الكتاب أو في السنة فهو في حالة كفره مشرك، هذا هو من ناحية النص القرآني، فما هو الوجه الفكري والعقلي؟ الجواب: قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية:23)، فإذاً كل من كفر بكفرية ما يكون مشركاً مع الله؛ لأنه جعل عقل نفسه شريكاً مع ربه تبارك

وتعالى؛ ولذلك لا تفرقوا بين الكفر والشرك، إذا عرفتم هذه الحقيقة فيزول إشكال قد يعرج أحياناً في البال لبعض من يسمع حديث الرسول عليه السلام بروايته: «من ترك الصلاة فقد كفر»، «من ترك الصلاة فقد أشرك»، كيف هذا؟ الذي يفرق بين الكفر والشرك يشكل عليه لفظة: (أشرك)، لا، الصواب أن يقال: كفر، كذلك الحديث الآخر: «من حلف بغير الله فقد كفر»، «من حلف ب غير الله فقد أشرك»، كفر أشرك، أشرك كفر، لا فرق بين اللفظين من حيث الاصطلاح الشرعي، من حيث الاصطلاح اللغوي في فرق بلا شك، لكن الشرع فتح بصائرنا وأفكارنا وأفهمنا لماذا كل من كفر بالله عز وجل أي نوع من الكفر يكون مشركاً؛ لأنه شرَّك عقله مع ربه عز وجل فجعله شريك فيما يصدر منه من قرار ومن حكم. إذا عرفنا هذا نعود إلى وصية ذلك الرجل: «غفر الله له»، لماذا؟ هنا كان بيت القصيد من الاستدلال بالحديث؛ لأن الكفر لم يعقد في قلبه، إنما عرض له لشبهة طرأت له من هول تصوره لعذاب ربه له فيما إذا تمكن منه، فليتخلص من هذا العذاب الذي هو يستحقه أوصى بتلك الوصية الجائرة، فإذا أصابت مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله يؤمن بكتاب الله وبحديث رسول الله فتأول نصاً من كتاب الله، إن كان تأوله وهو يعلم أنه مبطل فهو كافر، أما إن كان شُبِّه له فلا مؤاخذة عليه. وهذا هو نهاية الجواب عن ذلك السؤال. "الهدى والنور" (724/ 55: 00: 00)

[721] باب منه

[721] باب منه سؤال: يا شيخ! سؤال آخر وهو الأخير: وهو أن هناك من هو سليط اللسان على العلماء بحيث لا يراعي كبيراً ولا صغيراً، مثلاً أضرب على ذلك مثالاً: كل من هو وصف بالأشعرية أو قيل: أن معتقده أشعري فتجده يتعرض له في كتبه بأقبح الأقوال، فنريد نصيحة لهذا الرجل، خصوصاً كثيراً من الناس اغتروا به أو يقولون: أن فيه سمات الصالحين، فنريد أن تنصحه يا شيخ! توجه له نصيحة. الشيخ: نعم، جزاك الله خيراً، أنا أعتقد أن العدل أن يذكر كل مسلم بما فيه من خير وصواب، وأن يذكر بما فيه من خطأ ولا أقول: من شر؛ لأن الشر أخص من الخطأ، أنا أعتقد أن هذا الشخص المشار إليه في السؤال ليس فقيهاً، قد يكون صالحاً ولكن الصلاح شيء والفقه شيء آخر. ولعله يحسن بي أن أُذَكِّرَ بعاقبة الصلاح الذي لم يقترن معه العلم أن يكون عاقبة هذا الصالح أن يحكم على نفسه بالإعدام، كما حدثنا عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح المتفق عليه بين البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، وأراد أن يتوب فسأل عن أعلم أهل الأرض؟ فدل على راهب» أي: عبد صالح منزوٍ عن الناس لعبادة الله على طريقتهم يومئذٍ من الترهُّب: «فجاء إليه وقال: أنا قتلت تسعة وتسعين نفساً فهل لي من توبة؟ قال: قتلت تسعة وتسعين نفساً وتسأل هل لك من توبة؟ لا توبة لك، فقتله وأكمل به العدد المائة» ويبدوا من تضاعيف القصة وسياقها أن رجلاً فعلاً كان مخلصاً في توبته، لكن يريد عالماً يدله على المنهج الذي ينبغي عليه أن ينهجه: «فلم يزل يسأل حتى دل على عالم فجاء إليه وقال له: إني قتلت مائة نفس بغير حق، فهل لي من توبة؟ قال: ومن يحول

بينك وبين التوبة؟! ولكنك بأرض سوء - هذا جواب العالم - فاخرج منها إلى الأرض الفلانية الصالح أهلها» فخرج يمشي وجاءه الأجل في الطريق فتنازعته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب كل يدعي أنه من حقه، فأرسل الله إليهم ملك يحكم بينهم فقال لهم: قيسوا ما بينه وبين كل من القريتين التي خرج منها والتي قصد إليها، فإلى أيهما كان أقرب فألحقوه بأهلها، فقاسوا فوجدوه أقرب إلى القرية التي خرج إليها فتولت ملائكة الرحمة إخراج روحه. الشاهد: أظن أن هذا الرجل إذا كان صالحاً كما نرجو فهو ليس فقيهاً، هو لا يتصور (¬1) -وهذا ليس هو فريداً-، وهذه أظن أنها فائدة مهمة جداً، كثير من الناس يفرقون بين الخطأ في الفروع وهذا اصطلاح يفرقون بين الخطأ في الفروع والخطأ في الأصول، فيقولون: الخطأ في الفروع مغتفر إذا صدر من اجتهاد، أما الخطأ في الأصول فغير مغتفر، هذا خطأ. والسبب أولاً: لا دليل على هذا التقسيم، أعني: تقسيم الشريعة إلى أصول وفروع، وترتيب هذا الحكم على هذا التقسيم هذا لا أصل له. ثانياً: الأدلة أو بعضها على الأقل تؤكد أن الإنسان لو أخطأ حتى فيما يتعلق بالعقيدة فهو معذور أيضاً، وأكبر دليل على ذلك: حديثان اثنان يمكن الآن أن أسردهما سرداً، الحديث الأول: حديث ذاك الرجل الذي جمع أولاده حينما حضره الموت فقال لهم: «أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني مذنب مع ربي ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً، فإذا أنا مت فخذوني وحرقوني بالنار، ثم خذوا نصفي فذروه في الريح والنصف الثاني في البحر» فلما مات نفذوا ¬

(¬1) قطع الشيخ الكلام لينبه على فائدة مهمة.

فيه هذه الوصية التي ربما لا يتصور في الجور والبعد عن الشرع أبعد منها: «فقال الله عز وجل لذراته: كوني فلاناً فكان، فقال الله عز وجل له: أي عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ قال: ربي خشيتك، قال: اذهب فقد غفرت لك». فهذا كُفر لا شك أنه كُفر، لأنه أوصى بهذه الوصية الجائرة بزعمه: ليضل عن ربه، يذكرنا بقوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:78) فهذا الرجل يضمن هذه الوصية أن الله عز وجل غير قادر على أن يعيده كما كان بشراً سوياً، لكن الله أحياه وقال له: كن فلاناً وخاطبه، لكن الله عز وجل وهو العليم بما في الصدور عرف من هذا الإنسان أنه ما فعل فعلته لأنه كان جاحداً للبعث وللنشور وإنما كان الخوف من العذاب المدخر له والمعترف هو به وأنه مستحق له أعمى بصيرته فأوصى بهذه الوصية الجائرة. أما الحديث الثاني فهو قوله عليه السلام، وهذا أيضاً مهم جداً وله علاقة بمسألة أهل الفترة، وهذه لها طبعاً مجالس عديدة سبقت وهو قوله عليه السلام: «ما من رجل في هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» إذاً: هؤلاء الذين لم يسمعوا بالرسول عليه السلام وماتوا كفاراً ماتوا مشركين لا يعذبون على شركهم وعلى ضلالهم، بل أقول أكثر من ذلك تفقهاً في قوله عليه السلام: «يسمع بي» يعني: بحقيقتي؛ لأننا إن تصورنا أن بعض الأوروبيين: كالبريطان والألمان وأمثالهم ممن تأثروا بدعوة القاديانيين وآمنوا بأن هناك أنبياء بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأن أحدهم بعث في قاديان، وهو الذي كان معروفاً في نشأته الأولى: بميرزا غلام أحمد القادياني، ثم حرف اسمه فجعله: أحمد لغاية في نفسه معروفة، الشاهد: هؤلاء الألمان والبريطان الذين ضللوا باسم

دعوة الإسلام أن الإسلام يقرر مجيء أنبياء بعد الرسول عليه السلام وأن هذا أحدهم: ميرزا غلام أحمد القدياني، وأن الإسلام ينكر خلقاً اسمه الجن وله المواصفات المعروفة في الكتاب والسنة إلى آخره، هؤلاء بلا شك أنهم ضلوا، لكنهم هل سمعوا به عليه السلام حقاً؟ الجواب: لا، إذاً: هذا الحديث يعطينا: أولاً: من لم تبلغهم الدعوة مطلقاً فهم ليسوا معذبين، لهم معاملة معروفة في عرصات يوم القيامة. ثانياً: إذا بلغتهم دعوة الإسلام محرفة مغيرة مبدلة فآمنوا بها أيضاً لا يؤاخذون عليها، إذاً التفريق بين الأصول والفروع هذا انحراف عن الكتاب وعن السنة، لذلك أقول: أن هذا الأخ الصالح إن شاء الله يجب أن يصلح علمه على الأقل في فتواه الجائرة؛ لأن كون الرجل العالم الفاضل منحرفاً في قضية ما من العقائد: كالأسماء والصفات ونحو ذلك مما وقع فيه بعض الأشاعرة وبعض الماتريدية، فيمكن أن يكون ذلك باجتهاد منهم وليس بسوء قصد منهم، فلا يجوز إطلاق هذا القول إلا مقيداً: من علم الحق ثم انحرف عنه فهو كذا وكذا، ثم لا يفرق بين من انحرف في مسألة الأسماء والصفات أو ما يتعلق بالعقيدة وبين من انحرف في حكم شرعي، مثلاً: من عرف أن الحق مثلاً: أن خروج الدم لا ينقض الوضوء، وهو يظل يصر مكابراً للأدلة، وعلى ذلك فقس وما أكثر المسائل الفرعية التي اختلف فيها العلماء والتي بعضها قد يكون أثرها في المجتمع إفساداً أكثر بكثير من بعض المسائل التي هي تتعلق فقط في العقيدة. ترى! من أنكر كبعض الأحزاب القائمة اليوم على الأرض الإسلامية .. أنكر عذاب القبر، ترى! هذا ضرره أكثر أم ذلك الرأي الفقهي الذي يقول: إن الفتاة

المسلمة إذا بلغت سن الرشد فيجوز لها أن تزوج نفسها بنفسها دون إذن وليها خلافاً للحديث؟ أي الرأيين أشد إفساداً في المجتمع؟ آلأول الذي أنكر عذاب القبر أم هذا الذي أنكر شرط إذن الولي؟ لا شك أن هذا أكثر فساداً، لكن هذا اسمه فروع وذاك أصول: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} (النجم:23) وبهذا القدر كفاية، والحمد لله رب العالمين. "الهدى والنور" (635/ 23: 32: 00)

جماع أبواب أحكام العذر بالجهل في العقيدة والكلام حول العذر بالإكراه وحكم من شذ في مسألة عقدية

[722] باب ضوابط العذر بالجهل

[722] باب ضوابط العذر بالجهل سؤال: ما هو الضابط بالنسبة للعذر بالجهل بالتوحيد وهل قراءة وتلاوة القرآن تكفي لإزالة هذا العذر؟ الشيخ: أولاً الضابط سواءً كان يحسن قراءة القرآن أولاً، ويفهمه ثانياً، أو كان يقرأه ولا يفهمه، أولا يحسن لا فهمه ولا قراءته، فالضابط في ذلك هو أن يعيش المسلم في جو إسلامي صحيح، وتكون العقائد منتشرة في ذلك الجو حتى صارت من قسم ما يسميه علماء الأصول بالمعلوم من الدين بالضرورة. ولعل جميع الحاضرين يذكرون حديث الجارية التي كانت ترعى غنماً لرجل في أحد وأن الذئب سطى على الغنم ... فلما بلغه الخبر قال الرجل معتذراً لنفسه عما فعل بقوله: قال الرجل أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة، يقول الرسول عليه السلام وعليه عتق رقبه فأمره عليه السلام بأن يأتي بها فقال: لها أين الله؟ فقالت: في السماء فقال: من أنا؟ قالت أنت رسول الله، قال أعتقها فإنها مؤمنة، الشاهد من الحديث أن كون الله عز وجل في السماء في عقيدة قرآنية منصوص عليها في القرآن في غير ما آية صريحة وعقيدة سنية نبوية عليها أحاديث كثيرة جداً، ولكن الآن كثير من المجتمعات الإسلامية، لا تعتقد العقيدة الإسلامية فالرجل الذي يعيش في هذا الجو يكون معذوراً؛ لأن الحجة لم تبلغه بخلاف من كان في مجتمع آخر عقيدة التوحيد هي فاشية ومنتشرة في ذلك المجتمع الذي أشبه ما يكون بالمجتمع الأول النبوي والذي فيه الجارية وهي راعية الغنم عرفت هذه العقيدة، هل هي درست القرآن، هل هي درست حديث الرسول عليه الصلاة

والسلام، ذلك مما يستبعد عادةً من راعية غنم، لكن هي تعيش مع أهل بيت: سيدها وسيدتها فهي تسمع منهم وتتفقه على أيديهم، فتعلم ما لم تكن من قبل تعلم. وإذا ضممنا إلى هذا الحديث وإلى هذا المعنى قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) وفهمنا الآية الكريمة فهماً صحيحا، وليس فهماً جامداً على لفظها دون مرامها ومعناها، وأعني بذلك أن الآية لا تعني فقط بقوله تعالى {حتى نبعث رسولا} أي أن كل جماعة وكل طائفة وفي كل عصر يأتيها رسول، قد يأتيها رسول، وقد يأتيها دعوة الرسول، المهم إذاً أن الآية ليست تعني فقط شخص الرسول وإنما تعني دعوة الرسول؛ ومن الأدلة على ذلك أن الرسول قد يأتي قوماً فيكون فيه المجنون، ويكون فيه المصروع، ويكون فيه غير البالغ، والأصم وإلخ، وهؤلاء جاءهم الرسول، ولكن ما جاءتهم دعوة الرسول، وعلى العكس من ذلك، أمثالنا نحن أتباع محمد عليه السلام، نحن ما جاءنا محمد، مباشرة لكن جاءتنا دعوة محمد إذاً من وصلته دعوة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - على نقاوتها وعلى حقيقتها فقد بلغته الحجة، ولا يعذر بالجهل على ما وضحت آنفاً. من هنا أنا قلت أكثر من مرة أن كثيراً من الأوروبيين والأمريكيين الذين يفتنون بدعاةٍ منحرفين عن الكتاب والسنة ولنضرب على ذلك مثلاً بطائفة القاديانية؛ لأن هؤلاء من الطوائف التي لها نشاط شديد جداً في الدعوة إلى ما يعتقدون من دينهم، ولذلك فقط استطاعوا أن يؤثروا على الألوف المؤلفة من الإنجليز والألمان والأمريكان وإلخ، ترى وهنا الشاهد هؤلاء الذين اتبعوا الدعوة

[723] باب منه

القاديانية هل بلغتهم حجة الإسلام؟ الجواب: لا بلغتهم حجة القاديانية وليست حجة الإسلام، فلله الحجة البالغة وهي مناط التكليف إيجاباً وسلباً، فالضابط إذاً بلوغ الدعوة الصحيحة إلى الأفراد فمن بلغته فقد أقيمت عليه الحجة ومن لا فلا، لكن الذي يضبط الموضوع هو ملاحظة المجتمع الذي يعيش فيه هؤلاء الأفراد؛ فإن كان المجتمع مجتمع أهل السنة والجماعة كما كانوا يقولون قديماً ولا نرى استعمال هذه الكلمة حديثاً؛ لأنها في عرف المقلدين إنما تعني الأشاعرة والماتريدية وإنما نعني من بلغتهم دعوة السلفية وما كان عليه السلف الصالح فهذا قد أقيمت عليه الحجة ولكن في اعتقادي أن هؤلاء قلة في العالم الإسلامي كله، في اعتقادي أظن يكفي هذا جواباً على سؤالك. "الهدى والنور" (861/ 20: 01: 00) [723] باب منه السائل: [أسأل] ... على عملية العذر بالجهل، العذر بالجهل يعني .. الشيخ: العذر بالجهل أخي يختلف، ... العذر بالجهل تارة يُعْذَر وتارة لا يعذر، ولا فرق بين أن يكون الأمر في العقيدة أو أن يكون في الأحكام الشرعية، قد يكون معذوراً في كل منهما وقد يكون غير معذور في كل منهما، وقد يكون معذوراً في أحدهما دون الآخر وهكذا، والمناط؛ أي: العلة التي توجب المؤاخذة أو لا توجبها، إنما هي ملاحظة كون هذا الذي نريد أن نقول عنه أنه معذور أو غير معذور يعيش في مجتمع إسلامي معروف الحكم عند هذا المجتمع وذائع وشائع مع ذلك هو ليس عنده علم بذلك فهذا غير معذور. وبين شخص آخر يعيش في مجتمع إما غير إسلامي محض كالمجتمعات

[724] باب منه

الكفرية وإما يعيش في مجتمع إسلامي اسماً حينئذ هذا يكون معذوراً بأنه لم تبلغه الحجة، عرفت الفرق؟ مداخلة: نعم. "الهدى والنور" (199/ 58: 56: 00) و (224/ 28: 02: 00) [724] باب منه السائل: موضوع العذر بالجهل هنالك من يقول .. الشيخ: موضوع إيش .. السائل: العذر بالجهل في العقيدة خاصة، هناك من يقول يعذر الإنسان بالجهل وهنالك من يقول لا، وقد ظهرت مؤلفات في ذلك، نرجو الإفادة في ذلك .. الشيخ: نعم، سبق أن أجبت عن مثل هذا السؤال بشيء من التفصيل ولا أستحسن إعادة الكلام في الإجابة عن سؤال متكرر إلا إيجازاً، فأقول لا يصح القول مطلقاً بأن الإنسان يعذر بالجهل مطلقاً أو لا يعذر مطلقاً كلاهما خطأ، وإنما لابد من التفصيل، من كان يعيش في جو إسلامي، وهذا الجو الإسلامي يفهم الإسلام فهماً صحيحاً ثم وجد هناك شخصٌ يجهل العقيدة الإسلامية، وهو يحيى في هذا الجو؛ فهو غير معذور، وعلى العكس من ذلك: إذا تصورنا شخصاً آخر يعيش في جو غير إسلامي، جو الكفر والضلال مثل أوربا وأمريكا مثلاً ثم أسلم فهذا يعذر بجهله لأنه لا يجد الجو الذي يساعده على أن يتعلم وأن لا يجهل، ثم نضرب المثال الذي يعاكس الصورة الأولى، الصورة الأولى قلنا رجل يعيش في

جو إسلامي يفهم الإسلام فهماً صحيحاً فهو غير معذور بجهله، الآن نقلب الصورة فنقول زيد من الناس يعيش في مجتمع إسلامي ولكن هذا المجتمع قد انحرف به الجمهور فيه عن العقيدة الصحيحة فيكون أيضاً هذا الشخص معذوراً لأنه لا يجد الجو الإسلامي الصحيح الذي يقدم إليه العقيدة الصحيحة كما يقولون اليوم أوتوماتيكيا، يعني ليس بحاجة إلى أن يتعلم بحلقات خاصة؛ لأن الجو كله مملوء بالعقيدة الصحيحة، مثال ذلك: حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: صليت يوماً ورأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعطس رجلٌ بجانبه، وعطس رجل بجانبه فقلت له: يرحمك الله، وهو يصلي مع المصلين، قال فنظروا إليَّ بمُؤخرة أعينهم فضقت ذرعاً فقلت: واثكل أُمياه، مالكم تنظرون إليَّ؟ فأخذوا ضرباً على أفخاذهم، يقولون له: اسكت ليس هذا مكان الكلام والصياح قال: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة أقبل إليَّ فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي:" إن هذه الصلاة لا يصلح فيها من كلام الناس .. "، يرحمك الله، يهديكم الله، هذا الذي هو معتاد وعادة شرعية جيده إذا عطس الرجل فحمد الله فشمتوه هذا لا يجوز في حالة الصلاة " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها من كلام الناس، إنما هي تسبيحٌ وتكبيرٌ وتحميدٌ وتلاوة القرآن"، قال: فقلت يا رسول الله، أتصورُ نفسية هذا الإنسان الفاضل أنه كان حديث عهد بالإسلام وأنه لم يتعلم بعد ما يجوز في الصلاة وما لا يجوز ولذلك وقع منه هذا الخطأ، حيث قال لمن عطس يرحمك الله هذا كلام وقد كان مثل هذا جائز في أول الإسلام حتى أنزل الله تبارك وتعالى القرآن {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين} فحرم الله عليهم الكلام، كان الرجل قبل استقرار تحريم الكلام يدخل

المسجد فيجد الناس في الصف يصلون وراء الإمام فيقف فيقول لصاحبه إي ركعةٍ هذه يقول هذه الركعة الثانية فيفهم في صلاة الصبح مثلاً أنه قد فاتته الركعة الأولى فينوي ويكبر ويقرأ ماتيسر له ويركع لوحده ثم ينضم مع الإمام في الركعة الثانية، حتى دخل يوماً معاذ ابن جبل رضي الله عنه دخل المسجد فوجد الناس قياماً كالعادة فنوى مباشرة ولم يسأل ذلك السؤال التقليدي ثم قام وصلى ماسُبق به من الصلاة فقال عليه الصلاة والسلام إن معاذًا قد سن لكم سنة أي سنة حسنة، فصار من ذلك اليوم الحكم المعروف حتى اليوم ألا وهو قوله عليه السلام: «فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» بينما كان الحكم كما عرفتم، يستوضح متكلماً مع صاحبه وهو في الصلاة فيصلي ما فاته لوحده، ثم ينضم، هذا الرجل يبدو أنه لم يكن قد بلغه تحريم الكلام في الصلاة وبخاصة أن هذا ليس من الكلام المعتاد، كيف حالك وشلونك وكِيف السوق وما أشبه ذلك، إنما عطس فحمد الله، فقال له: يرحمك الله، ولم يكن قد علم بعد أن هذا شيء ممنوع في الصلاة ولذلك ازداد ثورةً وغضباً حينما وجدهم ينكرون عليه أشد الإنكار, أولاً بنظرهم إليه بمؤخرة أعينهم، ثانياً بضربهم على أفخاذهم بأكفهم، فلا شك تتصورون معي أنه هذا الإنسان ما يدري كيف صلى وهو يفكر -عرف أنه قد أخطأ لكن ما خطؤه- وعلى ذلك انتظر حينما سلم الرسول عليه السلام من الصلاة أن يأتيه وأن يؤنبه وأن يقسو عليه في الكلام كما هو شأن كثير من الأئمة ومن المدرسين الذين لا يتحملون سؤال عادي إلا ويثورون ويغضبون، هكذا تصور هو أن الرسول لما أقبل إليه لكن خاب ظنه والحمد لله حينما قال معبراً عن لطفه عليه السلام ورأفته قال: أقبل إليَّّ فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني إنما قال لي: «إن هذه الصلاة لا

يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي تسبيح ٌ وتحميدٌ وتكبيرٌ وتلاوة للقرآن» حينما وجد هذا اللطف المحمدي تفتحت معه ذاكرته وذكرته لتوجيه السؤال بعد السؤال، قال يا رسول الله إنا منا أقوام يأتون الكهان قال: «فلا تأتوهم»، قال إنا منا أقواماً يتطيرون, قال: «فلا يصدنكم»، قال إنا منا أقوام يخطون الرًّمَل، قال: «قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطهُ خطه فذاك»، قال يا رسول الله -وهنا الشاهد- إن لي جاريه في أحد ترعى الغنم لي فسطى الذئب يوماً على غنمي، وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة، وعليَّ عتق رقبة، كأنه يقول أفتجديني أن أعتقها كفارة لما علي من عتق رقبة قال: «هاتِها» فجاءت قال لها: «أين الله» قالت في السماء، قال لها: «من أنا» قالت أنت رسول الله فالتفت إلى سيدها السائل وهو معاوية بن الحكم السلمي، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة». الشاهد من هذا الحديث وفيه أحكام جمة كما سمعتم وفوائد عديدة، إنما الشاهد فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سألها عن عقيدة تتعلق بكل مسلم ألا هو قوله عليه السلام: أين الله؟ فأجابت بالجواب الصحيح قالت في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. فحكم عليها بأنها مؤمنة لأنها أجابت عن السؤالين جواباً صحيحاً، انظروا الآن الفوارق؛ هذه جارية ترعى الغنم عرفت العقيدة الصحيحة في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) هذه العقيدة التي لا زال المسلمون يختلفون فيها اختلافًا جمًّا، ولا يزال جماهيرهم منهم بعض العرب وأكثرهم من العجم لا يزالون يجهلون هذه العقيدة الصحيحة بل ويحاربونها أيضاً، فإذا افترضنا جواً مثل هذا الجو النبوي، جارية ترعى الغنم، عرفت ما لا يعرفه كبار المشائخ في بعض البلاد، فمن كان من عامة الناس في تلك البلاد ومن أين

له أن يعرف العقيدة الصحيحة كما عرفتها هذه الجارية والعلماء في تلك البلاد هم يعتقدون خلافها ويقولون ما لا يجوز، كمثل قولهم إذا قلت لهم أين الله؟ يقولون نعوذ بالله، هذا سؤال لا يجوز، سؤال لا يجوز والرسول هو الذي سَنَّهُ! هكذا يقولون لا يجوز هذا السؤال، لماذا؟ لأن الجواب لا يجوز، أكثر وأكثر عندهم: لا يجوز أن يقول المسلم كما قالت الجارية: الله في السماء، وكثير من هؤلاء العلماء الأعاجم بل وفيهم العرب وبعضهم من الشراكسة وبعضهم من المغاربة حاولوا [الطعن في] صحة هذا الحديث وما ذاك إلا لأنه يحمل في طواياه العقيدة الصحيحة فيما يتعلق بتفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، فيعللون هذا الحديث مع كونه في صحيح مسلم ومع كونه يشهد الله لا علة له إطلاقاً، أقول هذا لأنه قد يوجد في صحيح مسلم وفي غيره ما يمكن أن يكون فيه طعن ما كتدليس ونحو ذلك، أما هذا الحديث فذلك من فضل الله علينا وعلى الناس فليس فيه أي طعن من حيث إسناده، ولكن أهل الأهواء إن كانت العقيدة في القرآن حاولوا اللف والدوران حولها بتأويلها وإخراجها عن دلا لتها الصريحة، وإن كانت العقيدة في السنة حاولوا الطعن فيها بكل وسيلةٍ ولو كانت فاشلة. فإذاً الذي يعيش مثلاً في جو مثل الأردن، مثل سوريا مثل مصر أكثر علمائها لا يعرفون هذه العقيدة بصورة خاصة، والعقيدة السلفية بصورة عامة، أفلا يعذر المسلمون الذين يقيمون في تلك البلاد، نقول نعم، لكن ليس الأمر كذلك، الغرباء الذين يعيشون في هذه البلاد والتي فضلها الله تبارك وتعالى وميزها بكثير من الخصال من أهما دعوة التوحيد التي سخر الله لها في هذه البلاد منذ نحو مئتي سنة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فأحيى دعوة التوحيد حيث كانت الشركيات والوثنيات قد كادت أن تعم البلاد الإسلامية كلها ومنها هذه البلاد في الجزيرة

العربية فأنقذ الله بهِ عباده هناك، ثم سَرَت يقظته هذه إلى البلاد الإسلامية الأخرى لكن بنسب متفاوته وقليله جداً، فمن كان غريباً هنا من الأعاجم أو العرب فهو يسمع ليل نهار عقيدة التوحيد، وأن الله على العرش استوى، وأن استواءه معلوم لغةً وهو الاستعلاء، وأن الكيف مجهول، وأن السؤال عن كيفية الأستواء بدعة، فهذا لا يكون معذوراً لأنه قد وجد في جو يشبه جو تلك الجارية، من أين عرفت الجارية العقيدة؟ من المجتمع التي عاشت فيه فسيدها وسيدتها وأبناؤهما كلهم ينطقون بالعقيدة الصحيحة، فلماذا هي لا تكون كذلك عقيدتها صحيحة، وهذا مما يفسر به قوله عليه الصلاة والسلام وهو من أنباء الغيب: «إن الله ليعجب من أقوامٍ يجرون غلى الجنة في السلاسل، إن ربك ليعجب من أقوام يجرون إلى الجنة بالسلاسل»، كيف هذا؟! إشارة عظيمة جداً من نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الفتوحات الإسلامية التي ستقع من بعد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويأتون بالأسرى مغللين في الأصفاد فيعاشرون المسلمين وهم عبيد أرقاء لكن رقهم هذا سينقلب نعمة ما بعدها نعمة عليهم، فإنهم قد كانوا من قبل وهم أحرار في بلادهم يسمعون عن الإسلام كل سيئة بسبب القساوسة والرهبان والجهال وما شابه ذلك من الذين يذيعون السوء عن الإسلام والأفكار والعقائد السيئة، فلما ابتلاهم الله ووقعوا في الأسر وسيقوا إلى بلاد الإسلام بالأغلال عاشوا مع المسلمين عن كثب وعن قرب واطَّلعوا أولاً على عقائدهم وعلى عبادتهم ثم على سلوكهم وأخلاقهم فوجدوها من أحسن ما يمكن أن يوجد على وجه الأرض، فكان ذلك سبباً لدخولهم في الإسلام اختيارا وليس اضطراراً، فدخلوا الجنة أي بسبب إسلامهم وهم قد سيقوا من قَبل بالأغلال. فهذه البلاد إذاً من كان فيها من الغرباء سواء من العرب أو الأعاجم فلا يعذر بجهله؛ لأنه استمر في جهله، فمعنى ذلك أنه مكابر ومعاند لأنه قد أقيمت الحجة

[725] باب هل يعذر بالجهل في مسائل الاعتقاد في بلادنا اليوم؟

عليه فإنه يسمعها ليل نهار، أما من كان في البلاد الأخرى فهو يسمع نقيض ذلك فهو معذور بجهله، فإذاً عرفتم الآن ثلاثة صور أو ثلاثة مجتمعات .. المجتمع الأول: المجتمع الإسلامي الذي فهم العقيدة الصحيحة فمن عاش في هذا المجتمع فلا يعذر بجهله. المجتمع الثاني: المجتمع الكافر الذي قد يُسْلِمُ فيه فردٌ من أفراده أو بعض أفراده فمن أين له أن يعرف العقيدة الصحيحة فهو معذور بجهله. المجتمع الثالث: مجتمع بينهما فهو في الظاهر مسلم وعلامات الإسلام ظاهره فالمساجد عامرة بالصلاة والأذان مرفوعٌ صوته وإلى آخره، لكن كبار أهله منحرفون عن العقيدة الصحيحة، فمن أين يتلقى أفراد هذا الشعب العقيدة الصحيحة؟ فيكونون والحالة هذه معذورين. هذا الذي تيسر لي من الجواب عن هذا السؤال وبهذا القدر كفاية .. والحمد لله رب العالمين. "فتاوى جدة -الأثر- (10/ 43: 55: 00) [725] باب هل يُعذر بالجهل في مسائل الاعتقاد في بلادنا اليوم؟ السؤال: هل يعذر بالجهل في مسائل الاعتقاد؟ الجواب: أما في بلادنا اليوم يعذر؛ لأنه ليس هناك علماء يبلغون أحكام الله إلى عامة المسلمين. "الهدى والنور" (262/ 00:43:05)

[726] باب هل يعذر بالجهل من عاش في مجتمع مليء بالشركيات؟

[726] باب هل يعذر بالجهل من عاش في مجتمع مليء بالشركيات؟ السائل: بسم الله والصلاة السلام على رسول الله، أما بعد: قد ذكرت فيما مضى من الأسئلة السابقة أن قضية العذر بالجهل، هذا بالنسبة للصفات، هل يعذر بالجهل من كان في بلدة يقام فيها الذبح للأولياء والطواف حول قبورهم وهم يدعون الإسلام، وبلدهم أو بلادهم .. الطابع هذا كله في جميع البلاد، فهل هذا الرجل يعذر بالجهل أم لا؟ ويعتقد أن الأولياء .. أو أن هذا الذي يطوف حوله ينفع ويضر، وهذا المعتقد السائد في هذا البلد، فهل هذا الرجل يعذر بالجهل، أم ماذا؟ والسؤال الثاني: .. الشيخ: حسبك سؤالًا سؤالًا .. أنا جوابي على جوابك بكل صراحة: نعم، وهو مفهوم من جوابي السابق تمامًا؛ لأن السؤال كما قلت أنت الآن في العقيدة: هل يعذر إذا كان ضالًَا في العقيدة أم لا، وما دندنت حوله من الطواف حول القبور هو من الإشراك بالله تبارك وتعالى، فالجواب هو الجواب الذي دندنا حوله وصرحنا به فيما مضى، وليس في السؤال شيء جديد. إذا تذكرت بأنني جعلت المجتمع الذي يعيش فيه هذا الذي يعذر أو لا يعذر جعلت المجتمعات ثلاثة: إما مجتمع إسلامي صحيح، وإما مجتمع كافر، وإما مجتمع اسمًا مجتمع إسلامي، ولكن العلماء الذين هم مفروض فيهم أن يكونوا هداة هادين لغيرهم هم في أنفسهم ضالون، وقد ذكرتُ ومن أين يأتيه علم هذا الجاهل، فهو معذور إذا

وجد في مثل المجتمع الثاني المجتمع الكافر، أو المجتمع الثالث المجتمع المسلم الذي ليس فيه أهل التوحيد وأهل العقيدة الصحيحة، فما الذي حملك على أن تجدد السؤال بضرب مثال، مع أن الأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى. قد يكون هناك شيء خفي أمره على بعض الحاضرين، وقد تكون أنت منهم، فهل تستطيع أن تقول ما الذي حملك على توجيه هذا السؤال وهو داخل في الجواب السابق، تفضل. مداخلة: هناك آيات من القرآن كثيرة .. أن الأولياء إذا دعوهم الناس لا يضروهم ولا ينفعوهم .. الشيخ: ليس هنا داعي يا أخي! أنت الآن كأنك تناقش إنسانًا يقر دعوة غير الله عز وجل من الأموات، لسنا في هذا الصدد، بحثنا هذا الجاهل يعيش بين أناس يعتقدون أن هذه الاستغاثة بغير الله هو من باب التوسل المشروع، لسنا في هذا الصدد، نحن والحمد لله منذ نعومة أظفارنا ونحن من أهل التوحيد: {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ} (يوسف:38) لكن بحثنا الآن: من وجد في مجتمع شرك، هل أقيمت حجة الله عليه؟ مداخلة: على العقائد هذه .. الشيخ: واضح أن الحجة لم تقم، فهذا الذي نحن ندندن حوله، ولذلك ففي سؤالك ليس فيه شيء جديد، ونحن حين نقول: إنه معذور يمكن هذه النقطة تحتاج إلى توضيح، ماذا نعني إنه معذور بمعنى: إننا لا نحكم عيه بأنه من أهل الكفر المخلدين في النار، هذا الذي نعنيه، ولسنا نعني أنه يدخل الجنة ترانزيت! لا ما نعني هذا، لا يدخل الجنة كما قال عليه السلام إلا نفس مؤمنة، هذا أعلنه في

[727] باب هل يعذر المخالف في العقيدة؟

حجة الوداع، ولكني أريد من قولي: إنه معذور، أي: لا نحكم له بالنار التي وعد بها الكفار، له معاملة يوم القيامة معروفة في بعض الأحاديث الثابتة، فإن أطاع دخل الجنة وإن عصى دخل النار. "فتاوى جدة-الأثر-" (11/ 01:18:48) [727] باب هل يعذر المخالف في العقيدة؟ سؤال: فضيلة الشيخ! هل يعذر من خالف في العقيدة لمجرد اشتراكه في النية حتى وإن خالف المنهج الصحيح في أصول الاستدلال؟ الشيخ: هذه المسألة كثيراً ما تثار في هذا الزمان، وأنا أرى أنها تحتاج إلى شيء من التفصيل، وقد يُطرح هذا السؤال بصيغة أخرى، وهي هل يُعذر الجاهل بجهله؟، ولا شك أن الجهل قد يكون جهلاً جزئيًّا أو يكون جهلاً كليًّا، أنا أشرت آنفاً إلى أن بعض المخالفين قديماً خالفوا في بعض العقائد ... [فهذا] إذا كان قصده الوصول إلى معرفة حكم الله عز وجل فيما ذهبوا إليه فأخطأ، الخطأ في اعتقادي معذور إذا كان صادراً عن اجتهاد قد أفرغ صاحبه جهده ولم يقصر، فلا فرق في الخطأ في الأصول أو في الفروع إذا لاحظت هذه القاعدة: لو أن رجل استحل حكماً هو في الشرع حرام، لا شك أنه إذا علم حرمته ومع ذلك استحله، فإنه يكفر، وهذا حكم شرعي وليس عقيدةً، وكذلك العكس تماماً لو أنه استحل محرماً باجتهاده فلا يعتبر هذا كفراً وإن كان يعتبر خطأ وضلالة فمن حيث ... به لا يجوز حتمًا، لكن من حيث أنه مؤاخذ عند الله عز وجل مؤاخذته للكافر الذي عرف الحق وجحده فليس الأمر كذلك، فالمناط في هذه المسألة من حيث المؤاخذة ليس هو كونه أخطأ في العقيدة أو في أصل من الأصول، وإنما المناط

في القضية: هل تبين من الحق ثم جحده كما قال تعالى في حق المشركين: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) وقال في حق اليهود ومعرفتهم بصدق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومع ذلك كفروا به، قال تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146). فإذاً: المناط في المؤاخذة في الخطأ في العقيدة أو في الأحكام ليس هو التفريق بين هذه وهذه، وإنما التفريق بين أن يكون المخطئ قصد الحق بإخلاص وإفراغ الجهد للوصول فيه أو لم يقصد، فعلى هذا يحكم بأنه معاقب عند الله عز وجل أو لا. ويحضرني بهذه المناسبة حديثان اثنان: أحدهما يتعلق بما ذكر آنفاً في قوله تعالى لليهود: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146) ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (¬1) أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان له غلام من اليهود يخدمه فمرض هذا اليهودي، فعاده عليه الصلاة والسلام فوجده في حضرة الموت فقال له عليه الصلاة والسلام: «قل: لا إله إلا الله» وعند رأس الغلام والده، فرفع بصره إليه كأنه يستشيره يسأله: ما رأيك في قول محمد عليه السلام، فالخبيث أجاب بكلمة حق فقال لابنه: أطع أبا القاسم، فقال الغلام: لا إله إلا الله ومات، فقال عليه الصلاة والسلام: «الحمد لله الذي نجاه بي من النار» الشاهد في هذا الحديث هو كتفسير الآية الكريمة: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146) والد هذا الغلام لما رأى ابنه في حضرة الموت ويعرف حقيقة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نبي صادق أراد أن ينقذ ابنه من الورود في العذاب فقال له: أطع أبا القاسم، أما هو نفسه فصدق فيه قوله تعالى: ¬

(¬1) البخاري (رقم1290).

{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) فعاش أبوه كافراً وربما مات كذلك، ولكنه نصح ابنه وقال له: أطع أبا القاسم. هذا الكفر الذي هو الجحد هو الذي يحاسب عليه الإنسان عند الله عز وجل ويكون خالداً مخلداً في النار. الحديث الثاني: حديث في اعتقادي مهم جداً فيما يتعلق بالكفر وأنه ليس الخطأ في الكفر غير معذور؛ لأنه كفر وإنما المناط كما ذكرنا الجحد، لقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أيضاً قال: «كان رجل فيمن قبلكم لم يعمل خيراً قط، فلما حضرته الوفاة جمع أولاده حوله وقال لهم: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني مذنب مع ربي» وهنا يبدأ الشاهد: قال: «فإني مذنب مع ربي ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً، فإذا مت فخذوني وحرقوني بالنار، ثم ذروا نصفي في الريح ونصفي في البحر» فلما مات نفذوا فيه هذه الوصية العجيبة الغريبة فقال الله عز وجل لذراته: كوني فلاناً فكانت بشراً سوياً، قال الله عز وجل: «أي عبدي! ما حملك على ما فعلت، قال: يا رب! خشيتك، قال: فقد غفرت لك». الشاهد: أن هذا الإنسان لا يشك مسلم بأنه قد وقع في الكفر حينما شك في قدرة الله تبارك وتعالى أن يعيده كما كان وهو يستحق العذاب، فصورت له غفلته أن يضيع على ربه بزعمه فأوصى بتلك الوصية الجائرة الغريبة حيث أمر أولاده بأن يحرقوه بالنار وأن يذروا نصفه في الريح الشديدة والنصف في البحر المائل، فما كان ذلك بالذي يضيع على ربه كما قال في القرآن الكريم: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:78) إلى آخر الآيات، تعالى الله عز وجل والله أعلم بما كان، في نفسه من الوازع والدافع الذي دفعه على مثل هذه

[728] باب هل يعذر بالجهل في الأسماء والصفات؟

الوصية: «ما حملك على ذلك؟ قال: خشيتك» أي: إنه مؤمن بالله عز وجل أولاً، وبِعَدله ثانياً، وأنه يستحق العقوبة؛ لأنه لم يعمل خيراً قط، هذا الخوف من ربه هو الذي أعماه عن قدرته التي لا يتصور أن يعيش مسلم جاحداً لها، لكن الخوف أعماه فأوصى بهذه الوصية، فلما علم الله عز وجل منه ذلك قال: قد غفرت لك. فلذلك لا يجوز الفصل بين الخطأ في الفرع أو الخطأ في الأصل؛ لأن الخطأ في الأحكام أو الخطأ في العقائد فهو خطأ هنا وهناك، وهو كفر هنا وهناك، أو خطأ هنا وهناك، فالله عز وجل العليم بما في الصدور هو الذي سيحاسب كل إنسان بما قام في نفسه حينما انحرف عن الصواب، هل كان متعمداً له أو كان غير متعمد .. هل كان قاصداً لمعرفة الحق أو غير قاصد؟ هذا أمره يعود إلى الله تبارك وتعالى، أما الأحكام الظاهرة فهذه شأن آخر فلا بد من تنفيذ الأحكام الظاهرة إذا ظهر أن مسلماً ما يقول كما تقول الشيعة، بأن هذا المصحف ناقص والله عز وجل يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9) هذا بلا شك يؤتى به إلى الحاكم والقاضي الذي يحكم بالشرع فيستتاب فإن تاب وإلا قتل، فهذا حكم غير ما نتكلم فيه عند الله عز وجل: هل يدان بالخطأ بالعقيدة أم لا يدان؟ فيه التفصيل الذي ذكرناه آنفاً. "رحلة النور" (13أ/00:43:31) (13ب/00:00:00) [728] باب هل يعذر بالجهل في الأسماء والصفات؟ السائل: هل يعذر الإنسان بالجهل في الأسماء والصفات؟ الشيخ: الجواب بارك الله فيك: أن الأمر يختلف باختلاف الإنسان من حيث موطنه، وأنا كما يقولون في دمشق: نضربها علاوية، يعني: فارق كبير، يعني:

[729] باب هل يعذر الإنسان بجهله في زمن انتشار العلم؟

للمسلم الأوروبي الذي أسلم بسببٍ بدا له من نور الإسلام فآمن، كذاك البدوي الذي أسلم في بعض المعارك وسأل الرسول عليه السلام: أنه إذا قاتل واستشهد أيدخل الجنة؟ قال: نعم، فهجم على الكفار وقاتل حتى قتل، هذا ما يتصور أنه عرف تفاصيل الإسلام، صح أو لا؟ نرجع للمثال السابق: هذا الأوروبي الذي أسلم من أين يستمد المعلومات التفصيلية فيما يتعلق بالصفات الإلهية سواء ما كان منها في الكتاب أو ما كان منها في السنة، فهذا يعذر، هذا أعلى شيء مثال، ننزل قليلًا إلى الوسط: المسلم الذي يعيش في جو خلفي ماتريدي أو أشعري، لو سأل أي عالم من العلماء الذين يقال إنهم من أهل العلم، فسيفتونه بما تعلم من التأويل والتعطيل، فهذا بلا شك يعذر، أما من كان يعيش في بلاد فيها علماء سلفيين .. فيها علماء خلفيين، فهذا عليه أن يجتهد، أما من كان في بلاد سلفية محضة فهنا يقال: لا يعذر بجهله، واضح؟ فالأصل في هذا هو قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). (فتاوى جدة -الأثر-" (5/ 00:42:19) [729] باب هل يعذر الإنسان بجهله في زمن انتشار العلم؟ السائل: [هل يعذر الإنسان بجهله في هذا الزمان مع انتشار العلم؟] الشيخ: هذا ليس على إطلاقه، وكثيراً ما سئلنا مثل هذا السؤال في هذه البلاد وفي غيرها، السؤال التقليدي: هل يعذر الجاهل بجهله أم لا؟ فجوابي: أنه قد يعذر وقد لا يعذر، إذا كان الجاهل يعيش في بلاد إسلامية يغلب عليها العلم الإسلامي وخاصة بعقائده وبصورة أخص ما يتعلق منها بالتوحيد فهنا لا يعذر هذا الإنسان بجهله؛ لأنه يعيش في جو إسلامي يفترض أن يكون قد عرف من الجو الصالح الذي يعيش فيه العقيدة الصحيحة وهذا بلا شك أيضاً يستطيع الإنسان أن

يتصور صوراً متعددة. جو إسلامي والحمد لله أن البلاد السعودية لا تزال من حيث صلاح عقيدتها هي في القمة ولكن يقصدها كثير من المسلمين العرب أو العجم لقضاء مصالحهم وأحياناً عباداتهم من الحج أو العمرة، فقد يكون الواحد منهم أقام في هذه البلاد مدة من الزمن لم يتمكن في المدة لقصرها أن يتعرف على عقيدة التوحيد مثلاً فهو لا يزال يحمل في أفكاره بعض الانحرافات عن التوحيد الصحيح، فهذا بالرغم أنه أقام في جو إسلامي وتوحيده صحيح لا يمكن أن يقاس به من ولد في هذه البلاد وعاش فيها وترعرع ونشأ وتعلم فهناك فرق كبير بين الأول وبين الثاني؛ ولذلك إذا أخذنا هذا الإنسان الأول أي: البلد الإسلامي الصحيح توحيده وعقيدته ثم قابلناه ببلد آخر ليس بلداً إسلامياً فالمسلمون الذين يسلمون في بلاد الكفر كأوروبا مثلاً .. أو نحو ذلك، فهؤلاء إذا لم يفهموا بعض العقائد الإسلامية على وجهها الصحيح .. هؤلاء يعذرون لأنهم لا يجدون الجو الذي يعطينا المعنى الذي أشرت أنت إليه آنفاً بقول: صار من المعلوم من الدين بالضرورة، هذا إنما [هو في] المجتمع الأول وفي التفصيل الذي ذكرته: من نشأ وترعرع به وليس بالنسبة لمن [زاره] حالاًّ فيه لمدة قصيرة من الزمن. ثم نأخذ مثلاً بل أمثلة أخرى ما بين المثل الأول الطالح والمثل الآخر الصالح نأخذ مثلاً كالبلاد المصرية حيث يوجد فيها مشايخ وعلماء الأزهر وما أدراك ما علماء الأزهر من حيث الأزهر الشريف وإلى آخره، ومع ذلك فتجد هناك الشرك ضارباً أطنابه في الأزهر وفي المساجد التي في الحسين وغيره، فيعيش المصري هناك مسكينًا ولا يسمع صوت التوحيد إطلاقاً، فهذا ليس كهذا الذي عاش في المجتمع الأول؛ فلذلك فمن الخطورة بمكان مع استحضارنا لهذا التفصيل وما

أشير إليه مما لم يذكر .. من الخطورة بمكان أن يقال بأن الجاهل لا يعذر؛ لأنه يعيش في بلد إسلامي، يشترط في هذا البلد الإسلامي أن تكون عقائده مشهورة وكما قلت معلومة من الدين بالضرورة. لنفترض كما قلنا آنفاً رجل فرنسي أو ألماني أسلم، ما الذي دفعه للإسلام؟ شيء من عظمة الإسلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، لكن يا ترى هل مجرد أن أعلن إسلامه وعودي من قومه عرف الإسلام بتفاصيله؟ طبعاً الجواب: لا، فقد يكون يعيش هو وزوجته وزوجته لا تزال سافرة متبرجة كما كان قبل إسلامه بل وكما كانت هي قبل إسلامها ويعيشون مع بعضهم البعض أشقاء وإخوة وتظهر أمامهم كما تظهر أمام زوجها، هل يعذر أم لا؟ يعذر؛ لأنه حديث عهد بالإسلام؛ ولذلك نجد في بعض الأحاديث ما يمكن اتخاذه حجة؛ لأن القول بأن الجاهل لا يعذر قول يخالف سنة الرسول عليه السلام العملية. ماذا نقول اليوم لو أن مسلماً في بلاد الإسلام صاح في صلاته بأعلى صوته واستمر في صلاته ولم يعد الصلاة صلاته صحيحة أو باطلة؟ صلاته باطلة لكن الرسول ما أبطل صلاة ... ؛ لأنه عذره بجهله وما ذاك إلا لأنه كان حديث عهد بالإسلام وعلى ذلك يقاس هذه المسألة الحساسة فلا يقال مطلقاً: الجاهل يعذر، ولا يقال مطلقاً: الجاهل لا يعذر وإنما المسألة تتحمل تفاصيل كثيرة ذكرت آنفاً بعضها. أنا أشرت في مثالي الأخير إلى قصة معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه وهو بداهةًَ غير معاوية بن أبي سفيان الأموي، فقد حدث كما جاء في موطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد وصحيح الإمام مسلم بالسند الصحيح عنه أنه صلى

ذات يوم ورأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عطس رجل بجانبه فقال له وهو في الصف في الصلاة: يرحمك الله، فنظروا إليه بأطراف أعينهم تسكيتاً له، فعظم عليه هذا الأمر فصاح بأعلى صوته وهو يصلي: واثكل أمياه، ما لكم تنظرون إلي؟ فما كان لمن حوله إلا أن أخذوا ضرباً على أفخاذهم تسكيتاً، يبدوا أن الرجل تنبه ولو بعد لأي بأنه أخطأ فيما فعل من الكلام والصياح؛ لذلك قال: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة أقبل إليّ .. تصوروا مصلياً في هذا الزمان لو فعل مثل ذلك الإنسان وجاء الإمام إليه ما الذي يتصوره؟ سيشتمه ويسبه إن لم يضربه، كأن معاوية هذا رضي الله عنه تصور شيئاً من ذلك لما رأى الرسول مقبلاً إليه ولكن خاب تصوره؛ لأنه رسول الله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:159) قال: فما قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة أقبل إلي ووالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما تسبيح وتحميد وتكبير وتلاوة القرآن. انتهت قصة الرجل هاهنا، ولكن يبدو من ناحية النفس أنه لما رأى هذا اللطف النبوي شجعه لأن يتعلم؛ لأنه عرف أنه جاهل .. يصيح في الصلاة بما سمعتم فيقول الرسول: أنه لا يصلح شيء من كلام الناس وإنما هو التسبيح والتحميد والتكبير وتلاوة القرآن، فتشجع على أن يوجه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعض الأسئلة فأخذ [يطرح] هذه الأسئلة سؤالاً بعد سؤال. كان مما جاء ذكره في هذا الحديث أن قال: «يا رسول الله! إن منا أقواماً يتطيرون، قال: فلا يصدنكم، قال: إن منا أقواماً يخطون بالرمل، فقال عليه الصلاة والسلام: قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطُه خطَه فذاك، قال: يا رسول الله! إن لي جارية ترعى لي غنماً في أُحُد فسطا الذئب يوماً على غنمي وأنا بشر

أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة وعلي عتق رقبة، فقال عليه السلام: هاتها، قال لها عليه الصلاة والسلام: أين الله؟ قالت: في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فالتفت إلى سيدها وقال له: اعتقها فإنها مؤمنة». الآن: لو وجه هذا السؤال النبوي إلى بعض شيوخ الأزهر: أين الله؟ لأقاموا [الدنيا] عليه، فضلاً عن أنه لا يحسن جواب الجارية، لا يقول ذاك الله في السماء، وإن كان عنده شيء من العلم فيحاول أن يطعن في صحة هذا الحديث، وإن سلم بصحته فسيعلل جواب الجارية بتعليلات تعود بالطعن في الرسول عليه السلام من حيث هو لا يدري ولا يشعر ولا أرى الآن ضرورة أن أخوض في تفصيل هذا الكلام وإنما حسبي أن أربط هذا الكلام بما سبق. إذا كان بعض شيوخ الأزهر اليوم من كثرة كاثرة في مصر مثلاً لا يتبنون العقيدة السلفية التي اتضح فيها الآيات الكريمة وتتابعت عليها الأحاديث النبوية الصحيحة لا يعتقدون أن الله عز وجل له صفة العلو فماذا يكون عقيدة عامة الشعب المصري؟ هل يعتقد كما تعتقد هذه الجارية؟ إذاً: ينبغي أن نقول: أن هؤلاء العامة في مصر وفي أمثالها من البلاد الأخرى سواء ما كان منها بلاداً عربية أو أعجمية فالشعب هنا وهناك معذور؛ لأنه لا يعيش في ذلك الجو الإسلامي الذي منه تعلمت الجارية تلك العقيدة الصحيحة، من أين للجارية وهي راعية غنم أن تعرف هذه العقيدة التي لا يعرفها علماء الأزهر؟ من الجوّ .. الصحابة سيدها وسيدتها وما حولها من الناس كلهم يدينون ديناً واحداً ويتبنون عقيدة واحدة فعرفت هذه العقيدة من المجتمع الذي عاشته، وربما تكون قد قرأت واتبعت سنة الرسول عليه السلام بقراءة سورة تبارك التي يسن للمسلم

[730] باب حكم الطواف بالقبور وهل يعذر بالجهل في مثل ذلك وهل أخذ الميثاق يكفي كحجة؟ وحكم أهل الفترة

أن يقرأها في كل ليلة قبل يضطجع وينام ففيها يقول ربنا تبارك وتعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16، 17). فإذاً هذه الجارية وفي بعض الروايات الضعيفة أنها أعجمية تلقت هذه العقيدة الصحيحة من الجو الذي كانت تعيش فيه فسلمت عقيدتها، أما الجو المصري وجو البلاد الأعجمية الأخرى فهو موضوء ولا يجد فيه الأفراد العقيدة الصحيحة، وأنا في اعتقادي يكونون معذورين كل العذر. "رحلة النور" (5أ/18: 06: 00) [730] باب حكم الطواف بالقبور وهل يعذر بالجهل في مثل ذلك وهل أخذ الميثاق يكفي كحجة؟ وحكم أهل الفترة السؤال: ... ما حكم الطواف القبور؟ أو الشيخ: الطواف في القبور شرك لا شك في ذلك ولا ريب، إذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد قال كما في صحيح مسلم (¬1): «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» وهذا نص صريح أنه لا يجوز اتخاذ القبر قبلة؛ لأن قبلة المسلم إنما هي بيت الله الحرام أو الكعبة المشرفة، فإذا طاف الطائف حول القبر فمعنى ذلك أنه نقل عبادة هي لله وحده لا شريك له إلى ذاك المقبور الذي يعتقد بأنه من الأنبياء أو الاولياء أو الصالحين، ولا شك أن مثل هذا الارتكاب هو إخلال بحق لا إله إلا الله؛ لأن معنى هذه الكلمة الطيبة: لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى، فربنا عز ¬

(¬1) مسلم (رقم2294).

وجل يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (البينة:5) فأي عبادة توجه لغير الله عز وجل فهو شرك بالله في توحيد العبادة لأنكم تعلمون فيما أعتقد أن العلماء المحققين قسموا التوحيد الذي ينجي يوم القيامة .. يوم رب العالمين ينقسم إلى ثلاثة أقسام فإذا أخل المسلم بواحد منها لم يكن موحداً حقاً: القسم الأول: توحيد الربوبية. والقسم الثاني: توحيد الألوهية، أي: توحيد العبادة. والقسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات. فمن وجه عبادة من العبادات التي تعبد الله عز وجل بها عباده إلى غيره عز وجل فقد اتخذه معه إلهاً؛ ولذلك نجد في القرآن الكريم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما كان يدعو المشركين من قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له بالكلمة الطيبة: {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات:35) وأيضاً حكى عنهم أنهم قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص:5) المشركون لم يكونوا ينكرون التوحيد الأول وهو توحيد الربوبية وتوحيد الخالقية وإنما كانوا يعترفون بذلك تماماً وإنما أنكروا توحيد العبادة لذلك قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص:5) فأنكروا على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما أمرهم بأن لا يذبحوا إلا لله، وأن لا يحلفوا إلا بالله، وأن لا ينذروا إلا لله .. أنكروا ذلك عليه وجعلوا ذلك علامة منهم على كفرهم وشركهم للألوهية وتوحيد الله عز وجل في العبادة، فقول المسلم أي مسلم كان: لا إله إلا الله محمد رسول الله هذا بلا شك ينجيه من عذاب الدنيا ألا وهو القتل كما قال عليه السلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإذا قالواها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم

إلا بحقها وحسابهم على الله» فمن قال: لا إله إلا الله نجا بنفسه من الموت لكن لا ينجو أمام الله عز وجل من الخلود في النار إلا إذا قام بحق هذه الكلمة وأول حقها هو عبادة الله عز وجل وحده لا شريك له. من طاف إذاً حول القبور فمعنى هذا أن ما عظمه بعبادة جعلها الله عز وجل عبادة له فنقلها هذا الضال من عبادته لله إلى عبادة مقبور وهو شرك لا شك ولا ريب فيه. هل هناك شيء آخر؟ مداخلة: [متى يقام الحد على مثل هذا؟] الشيخ: نعم، هذا السؤال حينما يراد إقامة الحد عليه السلام؛ لأن هذا بهذا العمل يرتد، فإذا كان هناك من يقيم الحد، أي: القتل على المرتد حينذاك هذا الإنسان يؤتى به فيستتاب، لا يسأل: تعتقد أو لا تعتقد؛ لأن عمله برهان عن عقيدته، إنما يستتاب بعد أن تقام عليه الحجة، أن هذا الطواف هو لبيت الله فقط عبادة وخضوع لله كالسجود لا فرق، فلو أن إنساناً سجد لشيخ له أو أمير له فهذا لا يسأل لماذا أنت تسجد، وهل تعتقد أن هذا يستحق التعظيم؛ لأن عمله يدل على التعظيم لكنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فالرسول عليه السلام قال كما على العموم: «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها» (¬1) فالسجود بعد هذا التعظيم ليس من حاجة أن يسأل: لماذا أنت تسجد؟ لكن نحن بحاجة أن نفهمه أن هذا السجود إشراك مع الله لمن تعظمه ¬

(¬1) صحيح الجاع (رقم5294، 7725).

بنفس الوسيلة التي تعظم بها ربك، فإما أن ترتدع وإما أمامك لا سمح الله القتل. وسبب هذا الحديث الأخير أن معاذاً رضي الله عنه أتى الشام في زمن النبي عليه الصلاة السلام وغاب ما غاب عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم لما جاء إلى المدينة ووقع بصره على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أراد أن يسجد له، فقال له: «مه يا معاذ! قال: يا رسول الله! إني أتيت الشام فوجدت النصارى يسجدون لقسيسيهم وعلمائهم فرأيتك أنت أحق بالسجود منهم، فقال عليه السلام: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها» لكن لا يصلح السجود إلا لله تبارك وتعالى. إذاً: سواء من سجد لغير الله أو طاف بغير بيت الله لا حاجة بنا أن نسأله ماذا تعني .. أتعتقد أن هذا يستحق العبادة؟ سيقول لك: لا، ما أعتقد؛ لأنه لا يفهم ما هي العبادة، لكن نحن نقيم الحجة عليه ونفهمه أن هذا إشراك في قسم من التوحيد، ... الأول: قلنا الربوبية، والثاني: العبادة أو الألوهية، فإن استجاب وذلك ما نبغي فبها ونعمت وإلا قتل كفراً ولا يدفن في مقابر المسلمين. مداخلة: هل يعذر الجاهل في أمور العقيدة مثل هذه الأمور؟ الشيخ: هذه أيضاً لنا فيها أكثر من شريط فيما أعتقد، والسؤال يحتاج إلى تفصيل، ... فالشاهد: يختلف الجاهل باختلاف المجتمع الذي يعيش فيه، فإذا كان مجتمعاً جاهلياً فهو يعذر؛ لأن ما في من يقيم الحجة عليه ويبين له التوحيد، وإذا كان مجتمعاً إسلامياً محضاً موحداً فلا يعذر، وبين هذا وهذا طبعاً وجوه كثيرة وربنا عز وجل هو الذي يعلم ما في الصدور، فمن علم الله منه أنه لم تبلغه حجة الله فيما كان جاهلاً به فهذا معذور عند الله لقوله تبارك وتعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ

حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) ولقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» يسمع بي، يعني: يسمع بدعوتي على حقيقتها ثم هو مع ذلك لا يؤمن فهو خالد في النار أبداً. هذا هو مجمل القول في هذه المسألة: المحيط والبيئة له أثر كبير جداً في تقويم الإنسان أو إفساده؛ ولذلك نهى عليه الصلاة السلام أن يسافر المسلم إلى بلاد الكفر ويساكنهم ويعاشرهم. مداخلة: ذهب القائلون يا شيخ بارك الله فيك: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (الأعراف:172) ذهب القائلون في هذا إلى أنه لا يعذر الإنسان بجهله وقد أخذ الله عز وجل العهد عليه من ظهور .. فما رأيكم في هذا الدليل يا شيخ جزاك الله خيرًا؟ الشيخ: هذا بارك الله فيك استدلال هزيل جداً، وإنما معنى الآية السابقة: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) هذا الاستدلال معناه: تعطيل حكمة بعث الرسل وإنزال الكتب، فلو كان ما وقع في عالم الأرواح كما يقولون يكفي لإقامة الحجة كان لم يقل ربنا عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) ولم يكن هناك حاجة قصوى لإرسال الرسل وإنزال الكتب، وهذا استدلال خاطئ اعتزالي؛ لأن المعتزلة يفسرون الآية التي ذكرتها آنفاً: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) أي: العقل، وهذا انحراف طبعاً عن السنة؛ لأن السنة توضح أن أربعة أجناس يوم القيامة يدلون بحجتهم: الطفل الذي لم يبلغ سن التكليف، والمجنون، والشيخ ... ، والرابع لا أذكره الآن .. المهم هؤلاء يحاسبون يوم القيامة حساباً غير حساب الناس .. يرسل الله

تبارك وتعالى إليهم رسولاً فمن أطاع هذا الرسول دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، فلذلك الآية السابقة وهذا الحديث وما جاء في كتب التفاسير من السلف تبطل الاستدلال بالآية التي ذكرتها آنفاً. فضلاً عن الحديث الذي ذكرته أيضاً آنفاً وهو من الحجج: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» فلو كانت الحجة السابقة صحيحة لم يكن لهذا الحديث معنى أبداً؛ لأن الحجة السابقة تسوي بين من سمع عن الرسول وبين من لم يسمع به إطلاقاً، وهذا لا يقول به عالم أبداً. مداخلة: معنى سمع بي؟ الشيخ: شرحته آنفاً .. سمع بدعوتي وعلى حقيقتها، وبأوصافه وشمائله المعروفة، وهذا أيضاً لنا بعض تسجيلات في هذه الفترة عندكم، نعم. مداخلة: أهل الفترة يا شيخ [ما حكمهم]؟ الشيخ: إذا كان المقصود باهل الفترة جماعة بخصوصهم فينبغي تعيينهم، وإذا كان المقصود بأهل الفترة ليس جماعة بخصوصهم وإنما هم أقوام لم تبلغهم دعوة نبي ورسول فقد سبق الجواب، فيا ترى! ما هو المقصود بأهل الفترة في سؤالك؟ مداخلة: يقول: هم الذين ما بلغتهم رسالة نبي الشيخ: سبق البحث: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). "رحلة النور" (20ب/10: 05: 00)

[731] باب حكم من مات من المسلمين وهو يجهل التوحيد لعذر

[731] باب حكم من مات من المسلمين وهو يجهل التوحيد لعذر مداخلة: الحمد لله والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه من والاه. يا شيخ! ما هو حكم من مات من المسلمين وهو يجهل التوحيد حيث لم تصله الدعوة إما لجهله وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، وإما لكون بعض العلماء الجاهلين تولوا نشر الدعوة بين الناس وأَضْرِبُ مثلاً على ذلك: الصوفية ... الناس يتصوفون ويعلمون أن الصوفية عبادة .. الشيخ: نعم. مداخلة: كنتم فضيلتكم تكلمتم عن قضية الدعوة ونشر الإسلام في أكثر الأجوبة وضربتم مثل عن القديانية أن من لم تصله الدعوة الحقة دعوة التوحيد فهم إن شاء الله لهم معاملة خاصة، فما هو رد فضيلتكم؟ الشيخ: إن عرفت فالزم .. هذا هو الجواب، أي: هذا النوع من المسلمين يعاملون فيما نعلم من دين الإسلام عند رب العالمين معاملة مَنْ لم تبلغهم الدعوة. فالجواب هو حسب ما جاء في السؤال، أنت وصفت الوضع الذي عاش فيه هذا الإنسان، يعني: المجتمع الذي عاش [فيه] ذلك الإنسان الذي مات وهو لم يفقه التوحيد يغلب عليه .. أو هو صورة مماثلة لهذا المجتمع الذي لم يفهم التوحيد، وإذا كان المشايخ أو العلماء في مثل ذاك المجتمع الذين هم المفروض

[732] باب هل يدعى لمن مات جاهلا بحقيقة التوحيد ونقاش حول ذلك؟

فيهم أن يكونوا هداةً مهتدين هم أنفسهم ضالين منحرفين فما يكون شأن الآخرين، يعني كما قيل: إذا كان رب البيت للدف ضارباً فما على الساكنين فيه إلا الرقص "الهدى والنور" (10/ 51: 41:00) [732] باب هل يُدعى لمن مات جاهلاً بحقيقة التوحيد ونقاش حول ذلك؟ سؤال: من ناحية الأموات الذي قلت لك أنهم ماتوا على عقيدة دعاء الأموات والأولياء ... فالدعاء لهم إذا كان يعتقدون الضر والنفع بالأولياء بغير الله، وماتوا على هذا، إنما هم لا يعرفون حقيقة التوحيد، فالذي عرفوه هو هذا من العلماء. الشيخ: أنا أجبتك عن هذا في ظني، قلت: أن هؤلاء ما دام أنهم كانوا يحافظون على أركان الإسلام، لكن فيهم جهل، والمسؤول عنهم هم هؤلاء الجهلة من أهل العلم، الذين هم يضللونهم، فهؤلاء الذين ماتوا، فالأصل فيهم أنهم مسلمون، فيعاملون معاملة المسلمين، فهم يدفنون في مقابر المسلمين، وبالتالي إذا مر المار بقبورهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المسلمين، ويترحم عليهم ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، ثم أَمْرُهم إلى الله تبارك وتعالى؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48)، ثم لا يؤاخذ المشرك إلا بعد أن تكون قد بلغته الدعوة، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، فربنا عز وجل من فضله ورحمته بعباده أنه يقبل عذر العبد، فإذا كان أحد هؤلاء المسلمين الخرافيين، فلنسميهم، إذا كان هؤلاء الخرافيين من المسلمين ضل سواء السبيل، ولم يكن هناك من ينبئه

ويحذره وينهاه عن ضلاله، فهو يكون معذوراً عند ربه تبارك وتعالى، ولا يؤاخذهم مؤاخذة الذي أقيمت الحجة عليه {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). لقد جاء في صحيح البخاري ومسلم حديث عجيب جداً يدل على واسع رحمة الله بعباده، بحيث أن يغفر الكفر أحياناً، لعلمه بعذر هذا الكافر، قال عليه الصلاة والسلام: «كان فيمن قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط» الحديث في صحيح البخاري ومسلم، إياكم أن تشكوا بصحته «كان فيمن قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط، فلما حضرته الوفاة، فقال لهم: أي ... » [حصل هنا انقطاع صوتي] وهنا الغرابة تأتي: «ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» هذا شك في البعث، ألا تشعرون معي. قول: «ولئن قدر الله علي» كأنه يشك بقدرة الله. «ليعذبني عذاباً شديداً» إذاً: كيف يتخلص هو من عذاب الله الشديد المعترف بأنه (سيلاقيه). قال: «فإذا أنا مت فخذوني وحرقوني بالنار لأضل على ربي ... ثم خذوني وذرّوني نصفي في الريح، ونصفي في البحر». انظر ماذا أوحى له الشيطان. مداخلة: فين يدور، فين يلاقيني؟ الشيخ: فلما مات الرجل، والأولاد أبرار، وهذه وصية أبيهم، وهو كما اعترفوا كان خير أب لهم، نفذوا وصيته فحرقوه بالنهار حتى صار رميماً، صار رماداً، فأخذوا نصف هذا الرماد، ورموه في الريح الهائج راحت بدداً، والنصف الثاني في البحر المائج وراحت مع هذه الأمواج، فقال الله لهذه الذرات: كوني

فلاناً، فكان بشراً سويا، أي: عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ قال: ربي خشيتك، أنا خفت منك؛ لأنه أنا مستحق لهذا العذاب، وخوفاً منك، لأضل عنك فعلت ما فعلت، قال: اذهب فقد غفرت لك. هذا كفر، وهذا شرك، وهذا صريح في القرآن، {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (يس:78، 79). لكن يبدو أن هذا الرجل طيلة حياته كان مؤمناً، لكن ساعة احتضار الموت واستحضاره لذنوبه ومعاصيه، غلبت عليه خشيته من الله، فعمت عليه الطريق، وسولت له نفسه هذه الوصية الجائرة التي لا أتصور أن وجد في الدنيا أجأر منها، وأفظع منها، مع ذلك غفرها الله عز وجل لهذا الإنسان، فنحن إذا تصورنا هؤلاء المساكين الضالين من إخواننا المسلمين بسبب علماء السوء، يقعون في الشرك وفي الضلال، يستغيثون بغير الله، وينادون الأموات، وهم لا يسمعون، وبينهم برزخ إلى يوم بيعثون، فالله عز وجل إذا علم من أحدهم أنه لم تتبين له الحقيقة، وأن هذا شرك وضلال، بل لم يوجد من يقول لهم يوماً ما: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (الأنبياء:98)، فاعتقادنا أن الله عز وجل لا يؤاخذ الإنسان إلا بعد قيام الحجة، فمن علم من هؤلاء الموتى، - نحن لا نعلم-، من علم الله من هؤلاء الموتى أنه سمع دعوة الحق من الشيخ الفلاني، أن هذا شرك وضلال، فما أبه لذلك، وما اهتم لأنه الشيخ الضال هناك سول له عمله، فهذا إلى جهنم وبئس المصير. أما الذي لم يُقَيَّض له من ينبهه فهو معذور عند الله، ولما كنا نحن عاجزين عن

أن نميز من الذي بلغته الدعوة الصحيحة، عن الذي لم تبلغه الدعوة الصحيحة، فنحن لنا الظاهر وهو أنه مسلم كان يصلي ويصوم، فدفن في مقابر المسلمين، فنحن ندعو له ونستغفر له ونسلم عليه. أما ما حاله عند الله أمره إلى الله. [مداخلة: كلام غير واضح للسائل خلاصته أنه يرى جواز الدعاء للمسلمين جملةً، أما الدعاء اللأعيان الذين عرف عنهم الوقوع في الشرك فلا يُدعى لهم، لذلك فهو لا يدعو لجده ولا لجدته]. الشيخ: سامحك الله. مداخلة: آمين يا رب، .. الشيخ: أنا أسألك الآن عن جدك المرحوم رحمه الله. مداخلة: ... مرحوم هل يجوز ... الشيخ: أنت تسألني عن شيء فعلته، وأنا أقول لك عن الجد المرحوم، وأنت تقول: يجوز أو لا؟ جدك المرحوم فيما تعلم كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ مداخلة: ... الشيخ: لا بد أن تقول، نحن تعلمنا منك يعني خير الكلام ما قل ودل، تعلم أنه كان يقول ... ولا أسألك عما في قلبه. مداخلة: لا شك هو يقول.

الشيخ: بس خلاص، أنت تعلم أن جدك كان يقول: لا إله إلا الله محمداً رسول الله، هل شققت عن قلبه، فوجدت الكفر قد انعقد في قلبه، فمنعك أن تستغفر له. قل: لا، بارك الله فيك، لكي يتعلم إخواننا هؤلاء يتعلمون طريق البحث، ويأخذوا حريتهم، بساط أحمدي يا أستاذ. فإذا علمت أنه كان يقول أشهد أن لا إله إلا الله، ولم تعلم ما ينقض هذه الشهادة، وهذه الكلمة. مداخلة: أعلم أنه كان يعمل ما ينقض هذه الشهادة. الشيخ: جدك تعرفه أدركته؟ مداخلة: لا ما أدركته لكن ... الشيخ: أنا ظننت أنك ستقول أدركته، فسأغير وأقول: جد جدك تعرفه؟ فالحمد لله، إذا سمحت بارك الله فيك، حتى لا نطيل المشوار على الجماعة، ليس كل الناس عندهم نفسك الطويل، فصبراً. مداخلة: ... أمد الله بساطك الأحمدي إلى ... عندي نفس طويل. الشيخ: بشرك الله خيراً. أنت علمت أن جدك كان يشهد أن لا إله إلا الله. مداخلة: كان يقول: لا إله إلا الله. الشيخ: وما هو الفرق بارك الله فيك. مداخلة: هذا كان عن علم.

الشيخ: سامحكم الله، رجل يقول: لا إله إلا الله، آخر يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، من الناحية الإسلامية في فرق. مداخلة: لا ..... الشيخ: سامحك الله، إذاً: أنت تناقشني في الألفاظ، فسامحك الله، ومع ذلك تعلمنا نحن، اللي ما يجي معك امشي معه أقول أنا: كان يقول أم كان يشهد؟ ستقول لي: سواء قلت هكذا وهكذا لأنه المغزى واحد. إذاً: أنت تعلم أن جدك كان يقول أو يشهد أن لا إله إلا الله، لكن أنت ما عرفت ما في قلبه، هل هو يلتقي مع ما في لسانه، أم مع ما ينافيه. إذاً: أنت لا يجوز لك أبداً إلا أن تشهد له بشهادته، إلا أن تقول أنه كان مسلماً، أنا أقول لك: لا تقل كان مؤمناً؛ لأن الإيمان أمر قلبي. إذا قلت أنا لا أشهد بأنه كان مؤمناً، أنا أعذرك، لكن أنت تقول إنه مسلم، ولا يسعك إلا هذا، فإذا مررت بقبر المسلم، ماذا يكون موقفك؟ لا بد أنك تسلم عليه ... مداخلة: الذي قال: لا إله إلا الله، وقال رسول الله حاضر ناظر في كل مكان ... الشيخ: حدت، أنا أتكلم عن جدك الذي لا تعرف ولا سمعت عنه شيئاً. مداخلة: سمعت عما كان يعتقده، لأنه أبويا كان يقول زيه. الشيخ: وجد جدك؟ مداخلة: لا، أنا لا أتكلم عن جد جدي الآن، أتكلم عن جدي وأبي.

الشيخ: أنا إذاً أخطأت، أنا أنقل السؤال من جدك إلى جد جدك، تقول أيضاً مثلما أردت أن تقول عن جدك، هذا لا يجوز، لا ينبغي يا أستاذ هذا التوسع بالظنون. مداخلة: الآن أتيت لي بواحد يقول: لا إله إلا الله، أمامي ... هو يقول: يا رسول الله! يا رسول الله! يا بدوي! .. الشيخ: حيدة ... حيدة ... نحن نتكلم عمن نعلم أنه يشهد أن لا إله إلا الله، ولا نعلم أنه كفر عملياً واعتقادياً بلا إله إلا الله. مداخلة: أنا أعني هذا، أنا معك بالعشرة. الشيخ: لا، أنت لست معي. مداخلة: إذا علمت أنه كان يلفظها في كل لحظة. الشيخ: يا أستاذ، بس البحث فيمن لم تعلم. مداخلة: ... أدع. الشيخ: طيب، أنت تعلم جد جدك ماذا كان حاله. مداخلة: هو رب اغفر لنا ولإخواننا ... على هذا ... أو رب اغفر وللمسلمين. الشيخ: أنت كما تعلم بارك الله فيك، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (النساء:171). إذا رأيت إنساناً يقول: لا إله إلا الله، ثم يعبد غير الله، هذا شيء، وإذا عرفت أن والد هذا الإنسان كان يقول لا إله إلا الله، وما شهدت منه ما شهدت من ابنه، فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولذلك أنا عجبت حينما تتكلم عن جدك، وتقول: أنا لا

أترحم عليه. مداخلة: لما وصلني من أبي عنه، لأن أبي أخذ عنه. الشيخ: لا، ليسوا سواء؛ لأن الوردة تخلف شوكة، والشوكة تخلف وردة ... الخلاصة: نرجع إلى الصورة التي أنت تريد أن تتحدث عنها، رجل يشهد أن لا إله إلا الله، ويصلي ويصوم ويحج إلى بيت الله الحرام، وكل شيء ما أحسنه، لكن يا باز! أغثني، يا بدوي! كذا .. مدد .. إلى آخره، هذا شرك، هذا كفر. مداخلة: هل نستغفر له؟ الشيخ: وأنا ماذا أقول، أنا أتيت معك، لست أنت أتيت معي، أنا تركت البحث الذي ابتدأته من أجل طي البحث والخسارة، وانتقلت رأساً إلى هذا الذي رأيناه يستغيث بغير الله عز وجل. هل نقول عن هذا إنه مرتد عن دينه؟ أنا بالطبع لا أقول .. الشيخ .. رأساً، قفز من السلم من تحت إلى فوق، نستغفر له أم لا، هذا فيما بعد نستغفر له أو لا. أنا أقول: هل هذا ارتد عن دينه؟ مداخلة: هذا العمل عمل ... الشيخ: حقاً، لا نريد حيدات بارك الله فيك. مداخلة: .... الشيخ: كلمة، خير الكلام ما قل ودل، سامحك الله. أنت لك الحرية المطلقة على حسب ما عندك من علم، أن تقول ارتد عن دينه أو لم يرتد عن دينه، الذي تراه تقوله.

مداخلة: .. ارتد وفعل فعل شرك. الشيخ: سبحان الله، أنا أقول فعل فعل الشرك، فتعلمني بماذا، لا تعلمني بشيء، إنما تقول إنه فعل شركاً، أنا الذي قررت هذا، فلست بحاجة أن تعيد ... مداخلة: ما ارتد عن دينه. الشيخ: هذا هو الجواب بارك الله فيك، هذه مسألة مهمة جداً، فما دام لا تستطيع أن تقول هذا الذي يشهد بلسانه أن لا إله إلا الله ويصلي ويستقبل قبلتنا ويأكل من ذبيحتنا .. إلى آخره، لا تستطيع أن تقول ارتد عن دينه، هذا هو الحق الذي أعرفه منك، ولا يسعك أنت ولا غيرك أن تقول سواه. حينئذ هذا الذي لم يرتد عن دينه، ما دينه الذي لم يرتد عنه؟ مداخلة: الإسلام. الشيخ: الإسلام، إذاً هو مسلم، وبماذا يعامل هذا المسلم، بأعمال المسلمين أم أعمال المرتدين، طبعاً بأعمال المسلمين، فإذا مات هذا الإنسان، أولاده يرثونه ونصلي عليه، انتهى الأمر كله. مداخلة: هل أدعو له؟ الشيخ: ادع له، كيف لا وهو مسلم، ما دام يرثه أهله، ويرث من مات قبله، وما دام أننا نصلي عليه. " الهدى والنور " (95/ 40: 45: 00)

[733] باب منه

[733] باب منه سؤال: (الذين) يقرؤون القرآن جاهلين بفهم القرآن من آبائنا وأجدادنا الذين مضوا، وهم على عقيدة دعاء الأموات، وما أشبه ذلك مما هو حاصل، وماتوا وظهر لنا أن هذا الشيء أنه لا يجوز، فكيف من ناحية الدعاء هل ندعو لهم أم لا، وهم لا يعرفون، ما عرفوا الحقيقة، عندهم العلماء الذين كانوا موجودين معهم هم الذين دلوهم على هذا الشيء، أن هذا هو الدين، ولا يوجد غيره؟ الشيخ: ما دام أنهم كانوا يحافظون على أركان الإسلام فأنتم تدعون لهم؛ لأنكم لا تعلمون ما في قلوبهم. (الهدى والنور/ 95/ 55: 21: .. ) [734] باب العذر بالجهل، وبيان أن الموحِّد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفاً لما يسلتزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله: انظروا: إذا أنا متُّ أن يحرِّقوه حتى يدعوه حمماً، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم ريح، [ثم اذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله؛ لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين]، فلما مات فعلوا ذلك به، [فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه]، فإذا هو [قائم] في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا ابن آدم! ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي ربِّ! من مخافتك (وفي طريق آخر: من خشيتك وأنت أعلم)، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيراً قطُّ إلا التوحيد».

[قال الإمام]: واعلم أن قوله في حديث الترجمة: "إلا التوحيد" مع كونها صحيحة الإسناد، فقد شكك فيها الحافظ ابن عبد البر من حيث الرواية، وإن كان قد جزم بصحتها من حيث الدراية، فكأنه لم يقف على إسنادها، لأنه علقها على أبي رافع عن أبي هريرة، فقال رحمه الله (18/ 40): "وهذه اللفظة- إن صحت- رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل؛ فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها، لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار؛ لأن الله عز وجل قد أخبر أنه {لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} لمن مات كافراً، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة. والدليل على أن الرجل كان مؤمناً قوله حين قيل له " لم فعلت هذا؟ " فقال:" من خشيتك يا رب! ". والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق؛ بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم؛ كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر:28)، قالوا: كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه، ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده. وأما قوله: "لئن قدر الله علي "؛ فقد اختلف العلماء في معناه؛ فقال منهم قائلون: هذا رجل جهل بعض صفات الله عز وجل، وهي القدرة، فلم يعلم أن الله على كل ما يشاء قدير، قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله عزوجل، وآمن بسائر صفاته وعرفها؛ لم يكن بجهله بعض صفات الله كافراً. قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله.

وهذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين. وقال آخرون: أراد بقوله: "لئن قدر الله علي " من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة والاستطاعة في شيء. قالوا: وهو مثل قول الله عز وجل في ذي النون: {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} (الأنبياء:87). وللعلماء في تأويل هذه اللفظة قولان: أحدهما: أنها من التقدير والقضاء. والآخر: أنها من التقتير والتضييق. وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية فهو جائز في تأويل هذا الحديث في قوله: "لئن قدر الله علي "، فأحد الوجهين تقديره: كأن الرجل قال: لئن كان سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه؛ ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين غيري. والوجه الآخر: تقديره: والله! لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك. ثم أمر بأن يحرق بعد موته من إفراط خوفه. وأما جهل هذا الرجل بصفة من صفات الله في علمه وقدره؛ فليس ذلك بمخرجه من الإيمان، ألا ترى أن عمر بن الخطاب وعمران بن حصين وجماعة من الصحابة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن القدر. ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم جاهلون به، وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك كافرين، أو يكونوا حين سؤالهم عنه غير مؤمنين. وروى الليث عن أبي قبيل عن شُفَيٍّ الأصبحي عن عبد الله بن عمرو بن

العاص- فذكر حديثاً في القدر، وفيه: فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: فأي شيء نعمل إن كان الأمر قد فرغ منه؟ (¬1)، فهؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم العلماء الفضلاء- سألوا عن القدر سؤال متعلم جاهل؛ لا سؤال متعنت معاند، فعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما جهلوا من ذلك، ولم يضرهم جهلهم به قبل أن يعلموه، ولو كان لا يسعهم جهله وقتاً من الأوقات؟ لعلمهم ذلك مع الشهادة بالإيمان، وأخذ ذلك عليهم في حين إسلامهم، ولجعله عموداً سادساً للإسلام، فتدبر واستعن بالله. فهذا الذي حضرني على ما فهمته من الأصول ووعيته، وقد أديت اجتهادي في تأويل حديث هذا الباب كله ولم آلُ، وما أبرئ نفسي، وفوق كل ذي علم عليم. وبالله التوفيق ". هذا كله كلام الحافظ ابن عبد البر، وهو كلام قوي متين يدل على أنه كان إماماً في العلم والمعرفة بأصول الشريعة وفروعها، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً. وخلاصته؛ أن الرجل النباش كان مؤمناً موحداً، وأن أمره أولاده بحرقه ... إنما كان إما لجهله بقدرة الله تعالى على إعادته- وهذا ما أستبعده أنا- أو لفرط خوفه من عذاب ربه، فغطى الخوف على فهمه؛ كما قال ابن الملقن فيما ذكره الحافظ (11/ 314)، وهو الذي يترجح عندي من مجموع روايات قصته، والله سبحانه وتعالى أعلم. ¬

(¬1) رواه أحمد والترمذي وصححه، وهو مخرج في "الصحيحة " (848)، و"المشكاة" (96)، وحديث عمران الذي أشار إليه متفق عليه، وهو مخرج في "ظلال الجنة" (412 و413)، وفيه حديث عمر (170). [منه].

وسواء كان هذا أو ذاك؛ فمن المقطوع به أن الرجل لم يصدر منه ما ينافي توحيده، ويخرج به من الإيمان إلى الكفر؛ لأنه لو كان شيء من ذلك لما غفر الله له؛ كما تقدم تحقيقه من ابن عبد البر. ومن ذلك يتبين بوضوح أنه ليس كل من وقع في الكفر من المؤمنين وقع الكفر عليه وأحاط به. ومن الأمثلة على ذلك: الرجل الذي كان قد ضلت راحلته، وعليها طعامه وشرابه، فلما وجدها قال من شدة فرحه: "اللهم! أنت عبدي وأنا ربك "! (¬1). وفي ذلك كله رد قوي جداً على فئتين من الشباب المغرورين بما عندهم من علم ضحل: الفئة الأولى: الذين يطلقون القول بأن الجهل ليس بعذر مطلقاً؛ حتى ألف بعض المعاصرين منهم رسالة في ذلك! والصواب الذي تقتضيه الأصول والنصوص التفصيل؛ فمن كان من المسلمين يعيش في جو إسلامي علمي مصفى، وجهل من الأحكام ما كان منها معلوماً من الدين بالضرورة- كما يقول الفقهاء- فهذا لا يكون معذوراً؛ لأنه بلغته الدعوة وأقيمت الحجة. وأما من كان في مجتمع كافر لم تبلغه الدعوة، أو بلغته وأسلم؛ ولكن خفي ¬

(¬1) رواه مسلم (8/ 93)، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (5/ 87) وصححه من حديث أنس، وعزاه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (4/ 5) لمسلم من حديث النعمان بن بشير أيضاً بزيادة " اللهم! أنت .. "، وهو وهم؛ فإنه عنده دون الزيادة، وكذلك أخرجه أحمد (4/ 273 و275) عن النعمان، والبخاري، ومسلم أيضاً من طريق أخرى عن أنس مختصراً، وأخرجاه من حديث ابن مسعود مطولاً؛ غير أن البخاري أوقفه. ومسلم، وابن حبان (2/ 9/ 620 - الإحسان)، وأحمد (2/ 316 و500) عن أبي هريرة مختصراً نحو روايتهما عن أنس. [منه].

عليه بعض تلك الأحكام لحداثة عهده بالإسلام، أو لعدم وجود من يبلغه ذلك من أهل العلم بالكتاب والسنة؛ فمثل هذا يكون معذوراً. ومثله- عندي- أولئك الذين يعيشون في بعض البلاد الإسلامية التي انتشر فيها الشرك والبدعة والخرافة، وغلب عليها الجهل، ولم يوجد فيهم عالم يبين لهم ما هم فيه من الضلال، أو وجد ولكن بعضهم لم يسمع بدعوته وإنذاره؛ فهؤلاء أيضاً معذورون بجامع اشتراكهم مع الأولين في عدم بلوغ دعوة الحق إليهم؛ لقوله تعالى: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} (الأنعام:19) وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} (الإسراء:15)، ونحو ذلك من الأدلة التي تفرع منها تبني العلماء عدم مؤاخذة أهل الفترة؛ سواء كانوا أفراداً أو قبائل أو شعوباً؛ لاشتراكهم في العلة؛ كما هو ظاهر لا يخفى على أهل العلم والنُّهى. ومن هنا يتجلى لكل مسلم غيور على الإسلام والمسلمين عظم المسؤولية الملقاة على أكتاف الأحزاب والجماعات الإسلامية الذين نصبوا أنفسهم للدعوة للإسلام، ثم هم مع ذلك يدعون المسلمين على جهلهم وغفلتهم عن الفهم الصحيح للإسلام، ولسان حالهم يقول- كما قال لي بعض الجهلة بهذه المناسبة -: "دعوا الناس في غفلاتهم"! بل وزعم أنه حديث شريف!! أو يقولون- كما تقول العوام في بعض البلاد-: "كل مين على دينه، الله يعينه "! وهذا خطأ جسيم لو كانوا يعلمون، ولكن صدق من قال: "فاقد الشيء لا يعطيه "!. والفئة الثانية: نابتة نبتت في هذا العصر؛ لم يؤتوا من العلم الشرعي إلا نزراً يسيراً، وبخاصة ما كان منه متعلقاً بالأصول الفقهية، والقواعد العلمية المستقاة من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومع ذلك؛ اغتروا بعلمهم فانطلقوا

يبدِّعون كبار العلماء والفقهاء، وربما كفروهم لسوء فهم أو زلة وقعت منهم، لا يرقبون فيهم (إلاً ولا ذمة)، فلم يشفع عندهم ما عرفوا به عند كافة العلماء من الإيمان والصلاح والعلم، وما ذلك إلا لجهلهم بحقيقة الكفر الذي يخرج به صاحبه من الإيمان؛ ألا وهو الجحد والإنكار لما بلغه من الحجة والعلم؛ كما قال تعالى في قوم فرعون: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} (النمل:13، 14). وقال في الذين كفروا بالقرآن: {ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُون} (فصلت:28) ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (16/ 434 - مجموع الفتاوى): " لا يجوز تكفير كل من خالف السنة؛ فليس كل مخطئ كافراً، لا سيما في المسائل التي كثر فيها نزاع الأمة ". يشير إلى مثل مسألة كلام الله وأنه غير مخلوق، ورؤية الله في الآخرة، واستواء الله على عرشه، وعلوه على خلقه؛ فإن الإيمان بذلك واجب، وجحدها كفر، ولكن لا يجوز تكفير من تأولها من المعتزلة والخوارج والأشاعرة بشبهة وقعت لهم؛ إلا من أقيمت عليه الحجة وعاند. وهذا هو المثال بين أيدينا: الرجل النباش؟ فإنه مع شكه في قدرة الله على بعثه غفر الله له؛ لأنه لم يكن جاحداً معانداً؛ بل كان مؤمناً بالله وبالبعث على الجملة دون تفصيل لجهله. قال شيخ الإسلام بعد أن ساق الحديث برواية " الصحيح " وذكر أنه حديث متواتر (12/ 491): " وهنا أصلان عظيمان:

أحدهما: متعلق بالله تعالى؛ وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير. والثاني: متعلق باليوم الآخر؛ وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله. ومع هذا فلما كان مؤمناً بالله في الجملة، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملاً صالحاً- وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه-؛ غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ". ولهذا؛ فإني أنصح أولئك الشباب أن يتورعوا عن تبديع العلماء وتكفيرهم، وأن يستمروا في طلب العلم حتى ينبغوا فيه، وأن لا يغتروا بأنفسهم، ويعرفوا حق العلماء وأسبقيتهم فيه، وبخاصة من كان منهم على منهج السلف الصالح كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وأَلْفِتُ نظرهم إلى "مجموع الفتاوى" فإنه "كُنَيْف مُلِىءَ علماً"، وبخاصة إلى فصول خاصة في هذه المسالة الهامة "التكفير"، حيث فَرَّقَ بين التكفير المطلق وتكفير المعين، وقال في أمثال أولئك الشباب: "ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين؛ إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه ". يعني الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق. ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة؛ وأمثالهم. فأقول: وملاحظة هذا الفرق هو الفيصل في هذا الموضوع الهام، ولذلك

فإني أحث الشباب على قراءته وتفهمه من "المجموع " (12/ 464 - 501) الذي ختمه بقوله:"وإذا عُرف هذا؛ فتكفير (المعين) من هؤلاء الجهال وأمثالهم- بحيث يحكم عليه أنه من الكفار- لا يجوز الإقدام عليه؛ إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت مقالتهم لا ريب أنها كفر، (يعني: الدعاة إلى البدعة). وهكذا الكلام في تكفير جميع (المعينين)؛ مع أن بعض هذه البدع أشد من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض، فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين- وإن أخطأ وغلط- حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة ". هذا؛ وفي الحديث دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار؛ مهما كان فعله مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية، وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط، ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها، فانظره بالرقم (3054). "الصحيحة" (7/ 1/105 - 116).

[735] باب هل يحشر قول عائشة: «مهما يكتم الناس يعلمه الله» في أبواب العذر بالجهل؟

[735] باب هل يحشر قول عائشة: «مهما يكتم الناس يعلمه الله» في أبواب العذر بالجهل؟ مداخلة: .... يا شيخ في الحديث يا شيخ لما عائشة تقول في رواية البخاري، يقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «أما خفت أن يحيف الله عليك ورسوله ... » المهم فقالت: أو كلما يفعله (¬1) الناس يعلمه الله؟ ... الحديث. بلفظ البخاري. وفي لفظ مسلم: «كل ما يعمله الناس يعلمه الله» .. فشيخي هذا دليل على أن عائشة رضي الله عنها شَكَّت هنا في علم الله تبارك وتعالى، وشيخ الإسلام أقر بذلك، وبين أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عذرها، وارتكاب عائشة لهذا النوع من الكفر كان لجهل ... ، ولذلك يقول فأعطاها، يعني شيء مقابل ما تلفظت به، هل يقال هذا شيخنا؟ الشيخ: لا أعتقد هذا. مداخلة: لماذا؟ الشيخ: لأن هناك استفهام استنكاري، واستفهام استقراري. يعني: يقول الإنسان وهو يعتقد بهذا الذي يستفهمه وليس يعني استنكاره. مداخلة: شيخي عائشة رضي الله عنها، هذا ليس كلامي، ولكن شيخ الإسلام ... يقول في مجموع الفتاوى: وعائشة قبل قولها لهذا الكلام لم تكن كافرة، وصرح بموضع آخر، وهذا كفر صدر من عائشة رضي الله عنها، كان شيخ ¬

(¬1) لفظ الحديث: "مهما يكتم الناس يعلمه الله ... "

الإسلام يتكلم حول العذر بالجهل، يستدل بهذا الحديث على أن الذي ينكر صفة ... الشيخ: أنت يا أبا حذيفة تعلم أننا لسنا تيميين، وأراك تلهج كثيراً بالاحتجاج بكلام ابن تيمية ... هناك قاعدة عن العلماء المتأخرين، حينما كثر فيهم إطلاق لفظة التكفير لأدنى سبب. قال بعض المتأنين منهم: إذا كان هناك أقوال كثيرة، بل تسعة وتسعون قولاً في تكفير رجل مسلم بسببٍ صدر منه قول أو فعل، وهناك قول آخر أن هذا لا يكفر به، أخذ بهذا القول الذي يقابله تسعة وتسعون قولاً؛ لأن القول بأن المسلم كفر -ولو فيما بعد نحن عذرناه- فيه خطورة. فكلام السيدة عائشة، لماذا أنا وجهت لك السؤال: هل هو نص بأنها كفرت لجهلها؟ ليس نصاً يحتمل الكلام هذا، ويحتمل ما قلناه آنفاً. فإذا دار الأمر بين أن يحمل كلام المسلم وبخاصة زوجة الرسول والمبشرة بالجنة على المعنى الأسلم، هذا الحمل هو الأسلم، ولا نحمله على المعنى الأنكر. هذا أقل ما يقال في الموضوع. ومع ذلك فأنا لما أسمع هذه العبارة من السيدة عائشة ليس فيها إشعار بأنها كانت لا تعتقد من قبل بأن الله عز وجل يعلم كل شيء، وهل يخفى هذا الأمر على رجل من عامة الناس؟ الآن على سبيل التذكير، {أءله مَعَ الله} (النمل:60). ماذا يعني هذا؟

[736] باب هل العذر بالإكراه كان موجودا في شريعة من سبقنا؟

مداخلة: استفهام إنكاري. الشيخ: هذا استفهام. مداخلة: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} (يوسف:39). الشيخ: كثير في القرآن، هذا أسلوب قرآني، هذا لا يعني إقرار الألوهية لغير الله، وإنما يعني الإنكار تماماً. الشاهد: اللغة العربية واسعة، فإذا تَحَمَّلَ كلامُ مسلمٍ معنىً سليماً ومعنى غير سليم، وجب حمله على المعنى السليم، وليس على المعنى غير السليم، والحمد لله رب العالمين. "الهدى والنور" (164/ 50: 21: 00) و (164/ 29: 36: 00) [736] باب هل العذر بالإكراه كان موجوداً في شريعة من سبقنا؟ مداخلة: قلتم في أحد الأشرطة في شريط الحج 1410هـ في أثر سلمان: "دخل رجل الجنة في ذبابة، ودخل رجل النار في ذبابة", قلتم إن إسناده صحيح برواية أحمد لكن فيه نكارة من حيث أن الإكراه، فهذا مكره فكيف يدخل النار، أليس كذلك؟ الشيخ: قبل أن أقول هو كذلك أو ليس كذلك، لما قلت إسناده صحيح مرفوعاً أم موقوفاً؟ مداخلة: موقوفاً، أنا قلت أثراً.

الشيخ: أنا أتثبت خشية أن أفهم منك ما لا تريد. مداخلة: طيب. الشيخ: فبعد هذا التحفظ أقول لك الآن هو كذلك. مداخلة: عندي إشكال في ذلك يا شيخ. الشيخ: هاته. مداخلة: وهو أني قرأت لبعض الكتاب أن العذر بالإكراه لم يكن موجوداً في شريعة من سبقنا، بدليل قوله تعالى في سورة الكهف عن أصحاب الكهف: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ في مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا] (الكهف:20)، وغير ذلك من الأدلة التي نستفيد منها أن العذر بالإكراه لم يكن موجوداً في الأمم السابقة بخلاف أمتنا ففيه الآية في سورة النحل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:106)، فماذا تقولون في هذا يا شيخ؟ الشيخ: بعد التسليم بما ذكرت من اختلاف الحكم بين شريعتنا وشريعة من قبلنا، نقول: ما الذي يستفاد من حديث سلمان مع التسليم بهذا التفريق حينذاك؟ مداخلة: يستفاد منه ما يستفاد من الآية في سورة الكهف. الشيخ: وهو؟ مداخلة: وهو العذر بالإكراه لم يكن مرخصاً فيه ... الشيخ: لا أنا أقول بالنسبة إلينا الآن، يعني ما الذي يستفيده المسلم وما الذي يستفيده المؤلف اليوم في شريعة الإسلام وأحكام الإسلام حينما يورد هذا الأثر؟

مداخلة: يستفيد منه الذي ذكرته لك أن العذر بالإكراه غير موجود في تلك الأمة أما بالنسبة إلينا لا نستفيد منه حكماً بالنسبة إلينا. الشيخ: واقع هذا الأثر في أي مناسبة يذكر؟ هل هو لتذكير الناس بهذا الذي سلمت لك به جدلاً؛ لأن الأمر يحتاج إلى بحث، هل هم يوردون هذا الأثر لتنبيه الغافل مثلي أقولها صريحة؛ ليفهم أن الحكم بالإكراه يختلف سابقاً عن لاحقاً أم هم يسوقونه لشيء آخر؟ مداخلة: هم يسوقونه لأن هناك من الناس من يستدل بهذا الأثر على تكفير المسلم إذا قام بما يضاد التوحيد، فيردون عليهم بالكلام الذي ذكرته لك آنفاً. الشيخ: كيف؟ غير واضح. مداخلة: يعني هناك ناس يستدلون بهذا الأثر على أن المسلم إذا قام ... الشيخ: على أن المسلم اليوم. مداخلة: اليوم نعم، لو قام بشيء يضاد التوحيد لا يلزم بذلك. الشيخ: وهل هذا صحيح الاستدلال. مداخلة: لا، غير صحيح طبعاً. الشيخ: فإذاً ما هو الإشكال الذي أنت بدأت كلامك أنه عرض لك إشكال، نحن حريصون على بيان مرتبة هذا الأثر أولاً أنه ليس مرفوعاً كما يوهمه كلام ابن القيم ومن قلده كالشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره، أنه ليس مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وثانياً نريد أن نقول أن هذا يمكن أن يكون معذوراً، فإذا كان الكلام الآن فلا يجوز أن يذكر هذا الأثر مطلقاً؛ لأنك تسلم بأن الحكم اختلف، المكره اليوم لا

يؤاخذ، كان في ذلك الزمان يؤاخذ، هذه تعود مسألة تاريخية وليست مسألة شرعية بالنسبة إلينا اليوم، وأنت تعلم جيداً بأنهم يذكرون هذا الأثر لتعلقه بالشرع وليس بالتاريخ القديم. مداخلة: نعم. الشيخ: فإذاً الإشكال لا أراه ضرورياً. مداخلة: هو الإشكال يا شيخ كلمة نكارة التي قلتموها، هذه التي أشكلت علي. الشيخ: هذه بارك الله فيك النكارة بالنسبة لشرعنا. مداخلة: لا بد من تقييدها. الشيخ: هي مقيدة؛ لأننا نتكلم بشرعنا، ونحن حينما نجد نصاً صريحاً في عدم جواز شيء ما في شريعة من قبلنا أو على العكس من ذلك، نقول شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا، لو كان النص صريحاً فكيف والمسألة لا تزال في موضع البحث أن هذه المسألة مسألة الإكراه كان فيما قبل لو أكره على الكفر ففعل الكفر فهو كافر مرتد مخلد في النار، لو سلمنا جدلاً فهذه شريعة من قبلنا، لكن الحقيقة أنا أرجو منك أن تتابع البحث في هذه الجزئية لتوفر علينا الوقت في البحث فيها. مداخلة: إن شاء الله. الشيخ: لأني أراه بعيداً جداً عن القاعدة الإسلامية أن الله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، فالخروج عن هذه القاعدة تحتاج إلى نص مقطوع الثبوت والدلالة كما يقولون.

[737] باب بيان ضعف حديث: «دخل رجل الجنة في ذبابة»

مداخلة: نعم. الشيخ: فلعلك تبحث إن شاء الله أو تتمم البحث. مداخلة: إن استطعت إن شاء الله. الشيخ: وجزاك الله خيراً. مداخلة: وإياك. " الهدى والنور" (438/ 35: 10: 00) [737] باب بيان ضعف حديث: «دخل رجل الجنة في ذبابة» [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «دخل رجل الجنة في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك؛ قال: مر رجلان [مسلمان] [ممن كان قبلكم] على قوم لهم صنم (وفي رواية: يعكفون على صنم لهم) لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب [شيئاً]، قال: ليس عندي شيء. فقالوا له: قرب ولو ذبابا. فقرب ذبابا. فخلوا سبيله. قال: فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب ولو ذبابا. قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل. قال فضربوا عنقه، قال: فدخل الجنة» (موقوف) [قال الإمام]: ولقد كان الداعي إلى تخريجه هنا وبيان كونه موقوفاً: أنه كثر السؤال عنه في كثير من البلاد الإسلامية، وشاع تداوله؛ وذلك لأنه ذكره الإمام محمد بن عبد

الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه النافع " التوحيد " مرفوعا معزواًّ لأحمد! فقال: " وعن طارق بن شهاب: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال ... (فذكره). رواه أحمد ". وقال شارحه الشيخ سليمان: حفيد محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تبارك وتعالى في " التيسير " (ص 160): " هذا الحديث ذكره المصنف معزوا لأحمد، وأظنه تبع ابن القيم في عزوه لأحمد؛ قال ابن القيم: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية ... عن طارق بن شهاب يرفعه .. وقد طالعت " المسند " فما رأيته فيه، فلعل الإمام رواه في " كتاب الزهد " أو غيره ". قلت: وفي هذا العزو أمور: أولا: قوله: " يرفعه " خطأ واضح كما يتبين من تخريجنا هذا. ثانيا: إطلاق العزو لأحمد فيه نظر! لأنه يوهم بإطلاقه أنه في " مسنده "، وليس فيه كما قال الشيخ سليمان رحمه الله تعالى، ولو كان فيه؛ لأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "، وليس فيه أيضاً، وإنما هو في " الزهد " له كما تقدم. ثالثا: لم يتعد في إسناده طارق بن شهاب، فأوهم أنه من مسنده! وإنما هو من روايته عن سلمان موقوفاً؛ كما رأيت عند مخرجيه ومن جميع طرقه. هذا؛ وإني لأستنكر من هذا الحديث: دخول الرجل النار في ذباب؛ لأن ظاهر سياقه أنه إنما فعل ذلك خوفاً من القتل الذي وقع لصاحبه، كما أنني استنكرت قول الإمام محمد بن عبد الوهاب في المسألة: " الحادية عشر: أن الذي دخل النار مسلم؛ لأنه لو كان كافراً؛ لم يقل: " دخل النار في ذباب " "! فأقول: وجه الاستنكار أن هذا الرجل لا يخلو حاله من أمرين:

الأول: أنه لما قدم الذباب للصنم، إنما قدمه عبادةً له وتعظيماً، فهو في هذه الحالة لا يكون مسلماً؛ بل هو مشرك، وهو ظاهر كلام الشارح الشيخ سليمان رحمه الله (ص 161): " في هذا بيان عظمة الشرك ولو في شيء قليل وأنه يوجب النار، ألا ترى إلى هذا لما قرب لهذا الصنم أرذل الحيوان وأخسه وهو الذباب كان جزاؤه النار؛ لإشراكه في عبادة الله " إذ الذبح على سبيل القربة والتعظيم عبادة، وهذا مطابق لقوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} (المائدة:72). والآخر: أنه فعل ذلك خوفاً من القتل كما تقدم مني، وهو في هذه الحالة لا تجب له النار، فالحكم عليه بأنه مسلم دخل النار في ذباب يأباه قوله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ... } (النحل:106) الآية، وقد نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر به - صلى الله عليه وآله وسلم -، فوافقهم على ذلك مكرهاً، وجاء معتذراً إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ كما في " تفسير ابن كثير " وغيره، وأخرجها في " الدر " (4/ 132) من طرق. فإن قيل: إنما أراد الإمام أنه كان مسلماً ثم كفر بتقديمه الذباب كما تقدم في الأمر الأول؛ وحينئذ يرد عليه ما ذكرته في الأمر الآخر، وقصة عمار. ويشبهها ما روى ابن أبي شيبة (12/ 357 - 358) بسند صحيح عن الحسن - وهو البصري -: أن عيونا لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما، فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدا رسول الله؛ قال: نعم. فقال: أتشهد أن محمدا رسول الله؛ قال: نعم. قال: أتشهد أني رسول الله؛ قال: فأهوى إلى أذنيه فقال: إني أصم! قال: ما لك إذا قلت لك: تشهد أني رسول الله قلت: إني أصم؟! فأمر به فقتل. وقال

[738] باب بيان نكارة متن حديث الذبابة لمخالفته لقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}

للآخر: أتشهد أن محمداً رسول الله؛ قال: نعم. فقال: أتشهد أني رسول الله؛ قال: نعم. فأرسله. فأتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا رسول الله! هلكت. قال: "وما شأنك"؛ فأخبروه بقصته وقصة صاحبه، فقال: " أما صاحبك؛ فمضى على إيمانه، وأما أنت؛ فأخذت بالرخصة ". قلت: وهذه قصة جيدة، لولا أنها من مراسيل الحسن البصري؛ لكن الآية السابقة وسبب نزولها يشهدان لصحتها، والله أعلم. وقد روى الشطر الأول منها ابن إسحاق في " السيرة " (2/ 74 - 75) بسند حسن عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة مرسلاً أيضاً، وسمى صاحبها حبيب بن زيد؛ أي: ابن عاصم الأنصاري المازني شهد العقبة، وقد ذكرها ابن كثير في تفسير الآية، وابن حجر في ترجمة حبيب من " الإصابة " جازمين بها. والله سبحانه وتعالى أعلم. "الضعيفة" (12/ 2/721 - 725). [738] باب بيان نكارة متن حديث الذبابة لمخالفته لقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} سؤال: هل في كتاب التوحيد للشيخ ابن عبد الوهاب حديث ضعيف؟ الشيخ: والله هو ليس بصحيح البخاري ففيه. مداخلة: بعضهم يقول أنه ليس فيه حديث ضعيف، فأحببنا أن نسمع منكم الجواب. الشيخ: أنا لا أستطيع الآن أن أجزم بالجواب سلباً أو إيجاباً، لكني أتردد في

حديث فإن كنت تذكره هل هو في كتاب التوحيد أم في شرح من شروحه وهو حديث الذبابة، هل هو في المتن أم في الشرح؟ مداخلة: في المتن. الشيخ: في المتن، فإذاً: صدق من قال: ليس هو بصحيح البخاري، فحديث الذبابة لا يصح رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإن كان هو نقله من كتاب ابن القيم رحمه الله، وابن القيم ذكره ولم يتكلم عن إسناده، ولما بحثنا عنه وجدناه حديثاً موقوفاً على سلمان الفارسي، وإسناده إليه صحيح، ولكنه موقوف، والموقوفات - هنا أمامنا بحث مهم جداً بالنسبة لكل طالب علم يريد أن يكون على بصيرة من دينه، الأحاديث الموقوفة تارةً لها حكم الرفع، وتارةً ليس لها هذا الحكم، أما الحالة الأولى أي: متى يكون للحديث الموقوف حكم الرفع؟ شرطان لا بد منهما أن يجتمعا وأحدهما شرط في كل حديث وهو: الثبوت، فإذا ثبت حديث ما عن صحابي ما موقوفاً عليه، وجب الشرط الثاني ألا وهو: أن يكون مما لا يقال بمجرد الرأي والاجتهاد والاستنباط، وإنما يقطع الواقف على معناه أنه لا بد أن يكون بتوقيف من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي كان هذا الصحابي مصاحباً له، فإذا وجد هذان الشرطان: الثبوت أولاً، وأن يكون معناه مما لا يقال بالاجتهاد والرأي والاستنباط ثانياً، فهو في حكم المرفوع. ومن الأمثلة على ذلك حديث: «أحلت لنا ميتتان ودمان: الحوت والجراد، والكبد والطحال» (¬1) هذا الحديث جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً ولكن إسناده ضعيف، ولو كان حديثاً عادياً لم تقم به الحجة لما ذكرت من ضعف سنده، ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم210).

لكن هذا الحديث قد جاء بإسناد قوي موقوفاً على ابن عمر، حينئذ لو صرفنا النظر عن السند الأول المرفوع عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لو صرفنا النظر عنه بالكلية، ووقفنا عند حديثه الموقوف الثابت عنه لم نخسر شيئاً؛ لأن هذا الحديث الموقوف على ابن عمر يغنينا عن ذاك الحديث المرفوع الضعيف إسناده، كيف كان هذا الحديث الموقوف في حكم المرفوع؛ لأنه يقول: «أحلت لنا ميتتان» فمن الذي يحلل ويحرم، إنما هو الله تبارك وتعالى تارة في كتابه، وتارة في سنة نبيه صلى الله عليه وآله سلم، وعلى ذلك قال أهل العلم بالحديث: إذا قال الصحابي من السنة كذا، فهو في حكم المرفوع، بخلاف ما إذا قال التابعي: من السنة كذا، فليس له حكم المرفوع. هذا مثال للحديث الموقوف الذي هو في حكم المرفوع، وصدق فيه أنه لا يقال بمجرد الرأي والاجتهاد. مثال آخر وهو أدق وأبعد عن أن يكون من موارد الاجتهاد، ذاك هو حديث ابن عباس الموقوف أيضاً عليه والذي قال: «نزل القرآن إلى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة، ثم نزل أنجماً حسب الحوادث» فهذا حديث موقوف، ولم نجده مرفوعاً إطلاقاً، جاء بالسند الصحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه، فقال العلماء: إن هذا الحديث في حكم المرفوع؛ لأنه يتحدث عن أمر غيبي، وهو أنه يقول: نزل كلام الله القرآن الكريم جملة واحدة إلى السماء الدنيا، وهذا لا يستطيع العقل البشري أن يتحدث به إلا من إنسان لا يبالي ما يخرج من فيه، أما ابن عباس وهو صحابي جليل ابن صحابي ابن عم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا يخطر في بال إنسان أن يتحدث رجل بالغيب. فإذاً: قوله أن القرآن نزل جملة واحدة .. إلى آخر الحديث، فيه من الدقائق ما

يبعد أن يكون هذا الحديث قد قاله بالرأي، فيقول مثلاً بعد أن ذكر نزل جملة واحدة إلى بيت العزة، ما هو بيت العزة، وهل يستطيع الإنسان أن يعين مكاناً في السماء ويسميه باسم من عنده، هذا أبعد عن أن يكون قد حصل من رأي الصحابي، ثم هو يعين مكان بيت العزة هذا في السماء لا يقول لا السابعة، ولا .. ولا .. وإنما يقول السماء الدنيا. فإذاً: هذا حديث موقوف في حكم المرفوع. إذا عرفنا هذين المثالين فكان ذلك تمهيداً للوصول إلى الحكم على حديث الذبابة، دخل رجل النار في ذبابة، هل هذا وقد صح إسناده عن سلمان الفارسي موقوفاً، هل هو في حكم المرفوع؟ كان يمكن أن يقال إنه في حكم المرفوع؛ لأنه يتحدث أيضاً عن أمر غيبي تقدم على بعثة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، لكن يحول بيننا وبين أن نقول إنه أيضاً في حكم المرفوع أنه يحتمل أن يكون من الإسرائيليات، والإسرائيليات هي منبعها أهل الكتاب، وأهل الكتاب ولا شك نزل عليهم الكتاب التوراة والإنجيل وبعث الله عز وجل إلى إسرائيل الأنبياء الكثيرين، فقد كانوا يحدثونهم بأشياء من الأمور الغيبية، ولكن قد دخل في هذه الأخبار التي نزلت على أنبياء الله من وحي السماء، دخل فيها ما لم يكن منها أشبه ما يكون - وهو بلا تشبيه كما يقولون، كما دخل في السنة بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة، كذلك دخل على بني إسرائيل كثير من الأحاديث التي لا أصل لها في شرائعهم المتقدمة، مع فرق كبير جداً بين أحاديث نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وأحاديث أنبيائهم، فأحاديث نبينا قد سخر الله تبارك وتعالى لها من يخدمها ويميز صحيحها من ضعيفها كما جاء في بعض الآثار عن بعض أئمة الحديث أنه لما ألقي القبض على أحد الزنادقة وحكم الخليفة بقطع رأسه،

لزندقته، أروى غيظ قلبه بقوله لا أموت إلا وقد دسست في أحاديث نبيكم خمسة آلاف حديث، فهو مرتاح بهذا الميتة، فقال له أحد العلماء من أهل الحديث الحاضرين: خسئت، ما تمشي هذه الأحاديث بين المسلمين وفيهم فلان لعله قال: ابن المبارك أو غيره، وقد أخذ الغربال بيده فهو يغربل هذه الأحاديث ويصفيها ويخرجها عن أحاديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الصحيحة. الشاهد أن أحاديث الأنبياء الأولين قد دخلها ما ليس منها وهي التي تعرف عند المسلمين اليوم بالإسرائيليات، ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يروي شيئاً مما وقع فيمن قبلنا من الأحاديث إذا جاءت من غير طريق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، الإسرائيليات تنقسم من حيث روايتها إلى قسمين: قسم وهو الأقل ما تحدث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بها، فهذا إذا صح السند إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيكون من الإسرائيليات الصحيحة كمثل مثلاً حديث ذاك الرجل الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام: كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم أراد أن يتوب فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب -أي: على جاهل متعبد ليس بعالم- فذهب إليه وقال له: إني قتلت تسعة وتسعين نفساً بغير حق، فهل لي من توبة؟ قال له: قتلت تسعة وتسعين نفساً وتريد أن تتوب، لا توبة لك، فقتله وأتم به العدد المائة لكن الرجل يبدو من سياق الحديث أنه كان مخلصاً، كان حريصاً في أن يتوب إلى ربه تبارك وتعالى، ولكنه يريد عالماً بحق أن يدله على الطريق، فلم يزل يسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على عالم، هذه المرة وفق بعالم، فذهب إليه وقال: إني قتلت مائة نفس بغير حق، فهل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ولكنك بأرض سوء، من هنا يظهر علم هذا الرجل العالم-ولكنك بأرض سوء، لو كنت في أرض صالحة أهلها ما تمكنت من قتل مائة نفس بغير

حق، ولكنك بأرض موبوءة بالفساد والقتل وسفك الدماء بغير حق، فأخرج منها إلى القرية الفلانية الصالح أهلها. فانطلق الرجل يمشي تائباً إلى الله عز وجل، قاصداً القرية الصالح أهلها، فجاءه الموت في الطريق، فتنازعته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كل يدعي أنه من اختصاصه، وملائكة العذاب لما يعلمون من سفكه الدماء بغير حق، ملائكة الرحمة؛ لأنهم علموا أنه خرج تائباً إلى الله عز وجل، فأرسل الله إليهم حكماً، فقال لهم: قيسوا ما بين موضع موته وما بينه وبين القرية التي خرج منها، والقرية التي قصد إليها، فقاسوا ووجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بنحو شبر فتولته ملائكة الرحمة، وقبضت روحه وألحق بالصالحين لتوبته. هذا حديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ... فهذا حديث مرفوع ويتعلق ببني إسرائيل، فهو من الأحاديث القليلة الصحيحة التي تتعلق بالإسرائيليات، أما القسم الثاني من الأحاديث وهي الأكثر، فهي التي تروي ولو موقوفة على بعض الصحابة، ولو بالسند الصحيح، حينئذ لا تأخذ حكم المرفوع (حصل هنا انقطاع صوتي). لا تصدقوهم ولا تكذبوهم؛ لأننا إن صدقناهم من الممكن أن نصدقهم بما كذبوا، وإن كذبناهم يمكن أن نكذبهم فيما توارثوه عن أنبيائهم، لذلك لا نصدقهم ولا نكذبهم إلا إذا جاء من طريق الرسول عليه السلام الذي من صفاته أنه ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. إذا عرفنا هذا التفصيل في الحديث الموقوف، وأنه لا يكون مرفوعاً أو لا

يكون في حكم المرفوع إلا إذا كان يتحدث بما يتعلق بالشريعة الإسلامية، أما إذا كان الحديث يتعلق بما وقع فيمن كان قبلنا فحينئذ لا نتحدث به، وإذا كان الأمر كذلك عدنا إلى حديث الذبابة فهو موقوف ويتحدث عما وقع فيمن قبلنا، حينئذ لا نصدقه ولا نكذبه، لما ذكرته آنفاً من قوله عليه السلام: «فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم». ولكن في حديث الذبابة في حد تعبير علماء الحديث نكارة في المتن؛ ذلك أن الرجل الأول دخل الجنة في ذبابة؛ لأنه مر بالمشركين فطلبوا منه أن يقدم قرباناً ذبابة لصنمهم فأبى؛ فدخل الجنة، ثم جاء الرجل الثاني فطلبوا منه أن يقدم ذبابة فقدم؛ فدخل النار. نحن نعلم أن الله عز وجل استثنى من الكفر المخلد لصاحبه في النار، فقال: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:106). ونعلم مما ذكره علماء التفسير في سبب نزول هذه الآية، وإن كان في الرواية شيء من الضعف من الناحية الحديثية، ولكن السبب يتناسب مع هذه الآية، {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:106). قالوا: بأن هذه الآية نزلت في عدي بن حاتم الطائي رضي الله تعالى عنه، فإنه كان من أوائل الأصحاب الذين عذبوا في سبيل الله كبلال الحبشي رضي الله عنهم جميعاً. عذب عمار بن ياسر عذاباً شديداً، وكأن المشركين قتلهم الله لاحظوا فيه أنه انهارت قواه، فعرضوا عليه أن ينال من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأن يسبه وأن يقول فيه ساحر شاعر كذاب، إذا هو أراد أن يطلقوا سبيله، فقال ما أرادوا منه، ولما شعر بالراحة

[739] باب من شذ في مسألة عقدية هل يعد ضالا أم مجتهدا؟

وزوال العذاب الشديد عنه كأنه رجع إلى نفسه معاتباً لها، كيف أن نفسه طاوعته على أن يصف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بما هو الكفر بعينه، فلم يجد توبة له إلا أن يذهب إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأن يحدثه بما وقع له لعله يجد له مخرجاً، فلما جاء إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - وقص عليه القصة، قال له عليه الصلاة والسلام: «كيف تجد قلبك؟ قال: أجده مطمئناً بالإيمان» فأنزل الله هذه الآية: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:106)، وقال له عليه الصلاة والسلام: «فإن عادوا فعد» إن عادوا إلى تعذيبك، فعد أنت إلى الخلاص من هذا العذاب بهذا الكلام الذي التلفظ به كفر، ولكن ليس كفراً ما دام أن قلبك مطمئن بالإيمان، فإذا لاحظنا هذا التفصيل في حكم من فعل الكفر أو نطق بالكفر وأنه لا يؤاخذ، حينذاك نجد في حديث الذبابة شيئاً من الغلو والمبالغة ... "الهدى والنور" (410/ 59: 36: 00) [739] باب من شذ في مسألة عقدية هل يعد ضالاًّ أم مجتهداً؟ سؤال: إذا شذ إمام من الأئمة في أمر من أمور العقيدة كان في بعض الصفات فهل يكون ضالاً أم مجتهداً وله أجر؟ الشيخ: يعني بالإمام العالم؟ مداخلة: أي نعم. الشيخ: الجواب عن هذا السؤال يتعلق بمثل قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» ذلك أن هذا الحديث وإن اشتهر عند العلماء استعماله في الأحكام الشرعية والمسائل التي

يسمونها بالمسائل الفرعية دون استعمال هذا الحديث في المسائل الأصولية أو الاعتقادية، وإن كان هذا اشتهر عند الأصوليين؛ فإنه مما لا شك ولا ريب فيه أن الحديث يشمل الاجتهاد في كلٍّ من الأمرين المذكورين، أي: سواء كان فرعاً أو أصلاً .. سواء كان عقيدة أو حكماً فقهياً، المهم: أن العالم المسلم لا يلقي هكذا الكلام على عواهنه، وإنما يجتهد في معرفة حكم ربه في كل ما كلف الله عز وجل به عباده سواء كان فرعاً أو أصلاً .. سواء كان فقهاً أو عقيدةً. ومعلوم أن الله عز وجل يقول في صريح القرآن الكريم: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) والآية ينبغي أن نتنبه للمعنى الحقيقي منها؛ لأن ظاهر الآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) أي: بشخصه، وهذا بلا شك هو الخطوة الأولى من بعثة الرسول، ولكن ليس المقصود هو شخص الرسول بذاته وإنما المقصود دعوة الرسول عليه السلام أكثر من الشخص. ونحن نقرب لكم القضية بمثلين سمحين سهلين جداً: بُعِثَ رسول ما إلى قوم ما، وفي هؤلاء القوم شخص أصم فهو لم يسمع دعوة الرسول، هذا بعث إليه الرسول إلى قومه لكنه لم يسمع دعوة هذا الرسول فهو لم تقم حجة الله عليه، وقيسوا على ذلك الشيخ الفاني بمعنى الخَرْفَان ونحو ذلك .. الأطفال الصغار، فهؤلاء بالرغم أنهم كانوا في الوقت الذي بعث الرسول إلى قومهم فهم لم تبلغهم الدعوة هذا هو المثال الأول. واعكسوا الآن: دعوة هذا الرسول جاء إلى الجيل الثاني وهم لم يروا الرسول ولا سمعوا دعوته منه مباشرةً ولكن الدعوة بلغتهم فهل تشملهم الآية الكريمة؟ الجواب: نعم: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). فإذاً: إما أن تكون الحجة تقوم بواسطة الرسول مباشرةً، أو بواسطة غيره ممن

يبلغ رسالته كما بلغها هو قومه، إذاً: الحجة تقوم ببلوغ الدعوة إلى المكلف، الدعوة كما ذكرنا آنفاً قد تكون متعلقة بالعقيدة وقد تكون متعلقة بحكم شرعي، فإذا افترضنا إنساناً بلغته دعوة نبيٍّ على الوجه الصحيح في حكم فرعي فقهي، ومع ذلك هو أنكر هذا الحكم فإنكاره وأؤكد ما قلت آنفاً: بلغه الحكم كما لو كان سمع الحكم من النبي أو الرسول مباشرةً ومع ذلك فهو أنكره فهذا يكفر. على العكس من ذلك إنسان آخر لم تبلغه دعوة الرسول فيما يتعلق بعقيدةٍ ما، ولنضرب على ذلك مثلاً: فنقول: مثل عقيدة عذاب القبر، أو سؤال منكر ونكير، ونحو ذلك من الغيبيات التي تدخل في عموم قوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة:1 - 3) فهذا المثال الثاني الرجل الثاني لم تبلغه دعوة الرسول فيما يتعلق بمثالنا هذا عذاب القبر، فهذا ليس مكلفاً .. ليس مسئولاً فيما إذا لم يؤمن بعذاب القبر؛ لأن الحجة لم تبلغه ولم تقم عليه، إذا عرفنا هذه الحقيقة حينئذٍ نعود إلى أصل السؤال: أي إمام من أئمة المسلمين سواء كان خطؤه متعلقاً بعقيدة أو كان خطؤه متعلقاً بحكم فقهيٍ فهو غير مؤاخذ إذا لم تبلغه الحجة، والعكس بالعكس تماماً كل من بلغته الحجة سواء في العقيدة أو في الفقه وأنكرها فهو الذي قامت عليه حجة الله فذاك نادم وهذا هالك. فلا فرق إذاً بين من يقع في خطأ إنكار صفة من الصفات مثلاً إلهية إذا كان إنكار هذا ليس عناداً وليس جحوداً وإنما كان باجتهاد منه، ولو أن هذا الاجتهاد كان منه خطئاً، هنا يرد الحديث الذي ابتدأنا الجواب به عن هذا السؤال: «إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» لذلك ما يشاع في هذا الزمان أن من أخطأ في الأصول أو في العقيدة فهو غير معذور هذا الإطلاق خطأ

جلي جداً لا يصح أن يتبناه المسلم. مداخلة: شيخ بارك الله فيك! بالنسبة لقضية الاجتهاد في العقيدة فهنالك قاعدة عند أهل السنة أن الأمور السمعية لا يجتهد فيها، وقد سألت الشيخ مشهوراً جزاه الله خيراً فقال لي هذه القاعدة. الشيخ: سألت ماذا؟ مداخلة: الشيخ مشهور. الشيخ: نعم. مداخلة: وقال لي هذه القاعدة، لكن هنا الذي نريد أن نستوضحه هو: أنه إذا جاء إلى عالم من العلماء قول وقد أجمع السلف عليهم جميعاً من الصحابة والتابعين إلى غيرهم، إلى عصره، ثم هذا القول رَدَّهُ، وقد أضرب على ذلك مثلاً في قضايا الصفات، وهو عالم ومعروف له بالعلم ومشهود له بالعلم، عند كافة أهل العلم فرد هذا القول بعقله أو برأيه أو باجتهاد منه لنقل ذلك! وأطلق على هؤلاء القوم بكلام من اجتهاده وبذلك أنكر الصفات فهل نقول: هل هو فعلاً هنا اجتهد مع أن الصحابة هنا كلهم مجمعون على ذلك؟ الشيخ: يا أخي بارك الله فيك! نحن ما نستطيع أن ندخل إلى قلوب الناس حينما قلنا ما قلنا آنفاً إنما نعني بذلك، هل هذا الإنسان مؤاخذ عند الله عز وجل أو غير مؤاخذ؟ هل هو مؤاخذ عند الله بمعنى: أقيمت الحجة عليه فهو مؤاخذ أو غير مؤاخذ؟ البشر لا يستطيع أن يتعمق ويصل إلى ما في القلب، ما يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب كما هو معلوم، الآن أنت دندنت حول ما نقلت عن قضية الإجماع، هل الإجماع إذا صح عند شخص لازمه أن يصح عند كل شخص؟

مداخلة: الجواب لا طبعاً. الشيخ: طبعاً! طبعاً لا ولذلك حينما أنت تفترض أن السلف الصالح كلهم أجمعوا على كذا، وجاء رجل عالم وأنكر هذا الإجماع وقال قولاً مخالفاً لهم، نحن نستطيع أن نخطئ هذا المخالف؛ لكن لا نستطيع أن نكفره، أي: لا نستطيع أن ندخل إلى قلبه ونحكم عليه بأنه كما قال تعالى في بعض المشركين: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) لا نستطيع أن نصل إلى هذه النقطة، نحن كل الذي نستطيعه أن نحكم بأن هذا أخطأ وإن شئتَ أو شئتُ، قلتَ أو قلتُ: ضل، أما أنه كفر وجحد هذا أمر قلبي لا نستطيع نحن أن نتوصل إليه. مداخلة: شيخنا بارك الله فيك! أنا لا أقصد بكلامي التكفير أو التفسيق أو التضليل، لكن الذي أقصده: هل بِرَدِّه مثلاً للعلماء قد يتبنى إجماع عند عالم لا يرى الإجماع عند عالم آخر، لكن هل فعلاً هو اجتهد؟ الشيخ: مكانك راوح! لا يوجد شيء جديد في كلامك، الاجتهاد بالنسبة للمكلف يتعلق بالقلب والعمل، أما بالنسبة للآخرين فلا يستطيعون أن يحكموا عليه بأنه اجتهد أو لم يجتهد صحيح هذه البديهية أم لا؟ يعني: أنت ما تستطيع أن تحكم علي أنني اجتهدت أو لم أجتهد .. أنني تابعت البحث متابعةً بحيث يصدق علي قوله عليه السلام: «إذا حكم الحاكم فاجتهد» أنت ما تستطيع أن تحكم على أي إنسان أنه اجتهد أو لم يجتهد حتى تبني على اجتهاده أنه معذور أو تبني على عدم اجتهاده أنه غير معذور، لكن هو يدري ماذا يفعل، فهو إذا أفرغ جهده لمعرفة الحق بالطرق التي تتيسر له، وعلم الله منه الصدق والإخلاص في معرفة الحق لكنه لم يوفق إليه وهنا يأتي الحديث: «وإن أخطأ فله أجر واحد». إذا كان الحديث الواحد يختلف عالمان في تصحيحه وتضعيفه، الذي

يضعفه أنكر صحته فإن أنكر وهو معذور فهو معذور، وإن أنكر نكايةً وجحداً لجهد ذلك المجتهد الأول المصيب فهو الضلال المبين، لا يوجد فرق بين الفقه وبين العقيدة وبين الحديث تصحيحاً وتضعيفاً، تعرف أنت أن الحديث قد يكون صحيحاً عندهم جميعاً، ولكن قد يبلغ مبلغ التواتر عند بعضهم دون بعض آخر إلى آخره، فالقضية نسبية والحكم عند علام الغيوب هو الذي يعلم ما في القلوب، فهو الذي سيحكم ويدين كل إنسان بما فعل: «إن اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد» على كل حال: أنا يعني: لا تكن في حرج صف ما عندك حتى أفهم جيداً وأعطيك ما عندي إن كان عندي. مداخلة: شيخ هذه القضية: الأسماء والصفات معروف أنها قضية سمعية، يعني: أهل السنة متفقين عليها ومسلمين بها، لكن نحن كما قلت: نحن لا نريد أن نطلق هذه الألفاظ نحن نقول: أنه اجتهد أو أخطأ أو ضل أو مثل هذه الألفاظ، نحن لا نريد أن نكفر أحداً في هذه القضية، لكن أنا قصدي أنه مثل هذه مثل قضية أصولية عند أهل السنة والجماعة عندما يأتي مثلاً شخص ويرد الصفات كلها، نحن نقول: لو أنه مثلاً رد صفة واحدة أو أول صفة واحدة أو أنكر صفة واحدة نقول مثلاً اجتهد في فرعية من الفرعيات، لكن عندما مثلاً يرد جميع الصفات وينكر على غيره ويستعمل ألفاظاً لا تجوز، هذا الذي أريد أن أستوضحه. الشيخ: أنا أرى الآن تطورت المسألة، كان السؤال: في إمام أنكر صفةً، الآن أنت قفزت قفزة الغزلان أنكر كل الصفات. مداخلة: أنا قصدي هذا أنكر كلها. الشيخ: معليش، أنت كنت سئلت السؤال الأول؟ مداخلة: لا، ليس أنا.

الشيخ: طيب يا أخي! لكل سؤال جواب، أنا لا أتصور الآن كما يقال نضع النقاط على الحروف أنا ما أتصور إماماً من أئمة المسلمين أنكر الصفات هذه كلها، هذا إما أن يكون الجهمي الأول الجهم بن صفوان أو الجعد أو أمثاله، أما إمام من أئمة المسلمين ينكر الصفات كلها هذا لا يتصور، الآن أنت تقول أنكر كل الصفات طيب! دعنا نحدد رجل أنكر الصفات كلها ما هو السؤال حتى أعطيك الجواب بأوجز عبارة؟ مداخلة: السؤال. الشيخ: نعم، أنكر كل الصفات ما هو السؤال؟ مداخلة: هل يكون هو في هذه الحالة اجتهد أم لا؟ الشيخ: لا، لا يكون اجتهد. مداخلة: لا يكون اجتهد. الشيخ: طبعاً! لكن يعود البحث السابق: ما أنكر كل الصفات آمن بالبعض وأنكر البعض، ممكن أن يكون مجتهداً؟ مداخلة: في هذه الحالة ممكن. الشيخ: طيب إذاً؟! مداخلة: لكن أنا كان قصدي - عفواً أعتذر - أنه كان قصدي عن مسألة الصفات كلها. الشيخ: خير إن شاء الله. "الهدى والنور" (820/ 41: 22: 00) و (820/ 41: 31: 00)

[740] باب متى يكفر من أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة؟

[740] باب متى يكفر من أنكر شيئًا معلومًا من الدين بالضرورة؟ [قال الإمام]: الحق الذي لا ريب فيه أن من أنكر شيئاً ثابتاً في الدين، سواء كان في الأصول أو الفروع فهو كافر إذا علم كونه من الدين، ومع ذلك أنكر، فبهذا الشرط يكفر؛ لأن معنى ذلك أنه لا يصدق الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في كل ما جاء به، وما جاء به كله صواب، فجحد أي شيء منه يعتبر طعناً فيه - صلى الله عليه وآله وسلم -. وذلك كفر بين. وعلى ذلك إذا أنكر شيئاً وهو لا يعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جاء به، فلا سبيل إلى تكفيره إلا بعد تبليغه وإقامة الحجة عليه لقوله تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، ولا مجال بعد ذلك للتردد في تكفيره، ولو زعم أنه يقتنع بذلك أو لم تطمئن نفسه به فإنه ينافي الإيمان به - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. "تحقيق كتاب: التوحيد والعقائد الإسلامية" (ص12 - 13).

جماع أبواب أحكام أهل الفترة ومن في حكمهم والكلام على مصير أبوي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - -غير ما تقدم-

جماع أبواب أحكام أهل الفترة ومن في حكمهم والكلام على مصير أبوي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - -غير ما تقدم-

[741] باب بيان من هم أهل الفترة

[741] باب بيان من هم أهل الفترة سؤال: شيخ من أهل الفترة؟ وما حكمهم في الآخرة؟ وهل أهل الجاهلية يعتبرون من أهل الفترة؟ الشيخ: نعم. المراد بأهل الفترة كل من لم تبلغه الدعوة على الوجه الصحيح الذي جاء في الشرع، ولكن ليس من المستطاع تحديد كل فرد من أفراد أهل الفترة؛ لأن هذا أولاً ليس بالمستطاع بالنسبة للبشر، وثانياً لم يرد مثل هذا التحديد عن الله ورسوله. ثم هذه التسمية أهل الفترة وإطلاقها على من لم تبلغهم الدعوة هو اصطلاح علمي لا مانع منه؛ لأن لكل قوم أن يصطلحوا على ما شاؤوا بشرط أن لا يكون في اصطلاحهم شيء من المخالفة لنص من نصوص الكتاب أو السنة، نحن نجد في القرآن مثل قوله عليه الصلاة والسلام، مثل قول رب الأنام: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، ولله الحجة البالغة ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً. أما أن نقول: إن العصر الفلاني أو الزمن الفلاني هم كلهم أفراداً وجماعات هم من أهل الفترة هذا أمر مستحيل، لكننا نقول: من كان من أهل الفترة بالمعنى الذي أشارت إليه الآية أي لم تبلغه الدعوة ولن تبلغه دعوة نبي أو رسول فهو الذي نستطيع أن نقول: إنه لا يعذب يوم القيامة من لم تبلغه الدعوة، أما من هم وفي أي زمن هم؟ هذا لا سبيل إلى تحديده، بل قد يمكن أن يوجد أهل فترة في كل زمان سواء كان هذا الزمان قبل الإسلام أو بعد الإسلام.

أما الذين كانوا قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام من العرب في الجاهلية فهو مما يدخل في كلامي السابق لا يمكن أن نقول: إنهم جميعاً ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم الدعوة أو إنهم من أهل الفترة كلهم لم تبلغهم الدعوة، لا يمكن أن يقال: لا هذا ولا هذا بهذا الإطلاق والعموم والشمول، ولكننا نعتقد أن كلاً من النوعين كان موجوداً، أي كان في العرب من بلغتهم الدعوة وكان فيهم من لم تبلغهم الدعوة، فإذا جاء النص عن الله ورسوله يحدد أن فلاناً لم تبلغه الدعوة قلنا في عينه بأنه لم تبلغه الدعوة، والعكس بالعكس تماماً، إذا جاء النص عن شخص معين إما أنه لم تبلغه الدعوة أو جاءنا لازم ذلك أي: إنه من أهل النار فذلك يستلزم أن يكون قد بلغته الدعوة؛ لأن الله يقول كما ذكرنا آنفاً: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، فقبل بعثة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانت هناك رسالة إبراهيم وإسماعيل وكانت آثارها في العرب لا تزال قائمة وبخاصة في مكة المشرفة والمقدسة من الله تبارك وتعالى ببناء إبراهيم الكعبة فيها وعبادته لله عز وجل فيها هو وابنه إسماعيل ومن استجاب لدعوتهما، فإسماعيل عليه السلام كان قد أرسل إلى العرب ودعوته استمرت ظاهرة جلية في البلاد العربية وبخاصة في عاصمتها مكة، واستمرت هذه الدعوة في العرب ما شاء الله وكان فيهم إلى قدوم بعثة الرسول عليه السلام من يعبد الله وحده لا شريك له وإن كان غالبية العرب قد وقعوا في الشرك وهذا أمر أعني وقوعهم في الشرك وعبادتهم لغير الله عز وجل هذا أمر لا يحتاج إلى كثير من البحث، وإنما البحث الذي ينبغي أن نوجه الكلام فيه هو: هل كل من كان قبل الرسول عليه السلام لم تبلغه الدعوة من هؤلاء العرب فهم غير مؤاخذين وغير مخلدين في النار؟ الجواب: هذه الكلية باطلة لا يجوز إطلاقها، أن يقول قائل: كل من كان قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو من أهل الفترة، ذلك لأن لدينا أحاديثاً كثيرة وكثيرة جداً تصرح بأن بعض من كانوا في الجاهلية قبل بعثة

الرسول عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - هم من أهل النار، وأظن أن مثل هذه الأحاديث لا تخفى على أحد من الحاضرين، بل ولا على أحد من طلاب العلم من غيرهم. إلا أن بعض هؤلاء المشار إليهم من غير الحاضرين إن شاء الله عندهم بعض الشبه والإشكالات حول هذه النصوص التي أشرت إليها بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أخبر عن بعض من كان قبل بعثته من العرب وقد يكونون أو يكون بعضهم من أقاربه عليه الصلاة والسلام بل من أقرب الناس إليه وقد شهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنه في النار، فيأتي هنا الإشكال ويحاول بعض الناس بالإطاحة بالإشكال من أصله بالحكم على الأحاديث التي وردت بعدم صحة ذلك بزعمهم لأنها تتنافى مع كون العرب الذين كانوا قبل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هم من أهل الفترة. فلذلك فأنا أريد أن ألفت النظر إلى شيئين قد سبق أن ذكرت آنفاً أحدهما وهو أنه لا يمكن أن يقال قولاً مطلقاً بأن كل من كانوا قبل بعثة الرسول عليه السلام من العرب كانوا من أهل الفترة أي من الذين لم تبلغهم الدعوة، وحين ذاك لا يصح الاستنزال لرد هذه الأحاديث التي أشرت إليها وسيأتي التنصيص على بعضها لا يجوز ردها بمثل الآية السابقة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)؛ لأننا سنقول: هذه الآية محكمة، ولكن تطبيقها على كل فرد من الأفراد الذين كانوا في أمة قد أرسل إليهم رسول لا يمكن إلا أن نقول: إن كل فرد لم تبلغه الدعوة أو على العكس من ذلك والعكس ليس موضع إشكال وهو أن كل فرد قد بلغتهم الدعوة، لا نقول بلغتهم الدعوة فرداً فرداً كما أننا لا نقول: لم تبلغهم الدعوة فرداً فرداً، من لم تبلغه الدعوة فهو من أهل الفترة الذين لا يعذَّبون بكفرهم وضلالهم فحينئذ إنما نقف أمام أحاديث صحيحة يصرح فيها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن فلاناً وفلاناً من أهل النار فلا يجوز أن يقال في هذه الحالة: بأن هذا ليس صحيحاً لأنه

كان من أهل الفترة؛ لأننا سنقول: ما يدريك أنه من أهل الفترة وقد قال عليه الصلاة والسلام فيهم: أنهم من أهل النار. كما جاء في الصحيحين مثلاً: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر ذات يوم راكباً على دابته فشمست به وكادت أن ترميه فنظر فوجد قبرين فسأل من كان معه من الصحابة: متى مات هؤلاء؟ قالوا: في الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام: لولا أن تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر» (¬1). والشاهد من هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شهد بأن هذين المقبورين ماتا في الجاهلية ومع ذلك فإنهما يعذبان ولو قال عليه السلام: «لولا أن تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر» هذا العذاب الذي شمست به دابته خوفاً من هذا العذاب الذي سمعته الدابة وهذا العذاب كان منصباً على رجلين ماتا في الجاهلية. فحينئذ لازم هذا الحديث وأمثاله أنهما ماتا على الشرك وعلى الضلال من جهة وأنهما ليسوا ممن لم تبلغهم الدعوة؛ لأنهم لو كانوا كذلك لم يستحقوا العذاب بصريح الآية السابقة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). كذلك قد جاء في غير ما حديث: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سئل عن بعض الأجواد الكرماء الذين كان يضرب بهم المثل بجودهم وكرمهم ممن ماتوا في الجاهلية، هل نفعهم شيء من ذلك؟ قال: لا إنه لم يقل يوماً ما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» (¬2). وأخيراً: نأتي إلى مشكلة المشاكل بالنسبة لبعض الكتاب المعاصرين الذين ¬

(¬1) مسلم (رقم7392). (¬2) مسلم (رقم540).

يتكؤون على قاعدة أن أهل الفترة غير معذبين فيردون هذا الحديث الأخير، مع ما سبق ذكره من أحاديث فلا يهمهم أن يتعرضوا لذكرها سلباً أو إيجاباً؛ لأنها لا علاقة لها بعواطفهم بخلاف الحديث الذي سأذكره آتياً ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «إني أستأذنت ربي في أن أزور قبر أمي فأذن لي واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي» (¬1) فهذا الحديث باعتباره يتعلق بوالدة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي هو سيد البشر فكثير من الناس الذين يستسلمون لعواطفهم دون أن يحكموا فيها شريعة ربهم وأن يسلموا لها تسليما يكبر عليهم جداً أن يتقبلوه كما هو واجب كل مسلم في أن يكون موقفه تجاه حكم من أحكام الله عز وجل كما قال تبارك وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65)، فهم لا يسلمون لهذا الحديث تسليماً كما أمرهم الله عز وجل في الآية المذكورة؛ لأنهم لا تتسع عقولهم لأن يعتقدوا بأن أم سيد البشر هي من أهل النار، مع علمهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يقول في حديث معروف في صحيح مسلم من: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (¬2) والله عز وجل يقول: {فَإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} (المؤمنون:101)، فالأنساب يوم القيامة بالنسبة لمن مات على الشرك فلا فائدة منه إطلاقاً، وهذا الحديث بخصوصه يدخل في هذا العموم أن النسب لا يفيد صاحبه إذا لم يكن مؤمناً بالله ورسوله. فقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «واستأذنت ربي في أن أستغفر لها» فلم يأذن لي دليل واضح ¬

(¬1) مسلم (رقم2304). (¬2) مسلم (رقم7028).

جداً أن والدة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هي من أهل النار مع أنها ماتت قبل أن يشب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فضلاً عن أنها ماتت قبل بعثته - صلى الله عليه وآله وسلم - فهي إذاً ماتت في الجاهلية فهل هي من أهل الفترة أي: الذين لم تبلغهم الدعوة؟ الجواب: لو كانت كذلك لمَا أبى الله تبارك وتعالى أن يأذن للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن يستغفر لها، فإذاً هي ماتت على الشرك ومن مات على الشرك فلا تنفعه شفاعة الشافعين. كذلك الحديث الآخر ولعله عند بعض الناس أشهر وهو أيضاً في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: «أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال: في النار، ثم انصرف الرجل». قال عليه الصلاة والسلام: «هاتوا الرجل، فلما رجع قال له - صلى الله عليه وآله وسلم -: إن أبي وأباك في النار» (¬1)، فحكمه أيضاً عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث على والده الذي كان سبب وجوده أنه من أهل النار لدليل واضح أنه ليس من أهل الفترة الذين لم تبلغهم الدعوة؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن أيضاً من أهل النار. لهذه الأحاديث لا يجوز لنا أن نقول: إن كل من كان قبل بعثة الرسول عليه السلام من المشركين هو من أهل الفترة؛ لأننا بذلك نضرب أحاديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - دونما حجة من عند أنفسنا إلا التمسك بعمومات لا تفيد بالنسبة للنصوص الخاصة، وحينئذ وجب الجمع بين ما دلت عليه الآية وما في معناها، أن الله عز وجل لا يعذب أحداً من عباده إلا بعد إرسال الرسول إليه. ولعل من المفيد أن نذكر هنا شبهة أخرى تعترض سبيل أولئك الشاكِّين في بعض هذه الأحاديث المقطوع بصحتها عند أهل العلم حينما يقولون: إن هؤلاء ¬

(¬1) مسلم (رقم521).

الأفراد الذين جاءت الأحاديث لتصرح بأنهم من أهل النار لم تبلغهم الدعوة، فنقول حين ذاك: ما هو الدليل عندكم أن هذا الجنس من الناس المعذبين ممن ماتوا في الجاهلية، ما هو الدليل عندكم في النفي الذي تذكرونه أي: قولهم: لم تبلغهم الدعوة؛ لا يجدون جواباً إلا أن يقولوا: نحن نعلم يقيناً إن أبوي الرسول مثلاً وبعض أولئك الكرام الذين ماتوا في الجاهلية نعلم يقيناً أنه ما أرسل إليهم رسولاً، هنا لا بد من أن نقف قليلاً: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) هل المقصود ببعثة الرسول التي تقوم الحجة بها على الناس الذين جحدوها وكفروا بها أن يأتيهم الرسول بشخصه ومعه الدعوة من ربه إليهم، أم يكفي أن تصل دعوة الرسول إلى أولئك الناس ولو بواسطة بعض أصحاب ذلك الرسول أو الذين جاءوا من بعدهم، هنا دقة في الموضوع، وأظن أنه لا يستطيع أحد أن يفسر الآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) أن المقصود بعثة الرسول بشخصه فقط، أي: بمعنى أنه إذا مات الرسول ماتت الدعوة، وأن هذه الدعوة لو بلغت ناساً بواسطة أتباع الرسول الأولين أو أتباع أتباعهم وهكذا فلا تقوم حجة الله على الناس إلا في حالة بعثة الرسول بشخصه فقط. لا أعتقد أن أحداً يضيق معنى هذه الآية فيقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) بشخصه، أي: كل قوم لا بد أن يأتيهم الرسول بشخصه وبدعوته، ذلك؛ لأن من المعلوم أولاً بالنص قوله عليه الصلاة والسلام: «فضلت على الأنبياء قبلي بخمس خصال -وذكر فيها عليه الصلاة والسلام قوله: وأنه كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» (¬1)، قوله عليه السلام: «وبعثت ¬

(¬1) مسلم (رقم427).

إلى الناس كافة» مع قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (سبأ:28)، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107)، كل هذا وذاك يدل على أن بعثة الرسول عليه السلام ليست فقط بشخصه بل وببلوغ الدعوة إلى من بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. كذلك نقول حينما قال عليه السلام: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة» لا يعني: يبعث بشخصه فقط بل وبدعوته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. هذه حقائق باعتقادي لا يمكن لأحد أن يماري أو يجادل فيها؛ لأنه سيلزمه محظوران اثنان: المحظور الأول: أن يعتقد أن بعثة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الناس كافة محصورة بالعرب الذين دعاهم الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرًة إلى الإسلام، أما بعد وفاته فقد انتهت دعوته عليه السلام وبعثته ورسالته، وهذا بلا شك باطل. والشيء الآخر مثله وهو: أن يعتقد أولئك الشاكين المرتابين في صحة تلك الأحاديث وهي صحيحة دون خلاف بين العلماء أن يعتقدوا أننا نحن اليوم معشر المسلمين وعددهم يبلغ عشرات الملايين، لم تبلغنا الدعوة، لماذا؟ لأنه ما جاءنا رسول مباشرةً، فهل من عاقل يقول بمثل هذا القول الذي يلزمهم أن يقولوا به إذا ما قالوه في العرب الذين كانوا قبيل بعثة الرسول عليه السلام؛ لأنهم يقولون: هؤلاء ما جاءهم رسول لكنهم يعلمون أنهم جاءتهم دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، وهي دعوة التوحيد فكفر من كفر بها وآمن من آمن بها، فإذًا: لا فرق بين دعوة إبراهيم وإسماعيل من حيث شمولها لكل من بلغته الدعوة ولو بعد وفاة الرسول المرسل إليهم مباشرةً؛ لأنه ليس المقصود من بعثة الرسول

هو الشخص، وإنما المقصود دعوته ورسالته. ذلك لأننا لو فرضنا إنسانًا في زمن الرسول المبعوث مباشرةً إلى قومٍ ما كان أصم أبكم، التقى مع الرسول المبعوث ولكنه هو لا يفقه شيئًا مما يقول لما به من صمم وبكم، فهذا لم تبلغه الدعوة وإن كان قد بلغه الرسول بشخصه، والعكس كذلك حينما نتصور قومًا جاءتهم دعوة الرسول عليه السلام دون أن يروا الرسول وبعينه وشخصه فقد قامت الحجة عليهم. إذا كان الأمر كذلك وهو كذلك دون خلاف بين مسلمين فحينئذٍ لا محظور بالنسبة لتلك الأحاديث الصحيحة التي تشهد بأن أولئك الأشخاص هم من أهل النار، فلازم ذلك أنهم قد بلغتهم الدعوة، وأقيمت عليهم الحجة، فلا جرم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حكم عليهم بأنهم من أهل النار، فقول من يقول بدفع هذه الأحاديث أن إسماعيل أو إبراهيم أو غيرهما من الأنبياء الذين أرسلوا إلى العرب ما جاءهم رسول مباشرةً، هذا كما لو قال قائل اليوم: أن التابعين وأتباع التابعين إلى هذا الزمان وإلى آخر الزمان الذي لا يبقى على وجه الأرض من يشهد ألا إله إلا الله إلا جاءت ريح طيبة وقبضت أرواحهم، كل هؤلاء من المسلمين أتباع الصحابة ومن بعدهم نقول: لم تبلغهم الدعوة؛ لأنهم ما جاءهم الرسول، فهل من عاقل يقول بمثل هذه الكلمة؟ ظني أن لا أحد يقول، إذًا: نحن نلزمهم بأن يقولوا نفس الكلمة معنا: بأنه ليس المقصود من إرسال الرسل فيما قبل الرسول عليه السلام هو أشخاصهم فقط، بل المقصود: دعوتهم أيضًا، فسواء لا فرق بين قوم جاءهم الرسول مباشرةً بدعوته، وبين قوم أو أقوام آخرين جاءتهم دعوة الرسول بوساطة أتباع الرسول،

فكل من هؤلاء وهؤلاء قد قامت حجة الله عز وجل على الناس جميعًا بطريق من هاتين الطريقتين: إما وصول دعوة الرسول بواسطته هو مباشرةً، أو وصول دعوة الرسول بواسطة غيره من أتباعه الذين آمنوا به، فحينئذٍ نعرف من هم أهل الفترة. وخلاصة ذلك: أن أهل الفترة هم الذين لم تبلغهم دعوة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرةً منه إليهم، أو بواسطة أحد أتباع هذا الرسول. إلى هنا فيما يبدو لي ينتهي الجواب عن السؤال السابق، ولكن لا بد لي من كلمة قصيرة حول الدعوة التي يجب أن تبلغ ناسًا لتكون حجة الله قائمةً عليه؛ لأنهم قد تكون جاءتهم الدعوة بطريق غير طريق الرسول، فلا تكون الحجة قائمةً في هذه الحالة، لتقصير وقع من هؤلاء المبلغين، فقد ذكرت آنفًا أن الرسالة قد تبلغ بطريق من طريقتين: الطريقة الأولى: بشخص الرسول، وهذه بلا شك ولا ريب أقوى من الطريقة الأخرى. وهي: أن تصل الدعوة إلى قوم ما بواسطة أتباع الرسول، سواء كان هؤلاء الأتباع من أتباع الرسول مباشرًة، أو على التسلسل كما نقول في فهم حديث الرسول: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» فخير الناس أصحابه عليه السلام؛ لأنهم هم الذين أرسل إليهم الرسول مباشرةً، ثم التابعون لهؤلاء الأصحاب، ثم أتباعه. فالطريقة الأخرى أن تصل الدعوة إلى ناس ما بطريق أتباع الرسول، سواء التابعين للصحابة أو أتباعهم، أو من جاءوا من بعدهم كما هو واقعنا اليوم. الذي أريد الآن أن أذكر به إتمامًا للفائدة: أن الدعوة التي تصل إلى قوم ما

بالطريقة الأخرى، ليس بطريقة الرسول مباشرةً يجب أن تكون هذه الدعوة قد بلغتهم صافيةً نقية، لا تغيير فيها ولا تبديل ولا تحوير، لأنها في هذه الحالة إذا بلغتهم كذلك تكون بلوغ الدعوة إليهم بواسطة الأتباع كما لو كانت وصلت إليهم بواسطة الرسول مباشرةً، أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك، أي: إن قومًا ما أو ناسًا ما بلغتهم دعوة الإسلام محرفةً .. مغيرةً .. مبدلةً، وبخاصة ما كان منها متعلقًا في أصولها وفي عقيدتها، فهؤلاء الناس أنا أول من يقول إنهم لم تبلغهم الدعوة؛ لأن المقصود ببلوغ الدعوة على صفائها وبياضها ونقائها، أما والفرض الآن أنها بلغتهم مغيرةً مبدلة، فهؤلاء لم تبلغهم الدعوة وبالتالي لم تقم حجة الله تبارك وتعالى عليهم. هذا الذي أردت أن أضيفه إلى ما سبق من البيان لتتم الفائدة إن شاء الله. مداخلة: ... هو لا شك بأن الدعوة وصلت إلى كثير من الناس ... ولكن هؤلاء الناس يختلفوا، إذا عرب درسوا إلى جانب هذه الدعوة المحرفة .. درسوا القرآن واللغة العربية بعلومها من بلاغة وبيان وإلى آخر والنحو والصرف، فهموا اللغة فهمًا واضحًا يعني: فهموا أيضًا القرآن .. اطلعوا على شيء من تفاسير السلف، هناك دعوة قائمة أيضًا تؤكد المبادئ وقواعد التوحيد التي جاء بها القرآن الكريم، كل هذا تتوفر لكثير من الناس خصوصًا العرب منهم، فهل نقول في هؤلاء: إنهم ما قامت عليهم الحجة وما بلغتهم الدعوة؟ الشيخ: من يقول بهذا؟ مداخلة: أخشى أن يتبادر فهم .. الشيخ: لكن اعكس تصل الطرف الثاني بلغتهم الدعوة؟

مداخلة: أي طرف ثاني؟ الشيخ: الذي يقابل هذا الطرف الذي وصفته. مداخلة: لا لا. الشيخ: هذا هو المهم بارك الله فيك. مداخلة: لا أقول بهذا، مثلاً الآن: مدرسة الأزهر تدرس العلوم الإسلامية بلغاتها وعقائدها وتراثها وكذا وكذا .. مثلهم بعض المدارس ... أيضًا يدرسون هذه العلوم، يدرسون القرآن وعلومه ولغته بأصنافها، فهل نقول في هؤلاء فعلًا وصلتهم الدعوة المحرفة أو بطريق الأشعرية أو غيرهم، لكن بقي هناك ما تقوم به عليهم الحجة من فهمهم اللغة العربية وبفهمهم لعلوم القرآن وعلوم الحديث وتراث السلف الصالح، هل نقول في هؤلاء: بلغتهم الحجة فعلًا وقامت عليهم أو نقول: إن هناك احتمال أنه ما بلغتهم الحجة أو بعضهم ما بلغته الحجة. الشيخ: أنا أعتقد بارك الله فيك أننا في كل المسائل يجب أن نأخذ أوضح الأمثلة وليس أغمضها، فالآن لنقل عن المسلمين الأعاجم، لا نتحدث عن علمائه، بل لنقل عن العرب أمة العرب الذين ليسو من العلماء، هل بلغتهم الدعوة؛ لأن المهم أن نتكلم في الأمة التي نقول عنها إنها أمة مسلمة سواء كانوا عربًا أو كانوا عجمًا، لا نريد أن نتكلم عن نخبة منها .. عن خاصة هذه الأمة العربية أو الأعجمية، وإنما نتكلم عن عامة هذه الأمة، هل بلغتهم الدعوة في هذا العصر؟ أنت ذكرت الأزهريين بخاصة، ترى! المصريين هل المصريون كشعب هل بلغتهم الدعوة كما جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الصحابة، وكما نقلها الصحابة إلى التابعين وهكذا؟

أنا أقطع بأن هذا الشعب كشعب لم تبلغهم الدعوة كما جاءت وكما أنزلت، لكن بلا شك بعض الخاصة من أولئك كما شرحتم آنفًا قد بلغتهم الدعوة وأقيمت عليهم الحجة، ونحن غرضنا من هذا البيان هو أن نخلص عامة المسلمين وبخاصة منهم الأعاجم من أن نبادر إلى تسليط سيف التكفير عليهم، ونحن نعرف أنهم يعيشون بين علماء كثير منهم من لم يفهم الدعوة كما يجب، وقسم منهم كما أشرت فهمها كما جاءت ولكنه اتبع هواه كما وقع مع العرب الأولين تمامًا الذين بعث إليهم الرسول مباشرًة، ولذلك أنا فرقت بين الدعوة بالطريقة الأولى حيث يأتي الرسول فيبلغ قومه مباشرًة، هنا ليس هناك مجال أن يكون التبليغ فيه سوء تبليغ .. فيه تقصير، بينما نقل الدعوة بالطريقة الأخرى يمكن أن يرد عليها شيء من هذا التقصير، أو من ذاك السوء سوء التبليغ. فهناك فرق بين الطريقة الأولى والطريقة الأخرى تمامًا، وما دمنا نحن نعيش اليوم وقد بلغنا الدعوة بالوسائط، وبخاصة وبيننا وبين الرسول الذي أرسل مباشرةً إلى الصحابة أربعة عشر قرنًا فيجب أن نتصور أن الدعوة إلى جمهور الأمة الإسلامية اليوم حتى العرب لم تبلغهم الدعوة كما جاءت أو كما أنزلت من العلماء؛ لأنهم من علماء السوء ومن الذين وصفهم الرسول عليه السلام في الحديث الصحيح حين قال: «إن الله لا ينتزع العلم انتزاعًا من صدور العلماء، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» (¬1). غرضي من هذا ليس أن نقدم عذرًا لمن لا عذر له وهم الأقلية، وإنما أن نقدم ¬

(¬1) مسلم (رقم6974).

عذرًا لمن لهم عذر في أن الدعوة لم تبلغهم كما جاءت، اليوم المصريون مثلًا وكثير من أمثالنا من السوريين العرب زعموا، هل بلغتهم دعوة التوحيد كما بلغت العرب الأولين؟ أنا أقول: لا، العامة عامة المسلمين العرب فضلًا عن الأعاجم لم تبلغهم الدعوة؛ لأن هؤلاء الذين يفترض أن يكونوا أداة هداية وإرشاد من هؤلاء المنتمين إلى العلم أن يكونوا أداة هداية وإرشاد للعامة وأداة إضلال وإفساد للعامة بسبب أن علمهم هو الجهل بعينه؛ لأنهم يتأولون لهم النصوص الصريحة من الكتاب والسنة التي تصرح بأن ما يسمونه بالتوسل مثلًا هو الشرك بعينه. فالعامة من أين لهم أن يفهموا هذا الفهم الصحيح الذي تفردت لا أقول: كل أفراد هذه البلاد إنما أقول: كثير من أفراد هذه البلاد تفردت بفهم التوحيد فهمًا صحيحًا بسبب دعوة الدعاة المخلصين منهم، أما تلك البلاد فقل ما يوجد فيهم عالم بمعنى الكلمة وبلغهم الدعوة الصحيحة ثم هم نكلوا عنها، هذا واقع العالم الإسلامي فضلًا عن العالم الغربي. لننتقل الآن إلى الغرب: أوروبا وأمريكا، هل هؤلاء الأقوام من الكفار بلغتهم دعوة الإسلام كما أنزلها الله عز وجل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام؟ مع الأسف الشديد ما بلغتهم، وأنا أضرب لكم مثلًا قريبًا جدًا: الذي نعرفه ولو من سنين طويلة، ولا أدري الوضع هو الآن، إن الطائفة القديانية التي خرجت من الإسلام بما تحمل من عقائد باطلة، هي من أنشط الفرق التي تتبنى الإسلام دينًا في دعوة الأوروبيين إلى الإسلام، وقد استجاب لهم المئات بل الألوف من الأوروبيين، سواء من الألمان أو البريطان أو الأمريكان .. استجابوا لدعوة القديانيين فصاروا مسلمين قاديانيين. ومن عقيدة هؤلاء أن النبوة لم تختم، وأن قوله تبارك وتعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ

اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) ليس معناه كما نفهم نحن، أي: آخر النبيين وأنه لا نبي بعده، وإنما تأولوا لهؤلاء الأعاجم من الأوربيين والأمريكان خاتم النبيين، يعني: زينة النبيين! أي: ليس معنى الآية بأنه آخر الأنبياء، فأسلم الأوروبيون على دين القديانيين، هل هؤلاء بلغتهم الدعوة كما أنزلها الله عز وجل؟ الجواب: لا، أما من انحرف منهم من العلماء فهذا أمر واضح لا إشكال فيه. مداخلة: طيب لو قال قائل يا شيخ: بالنسبة لموضوع الفترة .. لو قال قائل: ... نفس المقالة هذه التي نحن نقولها: أن مشركي العرب ما بلغتهم الدعوة كما جاءت عن الرسول السابق، أليس له الحق في ذلك؟ الشيخ: لا ليس له الحق في ذلك، أولًا: هذا القول ليس هي المشكلة، المشكلة هي في العرب الأولين ليس في العرب الآخرين، مشكلة أولئك الذين سميتهم بالخصوم هو ردهم للأحاديث الصريحة التي ذكرنا آنفًا بعضها .. مداخلة: والد النبي ووالدته ... يقولون أنهم ما يمكن أن يكونوا في النار، لماذا لا نقول: نحن أمة كلفنا بأن نؤمن بالغيب؟ والله امتدحنا بالإيمان بالغيب، فنحن نقول: أن الله سبحانه وتعالى هو أعلم بعباده، ويعلم بأن والد النبي ووالدة النبي وكل من كان من أهل الفترة، وأخبر الله نبيه أنه من أهل النار أنه يستحق ذلك حتى ولو بعث إليه نبي ما يمكن أن يؤمن به، ونرتاح من هذه الإشكالات حتى لا يرد علينا أي شيء ... الشيخ: ما فهمت عليك كثيرًا مما تقول! مداخلة: أنا أقول: الذين يقولون: أن أهل الفترة هؤلاء .. أن بعض أهل الفترة ممن أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عنهم بأنهم في النار، هؤلاء ما بلغتهم الدعوة.

الشيخ: نحن انتهينا من هذا، قلنا: من لم تبلغهم الدعوة فهم غير معذبين، ولكن هل كل أهل الفترة لم تبلغهم الدعوة؟ مداخلة: لا أنا ما أقول .. أقول عن هؤلاء بخصوصهم .. الشيخ: بارك الله فيك أنا ما أسألك أنت، أسأل عن أولئك الناس هل يعتقدون أن كل أهل الفترة ما بلغتهم الدعوة، أم بعضهم بلغتهم وبعضهم لم تبلغهم، أنا أسألك أنت عنهم، ليس ما تقول أنت. مداخلة: هم يقولون البعض والبعض .. يقولون يخصصون والد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن جاءوا قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولُبِّسَ عليهم، كما حصل من عمرو بن لحي الخزاعي الذي جاء بالأصنام إلى مكة وفعل وفعل، وغطى عليهم دعوة الأنبياء، يقولوا: أن هؤلاء ما بلغتهم الدعوة، ومن ذلك والد النبي ووالدته. نقول لهم: والد النبي ووالدته ورد في النصوص الصحيحة التي تبين، ونحن أمة آمنا برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإذا أخبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بأمر لا يمكن أن نقول عن الأمر الذي بلغنا به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن هذا فيه كذا أو فيه ما يوحي أن هؤلاء بلغتهم أو ما بلغتهم، علينا أن نسلم بأننا مسلمين ... الشيخ: أنت تتكلم عن من يا شيخ؟ أنت تتكلم عن الذين يؤمنون بصحة هذه الأحاديث أم الذين ينكرونها؟ مداخلة: لا يؤمنون بها ولكن ينكرونها، يقولون: أن الأحاديث هذه واردة صحيحة لكن .. الشيخ: أرجوك أن تجيبني: هل تتكلم عن الذين يؤمنون بهذه الأحاديث ويصدقون بها فيقولون كما قال عليه السلام: أبي في النار، أم أنت تتحدث عن غير

هؤلاء الذين ينكرون هذه الأحاديث؟ مداخلة: أنا أتكلم عمن يقول بها ثم يحرف فيقول: الأب المراد به العم؛ لأنهم يؤولون يقولون: والعم أصلًا هو الأب، هم يقولون: نحن نقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال بأن والده في النار ... الشيخ: الآن انحرفت عن السؤال .. الآن بارك الله فيك خرجت عن الصدد، الآن دخلت في موضوع تأويل الأحاديث. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! نحن أتينا بأحاديث أخرى صريحة الدلالة بأن بعض من مات في الجاهلية يعذبون في القبر. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! فهؤلاء كيف يؤولون هذه الأحاديث إلا بالتسليم بأن هناك في العرب من بلغتهم الدعوة ولذلك عذبوا، فنحن الآن ما نريد أن ندخل في متاهات تخرجنا عما كنا في صدده، والرد عندنا واضح، لكن ما بين أيدينا الآن شخص يقول: أنا أؤمن بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إن أبي وأباك في النار» لكن أنا أتأول: الأب هنا بمعنى العم فحينئٍذ نبدأ ونرد عليه، لسنا في هذا الصدد، سنقول: وكيف تفسر حديث الأم: «واستأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي» لعله يقول .. مداخلة: يأتي بأحاديث يقول أنه ما مات وأحاديث موضوعة ومكذوبة ما مات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى أحيا الله له الاثنين .... الشيخ: هذا موقف المسلم؟

مداخلة: ليس موقف مسلم، لكن أنا أقول مثل هذا ... كيف نرد عليه؟ ... الشيخ: سبق كيف نرد عليهم، الآن أتينا بأحاديث صريحة بأن بعض من مات في الجاهلية معذب. مداخلة: نعم، نرد بالإيمان بالغيب ونستريح. الشيخ: هل يؤمنون بها؟ مداخلة: لذا يجب عليهم أن يؤمنوا بالغيب ... الشيخ: يا أخي بارك الله فيك! أنت تقول: يجب عليهم، نحن ليس هذا موضع الخلاف، نسأل عن واقعهم: هل هم يؤمنون بها، أم تدفعهم عاطفتهم الجامحة التي لا تقف .. مداخلة: تدفعهم العاطفة. الشيخ: طيب! فإذًا: هم لا يؤمنون بها وإلا هو .. مداخلة: الذين يؤمنون بالغيب لا يستحق المناقشة. مداخل آخر: لو سمحت يا شيخ! لا شك أن الدعوة السلفية لها نشاط في العالم العربي والإسلامي عمومًا في بلاد العجم وغيرها، ومن آثار هذه الدعوة تجد مثلًا المسلمين في الهند يبلغون ملايين السلفيين اثنا عشر مليون مثلًا بنجلاديش .. اثنا عشر مليون في باكستان .. اثنا عشر مليون في الهند، أكثرهم عوام، يعني: ... الشيخ: الحمد لله ذلك ما نبغي. مداخلة: هذا شيء.

الشيخ: طيب. مداخلة: هؤلاء السلفيون حركتهم تتمثل في الخطابة .. تتمثل في نشر الكتب مترجمة التي تبلغ العوام وغير العوام، هذا على مستوى واحد، العامي والعامي يأتي إلى هذا الكتاب يدعو إلى التوحيد ويحارب الشرك أنا اقتنعت، أخي بنفس المستوى ... يقرأ هذا ولا يعمل، يكتب: هل يعذر هذا ... الشيخ: لا يعذر إذا قدمت إليه العقيدة صحيحة كما جاءت. مداخلة: قدمت له صحيحة ... الشيخ: لا يعذر. مداخلة: طيب! في مصر مثلًا هناك نشاط سلفي قوي جدًا .. في السودان نشاط سلفي قوي .. في سوريا نشاط سلفي جيد .. في الأردن على مستوى الكتب والدعوة في المساجد والخطابة، تجلس أمام أناس درجاتهم يعني: متحدة في الفهم وكذا وكذا، واحد يسمع هذه الخطبة تقول كلمة الحق تبين التوحيد الشرك البدعة، قال: والله هذا كلام حق وسلم، هذا أخوه في نفس المستوى، مثله سمع هذا الكلام الحق الذي يشرح لا إله إلا الله وبين التوحيد من الشرك، يرفض يقول: هذا وهابي! ما يقبل، هذا قامت عليه الحجة أو ما قامت؟ الشيخ: بارك الله فيك! هذه حياة عشناها نحن في سوريا، لكن لماذا تدع الجانب الآخر السلبي الذي لا شك فيه؟ ضربنا لكم مثلًا بالقاديانيين ودعوتهم، هل هؤلاء الأوربيون الذين جاءتهم الدعوة الإسلامية بطريق القاديانيين قامت عليهم الحجة؟ مداخلة: لا.

الشيخ: هذا هو. مداخلة: أنا ما أعرض هذا، أعرض فيمن بلغتهم الدعوة على الوجه الصحيح. الشيخ: وأنا معك في هذا بارك الله فيك، لكن المشكلة ليس في هذا النوع، المشكلة في النوع الثاني. مداخلة: انتهينا من الثاني هذا نعرفه، [نتكلم] عن كثير من العوام إن عوام أمامي في هذا المسجد .. في هذه المدرسة .. في هذا المجال يخطب واحد، يقدم لهم كتب يعني: كلهم في مستوى واحد، هذا يقبل الحق وهذا يرفضه ويعارضه بتهمة أن هذا وهابي وهذا الكلام الذي يقوله ضلال وتحريف لكلام الله، بينما الآخر يقول: والله هذا كلام سليم وهذا كلام حق يقوم على قال الله قال رسول الله، تَقَبَّل هذا ورفض هذا، هل نفهم إخواننا أن هؤلاء والذي سميناهم عوام عندهم عقول .. وإن سميناهم عوام إنهم قد قامت عليهم الحجة ولم تكن عاميتهم هذه عذرًا لهم ما دامت قد بلغتهم الدعوة على المنهج الصحيح عن طريق الكتب أو عن طريق ... الشيخ: حولها ندندن! بلغتهم الدعوة .. بلغتهم الدعوة انتهى الأمر .. بلغتهم الدعوة سليمة انتهى الأمر .. بلغتهم الدعوة غير سليمة انتهى الأمر .. ما بلغتهم الدعوة مطلقًا انتهى الأمر، المسألة واضحة جدًا. "الهدى والنور" (363/ 06: 30: 00)

[742] باب منه

[742] باب منه سؤال: أستاذنا سؤال آخر، قضية أهل الفترة، هل يمكن أن نعرف تحديد من هم أهل الفترة، وقضية الآيات التي جاءت تبين أنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير وكذا، كيف يجمع بين هذه الأمور حتى نعرف أنه ما كان قبل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هل هم داخلين في أهل الفترة أم لا؟ جزاك الله خيراً. الشيخ: كأنك تعني بمن هم أهل الفترة، ليس كأفرادٍ وإنما كجماعة، لعلك تقصد هذا؟ مداخلة: ... الشيخ: لا تحيد عن الجواب، إما أن تقصد أفراداً وهذا أستبعده عنك، وإما أن تقصد جماعة أو أمة أو عصراً معيناً، فماذا تعني؟ مداخلة: الحقيقة أنا سؤالي أعم أنه قد يكون جماعة لا أقصد أمة، إنما قد يكون جماعة وقد يكون أفراداً. الشيخ: جميل جداً. الآن في العصر الحاضر عصر المدنية والعلم وما شاء الله، هل تعتقد أنه يمكن أن يوجد فرد في هذه الملايين المملينة من البشر من أهل الفترة أم لا؟ مداخلة: والله باعتقادي لا، لكن بعض الناس الذين ... الشيخ: دعك والناس، أنا أحكي بيني وبينك، لماذا تريد أن تدخل نفسك في معركة الناس؟

مداخلة: لا، هم الذين ... الشيخ: يا أخي ... مداخلة: الجواب، لا. الشيخ: لا، كيف يعني، حتى نفهم المنفي شو هو؟ مداخلة: المنفي أنه في هذه المدنية التي نعيشها لا يعقل أنه لم يصل اسم الإسلام إلى الناس بمجموعه العام. مداخلة: أَكَلْهَا. الشيخ: لا مش أَكَلْهَا، خربها. لأننا نتكلم الآن عن فرد، السؤال فرد، أنت تقول لي مجموع، الآن إذا كان هناك ملايين من أفراد البشر الذي دخلوا سن التكليف، السؤال كان: ألا تتصور أن يكون فرد من هذه الملايين هو من أهل الفترة؟ مداخلة: نعم موجود. الشيخ: هذا ينافي ما قلته آنفاً. مداخلة: لعلي فهمتك خطأً يا شيخ. الشيخ: معليش عفا الله عما سلف. إذاً: الآن ممكن أن تتصوروا وجود شخص في هذه الملايين المملينة هو من أهل الفترة، ولو وضعنا أمام الواحد نقطة يختلف الأمر عندك؟ مداخلة: لا.

الشيخ: نقطة على اليمين وليس على الشمال. كم صار العدد؟ مداخلة: عشرة. الشيخ: ونقطة ثانية، ونقط، هل يختلف الجواب؟ مداخلة: الحقيقة أن الإشكال ... الشيخ: الكلام لي وليس لك؟ مداخلة: ما هو أنت ... الشيخ: ماذا أريد أورطك أم أنقذك؟ لماذا أنت خايف؟ معليش، نحن من عاداتنا في سوريا كلمة طيبة، اللي ما يجي معك تعال معه، فأنا سأمشي معك، سنعود للشخص الأول حتى يسهل عليك الجواب أنه هذا ممكن أن يكون موجوداً، ليش؟ مداخلة: أحسبها بعدم وصول الدعوة له. الشيخ: لا، أنا السبب أطلبه منك. مداخلة: هو قد يكون تقصير منه. الشيخ: لا، لا تدخل في التفاصيل يا أخي، عرفت ما هو السؤال الثاني؟ مداخلة: الذي هو سبب كونه من أهل الفترة. الشيخ: أيوه. مداخلة: عدم وصول الدعوة له.

الشيخ: كويس، هذا السبب يمكن أن يتكرر. مداخلة: نعم. الشيخ: إذاً ممكن نضع نقطة أمام الواحد إلى العشرة ونقط .. مداخلة: نعم. الشيخ: مع أنه لا أزال عند موقفي، لكن فقط تغيير العبارة. هذا في عصرنا، لماذا خصصت عصرنا؟ مداخلة: لأنه عصر ... الشيخ: لوجود الوسائل هذه المقربة للبعيد التي كادت أن تجعل الكرة الأرضية كقرية صغيرة بسبب الوسائل التي خلقها الله، وذللها للبشر، فما رأيك قبل عصر العلم والثقافة .. إلى آخره، لنعد إلى عصر الجاهلية الأولى، يمكن أن يكون هناك مثل هؤلاء الأشخاص الذين لم تبلغهم الدعوة. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب، وقبل أن نمضي في الكلام، هل نحن متفقون أن أهل الفترة سواء كان فرداً أو عشرة أو أكثر هم الذين لم تبلغهم الدعوة، هل نحن متفقون على هذا. مداخلة: لكن أريد أن أجعل السؤال عام، هل الدعوة المقصود بها ... الشيخ: الله يحفظنا من كلمة لكن .. مداخلة: هل دعوة نبي قبلنا تصدق عليه أم لا بد من دعوة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى

نعتبره من أهل الفترة. الشيخ: أنت رجعت إلى العصر الحاضر. مداخلة: لا، مثلاً حتى نشمل في سؤالنا ما كان قبل النبي لما ذكرتنا في الجاهلية الآن. الشيخ: ما علاقة الجاهلية بالنبي، النبي جاء بعد الجاهلية؟ مداخلة: أي نعم، قبل. الشيخ: طيب، ما الجواب الآن. أعيد السؤال: إذا رجعنا قبل بعثة الرسول عليه السلام يمكن أن يكون هناك أهل فترة، يمكن، وهكذا دواليك .. ترجع للوراء يعني. إلى عهد آدم عليه السلام. نحن نتصور بوضوح أن آدم عليه السلام كان نبياً في أولاده، ولما تكثر وتتناسل أولاده، بحيث أنه تصور أنه يمكن أن يكون هناك فرد أو أكثر من فرد ما بلغته دعوة آدم عليه السلام. إذاً: الآن أنا فيما أظن أو يخيل إلي أنني أجبتك عن سؤالك بطريقة السؤال والجواب. مداخلة: نعم، بس يرد سؤال في ذهني .. أستاذي. الشيخ: نعم. مداخلة: قضية أنه مثلاً ما قبل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جاءت بعض الأحاديث تبين

مثل: «عمرو بن لحي يَجُرُّ قصبه .. في النار»، مثل حديث: «أبي وأباك في النار» (¬1)، مثل حديث «استأذنت ربي في أمي»، يعني هؤلاء كيف يفهم الآن مثل عمرو بن لحي دخوله النار، أو أن أبي وأباك في النار، هنا الإشكال الذي ورد في ذهني، أنه هل نعتبرهم أهل فترة، إن اعتبرناهم أهل فترة فَلِمَ عذبوا؟ الشيخ: أنت اتفقت معي أن أهل الفترة هم الذين لم تبلغهم الدعوة. مداخلة: نعم. الشيخ: ألست تربط في ذهنك وفي عقيدتك أن كل من كان من أهل الفترة فهو لا يعذب في النار. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب، فكلما جاءك نص عن شخص أنه يعذب في النار سترفع من ذهنك أن هذا من أهل الفترة؛ لأن الله يقول في صريح القرآن: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). إذاً: قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في أي شخص هذا في النار، يساوي بلغته الدعوة وكفر بها فهو في النار، المسألة واضحة جداً. مداخلة: يعني الاستثناء لأشخاص وليس للمجموع. الشيخ: الاستثناء للأشخاص من حيث الإخبار عنهم، وليس من إخبار العام الشامل الذي يختم كل قرن مثلاً أو كل جماعة أو كل أمة، هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، ليس عندنا هذا التقسيم. ¬

(¬1) البخاري (رقم3333) ومسلم (رقم2138).

مداخلة: جزاك الله خيراً. الشيخ: واضح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: لكن هناك شيء ظننت أنك ستتدرج إلى الوصول إليه لأهميته، يمكن نحن الآن أن نتصور أناساً بلغتهم الدعوة الإسلامية، ومع ذلك فأنا أقول ما بلغتهم الدعوة الإسلامية، ومعنى هذا الكلام أنه ينبغي أن نستحضر في أذهاننا أن كل فرد أو كل طائفة أو جماعة لا نستطيع أن نقول إنهم بلغتهم الدعوة إلا إذا بلغتهم صافية غضة طرية كما أنزلت، وهذا من الصعب بمكان؛ لأنك تعلم اليوم أن هناك طوائف يدعون الإسلام ويدعون إلى الإسلام، وهم إما بريئون من الإسلام براءة الذئب من دم ابن يعقوب كما يقال في المثل العربي القديم أو أنهم ضلوا ضلالاً بعيداً عن قسم كبير من الإسلام، وإن كانوا لا يزالون محسوبين في دائرة الإسلام. أضل هذه الطوائف هم البهائيون، ثم يأتي من بعدهم القاديانيون، القاديانيون أشد ضرراً على المجتمع، مجتمع أمة الدعوة كما يقول العلماء ولا أريد المجتمع الإسلامي، بل الأمم القائمة المكلفين اليوم بالاستجابة لدعوة الحق، هؤلاء البهائيون أضر ما يكونون لأنهم نسفوا الإسلام نسفاً، وما أبقوا عليه من شيء، بينما القاديانية يصومون ويحجون ويصلون، كل شيء يفعلوه مثل أهل السنة والجماعة، ولكن عندهم عقائد أخرجتهم عن دائرة الإسلام، فهم مرتدون عن دينهم، لكنهم خطيرون من هذه الزاوية بأنهم مسلمون منا، بينما الخلاف بيننا وبينكم أنكم فهمتهم نصوصاً على وجه خطأ في رأينا، ونحن نرى الصواب فيما نحن عليه.

[743] باب هل يوجد في هذا الزمان من له حكم أهل الفترة؟

ونشاط القاديانيين هو أوسع ما يكون انتشاراً في العالم اليوم، وأشد الفرق الضالة تأثيراً على الناس، ولذلك تجد قاديانيين مسلمين في ألمانيا، في فرنسا، في بريطانيا، وأنا شخصياً رأيت هناك مسجد في بريطانيا مكتوب عليه بخط كبير جداً، لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقلت هذا من نفاقكم؛ لأنكم يجب أن تقولوا وميرزا غلام أحمد نبي الله، كما يقول الشيعة مثلاً وعلي ولي الله في أذانهم، فهؤلاء الذين تقدينوا إذا صح التعبير، هؤلاء ما نستطيع أن نقول بلغتهم دعوة الإسلام، بل هم لا يزالون من أهل الفترة، لأنهم ما بلغتهم دعوة الإسلام على الوجه الصحيح، ولهذا أنا أذكر جيداً حينما انتدبنا للتدريس في جامعتكم ولما تفتح أبوابها للتدريس، كنا في سهره كهذه السهرة بحضرة جماعة من أساتذة الجامعة، فأثيرت هذه النقطة، ادعى بعضهم عجباً، قال لا يا أخي الإسلام بلغ المشرق والمغرب، هذه كل يوم صباح ومساء في إذاعة القرآن الكريم، قلت له يا شيخ هذا القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين أهل العروبة الآن ومدعوا العروبة لا يفقهون كثيراً من كلام القرآن الكريم، فماذا نقول عن الأعاجم الذين يسمعون هذه الإذاعات لتلاوة القرآن ولا يكادون يفقهون منه شيئاً، هذا ليس معناه أنه بلغتهم الدعوة، ولذلك فيجب ملاحظة هذا القيد فإنه ضروري جداً. مداخلة: جزاك الله خيراً. الشيخ: وإياكم. "الهدى والنور" (634/ 08: 32: 00 طريق الإسلام) و (677/ 42: 31: 00) [743] باب هل يوجد في هذا الزمان من له حكم أهل الفترة؟ [قال الإمام]: اليوم يوجد أهل فترة، تسمع بسكان القطب الشمالي والقطب الجنوبي؟

مداخلة: نعم. الشيخ: هؤلاء وكثير من الأمريكان وغيرهم ما بلغتهم الدعوة، فإن الحقيقة -وهذه المسألة أثيرت منذ سنين وأنا في الجامعة الإسلامية-، ليس المقصود ببلوغ الدعوة بلوغ اسمها دون حقيقتها، وإنما المقصود أن تبلغ قومًا ما الدعوة التي بعث بها الرسول سواء خاتم الأنبياء والرسل أو من بعثوا قبل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه (¬1) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني سمع بي، ثم لم يؤمن بي إلا دخل النار» فقوله عليه الصلاة والسلام: يسمع بي، يعني: على حقيقة دعوته أم على ما انحرفت هذه الدعوة بالنسبة لبعض المسلمين الذين ضلوا في فهمها ضلالًا بعيدًا أو قريبًا فضلًا عن ضلال الكفار متشتتين والرهبان الذين يتعمدون نقل الدعوة الإسلامية إلى أقوامهم على خلاف عقيدتها وواقع أمرها. لعلكم جميعًا تعلمون أن النصارى ما يعرفون جلهم عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا أنه كان يحب النساء؛ لأنه تزوج فوق التسع منهن، هكذا يصور قسيسوهم ورهبانهم نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - لأولئك الأقوام الكفار، فهل هؤلاء بلغتهم دعوة الرسول حينما لا يعرفون عنها إلا أن نبي الإسلام هو رجل يحب النساء وفقط، لا شك أن هؤلاء لا تبلغهم الدعوة، وأنا أفترض هذا وهذه فرضية واسعة، لكن من عرف الإسلام على عقيدته الصافية، منها: لا إله إلا الله بمعناها الصحيح، وأن محمد رسول الله كذلك، فهذا بلغته الدعوة فإن لم يؤمن فهو بلا شك كافر كما قال عليه السلام: فهو في النار. فالآن: الدعوة الإسلامية اسمها بلغ آذان كثيرين من الأعاجم، أما حقيقتها فلم ¬

(¬1) (رقم403).

تصل بعد إليهم، لذلك سمى أهل الفترة ... أنهم الذين لم تبلغهم الدعوة، وعلى حقيقتها؛ لأن النبي قال: «ثم لم يؤمن بي» وهذا كقوله عليه السلام: «من رآني في المنام فقد رآني حقًا فإن الشيطان لا يتمثل بي» (¬1) فمن رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على غير أوصافه، وشمائله التي كان عليها في حياته ما رآه؛ لأنه يقول: «من رآني» فمن رآه مثلًا شيخًا كبيرًا كما وقع كثيرًا مع بعض الناس حينما يستفتون علينا يقول: أنا البارح رأيت الرسول في المنام، ويقص قصة طويلة، كيف رأيته يا أخي؟ يقول: رأيته ما شاء الله شيخ كبير وجهه مصباح نور، لحيته بيضاء إلى آخره، نقول: ما رأيت الرسول؛ لأن أصحابه يقولون: ما شانه تبارك وتعالى ببيضاء (¬2)، أو رآه يمشي على عكاز بينما هو كان يمشي وكأنه ينصب من صبب (¬3) إذًا: حديثان يفضيان إلى حقيقة واحدة: من رآه في المنام كما كان هو في حياته، من سمع به كما كان هو في دعوته فهذا وذاك قد انطبق عليهم حديث الذي رآه بصفته فقد رآه حقًا، والذي بلغته الدعوة على حقيقتها فقد بلغته، فإذا لم يؤمن فقد كفر ومأواه النار كما جاء في الحديث. مداخلة: الرافضة عوامهم وجهالهم ينطبق عليهم هذا؟ الشيخ: إذا أنتم قصرتم معهم فهم كذلك، إذا قصرتم معهم وهم عرب أمثالكم ليسوا مسلمين مثل الإيرانيين الأعاجم لا يفقهون اللغة العربية، فإذا لم تبلغوا الدعوة للروافض الذين ابتيتم بهم في عقر داركم فأنتم مسؤولون عنهم، ليس هم المسؤولون. "رحلة النور" (46أ/00:14:30) ¬

(¬1) البخاري (رقم6593) ومسلم (رقم6056). (¬2) مسلم (رقم6225). (¬3) صحيح الترمذي (رقم2877).

[744] باب هل من لم يصله الدين في هذا الزمان, أو وصله على غير وجهه له حكم أهل الفترة؟

[744] باب هل من لم يصله الدين في هذا الزمان, أو وصله على غير وجهه له حكم أهل الفترة؟ السؤال: اللي بيموت الآن من غير المسلمين مثلاً في دول أوروبا ونشأ في بيئة والعياذ بالله فاسدة، وما أحد وصل له الدين الإسلامي، وإن كان وصل له فوصل له ... مشوشاً بحيث إنه ما يرغب أنه يدخل فيه، فلا أدري يعني .. هل هؤلاء يدخلون في حكم أهل الفترة أم فيه اختلاف كبير؟ الشيخ: لا، هذا مثل الفترة الذين لم تبلغهم الدعوة، لهم معاملة خاصة في عرصات يوم القيامة. مداخلة: أما هذول؟ الشيخ: عم أقول لك هذول مثل أهل الفترة لهم معاملة في عرصات يوم القيامة معاملة خاصة، فلا يحكم لهم هنا بجنة ولا بنار. مداخلة: العرصات تأتي بمعنى الطرق يعني؟ الشيخ: العرصات ساحة موقف المحشر. مداخلة: ... الذي بيموت منهم الآن يعني، بيكون حقه عَلَى مَنْ مثلاً؟ الشيخ: ما بيكون؟ مداخلة: يكون حقه على من يعني: مسئول عنه مَن ... يحتمل خطيئته وإثمه؟ هل المسلمون يعني مثلاً ... الذي لم يذهبوا له يبلغوه الدين؟ الشيخ: عن أي نوع أنت عم بتحكي عن النوع اللي سألت عنه أولاً. مداخلة: هو نفس السؤال اللي فيه، الذي يموت مثلاً في فرنسا من أمريكا من

[745] باب حكم من لم تبلغهم الدعوة في الآخرة

بريطانيا من ألمانيا إلى ما شابه ذلك، وما عنده يعني من يوصلّه الدين الشيخ: الله يهديك، أنت حكمت هذيك الساعة إنه هذول عليهم إثم؟ مداخلة: كيف؟ الشيخ: حكمت هذيك الساعة إنه عليهم الإثم؟ مداخلة: إثم يعني اللي مثلاً ما بلغوهم هذا قصدي. الشيخ: أنا عارف لقصدك الله يهديك، هل فهمت مني إنه هذول اللي ماتوا ولم تبلغهم الدعوة آثمين؟ مداخلة: لا ما فهمت هكذا. الشيخ: طيب! فهمت أنهم غير آثمين؟ مداخلة: نعم فهمت. الشيخ: فإذاً كيف تقول: إنه من يتحمل إثمهم؟ مداخلة: أيوه صحيح. "الهدى والنور" (326/ 27: 35: 00 طريق الإسلام) [745] باب حكم من لم تبلغهم الدعوة في الآخرة مداخلة: نحن نقرأ قول الله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). الشيخ: أي نعم.

مداخلة: ونرى أن في هذه الأيام الملايين من البشر يعيشون في معزل عن العلم ... أي نعم، فالحقيقة وقد انقطع الوحي، وما عاد الرسل يأتون. مداخلة: {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام:19). مداخلة: أي نعم، وطبعاً نحن نعرف حكم أهل الفترة في هذه المسألة بالذات، فهل يقاسون هؤلاء على أهل الفترة، وما هو الشيء الذي لا يؤاخذون به شرعاً؟ الشيخ: هو في اعتقادي لا يخفاك أن علة التكليف، مناط الحكم على طائفة من الناس أو شعب من الشعوب أو أمة من الأمم. مداخلة: عفواً يا شيخنا، تكملة للسؤال وأستميحكم وأقول: مع ملاحظة أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر بأن أباه في النار، ولم يؤذن بالاستغفار لأمه، فهذه المسألة نريد توضيحها. الشيخ: أردت أن أقول أن مناط الحكم في المؤاخذة وعدمها، هو وصول الدعوة وعدم وصولها، فأي جماعة أو أي شعب أو أي أمة نفترض أنها لم تبلغها دعوة الرسول عليه السلام، وهذا الذي يهمنا بالنسبة ... لخاتم [الأنبياء] حين ذاك يرتفع القلم عن هؤلاء فلا يؤاخذون بكفرهم وبضلالهم، ما دام أننا افترضنا أنهم لم تبلغهم دعوة الرسول عليه السلام، فالشيخ محمد جزاه الله خيراً ذكر الآية: {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام:19)، وهذه الآية فيها لفت النظر لبعض الناس الذين يستشهدون لهذه المسألة بمثل قوله تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} (يس:6). إذاً: ما دام أن آباءهم لم ينذروا، فإذاً: يتبادر إلى الذهن أنهم من أهل الفترة.

أنا أقول: أولاً الآية عطفت، قال: {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام:19)، وهذا يعني أن النذير لا يشترط في إقامة الحجة أن يكون اتصل بالقوم مباشرةً بجسده وصوته ودعوته، هذا طبعاً واقع ولكن ليس شرطاً، إنما المهم أن تبلغهم الدعوة، والذي يؤكد لنا هذا أن أي نبي وبخاصة خاتم الأنبياء لو أتى قوماً وبشرهم وأنذرهم، لكن فيهم رجل أصم، فإذاً: هذا جاءه الرسول مباشرة، لكن ليس هذا هو المقصود، لكن أن تصل الدعوة إليه، وهذا باعتباره أصم أو باعتباره أحمق، ونحو ذلك، فهو غير مؤاخذ لأنه لم تبلغه الدعوة، مع أنه شخص الرسول اتصل به، فالعكس بالعكس تماماً. وأنا أقول بهذه المناسبة لهؤلاء الذين يتمسكون بالآية السابقة: {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام:19): نحن الآن المسلمين على هذا الفهم الضيق للآية السابقة: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} (يس:6)، نحن أيضاً ما جاءنا من نذير، لكن نحن جاءتنا الدعوة، بلغتنا، ولذلك فنحن مُكلَّفون، وإذا لم نستجب فنكون غير معذورين. نفس الكلام يقال تماماً بالنسبة لأهل الفترة قبل الرسول عليه السلام، ومنه نستطيع أن نأخذ جواب الحديثين الذين ذكرتهما آنفاً، لا نستطيع أن نقول أن الذين كانوا قبل الرسول عليه السلام كلهم من أهل الفترة، ولا نستطيع أن نقول كلهم ليسوا من أهل الفترة، لا نستطيع أن نقطع بأن كل فرد من أفراد العرب الذين كانوا قبل الرسول بلغته الدعوة، كما أن العكس لا نستطيع أن نقوله، أن كل فرد من أفراد هؤلاء ما بلغتهم الدعوة. إذاً: القضية مربوطة بالبلاغ وعدم البلاغ، إذا كان هذا بيناً كما تعلمون، حينئذ أقول: إذا جاءنا خبر عن الرسول عليه السلام صحيح بأن فلاناً كان من أهل

الجاهلية وهو في النار، نحن نقطع فوراً أن هذا بلغته الدعوة، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، ولا يخفاكم أن هذه الآية تعني أيضاً رسولاً إما مباشرةً وإما بدعوته، فإذا سلفت هناك أحاديث مثل حديث: «إن أبي وأباك في النار» يحكم على ناس ماتوا في الجاهلية قبل بعثة الرسول عليه السلام، فذلك يعني تماماً أن هؤلاء بلغتهم دعوة التوحيد، ولذلك جحدوا بها، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14). اليوم كما أشرتم، أمم في الشمال القطب الشمالي، القطب الجنوبي، بل أوروبا، بل أمريكا إلى آخره، لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، والحقيقة كما يقال: إن أنسى فلن أنسى، وأول لقاء كان بيني وبين بعض الأساتذة في الجامعة (¬1) لأول سنة أظن، في نفس الجامعة في جماعة من أهل العلم ومحمد أمان تذكره جيداً، أثيرت هذه القضية، وأنا بينت وجهة نظري باختصار حسب ما سمعتم بشيء من التفصيل، قال الشيخ المشار إليه بأنه ما نستطيع أن نقول أنه لم تبلغهم الدعوة اليوم الأوربيون والأمريكيون ونحو ذلك؛ لأنه ما شاء الله الآن القرآن يتلى في الإذاعات ليلاً نهاراً، قلنا له: يا شيخ، الله يهدينا وإياك العرب لا يفهمون الكلام هذا حتى يفهمه الأعاجم، فإذا قلت للأعجمي، قل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ} (الإخلاص:1 - 2)، سيقولها ولكن بشيء من الصعوبة، لكن هل يعلم أن هذا يهدم الصليب والمعبود بالباطل، لا يدري ولا يفقه أي شيء. فإذاً: ليس المقصود ببلوغ الدعوة ألفاظها، وإنما المقصود معاني الدعوة وحقائقها. ¬

(¬1) أي: الجامعة الإسلامية.

مداخلة: سماعها على الوجه الذي يحمله على الشيخ: هو كذلك، هذه حقائقها، ولهذا أن أقول اليوم كثير من المشركين الذين نراهم في ضلال مبين، ويشركون ويجعلون لله أنداداً وهم لا يعلمون، المشركين الأولين وهم يعلمون ... إذاً: لا نستطيع أن نحكم لهم بنار؛ لأن الذي يقيم الحجة عليهم المشايخ الذين يحيطون بهم هم سبب بلاغهم، يسموا الاستغاثة كما تعلم توسلاً، ونحو ذلك من الضلالات، والانحرافات، فهؤلاء ما بلغتهم الدعوة. مداخلة: إذاً: على هذا شيخنا نحمل قول النبي عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده! لا يسمع بي يهودياً ولا نصرانياً من هذه الأمة ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار». إذاً: هذا السماع [ما] المقصود به؟ الشيخ: السماع الحق. مداخلة: الذي عناه الله أيضاً بقوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} (التوبة:6). الشيخ: أي نعم. مداخلة: هنا سؤال يا شيخنا متصل بهذه المسألة بالذات، وهو: الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهمية ... » إلى آخر الحديث. وفي سورة الروم قول الله تبارك وتعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا

تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (الروم:30)، هذه الفطرة التي في الآية وفي هذا الحديث، أليست تعني فطرة التوحيد؟ الشيخ: فيها خلاف هذه، منهم من يقول هذا، وهذا هو الظاهر، ومنهم من يقول استعداد لتقبل دعوة الحق، لكن الأول هو الأرجح. مداخلة: فإذا كان الأمر كذلك، فهل يصح لنا أن نقول بأنه يمكن أن نقسم الأمر بالنسبة للدعوة إلى قسمين أو للنجاة والعذاب، نقسم الناس إلى قسمين وهم: أهل الفترة ومن يشبههم في أي زمان يأتي من بعد النبي عليه الصلاة والسلام، فنقول: من كان في نفسه هذه الفطرة لن تتغير ولن تتبدل، ولم يبلغه الدعوة، ولم تكن قد بلغته الدعوة، فهذا يعد من الناجين، ومن كان قد تغيرت في نفسه فطرة التوحيد، ولم تبلغه التوحيد، فهذا يعتبر غير ناجي، فهل يمكن أن يقال هذا؟ الشيخ: من الناحية النظرية بلا شك يمكن أن يقال هذا، لكن من الناحية الواقعية يا ترى إذا تُرِكَ الإنسان خاصة إذا كان في مجتمع منحرف، هل يظل على فطرته، أنا أتصور أن الحديث الذي ذكرته، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، يعطي أن التربية لها تأثير، فمن الناحية النظرية؛ هو كما تقول ما أشرك مع الله أحداً، فهو ناجي بفطرته الأصيلة في نفسه، لكن تَصَوُّرُ الأمر كأمر واقع، أنا أستبعده جداً، إلا إذا تصورنا إنسان من العصر الحجري، يعيش لوحده في هذه البراري ولا يعيش في بيئة تصلحه أو تفسده، ممكن هذا أن يعيش على الفطرة السليمة ويموت كذلك، فعلى هذا نقول هو ناجي. مداخلة: بس نحن الآن نريد أن نستدرك فقرة في هذا الحديث: «فأبواه

يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» إذاً: المفهوم المتبادر في ضوء إجابتكم الطيبة هذه، أن الأبوين هم اللذان يتحملان مسؤولية الولد أليس كذلك؟ الشيخ: نعم، لكن هذا لا ينجي الولد. هم بلا شك يتحملان مسؤولية الولد، لكن لا ينجي الولد من العذاب؛ لأنه إذا كان الولد مات قبل بلوغ سن التكليف فهذا طبعاً لا نقول أنه معذب، أما إذا بلغ سن التكليف ومات يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً، فلا عذر له باعتبار أن (أباه) وأمه كانوا من الضالين يهود أو نصارى أو مجوس، فتحمل الآباء مسؤولية الأبناء شيء، وعدم مؤاخذة الولد شيء آخر، هنا لا بد من التفصيل الذي ألمحتُ إليه؛ أنه إن كان بلغ سن التكليف فهو مؤاخذ؛ لأنه لم يستعمل عقله في تفهم الدعوة، ويعود للكلام السابق، إذا بلغته، يعني نحن الآن عندما نتصور ... مداخلة: نحن نقول في الذي لم تبلغه الدعوة. الشيخ: حينئذ لا فرق بارك الله فيك بين الولد وبين الوالد. مداخلة: وهذا هو الذي أريد أن أصل إليه، إذاً: معناه أنه صارت سلسلة من التهويد والتمجيس والتنصير، لا حد لها ... وكل والدين يحملان مسؤولية ما قبلهما (¬1). إذاً: هذا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من أجرب البعير الأول؟» (¬2). الشيخ: لكن لا بد أن نلاحظ أن هذا التسلسل لا ينبغي طرده لا سلباً ولا ¬

(¬1) كذا، ولعله أراد: وكل والدين يحمل مسؤوليتهما من قبلهما. (¬2) صحيح الجامع (رقم886).

إيجابياً، يعني لا نستطيع أن نتصور أن كل واحد من هؤلاء لم تبلغه الدعوة، فأنت تعرف النصارى الذين يعيشون في البلاد الإسلامية، كبلاد الشام مثلاً، هؤلاء لا أتصور أن نقول عنهم أنهم لم تبلغهم الدعوة؛ لأننا حينما نقول لم تبلغهم الدعوة ما نعني تفاصيلها، وإنما نعني محاربة الشرك الذي هم واقعين فيه، بينما نصارى أوروبا وأمريكا .. وإلى آخره، هؤلاء يغلب على الظن أنهم ما بلغتهم الدعوة، لكن مع ذلك لا يجوز أن نطلق هذا النفي؛ لأنه ممكن بعض أفراد من أولئك إما دراسة شخصية أو اتصالات شخصية كما نعلم عن بعض السفراء الذي كانوا يرسلون إلى بعض البلاد العربية، فتتاح لهم فرصة في لقاء بعض العلماء وبعض المشايخ، فتتجلى لهم عن الإسلام حقائق كانوا يجهلونها من قبل، فهؤلاء بالرغم أنهم من أمريكا مثلاً، لكن هؤلاء لا ينساقون مساق أولئك أبداً. لذلك ... فيجب أن ننظر إلى المناط، من بلغته الدعوة فقد أنذر، من لم تبلغه الدعوة فكما تعلم له حساب في عرصات يوم القيامة. مداخلة: إذاً: هنا يا شيخنا سؤال يسترجع السؤال الآخر، وهو إذا كان هذا الإنسان، فسدت فطرته بأبويه وتحول إلى دين الشرك حتى بفطرته، فهذا الإنسان إذا بلغ سن التكليف وكان في بيئة كبيئة ديار الشام أو مصر مثلاً، وهو يسمع بهذه الدعوة التي أقل ما فيها فهماً له أنه قادر على نفي الشرك عنه، فإذاً مؤاخذٌ ولو أن أبويه قد أفسدا فطرته. الشيخ: لا شك. مداخلة: الرسول عليه الصلاة والسلام حكم بأن أباه في النار، وهذا حكم قضى به - صلى الله عليه وآله وسلم - بصريح اللفظ والعبارة، لكن أمه لم يصرح بأنها في النار، وإنما قال:

«استأذنت ربي أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي»، فهل هذا أيضاً ينبئ عن ما صرح بحق أبيه؟ الشيخ: طبعاً بلا شك؛ لأنه كما لا يخفاك عدم الاستغفار. مداخلة: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ}. الشيخ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} (التوبة:114). فعدم الإذن للرسول عليه السلام بالاستغفار لأمه يعني بأنه لا يجوز الاستغفار لمشرك. مداخلة: لكن أيضاً هل يقال بأنه قد يلمح عدم تصريح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن أمه في النار، أنها في منزلة دون منزلة أبيه في النار؟ الشيخ: لا، الأمر مسكوت عنه، ممكن كما حدث الرسول عليه السلام عن عمه أبي طالب أنه في ضحضاح، هذا ممكن، لكن كما لا يخفاك أيضاً أن الأمور الغيبية لا يجوز التوسع فيها، وإنما نكل الأمر إلى الله عز وجل. مداخلة: وإلا لانتهينا إلى ما انتهى إليه القوم، بأن الله بعث أبوي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ... الشيخ: أحياهما له، حتى آمنا به. مداخلة: يعني: إنسان غير موحد لا يُسْتَغْفَر له، ولو أيقنا أنه لم تبلغ الدعوة. الشيخ: هذا لأنك أنت لك الظاهر، أنت لا تدري أن هذا معذور أو غير معذور، فهو مشرك من حيث الظاهر. أردت أن أقول بالنسبة لحديث: «ما من يهودي أو نصراني من هذه الأمة

[746] باب مصير من وصلهم الدين على غير حقيقته

يسمع بي ثم لا يؤمن بي ... » أنا أقول في تفسير هذا الحديث بهذه المناسبة، يسمع بي على حقيقتي، فإن النصارى مثلاً في فرنسا في بريطانيا في ألمانيا، سمعوا بالرسول عليه السلام، لكن سمعوا به رجل دجال نسونجي .. إلى آخره، لكن هم معناه ما سمعوا به على حقيقته، دعمت هذا الفهم بحديث: «من رآني في المنام فقد رآني حقاً؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي» ... لا بد أن يكون الذي رآه في المنام تطابق أوصافه أوصاف الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الواردة في الشمائل. إذاً: لا بد له أن يرى شخص الرسول في المنام، ليس صورة يقال له: في المنام هذه شخصية محمد عليه السلام، فهنا قوله: (رآني) مثل قوله: (سمع بي) تماماً، أي: كل منهما على حقيقته عليه السلام، هنا من حيث شخصه، وهناك من حيث دعوته. "الهدى والنور" (179/ 01: 29: 00) [746] باب مصير من وصلهم الدين على غير حقيقته سؤال: بالنسبة للأمور الشركية، طبعاً في الشيشان صوفيين، وسألت في الداغستان بعض أهل العلم عن الدين الذين وصلهم؟ الشيخ: عن؟ مداخلة: عن الدين الإسلامي كيف وصلهم يعني، صوفي أم .. دعوة التوحيد، قالوا: الذي وصلهم منذ ثلاثمائة سنة الذي هو صوفية فقط هذا ما عرفوه، طبعاً نتكلم مع كبار السن، يعني: هم يقولون: لا إله إلا الله، ولكن اعتقادهم الجازم إذا ما في له أستاذ لا يدخل الجنة، والأستاذ طبعاً رجل ميت، طبعاً يسألون الأستاذ يعني التقرب إلى الله كقريش، يعني: يقولون: يا أستاذ يا وقحجي ينادون الأولياء،

هذا الذي وصلهم لا يعرفون غير هذا، كبار السن معظمهم يرفضون ما نقوله بالنسبة للا إله إلا الله، ولكن الصغار يتقبلون الحمد لله، يعني هؤلاء الحكم يا شيخ، هل هم .. في بعضهم يقولون أنهم مشركون؟ الشيخ: نحن ذكرنا أكثر من مرة أن الإسلام يبني أحكامه على الظواهر، ويدع البواطن لله عز وجل، والإسلام كما تعلمون جميعاً له شروط وأركان، فكل من اعترف بها حسب مسلماً، وقد يكون اعترافه نفاقاً، فنفاقه بينه وبين ربه الله يحاسبه، ونحن ليس لنا إلا الظاهر، فهؤلاء الذين ذكرتهم أتصور من بعيد وما رأيتهم، لكني رأيت أمثالهم في بعض البلاد الأخرى، لا شك أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلون ويصومون ويحجون، إذاً: هم جاءوا بأركان الإسلام الخمسة، ثم هم يؤمنون بالله وملائكته و .. وكتبه الأركان المعروفة الإيمانية، لكن بلا شك يسيئون فهم كثير من هذه الشروط أو الأركان. أول ذلك: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق في الوجود إلا الله، ومعنى: وأن محمداً رسول الله، أننا لا نعبد الله إلا بما جاء به رسول الله، فمن حقق هذا المعنى في الشهادة الأولى، وهذا المعنى في الشهادة الأخرى يكون مسلماً ويصدق عليه ما قاله عليه السلام: «فإذا قالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله فلهم ما لنا وعليهم ما علينا». إذاً: هؤلاء نحن نسوقهم مساق المسلمين، أما الله عز وجل فهو المحاسب لهم هو أعلم بهم، نحن نفرق هنا بين هؤلاء المساكين الذين لم تبلغهم دعوة الحق التي نسميها نحن بالدعوة السلفية، وبين كثير من هؤلاء العرب الذين يعيشون في البلاد العربية وقد سمعوا دعوة الحق ثم جحدوها وأنكروها، فأعتقد أنهما أي الفريقين ليسوا سواء عند رب العالمين؛ ذلك لأن الفريق الأول يعتبر جله عذراً لهم

أي: لم تبلغهم الدعوة، وربنا عز وجل يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). وبهذه المناسبة أقول: {حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، إما رسولاً بشخصه ودعوته أو بدعوته دون شخصه كما هو شأننا اليوم، نحن ما جاءنا رسول، لكن جاءتنا دعوة الرسول، فالحجة قائمة علينا، لكن ليس كل فرد في العالم -كل العالم الإسلامي وغير الإسلامي- قد قامت الحجة عليه كأمثال هؤلاء الذين ما عرفوا الإسلام إلا من الزاوية الصوفية. لذلك نحن موقفنا بالنسبة لهؤلاء حقيقة موقف الطبيب بالنسبة للمريض، فهو شفيق على مريضه وحريص على شفائه؛ وذلك بما يقدم إليه من أدويته، هؤلاء يجب العناية بهم أن يفهموا القرآن ولو بِلُغَتِهِم، وأظن مهما بلغ بهم الجهل والتشبث بالتصوف فلابد أنهم سمعوا بشيئين أحدهما القرآن والآخر السنة، فحينئذ يدندن حولهم دائماً أن الإسلام هو القرآن والسنة .. القرآن والسنة .. القرآن والسنة .. ولو بقي الداعية بينهم سنين حتى يغرس في أذهانهم أن الإسلام قال الله قال رسول الله، فإذا ما غرست هذه النواة في قلوبهم يبدأ الداعية يفهمهم بعض الأمور المتعلقة بالكتاب والسنة وبخاصة ما ذكرته آنفاً من التوحيد، ما معنى لا إله إلا الله، وهذه العقيدة والحمد لله بينة جداً في القرآن الكريم: {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات:35)، المشركون هكذا إذا دعوا أن يقولوا: لا إله إلا الله يستكبرون، فيبين لهم ما معنى هذه الآيات، ويلفت نظرهم الفرق بين ما يعنيه القرآن والسنة أيضاً عن الرسول عليه السلام وبين ما هم عليه مما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم. المهم شيئان اثنان، أحدهما: يتعلق بالداعية، والآخر يتعلق بهؤلاء المدعوين،

[747] باب من وصف له الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - على خلاف الواقع فصده ذلك عن الإسلام هل هو في حكم أهل الفترة؟

هؤلاء لا يحكم عليهم بأنهم كفار وبأنهم خارجون عن الإسلام، حسبنا وفي نفوسنا أن نعتقد بلا شك ضالون عن الإسلام، هذا فيما يتعلق بهم، فيما يتعلق بنا نحن كدعاة يجب علينا كما مثلت آنفاً بالطبيب والمريض أن نترفق بهم وأن نهديهم سواء السبيل. والحمد لله رب العالمين. "الهدى والنور" (809/ 00: 44: 00) [747] باب من وُصف له الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - على خلاف الواقع فصده ذلك عن الإسلام هل هو في حكم أهل الفترة؟ السائل: الحمد لله رب العالمين, حديث: «من رآني فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي» [لو] تُحَدثنا فضيلتنا عن فقه هذا الحديث جزاكم الله خيرًا. الشيخ: [هذا] حديث صحيح أخرجه الشيخان في صحيحيهما وله ألفاظ كثيرة متقاربة تؤدي إلى هذا المعنى أي: إن الله تبارك وتعالى حفظ نبيه صلى الله عليه وآله سلم أن يتشبه به الشيطان لبني الإنسان حتى في المنام، وهذه غاية محافظة الله عز وجل لعصمة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وما ذلك إلا لمحافظته على شريعته تبارك وتعالى حتى لا يؤتى المسلم في نومه من الشيطان: «من رآني في المنام فقد رآني حقًّا» لم؟ علل ذلك عليه السلام بقوله: «فإن الشيطان لا يتمثل بي» وفي لفظ آخر «لا يتزيى بي» ويُخبر بعض الناس ممن يرون أو يظنون بالأحرى أو الأصح أن نقول: يظنون أنهم رأوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم - المنام لمجرد أنه خيل إليهم أنهم رأوه في المنام فإذا ما سئلوا عن أوصافه - صلى الله عليه وآله وسلم - وشمائله حيث ادعوا أنهم رأوه أجابوا بصفات تخالف المعروف عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - من شمائله, لقد وقع لنا

كثيرًا مع بعض الرائين فكنا نسألهم بعضهم يقول: رأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ووجهه ولحيته بيضاء كلها نور يتوهم, أنه يصف حقيقة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وما درى أن هذا الوصف باطل إلى ما وصف به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يدريه ويعلمه من كان على علم واسع بشمائل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإننا نقرأ في صحيح البخاري وغيره عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما شانه الله ببيضاء, فإذن كيف يصف المرئي في منامه بأن له لحية بيضاء، وإن كان يضيف إلى ذلك بأنها من نور والرسول عليه السلام لا يجوز أن يوصف بأنه كان شائبًا لأنه كذب عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - ويمكن أن هذا كذب يدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» (¬1) وفي لفظ آخر: «من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» (¬2) وهذا الحديث وإن كان ظاهره التقول عليه بالكلام على كلامه عليه الصلاة والسلام، فلا شك أنه يشمل أيضًا أن يُنسب إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الشمائل والأوصاف ما لم يكن عليها فمن ذلك وصفه عليه السلام بأنه كان شائبا أبيض اللحية لكثرة الشيب في لحيته فهذا كذب لما ذكرته آنفًا من حديث أنس، وفي رواية أخرى عنه أن الشعرات البيضاء لا يتجاوز عددها عشرين شعرة ... فهذا الرائي الذي يقول: رأيته ذا لحية بيضاء إلى آخر كلامه يدل على أنه لم ير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ذلك لأنه يقول عليه الصلاة والسلام: «من رآني في المنام فقد رآني حقًّا» من رآني: يعني بأوصافي وبشمائلي مش بالخيال لا يطابق ما كنت عليه في حياتي، لذلك كان إمام المؤولين للرؤى وهو تابعي جليل محمد ابن سيرين ¬

(¬1) البخاري (رقم1229) ومسلم (رقم4). (¬2) البخاري رقم (109).

رحمه الله الراوي عن أبي هريرة المكثر من الرواية عن أبي هريرة رضي الله عنه، كان مشهورًا بإصابته في تأويل الرؤى، كان إذا جاءه شخص وادعى بأنه رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام سأله كيف رأيته؟ فيصفه بصفات لم يكن عليه السلام متصفًا بها في حياته فيقول: لم تر الرسول لكن ذاك شيطان خيل إليك أنه الرسول والرسول يقول: «من رآني» أي على حقيقتي, وهذا يذكرنا بحديث آخر وله علاقة بمسألة أخرى هامة وهي هل تكون الدعوة دعوة النبي صلى الله عليه وآله سلم قد بلغت ناسًا أو قومًا إذا ما بلغتهم محرفة عن حقيقة الدعوة الإسلامية هل تكون بلغتهم والحالة هذه الدعوة وأقيمت عليهم الحجة؟ أم يكونون ممن يسميهم العلماء بأهل الفترة وينطبق عليهم قول ربنا عز وجل في القرآن: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}؟ الجواب بحديث يشبه هذا الحديث من جانب ذاك الحديث هو: ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي - هنا الشاهد - يسمع بي - كما قال: «من رآني» ما من رجل في هذه الأمة - أي أمة الدعوة -من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» فقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: «يسمع بي» يعني على حقيقته وعلى حقيقة ما جاء به من الدعوة إلى الإسلام فإذا كان ذلك الرجل من يهودي أو نصراني لم يسمع به عليه السلام على حقيقته فلم تبلغه الدعوة لأنها بلغته محرفة فإذا آمن بهذه الدعوة المحرفة لم يؤمن به عليه السلام وعلى ذلك نفهم حقيقتين مؤسفتين: الحقيقة الأولى: أن النصارى بخاصة في بلاد الغرب وأمريكا حينما يقوم

المبشرون الذين يسمون على غير اسمهم مبشرون وهم في ضلال مبين، حينما يصفون نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - لأقوامهم بأوصاف مخالفة لما كان عليه الرسول عليه السلام من طهر وكمال في الأخلاق كما قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (¬1) فحينما يصف المبشرون نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - لقومهم بهذه الأوصاف ثم كانت النتيجة أنهم لم يؤمنوا به عليه السلام، فما بلغتهم الدعوة؛ لأنهم وصفوه لهم بأنه كان ذا شهوة عارمة ودليل أن المسلمين يقولون بأنه عليه السلام حرم على أمته من النساء أكثر من أربع بينما هو تزوج وجمع في وقت واحد بين تسع من النساء, فهم - أعني المبشرين الكذابين المفترين - يقولون فأباح النبي لنفسه لغلبة الشهوة عليه ما حرم على أمته, فحينما يسمع النصارى مثل هذه الأوصاف الكاذبة تكون النتيجة أنهم لا يؤمنون لأنهم قد وُصف لهم الرسول على غير حقيقته هذه المسألة الأولى المؤسفة. والمسألة الأخرى على العكس من هذا ولكنها أيضا مؤسفة, هناك طائفة من المسلمين ينتمون إلى الإسلام يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصلون ويحجون ويزكون ويصومون ولكنهم يعتقدون عقائد باطلة تخالف الشريعة الإسلامية في كثير من عقائدها المعلومة من الدين بالضرورة أولئك هم المعروفون عند عامة المسلمين بالقاديانيين والذين يسمون أنفسهم بالأحمديين, لهم عقائد ضالة منحرفة عن الإسلام منها اعتقادهم بأن باب النبوة بعده عليه السلام لم يغلق وأنه مفتوح إلى قيام الساعة، وأنه قد جاء واحد منهم وهو الذي اتبعوه واغتروا به وابتعدوا بسبب ذلك عن الإسلام بعيدًا بعيدًا جدًّا وهو المعروف بميرزا غلام أحمد القادياني هؤلاء يدعون إلى الإسلام في تلك البلاد الأوروبية ¬

(¬1) الصحيحة (1/ 75).

بنشاط عجيب مع الأسف واستطاعوا أن يدخلوا في إسلامهم كثير من أولئك الأوروبيين فاعتقدوا ما اعتقدوه من جواز مجيء أنبياء بعد الرسول عليه السلام ومنهم ميرزا غلام أحمد فهل هؤلاء الذين أسلموا إسلامًا قاديانيًّا سمعوا به عليه السلام على حقيقته وحقيقة دعوته، وهل ينفعهم هذا الإسلام أم لا ينفعهم؟ , الجواب في الحديث السابق «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» فمن سمع بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على غير ما كان عليه من أخلاق ومن شريعة فهو لم يسمع به وحينذاك لا يكون من المعذبين الكافرين في النار لأن الحجة لم تقم عليه وعلى العكس من ذلك أولئك الذين آمنوا به عليه السلام على أنه يقول بأن النبوة بعده سائغة ماشية وإلى غير ذلك من عقائد القاديانية، ولستُ الآن بصدد ذكر كثير منها وإنما ذكرتُ هذا على سبيل التمثيل, فقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الأول: «من رآني في المنام» أي: من رآني على حقيقتي البدنية وشمائلي المحمدية فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، وبذلك نعلم أن كثيرًا من الرؤى التي يدعي أصحابها فيها أنهم رأوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وإذا ما سئلوا عن وصف المرئي كان جوابهم أنهم رأوه في صورة لم يكن عليه السلام عليها، كما ضربنا لكم آنفا مثلاً بالرجل الشايب والذي لحيته نور هكذا رأى الرسول فهذه رؤيا شيطانية, كذلك مثلا: وقع لنا أننا سألنا كيف رأيت الرسول فيجيب بأني رأيته يمشي (الهوينة) يمشي بضعف وهذا خلاف شمائله عليه الصلاة والسلام حيث جاء فيها أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا مشى فكأنما ينصب من صبب كناية على أنه عليه السلام يمشي بقوة فمن رأى أنه يمشي على ضعف فليس هو الرسول عليه السلام وهكذا يجب أن نفهم هذا الحديث ... "فتاوى جدة -الأثر-" (17/ 00:26:48)

[748] باب الكلام على أهل الأعذار الذين لم تصلهم الدعوة، وأطفال المشركين

[748] باب الكلام على أهل الأعذار الذين لم تصلهم الدعوة، وأطفال المشركين السائل: [الحديث]: «فمن سمع بي ولم يتبعني دخل النار»، ولكن من لم يسمع بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ الشيخ: الجواب في الحديث، الحديث كما يقول علماء الأصول له منطوق وله مفهوم، منطوقه: "وسمع بي"، مفهومه ولم يسمع بي لا يدخل النار، أي: في كل عصر وفي كل مصر يوجد غير مسلمين، سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو بوذيين أو دهريين أو أي شيء، غير مسلمين، هؤلاء يدور أمرهم بين واحد من اثنتين لا ثالث لهما: إما أن يكون بلغته دعوة الرسول عليه السلام أو لم تبلغه، فإذا بلغته عرفت الجزاء من نفس الحديث، وإذا لم تبلغه فليس له هذا الجزاء، هذا هو الجواب عن سؤالك، ماشي؟ السائل: ماشي. الشيخ: أم فيه شيء؟ السائل: نحن نسأل عن المصير، هل يجب أن يكون متبع لدين معين إذا ما وصله دين الإسلام، هل يحاسب على أعماله الشخصية، أو هل يصل إلى معرفة الخالق أو وحدانية الخالق ... الشيخ: أنت يا أستاذ الحقيقة يكون في ذهنك أسئلة كثيرة جداً تظن لما توجه سؤالاً واحداً لازم يكون هذا متضمن لكل الأسئلة، أنت كان سؤالك: وإذا لم يسمع، جاءك الجواب، الآن تجي وتقول: هل يحاسب هل كذا هل كذا .. إلخ، كل سؤال له جواب، ما فيه عندي مانع أي إنسان يسأل سؤالاً وفي مطلع هذه الجلسة

قلنا: الذي عندنا جوابه نجاوب، وإلا وكلنا العلم إلى الله عز وجل، لكن لازم يكون سؤال واضح، سؤالك أولاً قال: وإذا لم يسمع، فأخذت الجواب، إذا لم يسمع لا يكون له هذا الوعيد، لكن فيه سؤال ثاني، حدد لي إياه وأنا أجاوب عليه، ما سؤالك الثاني؟ السائل: ناس لم تصلهم رسالة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، في «الإسكيمو» في أي منطقه من مناطق العالم. الشيخ: هو قلنا نحن. السائل: هل الجماعة هؤلاء ... إذا حوسبوا مثلاً وكانوا على النصرانية يحاسبون على دين النصرانية؟ الشيخ: يا أخي! سبق الجواب بارك الله فيك، إما سمع بالإسلام أو لم يسمع، إذا سمع بالإسلام ولم يؤمن فهو في النار، إذا لم يسمع فليس في النار، أي: لا يحاسب هذا الحساب الذي يحاسب عليه من سمع. السائل: بارك الله فيك. مداخل آخر: يحاسب يعني ... الشيخ: لا لا، اسمح ليس قليل، لأني أنا شاعر أنه ما أخذ الجواب، ما دام أنه لم يسمع بالرسول عليه السلام فهو ليس في النار، فسؤالك الآن ما هو: هل يحاسب؟ كيف يحاسب وهو لم تبلغه الدعوة؟ السائل: نحن نعلم من خلال قراءة التفاسير أن الطفل الصغير يُحاسب. الشيخ: كيف يحاسب؟

السائل: في تفسير القرآن والتفاسير، إنسان: طفل، إذا مات غير مكلف: سنتين أو خمس سنوات عمره أو أقل أو أكثر تحت التكليف أنه يمتحن يوم القيامة من الله سبحانه وتعالى. الشيخ: وبعد الامتحان ماذا يكون؟ السائل: يقرر إما جنة أو نار إذا أطاع أو خالف. الشيخ: لا، هذا ما هو صحيح. السائل: حسب ما قرأت. الشيخ: لا هذا ليس صحيحاً. مداخلة: علمه عند الله. الشيخ: هذا علمه عند الله، هذا علم الله في القرآن، ماذا يقول ربنا عز وجل في القرآن الكريم: ألحقنا بهم ذرياتهم، من يأتي بالآية. مداخلة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ} (الطور:21). الشيخ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ} (الطور:21) أين أنت من هذه الآية، كيف تقول أنت هؤلاء الأطفال يحاسبون؟ السائل: نحن قرأنا في تفاسير كثيرة ... الشيخ: لا بارك الله فيك، هذه الآية عندك صريحة. السائل: الإخوان مشاركون لي في هذه الشغلة وقرؤوا الموضوع هذا.

الشيخ: لا، ما قرؤوا الموضوع، قرؤوا موضوعاً ثانياً أنا أقول لك ما هو، أطفال المشركين، هذا الموضوع الذي قرأتوه، أما أطفال المسلمين: «ألحقنا بهم ذريتهم»، هذا ما فيه إشكال أبداً، أطفال المؤمنين ملحقون بآبائهم، حتى في أشياء لها فضيلة كبيرة جداً جداً، وما أدري كيف مريت عليها، قال عليه السلام: «ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنثة -أي: التكليف- إلا لم تمسه النار إلا تحلة القسم» (¬1) وليس هذا فقط ليس أنهم لا يدخلون النار وهم ملحقون بآبائهم بل يكونون شفعاء لآبائهم، جاء في صحيح مسلم أن الأطفال الصبيان غير البالغين يقفون عند باب الجنة يبكون، فيرسل الله إليهم جبريل عليه السلام: سلهم ما بهم وهو أعلم ما بهم ربنا عز وجل، فيأتيهم: ما بالكم؟ قالوا: لا ندخل الجنة إلا وآباؤنا معنا، فيقول الله عز وجل: أدخلوهم وآباؤهم معهم, ... ، البحث الذي قرأته والله أعلم هم أطفال المشركين، فيه ثلاثة أقوال لعلماء المسلمين: أطفال المشركين في الجنة، وهم خدم أهل الجنة هذا قول، القول الثاني هم يمتحنون في عرصات يوم القيامة كما امتحن آباؤهم في الدنيا، القول الثالث: هم وآباؤهم في النار، حتى بهذه المناسبة يرووا حديثاً وأنا أذكره لتحذيري لكم منه، أنه السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها تعلمون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما تزوجها كانت متزوجة من قبل رجلاً وخلفت منه أولاداً، فسألت يوماً الرسول عليه السلام عن أولادها من زوجها الأول الذي مات في الجاهلية وماتوا، قال لها وانتبهوا الحديث غير صحيح: «إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار». هذا حديث غير صحيح. القول الصحيح بالنسبة للأقوال الثلاثة أن الأطفال الصغار للمشركين حكمهم حكم المجانين وحكم الشيوخ الخرفانين، وحكم أهل الفترة الذين ¬

(¬1) البخاري (رقم1193) ومسلم (رقم6865).

حكينا عليهم وهم الذين لم تبلغهم دعوة الرسول عليه السلام، هؤلاء جاء في الحديث الصحيح أن الله عز وجل يرسل إليهم في عرصات يوم القيامة رسولاً، فيأمرهم بأن يلقوا بأنفسهم في النار، وأمامهم النار، فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، تماماً كما هو الشأن في هذه الحياة، لكن مع فارق كبير، والفارق هنا يا إخواننا أرجو أن تنتبهوا يتعلق بالمرسِل والمرسَل إليهم، المرسَل هنا في الدنيا في عنده معجزات وعنده براهين تتناسب حياة المرسل إليهم المادية التي يعيشون فيها، المرسل هناك يأتي أيضاً بعلامة يقتنع المرسلون إليه بأنه هذا فعلاً مرسل من رب العالمين، والابتلاء هناك كالابتلاء هنا مع فارق كبير، هنا من يؤمن فسيصاب بما جاء في الحديث: حفت الجنة بالمكارة وحفت النار بالشهوات، فالذي يريد يؤمن يحف ويصاب بنار معنوية، أما هناك فنار حقيقية مادية، لكن الرسول الذي يرسل إليهم يعلمون يقيناً أن هذا من الله، فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار. فإذاً: لا تكليف قبل بلوغ النذارة، لا تكليف قبل مجيء الرسول أو الدعوة، وهذا من تمام حكم الله عز وجل ورحمته بعباده التي أودعها فيما يتعلق بهذا الموضوع في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) فهؤلاء الصبيان من المشركين ما جاءهم رسول لأنهم بعد ما دخلوا في دائرة التكليف، أولئك الأقوام الذين لم تبلغهم دعوة الرسول ما جاءهم الرسول ولذلك ربنا لا يعذبهم، هذا قولاً واحداً، أما يا ترى ماذا يعمل بهم ربنا؟ من كان عنده علم بالحديث الذي ذكرناه آنفاً فالجواب أن لهم امتحاناً في عرصات يوم القيامة. فهذا هو الحق ما به خفاء فدعني عن بنيات الطريق "الهدى والنور" (261/ 04: 38: 00)

[749] باب من وصلته الدعوة على غير حقيقتها ليس من أهل الوعيد

[749] باب من وصلته الدعوة على غير حقيقتها ليس من أهل الوعيد [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة، ولا يهودي، ولا نصراني، فلا يؤمن بي، إلا دخل النار» [قال الإمام]: ثم إن حديث الترجمة يمكن عده مبيناً ومفسراً لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} مع ملاحظة قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه: «يسمع بي»؛ أي: على حقيقته - صلى الله عليه وآله وسلم - بشراً رسولاً نبياً فمن سمع به على غير ما كان عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - من الهدى والنور ومحاسن الأخلاق؛ بسبب بعض جهلة المسلمين؛ أو دعاة الضلالة من المنصرين والملحدين؛ الذين يصورونه لشعوبهم على غير حقيقته - صلى الله عليه وآله وسلم - المعروفة عنه؛ فأمثال هؤلاء الشعوب لم يسمعوا به، ولم تبلغهم الدعوة، فلا يشملهم الوعيد المذكور في الحديث. وهذا كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من رآني في المنام .. »؛ أي: على حقيقته وصفاته التي كان عليها في حال حياته، فمن ادعى فعلاً أنه رآه شيخاً كبيراً قد شابت لحيته؛ فلم يره؛ لأن هذه الصفة تخالف ما كان عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - مما هو معروف من شمائله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. "الصحيحة" (7/ 1/245، 251).

[750] باب من مات في الجاهلية ليس من أهل الفترة

[750] باب من مات في الجاهلية ليس من أهل الفترة [عن] زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - في حَائِطٍ لِبَنِى النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ - قَالَ كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِيُّ - فَقَالَ «مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الأَقْبُرِ». فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا. قَالَ «فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاَءِ». قَالَ مَاتُوا في الإِشْرَاكِ ... الحديث [قال الإمام معلقًا على قوله في الإشراك]: أي زمن الإشراك، يعني في الجاهلية، ففيه دليل على أن الذين ماتوا في الجاهية ليسوا من أهل الفترة والأحاديث في ذلك كثيرة. "مختصر صحيح مسلم" (ص133). [751] باب أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم (من) عذاب القبر (ما أسمعني)». [وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه». قال زيد: ثم أقبل علينا بوجهه فقال: «تعوذوا بالله من عذاب النار»، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: «تعوذوا بالله من عذاب القبر»، قالوا: نعوذا بالله من عذاب القبر، قال: «تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن»، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: «تعوذوا بالله

[752] باب أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترة

من فتنة الدجال»، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال». [ترجم الإمام للحديثين بقوله:"الجاهليون ليسوا من أهل الفترة" ثم أورد الحديثين مع تخريجهما ثم قال:] وفي هذه الأحاديث فوائد كثيرة [منه]: إن أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل بعثته عليه الصلاة والسلام معذبون بشركهم وكفرهم، وذلك يدل على أنهم ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة نبي، خلافا لما يظنه بعض المتأخرين؛ إذ لو كانوا كذلك لم يستحقوا العذاب لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}. وقد قال النووي في شرح حديث مسلم: " أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار ... " الحديث. قال النووي (1/ 114 طبع الهند): " فيه أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين، وفيه أن من مات على الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ". "الصحيحة" (1/ 1/292، 294، 297). [752] باب أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترة عن زيد بن ثابت قال بينما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم - حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر فقال رجل أنا قال: «فمتى ماتوا؟» قال: ماتوا في الشرك، فقال: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه» ثم أقبل علينا بوجهه فقال: «تعوذوا بالله من عذاب

[753] باب بيان أن مشركي الجاهلية في النار وليسوا من أهل الفترة بما فيهم والدي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -

النار» قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: «تعوذوا بالله من عذاب القبر» قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: «تعوذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن» قالوا نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوذوا بالله من فتنة الدجال» قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال». رواه مسلم. [علق الإمام على قوله: ماتوا في الشرك قائلاً]: أي في الجاهلية قبل بعثته - صلى الله عليه وآله وسلم - , ففيه دليل على أن أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترة وأنهم معذبون والأحاديث في ذلك كثيرة فانظر الحديث (111) [من مشكاة المصابيح] وما ذكرناه في تخريجه, والحديث (19) من «الأحاديث الصحيحة» ... " تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 46). [753] باب بيان أن مشركي الجاهلية في النار وليسوا من أهل الفترة بما فيهم والدي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أبي وأباك في النار» [قال الإمام]: والحديث أخرجه الجورقاني (¬1) في " الأباطيل والمناكير " (1/ 235) من طريق أخرى عن داود بن أبي هند في جملة أحاديث أخرى تدل كلها - كهذا - ¬

(¬1) اختلفوا في ضبطه اختلافا كثيرا، هل هو بالراء أم بالزاي؟ وهل هو بفتح الجيم أم بالضم. انظر الحاشية على " السير " (20/ 178). اهـ. [منه].

على أن من مات في الجاهلية مشركاً فهو في النار، وليس من أهل الفترة كما يظن كثير من الناس، وبخاصة الشيعة منهم، ومن تأثر بهم من السنة! ومن تلك الأحاديث، ما رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفى دعاه، فقال: فذكر حديث الترجمة حرفا بحرف. أخرجه مسلم (1/ 132 - 133) وأبو عوانة (1/ 99) وأبو داود (4718) والجورقاني (1/ 233) وصححه، وأحمد (3/ 268) وأبو يعلى (6/ 229/ 3516) وابن حبان (578 - الإحسان) والبيهقي (7/ 190) من طرق عن حماد بن سلمة به. ومنها سعد بن أبي وقاص المتقدم في المجلد الأول برقم (18) بلفظ: ِ «حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار». فراجع سببه هناك، فإنه بمعنى حديث الترجمة لمن تأمله. وإن مما يتصل بهذا الموضوع قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما زار قبر أمه: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي .. » الحديث. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 187 - 188) من حديث أبي هريرة وبريدة، فليراجعهما من شاء. والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرنا خير كبير وبركة. واعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس اليوم وقبل اليوم لا استعداد عندهم لقبول هذه الأحاديث الصحيحة، وتبني ما فيها من الحكم بالكفر على والدي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل إن فيهم من يظن أنه من الدعاة إلى الإسلام ليستنكر أشد الاستنكار التعرض لذكر هذه الأحاديث ودلالتها الصريحة! وفي اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصب منهم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي قالها إن صدقوا بها، وهذا - كما

هو ظاهر - كفر بواح، أو على الأقل: على الأئمة الذين رووها وصححوها، وهذا فسق أو كفر صراح، لأنه يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم، لأنه لا طريق لهم إلى معرفته والإيمان به، إلا من طريق نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - كما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه، فإذا لم يصدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم وأذواقهم وأهوائهم - والناس في ذلك مختلفون أشد الاختلاف - كان في ذلك فتح باب عظيم جدا لرد الأحاديث الصحيحة، وهذا أمر مشاهد اليوم من كثير من الكتاب الذين ابتلي المسلمون بكتاباتهم كالغزالي والهويدي وبليق وابن عبد المنان وأمثالهم ممن لا ميزان عندهم لتصحيح الأحاديث وتضعيفها إلا أهواؤهم! واعلم أيها المسلم - المشفق على دينه أن يهدم بأقلام بعض المنتسبين إليه - أن هذه الأحاديث ونحوها مما فيه الإخبار بكفر أشخاص أو إيمانهم، إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها وتلقيها بالقبول، لقوله تعالى: {ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب} (البقرة:1 - 3) وقوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .. } (الأحزاب: 36)، فالإعراض عنها وعدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لا ثالث لهما - وأحلاهما مر -: إما تكذيب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإما تكذيب رواتها الثقات كما تقدم، وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين ينكرون هذه الأحاديث أو يتأولونها تأويلاً باطلاً كما فعل السيوطي -عفا الله عنا وعنه- في بعض رسائله، إنما يحملهم على ذلك غلوهم في تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وحبهم إياه، فينكرون أن يكون أبواه - صلى الله عليه وآله وسلم - كما أخبر هو نفسه عنهما، فكأنهم أشفق عليهما منه - صلى الله عليه وآله وسلم -!! وقد لا يتورع بعضهم أن يركن في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة

بعض الناس الذي فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحيا الله له أمه، وفي رواية: أبويه، وهو حديث موضوع باطل عند أهل العلم كالدارقطني والجورقاني، وابن عساكر والذهبي والعسقلاني، وغيرهم كما هو مبين في موضعه، وراجع له إن شئت كتاب " الأباطيل والمناكير " للجورقاني بتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي (1/ 222 - 229) وقال ابن الجوزي في " الموضوعات " (1/ 284): " هذا حديث موضوع بلا شك، والذي وضعه قليل الفهم، عديم العلم، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافراً لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة، لا بل لو آمن عند المعاينة، ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى: {فيمت وهو كافر}، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم - (الصحيح): «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي». ولقد أحسن القول في هؤلاء بعبارة ناصعة وجيزة الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله في تعليقه على " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للإمام الشوكاني، فقال (ص 322): "كثيراً ما تجمح المحبة ببعض الناس، فيتخطى الحجة ويحاربها، ومن وفق علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية، والله المستعان". قلت: وممن جمحت به المحبة السيوطي عفا الله عنه، فإنه مال إلى تصحيح حديث الإحياء الباطل عند كبار العلماء كما تقدم، وحاول في كتابه " اللآلئ" (1/ 265 - 268) التوفيق بينه وبين حديث الاستئذان وما في معناه، بأنه منسوخ، وهو يعلم من علم الأصول أن النسخ لا يقع في الأخبار وإنما في الأحكام! وذلك أنه لا يعقل أن يخبر الصادق المصدوق عن شخص أنه في النار ثم ينسخ ذلك بقوله: إنه في الجنة! كما هو ظاهر معروف لدى العلماء.

ومن جموحه في ذلك أنه أعرض عن ذكر حديث مسلم عن أنس المطابق لحديث الترجمة إعراضاً مطلقاً، ولم يشر إليه أدنى إشارة، بل إنه قد اشتط به القلم وغلا، فحكم عليه بالضعف متعلقا بكلام بعضهم في رواية حماد بن سلمة! وهو يعلم أنه من أئمة المسلمين وثقاتهم، وأن روايته عن ثابت صحيحة، بل قال ابن المديني وأحمد وغيرهما: أثبت أصحاب ثابت حماد، ثم سليمان، ثم حماد بن زيد، وهي صحاح. وتضعيفه المذكور كنت قرأته قديماً جدا في رسالة له في حديث الإحياء - طبع الهند - ولا تطولها يدي الآن لأنقل كلامه، وأتتبع عواره، فليراجعها من شاء التثبت. ولقد كان من آثار تضعيفه إياه أنني لاحظت أنه أعرض عن ذكره أيضا في شيء من كتبه الجامعة لكل ما هب ودب، مثل " الجامع الصغير " و" زيادته" و"الجامع الكبير "! ولذلك خلا منه " كنز العمال " والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وتأمل الفرق بينه وبين الحافظ البيهقي الذي قدم الإيمان والتصديق على العاطفة والهوى، فإنه لما ذكر حديث: «خرجت من نكاح غير سفاح»، قال عقبه: " وأبواه كانا مشركين، بدليل ما أخبرنا .. "، ثم ساق حديث أنس هذا وحديث أبي هريرة المتقدم في زيارة قبر أمه - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الصحيحة" (6/ 1/177 - 182).

[754] باب هل يمتحن بعض أهل الجاهلية في عرصات القيامة؟

[754] باب هل يمتحن بعض أهل الجاهلية في عرصات القيامة؟ [قال ابن كثير]: إخباره - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار؛ لا ينافي الحديث الوارد من طرق متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة، كما بسطناه سندًا ومتنًا في "تفسيرنا" عند قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (الإسراء: 15). فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب فلا منافاة. [فعلق الإمام قائلاً]: وهذا جمع جيد جدًّا، لأنه وإن كان من الممكن افتراض أن بعض من كان في الجاهلية قد بلغته الدعوة وأقيمت عليه الحجة ... فإن من الممكن أيضًا أن نفترض أن بعضهم لم تبلغه الدعوة، وحينئذ فأمامه الامتحان في عرصات القيامة، فمن نجح فقد نجا، وإلا فقد هلك، وعلى هذا النوع من الهالكين تحمل الأحاديث التي صرحت بعذاب بعض من مات في الجاهلية. "صحيح السيرة النبوية" (ص28). [755] باب الجمع بين قوله تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا} وقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [ذكر العز ابن عبد السلام في "بداية السول" من خصائص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أن الله تعالى أرسل كل نبي إلى قومه خاصة، وأرسل نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الجن والإنس، ولكل نبي من الأنبياء ثواب تبليغه إلى أمته، ولنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - ثواب

[756] باب منه

التبليغ إلى كل من أرسل إليه، ولذلك تمنن عليه بقوله تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا} ووجه التمنن: أنه لو بعث في كل قرية نذيرا لما حصل لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا أجر إنذاره لأهل قريته". [فقال الإمام معلقًا:] قلت: وفي هذا الكلام تنبيه لطيف إلى أنه لا منافاة بين الآية المذكورة وبين وقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}؛ لأن المراد بالأولى زمانه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبالأخرى ما قبله. "تحقيق بداية السول" (ص 47) [756] باب منه [أورد الصنعاني في «رفع الأستار» أدلة من قال بفناء النار فذكر منها ما] أخرجه أحمد في «مسنده» من حديث الأسود بن سريع مرفوعاً «[يأتي] أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، أما الأصم فيقول: رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني من رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل عليهم ليدخلوا النار قال: فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً» (¬1). ¬

(¬1) [أخرجه أحمد] في «المسند» (4/ 24) وإسناده جيد، ورواه عقبة بإسناد آخر عن أبي هريرة مثله غير أنه قال في آخره: «فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها» ورجاله ثقات لولا أن فيه عنعنة الحسن البصري، وقد ذكره ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (246) مختصراً نحوه وقال: «إسناده مقارب». والأول أخرجه ابن حبان أيضاً (1827) والطبراني في «الكبير» (841) بلفظ: «أربعة يحتجون يوم القيامة ... ». وهذا أتم ولعله الذي أشار إليه المؤلف. لكن لفظ أحمد كما سبق. ثم رأيت الحديث من حديث أبي هريرة في «السنة لابن أبي عاصم» (404 - بتحقيقي) وفيه الإحالة في تخريج حديث الأسود إلى «الصحيحة» (1434) ولو كان تحت يدي لأغناني عن كثير من هذا التعليق. [منه].

[ثم عقب عليه قائلا]: ليس الحديث أيضاً في محل النزاع إذ هو في فناء النار ودخول أهلها الجنة، وهؤلاء الثلاثة الأولون ليسوا بمشركين، فإنهم كانوا في دار الدنيا غير مكلفين، فلم يتحقق منهم أنهم كانوا مشركين، وليسوا ممن دخل النار ثم فنيت وهم فيها: والرابع الذي مات في الفترة مخاطب بشرع من قبله بنص قوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} (فاطر: 24) ... وهو حديث مشكل. [فعلق الإمام قائلاً]: قلت: لم يتبين لي وجه الإشكال إلا أن يكون بدا له التعارض بين الآية { .. إلا خلا فيها نذير} وبين قوله الذي مات في الفترة: «ما أتاني من نذير». فإن كان هذا هو المشكل فلا إشكال عندي؛ لأنه ليس من الضروري أن تبلغ النذارة كل فرد من أفراد كل أمة، بل يمكن أن يكون في كل أمة من لم تبلغهم الدعوة، حتى في هذه الأمة المحمدية، فمن الذي يستطيع أن يقول بأن سكان القطب الشمالي والقطب الجنوبي قد بلغتهم دعوة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، لا سيما قبل عصرنا هذا الذي تيسرت فيه طرق التبليغ كالراديو وغيره، ولكن أين المبلغون للدعوة إليهم وإلى أمثالهم على وجه الأرض وبلغاتهم؟ بل أين المبلغون للدعوة الحق التي نزلت على قلب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - للمسلمين أنفسهم حين انحرف الكثيرون منهم عنها، بل وحاربوها،

[757] باب هل كان والدا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من أهل الفترة

هذا أولاً؛ وثانياً: فإن قول المؤلف: أن الذي مات في الفترة مخاطب بشرع من قبله .. لا يدل عليه قوله تعالى: {وإن من أمة}؛ لأن المعنى: «ما من أمة من الأمم الماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها» كما قال الشوكاني في «فتح القدير». وأما أنها تدل على أن من مات في الفترة مخاطب بشرع من قبله فهذا شيء لا تدل عليه الآية لا من قريب ولا من بعيد بل لا بد له من دليل خاص. فكيف والثابت خلافه وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة». رواه الشيخان وهو مخرج في «الإرواء» (285). "تحقيق رفع الأستار" (ص113 - 114). [757] باب هل كان والدا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من أهل الفترة عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِى؟ قَالَ: «فِي النَّارِ». فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ «إِنَّ أَبِى وَأَبَاكَ في النَّارِ». [قال الإمام]: [أخرجه] مسلم (1/ 132 - 133) , وله شواهد، منها حديث سعد بن أبي وقاص الآتي بعده. واعلم أن هذا الحديث مع صحة إسناده, وكثرة شواهده, وتلقي العلماء النقاد بالقبول له, فإن الشيخ (أبو زهرة) قد رده بجرأة وجهالة متناهية, فقال (1/ 132): «إنه خبر غريب في معناه, كما هو غريب في سنده, لأن الله تعالى يقول: [وما

كنا معذبين حتى نبعث رسولاً] (الإسراء:15) , وقد كان أبو محمد عليه الصلاة والسلام وأمه على فترة من الرسل, فكيف يعذبون؟!! ... وفي الحق إني ضرست في سمعي وفهمي عندما تصورت أن عبد الله وآمنة يتصور أن يدخلا النار»! فأقول: يا سبحان الله! هل هذا موقف من يؤمن برسول الله أولاً, ثم بالعلماء الصادقين المخلصين ثانياً, الذين رووا لنا أحاديثه - صلى الله عليه وآله وسلم - وحفظوها لنا, وميزوا ما صح مما لم يصح منها, واتفقوا على أن هذا الحديث من الصحيح الثابت عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! أليس موقف (أبو زهرة) هذا هو سبيل أهل الأهواء - كالمعتزلة وغيرهم- الذين قالوا بالتحسين والتقبيح العقليين, مما رده عليهم أهل السنة؟! والشيخ يزعم أنه منهم, فما باله خالفهم, وسلك سبيل المعتزلة في تحكيم العقل, وردهم للأحاديث الصحيحة لمجرد مخالفتها لأهوائهم, إما تأويلاً إذا لم يستطيعوا رده من أصله؟! وهذا عين ما فعله الشيخ, فإنه رد هذا الحديث لظنه أنه حديث غريب فرد - كما رأيت - وتأول أحاديث الزيارة بقوله: «ولعل نهي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الاستغفار (لأمه)؛ لأن الاستغفار لا موضع له, إذ أنه لم يكن خطاب بالتكليف من نبي مبعوث»! ونحن نقول له - كما تعلمنا من بعض السلف-: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب! فإن أحاديث الزيارة تدل دلالة قاطعة على أن بكاءَه - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما كان شفقة عليها من النار, وهذا صريح في بعض طرق حديث بريدة, كما سبق ذكره مني في التعليق عليه قريباً. ولذلك علق الإمام النووي على حديث أبي هريرة منها بقوله في «شرح مسلم»: «فيه جواز زيارة المشركين في الحياة, وقبورهم بعد الوفاة, لأنه إذا جازت

زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى، وفيه النهي عن الاستغفار للكفار». وقال في شرح حديث أنس هذا: «فيه أن من مات على الكفر فهو في النار, ولا تنفعه قرابة المقربين، وفيه أن من مات على الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار, وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة, فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم». قلت: وفي كلام الإمام النووي رد صريح على زعم (أبو زهرة) أن أهل الفترة الذين كانوا من قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يعذبون! ومع أن قوله هذا مجرد دعوى, لأنه لا يلزم من صحة القاعدة - وهي هنا أن من لم تبلغه الدعوة لا يعذب - أن الشخص الفلاني أو الأمة الفلانية لم تبلغهم الدعوة, بل هذا لا بد له من دليل كما هو ظاهر, وهذا مما لم يعرج عليه (أبو زهرة) مطلقاً, وحينئذ يتبين للقارئ الكريم كم قد تجنى على العلم حين رد حديث أنس, وتأول أحاديث الزيارة بما يفسد دلالتها بمجرد هذه الدعوى الباطلة؟! وإن مما يؤكد لك بطلانها مخالفتها لأحاديث كثيرة جدّاً يدل مجموعها على أن الصواب على خلافها, وأرى أنه لا بد هنا من أن أذكر بعضها: 1 - قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار, كان أول من سيب السوائب». رواه الشيخان. وفي رواية: «كان أول من غير دين إسماعيل». 2 - سألوه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن عبد الله بن جدعان, فقالوا: كان يقرى الضيف, ويعتق, ويتصدق, فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟ فقال:

«لا, إنه لم يقل يوماً: رب! اغفر لي خطيئتي يوم الدين». رواه مسلم. 3 - أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بنخل فسمع صوتاً (يعني: من قبر) , فقال: «ما هذا؟». قالوا: قبر رجل دفن في الجاهلية فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمعني»، رواه أحمد من طرق عن أنس, وعن جابر, وله شاهد من حديث زيد بن ثابت عند مسلم وأحمد, وهو مخرج في «الصحيحة» (158و159) 4 - حديث رؤيته - صلى الله عليه وآله وسلم - في صلاة الكسوف صاحب المحجن يجر قصبة في النار, لأنه كان يسرق الحاج بمحجنه. رواه مسلم وغيره, وهو مخرج في «الإرواء» (656). وفي الباب أحاديث أخرى خرجها الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 116 - 119) , فليراجعها من شاء, وهي بمجموعها تدل دلالة قاطعة على أن المشركين في الجاهلية من أهل النار, فهم ليسوا من أهل الفترة, فسقط استدلال (أبو زهرة) بالآية جملة وتفصيلاً. وأما قوله في حديث أنس المتقدم أعلاه: « .. كما هو غريب في سنده»! فأقول: وهذه دعوى باطلة كسابقتها, فالحديث صحيح لا غرابة فيه, وحسبك دليلاً أنه أخرج في «الصحيح» , وإن أراد بذلك أنه غريب بمعنى أنه تفرد به واحد, فذلك مما لا يضره, لأن كل رواته ثقات أثبات, على أن له شواهد تزيده قوة على قوة كما تقدم. وأنا حين أقول هذا أعلم أن السيوطي تورط أيضاً وغلبه الهوى, فأعل الحديث بتفرد حماد بن سلمة به - إلى درجة أنه لم يورده في «الجامع

[758] باب منه

الصغير» ولا في «ذيله عليه» - وهو من أئمة المسلمين وحفاظهم, وكنت أود أن أطيل النفس أيضاً في الرد عليه, ولكن طال الكلام, فحسبنا منه تقدم, والله ولي التوفيق. "صحيح السيرة النبوية" (ص24 - 27) [758] باب منه مداخلة: بالنسبة للحديث، قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للأعرابي: «أبي وأبوك في النار» ... بعض المفسرين يقولون أن هذا يخالف قول الله سبحانه وتعالى: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ} (يس:6)، وكيف يعذبهم الله سبحانه وتعالى ولم يرسل فيهم رسول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، فما ردكم جزاكم الله خيراً. الشيخ: ردي أن هذا الجاهل يقول: إن نحن ما بعث الله إلينا رسولاً. بس. وفي فهمك الكفاية. مداخلة: بارك الله فيك. الشيخ: واضح ولا لا. مداخلة: واضح. مداخلة: لو ترجمت لنا أحسن. مداخل آخر: الكل بده ترجمه ... الشيخ: هذه غفلة متناهية، أنهم يقولون أن هذا الحديث وأمثاله يخالف القرآن، فالحق والحق أقول أن الأحاديث الصحيحة التي تلقتها الأمة بالقبول

وعلى رأسها أئمة الحديث، حينما يأتي واحد أو اثنين ويدعوا أن هذا الحديث مخالف للقرآن، هذا من أحمق الناس ومن أجهل الناس؛ لأنه يتصور أن الأمة على مر الزمان هذا الحديث بين أيديها، وهي تصححه وتدين الله به مع مخالفة هذا الحديث أو هذه الأحاديث للقرآن الكريم. فالحق أقول أنه ليس مخالفاً، مخالفٌ لفهمه للقرآن الكريم، هو يفهم القرآن الكريم خطأ، ثم يبني على هذا الخطأ أخطاء متتالية، فيرُد الأحاديث الصحيحة بسبب سوء فهمه للآيات الكريمة، يفهمون من هذه الآية وما يماثلها أن النذارة أو النذير يجب أن يكون بشخصه في كل ما تقوم به الحجة به على عباده تبارك وتعالى، وليس الأمر كذلك، أنا أجبت السائل هنا معنى هذا الكلام أننا نحن المسلمين ما جاءنا من نذير، أين نذيرنا، ما عندنا نذير، النذير نبينا عليه السلام، طيب نبينا ما أرسل إلينا مباشرة. إذاًَ: لماذا نأتي نفهم هناك الآية أنه لازم يكون نذير مباشرة، ونحن الآن لم يأتينا نذير مباشرة، ... فإذا كان نحن نقدر نقول ما أتانا من نذير، ونقدر نقول أتانا نذير. مداخلة: طبعاً. الشيخ: كيف نجمع بين التعبيرين، ما أتانا نذير، وأتانا نذير، ما أتانا نذير مباشرة، لكن جاءنا نذير أي دعوته وصلت إلينا. إذاً: المسألة ليست مربوطة بالنذير شخصياً، وإنما المسألة مربوطة بدعوته، فأي أمة وأي شعب على وجه الأرض منذ أن بعث الله الرسل وأنزل الكتب مكلفون ببلوغ الدعوة سواء مباشرة من النذير، من النبي أو الرسول أو بواسطة من

جاؤوا من بعده، فالشخص إذاً هنا ليس له مفعول، إنما دعوته، نحن الآن قلنا ما أتانا من نذير، لكن أتتنا دعوته والحمد لله. إذاً: من اتبع هذه الدعوة نجا، ومن خالفها وكفر بها هلك. نرجع للعرب في الجاهلية، كذلك نقول عنهم ما أتاهم من نذير، وجاءهم من نذير، الرسول عليه السلام أبوه وأمه وعمه وجده وما قبل ذلك بمئات السنين، نقدر نقول ما جاءهم من نذير، أي: شخص، لكن لا نستطيع ننفي أنهم جاءهم نذير بالمعنى الثاني يعني: الدعوة، والدليل على ذلك وجود المسجد الحرام وكعبة الله في عقر دار الحجاز وهي مكة، ومحافظتهم على الطواف حول الكعبة، وعلى بعض المناسك التي توارثوها عن إبراهيم وعن إسماعيل، وقوله تعالى في القرآن: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} (البقرة:127)، لمن هذا الرفع، لأي قوم، هم العرب. فإذاً: العرب لا نقول نحن لم يأتهم من نذير، إلا إذا كان الأحمق يريد كل شعب يجيه نذير مباشرة، بل أنا أقول كل فرد يريد نذير، وهذا لا يقوله إنسان عاقل يدري ما يخرج منه، لا تتصوروا أنتم أن النذير الذي بعث في مكة، ما تتصوروا أنه يكون هناك أشخاص ما سمعوا بالدعوة مطلقاً بسبب أو أكثر من سبب، واحد يكون أصم مثلاً ... ، أو يكون مختل العقل، أو .. أو .. إلى آخره، نقدر نتصور في كل زمان وجود هؤلاء الأشخاص. إذاً: ماذا نقول عن هؤلاء، جاءهم نذير أو لم يأتهم نذير، جاءهم نذير لكن ما بلغتهم الدعوة، هؤلاء اثنين ثلاثة، أما الآخرون ما جاءهم شخص لكن جاءتهم دعوته، والدليل على هذا عندنا أحاديث كثيرة وكثيرة جداً، بأن أهل الجاهلية

معذبون، منها حديث مسلم أن الرسول عليه السلام كان راكباً على بغلته يوماً فمر بقبرين فشمست البغلة، فقال عليه السلام: «متى دفن هذان؟ قالا: في الجاهلية. فقال عليه السلام: لولا أن تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر». الدابة سمعت عذاب القبرين فشمست به عليه السلام، فسأل: هؤلاء ما قصتهم؟ قالوا له ماتوا في الجاهلية، إذاً هؤلاء ماتوا، هذا حديث لازم ينكره صاحبكم هذا، لأنه ما جاءه من نذير، وعدي بن حاتم لما سأل عن أبيه أنه كان كريماً وكان كذا إلى آخره، فهل ينفعه ذلك، قال: لا، لأنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. مداخلة: السيدة عائشة. الشيخ: هي السائلة. هؤلاء كلهم ماتوا في الجاهلية. إذا: بدنا ننكر التاريخ الإسلامي الذي لا يوجد له أصح في الدنيا أبداً، لا يوجد له مثيل أصح بهذه الطريقة المعوجة، بسوء الفهم للآيات الكريمة، فالآن الأوربيون والأمريكيون، هل بلغتهم الدعوة أولاً نسأل، جاءهم نذير؟ ما جاءهم نذير؟ جاءهم نذير بالمعنى الثاني. مداخلة: جاءهم. الشيخ: أنا ما أقول جاءهم، الشيخ استعجل. أنا ما بقول جاءهم، وكمان تعلم مني ولا بقول ما جاءهم، حط في بالك، لا بقول جاء ولا بقول ما جاء. هذه قصة وقعت بيني وبين أحد المشايخ أول ذهابي إلى المدينة أستاذاً في الجامعة، في الليل وسهرانين هناك، المجلس عامر بالمشايخ أساتذة في الجامعة،

أثير هذا الموضوع، فادعى أحدهم لكن في فرق بينك وبينه، إنه هو أستاذ وأنت لست أستاذ. وفرق ثاني أنه ما كان مستعجل مثل حكايتك، قال جاءتهم الدعوة يا أخي، الإذاعات العربية واصلة إلى الدنيا كلها، والقرآن يتلى ليلاً نهاراً، فتبسمت في وجهه ضاحكاً، قلت له: هذا القرآن ما بدك من يفهمه؟ إذا العرب ما استطاعوا أن يفهموه فضلاً عن الأعاجم، كيف يعرف البريطان والألمان .. إلى آخره، أنه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} (المائدة:73)، لا يفهمون شيئاً، ثار نقاش ونقاش طويل حول الموضوع. الشاهد حتى الإنسان ما يتورط وما يقول جاءهم نذير بالمعنى الثاني أي: الدعوة، ولا يقول إنه ما جاءهم، مش نحن الذين نحاسب هؤلاء الناس، رب العالمين. فنقول: من علم الله منهم أنه بلغته الدعوة الإسلامية ثم جحدها كما قال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14)، فهذا كافر مخلد في النار، ومن لم تبلغه كذلك فليس كذلك، أما بلغتهم نجلس نتناقش، لا ما بلغتهم، سأقول لك هؤلاء الذين في القطب الشمالي والجنوبي بلغتهم، كيف نعرف؟ والله أنا أقول إن الألبان ... بالنسبة لغيرهم ما بلغتهم الدعوة إلا أفراداً قليلين منهم، ليه؟ من الذي يبلغهم الدعوة، القرآن يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم:4)، فما فائدة أننا نذيع القرآن ليلاً نهاراً، وهم لا يفهمونه. فإذاً: لا نستطيع أن نقول يا جماعة أن هؤلاء بلغتهم الدعوة، لكن لا بد في أفراد منهم بلغتهم الدعوة، لكن هؤلاء الأفراد لا بد أن تتصورهم من خاصة القوم،

يعني من مثقفيه، يعني هؤلاء القسيسين الرهبان، لا شك أن فيهم ناساً عرفوا الحقيقة، فمنهم من آمن وكتم إيمانه، ومنهم من آمن وأعلن إسلامه، ومنهم من كفر، والتاريخ يعيد نفسه، ما بعرف أنتم كنتوا يوم كان هذا مازن النابلسي. مداخلة: والله شيء عجيب. الشيخ: كان الأستاذ موجود والأخ موجود. واحد نابلسي يقول أنه ذهب لمكتبة القدس في هناك مكتبة ستة ملايين كتاب. علي حسن: أكبر مكتبة في العالم بعد الكونجرس. الشيخ: في القدس، اليهود قاتلهم الله أنشؤوا هناك مكتبة يقول فيها ست ملايين كتاب، واتصل هناك تَعَرَّف على مستشرق بولاندي، وعمره نحو 77 سنة، ويتكلم اللغة العربية الفصحى، ولا تظنه إلا مسلماً، وعنده معرفة بالحديث. علي حسن: متخصص حديث، سألته فيما بعد، قال دراساته دكتوراه وبرفسور حديث، الحديث النبوي. الشيخ: وبعدين الرجل حواليه - كما يقولون باللغة الأجنبية - بروفسورات يعني أساتذة يتعلمون منه؛ لأنه كبير السن، وهذا النابلسي عنده قليل معلومات لا بأس بها في علم الحديث، كان يجلس معه ويتناقش معه، يعترف هذا المستشرق أمام البروفسورات أنه يتعلم من النابلسي، والنابلسي من إخوانا شاب، فقال إنه أحياناً تطلع منه عبارات تدل على إسلامه. مداخلة: قال لما كان يذكر النبي يقول: - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولما يذكر الله سبحانه وتعالى

عز وجل، أو عمر بن الخطاب أو الصحابة رضي الله عنهم، يعني لا يفعل إلا هذا. الشيخ: وذكر قضية إنه واحد من الحاضرين قال له هل أسلمت؟ علي حسن: فقال له بالعبري: ليش لا؟ ... في أثناء محاضرة بالجامعة، فواحد قال له: أنت نحكي معك لما تذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تقول كذا، فهل أسلمت، فقال له: ليش لا، باللغة العبرية. الشيخ: يعني أسلوبه في الكلام أسلوب مسلم. مداخلة: كان طالب كتاب الزهد لهناد ومخطوطات وكذا ... طالب كتب والله أنه أقل من النادر من يعرفها ولا أقول يطلبها من أهل العلم أو من العلماء أو ما شابه ذلك. مداخلة: ما موقفك منه يعني إنه من ناحية ... مداخلة: قال كلمة طيبة، قال: لعله ممن يكتم إيمانه مثل هذا الرجل. الشيخ: نحن شاهدنا الآن أن مثل هذا الرجل يمكن أن يكون أسلم. مداخلة: نعم. الشيخ: لأنه عنده اطلاع وعنده كذا .. وبالمناسبة أذكر في كتاب يعرفه إخواننا الطلبة، اسمه "مفتاح كنوز السنة"، عندما اقتنيته وعرفت الجهد اللي مفروغ فيه، أن هذا كونه دراس كتب السنة أربعة عشر كتاباً، لا بد أن يكون صاحبه أسلم، هكذا أنا قلت يومئذ، راحت أيام وأتت أيام كما يقولون؛ عندنا في الشام كنت جالس في المكتبة العربية الهاشمية، ... ، وقع تحت يدي عدد من مجلة الهلال قديمة، لجورج زيدان، وإذا به الخبيث هذا

الألماني مؤلف كتاب مفتاح كنوز السنة «فنسنك» ناشرين مقالة لأحد الكتاب المصريين المسلمين رد على فنسنك ينقل عنه كلمات يصرح فيها أن محمد رجل عبقري وداهية و ... إلى آخره، وادعى النبوة واستطاع بعقله وشطارته أنه يلملم العرب حوله ... وإذا به ينكر النبوة، إذاً: هذا ما استفاد شي من الكتب الذي درسها، استطاع أن يفعل فهرسة تقرب البعيد كما هو معلوم لدينا. فالشاهد لا نقول إذاً: هذا الشعب البريطاني أو الفرنسي أو الألماني أسلم أو ما بلغه، الله أعلم، من بلغته الدعوة وهذا يذكرني أيضاً بهذه الكلمة، من بلغته الدعوة كما أنزلت في أصولها وفي أسسها وما آمن، فهو إلى جهنم. قلت لهذا الذي كنت أتناقش معه في الجامعة: أنت تعرف الآن نشاط القاديانيين في كثير من البلاد الأجنبية في ألمانيا وبريطانيا بصورة خاصة، من هؤلاء يسلمون على إسلام القاديانيين، القايادنيين كفار، صحيح أنهم يصلون ويحجون، لكن ينكرون ما هو معلوم من الدين بالضرورة من ذلك أن الرسول في أنبياء بعده، ويؤلون الآيات ويحرفونها و ... إلى آخرها، وينكرون عالم اسمه عالم الجن، ينكرونه ويقولون الجن المذكور في سورة الجن المذكورة في القرآن أن الجن هو اسم مرادف للبشر، لفظ مرادف للإنس، كما أننا نقول إنس وبشر معنى واحد، هم صار عندهم إنس وبشر وجن معنى واحد، وعندما تذكر له الآيات التي تقول: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (الأعراف:12)، يقول لك: هذا مجاز، وليس حقيقة أنه خلقه من نار، كله تأويل يعني تعطيل؛ لأنه الأمر الحقيقة كما يقول ابن القيم في بعض كتبه: المعطل يعبد عدماً، والممثل يعبد صنماً، فهؤلاء عطلوا وأنكروا حقائق شرعية، مع ذلك كثير من الأوروبيين يستجيبون لدعوة هؤلاء؛ لأنهم يرون في دعوتهم من الإسلام الصافي ما لا يجدونه في التوراة والإنجيل

[759] باب منه

عندهم، فهل هؤلاء بلغتهم الدعوة؟ ما بلغتهم الدعوة، لانه بلغتهم دعوة منحرفه ... عن أصولها، لذلك إذا جاء حديث: «إن أبي وأباك في النار» ليس هناك مبرر للتأويل يا جماعة، عندنا أحاديث تؤدي إلى نفس المعنى بالعشرات إذا أنكرناها معناها أنكرنا الشريعة. "الهدى والنور" (251/ 45: 48: 00) و (252/ 42: 00: 00) [759] باب منه سؤال: كيف نوفق بين هذا الحكم، أو ما دلت عليه الأحاديث من أن أبوي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في النار، وبين الآية في سورة السجدة التي تقول: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} (السجدة:3)، إذاً ما أتاهم من نذير، وهنا الأحاديث تدل على أنهم لم يعذروا في شركهم؟ الشيخ: إيه، أظن هذا البحث جرى بيني وبينك وفي هذا المكان. الملقي: هو من أجل فهم الآية فهماً واقعياً. الشيخ: ما قد فعلنا ذلك، قد فعلنا ذلك، والآن الحر تكفيه الإشارة، فأنا أسألك فأقول: هل جاءنا من نذير؟ الملقي: نعم. الشيخ: أجب بوضوح. الملقي: [جاءنا] الكتاب النذير، هل النذير تقصد به الرجل. الشيخ: الذي تقصده أنت، ما الذي تقصده أنت، ما الذي تقصده بسؤالك؟ الملقي: أقصد رسولاً.

الشيخ: فهل جاءنا رسول؟ الملقي: ما جاءنا. الشيخ: إذاً نحن من أهل الفترة؟ الملقي: جاءنا كتابه. الشيخ: إذاً نحن من أهل الفترة؟ الملقي: أنا لا أقول ... الشيخ: هههه. الملقي: الفترة آمنا بذلك، لكن هذه الآية تقول: {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ} (السجدة:3). الشيخ: نحن عرفنا ما تقول، لكن نحن الآن في صدد بيان ماذا تريد هذه الآية؟ هل تريد في قوله تعالى: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} (المائدة:19) مباشرة، أم ما جاءتنا دعوة نبي ولو غير مباشر، الجواب: واضح جداً من هذا الكلام الموجز، أي ما جاءنا من نذير من دعوة نذير، فأنت بقى بدك تقدر مضاف محذوف هنا، كما يقال في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (يوسف:82)، القرية لا تسأل، إنما سكانها، فهنا: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} (المائدة:19). أي: من دعوة نذير، هذه الدعوة قد تكون مباشرة من النذير، وقد تكون غير مباشرة من النذير، هذا شأننا نحن اليوم، فإن نحن جمدنا على فهم الآية نذير بشخصه وليس بدعوته ولو بشخص غيره، معناها نحن أمة محمد عليه السلام

سواء أمة الإجابة أو أمة الدعوة بالمعنى العام، كلنا من أهل الفترة، وهل من عاقل لا أقول مسلم، هل من عاقل يقول أن هؤلاء البشر الذين ليسوا من أصحاب الرسول عليه السلام لم يصحبوهم مباشرة ولم يتلقوا الدعوة منهم مباشرة من التابعين إلى العصر الحاضر، هؤلاء ما جاءهم من نذير؟! ما أظن عاقلاً ولو كان كافراً يعتقد هذه العقيدة. السائل: هنا في الآية أستاذ هم كانوا ينفون أن يكون جاءهم نذير: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} (المائدة:19) لكن هنا الآية، الله تعالى يقول: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ} (القصص:46). الشيخ: أنا ما فرقت تفريقك، ما فرقت تفريقك، سامحك الله. السائل: أما أن تقول: هناك حذف تقيس الآية على الآية الأخرى، واسأل القرية، هناك معروف مجاز مرسل، كل من يسمع الآية يعرف أنه القرية لا تسأل في مجاز العقلي، واسأل القرية البيوت لا تسأل، ولكن يسأل ساكنها، أما هنا فالآية صريحة لا تحتاج إلى إضافة محذوف. الشيخ: في مجاز شرعي ولا ما في؟ السائل: نعم! الشيخ: في مجاز شرعي. السائل: ما هو هنا لا بد تكون في قرينة. الشيخ: ما عم تجاوب. السائل: في قرينة.

الشيخ: في مجاز شرعي. السائل: في مجاز. الشيخ: إي هاي بدي أنا الجواب هذا ... إذاً قلت: ذاك مجاز لغوي، ما دام في مجاز شرعي، فلماذا لم تقف عند المجاز الشرعي، وانتقلت للمجاز اللغوي. وقلت: هذاك بيفهمه كل الناس. الملقي: هناك مجمع عليه أنه مجاز عقلي. الشيخ: ما لنا ولذاك. الملقي: لكن هنا، ما جاء من نذير أي من دعوة نبي لا تخطر لبال الشيخ: لبال الجهلة؟ السائل: لا لبال أي عالم. الشيخ: للعلماء. الملقي: لا تخطر ... . الشيخ: لا، قف عندك. الملقي: أي عالم. الشيخ: قف عندك ... لا حول ولا قوة إلا بالله. الملقي: تحتاج إلى قرينة. الشيخ: القرينة يا شيخ أنك أنت بتطلع من أهل الفترة إذا لم تفهم الآية بهذا المفهوم، أنت من أهل الفترة هل تريد أن تكون من أهل الفترة؟

[760] باب كيف يكون والدا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في النار؟

الملقي: لست من أهل الفترة. الشيخ: هل جاءك من نذير؟ الملقي: جاءني نذير؛ كتاب الله. الشيخ: فهذا هو المحذوف، الله يهديك. مداخلة: ههه تقدير، تقدير الشيخ: هههه ههه. "الهدى والنور" (530/ 32: 13: 00) [760] باب كيف يكون والدا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في النار؟ سؤال: ما الجواب على من يقول: كيف يكون والدا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في النار، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «كل نسب ينقطع أو منقطع يوم القيامة إلا نسبي»؟ الشيخ: هذا سؤال غير فقيه، هل المقصود هنا النسب الديني، وإلا النسب التناسلي، طبعاً المقصود فيه النسب التناسلي، والجواب بإيجاز كما يقال عن آزر والد إبراهيم عليه السلام، ماذا يقال؟ .. آزر والد إبراهيم وهو مشرك: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ} (الأنعام:74)، فهذا هو الجواب الموجز، أما المفصل فالكلام فيه طويل وطويل جداً، لكننا نقول: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (النساء:123)، وربنا عز وجل يقول: {فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} (المؤمنون:101)، والرسول عليه السلام الذي جاء السائل يسأل عن أبيه يقول: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»، ثم الدين ليس بالعقل ولا بالعاطفة، إنما باتباع أحكام الله في كتابه وأحكام رسوله في سنته

وفي حديثه، لو أراد الإنسان أن يعالج الأحكام الشرعية ولو كان من أعلم أهل الأرض بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصاب هذا الإسلام ما أصاب الأديان التي كانت قبله، كاليهودية والنصرانية، فضلاً عن غيرها كالبوذية والهندوسية ... وغيرها، لكن الله عز وجل بسابق علمه وغالب حكمته قدر أن يكون هذا الإسلام محفوظاً إلى أن يقبض الله عز وجل بتلك الريح الطيبة روح كل مؤمن، فلا يبقى على وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله، فعليهم تقوم الساعة، قدر أن يظل هذا الإسلام محفوظاً في أصلين، في كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهذا وذاك كان صيانة للمسلمين أن ينحرفوا في دينهم إلى عقولهم وأهوائهم كما أصاب الذين من قبلنا ممن بدلوا دينهم واتبعوا أهواءهم واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، ولذلك فما ينبغي للمسلم خاصة من ليس عنده يعني وفر من الثقافة الإسلام إذا ما سمع خبراً نبوياً أن يعالجه بطرح إشكالات وشبهات، كهذا السؤال. فأي شيء في حديث أنه: «كل نسب وسبب ينقطع إلا نسبي»، هذا له علاقة بالتوالد، فنحن نعتقد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما جاء عنه أنه ولد من نكاح وليس من سفاح، فأبواه كانا معصومين من الوقوع في الفاحشة وفي الزنا لكي لا يكون ابنهما وهو محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا شريف النسب، لكن ذلك لا ينفي أن يكون على الأقل أبوه وأمه أقول على الأقل من أهل الضلال يعني من أهل الشرك وعبادة الأوثان ما ينافي هذا ذاك، وبعد ذلك أقول: ما ينافي أن يكون من أولئك المشركين الذين بلغتهم دعوة التوحيد ثم انحرفوا فيها مع المنحرفين عنها وهم كثر في الجاهلية الأولى، كما هم كثيرون في جاهلية القرن العشرين كما يقولون، وحينئذ فلا غرابة أن يقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جواباً على سؤال ذلك السائل القائل: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: «في النار»، ثم ولى الرجل السائل، طبعاً نتصور المشهد هذا، نتصوره الآن،

أنه رجع أسيفاً حزيناً على أبيه، لأنه هو ولده، والرسول عليه السلام أدق الناس نظراً وأشدهم فراسةً قال: «هاتوا الرجل»، فقال له: «إن أبي وأباك في النار»، لا شك نحن يحزننا أن يكون والدا نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم - النار، ولكن حزنه عليه السلام عليهما أكبر وتأثره بذلك أشد منا بكثير، ولكن أليس هذا الاستسلام منا تبعاً لاستسلام نبينا بحكم ربنا العادل على الوالدين بهذا الحكم الشديد بالنسبة إلينا، والعادل بالنسبة لصدوره من ربنا في حقهما؟ هو كذلك ولهذا هنا هذا التقدير الإلهي امتحان من أشد أنواع الامتحان للرسول أصالةً ولأتباعه المؤمنين به تبعاً، هل يرضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقضاء الله وقدره أم يقول: لم أبي وأمي في النار؟، لا هو يرضى بلا شك، ونحن إذاً تبعاً له نرضى بما رضي هو به من قضاء الله وقدره، ثم إن الحكمة البالغة أن يتذكر الإنسان بمثل هذا الحكم الشديد على العواطف، عواطف المسلمين أن يرجعوا في أنفسهم إلى أن الأمر كله بيد الله، وأن لا أحد هناك يؤثر بجاهه ومنزلته على الله، وكما قال تبارك وتعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (القصص:68)، فإذاً تقدير الله عز وجل لمثل هذا الأمر، أبوا الرسول عليه السلام مشركان وفي النار لأكبر دليل على أن الواسطة البشرية بين الناس وبين خالق الناس لا تفيد إطلاقاً؛ لأن السلطة كل السلطة بيد الله تبارك وتعالى، فهو الفعال لما يريد، وهنا تأتي الآية السابقة التي ذكرنا: {فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} (المؤمنون:101)، ففيها [قطع] دابر الاعتماد على النسب؛ لأن المسلم لما يرى أن أبوي الرسول عليه السلام هذا مصيرهم بسبب كفرهم، فإذاً سوف لا يغتر أحد بأن يقول على خلاف ما قال ذلك الشاعر العربي، أيش قال، هات لنشوف: لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الأحساب ... على الأحساب

[761] باب كيف الجمع بين كون من لم تبلغهم الرسالة من أهل الفترة وبين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - «أبي وأبوك في النار»؟

مداخلة: لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الأحساب نتكل الشيخ: على الأحساب نتكل، أنا أحفظ هكذا نبني كما بنت أوئلنا مداخلة: نبني كما كانت أوئلنا ... تبنى ونفعل ... الشيخ: كما فعلوا "الهدى والنور" (530/ 14: 01: 00) [761] باب كيف الجمع بين كون من لم تبلغهم الرسالة من أهل الفترة وبين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - «أبي وأبوك في النار»؟ السؤال: حول قضية تفضلت فيها أن الذين لم تبلغهم الرسالة وأن أطفال المشركين وأهل الفترة يمتحنون في عرصات يوم القيامة، الحديث الذي تفضلت به، وهذا يعارضه حديثان، أريد أن نعلم [كيف الجمع] وهما الحديث الذي رواه مسلم رحمه الله: «أبي وأبوك في النار» ثم الحديث الآخر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في الحديث الصحيح: «إن الله وعدني أن لا يعذب اللاهين من أمة البشر» (¬1) واللاهين معلوم أنهم الأطفال، وهذا عموم الأطفال المشركين وغيرهم. الجواب: العموم أمره سهل، تعرف أن العام يدخله التخصيص أليس كذلك؟ مداخلة: نعم. ¬

(¬1) صحيح الجاع (رقم3592).

الشيخ: إذاً تخصيص حسب ما سمعت من التفصيل. واضح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: يبقى الجواب عن الحديث الأول، الحديث الأول ليس فيه معارضة والحمد لله شأن كل الأحاديث الصحيحة، إنما يأتي ادعاء المعارضة هو من فكرة قائمة في أذهان كثير من الناس اليوم وهي فكرة خاطئة، وهي أن الذين كانوا قبل الرسول عليه السلام هم من أهل الفترة، وهذا خطأ فاحش جداً، العرب في الجاهلية لم يكونوا من أهل الفترة، أي: لم تبلغهم دعوة نبي. كيف وإبراهيم وإسماعيل يقول الله رب العالمين في القرآن الكريم: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} (البقرة:127) .. إلى آخر الآية. وبعدين هم كانوا يحجون ويعتمرون وكانوا يطوفون، وكانوا يأتون بكثير من المناسك التي ورثوها عن إبراهيم وإسماعيل، فمن الخطأ الفاحش أن يقال: إن العرب كل العرب كانوا من أهل الفترة، ولذلك فالعرب بلغتهم دعوة إبراهيم وإسماعيل والآثار إلى الآن، آثار هذه الدعوة لا تزال موجودة في المسجد الحرام، لكن معلوم أيضاً بالإضافة إلى هذا أن العرب دخل في ديانتهم أشياء كثيرة من الشرك والوثنية، وكان ذلك ظاهراً حتى في الكعبة التي كانت نصبت فيها الأصنام، والرسول لما دخلها كان يحطمها بعصاه، وكلما حطم صنماً يقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (الإسراء:81)، لكن هذا لا يعني أنهم ما جاءتهم الدعوة، إنما نستطيع أن نقول: منهم من جاءتهم الدعوة والمقصود هنا بالدعوة ليس تفصيلياً؛ لأن الحقيقة المسلمين اليوم الدعوة التفصيلية ما جاءتهم على وجه الصحيح إلا أفراد قليلين جداً، لكن يهمنا العقيدة التوحيد الذي هي سبب النجاة من الخلود في النار يوم القيامة واضح أو لا؟

فأنا أقول أن العرب كأي أمة أخرى بلغتهم دعوة نبي أو رسول فمنهم من جاءته كما جاءت إلى الرسول وكما بلغها الرسول، ومنهم من انحرفت جاءته منحرفة، والله عز وجل هو الذي يعلم من هو الذي بلغته الدعوة قبل أن تنحرف عن الجادة والعكس بالعكس، لكن الغرض أن لا نطلق الكلام ونقول أن العرب في الجاهلية كانوا أهل فترة لهذا السبب أولاً، ولأحاديث متكاثرة جداً تدل على أن أفراداً من الجاهلية يعذبون، كهذا الحديث مثلاً: «إن أبي وأباك في النار» فهذا دليل أنه بلغته الدعوة وإلا كيف يعذب في النار ولم تبلغه الدعوة، وكحديث أن الرسول عليه السلام كان مع بعض أصحابه على دابته لما مر بقبرين فشمست الدابة، نفرت، فنظر الرسول عليه السلام فرأى هناك قبرين، فسأل أصحابه وقال: «متى مات هؤلاء أو هذان؟ قالوا: ماتا في الجاهلية. فقال عليه السلام: لولا أن تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر» فالدابة سمعت عذاب القبر فشمست، والرسول يقول: «لولا أن تدافنوا» أي: لولا أن تموتوا فيدفن بعضكم بعضاً من رهبة سماع العذاب في القبر لأسمعتكم العذاب هذا. كذلك الحديث الذي يقول السائل أو السائلة أن فلان في الجاهلية، حاتم الطائي أو غيره، ابن جدعان يمكن أنه كان كريماً وكان مضيافاً وكان كثير الخيرات واليتامى والمساكين .. وإلى آخره هل ينفعه شيء من ذلك يا رسول الله؟! قال: «لا، إنه لم يقل يوماً من دهره: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»، لذلك فباختصار أهل الجاهلية ليسوا أهل فترة، بلغتهم دعوة إبراهيم وإسماعيل وكان بعض أفرادهم على التوحيد. نعم. مداخلة: هل صح بأنه كان أفراد ... لا يتجاوزون الستة نفر هم الذين يعلمون كورقة بن نوفل مثلاً عن الحنيفية السمحة وكان كثير النظر للسماء والهمهمة ولا

يعلم كيف يعبد الله تبارك وتعالى، يقول: لو أعلم كيف تبعد لعبدتك، وأخبر الله تبارك وتعالى عن المشركين بأنهم كانوا يتقربون للأصنام لتقربهم إلى الله زلفى، يعبدونها ليتقربوا من الله تبارك وتعالى، فهم لا يعلمون الوسيلة والصحيحة والعقيدة السليمة التي يعبد الله تبارك وتعالى بها، إذ كانوا يعبدوا الأصنام لكي تقربهم إلى خالقهم. فمن هذا ألا تكون الديانة الحنيفية اندثرت وزالت وما بقي لها أي معان؟ الشيخ: أنا أعتقد أنه سبق الجواب عن مثل هذا السؤال أيضاً؛ لأني جعلت العرب في الجاهلية كالمسلمين اليوم، فمنهم من بلغته الدعوة فهو مسؤول مؤاخذ إذا كفر بها، ومنهم من لم تبلغه الدعوة فهو غير مؤاخذ وله حساب كما عرفتم في عرصات يوم القيامة، وقلت أيضاً: بأن من العرب من بلغته الدعوة وضربت مثلاً بجماعة التوحيد هؤلاء معروفين يعني، لكن هذا لا يعني أنه لم يكن هناك أفراد آخرون كانوا موحدين، وما ذكرته بالنسبة لورقة أو غيره أنه كان يقول: لا أعرف كيف أعبد الله. هذا أنا شيء لا أعرفه، ولا أعتقد صحته، لكن هب أن الأمر كذلك، لكن هذا هل معناه أنه كان مشركاً؟ لا. كان موحداً، فالتوحيد هو سبب الخروج أو عدم الخلود في النار على الأقل. الخلاصة عرفتموها وهو: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). فكل شخص بعينه جاءنا حديث صحيح في الجاهلية أنه معذب لا يجوز أن نتصور أنه من أهل الفترة، هذا هو المهم في الموضوع، فقد بلغته الدعوة وبذلك ترتب العذاب به. والحمد لله. "الهدى والنور" (262/ 00:08:39)

[762] باب هل يصح تأويل حديث «أبي وأبوك في النار» بعمي وعمك

[762] باب هل يصح تأويل حديث «أبي وأبوك في النار» بعمي وعمك السائل: شيخنا بالنسبة لقوله تبارك وتعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى} (التوبة:113). دلت السنة النبوية أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أجاب الأعرابي أو أجاب الرجل، قال: «أبي وأبوك في النار» ... [يقول] بعض إخواننا الذي نشهد لهم بالالتزام أنه يحتمل أبي وأبوك في النار، أي: عمي وعمك، ما ردكم يا شيخ؟ الشيخ: وهل يحتمل العكس؟ مداخلة: بده يكون كذلك، وده يبرأ والدي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، تحتمل هذيك. الشيخ: التبرئة أولاً لا هي بيده ولا بيدنا، لكن نحن الآن نتكلم عن معنى الحديث، أنت على ذمتك. مداخلة: ... أنا ما رديت عليه. الشيخ: لا لا على ذمتك تنقل عنه، بيقول أنه تحتمل. طيب ما يحتمل المعنى الظاهر. مداخلة: أكيد. الشيخ: إذاً: شو جوابه؟ مداخلة: لم نسأله عن هذه الثانية. الشيخ: هذه المشكلة. لذلك بدنا نتعلم السؤال والجواب.

هذا الحديث إذا أُوِّلَ تعطلت الشريعة، هذا أولاً. ثانياً: الحديث له مناسبة، وهي أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال له: «أين أبي؟ قال: في النار» هل نفسر أن هذا الرجل يقصد عمه؟ مداخلة: لا. ظاهر الحديث واضح. الشيخ: إذاً: هذا التأويل لا يمشي هنا، لأنه له مناسبة المناسبة تمنع التأويل وتبطله، هذه واحدة. ثاني واحدة: ماذا يفعل بحديث: «استأذنت ربي في أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي» ولَّا خاطر الأب عنده هذا صاحبك أكثر من خاطر الأم؟!! "الهدى والنور" (251/ 03: 36: 00)

جماع أبواب مسألة مصير أطفال المؤمنين وأطفال المشركين في الآخرة

جماع أبواب مسألة مصير أطفال المؤمنين وأطفال المشركين في الآخرة

[763] باب عدم التكليف قبل البلوغ وقيام الحجة

[763] باب عدم التكليف قبل البلوغ وقيام الحجة [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار. يعني: أطفال المشركين» (موضوع) [قال الإمام]: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (2/ 233 - 234 - دار العروبة) بعد أن ذكر الحديث بنحوه: "وهذا الحديث كذب موضوع عند أهل الحديث، ومن هو دون أحمد من أئمة الحديث يعرف هذا فضلاً عن مثل أحمد". قلت: وإنما جزم شيخ الإسلام بوضعه - وإن كان السند لا يقتضي ذلك -؛ لمنافاة متنه للمقطوع به في الإسلام من الأدلة الكثيرة القاضية بعدم التكليف إلا بعد البلوغ، وقيام الحجة؛ كما في قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} (الإسراء: 15)، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ ... » الحديث (¬1). "الضعيفة" (8/ 367 - 368). [764] باب أطفال المؤمنين في الجنة [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «أولاد - وفي رواية أطفال - المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم ¬

(¬1) وهو حديث صحيح، مخرج في " الإرواء " (297) وغيره. [منه].

[765] باب منه

وسارة، حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة» (منكر بهذا التمام) [قال الإمام]: ثم إن الحديث يخالف بظاهره ما جاء في عدة أحاديث صحيحة: إن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - هو أول من يدخل الجنة، وأن أولاد الآباء يأبون أن يدخلوا الجنة إلا وآبائهم معهم، فيدخلون جميعاً. "الضعيفة" (12/ 1/57 - 58). [765] باب منه سؤال: تقول عائشة رضي الله عنها: «أدرك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جنازة صبي من صبيان الأنصار، فقالت عائشة: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: وما يدريك إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب أبنائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم» (¬1) ماذا تقصد بعصافير الجنة؟ الجواب: يعني تفهم أن هذا الولد الصغير الذي لم يبلغ سن الحلم، أنه يدخل الجنة؛ لأنه غير مكلف، فرد الله عز وجل عليها بأن الأولاد الصغار، -وهذه مسألة أيضاً مما اختلف فيه العلماء- لهم معاملة في عرصات يوم القيامة، يمتحنون، يعني الذين ماتوا قبل سن البلوغ والتكليف، يمتحنون يوم القيامة، كما لو كانوا عاشوا في الدنيا، وبلغوا سن التكليف، فمنهم من يستجيب للدعوة التي يدعى إليها في عرصات القيامة، فيكون من أهل الجنة، ومنهم من لا يستجيب فيكون من أهل النار، ولذلك قال عليه السلام: «وما يدريك إن الله خلق للجنة خلقاً وللنار ¬

(¬1) مسلم (رقم6939).

[766] باب أطفال الكفار في الجنة

خلقاً» فالرسول ما يدري ماذا سيكون مصير هذا الطفل هناك في العرصات. مداخلة: يعني ما أقر قولها؟ الشيخ: لا ما أقر طبعاً. "الهدى والنور" (426/ 50: 14: 00) [766] باب أطفال الكفار في الجنة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «سألت ربي اللاهين، فأعطانيهم. قلت: وما اللاهون؟ قال: ذراري البشر». [قال الإمام]: والمراد بـ (اللاهين) الأطفال كما في حديث لابن عباس عند الطبراني (11906) بسند حسن. فالحديث من الأدلة على أن أطفال الكفار في الجنة، وهذا هو الراجح كما ذكرنا في " ظلال الجنة " (1/ 95) فراجعه. "الصحيحة" (4/ 502، 504). [767] باب منه [قال الإمام]: القول الراجح في أطفال المشركين أنهم في الجنة، فضلاً من الله ورحمة. وقد جاء في بعض الأحاديث: «أطفال المشركين خدم أهل الجنة». وهو صحيح بطرقه. "الضعيفة" (12/ 2/645).

[768] باب هل أطفال المشركين، ومن لم يبلغه الإسلام الحق من المسلمين؛ من أهل الفترة؟

[768] باب هل أطفال المشركين، ومن لم يبلغه الإسلام الحق من المسلمين؛ من أهل الفترة؟ السائل: [أطفال المشركين] هم مِنْ أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة؟ الجواب: أي نعم. السؤال: مِن أهل الفترة؟ الجواب: من أهل الفترة؛ يعني يبعث الله إليهم رسولاً في عرصات يوم القيامة فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، ككل أصحاب الأعذار الذين لم تبلغهم الدعوة، ولذلك لما سئل عليه الصلاة والسلام عن أطفال المشركين قال: {الله أعلم بما كانوا يعملون}. فمن استجاب منهم يوم القيامة للرسول وأطاعوه كان من خدم أهل الجنة .. السؤال: هؤلاء الذين يُسْلِمُون على يد أصحاب الطرق الغلاة من الصوفيين وغيرهم ويعتقدون أن هذا هو الإسلام، هل هؤلاء يعتبرون من أهل الفترة أيضاً؟ الجواب: أي نعم. ما دام أن الإسلام الصحيح ما بلغه فهم كذلك، كالأوروبيين والأمريكان وغيرهم، ممن يغترون ببعض الدعوات منها غلاة الصوفيين، ومنها جماعة القاديانية ونحو ذلك. السؤال: وهم يعتقدون أن هذا هو الإسلام ... ولهذا لا نستطيع أن نكفرهم؟ الجواب: لا. نحن قلنا إن ظاهرهم يشهدوا أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، وأما حسابهم عند الله. "الهدى والنور" (206/ 50: 23: 00)

[769] باب حكم أولاد النصارى والمنافقين ممن لم يبلغ سن التكليف في الآخرة، ومن بلغته الدعوة في سن الخرف، ومن لم تبلغه أصلا، وأمثالهم.

[769] باب حكم أولاد النصارى والمنافقين ممن لم يبلغ سن التكليف في الآخرة، ومن بلغته الدعوة في سن الخرف، ومن لم تبلغه أصلا، وأمثالهم. سؤال: حكم أولاد النصارى المتوفون دون سن التكليف؟ أولاد الكفار إذا ماتوا قبل سن التكليف فهؤلاء لا يحكم لهم بجنة أو بنار، فأما أنه لا يحكم لهم بنار؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). وتمام هذا قوله عليه السلام: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق» (¬1). فإذاً: هذا الصبي النصراني أبوه وأمه هذا مرفوع عنه القلم، مرفوع عنه المؤاخذة، ولذلك فلا يحكم له بنار، لكن في الوقت نفسه لا يحكم له أيضاً بجنة؛ لأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وهذا لا يعرف الإيمان من الكفر، لذلك فلا يُقطع له بجنة ولا يُقطع له بنار، ولكن لهم في عرصات وساحات يوم القيامة، لهم معاملة خاصة لهؤلاء الأطفال .. أطفال النصارى، والذين جاءتهم الدعوة في سن الخرف .. الكبر، والذين لم تبلغهم الدعوة مطلقاً، هؤلاء أيضاً لا يحكم لهم بجنة ولا بنار، هؤلاء جميعاً لهم معاملة خاصة في عرصات يوم القيامة كما جاء في مجموعة من الأحاديث خلاصة هذه المعاملة أن الله عز وجل كما أرسل إلى الناس في الدنيا رسولاً، فمن أطاع الرسول دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «كلكم يدخل الجنة إلا من ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم5825).

أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» (¬1). كذلك الذين ذكرناهم من الأنواع، يبعث الله عز وجل إليهم يوم القيامة رسولاً خاصاً بهم، فيأمرهم جميعاً بأن يلقوا بأنفسهم في النار. مداخلة: من هم؟ الشيخ: الذي ذكرناهم الأطفال النصارى والشيخ الفاني الذي بلغته الدعوة على خرف وعلى كبر، والذي لم تبلغه الدعوة مطلقاً. هذه الأجناس يبعث الله إليهم رسولاً في عرصات يوم القيامة، ليس هناك دار تكليف صلِّ .. صُم، لا، إنما هي ساعة من نهار، ألقوا أنفسكم في النار، طبعاً هذا الرسول المرسل من الله إلى هؤلاء الناس كأي رسول أرسل إلى أهل الأرض، فهؤلاء الرسل أرسلوا ومعهم براهين ومعجزات يثبتون للناس أنهم مبعوثون من الله تبارك وتعالى، كذلك يجب أن نتصور بأن هذا الرسول الذي يرسله الله تبارك وتعالى في عرصات يوم القيامة، يرسله ومعه التصديق .. مداخلة: من هو الرسول الذي يرسل إليهم؟ الشيخ: ليس مسمى في الحديث من هو، لكن الشاهد معه «الراية»، معه البرهان على أنه مرسل من الله تبارك وتعالى، فيأمرهم جميعاً بأن يلقوا أنفسهم في النار، فمن أطاع كانت ناره جنة، ومن عصاه دخل النار رغم أنفه. هؤلاء الناس الذين هم من الأصناف الثلاثة حينما يبعث الله عز وجل إليهم ¬

(¬1) البخاري (رقم6851).

رسولاً يأمرهم بأن يلقوا بأنفسهم في النار، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار. وهذا التكليف في عرصات القيامة له شبه في آخر أيام من أيام الدنيا، وذلك حينما يخرج الدجال الأكبر الذي حدثنا عنه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في أحاديث كثيرة متواترة، منها قوله عليه السلام: «ما بين خلق آدم والساعة فتنة أشد من فتنة المسيح الدجال» (¬1). وذلك لأنه يأتي بمخاريق، بخوارق للعادات يظن ضعفاء الإيمان أنه فعلاً هو كما يزعم، أنه رب، وأنه الإله الذي يستحق العبادة، لأنه يقول للسماء أمطري فتمطر، ويقول للأرض القاحلة الجدبة: أنبتي أخرجي نباتك، فتصبح خضراء مورقة، ويقول للخربة: أخرجي كنوزك، فتخرج الكنوز تمشي وراءه، يعني أشياء من جملة الفتنة التي يفتتن بها الناس بالدجال، لكن الله عز وجل كما هي سنته في عباده يبتلي الناس بالخير والشر، فهو بالإضافة إلى أنه يسخر لهذا الدجال هذه الأنواع من الخوارق، فبالإضافة إلى ذلك يبتليه بأن يكون أعور العين، ومكتوب على جبينه: كافر، يقرأه الأمي والقارئ، وهذا برهان لكونه كذاب، وتلك براهين توهم ضعفاء الإيمان أنه إله، ولذلك قال عليه السلام لما وصفه بأنه أعور، قال عليه السلام: «وإن ربكم ليس بأعور، وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت» (¬2). إذاً: أي إنسان مهما كان صاحب مخاريق وخوارق وآيات يظن الناس أنها كرامات، فما دام أنه يدعي الألوهية، فإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت. إذاً: هو دجال. ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم7875). (¬2) المصدر السابق.

هذا الدجال يقول للناس آمِنْ بي أدخلتك الجنة، ويريه جنة، ولمن يعصيه يريه النار، فيقول الرسول عليه السلام: «فمن كفر به أدخله النار وهو في الجنة» والعكس بالعكس: «من آمن به أدخله الجنة وهو في النار». نفس العملية تتكرر يوم القيامة مع أولئك الأجناس، ... هذا جواب سؤالك. مداخلة: شيخنا بالنسبة [لنفس المسألة كيف الجمع بين ما ذكرت وحديث] «أطفال المشركين خدم أهل الجنة»؟ الشيخ: نعم، إذا عرفت التفصيل السابق، فلا شك أن في هؤلاء الأطفال من يستجيب لدعوة الرسول، فيكونوا أولئك هم الخدم. ما في إشكال. مداخلة: يعني أنا شايف الحديث في كل أطفال المشركين. الشيخ: لو غيرك قال هكذا، أما تعرف أن الفقه فيه عام وخاص. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب الكلية هذه ما الذي أوقفك عندها. مداخلة: ما الذي خصصها؟ الشيخ: ما ذكرته لك آنفاً، في بعض الروايات الذي ذكرها الإمام ابن كثير في تفسير آية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). هذا شيء، والشيء الثاني أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لما سئل عن أطفال المشركين،

هل هم في النار أم في الجنة، قال: «الله أعلم بما كانوا يعملون (¬1)» يعني: إذا بلغوا سن التكليف. فهم في الدنيا لا يحكم لهم بجنة أو بنار كما ابتدأنا الكلام، هذا بالنسبة للمؤاخذة الأخروية. لكن ما رأيك إذا مات الطفل الكافر أين يدفن؟ مداخلة: في مقابر المسلمين. الشيخ: سبحان الله .. مداخلة: على ظاهر الحديث يعني. الشيخ: لو غيرك قالها، وهذا من الأمثلة الكثيرة أن المنهج السلفي يحتاج إلى تطبيق كثير، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115). فالسؤال الآن يتطور بناء على الجواب السابق، فنقول: ما هو سبيل المؤمنين بالنسبة للكفار عموماً كباراً وصغاراً؟ مداخلة: شيخنا ... أنا أعرف أن هذا تفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم. الشيخ: وهو؟ مداخلة: أن أطفال المشركين في الجنة، بناء على هذا الحديث. ¬

(¬1) البخاري رقم (1317) ومسلم (رقم6929).

الشيخ: لا حِدْتَ الآن. مداخلة: لا هو هذا ... الشيخ: حِدْتَ الآن، كان آخر نقطة في الدفن. مداخلة: .. هؤلاء من أئمة السلف واختاروا هذا القول. الشيخ: حِدْتَ، لا تزال أنت مصر على الحيدة، الظاهر أنك تريد أن تؤلف كتاب ثاني: الحيدة. هب أن الأمر كذلك، هذا في الدنيا أم في الآخرة، فتح عينك، يعني ما نقلته عن شيخ الإسلام. في الأمر الأخروي، طالما أن هذا الحديث يقول: «أطفال المشركين خدم أهل الجنة»، بم أخرجناهم وقلنا أنهم ليسوا في الجنة وهم في النار؟ الشيخ: ذكرنا لك أن الأطفال مذكورون في بعض الروايات [التي] ذكرها ابن كثير في الآية السابقة: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). ثم ذكرنا لك الحديث المتفق عليه لما سُئل عن أولاد المشركين هل هم في ... مداخل آخر: ... الحديث الثاني يا شيخنا ممكن يوجه الشيخ: من؟ الآخر: الحديث الثاني: «الله أعلم بما كانوا فاعلين». الشيخ: أي نعم، بما كانوا يعملون.

الآخر: بما كانوا يعملون، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى يعلم بما سيؤولون إليه، وبالتالي حكم لهم بالجنة على لسان نبيه ... الشيخ: لا هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً، إذا قلنا بأن أطفال المشركين كلهم في الجنة حين ذاك يستوون مع أطفال المسلمين، وهذا يخالف ظاهر قول القرآن الكريم الذي يقول: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (الطور:21)، هؤلاء المسلمون تلحق بهم ذرياتهم، بينما الذي يقول بإلحاق أطفال المشركين كلهم بإدخالهم الجنة، هذا ينافي هذا التخصيص الإلهي في القرآن الكريم: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أنت ذاكر الآية طبعاً. فحينئذ لا يستوي الطفل المسلم أبوه مع الطفل الكافر أبوه، لا يستويان مثلاً. مداخلة: .. يا شيخنا لو قال قائل: ذلك جاء من أبوين مسلمين، وذلك جاء من أبوين كافرين، فما الفرق بينهما، يعني ما هو ذنب الطفل الذي ولد من أبوين كافرين. الشيخ: أخطأت فأعد كلامك، لكي لا تخطئ، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، أين المؤاخذة هنا؟ مداخلة: أقول .. الشيخ: لا تَقُل، أنا أسألك الآن: أنت تقول: بماذا يؤاخذ، أين المؤاخذة في قولنا السابق؟ مداخلة: يعني عطفه على الامتحان في يوم القيامة وعدم الحكم له بالجنة مع أنه بريء.

الشيخ: واحدة واحدة .. هذه مؤاخذة؟ مداخلة: هكذا يبدو لي؛ لأنه لم يبلغ سن التكليف. الشيخ: [ما] يبدو لك ينبغي أيضاً أن يلحقه المحو، تدري لم؟ مداخلة: نعم. الشيخ: لأنك حينئذ تحكم على الناس جميعاً في الدنيا بما حكمت على أطفال الكفار، يكفيك هذا أو .. مداخلة: أظن أنه لا يلزمني؟ الشيخ: يكفيك هذا، فهمت علي؟ أنا أقول لك كلمة المؤاخذة، بلغ سن التكليف أو لم يبلغ سن التكليف، لكن ربنا يكلف من يشاء بما يشاء، وخلق الخلق وكلفهم، وأرسل إليهم رسولاً، فهل في هذا شيء من المؤاخذة. مداخلة: لا في هذا ليس هناك شيء. الشيخ: الآن نأتي إلى أطفال الكفار، إذا أرسل إليهم رسولاً ومع هذا الرسول كما قلنا سلفاً برهان أنه مرسل من الله، وأنت تعلم أن طبيعة البرهان أن يفهمه كل مكلف، حينذاك لا يهمنا أكان طفلاً أم كان رجلاً، المهم أن هذا الرسول معه برهان أنه من الله عز وجل، فحينئذ ظهر له البرهان ولم يخضع له، في مؤاخذة في هذا؟ مداخلة: لا ليس هناك مؤاخذة. الشيخ: إذاً: ما هو الإشكال؟

مداخلة: أنا تعليقي يا شيخنا على أنه لم يبلغ سن التكليف ومرفوع عنه القلم. الشيخ: أنا سأجاوبك عن هذا، ولَّا كلامي حول ماذا؟! هذا الطفل بلغ سن الرشد، سن فهم البرهان، ثم آمن أو كفر، في مؤاخذة هنا؟ مداخلة: لا. الشيخ: فإذاً، ستعيد كلامك وتقول لي: أنا أتكلم عن الطفل. هذا شيء، الشيء الآخر: هل من الضروري أن هؤلاء الأطفال يظلون كما ماتوا من حيث طفولتهم؟ مداخلة: معليش يا شيخ أعِد الشيخ: أقول: هل من الضروري كون هؤلاء الأطفال [الذين] ماتوا قبل سن التكليف في الدنيا، أنهم حين يبعثون يكونون كذلك. مداخلة: ليس من الضروري؟ الشيخ: فإذاً ليس لك حجة قاطعة أبداً فيما أوردت من إشكال ... مداخلة: المهم يا شيخنا الحديث: «أطفال المشركين خدم أهل الجنة» [بينت] بكلامك السابق أنه مخصص، بالرواية التي رواها ابن كثير. الشيخ: بمن أطاع الرسول في عرصات يوم القيامة. مداخلة: يعني الخلاصة: أنه من دخل الجنة من أطفال المشركين تكون وظيفته خادماً.

[770] باب الكلام على أهل الأعذار الذين لم تصلهم الدعوة، ومصير أطفال المشركين وأطفال المؤمنين

الشيخ: هذا لم نختلف فيه، لكن .. مداخلة: أقصد أنه هذا هو الجمع، وبهذا الأمر يتضح تمام، يعني انه مش في ناس والله بيكونوا في الجنة وفي النعيم كذا، وفي ناس خدم، لأنه هكذا أظنه يتوضح، يعني من دخل من أطفال المشركين الجنة استجابة للرسول تكون وظيفته خادماً مداخل آخر: يا سيدي المهم يدخلوا الجنة مش مشكلة. [ثم سئل الشيخ عن حال حديث أخرجه مالك وأورده شيخ الإسلام فيه أن الطفل الكافر يعذب في مداخلة غير واضحة-، فأجاب الشيخ]: الشيخ: إذا كنت لا تستحضر الحديث، فأنا لا أعرفه. "الهدى والنور" (177/ 57: 42: 00) [770] باب الكلام على أهل الأعذار الذين لم تصلهم الدعوة، ومصير أطفال المشركين وأطفال المؤمنين السائل: [الحديث]: «فمن سمع بي ولم يتبعني دخل النار»، ولكن من لم يسمع بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ الشيخ: الجواب في الحديث، الحديث كما يقول علماء الأصول له منطوق وله مفهوم، منطوقه: "وسمع بي"، مفهومه ولم يسمع بي لا يدخل النار، أي: في كل عصر وفي كل مصر يوجد غير مسلمين، سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو بوذيين أو دهريين أو أي شيء، غير مسلمين، هؤلاء يدور أمرهم بين واحد من اثنتين لا ثالث لهما: إما أن يكون بلغته دعوة الرسول عليه السلام أو لم تبلغه، فإذا بلغته

عرفت الجزاء من نفس الحديث، وإذا لم تبلغه فليس له هذا الجزاء، هذا هو الجواب عن سؤالك، ماشي؟ السائل: ماشي. الشيخ: أم فيه شيء؟ السائل: نحن نسأل عن المصير، هل يجب أن يكون متبع لدين معين إذا ما وصله دين الإسلام، هل يحاسب على أعماله الشخصية، أو هل يصل إلى معرفة الخالق أو وحدانية الخالق ... الشيخ: أنت يا أستاذ الحقيقة يكون في ذهنك أسئلة كثيرة جداً تظن لما توجه سؤال واحد لازم يكون هذا متضمن لكل الأسئلة، أنت كان سؤالك: وإذا لم يسمع، جاءك الجواب، الآن تجي وتقول: هل يحاسب هل كذا هل كذا .. إلخ، كل سؤال له جواب، ما فيه عندي مانع أي إنسان يسأل سؤالاً وفي مطلع هذه الجلسة قلنا: الذي عندنا جوابه نجاوب، وإلا وكلنا العلم إلى الله عز وجل، لكن لازم يكون سؤال واضح، سؤالك أولاً قال: وإذا لم يسمع، فأخذت الجواب، إذا لم يسمع لا يكون له هذا الوعيد، لكن فيه سؤال ثاني، حدد لي إياه وأنا أجاوب عليه، ما سؤالك الثاني؟ السائل: ناس لم تصلهم رسالة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، في «الإسكيمو» في أي منطقه من مناطق العالم. الشيخ: هو قلنا نحن. السائل: هل الجماعة هؤلاء ... إذا حوسبوا مثلاً وكانوا على النصرانية يحاسبون على دين النصرانية؟

الشيخ: يا أخي! سبق الجواب بارك الله فيك، إما سمع بالإسلام أو لم يسمع، إذا سمع بالإسلام ولم يؤمن فهو في النار، إذا لم يسمع فليس في النار، أي: لا يحاسب هذا الحساب الذي يحاسب عليه من سمع. السائل: بارك الله فيك. مداخل آخر: يحاسب يعني ... الشيخ: لا لا، اسمح ليس قليل، لأني أنا شاعر أنه ما أخذ الجواب، ما دام أنه لم يسمع بالرسول عليه السلام فهو ليس في النار، فسؤالك الآن ما هو: هل يحاسب؟ كيف يحاسب وهو لم تبلغه الدعوة؟ السائل: نحن نعلم من خلال قراءة التفاسير أن الطفل الصغير يُحاسب. الشيخ: كيف يحاسب؟ السائل: في تفسير القرآن والتفاسير، إنسان: طفل، إذا مات غير مكلف: سنتين أو خمس سنوات عمره أو أقل أو أكثر تحت التكليف أنه يمتحن يوم القيامة من الله سبحانه وتعالى. الشيخ: وبعد الامتحان ماذا يكون؟ السائل: يقرر إما جنة أو نار إذا أطاع أو خالف. الشيخ: لا، هذا ما هو صحيح. السائل: حسب ما قرأت. الشيخ: لا هذا ليس صحيحاً. مداخلة: علمه عند الله. الشيخ: هذا علمه عند الله، هذا علم الله في القرآن، ماذا يقول ربنا عز وجل في

القرآن الكريم: ألحقنا بهم ذرياتهم، من يأتي بالآية. مداخلة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ} (الطور:21). الشيخ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ} (الطور:21) أين أنت من هذه الآية، كيف تقول أنت هؤلاء الأطفال يحاسبون؟ السائل: نحن قرأنا في تفاسير كثيرة ... الشيخ: لا، بارك الله فيك، هذه الآية عندك صريحة. السائل: الإخوان مشاركون لي في هذه الشغلة وقرؤوا الموضوع هذا. الشيخ: لا، ما قرؤوا الموضوع، قرؤوا موضوعاً ثانياً أنا أقول لك ما هو، أطفال المشركين، هذا الموضوع الذي قرأتوه، أما أطفال المسلمين: «ألحقنا بهم ذريتهم»، هذا ما فيه إشكال أبداً، أطفال المؤمنين ملحقون بآبائهم، حتى في أشياء لها فضيلة كبيرة جداً جداً، وما أدري كيف مريت عليها، قال عليه السلام: «ما من مسمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنثة -أي: التكليف- إلا لم تمسه النار إلا تحلة القسم» وليس هذا فقط ليس أنهم لا يدخلون النار وهم ملحقون بآبائهم بل يكونون شفعاء لآبائهم، جاء في صحيح مسلم أن الأطفال الصبيان غير البالغين يقفون عند باب الجنة يبكون، فيرسل الله إليهم جبريل عليه السلام: سلهم ما بهم وهو أعلم ما بهم ربنا عز وجل، فيأتيهم: ما بالكم؟ قالوا: لا ندخل الجنة إلا وآباؤنا معنا، فيقول الله عز وجل: أدخلوهم وآباؤهم معهم, ... ، البحث الذي قرأته والله أعلم هم أطفال المشركين، فيه ثلاثة أقوال لعلماء المسلمين: أطفال المشركين في الجنة، وهم خدم أهل الجنة هذا قول، القول الثاني هم يمتحنون في عرصات

يوم القيامة كما امتحن آباؤهم في الدنيا، القول الثالث: هم وآباؤهم في النار، حتى بهذه المناسبة يرووا حديثاً وأنا أذكره لتحذيري لكم منه، أنه السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها تعلمون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما تزوجها كانت متزوجة من قبل رجلاً وخلفت منه أولاداً، فسألت يوماً الرسول عليه السلام عن أولادها من زوجها الأول الذي مات في الجاهلية وماتوا، قال لها وانتبهوا الحديث غير صحيح: «إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار». هذا حديث غير صحيح. القول الصحيح بالنسبة للأقوال الثلاثة أن الأطفال الصغار للمشركين حكمهم حكم المجانين وحكم الشيوخ الخرفانين، وحكم أهل الفترة الذين حكينا عليهم وهم الذين لم تبلغهم دعوة الرسول عليه السلام، هؤلاء جاء في الحديث الصحيح أن الله عز وجل يرسل إليهم في عرصات يوم القيامة رسولاً، فيأمرهم بأن يلقوا بأنفسهم في النار، وأمامهم النار، فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، تماماً كما هو الشأن في هذه الحياة، لكن مع فارق كبير، والفارق هنا يا إخواننا أرجو أن تنتبهوا يتعلق بالمرسِل والمرسَل إليهم، المرسَل هنا في الدنيا في عنده معجزات وعنده براهين تتناسب حياة المرسل إليهم المادية التي يعيشون فيها، المرسل هناك يأتي أيضاً بعلامة يقتنع المرسلون إليه بأنه هذا فعلاً مرسل من رب العالمين، والابتلاء هناك كالابتلاء هنا مع فارق كبير، هنا من يؤمن فسيصاب بما جاء في الحديث: حفت الجنة بالمكارة وحفت النار بالشهوات، فالذي يريد يؤمن يحف ويصاب بنار معنوية، أما هناك فنار حقيقية مادية، لكن الرسول الذي يرسل إليهم يعلمون يقيناً أن هذا من الله، فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار. فإذاً: لا تكليف قبل بلوغ النذارة، لا تكليف قبل مجيء الرسول أو الدعوة،

[771] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الوائدة والموؤدة في النار»

وهذا من تمام حكم الله عز وجل ورحمته بعباده التي أودعها فيما يتعلق بهذا الموضوع في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) فهؤلاء الصبيان من المشركين ما جاءهم رسول لأنهم بعد ما دخلوا في دائرة التكليف، أولئك الأقوام الذين لم تبلغهم دعوة الرسول ما جاءهم الرسول ولذلك ربنا لا يعذبهم، هذا قولاً واحداً، أما يا ترى ماذا يعمل بهم ربنا؟ من كان عنده علم بالحديث الذي ذكرناه آنفاً فالجواب أن لهم امتحاناً في عرصات يوم القيامة. فهذا هو الحق ما به خفاء فدعني عن بنيات الطريق "الهدى والنور" (261/ 04: 38: 00) [771] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الوائدة والموؤدة في النار» عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الوائدة والموؤدة في النار». [قال الإمام]:صحيح. [ثم علق على الحديث قائلا]: ظاهر الحديث أن الموؤدة في النار ولو لم تكن بالغة, وهذا خلاف ما تقتضيه نصوص الشريعة: أنه لا تكليف قبل البلوغ, وقد أجيب عن هذا الحديث بأجوبة أقربها عندي إلى الصواب أن الحديث خاص بمؤودة معينة, وحينئذ فـ (ال) في (المؤودة) ليست للاستغراق بل للعهد. ويؤيده قصة ابني مليكة, وعليه فجائز أن تلك المؤودة كانت بالغة فلا إشكال. والله أعلم. "تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 40).

[772] باب منه

[772] باب منه سؤال: حديث «الوائدة والموءودة في النار» ما معناه؟ الشيخ: الوائدة والموءودة في النار، أي: "والموءودة له" في النار، فيطيح الإشكال، وضح لك أم لا؟ يعني: يوجد تقدير هنا شيء ليس مذكوراً صراحةً، لكن هو معروف فكراً: الوائد والموءودة في النار، أو الوائدة والموءودة في النار، الوائدة: كونها في النار لا يوجد إشكال؛ لأنها مكلفة بالغة، أما الموءودة: الطفلة الصغيرة كيف تكون في النار؟ أولاً: لا تزر وازرة وزر أخرى. ثانياً: رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، فهذه موءودة لا تعقل شيئاً، فكيف يحكم بها في النار؟ الجواب: ليست المقصودة هي الموءودة بذاتها وإنما المقصود: الموءود له إما الأب وإما الأم وإما كلاهما معاً إذا كانا اشتركا واتفقا على وأد البنت تَبَعْهُم فهما الاثنان في النار، أما الموءودة هي بالذات فلا حكم لها لا بالجنة ولا بالنار، فالوائدة والموءودة له أي: الزوج في النار. فالوائدة المصرح به بأنها هي الأم المؤنثة، أما الأب لم يذكر في الحديث صراحةً لكن ذكر ضمناً؛ لأن قوله: "والموءودة" لا يمكن أن يحمل على ظاهر النص؛ لأن الشريعة قاطعة الدلالة على أن الطفل الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف ليس مكلفاً ولا مؤاخذاً فلا يحكم له بالنار، ولذلك فتأويل الحديث: "والموءودة له" أي: وهو زوج الوائدة. "الهدى والنور" (15/:00:50:29)

جماع أبواب الكلام على إقامة الحجة وشروطها

جماع أبواب الكلام على إقامة الحجة وشروطها

[773] باب تعريف الحجة ومن يقيم الحجة على الحكام؟

[773] باب تعريف الحجة ومن يقيم الحجة على الحكام؟ السؤال: إقامة الحجة على الحكام، يعني: تعريف الحجة، وكيفية إقامة الحجة، ومن يقيمها؟ الشيخ: يقيمها أولاً أهل العلم، وثانياً: يقيمها بكتاب الله وحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعمل السلف الصالح، وما أدري أنت قلت ثالثاً ما هو الثالث؟ السائل: تعريف الحجة. الشيخ: تعريف الحجة، كما قال ابن القيم رحمه الله: العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحاب ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه فالحجة هو قال الله وقال رسول الله. السائل: بالنسبة للكيفية، تكون بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، أم عن طريق الرسائل. الشيخ: لا، المباشرة ليست ضرورية لأن الرسول عليه السلام لما دعا ملوك الكفر إلى الإسلام ما دعاهم مباشرة، أرسل إليهم خطاباً وأحياناً أرسل إليهم رسولاً من طرفه عليه السلام، فليس من الضروري أن تكون الحجة قائمة مباشرة، وإنما بواسطة، وبخاصة أن الآن نحن لو اتصلنا مع الذي نريد أن نقيم الحجة عليه، حتى لو اتصلنا عليه مباشرة فالحجة منا إليه نقدم ما قال الله وقال رسول الله، وبين الرسول عليه السلام الذي بلغنا شريعة الله منذ أربعة عشرة قرناً، فإذاً: في وسائط هنا لتبليغ الحجة حتى لو اتصلنا مباشرة بالذي نريد أن نقيم عليه الحجة، فالمهم

[774] باب هل يجوز تكفير الفرق الضالة بعد إقامة الحجة عليهم؟ والتطرق لمعنى إقامة الحجة

تبليغ الحجة إليه إما بواسطة شخص يذهب إليه كما جاء في الحديث الصحيح: «أفضل الجهاد كلمة حق تقال أمام سلطان جائر»، لكن هذا لو أرسل إليه خطاباً وبينت له المسألة بأدلتها من الكتاب والسنة فقد أقيمت عليه الحجة. "الهدى والنور" (468/ 20: 13: 00) [774] باب هل يجوز تكفير الفرق الضالة بعد إقامة الحجة عليهم؟ والتطرق لمعنى إقامة الحجة سؤال: هل يجوز تكفير الفرق الضالة كالخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم بعد إقامة الحجة عليهم؟ الشيخ: إذا كان السؤال مقيداً بما جاء في آخره بعد إقامة الحجة عليهم؟ الجواب: نعم، ولكن لا بد هنا من القول: هل كل من ادعى بأنه أقام الحجة على المنكر أو المخالف هو أهل لإقامة الحجة على ذلك المخالف؟ لأننا نشاهد اليوم مع الأسف أن كثيراً من شبابنا السلفي إذا ما تعلم بعض المسائل واختلف هو وأحد المشايخ العلماء، وقد يكونون علماء فعلاً بما يسمونه بعلوم الآلة يعني: بعلم النحو والصرف والبيان وإلى آخره، والأصول: أصول الحديث وأصول الفقه، لكن لم يطبقوا ذلك، فيأتي أحد إخواننا المبتدئ في العلم ويكون تعلم مسألة أو مسألتين أو ثلاثة واختلف مع ذلك العالم فيقول أنا أقمت الحجة عليه، ما أظن بمثل هذه السهولة نستطيع أن نقول بأن الحجة قد أقيمت عليه؛ ولذلك فأنا أقول: في هذا السؤال: إذا أقيمت الحجة عليه فعلاً فقد سبق الجواب في هذا تماماً، لكن من الذي

يقيم الحجة؟ هم أهل العلم .. أهل المعرفة بالكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح من المنهج السليم، فكما قلتم يعني: هذا السؤال تقدم جوابه في تضاعيف الجواب عن السؤال الأول. مداخل آخر: شيخنا تعقيباً على كلمتكم حيث قلتم: من الذي يملك إقامة الحجة على من يجب إقامة الحجة عليه ليؤوب إلى الحق؟ دائماً نذكر لكم كلمة لطيفة كنتم تقولونها وأطلقتموها منذ عقود: العلماء قسمان: عالم عامل، وعامل عالم، وقد جرى قياساً على ذلك حيث أصبحت كلمة العالم الآن استبدلت بكلمة أخرى وجرى ذكرها على ألسنة الكثيرين حيث صاروا يقولون: شيخ. الشيخ: وكثر الشيوخ في آخر الزمان مداخلة: فأقول: أيضاً قياساً على تلك الكلمة، ونسجاً على من منوالها: هناك الشيوخ قسمان: شيخ عامل، وعامل شيخ. الشيخ: الحقيقة بهذه المناسبة أنا أريد أن أذكر إخواننا أن لا يستعملوا هذه الكلمة يعني: أن ينبهوا أهاليهم أنهم لا ينادون رب البيت مثلاً الذي هو طالب علم مثلاً الشيخ فلان، وإنما بدل الاسم الكنية: أبو فلان .. أبو أحمد .. أبو محمد .. أبو عبد الرحمن .. أبو عبد الله .. أبو زيد أبو إلى آخره، أما الشيخ فلان في الحقيقة بالتعبير السوري هذه الكلمة: تبهدلت يعني: نزلت قيمتها. سبحان الله ككلمة العالم. مداخلة: هنا شيخنا أيضاً ما دام ذكرنا هذه المسألة، لقيني بالأمس القريب

بعض الإخوة كنت داخل السوق فجاؤوا مسرعين إلي وقالوا: أنجدنا أنجدك الله، قلت: أسأل الله أن يعيننا على النجدة ما ورائكم؟ قال: نحن من تلاميذ فلان، وهناك إخوة لنا من تلاميذ فلان وقبل أن ينقسم التلامذة إلى شيخين كنا نحب بعضنا بعضاً. الشيخ: الله أكبر. مداخلة: والآن صار يكره بعضنا بعضاً. الشيخ: أعوذ بالله. مداخلة: أي نعم، وحدثت يعني منافرة قلبية حتى أن الواحد منا صار لا يحب أن يلقى أخاه، والسبب في ذلك هما: الشيخان. الشيخ: نعم. مداخلة: فلان وفلان، ولذلك نرجوك أنك تتدارك الأمر بينهما لعل الله يصلح بينهما على يديك. الشيخ: الله المستعان، الله المستعان. مداخلة: والأمر يزداد نسأل الله العافية بسبب الهوى نسأل الله العافية. الشيخ: هذا الداء العضال .... مداخلة: نعم والله. "الهدى والنور" (820/ 58: 39: 00)

[775] باب من شروط إقامة الحجة

[775] باب من شروط إقامة الحجة سؤال: البعض يقولون أو الدعاة يقولون إقامة الحجة يكون بشرطين بحامل الحجة وبذل الحجة، حامل الحجة أن يكون مقبولاً لدى الناس، وبذل الحجة ان تكون واضحة بينة، فما معنى هذا الكلام؟ الشيخ: الكلام الأول باطل، لأن الأنبياء والرسل ما كانوا مقبولين عند الكفار، أما الشرط الثاني فهو بلا شك فيجب أن يكون واضحاً. "الهدى والنور" (580/ 19: 18: 00) [776] باب هل يشترط فهم الحجة؟ السائل: فضيلة الشيخ هل تكفي إقامة الحجة على أهل الشرك وسائر أهل البدع أم لابد من فهمها؟ وماهو ضابط هذا الفهم؟ والله تعالى يقول: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} -وذلك في الكفار- {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً}؟ الشيخ: لا شك أن حجة الله تبارك وتعالى إذا قُدِمت لبعض الناس من الأعاجم باللغة العربية التي لايفهمونها فلم تقم الحجة عليهم، ومن أجل ذلك قال الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}، فإذا أقام العالِم حجة الله على عباده ولم يفهموها بسبب عُجمة طرأت على لسانهم العربي، أو بسبب أنهم أعاجم فلا بد لهذا العالم حينذاك أن يشرح لهم حجة الله تبارك وتعالى حتى تتبين لهم، فإذا تبينت لهم الحجة ثم جحدوها بعد أن استيقنتها أنفسهم حين ذلك يُحكم عليهم بأنهم كفار وبأنهم مخلدون في النار، أما مجرد تلاوة الحجة على ناس لا يفقهونها فذلك مما لا تقوم به الححة باتفاق أهل العلم، والله عز

وجل حينما قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} فإنما يعني رسولاً بلسان قومهم ليفهموا عليه ما يخاطبهم به من الوحي الذي أنزل عليه من ربه تبارك وتعالى، ولذلك تأكيدًا لهذا المعنى جاء قوله عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من رجل من هذه الأمة من يهوديٍ أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» ففي هذا الحديث قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في كل كافرٍ على وجه الأرض يبلغه خبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما كان هو عليه السلام في دعوته على حقيقتها ثم يكفر بها؛ فهو في النار. فقوله عليه الصلاة والسلام: «يسمع بي» إنما يعني دعوته الحق، ولا يعني بطبيعة الحال لو سمع أحد الكفار الأوروبيين مثلاً أو الأمريكيين أو غيرهم بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بطريق القساوسة والرهبان والمستشرقين الذين يتحدثون عن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - بالأكاذيب، ولا يحدثون أقوامهم بحقيقة ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأخلاق والشمائل فيما يتعلق بشخصه ثم هم لا يتحدثون بحقيقة دعوة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنها دعوة التوحيد وأنها دعوة الإصلاح في كل ميادين الحياة وإنما يحدثون أقوامهم على خلاف ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم - شخصه وفي دعوته، فلا يكون والحالة هذه أولئك الناس قد سمعوا به عليه الصلاة والسلام حقًا ولذلك فلا يشملهم الوعيد المذكور في آخر الحديث. أعيد ذكر هذا الحديث لأهميته في هذا الموضوع، فإن كثيرًا من الناس يتوهمون أنه من مجرد بلوغ القرآن الكريم بسبب الإذاعات العربية إلى تلك الشعوب الكافرة، قد قامت حجة الله تبارك وتعالى عليهم ولذلك فليس على المسلمين أن يعملوا شيئًا من تبليغ الدعوة، ليس الأمر كذلك، فإن القرآن إنما نزل

[777] باب هل يغني أخذ الميثاق في الأزل عن إقامة الحجة؟

بلسان عربي مبين، وأولئك الناس لا يفقهون منه شيئًا، كيف وكثير من العرب أنفسهم من عامتهم هم عادوا أشباه الأعاجم لا يفهمون كثيرًا مما يتلى عليهم من كتاب ربهم فكيف يقال بأن حجة الله تبارك وتعالى قد قامت على أولئك الأوروبيين وأمثالهم من الأعاجم لمجرد أنهم يسمعون كل يوم صباحًا ومساءَ تلاوة القرآن من الإذاعات العربية، فلا جرم أنه يجب على طائفة من المسلمين أن يبلّغوا شريعة الإسلام بلغة أولئك الأقوام، وعلى هؤلاء أن يكونوا من أهل العلم حقًا يحسنون ترجمة القرآن، ترجمة معنوية وليس ترجمة لفظية، هذا هو جواب ذاك السؤال الهام. "فتاوى جدة -الأثر-" (26أ /00:15:39) [777] باب هل يغني أخذ الميثاق في الأزل عن إقامة الحجة؟ سؤال: شيخ في سورة الأعراف آية الفطرة، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} (الأعراف:172) .. الآية، ففيها أن الله تبارك وتعالى يسأل كل بني آدم يوم القيامة عندما يشركون بالله تبارك وتعالى شركاً، إذ أن الله تبارك وتعالى جعل فيهم الفطرة وأشهدهم على أنفسهم، هل في الآية دليل على أن الله تبارك وتعالى يحاسب الذي يشرك به من غير إرسال رسول بدليل آية الفطرة ويؤاخذه؟ الشيخ: البتة لا يوجد في الآية دليل لذلك إطلاقاً، وإنما فيه أن حجة الله عز وجل قائمة على عباده من جهة الفطرة أولاً، لكن ليس في الآية أنه يؤاخذهم بناء على هذه الحجة فقط للأدلة المعروفة التي منها قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، وحديث الأربعة الذين يدافعون عن أنفسهم، كالذي

مات في الفترة ولم تبلغه دعوة نبي، وكالذي أصابه الخرف أو المجنون ونحو ذلك .. فهذه الأدلة هي التي توجب المؤاخذة والمحاسبة يوم القيامة إن خيراً فخير وإن شراً فشر، أما هذه الآية التي ذكرتها والتي تتحدث عن خلق الأرواح في عالم الذر فهذه لا تفيد المحاسبة والمؤاخذة قبل قيام الحجة. مداخلة: يعني قوله: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} (الأعراف:172 - 173). الشيخ: أي نعم، لأنه ليس في الآية إلا هذه الحجة الفطرية من الله عز وجل وهذه الآية تلتئم مع الحديث الصحيح وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (¬1)، فهذه الفطرة هي حجة الله عز وجل من ذاك العالم، لكن هذه لا تعني أنه يعذب على أساسها. مداخلة: بعض العلماء يذكرون أيضا ويضيفون إلى هذا الكلام الذي ذكرته أحاديث قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم - أبيه: «أبي وأبوك في النار» .. «واستأذنت ربي لأمي أن أستغفر لها فلم يأذن لي»، ويضاف إلى ذلك قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} (آل عمران:103)، مع أن الله تعالى يقول: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} (يس:6) .. {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ} (القصص:46) .. في الآية الأخرى. في الآية ظاهر أن قريش لم يأتهم نذير، وفي نفس الوقت أن الله تبارك وتعالى جعلهم في النار، جعل بعضهم .. كعمرو بن لحي .. فما قولك يا شيخ؟ ¬

(¬1) مسلم (رقم6929).

الشيخ: بارك الله فيك، لتوضيح السؤال للحاضرين أولاً، ثم لي ربما ثانياً، نرجو تلخيص السؤال. مداخلة: نعم. الشيخ: ما هو السؤال؟ مداخلة: السؤال: أليس في آية الفطرة في الأعراف التي هي آية العهد {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} (الأعراف:172) .. الشيخ: هذا انتهينا منه، لكن فيما بعد الذي ذكرته بعد ذلك. مداخلة: أقول الذين يقولون بأن الله تبارك وتعالى يحاسب يوم القيامة المشركين وإن لم يأتهم رسول، استدلوا بالأحاديث في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أبي وأبوك في النار» وحديث أمه، وكذلك عمرو بن لحي، مع أن القرآن يثبت أن قريشاً ما أتاهم من نذير، أليس في هذا دليل على القول الأول أن الله تبارك وتعالى يعذب المشرك يوم القيامة مع عدم إرسال الرسول وأن آيات إرسال الرسول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، قالوا بتخصيصها في غير المشرك. الشيخ: ما هو المخصص في رأيهم. مداخلة: الجمع على أساس هذا التعارض، بعدئذ أثبتوا التعارض، قالوا هناك تعارض بين هذين الدليلين، فـ .. الجمع بين النصين هو المقدم. الشيخ: هذا التعارض واضح لديك؟ مداخلة: التعارض هذا قائم عندي. الشيخ: طيب.

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، فسروه قلت بماذا؟ مداخلة: بغير الإشراك بالله تبارك وتعالى، يعني وهو أنه الله تبارك وتعالى فرض على الناس أشياء كثيرة غير التوحيد ... فالشريعة هي التي جاءت لتعلم الناس، لتبين للناس ما أمروا به من الواجبات الشرعية، فمن لم يفعل تلك الواجبات؛ لأن الرسول لم يأته، فلا يحاسب يوم القيامة إذ لم يشرك بالله تبارك وتعالى. الشيخ: أنا أرى أن الأدلة التي تمسك بها في تخصيص عموم آية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، فليست صريحة الدلالة لتنهض وتقوم على تخصيص الآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، ويؤكد هذا أمران اثنان: الأمر الأول أن الآية كما تعلم دائماً من أصول وقواعد الشريعة أن السنة توضح القرآن وتبين القرآن، فتعلم من قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تخصيص الآية بما ذكرت أمر غير مسلم به، أقل ما يقال إن لم نقل إنه باطل؛ ذلك لقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار». فإذاً: الآية يجب أن تظل على عمومها بدليل هذا الحديث الذي يؤكد المعنى الذي رفع من الآية بزعم أن تلك الأدلة هي التي تقيدها أو تخصصها، فهذا الحديث الصحيح ولعلي ذكرت أنه في صحيح مسلم فضلاً عن غيره يؤكد بقاء الآية على عمومها وعلى شمولها، ثم الاستدلال بآية: {لِتُنذِرَ قَوْمًا} (القصص:46)، استدلال خطأ واضح جداً، وإلا كان كل مسلم اليوم يصدق فيه أو عليه أنه ما أنذر، ما جاءنا نحن من نذير على المفهوم الذي ذكرته آنفاً، فنحن ما جاءنا من نذير،

لكن نحن جاءنا أو جاءتنا دعوة النذير، فالآية ما تعني الشخص فقط كما تعني دعوته، فالشخص بالنسبة للدعوة هو كالوسيلة مع الغاية والغاية هو الدعوة، فإذا بلغت الدعوة شخصاً ما أو شعباً ما أو أمة ما فقد أقيمت الحجة، سواء كان هذا البلوغ مباشرة من الرسول عليه السلام إلى قومه أو بواسطة أصحابه أو من يأتون من بعدهم، المهم بلوغ الدعوة. وعلى هذا نحن نقول إن الأحاديث [حصل هنا انقطاع] الآية؛ لأن الإنذار المذكور فيها لا يعني الإنذار المباشر من النذير فقط، وإنما يعني وصول النذارة، فسواء كان بالواسطة أو بدون واسطة، وحينئذ تسلم لنا الأحاديث الكثيرة التي يمكن أن نقول عنها بأنها متواترة المعنى حيث أنها كلها تجتمع على أن الذين ماتوا قبل بعثة الرسول عليه السلام وأخبر الرسول عليه السلام أنهم يعذبون وقد بلغتهم الدعوة، وليست الدعوة التي بلغتهم إلا هي دعوة أبينا إبراهيم وإسماعيل الذين قاموا ببناء الكعبة وتوارثوا الطواف أو الحج إلى بيت الله الحرام من نبيهم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فحينما يأتي حديث كحديث: «إن أبي وأباك في النار» أو الحديث الثاني الذي ذكرته: «استأذنت ربي .. » والحديث الثالث: «كلما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار». والحديث الرابع الذي فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بقبرين فشمست به الدابة، وإذا به يرى قبرين فسأل عنهما، قالوا: ماتا في الجاهلية. فقال: «لولا أن تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر» يشير بهذا الحديث إلى أن الدابة حينما شمست سمعت عذاب المعذبين بالقبر، فإذاً: هؤلاء ماتوا في الجاهلية ومع ذلك يعذبون، فلا يمكن أن تفسر هذه الأحاديث وهي كما قلت آنفاً تعطينا معنى متواتراً وهي أن الذين ماتوا في الجاهلية أخبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنهم يعذبون ونعلم بالضرورة أنهم ما جاءهم من نذير بالمعنى الضيق الأول، لكن نعلم أنهم جاءهم

النذير بالمعنى الواسع، أي: جاءتهم الدعوة دعوة التوحيد، دعوة إبراهيم عليه السلام وإسماعيل، فأقيمت الحجة عليهم ولذلك فهم يعذبون. إذاً: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، هي على عمومها ومؤيدة بالنص الصريح: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» والأحاديث الأخرى التي ذكرناها، كلها تلتئم وتضطرنا اضطراراً علمياً أن نقول بأن الآية على عمومها، وأنه ليس المقصود كما هو المتبادر من لفظ الآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} دون التوحيد، هذا لا يتبادر مع ذلك الحديث يؤيد عموم وشمول الآية والأحاديث الأخرى، ولذلك فهنا مما أعتقد من كتب التوحيد لا أحد يقول بتخصيص الآية فيما أعلم من أهل السنة والجماعة: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} أن هذا خاص بالأحكام دون التوحيد. أنا الذي أعرفه من قديم أن المعتزلة وهم المعروفون بأنهم يقدمون حكم عقلهم على حكم كتاب ربهم وسنة نبيهم بمعنى أنهم يسلطون عقولهم على نصوص الكتاب والسنة، ويفسرونها بأهوائهم، فهؤلاء هم الذين يقولون المقصود بالرسول هو العقل، ويعودون بهذا التفسير إلى الفطرة، أما أن يقول أحد فيما علمت من أهل العلم أن الآية مخصصة فهذا لا أعرفه، ولا أستبعد أن يكون مثل هذا التخصيص؛ لأنه أقرب ممن يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} أي: عقلاً، مع العلم أن العقول متفاوتة أشد التفاوت. أظن أنني أتيت بالإجابة عن سؤالك إن شاء الله. مداخلة: إن شاء الله تعالى، ولو يعني شيخ الاعتراض الذي يرد عندي في

جانب من الجوانب، في مسألة الآية: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ} (القصص:46)، واعتراضك على أننا لم يأتنا نذير، بأن نقول نحن أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، فالنذير قائم بأننا منسوبون إلى أمته، فبالتالي نحن منذورون، وكذلك إن ظاهر الآية: {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ} (القصص:46)، بمعنى أنهم غير منذورين، هذا ظاهرها والله أعلم، ليس بمعنى أقصد التفريق بين المعنى الواسع للإنذار مما ذكرت، لا أرى دليله بشكل ظاهر، والله أعلم. الشيخ: نحن الآن دخلنا في تفصيل جديد. يعني نحن أيضاً ما يشملنا الآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، أي: اليوم لا يوجد أهل فترة في رأيك؟ مداخلة: الذين لم يصلهم .. الشيخ: ما يحتاج إلى التفسير، أهل الفترة هم الذين لم تبلغهم الدعوة، لا يوجد اليوم؟ مداخلة: ممكن أن يكونوا موجودين في مجاهيل أفريقيا .. الشيخ: عفواً ليكن جوابك مختصراً، وبلاش تقول ولا مؤاخذة: ممكن، لأن كل لفظة ممكن تقابل بعكسها، أي: يمكن هكذا ويمكن هكذا، وهذا ليس جواباً، لكني أريد أن تكون معي واضحاً كما كنت معك، هل معنى تخصيصك الجديد للآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} أي: هذه الآية لا يدخل فيها أمة الرسول عليه السلام وينتج من وراء ذلك أنه في مجاهيل أفريقيا كما قلت ناس لم تبلغهم دعوة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ربما ما سمعوا باسم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ربما ما سمعوا بأهل الإسلام، فهؤلاء يعذبون يوم القيامة بناء على هذا التخصيص الجديد؛ لأننا نحن أتباع محمد عليه السلام؟

مداخلة: أقول يا شيخ بأننا أتباع محمد منذورين، فلذلك ... الشيخ: أرجوك لا تعيد الكلام السابق؛ لأنه مفهوم وواضح وبلسان عربي مبين، لكن أريد أنا جواباً عما سألتك. مداخلة: لم أفهم سؤالك. الشيخ: هذا هو الجواب. اليوم يوجد أهل فترة أم لا، لم تبلغهم دعوة الرسول؟ يوجد أم لا؟ مداخلة: لا. الشيخ: كيف لا، يا شيخ الله يهديك. أين ذهبت بالذين في مجاهيل أفريقيا. مداخلة: يمكن أن يكون، أقول في الغالب أكثر الناس بلغتهم الدعوة. الشيخ: يا شيخ الله يهديك قلت لك كن واضحاً معي، تقول أكثر الناس، وأنا أقول لإخواننا الذي من الله بهم علينا: يا إخواننا خذوها قاعدة أي سؤال يجاب عليه بجواب يضطر السائل أن يعيد السؤال بطريقة أخرى، يعني يضطر أن يتفلسف على المجيب، لكن المسؤولية على المجيب، على قاعدة، قال الحائط للوتد لم تشقني؟ قال: سل من يدقني، فأنت تقول الأكثر، طيب والأقل سؤالي الثاني الآن: والأقل ما هم؟ مداخلة: ما أتاهم من نذير. الشيخ: إذاً قلها من قبل بارك الله فيك. مداخلة: نعم.

الشيخ: لأنه ليس موضوعنا الآن أكثر وأقل، هل هناك ناس لم تبلغهم الدعوة أم لا؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب بارك الله فيك، هذا هو. طيب: هؤلاء تشملهم الآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} أم لا؟ يشملهم الحديث: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار»؟ مداخلة: لا يا شيخ. الشيخ: إذاً: لم يبق لنا نحن معشر أمة محمد عليه السلام خصوصية في هذا المجال، نحن ومن قبلنا يدخلون جميعاً تحت عموم قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} لذلك الإنذار المذكور في الآية لا بد من فهمه بالدائرة الواسعة التي شرحتها آنفاً، أي: لا بد أن يكون إما مباشرة أو بتبليغ الدعوة، مثلاً: لنعد إلى موسى وعيسى عليهما السلام، إذا أحد الحواريين سمع دعوة التوحيد من عيسى عليه السلام ونقلها إلى ولده إلى صديقه إلى قريبه إلى آخره .. قامت الحجة عليه أم لا؟ مداخلة: أي نعم. الشيخ: طيب، بالواسطة أو مباشرة. مداخلة: بالواسطة. الشيخ: إذاً: لا بد بارك الله فيك من أن نلاحظ هذا المعنى الواسع وإلا ضللنا

ضلالاً بعيداً عن الحقيقة، وبذلك أظن يتم الجواب إن شاء الله. مداخلة: بالنسبة للآية: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ} (القصص:46)، يعني .. الشيخ: أي نذير. مداخلة: يعني ممكن نقول ما بلغتهم دعوة إبراهيم؛ لأنه أيضاً من نذير عموم صور النذارة، النذير الذي هو الرسول أو النذير يعني الدعوة نفسها .. الشيخ: هنا قد يقال وإن كنت أنا لا أتبنى هذا، أنه قد يقال: «ما من نبي إلا بعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة» فالعرب جاءهم نذير منهم إسماعيل عليه السلام، اليهود جاءهم موسى جاءهم عيسى .. إلى آخره. فهنا مجال أن يجاب من نذير منهم، وإن كنت أنا لا أتقيد بهذا، لكن أقول هذا من باب الاحتياط. مداخلة: شيخنا أنا قصدي أن رسول العرب هو إبراهيم وإسماعيل، لكن من نذير، صورة النذارة .. الشيخ: كأنك تريد أن تقول أن النذير ليس بمعنى نبي .. مداخلة: أي نعم، من يحمل الدعوة كما ... الشيخ: تقصد نذير، هو لا يريد أن يفسر نذير بمعنى نبي، وهذا يمكن أن يقال هذا، هذا يمكن أن يقال. ما جاء مداخلة: سؤال آخر يتعلق بالموضوع، هل هناك فرق في الشريعة في مسألة الإنذار أو قيام الحجة بين قيام الحجة وفهمها حتى تكون سبب من أسباب حجة الله .. على عباده؟

الشيخ: هل تقصد فهمها أم إفهامها؟ مداخلة: فهمها. الشيخ: طبعاً هناك فرق، فلو كان رجلاً مجنوناً أو كان رجلاً أعجمياً لا يفقه اللغة العربية أو .. أو .. احتمالات كثيرة، ربما نضطر أن نذكر شيئاً منها أو لا، هل تكون الحجة قائمة؟ مداخلة: لا طبعاً .. الشيخ: طبعاً لا. جوابي هذا على سؤالك هذا يذكرني بمناقشة جرت في مجلس لأول مرة حينما انتدبت للتدريس في الجامعة الإسلامية، وقبل أن تفتتح أبواب الدراسة اجتمعنا في مجلس في سهرة مع بعض أهل العلم والفضل، فأثير هذا الموضوع، فقال بعضهم بأن دعوة الإسلام الآن بلغت كل بلاد الدنيا وأتبع كلامه بقوله القرآن والحمد لله يذاع من كل البلاد الإسلامية إلى كل أقطار الدنيا، فأنا أجبت بما خلاصته: يا أستاذ أنت تقول القرآن وأنا أقول معك كما قلت، لكن العرب كشعب أو كأمة فيهم الآن من لا يفهم القرآن، فكيف تريد من الأعاجم الألبان والبريطان والأمريكان أن يفهموا القرآن بلغة القرآن وهو غير مترجم إلى لغتهم على الأقل، كيف تقوم الحجة على هؤلاء بأن يسمعوا القرآن يتلى بلغة القرآن، هذا لا يعني أنه أقيمت الحجة عليه، ولذلك فأنأ أقول لا بد من أن يفهم الذي بلغته الحجة أن يفهمها، وأنا أضيف شيئاً آخر: ليس كل من ينقل الحجة يحسن نقلها، قد يكون الذي نقلت إليه الحجة يفهمها، لكن قد يكون الناقل لم يحسن نقلها، ولذلك فقيام الحجة على شخص ما ليس من السهل نحن أن نقول أقيمت الحجة على فلان.

ولذلك أنا كثير ما أعترض على بعض إخواننا المبتدئين في طلب العلم والسالكين معنا في هذا الدرب من الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، ومتحمسين فيقول أحدهم: أنا بالأمس اجتمعت مع الشيخ فلان أو الدكتور الفلاني وناقشته في مسألة الاستغاثة بغير الله أو التوسل أو ما شابه ذلك، وقلت هذا لا يجوز، هذا حرام، هذا شرك .. إلى آخره، وهو يصلي بنا إماماً، فأنا أقمت الحجة عليه، فهل تجوز صلاتي خلفه؟ أنا أقول أنت كيف تتصور أنك أقمت الحجة عليه وأنت لا تزال في التعبير السوري في الرقراق يعني في الضحضاح يعني في أول العلم، فما ينبغي أن أتصور أن كل طالب علم يستطيع أن يقيم الحجة على المسلم الضال فضلاً عن الكافر المشرك، لكن كل إنسان مكلف أن يبلغ ما يستطيع، أما هل قامت الحجة عليه أم لم تقم، هذا علمه عند ربه، ولذلك أنا لا أتصور أن كل شخص أفهم الحجة وبالتالي قامت عليه الحجة، لكن أنا أقول من علم الله عز وجل منه أنه قامت الحجة عليه وتبينت له وجحدها فهو الذي يحكم عليه بالنار يوم القيامة. ولذلك كما تعلمون جميعاً أن الكفر مشتق من معنى التغطية، فحينما نقول: فلان كافر، يعني تبين له الحق ثم حاد عنه، ولذلك قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14)، فأي كافر بَلَغَتْهُ حجة الله عز وجل وفهمها جيداً، ثم جحد هذا الذي يعذب، ولذلك ربنا عز وجل وصف بعض أهل الكتاب بقوله ويعني نبيه عليه السلام: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146)، فهم يعلمون أن الرسول عليه السلام رسول وصادق ومبعوث إلى الناس كافة، وليس إلى العرب فقط كما قالت بعض الطوائف من اليهود، لا يعرفونه كما يعرفون أبنائهم لكن مع ذلك تعصبوا لمن كانوا ينتظرونه أن يبعث منهم وفيهم، هذا هو الذي أعتقده بالنسبة

لسؤالك المذكور آنفاً. مداخلة: يا شيخ هناك آيات من القرآن تبين أن الله تبارك وتعالى يجعل بين الكافرين والقرآن حجاباً ولا يفقهون ما يقوله تبارك وتعالى كما قال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} (الإسراء:45). الشيخ: نعم. مداخلة: فهنا أن الإعراض عندما يكون عن سماع الدين وفهمه وفهم الحجة، الإعراض إنما يكون سبب عن عدم فهمه للحجة، فبالتالي تكون الحجة قائمة في مثل هذه الأدلة وإن لم يفهمها لكن قيام الحجة بسبب الإعراض. الشيخ: أولاً: هذا الجعل هو جعل شرعي وليس كونياً، لعله هذا التقريب واضح عندك. يعني: هذا الجعل سببه هو كفر هذا الإنسان وسعيه إلى الكفر وعدم فتح قلبه للحق فيما إذا جاءه، وأضرب الآن أنا لك مثلاً بعد ذلك التفصيل الذي ذكرته آنفاً أن المفروض أن المنذر أو المبلغ أن تقوم الحجة عليه فيما إذا فهمها، نحن لماذا قلنا هذا؟ لأننا أمة خاتم الأنبياء والرسل فليس بعده من رسول، إذاً: فمن الذي سيبلغ الدعوة؟ هم أتباع هذا الرسول، أتباع هذا الرسول كما شرحنا آنفاً فيهم طلبة علم ومبتدئين .. إلى آخره، الآن سؤالك السابق أصوره بصورة ضيقة جداً: هل يمكن أن نتصور رسولاً بل أن نتصور نبياً بلغ قومه شريعة الله عز وجل، وكما قال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم:4)، مع ذلك نتصور إنساناً عادياً ولم يفهم الحجة من ذاك النبي، هل يمكن هذا؟

مداخلة: لا. الشيخ: إذاً: حجة الله بطبيعتها أن تكون قائمة على كل إنسان، لكني أنا وضعت قيداً: «إنسان طبيعي» أعني: غير مصاب بآفة من آفات الجنون أو الغيبوبة عن الفهم .. إلى آخره، فأي قوم وأي فرد سليم الفهم والعقل قامت حجة الله عليه لا شك أنه فهمها، لكننا نحن الآن لا نستطيع أن نقول إننا بمنزلة الرسول بل النبي في أننا نحسن إقامة الحجة على أي طائفة أو جماعة أو فرد، فمن هنا إذاً نحن لا نستطيع أن نتصور كما قلت آنفاً أن حجة الله قامت على كل من نقلت إليه الحجة لاحتمال أن النقل لم يكن سليماً، كان ناقصاً، والأمثلة الآن كثيرة وكثيرة جداً. الآن أظن كل إخواننا الحاضرين يعلمون أن هناك جماعات منحرفة عن الإسلام كلاً أو بعضاً أو جزءاً، يدعون إلى الإسلام بنشاط حتى يدخل اليهود والنصارى في إسلامهم ولا أقول في الإسلام، كالقاديانية مثلاً فهؤلاء يبلغونهم الإسلام بمفهومهم المنحرف عن الإسلام الصحيح، فهم مثلاً يبلغونهم أن الرسول عليه السلام ليس خاتم الأنبياء بالمعنى المفهوم عند أهل السنة، وإنما هو بالمعنى المفهوم عند القاديانية خاتم الأنبياء يعني: زينة الأنبياء، أما في أنبياء بعد الرسول عليه السلام، وقد جاء أحدهم زعموا وهو ميرزا غلام أحمد القادياني وسيأتي آخرون أيضاً في زعمهم، فهذا النصراني الذي أسلم وهو يحمل هذه العقيدة، هذا ليس مسلماً بالمعنى الصحيح؛ لأن الحجة ما تقدمت إليه بالمفهوم الصحيح بمثل قوله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)، والحديث المتواتر أيضاً معناه: «ولكن لا نبي بعدي». كذلك هم مثلاً ينكرون كثيراً من الأخبار الغيبية كمثل مثلاً الجن كخلق من

[778] باب كيف تقام الحجة؟

خلق الله كالملائكة، فهم ينكرون أن يكون هناك خلق من خلق الله مكلفون كالإنس بالطاعة ومنهيون عن المعصية هم الجن، ينكرون هذه الحقائق كلها، لكن هؤلاء يدعون إلى الإسلام، يدعون لشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويؤمنون بأركان الإسلام الخمسة وإلى آخره، لكن إسلامهم ليس صحيحاً، فإذاً أولئك الذين يدعون من قبل القاديانيين لم تقم حجة الله عليهم بالإسلام الصحيح، ولذلك أنا لا أتصور هؤلاء يوم القيامة يقال لهم: لم قلتم بأنه هناك أنبياء بعدي والقرآن يقول كذا؟ لأنهم أعاجم لا يفهمون القرآن وترجم لهم القرآن بمعنى خطأ، وهكذا. "الهدى والنور" (616/ 40: 00: 00) [778] باب كيف تقام الحجة؟ سؤال: إقامة الحجة .. ، متى نقول: أقمت على فلان الحجة؟ الشيخ: أولاً: يجب أن يراعى هنا الشخصان: المقيم للحجة، والمقام عليه الحجة، إذا كان المقيم للحجة فعلاً رجل عالم بالكتاب والسنة، فهذا الشرط الأول. الشرط الثاني: أن يكون ذا فصاحةٍ وبيانٍ بحيث أنه يستطيع أن يقدم للناس ما عنده من علم بلسان عربي مبين، إن كان عربياً، أو إن كان أعجمياً، فالأمر لا يتعدى أيضاً ما ذكرناه من استطاعة البيان في نفس الوقت، كما أشار إلى ذلك القرآن في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم:4). أي: إذا كان المقيم للحجة أوتي فصاحةً وبياناً في لغته أو في لغة قومه .. ، وكما ذكرنا قبل إن كان على علم، فهو حينذاك يستطيع أن يقول: أنا أقمت الحجة بالنسبة لما يتعلق به

هو، لكن يبقى الطرف الثاني، هل الطرف الثاني عنده من الفهم والإدراك والاستعداد النفسي لتقبل، بل - عفواً أخطأت حتى تفهموا صراحة-، هل عنده استعداد لتفهم مش لتقبل، فقد تكون الحجة واضحة بينة، ولا يقبلها المعرض المشرك الكافر، لكن أريد وأعيد ما أريد، وأقول: إذا كان عنده استعداد ليتفهم الحجة، فإذا تحقق الشرط الأول في نفس المبلَّغ، ثم تبين للمبلِّغ أن المبلَّغ استوعب الموضوع في حجته وبيانه حينذاك يمكن أن يقول: أنا أقمت الحجة على فلان. أنا شخصياً من الصعب أن أتصور أن أي شخصٍ يقول: أنا أقمت الحجة على فلان، أنَّ كلامه مطابقٌ للواقع، صعب أن أتصور هذه الحقيقة؛ لأني لا أجد، بل لا أكاد أتصور اجتماع الشروط في المبلِّغ لا المبلَّغ، فقد أحد الطرفين يختل فيه الأمر، فلا يصح أن يقال: أقمت الحجة على فلان هذا من جهة. من جهة ثانية ما المقصود بقول من يدعي أنه أنا أقمت الحجة على فلان؟ هل المقصود تكفيره؟ تكفيره ما بيجعل حد فاصل بينه وبين الكفر إلا الشرك، فهو إذا اختار الكفر على الشرك فهو كافر بلا شك، أما ونحن نعيش اليوم في فوضى من الحرية لا حدود لها، والإنسان حر فيما يقول، وفيما يتصرف، فنقول: أنه أقمنا الحجة، فما الهدف من وراء ذلك تكفير؟ لا تستطيع أن تقول تكفير، أنا أقمت الحجة عليه فهو كافر؛ لأنه يقف في الطريق ما ذكرناه آنفاً. إذاً: لم يبقَ هناك إلا أن (تكل) أمر هذا الإنسان إلى الله عز وجل، فهو الذي يعلم حقيقة هذا المبلِّغ وذاك المبلَّغ، أي: هل أقيمت الحجة على المبلَّغ أم لا؟ وربك العليم بما في الصدور فهو حسيبه، أما نحن فلنا ظاهر أيّ مسلم يشهد

أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إلا في النادر جداً جداً أن أتصور رجلاً عالماً حقيقة في الكتاب والسنة، وفي الطرف الآخر المبلَّغ، يبلَّغ الأمر وبفهمه، لكن عاند وكفر، فهذا هو الذي يمكن أن يقال: إنه كفر، مع أنه في مجتمعنا هذا لا يترتب وراء ذلك كبير أمر؛ لأن الأحكام الشرعية لا تُطبق. سؤال: الرجل يكون إماماً [ويقع] في الاستغاثة مثلاً، وتكلموا معه كثير من الناس في هذا الموضوع، فهو يستغيث برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على المنبر، فهل إذا كان هذا إمام يصلي خلفه أو يعيد الصلاة، أو لا يصلي خلفه؟ الشيخ: هذا يرجع للبحث السابق. مداخلة: وتعتقد أنه أقام الحجة؟ الشيخ: نعم، أنا أقول في كثير من الأحيان باختصار هل تعتقد أن هذا رجل ارتد عن دينه؟ يعني: أصور صورة زيد من الناس، جادل عمراً من الناس، ويقول زيد بأنه أقام الحجة عليه، هل هو مقتنع بقوله هذا أي: أنه أقام الحجة عليه إلى درجة أنه يقول: هذا ارتد؟ مرتد عن دينه فطلقت زوجته، ولا بد من تجديد عقده عليها، لا بد من تجديد إيمانه أولاً ثم تجديد عقده عليها ثانياً، فإن قال: إيه نعم، أنا أقول له: لا تصلي خلفه، لكني أعتقد أنه صعب جداً أن يكون هذا المبلِّغ أو المحاجِج وصل إلى قناعة في ذاته أن حَكَمَ على فلان أنه مرتد عن دينه، بمعنى: أنه مثلاً الذي أقام الحجة زوجته بنته، تحت عصمته مقابل الحجة عليه، فهي بانت منه لأنه زوجها ارتد، ولا يجتمع دينان، فهل هو يقول: لازم أنا أسعى أن أفرق بين أختي وبين هذا الذي أقمت عليه حجتي؟ إن كان وصل إلى هذه القوة، فأنا أقول: لا تصلي خلفه، وبالتالي .. {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} (القيامة:14). "الهدى والنور" (24/ 25: 08: 00) و (24/ 13: 14: 00)

[779] باب كيف الجمع بين ضرورة إقامة الحجة على من تلبس بعمل شركي, وبين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمن لبس الصفرة: «إذا مت على ذلك لن تفلح أبدا»

[779] باب كيف الجمع بين ضرورة إقامة الحجة على من تلبس بعمل شركي, وبين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمن لبس الصفرة: «إذا مت على ذلك لن تفلح أبداً» سؤال: الله يجزيك الخير شيخنا! ذكرت إذا لم يكفر الإنسان الذي يقوم ببعض الأعمال الشركية إلا إذا قامت عليه الحجة، جزاكم الله كل خير، طيب! وقول الرسول عليه الصلاة والسلام للرجل الذي يلبس الصفرة، فقال له عليه الصلاة والسلام: «إذا مت على ذلك لم تفلح أبداً» ما وجه المقاربة بين إقامة الحجة وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إذا مت على ذلك لم تفلح أبداً» ... الشيخ: هذه الحجة. مداخلة: هو الرسول عليه الصلاة والسلام لو ما قام .. الشيخ: أنت فهمت ما قلت؟ مداخلة: أنا فهمت. الشيخ: لا أظن. مداخلة: تفضل! الشيخ: الرسول حينما يقول له هذه الكلمة أليس كلامه حجة؟ مداخلة: هذا بلا شك. الشيخ: فإذا استمر؛ فيكون بعد إقامة الحجة ... " الهدى والنور" (547/ 25: 22: 00 طريق الإسلام)

جماع أبواب الكلام حول أحكام المتلبس بالشركيات من المسلمين (غير ما تقدم)

جماع أبواب الكلام حول أحكام المتلبس بالشركيات من المسلمين (غير ما تقدم)

[780] باب حكم من نطق بالشهادة وبقى متلبسا بالشركيات

[780] باب حكم من نطق بالشهادة وبقى متلبساً بالشركيات السائل: في الحديث الشريف يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل» فإذا إنسان قال: لا إله إلا الله ولكنه لم يكفر بما يعبد من دون الله جاهلاً أو معانداً فهذا إنسان نحكم بإسلامه وإيمانه أم لا؟ الشيخ: تعرف الإسلام: هو الإيمان، أو الإسلام غير الإيمان؟ مداخلة: عندما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل» فإنسان قال: لا إله إلا الله ولكنه لم يكفر بما يعبد من دون الله بمعنى قال: أغثني يا رسول الله. الشيخ: نعم. مداخلة: فهذا قال: إذا قال إنسان: أغثني يا رسول الله ليس فيه شيء، فإنما يؤول استغاثته بأنها شفاعة، كما قال المشركون ويقول الله تعالى .. الشيخ: أنت تلقنه؟ مداخلة: لا، طبعاً أنا .. لا، لا ما في تلقين .. الشيخ: لا يصح هذا. مداخلة: يقول الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (يونس:18) .. الشيخ: نحن لا نريد أن ندخل في تفاصيل .. ؛ لأنه ليس عندنا خلاف .. ما

زلت تريد أن تلقنه؟ مداخلة: ... ما في وقت، من أجل .. أنا لا ألقن ... الشيخ: جزاك الله خير، تعرف أنت ما الفرق بين الإسلام والإيمان أو ..... مداخلة: أعرف أن هناك حديثاً ورد بتعريف .. الشيخ: لا، لا، لا تحيد عن السؤال .. نحن مجربين للناس صار لنا خمسين سنة وزيادة، خير الكلام ما قل ودل، تعرف في فرق بين الإسلام والإيمان أو لا؟ مداخلة: ليس هناك فرق. الشيخ: طيب! تعرف في فرق ولا ما في فرق، [موجهاً السؤال للآخر]. مداخلة: هو أحياناً يأتي الإيمان بمعنى الإسلام في الأحاديث وأحياناً يأتي بمعنى آخر كما في حديث ... الشيخ: ما في حديث أنت تقول: كما في حديث، أخي! المناقشة لها أسلوب بل أساليب، عندما تلتقي مع إنسان تختلف أنت وهو تدعي دعوى بحاجة إلى استدلال عليها يأتي بالدليل، أما إذا كان هذا الذي تناقش معه يريحك عن الدليل لا تتعب نفسك أنت، منتبه؟ في فرق بين الإسلام والإيمان أو ما في فرق؟ مداخلة: أحياناً في فرق وأحياناً ما في فرق؟ الشيخ: متى في فرق ومتى ما في فرق؟ مداخلة: وقت يكون المعنى الإيمان له ثلاث معان: في معنى يأتي بمعنى

الإسلام بالأحاديث ... الشيخ: لا، لا. الآن دخلت في موضوع آخر، ثلاثة معاني، أنا أسألك متى يكون في فرق، لماذا مرة يكون في فرق ومرة ما يكون في فرق؟ مداخلة: ... الإيمان مخصوص في القلب فيكون غير معنى يكون في فرق، يعني: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا} (الحجرات:14). الشيخ: لا، أتي أيضاً بآية؟! هؤلاء المتعالمين يعملون المحاضرة أن يجلس يتكلم ربع ساعة نصف ساعة ساعة ساعتين إلى آخره، ولسان الحال يقول: يا أرض اشتدي ما أحد عليك قدي، ونحن نأخذ ونعطي يا أخي، خذ واعط .. مداخلة: هو كذلك. الشيخ: لا، ليس هو كذلك ... مداخلة: طيب! أنا ما أعطيك ... الشيخ: ترجع تستدل بالرغم أنني قلت لك، وأنت عللت لصاحبك ألاّ تُجيب بدليل؛ لأن الوقت ضيق، وإذا بك رجعت إلى ما نهيت عنه، تأتي بدليل لماذا قل لي: متى يكون الإيمان ... مداخلة: ... أقول لك شيء: أنا لا اعرف أن أقوله إلا عن طريق الحديث النبوي. الشيخ: عجيب والله! مداخلة: وفد عبد القيس الشيخ: سبحان الله! لا تعرف تقول: أن الحديث الذي بقلبك يدل على أن

هناك فرق بين الإيمان أو لا، إلا عندما تأتي بالحديث؟ ليس بطيب، سؤال يتوجه إليك قلت لي: طيب! كيف طيب؟ أعط جواب للشيء الطيب. مداخلة: الجواب عندكم. الشيخ: ما هو؟ مداخلة: يكون في فرق بين الإيمان والإسلام. الشيخ: عرفت أنا أن هناك فرق لكن متى كالسؤال متى يكون هناك فرق؟ بدأت تجيب لكن ضعت لأنك شغلت بالاستدلال، قلت: الإيمان له علاقة بالقلب. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! أكمل لنرى. مداخلة: وأحياناً يكون الإيمان بمعنى الإسلام نفسه [في] الأحاديث النبوية. الشيخ: والأول ما هو؟ مداخلة: هنا الإيمان القلبي غير الإسلام الذي هو .. الشيخ: ما هو هذا الإسلام إذاً بين لنا، ما هو الإيمان وما هو الإسلام؟ مداخلة: الإسلام الذي هو الإيمان العملي، الإيمان العملي هو الإسلام .. الشيخ: الإيمان العملي؟ مداخلة: نعم، يعني: المقصود أن

الشيخ: هنا يظهر الغلط إذاً .. مداخلة: لماذا غلظ .. الشيخ: المنافقين كان إسلامهم إيمان عملي؟ مداخلة: أقصد أنه .. الشيخ: سؤال وجوابه نعم .. لا .. هكذا يصير التفاهم. مداخلة: يعني: أنت تضعني في مكان ضيق جداً، أريد أنا أعبر عن الشيء اللي أريده. الشيخ: الله يهديك! وأنا ما أمنعك أنك تعبر ... ، لكن أقول لك: بأقرب طريق، الوقت ضيق ... أعطني جواباً بأقرب طريق بدون استدلال .. سامحك الله .. مداخلة: ... هذا الأسلوب ضيقت علي فيه ... الشيخ: يا أخي! بماذا ضيقت عليك، أقول لك: خير الكلام ما قل ودل. هذا تضييق؟! مداخلة: عندما كان الأعراب الذين وصفهم بعدم ... الشيخ: لا تأتي قصة الأعراب أعطني الخلاصة، هل المنافقين هؤلاء كانوا مسلمين أو لا؟ مداخلة: مسلمين. الشيخ: طيب! لكن يوافق إسلامهم إيمانهم؟ مداخلة: لا.

الشيخ: فهذا يخالف ما قلت. مداخلة: كيف يخالف ما قلت؟ كيف إذاً .. الشيخ: فكر ما تقول، بينت ما هو الفرق بين الإسلام والإيمان؟ مداخلة: طيب! لماذا عندما قال لوفد عبد القيس .. الشيخ: لك: سؤال مقابل سؤال .. لا يصير يا أخي الله يهديك، أنا أقول لك: بينت قل: نعم، قل: لا، لا ترجع وتسأل، أنا سأقول لك شيء، وستقول .. أسألك صح؟ تقول لي: صح، هكذا أنا أريد أن تكون معي أنت، الإسلام هو العمل بالإسلام ظاهراً .. ظاهراً .. الإسلام: هو الاستسلام لأحكام الشرع ظاهراً، الإيمان: هو الإيمان بهذا الإسلام باطناً، فقد يكون المسلم مؤمناً وقد يكون كافراً وهذا هو صفة المنافقين، رأيت الآن ماذا تقول صحيح؟ مداخلة: [نفاق أكبر] تقصد. الشيخ: ما أسألك أنا نفاق أكبر ولا أصغر، صحيح هذا التفصيل أو لا؟ هذا الذي أريد منك، ضيقت شيء أنا الآن؟! مداخلة: لا، لكن أنا يعني: أريد أن أتكلم بالفكرة التي نقولها، ما سمحت لي ... الشيخ: لا، الفكرة التي تقولها قلت أنا حينها: تعمل محاضرة نصف ساعة أو ساعة، لكن أنت لست محاضراً الآن، أنت سين جيم، عندك استعداد سين جيم، أهلاً وسهلاً، ما عندك استعداد هذا بحث، سنقول لك: تفضل ألق محاضرة وستكون مسجلة ...

مداخلة: أنا لا أقصد محاضرة؛ لكن الإيمان أيضاً جاء ... الشيخ: أخي! أقول لك فرضاً، قال: لا يريد أن يلقي محاضرة صدقها هو .. أنا أضرب لك مثالاً الله يهديك، أنه ليس عندك استعداد تعطي جواباً لكل سؤال بأوجز عبارة سنقول لك تفضل ألق محاضرة، سترجع وتقول لي: أنا لا أريد أن ألق محاضرة. مداخل آخر: ... هو سألك سؤال يريد جواب بأوجز عبارة، أنت تقصد أنها أسئلة، نحن نسألك إذا إنسان قال: لا إله إلا الله واستمر يدعو الآلهة الأخرى فهل يكون دخل في الإسلام وصار مسلماً موحداً مقبولاً عند الله أم هو ما يزال على الكفر؟ الشيخ: وأنا وجهت ... السؤال من أجل يرجع لهذا الموضوع؟! مداخلة: ... الشيخ: لماذا، من الذي طولها أنت أو أنا؟ مداخلة: والله أنت. الشيخ: سامحك الله. مداخلة: [تسأل] أسئلة .. يعني: أسئلة [كثيرة]. الشيخ: أنا ما سألتك أسئلة، سألتك سؤالاً واحد ولم تجب عليه. مداخلة: آسف أنا أنسحب ... الشيخ: الحمد لله، وننتهي من الجلسة، سبحانك اللهم وبحمدك ... ينسحب

الرجل يقول .... المداخل الأول: عفواً، جوابي لم آخذه بعد. الشيخ: جوابك: أن تفرق بين الإسلام وبين الإيمان، هؤلاء الذين وصفتهم ليسوا مؤمنين. مداخلة: ليسوا بمؤمنين؟ الشيخ: ليسوا بمؤمنين، لكن هؤلاء ما دام يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلوا ويصوموا فإذا فعلوا فعلاً هو الكفر بعينه فهنا ندخل في موضوع ثاني وهو: أنه هل كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه أم لا؟ ما رأيك أنت؟ مداخلة: هل كل ما وقع ... الشيخ: امش على الطريقة هذه أنا أرتضيها، مو على طريق صاحبك محاضرة، كلمة غطائها، وبعد ذلك تلوموني لوموا أنفسكم، أنا أسأل سؤالاً، أنا أقول: ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، ما رأيك صحيح أو غير صحيح، إذا قلت: صح أنا سأمضي في كلامي، إذا قلت لي: لا، سأضطر أن نوقف هنا؛ لأنه (نريد) نبني عليها علالي وقصوراً، ولا يجوز نبني على كلام غير مفهوم، لأن النتيجة ستكون غير مفهومة أيضاً. مداخلة: طيب! إذاً: الذي وقع في الكفر وقع عليه الكفر، الذي ليس وقع في الكفر .. الشيخ: أنا سألت سؤالاً: هل كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه؟ إما أن تقول: نعم، أو تقول: لا.

مداخلة: طيب! أقول: نعم. الشيخ: تقول على كيفك. مداخلة: لا، ليس علي كيفي. الشيخ: طيب ما الدليل. مداخلة: باعتبار الذي وقع في الكفر .. الشيخ: انظر الآن انظر هناك ما نطلب يأتي بدليل، هنا أطلب دليل تأتي باعتبار. مداخلة: نعم، أقول لك الدليل. الشيخ: ائت بالدليل بدون ما تقل: باعتبار، ما هو الدليل؟ ثم الدليل الذي ستأتي به على ماذا .. دليل على ماذا؟ مداخلة: دليل على أن الذي يقع في الكفر، ما هو الكفر الذي وقع فيه؟ أليس كذلك؟ الشيخ: لا، ليس كذلك. مداخلة: إذا: ماذا؟ الشيخ: ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، بمعنى: ليس كل من وقع في الكفر قيل فيه شرعاً إنه كافر مخلد في النار، هكذا معنى العبارة، وإذا كانت العبارة هذه ما مرت عليكم طلقناها بالثلاثة، طيب! نعود ونحكي بالكلام الذي يفهمه كل الناس: ليس كل من وقع في الكفر يجوز أن نحكم عليه بأنه كافر مرتد ومخلد في النار، قل أنت: نعم، قل: لا، مفهوم

عبارتي الآن؟ مداخلة: مفهومة نعم. الشيخ: طيب! ما رأيك؟ مداخلة: طيب! لنقل: لا. الشيخ: نعم؟ مداخلة: لنقل: لا، أنه لم يقع عليه الكفر. الشيخ: الله يهديك يا أخي! القضية ليست قضية تحزير!! قضية عقيدة نريد أن نبنيها، ليس لنقل: كذا وقع .. كفر، أو لنقل: ما كفر ... عقيدتك أنت الذي أنت على أساسها بدأت الكلام في هذا الحديث ... مداخلة: طيب! ممكن تلقي علي السؤال بوجه آخر؟ الشيخ: لا، أكثر من هذا .. أبسط من هذا؟ ليس كل من وقع في الكفر حكمنا عليه أنه ارتد عن دينه. مداخلة: طيب! الشيخ: هذا وجه ثالث أيضاً، طيب! أو تريد رابعاً؟ مداخلة: معك أنا. الشيخ: طيب! ما رأيك: صحيح هذا الكلام أو لا؟ مداخلة: لا أعلم. الشيخ: كويس جزاك الله خير، فلذلك ينبغي أن نتعلم ...

[781] باب كيف يتعامل مع المسلمين المتلبسين بالشركيات

مداخلة: بارك الله ... علمني عن ذلك .. الشيخ: معلش، الآن الساعة كذا وما في مجال .. التعلم له ظروف وله أوقات، لكن يا أستاذ هشام! الذي يريد أن يتعلم لا يرفع راية المعارضة وراية التكفير وهو ما زال في قضايا بينه وبين ربه غير واضحة، لا يعرف ما هو حكم الله في هذه الإنسان، يعني: الآن من أبسط الأشياء حتى ما يبقى بالك مشغول: أهل الفترة كفار أو لا؟ مداخلة: طبعاً كفار. الشيخ: كفار؟ مداخلة: نعم. الشيخ: مخلدون في النار؟ لا تعرف، يَلَّا سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. "الهدى والنور" (241/ 41: 36: 00) [781] باب كيف يتعامل مع المسلمين المتلبسين بالشركيات السؤال: سؤالين باختصار، أول سؤال: مثلاً: نحن في الجزائر عندنا أضرحة في العاصمة بالضبط، عندنا أضرحة، وفي هذه الأضرحة أناس يتبركون بالأموات هل هؤلاء مشركين أم لا. وثانياً: ما هي نصيحتك للشباب الجزائري الذين يريدون أن يجاهدوا في سبيل الله؟

الشيخ: تقصد بالجهاد في سبيل الله يعني: قتال الكفار؟ مداخلة: قتال الكفار نعم. الشيخ: أما هذا فقد سبق الجواب عنه، أما سؤالك الأول. مداخلة: نصيحة عامة بما تنصح الشباب الجزائري. الشيخ: ننصحهم بالتصفية والتربية، انتهى هذا الموضوع، سؤالك الأول يبين لنا أو يؤكد لي أنا شخصياً على الأقل أنه لا سبيل إلا بالتصفية والتربية، أنا الآن أسأل: هل لما بعث الرسول عليه السلام كان هناك من يعبد الأصنام ويعبد الأموات والقبور أم لا؟ لا شك كان موجوداً، بعدما انقضى العهد المكي هل بقي في المسلمين الذين قالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله من يستعين بالموتى من دون الله؟ ليس واضح سؤالي على ما يبدو. مداخلة: لا لم يبق. الشيخ: طيب، الآن الشعب الجزائري شعب مسلم، كيف بقي الكثيرون إن لم نقل أكثرهم ولا أعني الطعن في الشعب الجزائري، لأن الشعب السوري مثله، والمصري مثله .. إلخ، لكن كيف بقي هذا الذي تسأل عنه هل هو شرك أم لا، كيف بقي هذا في المجتمع الإسلامي؟ مداخلة: ربما يعود ذلك للإعلام، الإعلام مثل التلفزيون والراديو. الشيخ: لا هذا خطأ، الإعلام لم يكن له ذكر حينما بنيت المساجد على القبور. مداخلة: كلامك واضح.

الشيخ: أنا عارف، وإنما نريد أن نأخذ عبر بارك الله فيك، نريد إذا تبنينا رأياً أو فكراً أو عقيدة أن نكون على بصيرة، فنحن نقول: الشعب المسلم في أي بلد لا ينهضه أبداً ولا يستطيع أن يقيم دولة الإسلام في أرضه إلا بالعلم الصحيح، وهذا الذي نسميه بالتصفية، وليس فقط بهذا العلم، بل وبالتربية عليه، فالشعب الجزائري مثل الشعب السوري مثل الشعوب الأخرى، لا يزالون يعيشون مسلمين اسماً ومشركين فعلاً. إذاً: كيف يمكن القضاء على هذا الشرك؟ هو بمثل ما فعل الرسول عليه السلام، كيف فعل؟ بالدعوة {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (المدثر:5). وأعود لأؤكد أن عندنا اليوم مشاكل كثيرة جداً لم تكن في العهد الأول، قلت لكم آنفاً مشكلة موجودة اليوم لم تكن في السابق، كان العلم يومئذ صافياً غضاً طرياً، اليوم خليط شيء صحيح شيء غير صحيح، شيء ضعيف فيه باطل .. إلخ، إذاً: فيجب إجراء عملية التصفية، من الذي يجري عملية التصفية؟ هذا كله بالتفاصيل المحاضرة التي كنت ألقيتها تحت هاتين الكلمتين: التصفية والتربية، من الذي يقوم بالتصفية، لا شك أنهم أهل العلم، في اعتقادكم هل يلحق مليون مسلم عالم واحد على الكتاب والسنة؟ .. فإذاً: يا جماعة كيف نحن تخرج ونثور نقيم دولة الإسلام ونحن بعد كدعاة ما عرفنا ما هو الإسلام فضلاً أن نقعد لهذا الإسلام ونؤسس له بأفراد يستجيبون لهذا الإسلام، ولذلك فلابد من التصفية والتربية، ولذلك نحن لا نقر أبداً أي تكتل يقوم على أساس التكتل والتجمع، هكذا غثاء كغثاء السيل، وإنما على التصفية وعلى التربية، هؤلاء الذين يمكن يوماً ما أن يحققوا ما ينشده كل المسلمين الذين يعيشون على بصيرة والذين يعيشون على غير بصيرة، كلهم متفقون والحمد لله على ضرورة إقامة الدولة المسلمة، وأنا

[782] باب هل يجزئ حج المتلبس بالشركيات؟

أعتقد أنه لو أقيمت الدولة المسلمة حقاً لوجد من هؤلاء المسلمين أنفسهم من يحاربها ... مداخلة: جزاك الله خير يا شيخ وأطال الله في عمرك إن شاء الله بما يفيد الإسلام والمسلمين، وبارك الله فيك على هذه الإجابة، قد إن شاء الله أفدت وأجزت، وبارك الله فيك. "الهدى والنور" (468/ 50: 16: 00) [782] باب هل يجزئ حج المتلبس بالشركيات؟ سؤال: من كان يعتقد عقيدة شركية، وهو ... يعني: يدَّعي الإسلام، ولكنه في معتقداته في شركيات، وحج وهو يعتقد هذا الاعتقاد حج إلى بيت الله الحرام، وكانت حجته حجة الإسلام، ثم من الله عليه سبحانه وتعالى بأن يهتدي إلى صراط المستقيم وسنة أهل السنة والجماعة الطريق الصحيح، فهل حجته الأولى تجزيه ولا ما تجزيه؟ الشيخ: هذا يختلف باختلاف الجو الذي يعيش فيه، بمعنى: هذا الذي وصفته إما أن يكون بلغته دعوة الإسلام بلاغاً صحيحاً، وأصر على ما تسميه بالشرك، فهذا معناه أنه يجب عليه أن يحج مرة أخرى، أما إن كان عائش في جو ليس فيه من ينبهه ومن يبين له أن هذا الذي هو فيه هو من الإشراك بالله عز وجل، والكفر بلا إله إلا الله، فهو يكون معذوراً، ويكون إسلامه وحجه مقبولاً ... ، هذا التفصيل لا بد منه. "الهدى والنور" (132/ 57: 20: 00)

[783] باب هل يصلى خلف المتلبس بالبدع الشركية المكفرة؟

[783] باب هل يصلى خلف المتلبس بالبدع الشركية المكفرة؟ سؤال: يسأل سائل يقول: إمام مسجد يدعو إلى بدعة شركية ومكفرة، هل يجوز الصلاة خلفه علمًا بأن المسجد قريب من مقر عمل هذا السائل، ولا يوجد مسجد آخر قريب. الشيخ: المسألة فيها تفصيل: إن كان هذا الإمام قد أقيمت عليه حجة الله من كتاب الله ومن حديث رسول الله على أن ما هو فيه شرك وكفر بالله ورسوله ثم لم يرتدع فلا تصح الصلاة خلفه، أما إن كان ككثير من هؤلاء الناس الذين يعيشون في جاهلية وليس هناك مع الأسف الشديد من يبلغهم حكم الله عز وجل فحينذاك في رأيي أن الصلاة جائزة لأننا لا نستطيع أن نكفره وأن نخرجه من الملة ما دام أننا لم نقم عليه الحجة. "فتاوى الإمارات" (2/ 00:51:31) [784] باب هل تجوز الصلاة خلف من يستغيث بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وينكر أن عيسى عليه السلام رُفِعَ إلى السماء حقيقة؟ سؤال: يا شيخ هل تجوز الصلاة خلف إمام يستغيث بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كوسيلة. الشيخ: عليه الصلاة والسلام. مداخلة: عليه الصلاة والسلام. وهل يجوز كذلك الأمر أنه يستبيح لنفسه أنه يميل إلى الحكم الذي يقول فيه: إنه عيسى عليه السلام لم يُرفع جسدياً إلى السماء، بل رفع مقداراً، وكذلك الأمر يستبيح لنفسه بالقول أنه يقرأ على اللوح المحفوظ في المنام رؤية، هل تجيز

الصلاة خلفه؟ الشيخ: تجوز الصلاة خلفه ما دمت أو دمنا نحكم بإسلامه، فإذا أخرجناه من دائرة الإسلام فحينئذ لا تجوز الصلاة. فأنت في حدود معرفتك بالشرع أولاً، ومعرفتك بالشخص ثانياً: هو لا يزال في دائرة الإسلام وإلا ارتد عن الإسلام؟ مداخلة: لا زال في دائرة الإسلام حتى ... نفسه ورجع وقال لي: لا تخبر شيوخك بالذي أنا قلته إياك، يعني: مثلما تشكي بالطبع خضع في القول عاود من جديد كان في الأول موقفه حازم وبعدين رجع يحكي لي: لا تخبر شيوخك بالذي حصل حتى لا يكفروني أو يفهموني خطأ، أنا برائي رؤية في المنام شيء حصل معاي. الشيخ: ما عليك هذه جزء مما ذكرت، أنا قلت بيسجد سجود لغير الله. مداخلة: أنا أحكي الرؤية في المنام. أما هو يميل إلى أنه عيسى عليه السلام لم يرفع نبياً إلى السماء، بل رفع مقداراً، إني رافعك. الشيخ: نعم. الشيخ: المهم يا أخي خذ القاعدة واسترح. مداخلة: نعم. الشيخ: كل إنسان أصله مسلم، ثم ارتكب مخالفة شرعية، هذه المخالفة تخرجه من دائرة الإسلام والمسلمين، ولا تصح الصلاة خلفه، ولكن يجب أن

[785] باب هل يعلم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟ وما حكم الصلاة خلف من يعتقد ذلك؟

نعلم أنه ليس كل مسلم وقع في الكفر وقع الكفر عليه، عرفت كيف؟ ليس كل من وقع في الكفر، وقع الكفر عليه وتلبسه الكفر وأحاط به بحيث أنه خرج من دائرة الإسلام. فهذه هي القاعدة وتطبيق هذه القاعدة لا يستطيع عامة الناس أن يطبقوها على أي إنسان، وإنما هذا يحتاج إلى علماء عارفين بالكتاب والسنة، ويكون عنده شيء من الروية والتؤدة والتأني بحيث أنه ما في عنده الإفراط والتفريط ما عنده أن كل المسلمين كما يقولون على خير، ولا أنه من قال كذا فقد كفر وارتد عن الدين بدون ما يعرف أحواله، هل هو معذور هل هو جاهل، هل هو عالم إلى آخره. ولذلك فأنا أقول لعامة المسلمين من أمثالك: أنه هذا الذي أنت تسأل عنه في حدود معرفتك أنت مسلم ولَّا كافر؟ لا والله مسلم إذاً: الصلاة جائزة، لا والله هذا ليس مسلماً عندي، أقول لك حينئذ: أنت احتياطاً لا تصلي وراءه، لكن معناها من جهة أخرى: لازم تحتاط ما تبادر إلى تكفيره سيكون أنت مخطئ في تكفيره؛ لأنك لست من أهل العلم عرفت كيف؟ فإذا غلب على ظنك أنه هذا كفر، لا تصلي وراءه وتصلي على إمام لا تشك في إسلامه وإيمانه. لكن لا تقطع بكفره ما دمت لست من أهل العلم. "الهدى والنور" (343/ 00: 15: 00) [785] باب هل يعلم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟ وما حكم الصلاة خلف من يعتقد ذلك؟ سؤال: إمام مسجد يدعي بأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم الغيب فهل يجوز الصلاة خلفه؟

الجواب: النصوص القرآنية الواردة صريحة بأن الرسول عليه السلام لا يعلم الغيب كما في قوله تعالى: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} والأحاديث الواردة أيضا مؤكدةً لهذا المعنى كمثل الحديث الذي في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بجاريةٍ صغيرةٍ وهي تغني وتقول: «وفينا نبي يعلم ما في غد» فقال عليه الصلاة والسلام: «دعي هذا؛ لا يعلم الغيب إلا الله وقولي مثل ما كنت تقولين» (¬1)، يعني: من الكلام المباح، فإذا بُلِّغَ ذلك ثم أصر على ضلاله فحينئذٍ لا يجوز الصلاة خلفه، نعم. "الهدى والنور" (19/ 26: 50: 00) ¬

(¬1) البخاري (رقم3779).

موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني «موسوعة تحتوي على أكثر من (50) عملاً ودراسة حول العلامة الألباني وتراثه الخالد» العمل الأول سلسلة جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة «تحتوي على ما يقارب ألفي مسألة وفائدة عقدية مستخرجة من تراث العلامة الألباني بعناية» (4) (كتاب الأسماء والصفات) الجزء الأول صَنَعَهُ شادي بن محمد بن سالم آل نعمان

كتاب الأسماء والصفات

كتاب الأسماء والصفات

جماع مقدمات عقدية هامة في توحيد الأسماء والصفات

جماع مقدمات عقدية هامة في توحيد الأسماء والصفات

[786] باب في وجوب تصفية العقيدة مما شابها من البدع بما فيها أبواب الأسماء والصفات

[786] باب في وجوب تصفية العقيدة مما شابها من البدع بما فيها أبواب الأسماء والصفات الشيخ: كثير من الناس من هؤلاء الموحِّدين يمرون على بعض الآيات التي فيها تتضمن عقيدة وبعض الأحاديث الأخرى وهم غير منتبهين لما تتضمن هذه النصوص من عقيدة صحيحة! وهي من تمام الإيمان بالله عز وجل، خذوا مثلاً عقيدة أو الإيمان بعلو الله عز وجل على خلقه أنا أعرف بالتجربة أن كثيراً من إخواننا الموحِّدين السلفيين يعتقدون معنا بأن الله عز وجل على العرش استوى دون تأويل ودون تكييف ولكنهم حينما يأتيهم معتزلي عصري أو جهمي عصري، أو ماتريدي أو أشعري عصري فيلقي إليه شبهة قائمة على ظاهر آية لم يفهم معناها لا الموسْوِس ولا الموَسْوَس إليه، فيحار في عقيدته ويضل عنها بعيداً، لماذا؟ لأنه لم يتلقن العقيدة الصحيحة من كل الجوانب التي تعرَّض لبيانها كتابُ ربِنا وحديثُ نبِينا. حينما يقول المعتزلي المعاصر: الله عز وجل يقول: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16)، وأنتم تقولون إن الله في السماء، وهذا معناه أنكم جعلتم معبودكم في ظرف هو السماء المخلوقة، ما أريد أن أخوض طويلاً في هذه القضية؛ لأن المقصود هو التذكير فقط، وإلا فالبحث في هذه الجزئية يحتاج إلى جلسة خاصة، أريد من هذا المثال أن عقيدة التوحيد بكل لوازمها ومتطلباتها ليست واضحة في أذهان الذين آمنوا بالعقيدة السلفية، لا أعني الآخرين الذين اتبعوا الجهمية أو المعتزلة أو الماتريدية أو الأشاعرة في مثل هذه المسألة، فأنا أرمي بهذا المثال إلى أن المسألة ليست باليسر الذي يصوره اليوم بعض إخواننا

الدعاة الذين يلتقون معنا في الدعوة إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، أن الأمر ليس بهذه السهولة التي يدعيها بعضهم، والسبب في هذا ما سبق بيانه مني من الفرق بين جاهلية المشركين الأولين حينما يدعون أن يقولوا: لا إله إلا الله فيأبون؛ لأنهم يفهمون معنى هذه الكلمة الطيبة، وبين المسلمين المعاصرين اليوم حينما يقول هذه الكلمة لكنهم يأبون معناها الصحيح، هذا الفرق الجوهري هو الآن متحقق في مثل هذه العقيدة، عقيدة علو الله عز وجل على مخلوقاته كلها، فهذا يحتاج إلى بيان، ولا يكفي أن يعتقد المسلم فقط معنى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، ومعنى: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، دون أن يعرف أن في هنا «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» في هذه الظرفية في هذا الحديث هي كـ "في" في قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16) أي: من على السماء، حتى إذا جاء ذلك المعتزلي أو الأشعري ووسوس إليه وقال له: أنتم تجعلون ربكم في ظرف في السماء، فيكون الجواب عنده: لا لا منافاة بين قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، وبين قوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16)؛ لأن «في» هنا بمعنى «على» هناك، والدليل كثير وكثير جداً، من هذا الحديث المتداول على ألسنة الناس، وهو بمجموع طرقه والحمد لله حديث صحيح: «ارحموا من في الأرض» لا يعني الحشرات والديدان التي هي في الأرض، وإنما من على الأرض من الإنسان والحيوان، «يرحمكم من في السماء» أي من على السماء، فمثل هذا التفصيل لا بد أن يكون المستجيبون لدعوة الحق على بينة من الأمر. ويُقرِّب لكم هذا أن تتذكروا حديث الجارية وهي راعية غنم كما تعلمون، حينما سألها الرسول عليه السلام، وأنتم إن شاء الله ذاكرون الحديث، وإنما أذكر

بالشاهد منه قال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء. لو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر لقالوا لك: في كل مكان، بينما الجارية تحسن الجواب، وهي جارية راعية غنم، ما هو السبب؟ لأنها كانت تعيش في جو بتعبيرنا العصري جو سلفي، أي جو سني بالتعبير العام؛ لأنها تخرجت كما يقولون أيضاً اليوم من مدرسة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، هذه المدرسة لم تكن خاصة في بعض الرجال ولا في بعض النساء، وإنما كانت تنتقل من ناس إلى ناس فتعم السكان جميعهم من رجال ونساء؛ ولذلك عرفت الجارية وهي راعية غنم العقيدة الصحيحة التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الكتاب وفي السنة. اليوم لم يوجد شيء من هذا، من هذا البيان وهذا الوضوح، بحيث أنه لو سألت - ما أقول راعية غنم- بل لو سألت راعي أمة وجماعة قد يحار في الجواب، كما يحار الكثيرون اليوم. فإذاً قضية الدعوة إلى التوحيد وتثبيتها في قلوب الناس، ما يكفي أن نمرِّر آيات كما كان الأمر في العهد الأول؛ لأنهم أولاً كانوا يفهمون العبارات العربية بيسر، وثانياً لم يكن هناك زيغ وانحراف في العقيدة نبع من الفلسفة ومن علم الكلام، فقام يعارض العقيدة السليمة، فنحن أوضاعنا اليوم تختلف تماماً، فلا يجوز أن نتوهم بأن الدعوة إلى العقيدة الصحيحة هي اليوم من اليسر، كما كان الأمر في ذلك اليوم من اليسر، وأقرب لكم هذا بمثل لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان إن شاء الله، من اليسر المعروف يومئذٍ أن الصحابي يسمع الحديث من رسول الله مباشرةً ثم التابعي يسمع الحديث من الصحابي مباشرة وهكذا نقف عند القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية هل كان هناك شيء اسمه: علم الحديث، لم يكن هناك شيء اسمه علم الحديث، علم الجرح والتعديل لم

يكن شيء منه هناك، أما الآن فهذا أمر لا بد منه، وهو فرض من فروض الكفاية، العالم اليوم لكي يتمكن من معرفة هذا حديث صحيح أو ضعيف، ليس هذا ميسراً له كما كان الأمر بالنسبة للصحابي؛ لأنه يتلقى الحديث من فم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غضاً طرياً، ثم التابعي يتلقاه من الصحابة الذين زكوا بشهادة الله عز وجل لهم إلى آخره، فما كان ميسوراً يومئذٍ ليس ميسوراً اليوم، لهذا ينبغي ملاحظة هذا الأمر، والاهتمام كما ينبغي مما يتناسب مع المشاكل المحيطة بنا اليوم بصفتنا مسلمين، ما لم يكن المسلمون الأولون قد أحاط بهم مما أحاط بنا من الإشكالات والشبهات وعلم الكلام، من أجل ذلك، أو يحسن بنا أن نذكر من أجل ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما ذكر الغرباء في بعضها، قال: «للواحد منهم خمسون من الأجر»، قالوا: منا يا رسول الله أم منهم، قال: «منهم»، ثم عللَّ ذلك بقوله عليه السلام: «إنكم تجدون على الحق أنصاراً، ولا يجدون على الحق أنصاراً»، هذا من مقتضى الغربة الشديدة القائمة اليوم، التي لم تكن في الزمن الأول، لا شك أنه الزمن الأول الغربة كانت بين شرك وتوحيد، بين كفر وإيمان، أما الآن المشكلة بين المسلمين أنفسهم، فهذه قضية ينبغي الانتباه لها أولاً، ثانياً: لا ينبغي أن يقول ناس من الناس ولنقل نحن مثلاً معشر السلفيين المحصورين في بلد ما، نحن الآن ينبغي أن ننتقل إلى مرحلة أخرى غير مرحلة الدعوة إلى التوحيد، وأعني بهذه المرحلة الأخرى هو العمل السياسي، لا ينبغي أن نقول هذا؛ لأن الإسلام دعوته دعوة حق أولاً، وعامة ثانياً، نحن ما ندري من أين ستنبغ الحركة التي يبدأ منها تحقيق الحكم بالإسلام في أرض الله الواسعة، ولذلك فيجب أن تكون دعوتنا عامة، إن كانت مثلاً دعوتنا في بلد عربي كمثل بلدنا هذا مثلاً، فما ينبغي أن نقول: نحن عرب والقرآن نزل بلغتنا العرب، مع أننا نذكر بأن العرب اليوم كبعض الأعاجم الذين استعربوا، فالعرب اليوم استعجموا؛ بسبب

بعدهم عن لغتهم، وهذا مما أبعدهم عن فهم كتاب ربهم وسنة نبيهم، فهب أننا نحن العرب هنا فهمنا الإسلام فهماً صحيحاً، فلا نقنع بأننا نكفي نحن أن نعمل عملاً سياسياً، ونحرك الناس ونشغلهم بالسياسة عما يجب عليهم من الاشتغال بفهم الإسلام كما قلنا آنفاً، ليس محصوراً بالعقيدة بل بالعبادة، وفي المعاملات وفي السلوك، أنا لا أعتقد أن هناك في الأرض الإسلامية العامة شعباً يعد الملايين يمكن أن يعتمد عليهم بأنهم فهموا الإسلام بهذه الأمور الثلاثة التي سبق ذكرها: عقيدةً، وعبادةً، وسلوكاً، ورُبوا على هذه التربية، لا أعتقد هذا موجود؛ ولذلك نحن ندندن دائماً وأبداً حول ونركز حول نقطتين أساسيتين، وكثير من إخواننا الحاضرين يعلمون ذلك حينما نقول: التربية، فإنما نعني من هذه التربية التربية القائمة على التصفية، فلا بد من الأمرين معاً، التصفية والتربية، فإن كان هناك نوع من التصفية فهو في العقيدة، وليس بصورة عامة، وفي شعب قد يعد الملايين، وإنما ذلك في أفراد منهم ضاعوا في هذا المجتمع الواسع، وليس لهم كلمة وليس لهم ما يجمعهم حتى يكونوا كتلة واحدة، بحيث يمكنهم أن يؤثروا في ذلك المجتمع الذي هو جزء من المجتمع الإسلامي الكبير، أعني شعباً من الشعوب، فقد يكون هناك أفراد فهموا الإسلام فهماً صحيحاً من كل الجوانب نفترض هذا وهذا بعيد جداً؛ لأني أعتقد أن فرداً بل ولا خمسة ولا عشرة ولا عشرين يستطيعون أن يقوموا بواجب التصفية، تصفية الإسلام مما دخل فيه في كل جوانب الإسلام من عقيدة من عبادة من سلوك من معاملة ما شابه ذلك، لا يستطيع أن ينهض بهذا الواجب أفراد قليلون خاصة في هذا المجتمع الذي يعد الملايين لا بد ما يكون هناك المئات من الدعاة الذين فهموا الإسلام فهماً صحيحاً، ثم قاموا بواجب تربية من حولهم، التربية هذه الآن مفقودة ولذلك سيكون للتحرك السياسي الآن آثار سيئة قبل تحقيق هاتين القضيتين الهامتين التصفية والتربية، هل

نعني بتحقيق بكلمة التحقيق تحقيق ذلك في المجتمع الإسلامي كله، هذا مما لا نفكر فيه ولا مناماً؛ لأن هذا أمر مستحيل؛ لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} (هود:118، 119)، هؤلاء المرحومون لا يتحقق فيهم أنهم مرحومون فعلاً من ربنا تبارك وتعالى إلا إذا فهموا الإسلام فهماً صحيحاً، وربوا أنفسهم أيضاً على هذا الإسلام الصحيح، فالاشتغال الآن بما يسمى بالعمل السياسي، ونحن لا ننكر العمل السياسي، لكننا نعتقد بالتسلسل المنطقي الشرعي في آن واحد، أن نبدأ بالعقيدة ونثني بالعبادة وبالسلوك تصحيحاً لكل هذه الأمور، ثم لا بد أن يأتي يوم لا بد من العمل السياسي فيه؛ لأن السياسة معناها: إدارة شؤون الأمة، من الذين يدير شؤون الأمة، ليس زيد وبكر وعمر الذي هو يتريس على جماعة أو يوجه جماعة هذا أمر الأمير الإمام الأول، يعني الذي يبايع من قبل المسلمين فهذا هو الذي يجب أن يكون على معرفة بسياسة الواقع، أما أن نشغل أنفسنا بأمور نحن لو عرفناها حق المعرفة لا نتمكن من إدارتها؛ لنضرب مثلاً واضحاً جداً اليوم مع الأسف الشديد، هذه الحروب القائمة ضد المسلمين اليوم في كثير من بلاد الإسلام، هل يفيد تحريك وإثارة حماس المسلمين في كل بلاد الدنيا ونحن لا نملك الجهاد الواجب إدارتها من إمام مسؤول، لا فائدة من هذا العمل، لا نقول: هذا ليس بواجب، هو واجب، ولكنه أمر سابق لأوانه، ولذلك فعلينا أن نشغل أنفسنا وأن نشغل غيرنا ممن ندعوهم إلى دعوتنا أن نفهمهم الإسلام الصحيح، وأن نربيهم تربية صحيحة، وإشغالهم بأمور حماسية فذلك مما سيصرفهم عن التمكن في الدعوة التي هي تجب أن يقوم بها أو أن تقوم في ذهن كل مكلف من المسلمين كتصحيح العقيدة وتصحيح العبادة وتصحيح السلوك، هذه من الفروض العينية التي لا يعذر مُقَصِّر فيها، أما الأمور الأخرى فهي بعضها يكون من

[787] باب في أهمية جعل العقيدة بما في ذلك توحيد الأسماء والصفات أولى الأولويات في الدعوة، مع بيان أهمية فهم السلف وخطورة التنكب عنه

الفروض الكفائية كما يقال اليوم من معرفة فقه الواقع، أو الاشتغال بالعمل السياسي وما شابه ذلك، هذا إذا عرفه بعض الأفراد إذا كان بإمكانهم أن يستفيدوا من ذلك عملياً، أما أن يشغلوا جمهور الناس به؛ فذلك مما يشغلهم بالمهم عن الأهم، وهذا هو الذي نراه ملموساً لمس اليد في كثير من الجماعات الإسلامية أو الأحزاب الإسلامية، حيث نعرف أن بعضهم كان يهتم بتربية الشباب المسلم المتكتل والملتف حول هؤلاء الدعاة ليفهموا العقيدة الصحيحة والعبادة الصحيحة والسلوك الصحيح، وإذا بهم بسبب الانشغال السياسي ومحاولة الدخول في البرلمانات التي تحكم بغير ما أنزل الله، فقد صرفهم عن الجانب الأهم، واشتغلوا بما هو مهم، وقد لا يكون مهماً في ظرف من الظروف القائمة الآن. "الهدى والنور" (750/ 00: 00: 00) [787] باب في أهمية جعل العقيدة بما في ذلك توحيد الأسماء والصفات أولى الأولويات في الدعوة، مع بيان أهمية فهم السلف وخطورة التنكب عنه [قال الإمام ناصحًا لبعض الدعاة]: فينبغي أن تدندن حول تنبيه إخوانك الذين عشت معهم عشرين سنة كما قلت أن يصححوا عقيدتهم بالله تبارك وتعالى، كل مسلم يعلم أصول الإيمان آمنت بالله وملائكته وإلى آخره، وبالقدر خيره وشره، لكن هناك إيمان بهذه الأصول إيمان مجمل وهذا هو الأصل الذي لا يعذر أحد بجهله به .. الإيمان مجملاً بالله وملائكته إلى آخره، لكن هذا الإيمان المجمل لا يكفي، لا بد من أن يقترن به الإيمان المفصل الذي جاء بيانه في كتاب الله وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو سنته، وعلى منهج سلفنا الصالح، ولا بدأ الآن البيان

للفرق بين الإيمان المجمل الذي هو الأصل الذي لا بد منه لكل مسلم ثم لا بد أن يقترن معه التفصيل، الإيمان بالله .. أصل الإيمانات .. ، كل أهل الأديان يشتركون في هذا الإيمان المجمل، ويختلفون عن الملاحدة الذين لا يؤمنون إلا بالطبيعة، فاليهود يؤمنون بالله والنصارى يؤمنون بالله والصابئة يؤمنون بالله والبوذيون والكفر والشرك إلى آخره .. ، إلا الملاحدة فإذاً هذا الإيمان المجمل لا يكفي، لا بد من أن يكون إيماناً مبيناً مفصلاً، وكما قلت آنفاً على ما جاء في الكتاب والسنة، والآن لنضرب مثلاً من واقع حياتنا ومن جهل شبابنا المتحزب المتكتل على غير هدى من الله، إنهم جميعاً لا يعلمون أن الله عز وجل يجب أيضاً هذا الكلام مجمل لا بد من التفصيل .. لا بد من الإيمان بالله كما وصف نفسه في الكتاب والسنة .. كما وصف نفسه في الكتاب والسنة، وصف نفسه بالتنزيه ووصف نفسه بالصفات الكاملة التي تليق بالله عز وجل الآية المعروفة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) الآن المسلمون وفيهم من أشرنا إليهم آنفاً يصدق فيهم كلمة لأحد الأمراء القدامى الأذكياء حينما سمع بعض المشائخ الذين لا ينحون منحى منهج السلف في التمسك بالكتاب والسنة حين وصفوا ربهم بما يأتي قالوا: الله عز وجل لا يوصف بأنه فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف ولا يقال هو داخل العالم ولا يقال هو أيضاً خارج العالم، فماذا قال ذلك الأمير الكيس الفطن الذكي? قال: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم، هذه حقيقة، المسلمون اليوم هذه عقيدتهم وهناك عقيدة أخرى قد تكون دونها شراً لكنها هي في الشر تحيا، وهي مسموعة دائماً في كل المجالس حينما يريد أحدهم أن يذكر ربه ماذا يقول? الله موجود في كل الوجود، هذا ذكرهم الله موجود في كل مكان، وهذا هو الكفر بعينه، ما هو السبب? انصراف المسلمين عن الكتاب والسنة، وعن منهج أرجو أن تتذكر هذه الإضافة لأنها ضرورية جداً، وعن منهج السلف

الصالح، لماذا? لأن أولئك المتكلمين أو الفلاسفة الضالين الذين وصفهم ذلك الأمير الكيس بأنهم أضاعوا ربهم، أو هؤلاء المتأخرون الضالون الذين حشروا ربهم في كل مكان حتى القاذورات حتى الكراهة، حتى المجاري حتى الكنف إلى آخره .. هؤلاء لا ينكرون كلام الله ولا ينكرون سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل قد يتحدون المخالفين لهم بأنهم يقولون نحن على الكتاب والسنة، لأننا نعلم جميعاً الفرق الضالة التي كانت في القرون الأولى كالمعتزلة والجبرية والقدرية والخوارج والإباضية الموجودين اليوم، هؤلاء كلهم لا يقولون نحن لسنا على الكتاب والسنة، وأيضاً هؤلاء المختلفين في هذا الزمان لا يمكن أن تسمع منهم تَبَرؤاً من كتاب أو سنة، إذاً ما هو منشأ الخلاف? منشأ الخلاف هو أنهم خالفوا سبيل المؤمنين، ربنا عز وجل حينما ذكر سبيل المؤمنين في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115) كان يمكن أن يقال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى، لكنه لحكمة بالغة عطف على مشاققة الرسول قوله عز وجل: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115) والحكمة واضحة جداً أن هؤلاء المؤمنين هم الذين بينوا لنا القرآن والسنة، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في بيانه لمثل هذه الآية، وجواباً عن سؤال السائل حينما ذكر عليه السلام أن الفرقة الناجية هي واحدة من بين ثلاث وسبعين فرقة، لما سُئل ما هي الفرقة الناجية? قال عليه السلام: «ما أنا عليه وأصحابي»، ما قال ما أنا عليه فقط، وإنما أضاف إلى ذلك وأصحابي، اليوم بارك الله فيك أبو إيش أنت يقال لك? مداخلة: محمد. الشيخ: أبو محمد .. يا أبو محمد الآن جماهير المسلمين خاصة المتحزبين

المتكتلين لا يلقون بالاً إطلاقاً لهذه الضميمة التي ذكرها الله في الآية السابقة محذراً من مخالفة سبيل المؤمنين ولهذه الضميمة الأخرى التي قرنها الرسول مع سنته عليه السلام مبيناً أن تمام النجاة وكون الإنسان من الفرقة الناجية أن يتمسك بما كان عليه الرسول وأصحابه، هذه الضميمة الآن رفعت من أذهان جماهير المسلمين، لا أقول المعتزلة القديمة والحديثة، أقول أهل السنة والجماعة اليوم لا يلقون بالاً إطلاقاً لهذه الجملة، لذلك الإيمان بالله يجب أن يكون كما وصف نفسه كتاباً وسنة وعلى منهج السلف الصالح، فالآن ما هي عقيدة السلف الصالح بالنسبة للضلالة الأولى والكبرى التي وصفها ذلك الأمير بأنهم أضاعوا ربهم? والضلالة أختها الذين يقولون الله في كل مكان، يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله وهو من أئمة المسلمين المجاهدين علماً وعملاً وجهاداً في سبيل الله عز وجل، ومن من كبار شيوخ الإمام أحمد إمام السنة قال: (ربنا تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، وهو بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه)، هذه عقيدة السلف الصالح، اليوم انظر إلى هذه العقيدة وانظر إلى قول عامة المسلمين لا أستثني منهم خاصتهم: الله موجود في كل مكان .. الله موجود في كل وجود .. ! أما تلك الضلالة لا فوق لا تحت لا يمين لا يسار إلى آخره .. ، لا داخل العالم ولا خارجه، أنا أقول لو طُلِب من أفصح من نطق بالضاد أن يصف لنا المعدوم، لما استطاع أن يصف هذا المعدوم بأكثر مما يصف هؤلاء المسلمون المهابيل ربهم ومعبودهم، لا فوق ولا تحت ولا يمين .. الله أكبر، ربنا يقول في عباده المصطفين الأخيار {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (النحل:50) هذه صفة المؤمنين الذين يخشون الله، يراقبونه تبارك وتعالى معتقدين أن الله عز وجل على العرش استوى كما قال ذلك الإمام عبد الله: (ربنا فوق عرشه بذاته، بائن من خلقه) .. رد على الصوفية الذين يقولون بقول إمامهم الضال الكبير ابن عربي: وما الله في التمثال إلا كثلجة بها الماء، وصف الله

من حيث مخالطته لمخلوقاته كالماء في الثلج، بينخصوا عن بعضهم البعض? أبداً، شعر إلى هذا كبير، أما هذاك الشعر الموجود في مقدمة كتابه الفتوحات المسماة بالفتوحات المكية بزعمه، قال: العبد رب والرب عبد ... فليت شعري من المكلف إن قلت عبد فذاك نفي ... أو قلت رب أنا يكلف? حيران مسكين بين العبد وبين الرب، العبد لا وجود له؛ لأنه (لا هو إلا هو) ولذلك ذِكْرُهم هوهو .. لا إله إلا الله يصرحون، لا إله إلا الله الذي خاطب الله نبيه في القرآن {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد:19) هذا توحيد الخاص في العامة، لا إله إلا الله توحيد العامة، المساكين الدراويش الضايعين، فيهم العلماء فيهم الصحابة كلهم هؤلاء عامة، توحيد الخاصة (لا هو إلا هو) وتوحيد خاصة الخاصة (هو) ما في غيره، انظروا الآن كلمة ما في غيره تمشي على ألسنة الناس اليوم بدون انتباه لهذه الضلالة الكبرى، العامي الرجل المسلم الذي عقيدته لا تزال على الفطرة، لكن توارث بعض العبارات لا ينتبه لمرماها ومغزاها، يقول لك: ما في غيره، طيب أنا أقول له أنت من? أنت عدم أو غير موجود? أعوذ بالله ما في غيره يقول لك، وهذه تساوي تماماً الله في كل مكان، خلاصة هذا البحث يطول جداً ولذلك أتيت بهذا المثال الأول ولعلي آتي بالأخير وما بين ذلك بحث طويل، فالإيمان بالله يجب أن يكون على ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله وعلى ما كان عليه سلفُنا الصالح؛ لأنه لا أحد .. يتبرأ من الكتاب والسنة، لكنه بريء من الكتاب والسنة لأنه يتأولهما حسب جهله وضلاله وو .. أنا جاءني هنا رجل ربما سمعتم به أو لعلكم ابتليتم بلقائه وهو يعلن ويرفع راية ضلاله بأن يقول أنا معتزلي، سمعتم بهذا الإنسان? هذا جاء هنا فبدأ يرفع من شأن العقل، وبدأ

يطرح أنه كأنه إذا اختلفنا لا بد أن نرجع للعقل، فأنا صبرت عليه قليلاً بعدين قلت له: لكن الله عز وجل يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (النساء:59) إلى آخره، يعني إذا قلنا لكم ما تصدقون أن مسلماً يقول هذا الكلام، لكن هنا شهود. مداخلة: والشريط نفسه. الشيخ: نعم? مداخلة: والشريط. الشيخ: والشريط، قال: كلام الله يتحمل وجوهاً من المعاني .. كلام الله يتحمل وجوهاً من المعاني، ولذلك لا بد من تحكيم العقل، قلت: يا شيخ هذا الكلام في منتهى الضلال، هات نشوف المعنى الثاني لقوله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} (إبراهيم:10) فما أجاب وحاد، وأصر على ضلاله، وهكذا يقولون يعني ما ضلت الفرق كلها إلا لأنهم تأولوا القرآن بغير تأويله الذي بينه الرسول عليه الصلاة والسلام، الشاهد هذا المثال الأول الإيمان بالله، فلا يكفي الإيمان بالله المجمل لا بد من الإيمان المفصل في حدود الكتاب والسنة، نأتي إلى الإيمان بالقدر، فيه ناس إلى اليوم يؤمنون بالقدر لكن القدر عندهم يساوي الجبر، فهل آمن بالقدر? ما آمن بالقدر، إذاً يجب ألا نغتر بالإيمان بألفاظ الكتاب والسنة دون الإيمان بمعانيها الحق، الإيمان بالألفاظ لا يسمن ولا يغني من جوع؛ لأن كل الفرق الضالة تشترك هذه مع تلك في الإيمان بألفاظ القرآن والسنة، لكنهم يختلفون في التأويل، وهذا بحث كما قلت طويل وطويل جداً، حسبنا إذاً الآن أن ندندن دائماً في دعوتنا المسلمين إلى الإيمان بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح ثم نعالج فيهم في حدود الأهم فالأهم، ما نراهم قد انحرفوا قد يكونوا

[788] باب هل ينبغي على الدعاة أن يتجنبوا الكلام على الأسماء والصفات أمام العامة؟

انحرفوا في السلوك وهذا شيء كثير، انحرفوا في العبادة وهذا كثير، انحرفوا في العقيدة وهذا أيضاً كذلك، ولذلك الأمر كما قيل العلم إن طلبته كثير، والعمر عن تحصيله قصير، فقدم الأهم منه فالأهم. "الهدى والنور" (660/ 34: 33: 00) [788] باب هل ينبغي على الدعاة أن يتجنبوا الكلام على الأسماء والصفات أمام العامة؟ السؤال: جزاكم الله خيراً. بمناسبة ذكر الأسماء والصفات يقول بعض الناس: بأنه يجب على الدعاة إلى الله ألا يتحدثوا في هذا الباب أمام عامة الناس وغوغائِهم؛ لأن الخوض في هذا يؤدي إلى وقوع الشك في نفوسهم، فما هو مدى صحة هذا الكلام؟ الشيخ: نعم. أولاً: نقول لهؤلاء: تحدثوا أنتم أمام العامة بخير من هذا الكلام، تحدثوا أنتم بخير من هذا الكلام، فإذا كان لا يعجبكم هذا الكلام فواجبكم أن تتحدثوا بما يعجبكم من غير هذا الكلام، وإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فستسمعون ما لا يرضيكم، وهذا الذي لا يرضيكم المهم أنه يرضي ربكم، وهذا هو الذي وصلنا من علم السلف وندين الله به، والعامة - كما قلنا لكم آنفاً - هم على الفطرة، إذا قيل لهم: لا فوق، لا تحت استنكرته قلوبهم، لكن إذا قيل لهم: الله فوق المخلوقات كلها وليس فوقه أي مخلوق فهذا هو الذي يلتقي مع الفطر السلمية {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (الروم:30) نعم. "الهدى والنور" (314/ 00:14:08).

[789] باب هل آيات الصفات وأحاديثها من المتشابهات أم من المحكمات؟

[789] باب هل آيات الصفات وأحاديثها من المتشابهات أم من المحكمات؟ سؤال: هنا يسأل سائل: هل آيات الصفات والأحاديث من المتشابهات أم من المحكمات كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ... الشيخ: هي من جهةٍ من المتشابهات، وذلك فيما يتعلق بالكيفيات، وليست من المتشابهات من حيث أن لها معنًى ظاهرًا كما قلنا آنفًا في قول السلف: أمِرُّوها كما جاءت يعني بالمفهوم العربي والمثال عن مالك سابقًا ذكرناه أيضًا، فهي بهذا الاعتبار أي: بمعنى أن هذه الآيات لها معاني معروفة في اللغة العربية فهي غير متشابهة .. أما باعتبار الكيفية فهي متشابهة؛ لأنه لا يمكن أن نعرف كيفية ذات الله فبالتالي لا يمكن أن نعرف كيفية صفات الله عز وجل، ولذلك قال بعض أئمة الحديث وهو أبو بكر الخطيب صاحب التاريخ المعروف بتاريخ بغداد: يقال في الصفات ما يقال في الذات سلبًا وإيجابًا، يقال في الصفات ما يقال في الذات، فكما أننا نثبت الذات ولا ننفيها فإن هذا النفي هو الجحد المطلق، كذلك نقول في الصفات: نثبتها ولا ننفيها ولكننا كما لا نكيف الذات لا نكيف الصفات، هذا جواب هذا السؤال. "فتاوى الإمارات" (2/ 00:58:06) "فتاوى الإمارات" (3/ 00:00:38) [790] باب منه السؤال: باب توحيد الأسماء والصفات من الأبواب الدقيقة التي غاصت فيها أفهام عقول كثير من الناس قديماً وحديثاً، فترى كثيراً من الناس يتكلم فيه بغير

علم، وقليلاً منهم من يتكلم فيه بعلم، ومن هؤلاء الذين يتكلمون فيه بغير علم من يقولون بأن آيات الأسماء والصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فما هو قولكم في هذا؟ نرجو التوضيح جزاكم الله خيراً. الشيخ: ... هذه المسألة قد صُنِّفت فيها مصنفاتٌ كثيرة منا نحن أهل السنة والجماعة ومن المخالفين لأهل السنة والجماعة، فليس من الممكن الإجابة عن مثل هذا السؤال في دقائق معدودات، ولكني أقول: إن التأويل المنفي بنص القرآن الكريم: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} (آل عمران:7) ليس المقصود به مطلقاً والبتة: لا يعلم معناه إلا الله. وهنا يظهر خطأ الذين ينتحون ناحية التفويض في آيات الصفات وأحاديث الصفات، فيقولون: نَكِلُ معانيها إلى الله عز وجل ولا نخوض فيها، ليس لهم حجة في مثل هذه الآية ولا حجة لهم سواها، وإذا كانت حجتهم هي هذه فكما تسمعون، ربنا يقول: لا يعلم تأويلها ولم يقل: لا يعلم معانيها إلا الله، وتأويل الشيء هو معرفة عاقبة أمره وحقيقة أمره. مداخلة: ما يؤول إليه. الشيخ: ما يؤول إليه وينتهي إليه، نعم. فنحن حينما نقرأ بعض آيات الصفات أو أحاديث الصفات لا شك ولا ريب نفهم معانيها، كمثل قوله تبارك وتعالى في الآية المذكورة في أماكن عديدة: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) كما نفهم حديثه عليه السلام المتواتر عنه: «ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا» فنفهم معنى الاستواء ونفهم معنى النزول، ولكن حقيقة ذاك الاستواء وذاك النزول لا يعلمه إلا الله، هذا هو المقصود بهذه الآية، وليس المقصود ما يزعم أهل التفويض أننا لا نعرف معاني هذه الآيات. كيف يكون ذلك معقولاً فضلاً عن أن يكون مشروعاً؟

فربنا عز وجل كما قال في القرآن الكريم: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف:180) فأسماؤه الحسنى قسم كبير جداً مذكور في القرآن الكريم، وقسم آخر مذكور في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذه الأسماء بلا شك في الوقت الذي هي أسماء لله هي صفات له. فإذا قلنا: أن هذه الأسماء كالصفات لا يمكن أن نفهم منها شيئاً، لأن الله يقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} (آل عمران:7) معناها: عطلنا أسماء الله وعطلنا صفاته تبارك وتعالى، وحينما ندعوه بأسمائه الحسنى ندعوه بأشياء لا نعرف معانيها. {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ} (البقرة:255) ما معنى الحي؟ ما ندري. القيوم؟ ما ندري، عدد الأسماء التسعة والتسعين وزيادة، فمعنى ما سبق طرحه كسؤال أنهم لا يفقهون شيئاً من معاني هذه الأسماء الكريمة، فهل يقول مسلم بأن الله عز وجل تعرف إلى عباده بأسماء وصفات لا معاني لها مفهومة عندنا؟ حاشا لله تبارك وتعالى، هذا هو التعطيل بعينه الذي صرح عنه الإمام بحق ابن القيم الجوزية رحمه الله حينما قال: "المجسِّم يعبد صنماً والمعطِّل يعبد عدماً"، المعطل يعبد عدماً فعلاً؛ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (البقرة:255) أيش هذه الأسماء معانيها؟ ما ندري، إما أن ندري وإما ألا ندري، إن كنا ندري فما معنى: لا يعلم تأويله؟ أي: لا يعلم حقائقها، لأننا نعتقد في ذات الله ما نعتقده في صفات الله إثباتاً ونفياً، فحينما نثبت وجود الله نثبت له وجوداً حقيقياً واجب الوجود كما يقول علماء الكلام، وحينما نثبت له تلك الصفات أيضاً نثبتها له ونحن نفرق في المعنى بين صفة وأخرى. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فنفهم أن السميع غير

البصير والبصير غير القدير وو إلى آخر ما هنالك من صفات. إذاً هذه الصفات كُلُّها مفهومة والحمد لله، ولكن حقائقها مجهولة لدينا، كالذات. هل نعرف ذات الله: حقيقتها؟ حاشا لله، لكننا نعلم يقيناً أن ذات الله هي التي أوجدت هذه الكائنات وهي متصفة بكل صفات الكمال ومنزهة عن كل صفات النقص. من أجل ذلك صح عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه حينما جاءه ذاك السائل فقال له: يا مالك! الرحمن على العرش استوى، ما استوى؟ أيش معنى؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه - أي عن الكيف - بدعة، أخرجوا الرجل فإنه مبتدع. فإذاً الاستواء معلوم، أي: هو الاستعلاء كما ثبت ذلك عن السلف، لكن كيف الاستواء؟ مجهول كما نجهل حقائق الذات والصفات كلها كما ذكرنا، فجهلنا بحقيقة الذات وبحقيقة الصفة لا يحملنا على أن ندعي أننا لا نفهم شيئاً، وعلى قولة إخواننا في حلب: "طاول"، ما نفهم شيئاً لهذه الأسماء إطلاقاً هذا هو الجهل بعينه والمكابرة، لأن الله عز وجل حينما يقول لنا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) ماذا يعني؟ ألا يعني أن نعتقد ما يصف به نفسه؟ لا شك في ذلك. وهل يمكن أن نعتقد في الله ما وصف به نفسه بالجهل أم بالعلم؟ لا شك أن الجواب بالعلم وليس بالجهل. تمام الآية: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فربنا وصف نفسه بأنه سميع وبصير. هل نستطيع أن نفهم الله بأن نقول: لا ندري ما معنى سميع وما معنى

بصير؟ ذلك هو الجهل، ذلك هو التعطيل الذي سمعتموه آنفاً من ابن القيم: المجسِّم يعبد صنماً والمعطِّل يعبد عدماً. لقد وصل الأمر بهؤلاء المعطلة إلى أن يقولوا فعلاً: لا وجود لله، هذا الله الذي تعبدون له لا وجود له، لماذا؟ لأن كل موجود لا بد إما أن يكون داخل العالم أو أن يكون خارج العالم، وهم قد وصفوا ربهم بهذه الصفات السلبية الآتية؛ قالوا. وأنا سمعتها من أحد مشائخهم على المنبر يوم الجمعة يُضَلِّل الناس بالرد على السلفيين الذين يقولون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) استعلى كما قال الإمام مالك وكما قال كل السلف. فهم يقولون: الله، هكذا يقولون وبئس ما يقولون, الله لا فوق ولا تحت, ولا يمين ولا يسار, ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه. زاد بعض الفلاسفة ما سمعته من شيخي، أنا بريء من قوله, ما سمعت هذا الوصف الأخير قالوا: لا متصلاً به ولا منفصلاً عنه ... أنا قلت مرة لبعضهم: لو قيل لأفصح العرب بياناً: صف لنا المعدوم الذي لا وجود له لما استطاع أن يصف هذا المعدوم بأكثر مما وصف أولئك معبودهم، حين قالوا: الله لا فوق ولا تحت، لا يمين ولا يسار، لا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه. قالت الفلاسفة: لا متصلاً به ولا مفصولاً عنه. هذا هو العدم، إذاً لا تستغربوا قول ابن القيم: المعطل يعبد عدماً، لأنه هذا قولهم, وهذا يُذكِّرني بموقف ابن تيمية بالنسبة لمشايخ علماء الكلام لما أقاموا الدعوى عليه أمام أمير دمشق يومئذ، فجمعهم مع ابن تيمية وتناقشوا بينهم، كان الملك عاقلاً لم يكن عالماً لكنه كان عاقلاً كان ذكياً، فسمع مثل هذه العبارات قد تكون هي عينها، لأن الخلف ورثوا عن خلفهم هذه الكلمات وقد يكون معانيها. المهم ابن تيمية رحمه الله شرح هناك

[791] باب هل عقيدة السلفيين في الصفات هي عقيدة الصحابة؟

عقيدة السلف بطبيعة الحال بأحسن مما ذكرنا لكم آنفاً، وشرح أولئك عقيدة الخلف وطبعاً أقول أيضاً بأسوأ مما ذكرنا آنفاً، أي نعم. فقال الأمير الكَيِّس الذكي الفطن: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم. الحقيقة أنا أعجبت بهذا الكلام تماماً مع أنه ليس بعالم، لكن لما يسمع العامي الذي فطرته سليمة: الله لا هو لا تحت، لا يمين، لا يسار، لا أمام، لا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه, والله هؤلاء قوم أضاعوا ربهم. مداخلة: أخونا يقول: يعني نفهم من شيخنا أن آيات الصفات ليست من المتشابه؟ .. الشيخ: ليست من المتشابه. مداخلة: يعني من المحكمة. الشيخ: المتشابه هو تأويلها بس. مداخلة: نعم. الشيخ: نعم. "الهدى والنور" (314/ 00:00:45). [791] باب هل عقيدة السلفيين في الصفات هي عقيدة الصحابة؟ سؤال: شيخنا هل العقيدة التي يحملها السلفيون هي عقيدة الصحابة, فإن هناك من الناس من يزعم أو يقول: إن كانت هي عقيدة الصحابة فأتونا ولو بصاحبي واحد يقول بصفات نؤمن بالمعنى ونفوض الكيف, فما هو قولكم؟

الشيخ: نحن نعكس السؤال ثم نجيب عن هذا الجواب, هل هناك صحابي تأول تأويل الخلف؟ نريد مثالاً أو مثالين. مداخلة: يذكرون أحياناً عن ابن عباس رضي الله عنه, أي نعم, أنه تأول آية من كتاب الله تبارك وتعالى. الشيخ: طيب, إذا تأول ما هو الذي حمله على التأويل؟ وهل كان ذلك هو منهج الصحابة الأولين؟ نحن جواباً عن السؤال الأول نقول: إن السلف الصالح لم يكونوا بحاجة إلى أن يشرحوا ما هو واضح لديهم وضوح الشمس في رابعة النهار. المثال السابق يشبه تماماً ما لو قال قائل: أعطونا مثالاً واحداً أن أحد الصحابة قال هذا فاعل وهذا مفعول به وهذا مفعول للتمييز وهذا للحال إلى آخر ما هنالك من مصطلحات وضعت بعد الصحابة وبعد السلف لضبط فهم النصوص على الأسلوب القرآني والعربي الأصيل. لا نستطيع أن نأتيهم بنص من مثل هذه النصوص التي اصطلح عليها العلماء الذين وضعوا قواعد النحو ووضعوا قواعد الصرف, وكذلك سائر العلوم التي منها أصول الفقه ومنها أصول الحديث إلى آخره. ذلك لأن الصحابة الأولين كانوا عرباً أقحاحاً فلم يكونوا بحاجة أن يُفسِّروا ما يُفسِّره اليوم السلفيون الذين ينتمون إلى السلف الصالح, ذلك لأنهم يفهمون النصوص المتعلقة بآيات الصفات وأحاديث الصفات, كما فهمها السلف, فالمهم أن الأصل ليس هو التأويل الأصل هو عدم التأويل وهذا الأصل أمر متفق عليه عند جميع العلماء حتى الذين يؤولون أي كلام عربي سواء كان متعلقاً بآيات

الصفات أو أحاديث الصفات أو متعلقاً بأي خبر عربي، كلهم يتفقون فيقولون مثلاً الأصل في كل جملة عربية أَن تُحمل على الحقيقة وليس على المجاز, فإذا تعذرت الحقيقة حينئذٍ يقولون نصير إلى المجاز, فالآن هذه القاعدة المتفق عليها بين السلف والخلف نحن في هذه القاعدة فنقول لهم: العرب الأولون الصحابة الذين قصد السائل فهمهم لتلك النصوص هم ماشون على هذه القاعدة التي عليها الخلف فضلاً عن السلف, فإذاً حينما قال الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر:22). ما الذي يفهمه العربي فيما يتعلق بالملائكة مثلاً من كلمة جاء الملائكة هل يفهم التأويل المعنى المؤَول أم يفهم المعنى الحقيقي؟ لا شك أن الجوب سيكون يفهم المعنى الحقيقي، سنقول له أعطنا نص أن الصحابة فسروا مجيء الملائكة بالمعنى الحقيقي، لن يستطيع أن يصل إلى ذلك أبداً لماذا؟ لأن الأمر واضح لديهم يمشون على قاعدة علمية مجمع عليها -ليس فقط بين السلف بل والخلف أيضاً-, فما كان قولهم عن هذا المثال السهل البسيط هو نفس جوابنا على السؤال الذي أوضحته أو وجهته آنفاً. الحقيقة والحق نقول أن هؤلاء المعطلة هم يعني متأثرون بعلم المنطق الذي يخرج كثيرًاً أصحابَه من دائرة الاتباع إلى دائرة الابتداع, فحينما يوردون هذا السؤال معنى ذلك أنه ليس هناك ضابط لفهم نصوص الشريعة إطلاقاً لأنه لا يمكننا أن نتصور إلا أن كل من يدعي العلم سواء كان سلفياً أو كان خلفياً لا بد له أن يفسر نصًّا في القرآن أو في السنة على القاعدة المذكورة آنفاً وهي الأصل الحقيقة وليس المجاز, فعندما يأتينا أي خلفي من هؤلاء ويفسر لنا تفسيراً ما لنص ما نقول له ما هو مستندك في هذا التفسير؟ هل عندك نص عن الصحابة عن

التابعين عن تابع التابعين سيضطر أن يعود إلى أصل اللغة وحينئذٍ نقول هذه حجتنا عليكم، لماذا تتأولون النصوص التي لا تعجبكم ظاهرها ولا إشكال فيها إنما جاء الإشكال كما هو الأصل من التكييف من التشبيه. لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أصل المعطلة أنهم وقعوا في التشبيه فلما أرادوا الخلاص من التشبيه لجأوا إلى التأويل, فلو أنهم أخذوا بمثل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) وكذلك سورة الصمد: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإخلاص:1 - 4) لو أنهم وقفوا عند هذا النص ما احتاجوا إلى التأويل لأن مصيرهم للتأويل هو أنهم فهموا هذه الآيات على مقتضى التشبيه, فإذا قلنا جاء ربك أي كما يليق بجلاله, كذلك الملائكة الملائكة أيضاً خلق من الخلق لكن لا شك ولا ريب أن مجيئهم لا يشبه مجيء البشر بل الجن الذين خُلقوا من نار مجيئهم وذهابهم وإيابهم لا يُشبه بأي وجه من الوجوه مجيء البشر. فهل نؤول المجيء المتعلق بالجن أو المجيء المتعلق بالملائكة أن نقول أن مجيء كل ذات تتناسب مع تلك الذات. هكذا ينبغي أن تفهم نصوص الكتاب والسنة أي على القاعدة العربية: (الأصل في كل جملة الحقيقة وليس المجاز) فإذا تعذرت الحقيقة صير إلى المجاز, هذا جواب ذلك السؤال. ثم يخطر في بالي شيء آخر وهو أن هذا السؤال يعني عدم الاعتداد بفهم الأئمة الذين يتظاهرون بالتمسك بعلمهم وبفهمهم، بينما هنا لا يقيمون لفهمهم وزناً إطلاقاً، مع أن الأئمة هم الذين اقتدينا بمنهجهم، وبأسلوبهم في تفسير الآيات وتفسير الأحاديث, لذلك كان كثير من علماء السلف يحذرون عامة الناس أن

يجالسوا أهل الأهواء؛ لأنهم أهل شبهات وطرح إشكالات ومع الأسف لا يستطيع كثير من أهل العلم أن يجيبوا جواباً مقنعاً موافقاً للكتاب والسنة من جهة، ومتابعاً للعقل الصحيح من جهة أخرى, كثير من الناس لا يستطيعون أن يُقدِّموا الحجة والبيان لأولئك الذين تأثروا بالشبهات والإشكالات التي يطرحها أهل الأهواء والبدع لذلك حسموا الباب ونُهُوا عن مخالطة أهل البدع والأهواء. "الهدى والنور" (738/ 58: 01: 00)

جماع أبواب أصول أهل السنة في باب توحيد الأسماء والصفات

جماع أبواب أصول أهل السنة في باب توحيد الأسماء والصفات

[792] باب أصول عقيدة السلف في الأسماء والصفات

[792] باب أصول عقيدة السلف في الأسماء والصفات [قال الإمام في مقدمة كتابه "مختصر العلو"]: وهنا يطيب لي بهذه المناسبة أن أنقل من بعض المخطوطات فصلاً رائعاً من كلام بعض علماء السلف مما لم يُطبع حتى الآن فيما علمت وهو للخطيب البغدادي الحافظ المؤرخ المشهور، وقد ذكر المصنف طرفاً منه في ترجمته كما يأتي فرأيت أن أذكره هنا بنصه إتماماً للحجة على الخَلَف الذين يتوهم الكثير منهم أن القول بوجوب الإيمان بحقائق الصفات ومعانيها كما يليق بالله تعالى هو مذهب تفرد به ابن تيمية ومن اقتدوا به فيها، ولم يعلموا أنه رحمه الله تابع لهم في ذلك، وإنما فضله في بيانه وشرحه له، وإقامة الأدلة عليه بالمنقول والمعقول، ودفع الشبهات عنه، وإلا فهو سلفي المعتقد، وهو الواجب على كل مسلم، ولذلك بادرنا إلى نشر كتاب الذهبي هذا الذي بين يديك لتعلم به ما قد يكون خافياً عليك كما خفي على غيرك، فكان ذلك سببا قوياًّ من أسباب الابتعاد عن العقيدة السلفية والطريقة المحمدية. قال الحافظ الخطيب رحمه الله تعالى: " أما الكلام في الصفات فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه، وحققها من المثبتين قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين ودين الله بين الغالي فيه والمقصِّر عنه. والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، ويحتذي

في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف. فإذا قلنا: لله تعالى يد وسمع وبصر فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه ولا نقول: إن معنى اليد: القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها؛ لقوله تبارك وتعالى {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وقوله عز وجل: {ولم يكن له كفوا أحد}. ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث، ولبَّسوا على من ضعف علمه بأنهم يروون ما لا يليق بالتوحيد ولا يصح في الدين، ورموهم بكفر أهل التشبيه وغفلة أهل التعطيل أجيبوا بأن في كتاب الله تعالى آيات محكمات يفهم منها المراد بظاهرها، وآيات متشابهات لا يوقف على معناها إلا بردها إلى المحكم، ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع، فكذلك أخبار الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - جارية هذا المجرى، ومنزلة على هذا التنزيل، يرد المتشابه منها إلى المحكم ويقبل الجميع. وتنقسم الأحاديث المروية في الصفات ثلاثة أقسام: أ - منها أخبار ثابتة أجمع أئمة النقل على صحتها لاستفاضتها وعدالة ناقليها، فيجب قبولها والإيمان بها، مع حفظ القلب أن يسبق إليه اعتقاد ما يقتضي تشبيها لله بخلقه، ووصفه بما لا يليق به من الجوارح والأدوات والتغير والحركات.

ب - القسم الثاني: أخبار ساقطة بأسانيد واهية وألفاظ شنيعة أجمع أهل العلم بالنقل على بطلانها، فهذه لا يجوز الاشتغال بها ولا التعريج عليها. ج - والقسم الثالث: أخبار اختلف أهل العلم في أحوال نقلتها فقبلهم البعض دون الكل، فهذه يجب الاجتهاد والنظر فيها لتلحق بأهل القبول أو تجعل في حيز الفساد والبطول ". قلت: فاحفظ هذا الأصل من الكلام في الصفات وافهمه جيداً؛ فإنه مفتاح الهداية والاستقامة عليها، وعليه اعتمد الإمام الجويني حين هداه الله تعالى لمذهب السلف في الاستواء وغيره كما تقدم ذكره عنه، وهو عمدة المحققين كلهم في تحقيقاتهم لهذه المسألة كابن تيمية وابن القيم وغيرهما قال ابن تيمية في " التدمرية " (ص 29): طبع المكتب الإسلامي: " القول في الصفات كالقول في الذات؛ فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل سائر الصفات. فإذا قال السائل كيف استوى على العرش؟ قيل له كما قال ربيعة ومالك وغيرهما رضي الله عنهم: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة "؛ لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر ولا يمكنهم الإجابة عنه؛ وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: لا أعلم كيفيته. قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله؛ إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف وهو فرع له وتابع له فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه ونزوله وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟ وإذا كنت تُقر

بأن له حقيقة ثابتة في نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال لا يماثلها شيء، فسمعه وبصره وكلامه ونزوله واستواؤه ثابت في نفس الأمر، وهو متصف بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمع المخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزوله واستواؤهم ... ". وقال في " الحموية " (ص 99) بعد أن ذكر مختصر ما تقدم: " ومذهب السلف بين التعطيل وبين التمثيل، فلا يُمثلِّون صفات الله بصفات خلقه كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف بها نفسه ووصفه به رسوله، فيعطلوا أسماءه الحسنى وصفاته العليا، ويحرِّفوا الكلم عن مواضعه، ويلحدوا في أسماء الله وآياته. وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل فهو جامع بين التعطيل والتمثيل، أما المعطلِّون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل مثلَّوا أولاً وعطلوا آخراً، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة به سبحانه وتعالى؛ فإنه إذا قال القائل: لو كان الله فوق العرش للزم إما أن يكون أكبر من العرش أو أصغر أو مساوياً، وكل ذلك من المحال - ونحو ذلك من الكلام - فإنه لم يَفهم من كون الله على العرش إلا ما يَثُبت لأي جسم كان على أي جسم كان، وهذا اللازم تابع لهذا المفهوم، أما استواء يليق بجلال الله ويختص به فلا يلزمه شيء من اللوازم الباطلة التي يجب نفيها كما يلزم سائر الأجسام، وصار هذا مثل قول الممثل: إذا كان للعالم صانع فإما أن يكون جوهراً أو عرضاً إذا لا يعقل موجود إلا هذان، وقوله: إذا كان مستوياً على العرش فهو مماثل لاستواء

[793] باب من أصول مذهب السلف في الأسماء والصفات

الإنسان على السرير والفلك؛ إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا، فإن كليهما مَثَّلَ وكليهما عَطَّلَ حقيقة ما وصف الله به، وامتاز الأول بتعطيل كل اسم للاستواء الحقيقي، وامتاز الثاني بإثبات استواء هو من خصائص المخلوقين. والقول الفصل هو ما عليه الأمة الوسط من أن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله ويختص به، فكما أنه سبحانه موصوف بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، ونحو ذلك ولا يجوز أن يثبت للعلم والقدرة خصائص الأغراض التي لعلم المخلوقين وقدرتهم؛ فكذلك هو سبحانه فوق العرش ولا يثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق وملزوماتها. واعلم أنه ليس في العقل الصريح، ولا في شيء من النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلاًَ". "مختصر العلو" (ص46 - 50). [793] باب من أصول مذهب السلف في الأسماء والصفات [قال الإمام]: - أحاديث الصفات يجب (إمرارها) على (ظاهرها)، دون تعطيل أو تشبيه كما هو مذهب السلف "الصحيحة" (2/ 385). [وقال رحمه الله]: -[الذي] كان عليه السلف ... [هو] تفسير النصوص على ظاهرها دون تأويل أو تشبيه كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى:11). "الصحيحة" (6/ 1/108).

[وقال رحمه الله]: - طريقة السلف .. : الإثبات مع التنزيه. "الصحيحة" (6/ 2/733). [وقال رحمه الله]: - أئمة الحديث ... مجمعون على اتباع السلف في الإيمان بحقائق الصفات الإلهية اللائقة به تبارك وتعالى: إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: 11). "الصحيحة" (7/ 2/808). [وقال رحمه الله]: والأصل إمرارها [أي نصوص الصفات] على ظاهرها على الوجه اللائق بعظمة الله وجلاله؛ كما في قوله سبحانه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}. "الصحيحة" (7/ 3/1638). [وقال رحمه الله]: فالتمسك بظاهر النصوص دون تأويل أو تعطيل هو مذهب السلف الصالح والأئمة الأربعة وغيرهم، لا يرغب عنه إلا كل هالك. "الضعيفة" (2/ 189). [وقال رحمه الله]: فرحم الله امرءًا آمن بما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصفات وغيرها, على الحقيقة اللائقة بالله تعالى, ولم يقبل في ذلك ما لم يصح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الضعيفة" (2/ 256).

[794] باب منه

[794] باب منه [قال الإمام]: صفاته تعالى توقيفية فلا تثبت له صفة بطريق اللزوم مثلاً، كأن يقال: يلزم من ثبوت مجيئه تعالى ونزوله ثبوت الحركة، فإن هذا إن صح بالنسبة للمخلوق، فالله ليس كمثله شيء فتأمل. "التعليق على التنكيل" (1/ 349). [795] باب أحاديث وآيات الصفات يجب إمرارها كما جاءت [قال الإمام]: أحاديث الصفات وآيات الصفات يجب إمرارها كما جاءت وكما قال سلفنا الصالح رضي الله عنهم، بدون تأويل ولا يكفي هذا؛ بل ينبغي أن ينضم إلى ذلك أن يقال: وبدون تعطيل. والمقصود بدون تعطيل هو أن لا يُؤَوِل معانيها وتصرف هذا المعاني عن دلالتها الظاهرة، فلا يكفي فقط عدم التأويل، وإنما يجب أن ينضم إلى ذلك أيضاً التفسير الصحيح مع التنزيه، يعني مثلاً: لا يجوز أن نفسر {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) بمعنى: استولى؛ لأن هذا تأويل، كما أنه لا يجوز إمرارها دون فهم لمعناها، ومعنى استوى هو: استعلى. فنقول حينئذ: معنى استوى على العرش أي: استعلى عليه دون كيف ودون تشبيه ودون تعطيل أيضاً، هكذا يجب أن تكون أو أن يكون موقف كل مسلم تجاه آيات الصفات وأحاديث الصفات، هو الإيمان بمعانيها الحقيقية دون تأويل ودون تجسيم .. هذه نصيحتي .. مداخلة: هذا قول الشيخ الألباني، فما القول لطلبة العلم، لأن هناك أحاديث

[796] باب شرح ما جاء عن جماعة من السلف من قولهم في نصوص الصفات:"أمروها كما جاءت بلا تفسير"

للصفات، فهم يؤولون فيها باجتهاد منهم. الشيخ: لا يجوز التأويل، نقول نحن: بدون تأويل وبدون تجسيم، التأويل هو التعطيل والتجسيم هو التشبيه، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فربنا سميع وبصير ولكن ليس كمثله شيء. فنحن ننصح الطلبة هكذا أن يكونوا دائماً مع الآيات، مع التسليم بمعانيها الظاهرة دون تشبيه ودون تأويل الذي هو التعطيل كما يقول ابن القيم رحمه الله: المجسم يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، المجسم يعبد صنماً، والله منزه أن يكون مجسماً، والمعطل يعبد عدماً، ولذلك فينبغي التسليم .. وهكذا. مداخلة: أيضاً إلقاء الضوء أن الإخوة لا يتبعون كل ما روى الرواة وخط كل بنان، وينتقوا الأحاديث المنتقاة عن ... الشيخ: طبعاً الحديث لو كان في الأحكام وفي الأخلاق لا يجوز إلا أن يكون صحيحاً فكيف به إذا كان له علاقة بالعقيدة، فلا ينبغي إلا أن يؤخذ بالأحاديث الصحيحة في كل ما يتعلق بالشريعة سواء كان عقيدةً أو كان عبادةً أو كان سلوكاً. "الهدى والنور" (169/ 00:39:58) [796] باب شرح ما جاء عن جماعة من السلف من قولهم في نصوص الصفات:"أمرُّوها كما جاءت بلا تفسير" قال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفات؟ فكلهم قالوا لي: "أمرُّوها كما جاءت بلا تفسير".

[797] باب معنى ما روي عن السلف من أنهم لا يفسرون نصوص الصفات

[قال الإمام]: أي بلا تكييف .. : قال المؤلف [أي الذهبي] في "الأربعين" (180ك 1 - 2) عقب هذا الأثر: "قلت: مالك في وقته إمام أهل المدينة، والثوري إمام الكوفة، والأوزاعي إمام أهل دمشق، والليث إمام أهل مصر، وهم من كبار أتباع التابعين، وحكى الإجماع على ذلك بعدَهم محمد بن الحسن فقيه العراق ". "مختصر العلو" (ص142) [797] باب معنى ما روي عن السلف من أنهم لا يفسرون نصوص الصفات قال يحيى بن معين: شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعاً فقال: يا أبا سفيان، هذه الأحاديث مثل حديث الكرسي موضع القدمين، ونحو هذا ... ؟ فقال: كان إسماعيل بن أبي خالد, والثوري, ومسعر يروون هذه الأحاديث، لا يفسرون منها شيئاً. (صحيح). [قال الإمام]: المراد بقوله: "لا يفسر منها شيئاً" لا يتأولونها, ولا يخرجون معناها عن ظاهرها. "مختصر العلو" (ص150).

[798] باب شرح ما جاء عن جماعة من السلف من قولهم لمن سأل عن أحاديث الرؤية: "امضها بلا كيف"

[798] باب شرح ما جاء عن جماعة من السلف من قولهم لمن سأل عن أحاديث الرؤية: "امضها بلا كيف" [قال الإمام]: قال ابن القيم في (الجيوش الإسلامية) (ص77): "ومراد السلف بقولهم: بلا كيف هو نفي للتأويل، فإنه التكييف الذي تزعمه أهل التأويل، فإنهم هو الذي يثبتون كيفية تخالف الحقيقة فيقعون في ثلاثة محاذير: نفي الحقيقة وإثبات التكييف بالتأويل وتعطيل الرب عن صفته التي أثبتها لنفسه, وأما أهل الإثبات فليس أحد منهم يكيف ما أثبته الله تعالى لنفسه ... } إلخ كلامه. "مختصر العلو" (ص143).

جماع أبواب الكلام على بطلان مذهب التفويض وبراءة أهل السنة منه والرد على المفوضة

جماع أبواب الكلام على بطلان مذهب التفويض وبراءة أهل السنة منه والرد على المفوضة

[799] باب معنى التفويض في الأسماء والصفات

[799] باب معنى التفويض في الأسماء والصفات [قال الإمام]: والتفويض بزعمهم إمرار النصوص بدون فهم، مع الإيمان بألفاظها. "الصحيحة" (2/ 385) [800] باب بيان خطر التفويض وأنه ليس مذهب السلف [قال الإمام في مقدمة " مختصر العلو" بعد أن بيِّن وهاء مقولة المخالفين:"مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم"]: والظن الذي أُتي منه المخالفون هو مما يُكرِّر ذكرّه بعض المؤيدين لمذهب الخلف على مذهب السلف ويتوهم صحته بعض الكتاب الإسلاميين الذين لا علم عندهم بأقوال السلف ويسمونه بـ " التفويض "، وهو مما يكثر الكوثري عزوه إليهم زوراً فيقول في تعليقه على " السيف الصقيل " (ص 13): " الذي كان عليه السلف إجراء ما ورد في الكتاب والسنة المشهورة (!) في صفات الله سبحانه على اللسان مع التنزيه بدون خوض في المعنى ومن غير تعيين المراد ". وأعاد هذا المعنى في مواضع أخرى منه (ص 131 و145) وجرى على منواله قرينُه المتعاون معه على تحريف نصوص كتاب " الأسماء والصفات " للبيهقي ذاك في التعليق عليه وهذا في التقديم له في كتابه الذي سماه " فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان " أعني الشيخ سلامة القضاعي العزامي فقد ذكر نحوه في مواطن منه غير أنه قال: " أكثر السلف على الكف عن بيان المعنى المراد اللائق بالحق تعالى " كذا قال (ص 94).ونحوه (ص 81 و5)

فقد نسب إلى أكثر السلف تنزههم عن بيان المعنى اللائق بالحق تعالى. فهل كان ذلك جهلا منهم بالله أم كتما للعلم؟ فبأيهما أجاب فهو كما قيل: أحلاهما مر. وصدق الله العظيم: {ذلك مبلغهم من العلم}. وجملة القول في التأويل الذي تمسك به الخلف أنه كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في منتصف قصيدته الرائعة " الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية "المعروفة بالنونية: هذا وأصل بلية الإسلام ... من تأويل ذي التحريف والبطلان ثم أفاض في سرد أضراره نظماً بما لا تجده عند غيره نثراً فراجعه فإنه هام جداًّ. وانظرها مع شرحها للشيخ أحمد بن عيسى المسمى بـ " توضيح المقاصد وتصحيح القواعد بشرح قصيدة ابن القيم " (¬1)، ثم إن عجبي لا يكاد ينتهي من الكوثري وأمثاله الذين ينسبون السلف الصالح في آيات الصفات إلى التفويض وعدم البحث عن المراد منها كما سبق النقل الصريح بذلك عنه؛ فإنه إن لم يجد في قلبه من التعظيم للسلف وعلمهم ما يزعه عن التلفظ بها بما يمس مقامهم في المعرفة بالله تعالى وصفاته؛ أفلم يقف على ما نقله العلماء عنهم من العبارات المختلفة لفظاً والمتحدة معنى وكلها تلتقي حول شيء واحد وهو إثبات الصفات، مع الرد على المعطلة النافين لها والممثلة المشبهين لها بصفات الخلق؟! وإليك بعض النصوص في ذلك مما ستراه في الكتاب [أي: مختصر العلو] في تراجمهم إن شاء الله تعالى. 1 - قال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري ¬

(¬1) في مجلدين كبيرين وهي من مطبوعات (المكتب الإسلامي). [منه].

والليث بن سعد: عن الأحاديث التي في الصفات؟ فكلهم قالوا لي: "أمرُّوها كما جاءت بلا تفسير".وفي رواية: "بلا كيف". 2 - قال ربيعة الرأي ومالك وغيرهما: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب " قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتوى الحموية " (ص 109 مطبعة السنة المحمدية): " فقول ربيعة ومالك: الاستواء غير مجهول ... "موافق لقول الباقين" أمروها كما جاءت بلا كيف " فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول" ولما قالوا: "أمروها كما جاءت بلا كيف"؛ فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم". وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبت الصفات. وأيضا فإن من ينفي الصفات الجزئية - أو الصفات مطلقاً - لا يحتاج إلى أن يقول "بلا كيف" فمن قال: "إن الله ليس على العرش" لا يحتاج أن يقول: "بلا كيف" فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر فلما قالوا: "وبلا كيف". وأيضا فقولهم " أمروها كما جاءت " يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظًا دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: " أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو أمروا لفظها مع اعتقاد

[801] باب هل التفويض هو مذهب السلف؟

أن (من) (¬1) الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة " وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت، ولا يقال حينئذ " بلا كيف " إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول". 3 - قال الإمام الخطابي: " مذهب السلف في الصفات إثباتها وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها". 4 - قال الحافظ ابن عبد البر: " أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لم يُكَيَّفوا شيئا من ذلك، وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل منها شيئاً على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود ". قلت: فهذا قُلٌّ من جُلٍّ النصوص التي سنراها في الكتاب وهي كلها متفقة على أن السلف كانوا يفهمون آيات الصفات ويفسرونها ويعينون المعنى المراد منها على ما يليق به تبارك وتعالى. "مختصر العلو" (ص35 - 38). [801] باب هل التفويض هو مذهب السلف؟ [قال الإمام]: ليس مذهبهم [أي السلف] التفويض كما يزعم الكوثري وأمثاله من المعطلة، ¬

(¬1) كذا، والصواب بدونها كما في الأصل"الحموية".

[802] باب منه

كما شرحه ابن تيمية في رسالته " التدمرية " وغيرها. "الصحيحة" (2/ 385). [802] باب منه سؤال: هناك من يزعم أن التأويل أو التفويض كان من منهج السلف الصالح في العقيدة، هل هذا الأمر صحيح وهل ثبت عن أحد من السلف التأويل أو التفويض، وما حكم من يؤول أو يفوض؟ الشيخ: أولاً: يبدو لي أن هنا كثيراً من الشباب فعلاً متأثر بكتب هذا السقاف الذي سماه بعضهم بحق بالسخاف؛ لأن هذه الشبهات التي تثار في هذا الزمان هو أصلها هذا السقاف الذي يعيش في هذا البلد. أولاً: علماء السلف القاعدة عندهم هو عدم التأويل وعدم التفويض وإنما تفسير الآيات والأحاديث تفسيراً يدل عليه علمهم باللغة العربية وآدابها، فهم يفسرون مثلاً النزول بالنزول ولا يؤولونه، ويفسرون الاستواء بالاستواء والاستعلاء ولا يؤولونه وإنما يؤول الخلف الذين خالفوا السلف، وهذا طبعاً يحتاج إلى بيان وتفصيل ولي أشرطة كثيرة في هذا المجال خضنا فيها إلى حد كبير في ضرب الأمثلة. لكني أقول الآن: قد يوجد لبعض السلف تفسير لبعض النصوص من القرآن أو السنة يتوهم هؤلاء المؤولة الذين خالفوا السلف بأنه تأويل، وهو ليس من التأويل بسبيل، فأريد أن أذكر شيئاً هنا حول كلمة التأويل: التأويل له معنيان: أحدهما لغوي، والآخر: عرفي.

أما التأويل بالمعنى اللغوي فهو بمعنى التفسير تماماً والبيان، {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} (آل عمران:7) أي: ما يعلم ما يؤَوُل إليه وما يعود إليه، هذا معنى لغوي. أما التأويل الآخر الذي هو عرفي: أي: اصطلاحي فهو بمعنى إخراج دلالة النص عن الظاهر إلى معنى غير متبادر، هذا التأويل هو يقصد في كلام علماء الكلام. على هذا نقول: إذا فسر بعض السلف آية في القرآن الكريم بخلاف ما يفهمه بعض المتأولة، يقولون: هه! هذه سلف أول، والحقيقة: أن هذا الذي يسمونه تأويلاً أي: إخراج للنص عن معناه الظاهر هو ليس تأويلاً إنما هو تفسير، يعني: مثلاً ما ذكر في تفسير ابن كثير وغيره عن ابن عباس في تأويل آية: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) قال ابن عباس: وهو معكم بعلمه، هذا ليس تأويلاً! هذا تفسير لأنه نظر إلى سياق الآية من أولها إلى آخرها فانتبه إلى أن الله عز وجل يتحدث عن المعية العلمية وليس عن المعية الذاتية التي يظهر من هذه الجملة أن المقصود وهو، أي: بذاته، ليس هذا الذي يتبادر من دراسة الآية من أولها إلى آخرها وإنما المتبادر أنه ربنا عز وجل عني المعية العلمية، فهذا ورد عن ابن عباس، فهم يتشبثون بهذا ويسمونه تأويلاً وهو ليس من التأويل في شيء. ومثله نصوص كثيرة وكثيرة جداً، مثلاً: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46) أيضاً: هذه ليست معية ذاتية وإنما هي معية صفتية .. {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46) معكما فسرت بما بعدها: أسمع وأرى! هذا ليس تأويلاً بمعنى إخراج اللفظ عن ظاهره، وهكذا الأمثلة كثيرة وكثيرة جداً.

[803] باب منه

الخلاصة: هؤلاء الذي يزعمون بأن السلف أولوا: إن كانوا يعنون أنهم جعلوا مذهبهم التأويل كما هو مذهب الخلف فهم يُكَذِّبون أنفسَهم بأنفسِهم؛ لأن الخلف يقولون: مذهب السلف أسلم، ما هو مذهب السلف؟ هو أنهم لا يؤولون، ومذهب الخلف زعموا أنه أعلم وأحكم، لماذا؟ لأنهم يؤولون، فنفس علماء الخلف يعترفون بأن السلف ما كانوا يؤولون، لكن هؤلاء لتضليل الناس اليوم وإخراجهم عن سبيل المؤمنين الأولين يزعمون بأن السلف أولوا، الحقيقة: أنهم ما أولوا والنصوص الكثيرة والكثيرة جداً يجدها المسلم مجموعة في كتاب الحافظ الذهبي المعروف بالعلو للعلي الغفار. وكنت أنا اختصرته وحذفت منه بعض الروايات والآثار الواهية الضعيفة، فتجد هناك عشرات الصحابة والتابعين وأتباعهم والحفاظ من الأئمة كلهم لا يؤولون ويردون على المؤولة؛ لذلك فهذا تضليل من هذا السخاف لسبيل المؤمنين، من أجل أن يضلوا هؤلاء الناس الذين لا علم لهم بما يدجل به هذا الإنسان الذي ابتلي من حوله اليوم ومن وصلت رسائله إليهم بأضاليله الكثيرة المبثوثة في رسائله. "الهدى والنور" (795/ 17: 44: 00) [803] باب منه سؤال: كثيراً ما يُزْعَمُ أن مذهب السلف هو التفويض في الصفات, ويستندون على ذلك ببعض الأقوال لأهل العلم. الشيخ: الأهل من؟ مداخلة: للأئمة مثل الإمام أحمد كقوله: أَمِرُّوها كما جاءت بلا تفسير, نعم,

شيخنا يعني لم توجهوا هذه الأقوال خاصة أنها ثابتة عن الإمام أحمد وغيره نرجو منكم بيان هذه المسألة وجزاكم الله خيراً؟ الشيخ: سبق أن تكلمنا عن هذه المسألة وجواباً عنها نقول: إن السلف كما جاء في كتب أئمة الحديث وكما جاء في بعض كتب الأشاعرة كالحافظ ابن حجر العسقلاني، هو من حيث الأصول والعقيدة هو أشعري على علمه وفضله وهو قد ذكر في أكثر من موضع واحد في الكتاب العظيم المسمى بفتح الباري أن عقيدة السلف فهم الآيات على ظاهرها دون تأويل ودون تشبيه, فقول الأمام أحمد أمروها كما جاءت أي افهموها كما جاءت دون أن تتعمقوا في محاولة معرفة الكيفية, والذين يقولون إن مذهب السلف هو التفويض أولاً يلزمهم أمران اثنان وكما يقال أحلاهما مر يلزمهم أن الآيات التي وصف الله عز وجل نفسه بها فضلاً عن الأحاديث الكثيرة التي وصف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ربه فيها كل هذه النصوص معناها على مذهب التفويض أننا لا نفهم هذه النصوص بل ولا ندري لماذا ربنا عز وجل أنزلها في كتابه ولا ندري لماذا نبيه وصف ربه بهذه الصفات, والواجب علينا أن لا نفهم هذه الصفات المذكورة في القرآن والسنة علماً أن الله عز وجل نعى على قوم أنهم لا يهتمون بفهم القرآن الكريم حينما قال رب العالمين: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد:24). بلا شك أن أعظم شيء يتعلق بهذا الإسلام هو معرفة الرب الذي شرع هذا الدين وعلى لسان نبيه عليه الصلاة والسلام, فحينما يقال في آيات الصفات وفي أحاديث الصفات لا نفهم منها شيئاً إذاً هم لم يعتبروا بمثل قوله في الآية السابقة {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد:24) ويشملهم أيضاً: {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (الحج:46).

{وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (العنكبوت:43). والآيات كلها إنما أنزلت لتُعقل وتُفهم عن الله عز وجل فإن كانت متعلقة بالعقيدة تبناها عقيدةً وأن كانت متعلقة بالأحكام تبناها وعمل بها. إذاً إذا كانت الآيات المتعلقة بصفة الله عز وجل لا تفهم فإذاً نحن لا ندري عن ربنا شيئاً إلا أن له وجوداً, وعلى هذا هناك صفات مجمع عليها بين العلماء حتى علماء الخلف مثلاً: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). هل نفهم من السميع أن نُفَوِّض فنقول: لا ندري ما هي صفة السمع البصير لا ندري ما هي صفة البصر والقدير والحكيم والعليم إلى آخره معنى ذلك التفويض المزعوم أننا لا نفهم شيئاً من هذه الصفات, إذاً آمنا برب موجود لكن لا نعرف له صفة من الصفات وحينئذٍ كفرنا برب العباد حينما أنكرنا الصفات بزعم التفويض, هذا هو الذي يرد أولاً على أولئك المفوضة زعموا. الشيء الثاني: إذا قال الإمام أحمد أو غيره أمروها كما جاءت تُرى قبل الإمام أحمد إمام دار الهجرة وهو الإمام مالك رحمه الله تعالى هل كان على هذا المذهب حينما جاءه ذاك السائل فقال له: يا مالك يا مالك {الرحمن على العرش استوى}، كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم فالاستواء معلوم لا يعني الاستواء مفوض معناه لا قال الاستواء معلوم، وهو العلو، ولكن الكيف مجهول، وهذا هو مذهب السلف, ولذلك تمام كلام الإمام مالك رحمه الله أن قال: أخرجوا الرجل فإنه مبتدع لم يكن هذا الرجل السائل مبتدعاً لأنه سأل عن معنى خفي عليه من قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5). وإنما أخرج وبُدِّع؛ لأنه سأل عن كيفية الاستواء فكان قول الإمام مالك هذا

هو الذي يمثل منهج السلف الصالح والمتبعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وهو أن معاني آيات الصفات وأحاديث الصفات مفهومة لغة لكن كيفياتها مجهولة تماماً. فلا يعرف كيفية الذات إلا صاحب الذات ولا يعرف كيفية الصفات إلا الذات نفسها, لكن الاستواء والسمع معلوم والبصر معلوم والعلم معلوم وو إلى أخره ولذلك فأنا أعتقد أن تفسير كلمة الإمام أحمد أمِرُّوها كما جاءت هو بأنها تعني عدم فهم الآيات وأن نقول الله أعلم بمراده كما يزعم الخلف هذا هو أصل التعطيل أن نؤدي إلى جحد الخالق سبحانه وتعالى, ولذلك فأنا يعجبني كلمة الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأكررها على مسامعكم لتحفظوها لأن فيها جماع هذه المسألة في كلمتين اثنتين يقول رحمه الله: المشبه يعبد صنماً والمعطل يعبد عدما. فالله إذا قال إنسان ليس فوق وليس تحت وليس يمين وليس يسار وليس داخل العالم ولا خارجه كما يقول بعض المبتدعة الضالين في هذا البلد خاصة يزعمون بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه هذا وصف للمعدوم الذي لا وجود له. لو قيل لإنسان ما العدم ماذا تتصورون يكون الجواب؟ هو شيء لا شيء العدم لا شيء, إذا قيل هذا العدم لا شيء هل هو داخل العالم أو خارجه هل يصح هذا الوصف؟ مداخلة: لا يصح الشيخ: لا يصح هذا الوصف. لا يصح طيب, فإذا كان هناك شيء له وجوده

وله كيانه فهل يقال أنه ليس داخل العالم وليس خارج العالم؟ كذلك لا يقال إذاً من هنا قال ابن تيمية رحمه الله: والمعطل يعبد عدما أي شيء لا وجود له, وقد قلنا في بعض مناسبات كثيرة أن حديث عمران بن حصين رضي الله عنه المروي في صحيح البخاري: أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن العرش وعما خلق الله بعد العرش وعما كان قبل العرش فقال عليه الصلاة والسلام: «كان الله ولا شيء معه». أي لا مخلوق, فإذاً هو كان ولا مخلوق ثم خلق العرش ثم خلق السموات والأرض فإذاً حينما خلق السموات والأرض كان الموجود بإيجاد الله إياه، لا شك ولا ريب أن الله والحالة هذه ليس في المخلوقات. أما أن يقال أنه ليس خارج المخلوقات فهذا جحد لوجود الله عز وجل؛ لأنه كان ولا مخلوقات ولا أي عرش ولا كرسي ولا سماء ولا أرض ولا .. إلى أخره. لذلك نحن نقول عاقبة التأويل هو التعطيل, لهذا يقول ابن تيمية: المجسم يعبد صنماً, وهذا حرام بلا شك لأن الله يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11). والمعطل يعبد عدماً أي شيئاً لا وجود له, فآمِنوا بالله ورسوله على أساس من الفهم للآيات على الأسلوب العربي الذي كان عليه سلفنا الصالح أولاً مع الاحتفاظ بأن حقائق هذه الصفات وهذه الأسماء لا يعرفها إلا الله تبارك وتعالى. مداخلة: شيخنا إذا سمحت بارك الله فيك كما الإثبات على أنه الإمام أحمد رضي الله عنه ورحمه الله تعالى يعرف ويفهم معنى {الرحمن على العرش استوى} عندما أثبت أن الله عز وجل فوق السماء بذاته سُئل وقيل له يا إمام: ماذا تقول في قول الله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} (المجادلة:7).

قال بعلمه إلى آخر الآيات فهذا يدل أيضاً على أن الإمام أحمد يفهم قول الله تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5). الشيخ: يا سيدي هذه الحقيقة أن يقال أن السلف ما فسَّروا هذا جحد لحقيقة تشبه جحد البديهيات من الأمور. مداخلة: ثم بدعة جديدة يا شيخ. الشيخ: الله المستعان نعم. مداخلة: ابتدعها السقاف في هذه الأيام بالنسبة لهذه المسألة تكلمت مع أحد تلامذته أو رواده فعندما ناقشت هذه المسألة قال شيخنا يقول لنا عندما قالوا له أن هي في صحيح مسلم هذا الحديث الجارية قال: الصحابة قالوا أن الرحمن على العرش استوى ولكنهم يريدون التأويل, فعندما ناقشت هذا الرجل كلما يأتي بشيء آتي له بشيء قال في النهاية: أنا أثبت أن الله عز وجل فوق السماء كما أثبتتُّ في الجارية يعني بقي مصر على كلام شيخه أن الجارية أثبتته ولكن تريد التأويل. الشيخ: وما يدريه؟ مداخلة: أنا قلت له ما هي الحجة ما هو البرهان هذا لا بد له من برهان ودليل قال .. الشيخ: على كل حال هذه الكلمة أعتقد أنا أنها كلمة يقولونها بألسنتهم يقولونها هرباً من الحجة التي تقام عليهم لأن الرجل في كتبه يصرح بأن القول بأن الله في السماء كفر هكذا: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16). قال في بعض كتبه ونقلاً عن بعض المفسرين المؤولين مع الأسف: {أَأَمِنتُمْ

مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16). كما يقول أهل الشرك هكذا الكتاب مطبوع, ولذلك إذا وصل معك إلى أن يقول أنا أقول كما قالت الجارية لكن مع التأويل هذا أولاً: أعتقد أحد شيئين حتى ننصف الرجل هذا أو الشاب الذي تشير إليه إما أنه كفر بشيخه أو تأول كلام الشيخ بتأويل لا يرضاه الشيخ. أو أن الشيخ علمهم إذا قيل لكم كذا فقولوا كذا لكن قولهم هذا يخالف المسطور في كتبهم لأن الرجل يصرح بأنه لا يجوز للمسلم أن يقول الله في السماء، لأن هذه قول كفار فالمشركين في العهد الجاهلي، وهو تلقاه عن الشيخ عبد الله الغماري المغربي، فهو يصرح أيضاً في بعض تعليقاته على كتاب "التمهيد" هذا الكتاب العظيم الذي ابتلي ببعض المعلقين من أهل الأهواء وأهل التعطيل ولا أقول التأويل, ولذلك فهذا القول إذا قال حقيقة فهذه خطوة إلى الأمام، لكن الحقيقة أن السقاف لا يؤمن إلا أن كلمة الله في السماء هذا كفر لأنه يفسر في السماء أي في جوف السماء، وهذا كفر لهذا يقول بأننا نحن نقول بأن الله عز وجل ليس في مكان ومن قال إن الله في مكان فقد كفر، لذلك يتأولون ليتهم يتأولون في بمعنى على كما هو صريح الآيات الأخرى. ثم يقول أن الله عز وجل ليس في مكان وليس خارج المكان, الله لا داخل العالم ولا خارجه، وذلك هو شنشنة المعطلة، ومن عجائب أقوالهم أنهم يُكَفِّرون من يقول بقول الله ورسوله ويؤمنون بمن يقول بِقَوْلة ما قالها لا رسول الله ولا صحابي ولا تابعي ولا إمام من أئمة المسلمين. نقول لذلك السائل من قال من العلماء الذين هم يؤمنون بعلمهم وصلاحهم:

[804] باب هل التفويض مذهب السلف لقولهم: «نمرها كما جاءت»؟

الله ليس داخل العالم ولا خارجه هذه عقيدتهم من أين جاؤوا بهذه العقيدة؟ الله لا داخل العالم ولا خارجه مهما حاولوا أن يتأولوا مثل هذا الكلام فإنه لا يقبل التأويل في شطره الثاني أبداً إلا إنكار وجود الله تبارك وتعالى, ونحن نعتقد أن كثيراً من المؤولة ليسوا زنادقة لكن في الحقيقة أنهم يقولون قَوْلَة الزنادقة, فالزنديق المنكر لوجود الله هو الذي سيقول لا شيء مما تزعمون لا داخل العالم ولا خارجه لكن هم بسبب تأثرهم بعلم الكلام وصلوا إلى أن يقولوا كلمة هي زندقة بعينها لكن مع ذلك فهم لا يعلمون ويصدق فيهم قول رب العالمين: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (الكهف: 104، 105). "الهدى والنور" (738/ 45: 19: 00) [804] باب هل التفويض مذهب السلف لقولهم: «نُمِرُّها كما جاءت»؟ السائل: يأتي (عن) السلف في الصفات؛ في آيات الصفات وأحاديثها يقولون: نمرها كما جاءت أو يعني: قد يأتي أنها لا تفسر، لا نفسر شيئاً منها ونفسر شيئاً منها ... ، فنريد يعني: توضيح هل آيات الصفات أحاديثها يعني يفهم معناها أو يفوض معناها؟ الشيخ: الذي نفهمه من هذه الكلمة وهي قولهم نمرها كما جاءت، أي نفهمها على ظاهر دلالتها بالأسلوب العربي دون أن نُسَلِّط عليها معول التأويل والذي هو أشبه ما يكون بالتحريف والتعطيل، وليس المقصود بداهة من هذه الكلمة أن نقرأها وألا نفهم معناها، وقد جاءت هذه الصفات بلسان عربي مبين في الكتاب والسنة فلا بد من فهمها، ثم المرور على ظاهرها دون تأويل لها

[805] باب لازم القول بالتفويض

أو تعطيل بمعناها، وعلى هذا جرى علماء السلف في تفسير كل آيات الصفات ولم نجد عن أحد منهم أن آيات الصفات وأحاديث الصفات لا تفهم، وأن هذا هو المعنى من قول بعض السلف أمرها كما جاءت، ليس هذا هو المراد وإنما المراد إمرارها بفهم .. ففي ذلك إثبات الصفات بالمعنى العربي المتبادر إلى الأذهان وليس عدم فهمها؛ لأن مُؤَدَّى ذلك ألا نَصِف الله تبارك وتعالى بشيء مما وصف به نفسه وهذا هو عين التعطيل ولَنِعْم ما جاء من بعض أئمتنا ابن القيم رحمه الله تبارك وتعالى أو شيخه ابن تيمية حينما قال: المجسم يعبد صنماً والمعطل يعبد عدماً. فتعطيل الصفات وعدم فهمها هو يؤدي إلى إنكار وجود الله تبارك وتعالى، وإلى هذا أشار ابن القيم - رحمه الله - في كلمته الأخيرة المجسم يعبد صنماً والمعطل يعبد عدماً، هذا الذي يفهمه من هذه الكلمة وهو الصواب الذي لا ريب فيه. "الهدى والنور" (363/ 38: 25: 00) [805] باب لازم القول بالتفويض [قال الإمام]: ولازم ذلك "أي القول بالتفويض". نسبة الجهل إلى السلف بأعز شيء لديهم وأقدسه عندهم وهو أسماء الله وصفاته. ومن عرف هذا علم خطورة ما ينسبونه إليهم. والله المستعان. وراجع لهذا

[806] باب مناقشة الشيخ لمن يدعي أن مذهب الصحابة في الصفات هو التفويض

مقدمتي لكتابي " مختصر العلو للذهبي " ... "الصحيحة" (2/ 385). [806] باب مناقشة الشيخ لمن يدعي أن مذهب الصحابة في الصفات هو التفويض سؤال: بالنسبة لفهم آيات الصفات. الشيخ: ما شاء الله. مداخلة: الذي يقرأ ويطلع على مذهب أصحاب الرسول يجد أنه يفوضون في فهم صفات الله عز وجل. الشيخ: ما شاء الله، زادك الله فتوحاً. مداخلة: معظمهم لما كان يسأل عن هذا يقول: تفسيرها تلاوتها، يعني هذا ثابت عن ابن عيينة وغيره وغيره. الشيخ: لكن أنت كنت تحكي عن الصحابة سهيت أم نسيت؟ مداخلة: عن الصحابة، مِثل التابعين ... الشيخ: يعني أفهم منك أن ابن عيينة صحابي؟ مداخلة: لا. الشيخ: فإذاً؟! مداخلة: الصحابة مش معروف أيش مذهبهم إلا التفويض بدون بيان بدون سؤال.

الشيخ: هذا فهمناه منك، لكن قفزت قفزة غزلان ذهبت إلى ابن عيينة. مداخلة: يعني السلف. الشيخ: إذاً: لا تخصص الصحابة، السلف (مفوضون)، هكذا؟ مداخلة: (مفوضون) ... الشيخ: بس أنا لك ناصح أمين لا تسجل على السلف أنهم مفوضون، لأنك بعدين ستندم، ولات حين مندم، تريد تسجل تفضل سجل. مداخلة: نعم أسجل لأن هذا الذي فهمناه إلى الآن. الشيخ: خير، الله يرضى عنكم. مداخلة: يعني: وارد مجموعة من العبارات عنهم مثلاً الإمام مالك قال: (السؤال عنه بدعة) أنه ما كان الصحابة يسألون عن هذه الأمور، كانوا يمُرُّونها على ظاهرها. الشيخ: بس شايف أخذت الأثر المالكي من ذنبه، ما أتيت رأسه. مداخلة: معروف الأول. الشيخ: لكن يجوز أنت تأخذ من ذنبه وما تأتي برأسه؟ مداخلة: يعني هو لما قال: الاستواء معلوم لم يقل له- يعني حسب فهمنا نحن على الأقل- أن الاستواء يعني الاستعلاء. الشيخ: ما شاء الله صار نحن، الآن نحن. مداخلة: ما فيه فرق، قال له: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة.

الشيخ: سؤال قوله: الاستواء معلوم تفويض؟ مداخلة: لا، معلوم يعني بالكتاب والسنة تفويض طبعاً، ما قال له أن الاستواء يعني الاستعلاء مثلما نحن نفهمها. الشيخ: ماذا يُقصد بمعلوم مجهول؟ مداخلة: معلوم ليس مجهول، معلوم لفظاً بالقرآن والسنة كما جاءت الأسماء والصفات في الكتاب والسنة على لفظها. الشيخ: معلوم معناه مجهول؟ مداخلة: لا، كيف معلوم يساوي مجهول. الشيخ: هذا الذي أريده، التفويض معناه العلم؟ مداخلة: نعم. مداخل آخر: لا، التفويض معناه عدم العلم. الشيخ: من هنا يبين المكتوب من عنوانه، التفويض معناه فهم وعلم، أم عدم علم؟ مداخلة: أنا مقدرش أقول عنه جهل، ما أقدر أنسب هذا المذهب الجهل للصحابة. الشيخ: أنا ما قلت جهل. مداخلة: طبعاً لأنه عدم علم يساوي جهل. الشيخ: إذاً يساوي علم؟

مداخلة: لا ميساويش علم. الشيخ: إذاً لا علم ولا جهل. مداخلة: لا، تفصيل. الشيخ: إذاً لا علم ولا جهل. مداخلة: آه لا علم ولا جهل. الشيخ: ما شاء الله ... التفويض معناه قراءة النصوص المتعلقة بالصفات الإلهية بدون فهم لها إطلاقاً كما لو أن الأعجمي قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإخلاص:1 - 4) لا يفهم شيئاً من معنى هذه الآية، ويَكِلُ أمر معناها إلى الله تبارك وتعالى، هذا معنى التفويض، فهو يسلم بأن هذه آية أو سورة من القرآن، لكن ما معناها لا أدري، أمرها إلى الله تبارك وتعالى، هذا التفويض. فالمذاهب ثلاثة: مذهب السلف، وهو: فهم الآيات آيات الصفات وأحاديث الصفات بالأسلوب العربي، مع تنزيه الله عز وجل عن مشابهته للمخلوقات كما هو معلوم من قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) تنزيه، {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) إثبات، إثبات بمعنى أن السميع هو غير البصير، والبصير غير السميع، هذا مذهب السلف، -وفي هذا المثال- والخلف أيضاً، لأنهم يفسرون السميع البصير على تفسير السلف ولا يفوضون، هذا المذهب الأول وهو الإيمان [بالمعاني] المعروفة لغة مع تنزيه الله عز وجل فيها عن مشابهته للمخلوقات، الفهم اللغوي مع التنزيه.

- مذهب الخلف تارةً مع السلف يفهمون وينزهون، تارةً يؤولون، بل يعطلون، فهما مذهبان مذهب الفهم لآيات الصفات وأحاديث الصفات مع التنزيه، الفهم الثاني تأويلها وعدم التسليم بمعانيها الظاهرة، ولو كانت مقرونة بالتنزيه، مذهب لا من هؤلاء ولا من هؤلاء مذهب المفوضة. المفوضة لا يفهمون من آيات الصفات شيئاً، ويقولون: الله أعلم بمراده، فهم خالفوا السلف وخالفوا الخلف، خالفوا السلف لأنهم يقولون ربنا علمنا بلسان عربي مبين، فنحن نفهم {وهو السميع البصير} أن السميع هو غير البصير، وأن السمع له علاقة بسمع الأصوات، والبصر له علاقة برؤية الموجودات، هذا هو المعنى العربي، لكن سمعه ليس كسمعنا، وبصره ليس كبصرنا. قلنا: الخلف التقوا مع السلف في بعض هذه الآيات كالآية المذكورة آنفاً، لكن اختلفوا معهم في آيات أخرى، كإثبات اليدين لله عز وجل، وإثبات العين أو العينين وإثبات العلو والاستواء على العرش، فالسلف أثبتوا هذه المعاني على ضوء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) أما الخلف فأولوها، فقالوا الاستواء معناه الاستيلاء، قالوا في إثبات اليد {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (المائدة:64) فأولوها ما أثبتوا لله عز وجل اليدين اللتين تتناسبان مع عظمته وجلاله، ولا تشبهان أيدي البشر، الخلف هنا خالفوا السلف في إيمانهم بصفة السمع والبصر بالمعنى العربي مع التنزيه، هنا أولوا، أما المفوضة فهم الذين يقولون: لا ندري لا ندري لا ندري. ولذلك هؤلاء إذا قالوا: وهذا يوجد اليوم ناس من الكُتَّاب المعاصرين خاصة من بعض الأحزاب الإسلامية يدعون أن التفويض هو مذهب السلف، وهذا كذب عليهم، السلف يعرفون ما معنى السميع البصير، يعرفون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ

اسْتَوَى} (طه:5) لكنهم ينزهون، لأنهم يأخذون القرآن جملة وتفصيلاً، لا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فالتفويض إذاً لا يجوز نسبته إلى السلف، هذا كذب وافتراء عليهم، ولذلك قلت لك: كيف تستدل بالأثر المذكور عن مالك: الاستواء معلوم .. هذا دليل على أنهم كانوا لا يفوضون، كانوا يفسرون القرآن باللغة العربية، بل لا يفسرون لأن النظر واضح، ولذلك قال له: ما قال له الاستواء هو الاستعلاء كما قلت أنت، لكنه قال: الاستواء معلوم، أنت تسأل عن الاستواء ما هو؟ الاستواء معلوم، وهو العلو، وهذا ما صرح به الإمام البخاري عن بعض السلف أن {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:54) أي: استعلى، لكن مذهب مالك يتابع كلامه فيقول: والكيف مجهول، إذا كان هناك تفويض فهنا التفويض، أي: تفويض في الكيفية لا في الحقيقة، فكيفية الاستواء مجهول، أما الاستواء نفسه فهو معلوم، فالاستواء مثلاً ليس هو النزول، هذا عربيةً، الاستواء ليس هو النزول، بل هو ضد النزول، لأنه يأتي بمعنى الصعود، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} (البقرة:29) أي: صعد إليها، الاستواء هنا في آية: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:54) معناه معروف لغة، لكن كيف استوى؟ قال: الكيف مجهول. فإذا أُريد بالتفويض تفويض حقائق الصفات الإلهية هذا صحيح ومسلم فيه تماماً. مداخلة: الواقع أن السؤال عن كيف؟ الشيخ: كيف ما أحد يتكلم من السلف عن الكيف أبداً، والسؤال هنا عن الكيف، ولذلك أجاب: أن الاستواء معلوم والكيف مجهول، إذاً السلف يثبتون معاني آيات الصفات وأحاديث الصفات، لكن يفوضون كيفية هذه الصفات، وهذا هو المذهب الحق، وإلا لزم منه أمور لا يتحملها إنسان مسلم أبداً من الضلال.

السؤال: هل وارد أخبار أو آثار عن الصحابة أنهم كانوا يفهمون هذه الآيات: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} (الملك:1) يد يعني لله يد ولكنها ليست كيد المخلوقات، يعني: اللغة العربية تحتمل، كلمة اليد ... يعني القدرة، وتحتمل اليد يعني الجارحة بالنسبة لنا كبشر، لله يد نحن نقول: لله يد لكنها ليست كيد المخلوقات، يد يعني يد حقيقة، ولكنها ليست كيد المخلوقات، من معاني اللغة العربية أيضاً كما ذكرنا في اللغة العربية أن كلمة يد تؤخذ بمعنى القدرة والغلبة. فلماذا نحن لا نقول أن هذا القول الثاني أيضاً هو قول يؤخذ به في موضوع الأسماء والصفات، وإن كان هو يلزم منه التعطيل، أنه ليس لله يد ولكن المقصود هنا الغلبة والقهر؟ الشيخ:، مُسَلَّمٌ لله الغلبة، لله القدرة، هذا مُسَلَّمٌ به لدى الجميع، تركناها جانباً هل لله يد؟ مداخلة: هم يقولون لا ليس له يد. الشيخ: وقف حمار الشيخ عند العقبة. مداخلة: أنا المفهوم، المنهج الذي أخذنا عليه أنه ما تقول: لله يد، الله أعلم بمراده، هذا هو مذهب الخلف الذين نحن قلنا عنهم قبل قليل أنهم المفوضون الذين هم الخلف، أما إذا قلنا .. موضوع اليد هذه مَن من الصحابة فهم هذه الآية على أن اليد بمعنى: .. كان لله يد. الشيخ: الموضوع ليس موضوع اليد، اليد مثال، الموضوع موضوع صفات. مداخلة: عام، نريد من صفات الله عز وجل وارد عن الصحابة [أنهم] يفهمونها بهذا التفصيل؟ الشيخ: سامحك الله.

مداخلة: وإياك، ابن القيم تلميذه الذي فهمه في آيات الصفات بهذا التفصيل. الشيخ: اسمح لي أن ألفت نظرك إلى شيء أن هذا القول ما هو بقولك هذا، هذا قول إمامك هذا. مداخلة: هو فعلاً هكذا يقول. الشيخ: انظر يا شيخ علي الله يهدينا وإياكم جميعاً، العلم يريد طاقات معينة وقدرات، فإذا إنسان يقرأ اليوم بحث وينساه غداً هذا عبث يعتمد عليه، هذه شبهات وهذه الأسئلة لا تتناهى، ومن الأساليب العلمية التي تقرب وجهتي نظر مختلفتين أن نأخذ نقاط نحن متفقين عليها، أنا أتيت آنفاً لآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) ... ، نحن لا بد نأخذ نقطة التقاء، قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) السميع البصير صفتان لله عز وجل، ماذا يقول الذين يؤولون اليد والاستواء ... إلخ، ماذا يقولون في هاتين الصفتين؟ أو غير العبارة هذه: نعيد عليكم سؤالكم: في آثار عن الصحابة أنهم فسروا السمع والبصر بما السلف والخلف متفقون على تفسيرهما به؟ الجواب: ما في آثار. مداخلة: أنا أعتقد أنه ما في بيان عن الصحابة والتابعين في تفسير هذه الآية. الشيخ: جميل جداً، فكيف اتفق السلف والخلف على عدم التأويل؟ مداخلة: اتفقوا هكذا. الشيخ: صدفة، يعني: بدون علم؟

مداخلة: سبحان الله تجتمع القلوب. الشيخ: بدون علم؟ المسألة الحقيقة أوضح مما تتصور، الله عز وجل له وجود. مداخلة: بدهي. الشيخ: فيه نص عن السلف. مداخلة: القرآن المنزل من رب السماوات والأرض. الشيخ: خالفت طريقتك، وفي القرآن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) سميع بصير مفهوم معناهما؟ مداخلة: يسمع سمعاً يليق به لا ندري كيف يسمع. الشيخ: الصحابة قالوا هكذا؟ مداخلة: لا ما قالوا هكذا، لكن نقدر نقول لك: السميع البصير. الشيخ: لا تطول الشغلة نحن نقول: السلف والخلف يعني: كل المسلمين متفقون على تفسير الآية على ظاهرها، لماذا ما سألتم الآن عن السلف أين آثارهم؟ ولماذا أنا سألتك: الله موجود؟ لكن رجعت إلى القرآن وإلى الأدلة القاطعة في الموضوع، لكن هذه الأدلة القاطعة عند ناس أدلة قاطعة وعند ناس أدلة ما هي قاطعة، لأنه يسلط عليها معول التأويل، فهذه الآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) قلنا: ما فيه خلاف بين المسلمين السلف أو الخلف، كلهم مؤمنون بأن الله سميع بصير، هنا لماذا لم يؤول؟ ولماذا لم يفوض؟ لماذا هنا لا نسلط معول الهدم باسم التأويل أو باسم التفويض؟

مداخلة: .. الآية واضحة وضوح الشمس {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) ... الشيخ: لم تجبني الله يهديك، {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) أنا أدندن على تمام الآية أنت تدندن على أولها، فيه صفتان هنا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) ليس هناك نزاع بين سلف الأمة وخلفها، كلهم ينزهون، لكن النزاع في الإثبات، هل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) بمعنى استولى أم بمعنى أعلى، هذا نزاع، أما أنه آية في القرآن ... في القرآن ما فيه خلاف، كذلك لا خلاف في التنزيه، لكن هل هناك خلاف في تمام الآية {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)؟ الجواب: لا، لا خلاف، لماذا ترجع إلى هذه القضية، الآن ماذا تقولون عن هذه الآية حينما آمنتم بها ما عطلتموها بالتأويل، ولا أنكرتم معناها بالتفويض؟ مداخلة: هذا رد على المعطلة، كيف فهموا هذه الآية واتفق فهمهم مع فهم السلف وهم معطلون. الشيخ: تريد تدافع عن التفويض، أنت تتبنى مذهب الدفاع، مش أنا بدي أدافع أنا بدي أن أهدمه، لأنه ضد الكتاب وضد السنة، أنا لما سألتك آنفاً: الله موجود؟ قلت: نعم موجود، أنت موجود أم مفقود؟ مداخلة: ولو موجود ... الشيخ: ... موجود، كيف جعلت نفسك شريك مع الله في الوجود؟ مداخلة: له وجود ولي وجود. الشيخ: سَلِّكْها واستريح، كل الآيات هكذا، ما المشكلة إذا قلت في قوله

تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (المائدة:64) يداه ليست كأيدينا وانتهى الموضوع، شو الواقف في الطريق؟ مداخلة: السلف لم يفهموا هذا الفهم. الشيخ: والسلف لم يفهموا هذا الفهم السميع البصير. مداخلة: وأنا أقصد بالسلف يعني فعل السلف اللي هم الصحابة. الشيخ: وأنا أقصد الذي تقصد أنت، ما الفرق. مداخلة: يعني التفويض هذا من العصور المتأخرة الشيخ: ... على شفا جرف هار، الصحابة ما تكلموا في السميع البصير، لماذا أنت تتكلم وتقول: نبين المعنى؟ مداخلة: ... الشيخ: هذا نريده في كل الصفات، لكن أنا أسألكم لماذا تقول هنا مبينة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) وهناك تقول: لماذا لا نؤول؟ مداخلة: ... من قولك نفهم هذه الأسماء والصفات بناء على مفاهيم اللغة العربية، اللغة العربية تحتمل المعنيين يد بمعنى القدرة، ويد بمعنى يد .. الشيخ: هذا ما هو دائماً الله يهدينا وإياك، لأنه لما نفسر يداه ما تستطيع تقول: قدرتاه، إذاً: ما معنى يداه، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، وحديث: «كلتا يدي ربي يمين» (¬1) أحاديث صحيحة وصريحة، هذا لا تتأول هنا لا تتأول بقدرة ولا بنعمة، من أي تأويل من التآويل التي رجع إليها المتأخرون أو المؤولة أو المعطلة، لا ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (5209).

تتأول هذه، يمكن أن تؤول في بعض الأمكنة، لكن التأويل هناك لا يعطل الصفة، ولذلك أنا أذكر أني سألتك: هل تعتقد أن لله يدين؟ ما سمعت منك جواباً، مع أن هذه الآية لا تتأول {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ومن عجائب أحاديث الرسول عليه السلام حينما قال وكثيرا ًما سُئلت عن هذا القول: «كلتا يدي ربي يمين» كيف؟ كان الجواب: هذا السؤال هو الذي أنكره الإمام مالك، كيف؟ أنت بتسأل عن الكيف هذا أولاً، وثانياً هذا الحديث يؤكد عموم النص القرآني: (ليس كمثله شيء) البشر لهم يمين ولهم شمال، لكن الله ليس كمثله شيء فكلتا يدي ربي يمين، هذا تأكيد للتنزيه، فإذاً: لله يدان لا تشبهان أيدي المخلوقات. مداخلة: نصيغ السؤال بصيغة أخرى: هل هذا التفسير معروف قبل ابن تيمية؟ الشيخ: كيف لا يا أخي الله يهديك. مداخلة: الأئمة الأربعة ماذا يقولون في الأسماء والصفات؟ الشيخ: هكذا يقولون كما يقول السلف: الإيمان بالصفات بمعانيها الحقيقية بدون تكييف. مداخلة: والله الشافعي سئل عن هذا فيما أعلم بصريح لفظه قال: أمروها كما جاءت، فهمنا من هذه العبارة أنه يفوض. الشيخ: أنا أفهم من هذه العبارة أنه ما يؤول، فيه معنيين هنا: أمروها كما جاءت بدون فهم، هذا الذي تقوله أنت، أنا أقول: أمروها كما جاءت بدون تأويل، يعني: مشوها على ظاهرها، ماذا تفهموا منها؟ هذا هو المعنى العربي، وهذا يلتقي مع قول مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول.

مداخلة: وما قول السلف. الشيخ: هو سلف، لأنه من أئمة السلف. مداخلة: أنا ... حقيقة ... الذي ارتاح قلبي هو القول الثاني، الذي هو الإمرار بلا تعطيل أو تأويل. الشيخ: التأويل أخو التعطيل. مداخلة: الإمرار بلا تعطيل، عطل، أنا لما واحد يسألني ما أقول أبداً أن لله يد، ما أقول. الشيخ: هذا الكلام يسجل عليك ... يا أخي هؤلاء الخلف مثل ما قلت لك تعرف أن السلفيين لا يؤولون، (الذين) يؤولون (هم) خلفيون، فالرضى والغضب والعجب والنزول والاستواء كل هذه يؤولونها، نحن حجتنا عليهم، لماذا تؤولون هذه الأشياء؟ لا، ... الغضب عندنا هو ثوران الدم وانتفاخ الأوداج، يا جماعة اتقوا الله، هذا غضب المخلوق، لكن ما دام الغضب نسب إلى الله فليس كمثله شيء. مداخلة: بدون إشكال ... [مداخلات وكلام غير واضح]. مداخلة: ... تجد كلاماً بعضه قد يكون منهم وبعضه قد يكون منسوباً لهم بدون صحة يعني مثلا من الأشياء أن ابن تيمية أو واحد من تلامذته أنه وقف على المنبر ... الشيخ: سامحك الله سامحك الله، أنت تأخذ كلام أعدائهم ... لا، أنت جيب لي من كلامهم، وما لقيت إلا أن تأتي بكلام من أعدائهم أول مثال تأتي به.

مداخلة: أنا تحاورت على كل حال، قلت لك: قد يكون من كلامهم وقد يكون ... الشيخ: أنا أكاد أموت من القدقدة هذه، هذه لن تأتي لنا بشيء هذه، أنت الآن بارك الله فيك متخذ موقفاً تريد أن تثبت أن هؤلاء الذين تبنوا مذهب السلف في عندهم التشدد، وجئت بمثال: أول مثال هو باطل بالنسبة لابن تيمية، فهلا أتيت بمثال آخر يكون ثابتاً. [مداخلة غير واضحة يبدو أن المحاور نسب كلاماً للشيخ الألباني]. الشيخ: أنا أريد أن أنبهك أنك غيَّرت الخِطة ... أنت تتكلم عن فكر السابقين ليس فكر واحد ... الآن، الله يهديك، أنت تحكي عن فكر السابقين، ولذلك بدأت بمثال نسبته إلى ابن تيمية، قلنا لك: هذا يذكره أعداؤه، ائت لنا بمثال عنه أو عن غيره، ليس عني أنا، ... أنا ألفت نظرك خليك ماشي على خطك الأول، لأني أنا لو كنت متشدداً هل معنى ذلك أن السلف متشدد؟ [مداخلة غير واضحة خلاصتها أن المحاور يرى أن من تشدُّد السلفيين أنهم يثبتون لله فوقية كفوقية شيء على شيء مع أنه لا يلزم ذلك من الوصف بالفوقية]. الشيخ: سامحك الله سامحك الله، الله يهديك الله يهديك، أولاً: ما فيه أحد يقول بهذا، مش لازم كذا، مش لازم كذا، لا أحد يقول هذا، لكن أنت غيَّرت خطك، قلت: فيه هناك تشدد لاحظته مما قرأته، فما هو هذا التشدد، أنت تقول: مش لازم يكون فوقية كفوقية هذا على هذا، من يقول بهذا، غيرت الخط تماماً إن كنت غيرت بمعنى تبين لك أن كلامك كان خطأ اعترف يا أخي، والاعتراف بالخطأ هو عين الصواب، وإن كنت لست مخطئاً تابع الخطأ وجيب لنا الأمثلة،

يهمنا نشوف التشدد الذي أنت نسبته لهؤلاء الذين تبنوا خط السلف. فأولاً: أتيت المثال بيّنا لك هذا المثال ما هو صحيح، أتيت بمثال ثاني من واقعنا الآن قلنا لك أنت تحكي عن الماضين ليس عن الحاضرين، ورجعت أخيراً تقول: إن الفوقية مو معناها هكذا، من قال معناها هكذا، ما دام سنكرر مراراً وتكراراً {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، استواؤنا ليس كاستوائه، ... وهذا كل السلفيين يعتقدون هذه العقيدة، فأنت حول ماذا تدندن. [مداخلة غير واضحة يظهر أن المحاور ذكر فيها أن الفهم الذي فهمه هو لازم سؤال السلفيين عن الله بـ «أين»؟] الشيخ: الله يهديك الله يهديك يا أستاذ عدنان، لما نسأل نحن أين الله؟ لا، أنت غلطان تماماً، ... لأنه يأتينا رجل من حزب من الأحزاب يقول: أنتم كذا وكذا وكذا ... إلخ، أقول له: يا أخي نحن ليس دعوتنا القائمة فقط على ما أنت تتكلم عنه، تحريك الإصبع في الصلاة، تعليق الصورة ما يجوز، تعليق الساعة الدقاقة في المسجد ... إلخ، نحن نبحث في العقيدة، يقول لك: العقيدة فيها خلاف، فيها خلاف كبير، ويتسلسل الموضوع، [أقول:] خلينا ندخل في تجربة: تفضل .. أين الله؟ بيبحلق في ويقول: ما هذا السؤال، وناس أشكال وألوان في بيقولك السؤال ما يجوز، وهو آتي بالحديث (¬1) كما تعلم إلى آخره ... طول بالك، أنا سأحكي لك قصة تشوف أنه أنت المعاني التي تنفيها الآن عن كلمة الأينية هذه هي نحن دائماً نكررها، لكن لا مؤاخذة قلة الصلة والتجالس والاجتماع بينسي الحقائق التي ¬

(¬1) أي حديث الجارية.

استقرت في النفوس، الآن سأحكي؛ جرت بيني وبين أحد المشايخ أظن أنت من الذين سمعوها مني مرة أو أكثر من مرة، وإن كنت ما سمعت بها سَمِعَهَا غيرك بطبيعة الحال، وهات ما رأيك في هذا الإنسان الذي يقرر ويسأل أين الله هل هو يفهم هذه الصفة الإلهية بالمعنى المحدود البشري؟ سنة من سنين الحج ونحن في منى وأنا أجلس مع بعض الحجاج في مصري في شامي ونتحدث، دخل علينا شيخ أزهري: السلام عليكم، وعليكم السلام، جلس، أصغى لحديثي شم من الحديث رائحة السلفية، قال لي: أنتم جماعة الوهابية تشبهون رب العالمين بالمخلوقات. قلنا: كيف؟ قال: أنتم بتقولوا أن الله فوق السماوات. قلت له: نحن نقول أم هذا كلام رب العالمين؟ وذكرنا آية {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16)، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (المعارج:4) ... إلخ، فهذا ليس كلامنا كلام رب العالمين، ويجب الإيمان به. ثم تابعت معه الموضوع موضوع منطقي عقلي أظن أنا بيعجبك طريقته هذا المنطق، لأنك أنت بيترشح منك من الكلام السابق، قلت له: تعال نرى أن هؤلاء الذين يؤمنون بأن الله على العرش استوى هؤلاء مجسمة، هؤلاء جعلوه في مكان حصروهم في مكان أم هذا افتراء عليهم؟ قلت له: قبل كل شيء أسألك سؤال: الكون المخلوق محدود أم غير محدود؟ قال: محدود، قلنا له: الله تبارك وتعالى محدود؟ قال: لا، هذا نحن متفقين عليه. سؤال ثاني: فوقنا الآن السماء الدنيا.

مداخلة: الدلالة على أن الكون المخلوق محدود دلالة شرعية أو فكرية؟ الشيخ: لا، فكرية وشرعية، وهذا السؤال إذا كان لا يكفيك الجواب الآن بإيجاز فأجِّله إلى ما بعد. قلت له: هذه السماء الدنيا ماذا فوقها؟ قال: السماء الثانية والثالثة .. إلخ باختصار السماء السابعة، وفوق السماء السابعة ماذا فيه؟ قال: العرش، قلنا: والعرش ماذا فوقه؟ قال: الملائكة الكروبيون، قلت له: ما الملائكة الكروبيون؟ قال: ملائكة على العرش، قلت له: عندك آية فيها هذا؟ قال: لا، فيه عندك حديث عليها؟ قال: لا، قلت له: من أين أتيت بالملائكة هؤلاء ووضعتهم على العرش هناك؟ قال: والله هكذا لقنونا المشايخ في الأزهر الشريف. قلت له: عجباً من مشايخ الأزهر؛ يقررون على الطلبة أن العقائد لا تثبت بالأحاديث الصحيحة إذا كانت آحاد غير متواترة، وأنت الآن تثبت عقيدة بلا حديث إطلاقاً، لكن ليس هذا هدفنا، نمشي معك الآن، الملائكة الكروبيون فوق العرش، وما فوق الملائكة الكروبيون، فيه شيء أم انتهى؟ قال: انتهى، هكذا الخلق محدود يعني، قلنا له: الكون مشتق من كان يكون، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:82) فهذا الكون الآن على اعتقادنا نحن أعلى المخلوقات عرش الرحمن، على اعتقادك أنت الملائكة الكروبيون، وبعد ذلك ماذا فيه، هل هناك شيء، هل هناك مخلوق، هل هناك مكان؟ قال: لا، إذاً: لماذا أنتم تتهمونا أننا جعلنا ربنا في مكان وأنت الآن بالمنطق العلمي السليم قلت أن بعد العرش ما فيه مكان، الله حينما يقول المسلم السلفي فوق العرش استوى لا يعني أنه في مكان مثل إنسان في مكان، ولا يعني أن فوقيته

على العرش كفوقية الملك على الكرسي أو العرش تبعه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). فإذاً: التعبير إذا صح المنفيات -جمع نفي-، الذي عم تنفيه أنت هذا من لوازم الدعوة السلفية، لأنه مرات نكرر مع أخينا علي هنا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فكل صفاته تتناسب مع جلالته وعظمته، فهي لا تشبه شيء من صفات مخلوقاته. وصفاته عند العلماء تنقسم إلى قسمين: صفة فعل وصفة ذات، فـ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) صفة فعل، نزوله ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا صفة فعل أيضاً، لكن نزوله ليس كنزول الناس، واستواؤه ليس كاستوائنا، وإلى آخر ما هنالك، فأنت الذي تدندن حوله أنت كأنك لأول مرة تتصل بهذه الدعوة، فتحاول تقول: أن هذا ليس هكذا وليس هكذا، وهذا كما يقولون من منفياتنا، التنزيه هذا من لوازم الإثبات وإلا كان مشبهاً، ورحم الله ابن القيم حينما قال: المجسم يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً. فالسلفي إذا كان يريد بسبب إثباته للصفات يريد يجسم معناها عبد صنماً لا سمح الله، فالتنزيه مع الإثبات هما مذهب السلف الصالح في كل الصفات، فلا يخطر في بالك أنه إذا قلنا: استوى أو أين الله أن هناك تشبيه الخالق بالمخلوق، ... {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). [ثم رجع المحاور لعرض لوازم إثبات السلفيين للصفات -في نظره- من التشبيه والتجسيم في مداخلات غير واضحة، فقال الشيخ]:

[807] باب الرد على من نسب التفويض للسلف

الشيخ: أنا أرى أن ما فيه التقاء في التفاهم في هذه النقطة بالذات، وأنا مضطر أن أختم، بصراحة أنا ما سمعت منه شبهة حتى ينال الجواب، ولا أنا مستعد أن أؤلف في هذا الموضوع كتاباً. "الهدى والنور" (147/ 59: 59: 00) وتتمته (148/ 01: 00: 00) [807] باب الرد على من نسب التفويض للسلف [قال الذهبي في العلو]: قال البخاري في أواخر صحيحه باب قوله عز وجل: {وكان عرشه على الماء} {وهو رب العرش العظيم}، ثم قال: وقال مجاهد: استوى [علا] على العرش. [فعلق الألباني قائلاً] وصله الفريابي بسند صحيح عن مجاهد. قلت: وفيه رد على بعض الكتاب المعاصرين الذين يوهمون الناس أن السلف لم يتكلموا في آيات الصفات ولم يُفسِّروها إطلاقاً، وأنهم اكتفوا بقراءتها دون تدبرها وتفهمها، وهذا مما أبطله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتبه، نعم لم يفسروها تفسيراً مقروناً بالتشبيه والتكييف، بل نهوا عن ذلك أشد النهي، كما ستراه في الكتاب عن مالك وغيره، وقد روى اللالكائي في " السنة" (1/ 91/ 2) عن بشر بن عمر الثقة المتوفي (207) قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: {الرحمن على العرش استوى} قال: على العرش ارتفع. "مختصر العلو" (ص 101 - 102).

[808] باب الرد على المفوضة والمعطلة

[808] باب الرد على المفوضة والمعطلة السائل: بعض العلماء يقول أن مذهب السلف في الصفات أن تقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، ولا تقل: استوى بذاته. الشيخ: أيوة. مداخلة: نعم. مداخلة: [كذلك] ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، لا تقل بذاته، فقط استوى فقط، بدون تفسير بالمرة، فما جوابكم؟ الشيخ: جوابي كما قال إمام دار الهجرة الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهولة، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا الرجل. نحن نقول الذين حكيت عنهم ما ذكرت، وهم يسمون بجماعة التفويض، فهؤلاء ليسوا من السلف من قريب أو بعيد. نقول لهؤلاء: حين تقولون: لا تقل: الرحمن على العرش استوى بذاته، وإنما نقول: الرحمن على العرش استوى. هكذا يقولون. نسألهم بفهم أم بغير فهم؟ نقول لهم: نوافق معكم مبدئياً، نقول: الرحمن على العرش استوى بدون قيد بذاته، لكن حين نقول نحن وأنتم: الرحمن على العرش استوى. بفهم أم بغير فهم؛ فإن قال: بغير فهم سقط، وانكشف وعرفنا منه أنه معطل يتستر وراء ما كان يدعيه كثيرون من قبل ومن بعد، أنهم يقصدون التنزيه. نحن أيضاً نقصد التنزيه، ولكن مع الفهم، فما معنى: الرحمن على العرش استوى؟

لعلك فهمت إلى هنا؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب. {الرحمن على العرش استوى} كما تقول: سبحان ربي الأعلى. وكما تقول: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16) .. إلى آخر الآية، فالله عز وجل فوق عرشه كما قال الإمام عبد الله بن المبارك: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، [بائن من خلقه] وهو معكم بعلمه، ثلاثة أشياء: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه. فحينما يقول الإمام عبد الله بن المبارك، إنما يقولها تفقهاً منه؛ لأن الرحمن من الأسماء التي يسمى بها ربنا عز وجل كاسم الإله، فهو من أسماء الذات، فلو قال: عليم .. بصير، فهذا اسم صفة، لكن الله والرحمن اسم الذات، فكلمة: بذاته، ليست إضافة من عندنا، وإنما هو ما يفهمه كل إنسان. يعني مثلاً: الله خلق السموات والأرض. إذا قلنا: الله بذاته خلق السموات والأرض، هذا ليس معنى ذلك أننا أضفنا معناً لا يؤخذ من كلمة الله، خلق الله السموات والأرض، أي: خلق الله بذاته، لم يشاركه في ذلك أحد سواه. هذا التأويل، أي: التفسير لا يعني أننا نحن أوَّلنا كما يريد أن يقول ذلك الناصح خطأً، قولوا: الرحمن على العرش استوى، ولا تقولوا: بذاته. نحن إذا قلنا: الرحمن على العرش استوى. بفهم، فمعناه: بذاته، وإذا قلنا

الرحمن على العرش استوى. كلام لا ندري ما معناه، فقد خالفنا السلف الصالح، كما هو الشأن في كل الصفات التي نؤمن بها معهم دون تشبيه ودون تعطيل. دون تشبيه لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، دون تعطيل لقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فبعض الفِرق القديمة من المعتزلة كانوا يُعطِّلون الله عن هاتين الصفتين: صفة السمع والبصر، فيقولون: يعني هو عليم. الله عليم ثابت؛ {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة:29)، لكن هنا يقول: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، وأنكروهما؛ لأنهم يتوهمون أننا إذا آمنا بما جاء في كتاب ربنا بدون تشبيه، مع ذلك بظنهم أننا نشبهه. فهذا بحث يطول ونهايته أن يؤدي بهؤلاء المعطلة إلى إنكار وجود الله تبارك وتعالى من الأصل، وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله، حين قال: المجسِّم إنما يعبد صنماً، والمعطل إنما يعبد عدماً. كلاهما ضال، لكن أيهما أشد ضلالاً؟ الذي نفى نفياً مطلقاً؛ لأنهم يقولون ... - وهذا ذكرناه في بعض مجالسنا القديمة -، حينما يتحدثون عن الله عز وجل وأنه على العرش استوى، يقولون: لا، لا يوصف ربنا، لا يقال فيه عز وجل -عندهم-: الله فوق، لا يقال: فوق. لا هو فوق، لا هو تحت، لا هو يمين، لا هو يسار، لا هو داخل العالم، ولا خارجه. إذاً: رجعوا إلى العدم؛ لذلك قال ابن القيم بحق: المعطل يعبد عدماً محضاً. فإذا لم يكن لا داخل العالم ولا خارجه، لو قيل لأفصح الناس بياناً: صف لنا المعدوم ما هو؟ فقال لك: لا هو فوق ولا هو تحت، لا يمين لا يسار، لا أمام لا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه.

نقول له: صدقت هذا هو المعدوم، فقد وصفوا ربهم بأنه معدوم لما عطلوه من الصفات، فالمعطل إذاً: يعبد عدماً، نحن يجب أن نقف عند حدود الشرع ولا نستعمل الأقيسة؛ لأن الله عز وجل إذا كان سميعاً بصيراً، فسمعه ليس كسمعنا، وبصره ليس كبصرنا، كما أن وجوده ليس كوجودنا، فنحن الآن نقول: الله موجود، وأنا موجود، فهل معنى ذلك أن نقول -حتى لا نقع فيما يزعمون فيه من التشبيه- أحد شيئين .. ننكر حقيقة من حقيقتين: الله موجود، وأنا وأنت وهذه المخلوقات موجودة، فلا بد من إنكار حقيقة من الحقيقتين وأيهما أنكرت، فقد قرمطت. إذا قلت: أنا موجود، الله موجود. صار هنا اشتراك، صار هنا تشبيه؟ إذاً: الله ليس موجوداً؛ لأنه فيه تشبيه الخالق بالمخلوق، كيف غير موجود؟ موجود. إذاً: أنا الذي لست موجوداً. وأحلاهما مر. إذاً: الله موجود، وأنا موجود، لكن وجوده كما يقولون: وجود بدون موجد، واجب الوجود، أما أنا ممكن الوجود؛ لأن الله عز وجل هو الذي أوجدني، وإن شاء أعدمني؛ ولذلك قال تحقيقاً لهذه الفارقة العظيمة: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (الرحمن:26 - 27). فإذاً: نحن نثبت ما أثبت، وننفي ما نفى، نفى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، وهو السميع البصير، أثبت.

فسمعه وبصره حقيقتان صفتان ثابتتان، ولكن: ليس كمثله شيء، وعلى ذلك طَرِّد كل الصفات، فتستريح ولا تقع في التشبيه ولا في التعطيل. هذا جواب ما سألت من السؤال. مداخلة: قال لي هذا القائل: الرحمن على العرش استوى، استوى على، هذا فهمك لاستوى، فما تقول لفهمك ليد الله، ماذا تقول معناها، فماذا أقول له؟ الشيخ: اليد التي يعطي بها، أقول وهي ليست خيالية، ما هذه المشكلة الكبيرة، وماذا يقول هو؟ مداخلة: هو يقول: ما دام أن اليد لا تستطيع أن تفسرها، .. الشيخ: لا، هو ماذا يقول؟ ما المقصود باليد عنده؟ مداخلة: هو مفوض. الشيخ: هذا هو، معطل إذاً. إذاً: نرجع لنفس الموضوع: ما هو الله؟ موجود أو مفقود؟ مداخلة: موجود. الشيخ: موجود، وأنا موجود، إذاً: أنكر إحدى الحقيقتين وحينئذ نحكم عليك بأنه سقط التكليف عنك. مداخلة: شيخنا في نفس المسألة، أستاذي هم في الحقيقة متأخرو الأشاعرة نفوا لفظ: موجود، كما أشرت في آخر كلامك أستاذنا، فقالوا: لأن لفظ موجود يقتضي موجداً، فهو واجب الوجود، فهربوا في شرح البيجوري وكذا، هربوا من لفظ موجود، قالوا: لا نقول: موجود؛ لأن الموجود يثبت موجداً، والله واجب الوجود.

الشيخ: هذه مناقشة لفظية. مداخلة: أي نعم. الشيخ: لكن هذا لا يرد في الأخذ والرد. مداخلة: لكن أنا أحب أن توضح لنا يا شيخنا هذه الجزئية، لفظ موجود هل هو في الحقيقة كما يزعمون يقتضي موجداً؟ الشيخ: لا، لكن هذه مناقشة بيزنطية كما يقولون فعلاً؛ لأنهم هم يناقشون الآن مناقشة لفظية. فعلاً: اسم موجود، اسم مفعول، يستلزم عادة بالنسبة للعرف البشري أن يكون له موجداً، فهذا الكأس وهذا الإبريق .. إلى آخره، موجود، أوجده الذي صنعه .. إلى آخره، لكن الله عز وجل كما قلنا في أثناء الكلام: هو واجب الوجود، لكن كونه واجب الوجود ما ينفي أن يكون قائماً وجوده، فنترك كلمة موجود، قائماً وجوده متحققاً وجوده، فحينئذ هم يفرون من المناقشة تمسكاً بلفظ لا يقدم ولا يؤخر. مداخلة: حقيقة البحث. الشيخ: محينا هذا الاسم، اسم موجود ألغيناه من قاموس اللغة في هذا البحث، لكن متحقق وجوده، لا يستطيعون أن يقولوا: لا، مفقود. مداخلة: صحيح. الشيخ: فإذاً: التمسك بهذا اللفظ لا يفيدهم شيئاً. وأرجو إخواننا أن يحفظوا كلمة كنت قرأتها في رسالة لا تزال مخطوطة من

[809] باب بيان خطر التفويض والتأويل

كلام الخطيب البغدادي، وربما نقلت في بعض الكتب: ما يقال في الصفات يقال في الذات سلباً وإثباتاً. هل تقول في الله موجود ولاّ؟ موجود. إذا قلت إنه موجود، وقد أوضحنا المقصود من لفظة الموجود، هل يلزم من ذلك مشابهة الخالق بالمخلوق؟ الجواب: لا. كذلك قل في الصفات ما تقول في الذات، تستريح من كل هذه المناقشات؛ لأنه الحقيقة الدخول في تفاصيل هذه المسائل والتناقش فيها مضلة؛ لأن كثير من الناس قد أوتوا منطقاً وأوتوا جدلاً، وناس آخرون لم يُعطوا علماً ولم يُعطوا جدلاً، وعندهم سلامة وعقيدة صحيحة، لكن ذلك المجادل قد يتغلب عليه بجدله؛ بسبب سلامة علم هذا الإنسان وقلبه. ولذلك فعلى كل مسلم أن يحفظ هذه القاعدة وهي قائمة على الآية السابقة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). يقال في الصفات ما يقال في الذات سلباً وإثباتاً، حينذاك تستريح من أي مناقشة قد تضطر للدخول فيها وأنت غير مستعد لها. " الهدى والنور" (281/ 33: 00: 00) [809] باب بيان خطر التفويض والتأويل [قال ابن أبي عاصم في "السنة":] ثنا محمد بن عبد الأعلى ثنا ابن ثور عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن

[810] باب مذهب السلف في الصفات وموقف الدعاة اليوم فيه، وبيان ضلال المفوضة والمعطلة

ابن عباس قال: حدث رجل بحديث أبي هريرة (¬1) , فانتفض قال ابن عباس ما بال هؤلاء يجدّون عند محكمه ويهلكون عند متشابهه. [قال الإمام]: (إسناده صحيح). [وعلق على كلمة "يجدّون" بقوله:] كذا في المخطوطة ولعله: يحيدون, أي يجتهدون ويهتمون لفهم المعنى المراد من القرآن عند محكمة, (ويهلكون عند متشابهه) لأنهم لا يهتمون لفهم معناه الحقيقي مع التنزيه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} يصرفهم عن ذلك التأويل أو التفويض. "ظلال الجنة في تخريج السنة" (ص 197). [810] باب مذهب السلف في الصفات وموقف الدعاة اليوم فيه، وبيان ضلال المفوضة والمعطلة [قال الإمام]: مذهب السلف في الصفات وموقف الدعاة اليوم فيه: السلف يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه في كتابه أو أخبر به نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ويؤمنون بذلك أنه كما وصف به نفسَه حقيقةً من غير تأويل .... الخ، في ¬

(¬1) يعني استنكاراً لما سمع من حديث أبي هريرة, ولم أقف على من نبه على المراد بهذا الحديث, ويغلب على الظن أنه حديث: "إن الله خلق آدم على صورته وهو حديث صحيح مخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (860). [منه].

[811] باب الرد على من ادعى أن كتاب "الإبانة" للأشعري هو على طريقة التفويض

هذه (¬1) الصفة المميزة للسلفي على غيره من الخلفيين؛ فان هؤلاء على قسمين: قسم مفوضة يؤمنون بألفاظ الآيات وأحاديث الصفات دون الإيمان بحقائق معانيها اللائقة بالله تعالى. وهذا هو الذي عليه الآن كثير من الخلفيين الذين لم يدرسوا عقيدة السلف أو درسوها ولم يفهموها أو فهموها ولم يهضموها ولم يؤمنواً بها. ويغلب هذا على الذين يتظاهرون بأنهم من الدعاة إلى الإسلام (وفاقد الشيء لا يعطيه) وبعضهم يزعم أن هذا هو مذهب السلف جهلا أو تجاهلا ومنهم الكوثري شيخ أبو غدة كما صرح بذلك في تعليقه على «الاختلاف في اللفظ» لابن قتيبة (ص30). وقسم مؤولة معطلة ينكرون حتمًا بعض صفات الله تعالى باسم التأويل وتحريف الكلم عن مواضعه، ومنهم الكوثري، بل هو حامل راية هذا الانحراف في العصر الحاضر. "كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات" (ص80 - 81) [811] باب الرد على من ادعى أن كتاب "الإبانة" للأشعري هو على طريقة التفويض [قال الذهبي في "العلو"]: قال الأشعري في كتاب "الإبانة في أصول الديانة" له، في باب الاستواء: ¬

(¬1) كذا، والظاهر أن صوابها: فهذه الصفة ...

فإن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل (له) (¬1) نقول: إن الله مستو على عرشه كما قال: {بل رفعه الله إليه} وقال حكاية عن فرعون: {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأضنه كاذباً} فكذب موسى في قوله: إن الله فوق السموات وقال عز وجل: {أأمنتم من في السماء} يعني جميع السموات فقال: {وجعل القمر فيهن نوراً} ولم يرد أن يملؤهن جميعاً، "وأنه فيهن جميعاً" قال: ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم - إذا دعوا - نحو السماء لأن الله مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش. وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية: إن معنى استوى: استولى وملك وقهر، وأنه تعالى في كل مكان، وجحدوا أن يكون على عرشه، كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، فلو كان كما قالوا كان لا فرق بين العرش وبين الأرض السابعة لأنه قادر على كل شيء، والأرض شيء، فالله قادر عليها وعلى الحشوش، وكذا لو كان مستوياً على العرش بمعنى الاستيلاء، لجاز أن يقال: هو مستو على الأخلية والحشوش، فبطل أن يكون الاستواء {على العرش}: الاستيلاء. وذكر أدلة من الكتاب والسنة والعقل سوى ذلك (¬2). وكتاب "الإبانة" من أشهر تصانيف أبي الحسن، شهره الحافظ ابن عساكر واعتمد عليه، ونسخه بخطه الإمام محيي الدين النووي. ¬

(¬1) زيادة من المخطوطة، وقد وقعت هذه الزيادة في " الإبانة " بعد "قيل" ولعله الأقرب إلى الصواب. [منه]. (¬2) "الإبانة" (ص 34 ـ 37). [منه].

[قال الإمام]: قلت: وفي قول الأشعري دليل واضح على بطلان قول الكوثري في تعليقه على "تبيين كذب المفتري" (ص 28) أن كتاب "الإبانة" هذا هو على طريقة المفوضة في الإمساك عن تعيين المراد، وهو مذهب السلف! فإن كلام الأشعري الذي نقله المصنف رحمه الله عن "الإبانة" وأشرنا إلى محله منه صريح في تعيين المراد، وهو أن الاستواء بمعنى العلو، فأين التفويض والإمساك عن تعيين المراد الذي زعمه الكوثري، ولا شك أن قوله " وهو مذهب السلف "، كذب أيضاً كما يعلمه من درس أقوالهم في كتب أصول السنة التي جمعها المصنف رحمه الله تعالى في كتاب " العلو" فأوعى، ثم قَرَّبتها إليك في "مختصره" هذا، منبهاً على ما صح إسناده منها كما ترى. "مختصر العلو" (ص238 - 239)

جماع أبواب الكلام على ضلال المؤولة والمعطلة، وجناية أصولهم على الدين

جماع أبواب الكلام على ضلال المؤولة والمعطلة، وجناية أصولهم على الدين

[812] باب بيان خطر التأويل ونقد مقولة:"مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم"

[812] باب بيان خطر التأويل ونقد مقولة:"مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم" [قال الإمام]: وبعد فإن ضرر التأويل على أهله وحمله إياهم على الانحراف عن الشرع مما لا حدود له في نظري, فلولاه لم يكن للقائلين بوحدة الوجود اليوم وجود, ولا لإخوانهم القرامطة الباطنية من قبل الذين أنكروا الشريعة وكل ما فيها من حقائق كالجنة والنار والصلاة والزكاة والصيام والحج ويتأولونها بتآويل معروفة, قال العلامة المرتضى اليماني في " إيثار الحق على الخلق" في صدد بيان قبح التأويل (ص 135): " فإن المعتزلة والأشعرية إذا كَفَّروا الباطني بإنكار الأسماء الحسنى والجنة والنار يقول لهم الباطني: لم أجحدها إنما قلت: هي مجاز مثلما أنكم لم تجحدوا الرحمن الرحيم الحكيم وإنما قلتم: إنها مجاز, وكيف كفاكم المجاز في الإيمان بالرحمن الرحيم وهما أشهر الأسماء أو من أشهرها ولم يكفني في سائرها وفي الجنة والنار مع أنهما دون أسماء الله بكثير؟ وكم بين الإيمان بالله وبأسمائه والإيمان بمخلوقاته؟ فإذا كفاكم الإيمان المجازي بأشهر الأسماء الحسنى فكيف لم يكفني مثله في الإيمان بالجنة والنار والمعاد؟ ". قلت: ونحوهم طائفة القاديانية اليوم الذين أنكروا بطريق التأويل كثيراً من الحقائق الشرعية المجمع عليها بين الأمة كقولهم ببقاء النبوة بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - متأسين في ذلك بنبيهم ميرزا غلام أحمد ومن قبله ابن عربي في " الفتوحات المكية " وتأولوا قوله تعالى: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} بأن المعنى زينة

النبيين وليس آخرهم وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا نبي بعدي» بقولهم: أي معي, وأنكروا وجود الجن مع تردد ذكرهم في القرآن الكريم فضلاً عن السنة وتنوع صفاتهم فيهما, وزعموا أنهم طائفة من البشر إلى غير ذلك من ضلالاتهم، وكلها من بركات التأويل الذي أخذ به الخلف في آية الاستواء وغيرها من آيات الصفات. وليس أدل على ضرر التأويل على أصحابه المغرمين به من القول الذي شاع بينهم ولهجت به ألسنتهم كلما أثير بحث الصفات والإيمان بها على حقائقها أو على تأويلها ألا وهو قولهم: «مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم». والشاب المثقف اليوم الذي لم تتلوث ثقافته الشرعية بشيء من علم الكلام ربما لا يصدق أن أحداً من الخلف يقول مثل هذا القول وحق له ذلك لخطورته وفظاعته ولكنه - مع الأسف - هو الواقع المعروف لدى طلبة الشريعة، وإليك مثالا واحداً على ذلك مما يقرؤونه على مشايخهم قال الباجوري في حاشيته (ص55) تحت قول صاحب " الجوهرة ": وكل نص أوهم التشبيها ... أوِّله أو فوِّض ورم تنزيها "وطريقة الخلف أعلم وأحكم لما فيه من مزيد الإيضاح والرد على الخصوم وهي الأرجح، ولذلك قدمها المصنف، وطريقة السلف أسلم لما فيها من السلامة من تعيين معنى قد يكون غير مراد له تعالى". وكلام الكوثري المشهور بعدائه الشديد لأهل السنة والحديث في تعليقاته كلها يدور على هذا المعنى من التفصيل المزعوم وفي تعليقه على " السيف الصقيل " التصريح بذلك (ص 132)

وهذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة بل في غاية الضلالة قال ابن تيمية في " العقيدة الحموية ": " كيف يكون هؤلاء المتأخرون لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كَثُر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم حيث يقول: لعمري قد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حائر ... على ذقن أو قارعاً سن نادم وأقروا على أنفسهم بما قالوا متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم مثل قول بعض رؤسائهم: نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا ويقول الآخر منهم: " أكثر الناس شَكَّا عند الموت أصحاب الكلام " ثم إذا حُقَّ عليهم الأمر لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر، ولا وقعوا من ذلك على عين وعلى أثر. كيف يكون هؤلاء المنقصون المحجوبون الحيارى المتهوكون أعلم بالله وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى ومصابيح الدجى، الذي بهم قام الكتاب وبه قاموا، الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع

الأنبياء، وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة. ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم؟ أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان؟ وقال العلامة السفاريني في " شرح العقيدة " (1/ 21 - مختصره): "فمن المحال أن يكون المخالفون أعلم من السالفين كما يقوله بعض من لا تحقيق له به ممن لا يقدر قدر السلف ولا عرف الله تعالى ولا رسوله ولا المؤمنين به حق المعرفة المأمور بها: أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف (¬1) أعلم وأحكم. وهؤلاء إنما أُتوا من حيث ظنوا أن طريق السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ذلك بمنزلة الأميين، أو أن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات، فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر. وقد كذبوا وأفكوا على طريقة السلف وضلوا في تصويب طريقة الخلف فجمعوا بين باطلين: الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، والجهل والضلال بتصويب طريقة غيرهم". ثم استشهد على ذلك بكلام للحافظ ابن رجب في كتابه " فضل علم السلف على علم الخلف " فليراجعه من شاء. "مختصر العلو" (ص32 - 35). ¬

(¬1) سقطت من "المختصر" واستدركتها من "اللوامع" (1/ 25). [منه].

[813] باب بيان خطر التأويل والتفويض

[813] باب بيان خطر التأويل والتفويض [قال ابن أبي عاصم في "السنة"]: ثنا محمد بن عبد الأعلى ثنا ابن ثور عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس قال: حدث رجل بحديث أبي هريرة (¬1) , فانتفض قال ابن عباس ما بال هؤلاء يجدّون عند محكمه ويهلكون عند متشابهه. [قال الإمام]: (إسناده صحيح). [وعلَّق على كلمة يجدّون بقوله]: كذا في المخطوطة ولعله: يحيدون, أي يجتهدون ويهتمون لفهم المعنى المراد من القرآن عند محكمة, (ويهلكون عند متشابهه) لأنهم لا يهتمون لفهم معناه الحقيقي مع التنزيه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} يصرفهم عن ذلك التأويل أو التفويض. "ظِلال الجنة في تخريج السنة" (ص 197). [814] باب بيان خطر التأويل وجنايته على العقيدة [قال الإمام]: و (بالتأويل) أنكر الفلاسفة وكثير من علماء الكلام كالمعتزلة وغيرهم رؤية ¬

(¬1) يعني استنكاراً لما سمع من حديث أبي هريرة, ولم أقف على من نبه على المراد بهذا الحديث, ويغلب على الظن أنه حديث: "إن الله خلق آدم على صورته وهو حديث صحيح مخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (860). [منه].

[815] باب لا يجوز العدول عن ظاهر النصوص إلا لقرينة

المؤمنين لربهم يوم القيامة، وعُلِوُّه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة ومجيئه تعالى يوم القيامة. وغير ذلك من آيات الصفات وأحاديثها. "الصحيحة" (4/ 613). [815] باب لا يجوز العدول عن ظاهر النصوص إلا لقرينة [قال الإمام]: أُذكِّر .. بقاعدة لغوية مهمة جدًا: إذا دار الأمر بين التقدير وعدمه فالأصل عدم التقدير، بعبارة أخرى: إذا أمكننا أن نفسر العبارة أو الجملة العربية من كلام الله أو من حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو أي جملة عربية إذا أمكننا أن نفسرها على الحقيقة، فلا يجوز تفسيرها على المجاز إلا إذا قامت القرينة الشرعية أو العقلية فحينذاك يقال: وجدت القرينة التي تضطرنا إلى تفسير الآية أو الحديث أو الجملة العربية على المجاز وليس على الحقيقة لكن إذا دار الأمر بدون وجود قرينة بين تفسير الجملة على الحقيقة أو على المجاز فالأصل الحقيقة وليس المجاز، وإلا فسدت اللغة وفسدت استعمالها بين الناس، إذا قال قائل: جاء الأمير، فهل يجوز للسامع أن يفهم جاء خادم الأمير؟ وهذا تعبير عربي معروف بتقدير مضاف محذوف، لا يجوز؛ لأنه ليس هناك ما يضطر السامع أن يتأول قول القائل: جاء الأمير يعني: لا ليس الأمير وإنما جاء خادمه، أو جاء نائبه أو أو إلى آخره، لو فتح هذا الباب لفسد التفاهم بين الناس باللغة العربية. ومن هنا كان من رد العلماء والفقهاء على غلاة الصوفية الذين يقولون من جهة بما يعرف عند العلماء بوحدة الوجود، والذين يتكلمون بعبارات صريحة في الكفر وفي وحدة الوجود فيأتي المدافعون عن أولئك الصوفية بالباطل فيتأولون كلامهم تأويلًا يتفق في نهاية المطاف مع الشريعة، فنحن نقول لهؤلاء بهذه

الطريقة: لا يمكن أن نقول أن هذا الكلام كفر، حتى قلت مرة لبعضهم: ائتني بأي جملة هي كفر في ظاهر العبارة وأنا على طريقتك أجعلها توحيدًا خالصًا؟ طريقته ما هي؟ تأويل النصوص، مثلًا مما قال قائلهم المغرق في الضلال: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة يتكلفون في تأويل: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا، أي: إلا إلى هنا .. إلى هنا .. إلى: حرف جر، ما هذا التأويل؟! ولذلك مثل هذا التأويل يمكن إجراؤه على أي عبارة، مثلًا أنا أقول: لو قال قائل: [فرعون] خلق السموات والأرض، ما رأيكم في هذا الكلام يجوز أو لا يجوز؟ طبعًا بالإجماع لا يجوز، لكن أنا أجعله توحيدًا بطريقة الصوفية، وهو رب [فرعون]، هذا معروف في اللغة تقدير مضاف محذوف، على حد قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (يوسف:82) اسأل القرية ماذا؟ حيطانها .. شجرها؟ لا، إنما أهلها، كذلك العير، لكن هذا المضاف المحذوف، الأسلوب العربي نفسه يوحي به إلى السامع فإن أحدًا لا يتساءل يا ترى! المقصود هنا ... القرية؟ لا، ولذلك تسمية هذا التعبير في اللغة العربية أن هذا مجاز مما يدفعه ابن تيمية رحمه الله في رسالته الخاصة بالحقيقة والمجاز، يقول: تسمية هذه العبارة خاصة بأنها مجاز من باب حذف المضاف هذا اصطلاح طارئ، وإلا فالعرب ما كانوا يفهمون من هذه العبارة إلا معنًى واحدًا هو الذي يسمونه بالمجاز بحذف المضاف. كذلك مثلًا في الأسلوب العربي: سال الميزاب، على طريقة المتأخرين في تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، حقيقة هذه العبارة: سال الميزاب، يعني: الميزاب من شدة الحرارة ذاب وصار سائلًا سال الميزاب، لكن مَن مِن العرب إذا سمع هذه العبارة يتبادر إلى ذهنه المعنى الذي يسمونه حقيقة، فيقولون: لا، هنا

المقصود المجاز، هذا المعنى الذي يسمونه مجازًا في هذا المثال هو المعنى الحقيقة المراد منه، سال الميزاب، يعني: سال ماء الميزاب، مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (يوسف:82) تمامًا، وهكذا أمثلة كثيرة يذكرها ابن تيمية. منها مثلًا: جرى النهر، النهر هو الأخدود الذي يجري فيه الماء فحينما يقول العربي: جرى النهر، لا هو يعني جرى الأخدود نفسه بدون ماء ولا السامع منهم من العرب يفهم إلا الذي أراده، أي: جرى ماء النهر، إذًا: تسمية هذه التعابير بأنها مجاز يقول ابن تيمية: هذا خطأ، المجاز هو الذي يخرج المعنى الظاهر من العبارة إلى معنى آخر لوجود قرينة، لكن هنا لا معنى آخر إلا معنى واحد محدد هو اسأل القرية، يعني: أهلها .. سال الميزاب، أي: ماؤه .. جرى النهر، أي: ماؤه، من هنا يصل ابن تيمية إلى الرد على المتأخرين الذين يتأولون آيات الصفات وأحاديث الصفات باللجوء إلى ارتكاب طريق التأويل وهو سلوك طريق المجاز، لكن ما الذي يضطرهم إلى ترك فهم المعاني من هذه الآيات وتلك الأحاديث المتعلقة كلها بالصفات أن تفسر على حقائقها؟ لا سيما وهم يقولون جميعًا المتقدمون منهم والمتأخرون: الأصل في كل عبارة أن تفسر على حقيقتها. فمثلًا قوله تبارك وتعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر:22) لا، جاء ربك لا يجوز هذا الفهم، إذًا: جاءت رحمة ربك، جاء أي مضاف محذوف يقدمونه، وعلى ذلك فقس، نحن نقول: الحق كما نطق الحق في كتابه: {وَجَاءَ رَبُّكَ} (الفجر:22) لكن كيف يجيء؟ ما ندري. وهذا البحث طرقه العلماء قديمًا وحديثًا، فنحن في مناسبة قريبة تعرضنا لمثله أيضًا، الخلاصة: أن الكلام العربي أول ما ينبغي أن يفسر به هو على الحقيقة. "أسئلة وفتاوى الإمارات" (2/ 47: 05: 00).

[816] باب هل التأويل من مذهب السلف؟

[816] باب هل التأويل من مذهب السلف؟ سؤال: هناك من يزعم أن التأويل أو التفويض كان من منهج السلف الصالح في العقيدة، هل هذا الأمر صحيح وهل ثبت عن أحد من السلف التأويل أو التفويض، وما حكم من يؤول أو يفوض؟ الشيخ: أولاً: يبدو لي أن هنا كثيراً من الشباب فعلاً متأثر بكتب هذا السقاف الذي سماه بعضهم بحق بالسخاف؛ لأن هذه الشبهات التي تثار في هذا الزمان هو أصلها هذا السقاف الذي يعيش في هذا البلد. أولاً: علماء السلف القاعدة عندهم هو عدم التأويل وعدم التفويض وإنما تفسير الآيات والأحاديث تفسيراً يدل عليه علمهم باللغة العربية وآدابها، فهم يُفسِّرون مثلاً النزول بالنزول ولا يؤولونه، ويفسرون الاستواء بالاستواء والاستعلاء ولا يؤولونه وإنما يؤول الخلف الذين خالفوا السلف، وهذا طبعاً يحتاج إلى بيان وتفصيل ولي أشرطة كثيرة في هذا المجال خضنا فيها إلى حد كبير في ضرب الأمثلة. لكني أقول الآن: قد يوجد لبعض السلف تفسير لبعض النصوص من القرآن أو السنة يتوهم هؤلاء المؤولة الذين خالفوا السلف بأنه تأويل، وهو ليس من التأويل بسبيل، فأريد أن أذكر شيئاً هنا حول كلمة التأويل: التأويل له معنيان: أحدهما لغوي، والآخر: عرفي. أما التأويل بالمعنى اللغوي فهو بمعنى التفسير تماماً والبيان، {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} (آل عمران:7) أي: ما يعلم ما يؤَوُل إليه وما يعود إليه، هذا معنى لغوي.

أما التأويل الآخر الذي هو عرفي: أي: اصطلاحي فهو بمعنى إخراج دلالة النص عن الظاهر إلى معنى غير متبادر، هذا التأويل هو يقصد في كلام العلماء الكلام. على هذا نقول: إذا فسر بعض السلف آية في القرآن الكريم بخلاف ما يفهمه بعض المتأولة، يقولون: هه! أَوَّل، والحقيقة: أن هذا الذي يسمونه تأويلاً أي: إخراج للنص عن معناه الظاهر هو ليس تأويلاً إنما هو تفسير، يعني: مثلاً ما ذُكر في تفسير ابن كثير وغيره عن ابن عباس في تأويل آية: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) قال ابن عباس: وهو معكم بعلمه، هذا ليس تأويلاً! هذا تفسير لأنه نظر إلى سياق الآية من أولها إلى آخرها فانتبه إلى أن الله عز وجل يتحدث عن المعية العلمية وليس عن المعية الذاتية التي يظهر من هذه الجملة أن المقصود وهو، أي: بذاته، ليس هذا الذي يتبادر من دراسة الآية من أولها إلى آخرها وإنما المتبادر أنه ربنا عز وجل عني المعية العلمية، فهذا ورد عن ابن عباس، فهم يتشبثون بهذا ويسمونه تأويلاً وهو ليس من التأويل في شيء. ومثله نصوص كثيرة وكثيرة جداً، مثلاً: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46) أيضاً: هذه ليست معية ذاتية وإنما هي معية صفتية .. {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46) معكما فسرت بما بعدها: أسمع وأرى! هذا ليس تأويلاً بمعنى إخراج اللفظ عن ظاهره، وهكذا الأمثلة كثيرة وكثيرة جداً. الخلاصة: هؤلاء الذي يزعمون بأن السلف أوَّلُوا: إن كانوا يعنون أنهم جعلوا مذهبهم التأويل كما هو مذهب الخلف فهم يُكَذِّبون أنفسَهم بأنفسِهم؛ لأن الخلف يقولون: مذهب السلف أسلم، ما هو مذهب السلف؟ هو أنهم لا يؤولون، ومذهب الخلف زعموا أنه أعلم وأحكم، لماذا؟ لأنهم يؤولون، فنفس علماء

[817] باب أثر القول بالمجاز في أبواب الصفات

الخلف يعترفون بأن السلف ما كانوا يؤولون، لكن هؤلاء لتضليل الناس اليوم وإخراجهم عن سبيل المؤمنين الأولين يزعمون بأن السلف أولوا، الحقيقة: أنهم ما أولوا، والنصوص الكثيرة والكثيرة جداً يجدها المسلم مجموعة في كتاب الحافظ الذهبي المعروف بالعلو للعلي الغفار. وكنت أنا اختصرته وحذفت منه بعض الروايات والآثار الواهية الضعيفة، فتجد هناك عشرات الصحابة والتابعين وأتباعهم والحفاظ من الأئمة كلهم لا يؤولون ويردون على المؤولة؛ لذلك فهذا تضليل من هذا السخاف لسبيل المؤمنين، من أجل أن يضلوا هؤلاء الناس الذين لا علم لهم بما يدجل به هذا الإنسان الذي ابتلي من حوله اليوم ومن وصلت رسائله إليهم بأضاليله الكثيرة المبثوثة في رسائله. "الهدى والنور" (795/ 17: 44: 00) [817] باب أثر القول بالمجاز في أبواب الصفات مداخلة: هل [تعتقد] بالمجاز؟ الشيخ: ما نعتقد في مجاز إلا المعنى الضيق: المحدَّد، ونستطيع أن نأتي بجانب منه: هنا تعابير في القرآن يسميها بعض المتأخرين بأنها مجاز، لكن تسمية هذا النوع من المجاز يتنافى مع قولهم: الأصل في كل عبارة الحقيقة أن تُفَسَّر على ظاهرها وعلى حقيقتها، وأنه لا يجوز الخروج عنها بتأويلها إلا لقرينة، هذا تعريفهم للحقيقة والمجاز، لكن مع ذلك نجدهم يأتون إلى بعض عبارات فيقولون عنها بأنها مجاز، فتسميتهم مجاز هذا محض اصطلاح مثلًا: قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} (يوسف:82) يقولون: هذا مجاز

لعلهم يسمونه مجاز الحذف، طيب! هذا الكلام من حيث الأسلوب العربي لا أحد يفهم منه ظاهر العبارة وهي اسأل القرية، يعني: شجرها وحيطانها ونحو ذلك، هذا المعنى لا يتبادر إلى ذهن عربي إطلاقًا وإنما المتبادر هو سكانها .. أهلها، ولأن هذا المعنى هو المتبادر لا يسمى هذا الكلام مجاز؛ لأنه المتبادر، مع ذلك هم يحشرونه في اسم المجاز. مثلًا يقول العربي: سال الميزاب، لو أردنا أن نأخذ هذه العبارة العربية القديمة على طريقة الحقيقة والمجاز، حقيقة هذه العبارة أن الميزاب من شدة الحرارة ذاب حتى سال، لكن هذا المعنى لا أحد يفهمه إطلاقًا، ما هو المفهوم؟ سال الميزاب، أي: ماء الميزاب، هذه الحقيقة وليست مجازًا، لكن هم يسمونها مجاز، حينما ينتقل البحث في هذه المسألة إلى ما يتعلق بأحاديث الصفات وآيات الصفات نجد بأنهم حادوا عن القاعدة التي أشاروا إليها: أن الأصل بكل جملة عربية الحقيقة، ولا يصار عنها إلى المجاز إلا للضرورة، فمثلًا الآية المعروفة: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر:22) جاء ربك: يفسرونها بمعنى: ما جاء ربك، ولذلك يسمي علماء السلف هؤلاء المؤولة بالمعطلة، فربنا يقول: جاء ربك، ثم يقولون: لا، ربنا ما يأتي ولا يجئ ولا ولا إلى آخره، «ينزل ربنا في كل ليلة .. » لا ما ينزل، لماذا؟ قال: هذا مجاز، ما الذي اضطرهم إلى القول بالمجاز؟ ليس هناك شيء إلا انحرافهم عن فهم الكتاب والسنة على الأسلوب العربي الذي فهمه الصحابة مباشرًة من نبيهم عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك لم يتكلفوا التأويل. فإذًا: ليس هناك مجاز إلا للضرورة، وأين الضرورة في تأويل آيات الصفات وأحاديث الصفات؟ وهذا بحث وَفَّاه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث لا أحد يستطيع أن يأتي بمثل ما أتى هو به ... "لقاءات المدينة" (1/ 00:42:09)

[818] باب ذكر بعض أهل الضلال من المعطلة في الصفات والرد عليهم

[818] باب ذكر بعض أهل الضلال من المعطلة في الصفات والرد عليهم [قال الإمام]: وهو (أي حسن السقاف) إلى ذلك خلفي العقيدة، معتزلي النزعة، ينكر الصفات الإلهية، ويرمي المؤمنين بها من الأئمة وأتباعهم - وأنا منهم والحمد لله - في تعليقاته التي سوَّدها على كتاب ابن الجوزي "دفع شبه التشبيه"، ويكذب عليهم أنواعاً من الأكاذيب لو استقصيت لكان من ذلك كتاب في مجلد؛ فهو يقول - على سبيل المثال - (ص114) من تعليقاته: "ندم الحافظ ابن خزيمة على تأليفه كتابه "التوحيد" أخيراً؛ كما روى ذلك الحافظ البيهقي في "الأسماء والصفات " (ص267) ". وهذا كذب مزدوج؛ لأن ابن خزيمة لم يندم البتة، ولأن البيهقي لم ينسب ذلك إليه، وكيف يُعقل أن يندم الحافظ ابن خزيمة على "توحيده" وهو الإيمان المحض؟! بل كيف يعقل أن ينقل ذلك الحافظ البيقهي؟! سبحانك هذا بهتان عظيم من أفاك أثيم. وأنت أيها القارئ الكريم! إن رجعت إلى الصفحة المذكورة من"الأسماء والصفات"؛ لم تجد فيها الندم المُفترى، وإنما فيها اعتراف ابن خزيمة بأنه لا يحسن علم الكلام، في قصة رواها البيقهي إن صحت؛ فإن أبا الفضل البطاييني لم أعرفه، ولا ذكره السمعاني في هذه النسبة؛ فالله أعلم به، ومع ذلك فإني أقول: إن الاعتراف المذكور من ابن خزيمة - إن صح عنه - لا يعيبه كما يظن ذلك الجاهل المغرض، بل هو مما يرفع شأنه، ويزيد من فضله؛ فإن له في ذلك الأسوة

الحسنة بالسلف الصالح والأئمة الأربعة ومن تبعهم بإحسان، وليس منهم يقيناً (علماء الكلام)، كيف وهم القائلون: "علم السلف أسلم، وعلم الخلف أعلم وأحكم (¬1) "؟! وهذا هو الكفر بعينه لو كانوا يعلمون، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (¬2) كيف لا ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على رأس السلف الذين غمزوا من علمهم! وليس الآن مجال ضرب الأمثلة التي خالفوا فيها سلف الأمة، ولكن يكفي المسلم الموفق أن يعلم أنهم وافقوا المعتزلة والخوارج في كثير من ضلالاتهم، من ذلك قولهم بأن القرآن كلام الله مخلوق، ولكنهم لا يصرحون تصريح المعتزلة، بل يقولون - تقية-: كلام الله، غير مخلوق "! ثم يتأولونه بالكلام النفسي الذي لا يسمع! ولكنه يفهم! فعطلوا بذلك صريح قوله تعالى لكليمه موسى عليه السلام: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (¬3).، فجعلوا الكلام الإِلهي هو العلم الإِلهي (¬4)، فعطلوا صفة الكلام، ولكن باللف والدوران! تماماً كما فعل المعتزلة - أو بعضهم - بصفة السمع والبصر، فقالوا: إن المراد: العلم (¬5)! فعطلوا بذلك صفتي السمع والبصر كما عطلوا صفة الكلام، فإن لم يكن هذا هو التعطيل؛ فليس في الدنيا تعطيل. ¬

(¬1) انظر "حاشية الباجوري" (ص55).انظر إبطال هذه الخرافة في مقدمتي لكتابي "مختصر العلو" (ص34 - 36). [منه]. (¬2) الكهف: 5. [منه]. (¬3) طه: 13. [منه]. (¬4) وهو مذهب الكوثري الجهمي، كما صرح في "مقالاته" (ص27)، شيخ ذاك الجاهل الباغي السقاف. {منه}. (¬5) انظر مقدمتي لكتابي "مختصر العلو" (ص26). [منه].

ولوضوح بطلان علم الكلام تاب منه جمع من أفاضل علمائهم (¬1)؛ مثل الشيخ (العلامة أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني) والد إمام الحرمين رحمهم الله، (ورسالته في اثبات الاستواء والفوقية والحرف والصوت في القرآن المجيد)، من أقوى الأدلة على ذلك؛ فقد كتبها نصيحة لإخوانه في الله، بيَّن لهم فيها سبب تراجعه عن الأشعرية إلى السلفية، وهي مفيدة جدّاً لمن كان يرجو الله واليوم الآخر؛ فلتُراجع في " مجموعة الرسائل المنيرية" (1/ 570/587). ولقد جرى على سننه (ابنه إمام الحرمين)؛ في التوبة والرجوع إلى مذهب السلف؛ كما حكى ذلك عنه غير واحد من العلماء، منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني؛ فقد نقل في "الفتح" (13/ 350) عنه أنه لم يستفد من علم الكلام إلا الحيرة، ولذلك قال: "والآن؛ فقد رجعت واعتقدت مذهب السلف". وقال عند موته ناصحاً لأصحابه كما فعل أبوه من قبل: "يا أصحابنا! لا تشتغلوا بالكلام؛ فلو عرفت أنه يبلغ بي ما بلغت؛ ما تشاغلت به ".وإذا أردت أيها القارئ الكريم أن ترى أثراً من آثار علم الكلام الخطيرة، والمنافية للنقل الصحيح والعقل الصريح؛ فاقرأ كتب الكوثري ومن جرى مجراه، كذاك التلميذ السقاف، فسوف ترى ما يزيدك بصيرة وقناعة بأن الذي يتعلمونه منهم إنما {يَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} (2)، بل هو الكفر بعينه إذا التزموه، ولا أدل على ذلك من اتفاقهم على إنكار صفة العلو لله العلي القطعية الثبوت القطيعة الدلالة؛ لتواترها في الكتاب والسنة وأقوال السلف والأئمة، محكمين فيها عقولهم العفنة، ومن ثم ¬

(¬1) انظر المصدر السابق (ص27).بمنه].

فقد اختلفوا: فمنهم - كالإباضية والمعتزلة (¬1) - من قال: إنه في كل مكان! ولازمه القول بالحلول أو وحدة الوجود كما هو عقيدة غلاة الصوفية! ومنهم من يقول: إنه لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أما م ولا خلف، ولا داخل العالم ولا خارجه! ولقد سمعت هذا من بعض المشايخ في دمشق في خطبة الجمعة!! وأعرق بعضهم في التعطيل، فقال لا متصلاً به، ولا منفصلاً عنه!! وهذا لعمر الله هو الكفر والجحد للوجود الإلهي؛ فإنه لو قيل لأفصح العرب بياناً: صف لنا المعدوم الذي لا وجود له؛ لما استطاع أن يصفه بأكثر من هذا الذي وصف هؤلاء به ربهم!! وهذا الجحد هو الذي وقع فيه هذا الجاهل المتعالم الطاعن في أئمة السلف، والمفتري على أهل السنة شتى الافتراءات، فقال في رسالته المزعومة "التنديد لمن عدد التوحيد" (ص50): "صرح أهل السنة والجماعة بأن الله سبحانه لا يوصف بأنه خارج العالم ولا داخله". وكرر هذا في رسالة أخرى لما أسماها كذباً وزوراً: "عقيدة أهل السنة" (ص26). قلت: فلينظر المسلم في هذا الوصف: هل هو وصف لموجود أم لمعدوم؟ َ! {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} (¬2). ¬

(¬1) يثني السقاف على الإباضية وكتابهم "مسند الربيع"، ويوافقهم على تسميتهم إياه بـ "الجامع الصحيح" معارضة منهم لـ "صحيح البخاري"، وهي زور؛ لكثرة الأحاديث الموضوعة فيه، ارتضى بعضها السقاف (ص125)، ويصف الربيع بـ (الإمام)! انظر "الضعيفة" (6331)، ويصرح (ص 127) بأنه يوافق المعتزلة في تفسيرهم (الاستواء) بالاستيلاء! ويرد على أبي الحسن الأشعري لأنه رد ذلك عليهم!!. [منه]. (¬2) الإسراء: 43. [منه].

ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فإنه أصاب كبد الحقيقة حين وصف هؤلاء النفاة المعطلة ومعارضيهم من المشبهة بقوله: "المشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، والمشبه أعشى، والمعطل أعمى"َ! والحق الذي عليه السلف والأئمة: إثبات الصفات بدون تشبيه، وتنزيه بدون تعطيل. ومن اللطائف التي وقعت لبعض الأمراء العقلاء أنه لما سمع ذلك الوصف المُعطِّل من بعض المشايخ المجادلين بالباطل؛ قال: "هؤلاء قومٌ أضاعوا ربَّهم"! ويبدو لي أن ذلك الجاهل الطاعن في السلف شعر بخطورة الوصف المذكور، وأنه مرفوض نقلاً وعقلاً؛ لذا لجأ إلى التدليس على القراء بعبارة أخرى تؤدي الغرض الكمين في نفسه دون أن ينتبه له عامة قرائه، فقال في تعليقه له على كتاب ابن الجوزي المتقدم (ص127): "وهنا أمر مهم جدّاً، وهو أننا لا نقول بأن الله موجود في كل مكان ألبتة، بل نُكَفِّر من يقول ذلك، ونعتقد أن الله سبحانه موجود بلا مكان؛ لأنه خالق المكان"! فأقول: هذا تصريح منك يناقض تصريحك السابق: أن الله تعالى ليس بخارج العالم، وذلك أنه لا مكان خارج العالم، فإن كنت صادقاً في قولك هذا؛ فقد اهتديت ورجعت إلى عقيدة السلف التي كنت ولا تزال - فيما نعلم- تتهم من دان بها بالكفر والتجسيم؛ مثل ابن تيمية وغيره كمثلي، وإلا قرأنا عليك قول الحق {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (¬1)؛ مذكِّرين بالمثل العامي: (من كان بيته من زجاج؛ فلا يرم الناس بالحجارة!) وإن من تلك الآثار السيئة لعلماء الكلام ¬

(¬1) - (ص:27). [منه].

والمتأثرين بفلسفتهم كذاك السقاف المغرور بهم: أنهم لا يقيمون وزناً لجهود أئمة الحديث وعلمائهم ونقادهم؛ فإنهم يسلطون أهواءهم على ما صححوا من الأحاديث أو ضعفوا، فما راق لهم منها قبلوه واحتجوا به، ولو كان ضعيفاً، وإلا رفضوه ولو كان صحيحاً!! وهذا ظاهر جدّاً في المتقدمين منهم والمتأخرين، وأوضح مثال على ذلك الشيخ الكوثري، وعبد الله الغماري؛ فقد ضعفوا حديث الجارية الذي فيه سؤاله - صلى الله عليه وآله وسلم - "أين الله؟ ".قالت: في السماء: قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أعتقها فإنها مؤمنة"، وتبعهم على ذلك ذاك الهالك في تقليدهم؛ السقاف! بل إنه زاد عليهم طغياناً وغروراً، فقال في "تعليقه على دفع شبه التشبيه" (ص108): "ونحن نقطع بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقل: أين الله "! وقال (ص188): "ذاك اللفظ المستشنع"! يقول المستهتر هذا وهو يعلم أن الحديث متَّفق على صحته عند علماء المسلمين، متلقي بالقبول خلفاً عن سلف، واحتج به كبار الأئمة؛ كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وصححه مسلم وأبو عوانة وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان، ثم تبعهم على ذلك جماعة من الحفاظ - وبعضهم من المتأولة - كالبيهقي والبغوي وابن الجوزي والذهبي والعسقلاني وغيرهم. فماذا يقول المسلم العاقل في جاهل جاحد مكابر يخالف هؤلاء الأئمة والحفاظ؟! ويستشنع لفظ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي صححوه!! بل ويصف الذين يردِّدون هذا اللفظ النبوي (ص187) بـ (المجسمة)، بل ويصف فضيلة الشيخ ابن باز لأنه انتصر في تعليقه على "الفتح" (1/ 188) لعقيدة استواء الله على عرشه، وأنه

يجوز السؤال بـ (أين الله؟)، فيقول مشيراً للشيخ حفظه الله: "ولا عبره بكلام المعلق عليه - "الفتح" - البتة؛ لأنه لا يعرف التوحيد فليخجل بعد هذا من يدعو الناس إلى عقيدة "الله في السماء" وليتب"!! وبالجملة؛ فهو جهمي جلد، وينكر معاني آيات الصفات بطريق التأويل والتعطيل، كما فعل بآيات الاستواء، وينكر أحاديث الصفات الصحيحة بادعاء ضعفهم ومخالفة علماء الحديث والجرح والتعديل، كهذا الحديث ونحوه كثير؛ فهو يضعف قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "رأيت ربي في أحسن صورة "، ويفتري في تخريجه على بعض الأئمة، كما يضعف أحاديث اليدين, والقبضة, والأصابع, والضحك وغيرها، فلعل بعض إخواننا يتفرغون له، ويكشفون للناس جهله وضلاله وعواره، كفى الله المؤمنين شروره. إذا عرفت أيها القارئ الكريم ما سبق من البيان لحال هذا الإنسان - وهو قُلُّ من جُلٍّ - ينكشف لك سبب حمله وطعنه على أتباع السنة وأئمتها والداعين إليها والذابين عنها، فلا يكاد يخلو صفحة من صحائف ما سودَّه من غمزه ولمزه، وقد خصَّني بقسط وافر منه، فلا يكاد يذكرني إلا وهو يصفني بـ (المجسم) و (المتناقض)!! مقروناً بالزور والكذب، والأمر الذي يدل دلالة قاطعة أنه يحمل في قلبه {غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا}! وأنه دبَّ إليه داء الأمم من قبلنا: البغضاء والحسد، وهي الحالقة: حالقة الدين والعياذ بالله، إلى جهل بالغ بطرق نقد الأحاديث وتصحيحها. "السلسلة الصحيحة" (1/ 1/ص5 - 12).

[819] باب مذهب السلف في الصفات وموقف الدعاة اليوم فيه، وبيان ضلال المعطلة

[819] باب مذهب السلف في الصفات وموقف الدعاة اليوم فيه، وبيان ضلال المعطلة [قال الإمام]: مذهب السلف في الصفات وموقف الدعاة اليوم فيه: السلف يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه في كتابه أو أخبر به نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ويؤمنون بذلك أنه كما وصف به نفسه حقيقةً من غير تأويل .... الخ، في هذه (¬1) الصفة المميزة للسلفي على غيره من الخلفيين؛ فان هؤلاء على قسمين: قسم مُفَوِّضة يؤمنون بألفاظ الآيات وأحاديث الصفات دون الإيمان بحقائق معانيها اللائقة بالله تعالى. وهذا هو الذي عليه الآن كثير من الخلفيين الذين لم يدرسوا عقيدة السلف أو درسوها ولم يفهموها أو فهموها ولم يهضموها ولم يؤمنواً بها. ويغلب هذا على الذين يتظاهرون بأنهم من الدعاة إلى الإسلام (وفاقد الشيء لا يعطيه) وبعضهم يزعم أن هذا هو مذهب السلف جهلا أو تجاهلا ومنهم الكوثري شيخ أبو غدة كما صرح بذلك في تعليقه على «الاختلاف في اللفظ» لابن قتيبة (ص30). وقسم مؤولة معطلة ينكرون حتمًا بعض صفات الله تعالى باسم التأويل وتحريف الكلم عن مواضعه، ومنهم الكوثري، بل هو حامل راية هذا الانحراف في العصر الحاضر. كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات" (ص80 - 81) ¬

(¬1) كذا، والظاهر أن صوابها: فهذه الصفة ...

[820] باب الرد على المعطلة والمفوضة

[820] باب الرد على المعطلة والمفوضة السائل: بعض العلماء يقول أن مذهب السلف في الصفات أن تقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، ولا تقل: استوى بذاته. الشيخ: أيوة. مداخلة: نعم. مداخلة: [كذلك] ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، لا تقل بذاته، فقط استوى فقط، بدون تفسير بالمرة، فما جوابكم؟ الشيخ: جوابي كما قال إمام دار الهجرة الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهولة، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا الرجل. نحن نقول الذين حكيت عنهم ما ذكرتَ، وهم يُسمَّون بجماعة التفويض، فهؤلاء ليسوا من السلف من قريب أو بعيد. نقول لهؤلاء: حين تقولون: لا تقل: الرحمن على العرش استوى بذاته، وإنما نقول: الرحمن على العرش استوى. هكذا يقولون. نسألهم بفهم أم بغير فهم؟ نقول لهم: نوافق معكم مبدئياً، نقول: الرحمن على العرش استوى بدون قيد بذاته، لكن حين نقول نحن وأنتم: الرحمن على العرش استوى. بفهم أم بغير فهم؛ فإن قال: بغير فهم سقط، وانكشف وعرفنا منه أنه معطل يتستر وراء ما كان يَدِّعِيه كثيرون من قبل ومن بعد، أنهم يقصدون التنزيه. نحن أيضاً نقصد التنزيه، ولكن مع الفهم، فما معنى: الرحمن على العرش استوى؟

لعلك فهمت إلى هنا؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب. {الرحمن على العرش استوى} كما تقول: سبحان ربي الأعلى. وكما تقول: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16) .. إلى آخر الآية، فالله عز وجل فوق عرشه كما قال الإمام عبد الله بن المبارك: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، [بائن من خلقه] وهو معكم بعلمه، ثلاثة أشياء: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه. فحينما يقول الإمام عبد الله بن المبارك، إنما يقولها تفقهاً منه؛ لأن الرحمن من الأسماء التي يسمى بها ربنا عز وجل كاسم الإله، فهو من أسماء الذات، فلو قال: عليم .. بصير، فهذا اسم صفة، لكن الله والرحمن اسم الذات، فكلمة: بذاته، ليست إضافة من عندنا، وإنما هو ما يفهمه كل إنسان. يعني مثلاً: الله خلق السموات والأرض. إذا قلنا: الله بذاته خلق السموات والأرض، هذا ليس معنى ذلك أننا أضفنا معناً لا يؤخذ من كلمة الله، خلق الله السموات والأرض، أي: خلق الله بذاته، لم يشاركه في ذلك أحد سواه. هذا التأويل، أي: التفسير لا يعني أننا نحن أولنا كما يريد أن يقول ذلك الناصح خطأً، قولوا: الرحمن على العرش استوى، ولا تقولوا: بذاته. نحن إذا قلنا: الرحمن على العرش استوى. بفهم، فمعناه: بذاته، وإذا قلنا

الرحمن على العرش استوى. كلام لا ندري ما معناه، فقد خالفنا السلف الصالح، كما هو الشأن في كل الصفات التي نؤمن بها معهم دون تشبيه ودون تعطيل. دون تشبيه لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، دون تعطيل لقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فبعض الفرق القديمة من المعتزلة كانوا يعطلون الله عن هاتين الصفتين: صفة السمع والبصر، فيقولون: يعني هو عليم. الله عليم ثابت؛ {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة:29)، لكن هنا يقول: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، وأنكروهما؛ لأنهم يتوهمون أننا إذا آمنا بما جاء في كتاب ربنا بدون تشبيه، مع ذلك بظنهم أننا نشبهه. فهذا بحث يطول ونهايته أن يؤدي بهؤلاء المعطلة إلى إنكار وجود الله تبارك وتعالى من الأصل، وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله، حين قال: المجسم إنما يعبد صنماً، والمعطل إنما يعبد عدماً. كلاهما ضال، لكن أيهما أشد ضلالاً؟ الذي نفى نفياً مطلقاً؛ لأنهم يقولون ... - وهذا ذكرناه في بعض مجالسنا القديمة -، حينما يتحدثون عن الله عز وجل وأنه على العرش استوى، يقولون: لا، لا يوصف ربنا، لا يقال فيه عز وجل -عندهم-: الله فوق، لا يقال: فوق. لا هو فوق، لا هو تحت، لا هو يمين، لا هو يسار، لا هو داخل العالم، ولا خارجه. إذاً: رجعوا إلى العدم؛ لذلك قال ابن القيم بحق: المعطل يعبد عدماً محضاً. فإذا لم يكن لا داخل العالم ولا خارجه، لو قيل لأفصح الناس بياناً: صف لنا

المعدوم ما هو؟ فقال لك: لا هو فوق ولا هو تحت، لا يمين لا يسار، لا أمام لا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه. نقول له: صدقت هذا هو المعدوم، فقد وصفوا ربَّهم بأنه معدوم لما عطلوه من الصفات، فالمعطل إذاً: يعبد عدماً، نحن يجب أن نقف عند حدود الشرع ولا نستعمل الأقيسة؛ لأن الله عز وجل إذا كان سميعاً بصيراً، فسمعه ليس كسمعنا، وبصره ليس كبصرنا، كما أن وجوده ليس كوجودنا، فنحن الآن نقول: الله موجود، وأنا موجود، فهل معنى ذلك أن نقول -حتى لا نقع فيما يزعمون فيه من التشبيه- أحد شيئين .. ننكر حقيقة من حقيقتين: الله موجود، وأنا وأنت وهذه المخلوقات موجودة، فلا بد من إنكار حقيقة من الحقيقتين وأيهما أنكرت، فقد قرمطت. إذا قلت: أنا موجود، الله موجود. صار هنا اشتراك، صار هنا تشبيه؟ إذاً: الله ليس موجوداً؛ لأنه فيه تشبيه الخالق بالمخلوق، كيف غير موجود؟ موجود. إذاً: أنا الذي لست موجوداً. وأحلاهما مر. إذاً: الله موجود، وأنا موجود، لكن وجوده كما يقولون: وجود بدون موجد، واجب الوجود، أما أنا ممكن الوجود؛ لأن الله عز وجل هو الذي أوجدني، وإن شاء أعدمني؛ ولذلك قال تحقيقاً لهذه الفارقة العظيمة: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (الرحمن:26 - 27).

فإذاً: نحن نثبت ما أثبت، وننفي ما نفى، نفى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، وهو السميع البصير، أثبت. فسمعه وبصره حقيقتان صفتان ثابتتان، ولكن: ليس كمثله شيء، وعلى ذلك طَرِّد كل الصفات، فتستريح ولا تقع في التشبيه ولا في التعطيل. هذا جواب ما سألت من السؤال. مداخلة: قال لي هذا القائل: الرحمن على العرش استوى، استوى على، هذا فهمك لاستوى، فما تقول لفهمك ليد الله، ماذا تقول معناها، فماذا أقول له؟ الشيخ: اليد التي يعطي بها، أقول وهي ليست خيالية، ما هذه المشكلة الكبيرة، وماذا يقول هو؟ مداخلة: هو يقول: ما دام أن اليد لا تستطيع أن تفسرها، .. الشيخ: لا، هو ماذا يقول؟ ما المقصود باليد عنده؟ مداخلة: هو مفوض. الشيخ: هذا هو، معطل إذاً. إذاً: نرجع لنفس الموضوع: ما هو الله؟ موجود أو مفقود؟ مداخلة: موجود. الشيخ: موجود، وأنا موجود، إذاً: أنكر إحدى الحقيقتين وحينئذ نحكم عليك بأنه سقط التكليف عنك. مداخلة: شيخنا في نفس المسألة، أستاذي هم في الحقيقة متأخرو الأشاعرة

نفوا لفظ: موجود، كما أشرت في آخر كلامك أستاذنا، فقالوا: لأن لفظ موجود يقتضي موجداً، فهو واجب الوجود، فهربوا في شرح البيجوري وكذا، هربوا من لفظ موجود، قالوا: لا نقول: موجود؛ لأن الموجود يثبت موجداً، والله واجب الوجود. الشيخ: هذه مناقشة لفظية. مداخلة: أي نعم. الشيخ: لكن هذا لا يرد في الأخذ والرد. مداخلة: لكن أنا أحب أن توضح لنا يا شيخنا هذه الجزئية، لفظ موجود هل هو في الحقيقة كما يزعمون يقتضي موجداً؟ الشيخ: لا، لكن هذه مناقشة بيزنطية كما يقولون فعلاً؛ لأنهم هم يناقشون الآن مناقشة لفظية. فعلاً: اسم موجود، اسم مفعول، يستلزم عادة بالنسبة للعرف البشري أن يكون له موجداً، فهذا الكأس وهذا الإبريق .. إلى آخره، موجود، أوجده الذي صنعه .. إلى آخره، لكن الله عز وجل كما قلنا في أثناء الكلام: هو واجب الوجود، لكن كونه واجب الوجود ما ينفي أن يكون قائماً وجوده، فنترك كلمة موجود، قائماً وجوده متحققاً وجوده، فحينئذ هم يفرون من المناقشة تمسكاً بلفظ لا يقدم ولا يؤخر. مداخلة: حقيقة البحث. الشيخ: محينا هذا الاسم، اسم موجود ألغيناه من قاموس اللغة في هذا البحث، لكن متحقق وجوده، لا يستطيعون أن يقولوا: لا، مفقود.

مداخلة: صحيح. الشيخ: فإذاً: التمسك بهذا اللفظ لا يفيدهم شيئاً. وأرجو إخواننا أن يحفظوا كلمة كنت قرأتها في رسالة لا تزال مخطوطة من كلام الخطيب البغدادي، وربما نقلت في بعض الكتب: ما يقال في الصفات يقال في الذات سلباً وإثباتاً. هل تقول في الله موجود ولاّ؟ موجود. إذا قلت إنه موجود، وقد أوضحنا المقصود من لفظة الموجود، هل يلزم من ذلك مشابهة الخالق بالمخلوق؟ الجواب: لا. كذلك قل في الصفات ما تقول في الذات، تستريح من كل هذه المناقشات؛ لأنه الحقيقة الدخول في تفاصيل هذه المسائل والتناقش فيها مضلة؛ لأن كثير من الناس قد أوتوا منطقاً وأُوتوا جدلاً، وناس آخرون لم يعطوا علماً ولم يُعطوا جدلاً، وعندهم سلامة وعقيدة صحيحة، لكن ذلك المجادل قد يتغلب عليه بجدله؛ بسبب سلامة علم هذا الإنسان وقلبه. ولذلك فعلى كل مسلم أن يحفظ هذه القاعدة وهي قائمة على الآية السابقة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). يقال في الصفات ما يقال في الذات سلباً وإثباتاً، حينذاك تستريح من أي مناقشة قد تضطر للدخول فيها وأنت غير مستعد لها. " الهدى والنور" (281/ 33: 00: 00)

[821] باب بيان انحراف المعتزلة في الأسماء والصفات واتباع الأشاعرة والماتريدية لهم

[821] باب بيان انحراف المعتزلة في الأسماء والصفات واتِّباع الأشاعرة والماتريدية لهم [تكلم الشيخ على الفرق الإسلامية إلى أن قال]: إذا استثنينا ... الفرق المعروفة بالانحراف عن الشريعة كالشيعة مثلاً والزيدية والخوارج، وحصرنا كلامنا على من يُسمَّون أو يتسمون بأهل السنة والجماعة اليوم هم ثلاثة مذاهب فيما يتعلق بالعقائد وأربعة مذاهب فيما يتعلق بالفقه. أما المذاهب الثلاثة الأولى: فهي الماتريدية، والأشاعرة وأهل الحديث، فهذه فرق ثلاث تتعلق في العقيدة فقط في أهل السنة والجماعة. أما المذاهب الأربعة فمعروفة لدى الجميع في الفقهيات الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، إذا رجعنا إلى المذاهب الثلاثة الأولى الماتريدية والأشاعرة نجد في هذين المذهبين الشيء الكثير مما هو من مذاهب وآراء وأفكار المعتزلة، ومع ذلك فهي موجودة ومبثوثة في المذهب الأشعري، والمذهب الماتريدي، أهم ما يتعلق بهذا الذي أقوله أنه موجود من الاعتزال شيء في المذهبين المذكورين: الماتريدي والأشعري أهم ما يمكن ذكره الآن أصل من الأصول وقاعدة من القواعد هي: أن الحديث الصحيح لا تثبت به عقيدة، هذا رأي المعتزلة، لكن الأشاعرة والماتريدية يتبنون هذا الرأي، هذا كقاعدة وأصل. والشيء الثاني: أن المعتزلة عُرِفُوا عند أهل السنة حقاً بأنهم يتأولون آيات الصفات، وأحاديث الصفات، والتأويل أخو التعطيل، والمقصود بالتعطيل: إنكار الشيء إنكار الحقيقة، فحينما تكون هناك آية، أو يكون هناك حديث نبوي

صحيح، وله دلالة واضحة صريحة، فيُعطلِّون هذه الدلالة ويأتون بمعنى غير متبادر للذهن لذاك النص القرآني أو الحديث النبوي، فهذا معناه: أنه ما اتبعوا الكتاب ولا السنة، لكنهم لا نستطيع أن نقول: ما اتبعوا الكتاب والسنة إنكاراً لهما، وإنما دوراناً عليهما، وخروجاً عن دلالتهما الصريحة باسم التأويل ولذلك قلت التأويل أخو التعطيل. نحن نضرب مثلاً عادياً: إذا قال الرجل العربي: جاء الملك فما يتبادر إلى ذهنه إلى ذهن المخاطبين بكلامه أنه يعني جاء خادم الملك هو قال جاء الملك، فالسامعون لا يفهمون من كلامه أنه يعني: جاء خادم الملك، بل ولا يفهمون منه أنه جاء وزير الملك، فلو أن رجلاً عربياً تكلم بهذه اللفظة العربية، بهذه الجملة العربية جاء الملك فأحد السامعين قال: يعني: خادم الملك، هذا عطل كلام هذا المتكلم ... فما بالكم إذا كان الكلام المُعطَّل هو كلام الرب تبارك وتعالى؟! فيأتي المعتزلة ويتبعهم في ذلك الماتريدية والأشاعرة، فيتأولون بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بمثل هذا التأويل الذي قلنا عنه بحق: إنه أخو التعطيل. في الآية الكريمة: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر:22) جاء ربك، ولا تشبيه مثلما قلنا آنفاً جاء الملك، لا، ما جاء الملك، من أتى؟ خادم الملك، وزير الملك، في فرق بين خادم الملك ووزيره طبعاً، مع ذلك فإذا فُسِّر بوزير الملك يكون عاطل باطل، وإذا فُسِّر بخادم الملك فهو أعطل، نعم. فقولهم في تفسير قول ربنا عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر:22).

جاء ربك أي: أمْر ربك، أو خلق من خلق ربك، أو كذا يمكن، أما لا به، ولا بروحه، ومن أين جاءتهم هذه المشكلة؟ أو من أين جاء هذا التعطيل؟! من قياس الخالق على المخلوق، من قياس الغائب على الشاهد. يقولون: لا يجوز وصف الله بالحركة، نحن ما نصف الله بالحركة؛ لأنه ما وصف بذلك لا هو وصف بذلك نفسه، ولا وصفه بذلك نبيه؛ لكن وصف نفسه بأنه جاء أي: يوم القيامة، فنحن نقول جاء، وما نقول إنه جاء يعني: تحرك هم يأبون أن يؤمنوا بصريح القرآن، كذلك مثلاً فيما يتعلق بهذا المعنى: الحديث المعروف والمشهور بل هو عندنا حديث متواتر؛ لكثرة طرقه الصحيحة: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا» أهل السنة حقاً وهم أهل الحديث: يؤمنون بالآية السابقة الذكر على ظاهرها، جاء ربك: ربك جاء، وينزل ربنا: ينزل ربنا، أما المعتزلة وتبعهم الأشاعرة في جملة ما تابعوهم عليه: لا، ربنا لا ينزل كما قالوا: لا يجيء، قالوا أيضاً لا ينزل، إذاً: ما معنى ينزل ربنا أي: رحمته هذا تأويل، هذا التأويل هو تعطيل، يلزم من هذا التعطيل إنكار حقائق شرعية متعلقة بالصفات الإلهية، ربنا عز وجل حينما يصف نفسه في كتابه، أو على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإنما ذلك ليُعَرِّف عباده به تبارك وتعالى؛ لأنه غائب عنا، ولا يمكننا أن نراه إلا يوم القيامة إن شاء الله، فحينما نأتي إلى آيات الصفات وأحاديث الصفات، فنأتي لها بمعاني غير المعاني الظاهرة الجلية من النصوص القرآنية أو الحديثية، فمعنى ذلك أننا أنكرنا هذه الصفات الإلهية، جاء ربك ما جاء ربك، ينزل ربنا لا ينزل ربنا سبحان الله، لو كان هناك نص أنه لا يجيء ولا ينزل، كنا (سنؤمن)، لكن النصوص على خلاف ذلك، فكيف نصف ربنا بما لم يصف نفسه به، وننزهه عما وصف نفسه به، هذا هو التعطيل، وهذا مما وقعت فيه كما قلنا بعض المذاهب الإسلامية

[822] باب الفرق بين النفي والتعطيل

السنية، كالماتريدية، والأشعرية لهذا قلنا: إننا ندعو إلى اتباع الكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح حتى ما نقع في مثل هذه الانحرافات التي ابتدأها المعتزلة، ثم تبعهم عليها كثير ممن ينتمون إلى أهل السنة والجماعة، أهل السنة والجماعة اليوم في عُرف العصر الحاضر، وفي الأزهر الشريف، والجامعات الإسلامية وإلى آخره هي أهل الحديث، والماتريدية والأشعرية. "الهدى والنور" (161/ 13: 08: 00) [822] باب الفرق بين النفي والتعطيل سؤال: [نرجو] التعليق على كلمة التعطيل والنفي، شو الفرق ... بين التعطيل والنفي؟ الشيخ: النفي قد يقترن مع التعطيل بمعنى واحد يعني، نفي الصفة، لكن النفي بيكون صريح، التعطيل يلعب حول الآية ويتأولها، فيعطل الله عن هذا الصفة، لكن بطريقة التأويل ينكرها. النفي أن ينكر رأساً، مثلاً: هناك حديث في الصحيحين وغيرهما بيدخل في هذا الموضوع الذي يجب الإيمان به كما جاء دون تكييف بعقولنا الصغيرة الضيقة هذه، وبدون تعطيل، إنكار يعني، الحديث لا بد كلكم سمعه: «ينزل الله في كل ليلة في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا، فيقول: ألا هل من سائل فأعطيه؟! ألا هل من داع فاستجيب له؟! ألا هل من مستغفر فأغفر له؟! ألا كذا .. ألا كذا .. حتى يطلع الفجر». الذين يعطلون الصفات الإلهية المنصوص عليها في الكتاب، والكتاب لا يمكن إنكاره، من أشد الفرق ضلالاً، لا يقدرون أن ينكروا، وحينئذ ينكشف

[823] باب ذكر بعض رؤوس البدع من الجهمية

أمرهم، ويخرجون عن الملة، أما الأحاديث فيتجرؤون أحياناً على إنكارها، فينفونها، فهم يقولون: «ربنا لا ينزل». إذا: ً نفوا الحديث. فخلاصة الجواب كما قلت في أوله: أن النفي يلتقي مع التعطيل، بس أحياناً يلزم مع التعطيل إنكار النص من أصله، لا يثبتون صحته عن الرسول عليه السلام؛ لأنهم لو أثبتوه أثبتوا لله تصرفاً هو في عقولهم الضيقة يشبه نزول الملك من عرشه، مشكلتهم دائماً قياس الخالق على المخلوق، وهذا بلا شك أبطل قياس على وجه الأرض، لا سيما وقد قال تعالى في الآية السابقة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، ومن بلاغة القرآن أنه ما قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فقط، فنزه ثم أثبت، قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فهو سميع لكن ليس كسمعنا، وبصره ليس كبصرنا، كل الصفات: منها النزول الإلهي، نزوله ليس كنزولنا، هكذا الجواب إن شاء الله. "الهدى والنور" (69/ 20: 10/ 01) [823] باب ذكر بعض رؤوس البدع من الجهمية [قال الإمام]: وبشر المرِّيسي: هو المبتدع الجهمي الضال، قال الذهبي وغيره: "لا ينبغي أن يروى عنه، ولا كرامة ". وهو القائل بخلق القرآن، والإباضية معه في هذه الضلالة! "الضعيفة" (13/ 1/111).

[824] باب هل ثبت قتل خالد القسري للجعد بن درهم؟

[824] باب هل ثبت قتل خالد القسري للجعد بن درهم؟ مداخلة: يقول السائل: ما مدى ثبوت قصة قتل خالد بن عبد الله القسري للجعد بن درهم؟ الشيخ: هذا كما قلت لما ذكر آنفًا عن الإمام أحمد: يروى دون إسناد ويذكره أهل السنة كقضية مُسًلَّمة، فأنا شخصيًا أقول: الله أعلم إن صح أو لم يصح، ولا يترتب من وراء تصرف ذلك الأمير لقتل الجعد حكم شرعي مطلقًا، فقد يصح وقد لا يصح. "رحلة النور" (ب31/ 00:10:00) [825] باب جمهور الحنفية مؤولة في العقيدة [قال الإمام]: أبو منصور الماتريدي الذي ينتمي إليه أكثر الحنفية في العقيدة، وجمهورهم فيها من المؤولة. "مختصر العلو" (ص136) [826] باب مذهب ابن حزم في الصفات [قال الإمام]: "ابن حزم" في الصفات جهمي جلد. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص91).

[827] باب تنبيه حول عقيدة الشيخ الشعراوي - رحمه الله - في الأسماء والصفات

[827] باب تنبيه حول عقيدة الشيخ الشعراوي - رحمه الله - في الأسماء والصفات السؤال: بالنسبة للشيخ متولي الشعراوي، الكثير معجب بكلامه وبأسلوبه وأستطيع أن أقول أنا أيضاً أستمتع بالسماع إليه ... فبعض العلماء أو بعض شباب العلم يقولون: له أخطاء فادحة في أمور العقيدة أو في أمور شرح المعاني والخواطر التي تخطر بباله، فأنا طبعاً لا أشعر أنه يخطئ أو أنه يتكلم بكلام والعياذ بالله خطير أو يؤثر في عقيدة، فلو كنت تعلم [في] بعض خطبه أو دروسه وتعطينا مثلاً ... حتى في المستقبل نقيس عليه أو ننتبه أكثر إن كان لديك بعض ما تعرفه من خطبه ودروسه. الشيخ: أنت ... لست عالماً فلن تستطيع أن تميز أخطاء من يقال إنه من العلماء؛ لذلك الصواب أنك تجمع بين شعورك الذي ابتدأت كلامك به وبين ما نقلته عن بعض العلماء أو طلاب العلم، شعورك أن أسلوبه جذاب، وهو كذلك، ويمكن تشاركني أيضاً فيما إذا قلت لك أن أسلوب الشيخ كشك أيضاً أسلوب جذاب، ولاَّ لست معي في هذا؟ مداخلة: نعم للعامة، نعم. الشيخ: لكن هذا وذاك علمهما خلفي، وإن كان هذا الذي سألت عنه الشعراوي أعلم من ذاك، ولذلك ذاك أنا أسميه قصاصاً، لكن أصبح قدوة لخطباء لكثير من البلاد الإسلامية يحاولون يقلدونه في أسلوب خطابه، فالشعراوي هذا هو من علماء الأزهر وعلماء الأزهر علماء يعني: يتقنون اللغة العربية ويتقنون التفسير والفقه التقليدي إلى آخره لكنهم بعيدين عن السنة كل البعد.

إلا أن فيهم ناساً مخلصين إذا أتيح لهم من ينبههم ينتبهوا، الشعراوي يبدو ليس من هؤلاء، ومنذ سنين صدروه للكلام في الإذاعة وأخذ بألباب كثير من المستمعين إليه، وكان من هؤلاء أحد إخواننا السلفيين، وهو يحكي من شدة إعجابه به له صاحب له سيارة، أركب الشيخ الشعراوي يوصله إلى مكان وكان صاحبنا معه، خطر في باله خاطرة جيدة أن هذا الشيخ الذي نحن نسر بإلقائه وكلامه على الآيات وإعجاز القرآن بالنسبة لعلم الحديث .. خطر بباله أن يسأله يراه سلفي العقيدة أم لا؟ قال له: ما رأي فضيلة الشيخ في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) هل يوصف ربنا بأن له صفة علو، فثار عليه ثورة أن الله ليس له مكان وليس له زمان والله في كل مكان، الضلالة التي تعرفها ليست في عامة المسلمين فقط بل وفي كثير من خاصتهم، فهو منحرف عن العقيدة، وكثيراً [ما] يتأول فعلاً الآيات بتآويل من أجل تناسب مفاهيم العصر الحاضر، أما أسلوبه فالمصريين يمتازون فيما ظهر لي على الشعوب الإسلامية بطلاقة اللسان وبحسن أسلوب الكلام، عندهم الاستطاعة أن يسيطروا على الناس، والشعراوي من هذا القبيل لكن لا يؤخذ منه العلم؛ لأن العلم شيء والأسلوب شيء ... فأناس عندهم العلم صحيح وما عندهم الأسلوب الصحيح، وهذا بالعكس عنده أسلوب جيد جذاب لكن ليس عنده علم صحيح، ولذلك فالذي يريد أن يستمع إليه مأخوذ بروعة أسلوبه يجب أن يأخذ حذره من أن يتلقن منه ما ليس بصحيح. "الهدى والنور" (206/ 48: 26: 00).

[828] باب هل يكفر من أول الصفات؟

[828] باب هل يُكَفَّر من أَوَّل الصفات؟ السائل: من أوَّل الصفات هل نقول بضلاله أم بكفره؟ الشيخ: نقول بضلاله، إلا أن يظهر أنه كان متعنتاً وقاصداً الضلال فحينئذ يُكَفَّر. (الهدى والنور/317/ 52: 36: 00)

جماع أبواب ذكر المجسمة والمشبهة وبيان ضلالهم في أبواب الأسماء والصفات

جماع أبواب ذكر المجسمة والمشبهة وبيان ضلالهم في أبواب الأسماء والصفات

[829] باب التعريف بالكرامية ومذهبهم في الصفات

[829] باب التعريف بالكرَّامية ومذهبهم في الصفات [قال الإمام]: الكرامية: .. طائفة من المبتدعة تقول بالتجسيم وغيره, ينتسبون إلى محمد بن كرام السجستاني العابد المتكلم قال الذهبي: " شيخ الكرامية ساقط الحديث على بدعته مات سنة (255 "). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص101). [830] باب بدعة الغلو في إثبات الصفات (التشبيه والتجسيم) [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إذا كان عشية عرفة هبط الله عز وجل إلى السماء الدنيا فيطلع إلى أهل الموقف: مرحباً بزواري والوافدين إلى بيتي، وعزتي لأنزلن إليكم ولأساوي مجلسكم بنفسي، فينزل إلى عرفة فيعمهم بمغفرته ويعطيهم ما يسألون إلا المظالم، ويقول: يا ملائكتي أُشهدكم أني قد غفرت لهم، ولا يزال كذلك إلى أن تغيب الشمس، ويكون إمامهم إلى المزدلفة، ولا يعرج إلى السماء تلك الليلة، فإذا أشعر الصبح وقفوا عند المشعر الحرام غفر لهم حتى المظالم، ثم يرجع إلى السماء وينصرف الناس إلى منى». (موضوع). [قال الإمام]: رواه ابن عساكر (4/ 240/1) عن أبي علي الأهوازي بسنده عن الحسن بن سعيد: أخبرنا أبو علي الحسين بن إسحاق الدقيقي: أخبرنا أبو زيد حماد بن دليل،

عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة الباهلي مرفوعا. وقال: " هذا حديث منكر، وفي إسناده غير واحد من المجهولين". قلت: بل هو حديث موضوع، ولوائح الوضع عليه لائحة، ولعل آفته أبو علي الأهوازي، واسمه الحسن بن علي، وهو إن وثقه بعضهم، فقد قال الخطيب." كذاب في الحديث وفي القراآت جميعاً ". وقال ابن عساكر عقب كلامه السابق: " وللأهوازي أمثاله في كتاب جمعه في " الصفات " سماه " كتاب البيان في شرح عقود أهل الإيمان "، أودعه أحاديث منكرة كحديث " إن الله تعالى لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل، فأجراها حتى عرقت، ثم خلق نفسه من ذلك العرق "! مما لا يجوز أن يروى ولا يحل أن يعتقد، وكان مذهبه مذهب السالمية يقول بالظاهر، ويتمسك بالأحاديث الضعيفة التي تقوي له رأيه (¬1). "الضعيفة" (2/ 189). ¬

(¬1) قلت: لعل ابن عساكر يعني بـ (رأيه) غلوه في إثبات الصفات كما يدل عليه هذا الحديث ونحوه مما اتهم بوضعه. وإلا فالتمسك بظاهر النصوص دون تأويل أو تعطيل هو مذهب السلف الصالح والأئمة الأربعة وغيرهم، لا يرغب عنه إلا كل هالك. ثم إن (السالمية) نسبة إلى أحمد بن محمد بن سالم الزاهد البصري شيخ السالمية، قال في " الشذرات " (3/ 36): " كان له أحوال ومجاهدات، وعنه أخذ الأستاذ أبو طالب صاحب " القوت "، وقد خالف أصول السنة في مواضع، وبالغ في الإثبات في مواضع، وعُمِّر دهرا وبقي إلى سنته بضع وخمسين وثلاثمائة". [منه].

[831] باب ضلال المجسمة

[831] باب ضلال المجسمة [قال الإمام في ترجمة] القاسم بن إبراهيم الملطي .. :مجسم ضال. "الضعيفة" (1/ 684). [832] باب من مفاسد الغلو في الإثبات [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يجلسني على العرش». (باطل). [قال الإمام]: ذكره الذهبي في " العلو" (55 طبع الأنصار) من طريقين عن أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن أشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود قال: بينا أنا عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أقرأ عليه حتى بلغت عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال: فذكره ومما يدل على [بطلانه .. ] أنه ثبت في " الصحاح " أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -. ومن العجائب التي يقف العقل تجاهها حائرا أن يفتي بعض العلماء من المتقدمين بأثر مجاهد هذا كما ذكره الذهبي (ص 100 - 101 و117 - 118) عن غير واحد منهم، بل غلا بعض المحدثين فقال: لو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يُقْعِدُ محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - على العرش واستفتاني، لقلت له: صدقت وبررت! قال الذهبي رحمه الله: " فأبصر - حفظك الله من الهوى - كيف آل الغلو

[833] باب أهمية تصفية صحيح أحاديث الصفات من ضعيفها وبيان خطورة الإخلال بذلك حيث يؤدي إلى الغلو في باب الإثبات، وضرب أمثلة على ذلك

بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم فيردن الأحاديث الصريحة في العلو، بل يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى}. قلت: وإن مثل هذا الغلو لمما يحمل نفاة الصفات على التشبث بالاستمرار في نفيها، والطعن بأهل السنة المثبتين لها، ورميهم بالتشبيه والتجسيم، ودين الله الحق بين الغالي فيه والجافي عنه، فرحم الله امرءًا آمن بما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصفات وغيرها, على الحقيقة اللائقة بالله تعالى, ولم يقبل في ذلك ما لم يصح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كهذا الحديث، فضلاً عن مثل هذا الأثر! "الضعيفة" (2/ 255 - 256). [833] باب أهمية تصفية صحيح أحاديث الصفات من ضعيفها وبيان خطورة الإخلال بذلك حيث يؤدي إلى الغلو في باب الإثبات، وضرب أمثلة على ذلك سؤال: ذَكَرَ في كتاب "السنة" للبربهاري ... الشيخ: كتاب السنة لمن؟ مداخلة: البربهاري، هذا مخطوط هو الكتاب. الشيخ: لذلك أُعجم علي! ما عرفت هذا الكتاب، طيب! مداخلة: كان يتحدث عن حوض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال بأن لكل نبي حوض إلا صالح فإن حوضه هو بضع ناقته. الشيخ: هذا شيء غريب! نسبه بدون سند؟

مداخلة: كتابه سوف يطبع. الشيخ: سوف يطبع؟ مداخلة: سوف يطبع نعم. الشيخ: طيب! هذا مخطوط؟ مداخلة: حُقق الآن هذا هو الكتاب. الشيخ: طيب! ذاكره بالسند؟ مداخلة: نقرؤه؟ الشيخ: البربهاري هذا ... هذا متكلم فيه من حيث الصفات حنبلي هو .. مداخلة: أبي محمد الحسن. الشيخ: حنبلي هو. مداخلة: في القرن الرابع هو؟ مداخلة: الرابع يمكن .. الشيخ: أنا في ذهني أن هذا متكلم فيه من حيث غلوه في الصفات، هل هو كذلك؟ البربهاري هذا. مداخلة: عندما تحدث عنه المحقق أتى بأقوال الأئمة ... وكان يعتبر هو إمام أهل السنة في عصره. الشيخ: هو يثني عليه من حيث أنه كان يحارب المبتدعة، وكان يتمسك بالسنة وبالعقيدة السلفية صحيح، لكن في كثير من أمثال هؤلاء غلو وتطرف،

مثلاًكابن بطة الحنبلي صاحب "الإبانة" فهو على هذا النمط، لكن هو يروي في إبانته نفسه ما هب ودب من أحاديث حتى ما كان منها متعلقاً بالصفات، فهذه نقطة مهمة جداً ليس كل من يكتب في الصفات يكون متحققاً فيما يذكر من الروايات. وعلى كل حال! هذا الاستثناء المذكور في هذه الفقرة فلأول مرة سمعت به، وما أظنه يصح في أحاديث الحوض المتواترة، وفي كتاب "السنة" لابن أبي عاصم طائفة كبيرة من الأحاديث الواردة في الحوض، وليس فيها مثل هذا الاستثناء، فهو أقل ما يقال فيه: أنه غريب، وينبغي التوقف عن البت أو الجزم به حتى يأتي من طريق تقوم الحجة به. مداخلة: طيب! .. ابن بطة كتابه "الإبانة الصغرى" هل يؤخذ عنه في الأسماء والصفات مثلا، أنت قلت "الإبانة" لكن هل هي الصغرى أم الكبرى؟ الشيخ: ما أستحضر الجواب الآن، عندنا في المكتبة الظاهرية نسخة خطية من الإبانة مشوشة الترتيب، وكانت النسخة قد أصابها الماء فمحا كثيراً من كتابتها، وكنت استفدت منها أشياء كثيرة فتجلى لي أن ابن بطة من الحنابلة الذين عندهم شيء من الغلو في إثبات الصفات، وقد يثبتون صفةً بروايات لا تصح أسانيدها، وإن صحت فلا تصح نسبتها إلى الرسول عليه السلام؛ لأنها تكون إما موقوفة وإما مقطوعة، نعم. وعلى نحو هذا الدارمي في رده على المرِّيسي .. فيه أيضاً مثل هذا. والحقيقة أن هذا الموضوع هام جداً وينبغي تصفية الروايات الضعيفة وإبعادها عن العقيدة الصحيحة، وهذا ما حاولت القيام به حينما اختصرت "العلو للعلي الغفار" أو للعلي العظيم للإمام الذهبي، فمع كون الإمام الذهبي كما

[834] باب الدارمي مغال في الإثبات مع إمامته في السنة

تعلمون إماماً في هذا الصدد ومع ذلك تساهل في ذكر بعض الروايات، ومنها مثلاً رواية مجاهد أن الله عز وجل يُقْعِدُ معه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على عرشه، وهذه الرواية تلقاها كثير من العلماء ممن نثق بعقيدتهم كأنه حديث مرفوع إلى الرسول عليه السلام، مع أنه لو قال مجاهد: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث فقهي لكان هذا الحديث مرسلاً، ولا يثبت حكم فقهي، فكيف وهو أولاً لم يرفعه إلى الرسول عليه السلام؟! وثانياً: هو في العقيدة وليس في الفقه ومع ذلك تلقوه على طريقة المُسَلَّمات. فالحقيقة ينبغي الاحتياط في مثل هذه القضايا. "الهدى والنور" (87/:00:14:36) [834] باب الدارمي مغال في الإثبات مع إمامته في السنة [قال الإمام]: لا شك في حفظ الدارمي وإمامته في السنة، ولكن يبدو من كتابه "الرد على المريسي" أنه مغال في الإثبات فقد ذكر فيه ما عزاه الكوثري إليه [أي: إلى الدارامي] من القعود والحركة والثقل ونحوه، وذلك مما لم يرد به حديث صحيح، وصفاته تعالى توقيفية فلا تثبت له صفة بطريق اللزوم مثلاً، كأن يقال: يلزم من ثبوت مجيئه تعالى ونزوله ثبوت الحركة، فإن هذا إن صح بالنسبة للمخلوق، فالله ليس كمثله شىء فتأمل. "التعليق على التنكيل" (1/ 349).

جماع أبواب الرد على شبه أهل الضلال من مخالفي أهل السنة في الأسماء والصفات من المفوضة والمعطلة والمؤولة والمجسمة والمشبهة وغيرهم (وقد تقدم بعضه)

جماع أبواب الرد على شبه أهل الضلال من مخالفي أهل السنة في الأسماء والصفات من المفوضة والمعطلة والمؤولة والمجسمة والمشبهة وغيرهم (وقد تقدم بعضه)

[835] باب رد بعض شبهات المفوضة

[835] باب رد بعض شبهات المفوضة السائل: نحن نعلم أن عقيدة أهل السنة في الصفات هي يعني تحديد المعنى ورفض الكيف، ففي القرآن جاءت الحروف المقطعة لا نفهم معناها، ويقول البعض: أنتم ... لا تفوضون المعنى وفي هذه تفوضون في الصفات وتفوضون في هذه الحروف، نقول: نفوض المعنى إلى الله سبحانه وتعالى في بقية الصفات، فنريد ... توضيحاً؟ الشيخ: نحن نقول كما قلت ولا نزال ونرجو أن نحيا على ذلك وأن نموت، وهو أن الله عز وجل أنزل القرآن بلسان عربي مبين، وأنه تَعرَّف لعباده بأن يصف نفسه ليعرفوه بلسان عربي مبين، فكل عبارة وكل جملة في القرآن والسنة لا شك إن لها معنى عربي على أساس أن القرآن عربي، ولهذه الجملة معنى مقصود من رب العالمين يستحيل أن يكون غير مقصود كما يفعل المفوضة وأمثالهم في كل عصر. لكن لا يرد على هذا الإشكال الذي طرحته آنفاً، لأن هذه الحروف التي افتتحت بها بعض السور القرآنية ليست أولاً جملاً عربية، وليست ألفاظاً معروفة في لغة العرب حتى يُكلف أن يفهموها، فهذه الأحرف تخرج عن أصل الموضوع بالكلية. شيء آخر: فربنا عز وجل حينما يقول: {الم} {حم} {عسق} كل عربي يفهم أن هذه ليست لفظة عربية لها دلالة لها معنى معروف عندهم، فإذا قال: أنا لا أفهم لهذا معناها، لهذه اللفظة معناها يكون هذا هو الموقف الصحيح، عكس إذا ادّعى أنه يفهم كما يدعي بعض الناس اليوم ... والعكس بالعكس حينما يقول رب العالمين: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا

[836] باب الرد على شبهات المعطلة والمؤولة الصفات شبهة: التنزيه عن التشبيه

صَفًّا} (الفجر:22) يقول: أنا لا أفهم هذه الجملة، أفوض أمرها إلى الله كما أفوض فهمي لألف لام ميم ووأمثالها هذا يكون جاهلاً يقيس المعلوم على المجهول لغة، على أن الحكمة غير يعني خفية من هذا الاستعمال القرآني في افتتاح بعض السور بمثل ما سمعتم وبمثل: {كهيعص} (مريم:1). فيها لفت أنظار العرب الذين لا شك يقطعون بأن هذا القرآن بلسانهم، وفي الوقت نفسه يقطعون بأنه جاءهم ببعض الاستعمالات التي ما سبق لهم أن عرفوها في لغتهم، منها هذه الحروف المقطعة: {الم} (آل عمران:1). فالحكمة منها أن العربي هذا الصميم حينما يسمع هذا التركيب الجديد يعطي أذناً صاغية، ما وراء هذا الكلام؟ ولذلك بعض المتأخرين يقولون في مثل هذه الحروف: إنها كأداة الاستفتاح في اللغة العربية. ألا أيها الرجل المعلِّم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم ألا ما فيها؟ يعني انتبه. {الم} مثلها. {حم} {عسق} وأبلغ منها: {كهيعص} هذا بلا شك يستدعي الانتباه تمام الانتباه، ... آه، ولذلك فالشبهة يعني لا تستحق حكايتها، واضح؟ "الهدى والنور" (308/ 56: 31: 00) [836] باب الرد على شبهات المعطلة والمؤولة الصفات شبهة: التنزيه عن التشبيه [قال الإمام]: نفاة الصفات والرؤية من المعتزلة وغيرهم إنما ينفونها تنزيها لله تعالى

[837] باب منه

بزعمهم عن التشبيه وهذا زلل وزيغ وضلال إذ كيف يكون ذلك تنزيهاً وهو ينفي عن الله صفات الكمال ومنها الرؤية؛ إذ المعدوم هو الذي لا يُرى, فالكمال في إثبات الرؤية الثابتة في الكتاب والسنة. والمشبهة إنما زلُّوا لغلوهم في إثبات الصفات وتشبيه الخالق بالمخلوق سبحانه وتعالى. والحق بين هؤلاء وهؤلاء: إثبات بدون تشبيه وتنزيه بدون تعطيل. وما أحسن ما قيل: "المعطل يعبد عدما والمجسم يعبد صنماً". "التعليق على متن الطحاوية" (ص32 - 33). [837] باب منه [قال الإمام]: لا يلزم من إثبات ما أثبته الله لنفسه من الصفات شيء من التشبيه أصلاً, كما لا يلزم من إثبات ذاته تعالى التشبيه، فكما أن ذاته تعالى لا تشبه الذوات وهي حق ثابت، فكذلك صفاته تعالى لا تشبه الصفات وهي أيضا حقائق ثابتة, تتناسب مع جلال الله وعظمته وتنزيهه. "الصحيحة" (2/ 128). [838] شبهة نفي حلول الحوادث [وصف أبوغدة شارحَ الطحاوية ابنَ أبي العز بالإمامة، فأراد الإمام الألباني إلزامه ببعض أهم المسائل العقدية التي قرَّرها الشارح في عقيدته والتي يعلم الشيخ الألباني إنكار أبي غدة أو شيخه الكوثري لها فقال الإمام]: قلت: فإذا كان أبو غدة مؤمناً حقاً بهذه الإمامة الملموسة المشهورة فأنا

[839] باب الرد على من اتهم أهل السنة بأنهم حشوية لأنهم يقولون: الله فوق عرشه بذاته

أختار له من كلام هذا الإمام سبع مسائل, فإن أجاب عنها بما يوافق ما ذهب إليه هذا الإمام المشهور من قلبٍ مخلصٍ فذلك ما نرجوه, وأعتذر إليه من إساءة الظن به, وإن كانت الأخرى فذلك مما يؤيد - مع الأسف- ما رميته به من المداراة. المسائلة الأولى: قال الإمام [أي ابن أبي العز] (ص 125): "وأهل الكلام المذموم يطلقون نفي حدوث الحوادث ". قلت: وهذا الإطلاق وهو مما يدندن به شيخه الكوثري في تعليقاته, ليتوصل, إلى نفي حقيقة الكلام الإلهي المسموع. وراجع له "شرح الطحاوية" (ص 168 - 188) و"التنكيل" (2/ 360 - 362). "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 56). [839] باب الرد على من اتهم أهل السنة بأنهم حشوية لأنهم يقولون: الله فوق عرشه بذاته [قال الذهبي في "العلو"]: قال الإمام أبو محمد بن أبي زيد المغربي شيخ المالكية في أول رسالته المشهورة في مذهب مالك الإمام: "وأنه تعالى فوق عرشه المجيد بذاته, وأنه في كل مكان بعلمه, وقد تقدم مثل هذه العبارة عن أبي جعفر بن أبي شيبة, وعثمان بن سعيد الدارمي, وكذلك أطلقها يحيى بن عمار واعظ سجستان في رسالته, والحافظ أبو نصر الوائلي السجزي في كتاب الإبانة له؛ فإنه قال وأئمتنا كالثوري, ومالك, والحمادين وابن عيينة, وابن المبارك, والفضيل, وأحمد, وإسحاق, متفقون على أن الله فوق العرش بذاته, وأن علمه بكل مكان

وكذلك أطلقها ابن عبد البر كما سياتي. وكذا عبارة شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري فإنه قال: وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش بنفسه, وكذا قال أبو الحسن الكرجي الشافعي في تلك القصيدة عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب وعلى هذه القصيدة مكتوب بخط العلامة تقي الدين بن الصلاح هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث. وكذا أطلق هذه اللفظة أحمد بن ثابت الطرقي الحافظ, والشيخ عبد القادر الجيلي, والمفتي عبد العزيز القحيطي, وطائفة. والله تعالى خالق كل شيء بذاته, ومدبر الخلائق بذاته, بلا معين ولا مؤازر وإنما أراد ابن أبي زيد وغيره التفرقة بين كونه تعالى معنا وبين كونه تعالى فوق العرش, فهو كما قال: ومعنا بالعلم, وأنه على العرش كما أعلمنا حيث يقول {الرحمن على العرش استوى} وقد تلفظ بالكلمة المذكورة جماعة من العلماء كما قدمناه, وبلا ريب أن فضول الكلام تركه من حسن الإسلام, وكان ابن أبي زيد من العلماء العاملين بالمغرب, وكان يلقب بمالك الصغير, وكان غاية في علم الأصول, وقد ذكره الحافظ ابن عساكر في كتاب "تبيين كذب المفتري" فيما نُسِب إلى الأشعري ولم يذكر له وفاة. توفي سنة ست وثمانين وثلاثمائة, وقيل سنة تسع وثمانين وثلاثمائة, وقد نقموا عليه في قوله "بذاته" فليته تركها. [قال الإمام]: قلت: وهؤلاء وأمثالهم من أهل السنة وفيهم المؤلف يقول عنهم الكوثري

[840] باب معنى قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} والرد على من استدل به على تأويل الصفات

- عاملة الله بما يستحق - بأنهم شيوخ الحشوية! لأنهم يتسارعون إلى نقل هذه اللفظة "بذاته" عن ابن أبي زيد هذا، ويقول عنها إنها إما مدسوسة، أو من قبيل الاحتراس بالرفع أي: المجيد بذاته! وهكذا فليكن التشكيك في أقوال أهل العلم بالإنكار أصلاً أو بتأويله تأويلاً باطلاً! [وقال معلقًا على قول الذهبي:"فليته تركها"]: يعني لكي لا ينقم الناس عليه، لا لأنه خطأ في نفسه، كيف وقد قاله من سبق ذكرهم من العلماء عند المؤلف، مع ملاحظة أنه لا فرق في الحقيقة بينه وبين قول المؤلف المتقدم آنفاً: "والله تعالى خالق كل شي بذاته"! وراجع لهذا الكلام ابن تيمية في " حديث النزول " (ص 56). "مختصر العلو" (ص256). [840] باب معنى قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} والرد على من استدل به على تأويل الصفات [عَلَّق الإمام على قول صاحب الطحاوية: «ولا شيء مثله» بقوله]: هذا أصل من أصول التوحيد وهو أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, ولكن المبتدعة والمتأولة قد اتخذوه أصلاً لإنكار كثير من صفات الله تبارك وتعالى فكلما ضاقت قلوبهم عن الإيمان بصفة من صفاته عز وجل سَلَّطوا عليها معاول التأويل والهدم فأنكروها, واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} متجاهلين تمام الآية: {وهو السميع البصير} (الشورى: 11) فهي قد جمعت بين التنزيه والإثبات فمن أراد السلامة في عقيدته فعليه أن ينزه الله تعالى عن مشابهته للحوادث دون تأويل أو تعطيل وأن

[841] باب هل هناك جهمية في العصر الحديث؟ والكلام على ضلال الجهمية، والرد على شبه المعطلة، والكلام على حديث الجارية

يثبت له عز وجل من الصفات كل ما أثبته لنفسه في كتابه أو حديث نبيه دون تمثيل وهذا هو مذهب السلف وعليه المصنف رحمه الله تبعا لأبي حنيفة وسائر الأئمة كما تراه مفصلا في الشرح {فبهداهم اقتده} (الأنعام: 90). "التعليق على متن الطحاوية" (ص10 - 11). [841] باب هل هناك جهمية في العصر الحديث؟ والكلام على ضلال الجهمية، والرد على شبه المعطلة، والكلام على حديث الجارية الشيخ: (هناك طوائف) في الحديث (¬1) قطعاً تتبنى بعض أفكار الجهمية القديمة لكنها لا تنتمي إليها اسماً ولا مذهباً، وإنما تلتقي في بعض ما كانت الجهمية تذهب إليه فكراً وعقيدةً، غلاة الجهمية الحقيقة يلتقون مع القائلين بوحدة الوجود؛ لأنهم لا يصفون الله عز وجل بالصفات التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، ينفون عنه الصفات، وإذا نفوا عنه الصفات عَطَّلُوه، يعني حكموا عليه بعدم الوجود، كما يقول الدهريون تماماً، هؤلاء غلاة الجهمية. دونهم طبقة من الجهمية ينكرون ما سبق ذكره آنفاً من أن الله عز وجل فوق مخلوقاته كلها، ويُصرِّحون بما يصرح به عامة المسلمين مع أنهم لا يقصدون ذلك المعنى الذي يقصده أولئك الجهمية، يصرحون بأن الله عز وجل في كل مكان، فكثير من الناس اليوم حتى الكُتَّاب ونحو ذلك ممن لم يدرسوا العقيدة الإسلامية الصحيحة، يقولون بهذه الكلمة، وينفون أيضاً عن الله عز وجل صفاتاً أخرى ¬

(¬1) أي في العصر الحديث.

كثيرة، منها مثلاً يقولون على الرغم من تصريح القرآن بقوله عز وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164)، يقولون بأن الله لا يتكلم، هذا من عقيدة الجهمية، ووافقهم على ذلك المعتزلة كلهم، فالمعتزلة يُصرِّحون بأنه ليس من صفات الله الكلام، وهذا سبب هذا الإنكار حديثاً وقديماً، وهو تسليط العقول كما أشرت آنفاً على أمورٍ غيبيةٍ وعالِمُ الغيوب هو الله تبارك وتعالى، فلا يجوز نحن أن نكيف صفات الله عز وجل بالكيفية التي يعرفها بعضنا من بعض، مثلاً: الكلام، نحن الكلام نعرفه، لا بد من جهاز معروف هو الفم، هو اللسان، هو الحلق، هو الأسنان، أضراس، إذا نقص شيء من هذه الآلات التي خلقها الله في الإنسان صار الكلام غير طبيعي، فلما هم بيتصوروا أن الله كلم موسى تكليماً، ينتقل تصورهم من المخلوق إلى الخالق، ويستنتجوا من ذلك أن الله يتكلم بلهاة .. بلسان .. بأضراس .. وهذا طبعاً تشبيه، والتشبيه باطل، فما لزم منه الباطل فهو باطل، مقدمات يقيمونها هي في الأصل على شرف جرف هار: خيال، ثم يبنون عليها علالي وقصوراً، وهذا الذي يبنون عليه تعطيل النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية. ربنا عز وجل بحكمته البالغة خلق لهذا البشر في هذا العصر آلة صماء بكماء، وهو المسجلة، من قبل صندوق السمع بتعرفونه يتكلم بكلام عربي مبين، وليس هناك شيء من هذه الآلات التي يتكلم بها الإنسان، فالله عز وجل الذي خلق هذا الجهاز جامد، ليس بإنسان، والإنسان كما نعلم جميعاً مفضل على المخلوقات كلها، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء:70)، هذا الجهاز الأصم الأبكم يتكلم بدون ما يكون له تلك الآلات، تُرَى! ربنا عز وجل القادر على كل شيء لا

يستطيع أن يتكلم مع أنبيائه ورسله بدون أن نتصور نحن تصور المعتزلة، أن الإنسان يتكلم بوسائل، فإذاً ربنا لا بد أن يكون له كذا وكذا .. حاشاه؛ ولذلك يقول عز وجل في القرآن الكريم جمعاً بين -كما يقول العلماء -الإثبات لصفات الله، وتنزيها لهذه الصفات أن تُشابه صفات المخلوقات، فيقول سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). من العجيب أنك ترى هؤلاء المعتزلة وبعض المتشبهين بهم قديماً وحديثاً، يقولون: الله سميع وبصير. طيب، كما أثبتم صفة السمع والبصر وما قلتم: لازم يكون له حدقة، ولازم يكون له أجفان، ولازم يكون له عين الإنسان، ما قلتم شيء من ذلك أطلقتم، قال تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، كذلك قولوا عن كلام الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) وتنتهي القضية، مع ذلك بعض من طَرَّدَ الفرار من التشبيه بالتعطيل، جاء إلى هذه الآية نفسها: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فنفى أن يكون له سمع، ونفى أن يكون له بصر، بحجة أن الإنسان له بصر، والإنسان له سمع، وهذا تشبيه. سبحان الله! أجابهم أهل الإثبات من أهل السنة والجماعة، إذا أنتم طَرَّدْتُم أن تنفوا عن الله كلَّ الصفات التي أثبتها لنفسه، لمجرد الاشتراك في الاسم، وليس في الحقيقة، إذاً: قولوا كما قال غلاة الصوفية: لا وجودان، إنما هو وجود واحد؛ لأن الآن يسأل بعضنا البعض: نحن موجودين وِلاَّ معدومين؟ طبعاً موجودين. الله موجود أو معدوم؟ الله موجود هو موجود ووجوده الحق كما قلنا من قبل.

فإذاً: صار هنا اشتراك بوجود الله ووجود الإنسان، تنكروا إذاً ووجود الله، وتخرجوا من المشاكل كلها، لا وجود غير وجودنا، كلمة حق اثبتوا عليها، وجوده غير وجودنا، صفاته غير صفاتنا، وانتهت المشكلة. فنقول: كلامه ليس ككلامنا، بصره ليسه كبصرنا، سمعه، كل ما أثبت الله عز وجل له من صفات هي لا تشبه صفات المخلوقات، كما في الآية السابقة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). إذاً: جهمية العصر الحاضر هم الذين يلتقون مع الجهمية الأولين في إنكار بعض صفات الله، أولئك نفوا صفات الله كلها، هؤلاء يشتركون مع الجهمية القديمة، في إنكار بعض الصفات باسم التنزيه، لكن حقيقة التنزيه أن نثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه دون تكييف ودون تشبيه، وبهذه المناسبة يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله كلمة حق وهي: العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحاب ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه فنفي الصفات خوفاً من التشبيه والتعطيل، هذا مذهب المعتزلة الذين هم فرع من الجهمية، ومذهب بعض المعاصرين اليوم ممن يلتقون مع أولئك في بعض ما أنكروا من الصفات. ويحضرني أيضاً في هذه المناسبة قصة وقعت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في زمانه، والحقيقة أنه كان عالماً فذاًّ في إحاطتة بعلم الكتاب والسنة، زائد معرفته بعقائد الفرق المخالفة بما فيهم الفلاسفة الذين ينكرون الشرائع، فكان من مزاياه الشجاعة التي قلما توجد مع الأسف في أهل العلم، فشكوه إلى الوالي في

دمشق يومئذ؛ بأن هذه يعتقد كذا .. وكذا، يرمونه بالتشبيه، فعقد له مع الشيوخ مجلس مناظرة، فسمع الأمير من كلٍّ من الشيخ والجماعة، الجماعة ينكرون بعض الصفات منها: أن يكون الله عز وجل فوق مخلوقاته. وسمع من الشيخ آيات كثيرة ذكرنا نحن آنفاً بعضها، ومما ذَكَرَ حديث يعرف عند علماء الحديث بحديث الجارية، وهذا الحديث رواه الإمام مالك من الأئمة الأربعة كما تعلمون في "موطئه"، والإمام أحمد في «مسنده»، والإمام مسلم في «صحيحه» بالسند الصحيح عن رجل ... [حصل هنا انقطاع صوتي] فيقول معاوية هذا يُحَدِّثُ عما وقع له في أول إسلامه، قال: «صلَّيت وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوماً، فعطس رجل بجانبي، فقلت له: يرحمك الله وهو يصلي، قال: فنظروا إلي هكذا .. فقلت: وا ثكل أمياه! والرجال يصلون، وا ثكل أمياه مالكم تنظرون إلي»؟،هو حديث عهد بالإسلام، ليس متعلم أحكام الصلاة كما ينبغي، (فلا يدري) هو أن الكلام في الصلاة يفسدها ويبطلها، ولذلك صاح بعادة الأعراب، ورفع عقيرته «وا ثكل أمياه، مالكم تنظرون إليَّ»:ماذا عملت أنا معكم، الجماعة يضربون على أفخاذهم تسكيتاً له، بلا شك الرجل صلى وما درى كيف صلى، يريد أن يعرف ما هو ذنبه، لكن بلا شك بصفةٍ عامة أنه فهم أن الجماعة ما عاملوه هذه المعاملة إلا أنه مخطئ، ولذلك هو يتصور الآن أن هذا النبي الذي يصلى خلفه، تُرَى ماذا سيفعل به، وإذا به يفاجئ كما هو الأمر الطبيعي من الرسول عليه السلام، «فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة أقبل إليّ، فو الله ما قهرني، ولا كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، وإنما قال لي: إنما هذه صلاة لا يصلح فيها من كلام الناس، إنما هي تسبيح وتكبير وذكر وتلاوة للقرآن» هذا كل شيء فعله معه، ولا شك أن الواحد منا عندما يبدو أنه

أخطأ خطأً مع رجل كبير، يتصور أن هذا الكبير سينهره وسيقهره، وإذا به يُفاجأ بما هو المفروض واللائق بالرسول، كما قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:159)، وإذا به لم ير منه إلا التعليم، وكأنه لم يصنع شيئاً: «لا يصلح فيها شيء من كلام الناس .. » إلى آخره. فلما رأى هذا اللطف، وهو يشعر الآن بأنه بحاجة إلى أن يتعلم، فأخذ يلقي السؤال على الرسول عليه السلام، بعد السؤال، والرسول يجيبه، فقال: «يا رسول الله! إن منا أقواماً يأتون الكهان» المنجمين العرافين المسمون البصارة، قال: «فلا تأتوهم». الكلام موجز شَرْحُهُ معروفٌ عند العلماء. قال: «يا رسول الله! إن منا أقواماً يخطون» الخط يعني: ضرب الرمل. فقال عليه السلام: «قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه خطهم فذاكا» هذا يسميه العلماء بالتعليق بالمحال. مداخلة: المقصود بالخط مش مفهوم؟ .. كلمة خط. الشيخ: الرمل يا أستاذي، يكتبوا على الرمل، بعض المنجمين يستعملون الرمل كوسيلة بزعمهم لاكتشاف المغيبات، ألا يوجد عندكم هذا الشيء؟ مداخلة: معروف .. البصارة ... مداخلة: كان أحد الأنبياء يستعمل هذه الطريقة؟ الشيخ: سآتيك بالكلام. يقول الرسول عليه السلام لهذا السائل: «قد كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه خطه فذاك» قلت آخر ما قلت: إن هذا يسميه العلماء بالتعليق بالمحال،

أي: إن الله عز وجل كان قد جعل لنبي من الأنبياء السابقين الضرب على الرمل وسيلة من الوسائل الخاصة به لاكتشاف بعض المغيبات؛ لذلك قال عليه السلام لهذا السائل، لما قال له إن فينا أقواماً يخطون، كان جوابه: «قد كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطُّه منكم خطَّ ذاك فذاك» أي: مصيب، لكن هذا تعليق بالمحال، هذا مستحيل؛ لأن تلك كانت معجزة لذلك النبي. قال: «يا رسول الله! إن منا أقواماً يتطيرون، قال: فلا يصدنكم» التطير: التشاؤم، معروف هذا، والتشاؤم اليوم بالرغم من أن الإسلام أبطله وقال: «لا طيرة» فتجد كثير من المسلمين بسبب إغراقهم في جهلهم يتطيروا، خاصة النساء منهن، يعني إنه الغسيل يوم كذا ما بيجوز، إدخال الصابون ما بيجوز يوم كذا، هذه خرافات كثيرة وكثيرة جداً، هذا كله تطير لا يجوز في الإسلام، لا طيرة في الإسلام. قال: إن منا أقواماً يتطيروى قال: «فلا يصدنكم» جواب في منتهى الحكمة واللطف وعدم التحذير والتضييق على الناس؛ لأنه لا يقول: لا تتطيروا، في فرق كبير جداً بين ما قاله عليه السلام: «لا يصدنكم» وبين ما لو كان القول: لا تتطيروا، لو قال لا تتطيروا تكليف بما لا يطاق، والله يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة:286)، لكن كَلَّفهم بما يطيقون. أصل كلمة التطير مشتقة من الطير، وكانوا في الجاهلية من خرافاتهم وسخافاتهم، كان أحدهم إذا عزم على سفر، وخرج من داره لا بد ما يصادفه طير، هذا الطير الحيوان إذا طار يميناً، فالسفر ميمون في زعم هذا الإنسان ...

إذا طار هذا الطير وهو الطير نفسه لو سُئل: «لماذا طرت يميناً» ما يدري، إذا طار يميناً فسفره ميمون، وإذا طار شمالاً فسفره مشؤوم، هذه عادة الجاهلية. طار شمالاً يعود إلى بيته كل التخطيط الذي وضعه في هذا السفر يبطل بمجرد طيران الطير شمالاً ويساراً، فالرسول عليه السلام أبطل هذه الطِّيَرة، لكن ما أبطلها كشيء يصدر من الإنسان فجأة دون تفكير، دون تخطيط، لكن أبطل التجاوب مع الطيرة، فقال: لا يصدنكم. مثلاً إنسان أيضاً عزم على سفر، خرج من بيته آخذ الشنطة معه .. إلى آخره، وإذا بواحد يتشاجر مع شخص آخر، فيقول له: الله لا يوفقك. تجي طق في أذنه، يتشاءم منها، ويرجع، لكن لو كان مسلم متأدب بآداب الرسول لا يرجع، كلمة جاءت على الطاير مثل ذاك الطير، ما هو تأثيرها؟ ليس لها تأثير، لذلك قال عليه السلام: «لا يصدنكم»، فأنت سمعت كلمة فيها تشاؤم، لا تتجاوب معها، كونك تشاءمت لأول وهلة ما عليك مؤاخذة، لكن إذا تجاوبت معها فهنا تأتي المؤاخذة. والآن يأتي الشاهد: قال: «يا رسول الله! عندي جارية ترعى غنماً لي في أحد، فسطا الذئب يوماً على غنمي» افترس الذئب ما شاء الله من غنم هذا الرجل. قال: «وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فصككتها صكةً» أين كنتي؟! غافلة .. نائمة .. إلى آخره، حتى سطا الذئب على غنمي، طبعاً هو صكها هذه الصكة ثم ندم، لذلك يقول في تمام سؤاله: «وعليّ عتق رقبة» كأنه يقول: أَعِتْقُهَا يجوز لي كفارة؟ قال: «ائت بها» فلما جاءت قال لها عليه الصلاة والسلام: «أين الله؟ قالت: في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال لسيدها: اعتقها فإنها مؤمنة».

يقول أهل العلم: عرفت ربها في السماء كما قال: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16) إلى آخر الآية التي ذكرناها آنفاً، وعرفت أن محمداً عبده ورسوله في الأرض، فشهد لها بالإيمان، وقال لسيدها: «اعتقها» فعتقك إياها وفاء لنذرك أن تعتق رقبة. الشاهد: أن في قصة ابن تيمية مع مجلس الاختبار والمناقشة والمناظرة، فذكر ابن تيمية من هذه الأحاديث ما شاء الله، منها الحديث الذي هو والحمد الله لا يزال شائعاً على ألسنة الناس: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». سمع كلام ابن تيمية قال الله، قال رسوله، مثلما قال ابن القيم في الشعر السابق: العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحاب ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذراً من التعطيل والتشبيه سمع ابن تيميه يثبت وجود الله، وأنه فوق المخلوقات كلها، أما المشائخ، فإذا قيل لهم: أين الله؟! قالوا: لا ندري. فماذا كان جواب الأمير العاقل، قال: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم. فعلاً: ربنا الذي خلق الكون وكان الله - كما جاء في حديث عمران بن حصين في "صحيح البخاري"-: «كان الله ولا شيء معه، ثم خلق هذا الكون» بما فيه من سماوات من أرضين من جبال من وديان، من ملائكة، من جن، من إنس، من دواب، كيف لا يدرون أين الله، والآيات والأحاديث متواترة، كلها على أن الله

عز وجل فوق المخلوقات كلها، ولذلك كان من أوراد المسلم إذا وضع جبهته ساجداً لربه أن يعظمه ويقول: سبحان ربي الأعلى. {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (الأعلى:1)، من السنة إذا الإنسان سمع هذه الآية تتلى أن يقول: سبحان ربي الأعلى؛ لأن الله أمر في الآية أن يقول أحدنا: سبحان ربي الأعلى، فلما سمع المناظرة ذلك الأميرُ العاقل، الذي قاس بين الشيخ من جهة والمشايخ من جهة أخرى، قال: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم. فعلاً، هذه حقيقة نسمعها اليوم، ونلمسها لمس اليد، إما أن يقول: لا ندري، ويتبع هذا النفي إنكار السؤال الصادر من الرسول، الرسول قال للجارية: «أين الله» فالآن نسمع إنكار السؤال الصادر من الرسول، فضلاً أن يُقرِّوا الجواب الصادر من الجارية، والذي عليه شهد الرسول عليه السلام لها بالإيمان، وبناء على ذلك أمر سيدها بأن يعتقها. الناس اليوم إما أن يقولوا حقيقةً: إن الله في كل مكان، وهؤلاء هم الجهمية وبعض المعتزلة، وإما أن يقولوا جواباًَ عن سؤال الرسول للجارية: أين الله؟:لا ندري، وأنا سمعت أحد الخطباء ممن درست عليه الفقه وعلم النحو على المنبر، وفي مسجد إذا كان فيكم أحد يعرف دمشق جيداً، اسمه جامع التربة في العقيبة، سمعته يقول: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه. وأنا أقول يا جماعة وأظن ستؤيدونني جميعاً: لو قيل لأفصح العرب لساناً صف لنا المعدوم الذي لا وجود له، لما وسعته اللغة العربية الفصيحة كلها أن يصف المعدوم بمثل ما وصف هذا الشيخ -وهذا ... متلقيه من كتب-، بمثل ما وصف هذا الشيخ ربه، حيث قال: لا فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، لا

[842] باب الرد على المجسمة والمشبهة والمعطلة

أمام، ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، هذا هو العدم يا جماعة. بعض الفلاسفة ضغثاً على إبَّاله كما يقال، يقولون: لا متصل به ولا منفصلاً عنه. إذاً: هذا هو المعدوم، هذه وحدة الوجود فعلاً، لكن غلاة الصوفية يعلنوها صريحةً، لا هُوْ إلا هُوْ. كل ما تراه بعينك فهو الله، لكن ناس آخرون على طريقة اللف والدوران، ويُصَلُّون ويصومون، لكن هذا مما تأثر به من منطق الفلاسفة، وما استطاعوا بسبب جهلهم بكتاب الله، وبحديث رسول الله، أن يردوا ذلك لمثل ما سمعتم من كلام عبد الله بن المبارك: «الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه». فهذه قصة وقعت لابن تيمية رحمه الله مع المشايخ، والحاكم كما تعلمون أغلب الحكام ليس عندهم علم، لكن المفروض فيهم أن يكون عندهم عقل بالمعنى القياسي، يميزوا الصواب من الخطأ، فهو بعقله وفطرته السليمة قال عن المشايخ أهل العلم: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم. فعلاً كلام صحيح. "الهدى والنور" (69/ 13: 36: 00) [842] باب الرد على المجسمة والمشبهة والمعطلة [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية: "وتعالى [أي ربنا] عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات"]. قلت: مراد المؤلف رحمه الله بهذه الفقرة الرد على طائفتين:

الأولى: المجسمة والمشبهة الذين يصفون الله بأن له جسماً وجثة وأعضاء وغير ذلك تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. والأخرى: المعطلة الذين ينفون علوه تعالى على خلقه وأنه بائن من خلقه. بل يصرح بعضهم بأنه موجود بذاته في كل الوجود وهذا معناه حلول الله في مخلوقاته. وأنه محاط بالجهات الست المخلوقة وليس فوقها فنفى المؤلف ذلك بهذا الكلام. ولكن قد يَستغِلُّ ذلك بعض المبتدعة ويتأولونه بما قد يؤدي إلى التعطيل كما بينه الشارح رحمه الله تعالى وقد لخص كلامه الشيخ محمد بن مانع عليه الرحمة فقال (ص 10): ومراده بذلك الرد على المشبهة, ولكن هذه الكلمات مجملة مبهمة وليست من الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة والجماعة, والرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحق أولى من ذكر ألفاظ توهم خلاف الصواب. ففي قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} رد على المشبهة والمعطلة, فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ ولا التعويل عليها, فإن الله سبحانه موصوف بصفات الكمال منعوت بنعوت العظمة والجلال, فهو سبحانه فوق مخلوقاته مستو على عرشه المجيد بذاته, بائن من خلقه, ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا, ويأتي يوم القيامة وكل ذلك على حقيقته, ولا نؤوله, كما لا نؤول اليد بالقدرة, والنزول بنزول أمره, وغير ذلك من الصفات, بل نثبت ذلك إثبات وجود لا إثبات تكييف. وما كان أغنى الإمام المصنف عن مثل هذه الكلمات المجملة الموهمة المخترعة, ولو قيل إنها مدسوسة عليه وليست من كلامه لم يكن ذلك عندي ببعيد إحساناً للظن بهذا الإمام, وعلى كل حال فالباطل مردود على قائله كائناً من كان, ومن قرأ ترجمة المصنف الطحاوي لا سيما في لسان الميزان عرف أنه من أكابر

[843] باب الرد على المشبهة

العلماء وأعاظم الرجال وهذا هو الذي حملنا على إحسان الظن فيه في كثير من المواضع التي فيها مجال لناقد. انتهى كلام ابن مانع رحمه الله. التعليق على متن الطحاوية" (ص33 - 36). [843] باب الرد على المشبهة [قال الإمام معلقاً عبى قول صاحب الطحاوية:"ولا يشبه الأنام"]: فيه رد لقول المشبهة الذين يشبهون الخالق بالمخلوق سبحانه وتعالى قال عز وجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: 11). وليس المراد نفي الصفات كما يقول أهل البدع فمن كلام أبي حنيفة رحمه الله في " الفقه الأكبر ": لا يُشبه شيئاً من خلقه ولا يُشبِههُ شيءٌ من خلقه. ثم قال بعد ذلك: وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين: يعلم لا كعلمنا, ويقدر لا كقدرتنا, ويرى لا كرؤيتنا. انتهى. "التعليق على متن الطحاوية" (ص13) [844] باب رد تهمة التجسيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية [قال الإمام في مقدمة "مختصر العلو" بعد أن ساق نصوصًا كثيرة عن السلف تثبت أن التفويض لم يكن مذهبهم كما يدَّعي أهلُ الأهواء]: قلت: فهذا قُلٌّ من جُلٍّ النصوص التي سنراها في الكتاب وهي كلها متفقة على أن السلف كانوا يفهمون آيات الصفات ويفسرونها ويعينون المعنى المراد منها على ما يليق به تبارك وتعالى.

فلماذا لا يرفع الكوثري وأمثاله من الخلف رؤوسهم إلى هذه النصوص، ويظلون يصرون على أن السلف كانوا لا يفهمونها وإنما كانوا يُجرونها على ألسنتهم فقط دون تدبر لها وبيان لمعناها؟ والجواب: أحسن أحواله أن يكون حاله كحال الجويني الذي كان متأثراً بشيوخه من علماء الكلام، ولكنه لما كان مخلصا في علمه لله تعالى هداه الله تبارك وتعالى إلى عقيدة السلف في الاستواء وغيره مصداقاً لقوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} فهل كان الكوثري وأمثالُه من الطاعنين في أئمة الحديث والسلف مخلصين أيضا؟ من الصعب جدا أن نجيب عن هذا بالإيجاب؛ لكثرة ما نرى من عدائه الشديد - في كل تعليقاته - لأئمة السلف والتوحيد واستمراره على اتهامهم بالتجسيم والتشبيه وبصورة خاصة لابن تيمية منهم، مع رد هذا على المجسمة ومبالغته في ذلك في سائر كتبه، فلا نكاد نراه في صدد الرد على المعطلة إلا ويشرك معهم في الرد المجسمة كما يعرف ذلك كل من له دراسة لكتبه رحمه الله تعالى، ومن كلامه في هذا الصدد قوله في " الحموية " (ص 160): "فمن قال: لا أعقل علماً ويداً إلا من جنس العلم واليد المعهودين، قيل له: فكيف تعقل ذاتاً من غير جنس ذوات المخلوقين؟ ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوق فقد ضل في عقله ودينه ". قلت: وهذا قليل من كثير من كلامه الذي يدل دلالة قاطعة على أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو منزه وليس بمشبه أو مجسم كما يفتري الكوثري، وقد نقل

صديقه (¬1) العلامة أبو زهرة في كتابه " ابن تيمية " نصوصاً كثيرة من كلام ابن تيمية في موضع الصفات الإلهية ولخص عقيدته فيها تلخيصا جيداً لا تحامل فيه بل إنه قد برأه مما اتهمه الكوثري فقال (ص 264): "وليس في ذلك ما يتنافى مع التنزيه أو يخالف التوحيد أو يثبت مشابهة بينه سبحانه وبين الحوادث ".ثم قال (ص 266 "): "وينتهي بلا ريب إلى أن يثبت لله سبحانه وتعالى الاستواء واليد وغير ذلك ولكن يقول: إن هذا كله بما يليق بذاته تعالى، لا نعرف حقيقته وعلينا الإيمان به". ولكنه عاد فنقل عن كتاب " رد شبه التشبيه " لابن الجوزي كلاما له ينتصر فيه للتأويل ويرد به على من يرميهم بالتشبيه فقال أبو زهرة (ص 272) عقبه: " وهو مؤدى كلامهم، ومهما حاولوا نفي التشبيه فإنه لاصق بهم، وإذا جاء ابن تيمية من بعده بأكثر من قرن وقال: إنه اشتراك في الاسم لا في الحقيقة فإنهم إن فسروا الاستواء بظاهر اللفظ فإنه الاقتعاد والجلوس، والجسمية لازمة لا محالة، وإن فسروه بغير المحسوس فهو تأويل وقد وقعوا فيما نهوا عنه " فأقول: " رويدك يا فضيلة الشيخ فأنت تعلم أن ابن تيمية لا يفسر الاستواء بشيء مما ذكرت وإنما بالعلو، وكتبه طافحة بذلك فلماذا أوهمت القراء خلاف الواقع، فهلا جريت على سننك في نقل أقوال ابن تيمية وأنت تشرح عقيدته ورأيه، أم ضقت ذرعاً بالتزام النقل الصحيح فأخذت تنسب إليه ما ليس بصحيح تارةً بالتلويح كما فعلت هنا وتارة بالتصريح كما فعلت في كتابك الآخر " المذاهب ¬

(¬1) كما صرح به في " المذاهب الإسلامية " (ص 290). [منه].

الإسلامية " إذ قلت في بحث " السلفية " والإمام ابن تيمية (ص 320): " وهكذا يثبتون كل ما جاء في القرآن والسنة عن أوصافه سبحانه ... ويثبتون الاستقرار على العرش " فأين رأيت ابن تيمية يقول بالاستقرار على العرش علماً بأنه أمر زائد على العلو وهو مما لم يرد به الشرع، ولذلك رأينا مؤلفنا الحافظ الذهبي قد أنكر على بعض القائلين بصفة العلو التعبير عنها بالاستقرار كما نراه في الترجمة (158، الفقرة 322)، ويقول أبو زهرة أيضاً (ص 322) من كتابه المذكور: " يقرر ابن تيمية أن مذهب السلف: هو إثبات كل ما جاء في القرآن من فوقية وتحتية واستواء على العرش " وقال في الصحف التي قبلها: " فيكرر هذا المعنى فيقول مؤكداً أن الله ينزل ويكون في فوق وتحت من غير كيف ". فأين قرر ابن تيمية وأثبت لله تعالى صفة التحتية؟ غالب الظن أن الشيخ أبا زهرة فهم من أحاديث النزول التحتية المزعومة، ثم عزا ذلك لابن تيمية، كما فهم من آيات الاستواء: الاستقرار ثم عزاه إليه، وكل ذلك خطأ عليه كما يعلم ذلك من درس كتبه دراسة تفُّهم ووعي لا دراسة سريعة من أجل النقل عنه في ترجمته وتسويد صفحاتها. ومثل هذا العزو منه لابن تيمية دلني على أنه لم يفهم ابن تيمية وعقيدته وأفكاره فهماً جيداً بل لعله لم يقرأ كل ما لابن تيمية من البحث والتحقيق في المسائل التي أثارها الشيخ أبو زهرة في ما طبع من كتب ابن تيمية فضلاً عن المخطوطة منها ككتابه المطبوع في المكتب الإسلامي: " شرح حديث النزول " فإن ابن تيمية رحمه الله قد قرر فيه أنه لا يلزم من نزوله تعالى أن يصير العرش فوقه

تعالى وهو تحت العرش؛ فإن هذا من طبيعة المخلوق والله ليس كمثله شيء كما سيأتي الإشارة إلى ذلك في ترجمة الإمام إسحاق بن راهويه من الكتاب تعليقاً على الفقرة (211) (¬1) بل قد قال ابن تيمية في " منهاج السنة " (2/ 248): (ومن ظن من الجهال أنه إذا نزل إلى سماء الدنيا كما جاء الحديث سيكون العرش فوقه ويكون محصوراً بين طبقتين من العالم؛ فقوله مخالف لإجماع السلف مخالف للكتاب والسنة كما قد بسط في موضعه " وإن مما يؤكد ما ذكرته من عدم فهمه لابن تيمية أنه لم يقتنع لما لخصه هو نفسه عن ابن تيمية (ص 276) من كتابه " ابن تيمية " فقال: " إن ابن تيمية يرى أن الألفاظ في اليد والنزول والقدم والوجه والاستواء على ظاهرها ولكن بمعان تليق بذاته الكريمة كما نقلنا من قبل ". لم يقتنع بصواب رأي ابن تيمية هذا مع أنه الحق الصراح بل أخذ يرد عليه بكلام هزيل مضطرب لا طائل تحته وهذا أحسن ما يقال فيه فقال عقبه: " ومن هنا نقف وقفة: إن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية ولا تطلق على وجه الحقيقة على سواها، وإذا أطلقت على غيرها سواء أكان معلوماً أم مجهولاً فإنها قد استعملت في غير معناها، ولا تكون بحال من الأحوال مستعملة في ظواهرها بل تكون مؤولة، وعلى ذلك يكون ابن تيمية قد فر من التأويل ليقع في تأويل آخر، وفر من التفسير المجازي ليقع في تفسير مجازي آخر ". ¬

(¬1) الصفحة (181). [منه].

فقل لي بربك - أيها القارئ اللبيب - هل يقول هذا في ابن تيمية عالم كأبي زهرة فهم كلام ابن تيمية الذي نقله هو نفسه أكثر من مرة كقوله أنه لا يلزم من الاشتراك في الاسم الاشتراك في الحقيقة. ويبين ذلك ما نقله (ص 265) عن " التدمرية " لابن تيمية (ص 12) أنه قال: " إذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم؛ فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا، بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصص والتقيد، فلا يقول عاقل إذا قيل له: إن العرش شيء موجود، وإن البعوض شيء موجود: " إن هذا مثل هذا؛ لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود [وإذا قيل هذا موجود وهذا موجود فوجود كل منهما يخصه لا يشركه غيره مع أن الاسم حقيقة في كل منهما] (¬1). ثم علق أبو زهرة على هذا الكلام بما يوضحه قال: " ولذا يقول ابن تيمية في هذا المقام: " قد سمى الله نفسه حياًّ فقال سبحانه: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وسمى بعض خلقه حياًّ فقال: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} وليس هذا الحي مثل هذا الحي؛ لأن قوله " الحي " اسم لله مختص به وقوله {يخرج الحي من الميت} اسم للحي المخلوق مختص به وإنما يتفقان إذا أطلقا وجُرِّدا عن التخصيص ... " ¬

(¬1) زيادة من (التدمرية) ص (13 - 14) طبع المكتب الإسلامي. [منه].

فهل تجد أيها القارئ أثرا للتأويل الذي زعمه أبو زهرة في تفسيره لهذه الأسماء والآيات، أم هو يصرح بأنها كلها حقائق تتناسب مع ذواتها وتختلف حقائقها باختلاف ذواتها، غير أن ما في الأمر أن ما كان منها محسوساً فمن الممكن أن نعرف حقيقته بخلاف ما كان غائباً عنا كصفات الله تعالى بل والجنة والنار فلا نعرف حقيقته، فقد ضرب لك أمثلة توضح للناس هذا الموضوع الخطير الذي كان الجهل به سبباً كبيراً لانحراف الناس في الصفات عن طريق السلف. فنحن جميعاً نقول: " الله موجود " كما نقول: " الخلق موجود "، ووجود كل منهما حقيقة تتناسب مع ذواتهما وتقول: " الله حي " و" وأنا حي " حياة كل منهما حقيقة تتناسب مع ذواتهما، وهكذا طرد ذلك في جميع الأسماء والصفات تجد كلام شيخ الإسلام واضحاً بيناً مقنعاً لكل ذي لب، وإذا كان الشيخ أبو زهرة لم يفهم كلام ابن تيمية وبناءً عليه نسب إليه التأويل خطأً، فهذا الخطب فيه سهل جداً بالنسبة لخطأ آخر في كلامه السابق فإنه إذا كان يعتقد " أن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية، ولا تطلق على وجه الحقيقة على سواها، وإذا أطلق على غيرها سواء أكان معلوماً أم مجهولاً فإنها قد استعملت في غير معناها ... " إلخ كلامه السابق. أقول: إذا كان الشيخ يعتقد هذا فإن معنى كلامه - لو كان يدري ما يقول - وهو يجادل شيخ الإسلام متأثراً بعلم الكلام: أن وجود المخلوق وحياته وعلمه واستواؤه وغير ذلك كله حقيقة، وأما وجود الخالق سبحانه وحياته وعلمه واستواءه وغير ذلك من صفاته فهي مجاز وليست بحقيقة، ولازمه أن الله غير موجود، وليس بحي، ولا هو يعلم، ولا هو مستو على العرش، ولا ولا ... إلخ ما هنالك من أساليب معروفة يقول بها الفلاسفة وبعض من تأثر بهم من المعتزلة

وعلماء الكلام، نقول هذا لأن الشيخ - هدانا الله وإياه قال: " إن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسيةً " ووجوده الله وعلمه وحياته وسائر صفاته ليست حسية، وعليه فلا تطلق عليها كما قال إلا مجازاً فهل أحس الشيخ أين طَوَّحت به كلمته هذه؟ فإن كنت لا تدري ... فأقول: قد عرفنا معنى الوجود المحسوس والحياة المحسوسة والعلم المحسوس والاستواء المحسوس، فما هو معنى هذه الأسماء إذا أضيفت إلى الله تعالى وهو غير محسوس؟ فالجواب: إنه لا معاني لها وإنما هي أسماء له فقط كما تقوله المعتزلة تماماً كما حكاه الشيخ نفسه عنهم فإنه قال في " المذاهب " (ص 303): " نفى المعتزلة الصفات كما قررنا وأثبتها الأشعري، وقالوا إنها شيء غير الذات فقد أثبتوا القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام، وقالوا: إنها غير الذات، وقال المعتزلة لا شيء غير الذات وإن المذكور في القرآن من مثل قوله تعالى: " عليم، وخبير، وحكيم، وسميع، وبصير، هو أسماء له تعالى ". أي لا معاني لها وإنما هي كالأعلام المحضة المترادفة، ولذلك نعى ذلك عليهم العلماء ونسبوهم إلى التعطيل كما هو مبين في كتب شيخ الإسلام وغيره. فهل يلتزم فضيلة الشيخ أبو زهرة ما لزمه من كلامه السابق من التعطيل الذي حكى مثله عن المعتزلة فيكون على ذلك مثلهم منكراً لصفات الله تعالى الثابتة بالقرآن والسنة، أم يتراجع عن تلك الكلمة لأنها زلة لسان ويلتزم المذهب الذي شرحه ابن تيمية شرحاً ليس من السهل الاستدراك عليه فيه، ومنه الاستواء؛ فيؤمن به على أنه صفة حقيقية لله تعالى تليق به، كما ينبغي أن يؤمن كذلك بجميع صفاته عز وجل كالعلم والكلام ولا يصرفها إلى المجاز فيقع في التعطيل؟ كنت أرجو أن أعتبر تلك الكلمة منه زلة لسان صدرت منه، ولكن صدني عن ذلك هو نفسه

حيث رأيته قد مال كما سيأتي إلى تفسير " الاستواء " بالمعنى المجازي وهو السلطان الكامل، وتفسير "النزول " بفيوض النعم الإلهية دون أن يتنبه الشيخ المسكين أن مثل هذا التفسير لازمه الكفر لأن تمام حديث النزول - كما يعلم - فيقول: ألا هل من داع فاستجيب له ألا ... ألا ... فهل الفيوض هي التي تستجيب وتغفر وتعطي أم الله عز وجل لا شريك له. وجملة القول فيما نقله الكوثري عن ابن تيمية أنه أراد أن يكون معه نزيهاً أديباً غير متأثر بموقف صاحبه الكوثري منه، ولكنه - مع الأسف - تغلب عليه أثر الصحبة فأخذ يطعن في عقيدة ابن تيمية ولكن تلويحاً لا تصريحاً كما يفعل صاحبه، وينسب إليه صراحةً ما لم يقله كما تقدم بيانه، ولا أقول إنه فعل ذلك عمداً كصاحبه لا؛ وإنما أُتي من سوء فهمه لكلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ومما يؤكد ذلك قوله عقب ما سبق نقله من كلامه الذي فيه " وعلى ذلك يكون ابن تيمية قد فر من التأويل ليقع في تأويل آخر ... ".فقال (ص 277): " ثم ما المآل وما الغاية من التفسير الظاهري أيؤدي إلى معرفة حقيقة أم لا يؤدي إلا إلى متاهات أخرى إنه يقول " يعني ابن تيمية ": إن الحقيقة غير معروفة فيقول: إن الله له وجه غير معروف الماهية ... وله استواء غير معروف الماهية ويد ... و ... إننا بلا شك إذا فسرنا تلك المعاني (كذا قال ولعله سبق قلم وإنما أراد الألفاظ) بتفسيرات لا تجعلنا نحمله على مجهولات يكون ذلك التفسير أحرى بالقبول ما دامت اللغة تتسع له، وما دام المجاز بينا فيها؛ كتفسير اليد بمعنى: القوة أو النقمة، والاستواء: بمعنى السلطان الكامل، وتفسير النزول: بفيوض النعم

الإلهية إلخ، ولا يعترض بأن (¬1) ذلك ليس فيه أخذ بالظاهر؛ لأن الذي اختاره ليس فيه أخذ بالظاهر ". كذا قال ولو أردنا أن نبين ما تحته من الخطأ والبعد عن جادة الصواب الذي لا يجوز أن يقع فيه عالم مثله لطال بنا المقام أكثر مما تتحمله هذه المقدمة، ولكني أقول للشيخ كلمة موجزة: ألا يكفيك يا فضيلة الشيخ مآلا وغاية أن تفهم أن الاستواء هو صفة لله غير صفة النزول، وأن هذه الصفة غير صفة السيطرة والإنعام وهكذا، كما يكفيك - فيما أرجو - أن تعتقد أن صفة السمع غير صفة البصر وأنهما غير صفة العلم، وأن لا تعطلهما وتنكر وجودهما بتأويلك إياهما بما يعود إلى أن المراد بهما صفة العلم كما يقوله بعض المعتزلة، وإن كان كثيرون منهم ينكرون جميع صفات الذات لله تبارك وتعالى كما نقلناه عنهم فيما سبق؟ بلى إنه يكفيك هذا، وإلا فما الفرق بين تفسيرنا تبعا للسلف لهذه الصفات على ظاهرها مع اعتقاد أن حقيقتها لا يعلمها إلا المتصف بها سبحانه وتعالى؛ وبين إنكارك الاستواء مثلاً وإيمانك - فيما أظن- بتفسيرنا لسائر الصفات ككونه حياًّ قديراً مريداً حكيماً ... إلخ صفاته تعالى تفسيراً لها على ظاهرها دون تأويل أيضاً مع اعتقاد أن حقيقتها لا يعلمها إلا الله؟ الذي أعتقده وأقطع به: أن كل عاقل من أهل العلم لا بد من أن يسلم بأنه لا فرق بين هذا وهذا أبداً؛ إذ الكل يعود إلى صفات ذات الله تعالى، فكما أننا نؤمن ¬

(¬1) في الأصل: " مختصر العلو": "بأمن" وهو خطأ ظاهر.

بذاته تعالى دون أن نعلم كنهها وحقيقتها، فكذلك القول في صفاته سبحانه ولا فرق، وإذا كان الأمر كذلك فإما أن يؤمن الشيخ معنا بحقائق الصفات ومنها الاستواء على ما شرحنا، وإما أن يتأولها كلها وبذلك يُلْزَم بإنكار وجود الله تعالى؛ لأنه لا يعرف حقيقته، وكل ما لا يعرف حقيقته كالاستواء فهو يتأوله، وهذا ما وقع فيه الباطنية وكثير من الفلاسفة وقارب ذلك المعتزلة ومن تأثر بهم من علماء الكلام كما فصل ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتبه الكثيرة جزاه الله عن الإسلام خيراً. "مختصر العلو" (ص38 - 64).

جماع أبواب ذكر بعض من رجع إلى عقيدة السلف في الأسماء والصفات

جماع أبواب ذكر بعض من رجع إلى عقيدة السلف في الأسماء والصفات

[845] باب ذكر ما آلت إليه عقيدة الجويني إمام الحرمين وأبيه

[845] باب ذكر ما آلت إليه عقيدة الجويني إمام الحرمين وأبيه [قال الذهبي في "العلو"]: قال أبو منصور بن الوليد الحافظ في رسالة له إلى الزنجاني: أنبأنا عبد القادر الحافظ بِحرَّان, أنبأنا الحافظ أبو العلاء, أنبأنا أبو جعفر بن أبي علي الحافظ, قال: سمعت أبا المعالي الجويني وقد سئل عن قوله: {الرحمن على العرش استوى} فقال كان الله ولا عرش, وجعل يتخبط في الكلام, فقلت: قد علمنا ما أشرت إليه فهل عندك للضرورات من حيله .. ؟ فقال: ما تريد بهذا القول, وما تعني بهذه الإشارة؟ فقلت: ما قال عارف قط يا رباه إلا قبل أن يتحرك لسانه قام من باطنه قصد لا يلتفت يمنة ولا يسرة يقصد الفوق, فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة؟ فنبئنا نتخلص من الفوق والتحت, وبكيت وبكى الخلق, فضرب الأستاذ بكمه على السرير وصاح ياللحيرة, وخرق ما كان عليه وانخلع وصارت قيامة في المسجد, ونزل ولم يجبني إلا: يا حبيبي الحيرة الحيرة, والدهشة الدهشة. فسمعت بعد ذلك أصحابه يقولون سمعناه يقول حيرني الهمداني, توفي إمام الحرمين في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة, وله ستون سنة, وكان من بحور العلم في الأصول والفروع يتوقد ذكاء. [قال الإمام في "مختصر العلو"]: قلت: وإسناد هذه القصة صحيح مسلسل بالحُفَّاظ، وأبو جعفر اسمه محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الهمداني مات سنة (531)، وقد وصفه ابن تيمية في " مجموعة الفتاوى" (4/ 44) بـ" الشيخ العارف ". ويبدو لي أن هذه الحيرة كانت قبل استقرار عقيدة أبي المعالي الجويني على

[846] باب هل تصح نسبة كتاب «دفع شبة التشبية» لابن الجوزي؟ وبيان رجوع ابن الجوزي لمذهب السلف

المذهب السلفي، بل لعلها كانت المنطلق إلى هذا الاستقرار الذي أبان عنه فيما سبق من كلامه في " الرسالة النظامية " (¬1) , وما أشبه حاله بحال أبيه العلامة أبي عبد الله بن يوسف الجويني، فقد كان برهة من الدهر متحيراً في هذه المسألة " الاستواء " وسواها من مسائل الصفات، بسبب تأثره بعلم الكلام الذي تلقاه عن شيوخه، ثم استقر أمره - والحمد لله - على العقيدة السلفية فيها، كما شرح ذلك هو نفسه أحسن الشرح في رسالته القيمة في " إثبات الاستواء والفوقية " وهي مطبوعة في المجلد الأول من " مجموعة الرسائل المنيرية " (ص 170 - 187) وإني لأستغرب كيف فات ذكر هذا الإمام على الحافظ الذهبي في جملة هؤلاء الأئمة الإعلام الذين قالوا بقول السلف في هذه المسألة الهامة، ولكن جَلَّ من لا ينسى. " مختصر العلو" (ص277). [846] باب هل تصح نسبة كتاب «دفع شبة التشبية» لابن الجوزي؟ وبيان رجوع ابن الجوزي لمذهب السلف سؤال: فضيلة الشيخ، هناك استفسار لأني قرأت أنا في كتاب المدعو السقاف، قرأت في المقدمة أنه يقول: أن الإمام الذهبي رحمه الله قد ألف كتابه العلو وهو في العشرينات من عمره، فهل صحيح ... الشيخ: يا أخي! بارك الله فيك، أنا قلت لك في السيارة لا تُقِم وزناً لهذا ¬

(¬1) وقد أثبتنا كلامه في موسوعتنا هذه تحت باب" إثبات صفة الاستواء لله تعالى والرد على من أنكر ذلك والرد على شبهة المعطلة: أن إثبات الصفات لله يستلزم التشبيه، مع نقل مهم عن الإمام الجويني حول ذلك كله" ..

الرجل .. هذا رجل دجال، إذا كان ألف هذا الكتاب في أول أمره وهل مات عنه وهو راض عنه أم منكر له؟ هذا كله تركيب كلام من أجل توهيم على العوام، لا تُقِم لهذا وزناً يا أخي! هذا رجل كذاب .. مداخلة: هناك كتاب طبع حديثاً: «دفع شبه التشبيه»، هل يصح نسبته إلى ابن الجوزي؟ الشيخ: مع الأسف النسبة إلى ابن الجوزي صحيحة، وابن الجوزي من بين الحنابلة .. جماهير الحنابلة في الصفات أشعري، ثم جاء هذا السخاف هذا فطبع هذا الكتاب على كيفه! كما يقولون عندنا في الشام، وعلق عليه تعليقات زاد في الطين بلة وفي الطنبور نغمة، وكلما جاء ابن الجوزي بنقل عن بعض الحنابلة المتأخرين وضع هو السخاف في طبعته الجديدة بين هلالين: فلان مثلاً ابن أبي يعلى المجسم .. المجسم، فالذي لا يعرف الحقيقة يتوهم أن هذه الصفة من المؤلف، وهو ابن الجوزي بينما هو الذي طبع هذا الكتاب، وهو السقاف هذا .. هو حشر عديداً من هذه الكلمات في ترجمة كثير من الحنابلة تضليلاً أيضاً للعوام. الكتاب صحيح النسبة إلى ابن الجوزي، لكن ابن الجوزي له كلمات في تفسيره المسمى بـ" زاد المسير" يخالف كثيراً مما ذكره في هذا الكتاب. علي حسن: فضيلة الشيخ حول هذا، الله يبارك فيكم أستاذي، شيخ الإسلام ابن تيمية ينقل «في درء التعارض» عن ابن الجوزي أنه رجع إلى عقيدة السلف في آخر عمره وذلك في كتاب له سماه «الانتصار لأصحاب الحديث»، وهناك كتاب شيخنا طبع قريباً منذ نحو عشر سنوات في مصر، عندي منه نسخة اسمه: مجالس في الآيات المتشابهة .. الشيخ: له؟

مداخلة: لابن الجوزي، يسرد فيه عقيدة السلف تماماً، ولعل هذا شيخنا بعد ما كتب له أبو إسحاق العلفي وهو أحد معاصريه كما ينقل ابن رجب في ذيل الطبقات كتب له رسالة يعاتبه فيها، وهي رسالة قوية جداً في الحقيقة ويشتد عليه، فيقول: كيف تخالف إمامك .. كيف تخالف المنهج الحق .. كيف كذا .. فلعل هذا، يعني: فلعل رجوعه أثر عن ذلك الإنكار الذي حصل في عصره. الشيخ: هذا الكتاب أولى أن يقال بأنه ألفه ابن الجوزي في حداثة علمه ثم رجع عنه، وهذه فائدة سجلت والحمد لله، لكن أنا رأيت له بعض الكلمات في تفسيره يخالف فيها ما ذكره .. مداخلة: مسألة الاستواء {الرحمن على العرض استوى} يَردُّ فيها على من أوَّل الاستواء بالاستيلاء، بينما هناك يفسر الاستواء بالاستيلاء. الشيخ: هو هذا! وهذا أنا ذكرته في بعض تعليقاتي التي ستخرج ... إن شاء الله. مداخلة: فضيلة الشيخ ما قرره السقاف في مقدمة هذا الكتاب من رد خبر الآحاد في مجال العقيدة، ما تعليقكم على هذا الأمر؟ الشيخ: أيضاً هذا .. علي حسن: أخونا مشهور شيخنا الآن يتعقب هذا الكلام كله. الشيخ: نحن لنا رسالتان مطبوعتان من قديم في أن حديث الآحاد تثبت به العقيدة، والرد على المنكرين لذلك، فإذا تيسر لكم الاطلاع عليه فيكون القضاء المبرم على هذه الدعوى الباطلة، نعم. "الهدى والنور" (795/ 14: 53: 00)

جماع أبواب قواعد في أسماء الله تعالى

أسماء الله تعالى (جماع أبواب قواعد في أسماء الله تعالى)

[847] باب تقسيم أسماء الله الحسنى من حيث معرفة الناس بها من عدمها

[847] باب تقسيم أسماء الله الحسنى من حيث معرفة الناس بها من عدمها السائل: حديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اللهم أسألك بكل اسم هو لك» (¬1) إلى نهاية الحديث، إلى أن قال فيه: «أو علمته أحد من خلقك» فهل هذا يعني نريد توضيح لهذه الكلمة، وهل هذا يعني أن هناك من الخلق من يعلم بأسماء يختص الله عز وجل بها أحد من الناس؟ الشيخ: لا ليس هذا معنى الحديث؛ لأنه جاء في فيما بعد: «أو استأثرت به بعلمك» فليس معنى: ما استأثر به يعلمه أحد، لكن هناك الحديث الذي جاء في الصحيحين مختصرًا، ثم جاء مفصلًا في سنن الترمذي وغيره، التفصيل لا يصح، أما المختصر فهو الصحيح، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة» فأسماء الله عز وجل التي يترتب على إحصاءها هذا الوعد الصادق، وهو أن يدخل الجنة من أحصاها فهي تسعة وتسعون، لكن هذا لا يعني أن أسماء الله عز وجل محصورة في تسعة وتسعين اسمًا. نستطيع أن نقول: بأن أسماء الله عز وجل تنقسم إلى قسمين: قسم استأثر به عز وجل بعلمه الخاص الذي لا يشاركه فيه أحد، وقسم مما علمه للناس: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} (البقرة:255) فالله عز وجل هذا القسم الذي يتعلق بالعباد وبعلم العباد ينقسم إلى قسمين: ¬

(¬1) "الصحيحة" (1/ 337).

قسم يشترك فيه عامة المسلمين من خواصهم من علمائهم، فهي الظاهرة في بعض نصوص الأحاديث الصحيحة فضلًا عن القرآن الكريم، لكن هناك أسماء أخرى لا يشترك كل الناس في معرفتها إلا من كان على سعة وبسطة من العلم، فهذا هو المقصود: "أو علَّمته أحدًا من خلقك" وليس مما استأثر به هو تبارك وتعالى، وضح أظن الآن المراد تمامًا؟ يعني مثلًا: هناك حديث يقول: «يا حنان يا منَّان» (¬1) فهذا الاسم لإثباته ينبغي أن نعرف الحديث الذي جاء فيه هذا الاسم أولًا، ثم ينبغي أن نعرف: هل هذا الحديث ثابت وصحيح ثانيًا أم لا؟ هل كل الناس يشتركون في معرفة هذا؟ الجواب: لا، فإذًا: من وقف على هذا الحديث ثم تبين صحة هذا الحديث عرف أن من أسمائه تبارك وتعالى، الحنان المنان، أما الذين لا علم عندهم فيقولون: إنه سميع وبصير؛ لأن هذه الأسماء مبثوثة في آيات كثيرة فيشترك في معرفتها كل الناس، أما بعض الأسماء التي وردت في بعض النصوص من السنة وقد يكون شيء من ذلك أيضًا في القرآن فيختص بمعرفة ذلك بعض الخاصة من أهل العلم. هذا الذي يعني به الحديث الذي ذكرته آنفًا. مداخلة: هناك نقطة .. بالنسبة لأسماء الله وقفت على أربع مؤلفات صغيرة لبعض العلماء المعاصرين من جهة، فحصرت الأسماء الموجودة وجدتهم مختلفين يعني: من هذا من هذا كل واحد عنده زيادة أسماء، وهذا لا يأتي ببعض الأسماء، فلما جمعت الأسماء وجدت مائة وسبعة عشر، كلهم وقفوا على صحتها ... هذا أيضًا دليل على أن بعضهم علم وبعضهم .. ¬

(¬1) "ضعيف الجامع" (رقم4824).

[848] باب وهل تشتق الأسماء من الصفات؟

الشيخ: هذا صحيح، لكن على كل حال: هذا ينبغي أن نلاحظ أن الذين ذكروا بعض الأسماء هل ذكروا أدلتها؟ مداخلة: نعم. الشيخ: ومن السنة الصحيحة، فحينئٍذ يكون الملاحظة في محلها، لكنهم قد يذكرون بعض الأحاديث، وقد لا تصح هذه الأحاديث. "فتاوى جدة - الأثر -" (30/ 01:08:04) [848] باب وهل تشتق الأسماء من الصفات؟ سؤال: كلام السائل، قال: روى الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» قال السؤال: هل يجوز تسمية الله تعالى بالطيب واعتباره من أسمائه تعالى؟ الشيخ: نعم، يقال: الطيب، كما جاء في هذا الحديث في صحيح مسلم، «إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبًا» يظهر أن هذه صفة وليست اسمًا علمًا يوصف ربنا عز وجل بهذه الصفة ولا يطلق عليه اسمًا، هذا هو الجواب عن السؤال، أنت السائل؟ مداخلة: نعم. الشيخ: تريد شيئًا آخر؟ مداخلة: أريد يا شيخ أيضًا: هل يشتق من الصفات أسماء لله عز وجل؟ الشيخ: لا.

[849] باب إذا جاءت صفة لله على وزن اسم الفاعل فهل نعدها اسما لله تعالى، وهل "الدليل" من أسماء الله؟

مداخلة: طيب! هذه صفة مشتق منها اسم. الشيخ: وما هي؟ مداخلة: إن الله طيب، صفة لله عز وجل. الشيخ: ... نصفه لكن لا نسميه. مداخلة: لا نسميه، أي: لا نقول: إن من أسماء؛ لأني حضرت مجلسًا لأحد المشايخ فكان يطلب فوائد من هذا الحديث، فذكر أحد الجالسين من الطلبة بهذا اللفظ قال: نستفيد من هذا الحديث أن الله عز وجل يسمى بالطيب، فسألت هذا الشيخ قلت له: يا شيخ، هل هذا صحيح، يشتق من الصفة اسم؟ قال: نعم، يسمى الله عز وجل بالطيب، .... الشيخ: ... لو قال: الطيب، كما جاء في بعض الأسماء كنا نسميه، لكن هو جاء هناك صفة لله عز وجل، فهو صفة. مداخلة: من الخطأ أن يطلق اسمًا. الشيخ: نعم، اسمًا هكذا مفردًا لا. "رحلة النور" (41أ/00:04:28) [849] باب إذا جاءت صفة لله على وزن اسم الفاعل فهل نعدها اسمًا لله تعالى، وهل "الدليل" من أسماء الله؟ مداخلة: هنا يقول السائل: في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف:180) ومعلوم أن أسماء الله توقيفية لكن نجد بعض السلف كابن منده في كتابه التوحيد يجعل من أسماء الله صفات لله جاءت على وزن ... قال تعالى:

[850] باب ما قد يستدل به على أن الاسم والمسمى واحد

{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} (الفرقان:31) و"الدليل" كما جاء عن الإمام أحمد يا دليلَ الحائرين، وذكره شيخ الإسلام، فما الضابط في ذلك لديكم؟ الشيخ: هو ما جاء في السؤال أسماء الله توقيفية، فلا يشتق لله عز وجل اسم من صفة تكون ثابتة له تبارك وتعالى، فالتوقف في هذا الموقف أهم شيء فيما أنه يتعلق في ذات الله تبارك وتعالى، فلا يجوز مناداته ولا تسميته إلا بما ثبت ذلك في السنة، اللهم إلا إذا جرى على لسان أحد لفظ ولم يلتزمه فلا بأس من وراء ذلك؛ لأن المعنى من حيث دلالة العمومات من الأدلة فهو صحيح، فالله تبارك وتعالى دليل الحائرين، ولكن لم يأت هذا في أسمائه تبارك وتعالى لا في الكتاب ولا في السنة فالأولى عدم قيامه، نحن نقول مثلًا: الله موجود، وهذا تعبير عن حقيقة قائمة ووجوده ليس كوجود المخلوقات لكن ليس من أسمائه تعالى أنه موجود، كما أننا قد نقول بالنسبة لرب العالمين أنه سخي لكن لا نسميه؛ لأنه ليس من أسمائه السخي وإنما هو الكريم وعلى هذا نلتزم الوقف في أسمائه تبارك وتعالى، نعم. مداخلة: السؤال ما الضابط من ناحية ما ورد في السؤال على وجه اسم الفاعل مثل هادي هل نجعلها أسم من أسماء الله تعالى هادي الهادي؟ الشيخ: إذا لم يأت ما ينفي ذلك فلا أرى مانعًا في ذلك ... "رحلة النور" (31ب/00:04:26) [850] باب ما قد يستدل به على أن الاسم والمسمى واحد [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: " إن هذا الحي من مضر، لا تدع لله في الأرض عبداً صالحاً إلا فتنته وأهلكته حتى يدركها الله بجنود من عباده، فيذلها حتى لا تمنع ذنب تلعة ".

[قال الإمام]: وللحديث شاهد بنحوه، ولفظه: " لتضربن مضر عباد الله حتى لا يعبد لله اسم، وليضربنهم المؤمنون حتى لا يمنعوا ذنب تلعة ".أخرجه أحمد (3/ 86 - 87): حدثنا خلف بن الوليد حدثنا عباد بن عباد عن مجالد ابن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير مجالد بن سعيد، وليس بالقوي كما في " التقريب ".وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7/ 313): " رواه أحمد، وفيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات ".قلت: إنما وثقه النسائي مرة، وقال مرة أخرى: ليس بالقوي، كما في " التهذيب "، وقد أورده في كتابه " الضعفاء والمتروكون"، وقال (رقم 552): " كوفي ضعيف ". وخلف بن الوليد ثقة من رجال " التعجيل "، وقد تابعه إبراهيم بن زياد، سبلان قال: حدثنا عباد بن عباد به دون قوله: " وليضربنهم المؤمنون .. ".أخرجه اللالكائي في " أصول السنة " (1/ 210/342).وعزاه السيوطي في " الجامع الكبير " لأحمد وحده، ووقع فيه: " .. حتى لا يُعبَد اللهُ "، فكأنه تحرفَّ على الناسخ قوله: " حتى لا يعبد لله اسم ".واستدل به اللالكائي على أن الاسم والمسمى واحد، ونِعْمَ الدليل لو صح بهذا اللفظ. والله أعلم. " الصحيحة" (6/ 1/576، 579 - 580).

جماع أبواب الكلام على عدد الأسماء الحسنى، وهل ذكرت في حديث، ومعنى حديث من أحصاها دخل الجنة

جماع أبواب الكلام على عدد الأسماء الحسنى، وهل ذُكرت في حديث، ومعنى حديث من أحصاها دخل الجنة

[851] باب هل وردت الأسماء الحسنى في حديث؟

[851] باب هل وردت الأسماء الحسنى في حديث؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة غير واحد، ما من عبد يدعو بهذه الأسماء إلا وجب له الجنة، إنه وتر يحب الوتر: هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك، القدوس، السلام ... إلى قوله: الرشيد الصبور». (ضعيف). [قال الإمام]: أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10/ 380) من طريق أبي العباس القاسم بن القاسم السياري: حدثنا أحمد بن عباد بن سلم - وكان من الزهاد -: حدثنا محمد بن عبيدة النافقاني: حدثنا عبد الله بن عبيدة العامري: حدثنا سورة بن شداد الزاهد عن سفيان الثوري عن إبراهيم بن أدهم عن موسى بن يزيد عن أويس القرني عن علي بن أبي طالب مرفوعا، وقال في آخره: " مثل حديث الأعرج عن أبي هريرة. حديث الأعرج عن أبي هريرة صحيح متفق عليه. وحديث الثوري عن إبراهيم فيه نظر، لا صحة له ".قلت: وحديث الأعرج الذي أشار إليه أبو نعيم والمتفق عليه؛ ليس فيه " ما من عبد ... " إلخ، ولا فيه سرد الأسماء، وإنما جاءت الأسماء في بعض الطرق الواهية كما بينته في " تخريج المشكاة " (2288). "الضعيفة" (6/ 76 - 77).

[852] باب هل صح حديث في تحديد أسماء الله الحسنى؟ وما معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أحصاها دخل الجنة؟»

[852] باب هل صح حديثٌ في تحديد أسماء الله الحسنى؟ وما معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أحصاها دخل الجنة؟» سؤال: فضيلة الشيخ! ما مدى صحة حديث تحديد أسماء الله؟ الشيخ: تحديد! المقصود حصر أسماء الله، هناك روايتان: إحداهما: رواية صحيحة، والأخرى: ضعيفة، أما الرواية الصحيحة: فما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة» هذا هو الصحيح .. [أما الحديث] المذكور في سنن الترمذي وغيره من كتب السنة له علتان: العلة الأولى: أن السند في هذه الزيادة التي فيها عدد الأسماء لا يصح، ومع عدم الصحة فهو مخالف للحديث الصحيح حيث اقتصر على قوله: «مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة» ثم لم يذكر تلك الزيادة، فيمكن اعتبار هذه الزيادة زيادة شاذة. وشيء آخر: أن هذه الأسماء تختلف الروايات في عَدِّها فمنهم من يذكر اسمًا بدل اسم آخر، ولذلك هذا الفضل المذكور في هذا الحديث وهو: «من أحصاها دخل الجنة» في الحقيقة ليس المقصود به أن يحفظ الإنسان هذه الأسماء المسرودة في بعض المصنفات كالترمذي، وإلا لكان دخول الجنة ميسراً بينما ذلك على خلاف الحديث الصحيح، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «حفت الجنة بالمكارة وحفت النار بالشهوات» (¬1) فأي مكروه في أن يحفظ الإنسان تسعة ¬

(¬1) "مسلم" (رقم7308).

وتسعين اسماً في كتاب ما؟! نحن ليس عندنا دليل من السنة على أن المسلم إذا قرأ القرآن من أوله إلى آخره دخل الجنة، فكيف يعقل أن يكون في السنة مثل هذا التكليف اليسير ويكون له ذلك الأجر العظيم، من أحصى تسعة وتسعين اسماً مسطورة في كتاب دخل الجنة، ليس هذا هو المقصود، أنا أعتقد أن كبار أهل العلم بالحديث وبتتبع طرق الحديث نادر جداً من وفق لهذا الإحصاء الذي ربط به دخول الجنة؛ لأن المقصود بهذا الإحصاء هو تتبع أسماء الله تبارك وتعالى في كتاب الله وفي أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أولاً، ثم الوقوف عند هذا العدد، وهنا الدقة في الموضوع والصعوبة التي إذا قام بتحقيق هذا الأمر مسلم ما كان أن جوزي بدخول الجنة. إن هذا الحديث لا يعني أنه ليس لله من الأسماء إلا تسعة وتسعين اسماً ليس هو المقصود لأنه قد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة: «أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك» فهناك استئثار من الله عز وجل لبعض الأسماء لا يعرفها الناس، فأسماء الله أكثر من تسعة وتسعين اسماً لكن الأسماء التي لها هذه الفضيلة: «من أحصاها دخل الجنة» هي تسعة وتسعون اسماً وأكد ذلك بقوله: «مائة إلا واحداً» فالمقصود أن من استخرج هذه الأسماء من كتاب الله ومن حديث رسول الله بطلب وصبر وثبات ثم وُفِّق إلى ذلك فقد دخل الجنة يقيناً، ومن أين لنا أن نعرف ذلك؟ لا سبيل إلى ذلك وإنما فيه الحض على هذا العمل العظيم. وأنا فيما علمتم لم أجد أحداً من علماء المسلمين قد قام بتتبع وإحصاء الأحاديث .. بتتبع الأحاديث وإحصاء الأسماء الحسنى كما فعل الحافظ ابن حجر

[853] باب هل أسماء الله تعالى محصورة في التسعة وتسعين؟ وهل خطوط باطن الكف تدل على ذلك؟

العسقلاني في كتابه فتح الباري، ومع ذلك وجدناه يتردد بين أن يكون هذا الاسم مكان هذا الاسم أو العكس، المهم أن أسماء الله تبارك وتعالى أكثر من مائة ولكن من أحصى تسعة وتسعين منها إحصاءً مبنياً على كتاب الله وعلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ووُفِّق لذلك العمل فكان ذلك بشيراً له لدخول الجنة، غيره. مداخلة: شيخ هو يقول الإحصاء، يعني: العمل بها ومعرفة حقيقة معانيها والعمل بها. الشيخ: هذا من تمام الإحصاء، نعم. "رحلة النور" (17أ/00:42:27) (17أ/00:00:00) [853] باب هل أسماء الله تعالى محصورة في التسعة وتسعين؟ وهل خطوط باطن الكف تدل على ذلك؟ السائل: [بعضهم] يقول: يتكون في الكفين الرقم تسعة وتسعين، يعني: جمع الرقم في خطين في الكف الأيمن بعدد ثمانية عشر، وفي الأيسر بواحد وثمانين، مجموعهما: تسعة وتسعين، وهي يقول: هذه أسماء الله الحسنى، وبعض الناس يقرؤون الكف، فما حكم ذلك؟ الشيخ: هذا مما لا يلتفت إليه؛ لأن أسماء الله الحسنى أكثر من تسعة وتسعين اسمًا، والحديث الذي جاء في صحيح البخاري ومسلم من قوله عليه الصلاة والسلام: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة» فهذا الحديث لا يعني: أنه ليس لله تبارك وتعالى أسماء أخرى، وإنما يعني: أن هذه التسعة وتسعين اسمًا من أحصاها، أي: من استخرجها من الكتاب والسنة وعمل بمعانيها فكان ذلك بشارة له بدخول الجنة، وإلا فقد جاء في بعض الأحاديث

[854] باب حال حديث «إن لله تسعة وتسعين اسما»،والكلام حول التوسع في باب الإسماء الحسنى

الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سأل ربه بكل اسم سمى به نفسه أو علمه بعض خلقه، أو استأثر هو تبارك وتعالى بعلمه، فأسماء الله عز وجل ليست محصورة بهذا العدد الذي زعم .. "فتاوى جدة - الأثر -" (26ب /01:28:57) [854] باب حال حديث «إن لله تسعة وتسعين اسمًا»،والكلام حول التوسع في باب الإسماء الحسنى سؤال: [حال] حديث التسعة وتسعين أسماً .. ؟ الشيخ: هو الحديث الذي فيه تفصيل الأسماء. [ضعيف] مداخلة: نعم. الشيخ: أي نعم، أما بدون التفصيل ففي صحيح البخاري. ثم بالإضافة إلى الضعف في سنده في اختلاف كثير جداً في الروايات في تحديد هذه الأسماء التسعة والتسعين، فبعض الروايات يذكر بعض الأسماء وروايات أخرى في نفس الحديث أسماء أخرى. مداخلة: اضطراب. الشيخ: نعم. "الهدى والنور" (653/ 06: 06: 00)

[855] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الأسماء الحسنى: «من أحصاها دخل الجنة» وهل الأسماء محصورة في التسعة والتسعين؟

[855] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الأسماء الحسنى: «من أحصاها دخل الجنة» وهل الأسماء محصورة في التسعة والتسعين؟ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، والله وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ». [قال الإمام]: وفي رواية لمسلم: «مائة إلا واحداً, من أحصاها ... ».والمراد بإحصائها حفظها كما في الرواية الأولى على ما هو الراجح عند المحققين. وليس عدد التسعة والتسعين لحصر أسماء الله بها, وإنما القصد أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة, ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «أسألك بكل اسم لك سميت به نفسك, أو أنزلته في كتابك, أو علمته أحداً من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك» , وهو مخرج في " الأحاديث الصحيحة" رقم (197). "مختصر صحيح مسلم" (ص 488). [856] باب هل من الممكن أن يتوصل عالم إلى تحديد الأسماء التسعة والتسعين؟ سؤال: هل تظن أن الممكن لعالم محقق أن يتوصل إلى تحليل الصفات التسعة والتسعين؟ الشيخ: بالتحديد لا يمكن، لكن يستطيع أن يحصي الأسماء الحسنى، وهي بلا شك أكثر من مائة إلا واحداً، أما التي جاء فيها الفضيلة من أحصاها دخل

الجنة، فهذه من الصعوبة بمكان. مداخلة: يعني أنتم ترون أن الأسماء الحسنى أكثر من تسعة وتسعين؟ الشيخ: أي نعم؛ لأن الحديث كما أظن لا يخفاكم لا يفيد حصر الأسماء الإلهية، وإنما يفيد حصر الأسماء الإلهية التي من أحصاها دخل الجنة، أظن الفرق في تعبيري واضح؟ مداخلة: نعم. واضح، ولماذا نقول ... لماذا .. هذا النص. الشيخ: لأن هناك أولاً بالتتبع أسماء أكثر من تسعة وتسعين أولاً، وثانياً هناك الدعاء: أسألك بكل اسم سميت به نفسك .. إلى آخر الحديث. مداخلة: أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أو علمته أحداً من خلقك. الشيخ: هذا هو. مداخلة: بس هذا الحديث قسم الأسماء إلى ثلاثة أقسام القسم الأول الذي استأثر الله به في علم الغيب عنده، وقد اطلعنا عليه. والقسم الثاني هو الذي استأثر به بعض خلقه. الشيخ: أي نعم. مداخلة: وهذا أيضاً خاص به، طبعاً بعض الملائكة أو الملائكة أو بعض المرسلين، فيبقى ما أنزله في كتابه. الشيخ: وهذا سبق الجواب عنه. مداخلة: نعم.

الشيخ: ولذلك يبقى أو عَلَّمته أحداً من خلقك، شاملاً للبشر أيضاً. مداخلة: كل ما قيل في الأسماء أولاً، وجدت أن أكثر من توسع فيها ابن العربي وابن الوزير، ولكن بإجراء اختبارات على هذه الأسماء التي وصلوا بها إلى حوالي 176 أكثر الزيادات على التسعه وتسعين لا يسلم بها، يعني مثلاً عدُّوا من أسمائه الماكر. الشيخ: لا، هذا اشتقاق هذا ليس اسماً. مداخلة: المخادع والمستهزى والمبلي والبالي والشيء والممكن ولذلك اشتد ابن القيم في تعليقه على ابن العربي في إيراده هذه الأسماء. الشيخ: لا شك، هذا ليس اسماً، هذا اسم من عندنا اشتقاق. مداخلة: الذي وارد في الكتاب والسنة يزيد على تسعة وتسعين بضعة أسماء بس، حوالي ست أسماء سبع أسماء فقط. الشيخ: أي نعم. مداخلة: التي يمكن أن تطبق عليه الضوابط والقواعد المستخلصة من الكتاب والسنة. الشيخ: شيء جميل. ما أدري كيف ابن الوزير وابن العربي أجازوا الاشتقاق. مداخلة: ينص ابن العربي على هذا صراحة، على جوازه. الشيخ: هنا كل فعل ربنا عز وجل نسبه إلى نفسه سيشتق منه اسم.

[857] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أحصاها دخل الجنة»

مداخلة: نعم، ولذلك هو يقول ... أكثر من هذا. الشيخ: يعني مثلاً يسمي ربه بالمبكي والمضحك. مداخلة: لم يورد هذا، لكن ...... الشيخ: يرد علي هذا. مداخلة: ومثلاً الجائي جعله اسم، وجاء ربك. الشيخ: إذاً: أيضاً المستوي. مداخلة: المستوي نعم اسم عنده. في أحكام القرآن ذكرها ... الشيخ: لا هذا بلا شك توسع غير محمود. مداخلة: ولذلك يقول أنه تبلغ ألف. الشيخ: على الطريقة هذه ستزيد كمان. "الهدى والنور" (653/ 33: 09: 00) [857] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أحصاها دخل الجنة» سؤال: يقول الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ في أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180] وقال عليه الصلاة والسلام: «إن لله تسعًا وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة». السؤال: فضيلتكم نريد أن توضحوا لنا كيف يكون إحصاء أسماء الله الحسنى حتى نفوز بهذا الأجر العظيم، وجزاكم الله خير.

الشيخ: أولًا: لفظ الحديث: «إن لله تسعةً وتسعين اسماً» وليس: «تسعًا وتسعين اسمًا». أما ثانيًا: فالإحصاء هنا ليس هو عبارة عن حفظ الأسماء التي سُرِدت في بعض كتب السنة كسنن الترمذي حتى بلغت: تسعةً وتسعين اسمًا؛ لأن الراوية هذه التي فيها عد الأسماء الحسنى لم تصح وإنما صح الحديث مطلقًا دون بيان وسرد الأسماء الحسنى، الحديث كما سمعتم آنفًا: «إن لله تسعًة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة» والإحصاء ليس بالأمر السهل كما يتوهم بعض الناس وهو حفظها من رسالة أو من رواية جمعت فيها هذه الأسماء، وإنما الإحصاء هو إفراغ الجهد لتتبع أسماء الله عز وجل في الكتاب والسنة الصحيحة، وهذه عملية قد تختلف من إنسان إلى آخر من جهة، ثم قد يُوفَّق لهذه الأسماء لأنها حصرت بدقة حيث جاء في الألفاظ لهذا الحديث: «إن لله تسعةً وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا» فهذا الإحصاء بهذه الدقة قد يوفق الإنسان إلى هذه الأسماء جمعًا من القرآن ومن الحديث الصحيح، وقد لا يُوفَّق فمن وُفِّق فأحصاها دخل الجنة، ومن لم يُوفَّق كان له أجر السعي في سبيل تحصيل هذه الأسماء، فالأمر هاهنا كالأمر تمامًا في بعض الأحكام الشرعية التي يبتغي الفقيه معرفة الصواب فيها فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد. كذلك فيما بدا لي من شرح ذاك الحديث أن من أحصى تلك الأسماء التسعة وتسعين اسمًا فكان ذلك بشارة له بدخول الجنة، وليس ذلك بالأمر المادي بحيث يمكن أن يقال: فلان أحصى الأسماء فهو من أهل الجنة، هذا مما لا يمكن الوصول إليه بهذا الوضوح وهذا البيان، وإنما على المسلم أن يسعى بالتقاط هذه

الأسماء من القرآن الكريم وهذا سهل؛ لأن القرآن الكريم محفوظ، ثم من السنة وهذا أصعب ما يكون؛ لأن السنة واسعة الأطراف كما تعلمون من جهة، ثم فيها ما يصح وما لا يصح من جهة أخرى. فالذي يريد أن يقوم بإحصاء الأسماء الحسنى عليه أن يكون أولًا على إحاطة تكاد أن تكون كاملةً بكتب السنة أولًا، ثم أن يكون على علم بتمييز الصحيح من الضعيف ثانيًا. وَقلَّ من قام بهذا الأمر وذلك لما أشرت إليه من صعوبته، والذي أعرفه أن الإمام الخطابي قد شرح الأسماء الحسنى ولكن لا أدري إذا كان قد أحصاها جمعًا كما ذكرنا أو أنه اعتمد على الرواية المشهورة من رواية الترمذي، لكن قد قام بإحصاء هذه الأسماء على الطريقة التي أشرت إليها آنفًا الحافظ ابن حجر العسقلاني، ثم قام بعض المعاصرين وقد توفي إلى رحمة الله في مجلة الأنصار السنة المحمدية في القاهرة درويش أو نحو ذلك .. نعم أبو الوفاء محمد درويش، هذا كان من أفاضل أنصار السنة في القاهرة وكان قد نشر بحوثًا ومقالات متتابعة في مجلة الأنصار يحصي فيها الأسماء هذه الحسنى. هذا ما يحضرني من الجواب عن ذاك السؤال. "فتاوى جدة" (3/ 00:11:54)

[858] باب منه

[858] باب منه سؤال: يا شيخ ما معنى حديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة» ما المقصود يعني: من هذا الحديث وما مضمون هذا الحديث جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: المقصود هو: أنه هذه الأسماء البالغ عددها تسعة وتسعين اسماً، وكما في الصحيح: «مائة إلا واحداً» تأكيداً للتسع والتسعين، «من أحصاها» أي: من تَمكَّن من استخراجها والعثور عليها من القرآن وحديث الرسول عليه السلام كان هذا جزاؤه أن يدخل الجنة، هذا هو المقصود بمن أحصاها. أي: من تطلبها من الكتاب والسنة، ووفق لها فله هذا الجزاء، هذا هو المعنى. "الهدى والنور" (708/ 20: 59: 00)

جماع أبواب الكلام على بعض ما ثبت لله تعالى من أسماء وبعض ما لا يثبت

جماع أبواب الكلام على بعض ما ثبت لله تعالى من أسماء وبعض ما لا يثبت

[859] باب اسم الله الأعظم

[859] باب اسم الله الأعظم [عن] عبد الله بن العلاء قال: سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يخبر عن أبي أمامة مرفوعاً: «اسم الله الأعظم في سور من القرآن ثلاث: في البقرة وآل عمران وطه». قال القاسم أبو عبد الرحمن: " فالتمست في البقرة، فإذا هو في آية الكرسي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وفي آل عمران، فاتحتها {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وفي طه: {وعنت الوجوه للحي القيوم} ". [قال الإمام]: فائدة قول القاسم: أن الاسم الأعظم في آية {وعنت الوجوه للحي القيوم} من سورة "طه" لم أجد في المرفوع ما يؤيده، فالأقرب عندي أنه في قوله في أو السورة (إني انا الله لا إله إلا أنا .. ) فإنه موافق لبعض الأحاديث الصحيحة، فانظر "الفتح" (11/ 225)، وصحيح أبي داود (1341). "السلسلة الصحيحة" (2/ 371 - 372). [860] باب ذكر اسم الله الأعظم وهل هو: ربِّ ربِّ؟ «اسمُ الله الأكبرُ: ربِّ ربِّ». (موقوف). أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف، (10/ 273/9414): حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني الحسن بن ثوبان عن هشام بن أبي رقية عن أبي الدرداء وابن عباس: أنهما كانا يقولان: ... فذكره موقوفاً عليهما.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون؛ غير هشام بن أبي رقية: فذكره البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ لكن روى عنه جمع من الثقات، ووثقه الفسوي وابن حبان؛ فهو في مرتبة الصدوقين - كما حققته في "تيسير انتفاع الخلان " -؛ فمثله يحسن حديثه إن شاء الله تعالى. وإنما ذكرت له هذا الأثر هنا؛ لأن الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكره في "الفتح " (11/ 225) دليلاً من حديث أبي الدرداء وابن عباس لقول من قال: إن الاسم الأعظم: ربِّ ربِّ ... فأوهم أنه مرفوع من قوله له - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإنما موقوف عليهما - كما ترى -؛ فإن لفظ: (حديث) إذا أطلق؛ فلا يراد منه إلا المرفوع إلا لقرينة، ولا قرينة في كلامه رحمه الله تعالى. بل الأمر فيه على العكس تماماً؛ فقد ذكر لبعض الأقوال المخالفة لهذا القول أحاديث هي مرفوعة، ومع ذلك لم يصرح برفعها؛ بل قال فيه - كما قال في هذا، فقال - (ص 224): "الخامس؛ "الحي القيوم"، أخرج ابن ماجه من حديث أبي أمامة؛ "الاسم الأعظم في ثلاث سور ... " الحديث "، وهو حسن الإسناد، ومخرج في "الصحيحة " (746). ثم إن هذا الأثر الموقوف قد عزاه الحافظ للحاكم فقط، وقد أخرجه في كتاب (الدعاء) من "المستدرك " (1/ 505) من طريق يعقوب بن سفيان الفسوي: ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ... به. وسكت عنه هو والذهبي. واعلم أن العلماء اختلفوا في تعيين اسم الله الأعظم على أربعة عشر قولأ، ساقها الحافظ في "الفتح"، وذكر لكل قول دليله، وأكثرها أدلتها من الأحاديث، وبعضها مجرد رأي لا يلتفت إليه، مثل القول الثاني عشر؛ فإن دليله: أن فلاناً سأل الله أن يعلمه الاسم الأعظم، فرأى في النوم؛ هو الله، الله، الله، الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم!! وتلك الأحاديث منها الصحيح "، ولكنه ليس صريح

[861] باب منه

الدلالة، ومنها الموقوف كهذا، ومنها الصريح الدلالة؛ وهو قسمان: قسم صحيح صريح، وهو حديث بريدة: "الله لا إله إلا هو، الأحد الصمد الذي لم يلد ... " إلخ، وقال الحافظ: "وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك ". وهو كما قال رحمه الله، وأقره الشوكاني في "تحفة الذاكرين " (ص 52)، وهو مُخرَّج في "صحيح أبي داود" (1341).والقسم الآخر: صريح غير صحيح، بعضه مما صرح الحافظ بضعفه؛ كحديث القول الثالث عن عائشة في ابن ماجه (3859)، وهو في "ضعيف ابن ماجه " رقم (841)، وبعضه مما سكت عنه؛ فلم يُحسّن! كحديث القول الثامن من حديث معاذ ابن جبل في الترمذي، وهو مخرج في "الضعيفة" برقم (4520).وهناك أحاديث أخرى صريحة لم يتعرض الحافظ لذكرها ولكنها واهية، وهي مخرجة هناك برقم (2772 و2773 و2775). "الضعيفة" (13/ 1/278 - 280). [861] باب منه سؤال: بالنسبة للاسم الأعظم لله عز وجل هناك عدة أحاديث، هل ممكن تذكر بالأحاديث الصحيحة في هذا المجلس؟ الشيخ: لا يمكن الآن لكن يقيناً اسم الله الأعظم هو الله اسم الذات؛ لأنه قد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن رجلاً سمع رجلاً يدعو في آخر صلاته وهو يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال عليه الصلاة والسلام، هناك حديثان بهذا المعنى في أحدهما يقول: «ادع فقد استجيب لك .. ادع فقد سألت الله باسمه الأعظم، الذي إذا

[862] باب هل صح حديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يرد أن يعلم عائشة الاسم الأعظم؟

سئل به أعطى وإذا دُعي به استجاب» وفي حديث آخر يقول: «لقد دعا هذا الله باسمه الأعظم»، فالأحاديث كلها التي جاءت بهذا الخصوص تلتقي مع لفظة الجلالة غيره. "الهدى والنور" (616/ 38: 50: 00) [862] باب هل صح حديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يُرِد أن يُعلِّم عائشة الاسم الأعظم؟ السائل: في كتاب طبعاً معروف الذي هو الناس تتداوله يعني: ليس بجيد كما يقولون الذي هو كتاب الدعاء المستجاب .. فيسألني [أحدهم] يقول لي: هناك حديث قرأه لي أحدهم قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام ما أراد أن يعلم عائشة الاسم الأعظم، هل صح عنه هذا الشيء؟ الشيخ: لم يصح، وبتلاقي هذا الحديث في «فتح الباري»، وهو يقول: إسناده ضعيف، لكن أنت لم تنصح هذا الرجل الذي قال لك عن الحديث وقرأه في الدعاء المستجاب. مداخلة: أنا نصحته أن يبتعد عنه، يعني: لو استبدل بدله كتاب الكلم الطيب .. الشيخ: نصحته؟! مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! جزاك الله خيراً. مداخلة: جميعاً وإياكم. "الهدى والنور" (339/ 31: 04: 00)

[863] باب هل نثبت لله اسم الطيب؟

[863] باب هل نثبت لله اسم الطيب؟ سؤال: كلام السائل، قال: روى الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» قال السائل: هل يجوز تسمية الله تعالى بالطيب واعتباره من أسمائه تعالى؟ الشيخ: نعم، يقال: الطيب، كما جاء في هذا الحديث في صحيح مسلم «إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبًا» يظهر أن هذه صفة وليست اسمًا عَلَمًا يوصف ربنا عز وجل بهذه الصفة ولا يطلق عليه اسمًا، هذا هو الجواب عن السؤال، أنت السائل؟ مداخلة: نعم. الشيخ: تريد شيئًا آخر؟ مداخلة: أريد يا شيخ أيضًا: هل يشتق من الصفات أسماء لله عز وجل؟ الشيخ: لا. مداخلة: طيب! هذه صفة مشتق منها اسم. الشيخ: وما هي؟ مداخلة: إن الله طيب، صفة لله عز وجل. الشيخ: ... نصفه لكن لا نسميه. مداخلة: لا نسميه، أي: لا نقول: إن من أسماء؛ لأني حضرت مجلسًا لأحد المشايخ فكان يطلب فوائد من هذا الحديث، فذكر أحد الجالسين من الطلبة بهذا اللفظ قال: نستفيد من هذا الحديث أن الله عز وجل يسمى بالطيب، فسألت هذا الشيخ قلت له: يا شيخ، هل هذا صحيح، يشتق من الصفة اسم؟ قال: نعم، يسمى الله عز وجل بالطيب، ....

[864] باب هل النور من أسماء الله؟

الشيخ: ... لو قال: الطيب، كما جاء في بعض الأسماء كنا نسميه، لكن هو جاء هناك صفة لله عز وجل، فهو صفة. مداخلة: من الخطأ أن يطلق اسمًا. الشيخ: نعم، اسمًا هكذا مفردًا لا. "رحلة النور" (أ41/ 00:04:28) [864] باب هل النور من أسماء الله؟ سؤال: شيخنا في مثل هذا الموضوع استغرب بعض طلبة العلم ما سمعه منكم في تفسير قوله تعالى: {اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} (النور:35) لكونه ينورهما وليس له اسم النور، فنريد تفصيل في هذا جزاكم الله خيراً. الشيخ: ما عندي تفصيل إلا أنني لا أعلم أن النور اسم من أسماء الله عز وجل في حديث صحيح، بل قوله عليه السلام: حجابه النور لما سئل: هل رأيت ربك، قال: «نور أنى أراه»، وفي حديث أبي موسى الأشعري في صحيح مسلم يقول: «حجابه النور لو كشف هذا الحجاب لأحرق نوره كل شيء» ... أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فالجواب: لا أعلم أن النور اسم من أسماء الله عز وجل. "الهدى والنور" (514/ 22: 05: 00) [865] باب هل الساتر من أسماء الله؟ السائل: هل الساتر من أسماء الله؟ الشيخ: انظر بارك الله فيك! يقول أهل العلم: أسماء الله توقيفية، ما معنى توقيفية؟ يعني: نحن لا نعرف أسماء الله إلا بإيقاف النبي لنا عليها مفهوم هذا

الكلام؟ طيب! نحن لا يجوز لنا أن نسمي الله عز وجل بما لم يُسمِ هو به نفسه أو يسمه به نبيه، نحن لا يجوز لنا أن نسمي ربنا إلا بما سمى هو به نفسه أو سماه نبيه به، فالآن: لا يوجد في أسماء الله عز وجل إلا الستير، أما الساتر، أما الستار فلم يرد في أسمائه تعالى، وإن كان المعنى صحيح، يعني الآن: لو قال لك قائل: إن الله عز وجل سخي غير بخيل هذا المعنى صحيح أو لا؟ مداخلة: نعم، صحيح. الشيخ: صحيح، لكن لا يجوز أن نسميه سخياً وإنما نسميه بالاسم المرادف له؛ لأنه سمى الله به نفسه على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ألا وهو الكريم، والكريم والسخي في لغة العرب لفظان مترادفان يؤديان إلى معنى واحد، فكون السخي بمعنى الكريم لا يسوغ لنا أن نقول: يا سخي أكرمني .. تفضل علي، لكن نقول: يا كريم؛ لأن أسماء الله توقيفية، واضح هذا الكلام؟ طيب. الشيخ: نحن نتكلم عما يتعلق بالله ليس عما يتعلق بعباد الله .. أنا رأيت إنساناً على خطأ فأستر عليه ما في مانع، وأقول: أن الله يستر عليه أيضاً ما في مانع، ما ستر عبد مسلماً أخاه المسلم إلا ستره الله عز وجل، لكن هل نشتق من هذا الاسم اسماً نطلقه على الله فنقول: أنه ساتر أو ستار؟ لا، وإنما ما جاء في الحديث وهو قوله عليه السلام: «إذا أتى أحدكم الخلاء فليستتر فإن الله حيي ستير يحب من عبده الحياء والستر» حيي ستير، فهذا الذي جاء، [وإن كانت] كلمة ستار وساتر مشهورة جداً. فالشاهد: أسماء الله توقيفية، وربنا قال في القرآن الكريم: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آل عمران:54) فلا يجوز لنا أن نسمي الله بالماكر، ولا يجوز أن

[866] باب ضبط اسم الله تعالى الستير

نسميه بالمكار؛ لأنه ما سمى بذلك نفسه، لا نشتق من هذا الاسم المركب: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آل عمران:54) ما نشتق منه اسم فاعل ماكر، أو فاعل مبالغة مكار لا؛ لأن أسماء الله توقيفية. "رحلة النور" (3أ/51: 04: 00) [866] باب ضبط اسم الله تعالى الستير السائل في الحديث «سِتير» أو «سَتير»، بكسر السين أو بفتحها؟ الشيخ: والله أنا ... اتحدثت معك إني لازم أراجعه ... ، وغاب عن ذهني لسه ما راجعناه فعسى أن نراجع, مداخل آخر: هذه مضبوطة في البخاري عن موسى عليه السلام كان حيياً ستيراً بكسر السين. قال ابن حجر: وهذه الصيغة الأصح في اللغة كصيغة فعيل على وزن رحيم. الشيخ: نعم. مداخلة: قال: ويجوز أن نقول: ستير على وزن فعيل. الشيخ: أيوه. مداخلة: هذا في سنده في الصحيح. الشيخ: هذا معناها في المسألة قولان أو وجهان، أنا ما عندي مراجعة في الحقيقة، لكن الذي يعني: أنا قائم في ذهني وفي لفظي ستير، فمن نقل الأخ هنا أبو حمزة يدل أنه لهذا وجه.

[867] باب هل المنتقم من أسماء الله؟

مداخلة: هو كذلك. الشيخ: أي نعم. "الهدى والنور" (197/ 17: 49: 00) [867] باب هل المنتقم من أسماء الله؟ سؤال: أحياناً نسمع الإمام يقول: اللهم انتقم لنا؟ هل ورد من أسماء الله وصفاته أنه المنتقم حتى يقول: انتقم لنا من كذا؟ الشيخ: هو ليس من الضروري أن يكون من أسمائه (المنتقم) حتى يجوز لنا أن نقول: انتقم، يعني لو قلنا يا رب اقتل أعداءنا، هذا ما يحتاج إلى أن نقول: هل من أسماء الله -عز وجل- (القتال)؛ لا، لأنه هذا ليس وصفاً، ليس اسماً اسم علم، واضح؟ مداخلة: يعني هل الله ينتقم أو يأخذ يعني؟ الشيخ: ما في مانع ينتقم ممن؟ من الظالمين ومن الكافرين. مداخلة: طيب وقوله تعالى {وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (آل عمران:4). الشيخ: هاه، صفة. مداخلة: صفة. الشيخ: لكن ليس من أسمائه (المنتقم). مداخلة: ليس من أسمائه. شيخي يزيدون في الدعاء بـ سيف نقمتك.

[868] باب هل نثبت اسم "الواهب" لله تعالى؟

الشيخ: كيف. مداخلة: اللهم انتقم لنا بـ سيف نقمتك. الشيخ: ما سمعت. مداخلة: بسيف نقمتك. الشيخ: بيت؟ مداخلة: بسيف. الشيخ: بسيف نقمتك. مداخلة: أي نعم. الشيخ: يا أخي الكلام في اللغة العربية واسع، ما لم يخالف شرعاً فما في منه مانع. الملقي: نعم. الشيخ: هذا كلام بيسموه مجازي مش حقيقي، الله ما عنده سيف، ولذلك أضاف السيف للنقمة، فهو تعبير مستساغ عربيةً. "الهدى والنور" (523/ 21: 41: 00) و (523/ 42: 42: 00) [868] باب هل نثبت اسم "الواهب" لله تعالى؟ [قال الإمام]: لا أعلم أن من أسماء الله الواهب إلا اشتقاقاً. "الصحيحة" (7/ 1/84).

[869] باب اسم الحنان

[869] باب اسم الحنان عن أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سمع رجلاً يقول: اللهم! لك الحمد، لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، المنّان، بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام! فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لقد سأَلتَ اللهَ باسمِ اللهِ الأعظَم: الذي إذا دُعيَ به أجابَ، وإذا سُئل به أعطَى». [قال الإمام]: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/ 272/9410)، وأحمد (3/ 120) قالا: ثنا وكيع: حدثني أبو خزيمة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سمع رجلاً يقول: اللهم! لك الحمد، لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، المنّان، بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام! فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: ... فذكره. ومن طريق وكيع: أخرجه ابن ماجه (3858). قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي خزيمة، قال أبو حاتم: "لابأس به ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (6/ 465)، وسماه: (صالح بن مرداس) وروى عنه جمع من الثقات الحفاظ، وقال الذهبي، والحافظ:"صدوق ". وله طريقان آخران: أحد هما: يرويه محمد بن إسحاق: حدثني عبد العزيز بن مسلم عن إبراهيم

بن عبيد بن رفاعة عن أنس به، دون قوله:"وحدك لا شريك لك ". أخرجه أحمد (3/ 265)، والبخاري في " التاريخ " (3/ 2/27)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 62). قلت: وهذا إسناد حسن أو قريب من الحسن، رجاله ثقات معروفون؛ غير عبد العزيز بن مسلم- وهو الأنصاري مولى آل رفاعة-، وثقه ابن حبان (5/ 123)، وروى عنه أيضاً معاوية بن صالح. وقال الحافظ: "مقبول ". والآخر: يرويه خلف بن خليفة: ثنا حفص بن عمر عن أنس به نحوه، دون قوله المذكور، وزاد بعد جملة (الجلال): "يا حي يا قيوم! ". ورجاله ثقات؛ لكن خلفاً هذا كان اختلط، وقد خرَّجت حديثه هذا في "صحيح أبي داود" (1342) لطرقه، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. (تنبيه): وقع في الطريق الأولى- بين عبد العزيز بن مسلم وإبراهيم بن عبيد- زيادة: (عن عاصم) في "المسند" فقط، وهي ثابتة في "جامع المسانيد" لابن كثير (21/ 22/9)، وكذا في "أطراف المسند" لابن حجر العسقلاني (1/ 271)، والظاهر أنه خطأ قديم مقحم من بعض النساخ؛ لعدم ورودها عند البخاري والطحاوي أولاً، ولأنهم لم يذكروا (عاصماً) هذا في شيوخ عبد العزيز بن مسلم- كما تقدم-، ولا في الرواة عن إبراهيم بن عبيد ثانياً، والله أعلم. تنبيه آخر: لقد وقع في سياق حديث الترجمة عند المنذري في "الترغيب "

(2/ 234/4) - وقد ساقه بلفظ أحمد- زيادة ونقص، فقال: "لا إله إلا أنت، يا حنان يا منان! يا بديع ... " فزاد: "يا" النداء في الجمل الثلاثة، وزاد اسم: "حنان"! وأسقط جملة: "وحدك لا شريك لك ".ولا أصل للاسم المذكور إلا في رواية لأحمد في طريق (خلف) (3/ 158)، وأظنها خطأ أيضاً من بعض النساخ أو الرواة؛ ففي الرواية الأخرى عنده (3/ 245): "المنان"، وهو الثابت في رواية أبي داود والنسائي والطحاوي وابن حبان والحاكم، ويشهد له حديث الترجمة. وأظن أن ما في "الترغيب " بعضه من تلفيق المؤلف نفسِه بين الروايات- وهو من عادته فيه! - وبعضه من النساخ. ولم يتنبه لهذا الخلط المعلقون الثلاثة عليه (2/ 481)، فلم ينبهوا عليه كما هو واجب التحقيق الذي ادعوه في طبعتهم الجديدة لـ "الترغيب "! بل زادوا عليه خلطاً من عندهم! فجعلوا مكان قوله: "سألت الله"- الثابت في "مسند أحمد" وغيره-: قولهم: [دعا الله]، هكذا بين معكوفتين، وعلقوا عليه فقالوا: "ليست في (ب) "! قلت: وهذا تعليق هزيل، فمع أن الزيادة مخالفة لرواية "المسند" " فإنها تعني أن الأصل الذي طبعوا عليه فيه سقط، وأنه بلفظ: "لقد .. باسمه الأعظم ... ". وهذا غير معقول ولا مفهوم! فكان عليهم أن يبينوا ماذا في نسخة (ب)، (ذلك مبلغهم من العلم) والتحقيق المزعوم! وزادوا- ضغثاً على إبَّالة- أنهم عزوا الحديث لأحمد (5/ 349و360)! وإنما هو في المجلد الثالث منه كما تقدم. وبعد كتابة ما تقدم رجعت إلى "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان " في

طبعتيه، فرأيت في حديث خلف:"أنت الحنان المنان "؛ جمع بين الاسمين، لكن ليس في "زوائد ابن حبان " (2382) للهيثمي إلا:"أنت المنان ".وهو المحفوظ، وزيادة: " الحنان " شاذة باعتبارين: أحدهما: عدم ورودها مطلقاً في حديث الترجمة وغيره، كما سبق. والآخر: مخالفتها لكل الطرق الدائرة على (خلف)، فليس فيها الجمع المذكور. ومما يؤكده أن راويه في "صحيح ابن حبان" عن (خلف) هو قتيبة بن سعيد، وعنه رواه النسائي دون الزيادة، فكان هذا مما يرجح ما في "زوائد ابن حبان " على ما في "الإحسان ". من أجل ذلك؛ يبدو جلياً خطأ المعلقين الثلاثة الذي سكتوا في تعليقهم على "الترغيب" عن هذه الزيادة، وليس ذلك غريباً عنهم؛ فإنهم لا يحسنون غيره لجهلهم، ولكن الغريب أن يلحقها بـ "زوائد ابن حبان" (2/ 1075 - طبع المؤسسة) المعلقان عليه، ويجعلاها بين معكوفتين: [الحنان]،وهي لا تصح لشذوذها ومخالفتها للطرق عن (خلف)، ومنها طريق قتيبة، ولمباينتها لسائر الطرق على أنس، وبخاصة طريق حديث الترجمة. "الصحيحة" (7/ 2/1209 - 1212).

[870] باب هل «موجود» من أسماء الله؟

[870] باب هل «موجود» من أسماء الله؟ الشيخ: .. نحن نقول مثلاً بكل بساطة ولا إنكار ولا جحود: الله موجود فهل اسم موجود من أسماء الله عز وجل؟ طبعاً لا، الذي ينكره العلماء أنه لا يجوز تسمية الله عز وجل ووصفه إلا بما سمى ووصف به نفسه، لا يعنون الجملة الخبرية التي يطلقها الإنسان ثم لا يقف عندها فيصف الله عز وجل بأنه من أسمائه أنه موجود، .. وإنما هو يخبر خبراً محضاً، وهذا ما يبينه ابن تيمية الذي يقول السائل بأنه يستعمل كلمة الشارع لأن هذا إخبار عن معنى قائم في الذهن يعبر عنه الإنسان. فالله عز وجل إذا قال قائل: ليس بمفقود .. ليس بمعدوم، لا يكون قد أطلق اسماً على الله أو صفة من صفات الله، لكنه بهذه الكلمة: ليس بمعدوم يعبر عن كلمة الباقي أو اسم باقي، والحي والقيوم ونحو ذلك؛ لهذا لا ينكر مثل هذا الاستعمال إذا لم يستعمل على أنه اسم جاء عن السلف، أو أنه صفة جاء في الشرع منصوصاً عليها. "الهدى والنور" (793/ 20: 27: 00) [871] باب هل الماكر والخادع من أسمائه تعالى؟ سؤال: في العقيدة أحياناً بعض الإخوة يسألون في باب الصفات يقول مثلاً في المكر والخداع: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (النساء:142)، ومثلها من الصفات، فأيش يعني، ما رأيكم بمثل هذا، هل هو من باب المقابلة كما يقول ابن القيم في الصواعق أم ما رأيكم؟

[872] باب ما تفسير اسمي الخالق والبارئ، وما الفرق بينهما، وطلب ذكر كتاب يشرح الأسماء الحسنى على منهج السلف

الشيخ: نعم، هو كذلك، لكن قد لا نضطر أن نقول من باب المقابلة باعتبار أن صفة من الله -عز وجل- أو كل صفة من صفات الله -عز وجل- تختلف كل الاختلاف عن صفات المخلوقين، فمكر الإنسان غير مكر رب الأنام، فـ {مَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آل عمران:54) مجرد أنه وصف نفسه بأنه خير الماكرين خلاص أخذ الله -عز وجل- الصفة التي تليق بعظمته وجلاله دون الصفة التي إذا أطلقت على البشر تكون وصف ذم لهم وليس وصف مدح، فحينئذٍ إذا قيل من باب المجانسة والمقابلة أو لم يقل بهذه الكلمة، المهم أن أي صفة فهي تختلف عن صفات المخلوقين تماماً، ثم لا يشتق منها، لا يشتق منها اسم فاعل، فلا يقال مثلاً: ربنا ماكر، أو خادع أو مخادع أو ما شابه ذلك، وإنما ينطق بالصفة كما جاءت في الكتاب أو في السنة، ولعل في هذا القدر كفاية، والحمد لله رب العالمين. "الهدى والنور" (673/ 33: 19: 00) [872] باب ما تفسير اسمي الخالق والبارئ، وما الفرق بينهما، وطلب ذكر كتاب يشرح الأسماء الحسنى على منهج السلف سؤال: بالنسبة لتفسير أسماء الله الحسنى سبحانه وتعالى ما هو تفسير اسم الخالق والبارئ، والفرق بينهما، واذكر لنا اسم كتاب يشرح الأسماء الحسنى على منهج السلف الصالح يتبع فيه كاتبُهُ الكتابَ والسنةَ؟ الجواب: لا يحضُرُني الآن فرقٌ بين الخالق والبارئ، لكن الإمام الخطابيّ له كتاب في تفسير الأسماء الحسنى، ولا أعرف في المطبوعات سواه، فمن شاء رجع إليه إن شاء الله. " الهدى والنور" (2/ 09 30: 00)

[873] باب هل يجوز أن يتسمى إنسان بالطبيب؟

[873] باب هل يجوز أن يتسمى إنسان بالطبيب؟ سؤال: مِنْ أسماء الله الطبيب، هل يجوز أن يتسمى الإنسان بالطبيب فلان؟ الشيخ: التسمية ما يجوز، لكن الوصف يجوز، يعني: تقول: محمدٌ طبيبٌ، زيدٌ طبيبٌ، لكن ابنك تسميه «الطبيب» لا يجوز، كما تقول: زيدٌ عليمٌ، مؤمنٌ رحيمٌ ... إلخ، لكن ما تقول: رحيم سميع اسم علَم، لا يجوز، كذلك الطبيب. مداخلة: عليّ؟ الشيخ: العليّ ما يجوز، علي يجوز. مداخلة: يعني: مؤمن يجوز والمؤمن لا يجوز. الشيخ: أي نعم. مداخلة: مؤمن يجوز. الشيخ: يجوز على هذا القياس، المؤمن لأن الله سمى نفسه المؤمن. ترجع هي على كل حال ترجع للوصف. مداخلة: عبد الطبيب؟ الشيخ: إذا سميت الطبيب: الله عز وجل، خصصته به، جازت النسبة إليه. "الهدى والنور" (56/ 55: 26: 00) [874] باب هل "آه" من أسمائه تعالى؟! [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: دعوه يئن فإن الأنين اسم من أسماء الله تعالى يستريح إليه العليل. (ضعيف).

[875] باب هل القديم من أسماء الله؟

[قال الإمام]: قال المناوي "أي لفظ "آه" من أسمائه، لكن هذا لم يرد في حديث صحيح ولا حسن، وأسماؤه تعالى توقيفية". قلت: ففيه رد على الصوفية الذين يذكرون الله بلفظ "آه، آه ... "! لأنه لم يرو أصلاً! "ضعيف الجامع" (437). [875] باب هل القديم من أسماء الله؟ [قال الإمام]: اعلم أنه ليس من أسماء الله تعالى: (القديم) وإنما هو من استعمال المتكلمين, فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن هو المتقدم على غيره فيقال: هذا قديم للعتيق, وهذا جديد للحديث, ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره لا فيما لم يسبقه عدم كما قال تعالى: {حتى عاد كالعرجون القديم} (يس: 39) والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم وإن كان مسبوقاً بغيره كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/ 245) والشارح في "شرحه" لكن أفاد الشيخ ابن مانع هنا فيما نقله عن ابن القيم في " البدائع " أنه يجوز وصفه سبحانه بالقدم بمعنى أنه يخبر عنه بذلك وباب الإخبار أوسع من باب الصفات التوقيفية. قلت: ولعل هذا هو وجه استعمال شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الوصف في بعض الأحيان. "التعليق على متن الطحاوية" (ص11 - 12).

[876] باب هل الماجد من أسماء الله

[876] باب هل الماجد من أسماء الله [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن الله تعالى يقول: يا عبادي! كلكم مذنب إلا من عافيت؛ فاستغفروني أغفر لكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت، إني جواد ماجد واجد؛ أفعل ما أشاء، عطائي كلام، وعذابي كلام؛ إذا أردت شيئاً فإنما أقول له: كن فيكون». (ضعيف). [ثم بين الإمام ضعفه ثم قال]: وقد كان الداعي إلى تخريجه: أنني سافرت سفرة اضطرارية إلى الإمارات العربية، فكنت في دعوة غداء عند بعض المحبين في الله في (أبو ظبي) يوم الجمعة 9 محرم سنة 1402 هـ، وفي المجلس شاب يماني سلفي يُدعى بـ (عبد الماجد)، فسأل أحد الحاضرين: هل (الماجد) من أسماء الله تعالى؟ فقلت: لا أعلمه إلا في رواية الترمذي للحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مئة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة"، فزاد الترمذي فيه سرد الأسماء، وفيها هذا الاسم (الماجد)! لكن العلماء ضعفوا هذه الزيادة، وهي في "المشكاة" (2288)، مع بيان ضعفها. فذكر أحد الحاضرين أنه رأى هذا الاسم في حديث آخر في "مختصر تفسير ابن كثير" للشيخ الصابوني، فطلبته، فرأيته قد ساقه محذوف السند كعادته، غير مشير إلى ضعفه؛ لأنه من الجمهور الذي لا علم عنده بالصناعة هذه؛ بل هو يستكثر بما ليس عنده؛ فإن الحديث يكون في الأصل "تفسير ابن كثير" مخرجاً

[877] باب معنى قوله تعالى على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - «إني انا الدهر»

معزواً لبعض أصحاب الحديث المؤلفين، فيختصر التخريج من "مختصره"، ويجعله في أسفل حاشيته، يوهم القراء أن التخريج له، وليس له منه إلا التزوير، كما يشير إلى ذلك قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من تشبع بما لم يعط؛ فهو كلابس ثوبي زور». ولو أنه فعل ذلك مرة أو مرتين لما تعرضنا له بذكر، ولكنه جعل ذلك ديدنة ومنهاجاً؛ فإنه جعل كل التخريجات التي في الأصل في حاشية "مختصره"! والله تعالى هو المستعان. "الضعيفة" (11/ 2/627 - 629). [877] باب معنى قوله تعالى على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - «إني انا الدهر» [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر (وفي رواية: يسب الدهر) فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر: أُقِلِّب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما». [قال الإمام]: معنى الحديث: قال المنذري: " ومعنى الحديث أن العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلة وأصابته مصيبة أو مكروه يسب الدهر اعتقاداً منهم أن الذي أصابه فعل الدهر كما كانت العرب تستمطر بالأنواء وتقول: مطرنا بنوء كذا اعتقادا أن ذلك فعل الأنواء،

[878] باب هل يطلق على الله تعالى لفظ الذات؟

فكان هذا كاللاعن للفاعل ولا فاعل لكل شيء إلا الله تعالى خالق كل شيء وفاعله, فنهاهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ذلك. وكان (محمد) ابن داود ينكر رواية أهل الحديث " وأنا الدهر " بضم الراء ويقول: لو كان كذلك كان الدهر اسماً من أسماء الله عز وجل, وكان يرويه " وأنا الدهر أقلب الليل والنهار "، بفتح راء الدهر على النظر في معناه: أنا طول الدهر والزمان أُقلِبّ الليل والنهار. ورجح هذا بعضهم ورواية من قال: " فإن الله هو الدهر " يرد هذا. والجمهور على ضم الراء. والله أعلم ". وللحديث طريق أخرى بلفظ آخر وهو: " لا تسبوا الدهر، فإن الله عز وجل قال: أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك ". "الصحيحة" (2/ 67 - 69). [878] باب هل يُطلق على الله تعالى لفظ الذات؟ سؤال: هل يطلق على الله لفظ الذات؟ الشيخ: قد أُطْلِقَ من بعض الصحابة لفظ ذات الله. مداخلة: ألم يرد فيه حديث: (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله) .. ؟ الشيخ: أنا ما أذكر الآن الحديث، أنا أقول له جاء هذا عن بعض الصحابة. مداخلة: ... (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله). الشيخ: أنا ما أحفظ والله الآن في ذات الله. مداخلة: [يعني هذا] جائز؟

[879] باب هل يجوز إطلاق لفظ شيء على الله عز وجل؟

الشيخ: جائز طبعاً بعد صحة الحديث ورود ذلك عن السلف، [يحاول الشيخ تذكر البيت] .. «في ذات الله». مداخلة: وذلك في ذات الإله وإن يكن ... الشيخ: أيوه هذا. مداخلة:: [و] كلام عبد الله بن المبارك: الله فوق عرشه بذاته بائن من خلقه .... الشيخ: إيه نعم (¬1). " الهدى والنور" (25/ 49: 41: 00) [879] باب هل يجوز إطلاق لفظ شيء على الله عز وجل؟ السؤال: هل يجوز إطلاق لفظ شيء على الله عز وجل؟ الشيخ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (الطور:35). مداخلة: أو مثلاً {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} (الأنعام:19). الشيخ: ممكن يعني، بس يعني بدك تحكي مع ناس يفهموا عليك. مداخلة: جزاك الله خيراً. الشيخ: وإياك. " الهدى والنور" (326/ 40: 17: 00) ¬

(¬1) أقول: وقد جاء إطلاق هذا اللفظ: «ذات الله» من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك في حديث كذبات إبراهيم عليه السلام الثلاث حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في أوله: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله عز وجل .. » الحديث أخرجه «البخاري» (3179) «ومسلم» (6294).

جماع أبواب قواعد عامة في صفات الله تعالى

جماع أبواب قواعد عامة في صفات الله تعالى

[880] باب إثبات قيام الأفعال الاختيارية بذاته تعالى

[880] باب إثبات قيام الأفعال الاختيارية بذاته تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «قال الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني, والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة, ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً, ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً, وإذا أقبل إليَّ يمشي أقبلت إليه أُهرَوِل.» (صحيح لغيره). [قال الإمام]: قلت: فيه دلالة ظاهرة على أن لله قُرباً يقوم به، بفعله القائم بنفسه. وهذا مذهب السلف وأئمة الحديث والسنة، خلافاً للكلابية وغيرهم ممن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته تعالى، ومن ذلك نزوله تعالى إلى السماء الدنيا. انظر " مجموع الفتاوى لابن تيمية" (5/ 240 - 250) ومنه دنوه عشية عرفة، وكل ذلك خاص بالمؤمنين، فراجع كلامه فإنه هام جداً. "التعليق على الترغيب والترهيب" (3/ 1144). [881] باب هل صفاته تعالى محدودة؟ سؤال: فضيلة الوالد حفظك الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الذي يرويه مسلم: «حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» فالسؤال: هل هذا يعني أن بصره سبحانه وتعالى له نهاية؟ الشيخ: ما انتهى إليه من الخلق يعني، الخلق هو الذي له نهاية، أما بصره تعالى وكل صفاته ليس لها حد محدود، لكن المخلوقات فهي محدودة، هذا هو المقصود من الحديث، التحديد ليس له علاقة بالصفة وإنما بالمخلوق فقط. "رحلة النور" (29أ/00:35:37)

[882] باب جواز الحلف بصفات الله تعالى

[882] باب جواز الحلف بصفات الله تعالى [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «يؤتى بأشد الناس كان بلاء في الدنيا من أهل الجنة، فيقول أصبغوه صبغة في الجنة، فيصبغونه فيها صبغة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط أو شيئا تكرهه؟ فيقول: لا وعزتك ما رأيت شيئاً أكرهه قط، ثم يُؤتى بأنعم الناس كان في الدنيا من أهل النار فيقول: أصبغوه فيها صبغة، فيقول: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط قرة عين قط؟ فيقول: لا وعزتك ما رأيت خيرا قط ولا قرة عين قط». [قال الإمام]: (فائدة): في الحديث جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى ومن أبواب البيهقي في " السنن الكبرى " (10/ 41) " باب ما جاء في الحلف بصفات الله تعالى كالعزة والقدرة والجلال والكبرياء والعظمة والكلام والسمع ونحو ذلك". ثم ساق تحته أحاديث وأشار إلى هذا الحديث واستشهد ببعض الآثار عن ابن مسعود وغيره وقال: " فيه دليل على أن الحلف بالقرآن كان يميناً ... ".ثم روي بإسناد الصحيح عن التابعي الثقة عمرو بن دينار قال: " أدركت الناس منذ سبعين سنة يقولون: الله الخالق وما سواه مخلوق والقرآن كلام الله عز وجل ". "الصحيحة" (3/ 155 - 156). [883] باب هل يجوز الحلف بيد الله وقدم الله؟ سؤال: شيخنا مسألة الحلف بيد الله وقدم الله هل يجوز قياساً على جميع الصفات؟ الشيخ: ألم تسألني هذا السؤال؟

السائل: سألتكم نعم. بعض أهل العلم قالوا: أن السلف ما كانوا يحلفون هذا النوع من الحلف. الشيخ: أنت تسأل يجوز أم لا يجوز؟ السائل: أنا أسأل يجوز، لكن صفات ... الشيخ: أنت تسأل عن الجواز، هل كل أمر جائز ينبغي أن يكون واقعاً من قبل، هل ترى هذه الأشياء التي حولك هذه أشياء جائز استعمالها أم لا؟ لكنها لم تكن في عهده السلف، هذا كلام ليس كلام فقهاء لأن العلماء ذكروا حديث أحد الذين يخرجهم الله عز وجل بفضله من النار إلى الجنة، لا أستحضر الآن تمام الحديث، لا أدري هو الذي قال عنه الرسول: إني لأعرف آخر رجل يخرج من النار، وآخر رجل يدخل الجنة رجل يخرج من النار يحبو حبواً، أو هو رجل آخر، الشاهد في هذه القصة وهي صحيحة ربنا يسأل العبد سؤالاً فيقول: لا وعزتك، فأخذ العلماء من هنا جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى، هذا متى يقع؟ يقع يوم القيامة، لكن أخذ منه حكم شرعي وهو أنه يجوز الحلف بصفة من صفات الله. مداخلة: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين} الشيخ: لا لا، هذه ما يجوز، هذه على العكس نعم. فإذاً: كون أمر دل الدليل الشرعي على جوازه لا يستلزم أن يكون هذا الأمر الجائز واقعاً في عهد السلف، هذا الاستلزام يرد في التعبديات. "الهدى والنور" (514/ 42: 00: 00)

[884] باب هل يجوز التسمي بعبد الرحمة وعبد الرضا ... ؟

[884] باب هل يجوز التسمي بعبد الرحمة وعبد الرضا ... ؟ سؤال: هل يجوز التسمي بعبد الرحمة وعبد الرضا .. ؟ الشيخ: ما علمت ذلك. "لقاءات المدينة" (8/ 00:19:21) [885] باب الفرق بين صفة المعنى والصفة المعنوية؟ سؤال: قال الشنقيطي رحمه الله: قسَّم المتكلمون الصفات إلى ستة أقسام، قال: الأولى صفة نفسية، والثانية: صفة معنى، والثالثة: قال: صفة معنوية، ما الفرق بين صفة المعنى والصفة المعنوية؟ الشيخ: ما عندي دراية. "رحلة النور" (30أ/00:39:37) [886] باب هل لله صفات سلبية سؤال: التقسيم في الصفات مثال على ذلك الصفات السلبية كما يقول بعضهم ... الشيخ: عفواً يا أخي سؤال، الصفات السلبية هل ورد هذا التعبير في الكتاب والسنة فيما تعلم؟ مداخلة: لم يرد. الشيخ: طيب لماذا تسأل عنها؟ مداخلة: لأني سمعت بعض المشائخ يقول عنه، فأريد أعرف مدى صحة هذا القول أو بطلانه. الشيخ: إسأله، نحن ما عندنا صفات سلبية. "الهدى والنور" (563/ 19: 37: 00)

جماع أبواب الكلام على جملة مما ثبت لله تعالى من الصفات الفعلية

جماع أبواب الكلام على جملة مما ثبت لله تعالى من الصفات الفعلية

(صفة الضحك)

(صفة الضحك) [887] باب إثبات صفة الضحك [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده، وقرب غيره، فقال أبو رزين: أويضحك الرب عز وجل؟ قال: نعم. فقال: لن نعدم من رب يضحك خيراً». [قال الإمام]: الحديث صريح في إثبات صفة الضحك لله تعالى بحيث لا يمكن تأويله. "الصحيحة" (6/ 2/732 - 733). [888] باب إثبات صفة الضحك والرد على من ضعَّف بعض أدلتها [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «آخرُ مَن يدخلُ الجنةَ رجلٌ؛ فهو يمشي مرة، ويكبو مرةً، وتسفعُهُ النارُ مرةً، فإذا ما جاوزَها التفتَ إليها فقال: تباركَ الذي نجاني منكِ، لقدْ أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فتُرفعُ لهُ شجرةٌ، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه الشجرة، فلأستظلَّ بظلِّها، وأشربَ من مائها، فيقولُ الله عزّ وجلّ: يا ابن أدم! لعلِّي إن أعطيتُكَها سألتني غيرها؟ فيقولُ: لا يا ربِّ! ويعاهدُه أن لا يسألَه غيرها، وربُّه يعذِرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صبْرَ لَهُ عليه، فيدنيهِ منها، فيستَظلُّ بظلِّها، ويشربُ من مائها. ثم ترفعُ له شجرةً هي أحسن من الأولى، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه لأشربَ من مائها، وأستظلَّ بظلِّها، لا أسأَلُكَ غيرها، فيقولُ: يا ابن آدم! ألم تعاهدْني أن لا تسألنِي غيرها؟ فيقول: لعلِّي إن أدنيتُك منها تسألُني غيرها؟ فيعاهدهُ أن لا يسألَه غيرَها، وربُّه يعذرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صَبْرَ له عليه، فيدنيهِ منها، فيستظلُّ بظلِّها، ويشربُ من مائها.

ثم ترفعُ له شجرةٌ عند باب الجنة هي أحسن من الأولَيَيْنِ، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه لأستظلَّ بظلِّها، وأشربَ من مائها، لا أسألُكَ غيرها! فيقولُ: يا ابن آدمَ! ألمْ تعاهدني أن لا تسألَني غيرها؟ قال: بلى يا ربِّ! هذه لا أسألُك غيرها، وربُّه يعذرُه؛ لأنه يرى ما لا صَبْرَ له عليها، فيدنيه منها. فيسمعُ أصوات أهل الجنة فيقولُ: أيْ ربِّ! أدخِلنِيها، فيقول: أيِ ابنَ أدمَ! ما يَصْرِيني منكَ؟ أيرضيك أن أعطيكَ الدنيا ومثلَها معَها؟ قال: يا ربِّ! أتستهزئ مني وأنت ربُّ العالمين؟ فضحكَ ابنُ مسعودٍ، فقالَ: ألا تسألوني ممَ أضحكُ؟ فقالوا: ممَ تضحكُ؟ قال: من ضَحِكِ ربِّ العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنتَ ربُّ العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئُ منكَ، ولكنِّي على ما أشاء قادر.- وفي رواية: قدير-». [قال الإمام]: ثم وقفت بعد زمن من تحرير هذا التخريج على من ينكر صحة الحديث من جهة ما فيه من إثبات صفة الضحك لرب العالمين بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: « .. من ضَحِكِ رب العالمين». وأعني به ذاك الجهمي الجاحد المعطل، فقد قال- فُضَّ فوه- في تعليقه على

"دفع الشبه " (ص 178) مشيراً إلى إنكاره هذه الصفة: "وهي عندنا (!) لا تثبت؛ لأن راويها حماد بن سلمة ضعفه مشهور؛ وإن كان من رجال مسلم .. ". فأقول: مجال الكلام في الرد عليه واسع جداً لا سبيل إليه الآن، فحسبي منه ما يأتي؛ مما يؤكد تجهمه وعداءه لأئمة السنة وكذبه عليهم! أولاً: قوله في حماد- رحمه الله-! "ضعفه مشهور"؛ كذب وزور، لم يسبقه إليه أحد من المسلمين! فخذ ما شئت من كتب الرجال، فلن تجد فيها هذا التضعيف المطلق فضلاً عن أن يكون مقروناً بأنه مشهور!! غاية ما قيل فيه: إنه يخطئ! وهل هناك من لا يخطئ غير رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! ومع ذلك؛ فحماد موصوف بالضبط والإتقان فيما يرويه عن بعض التابعين؛ ومنهم ثابت البناني راوي هذا الحديث عند مسلم وغيره كما رأيت، وقد قال الإمام أحمد في "العلل " (1/ 263 و2/ 222): "حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت البناني ". وكذا قال ابن المديني وغيره. ولو أن القارئ الكريم راجع ترجمته في المطوَّلات من كتب الرجال والتاريخ؛ لرأى العجب العجاب من الثناء عليه والرفع من شأنه، وحسبك في ذلك قول إمام المؤرخين- الذي لا يحابي ولا يداري- الحافظ الذهبي، فقد أورده في "تذكرة الحفاظ "، وفي "أعلام النبلاء"، ووصفه بالحافظ الإمام القدوة شيخ الإسلام، ثم قال:

"قلت: كان بحراً من بحور العلم، وله أوهام في سعة ما روى؛ وهو صدوق حجة .. وكان مع إمامته في الحديث إماماً كبيراً في العربية، فقيهاً فصيحاً، رأساً في السنة .. ". وقال ابن حبان في " الثقات " (6/ 216): "لم يكن من أقرانه مثله في البصرة في الفضل والدين والعلم، والنسك، والصلابة في السنة، والقمع لأهل البدعة، ولم يكن يَثْلُبُه في أيامه إلا قدري أو مبتدع جهمي، لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة". قلت: سبحان الله اما أشبه اليوم بالبارحة، فها هو الجهمي المبتدع- بل الجاحد- يثلبه من جديد ويطعن فيه تقليداً منه للكوثري والغماري وأمثالهما من المتجهمة للسبب نفسه الذي ذكره ابن حبان- رحمه الله-، لذلك؛ تجده قد نصب نفسه- مثلهما- لرميه بما لا يصح، حتى ضعف به هذا الحديث الصحيح المتلقى من الأمة بالقبول، حتى من ابن الجوزي في "الدفع " الذي فتح له باب التجهم؛ فإنه لعلمه بثقة حماد لم يَسَعْهُ إلا التسليم به، ولكنه فسره بالمجاز الذي يؤدي بهم إلى أن يفسروا وجود ذاته تعالى بالمجاز أيضاً؛ لأن للمخلوقات وجوداً أيضاً، فإذا قالوا: لا ينسب الضحك إلى الله لأن الضحك من صفة الإنسان؛ فلينفوا إذن وجوده تعالى؛ لأن الإنسان موجود أيضاً! فسيقولون: وجوده تعالى ليس كوجودنا .. فنقول: قولوا إذن في كل صفة لله ثبتت في الكتاب أو السنة: إنها ليست كصفتنا؛ تستريحوا وتهتدوا {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}؛ فله سمع ولكن ليس كسمعنا، وبصر ليس كبصرنا .. ويضحك ولكن ليس كضحكنا؛ فإنه يقال في الصفات كلها ما يقال في الذات إثباتاً وتنزيهاً. فهذا الحق ما به من خفاءٍ ... فدعني عن بُنَيَّات الطريق.

[889] باب منه

ثم إن الواقع يشهد أن كل جهمي جاحد إنما هو من الذين قال الله فيهم: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} ذلك؛ لأنهم يحاولون تضعيف أحاديث الصفات بكل وسيلة غير مشروعة، كما فعل هذا الجاحد بهذا الحديث، فضعف إماماً من أئمة المسلمين بزور ادعاه عليه، ثم لم يعبأ بمن تابعه من الثقات كما تقدم، ولا بورود هذه الصفة في أحاديث أخرى في "الصحيحين " وغيرهما، بحيث يقطع الواقف عليها بثبوت نسبتها إلى الله تعالى. وكذلك يفعل بكل أحاديث الصفات الأخرى جحداً لها- بتضعيفها-، أو تعطيلاً لها- بتأويلها- كما فعل بآيات الصفات كالمجيء والفوقية والاستواء؛ تقليداً منه للكوثري وأمثاله من الجهمية، عاملهم الله بما يستحقون! "الصحيحة" (7/ 1/345 - 346، 353 - 356). [889] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إذا جمع الله الأولى والأخرى يوم القيامة، جاء الرب تبارك وتعالى إلى المؤمنين، فوقف عليهم، والمؤمنون على كوم (فقالوا لعقبة: ما الكوم؟ قال: مكان مرتفع) فيقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: إن عرفنا نفسه عرفناه، ثم يقول لهم الثانية، فيضحك في وجوههم، فيخرون له سجدا». [قال الإمام]: اعلم أن هذا الحديث كغيره من أحاديث الصفات يجب إمرارُه على ظاهره، دون تعطيل أو تشبيه كما هو مذهب السلف .. "الصحيحة" (2/ 384 - 385).

[890] باب منه

[890] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده، وقُرب غيره، فقال أبو رزين: أويضحك الرب عز وجل؟ قال: نعم. فقال: لن نعدم من رب يضحك خيراً». [قال الإمام]: غريب الحديث: 1 - (غيره)، في " شرح القاموس ": " الغير من تغير الحال، وهو اسم بمعنى القطع والعتب، ويجوز أن يكون جمعا واحدته غيرة ".قال أبو الحسن السندي في " حاشية ابن ماجه ": " والضمير لله، والمعنى أنه تعالى يضحك من أن العبد يصير مأيوسا من الخير بأدنى شر وقع عليه مع قرب تغييره تعالى الحال من شر إلى خير ومن مرض إلى عافية ومن بلاء ومحنة إلى سرور وفرحة. لكن الضحك على هذا لا يمكن تفسيره بالرضا ". 2 - (قلت: لن نعدم) من عدم كعلم إذا فقده. قال السندي: " يريد أن الرب الذي من صفاته الضحك لا نفقد خيره بل كلما احتجنا إلى خير وجدناه، فإنا إذا أظهرنا الفاقة لديه يضحك فيعطي ". 3 - (أزلين): " الأزل بسكون الزاي: الشدة، و (الأزل) على وزن (كتف) هو الذي قد أصابه الأزل واشتد به حتى كاد يقنط "." زاد المعاد ". "الصحيحة" (6/ 2/732، 736 - 737).

[891] باب الرد على ابن حبان في تأويله صفة الضحك

[891] باب الرد على ابن حبان في تأويله صفة الضحك [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده، وقرب غيره، فقال أبو رزين: أويضحك الرب عز وجل؟ قال: نعم. فقال: لن نعدم من رب يضحك خيراً». [قال الإمام]: أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1092): حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن أبي رزين قال: قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد في " المسند " (4/ 12) وفي " السنة " (452 - دار ابن القيم) وابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 554 - بتحقيقي) وابن ماجه في "سننه" (رقم 281) وعبد الله بن أحمد في " زوائد السنة " (453) والدارقطني في " الصفات " (46/ 30 - تحقيق الدكتور الفقيهي) والآجري في "الشريعة " (ص 279 و279 - 280) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص473) من طريق الطيالسي - كلهم عن حماد بن سلمة به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجالهثقات رجال مسلم غير وكيع بن عدس، ويقال: " حدس " بالحاء بدل العين، قال الذهبي في " الميزان ": " لا يعرف، تفرد عنه يعلى بن عطاء ".وقال الحافظ في "التقريب": " مقبول ".قلت: يعني عند المتابعة كما نص عليه في المقدمة، وقد توبع كما يأتي. وقال الذهبي عنه في " الكاشف ": " وثق "! قلت: يشير إلى أن ابن حبان وثقه، وأن توثيقه هنا غير معتمد لأنه يوثق من لا يعرف، وهذا اصطلاح منه لطيف عرفته منه في هذا الكتاب، فلا ينبغي أن يفهم على أنه ثقة عنده كما يتوهم بعض الناشئين في هذا العلم. وابن حبان أورده في التابعين من "ثقاته"

[892] باب خطأ من تأول صفة الضحك بالرضا

(5/ 496) من رواية يعلى عنه فقط، وحكى الخلاف المتقدم في " عدس "، وقال: " أرجو أن يكون الصواب بالحاء ".وقد أخرج له حديثا آخر عن أبي رزين في الرؤية، وهو مخرج في " الظلال " (459)، ولم يخرج له هذا الحديث، وهو عجيب منه خالف فيه الجماعة مع أنه على شرطه، وأخشى ما أخشاه أن يكون الصارف له عنه هو أنه صريح في إثبات صفة الضحك لله تعالى بحيث لا يمكن تأويله كما فعل بحديث " ضحك الله من رجلين قتل أحدهما صاحبه وكلاهما في الجنة "، فقد رأيته تأوله تأويلاً متكلفاً قبيحاً (¬1)، خالف فيه طريقة السلف في الإثبات مع التنزيه، فانظر كلامه إن شئت في " صحيحه " (4647 - الإحسان). "الصحيحة" (6/ 2/732 - 733). [892] باب خطأ من تأول صفة الضحك بالرضا [قال الإمام]: " العجب " غير " الضحك "، فهما صفتان لله عز وجل عند أهل السنة ... خلافا للأشاعرة، فإنهم لا يعتقدونهما، بل يتأولونهما بمعنى الرضا. "الصحيحة" (6/ 2/738). [893] هل تُؤول صفة الضحك بالرضا؟ سؤال: يا شيخ، البيهقي رحمة الله عليه تأول ضحك الرب سبحانه وتعالى بالرضا وكذا الخطابي صاحب «معالم السنن». ¬

(¬1) وقد حكى الإمام الدارمي نحوه في رده على المريسي ثم أبطله، فراجعه فإنه مهم (ص 177 - 178).اهـ. [منه].

الشيخ: كل الأشاعرة كذلك يفعلون. مداخلة: والشيخ أبو إسحاق الحويني أقرهم على هذا في كتاب البيهقي في كتابه ... الأربعين ... الشيخ: بم؟ مداخلة: الحويني أبو إسحاق أقرهم على هذا في الحاشية نقل قول الخطابي أن الضحك بمعنى الرضا وأقرهم عليه، يعني يقول هذا، ما المبرر أو .. الشيخ: هو لازم من الضحك ذلك، لكن لا يفسر به. مداخلة: هم أولوه إلى الرضا .. الشيخ: لا يفسر به. مداخلة: بارك الله فيك. الشيخ: وفيك بارك. "الهدى والنور" (409/ 34: 14: 00)

(صفة العجب والمغايرة بينها وبين الضحك)

(صفة العجب والمغايرة بينها وبين الضحك) [894] باب إثبات صفة العجب لله تعالى [قال الإمام]: إضافة العجب إلى الله تعالى ثابتة في غير ما حديث واحد، من ذلك قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وعجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل»، فإذا ثَبَتَ حُمِلَ على ما يليق به تعالى دون تأويل أو تشبيه. "مختصر صحيح البخاري" (3/ 198). [895] باب إثبات صفة العجب والمغايرة بينها وبين صفة الضحك والرد على من تأولهما [قال الإمام]: " العجب " غير " الضحك "، فهما صفتان لله عز وجل عند أهل السنة ... خلافا للأشاعرة، فإنهم لا يعتقدونهما، بل يتأولونهما بمعنى الرضا. "الصحيحة" (6/ 2/738).

[896] باب منه

[896] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لقد ضحِكَ اللهُ- أو عجِب- من فِعالِكُما [بضيفِكما الليلة]، وأنزل اللهُ: {ويُؤِثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصَة ومن يُوقَ شُحَّ نفسِه فأولئك همُ المفلحون}.يعني: أبا طلحة الأنصاريَّ وامرأته». [قال الإمام]: اعلم أن الشك المذكور في الحديث- بين الضحك والعجب- لا يضر في ثبوتهما، لأن كلاً منهما قد جاء فيها أحاديث كثيرة في سياقات متعددة في كتب السنة، وبخاصة منها كتب التوحيد والعقيدة، مثل "السنة" لابن أبي عاصم، و" التوحيد" لا بن خزيمة، و"الشريعة " للآجري، وقد خرجت بعضها في "ظلال الجنة" (569 - 573)، و"الصحيحة" (755 و1074 و3129)، و"صحيح أبي داود " (2401) وغيرها. "الصحيحة" (7/ 2/806، 808)

(صفة القرب)

(صفة القرب) [897] باب إثبات صفة القرب لله عزوجل وإثبات قيام الأفعال الاختيارية بذاته تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «قال الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني, والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة, ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً, ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً, وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول». (صحيح لغيره). [قال الإمام]: قلت: فيه دلالة ظاهرة على أن لله قُرباً يقوم به، بفعله القائم بنفسه. وهذا مذهب السلف وأئمة الحديث والسنة، خلافاً للكُلَّابية وغيرهم ممن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته تعالى، ومن ذلك نزوله تعالى إلى السماء الدنيا. انظر " مجموع الفتاوى لابن تيمية" (5/ 240 - 250) ومنه دنوه عشية عرفة، وكل ذلك خاص بالمؤمنين، فراجع كلامه فإنه هام جداً. "التعليق على الترغيب والترهيب" (3/ 1144).

[898] باب منه

[898] باب منه سؤال: قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} (البقرة:186)، هل نثبت منها صفة القرب لله سبحانه وتعالى؟ الشيخ: طبعاً، هذا ثابت. مداخلة: هل معنى الحديث: «أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد» هو نفس المعنى؟ الشيخ: لا، هذا قرب من العبد إلى الرب. مداخلة: وذاك قرب الله من العبد، فما هو معنى هذا القرب شيخنا؟ الشيخ: رجعنا لموضوع الكيف مع أن المعنى واضح، لكن تكييفه .. مداخلة: لو قال قائل لهذه الآية وهذا الحديث: الآية تختلف عن الحديث بمعنى، أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتقرب من العبد، والحديث أن العبد يتقرب من الله، لكن المعنى في هذا الحديث وهذه الآية أن الله سبحانه وتعالى يستجيب لعبده إذا دعاه، فهو بذلك قريب منه، هل هذا يصح في الآية والحديث؟ الشيخ: إذا كان المقصود بهذا التفسير للآية تفسير القرب بالاستجابة، فأنا أقول: لا يكفي هذا، هذا جزء من التفسير، وذاك القرب الإلهي يستلزم الاستجابة، لكن ليس هو كل شيء. مداخلة: إذاً: كباقي الصفات نثبت القرب الذي يليق به. الشيخ: هو هذا. نعم. "الهدى والنور" (67/ 50: 17: 00)

[899] باب منه

[899] باب منه يا شيخنا ... القرب الوارد في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ... ». الشيخ: بذاته بذاته يليق بجلاله وكماله .. "الهدى والنور" (564/ 39: 55: 00) [900] باب إثبات صفة التقرب وغيرها لله تعالى وبيان خطأ من تأولها عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يقول الله أنا عند ظن عبدي بي, وأنا معه إذا ذكرني, فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي, وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم, وإن تقرَّب إلي شبراً تقرَّبت إليه ذراعاً, وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً, وإن أتاني يمشي أتيته هرولة». (صحيح). [قال الإمام]: قلت: اشتهر عند المتأخرين من علماء الكلام - خلافاً للسلف - تأويل هذه الصفات المذكورة في هذا الحديث من (النفس) و (التقرب) و ... وما ذلك إلا لضيق عطنهم، وكثرة تأثرهم بشبهات المعتزلة وأمثالهم من أهل الأهواء والبدع فلا يكاد أحدهم يطرق سمعه هذه الصفات إلا كان السابق إلى قلوبهم أنها كصفات المخلوقات، فيقعون في التشبيه، ثم يفرون منه إلى التأويل ابتغاء التنزيه بزعمهم، ولو أنهم تلقوها حين سماعها مستحضرين قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ

شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} لما ركنوا إلى التأويل، ولآمنوا بحقائقها على ما يليق به تعالى، شأنهم في ذلك شأنهم في إيمانهم بصفتي السمع والبصر وغيرهما من صفاته عز وجل، مع تنزيهه عن مشابهته للحوادث، لو فعلوا ذلك هنا لاستراحوا وأراحوا، ولنجوا من تناقضهم في إيمانهم بربهم وصفاته، فاللهم هداك. وراجع إن شئت التوسع في هذا كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى. "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 610).

(صفة الدنو)

(صفة الدنو) [901] باب إثبات صفة الدنو لله تعالى [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟». [قال الإمام]: وقع "الحديث" في " الترغيب " ... بلفظ: " ليدنو يتجلى " بهذه الزيادة: " يتجلى " ... وهي زيادة منكرة لا أصل لها أيضا في شيء من طرق الحديث ورواياته ... وهذا الخطأ عندي أسوأ من الذي قبله لأنه مُغَيِّر لمعنى الحديث، لأنه تفسير للدنو بالتجلي، وهذا إنما يجري على قاعدة الخلف وعلماء الكلام في تأويل أحاديث الصفات، خلافا لطريقة السلف رضي الله عنهم، كما خالفوهم في تأويل أحاديث نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا (¬1) بأن المعنى نزول رحمته. وهذا كله مخالف لما كان عليه السلف من تفسير النصوص على ظاهرها دون تأويل أو تشبيه كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع ¬

(¬1) وهي أحاديث كثيرة متواترة، خرجت طائفة كبيرة منها في " الإرواء " (449)، وفي " تخريج السنة " لابن أبي عاصم (492 - 513). اهـ. [منه].

[902] باب منه

البصير} (الشورى: 11)، فنزوله نزول حقيقي يليق بجلاله لا يشبه نزول المخلوقين، وكذلك دنوه عز وجل دنو حقيقي يليق بعظمته، وخاص بعباده المتقربين إليه بطاعته، ووقوفهم بعرفة تلبيةً لدعوته عز وجل. فهذا هو مذهب السلف في النزول والدنو، فكن على علم بذلك حتى لا تنحرف مع المنحرفين عن مذهبهم، وتجد تفصيل هذا الإجمال وتحقيق القول فيه في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وبخاصة منها ". مجموعة الفتاوى "، فراجع مثلاً (ج 5/ 464 - 478).وقد أورد الحديث على الصواب فيها (ص 373) واستدل به على نزوله تعالى بذاته عشية عرفة، وبحديث جابر المشار إليه آنفاً. "الصحيحة" (6/ 1/106، 108 - 109). [902] باب منه عن عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ». [قال الإمام]: القول في دنوه تعالى كالقول في نزوله وسائر صفاته، يجب الإيمان بها وتصديقها بدون تشبيه، ولا تعطيل أو تأويل، كما جرى عليه السلف رضي الله عنهم. "مختصر صحيح مسلم" (ص172).

[903] باب هل تفسر صفة الدنو بالتجلي؟

[903] باب هل تُفَسَّر صفة الدنو بالتجلي؟ عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة, وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء؟». (صحيح) [قال الإمام]: [في] الأصل والمخطوطة: (ليدنو يتجلى)، والصواب ما أثبتناه، وزيادة (يتجلى) زيادة منكرة لا أصل لها في شيء من روايات الحديث كما حققته في "الصحيحة" (2551)، ومن الظاهر أن مقصود من أدرجها في الحديث تفسيره بها، وهذا خلاف ما عليه السلف أن الدنو صفة حقيقة لله تعالى كالنزول، فهو ينزل كما يشاء، ويدنو من خلقه كما يشاء، لا يشبه نزوله ودنوه نزول المخلوقات ودنوهم، كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «شرح حديث النزول» وغيره. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 497).

(صفتي المجيء والإتيان)

(صفتي المجيء والإتيان) [904] باب إثبات صفتي المجيء والإتيان لله تعالى والرد على من تأولهما والرد على بعض أصول أهل البدع في الأسماء والصفات [قال الإمام في مقدمة "مختصر العلو"]: موضوع الكتاب وخطورته: اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا الكتاب قد عالج مسألة هي من أخطر المسائل الاعتقادية التي تَفَرَّق المسلمون حولها منذ أن وُجِدَت المعتزلة حتى يومنا هذا ألا وهي مسألة علو الله عز وجل على خلقه الثابتة بالكتاب والسنة المتواترة المدعَّم بشاهد الفطرة السليمة, وما كان لمسلم أن ينكر مثلها في الثبوت لولا أن بعض الفرق المنحرفة عن السنة فتحوا على أنفسهم وعلى الناس من بعدهم باب التأويل فلقد كاد الشيطان به لعدوه الإنسان كيداً عظيماً ومنعهم به أن يسلكوا صراطاً مستقيماً كيف لا؟ وهم قد اتفقوا على أن الأصل في الكلام أن يُحمل على الحقيقة وأنه لا يجوز الخروج عنها إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة, أو لقرينة عقلية, أو عرفية, أو لفظية, كما هو مُفصَّل في محله, ومع ذلك فإنك تراهم يخالفون هذا الأصل الذي أصَّلوه لأتفه الأسباب وأبعد الأمور عن منطق الإنسان المؤمن بكلام الله وحديث نبيه حقًّا, فهل يستقيم في الدنيا فهم أو تفاهم

إذا قال قائل مثلاً: "جاء الأمير " فيأتي متأول من أمثال أولئك المتأولين فيقول في تفسير هذه الجملة القصيرة: يعني جاء عبد الأمير أو نحو ذلك من التقدير. فإذا أنكرت عليه ذلك أجابك بأن هذا مجاز فإذا قيل له: المجاز لا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة وهي ممكنة هنا أو لقرينة, لا قرينة هنا (¬1) سكت أو جادلك بالباطل. وقد يقول قائل: وهل يفعل ذلك عاقل؟ قلت: ذلك ما صنعه كل الفرق المتأولة الذين ينكرون حقائق الأسماء والصفات الإلهية من المعتزلة وغيرهم ممن تأثر بهم من الخلف ولا نبعد بك كثيرا بضرب الأمثال وإنما نقتصد مثلين من القرآن الكريم أحدهما يشبه المثال السابق تماما والآخر له صلة بصلب موضوع الكتاب: الأول: قوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفا صفا} فقيل في تأويلها: وجاء ربك (¬2) وقيل غير ذلك من التأويل. ونحو كذلك أولوا قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر}. فقال بعضهم: يأتيهم الله بظلل. فنفى بذلك حقيقة الإتيان اللائق بالله تعالى بل غلا بعض ذوي الأهواء فقال: " قوله تعالى: «هل ينظرون» حكاية عن اليهود, والمعنى أنهم لا ¬

(¬1) 1) قرائن المجاز الموجبة للعدول إليه عن الحقيقة ثلاث: العقلية كقوله تعالى: [واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها] أي أهلهما. ومنه: [واخفض لهما جناح الذل]. الثانية: الفوقية مثل [يا هامان ابن لي صرحا] أي مر من يبني؛ لأن مثله مما يعرف أنه لا يبني. الثالثة: نحو [مثل نوره] فإنها دليل على أن الله غير النور. قال أهل العلم: وأمارة الدعوة الباطلة تجردها عن أحد هذه القرائن انظر: "إيثار الحق على الخلق" (ص 166 - 167) للعلامة المرتضى اليماني [منه]. (¬2) كدا ولعل صوابها: جاء [أمر] ربك.

يقبلون دينك إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ليروه جهرة لأن اليهود كانوا مشبهة يجوزون على الله المجيء والذهاب) نقله الكوثري في تعليقه على "الأسماء والصفات " (ص 447 - 448) عن الفخر الرازي وأقره. فتأمل - هداني الله وإياك - كيف أنكر مجيء الله الصريح في الآيتين المذكورتين. وهو إنما يكون يوم القيامة كما جاء في تفسير ابن جرير لقوله تعالى: «هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك» فذكر (12/ 245 - 246) في قوله: {أو يأتي ربك} عن قتادة وابن جريج: يوم القيامة ونحوه عن ابن مسعود وغيره. في " الدر المنثور" (1/ 241) وانظر كلمة الإمام ابن راهويه في إثبات المجيء في الفقرة الآتية من الكتاب (213). فنفى هذا المتأول ببركة التأويل إتيان الله ومجيئه يوم القيامة الثابت في هذه الآيات الكريمة والأحاديث في ذلك أكثر وأطيب, ولم يكتف بهذا بل نسب القول بتجويز المجيء على الله إلى اليهود وأن الآية نزلت في حقهم ضلال وكذب, أما الضلال فواضح من تحريف الآيات المستلزم الطعن في الأئمة الذين يؤمنون بمجيء الله تعالى يوم القيام. وأما الكذب فإن أحداً من العلماء لم يذكر أن الآية نزلت في اليهود بل السياق يدفع ذلك قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ في السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين، فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيم، هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ في ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} (سورة البقرة: 208 - 211). قلت: فأنت ترى أن الخطاب موجه للمؤمنين ولذلك قال ابن جرير في "تفسيره" (4/ 259) لقوله تعالى: {فإن زللتم .. }: " يعني بذلك جل ثناؤه فإن أخطأتم الحق فضللتم عنه وخالفتم الإسلام

وشرائعه من بعد ما جاءتكم حججي وبينات هداي, واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون - فاعلموا أن الله ذو عزة ... " نعم قد روى ابن جرير (4/ 255) عن عكرمة قوله:" {ادخلوا في السلم كافة} قال: نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وو ... كلهم من يهود قالوا: يا رسول الله يوم السبت كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه ... فنزلت". قلت: وهذا مع أنه في مؤمني اليهود لا يصح إسناده لإرساله, ولو صح لم يجز القول بأنها " نزلت في حق اليهود " لأنها تعني عند الإطلاق كفارهم والواقع خلافه فتأمل هذا رحمنا الله وإياك, هل تجد في هذه الآيات المصرحة بإتيان الله ومجيئه قرينة من تلك القرائن الثلاث تضطر السامع إلى فهم ذلك على نحو مجيء المخلوق وهذا تشبيه حقّاً اضطرهم هذا الفهم الخاطئ إلى إنكاره ونسبته إلى اليهود وصاروا إلى التأويل. وكان بوسعهم أن يثبتوا لله تعالى هذه الصفة كما أثبتها السلف دون تشبيه كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وإلا فهم على ذلك سيتأولون السمع والبصر أيضا لأن الله تعالى قد أثبت للمخلوق سمعاً وبصراً في القرآن والسنة, فقد يقولون إننا إذا أثبتنا السمع والبصر لله شبهناه بمخلوقاته, وهذا ما فعلته المعتزلة تماما فإنهم تأولوهما بالعلم تنزيهاً له تعالى عن المشابهة زعموا وبذلك آمنوا بالطرف الأول من الآية [ليس كمثله شيء] ولم يؤمنوا بالطرف الآخر منها {وهو السميع العليم} وأما الأشاعرة وغيرهم من الخلف فقد آمنوا بكل ذلك هنا فجمعوا بين التنزيه والإثبات قائلين: سمعه ليس كسمعنا وبصره ليس كبصرنا. فهذا هو الحق وكان عليهم طرد ذلك في كل ما وصف الله به نفسه فيقال: مجيئه تعالى حق ولكنه ليس كمجيئنا, ونزوله إلى السماء الدنيا حق لتواتر الأحاديث بذلك كما يأتي في الكتاب ولكن ليس كنزولنا,

[905] باب إثبات صفة المجئ والرد على من تأولها

وهكذا في كل الصفات ولكنهم لم يفعلوا ذلك مع الأسف في كثير من الصفات منها ما نحن فيه فتأولوه بما سبق أو بغيره ومنها الاستواء " مختصر العلو" (ص22 - 25). [905] باب إثبات صفة المجئ والرد على من تأولها [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «لا تَتَفَكَّروا في الله، فإنه لا مِثْلَ له، ولا شَبِيْهَ ولا نظيرَ، ولا تَضْربوا لله الأمثالَ، ولا تَصِفوه بالزَّوالِ، فإنه بكل مكانٍ». (موضوع). [قال الإمام]: قال الربيع في مسنده (3/ 217): وبلغنا عن أبان بن [أبي] عياش عن أنس بن مالك قال: خرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على قوم جلوس، فقال ما أجلسكم؟ فقالوا: نتفكر في الله، فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ... فذكره. قلت وهذا موضوع، آفته أبان بن [أبي] عياش، وهو متروك - كما قال الذهبي والعسقلاني -.وجملة التفكر قد رويت من طرق أخرى، بدا لي من مجموعها أنها ترتقي إلى مرتبة الحسن، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (1788). وأما سائر هذا الحديث وبخاصة الجملة الأخيرة منه فإنها باطلة، وهي من وضع الجهمية والمعطلة لصفات الله عَزَّ وَجَلَّ، الذين يتأولونها غير تأويلها المعروف عند السلف، ويعبرون عن المجيء المصرح به في القرآن والنزول المتواتر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالزوال- كما في هذا الحديث-، أو الانتقال- كما يفعل

ابن الجوزي وغيره -، ثم يقولون: هذا من صفات المخلوقات، فلا يجوز وصف الله بذلك! والحقيقة أن المجيء والنزول لا يجوز تأويله بما ذكروا، وهو صفة لله، وصف بها نفسه، نصفه بها دون تشبيه ولا تعطيل، {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، فهم وقعوا حين عبَّروا بما تقدم في التشبيه، ففروا منه إلى التعطيل. "الضعيفة" (13/ 2/734 - 735).

(صفة الهرولة)

(صفة الهرولة) [906] باب هل تثبت صفة الهرولة لله تعالى؟ سؤال: هناك أيضاً مسألة عقدية أو قاعدة أبطلها بعضهم في العقيدة أن الصفات إذا لم يكن في الصفة أو في الحديث الذي فيه إثبات صفة قرينة فيكن الأمر على حقيقتها مثل حديث الهرولة: «ومن جاءني يمشي جئته هرولة»، في أول الحديث قرينة: «من تقرب إلي»، فيقول: هذه القرينة يعني تبين أن الهرولة ليست حقيقة بمعنى: أننا نقول أن الله يهرول، لا نقول إن الله يهرول، هل توافقون على هذه القاعدة أولاً؟ ثم ثانياً: ما معنى الهرولة أو هل تثبتون الهرولة لله سبحانه وتعالى؟ الجواب: أنا لا أعرف هذا التفصيل الذي تنقله وأثبت ما أثبته الرسول في الحديث ولا أشتق منه شيئاً فعلاً أو اسماً أكثر مما جاء في هذا الحديث، لا أزيد عليه. مداخلة: نفهمه على ضوء الحديث الآخر: «عبدي جعت فلم تطعمني، أو مرضت فلم تَعُدْني». الشيخ: نعم. مداخلة: «فقال: كيف أعودك وأنت رب العالمين». الشيخ: نعم.

مداخلة: في تتمة الحديث يبين أنه يعني ليس هذا فيه إثبات صفة المرض أو الجوع لله عز وجل. الشيخ: طبعاً؛ لأنه هذا لا يمكن إلا أن يكون نقصاً، لكن الهرولة ... مداخلة: كذلك الهرولة. الشيخ: الهرولة كالمجيء والنزول صفات ليس يوجد عندنا ما ينفيها إذا خصصناها بالله عز وجل؛ لأن هذه الصفات ليست صفة نقص حتى نبادر رأساً إلى نفيها كالطعام والشراب والمرض ونحو ذلك، فأنا أجد فرقاً بين الأمرين لكن لا أتوسع في موضوع الهرولة ولا أزيد على أكثر مما جاء في الحديث، ولا أدري أو لا أذكر ماذا ذكر شيخ السلفيين في هذه المسألة ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - فلعل إخوانّا الحاضرين يذكرون شيئاً من ذلك، كلام ابن تيمية حول هذا الحديث ... مداخلة: ابن القيم. الشيخ: ابن القيم لا بأس. مداخلة: هم يثبتون هذه الصفة لكن يبينون معنى هذه الصفة على وجه يليق بالمخلوق وعلى وجه يليق «بالله تعالى». الشيخ: كل الصفات شأنها هكذا. مداخلة: هذا كلام عام يعني ... مداخلة: كويس: «من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً»، التقرب هاهنا يكون بالذات وإلا يكون بماذا؟

الشيخ: تقرب العبد يكون بالعبادة والطاعة. مداخلة: بارك الله فيكم، وتقرب رب العزة والجلال؟ الشيخ: بماذا يكون؟ مداخلة: بالثواب. الشيخ: طيب. مداخلة: أليس كذلك؟ الشيخ: لكن هذا لا ينفي الآخر. مداخلة: ومن جاءنا يمشي هل نحن نمشي إلى الله؟ الشيخ: ما في حاجة لإن هذا تكرار للمعنى السابق ما في حاجة للتسلسل. مداخلة: يعني: الخلاصة أنكم تثبتون الهرولة لله؟ الشيخ: بس ولا نزيد على ذلك. مداخلة: على وجه يليق به. الشيخ: أي نعم، لا نشتق ولا نتوسع نعم. مداخلة: إذا كان في نص الحديث تأويل يكون في تأويل العبد لا لصفة الرب. الشيخ: هو هذا بس. مداخلة: جزاكم الله خيراً. الشيخ: نعم. " الهدى والنور" (756/ 12: 55: 00 طريق الإسلام)

[907] باب منه

[907] باب منه سؤال: قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ربه سبحانه وتعالى: «من أتاني يمشي أتيته هرولة» السؤال نفسه يا شيخ؟ الشيخ: صفةٌ ما نبحث فيها. مداخلة: وكذلك: «من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً». الشيخ: نعم، كذلك. مداخلة: هل يوجد مانع أن يقول: تقرب بالطاعات فتقرب الله له بالمغفرة والرحمة ورفع الدرجات، وكذا؟ الشيخ: هذه مثل هذيك. مداخلة: هذا جزء من المعنى، ولكن ليس هو المعنى التام. شيخ الإسلام في هذا له كلمة في هذا يقول: قرب الشيء من الشيء الآخر المقابل له يقتضي قرب الآخر منه. الشيخ: أي نعم. مداخلة: هل حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لذاك الرجل الذي سأل عما يُدْخِلُه الجنة ويُبْعِدُهُ عن النار: «أعِنِّي على نفسك بكثرة السجود» له علاقة في مسألة القرب أو ترابط؟ الشيخ: أي قرب؟ مداخلة: القرب الذي في حديث: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد».

[908] باب منه

الشيخ: أيوه. مداخلة: يعني المعنى إذا سجد يكون قريب من الله سبحانه وتعالى، وبالتالي يستجيب الله له. الشيخ: هذا طبعاً ضمني موجود هذا المعنى، لكن هو المقصود؟ مداخلة: ليس هو المراد. الشيخ: أي نعم، هذا كله يشبه بعضه البعض، والمقصود كما قلتُ مِراراً وتكراراً في بحث التوسل أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من حكمته أن الإنسان حينما يطلب منه شيئاً كالدعاء مثلاً، لا يجعله يتواكل عليه، وإنما يشغله بالطاعة، فيقول له: لك ذلك، ولكن أعني على ذلك بكثرة السجود، يعني لا تتواكل على ما أتعهد لك به، لكن أعنِّي على أن تحصل على ما تريد بكثرة العبادة والسجود لله عز وجل، فكونه قريب من الله هذا جاء ضمناً، مش هذا المقصود، المقصود هو أنْ لا يتواكل على وعد الرسول إياه، وإنما يكون معيناً له على تحقيق طِلْبَتِهِ، بالإكثار من طاعته لربه وبخاصة السجود له. "الهدى والنور" (67/ 43: 21: 00) [908] باب منه سؤال: حديث: «من أتاني يمشي أتيته هرولة» هل يؤخذ من الحديث إثبات صفة الهرولة لله؟ الشيخ: سئلت هذا مرارًا فأجبت: بأنه لا يوجد عندي جواب، ونصف العلم لا أدري، هذا الجواب، نعم. "رحلة النور" (ب44/ 00:15:57)

(صفتي الرضا والغضب)

(صفتي الرضا والغضب) [909] باب الرد على من تأول صفتي الرضا والغضب [قال الإمام معلقا على قول صاحب الطحاوية: "والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى"]: فيه رد على المتأولة المعطلة من الأشاعرة وغيرهم الذين قالوا بأن المراد بالبغض والرضى إرادة الإحسان, وليت شعري ما الفرق بين تسليمهم بصفة الإرادة وإنكارهم للصفتين المذكورتين بتأويلهما وهي مثلهما في اتصاف العبد بها أيضاً؟ فهلا قالوا فيهما كما قالوا في الإرادة الإلهية: إنها مخالفة للإرادة التي يوصف بها العبد وإن كان كل (¬1) منهما حقيقة تناسب الموصوف بها. وقد بسط القول في ذلك الشارح رحمه الله فراجعه. "التعليق على متن الطحاوية" (ص100 - 101). ¬

(¬1) كذا، ولعل صوابها: لكل.

(صفة الإرادة)

(صفة الإرادة) [910] باب إثبات صفة الإرادة والرد على من ردها [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إنّ ثلاثةً في بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص، فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ، وجلدٌ حسنٌ، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه، فذهب عنه قذره، وأعطي لوناً حسناً، وجلداً حسناً، قال: فأيّ المال أحب إليك، قال: الإبل- أو قال: البقر؛ شك إسحاق؛ إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدُهما: الإبلُ، وقال الآخرُ: البقرُ-، قال: فأعطي ناقةٌ عُشراءَ، فقال: بارك الله لك فيها! قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحبّ إليك؟ قال: شعرٌ حسنٌ، ويذهبُ عني هذا الذي قذرني الناسُ، قال: فمسحه، فذهب عنه، واُعطي شعراً حسناً، قال: فأي المال أحبّ إليك؟ قال: البقرُ، فأعطي بقرةً حاملاً، فقال: بارك الله لك فيها! قال: فأتى الأعمى، فقال: أي شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري، فأُبصر به الناس، قال: فمسحه، فردّ الله إليه بصره، قال: فأي المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاةً والداً، فأنتج هذان، وولّد هذا، قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. قال: ثم إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجلٌ مسكين، قد انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك- بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال- بعيراً أتبَلَّغُ عليه في سفري، فقال:

الحقوقُ كثيرةٌ، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص، يقذرك الناس؟! فقيراً فأعطاك الله؟! فقال: إنّما ورثت هذا المال كابراً عن كابر! فقال: إن كنت كاذباً؛ فصيرك الله إلى ما كنت! قال: وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذباً؛ فصيرك الله إلى ما كنت! قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجلٌ مسكين، وابن سبيل، انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك- بالذي ردّ عليك بصرك- شاةً أتبلَّغُ بها في سفري. فقال: قد كنتُ أعمى، فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله! لا أجهدك اليوم شيئاً أخذته لله! فقال: أمسك مالك؛ فإنما ابتليتم، فقد رضي [الله] عنك، وسخط على صاحبيك». [قال الإمام]: أخرجه مسلم (8/ 213 - 214)، وابن حبان (314)، والبيهقي (7/ 219) كلهم من طريق شيبان بن فَرّوخ: حدثنا همام: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة أن أبا هريرة حدثه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ... فذ كره. وتابعه عمرو بن عاصم عن همام به. أخرجه البخاري معلَّقاً عليه؛ إلا أنه لم يسق منه إلا طرفه الأول. ووصله برقم (3464) فقال: حدثنا محمد بن إسحاق: حدثنا عمرو بن عاصم به؛ إلا أنه لم يسق لفظه، وإنما ساقه تحويلاً، فقال عَقِبَهُ: وحدثني محمد: حدثنا عبد الله بن رجاء: أخبرنا همام ... فساقه بتمامه؛ إلا أنه وقع في متنه:"بدا لله عز وجل أن يبتليهم " مكان قوله في الرواية الأولى: "فأراد الله أن يبتليهم ". ولا شك عندي أن هذه أولى من الأخرى لسببين:

الأول: اتفاق ثقتين عليها- وهما شيبان، وعمرو بن عاصم-. والآخر: أن نسبة: "البداء" لله عز وجل محال، ومما يدل على تحريف التوراة أنه جاء فيها: أنه بدا لله خلق السماوات والأرض! ولذلك؛ تَكلَّف الحافظ ابن حجر بتأويل هذه الجملة المستنكرة بقوله: "أي: سبق في علم الله، فأراد إظهاره، وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافياً؛ لأن ذلك محال في حق الله تعالى، وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الإسناد بلفظ: "أراد الله أن يبتليهم "، فلعل التغيير فيه من الرواة". قلت: نقول للحافظ: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب! وقد عرفت اتفاق الثقتين على اللفظ الأول: "أراد الله "؛ فمخالفة عبد الله بن رجاء أقل ما يقال فيها: إنها مرجوحة، لا سيما والحافظ نفسه قد قال في ترجمته من "التقريب ":"صدوق يهم قليلاً". وإن من عجائب الحافظ- النابعة من أشعريته-: أنه تأول الرواية الأولى عقب ما سبق نقله عنه: "مع أن في الرواية أيضاً نظراً؛ لأنه لم يزل مريداً"!! قلت: فليت شعري ماذا يقول الحافظ في الآيات التي فيها نسبة الإرادة إلى الله في القرآن الكريم كمثل قوله: {وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له}، وقوله: {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما} ونحو ذلك من الآيات الكثيرة؟! هل يقول فيها كما قال في الحديث: "فيها نظر"؟! فقبح الله عِلَم الكلام الذي أودى بكبار العلماء إلى مثل هذا الكلام!. "الصحيحة" (7/ 3/1475 - 1478).

(صفة التردد)

(صفة التردد) [911] باب إثبات صفة التردد «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته». [قال الإمام]: لشيخ الإسلام جوابا قيما على سؤال حول التردد المذكور في هذا الحديث، أنقله هنا بشيء من الاختصار لعزته وأهميته، قال رحمه الله تعالى في " المجموع " (18/ 129 - 131): " هذا حديث شريف، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد رد هذا الكلام طائفة وقالوا: إن الله لا يوصف بالتردد، فإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة التردد! والتحقيق: أن كلام رسوله حق وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة، ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه، فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس، وأجهلهم وأسوئهم أدباً، بل يجب تأديبه وتعزيره ويجب أن يصان كلام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة. ولكن المتردد منا، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور

(فإنه) لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يُوصف به الواحد منا، فإن الله ليس كمثله شيء، ثم هذا باطل (على إطلاقه) فإن الواحد يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه، كما قيل: الشيب كره وكره أن أفارقه ... فاعجب لشيء على البغضاء محبوب. وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي " الصحيح ": " حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره " وقال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم} الآية. ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في الحديث، فإنه قال: "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحق محباًّ له، يتقرب إليه أولا بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل، التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق. فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة، بحيث يحب ما يحبه محبوبه، ويكره ما يكره محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه قد قضى بالموت. فكل ما قضى به فهو يريده ولابد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار

الموت مراداً للحق من وجه مكروهاً له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مراداً من وجه مكروهاً من وجه وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين، كما ترُجَّح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يُبغضه ويريد مساءته ". وقال في مكان آخر (10/ 58 - 59): " فبين سبحانه أنه يتردد لأن التردد تعارض إرادتين، فهو سبحانه يحب ما يحب عبده، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت، فهو يكرهه كما قال: " وأنا أكره مساءته " وهو سبحانه قد قضى بالموت فهو يريد أن يموت، فسمى ذلك تردداً. ثم بين أنه لابد من وقوع ذلك ". "الصحيحة" (4/ 183، 191 - 193).

(صفة النظر)

(صفة النظر) [912] باب إثبات صفة النظر والرد على من تأولها [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظُرُ إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضلِ ماء بالفلاة؛ يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر، فحلف له بالله: لأَخَذَها بكذا وكذا، فصدّقه، وهو على غير ذلك، ورجلٌ بايع إماماً؛ لا يُبايعُهُ إلا لدنيا؛ فإن أعطاه منها وفىَّ، وإن لم يعطه منها لم يَفِ». [قال الإمام]: (تنبيه): نقل المعلق على "الإحسان " (!) - مقراً- تأويل صفتي الكلام والنظر من صفات الله تعالى بالرضا والإعراض، ونحو ذلك!! وهذا من التأويل المذموم؛ المخالف لعقيدة السلف الصالح، والأصل إمرارُها على ظاهرها على الوجه اللائق بعظمة الله وجلاله؛ كما في قوله سبحانه: {ليس كمثله شيء وهوالسميع البصير}.والموفق هو الله!! "الصحيحة" (7/ 3/1636 - 1638).

(صفتي السمع والبصر)

(صفتي السمع والبصر) [913] باب بيان خطأ المعتزلة في إنكارهم صفتي السمع والبصر [تكلم الشيخ حول تسليط المعتزلة معول التأويل على أبوب القدر ثم قال]: كما فعلوا في كثير من الآيات المتعلقة بالصفات الإلهية، فهم مثلاً ينكرون أن يكون الله تبارك وتعالى له صفة السمع والبصر، وهم يعلمون مثل قول رب العالمين، آية التنزيه مداخلة: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (الحج:75). الشيخ: نعم بس هذه أبلغ مداخلة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11). الشيخ: {لَيس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فهم لا يستطيعون أن ينكروا هاتين الصفتين أنه سميع وبصير إلا بالطريقة ذاتها التي أنكروا فيها القدر ألا وهو التأويل بل هو التعطيل، وقالوا السميع البصير يعني العليم، وكذلك أوَّلوا القدر بمعنى العلم مع أنه كما لا يخفاكم العلم صفة ذاتية، أما التقدير الإلهي فصفة فعل، من صفات الأفعال، فهم خلطوا بين هذه الصفة الذاتية وبين الصفة العلمية، لماذا هذا الخلط، ليضربوا الجبر، ولكن أصابهم كما يقول المثل في بعض البلاد: كانوا تحت المطر صاروا تحت المزراب، معروف

[914] باب هل نثبت لله صفة الأذن؟

هذا عندكم؟ هذا هو، والشاعر العربي القديم يقول كما تعلمون: أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل فيجب الجمع بين الصفات الإلهية كلها والمشتقة من كتاب الله وأحاديث رسول الله، ولا يجوز ضرب بعضها ببعض أو إنكار بعضها على حساب البعض، وما أحسن ما قال ابن القيم رحمه الله في هذه المناسبة: العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتَّمْويه ما العلم نَصْبَكَ للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه كلاّ ولا جَحْد الصفات ونفيها ... حذراً من التمثيل والتشبيه وهذا هو الموقف العدل، لا تعطيل ولا تشبيه، وإنما هو الإيمان على ما أراد الله عز وجل في هذه الآيات وأحاديث الرسول عليه السلام التي تثبت الصفات الإلهية. "الهدى والنور" (226/ 26: 04: 00). [914] باب هل نثبت لله صفة الأذن؟ سؤال: أقول يا شيخ صفة الأذن لله عز وجل، موقف أهل السنة والجماعة منها؟ الشيخ: أنا ما أدري لماذا أنتم تخالفون السلف في مثل هذه الأسئلة، ما دام القاعدة نحن مؤمنون بها ومتفقون عليها، وهي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، لماذا تسألون عن صفة السمع؟ لماذا؟

مداخلة: والله يا شيخ لأنه مر علي حديث أبو هريرة الذي أشار إلى أذنيه وبصره وكذا، وسمعت لأحد العلماء: بأن موقف أهل السنة والجماعة لا ينفون ولا يثبتون هذه الصفة صفة الأذن، فأحببت يعني أن أسمع رأيك. الشيخ: لا يثبتون ولا ينفون بالرأي، أما ما أثبته النص فهم يثبتونه بدون تكييف، كما جاء أنه أشار عليه السلام إلى العين، لكن لا يعني العين هذه كعين رب العالمين، لكنها صفة من صفاته تليق بعظمته وجلاله، فمثل هذه القضايا ما تحتاج أكثر من الإيمان بالنص بدون كيف، فالسلفيون والحمد لله مستريحون من هذه الحيثية، يعني: استراحوا من الإنكار خوفاً من الوقوع في التشبيه، واستراحوا من التشبيه عملاً بالتنزيه. مداخلة: جزاك الله خيراً. الشيخ: تثبت ما أثبته وننفي ما نفاه، ننفى عنه المثلية وانتهى الأمر فإذا أثبت له صفة أثبتناه، فإذا لم يثبت لا نثبت شيئاً من عقولنا. مداخلة: ... الشيخ: ولذلك أنا لا أرى التوسع في مثل هذه القضية، ولو أسئلة وأجوبة؛ لأن هذه الأسئلة والأجوبة جماهير الناس، خاصة الذين لم يُؤسَّسوا على مبدأ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، يبقى يعيشون في زيغ وفي انحراف. "الهدى والنور" (724/ 04: 19: 00)

جماع أبواب ما قد يستشكل وصف الله به من الصفات الفعلية مما يوصف به تعالى مقيدا

جماع أبواب ما قد يُستشكل وصفُ الله به من الصفات الفعلية مما يوصف به تعالى مقيدًا

(الاستهزاء والسخرية)

(الاستهزاء والسخرية) [915] باب هل نثبت لله تعالى صفتي الاستهزاء والسخرية؟ سؤال: يسأل سائل فيقول: ما القول الفصل في قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (البقرة:15) وقوله تعالى: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} (التوبة:79) وغيرها من الآيات المشابهة، هل نثبت ما أثبته الله لنفسه، أم نؤولها بلازمها كما يقول بعض المفسرين وجزاكم الله خير. الشيخ: هذا السؤال جوابه معروف عند أهل السلف وأتباع السلف، وبالمقابل أتباع الخلف، من المعلوم أن السلف كانوا يقولون في مثل هذه الآية وتلك: أمروها كما جاءت، وهم لا يعنون كما يتوهم بعض الخلف اليوم .. لا يعنون أمروها بدون فهم، وإنما أمروها كما جاءت بفهم صحيح وبدون تشبيه وتكييف، وبالتالي بدون تأويل أو تعطيل. والجواب الحاسم في مثل هاتين الآيتين هو أن نستحضر قول الله عز وجل في صفتين أخريين ألا وهما صفة السمع والبصر حين قال ربنا عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) ففي الآية تنزيه، وفيها إثبات لصفتي السمع والبصر، ومعنى التنزيه أننا حينما نثبت لله عز وجل صفًة جاءت في كتابه أو في سنة نبيه أننا نثبتها كما يليق بعظمته تبارك وتعالى وجلاله، ولا نُكَيَّف ذلك فلا نقول: سمعه كسمعنا وبصره كبصرنا، كما أننا لا نتأول ذلك كما فعل ذلك قديمًا بعض غلاة المعتزلة حيث تأوَّلوا السمع والبصر بالعلم، قالوا: {وَهُوَ السَّمِيعُ

البَصِيرُ} (الشورى:11) أي: العليم، علمًا بأن الله عز وجل قد وصف نفسه في غير ما آية في القرآن الكريم بالعلم، فحينما يأتي أولئك المعتزلة الغلاة فيتأولون السمع والبصر بالعلم فذلك هو التعطيل الذي قال عنه بعض علمائنا المتقدمين كابن تيمية وابن القيم الجوزية رحمهم الله قالوا: المعطل يعبد عدمًا والمُجسِّم يعبد صنمًا. على هذا الأساس من التنزيه والإثبات بدون تشبيه أو تأويل نقول في الآيتين السابقتين من استهزاء الله عز وجل بالمستهزئين بآياته وسخرية الله عز وجل بأولئك وأمثالهم إنما هو استهزاء يليق بالله عز وجل وليس من باب سخرية الإنسان بالإنسان، واستهزاء الإنسان بالإنسان، فالآية والأخرى كلتاهما يساقان مساق الآيات المتشابهات، نمرُّها كما جاءت مع الفهم السليم على ما كان عليه السلف الصالح بدون تشبيه، فهنا لا نشبه استهزاء الله بالمشركين كاستهزاء الناس بعضهم في بعض، وإنما نقول: استهزاءً يليق بالله تبارك وتعالى كما جاء تمامًا في الأثر الصحيح الثابت عن الإمام مالك رحمه الله أن رجلًا جاء إليه فقال: يا مالك! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا الرجل فإنه مبتدع. كذلك نحن نعلم أن الاستهزاء لغًة معروف وهو مقابل مقابلة المستهزئ باستهزاء من نده، ولكن الله عز وجل ما دام أنه ثبت لدينا يقينًا أنه ليس كمثله شيء، فلا نقول: استهزاؤه كاستهزائنا نحن كما قال مالك تمامًا: استواء الله عز وجل على عرشه معروف، ولكنه بلا كيف، والسؤال عن الكيف بدعة، لذلك أمر بإخراج الرجل على اعتباره إياه مبتدعًا، كذلك نحن نقول في كل آيات الصفات منها صفة الاستهزاء والسخرية معناهما معروف لغًة، ولكن ليس هناك تكييف ولا تشبيه، وهذا هو المنهاج في كل آيات الصفات وأحاديث الصفات. "أسئلة وفتاوى الإمارات" (2/ 00:42:55)

(المكر)

(المكر) [916] باب هل يوصف الله تعالى بالمكر [سئل الإمام]: إن الله عزوجل يُخبر عن نفسه فيقول: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آل عمران54) , فربما يضيق عقل بعض الناس عن فهم هذه الآية على ظاهرها, وبما أننا لسنا بحاجة للتأويل, فكيف يكون الله خير الماكرين؟! [فأجاب]: المسألة سهلة بفضل الله, وذلك لأننا نستطيع أن نعرف أن المكر - من حيث هو مكر- لا يوصف دائماً وأبداً بأنه شر, كما إنه لا يوصف دائماً وأبداً بأنه خير, فرُب كافر يمكر بمسلم, لكن هذا المسلم كَيِّسُ فَطنٌ ليس مغفلاً ولا غبيّاً, فهو متنبه لمكر خصمه الكافر, فيعامله على نقيض مَكَرَه هو, بحيث تكون النتيجة أن هذا المسلم بمكره الحسن قضى على الكافر بمكره السيئ, فهل يقال: إن هذا المسلم حينما مكر بالكافر تعاطى أمراً غير مشروع؟ لا أحد يقول هذا. ومن السهل أن تفهموا هذه الحقيقة من قوله عليه الصلاة والسلام «الحرب خدعة» (¬1) , فالذي يقالُ في الخدعة يُقال في المكر تماماً, فمخادعة المسلم لأخيه المسلم حرام, لكن مخادعة المسلم للكافر عدو الله وعدو رسوله هذا ليس حراماً, بل هو واجب, كذلك مكر المسلم بالكافر الذي يريد المكر به -بحيث يبطل هذا ¬

(¬1) "البخاري" (3030) ,- "مسلم" (1740). [منه].

المسلم مكر الكافر- هذا مكر حسن, وهذا إنسان وذاك إنسان. فماذا نقول بالنسبة لرب العالمين القادر العليم الحكيم؟ ها هو يبطل مكر الماكرين جميعاً لذلك قال {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} , فحينما وصف رُّبنا عزوجل نفسًه بهذه الصفة؟ قد لفت نظرنا بأن المكر حتى من البشر ليس دائماً, لأنه قال {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فهناك ماكر بخير, وماكر بِشَرٍّ, فمن مكر بخير لم يُذم, والله عزوجل كما قال {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}. وباختصار أقول: كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك, فإذا توهم الإنسان أمراً لا يليق بالله, فليعلم رأساً أنه مخطئ, فهذه الآية هي مدح لله عزوجل, وليس فيها أي شيء لا يجوز نسبته إلى الله تبارك وتعالى. "كيف يجب علينا أن نفسر القرآن" (ص19 - 21).

جماع أبواب جملة مما ثبت لله تعالى من الصفات الذاتية العقلية والخبرية

(جماع أبواب جملة مما ثبت لله تعالى من الصفات الذاتية العقلية والخبرية)

(صفة السلطان)

(صفة السلطان) [917] باب ما معنى سلطان الله؟ سؤال: قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم» ما معنى سلطانه القديم في الحديث؟ الشيخ: سلطان الله يعني تسلطه على ملكوته، صفة قائمة به فقط. "الهدى والنور" (783/ 57: 10: 00) (صفة النَفْس) [918] باب إثبات صفة النفس والتقرب وغيرهما لله تعالى وبيان خطأ من أَوَّلَهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يقول الله أنا عند ظن عبدي بي, وأنا معه إذا ذكرني, فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي, وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم, وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً, وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً, وإن أتاني يمشي أتيته هرولة». (صحيح). [قال الإمام]: قلت: اشتهر عند المتأخرين من علماء الكلام - خلافاً للسلف - تأويل هذه

الصفات المذكورة في هذا الحديث من (النفس) و (التقرب) و ... وما ذلك إلا لضيق عطنهم، وكثرة تأثرهم بشبهات المعتزلة وأمثالهم من أهل الأهواء والبدع فلا يكاد أحدهم يَطُرقُ سَمعه هذه الصفات إلا كان السابق إلى قلوبهم أنها كصفات المخلوقات، فيقعون في التشبيه، ثم يفرون منه إلى التأويل ابتغاء التنزيه بزعمهم، ولو أنهم تَلقَّوها حين سماعها مستحضرين قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ» لما ركنوا إلى التأويل، ولآمنوا بحقائقها على ما يليق به تعالى، شأنهم في ذلك شأنهم في إيمانهم بصفتي السمع والبصر وغيرهما من صفاته عز وجل، مع تنزيهه عن مشابهته للحوادث، لو فعلوا ذلك هنا لاستراحوا وأراحوا، ولنجوا من تناقضهم في إيمانهم بربهم وصفاته، فاللهم هداك. وراجع إن شئت التوسع في هذا كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى. "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 610).

(صفة اليد)

(صفة اليد) [919] باب الرد على من أنكر صفة اليد لله تعالى [قال الإمام]: الأحباش (¬1) ينكرون في جملة ما ينكرون اليد التي وصف الله عز وجل نفسه بها، يقولون: اليد جارحة .. ! سبحان الله، وهم يتكلمون عن أنفسهم، فكيف يقولون في اليد التي ذكرها الله إنها جارحة؟ هؤلاء من أجهل الناس إن لم يكونوا من أضل الناس؛ ذلك لأنهم يقيسون الغائب على الشاهد، بل يقيسون غيب الغيوب وهو الله تبارك وتعالى على أنفسهم، هذا في منتهى الحماقة إن لم يكن في منتهى الضلال، نحن نجاريهم جدلاً لا عقيدةً وحاشى أن نشاركهم في عقيدتهم، نقول لهم: الله ذات متصف بصفات الكمال، هل تقولون معنا؟ لا بد أن يقولوا معنا: نعم أو يقولوا: لا، فإن قالوا: لا فذاك هو الذي يدل على ضلالهم ويؤكد ما هم فيه فلا كلام لنا معهم؛ لأن الكلام حينئذ يكون مع الزنادقة، والمفروض الآن أننا نتكلم مع مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون وو إلى آخره .. فإذا قالوا نحن معكم بأن الله عز وجل له كل صفات الكمال، فإذا قالوا هذه الكلمة فقد تناقضوا حينما قالوا الله ذات وله صفات، وأنت أيها المتكلم بكلام علماء الكلام حينما تقول اليد جارحة هذه جارحة بالنسبة لذاتك، فهل ¬

(¬1) أتباع عبد الله الهرري الحبشي.

ذاتك كذات الله أو ذات الله كذاتك؟ ستقول حاشى لله، ذاته ليست كالذوات، وبالتالي صفاته ليست كسائر صفات المخلوقات، إذاً انتهت المشكلة يا جماعة .. يقال في الذات ما يقال في الصفات، يقال في الصفات ما يقال في الذات إيجاباً وسلباً الله ذات له كل صفات الكمال ومنزه عن كل صفات النقص، ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فهو سميع وبصير صدق الله، لكن سمعه ليس كسمعنا، بصره ليس كبصرنا، لا بد لهؤلاء المجادلين بالباطل والمتسترين بكلام ظاهره حق وباطنه باطل، لا بد لهؤلاء أن ينكروا كل صفات الله عز وجل، لماذا؟ لأن وصف الله بهذه الصفات في الغالب فيها اشتراك لفظي ليس حقيقي معنوي، الله عز وجل قال عن آدم {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) وَوَصْفُه نفسَه بأنه سميع بصير، إذاً انتهى الوقت؟ إذاً ننهي هذا الكلام فنقول: إذا كان الله عز وجل قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) ووصف آدم عليه السلام بأنه جعله سميعاً بصيراً، فعلى طريقة هؤلاء الأحباش وأمثالهم من المعطلة لا بد من أحد شيئين: إما أن نقول إن الله ليس كما قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)؛ لأنه قال في آدم: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) أو أن نقول لا هو كما وصف به نفسه لكن قوله في آدم {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) ليس كذلك فلا بد من تعطيل أحد الوصفين إما ما كان منهما متعلقاً بالله عز وجل وهذا كفر، وإما ما كان متعلقاً بوصف الله لآدم عليه السلام بأنه جعله سميعاً بصيراً إنكار أيضاً هذا فهو كفر فهم دائرون ما بين كفر وكفر وذلك عاقبة من لا يتبع السلف الصالح، ولذلك قيل: وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف

[920] باب المقصود بـ"أيدينا" في قوله تعالى: "مما عملت أيدينا"

فنوصي الحاضرين جميعاً ألا يصغوا لعلماء الكلام ولا لأذنابهم، وعليهم أن يعرفوا عقيدة السلف ليكونوا إن شاء الله مهتدين، والحمد لله رب العالمين. "الهدى والنور" (695/ 54: 00: 00) و (695/ 43: 27: 00) [920] باب المقصود بـ"أيدينا" في قوله تعالى: "مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا" السؤال: في سورة (يس) في قوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} (يس:71)، ما المقصود بأيدينا في الآية؟ الشيخ: المقصود الله عز وجل إذا كان يعني نفسه فلله عز وجل يدان لا نعرف كيفيتهما، وقد يعني من خلقه من الملائكة الذين وكلهم بأن يخلق بأمره إياهم ما شاء ربنا عز وجل من الخلق، فهنا لا إشكال إن كانت الأيدي هي من فعل الله عز وجل، فهناك آيات وأحاديث كثيرة أن لله عز وجل يدان دون تكييف ودون تشبيه، وإن كانت الأيدي المقصودة هنا أيدي الملائكة فالأمر حينذاك أسهل. "الهدى والنور" (89/ 00:31:25) [921] باب تفسير قوله تعالى: "يد الله فوق أيديهم" سؤال: شيخنا قوله تبارك وتعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (الفتح:10)، بعض المفسرين لم يذكر فيها شيئاً، وبعضهم يقول: هي يد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ...... الشيخ: ما هي؟ يد الرسول؟ مداخلة: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} (الفتح:10). الشيخ: ...... كيف يد الرسول؟

مداخلة: بعض المفسرين يقولون هذا. الشيخ: معيلش يا أخي بدي أفهمها، كيف يعني؟ مداخلة: يعني يد الرسول فوق أيديهم. الشيخ: فوق أيدي من؟ مداخلة: فوق أيدي من تبايعوا. الشيخ: والآية شو بتقول؟ مداخلة: {يَدُ اللَّهِ} (الفتح:10) ... أنا أعرف إنه هذا باطل. الشيخ: فإذاً؟ مداخلة: سأكمل إن شاء الله. الشيخ: تفضل. مداخلة: فهل يلتفت إلى أحد المنهجين، يعني السكوت أو تفسير اليد لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أم يُقال فيها ما يقال في باب الأسماء والصفات يَدٌ لله تليق به سبحانه وتعالى، وإذا قلنا أن معنى (فوق أيديهم) قلنا هذا المعنى مما نفوضه ولا نتوسع فيه، أم أن هناك شيئاً آخر، جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: ... لكن أنا ظننت أنك ستأتي بشيء جديد بالنسبة لقولك، أو لنقلك عمن قال: يد الرسول، ما جبت شيء بالنسبة لمن قال: يد الرسول؟ مداخلة: .. غرضي أن أسجل جوابك على هذه الفقرة. الشيخ: معليش يا أخي، لكن أنا أريد أن أفهم الحقيقة، هذا مطبوع الكلام هذا؟

مداخلة: أي نعم في تفسير النِّسَفِي. الشيخ: تفسير النِّسَفِي، يفسر يد الله يعني يد رسول الله؟ مداخلة: أي نعم، وهكذا في كل الصفات. الشيخ: لا، مش معقول كل الصفات، بس قول بيؤول في كل الصفات. مداخلة: هذا مقصودي، بيؤول في كل الصفات. الشيخ: مفهوم، أما مثلاً قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، رسول الله استوى؟ مداخلة: لا طبعاً يؤول، هذا كان مقصودي. الشيخ: يُؤَوِّل، سبحان الله، على كل حال أخي هنا عندنا قضيتان، هذه الآية لا تخرج عن الآيات والأحاديث، التي يَسِمُوْنَها بأنها من آيات الصفات، من الآيات المتشابهة، والأحاديث أيضاً، فنحن كلها نفسرها بالمعنى المعهود في اللغة العربية مع المحافظة على التنزيه، يعني تنزيه بدون تشبيه وبدون تعطيل، فيد الله فوق أيديهم، هي بلا شك يَدُ ربنا عز وجل، إذا كان من المقطوع به في آيات كتابه وأحاديث نبيه أنه فوق المخلوقات كلها، فهو فوق المخلوقات في ذاته كلها، ومن صفات ذاته يده تبارك تعالى، فما بها أي إشكال، لكن ... كما قلنا أكثر من مرة، لمعرفة حقيقة هذا المعنى، يعني مثلاً نقول: المشاهدة في الواقع، يد الإنسان غير عينه وعينه غيرُ أذنه وغير يده، وو .. إلى آخره، لكن هذه الصفات قائمة فيه، فكذلك -نقول ولله المثل الأعلى-: يده تبارك وتعالى غير أذنه، غير عينه، ... وغير أي صفة أُطلقت وذُكرت في كتاب الله وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهذا هو المقصود من إثبات المعنى اللغوي، مع عدم البحث في الكيفية، حقيقة الكيفية،

[922] باب معنى قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم}

يعني هي إثبات مغايرة صفةٍ للأخرى، حتى ما نقع في التعطيل الذي وقع فيه المؤوِّلة. مثلاً: أنا قرأت قديماً في كتب الفرق وغيرها: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فهنا نقول نحن السمع غير البصر، فهما صفتان لله عز وجل غير العلم مثلاً، لكن لا يَرِدُ علينا كيف سمعه وكيف بصره، لا كيف. لكن بعض المعتزلة فسَّروا: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، أي عليم. فهذا هو التعطيل. إذاً: أي صفة نحن نثبتها بدون أي تكييف. هنا اليد والوجه من هذا الباب تماماً. الهدى والنور" (67/ 04: 08: 00) [922] باب معنى قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم} الملقي: الآية: {يد الله فوق أيديهم} نريد يعني تفسير لها؟. الشيخ: ما تحتاج هذه إلى تفسير، هل سمعت يوماً ما قول السلف: أَمِرُّوها كما جاءت؟ سمعت هذه الكلمة ولا لا؟ الملقي: نعم، سمعتها. الشيخ: بعد أن سمعتها فهمتها؟ الملقي: لا ما فهمتها. الشيخ: يعني الآية أو الحديث المتعلق بصفات الله -عز وجل- يؤخذ منها المعنى الظاهر دون تكييف، ودون تعطيل، دون تكييف تشبيه، ودون تأويل

[923] باب هل قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «والذي نفسي بيده» من أحاديث الصفات؟

(الذي) هو أخو التعطيل، وإذا عرفت بأن الله -عز وجل- كما قال عبد الله بن المبارك إمام أو أحد شيوخ الإمام أحمد إمام السنة: الله -تبارك وتعالى- فوق عرشه بذاته، بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه. تحفظ هذه العبارة الجوهرية عن الإمام ابن المبارك، عبد الله ابن المبارك؟ يقول: الله -تبارك وتعالى- فوق عرشه بذاته، بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه، ثلاث فقرات جمعت عقيدة التوحيد فيما يتعلق بعلو الله -عز وجل- على خلقه، فإذا علمت أن الله -عز وجل- فوق عرشه بذاته، عرشه أليس فوق مخلوقاته؟ الملقي: بلى. الشيخ: فإذا كان هو فوق عرشه وله الصفات الحسنى والأسماء العليا ألا تكون يده فوق خلقه؟ الملقي: بلى. "الهدى والنور" (523/ 02: 38: 00) [923] باب هل قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «والذي نفسي بيده» من أحاديث الصفات؟ سؤال: يقول: جاء في بعض الأحاديث قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «والذي نفسي بيده» ما المقصود باليد هنا، هل هي القدرة أم ماذا تُفَسَّر به؟ الشيخ: ما هو الحديث؟ مداخلة: قال هذا جزء من الحديث: «والذي نفسي بيده». الشيخ: هناك أحاديث كثيرة مبتدئة بمثل هذا الحديث كقوله عليه السلام:

[924] باب هل نثبت لله صفة الشمال وكيف الجمع بين حديث «كلتا يدي ربي يمين» وبين الأحاديث التي فيها أن لله شمالا؟

«والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» (¬1) لا شك أن يد الله تبارك وتعالى هي صفة أيضًا من صفاته عز وجل، والتأويل لا ضرورة له لا في الآيات المعروفة ولا في هذا الحديث، فنفس عباد الله ومنهم محمد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهي بيده، وهل اليد تنافي القدرة حتى نؤول هذا الحديث عن ظاهره، أم اليد التي عادةً تعمل فهي متصفة بالقدرة فعلًا، فلا مبرِّر للتأويل إطلاقًا. "رحلة النور" (40ب/00:31:30) [924] باب هل نثبت لله صفة الشمال وكيف الجمع بين حديث «كلتا يدي ربي يمين» وبين الأحاديث التي فيها أن لله شمالاً؟ السائل: أولاً ياشيخ بارك الله في علمك وفي عمرك-الشيخ الألباني: الله يبارك فيك - السائل: جزاك الله خيرا، ثانيًا سؤالي حديث عقدي وهو ما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «كلتا يدي ربي يمين» وفي نفس صحيح مسلم حديث آخر من طريق آخر جاء فيه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «يطوي الله السموات بيمينه والأراضين بشماله» فهنا قال بشماله، وهناك قال: كلتا يدي ربي يمين، فكيف التوفيق بين الحديثين بارك الله فيك؟ الشيخ: الحقيقة أنني أعجب من بعض إخواننا الذين يوجهون مثل هذا السؤال، يتوهمون التعارض بين ما جاء في بعض الأحاديث أن لله يمينًا ولله شمالاً وبين الحديث الذي قال فيه عليه السلام: «وكلتا يدي ربي يمين» يتوهمون التعارض بين هذا الحديث والأحاديث التي تُفصِّل، فتقول إن لله يمينًا ولله شمالاً، ¬

(¬1) "مسلم" (رقم203).

كهذا الحديث حديث ابن عمر وأحاديث القبضتين التي كنتُ أخرجتها في أول المجلد الأول من السلسلة الصحيحة ففيها أن الله عز وجل لما خلق الخلق قبض قبضةً بيمينه -في عالم الأرواح -فقال هؤلاء بالجنة ولا أبالي، وقبض قبضة بشماله فقال هؤلاء بالنار ولا أبالي، لا تعارض ولا تنافي بين هذا الحديث وما في معناه من إثبات الشمال واليمين، وبين قوله عليه الصلاة والسلام: «وكلتا يدي ربي يمين»؛ لأن معنى ذلك كقوله تبارك وتعالى تمامًا في صفة السمع والبصر: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ليس كمثله شي يساوي كلتا يدي ربي يمين، وهو السميع البصير يساوي له يمنى وله يسرى، فتنزيهًا لله عز وجل وبيانًا أن صفات الله عز وجل لا تشبه صفات المخلوقات، قال الرسول عليه السلام في الحديث المذكور آنفًا: «وكلتا يدي ربي يمين» فنحن البشر نصف أنفسنا لنا يمين ولنا شمال، لكن هل يجوز لنا أن نصف أنفسنا فنقول كما قال بعض الوعاظ المصرِّيين مخاطبًا الرسول عليه السلام يقول في تعظيمه وفي مدحه: (يا رسول الله وكلتا يديك يمين)، هذا هو الضلال المبين، فلا يجوز للمسلم أن يصف نفسه إلا بما هو معروفٌ من بشريته فله يمين وله شمال، ولكن لا يجوز أن يصف بشرٍّ ما، مهما سما وعلا ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فيقول وكلتا يدي رسول الله يمين»؛ لأن هذه الصفة مما تفرد بها رب العالمين تبارك وتعالى، والأمر في الصفات كما تعلمون يوجد اشتراك لفظيٌ، بين صفات الله عز وجل وبين صفات العباد، الله سميع بصير كما سمعتم في الآية السابقة، ولكنه قال بالنسبة لآدم: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} لكن هذا السمع وهذا البصر يختلف تمامًا في حقيقتهما عن حقيقة صفة السمع والبصر كصفتين لله تبارك وتعالى، تأكيدًا لهذا التنزيه الذي ذكره الله عز وجل في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} من هذا الباب جاء قوله عليه الصلاة والسلام:

[925] باب منه

«وكلتا يدي ربي يمين» فاليمين والشمال يوجد إشتراك لفظي، أما كلتا يدي ربي يمين لا أحد يشاركه في اللفظ فضلاً عن المعنى، هذا هو الجواب عن هذا السؤال. (فتاوى جدة -الأثر-" (33/ 01:19:38) [925] باب منه سؤال: الحديث عن ابن عمر وفيه: «ثم إن الله سبحانه وتعالى يطوي الأراضين بشماله» وهناك أحاديث أخرى في الصحيحين أيضًا: «أن الله كلتا يديه يمين» .. الشيخ: تكلمنا أيضًا على هذه المسألة في أكثر من جلسة واحدة، فنقول: إن الله عز وجل وصف نفسه بأن لله يدين، فوجب الإيمان بذلك، وأن إحدى يديه يمين والأخرى شمال، ولكن في حديث آخر في الصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «وكلتا يدي ربي يمين» لا إشكال بين هذا الحديث والذي قبله بل هذا الحديث الثاني يؤكد مبدأً قرآنيًّا وهو قوله تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فهو تبارك وتعالى مع كونه سميعًا بصيرًا فليس كمثله شيء، كذلك عز وجل مع كونه له يدان وإحداهما يمين والأخرى شمال فكلتا يدي ربي يمين خلافًا للمخلوقات فلا توصف بأن كلتا يدي يمين المخلوقات يمين؛ لأن هذه صفة اختص بها رب العالمين، فلا تعارض لنتطلب التوفيق، بل هذا تأكيد لتنزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهته للمخلوقات "فتاوى جدة" (1/ 00:14:04)

[926] باب منه

[926] باب منه السائل: الحديث: أن لله تعالى يدين، وكلتا يديه يمين، ويوجد حديث آخر أن له يدًا شمالًا، هل هذا وهم من الراوي، مع أن الحديث عند مسلم. الشيخ: نعم الحديث الذي عند مسلم فيه راو متكلم فيه بحق، ولكن للفظة الشمال في حديثه هذا شواهد أخرى جاءت خارج الصحيح لا مانع في اعتقادي من وصف اليد الأخرى بالشمال مع الجمع بينهما كما جمع الرسول عليه السلام بقوله: «وكلتا يدي ربي يمين»؛ لأن ذلك كتفصيل لقوله تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فلا يوصف بشر بأن كلتا يديه يمين خلافًا ما نقل عن بعض الوعاظ في مصر حيث خاطب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: وكلتا يديك يا رسول الله يمين! فهذا شرك في الصفات، فالحديث الصحيح: «وكلتا يدي ربي يمين» هو كالتأكيد لكون ما جاء في وصفه تعالى في بعض الأحاديث بأن له يمينًا وأن له شمالًا فليس كيمين وشمال المخلوقين، بل كلتا يدي ربي يمين، فهو تأكيد التنزيه الذي هو الأصل في كل صفات الله تبارك وتعالى. مداخلة: والله أستاذ لو تفصل لنا: كلتا يديه يمين؛ لأنه يوجد وهم عند بعض الإخوان في: كلتا يديه يمين. الشيخ: في هذا أو فيما قبل؟ مداخلة: في كلمة: كلتا يديه يمين، ما المقصود بكلتا يديه يمين؟ الشيخ: تنزيه رب العالمين، وصفات الله عز وجل كما هو الأصل فيها كلها لا تُكَيَّف، فإذا جاء خبر عن الله عز وجل سواء في كتابه أو في حديث نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - وجب

[927] باب منه

الإيمان والتسليم به دون تكييف، لكن من الواضح جدًا أن وصف الرسول عليه السلام لكلتا يدي ربه تبارك وتعالى بأنها يمين فهو تأكيد أنه ليس كمثله شيء. "فتاوى جدة- الأثر -" (26ب /00:09:26) [927] باب منه السائل: عدة مرات كنت سألتك أنه بالنسبة لله عز وجل الأحاديث تشير إلى أن كلتا يدي ربي يمين، الأحاديث تشير كلها أنه فقبض قبضة يمينه وباليد الأخرى، أو أنه ضرب بكتف آدم ضرب بيمينه ثم ضرب في كتفه الأخرى، وذكرت لي مرة أنه فيه أحاديث تُوضِّح أن لله يداً شمالاً أو يسرى، ... ما أستذكر الحديث، فهل الحديث وارد بذكر اليد اليسرى؟ ... الشيخ: كلمة اليمنى فيها تنبيه أن فيه هناك يسرى، وهذا طبعاً لا نقوله ونقف عنده؛ لأن هذا قول بالرأي، ولا يجوز أن نقول مثل هذا الرأي فيما يتعلق بغيب الغيوب وهو الله وصفاته، لكن أنا أقول: كأني سمعتك آنفاً أيضاً أشرت إلى حديث وهو حديث القبض، قبض قبضة بيمنه، أم أنا واهم ما ذكرته؟ مداخلة: أنه قبض قبضة فقال: في الجنة ولا أبالي، وضرب بكتفه اليسرى وقال: في النار ولا أبالي، وضرب بالأخرى بكتفه الأيسر وقال: في النار ولا أبالي. الشيخ: هذه الأخرى ما هي؟ مداخلة: ما هذه التي أنا أسأل، أنت ذكرت لي مرة شيخنا .. الشيخ: لا لا، أنا آتيك بالبيان، الحديث مُخرَّج في الأحاديث الصحيحة: «قبض قبضة بيمينه فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وقبض قبضة بشماله فقال:

هؤلاء إلى النار ولا أبالي»، ثم فيه حديث يذكر اليمين واليسار الآن لا أتذكر لفظ الحديث، ثم يعقب على ذلك بقوله عليه السلام: «وكلتا يدي ربي يمين»، إذاً: أيضاً يشر إلى حديث القبضتين، فيه يمنى وفيه يسرى، وقوله عليه السلام: «وكلتا يدي ربي يمين» هو كالتفصيل فيما يتعلق بهذه الصفة الإلهية بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فربُّنا له يدان مبسوطتان كما هو صريح القرآن، وكما جاء في السنة يمين وشمال، لكن تميز ربنا عز وجل بهذا الوصف النبوي الذي يمكن أن نقول: إنه اقتباس من النص القرآني حين قال: وكلتا يدي ربي يمين، فهو ليس كمثله شيء إذاً، نحن البشر صحيح شمال ويمين لكن لا نوصف بما وصف نبينا ربنا تبارك وتعالى بقوله: وكلتا يدي ربي يمين. ولذلك فقد ضل ضلالاً بعيداً أحد الوعاظ المشهورين في مصر حينما أراد أن يمدح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فخاطبه بقوله: وكلتا يديك يا رسول الله يمين، وهذا هو الذي نهى عنه الرسول عليه السلام حين قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله»، وقوله عليه السلام: «إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك الذين من قبلكم غلوهم في دينهم» فهذا الرجل يظن أن المبالغة في مدح الرسول عليه السلام مما يقربهم إلى الله زلفى، فالأمر ليس كذلك أبداً، وبخاصة حينما أخذ هذه الصفة وأطلقها على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ورسول الله خص بها ربه، فقال: «وكلتا يدي ربي يمين». فإذاً: له صفة اليمين والشمال، وفوق ذلك وكلتا يدي ربي يمين. "الهدى والنور" (255/ 54: 16: 00)

[928] باب منه

[928] باب منه الشيخ: [ ... انقطاع ... ] والحديث الذي ورد في هذا الخصوص في صحيح مسلم فيه رجل ضعيف وهو عمر بن حمزة (¬1)، لكن أنا لا أستبعد ولا أقطع بأن له شاهد أو أكثر من شاهد، لكن هذا يحتاج إلى بحث، فلو فرضنا ثبوت حديث الشمال، كيف نوفق بين حديث الشمال وبين قوله عليه السلام الثابت عنه: «وكلتا يدي ربي يمين»؟ الجواب أن هذا الحديث الصحيح تأكيد لعموم قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، فالعبد له يمين وله يسار شمال، والله له يمين وله شمال على فرض ثبوت الحديث .. مداخلة: نعم. الشيخ: ما ننسى هذا، على فرض ثبوت الحديث فالله له يمين وله شمال لكنه يتميز بكونه الخالق؛ لأن كلتا يديه يمين. هذا في تفصيل قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، ولذلك قد ضل ضلالاً بعيداً واعظ مصري معروف في أثناء درس له كان يعظ الناس ومن عادته أنه يبالغ في حض الناس على الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأخذ يمدح الرسول عليه السلام إلى أن وصل إلى قوله: يا رسول الله الذي من صفاتك أن كلتا يديك يمين. مداخلة: الله المستعان. الشيخ: هذا غلو؛ لأنه أعطى الصفة التي اختص بها رب العالمين دون سائر الناس أجمعين لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلو ثبت حديث الشمال نقول له يمين وله شمال، ¬

(¬1) يظهر من خلال السياق أنه يقصد حديث «الشمال».

ولكن يتميز على الناس بأن من صفته أن كلتا اليدين يمين. مداخلة: هل يكون ذلك من باب التفضيل أو المبالغة؟ الشيخ: لا، ليس هناك مبالغة هذه حقيقة .. مداخلة: هذه رآها بعض العلماء أن المعنى أنهما مباركتان، هذا رأي الشيخ عبد العزيز في إثبات اليمين .. الشمال رأي الشيخ عبد العزيز، يقول إذا ثبت اليمين نثبت الشمال. (حصل هنا انقطاع صوتي) مداخلة: أقول يا شيخ الذي يقول ولو لم يثبت الحديث لكن إثبات اليمين إثبات للشمال. الشيخ: هذا بالنسبة إلينا. مداخلة: نعم. الشيخ: أو قياساً علينا، من أين نأتي بالشمال لرب العالمين وهو غيب الغيوب، من أين نأتي، وفي الحديث: «وكلتا يدي ربي يمين»، أنا لا أحب أن أثبت لله اليد الشمال إلا بالنص الصحيح. هذا خلاصة الكلام. مداخلة: ... بحثنا القاصر أن حديث عبد الله بن عمر الذي في صحيح مسلم والذي فيه عمر بن الحمزة العمري لم يكن له شاهداً إلا كما قال البيهقي يقول له شاهد وفيه يزيد الرقاشي متروك، نعم، يقول ليس له شاهد إلا حديث فيه يزيد الرقاشي وهو متروك.

[929] باب منه

الشيخ: لا يكفي شاهداً ولا ينهض شاهداً، وأرجو الله أن يتيح لنا فرصة للبحث في هذه القضية (¬1). "الهدى والنور" (409/ 50: 09: 00) [929] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إنَّ أول شيءٍ خَلَقَهَ الله عزَّ وجلَّ: القلمُ، فأخذَهُ بيمينه- وكلتا يديهِ يمين- قال: فكتبَ الدنيا وما يكونُ فيها من عملٍ معمولٍ: بِرَّ أو فجورٍ، رطب أو يابس، فأحصاهُ عندَه في الذِّكر، ثم قال: اقرَأُوا إن شئتم: {هذا كتابُنا يَنْطِقُ عليكم بالحق إنا كنا نَسْتَنْسِخُ ما كنتم تعملون}؛ فهل تكون النسخةُ إلا مِنْ أمرٍ قد فُرغَ منه». [قال الإمام]: قوله: «وكلتا يديه يمين»، قد جاء في حديث: «المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين .. ». رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "آداب الزفاف " (281). وقد رواه أيضاً ابن حبان (1538)، والآجري، والبيهقي في "الأسماء" (ص 354) من حديث ابن عمرو. وله شاهد ثان من حديث أبي هريرة مرفوعاً: «لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس ... » الحديث، وفيه ذكر القبضتين، وقوله تعالى لآدم: ¬

(¬1) يأتي الكلام على هذه القضية، وعلى حديث الشمال بإسهاب إن شاء الله في قسم الدراسة.

«اختر أيهما شئت، قال: اخترت يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين مباركة ... ». وهو مخرج في "الظلال " (91/ 206). وله شاهد من حديث عبد الله بن سلام موقوفاً عليه. أخرجه الآجري (ص 322) بسند جيد. وفي القبضتين أحاديث أخرى كنت خرجتها في المجلد الأول برقم (46 - 50). وليس في شيء منها ذكر الشمال؛ إلا في رواية في حديث لابن عمر في طيّ السموات والأرض؛ مذكور في "صحيح الجامع " برواية مسلم وأبي داود عنه، تَفَرَّد بذكره عمر بن حمزة عن سالم عنه. قال البيهقي في "الأسماء" (ص324): "وقد روى هذا الحديث نافع، وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، ولم يذكر فيه: "الشمال "، ورواه أبو هريرة رضي الله عنه وغيره عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يذكر فيه أحد منهم الشمال. وروي ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة؛ إلا أنه ضعيف بمرة تفرد بأحدهما جعفر بن الزبير، وبالآخر يزيد الرقاشي وهما متروكان، وكيف يصح ذلك والصحيح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه سمى كلتا يديه يميناً؟! ". قلت: معنى كلام البيهقي في ذكر "الشمال " في حديث ابن عمر المشار إليه أنه شاذ لمخالفته الثقات الذين لم يذكروا ذلك؛ لا في حديث ابن عمر، ولا في حديث أبي هريرة وغيره، وهذا الحكم بالشذوذ إنما يصح اصطلاحاً فيما لو كان عمر بن حمزة ثقة عند العلماء، لكن الواقع أنه ضعيف؛ كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر وغيره، ووصفه الإمام أحمد بقوله: "أحاديثه مناكير". "الصحيحة" (7/ 1/374 - 376).

[930] باب منه

[930] باب منه مداخلة: أولًا يا شيخ بارك الله في علمك وفي عمرك وجزاك الله خيرًا، ثانيًا: سؤالي حديثي عقدي وهو ما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله قال: «كلتا يدي ربي يمين» وفي نفس صحيح مسلم حديث آخر من طريق آخر جاء فيه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «يطوي الله السماوات بيمينه والأراضيين بشماله»، فهنا قال: بشماله، وهناك قال: كلتا يدي ربي يمين، فكيف التوفيق بين الحديثين؟ بارك الله فيك. الشيخ: الحقيقة أنني أعجب من بعض إخواننا الذين يوجهون مثل هذا السؤال، يتوهمون التعارض بين ما جاء في بعض الأحاديث أن لله يمينًا ولله شمالًا، وبين الحديث الذي قال فيه عليه السلام: «وكلتا يدي ربي يمين» يتوهمون التعارض بين هذا الحديث والأحاديث التي تُفَصِّل فتقول: إن لله يمينًا، ولله شمالًا كهذا الحديث حديث عمر، وأحاديث القبضتين اللتين كنت أخرجتها في أول المجلد الأول من السلسلة الصحيحة، ففيها أن الله عز وجل لما خلق الخلق قبض قبضًة بيمينه في عالم الأرواح فقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وقبض قبضًة بشماله فقال: هؤلاء إلى النار ولا أبالي، لا تعارض ولا تنافي بين هذا الحديث وما في معناه من إثبات الشمال واليمين وبين قوله عليه الصلاة والسلام: «وكلتا يدي ربي يمين»؛ لأن معنى ذلك كقوله تبارك وتعالى تمامًا في صفة السمع والبصر: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11] ليس كمثله شيء يساوي كلتا يدي ربي يمين، وهو السميع البصير يساوي له يمنى وله يسرى. فتنزيهًا لله عز وجل وبيانًا أن صفات الله عز وجل لا تشبه صفات المخلوقات قال الرسول عليه السلام في الحديث المذكور آنفًا: «وكلتا يدي ربي يمين» فنحن

[931] باب ما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «الحجر يمين الله ... »

البشر نصف أنفسنا لنا يمين ولنا شمال، لكن هل يجوز لنا أن نصف أنفسنا فنقول كما قال بعض الوُعَّاظ المصريين مخاطبًا الرسول عليه السلام، يقول في تعظيمه وفي مدحه: يا رسول الله وكلتا يديك يمين! هذا هو الضلال المبين، فلا يجوز للمسلم أن يصف نفسه إلا بما هو معروف من بشريته، فله يمين وله شمال، ولكن لا يجوز أن يصف بشرًا ما مهما سما وعلا ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيقول: وكلتا يدي رسول الله يمين؛ لأن هذه الصفة مما تفرد بها رب العالمين تبارك وتعالى. والأمر في الصفات كما تعلمون يوجد اشتراك لفظي بين صفات الله عز وجل وبين صفات العباد، فالله سميع بصير كما سمعتم في الآية السابقة ولكنه قال بالنسبة لآدم: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) لكن هذا السمع وهذا البصر يختلف تمامًا في حقيقتهما عن حقيقة صفة السمع والبصر كصفتين لله تبارك وتعالى، تأكيدًا لهذا التنزيه الذي ذكره الله عز وجل في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) من هذا الباب جاء قوله عليه الصلاة والسلام: «وكلتا يدي ربي يمين» فاليمين والشمال يوجد اشتراك لفظي، أما كلتا يدي ربي يمين لا أحد يشاركه في اللفظ فضلًا عن المعنى. هذا هو الجواب عن هذا السؤال. (فتاوى جدة (14أ) /01:16:26) [931] باب ما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «الحجر يمين الله ... » [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده». (منكر).

[قال الإمام]: وإذا عرفت ذلك "أي: كون الحديث منكراً"، فمن العجائب أن يسكت عن الحديث الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات " (7/ 174 - 175) ويتأول ما روي عن ابن الفاعوس الحنبلي أنه كان يقول: " الحجر الأسود يمين الله حقيقة "، بأن المراد بيمينه أنه محل الاستلام والتقبيل، وأن هذا المعنى هو حقيقة في هذه الصورة وليس مجازاً، وليس فيه ما يوهم الصفة الذاتية أصلا، وكان يغنيه عن ذلك كله التنبيه على ضعف الحديث، وأنه لا داعي لتفسيره أو تأويله لأن التفسير فرع التصحيح كما لا يخفى. "الضعيفة" (1/ 390، 392).

(صفة الساق)

(صفة الساق) [932] باب إثبات صفة الساق لله تعالى والرد على من تأول آية الساق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال «يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياماً أربعين سنة, شاخصةً أبصارهم ينتظرون فصل القضاء. قال: وينزل الله عز وجل في ظُلل من الغمام من العرش إلى الكرسي, ثم ينادي مناد: أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولي كل أناس منكم ما كانوا يتولون, ويعبدون في الدنيا, أليس ذلك عدلاً من ربكم؟ قالوا: بلى فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويتولون في الدنيا, قال: فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون, فمنهم من ينطلق إلى الشمس, ومنهم من ينطلق إلى القمر والأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون. قال: ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى, ويمثل لمن كان يعبد عزيراً شيطان عزير, ويبقى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمته, قال: فيتمثل الرب تبارك وتعالى فيأتيهم فيقول: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ قال: فيقولون إن لنا إلها ما رأيناه بعد. فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه, فيقولون: إن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها

[933] باب صفة الساق

عرفناه. قال: فيقول ما هي؟ فيقولون: يكشف عن ساقه فعند ذلك يكشف عن ساقه, فيخر كل من كان لظهره طبق ساجداً ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون, وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ... الحديث. (صحيح). [قال الإمام]: فيه إشارة إلى قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ، خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا ... } الآية، وبيان أن الساق فيها إنما هو ساق الله جل جلاله، ففيه رد صريح على من يتأوله بغير ما صرح به هذا الحديث وغيره مما كنت خرجته في الصحيحة (583 و584). "التعليق على الترغيب والترهيب" (3/ 1296). [933] باب صفة الساق [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة, ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة, فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً». [قال الإمام]: أما سويد بن سعيد "أحد رواة الحديث"، فهو وإن كان فيه ضعف من قِبَلِ حفظه فلا يضره ذلك هنا؛ لأنه متابع من طرق أخرى عن زيد كما سمعت ورأيت.

ومثل ذلك يقال عن سعيد بن أبي هلال، فقد تابعه حفص بن ميسرة وهشام بن سعد وعبد الرحمن بن إسحاق، فاتفاق هؤلاء الثلاثة على الحديث يجعله في منجاة من النقد عند من ينصف. نعم لقد اختلف في حرف منه، فقال الأول: " عن ساقه " وقال الآخرون: " عن ساق ". والنفس إلى رواية هؤلاء أميل ولذلك قال الحافظ في " الفتح " (8/ 539) بعد أن ذكره باللفظ الأول: " فأخرجها الإسماعيلي كذلك. ثم قال: في قوله " عن ساقه " نكرة. ثم أخرجه من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم بلفظ: يكشف عن ساق. قال الإسماعيلي: هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن في الجملة لا يظن أن الله ذو أعضاء وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين، تعالى الله عن ذلك ليس كمثله شيء ". قلت: نعم ليس كمثله شيء ولكن لا يلزم من إثبات ما أثبته الله لنفسه من الصفات شيء من التشبيه أصلاً, كما لا يلزم من إثبات ذاته تعالى التشبيه، فكما أن ذاته تعالى لا تشبه الذوات وهي حق ثابت، فكذلك صفاته تعالى لا تشبه الصفات وهي أيضا حقائق ثابتة تتناسب مع جلال الله وعظمته وتنزيهه، فلا محذور من نسبة الساق إلى الله تعالى إذا ثبت ذلك في الشرع وأنا وإن كنت أرى من حيث الرواية أن لفظ " ساق " أصح من لفظ " ساقه " فإنه لا فرق بينهما عندي من حيث الدراية لأن سياق الحديث يدل على أن المعنى هو ساق الله تبارك وتعالى وأصرح الروايات في ذلك رواية هشام عند الحاكم بلفظ: " هل بينكم وبين الله من آية تعرفونها؟ فيقولون: نعم الساق، فيكشف عن ساق ... ".

قلت: فهذا صريح أو كالصريح بأن المعنى إنما هو ساق ذي الجلالة تبارك وتعالى. فالظاهر أن سعيد بن أبي هلال كان يرويه تارة بالمعنى حين كان يقول: " عن ساقه ", ولا بأس عليه من ذلك ما دام أنه أصاب الحق. وأن مما يؤكد صحة الحديث في الجملة ذلك الشاهد عن ابن مسعود الذي ذكره البيهقي مرفوعا وإن لم أكن وقفت عليه الآن مرفوعا وقد أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص115) من طريق أبي الزعراء قال: " ذكروا الدجال عند عبد الله، قال: تفترقون أيها الناس عند خروجه ثلاث فرق ... فذكر الحديث بطوله: وقال: ثم يتمثل الله للخلق، فيقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن ولا مؤمنة إلا خر لله ساجداً". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي الزعراء واسمه عبد الله ابن هانئ الأزدي وقد وثقه ابن سعد وابن حبان والعجلي ولم يرو عنه غير ابن أخته سلمة ابن كهيل. ووجدت للحديث شاهداً آخر مرفوعاً, وهو نص في الخلاف السابق في " الساق " وإسناده قوي، فأحببت أن أسوقه إلى القراء لعزته وصراحته وهو: "إذا جمع الله العباد بصعيد واحد نادى مناد: يلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ههنا؟ فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا عرفناه فيكشف لهم عن ساقه، فيقعون سجدا وذلك قول الله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} ويبقى كل منافق، فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة". "الصحيحة" (2/ 125، 127 - 129).

[934] باب كشف الله تعالى عن ساقه يوم القيامة

[934] باب كشف الله تعالى عن ساقه يوم القيامة [جاء في آخر حديث عبد الله بن عمرو في علامات الساعة الذي أوله قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يخرج الدجال فيمكث أربعين» أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال]: «فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق». رواه مسلم. [قال الإمام]: أي يوم القيامة يوم كرب وشدة، يوم يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن، دون المرائين ... والقسم الأخير يشير إلى الآيتين: {فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبًا} (المزمل-17) وقوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} (القلم-42). "تحقيق مشكاة المصابيح" (3/ 1529). [935] باب إثبات صفة الساق لله تعالى سؤال: فضيلة الوالد حفظك الله! يقول السائل: هل يكشف الله تعالى عن ساقه يوم القيامة كما جاء في بعض الكتب؟ نرجو التوضيح وجزاكم الله خيرًا. الشيخ: الحديث في ذلك في صحيح البخاري، وقد اختلفت مواقف العلماء تجاهه، والذي يترجح عندي الوقوف مع ظاهر الحديث؛ لأنه صفة من صفات الله تعالى، فيجب الإيمان بذلك دون تكييف ودون تعطيل كما هو موقف علماء السلف من كل صفات الله عز وجل كاليد والعين والسمع والاستواء ونحو ذلك، نعم. "رحلة النور" (36ب/00:39:42)

[936] باب حال حديث: «يكشف ربنا عن ساقه»

[936] باب حال حديث: «يكشف ربنا عن ساقه» سؤال: حديث الساق، «يكشف ربنا عن ساقه». الشيخ: نعم حديث صحيح. "الهدى والنور" (529/ 20: 35: 00) [937] باب هل يؤخذ بتفسير ابن عباس لقوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق}؟ السائل: تفسير قوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (القلم:42) فالمفسرين دائماً يذكرون حديث البخاري اللي يبين الآية الكريمة يكشف ربنا عن ساقه أو كما جاء في الحديث، لكن في نفس الوقت يورد في الحديث بتفسيرات قول ابن عباس وعكرمة ومجاهد أنه الكشف عن الساق هنا يوم الكرب أو دفع الكربة أو الشدة كما جاء في تفسير لغة العرب، فهنا كيف التوافق يكون في مسألة يعني إمرار نصوص الصفات على ظاهرها، لا سيما وأن الكثير من الناس تحتج بهذه الآية وعن تفسير قول ابن عباس في هذه الآية بالرد على أهل السنة في مسائل كثيرة جداً. الشيخ: بارك الله فيك، يجب على كل طالب علم أن يكون منطلقه في الفهم وفي الفقه قائماً على القواعد العلمية الأصولية سواءٌ ما كان منها متعلق بأصول الحديث أو أصول الفقه، ليس من العلم عند أحدٍ من أهل العلم أن يعارض قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقول غيره ممن ليس معصوماً، ثم بالتالي ليس من العلم محاولة التوفيق بين الحديث المرفوع والقول الموقوف، ليس هناك حاجة لإعمال الفكر في سبيل التوفيق بين الحديث المرفوع والحديث الموقوف، فقول ابن عباس إن صح، لا ينبغي أن يعارض قول الرسول عليه السلام فتنتهي المشكلة؟ لماذا؟

تفكرون أن تعالجوا قضية ليست هي في ذات نفسها مشكلة تريدون توفقوا بين قوله عليه السلام وقول ابن عباس! هذا ما ينبغي. إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام فإذا قال الرسول قولاً، فما ينبغي أن نلتفت إلى غيره ليست مشكلة أهل السنة وأهل البدعة وهؤلاء هم متعصبة المذاهب ماهي المشكلة بيننا وبينهم هم يقولون قال الإمام هذه مشكلة، هذه ليست مشكلة عندنا، أما عندهم وهم يقدمون قول الإمام على قول سيد الرسل فضلاً عن الأئمة هي مشكلة عندهم، أما عندنا فلا إشكال في ذلك أبدا، لعلك حصلت الجواب. السائل: آه بارك الله فيك، لكن يحتجون بعضهم يحتج يقول: إنه مذهب أهل السنة والجماعة في النصوص الشرعية يكون على فهم العلماء، وبعضهم يقولون: إنه ابن عباس رضي الله تعالى عنه والعلماء من التابعين كعكرمة مجاهد يقول نأخذ فهم الآية على فهمهم هم. الشيخ: المسألة لما يكون مسألة فهم الكلام صحيح، لكن لما يكون مسألة نص لا يقبل فهماً آخر، ولا يقبل خلافاً؛ فحينئذٍ المسألة كما قلنا آنفاً، يوم يكشف عن ساقٍ أي عن ساقه تبارك وتعالي ليس على ... الفهم هذه، أما حينما تكون المسألة تحتمل وجهين من حيث الأسلوب العربي لا شك أن المرجع في ذلك إلى العلماء. "الهدى والنور" (582/ 39: 37: 00)

[938] باب هل نفى شيخ الإسلام صفة الساق لله عز وجل؟

[938] باب هل نفى شيخ الإسلام صفة الساق لله عز وجل؟ السؤال: شيخ الإسلام ابن تيمية لا يثبت الساق لله عز وجل، فهل هذا يعني أنه خالف الأصول؟ الشيخ: لا ما خالف؛ لأنه هذا باجتهاد. مداخل آخر: هو ما نفاها. الشيخ: فسر الساق بالشدة ونحو ذلك، ففهم الآية أنها ليست صفة لله عز وجل. نعم. مداخل آخر: شيخ الإسلام رحمه الله هو لم ينف الساق ابتداءً، وإنما قال أن قول الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (القلم:42)، ليست من آيات الصفات، وإنما الذين أثبتوها لم يفهموها من الآية، وإنما فهموها من حديث أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري، فشيخ الإسلام رحمه الله لم ينف الصفة كصفة لله، وإنما قال أن هذه الآية ليست من آيات الصفات، وشتان بين هذا الجواب وهذا الجواب، والله أعلم. الشيخ: جزاك الله خير. المداخل: وابن القيم رحمه الله تلميذ شيخ الإسلام رد رداً مفصلاًً عليه في «الصواعق المرسلة»، والله أعلم. الشيخ: كويس. جزاك الله خيراً. المداخل: وأنت كذلك. "الهدى والنور" (249/ 09: 51: 00)

[939] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - «يضع الجبار قدمه في النار»

[939] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - «يضع الجبار قدمه في النار» سؤال: حديث: «يضع الجبار قدمه في النار» الأشاعرة يؤولون هذا الحديث لشبهتين: الشبهة الأولى: ... أن الله يكون مختلطاً بالنار أو يختلط بخلقه. الشبهة الأخرى: أن أهل النار يرونه، فكيف نرد على هذا؟ الشيخ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) ما هي أول شبهة تَرِدُ على بعض الصفات الإلهية، هذا يأتي من تكييف الله عز وجل وتشبيهه بخلقه ... الأصل في الصفات الإلهية كالأصل في كل النصوص الغيبية، لا يجوز فيها التوسع ولا يجوز فيها قياس الغائب على الشاهد فالله عز وجل كما قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فنحن نؤمن بما جاء في الكتاب والسنة دون تكييف وتشبيه ودون أيضاً تعطيل وإنكار بتأويل أو نحو ذلك، وكما قال ابن القيم رحمه الله: العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتَّمْويه ما العلم نَصْبَكَ للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه كلاّ ولا جَحْد الصفات ونفيها ... حذراً من التمثيل والتشبيه فنحن نؤمن بكل ما جاء مع ضميمة: {ليس كمثله شيء}، فإذا المؤمن آمن بهذا نجا من المفسدتين: مفسدة التشبيه ومفسدة التعطيل، نعم غيره. " الهدى والنور" (80/ 48: 58: 00)

[940] باب هل نثبت لله تعالى قدمين؟

[940] باب هل نثبت لله تعالى قدمين؟ سؤال: بالنسبة لصفات الله تبارك وتعالى هي توقيفية لا مجال للرأي والاجتهاد فيها، فمسألة إثبات القدمين لله تبارك وتعالى بقول ابن عباس رضي الله عنهما: عندما سئل عن الكرسي فقال: هو موضع القدمين، علماً بأن النصوص الواردة في السنة جاءت بإفراد صفة الرِّجل لله جل وعلا، فهل إذا أثبتنا القدمين لله عز وجل نكون قد خالفنا القاعدة المذكورة وهي: أن صفات الله توقيفية لا مجال للرأي والاجتهاد فيها، أم أننا نقتصر على إثبات الرِّجل بمفردها ونقف عن إثبات تثنية إثبات القدمين؟ الشيخ: حديث ابن عباس كما تعلم هو موقوف، والأحاديث الموقوفة لا يطلق فيها القول بأنها في حكم المرفوع أو أنها ليست في حكم المرفوع، بل لا بد في ذلك من التفصيل. والذي انتهى إليه علمي هو التالي: إذا كان الحديث الموقوف لا يمكن أن يقال من قِبَل الرأي والاجتهاد أولاً، ولا يحتمل أن يكون من الإسرائيليات حينذاك يكون له حكم المرفوع، هذا الحديث ليس من هذا القبيل؛ لأنه يحتمل أن يكون من الإسرائيليات، بخلاف مثلاً الحديث الآخر عن ابن عباس رضي الله عنهما الذي يقول: بأن القرآن أنزل جملة واحدة إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم أنزل أَنْجُماً، هذا لا يمكن أن يكون إسرائيلياً؛ لأنه يتحدث عن القرآن، ولا يمكن أن يكون بالرأي والاجتهاد؛ لأنه يتحدث عن أمر غيبي، فإذاً له حكم المرفوع، أما هذا فليس كذلك. "الهدى والنور" (803/ 48: 42: 00)

(صفة العينين)

(صفة العينين) [941] باب إثبات صفة العينين لله عز وجل سؤال: في صفة العين لله عز وجل ما ورد فيه النص ظاهر النصوص وصريح القرآن والسنة أن لله عين أو أعين؟ الشيخ: ظاهر السنة يعني أي حديث؟ السائل: أقصد القرآن. الشيخ: القرآن: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} هذا لا يعني أن هناك أكثر من عينين لأنه الجمع إذا أطلق في كثير من الأحيان أقل الجمع اثنان هذا لا يعني أن له أكثر من عينين، لكن لما قلت السنة أحببت أن أعرف؛ لأن السنة دائما تكون مُكَمِّلة للقرآن وموضِّحة كما هو معلوم، أنا أعتقد أنه هذا رأي حادث يعني ليس من رأي السلف والمنقول في كتب التوحيد وفي كتب العقائد أن له عينين، وبعض العلماء القدامى يستدلون بحديث الدجال: «إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، وأن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت»، فليس عندنا نص صريح بأن له أكثر من عينين والمتوارث عن عقيدة السلف هو إثبات العينين على ظاهر حديث الدجال على كثرة طرقه الذي يتبادر من هذا الحديث، ولا يخطر في البال سواه أن الدجال إحدى عينيه طافية وهو أعور وإن ربكم ليس بأعور، معنى ذلك أن الله عز وجل موصوف بالعينين وليس بالثلاثة ولا بأكثر لأن ما عندنا نص بالأكثر، وكما نقول دائما وأبداً الأمور

الغيبية وبخاصة ما يتعلق بغيب الغيوب وهو رب العالمين تبارك وتعالى لا ينبغي أن نصفه بالأقيسه ... أو ما شابه ذلك إنما بالشيء الذي جاءنا عن سلفنا الصالح وجاءت به الأحاديث. وأنا ظننت لما ذكرتَ القرآن والسنة أن هناك ذكر بعضهم حديث فيه التصريح بأن له أكثر من عينين وهذا ما لا نعرفه ولذلك سارعت بالتعرف عليه لكن ما وجدنا شيء. -مداخلة: طيب مثلا قول ابن القيم وغيره يقول عن العاصي سقط عن عين الله هل هذه الجملة فيها شيء؟ -الشيخ: ما فيها شيء هذا لأنه الآية السابقة {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} لا يقصد يعين المعنى الذي قد يتبادر لبعض الجهلة يعني أنت تحت رعايتنا وتحت إشرافنا، وليس المقصود يعني إلا هذا، فكلمة ابن القيم هو من هذا القبيل. مداخلة: شيخ في قاعدة في الأسماء والصفات إنه تقول يد مثلا للإنسان أو نقول له يد طُولي هذا، يعني وإن كانت هذه لهجة تكون كناية أو كذا، ولكن هناك حقيقة يد فكذلك نقول عن الله عز وجل مثلا تجري بأعيننا وإن كانت هذه الصيغة قد يؤولها البعض ولكن أيضا تثبت من الناحية هذه. الشيخ: لكن أنت لا تؤولها على حد تعبيرك؟ مداخلة: لا أيضاً تؤول. الشيخ: لكن لا تسميها تأويلا هذا هو التفسير الذي بتقوله أنت صحيح لكن البحث هل هذا نص بأنه يعني أكثر من عينين ليس نص في ذلك لأن الجمع أقله اثنان.

مداخلة: أقصد يا شيخ من ناحية قوله تعالى بين يدي رحمته, والرحمة مالها يدين, قدم صدق والصدق ماله قدم هذه القاعدة ما انطبقت هنا؟ الشيخ: انطبقت في غيرها كيف الآية {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص:75). هذا يقبل التأويل. مداخلة: لا أبداً. الشيخ: إذاً هذا يكفينا وأمثاله كثير وكثير جداً. مداخلة: هذه القاعدة صحيحة أم خاطئة؟ الشيخ: لا صحيحة لكن صحيحة بالنسبة لما ثبت لدينا أن الأصل ... ثابت في نصوص أخرى، لكن لما أتيت بقضية الرحمة وقدم صدق ونحو ذلك؛ هذه أمور معنوية لم يثبت لدينا سلف أن لها هذه الأعضاء التي ذكرت في هذا السياق، ففي فرق بين ما ثبت لله عز وجل من صفة ثم تأتي هذه الصفة بمعنى يسمونه مجازيا وهو ليس مجازاً لكن هو المعنى المقصود في ذلك المكان هو ما يسمونه بالتأويل ولذلك قلت لك {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} ليس تأويلا فصفة العين ثابتة لله ليس بمجرد هذه الآية وإنما بنصوص أخرى. مداخلة: لا أنا أقصد القاعدة ولا أقصد الآية. الشيخ: أنا أجبتك عن القاعدة أبين لك الفرق. مداخلة: هذا يعني نرجع على المرجع ما نرجع للقاعدة نفسها. الشيخ: لكن القاعدة تطبق في مكان ولا تطبق في مكان، هي قاعدة فيما ثبت

[942] باب هل هناك نص بأن لله عينين؟

يعني، مثلا كما قلت أنت يد الأمير طويلة نعلم نحن مسبقاً أن له يداً، لكن المثالين الذي ذكرتهم أنت بالنسبة للريح بين يدي رحمته مش ثابت لدينا إن الرحمة لها يدان، فتطبق حيث ينبغي أن تطبق، ولا تطبق حينما لا يكون هناك صفة ثابتة لهذه المعاني فالرحمة ما هي ذات. مداخلة: شيخ أعلم عقلاً أن للأمير يد وأن الرحمة ليس لها يد, أم شرعاً؟ الشيخ: لا بالنسبة للإنسان تعرف عقلا ومشاهدة وبالنسبة لرب العالمين تعرف إيماناً بالغيب وليس إلاَّ. "الهدى والنور" (183/ 39: 30: 00) [942] باب هل هناك نص بأن لله عينين؟ السائل: نؤمن أن لربنا سبحانه وتعالى عيناً، فهل هناك دليل على تثنية العين بالنسبة لله عز وجل؟ الشيخ: ليس هناك نص سوى حديث الدجال المعروف، وذلك يستلزم أن الله عز وجل المقطوع بأن له صفة الكمال أن له عينين، لكن لا أستحضر إذا كان هناك نص صريح في ذلك، إنما هذا من العقائد المتلقاة خلفاً عن سلف، وهذا مستند واضح في ذلك إلا أن يكون ما هو أوضح وهذا ما لا أستحضره. "الهدى والنور" (317/ 57: 02: 00)

(صفة الإصبع)

(صفة الإصبع) [943] باب الإيمان بأن الله يضع السموات على إصبع والأرض على إصبع ... عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ جَاءَ حَبْرٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَوْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ, وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ, وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ, وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ, وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ, ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ تَصْدِيقًا لَهُ ثُمَّ قَرَأَ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. [قال الإمام معلقاً على قول ابن مسعود: تصديقاً له]: فيه رد على بعض المتكلمين الذين زعموا أن ضحكه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن تصديقاً للخبر وإنما ردّاً عليه, فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب, لا سيما إذا كان الشاهد صحابياً, بله ابن مسعود؟ والحقيقة أن تخطئة ابن مسعود في قوله هذا "تصديقاً له" هو من شؤم التأويل الذي أودي بأهله إلى إنكار كثير من صفات رب العالمين باسم التنزيه زعموا، فليس غريباً إذن أن يؤدي بهم إلى تخطئة الصحابي وعدم تصديقه في هذا القول الذي لازمه عندهم أنه إيمان بالتجسيم، ومعنى ذلك أن ابن مسعود مجسم عندهم! فالله المستعان. "مختصر صحيح مسلم" (ص 571).

[944] باب هل يقال أن لله تعالى خمسة أصابع؟ وهل تثبت الصفة بدلالة المفهوم؟

[944] باب هل يقال أن لله تعالى خمسة أصابع؟ وهل تثبت الصفة بدلالة المفهوم؟ مداخلة: يقول السائل: الحديث: «أن الله يضع السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال على أصبع» فعدَّ خمسًا، ففهم البعض من هذا النص أن لله خمس أصابع من غير تشبيه، وأنكر البعض ذلك، ما تقولون؟ الشيخ: لا ... الحديث لا نزيد عليه ولا ننقص منه. مداخلة: الي ورد في العين، هل يقال: أن لله عز وجل عينان؟ الشيخ: كما جاء، إذا جاءت التسمية قلنا. مداخلة: ولم يرد نص إلا حديث الدجال. الشيخ: نعم، ويكفي «إن ربكم ليس بأعور». مداخلة: لكن هذا من دلالة المفهوم يا شيخ. الشيخ: ما في مانع أن نأخذ بالمفهوم ما لم يعارض منطوقًا مداخلة: في الأسماء والصفات .. الشيخ: دائمًا أن المفهوم حجة، إلا إذا عارضه منطوق. "رحلة النور" (31ب/55: 08: 00)

(صفة الحقو)

(صفة الحقو) [945] باب هل تثبت صفة الحقو لله تعالى؟ سؤال: حديث الحقو أجبت لهم عن هذا السؤال أن صفة الحقو كغيرها من الصفات تثبت لله تبارك وتعالى، لكن وجدنا آخر، حديث أن الرحم معلقة أو آخذة بقوائم العرش، كأن هذا الحديث هو الذي جعل بعض الذي يؤولون في الصفات أخذوا هذا ... فما أدري ما هي الإجابة عن هذا الحديث. الشيخ: طيب! إذا كان عن اجتهاد فلا مانع، لكن هذا لا يعني تأويل كل الصفات. مداخلة: توجيه الحديث يا شيخ. الشيخ: ما عندنا أكثر مما جاء في الحديث، الحقو على ظاهره، ويليق بالله عز وجل منه ما يتناسب مع جلاله وعظمته، ما كان تفسيرك. مداخلة: أقصد يعني: حديث آخذة بقوائم العرش. الشيخ: كلُّ أمور الغيب بارك الله فيكم تُمررَّ ولا تؤول، لأن آخذة بقوائم العرش، فالعرش خلق من خلق الله عز وجل، أما الرحم فهو معنى، فكيف تعلق بقوائم العرش؟ الله أعلم، فلا يجوز الخوض في مثل هذه المسائل أكثر مما جاء النص به. "فتاوى جدة " (6/ 00:01:39)

[946] باب هل نثبت صفة الحجز لله تعالى أخذا من حديث الرحم؟

[946] باب هل نثبت صفة الحُجَز لله تعالى أخذًا من حديث الرحم؟ السؤال: هل هناك صفة الحجز لله عز وجل أخذاً من حديث الرحم؟ الشيخ: لا نستطيع نتكلم في هذا الحديث بأكثر مما جاء فيه، فنقول: لأن الله عز وجل قد أخبر بذلك على لسان نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومجال التأويل واسع، لكننا نسلم تسليماً ولا نتأول. "الهدى والنور" (188/ 00:48:39)

(صفة الوجه وبيان المراد بقوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه})

(صفة الوجه وبيان المراد بقوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه}) [947] باب تفسير الوجه في قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} مداخلة: فضيلة الوالد حفظكم الله! يقول السائل: ما تفسير الوجه في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (القصص:88)؟ الشيخ: أيضًا هذه من الآيات التي يُسقِطون عليها المجاز ولا مجاز هنا؛ لأن المقصود كما هو اصطلاح القرآن الكريم في بعض الآيات أن المقصود هنا ذات الله تبارك وتعالى، ولو كان الأمر متعلقًا ببشر لقلنا إنه من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، لكن لا يُوصف ربنا بأنه له أجزاء، ولكن هذا التعبير معروف في اللغة العربية، فالله تبارك وتعالى يقول: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (الإسراء:78) فقوله تبارك وتعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} يعني: صلاة الفجر ولا مجاز هنا؛ لأن هذا هو الأسلوب القرآني الذي يدل عليه السياق أو السباق بالمعنى الأدق حيث قال في أول الآية: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ} (الإسراء:78) أي: أقم القرآن {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} (الإسراء:78) فالقرآن المقصود هنا إنما هو صلاة الفجر، لذلك قال: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ

مَشْهُودًا} (الإسراء:78) لو رجعنا إلى الأحاديث الصحيحة لوجدنا أنه يعني صلاة الفجر تشهدها الملائكة، فإذًا هذا من المجاز كما سبق ذكره في الإجابة عن سؤال سابق اصطلاحًا من بعضهم ولكن الحقيقة أن هذا هو الحقيقة. وهذا منه كثير وكثير جدًا من إطلاق الجزء وإرادة الكل، قال تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (المزمل:20) أيضًا المقصود هنا: {فَاقْرَءُوا} أي: فَصَلُّوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، هذا هو معنى هذه الآية، فليس المقصود بها: اقرأ في صلاة الليل ما تيسر لك من قرآن، وإنما قوله: ما تيسَّر لك من قيام الليل ثلثه ونصفه كما جاء في الآيات المتقدمة على هذه الآية. كذلك مثلًا قول هـ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الحج عرفة» (¬1) لا يفهم العربي أن المسلم إذا لم يأت بأي شيء من أركان الحج سوى أنه وقف على عرفة وانتهى كل شيء، لا طاف طواف قدوم، ولا سعى، ولا طاف طواف الإفاضة، وإنما وقف على عرفة، من يفهم هذا الفهم؟ الأعجمي، وأما العربي يقول: «الحج عرفة» أي: أعظم أركان الحج عرفة، هذا الأسلوب هو المعروف عند العرب بعضهم يسميه مجازًا، لا مشاحة في الاصطلاح، لكن لا أحد يفهم أن الحج كل الحج هو الوقوف بعرفة. فالمهم في الموضوع أن الآية: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (الرحمن:27) لا يعني يبقى وجهه دون ذاته تبارك وتعالى، وإنما يبقى ذاته تبارك وتعالى بكامل صفاته. "رحلة النور" (36ب/21: 15: 00) ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم3172).

[948] باب هل يفسر قوله تعالى {كل شيء هالك إلا وجهه} بـ"إلا ما أريد به وجهه"؟

[948] باب هل يُفسَّر قوله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} بـ"إلا ما أريد به وجهه"؟ سؤال: قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}: هو إخبار بأن الدائم الباقي الحي القيوم كما قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (الرحمن:27)، فعبَّر بالوجه عن الذات، وهكذا قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (القصص:88)، أي: إلا إياه. وقال مجاهد والثوري أي: إلا ما أريد به وجهه. يقول ابن كثير: ولا ينافي القول الثاني لا ينافي القول الأول، فإن هذا إخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة إلا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة، والقول الأول مقتضاه أن كل الذوات فانية وزائلة إلا ذاته سبحانه وتعالى. فأيش رأيك في هذا الكلام الأخير؟ الشيخ: لا شك أن القول الأول هو الأنسب لسياق الآية {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (الرحمن:26)، نعم. ولا يصح التفسير الثاني لأنه ستفنى الأعمال مع أصحابها، صالحةً كانت أم طالحة، فقوله: المقصود فيها الأعمال الصالحة، فالأعمال الصالحة تذهب مع أهلها أيضاً، لذلك فإن قوله تعالى في أول السباق: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (الرحمن:26)، فهو عز وجل يتحدث عن الذوات والأشخاص، وعلى ذلك فالقول الأول هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه. القول الثاني في اعتقادي يسمى في عرف الفقهاء هذا تفسير مراد وليس تفسيراً لفظياً، التفسير اللفظي هو الأول.

مداخلة: يعني مقبول هذا الكلام. الشيخ: مقبول، لكن لا على أنه تفسير الآية. مداخلة: لو قلنا في هاتين الآيتين: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (القصص:88)، سبحانه وتعالى، والآية الثانية قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (الرحمن:27)، كل ما نفهمه من هاتين الآيتين صفة الوجه لله سبحانه وتعالى، ونفهم منهما أيضاً أن الأعمال إذا لم يرد بها وجه الله، فإنها باطلة ومردودة. الشيخ: ما نقول نفهمه من الآية، نفهمه من الأقوال التي قيلت في القول الثاني، الأقوال الثلاثة في تفسير الآية، أما تفسير الآية ما بيتضمن غير المعنى الأول. مداخلة: هل يُمكن أن يستفاد من الآية أكثر من معنى يا شيخنا؟ الشيخ: لا. قد قلت لك أنه يمكن أن يؤخذ أكثر من معنى فيما لم يكن هناك قرينة تحدد أحد المعنيين. مداخلة: نعم، ولكن هنا في قرينة. فالقول الصريح أنه المراد الذات. الشيخ: الأول نعم. مداخلة: لكنك يا شيخنا قبلت تفسير الثوري ومجاهد. الشيخ: قلت لك على أنه معنى صحيح. مداخلة: لا ينكر على قائله؟

[949] باب هل فسر البخاري قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} بملكه تعالى؟

الشيخ: لا ينكر، لكن ما نراه له صلة بالآية. مداخلة: قد يقال هذا من باقي النصوص؟ الشيخ: نعم. " الهدى والنور" (67/ 37: 00: 00) [949] باب هل فسر البخاري قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} بِمُلْكِهِِ تعالى؟ سؤال: بالأمس قد ذكرت مسألة أو غفلت عن ذكر هذه المسألة وهي عندما قلت أن الإمام البخاري ترجم في صحيحه عن معنى قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (القصص:88). قال إلا ملكه صراحة أنا نقلت هذا الكلام عن كتاب اسمه دراسة تحليلية لعقيدة ابن حجر كتبه أحمد عصام الكاتب وكنت معتقد أن هذا الرجل إن شاء الله نَقلًه صحيح، ولا زلت أقول ممكن أنّ نقله صحيح ولكن أريد أن أقرأ عليك كلامه في هذا الكتاب فهو يقول: قد تقدم ترجمة البخاري لسورة القصص {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (القصص:88). إلا ملكه ويقال إلا ما أريد به وجه الله وقوله إلا ملكه قال الحافظ في رواية النسفي، وقال معمر فذكره ومعمر هذا أبو عبيدة بن المثنى وهذا كلامه في كتابه مجاز القرآن لكن بلفظ إلا هو, فأنا طبعاً اليوم رجعت إلى الفتح نفسه فلم أجد ترجمة للبخاري بهذا الشيء ورجعت لصحيح البخاري دون الفتح أيضاً لم أجد هذه الكلام للإمام البخاري ولكنه هنا كأنه يشير إلى أن هذا شيء موجود برواية النسفي عن الإمام البخاري فما أعرف جوابكم.

الشيخ: الجواب قدم سلفاً. مداخلة: أنا طبعاً أردت أن أبين هذا مخافة أن أقع .. الشيخ: جزاك الله خير. مداخلة: الكلام عن الإمام البخاري .. الشيخ: يعني أنت سمعت مني الشك بأن يقول البخاري هذه الكلمة لأنه: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (الرحمن:27). أي ملكه, يا أخي هذا ما يقوله مسلم مؤمن وقلت أيضاً: إن كان هذا موجود فقد يكون في بعض النسخ, فإذاً الجواب قًدِّم سلفاً وأنت جزاك الله خير الآن بهذا الكلام الذي ذكرته يؤكد أن ليس في البخاري مثل هذا التأويل الذي هو عين التعطيل، إتفضل. السؤال: يا شيخنا على هذه كأنه موجود في الفتح نحو من هذه العبارة وأنا أذكر أني مرة راجعت هذه العبارة استدلال لأحدهم فكأني وجدت مثل نوع هذا الاستدلال يعني موجود وهو في بعض النسخ لكن أنا قلت له لا يوجد إلا الله عز وجل الله وإلا مخلوقات الله عز وجل ما في غير هذا، فإذا كان {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (القصص:88). أي إلا ملكه إذاً ما هو الشيء الهالك؟ الشيخ: هذا يا أخي ما يحتاج إلى تدليل على بطلانه لكن المهم أن ننزه الإمام البخاري أن يؤول هذه الآية وهو إمام في الحديث وفي الصفات وهو سلفي العقيدة والحمد لله. "الهدى والنور" (738/ 35: 38: 00)

جماع أبواب ذكر ما لا يوصف الله تعالى به إما لاستحالته عنه، أو لعدم ثبوته أو وروده

جماع أبواب ذكر ما لا يُوصف الله تعالى به إما لاستحالته عنه، أو لعدم ثبوته أو وروده

(البداء)

(البداء) [950] باب نسبة البداء إلى الله محال [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إنّ ثلاثةً في بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص، فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ، وجلدٌ حسنٌ، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه، فذهب عنه قذرًه، وأُعطي لوناً حسناً، وجلداً حسناً، قال: فأي المال أحب إليك، قال: الإبل- أو قال: البقر؛ شك إسحاق؛ إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدُهما: الإبلُ، وقال الآخرُ: البقرُ-، قال: فأعطي ناقةٌ عُشراءَ، فقال: بارك الله لك فيها! قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحبّ إليك؟ قال: شعرٌ حسنٌ، ويذهبُ عني هذا الذي قذرني الناسُ، قال: فمسحه، فذهب عنه، واُعطي شعراً حسناً، قال: فأي المال أحبّ إليك؟ قال: البقرُ، فأعطي بقرةً حاملاً، فقال: بارك الله لك فيها! قال: فأتى الأعمى، فقال: أي شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري، فأُبصر به الناس، قال: فمسحه، فردّ الله إليه بصره، قال: فأي المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم، فأُعطي شاةً والداً، فأنتج هذان، وولد هذا، قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. قال: ثم إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجلٌ مسكين، قد انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك- بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال-

بعيراً أتبلَّغ عليه في سفري، فقال: الحقوقُ كثيرةٌ، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص، يقذرك الناس؟! فقيراً فأعطاك الله؟! فقال: إنّما ورثت هذا المال كابراً عن كابر! فقال: إن كنت كاذباً؛ فصيرك الله إلى ما كنت! قال: وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذباً؛ فصيرك الله إلى ما كنت! قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجلٌ مسكين، وابن سبيل، انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك- بالذي ردّ عليك بصرك- شاةً أَتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنتُ أعمى، فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله! لا أجهدك اليوم شيئاً أخذته لله! فقال: أمسك مالك؛ فإنما ابتليتم، فقد رضي [الله] عنك، وسخط على صاحبيك». [قال الإمام]: أخرجه مسلم (8/ 213 - 214)، وابن حبان (314)، والبيهقي (7/ 219) كلهم من طريق شيبان بن فَرّوخ: حدثنا همام: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة أن أبا هريرة حدثه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ... فذ كره. وتابعه عمرو بن عاصم عن همام به. أخرجه البخاري معلقاً عليه؛ إلا أنه لم يسق منه إلا طرفه الأول. ووصله برقم (3464) فقال: حدثنا محمد بن إسحاق: حدثنا عمرو بن عاصم به؛ إلا أنه لم يسق لفظه، وإنما ساقه تحويلاً، فقال عقبه: وحدثني محمد: حدثنا عبد الله بن رجاء: أخبرنا همام ... فساقه بتمامه؛ إلا أنه وقع في متنه:"بدا لله عز وجل أن يبتليهم " مكان قوله في الرواية الأولى: "فأراد الله أن يبتليهم ".

[951] باب نسبة البداءة لله تعالى لا يجوز

ولا شك عندي أن هذه أولى من الأخرى لسببين: الأول: اتفاق ثقتين عليها- وهما شيبان، وعمرو بن عاصم-. والآخر: أن نسبة: "البداء" لله عز وجل محال، ومما يدل على تحريف التوراة أنه جاء فيها: أنه بدا لله خلق السماوات والأرض! ولذلك؛ تكلف الحافظ ابن حجر بتأويل هذه الجملة المستنكرة بقوله: "أي: سبق في علم الله، فأراد إظهاره، وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافياً؛ لأن ذلك محال في حق الله تعالى، وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الإسناد بلفظ: "أراد الله أن يبتليهم "، فلعل التغيير فيه من الرواة". قلت: نقول للحافظ: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب! وقد عرفت اتفاق الثقتين على اللفظ الأول: "أراد الله "؛ فمخالفة عبد الله بن رجاء أقل ما يقال فيها: إنها مرجوحة، لا سيما والحافظ نفسه قد قال في ترجمته من "التقريب ": "صدوق يهم قليلاً". "الصحيحة" (7/ 3/1475 - 1478). [951] باب نسبة البداءة لله تعالى لا يجوز [قال الإمام]: نسبة البداءة لله تعالى لا يجوز. "مختصر صحيح البخاري" (2/ 6).

[952] باب منه

[952] باب منه [قال الإمام]: البداء لله مستحيل. "صحيح الجامع" (1/ 411). [953] باب من الأدلة على تحريف التوراة أنه نُسب فيها البداء لله تعالى [قال الإمام]: مما يدل على تحريف التوراة أنه جاء فيها: أنه بدا لله خلق السماوات والأرض. "الصحيحة" (7/ 3/1478).

(الاستراحة)

(الاستراحة) [954] باب بطلان نسبة الاستراحة لله تعالى [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال: لا ينبغي لأحد من خلقه أن يفعل هذا». (منكر جدَّا). الحديث يستشم منه رائحة اليهودية الذين يزعمون أن الله تبارك وتعالى بعد أن فرغ من خلق السموات والأرض استراح! تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً، وهذا المعنى يكاد يكون صريحاً في الحديث فإن الاستلقاء لا يكون إلا من أجل الراحة سبحانه وتعالى عن ذلك. وأنا أعتقد أن أصل هذا الحديث من الإسرائيليات وقد رأيت في كلام أبي نصر الغازي أنه روي عن كعب الأخبار، فهذا يؤيد ما ذكرته، وذكر أبو نصر أيضاً أنه روي موقوفاً عن عبد الله بن عباس وكعب بن عجرة، فكأنهما تلقياه - إن صح عنهما - عن كعب كما هو الشأن في كثير من الإسرائيليات، ثم وهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. وجملة القول أن هذا الحديث منكر جدًّا عندي، ولقد قَفَّ شعري منه حين وقفت عليه ... "الضعيفة" (2/ 177 - 178).

(النور)

(النور) [955] باب هل الله تعالى نور؟ سؤال: فضيلة الوالد حفظك الله! هل الله سبحانه وتعالى نور بذاته بدليل قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} (النور:35)؟ الشيخ: لا، لأن معنى الآية ينورهما؛ ولأنه قد جاء في حديث في صحيح مسلم، والحديث فيه من حديث أبي ذر: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سُئل: هل محمد رأى ربه؟ قال: نور أنى أراه؟!» وفي حديث ذكره مسلم بعد هذا الحديث من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وعن كل أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال في ذاك الحديث: «حجابه النور» فالنور هو حجاب يمنع البَشَرِ من أن ينظروا إلى الله تبارك وتعالى وليس هو صفة من صفات الله عز وجل، هذا هو الراجح في هذه الآية، نعم. "رحلة النور" (29أ/00:26:34) [956] باب منه سؤال: نعم، يقول: في دعاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وأسألك بنورك الذي ملأ أركان عرشك» هل نثبت هذه الصفة لله سبحانه وتعالى؟ الشيخ: لا، لكن من روى الحديث؟ من السائل، أين هذا الحديث؟ ولا يجوز أن يبنى على حديث لا يعرف أصله أو صحته حكم فضلًا عن أن يبنى عليه صفة تنسب إلى الله تبارك وتعالى، وإذا كان السائل يحفظ مصدر الحديث فليزودنا به. "رحلة النور" (40ب/00:25:30)

(القعود والجلوس)

(القعود والجلوس) [957] باب هل يوصف الله تعالى بالقعود؟ والتنبيه على أن رواية الأحاديث الضعيفة في أبوب الصفات مما يجرئ أهل البدع على وصف أهل السنة بالحشوية والمجسمة [قال الإمام في مقدمة "مختصر العلو"]: (إن) رواية الأحاديث الضعيفة من بعض المحدثين هو مما يعاب عليهم من قِبل المخالفين لهم وإن كان هؤلاء يفعلون ما هو أسوأ من ذلك كما أوضحه شيخ الإسلام ... , ومن أشهر من أَخَذَ ذلك عليهم في هذا العصر ويتخذه حجة في تسخيفهم وتضليلهم الشيخ الكوثري المعروف بعدائه الشديد لأهل السنة والحديث, ونبزه إياهم بلقب الحشوية والمجسمة, وهو في ذلك ظالم لهم مفتر, ولكن - والحق يقال - قد يجد أحياناً في ما يرويه بعضهم من الأحاديث والآثار ما يُدَعِّم به فريته مثل الحديث المروي في تفسير قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: «يجلسني على العرش».رواه المصنف -أي الذهبي في "العلو"- (ص 74 - 75) عن ابن مسعود مرفوعاً وضعفه جداً بقوله: "مرسله الأحمر متروك الحديث ", ورواه (ص 99) عن ابن عباس مثله موقوفاً. وقال: "إسناده ساقط, وعمر بن مدرك الرازي متروك وهذا مشهور من قول مجاهد ويروى مرفوعاً, وهو باطل".

وقد خرجت الحديثين في (الضعيفة) (871). وقال في ترجمة محمد بن مصعب العابد ما يأتي: " فأما قضية قعود نبينا على العرش فلم يثبت في ذلك نص بل في الباب حديث واه, وما فسر به مجاهد الآية كما ذكرناه ". قلت: ولو أن المصنف رحمه الله تعالى وقف عند هذا البيان الواضح في أنه ليس في الباب نص ملزم للأخذ به لكان قد أحسن وسد بذلك الطريق على أهل الأهواء أن يتخذوا ذلك ذريعة للطعن في أهل السنة والحديث كما فعل الكوثري هنا بالذات في مقدمته لكتاب " تبين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري " (ص 64) فقد قال فيهم بعد أن نبزهم بلقب الحشوية - أسوة بسلفه من الجهمية - وغيرهم (¬1): "ويقولون في الله مالا يُجوِّزه الشرع ولا العقل من إثبات الحركة له (تعالى) والنَقْلَة (ويعني بهما النزول) والحد والجهة (يعني العلو) والقعود والإقعاد). فيعني هذا الذي نحن في صدد بيان عدم ثبوته. أقول: لو أن المؤلف رحمه الله وقف عند ما ذكرنا لأحسن, ولكنه لم يقنع بذلك بل سَوَّد أكثر من صفحة كبيرة في نقل أقوال من أفتى بالتسليم بأثر مجاهد في تفسير قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا]} قال: يجلسه أو يُقعِده على العرش. بل قال بعضهم: " أنا منكر على كل من رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوء متهم " بل ذُكر عن الإمام أحمد أنه قال: هذا تلقته العلماء بقبول, إلى غير ذلك من الأقوال التي تراها في الأصل ولا حاجة بنا إلى استيعابها في هذه ¬

(¬1) انظر كلام الحافظ أبي حاتم الرازي في ترجمته (77). [منه].

المقدمة. وذكر في (مختصره) المسمى بـ (الذهبية) أسماء جمع آخرين من المحدثين سلَّموا بهذا الأثر ولم يتعقبهم بشيء هناك. وأما هنا فموقفه مضطرب أشد الاضطراب فبينما تراه؛ يقول في آخر ترجمة محمد بن مصعب العابد عقب قول من تلك الأقوال (ص 126): " فأبصِر - حفظك الله من الهوى - كيف آل الفكر بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر ... " فأنت إذا أمعنت النظر في قوله هذا ظننت أنه ينكر هذا الأثر ولا يعتقده ويلزمه ذلك ولا يتردد فيه ولكنك ستفاجأ بقوله (ص 143) بعد أن أشار إلى هذا الأثر عقب ترجمة حرب الكرماني "وغضب العلماء لإنكار هذه المنقبة العظيمة التي انفرد بها سيد البشر ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف ... " ثم ذكر أشخاصا آخرين ممن سَلَّموا بهذا الأثر غير من تقدم فإذا أنت فرغت من قراءة هذا قلت: لقد رجع الشيخ من إنكاره إلى التسليم به لأنه قال: إنه لا يقال إلا بتوقيف ولكن سرعان ما تراه يستدرك على ذلك بقوله بعد سطور: " ولكن ثبت في " الصحاح " أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - ". قلت: وهذا هو الحق في تفسير المقام المحمود دون شك ولا ريب للأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى وهو الذي صححه الإمام ابن جرير في " تفسيره " (15/ 99) ثم القرطبي (10/ 309) وهو الذي لم يذكر الحافظ ابن كثير غيره وساق الأحاديث المشار إليها, بل هو الثابت عند مجاهد

نفسه من طريقين عنه عند ابن جرير. وذاك الأثر عنه ليس له طريق معتبر فقد ذكر المؤلف (ص 125) أنه "روي عن ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب وأبي يحيى القتات وجابر بن يزيد ".قلت: والأولان مختلطان والآخران ضعيفان بل الأخير متروك متهم. ولست أدري ما الذي منع المصنف - عفا الله عنه - من الاستقرار على هذا القول وعلى جزمه بأن هذا الأثر منكر كما تقدم عنه فإنه يتضمن نسبة القعود على العرش لله عز وجل, وهذا يسلتزم نسبة الاستقرار عليه لله تعالى وهذا مما لم يرد فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز وجل, ولذلك ترى المؤلف رحمه الله أنكر على من قال ممن جاء بعد القرون الثلاثة: إن الله استوى استواءَ استقرارٍ " كما تراه في ترجمة (140 - أبو أحمد القصاب).وصرح في ترجمة (161 - البغوي) أنه لا يعجبه تفسير " استوى " بـ " استقر ". [إلى أن قال الإمام - رحمه الله -]: فكنت أحب له [أي: للذهبي] رحمه الله أن لا يتردد في إنكار نسبة القعود إلى الله تعالى وإقعاده محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - على عرشه ما دام أنه لم يأت به نص ملزم عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , ومعناه ليس له شاهد في السنة, ومعناه ولفظه لم يتوارد على ألسنة الأئمة وهذا هو الذي يدل عليه بعض كلماته المتقدمة حول هذا الأثر, ولكنه لما رأى كثيراً من علماء الحديث أقروه لم يجرؤ على التزام التصريح بالإنكار, وإنما تارة وتارة والله تعالى يغفر لنا وله. ومن العجيب حقّاً أن يعتمد هذا الأثر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى؛ فإنه نقل كلام القاضي أبي يعلى فيه وبعض أسماء القائلين به ثم قال ابن القيم رحمه

الله: " قلت: وهو قول ابن جرير الطبري, وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير, وهو قول أبي الحسن الدارقطني ومن شعره فيه ". ثم ذكره المصنف فيما يأتي في ترجمة (134 - الدراقطني) وزاد بيتاً رابعاً لعل المصنف تعمد حذفه: " ولا تنكروا أنه قاعد ولا تنكروا أنه يقعده " قلت: وقد عرفت أن ذلك لم يثبت عن مجاهد بل صح عنه ما يخالفه كما تقدم. وما عزاه للدارقطني لا يصح إسناده كما بيناه في " الأحاديث الضعيفة " (870) وأشرت إلى ذلك تحت ترجمة الدارقطني الآتية. وجعل ذلك قولاً لابن جرير فيه نظر؛ لأن كلامه في " التفسير " يدور على إمكان وقوع ذلك كما سبق لا أنه وقع وتحقق ولذلك قال الإمام القرطبي في " تفسيره " (10/ 311): "وعَضَّد الطبري جواز ذلك بشطط من القول, وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى وفيه بعد ولا ينكر مع ذلك أن يروى, والعلم يتأوله " ثم بين وجه تأويله بما لا حاجة بنا إلى ذكره والنظر فيه ما دام أنه أثر غير مرفوع, ولو افترض أنه في حكم المرفوع فهو في حكم المرسل الذي لا يحتج به في الفروع فضلاً عن الأصول كما ذكرت ذلك أو نحوه فيما يأتي -أي كتاب "مختصر العلو- من التعليق على قولة بعضهم: "ولا نتكلم في حديث فيه فضيلة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بشيء " التعليق (265). ولعل المصنف رحمه الله تعالى يشير إلى ذلك بقوله في ترجمة (165 - القاضي العلامة أبو بكر بن العربي) وقد نقل عنه القول بهذا القعود معه على العرش: قال:

[958] باب هل يوصف الله تعالى بالقعود على العرش؟

"وما علمت للقاضي مستنداً في قوله هذا سوى قول مجاهد" وخلاصة القول: إن قول مجاهد هذا - وإن صح عنه - لا يجوز أن يتخذ ديناً وعقيدةً ما دام أنه ليس له شاهد من الكتاب والسنة, فيا ليت المصنف إذ ذكره عنده [أي في كتابه] جَزَمَ برده وعدم صلاحيته للاحتجاج به, ولم يتردد فيه فإنه هو اللائق به وبتورعه ... " مختصر العلو" (ص14 - 20). [958] باب هل يوصف الله تعالى بالقعود على العرش؟ [قال الإمام]: أقول: إن مما ينكر في هذا الباب "أي باب الغلو في الإثبات بإثبات ما لا يصح" ما رواه أبو محمد الدشتي في " إثبات الحد " (144/ 1 - 2) من طريق أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش: أنشدنا أبو طالب محمد بن علي الحربي: أنشدنا الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله قال: حديث الشفاعة في أحمد ... إلى أحمد المصطفى نسنده فأما حديث بإقعاده ... على العرش فلا نجحده أمروا الحديث على وجهه ... ولا تُدخِلوا فيه ما يُفسده ولا تنكروا أنه قاعد ... ولا تجحدوا أنه يقعده فهذا إسناد لا يصح، من أجل أبي العز هذا، فقد أورده ابن العماد في وفيات سنة (526) من " الشذرات " (4/ 78) وقال: " قال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلطا ".

وأما شيخه أبو طالب وهو العشاري فقد أورده في وفيات سنة (451) وقال (3/ 289): " كان صالحا خيرا عالماً زاهداً ". فاعلم أن إقعاده - صلى الله عليه وآله وسلم - على العرش ليس فيه إلا ... الحديث الباطل "وهو ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «يجلسني على العرش» تفسيراً لقوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}، وأما قعوده تعالى على العرش فليس فيه حديث يصح، ولا تلازم بينه وبين الاستواء عليه كما لا يخفى. وقد وقفت فيه على حديثين، أنا ذاكرهما لبيان حالهما: - «إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنه يقعد عليه، ما يفضل منه مقدار أربع أصابع - ثم قال بأصابعه فجمعها - وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله». (منكر ... ). «يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده: إني لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم، على ما كان فيكم، ولا أبالي». موضوع بهذا التمام. وفيه لفظة منكرة جدًّا وهي قعود الله تبارك وتعالى على الكرسي، ولا أعرف هذه اللفظة في حديث صحيح، وخاصة أحاديث النزول وهي كثيرة جدًّا بل وهي متواترة كما قطع بذلك الحافظ الذهبي في " العلو" (ص 53، 59)، وذكر أنه ألف في ذلك جزءًا. "الضعيفة" (2/ 257 - 258).

[959] باب هل يقعد الله تعالى على العرش فيفضل منه مقدار أربع أصابع؟

[959] باب هل يقعد الله تعالى على العرش فيفضل منه مقدار أربع أصابع؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع - ثم قال بأصابعه فجمعها -؛ وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا رُكب؛ من ثقله». (منكر). [ثم أورد الإمام علله ثم قال]: وبهذا أعله شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموعة الفتاوى" (16/ 434 - 436)؛ فإنه ذكره كمثال للأحاديث الضعيفة التي يرويها بعض المؤلفين في الصفات، كعبد الرحمن بن منده وغيره، فقال: "ومن ذلك: حديث عبد الله بن خليفة المشهور الذي يرويه عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.وقد رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في "المختارة". وطائفة من أهل الحديث ترده لاضطرابه، كما فعل ذلك أبو بكر الإسماعيلي وابن الجوزي وغيرهم، لكن أكثر أهل السنة قبلوه. ورواه الإمام أحمد وغيره مختصراً وذكر أنه حدث به وكيع. لكن كثير ممن رواه رووه بقوله: «إنه ما يفضل منه إلا أربع أصابع»؛ فجعل العرش يفضل منه أربع أصابع. واعتقد القاضي وابن الزاغوني صحة هذا اللفظ، فأمرُّوه، وتكلموا على معناه

[960] باب نفي صفة الجلوس لله تعالى وبين الجنة والنار

بأن ذلك القدْر لا يحصل عليه الاستواء، وذكر عن أيمن العائذ أنه قال: هو موضع جلوس محمد - صلى الله عليه وسلم - (!) ". "الضعيفة" (10/ 2/728،730). [960] باب نفي صفة الجلوس لله تعالى وبين الجنة والنار [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن اَللَّه عزّ وجلّ يَجْلِسُ يوم القيامة على القنطرة الوسطى بين الجنة والنار ... وذكر حَدِيثاً طَوِيلًا». (منكر). [قال الإمام]: أخرجه العقيلي في "؛ الضعفاء " (3/ 221)، وعنه ابن الجوزي (1/ 137) من طريق هشام بن عمار قال: حدثنا صدقة بن خالد قال: حدثنا عثمان ابن أبي العَاتكة أبو حفص عن سليمان بن حبيب المحاربي (الأصل: المحارمي!) عن أبي أمامة مَرْفُوعًا. أورده في: ترجمة عثمان هذا، وقال:" لا يُتابع عليه ". وأعله ابن الجوزي بقول ابن معين المتقدم في الحديث الذي قبله: " ليس بشيء ".وهذا لا يستلزم أن يُورِده في " الموضوعات "، فالظاهر أنه لاحظ ما في متنه من النكارة، وهي نسبة الجلوس إلى الله تعالى، وبين الجنة والنار!! وهو مما لم يرد في شيء من الأحاديث الصحيحة. فمتنه حري بالوضع. "الضعيفة" (12/ 2/950 - 951).

[961] باب هل ثبتت صفة الجلوس للرب تعالى

[961] باب هل ثبتت صفة الجلوس للرب تعالى [قال الإمام]: لا أعلم في جلوس الرب تعالى حديثاً ثابتاً. "مختصر العلو" (ص 93). (الاستقرار) [962] هل يوصف الله تعالى بأنه مستقر على العرش؟ سؤال: قضية استواء الله على عرشه هل تعني أن الله مستقر بذاته على العرش؟ الشيخ: لا يجوز استعمال ألفاظ لم ترد في الشرع؛ لا يجوز أن يُوصف الله بأنه مستقر؛ لأن الاستقرار أولاً: صفة بشرية، ثانياً: لم يوصف بها ربنا عز وجل حتى نقول: استقرار يليق بجلاله وكماله كما نقول في الاستواء، فنحن لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه ثم مقروناً مع التنزيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). "الهدى والنور" (542/ 19: 15: 00)

(المماسة)

(المماسة) [963] باب هل هناك دليل ينفي أو يثبت مماسة الرب عز وجل لعرشه؟ السؤال: هل هناك دليل من الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة ما ينفي أو يثبت مماسة الرب عز وجل لعرشه؟ الشيخ: [لا يوجد] ذلك إطلاقاً، وإثبات مثل هذه الأمور ونفيها في اعتقادي خروج عن منهج السلف الصالح؛ لأن كلاً من الإثبات والنفي يترتب منه محذور، أما الإثبات فقد يلزم منه محظورات أحدهما نسبة شيء إلى الله عز وجل لم يثبت في الكتاب ولا في السنة وهذا لا يجوز. والشيء الآخر أننا إذا أثبتنا أو ادعّينا شيئاً من ذلك فتحنا طريقاً للمعطلين المؤولين لنصوص الكتاب والسنة المتعلقة بصفات الرب تبارك وتعالى، فتحنا لهم طريقاً ليتهمونا بالتجسيم؛ لأنهم يُفسِّرون هذه الأمور التي قد يدَّعيها بعض من سبقنا، يفسرونها على ظاهرها التي تليق بالبشر ولا تليق بالله عز وجل، ولذلك فلا يجوز إثبات مثل هذه الأمور، كما أنه لا يجوز نفيها لأنه قد يلزم من نفيها نفي ما جاء في الكتاب والسنة من ذلك مثلاً: أن الله عز وجل ليس حالاً في المخلوقات، أي: ليس كما يقول المعطلة والقائلون بوحدة الوجود أن الله عز وجل في كل مكان، أن الله عز وجل موجود في كل الوجود، وغلا الصوفية في تصريحهم بهذه

الضلالة حينما قال قائلهم في شعر لا أذكره الآن، أنه مثل رب العالمين ومخلوقاته كمثل الماء والثلج، هل يمكن فصل الماء عن الثلج حين كونه ثلجاً؟ الجواب: لا، كذلك عندهم رب العالمين تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا إنه حالّ في المخلوقات، والعقيدة السلفية أن الله عز وجل غني عن العالمين، وهو ليس بحاجة إلى العرش، وإلى الجلوس عليه، والتمَكُّن منه، وقد صرَّح بذلك بعض العلماء المعتدلين من الماتريدية، أقول المعتدلين؛ لأن الماتريدية كالأشاعرة في كثير من الأمور المخالفة لعقيدة السلف الصالح أما هذا البعض الذي أُشير إليه، فقد قال مثبتاً لصفة علو الله على عرشه دون إيهام أنه بحاجة إليه فقال: ورب العرش فوق العرش ... بلا وصف التمكن واتصال لأن وصف رب العالمين بهذا الوصف معناه أنه بحاجة إلى العرش، وكان الله ولا شيء معه، كما نفهم من حديث عمران بن حصين، ثم خلق العرش والسماوات كما جاء تفصيل ذلك في السنة. فإذاً: باختصار لا يوجد في الكتاب ولا في السنة شيء يثبت هذا الذي جاء في السؤال أو ينفيه فلا نقر ولا ننفي. "الهدى والنور" (188/ 00:49:13)

(الحركة والانتقال)

(الحركة والانتقال) [964] باب هل يوصف الله تعالى بالحركة والانتقال؟ سؤال: فضيلة الشيخ حفظك الله! هل يُمكن أن نصف الله تعالى بأنه يتحرك، وما هو الدليل إذا كان الجواب بنعم؟ وجزاك الله خيرًا. الشيخ: الجواب بالسلب وليس بنعم؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يصف ربه إلا بما وصف هو نفسه في كتابه، أو وصفه به نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما صح من حديثه، فقد جاء وصف الله تبارك وتعالى بالعلو وبأنه ينزل، وليس في ذلك كما قلنا إنه يتحرك أو ينتقل؛ لأن هذه الألفاظ لم تنقل عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فضلًا عن أنها لم تذكر في القرآن الكريم، ولذلك فلا يجوز أن نصفه بلوازم بعض الصفات، فنحن نعرف أن من طبيعة البشر أنه إذا صعد أو نزل أننا لا نتصور صعوده ونزوله إلا بحركة تتناسب مع كونه مخلوقًا، أما الله عز وجل الذي لا نعرف عنه إلا ما وصف به نفسه، فلا يجوز أن نصفه بالحركة والانتقال وإنما نصفه بما جاء من النزول والمجيء ونحو ذلك. "رحلة النور" (28أ/00:31:39) [965] باب هل تنسب الحركة لله تعالى؟ وهل يلزم ذلك من إثبات صفة المجيء؟ مع نقاش حول ذلك سؤال: تفضلتم أنه ربنا ما في له حركة فما هي الدلائل؟ الشيخ: أنا ما قلت هذا الشيء هم يقولون، هم الذين يقولون لما يؤولون أنه

«وجاء ربك» يقولون: لا الله ما يجيء لا بيروح ولا بيجيء لماذا؟ لأنه ربنا لا يوصف بالحركة، لكن نحن نقول نحن ما بنقول: ربنا بيتحرك؛ لأنه صفة بيتحرك أو ما بيتحرك هذه ما هي مذكورة في القرآن ولا في السنة، لكن مذكور صراحة بأنه جاء وبأنه ينزل، فإذا كان هم يفسروا جاء يعني: بالحركة فنحن ما نفسر هكذا، لكن ما ننكر المجيء، ما نقول: جاء ربك أي: أمر ربك، وما نقول: ينزل ربنا أي: رحمته، عرفت كيف؟ فيمكن أنت دخلت عليك الشبهة من قولنا نحن ما نقول نحن ربنا يتحرك. مداخلة: ونثبت المجيء؟ الشيخ: نعم. لكن بالمقابل نثبت المجيء، هذه تشبه قضية أخرى. الحركة نسبتها إلى الله لم ترد لا سلباً ولا إيجاباً، واضح إلى هنا: يشبه هذا لفظة أخرى تتعلق بالعلو الإلهي: هل يجوز أن نقول: الله في جهة؟ ابن تيمية له كلام وجيه في هذه القضية قال: نحن لا نقول بأن الله في جهة، ولا نقول: بأنه ليس في جهة؛ لأنه لفظة الجهة لم ترد لا سلباً ولا إيجاباً، لكن إذا قيل لنا كما قيل لنا ... : إنه أنت لما تقولون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) أي: استعلى معنى [ذلكم]: جعلتموه في جهة، وَوَصْفُ الله بأنه في جهة، هذا لا يليق بالله عز وجل؛ لأنه الجهة من صفة المخلوقين، فابن تيمية يقول: هذا الذي يقول بالجهة أو بينفيها نسأله هذا الذي يقول بالجهة ماذا تعني بهذه الكلمة؟ إذا قال: الله في جهة يعني: في جهة العلو كما وصف به نفسه ما لنا سبيل في الإنكار عليه (¬1): [انقطاع]. ¬

(¬1) انقطع الصوت هنا، وظاهرٌ من السياق أن الشيخ نقل هنا تفصيل شيخ الإسلام المعروف في المسألة ...

المرة الأولى: جاء بلفظة غير واردة وهي: الجهة. والمرة الثانية: أنه أنكر المعنى الثابت في الشرع في آيات الاستواء والعلو، وضح لك الآن؟ مداخلة: هو واضح، بس الأدلة التي ذكرتها لا تدل إنه يتحرك الله؟ الشيخ: لا نقول يا حبيبي يتحرك، إذا قلنا بأن معنى جاء تحرك، معناه أننا نعطي الصفة التي نعرفها لأنفسنا، وننسبها لربنا، ولذلك نحن أتينا بالآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). فهو سميع وبصير، لكن سمعه وبصره ليس كسمعنا وبصرنا ... نحن الآن عندما نبصر الشيء تتحرك العين أو لا تتحرك؟ مداخلة: ممكن تتحرك وممكن لا. الشيخ: لا، ليس ممكناً، خليك الآن ما تحرك عينك لشوف؟ مداخلة: .... الشيخ: حتى متى؟ مداخلة: لفترة معينة، ... للحظة الذي نرى فيها أو لا نرى. الشيخ: هو كل لحظة، أنت في اللحظات التي تبصر فيها، لا تحرك جفنك أبداً، شوف هاي الفلسفة، وهذه هي التي أضلت الناس. مداخلة: باللحظة التي أشوف فيها؟ الشيخ: أي نعم، باللحظة اللي بتشوف فيها.

مداخلة: لا أحرك جفني أبداً. الشيخ: مش ممكن. مداخل آخر: لا تقول أبداً، معنى أبداً ... إلى ما لا نهاية. الشيخ: لا، اسمح لي، حركة الجفن يا أخي، أنت الظاهر أنك تفهمها الآن أنها هكذا، هكذا لا نرى، لكن إذا كان هكذا نرى، يعني الحركة، الآن الإنسان عندما يريد أن يحدق في شيء. مداخلة: يحدق ... الشيخ: كيف ... هكذا بيطبق شوية بين جفنيه. مداخلة: نعم. الشيخ: أنت تظن أن كل من يريد أن ينظر لا بد أن يحرك جفنيه، وهذا خطأ. الشاهد من هذا الكلام كله، أنك الآن عندما تريد أن تنظر بعينك، لا بد من أن يتحرك الجفن قليلاً أو كثيراً، لكن مع ذلك نأتيك من باب أقرب. أنت الآن عندما تنظر، تنظر بحدقة وببياض وإلى آخره، هل هذه الصفات نَصِفُ ربَّنا بها؛ لأنه بصير؟ مداخلة: لا. الشيخ: لماذا؟ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11).كويس، طيب. أنت الآن عندما تفسر المجيء الإلهي بالنزول الإلهي تستلزم منه الحركة، من أين تأخذ أنت هذا النزول؟

مداخلة: منا. الشيخ: منا، معناها شبهنا رب العالمين بنا، ومن هنا ضل المعتزلة وأمثالهم، كيف ذلك؟ مداخلة: أقول ... الشيخ: اسمح لي، أنت لا تقول شيء، أنت اسمع فقط. مداخلة: أريد أن أوضح بس وجهة نظري. الشيخ: أنا سأوضح لك الآن, الله يهديك. مداخلة: آمين. الشيخ: وجهة نظرك تبينها قبل، وليس في أثناء الاستماع للجواب. من هنا ضل المعتزلة وأمثالهم كيف؟ لما سمعوا: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، رأساً تبادر إلى ذهنهم أن سمعه كسمعنا، وبصره كبصرنا. وكذلك قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (الفتح:10)، تبادر إلى أذهانهم أن يد الله كيد البشر .. إلى آخره. {وَجَاءَ رَبُّكَ} (الفجر:22) .. وينزل .. إلى آخره. تبادر لأذهانهم من هذه الصفات التي وصف الله بها نفسه، أنها هي الصفات الموجودة عندنا، وهذه الصفات معناها أن الله شبَّه نفسه بعباده، والتشبيه باطل بداهة؛ لذلك هم قالوا ما دام أن في الآيات فيها تشبيه الخالق بالمخلوق، فالتشبيه باطل، إذاً: نحن نؤول الآيات ولا نقول بظاهرها حتى لا نقع بالتشبيه.

والآن بالنسبة لموضوع الحركة، هم فهموا من المجيء يلزمه الحركة، وفهموا من النزول كذلك، الحركة من صفة المخلوق، إذاً: ربنا لا يجيء ولا ينزل. نحن نقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11).نثبت الصفة التي وصف بها نفسه دون تشبيه ودون تكييف، عرفت؟ إذاً: أنت لا تقول لماذا نفيت الحركة؟ نحن نفيناها؛ لأنها لم ترد. مداخلة: المقصود يعني حركة تليق بجلاله. الشيخ: حركة تليق بجلاله ثبتت، أم مجيء يليق بجلاله هو الثابت؟ مداخلة: أنا الذي أقصده أنا مثلاً يوم ... الشيخ: جاوب الله يهديك. مداخلة: ... تفضل. الشيخ: شايف شلون، تبين قصدك الأول، يأتيك السؤال وتعود وتقول لي: أقصد، وهكذا لن ننتهي. بيَّن قصدك من الأول، أنا أقول لك الآن: حركة تليق بجلاله وردت هذه الحركة التي تليق بجلاله؟ مداخلة: ليس ... كيف .. ؟! الشيخ: جاوب يا حبيبي، جاوب وقل: وردت أو قل ما وردت، ريح حالك وريحنا. مداخلة: لا ما وردت.

الشيخ: إذاً ... ، لماذا تقول بشيء لم يرد؟ مثلما واحد يقول أن ربنا له شعر، لكن ليس كمثل شعرنا. يا حبيبي هذه الصفة، أنت تصف ربك بصفة، هذه الصفة هل وردت في الكتاب والسنة، لا لم ترد، فَرَّيح حالك، إذا لم نخلص مع الجماعة الضالين هؤلاء بالصفات التي أثبتها الله لنفسه، ويريدون أيضاً أن يعطلوها، ونزيد ... في الطين بلة، ونأتي بصفات من عندنا ونضيف إنها تليق بجلاله. هل فهمت ما هي المشكلة، يبدو أنه لم يفهم. مداخلة: أنا فهمت. الشيخ: إذاً؟ مداخلة: عندي سؤال ... الشيخ: نعم. مداخلة: آية: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (القلم:42)، رددها ثلاث مرات، ... ألا تدل على حركة، هذا الذي أقصده، وضِّح لي هذه الآية كتفسير أو معنى إذا أمكن؟ الشيخ: بدأت تطور لكن الحق ليس عليك. الآن نحن كنا في المجيء، الآن لماذا انتقلت إلى قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (القلم:42). هل خلصنا من الأولى؟ مداخلة: بدي أستفسر ..

الشيخ: خلصنا من الأولى، ثلاث مرات؟ سؤال: الدنيا ليل أم نهار؟ لا يوجد هناك جواب، الدنيا ليل أم نهار؟ مداخلة: ليل. الشيخ: الله يهديك، لا تضيع وقتنا، هناك غيرك يريد أن يسأل. مداخلة: طول بالك. نحن إذا ما طولنا بالنا على الناس ما استمع هذول الناس. مداخلة: جزاك الله خير، بارك الله فيك. الشيخ: كنا في المجيء، وبيَّنا لك أننا نؤمن بالمجيء على اعتبار الصفة لله عز وجل، لكن لا نضيف إليها معاني نعرفها من أنفسنا وهي الحركة، حتماً نحن عندما نقول فلان جاء إلى الدار، فهناك تلازمه حركة. نحن الآن عندما نسمع ربنا يصف نفسه بأنه جاء، وبأنه ينزل، لا يجوز أن نضيف إلى هذه الصفة الإلهية صفة قائمة في أنفسنا وملازمة للمجيء البشري، فنضيف الصفة القائمة بأنفسنا للمجيء الإلهي، هذا هو التشبيه، ولذلك ظننت أنا أننا انتهينا معك، أننا نصف ربنا بما وصف به نفسه، بماذا وصف نفسه، جاء، حركة؟ قلنا لك آنفاً، هل الحركة جاءت كصفة من صفات الله، أنت قلت حركة تليق بجلاله، ضربت لك مثال: واحد يقول: الله له شعر، لكن شعر يليق بجلاله، ما استفدنا منك شيئاً من هذا الكلام كله، قفزت ... إلى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (القلم:42). يا حبيبي عندما ننتهي من البحث الأول، تأخذ أنت الجواب من نفسك، ومن

فهمك للجواب عن البحث الأول، وترتاح في كل الآيات، هل انتهينا إلى شيء معك بالنسبة وجاء ربك إلى أنه لا تلازم بين المجيء وبين الحركة إلا بالصفة البشرية وليس كمثله شيء انتهينا منها. إذاً: لا يجوز للمسلم أن يقول: إن الله يتحرك، ولا يجوز له أن يقول: لا يتحرك؛ لأنه لم يرد هذا ولا هذا، كما قلنا لك: الله في جهة؟ لا نقول في جهة، ولا نقول ليس في جهة، لكن نستفسر منه ماذا يعني بأن الله في جهة؟ يعني: أن الله على العرش استوى كما يليق بجلاله، ونقول له: المعنى أصبت، واللفظة أخطأت، لأنك جئت بلفظة ما جاء في السنة، هي الجهة. فالآن أنت ... هل بقى عندك شيء بهذا البيان المتعلق بـ: (وجاء ربك) والأمثلة التي ضربناها لك، واقتنعت تماماً بأنه لا نزيد على الصفة القرآنية أو الحديثية شيء، ونقف عند التعبير الإلهي أو النبوي، اتفقنا عند هذا أو لم نتفق؟ اتفقنا على هذا والحمد لله، أقول لك سؤالك عن {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (القلم:42)، الجواب هو نفسه عن: {وجاء ربك} و {ينزل الله} إلى آخره. وإن كنا لم نتفق فالاستعجال في الأمر وقفز في البحث لا يحسن إلى آية أخرى وثانية وثالثة ورابعة. اتفقنا أو لا يزال في المسألة غموض؟ مداخلة: اتفقنا. الشيخ: حسناً، ما هو الفرق حينئذ بين قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} (الفجر:22)، وقوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (القلم:42).

{يوم يكشف عن ساق} مثل: {وجاء}، نؤمن كما جاءت لأن صفات الله يجب الإيمان بها من باب يؤمنون بالغيب، لكن لا تكييف ولا تعطيل. مداخلة: أنا لا أُكَيِّف. الشيخ: وعندما تقول حركة، من أين أتيت بها، أليس هذا تكييفاً؟ حركة أخذتها من البشر، وألصقتها برب البشر. مداخلة: معناها نفس الشيء ... البشر. الشيخ: كيف؟ مداخلة: ثابت لفظ السمع والبصر نفس الشيء ثابت لرب البشر للبشر. الشيخ: إذا ًلم نتفق، ولم نستفد شيء. يا حبيبي قلنا لك: {جاء ربك} تحرك ربك، لم يأتِ لا في قرآن ولا في سنة. على كل حال بدك تتحملنا والله يعينك علينا. "الهدى والنور" (161/ 51: 05: 01) وتتمته في (162/ 33: 00: 00)

(الحواس)

(الحواس) [966] باب هل نثبت الحواس الخمس لله تعالى؟ سؤال: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته "الأكملية" (¬1) في الأقوال التي وردت في إثبات الحواس الخمس لله عز وجل، ثم ذكر أقوال أهل العلم والأئمة، ونفيهم لحاسة الذوق، ولم يتكلم عن حاسة الشم وأثبت حاسة اللمس، فما هو القول في هذه المسألة؟ الشيخ: أي مسألة؟ مداخلة: إثبات كم حواس لله عز وجل، قال: ونفيهم لحاسة الذوق ولم يتكلم عن حاسة الشم، وأثبت حاسة اللمس، فما هو القول في هذه المسألة؟ واحدة سكت عنها، والثانية ... الشيخ: أما حاسة السمع نحن لا نقول أن لله حواس، لكن نقول: أن الله أثبت لنفسه كما تكلمنا بعد الصلاة، صفة السمع والبصر وهو سميع بصير، لكن ما نقول: له حاسة السمع، ولا نقول أيضًا: له حاسة البصر؛ لأن الحواس من طبيعة الناس، الحاسة التي لم يثبتها الشم قلت أو ماذا؟ ¬

(¬1) "الرسالة الأكملية" (6/ 136) ضمن "مجموع الفتاوى"، قال شيخ الإسلام بعد إيراد الخلاف حول إثبات الإدراكات الخمس لله تعالى: "وقال جمهور أهل الحديث والسنة: نصفه أيضاً بإدراك اللمس؛ لأن ذلك كمال لا نقص فيه. وقد دلت عليه النصوص، بخلاف إدراك الذوق، فإنه مستلزم للأكل وذلك مستلزم للنقص".

مداخلة: نعم، الشم. الشيخ: واللمس ... مداخلة: اللمس والشم والذوق. الشيخ: أنا لا أعلم، هو أثبت الذوق يقول عن ابن تيمية؟ مداخلة: لا، أقول: نفى الذوق ولم يتكلم عن الشم وأثبت اللمس. الشيخ: اللمس لا أذكر أن هناك حديثًا صحيحًا، الذي نقل هذا عن ابن تيمية نقله هكذا ولم ينقل ابن تيمية أي دليل لما أثبت؟! "رحلة النور" (41أ/00:02:10)

(المكان والجهة)

(المكان والجهة) [967] باب هل ينسب المكان لله تعالى؟ [قال الإمام]: نسبة المكان إلى الله تعالى مما لم يرد في الكتاب والسنة, ولا في أقوال الصحابة وسلف الأمة, واللائق بنهجهم أن لا ننسبه إليه تعالى خشية أن يُوْهِمَ ما لا يليق به عز وجل. "مختصر العلو" (ص213). [968] باب هل تصح نسبة الجهة والمكان أو نفيهما عن الله عز وجل؟ [تكلم الشيخ حول تهمة السلفيين بتفريق الصف، ثم استطرد قائلاً]: فإذاً: كلمة التفريق قد تمدح وقد تقدح، ولذلك فلا يجوز أن تطلق هذه الكلمة على سبيل المدح مطلقاً كما لا يجوز أن تطلق على سبيل القدح مطلقاً، هذا يشبه الكثير من المسائل التي تتعلق بالعقيدة، وهذا مما استفدناه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية بحق رحمه الله حينما يناقش علماء الكلام وعلماء التأويل الذين أنكروا بعض الصفات الإلهية والتي منها: استواء الله تبارك وتعالى على عرشه وعُلُوِّه على خلقه حيث يقول المعطلة أو على الأقل المؤولة يقولون: إن الله عز وجل ليس في مكان، إن الله عز وجل ليس له جهة يقول ابن تيمية في مناقشة

هؤلاء: نحن لا نقول إن لله مكاناً أو إن له جهة كما أننا لا ننفي المكان عنه، ولا الجهة، وإنما ننظر إلى النافي وإلى المثبت، ننظر إلى كُلٍّ منهما ماذا يعني إذا أثبت المكان أو الجهة أو ماذا يعني إذا نفى المكان أو الجهة؟ فإن كان ما يعنيه هذا أو ذاك مطابقاً للكتاب والسنة قبلنا معناه، ورفضنا لفظه؛ لأن اللفظ لم يرد، فمن قال: إن الله عز وجل ليس له جهة إن كان يعني ليس له جهة من الجهات الست مطلقاً كما هو طبيعة الإنسان لابد ما يكون في جهة، فهذا قد يقال، إلا إذا نفى أن يكون الله عز وجل في جهة العلو حينئذ نقول له: أخطأت؛ لأنك نفيت ما جاءت نصوص الكتاب والسنة متواترة على إثباته وهو: ارتفاع الله عز وجل على عرشه وعُلُوِّه على خلقه. وإن عنيت بالنفي أن الله بحاجة إلى الجهة وإلى المكان، قلنا: نحن معك؛ لأن الله هو الغني عن العالمين، لكن هذا لا يعني أنه ليس له صفة العلو. "الهدى والنور" (200/ 56: 22: 01)

(الشر والظلم)

(الشر والظلم) [969] باب هل ينسب الشر لله تعالى؟ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا قام إلى الصلاة وفي رواية: كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم قال: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين, إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين, اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت, أنت ربي وأنا عبدك, ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت, واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك ... » رواه مسلم. [قال الإمام]: أي لا ينسب الشر إِليه تعالى؛ لأنه ليس من فعله عز وجل, بل أفعاله كلها خير؛ لأنها دائرة بين العدل والفضل والحكمة. وتمام هذا البحث الهام, راجعة في كتاب: "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل" لابن القيم رحمه الله تعالى. " تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 257).

[970] باب هل ينسب الشر لله تعالى؟

[970] باب هل ينسب الشر لله تعالى؟ [عَلَّق الإمام على قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في دعاء الاستفتاح: «والشر ليس إليك» قائلاً]: أي: لا ينسب الشر إلى الله تعالى؛ لأنه ليس في فعله تعالى شر؛ بل أفعاله عز وجل كُلُّها خير؛ لأنها دائرة بين العدل والفضل والحكمة, وهو كله خير لا شر فيه, والشر إنما صار شراً لانقطاع نسبته وإضافته إليه تعالى. قال ابن القيم رحمه الله: هو سبحانه خالق الخير والشر, فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله, ولهذا تنزه سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير محله, فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها؛ وذلك خير كله, والشر وضع الشيء في غير محله, فإذا وضع في محله لم يكن شراً, فعلم أن الشر ليس إليه ... (قال:) فإن قلت: فلم خلقه وهو شر؟ قلت: خلقه له, وفعله خير لا شر, فإن الخلق والفعل قائم به سبحانه, والشر يستحيل قيامه واتصافه به, وما كان في المخلوق من شر فلعدم إضافته ونسبته إليه والفعل والخلق يضاف إليه فكان خيراً. وتمام هذا البحث الخطير وتحقيقه في كتابه "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل"؛ فراجعه (ص 178 - 206). "أصل صفة الصلاة" (1/ 148 - 249). [971] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الشر ليس إليك» [نقل الإمام كلاما في تفسير هذه العبارة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية مقرراً إياه؛ يقول ابن تيمية]: "اعْلَمْ أَنَّ مذْهَبَ أَهل الحقِّ من المُحدِّثين والفقهاء من الصحابة والتابعين

[972] باب هل ينسب الظلم إلى الله تعالى

ومَن بَعْدَهم من عُلماء المسلمين: أّن جميع الكائناتِ خَيْرها وشرّها، نفْعَها وضرَّها، كُلُّها مِنَ الله تعالى وبإٍرادَته وتَقْديرِه، فلا بُدّ منْ تأويل الحديث، فَذَكَر العلماء فيه أَجْوبَة: ً أَحدها: وهو أَشْهَرُها؛ قاله النَّضْر بن شُمَيْل والأئِمَّة بعْدَهُ - أَن معناه: والشر لا يُتَقَرّبُ "بِهِ" إٍلَيْكَ. والثاني: لا يَصْعَدُ إليْك، إنما يصْعدُ الكَلِمُ الطّيّبُ. والثالث: لا يُضاف إِلَيْك أَدباً، فلا يُقال: يا خالِق الشرِّ، وإِن كان خالقه، كما لا يقال: يا خالِق الخنازير، وإِن كان خالِقها. والرابع: ليس شراً بالنِّسبة إِلى حكْمَتِكَ، فإنك لا تَخْلُقُ شَيْئاً عبثاً". "تحقيق الكلم الطيب" (ص 100). [972] باب هل ينسب الظلم إلى الله تعالى [نقل الإمام كلام شارح الطحاوية على قول الماتن: "وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره, غلبت مشيئته المشيئات كلها, وغلب قضاؤه الحيل كلها يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبد" مقرراً إياه فقال]: قال الشارح (ص 448): الذي دل عليه القرآن من تنزيه الله نفسه عن ظلم العباد يقتضي قولاً وسطاً بين قولي القدرية والجبرية, فليس ما كان من بني آدم ظلماً وقبيحاً يكون منه ظلماً وقبيحاً كما تقوله القدرية والمعتزلة ونحوهم؛ فإن ذلك تمثيل لله بخلقه وقياس له عليهم, وهو الرب الغني القادر وهم العباد الفقراء المقهورون, وليس الظلم عبارة عن الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة كما يقوله من يقوله من المتكلمين

وغيرهم, يقولون: إنه يمتنع أن يكون في الممكن المقدور ظلم, بل كل ما كان ممكناً فهو منه لو فعله عدل؛ إذ الظلم لا يكون إلا من مأمور من غيره منهي, والله ليس كذلك فإن قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} (طه: 112) وقوله تعالى: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} (ق:76) وقوله تعالى: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} (الزخرف: 76) وقوله تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف: 49) وقوله تعالى: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب} (غافر:17) يدل على نقيض هذا القول. ومنه قوله الذي رواه عنه رسوله: «يا عبادي إني حَرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا» فهذا دل على شيئين: أحدهما أنه حرَّم على نفسه الظلم والممتنع لا يوصف بذلك. الثاني: أنه أخبر أنه حرَّمه على نفسه كما أخبر أنه كتب على نفسه الرحمة, وهذا يبطل احتجاجهم بأن الظلم لا يكون إلا من مأمور منهي والله ليس كذلك, فيقال لهم: هو سبحانه كتب على نفسه الرحمة وحرَّم على نفسه الظلم, وإنما كتب على نفسه وحرم على نفسه ما هو قادر عليه لا ما هو ممتنع عليه. "التعليق على متن الطحاوية" (ص97 - 99).

(الملل)

(الملل) [973] باب إضافة الملل لله تعالى كان [- صلى الله عليه وآله وسلم -] يقول: «خذوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا, وكان أحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما دووم عليها». (صحيح). [نقل الإمام كلام النووي على الحديث ولم يُعلِّق عليه فقال]: قوله: «خذوا من العمل ما تطيقون» أي: تطيقون الدوام عليه بلا ضرر، وقوله: «فإن الله لا يمل»؛ قال الإمام النووي: «الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى، فيجب تأويله، فقال المحققون: معناه لا يعاملكم معاملة الملل، فيقطع عنكم ثوابه وفضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم، وقيل: لا يمل إذا مللتم، وحتى بمعنى: «حين» "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 440).

(الظل)

(الظل) [974] باب في إضافة الظل إلى الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل, والشاب نشأ في عبادة الله عز وجل, ورجل قلبه معلق بالمساجد, ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه». (صحيح). [قال الإمام]: إضافة الظل إلى الله تعالى إضافة ملك، وكُلُّ ظل فهو لله وملكه وخلقه وسلطانه، والمراد هنا ظل العرش كما جاء في حديث آخر مبيناً، والمراد باليوم يوم القيامة، إذا قام الناس لرب العالمين، ودنت منهم الشمس، واشتد عليهم حرها، وأخذهم العرق، ولا ظل هناك لشيء، إلا العرش. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 386). [975] باب منه الشيخ: يسأل السائل عن الحديث المشهور المتفق عليه بين الشيخين: «سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله ... »

(المرض)

إلى آخره، يقول: هل نثبت الظل صفة لله؟ نقول: ما أعتقد ذلك وبخاصة أن في بعض روايات هذا الحديث: «يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله» فهذا ليس صفة من صفات الله عز وجل. "لقاءات المدينة" (3/ 00:39:30) (المرض) [976] باب في إضافة المرض إلى الله عزوجل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني, قال: يا رب, كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده, أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده. يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني, قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه, أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني, قال: يا رب وكيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه, أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي». (صحيح).

(الدار)

[قال الإمام]: قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى - والمراد العبد - تشريفاً للعبد وتقريباً له، قالوا: ومعنى «وجدتني عنده» أي: وجد ثوابي وكرامتي، ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث: «لو أطعمته لوجدت ذلك عندي»، «لو سقيته لوجدت ذلك عندي»؛ أي: ثوابه، والله أعلم. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 407). (الدار) [977] باب هل ثبتت إضافة الدار لله تعالى؟ [جاء في رواية البخاري لحديث الشفاعة الطويل عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال]: فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع محمد، وقل يُسمع، واشفع تُشَفَّع، وسل تعط ... الحديث. [قال الإمام]: أنا في شك كبير في ثبوت ذكر "الدار" في هذا الحديث؛ لأنه قد رواه جمع من الثقات عن قتادة به، بدون هذه الزيادة "ثم دلل على عدم ثبوتها". "مختصر صحيح البخاري" (4/ 354).

(الشرف)

(الشرف) [978] باب حكم قول بعضهم: بشرف الله سؤال: بعض الناس عندما يستغرب من شيء يقول بشرف الله هل هذا الشيء يجوز، وهل يعتبر هذا من باب التجسيد وصف الله بما لا يليق به سبحانه؟ الشيخ: ... لا يجوز أن يوصف ربنا إلا بما وصف به نفسه ولو كانت هذه الصفة في عرف الناس صفة تشريف وتبجيل وتقديس، فما دام أن هذه الصفة لم ترد في الكتاب ولا في السنة فلا يجوز أن يُوصًف الله عز وجل بذلك، لقد ذكر العلماء أن الله عز وجل يُوصف بأنه كريم لكنه لا يوصف بأنه سخي والسخاء في اللغة العربية ربما -وأعني ما أقول- وربما يكون بمعنى الكرم وأقول بذلك متحفظاً؛ لأن بعض الفقهاء في اللغة قد يُفرِّقون بين لفظين مترادفين عند عامة الناس كأمثالنا في اللغة ولكن قد يكون الأمر في كثير من الأحيان لا فرق في اللغة بين لفظين مترادفين، فقد يقول: الإنسان الشمس طلعت، وقد يقول: ظهرت، وقد يقول أشرقت، وقد يقول: بانت، وكل هذه الألفاظ ألفاظ مترادفة لكن بانت تتميز عن الألفاظ الأخرى لأنها من ألفاظ التضاد فيقال في اللغة إذا أشرقت الشمس بانت الشمس، وإذا غربت الشمس أيضاً يقال بانت الشمس، لفظان مترادفان، ولهذا أمثلة كثيرة في اللغة يقال رجل جليل أي عظيم، ويقال: رجل جليل أي حقير، السياق والسباق هو الذي يُخصِّص المراد من اللفظ الذي له معنيان

متقابلان. الخلاصة: ربنا عز وجل لا يُوصف بأنه شريف أو بأنه له شرف لأن هذه الصفة لم ترد كما قلنا في التضاد. -من يقول هذا، أقول له: هذا لا يجوز؟ -طبعاً، لكن هل نقول له لا يجوز؛ وهو ينكر لا يُؤمن بالله من أصله، المسألة هنا قضية أخرى يعنى تدخل في سياسة الدعوة، أما إنه هذا لا يجوز؟ لا يجوز. "الهدى والنور" (542/ 14: 16: 00)

(أن الحجر الأسود يمين الله في الأرض)

(أن الحجر الأسود يمين الله في الأرض) [979] باب ما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «الحجر يمين الله ... » [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده». (منكر). [قال الإمام]: وإذا عرفت ذلك "أي: كون الحديث منكراً"، فمن العجائب أن يسكت عن الحديث الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات " (7/ 174 - 175) ويتأول ما روي عن ابن الفاعوس الحنبلي أنه كان يقول: " الحجر الأسود يمين الله حقيقة "، بأن المراد بيمينه أنه محل الاستلام والتقبيل، وأن هذا المعنى هو حقيقة في هذه الصورة وليس مجازاً، وليس فيه ما يوهم الصفة الذاتية أصلا، وكان يغنيه عن ذلك كله التنبيه على ضعف الحديث، وأنه لا داعي لتفسيره أو تأويله لأن التفسير فرع التصحيح كما لا يخفى. "الضعيفة" (1/ 390، 392).

(النفس)

(النَفَس) [980] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إني أجد نَفَسَ الرحمن من هنا» يشير إلى اليمن [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إني أجد نفس الرحمن من هنا- يشير إلى اليمن». [قال الإمام]: يبدو أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يذهب إلى ثبوت الحديث، فقد رأيتهُ سُئل عن حديث: «الحجر الأسود يمين الله في الأرض»، وعن هذا الحديث في "مجموع الفتاوى" (6/ 397 ـ 398)؟ فضعف الأول، دون هذا، وقال مبيناً معناه، وأنه ظاهر فيه؛ فقال: "فقوله في: "اليمن " يبين مقصود الحديث؛ فإنه ليس لليمن اختصاص بصفات الله تعالى حتى يظن ذلك، ولكن منها جاء الذين يحبهم ويحبونه، الذين قال فيهم: {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}؛ وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية؛ سئل عن هؤلاء؛ فذكر أنهم قوم أبي موسى الأشعري (¬1). وجاءت الأحاديث الصحيحة، مثل قوله: "أتاكم أهل اليمن، أرق ¬

(¬1) فيه عدة أحاديث يدل مجموعها على صحة ذلك؛ انظر الحديث الآتي. [منه].

قلوباً، وألين أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية " (¬1).وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نَفَّس الرحمن عن المؤمنين الكربات، ومن خصص ذلك بأويس؛ فقد أبعد". قلت: وعلى هذا المعنى فليس الحديث من أحاديث الصفات، ولذلك لم يورده الحافظ الذهبي في جملة أحاديثها في كتابه "العلو" الذي كنت اختصرته، وهو مطبوع، خلافاً للشيخ زاهد الكوثري الذي غمز من صحته كما تقدم مع الرد عليه، ولذلك كذَّب ابن تيمية رحمه الله ما حكاه الغزالي عن بعض الحنابلة أن الإمام أحمد لم يتأول إلا ثلاثة أشياء؛ منها هذا الحديث، فقال (5/ 398): "فهذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد، ولا يُعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه، وهذا الحنبلي مجهول لا يعرف ". ثم رأيت ابن الأثير قد أورد الحديث في مادة (نفس) من "النهاية "، وقال: "قيل: عنى به الأنصار؛ لأن الله نفَّس بهم الكُرَب عن المؤمنين، وهم يمانون؛ لأنهم من الأزد، قال الأزهري: (النفس) في الحديث اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من: نَفَّس يُنَفسِّ تنفيساً ونفساً)، كما يقال: (فرج يفرج تفريجاً وفرجاً)؛ كأنه قال: أجد تنفيس ربكم من قِبَل اليمن ". "الصحيحة" (7/ 2/1099، 1101 - 1102). ¬

(¬1) متفق عليه، وهو مخرج في "الروض النضير" (1045). [منه].

[981] باب هل يصح حديث فيه أن روح الرحمن من جهة اليمن؟

[981] باب هل يصح حديث فيه أن روح الرحمن من جهة اليمن؟ سؤال: هل يصح حديث في أن ريح الرحمن من جهة اليمن، أو روح الرحمن؟ الشيخ: يوجد حديث في المسند بهذا لكن ما أستحضر الآن حاله. "فتاوى رابغ" (4/ 00:54:16)

جماع أبواب مسائل لفظية لها تعلق بالأسماء والصفات

جماع أبواب مسائل لفظية لها تعلق بالأسماء والصفات

[982] باب جواز الحلف بصفات الله تعالى

[982] باب جواز الحلف بصفات الله تعالى [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «يؤتى بأشد الناس كان بلاء في الدنيا من أهل الجنة، فيقول أصبغوه صبغة الجنة، فيصبغونه فيها صبغة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط أو شيئا تكرهه؟ فيقول: لا وعزتك ما رأيت شيئاً أكرهه قط، ثم يؤتى بأنعم الناس كان في الدنيا من أهل النار فيقول: أصبغوه فيها صبغة، فيقول: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط قرة عين قط؟ فيقول: لا وعزتك ما رأيت خيرا قط ولا قرة عين قط». [قال الإمام]: (فائدة): في الحديث جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى ومن أبواب البيهقي في " السنن الكبرى " (10/ 41) " باب ما جاء في الحلف بصفات الله تعالى كالعزة والقدرة والجلال والكبرياء والعظمة والكلام والسمع ونحو ذلك". ثم ساق تحته أحاديث وأشار إلى هذا الحديث واستشهد ببعض الآثار عن ابن مسعود وغيره وقال: " فيه دليل على أن الحلف بالقرآن كان يميناً ... ".ثم روي بإسناده الصحيح عن التابعي الثقة عمرو بن دينار قال: " أدركت الناس منذ سبعين سنة يقولون: الله الخالق وما سواه مخلوق والقرآن كلام الله عز وجل ". "الصحيحة" (3/ 155 - 156). [983] باب حكم قول بعضهم: بشرف الله سؤال: بعض الناس عندما يستغرب من شيء يقول بشرف الله هل هذا الشيء يجوز، وهل يعتبر هذا من باب التجسيد وصف الله بما لا يليق به سبحانه؟ الشيخ: ... لا يجوز أن يوصف ربُّنا إلا بما وصف به نفسه ولو كانت هذه الصفة

في عرف الناس صفة تشريف وتبجيل وتقديس، فما دام أن هذه الصفة لم ترِد في الكتاب ولا في السنة فلا يجوز أن يوصف الله عز وجل بذلك، لقد ذكر العلماء أن الله عز وجل يوصف بأنه كريم لكنه لا يوصف بأنه سخي والسخاء في اللغة العربية ربما -وأعني ما أقول- وربما يكون بمعنى الكرم وأقول بذلك متحفظاً؛ لأن بعض الفقهاء في اللغة قد يفرقون بين لفظين مترادفين عند عامة الناس كأمثالنا في اللغة ولكن قد يكون الأمر في كثير من الأحيان لا فرق في اللغة بين لفظين مترادفين، فقد يقول: الإنسان الشمس طلعت، وقد يقول: ظهرت، وقد يقول أشرقت، وقد يقول: بانت، وكل هذه الألفاظ ألفاظ مترادفة لكن بانت تتميز عن الألفاظ الأخرى لأنها من ألفاظ التضاد فيقال في اللغة إذا أشرقت الشمس بانت الشمس، وإذا غربت الشمس أيضاً يقال بانت الشمس، لفظان مترادفان، ولهذا أمثلة كثيرة في اللغة يقال رجل جليل أي عظيم، ويقال: رجل جليل أي حقير، السياق والسباق هو الذي يخصص المراد من اللفظ الذي له معنيان متقابلان. الخلاصة: ربنا عز وجل لا يوصف بأنه شريف أو بأنه له شرف لأن هذه الصفة لم ترد كما قلنا في التضاد. -من يقول هذا، أقول له: هذا لا يجوز؟ -طبعاً، لكن هل نقول له لا يجوز؛ وهو ينكر لا يؤمن بالله من أصله، المسألة هنا قضية أخرى يعنى تدخل في سياسة الدعوة، أما إنه هذا لا يجوز؟ لا يجوز. السائل: -شيخنا لو إنسان قاصد هذا اللفظ [بشرف الله] لكن قصد اليمين، فهل نرتب عليه حكم اليمين أم لأنه حلف حلفاً غير شرعي، لا نرتب عليه حكم اليمين؟

[984] باب هل يصح قول القائل: الله على ما يشاء قدير

-قال مثلاً. -بشرف الله. -أي نعم، فيما يبدوا لي -والله أعلم- نرتب عليه لأن الأعمال بالنيات لكن نحن نصحح له لفظه. "الهدى والنور" (542/ 14: 16: 00) [984] باب هل يصح قول القائل: الله على ما يشاء قدير [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - "آخرُ مَن يدخلُ الجنةَ رجلٌ؛ فهو يمشي مرة، ويكبو مرةً، وتسفعُهُ النارُ مرةً، فإذا ما جاوزَها التفتَ إليها فقال: تباركَ الذي نجاني منكِ، لقدْ أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فتُرفعُ لهُ شجرةٌ، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه الشجرة، فلأستظلَّ بظلِّها، وأشربَ من مائها، فيقولُ الله عزّ وجلّ: يا ابن أدم! لعلِّي إن أعطيتُكَها سألتني غيرها؟ فيقولُ: لا يا ربِّ! ويعاهدُه أن لا يسألَه غيرها، وربُّه يعذِرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صبْرَ لَهُ عليه، فيدنيهِ منها، فيستَظلُّ بظلِّها، ويشربُ من مائها. ثم ترفعُ له شجرةً هي أحسن من الأولى، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه لأشربَ من مائها، وأستظلَّ بظلِّها، لا أسأَلُكَ غيرها، فيقولُ: يا ابن آدم! ألم تعاهدْني أن لا تسألنِي غيرها؟ فيقول: لعلِّي إن أدنيتُك منها تسألُني غيرها؟ فيعاهدهُ أن لا يسألَه غيرَها، وربُّه يعذرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صَبْرَ له عليه، فيدنيهِ منها، فيستظلُّ بظلِّها، ويشربُ من مائها.

ثم ترفعُ له شجرةٌ عند باب الجنة هي أحسن من الأولَيَيْنِ، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه لأستظلَّ بظلِّها، وأشربَ من مائها، لا أسألُكَ غيرها! فيقولُ: يا ابن آدمَ! ألمْ تعاهدني أن لا تسألَني غيرها؟ قال: بلى يا ربِّ! هذه لا أسألُك غيرها، وربُّه يعذرُه؛ لأنه يرى ما لا صَبْرَ له عليها، فيدنيه منها. فيسمعُ أصوات أهل الجنة فيقولُ: أيْ ربِّ! أدخِلنِيها، فيقول: أيِ ابنَ أدمَ! ما يَصْرِيني منكَ؟ أيرضيك أن أعطيكَ الدنيا ومثلَها معَها؟ قال: يا ربِّ! أتستهزئ مني وأنت ربُّ العالمين؟ فضحكَ ابنُ مسعودٍ، فقالَ: ألا تسألوني ممَ أضحكُ؟ فقالوا: ممَ تضحكُ؟ قال: من ضَحِكِ ربِّ العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنتَ ربُّ العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئُ منكَ، ولكنِّي على ما أشاء قادر.- وفي رواية: قدير" [قال الإمام]: (فائدة): قوله: "ولكني على ما أشاء قادر- أو قدير- ": فيه دليل على جواز استعمال هذه الكلمة: "إن الله تعالى على ما يشاء قدير"، وقد كنت توقفت عنها حين علقت على قول الطحاوي في "العقيدة" (ص 20): "ذلك بأنه على كل شيء قدير" كلمة للشيخ ابن مانع- رحمه الله- أن ذلك ليس بصواب (¬1)، وأن الصواب ما في الكتاب والسنة (وهو على كل شيء قدير) لعموم مشيئة الله وقدرته .. إلخ كلامه. ثم وقفت بعد ذلك على هذه الكلمة في هذا الحديث في "صحيح مسلم "، فخشيت- متأثراً بكلام الشيخ- أن تكون شاذة في الحديث؛ أو خطأ من بعض الرواة، فتريَّثت حتى يتسنى لي تخريجه والنظر في إسناده ورواته. ¬

(¬1) أي تعبير بعض الناس بقولهم: "وهو ما يشاء قدير".

ثم كنت في ليلة من ليالي غرة شهر ذي الحجة في بعض مخيمات عَمّان ألقي كلمة حول وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح؛ ووجوب قرن ذلك بالعمل، وبعد الفراغ منها فتحنا باب الأسئلة، فسأل أحد إخواننا الحاضرين- ويبدو أنه على شيء من العلم والثقافة- عن هذه الكلمة، مشيراً إلى تعليقي المذكور على "العقيدة الطحاوية "، وذكر- جزاه الله خيراً- بقوله تعالى: [وهو على جمعهم إذا يشاء قدير] (الشورى/29)، فأجبته بأن الحديث بحاجة إلى تخريج وتحقيق، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يكون أصل الكلمة: "وأنا على كل شيء قدير" أو نحوها، فبادرت إلى تخريج الحديث، فوجدت أن الرواة عن حماد بن سلمة اتفقوا على اللفظ المتقدم. ثم تابعت البحث والتحقيق فوجدت للحديث طريقاً أخرى عن ابن مسعود، يرويه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني: ثنا المنهال بن عمرو عن أبي عُبيدة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً مطولاً جداً؛ لكن بلفظ: "ولكني على ذلك قادر". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ 416 - 421)، والحاكم (2/ 376 - 377 و4/ 589 - 592) وقال في الموضع الأول: "صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وقال في الموضع الآخر: "رواة هذا الحديث- عن آخرهم- ثقات؛ غير أنهما لم يخرجا أبا خالد الدالاني في "الصحيحين "؛ لما ذكر من انحرافه عن السنة في ذكر الصحابة، فأمّا الأئمة المستقدمون؛ فكلهم شهدوا لأبي خالد بالصدق والإتقان، والحديث

صحيح ولم يخرجاه، وأبو خالد الدالاني ممن يجمع حديثه في أئمة أهل الكوفة". كذا قال! وما عرفت من شهد له بالإتقان، أما الصدق؛ فنعم، وفي حفظه ضعف كما يأتي، وأما الذهبي؛ فتعقبه هنا بقوله: "ما أنكره حديثاً على جودة إسناده، وأبو خالد شيعي منحرف "! وأقول: لم أر من رماه بالتشيع، فلعله التبس عليه بغيره، ثم هو مختلف فيه، فقال الذهبي نفسه في "الكاشف ": "وثقة أبو حاتم، وقال ابن عدي: في حديثه لين ". وقال في " المغني ": "مشهور، حسن الحديث، قال أحمد: لا بأس به، وقال ابن حبان: فاحِشُ الوهم، لا يجوز الاحتجاج به ". ولذلك قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق يخطئ كثيراً، وكان يدلس ". قلت: وجزم الهيثمي بتوثيقه؛ كما يأتي، وهو من تساهله، وإن كان مسبوقاً إليه، ولكن لا ينبغي غض النظر عن الجرح المفسر، الذي تضمنه كلام ابن حبان وغيره، فيتقى من حديثه ما يخشى أن يكون وهم فيه، أو ينتقى من حديثه ما سلم من خطئه، كما هو الواقع هنا؛ فقد توبع عليه، فقال زيد بن أبي أنيسة: عن المنهال بن عمرو به مطولاً أيضاً، وباللفظ المذكور في رواية الدالاني. أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (2/ 520 - 524 - دار ابن القيم)، والطبراني أيضاً عنه وعن حافظين آخرين ثلاثتهم، والبيهقي في "البعث "

(239/ 479)، كلهم عن إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحرَّاني: ثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير إسماعيل ابن عُبَيد الحراني، وهو ثقة كما قال الذهبي في "الكاشف "، والحافظ في "التقريب"؛ وزاد: " يغرب". وقال المنذري في "الترغيب " (4/ 198 و248): "رواه ابن أبي الدنيا والطبراني من طرق أحدها صحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد". وقال ابن القيم في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " (2/ 94 - طبعة الكردي): "هذا حديث كبير حسن .. ". وأما الهيثمي فقال (10/ 343): "رواه كله الطبرانى من طرق رجال أحدها رجال الصحيح؛ غير أبي خالد الدالاني؛ وهو ثقة "! كذا قال: وفيه شيئان: أحدهما: جزمه بتوثيق الدالاني، وقد عرفت ما فيه. والآخر: أنه فاته أن الطريق الأخرى من رواية الحرانيين أصح من طريق الدالاني كما تبين لك مما ذكرنا، وهي التي جزم بصحتها المنذري، وحسنها ابن

القيم، ولا أدري لِمَ لَمْ يصححها؟ على أنه أخرجها الطبراني أيضاً عقب روايته عن الدالاني. وقد خالفهم في إسناد الطريقين: أبو طيبة فقال: عن كُرْز بن وبرة عن نُعَيْمٍ ابن أبي هند عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود به مطولاً بلفظ: " يقوم الناس لرب العالمين أربعين سنة، شاخصة أبصارهم ".الحديث، وفيه اللفظ الثاني الذي في طريق الدالاني والحراني. أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان " (350 - 354) بطوله، والطبراني (9764) عقب حديث ابن أبي أنيسة، ولم يسق منه إلا طرفاً من أوله، وكذا ابن عدي في "الكامل " (5/ 258) في ترجمة أبي طيبة- واسمه عيسى بن سليمان الجرجاني- وقال الطبراني عقبه: "ثم ذكر نحو حديث زيد بن أبي أنيسة". قلت: وأبو طيبة هذا قال ابن عدي- وقد ساق له هذا الحديث مع أحاديث أخرى-: "وهذه الأحاديث كلها غير محفوظة، وأبو طيبة رجل صالح، ولا أظن أنه كان يتعمد الكذب، ولكن لعله كان يُشَبْهُ عليه فيغلط ". قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/ 234) وقال: "يخطئ ". ومن الظاهر أنه هو الذي خالف في هذا الإسناد، فأسقط- من بين ابن مسعود وأبي عبيدة- مسروقاً؛ فإن رجاله ثقات غير كرز بن وبرة، وقد روى عنه جمع من الثقات، وقد ذكره ابن حبان فيهم، وقد تناقض فيه تناقضاً عجيباً، فأورده في

"التابعين " (5/ 338) بروايته عن أنس! وما إخاله يصح، ثم ذكره (9/ 27) فيمن روى عن "أتباع التابعين "؛ بروايته عن الثوري (¬1)! ولعل الصواب أن يذكر في "أتباع التابعين "؛ لأنه روى عن نعيم بن أبي هند كما في هذه الرواية، وكما في "الجرح"، وقال (3/ 2/170): "روى عنه الثوري وابن شبرمة وعبيد الله الوَصَّافي وفُضَيل بن غزوان وورقاء ابن عمر". فإن هؤلاء أكثرهم من أتباع التابعين، غير ابن شبرمة- واسمه- عبد الله؛ فإنه تابعي كنعيم بن أبي هند، وعبيد الله الوصافي- وهو ابن الوليد-؛ فإنه من الرواة عن التابعين، فمن المحتمل أن يكون كُرْز هذا من صغار التابعين، وكان مشهوراً بالعبادة، بل وبالمبالغة فيها، وحكوا عنه في ذلك عجائب، له ترجمة واسعة في "تاريخ جرجان " (ص 336 - 344)، و"الحلية " (5/ 79 - 83)، و"سير أعلام النبلاء" (6/ 84 - 86)، ولقد عجبت منه- والله! وهو المحدث السلفي- كيف سكت عن بعض تلك المبالغات؟! مثل ختمه للقرآن في اليوم والليلة ثلاث مرات، وهو يعلم أنه خلاف السنة، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ". بل إنه سكت عما هو أدهى وأمرُّ، وهو أنه سأل ربَّه أن يعطيه الاسم الأعظم، فسأل أن يقوى على الختم المذكور! وهذا من الاعتداء في الدعاء المنهي عنه أيضاً في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ¬

(¬1) كذا وقع فيه، والصواب أن الثوري روى عنه؛ كما يأتي عن "الجرح والتعديل ". [منه].

"سيكون قوم يعتدون في الدعاء". وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1330). وجملة القول؛ أن هذه الجملة قد اختلف في ضبطها عن ابن مسعود رضي الله عنه على اللفظين السابقين: الأول: "ولكني على ما أشاء قادر". والآخر: "ولكني على ذلك قادر". واللفظ الأول أصح إسناداً كما هو ظاهر. لكن الآخر- مع صحة إسناده- مطابق لنص الآية تمام المطابقة: (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير).لأن المعنى: إذا يشاء ذلك الجمع، قال العلامة الآلوسي في "روح المعا ني ": "و (إذا) متعلقة بما قبلها لا بـ (قدير)؛ لأن المقيّد بالمشيئة جمعُه تعالى، لا قدرته سبحانه ". قلت: وعلى ضوء تفسيره للآية، نقول: إن اسم الإشارة في الحديث: "ذلك " يعود إلى ما أعطى الله عز وجل عبده من النعم الكثيرة التي لا يستحقها؛ فضلاً منه تعالى عليه، فلما قال ما قال مستكثراً ذلك عليه؛ قال تعالى: "ولكني على ذلك قادر"، فإذا فُسِّرَ بهذا اللفظ الأول أيضاً ولم يوقف عند ما فيه من مفهوم المخالفة، المشعر بأنه تعالى غير قادر على ما لا يشاء؛ على حد قوله تعالى: {لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة} ونحوه من المفاهيم التي قامت الأدلة القاطعة على أنها غير مرادة، إذا فسر هذا اللفظ الأول بهذا الذي دل عليه اللفظ الثاني؛ استقام المعنى،

[985] باب منه

ولم يبق أي إشكال إن شاء الله تعالى. هذا ما عندي من علم، فإن أصبت؛ فمن الله، وإن أخطأت، فمني، وأستغفره تعالى من كل ذنب لي، ومن كان عنده فضل علم؛ فليتفضل به شاكرين له. "الصحيحة" (7/ 1/345 - 353). [985] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين. فترفع له شجرة، فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم! لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ - فيقول -: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها

[986] باب حكم قول القائل: جرت عادة الله على كذا

فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخلنيها! فيقول: يا ابن آدم! ما يصريني منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب! أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ - فضحك ابن مسعود، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ - فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر. (وفي رواية: قدير) ". [قال الإمام]: (تنبيه): دل قوله تعالى في آخر الحديث: " ولكني على ما أشاء قادر أو قدير " على خطأ ما جاء في التعليق على " العقيدة الطحاوية " (ص 20) نقلا عن بعض الأفاضل: " يجيء في كلام بعض الناس: وهو على ما يشاء قدير، وليس بصواب .. ".فأقول: بل هو عين الصواب بعد ثبوت ذلك في هذا الحديث، لاسيما ويشهد له قوله تعالى: {وهو على جمعهم إذا يشاء قدير} (الشورى: 29) وذلك لا ينافي عموم مشيئته وقدرته تعالى كما تُوهم المشار إليه، والله أعلم. "الصحيحة" (6/ 1/193 - 195). [986] باب حكم قول القائل: جرت عادة الله على كذا السائل: ما حكم أهل العلم من قول القائل: جرت عادة الله على كذا وكذا، وهو الشيخ المقبلي في "العَلَمُ الشامخ" قال هذا لفظ ممنوع أو كذا, لا أدري يعني هل له وجه في المنع أم لا؟

[987] باب هل يجوز الدعاء لأحد بقولنا: أطال الله بقاءك؟

الشيخ: يبدو أن وجه المنع هو إطلاق ما هو من طبيعة البشر, ولعله يحسن أن نذكر هنا ما كنا رأيناه في بعض الكتب قديماً وهو قول الإمام الشافعي: العادة طبيعة ثانية, فالعادة تأتي من ممارسة الشيء والاعتياد عليه؛ لأن هذا لا يليق بالله تبارك وتعالى, فهذا يدل على فضل الرجل حينما يأتي إلى الناس بشيء لم يُسبق إليه غيره يدل على فقهه وعلمه، أما تكرار الشيء الذي يشترك في معرفته الكبير والصغير والعالم وطالب العلم فليس في ذلك كبير الفائدة. (فتاوى جدة -الأثر-" (4/ 00:36:09) [987] باب هل يجوز الدعاء لأحد بقولنا: أطال الله بقاءك؟ سؤال: يكرهون الدعاء بأطال الله بقاءك، هل اطلعتم على شيء من هذا؟ كان إذا دعي لهم بهذا الدعاء يقولون: هذا شيء مقدر ويكرهون ذلك. الشيخ: أنا ما اطلعت على هذا، ولو اطلعت لما تبنيته؛ لأنه خلاف ما صح، من قوله عليه السلام: «من أحب أن يُنسأ له في أجله ويوسع له في رزقه فليصل رحمه» (¬1) وقد دعا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأنس بن مالك بكثرة الرزق وطول العمر في بعض الروايات الصحيحة، ولذلك فلا أرى أنا في الدعاء بطول العمر، وإن كان هذا غير مستعمل في أكثر البلاد العربية إلا في هذه البلاد لكن الحقيقة السنة معه، وأنا حينما أسمع الدعاء من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بطول العمر لخادمه أنس فلا شك أنه يعني بذلك طول العمر للعمل الصالح .. مقرونًا بالعمل الصالح، وقد قال عليه ¬

(¬1) "البخاري" (رقم5639).

[988] باب حكم قول القائل أدامك الله

الصلاة والسلام: «خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله» (¬1) والحديث الأول الذي ذكرناه: «من أحب أن ينسأ له في أجله ويُوسّع له في رزقه فليصل رحمه» فيه حض على تعاطي الأسباب الشرعية التي تكون سببًا لأمرين اثنين: الأول: طول العمر، والآخر: سعة الرزق، فتأويل بعض العلماء لهذا الحديث بأنه ليس المقصود ظاهره، فهذا أشبه بالتعطيل لبعض آيات الصفات وأحاديث الصفات؛ لأن الحامل لهم ظَنَّهم أن ظاهر الحديث هذا لو أخذنا به فنخالف ما هو مقطوع عند المسلمين بأن كلًا من الرزق وطول العمر محدود في اللوح المحفوظ مؤكد حينما ينفخ الروح في الجنين وهو في بطن أمه ولكن ذلك لا يعني أن لكل من هذه الخواتيم من طول العمر وسعة الرزق أسباب كالسعادة وكالشقاوة تمامًا، فكما أن الله عز وجل جعل لكل من السعادة والشقاوة سببًا فسبب السعادة: الإيمان بالله، وسبب الشقاوة الكفر به تبارك وتعالى، كذلك جعل أسبابًا لطول العمر وسعة الرزق، لكن هذا لا يعني أن ذلك غير مُقدَّر، كل شيء بقدر كما قال عليه الصلاة والسلام: «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس» (¬2) ... "رحلة النور" (44ب/00:41:31) [988] باب حكم قول القائل أدامك الله [قال الإمام]: ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم3297). (¬2) "مسلم" (رقم6922).

قول القائل: أدامك الله هذا كلام ظاهر؛ لأنه لا يدوم إلا الله عز وجل، هذه عقيدة يعرفها المسلمون جميعاً، لكن ممكن تأويلها أدامك الله يعني حياةً قررَّها ربنا لهؤلاء البشر مثلما قال الرسول عليه السلام: «أعمار أُمتي ما بين ستين وسبعين وقل من يجوز ذلك» أدامك الله يعني هذه المدة، ليس معنى أدامك الله يعني أبقاك الله إلى الأبد؛ لأن هذه خصلة مزية تفرد بها ربنا عز وجل دون خلقه فهو الأول والظاهر والباطن سبحانه وتعالى هذا الذي أردنا بيانه حول هذه الكلمة. "الهدى والنور" (534/ 52: 00: 00)

جماع أبواب الكلام على علو الله تعالى وفوقيته واستوائه على العرش

جماع أبواب الكلام على علو الله تعالى وفوقيته واستوائه على العرش

[989] باب إثبات صفة العلو لله تعالى والرد على من أنكرها

[989] باب إثبات صفة العلو لله تعالى والرد على من أنكرها [قال الذهبي في العلو:] و [مما] يدل على أن الباري تبارك وتعالى عال على الأشياء فوق عرشه المجيد، غير حالّ في الأمكنة؛ قوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم} ... [قال الإمام معلقًا]: تأمل هذه الكلمة، فإنها من الحق الذي حمل الجهلُ به الجماهير على جحد ما دلت عليه هذه الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة من علوة تعالى على عرشه، وعلى الطعن بالسلفيين المؤمنين به، زاعمين أن السلفيين بإيمانهم هذا جعلوا لله عز وجل مكاناً فوق العرش، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، فهذا هو المؤلف، وهو من كبار أئمتهم يصرح بتنزيهه تعالى عن الحلول في الأمكنة كلها. وما يحمل أولئك الجماهير على ذلك إلا توهمهم، أن الإيمان بعلوه عز وجل على خلقه؛ يستلزم أن يكون حالّاً في مكان، قالوا: وهذا باطل، وما لزم منه باطل فهو باطل، وجهلوا أو تجاهلوا أن المكان أمر وجودي، وأنه ليس فو ق العرش وجود حادث، وبالتالي فليس ثمة مكان إطلاقاً، فالله تبارك وتعالى فوق عرشه، وليس في مكان أصلاً. ومن العجيب أن هؤلاء الذي لم يؤمنوا بعد بعلوه عز وجل على عرشه فراراً من الإيمان بالمكان المزعوم، قد وقعوا على أم رأسهم في الإيمان بأن الله في الأمكنة حقيقةً، وذلك بقولهم: الله موجود في كل مكان. أو الله موجود في كل

[990] باب منه

الوجود! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وأعجب من ذلك أن بعضهم تنبه لما في هذا القول من تشبيه الله عز وجل بمخلوقاته الحالة في الأمكنة، فأرادوا تنزيهه عن ذلك فوقعوا فيما هو شرمنه ألا وهو التعطيل المطلق المستلزم نفي وجوده تعالى أصلاً! فقالوا: (الله ليس فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، ولا أمام، ولا خلف، لا دخل العالم، ولا خارجه، لا متصلاً به، ولا منفصلاً عنه)! ولقد سمعت هذا أكثر من مرة، على المنبر يوم الجمعة من بعض الخطباء الذين يظن بهم الناس العلم والصلاح! فإنا لله وإنا إليه راجعون على غربة الدين وجهل الخاصة بهم فضلاً عن العامة، وإني لأحلف بالله تعالى لو قيل لأبلغ الناس وأفصحهم:: صف لنا العدم، لما استطاع أن يصفه بأكثر من هذا الذي يصفون به معبودهم، ولقد أجاد من قال من أئمة السلف - ولعله الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى-: المشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً". وهذا كله من شؤم الانحراف عن السنة، والإعراض عن أتباع السلف وأئمة الحديث حشرنا الله تعالى في زمرتهم تحت لواء محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - "مختصر العلو" (ص122 - 123). [990] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء (والرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله».

[991] باب علو الله تعالى ثابت بالنقل الصحيح والعقل الفطري

[قال الإمام]: (تنبيه) قوله في هذا الحديث " في " هو بمعنى " على " كما في قوله تعالى: {قل سيروا في الأرض} فالحديث من الأدلة الكثيرة على أن الله تعالى فوق المخلوقات كلها، وفي ذلك ألَّف الحافظ الذهبي كتابه " العلو للعلي العظيم " وقد انتهيت من اختصاره قريباً، ووضعت له مقدمة ضافية وخرَّجت أحاديثه وآثاره ونزهته من الأخبار الواهية. "الصحيحة" (2/ 594، 596). [991] باب علو الله تعالى ثابت بالنقل الصحيح والعقل الفطري [قال الإمام في مقدمة "مختصر العلو" معلقًا على قول شيخ الإسلام]: "واعلم أنه ليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا". [قال الإمام]: وأقول: أما النقل الصحيح فهو موضوع مختصر كتاب الحافظ الذهبي الذي بين يديك فستجد فيه ما يجعلك على مثل اليقين مؤمناً بأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار السلفية متفقة كلها على أن الله تعالى فوق عرشه بذاته، بائناً من خلقه، وهو معهم بعلمه، وسترى إنشاء الله تعالى أن أئمة المذاهب المتبعة وأتباعهم الأولين ومن سار على نهجهم من التابعين لهم حتى أواخر القرن السادس من الهجرة؛ قد اتفقت فتاواهم وكلماتهم على إثبات الفوقية لله تعالى على عرشه وخلقه وعلى كل مكان، وأن ذلك كما أنه متواتر عن

رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬1) فهو مجمع عليه من السالفين والأئمة الماضين من المحدثين والفقهاء والمفسرين واللغوين وغيرهم وستراهم بأسمائهم وأقوالهم الثابتة عنهم في ذلك حتى قاربوا في عددهم المائتين وهم في الواقع يبلغون المئات ولكن ذلك ما تيسر جمعه للمؤلف رحمه الله تعالى (¬2)، فإذا وقف الطالب المخلص للحق على كلماتهم تيقن أنه يستحيل أن يكونوا قد أجمعوا على الضلال، ولعلم أن مخالفهم هو في الضلال، وما أحسن ما قاله المصنف رحمه الله تعالى في " صفات رب العالمين " بعد أن ذكر قليلا مما أشرنا إليه من النقول (187/ 1 - 2): "ولو ذكرنا قول كل من له كلام في إثبات الصفات من الأئمة لا تسع الخرق، وإذا كان المخالف لا يهتدي بمن ذكرنا أنه يقول: الإجماع على إثباتها من غير تأويلها أو لا يصدقه في نقله؛ فلا هداه الله، ولا خير والله فيمن رد على مثل الزهري، ومكحول، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، ومالك وابن عيينة، وابن المبارك، ومحمد بن الحسن، والشافعي، والحميدي، وأبي عبيد، وأحمد بن حنبل، وأبي عيسى الترمذي، وابن سريج، وابن جريج الطبري، وابن خزيمة، وزكريا الساجي، وأبي الحسن الأشعري، أو يقول مثل قولهم من الإجماع مثل الخطابي، وأبي بكر الإسماعيلي، وأبي القاسم الطبراني، وأبي أحمد العسال ... (فذكر غيرهم مما سيأتي) والشيخ عبد القادر الجيلي (الإمام في كل عصر) - الذين هم قلب اللب ونقاؤه". قلت: والعقل الفطري السليم يشهد لهؤلاء الأئمة وما معهم من نصوص ¬

(¬1) صرح بتواتر ذلك الحافظ الذهبي في " صفات رب العالمين " (1/ 175/2). [منه]. (¬2) وذكر ابن القيم - رحمه الله تعالى - في " اجتماع الجيوش الإسلامية " جماعة آخرين من العلماء فراجعه إن شئت. [منه].

[992] باب إثبات علو الله تعالى مع بيان ضعف حديث الأوعال

الكتاب والسنة وبيان ذلك: لا خلاف بين المسلمين جميعا أن الله تعالى كان ولا شيء معه؛ لا عرش، ولا كرسي، ولا سماء، ولا أرض، ثم خلق الله تعالى الخلق، كما سيأتي في حديث عمران بن حصين. فإذا كان كذلك فمما لا شك فيه أن مخلوقاته تعالى إما أن يكون خلقها في ذاته تعالى فهي حالة فيه وهو حال فيها، وهذا كفر لا يقول به مسلم، وإن كان هو لازم مذهب الجهمية وغلاة الصوفية الذين يقول قائلهم: " كل ما تراه بعينك فهو الله " تعالى عمَّا يقول الظالمون علواًّ كبيراً. وإذا كان الأمر كذلك فمخلوقاته تعالى بائنة عنه غير مختلطة به، وحينئذٍ فإما أن يكون الله تعالى فوق مخلوقاته، وإما أن تكون مخلوقاته فوقه تعالى، وهذا باطل بداهةً، فلم يبق إلا أن الله تبارك وتعالى فوقها، وهو المطلوب المقطوع ثبوته في الكتاب والسنة وأقوال السلف، ومن جاء بعدهم من الأئمة على اختلاف اختصاصاتهم ومذاهبهم كما ستراه مفصلا في الكتاب إن شاء الله تعالى. "مختصر العلو" (ص50 - 52). [992] باب إثبات علو الله تعالى مع بيان ضعف حديث الأوعال [قال الإمام تحت عنوان]: حول حديث «العَنَان» (¬1). ورد إلى المجلة [أي مجلة "المسلمون"] سؤال من بعض القراء الأفاضل ¬

(¬1) مقال نشره الألباني في "مجلة المسلمون" (6/ 688 ـ 693) , بواسطة "مقالات الألباني".

عن صحة الحديث الذي أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره ولفظُه: «عن العباس بن عبد المطلب قال: كنت بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فمرت بهم سحابة فنظر إليها، فقال: "ما تسمون هذا؟ " قالوا: السحاب، قال: "والمزن؟ " قالوا: والمزن، قال: "والعَنان؟ " قالوا: والعنان - قال أبو داود: ولم أتقن العنان جيداً - قال: "هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟ " قالوا: لا ندري. قال: "بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها كذلك، حتى عد سبع سماوات، ثم فوق السماء السابعة بحر ما بين أسفله وأعلاه مثل مابين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن ورُكَبِهن مثل مابين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهن العرش، بين أسفله وأعلاه مثل مابين سماء إلى سماء، ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك». [الجواب]: إن الحديث ضعيف الإسناد لا تقوم به حجة، وإليك البيان: تخريجه: أخرج الحديث الإمام أحمد في "مسنده" (رقم1770 و1771) وأبو داود (2/ 274) وعنه البيهقي في "الأسماء والصفات" (ص399) والترمذي (4/ 205 - 206) وابن ماجة (1/ 83) وابن خزيمة في "التوحيد" (ص 68 - 69) والحاكم في "المستدرك" (2/ 378) والحافظ عثمان الدارمي في "النقض على بشر المريسي" (ص 90 - 91) والبغوي في "تفسيره" (8/ 465 - 466) من طرق عن سماك بن حرب عن عبد الله بن عَمِيرة عن العباس به.

وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب" وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي! وليس كما قالوا، وقد تناقض الذهبي - كما يأتي بيانه -؛ علة الحديث: وللحديث علتان: الاضطراب في إسناده، وجهالة أحد رواته وهو ابن عميرة، فقال الحافظ ابن حجر في ترجمته من "تهذيب التهذيب": "وعنه سماك بن حرب، وفيه عن سماك اختلاف، قال البخاري لا يعلم له سماع من الأحنف، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وحسن الترمذي حديثه (يعني هذا)، وقال أبو نعيم في "معرفة الصحابة": أدرك الجاهلية، وكان قائد الأعشى لا تصح له صحبة ولا رؤية، وقال مسلم في "الوحدان": تفرد سماك بالرواية عنه، وقال إبراهيم الحربي: لا أعرفه". أما العلة الأولى فقد بينها بعض العلماء تعليقاً على التهذيب، فقال: " قال شريك مرة: عن سماك عن عبد الله بن عمارة، وهو وَهْم، وقال أبو نعيم: عن إسرائيل عن سماك عن عبد الله بن عميرة أو عمير, والأول أصح, وقال أبو أحمد الزبيري: عن إسرائيل عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن زوج درة بنت أبي لهب". وأما العلة الثانية فتتلخص بأن عبد الله بن عميرة مجهول لا يعرف، وقد صرح بهذا الحافظ الذهبي فقال في "كتاب العلو" (ص109 الطبعة الهندية):

"تفرد به سماك بن حرب عن عبد الله، وعبد الله فيه جهالة".وكذا قال في "ميزان الاعتدال في نقد الرجال". ثم نسي الذهبي هذا كله فوافق الحاكم على تصحيحه كما سبق، فسبحان من لا ينسى. وأما تحسين الترمذي للحديث فمما لا يعتمد عليه لا سيما بعد ظهور علة الحديث، ذلك لأن الترمذي معدود في جملة المتساهلين في تصحيح الأحاديث كالحاكم وابن خزيمة وابن حبان ونحوهم، ولهذا قال الذهبي في "الميزان" (ص33): "لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي". قلت: وكذلك لا يعتمد المحققون من العلماء على توثيق ابن حبان لتساهله في ذلك كما بينه الحافظ ابن حجر في مقدمة "لسان الميزان" وزدته بياناً في ردي على الشيخ عبد الله الحبشي (ص18 - 21) وخلاصة ذلك أنه يوثق المجهولين حتى الذين يعترف هو بأنه لا يعرفهم فيقول مثلاً في ترجمة سهل: "يروي عن شداد بن الهاد، روى عنه أبو يعقوب، ولست أعرفه، ولا أدري من أبوه"!! وهذا موضوع هام يجب على كل مشتغل بعلم السنة وتراجم الرواة أن يكون على بينة منه، كي لا يخطيء بتصحيح الأحاديث الضعيفة اغتراراً بتوثيق ابن حبان، كما فعل أحد أفاضل العلماء في تعليقه على المسند، والشيخ الحبشي في "التعقب الحثيث" وغيرهما.

وأما طلب السائل شرح هذا الحديث، فلا داعي عندي للإجابة عنه بعد أن بينا ضعفه، بل أعتبر الاشتغال بشرحه مضيعة للوقت، إذ كل ما فيه من بيان المسافة بين كل سماء والتي فوقها، وكذا البحر فوقها والثمانية أو عال كل ذلك لم يرد فيه شيء صالح للاحتجاج به؛ نعم هناك أحاديث أخرى في تحديد المسافة المذكورة، وهي مع ضعف أسانيدها مختلفة متناقضة، ولا داعي للتوفيق بينها كما فعل ابن خزيمة في "التوحيد" والبيهقي في "الأسماء" إذ التوفيق فرع التصحيح، وهو مفقود. وأما قوله في آخر الحديث: "ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك" فحق يجب الإيمان به لثبوته في آيات كثيرة وأحاديث متواترة شهيرة، وقد ساقها وتكلم على أسانيدها الحافظ الذهبي في "كتاب العلو" فليراجعها من شاء الوقوف عليها. وبهذه المناسبة أرى لزاماً علي أن أقول: إن الإيمان بعلو الله - تبارك وتعالى - على خلقه متفق عليه بين أئمة المسلمين قاطبة وفيهم الأئمة الأربعة، ومن ينكر ذلك من المتأخرين بحجة أن في ذلك تشبيهاً لله تعالى أو إثبات مكان له غفلة منه عن الحقيقة المتفق عليها، وهي أن صفات الله تبارك كذاته من حيث جَهْلِنَا بحقيقة ذلك كلها (¬1)، فإذا كان لا يلزم من إثبات الذات تشبيه، فكذلك لا يلزم من إثبات الصفات تشبيه ومن غاير بين الأمرين فقد كابر أو تناقض، وللحافظ الخطيب كلمة نافعة جداً في هذا الصدد أرى من الضروري نشرها، ولو طال بها الكلام إذا اتسع لذلك صدر المجلة الزاهرة. ¬

(¬1) " كذا، ولعل صوابها: كله.

قال الخطيب - رحمه الله تعالى -: " أما الكلام في الصفات، فإن ما وري منها في السنن الصحاح مذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه، وحققها من المثبتين قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه. والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو لبيان إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف. فإذا قلنا: لله تعالى يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات الفعل، ونقول إنما وجب إثباتها، لأن التوقيف ورد بها, ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وقوله تبارك وتعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث، ولبَّسوا على من ضعُف علمه بأنهم يروون ما لا يليق بالتوحيد ولا يصح في الدين، ورموهم بكفر أهل التشبيه وغفلة أهل التعطيل، أجيبوا بأن في كتاب الله تعالى

آيات محكمات يفهم منها المراد بظاهرها، وآيات متشابهات لا يوقف على معناها إلا بردها إلى المحكم، ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع، فكذلك أخبار الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - جارية هذا المجرى ومنزّلة على هذا التنزيل برد المتشابه منها إلى المحكم ويقبل الجميع. فتنقسم الأحاديث المروية في الصفات ثلاثة أقسام: القسم الأول: أخبار ثابتة أجمع أئمة النقل على صحتها لاستفاضة نقلها فيجب قبولها، والإيمان بها، مع حفظ القلب أن يسبق إليه ما يقتضي تشبيه الله بخلقه، ووصفه بما لا يليق من الجوارح والتغير والحركات. والقسم الثاني: أخبار ساقطة بأسانيد واهية، وألفاظ شهد أهل العلم بالنقل على بطلانها، فهذه لا يجوز الاشتغال بها والاعتماد عليها. والقسم الثالث: أخبار اختلف أهل العلم في أحوال نقلتها البعض دون الكل، فهذه يجب الاجتهاد والنظر فيها ليلحق بأصحها أو يجعل في حيز الفساد والبطول". قلت: وهذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه من هذا القسم، وقد نظرنا فيه على ضوء قواعد الحديث فتبين أنه من الفساد والبطول. محمد ناصر الدين أبو عبد الرحمن "مقالات الألباني" (ص 167 - 172)

[993] باب من أدلة علو الله

[993] باب من أدلة علو الله عن أنس قال: أصابنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مطر، فحسر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثوبه عنه حتى أصابه المطر. قلنا: لم فعلت؟ قال: «لأنه حديث عهد بربه». (صحيح). [قال الإمام]: قلت: وفي الحديث إشارة صريحة إلى علو الله تبارك وتعالى على خلقه، ولذلك أورده الحافظ الذهبي في جملة الأحاديث الدالة على العلو في كتابة القيم "العلو للعلي الغفار". "صحيح"الأدب المفرد" (ص156). [994] باب منه عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «يَنزلُ ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟». (صحيح). [قال الإمام]: هذا الحديث بهذا اللفظ صحيح متواتر، كما شهد بذلك حفاظ الحديث، منهم ابن عبد البر في "التمهيد" (7/ 128)، وقال: " وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله عز وجل في كل مكان".

[995] باب إثبات صفة العلو للواحد القهار وبيان سبب خطأ المؤولة في أبواب الصفات

قلت: ومن أذنابهم من يتظاهر بتكفيرهم لقولهم هذا، ثم يصرح بما هو شر منه، وهو جحد وجوده تعالى، فيصفه بما يصف به المعدوم، فيقول: " ليس داخل العالم ولا خارجه"!! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. "صحيح الأدب المفرد" (ص205). [995] باب إثبات صفة العلو للواحد القهار وبيان سبب خطأ المؤولة في أبواب الصفات الشيخ: كان وُجِّهَ سؤال فيما سبق من الجلسات حول صفة العلو لله عز وجل والآية التي يتوهم الكثيرون منها أنها تنافي صفة العلو لله تبارك وتعالى، ألا وهي قوله عز وجل: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4)، فيجب أن نعلم في هذا الصدد أن الله تبارك وتعالى له كل صفات الكمال، وهو منزه عن جميع صفات النقصان، وأن صفات الكمال منها ما هو معلوم بمجرد العقل والفطرة السليمة، وهذا قليل، مثل كون الله عز وجل فوق المخلوقات أو كلها، فهذا يعرف بمجرد العلم بأن الله عز وجل يليق به كل صفات الكمال، كأن يكون الله عز وجل فوق المخلوقات ولا عكس فهو مما يُعْرَفُ ببديهة العقل، ومع ذلك فقد جاءت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة تصرح تصريحاً ليس بعده تصريح بأن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها، وبعض هذه النصوص تبين بأنه فوق العرش بصورة خاصة، كآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) التي تكررت في عديد من الآيات الكريمة أشهر من أن تذكر، فالعرش خلق من خلق الله عز وجل، بل هو أعظم مخلوقات الله تبارك وتعالى، فتنصيص رب العالمين على أنه فوق العرش العظيم هو من العقائد التي يجب على المسلم أن يتبناها ولا يجوز له أن ينحرف

عن دلالتها الظاهرة إلى المعاني المخترعة المبتدعة والتي يذهب إليها كثير من علماء الكلام المعروفين بانحرافهم عما كان عليه السلف الصالح من الإيمان بآيات الصفات كلها وأحاديث الصفات كلها، دون أي تحريف أو تأويل. وقد تواتر أو على الأقل اشتهر عن الإمام مالك رحمه الله أنه جاءه رجل فقال: يا مالك! الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟، فكان جوابه رحمه الله أن قال: الاستواء معلوم، يعني: لغةً، وهو العلو، الاستواء لغة معناه العلو، هكذا يعني الإمام مالك بقوله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والسؤال عنه أي: عن الكيف بدعة، فالإمام مالك رحمه الله يقرر في جوابه هذا للسائل العقيدة السلفية الجامعة لكل صفات الله عز وجل، فهي تثبت كما جاءت وبالمعنى الثابت لغة ولكن لا [يجوز] تمثيلها وتشبيهها؛ لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) ففي الآية نفي وهو تنزيه (ليس كمثله شيء) وفي الآية إثبات لصفتين من صفات الله عز وجل وهو أنه سميع بصير، فسمعه لا يشبه الأسماع، وبصره لا يشبه الأبصار، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. كذلك بهذه الآية حين قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) ننفي عنه مشابهته للحوادث، ومشابهة الحوادث له، ولكن ذلك لا يعني أن ننفي عنه الصفات التي أثبتها تبارك وتعالى لنفسه. ومن هنا جاء انحراف الذين انحرفوا عن طريق السلف الصالح وهو من عدم جمعهم بين التنزيه والتثبيت للصفات، لأن الآية نفت وأثبتت، نفت شيئاً وأثبتت شيئاً، فلا يكون الإيمان بالله عز وجل إلا بالإيمان بهذين الأمرين اللذين ذكرهما

الله في هذه الآية، تنزيه وإثبات، تنزيه الله عز وجل عن مشابهته للحوادث، وإثبات الصفات لله عز وجل التي أثبتها الله عز وجل لنفسه، فصفات الله كثيرة، وهي مبثوثة في نصوص الكتاب والسنة، وفي بعضها اتفاق وفي كثير منها اختلاف، ويهمنا الآن البحث بصورة خاصة في صفة من هذه الصفات التي اختلف فيها المسلمون منذ أن وجدت المعتزلة وتأثر من تأثر بهم ممن ينتمي إلى مذهب أهل السنة كالأشاعرة بصورة خاصة، فالمعتزلة أنكروا كثيراً من الصفات الثابتة في الكتاب والسنة؛ يهمنا البحث الآن في صفة العلو لله العلي الغفار: فقد ذهبت المعتزلة وتبعتهم الأشاعرة ثم لحقهم في ذلك جميع المسلمين الذين هم اليوم على وجه الأرض إلا قليلاً منهم وهم أهل الحديث، المعتزلة والأشاعرة وأكثر المسلمين اليوم ينكرون أن يكون الله تبارك وتعالى فوق مخلوقاته كلها، بل يُصرِّحون بأن الله عز وجل في كل مكان، وأن الله تبارك وتعالى موجود في كل الوجود، أما الآيات الكثيرة والأحاديث الأكثر التي تثبت لله صفة علوه على خلقه فهم يتأولونها بتأويل يعطلون معانيها، أي: هذه التآويل تؤدي بهم إلى إنكار حقائق هذه المعاني التي تضمنتها النصوص المشار إليها من الكتاب والسنة، فمثلاً: من هذه النصوص الصريحة في إثبات العلو لله عز وجل الآية السابقة: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) فهم يؤولون هذه الآية فيعطلون معنى العلو فيها بقولهم: الرحمن على العرش استوى أي: استولى، هكذا يفسرون الآية، الرحمن على العرش استوى يعني: استولى من الاستيلاء، ويحتجون على ما ذهبوا إليه من التأويل المذكور بشعر معروف وهو: استوى بشر على العراق بغير سيف ودم مهراق

استوى بشر على العراق بمعنى استولى، هكذا يفسرون الآية الكريمة: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) معناه عندهم استولى، وهم حينما يفسرون هذا التفسير لا يتنبهون مع الأسف الشديد إلى أنهم صح فيهم المثل العامي: كان تحت المطر صار تحت المزراب؛ لأنهم بزعمهم نزهوا الله من أن يكون فوق المخلوقات بزعمهم أن هذا لا يليق بالله عز وجل، لأننا إذا قلنا: إنه فوق المخلوقات حصرناه بمكان، هذه شبهتهم وسنأتي على إبطالها قريباً إن شاء الله، ففراراً من هذا الزعم الذي زعموه أنه يلزم من وصف الله بأنه فوق المخلوقات تحييزه بمكان فروا بزعمهم من هذا فوقعوا فيما هو شر منه، وذلك حينما فسروا استوى بمعنى استولى، فإن معناه أن الله عز وجل قبل ذلك لم يكن مستولياً، لأنه في بعض الآيات المتعلقة باستواء الرب على عرشه قال تعالى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:54) وكلنا يعلم أن «ثم» تفيد التراخي، فبعد أن خلق السماوات والأرض استولى على العرش، ومعناه أنه قبل ذلك لم يكن مستولياً، ولازم هذا أنه كان عاجزاً عن الاستيلاء شأن الخالق الأكبر سبحانه وتعالى كشأن بشر الذي ضربوا به المثل، فقالوا في الشعر: استوى بشر على العراق هذا بلا شك معناه لم يكن قبل ذلك مستوياً، ولماذا؟ لأنه لم يكن قادراً على الاستيلاء، فلذلك قال: استوى بشر على العراق بغير سيف ودم مهراق فكلمة استوى بمعنى استولى فيه تعجيز لرب العالمين لم يتنبهوا له، لأنه «ثم استوى» أي: ثم استولى، وقبل ذلك ماذا كان؟ كان غير مستولٍ مع أن المسلم

لمجرد أن يستحضر عظمة الله تبارك وتعالى، وأنه قادر على كل شيء مجرد استحضاره لهذا المعنى يعلم أنه ما يخلق شيئاً إلا وهو مسيطر عليه لا تنفك سيطرته عنه لحظة مهما دقت وصغرت. فإذاً: هم بزعمهم في سبيل تنزيه الله عن المعنى الخاطئ الذي قام في نفوسهم وقعوا في تنقيص الله عز وجل وفي نسبتهم له إلى العجز والتقصير لأنه لم يكن مستولياً على العرش ولو لحظة من الزمن، ثم استولى على العرش، وهذا ضلال لا يحتاج إلى كثير شرح. ما الذي أوصلهم إلى مثل هذا التأويل؟ زعموا بأنهم أرادوا الخلاص من جعل الله عز وجل بمكان وبظنهم أن المسلم إذا آمن بقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:54) بمعنى استعلى في ظنهم أن معنى هذه الآية أن الله عز وجل بمكان، وهذا ظن خاطئ، ورأي عاطل لا ينبغي أن يتورط أو أن يغتر به المسلم؛ لأن الله تبارك وتعالى ليس بمكان، لا قبل المخلوقات ولا بعد المخلوقات، كان الله ولا شيء معه، الله تبارك وتعالى غني عن مخلوقاته فإنه تبارك وتعالى من أوصافه وهو الغني عن العالمين، كما قال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران:97) فكان الله كما نعلم جميعاً ولا شيء معه، ولا خلق معه، ثم خلق المخلوقات كلها، فقبل أن يخلق المخلوقات لم يكن في مكان قطعاً، لأن المكان وجد بوجود الخلق، أما قبل وجود الخلق فلم يكن هناك مكان، فإذاً: كان الله ولا خلق معه أي: ولا مكان معه أيضاً، فلما خلق الله تبارك وتعالى المخلوقات وجد المكان، فهل حل في هذا المكان؟ حاشا لربنا أن يكون فقيراً محتاجاً إلى شيء من خلقه، فهو عز وجل من هذه الحيثية ليس بمكان وليس بحاجة إلى

مكان، فهو الآن كما عليه كان قبل وجود مكان، قبل وجود المكان لم يكن في المكان، فهو كذلك بعد وجود المكان ليس في المكان، هذه حقيقة بدهية، وهؤلاء الذين يفسرون الآية السابقة: استوى بمعنى استولى هم يريدون الفرار من إثبات المكان لله، وليس هذا طريق هذا الفرار، كما قيل: أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل على المسلم أن يثبت أن الله عز وجل لم يكن في مكان وهو كذلك بعد أن خلق المكان ليس في مكان، فاعتبار المسلم أن الله فوق المخلوقات لا يعني أنه في مكان، لأن المخلوقات محدودة المدى، فكل شيء محدود من المخلوقات، فإذا كانت المخلوقات محدودة فما وراء المخلوقات عدم ليس هناك مكان، فإذا كنا نقول: كان الله ولا شيء ولا مكان، فإذاً: هو لم يكن في مكان، فهو كذلك أيضاً ما دام أنه وراء المخلوقات فهو ليس في مكان. إذاً: المشكلة التي اضطرتهم إلى تأويل عشرات النصوص في الكتاب والسنة هو وهم وخيال؛ لأنهم يتوهمون أن إثبات الفوقية لله معنى ذلك جعلوه في مكان، والفوقية التي هي صفة الله عز وجل لها علاقة بالله الأزلي القديم وليس لها علاقة بالحادث المخلوق الذي وجد بعد أن لم يكن، فهذا المخلوق محدود، ففي حدوده المكان والزمان، أما ما وراء هذا المخلوق فلا مكان ولا زمان، فأي شيء وراء هذا المخلوق ليس إلا الله تبارك وتعالى. ومن هنا يقول السلف رضي الله عنهم كالإمام أحمد وعبد الله بن المبارك وغيرهم أن الذين ينفون صفة العلو عن الله تبارك وتعالى وأن الله ليس فوق مخلوقاته إنما يريدون إنكار وجود الله عز وجل ولكن بطريقة ملتوية ليست

صحيحة في الإنكار، فهم بدل أن يقولوا: لا إله مطلقاً يقولون مثلاً: الله لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، فأين الله إذاً؟ لو قيل لأفصح العرب بياناً: صف لنا المعدوم، لم يستطع أن يصف المعدوم بأكثر مما يصف هؤلاء نفاة العلو، لا يستطيع هذا الفقيه أن يصف المعدوم بأكثر مما يصف هؤلاء الذين ينكرون صفة الله عز وجل، حين يقولون: الله تبارك وتعالى لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، إذاً: أين الله؟ بعض الملوك العقلاء جمع في زمانه أو بالتعبير الأدق: بعض النواب، نائب أحد الملوك هناك في دمشق جمع شيخ الإسلام بن تيمية مع أمثال هؤلاء العلماء النفاة لصفة العلو، جمعهم في مجالس عديدة، وجرى نقاش بين ابن تيمية رحمه الله وبين هؤلاء النفاة، وسمع من ابن تيمية حججه وكلامه، وسمع من الآخرين، فقال ذلك النائب نائب الملك في آخر الحديث، قال: هؤلاء قوم ضيعوا ربهم، هذا رجل ما هو عالم، لكنه عاقل، لما سمع حجج ابن تيمية في إثبات الله عز وجل وجوداً وصفةً، ومن صفاته أنه هو القاهر على عباده، وسمع حجج النفاة في هذه الصفة أن الله لا يوصف بأنه فوق لا تحت ولا يمين ولا أمام ولا خلف ولا داخل العالم ولا خارجه، وبعضهم يزيد على ذلك فيقول: لا متصلاً به ولا منفصلاً عنه تأكيداً للتعطيل، لما سمع هذا النائب أو الوالي بالتعبير العصري اليوم، قال: هؤلاء قوم ضيعوا ربهم، وهذه كلمة حق، لأن الذي لا يعرف [أن] ربه فوق المخلوقات كلها معناه أنه لم يعرف ربه، لأنه إن لم يكن لا داخل العالم ولا خارجه فليس

الكون إلا شيء [إما] هذا العالم المخلوق، [وإما] شيء خارج العالم المخلوق، وليس هو إلا الله تبارك وتعالى. فإذا عرفنا هذه الحقيقة عرفنا بالتالي يقيناً أنَّ لا ضرورة لتأويل الآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) فلا نقول: استوى بمعنى استولى، لا نقول هكذا: وإذا قلنا استوى بمعنى استعلى ليس معنى ذلك أننا جعلنا لله مكاناً، لأن المكان في الخلق والله وراء الخلق وفوق الخلق. لذلك نجد الأحاديث فضلاً عن الآيات الكثيرة تؤكد هذه الصفة الإلهية، أن الله عز وجل فوق خلقه، ونجد أن إنكار الفوقية هي طبيعة الملاحدة قديماً وحديثاً، فنعي مثلاً إلى قول فرعون حين قال لوزيره هامان: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} (غافر:36، 37) يكذب موسى عليه الصلاة والسلام، ويريد أن يكذبه ببرهان مادي يخيل به على أتباعه الذين ألَّهوه من دون الله تعالى، بأن يبني قصراً شامخاً رفيعاً ممتداً هكذا في السماء، ماذا يعني بهذا البناء الشاهق الرفيع؟ قال: لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى الذي يقول، ماذا يقول موسى؟ أن الله فوق، وإني لأظنه كاذباً، سأبني هذا البنيان الشامخ الرفيع ثم لا أجد الإله الذي يدعوكم موسى إلى عبادته من دوني، ... إذاً: هذه الآية فيها إثبات حقيقة وهي التوحيد ووجود الله عز وجل، وإثبات من كان ينكر هذه الحقيقة، هذه الآية فيها إثبات أن الأنبياء والرسل وفي مقدمتهم موسى عليه الصلاة والسلام كان يثبت لله صفة الفوقية، وصفة العلو والاستعلاء على عرشه، وأنه دعا موسى فرعون وجنده إلى أن يؤمنوا بهذا الإله الموصوف بصفة الفوقية، فكذبه موسى بقوله: وإني لأظنه كاذباً.

وفي الآية إثبات أن الذي ينكر هذه الصفة صفة الفوقية فإنما هو ملحد كفرعون تماماً، هذه الآية من جملة الآيات التي تثبت هذه الصفة، ويجب أن نتنبه لهذه الآية إذا تلوناها فنفهم أن فيها إثباتاً لهذه الصفة، ورداًّ على فرعون الذي أنكرها لرده على موسى وقوله: إني لأظنه كاذباً. كذلك هناك آية: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10) فإذاً: لله صفة العلو ولذلك يرفع العمل الصالح إليه، كذلك وهذا من عجائب الأمور، قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج:4) فالملائكة تعرج، هل معنى العروج النزول أم الصعود؟ الصعود، تعرج إلى من؟ إلى الله تبارك وتعالى تقدم إليه ما سجلته من أعمال الإنسان في الأرض، والأدهى من هذا كله أن المسلمين جميعاً يؤمنون بأن الله عرج بنبيه إلى السماوات العلى، إلى من عرج؟ هؤلاء الذين ضيعوا ربهم فضيعوا أنفسهم يثبتون حقائق وينكرون حقائق، يثبتون هذه الحقيقة ويحتفلون بها كل سنة، أن الله عرج بنبيه إليه، وإلا إذا كان الله ليس له صفة العلو فإلى من عرج الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا كان كما يتوهمون الله موجود في كل مكان، فإذاً: الرسول هذا العروج لم يكن عروجه إلى الله، لأن الله معنا في كل مكان، وسيأتي البحث على كل حال في قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4). إذاً: فهذه الحقائق حينما يدخل التأويل تتعطل هذه الحقائق من أذهان الناس وتتبخر، ويصير أمرهم أنهم ينكرون ما أثبت الله عز وجل في كتابه، وما شرحه نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديثه. "الهدى والنور" (483/ 25: 27: 00).

[996] باب أدلة نزول القرآن فيها إثبات صفة العلو لله تعالى

[996] باب أدلة نزول القرآن فيها إثبات صفة العلو لله تعالى [قال الإمام معلقا على قوله تعالى: {وقرآنا عربيا لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} (الإسراء: 106) وقوله تعالى: {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين} (الشعراء: 193). وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى. "التعليق على متن الطحاوية" (ص28). [997] باب تفسير قوله تعالى: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} وهل المقصود بذلك رؤية المؤمنين لربهم دائمًا؟ وبيان أن إثبات الرؤية يستلزم إثبات العلو سؤال: شيخنا بالنسبة لقوله تعالى: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (المطففين:23). النظر الذي قال الأئمة يعني بعض الأئمة فسر هذا النظر بأنه النظر إلى الله تعالى, ثم هناك حديث إن أعلى أهل الجنة منزلة هو من ينظر إلى الله كل يوم مرتين مع أن هذا الحديث قد أوردتموه في «ضعيف الجامع» , فهل هناك وصف لرؤية المؤمنين لربهم في الجنة وقد جاء حديث أن في الجنة في يوم الجمعة ينظر فيه المؤمنون لربهم يعني كيف يكون يعني التفسير هنا بالنسبة للآية {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (المطففين:23). فهم ينظرون على الأرائك متكئون على الأرائك ينظرون, ومع ذلك هناك يوم يخصص للنظر والحديث الذي ورد في هذا أيضاً ضعيف فكيف يوجه هذا؟ الشيخ: سامحك الله، هل تسأل عن أصل رؤية المؤمنين لربهم أم تسأل عن المرات التي ينظرون فيها إلى ربهم؟ أم تسأل عن عدد المرات التي ينظرون فيها

إلى ربهم؟ سؤالك ذو شعب كثيرة فلو أنك تحدد سؤالاً أولاً وثانياً وثالثاً إن كان الأمر كما نتصور يكون هذا أوضح للحاضرين سؤالاً وجواباً, فإن كان في سؤالك ثلاثة أسئلة فأبدأ إذاً بالأهم فالأهم. السؤال: طيب بالنسبة لقول الله تعالى: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (المطففين:23). هل هذا دائم في الجنة؟ يعني يعتبر هذا الأول. الشيخ: طبعاً. السؤال: أقصد دائم من حيث الوقت؟ الشيخ: رجعت حليمة لعادتها القديمة، يا أخي حدد سؤال بارك الله فيك. السؤال: يعني هم ... الشيخ: هل أنت مؤمن بأصل الرؤية؟ السؤال: نعم طبعاً. الشيخ: طيب إذاً ما هو سؤالك؟ السؤال: أن هذا النظر دائم في كل وقت في الجنة؟ الشيخ: ما ندري دائم كل وقت. السؤال: إذاً يعني الأمر ... الشيخ: لماذا مثل هذا السؤال؟ هلا سألت مثلاً عن حديث الجمعة المسمى بالحديث بيوم المزيد هل صحيح أم لا؟ نقول نعم والحمد لله هو صحيح, إذاً المؤمنون يرون ربهم كل يوم جمعة، أما كل ساعة وكل لحظة ما عندنا علم, ولماذا

السؤال في الأمور الغيبية وأنت بلا شك تعلم في حدود ما علمت أنك لم تقف على أن المؤمنين يرون ربهم في كل لحظة وفي كل ساعة، لا ما علمت هذا ولا غيرك يعلم ذلك إطلاقاً, إذاً الذي يجب على كل مؤمن. هو أن يؤمن بأصل الرؤية التي ثبتت في الكتاب والسنة, ولذلك أنا استغربت أول الأمر في حينما سألت عن قوله تعالى: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (المطففين:23). هل هذا معنى ينظرون إلى ربهم؟ الجواب نعم, لكن هناك نصوص أوضح في إثبات أصل الرؤية من هذه الآية وهذا ليس بحاجة الآن لسنا بحاجة لأن نذكر شيئاً منها لأني لا أعتقد أحداً من الحاضرين على الأقل عنده شك في أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة, حتى الذين ينكرون الصفات بطريق تأويلها كالأشاعرة والماتريدية مثلاً مما يحجون به وتقام الحجة عليهم أنهم يؤمنون برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة خلافاً للمعتزلة وخلافاً للخوارج هؤلاء المعتزلة والخوارج ينكرون أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة, أما الماتريدية والأشعرية فهم يشاركون أهل السنة أهل الحديث في إيمانهم في أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة. هنا تأتي حجة هي قاصمة ظهر المنكرين لاستواء الله عز وجل على عرشه واستعلائه على مخلوقاته، ذلك لأن هذه الرؤية التي اشترك الماتريدية والأشاعرة مع أهل الحديث في الإيمان بها تستلزم إثبات علو الله عز وجل. وهم ينكرون العلو، يقال لهم: كيف تنكرون علو الله على خلقه ومع ذلك تثبتون رؤية المؤمنين لربهم، فكيف تعقلون رؤية المؤمنين لربهم وأنتم تنكرون علو الله عز وجل على خلقه؟ هذا تنافر وتضاد ولذلك الآن تجد ذاك الرجل الذي يعني ملأت رائحته الكريهة أنوف المؤمنين جميعاً لا يتعرض إطلاقاً لإثبات هذه العقيدة وهي عقيدة

[998] باب أحاديث إثبات الفوقية متواترة

رؤية المؤمنين رؤية المؤمنين لرب العالمين مع أن عقيدة الأشاعرة وعقيدة الماتريدية لماذا؟ لأن هذه العقيدة وحدها تكفي لإبطال قولهم: الله عز وجل ليس فوق العرش وليس فوق المخلوقات كلها. إذاً يجب أن نؤمن بأصل الرؤية هذه لثبوتها في الكتاب والسنة وإجماع السلف والخلف من الماتريدية والأشاعرة، أما الدخول في التفاصيل فيقف المؤمن عند ما علم منها, علمنا حديث المزيد حديث يوم الجمعة وأن المؤمنين يرون ربهم في كل جمعة فآمنا بذلك، ولسنا مكلفين بل لا يجوز لنا أن نتعمق أكثر من ذلك. ويعجبني بهذه المناسبة قولة أحد علماء الحنفية الماتريدية الذين كما ذكرت آنفاً يشتركون مع أهل الحديث بالإيمان بهذه النعمة العظمى وهي رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة قال هذا الرجل العالم الفاضل الحنفي الماتريدي: يراه المؤمنون بغير كيف وتشبيه وضرب من مثال، يراه المؤمنين بغير كيف وتشبيه وضرب من مثال. "الهدى والنور" (738/ 36: 11: 00) و (738/ 06: 14: 00) (738/ 00: 15: 00) [998] باب أحاديث إثبات الفوقية متواترة [قال الإمام]: الأحاديث في إثبات الفوقية لله تعالى كثيرة جدًّا متواترة. "إرواء الغليل" (5/ 276).

[999] باب هل يستخدم لفظ "بذاته"في الكلام على علوه تعالى فيقال: الله تعالى فوق عرشه بذاته؟ وهل يستخدم لفظ "بائن" فيقال: بائن من خلقه؟

[999] باب هل يستخدم لفظ "بذاته"في الكلام على علوه تعالى فيقال: الله تعالى فوق عرشه بذاته؟ وهل يستخدم لفظ "بائن" فيقال: بائن من خلقه؟ [قال الإمام في مقدمة مختصر " العلو" (¬1)]: بل إنه [أي الذهبي] بالغ في إنكار لفظة " بذاته " على جمع ممن قال: " هو تعالى فوق عرشه بذاته " لعدم ورودها عن السلف مع أنها مُفَسِّرة لقولهم باستواء الله على خلقه حقيقةً, استواء يليق بجلاله وكماله, واعتبرها من فضول الكلام فانظرترجمة (136 - ابن أبي زيد) و (144 - يحيى بن عمار) و (146 - أبو عمر الطلمنكي) و (149 - أبو نصر السجزي) [أي من مختصر العلو]. وهذه اللفظة " بذاته " وإن كانت عندي معقولة المعنى وأنه لا بأس من ذكرها للتوضيح فهي كاللفظة الأخرى التي كثر ورودها في عقيدة السلف وهي لفظة (بائن) في قولهم: " هو تعالى على عرشه بائن من خلقه ".وقد قال هذا جماعة منهم كما ستراه في هذا " المختصر " في التراجم الآتية (45 - عبد الله بن أبي جعفر الرازي) و (53 - هشام بن عبيد الله الرازي) و (56 - سنيد بن داود المصيصي الحافظ) (67 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان) وذكره عن ابن المبارك و (77 - أبو زرعة الرازي) و (87 - أبو حاتم الرازي) وحكياه عن العلماء في جميع الأمصار. و (79 - يحيى بن معاذ الرازي) و (84 - عثمان بن سعيد ¬

(¬1) قال الألباني هذا الكلام في سياق إنكاره على الذهبي الذي أثبت لله تعالى صفة القعود بناءً على أثر ضعيف عن مجاهد, فأراد الألباني أن يلزمه فيقول إذا كان الذهبي أنكر التعبير بلفظه "بذاته" عن الله تعالى لعدم تواردها عن السلف مع أن اللجوء إليها ضرورة للرد على الجهمية، فمن باب أولى أن ينكر نسبه صفة القعود لله تعالى.

الدارمي الحافظ و (103 أبو جعفر ابن أبي شيبة) وكل هؤلاء من القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية ثم (108 - حماد البوشنجي الحافظ) وحكاه عن أهل الأمصار (109 - إمام الأئمة ابن خزيمة).و (125 - أبو القاسم الطبراني) و (133 - ابن بطة) و (141 - أبو نعيم الأصبهاني) وعزاه إلى السلف. و (142 - معمر بن زياد) و (155 - الفقيه نصر المقدسي) و (158 - شيخ الإسلام الأنصاري) و (164 - ابن موهب). قلت: ومن هذا العرض يتبين أن هاتين اللفظتين: " ذاته " و" بائن " لم تكونا معروفين في عهد الصحابة رضي الله عنهم. ولكن لما ابتدع الجهم وأتباعه القول بأن الله في كل مكان اقتضى ضرورة البيان أن يتلفظ هؤلاء الأئمة الأعلام بلفظ " بائن " دون أن ينكره أحد منهم. [ثم قال - رحمه الله -]: والمقصود أن المؤلف رحمه الله تعالى [أي الذهبي] أقر لفظة (بائن) لتتابع أولئك الأئمة عليها دون نكير من أحد منهم وأنكر اللفظة الأخرى وهي (بذاته) لعدم تواردها في أقوالهم. إلا بعض المتأخرين منهم فأنكر ذلك مبالغة منه في المحافظة على نهج السلف مع أن معناها في نفسه سليم وليس فيها إثبات ما لم يرد. "مختصر العلو" (ص17، 18).

[1000] باب إثبات استواء الله تعالى على عرشه, وذكر بعض من أنكر ذلك

[1000] باب إثبات استواء الله تعالى على عرشه, وذكر بعض من أنكر ذلك [وصف أبوغدة شارحَ الطحاوية ابن أبي العز بالإمامة، فأراد الإمام الألباني إلزامه ببعض أهم المسائل العقدية التي قررها الشارح في عقيدته والتي يعلم الشيخ الألباني إنكار أبي غدة أو شيخه الكوثري لها فقال الإمام]: قلت: فإذا كان أبو غدة مؤمناً حقاً بهذه الإمامة الملموسة المشهورة فأنا أختار له من كلام هذا الإمام سبع مسائل, فإن أجاب عنها بما يوافق ما ذهب إليه هذا الإمام المشهور من قلبٍ مخلصٍ فذلك ما نرجوه, وأعتذر إليه من إساءة الظن به, وإن كانت الأخرى فذلك مما يؤيد - مع الأسف- ما رميته به من المداراة. [فذكر مسألتين ثم قال]: المسألة الثالثة: قال "الإمام" [أي: ابن أبي العز] (ص 280) تبعاً للطحاوي: «وهو (تعالى) مستغن عن العرش وما دونه, محيط بكل شيء وفوقه». والكوثري لا يؤمن بفوقية الله تعالى على خلقه حقيقةً كما يليق بجلاله, بل إنه ينسب القائلين بها من الأئمة إلى القول بالجهة والتجسيم! "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 57) [1001] باب الرد على من تأول استوى بمعنى استولى [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «كان في عماء، فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق العرش على الماء». (ضعيف).

[ترجم له الإمام بقوله:"تحريف خطير في حديث ضعيف، واستغلال غير شريف!! " ثم قال]: (تنبيه): أورد الحافظ الذهبي هذا الحديث في كتابه "العلو" (ص 98 - طبع الهند، وص 11 - طبعة المنار) بإسناده إلى حماد بن سلمة؛ وزاد: "ثم استوى عليه". إلا أنه تحرف لفظه في طبعة المنار؛ فوقع فيه: "استولى عليه"!! وما في الهندية هو الصواب؛ لأنه موافق لمخطوطة الظاهرية (ق 7/ 1)، ولأنه مفسر في "العلو" نفسه من رواية إسحاق بن راهويه بلفظ: "ثم كان العرش، فارتفع عليه". وقد استَغَلَّ هذا التحريف - جهلاً أو تجاهلاً - أحد جهمية الأزهريين من السوريين في كتاب له - زعم - "هذه عقيدة السلف والخلف في ذات الله تعالى ... "؛ عقد فيه فصلاً (ص 78) بعنوان: "التأويل والرسول عليه الصلاة والسلام ... "؛ ذهب فيه إلى أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أوَّل الاستواء على العرش بالاستيلاء (!) وأنه أشار بذلك إلى أمته باقتفاء أثره بتأويل كل ما يوهم ظاهره التجسيم، وقال: "والسؤال هنا: هل يوجد دليل على ما قلته؟ نعم؛ ها هو الدليل، جاء في كتاب "العلو" للذهبي ... " ثم ساق الحديث بنصه المحرف؛ ثم قال: "فأنت ترى أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أول قوله تعالى: ( .... استوى) بقوله: (استولى عليه) "! قال: "وبهذا يكون المؤولون قد اقتفوا أثر الرسول عليه الصلاة والسلام بصرف كل لفظ عن ظاهره - يفهم منه التجسيم - إلى لفظ آخر ينفي عنه ذلك"!!! قلت: وبذلك أعطى سلاحاً للمعتزلة الذي ينكرون كثيراً من صفات الله

تعالى - كالسمع والبصر، وكرؤيته تعالى - بالتأويل الذي يؤدي إلى التعطيل، قال المؤلف نفسه عنهم (ص 123): "بادعاء أن رؤية الله مستحيلة، فهي تقتضي الجسمية، والجسمية والجهة عندهم كفر". قلت: وهذا ما يصرح به هذا المؤلف الأنوك! في كثير من المواضع، فإذن المعتزلة على حق عنده، بل هو منهم؛ ولو تظاهر بأنه من أهل السنة والجماعة! فهو ينكر علو الله على خلقه، وأن القرآن كلام الله حقيقة؛ بحجة أن ذلك تجسيم وتشبيه!! ويتظاهر بأنه يؤمن برؤية الله في الآخرة تبعاً للأشاعرة، ويتجاهل أن ذلك يستلزم التجسيم على مذهبه؛ وكذا الجهة. ولكن ذاك السلاح غير ماض؛ لأنه قائم على حديث لا وجود له إلا في ذهنه ضعيف السند، فيبادر إلى الإجابة عن ذلك بقوله: "وسواء أكان الحديث صحيحاً أو ضعيفاً؛ فلا أقل من أن يحمل على التفسير"!! ما هذا الكلام أيها الأنوك الأحمق؟!! فما هو الذي يقابل التفسير الذي ينبغي أن يحمل الحديث عليه إذا صح؟! وبعبارة أخرى: فالحديث صحيح أو ضعيف، فإذا كان صحيحاً، فماذا؟ وإذا كان ضعيفاً؛ فماذا؟! أليس في كل من الحالين يحمل الحديث على التفسير؟! ولكن في حالة كونه ضعيفاً؛ ما قيمة هذا التفسير الذي لم يثبت عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! وجملة القول: أن هذا الكلام ركيك جداً، يدل على عجمة هذا الجهمي، وليس ذلك في لسانه فقط، بل وفي تفكيره أيضاً؛ لأنه في الوقت الذي يقطع بأن هناك دليلاً على أن الرسول أول كما تقدم، ويكرر ذلك في مواضع أخر؛ فيقول (ص 80): "فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد فسر الاستواء بالاستيلاء؛ فهذا هو التأويل بعينه"! إذ إنه يقول هذا الكلام الذي لا

يشعر أنه به يهدم ما بنى؛ لجهله بكون الحديث صحيحاً أو ضعيفاً، فكيف وقد صرح جازماً بضعفه في مكان ثالث، فقال (ص 103): "وقدمت لك أن الرسول عليه الصلاة والسلام فسر الاستواء بالاستيلاء؛ حتى وإن كان أثراً ضعيفاً؛ فيستأنس به في التأويل"!! إذن؛ هو ليس بدليل؛ لأن الدليل لا يستأنس به فقط، بل ويحتج به، فكيف جاز له أن يتقول على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيقول: "إنه فسر الاستواء بالاستيلاء"؟! فليتبوأ - إذن - مقعده من النار! ثم ما فائدة هذا التأويل الذي ذهب إليه الأشاعرة وغيرهم من الجهمية والمعطلة مع بطلانه في نفسه عندنا - ما داموا هم أنفسهم لا يأخذون به إلا مع تأويله أيضاً؟!، ذلك لأنهم قد أورد عليهم أهل السنة حقاً أن تأويل الاستواء بالاستيلاء؛ معناه: أنه لم يكن مستولياً عليه من قبل، لا سيما بملاحظة الآية التي فيها: {ثم استوى على العرش}؛ فإن (ثم) تفيد التراخي كما هو معلوم، وهذا التأويل مما لا يقول به مسلم؛ لأنه صريح في أن الله لم يكن مستولياً عليه سابقاً؛ بل كان مغلوباً على أمره، ثم استولى عليه! لا سيما وهم يستشهدون بذاك الشعر: قد استوى بشر على العراق ... بغير سيف ولا دم مهراق! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً! فلما أورد هذا عليهم؛ انفكوا عنه؛ فقال بعض متأخريهم - كما نقله هذا الأزهري (ص 25) -: "ولكن لا يخفى عليك الفرق بين استيلاء المخلوق واستيلاء الخالق"! وقال الكوثري في تعليقه على "الأسماء" (ص 406،410):"ومن حمله على معنى الاستيلاء؛ حمله عليه بتجريده من معنى المغالبة"!

[1002] باب صحة أثر مالك الشهير في الاستواء والرد على من ضعفه

فأقول: إذا جردتم "الاستيلاء" من معنى المغالبة؛ فقد أبطلتم تأويلكم من أصله؛ لأن الاستيلاء يلازمه المغالبة عادة كما يدل عليه البيت المشار إليه، فإذا كان لا بد من التجريد تمسكاً بالتنزيه؛ فهلا قلتم كما قال السلف: "استوى: استعلى"؛ ثم جردتم الاستعلاء من كل ما لا يليق بالله تعالى؛ كالمكان، والاستقرار، ونحو ذلك، لا سيما وذلك غير لازم من الاستعلاء حتى في المخلوق؛ فالسماء فوق الأرض ومستعلية عليها، ومع ذلك فهي غير مستقرة عليها، ولا هي بحاجة إليها، فالله تعالى أولى بأن لا يلزم من استعلائه على المخلوقات كلها استقراره عليها، أو حاجته إليها سبحانه، وهو الغني عن العالمين. ومن مثل هذا؛ يتبين للقارىء اللبيب أن مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، وليس العكس؛ خلافاً لما اشتهر عند المتأخرين من علماء الكلام. "الضعيفة" (11/ 1/500 - 507). [1002] باب صحة أثر مالك الشهير في الاستواء والرد على من ضعفه [قال الإمام في معرض رده على حسان عبد المنان]: لقد كشف أيضًا عن انحرافه عن عقيدة السلف، بتضعيفه كلمة مالك المشهورة: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول ... " فسود صفحتين بالحرف الصغير، متتبعًا طرقه الكثيرة عن مالك- مضعفًا إياها كلها-، مصرحًا بجهله لحال بعض رواتها -وهو في ذلك مخطئ بل خاطئ! - متجاهلاً قول الإمام النقاد الحافظ الذهبي:"هذا ثابت عن مالك وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبةً"؛ وكذلك تجاهل تجويد الحافظ لأحد طرقه عنه، بل إنه تطاول

[1003] باب شرح قول مالك:" والاستواء .. غير مجهول" وبيان خطأ الخوض في كيفية الاستواء

عليهما، فرد ذلك عليهما مع تصريحه بأنه لم يعرف أحد رواته، فهو يرد عليهم بجهله، كما تجاهل كثرة الطرق بذلك عن مالك، كما تجاهل صحة ذلك عن ربيعة شيخ مالك، وتقوية شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية!! وكل ذلك منه {ظلمات بعضها فوق بعض}. "النصيحة" (ص105). [1003] باب شرح قول مالك:" والاستواء .. غير مجهول" وبيان خطأ الخوض في كيفية الاستواء [قال مالك]: "والاستواء منه "أي من الله تعالى" غير مجهول". [قال الإمام]: أي: فهو معلوم، ولذلك نرى أهل العلم حينما ينقلون هذه الجملة، عن الإمام مالك يقولون عنه أنه قال: "الاستواء معلوم" كما في نقل القرطبي عنه كما سيأتي في آخر الكتاب [أي: مختصر العلو] وعليه فالاستواء معلوم معناه لغةً، بحيث يمكن تفسيره وترجمته إلى لغة أخرى، وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، وأما كيفية الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، كذاته تعالى وسائر صفاته. "مختصر العلو" (ص141). [1004] باب بيان خطأ من حرَّف أثر مالك الشهير في الاستواء [قال الإمام معلقاً على أثر مالك "الاستواء معلوم" ... ]:

[1005] باب جواز الإشارة إلى الله تعالى بالإصبع إلى العلو

قوله "معلوم" هو الثابت في جواب مالك رحمه الله، وأما ما يلهج به بعض المبتدعة أنه بلفظ "مذكور" فلا أصل له. "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 124). [1005] باب جواز الإشارة إلى الله تعالى بالإصبع إلى العلو [جاء في حديث جابر الطويل في حجة النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال]: قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ».قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ «اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. [فعلق الإمام على قول جابر:" فقال بإصبعه السبابة ... " قائلًا]: يعني أشار. وفيه دلالة صريحة على أن الله فوق مخلوقاته وأنه يجوز الإشارة إليه تعالى بالإصبع، وأنه ليس في ذلك شيء من التجسيم أو التحديد، كيف وقد أشار إليه بإصبعه أعرف الخلق بربه تبارك وتعالى. "مختصر صحيح مسلم" (ص188). [1006] باب معنى قوله تعالى: «أأمنتم من في السماء» [ذُكر للشيخ دكتور] قال السائل: له كتاب ما شاء الله في الإيمان يتحدث فيه عن حديث الجارية في إحدى كتبه اسمه كتاب: الحديث النبوي فيقول: إنه طبعاً يذكر معاني أهل السنة لمعنى: أين الله.

الشيخ: إيه. مداخلة: حديث الجارية. الشيخ: إيه. مداخلة: فيقول: ذكرنا معاني طبعاً يقول: أن هناك معنيين للسلف والخلف، وذكر المعنيين وكلا المعنيين لا هو من السلف ولا من خلف هو منهج الأشاعرة ... الشيخ: أيوه. مداخلة: ثم ذكر المعنى الذي يرتاح له وقال: نحن لا نستطيع أن نصف الله عز وجل أنه في السماء؛ لأن في ذلك تجسيماً له، ولا نستطيع أن نقول: أنه في الأرض؛ لأن في ذلك تنزيهاً يعني ( .... انقطاع) أنه في السماء فسبحان الله انا كتبت على الهامش أين الله أين يكون؟ إذا ليس في السماء وإذا ليس في الأرض؟! أضاعوا ربهم. الشيخ: ما سمعت كلمة ذاك الأمير العاقل الذكي لما سمع هذا الكلام قال: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم ... [ثم قال الشيخ]: خطر في بالي وأنت تحدثنا عن ذاك الدكتور الذي زعم بأنه لا يقول بان الله عز وجل في السماء، كما انه لا يقول أن الله عز وجل في الأرض، قلت عنه: لا يقول بأن الله في الأرض لأنه [يلزم منه] الحلول لكن ما فهمنا منك عنه لماذا لا يقول كما قال الله عز وجل: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16)، لنفس العلة أم لعلة

أخرى، إما ما أسمعتنا إياها أو نحن ما سمعناها. السائل: هو يقول أن الآيات التي ذُكرت في العلو إنما هي آيات في الصفات وليست في الذات. الشيخ: لا تَحِد، لا تحد أنا حددت لك الآية، لماذا لا يقول كما قال الله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16)، ما هو المحظور عنده، عَرَّفنا المحظور عنده من كونه لا يقول الله في الأرض لا يقول هذا، وهذا هو الحق بلا شك نقلاً وعدلاً، لكن سؤالي لماذا لا يقول كما قال الله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16)، يعني ما هي وجهة نظره وما تأويله، هل عرفت عنه أم لا؟، أنا أريد أن اعرف الجواب لإنصاف الرجل وإلا أن الكلمة التي في نفسي لا تتوقف على هذه المعرفة، فما هو الجواب؟ السائل: شيخنا هو ذكر في كتابه حسب ما أذكر منذ فترة قصيرة. الشيخ: أرجوك ما تحيد عن الآية. السائل: يتكلم عن الآية ... أو ما شابهها أن الآية تتحدث عن العلو، وتتحدث عن أنه في السماء. الشيخ: هذه الآية لا تتحدث عن العلو في ظاهرها، ماذا يقول عليها؟ السائل: بالضبط هذه الآية لا أعرف. الشيخ: سامحك الله، ما استفدنا شيئاً، الأول قلت لك عن الآية والثانية مره قلت لك عن الآية وبعدين ما ... السائل: أنا اعتقدت الآيات

الشيخ: يا أخي أنت بدأت الحديث عن الآيات فأرجعتك لموضوع السؤال، عفا الله عن ما سلف، شوفوا يا أخواننا هذه الآية إما أن تفسر على ظاهرها فيه كما تعلمنا من علماء اللغة، «في» الظرفية فإما أن تبقى على ظرفيتها وإما أن تخرج عن هذا المعنى فتفسر بمعنى «على»، فإذا فسرت بمعنى «على» حينئذ لا تكون السماء ظرفية لله، كما أن الأرض ليست ظرفية لله. فإذا كان المشكل عند ذاك الدكتور هو أنه وقف عند ظاهر الآية «في» ظرفيه في اللغة العربية فإذاً لا فرق بين من يقول الله في الأرض أو الله في السماء؛ لأن الله أكبر من كل ذلك هذه حقيقة، إذاً كيف نفسر الآيات الجواب بناءً على أنها على بابها «في» ظرفية: نقول إذا أبقينا في ظرفية نفسر السماء بمعنى العلو المطلق، وليس بالسماء المخلوقة التي هي سبع سماوات عرفت كيف؟، حينئذ يطيح الأشكال من أصله؛ لأن الإشكال على أساس في السماء؛ أي: هذه السماء التي هي خلق من خلق الله كالأرض، فكما أنه ليس في الأرض، فهو ليس في السماء، فمن هنا هم يأتيهم الإشكال فبينفوه يقولون: لا؛ الله ليس في السماء. أولاً: أدباً مع الكلام الإلهي ما يجوز أن يقال هذا الكلام، لكن الجائز بل الواجب هو فهم الآية القرآنية فهماً صحيحاً، فأول تفسير لها على أساس إبقاء «في» على بابها في هذه الحال نفسر السماء باللغة العربية أيضاً فهي معناها العلو المطلق إذاً إذا قلنا أن الله عز وجل في العلو المطلق معناه ليس في مخلوق طاح إلاشكال، ولا يستوي حينئذ القول بأن الله في السماء كالقول المنفي بأن الله في الأرض. أولاً على انه في الأرض ليس عندنا في الكتاب ولا في السنة بأن الله في

الأرض، هذا أولاً لا يستوي أن نقول أن الله في السماء بأن نقول أن الله في الأرض لأن هذا ليس منقولاً. ثانياً: المعنى الذي فسرناه آنفاً لا محظور منه، كما يترتب المحظور على قولنا الله في الأرض، هذا إذا فسرنا «في» وجعلناها على بابها، نكون فسرنا السماء بمعنى العلو المطلق حينئذ تلتقي الآيات الأخرى التي تثبت العلو لله عز وجل مع هذه الآية ماشي، وإما أن نقول هنا «في» بمعنى «على»، وكما نقول أيضاً كما تعلمنا من أهل العلم أن حروف الجر يكون بعضها [بمعنى بعض] خاصة في مثل هذا المكان، فيقال الله في السماء؛ أي بمعنى: «على» فعلى هذا هي محل «في»، أو العكس في محل «على»، وهذا له شواهد كثيرة في الكتاب والسنة في آية {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه:71)، {فَسِيرُوا في الأَرْضِ} (آل عمران:137)، «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» «من في الأرض» لا يعني جوف الأرض؛ إنما على الأرض «يرحمكم من في السماء» لا يعني من هو في جوف السماء المخلوقة، وإنما على السماء. ولهذا السبب تجد المعطلة في العصر الحاضر وعلى رأسهم هذا السخاف بحق ... ، ينكر صحة هذا الحديث لأنه بالنسبة إليه قاصمة ظهره؛ لأنه «ارحموا من في الأرض» ما بيقدر يفسر في بمعنى الديدان والحشرات التي في الأرض وإنما هذه الأنعام التي ذللها الله لنا وخلقها من أجلنا، فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، فكما أنه ارحموا من «في» هنا تعني «على» يرحمكم من في السماء؛ تعني: «على»؛ لذلك صب جهده لتضعيف هذا الحديث علماً بأنه صححه حتى الذين هم سبقوه إلى مثل هذا التعطيل لأنهم حديثياً ما وجدوا سبيلاً لتضعيفه، ... حتى الغماريين الذي هو ذَنَبٌ لهم هم يصححون هذا الحديث.

المهم هذا الحديث صححه جمع وهذا أنكر صحته لأنه أقوى في الدلالة من حديث الجارية فهذا أصرح في الدلالة على المعنى الصحيح للآية لأنه حديث الجارية أين الله؟ قالت في السماء فهي إجابة الجواب القرآني لكن هي عربية هي تفهم إيش معنى «في»، مش معناها مثل الديدان في جحورها وإلى آخره لا، المهم هذا الحديث «ارحموا من في الأرض»، أي من على الأرض «يرحمكم من في السماء»، أي على السماء إلى هنا انتهى ما أنا أردت أن أقوله تعليقاً على ما قد تسمعني من تأويل ذلك الدكتور لهذه الآية. لكن الذي أريد الآن أن أقوله، أن هذا الدكتور وأمثاله خطؤهم يأتي من التفسير الأول الذي فيها «في» أي على بابها، ثم غفلتهم عن المعنى الأصلي لكلمة السماء وهو العلو، فلما يقعون في هذه الغفلة ينظرون فيقولون نحن لا نستطيع نقول أن الله في جوف السماء أي السماء المخلوقة تحيط به، نحن معهم في هذا لكن هم يضلون عن الحق بفهمهم الباطل وهربهم عنه، ثم لا يجدون لهم مأوىً في معرفة الرأي أو الفهم الصحيح، لماذا؟ لأنهم يفهمون أيضاً أننا حينما نفسر على السماء المشكلة قائمة بالنسبة إليهم وإلى أذهانهم المشكلة قائمة، لأنهم يتفهمون أن فوق السماء ما هو؟ العرش، وفوق العرش إذا قلنا: ... {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، كما قال الله فسرنا «في» بمعنى «على» كما في التفسير السلفي ... إذاً: ... هنا يبدأ ضلالهم فالذي أعنيه بالتذكير الآن هو ألا نتورط ... فنتصور أن آية {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16) تعني أن الله بذاته في جوف السماء لا، وإنما الله بذاته فوق العلو المطلق والعلو المطلق فوق العرش فوق العرش لا مكان، من هنا هم ظلُّوا يتوهمون أن فوق العرش مكاناً فإذاً جعلناه في مكان، ولا فرق حين ذاك بين مكان فوق العرش، بين مكان فوق بين مكان فوق

[1007] باب معنى (في) في قولنا: الله (في) السماء

سماء الدنيا أو في سماء الدنيا أو على الأرض أو في الأرض، كله لا يليق بالله عز وجل نقول كله لا يليق إلا فوقية العرش لأن فوق العرش لا مكان، ونحن نعلم كما هم يعلمون ولكنهم يغفلون أو يتغافلون [أنه] كان الله ولا شيء معه، فحين كان الله ولا شيء معه نحن وإياهم متفقون أو هم معنا متفقون أن الله حينما كان ولم يخلق شيئاً لم يكن في مكان، وإن سمى أحد ذلك الجو ما بدي أسميه مكاناً أنا، لأنه يكون في إعادة ألفاظ، إذا سمى أحداً ذلك الجو الذي كان الله فيه: مكاناً فهذا اصطلاح؛ لأن المكان مشتق من الكون {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:82)، فالله كان ولا شيء معه ثم خلق الخلق بوجود الخلق وبخلق الخلق وجد المكان لكن الله ما وجد في هذا المكان لأن الله كان قبل المكان وقبل الزمان، فإذاً إذا قلنا {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، وأوردنا كل الآيات والأحاديث التي تثبت صفة العلوم فذالك لا يعني أننا نجعل لله مكان ولا يعني أننا جعلناه مظروفاً بشيء ... "الهدى والنور" (441/ 10: 45: 00 - طريق الإسلام) وتكرر ناقصًا في (343/ 52: 53: 00) [1007] باب معنى (في) في قولنا: الله (في) السماء عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمَاً لِي قِبَلِ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ، وَإِذَا ذِئْبٌ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، قَالَ: وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَفَلا أُعْتِقُهَا؟، قَالَ: «ائْتِنِي بِهَا»، فَقَالَ لَهَا: «أَيْنَ اللهُ؟»، قَالَتْ: في السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟»، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «فَأَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ». (مسلم).

[1008] باب الرد على من أنكر حديث «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»

[علق الإمام على قول الجارية: "في السماء"قائلاً]: أي على السماء. كقوله تعالى {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ}. يعني على الجذوع، والآيات والأحاديث الدالة على علوه تبارك وتعالى على خلقه أكثر من أن تحصر، وفي ذلك ألف الذهبي كتابه "العلو للعلي الغفار" وهو مطبوع، ومن قبله الشيخ ابن قدامة، وكتابه مخطوط. ثم إن جواب الجارية مستفاد من مثل قوله تعالى {أَأَمِنْتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ ... } الآية. "تحقيق الإيمان لأبن أبي شيبة" (ص 61). [1008] باب الرد على من أنكر حديث «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». [قال الإمام]: هذا الحديث مع صحته ... وتَلَقِّي الأمة له بالقبول على اختلاف مشاربهم، فقد تجرأ المدعو بـ (حسن السقاف) على إنكاره بكل صفاقة، مخالفاً بذلك سبيل المؤمنين، فصرَّح في تعليقه على "دفع شبه التشبيه" لابن الجوزي فزعم (ص 62): أنه حديث ضعيف! ثم غلا فصرح (ص 64) بأنه حديث باطل!! ثم أخذ يرد عليّ تصحيحي إياه لشواهده؛ متحاملاً متجاهلاً لتصحيح من صححه من الحفاظ، مشككاً فيما نقلته عن بعض المخطوطات التي لم ترها عيناه، وما حمله على ذلك إلا جهمية عارمة طغت على قلبه، فلم يعد يفقه ما يقوله العلماء من المتقدمين أو المتأخرين، فذكرت هناك من المصححين: الترمذي والحاكم

والذهبي والخِرقي والمنذري والعراقي وابن ناصر الدين الدمشقي، وأضيف الآن إليهم الحافظ ابن حجر في كتابه الذي طبع حديثاً "الإمتاع" (ص62 - 63) حتى قال في معناه شعراً: إن من يرحم من في الأرض قد ... آن أن يرحمه من في السما فارحم الخلق جميعاً إنما ... يرحم الرحمن فينا الرحما ومن المتأخرين الذين صححوا هذا الحديث الشيخان الغماريان: أحمد الغماري في كتابه "فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب" (1/ 459) وقال: "وقد رويناه من طرق متعدده". ونقل تصحيح الترمذي والحاكم وأقرهما. والغماري الآخر الشيخ عبد الله الذي صحح الحديث في كتابه الذي أسماه "الكنز الثمين"، فإنه أورده فيه برقم (1867)، وقد ذكر في مقدمته أن كل ما فيه صحيح، وهو أخو الشيخ أحمد الغماري، وهو أصغر منه سنًّا وعلماً، وهما ممن يُجِلُّهما السقاف ويقلدهما تقليداً أعمى، وإذا ذكر أحدهما قال فيه: "سيدي"! فما عسى أن يقول المسلم المنصف في مثل هذا الرجل الذي يخالف أولئك الحفاظ ويسلك غير سبيلهم، بل ويخالف شيخه وسيده - على حد تعبيره - عبد الله الغماري؟! لا شك أنه في ضلال مبين. هذا أولاً. وثانياً: هذا الحديث فيه جملتان مباركتان: الأولى: "ارحموا من في الأرض"، وشواهده كثيرة جداً عن جمع من الصحابة؛ استوعبهم الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في مجلسة المشار إليه

هناك عند تخريج الحديث، وقد طبع أخيراً بتحقيق الأخ الفاضل أبي عبد الله محمود بن محمد الحداد، فراجع فهرس أحاديثه تجد أسماءهم والإشارة إلى مواضع أحاديثهم منه، وبعضها مما اتفق عليه الشيخان، من ذلك أسامة بن زيد، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (163 - 164) بلفظ: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء ". والجملة الأخرى: "يرحمكم من في السماء". وهي صحيحة كما تقدم، وقد بسط الكلام عليها الأخ الفاضل المشار إليه آنفاً، وهي التي أقامت ذاك المبطل وأقعدته، بل وقصمت ظهره؛ لأن حرف "في" فيها هو بمعناه في الجملة الأولى بداهة؛ أي: "على"، لا يجادل في ذلك إلا معاند، فهي تؤكد أن هذا الحرف هو بهذا المعنى نفسه في قوله تعالى: {أأمنتم من في السماء}؛ أي: على السماء؛ أي: فوق العرش، وبذلك فسَّرها علماء السلف والخلف - ومنهم ابن عبد البر في "التمهيد"، والبيهقي في كتابيه: "الأسماء" و"الاعتقاد" - وذاك المبطل يعلم هذه الحقيقة ولكنه يكابر، ويبطل الحديث الصحيح ليسمي هذا التفسير تأويلاً، ويسمي تعطيله لمعنى الآية الكريمة تفسيراً على قاعدة: (رمتني بدائها وانسلت)، فيقول (ص65): "أي صاحب العظمة والرفعة والكبرياء وهو الله تعالى ... " ويؤكد هذا التعطيل في مكان آخر (ص139)، ويضيف إليه فيقول -فض فوه-: "والآية مؤولة عند المجسمة بـ (من على السماء) ... "! فيا ويله ما أجرأه على نبز السلف بـ (المجسمة)! وفيهم من يتظاهر بتبجيله وإن كنت أعلم أنه لا مبجّل عنده إلا هواه، وإلا فقل لي بربك كيف يرمي بالتجسيم

من فسر الآية بما سبق أن عزوته للسلف؛ ومنهم الإمام البيهقي في كتابيه المذكورين آنفاً (¬1)، وهما من الكتب التي يحض هذا الهالك على قراءتها في تعليقة (ص78)؟! وهل أدل على أتباعه لهواه من مخالفته للعلماء الذين صححوا حديث الرحمة هذا، ومنهم شيخاه الغماريان؟! وكذلك تضعيفه لكثير من الأحاديث الصحيحة الأخرى كحديث الجارية؛ وقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أين الله؟». رواه مسلم، وصححه جمع كما فصلت القول في ذلك فيما يأتي برقم (3161)، وكحديث اختصام الملأ الأعلى، وقد صححه البخاري والترمذي وأبو زرعة والضياء، وهو غير حديث: «رأيت ربي جعداً أمرد .. » فإنه منكر، وحديث: «رأيت ربي مبنى عند النفر على جمل ... »، فإنه موضوع كما هو مبين في "الضعيفة" (6330)، وقد لبَّس (السقاف) بهذا على القراء فأوهمهم أن الذهبي أنكر حديث الاختصام، وإنما أراد هذا، فارجع إلى الرقم المذكور لترى العجب من تدليس هذا الرجل وتضليله للقراء. وقد وجدت لحديث الاختصام طريقاً أخرى - بل شاهداً صحيحاً - فخرجته في "الصحيحة" (3169). وإن مما يجب التنبيه عليه بهذا المناسبة أن الرجل كما يُضعِّف الأحاديث الصحيحة؛ فهو على العكس من ذلك يُقوِّي الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ويحتج بها معطلاً بها معاني الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة، فهو مثلاً يبطل دلالة الحديث المتواتر في النزول الإِلهي، وقوله تعالى فيه: «من يدعوني فأستجيب له .. » بحديث تفرد بروايته حفص بن غياث لم يذكر فيه النزول ولا قوله تعالى المذكور، بل رواه بلفظ: «ثم يأمر منادياً ينادي يقول: هل من داع .. »، وهذا ¬

(¬1) وقد نقلت عبارته تحت الحديث (6332 - الضعيفة)، ونقلت هناك عن ابن الجوزي أنه فسر الآية كما فسرها البيهقي؛ فهل هو مجسم أيضاَ؟!. [منه].

خطأ بيقين؛ لمخالفة حفص لستة من الثقات رووه باللفظ الأول، وهو المحفوظ في "الصحيحين" وغيرهما، وهو متواتر كما ذكر ابن عبد البر في "التمهيد"، وقد بسطت القول في هذا وسميت المخالفين لحفص في "الضعيفة" (3897)، ورددت على هذا المبطل ما زعمه من صحة حديث حفص بما لا يتسع المجال لذكره هنا. وكذلك احتج بحديث موضوع من أحاديث الإباضية فيه!: " .. ولا تضربوا لله الأمثال، ولا تصفوه بالزوال، فإنه بكل مكان".وقد بينت بطلانه، وكشفت عواره في "الضعيفة" (5332)، والغريب العجيب من هذا الأفين أنه نقل الحديث من كتاب "مسند الربيع بن حبيب"، وهو الكتاب الوحيد من تأليف الإباضية، وركن إليه المذكور من باب القاعدة اليهودية: "الغاية تبرر الوسيلة"؛ لأن فيه رد حديث النزول الذي اصطلح علماء الكلام على تفسير "النزول" بالزوال تحريفاً للكلم عن مواضعه، وتنفيراً من الإيمان بالنزول الإِلهي، وأعجب من ذلك أن قوله فيه: "فإنه بكل مكان" ما يكفر الأفين به (ص127) من تعليقه على "ابن الجوزي"، ومع ذلك روى هذا الحديث الإباضي الموضوع ليعطل به حديث النزول المتواتر، أليس ذلك من أكبر الأدلة على أنه ينطلق من تلك القاعدة اليهودية، ومنها يندفع لإِبطال الأحاديث الصحيحة؟! والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة جداً، فحسبنا الآن حديث الرحمة هذا وما ذكر معه. والله المستعان. "السلسلة الصحيحة" (2/ 713 - 717).

[1009] باب بيان عقيدة أبي حنيفة في علو الله تعالى

[1009] باب بيان عقيدة أبي حنيفة في علو الله تعالى سؤال: مادام تكلمنا عن العقيدة وعقيدة المذاهب لو نلقي الضوء على عقيدة أبي حنيفة. الشيخ: أبو حنيفة أولاً: ليس له عقيدة مسطورة ثانياً: له كتاب ينسب إليه اسمه الفقه الأكبر, وأبو حنيفه باعتبار تقدمه في الطبقة لأنه كان من أهل القرن الثاني توفي سنة (150) للهجرة, فهو لم يترك كتابا لكن ترك تلامذة, هذا الكتاب المنسوب إليه الفقه الأكبر الحقيقة يُمثِّل ما عليه المنتسبون إلى أبي حنيفة رحمه الله تعالى, أبو حنيفة فيما يتعلق بالإيمان هو رأيه كما قلنا لا يزيد ولا ينقص وهاي عقيدة كل الأحناف من أول الزمان إلى اليوم وهاي من مشاكل الجمود على التقليد خاصة بالعقيدة, ومن عجائبهم أنهم يقولون في كتب العقيدة أن التقليد في العقيدة لا يجوز, مع ذلك بتشوف الماتريدية ماتريدية والأشاعرة أشاعرة على مُضِيّ القرون كلها, وأين ما بيجوز التقليد في العقيدة وأنتم جامدين على هذا التقليد، فأتباع أبي حنيفة إذا صح لنا ولا نجد سبيلا إلا إلى ذلك أن نقول إنهم يمثلون عقيدة أبي حنيفة، فأبو حنيفة يقولٌ بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأتباعهم معه في هذا وينقلونه عنه بدون أي خلاف، بينما في مسائل فقهية ينقلون عن الإمام بعض الأقوال المتعارضة المتناقضة في المسألة الواحدة، هذا لا عجب [فيه]؛ لأن الإمام يجتهد برأيه ثم يبدو له رأي آخر, ما فيه مانع أبدا, لكن ما أحد منهم نقل عن أبي حنيفة مشياً مع نص القرآن في أكثر من آية {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب:22).

فالإيمان يزيد بنص القرآن في أكثر من آية في القرآن الكريم, ما نقلوا ولا رواية عن أبي حنيفة ولو ضعيفة أن الإيمان يزيد وينقص وانه زيادته الطاعة ونقصانه المعصية مداخلة: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (محمد:17). الشيخ: فيه آيات كثيرة, فيه آيات كثيرة مداخلة: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (الأنفال:2). الشيخ: الشاهد: في الفقه الأكبر ناقلين عبارة تلتقي .. مع عقيدة أهل السنة فيما يتعلق بالعلو لله عز وجل فقالوا بأن أبا حنيفة قال: من اعتقد بأن الله ليس في السماء فقد كفر, هذه العقيدة موجودة عند بعض الماتريدية مش كلهم، وإلا الماتريدية مثل الأشاعرة في موضوع صفة العلو للعلي الأعلى فهم يعتقدون أن الله في كل مكان مع الأسف الشديد، لكن أبا حنيفة في هذه الكلمة التي رووها عنه فهو مع الكتاب والسنة ومع أهل السنة والحديث، وأَكَّد ذلك بعض أتباعه في القرن السادس, فيه رجل منهم له قصيدة تسمى بقصيدة «بدء الأمالي»: يقول العبد في بدء الأمالي ... بتوحيد - مادري إيه - بذي الجلال قديما كنت حفظتها وبعدين ذهبت مع الإهمال والنسيان, بالجملة بيقول بيت الشاعر: ورب العرش فوق العرش لكن ... بلا وصف التمكن واتصال هاي عقيدة أهل السنة وهي معنى كلام أبو حنيفة " من اعتقد بأن الله ليس في السماء فقد كفر " لأنه خالف الكتاب والسنة في الجملة أبو حنيفة والأئمة

[1010] باب الحنفية المتقدمون كانوا على طريقة السلف في إثبات العلو

الأربعة هم على الخط السلفي, إلا لابد يعني كل واحد له زلة, لكن الأتباع هم في واد والأئمة أنفسهم في واد. "الهدى والنور" (52/ 34: 07: 00) [1010] باب الحنفية المتقدمون كانوا على طريقة السلف في إثبات العلو [قال الإمام]: أصحاب أبي حنيفة الأُوَل كانوا مع السلف في الإيمان بعلوه تعالى على خلقه. "مختصر العلو" (ص137).

جماع أبواب الكلام على حديث الجارية والرد على من طعن فيه

جماع أبواب الكلام على حديث الجارية والرد على من طعن فيه

[1011] باب تفصيل القول في حديث الجارية والرد على المخالفين

[1011] باب تفصيل القول في حديث الجارية والرد على المخالفين [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «أعْتِقْها؟ فإنَّها مؤْمِنَةٌ. يعني: الجاريةَ التي شَهِدَتْ بأنَّ اللهَ في السماء». [قال الإمام]: 1 - أخرجه أبو داود (3/ 588/3283)، والنسائي (2/ 129)، والد ارمي (2/ 187)، وابن حبان في "صحيحه " (6/ 256/4296)، والبيهقي في "السنن " (7/ 388)، وأحمد (4/ 222 و388 و389)، والبزار في " مسنده" (1/ 29/38/- الكشف)، والطبراني (7/ 383/7257) من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشَّرِيدِ بن سُوَيْدٍ الثقفي قال: قلت: يا رسول الله! إن أمي أوصت إليّ أن أعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية سوداء نُوبية؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "ادع بها"، فقال: "مَن ربُّكِ؟ "، قالت: الله، قال: "فمن أنا؟ "، قالت: رسول الله، قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم؛ إلا أنه أخرج لمحمد بن عمرو متابعة، وحماد بن سلمة في روايته عن غير ثابت البناني شيء من الضعف، وليس له رواية عن محمد بن عمرو- وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي- عند مسلم. وقد خولف حماد في إسناده ومتنه، فقال ابن خزيمة في "التوحيد" (ص81): حدثنا محمد بن يحيى القُطَعِي قال: حدثنا زياد بن الربيع قال: ثنا

محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أن محمد بن الشريد جاء بخادم سوداء عتماء إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا رسول الله! إن أمي جعلت عليها عتق رقبة مؤمنة، فهل تجزي أن أعتق هذه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - للخادم: «مَنْ رَبُّكِ؟». فرفعت برأسها فقالت: في السماء ... ثم ذكر باقي الحديث مثله. وهذا السند أصح؛ لأن زياد بن الربيع ثقة من رجال البخاري، لكن يبدو أن قوله: "محمد بن الشريد" وَهْم من بعض الرواة؛ فإنه ليس له ذكر في "الصحابة"، وقد أورده الحافظ في القسم الرابع من "الإصابة" من رواية ابن منده وابن السكن والباوردي وابن شاهين؛ لكنه قال في روايته: " (جاء محمد بن الشريد أو الشريد بجارية) كذا عنده على الشك، وأخرجه أبو نعيم من رواية إبراهيم بن حرب العسكري عن القطعي (الأصل: القطيعي) مثله؛ إلا أنه قال: (إن عمرو بن الشريد جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ... )، وصوّب هذا الطريق، وكل ذلك غير محفوظ! والمحفوظ: ما أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان، من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو ... (فذكر الرواية الأولى)، ثم قال: "قال ابن السكن: محمد بن الشريد ليس بمعروف في الصحابة، ولم أر له ذكراً إلا في هذه الرواية". وقد جاء الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة، ليس فيها تسمية الرجل، وهو من رواية المسعودي عن عون بن عبد الله عن أخيه عُبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة:

أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بجارية سوداء أعجمية، فقال: يا رسول الله! إن عليَّ عتق رقبة مؤمنة، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أين الله؟ "، فأشارت إلى السماء بإصبعها السبابة، فقال لها: "من أنا؟ "، فأشارت بإصبعها إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وإلى السماء؛ أي: أنت رسول الله، فقال: "أعتقها " فإنها مؤمنة ". أخرجه أبو داود (3/ 588/ 3284)، وابن خزيمة أيضاً، والبيهقي في "السنن " (7/ 388)، وأحمد (2/ 291)؛ كلهم من طريق يزيد بن هارون عنه. قلت: ويزيد سمع من المسعودي- وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة- بعد اختلاطه؛ كما قال ابن نمير، فيما نقله الذهبي في "الكاشف " وغيره، فقوله في "العلو": "إسناده حسن "، غير حسن كما كنت ذكرت في كتابي "مختصر العلو" (81 - 82)، لكن بدا لي الآن أنه أحسن من الحسن، وذلك لأمرين: الأول: أنني وجدت عند ابن خزيمة متابعين اثنين ليزيد، وهما أسد بن موسى (أسد السنة)، وأبو داود- وهو الطيالسي؛ صاحب "المسند" المعروف به، وليس الحديث فيه-، وهو بصري، وقد ذكر عبد الله بن أحمد في "العلل " عن أبيه أنه قال: "سماع وكيع من المسعودي بالكوفة قديماً، وأبو نعيم أيضاً، وإنما اختلط المسعودي ببغداد، ومن سمع منه بالبصرة والكوفة؛ فسماعه جيد". وذكر نحوه في مكان آخر (2/ 130 - 131)؛ وزاد: "وأما يزيد بن هارون، وحجاج، ومن سمع منه ببغداد؛ فهو في الاختلاط".

وعلى هذا فالسند جيد؛ لأن الطيالسي بصري كما تقدم. هذا هو الأمر الأول. والأمر الآخر: أن ابن معين صحح أحاديث المسعودي عن القاسم وعن عون؛ كما في "التهذيب "، وهذا من روايته عن عون كما ترى، فصح الحديث والحمد لله. وفي حديث أسد السنة: "بجارية سوداء لا تُفْصِحُ ". وفي حديث الطيالسي: "بجارية عجماء لا تفصح "؛ وعندهما: "مَنْ رَبُّكِ؟ ". لكن قد خولف عون في إسناد الحديث من قِبَلِ الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن رجل من الأنصار: أنه جاء بأمة سوداء، فقال: يا رسول الله! إن علي رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة؛ أعتقها؟! فقال: "تشهدين أن لا إله إلا الله؟ ". قالت: نعم، قال: "تشهدين أني رسول الله؟ ". قالت: نعم، قال: "أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ ".قالت: نعم، قال: "أعتقها".

أخرجه ابن خزيمة من طريق عبد الرزاق، وهذا في "المصنف " (9/ 175/ 16814) قال: أخبرنا معمر عن الزهري به. ومن طريق عبد الرزاق: أخرجه أحمد (3/ 451)، وابن الجارود في "المنتقى" 31/ 931).وقال ابن كثير في "التفسير" بعد أن عزاه لأحمد: "وإسناده صحيح، وجهالة الصحابي لا تضره ". قلت: وهو كما قال؛ لولا أن معمراً خالفه جماعة من الثقات فأرسلوه: فرواه مالك (2/ 6)، ويونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبيد الله: أن رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ... الحديث مثله. أخرجه البيهقي (7/ 388 و10/ 57)، وقال: "هذا مرسل، وقد قيل: عن عون بن عبيد الله بن عتبة عن عبيد الله بن عتبة أبي هريرة- رضي الله عنه-. وقد قيل: عن عون عن أبيه عن جده ". قلت: وصله الحاكم (3/ 258) وعنه البيهقي في الموضع الأول، وكذا الطبراني (17/ 136) من طريق أبي عاصم: نا أبو مَعْدان المِنْقَري- يعني: عامر بن مسعود-: نا عون بن عبيد الله بن عتبة: حدثني أبي عن جدي. وعامر هذا لم أعرفه، ولا وجدت له ترجمة فيما لدي من المراجع، لا فيمن يسمى بـ "عامر" ولا فيمن يكنى بأبي معدان، ولا فيمن نسبته "المنقري ". 2 - وروي عنه بإسناد آخر، فقال الجراح بن مَخلَد: ثنا محمد بن عثمان الجزري: ثنا سعيد بن عَنْبسة القطان: ثنا أبو معدان قال: سمعت عون بن أبي

جحيفة يحدث عن أبيه قال: أتت رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - امرأةٌ ومعها جارية سوداء، فقالت المرأة: يا رسول الله! إن علي رقبة مؤمنة، أفتجزي عني هذه؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أين الله؟ ".قالت: في السماء. قال: "فمن أنا؟ ".قالت: أنت رسول الله. قال: "أتشهدين أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ ".قالت: نعم. قال: "أتؤمنين بما جاء من عند الله؟ ".قالت: نعم، قال: "أعتقيها؛ فإنها مؤمنة". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/ 116 - 117). قلت: وهذا إسناد ضعيف جدّاً مسلسل بالعلل: الأولى: أبو معدان هذا؛ فإنه غير معروف كما تقدم، وقد سماه الطبراني في باب "أبو معدان: عامر بن مرة عن عون "، ثم ساق هذا الحديث، ولم أجده أيضاً. الثانية: سعيد بن عنبسة القطان، والظاهر أنه أبو عثمان الخزاز الرازي الذي ذكره ابن أبي حاتم (2/ 1/52) وقال عن أبيه: "فيه نظر". ثم روى عن علي بن الحسين بن الجنيد قال: "سعيد بن عنبسة كذاب، سمعت أبي يقول: كان لا يصدق ". وبه أعله الهيثمي؛ فقال (4/ 244):

"رواه الطبراني، وفيه سعيد بن عنبسة، وهو ضعيف ". الثالثة: محمد بن عثمان الجزري، لم أجد له ترجمة أيضاً. ثم وجدت لسعيد بن عنبسة متابعاً لا بأس به، وعرفنا بسببه اسم أبي معدان: رواه صُرَدُ بن حماد أبو سهل قال: حدثنا الحسن بن الحكم بن طَهْمان: حدثنا أبو معدان به. أخرجه الخطيب في "التاريخ " (9/ 343)، وقال: "تفرد به أبو معدان، وهو غريب من حديث أبي معدان عبد الله بن معدان، تفرد به الحسن بن الحكم عنه، ولا أعلم حدث به غير صرد، وما علمت من حاله إلا خيراً". قلت: وابءن طهمان هذا؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه: "حديثه صالح ليس بذلك، يضطرب". وعبد الله بن معدان روى عنه أيضاً وكيع وأبو نعيم كما في "الجرح "، وذكر الذهبي في "المقتنى في الكنى": (البُرْساني) مكان: (أبي نعيم). ثم رأيت في "الجرح " (9/ 446): "أبو معدان ...... عن يحيى بن معين قال: أبو معدان صالح "، وعلَّق المعلمي عليه بما يشعر أنهما واحد. 3 - حديث ابن عباس، وله عنه طريقان: الأول: يرويه ابن أبي ليلى عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وعن الحكم يرفعه:

أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: إن على أمي رقبةً مؤمنةً، وعندي رقبة سوداء أعجمية؟ قال: "ائتِ بها"، قال: "أتشهدين أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ "، قالت: نعم، قال: "فأعتقها". أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (11/ 20/10392)، وفي "كتاب الإيمان " (28/ 85 - بتحقيقي): حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى ... هكذا وقع في إسناده: " .. عن ابن عباس، وعن الحكم "! وهو معطوف على المنهال- وهو ابن عمرو- على خلاف المتبادر، ولكن مثله يقع كثيراً في الأسانيد، كما يعرفه من مارس هذا العلم. وقد رواه الطبراني (12/ 26 - 27) و"الأوسط " (2/ 36/2/ 5653) من طريق الحسن بن فرات القزاز: ثنا علي بن هاشم به؛ إلا أنه قال: "عن المنهال بن عمرو، والحكم عن سعيد بن جبير ... "، فهذا على الجادة، وقال: "لم يروه عن المنهال والحكم إلا ابن أبي ليلى". قلت: وهو ضعيف لسوء حفظه، وبه أعله الهيثمي فقال (4/ 244): "وفيه محمد بن أبي ليلى، وهوسيىء الحفظ، وقد وُثِّق". قلت: ومن طريقه: أخرجه البزار (1/ 14/13 - الكشف)، ولم يذكر في إسناده الحكم، وقال: "وهذا قد روي نحوه بألفاظ مختلفة"!

قلت: هو بهذا اللفظ المرفوع له طريق أخرى، يرويه يزيد بن حكيم: ثنا يحيى ابن السكن عن قيس بن الربيع: ثنا حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي عن حنين عن ابن عباس به إلا أنه قال: "إن عليّ رقبة مؤمنة .. "؛ لم يذكر أمَّه. أخرجه الطبراني في "الأوسط " (2/ 143/1/ 7212): حدثنا محمد بن يحيى: ثنا يزيد به، وقال: "لم يروه عن حبيب إلا قيس ". قلت: وهو ضعيف من قِبل حفظه، ويحيى بن السَّكَن- وهو الرقي ثم البصري- ضعيف، وإن وثقه ابن حبان. ويزيد بن حكيم مجهول الحال، لم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحاً ولا تعديلاً. وأما اللفظ الآخر؛ فيرويه سعيد بن المَرْزُبَان عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ ومعه جارية له سوداء، فقال: إن علي رقبة- أحسبه قال: مؤمنة-، فهل يجزئ عني هذه؟ فقال لها: "أين الله؟ ". قالت بيدها إلى السماء، قال: "من أنا؟ ". قالت: أنت رسول الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أعتقها؛ فإنها مؤمنة ". أخرجه البزار (1/ 28/37) بسند صحيح عن ابن المرزبان، لكن هذا- مع ضعفه- مدلس، وهو وإن كان ذكروا له رواية عن عكرمة؛ فإنه لم يصرح بسماعه منه كما ترى، وبه وبابن أبي ليلى أعله الهيثمي (4/ 424). 4 - ومما يشهد لهذا اللفظ: "السماء" حديث كعب بن مالك قال: جاءت جارية ترعى غنماً لي، فأكل الذئب شاة، فضربتُ وجهَ الجارية، فندمت، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقلت: يا رسول الله! لو أعلم أنها مؤمنة؛ لأعتقتها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - للجارية: "من أنا؟ ".قالت: رسول الله. قال: "فمن الله؟ ".قالت: الذي في السماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أعتقها، فإنها مؤمنة ".

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19/ 98/193) و"الأوسط " (2/ 171/1/ 7712) من طريق عبد الله بن شبيب: ثنا داود بن عبد الله الجعفري: ثنا حاتم بن إسماعيل عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن ابن كعب بن مالك عن أبيه به، وقال: "لم يروه عن ابن عجلان إلا حاتم، ولا عن حاتم إلا داود الجعفري، ولا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد". قلت: ورجاله ثقات؛ غير عبد الله بن شبيب؛ فإنه ضعيف، وبه أعله الهيثمي. وبالجملة؛ فهذه الطرق التي وقفت عليها عن هؤلاء الصحابة الأربعة، وهم: الشريد بن سويد- وإسناده حسن على الخلاف في صحابيِّه ومسنِدِه، فمنهم من

جعله من رواية أبي سلمة عنه، ومنهم من جعله من مسند أبي هريرة من رواية أبي سلمة نفسه، على اختلاف في ضبط بعض ألفاظه كما يأتي بيانه ملخصاً-، وأبو هريرة- وإسناده صحيح-، وأبو جحيفة- بإسناد ضعيف-، وابن عباس- بإسنادين عنه؛ واختلاف أيضاً في بعض ألفاظه-. ولعله من الضروري أن أقدم إلى القراء الكرام خلاصة نيِّرة عن تلك الروايات والاختلافات في بعض ألفاظها، وبيان الراجح من المرجوح منها؛ ليكون القراء على معرفة بصحيحها من ضعيفها، والنظر في إمكانية الجمع بينها؛ ليكون القراء على حذر من بعض المضللين: أولاً: لقد اتفقت الروايات كلها على شهادته - صلى الله عليه وآله وسلم - للجارية بأنها مؤمنة. ثانياً: واختلفت في نص سؤاله - صلى الله عليه وآله وسلم - إياها وجوابها على وجوه ثمانية: الأول: "من ربك؟ قالت: الله ". (الحديث الأول عن شريد، وهو حسن). الثاني: "من ربك؟ فقالت: في السماء". (الحديث الأول عن أبي هريرة؛ وهو حسن). الثالث: "أين الله؟ فأشارت إلى السماء". (الحديث الأول أيضاً من الطريق الآخر عنه، وهو صحيح). الرابع: "تشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم ". (الحديث الأول أيضاً عن الرجل الأنصاري. وهو معلول بالإرسال). الخامس: "أين الله؟ قالت: في السماء". (الحديث الثاني، وهو ضعيف؛ لكنه بمعنى الوجه الثالث).

السادس: "أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم ". (الحديث الثالث من الطريق الأول، وهو ضعيف). السابع: "أين الله؟ قالت بيدها إلى السماء" (الحديث نفسه من الطريق الآخر، وهو ضعيف أيضاً). الثامن: "فمن الله؟ قالت: الذي في السماء". (الحديث الرابع، وسنده ضعيف). قلت: وبهذا التلخيص الدقيق يتبين للقراء الحقيقة التالية وهي: أن الأرجح أن سؤاله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان: "أين الله؟ ". وأن جواب الجارية كان: "في السماء". وذلك؛ لأن ثلاث روايات اتفقت على السؤال المذكور، والأولى منها هي الرواية الصحيحة عن أبي هريرة، والثانية إن لم تنفع فلا تضر، والثالثة تصلح للاستشهاد بها؛ لأنها ليست شديدة الضعف. كما اتفقت خمس روايات على الجواب المذكور، وهو في الطريق الأصح في الحديث الأول عن أبي هريرة، وفي الطريق الأخرى الصحيحة عنه، والروايات الباقية منها شاهدة لها. وإذا كان هذا هو الراجح من مجموع تلك الوجوه الثمانية لاتفاق أكثر الروايات وأصحها عليه؛ فإن ما خالفها؛ إما أن تؤول، وإما أن ترد بالمخالفة؛ فيقال مثلاً: إن رواية: "من ربك؟ " مختصرة من رواية: "أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ "، وأن هذه لا تنافي سؤالها بـ "أين الله؟ "، فإننا نعلم اليوم كثيراً ممن ينطقون بهذه الشهادة إذا سئلوا بهذا السؤال بادروك بقولهم: (الله في كل مكان)! وهم يعلمون

أن الله كان ولا مكان! وقد تنبه بعض المجادلين بالباطل لضلال هذا القول فلجأ إلى المراوغة، فقال: لا يقال: إنه في كل مكان، ولا: إنه ليس في مكان (¬1)، وهذا احتيال منهم في التعبير، يتظاهرون بذلك بالتنزيه، وهو يشبه قول أسلافهم من الجهمية والمعتزلة وأذنابهم من المعطلة: "ليس هو داخل العالم ولا خارجه"؛ ورحم الله من قال في أمثالهم: "هؤلاء قوم أضاعوا ربهم "! فلا يبعد أن يكون السؤال وقع باللفظين: "أين " و: "أتشهدين "، ويؤيده الحديث الثاني. وإن مما يقطع ويؤكد ترجيحنا المذكور: حديث معاوية بن الحكم الذي وعدتُ بذكره، فإنه قد ساق قصة الجارية سياقاً تامَّاً رائعاً، لم يسقه غيره كسياقه، ولا غرابة في ذلك؛ فإنه سيدها، فقال- رضي الله عنه- في حادثة وقعت له وهو يصلي خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فسأله بعض الأسئلة، فأجابه عليها: 5 - فقال رضي الله عنه: "وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قِبَلَ أُحُدٍ والجَوَّانِيَّة، فاطّلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فعظَّم ذلك عليّ، قلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟! قال: "ائتني بها"، فأتيته بها، فقال لها: "أين الله؟ ". قالت: "في السماء"، قال: "من أنا"، قالت: أنت رسول الله، قال: "أعتقها؛ فإنها مؤمنة ". ¬

(¬1) ويقول آخرون: الله موجود بلا مكان. [منه].

أخرجه مسلم، وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود في "صحاحهم" وغيرهم، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (862)، و"الإرواء" (390). هذا؛ ويشهد لسؤال: "أين الله " حديث مرفوع، وأثر موقوف. أما الحديث؛ فيرويه وكيع بن حُدُسٍ عن عمه أبي رَزِين قال: قلت: يا رسول الله! أين كان ربُّنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، وما ثَمَّ خلق، عرشه على الماء". أخرجه الترمذي (2108)، وابن ماجه (182)، وابن حبان (39 - الموارد)، وابن أبي عاصم (1/ 271/612)، وأحمد (4/ 11 و12)، وابن عبد البر في "التمهيد" (7/ 137)، وقال الترمذي: "حديث حسن ".وقال الذهبي في "مختصر العلو" (186/ 193): "رواه الترمذي وابن ماجه، وإسناده حسن " وفيه نظر؛ لأن وكيعاً هذا مجهول، كما بينته هناك. وأما الأثر؛ فهو ما رواه زيد بن أسلم قال: مرَّ ابن عمر براعي غنم فقال: يا راعي الغنم! هل من جَزَرة (¬1)؟ قال الراعي: ليس ههنا ربُّها، فقال ابن عمر: تقول: أكلها الذئب! فرفع الراعي رأسه إلى السماء ثم قال: فأين الله؟! ¬

(¬1) أي: شاة تصلح للذبح. [منه].

فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم فأعتقه، وأعطاه الغنم. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 263/13054): حدثنا محمد ابن نصر الصائغ: ثنا أبو مصعب: ثنا عبد الله بن الحارث الجُمَحِي: ثنا زيد بن أسلم به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات مترجمون في "التهذيب "، غير شيخ الطبراني محمد بن نصر الصائغ، وهو ثقة مترجم في "تاريخ بغداد" (3/ 318 - 319)، مات سنة (297). وهذا الأثر احتج به الحافظ الذهبي في "العلو"، ذكره معلقاً على أبي مصعب الزهري، وكنت جوّدت إسناده في "مختصره " (127) ولم أكن قد وقفت يومئذ على وصله، فها قد وقفت عليه الآن، والحمد لله. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 347): "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن الحارث الحاطبي، وهو ثقة". وجملة القول: إن أصح الأحاديث المتقدمة إنما هو حديث معاوية، فلا جرم أن يتفق العلماء- من محدثين وفقهاء- على تصحيحه على مرِّ العصور دون أي خلاف بينهم؛ فقد صححه الخمسة الذين أخرجوه في "صحاحهم " كما تقدم، وكذا البيهقي في "الأسماء" (422)، والبغوي في "شرح السنة" (3/ 239)، والذهبي كما يأتي، والحافظ في "الفتح " (13/ 359)، كل هؤلاء صرحوا بصحة الحديث وإسناده، ويُلحق بهم كل من احتج بالحديث من أئمة الحديث والفقه والتفسير على اختلاف مذاهبهم، ممن احتج به في باب من أبواب الشريعة،

ضرورة أنه لا يحتج إلا بما صح عنده، كالإمام مالك في "الموطأ" (3/ 5 - 6)، والشافعي في "الأم " (5/ 266)، وأحمد في "مسائل عبد الله " (101/ 363)، و"مسائل صالح " (3/ 74/1374)، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 258)، وابن عبد البر في "الاستيعاب "، وابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه"، والنووي في "المجموع "، وابن الوزير في " العواصم والقواصم " (1/ 379 - 380)، وغيرهم كثير وكثير ممن لا يمكن حصرهم، وفيهم بعض المبتدعة المعروفين بمعاداتهم لأهل السنة، وسُوِّد في الرد عليهم رسائل عدة، كالشيخ الصابوني؛ فإنه تابع الحافظ ابن كثير في الاحتجاج بهذا الحديث، فأورده في موضعين (1/ 421 و523) من "مختصره " الذي التزم أن لا يورد فيه إلا ما صح من الحديث! أما الغلاة من المبتدعة والمتجهمة في هذا العصر؛ فقد أعلن بعضهم عن تضعيفه لهذا الحديث، وإنكاره لصحة قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أين الله؟ "، وجواب الجارية: "في السماء"! وعلى رأس هؤلاء الشيخ الكوثري ومقلِّدوه، وقد كنت رددت عليه في كتابي "مختصر العلو" (ص 82) بما يغني عن إعادته هنا، وكان الرد حول حديث معاوية هذا فقط، قبل أن يتيسر لي جمع شواهده المتقدمة عن أبي هريرة، وأبي جُحَيفة، وابن عباس، ثم أوقفني بعض الإخوان على حديث خامس من رواية ابن شاهين بسنده عن عُكَّاشة الغَنَوِي في "أسد الغابة"، و"الإصابة"، وإسناده حسن. ثم رأيت في "تلخيص ابن حجر" (3/ 223) حديثاً سادساً عن يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب- الثقة- مرسلاً، رواه أبو أحمد العسَّال في "السنة " من طريق أسامة بن زيد، وفي الحديثين: "أين الله؟ "، قالت: "في السماء". فماذا عسى أن يقول القائل في مثل هذا المكابر الجاحد للحقائق العلمية

المعترف بها عند العلماء الفطاحل كما تقدم؟! إلا أن يقرأ: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}! وأن يذكر قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث معاوية- رضي الله عنه- في حديث تفرّق الأمة: «وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله»: "صحيح الترغيب " (1/ 97/48)؛ نسأل الله السلامة والعافية! وقد جرى على سَنَنِ هذا الجاحد: الشيخُ المغربي عبد الله الغماري المعروف بعدائه الشديد- كالكوثري- للسنة وأتباعها، ويزيد عليه أنه شيخ الطريقة الدرقاوية، ويزعم أنه مجدد العصر الحاضر! فقد رَدَّ في تعليقه على "التمهيد" (7/ 135) حديث مسلم، فزعم أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه: "أين الله؟ " وجواب الجارية عليه بقولها: "في السماء" أنه من تصرف الرواة! ضارباً صفحاً عن تصحيح أولئك الحفاظ إياه، وعن الشواهد المؤكدة لصحته، وعن إمكانية الجمع بينه وبين بعض الألفاظ التي تخالفه بزعمه، مع كونه أصح منها كما تقدم، فما أحراه هو وسلفه الكوثري وأمثالهما ممن يرد الأحاديث الصحيحة المتلقاة من الأمة بالقبول- كالغزالي المعاصر- بوعيد قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} (النساء:15). ثم زاد الجاحد إغراقاً في الضلال بعد أن اتهم رواة اللفظ الأصح بالخطأ والرواية بالمعنى؛ فقال: "ويؤيد ذلك أن المعهود من حال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الثابت عنه بالتواتر أنه كان يختبر إسلام الشخص بسؤاله عن الشهادتين اللتين هما أساس الإسلام ودليله ".

فأقول: هذا باطل من وجوه: الأول: ما زعمه من التواتر مجرد دعوى لا دليل عليه، وما كان كذلك؛ وجب طرحه وعدم الاشتغال به. الثاني: أنه يبطل زعمَه بعضُ الألفاظ التي اعتمد عليها في تخطئة اللفظ الأصح، وهو لفظ: "من ربكِ؟ " " فهذا ليس فيه الاختبار بالشهادتين كما زعم. فإن قيل: هذا لا ينافي اللفظ المذكور! قلنا: وكذلك لا ينافي اللفظ الأصح: "أين الله؟ "؟ كما تقدم بيانه في الخلاصة النيرة، فتذكر! الثالث: أنه قال أخيراً: "أما كون الله في السماء؛ فكانت عقيدة العرب في الجاهلية، وكانوا مشركين، فكيف تكون دليلاً على الإسلام؟! ". كذا قال فُضَّ فوه! فإنه يعلم أن الجاهليين كانوا يؤمنون- مع شركهم- بتوحيد الربوبية بدليل قوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} ونحوه من الآيات، وكانوا يُلبُّون به وهم يطوفون حول البيت، فيقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك! رواه مسلم (4/ 8). فإذا كان توحيدهم هذا حقاً، وإذا كان اعتقادهم أن الله في السماء حقاً كذلك، لمطابقته لنص القرآن، وبه أجابت الجارية التي شهد لها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالإيمان، أفيُعقل أن يقول مؤمن بالله ورسوله حقاً: لا نؤمن بأن الله في السماء لأن المشركين كانوا يعتقدون ذلك؟! إذن؛ يلزمه أن لا يؤمن بتوحيد الربوبية؛ لأن المشركين يؤمنون به!! ذلك هو الضلال البعيد.

وأصل ضلال هؤلاء المتجهمة أنهم تأثروا بالمعتزلة والجهمية الذين ضلُّوا ضلالاً مبيناً؛ بإنكارهم كثيراً من الغيبيات المتعلقة بالله تعالى وصفاته، وذلك يعود إلى أمرين: أحدهما: ضعف إيمانهم بالله ورسوله وما جاء عنهما. والآخر: ضعف عقولهم وقلة فهمهم للنصوص، وهذا هو المثال بين يديك: لم يؤمنوا بأن الله في السماء مع صراحة الآيات في ذلك، والتي منها قوله تعالى: {أأمِنْتُم مَنْ في السماء أنْ يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} (الملك: 6 1)، وصحة حديث الجارية، الذي شهد لها بالإيمان لأنها عرفت ربها في السماء، ولذلك بادروا إلى إنكار صحته، وأما الآية فعطَّلوا دلالتها بعقولهم المريضة، ذلك أنهم تبادر إلى أذهانهم الكليلة أن (في) هنا ظرفية، وهذا خطأ ظاهر، ففروا منه، فتأولوا (مَنْ) بالملائكة، فوقعوا في خطأ آخر، فوقف في طريقهم قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ارحموا من في الأرض؛ يرحمكم من في السماء، فهذا صريح في أن (في) في شَطْرَيِ الحديث بمعنى (على)، ولما رأى ذلك بعض جهلة الغماريين وأنه يبطل تأويله المذكور؛ بادر بكل صفاقة وجهل إلى القول بأنه "حديث باطل»! (¬1) خلافاً لكل العلماء حتى شيوخه الغماريين، كما بينته في الاستدراك المطبوع في آخر المجلد الثاني من "الصحيحة"، طبع عمّان رقم (12). والمقصود أن معنى الآية المذكورة {أأمنتم من في السماء}؛ أي: من على ¬

(¬1) انظر مقدمة المسمى حسن السقاف لكتاب "دفع شبه التشبيه "لابن الجوزي (ص 62و64) الذي دفعه الذهبي في "السير" (21/ 368) دفعاً لطيفاً بقوله: "ليته لم يخض في التأويل، ولا خالف إمامه"!

السماء. يعني: على العرش؛ كما قال ابن عبد البر (7/ 129و130و134) وغيره؛ كالبيهقي في "الأسماء" (377)؛ حيثما قال: "يعني: من فوق السماء". وهذا التفسير هو الذي لا يمكن القول إلا به؛ لمن سلّم بمعاني النصوص الكثيرة من القرآن والسنة المُجْمِعة على إثبات العلو والفوقية لله تعالى علوّاً يليق بعظمته؛ كقوله تعالى في الملائكة: {يخافون رَبَّهُم مِنْ فوقهم} وغيرها من الآيات المعروفة، وعلى هذا أهل السنة والجماعة؛ خلافاً للمعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله عز وجل في كل مكان، وليس على العرش! كما في "التمهيد" (7/ 129). والعجيب من أمر هؤلاء النفاة أنهم أرادوا بنفيهم تنزيه ربهم أن يكون فوق المخلوقات؛ فحصروه في داخلها، كما روي عن بشر المريسي أنه لما قال: هو في كل شيء! قيل له: وفي قَلَنْسُوتك هذه؟ قال: نعم، قيل: وفي جوف حمار؟! قال: نعم! وهذا القول يلزم كل من يقول بأنه تعالى في كل مكان، وهو من أبطل ما قيل في رب العالمين الحكيم الحليم، ولذلك قال بعض السلف: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية! ولوضوح بطلان هذا القول لبعض علماء الكلام؛ فرُّوا إلى القول بما هو أبطل منه، وسمعته بأذني من بعض الخطباء يوم الجمعة على المنبر: الله ليس فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، وزاد بعض الفلاسفة: لا متصلاً به، ولا منفصلاً عنه!! وهذا هو التعطيل المطلق الذي لا يمكن لأفصح الناس أن يصف العدم بأكثر

مما وصف هؤلاء ربهم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً! ورحم الله ذلك الأمير العاقل الذي قال لما سمع هذا من بعض علماء الكلام:"هؤلاء قوم أضاعوا ربّهم"! ولهذا؛ قال بعض العلماء: "المجسِّم يعبد صنماً، والمعطّل يعبد عدماً، المجسم أعشى، والمعطل أعمى"! ومن المؤسف أن العلامة ابن الجوزي- في رده على المشبهة- قد وقع منه من ذاك الكلام؛ فقال في كتابه المتقدم بعد أن تأول (الاستواء) بالاستيلاء واستشهد على ذلك ببيت الأخطل النصراني المعروف: قد استوى بِشْرٌ على العراقِ من غير سيف ولا دمٍ مُهْراقِ وتفلسف في رد المعنى الصحيح وهو الاستعلاء، قال: "ولذا؛ ينبغي أن يقال: ليس بداخل في العالم، وليس بخارج منه "! ولم يعلق المسمى بـ "حسن السقاف" على هذا النفي الباطل؛ الذي لم يقل به إمام معروف من قبل، والذي ليس فيه ذَرَّةٌ من علم كما هو شأن النفاة، ومن عجائبه وجهالاته أنه يقلد ابن الجوزي في إنكاره على من يقول من المثبتة: "استوى على العرش بذاته "؛ فيقول ابن الجوزي (ص 127) منكراً لهذه اللفظة " بذاته": "وهي زيادة لم تنقل ". فيا سبحان الله! زيادة كهذه يُراد بها دفع التعطيل تُنكر لأنها لم تنقل، وقوله

المتقدم: "ليس بداخل ... "لا ينكر! اللهم إن هذه لإحدى الكُبَرِ!! وكذلك لم يعلِّق على تأويل ابن الجوزي لآية (الاستواء) بل أقرَّه، لأنه صرح (ص 123) - بعد كلام طويل له فيه كثير من التحريف والكذب لا مجال الآن لبيانه- قال: "الاستواء عندنا هو الاستيلاء والقهر، أو تفويض معناه إلى الله ". كذا قال! وهذا يدل على أنه لم يعرف الحق بعدُ، لتردده بين التأويل والتفويض! ولكنني أعتقد أن ذكره التفويض هنا؛ إنما هو سياسة منه، ومراوغة وتضليل للقراء الذين قد ينكرون عليه التأويل، فإنه قال بعدُ (ص 127): "وأما رد الإمام أبي الحسن الأشعري تفسير الاستواء بالاستعلاء؛ فنحن لا نوافقه في ذلك أبداً، ونقول: إنه قال ذلك بسبب رَدّة فعل حصلت عنده من المعتزلة، وهم وإن لم نوافقهم في كثير من مسائلهم؛ إلا أننا هنا نوافقهم ونعتقد أنهم مصيبون في هذه المسألة"! أي: في إنكارهم علوَّ الله على خلقه، لكن المعتزلة وأمثالهم كالإباضية يقولون بأن الله في كل مكان، وهذا مما ينكره أشدَّ الإنكار ذلك الجاهل المتعالم، ويصرِّح بتكفير من يقول به، ويعتقد أن الله سبحانه وتعالى موجود بلا مكان! ويعني: أنه ليس فوق العرش كما أخبر تعالى في كثير من آياته، وأخبر نبيُّه - صلى الله عليه وآله وسلم - في أحاديثه، فراجع كلامه في ذلك في "الأحاديث الضعيفة" تحت الحديث (6332). وإن من ضلال ذاك السقاف أنه يصرح بنفي ثبوت قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أين الله؟ "؟

مع قوله بأنه في " صحيح الإمام مسلم "! ثم يؤكد ذلك فيقول - فُضَّ فوه- (ص108): "ونحن نقطع بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقل: "أين الله؟ "، وإنما قال: "أتشهدين أن لا إله إلا الله " الذي رواه أحمد .. و .. و ... بأسانيد صحيحة". ثم أعاد نحو هذا الكلام في مكان آخر (ص 186 - 187). وفيه أكاذيب عجيبة عديدة- تؤكد أن الرجل لا يخشى الله، ولا يستحي من عباد الله- يطول الكلام عليها جدّاً، فأوجزُ في العبارة ما استطعت: فمن ذلك أن اللفظ الذي عزاه لأحمد- وغيره ممن أشرت إليهم بالنقط وهم ثمانية-، يوهم القراء أنهم جميعاً رووه باللفظ المذكور، وعن صحابي واحد، وهو كذب وزور، فإنما رووه بأكثر من لفظ وعن أكثر من صحابي، فبعضهم رواه: عن أنصاري- وهو الذي أعله البيهقي بالإرسال كما تقدم-، وبعضهم: عن الشريد- وسنده حَسن على الخلاف في إسناده كما تقدم، ثم هو بلفظ: "من ربك؟ "، خلافاً للفظ المذكور! -، وبعضهم عن ابن عباس- وفيه ابن أبي ليلى-. فأين الأسانيد الصحيحة التي ادعاها كذباً ومَيْناً؟! على أنه سرعان ما كذَّب نفسه بنفسه في المكان الآخر المشار إليه؛ فإنه قال- عقب بعض المصادر المشار إليها بالنقط-: " .. والطبراني (12/ 27) بسند صحيح .. "، ثم ذكر مصدرين آخرين تمام الثمانية. قلت: وهذا كذب أيضاً لما عرفت، وبخاصة إذا أرجعنا الضمير إلى أقرب

مذكور- وهو الطبراني- فإن فيه ابن أبي ليلى كما عرفت! ومن تدجيله- زيادة على ما تقدم- أنه تعمد أن لا يضيف إلى تلك المصادر أبا داود، وابن خزيمة مطلقاً، ولا إلى المجلد السابع من "سنن البيهقي "؛ لأن الحديث عندهم باللفظ الذي قطع بتكذيبه، عامله الله بما يستحق!! ولو أن طالب علم عكس عليه قطعه المأفون، فجزم ببطلان اللفظ الذي زعم صحته؛ لكان قاهراً عليه؛ لأن معه بعض الروايات التي فيها."أين الله " من طرق أكثر وأصح من لفظه، فكيف ومعه حديث معاوية بن الحكم- رضي الله عنه- وقد صححه جمع غفير من المحدثين قديماً وحديثاً كما تقدم؟! ولكننا لا نرى تعارضاً حتى نلجأ إلى الترجيح كما سبق، وإلى هذا جنح العلامة ابن قيّم الجوزية- رحمه الله- في "إعلام الموقعين " (3/ 521 - كردي)؛ فقد ذكر روايتين مما تقدم: "من ربك؟ "، و"أين الله "، ثم قال: "وسأل - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أين الله؟ "، فأجاب من سأله بأن الله في السماء، فرضي جوابه وعلم به أنه حقيقة الإيمان بربه، ولم ينكر هذا السؤال عليه، وعند الجهمي أن السؤال بـ "أين الله؟ " كالسؤال بـ: ما لونه، وما طعمه، وما جنسه، وما أصله؟ ونحو ذلك من الأسئلة المحالة الباطلة! ". ولقد صدق- رحمه الله- وأصاب كبد الحقيقة، فأنت ترى هذا (السخاف) كيف يصر على التكذيب بهذا الحديث الصحيح الذي صححه أئمة المسلمين كما تقدم بيانه، ثم لا يكتفي بذلك، فيتهمهم بالتجسيم! فيقول- فُضَّ فوه- (ص187): "ومن الغريب العجيب: أننا نرى المجسمة يرددون هذا اللفظ: "أين الله؟ " على ألسنتهم دائماً، ولا يدركون (!) أن هذا تصرف رواة، وحكاية لكلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالمعنى المخطئ، وخصوصاً بعد ثبوت هذا الحديث عند غير مسلم بلفظ:

[1012] باب حديث الجارية قاصمة ظهر المعطلين للصفات

"أتشهدين أن لا إله إلا الله .. " مخالفة تامة، أو على الأقل مخالفة لا تفيد معنى: أين الله؟ ". ثم أكد جَزْمَهُ بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقل هذه الكلمة التي صحت عند الأئمة، وما ذاك إلا لأنها قاصمة ظهر المبتدعة الجهمية، ولست أدري- والله- ماذا أقول في هذا الرجل المكابر الجاحد؟! إلا أن أنذره بقوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً}. "الصحيحة" (7/ 1/456 - 480). [1012] باب حديث الجارية قاصمة ظهر المعطلين للصفات [قال الإمام عن حديث الجارية الذي فيه: أين الله]: (إن) هذا النص قاصمة ظهر المعطلين للصفات فإنك ما تكاد تسأل أحدهم بسؤاله - صلى الله عليه وآله وسلم - أين الله؟ حتى يبادر إلى الإنكار عليك! ولا يدري المسكين أنه ينكر على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أعاذنا الله من ذلك ومن علم الكلام، ولذلك رأينا الهالك في الذب عن هذا العلم على حساب الطعن في الأحاديث الصحيحة الشيخ زاهد الكوثري يطعن في صحة هذا الحديث بالذات لا بحجة علمية بل بوساوس شيطانية مثل قوله: أن البخاري لم يخرجه في صحيحه! وتارة يشكك في صحة هذه الجملة بالذات " أين الله " لا لشيء إلا لأنها لم ترد خارج الصحيح، وكل هذا ظاهر البطلان لا حاجة بنا إلى تسويد الورق لبيانه، نسأل الله العصمة من الحمية الجاهلية والمذهبية! "إرواء الغليل" (2/ 113).

[1013] باب الرد على من ضعف حديث الجارية

[1013] باب الرد على من ضعَّف حديث الجارية [قال الإمام معلقًا على حديث الجارية:] وهذا الحديث صحيح بلا ريب، لا يشك في ذلك إلا جاهل أو مغرض من ذوي الأهواء الذين كلما جاءهم نص عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخالف ما هم عليه من الضلال، حاولوا الخلاص منه بتأويله بل تعطيله، فإن لم يمكنهم ذلك؛ حاولوا الطعن في ثبوته، كهذا الحديث، فإنه مع صحة إسناده وتصحيح أئمة الحديث إياه دون خلاف بينهم أعلمه، منهم الإمام مسلم حيث أخرجه في " صحيحه " وكذا أبو عوانة في "مستخرجه عليه "، والبيهقي في " الأسماء " حيث قال عقبة (ص422): " وهذا صحيح،، قد أخرجه مسلم". ومع ذلك نرى الكوثري الهالك في تعصبه يحاول التشكيك في صحته بادعاء الاضطراب فيه، فقد علق على هذا الحديث فيما سوده على كتاب " الأسماء " بقوله (ص 441 - 442): " انفرد عطاء بن يسار برواية حديث القوم (كذا قال عليه ما يستحق) عن معاوية بن الحكم، وقد وقع في لفظ له كما في " كتاب العلو" للذهبي (!) ما يدل على أن حديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مع الجارية لم يكن إلا بالإشارة، وسبك الراوي ما فهم من الإشارة في لفظ اختاره (!) فلفظ عطاء الذي يدل على ما قلنا هو: (حدثني صاحب الجارية نفسه, الحديث) وفيه: فمد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يده إليها مستفهماً: من في السماء؟ قالت: الله، قال: فمن أنا، فقالت: رسول الله، قال: أعتقها فإنها مسلمة. وهذا من الدليل على أن "أين الله" لم يكن لفظ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - (!) وقد فعلت الرواية بالمعنى في الحديث ما تراه من الاضطراب".

كذا قال، عامله الله بعدله، وأنت إذا تذكرت ما بيَّناه لك من صحة الحديث، وإذا علمت أن حديث عطاء عن صاحب الجارية نفسه لا يصح من قِبل إسناده لأنه من رواية سعيد ابن زيد، فهو وإن كان في نفسه صدوقاً، فليس قوي الحفظ، ولذلك ضعَّفه جمع، بل كان يحيى ابن سعيد يضعفه جداً، وقد أشار الحافظ في " التقريب " إلى هذا فقال: " صدوق له أوهام ". زد على هذا أن ما جاء في روايته من ذكر اليد والاستفهام، هو مما تفرد به دون كل من روى هذا الحديث من الرواة الحفاظ ومن دونهم, فتفرده بذلك يعدُّه أهل العلم بالحديث منكراً بلا ريب. فتأمل عصمني الله وإياك من الهوى، كيف اعتمد هذا الرجل " الكوثري" على هذه الرواية المنكرة، وليس هذا فقط، بل ضرب بها الرواية الثابتة المتفق على صحتها بين المحدثين، واعتبر الرواية المنكرة دليلاً على ضعف واضطراب الرواية الصحيحة، فماذا يقول المؤمن عن هذا الرجل الذي يستغل علمه واطلاعه - عامله الله بما يستحق - لتشكيك المسلمين في أحاديث نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم -. ثم إنه لم يكتف بهذا التضليل بل أخذ ينسب إلى الراوي (وهو ثقة أياً كان هذا الراوي؛ لأن كل رواة هذا الحديث ثقات) أخذ ينسب إليه الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يعلم؛ لأن معنى كلامه السابق أن الراوي اختار أن ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال للجارية: {أين الله} والواقع عند الكوثري أنه لم يقل ذلك، وإنما الراوي وضعه من عنده مكان رواية سعيد بن زيد «فمد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يده إليها مستفهماً: من في السماء؟». فأنا من واجبي أن أحذر المسلمين من هذا الكوثري وأمثاله الذين يتهمون

[1014] باب منه

الأبرياء بما ليس فيهم مُذكِّراً لهم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات:6). "مختصر العلو" (ص82 - 83) [1014] باب منه [قال الإمام]: من الأحاديث التي يُضعِّفها هذا الرجل "أي: حسن السقاف" ويضعِّفها بعض أذنابه في العصر الحاضر وبعضهم له بعض الرسائل والكتابات حديث الجارية، حديث الجارية حديث صرح بصحته نحو عشرة من أئمة الحديث، وتداولته كتب السنة كموطأ الإمام مالك وهو أقدم الأئمة المعروفين اليوم في رواية الحديث، رواه الإمام مالك في الموطأ، رواه الإمام أحمد في المسند، رواه الإمام مسلم وأبو عوانة وابن حبان وابن خزيمة، كلهم في صحاحهم مع ذلك الشيخ زاهد الكوثري يضعفه؛ لأنه يحمل العقيدة الصحيحة حيث في هذا الحديث والحديث طويل وأيضاً لا أريد أن آخذ من وقتكم الشيء الكثير، في آخره: أن راوي الحديث وهو معاوية بن الحكم السلمي قال: يا رسول الله! إني لي جارية ترعى غنماً لي في أحد، فسطا الذئب يوماً على غنمي، وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فصككتها صكة، أي: سيد ضرب الجارية بكف على خدها، وندم. قال: يا رسول الله! وعلي عتق رقبة كأنه يستشير الرسول عليه السلام، هل يصح له أن يفي بنذره حيث عليه عتق رقبة مؤمنة، قال: ائت بها، فسألها عليه السلام، قال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. فالتفت إلى سيدها وقال: اعتقها؛ فإنها مؤمنة.

شهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لهذه الجارية على إيمانها حينما أحسنت الجواب على سؤالَي رسولها، السؤال الأول: أين الله؟ قالت: في السماء. السؤال الثاني: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: اعتقها؛ فإنها مؤمنة. الآن الذي لم يجرب يجرب، اعملوها تجربة، شوفوا شيخ كبير صغير دكتور من الدكاترة الشريعة وغير الشريعة، اسألوهم سؤال رسول الله للجارية: أين الله؟ حينئذ تعلمون أنكم تعيشون في مجتمع جاهلي، مجتمع إسلامي لكن جاهلي عقيدة وفكراً، إلى اليوم تسمعون الله موجود في كل الوجود، الله موجود في كل مكان، أما الجارية، جارية وحينما يقال جارية وراعية غنم لا يعني أنها مثقفة، لكنها مثقفة من مدرسة غير مدارسنا اليوم، هي فتاة عاشت في مدرسة شملت المجتمع الإسلامي كله حتى شملت الراعي مع الغنم، فهي تعلم العقيدة الصحيحة التي لا يعلمها اليوم كبار شيوخ الأزهر فضلاً عن جامعات أخرى، إذا سُئلت أين الله، أجابت في السماء؛ لأنها أولاً تقرأ كل ليلة، لا تنام إلا بعد أن تقرأ سورة تبارك وفيها: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16، 17). هي تقرأ ولكنها تفهم، ثم هي تفهم لكن تفهم الفهم السلفي؛ لأنها تعيش في الجيل الأول: «خير الناس قرني» قبل أن يدخل علم الكلام في عقيدة المسلمين، فتؤل لهم النصوص على طريقة القاديانية الذين أولوا: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)، أي: زينة النبيين. كذلك: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} تأول المتأولة من الماتريدية والأشاعرة، {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} أي: الملائكة، أي: عذابه.

لماذا هذا التأويل؛ لأنهم لا يؤمنون بعلو الله عز وجل على عرشه، ولم لا تكون هذه الجارية على هذه العقيدة الصحيحة وهي تسمع مثل قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الراحمون يرحمهم الرحمان» .. «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». قولوا الآن: هنا الملائكة، هو الله عز وجل أرحم الراحمين، هذه الجارية أجابت بهذا الجواب الصحيح؛ لأنها تخرَّجت من مدرسة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهي جارية وراعية غنم، فبعد أن أقول عن الصحابة وعن كبارهم هذا الحديث الصحيح أنكره زاهد الكوثري، فقلنا لأبو غدة تلميذه: لماذا تنكر علي هذا الأسلوب (¬1)، صحيح رواه البخاري ومسلم، ولا تنكر على شيخك إنكاره للأحاديث الصحيحة وبخاصة هذا الحديث الذي يتبنى عقيدة السلف قاطبة، لا فرق بين مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل، كلهم على هذه العقيدة الصحيحة أن الله عز وجل على العرش استوى، لكن هذا الحديث لأنه صريح سين وجيم، الرسول يسأل أين الله؟ هي تجيب: في السماء، هم يقولون: لا يجوز أن تسأل أين الله؛ لأنهم يفهمون من السؤال أن لله مكاناً، وأرجو من إخواننا الحاضرين أن يتنبهوا أننا حينما نعتقد نحن معشر السلف وأتباع السلف، وتبعاً للسلف الذين كانوا يعتقدون بأن الله على العرش استوى استواء يليق بجلاله وعظمته، كما جاء عن الإمام مالك أنه سأله سائل: يا مالك! الرحمن على العرش استوى؟ كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة أخرجوا الرجل فإنه مبتدع. ¬

(¬1) أي في تعليقه على " شرح الطحاوية".

[1015] باب منه

فهذا السلف كانوا يُؤمِنون بأن الله على العرش استوى، لكن في الوقت نفسه لا يؤمنون بأن لله مكاناً، هذا الجمع بين الإيجاب والسلب هي العقيدة الصحيحة، أي: الإيمان بأن الله عز وجل فوق العرش عقيدة إيجابية لا بد منها، وتنزيه الرب من المكان هذه عقيدة سلبية يجب تنزيه الله من كل مكان، ذلك لأن المكان خلق من خلق الله؛ لأن في الحديث الصحيح: «كان الله ولا شيء معه» فالله عز وجل كان وليس في مكان، فهو الغني عن المكان وعن الزمان، ولكنه لما خلق الخلق فهو خلق الخلق فوقه، خلق الخلق واندس جوفه، حاش لله فهو العلي الأعلى، هذه هي العقيدة الصحيحة التي عليها علماء السنة وعلماء السلف الصالح؛ لأن حديث الجارية فيها تصريح بأين الله؟ والجواب: بأنه في السماء، ذلك أنكروه مع أنه حديث صحيح باتفاق علماء المسلمين قاطبة، سواء كانوا من علماء الحديث وهذا اختصاصهم أو من علماء التفسير أو الفقه، كلهم مجمعون على صحة هذا الحديث مع ذلك فبعضهم حتى اليوم ينكره، ونسأل الله السلامة. "الهدى والنور" (633/ 12: 38: 00) [1015] باب منه الملقي: شيخنا في أحد الأخوة جاء من إربد قبل قليل يبلغك السلام، ويسأل بالنسبة لحديث الجارية اللي سألها الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أين الله؟»، فيقول: هذا الحديث هل ذكر أحد من أهل العلم ضعف هذا الحديث أو شيء؟ مع أنه موجود طبعاً في صحيح مسلم. الشيخ: إي نعم. الملقي: هل في أحد من أهل العلم ضعَّف هذا الحديث على مر العصور؟

الشيخ: لا يوجد مطلقاً من طعن في هذا الحديث إلا بعض جهمية العصر الحاضر بس، وعلى رأسهم الشيخ زاهد الكوثري، والحقيقة أقول: هذا الإنسان لولا أنه ابتلي بالعصبية المذهبية الحنفية في الفروع، والماتريدية في العقيدة لكان علامة زمانه في علم الحديث وفي معرفته بتراجم الرجال، ومعرفته بالكتب المخطوطة بحكم كونه كان في اسطنبول، واسطنبول فيها آثار علماء المسلمين على مر الدهور والعصور مجموعة هناك فكان متفرغاً، ولذلك فهو يتحدث عن كتب وعن روايات موجودة في بطون هذه الكتب، أستطيع أن أقول: لا يعرفها أحد في زمانه إلا هو، لكن مع الأسف لم ينفعه علمه هذا لغلبة العصبية المذهبية والفكرية عليه، هو الذي حاول غمط حق هذا الحديث الصحيح، بطريقة اللف والدوران ومحاولة إيجاد علل أو علة على الأقل في هذا الحديث، ولكنه لم يستطع أن يفعل ذلك علمياً، إلا أنه أوهم طبعاً من يلوذ به ومن يدور في فلكه أنه هذا الحديث فيه طعن ولو رواه الإمام مسلم في صحيحه، والحقيقة أنه لا مطعن فيه، ولعلكم تعلمون أننا بفضل الله عليه عز وجل ورحمته، مع أنني أرجو أن يحشرني ربي في زمرة أهل الحديث، فأنا لا أتعصب لا للبخاري ولا لمسلم، ولي بعض كتابات أرد بعض الأحاديث الموجودة فيهما، فلو وجدت في هذا الحديث ما ادعاه الرجل لكنت أول من أشاع بهذا الضعف؛ لأنه لا يجوز التقول على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، خاصة في مسألة تتعلق بالعقيدة، ولكن مع ذلك هذا الطاعن في هذا الحديث يوهمه شيطانه أنه لو استطاع أن يثبت ضعفه يوهمه شيطانه أنه هدم العقيدة السلفية التي تقول بأن الله عز وجل من صفاته العلو على جميع خلقه، لا يستفيد شيئاً، نحن حينما نتكلم عن هذا السؤال النبوي الكريم، وإجابة الجارية عليه بالجواب السليم، نحن نقول: انظروا جواب الجارية هذه راعية الغنم، أصح

من جواب شيخ الأزهر الشريف، لماذا؟ لأن شيخ الأزهر هاللي قضى عمره في دراسة العقيدة -زعم- تخرج من غير مدرسة محمد عليه السلام، وإنما تخرج من مدرسة علم الكلام، أما تلك الجارية وهي راعية غنم، فهي تخرجت من مدرسة الرسول عليه السلام، والآن تَفَكَّروا معي: كيف عَرَفتْ هذه الجارية وهي راعية غنم هي امرأة أولاً، وراعية غنم ثانياً، وهي لا يمكنها أن تحضر دروس بين يدي الرسول عليه السلام كما يفعل الرجال، وهل تتصورون أن أكثر أصحاب الرسول كانوا يحضرون دروسه أم أقلهم. مداخلة: أقلهم ... الشيخ: أنا أقول: أقلهم، ولذلك فالإمام ابن القيم رحمه الله يقول: لا يوجد في الألوف المؤلفة من الصحابة من كان يفتي إلا نحو مائتين، مائتين من الصحابة علماء والبقية بقى داخلون في قول الذي يروى عن معاذ: كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً، فهم واحد من التلاتة لكن ما كانوا الرابعة، ولا تكن الرابعة فتهلك؛ إذا كان الرجال هكذا فماذا نقول عن النساء، أقل وأقل بكثير، هنا يأتي السؤال: كيف عرفت هذه الجارية هذا الراعية للغنم كيف عرفت الجواب الصحيح لهذا السؤال النبوي: «أين الله؟»، قالت: في السماء، وتسأل اليوم العلماء والدكاترة بيقولوا لك: الله موجود في كل وجود. مداخلة: ينكرون أصل السؤال. الشيخ: نعم. مداخلة: يُنكروا أصل السؤال. الشيخ: ينكروا أصل السؤال أحسنت، بيحملقوا بأعينهم: أأأ ... شو هذا

[1016] باب منه

السؤال، هذا السؤال ما بيجوز، أعوذ بالله، يا رجل أنت ما تدري تنكر على الرسول عليه السلام هو الذي سن لنا هذا السؤال، ما يدرون؛ لأنهم لا يتفقهون في الدين، الشاهد، كيف عرفت هذه الجارية الجواب الصحيح، لأنها تخرجت من مدرسة الرسول، هل كانت مدرسة الرسول -هنا النكتة-، مدرسة الرسول كانت محصورة في مسجده، حيث لا يحضره إلا أقل الرجال، لا، كانت منتشرة؛ كيف ذلك؟ الذين يحضرون يُبلِّغون من وراءهم، يبلغون نساءهم بناتهم وو إلى آخره، فينتشر الفقه المحمدي في المجتمع المحمدي ويصل هذا الفقه إلى من؟ إلى هذه الراعية، من علَّمها سيدها؛ لأنه مسؤول عنها: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» (¬1)، فإذاً يجب علينا نحن أن نهتم بتبليغ العلم كما جاء في الأحاديث الصحيحة «فليبلغ الشاهد الغائب» (¬2). "الهدى والنور" (533/ 27: 52: 00) [1016] باب منه [سُئل الشيخ في أثناء كلامٍ لبعض تلامذته حول إنكار عبد الله الهرري لحديث الجارية]: سؤال: حديث الجارية إيش هو؟ الشيخ: أين الله؟ قال: في السماء، هذا حديث رواه الإمام مسلم في كتاب الصلاة؛ لأنه الرجل كما يحدث هو عن نفسه أحد الصحابة معاوية بن الحكم السلمي قال: صليت يوماً وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فعطس رجل بجانبي فقلت له: يرحمك ¬

(¬1) "البخاري" (رقم2278) ومسلم رقم4828) .. (¬2) "البخاري" (رقم1652) ومسلم (رقم4478).

الله، فنظروا إلي هكذا يعني: [انقطاع]. أنا حديث عهد بالإسلام فما تلقى بعد الأحكام اللائقة بالصلاة، هم لما رموا بأبصارهم إليه تسكيتاً هو ضاق بهم ذرعاً، فما كان منه إلا أن رفع عقيرته صائحاً، واثكل أمياه مالكم تنظرون إليّ ... قال: فأخذوا ضرباً بأيديهم على أفخاذهم يعني: اسكت ما هو محل هلا، بيقول: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة أقبل إلي، هون بقي بيصور أدب الرسول ولطفه وتواضعه وكيف كان هو بعد ما انتبه لهذا الخطأ الكبير كيف الرسول يعاقبه ويعامله، وإذا فيه وجد العكس تماماً، فيعبر عن هذه الحالة النفسية فيقول: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة أقبل إلي فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي: إن هذه الصلاة هنا الشاهد ليش جاب الإمام مسلم هذا الحديث في كتاب الصلاة لقوله عليه السلام: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي تسبيح وتكبير وتحميد وذكر الله» وانتهت القصة إلى هذا فقط، يعني: علمه أحسن تعليم. يبدو أن الرجل لما آنس هذا اللطف في التعليم (أراد) أن يزداد علماً، وقد عرف أنه جاهل، فأخذ يسأل الرسول السؤال بعد السؤال، فقال: «يا رسول الله! إن منا أقواماً يتطيرون قال: فلا يصدنكم قال: إن منا يأتون الكهان. قال: فلا تأتوهم. قال: إن منا أقواماً يخطون على الرمل قال عليه السلام: قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه خطه فذاك». هذا بيقولوا العلماء والشراح التعليق بالمحال، «قد كان نبي من الأنبياء يخط» معجزة «فمن وافق خطه خطه فذاك» وهيهات «قال: يا رسول الله! عندي جارية ترعى غنماً لي في أُحُد فسطا الذئب على غنمي وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة وعليَّ عتق رقبة»

كأنه يقول: فهل يجزيني أن أعتقها، كفارة لهذا الضرب، قال: هاتها. راح وجابها. رأساً الرسول عليه السلام بادرها بقوله: أين الله؟ قالت: في السماء. قال عليه السلام: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله. فالتفت إلى سيدها وقال له: «فاعتقها فإنها مؤمنة»، فهذا الحديث يعني: قاصمة الظهر المؤولة، اللي بيقولوا ضلالاً منهم وانحرافاً عن الكتاب والسنة، الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود. هذا بيقول: الله في السماء. فيقول الأخ علي ونحن نعرف هذا الشيخ عبد الله (¬1) أشعري هو، وله كتاب سماه على قاعدة يسمونها بغير اسمها شو سمى الكتاب هو «الصراط المستقيم» وفيه انحراف كبير جداً عن الكتاب والسنة خاصة فيما يتعلق بالعقيدة بصورة عامة، وبصورة أخص ما يتعلق بصفة الله عز وجل وأنه العلي الأعلى، فحذفوا هذا الحديث كما يقول (لكي) تسقط الحجة، لكن هذه حماقة متناهية، ما هو السبب؟ السبب أنه كأنهم لا يعلمون إنه هذا الحديث موجود في عشرات الكتب، فلو فرضنا راح مسلم من الدنيا كلها، هذا الحديث موجود في موطأ الإمام مالك اللي هو أرقى من مسلم بدرجتين، يعني: مسلم يروي عن الإمام أحمد، والإمام أحمد بيروي عن الشافعي، والشافعي عن مالك، فمالك من جملة من رووا هذا الحديث في كتاب الموطأ، ونفس أحمد موجود في كتاب المسند، ماذا نستفيد من الحذف هذا سوى إثبات ضلالهم وحماقتهم. مداخلة: شيخنا حتى إن حذفوا الحديث ماذا يفعلوا بالآيات اللي موجودة في كتاب الله. ¬

(¬1) أي: الهرري الحبشي.

[1017] باب نصيحة الشيخ لامرأة من أتباع الحبشي تنكر حديث الجارية

الشيخ: هو هذا من جهلهم وحماقتهم أنا ... بقول بهذه المناسبة: الشيء اللي بيلفت النظر كيف عرفت هذه الجارية ربها وأنه تعالى في السماء، واليوم تسأل مشائخ الدنيا إلا من شاء الله وهم قلة السؤال الذي وجهه الرسول عليه السلام إلى الجارية فما تسمع الجواب، إلا الجواب المنحرف عن الكتاب والسنة، الله موجود في كل مكان، كيف أصابت الجارية وأخطأ هؤلاء المشائخ؟ الجارية- هون بقي ييجي الموضوع - عاشت في مجتمع إسلامي صافي مجتمع محمد عليه السلام وما أصفى منه، فهي مع كونها أمية والله أعلم تعرف من سيدها من ولاة سيدها من جيرانها اللي أغنياء بالعقيدة، فلما سُئلت أجابت على الصواب، وما ضروري تكون عندها شهادة دكتوراه، لكن اليوم إسأل دكاترة آخر الزمان ما تسمع الجواب اللي تسمعه من الجارية هذه، السبب أن الدراسة اليوم ليست دراسة إسلامية مائة في المائة فضلاً عن المجتمع. "الهدى والنور" (138/ 59: 16: 00) [1017] باب نصيحة الشيخ لامرأة من أتباع الحبشي تنكر حديث الجارية الشيخ: يجب أن تعلمي أننا بزمان ... هو آخر الزمان، ويجب أن تعلمي مع هذه الحقيقية الواقعية التي لا يشك فيها إنسان، يجب أن تعلمي معها حقيقة أخرى، وهي: أننا في زمان تفرَّقَ المسلمون فيه تفرقاً شيئاً منه ورثوه عن التفرق السابق، وشيء منه تفرقوا فيه في هذا الزمن اللاحق مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح معروف أوله: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين

فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟! قال: هي ما أنا عليه وأصحابي». فأرجو أن تقفي معي عند هذه الكلمة، وهي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وصف الفرقة الناجية التي هي فرقة واحدة من ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا هذه الفرقة الناجية، وصفها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، بأنها هي التي تكون على ما كان عليه الرسول عليه السلام، ليس هذا فقط، بل أضاف إلى ذلك قوله: «وأصحابي»، ولا شك أن التمسك بسنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وحدها هو الكافي، وهو الهدي والنور. ولكن ما دام أن بيننا وبين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أربعة عشر قرناً، وهناك الفرق الكثيرة التي أشار إليها الرسول عليها السلام في الحديث السابق، فيجب على المسلم فوق اعترافه أو تعرّفه على السنة، أن يتعرف على ما كان عليه الصحابة، ولذلك قال عليه السلام: «هي التي على ما أنا عليه وأصحابي» ذلك لأن أصحاب الرسول عليه السلام تلقوا البيان منه - صلى الله عليه وآله وسلم - للشريعة، من فمه غضاً طرياً، أما نحن فبيننا وبينه عليه السلام وسائط كثيرة، وهذه الوسائط من أجل تمييز ما يجوز التمسك بها مما لا يجوز، أو ما يجوز الاحتجاج بها مما لا يجوز، وُجِد علم اسمه علم الحديث، واسمه علم التجريح والتعديل، ولذلك فإذا ما أردنا أن نعرف ما كان عليه الرسول عليه السلام، فنحن نعرفه من طريق علماء الحديث الذين يصلوننا بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وما كان عليه أصحابه الكرام. بعد هذه المقدمة الوجيزة نأتي إلى ذلك المثال ... وهو حديث الجارية الثابت في كتب السنة الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سأل الجارية: أين الله؟ فقالت: في السماء.

فأنت تبعاً للشيخ عبد الله الهرري تنكرون هذا الذي أقره الرسول عليه السلام من القول من الجارية إن الله عز وجل في السماء، علماً أن ما قالته الجارية هو ما نص عليه ربُّنا عز وجل في القرآن الكريم في قوله في سورة تبارك: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك: 16 - 17). وأنا أعلم أن هناك تأويلات لمثل هذه الآية تصدر من مثل الحبشي وغيره، وهنا أقول: عليك أن تعودي في فهم الكتاب والسنة إلى الصحابة الذي جعلهم الرسول عليه السلام دليلاً على أن من تمسك بما كانوا عليه تبعاً للرسول عليه السلام، فهو من الفرقة الناجية، فهل علمت بواسطة كتب الحبشي أو غيره أن أحداً من السلف أنكر هذا الذي أنكره الحبشي من القول بمثل ما قالت الجارية إن الله عز وجل في السماء؟ ثم من أنكر أن الله عز وجل في السماء، فهو سيقول أحد شيئين لا ثالث لهما: الشيء الأول: أنه تحت السماء، وهذا كفر صريح بواح. وإما أن الله في الوجود كله، كما يقول به المعتزلة قديماً صراحة، ومن تشبه بهم حديثاً ضمناً وليس صراحة، حيث يقولون بمناسبة وبغير مناسبة، الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود، وهذا هو الكفر؛ لأنه يعني القول بوحدة الوجود التي يقول بها غلاة الصوفية، وهم الذين يقولون: لا خالق ومخلوق، إنما هو شيء واحد، كما يقول بعض غلاتهم: كل ما تراه بعينك فهو الله. ويقول آخر: لما عبد المجوس النار، ما عبدوا إلا الواحد القهار. ذلك لأنهم يعتقدون قول الطبائعيين والدهريين أنه ليس هناك خالق متميز

بصفاته عن المخلوقات، ما هو إلا هذا الدهر، وهذا ما صرح به القرآن الكريم: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (الجاثية: 24) عن الكافرين الأولين، فلذلك نفيُ القول بأن الله في السماء المصرَّح به في القرآن وحديث الجارية وغيره، يلزم هؤلاء النفاة أن يقولوا: إن الله تحت السماء، أو أن يقولوا: إن الله في كل مكان، وسواء قالوا هذا أو ذاك فهو كفر. أما حينما يقول المسلم: إن الله على العرش استوى، استواء يليق بجلاله وكماله، هذا الاستواء هو العلو الذي يُسَبِّحُ اللهَ به حينما يَسْجُد متواضعاً لربه فيقول: سبحان ربي الأعلى .. سبحان ربي الأعلى. ما الذي ينبغي على المسلم أن يُفكِّر وأن يفسِّر قوله: سبحان ربي الأعلى، إذا لم يؤمن بأنه حقيقةً الله على العرش استوى، وإنما آمن بأنه معه في الأرض أو تحت السماء، بينما الله عز وجل كما هو عقيدة السلف: الرحمن استوى استواءً يليق بجلاله، ويفسر عبد الله المبارك هذا الاستواء بقوله: «الله تبارك وتعالى فوق العرش بذاته، وهو بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه» الله لا تغيب عليه غائبة في الأرض ولا في السماء، ولكنه على العرش استوى. هذه الكلمة خلاصتها أنه يجب على كل مسلم أن يتفهم الإسلام على ما كان عليه الرسول عليه السلام وأصحابه الكرام، وليس على ما يقوله الحبشي من عنده، وها أنتِ الآن أمام تجربة، هل عند الحبشي أو غيره كلمة عن أحد من الصحابة فضلاً عن الحديث عن رسول الله أن الله ليس فوق العرش، لا يجدون شيئاً إلا ما يسمى بعلم الكلام، وها الكلام، وعلم الكلام هو مزلة للأقدام، هذه نصيحة وذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين، والسلام عليكم. " الهدى والنور" (20/ 27: 19: 01)

[1018] باب هل يجوز أن يسأل عن الله بـ «أين»؟

[1018] باب هل يجوز أن يُسأل عن الله بـ «أين»؟ [تكلم الشيخ - رحمه الله - على حديث الجارية، وعُلُّو الله، فقال أحد الحضور]: مداخلة: نحن أضعنا المجلس في البحث في ذات الله أيجوز شرعاً؟ الشيخ: هذا ليس بحثاً في ذات الله، بحث في صفات الله. السائل: وين راح وين جاء. الشيخ: لا ما قال أحد وين راح وين أجا، هي أنت الآن عم تسجل على نفسك أنك أنت فعلاً بتحط زوائد ما حدى قال وين راح وين أجا، طيب ... أنا بتوجه إلى حضرتك بالسؤال السابق، معقول واحد يسأل أين الله؟ السائل: لا نتحدث عن المعقولية نحن نتحدث بصفة شرعية. الشيخ: يا أخي عم أسألك سؤال يكون سؤال جوابه معقول. السائل: لا تحددني بجوابي بسؤال كما تريده لأنك ستضرني في مسألة أنت بدك إياها، السؤال أيجوز شرعاً أن يُسْأل هذا السؤال؟، يجوز لأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قد فعل. الشيخ: سبحان الله أنت هلا إذا سألتني سؤال أنا بضطر أنك تغير سؤالك، لا أسمح لي أسمح لي الله يهديك يا أخي كلمة سؤال ما بدها شرح السلبيات ما بدها شرح، أنا عم أسألك سؤال الآن أنت إذا سألت سؤال أنا بضطرك أنك تغيره ولا أنت حر بسؤالك، فتسأل كما يبدوا لك، الله يهديك. السائل: الجلسة شرعية.

الشيخ: الله يهديك، هي جلسه شرعية سؤال يطرح لحضرتك إذا سأل سائل سؤالاً بطريقة أو بأخرى هل يجوز لهذا المسئول يقول له هذا السؤال ما لازم توجهه، وهو بيقول له يجوز هذا السؤال ولا لا، ولا العقل والشرع بيقول له بيجوز ولا ما يجوز، وخير الكلام ما قل ودل أنا عم أسألك الآن سؤال منطقي هذا الضوء شاعل ولا مطفي. السائل: شاعل. بدها سؤال ... وليش عم بتسأل ما بدها لأنه ربما أنا عم سائلك هذا السؤال وراء الأكمة ما ورائها، ممكن هذا فإذاً لما بسألك هل يجوز الإنسان مسلم، عفواً قبل هل يجوز، هل معقول مسلم يسأل أين الله، فأنت بقى وثقافتك وعلمك وإيمانك وخلقك ودينك بتقول معقول بتقول مش معقول أنت حر بقى. السائل: معقول لأن السؤال ... الشيخ: هلا أنا عم أقول لك أيش؟ السائل: معقول ياسيدي معقول. الشيخ: يا أخي ما عم أسألك ليش الله يرضى عليك الله يهديك، يعني. لا حول ولا قوة إلا بالله، طيب نحن تعلمنا في بلدنا ها إلي ما يأتي معك امشي معه، فأنت مش رضيان يا أستاذ انك تجاوب على سؤال معقول الواحد يسأل. السائل: معقول، معقول. الشيخ: جزاك الله خيراً بس لو كان هذا قبل هذا نجي هلا، هل يجوز شرعاً أن

يَسأل مسلم أخاه المسلم أين الله يجوز وهل يجوز، أن يجيب على هذا السؤال؟ السائل: يجوز. الشيخ: ليش وقفت، أنا عم أشوف شيء ... السائل: لا يا سيدنا لا العفو إذا كان المسلم، يعني أنت تضعني في موضع المفتي، يعني معقول بدون دليل، أيجوز لي أن أمشي بدون دليل، أنت بتسألني يجوز ولا ما يجوز، أنا بتكلم شرعاً يجوز؛ لأنه قاعد أستحضر في الأدلة لا أكثر ولا أقل. الشيخ: هذا كلام طيب، لكن ليس طيباً، تدري لماذا؟ مداخلة: تفضل. الشيخ: إذا سألتك: النور شاعل؟ ما تجيب، تجاوب على الدليل. مداخلة: لا، هذا بحث واقع، ذلك بحث في الشرع. الشيخ: هي الأمور الشرعية أوضح من هذا الواقع، لو قال قائل: أفي الله شك؟ لماذا تسكت، تفكر، يريد يجاوب عن علم، طيب: هذا العلم أنت ما درسته بعد؟ أفي الله شك؟ مداخلة: أنت تسألني: يجوز أم لا يجوز، إذا يجوز لازم يكون فيه دليل شرعي، إذا لا يجوز لازم يكون فيه دليل شرعي. الشيخ: لازم الدليل الشرعي معنى الكلام يا أستاذ إذا ما وضح لك حتى الآن أو أنك أنت نسيته من كثر ما درسته.

مداخلة: لكن ما استحضرته، وصدقني والعفو فيه كثير من إخواننا أنهم يستعجبون مما أقول وكأنني أقول عجباً. مداخلة: ما هو العجب؟ قبل قليل حضرتك تحدثت عن الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه، اللهم ارض عنه، وقلت: أنه لم يجمع العلم، وجاء بعده من جمع الحديث أكثر منه. الشيخ: لا، ما قلت لم يجمع العلم. مداخلة: لم يجمع الحديث كله. الشيخ: فيه فرق بين العلم والحديث، فيه فرق بين العلم والحديث. مداخلة: صدقت، علم الحديث، لم يُجمع علم الحديث كله أو الحديث كله، وجاء واحد جمع أكثر منه، فهل هذا .. ألم [يكن] الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه يفتي بفتاوى حتى إذا جاءه الحديث الآخر غيَّرها. الشيخ: ما علاقة هذا الكلام؟ يعني: أبو حنيفة لو سئل هذا السؤال يفعل فعلك؟ مداخلة: أبو حنيفة شيء وأنا شيء، إذا كنت لا أتطاول على من هو أعلى مني بِسَنَةٍ فكيف على أبي حنيفة. الشيخ: أبو حنيفة إذا سئل هذا السؤال يصمت ويفكر تفكيرك أم لا؟ مداخلة: لا. الشيخ: وغصب عنك يعني ماشي؟! مداخلة: ليس غصب عني، ..

الشيخ: لا، قل رأيك، أنا أقول: قل لا لأنه واضحة، لا أفرض عليك وألقنك ... بارك الله فيك، قل رأيك أنت، أبو حنيفة لو سئل هذا السؤال يفكر تفكيرك حتى يعد الجواب، أم رأساً يعطي الجواب؟ مداخلة: لا أعلم. الشيخ: كيف لا تعلم؟ مداخلة: لماذا لماذا؟ الشيخ: سأجاوبك أنا، هذه مسألة فقهية أم عقائدية؟ سؤال أرجو أن يكون جوابك باختصار. مداخلة: عقيدة. الشيخ: عقيدة، تفكر أنت أنه أبو حنيفة عقيدته ما كانت مكونة في نفسه وهاضمها تماماً، ومستعد أنه يجيب عن كل سؤال يتعلق بالعقيدة، وليس كذلك فيما يتعلق بالمسائل الفقهية. مداخلة: يعني: هل لابد أن أكون مثله، السؤال هكذا؟ الشيخ: الله يهديك، أنا أسألك عن أبي حنيفة. مداخلة: أبو حنيفة عالم جليل فقيه لم نصل لدرجته. الشيخ: على هذا أسأل أنا؟! أبو حنيفة إذا سئل هذا السؤال يصمت صموتك أنت أم جوابه يكون [مباشر] هذا هو السؤال؟ مداخلة: جوابه [مباشر] على اعتبار.

الشيخ: بس هذا هو، لماذا؟ مداخلة: لأنه عالم. الشيخ: لأنه عقيدته كاملة، لأن عقيدته كاملة ليس لأنه عالم، قولك لأنه عالم في المسائل الفقهية، أما العقيدة يجب أن تكون عند المسلمين جميعاً، إيمانك بوجود الله خاصة وأنت فهمنا منك أن إيمانك أنت مثل إيمان أبو حنيفة، ومثل ما قال يرووا عن أبو حنيفة أنه قال: إيمانه كإيمان جبريل، وأنت يمكن تقول بكلامه، هذا الإيمان الذي هو إيمانه كإيمان جبريل ما دام المسألة لها علاقة بالعقيدة فوراً يعطي الجواب، أما المسائل الفقهية ... وتريد انتباه وتفكير، خشية أن يُحرِّم ما أحل الله، أو يُحلِّل ما حرم الله، تريد انتباه تريد تنبه تريد مسك أعصاب وعدم التسرع، أما العقيدة لماذا أتيت لك أنا: أفي الله شك؟ لا، ليس في الله شك، عقيدة، فكذلك هذا الله الذي نعبده نركع له نسجد له .. إلخ، أين الله؟ المسلم يفكر، ماذا يكون الجواب؟ أحد جوابين: إما الله موجود في كل مكان، أو موجود كما يقول الآخرون في كل وجود، أو الله فوق المخلوقات كلها، ... هذا بارك الله فيك عقيدة ما ينبغي أن يتردد فيها المسلم، بينما له أن يتردد فيما يتعلق بالحرام والحلال خاصة إذا كان غير متخصص، أما العقيدة التي كما تعلم أنت يجب أن تبنى على اليقين حتى قال بعضهم من الأحزاب المعروفة: أن العقيدة لا تبنى على الحديث الصحيح، لأن الحديث الصحيح يفيد الظن، والعقيدة يجب أن تبنى على اليقين، أنت معناه أن العقيدة هذه بانيها على الظن وليس بانيها على يقين، لأنه ما كان مبنياً على اليقين ما يريد [تردد ... ] في الجواب، رأساً جوابه [مباشر] ... ، أما هذا الذي بانيها على الظن هذه لا تكون عقيدة، خاصة

بالنسبة لأولئك الناس الذين يقولون: إن العقائد لا تبنى إلا على القطعيات. على كل حال: إذاً: الجواب لذاك السؤال: أين الله؟ الرحمن على العرش على استوى، أو هو فوق المخلوقات كلها، أكذلك؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب، فهل المسلمون اليوم الذين يدعون لتصحيح عقائد المسلمين صححوا هذه العقيدة في عقائد المسلمين؟ قلها صريحة. مداخلة: سؤال والله عيده والله ما أدركته، ما أدركت السؤال. الشيخ: أنا أعيد السؤال: هل الدعاة الإسلاميون الذين يهتمون بتصحيح المفاهيم أولاً، وبخاصة ما كان منها عقيدة، هل صححوا هذه العقيدة في أذهان المسلمين، فهم على كلمة سواء يعتقدون فور أن يسأل أحدهم: أين الله، فيأتي الجواب: الله فوق عرشه بائن من خلقه، أكذلك اليوم الدعاة يفعلون، أظنك فهمتني الآن؟ مداخلة: نعم، فقه العقيدة ليس كل الناس تتحدث فيه صحيح. الشيخ: جزاك الله خير، فما هو واجبهم؟ مداخلة: المتعلم أن يعلم. الشيخ: هذا جواب سياسي. مداخلة: جواب صحيح أم لا؟ المتعلم يعلم. الشيخ: هذا جواب سياسي.

[1019] باب هل المراد بسؤال "أين الله" السؤال عن المكان أم المكانة؟

مداخلة: ما هو الجواب الشرعي؟ الشيخ: بارك الله فيك كان السؤال المتعلم يعلم، يعلموا ألف باء تاء ثاء، صَحَّ كلامك؟! مداخلة: أنا أقصد على نفس الموضوع. الشيخ: أنا ما أتكلم عن قصدك أتكلم عن لفظك. مداخلة: لفظي المتعلم يعلم في العقيدة التي حضرتك قبل قليل .. الشيخ: ولماذا تدور واللغة هذه، لماذا هكذا، ولماذا ليس هكذا؟ "الهدى والنور" (447/ 40: 00: 00) و (447/ 43: 08: 00) [1019] باب هل المراد بسؤال "أين الله" السؤال عن المكان أم المكانة؟ سؤال: في حديث مع بعض من ينتمون للعقيدة الأشعرية في بحث أين الله قال: أن "أين" تستعمل لشيئين في اللغة: إما المكان أو المكانة، فالمكان: منتفي عن الله، والمكانة: مثل أن أقول أين مكانة محمد؟ أقول: في قلبي، فهو قال أن المقصود فيه المكانة وليس المكان؟ .. الشيخ: .. هو يتكلم في اللغة؟ مداخلة: نعم. الشيخ: البحث ليس في اللغة، البحث في الشرع، أليس كذلك؟ مداخلة: نعم.

الشيخ: فهل تكَلَّم في الشرع؟ .. مداخلة: هو قال: نفهم الشرع عن طريق اللغة. الشيخ: صحيح، لكن هل أثبت حكم الشرع في جواب هذا السؤال؟ مداخلة: عن طريق اللغة يثبتها بالمكانة .. الشيخ: "في السماء" ما معناه؟ مداخلة: في السماء هو يقول: المكانة. الشيخ: المكانة؟ مداخلة: هو يقول: المكانة. الشيخ: طيب! و"أين الله" كسؤال عن الذات ما هو جوابه؟ مداخلة: هو يقول: الله أعلم. الشيخ: طيب! الله يعلم يقال في شيء ربنا ما أعلمنا به في الكتاب والسنة، ونصوص الكتاب والسنة متواترة في إثبات العلو لله عز وجل .. العلو الحقيقي ليس المكاني، هذا هو التعطيل الذي وقع فيه الأشاعرة الماتريدية، الله من أجل يثبت لنا المكانة يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) .. {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (النحل:50) .. {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} (المعارج:4) لإثبات المكانة التي هي ثابتة عند المؤمنين جميعاً؟! هذا هو التعطيل الذي يسميه العلماء هو تعطيل الحقيقة، الله المستعان. "الهدى والنور" (15/:00:34:51)

[1020] باب إثبات الفوقية لله تعالى وجواز السؤال عن الله تعالى بـ "أين" وذكر بعض من أنكر ذلك

[1020] باب إثبات الفوقية لله تعالى وجواز السؤال عن الله تعالى بـ "أين" وذكر بعض من أنكر ذلك [وصف أبوغدة شارحَ الطحاوية ابن أبي العز بالإمامة، فأراد الإمام الألباني إلزامه ببعض أهم المسائل العقدية التي قررها الشارح في عقيدته والتي يعلم الشيخ الألباني إنكار أبي غدة أو شيخه الكوثري لها فقال الإمام]: قلت: فإذا كان أبو غدة مؤمناً حقاً بهذه الإمامة الملموسة المشهورة فأنا أختار له من كلام هذا الإمام سبع مسائل, فإن أجاب عنها بما يوافق ما ذهب إليه هذا الإمام المشهور من قلبٍ مخلصٍ فذلك ما نرجوه, وأعتذر إليه من إساءة الظن به, وإن كانت الأخرى فذلك مما يؤيد - مع الأسف- ما رميته به من المداراة. [فذكر ثلاث مسائل ثم قال]: المسألة الرابعة: يثبت الإمام [أي: ابن أبي العز] "الفوقية المذكورة بأدلة كثيرة جداً, في بعضها التصريح بلفظ "الأين" الذي سأل به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الجارية ليتعرف على إيمانها". وشيخك يا أبا غدة ينكر مثل هذا السؤال تبعاً لتشكيكه في صحة الحديث ... , فهل تؤمن أنت بهذا الحديث, وتجيز هذا السؤال الذي سأله الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 57)

[1021] باب جواز السؤال عن الله بـ"أين"

[1021] باب جواز السؤال عن الله بـ"أين" عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمَاً لِي قِبَلِ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ، وَإِذَا ذِئْبٌ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، قَالَ: وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَفَلا أُعْتِقُهَا؟، قَالَ: «ائْتِنِي بِهَا»، فَقَالَ لَهَا: «أَيْنَ اللهُ؟»، قَالَتْ: في السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟»، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «فَأَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ». [قال الإمام معلقًا على قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -:أين الله]: فيه جواز توجيه مثل هذا السؤال على سبيل الاختبار، خلافاً لظن كثير من الناس، ولو وجهته إليهم لجهلوا الجواب، فليتعلموه إذن من هذا الحديث. "تحقيق الإيمان لأبن أبي شيبة" (ص 61). [1022] باب ضلال منكري الفوقية عن الله تعالى، وضلال منكري السؤال عن الله بـ"أين" [ذكر الإمام ضمن الأمثلة على ضلال أبي غدة أنه لا يوافق]: على أن الله تعالى فوق عرشه كما يليق بحلاله، ولا يجيز للمسلم أن يسأل فيقول «اين الله» كما سأل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على الرغم من صحة الحديث عند مسلم وغيره لتشكيك شيخه [أي الكوثري] في صحته. "كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات" (ص57)

جماع أبواب الكلام على صفة المعية وبيان عدم منافاتها لعلو الله تعالى والكلام على بعض ما قد يفهم منه منافاة العلو

جماع أبواب الكلام على صفة المعية وبيان عدم منافاتها لعلو الله تعالى والكلام على بعض ما قد يُفهم منه منافاة العلو

[1023] باب معية الله للخلق هل تنافي علوه تعالى؟

[1023] باب معية الله للخلق هل تنافي علوه تعالى؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام، ولا يعطي الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط: اللئيمة ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره». [قال الإمام]: أخرجه أبو داود (1/ 250) قال: قرأت في كتاب عبد الله بن سالم - بحمص - عند آل عمرو بن الحارث الحمصي عن الزبيدي قال: وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير عن عبد الله بن معاوية الغاضري مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع بين ابني جابر وجبير لكن وصله الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 115) والبيهقي في " السنن " (4/ 95) من طريقين عن عبد الله بن سالم عن محمد بن الوليد الزبيدي: حدثنا يحيى بن جابر الطائي أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه أن أباه حدثه به. وزاد: "وزكَّى نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان". (فائدة) قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أن الله معه حيث كان». قال الإمام محمد بن يحيى الذهلي: "يريد أن الله علمه محيط بكل مكان والله على العرش". ذكره الحافظ الذهبي في " العلو " رقم الترجمة (73) بتحقيقي واختصاري. وأما قول العامة وكثير من الخاصة: الله موجود في كل مكان، أو في كل الوجود

[1024] باب المعية في قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} معية علمية والرد على من خالف ذلك

ويعنون بذاته، فهو ضلال بل هو مأخوذ من القول بوحدة الوجود الذي يقول به غلاة الصوفية الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق ويقول كبيرهم: كل ما تراه بعينك فهو الله! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. "الصحيحة" (3/ 37 - 38). [1024] باب المعية في قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} معية علمية والرد على من خالف ذلك [قال الذهبي في "العلو"]: قال أبو عمر [هو ابن عبد البر] .. أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل, قالوا في تأويل قوله: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} هو على العرش, وعلمه في كل مكان, وما خالفهم في ذلك أحد يُحتجُ بقوله. [قال الإمام]: قلت: في هذا النص رد صريح لما ذهب إليه الإمام الشوكاني في آخر "تحفته" (ص 95 - 96 المجموعة المنيرية ج 2) أن تأويل هذه الآية وآية {وهو معكم أينما كنتم} بالمعية العلمية إنما هو شعبة من شعب التأويل المخالف لمذهب السلف وما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم. كذا قال، وكأنه لم يقف على هذا النص من الحافظ ابن عبد البر، ولا على ما سبق من القول عن الأئمة الفحول كسفيان الثوري, ومالك, ومقاتل بن حيان, الذين فسروا الآيتين بمثل ما نَقَلَ ابن عبد البر إجماع الصحابة ومن بعدهم عليه، فلا تغتر إذن بما زعمه الشوكاني من المخالفة، فإنه لكل عالم زلة، ولكل جواد كبوة. "مختصر العلو" (ص268).

[1025] باب هل تأويل قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} بمعية العلم؛ من التأويل المذموم؟

[1025] باب هل تأويل قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} بمعية العلم؛ من التأويل المذموم؟ سؤال: يسأل سائل فيقول: هل ما ورد عن السلف في تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4)، قالوا: أي بعلمه، هل هذا يُعدُّ من التأويل المذموم، وما هو الضابط في ذلك؟ الشيخ: هذا ليس تأويلاً، التأويل في الاصطلاح العلمي: هو إخراج العبارة أو الجملة عن ظاهر دلالتها المتبادرة، هذا هو التأويل، وإنما يصار إليه إذا قام الدليل الشرعي أو العقلي المقطوع بدلالته، حينئذٍ يصار للتأويل. أما هنا فلا تأويل؛ لأن سياق الآية وسباقها لا يعني المعية الذاتية، وإنما يعني المعية العلمية، {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4)؛ لأن الآية أظن أولها: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو معهم. مداخلة: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} (المجادلة:7). الشيخ: نعم، فالمعية هنا معيةٌ اطِّلاعية وعلمية؛ ولذلك فالمعية هنا كما جاء عن السلف هي معية علمية، ليس هذا تأويلاً وإن كان بعضهم يسميه تأويلاً. وأشهر مثال على ذلك آية: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (يوسف:82)، اسأل القرية: اللفظ: القرية هي البنيان والجدران والحيطان القائمة على تلك الأرضية القرية، لكن إذا أخذَتَ الآية بتمامها وجدْتَ نفسك مضطراً لا يتبادر إلى ذهنك هذا المعنى المقصود من لفظة القرية، وإنما يتبادر إلى ذهنك سكانها. {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} (يوسف:82).والعير التي

أقبلنا فيها: العير أيضاً كلفظ معناه: هذه القافلة من البعران، الجمال، الإبل. لكن لا يُنظر إلى اللفظة مفصولة عن سباقها وعن سياقها، وإنما يُنظر إلى الجملة بكاملها: من أولها إلى آخرها، حينئذٍ الذي يتبادر لك من هذه الآية غير المعنى الذي يتبادر من لفظ موجود في هذه الآية، هو القرية أو العير. فستجد نفسك مضطراً أن تقول: إن المعنى الذي يتبادر إلى ذهن، واسأل القرية: سكانها، والعير أي المرافقين لها، هذا ليس تأويلاً أبداً، والأمثلة على هذا تكثر، وتكثر جداً. من ذلك مثلاً: {فَسِيحُوا في الأَرْضِ} (التوبة:2)."في" ظرفية، لكن إذا نظرت إلى هذه الآية، إلى هذا الحرف في هذه الآية ما تفهم أنها ظرفية، بل تفهمها بأنها بمعنى: على، قل سيحوا في الأرض فانظروا، {قُلْ سِيرُوا في الأَرْضِ فَانظُرُوا} (النمل:69)، مش في جوف الأرض، وإنما على الأرض، وعلى هذا أمثلة كثيرة، وكثيرة جداً. وعلى ذلك جاء قوله تبارك وتعالى أيضاً في سورة طه لما فرعون طغى وبغى وقال للناس: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (النازعات:24)، وأحضر السحرة لينتصر بهم على معجزة موسى عليه السلام، فكانت العاقبة لموسى عليه السلام، وكانت العاقبة أن السحرة آمنوا: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} (طه:70)، فماذا هددهم، قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه:71)، أيضاً هنا في جذوع النخل، إذا فُصِلت "في" عن مكانها هنا فهمتها بمعنى ظرفية، لكن هنا لا تصلح لا يصلح هذا الفهم إلا أنها بمعنى "على"، {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه:71)، أي: على جذوع النخل هذا أيضاً ليس تأويلاً، لأن الجملة هي تفرض عليك أن تفهم "في" هنا وهناك بمعنى "على".

وأخيراً قوله عليه الصلاة والسلام، وهذا موضوع له علاقة بعقيدة زل عنها جماهير المسلمين قديماً وحديثاً، قوله عليه الصلاة والسلام: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، أيش معنى ارحموا من في الأرض؟، يعني: الديدان والحشرات التي تعيش في جوف الأرض ولا تستطيعون أن تطولوها بشيء من الرحمة، ما يتبادر هذا المعنى إلى ذهن عربي إطلاقاً، وإنما هنا "في" كهناك "على"، «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض»، من على الأرض معكم «يرحمكم من في السماء».أيضاً يرحمكم من في السماء، "في" هنا ليست ظرفية كما هناك في الأرض ليست ظرفية، وإنما هي بمعنى على، وعلى ذلك يجب أن نفهم قوله تعالى في سورة تبارك: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16، 17)، أيش معنى ارحموا من في الأرض؟ يعني: الديدان والحشرات التي تعيش في جوف الأرض ولا تستطيعون أن تطولوها بشيء من الرحمة، ما يتبادر هذا المعنى إلى ذهن عربي إطلاقاً، وإنما هنا في كهناك على، «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض» من على الأرض معكم يرحمكم من في السماء. أيضاً يرحمكم من في السماء: "في" هنا ليست ظرفية كما هناك في الأرض ليست ظرفية، وإنما هي بمعنى "على"، وعلى ذلك يجب أن نفهم قوله تعالى في سورة تبارك: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16، 17)، أي: من على السماء، أأمنتم من على السماء، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] الآيات كلها تلتقي بعضها مع بعض، بمعنى إثبات العلو لله عز وجل على سائر خلقه، فالله عز وجل على الخلق

[1026] باب في أقسام المعية

جميعاً ليس هذا وذاك من الأمثلة تأويلاً إنما هو الفهم العربي السليم قبل أن تدخله العجمة، وقبل أن يتسلط عليه علم الكلام. "الهدى والنور" (529/ 54: 24: 00) [1026] باب في أقسام المعية سؤال: بلغنا أيضاً يعني أنا كنت سمعت وقرأت لك في معية الله عز وجل: بأنها معية بعلمه، ولكن في أثناء زيارتنا للأردن التقينا مع أحد الإخوة فأخبرنا: أن الشيخ يقول: بأن معية الله هي معية ذاتية حقيقية، ويقول: بأن هذا القول هو قول ابن تيمية أيضاً، فما أدري يا شيخ يعني حبذا لو ... الشيخ: في أي مكان المعية ذاتية؟ مداخلة: هو يقول بأنها يعني .. الشيخ: يعني مثلاً: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46)، معية ذاتية؟ مداخلة: أي نعم. الشيخ: لا، نحن ما نقول هذا، الله مع المتقين معية ذاتية لا كيفية لها، لكن في بعض المواطن وفي بعض النصوص تكون إما معية علم واطلاع، وإما معية إعانة ونصر، فليست معية ذاتية، مثل هذه الآية: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46)، كذلك مثلاً: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} (الطور:48)، هذه ليست ذاتية، إنما المعية المطلقة تبقى على إطلاقها مع نفي المماثلة والتشبيه وإيكال أمر الكيفية إلى الله عز وجل كما هو الشأن في كل الصفات، ومنها صفة: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5). فالظاهر بلغك مطلقاً، وليس مطلقاً إنما هو مقيد. "الهدى والنور" /724/ 06: 17: 00)

[1027] باب كروية الأرض وعلو الله تعالى

[1027] باب كروية الأرض وعلو الله تعالى سؤال: يسأل (بعضهم) سؤالاً في العقيدة .. فيقول: أنه هذه الكرة الأرضية إذا فرضنا بأن رجل في الطرف الأعلى، بالنسبة لنا، ورجل آخر في الطرف الأسفل، فالرجل الأعلى إذا رفع يديه إلى السماء فإنه يسأل مِنَ الله تبارك وتعالى، ويكون الرفع باليدين إلى جهة العلو، وأما الرجل الذي في الأسفل في تصورنا فيكون يرفع يديه إلى تحت، فهل ممكن توضح لنا هذا؟ الشيخ:- هذا خطأ؛ كل من كان على سطح الأرض فهو يرفع يديه إلى السماء إلى العلو، أنت اللي عم تحكيه خطأ من الناحية الفلكية وخطأ من الناحية الشرعية [ثم أخذ الشيخ يُصَوِّرُ شيئاً للسائل ليبين له المقصود]. " الهدى والنور" (41/ 42: 08: 00) [1028] باب الجمع بين علو الله تعالى وقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فإن الله قبل وجهه» عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال أتانا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في مسجدنا وفي يده عرجون فرأى في قبلة المسجد نخامة فأقبل عليها فحتَّها بالعرجون ثم قال: «أيكم يحب أن يعرض الله عنه إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قِبَلَ وجهه, فلا يبصقن قِبَلَ وجهه ولا عن يمينه, وليبصقن عن يساره تحت رجله اليسرى, فإن عجلت به بادرة فليتفل بثوبه هكذا ووضعه على فيه ثم دلكه ... » الحديث. (صحيح).

[1029] باب هل ينافي قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن أحدكم إذا قام يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه» عقيدة علو الله تعالى؟

[قال الإمام]: (فائدة هامة): اعلم أن قوله في هذا الحديث: «فإن الله قبل وجهه».وفي الحديث [الآخر] .. «فإن الله عز وجل بين أيديكم في صلاتكم» لا ينافي كونه تعالى على عرشه, فوق مخلوقاته كلها كما تواترت فيه نصوص الكتاب والسنة, وآثار الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم, ورزقنا الإقتداء بهم, فإنه تعالى مع ذلك واسع محيط بالعالم كله, وقد أخبر أنّه حيثما توجه العبد فإنه مستقبل وجه الله عز وجل, بل هذا شأن مخلوقه المحيط بما دونه, فإن كل خط يخرج من المركز إلى المحيط, فإنه يستقبل وجه المحيط ويواجهه, وإذا كان عالي المخلوقات يستقبله سافلها المحاط بها بوجهه من جميع الجهات والجوانب, فكيف بشأن من هو بكل شيء محيط, وهو محيط ولا يُحاط به؟ وراجع بسط هذا في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية؛ كالحموية والواسطية وشرحها للشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ص 213 - 201) رحمه الله. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 169). [1029] باب هل ينافي قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن أحدكم إذا قام يصلي فلا يبصق قِبَلَ وجهه فإن الله قبل وجهه» عقيدة علو الله تعالى؟ السائل: عن ابن عمر رضي الله عنهما حديث متفق عليه، أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن أحدكم إذا قام يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قِبَلَ وجهه» ما هو المفهوم الصحيح "فإن الله قبل وجهه" يعني: هل الحديث مطلق كما جاء؟ الشيخ: من حيث ماذا؟ مداخلة: من حيث العقيدة، إيش المفهوم الصحيح .. ؟

[1030] باب حال حديث: «والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم حبلا إلى الأرض السفلى لهبط على الله ... »

الشيخ: المفهوم الصحيح: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) ليس هناك فرق. (فتاوى جدة -الأثر-" (3/ 01:03:18) [1030] باب حال حديث: «والذي نفس محمد بيده لو أنكم دلَّيتم حبلاً إلى الأرض السفلى لهبط على الله ... » السائل: ذكر ابن كثير في تفسيره لسورة الحديد عند قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (الحديد:3) ذكر ابن كثير حديث من رواية الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في نهاية حديث طويل: «والذي نفس محمد بيده لو أنكم دلَّيتم حبلاً إلى الأرض السفلى لهبط على الله ثم قرأ هو الأول والآخر» ما صحة هذا الحديث؟ الشيخ: هذا حديث ضعيف لأنه من رواية الحسن البصري عن أبي هريرة وقد اختلف علماء الحديث في ترجمة الحسن البصري هل سمع من أبي هريرة أم لا، كما أنهم اختلفوا كثيرًا في سماعه من سمرة بن جندب، والصحيح أن سمرة قد سمع منه الحسن بعض الأحاديث ومنها حديث العقيقة «كل غلام مرتهن بعقيقته» (¬1)، ولكن كون الحسن البصري سمع من سمرة بن جندب لا يعني أن كلَّ ما رواه عن سمرة محمول على الاتصال؛ ذلك لأن الحسن البصري مع جلالة قدره قد كان موصوفًا بالتدليس، وبناء على ذلك يتوقف بعض أهل الحديث في قبول حديثه المُعنعَن، فيقولون إذا صرح بالسماع من سمرة فحديثه صحيح، وإذا ¬

(¬1) "صحيح سنن ابن ماجه" (رقم3165).

عنعن وقفنا عن قبول حديثه، فكذلك ما رواه عن أبي هريرة لأن سماعه عن أبي هريرة ليس ثابتًا في قوة سماعه من سمرة، ومع ذلك فيقال في روايته عن أبي هريرة ما قيل آنفًا في روايته عن سمرة إن صرح بالسماع عن أبي هريرة وهذا نادر جدًا جدًا قُبل حديثه، وإلا لم يُقبل؛ لأننا نخشى أن يكون رواه عن شخص هو مجهول أو ضعيف أو نحو ذلك من الاحتمالات. خلاصة القول أن هذا الحديث الذي رواه الترمذي وذكره ابن كثير من روايته هو حديث لا تقوم به حجة لهذه العلة وربما يكون هناك فيه علة أخرى لكن الآن لست متيقنًا من ذلك فحسبكم عنعنة الحسن عن سمرة هذا هو الجواب. "فتاوى جدة -الأثر-" (16 b/42: 00)

جماع أبواب الرد على مخالفي أهل السنة في إثبات صفات العلو والاستواء والفوقية ودفع شبهاتهم (غير ما تقدم)

جماع أبواب الرد على مخالفي أهل السنة في إثبات صفات العلو والاستواء والفوقية ودفع شبهاتهم (غير ما تقدم)

[1031] باب رد شبهات حول إثبات الفوقية لله تعالى

[1031] باب رد شبهات حول إثبات الفوقية لله تعالى الشبهة الأولى: أن إثبات الفوقية يستلزم التشبيه الشبهة الثانية: أنه يستلزم إثبات الجهة لله تعالى. الشبهة الثالثة: أنه يستلزم إثبات المكان لله تعالى. [قال الإمام]: لقد اشتهر عند الخلف نسبة كل من يثبت الفوقية لله تعالى إلى أنه مشبِّه أو مجسِّم، أو إلى أنه ينسب لله الجهة والمكان، فهذه ثلاثة أمور لا بد من إزالة الشبه عنها. الشبهة الأولى: التشبيه: يمكن أخذ الإجابة عن هذه الشبهة مما تقدم من النقول عن الأئمة ومما سنراه في نصوص الكتاب الآتية أذكر الآن بعضها: 1 - قال نعيم بن حماد الحافظ: من شَبَّه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف به نفسه ولا رسولهُ تشبيهاً. 2 - قال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد مثل يدي، أو سمع كسمعي، فهذا تشبيه، وأما إذا قال كما قال الله: يد وسمع وبصر فلا يقول: كيف ولا يقول: مثل فهذا لا يكون تشبيهاً قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}. ولو كان إثبات الفوقية لله تعالى معناه التشبيه لكان كل من أثبت الصفات

الأخرى لله تعالى ككونه قديراً سميعاً بصيراً مُشَبِّهاً أيضا، وهذا ما لا يقول به مسلم ممن ينتسبون اليوم إلى أهل السنة والجماعة، خلافاً لنُفَات الصفات والمعتزلة وغيرهم قال شيخ الإسلام في " منهاج السنة " (2/ 75): " فالمعتزلة والجهمية ونحوهم من نفات الصفات يجعلون كل من أثبتها مجسماً مشبهاً، ومن هؤلاء من يعد من المجسمة والمشبهة الأئمة المشهورين كمالك والشافعي وأحمد وأصحابهم، كما ذكر ذلك أبو حاتم صاحب كتاب "الزينة " وغيره. وشُبهة هؤلاء أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ويقولون: "إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق"، ويقولون: "إن الله يُرى في الآخرة ". هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم ثم قال (ص80): "والمقصود هنا أن أهل السنة متفقون على أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، ولكن لفظ التشبيه في كلام الناس لفظ مجمل، فإن أراد بنفي التشبيه ما نفاه القرآن ودل عليه العقل فهذا حق؛ فإن خصائص الرب تعالى لا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته .. ، وإن أراد بالتشبيه أنه لا يثبت لله شيء من الصفات فلا يقال له علم ولا قدرة ولا حياة؛ لأن العبد موصوف بهذه الصفات فيلزم أن لا يقال له: حي عليم قدير؛ لأن العبد يسمى بهذه الأسماء وكذلك في كلامه وسمعه وبصره ورؤيته وغير ذلك، وهم يوافقون أهل السنة على أن الله موجود حي عليم قادر، والمخلوق يقال له: موجود حي عليم قادر، ولا يقال: هذا تشبيه يجب نفيه ".

الشبهة الثانية: الجهة: والجواب عنها ما قاله ابن تيمية في " التدمرية " (ص 45): قد يراد بـ " الجهة " شيء موجود غير الله فيكون مخلوقاً، كما إذا أريد بـ " الجهة " نفس العرش أو نفس السماوات، وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم، ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه، كما فيه إثبات العلو والاستواء والفوفية والعروج إليه ونحو ذلك، وقد عُلِمَ أنَّ ما ثَمَّ موجود إلا الخالق والمخلوق، والخالق سبحانه وتعالى مباين للمخلوق ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته. فيقال لمن نفى: أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق؟ فالله ليس داخلاً في المخلوقات، أم تريد بالجهة ما وراء العالم؟ فلا ريب أن الله فوق العالم، وكذلك يقال لمن قال: الله في جهة: أتريد بذلك أن الله فوق العالم، أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات؟ فإن أردت الأول فهو حق وإن أردت الثاني فهو باطل". ومنه يتبين أن لفظة الجهة غير وارد في الكتاب والسنة، وعليه فلا ينبغي إثباتها ولا نفيها؛ لأن في كل من الإثبات والنفي ما تقدم من المحذور، ولو لم يكن في إثبات الجهة إلا إفساح المجال للمخالف أن ينسب إلى متبني العلو ما لا يقولون به لكفى. وكذلك لا ينبغي نفي الجهة توهماً من أن إثبات العلو لله تعالى يلزم منه إثبات الجهة؛ لأن في ذلك محاذير عديدة منها نفي الأدلة القاطعة على العلو له تعالى، ومنها نفي رؤية المؤمنين لربهم عز وجل يوم القيامة فصرح بنفيها المعتزلة والشيعة وعلل ابن المطهر الشيعي في " منهاجه " النفي المذكور بقوله: " لأنه ليس في

جهة " وأما الأشاعرة أو على الأصح متأخروهم الذين أثبتوا الرؤية فتناقضوا حين قالوا: " إنه يرى لا في جهة " يعنون العلو قال شيخ الإسلام في " منهاج السنة " (2/ 252): " وجمهور الناس من مثبتة الرؤية ونفاتها يقولون: إن قول هؤلاء معلوم الفساد بضرورة العقل كقولهم في الكلام، ولهذا يذكر أبو عبد الله الرازي أنه لا يقول بقولهم في مسألة الكلام والرؤية أحد من طوائف المسلمين". ثم أخذ يرد على النفاة من المعتزلة والشيعة بكلام رصين متين فراجعه فإنه نفيس وجملة القول في الجهة أنه إن أريد به أمر وجودي غير الله كان مخلوقاً، والله تعالى فوق خلقه لا يحصره ولا يحيط به شيء من المخلوقات، فإنه بائن من المخلوقات كما سيأتي في الكتاب عن جمع من الأئمة. وإن أريد بـ "الجهة" أمر عدمي وهو ما فوق العالم فليس هناك إلا الله وحده. وهذا المعنى الأخير هو المراد في كلام المثبتين للعلو، والناقلين عن السلف إثبات الجهة لله تعالى كما في نقل القرطبي عنهم في آخر الكتاب. وقال ابن رشد في " الكشف عن مناهج الأدلة " (ص 66): " القول في الجهة ": وأما هذه الصفة لم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخروا الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله، وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة مثل قوله تعالى: (ثم ذكر بعض الآيات المعروفة ثم قال) إلى غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولاً وإن قيل فيها إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابها؛ لأن الشرائع كلها متفقة على أن الله في السماءَ وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين ... ).

الشبهة الثالثة: المكان وإذا عرفت الجواب عن الشبهة السابقة " الجهة " يسهل عليك فهم الجواب عن هذه الشبهة وهو أن يقال: إما أن يراد بالمكان أمر وجودي وهو الذي يتبادر لأذهان جماهير الناس اليوم، ويتوهمون أنه المراد بإثباتنا لله تعالى صفة العلو. فالجواب: أن الله تعالى منزه عن أن يكون في مكان بهذا الاعتبار فهو تعالى لا تحوزه المخلوقات؛ إذ هو أعظم وأكبر، بل قد وسع كرسيه السموات والأرض وقد قال تعالى: [وما قدر الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه] وثبت في " الصحيحين " وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «يقبض الله بالأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟». وأما أن يراد بالمكان أمر عدمي وهو ما وراء العالم من العلو فالله تعالى فوق العالم، وليس في مكان بالمعنى الوجودي كما كان قبل أن يخلق المخلوقات. فإذا سمعت أوقرأت عن أحد الأئمة والعلماء نسبة المكان إليه تعالى. فاعلم أن المراد به معناه العدمي، يريدون به إثبات صفة العلو له تعالى، والرد على الجهمية والمعطلة الذين نفوا عنه سبحانه هذه الصفة ثم زعموا أنه في كل مكان بمعناه الوجودي، قال العلامة ابن القيم في قصيدته " النونية " (2/ 446 - 447 - المطبوعة مع شرحها " توضيح المقاصد ": والله أكبر ظاهر ما فوقه شيء ... وشأن الله أعظم شان والله أكبر عرشه وسع السما ... والأرض والكرسي ذا الأركان وكذلك الكرسي قد وسع الطبا ... ق السبع والأرضين بالبرهان

والله فوق العرش والكرسي ... لا تخفى عليه خواطر الإنسان لا تحصروه في مكان إذ تقو ... لوا: ربنا حقا بكل مكان نزهمتوه بجهلكم عن عرشه ... وحصرتموه في مكان ثان لا تعدموه بقولكم: لا داخل ... فينا ولا هو خارج الأكوان الله أكبر هتكت أستاركم ... وبدت لمن كانت له عينان والله أكبر جل عن شَبَهٍ وعن ... مِثل وعن تعطيل ذي كفران إذا أحطت علماً بكل ما سبق استطعت بإذن الله تعالى أن تفهم بيسر من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار السلفية التي ساقها المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب الذي بين يديك " مختصره " أن المراد منها إنما هو معنى معروف ثابت لائق به تعالى، ألا وهو علوه سبحانه على خلقه، واستواؤه على عرشه، على ما يليق بعظمته، وأنه مع ذلك ليس في جهة ولا مكان؛ إذ هو خالق كل شيء، ومنه الجهة والمكان، وهو الغني عن العالمين، وأن من فسرها بالمعنى السلبي فلا محذور منه، إلا أنه مع ذلك لا ينبغي إطلاق لفظ الجهة والمكان ولا إثباتهما لعدم ورودهما في الكتاب والسنة، فمن نسبهما إلى الله فهو مخطئ لفظأً إن أراد بهما الإشارة إلى إثبات صفة العلو له تعالى، وإلا فهو مخطئ معنى أيضاً إن أراد به حصره تعالى في مكان وجودي أو تشبيهه تعالى بخلقه. وكذلك لا يجوز نفي معناهما إطلاقاً إلا مع بيان المراد منهما؛ لأنه قد يكون الموافق للكتاب والسنة؛ لأننا نعلم بالمشاهدة أن النفاة لهما إنما يعنون بهما نفي صفة العلو لله تعالى من جهة ونسبة التجسيم والتشبيه للمؤمنين بها، ولذلك ترى الكوثري في تعليقاته يدندن دائما حول ذلك بل يلهج بنسبة التجسيم إلى شيخ

الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في كل مناسبة ثم تابعه على ذلك مؤلف " فرقان القرآن " في مواطن منه قال في أحدها (ص 61) أن ابن تيمية شيخ إسلام أهل التجسيم {ومن يضلل الله فما له من هاد}. واتهام أهل البدع وأعداء السنن أهلَ الحديث بمثل هذه التهم قديم منذ أن نشب الخلاف بينهم في بعض مسائل التوحيد والصفات الإلهية، وسترى في ترجمة الإمام أبي حاتم الرازي رحمه الله تعالى قوله: " وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر وعلامة الجهمية أن يُسَمُّوا أهل السنة مشبهة وعلامة القدرية (المعتزلة) أن يسموا أهل السنة مجبرة، وعلامة الزنادقة أن يسموا أهل الأثر حشوية ". وإن افتراءهم على شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال بعد أن روى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ينزل الله إلى السماء الدنيا ... » كنزولي هذا، معروف وقد بين بطلان هذه الفرية شيخي في الإجازة الشيخ راغب الطباخ في بعض أعداد مجلة المجمع العلمي بدمشق ثم صديقنا العلامة الأستاذ الشيخ محمد بهجة البيطار في كتابه " ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية ". ومن أسوأ ما افتراه بعضهم على الإمام شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي الأنصاري ما ذكره الحافظ المؤلف في ترجمته من " تذكرة الحفاظ " (3/ 358): " لما قدم السلطان ألب أرسلان (هراة) في بعض قدماته اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل وسلموا عليه وقالوا: ورد السلطان ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطؤوا على أن حملوا معهم صنماً من نحاس صغيراً وجعلوه في المحراب تحت سجادة

الشيخ، وخرجوا وقام إلى خلوته ودخلوا إلى السلطان واستغاثوا من الأنصاري؛ لأنه مجسم وأنه يترك في محرابه صنماً يزعم أن الله على صورته (!) وإن بعث السلطان يجده، فعظم ذلك على السلطان وبعث غلاماً ومعه جماعة فدخلوا الدار وقصدوا المحراب فأخذوا الصنم، ورجع الغلام بالصنم، فبعث السلطان من أحضر الأنصاري فأتى فرأى الصنم والعلماء والسلطان قد اشتد غضبه. فقال السلطان له: ما هذا؟ قال: هذا صنم يعمل من الصفر شبهة اللعبة. قال: لست عن هذا أسألك. قال: فعم تسألني؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول إن الله على صورته، فقال الأنصاري بصولة وصوت جهوري: " سبحانك هذا بهتان عظيم ".فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأخرج إلى داره مكرماً، وقال لهم اصدقوني - وهددهم - فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة فأردنا أن نقطع شره عنا، فأمر بهم ووكل (لعله: فكل) (¬1) بكل واحد منهم وصادرهم ". وختاما أنقل إلى القراء الكرام فصلاً نافعاً من كلام الإمام أبي محمد الجويني في آخر رسالة " الإستواء والفوقية " في تقريب هذه المسألة إلى الأفهام بمعنى من علم الهيئة والفلك لمن عرفه قال: " لا ريب أن أهل العلم حكموا بما اقتضته الهندسة، وحكمها صحيح لأنه ببرهان لا يكابر الحسن (¬2) فيه بأن الأرض في جوف العالم العلوي، وأن كرة الأرض في وسط السماء كبطيخة، في جوف بطيخة والسماء محيطة بها من جميع جوانبها، وأن سفل العالم هو جوف كرة الأرض وهو المركز وهو منتهى السفل ¬

(¬1) كذا، ولعل صوابها: نكَّل. (¬2) كذا ولعل صوابها: الحس.

والتحت وما دونه لا يسمى تحتاً، بل لا يكون تحتاً ويكون فوقاً بحيث لو فرضنا خرق المركز وهو سفل العالم إلى تلك الجهة؛ لكان الخرق إلى جهة فوق، ولو نفذ الخرق جهة السماء من تلك الجهة الأخرى لصعد إلى جهة فوق (¬1). وبرهان ذلك أنا لو فرضا مسافراً سافر على كرة الأرض من جهة المشرق إلى جهة المغرب وامتد مسافراً، لمشى مسافراً على الكرة إلى حيث ابتدأ بالسير وقطع الكرة مما يراه الناظر أسفل منه، وهو في سفره هذا لم يبرح الأرض تحته والسماء فوقه، فالسماء التي يشهدها الحس تحت الأرض هي فوق الأرض لا تحتها؛ لأن السماء فوق الأرض بالذات فكيف كانت السماء كانت فوق الأرض من أي جهة فرضتها. قال: " وإذا كان هذا جسم وهو السماء علوها على الأرض بالذات، فكيف من ليس كمثله شيء وعلوه على كل شيء بالذات كما قال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} وقد تكرر في القرآن المجيد ذكر الفوقية {يخافون ربهم من فوقهم} ... لأن فوقيته سبحانه وعلوه على كل شيء ذاتي له، فهو العلي بالذات، والعلو صفته اللائقة به، كما أن السفول والرسوب والانحطاط ذاتي للأكوان عن رتبة ربوبيته وعظمته وعلوه، والعلو والسفول حد بين الخالق والمخلوق يتميز به عنه هو سبحانه عليٌّ بالذات، وهو كما كان قبل خلق الأكوان وما سواه مستقل عنه بالذات، وهو سبحانه العلي على عرشه، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم يعرج الأمر إليه، فيحيي هذا، ويميت هذا، ويمرض هذا، ويشفي هذا، ويعز هذا، ويذل هذا، وهو الحي القيوم القائم بنفسه، وكل شيء قائم به، فرحم الله عبداً ¬

(¬1) قلت: وقد ذكر نحو هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة " العرشية ". [منه].

وصلت إليه هذه الرسالة ولم يعالجها بالإنكار، وافتقر إلى ربه في كشف الحق آناء الليل [وأطراف] النهار، وتأمل النصوص في الصفات، وفَكَّرَ بعقله في نزولها، وفي المعنى الذي نزلت له، وما الذي أريد بعلمها من المخلوقات؟ ومن فتح الله قلبه عرف أنه ليس المراد إلا معرفة الرب تعالى بها، والتوجه إليه منها، وإثباتها له بحقائقها وأعيانها، كما يليق بجلاله وعظمته، بلا تأويل، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا جمود، ولا وقوف، وفي ذلك بلاغ لمن تدبر، وكفاية لمن استبصر إن شاء الله تعالى ". وقال رحمه الله تعالى وأثابه خيراً مبيناً أثر هذه العقيدة في قلب المؤمن بها: " العبد إذا أيقن أن الله فوق السماء، عالٍ على عرشه بلا حصر ولا كيفية، وأنه الآن في صفاته كما كان في قدمه؛ صار لقلبه قبلة في صلاته وتوجهه ودعائه، ومن لا يعرف ربه بأنه فوق سماواته على عرشه، فإنه يبقى ضائعاً لا يعرف وجهة معبوده، لكن لو عرف بسمعه وبصره وقدمه وتلك بلا هذا [الإيقان] معرفة ناقصة بخلاف من عرف أن إلهه الذي يعبده فوق الأشياء، فإذا دخل في الصلاة وكبر توجه قلبه إلى جهة العرش، منزها ربه تعالى عن الحصر، مفرداً له كما أفرده في قدمه وأزليته، عالماً أن هذه الجهات من حدودنا ولوازمنا ولا يمكننا الإشارة إلى ربنا في قدمه وأزليته إلا بها؛ لأنا محدثون، والمحدث لا بد له في إشارته إلى جهة، فتقع تلك الإشارة إلى ربه كما يليق بعظمته، لا كما يتوهم هو من نفسه، ويعتقد أنه في علوه قريب من خلقه، هو معهم بعلمه وسمعه وبصره، وإحاطته وقدرته ومشيئته، وذاته فوق الأشياء فوق العرش، ومتى شعر قلبه بذلك في الصلاة أو التوجه أشرق قلبه واستنار، وأضاء بأنوار المعرفة والإيمان، وعكسته أشعة العظمة على عقله وروحه ونفسه، فانشرح لذلك صدره، وقوي إيمانه، ونزه ربه عن

[1032] باب إثبات صفة الاستواء لله تعالى والرد على من أنكر ذلك والرد على شبهة المعطلة: أن إثبات الصفات لله يستلزم التشبيه، مع نقل مهم عن الإمام الجويني حول ذلك كله

صفات خلقه من الحصر والحلول، وذاق حينذاك شيئاً من أذواق السابقين المقربين، بخلاف من لا يعرف وجهة معبوده، وتكون الجارية (¬1) راعية الغنم أعلم بالله منه فإنها قالت: "في السماء " عرفته بأنه على السماء فإن " في " تأتي بمعنى " على " فمن تكون الراعية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده؛ فإنه لا يزال مظلم القلب، لا يستنير بأنوار المعرفة والإيمان. ومن أنكر هذا القول فليؤمن به، وليجرب، ولينظر إلى مولاه من فوق عرشه بقلبه مبصراً من وجه، أعمى من وجه، مبصراً من جهة الإثبات والوجود والتحقيق، أعمى من جهة التحديد والحصر والتكييف، فإنه إذا عَلِمَ ذلك وجد ثمرته إن شاء الله تعالى، ووجد نوره وبركته عاجلاً وآجلاً {ولا ينبئك مثل خبير}، والله سبحانه الموفق والمعين ". "مختصر العلو" (ص67 - 76). [1032] باب إثبات صفة الاستواء لله تعالى والرد على من أنكر ذلك والرد على شبهة المعطلة: أن إثبات الصفات لله يستلزم التشبيه، مع نَقْلٍ مُهم عن الإمام الجويني حول ذلك كله [قال الإمام في مقدمة "مختصر العلو"]: موضوع الكتاب وخطورته اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا الكتاب قد عالج مسألة هي من أخطر المسائل الاعتقادية التي تفرق المسلمون حولها منذ أن وُجِدَت المعتزلة حتى ¬

(¬1) في الأصل: الجاذبة. خطأ.

يومنا هذا ألا وهي مسألة علو الله عز وجل على خلقه الثابتة بالكتاب والسنة المتواترة المدعم بشاهد الفطرة السليمة, وما كان لمسلم أن ينكر مثلها في الثبوت لولا أن بعض الفرق المنحرفة عن السنة فتحوا على أنفسهم وعلى الناس من بعدهم باب التأويل فلقد كاد الشيطان به لعدوه الإنسان كيداً عظيماً ومنعهم به أن يسلكوا صراطاً مستقيماً كيف لا؟! وهم قد اتفقوا على أن الأصل في الكلام أن يحمل على الحقيقة وأنه لا يجوز الخروج عنها إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة, أو لقرينة عقلية, أو عرفية, أو لفظية, كما هو مفصل في محله, ومع ذلك فإنك تراهم يخالفون هذا الأصل الذي أصلوه لأتفه الأسباب وأبعد الأمور عن منطق الإنسان المؤمن بكلام الله وحديث نبيه حقّاً, فهل يستقيم في الدنيا فهم أو تفاهم إذا قال قائل مثلاً: "جاء الأمير" فيأتي متأول من أمثال أولئك المتأولين فيقول في تفسير هذه الجملة القصيرة: يعني جاء عبد الأمير أو نحو ذلك من التقدير. فإذا أنكرت عليه ذلك أجابك بأن هذا مجاز فإذا قيل له: المجاز لا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة وهي ممكنة هنا أو لقرينة ولا قرينة هنا (¬1) سكت أو جادلك بالباطل. وقد يقول قائل: وهل يفعل ذلك عاقل؟ قلت: ذلك ما صنعه كل الفرق ¬

(¬1) قرائن المجاز الموجبة للعدول إليه عن الحقيقة ثلاث: العقلية كقوله تعالى: {واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها} أي أهلهما. ومنه: {واخفض لهما جناح الذل}. الثانية: الفوقية مثل {يا هامان ابن لي صرحا} أي مر من يبني لأن مثله مما يعرف أنه لا يبني. الثالثة: نحو {مثل نوره} فإنها دليل على أن الله غير النور. قال أهل العلم: وأمارة الدعوة الباطلة تجردها عن أحد هذه القرائن انظر: "إيثار الحق على الخلق" (ص 166 - 167) للعلامة المرتضى اليماني. [منه].

المتأولة الذين ينكرون حقائق الأسماء والصفات الإلهية من المعتزلة وغيرهم ممن تأثر بهم من الخلف, ولا نبعد بك كثيراً بضرب الأمثال وإنما نقتصد مثلين من القرآن الكريم أحدهما يشبه المثال السابق تماماً, والآخر له صلة بصلب موضوع الكتاب. [فذكر الإمام المثال الأول ثم قال]: وأما المثال الآخر فقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:54) وقوله فتأولوه {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الرعد:2). فقد تأول الخلف الاستواء المذكور في هاتين الآيتين ونحوهما بالاستيلاء, وشاع عندهم في تبرير ذلك إيرادهم قول الشاعر: قد استوى بشر على العراق ... بغير سيف ودم مهراق متجاهلين اتفاق كلمات أئمة التفسير والحديث واللغة على إبطاله وعلى أن المراد بالاستواء على العرش إنما هو الاستعلاء والارتفاع عليه كما سترى أقوالهم مروية في الكتاب "أي: مختصر العلو" عنهم بالأسانيد الثابتة قرناً بعد قرن, وفيهم من نقل اتفاق العلماء عليه. مثل الإمام إسحاق بن راهويه (الترجمة 67) والحافظ ابن عبد البر (الترجمة 151) وكفى بهما حجة في هذا الباب. ومع ذلك فإننا لا نزال نرى علماء الخلف - إلا قليلا منهم - سادرين (¬1) في مخالفتهم للسلف في تفسيرهم لآية الاستواء وغيرها من آيات الصفات وأحاديثها. ¬

(¬1) كذا ولعل صوابها: سائرين.

وقد يتساءل بعض القراء عن سبب ذلك فأقول: ليس هو إلا إعراضهم عن اتباع السلف ثم فهمهم - خطأ - الاستعلاء المذكور في الآيات الكريمة أنه الاستعلاء اللائق بالمخلوق, ولما كان هذا منافياً للتنزيه الواجب لله اتفاقاً فروا من هذا الفهم إلى تأويلهم السابق ظنّاً منهم أنهم بذلك نجوا من القول على الله تعالى بما لا يليق به سبحانه. ولقد كان من كبار هؤلاء العلماء القائلين بالتأويل المذكور برهة من الزمن جماعة من أهل العلم منهم الإمام أبو الحسن الأشعري كما سيأتي بيانه في ترجمته من الكتاب (120) , ومنهم العلامة الجليل أبو محمد الجويني الشافعي والد إمام الحرمين المتوفى سنة (438) ثم هداه الله تعالى إلى اتباع السلف في فهم الاستواء وسائر الصفات, ثم ألف في ذلك رسالة نافعة قدمها نصيحة لإخوانه في الله كما صرح بذلك في مقدمتها وقد وصف فيها وصفاً دقيقاً تحيرَه وترددَه في مرحلة من مراحل حياته العلمية بين أتباع السلف وبين أتباع علماء الكلام في عصره الذين يؤولون الاستواء بالاستيلاء فقال رحمه الله تعالى (ص 176 - 177): " اعلم أنني كنت برهة من الدهر متحيراً في ثلاث مسائل: 1 - مسألة الصفات. 2 - مسألة الفوقية. 3 - ومسالة الحرف والصوت في القرآن المجيد. وكنت متحيراً في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع ذلك من تأويل الصفات وتحريفها, أو إمرارها والوقوف فيها, أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل. فأجد النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسوله

- صلى الله عليه وآله وسلم - ناطقة منبثة بحقائق هذه الصفات وكذلك في إثبات العلو والفوقية وكذلك في الحرف والصوت. ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كتبهم منهم من يؤول الاستواء بالقهر والاستيلاء, ويؤول النزول بنزول الأمر. ويؤول اليدين بالقدرتين أو النعمتين, ويؤول القدم بقدم صدق عند ربهم, وأمثال ذلك ثم أجدهم مع ذلك يجعلون كلام الله تعالى معنى قائماً بالذات بالأحرف بلا صوت, ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم. وممن ذهب إلى هذه الأقوال أو بعضها قوم لهم في صدري منزلة مثل طائفة من فقهاء الأشعرية الشافعيين لأني على مذهب الشافعي - رضي الله عنه - عرفت فرائض ديني وأحكامه, فأجد مثل هؤلاء الشيوخ الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال وهم شيوخي ولي فيهم الاعتقاد التام لفضلهم وعلمهم, ثم إني مع ذلك أجد في قلبي من هذه التأويلات حزازات لا يطمئن قلبي إليها وأجد الكدر والظلمة منها وأجد ضيق الصدر وعدم انشراحه مقروناً بها فكنت كالمتحير المضطرب في تحيره. المتململ من قلبه في تقلبه وتغيره. وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول مخافة الحصر والتشبيه, ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أجدها نصوصا تشير إلى حقائق هذه المعاني وأجد الرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد صرح بها مخبراً عن ربه واصفاً له بها, وأعلم بالاضطرار أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يحضر مجلسه الشريف العالم, والجاهل, والذكي, والبليد, والأعرابي, والجافي, ثم لا أجد شيئاً يعقب تلك النصوص التي كان يصف ربه بها لا نصّاً ولا ظاهراً مما

يصرفها عن حقائقها ويؤولها كما تأولها هؤلاء مشايخي الفقهاء المتكلمين, مثل تأويلهم الاستيلاء للاستواء, ونزول الأمر للنزول وغير ذلك. ولم أجد عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كان يحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفته لربه من الفوقية واليدين وغيرها, ولم ينقل عنه مقالة تدل على أن لهذه الصفات معاني أُخر باطنة غير ما يظهر من مدلولها وأجد الله عز وجل يقول ... " ثم ذكر بعض الآيات في الاستواء والفوقية والأحاديث في ذلك مما هو جزء يسير مما سيأتي في الكتاب ثم قال (ص 181) (¬1): " إذا علمنا ذلك واعتقدناه تخلَّصنا من شبهة التأويل, وعماوة التعطيل, وحماقة التشبيه والتمثيل, وأثبتنا علوَّ ربنا سبحانه وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته, والحق واضح في ذلك, والصدور تنشرح له فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة مثل تحريف الاستواء بالاستيلاء وغيره, والوقوف في ذلك جهل وعي مع كون أن الرب تعالى وصف لنا نفسه بهذه الصفات لنعرفه بها, فوقوفنا عن إثباتها ونفيها عدول عن المقصود منه في تعريفنا إياها؛ فما وصف لنا نفسه بها إلا لنثبت ما وصف به نفسه لنا ولا نقف في ذلك. وكذلك التشبيه والتمثيل حماقة وجهالة. فمن وفقه الله تعالى للإثبات بلا تحريف ولا تكييف ولا وقوف فقد وقف على الأمر المطلوب منه إن شاء الله تعالى". ثم شرع يبين السبب الذي حمل علماء الكلام على تأويل " الاستواء " بالاستيلاء فقال (ص 181 - 183): ¬

(¬1) (مجموعة الرسائل المنيرية). [منه].

"والذي شرح الله صدري في حال هؤلاء الشيوخ الذين أوَّلوا الاستواء بالاستيلاء ... هو علمي بأنهم ما فهموا في صفات الرب تعالى إلا ما يليق بالمخلوقين, فما فهموا عن الله استواء يليق به ولا ... فلذلك حرفوا الكلام عن مواضعه وعطلوا ما وصف الله تعالى نفسه به. ونذكر بيان ذلك إن شاء الله تعالى: لا ريب أنا نحن وإياهم متفقون على إثبات صفات الحياة والسمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة والكلام لله, ونحن قطعا لا نعقل من الحياة إلا هذا العرض الذي يقوم بأجسامنا, وكذلك لا نعقل من السمع والبصر إلا أعراضاً تقوم بجوارحنا فكما أنهم يقولون: حياته ليست بعرض, وعلمه كذلك, وبصره كذلك هي صفات كما تليق به لا كما تليق بنا, فكذلك نقول نحن: حياته معلومة وليست مكيفة, وعلمه معلوم وليس مكيفاً, وكذلك سمعه وبصره معلومان ليس جميع ذلك أعراضاً بل هو كما يليق به. ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله, ففوقيته معلومة أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان, كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به واستواؤه على عرشه معلوم غير مكيف بحركة أو انتقال يليق بالمخلوق بل كما يليق بعظمته, وجلال صفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت غير معلومة من حيث التكييف والتحديد فيكون المؤمن بها مبصراً بها من وجه, أعمى من وجه؛ مبصراً من حيث الإثبات والوجود, أعمى من حيث التكيف والتحديد, وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله تعالى نفسه به وبين نفي التحريف والتشبيه والوقوف وذلك هو مراد الرب تعالى منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه به ونؤمن بحقائقها وننفي عنها التشبيه ولا نعطلها بالتحريف والتأويل, ولا فرق بين الاستواء والسمع ولا بين النزول والبصر, الكل ورد به النص.

فإن قالوا لنا في الاستواء: شبهتم, نقول لهم في السمع: شبهتم ووصفتم ربكم بالعرض, فإن قالوا: لا عرض بل كما يليق به, قلنا في الاستواء والفوقية: لا حصر بل كما يليق به, فجميع ما يلزمونا به في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة والسمع والبصر والعلم, فكما لا يجعلونها هم أعراضاً. كذلك نحن لا نجعلها جوارح ولا ما يوصف به المخلوق وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيحتاجوا إلى التأويل والتحريف. ومن أنصف عرف ما قلنا واعتقده وقَبِلَ نصيحتنا, ودان لله بإثبات جميع صفاته هذه وتلك, ونفى عن جميعها التشبيه والتعطيل والتأويل والوقوف. وهذا مراد الله منا في ذلك؛ لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد وهو الكتاب والسنة, فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل وحرفنا هذه وأولناها كنا كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض وفي هذا بلاغ وكفاية إن شاء الله تعالى " قلت: لقد وضح من كلام الإمام كالجويني رحمه الله تعالى السبب الذي حمل الخلف - إلا من شاء الله - على مخالفة السلف في تفسير آية (الاستواء) وهو أنهم فهموا منه - خطأً كما قلنا - استواء لا يليق إلا بالمخلوق وهذا تشبيه فنفوه بتأويلهم إياه بالاستيلاء ومن الغريب حقًّا أن الذي فروا منه بالتأويل قد وقعوا به فيما هو أشر منه بكثير ويمكن حصر ذلك بالأمور الآتية: الأول: التعطيل وهو إنكار صفة علو الله على خلقه علوا حقيقيا يليق به تعالى. وهو بين في كلام الإمام الجويني الثاني: نسبة الشريك لله في خلقه يضاده في أمره؛ فإن الاستيلاء لغة لا يكون

إلا بعد المغالبة كما ستراه في ترجمة الإمام اللغوي ابن الأعرابي فقد جاء فيها: أن رجلا قال أمامه مفسراً الاستواء معناه: استولى. فقال لهم الإمام: اسكت؛ العرب لا تقول للرجل: " استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد فأيهما غلب قيل: استولى. والله تعالى لا مضاد له ".وسنده عنه صحيح كما بينته هناك في التعليق (210) واحتج به العلامة نفطويه النحوي في " الرد على الجهمية " كما ستراه في ترجمته (119): فنسأل المتأولة: من هو المضاد لله تعالى حتى تمكن (؟!) الله تعالى من التغلب عليه والاستيلاء على ملكه عنه؟ وهذا إلزام لا مخلص لهم منه إلا برفضهم لتأويلهم ورجوعهم إلى تفسير السلف ولما تنبه لهذا بعض متكلميهم جاء بباقعة أخرى وذلك أنه تأول " الاستيلاء " الذي هو عندهم المراد من " الاستواء " بأنه استيلاء مجرد عن معنى المغالبة (¬1). قلت: وهذا مع كونه مخالفا لغة كما سبق عن ابن الأعرابي فإن أحسن ما يمكن أن يقال فيه: إنه تأويلٌ للتأويل, وليت شعري ما الذي دخل بهم إلى هذه المآزق أليس كان الأولى بهم أن يقولوا: استعلى استعلاء مجرداً عن المشابهة. هذا لو كان الاستعلاء لغةً يستلزم المشابهة فكيف وهي غير لازمة؟ لأن الاستواء في القرآن فضلاً عن اللغة قد جاء منسوباً إلى الله تعالى كما في آيات الاستواء على العرش وقد مضى بعضها كما جاء منسوباً إلى غيره سبحانه كما قال في سفينة نوح {استوت على الجودي} وفي النبات {استوى على سوقه} فاستواء السفينة غير ¬

(¬1) نقله الكوثري في تعليقه على " الأسماء والصفات " (ص 406) عن ابن المعلم. [منه].

[1033] باب الرد على بعض أهل البدع ممن عطل صفة الاستواء وغيرها مع الكلام على مسند الربيع بن حبيب

استواء النبات, وكذلك استواء الإنسان على ظهر الدابة, واستواء الطير على رأس الإنسان, واستواؤه؛ على السطح فكل هذا استواء, ولكن استواء كل شيء بحسبه, تشترك في اللفظ, وتختلف في الحقيقة, فاستواء الله تعالى هو استواء واستعلاء يليق به تعالى ليس كمثله شيء. وأما الاستيلاء فلم يأت إطلاقه على الله تعالى مطلقاً إلا على ألسنة المتكلمين فتأمل ما صنع الكلام بأهله لقد زين لهم أن يصفوا الله بشيء هو من طبيعة المخلوق واختصاصه ولم يرضوا أن يصفوه بالاستعلاء الذي لا يماثله شيء وقد قال به السلف, فلا عجب بعد ذلك أن اجتمعوا على ذم الكلام وأهله وتأتيك بعض النقول عنهم في الكتاب ووافقهم على ذلك بعض الخلف فقال السبكي في مقدمة رسالة " السيف الصقيل" (ص 12): " وليس على العقائد أضر من شيئين: علم الكلام والحكمة اليونانية ... وجميع الفرق الثلاث في كلامها مخاطرة إما خطأ في بعضه, وإما سقوط هيبته, والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون على الفطرة السليمة ". " مختصر العلو" (ص25 - 32). [1033] باب الرد على بعض أهل البدع ممن عطَّل صفة الاستواء وغيرها مع الكلام على مسند الربيع بن حبيب [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يُوشِكُ الشِّركُ أن يَنْتَقِلَ من رَبع إلى رَبع، ومن قبيلةٍ إلى قبيلةٍ. قيل: وما ذلك الشركُ؟ قال: قوم يأتون بعدكم يَحُدُّون اللهَ حَدَّاً بالصِّفَةِ».

(موضوع). [قال الإمام]: وآثار الوضع والركة وعلم الكلام عليه ظاهرة، ولا غرابة في ذلك، فإنه لم يروه أحد من أهل السنة، وإنما تفرد به "مسند الربيع بن حبيب" الذي لا يُعرف مؤلفه بالثقة والضبط حتى عند أتباعه الإباضية! فقال فيه (3/ 216 - مطبعة الإستقامة): قال جابر بن زيد: حدثنا أنس بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد معلَّق - فإنه رغم جهالة الربيع، - لم يصرح بسماعه من جابر بن زيد، فإنه مجهول العدالة مجهول الوفاة، وليس عند أتباعه علم به إلا الظن، فالذين طبعوا "مسنده" في دار (الفتح - بيروت)، طبعوا تحته ما نصه: "أحد أفراد النبغاء من آخر قرن البعثة"! والذين طبعوا شرحه للشيخ عبد الله بن حميد السالمي في سلطنة عُمان طبعوا مكان ذلك: "من أئمة المائة الثانية للهجرة"! {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِين}! ومما يدل على ذلك أن الأستاذ التنوخي - عفا الله عنه، وقد حاباهم ما شاءت له المحاباة - قال في تقديمه للشرح المذكور (ص د): "ومع أننا لم نعثر على تاريخ حياته، فإننا نقدر أنه بدأ بجمع "مسنده" في صدر المائة الثانية ... ".ومن قرأ مقدمة الشارح السالمي للمسند المزعوم يتبين له: "أنه كان مشوشاً، وأنه رتبه الشيخ يوسف بن إبراهيم السدراني، وأنه يحوي روايات الربيع عن أبي عبيدة عن جابر، وأن الشيخ المذكور ضم إليه روايات الربيع عن ضمام عن جابر، وروايات أبي سفيان عن الربيع، وروايات الإمام أفلح

عن أبي غانم وغيره، ومراسيل جابر بن زيد".قلت: فمن نكد الدنيا أن يسمى هذا (الكشكول): "مسند الربيع"! وأنكد منه أن يسميه الإباضية "الجامع الصحيح"! والواقع أن أحداً من العلماء بالحديث الشريف ورجاله لا يستطيع أن يثبت بطريق علمي صحة حديث واحد منه، فضلاً عن أن يثبت صحة نسبة الكتاب إلى الربيع أولاً! وكون الربيع نفسه من الثقات الحفاظ ثانياً! ومع هذه الطوام نجد ذاك الجاهل المتعالم الذي لا يعرف من العلم إلا الجعجعة، وتسويد الصفحات بالطعن على كبار المحدثين والعلماء، لا لشيء إلا لتمسكهم بعقيدة السلف، والاستعلاء على علماء عصره ونصبه نفسه عليهم معلماً، يوضح لهم ما كان خافياً، ويفرِّج عنهم كربة الحيرة والضلال في فهم أحاديث الصفات! فاسمع إليه كيف يقول في مقدمته لكتاب ابن الجوزي: "دفع شبه التشبيه" (ص 4):"وإنما نريد الإيضاح وخدمة أهل العلم والطلاب ". وقال في آخرته (ص 274):"نسأل الله تعالى أن نكون بهذا التعليق قد فرجنا عن أهل العلم وطلابه كربة الحيرة في هذه الأحاديث المتعلقة بالصفات". هذا الجاهل المتعالم يصف الربيع بن حبيب الإباضي في تعليقه (ص 124) بـ "الإمام"، ويصف "مسنده" بـ"الجامع الصحيح"،وقال فض فوه: "وهو كتاب محفوظ منقول بالاعتناء عند أهل مذهبه، ككتب الفقه المنقولة عن الأئمة المقتدى بهم، ففيه ... ". ثم ساق له حديثين، لأنهما يشهدان لتعطيله وتجهمه، وإنكاره للصفات - كالإباضية القائلين بأن القرآن مخلوق، وأن الله تعالى لا يراه المؤمنون يوم القيامة، وغيرها من عقائدهم الباطلة -، فترى هذا الجاهل الأفين يستشهد بهذا

"المسند" ويُشَبِّهه بكتب الأئمة - وهو كاذب في ذلك يقيناً -.هذا الحديث أحدهما، والآخر فيه زيادة باطلة على حديث "الصحيحين" عن أبي موسى الذي فيه: «إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً ... » ولا مجال الآن لبيان ذلك، ولكني أريد أن أبيِّن لهذا الجاهل الذي عزا الحديثين لإمامه (!) الربيع، وساق إسناد الربيع فيه: أخبرنا أبو ربيعة زيد بن عوف العامري البصري قال: أخبرنا حماد بن سلمة ... إلخ، فأقول: إن هذا الإسناد مما يدل على بطلان إدعاء الإباضية المتقدم أن الربيع "من آخر قرن البعثة"! بل وادعاء من قال: إنه من أئمة المائة الثانية "! وذلك لأن حماد بن سلمة الذي هو شيخ زيد بن عوف في هذا الإسناد هونفسه من أئمة المائة الثانية، بل من أواخرها، فإنه مات سنة (167)، وزيد بن عوف شيخ الربيع في هذا الإسناد هو من شيوخ أبي حاتم كتابة عنه، وقد توفي سنة (277). وعلى هذا فالربيع إن كان هو الراوي عن زيد بن عوف، يكون من رجال القرن الثالث، وإلا، فالراوي عنه ليس هو الربيع، فيكون عزو الحديث إليه كذباً من جهل هذا المتعالم اغتراراً منه بدعاوى الإباضية. وهذا هو الذي يترجح عندي: أن الراوي للحديث الثاني هو غير الربيع، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، لكن يكفي الإباضية ومن على شاكلتهم ما ذكره الشيخ السالمي الإباضي في (مقدمته) أن من شيوخ الربيع حماد بن سلمة، وهذا في إسناد الحديث شيخ شيخ الربيع: زيد بن عوف - كما تقدم -. ومن الغرائب التي تدل على جهل علماء الإباضية - أو على الأقل عدم اعتمادهم على كتب علماء الحديث في تراجم الحديث -: أن الشيخ السالمي أورد حماد بن سلمة وغيره من شيوخ الربيع - كما زعم - في جملة شيوخ الربيع

المجاهيل!! مع أن حماد بن سلمة من أشهر علماء الحديث والذابين عن السنة - كما يعرف ذلك صغار الطلبة -، ولعله لهذا السبب تجاهله الإباضية. وكان شراً منهم ذلك الجاهل الذي يطعن في أحاديثه، ويعتبر وجوده في إسناد حديث ما مسقطاً لصحة الحديث إلا إذا وافق هواه، فانظر حديث قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - للجارية: "من ربك؟ "، فإنه صححه في غير مكان من تعليقه على " دفع شبه التشبيه"، مع أنه أساء القول فيه جداً مقلداً للشيخ الكوثري، فراجع هذا الحديث في "الصحيحة" (3161)، فقد جمعت فيه طرقه وألفاظه التي منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - للجارية: "أين الله؟ ". أخرجه مسلم وغيره من أهل الصحاح، كأبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود، وصححه أيضاً البيهقي والبغوي والذهبي والعسقلاني وغيرهم. ومع ذلك فإن هذا الجاهل الأفين يستعلي على هؤلاء الأئمة الفحول، ويخطئهم في تصحيحهم لهذا الحديث ويقول (ص 108): "ونحن نقطع بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقل لفظ: (أين الله؟) ". ويصف هذا اللفظ النبوي في مكان آخر (ص 188) فيقول - فض فوه-: "اللفظ المستشنع الشاذ"! ويبني على ذلك إنكار ما في جواب الجارية: "في السماء" ... المطابق لقوله تعالى: {أأمنتم من في السماء}، فيقول في نفس الصفحة دون أدنى تردد أو حياء: "ولا عبرة بكلام المعلق على "الفتح" البتة، لأنه لا يعرف التوحيد! فليخجل بعد هذا من يدعو الناس إلى عقيدة (الله في السماء) وليتب"!! ويشير بقوله: "المعلق على (الفتح) " إلى فضيلة الشيخ ابن باز حفظه الله من كل مكروه ونفع به

المسلمين، وذلك لأنه قال في تعليقه: "الصواب عند أهل السنة وصف الله سبحانه بأنه فوق العرش - كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة -، ويجوز عند أهل السنة السؤال عنه بـ: (أين)، كما في "صحيح مسلم" ... ". وهذا حق لا يخفى إلا على أعمى البصر والبصيرة عياذاً بالله تعالى. وإن مما يؤكد ضلال هذا الجاهل وزيغه ومحاربته لعلماء الحديث والسنة: أنه يستعين على ترويج ضلاله وتجهمه احتجاجه بهذا الحديث على تعطيل علوه تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته، ويتأول الاستواء بتأويل المعطلة، فيقول (ص 124): "معناه قهر واستولى"! ثم يؤيد ذلك بهذا الحديث الباطل، الذي يرمي المؤمنين بصفاته تعالى بالشرك، وأنهم يحدون الله حداً بالصفة! فالإيمان باستعلائه تعالى واستوائه على عرشه تحديد له، لزعمهم أن ذلك يستلزم القول بالتشبيه والتجسيم، ولذلك يرميني هذا الجاهل الضال ويصفني كلما ذكرني بـ "المجسم"! ولا غرابة في ذلك فإنه يرمي بذلك كبار العلماء الأئمة كابن خزيمة وابن تيمية وابن القيم وغيرهم ممن هم على نهج السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين (¬1). وإن من عجيب أمر هؤلاء المعطلة النفاة لعلو الله على عرشه أنهم يتوهمون من إثبات العلو إثبات المكان لله عَزَّ وَجَلَّ، وهذا مما يدل على بالغ جهلهم! لأن الله تعالى كان قبل كل شيء ثم خلق الأمكنة والسماوات والأرض وما بينهما، وقد ¬

(¬1) ويصرح الخبيث بتكفير من يرميهم بالتجسيم، فيقول (ص 245): "لا يجوز أن نتهاون مع المجسمة، فالمجسمة كفار بلا مثنوية" ّ عليه من الله ما يستحق. [منه].

[1034] باب رد شبهة حول علو الله تعالى

صح في المعقول وثبت بالواضح من الدليل أنه كان في الأزل لا في مكان - كما قال حافظ الأندلس ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد" (7/ 135 - 136) -، فهو تعالى ليس في مكان أزلاً وأبداً. ومع هذا الجهل البالغ فقد وقعوا فيما منه فروا، لقد فروا مما توهموه ضلالاً - وهو الحق يقيناً، أن الله فوق المخلوقات كلها ومنها الأمكنة -، فوقعوا في الضلال الأكبر حين قالوا: إنه في كل مكان، وافترى بعض الإباضية في ذلك حديثاً نسبوه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما سترى في الحديث الذي بعده -. والله المستعان. "الضعيفة" (13/ 2/728 - 734). [1034] باب رد شبهة حول علوِّ الله تعالى سؤال: شيخنا بعض الأحباش تلاميذ عبد الله الحبشي قاموا بمخاطبة بعض نساء هذا البلد عن طريق الفطرة يخاطبهم كمثال يقول لهم: من خلق المكان فيجيب النساء: الله، فيقول هذا الحبشي: وهل يجوز أن الله هو خالق المكان أن يكون داخل هذا المكان؟ فتجيب المرأة: طبعاً لا، فيقول لها: إذاً الله يعني لا يحده شيء لا هو في الأعلى ولا في الأسفل ولا للأمام ولا للخلف ولا عن اليمين وعن اليسار، وكذلك سائر الصفات يقول بأن اليد المتعارف عليها هي الجارحة التي بين البشر، وهذا محال أن يكون لخالق البشر وهو رب العباد؟ أفيدونا جزاكم الله خير. الشيخ: ليتها كانت طريقة فطرية. إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:70، 71] أما بعد .. فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. قبل أن أشرع في الإجابة عن هذا السؤال إني أُطَمئن المسلمين جميعاً الحاضرين منهم والغائبين، الرجال منهم والنساء بأن الله تبارك وتعالى منزه عن كل مكان؛ ذلك لأن المكان حينما يُطلق فإنما يقصد به ما كان عدماً ثم خلقه الله عز وجل فجعله مكاناً لمثل هذه المخلوقات الشتى من إنس وجن وملائكة، ولكن هذه الكلمة التي تُلقى من أولئك الناس وهم معلومون عند أهل العلم بأنهم يحييون سنة سيئة من علم الكلام القائم على العقل وليت هذا العقل كان عقلاً موحداً بين جميع الناس، بين المسلمين منهم والكافرين، بين الصالحين من المسلمين والطالحين، ليت هذا العقل كان عقلاً موحداً حتى يصح لكل عاقل أن يرجع في الحكم إليه، أما والعقول مختلفة أشد الاختلاف، ولذلك كان من الحماقة بمكان عظيم أن يحكم هؤلاء المنتمون إلى الإسلام بإخلاص أو بغير إخلاص فحسابهم على الله, لو كان العقل موحداً كان لهم نوع من العذر أن يُحَكِّموا عقولهم، أما والعقول أولاً مختلفة -كما قلنا ولا أعيد التفصيل- بين صالح وطالح، والآن أقول فرقاً آخر: عقل العالم يختلف كل الاختلاف عن عقل الجاهل، ولا أقول عقل عالم بالشرع وإنما أقول

عقل عالم بأي علم يختلف كل الاختلاف عن عقل آخر ليس بعالم بذاك العلم الذي عقله الرجل الأول، فمثلاً العاقل الطبيب لا يمكن أن يشاركه في عقله وفي علمه من لم يكن مشاركاً له في طبه والعكس بالعكس تماماً من كان عالماً مثلاً بالفيزياء أو الكيمياء لا يمكن أن يشاركه من كان عالماً بالطب، وهكذا نقول في النهاية .. في نهاية المطاف لا يمكن أن يكون العاقل العالم بالكتاب والسنة كذاك العاقل الجاهل بالكتاب والسنة، والأمر أهم من هذا التقسيم وهذا التفصيل العاقل العالم بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح لا يمكن أن يكون عقله كعقل ذاك الرجل الذي يتكئ على عقله في فهم الكتاب والسنة ولا يرجع في فهمه إلى ما كان عليه السلف الصالح. فهنا إذاً في نهاية هذا التقسيم عالمان بالكتاب والسنة، لكن أحدهما يعتمد في فهمه للكتاب والسنة على الآثار السلفية التي تعود أولاً إلى أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الأولين، ثم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. هذا الذي يعتمد على الكتاب والسنة وعلى هذا المنهج السلفي يختلف عقله كل الاختلاف عن ذاك الرجل الآخر الذي يعتمد على الكتاب والسنة، ولكن يعتمد على فهمه إياهما وليس على فهم السلف لهما، هؤلاء الناس من علماء الكلام المحدثين أو أولئك العلماء علماء الكلام القدامى كلهم يحكمون عقولهم، ليت عقلهم كان معتمداً فقط على الكتاب والسنة، وليس كالفريق الأول الذي يعتمد على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، لا أدري هذا المكان يتطلب مني وقفة أرجو أن تكون قصيرة للتفريق بين الرجلين الأول الذي يعتمد على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح والآخر الذي يعتمد على الكتاب والسنة دون أن يلوي رأسه وعقله وفهمه إلى ما كان عليه سلفنا الصالح،

لعل هذا لا يحتاج إلى توضيح، أم أن الأمر بحاجة إلى شيء من التوضيح؟ الشيخ: إذا كان هذا التفريق واضحاً في آذان إخواننا الحاضرين وإخواننا الحاضرين الغائبين .. إذا كان هذا واضحاً فأقول: هذه فلسفة نعرفها من أقدم حينما يعتمدون على الكلام ولا أقول على العقل بعد ذاك التفصيل، وإنما على عقلهم فقط، يريدون أن ينزهوا الله عز وجل عن المكان وهو منزه عن المكان بحكم قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} (البقرة:255) فالله عز وجل كما نعلم جميعاً على اختلاف الفرق الإسلامية كان الله ولا شيء معه، لم يكن ثمة زمان ولا مكان، ثم خلق الله عز وجل المكان والزمان، فلذلك فلا شك ولا ريب أن الله عز وجل ليس في مكان، ولكن الذي يجب الانتباه له أن تلك الكلمة الحبشية إذا صحت هذه النسبة يتبين لنا بهذه الكلمة الموجزة أنها كلمة حق أريد بها باطل، أي قولهم: إن المكان مخلوق ولا يُعقل أن يكون الله عز وجل حالاً في مخلوق .. هذا كلام صحيح، لكن هي كلمة حق أريد بها باطل، ما هو الباطل الذي يُراد بهذه الكلمة؟ يريدون أن يعطلوا الله عز وجل عن صفاته وعن أسماءه تبارك وتعالى المصرح بها في القرآن وفي السنة الصحيحة، فنحن نقول معهم بأن الله عز وجل ليس في مكان، ولكن هل يقولون معنا كما قال الله عز وجل في القرآن {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5]؟ هل يقولون معنا الآية الكريمة {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10)؟ هل يقولون معنا كما قال ربنا: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج:4)؟ هل يقولون .. هل يقولون؟ الجواب مع الأسف لا، إذاً تلك كلمة حق أريد بها باطل، والآن سيتضح لكم ولكل من قد يكون تسربت إليهم أو إليهن شيء من شبه أولئك الأحباش، سنقول: إن الله عز

وجل قد وصف في هذه الآيات وفي غيرها، وفي أحاديث كثيرة وكثيرة جداً أن له صفة العلو .. أن له تبارك وتعالى صفة العلو، فلا جرم أن المصلي حينما يسجد يقول: سبحان ربي الأعلى، وأن من أدب التلاوة في قيام الليل في صلاة الليل، إذا قرأ الإمام سبح اسم ربك الأعلى أن يقول المقتدون من وراءه: سبحان ربي الأعلى، ونحو ذلك من نصوص كثيرة في الكتاب والسنة قاطعة الدلالة على أن لله عز وجل صفة العلو على المخلوقات كلها، هل هم يقولون مع قولهم إن الله ليس في مكان أن الله على العرش استوى؟ لا يقولون بذلك، والسبب يعود إلى أمرين اثنين والأمر كما يقال أحلاهما مر: إما أن يكون الأمر هذا يعود إلى انحراف في الفكر والعقل بل وإلى نقص في العقل والفهم، وإما أن يكون القصد الهدم للإسلام من أقوى جوانبه ألا وهو العقيدة المتعلقة بالله تبارك وتعالى، وكما علمتم أحلاهما مر .. سواء كان قولهم هذا بأن ينكروا ما صرح الله عز وجل في تلك الآيات والنصوص ما ذكرنا منها وما لم نذكر بأن لله صفة العلو، إنكارهم لهذه الصفة إما أن يكون نقصاً في العقل والفهم والعلم، وإما أن يكون كيداً للإسلام والمسلمين فأحلاهما مر. نحن سنقول الآن: الله عز وجل ليس في مكان خلقه بعد أن كان عدماً، هذه حقيقة لا شك ولا ريب فيها، لكن هل الله عز وجل فوق المخلوقات كلها وهو ليس في مكان لا تلازم؟ وهنا يظهر جهل هؤلاء أو كيدهم، لا تلازم إطلاقاً بين إثبات صفات العلو لله عز وجل على المخلوقات كلها، وبين أن يكون هو في مكان؛ لأن المكان حينما يُطلق إنما يراد به شيئاً كان مسبوقاً بالعدم ثم خلقه الله عز وجل. إذاً هؤلاء الذين يبدؤون الكلام بالفلسفة الكلامية المكان مخلوق أم ليس

بمخلوق؟ نعم هو مخلوق. هل يليق بالله عز وجل أن يكون في مكان خلقه؟ الجواب: لا يليق. إذاً كيف يقال: إن الله في مكان؟ نقول: لا أحد من المسلمين يقول إن الله في مكان إلا المنحرفين عن الكتاب والسنة، هناك طائفتان اثنتان: طائفة تثبت المكان لله ولعلكم تسمعون هذا الإثبات من ألسنة من ينتمون إلى أهل السنة والجماعة من بين أظهرنا، لا نذهب بكم بعيداً عنا فأحدنا في بعض المجالس طالما سمع بأذنيه قائلاً من المسلمين وليسوا من الأحباشيين، طالما سمعناهم يقولون: الله في كل مكان، الله موجود في كل الوجود .. ! هذه عقيدة ليست من عقائد المسلمين إطلاقاً، وهذا إنما هو عقيدة طائفة من طائفتين انحرفتا عن العقيدة الصحيحة التي ذكرناها آنفاً من المقطوع بها في القرآن وفي السنة وهي أن الله عز وجل على العرش استوى، هم المعتزلة قديماً وحديثاً، المعتزلة القدامى يصرحون بأن الله في كل مكان، ومن هؤلاء الطوائف التي لا تُعرف اليوم باسم المعتزلة لكنهم يُعرفون باسم آخر وهم طائفة من الخوارج الذين نعرف جميعاً شيئاً من تاريخهم ومن انحرافهم في كثير من العقائد الصحيحة تلك الطائفة الموجودة اليوم هم المعروفون بالإباضية .. الإباضية الآن يتبنون عقيدة المعتزلة أن الله عز وجل في كل مكان، لا كلام لنا الآن مع هؤلاء؛ لأنهم قد عرفتم بأنهم مبطلون حينما يحشرون الله عز وجل في كل مكان، لكن مع الأسف يجب أن تتنبهوا وأن تتذكروا أن هؤلاء الأحباش وأمثالهم حينما يلتقون

مع بعض المسلمين أو المسلمات ويشككونهم في عقيدتهم الصحيحة وهي أن الله عز وجل على العرش استوى، كيف لا كيف كما تعلمون، وهذا له بحث آخر .. فبدل أن يعالجوا ما نسمعه في مجالس أهل السنة والجماعة كما يقولون اليوم إن الله موجود في كل مكان، بدل أن يعالجوا هذا الخطأ يعالجون عقيدة صحيحة باسم إنكار هذا الخطأ، فالمعتزلة قديماً ومن على شاكلتهم من الإباضية حديثاً يصرحون بأن الله في كل مكان، وهذا ضلال ما بعده ضلال، ولعلنا نعرج لتفصيل شيء من هذا الضلال .. أما الطائفة الأخرى فهم الذين يقولون إن الله ليس في مكان مطلقاً سواء كان المكان مكاناً وجودياً أي الذي كان عدماً ثم خلقه الله، أو كان مكاناً ذهنياً، كلنا يعلم كما ذكرت لكم آنفاً بأن الله عز وجل كان ولا زمان ولا مكان، فهل كان في مكان؟ إن كان المقصود بالمكان مكان المخلوق فحاشاه، كان ولا شيء معه مطلقاً، أما إن كان في هذا العدم الذي كونه فيما بعد فجعل قسماً منه خلقاً بقوله: {كُنْ فَيَكُونُ} (البقرة:117) فالله كان وهو من هذه الحيثية لا يزال كما كان، أي ليس في مكان مخلوق، هذا واضح جداً .. فالطائفة الأخرى ينكرون أن يكون الله عز وجل كما كان في الأزل ليس في مكان، ولذلك فهم لا يثبتون له صفة العلو على المخلوقات كلها، هؤلاء لهم قولة من أبطل ما يقوله كافر لا أقول مسلم، هؤلاء الفريق الثاني الذين يخالفون المعتزلة في ضلالهم عرفتم المعتزلة يقولون: إن الله في كل مكان .. ! هذا ضلال واضح ولا يحتاج إلى بيان إن شاء الله على الأقل الآن، أولئك الذين يقولون الله ليس في مكان كما تقول المعتزلة وكما تقول الأحباش، هؤلاء لا يقولون إن الله عز وجل له صفة العلو على المخلوقات كلها، لا يعلم كيفية ذلك إلا الله عز وجل ماذا يقولون؟ يقولون اسمعوا الآن وانتبهوا،

وهذه عقيدة الأحباش فأرجو مَنْ تمكنوا مِنْ الوسوسة إليهم أن يعرفوا حصيلة وسوستهم ألا وهي جحد الخالق والمصير إلى الإلحاد المطلق كما هو مذهب الشيوعيين والدهريين والزنادقة والملاحدة الذين يقولون: لا شيء إلا المادة، اسمعوا الآن بماذا يصفون ربهم؟ يقولون: الله تبارك وتعالى لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، ها نحن اتفقنا معهم المكان مخلوق وهو العالم، فالله ليس داخل العالم، ولكن ما بالهم يقولون: أيضاً ليس خارج العالم؟ هذا هو الإلحاد وهذا هو الجحد المطلق، زاد بعضهم إغراقاً في التعطيل وفي النفي فقالوا بعد أن قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، قالوا: لا متصلاً به ولا منفصلاً عنه، هذا هو الجحد، هذا الذي يقوله الدهريون جميعاً. ويعجبني بهذه المناسبة مناظرة وقعت بين شيخ الإسلام وبين بعض علماء الكلام من أمثال الأحباش هؤلاء كانوا قد شكُوا شيخ الإسلام ابن تيمية إلى حاكم البلد يومئذ في دمشق، بأنه يقول كذا وكذا وكذا .. ويجسم ويتهمونه بما ليس فيه، وطلبوا عقد مجلس مناظرة معه، فاستجاب الأمير لذلك ودعا شيخ الإسلام ابن تيمية والمخالفين له، فجلسوا أمام الأمير فسمع الأمير دعوى هؤلاء المشائخ، وسمع من شيخ الإسلام الآيات والأحاديث التي تُثبت لله عز وجل صفة العلو على خلقه مع التنزيه التام كما هو مصرح به في القرآن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فلما سمع كلام الشيخ من جهة وكلام أولئك العلماء من جهة أخرى قال وهذا يدل على عقل وذكاء ممتاز قال: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم، هذه كلمة حق .. أناس يقولون عن ربهم باختصار، ما في داعي نعيد عليكم .. حسبكم أن تتذكروا الحصيلة لا داخل العالم ولا خارجه، لا متصلاً به ولا

منفصلاً عنه، صدق ذلك الأمير حينما قال عن هؤلاء الأقوام: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم؛ لأننا إذا قلنا لأفصح رجل في اللغة العربية صف لنا المعدوم الذي لا وجود له؟ لما استطاع أن يصفه بأكثر مما يصف هؤلاء معبودهم وربهم، المعدوم: الذي ليس داخل العالم ولا خارجه، فهل الله كذلك؟ حاشا لله، كان الله ولا شيء معه، لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الحقيقة يصف الطريقين المجسمة الذين يشبهون الله ببعض مخلوقاته، هؤلاء الذين يتستر من ورائهم الأحباش هؤلاء فينكرون أن يكون لله مثلاً صفة اليد التي ذكرها في القرآن والصفات الأخرى التي قد نتعرض لذكر شيء منها قريباً إن شاء الله .. وصف هؤلاء ابن تيمية المجسمة بوصف دقيق جداً كما أنه وصف المعطّلة وقرن الطائفتين وجمعهم في وصف يجمعهم الضلال قال: المُجسِّم يعبد صنماً والمعطّل يعبد عدماً، الله ليس جسماً .. ! حاشا لله، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) أما المعطل فيعبد عدماً، كيف؟ لا داخل العالم ولا خارج العالم، لا متصلاً به ولا منفصلاً عنه هذه هي عقيدة المعتزلة وعلماء الكلام ومنهم الأشاعرة اليوم، ومنهم بعض الماتريدية قديماً وقد يكونون اليوم عامة الماتريدية حيث لا يقولون بقولة الحق التي قالها بعض الماتريدية القدامى الذين تمسكوا بهدي السلف الصالح فقال قائلهم بحق: ورب العرش فوق العرش لكن ... بلا وصف التمكن واتصال أي أن الله عز وجل كما قال: {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (العنكبوت:6) فالله عز وجل استوى على العرش أي استوى على المخلوقات كلها ليس لأنه بحاجة إليها وإنما ليكون مهيمناً وقاهراً لكل مخلوقاته. يأتي هنا أن نقول لهؤلاء الأحباش وأمثالهم من المنحرفين عن عقيدة السلف

الصالح أن الله عز وجل فوق العرش استعلى بنص القرآن الكريم وتفسير السلف الصالح ها أنتم تقولون إن الله عز وجل ليس في مكان، هل يجوز للمسلم أن يقول أين الله؟ هنا سينكشف البرقع عن هؤلاء المتسترين بتنزيه الله عز وجل عن المكان المخلوق، لكننا نسألهم هل يجوز للمسلم أن يقول أين الله؟ إعتقادي وتجربتي في أكثر من نصف قرن من الزمان أنهم يأبون أن يُسأل المسلم مثل هذا السؤال أين الله؟ بالتالي من باب أولى أنهم يأبون أن يكون جواب هذا السؤال: الله عز وجل في السماء، علماً بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الذي سن لنا نحن معشر المسلمين المتبعين للكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح هو الذي سن لنا أن نسأل من نشك في إيمانه بالله عز وجل: أين الله؟ وبالتالي سن لنا الجواب أن يكون هو: الله في السماء، لكن هذا لا بد أنه بحاجة إلى شيء من البيان، أي حينما نقول الله في السماء، وهذا سأقوم به إن شاء الله بعد أن أذكر إخواننا وأخواتنا السامعات بحديث أخرجه الأئمة في كتبهم واتفق علماء الحديث وعلماء التفسير وفقهاء الأئمة الأربعة وغيرهم على صحة الحديث التالي، وقد أخرجه من أهل الحديث الإمام مسلم في صحيحه ومن قبله الإمام مالك في موطئه ومن بعده الإمام أحمد في مسنده، وغيرهم كثير وكثير جداً ممن تبعوهم بإحسان، ذلك الحديث هو ما جاء بالسند الصحيح عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه أنه صلى يوماً وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فعطس رجل بجانبه فقال له وهو يصلي: يرحمك الله، فنظروا إليه بأطراف أعينهم مسكتين له، لكنه يبدو أنه كان حديث عهد بالإسلام حديث عهد بمعرفة الأحكام المتعلقة بالصلاة، ولذلك فقد ضاق بهم ذرعاً حينما رآهم ينظرون إليه نظرة تسكيت له، فقال رافعاً صوته: واثكل أمياه، ما بالكم تنظرون إلي؟ فأخذوا ضرباً على أفخاذهم، أيضاً يتابعونه

بالإسكات، فحينئذ كأنه تبين أنه على خطأ، فذكر من هديه عليه السلام ولطفه معه قال: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة أقبل إليّ فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي تسبيح وتكبير وتحميد»، لما وجد هذا الرجل هذا اللطف وكل شيء من معدنه جميل فهو الذي وصفه رب العالمين في القرآن الكريم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4) حينما وجد منه هذا اللطف في التعليم طمع أن يزداد علماً بعد أن عرف أنه أخطأ في الصلاة وتكلم ولا يجوز له الكلام، فقال: يا رسول الله إن منا أقواماً يتطيرون قال: فلا يصدنكم، قال: إن منا أقواماً يأتون الكهان، قال: فلا تأتوهم، قال: إن منا أقواماً يخطون بالرمل، ضرب الرمل معروف إلى اليوم مع الأسف، قال عليه الصلاة والسلام: «قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه خطه فذاك»، قال: يا رسول الله .. والشاهد الآن يأتي، وما مضى يحتاج إلى محاضرة بل وأكثر من محاضرة، ولكن الشاهد الآن هو ما يأتي .. قال: يا رسول الله لي جارية ترعى غنماً لي في أُحُد فسطا الذئب يوماً على غنمي وأنا رجل أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة وعليّ عتق رقبة، فقال عليه الصلاة والسلام: «هاتها»، فلما جاء قال لها عليه الصلاة والسلام: «أين الله؟ قالت: في السماء قال لها: من أنا قالت: أنت رسول الله قال لسيدها: اعتقها فإنها مؤمنة». هذا الحديث اتفق علماء المسلمين على اختلاف تخصصاتهم من علماء الحديث وهذا تخصصهم، وعلماء التفسير وعلماء الفقه وعلماء التوحيد .. كلهم اتفقوا على تصحيح هذا الحديث إلا علماء الكلام الذين يركبون رؤوسهم ويتبعون أهواءهم فهم الذين يردُّون هذا الحديث بعقولهم العقول التي عرفتم أنها لا قيمة لها، هذا الحديث سن لنا أنه يجوز لنا أن نسأل الأحباشيين وأمثالهم من

أذناب المعتزلة أو الإباضية: أين الله؟ فتراهم حيارى، والجريء منهم يقول: هذا السؤال لا يجوز، وهم يجهلون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الذي سَنَّ هذا السؤال لأمته، فهم إذاً يردون على نبيهم الذي يزعمون أنهم يؤمنون به، ثم كان الجواب من الجارية الله في السماء، قد لا تصدقون ولكن الكتاب موجود، إن بعض العلماء في العصر الحاضر يقولون إن القول بأن الله في السماء هي عقيدة الجاهلية وليست عقيدة المسلمين، وأن هذه الكلمة أن الله في السماء هي حكاها عنهم رب العالمين في القرآن الكريم، والله كما تعلمون من سورة تبارك {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16، 17) هناك قسم آخر أقرب إلى الهدى وأبعد عن ضلال القسم الأول الذين قالوا إن القول بأن الله في السماء هو قول الجاهلية يتأولون هذه الآية بتأويل: يقولون من في السماء، يعني الملائكة، وهذا من شؤم ما يسمونه بالمجاز إنهم يسلكون طرق المجاز لتعطيل الصفات الإلهية. يأتي هنا أحاديث كثيرة لإبطال مثل هذا التأويل من ذلك الحديث المتداول بين الناس اليوم ولكن أكثر الناس لا يعلمون بل لا يفقهون ما به يتكلمون، ذلك الحديث هو: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء .. » من في السماء: هو الله، من في الأرض: خلق الله من إنسان ومن حيوان ومن دواب إلى آخره .. هذا الحديث لأنه يوضح المعنى المقصود من قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} وهذا الذي قلت آنفاً ربما نعرج لبيان معنى في السماء؛ لأن في من حيث الاستعمال العربي تأتي في بعض الأحيان بمعنى الظرفية، وأحياناً تأتي بمعنى آخر من حروف الجر فتأتي بمعنى على، فيا تُرى «في» هنا في هذه الآية هل هي بالمعنى المعهود، أي إنها ظرف؟ الجواب لا، ومن

هنا يظن علماء الكلام أنهم إذا نفوا أن يكون الله في السماء أنهم نزهوه، هم في الحقيقة نزهوه عن فهمهم الخطأ للآية، لكن قد أنكروا أن يقولوا كما قال الله: الله في السماء، فجهلوا معنى أن الله في السماء أنه على السماء، وفي ذلك أو في هذه الحالة يلتقي معنى هذه الآية مفسراً بالحديث السابق: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، من في الأرض ليس المقصود من كان في جوف الأرض من ديدان وحشرات وو إلى آخره، وإنما المعنى واضح جداً من على الأرض، من تتعاملون معهم من بني جنسكم من الإنس أو مما ذلل الله لكم من الحيوانات .. ارحموا من على الأرض يرحمكم من في السماء، أي من على السماء حينئذ هذا التفسير الذي يُوضِّحه هذا الحديث يلتقي تماماً مع كل الآيات التي ذكرنا بعضها وأحاديث أخرى أن الله عز وجل له صفة العلو، فحينما نوجه السؤال إلى هؤلاء الأحباش أو غيرهم ممن هم على شاكلتهم في ضلالهم أين الله؟ يجب أن يكون جوابهم كما قالت الجارية: الله في السماء، لكن ليس بمفهومهم "في" ظرفية؟ لا، وإنما بالمفهوم الذي وضحه الحديث أولاً وكان عليه سلفنا الصالح ثانياً؛ أي: أن الله في السماء أي على السماء، أي على العرش؛ لأن كل ما علاك فهو سماء، فحينئذ تسد الطرق كلها أمام هؤلاء الأحباش الذين يظنون أولاً أنه لا يجوز أن يسأل المسلم أين الله، وثانياً يظنون أنه لا يجوز أن يقول أن الله في السماء بعد أن تبين لهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الذي سَنَّ هذا السؤال: أين الله؟ وهو الذي شهد لتلك الجارية بالإيمان حينما نطقت بلفظ القرآن: الله في السماء. وهنا عبرة لا بد من أن أذكرها وهي .. يتبين لنا الفرق بين الحياة التي كان يعيشها عامة المسلمين في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى الجارية راعية الغنم، وبين ما يعيشه اليوم عامة المسلمين وكثير من خاصتهم؛ لأن هذا السؤال لو وُجِّه إلى كثير

من الخاصة وفيهم بعض كبار علماء الأزهر الذي يوصف فيقال: الأزهر الشريف، إذا وجِّه إليهم هذا السؤال: أين الله؟ لم يجيبوا بجواب الجارية، ما هذه الفارقة بين كبار العلماء في العصر الحاضر لا يجيبون عن سؤال الرسول عليه السلام بينما راعية الغنم تعرف الجواب الصحيح لهذا السؤال الوجيه، أقول: هذا دليل أن المسلمين في العهد الأول كانوا ربوا جميعاً لا فرق بين خاصتهم وعامتهم، كانوا ربوا جميعاً بتربية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما يتعلق على الأقل بالعقيدة التي لا بد لكل مسلم أن يكون فاهماً لها أولاً، ثم مؤمناً بها، هذه جارية كيف عرفت العقيدة الصحيحة؟ الجواب: الجارية لا نتصور أنها كانت تتمكن أن تحضر حلقات العلم التي كان يحضرها كبار أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وخاصتهم، بينما الآخرون ما كانوا يحضرون جلسات الرسول عليه السلام، إذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما بُلّغ حديثاً من أبي هريرة رضي الله عنه ندم فقال: شغلنا الصفق في الأسواق، إذا كان هذا عمر فماذا نقول عن الصحابة الآخرين، وماذا نقول عن النساء، بل ماذا نقول أخيراً عن الجواري وعن راعية الغنم. أريد من هذه التوطئة كيف فهمت هذه الجارية هذه العقيدة الصحيحة التي إلى الآن لم يفهمها بعض الخاصة من أهل العلم؟ إنها كانت تعيش في جو مُوحِّد في التوحيد الصحيح، لا مثيل له في الدنيا إطلاقاً بسبب وجود الرسول عليه السلام، بسبب وجود النور بين ظهراني أولئك الصحابة من الرجال والنساء من الخاصة والعامة، هذه الجارية تلقت هذه العقيدة من سيدها، فسيدها يسمع العقيدة الصحيحة بل والأحكام الشرعية من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم لا يقتصر على الاحتفاظ بها بل ينقلها إلى من هو يعوله من ينفق عليه مادةً، وينفق عليه أيضاً علماً ومعنى، من هنا نعرف لماذا عرفت الجارية هذه العقيدة الصحيحة؛ لأنها عاشت في ذلك الجو

الوحيد في فهمهم للتوحيد الصحيح، أما اليوم فالمسلمون يعيشون في أجواء متباينة، في عقائد متفرقة متضاربة أشد التضارب ولذلك فلا نجاة للمسلمين في هذا الزمان إلا أن يعودوا إلى ما كان عليه السلف الصالح، وأن يحققوا في أنفسهم خبر نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما قال واصفاً للفرقة الناجية قال: هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي. أردت أن أختم الكلمة بهذا الحديث، لكني تذكرت أنه كان في جملة السؤال المطروح آنفاً أن هؤلاء الأحباش ينكرون في جملة ما ينكرون اليد التي وصف الله عز وجل نفسه بها، يقولون: اليد جارحة .. ! سبحان الله، وهم يتكلمون عن أنفسهم، فكيف يقولون في اليد التي ذكرها الله إنها جارحة؟ هؤلاء من أجهل الناس إن لم يكونوا من أضل الناس؛ ذلك لأنهم يقيسون الغائب على الشاهد، بل يقيسون غيب الغيوب وهو الله تبارك وتعالى على أنفسهم، هذا في منتهى الحماقة إن لم يكن في منتهى الضلال، نحن نجاريهم جدلاً لا عقيدةً وحاشى أن نشاركهم في عقيدتهم، نقول لهم: الله ذات متصف بصفات الكمال، هل تقولون معنا؟ لا بد أن يقولوا معنا: نعم أو يقولوا: لا، فإن قالوا: لا فذاك هو الذي يدل على ضلالهم ويؤكد ما هم فيه فلا كلام لنا معهم؛ لأن الكلام حينئذ يكون مع الزنادقة، والمفروض الآن أننا نتكلم مع مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون وو إلى آخره .. فإذا قالوا نحن معكم بأن الله عز وجل له كل صفات الكمال، فإذا قالوا هذه الكلمة فقد تناقضوا حينما قالوا الله ذات وله صفات، وأنت أيها المتكلم بكلام علماء الكلام حينما تقول اليد جارحة هذه جارحة بالنسبة لذاتك، فهل ذاتك كذات الله أو ذات الله كذاتك؟ ستقول حاشى لله، ذاته ليست كالذوات، وبالتالي صفاته ليست كسائر صفات المخلوقات، إذاً انتهت المشكلة يا جماعة .. يقال في الذات ما يقال في الصفات، يقال في الصفات

ما يقال في الذات إيجاباً وسلباً الله ذات له كل صفات الكمال ومنزه عن كل صفات النقص، ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فهو سميع وبصير صدق الله، لكن سمعه ليس كسمعنا، بصره ليس كبصرنا، لا بد لهؤلاء المجادلين بالباطل والمتسترين بكلام ظاهره حق وباطنه باطل، لا بد لهؤلاء أن ينكروا كل صفات الله عز وجل، لماذا؟ لأن وصف الله بهذه الصفات في الغالب فيها اشتراك لفظي ليس حقيقي معنوي، الله عز وجل قال عن آدم {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) ووصف نفسه بأنه سميع بصير، إذاً انتهى الوقت؟ إذاً ننهي هذا الكلام فنقول: إذا كان الله عز وجل قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) ووصف آدم عليه السلام بأنه جعله سميعاً بصيراً، فعلى طريقة هؤلاء الأحباش وأمثالهم من المعطلة لا بد من أحد شيئين: إما أن نقول إن الله ليس كما قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11]) لأنه قال في آدم: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) أو أن نقول لا هو كما وصف به نفسه لكن قوله في آدم {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) ليس كذلك فلا بد من تعطيل أحد الوصفين إما ما كان منهما متعلقاً بالله عز وجل وهذا كفر، وإما ما كان متعلقاً بوصف الله لآدم عليه السلام بأنه جعله سميعاً بصيراً إنكار أيضاً هذا فهو كفر فهم دائرون ما بين كفر وكفر وذلك عاقبة من لا يتبع السلف الصالح، ولذلك قيل: وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف فنوصي الحاضرين جميعاً ألا يصغوا لعلماء الكلام ولا لأذنابهم، وعليهم أن يعرفوا عقيدة السلف ليكونوا إن شاء الله مهتدين، والحمد لله رب العالمين. "الهدى والنور" (695/ 54: 00: 00) و (695/ 43: 27: 00)

[1035] باب رد شبهة حول علو الله تعالى والكلام على كتاب «دفع شبه التشبيه» ومحققه

[1035] باب رد شبهة حول علوِّ الله تعالى والكلام على كتاب «دفع شبه التشبيه» ومحققه سؤال: ما أدري يا شيخ لعلك اطلعت على كتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه. الشيخ: نعم اطلعت. الملقي: طيب لديَّ استفسار عن الكتاب الحقيقة يعني المادة العلمية بخلاف الاستفسار عن المحقق يعني هذا ما يهمني لأني أعرف عن رأيك فيه. الشيخ: طيب استفسارك عن ماذا إذن؟ الملقي: سؤالي عن المادة العلمية في الكتاب، يعني ما ذكره ابن الجوزي، ميزانه أو قيمته العلمية؟ الشيخ: قيمته العلمية كقيمة السقاف هذا. الملقي: أي نعم. يعني الحقيقة الرجل ذكر يعني أشياء فيها من السذاجة ما فيها، لكن بعضها مثلاً. الشيخ: ليتها اقتصرت على السذاجة، ليتها اقتصرت على السذاجة. الملقي: أي نعم. الشيخ: بل هي ملؤها الضلال، وملؤها الزور والبهت والافتراء على الأئمة فيكفيك من المكتوب عنوانه. الملقي: يعني مثلاً مسألة العلو هو ذكر أنه بتلاقي الأدلة أنه «لا يبصق أحدكم تجاه القبلة فإن الله يعني ثم أوفى وجه القبلة أو شيئاً من ذلك» فكيف يجمع بين الله

-تبارك وتعالى- على عرشه فوق السماء ويجمع بين الأحاديث هذه؟ الشيخ: إذاً أنت عندك شبهة. الملقي: أعوذ بالله. الشيخ: وإلا هذا السؤال نابع عن شبهة. الملقي: يا شيخ والإنسان دائماً ينبغي له أن يتحرز حتى لو سُئل أو عرضت عليه هذه الشبهة يعرف كيف يرد عليها. الشيخ: معليش، لكن أنت عند شبهة؛ بدليل قول: كيف يُجمع؟ الملقي: أنا أصارحك أن الرجل هو ... الشيخ: دعك والرجل، هذا الرجل كذاب خلفي أشعري صوفي، وكل بلاء فيه، مالك وله، أنت الآن تقول: كيف يجمع، هذا سؤالك. طيب فإذن أنت عندك في إشكال في علو الله على عرشه. الملقي: نعم يا شيخ. الشيخ: وأنا أجيبك. الملقي: نعم. الشيخ: الأرض كلها محاطة بالسماء هل تعتقد هذه الحقيقة؟ الملقي: بالضبط. الشيخ: طيب، فإذن الله فوق المخلوقات كلها.

الملقي: بالضبط. الشيخ: فإذن لا يجوز البصق تجاه القبلة؛ لأن الله -عز وجل- تجاهك في أي من نقطة من الأرض كنت. الملقي: نعم. الشيخ: وانتهى الأمر هذه من جهة، من جهة أخرى لا يجوز مناقشة الأخبار الغيبية، وبخاصة ما كان منها متعلقاً بالذات الإلهية بالأفكار العقلية التي لا يمكن أن يقال فيها إلا بأقل مما قال الله -عز وجل-: وما أيش التي في آية الكرسي: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} (البقرة:255)، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (الإسراء:85)، فمن الضلال كل الضلال محاولة تقريب الأمور الغيبية خاصة ما كان منها متعلقاً بالصفات الإلهية بحيث أننا نعقلها كما يعقل أحدنا الآخر، هذا أمر مستحيل، إن مثل هذا السؤال وغيره يشبه قول من قد يقول: كيف الله في لحظة واحدة يخلق ويرزق ويُحيي ويميت ويسمع الأصوات المختلفة من الملايين البلايين من البشر والإنس والجن والمخلوقات، يقال: هذا الكلام؟ الملقي: نعم. الشيخ: أسألك: يقال هذا الكلام؟ الملقي: طبعاً لا يقال في حق الله، وهو حاصل من الله -سبحانه وتعالى-. الشيخ: فإذن بارك الله فيك، .. اذكر معنى قوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة:1، 2] من؟ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} ([البقرة:3).

الملقي: نعم. الشيخ: فإذا قال الله -عز وجل-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10)، {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ} (المعارج:4) الخ. «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» الخ، فلا ينبغي أن يشكل على المسلم كيف هذا والرسول ينهى أن يَبصق تجاه القبلة لأن الله أمامه؟ نعم، الله أمامنا وفوقنا، ولكن فوقيته ليست كفوقيتنا وأمامته -إذا صح التعبير-أيضاً- ليست كمثلها، وهكذا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فإياك أن يضلك السقاف وأمثاله. الملقي: نعم، طيب، وابن الجوزي يا شيخ يعني، هل يصح الكتاب هذا عنه، وهو حنبلي؟ الشيخ: نعم هو حنبلي. الملقي: وهو في ميزان الجرح والتعديل. الشيخ: هو حنبلي نعم، ولكن هل تعتقد أن كل حنبلي معصوم. الملقي: لا، ليس كذلك، لكن الرجل له منزلة كبيرة في الجرح والتعديل، أو شيء من ذلك. الشيخ: يا أخي نعم في الجرح والتعديل، لكن ألا تعلم أن بعض أهل الجرح والتعديل وأهل العلم بالحديث فيهم -أيضاً- صوفية. الملقي: إي نعم.

الشيخ: تعلم؟ الملقي: نعم. الشيخ: طيب فهذا من هذا، هل علمت قول ابن الجوزي: أن الله -عز وجل- لا داخل العالم ولا خارجه. الملقي: نعم هذا قول الأشاعرة. الشيخ: قول ابن الجوزي. الملقي: قول ابن الجوزي، ولكن من قال به قبله. الشيخ: شو بدك في هاي، الله يهديك. الملقي: جزاك الله خيراً يا شيخ. الشيخ: أنا بأقولك هل علمت أن ابن الجوزي يقول: الله لا داخل العالم ولا خارجه؟ الملقي: والله ما سمعت هذا يا شيخ إلا منك الآن. الشيخ: اقرأه في كتابه هذا تجده. الملقي: أي نعم. الشيخ: وهو هو إمام السقاف هذا الخبيث. الملقي: إي نعم. الشيخ: والسلام عليكم. الملقي: جزاك الله خير يا شيخ.

[1036] باب بيان عقيدة الشعراوي - رحمه الله - والكلام على علو الله تعالى، وهل خلق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من نور، وهل هو أول مخلوق؟

الشيخ: نعم، نعم. الملقي: يا شيخ أليس لك رد على السقاف هذا فيما كتب؟ الشيخ: في ردود متوزعة. الملقي: -إن شاء الله- ستطبع يعني. الشيخ: نعم نعم في بعض المقدمات لبعض الكتب التي تطبع الآن. الملقي: جزاك الله خيراً. الشيخ: وإياك -إن شاء الله-. "الهدى والنور" (679/ 22: 10: 00) [1036] باب بيان عقيدة الشعراوي - رحمه الله - والكلام على علو الله تعالى، وهل خلق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من نور، وهل هو أول مخلوق؟ مداخلة: .. الذين يحبون أن يستمعون للشيخ الشعراوي، الشيخ الشعراوي يخرج كثيرًا على التلفاز، فنريد نقد أو بعض المآخذ .. يعني: نحن نأخذ عليه بعض المآخذ في الشيخ الشعرواي فلو تفضلتم بتوضيح بعض المآخذ على الشيخ الشعراوي. الشيخ: الذي نحن نعرفه عنه أنه خَلَفِي أشعري، يا ترى الأخ عنده فكرة سابقة عن الأشاعرة وعن الخلف الذين هم على خلاف ما كان عليه السلف أو لا، ما يدريه لأنه لأول أول مرة ألتقي به فأنا أريد أن أعرف ما الذي عنده من المعلومات

حول هذه النقطة بالذات. مداخلة: الواقع أني سبق أن اجتمعت بالشيخ الشعراوي في إسلام أباد، وجمعتنا صدفة كنت موظف هناك وجمعتنا فيه صدفة ودار الحديث بيني وبينه. الشيخ: جميل. مداخلة: قال لي: هل تصلي؟ أنا في هذا الوقت قبل عشرين سنة، قلت له: أقطع، قال: كيف يعني تقطع؟ قلت له: لست مرتبط. الشيخ: يعني: تارًة تصلي وتارًة ... مداخلة: نعم، قال لي: اليوم كم ساعة؟ قلت له: النهار والليل أربعة وعشرين ساعة، قال: كيف تقسمها؟ قلت له: أقسمها إلى ثلاثة أقسام: قسم للعمل وقسم للنوم وقسم لا للعمل ولا للنوم، قال: طيب! الصلاة كم تأخذ منها؟ قلت له: أتوقع نصف ساعة، قال: ألا يعقل أنك تتوجه إلى ربك الخالق وتصلي له نصف ساعة متقطعة من أربع وعشرين ساعة؟ طبعًا أعجبني هذا الكلام جدًا، من ذاك الوقت التزمت وفعلًا اقتنعت. الشيخ: الحمد لله، فيا سيدي الآن أنا أراه في التلفاز، وبصراحة الأسلوب الذي يقدم فيه أسلوب مُشوِّق ويخلط ما بين الأدب والدين إلى آخره، فهو يجذب مشاهده أو مستمعه [فيشعر] فعلًا أنه يستمتع بأحاديثه. مداخلة: ويأتي بأشياء جديدة في .. مداخلة: أشياء جديدة معاصرة تتواكب مع العصر، فجئت عند الأخ ناصر وتكلم، وعند إخوة آخرين قالوا: لا يا أخي هذا خطر عليك وعلى الجيل، هذا الرجل

يخترع أشياء خلال حديثه، ومحتمل أن تكون خطأ، فلا تلتزم فيه، فبمناسبة تشريفكم لنا هنا أرجو أن أسمع الشيء المناسب الذي فعلًا هل أستمر أو أتوقف. الشيخ: أهلًا وسهلًا، أنا أقول بارك الله فيك: ولا مؤاخذة فأفترض أنك أحد الرجلين: إما أن تكون ذاك الرجل الذي كما يقولون الآن في العصر الحاضر: عندك خلفية علمية في العقائد السلفية، فحينئٍذ عندما تكون هكذا وعندك علم مثلًا بما صح وما لم يصح من حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإذا استمعت إلى مثل هذا الإنسان فتستفيد كالمثال الذي ضربته فيما يتعلق بالصلاة، فكلامه جذاب وهذا الذي يجعل عامة الناس يَلْتَفُّون حوله إذا جلس في محاضرة أو ما شابه ذلك، ثم ينشر ذلك في التلفاز. أما إن كنت الرجل الآخر الذي ما عنده الخلفية العلمية والبصيرة الدينية التي أُمرنا بها في بعض الآيات القرآنية كقوله تبارك وتعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف:108) فلما يكون الشخص الذي يصغي إلى هذا الشيخ من القسم الثاني فيخشى عليه أن تزل به القدم؛ لأنه ما عنده ما يميز بين صوابه وخطئه. وأنا لا ألومك كونك أخذت به؛ لأن الحقيقة كما يقال في بعض الأشعار: ما أنت أول سارٍ وله قمر مثلك كثير حتى من إخواننا مثل أخونا هذا وغيره، يعني: إخواننا السلفيين، تسمع أنت بهذه الكلمة لا بد؟ مداخلة: نعم.

الشيخ: حينما جاء إلى الأردن أخذوا به وصاروا يتبعوه أينما ذهب ... ، أحدهم من إخواننا لا يزال في قيد الحياة هو النابلسي ذكر لي مثلما ذكرت لي تمامًا معجبًا بكلمات الشيخ الشعراوي وفصاحته وبيانه وأمثلته التي يضربها وإلى آخره، قلت له ... : هل اختبرته من حيث عقيدته، قال: لا، وذكر لي فيما بعد هو نفسه صاحبنا هذا قال: كنت مع صاحب لي في سيارته لما ذهب إلى الشيخ الشعراوي وحضر جلسته ثم أركبه معه في السيارة يوصله إلى مكان، قال: فاغتنمتها فرصة وركبت مع صاحبي وأجريت الحديث التالي بينه وبين الشعراوي من أجل يختبره في عقيدته، قال له: يا أستاذ! أريد أن أعرف منك قوله تعالى في القرآن الكريم في غير ما آية واحدة: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) ما المعنى؟ قال: استوى بمعنى استولى، صاحبنا عنده شيء من العقيدة الصحيحة فأخذ يناقشه، يعني: يناقش الشيخ وعادًة الناس ما على هذا تربوا أنه يأتي واحد شُبيل يجادل شيخ كبير، هذا شيء خطير وخطير جدًا؛ لأن العادة جرت أنه كما قيل أيضًا: إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام فكيف هذا لا يصدق حذام، ويأخذ يعطي ويناقش، كبر ذلك على الشيخ، لكن صاحبنا تحمل ذلك فوجه إليه سؤالًا حساسًا عندنا نحن معشر السلفيين، وهو لما أول له الآية بذاك التأويل وهو تأويل باطل كما سأذكر قريبًا إن شاء الله، قال له: طيب! يا أستاذ! لو قال لك قائل: أين الله؟ قال: أعوذ بالله لا يجوز أن يقول الإنسان أين الله، الله في كل مكان، قال يومئٍذ عرفت عقيدته أنها منحرفة عن الكتاب وعن السنة فما عدت اهتممت به اهتمامي الأول، هذه القصة وقعت. الشاهد الآن: أن آية: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) لعلماء المسلمين

في تفسيرها قولان: قول للسلف وقول للخلف، السلف يقولوا: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) أي: استعلى، ولذلك نحن نقول: في كل سجود: سبحان ربي الأعلى، تطبيقًا لقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (الأعلى:1). القول الثاني: هو الذي قاله الشيخ الشعراوي: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) يعني: استولى، هذا التأويل من أبطل الباطل، لماذا؟ لأنه يُصوِّر هذا المعنى أن هناك مغالبة بينه وبين غيره، لكن الله تغلب عليه فاستولى على ملكه، وهل يقول بهذا مسلم؟ أنت تفهمني جيدًا؟ مداخلة: نعم. الشيخ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) فسره بمعنى: استولى، فمن كان مستوليًا عليه من قبل؟ أخالق مع الله حاشا لله تبارك وتعالى، ثم جاءت الأخرى كما يقال وهي: ضغث على إبَّالة، لما صارحه بالسؤال السابق: أين الله؟ انتفض وقف شعره وقال: هذا ما يجوز توجيه مثل هذا السؤال علمًا أن هذا السؤال صدر من الرسول عليه الصلاة والسلام وفي أصح الأحاديث التي رواها الإمام مسلم في صحيحه، لعلك تسمع أن أصح الكتب بعد القرآن صحيح البخاري وصحيح مسلم؟ تسمع هذا ولا بد، طيب! الحديث الذي سأذكره مروي في صحيح مسلم، ترى! هذا الرجل الفاضل الشعراوي الذي أخذ بمجامع قلوب الناس لا شك أنه أحد رجلين بالنسبة لهذا الحديث الذي سأذكره، إما أن يكون على علم به فجحده، وأن يكون على جهل به فلم يقل به، وكما يقال: أحلاهما مر، يعني: إن كان عرف وحاد هذا أخطر مما لو لم يعرف، مع ذلك كونه لم يعرف قد يقال هذا بالنسبة لعامة الناس، أما بالنسبة لشخص يتولى إرشاد العالم الإسلامي كله وتوجيهه هذا

قبيح جدًا أن نتصور نحن بأنه لم يطرق سمعه هذا الحديث الصحيح، ما هو هذا الحديث الصحيح؟ الآن أرجو الانتباه: هي قصة طويلة لكن أريد أن آخذ منها ما يناسب المقام الآن، رجل من أصحاب الرسول عليه السلام اسمه: معاوية بن الحكم السلمي، جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال له يا رسول الله! لي جارية ترعى غنمًا لي في أحد في المدينة، فسطا الذئب يومًا على غنمي، وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة، يعني: صفعها صفعة في خدها، قال معاوية هذا: وعلي يا رسول الله عتق رقبة، يستفسر ويستوضح من الرسول هل يجزي عنه أن يعتق هذه الجارية؛ لأنه ضربها بغير حق، سطا الذئب، الرجل ماذا يفعل مع الذئب فضلًا عن الجارية؟ فهو ندمان على تلك الصفعة أو الصكة كما قال هو، فقال له عليه السلام: «ائت بها»، فلما جاءت، قال لها: أين الله! هنا الشاهد، قال لها رسول الله: «أين الله؟ قالت: في السماء، قال: فمن أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فالتفت إلى سيدها وقال لها: اعتقها فإنها مؤمنة» ومن الذي قال: أين الله؟ رسول الله، وأجابت الجارية بأن الله في السماء. الشعراوي وأمثاله كثير من علماء الأزهر لا يؤمنون بأن الله في السماء مع أن كل مسلم يقرأ قوله تعالى في سورة تبارك سورة الملك: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ،* أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك: 16 - 17) فالجارية من هذه الحيثية أعلم من الشعراوي وأمثاله؛ لأنها استطاعت أن تجيب الجواب الذي شهد بسببه رسول الله لها بأنها مؤمنة، وبناًء على ذلك قال لسيدها: اعتقها فإنها مؤمنة، شهدت بأن الله

في السماء، أي: عاليًا، وليس كما يقول كثير من أمثال الشعراوي وغيره، وهذه عبارة مشهورة بين عامة الناس وستذكرها، ... ماذا يقول؟ الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود هذا كفر، لكن الناس كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الأعراف:187) لماذا كفر؟ لأنه مخالف أولًا لما سبق أن ذكرنا من مثل قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) وبمثل حديث الجارية هذه: «أين الله؟ قالت: في السماء» إيمانًا بما جاء في سورة تبارك. والأحاديث والآيات كثيرة وكثيرة جدًا كمثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول: ألا هل من داٍع فأستجيب له، ألا من هل من مستغفر فأغفر له، ألا هل من تائب فأعطيه» ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر، فنزول الله من السماء معناه أنه على السماء وليس في كل مكان كما يقول العوام. هذا من جهة: فيه مخالفة للآيات وللأحاديث الصحيحة، من جهة أخرى: لو رجع العاقل المسلم متسائلًا: الله عز وجل أزلي لا أول له كما قال: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (الحديد:3) أما الخلق فله أول، كما قال عليه السلام: «أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» فقبل أن يخلق الله الخلق هل كان في مكان، وهم يقولون: الله في كل مكان؟ المكان لم يكن مع الله شريكًا له؛ لأن الله هو الذي أوجده وخلقه بكلمة: كن، كما قال عز وجل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:82) فبكن: خلق السموات والأرض فكان الزمان وكان المكان، فما معنى هؤلاء الناس حينما يقولون: الله موجود في كل مكان، وقد كان الله ولا مكان، هل معنى

ذلك إذًا: أن الله لما خلق الخلق دخل فيه، فصار المرجع وصار له مأوى، وصار محاطًا في هذا المكان، صار المكان مرابطًا له تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا؛ لأنهم يقولون: الله في كل مكان هذه واحدة. والأخرى: أن الأماكن ليست بنسبة واحدة من حيث الطهارة والنظافة .. من حيث السمو والرفعة والقذارة، وإنما يختلف مكان من مكان، وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «خير البقاع المساجد، وشر البقاع الأسواق» (¬1) تُرى! ربنا موجود على حد تعبيرهم في كل مكان، موجود في المساجد وموجود في الأسواق، فهل هذا يليق بالله عز وجل العلي القدير أنه يكون في شر الأماكن؟! وليس هذا فقط، ففي الأسواق البيوت، وفي البيوت الكُنُف .. بيت الخلاء .. في الخلاء له مجاري تصب في البحر أو في الوادي أو ما شابه ذلك، هذه كلها أمكنة بل لا نذهب بعيدًا أن بطن الإنسان الممتلئ قذارة هو مكان، بدليل أنه يتنفس الهواء ويأكل الطعام، ويشرب الشراب، كل هذا مكان، فهل ربنا عز وجل في هذه الأمكنة حقًا كما يزعمون، الله موجود في كل مكان، كيف جاء هذا والله يقول: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16) الآية كما ذكرنا آنفًا. {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (المعارج:4) ليس تنزل عليه في كل مكان، كذلك: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10) كل هذه النصوص في مخ الشيخ الشعراوي متعطلةً تمامًا فهو لا يؤمن بها ولذلك استنكر على صاحبنا لما وجه إليه سؤالًا نبويًا، أين الله؟ قال: أعوذ بالله، هذا ما يصح أن يقال، طيب! لو قيل: ما هو الجواب؟ الله موجود في كل مكان. ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم3271).

فالشعراوي كمثل شيخ آخر مع اختلاف بينهما بلا شك، هذا الذي يسمى كشك، تسمعون به ولا بد؟ كلاهما قصاص والقصاص هذه طبيعتهم، يجمعون الناس حولهم وينبسطون من كلامهم، لكن مهما حضر الواحد منهم جلسات هؤلاء القصاصين، اسأله بعد سنين: ما هي معلوماتك التي كسبتها بما يتعلق بمعرفة الحلال والحرام والمكروه والمستحب وإلى آخر ما هنالك من أحكام شرعية؟ لا تجد عنده شيئًا إطلاقًا، إنما عنده حكايات .. عنده سوالف كما يقولون، ومرتاح مطمئن تمامًا؛ ... لكن الخاتمة ما يخرج من هذه الدروس بشيء أول كل شيء يصحح عقيدته وهذا هو المثال بين أيدينا. وهناك أمثلة لا أريد الآن أن أخوض فيها؛ لأن هذا لو سألت العامة فضلًا عن أهل العلم: القرآن كلام من؟ كل المسلمين يقولون: كلام الله، لكنك لو بحثت مع الشعراوي وأمثاله من الأشاعرة والمعتزلية ... يلفوا ويدوروا معك حتى يخرجوك عن هذه العقيدة ويقولوا القرآن هذا ليس كلام الله، لكن ما هكذا صراحة حتى ما يسقطوا على ريحتهم النتنة، القرآن كلام الله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164) مثل التوراة ومثل الإنجيل كلها كتب أنزلها الله على رسله المصطفين الأخيار. فالشاهد: أن العقيدة التي يجب تدريسها من كل العلماء في كل المناسبات، في الشعراوي وكشك هذا لا يدندنون حول ذلك، انزل مرتبة ثانية: هل سمعت الشعراوي يبين للناس هذه الصلاة التي أمرنا بها في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (البقرة:43) نصحك هو جزاه الله خير هذا لا يمكن إنكاره، وما سألك: كيف ... الصلاة وتصلي ما تصلي، إلى آخر ما ذكرت أنت، لكن هل قال لك: كيف ينبغي أن تصلي، أنا أقول لك سلفًا: لا، لماذا؟ إذا

كنت مخطئًا قل لي أخطأت .. مداخلة: ... الشيخ: لا، هذا واجب، لماذا؟ لأنني على مثل اليقين أنه وكشك وغيره لا يعرفون يصلون، هم يصلون، لكن لا يعرفون يصلون، لماذا؟ لأن صلاتهم حسب ما قرؤوا في مذهبهم، إن كانوا شافعية مثلًا يفعلوا هكذا إن كانوا حنفيين يقول: لا، ... والأمثلة كثيرة وكثيرة جدًا، وإنما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (¬1). فإذًا: هنا نحن نلاحظ أن العلماء حقًا هم الذين يدرسون الكتاب كلًا وبخاصة ما يتعلق بتصحيح العقائد، ثم العبادات، أما الجوانب العلمية الكونية الطبيعية فهذه بلا شك تفيد وتزيد المؤمن إيمانًا بقدرة الله عز وجل ... وحكمته، لكن هؤلاء قبل ذلك كان عليهم لزامًا أن يعرفوا كيف يعبدون الله لا يشركون به شيئًا. اليوم إذا قلت لكم: في كل بلاد الدنيا تجد مسلمين يتقصدون زيارة القبور، وبعضهم يتخذ القبر .. قبر الولي أو الصالح كعبة يطوف حولها، ذهبت في زمانك إلى مصر؟ مداخلة: لا. الشيخ: رأيت مقام الحسين والسيدة زينب وأحمد البدوي. مداخلة: والله سمعت عنهم لكن ما رأيت. الشيخ: بدا لي أنك أردني. ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم893).

مداخلة: أردني إنما الآن سعودي. الشيخ: لكن الأصل ... مداخلة: والدي سعودي وأمي أردنية، ولكن ... أردني ... الشيخ: أنا قصدي من السؤال: عشت في الأردن؟ مداخلة: طبعًا، أربعين سنة. الشيخ: هذا هو، فهذا المقصود، تسمع بمقام ابن ... مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! رأيت القبر الضخم هذا الذي عملوه؟ مداخلة: نعم. الشيخ: هذا كله ... الناس، يأتونه ... يزورونه، ويتوسلون به عند الله تبارك وتعالى، في كل بلاد الدنيا موجود هذه المصيبة، والشيخ الشعراوي وكشك لا يتكلمون ولا كلمة، لماذا؟ لأنهم لا يريدون أن يجابهوا الشعوب؛ لأنه سينفر منهم وهم يؤلفوا القلوب بمثل ذلك الكلام المعسول الجميل، في دمشق يوجد شيء من هذا، في حلب شيء أظلم من هذا، أما .... عليك في ... أنا أَصْلِي ألباني ثم دمشقي ثم أردني، فأنا أعرف البلاد هذه، كل واحدة لها ماذا؟ مزية أو مصيبة، طبعًا سوريا فيها عواصم مشهورة كدمشق وحلب وما بينهما حمص وحمى وإلى آخره، في حلب في مسجد أموي كبير مضاهاة للمسجد الأموي في دمشق العاصمة، في مسجد بني أمية في دمشق يزعمون يحيى عليه السلام مدفون فيه، في مسجد بني أمية في حلب - زعموا - مدفون فيه أبوه، يعني: زكريا، وكل من القبرين مقصود

وعلى كل منهما سادن، وظيفته أنه ما شاء الله يهدي الناس كيف يزورون هذا القبر وذاك، وكيف يجب عليهم أن يقدموا النذور. حكى لي أحدهم في دمشق: جاءت امرأة لزيارة قبر يحيى عليه السلام في مسجد دمشق، فسمعه سادن ويظهر أنه كان عنده شيء من الوعي لكن يتخذ السدانة وسيلة للعيش، سمع هذا السادن امرأة مسكينة وقفت تدعو وتقول: يا سيدي يحيى أنا جئت متوسلًا لك أن ربنا يعافي لي ابني، ماذا قال السادن مسترجعًا بها؟ قال لها: يا حرمة جاءت واحدة هنا قبلك فسيدي يحيى ذهب معها، ذهب معها من أجل يعافي لها ابنها أو بنتها أو إلى آخره، هذه المهازل الشركية صريحة جدًا. في حلب كان هناك قبر والحمد لله أُزيل ليس ديانةً، إنما [تزيينًا] للعاصمة، في حلب كان قبر اسمه يغنيك عن الضلال الذي يقع فيه الناس اسمه: قاضي الحاجات، وكان مقصودًا من كل مكان وخاصة من النساء، تكون الواحدة عقيمًا لا تلد يمضي سنة سنتين ما شاء الله، روح إلى عند قاضي الحاجات، ماذا تفعل؟ قاضي الحاجات قبره طبعًا في مقام ... المقامات التي نتحدث عنها، والقبر له سنام، فأوحى الشيطان بواسطة السادن هناك أن المرأة العقيم إذا جاءت وركبت على القبر هكذا وعملت كذا حركات، تذهب بإذن الله زعموا حبلى، ... بعد ذلك تنكشف القضية أن هذا السادن بأساليبه الماكرة يذهب إلى هؤلاء النساء الضعيفات العقول أنه لازم الليلة تباتين هنا حتى يحضر عليك قاضي الحاجات، وفعلًا تظن أن هذا الكلام صحيح وتبات تلك الليلة، والناحية ذات المقام ... هو، هذا وحده يكفي المسلم أن يعرف قوله عليه السلام: «ما اختلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» (¬1). ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم2549).

حينما ينتصف الليل يظهر هو بلباس أبيض وروائح زكية ويظهر قليلًا قليلًا أمام هذه المرأة بصورة فيها شيء من الرهبة، فهي كانت ملقنة سلفًا أن لازم تبات من أجل يظهر عليك قاضي الحاجات، قاضي الحاجات يظهر عليها يتقدم إليها قليلًا قليلًا إلى أن يواقعها ويجامعها ويصدف أحيانًا تذهب حبلى، من أحبلها؟ السادن الخبيث الماكر الذي يتخذ القبر يتستر من ورائه ويسمى قاضي الحاجات. سنين وهؤلاء الحلبيون الرجال والنساء يؤمنون بهذه الداهية الكبرى، ... ليس من كرامات الأولياء، أن الله يعطيهم كما يقول بعضهم: ما كان معجزة لنبي كان كرامة لولي، تمشي هذه الضلالات ولا أحد ينكرها إلا أفراد قليلين يُنبذون في الأرض؛ لأنهم يدَعون للحق. والحديث في هذا المجال مع الأسف واسع واسع جدًا لكن فيما يتعلق بالشيخ الشعراوي أنه من جانب فعلًا مفيد ولكن من جوانب أخرى يضل الناس به لأنهم لا يعلمون، هذا شيء مما يتعلق جوابًا عن ذاك السؤال. من عقائده يقول: أن محمد عليه السلام هو رسول ... كما قال تعالى في القرآن الكريم: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (آل عمران:144) إلى آخر الآية، يقولون ويمكن هذا سمعته: محمد خلق من نور الله، سمعت هذا الشيء أو لا؟ الشيخ: في سوريا موجود، وفي الأردن موجود يقول: "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر"، ما سمعت هذا الحديث عندك؟ مداخلة: هذا سمعته من الشعراوي.

الشيخ: هه، أتت ... يقولون: - على رجليها -، رأيت؟! وهذا من أبطل الباطل، كيف خلق الله محمدًا من نوره، وأول ما خلق الله القلم والحديث صحيح كما ذكرته آنفًا: «أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: ما هو كائن إلى يوم القيامة» بعد ذلك نحن نعرف ... الرسول أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وهكذا، وبعد ذلك ينقطع السند أو النسب، لكن هو على كل حال جده الأول من هو؟ آدم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كلكم كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «كلكم من آدم وآدم من تراب» (¬1) كيف إذًا محمد وبينه وبين آدم الله كم جد، ثم هو قبل هؤلاء خلق من نور، هذه تريد إيمان .. تريد مخ كبير لا وجود له في هذا الكون، أنه يؤمن بمثل هذه الخرافات أما عامة المسلمين وبعض الخاصة منهم وأن تشاهد ومنهم الشيخ الشعراوي يؤمن بهذه الخرافة. هذا حديث لا هو في البخاري ولا في مسلم ولا في السنن الأربعة ولا الأربعين ولا الأربعمائة لا أصل لهذا الحديث إطلاقًا إلا إذا صح التعبير في أمخاخ المخرفين، هذا له وجود هناك فقط، هذا ما هو الإسلام؟ الإسلام قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه إلى آخر ما قال ابن القيم رحمه الله. "رحلة النور" (39ب/00:18:08) و (40أ/00:00:00) ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم6798).

موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني «موسوعة تحتوي على أكثر من (50) عملاً ودراسة حول العلامة الألباني وتراثه الخالد» العمل الأول سلسلة جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة «تحتوي على ما يقارب ألفي مسألة وفائدة عقدية مستخرجة من تراث العلامة الألباني بعناية» (4) (كتاب الأسماء والصفات) الجزء الثاني صَنَعَهُ شادي بن محمد بن سالم آل نعمان

جماع أبواب الرد على عقيدة "الله موجود في كل مكان" أو "موجود في كل الوجود" (غير ما تقدم)

جماع أبواب الرد على عقيدة "الله موجود في كل مكان" أو "موجود في كل الوجود" (غير ما تقدم)

[1037] باب رد قول الجهمية: الله في كل مكان وبيان خطأ الدعاة الذين يتهاونون في رد هذه العقيدة

[1037] باب رد قول الجهمية: الله في كل مكان وبيان خطأ الدعاة الذين يتهاونون في رد هذه العقيدة [قال الإمام في مقدمة "مختصر العلو" بعد أن بين أن علو الله تعالى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول]: ومن هنا نعلم مبلغ ضلال الجهمية ومن تأثر بهم من الخلف الذين أنكروا جميعاً أن يكون الله تعالى على عرشه فوق خلقه، ثم انقسم هؤلاء إلى مذهبين: الأول: مذهب الجهمية الذين ذهبوا إلى أن الله تعالى في كل مكان مخلوق (¬1). وقد جادلهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فأحسن جدالهم وكشف به عوارهم فقال في رسالة " الرد على الجهمية ": " وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله سبحانه وتعالى حين زعم أنه في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟ فيقول: نعم. فقل له: فحين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا عن نفسه؟ فإنه يصير إلى أحد ثلاثة أقاويل: أ - إن زعم أن الله تعالى خلق الخلق في نفسه كفر حين زعم أن الجن والإنس والشياطين وإبليس في نفسه. ب - وإن قال: خلقهم خارجاً من نفسه ثم دخل فيهم كفر أيضاً حين زعم أنه ¬

(¬1) وحكاه الأشعري في (مقالات الإسلاميين) (ص 212) عن بعض المعتزلة، وتبرأ منه في "الإبانة " كما ستراه في ترجمته، وجزم بأنه تعالى مستو على عرشه، وهذا خلاف اعتقاد أتباعه المنتسبين إليه كما سترى قريباً. [منه].

دخل في كل مكان وحش وقذر. ج - وإن قال خلقهم خارجاً من نفسه ثم لم يدخل فيهم؛ رجع عن قوله أجمع وهو قول أهل السنة) (¬1) .. والمذهب الآخر قول بعض غلاة النفاة للعلو: " الله لا فوق، لا تحت، ولا يمين، ولا يسار، ولا أمام، ولا خلف لا داخل العالم، ولا خارجه " (¬2) ويزيد بعض فلاسفتهم: " لا متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه " قلت: وهذا النفي معناه - كما هو ظاهر - أن الله غير موجود، وهذا هو التعطيل المطلق والجحد الأكبر، تعالى الله عما يقول الظالمون علواًّ كبيراً، وما أحسن ما قال محمود بن سبكتكين لمن وصف الله بذلك: "ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم " ذكره في " التدمرية " (ص 41). وهذان المذهبان الباطلان أحدهما - ولا بد - لازم لكل من أنكر صفة العلو لله على عرشه كما سبق بيانه، وإن مما يؤسف له شديد الأسف أن المذهب الأول منهما هو السائد اليوم على ألسنة الناس في هذه البلاد عامتهم وخاصتهم فما تكاد تجلس في مجلس يذكر الله فيه إلا بادرك بعض الجالسين فيه بقوله: " الله موجود في كل مكان " وقد يقول آخر: " الله موجود في كل الوجود " فإذا سارعت إلى ¬

(¬1) "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص 76 - 80) ومثله في رسالة " المعرفة " للشيخ عبد الكريم الرفاعي - رحمه الله-. [منه]. (¬2) كذا في " حاشية البيجوري على الجوهرة " (ص 58) وقد سمعت هذا النفي من بعض المشايخ على المنبر يوم الجمعة يُعلم المسلمين الإيمان برب العالمين. [منه].

بيان بطلان هذا الكلام لما فيه من نسبة ما لا يجوز إلى الله من كونه مظروفاً لخلقه، وما فيه من المخالفة لصفة علوه على عرشه، سارع بعض المتعالمين إلى تأويل ذلك القول بضم جملة " بعلمه " إليه، كأنما هو آية من كتاب الله أو حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا بد من تأويله، ولم يدر هؤلاء المساكين أنها كلمة الجهمية والمعتزلة وعقيدتهم على ما يدل عليه ظاهر هذا القول دون أي تأويل، فإذا سمعت تأويلهم إياه بقولهم " بعلمه " ظننت خيراً، ولكن سرعان ما يخيب ظنك حينما توجه السؤال الموروث عن النبي المعصوم الكاشف عن إيمان المرء أو مبلغ معرفته بالله تعالى أو العكس ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - للجارية: «أين الله» قالت: في السماء. قال: «أعتقها فإنها مؤمنة»، فأنت إذا وجهت مثل هذا السؤال إلى العامة والخاصة وجدتهم يحملقون بأعينهم مستنكرين إياه، جاهلين أو متجاهلين أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الذي سَنَّهُ لنا، ثم تراهم مع ذلك حيارى لا يدرون بماذا يجيبون كأن الشريعة الإسلامية لم تتعرض لبيانه مطلقاً، لا في الكتاب ولا في السنة، مع أن الأدلة فيهما متواترة على أن الله تعالى في السماء، ولذلك فالجارية لما أجابت على السؤال بقولها: في السماء شهد لها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنها مؤمنة لأنها أجابت بما هو معروف في الكتاب والسنة، فيا ويح من لا يشهد له الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بالإيمان، ويا ويل من يأبى بل يستنكر ما جعله - صلى الله عليه وآله وسلم - دليلاً على الإيمان، وهذا والله من أعظم ما أصاب المسلمين من الانحراف عن عقيدتهم أن لا يعرف أحدهم أن ربه الذي يعبده ويسجد له أهو فوق خلقه أم تحتهم، بل لا يدري إذا كان خارجاً عنه أو في داخله، حتى صدق فيهم قول بعض المتقدمين من أهل العلم:" أضاعوا معبودهم "،وهم مع ذلك لم يبلغوا في الضلال شأن أولئك الذين حكموا عليه بالعدم حين

قالوا: "لا فوق ولا تحت ... " إلخ فحق فيهم قول بعضهم: " المعطل يعبد عدماً، والمجسم يعبد صنماً "، يشير بذلك إلى الجهمية المعطلة النفاة، وإلى المجسمة الممثلة الذين يثبتون الصفات مع التجسيم والتشبيه، والحل وسط بينهما كما تقدم. ومع خطورة هذه المسألة وبالغ أهميتها وشدة الخلاف القائم فيها بين أهل السنة من جهة والجهمية والمعتزلة وغيرهم من النفاة من جهة أخرى حتى قال ابن القيم رحمه الله تعالى في " الجيوش الإسلامية " (ص 96): " بل الذي بين أهل الحديث والجهمية من الحرب أعظم مما بين عسكر الكفر وعسكر الإسلام " أقول: مع هذا كله نرى أغلب الدعاة الإسلاميين اليوم لا يقيمون لهذه المسالة ولا لأمثالها من مسائل الاعتقاد وزناً، ولا يلقون لها باًلا، فلا تسمع لها في محاضراتهم ولا في مجالسهم الخاصة فضلاً عن العامة ذكراً، ويكتفون من المدعوين أن يؤمنوا إيماناً مجملاً؛ ألا ترى إلى ذلك الدكتور الذي قال في مقدمة رسالة " باطن الإثم " وهو يرسم للمسلمين المتفرقين المتدابرين الدواء بزعمه: " وما أظن إلا أننا جميعا مؤمنون بالله إلها واحداً لا شريك له، بيده الخير والملك، وهو على كل شيء قدير " نعم نحن مؤمنون بالله ... ولكن إيمان المؤمنين يختلف بعضه عن بعض أشد الاختلاف، وما نحن فيه من صفة العلو أوضح مثال فإن كان الدكتور يعتقدها على طريقة السلف المثبتين لها بدون تشبيه ولا تعطيل؛ فالناس الذين وضع لهم هذه الرسالة لا يشاركونه في ذلك الاعتقاد إن كان هو ليس شريكاً لهم في اعتقادهم،

فماذا يفيد هذا الإيمان وهو ليس على ما شرعه الله وبينه، وقد أشار إلى هذه الحقيقة الإمام أبو محمد الجويني في مقدمة رسالته السابقة " الاستواء والفوقية " بعد أن ذكر الله تعالى ببعض صفاته كالسمع والبصر والكلام واليدين والقبضتين: " استوى على عرشه فبان من خلفه، لا يخفى عليه منهم خافية، علمه بهم محيط وبصره بهم نافذ، وهو في ذاته وصفاته لا يشبهه شيء من مخلوقاته، ولا يمثل بشيء من جوارح مبتدعاته، هي صفات لائقة بجلاله وعظمته لا تتخيل كيفيتها الظنون، ولا ترها في الدنيا العيون، بل نؤمن بحقائقها وثبوتها واتصاف الرب تعالى بها، وننفي عنها تأويل المتأولين، وتعطيل الجاحدين، وتمثيل المشبهين، تبارك الله أحسن الخالقين، فبهذا الرب نؤمن، وإياه نعبد، وله نصلي ونسجد، فمن قصد بعبادته إلى إله ليست له هذه الصفات فإنما يعبد غير الله، وليس معبوده ذلك بإله ". والإمام الجويني رحمه الله تعالى حينما يقول ذلك، ويُصدِر هذا الحكم العدل على النفاة إنما تلقى ذلك عن أئمة السلف (¬1) فسيأتي في ترجمة الإمام عبد الله بن المبارك قوله في الجهمية: " إنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء "، في ترجمة عباد بن العوام: " آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء أرى أن لا يناكحوا أو يتوارثوا "، ونحوه في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي، ووهب بن جرير، والقعنبي، وأبو معمر القطيعي، وغيرهم من الأئمة، لكنهم لا ¬

(¬1) وهذا معنى ما جاء في رسالة " المعرفة " للشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله (ص 12): " ومن اعتقد اعتقاداً غير مطابقاً للواقع كاعتقاد النصارى بالتثليث والوثنية بالتجسيم وغير ذلك من المعتقدات الباطلة فهو كافر بإجماع المسلمين ". [منه].

[1038] باب بيان ضلال قول بعضهم: الله في كل مكان، أو موجود في كل الوجود

يكفرون بالجهل (¬1) بها أحداً إلا بعد انتهائها إليه كما سيأتي في ترجمة الإمام ابن جرير الطبري. "مختصر العلو" (ص52 - 56). [1038] باب بيان ضلال قول بعضهم: الله في كل مكان، أو موجود في كل الوجود [سئل الشيخ عما يقوله كثير من الناس: الله في كل مكان، أو موجود في كل الوجود، فأجاب]: هذا هو الضلال المبين، مع صريح القرآن بأن {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، وقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (الأعلى:1)، ووصفه لعباده المؤمنين، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (النحل:50) .. {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (المعارج:4) .. {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10). آيات كثيرة وأحاديث كثيرة تبين أن الله عز وجل هو الغني عن العالمين، وأنه مستعل على خلقه أجمعين، وأنه ليس ممازجاً لخلقه كما يقول هؤلاء الناس الذين أشرت إليهم، أن الله في كل مكان، الله في كل مكان، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا. في الحديث الصحيح: «كان الله ولا شيء معه» أين المكان الذي حشره الناس في كل مكان، وبخاصة هذه الأمكنة فيها الأمكنة الطاهرة، وفيها الأمكنة النجسة والخبيثة، فيها الكهاريج وفيها البارات، وفيها الحانات، والخانات، و .. ¬

(¬1) في الأصل: بالجهم وهو خطأ صححته بالرجوع إلى ترجمه ابن جرير من الكتاب (ص224).

[1039] باب بيان ضلال عقيدة: الله في كل مكان

إلى آخره، كيف لا ينزهون الله عز وجل عن أن يكون في كل مكان، مع أنه يقول في أكثر من آية أنه على العرش استوى، وفي الحديث الصحيح ... : أن الرسول عليه السلام سأل جارية يريد سيدها أن يعتقها، قال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء. قال لها: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله. فالتفت إلى سيدها وقال له: «اعتقها فإنها مؤمنة». الجارية في عهد الرسول أفقه من كثير من الفقهاء اليوم؛ لأنك إن سألت كثيراً من هؤلاء، أين الله؟ أجابك: في كل مكان، واحد جاري يقول: الله موجود في كل الوجود، مساكين هؤلاء الناس، الوجود مخلوق، وكان الله ولا مخلوق، فهل ربنا بعد أن خلق المخلوق اندس في هذا المخلوق على ما فيه من قاذورات، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. "الهدى والنور" (178/ 20: 17: 01) [1039] باب بيان ضلال عقيدة: الله في كل مكان [قال الإمام]: (سألتني) امرأة في الجامعة، وهي تدرس في الجامعة أيضاً، ناقشها دكتور في موضوع علو الله على العرش، يقول الدكتور: هذا خطأ، الله في كل مكان. مداخلة: الله يهديه. الشيخ: والله! هذه العقيدة الكافر لا يقبلها، وأنا دخلت في تجربة، كنت مرة منطلق من حلب إلى إدلب، ومن إدلب إلى اللاذقية غرباً هناك في سوريا، وكان معي أحد إخواننا اسمه عبد الرحمن شلبي، ذهبنا إلى اللاذقية من إدلب، تعرفون

الأوروبيين عندهم طريقة الشحاذة، الذي يكون في سيارة مجاناً ماذا يعملوا. مداخلة: ... ستوب بيسموها. الشيخ: ما أعرف، يوقف شحاذ في الطريق بس بطريقة عصرية، وأنا ماشي بسيارتي وبجانبي صاحبي، طبعاً مسرعين بعض الإسراع، أو كثير الإسراع، ما أدري ... ، المهم بعدما قطعنا شوطاً سمعنا أن هناك شخصاً رافع إبهامه، وقفنا هكذا وتطلعنا بالمرآة، فعلاً: ما رأيك يا عبد الرحمن، دعنا نأخذه معنا، السيارة فاضية، الشاهد، رجعنا والله، وإذ بالرجل أمريكي، وزوجته واقفه ... ، ولكن ليست واقفة علناً، (واقفة) جانباً، فلما أوقفنا السيارة أشار إليها، فقلت (لأخينا) عبد الرحمن، إذاً: سنقطع الطريق معهما بعدما عرفنا أنهم أجانب، الشاهد: ركبوا الاثنين ومشينا، صاحبي يرطن الانجليزية، أما أنا لا أرطنها، حسبي ألبانيتي. بدأ قلت له: اسألهم من أين هم، ... حتى وصلنا: ما هي عقيدتك أنت في الله عز وجل، قال: في كل مكان. هذه عقيدة الدكتور، غرابة أن تكون عقيدة واحد كافر أمريكي، ليس هناك غرابة، فقلت أنا لصاحبنا: قل له كذا .. قل له كذا .. وهو يترجم ... حتى وصلنا إلى بيت القصيد، قال لي: والله هذا هو المعقول، المعقول أن الله فوق المخلوقات كلها؛ لأنه كان وليس هناك خلق، لا زمان ولا مكان، كيف يقال أن الله في كل مكان، الدكاترة المصريون لا يفهمون بعد هذه العقيدة، ويلقنونها الطلاب، وفي الأزهر الشريف، ويأتي الأزهري ويناقشك ويضللك فوق هذا؛ لأنك تقول: الرحمن على العرش استوى. "الهدى والنور" (282/ 54: 08: 00)

[1040] باب في علو الله تعالى ونقد عقيدة: الله موجود في كل الوجود

[1040] باب في علو الله تعالى ونقد عقيدة: الله موجود في كل الوجود سؤال: نسمع البعض يقولون: أن الله سبحانه وتعالى في كل مكان، ونسمع البعض يقول: أنه فوق عرشه في السموات، أو في السماء السابعة؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير؟ الشيخ: نعم. هذا السؤال في الواقع سؤال مهم ويتعلق بواقع الأمة في العصر الحاضر، حيث مما يُفرِح القلب أن هناك ما يسمى بالصحوة الإسلامية، وأنا أعتقد بأن هناك صحوة فعلا، ولكنها في أوائلها، من ذلك أننا وكما ترون كدنا نبلغ الثمانين، منذ أربعين سنة ما كنا نسمع: قال الله، قال رسول الله في ألسنة الخطباء والوعاظ والمرشدين إلا ما ندر جداً، وإذا تحدث أحدهم بآية فهو لا يحسن تفسيرها؟ لأنه لا يعرف الأصول التي ينبغي أن تفسر الآية الكريمة على أساسها، وإذا روى حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو يرويه دون أن يتثبت من صحته وهكذا. أما الآن فأظنكم جميعا تشهدون معي أنكم كثيرا ما تسمعون أن هذا حديث صحيح، وهذا رواه البخاري هذه رواه مسلم، وهذا الآية فسرها ابن جرير الطبري بكذا، وابن كثير الدمشقي بكذا ... الخ. فهذه بلا شك من علامات الصحوة، ولكن كما قلت آنفا لا نزال نحن في أول الصحوة، فالآن أثرت مسألة الأسماء والصفات كما سمعتم آنفاً، وأن المسلم يجب أن يوحد الله في أسمائه وصفاته، فهل من صفات الله عز وجل ما يدندن به بعضهم، بل كافة العامة من المسلمين اليوم، وبعض الخاصة منهم، ومن أولئك الذين ينتمون إلى بعض المذاهب الكلامية أو التوحيدية: كالأشاعرة، والماتريدية،

فضلا عن المعتزلة الذين ليس لهم ذكر في هذه الأيام إلا من أفراد ضلوا ضلالهم؟ ففي عقيدة الأشاعرة والماتريدة تبعاً للمعتزلة: أن الله عز وجل في كل مكان، فهل هذا من صفات الله تبارك وتعالى؟ هل من صفات الله عز وجل أن له مكانا؟ نحن البشر لنا مكان، فنحن الآن في بيت من بيوت الله، نحن في مكان، لكن الله عز وجل هل هو في مكان؟.الجواب: الله عز وجل منزه أن يكون في مكان؛ لأن الله عز وجل باتفاق جميع المسلمين على ما بينهم من اختلاف في مثل هذه المسألة وغيرها: كان الله ولا شيء معه، كان الله ولا شيء معه كما في حديث عمران بن حصين في صحيح البخاري. إذن كان الله ولا شيء معه: أي لا كون معه: أي أن يقال: إن الله عز وجل في كل مكان هو من الشرك الذي ينافي توحيد الله في أسمائه وصفاته، لماذا؟ لننظر الآن بماذا وصف الله عز وجل به نفسه؟ هل وصف نفسه في الآية، أوفي حديث صحيح أنه في كل مكان؟ هذا الكلام لا أقول: إنه لم يرد في حديث؛ بل هو كلام ما أنزل الله به من سلطان؛ ذلك لأنه مخالف لما وصف الله عز وجل به نفسه أما الآيات التي فيها وصف الله عز وجل لنفسه بأن له صفة العلو المطلق على كل مخلوقاته، وأنه ليس في شيء من مخلوقاته، بل هو فوق مخلوقاته كلها، الآيات في ذلك لا تعد ولا تحصى؛ فمثل الآية التي جاءت في الاستدراك فيما أظن: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5). {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) الآن نقف قليلاً هنا لنذكِّر بأصل من أصول التفسير الصحيح الذي إذا تمسك به المسلم كان على هدى من

ربه، وإذا حاد عنه عاش في ضلال بعيد. القرآن يجب تفسيره بالقرآن: هذا هو الأصل الأول القرآن يفسر بالقرآن، وبحديث الرسول عليه السلام ثم بالآثار الصحيح الواردة عن سلفنا الصالح. هذا النظام لا بد من التزامه في تفسير القرآن الكريم وبخاصة ما كان من القرآن متعلقا بغيب الغيوب وهو الله تبارك تعالى متعلقا بعبادته أو بصفة من صفاته، فتفسير هذه الآيات لابد أن تفسر على هذا المنهاج، يفسر القرآن بالقرآن ثم بالسنة ثم بالآثار الواردة عن السلف الصالح. كنا ذكرنا لكم في بعض الجلسات السابقة أنه لا يكفي للمسلم اليوم أن يكون على هدى من ربه، وأن يكون سالكا سوياً على صراط مستقيم أن يقول: أنا آخذ بالكتاب والسنة، هذا لا بد منه ولكن هذا وحده لا يكفي، لا بد من الكتاب والسنة وشيء ثالث: وهو ما كان عليه السلف الصالح. وأثبت لكم ببعض النصوص ولا أريد إعادة الموضوع وإنما الآن أذكر بقوله تبارك وتعالى فقط: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115). كان يكفي أن يقال في الآية الكريمة: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى، لكن الله عز وجل أضاف إلى ما ذكر جملة أخرى فقال: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115). هذه جملة مهمة جدا؛ لأنها تعني: أن فهم الكتاب وفهم السنة لا سبيل لنا إليه إلا من طريق سلفنا الصالح. الآن، وكما قلت: لا أعيد الكلام الماضي خشية التكرار والملل، قول بعض

المعاصرين اليوم تبعا لبعض أهل الكلام أو علماء الكلام: إن الله في كل مكان، هل نجد هذه الكلمة، هذه الجملة، هذه العقيدة في كلمات السلف الصالح؟ حاشا الله، وإنما في كلمات السلف الصالح ما يتجاوب مع الآيات والأحاديث التي نثبت لله عز وجل صفة العلو على المخلوقات كلها. {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:54)، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10)، {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (المعارج:4). «ارحموا من في الأرض يرحكم من في السماء»، {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16)، آيات وأحاديث كثيرة فضلا عن أقوال السلف الصالح التي تجمع كلها على إنكار هذه الضلالة: إن الله عز وجل في كل مكان، وإثبات أن الله عز وجل ليس له مكان، وإنما هو كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، وفسروا استوى بمعنى: استعلى، أما أولئك الذين جعلوا الله في كل مكان فتأولوا الآية وعطلوها خلاف المنهج في تفسير القرآن الذي ذكرته لكم آنفا، حيث قالوا استوى: أي استولى. هذا مع أنه تفسير خلفي ليس له أصل في أي كلمة من كلمات السلف الصالح، فبالإضافة إلى ذلك هو مخالف لتفسير السلف الصالح فهذه الآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5). أي: استعلى، هكذا فسره السلف، وجملة الإمام مالك رحمه الله إمام دار الهجرة حينما جاءه ذاك السائل يقول له: يا مالك، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم أي وهو العلو والارتفاع، والكيف أي الذي أنت تسال

عنه مجهول، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا الرجل؛ فإنه مبتدع. خلاصة الكلام في إبطال هذه الضلالة وهي قولهم: إن الله في كل مكان، البحث فيها طويل وننصح في هذه المناسبة قراءة كتاب "العلو للعلي الغفار أو للعلي العظيم"، للحافظ الذهبي، والأولى مختصر العلو؛ لأنه أقرب تناولا بعد تهذيب الأصل، وهو بقلمي وبتأليفي. مختصر العلو للعلي الغفار، فقد ذكر فيه الآيات التي تثبت لله عز وجل صفة أنه على المخلوقات كلها، وأنه ليس في مكان، والأحاديث الكثيرة، والكثيرة الطيبة التي جاءت تتجاوب مع النصوص القرآنية بأن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها، ثم الآثار السلفية عن الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى زمن الإمام الذهبي، إلى ما بعد القرن السابع من الهجرة. عشرات إن لم نقل مئات العلماء الذين يبطلون هذه الضلالة وهي قولهم: إن الله في كل مكان، ويثبتون أن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها. ومن أوضح الأدلة على ذلك، حديث الجارية الذي اتفق علماء الحديث على تصحيحه، وخلاصة هذا الحديث أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - اسمه: معاوية بن الحكم السلمي، كان له جارية ترعى غنما له في أُحُدٍ، فسطا الذئب يوماً على الغنم، فغضب السيد سيد الجارية فصفعها صفعة في خدها، وندم على ما فعل، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقال: يا رسول الله إن عليَّ عتقُ رقبة، وعندي جارية، يسأله: هل يجزى عنه أن يعتقها ويكون كفارة ما عليه من عتق؟ قال: «ها تها». فلما جاء بها قال لها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أين الله؟.قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال لسيدها: أعتقها؛ فإنها مؤمنة».

اعتبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - شهادة الجارية بأن الله في السماء: أنها ليست تشهد فقط بلسانها: أن لا إله إلا الله، بل هي تؤمن بأنه واحد في ذاته، واحد في عبادته، واحد في صفاته؛ فإياكم أن تقعوا في هذه الضلالة؛ لأننا نسمعها، نكون في مجلس فكأنه يذكر الله فيقول: الله موجود في كل الوجود، ألا تسمعوه هذه الكلمة؟ هذه هو معناه: الله موجود في كل الوجود. هناك وجودان أحدهما: واجب الوجود وهو الله، كان ولا شيء معه كما سمعتم. الوجود الثاني: هو الوجود الممكن وهو المخلوق. فنحن لنا وجود ولله عز وجل وجوده الأزلي: لا أول له ولا آخر فإذن الله موجود في كل الوجود يعني ومنها الوجود هذا الذي نحن فيه الآن هنا معنى تلك الضلالة: الله موجود في كل مكان، فإياكم أن تقولوها صريحة، الله موجود في كل مكان، أو الله موجود في كل الوجود، لا. هذا ضلال ما بعده ضلال؛ لأنه ينافي ما ذكرناه مما جاء في القرآن والسنة والآثار السلفية: أن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها. يقابل هذه الضلالة ضلالة أخرى هي أضل من الأولى، الضلالة الأخرى هي أن الله عز وجل ليس داخل العالم ولا خارجه. الذي يقول: أن الله عز وجل داخل العالم، أي يقول: الله موجود في كل مكان، أو الله موجود في كل الوجود، هنا يثبت لله وجود مع التشبيه، والتشبيه باطل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) ولذلك فهذا ضلال، ولكن أضل أن يقال: إن الله ليس داخل العالم ولا خارجة، فهذا نصف الكلام صح: الله ليس داخل

العالم، هذا هو كلام صحيح، وإنما هو فوق المخلوقات كلها. أما أن نتبع هذه الكلمة بقولهم: ولا خارج العالم، فهذا اسمه في لغة العلماء: تعطيل وجود الحق: أي إنكار وجود الحق، لأن الله عز وجل كما ذكرناكم آنفا في حديث عمران بن حصين: «كان الله ولا شيء معه». إذن كان الله ولا مخلوق معه، لكن فيما بعد خلق المخلوقات كما هو مشاهد ويجب الإيمان بذلك أن هناك وجودان كما ذكرنا. فالله عز وجل إذا لم يكن داخل العالم وهو الحق: أنه ليس داخل العالم، فإذا قال قائل بالإضافة إلى ذلك: ليس خارج العالم معناها: لا إله، معناها: الإلحاد والجحد المطلق، معناه الرجوع إلى عقيدة غلاة الصوفية، ولا أقول الرجوع إلى عقيدة الصوفية؛ لأن الصوفية قسمان: منهم غلاة ومنهم دون ذلك. الغلاة: هم الذين يقولون: بأن الوجود واحد، غلاة الصوفية وعلى رأسهم: ابن عربي، هو الذي يقول: إن الوجود واحد، أما المسلمون فهم يقولون: لا إله إلا الله. فهذه الآية: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد:19) نثبت وجودين، الوجود الواحد المعبود الحق، والوجود الآخر: المعبودات بالباطل. أما ابن عربي ومن ضل به فهم يقولون: الوجود واحد، وهم لهم عبارات يفصحون فيها عن شركهم وعن ضلالهم. فهم يقولون مثلا: كل ما تراه بعينك فهو الله، كل ما تراه بعينك، فهو الله.

الوجود واحد، شو بتشوف بتشوف بشر، بتشوف حجر، بتشوف شجر، بتشوف سماء، بتشوف أرض، هذا الكون هو الله، هو عقيدة الدهريين، هو عقيدة الشيوعيين، لا إله، هذه تعود إلى الإنكار المطلق لوجود الله عز وجل. فإذا قيل: إن الله ليس داخل العالم، ولا خارجه، فمعنى ذلك أن الوجود هو واحد، وهي عقيدة غلاة الصوفية: كل ما تراه بعينك فهو الله، لما عبد قوم نوح الآلهة كما قال في القرآن: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح:23) هل عبدوا غير الله؟ الجواب عند غلاة الصوفية لما عبدوا المجوس النار، ما عبدوا إلا الواحد القهار. هذا هو الجحد المطلق فإذا قيل: إن الله لا داخل العالم ولا خارج العالم، رجعت هذه العقيدة التي تقال إنها عقيدة أهل السنة والجماعة اليوم هناك أفراد من الناس ينشرون بعض الرسائل، ويعلقون بعض التعليقات إن لم نقل التعليكات، يكتبون هذه العقيدة إنه عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الله لا داخل العالم ولا خارجه. الله عز وجل كان ولا شيء معه، فهو الآن كما من قبل كان، هو الآن مستغنى كما كان من قبل مستغن عن المخلوقات كلها، فلما خلق المخلوقات قال: استوى عليها: استعلى، استعلى، أي ارتفع، ولا بد هنا لتوضح هذه العقيدة بشيء من العقل السليم: إن الله عز وجل بعد أن ثبتنا بنصوص الكتاب والسنة: أن الله عز وجل فوق المخلوقات وليس داخل المخلوقات، لا بد لنا بعد ذلك أن نناقش أولئك المنكرين لوجود الله مطلقا، وإن كانوا يقولون: اله موجود، ولا إله إلا الله، ولكن حينما يقولون: هو لا داخل العالم ولا

خارجه، معنى ذلك: أنهم أنكروا وجود الله، نحن نقول لهؤلاء: أنتم معنا: أن الله كان ولا شيء معه، فلما خلق الخلق لا بد من شيء من ثلاثة أشياء، لا بد أن الله عز وجل حين خلق الخلق دخل في خلقه، وهذه هم متفقون معنا: أن الله ليس في كل مكان حينئذ ٍتبقى الثانية: لا بد أن الله عز وجل لما خلق الخلق جعلها فوق، وهذا باطل؛ لأن الله فوق كل شيء، إذن لم يبق إلا الثالثة: أن الله عز وجل لما خلق خلقه واستعلى عليها وارتفع، وهذا هو اللائق بالله عز وجل. فلذلك القول: بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه هو كما قال ابن تيمية رحمه الله يصف طائفتين كلتا هما في ضلال، لكن إحداهما أضل من الأخرى، قال: المشبه الذي يشبه الله ببعض مخلوقاته يعبد صنماً، يعبد شيئا موجوداً، ولكنه يشبه بالأصنام التي كان المشركون يعبدونها من دون الله. المشبه يعبد صنما، والمُعطِّل يعبد عدماً. من هو المعطل؟ هو الذي يقول: لا داخل العالم ولا خارجه. الذي يقول: هو داخل العالم مشبه، وهو في ضلال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11). والذي يقول: إن الله عز وجل لا داخل العالم ولا خارجه، فقد أنكر وجود الله تبارك وتعالى فهذا أضل من الأول. هذا الكلمة: لا داخل العالم ولا خارجه، اسمعوا الآن تفصيلها على ألسنة بعضهم، أريد أن أنهى الكلمة بهذه الكلمة؛ لتكونوا على بينة في أن كل من

يخالف عقيدة الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح يكون في ضلال مبين. يقول قائلهم من هؤلاء علماء الكلام: إن الله لا يوصف: بأنه فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار ولا أمام لا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، لا متصلا به ولا منفصلا به. قولوا لي بربكم: أليس هذا وصف للمعدوم؟ مدخلة: أي نعم. الشيخ: إذا قيل لأي عاقل أوتي شيئاً من الفهم والعقل والبيان: صف لنا المعدوم، الذي لا وجود له، لا حقيقة له، لم يمكنه أن يصف هذا المعدوم بأكثر مما وصف هؤلاء معبودهم حينما قال قائلهم: لا فوق لا تحت، لا يمين لا يسار، لا أمام لا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، لا متصلاَّ به ولا منفصلاً عنه. أما نحن فنقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5). مداخلة: قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) تبعا للسؤال الأول ما هو تفسيرها؟ وقوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46)؟ الشيخ: قبل الإجابة عن هذا السؤال والجواب عليه مختصر إن شاء الله، أريد أذكر بالأصل الذي ذكرتكم به في الكلمة السابقة، يجب تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال السلف. فمن أردا أن يعرف معنى هذه الآية: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) عليه أن يدرس التفاسير السلفية التي ضربت لكم مثلا ببعضها: تفسير ابن جرير الطبري، تفسير ابن كثير الدمشقي ومن نحا نحوهما. مداخلة: القرطبي يا شيخ يسأل عن القرطبي.

الشيخ: أحفظ سؤالك، حسبي أن أقول ومن نحا نحوهما. طبعا ليس كل مسلم يجب عليه أن يكون عالما، لكن إن لم يكن عالما، فلا بد من أن تكون سائلا كما هو الواقع الآن في الأسئلة السابقة واللاحقة والحاضر الآن من السؤال، أريد أن أذكر أن جوابي الآن سيأتي قائما على هذا الأصل من تفسير القرآن، فعلماء التفسيري قاطبة قالوا: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) أي بعلمه {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) بعلمه، أي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء لذلك قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله هذا من نوادر أئمة السلف المحدثين الفقهاء الذين جمعوا بين العلم والزهد والجهاد، لا أعني جهاد النفس فقط بل جهاد الكفار، أي حمل السلاح، فهذا الرجل كان مجاهدا في سبيل الله مع علمه وزهده وتقواه، وهو من كبار شيوخ الإمام أحمد إمام السنة رحمه الله. قال: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته هذا بحث سبق بيانه بشيء من التفصيل ثم قال هذه ثلاثة أمور يجب على الأقل على كل مسلم أن ترسخ معانيها له في عقله، ثم في قلبه الذي يؤمن به: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، أولا ثانيا: بائن من خلقه، بائن من خلقه؛ ضربٌ للخرافة السابقة: الله موجود في كل الوجود، لا: بائن من خلقه أي: هو الغنى عن العالمين بنص القرآن الكريم، هذه الخصلة الثانية. أعيد فأقول: الله تبارك وتعالى مش أنا أقول: أحكى عن عبد الله بن المبارك ما قال فأقول: قال: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، هذه الأولى، بائن من خلقه: أي ليس داخل العالم وإنما هو مستغنٍ عن العالم، خارج العالم.

الثالثة وهي موضع الشاهد: وهو معهم بعلمه: أي: السؤال السابق: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) بعلمه، ليس بذاته، وأنا أستغرب مثل هذا السؤال وبعد ذاك البيان: بأن القول بأن الله بذاته في كل مكان، هذا باطل شرعا وعقلا. إذن لا ينبغي أن يسبق إلى ذهن السائل أنه {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) يعني بذاته، هذا معنى يترفع عن أن يراه المسلم في منامه، وليس في يقظته، لماذا؟ نحن الآن في بيت، في مكان هو من خير البقاع كما جاء في الصحيح عن رسول الله: أنه سئل عن خبر البقاع وشر البقاع، قال: «خير البقاع المساجد، وشر البقاع، الأسواق». كبقعة كبيرة، لكن في السوق، في السوق في أماكن هي شر من السوق، هي المراحيض مثلا، فالسوق مكان من شر البقاع كما سمعتم وأشر من هذا الشر هي المراحيض، قد يكون في بعض الأسواق بارات، خمارات، بيوت الزنا والعهرو ... و .. الخ. هل الله عز وجل بذاته في هذا الأماكن: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) حاشا، لكن هو فوق عرشه كما قال عبد الله بن المبارك، لكن هو معكم بعلمه؛ فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. إذن لا تُشْكِلن هذه الآية على أحد أن المقصود بها: ذات الله، ذات الله مستغن عن مخلوقات الله كلها، «كان الله ولا شيء معه». إذن: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4)، هو معكم بعلمه أينما كنتم، لا يقول الإنسان: والله أنا بين جدران أربعة في حجب بيني وبين ربى فلا يراني، لا،

[1041] باب بطلان عقيدة: الله موجود في كل الوجود

هذا لا يقوله إلا ملحد منكر لوجود الله عز وجل. كذلك يقال عن مثل الآية: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46) هذه الآية آخرها يُفَسِّرُ أوَّلها، وأولها يفسر آخرها: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46). هذه الجملة تفسير لقوله تعالى: إنني معكما بماذا؟ أسمع وأرى. إذن هو معهم لما بعثهم إلى فرعون، وأمرهم بأن يذكِّراه وأن يخوفاه، قال لهما: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46). فهذه الجملة: أسمع وأرى تفسير لقوله تعالى: إنني معكما ليس معك كقائد الجيش، أو رئيس الجيش مع وجوده، لا ليس كذلك، الله عز جل غني عن العالم، وهو يدبر الكون من السماء إلى الأرض وهو على العرش استوى كما قال تعالى. "الهدى والنور" (741/ 24: 45: 00) و (742/ 52: 00: 00) و (742/ 37: 15: 00) [1041] باب بطلان عقيدة: الله موجود في كل الوجود [قال الإمام]: يقول [بعضهم] وهو يذكر الله فيقول: لا إله إلا الله، الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود، هذه كلمة تقال في كل المجالس فيها فقهاء، فيها علماء، فيها دكاترة، ولا تسمع لأحد منهم حساً في إنكار هذه العبارة، وهي خلاف العقيدة الإسلامية التي قال فيها قائلهم: ورب العرش فوق العرش لكن بلا وصف التمكن واتصال وقال الإمام عبد الله بن المبارك الذي يضرب به المثل في جهاده في سبيل الله في زمانه، وهو من كبار شيوخ الإمام أحمد إمام السنة: الله تبارك وتعالى .. احفظوا

[1042] باب الرد على من اتهم أهل السنة بأنهم يحدون الله بمكان

هذه الكلمة لأنها جمعت العقيدة الصحيحة في عبارة قصيرة جداً هي خلاصة الآيات الواردة فيما يتعلق بعلو الله على عرشه من جهة، وإحاطة علمه بعباده من جهة أخرى. قال عبد الله بن المبارك: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، هذه أول عبارة منه. الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه. والشاهد من كلمة عبد الله بن المبارك هذه قوله: بائن من خلقه، ومعنى بائن أي: مستغن، وهو الغني عن العالمين، كان الله تبارك وتعالى ولا شيء معه، ثم خلق العرش وخلق السموات والأرض كما هو معروف في الكتاب والسنة، فهو بائن من خلقه، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة حقاً، فما هي عقيدة المسلمين اليوم؟ تلخص بكلمة سابقة: الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود. "الهدى والنور" (486/ 01:07:48) [1042] باب الرد على من اتهم أهل السنة بأنهم يحدون الله بمكان السائل: من هم الملائكة الكروبيون؟ الشيخ: من هم الملائكة الكروبيون؟ لم يثبت فيما علمتُ حديث فيه ذكر هذا الاسم للملائكة, الملائكة الكروبيون والحقيقة أن هذا الاسم منذ نحو ثلاثين سنة لم يكن مر بي في الأحاديث التي كنت قرأتها في مئات إن لم أقل ألوف الكتب أكثرها مخطوطة حتى سمعت هذا الاسم في منى في موسم من مواسم الحج، كنت جالسا في ليلةٍ هادئةٍ وجميلةٍ من أيام منى أتحدث مع بعض إخواننا من أنصار السنة المصريين والسوريين وغيرهم، لما دخل علينا شيخ

سمته لا بأس به سلم وجلس واستمع وبعد أن توقفت قليلاً عن الكلام دخل هو في الموضوع يتكلم، تبين من كلامه أنه من الذين درسوا في الأزهر ويحملون في طوايا نفوسهم بغضًا للدعوة السلفية أو دعوة التوحيد وأنه متأثر ببعض الدعاوى الكاذبة التي تنسب إلى جماعة التوحيد في كل بلاد الإسلام سواء كان هنا أو في مصر أو في سوريا أو في غير مكان، وإذا به يتهجم ويقول أن دعوة الوهابيين بهذا الاسم دعوة جيدة، ولكنهم يشبهون الله بالمخلوقات. فسألته: كيف ذلك؟ قال: إنهم يقولون بأن الله عز وجل - سبحان الله يخطِّئ القرآن وهو لا يشعر - قال: يقولون بأن الله على العرش استوى, فقلت له: هل هذا قولهم؟ أم قول رب العالمين؟ استدرك فقال يعني هو بأنهم يفسرون هذه الآية بمعنى, يفسرون الآية بمعنى أن الله قاعد على عرشه, قلت له: يا أخي ... الخلاف بينهم وبين مخالفيهم ليس في تشبيه رب العالمين بالمخلوقين فهذا باطل بالاتفاق, وإنما الخلاف هل يصح تأويل الاستواء بمعنى الاستيلاء أم الصحيح أن الاستواء هو الاستعلاء ودخلت في هذا الموضوع طويلاً, وأمر طبيعي جدًّا أن خلاصة العقيدة السلفية في هذه الجزئية أن لله صفة الفوقية, فهو تمسك بهذه وقال: هل من المعقول أن الله عز وجل يكون فوق العرش, معنى ذلك أننا وضعناه في مكان, قلت له: لا, هذا وهم منكم ونحن نتبرأ من عقيدة تجعل الله عز وجل محصور في مكان وهو العلي الكبير، ثم بدأت المناقشة معه بطريقة خاصة قلت له: هل أنت معي في أن الله كان ولا شيء معه؟ قال: طبعًا

قلتُ: حين كان الله فهل كان هناك عرش؟ قال: لا إذن كان الله ولا شيء معه ثم خلق العرش قال: نعم تسلسلت معه فقلت له: نحن الآن في الأرض فما الذي فوقنا؟ قال: السماء الدنيا ثم؟ الثانية, إلى أن وصلنا إلى السابعة, قلت: ماذا فوق السابعة؟ قال: العرش قلتُ - وهنا الشاهد - وماذا فوق العرش؟ قال: الملائكة الكروبيون لأول مرة أسمع هذا الاسم منذ نحو ثلاثين سنة, قلت: ما هذا؟ الملائكة الكروبيون فوق العرش؟ نحن نعرف أن الذي فوق العرش هو خالق العرش بدليل الآية السابقة وتأويل السلف لها بأنه على العرش استوى أي استعلى, وكما قال المعتبرين في هذه المسألة: ورب العرش فوق العرش لكن ... بلا وصف التمكن واتصال فالله غني عن العالمين, لكن أنا أسمع لأول مرة أن الذي فوق العرش هم الملائكة الكروبيون, هل عندك آية في إثبات أولا: أن هناك ملائكة يسمون

بالملائكة الكروبيون؟ قال: لا قلت: طيب, هل عندك حديث في أنه جاء ذكرهم فيه بهذه التسمية؟ قال: لا قلت: فإذن من أين جئت بهذه العقيدة أن فوق العرش ملائكة كروبيون قال: هكذا درسونا مشايخنا في الأزهر الشريف قلت: يا عجبا، أنا أعلم أن علماء الأزهر يقررون على الطلبة في دروسهم ما يتعلق بأصول العقائد وأصول الفقه يقولون لهم: أحاديث الآحاد الصحيحة لا تثبت بها عقيدة, فكيف لقنوكم عقيدة ليست مذكورة لا في القرآن ولا في السنة؟ كيف اعتقدتم؟ فبهت الرجل, ثم تابعتُ الكلام, قلت له: هب أن فوق العرش أولئك الملائكة المسمون عندكم بالكروبيون, فماذا فوقهم, وقف الرجل, وقف حيران, وقد كنت قدمت معه كان الله ولا شيء معه، وكان مشتق من كن فيكون فلم يكن شيء هناك فقال الله لخلقه كن فكان، فإذا انتهى أن ما وصلنا إلى العرش وبزعمك أن فوق العرش أولئك الملائكة؛ فماذا فوق هؤلاء الملائكة, أعدم أم وجود؟ قال: لا, عدم, لأنا كنا اتفقنا أن لا شيء قبل أن يخلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض, كان الله ولا شيء معه, إذن فقبل أن يخلق الله شيئا لم يكن هناك شيء, فإذا انتهى بك العلم إلى أن فوق العرش الملائكة الكروبيون ولا

[1043] باب الرد على مقولة: الله موجود في كل الوجود، وبيان بطلان مذهب الاتحادية والحلولية

شيء وراء ذلك من كون لأنه انتهى الخلق فإذا قال السلفيون بأن الله تبارك وتعالى على العرش استوى أي استعلى, فلماذا تنسبونهم إلى أنهم حصروا الله عز وجل في كونه ولا كون هناك لأن الكون محصور ومحدود وفي رأينا آخر الكون وأعلاه العرش, في رأيك أنت العرش وعليه الكروبيون ولا شيء بعد ذلك, فإذن العقيدة الصحيحة عقلاً ونقلاً إنما هي عقيدة السلف الصالح؛ لأنهم لم يجعلوا الله في مكان كما تزعمون؛ لأنه لا مكان هناك وراء العرش إنما هو العدم المحض إلا الله تبارك وتعالى, ولكن ما بالكم أنتم أنكم حينما فررتم مما نسبتم السلفيين إليه وهم براء منه فإن الله ليس في مكان لأن ما بعد العرش ليس كونًا وليس مكانًا فهو على العرش استوى, لكن ما بالكم أنتم تفرون من إثبات هذه الصفة لله تبارك وتعالى وهي صفة التنزيه تمامًا؛ لأنه ليس في الكون، فكيف وأنتم تقولون إن الله في كل مكان تحصرونه في كونه الذي خلقه بعد أن لم يكن له وجود, فأنتم المشبهة وأنتم المجسمة، ولسنا نحن معشر السلفيين إلا القائلون بما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وعلى أساس من هذه الآية بطرفيها ننزهه تعالى تنزيهًا كاملاً ونثبت له الصفات كما يليق بعظمته وجلاله "فتاوى جدة -الأثر-" (17/ 01:15:15) [1043] باب الرد على مقولة: الله موجود في كل الوجود، وبيان بطلان مذهب الاتحادية والحلولية قال الشيخ: لا بد أنكم جميعاً تسمعون عن طائفة تعرف بالصوفية، وعن علمٍ .. أو سلوكٍ، يُعْرَفُ بالتصوف، وهذا التصوف طبعاً أهله المنتمون إليه أيضاً هم درجات، فمنهم من اشتطَّ وخرج عن الإسلام باسم التصوف الإسلامي، خرج عن

الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين؛ لماذا؟! لأنهم تأولوا وفسروا آيات من القرآن الكريم بتفاسير هي والفلسفة الإلحادية شيء واحد، أولئك الذين يُعرفون عند علماء المسلمين بأهل وحدة الوجود، هم الذين يقولون كما يقول الدهريون، -ولكن بألفاظ غير ألفاظ الدهريين-، يقولون: إنه ليس هناك إلا واحد، فالكون الذي نراه هو الله ... لذلك يسمون أهل الوحدة. المسلمون يقولوا: لا إله إلا الله، ففي نفي وفي إثبات، فيه نفي لكل مُؤَوِّل بغير حق، ثم الإثبات لله الحق سبحانه وتعالى. أما أولئك الصوفيين فيقولون: لا هو إلا هو، ثم يختصرونها وجعلونها ورداً لهم: «هُوْ هُوْ» فهذا انحرافٌ خطيرٌ كما ترون، يعني: إنكار لوجود الله الحق، وبالتالي إنكار الشرائع، لا إسلام .. لا يهودية .. ولا نصرانية، لأنه ما في عبد ورب، رب يكلِّف وعبد يكلَّف، لذلك قال قائلهم: الرب عبد والعبد ربٌ ... فليت شعري من المكلَّف؟ إن قلت عبدٌ فذاك نفي ... أو قلت رب أنى يكلَّف؟ فلا هُوْ إلا هُوْ وبالأخير: هُوْ هُوْ هناك كلمات تخرج من المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وليسوا من أولئك الدهريين، لكن يتلفظون أحياناً بكلمات تؤدي بهم إلى تلك العقيدة الباطلة، وهذا أمر خطير جداً، لا يكاد ينجو منه إلا الأقلون. الآن نحن في مجالسنا المعتادة، يقول قائلهم بمناسبة وبغير مناسبة: الله في

كل الوجود، (الله في كل الوجود) تساوي (لا هُوْ إلا هُوْ). الشيخ: هذا تسمعونه كثير "الله موجود في كل الوجود"، تساوي عند إمعان النظر في دلالتها ومضمونها قول الصوفية الصريحين .. غلاتهم طبعاً: لا هُوْ إلا هُوْ. لأننا إن تأملنا في شهادة الحق التي هي حينما يقول المؤمن حقاً: لا إله إلا الله، فهو يثبت وجودين: لا إله إلا الله، ينفي الآلهة الباطلة التي عبدت من دون الله، وهي موجودة، في القرآن في قول قوم نوح: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح:23)، هؤلاء آلهة عبدت من دون الله، ولذلك لما بعث الله عز وجل نوحاً عليه السلام إلى قومه كان أن أمرهم بأن يعبدوا الله وحده، فإذاً: (لا إله) نفي للآلهة الباطلة وهي موجودة. (إلا الله) إثبات للوجود الحق وهو الله تبارك وتعالى. إذاً: هناك وجودان لا يمكن للمسلم الفاهم بإسلامه أولاً، ثم المؤمن بأنه مخلوق لله ثانياً، لا يمكن إلا أن يثبت وجودين، يعبر علماء التوحيد بالوجود الأول، وهو وجود الخالق سبحانه وتعالى، فهو موجود بذاته، أي: أزلي لا أول له، فوجوده واجب الوجود كما يعبرون عنه، أما الوجود الآخر فهو ممكن الوجود وهو الإنسان والمخلوقات كلها، حيث كانت ثم قال الله عز وجل لها كوني فكانت، فهي سُبِقَت بالعدم بخلاف وجود الله عز وجل، فهو الأول لا بداية له، كما هو معلوم لديكم جميعاً. حينئذ، حينما يقول المسلم الغافل: الله موجود في كل الوجود، فإما أن يعني

هاتين الحقيقتين، وهما متنافيتان تماماً، الوجود الحق وهو الله، والوجود الممكن وهو الخلق، إما أن يعني هذا المعنى، حينئذ يقع في عقيدة أخرى غير وحدة الوجود وهي الحلول، تعرفون مثلاً بعض الطوائف الإسلامية يعتقدون بأن الله يَحِلُّ في بعض الأشخاص المعظَّمين بزعمهم، مثلاًَ بتشاهدوا هؤلاء العلويين والإسماعيليين، الإسماعيليين يمكن تقرأوا عنهم الشيء الكثير الذي كان الآغا تبعهم، كان كل سنة يوزن بوزن ذهب في أمريكا، فيعتقدوا أن هذا الإله يتقمصه، يحل فيه، هذا اسمه الحلول، هذا أخف من وحدة الوجود التي تكلمنا عليها آنفاً، وحدة الوجود شيء لا انفصال بعضه عن بعض، أما الحلول فالله منفصل وبائن عن خلقه كما يقول العلماء، لكن يحل ويتقمص بعض البشر -بزعمهم طبعاً- فإذا كان هذا الذي يقول: الله موجود في كل الوجود، يعني وجودين، فمعنى ذلك أن أحدهما حَلَّ في الآخر، فبدل ما يحل في شخص، حَلَّ في الكون كله، وهذا طبعاً كفر لا يشك في ذلك مسلم إطلاقاً، وإن كان يعني المعنى الأول (الله موجود في كل الوجود) أي: لا خالق ولا مخلوق هناك، إنما هو شيء واحد، فهذا أكفر وأكفر. ترى هؤلاء المسلمين الذين يصومون معنا، ويصلون معنا، ونقتدي وراءهم .. الخ، لما يقول قائلهم: الله موجود في كل الوجود، ترى يعني أحد المعنيين؟! هل يعني الوحدة المطلقة عند الصوفية، أي: لا خالق ولا مخلوق، أو يعني الحلول، أن الله خلق الكون ثم حَلَّ فيه، ما أعتقد أن مسلماً يعتقد هذه العقيدة أو تلك. إذاً: لماذا يقولون هذه الكلمة، لماذا لا يتأدبون بأدب الرسول عليه السلام

الذي يقول: «لا يقولنَّ أحدُكُم: خَبُثَت نفسي، ولكن: لَقِسَت» (¬1). معنى خبثت هي: لَقِسَت، ولَقِسَت هي خَبُثَت، لكن الرسول أراد منا أن نتحدث عن أنفسنا بألفاظٍ لطيفةٍ، وإن كان المعنى هو نفسه، فما بالنا نحن حينما نتحدث عن ربنا تبارك وتعالى، في هذه الحالة لا يجوز أن نتكلم بكلمة توهم الكفر وتوهم الضلال. حينما يُطْرَحُ مثل هذا البحث، كثيراً ما يقول أكثر الجالسين في الواقع ينتبهوا وكأنهم كانوا في غفلة، لكن بعضهم بيقولك نحن لا نقصد أن الله تبارك وتعالى بذاته حالل في مخلوقاته كلها، ونحن ما قلنا إنهم يقصدون هذا؛ لأنهم إن قصدوا هذا، هذا بحث ثاني، يكون كفر، لكن نحن بحثنا في تهذيب الألفاظ. إذاً: ماذا تقصدون الله موجود في كل الوجود؟ يعني علمه. جميل جداً، الله بعلمه بلا شك محيطٌ وهو بكل شيء محيطٌ تبارك وتعالى، لكن التعبير إذاً: خطأ، تريد أن تقول تتحدث عن علم الله، فتقول: {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (الطلاق:12)، نص في القرآن الكريم {أحاط بكل شيء علماً}، {لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء} لا تقول: (الله) الذي هو عبارة عن الذات الإلهية المتصفة بكل صفات الكمال، والمنزهة عن كل صفات النقصان، لا تقل: الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود، لكن تقول: أحاط بكل شيء علماً. فهذا البحث إذاً كان في سبيل إصلاح الألفاظ. فإذاً وضح ما قصدت إليه، مِنْ ¬

(¬1) "البخاري" (رقم5825) ومسلم (رقم6015).

أن من مقاصد الشارع تهذيب الألفاظ أيضاً، فبدل من أن نقول: الله موجود في كل الوجود، الله موجود في كل مكان، ونحن نقصد علمه، نقول: أحاط بكل شيء علماً؛ لأن العبارة الأولى: (الله موجود في كل الوجود) تتصل بعقيدة غلاة الصوفية الذين يقولون: لا هو إلا هو، فليس هناك خالق ومخلوق، وكما قال قائلهم: لما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار لأن النار والجنة، خالق، ومخلوق، كل هذه أشياء لا حقيقة لها، وباختصار قولهم: لا هو إلا هو، يقولون: كل ما تراه بعينك فهو الله! فإذاً: لا ينبغي للمسلم أن يتكلم بالكلمة يضطر بعدها إلى أن يتأولها، قلها صريحة وليس بعد القرآن أفصح منه: {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (الطلاق:12)، أما تتكلم الكلمة وتقول بعد ذلك: والله أنا أقصد كذا وكذا، قال عليه الصلاة والسلام وهذا من تأديبه إيانا، لو أطعناه لنجحنا: «لا تَكَلَّمَنَّ بكلام تعتذر به عند الناس» (¬1). (لا تكلمن) أي لا تتكلمن. (بكلام تعتذر به عند الناس). والرواية الأخرى أقصر من هذا: «إياك وما يعتذر منه». فلا تقل: الله موجود في كل مكان، والله موجود في كل الوجود، ستأتيك اعتراضات وانتقادات لا قِبَل لك بردِّها، سيقال لك: المكان الذي يضطر المسلم أن يدخله مرتين أو ثلاثة، ويتمنى أن لا يدخل ذلك المكان، هل ربك هناك أيضاً؟! وقس على ذلك الكهاريج والمجاري و .. إلى آخره، ما يقول المسلم بهذا. إذاً: اسحب كلامك هذا، لا تقله. ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم742) بلفظ: «ولا تكلم بكلام تعتذر منه ... ».

هنا والكلام ذو شجون كما يقال، فماذا نعتقد وماذا نقول، بدل قولنا: الله في كل مكان، أي: حينما نتحدث عن الذات الإلهية التي يعبر عنها بلفظة الجلالة: الله، اسم الذات، هذا معروف لدى المسلمين جميعاً. قول بعضهم: الله في كل مكان، عرفنا أن هذا خطأ، وأن المقصود به العِلْم، فنقول: ليكن تعبيرك صحيحاً إذا كنت تقصد العلم الإلهي فتقول: أحاط بكل شيء علماً. لكن إذا أردنا أن نتحدث عن الله عز وجل، عن الذات الإلهية، فماذا نقول؟ لقد جاء عن أحد السلف الأئمة وهو بالذات عبد الله بن المبارك من كبار شيوخ إمام السنة الإمام أحمد رحمه الله، جاء بعبارة جمعت فأوعت، قال: «الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، وهو بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه». جاء في الجملة الأخيرة: «وهو معهم بعلمه» البحث السابق: «أحاط بكل شيء علمًا» لكن الآن في مبتدأ الكلام يتحدث عن الذات الإلهية، فيقول: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته. أخذ هذا من آيات كثيرة وكثيرة جداً في القرآن الكريم .. {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) .. {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10). وفي الحديث المشهور: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». وهذا الحديث كأنه اقتباس من قوله تبارك وتعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16 - 17). الإمام عبد الله بن المبارك شيخ الإمام أحمد يعبر عن هذه الآيات وغيرها مما

[1044] باب تفسير قوله تعالى: {أأمنتم من في السماء} والرد على من يقول الله في كل مكان

جمعه حافظ دمشق الحافظ الذهبي في رسالةٍ خاصةٍ وهي مطبوعة سماها: «العلو للعلي الغفار» جمع في هذه الرسالة الآيات التي تدندن حول هذه الصفة للذات الإلهية، وهي صفة العلو المطلق، الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة وآثار السلف، ومنهم أقوال الأئمة الأربعة، كلهم يدندنون حول ما جمعه عبد الله بن المبارك في هذه الكلمة: «الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، بائن من خلقه» أبطل الحلول وهو مستغنٍ .. وهو الغني عن العالمين، لكن ذلك العلو الذي لا يمكن لعقلٍ بشريٍّ أن يدركه أو يتصوره؛ لا يعني أنه تخفى عليه خافية، قال: «وهو معهم بعلمه». فهذه الجملة الموجزة جَمَعَ فيها عشرات الآيات والأحاديث وأقوال السلف، حتى تكون عقيدة المسلم عقيدة صحيحة بعيدة عن القول بوحدة الوجود، وبعيدة عن القول بالحلول الذي يقول به بعض الفرق الضالة، الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه. " الهدى والنور" (69/ 44: 08: 00) [1044] باب تفسير قوله تعالى: {أأمنتم من في السماء} والرد على من يقول الله في كل مكان [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «لا تَتَفَكَّروا في الله، فإنه لا مِثْلَ له، ولا شَبِيْهَ ولا نظيرَ، ولا تَضْربوا لله الأمثالَ، ولا تَصِفوه بالزَّوالِ، فإنه بكل مكانٍ». (موضوع). [قال الإمام]: قال الربيع في مسنده (3/ 217): وبلغنا عن أبان بن [أبي] عياش عن أنس بن

مالك قال: خرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على قوم جلوس، فقال ما أجلسكم؟ فقالوا: نتفكر في الله، فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ... فذكره. قلت وهذا موضوع، آفته أبان بن [أبي] عياش، وهو متروك - كما قال الذهبي والعسقلاني -.وجملة التفكر قد رويت من طرق أخرى، بدا لي من مجموعها أنها ترتقي إلى مرتبة الحسن، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (1788). وأما سائر هذا الحديث وبخاصة الجملة الأخيرة منه فإنها باطلة، وهي من وضع الجهمية والمعطلة لصفات الله عَزَّ وَجَلَّ، الذين يتأولونها غير تأويلها المعروف عند السلف، ويعبرون عن المجيء المصرح به في القرآن والنزول المتواتر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالزوال- كما في هذا الحديث-، أو الانتقال- كما يفعل ابن الجوزي وغيره -، ثم يقولون: هذا من صفات المخلوقات، فلا يجوز وصف الله بذلك! والحقيقة أن المجيء والنزول لا يجوز تأويله بما ذكروا، وهو صفة لله، وصف بها نفسه، نصفه بها دون تشبيه ولا تعطيل، «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير»، فهم وقعوا حين عبَّروا بما تقدم في التشبيه، ففروا منه إلى التعطيل. فما أحسن ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الأول من كتابه العظيم "منهاج السنة": "المشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، المشبه أعشى، والمعطل أعمى". ومما يبطل هذاالحديث قوله: "فإنه في كل مكان"، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ كان ولا مكان، وهو الغني عن العالمين - كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله - فتنبه! ولما رأى بعض المعطلة المعاصرين أن وصف الله عَزَّ وَجَلَّ بأنه في كل مكان لا يقف أمام أدلة الشرع والعقل - كما سبق هناك -، لجأ إلى التستر والمراوغة

والتدليس، فقال ذلك الجاهل الغماري في تعليقه (ص 127): "وهنا أمر مهم جداً وهو: أننا لا نقول بأن الله موجود في كل مكان البتة، بل نكفر من يقول ذلك، ونعتقد أن الله موجود بلا مكان، لأنه خالق المكان"! وفي هذا الكلام من هذا الجاهل المدلس أمور مهمة، يجب التنبيه عليها أو على بعضها على الأقل، مبتدئاً منها بالأهم: أولاً: اعتقاده بأن الله موجود بلا مكان: تدليس خبيث، لأنها كلمة حق أريد بها باطل، لأن ظاهرها تنزيه الخالق - سبحانه وتعالى - عن الحلول في المكان المخلوق الذي يقول به المعتزلة والإباضية - كما في حَدِيثِهم هذا -، وهذا التنزيه حق واجب - كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله -، ولكن الذي يرمي إليه هذا المدلس ويقصده هو تعطيل صفة علو الله تبارك وتعالى على عرشه والمخلوقات كلها، وكونه تعالى فوقها، فإنه من ضلاله البالغ أنه يسمي هذه الفوقية مكاناً تمهيداً لنفيها! وتعليقاته كلها تدور حول هذا النفي، ويعطل كل دلالات الآيات والأحاديث بتأويلها! وتعطيل معانيها! ولنقدم على ذلك مثالاً واحداً، ألا وهو قوله تعالى: {أأمنتم من في السماء}، فإنه يعطله بمثل قوله: "إما أن يقال ... ، وإما أن يقال: ... "!! ثم قال (ص 139): وقوله تعالى: [أأمنتم من في السماء] مؤول عند المجسمة بـ (من على السماء) ... " إلخ. ونقول هذا ليس تأويلاً - أيها الجاهل المتعالم! - كما بينه العلماء، حتى بعض المؤولة لبعض النصوص، كالحافظ البيهقي الذي قال في أكثر من موضع من كتابه "الأسماء والصفات" (377 و411 و421)، وكذلك في كتابه الآخر

"الاعتقاد" (ص 113): "فمعنى الآية: من على العرش، كما صرح به في سائر الآيات". وذكر في الباب الآيات التي أشار إليها، فهل الإمام البيهقي - أيها الضال المضل! المكفر لأئمة المسلمين! - هو أيضاً مجسم عندك، لأن القائلين بعلو الله على خلقه هم مجسمة عندك، والمجسمة كفار لديك؟! ثم أيَّد ضلاله بكلام نقله من "تفسير البحر المحيط" لأبي حيان (8/ 302)، لم ينقله بتمامه، فإنه يعلم أنه لو فعل، لافتضح وانكشف زيغه، فقد قال أبو حيان في الآية المتقدمة ما نصه: "المعنى: أأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو المتعالي عن المكان".تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. هذا التفسير من هذا المعطل هو الذي ضل به هذا الجاهل، ومن قبله شيخه الغماري المسمى بعبد الله، الذي أنكر حديث الجارية وشهادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لها بالإيمان لشهادتها أن الله في السماء، مقلداً في ذلك تأويل أبي حيان للآية بالتأويل المتقدم، فقال - هداه الله -: "أماكون الله (في السماء) فكانت عقيدة العرب في الجاهلية، وكانوا مشركين، فكيف تكون دليلاً على الإسلام"!! انظر تمام كلامه، بل ضلاله في "الصحيحة" تحت الحديث (3161). وليس البيهقي وحده - ممن يظهر ذاك الضال تبجيله - فسر الآية بأنه تعالى على السماء، بل إنه قد تبعه على ذلك جمع من العلماء الفضلاء - الذين نظن أنه لا يستطيع الضال أن يرميهم بالتجسيم -، مثل حافظ الأندلس ابن عبد البر فإنه صرح في "التمهيد" (7/ 130) أن معنى الآية - كما تقدم عن البيهقي، فقال -: "فمعناه من على السماء، يعني على العرش ... ".وقال (7/ 129) تعليقاً على حديث النزول الإلهي:

"وفيه دليل على أن الله عَزَّ وَجَلَّ في السماء على العرش من فوق سبع سماوات - كما قالت الجماعة -، وهو من حجتهم على المعتزلة والجمهية في قولهم: إن الله عَزَّ وَجَلَّ في كل مكان، وليس على العرش، والدليل على صحة ما قاله أهل الحق في ذلك ... ".ثم ذكر الآيات الدالة على ذلك، ورد على المعتزلة الذين ادعوا المجاز في آية الاستواء وغيرها في بحث واسع مفيد جداً، فليراجع. بل إن ابن الجوزي نفسه قد سلك سبيل الجماعة في تفسير الآية خلافاً لحيده عنهم في "دفعه"! فقال في تفسيره "زاد المسير" (4/ 322): "قال ابن عباس: أأمنتم عذاب من في السماء وهو الله عَزَّ وَجَلَّ ".فلم يقل - كما قال مقلِّد ذاك الضال -: "أأمنتم من تزعمون أنه في السماء"! وفي الواقع إني لأشفق على هذا الرجل، لعرامته في ضلاله، وغلوه وجرأته في مخالفة أئمة المسلمين، بل وتكفيرهم! وأخذه بأقوال المعتزلة وأشباههم من الضالين قديماً وحديثاً، فهو لا يحسن أن يأخذ من الأقوال المختلفة إلا أضلها، ويعرض عما كان منها صواباً محضاً، الأمر الذي يذكرني بذاك الرجل الذي أتى راعياً فقال: أعطني شاة من غنمك؟ فقال له: اذهب فخذ بأذُن خيرها. فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم! وإني لأظنه أنه لم يقل يوماً ما داعياً ربه اقتداءً بنبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -: "اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ! فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ! عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ! أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (¬1). "الضعيفة" (13/ 2/734 - 738). ¬

(¬1) كذا في الأصل عند الشيخ رحمه الله تعالى، لم يأتِ بـ (ثانياً) ... الخ. (الناشر).

[1045] باب كفر القائلين بوحدة الوجود

[1045] باب كفر القائلين بوحدة الوجود السؤال: الصوفية حديثة عهد في بلدنا، بماذا تنصحنا؟ الشيخ: الصوفية فيها خلاف قديم جداً بين المسلمين، المسلمين بالمعنى العام كما شرعناه آنفاً، والحقيقة أن لهذا الاسم التصوف والذين ينتمون إليه الصوفية أو المتصوفة معاني كثيرة ومختلفة، نحن نعلم لمخالطتنا لكثير من هؤلاء، أنهم حينما تقام عليهم الحجة فهم يقولون: التصوف ليس إلا التمسك بالأخلاق التي كان عليها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومنها مثلاً: الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، هكذا يقولون حينما تقوم عليهم الحجة، وحينئذ نحن نقول إن كان التصوف هو هذا بزعمكم، فيبقى الخلاف بيننا وبينكم لفظياً، ارفعوا كلمة التصوف؛ لأنها أصبحت كلمة لها معاني كثيرة وكثيرة جداً، بعضها ومنها ما ذكرنا عنهم آنفاً التمسك بالأخلاق الكريمة والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة، ليس هناك ضرورة أن نطلق هذا الاسم المشكوك في المراد منه على هذا الأمر المتفق عليه من التمسك بأخلاق الرسول عليه السلام والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة، لكن الحقيقة أن لمفهوم التصوف معاني أبعد بكثير عن هذا المعنى الصحيح، ثم هذا البعد تارة يخرج صاحبه من دائرة الإسلام، وتارة يلحقه بفرقة من الفرق الضالة، أما الحالة الأولى فأولئك هم الذين يؤمنون بما يعرف عند أهل العلم بعقيدة الوحدة، أو وحدة الوجود بالتعبير الأوضح، وحدة الوجود تعني -هنا إلحاد بعينه- تعني الطبيعة بتعبير علماء الطبيعة، أي: لا شيء إلا المادة، حيث يقول قائلهم: كل ما تراه بعينك فهو الله. إذاً: فهي المادة، كل ما تراه بعينك فهو الله!

ويقول آخر: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا ... وما الله إلا راهب في كنيسة ويقول ثالث: العبد رب والرب عبد ... فليت شعري من المكلف؟ إن قلت عبد فذاك نفي ... أو قلت رب أنى يكلف؟ والرابع يقول: لما عبد المجوس النار ما ... عبدوا إلا الواحد القهار هذه كلها عبارات مسطرة في كتبهم التي يتبركون بها، فمثل هذه العقيدة تخرج صاحبها من دائرة الإسلام؛ لأنها عقيدة أكفر من عقيدة اليهود والنصارى، وهذا يذكرني بقول أحد غلاتهم، حيث قال: إنما كفر اليهود والنصارى؛ لأن اليهود حصروا الله في العزير، أما النصارى فحصروا الله في الأب والابن والروح القدس، أما نحن أي: هم، قال: فقد عممناه في كل شي، ولذلك فمن ذكرهم ليس ذكرهم ذكر المسلمين كما قال عليه السلام: «أفضل الذكر لا إله إلا الله» (¬1) ذكرهم: هو هو. ويقولوا في بعض العبارات التي مع الأسف تلقفها بعض العامة عندنا في سوريا، تجد الواحد جالساً يريد أن يذكر الله فيقول: ما في غيره. ماذا يعني بما في غيره؟ في خالق وهناك مخلوق. فهذه عقيدة وحدة الوجود تلت في ألفاظ بعض الناس، لكنهم لا ينتبهون إلى ضلالها، ومثلها تماماً قول كثير من الخاصة والعامة: الله موجود في كل الوجود، ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم1104).

الله موجود في كل مكان، .. عقيدة وحدة الوجود، لكنها مع ذلك عقيدة الأشاعرة والماتريدية في آخر الزمان، الله موجود في كل مكان، هذا مكان، الله موجود هنا، ما هو الموجود؟ زيد وبكر وعمرو ومادة وحيطان وهواء .. إلى آخره، الله هنا؟! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، هذه عقيدة السلف الصالح. فهذا النوع من التصوف هو أكفر الكفر الذي وجد على وجه الأرض. هناك نوع دونه وهو الذي انحرف في سلوكه عما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من تحميل النفس ما لا تطيق، باسم تربيتها، وهنا نحن نقول: لسنا نحن بصفتنا مسلمين، لسنا بحاجة أبداً إلى وسيلة نتلقاها من طريق غير طريق نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -، لنربي بها أنفسنا، كيف وفي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند، وغيره في غيره من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ذات يوم في يد عمر بن الخطاب صحيفة يقرأ فيها، قال: ما هذا يا عمر؟ قال: هذه صحيفة كتبها لي رجل من اليهود، فقال عليه الصلاة والسلام: يا ابن الخطاب! أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟! والذي نفس محمد بيده! لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي». إذاً: إذا كان موسى كليم الله والذي أنزل الله عليه التوراة مباشرة لو كان أدرك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يسعه أن يتبع توراته، بل لا يسعه إلا أن يتبع نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -. إذاً: كيف بنا نحن اليوم باسم الإسلام الصوفي نربي أنفسنا على طريقة من الحمل عليها بزعم تهذيب النفس الأمارة بالسوء بالتشديد عليها، لهم قصص عجيبة وغريبة جداً، كان أحدهم، وهذا في بعض القرون الأولى المشهود لها بالخيرية، أما فيما بعد في عهد الشعراني، وما أدراك ما الشعراني فحدث ولا

حرج، لكن في العهود الأولى حيث بدأ التصوف يذر قرنه، كان فيهم من يلبس أغلظ الثياب، ثم ينغمس في نهر دجلة أو طلاء الفرات في اليوم البارد الشديد البرودة، ثم يصعد فيقف على سطح الدار، تلفحه الرياح الباردة، ما هذا؟ قال: تهذيباً للنفس. هذا ليس تهذيباً، هذا تعذيب، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي قال بحق، ونحن بحاجة لنعرف أثر هذه الكلمة في حياتنا العلمية الإسلامية اليوم: «ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه» ومن ذلك حديثان في صحيحي البخاري ومسلم أحدهما من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: جاء رهط إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يجدوه، وسألوا أهله عن عبادته، عن قيامه في الليل وقيامه في النهار، وقربانه للنساء، فتحدثن بما يعلمن وقلن: إنه عليه السلام يصوم ويفطر، ويقوم الليل وينام، ويتزوج النساء. قال أنس: فلما سمعوا ذلك تقالوُّها، أي: وجدوا عبادة الرسول عليه السلام قليلة؛ لأنهم كانوا يتصورون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ينام الليل؟! لازم أن يقوم الليل كله. كذلك يفطر؟! لا بد أن يفطر الدهر كله، كذلك يتزوج النساء؟! وبعض الناس يقولون: ضاع العلم بين أفخاذ النساء. كيف الرسول يتزوج أربع، يتزوج تسعة وزيادة، فوجدوا عبادته عن الكلام قليلة، لكن رجعوا إلى أنفسهم قالوا: هذا رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. الحقيقة هذا الكلام يخرج من أناس أفهم من بعيد أنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، لأنه ليس من الممكن من إنسان فَهِمَ نبيه عليه السلام في كماله السامي الذي لا مثل له، يقول: لماذا يتزوج الرسول، ولماذا ينام؟ ولماذا يفطر؟ الله غفر له،

ماذا يريد أكثر من هكذا. لا ينبغي أن يقال هذا الكلام، لكن هكذا وقع. المهم، فرجعوا إلى أنفسهم، قالوا: هذا رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. إذاً: نحن لا بد أن نكد ونتعب ونتعبد لله حتى يغفر لنا الله. ما هو السبيل في زعمهم؟ قال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر لا أفطر أبداً. قال الآخر: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام. وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء. وانصرفوا، بعد قليل جاء الرسول عليه السلام فأخبر الخبر، خطب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خطبة وجيزة فقال: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا، أما إني أتقاكم لله وأخشاكم لله، أما أني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني». هنا الشاهد: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» فهؤلاء الصوفية الصالحين قديماً لا أعني عن جماعة الشعراني وأمثاله ووحدة الوجود، لا، هؤلاء حادوا عن هدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فجاءوا بأساليب بوذية هندية قديمة، توارثوها، ولعلهم كانوا من الأعاجم الذين دخلوا في الإسلام ولما يفقهوا الإسلام بعد، فجاءوا بطريقة تعذيب النفس بزعم تصفيتها، وهذا هو نبيكم - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «فمن رغب عن سنتي فليس مني». ثم إنه عليه السلام طبق هذا النهج في بعض أصحابه حينما بلغه عن عبد الله

بن عمرو بن العاص صحابي ابن صحابي رضي الله عنهما، بلغه أن أباه زوجه بفتاة من قريش، فدخل عليها يوماً فسألها عن زوجها، فقالت له: ما به من بأس إلا أنه لم يطأ لنا بعد فراشاً، إنه قائم الليل صائم النهار، أي: تزوج وما تزوج. فصعب الأمر على عمر وشكا ابنه إلى نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال له عليه الصلاة والسلام: يا عبد الله! بلغني عنك أنك تقوم الليل وتصوم النهار ولا تقرب النساء، قال: قد كان ذلك يا رسول الله! وهنا الحديث فيه طول وأختصره فأقول: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وضع له منهجاً ليتعبد الله فيه ويجمع كما يقولون اليوم بين حق الجسم وحق النفس من جهة، وحق الروح من جهة أخرى، أي: العبادة، فقال وقد كان يقوم الليل كله يختم القرآن، ويصوم الدهر، قال بالنسبة لقراءة القرآن هذا في نهاية المطاف، والقصة طويلة، قال: اقرأ القرآن في ثلاث ليال، فمن قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقه. وفيما يتعلق بالصيام قال له في أول الأمر: صم من كل شهر ثلاث أيام، والحسنة بعشرة أمثالها، فكأنهما صمت الشهر كله، فكان يقول: يا رسول الله! إني شاب إن بي قوة، إنني أستطيع أكثر من ذلك، وتلاحظون هنا الفرق بين ذاك الجيل وجيلنا اليوم، شاب في مقتبل العمر زوجه أبوه بفتاة من قريش يعرض عنها ويقوم الليل ويصوم النهار و .. إلى آخره، وعندما يقول له الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هون على نفسك يقول له: يا رسول الله! أنا شاب، أنا قوي، أنا أستطيع أكثر من ذلك، اليوم على العكس من ذلك ينشأ شاب في طاعة الله تجد الصادِّين من حوله القريب والبعيد، أولاً الأب وثانياً الأم يقولون له: ما زلت شاباً تعبد فيما بعد، انظر الفرق بين ذاك الزمان وهذا الزمان. الشاهد قال له في نهاية المطاف: صم يوماً وأفطر يوماً، فإنه صوم داود عليه

[1046] باب الرد على القائلين بوحدة الوجود

السلام، وكان لا يفر إذا لاقى، قال: يا رسول الله! إني أريد أفضل من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك. فأين هذه الصوفية الزاهدة الزاعمة، مخالفة للكتاب والسنة. فإذاً: ما كان من التصوف مفسراً بما يوافق الكتاب والسنة حقيقة فحينئذ ارفعوا هذا الاسم ونبقى على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، وما خالفهما فنحن نضرب بذلك عرض الحائط. "الهدى والنور" (632/ 00:40:29) [1046] باب الرد على القائلين بوحدة الوجود [قال الذهبي في "العلو"]: قال القرطبي .. في "الأسنى" الأكثر من المتقدمين والمتأخرين يعني المتكلمين يقولون: إذا وجب تنزيه الباري جل جلاله عن الجهة والتحيز, فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم المتأخرين؛ تنزيه الباري عن الجهة فليس لجهة فوق عندهم؛ لأنه يلزم من ذلك عندهم أنه متى اختص بجهة أن يكون في مكان وحيز, ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للتميز والتغير والحدوث, هذا قول المتكلمين". قلت: نعم هذا ما اعتمده نفاة علو الرب عز وجل, وأعرضوا عن مقتضى الكتاب والسنة وأقوال السلف وفطر الخلائق. و [إنما] يلزم ما ذكروه في حق الأجسام, والله تعالى لا مثل له, ولازم صرائح النصوص حق, ولكنا لا نطلق عبارة إلا بأثر, ثم نقول لا نسلم [أن] كون الباري

على عرشه فوق السموات يلزم منه أنه في حيز وجهة؛ إذ ما دون العرش يقال فيه حيز وجهات, وما فوقه فليس هو كذلك. والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول ونقله عنهم الأئمة. وقالوا ذلك رادِّين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان محتجين بقوله: "وهو معكم" فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم, وهما قولان معقولان في الجملة؛ فأما القول الثالث المتولد أخيراً من أنه تعالى ليس في الأمكنة, ولا خارجا عنها, ولا فوق عرشه ولا هو متصل بالخلق ولا بمنفصل عنهم, ولا ذاته المقدسة متحيزة ولا بائنة عن مخلوقاته, ولا في الجهات ولا خارجاً عن الجهات, ولا ولا, فهذا شيء لا يعقل ولا يفهم مع ما فيه من مخالفة الآيات والأخبار. ففر بدينك وإياك وآراء المتكلمين, وآمن بالله وما جاء عن الله على مراد الله, وفوِّض أمرك إلى الله, ولا حول ولا قوة إلا بالله. [قال الإمام في "مختصر العلو" معلقًا على قول الذهبي: "فهذا شئ لا يعقل ولا يفهم]: قلت: نعم، إنما يفهمه القائلون بوحدة الوجود، وأن الخالق والمخلوق شيء واحد، بل لا شيء هناك يسمى خالقاً أو مخلوقاً، فكل ما تراه بعينك فهو الله! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. ولعل جهماً وأمثاله من الدعاة الأولين كانوا يرمُون من قولهم بأن الله في كل مكان، وأنه ليس على العرش، غرسَ عقيدة وحدة الوجود المستلزمة لنفي وجود الخالق تبارك وتعالى, ولكن بطريقة خبيثة خفية، ولذلك اشتد نكير السلف عليه، وعلى أتباعه، وصرح بعضهم - كما تقدم

[1047] باب ما المانع من أن نقول: الله ليس فوق ولا تحت؟ والكلام على علو الله، ومناظرة الشيخ لبعض الأزهريين حول ذلك

في ترجمة الإمام ابن المبارك وغيره - أن الجهمية يزعمون أن الله ليس بشيء! فماذا يقول السلف الصالح لو سمعوا اليوم غلاة الصوفيين وهم يقولون على المنابر: " الله، لا فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، ولا أمام، ولا خلف، ولا داخل العالم، ولا خارجه"!. "مختصر العلو" (ص287) [1047] باب ما المانع من أن نقول: الله ليس فوق ولا تحت؟ والكلام على علو الله، ومناظرة الشيخ لبعض الأزهريين حول ذلك سؤال: .. وجود الله ووجودنا، قبل قليل كنت تقول: بأن وجوده غير وجودنا. الشيخ: أي نعم. مداخلة: فإذاً: الأمام والخلف والفوق تحت هذه من صفات وجودنا. الشيخ: طبعاً. مداخلة: فلماذا استغربناها عن الله؟ يعني استغربنا ممن يقول ... الشيخ: الاستغراب ... من جهة وصفهم لله، أنت لو أخذت العبارة كلها من أولها إلى آخرها، أظن أنه ستجد نفسك لست بحاجة للسؤال. الله ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار .. هذه صفات بالنسبة لنا، جهات بالنسبة لنا، لا يوجد إشكال، لكن انظر إلى النهاية: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف ولا داخل العالم ولا خارجه! فماذا بقي إذاً؟

هل بقي هناك وجود، لا داخل العالم ولا خارج العالم. مداخلة: بدون استغراب. الشيخ: نعم. مداخلة: بيجوز المقايسة نفسها بنفس الألفاظ الموجودة الأولى، ... وجود المخلوقات، يمكن ما تصح عن الله عز وجل، لعل هناك مقاسات أخرى، يعني خارج الأبعاد المحسوسة؟ الشيخ: خارج العالم في قياسات؟ مداخلة: خارج العقل البشري. الشيخ: لا، خارج العالم حسب تعبيرهم هم. يمكن أحكي لك هذه القصة وقعت معي في منى، منذ عشر سنين في موسم الحج، أنا جالس مع بعض الناس من بعد صلاة المغرب نتحدث في بحوث شرعية طبعاً، لما دخل علينا شيخ أزهري، السلام عليكم، وعليكم السلام. جلس يسمع، جاءت مناسبة هذا الكلام، طبعاً دراسته في الأزهر كما حدثتكم عن المشايخ مع ابن تيمية تماماً، قال: «قولنا أن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها تشبيهٌ وتجسيمٌ». هذا كلام أزهري تماماً، وكلام المشايخ من علماء الكلام، فأنا جريت معه في البحث كما يأتي، ولعل هذا إجابة للإشكال، أو جواب عن السؤال. قلت له: أولاً: الأدلة الشرعية يجب الإيمان بها دون تكييف، أي: تشبيه، ودون تعطيل أي: إنكار لمعانيها.

ثانياً: خلينا ندرس الموضوع بعقلي وعقلك، لنرى أي القولين أصح، فسألته ما يلي، أسئلة متتالية، قلت له: الآن فوقنا ماذا؟ قال: السماء الدنيا. قلت: حسناً، وفوق السماء الدنيا؟ قال: الثانية .. الثالثة .. الرابعة ... السابعة. لعلي فاتني شيء [يستدرك الشيخ على نفسه] سألته قبلُ، قلت له: الكون المخلوق محصور أو لا نهاية له؟ قال: لا، محصور؛ لأنه مخلوق. قلت له: حسناً ضع هذا في بالك، ثم سألته: ماذا فوق السماء السابعة؟ قال: العرش. قلت له: حسناً، فوق العرش ماذا يوجد؟ قال -وأول مره أسمع هذا الجواب الغريب-: الملائكة الكروبيون، قلت له: من هؤلاء الملائكة الكروبيون؟ أنا أعرف في بعض أحاديث مما لا سنام لها ولا خطام، لكن شيخ يقول فوق العرش ملائكة كربيون، قلت له: من أين هذا، هل عندك آية؟ قال: لا. قلت له: عندك حديث؟ قال: لا، قلت له: من أين أتيت بأن الملائكة الكروبيون فوق العرش؟ قال: والله! هكذا مشايخنا في الأزهر درسونا، وأنا الحقيقة اعتبرتها فرصة، وأقولها الآن من أجل التذكير والتنبيه، مشايخ الأزهر مع الأسف كمنهج دراسي يدرسون طلبة العلم أن العقيدة لا تثبت بالحديث الصحيح، لازم يكون الحديث صحيح متواتر، فإذا كان دون المتواتر قوةً وصحةً لا تثبت به عقيدة، وهذا خطأ بلا شك، ولي رسالتان مطبوعتان حول إبطال هذا القول، وأن الحديث الصحيح من حيث وجوب العمل به عقيدة وحكماً عملاً، فقلت له: يا شيخ! عجيب والله، نحن نعرف أن علماء الأزهر يدرسون أن الحديث الصحيح لا يتخذون منه عقيدة، كيف أخذتم عقيدة كروبيون فوق العرش، وما في لا أحاديث ولا آية، مع ذلك قلنا له: نحن الآن لا نقف هنا، هب أن فوق العرش يوجد ملائكة كروبيون، فوق ذلك ماذا يوجد؟ قال: لا شيء. هنا الشاهد.

هذا الجواب علماء السنة يقولون هذا هو التعطيل، هذا هو النفي، نفي وجود الله. قلت له: أنت تقول لا شيء، معنى ذلك أنه بالكروبيين انتهى الخلق، فالخلق المحدود انتهى، خارج هذا الخلق الآن ما في شيء؟ نحن نعتقد أن الله هو خالق الأشياء هذه كلها، وهو فوقها مستعل عليها، إلى آخره ... لعل هذا الجواب يقرب الموضوع بالنسبة لسؤالك السابق؟ مداخلة: نعم. الشيخ: إن شاء الله. نحن نريد بهذه المقدمات إبطال تعطيل هؤلاء، لأنه بيقول لك: إذا قلت: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، حددته، جسمته، جعلته في مكان، يا جماعة اتقوا الله، المكان- الآن تذكرت الاستدراك الذي استدركته-، أن المكان مشتق من الكون، فالمكان مخلوق، هذا الكون هو مكان، فلما انتهى هذا الخلق، ما وراءه؟ نفس الأزهري قال: لا شيء، قال: لا، لأن المكان من الكون، فما بقى هناك في مكان، فخلصنا من المحسوسات والمعدومات الآن، نحن نتكلم كلنا في حدود ما نعلم من الماديات، فبعد ذلك ارجع معنا أنت وغيرك حتى تتضح لكم القضية، ذكرنا حديث عمران بن حصين آنفاً: «كان الله ولا شيء معه» هذه عقيدة يؤمن بها كل مسلم، معنى: «لا شيء معه» يعني: لا خلق، ثم خلق الله الخلق، خلق العرش، خلق ... إلى آخره. «كان الله ولا شيء معه» هل كان في كون؟

مداخلة: لا. الشيخ: طيب، هذا قولنا. فهو الآن كما يقول بعض الصوفية، لكن يعنون معنى آخر غير صحيح، فهو الآن من حيث هذه الحيثية التي نتكلم فيها كمكان، فهو لم يكن في مكان، فهو ليس بمكان، لماذا إذاً أنتم ... تتهموا السلف الصالح الذين يثبتون لله كل صفات الكمال، ومنها صفة العلو المطلق، ليس العلو المادي، صفة العلو المطلق، لماذا تقولون عنهم إنهم مجسمة .. إنهم جعلوا الله في مكان، وأنت عندما تبحث بحث هادئ تفهم معنى أنه ليس هناك مكان، إذاً: «كان الله ولا شيء معه»، فهو الآن كما عليه كان، لكن هو فعال لما يريد، فعال لما يشاء، يخلق يحيي ويميت، بيده ميزان القسط، إلى آخره. فإذاً: استشكالك أنت كان في هذا الكون المحسوس، لكن لما تصورت إن الكون انتهى رجعنا إلى ما كان رب العالمين على ما هو عليه كان، قبل أن خلق الزمان والمكان. مداخلة: ... سؤالك: ماذا وراءه؟ الشيخ: وراء ماذا؟ مداخلة: أنت عندما تسأل شيخ الأزهر .... الشيخ: ... وراء العرش ... أنا أخاف يقول لي: بدل مكروبيين فيه مكاريب مثلاً، فما دام انتهى الخلق، خلاص انتهينا مع بعض، هذا أخي من باب إقناع المناظر لك من نفس كلامه، إنه أنت تقول: إن الذين يقولون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، جعلوه في مكان، طيب دعونا ننظر، المكان من الكون؟ أي نعم، وكان مسبوق بالعدم؟ أي نعم، فإذاً: ما هو، سماء أولى ثانية، وصلنا لعرش،

وصلنا للملائكة تبعه الكروبيين، طيب وبعد ذلك ماذا يوجد؟ لا شيء. مداخلة: لا مكان .. الشيخ: إذاً: لا مكان، فكان الله ولا شيء معه، أي: لم يكن (هناك) شيء مخلوق؛ لأنه غني عن العالمين، الله عز وجل هو الآن كما عليه كان قبل أن خلق المكان والزمان، هذه العقيدة الذي نسميها نحن العقيدة السلفية، هي العقيدة الفطرية التي لا يقبل العقل سواها إطلاقاً حينما توضح له على طريقة القرآن الكريم والسنة. وفي الحقيقة أذكر قصة: كنت مسافر من إدلب إلى اللاذقية، كان عندي سيارة صغيرة، فلما خرجنا من إدلب وإذا بشخص مبين عليه أجنبي، بيعطي إشارة. مداخلة: .. ستوب. الشيخ: هذول الشحاذين على الأصول، شحاذي الركوب، وأنا ماشي بالسيارة كان معي بجانبي شخص، فلفت نظري كنت قطعته، قلت لصحابي: ما رأيك نرجع نأخذه مبين عليه أجنبي، ونتسلى معه في الطريق؟ قال: ما في مانع، رجعنا القهقرى، وإذا هو الخبيث مخبئ امرأتين معه الظاهر زوجته وبنته، صاروا ثلاثة، على كل حال المكان فاضي، ركبناهم، نريد أن نبحث معهم نقطع الطريق يعني ... كما يُقال ... يا تقطعني يا أقطعك، كيف: يا أقطعك؟ يعني بالحديث. وصلنا معه إلى هذا الموضوع بالذات، عندما شرحنا له هذه العقيدة، قال: هذا هو المعقول، أن الله عز وجل فوق المخلوقات وليس داخل المخلوقات، هم طبعاً كنصارى ليس عندهم هذه العقائد الموجودة عندنا بصريح القرآن والسنة،

لكن قصدي الفطرة تتقبل هذه العقيدة السليمة، لكن عندما تأتيهم الإشكالات والشبهات من أكثر الناس، يحاروا أمامها ولا يستطيعون لها جواباً، لكن المتمكن في كتاب الله وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، [يعرف]: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، انتهت المشكلة. مداخلة: هل يُفهم من كلامك هل يجوز مناظرة الملاحدة مثلاً والفلاسفة؟ الشيخ: طبعاً، الله سن هذه السنة، قال لهم مثلاً: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (الطور:35)، لكن بطبيعة الحال الذي يريد أن يناظرهم لا بد أن يكون كما يقال عندنا في الشام (قد حاله) أولاً: لازم يكون عارفاً بكتاب الله، عالماً بكتاب الله، وبحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والذي يعلم كيف تؤكل الكتف، يعني يعرف يصول ويجول مع المبطلين، حتى يظهر حقه على باطلهم، وإلا إنسان ممكن ما يعرف من دينه إلا ما وجد عليه آباءه وأجداده، ... يناقشهم ويريد يناقشهم بالعقل المجرد، وبعقل دون عقل، يتغلب العقل الأقوى على العقل الأضعف، بينما العقول كلها لو اجتمعت لا تستطيع أن تعلو على نص من كتاب الله، أو من حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فيجوز ذلك لكن بهذا الشرط. مداخلة: يعني مثلاً: ليس عن طريق العلم يعني؟ الشيخ: ... [هنا الصوت غير مسموع] الشيخ: أنت احفظ الآية التي ذكرتها لك، {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (الطور:35)، هذا جواب للشيوعيين والماديين والدهريين جميعاً، لا بد ما يثبت المادة، هذه المادة ما قوتها، ما صفاتها، ... [يقولون] المادة عملت كذا،

[1048] باب حكم القول بأن الله ليس في مكان

سبحان الله، نحن نسايرهم بالتعبير، نحن وإياكم نلتقي على كلمة سواء، أن هناك شيء لا أول له، صحيح أو لا؟ هناك شيء لا أول له عندنا وعندهم، لكن نحن نترجح عليهم بالعقل أيضاً فضلاً على النص، نحن نقول: هذا الشيء قادر وليس عاجز، ونقول: هذا عليم لا نقول جاهل. ونقول: حكيم لا نقول أحمق .. إلى آخره، ولا شك أن العقل يقبل هذه الصفة أن توصف هذه المادة التي تفجر منها هذه المخلوقات التي إلى اليوم يزدادون حيرة في دقة تركيبها وصنعها .. إلى آخره، كيف يقال هذا من مادة عمياء صماء بكماء .. إلى آخره. لذلك الآن الدهريين غُلبوا على أمرهم؛ لأن العقل تحرر، هم يقولون بالمادة الأزلية، لماذا تنكروا علينا أن نقول: الله أزلي، فأنتم ملتقون معنا في هذا، لكن نحن نتميز عليكم أن الله عز وجل له كل صفات الكمال، ومنزه عن كل صفات النقص، أنتم تقولون المادة عملت كذا .. وكذا، فأحياناً تصفوها بصفةٍ جيدة، القدرة مثلاً، لكن مع ذلك، إذا قلنا لكم: صفوا لنا هذه المادة، هل ترى تنبض تسمع؟ كل هذه الصفات لا يصفونها، فمن الممكن مجادلة هؤلاء، لكن إذا أراد الإنسان أن يتعمق معهم، فيجب أن يحتاج إلى أن يعرف نصوص الكتاب والسنة. "الهدى والنور" (69/ 20: 10: 01) [1048] باب حكم القول بأن الله ليس في مكان [قال الإمام]: أكثر من واحدة سألوني عن موضوع أن الله عز وجل على العرش استوى، وآية: {أأمنتم من في السماء)، فهذه أيضاً أكيد سقافية قد تكون زوجته أخته لا أدري، المهم تقول لي: هل صحيح أن امرأة سألتك عن قوله تعالى: {أأمنتم من

في السماء} فأجبتَ بأن الله عز وجل على العرش؟ قلت: نعم هو كذلك، فبدأت تجادل كما تعلمون من جدل المبتدعة هؤلاء، فقلت لها: لو أنك سألك سائل أين الله؟ ما جوابك؟ رأساً تقول أجرأ من رجل، هذا من عجائب الأمور، تقول: لا يجوز سؤال أين الله؟! قلت لها: كيف لا يجوز والرسول هو الذي سنَ سُنة السؤال أين الله؟ ماذا قالت الخبيثة؟ ملقنة تلقين وحافظة درسها مع الأسف، لكن لا تنجح بهذا ... قالت الرسول سأل الجارية لأنها تعلم اللغة العربية، فهي تعرف ماذا يعني الرسول بالسؤال، أنا طبعاً لا أريد أسألها ماذا يعني الرسول، لأنه رأساً بدا لي أن أمسكها من .. فقت لها: حسناً هي كانت تعرف بمقصد الرسول وأجابت بالآية، قالت: الله في السماء، فأنت تشهدي أنها هي عالمة، ولذلك جاز لها أن تجيب بقولها في السماء، فأنتي عالمة أو جاهلة؟ قالت: عالمة؟ قلت لها: طيب لم لا تجيبين كما أجابت الجارية العالمة؟ لماذا لا تجيبين، وتلف وتدور، فقلت لها أنا أسألك لماذا لا تجيبين بجواب الجارية المنصوص عليه في القرآن الكريم، راساً تقول أريد أن أسألك، قلت لها: لا يجوز لك أن تسألي وأنا سائلك، لماذا أنت الآن تخالفين شهادتك بهذه الجارية أنها حينما قالت الله في السماء إنما كانت عالمة، فأنت أيضاً إما أنك جاهلة ولذلك لا تجيبين بجواب العالمة أو أنك عالمة ولكنك تجادلين بالباطل، والخبيثة من جرأتها لما فتحت التلفون قالت: السلام عليكم وعليكم السلام، قالت: لا تُسَكِّر الهاتف في وجهي، تذكرني بالحادثة هناك، قلت لها أنا لا أُسَكِّر الهاتف في وجه الإنسان يبحث ببحث علمي وبهدوء، فإذا أنتي هكذا فأنا لا أغلق الهاتف أمامك، وبدأنا حتى وصلنا إلى هذه النقطة، وأنا كررت على مسامعها، لماذا لا تجيبين عن السؤال، وتريدين أنتي أن توجهي سؤالاً وتجادلي حوله، ثلاث مرات على الأقل، حينئذ أغلقت التلفون، فسبحان

الله كلهم على وتيرة واحدة، فلو أن الإنسان يريد البحث للبحث، وللوصول إلى الحقيقة، ما دام أنك تشهدي بأن الجارية أجابت بهذا الجواب لأنها تعرف هذا المعنى الصحيح من الآية، أنت عالمة فأجيبي نفس الجواب، لماذا تخالفين الجواب وتقولي: لا يجوز أن نقول أن الله في كل مكان، ولا يجوز أن نقول الله ليس في مكان. مداخلة: هي تقول لا يجوز أن نقول أن الله ليس في مكان. الشيخ: هذا رأي الخبيث هذا، هذه بدعة لفظية جديدة، هذه تساوي -والشيء بالشيء يذكر، لعل في ذلك فائدة إن شاء الله-، لعلكم تذكرون بأن ابن تيمية الله يجزيه عن الإسلام خيراً يقول: لا يجوز أن نقول إن الله في جهة وإن الله ليس في جهة، لا نقول الله في جهة ولا نقول الله ليس في جهة، إلا بعد أن نفهم ماذا يقصد الذي ينفي وماذا يقصد الذي يثبت؛ لأن الذي يقول الله في جهة قد يقصد جهة من الجهات المعروفة عندنا أي أنه في مكان مخلوق، وهذا لا يجوز ولا يليق بالله عز وجل، والذي يقول إن الله ليس في جهة يمكن يعني نفى صفة العلو للعلي الأعلى، فحينئذ يكون مخطئاً، أما الذي يقول إن الله ليس في جهة، أي له صفة العلو على خلقه جميعاً، فنحن نقبل منه هذا المعنى، ولكن نرفض اللفظ؛ لأنه مشكوك بالقصد، كذلك العكس بالعكس، هذا الخبيث جاء بفن جديد الآن، هو لا يقول الله في كل مكان لأنه لا يستطيع أن يجادل السلفيين حينما يقولون الله في كل مكان، أي عقل يرضى بربه أن يحشره في الكهاريج والمراحيض تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. إذاً: نحن ندوبل على السلفيين ونقول لا يجوز أن نقول إن الله في مكان، فإذاَ

ليس الله في مكان، أيضاً لا نقول هو في مكان وليس في مكان؛ لأننا إذا قلنا بزعمهم الله على العرش استوى، جعلناه في مكان، وترجع القضية إلى ذلك الأمير أمير دمشق في زمانه الذي تناقش ابن تيمية مع مشايخ مخالفين له أمامه، فلما سمع قول المشايخ وردَّ ابن تيمية عليهم، قال بكل صراحة: إن هؤلاء قوماً أضاعوا ربهم. والحقيقة أنا سمعت هذه العبارة على المنبر من أحد مشايخي سعيد البرهاني الذي تلقيت على يديه مبادئ الفقه الحنفي، على المنبر كان يقول: لا يجوز أن نقول إن الله عز وجل فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار لا أمام ولا خلف لا داخل العالم ولا خارجه، هذا معنى كلام ذاك الأمير: إن هؤلاء قوم أضاعوا ربهم، لا داخل العالم ولا خارجه، هذا صفة العدم، أما لما يقول المسلم كما قال الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، فإذاً: استوى استواءً كما يليق بجلاله وعظمته. قلنا له: نعم، هذا كلام أئمة السلف، فماذا في ذلك؟ قال: معنى ذلك أنكم جعلتموه في مكان، حصرتموه في مكان، جسمتموه، جسَّدتموه، قلت له: حاشا لله، والآن اسمع مني: المكان هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟ قال: مخلوق. قلت: أليس مشتقاً من الكون؟ قال: بلى. قلت: الكون محصور أم غير محصور؟ قال: محصور. قلت له: حسناً الآن ماذا فوقنا؟ قال: السماء الدنيا. قلنا: حسناً وفوقها الثانية السابعة. وفوق السماء السابعة ماذا يوجد؟ قال: العرش. الشيخ: نعم.

[1049] باب حكم قول القائل: الله كان ولا مكان، وهل ينسب لله لفظ المكان والجهة والحد؟

مداخلة: السلام عليكم. الشيخ: وعليكم السلام. مداخلة: كيف حال شيخنا؟ الشيخ: الحمد لله بخير، كيف أنت. مداخلة: والله بخير ولله الحمد. الشيخ: الحمد لله. مداخلة: كيف حالكم طيبين إن شاء الله؟ الشيخ: طيبك الله. مداخلة: في سؤال يا شيخ .. "الهدى والنور" (665/ 17: 03: 00) [1049] باب حكم قول القائل: الله كان ولا مكان، وهل ينسب لله لفظ المكان والجهة والحد؟ السائل: ما الحكم الشرعي بمن يقول: الله كان ولا مكان؟ الشيخ: الجواب: مثل هذا النفي يرد كثيراً على ألسنة المتكلمين من علماء الكلام نفياً أو إثباتاً فنفي المكان كإثباته، كذلك نفي الجهة بالنسبة لله عز وجل كإثباتها، والأمثلة في مثلها كثيرة، والجواب الصحيح: أنه لا يجوز إنكار شيء من هذه الألفاظ أو إثباتها إلا بعد أن نتبين المعنى الذي يقصده المُثبِت لهذه الألفاظ أو نافيها.

فنعود بعد هذه التوطئة وبعد هذه المقدمة الوجيزة إلى الإجابة عن السؤال مباشرة فنقول، بناءً على هذه المقدمة نقول: إن كان الذي يقول: كان الله ولا مكان، إنما يعني تحقيق أن الله عز وجل هو الأول وهو أزلي أبدي لا أول له، وأنه كما جاء في الحديث الصحيح: «كان ولا شيء معه، ثم خلق الله العرش» فقوله عليه السلام في هذا الحديث: كان الله ولا شيء معه، أي: من المخلوقات، ومما لا شك فيه أن المكان إنما وجد بالكون أي: لقوله تبارك وتعالى: {كُنْ فَيَكُونُ} (البقرة:117) كما قال في القرآن الكريم: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:82). فإذا كان الله ولا شيء معه ثم قال للعرش: كن فكان، فإذاً: كان الله ولا مكان؛ لأن المكان مشتق من الكون، أما إن كان الذي ينفي هذا المعنى للمكان يعني به: ما يعارض الشرع في توهمه من بعض النصوص الشرعية المقطوع ثبوتها ودلالتها أنه تعني: إثبات المكان لله عز وجل وقد عرفنا أن المكان كان بعد أن لم يكن وأن الله غني عن العالمين لكن عندما جاءت بعض النصوص المقطوع ثبوتها والمقطوع دلالتها وكل هذه الأدلة تدور حول إثبات العلو للعلي الغفار، فحينئذ قد يتوهم بعض الناس أننا إذا قلنا: بما دلت عليه هذه النصوص القاطعة ثبوتاً ودلالة أننا أثبتنا لله المكان، وبناءً على هذا التوهم، أي: بعض الناس يتوهمون من إثبات صفة العلو لله عز وجل على المخلوقات كلها يتوهمون من هذا الإثبات: أن ذلك يستلزم جعل الله عز وجل في مكان. إذاً: هم يقولون: كان ولا مكان، هنا نقول: النفي باطل، إما بالإثبات السابق صحيح، وشتان بين المعنى الأول: معنى الإثبات ومعنى النفي؛ لأن معنى النفي ينفي دلالات قاطعة، ومعنى الإثبات للمكان يثبت دلالات قاطعة هي: أن الله عز

وجل كان ولا شيء معه، فلما خلق الخلق وُجد المكان، ولكن الله عز وجل غني عن المكان، وغني عن الزمان، ولا يلزم مطلقاً أن يكون الله عز وجل في مكان حينما يثبت أهل السنة جميعهم لله عز وجل صفة العلو التي نشهد بها في كل سجود نسجده فنقول فيه: سبحان ربي الأعلى. إذاً: ثبت بهذا البيان وبهذا الجواب عن ذاك السؤال، أنه لا يجوز نفي أو إثبات معنىً للفظ لم يرد عن الله ورسوله وإنما هو اصطلاح بين الناس، ففي هذه الحالة ننظر إلى مقصد المتكلم فإن كان مقصده يوافق الشريعة، قلنا: لله مكان بهذا المعنى، وإن كان يعني ما يخالف الشريعة قلنا: لا، ليس لله مكان بهذا المعنى. كذلك يقال: بالنسبة للجهة التي قد تنسب أو قد تنفى، تنسب لله أو قد تنفى عنه، كذلك نقول نفس الكلام، نقول للذي يقول: إن الله ليس في جهة: ماذا تعني بهذا النفي؟ أتعني معارضة قول الله تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) .. {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (المعارج:4) .. {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16) .. «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» والنصوص قاطعة في هذا أيضاً. إن كان الجواب: نعم، أنا أعني نفي هذه الدلالات التي دلت عليها هذه النصوص، نقول له: أنت مبطل حينما تنفي الجهة بالمعنى الذي أثبته الشرع في الآيات أو في الأحاديث، وإن كان يعني بذلك حينما يقول قائل ما: إن لله جهة أنه يعني: أن الله ليس في كل مكان مخلوق كما يقول القائلون بوحدة الوجود من غلاة الصوفية والمعتزلة وأمثالهم يقولون: الله موجود في كل مكان، هذا كلام حينئذ باطل؛ لأن الله عز وجل أفهمنا بنصوص قاطعة من أدلة الكتاب والسنة أن له صفة

العلو، فإذا أثبتنا صفة العلو وسمو هذه الصفة بأنها جهة لله قلنا: لا بأس، لكن من نفى أن لله هذه الصفة ففيه كل البأس. ولكننا مع ذلك سواء فيما يتعلق بالمكان إثباتاً ونفياً، أو ما يتعلق بالجهة إثباتاً ونفياً، أو ما يتعلق - وهذا ترونه في كتب علم الكلام - إثباتاً ونفياً أيضاً وهي: إثبات الحد لله تعالى أو نفيه كل هذه الألفاظ الثلاثة من المكان والجهة والحد لا نستعمله إطلاقاً لا بمعنى الإثبات ولا بمعنى النفي، نحن لا نستعمله؛ لأن ذلك لم يرد في الكتاب ولا في السنة إلا أننا نتحفظ مع الناس الذين قد يستعملون لفظاً من هذه الألفاظ الثلاثة لا نسارع في الإنكار عليهم ابتداءً وإنما نسأله ماذا تعني؟ فإن أعنى معنىً أثبتته الشريعة قلنا: أصبت في المعنى وأخطأت في اللفظ، وإن قصد بمعنى ذلك اللفظ معنىً يخالف الشرع نقول له: أخطأت مرتين، المرة الأولى وهي الأخطر: أنك عنيت بهذا اللفظ معنىً أثبته الشرع فنفيته، والشيء الثاني: أنك ابتدعت لفظاً استعملته في نفيه عن الله عز وجل وذلك يستلزم نفي ما أثبته في الكتاب وفي السنة. هذا جواب ذاك السؤال ولعله واضح إن شاء الله. مداخلة: هناك شيء في صلب الموضوع يعني. الشيخ: تفضل. مداخلة: يقولون: إن الله كان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان، ويوردون كلمة في معنى ذلك ينسبونها إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه. الشيخ: جواب هذا السؤال تماماً كما سبق: إذا قالوا - وهذا كلام صوفي نعرفه قديماً -: كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان، إن كانوا يُعْنُون

أنه الآن على ما عليه كان؛ غني عن المكان الكوني المخلوق نقول لهم: أصبتم، أما إن كانوا يعنون بهذه العبارة وهو الذي يقصده هؤلاء: أن الله عز وجل ليس له صفة العلو على العرش حيث جاءت في القرآن الكريم بلفظ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:54) فإذا أرادوا نفي هذا الاستواء الذي جاء التصريح به في القرآن، نقول: أبطلتم مرتين، المرة الأولى: أنكم قصدتم معنىً يخالف الشريعة، والمعنى الثاني: أنكم ألحقتم بالحديث جملة لا أصل لها؛ لأن الحديث الذي ذكرناه آنفاً في صحيح البخاري: «كان الله ولا شيء معه» انتهى، نقطة فاصلة قوية جداً الحديث إلى هنا، ثم هم زادوا عليه زيادة باطلة سنداً ومعنىً، أما سنداً فلأنها لا وجود لها في شيء من كتب الحديث إطلاقاً، «وهو الآن على ما عليه كان» زيادة باطلة سنداً وباطلة أيضاً معنىً بالمعنى السلبي. "الهدى والنور" (333/ 00: 03: 00)

جماع أبواب صفة النزول الإلهي والرد على من أنكرها

جماع أبواب صفة النزول الإلهي والرد على من أنكرها

[1050] باب إثبات صفة النزول

[1050] باب إثبات صفة النزول [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟». وقع (الحديث) في " الترغيب " ... بلفظ: " ليدنو يتجلى " بهذه الزيادة: " يتجلى " ... وهي زيادة منكرة لا أصل لها أيضا في شيء من طرق الحديث ورواياته ... وهذا الخطأ عندي أسوأ من الذي قبله لأنه مُغَيَّر لمعنى الحديث، لأنه تفسير للدنو بالتجلي، وهذا إنما يجري على قاعدة الخلف وعلماء الكلام في تأويل أحاديث الصفات، خلافا لطريقة السلف رضي الله عنهم، كما خالفوهم في تأويل أحاديث نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا (¬1) بأن المعنى نزول رحمته. وهذا كله مخالف لما كان عليه السلف من تفسير النصوص على ظاهرها دون تأويل أو تشبيه كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: 11)، فنزوله نزول حقيقي يليق بجلاله لا يشبه نزول المخلوقين، وكذلك دنوه عز وجل دنو حقيقي يليق بعظمته، وخاص بعباده المتقربين إليه بطاعته، ووقوفهم بعرفة تلبية لدعوته عز وجل، فهذا هو مذهب السلف في النزول والدنو، فكن على علم بذلك حتى لا تنحرف مع المنحرفين عن مذهبهم، وتجد تفصيل هذا الإجمال وتحقيق القول فيه في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وبخاصة منها " مجموعة الفتاوى "، فراجع مثلاً (ج 5/ 464 - 478).وقد أورد الحديث على الصواب ¬

(¬1) وهي أحاديث كثيرة متواترة، خرجت طائفة كبيرة منها في " الإرواء " (449)، وفي " تخريج السنة " لابن أبي عاصم (492 - 513).اهـ. [منه].

[1051] باب أحاديث النزول متواترة

فيها (ص 373) واستدل به على نزوله تعالى بذاته عشية عرفة، وبحديث جابر المشار إليه آنفاً. "الصحيحة" (6/ 1/106، 108 - 109). [1051] باب أحاديث النزول متواترة [قال الإمام]: أحاديث النزول ... كثيرة جدًّا، بل وهي متواترة, كما قطع بذلك الحافظ الذهبي في " العلو" (ص 53، 59)، وذكر أنه ألَّف في ذلك جزءًا. "الضعيفة" (2/ 258). [1052] باب حديث النزول متواتر [قال الإمام عن حديث النزول المشهور:" ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر"]: هو حديث صحيح متواتر جاء عن جمع من الصحابة خرَّجت قسمًا طيبًا منها في " الإرواء " (450) و" صحيح أبي داود " (1118) .. "تمام المنة" (ص182 - 183). [1053] باب إثبات النزول الإلهي والرد على شبهات حول حديث النزول [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن لله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول، ثم يأمر منادياً ينادي

يقول: هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطى». (منكر بهذا السياق). [قال الإمام]: أخرجه النسائي في "اليوم والليلة" (رقم482) من طريق عمر بن حفص بن غياث: أخبرنا أبي: أخبرنا الأعمش: أخبرنا أبو إسحاق: أخبرنا أبو مسلم الأغر قال: سمعت أبا هريرة وأبا سعيد يقولان: قال: ... فذكره مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد ظاهرة الصحة؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، لكن في عمر بن حفص بن غياث شيء من الضعف؛ كما ينبئك به الحافظ ابن حجر في "التقريب"؛ فقال في عمر: "ثقة؛ ربما وهم".وقال في حفص: "ثقة فقيه؛ تغير حفظه قليلاً في الآخر". وساق له في "التهذيب" عدة أحاديث خطأه فيها، أحدها من روايته عن الأعمش. وأنا أقطع بأن هذا الحديث مما أخطأ في لفظه؛ لمخالفة الثقات إياه فيه؛ فقد رواه جماعة، عن أبي مسلم الأغر بإسناده بلفظ: "إن الله عز وجل يمهل، حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول؛ نزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر". فليس فيه: "أن الله يأمر منادياً ينادي يقول"، بل فيه أن الله هو القائل: "هل من .. "، وفيه نزول الرب سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا، وهذا ما لم يذكره

حفص بن غياث، فدل على أنه لم يحفظه، فالظاهر أنه لم يحدث به من كتابه، وإنما من حفظه فوهم. وها أنا أذكر من وقفت عليه من الثقات الذين خالفوه؛ فرووه بذكر نزول الرب إلى السماء، وأنه هو سبحانه القائل، كما ذكرنا: 1 - شعبة بن الحجاج. فقال الطيالسي في "مسنده" (2232 و2385): حدثنا شعبة قال: أخبرنا أبو إسحاق قال: سمعت الأغر به. ومن طريق الطيالسي: أخرجه أبو عوانة في "صحيحه" (2/ 288)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (450).وأخرجه مسلم (2/ 176)، وابن خزيمة في "التوحيد" (83)، وأحمد (3/ 34) من طريق أخرى، عن شعبة به. 2 - منصور - وهو ابن المعتمر الكوفي -، عن أبي إسحاق به. أخرجه مسلم، وأبو عوانة، وابن خزيمة (84). 3 - فضيل - وهو ابن غزوان الكوفي -، عنه. أخرجه أبو عوانة. 4 - أبو عوانة - وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري -، عنه به. أخرجه أحمد (2/ 383 و3/ 43). 5 - معمر - وهو ابن راشد البصري -، عنه. أخرجه أحمد أيضاً (3/ 94) من طريق عبد الرزاق - وهو في "مصنفه" (11/ 293 - 294) -.

6 - إسرائيل، وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي. أخرجه ابن خزيمة. قلت: فهذه ستة طرق، وكلهم ثقات أثبات رووه باللفظ المخالف للفظ حفص ابن غياث، فثبت وهمه فيه. وكان يمكن أن يقال: لعل الوهم من أبي إسحاق -وهو السبيعي-؛ فإنه كان اختلط، على تدليس فيه، لولا أنه قد صرح بالتحديث في رواية شعبة الأولى عنه، ثم هو روى عنه قبل الاختلاط، فانتفى الاحتمال المذكور، ولزم الخطأ حفص بن غياث. وإن مما يؤكد وهمه؛ أنه قد تابعه محاضر - وهو ابن المورع -، وهو ثقة من رجال مسلم قال: حدثنا الأعمش به نحوه؛ إلا أنه لم يذكر في إسناده أبا سعيد الخدري. أخرجه أبو عوانة عقب سوقه حديث شعبة، ولم يسق لفظه، وإنما قال: "بنحوه"، وأخرجه ابن خزيمة، فساق لفظه. ومما يؤكد خطأ اللفظ المذكور ونكارته؛ أن الحديث قد جاء من طرق أخرى كثيرة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً باللفظ المحفوظ نحوه. وقد خرجت سبعة منها في "إرواء الغليل" (450)، اثنتان منها "الصحيحين"، وأخريان في "صحيح مسلم"، وسائرها في "مسند أحمد" وغيره. وللحديث باللفظ الصحيح شواهد كثيرة خرجت بعضها هناك؛ من حديث جبير بن مطعم، ورفاعة بن عرابة الجهني، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن

مسعود، ولذلك جزم ابن عبد البر في "التمهيد" (7/ 129) بتواتره. ونحو هذا الحديث في النكارة؛ ما أخرجه أحمد (4/ 22) من طريق علي بن زيد، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص مرفوعاً بلفظ: "ينادي مناد كل ليلة: هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطى، هل من مستغفر فيغفر له؟ حتى ينفجر الفجر". قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ الحسن هو البصري، وهو مدلس وقد عنعنه. وعلي بن زيد - وهو ابن جدعان -؛ ضعيف. ولفظه هذا أقل نكارة من الأول؛ لأنه ليس فيه ذكر آمر ومأمور، بل قوله: "ينادي ... "؛ لا ينافي أن يكون هو الله تبارك وتعالى كما في الروايات الصحيحة، بل هذا هو الذي ثبت عن ابن جدعان نفسه في رواية عنه، أخرجها ابن خزيمة في "التوحيد" (ص 89) من طريق حماد بن سلمة عنه. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد، فالظاهر أن ابن جدعان - لسوء حفظه - كان الحديث عنده غير مضبوط لفظه، فكان يرويه تارة باللفظ المحفوظ، وتارة باللفظ المنكر. ثم رأيت للحديث طريقاً آخر، خرجته في "الصحيحة" (1073). واعلم أن الذي حملني على تخريج هذا الحديث في هذا الكتاب أمران اثنان: الأول: أني رأيت الحافظ ابن حجر - عفا الله عنا وعنه - قد ساقه من الطريقين: طريق النسائي عن الأغر ... ، وطريق أحمد عن عثمان بن أبي العاص؛ مُقوِّياً به تأويل بعض النفاة لنزول الرب سبحانه وتعالى تأويلاً منكراً، ينافي سياق كل الطرق الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال في "الفتح" (3/ 25): "وقد حكى أبو بكر

بن فورك: أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول، أي ينزل ملكاً، ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر ... وفي حديث عثمان بن أبي العاص: "ينادي مناد: هل ... " الحديث. قال القرطبي: وبهذا يرتفع الإشكال, ولا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني: ينزل الله إلى السماء الدنيا: فيقول: "لا يسأل عن عبادي غيري"؛ لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور"! كذا قال الحافظ عفا الله عنه! فلقد سلك في كلامه هذا على الحديث مسلك أهل الأهواء والبدع من حيث الرواية والدراية. أما الرواية؛ فإنه سكت عن إسناد الحديثين؛ مع أنه يعلم مخالفتهما للروايات الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في نزول الرب تعالى إلى السماء الدنيا، وقوله هو نفسه: "هل من ... "، لما رأى أن فيهما تقوية لتأويل المبتدعة للحديث. وأما الدراية؛ فلا يخفى ضعف بل بطلان التأويل المذكور إذا ما قورن بالروايات الصحيحة للحديث، التي منها رواية رفاعة التي أشار إليها ابن حجر، ولفظها: «إذا مضى شطر الليل - أو قال: ثلثاه -؛ ينزل الله إلى سماء الدنيا، ثم يقول: لا أسال عن عبادي غيري: من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يدعوني فأجيبه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر». فكيف لا يعكر على ذلك التأويل الذي ذكره قوله في هذا الحديث: "ثم يقول: لا أسأل عن عبادي غيري"! لأن ضمير قوله: "ثم يقول" يعود على تأويلهم، إلى الملك الذي زعموا أنه المفعول المحذوف؛ لضبطهم لفظ "ينزل" على البناء للمجهول؟! بل كيف لا ينافي هذا التأويل تمام الحديث في جميع طرقه

وألفاظه التي ذكرت أن الله سبحانه هو الذي يقول: "من ذا الذي يسألني فأعطيه ... إلخ", فهل الملك هو الذي يعطي ويستجيب الدعاء ويغفر الذنوب؟! سبحانك هذا بهتان عظيم! ولقد أبطل التأويل المذكور شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من وجوه في كتابه "حديث النزول" (ص 37 - 42طبع المكتب الإسلامي)، منها ما أشرت إليه من أن الملك ليس له أن يقول ما ذكرناه من الحديث, وقال شيخ الإسلام عقبه: "وهذا أيضاً مما يبطل حجة بعض الناس (كأنه يشير إلى ابن فورك)؛ فإنه احتج بما رواه النسائي في بعض طرق الحديث: «أنه يأمر منادياً فينادي»؛ فإن هذا إن كان ثابتاً عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فإن الرب يقول ذلك، ويأمر منادياً بذلك، لا أن المنادي يقول: «من يدعوني فأستجيب له؟»، ومن روى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن المنادي يقول ذلك؛ فقد علمنا أنه يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فإنه - مع أنه خلاف اللفظ المستفيض المتواتر الذي نقلته الأمة خلفاً عن سلف - فاسد في المعقول، يعلم أنه من كذب بعض المبتدعين، كما روى بعضهم: "ينزل" بالضم، وكما قرأ بعضهم: {وكلم اللهَ موسى تكليماً} (¬1)، ونحو ذلك من تحريفهم اللفظ والمعنى". قلت: فقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى إلى شكه في ثبوت رواية النسائي هذه، فهذا الشك من الشيخ، وسكوت الحافظ عليها، مما حملني على تحقيق القول فيها؛ لأن السكوت لا يجوز، والشك يشعر بأن الشيخ لم يكن على بينة من حالها، وإلا؛ لبادر إلى إنكارها. ولم يكن به من حاجة إلى الجمع بينها وبين اللفظ المحفوظ المستفيض. ¬

(¬1) كما في نقل الزمخشري (المعتزلي) في " كشافه " (1/ 582). [منه].

والأمر الآخر: أن الكوثري المشهور بعدائه الشديد للسنة وأهلها؛ قد ذكر في تعليقه على "الأسماء والصفات" (ص 450) أن الحافظ عبد الحق قد صحح الحديث بهذا اللفظ. فأحببت أن أتثبت من أمرين: أولهما: هل هذا العزو لعبد الحق صحيح؟ فإن الكوثري لا يوثق بكثير مما ينقله؛ لأنه يدلس. وثانيهما: إذا كان العزو صحيحاً، فهل هو مصيب فيه أم لا؟ فأقول: أما الأمر الثاني؛ فقد سبق بيانه بما لا تراه في غير هذا الموضع، وعرفت أن الحديث بهذا اللفظ منكر لا يصح. وأما الأمر الأول؛ فقد تبين لي أن العزو لا يصح أيضاً، إلا بشيء من الغفلة أو التدليس، وإليك البيان: اعلم أن الحديث أورده الحافظ عبد الحق في "أحكامه" (¬1)، ومنه عرفت إسناده كما سبق، فتمكنت بذلك من دراسته والكشف عن علته، ومن المعروف عند المشتغلين بالحديث - ومنهم الكوثري - أن الحديث الذي يورده عبد الحق في كتابه المذكور ساكتاً عليه فهو صحيح عنده؛ كما نص عليه، استجاز الكوثري أن يعزو إليه تصحيحه إياه، فغفل - وهذا ليس بعيداً عنه -، أو دلس - وهذا ما عهدناه منه غير مرة -، وسواء كان هذا أو ذاك؛ فإن القاعدة المذكورة ليست على ¬

(¬1) منه نسخة في " الظاهرية " لكن عنوانها: " الأحكام الكبرى "، وهي عندي " الوسطى "؛ لأنها مجردة الأسانيد، أما " الكبرى "؛ ففيها الأسانيد من مسلم والدراقطني وغيرهما من المخرجين منهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، يثبتها المؤلف كما وقعت في كتبهم. ولا مجال للقول الآن بأكثر من هذا. [منه]

إطلاقها عند الحافظ الإشبيلي؛ فقد قال بعد ما نقلته عنه: "والحديث السقيم أكثر من أن أتعرض له، أو أشتغل به، وبعض هذه الأحاديث المعتلة ورد من طريق واحدة، فذكرته منها، وربما بينته". قلت: فأفاد بهذا النص، أنه قد يذكر الحديث المعلول؛ ولا يبين علته إلا نادراً وفي حالة واحدة، وهي حين يكون من طريق واحدة وإسناد واحد فيذكره، ولا يبين علته، وقد يبين. فإذن؛ سوقه الحديث بإسناده عند مخرجه إشارة منه إلى أنه معلول، وهذا هو بعينه ما صنعه الحافظ الإشبيلي رحمه الله؛ فإنه ساق الحديث بإسناده عند النسائي كما تقدم، فكان ذلك دليلاً واضحاً عند العارفين باصطلاحه أنه معلول عنده، وذلك ينافي الصحة، لا سيما وقد أتبعه بسوقه لرواية مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً باللفظ المحفوظ. فلو لم يذكر الحافظ هذا الاصطلاح في المقدمة؛ لكان سوقه حديث النسائي بإسناده وحديث مسلم بدون إسناده؛ أوضح إشارة للعاقل اللبيب أن الإسناد علة، فتنبه لها (¬1).فكيف وهو قد لفت النظر إلى هذا تصريحاً في المقدمة؟!! فتجاهل هذا كله الكوثري، وعزا إلى الحافظ تصحيحه للحديث، وليس كذلك، بل هو عنده معلول، كما بينت، وكشفنا لك عن العلة فيما سبق من هذا التخريج. والله تعالى هو الموفق لا رب سواه. ثم اعلم أن نزول الرب سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة، هو صفة من صفات أفعاله عز وجل؛ كاستوائه على عرشه، ومجيئه يوم القيامة، الثابتين في ¬

(¬1) قلت: وهذا ما صنعه الحافظ في " مختصر الأحكام " (ق 60/ 2) فإنه ساق الحديث بإسناد النسائي على خلاف عادته، ثم ساق حديث مسلم. ويؤكد لك ما ذكرته أن الحافظ في كتابه الثالث: " التهجد " (ق 129/ 2) حذف هذا الحديث المعلول، مع أنه ساق اللفظ المحفوظ بأربع روايات عند مسلم. [منه].

نصوص القرآن الكريم، يجب الإيمان والإذعان له على ما يليق بذاته تعالى؛ دون تعطيل أو تشبيه؛ إذ الصفة يقال فيها ما يقال في ذاته تعالى؛ فكما أننا نؤمن بذاته دون أن نكيفها، فكذلك نؤمن بصفاته كلها - ومنها النزول وغيره - دون أن نكفيها، فمن نفى نزوله تعالى حقيقة على ما يليق به بطريق التأويل؛ لزمه أن ينفي وجود ذات الله تعالى بنفس الطريق، وإلا؛ فهو متناقض؛ كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في عديد من كتبه مثل "شرح حديث النزول"، و"التدمرية"، و"الحموية" ونحوها. ويعجبني بهذه المناسبة ما ذكره البيهقي في "الأسماء" (ص 453) بعد أن روى عن عبد الله بن المبارك أنه سئل: كيف ينزل؟ قال: ينزل كما يشاء. قال: قال أبو سليمان رحمه الله (يعني الخطابي): "وإنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما شاهده من النزول؛ الذي هو نزلة من أعلى إلى أسفل، وانتقال من فوق إلى تحت، وهذا صفة الأجسام والأشباح، فأما نزول من لا يستولي عليه صفات الأجسام؛ فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه، وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده، وعطفه عليهم، واستجابته دعاءهم، ومغفرته لهم، يفعل ما يشاء، لا يتوجه على صفاته كيفية؛ ولا على أفعاله كمية. سبحانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} قال: وهذا من العلم الذي أُمرنا أن نؤمن بظاهره، وأن لا نكشف عن باطنه، وهو من جملة المتشابه. ذكره الله في كتابه فقال: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ... } الآية؛ فالمحكم منه يقع به العلم الحقيقي والعمل، والمتشابه يقع به الإيمان والعلم الظاهر، ويوكل باطنه إلى الله عز وجل، وهو معنى قوله: {وما يعلم تأويله إلا الله}، وإنما حظ الراسخين أن يقولوا: {آمنا

به كل من عند ربنا}. وكذلك ما جاء من هذا الباب في القرآن؛ كقوله عز وجل: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر}، وقوله: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً}، والقول في جميع ذلك عند علماء السلف هو ما قلناه". إذا عرفت هذا؛ فعليك بطريقة السلف؛ فإنها أعلم وأحكم وأسلم، ودع طريقة التأويل التي عليها الخلف الذين زعموا: "أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم"؛ فإنه باطل من القول، وفيه ما لا يخفى من نسبة الجهل إلى السلف، والعلم إلى الخلف!! وسبحان الله كيف يصدر مثل هذا القول ممن يؤمن بفضائل السلف التي لا تخفى على أحد، وراجع بيان بطلان هذا القول في كتب ابن تيمية، أو في مقدمتي لـ "مختصر العلو للعلي العظيم" للحافظ الذهبي؛ باختصاري وتقدمتي التي أنا على وشك الانتهاء منها بفضله تعالى وكرمه. ثم طبع والحمد لله سنة (1401) في المكتب الإسلامي ببيروت. (تنبيه): علق الدكتور فاروق حمادة على الحديث في "عمل اليوم والليلة" (ص 340)، فقال: "وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 11/ 444". وهذا التخريج؛ تعليقه على هذا الحديث المنكر، وهو خطأ محض - وأرجو أن لا يكون مقصوداً وتدليساً من هذا الدكتور - وذلك؛ لأن الحديث المشار إليه في "المصنف" من طريق ابن شهاب الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن والأغر أبو عبد الله صاحبا أبي هريرة: أن أبا هريرة أخبرهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ... فذكر الحديث باللفظ المحفوظ في "الصحيحين" وغيرهما، كما سبقت الإشارة إليه، وهو المخرج في "الإرواء" بالرقم المذكور آنفاً من الطريق الأولى عن أبي هريرة عن ابن شهاب به؛ إلا أنه لم يذكر في سنده أبا

سعيد الخدري (ج 2/ 195 - 196).فهذا لفظ وطريق غير لفظ وطريق حديث الترجمة، فهل خفي ذلك على الدكتور، أم تجاهله لغاية في نفسه! أرجو أن يكون الأمر الأول، ولكن كيف يمكن هذا وهو قد علق أيضاً على اللفظ المحفوظ عن الزهري وقد أخرجه النسائي أيضاً برقم (480)؛ فقال الدكتور: "هذه الرواية موافقة لمسلم والبخاري وعبد الرزاق في "المصنف" 10/ 444". فكيف يصح عزو اللفظ المنكر واللفظ المحفوظ مع اختلاف إسناديهما إلى "مُصنف عبد الرزاق"؛ وهو إنما رواه بالسند الصحيح باللفظ المحفوظ، وهل يمكن أن يخفى هذا على الدكتور؟!. وأريد هنا - أيضاً - أن أكشف عن تدجيل أحد المعلقين على كتاب ابن الجوزي "دفع شبه التشبيه"؛ وهو الذي لقبه أحدهم بحق بـ "السخاف"؛ فإنه تجاهل الطرق المتواترة في "الصحيحين" وغيرهما؛ المتفقة على أن الله عز وجل هو الذي ينزل، وهو الذي يقول: "من يدعوني .. من يستغفرني .. من يسألني"؛ فعطل هذه الدلالة القاطعة الصريحة بقوله (ص 192): "إن المراد بالحديث أن الله ينزل ملكاً! " تقليداً منه لابن حجر في "الفتح" (3/ 30)، وقوى ذلك برواية النسائي المنكرة هذه، ولو أن هذا المتجاهل اكتفى في التقليد على ما في "الفتح"؛ لهان الأمر بعض الشيء، ولكنه أخذ يرد علي بالباطل تضعيفي لرواية النسائي هذه؛ بتحريفه لكلامي أولاً، وبالافتراء علي ثانياً؛ فاسمع إليه كيف يقول: "وقد زعم أن حفص بن غياث تغير حفظه قليلاً".فأقول غاضاً النظر عن مناقشته في قوله: "زعم"!

أولاً: قوله: "رواية حفص عن الأعمش كانت في كتاب .. " إلخ. تدليس خبيث على القراء، وكذب على الحافظ المزي والحافظ العسقلاني؛ فإن الذي في "تهذيبيهما": "أنه كان عند عمر بن حفص كتاب أبيه عن الأعمش"! فهذا شيء، وكون حديثه هذا المنكر كان في كتابه شيء آخر، كما لا يخفى على القراء. ثانياً: قوله: "فلا يضرها اختلاط حفص بأخرة على تسليم وقوعه"! فأقول: يلاحظ أنه بتغيير لفظة "الاختلاط" مكان قولي: "تغير"، يدل على شيئين أحلاهما مر: الأول: أنه لا يفرق بين اللفظين، وأن حكم من تغير من الثقات حكم من اختلط منهم عنده، وهذا هو اللائق بجهله وتعلقه بهذا العلم!! والواقع أن التغير ليس جرحاً مسقطاً لحديث من وصف به، بخلاف من وصف بالاختلاط، والأول يقبل حديث من وصف به؛ إلا عند الترجيح كما هنا، وأما من وصف بالاختلاط؛ فحديثه ضعيف؛ إلا إذا عرف أنه حدث به قبل الاختلاط. والآخر: أنه تعمد التغيير المذكور تضليلاً وتمهيداً للاعتذار عن قوله: "على تسليم وقوعه"! فإذا تنبه لتلاعبه بالألفاظ وقيل له: كيف تنكر تغيره وفي "التهذيبين" نقول صريحة عن الأئمة بوصفه بذلك؟ أجاب: بأنني عنيت الاختلاط وهذا غير مسلم به! وإذا قيل له: البحث في التغير - وهذا مما يمكن إنكاره -؛ قال: قد أجبت عنه بأن الحديث في كتاب حفص!! وقد يبدو أن هذا الكلام فيه تكلف ظاهر في تأويل تغييره المذكور، فأقول: هو كذلك، ولكنه لا بد من هذا عند افتراض أنه تعمد التغيير، وإلا؛ فالاحتمال أنه أتي من قبل جهله هو الوجه.

[1054] باب منه

رابعاً: لو فرض أن حفص بن غياث لم يُرْمَ بالتغير وكان كسائر الثقات الذين لم يرموا بجرح مطلقاً؛ فحينئذ يرد حديثه هذا بالشذوذ؛ لمخالفته لأولئك الثقات الستة الذين رووه بنسبة النزول إلى الله صراحة، وقوله عز وجل: "من يدعوني .. من يستغفرني .. " إلخ. راجع: "تفسير القرطبي" (4/ 39)، و"أقاويل الثقات" (ص 205). "الضعيفة" (8/ 355 - 367). [1054] باب منه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إذا مضى ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك». (أخرجه مسلم). [قال الإمام]: قلت: اشتهر تأويل هذا الحديث عند نفاة الصفات، بأن المراد بالنزول نزول أمر الله تعالى ورحمته، ومع أن هذا التأويل باطل من وجوه كما بيَّنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: " شرح حديث النزول" من ذلك سياق الحديث، فإن قوله: أنا الملك ... الخ .. صريح في أن الله تعالى هو الذي ينزل. قال شيخ الإسلام (ص 36): " وقد سُئِلَ بعض أئمة نفاة العلو عن النزول فقال: ينزل أمره، فقال له السائل: فممن ينزل؟ إن عندك فوق العالم شيء فممن ينزل الأمر؟ من العدم الحض؟ فبهت ".

[1055] باب إثبات صفة النزول والرد على من تأولها بالزوال أو الانتقال

ومن أغرب التأويلات التي رأيتها لبعض النفاة قول الشيخ" أبو زهرة " في " المذاهب الإسلامية" (ص 325): " ويصح أن يفسر النزول إلى السماء الدنيا بمعنى قرب حسابه تعالى"!!! فعلى هذا التأويل فحساب الله يقرب كل ليلة، ثم لا حساب! فلا نزول حتى على هذا التأويل. وهكذا يكون التعطيل للنصوص وإنكار معانيها الحقيقية اللائقة به تعالى ... "مختصر العلو" (ص 115 - 116). [1055] باب إثبات صفة النزول والرد على من تأولها بالزوال أو الانتقال [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «لا تَتَفَكَّروا في الله، فإنه لا مِثْلَ له، ولا شَبِيْهَ ولا نظيرَ، ولا تَضْربوا لله الأمثالَ، ولا تَصِفوه بالزَّوالِ، فإنه بكل مكانٍ». (موضوع). [قال الإمام]: قال الربيع في مسنده (3/ 217): وبلغنا عن أبان بن [أبي] عياش عن أنس بن مالك قال: خرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على قوم جلوس، فقال ما أجلسكم؟ فقالوا: نتفكر في الله، فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ... فذكره. قلت وهذا موضوع، آفته أبان بن [أبي] عياش، وهو متروك - كما قال الذهبي والعسقلاني -.وجملة التفكر قد رويت من طرق أخرى، بدا لي من مجموعها أنها ترتقي إلى مرتبة الحسن، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (1788).

[1056] باب بيان ضعف رواية لحديث النزول يستدل بها على تأويل صفة النزول

وأما سائر هذا الحديث وبخاصة الجملة الأخيرة منه فإنها باطلة، وهي من وضع الجهمية والمعطلة لصفات الله عَزَّ وَجَلَّ، الذين يتأولونها غير تأويلها المعروف عند السلف، ويعبرون عن المجيء المصرح به في القرآن والنزول المتواتر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالزوال- كما في هذا الحديث-، أو الانتقال- كما يفعل ابن الجوزي وغيره -، ثم يقولون: هذا من صفات المخلوقات، فلا يجوز وصف الله بذلك! والحقيقة أن المجيء والنزول لا يجوز تأويله بما ذكروا، وهو صفة لله، وصف بها نفسه، نصفه بها دون تشبيه ولا تعطيل، {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، فهم وقعوا حين عبَّروا بما تقدم في التشبيه، ففرُّوا منه إلى التعطيل. "الضعيفة" (13/ 2/734 - 735). [1056] باب بيان ضعف رواية لحديث النزول يُسْتَدَلُّ بها على تأويل صفة النزول عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له». رواه البخاري [قال الإمام]: تأوله الحافظ تبعا للجمهور بنزول أمره أو مَلَك ينادي بذلك، وقواه برواية النسائي للحديث بلفظ:"إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل، ثم يأمر مناديًا يقول: هل من داع فيستجاب له" الحديث.

[1057] باب هل يلزم من نزوله تعالى خلو العرش منه؟

وسكت الحافظ عنه فأوهم ثبوته، وليس كذلك، بل هو شاذ منكر، تفرد بهذا اللفظ حفص بن غياث دون سائر الرواة الذين رووه عن أبي هريرة من نحو سبع طرق بأسانيد صحيحة عنه، بلفظ الكتاب ونحوه، المصرح بأن الله هو الذي يقول:"هل من داع .. "إلخ، وليس الملَك، وفيه من جميع الطرق التصريح بنزول الله تعالى، وهذا ما لم يتعرض له حفص، وكذلك ثبوت النزول وقول الرب ما ذكرنا في كل طرق الحديث عن غير أبي هريرة من الصحابة، حتى بلغ ذلك مبلغ التواتر. وقد حققت الكلام على هذه الخلاصة في "الأحاديث الضعيفة" (3898). "مختصر صحيح البخاري" (1/ 339). [1057] باب هل يلزم من نزوله تعالى خلو العرش منه؟ [عن] علي بن خشرم حدثنا إسحاق قال: دخلت على ابن طاهر, فقال: ما هذه الأحاديث يروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ قلت نعم, رواها الثقات الذين يروون الأحكام. فقال: ينزل ويدع عرشه؟ فقلت يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ قال: نعم. قلت: فَلِمَ تتكلم في هذا؟ (إسناده صحيح) [قال الإمام]: (فائدة): في قول إسحاق رحمه الله تعالى: "يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش" إشارة منه إلى تحقيق أن نزوله تعالى ليس كنزول المخلوق، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا دون أن يخلو منه العرش ويصير العرش فوقه، وهذا مستحيل

[1058] باب كيف ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل مع أن الثلث الأخير يتغير من مكان إلى مكان؟

بالنسبة لنزول المخلوق الذي يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر، وهذا الذي أشار إليه إسحاق هو المأثور عن سلف الأمة وأ ئمتها أنه تعالى لا يزال فوق العرش, ولا يخلو العرش منه, مع دنوه ونزوله إلى السماء, قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب, فراجع بسط ذلك في كتابه "شرح حديث النزول" (ص42 - 59). " مختصر العلو" (ص192 - 193). [1058] باب كيف ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل مع أن الثلث الأخير يتغير من مكان إلى مكان؟ سؤال: شيخ، لو سمحت شرح حديث النزول مع الإشارة إلى أن ثلث الليل ااا الأخير يتغير من منطقة إلى منطقة. الشيخ: هذا سؤال أخي قائم على المادة وما يشكل على المادة لا يشكل على خالق المادة، والآن هذا السؤال أنا أقول دائماً أبداً: هل يمكن لعالم مهما أوتي علماً وفطنة إنه يكون أربعة خمسة الآن بيتكلموا معي أو مع ذاك العالم الذي أنا خيلت لكم إياه آنفاً، بيفهم من هون، وبيفهم من هون، وبيعطي جواب لهذا وبيعطي جواب، ممكن هذا؟ سؤالك يشبه هذا؛ لأنه سؤالك عن الخالق، خالق المادة فلا يقاس الخالق على المخلوق، ولا تجري على الخالق أحكام المخلوق حتى أنت تقول: هذا إشكال، صحيح أنه ثلث الليل كل لحظة في ثلث ليل، مو بس يعني نستطيع أن نقسم الكرة الأرضية أربعة أقسام مثلاً، مثل ما بيقولوا بالنسبة لطلوع الشمس وغروبها: كل لحظة في طلوع، كل لحظة في غروب صح؟ الملقي: نعم.

[1059] باب هل يدوم النزول الإلهي إلى صلاة الصبح أم إلى طلوع الفجر؟

الشيخ: طيب، لكن علام الغيوب، هاللي هو نظم هذا الكون، وأخبرنا أنه ينزل في كل ليلة هو بيعرف يُدِّبر حاله يا جماعة هه. مداخلة: ههه. الشيخ: فليش شايلين هم انتو، سبحان الله. "الهدى والنور" (518/ 53: 56: 00) [1059] باب هل يدوم النزول الإلهي إلى صلاة الصبح أم إلى طلوع الفجر؟ [قال سيد سابق في فقه السنة]: " .. النزول الإلهي هل يدوم إلى انقضاء صلاة الصبح أو إلى طلوع الفجر؟ وقد ورد فيه هذا وهذا " [قال الإمام معلقًا]: يعني بـ " النزول الإلهي " قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له؟». وهو حديث صحيح متواتر جاء عن جمع من الصحابة خرَّجت قسمًا طيبًا منها في " الإرواء " (450) و" صحيح أبي داود " (1118) زاد بعضهم: "حتى ينفجر (وفي رواية: يطلع) الفجر " وقد كنت قلت في " التعليقات الجياد على زاد المعاد ": " لكن معظم الرواة اتفقوا على أنه يدوم إلى طلوع الفجر كما قال الحافظ في " الفتح " (3/ 24) وأما دوامه إلى صلاة الفجر فلم أجد رواية صريحة تؤيد ذلك نعم في رواية للنسائي من

حديث أبي هريرة بلفظ: " حتى ترجل الشمس " فهي تتضمن ما ذكره المصنف (أي ابن القيم) لكنها رواية شاذة كما قال الحافظ ". وأقول الآن: لعل الخطأ فيها من محمد بن إسماعيل بن أبي فديك فإنه عند النسائي في " عمل اليوم والليلة " (رقم 486) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص86 - 87) من طريقه: حدثني ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن نافع ابن جبير عن أبي هريرة فإن ابن أبي فديك وإن كان ثقة محتجا به في " الصحيحين " فقد قال فيه ابن سعد: " كان كثير الحديث وليس بحجة " ومن المحتمل أن يكون الخطأ من شيخه القاسم بن عباس فإنه مع كونه ثقة من رجال مسلم أيضًا فقد لينه محمد ابن البرقي الحافظ وقال ابن المديني: " مجهول " كما في " الميزان". ولعل هذا هو الأقرب فقد خالفه عمرو بن دينار - وهو الثقة الثبت - إسنادًا ومتنًا فقال عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه مرفوعا بلفظ: "حتى يطلع الفجر". أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 88) وأحمد (4/ 81) وغيرهما وهو مخرج في كتابي " ظلال الجنة في تخريج السنة " (507) ثم وجدت روايتين أخريين: الأولى: بلفظ: " حتى تطلع الشمس ". أخرجه ابن خزيمة أيضا من طريق إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص رفعه. قلت: وهذا مع كونه مرسلاً فهو ضعيف من أجل إبراهيم هذا وهو ابن مسلم. قال الحافظ في " التقريب ": "لين الحديث رفع موقوفات". والأخرى بلفظ: "حتى يطلع الفجر أو ينصرف القارئ من صلاة الفجر". أخرجه الدارمي (346 - 347) وابن خزيمة وأحمد (2/ 504) من طريق

[1060] باب ذكر مرجع مهم حول صفة النزول

محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا به. قلت: وهذا مع كونه قد شك فيه الراوي فهو مما لا قيمة له فكيف ومحمد ابن عمرو فيه كلام من قبل حفظه فكيف وقد خالفه الزهري ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بلفظ: " حتى الفجر " بغير شك. رواه مسلم وغيره. وبالجملة فلا يصح في الحديث إلا هذا اللفظ الأخير وعليه كل الروايات الصحيحة فيه، والله سبحانه وتعالى أعلم. "تمام المنة" (ص182 - 184). [1060] باب ذكر مرجع مهم حول صفة النزول [قال الإمام]: كتاب «شرح حديث النزول» لشيخ الإسلام ابن تيمية، .. أفاض [فيه] في بيان ما يجب على المسلم اعتقاده في صفة النزول الإلهي. "صحيح الكلم الطيب (ص 43).

جماع أبواب الكلام على عرش الرحمن وكرسيه

(جماع أبواب الكلام على عرش الرحمن وكرسيه)

[1061] باب وجوب التوقف في وصف العرش على ما جاءت به النصوص

[1061] باب وجوب التوقف في وصف العرش على ما جاءت به النصوص [قال الذهبي رحمه الله في "العلو"]: فما الظن بالعرش العظيم الذي اتخذه العلي العظيم لنفسه في ارتفاعه وسعته، وقوائمه وماهيته وحمَلتِه، والكروبيين الحافِّين من حوله، وحسنه ورونقه وقيمته. فقد ورد أنه من ياقوتة حمراء، ولعل مساحته مسيرة خمسمائة ألف عام. [فعلق الإمام على ذلك في " مختصر العلو" قائلاً]: عرش الرحمن تبارك وتعالى، نؤمن به، ونصفه بما ثبت في الكتاب والسنة فقط، فليت المؤلف رحمه الله تعالى وقف عندهما، ولم يزد عليهما وصفاً تظنناً ورجماً بالغيب، لا سيما وهو قد ذكر فيما يأتي من الأصل عن وهب بن منبه أنه قال: " العرش مسيرة خمسين ألف سنة" فقال خمسين، ولم يقل خمسمائة! وهو على كل حال من الإسرائيليات التي لا فائدة من ذكرها إلا للتنبيه، ولذلك حذفته من هذا المختصر. "مختصر العلو" (ص99 - 100) [1062] باب ذكر بعض أوصاف العرش والكرسي والردعلى من تأولهما [قال الإمام]: اعلم أن العرش خلق عظيم جداً كما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ولذلك أضافه تعالى إلى نفسه في قوله: [ذو العرش] وفيه آيات أخر تجدها

[1063] باب العرش فوق المخلوقات جميعها

في " الشرح " [أي: شرح الطحاوية].وهو لغةً سرير الملك, ومن أوصافه في القرآن: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} (الحاقة: 17) وأنه على الماء, وفي السنة أن أحد حملة العرش ما بين شحمة إذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام, وأن له قوائم وأنه سقف جنة الفردوس. جاء ذلك في أحاديث صحيحة مذكورة في "الشرح". وذلك كله مما يبطل تأويل العرش بأنه عبارة عن الملك وسعة السلطان. وأما الكرسي ففيه قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض} (البقرة:255) والكرسي هو الذي بين يدي العرش وقد صح عن ابن عباس موقوفاً عليه من قوله: " الكرسي موضع القدمين, والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى".وهو مخرج في كتابي " مختصر العلو للذهبي " ... ولم يصح فيه مرفوعاً سوى قوله عليه الصلاة والسلام: «ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة».وذلك مما يبطل أيضا تأويل الكرسي بالعلم. ولم يصح هذا التأويل عن ابن عباس كما بينته في " الصحيحة " (109). التعليق على متن الطحاوية" (ص50 - 51). [1063] باب العرش فوق المخلوقات جميعها [قال الإمام]: قام الدليل على أن العرش فوق المخلوقات وليس فوقه شيء من المخلوقات. التعليق على متن الطحاوية" (ص54).

[1064] باب تفسير قوله تعالى: {وكان عرشه على الماء}

[1064] باب تفسير قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} سؤال: قول تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (هود:7)، ممكن تفسرها لنا، جزاك الله خير. الشيخ: المسألة لا تحتاج إلى تفسير بأكثر مما هو واضح؛ لأن هذه من الأمور الغيبية التي لا يجوز للمسلمين التوسع فيها، وإدخال العقل العاجز عن إدراك المغيبات، وتصويرها في حدود المشاهدات، فكون ربنا يقول: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (هود:7)، هو خلق من خلق الله عز وجل، كان العرش ولا يزال على الماء، لكن هذا بلا شك لا يعني أن الماء قديم أزلي لا أول له، وأن العرش أيضاً قديم أزلي لا أول له، لأن كل ما سوى الله عز وجل فهو مخلوقٌ مسبوقٌ بالعدم، فربنا عز وجل حينما يتحدث في القرآن الكريم عن هذه الحقيقة الخَلْقِيَّة الغيبية عن الناس، يخبرنا بأن العرش ليس على السماء: أجرام، وإنما على الماء، وليس إلا هذا في الآية، وكثير من الناس اليوم يتأولون النصوص القرآنية ببعض الاكتشافات العلمية، وهذا عبارة عن تَظَنُّن إن لم نقل إنه تخرُّص؛ لأننا لو سألنا العلم اليوم الذي يُعْرَفُ بالعلم التجريبي والعلم الفلكي، ما هي السماوات السبع المنصوص عليها في القرآن الكريم، طبعاً سيقف أمامها حائراً؛ حتى الملاحدة منهم نحن لا نتحدث عمَّا وراء الطبيعة، نحن نتحدث عما أُحيط به علماً، فنحن لا نعلم إلا هذا الفراغ الذي بعد مائتين .. ثلاثمائة كيلو متر كما يقولون، هذه ممتلئة بالهواء، ثم بعد ذلك فراغ مطلق فيها هذه الأجرام، وهذه الكواكب التي تعد بملايين الملايين، فهم لا يتحدثون إلا عما شاهدوا، ولذلك فهم لا يستطيعون التحدث عن السموات السبع بشيء، بالتالي لا يستطيعون أن يتحدثوا عن الماء الذي فوقه عرش الرحمن تبارك وتعالى. هذا ما يمكن الإجابة عن هذا السؤال. " الهدى والنور" (69/ 14: 27: 00)

[1065] باب هل عرش الرحمن فوق الماء أو فوق الجنة؟

[1065] باب هل عرش الرحمن فوق الماء أو فوق الجنة؟ السؤال: حديث: «إذا سألتم الله فسألوه الفردوس فهي أوسط الجنة وهو أعلى الجنة وفوقه العرش ومنه تفجر أنهار الجنة» (¬1) وقول الله سبحانه وتعالى في سورة هود: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (هود:7)، فالفهم لهذا الحديث؛ لأنه يذكر الحديث أن أعلى الجنة العرش، والآية تذكر أن عرش الله سبحانه وتعالى فوق الماء؟ الجواب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (هود:7)، هذا لا ينافي هذا أولاً؛ لأنه كون العرش أعظم مخلوقات الله عز وجل، فما ينفي أن يكون بهذه العظمة هو أيضاً على العرش وهو فوق الجنة، ومشكلة هذا السؤال وغيره من الأسئلة أن بعض المسلمين اليوم يحاولون أن يكيفوا الأخبار الغيبية تكييفاً مادياً ملموساً، وهذا خطأ جداً؛ لأن الأمور الغيبية لا يجوز التوسع فيها وإنما يجب الوقوف عند حروفها وعدم التزايد عليها، أما محاولة التعمق في فهم الكيفيات هذه الغيبية عندنا كهذه المسألة، فالعرش كان على الماء، ثم العرش هو سقف الجنة، نحن نحاول الآن أن نتكيف أن العرش حجمه صغير أولاً، ثم نحاول أن نتكيف أن الأمر كما كان من قبل، أي: كان عرش الرحمن على الماء، ... وهو كذلك، لكن هذا أولاً لا يستلزم المنافاة التي أشرت إلى نفيها آنفاً. وثانياً وأخيراً أقول: يمكن أن يكون الأمر "كان" كما قال في القرآن "كان" ثم بعد ذلك ربنا عز وجل كما قال: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} (الرحمن:29)، فمن شأنه عز وجل أن يخلق وأن يحيي وأن يميت ويتصرف في خلقه كما يشاء، فإذاً: ليس ¬

(¬1) "البخاري" (رقم2637).

[1066] باب هل ثبت في أطيط العرش حديث مرفوع؟

هناك من الضروري أن نجمع أولاً أن عرشه على الماء، وعرشه أيضاً فوق الجنة في آن واحد، ممكن أن يكون كذلك وقد سبق الجواب عنه، ويمكن أن يكون طرأ على هذا الماء خلق جديد بحيث أنه صار العرش كله سقف الجنة. هذا ما نقوله إجمالاً, والتفصيل لا يجوز الدخول في الغيبيات. "الهدى والنور" (590/ 00:35:38) [1066] باب هل ثبت في أطيط العرش حديث مرفوع؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: " إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنه يقعد عليه، ما يفضل منه مقدار أربع أصابع - ثم قال بأصابعه فجمعها - وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله ". (منكر). [ثم بيَّن الإمام نكارته ثم قال]: ومثله حديث ابن إسحاق في " المسند " وغيره، وفي آخره: " إن عرشه لعلى سماواته وأرضه هكذا مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب ".وابن إسحاق مدلس، ولم يصرح بالسماع في شيء من الطرق عنه، ولذلك قال الذهبي في " العلو" (ص 23): " هذا حديث غريب جدا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا أم لا؟ وأما الله عز وجل فليس كمثله شيء جل جلاله، وتقدست أسماؤهُ، ولا إله غيره. (قال:)."الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل،

[1067] باب منه

فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز وجل، ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت ". "الضعيفة" (2/ 256 - 257). [1067] باب منه عن عمارة بن عمير عن أبي موسى قال:" الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحِل ". [قال الإمام]: قلت: وإسناده صحيح إن كان عمارة بن عمير سمع من أبي موسى، فإنه يروي عنه بواسطة ابنه إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، ولكنه موقوف، ولا يصح في الأطيط حديث مرفوع. "الضعيفة" (2/ 306 - 307). [1068] باب بيان أنه ليس للأطيط مدخل في صفاته سبحانه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إنَّ كُرْسِيَّهُ وّسِعَ السماواتِ والأرضَ، وإنه لَيَقْعُدُ عليه، فما يَفْضُلُ عنه إلا قَدْرُ أَرْبَعِ أصابع - ومد أصابعه الأربع -، وإن له أَطِيْطاً كأطيطِ الرَّحْل [إذا رُكِبَ]». (منكر). [قال الإمام]: أخرجه الدارمي عثمان بن سعيد في "الرد على بشر المريسي" (ص74)،

وعبد الله بن أحمد في "السنة (ص 71) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال: أتت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة. فعظم الرب، فقال: ... فذكره. هكذا أخرجاه من طريقين عن إسرائيل. وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (8/ 52)، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل" (1/ 4) من طريق الحسين بن شبيب الآجري: أخبرنا أبو حمزة الأسلمي - بـ (طرسوس) -: حدثنا وكيع: ثنا أبو إسرائيل عن أبي إسحاق ... به. كذا قال:"أبو إسرائيل"، وأظنه وهماً من أبي حمزة الأسلمي، فإنه غير معروف عندي، ولم يذكره أحد فيما علمت، حتى ولا الحافظ الذهبي في "كناه". أو الوهم من الرواي عنه الحسين بن شبيب، فإن الخطيب في ترجمته ساق الحديث ولم يزد! سوى أنه ذكر في إسناده انه كان من النساك المذكورين. وإن مما يؤكد الوهم أن عبد الله بن أحمد قال (ص 70): حدثني أبي، حدثنا وكيع، بحديث إسرائيل ... به إلا أنه قال: عن عبد الله بن خليفة عن عمر قال: "إذا جلس الرب عَزَّ وَجَلَّ على الكرسي" فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال: "أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث لا ينكرونها". وأقول نعم إذا كانت أحاديث صحيحة، كحديث النزول الإلهي كل ليلة، وأحاديث الأصابع واليدين ونحوها، وأما فضعيف منكر لا نرضاه، وقد قال الذهبي في كتابه "العلو" (ص 123 - 124 - مختصره): "وليس للأطيط مدخل في الصفات أبداً، بل هو كاهتزاز العرش لموت سعد، وكتفطر السماء يوم القيامة ونحو ذلك، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عَزَّ وَجَلَّ. ثم

[1069] باب استغناء الله تعالى عن العرش

لفظ الأطيط لم يأت في لفظ ثابت ".وقال ابن خزيمة في "التوحيد" (ص 71): "وقد رواه وكيع بن الجراح عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة مرسلا، ليس فيه ذكر عمر لا بيقين ولا ظن، وليس هذا الخبر من شرطنا، لأنه غير متصل الإسناد، لسنا نحتج في هذا الجنس من العلم بالمراسيل المنقطعات". قلت وقد روي متصلاً بذكر عمر فيه مرفوعاً، ولا يصح أيضاً، لأن مداره على أبي إسحاق وكان اختلط، وإسرائيل - وهو: ابن يونس بن أبي إسحاق - سمع من جده بعد الاختلاط. وعبد الله بن خليفة: مجهول لا يعرف إلا في هذا الإسناد. وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإسناده مضطرب جداً، وعبد الله ابن خليفة ليس من الصحابة، فيكون الحديث الأول مرسلاً، وتارة يرويه ابن خليفة عن عمر مرفوعاً، وتارة يوقفه على عمر، وتارة يوقف على ابن خليفة، وكل هذا تخليط من الرواة فلا يعوَّل عليه". "الضعيفة" (13/ 2/722 - 724). [1069] باب استغناء الله تعالى عن العرش [نقل الإمام كلام شارح الطحاوية على قول الماتن:"وهو مستغن عن العرش وما دونه".مقررًا إياه فقال]: قال الشارح رحمه الله تعالى: وإنما قال الشيخ رحمه الله هذا الكلام هنا؛ لأنه لما ذكر العرش والكرسي ذكر بعد ذلك غناه سبحانه عن العرش وما دون العرش؛ ليبين أن خلقه العرش لاستوائه عليه ليس لحاجته إليه, بل له في ذلك حكمة

[1070] باب هل يلزم من نزوله تعالى خلو العرش منه؟

اقتضته وكون العالي فوق السافل لا يلزم أن يكون السافل حاوياً للعالي محيطاً به حاملاً له, ولا أن يكون الأعلى مفتقراً إليه, فانظر إلى السماء كيف هي فوق الأرض وليست مفتقرة إليها. فالرب تعالى أعظم شأناً وأجل من أن يلزم من علوه ذلك, بل لوازم علوه من خصائصه, وهي حمله بقدرته للسافل وفقر السافل وغناه هو سبحانه عن السافل وإحاطته عز وجل به فهو فوق العرش مع حمله بقدرته للعرش وحملته, وغناه عن العرش وفقر العرش إليه وإحاطته بالعرش وعدم إحاطة العرش به وحصره للعرش وعدم الحصر للعرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوق. ونفاة العلو أهل التعطيل لو فَصَّلوا بهذا التفصيل لهُدوا إلى سواء السبيل وعلموا مطابقة العقل للتنزيل, ولسلكوا خلف الدليل, ولكن فارقوا الدليل فضلُّوا عن سواء السبيل. والأمر في ذلك كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} (الأعراف: 53) وغيرها: كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم, والكيف مجهول. التعليق على متن الطحاوية" (ص52 - 53). [1070] باب هل يلزم من نزوله تعالى خلو العرش منه؟ [عن] علي بن خشرم حدثنا إسحاق قال: دخلت على ابن طاهر, فقال: ما هذه الأحاديث يروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ قلت نعم, رواها الثقات الذين يروون الأحكام. فقال: ينزل ويدع عرشه؟ فقلت يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ قال: نعم. قلت: فلم تتكلم في هذا؟ (إسناده صحيح)

[1071] باب هل يوصف الله تعالى بأنه مستقر على العرش؟

[قال الإمام]: (فائدة): في قول إسحاق رحمه الله تعالى: "يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش" إشارة منه إلى تحقيق أن نزوله تعالى ليس كنزول المخلوق، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا دون أن يخلو منه العرش ويصير العرش فوقه، وهذا مستحيل بالنسبة لنزول المخلوق الذي يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر، وهذا الذي أشار إليه إسحاق هو المأثور عن سلف الأمة وأ ئمتها أنه تعالى لا يزال فوق العرش, ولا يخلو العرش منه, مع دنوه ونزوله إلى السماء, قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب, فراجع بسط ذلك في كتابه "شرح حديث النزول" (ص42 - 59). " مختصر العلو" (ص192 - 193). [1071] باب هل يوصف الله تعالى بأنه مستقر على العرش؟ سؤال: قضية استواء الله على عرشه هل تعني أن الله مستقر بذاته على العرش؟ الشيخ: لا يجوز استعمال ألفاظ لم ترد في الشرع؛ لا يجوز أن يوصف الله بأنه مستقر؛ لأن الاستقرار أولاً: صفة بشرية، ثانياً: لم يُوصف بها ربُّنا عز وجل حتى نقول: استقرار يليق بجلاله وكماله كما نقول في الاستواء، فنحن لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه ثم مقروناً مع التنزيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). "الهدى والنور" (542/ 19: 15: 00)

[1072] باب هل هناك دليل ينفي أو يثبت مماسة الرب عز وجل لعرشه؟

[1072] باب هل هناك دليل ينفي أو يثبت مماسَّة الرب عز وجل لعرشه؟ السؤال: هل هناك دليل من الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة ما ينفي أو يثبت مماسَّة الرب عز وجل لعرشه؟ الشيخ: [لا يوجد] ذلك إطلاقاً، وإثبات مثل هذه الأمور ونفيها في اعتقادي خروج عن منهج السلف الصالح؛ لأن كلاً من الإثبات والنفي يترتب منه محذور، أما الإثبات فقد يلزم منه محظورات أحدهما نسبة شيء إلى الله عز وجل لم يثبت في الكتاب ولا في السنة وهذا لا يجوز. والشيء الآخر أننا إذا أثبتنا أو ادعينا شيئاً من ذلك فتحنا طريقاً للمعطلين المؤولين لنصوص الكتاب والسنة المتعلقة بصفات الرب تبارك وتعالى، فتحنا لهم طريقاً ليتهمونا بالتجسيم؛ لأنهم يفسرون هذه الأمور التي قد يدعيها بعض من سبقنا، يفسرونها على ظاهرها التي تليق بالبشر ولا تليق بالله عز وجل، ولذلك فلا يجوز إثبات مثل هذه الأمور، كما أنه لا يجوز نفيها لأنه قد يلزم من نفيها نفي ما جاء في الكتاب والسنة من ذلك مثلاً: أن الله عز وجل ليس حالَّاً في المخلوقات، أي: ليس كما يقول المعطلة والقائلون بوحدة الوجود أن الله عز وجل في كل مكان، أن الله عز وجل موجود في كل الوجود، وغلا الصوفية في تصريحهم بهذه الضلالة حينما قال قائلهم في شعر لا أذكره الآن، أنه مثل رب العالمين ومخلوقاته كمثل الماء والثلج، هل يمكن فصل الماء عن الثلج حين كونه ثلجاً؟ الجواب: لا، كذلك عندهم رب العالمين تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا إنه حال في المخلوقات، والعقيدة السلفية أن الله عز وجل غني عن العالمين، وهو ليس بحاجة

[1073] باب هل يوصف الله تعالى بالقعود على العرش؟

إلى العرش، وإلى الجلوس عليه، والتمكُّن منه، وقد صرح بذلك بعض العلماء المعتدلين من الماتريدية، أقول المعتدلين؛ لأن الماتريدية كالأشاعرة في كثير من الأمور المخالفة لعقيدة السلف الصالح أما هذا البعض الذي أشير إليه، فقد قال مثبتاً لصفة علو الله على عرشه دون إيهام أنه بحاجة إليه فقال: ورب العرش فوق العرش ... بلا وصف التمكن واتصال لأن وصف رب العالمين بهذا الوصف معناه أنه بحاجة إلى العرش، وكان الله ولا شيء معه، كما نفهم من حديث عمران بن حصين، ثم خلق العرش والسماوات كما جاء تفصيل ذلك في السنة. فإذاً: باختصار لا يوجد في الكتاب ولا في السنة شيء يثبت هذا الذي جاء في السؤال أو ينفيه فلا نقر ولا ننفي. "الهدى والنور" (188/ 00:49:13) [1073] باب هل يوصف الله تعالى بالقعود على العرش؟ [قال الإمام]: أقول: إن مما ينكر في هذا الباب [أي باب الغلو في الإثبات بإثبات ما لا يصح] ما رواه أبو محمد الدشتي في " إثبات الحد " (144/ 1 - 2) من طريق أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش: أنشدنا أبو طالب محمد بن علي الحربي: أنشدنا الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله قال: حديث الشفاعة في أحمد ... إلى أحمد المصطفى نسنده فأما حديث بإقعاده ... على العرش فلا نجحده

أمِرُّوا الحديث على وجهه ... ولا تدخلوا فيه ما يفسده ولا تنكروا أنه قاعد ... ولا تجحدوا أنه يقعده فهذا إسناد لا يصح، من أجل أبي العز هذا، فقد أورده ابن العماد في وفيات سنة (526) من " الشذرات " (4/ 78) وقال: " قال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلطا". وأما شيخه أبو طالب وهو العشاري فقد أورده في وفيات سنة (451) وقال (3/ 289): " كان صالحا خيرا عالماً زاهداً ". فاعلم أن إقعاده - صلى الله عليه وآله وسلم - على العرش ليس فيه إلا ... الحديث الباطل وهو ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: يجلسني على العرش تفسيراً لقوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}، وأما قعوده تعالى على العرش فليس فيه حديث يصح، ولا تلازم بينه وبين الاستواء عليه كما لا يخفى. وقد وقفت فيه على حديثين، أنا ذاكرهما لبيان حالهما: - «إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنه يقعد عليه، ما يفضل منه مقدار أربع أصابع - ثم قال بأصابعه فجمعها - وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله». (منكر ... ) «يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده: إني لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم، على ما كان فيكم، ولا أبالي». موضوع بهذا التمام.

[1074] باب هل يقعد الله تعالى على العرش فيفضل منه مقدار أربع أصابع؟

وفيه لفظة منكرة جدًّا وهي قعود الله تبارك وتعالى على الكرسي، ولا أعرف هذه اللفظة في حديث صحيح، وخاصة أحاديث النزول وهي كثيرة جدًّا بل وهي متواترة كما قطع بذلك الحافظ الذهبي في " العلو" (ص 53، 59)، وذكر أنه ألَّف في ذلك جزءًا. "الضعيفة" (2/ 257 - 258). [1074] باب هل يقعد الله تعالى على العرش فيفضل منه مقدار أربع أصابع؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع - ثم قال بأصابعه فجمعها -؛ وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب؛ من ثقله». (منكر). [ثم أورد الإمام عِلله ثم قال] وبهذا أعله شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموعة الفتاوى" (16/ 434 - 436)؛ فإنه ذكره كمثال للأحاديث الضعيفة التي يرويها بعض المؤلفين في الصفات، كعبد الرحمن بن منده وغيره، فقال: "ومن ذلك: حديث عبد الله بن خليفة المشهور الذي يرويه عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. وقد رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في "المختارة". وطائفة من أهل الحديث ترده لاضطرابه، كما فعل ذلك أبو بكر الإسماعيلي وابن

[1075] باب هل صح أن "العرش مطوق بحية، والوحي ينزل بالسلاسل" وبيان متى يكون للآثار الموقوفة على الصحابة في العقيدة حكم الرفع؟

الجوزي وغيرهم، لكن أكثر أهل السنة قبلوه. ورواه الإمام أحمد وغيره مختصراً وذكر أنه حدَّث به وكيع. لكن كثير ممن رواه رووه بقوله: «إنه ما يفضل منه إلا أربع أصابع»؛ فجعل العرش يفضل منه أربع أصابع. واعتقد القاضي وابن الزاغوني صحة هذا اللفظ، فأمرُّوه، وتكلموا على معناه بأن ذلك القدْر لا يحصل عليه الاستواء، وذكر عن أيمن العائذ أنه قال: هو موضع جلوس محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - (!) ". "الضعيفة" (10/ 2/728،730). [1075] باب هل صح أن "العرش مطوق بحية، والوحي ينزل بالسلاسل" وبيان متى يكون للآثار الموقوفة على الصحابة في العقيدة حكم الرفع؟ السائل: السؤال قد سألتك إياه في التلفون، الذي هو قلت لك حديث: «العرش مطوق بحية، والوحي ينزل بالسلاسل)» ذكرت لي أني أرجع أرى هل هو حديث .... في «مختصر العلو» أنت قلت: حديث عبد الله بن عمرو أو قال حديث عبد الله بن عمر، وعلقت عليه فقلت: وإسناده صحيح عن عبد الله بن عمرو، وقلت: إسناده صحيح، فهل هو في حكم المرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الإسناد؟ الشيخ: ما عندي جواب غير ما سمعته، إن كان مصرحاً برفعه فهو كذلك، وإن كان غير مُصرَّح فهو موقوف.

مداخلة: لا ما هو مصرح فهل يعني إذا كان موقوفاً كيف النظر إلى الحديث، هل نقول: أن العرش مطوق بحية؟ الشيخ: لا، ما نقول، وأظن أجبتكم يوم كان الجواب، يعني: لك، هو كان جواباً متكرراً لغيرك؛ أقوال الصحابة إذا صحت عنهم لتكون في منزلة الأحاديث المرفوعة إلى الرسول عليه السلام يجب أن تكون أولاً: مما لا يقال بالرأي وبالاجتهاد، هذه النقطة بالذات هناك مجال للاختلاف بين العلماء والفقهاء في بعض ما يتفرع من هذا الشرط، وهو أن يكون قول الصحابي أو الحديث الموقوف على الصحابي مما لا يقال بالرأي، ممكن يصير فيه اختلاف، مثلاً: إذا جاء حديثٌ ما فيه النهي عن شيء، هل هذا في حكم المرفوع أم لا، فمن يظن أن النهي عن الشيء لا يمكن أن يكون بالاجتهاد يقول: حكمه حكم المرفوع، ومن يظن مثلي أنا أنه يمكن للصحابي ولمن جاء من بعدهم من الأئمة أن يجتهد وينهى عن شيء ويكون في اجتهاده مخطئاً فيجب إذاً: أن يكون الحديث الموقوف على الصحابي الذي يراد أن نقول: إنه في حكم المرفوع يجب أنه لا يحيط به أي شك في أنه في حكم المرفوع، ومتى يكون ذلك؟ حين لا مجال أن يقال بمجرد الرأي والاجتهاد، هذا الشرط الأول. والشرط الثاني، أو قبل ما أقول الشرط الثاني: الشرط الأول يعود في الحقيقة إلى أمر غيبي، وهو من معانيه التحريم والتحليل، لكن هذا الأمر الغيبي ينقسم قسمين: قسم يتعلق بالشريعة الإسلامية، وقسم يتعلق بما قبل الشريعة من الشرائع المنسوخة، فلكي يكون الحديث الموقوف في حكم المرفوع ينبغي أن يكون متعلقاً بالشريعة الإسلامية وليس متعلقاً بما قبلها، لماذا؟

هنا بيت القصيد، لأنه يمكن أن يكون من الإسرائيليات، والتاريخ الذي يتعلق بما قبل الرسول عليه السلام ... معناه من بدء الخلق إلى ما قبل الرسول عليه السلام وبعثته هو من هذا القبيل. فإذا جاءنا حديث يتحدث عما في السماوات من عجائب ومخلوقات، وهو لا يمكن أن يقال جزماً بالرأي والاجتهاد فيتبادر إلى الذهن إذاً هذا في حكم المرفوع، لكن لا، ممكن أن يكون هذا من الإسرائليات التي تلقاها هذا الصحابي من بعض الذين أسلموا من اليهود والنصارى، ولذلك فينبغي أن يكون الحديث الموقوف والذي يراد أن نجعله في حكم المرفوع ما يوحي بأنه ليس له علاقة بالشرائع السابقة. فهذا الحديث عن عبد الله بن عمرو يمكن أن يكون من الأمور الإسرائيلية التي تتحدث عما في السماء من العجائب، ومن خلق الملائكة، لكن الذي ثابت ... الآن عكس ذاك تماماً، يشعر الإنسان فوراً أن هذا لا يمكن أن يكون من الإسرائليات، فهو إذاً موقوف في حكم المرفوع ولا مناص، ما هو؟ الحديث المعروف والمروي عن ابن عباس بالسند الصحيح، قال رضي الله عنه: نزل القرآن إلى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة، ثم نزل أنجماً حسب الحوادث، فهو إذاً: يتحدث عن القرآن وليس عن التوراة والإنجيل، فلو كان حديثه هذا الموقوف عن التوراة والإنجيل ورد الاحتمال السابق، فيقال: لا نستطيع أن نقول هو في حكم المرفوع، لكن ما دام يتعلق بالقرآن وأحكام القرآن وكل ما يتعلق به لا يمكن أن يتحدث عنه بشيء غيبي إلا ويكون الراوي قد تلقاه من الرسول عليه السلام، لأنه كون القرآن نزل جملة هذا غيب من أين يعرف ابن

[1076] باب هل المقام المحمود هو قعود النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على العرش؟

عباس تلقاه من بعض الإسرائليات هذا مستحيل، ونزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا تفصيل دقيق [لا يمكن] للعقل البشري أن يصل إليه، لذلك هذا الحديث يتعامل العلماء معه كما لو كان قد صرح ابن عباس فيه برفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. باختصار: إن الأحاديث الموقوفة ليس من السهل أبداً أن يحكم عليها بحكم المرفوع إلا بدراسة دقيقة ودقيقة جداً، وذلك لا يستطيعه إلا كبار أهل العلم. سؤال: جزاك الله خير يا شيخنا. الشيخ: وإياك بارك الله فيك. مداخلة: هذه فائدة فريدة عضوا عليها بالنواجذ والأضراس والثنايا. الشيخ: جزاك الله خيراً. "الهدى والنور" (255/ 56: 07: 00) [1076] باب هل المقام المحمود هو قعود النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على العرش؟ [قال الذهبي في "العلو"]: نقل الحافظ أبو بكر الآجري في " كتاب الشريعة " له - وهو مجلدان - عن الإمام أبي محمد يحيى بن محمد بن صاعد أنه قال في هذه الفضيلة، في قعود النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على العرش: لا ندفعها ولا نماري فيها، ولا نتكلم في حديث فيه فضيلة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بشيء.

[قال الإمام في "مختصر العلو"]: قلت: لكن الحديث الوارد فيه واه ... ، وتفسير بعضهم لقوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} بإقعاده - صلى الله عليه وآله وسلم - على العرش مع مخالفته لما في "الصحيحين" وغيرهما أن المقام المحمود الشفاعة العظمى، فهو تفسير مقطوع غير مرفوع عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولو صح ذلك مرسلاً لم يكن فيه حجة؛ فكيف وهو مقطوع موقوف على بعض التابعين؟! وإن عجبي لا يكاد ينتهي من تحمس بعض المحدثين السالفين لهذا الحديث الواهي والأثر المنكر، ومبالغتهم في الإنكار على من رده، وإساءتهم الظن بعقيدته! وقد ساق المصنف رحمه الله تعالى في الأصل [أي: العلو] أسماء طائفة منهم (ص 124 - 126) وزاد أسماء آخرين في "مختصره" وإني لأراه كأنه أخذ بهيبتهم، فإنه يتردد بين مخالفتهم وموافقتهم! فإنه بعد أن نقل قول أبي بكر النجاد: "لو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثاً أن الله يقعد محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - على العرش، لقلت: صدقت وبررت". فقد تعقبه بقوله - وقد أجاد: "فأبصر - حفظك الله من الهوى - كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم فيردون الأحاديث الصريحة في العلو بل يحاول بعض الطغاة أن يرد قوله تعالى {الرحمن على العرش استوى} ". فهو - رحمة الله - يشير إلى أن الصواب التوسط بين هؤلاء المعطلة النفاة، والمغالين في إثبات ما لم يصح، ومع ذلك تراه في مكان آخر (ص 143) يعود إلى ذلك الأثر المنكر، محتفلاً به، ومصرحاً بأن فيه منقبة عظيمة انفرد بها سيد البشر - صلى الله عليه وآله وسلم - ويقول: «ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف».

[1077] باب منه

فأقول: هب أن الأمر كذلك، فهو - والحالة هذه - لا يزيد على كونه كالحديث أو في حكم الحديث المرسل، فهل الحديث المرسل إلا من أقسام الحديث الضعيف عند المحدثين، فكيف تثبت به فضيلة؟! بل كيف يبني عليه عقيدة أن الله تعالى يُقعِد نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - معه على العرش؟! فمن جوَّز ذلك اعتماداً منه على هذا الأثر الذي أحسنُ أحواله أن يكون كالحديث المرسل - كما ذكرنا - فيلزمه أن يأخذ بكل حديث مرسل حتى ولو كان يتضمن مخالفة للشريعة، مثل قصة الغرانيق، فقد وردت بأسانيد عدة مرسلة، وهي صحيحة إلى مرسليها من التابعين، وقد صرحوا برفعها إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما بينته في رسالتي الخاصة بها، "نصب المجانيق"، فإذا كان المصنف - عفا الله عنا وعنه - يبرر أخيراًَ الأخذ بهذا الأثر بحجة أنه يبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف، فليأخذ إذن بقصة الغرانيق بحجة أن رواتها من التابعين قد رفعوها إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صراحة! بل الأخذ بها أولى، لما ذكرنا من التصريح بالرفع ولأن رواتها جَمْعٌ بخلاف أثر مجاهد, وفي ذلك عبرة لكل معتبر. "مختصر العلو" (ص233 - 235). [1077] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يجلسني على العرش». (باطل). [قال الإمام]: ذكره الذهبي في " العلو" (55 طبع الأنصار) من طريقين عن أحمد بن يونس

[1078] باب منه ودفع تهمة التجسيم عن أهل السنة

عن سلمة الأحمر عن أشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود قال: بينا أنا عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أقرأ عليه حتى بلغت {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: فذكره. ومما يدل على [بطلانه .. ] أنه ثبت في " الصحاح " أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -. ومن العجائب التي يقف العقل تجاهها حائرا أن يُفتي بعض العلماء من المتقدمين بأثر مجاهد هذا كما ذكره الذهبي (ص 100 - 101 و117 - 118) عن غير واحد منهم، بل غلا بعض المحدثين فقال: لو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يُقعِد محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - على العرش واستفتاني، لقلت له: صدقت وبررت! قال الذهبي رحمه الله: " فأبصر - حفظك الله من الهوى - كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم فيردن الأحاديث الصريحة في العلو، بل يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} " ... [و] اعلم أن إقعاده - صلى الله عليه وآله وسلم - على العرش ليس فيه إلا هذا الحديث الباطل. "الضعيفة" (2/ 255 - 256). [1078] باب منه ودفع تهمة التجسيم عن أهل السنة [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}؛ قال: يُجْلِسُني عه على السريرِ». (باطل).

[قال الإمام]: هذا (حديث باطل مخالف) لأحاديث جمع من الصحابة بعضها في "البخاري" (4718): أن المقام المحمود هي شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - الكبرى يوم القيامة. وراجع إن شئت ظلال الجنة" (2/ 784 و785 و789 و804 و813)، و"الصحيحة" (2369 و2370)، "الدر المنثور" (4/ 197). أضف إلى ذلك أنه يستغله أعداء السنة وأفراخ الجهمية؛ ليطعنوا في أهل السنة الذين يثبتون الصفات الإلهية الثابتة في الكتاب والسنة، مع التنزيه التام، ويرموهم بالتجسيم والتشبيه الذي عرفوا بمحاربته - كما يحاربون التعطيل -، كمثل الكوثري وأذنابه، وكالغماري والسقاف ونحوهما، كفى الله المسلمين شرهم. هذا، وقد كنت خرجت الحديث في المجلد الثاني من هذه "السلسلة" برقم (865) من حديث ابن مسعود، وبينت علته ونكارته هناك، وأنه رُوي عن مجاهد مقطوعاً، وعن غيره موقوفاً، وذكرت مستنكراً موقف بعض العلماء منه. ثم أتبعته بحديث منكر، وآخر موضوع، فيهما نسبة القعود إلى الله على كرسيه. وفي الأول منهما زيادة نصها:"ما يفضل منه مقدار أربع أصابع ". وذكرت تساهل بعضهم في توثيق رجالهما، وتقوية إسنادهما، فراجعه، فإنه مهم. كما كنت ذكرت في مقدمة كتابي المطبوع "مختصر العلو" (ص 15 - 17)، اضطراب موقف الذهبي بالنسبة لأثر مجاهد، مع تصريحه بأن رفعه باطل. وبهذه المناسبة أريد أن أُبيِّن للقراء موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من تلك الزيادة في الحديث الأول، فقد ذكر أن بعض المحدثين رووها بلفظ: "إلا أربع أصابع".

فهذه تثبت (الأربع)، وتلك تنفيها - كما هو ظاهر - فضعف الشيخ رحمه الله الحديث بالروايتين لاضطرابهما، مع ملاحظته أن المعنى الذي كل منهما لا يليق بجلال الله وعظمته، فقال كما في "مجموع الفتاوى" (16/ 436):"فَلَوْ لَمْ يَكُنْ في الْحَدِيثِ إلَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ؛ هَذِهِ تَنْفِي مَا أَثْبَتَتْ هَذِهِ، [يعني تكفي في تضعيفه]، وَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ الْجَزْمِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَرَادَ الْإِثْبَاتَ، وَأَنَّهُ يَفْضُلُ مِنْ الْعَرْشِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ لَا يَسْتَوِي عَلَيْهَا الرَّبُّ! وَهَذَا مَعْنًى غريب لَيْسَ لَهُ شَاهِدٌ قَطُّ في شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، بَلْ هُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ أَعْظَمَ مِنْ الرَّبِّ وَأَكْبَرَ، وَهَذَا بَاطِلٌ، مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِلْعَقْلِ. وَيَقْتَضِي أَيْضاً أَنَّهُ إنَّمَا عَرَفَ عَظَمَةَ الرَّبِّ بِتَعْظِيمِ الْعَرْشِ الْمَخْلُوقِ، وَقَدْ جَعَلَ لْعَرْشَ أَعْظَمَ مِنْهُ، فَمَا عَظُمَ الرَّبُّ إلَّا بِالْمُقَايَسَةِ بِمَخْلُوقِ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ الرَّبِّ. وَهَذَا مَعْنًى فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ. فَإِنَّ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ في ذَلِكَ أَنْ يُبَيِّنَ عَظَمَةَ الرَّبِّ، وَأنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَا يَعْلَمُ عَظَمَتَهُ، فَيَذْكُرُ عَظَمَةَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ الرَّبَّ أَعْظَمُ مِنْهَا ". ثم استشهد الشيخ ببعض الأحاديث على ذلك، وذهب إلى أن الصواب في رواية الحديث النفي, يعني من حيث المعنى؛ كما تقدم بيانه منه بياناً شافياً رحمه لله تعالى. وفي ذلك ما يؤيد حكمي على الحديث بالبطلان هنا وهناك من حيث لمعنى، وإن كان ذلك غير لازم من حيث المبنى، فليكن هذا منك على ذكر. ومما تقدم يتبين لقرائنا دجل ذاك السقاف، أو أولئك الذين يؤلفون له ويتسترون باسمه؛ حين يكذبون أو يكذب على أهل العلم والسنة أحياء وأمواتاً لا

يرقبون فيهم إلاً ولا ذمة، ولا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية: فإنه لفساد عقيدته، وجهله وقلة فهمه لا يتورع عن التصريح ورميه بأنه مجسم، وبغير ذلك من الأباطيل التي تدل على أنه مستكبر معاند للحق الجلي الناصع، فرسائله التي يؤلفونها وينشرونها له تباعاً مشحونة بالبهت والافتراء والأكاذيب وقلب الحقائق؛ بحيث أنها لو جمعت لكانت مجلداً كبيراً بل مجلدات، فها هي رسالته التي نشرها في هذه السنة (1414) في الرد على الأخ الفاضل سفر الحوالي طافحة - على صغرها وحقارتها - بالمين والتضليل والافتراء على السلفيين الذين ينبزهم بلقب (المتمسلفين)! وعلى الأخ الفاضل بصورة [خاصة]، وعلى شيخ الإسلام بصورة أخص. وليس غرضي الآن الرد عليه، فإن الوقت أضيق وأعزّ من ذلك، وإنما أردت بمناسبة هذا الحديث أن أُقَدِّم إلى القراء مثلاً واحداً من مئات افتراءاته وأكاذيبه تقليبه للحقائق، التي تشبه ما يفعله اليهود بإخواننا الفلسطينيين اليوم الذين نطلقون من قاعدتهم الصهيونية: (الغاية تبرر الوسيلة)! الأمر الذي يؤكد للقراء نه لا يخشى الله، ولا يستحي من عباد الله، وإلا لما تجرأ على الافتراء عليهم، الله عَزَّ وَجَلَّ يقول {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ}. لقد نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية عدة أقوال هو منها براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب [عليهما السلام]، بل هو يقول بخلافها!! ويهمنا الآن بيان فرية واحدة من تلك الفريات، فقال في مقدمة رسالته المشار إليها (ص 2 - 3) بعد أن نسب إليه عدة فريات: "ويقول: إن المقام المحمود الذي وعدنا به نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - هو جلوسه بجنب الله على العرش في المساحة المتبقية، والمقدرة عند هذه الطائفة بأربع أصابع!!!

وغير ذلك من الترهات". في الحاشية قال: "انظر "منهاج سنته" (!) (1/ 260) وكتاب "بدائع الفوائد" لتلميذه ابن قيم الجوزية (4/ 39 - 40) ". وإحالته فيما نسبه إلى الشيخ مما يزيد القراء قناعة بدجله، وأنه يتعمد الكذب والافتراء عليه، وأنه لا يبالي بقرائه إذا اكتشفوا {تشابهت قلوبهم}، وهذا نص كلامه رحمه الله منقولاً بطريقة التصوير، ليكون القراء على يقين لذلك الإفك المبين: "وأما قوله إنه يُفضل عن العرش من كل جانب أربع أصابع فهذا لا أعرف قائلاً له ولا ناقلاً, ولكن روى في حَدِيثِ عبد الله بن خليفة أنه ما يفضل من العرش أربع أصابع يروى بالنفي, ويروى بالإثبات, والحديث قد طعن فيه غير واحد من المحدثين كالإسماعيلي وابن الجوزي, ومن الناس من ذكر له شواهد وقواه, ولفظ النفي لا يرد عليه شيء, فإن مثل هذا اللفظ رد لعموم النفي كقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما في السماء موضع أربع أصابع, إلا وملك قائم, أو قاعد, أو راكع, أو ساجد» أي ما فيها موضع, ومنه قول العرب: ما في السماء قدر كف سحاباً, ذلك لأن الكف يقدر به الممسوحات, كما يقدر بالذراع, وأصغر الممسوحات التي يقدرها الإنسان من أعضائه كفه, فصار هذا مثلاً لأقل شيء, فإذا قيل إنه ما يفضل من العرش أربع أصابع كان لمعنى ما يفضل منه شيء, والمقصود هنا بيان أن الله أعظم وأكبر من العرش, ومن المعلوم أن الحديث، لم يكن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قاله فليس علينا منه, وإن كان قد قاله فلم يجمع بين النفي الإثبات, وإن كان قاله بالنفي لم يكن قاله بالإثبات, والذين قالوه بالإثبات ذكروا فيه ما يناسب أصولهم, كما قد بسط في غير هذا الموضع, فهذا وأمثاله سواء كان حقًّا أو باطلاً لا يقدح في مذهب هل السنة ولا يضرهم, لأنه بتقدير أن يكون باطلاً ليس هو قول جماعتهم, بل

غايته أنه قد قالته طائفة, رواه بعض الناس, وإذا كان باطلاً رده جمهور أهل السنة, كما يردون غير ذلك, فإن كثيراً من المسلمين يقول كثيراً من الباطل, فما يكون هذا ضار لدين المسلمين, وفي أقوال الإمامية من لمنكرات ما يعرف مثل هذا فيه لو كان قد قاله بعض أهل السنة» (¬1). هذا كلام الشيخ رحمه الله، فأين فيه ما عزاه السقاف وأعوانه إليه؟! بحانك هذا بهتان عظيم. بل فيه حكايته الخلاف في صحة حديث الأصابع، عدم جزمه هو بصحته، وإن كان هذا مستغرباً منه، لأن علته الجهالة والعنعنة -كما كنت بيَّنته هناك- وختاماً: كلمة حق لا بد لي منها: إذا كان حقاً أن الله تعالى أعظم من العرش، ومن كل شيء - كما بينه شيخ الإسلام فيما تقدم -، فيكون اعتقاد أن الله يُجلس محمداً معه على العرش باطلاً بداهة. وأما إجلاسه على العرش دون المعية، فهو ممكن جائز لأن العرش خلق من خلق الله، فسواء أجلسه عليه، أو على منبر من نور - كما جاء ذلك في المتحابين في الله، وفي المقسطين العادلين - لا فرق بين الأمرين، لكن لا نرى القول بالإجلاس على العرش؛ لعدم ثبوت الحديث به، وإن حكاه ابن القيم عن جمع كما تقدمت الإشارة إلى ذلك-.والله سبحانه وتعالى أعلم. "الضعيفة" (13/ 2/1043 - 1049). ¬

(¬1) انظره مصوراً في الأصل:"الضعيفة".

[1079] باب بيان المراد بالمقام المحمود للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

[1079] باب بيان المراد بالمقام المحمود للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال الإمام]: ثبت في "الصحاح" أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -. "مختصر العلو" (ص183). [1080] باب الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش والرد على من يتأوله [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة, وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة». [قال الإمام]: الحديث خرج مخرج التفسير لقوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض} وهو صريح في كون الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش، وأنه جرم قائم بنفسه وليس شيئاً معنوياًّ. ففيه رد على من يتأوله بمعنى الملك وسعة السلطان، كما جاء في بعض التفاسير, وما روي عن ابن عباس أنه العلم، فلا يصح إسناده إليه؛ لأنه من رواية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه. رواه ابن جرير. قال ابن منده: ابن أبي المغيرة ليس بالقوي في ابن جبير. واعلم أنه لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث، كما في بعض الروايات أنه موضع القدمين, وأن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد، وأنه يحمله

[1081] باب هل ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى العرش أو الكرسي؟

أربعة أملاك، لكل ملك أربعة وجوه، وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة ... إلخ فهذا كله لا يصح مرفوعاً عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبعضه أشد ضعفاً من بعض، وقد خرجت بعضها فيما علقناه على كتاب " ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان " ملحقا بآخره, طبع المكتب الإسلامي. "الصحيحة" (1/ 1/223، 226). [1081] باب هل ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى العرش أو الكرسي؟ سؤال: هل ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى العرش أو الكرسي. الجواب:- لا ما في حديث. " الهدى والنور" (6/ 12: 04: 00) [1082] باب هل صح حديث: «قد جاء الله، وقد نصب كرسيه لفصل القضاء»؟ سؤال: بالنسبة للحديث قد جاء الله «» وقد نصب كرسيه لفصل القضاء» (¬1) هل هو صحيح؟ الشيخ: هذا جاء في بعض الأحاديث لكن الحقيقة أنا ما أستحضر الآن إذا كان ذلك من الأحاديث الثابتة عن الرسول عليه السلام، إذاً ما فيه عندي جواب واضح الآن. "الهدى والنور" (140/ 09: 01: 00) ¬

(¬1) لعل السائل أراد الحديث الذي فيه: « ... يوم يضع الملك كرسيه، فيأخذ للمظلوم من الظالم .. » وقد صححه الألباني في "ظلال الجنة" (رقم582).

جماع أبواب الكلام على صفة الرؤية

جماع أبواب الكلام على صفة الرؤية

[1083] باب إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة وبيان أن الأحاديث في ذلك متواترة

[1083] باب إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة وبيان أن الأحاديث في ذلك متواترة [قال الإمام]: اعلم أن الأحاديث الواردة في إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة كثيرة جداً حتى بلغت حد التواتر كما جزم به جمع من الأئمة. منهم الشارح "أي: شارح الطحاوية" وقد خرَّج بعضها ثم قال: وقد روى أحاديث الرؤية نحو ثلاثين صحابيا, ومن أحاط بها معرفةً يقطع بأن الرسول قالها, ولولا أني التزمت الاختصار لسقت ما في الباب من الأحاديث ثم قال: ليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيها لله, بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي, ولكن فيه دليل على علو الله على خلقه وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة؟ ومن قال: يرى لا في جهة. فليراجع عقله. فإما أن يكون مكابراً لعقله أو في عقله شيء وإلا فإذا قال: يرى لا أمام الرائي ولا خلفه, ولا عن يمينه ولا عن يساره, ولا فوقه ولا تحته رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة. "التعليق على متن الطحاوية" (ص29). [1084] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ما أَشْخَصَ أبصاركم عني؟ قالوا: نَظرْنا إلى القمرِ، قال: فكيف بكم إذا رأيتم الله جَهْرَةً؟!».

[1085] باب منه

[قال الإمام]: وفيه ردٌّ على المعتزلة والإباضية المنكرين لهذه النعمة العظيمة: رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وعلى المثبتين لها الذين تأولوها بمعنى العلم. "الصحيحة" (7/ 1/155 - 156). [1085] باب منه [تكلم الشيخ عن أهمية قيد فهم سلف الأمة بجانب الكتاب والسنة بدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ... } ثم قال]: أنا عادةً أضرب مثلاً بسيطاً؛ لتوضيح أهمية هذا القيد الذي استفدناه من الآية السابقة، ومن الحديث الأول: «ما أنا عليه وأصحابي» أضرب مثلاً بسيطاً: آية في القرآن الكريم من أبين الآيات في بيان المراد الإلهي، وهي قوله تبارك وتعالى في وصف أهل الجنة في الجنة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:22، 23). ماذا كان موقف المعتزلة والخوارج بالنسبة لهذه الآية وهي صريحة في أن مِنْ نِعَمِ الله تبارك وتعالى على المؤمنين في الجنة، بل هي أكبر نعمة يمتن الله بها على أهل الجنة: أنهم يرون ربهم يوم القيامة، فإذا رأوه تبارك وتعالى نسوا نعيم الجنة كلها، نعم. ماذا فعل المعتزلة والخوارج تجاه هذه الآية؟ أنكروها؟ لا ما أنكروها؛ لأنهم لو أنكروها لخرجوا من الدين كما تخرج الشجرة من العجين، لكنهم عطلوها حرفوا دلالتها الصريحة، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:23) قالوا: إلى نعيم ربها ناظرة، ما فيها شيء، إلى نعيم ربها ناظرة، قدروا مضافاً محذوفاً، كما قلنا نحن آنفاً: لببيان

كيف ينبغي أن تفهم اللغة العربية فضلاً عن الكلام الإلهي القائم على اللغة العربية؟ جاء الأمير جاء الملك، هل يجوز لنا أن نفهم جاء خادم الأمير أو الملك؟ لا. يا أخي يقول لك: هذا أمر معروف في اللغة العربية تقدير مضاف محذوف، وهنا بحث عند أهل العلم يقولون: تقدير المضاف المحذوف يجوز عند وجود الدليل المقتضي لذلك، وإلا كانت تعطلت اللغة العربية، أنا أقول: جاء أحمد نعم هل يفهم جاء ابنه، جاء أحمد: جاء ابنه، يا أخي من أين جئت بالتأويل هذا؟ ما في جواب يعطل اللغة العربية، فهنا هكذا فعل المعتزلة وغيرهم في تفسير نصوص الكتاب والسنة، نعم. مداخلة: ويفهمون الحق. الشيخ: يفهمون الحق، لكن الحق ما وافق أهواءهم لذلك يقولولك في ضرورة تأويل، ما هو دليله؟ ما دخل في عقله، ومعنى هذا: أنهم ما نقول ليسوا مؤمنين مطلقاً، لكن نقول: بكل جرأة أن إيمانهم ناقص وضعيف؛ لأن الله عز وجل يقول في مطلع سورة البقرة: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة:1، 2] من هم؟ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة:3) أول صفة المتقين: الذين يؤمنون بالغيب. طيب. من الغيب: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:23) ما تُريد فلسفة، هم بقى يستعملون العقل البشري مثل: القوى البشرية، تستطيع أن تزيل الجبل عن مكانها؟ لا. القوة البشرية محدودة، كذلك البصر محدود السمع محدود، كذلك ماذا؟ العقل محدود تماماً، كل شيء يعني: الإنسان خُلِقَ ضعيفاً، فهم لما يسمعوا الآية:

{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:23) أكيد نحن إذا قلنا: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:23) معناه: حصرناه في جهة وضعناه فوق، وضعناه قدام إلى آخره، من هذه الشبهات التي استقوها مما يشاهدونه حولهم كمخلوقين، لكن الخالق نسوا أنه وصف نفسه بصفتين اثنتين إحداهما: إيجابية، والأخرى: سلبية. الإيجابية: صفة قائمة فيه، السلبية تنزيه له تبارك وتعالى، فقال وهو السميع البصير. مداخلة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11). الشيخ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11). {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) تنزيه أنه أي شيء يخطر في بالك من صفات الله عز وجل يختلط عليك الأمر لو يكون مثل صفاتنا، بتقول رأساً ليس كمثله شيء، لكن هل هو عبارة عن معنى قائم في الذهن لا حقيقة له ولا وجود له؟! حاشاه، يعني: نحن الآن نستطيع أن نتصور العنقاء، العنقاء اسم عربي قديم خيالي، طير كبير يتحدث عنه السندباد البحري، في قصة ألف وليلة وأمثالها، إنه عبارة عن طير كبير يعني: البيض اللي بيطلعله مثل القبة، وبيحكي القصة فيها يعني: فيها طرافة وكلها خيال في خيال. العنقاء: اسم بدون جسم، اسم في الذهن معنى قائم في الذهن، لكن في خارج الذهن يعني: في الواقع لا حقيقة له. فربنا عز وجل الذي له كل صفات

الكمال، ومنزه عن كل صفات النقصان، هل هو هكذا معنى قائم في نفوسنا وليس له حقيقة قائمة خارج هذا الكون، خارج هذا العقل؟! الله أكبر مِنْ ذلك، بل هو خلق السموات والأرض، فهو له كل صفات الكمال، فهو ذات موجودة حقيقةً، ولها كل صفات الكمال، إذ الأمر كذلك، فما هي صفاته عز وجل؟ ليس لنا مجال في العقل أن نصفه من عندنا، بل قد كفانا مؤنة تجريد عقولنا بأن وصف نفسه لنا في الكتاب وفي السنة. من جملة هذه الصفات: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:23) أن المؤمنين كما قال أحد فقهاء الشعراء نستطيع أن نقول: يراه المؤمنون بغير كيف وتشبيه وضربٍ من مثال نعم، فرؤية الله ثابتة في الآخرة أنكرها المعتزلة، أنكرها الخوارج لعدم وجود نصوص الكتاب والسنة، لا النصوص موجودة، ولكنهم حرَّفوها وعطَّلوا معانيها، فإذاً: ما استفادوا شيئاً من إيمانهم بهذه النصوص مع إنكارهم حقائق دلائلها، فإذاً: يجب أن نؤمن بالنص لفظاً ومعنىً، النص محفوظ كيف نعرف المعنى؟ هنا بيت القصيد كما يقال: بالرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح. القرآن يفسر أول شيء بالقرآن، ثم بالسنة الصحيحة ثم بالآثار السلفية، فهل نجد عند السلف الصالح تفسير هذه الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:23) أي: إلى نعيم ربها؟! أبداً، كل أثر يأتي عن السلف يتفق مع ظاهر الآية أولاً، ثم مع الأحاديث الصحيحة الصريحة في الدلالة على أن الآية على ظاهرها التي يفهمها كل عربي إذا كان لم يصبِ بهَوَن، لم يصب بمذهبية، أو حزبية مقيتة، هناك آية أخرى قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس:26) جاء تفسير هذه الآية في الحديث الصحيح في مسلم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} (يونس:26) أي: الجنة. {وَزِيَادَةٌ} (يونس:26) أي: رؤية الله في الآخرة .. ".

باختصار ولعلي أطلت أكثر مما أراد السائل بالسؤال باختصار أقول: رحم الله ابن القيم الذي قال: العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتَّمْويه ما العلم نَصْبَكَ للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه كلاّ ولا جَحْد الصفات ونفيها ... حذراً من التمثيل والتشبيه هذا هو العلم قال الله قال رسول الله قال الصحابة. اليوم الفِرق الإسلامية كلها يأخذون من هذا الكلام اثنين: قال الله وقال رسول الله، لكن بيلفوا ويدوروا على ما قال الله قال رسول الله، ويأتونك بمذهب ما أنزل الله به من سلطان، وحسبكم مثالاً على ذلك: الفرقة الجديدة وهي فرقة القاديانية الذين يُسمَّون بالأحمدية، فهؤلاء آخر الفرق الإسلامية التي لها كيان ولها شخوص، ولها بروز ولها دعوة شائعة في الأوربية والأمريكية باسم الإسلام. هؤلاء مسلمون يصلون صلوات خمس، ويحجون إلى بيت الله الحرام، ولكنهم ينكرون حقائق شرعية منصوصة في الكتاب والسنة لم يسبقوا إلى القول بها، مش مثل المعتزلة والماتريدية الأشاعرة، فهم مثلاً: ينكرون أن يكون هناك خَلْقٌ هم الجن مع أنه هناك سورة في القرآن اسم سورة الجن، طيب. هل ينكرون القرآن ينكرون السورة؟ لا. لكن يقولون لنا: أنتم ما فهمتم معنى الجن كمثل الإنس والبشر اللفظين هذين يدلان على مسمى واحد وإلا على مسميين؟ لا مسمى واحد، هم بقي جابوا مسمى ثالث الإنس والبشر والجن أسماء ثلاثة تطلق على مسمى واحد وهم: البشر. لما تأتي لهم بآية في القرآن: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (الأعراف:12) يقول لك: هذه ما هي نار حقيقة، ولا طين حقيقي

إنما هذا مجاز، مجاز ولما بتجيب له بالحديث الصحيح في مسلم: «خلق الله الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» (¬1) يقول لك: هذا حديث آحاد، حديث آحاد آحاد، حديث ما هو متواتر يعني، حديث آحاد لا تثبت فيه عقيدة، وهذه ضلالة وهي: أن حديث الأحاديث لا تثبت به عقيدة مع الأسف الشديد ما هو مذهب قادياني، القاديانية سبقوا إلى هذه الضلالة بقرون، لكن لم يسبقوا إلى تفسير الجن بأنهم الأنس أو البشر. الأزهر الشريف الآن، الأزهر الذي يسموه شريف يقرر على الطلاب الذي يوزعوهم في العالم الإسلامية للدعوة للإسلام أن الحديث الصحيح لا يحتج به في العقيدة إلا إذا كان متواتراً، ما معنى متواتر؟ يعني: يكون جاء من طرق عديدة، يعني: يكون رواه في عشرة من الصحابة، وعشرة من التابعين عن عشرة من الصحابة ... وهكذا. وعلى كل حال: أردت أن أختصر، لكن كما يقال: الحديث ذو شجون .. مداخلة: ماذا يستفيدون من التعطيل. الشيخ: اتباع الأهواء عقل بيحكموا عقولهم ما بيحكموا الشرع. مداخلة: هذا هو الأمر، {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الفرقان:43). الشيخ: هواه أي نعم. الشاهد: أذكر جيداً بمناسبة الأزهر الشريف وأنه يقرر هذه العقيدة. "الهدى والنور""الهدى والنور" (161/ 01: 33: 00) و (161/ 27: 45: 00) ¬

(¬1) "مسلم" (رقم7687).

[1086] باب تواتر نصوص الرؤية

[1086] باب تواتر نصوص الرؤية [قال الإمام بعد أن ذكر صورًا من تأويل بعض المنتسبين للسنة لعقيدة خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام]: وليت شعري! ما الفرق بين هؤلاء العلماء المنتمين إلى السُّنّة، والمعطِّلين لهذه النصوص بخروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وقتله إياه؛ وبين إيمان الباطنية، والفِرق الضالة التي تُؤمن بنصوص الكتاب والسنة؛ مع تأويلهم إياها تأويلاً يؤدي في النهاية إلى الكفر بحقائقها؛ كالذين ينكرون النصوص المتواترة في الكتاب والسنة برؤية المؤمنين لربهم في الآخرة؛ بتأويل أن المقصود منها رؤية نعيم ربهم! وكالقاديانية الذين يؤمنون - زعموا- بقوله تعالى: {ولكنْ رسولَ اللهِ وخاتَمَ النبيين} (الأحزاب: 40)، ثم يقولون ببقاء النبوة ومجيء أنبياء كثيرين بعده - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ منهم «ميرزا غلام أحمد القادياني»! وإذا سألتهم عن هذه الآية؛ أجابوك بأنهم يؤمنون بها - طبعاً! - ولكن معناها ليس كما فهمها المسلمون من قبل! بل المعنى: ولكن خاتم النبيين؛ أي: زينتهم؛ كالخاتم زينة الأصبع! فهل يجدي إيمانهم بها عند الله شيئاً بعد أن فسَّروها بغير تفسيرها الحق؟! كذلك أقول: إن إيمان هؤلاء العلماء بالأحاديث المتواترة بنزول عيسى عليه السلام وقتله للدجال؛ لا يجديهم شيئاً مع تفسيرهم إياها بذلك التفسير الرمزي؛ لأنه خلاف ما يقطع به كل عالم متجرد عن الهوى إذا ما اطلع على النصوص الواردة فيهما. "قصة المسيح الدجال " (ص22 - 23).

[1087] باب تفسير قوله تعالى: {على الأرائك ينظرون} وهل المقصود بذلك رؤية المؤمنين لربهم دائما؟ وبيان أن إثبات الرؤية يستلزم إثبات العلو

[1087] باب تفسير قوله تعالى: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} وهل المقصود بذلك رؤية المؤمنين لربهم دائمًا؟ وبيان أن إثبات الرؤية يستلزم إثبات العلو سؤال: شيخنا بالنسبة لقوله تعالى: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (المطففين:23). النظر الذي قال الأئمة يعني بعض الأئمة فسَّر هذا النظر بأنه النظر إلى الله تعالى, ثم هناك حديث إن «أعلى أهل الجنة منزلة هو من ينظر إلى الله كل يوم مرتين» مع أن هذا الحديث قد أوردتموه في «ضعيف الجامع» , فهل هناك وصف لرؤية المؤمنين لربهم في الجنة وقد جاء حديث أن في الجنة في يوم الجمعة ينظر فيه المؤمنون لربهم يعني كيف يكون يعني التفسير هنا بالنسبة للآية {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (المطففين:23). فهم ينظرون على الأرائك متكئون على الأرائك ينظرون, ومع ذلك هناك يوم يخصص للنظر والحديث الذي ورد في هذا أيضاً ضعيف فكيف يوجه هذا؟ الشيخ: سامحك الله، هل تسأل عن أصل رؤية المؤمنين لربهم أم تسأل عن المرات التي ينظرون فيها إلى ربهم؟ أم تسأل عن عدد المرات التي ينظرون فيها إلى ربهم؟ سؤالك ذو شعب كثيرة فلو أنك تحدد سؤالاً أولاً وثانياً وثالثاً إن كان الأمر كما نتصور يكون هذا أوضح للحاضرين سؤالاً وجواباً, فإن كان في سؤالك ثلاثة أسئلة فأبدأ إذاً بالأهم فالأهم. السؤال: طيب بالنسبة لقول الله تعالى: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (المطففين:23). هل هذا دائم في الجنة؟ يعني يعتبر هذا الأول.

الشيخ: طبعاً. السؤال: أقصد دائم من حيث الوقت؟ الشيخ: رجعت حليمة لعادتها القديمة، يا أخي حدد سؤال بارك الله فيك. السؤال: يعني هم ... الشيخ: هل أنت مؤمن بأصل الرؤية؟ السؤال: نعم طبعاً. الشيخ: طيب إذاً ما هو سؤالك؟ السؤال: أن هذا النظر دائم في كل وقت في الجنة؟ الشيخ: ما ندري دائم كل وقت. السؤال: إذاً يعني الأمر ... الشيخ: لماذا مثل هذا السؤال؟ هلا سألت مثلاً عن حديث الجمعة المُسمَّى بالحديث بيوم المزيد هل صحيح أم لا؟ نقول نعم والحمد لله هو صحيح, إذاً المؤمنون يرون ربهم كل يوم جمعة، أما كل ساعة وكل لحظة ما عندنا علم, ولماذا السؤال في الأمور الغيبية وأنت بلا شك تعلم في حدود ما علمت أنك لم تقف على أن المؤمنين يرون ربهم في كل لحظة وفي كل ساعة، لا ما علمت هذا ولا غيرك يعلم ذلك إطلاقاً, إذاً الذي يجب على كل مؤمن. مداخلة: السلام عليكم وعليكم السلام. هو أن يؤمن بأصل الرؤية التي ثبتت في الكتاب والسنة, ولذلك أنا استغربت

أول الأمر في حينما سألت عن قوله تعالى: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (المطففين:23). هل هذا معنى ينظرون إلى ربهم؟ الجواب نعم, لكن هناك نصوص أوضح في إثبات أصل الرؤية من هذه الآية وهذا ليس بحاجة الآن لسنا بحاجة لأن نذكر شيئاً منها لأني لا أعتقد أحداً من الحاضرين على الأقل عنده شك في أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة, حتى الذين ينكرون الصفات بطريق تأويلها كالأشاعرة والماتريدية مثلاً مما يحتجون به وتقام الحجة عليهم أنهم يؤمنون برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة خلافاً للمعتزلة وخلافاً للخوارج هؤلاء المعتزلة والخوارج ينكرون أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة, أما الماتريدية والأشعرية فهم يشاركون أهل السنة أهل الحديث في إيمانهم في أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة. هنا تأتي حجة هي قاصمة ظهر المنكرين لاستواء الله عز وجل على عرشه واستعلائه على مخلوقاته، ذلك لأن هذه الرؤية التي اشترك الماتريدية والأشاعرة مع أهل الحديث في الإيمان بها تستلزم إثبات علو الله عز وجل. وهم ينكرون العلو، يقال لهم: كيف تنكرون علو الله على خلقه ومع ذلك تثبتون رؤية المؤمنين لربهم، فكيف تعقلون رؤية المؤمنين لربهم وأنتم تنكرون علو الله عز وجل على خلقه؟ هذا تنافر وتضاد ولذلك الآن تجد ذاك الرجل الذي يعني ملأت رائحته الكريهة أنوف المؤمنين جميعاً لا يتعرض إطلاقاً لإثبات هذه العقيدة وهي عقيدة رؤية المؤمنين رؤية المؤمنين لرب العالمين مع أن عقيدة الأشاعرة وعقيدة الماتريدية لماذا؟ لأن هذه العقيدة وحدها تكفي لإبطال قولهم: الله عز وجل ليس فوق العرش وليس فوق المخلوقات كلها.

[1088] باب كيف يأتي الله تعالى على غير صورته يوم القيامة؟

إذاً يجب أن نُؤمِن بأصل الرؤية هذه لثبوتها في الكتاب والسنة وإجماع السلف والخلف من الماتريدية والأشاعرة، أما الدخول في التفاصيل فيقف المؤمن عند ما علم منها, علمنا حديث المزيد حديث يوم الجمعة وأن المؤمنين يرون ربهم في كل جمعة فآمنا بذلك، ولسنا مكلفين بل لا يجوز لنا أن نتعمق أكثر من ذلك. ويعجبني بهذه المناسبة قولة أحد علماء الحنفية الماتريدية الذين كما ذكرت آنفاً يشتركون مع أهل الحديث بالإيمان بهذه النعمة العظمى وهي رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة قال هذا الرجل العالم الفاضل الحنفي الماتريدي: يراه المؤمنون بغير كيف وتشبيه وضرب من مثال، يراه المؤمنين بغير كيف وتشبيه وضرب من مثال. "الهدى والنور" (738/ 36: 11: 00) و (738/ 06: 14: 00) (738/ 00: 15: 00) [1088] باب كيف يأتي الله تعالى على غير صورته يوم القيامة؟ سؤال: بالنسبة لكتاب مختصر العلو للعلي الغفار، ورد فيه أثر عن ابن الماجشون مصحح في هذا الكتاب، وقد ذكر له حديث الصورة، أقصد بحديث الصورة: عندما يأتي الله عز وجل بصورة على غير صورته يوم القيامة كما يأتيهم على صورته، فكأنه استشكل على أحد الحاضرين ... هذا الحديث، وكأنه سأله: كيف يتغير؟ فقال: يا أحمق! إنه يغير عينيك فتراه على غير صورته، ولم يكن هناك تعليق في الحاشية على هذا، فكيف يكون الفهم الصحيح في هذه المسألة؟ الشيخ: الفهم الصحيح ... ليس كما قيل، وإنما إن الله عز وجل ... ويَتَبَدَّى .. للامتحان لهم بغير صورته التي يعرفها المسلمون وليس إلا. "رحلة النور" (25ب/00:38:26)

[1089] باب في كشف ربنا تعالى للحجاب لرؤيته

[1089] باب في كشف ربنا تعالى للحجاب لرؤيته عن صُهيب - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُريدُونَ شَيئاً أَزيدُكُمْ؟ فَيقُولُونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ ألَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَى رَبِّهِمْ».رواه مسلم. [قال الإمام معلقًا على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيكشف الحجاب]: أي يكشف الله تبارك وتعالى الحجاب، وهو حجاب منه للعباد أن يروه، فيرفعه عنهم فيروه جل جلاله، نسأله تعالى أن يتفضل علينا بالنظر إلى وجهه الكريم. "تحقيق رياض الصالحين" (ص646). [1090] باب حجاب الله تعالى النور [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه ... حجابه النور، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره» (أخرجه الشيخان). [قال الإمام]: هذا الحجاب هو الذي يحجب الأبصار كلها أن تراه سبحانه وتعالى في الدنيا، وهو الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله حين سئل: هل رأيت ربك؟: نور، أني أراه. كما سيأتي. "مختصر العلو" (ص86)

[1091] باب هل يحتجب الله تعالى عن الكفار يوم القيامة أم هم الذين يحجبون عنه؟

[1091] باب هل يحتجب الله تعالى عن الكفار يوم القيامة أم هم الذين يُحجبون عنه؟ سؤال: في مسألة رؤية الله عز وجل يعني سمعنا كثيراً من الخطباء يقولون أن الله عز وجل ينحجب عن الكفار يوم القيامة مع أن الآية في سورة المطففين: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (المطففين:15) يعني: يكونون هم المحجوبون وليس الله عز وجل هو المحجوب. الشيخ: نعم. مداخلة: ما رأيكم شيخنا في من يقول أن الله عز وجل ينحجب عن الكفار ومن باب إكرامه للمؤمنين يظهر عليهم، هذه العبارة تكون صحيحة شيخنا؟ الشيخ: لا ليست صحيحة، هو التعبير المناسب للقرآن موافق له التعبير الصحيح، المحجوب هو العبد وليس الله عز وجل هو الذي ينحجب، هذا سوء أدب في التعبير عن الذات الإلهية. "الهدى والنور" (798/ 20: 04: 01) [1092] باب ذكر بعض مسالك أهل الضلال في إنكار صفة الرؤية [تكلم الشيخ عن خطورة التنكب عن فهم السلف، ثم ضرب مثلين واقعيين على نتيجة ذلك فقال]: فاضرب بهذه المناسبة مثلين لمذهبين، أحدهما: قديم عريق ... هم المعتزلة وأمثالهم، والآخر: جديد حديث وهم القاديانية؛ المعتزلة مثلاً ومعهم اليوم الشيعة

والإباضية ينكرون القدر: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (الأنعام:96) ينكرون رؤية الله في الآخرة، لكن لا ينكرون الآيات سواء ما كان منها في القدر أو ما كان منها في رؤية الله لكنهم يتأولونها يلفون يدورون عليها حتى تُطابِق أهواءهم. فإذاً: هم يقولون بالكتاب والسنة لكن يخالفون ما كان عليه السلف الصالح، هذا السلف هم المعنِيُّون بقوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَا لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115) فسبيل المؤمنين: هم السلف الصالح، ولذلك فلا يكفي أولئك القدامى والمُحدثين أن يقولوا: على الكتاب والسنة ثم هم يتلاعبون بمعاني هذه الآيات ويأتون بمعاني جديدة لتتفق مع أهوائهم، مثال بسيط جداً ولا نطيل الحديث حوله، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:22 - 23) المعتزلة ينكرون هذه المِنَّة .. هذه الفضيلة الإلهية التي يمتن بها الله على عباده في جنة النعيم، حيث يرونه كما قال أحد العلماء الأفاضل: يراه المؤمنون بغير كيف وتشبيه وضرب من مثال فهل أنكروا الآية؟ لا لم ينكروا الآية لكن قالوا: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:22 - 23) أي: إلى نعيم ربها ناظرة، لفوا على الآية وأنكروا حقيقتها، إذا ما جوبهوا بالأحاديث الصحيحة، كمثل قوله عليه السلام في تفسير الآية الكريمة: {الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس:26) قال عليه السلام والحديث في صحيح مسلم من رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لهم الحسنى: الجنة، وزيادة: رؤية الله في الآخرة» هذه الزيادة، والحديث الآخر وهو أشهر من الأول: «إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون» وفي رواية: «لا تضارُّون في رؤيته» إذا جوبهوا بهذا الحديث

وذاك، قالوا لك: هذه أحاديث وإن كانت صحيحة فهي أحاديث آحاد لا يؤخذ بها في العقيدة. إذاً: آمنوا بالآية لكنهم كفروا بمعناها، ما فائدة هذا الإيمان إذا كُفِرَ بالمعنى؟! هذا مثال من الفِرق القديمة، والمعتزلة اليوم والشيعة والإباضية على هذا المذهب، وبهذه المناسبة الإباضية الآن لهم نشاط ما كان يعرف من قبل، ساعدهم على ذلك: يسر الطباعة ويسر النشر وإلى آخره، فهم يُؤلِّفون الآن كتباً ورسائل كثيرة في سبيل ماذا؟ نشر مذهبهم وضلالهم. المثال الثاني الجديد المتعلق: بالقاديانية، القاديانية لا شك أنهم يَدَّعون الإسلام ولكن الإسلام منهم بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب كما يقال في المثل العربي القديم؛ ذلك لأنهم خالفوا سبيل المسلمين في كثير من عقائدهم، فهم مثلاً يعتقدون بأن باب النبوة لم يختم .. لم يغلق .. باب النبوة لا يزال مفتوحاً، وأكَّدوا ذلك بادعاء نبيهم الذي كان يسمى: بميرزا غلام أحمد القادياني ادعى النبوة، ولذلك فهم يؤمنون بنبوة: ميرزا غلام أحمد القادياني ويكفِّروننا نحن معشر المسلمين؛ لأننا لا نؤمن بنبيهم هذا الدجال، طيب! ألا يؤمنون بقوله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)؟ يؤمنون طبعاً؛ لأنهم لو أنكروا كفروا وارتدوا عن دينهم، كيف إذاً يؤمنون بهذا النص القرآني ويعتقدون بمجيء نبي ويصرحون بأنه بعد سيأتي أنبياء كثر من أمثال هذا النبي خاصتهم. اسمعوا الآن ماذا يفعلون بالآية هذه ويخالفون سبيل المؤمنين كما قال رب العالمين، قال: أنتم أسأتم فهم هذه الآية فوقعتم في الخطأ وفي الضلال؛ لأنكم فهمتم من قوله: {خَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) أي: آخرهم هذا خطأ، والصواب في فهم الآية: {خَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) أي: زينة النبيين كالخاتم في الإصبع، إذاً:

[1093] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن أنكر رؤية الله تعالى ومسلكهم في ذلك والكلام على حديث الجارية

هم آمنوا بالآية لكن كفروا بالمعنى لم يفدهم شيء؛ لهذا نحن ندندن والبحث في هذا طويل جداً جداً .. ندندن أنه في العصر الحاضر لا يكفي أن نقول: أنا مسلم، بل لا يكفي أن نقول: أنا مسلم على الكتاب والسنة، لا بد من الأداة المميزة بين طائفة الحق التي أشار إليها الرسول في الحديث المعروف: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» إلى آخر الحديث، وبين الطوائف الأخرى التي تدعي أنها على الإسلام وهي بعيدة عن الإسلام كلاً أو جزءً، فلا بد من ضميمة: أنا مسلم على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، وهذا من معاني قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115). نعم. "الهدى والنور" (544/ 41: 00: 00) [1093] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن أنكر رؤية الله تعالى ومسلكهم في ذلك والكلام على حديث الجارية [تكلم الإمام على خطورة التنكب عن السلف ثم قال]: وأنا بمثل هذه المناسبة أضرب مَثَلَين اثنين؛ مثلاً قديماً جداً، ومثلا حديثاً جداً: المثل القديم: الخوارج، الإباضيون منهم الذين يلتقون مع المعتزلة قديماً وحديثاً في إنكار كثير من العقائد الإسلامية الصحيحة الثابتة في الكتاب والسنة، ومع ذلك هم يقولون نحن على الكتاب والسنة. قلت أضرب لكم مثلاً قديماً، ألا وهو النعمة الكبرى التي أخبر الله عز وجل

بها عباده المؤمنين في أنه وعدهم بأنهم يرون ربهم يوم القيامة كما قال عليه الصلاة والسلام في ليلة قمراء والقمر بدر، فقال لهم عليه الصلاة السلام: «إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضامُّون -أو لا تضارون- في رؤيته» أي: لا تشقون في رؤيته. فهل آمن أولئك المعتزلة ومن دان دينهم ورأى رأيهم في هذه المسألة، هل آمنوا بأن المؤمنين سيرون ربهم يوم القيامة كما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث الصحيح وفي غيره؟ الجواب: لا. إنهم ينكرون هذه النعمة، بل ويضللون من يؤمن بها، بل وينسبونهم إلى التشبيه وإلى التجسيم، فنحن أهل السنة الذين نؤمن بأن من نعم الله عز وجل على عباده، بل من أكبر نعمه أنه يتجلى لهم يوم القيامة ويرونهم كما نرى القمر ليلة البدر، هم ينكرونها، كيف ينكرونها والحديث هذا الصحيح، وهناك أحاديث أخرى. عندهم فلسفة لا بد أنكم سمعتم هذه الفلسفة من بعض الدعاة والكُتَّاب المعاصرين، ولذلك فأنا أتعرض لذكر بعض الجزئيات المتعلقة بالعقيدة والمتعقلة سلباً أو إيجاباً حسب ما سأفصل بهذه العقيدة التي ندعو إليها، الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، تلك الفلسفة تقول إن العقيدة لا تؤخذ من حديث الآحاد، ولو كان الحديث حديثاً صحيحاً، بل ولو كان مستفيضاً أو مشهوراً، وإنما يشترط عندهم أن يكون متواتراً، ثم من الغرابة بمكان أن هؤلاء الذين يشترطون هذا الشرط الحديثي الذي أوضحه علماء الحديث هم أبعد الناس عن العلم بالحديث رواية ودراية، فهم أهل أهواء يتبعون أهواءهم ويشترطون

شروط هم لا يمكنهم أن يحققوها بينما غيرهم بإمكانهم أن يحققوها؛ لأنهم أولاً أهل رواية وهم أهل الحديث وهم أهل السنة، ثم هم أهل دراية، فإذا قيل لهم: لم ترد رؤية المؤمنين لربهم في السنة فقط حتى تشككوا فيها بفلسفة حديث الآحاد لا يؤخذ منها عقيدة، إن هذه العقيدة قد جاءت أيضاً في القرآن الكريم المتواتر روايته عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقيناً. لجأوا إلى فلسفة أخرى قولهم: لا تثبت العقيدة إلا بدليل قطعي الثبوت أي رواية، قطعي الدلالة أي دراية، فإذا كان هناك آية في القرآن الكريم وهي ثابتة باليقين كما قلنا آنفاً، لعبوا بها وصرفوا دلالتها الصريحة وقالوا: هذه ثابت بالقطع لكن دلالتها ظنية، فلا تثبت بها عقيدة. هكذا فعلوا في آيتين اثنتين وردتا في القرآن الكريم متعلقتين بهذه العقيدة الطيبة، الآية الأولى قوله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:22 - 23). هذه آية صريحة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} وهي وجوه المؤمنين قطعاً. {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}. قالوا: هذه ليست قطعية الدلالة؛ لأنه يمكن تأويلها، وتأويلها عندهم، اسمعوا الآن كيف يكون اللعب بالنصوص القطعية الدلالة بفلسفة ظنية الدلالة. قالوا: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} أي: إلى نعيم ربها ناظرة، عطلوا دلالة الآية. ربنا يقول: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فزادوا من عندهم كلمة مضاف ومضاف إليه، فقالوا: إلى نعيم ربها ناظرة.

عطَّلوا دلالة الآية، وبالأَوْلى والأَوْلى أن يُعطِّلوا دلالة الآية الأخرى وهي قوله تبارك وتعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس:26). {الْحُسْنَى} الجنة. {وَزِيَادَةٌ} رؤية المؤمنين في الجنة. جاء في هذا حديث صحيح في صحيح مسلم بسنده الصحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الل هـ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} قال: الجنة، {وَزِيَادَةٌ}: رؤية الله»، رفضوا هذا التفسير، قالوا: هذا حديث آحاد. هذه الفلسفة مِعْوَل هدام للسنة الصحيحة التي تلقتها الأمة بالقبول بهذه الفلسفة التي أصَّلها من المعتزلة، والشيعة أيضاً على هذا الاعتزال في هذه العقيدة، أي: عقيدة أن العقيدة لا تؤخذ من حديث الآحاد، فردوا لا أقول عشرات الأحاديث بل مئات الأحاديث الصحيحة، هدموها ورموها أرضاً بهذه الفلسفة الدخيلة في الإسلام، وهي: العقيدة لا تثبت إلا بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة. هل كانت هذه العقيدة عليها سلفنا الصالح؟ وهنا الشاهد. سلفنا الصالح من المقطوع لدى كل عالم درس سيرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وما تعلق بها من تاريخ سلفنا الصالح رضي الله عنهم، من منكم لا يعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أرسل أفراداً من أصحابه يدعون إلى الله والمدعوون هم المشركون الذين عاشوا في الجاهلية كفاراً يعبدون الأصنام، كانوا بعيدين عن دعوة الرسول عليه السلام أولاً في مكة، وآخراً وأخيراً في المدينة، فلكي تنتشر الدعوة بوعد الله عز وجل في القرآن الكريم: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة:33).

تطبيقاً في حدود ما يمكنه عليه الصلاة والسلام يومئذ من الوسائل كان يرسل أفراداً من أصحابه عليه السلام دعاة، من منكم لا يذكر أنه أرسل علياً إلى اليمن، أرسل أبا موسى الأشعري إلى اليمن، أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن، هؤلاء أفراد، فماذا كانوا يدعون المشركين إلى ماذا؟ هل كانوا يدعونهم ابتداءً إلى بعض السنن وبعض الأمور المستحبة أم كانوا يدعونهم إلى أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطاغوت، أُسُّ الإسلام هو لا إله إلا الله والكفر بما سواه. إذاً: هذه رأس العقائد كلها، فكان يدعو إليها أفراد من الصحابة، فمن أين جاءت هذه الفلسفة؟ العقيدة لا تثبت إلا برواية التواتر. هذا أمر يخالف سيرة السلف الصالح في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم فيما بعده - صلى الله عليه وآله وسلم - من القرون المشهود لها بالخيرية. لذلك فالذين تفرَّقوا شيعاً وكانوا أحزاباً قديماً وحديثاً هم يلتقون معنا في أن الإسلام كتاب وسنة، لكنهم يفترقون عنا ونفترق عنهم في أننا ندعو إلى اتباع السلف الصالح، في فهمهم لهذين المرجعين: الكتاب والسنة. إذا قلت لأحد هؤلاء المخالفين للكتاب والسنة والمثال الأول قد أوردته عليكم آنفاً، وهو المثال القديم، وسأورد لكم المثال الجديد. إذا قيل لهم: ألا تتبعون الكتاب والسنة؟ فماذا تظنهم قائلون؟ هل ينكرون أم يقرون؟ يقرون. لو قلتم لهم: هل تتبعون السلف الصالح الصحابة والتابعين؟ قالوا لكم: لا،

هم رجال ونحن رجال. فهذا هو الفاصل بيننا وبينهم، هذا فراق بيني وبينك. أما المثال الجديد الذي لم يمض عليه إلا أقل من قرن من الزمان، لا بد أن الكثير من الحاضرين سمعوا ممن يعرفون بالقاديانيين وهم يأبون هذه النسبة تضليلاً للناس ويسمون أنفسهم بالأحمديين، وهذا له بحث طويل لبيان هذا التدليس منهم. المهم هؤلاء القاديانيون يشهدون معنا بكل ما نشهد من الإيمان بالملائكة وما بعده، وبالإسلام الأركان الخمسة، فهم يصلون ويحجون ويزكون ويصومون .. إلى آخره، لكنهم يقولون بأن هناك أنبياء بعد محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وليس كما نعتقد نحن كما قال الله عز وجل في القرآن الكريم: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40). وكما قال عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة ومن أصحها وأشهرها قوله لعلي رضي الله عنه لما خَلَفه خليفةً من بعده في المدينة ويمَّم شطر تبوك، قال: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي» (¬1). كيف هؤلاء يشاركوننا في كل شروط الإيمان والإسلام ومع ذلك فهم يعتقدون بمجيء أنبياء بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، هذا كقاعدة. ثم يعتقدون بأن أحدهم جاء فعلاً من الهند ومن قرية اسمها قاديان وإليها ننسبهم نحن، فنقول عنهم قاديانيون، هؤلاء يشاركوننا في كل هذه العقائدة، ¬

(¬1) "البخاري" (رقم4154) ومسلم (رقم6370).

يفارقوننا باعتقادهم بمجيء أنبياء في المستقبل وأن أحدهم جاء منذ نحو ستين سنة تقريباً، وكان يسمى بميرزا غلام أحمد القادياني، وهذا ترجمته إلى اللغة العربية خادم أحمد، أي نبينا محمد عليه السلام، فمن مكرهم ودسائسهم سحبوا هذه الإضافة خادم أحمد، فقالوا اسمه أحمد، وهذا كما أشرت آنفاً له بحث طويل. الشاهد: كيف هؤلاء يعتقدون بمجيء أنبياء وأن أحدهم جاء وهم يؤمنون بالآية السابقة: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)، ولا ينكرون حديث علي. يقولون: أنتم لا تفهمون القرآن، أنتم معشر العرب الذين توارثتم تفسير الآية السابقة سلفاً عن خلف ما تفهمون الآية، الذي فهمها هو الذي أوحي إليه مجدداً وهو ميرزا غلام أحمد القادياني. فما معنى الآية إذاً: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)؟ أي: ولكن رسول الله وزينة النبيين. قالوا: كما أن الخاتم زينة الإصبع، فرسول الله زينة الأنبياء، فليس معنى الآية كما تظنون أنتم أنه آخر الأنبياء. فإذا قُدِّم إليهم الحديث السابق ومثله كثير وكثير جداً، أيضاً حرَّفوا الحديث كما حرَّفوا الآية، وقالوا: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي» أي: معي، أما أنا بعدما أرتفع إلى الرفيق الأعلى فيأتي نبي بعدي. فمعنى الحديث: «لا نبي بعدي» أي: معي.

وهكذا يتأولون النصوص على طريقة سلفهم من المعتزلة والخوارج ونحوهم. إذاً: بارك الله فيكم، هنا بيت القصيد لا يكفي أن نقول الأصلان القرآن والسنة هم مرجعنا فقط؛ لأن كل الفرق الضالة يقولون هذه القولة، ويدينون بهذين الأصلين، ولكنهم إذا قيل لهم كما قلت لكم آنفاً، هل أنتم تتبعون السلف بدءًا من الصحابة إلى القرن الثاني إلى الثالث، قالوا: لا، نحن رجال وهم رجال. فدعوتنا يجب أن تفهموا جيداً وهذا بيت القصيد من هذه الكلمة التي سنحت في خاطرتي حينما سمعت ضجتكم بآمين قبل تأميني أنا، وأنا إمامكم، وإذا بكم قلبتم صرت أنا مقتدياً بكم وأنتم إمامي، هذا خلف وهذا مخالفة للسنة، سببها الغفلة عن الحديث، لكن السبب الأكبر عدم وجود من يبلغ السنة إلى عامة المسلمين حتى تشيع بينهم السنة وتصبح كالأمر المعتاد بين المسلمين. كدت أن أنهي سانحتي أو ملاحظتي هذه، ثم سنح في بالي أيضاً مثال كيف كانت السنة تمشي بين عامة المسلمين يعرفونها كما يعرفون الصلاة ونحو ذلك من الأحكام، لا يختلف الأمي من القارئ، لا يختلف في ذلك المرأة عن الرجل، كُلُّهم في فهمهم للإسلام سواء، لماذا؟ لأن العلم كان ينتشر على حد قوله عليه السلام: «فليبلغ الشاهد الغائب» كان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ما يحضر مجلسه عامة أصحابه، كيف وهناك في بعض الأحاديث الصحيحة أن رجلاً من الصحابة كأبي هريرة يقول لرجل من كبار الصحابة كعمر، أنت شغلك الصفق في الأسواق عن أن تسمع حديث رسول الله، فما بالنا نقول عن عامة الصحابة ما كانوا يحضرون مجلس الرسول عليه الصلاة السلام، هذا في الرجال فضلاً عن النساء، فضلاً عن

الإماء الجواري الذين كن يقمن بوظيفة خدمة أسيادهن وسيداتهن، مع ذلك كان العلم في العقيدة منتشراً في عامة الصحابة نساء ورجالاً، ما عدا الاختلاف في حضور العلم والذكر بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كانوا في العقيدة سواء فضلاً عما دون ذلك. كنت أردت آنفاً أن أنهي الكلمة السابقة، ثم خطر في بالي حديث الجارية، فتحَّمست لرواية هذا الحديث لسببين اثنين، أولاً: أن له علاقة بما كنت أنا في صدده، أنتم الآن سمعتم الحديث السابق، فعليكم أولاً أن تطبقوه، وأن لا تصلوا في مسجد تسمعون الإمام يؤمن فتسبقونه، لا، وإنما تنتظرون حينما يبدأ هو بالتأمين تبدءون أنتم بالتأمين. لا أريد منكم هذا فقط، بل وأن تُبلِّغوا ذلك، ليبلغ الشاهد الغائب كما قال عليه السلام: «بلغوا عني ولو آية» (¬1) والشيء بالشيء يذكر، «بلغوا عني ولو آية» لا يعني آية من القرآن؛ لأن معنى الآية في اللغة العربية هي الجملة الكاملة، ولما كانت الآيات الكريمة هي جمل كاملة اصطلح على هذا الإطلاق الآية، الآية حينما تطلق إنما يراد بها الآية الكريمة، أما هنا في الحديث: «بلغوا عني ولو آية» أي: ولو جملة كاملة من حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. وقد سمعتم آنفاً ومهما كان أحدكم ضعيف الحفظ نسيًّا مثلي، فسوف يحفظ إن شاء الله هذا الحديث الذي تلوته على مسامعكم أكثر من مرة: «إذا أمن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» (¬2). ¬

(¬1) "البخاري" (رقم3274). (¬2) "البخاري" (رقم747).

إذاً: بلغوا الناس هذا الحديث حتى يصبح الناس كما أصبحت تلك الجارية، جارية ترعى الغنم، كيف عرفت العقيدة الصحيحة المتعلقة بذات الله تبارك وتعالى، والتي يجهلها حتى اليوم كبار المشائخ والدكاترة، أما الجارية راعية الغنم فقد عرفت العقيدة الصحيحة، ما هو السبب؟ السبب أن هؤلاء الأصحاب الكرام الذين كانوا يحضرون حلقات الذكر بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، كانوا إذا انصرفوا إلى بيوتهم، إلى أهاليهم، إلى ذراريهم، إلى خَدَمِهم، نقلوا الذكر الذي سمعوه من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، هكذا هذه الجارية تلقت العقيدة الصحيحة ليس مباشرة من رسول الله؛ لأنها خادمة ترعى الغنم، وإنما سيّدُها يلقِّنُها وقد يكون سيدها أيضاً لم يحضر مباشرة في مجلس الرسول عليه السلام، لكن نقل إليه من جاره من صحابه .. إلى آخره. ما هو حديث الجارية؟ وما موقف كثير من المشائخ المسلمين اليوم من هذه العقيدة؟ اسمعوا الحديث وطبقوه على واقعكم اليوم، فستجدون هذا الواقع مخالفاً لعقيدة الجارية، هذه العقيدة المطابقة للكتاب والسنة. أرجو أن أنهي هذا الكلام بهذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث سيد الجارية واسمه معاوية بن الحكم السلمي، قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوماً، فعطس رجل بجانبي فقلت له: يرحمك الله، فنظروا إلي هكذا يسكتونه، لكني قال ما سكت، وإنما قلت، وهو يصلي ويقول لمن عطس: يرحمك الله، هذا يدل أنه كان حديث عهد بالإسلام، فلما قال لمن عطس بجانبه يرحمك الله، نظروا إليه هكذا بأطراف أعينهم مسكتين له، لكنه ما سكت بل ازداد

تضجراً وصاح بأعلى صوته وهو يصلي: قال واثكل أمياه! مالكم تنظرون إلي؟ هو ما يظن أنه أساء عملاً في الصلاة. مالكم تنظرون إلي؟ فأخذوا ضرباً على أفخاذهم يسكتونه، قال: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة أقبل إلي .. تصوروا الآن مثل هذه القصة تقع من بعض المصلين ثم يقبل الإمام إليه، ماذا يتصور أنه سيفعل به، لا بد أن ينهره على الأقل إن لم يبادره بالضرب، هكذا تصور معاوية بن الحكم السلمي، لكن والحمد لله خاب تصوره؛ لأنه عبر عن ذلك بقوله بلسان عربي مبين: فوالله! ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني. كأن يقول له مثلاً: حيوان، ما تفهم .. جاهل من هذه الكلمات التي نسمعها من بعض المشائخ أو أئمة المساجد فيما إذا أخطأ معهم أحد المصلين. وإنما قال لي عليه الصلاة والسلام: «إن هذه الصلاة لا يُصلح فيها شيء من كلام الناس». مخاطبة في الصلاة. «إنما هي تسبيح وتحميد وتكبير وقراءة قرآن». لما وجد معاوية بن الحكم السلمي وأُذكِّركم هذا غير معاوية بن أبي سفيان الأموي، لما وجد هذا اللطف وكل شيء من معدنه الطبيعي من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تَفَتَّح قلبُه ليسأل نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - عما يشعر أنه بحاجة ليسأله، فقال: يا رسول الله! إن منا أقواماً يتطيرون -أي: يتشاءمون ببعض الأشياء- وهذا من جاهلية القرن العشرين، ليس في الكفار والمشركين وإنما في المسلمين أيضاً، يتطيرون من أشياء كثيرة وكثيرة جداً، وأظن أنكم تعلمون بعض الأمثلة.

إن منا أقوام يتطيرون، قال: «فلا يصدنكم». انظروا لم يقل لهم: لا تتطيروا، وإنما قال لهم: «لا يصدنكم» أي: إذا تطيرتم فامضوا فيما كنتم أنتم ماضون فيه ولا ترتدوا على أعقابكم لسبب طيرة عرضت عليكم. كلمة التطير اشتقت من الطير، كان الجاهلي إذا عزم على السفر وخرج فأول طير يراه يطير، طير حيوان يخاف من الإنسان، فإما أن يطير يميناً أو يساراً، فإن طار هذا الحيوان يميناً هذا الإنسان .. يتفائل، فإن طائر يساراً يتشاءم، ويرتد إلى داره ولا يسافر. قال إن منا أقواماً يتطيرون، «قال فلا يصدنكم» حيوان هذا كيف يعرف الخير في المستقبل أم شر، امض فيما خرجت إليه. قال إن منا أقواماً يأتون الكهان، قال: «فلا تأتوهم». قال: إن منا أقواماً يخطون، أي: الضرب بالرمل، قال: «قد كان نبي من الأنبياء، فمن وافق خطُّه خطَّه فذاك». هذا كما يقول العلماء تعليق بالمحال، يقول عليه الصلاة والسلام جواباً عن ذاك السؤال: قد كان نبي من الأنبياء قبلي معجزة له يخط بالرمل، فيطلع على بعض المغيبات بواسطة الرمل، فمن وافقه خطه من هؤلاء الكهان والمنجمين خط ذلك النبي الكريم فذاك أي المصيب، وهيهات أن يوافق خط الدجال خط النبي الصادق الأمين. الآن يأتي الشاهد، قال: يا رسول الله! عندي جارية ترعى غنماً لي في أحد، عند جبل أحد في المدينة، فسطا الذئب يوماً على غنمي، وأنا بشر أغضب كما

يغضب البشر فصككتها صكة، وعلي عتق رقبة، فقال عليه السلام له: ائت بها، فلما جاءت إليه قال لها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهنا الشاهد: «أين الله؟ قالت: في السماء. قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فالتفت إلى سيدها وقال له: اعتقها فإنها مؤمنة». شهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لهذه الجارية التي كانت ترعى الغنم لسيدها ومن غفلتها وضعفها سطا الذئب على غنمها الأمر الذي أغضب سيدها فصكها، وصفعها تلك الصفعة على خدها، فامتحنها الرسول عليه السلام بهذين السؤالين: «أين الله؟» قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال لسيدها: «اعتقها». أي: إذاً أعتقها فقد وفيت بنذرك؛ «فإنها مؤمنة». الآن اسألوا الناس ليس عامة الناس، فإنكم تسمعون عامة الناس في مجالسهم يقولون: الله موجود في كل الموجود، الله موجود في كل مكان. إذاً: الجارية التي كانت ترعى الغنم هي أفقه منهم. ليت الأمر وقف أفقه من هؤلاء العامة الذين يتكلمون بهذه الجاهلية في مجالسهم، لو أنت سألت الدكاترة إلا من شاء الله وقليل ما هم، أين الله؟ قال لك: لا يجوز يا أخي هذا السؤال. الله في كل مكان. أو يقول لك: الله موجود في كل الوجود، أو يقول: ليس لله مكان. هذا كله خلاف القرآن والسنة، والجارية التي نطقت حقاً إنما نطقت بآية من آيات الله الكثيرة بمعناها: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16، 17).

إذاً: الجارية عرفت العقيدة الصحيحة فما بالنا نحن اليوم ما نعرف هذه العقيدة الصحيحة، الأمر يعود إلى شيئين اثنين، الشيء الأول الجهل بالسنة الصحيحة، والشيء الثاني أن الجماهير غفلت عن الأصل الثالث وهو على ما كان عليه السلف الصالح، وعلى ما كان السلف الصالح في الجواب عن سؤال أين الله، الجارية أجابت وأقرها الرسول عليه السلام وعلى هذا كان سلفنا الصالح كما قال الإمام عبد الله بن المبارك من كبار شيوخ إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه ومن جاهد في سبيل الله عن العقيدة والسنة، قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته .. ليس في كل مكان كما يقول الجهلة. الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، بائن من خلقه .. ليس كما يقول الصوفية: الله مخالط للكون، وما الله في التمثال إلا كثلجة بها الماء، هذه عقيدة الصوفية القائلون بوحدة الوجود. الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته بائن من خلفه وهو معهم بعلمه. فعلمه في كل مكان، أما الله عز وجل فكما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، والآيات كثيرة، وبهذا القدر كفاية، فقد استطردت كثيراً لكن أرجو أن أكون قد أوضحت عن دعوتنا وعن الفرق بين دعوتنا ودعوة الآخرين الذين يشاركوننا، أما الذين لا يشاركوننا فلا نتحدث عنهم، الذين يشاركوننا في الدعوة إلى الكتاب والسنة، فنحن نختلف عنهم وهم يختلفون عنا أننا لا نرضى أن نفهم الكتاب والسنة إلا على ما كان عليه السلف الصالح وبذلك ننجو من أن ننحرف يميناً ويساراً كما ينحرف كثير ممن أيضاً ينتمون إلى الكتاب والسنة .. " الهدى والنور" (645/ 23: 18: 00)

[1094] باب ضلال منكري الرؤية

[1094] باب ضلال منكري الرؤية [قال الإمام]: (ما) أبعد ضلال من ينكر الرؤية من بعض المقلدة الذين يزعمون تقليد الأئمة ثم هم يخالفونهم في عقيدتهم في رؤية الرب يوم القيامة ومعهم الكتاب والسنة!! أما القرآن فهم يتأولونه بل يُعطِّلونه باسم المجاز، وأما السنة فيشكِّكون فيها بقولهم: حديث آحاد، مع أنه حديث متواتر عند العارفين بهذا الشأن!! "تحقيق مشكاة المصابيح" (3/ 1577). [1095] باب هل يُكفر من ينفي رؤية الله تعالى يوم القيامة؟ [قال الإمام]: لا شك أن الإباضية وكل من دان برأيهم وبعقيدتهم في أن كلام الله عز وجل مخلوق، ومن ذلك هذا القرآن المعجز مخلوق، وكذلك من نفى إنكار رؤية المؤمنين لرب العالمين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لا شك أن هؤلاء المنكرين لكون القرآن كلام الله حقيقة وليس مخلوقاً، وأن الله عز وجل يمتن على عباده المؤمنين فيتجلى لهم يوم القيامة، ويوم يدخل المسلمون الجنة، هذا الإنكار فيه ضلال واضح جداً، وأما أن هذا الضلال كفر ردة عن الدين أو لا، نقول: من تبينت له الحجة ثم أنكرها فهو كافر مرتد عن دينه، لكن من أنكر ذلك فهو في ضلال، ونحن لا يهمنا أن نقول فلان من الناس أو الطائفة الفلانية من الناس هم كفار، حسبنا أن نقول هم ضلّال؛ لأن المقصود هدايتهم وأن يعرفوا أنهم على خطأ وعلى ضلال حتى يعودوا إلى الصواب .. "الهدى والنور" (310/ 00:49:33)

[1096] باب التحذير من كتاب لبعض أهل البدع انتصر فيه للقول بنفي الرؤية

[1096] باب التحذير من كتاب لبعض أهل البدع انتصر فيه للقول بنفي الرؤية [قال الإمام]: من غرائب هذا الزمان وعجائبه أن يتجرأ أحد الإباضيين وهو الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ويؤلف كِتَاباً سماه بغير اسمه: " الحق الدامغ "! انتصر فيه لمذهبه في إنكارهم رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وقولهم بخلق القرآن، وبخلود أهل الكبائر في النار. وقد سلك فيه طريقة أسلافه من المعتزلة وغيرهم من أهل الأهواء في تأويل أدلة أهل السنة، وجعلها ظنية الدلالة أو الثبوت، فيقول مَثَلاً فيما كان من القرآن وأخرجه عن دَلَالَته الظاهرة على الأقل: " والدليل إذا اعتراه الاحتمال سقط به الاستدلال "! (ص 50) وغيرها. وأما ما استدل به هو من الآيات فتأولها؛ لتوافق مذهبه؛ كمثل تأويله لقوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة}؛ فإنه تأول قوله: {ناظرة} أي: منتظرة! ومع ذلك فهي عندهم قطعية! وفيما كان من السنة والحديث وتبين له أن التأويل غير ناجح فيه استعمل فيها معول الهدم، وهو قوله (ص 62): " ومهما يكن فإن هذه الأحاديث آحادية، والآحادي لا تنهض به حجة في الأمور الاعتقادية ... "! شنشنة نعرفها من أخزم، يلهج بذلك أهل الأهواء والبدع في كل زمان، وبخاصة زماننا هذا الذي كثرت فيها الفرق والطوائف! (وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا)! وإن عجبي من هؤلاء لا يكاد ينتهي، يردون الاستدلال بالأحاديث الصحيحة بتلك الحجة الواهية، ومن جهة أخرى هم يستدِلّون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، وما لا أصل له في السنة الصحيحة؛ بل وبالآثار الموقوفة الواهية، وكتاب الخليلي المذكور آنِفًا مشحون بما لا يصح من المرفوع والموقوف. "الضعيفة" (12/ 2/925).

جماع أبواب الكلام على رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لربه في الدنيا من عدمها وهل يمكن رؤية الإنسان لربه سبحانه في الدنيا؟ وغير ذلك

جماع أبواب الكلام على رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لربه في الدنيا من عدمها وهل يمكن رؤية الإنسان لربه سبحانه في الدنيا؟ وغير ذلك

[1097] باب هل رأى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ربه؟

[1097] باب هل رأى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ربه؟ سؤال: ما هو الثابت والراجح في الأمر المختلف فيه المتعلق برؤية الرسول لذات الله -سبحانه وتعالى-؟ الشيخ: نعم، لم يأت هناك حديث صحيح ومرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: رأيت ربي ليلة أسري بي، لا يوجد مثل هذا الحديث، صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «رأيت ربي في المنام» (¬1)، وهذا خارج عن موضوع الكلام، بل يوجد هناك حديث في صحيح مسلم، وأثر صحيح عن السيدة عائشة ينفي ذلك، روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: «نور أنى أراه»، وفي حديث أبي موسى، وقد سرده مسلم عقب ذاك الحديث، قال: «حجابه النور»، فإذا ضممت هذا إلى هذا أخذت النتيجة أنه لم يره. هذا الحديث المرفوع، أما الحديث الموقوف وفيه جزم من أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- الصِّدِّيقة بنت الصِّديق، وهي من أعرف الناس بشخصية الرسول وما يتعلق بإسرائه ومعراجه حيث جاء في الصحيحين في البخاري ومسلم من طريق التابعي الجليل المسمى بـ" مسروق"، أنه جاء إلى عائشة فقال: يا أم المؤمنين هل رأى محمدٌ ربه؟ هذا سؤالك، واسمع الجواب ليس مني، إنما أنا ناقل: هل رأى محمدٌ ربه؟ قالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت. قال: يا أم المؤمنين ارحميني ولا تعجلي عليّ، أليس قال الله -عز وجل-: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (النجم:13)؟ قالت: أنا أعلم الناس بذلك، رأيت رسول الله .. أنا أعلم الناس بذلك، سألت رسول ¬

(¬1) "ظلال الجنة" (رقم471).

الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: «رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين، وله ستمائة جناح، وقد سد الأفق»، إذاً هذا تفسير الآية، ثم قالت متابعة تعليم الأمة، جزاها الله عن الأمة خيراً: ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية: من حدثكم أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قول الله -تبارك وتعالى-: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (الشورى:51)، إذاً لا يمكن المكالمة مع الله إلا من وراء حجاب في هذه الحياة الدنيا، ولذلك كانت رؤية الله في الآخرة تباين الرؤية هنا في الدنيا. هذه المسألة الأولى، قالت: ومن حدثكم بأن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يعلم ما في غدٍ فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله -تبارك وتعالى-: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل:65). الثالثة والأخيرة: ومن حدثكم بأن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - كتم شيئاً أمر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة:67). في رواية تفرد بها مسلم دون صاحبه البخاري قال: قالت: لو أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - كان كتم شيئاً أمر بتبليغه لكان كتم قول ربه: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي في نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (الأحزاب:37)، لكنه ما كتم؛ لأن هذا واجبه رسالةً: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} إلى آخر الآية، غيره. الملقي: بالنسبة للرؤية الرؤية في الدنيا، فمن ادَّعى رؤية الدنيا فقد أعظم على الله الفرية. ومن يؤول حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «نور أَنَّى أراه» ويقول: «نور إِنَّي أراه».

[1098] باب هل رأى الرسول ربه؟ وهل الإسراء والمعراج كان في المنام أم في اليقظة؟

الشيخ: لا، هذا أولاً خلاف الرواية الصحيحة، وخلاف رواية أبي موسى التي دعم بها مسلم الرواية الصحيحة. نعم. "الهدى والنور" (641/ 03: 42: 00) [1098] باب هل رأى الرسول ربه؟ وهل الإسراء والمعراج كان في المنام أم في اليقظة؟ سؤال: يسأل السائل فيقول: وهل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه عز وجل، وهل الإسراء والمعراج كان في المنام أم في اليقظة؟ الشيخ: أما الإسراء المعراج فقد كان يقظة به عليه الصلاة والسلام، هذا لا شك ولا إشكال فيه، وإن كان هناك بعض الأقوال المرجوحة تقول: إنه كان في منام أو كان بين النوم واليقظة، ولكن الصحيح الذي لا نشك فيه أبدًا أن ذلك كان يقظةً. وهناك أشياء كثيرة وكثيرة جدًا تدل على هذا الذي نجزم به، من ذلك أن القصة هذه العجيبة الغريبة لو كانت منامًا ولم تكن يقظة لم تكن فيها معجزة حملت بعض ضعفاء الإيمان أن يرتابوا في دينهم، وحملت المشركين على الاستهزاء بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكل هذا وهذا يؤكد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما أصبح وأخبر الناس بما رأى من آيات ربه الكبرى، إنما كان قد حدثهم بأنه كان ذلك يقظة، ومن هنا كان الأعجاز وكانت كرامة من جهة، وكانت الفتنة لضعفاء الإيمان والمشركين في آن واحد من جهة أخرى. أما الشق الثاني من السؤال وهو هل رأى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ربه فالمسالة خلافية منذ السلف الأول، والراجح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ير ربه بعينه، وإنما رآه ببصيرته

وقلبه، ومما يؤكد هذا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد سُئل صراحًة: هل رأيت ربك؟ قال: «نور أنى أراه؟!» فهذا نفي لأن يكون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد رأى ربه وأكد نفيه لذلك بقوله: أن هناك نورًا يمنع الإنسان من أن يرى ربه، وهذا أيضًا جاء في حديث آخر أن حجابه النور ولولا هذا الحجاب لأحرقت سبحات وجهه تبارك وتعالى كل شيء مر به أو كما قال عليه السلام، وكل من الحديث الأول وهذا الآخر مخرج في صحيح الإمام مسلم. فالراجح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ير ربه، وهو ظاهر قوله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (الشورى:51) وبهذه الآية استدلت السيدة عائشة على رد من يقول بأن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى ربه بعينيه، فقد جاء في الصحيحين من رواية مسروق رحمه الله أنه جاء إلى السيدة عائشة رضي الله عنها فقال لها: يا أم المؤمنين! هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت، قال: يا أم المؤمنين! ارحميني ولا تعجلي عليّ، أليس يقول الله تبارك وتعالى في كتابه: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (النجم: 13 - 14) قالت رضي الله عنها: أنا أعلم الناس بذلك، لقد سألت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: «رأيت جبريل في صورته التي خُلِقَ فيها مرتين وله ستمائة جناح .. » رأيت إذًا {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (النجم:13) قال: رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح وقد سد الأفق - بعظمته -» فإذًا: الضمير في الآية التي سأل مسروق عائشة عنها إنما يعود إلى جبريل وليس إلى الله تبارك وتعالى. ولذلك فقد تابعت السيدة عائشة رضي الله عنها كلامها تأكيدًا لجوابها وإفادة للسائل وغيره ببعض ما في جعبتها من علم تلقته من زوجها ونبيها محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -

فقالت: ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية .. من حدثكم أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ثم قالت محتجة على ما قالت: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (الشورى:51) وقالت: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} (الأنعام:103). ثم قالت: ومن حدثكم أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يعلم الغيب فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل:65)، ثم قالت: ومن حدثكم بأن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - كتم شيئًا أمر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة:67). مداخلة: ما هي الفرية؟ الشيخ: الكذب. مداخلة: شيخنا بالنسبة لحديث الإسراء والمعراج! تفضلتم وقلتم أنه رأى ربه بقلبه، ما معنى رأى ربه بقلبه؟ الشيخ: ببصيرته يعني: وليس بعينه بالجارحة هذه، رؤية قلبية، يعني: ممكن تقول علمي لا يمكن تمثيله. مداخلة: في نفس حديث عائشة: ومن زعم أن محمدًا كتم شيئًا أمر بتبليغه، فبمفهوم المخالفة: إذا لم يؤمر بتبليغه يجوز للرسول أن يكتم؟ الشيخ: أولًا مفهوم المخالفة لا يحتج به دائمًا وأبدًا، وثانيًا: ممكن أن يقال ما ليس له علاقة بالشريعة أنه ما حدث به ممكن أن يقال هذا؛ لأنه في الآية السابقة:

[1099] باب منه

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة:67) نعم. "فتاوى الإمارات" (4/ 00:05:52) [1099] باب منه [قال الإمام]: وأما رؤيته تعالى في الدنيا فقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح: «أن أحداً منا لا يراه حتى يموت».رواه مسلم. وأما هو نفسه عليه الصلاة والسلام فلم يرد في إثباتها له ما تقوم به الحجة, بل قد صح عنه الإشارة إلى نفيها حين سئل عنها بقوله: «نور أنى أراه» ومع ذلك جزمت السيدة عائشة بنفيها كما في "الصحيحين" وهذا هو الأصل فينبغي التمسك به. "التعليق على متن الطحاوية" (ص30). [1100] باب منه [قال صاحب الطحاوية: "والمعراج حق, وقد أسري بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء, ثم إلى حيث شاء الله من العلا, وأكرمه الله بما شاء, وأوحى إليه ما أوحى {ما كذب الفؤاد ما رأى} (النجم: 11) فصلى الله عليه وآله وسلم في الآخرة والأولى" فقال الإمام معلقاً على قوله تعالى: {ما كذب الفؤاد وما رأى}]: يعني من آيات ربه الكبرى، وأما القول بأنه عليه الصلاة والسلام رأى ربه

[1101] باب منه

ليلتئذ بعينه فلم يثبت؛ ولذلك قال الشارح وغيره: " والصحيح أنه رآه بقلبه ولم يره بعين رأسه ". "التعليق على متن الطحاوية" (ص36). [1101] باب منه [عن ابن عباس] قال: رأى محمد ربه عز وجل مرتين. قلت: هذا صحيح ثابت عن ابن عباس لكن موقوفاً عليه. وقد أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد" (ص 131) بسند صحيح عنه، ورواه مسلم أيضاً من هذا الوجه لكنه بلفظ: " رآه بقلبه" وهو رواية لابن خزيمة من طريق أخرى عن ابن عباس. ثم أخرجه مسلم من طريق ثالث عنه بلفظ: قال: " {ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى}، قال: رآه بفؤاده مرتين".ورواه ابن خزيمة أيضاً مختصراً. قلت: ولا يقال: حديث ابن عباس هذا وإن كان وموقوفاً، فهو في حكم المرفوع، لأنه لا يقال اجتهاداً، فإني أقول: إن قوله إياه مفسراً به الآية المذكورة، لأكبر دليل على أنه باجتهاد من عنده وليس له حكم المرفوع، لأنه قد صح خلافه في تفسيرها، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فقال: «إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خُلِقَ عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء, سادّاً عِظَم خلقه ما بين السماء إلى ألأرض» أخرجه مسلم (1/ 110) وروى نحوه عن

[1102] باب منه

أبي هريرة مختصراً بلفظ: {ولقد رآه نزلة أخرى} قال: "رأى جبريل". وهذا موقوف أولى من موقوف ابن عباس لموافقته لحديث عائشة المرفوع. روى له ابن خزيمة (ص133،134) شاهداً من حديث ابن مسعود مرفوعاً، وسنده حسن. "مختصر العلو" (ص 119 - 120). [1102] باب منه [قال الإمام]: من الثابت أن الله تعالى لا يُرى في الدنيا حتى ولا من نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - على الراجح من قولي العلماء. "الضعيفة" (9/ 59). [1103] باب منه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ. [قال الإمام]: هذا مع كونه موقوفاً, فإن مفهومه أنه لم يره بعينه. فلا يخالف حديث عائشة في الباب الآتي الذي صرحت فيه بنفيها للرؤية؛ لأنها تعني رؤية العين, ومثله حديث أبي ذر قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: هل رأيت ربك؟ قال: نور, أني أراه.

[1104] باب منه

رواه مسلم ولم يذكره المصنف! نعم هذا الحديث يخالف حديث عائشة من جهة أخرى, فان فيها أنها سألت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن قوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى}؟ فقال: «إنما هو جبريل عليه السلام» ... ومما لا شك فيه أن المرفوع مُقدَّم على الموقوف. "مختصر صحيح مسلم" (ص 29). [1104] باب منه [تكلم الإمام حول كتاب "الخصائص الكبرى" للسيوطي في مقدمة تحقيقه على "بداية السول" مبينًا أن السيوطي حشاه بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، وضرب على ذلك أمثلة منها أن السيوطي قد] ذكر تحت الفصل (16) رواية ابن عساكر عن ابن مسعود مرفوعاً: «قال لي ربي عز وجل: نَحلتُ إبراهيم خلتي، وكلّمتُ موسى تكليماً، وأعطيتُك يا محمد خُلتي ومحبتي، وكلمتك كفاحا» (3/ص151). [قال الإمام]: وهو موضوع. قال الدكتور الشيخ خليل الهراس في تعليقه عليه: قال في "اللآلئ": «لا يصح، تفرد به مسلم وهو متروك». قلت: لو صح فكان نصاً على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد رأى ربه ليلة الإسراء على الأقل، ولم يبق ثمة مجال لاختلاف؛ لأن معنى "كفاحاً" أي: مواجهة ليس بينه وبين الله حجاب كما في "النهاية " مادة (كفح).وكأن الدكتور رحمه الله لم ينتبه لهذا المعنى، فعلق على كلمة (الإسراء) بقوله (3/ 111): " ففي هذه الليلة كلم

[1105] باب تحرير قول ابن عباس قي رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لربه تعالى

الله عز وجل نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - كفاحاً من غير واسطة ملك". فخفي عليه ما ذكرناه عن ابن الأثير. وحينئذ فالحديث مخالف لقوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمَه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ... } وبه احتجت عائشة رضي الله عنها على نفي الرؤية، وهو الحق. "تحقيق بداية السول" (ص 17). [1105] باب تحرير قول ابن عباس قي رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لربه تعالى [قال ابن أبي عاصم في "السنة"]: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس: {ولقد رآه نزله أخرى} قال: رأى ربه تبارك وتعالى. [فعلق الإمام قائلاً]: إسناده حسن موقوف رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أنهما لم يحتجا بمحمد بن عمرو وإنما أخرجا له متابعة. والحديث أخرجه الآجري (ص 491) من طريق آخر عن عبدة بن سلمان وابن خزيمة في التوحيد, وابن حبان من طريق أخرى عن محمد بن عمرو به إلا أنه لم يذكر الآية وهذا أقرب إلى الصواب؛ فقد ثبت تفسيرها مرفوعاً عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بخلاف تفسير ابن عباس رضي الله عنه من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: {ولقد رآه نزلة أخرى} أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: «إنما هو جبريل, لم أره على صورته التي خُلِقَ عليها غير هاتين المرتين

[1106] باب رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لربه تعالى إنما كانت في المنام

رأيته منهبطا من السماء» الحديث أخرجه مسلم وغيره, وروى نحوه عن ابن مسعود وأبي هريرة. لكنه أخرج أيضاً من طريق أخرى عن ابن عباس قال: {ما كذب الفؤاد ما رأى، ولقد رآه نزلة أخرى} قال: "رآه بفؤاده مرتين". وبالجملة فتفسير الآية من ابن عباس برؤية الله تبارك وتعالى ثابت عنه لكن الأخذ بالتفسير الذي ذكره عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - مرفوعاً أولى منه, والأخذ واجب دون الموقوف لا سيما وقد اضطرب الرواة عنه في هذه الرؤية فمنهم من أطلقها كما في حديث الترجمة وغيره ومنهم من قيدها بالفؤاد كما في رواية مسلم المذكورة وهي أصح الروايات عنه, والله أعلم. "ظلال الجنة في تخريج السنة" (ص177). [1106] باب رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لربه تعالى إنما كانت في المنام [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «رأيت ربي عز وجل». (صحيح). [قال الإمام]: يعني في المنام كما تدل عليه الروايات الأخرى. "صحيح الجامع" (1/ 652).

[1107] باب ما تفسير حديث: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه في المنام»؟

[1107] باب ما تفسير حديث: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه في المنام»؟ سؤال: بالنسبة (لحديث .. ): «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه في المنام» ما تفسيره؟ الجواب: لا يُفَسَّر. " الهدى والنور " (2/ 58: 34: 00) [1108] باب حديث اختصام الملأ الأعلى ورؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ربه في المنام [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «رأيتُ ربِّي في أحسنِ صورةٍ، فقال: فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى، فقلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفيَّ، حتَّى وجدتُ بردَ أنامِله، ثمَّ قالَ: فيم يختصمُ الملأ الأعلى؟ قلتُ: في الكفَّارات والدرجات، قال: وما الكفَّارات؟ قلت: إسباغُ الوضوءِ في السّبَرات، ونقلُ الأقدام إلى الجماعاتِ، وانتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاة، قال: فما الدرجاتُ؟ قلتُ: إطعامُ الطعامِ، وإفشاءُ السلامِ، وصلاةٌ بالليل والناسُ نيام، قال: قل، قال: قلتُ: ما أقولُ؟ قالَ: قلِ: اللهمّ! إنِّي أسألك عَمَلاً بالحسناتِ، وتركاً للمنكراتِ، وإذا أردتَ في قومٍ فتنةً وأنا فيهم؛ فاقبضني إليكَ غيرَ مفتونٍ». [قال الإمام]: وقد جاء الحديث من طرق أخرى، صحح بعضها البخاري والترمذي، وفيها أن ذلك كان رؤيا منامية، وذلك مما يؤكد شذوذ تلك الزيادة فتنبه! وراجع بعض تلك الطرق في "ظلال الجنة" 3881 و465 - 471).

وقد خلط ابن الجوزي خلطاً عجيباً بين هذه الأحاديث الصحيحة التي فيها اختصام الملأ الأعلى، وفي بعضها أنها رؤيا منامية- كما عرفت-، وبين بعض الأحاديث الموضوعة التي فيها أنه رأى ربَّه على الأرض بمنى على جمل أورق، ونحوه من الموضوعات، وقد خرَّجت بعضها في "الضعيفة " (6330)، وقلَّده في ذلك الجهمي الجلد المتعنت المسمى (حسن السقاف) في تعليقه على "دفع شبه التشبيه"؛ الذي دفعه الذهبي وأتمنى أنه لم يؤلفه مؤلفه؛ لما فيه من التأويلات المعطلة للصفات الإلهية حتى ذكر أن الله ليس داخل العالم ولا خارجه، تعالى الله الذي على العرش استوى استواءً يليق بجلاله وعظمته. ثم رأيت الطبراني قد أخرج الحديث مختصراً في "المعجم الكبير" (8/ 386/ 8207) و"الأوسط " (2/ 36/1/ 5626): حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة: ثنا فَروة بن أبي المغرَاء: ثنا القاسم بن مالك عن سعيد بن المرزبان أبي سعد عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: "سئل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ ... " الحديث، إلى قوله: "الصلاة بعد الصلاة". وأعله الهيثمي بقوله (1/ 238): "وفيه أبو سعد البقاَّل، وهو مدلس، وقد وثقه وكيع ". قلت: وابن أبي شيبة هذا فيه ضعف، فأخشى أن يكون لم يحفظ إسناده، والله أعلم. وجملة القول؛ أن الحديث صحيح، لا يشك في ذلك أحد بعد أن يقف على هذه الطرق وتصحيح بعض أئمة الحديث لبعضها؛ إلا إن كان ممن طمس الله على

قلوبهم من ذوي الأهواء كذاك (السخاف) (¬1) الجاهل الذي يخالف سبيل المؤمنين والعلماء العارفين، فيضعف ما صححوه، كهذا الحديث الذي وضع فيه رسالة سماها- فُضَّ فوه- "أقوال الحفاظ المأثورة لبيان وضع حديث: «رأيت ربي في أحسن صورة» "! وكذب- والله- عليهم، كيف وعلى رأس الحفاظ الإمام البخاري الذي صححه كما تقدم؟! وتبعه تلميذه الإمام الترمذي وغيره؛ فقال ابن عبد البر في "التمهيد" (24/ 325): "معناه عند أهل العلم: في منامه، وهو حديث حسن، رواه الثقات ". فهذا (السخاف) يعلم يقيناً أن الذي قال الحفاظ بوضعه؛ إنما هو الحديث الموضوع حقّاً المشار إليه آنفاً:"أنه رأى ربه على الأرض ... " إلخ، وليس هو حديث الاختصام الذي هو رؤيا منامية كما جاء مُصرَّحاً في بعض الطرق، وقال به العلماء كما تقدم. ووالله! إني لأخشى أن يكون وراء هذا الرجل جماعة من المفسدين في الأرض، اتخذوه مَطِيَّةً لإفساد الدين، ويسروا له أسباب التأليف والنشر؛ لاستمراره في الطعن في السلف والعلماء وتعمده مخالفتهم، ورميه إياهم بالتجسيم! ومن آخر ما ظهر منه تصريحه بأن الاعتقاد بأن الله في السماء هي عقيدة المشركين والمشبهة. وكذلك جماهير العلماء الذين صححوا حديث الجارية: "أين الله؟ "، فضعفه، بل قطع بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقله، وسبق الرد عليه بحمد الله تحت حديثها برقم (3162). "الصحيحة" (7/ 1/502 - 506). ¬

(¬1) ليس هذا من باب التنابز، وإنما من باب الجرح؛ فقد قال الأئمة في أمثاله: أفَّاك دجَّال كذَّاب! [منه].

[1109] باب هل رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لربه تعالى في أحسن صورة رؤية يقظة أم منام؟

[1109] باب هل رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لربه تعالى في أحسن صورة رؤية يقظة أم منام؟ سؤال: يقول: في حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أتاني ربي في أحسن صورة» الحديث؟ الشيخ: هذه رؤية منامية، والحديث صحيح. "رحلة النور" (40ب/00:25:15) [1110] باب المراد بالرؤية في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «رأيت ربي في أحس صورة» قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - «رأيت ربي في أحس صورة ... » .. (إسناده جيد). [قال الإمام]: هذه رؤيا منامية كما في بعض الروايات الأخرى على ما هو مشروح في كتابي " تخريج السنة " لابن أبي عاصم (388، 433، 469) فليراجع. "مختصر العلو" (ص118 - 119). [1111] باب هل في حديث «رأيت ربي في أحسن صورة» دليل لمن يقول: إني أرى الله في المنام؟ سؤال: [حديث]: «رأيت ربي البارحة في أحسن صورة»، الحديث، هل في هذا الحديث دليل لمن يقول: «إني أرى الله في المنام»؟ الشيخ: دليل؟! مفهوم مقصود السائل، لكن خطأ السؤال، مثل الذي يقول:

قوله عليه السلام: «من رآني في المنام فقد رآني حقاً»، هل فيه دليل لمن يقول؛ إنه رأى الرسول في المنام؟ هذا السؤال خطأ، واضح وََّلا لا، وََّلا نشرحه؟ السائل: أعد مرةً أخرى؟ الشيخ: أقول هذا سؤال خطأ؛ لأنه يشبه من يقول مثلاً قوله عليه السلام: «من رآني في المنام فقد رآني حقاً» فيه دليل أنه إذا قال قائلٌ: رأيت الرسول في المنام، فيه دليلٌ لقوله هذا؟ فأقول السؤال خطأ، فيه دليلٌ أنه يمكن للمسلم أن يرى الرسول في المنام، أما فلان رأى الرسول في المنام فيه دليل .. هذا الحديث، أو هذا الحديث يقول القائل: رأى ربه في المنام، فيه دليل على ما يقول؟ ما في دليل لا هذا ولا هذا. لكن .. أنا أقول الآن المقصود من السؤال غير ظاهر السؤال: المقصود من السؤال يعني هل يدل الحديث على أنه يمكن لأيّ إنسان أن يرى ربه في المنام؟ كما هو توجيه سؤالي الذي طرحته آنفاً، هل في الحديث السابق: «من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بي» أنه يجوز لمسلمٍ أن يرى نبيه في المنام؟ نقول: نعم، .. الحديث الثاني فيه دلالة على الجواز وإمكان رؤية المسلم لنبيه عليه الصلاة والسلام في المنام. أما حديث السائل الأول .. : «رأيت ربي في أحسن صورة» هذا حديث عن شخص الرسول عليه السلام، وليس فيه مبدأً عاماً، كحديث رؤية الرسول عليه السلام في المنام، هذا ليس فيه إلا أن هذه وقعت للرسول عليه السلام، بالنسبة لغيره ما نُنْكِرُ ولا نُقِرُّ، يُمْكِن، وقد قيل عن الإمام أحمد رحمه الله بأنه رأى ربه في

[1112] باب بدعية اعتقاد أن الله تعالى ينزل عشية عرفة على جمل أورق ..

المنام غير مرَّةٍ، والله أعلم بصحة ذلك عنه، لكن إن ادَّعَى مُدَّعٍ أنه رأى الله، وهذه دعوى عريضة جدًّا، وصعب التصديق بها، لكن ما عندنا حجة قاطعة لتكذيبه، لاسيما إذا كان معروفاً بالصدق والصلاح، هذا جوابي عن هذا السؤال. السائل: ألاَ يتمثل مثلاً في الرب؟ الشيخ: من باب أولى بارك الله فيك، لكن الرب ليس له صورة معروفة عندنا، بخلاف الرسول عليه السلام، نعرف صورته من شمائله، ولذلك كان محمد بن سيرين مع أنه ما رأى الرسول، كان إذا جاءه الرجل يقول: رأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: صف هذا الذي رأيته؟ لماذا؟ لأن صورة الرسول في ذهنه هو، أما رب العالمين: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، لذلك لا يمكن أن يُقال في هذا شيء أبداً. " الهدى والنور" (12/ 12: 5.: 00) [1112] باب بدعية اعتقاد أن الله تعالى ينزل عشية عرفة على جمل أورق .. [ذكر الإمام من بدع الحج]: «اعتقاد أن الله تعالى ينزل عشية عرفة على جمل أورق، يصافح الركبان، ويعانق المشاة». حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (ص125).

[1113] باب بيان وضع حديث الجمل الأورق الذي فيه «رأيت ربي بمنى»

[1113] باب بيان وضع حديث الجمل الأورق الذي فيه «رأيت ربي بمنى» [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «رأيتُ رَبِّي بِمِنى عند النَّفرِ على جَمَلٍ أَوْرَقَ عليه جُبَّةَ صوفٍ أمامَ الناسِ». (موضوع). [قال الإمام]: أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/ 135) من طريق أبي علي الأهوازي: نا أحمد بن علي بن الحسن بن أبي السنديان بـ (بأطرابلس): نا أبو محمد عبد الله بن الحسن بن غالب بن الهيثم القاضي بـ (عرفة): نا عبد الله بن محمد البغوي: نا هدبة بن خالد: نا حماد بن سلمة عن وكيع عن أبي رزين لقيط بن عامر ... مرفوعاً. وقال: "كتبه أبو بكر الخطيب الحافظ عن الأهوازي متعجباً من نكارته، وهو حديث موضوع لا أصل له، وقد وقعت لنا نسخة البغوي عن هدبة بعلو وليس هذا الحديث فيها. وأبو محمد هذا وابن أبي السنديان غير معروفي العدالة، والأهوازي: متهم ". قلت لا أدري أين رواه الخطيب، وليس هو في "تاريخ بغداد" وقد قال الذهبي في ترجمة الاهوازي من "الميزان": "وقد روى أبو بكر الخطيب بقلة ورع عن الأهوازي ... ". قلت: فساقه بتمامه، وذكر عن ابن عساكر ما تقدم من اتهامه به الأهوازي، وقد رواه الذهبي في ترجمته من "السير" (18/ 16) بسنده عنه ... به، وقال عقبه:

"وقال ابن عساكر في " تبيين كذب المفتري ": لا يستبعدن جاهل كذب الأهوازي فيما أورده من تلك لحكايات، فقد كان من أكذب الناس فيما يدعي من الروايات في القراءات". قلت لكن فوقه وكيع - وهو: ابن عُدس، ويقال: حدس ... وهو الصواب، كما حققته في "الظلال" (1/ 201)، وهو - مجهول لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء، وقد سقط هذا من بين حماد بن سلمة ووكيع من "التاريخ" و"السير" أيضاً، فلعله من قبل الأهوازي. والله أعلم. وأما حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً بلفظ: "رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء". فهو خبر منكر - كما قال الذهبي في "السير" (10/ 113) -، ولعل العلة تكمن في عنعنة قتادة، هذا إن لم يكن الحديث مختصراً من حديث الرؤيا الصحيح،- كما كنت ذهبت إليه في "الظلال" (1/ 188 - 189)، وهو مخرج هناك برقم (388) -، وقد صححه البخاري والترمذي من حديث معاذ، وقد أخرجه أحمد (1/ 368) من طريق أبي قلابة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ بلفظ: "أتاني ربي عَزَّ وَجَلَّ الليلة في أحسن صورة - أحسبه يعني: في النوم -، فقال: ... " بذكر الحديث في اختصام الملأ الأعلى. ورجاله ثقات رجال الشيخين، لكن أبو قلابة فيه تدليس، لكن وصله الترمذي (3232) بذكر خالد بن اللجلاج بينه وبين ابن عباس، وحسَّن إسناده الترمذي بقوله: "حسن غريب من هذا الوجه". وله شواهد كثيرة منها عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله تجلى لي في أحسن صورة، فسألني فيما يختصم الملأ الأعلى ... » الحديث.

أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1/ 203/465) بسند حسن - كما كنت بينته في "الظلال" -، وقد استوعب الكلام على بقية الشواهد الأخ الفاضل جاسم الفهيد الدوسري في تعليقه على رسالة الحافظ ابن رجب: "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (34 - 36)، فقد جمع فيه طرقه عن اثني عشر صحابياً، مع بيان ما لها وما عليها حسب القواعد العلمية الحديثية، وليس كما فعل ابن الجوزي في "العلل المتناهية"، فإنه ساق فيه (1/ 14 - 23) بعض هذه الطرق دون تمييز بين صحيحها وضعيفها، بل أوهم القراء بضعف جميعها بنقلها عن البيهقي أنه قال: "قد روي من أوجه كلها ضعاف "! وتمام كلام البيهقي في "الأسماء" (ص 300): "وأحسن طريق فيه رواية جهضم بن عبد الله، ثم رواية موسى بن خلف".قلت: ورواية جهضم هي التي صححها البخاري والترمذي، وسنده صحيح متصل، ومن اضطرب في إسناده، فلا يؤثر في صحته لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وزيادة الثقة مقبولة. هذا ولأبي علي الأهوازي إسناد آخر من حديث أسماء بلفظ آخر مثل هذا في النكارة أو أشد، أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 124 - 125)، وقال فيه: هذا حديث لا يشك أحد في أنه موضوع محال، ولا يُحتاج لاستحالته النظر في رجاله، إذ لو رواه الثقات، كان مردوداً، والرسول منزه أن يحكي عن الله عَزَّ وَجَلَّ ما يستحيل عليه، وأكثر رجاله مجاهيل، وفيهم ضعفاء. وقال ابن منده: حديث الجمل باطل موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ". قلت: ولذلك كنت أود لابن الجوزي أن يورد في "موضوعاته" ما يشبه هذا في الوضع، وأن لا يورد في "علله" أحاديث اختصام الملأ الأعلى ويضعِّفها،

وبعضها صحيح - كما تقدم عن البخاري والترمذي -، وأقره ابن كثير (4/ 43)، وصححه أبو زرعة أيضاً والضياء المقدسي في "المختارة". وقد استغل بعض المبتدعة الضالين إيراد ابن الجوزي - عفا الله عنه- أحاديث الاختصام في كتابه "شُبَه التشبيه"، فانصاع المشار إليه لما أوهمه من تضعيفه إياه، فقال بعد [أن] عزاه لجمع من الحفاظ - منهم الترمذي مُصحِّحاً كما تقدم -، فعقب على التخريج بقوله (ص 148): "وذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10/ 113 - 114) وقال: وهو بتمامه في تأليف البيهقي، وهو خبر منكر، نسأل الله السلامة في الدين ... ". وهذا تضليل عجيب للقراء، وافتراء خطير على الحافظ الذهبي رحمه الله. فإنما عنى بقوله: "رأيت ربي جعداً أمرد ... " الحديث، وقد نقلت هناك (ص725) استنكاره إياه، ومن خباثة هذا المضلل أنه حذف تمام كلام الذهبي وهو قوله: "فلا هو على شرط البخاري ولا مسلم، ورواته وإن كانوا غير متهمين، فما هم بمعصومين من الخطأ والنسيان". ويؤيد ما ذكرت أنه ذكر نحو هذا في ترجمة حماد من "الميزان"، فقال عقب حديثه هذا: "فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت". وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في رده على الرافضي الذي اتهم أهل السنة بأن الله ينزل كل ليلة جمعة بشكل أمرد راكباً على حمار، قال الشيخ - في منهاج السنة" (1/ 261):

"هذا الحديث الذي ذكره لم يروه أحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا يروي أحد من أهل الحديث أن الله تعالى ينزل ليلة الجمعة، ولا أنه ينزل ليلة الجمعة إلى الأرض، ولا أنه ينزل في شكل أمرد، بل لا يوجد في الآثار شيء من هذا الهذيان، بل ولا في شيء من الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: إن الله ينزل إلى الأرض، وكل حديث رُوي فيه هذا فإنه موضوع كذب مثل حديث الجمل الأورق، وأن الله ينزل عشية عرفة فيعانق الركبان، ويصافح المشاة، وحديث آخر أنه رأى ربه في الطواف، وحديث آخر أنه رأى ربه في بطحاء مكة. وأمثال ذلك، فإن هذه كلها أحاديث مكذوبة باتفاق أهل المعرفة بالحديث". "الضعيفة" (13/ 2/724 - 728).

جماع أبواب الكلام على إمكانية رؤية الله تعالى في المنام لغير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من عدمها

(جماع أبواب الكلام على إمكانية رؤية الله تعالى في المنام لغير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من عدمها)

[1114] باب هل رؤية الله تعالى في المنام خاصة بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟

[1114] باب هل رؤية الله تعالى في المنام خاصة بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ السائل: رؤية الله في المنام، هل هي من خصوصياته - صلى الله عليه وآله وسلم - أم لا، ويذكر في كتب التراجم رأيت ربي ورأى فلان ربه؟ الشيخ: ليس هناك ما يدل على الخصوصية. السائل: وما معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «رأيت ربي في أحسن صورة»؟ .. الشيخ: طبعًا في المنام .. "الهدى والنور" (411/ 00:33:00). [1115] باب هل ثبتت رؤية الله في المنام؟ مداخلة: هل ثبت رؤية الله في المنام؟ الشيخ: ثبت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رآه. مداخلة: ثبت. الشيخ: نعم. مداخلة: يعني: لو واحد قال: رأيت الله. الشيخ: أقول ثبت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رآه. مداخلة: نعم. الشيخ: أما بالنسبة لغيره عليه السلام، فليس عندنا ما يثبت أو ما ينفي، فالله أعلم. "الهدى والنور" (337/ 16: 40: 00)

[1116] باب هل رأى الإمام أحمد ربه؟

[1116] باب هل رأى الإمام أحمد ربه؟ السائل: أذكر قرأت في كتاب مختصر منهاج القاصدين إنه أحمد بن حنبل أنه رأى الله، قال: أنني رأيت الله، فسأله أحمد سأل الله عز وجل عن أي شيء أحب إليه بأن يتقرب الناس به إليه قال له بكلامه قال: بفهم أم بغير فهم، قال: بفهم أو بغير فهم، ربما مرت عليك هذه الرواية، فالحقيقة ما استطعنا أن نفهم كيف قال أحمد: رأيت الله، يعني: لو تُوضِّح لنا قول أحمد هذا إن صح عن أحمد. الشيخ: صححت سؤالك أخيراً، أخي أنت تعلم أن الأحاديث التي تُروى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيها ما صح وما لم يصح، وأن طريقة تمييز الصحيح من الضعيف من هذه الأحاديث مرجعها إلى علم اسمه علم الحديث، أما طريقة معرفة أقوال العلماء سواء كانوا صحابة أو تابعين أو أئمة مجتهدين ليس لها طريق إلا طريق علم الحديث نفسه، لكن هناك فرق كبير، الحديث إذا جاء في كتاب: قال رسول الله لا قيمة له. (انقطاع رد فيه الشيخ على الهاتف) الشيخ: فكنت بقول إنه الأحاديث في عندنا شيء أظن سمعت به يسمى السند، فدراسة السند وهو عبارة عن سلسلة رجال بيوصلنا، أو هذه الدراسة بتوصلنا لمعرفة كون هذا الحديث صحيح ولا ما صح، أقوال العلماء ما في لها أسانيد في الغالب، ولذلك أي قول يأتينا من عالم يعرض عن الكتاب والسنة، فما وافقه أُخذ به، وما لم يوافقه ضُرب بعرض الحائط، وما لم يكن لا هكذا ولا هكذا فأنت على الخيار لا تتدين به ولا تتعصب عليه، وهذا القول لعله أقرب إلى الاحتمال الثاني أن يكون مخالفاً للشرع، أنه أن يرى الله؛ لأنه لم ينقل إلا عن الرسول عليه السلام بأنه رأى الله عز وجل في منامه، أما عن غير الرسول عليه

[1117] باب هل تمكن رؤية الله تعالى في المنام؟

السلام فلم ينقل ذلك، لنقول: أنه أمر معهود عند بعض الناس الصالحين، فإنه لم ينقل أولاً مثله عن السلف، ثانياً فيها عبارة قد تشجع الناس إلى الإعراض عن مثل قوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد:24). "الهدى والنور" (327/ 03: 19: 00) [1117] باب هل تمكن رؤية الله تعالى في المنام؟ سؤال: هل يمكن لأحد أن يرى ربه في المنام كما حصل ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهل يُسْتَأْنَسُ بما أودعه ابن القيم في مدارج السالكين في هذا الباب؟ الشيخ: قضية الإمكان أخي ما دام الرؤيا هي ليست حقيقية إنما هي مثالية، فمن رأى الله في منامه ما رآه كما سيراه المؤمنون يوم القيامة وإن شاء الله نحن منهم، من رآه في المنام فلن يرى ذات الله على حقيقتها، ولذلك فالعقل واسع جداً، ممكن إنسان أن يرى الله لا سيما وقد نُقِلَ هذا عن الإمام أحمد وغيره، لكن هل رآه حقيقةً، نحن نستطيع أن نقول: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما رأى ربه في المنام في القصة المعروفة عنه ما رآه على حقيقته، وهو يقول: «إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت»، ولذلك فالمسألة فيها سعة، ولا يترتب من ورائها شيء. "الهدى والنور" (56/ 45: 24: 00) [1118] باب منه سؤال: [ذُكر في كتابٍ] أن رؤية الله في المنام جائز، هل هذا صحيح أوْ لا؟ الشيخ: الله أعلم، لكن إذا قيل برؤية الله فليس المقصود رؤيته تعالى كما سيراه المؤمنون يوم القيامة وكما قال الفقيه المؤمن:

يراه المؤمنون بغير كيفٍ وتشبيهٍ وضربٍ بالمثال رؤيته في الدنيا مناماً عبارة عن رؤيا صورة خيالية لا حقيقية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد صحَّ عنه أنه قال في صحيح مسلم، وقد ذكر الدجال الأكبر المعروف لديكم شيء من صفاته، منها قوله عليه السلام فيه: «إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت». يعني قدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للمسلمين المؤمنين حتى لا يغتروا بدعوى هذا الدجال الأكبر، أنه يقول هو الرب، «ربكم ليس بأعور»: هذه أول صفة، تستطيعون أن تقولون هذا هو الدجال الأكبر، ربكم له كل صفات الكمال، وهذا له هذه الصفة الناقصة المتجلية، إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور. ثم صفة أخرى: «إن أحدكم لن يرى ربه» [حصل هنا انقطاع صوتي] (¬1) وهذا يدَّعي أنه ربكم. إذاً: ليس هو بربكم. إذاً: إذا كان .. قد أخبر الرسول أنه لن يرى أحدنا ربه إلا في يوم القيامة، وسنكون من هؤلاء المؤمنين إن شاء الله، فإذا رآه في المنام، فلا يرى حقيقةَ ربِّ العالمين، وإنما يرى صورةً خياليةً مثاليةً، ليست حقيقة، إن رأى أحدٌ ربه في المنام، وكان مخلصاً صادقاً، كما ينقل عن إمام السنة الإمام أحمد والله أعلم بصحة الرواية عنه. " الهدى والنور" (93/ 33: 54: 00) ¬

(¬1) من الواضح أن الشيخ رحمه الله بَيَّن هنا أن من الصفات التي يعرف بها الدجال: أنه يُرى في الدنيا، فقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث الدجال: «تعلّموا أنه لن يرى أحدٌ منكم ربه عز وجل حتى يموت» (مسلم) (7540)، فكون الدجال يُرى في الدنيا من الأدلة على أنه ليس بربنا.

[1119] باب منه

[1119] باب منه سؤال: هل يمكن للإنسان أن يرى ربه أو يسمع صوته في المنام؟ الشيخ: أما أن يُرى في المنام فالأمر واسع؛ لأن القضية أشبه ما يكون بالخيال؛ لأن الله كما قال عليه السلام في الحديث في رواية من روايات حديث الدجال لما وصفه عليه الصلاة والسلام قال: «إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور» قال في رواية في صحيح مسلم: «وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت». أما الرؤية المنامية فهي رؤية خيالية، وتنسب رواية إلى الإمام أحمد بأنه رأى ربه كذا مرة والله أعلم بصحتها، أما أن يسمع الصوت فهذا يستحيل إلا أن يكون رآه في الخيال أيضاً. مداخلة: حديث: «أتاني ربي بأحسن صورة». الشيخ: حديث صحيح هذا، لكن هذا في المنام. مداخلة: نعم، في المنام فهو إذاً يُثْبِتُ الرؤية في المنام. الشيخ: لكن هو سؤالك كان عامًّا لم يقل بخصوص الرسول عليه السلام. مداخلة: يعني هو خاص بالرسول؟ الشيخ: طبعًا. مداخلة: ابن تيمية يقول بجواز هذا أن يرى الإنسان ربه في المنام، استدل بهذا الحديث وأن الإمام أحمد رأى ربه في المنام. الشيخ: أنا أجبت نحو هذا، لكن أنا أختلف عما تنقله عن ابن تيمية، نقول:

[1120] باب منه

الاستدلال بالحديث لا يصح؛ لأن هذا ليس فيه عموم وإنما هو خصوصية للرسول عليه السلام، لكن من حيث الإمكان الخيالي الذي لا حدود له، هذا أمر ممكن ... "الهدى والنور" (87/:00:25:39) [1120] باب منه سؤال: هل يمكن رؤية الله في المنام؟ الجواب: يُقالُ هذا والله أعلم، قالوا هذا والله أعلم. "الهدى والنور" (2/ 53: 33: 00)

جماع أبواب الكلام على قوله تعالى: {ثم دنا فتدلى} وهل المقصود أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - دنا من الرب تبارك وتعالى؟

جماع أبواب الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} وهل المقصود أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - دنا من الرب تبارك وتعالى؟

[1121] باب من الذي دنا وصار بينه وبين نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - قدر قوسين ليلة الإسراء

[1121] باب من الذي دنا وصار بينه وبين نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - قدر قوسين ليلة الإسراء [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «أتاني جِبريلُ، فَحَمَلَنِي على جَنَاحِهِ الأيمنِ، فكنتُ مِنْ ربي عز وجل كقاب قوسينِ أو أدنى وذكر الحديث» (باطل). [قال الإمام]: [وهو .. ] مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على أن الذي دنا وصار بينه وبين محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - قدر قوسين إنما هو جبريل عليه السلام. انظر تفسير ابن كثير لهذه الآية. "الضعيفة" (12/ 1/422 - 423). [1122] باب منه [قال الذهبي في "العلو"]: ومن عقد أئمة السلف أن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - عرج به إلى السموات العلى عند سدرة المنتهى، فكان منه قاب قوسين أو أدنى. [قال الإمام]: قلت: يشير إلى ما رواه سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله ابن أبي نمر قال: سمعت أنس بن ملك يحدث عن ليلة أسري برسول الله ^ .. قلت فذكر

[1123] باب منه

حديث الإسراء الطويل وفيه: " ودنا الجبار تبارك وتعالى فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه ما شاء .. " لكن هذه الجملة من جملة ما أُنكر على شريك هذا مما تفرد به عن جماهير الثقات الذين رووا حديث المعراج، ولم ينسبوا الدنو والتدلي لله تبارك وتعالى، بل روت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما ما يدل على أن قوله تعالى {ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى} إنما المراد به جبريل عليه الصلاة والسلام، روى مسلم (1/ 111) عن مسروق قال: قلت لعائشة: فأين قوله: {ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى}؟ قالت: إنما ذاك جبريل صلى الله عليه وسلم وانظر "الأسماء والصفات" للبيهقي (ص 438 - 441). وقد كان المصنف رحمه الله تعالى أورد في الأصل (ص 50) الجملة المذكورة من حديث شريك ثم أورده بطوله " ق 21/ 1 - 2 - مخطوطة"، فحذفته لما أشرتَ إليه من النكارة، وقال المصنف في الموضع الثاني: "هذا حديث غريب" استنكره بعض العلماء ولكنه قفز القنطرة وتقرَّر في "الصحيح" قلت: هذا مسلم فيما لم تظهر فيه علة قادحة، وليس كذلك هنا، فتأمل. "مختصر العلو" (117 - 118) [1123] باب منه [عن ابن عباس] قال: {ولقد رآه نزلة أخرى} قال: دنا [منه] ربه عز وجل. [قال الإمام]: إسناده حسن كما قال [أي الذهبي في "العلو"]، فإنه ساقه في الأصل

(ص82) عن يحيى بن سعيد الأموي حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس. هكذا وقع في الأصول كلها، وفيها المخطوطة (ق19/ 2)، وقد سقط من الإسناد الواسطة بين يحيى ومحمد بن عمرو، وهو سعيد بن أبان الأموي والد يحيى، فإنه أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (27/ 26) حدثنا يحيى ابن سعيد الأموي قال: ثنا أبي قال: ثنا محمد بن عمرو ... وهذا إسناد رجاله ثقات غير محمد بن عمرو وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي وهو مختلف فيه، والذي استقر عليه الرأي عند أهل العلم أنه حَسَنُ الحديث، وإليه أشار الحافظ بقوله في "التقريب": "صدوق، له أوهام". لكن قد اختُلِفَ عليه في إسناده فرواه الأموي عنه هكذا عن ابن عباس موقوفاً. ورواه الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو وقال: ثنا كثير بن جيش عن أنس بن مالك مرفوعاً: " بينما أنا مضطجع في المسجد ... " فذكر حديث الإسراء والمعراج، وفيه: «فدنا ربك فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى» ... » الحديث أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (ص 139ـ 140) باللفظ الأول, وابن جرير (27/ 27، 28) من طريق النصر ابن شميل قال: أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي به. وكثير بن حبيش - وقيل: خنيس - فيه ضعف، فإن كان محمد بن عمرو قد حفظه عنه فهو منكر لمخالفته للثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن الذي دنا إنما هو جبريل عليه السلام كما روى ابن جرير (27/ 27) عن مسروق قال:

[1124] باب منه

"قلت لعائشة: ما قوله: {ثم دنا فتدلى ... } الآية؟ فقالت: "إنما ذاك جبريل، كان يأتيه في صورة الرجال، وأنه أتاه في هذه المرة في صورته، فسد أفق السماء" وسنده صحيح، وهو عند مسلم بنحوه وقد مضى قريباً. وهو معارِض لحديث ابن عباس هذا الموقوف إن ثبت عنه. "مختصر العلو" (ص120 - 121). [1124] باب منه السائل: سائل يقول في الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (النجم:8، 9) ماذا تقول في الحديث الذي يقول: {فدنا الجبار تبارك وتعالى} الذي يعزى للبخاري كما في تفسير ابن كثير؟ الشيخ: أقول ما قال فيه علماء الحديث: هذه الرواية هي من شواذ أحد رواة البخاري والذي هو شريك بن عبد الله وليس هو بالقاضي المعروف، فهذا جاء بهذه الزيادة في قصة الإسراء والمعراج وذكر علماء الحديث بأنه شذ، [المراد من قوله تعالى]: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (النجم:9) هو جبريل عليه الصلاة والسلام وليس هو رب العالمين تبارك وتعالى. إذاً: هذه الرواية شاذة مع وجودها في صحيح البخاري. نعم. "الهدى والنور" (228/ 19: 29: 00)

جماع أبواب الكلام على حديث: «خلق الله آدم على صورته» المعروف بحديث الصورة

جماع أبواب الكلام على حديث: «خلق الله آدم على صورته» المعروف بحديث الصورة

[1125] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خلق الله آدم على صورته»

[1125] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خلق الله آدم على صورته» عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «خلق الله آدم - صلى الله عليه وآله وسلم -[على صورته]، وطوله ستون ذراعاً، ثم قال: اذهب، فسَلَّم على أولئك- نفرٌ من الملائكة جلوس- فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: عليك السلام ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورته، فلم يزل ينقص من الخلق حتى الآن». (صحيح). [علق الإمام على قوله: "على صورته" قائلاً]: زيادة من " صحيح المؤلف" [أي: البخاري] (الاستئذان، رقم: 6227)، وهي عند مسلم أيضاً (8/ 149)، وكلاهما أخرجه من طريق عبد الرزاق، وهذا في "المصنف" (10/ 384) وعنه ابن حبان أيضاً (6129)، وكذلك المصنِّف هنا. وفي هذا الحديث دلالة صريحة على بطلان حديث: «خلق الله آدم على صورة الرحمن» مع أن إسناده معلول بأربع علل كنت ذكرتها مفصلاً في "الضعيفة" (1175 و1176)، ونحو ذلك في "تخريج السنة" لابن أبي عاصم (517 و541). وبهذا الحديث الصحيح يُفسَّر حديث أبي هريرة الآخر الذي صح عنه من طرق بلفظ " خلق الله آدم على صورته" وقد مضى برقم (129/ 173) مع التعليق عليه بما يناسب هذا الحديث الصحيح.

وبهذه المناسبة أقول: لقد أساء الشيخ التويجري- رحمه الله تعالى- إلى العقيدة والسنة الصحيحة معاً بتأليفه الذي أسماه: " عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن"، فإن العقيدة لا تثبت إلا بالحديث الصحيح، والحديث الذي أقام عليه كتابه مع أنه لا يصح من حيث إسناده، فهو مخالف لأربعة طرق صحيحة عن أبي هريرة، هذا الحديث المتفق على صحته أحدها، والأخرى مع أن الشيخ خرجها وصححها فهو لم يستفد من ذلك شيئاً؛ لأن هذا العلم ليس من شأنه، وإلا كيف يصح لعالم أن يقبل طريقاً خامساً عن أبي هريرة بلفظ: " على صورة الرحمن "! مخالفاً لتلك الطرق الأربعة، والتي ثلاثتها بلفظ: " على صورته"، والأولى منها فيها التصريح بأن مرجع الضمير إلى آدم عليه السلام كما ترى، يضاف إلى هذه المخالفة التي تجعل حديثها شاذاً عند من يعرف الحديث الشاذ لو كان إسناده صحيحاً، فكيف وفيها ابن لهيعة، والشيخ يعلم ضعفه ومع ذلك يحاول (ص:27) توثيقه، ولو بتغيير كلام الحفاظ وبتره، فهو يقول " قال الحافظ ابن حجر في "التقريب": صدوق"! وتمام كلام الحافظ يرد عليه؛ فإنه قال فيه: "خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما"! وهذا الحديث ليس من رواية أحدهما! فماذا يقال فيمن ينقل بعض الكلام، ويكتم بعضه؟! وله مثل هذا كثير، لا يتسع هذا التعليق لبيان ذلك. وأما حديث ابن عمر باللفظ المنكر، فقد تكلف الشيخ جداً في الإجابة عن العلل الثلاث التي كنت نقلتها عن ابن خزيمة، كما تجاهل رجاحة رواية سفيان المرسلة على رواية جرير المسندة عن ابن عمر! ولربما تجاهل علة رابعة كنت ذكرتها في "الضعيفة" (3/ 317) وهي أن جريراً ساء حفظه في آخر عمره، وهذا

هو سبب اضطرابه في هذا الحديث، فمرة رواه بهذا الفظ المنكر، فتشبث الشيخ به، ومرة رواه باللفظ الصحيح: " على صورته" فتجاهله الشيخ! مع أنه مطلع عليه في "السنة" برقم (518) ومن تعليقي عليه ينقل ما يحلو له نقله من كلامي ليرد عليه بزعمه، ومنه أنني قلت في حديث أبي رافع عن أبي هريرة بلفظ: " على صورة وجهه"؛ فإني صححت إسناده تحت رقم (516) وأتبعته بقولي: " لكني في شك من ثبوت قوله: " ... وجهه" فإن المحفوظ في الطرق الصحيحة: "على صورته" فألزمني الشيخ - في كلام طويل له ممجوج- بالقول بصحة الحديث، وقال (ص 28): " وإذا كان الإسناد صحيحاً، فلا وجه للشك في متنه"! ومن الواضح لكل ذي بصيرة أن هذا الكلام غير وارد علي، لأنني لم أشك في متن الحديث فرددته مع صحة إسناده، حاشا لله فنحن بفضل الله وتوفيقه من أشد الناس معاداة لمن يفعل ذلك، وإنما شككت في هذه الزيادة: "وجهه" للمخالفة المشار إليها، وفي ظني أن الشيخ لا يعرف أنه لا يلزم من صحة السند صحة المتن، وأن من شروط الصحيح أن لا يشذ ولا يعل، وإلا لما ألزمني ذاك الإلزام، ولرد علي- لو أمكنه- دعواي الشذوذ المشار إليه في قولي: " والمحفوظ ... " ولكن هيهات هيهات! وختاماً فإني أريد أن أنبه القراء الكرام إلى أن ما نسبه الشيخ إلى ابن تيمية والذهبي وابن حبان أنهم صححوا الحديث، فهو غير صحيح، وإنما صححوه باللفظ المتفق عليه، فأما اللفظ المنكر فلا، وراجع "الضعيفة" لتتأكد من صحة ما أقول. "صحيح الادب المفرد" (ص270 - 271).

[1126] باب منه

[1126] باب منه [قال البخاري]: عن أبي هريرة قال: " لا تقولن: قبَّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك؛ فإن الله عز وجل خلق آدم - صلى الله عليه وآله وسلم - على صورته". [قال الإمام]: حسن. [ثم علق قائلاً]: أي: على صورة آدم عليه السلام، وقد جاء ذلك صراحة في حديث آخر لأبي هريرة بلفظ: «خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون ذراعاً» متفق عليه .. فإذا شتم المسلم أخاه وقال له: " قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك" شمل الشتم آدم أيضاً؛ فإن وجه المشتوم يشبه وجه آدم، والله خلق آدم على هذه الصورة التي نشاهدها في ذريته، إلا أن الفرق أن آدم خلقه الله بيده، ولم يمر بالأدوار والأطوار التي يمر بها بنوه، وإنما خلقه من تراب. قال تعالى في أول سورة المؤمنون: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}. "صحيح الأدب المفرد" (ص64). [1127] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «خلق الله آدم على صورته: طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك: فإنها تحيتك وتحية

[1128] باب منه

ذريتك فقال: السلام عليكم: فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: "ورحمة الله" فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن». [قال الإمام]: فائدة: قال الحافظ في الفتح: "وهذه الرواية تؤيد قول من قال: إن الضمير لآدم، والمعنى: أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه عليها، لم ينتقل في النشأة أحوالاً، ولا تردد في الأرحام أطوارًا كذريته، بل خلقه الله رجلاً كاملاً سوياًّ من أول ما نفخ فيه الروح، ثم عقب ذلك بقوله:"طوله ستون ذراعًا" فعاد الضمير أيضًا لآدم". قلت: وقد فصل القول في ذلك ابن حبان عقب الحديث، فراجعه؛ فإنه مفيد. وأما حديث: "خلق الله آدم على صورة الرحمن" فهو منكر، كما بينته بالتفصيل في "الضعيفة" (1175و 1176) ولم يوفق في تصحيحه مؤلف كتاب "عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن" وقد كتبت عليه كثيراً من التعليقات وأخذت عليه بعض المؤاخذات؛ راجيا من الله التمام. "الصحيحة" (1/ 2/810 - 811). [1128] باب منه مداخلة: بالنسبة لحديث: «أن الله خلق آدم على صورة الرحمن» فالتوجيه لهذا الحديث من ناحية الضعف والصحة .. ؟

[1129] باب ضعف حديث: « ... ابن ادم خلق على صورة الرحمن»

الشيخ: لقد تكلمنا عن هذا الحديث أولًا كتابًة في بعض الأجزاء من السلسلة وبينا أنه ليس له إسناد يصح ويمكن الاحتجاج به .. أعود لأقول: بأن حديث: «خلق الله آدم على صورة الرحمن» لا يوجد له إسناد بلفظ: على صورة الرحمن تقوم به الحجة، قد بينت ذلك كتابةً ومحاضرةً، والأمر أكثر من ذلك في اعتقادي؛ لأن الحديث هذا مع ضعف إسناده مخالف من حيث الرواية للحديث الصحيح المتفق عليه بين الشيخين، حيث روياه بالسند الصحيح بطبيعة الحال، بلفظ: «خلق الله آدم على صورته» فهذا الضمير أظهر في الرواية الأولى وليس لها إسناد صحيح، وحينذاك فالقواعد العلمية الحديثية تضطرنا إلى أن نرد هذه الزيادة التي تحدد لنا مرجع الضمير .. فإذا عرفنا أن الحديث الصحيح روي بلفظ: «خلق الله آدم على صورته» وأن الرواية الأولى والتي أظهرت المضمر في الرواية الأخرى فقال: «خلق الله آدم على صورة الرحمن» فإذا ما عرفنا أن إسناد هذه الرواية لا يصح فحينئذ يضطرنا ما نعلمه من علم الحديث أن نقول: إنها زيادة .. لفظ: الرحمن زيادة على الرواية الصحيحة المحفوظة، والتي قالت: على صورته ... (سلسلة الهدى والنور (364) /00:56:08) [1129] باب ضعف حديث: « ... ابن ادم خلق على صورة الرحمن» [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: - «لا تقبحوا الوجه؛ فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن عز وجل». (ضعيف).

[قال الإمام]: أخرجه الآجري في " الشريعة " (ص 315) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 27) والطبراني في " الكبير " (3/ 206/2) والدارقطني في كتاب " الصفات " (64/ 48) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 291) من طرق عن جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر مرفوعاً. وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين ولكن له أربع علل، ذكر ابن خزيمة ثلاثة منها فقال: إحداها: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده فأرسله الثوري ولم يقل: "عن ابن عمر ". والثانية: أن الأعمش مدلس لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت. والثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت أيضاً مدلس لم يعلم أنه سمعه من عطاء ثم قال: " فمعنى الخبر - إن صح من طريق النقل مسنداً - أن ابن آدم خلق على الصورة التي خلقها الرحمن حين صور آدم ثم نفخ فيه الروح ". قلت: والعلة الرابعة: هي جرير بن عبد الحميد, فإنه وإن كان ثقة كما تقدم فقد ذكر الذهبي في ترجمته من " الميزان " أن البيهقي ذكر في " سننه " في ثلاثين حديثا لجرير بن عبد الحميد قال: " قد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ ". قلت: وإن مما يؤكد ذلك أنه رواه مرة عند ابن أبي عاصم (رقم 518) بلفظ: "على صورته". لم يذكر " الرحمن ". وهذا الصحيح المحفوظ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من

الطرق الصحيحة عن أبي هريرة، والمشار إليها آنفاً. فإذا عرفت هذا فلا فائدة كبرى من قول الهيثمي في " المجمع " (8/ 106): " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح, غير إسحاق بن إسماعيل الطالقاني وهو ثقة، وفيه ضعف ". وكذلك من قول الحافظ في " الفتح " (5/ 139): " أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات ". لأن كون رجال الإسناد ثقاتاً ليس هو كل ما يجب تحققه في السند حتى يكون صحيحاً، بل هو شرط من الشروط الأساسية في ذلك، بل إن تتبعي لكلمات الأئمة في الكلام على الأحاديث قد دلني على أن قول أحدهم في حديث ما: " رجال إسناده ثقات "، يدل على أن الإسناد غير صحيح، بل فيه علة ولذلك لم يصححه، وإنما صرح بأن رجاله ثقات فقط، فتأمل. ثم إن كون إسناد الطبراني فيه الطالقاني لا يضر لوسَلِم الحديث من العلل السابقة، لأن الطالقاني متابع فيه كما أشرت إليه في أول هذا التخريج. وقد يقال: إن الحديث يقوى بما رواه ابن لهيعة بسنده عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: «إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه, فإنما صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن». قلت: قد كان يمكن ذلك لولا أن الحديث بهذا اللفظ منكر كما سبق بيانه آنفاً، فلا يصح حينئذ أن يكون شاهدا لهذا الحديث. ومنه تعلم ما في قول الحافظ في " الفتح " بعد أن نقل قول القرطبي: " أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكاً بما ورد في بعض طرقه إن الله خلق آدم على

صورة الرحمن، قال: وكأن من رواه [رواه] بالمعنى متمسكاً بما توهمه فغلط في ذلك، وقد أنكر المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة، ثم قال: وعلى تقدير صحتها فيجمل على ما يليق بالباري سبحانه وتعالى "، فقال الحافظ: " قلت: الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في " السنة " والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات، وأخرجها ابن أبي عاصم أيضاً من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ يرد التأويل الأول، قال: «من قاتل فليتجنب الوجه فلأن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن».فتعين إجراء ما في ذلك على ما تقرر بين أهل السنة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه، أومن تأويله على ما يليق بالرحمن جل جلاله". قلت: والتأويل طريقة الخلف، وإمراره كما جاء طريقة السلف، وهو المذهب، ولكن ذلك موقوف على صحة الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد علمت أنه لا يصح كما بينا لك آنفا، وإن كان الحافظ قد نقل عقب كلامه السابق تصحيحه عن بعض الأئمة، فقال: " وقال حرب الكرماني في " كتاب السنة ": سمعت إسحاق بن راهويه يقول: صح أن الله خلق آدم على صورة الرحمن. وقال إسحاق الكوسج: سمعت أحمد يقول: هو حديث صحيح ". قلت: إن كانوا يريدون صحة الحديث من الطريقين السابقين فذلك غير ظاهر لنا ومعنا تصريح الإمام ابن خزيمة بتضعيفه وهو علم في الحديث والتمسك بالسنة والتسليم بما ثبت فيها عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعنا أيضا ابن قتيبة حيث عقد فصلا خاصا في كتابه " مختلف الحديث " (ص 275 - 280) حول هذا الحديث وتأويله قال فيه: " فإن صحت رواية ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بذلك فهو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا تأويل ولا تنازع ".

وإن كانوا وقفوا للحديث على غير الطريقين المذكورين، فالأمر متوقف على الوقوف على ذلك والنظر في رجالها، نقول هذا لأن التقليد في دين الله لا يجوز، ولا سيما في مثل هذا الأمر الغيبي، مع اختلاف أقوال الأئمة في حديثه، وأنا أستبعد جدا أن يكون للحديث غير هذين الطريقين، لأن الحافظ لم يذكر غيرهما، ومن أوسع اطلاعا منه على السنة؟ نعم له طرق أخرى بدون زيادة " الرحمن" فانظر: " إذا ضرب أحدكم .. " و"إذا قاتل أحدكم ... " في "صحيح الجامع" (687 و716) وغيره. وخلاصة القول: إن الحديث ضعيف بلفظيه وطريقيه، وأنه إلى ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة بألفاظ متقاربة، منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً». أخرجه الشيخان وغيرهما " الصحيحة 450 ". (تنبيه هام): بعد تحرير الكلام على الحديثين بزمن بعيد وقفت على مقال طويل لأخينا الفاضل الشيخ حماد الأنصاري نشره في مجلة " الجامعة السلفية " ذهب فيه إلى اتباع - ولا أقول تقليد - من صحح الحديث من علمائنا رحمهم الله تعالى، دون أن يقيم الدليل على ذلك بالرجوع إلى القواعد الحديثية وتراجم الرواة التي لا تخفى على مثله، لذلك رأيت - أداء للأمانة العلمية - أن أبين بعض النقاط التي تكشف عن خطئه فيما ذهب إليه مع اعترافي بعلمه وفضله وإفادته لطلبة العلم وبخاصة في الجامعة الإسلامية جزاه الله خيراً. أولاً: أوهم القراء أن ابن خزيمة رحمه الله تعالى تفرد من بين الأئمة بإنكاره لحديث " على صورة الرحمن " مع أن معه ابن قتيبة والمازري ومن تبعه، كما

تقدم، وهو وإن كان ذلك في آخر البحث، فقد كان الأولى أن يذكره في أوله حتى تكون الصورة واضحة عند القراء. ثانياً: نسب إلى الإمام مالك رحمه الله أنه أنكر الحديث أيضاً قبل ابن خزيمة! وهذا مما لا يجوز نسبته للإمام لأمرين: الأول: أن الشيخ نقل ذلك عن الذهبي، والذهبي ذكره عن العقيلي بسنده: حدثنا مقدام بن داود .. إلخ، ومقدام هذا يعلم الشيخ أنه متكلم فيه، بل قال النسائي فيه: " ليس بثقة " فلا يجوز أن ينسب بروايته إلى الإمام أنه أنكر حديثاً صحيحاً على رأي الشيخ، وعلى رأينا أيضا لما يأتي. والآخر: أن الرواية المذكورة في إنكار مالك ليس لهذا الحديث المنكر، وإنما للحديث الصحيح المتفق عليه فإنه فيها بلفظ: " إن الله خلق آدم على صورته". وكذلك هو عند العقيلي في " الضعفاء " (2/ 251) في هذه الرواية، فحاشا الإمام مالك أن ينكر الحديث بهذا اللفظ الصحيح أوغيره من الأئمة. ولذلك فالقارئ العادي يفهم من بحث الشيخ أن الإمام ينكر هذا الحديث الصحيح! ثالثاً: ساق إسناد حديث ابن عمر أكثر من مرة، وكذلك فعل بحديث أبي هريرة دون فائدة، وساقهما مساق المسلمات من الأحاديث وهو يعلم العلل الثلاث التي ذكرها له ابن خزيمة لأنه في صدد الرد عليه، ومع ذلك لم يتعرض لها بذكر! بله جواب، وكذلك يعلم ضعف ابن لهيعة الذي في حديث أبي هريرة، فلم يبنبس ببنت شفة! رابعاً: نقل كلام الذهبي الذي ذكره عقب رواية المقدام، وفيه: أن هذا

الحديث لم ينفرد به ابن عجلان فقد رواه (الأرقام الآتية مني): 1 - همام عن قتادة عن أبي أيوب المراغي عن أبي هريرة. 2 - ورواه شعيب وابن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. 3 - ورواه جماعة كالليث بن سعد وغيره عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة. 4 - ورواه شعيب أيضا وغيره عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبي هريرة. انتهى. وأقول: نص كلام الذهبي قبيل هذه الطرق: " قلت: الحديث في أن الله خلق آدم على صورته؛ لم ينفرد به ابن عجلان ... " إلخ. فأنت ترى أن كلام الذهبي في واد، وكلام الشيخ في واد آخر. فهذه الطرق الأربعة ليس فيها زيادة " صورة الرحمن "، والشيخ - سامحه الله - يسوقها تقوية لها، وهو لوتأمل فيها لوجدها تدل دلالة قاطعة على نكارة هذه الزيادة، إذ لا يعقل أن تفوت على هؤلاء وكلهم ثقات، ويحفظها مثل ابن لهيعة، ومن ليس له في العير ولا في النفير! وإني - والله - متعجب من الشيخ غاية العجب كيف يسوق هذه الروايات نقلا عن الذهبي وهو قد ساقها لتقوية الحديث الصحيح الذي أنكره مالك بزعم المقدام بن داود الواهي، والشيخ - عافانا الله وإياه - يسوقها لتقوية الحديث المنكر! وإن مما يؤكد أن الذهبي كلامه في الحديث الصحيح وليس في الحديث المنكر أنه قال في آخره: " وقال الكوسج: سمعت أحمد بن حنبل يقول: هذا الحديث صحيح. قلت: وهو مخرج في الصحاح ".

قلت: فقوله هذا يدلنا على أمرين: الأول: أنه يعني الحديث الصحيح، لأنه هو المخرج في " الصحاح " كما سبق مني. والآخر: أنه هو المقصود بتصحيح أحمد المذكور، فلم يبق بيد الشيخ إلا تصحيح إسحاق، فمن الممكن أن يكون ذلك فهما منه، وليس رواية. والله أعلم. خامساً وأخيراً: قرن الشيخ الحافظ الذهبي والعسقلاني مع أحمد وإسحاق في تصحيح الحديث. وجوابي عليه: أن كلام الذهبي ليس صريحاً في ذلك، بل ظاهره أنه يعني الحديث الصحيح. وأما ابن حجر فعمدة الشيخ في ذلك قوله: " رجاله ثقات " وقد علمت مما سبق أن هذا لا يعني الصحة، ولو سلمنا جدلاً أنه صححه هو أوغيره قلنا: " هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ". وخلاصة (التنبيه) أن الشيخ حفظه الله حكى قولين متعارضين في حديث «على صورة الرحمن» دون ترجيح بينهما سوى مجرد الدعوى، وذكر له طريقين ضعيفين منكرين دون أن يجيب عن أسباب ضعفهما، بل أوهم أن له طرقاً كثيرة يتقوى بها، وهي في الواقع مما يؤكد وهنهما عند العارفين بهذا العلم الشريف وتراجم رواته. وهذا بخلاف ما صنع شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه " نقض التأسيس " في فصل عقده فيه لهذا الحديث بأحد ألفاظه الصحيحة: " إن الله خلق أدم على صورته " أرسل إلي صورة منه بعض الأخوان جزاه الله خيرا فإن ابن تيمية مع كونه أطال الكلام في ذكر تأويلات العلماء له وما قالوه في مرجع ضمير " صورته "، ونقل أيضا كلام ابن خزيمة بتمامه في تضعيف حديث الترجمة وتأويله إياه إن صح، فرد عليه التأويل، وسلم له التضعيف، ولم يتعقبه بالرد، لأنه يعلم أن

[1130] باب منه

لا سبيل إلى ذلك، كما يتبين للقارىء من هذا التخريج والتحقيق، ولهذا كنت أود للشيخ الأنصاري أن لا يصحح الحديث، وهو ضعيف من طريقيه، ومتنه منكر لمخالفته للأحاديث الصحيحة. نسأل الله تعالى لنا وله التوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يحشرنا في زمرة المخلصين الصادقين {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}. "الضعيفة" (3/ 316 - 322). [1130] باب منه [قال الإمام مُعلِّقًا على حديث الصورة]: في رواية لمسلم بلفظ: "فإن الله خلق آدم على صورته"؛ أي: صورة آدم نفسه, وليس هذا تأويلاً كما يظن بعض الناس, وإنما هو من باب تفسير النص بالنص, وليس بالرأي ففي رواية أخرى عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: خلق الله آدم على صورته, طوله ستون ذراعًا ... " الحديث متفق عليه ... ولا يجوز تفسيره بحديث ابن عمر: " ... على صورة الرحمن"؛ لأنه منكر لا يصح, فيه أربع علل، ولذلك ضعَّفه ابن خزيمة وغيره ممن يرميهم أعداء السنة بالتجسيم! ولقد أساء جدًا إلى السنة وإلى الحديث بعض المشايخ الذين ألَّفوا في تقويته, ممن ليس لهم سابقة معرفة واشتغال بهذا العلم الشريف؛ مثل ما سماه: "عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن"! وهو مطبوع, و"دفاع أهل

[1131] باب منه

السنة والإيمان عن خلق آدم على صورة الرحمن"! ولعله لم يطبع, وغيرهما ممن كتب في تصحيح هذا الحديث المنكر. وتفصيل ذلك في "الضعيفة" (1176). "مختصر صحيح البخاري" (2/ 178). [1131] باب منه الشيخ: .. الحديث الذي يقول: «خلق الله آدم على صورة الرحمن» لا يصح من حيث إسناده، نعم. مداخلة: سئل أبا ثور عن خلق آدم على صورته .. الشيخ: وما الذي نصب أبا ثور: أبو أبو .. مداخلة: أبو ثور على خلق آدم على صورته فقال: إنما هو على صورة آدم وليس هو على صورة الرحمن، قال الجزري: فقلت بعد ذلك لعبد الوهاب: ما تقول في أبي ثور؟ فقال: ما أدين فيه إلا بقول أحمد بن حنبل: يؤجر أبو ثور، ومن قال بقوله، قال الجزري: وقلت لعبد الوهاب مرة أخرى وقد تكلم قوم في هذه المسألة: «خلق الله آدم على صورته» فقال: من لم يقل: إن الله خلق آدم على صورة الرحمن فهو جهمي، فهذا يعني ... صاحب هذا الرأي نقل أقوال على أنه من لم يقل بهذا القول فهو جهمي عن الإمام أحمد. الشيخ: ولسنا مقلدين، والحمد لله نحن أعداء الجهميين لكننا لسنا مقلدين، ما الدليل أن من قال قولًا وافق فيه الجهم كان جهميّاً؟ هذه واحدة، والأخرى: ما الدليل على صحة أن مرجع الدليل إنما هو الله تبارك وتعالى خاصة بعد أن ذكرنا ما ذكرنا آنفًا؟ فهذه أقوال ككثير من الأقوال الفقهية تطلق لقائلها ولا يجوز أن

[1132] باب منه

نحتج بها، وبخاصة إذا كان لازمها ضرب السنة الصحيحة، فنحن نقول مثلًا: لو كان الذي يتبنى هذا القول .. أو نقول شيئًا آخر: لو كان قائل هذا القول حاضرًا، أو كان من يتبنى هذا القول ممن جاء من بعده، ماذا تقول في حديث أبي هريرة في صحيح البخاري: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا» فهل نأخذ الحديث وندع القول الذي فيه اتهام من قال به بأنه تجهم، أم لا نبالي بهذه الأقوال؛ لأنها خرجت مخرج الاجتهاد؟ فنحن علينا أن نتبع السنة ونتبع الحديث سواء كان ذلك في العقيدة أو في الأحكام. "لقاءات المدينة" (1/ 00:00:00) [1132] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته». [قال الإمام]: فائدة: يرجع الضمير في قوله: على صورته إلى آدم عليه السلام؛ لأنه أقرب مذكور، ولأنه مُصرَّح به في رواية أخرى للبخاري عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا» ... وأما حديث « .. على صورة الرحمن» فهو منكر. "الصحيحة" (2/ 518 - 519).

[1133] باب منه

[1133] باب منه سؤال: فضيلة الوالد حفظك الله! ما مدى صحة حديث: «إن الله خلق آدم على صورته» وحديث: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» وجزاك الله خير. الشيخ: لقد كتبنا بحثًا في هذه المسألة في بعض كتبي، ولعل ذلك في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، فإن الحديث الأول: «إن الله خلق آدم على صورته» حديث صحيح، أخرجه الشيخان في صحيحيهما، أما الحديث الآخر بلفظ: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» فذكر لفظة الرحمن أحسن ما يقال فيها: إنها شاذة، والحقيقة إنها منكرة؛ لأن هذا الحديث لو كان له إسناد صحيح لقلنا: إن هذه اللفظة: الرحمن، شاذة على طريقة علماء الحديث: أن من كان ثقًة وروى زيادة في الحديث خالف فيها من هو أوثق منه تكون زيادته شاذة، أما إذا كان الذي زاد على الثقة فتكون زيادته منكرة، والواقع في هذا الحديث أنه من هذا القبيل؛ لأنه ليس له إسناد صحيح كما فصَّلنا القول في ذلك في المصدر المشار إليه آنفًا. أما الحديث الصحيح فله روايتان: الرواية الأولى: سبق ذكرها، والرواية الأخرى هي التي تعارض تلك الرواية المنكرة وتفسر وتعين مرجع الضمير في الرواية الصحيحة: «إن الله خلق آدم على صورته» ذلك هو حديث أبي هريرة في صحيح البخاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله خلق آدم على صورته طوله ستون ذراعًا» في صحيح البخاري، طول من؟ هل رب العالمين من صفاته أن له طولًا وعرضًا؟! حاشا لله، وإنما هذا الحديث صريح بأن مرجع الضمير في الحديث الأول الصحيح: «إن الله خلق آدم على صورته» أي: صورة آدم، وجاء في

[1134] باب منه

بعض الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذكر هذا الحديث بمناسبة أن أحدهم ضرب وجه شخص فقال: إن الله خلق آدم صورته، أي: إن أبناءه على صورة آدم، وصورة آدم جاء تفسيرها في حديث البخاري: طوله ستون ذراعًا، في ستة أذرع قال عليه الصلاة والسلام: «فلم يزل الخلق يتناقص حتى الآن». فإذًا: بعد مجيء هذا الحديث الصحيح الذي يحدد مرجع الضمير لم يبق مجال للتمسك بالحديث الثاني الذي يقول: «خلق آدم على صورة الرحمن» لسببين اثنين: أما الأول: أنه ليس له إسناد صحيح، والآخر: أنه خالف الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه، فالتقويم تجدونه في ذلك الموضع. "رحلة النور" (29ب/00:22:15) [1134] باب منه السائل: حديث: «إن الله خلق آدم على صورته» إلى من يرجع الضمير؟ الجواب: إلى آدم عليه السلام. مداخلة: إذا بارك الله فيك، إذا كان عائد إلى الله عز وجل، فما معنى الحديث ... ، وهل الرواية الأخرى تعتبر منكرة أن الله خلق آدم على صورة الرحمن؟ الجواب: هذه الرواية ضعيفة لا تصح، وسيأتيك بيان تفصيل القول في ضعفها في المجلد الثالث في سلسلة الأحاديث الضعيفة، وقد قدَّمت قبل أن آتي إليكم الفهارس وطبع الكتاب دون الفهارس، وفيه تفصيل القول في ضعف هذا الحديث مع اهتمام كثير من أهل السنة بإثباته، ولكن علم الحديث لا يساعد على إثباته، فهو ضعيف بل منكر بزيادة: (على صورة الرحمن)، والصحيح كما جاء في

[1135] باب منه

مسلم وغيره: (إن الله خلق آدم على صورته) فقط، وجاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: (على صورته) بزيادة تؤكد أن الضمير يعود إلى آدم حيث قال عليه السلام: «إن الله خلق آدم على صورته طوله ستون ذراعاً»، هذا نص صريح بأن الضمير يرجع إلى آدم عليه السلام، ولو صح الحديث بالرجوع إلى الله آمنا به دون تكييف ودون تأويل وتشبيه وتعطيل. "الهدى والنور" (89/ 00:16:20) [1135] باب منه الشيخ: اختلف العلماء قديماً وحديثاً على ما في الضمير في الرواية الصحيحة: «إن الله خلق آدم على صورته»، وهذا الخلاف في اعتقادي يجب أن يفرغ منه بعد أن وقفنا على رواية الإمام البخاري في صحيحه بلفظ: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً»، فتكون رواية البخاري الصحيحة مفسرة مبينة للرواية الصحيحة الأخرى وهي قوله عليه الصلاة والسلام: «خلق الله آدم على صورته» فمرجع الضمير في صورته اتضح في رواية الإمام البخاري بلفظ: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً»؛ لأن الوصف بهذا الطول لا يصح بوجه من الوجوه أن يرجع إلا إلى آدم عليه الصلاة والسلام، وبذلك ننتهي من مشكلة التساؤل والخوض في حديث: «خلق الله آدم على صورة الرحمن» سواء من حيث الرواية التي دلت على ضعف إسنادها، أو من حيث الدراية التي دلت على شذوذها ومخالفتها للرواية المتفق عليها إسناداً، ومخالفة هذه لرواية البخاري الصحيحة المخالفة لها متناً. "الهدى والنور" (365/ 40: 00: 00)

[1136] باب منه

[1136] باب منه السائل: حديث ورد أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إن الله خلق ابن آدم على صورة الرحمن»؟ الشيخ: باطل. مداخلة: باطل هاه؟ الشيخ: نعم. مداخلة: الله يجزيك خير ويرحم والديك. الشيخ: الله يحفظك. مداخلة: والذين قالوا: انه صحيح. الشيخ: الذين يصححون لا يعرفون الصحيح. مداخلة: الله يجزيك خير إن شاء الله. الشيخ: الله يحفظك والحديث الصحيح إنما هو بلفظ: «إن الله خلق آدم على صورته» ليس على صورة الرحمن. مداخلة: على صورته المقصود فيه آدم. الشيخ: اسمع، هذا هو اللفظ المشهور المعروف في الصحيحين، وفي رواية في البخاري تفسر الرواية الأولى: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً» فإذاً هو آدم. "الهدى والنور" (328/ 26: 54: 00)

[1137] باب منه

[1137] باب منه السائل: الحديث «أن الله خلق آدم على صورة الرحمن» كيف تفسير؟ الشيخ: هذا حديث نبع من بلادكم، وانتشر إلينا، لكنه هو حديث لا يصح مهما حاول الشيخ أن يقويه، فتقوية الحديث الضعيف ليس من تخصص الشيخ، فهو اعتدى على التخصص لَمَّا صحح هذا الحديث وبخاصة أنه يثير الإشكالات والشبهات الكثيرة عند عامة المسلمين، فلو أنه أبقى الحديث على الرواية الصحيحة: «إن الله خلق آدم على صورته» [فلا] يعتمد على الرواية الأخرى التي تثير الإشكالات العديدة والكبيرة، منها تشبيه الرحمن بالإنسان فلا يروي هذا الحديث ولا يدندن حوله، وإنما يكتفي بالحديث الصحيح: «إن الله خلق آدم على صورته» ثم بعد ذلك يفسره كل مفسر حسب ما يترجح لديه، حتى ولو عاد تفسيره إلى ذاك الحديث الضعيف، لأنه يكون هناك فرق كبير بين أن يقدم إلى الناس رأياً له في تفسير الحديث الصحيح، والرأي معرض للخطأ وللصواب، وبين أن يقول لهم هذا قول رسول الله: «خلق الله أدم على صورة الرحمن». شتان بين الأمرين، ولذلك فمن الخطأ أن نروي هذا الحديث إلا على الرواية الصحيحة. "الهدى والنور" (229/ 32: 49: 00) [1138] باب منه سؤال: .. يقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله خلق آدم على صورته»، فالتأويل الصحيح شيخ لهذا الحديث. الشيخ: صورة آدم؛ لأنه جاء في صحيح البخاري: «خلق الله آدم على صورته

[1139] باب الكلام على أحد روايات حديث الصورة

طوله ستون ذراعاً»، فهذا تفسير من الرسول نفسه. الملقي: إيه بس الحافظ يا شيخ كأنه صحح .. حديثاً ما أدري هل يصح ولا لا، «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن». الشيخ: هذا لا يصح ولن يصح. "الهدى والنور" (754/ 00: 30: 00) [1139] باب الكلام على أحد روايات حديث الصورة سؤال: نريد أن نرى رأيكم في حديث أخرجه ابن أبي عاصم، قال: حدثنا محمد بن ثعلبة بن سواء، حدثني عمي محمد بن سواء عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي رافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا قاتل أحدكم فليسلم الوجه، فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه» ثم أن المؤلف قال: هذا إسناد صحيح، وفي التعليق قال: السنة جزء كذا صفحة كذا، وقول الألباني: لكني في شك من ثبوت قوله: «على صورة وجهه» لا وجه له، وإن كان هو في شك من ذلك فالحفاظ من أهل الحديث لم يشكُّوا فيه. الشيخ: أين الحفاظ؟ مداخلة: أردت التعليق على سند الحديث .. الشيخ: الآن لست مستحضرًا حال الرجال. مداخلة: قد ... الرجال. الشيخ: أعرف لكن أقول: لا نستحضر تراجمهم، دعني أرى.

[1140] باب الرد على من رد أو تأول ما جاء في حديث الصورة من أن آدم عليه السلام طوله ستون ذراعا

الآن لا أستحضر حال كل راو من هؤلاء الرواة، لكني بحاجة أن أراجع كلامي عليه في تخريج السنة لابن أبي عاصم، إلا أنني الذي أستحضره في ذهني أن ما نقله بقوله: وقول الألباني: لكني في شك من ثبوت قوله: على صورة وجهه، لا وجه له، وإن كان هو في شك من ذلك فالحفاظ من أهل الحديث لم يشكوا فيه. إن كان يعني بخصوص هذا اللفظ وبخاصة أنه ختمه بقوله: خلق آدم على صورة وجهه قال: هذا إسناد صحيح وظاهر في إبطال القول من جعل الضمير في قوله: على صورته عائدًا إلى آدم، انظروا الآن: ما الفرق بين الحديث الصحيح: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورته» اختلفوا في رجوع الضمير، وهو لم يستفد شيئًا إذ صحح هذه الرواية على صورة وجهه؛ لأن نفس الضمير يقال فيه ما قيل هناك، وقوله وهو ظاهر في إبطال قول من جعل الضمير في قوله: على صورته عائدًا إلى آدم، فلن يستفيد شيئًا. "رحلة النور" (39أ/00:33:12) [1140] باب الرد على من ردَّ أو تأول ما جاء في حديث الصورة من أن آدم عليه السلام طوله ستون ذراعًا [قال المعلمي في "التنكيل"]: جاء في الحديث أن الله خلق آدم طوله ستون ذراعاً، فما زال الخلق أي من بنيه يتناقص حتى صاروا إلى ما هم عليه الآن. استشكله ابن خلدون، ونقل إشكاله الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" بأن ديار ثمود في الحجر لا تزيد أبوابها عن أبواب ديارنا وهم من القدم على ما يظهر أن يكونوا في نصف الطريق بيننا وبين

[1141] باب الرد على من قال أن من لم يرجع الضمير في حديث «إن الله خلق آدم على صورته» إلى آدم فهو جهمي، وذكر أقوال الناس في هذا الحديث مع مناقشتها

آدم، فكان على هذا يجب أن تطول أبدانهم عنا بنحو ثلاثين ذراعاً، ولعل أهل الحفريات عثروا على عظام وجماجم قديمة جداً ولا يزيد طولها عن طول الناس اليوم -، سمعت حل الإشكال من الشيخ عبيد الله السندي رحمه الله أن الطول المذكور في عالم المثال لا في عالم الأجسام والمشاهدة. فالله أعلم. [قال الإمام]: هذا التأويل أشبه بتأويلات المتكلمين والمتصوفة، وأني متعجب جداً من حكاية فضيلة الشيخ إياه وإقراره له. واستشكال ابن خلدون إنما يصح على ما استظهره أن ثمود في نصف الطريق بيننا وبين آدم، وهذا رجم بالغيب، إذ لم يأت به نص عن المعصوم، ولا ثبت مثله حتى الآن من الآثار المكتشفة، بل لعلها قد دلت على خلاف ما استظهره. فيبقى الحديث من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها دون أي استشكال. والحديث المشار إليه أخرجه الشيخان في "صحيحهما". "التعليق على التنكيل" (2/ 392). [1141] باب الرد على من قال أن من لم يُرجع الضمير في حديث «إن الله خلق آدم على صورته» إلى آدم فهو جهمي، وذِكر أقوال الناس في هذا الحديث مع مناقشتها [تكلم الشيخ على ضعف حديث: «خلق الله آدم على صورة الرحمن»، ثم قال أحد الحضور]: والله يا شيخنا بعضهم يقول: هذا قول الجهمية الشيخ: أيش هو قول الجهمية سامحكم الله، ما هو؟

مداخلة: أن من أعاد الضمير على آدم. الشيخ: هذا قول الجهمية؟ مداخلة: يتمسكون بقول إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل. الشيخ: لا ما يقول هذا الإمام أحمد، الإمام أحمد ما تكلم عن حديث: «خلق الله آدم على صورة الرحمن»، الإمام أحمد ما يصحح هذا الحديث، أكذلك؟ مداخلة: كذلك. الشيخ: طيب، استرحنا من هذا الحديث إذاً من جهة أنه إمام أهل السنة الإمام أحمد ما صححه، نعود للتأويل: «خلق الله آدم على صورته» هكذا الرواية الصحيحة، أليس كذلك؟ مداخلة: نعم. الشيخ: الضمير إذا أعدناه إلى آدم ترُوى الروايات عن الإمام أحمد أن هذا قول الجهمية، طيب، هل من قول الجهمية خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً؟ مداخلة: الجهمية. الشيخ: هل من قول الجهمية خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً؟ مداخلة: لا. الشيخ: قول من هذا؟ مداخلة: هذا قول الرسول عليه الصلاة والسلام.

الشيخ: إذاًَ فأنا جهمي. مداخلة: لا، أنت لست بجهمي. الشيخ: إذاًَ من هو الجهمي. مداخلة: الجهمي هو الذي ينكر صفات الرب جل وعلا. الشيخ: فلماذا تشعرون بأهمية الموضوع أن الإمام يقول: أنه من أرجع الضمير إلى آدم فهو قول جهمي. مداخلة: يقولون: وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلق عليها. الشيخ: لا تناقش الآن بعد أن آمنت معي بقوله عليه السلام، وقلت بأن هذا هو قول الرسول، فإذاً: ماذا نقول؟ الضمير راجع لمن؟ مداخلة: يرجع إلى آدم. الشيخ: حسن، إذاً: هم الآن يقعون في التشبيه إذا آمنوا بهذا الحديث الصحيح ولا سبيل لهم إلا أن يؤمنوا معنا به؛ لأنه في «صحيح البخاري»، فحنئذٍ إذا أصروا على إعادة الضمير الأول على صورته إلى الله إذاً: نخرج بنتيجة: طول الله ستون ذراعاً، وهذا هو تمام التشبيه الذي قد يستوحيه بعضهم من إعادة الضمير إلى الله في الحديث الصحيح أيضاً: خلق الله آدم على صورته. هذا من تمام التشبيه. مداخلة: هم يقولون يا شيخ: نثبت الحديث كما جاء، ولا نتعرض لتأويله ما لنا أن نؤوله، ويقولون: أن من ادعى أن ظاهر هذا الحديث هو التشبيه فهذا مردود عليه وباطل؛ لأن نصوص القرآن والسنة لا يكون ظاهرها التشبيه، لأن هذا في القرآن والسنة ما يبطل هذا، فكيف يكون ظاهر الكتاب والسنة الكفر.

الشيخ: أنت الآن تقول: إنهم يقولون: لا نؤول، صح؟ مداخلة: نعم، ما لنا أن نؤوله، لا نؤوله. الشيخ: ليس لنا أن نؤول، هل تعني بهذا النفي وإن كان هذا لم يصدر منك وإنما هو أشعر تماماً أنه حكاية منك ونقل منك. مداخلة: نعم، هو كذلك. الشيخ: وتبرير لمثل هذا النقل نقول: ناقل الكفر ليس بكافر، فأنت تقول عنهم: ليس لنا أن نؤول، ماذا يعنون: ليس لنا أن نؤول، هل يعنون: ليس لنا أن نفسر، وبالتالي ليس لنا أن نفهم؟ وحينئذٍ نعود إلى التفويض، وما أظن يقولون بهذا. مداخلة: نعم، هم يقولون يا شيخ. الشيخ: لا تشرح لي، أنا قلت لك: ما أظن يقولون بهذا، فإما أن تكون معي أو لا، فإن كنت معي لا يحتاج الأمر إلى أن تعود وتقول: يقولون، فهل هم مفوضة في هذا الحديث؟ مداخلة: يلزمهم يا شيخ. الشيخ: يلزمهم وهذا هو. مداخلة: لكن لا يقرون بذلك هم، ويقولون: نحن .. الشيخ: وهذه المشكلة يا شيخ، هذه المشكلة، أهل الأهواء يلفون ويدورون، تارة مؤولة، تارة معطلة، تارة مفوضة، ليس لهم منهج مستقيم، وأهل السنة على

رأسهم الإمام أحمد ونحن من ورائه هم ليسوا مفوضة، وليسوا مؤولة بالمعنى العلمي الاصطلاحي، وليس بمعنى العلمي الذي يقول مثلاً ابن جرير في تفسيره تأويل آية أي تفسيرها، واضح؟ مداخلة: واضح. الشيخ: فأهل السنة ليسوا مؤولة بمعنى: إخراج النص عن ظاهره إلى معنى لا يتبادر إلى الذهن أولاً، ثم لا يوجد هناك قرينة علمية تضطرنا إلى أن نلجأ إليه ثانياً، إذاً: هم أهل السنة هم مؤولة بمعنى مفسرون، إذاً: ماذا يفيد كلامهم نحن لا نؤول؟ مداخلة: على المعنى البدعي. الشيخ: على المعنى البدعي، أحسنت، الآن نعود إلى الحديث الأول: «خلق الله آدم على صورته».من حيث الأسلوب العربي يحتمل إعادة الضمير إلى كل من الخالق رب العالمين، والمخلوق آدم عليه السلام، صح أم لا؟ من حيث الأسلوب العربي. مداخلة: والمضروب؟ الشيخ: والمضروب أين المضروب؟ مداخلة: في حديث آخر يعني. الشيخ: نحن نتكلم عن هذا الحديث، أنت تأتي بحديث آخر نتكلم عليه، نحن الآن حديثنا: خلق الله آدم على صورته. ألست أنت بدأت الحديث نقلاً عنهم أعود لأقول: نقلاً عنهم أنهم هم الذين يقولون الضمير هنا راجع إلى الله؟

مداخلة: نعم يا شيخ. الشيخ: طيب، نحن لا نزال في هذا الموضوع، فأرجو أن لا نشت عن موضوع إلى حديث ثالث، وأنا لا أقول هذا هرباً من البحث في الحديث الثالث، لا، لكل مقام مقال، ولكل دولة رجال، فالآن أعود لأقول: الضمير في هذا الحديث من حيث الأسلوب العربي يحتمل أن يعود إلى الخالق سبحانه وتعالى، وإلى المخلوق وهو آدم، صح أم لا، فهم تركوا الإعادة الثانية تمسكاً منهم بالإعادة الأولى: خَلَقَ الله، ولعلك تعلم مثلي أن العلماء يقولون: إذا احتمل رجوع الضمير إلى مضمرين اثنين فالأولى أن يعاد إلى الأقرب ذكراً، معروف هذا لديك. مداخلة: نعم. الشيخ: فالأقرب ذكراً هو هنا في الحديث الله أم آدم؟ مداخلة: آدم. الشيخ: خلق الله آدم على صورته. آدم، طيب، إذاً: فهنا فيه لفتة نظر مهمة من حيث الأسلوب العربي أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، فإذا إنسان من أهل السنة والجماعة لسبب أو آخر أعاد الضمير إلى أقرب مذكور، وهذا أسلوب عربي، لماذا يقال: إنه جهمي؟ ممكن أن يقال: إنه جهمي إذا صدر هذا التأويل من جهمي فعلاً، أما إذا حصل من أهل السنة والجماعة فهذا لا ينبغي أن يتهم بأنه جهمي؛ لأنه أولاً هو في الأصل سني وليس بالجهمي، ثانياً: استعمل اللغة العربية، أنه يعود إلى أقرب مذكور، ثالثاً وأخيراً وهذا هو المهم: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً. إلى ماذا عاد الضمير الأول، هنا ضميران، لا شك أن الضمير الأول والثاني لا يمكن إدخال (قدقدة) بينهما، فأحدهما يعود إلى مضمر

والثاني يعود إلى مضمر آخر، وإنما يعود كل منهما إلى مضمر واحد، أنت معي أم شارد؟ مداخلة: معك يا شيخ. الشيخ: معي، فإذاً: خلق الله آدم على صورته طوله، صورته طوله، إن أصروا بإعادة الضمير إلى الله، الضمير الثاني إلى من يعود؟ إلى الله، من الذي يقول: طول الله ستون ذراعاً، أليس هذا هو التشبيه؟ أليس هذا هو الكفر بعينه؟ ولذلك شيخكم هذا في هذا الكتاب حاول الإنفكاك من هذا الإيراد ما عاد أذكر كيف لف ودار، لعلك أنت باعتبار قريب من البحث هذا تذكر ماذا فعل، أنا باقي في ذهني أنه لف ودار على الحديث الصحيح، لكن طاح وذهب من ذهني تفصيل ذلك، فلعلك تذكر؟ مداخلة: تريد قولهم يا شيخ حول الحديث يعني؟ الشيخ: لا، أريد ماذا قال المؤلف التويجري. مداخلة: هو الشيخ يعني، يعني: لماذا يقول بأن الضمير يعود إلى الله؟ الشيخ: لا. ما موقفه من حديث البخاري: خلق الله آدم على صورته طوله. مداخلة: ما تعرض لهذا يا شيخ. الشيخ: لا، تعرض كيف لا. مداخلة: يعني هو يقول. الشيخ: على كل حال نحن الآن بحثنا في هذا من باب التعاون على الخير والبر والعلم الصحيح، نفترض أنه لم يتعرض كما تقول، أو تعرض كما أقول، فما

يهمنا أصبتُ أم أخطأتُ، أصبتَ أم أخطأتَ، ما يهمنا هذا، يهمنا أنه ما موقف المسلم تجاه هذا الحديث الموجود في صحيح البخاري: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً. ما موقفه؟ ما موقف الشيخ من هذا الحديث؟ مداخلة: موقف الشيخ يقول: أننا نأخذ بالضمير الأول نعيده على الله، والضمير الثاني نعيده على آدم، لأن الثاني لا يمكن أن يعاد على الله. الشيخ: هذا الذي كنا نتكلم، كيف يصير هذا في اللغة العربية. مداخلة: عنده يصير يا شيخ. الشيخ: هات نشوف فيه مثال في اللغة العربية كهذا حتى نعرف. مداخلة: ذكر شيخنا أحد الإخوة تناقشت معه في المسألة، أو بالأحرى تناقش معه الشيخ نسيب الرفاعي بوجودي، وصار يعني مباحثات عامة فذكر قوله تعالى تدليلاً على هذه: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الفتح:9) فقال: تعزروه وتوقروه عائدة على النبي عليه السلام، وتسبحوه عائدة على الله سبحانه وتعالى، وهما في سياق واحد. الشيخ: واحد، أي نعم، لكن هنا يتخلف الأمر تماماً في التسوية، لفظة التسبيح في ذاتها لا يمكن أن يفسح مجال إرجاع الضمير إلى المضمر الأقرب ذكراً. مداخلة: يعني قاطع، من المستحيلات كما يقول علماء الكلام. الشيخ: بلا شك يعني، على كل حال أنا يهمني في الموضوع شيء في الواقع مهم، أن أهل الأهواء ما موقفهم بالنسبة للنصوص وبخاصة إذا كانت حديثية وقد

يجدون متنفساً في التخلص منها، أنه حديث يفيد الظن؛ لأنه حديث آحاد .. إلخ، فسبيلهم معروف: إما التأويل للنص أو إنكاره، إذا استطاعوا إنكاره ما قصروا، في القرآن لا يمكن هذا، لأنه إذا أنكر شيء من القرآن انكشف أمره وخرج من الملة، أما بالنسبة للحديث فبإمكانهم أن ينكروه وقد فعلوا ذلك كثيراً، والمثال في العصر الحاضر موجود عندك فيما فعله الغزالي هذا المعاصر، فأهل السنة أحياناً يبدر من أحدهم ما ينكره على أهل الأهواء، وهو اللف والدوران على النص، فنحن أمام هذا الحديث: «خلق الله آدم على صورته طوله».ما موقفنا تجاه هذا الحديث؟ إما أن نسلم بدلالته الواضحة أن الضميرين يرجعان إلى أقرب مذكور، وإما أن نعطل الحديث ونقول: هذه رواية شاذة أو ما شابه ذلك. [ثم حدثت مداخلات خارج الموضوع، إلى أن قال الشيخ علي حسن] هو يبدو ليس من كلامه، وإنما هو من كلام شيخ الإسلام الذي نقله من بيان تلبيس الجهمية في أكثر من نصف الكتاب، يعني: أكثر من نصف الكتاب هذا مأخوذ من كلام شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية النسخة المخطوطة، فهو نشره، الكلام لشيخ الإسلام رحمه الله. الشيخ: على كل حال. مداخلة: يقول: فإن قيل: قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً، فلما خلقه قال له: اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة، فسلم عليهم واستمع ما يحيونك .. إلخ الحديث، يقول: وهذا الحديث إذا حمل على صورة الله تعالى كان ظاهره أن الله طوله ستون ذراعاً، والله تعالى كما قال ابن خزيمة جل أن يوصف بالذرعان والأشبار، ومعلوم أن هذا التقدير في حق الله باطل على قول من

يثبت له حداً ومقداراً من أهل الإثبات، وعلى قول نفاة ذلك، أما النفاة فظاهر، وأما المثبتة فعندهم قدر الله أعظم، وحده لا يعلمه إلا هو، وكرسيه قد وسع السماوات والأرض، والكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة، والعرش لا يقدر قدره إلا تعالى، وقد قال تعالى. الشيخ: عفواً، كأني سمعتك تقول: كحَلَقة، هو بالسكون أم بالفتح، أنا أظن أنه حلْقة. مداخلة: صحيح شيخنا الكلام، لكن يبدو أن فيه بالفتح وبالتحريك، لكن لكل واحدة معنى، فأيهما ... الشيخ: هو هنا بالجزم [ساكن]. مداخلة: أي نعم، جزاك الله خيراً يا شيخ. الشيخ: أي نعم. مداخلة: يقول: وأما المثبتة فعندهم قدر الله أعظم، وحده لا يعلمه إلا هو، وكرسيه قد وسع السماوات والأرض، والكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى، وقد قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر:67)، وقد تواترت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من حديث أبي هريرة وابن مسعود وابن عمر وابن عباس أن الله يقبض السماوات والأرض بيديه، قال ابن عباس: ما السماوات السبع والأرضون السبع وما بينهما وما فيهما بيد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم، وإذا كان الأمر كذلك كان أكبر وأعظم من أن يقدر بهذا القدر، وهذا من المعلوم بالضرورة من العقل والدين.

قيل: ليس ظاهر الحديث أن الله طوله ستون ذراعاً، ومن زعم أن هذا ظاهره أو حمله عليه فهو مفتر كذاب ملحد، فإن فساد هذا معلوم بالضرورة من العقل والدين كما تقدم، ومعلوم أيضاً عدم ظهوره من الحديث، فإن الضمير في قوله: «طوله» عائد إلى آدم الذي قيل فيه: «خلق آدم على صورته»، ثم قال: «طول آدم ستون ذراعاً»، فلما خلقه قال له: «اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة»، فهذه الضمائر كلها عائدة إلى آدم، وهذا منها أيضاً، فلفظ الطول وقدره ليس داخلاً في مسمى الصورة حتى يقال إذا قيل: خلق الله آدم على صورته، وجب أن يكون على قدره وطوله، بل من المعلوم أن الشيئين المخلوقين قد يكون أحدهما على صورة الآخر مع التفاوت العظيم في جنس ذواتهما وقدر ذواتهما، وقد تظهر السماوات والقمر في ماء أو مرآة في غاية الصغر، ويقال: هذه صورتها، مع العلم بأن حقيقة السماوات والأرض أعظم من ذلك بما لا نسبة لأحدهما إلى الآخر، وكذلك المصور الذي يصور صورة السماوات والكواكب والشمس والقمر والجبال والبحار بصورة ذلك مع أن الذي يصوره وإن شابه ذلك فإنه أبعد شيء عن حقيقته وعن قدره، والإضافة تتنوع دلالتها بحسب المضاف إليه. فلما قال في آخر الحديث: «فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً»، هذا يقتضي مشابهة الجنس في القدر لأن صورة المضاف من جنس صورة المضاف إليه، وحقيقتهما واحدة، وأما قوله: خلق آدم على صورته فإنها تقتضي نوعاً من المشابهة فقط، لا تقتضي تماثلاً لا في حقيقة ولا قدر، وأما الذين ظنوا أن الضمير في قوله: طوله ستون ذراعاً لما كان عائداً إلى آدم لم تكن له صورة قبل ذلك يخلق عليها، وذكرنا الوجوه المتعددة الدالة على فساد ذلك، ولهذا كان بعض المحدثين الذين يريدون ألا يحدثوا بعض الناس بهذا المعنى يقولون: خلق

آدم طوله ستون ذراعاً، فإن كان هذا في بيان مقدار صورة آدم التي خلقه الله عليها لا يقال في مثل ذلك: خلق آدم على صورة آدم، بل قد يقال: خلق على هذه الصورة وعلى هذه الصفة، فإن هذا في اللفظ ليس فيه إضافة تقتضي تقدم الصورة التي خلق عليها، بل فيه تخصيص وبيان للصورة التي كان عليها بعد الخلق، مع أن هذا لا يصلح أن يقال في هذا اللفظ؛ لأن قول القائل: خلق آدم على صورة آدم أو على الصورة التي كانت لآدم إذا أراد به التقدير، وهو كونها ستين ذراعاً، فإنه يقتضي كون المخاطبين يعرفون ذلك بأقل من هذا الخطاب، فإن الخطاب المعرف باللام أو الإضافة يقتضي تقدم معرفة المخاطبين بذلك المعرف، ومعلوم أن المخاطبين لم يكونوا يعلمون طول آدم، وهذا لا يصلح أن يقال في القدر، وما ذكر في صورة آدم من كونه ... أو كونه خلق ابتداء ونحو ذلك، إذ هذا معلوم بخلاف القدر، فعلم أن الحديث أخبر فيه بجملتين أنه خلق آدم على صورته، وأن طوله ستون ذراعاً، ليس هذا التقدير هو تقدير الصورة التي خلق عليها حتى يقال: هي صورة آدم. رحم الله شيخ الإسلام. الشيخ: أنا باقي في ذهني أن الشيخ التويجري متعرض لهذا، وأنه أعاد الضمير الأول إلى الله والضمير الثاني إلى آدم، هذا الذي ذكره الشيخ ما أعتقد أن أحد يستطيع أن يأتي بأكثر منه، لكن مع ذلك في هذا المعنى الغير متبادر حينما يسمع الإنسان: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً. مداخلة: يقولون: إن القرآن دل على عدم عود هذا على الله، وكل إنسان .. الشيخ: المسألة هذه ما فيها خلاف، ما تحتاج إلى تفصيل بارك الله فيك، الشيخ هنا أبدع في هذا النفي يعني، وكما قلنا آنفاً بإيجاز أنه ما أحد يقول أن طول

رب العالمين ستون ذراعاً، لكن الضمير راجع إلى آدم، فإذا كان أمكننا أن نعيد الضميرين، هذا كان نحن بحثنا؟ الحقيقة كان بحثنا أنه ما نتحمس في الرد على المخالفين ولا تؤآخذني إذا صارحتك كما فعل عبد الله، ولو أنه حكى عن غيره قال: يقولون أن هذا جهمي، الذين يقول أن الضمير على صورته يعود إلى آدم هذا قول الجهمية. مداخلة: لكن لا يقولون الألباني جهمي يا شيخ. الشيخ: أنا مايهمني شخصي بارك الله فيك، أنا ما أنا إلا رجل من هؤلاء المسلمين، وإذا كان الألباني المتشبع بعقيدة الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح يقول بهذا القول وتقول أنت ما يقولوا عنه شخصياً، لكن يا ترى هل هو حول العقيدة الصحيحة يقدم رجل ويؤخر أخرى ماذا يقولون عنه إذا قال هذا القول؟ أنه جهمي؟! بالطبع يقولون عنه أنه جهمي، فهذا التحمس مع مجال وإمكانية إعادة الضمير بدون أي تعديل إلى آدم مع التمسك بالرواية الأخرى دون اضطراب الضمير الأول راجع إلى الله والضمير الثاني راجع إلى آدم، ما دام فيه مجال هنا إلى هذا المعنى دون أن يتعرض هذا المتمسك بهذا المجال، أو الدائر في هذا المجال دون أن يتعرض لنفي صفة من صفات الله تبارك وتعالى، لماذا هذه الحرارة، ولماذا هذا التشدد أن يقال: أن هذا تفسير أو تأويل من قال به فهو جهمي؟ مداخلة: يقولون: لأن السلف الصالح رحمهم الله وهم الذي أتوا لنا بهذا الحديث فسَّروه بهذا التفسير، فنحن إذا قلنا أن الضمير يعود على آدم خالفناهم، ويقولون: منهم ابن تيمية رحمه الله ومنهم الذهبي ومنهم إسحاق، وقبله أحمد بن حنبل رحمه الله، كلهم يجمعون ويذكرون أنهم من طبقات الحنابلة، ويذكرون

ويذكرون من السلف، ويقولون: مَن مِن السلف قال إن الضمير يعود إلى آدم غير ابن خزيمة؟ الشيخ: ما معليش، هنا يأتي سؤال: هل هذا أمر متفق بين السلف؟ مداخلة: هم يقولون أن السلف أنكروا. الشيخ: لا، لا ... لأنه أنا فاهم أنك أنت نصبت نفسك للحكاية عنهم، فلا تزداد في التحفظ، هم يقولون هم يقولون هم يقولون، لا تخش، أنا سأعرف أن أول حديثك وآخره حكاية عن غيرك. مداخلة: لكن أنا عندي شيء يا شيخ، أن الذي يسألني أفهم منه أمرين اثنين: الأمر الأول: أنه يريد مثلاً من الذي اعتقد هذا، وإن أراد ما يعتقده غيره فيطلب مني التصريح بهذا. الشيخ: حسن، هذا احتمال، أليس كذلك؟ كما تقول أنت، فنحن نريحك منه، ونضعك وجهاً لوجه أنك حاكي وليس (متبنيّاً). مداخلة: ناقل يعني. الشيخ: ماشي، حاكي أنا أقول باللغة العربية، ما معناه؟ حكى فلان عن فلان، قد يحكي صدقاً، قد يحكي كذباً، قد قد .. إلخ، فأنت من أجل يكون كلامنا ما يدخل في جمل متكررة أنا فاهم أنك تحكي ولا تتبنى، ماشي؟ مداخلة: القرون الثلاثة. الشيخ: ماشي؟ مداخلة: ماشي.

الشيخ: لا تعد علي كلامك، لكن أعد علي ما سألتك: هل هذا أمر متفق عليه؟ مداخلة: متفق عليه في القرون الثلاثة. الشيخ: ما أظنك، الآن أنت نقول لك: دع الحكاية وقل ما تعتقد، ما أعتقد أن قولك صواب في القرون الثلاثة. مداخلة: لا، القرون الثلاثة لم يتفقوا على هذا. الشيخ: .. أنا فهمت خلاف ذلك. مداخلة أخرى: ذلك قوله يا شيخ. المداخل الأول: تريدني الآن حاكياً أم تريدني معتقداً؟ الشيخ: لا، أنا أسأل إذا كنت حاكياً أسألك الآن بالنسبة للحكي، هل هم يقولون أن هذا أمر متفق عليه؟ مداخلة: نعم، وذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رده على الرازي. الشيخ: لكن هذا خطأ، خطأ إما منك وإما من ابن تيمية. مداخلة: لا، ابن تيمية يقول .. الشيخ: لا، اصبر قليل، اصبر وما صبرك إلا بالله، أنا أذكر ولا أعتد بما أذكر، يعني: شيخ كبير، أنا أذكر ابن تيمية حكى قول ابن خزيمة، ألا تذكر معي وأنت شاب بالطبع. مداخل آخر: وزيادة.

الشيخ: وزيادة، إذاً: أسمعه. مداخلة: يقول شيخ الإسلام ونقله منه أو عنه: وأما قول من قال الضمير عائد إلى آدم كما ذكر الإمام أحمد عن بعض محدثي البصرة ويذكر ذلك عن أبي ثور فهو ... إلخ، المهم يعني أنه قول أبي ثور وقول محدثي البصرة من أهل الحديث، فضلاً عن قول ابن خزيمة الذي ناقشه فيما بعد. الشيخ: إذاً: عرفنا فاسترحنا. المداخل الأول: عفواً يا شيخ أنا الشيخ: الآن تحكي عن نفسك أم لا تزال تحكي عن غيرك؟ مداخلة: أحكي عن نفسي وعن غيري يا شيخ. الشيخ: لا، يكفينا أنت. مداخلة: يا شيخ! شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا عن محدثي البصرة، وأنا ذكرت هذا للشيخ علي قبل أن نأتي، وذكر ذلك عن أبي ثور رحمه الله، وكذلك أنا وجدت هذا الكلام. الشيخ: ما عليك، ما يفيدنا هذا الكلام. مداخلة: لحظة يا شيخ، لكنه ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الكتاب، وقال: أن هذا هو قول القرون الثلاثة. الشيخ: بس خطأ. مداخلة: يعني يقول: وأجمعت القرون الثلاثة ...

الشيخ: معليش هذا خطأ، هذا تناقض. مداخلة: ما أفعل أنا ما ذنبي يا شيخ؟ الشيخ: وأنا أذنبك؟ ما أذنبك ولا أؤثمك، لكن أبين لك أن الذين يقولون بهذا الإطلاق والعموم والشمول، ومالك معي طبعاً أنت الآن. مداخلة: لا، معك يا شيخ. الشيخ: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. مداخلة: طيب، الذين يقولون بهذا العموم وهذا الشمول. الشيخ: متناقضون، متناقضون في أنفسهم، لأنه في جانب يقول هذا القول، في جانب آخر يقول ما ينقضه ما أقول خلافه. مداخلة: إلا إذا كان له اصطلاح في هذا، ... الشيخ: ما فيه اصطلاح، أما إذا تسلك في الدفاع عن ابن تيمية وغيره طريق علماء الكلام فأنا أمدك بمددي، أقول لك: حط مضاف محذوف تستقيم عبارة شيخ الإسلام، ما عبارته بالضبط. مداخل: التي قرأت أنا يا شيخ. الشيخ: لا لا، قضية أنه على هذا القرون الثلاثة، ضع (مضافاً محذوفاً)، أكثر القرون الثلاثة، هكذا خلصتها لك [كلمة] شيخ الإسلام. مداخل: ... ذكر في معرض السياق عبارتين، فيريد أيهما يذكر، العبارة الأولى هذا قول القرون الثلاثة، فهي على هذا المعنى تصح بهذا الإضافة.

الشيخ: لا، اسمح لي أستدرك يمكن على نفسي أو على الأصح على لفظي، أنا إذا قلت من أجل إخراج ابن تيمية من التناقض المكشوف أكثر بتقدير مضاف محذوف فهذا أقوله من أجل تخفيف الخطأ، ولكن ليس صحيحاً أيضاً، يعني: إذا قلت أنا الآن إذا قلت: أكثر القرون الثلاثة على هذا المعنى أن الضمير راجع إلى الله أكون أيضاً مخطئاً، لكن أشد إغراقاً في الخطأ أن أقول: على هذا أهل القرون الثلاثة، حنانيك بعض الشر أهون من بعض. مداخل: طيب ليش يا شيخنا الخطأ من باب الفائدة. الشيخ: من أين جاء الاستقصاء، هذا يقع فيه العلماء كثيراً، وهذا من التسامح في التعبير، أكثر العلماء كذا، من الذي أحصى أقوال العلماء في كل قرن، يعني: هذا أقرب ما يكون - ادعاء الإجماع - إلى الذي قال الإمام أحمد تلك الكلمة الرائعة جداً: من ادعى الإجماع فقد كذب، وما يدريه لعلهم اختلفوا. شيخ الإسلام وقف على محدثي أهل البصرة وعلى أبي ثور .. إلخ، يجوز أن يكون هناك كما يقال: في الزوايا خبايا، هؤلاء يكون لهم أمثلة أخرى من العلماء، فلذلك يكون حتى بهذا الترقيع في حد تعبيري للعبارة أكثر يكون كمان فيه تساهل، لأنه صعب أن يقال، يعني: هذه المسألة تريد حصر العلماء، هؤلاء قالوا كذا، هؤلاء قالوا كذا، عَدَّوْا هؤلاء، والله هؤلاء أكثر من هؤلاء، هذه عملية لا يمكن، إنما فيه تسامح في التعبير. مداخلة: يا شيخ حجتهم في هذا أنهم يقولون أن السلف الصالح فهم هذا، هذه المسألة من أولها إلى آخرها، يقولون: أن السلف الصالح تقبلوا هذه الأحاديث وأمروها كما جاءت، ولم يتعرضوا إلى تأويلها، وقالوا: إن الضمير يعود

على الله، إذاً: نقول نحن كما قالوا: إن الضمير يعود إلى الله، ويسعنا ما وسعهم، ولنسكت عما سكتوا عنه، ولا نتدخل فيما لا يعنينا. الشيخ: عادت حليمة إلى عادتها القديمة. مداخلة: هذه المسألة من أولها. الشيخ: معليش، أنت تقول: لا نؤول، يعود السؤال السابق: ما مقصود لا يؤول، لا يفهم. مداخلة: يفهم أن الضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى. الشيخ: من الذي قال هذا، السلف؟ مداخلة: السلف. الشيخ: أنت الآن تقول: السلف. مداخلة: هم يا شيخ. مداخل آخر: قول عنهم وخلاص .. الشيخ: ما عليك، ما الفائدة بإعادة كلامك السابق. مداخلة: الفائدة من هذا أنك أنت الآن [تقول] إذا أردنا نرد عليهم نقول: إن هذا الأمر ليس صحيحاً أن السلف يقولون .. الشيخ: انتهينا من هذا فلماذا تعود إلى حكاية كلامهم لتحشرني مرة أخرى فأعود أقول: هذا ليس صحيحاً. فما الفائدة. مداخلة: أنا قلت هذا هناك رد آخر غير هذا يعني.

الشيخ: حسبك، يعني: الذي أريد أن أقوله في الحقيقة من وراء هذا البحث هو الكلمة الأولى لما سألتك: هل هو متفق بينهم؟ كان ينبغي أن يكون الجواب: لا، ما دام ما هو متفق فإذاً أنا في سعة من الأمر، لا أكون غير سلفي أو أكون خلفي إذا تبنيت رأي أبي ثور مثلاً ومحدثي البصرة، ما دام المسألة فيها رأيان، فإذا أنا أخذت بأحد الرأيين ويساعد عليه اللغة العربية أولاً، والمنهج السلفي ثانياً، أي: أنا لا أعطل صفة من صفات الله، أنا أقول مثلاً: لله صورة أخذاً من حديث المحشر، فأنا إذا أرجعت الضمير إلى آدم ما أنكرت الصورة بصورة عامة مطلقة، فإذاً: ما هو المحذور الذي يترتب على واحد مثلك فيحاجج بقول المؤلف نقلاًً عن ابن تيمية، نقلاً عن الإمام أحمد أنه من أرجع الضمير إلى آدم فهو جهمي، لماذا هذه الحرارة، ما دام المسألة فيها خلاف؟ مداخلة: أنك لم تعتقد أن هناك وجه شبه بين صورة آدم وصورة الرحمن. الشيخ: كيف لا، أنا أقول لك عربية وحديثية بالنسبة للبخاري، وكيف أنك تقول لأنك تعتقد. مداخلة: لا، لأنك لم تعتقد أن هنالك شبه بين صورة الرحمن وصورة آدم. الشيخ: أين تكلمت تقول. مداخلة: المشكلة الآن يقولون: أن هناك شبه بين صورة الرحمن وصورة آدم. الشيخ: من هم؟ مداخلة: القائلين بأن الضمير يعود على الله، ويجب على السلفي وعلى المؤمن أن يعتقد هذا، هذا الذي أفهم من هذا، أن هناك وجه شبه، لكن هذا الشبه لا يقتضي التشابه من جميع الوجوه.

الشيخ: هذا كلام ابن تيمية. مداخلة: نعم. الشيخ: أنا ما هذا أقصد، أقول: ما هو المحذور الذي يترتب على واحد مثلي يعيد الضمير إلى آدم؟ مداخلة: هو هذا الذي ذكرته لك. الشيخ: ما هو المحذور. مداخلة: أنك لم تعتقد أن هناك وجه شبه بين صورة الرحمن وصورة آدم. الشيخ: كيف؟ ما فهمت؟ مداخل آخر: يا شيخ كأنه يثبت من الحديث الذي هو أن الله خلق آدم على صورته، أن هنالك وجه من الشبه بين آدم بين صورة آدم وصورة الله سبحانه وتعالى، فإذا أنت فسرت هذا الحديث عائداً إلى آدم تنفي هذا الشبه، أما إثبات الصورة فهذه مسألة ثانية، فالآن يكون عندنا مسألتين شيخنا كما يقولون، مسألة إثبات الصورة اتفقنا نحن وإياكم فيها، مسألة نوع المشابهة المتفق بين صورة آدم وصورة الله هذه نفيتها، فوقع المحذور. الشيخ: هذه خطيرة يا عبد الله. مداخلة: هذه المشكلة يا شيخ. الشيخ: هذه خطيرة. مداخلة: أقول لهم: يا قوم اتقوا الله تعالى، وهم يقولون: لا، هذا معتقد السلف، ومن لم يعتقد بهذا فهو إما جهمي وإما سلفي لكنه أخطأ في هذا كما

أخطأ ابن خزيمة. الشيخ: يعني: من تمام العقيدة إذا قلنا. مداخلة: ذَكَّرنا شيخنا معليش قبل ما تبدأ، أخونا سليم بعبارتهم بشكل أدق، فعلى ضوئها يكون ردك شيخنا أوضح إن شاء الله. سليم الهلالي: يقولون: أن الصورة هنا ليست معنى صفة، فآدم على صفة الرحمن، إن لآدم وجه وللرحمن وجه، فلآدم وجه يليق بفقره، والله سبحانه وتعالى له وجه يليق بجلاله وكماله، فهم لا يقولون أنه في تشابه بين صورة الله أو صورة الرحمن بأن آدم يشبه الرحمن، لا، يقولون بأن الصورة هنا بمعنى صفة، فالأخ ما ذكره عنهم يوحي بأمر خطير. الشيخ: أنا أقول له هذا أمر خطير. مداخلة: ... الشيخ التويجري حفظه الله ورعاه وهدانا الله وإياه، قلت له: يا شيخ! هل تجيز لي أن أفسر هذا الحديث بهذا التفسير الذي ذكره الشيخ سليم، ... ، قال: لا، ما لنا أن نفسره، نمره كما جاء، قلت: يا شيخ! يقتضي التشبيه، قال: لا، هذا ما هو قولنا، ومن قال بأن ظاهر هذا الحديث يقتضي التشبيه فهو مخطئ، وقد رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه في .. الشيخ: تناقض كلامك الآن. مداخلة: يقول يا شيخ: أن هناك وجه مشابهة يعني بين آدم .. الشيخ: يا أخي الآن نقلت عن التويجري والحمد لله نفي المشابهة. مداخلة: لا، يا شيخ هم أكثر من واحد انقسموا إلى أقسام في هذا الحديث،

منهم من يقول: أنا نمر هذا الحديث كما جاء ولا نفسره ولا نتأوله، أنا ذكرت له هذا التأويل، قال: ما نأتي به، قلت لهم: .. الشيخ: يعني هم مفوضة الآن، هذا القسم الذي أنت تتحدث عنه الآن، ونسميه رقم واحد، يعني: يُدعى المفوضة. مداخلة: لا، هم ما يعترفون أنهم مفوضة. الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله. مداخلة: طيب يا شيخ هذا القسم الأول، القسم الثاني اجتهدوا في تأويل الحديث، وقالوا: أننا نقول إذا أعدنا الضمير على الله سبحانه وتعالى أن لله صورة تليق بجلاله وعظمته وأن لآدم صورة، وهنالك وجه الشبه في المعنى، ولكن لا يقتضي هذا - التشابه في المعنى - يقتضي التشابه في جميع الأشياء يعني، وإنما هو وجه من حيث اللفظ فقط، وكما أن لله صورة فإن لآدم صورة، كما أن لله عيناً جل وعلا فإن لآدم عيناً، وهكذا من هذا الوجه يقولون. قسم منهم قالوا: نقول لا، نقول إن «على صورة الله» إضافة تشبيه، وأن هذا لا يقتضي المماثلة كما أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: أن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة البدر، فهل يعني من هذا أن على صورة البدر أن صورهم كصورة القمر؟ قال: لا، هذا ليس مراد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإنما إضافة على صورته فيه وجه من جانب الحسن والبهاء والجمال، وأن فيه أكرم الخلق أن الله خلق آدم في أحسن تقويم، والله سبحانه وتعالى له أيضاً الكمال في صفاته، وقال قسم ... منهم قال: إن هذا إضافة تشبيه، كأن تقول: كعبة الله أو بيت الله الشيخ: ناقة الله.

مداخلة: نعم، هذا عندنا تقريباً أربعة أقسام منهم، إذا أضافوه إلى الله ينقسمون إلى أربعة أقسام، قسم يقولون ما لنا نفسره، ومنهم الشيخ التويجري. الشيخ: هؤلاء مفوضة؟ مداخلة: يقولون: ما لنا أن نفسره. الشيخ: مفوضة. مداخلة: مفوضة. الشيخ: باختصار، لا .. عليك، أنا أريد أن أفهم منك ماذا تقول. مداخلة: مفوضة. الشيخ: ليس مسايرة تقول لي. مداخلة: لا ليس مسايرة. الشيخ: أريد أن أفهم عليك بلفظة معبرة عن ثلاث أربع كلمات، هل تفهم عنهم أنهم مفوضة؟ مداخلة: نعم يا شيخ أفهم هذا. الشيخ: ولا تفهم غير هذا؟ مداخلة: لا أفهم هذا. الشيخ: هذا هو، هذا القسم الأول مفوضة، ومن هؤلاء من هو؟ مداخلة: الشيخ التويجري. الشيخ: التويجري؟

مداخلة: قال مالنا أن نفسره، نمره كما .. الشيخ: أعوذ بالله، عنوان الكتاب يكفيك، هو مفوض. مداخلة: لا، في هذه المسألة يا شيخ مفوض المعنى، نمر الحديث كما جاء. الشيخ: يا أخي بارك الله فيك، لا تزد علينا الكلام، نمر الحديث كما جاء عن علماء السلف له معنى غير التفويض. مداخلة: نعم، لكن في هذا يا شيخ يلزمه التفويض. الشيخ: فإذاً: خلينا على كلمة مفوض، خلينا أن التويجري فيما تحكي أنت عنه أنه مفوض، لا تقل: هو يقول نمر الحديث كما جاء، لأنه نحن باعتبارنا سلفيين نفهم كلمة نمر الحديث كما جاء، أي: لا نعطله، وإنما بالمعنى العربي الذي يتبادر إلى ذهن كل عربي نمره، ولا نقعد ندندن حوله ونقع في التشبيه، أو نتأول فنقع في التعطيل، هذا نمره، فأنت لا تنقل عن التويجري لفظين متناقضين، اللفظ الأول كتلخيص لما أنت فهمت منه، أنه مفوض في هذا الحديث، ثم تقول عنه نمره كما جاء، نمره كما جاء لما يذكره ابن تيمية يشرح لنا جزاه الله خيراً أنه ليس مقصود بدون فهم، وبينما التفويض معناه بدون فهم، أنت معنا في تفسير كلمة التفويض؟ مداخلة: أنا أفهم هذا يا شيخ إن شاء الله، أنا معك. الشيخ: سبحان الله أنا عارف معنا، هل أنت معنا بأنه كلمة التفويض لا يرادفها نمرها؟ مداخلة: نعم معك في هذا. الشيخ: طيب، فأنت الآن متناقض.

مداخلة: لست أنا يا شيخ، وإنما الشيخ هو المتناقض، هو يذكر هذا ويذكر هذا، وأنا [أذكر] ما قال يا شيخ. الشيخ: لكن الكتاب ماذا يشهد كتابه أنه مفوض؟ أنت قرأت الكتاب، هل كتابه يدل أنه مفوض مداخلة: فيما أعتقد أنا؟ الشيخ: نعم، أنت أنت ما غيرك. مداخلة: نعم أعتقد هذا أنه مفوض في هذه المسألة. الشيخ: فإذاً لماذا تقول هو يقول هكذا، إذاً: كتابه يقول بأنه هو مفوض، ولا يقول إنه يمر هذا الحديث كما جاء. مداخلة: وإن هو زعم هذا. الشيخ: وإن زعم بأنه يمر الحديث كما جاء. مداخلة: فإن هذا لا يساعده. الشيخ: فالذي في الكتاب هذا الذي نقوله. مداخلة: لا يساعده على هذا. الشيخ: طيب، دعنا الآن من المفوضة، حسن؟ مداخلة: طيب. الشيخ: نأتي إلى القسم الثاني ما هو القسم الثاني؟ مداخلة: يقولون: إن قولنا أن الضمير يعود على الله سبحانه وتعالى، وأن صورة آدم كصورة الله سبحانه وتعالى لا يلزم منه التشبيه، وإنما أن لله صورة تليق بجلاله كما أن لآدم صورة تليق بجلاله، وإنما صورة آدم كصورة الله من حيث

المعنى فقط في جزئية من جزئيات المعنى، كما أن لله وجه يليق بجلاله، فإن لآدم وجه يليق بفقره وعجزه، هذا قولهم. الشيخ: هذا القسم الثاني، نحن نقول به. مداخلة: لكن أنت تقول الضمير يعود إلى آدم. الشيخ: معليش، نقول بالمعنى بصورة عامة، كما قلت أنت كما له وجه له بصر وله سمع وله كل الصفات، هذا الذي قلت لك ونحن نقول بهذا، أي: نقول أن ما فيه تشبيه، بغض النظر الضمير رجع لآدم أو يرجع لرب العالمين. مداخلة: لكن يا شيخ أقول: أن لفظ الحديث ظاهر الحديث لا يساعدهم على هذا؛ لأن ظاهره التشبيه إذا أعدناه إلى الله سبحانه وتعالى، ظاهره التشبيه إذا أعدناه إلى الله، ولكن إذا أعدناه إلى آدم لا يكون هناك تشبيه، يعني: هذا تأويل منهم وليس من فعل السلف، يعني: السلف الصالح رحمهم الله .. الشيخ: طيب، خلينا نحفظ هذا القسم الثاني، نرى القسم الثالث ما هو، هذا يمكن سنعود إليه فيما بعد. القسم الثالث. مداخلة: القسم الثالث قالوا أنه يعود إلى الله سبحانه وتعالى، الضمير يعود إلى الله، ولكنه إضافة تشريف. الشيخ: طيب، القسم الرابع. مداخلة: القسم الرابع. الشيخ: هو قال أربعة، أنا قصدي إذا قالوا يرجع الضمير إلى الله من باب التشريف كما ضربت أمثلة ناقة الله بيت الله .. إلخ، نحن نقول بذلك أيضاً، يعني: ليس لخصوص تفسير الحديث، وإنما كمبدأ عام ما فيه مانع من أن ينسب إلى الله

شيء من باب التشريف، ماشي. مداخلة: ماشي. الشيخ: إذاً: نحن نرجع إلى القول الثاني، أنا فهمت منك آنفاً أنه هؤلاء يريدون يفرضوا علينا أن الضمير يعود إلى الله لنؤمن أن هناك فيه جزء من التشبيه، هل هذا الفهم صحيح؟ مداخلة: هذا قال به بعضهم. الشيخ: ما أجبتني. مداخلة: لا يا شيخ، نحن عندنا أقسام، ليس واحد فقط. الشيخ: الله يهديك يا شيخ عبد الله، الثلاثة الأقسام. مداخلة: يمكن يطلع لنا الرابع هذا يا شيخ. الشيخ: معليش لكن في حدود الثلاثة نحن في الوسط الآن، صح أم لا؟ مداخلة: نعم. الشيخ: فهذا القول الوسط بين الأول والثالث فهمت منك سابقاً أنهم لماذا يقولون: جهمي الذي يرد الضمير إلى آدم؟ لأنه ما يقول بنوع من التشبيه، لأنه الحديث إذا أرجعنا الضمير إلى الله يعطي نوعاً من التشبيه، فيجب الإيمان به، هكذا أنا فهمته. مداخلة: أنا أعطيك القسم الرابع الذي هو هذا. الشيخ: هاه؟ مداخلة: القسم الرابع الذي ذكرته لك.

الشيخ: حسن، هذا الذي كان باقي أنا في ذهني فيه قسم رابع، وقد يكون هو الثاني ما يهمنا الترتيب يعني، والعلماء أحياناً يقولون هذا لف ونشر غير مرتب، الآن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) في آية خلق آدم: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) صح؟ هل يصح أن نقول فيه نوع تشبيه، أم هذا كما يقول شيخ الإسلام في كثير من هذه المواضع أن هذا لفظ مشترك، وكل موصوف يأخذ من هذا اللفظ المشترك المعنى الذي يليق به، فالإنسان قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) يؤخذ منه أنه له عينين وله حدقة وله أجفان وله كذا وكذا .. إلخ، لكن رب العالمين لما قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) له من هاتين الصفتين ما يتناسب مع عظمته وجلاله وأزليته وو .. إلخ، فهنا لفظ مشترك، أي: لا نقول يقتضي التشبيه، واضح؟ مداخلة: واضح. الشيخ: فإذا أرجعنا الضمير في حديث آدم إلى الله ليس ضرورياً [أن] نقول فيه: يجب أن نؤمن أن هناك نوع تشبيه، لأنه إن قلنا هنا هذا يلزمنا أن نقول في كل الصفات التي يوجد اشتراك اسمي أو لفظي بين صفات الله عز وجل [ ... انقطاع ... ] النصوص بزعمه حتى ما يقع في التشبيه، فكيف يأتي سلفي يقول: ينبغي إعادة الضمير إلى الله حتى نؤمن أن فيه هناك نوع تشبيه، ومن لم يفعل ذلك يكون جهمياً؟ تبين لك المحذور الذي أنا أدندن الأمر في ذهني أم لا؟ مداخلة: نعم. "الهدى والنور" (295/ 36: 00: 00) و (10: 26: 00) و (296/ 32: 00: 00)

جماع أبواب عقيدة أهل السنة في صفة الكلام لله عز وجل، والرد على المخالفين في ذلك، ورد القول بخلق القرآن، مع الكلام على حكم قولة: لفظي بالقرآن مخلوق، وذكر الواقفة وغير ذلك

(جماع أبواب عقيدة أهل السنة في صفة الكلام لله عز وجل، والرد على المخالفين في ذلك، ورد القول بخلق القرآن، مع الكلام على حكم قولَة: لفظي بالقرآن مخلوق، وذكر الواقفة وغير ذلك)

[1142] باب كلام الله حقيقي يسمع بحرف وصوت، وبيان بطلان قول الأشاعرة في ذلك

[1142] باب كلام الله حقيقي يُسمع بحرف وصوت، وبيان بطلان قول الأشاعرة في ذلك [قال الإمام]: كان من فضل الله عز وجل أن سخَّرَ علماء الحديث ليرحلوا إلى مختلف البلاد ليجتمعوا بمن يعلمون أنه عنده ولو حديث واحد، ليسمعوهم مباشرة منه، حتى لقد كان في هؤلاء بعض أصحابه عليه الصلاة والسلام، أحدهم اسمه عقبة بن عامر بلغه أن جابراً بن عبد الله الأنصاري المشهور عنده حديث وكان في مصر، فسافر من بلده أظنه يومئذ كان في المدينة إلى مصر، لماذا؟ ليسمع ذاك الحديث الذي قيل لهم أنه سمعه جابر من الرسول عليه الصلاة والسلام. فخرج إليه جابر وتلقاه واحتضن أحدهما الآخر، قال: أنا ما أريد منك شيء إلا أنه بلغني أنك سمعت حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ونص الحديث فيما أذكر منه الآن «أن الله عز وجل ينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بَعُد» (¬1)، وهذا الحديث من الأحاديث التي يتمسك بها أهل السنة حقاً وأعني بهم أهل الحديث الذين لا يتعصبون لمذهب في العقيدة كالماتريدية أو الأشعرية أو المعتزلة أو الجبرية، كما أنهم لا يتعصبون لمذهب في الأحكام الشرعية مذهب الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي فضلاً عن مذاهب أخرى تبتعد كل البعد عن المذاهب الأولى أهل الحديث لا يتعصبون إلا للحديث، ولذلك نسبوا إليه وانتموا إليه، كما قال قائلهم: ¬

(¬1) "الصحيحة" (7/ 2/756 - 758).

أهل الحديث هم أهل النبي ... وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا وهذا جواب هذا الجاهل الذي قال: أنت أدركت الرسول، ما أدركوا الرسول، لكن الذين يشتغلون بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام كأنما هم يعيشون معه. أهل الحديث هم أهل النبي ... وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا ولذلك أصبح معروفاً عند العلماء كافة لا نحاشي ولا نستثني فقهاء ومفسرين كلهم قالوا: مما دل عليه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام القائل: «نَضّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب مبلغ أوعى له من سامع». يقول العلماء كافة: ولذلك نرى النضرة في أهل الحديث لأنهم يشتغلون بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام ليلاً نهاراً فصدق فيهم قول ذلك الشاعر العالم: أهل الحديث هم أهل النبي ... وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا هذا الحديث حديث جابر لعقبة بن عامر يتمسك [انقطاع] كما يقول الأشاعرة والماتريدية أن كلام الله ومنه القرآن الكريم هو كلام نفسي، يعنون بأنه ليس بالكلام اللفظي يعنون بأنه ليس بالكلام المسموع، هذا الحديث يبطل دعواهم ويؤكد قول الله عز وجل لموسى: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (طه:13) {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (طه:14). {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (طه:13) معناها أن ربنا عز وجل حينما كلم موسى كما قال في القرآن الكريم، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164) كان موسى يسمع

[1143] باب إثبات الكلام لله تعالى وذكر بعض من نفاه

كلام الله عز وجل، أما تأويل الكلام الإلهي بأنه كلام نفسي فهو تعطيل للقرآن الكريم ولأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ومنها هذا الحديث الذي شد من أجله الرحلة أحد الصحابة إلى راويه الصحابي الذي سمعه من الرسول عليه الصلاة والسلام. "الهدى والنور" (203/ 47: 33: 00). [1143] باب إثبات الكلام لله تعالى وذكر بعض من نفاه [وصف أبوغدة شارحَ الطحاوية ابن أبي العز بالإمامة، فأراد الإمام الألباني إلزامه ببعض أهم المسائل العقدية التي قررها الشارح في عقيدته والتي يعلم الشيخ الألباني إنكار أبي غدة أو شيخه الكوثري لها فقال الإمام]: قلت: فإذا كان أبو غدة مؤمناً حقاً بهذه الإمامة الملموسة المشهورة فأنا أختار له من كلام هذا الإمام سبع مسائل, فإن أجاب عنها بما يوافق ما ذهب إليه هذا الإمام المشهور من قلبٍ مخلصٍ فذلك ما نرجوه, وأعتذر إليه من إساءة الظن به, وإن كانت الأخرى فذلك مما يؤيد - مع الأسف- ما رميته به من المداراة. [فذكر المسألة الأولى ثم قال]: المسائلة الثانية: قال الإمام [أي: أبي العز] تبعاً لأبي جعفر الطحاوي (ص168) وأن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً, وأنزله على رسوله وحياً, وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً, وأيقنوا أن كلام الله تعالى بالحقيقة, ليس بمخلوق ككلام البشرية. ثم شرح "الإمام" مذاهب الناس في مسألة الكلام الإلهي على تسعة مذاهب وبين أن مذهب السلف: أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء, ومتى شاء, وكيف شاء,

[1144] باب من أدلة إثبات صفة الكلام

وإنه يتكلم بصوت. وشيخ أبي غدة ينفي الصوت المسموع " مقالات الكوثري" (ص 26) , ويقول في تعليقه على "كتاب البيهقي": "الأسماء والصفات" (ص 194): إن موسى عليه السلام لما كلمه الله تعالى تكليماً لم يسمعه صوته, وإنما أفهمه كلامه بصوت تولى خلقه من غير كسب لأحد ... ! "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 56 - 57) [1144] باب من أدلة إثبات صفة الكلام [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظُرُ إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضلِ ماء بالفلاة؛ يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر، فحلف له بالله: لأَخَذَها بكذا وكذا، فصدّقه، وهو على غير ذلك، ورجلٌ بايع إماماً؛ لا يُبايعُهُ إلا لدنيا؛ فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يَفِ». [قال الإمام]: (تنبيه): نقل المعلق على "الإحسان " (!) - مقراً- تأويل صفتي الكلام والنظرمن صفات الله تعالى بالرضا والإعراض، ونحو ذلك!! وهذا من التأويل المذموم؛ المخالف لعقيدة السلف الصالح، والأصل إمرارها على ظاهرها على الوجه اللائق بعظمة الله وجلاله؛ كما في قوله سبحانه: {ليس كمثله شيء وهوالسميع البصير}. والموفق هو الله!! "الصحيحة" (7/ 3/1636 - 1638).

[1145] باب القرآن كلام الله

[1145] باب القرآن كلام الله [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية]: "وإن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً, وأنزله على رسوله وحياً, وصدقه المؤمنون على ذلك حقّاً, وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية, فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر, وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: {سأصليه سقر} (المدثر: 26) فلما أوعد الله بسقر لمن قال: {إن هذا إلا قول البشر} (المدثر: 32) علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قول البشر: نقل هذا الكلام عن المصنف رحمه الله شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (12/ 507) مستشهدا به وقال الشارح ابن أبي العز رحمه الله (ص 179 الطبعة الرابعة): وهذا الذي حكاه الطحاوي رحمه الله هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة. وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال: ثم ساقها ومنها: الثالث: وهو أنه معنى واحد قائم بذات الله هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار, وإن عبر عنه بالعربية كان قرآناً, وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة, وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه كالأشعري وغيره. قال: وسابعها: أن كلامه يتضمن معنىً قائماً بذاته هو ما خلقه في غيره وهذا قول أبي منصور الماتريدي. وتاسعها: أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء, وهو يتكلم

به بصوت يسمع, وأن نوع الكلام قديم, وإن لم يكن الصوت المعين قديماً وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة. وقوله: " كلام الله منه بدا بلا كيفية قولا " رد على المعتزلة وغيرهم؛ فإن المعتزلة تزعم أن القرآن لم يبد منه كما تقدم حكاية قولهم. وقال الشيخ محمد بن مانع رحمه الله تعالى (ص 8): القرآن العظيم كلام الله لفظه ومعانيه, فلا يقال اللفظ دون المعنى كما هو قول أهل الاعتزال, ولا المعنى دون اللفظ كما هو قول الكلابية الضلال ومن تابعهم على باطلهم من أهل الكلام الباطل المذموم, فأهل السنة والجماعة يقولون ويعتقدون: أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ألفاظه ومعانيه عين كلام الله, سمعه جبريل من الله, والنبي سمعه من جبريل, والصحابة سمعوه من النبي, فهو المكتوب بالمصاحف, المحفوظ بالصدور, المتلو بالألسنة. قال الحافظ ابن القيم رحمه الله: وكذلك القرآن عين كلامه الـ ... ـمسموع منه حقيقة ببيان هو قول ربي كله لا بعضه ... لفظا ومعنى ما هما خلقان تنزيل رب العالمين ووحيه ... اللفظ والمعنى بلا روغان وقال الشارح رحمه الله (ص 194 - 195): وكلام الطحاوي رحمه الله يرد قول من قال: إنه معنى واحد لا يتصور سماعه منه وأن المسموع المنزل المقروء والمكتوب ليس كلام الله وإنما هو عبارة عنه. فإن الطحاوي رحمه الله يقول: "كلام الله منه بدا ".وكذلك قال غيره من السلف ويقولون: منه بدا وإليه يعود. وإنما قالوا: منه بدا؛ لأن الجهمية من المعتزلة

[1146] باب القرآن كلام الله والرد على من خالف ذلك

وغيرهم كانوا يقولون إنه خلق الكلام في محل فبدا الكلام من ذلك المحل. فقال السلف: " منه بدا " أي هو المتكلم به فمنه بدا لا من بعض المخلوقات كما قال تعالى: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} (الزمر: 1) {ولكن حق القول مني} (السجدة: 13) {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} (النحل: 102). ومعنى قولهم: "وإليه يعود": يرفع من الصدور والمصاحف فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف. كما جاء ذلك في عده آثار. وقولهم " بلا كيفية ": أي: لا تعرف كيفية تكلمه به " قولاً " ليس بالمجاز " وأنزله على رسوله وحياً " أي: أنزله إليه على لسان الملك فسمعه الملك جبرائيل من الله وسمعه الرسول محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من الملك وقرأه على الناس. قال تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلا} (الإسراء: 106) وقال تعالى: {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين} (الشعراء: 193) وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى. "التعليق على متن الطحاوية" (ص24 - 28). [1146] باب القرآن كلام الله والرد على من خالف ذلك [قال الإمام]: إن من أكبر الفتن التي أصابت بعض الفرق الإسلامية بسبب علم الكلام أنه انحرف بهم عن الإيمان بأن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين حقيقةً لا مجازاً, أما المعتزلة الذين يقولون بأنه مخلوق فأمرهم في ذلك واضح مفضوح, لكن هناك طائفة تنتمي إلى السنة وترد على المعتزلة هذا القول وغيره مما انحرف فيه عن الإسلام ألا وهم الأشاعرة والماتريدية, فإنهم في الحقيقة موافقون للمعتزلة في قولهم بخلق القرآن وأنه ليس من قول رب العالمين, إلا أنهم لا يفصحون

بذلك ويتسترون وراء تفسيرهم للكلام الإلهي بأنه نفسي قديم غير مسموع من أحد من الملائكة والمرسلين, وأنه تعالى لا يتكلم إذا شاء, وأنه متكلم منذ الأزل, وقد رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بحثاً هامّاً في إبطال تفسيرهم هذا فقال بعد أن أثبت قدم الكلام: والكلام صفة كمال فان من يتكلم أكمل ممن لا يتكلم, كما أن من يعلم ويقدر, أكمل ممن لا يعلم ولا يقدر والذي يتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن لا يتكلم بمشيئته وقدرته, وأكمل ممن يتكلم بغير مشيئته وقدرته إن كان ذلك معقولاً, ويمكن تقريرها على أصول السلف بأن يقال: إما أن يكون قادراً على الكلام أو غير قادر؛ فإن لم يكن قادراً فهو الأخرس, وإن كان قادراً ولم يتكلم فهو الساكت. وأما الكُلَّابية (متبوع الأشاعرة في هذه المسألة) فالكلام عندهم ليس بمقدور فلا يمكنهم أن يحتجوا بهذه, فيقال: هذه قد دلت على قدم الكلام لكن مدلولها قدم كلام معين بغير قدرته ومشيئته؟ أم مدلولها أنه لم يزل متكلما بمشيئته وقدرته؟ والأول: قول الكلابية والثاني: قول السلف والأئمة وأهل الحديث والسنة, فيقال: مدلولها الثاني لا الأول؛ لأن إثبات كلام يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته غير معقول ولا معلوم والحكم على الشيء فرع عن تصوره. فيقال للمحتج بها: لا أنت ولا أحد من العقلاء يتصور كلاماً يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته فكيف تثبت بالدليل المعقول شيئاً لا يعقل وأيضاً فقولك:

"لو لم يتصف بالكلام لاتصف بالخرس والسكوت " إنما يعقل في الكلام بالحروف والأصوات؛ فإن الحي إذا فقدها لم يكن متكلماً, فإما أن يكون قادراً على الكلام ولم يتكلم وهو الساكت, وإما أن لا يكون قادراً عليه وهو الأخرس, وأما ما يدعونه من الكلام النفساني فذاك لا يعقل أن من خلا عنه كان ساكتا أو أخرس فلا يدل بتقدير ثبوته على أن الخالي عنه يجب أن يكون ساكتاً أو أخرس, وأيضاً فالكلام القديم النفساني الذي أثبتموه لم تثبتوا ما هو؟ بل ولا تصورتموه, وإثبات الشيء فرع تصوره, فمن لم يتصور ما يثبته كيف يجوز أن يثبته؟ ولهذاكان أبو سعيد بن كلاب رأس هذه الطائفة (يعني الأشاعرة) وإمامها في هذه المسألة لا يذكر في بيانها شيء يعقل بل يقول هو: معنى يناقض السكوت والخرس, والسكوت والخرس إنما يتصوران إذا تصور الكلام, فالساكت هو الساكت عن الكلام, والأخرس هو العاجز عنه أو الذي حصلت له آفة في محل النطق تمنعه عن الكلام, وحينئذ فلا يعرف الساكت والأخرس حتى يعرف الكلام ولا يعرف الكلام حتى يعرف الساكت والأخرس. فتبين أنهم لم يتصوروا ما قالوه, ولم يثبتوه بل هم في الكلام يشبهون النصارى في (الكلمة) وما قالوه في (الأقانيم) و (التثليث) و (الاتحاد) فإنهم يقولون ما لا يتصورونه ولا يبينونه والرسل عليهم السلام إذا أخبروا بشيء ولم نتصوره وجب تصديقهم. وأما ما يثبت بالعقل فلابد أن يتصوره القائل به, وإلا كان قد تكلم بلا علم, فالنصارى تتكلم بلا علم, فكان كلامهم متناقضاً, ولم يحصل لهم قول معقول, كذلك من تكلم في كلام الله تعالى بلا علم كان كلامه متناقضاً ولم يحصل له قول يعقل, ولهذا كان مما يشنع به على هؤلاء أنهم احتجوا في أصل دينهم ومعرفة

[1147] باب هل التوراة والإنجيل كلام الله؟

حقيقة الكلام كلام الله وكلام جميع الخلق بقول شاعر نصراني يقال له الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقد قالت طائفة إن هذا ليس من شعره, وبتقدير أن يكون من شعره فالحقائق العقلية أو مسمَّى لفظ الكلام الذي يتكلم به جميع بنى آدم لا يرجع فيه إلى قول ألف شاعر فاضل دع أن يكون شاعراً نصرانياً اسمه الأخطل ... " انتهى ملخصا من " مجموعة الفتاوى " (6/ 294 - 297). "التعليق على متن الطحاوية" (ص56 - 61). [1147] باب هل التوراة والإنجيل كلام الله؟ سؤال: فيه أخ قال: إن التوراة والإنجيل لا نعطيهما صفة كلام الله كما للقرآن، فهل هو مصيب في هذا؟ الشيخ: والقرآن. السائل: هو يؤمن بأن القرآن كلام الله مائة بالمائة، لكن يقول: صفة كلام الله، الإنجيل والتوراة ليس بمنزلة القرآن من حيث أنه كلام الله منه بدأ وإليه يعود؟ الشيخ: هذا ما يقصد؟ الإنجيل المحرف والمبدل؟ السائل: الإنجيل غير المحرف. الشيخ: الذي أُنزل على قلب موسى وعيسى؟ السائل: نعم غير المحرف. الشيخ: هذا كفر.

[1148] باب التوراة محرفة

السائل: كيف نرد عليه؟ الشيخ: عندنا في القرآن: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164). "الهدى والنور" (12/ 01:01:34). [1148] باب التوراة محرفة [قال الإمام]: مما يدل على تحريف التوراة أنه جاء فيها: أنه بدا لله خلق السماوات والأرض. "الصحيحة" (7/ 3/1478). [1149] باب بيان عقيدة أهل السنة في كلام الله تعالى وضلال من خالفهم [ذكر الإمام ضمن الأمثلة على ضلال أبي غدة أنه]: لم يوافِق على قول الإمام الطحاوي: القرآن كلام الله تعالى منه بدا، بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية، وأنه تعالى لم يزل متكلمًا اذا شاء، وكيف شاء، وأنه يتكلم بصوت، ومن قرأ بحثه في مسألة خلق القرآن التي أطال الكلام عليها في تعليقه على «القواعد» (ص361 - 379) يتبين له جليًّا أنه جهمي جعدي. "كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات" (ص56 - 57)

[1150] باب شرح قول سفيان: "القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود"

[1150] باب شرح قول سفيان: "القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود" [قال سفيان]: "القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود". [قال الإمام]: أي المتكلم به، وهو الذي أنزله من لدنه، ليس هو كما تقوله الجهمية أنه خُلِقَ في الهواء أو غيره، وبدأ من عند غيره. وأما " إليه يعود" فأنه يسرى به في آخر الزمان من المصحف والصدور، فلا يبقى في الصدور منه كلمة ولا في المصاحف منه حرف. كذا في "العقيدة الواسطية" لشيخ الإسلام ابن تيمية. "مختصر العلو" (ص140). [1151] باب الصوت الإلهي والإيمان به [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يقولُ الله عزّ وجلّ يوم القيامةِ: يا آدمُ! فيقولُ: لبيك ربَّنا! وسعْدَيك، فيُنادى بصوتٍ: إنّ الله يأمُرك أن تُخرجَ من ذرِّيتكَ بعثاً إلى النّارِ. قال: يا ربِّ! وما بعثُ النّارِ؟ قال: من كلِّ ألفٍ- أراه قال-: تِسع مِئةٍ وتسعةً وتسعين، فحينئذٍ تضعُ الحاملُ حملها، ويشيبُ الوليدُ، {وترى الناس سُكارى وما هُم بِسُكارى ولكنَّ عذاب الله شديدٌ}. فشقَّ ذلك على الناسِ حتَى تغيَّرت وجوهُهُم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: من يأجوج تسع مئةٍ وتسعةً وتسعين، ومنكم واحدٌ. ثم أنتُم في الناسِ كالشعرةِ السوداءِ في جنَّبِ الثورِ الأبيضِ، أو كالشعرة البيضاء في جنبِ الثور

الأسودِ، وإنِّي لأرجُو أن تكونُوا رُبُع أهلِ الجنّةِ؛ فكبَّرنا، ثمّ قال: ثُلُث أهلِ الجنة؛ فكبَّرنا، ثمَّ قال: شطرَ أهل الجنّة؛ فكبَّرنا». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به ثم قال]: وفي ذلك ... رد على البيهقي في قوله: "ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - "! ثم تأول الحديث بأن الصوت راجع إلى مَلكٍ أو غيره كما بينه الحافظ عنه، ثم أشار إلى رده بقوله: "وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة، ويلزم منه أن الله لم يُسمع أحداً من ملائكته ورسله كلامه، بل ألهمهم إياه ". قلت: وهذا باطل مخالف لنصوص كثيرة، وحسبك منها قول الله تبارك وتعالى في مكالمته لموسى: {فاستمع لِما يُوحى} (طه: 13).ثم قال: "وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين، لأنها التي عُهد أنها ذات مخارج. ولا يخفى ما فيه؛ إذ الصوت قد يكون من غير مخرج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق. سلمنا؛ لكن نمنع القياس المذكور، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة، وجب الإيمان به، ثم إما التفويض، وإما التأويل. وبالله التوفيق ". قلت: بل الإيمان كما نؤمن بسائر صفاته، مع تفويض معرفة حقائقها إلى المتصف بها سبحانه وتعالى كما قال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: 111). "الصحيحة" (7/ 2/756،758).

[1152] باب الدليل على أن الله تعالى يتكلم بصوت

[1152] باب الدليل على أن الله تعالى يتكلم بصوت السؤال: بالنسبة للحديث الذي يدل على أن الله سبحانه وتعالى يتكلم القرآن بصوت، أين هذا الحديث موجود في أي كتاب؟ الجواب: موجود في صحيح البخاري معلقاً. مداخلة: نعم، هل هناك من وصله؟ أو تابعه .. الشيخ: هناك مذكور طبعاً. مداخلة: وين؟ الشيخ: مذكور في "فتح الباري" .. أظن في كتاب التوحيد في آخر البخاري. مداخلة: جزاك الله خيراً. "الهدى والنور" (169/ 00:49:38) [1153] باب هل يوصف كلام الله تعالى بالقِدَم [قال الإمام]: وصف كلام الله تعالى بـ (القديم) فيه نظر على طريقة السلف، لأن ذلك مما لم يرد عنهم. "تحقيق كتاب: التوحيد أو العقائد الإسلامية" (ص 40). [1154] باب بيان مذهب الأشاعرة في صفة الكلام [قال الإمام]: وتأول الأشاعرة فقالوا: "القرآن كلام الله بمعنى أنه خلقه في اللوح المحفوظ"! راجع "حاشية البيجوري" على " الجوهرة " (ص44 - 45) "مختصر العلو" (ص143).

[1155] باب منه

[1155] باب منه سؤال: أليست [صفة الكلام] أحد الصفات السبعة التي يوافق فيها الأشاعرةُ أهلَ السنة والجماعة؟ الشيخ: لفظًا لا معنًى. مداخلة: لفظًا لا معنًى؟ الشيخ: نعم؛ لأنهم .. مداخلة: كل الصفات السبع أو الكلام؟ الشيخ: لا، الكلام ... أنت تعرف أن أهل السنة يقولون: بأن كلام الله ملفوظ مسموع، أليس كذلك؟ الأشاعرة ما يقولون هذا .. مداخلة: هو ملفوظ لا مسموع. الشيخ: لا ولا ملفوظ، لا ملفوظ ولا مسموع، إنما هم يقولون: الكلام كلام نفسي، نفسي يعني: في نفس الله، بمعنى: يتأولون الكلام الإلهي بما يساوي العلم الإلهي ولذلك حينما يناقشون المعتزلة ويردون عليهم: لماذا تنكرون الكلام الإلهي؟ أليس الله بقادر على أن يفهم كلامه لموسى؟ ما يقول: أن يسمع مع أن القرآن يقول: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (طه:13) فهم لا يؤمنون بالكلام المسموع، لأنه شيء علمي، فالله عز وجل كما قال: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} (البقرة:255) فإذًا الله قادر على أن يسمع موسى برأينا نحن لكن في رأيهم أن يفهمه، ولذلك فهم في هذه الصفة أيضًا معطلة. "رحلة النور" (40أ/00:35:30)

[1156] باب معنى ما ينسب لأبي حنيفة من قوله: "الله يتكلم بلا آلة ولا حروف، والحروف مخلوقة، وكلام الله تعالى غير مخلوق"، والكلام على أقسام التوحيد وما يقابله من الشرك

[1156] باب معنى ما ينسب لأبي حنيفة من قوله: "الله يتكلم بلا آلة ولا حروف، والحروف مخلوقة، وكلام الله تعالى غير مخلوق"، والكلام على أقسام التوحيد وما يقابله من الشرك الملقي: ما رأيك بقول الإمام أبي حنيفة في متن شرح الفكر الأكبر لعلي القارئ ص (51): وأن الله يتكلم بلا آلة ولا حروف، والحروف مخلوقة، وكلام الله تعالى غير مخلوق، نظراً إلى أن هذا القول إن ثبت عن أبي حنيفة يوافق عقيدة الأشاعرة في المسألة، وأن أبا حنيفة من السلف؟ الشيخ: سؤالك هذا يفتح لي باباً جديداً من العلم لا بد أن أذكرك به، وأن ألفت نظرك إليه، الإسلام كما تعلم قال في القرآن الكريم وهذا من مزاياه أنه حذر المسلمين أن يقعوا في مثل ما وقع الأولون من اليهود والنصارى فقال في حق هؤلاء: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} (التوبة:31) هذه الآية حين نزلت كان في المجلس رجل عربي من العرب النوادر الذي كان بالتعبير العصري مثقفاً يومئذٍ غير أمي، العرب أميون إلا النادر منهم، فهذا كان من هؤلاء النادرين كان مثقفاً، كان متعلماً، قرأ الكتاب المعروف بـ «الكتاب المقدس»، الذي يحوي التوراة والإنجيل، فوجد التوراة والإنجيل خير مما وجد عليه قومه يعبدون التماثيل والأصنام، وجد هناك شيئاً من الأخلاق، شيئاً من التشريعات، حيث لا يجد شيئاً من ذلك إطلاقاً في الوثنية الجاهلية فتنصر، ولما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو على نصرانيته جاء وقد علق الصليب على صدره، فأنكر الرسول -عليه السلام- ذلك عليه، ثم هداه الله -عز وجل- وأسلم وحسن إسلامه، وأخذ يتفقه ويجلس مجالس الرسول -عليه السلام-، ذات يوم لما نزلت هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (التوبة:31)،

وهو كان من أولئك النصارى قال: يا رسول الله ما اتخذناهم أرباباً من دون الله! تبادر إلى ذهن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- إلى أن مقصود الآية: يعني اعتقدوا في أحبارهم أنهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون وو الخ، قال: «ألستم كنتم إذا حرموا لكم حلالاً حرمتموه، وإذا حللوا لكم حراماً حللتموه؟» قال: أما هذا فقد كان، قال: «فذاك اتخاذكم إياهم أرباباً من دون الله». فالمقصود: المسلمون حتى اليوم والحمد لله لا يزالون يوجد فيهم من يحافظ على التوحيد بكامله؛ لأن التوحيد الذي يستنبط من كتاب الله ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يختلف تماماً عن التوحيد الموجود عند النصارى وعند اليهود، بل وأرجو أن لا يقع ثقيلاً على مسامعك: وحتى بعض المسلمين، التوحيد الذي جاء في القرآن وفي السنة يجهله كثير من المسلمين، فضلاً عن أهل الأديان الأخرى؛ ذلك لأن التوحيد الذي دعت إليه الرسل كلهم دون استثناء أحد منهم هو يعني توحيد الله -عز وجل- في ذاته، أي: لا ند له لا خالق معه، لا رازق معه، وهذا أمر يشترك فيه حتى المشركون، المشركون الذين بعث إليهم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا يعتقدون أن الخالق هو واحد لا ند له في خالقيته، ولكنهم مع ذلك وصفوا في عديد من الآيات بأنهم مشركون، وأن الله قال لهم: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:22) فما هي الأنداد التي جعلوها لله -عز وجل-، وأنكرها الله عليهم؟ مع أنهم كانوا يقولون بصريح القرآن الكريم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان:25)؛ إذاً خلق السموات والأرض، هم يعتقدون أنه واحد لا شريك، فإذاً أين شركهم، ما دام أنهم يوحِّدون الله في ذاته، هنا يكمن جهل كل الأديان التي أشرنا إليها آنفاً، وبعض الجهلة من المسلمين، حيث يفهمون معنى: لا إله إلا الله، حتى رأيت بعض الرسائل لبعض المشايخ

فسرها (لا إله إلا الله) أي: لا رب إلا الله، وهذا تفسير خاطئ جداً جداً، بحيث يترتب منه أن مشركاً يهودياً كان أو نصرانياً قال: لا رب إلا الله، لا يدخل في الإسلام؛ لأنه لا رب إلا الله كان المشركون كما سمعت آنفاً من القرآن يقولون: الخالق هو رب العالمين هو واحد، إذاً لماذا بعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى هؤلاء المشركين أن يدعوهم إلى أن يعتقدوا أن خالق السموات والأرض هو الله وحده لا شريك له، لا، هذا اسمه تحصيل حاصل، تفهم مني تحصيل حاصل؟ يعني شيء كان موجوداً في قرارة نفوس المشركين هؤلاء، لكن هو دعاهم إلى شيء كانوا أحوج ما يكونون إليه، كالأرض العطشى إلى ماء السماء. قال الله -عز وجل- في القرآن الكريم، هذه الآية الجواب لتساؤلي السابق: لماذا أرسل الله محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى هؤلاء المشركين ما دام أنهم كانوا يعترفون بأن الخالق هو واحد لا شريك له، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3)، هنا في شيء يسمى عند العلماء بـ «طي من الكلام»، وهذا من إعجاز القرآن: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} (الزمر:3)، وين الطي وين الاختصار؛ إذا قيل لهم: لماذا اتخذتم هؤلاء أولياء من دون الله؟ قال: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3)، فهم اعترفوا بشيئين: الشيء الأول: أنهم يعبدونهم من دون الله. وأنهم إنما يعبدونهم ليوصلوهم إلى الله، فإذاً رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أرسل إليهم ليخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، لم يدعهم إلى الاعتقاد بأن الخالق واحد؛ لأنه هذا كما قلنا تحصيل حاصل، لكن مع اعترافهم أن الخالق المحيي المميت هو واحد لا ند له ولا شريك له كانوا يعبدون معه غيره كما في هذه الآية وآيات كثيرة وكثيرة جداً.

مثلاً نحن قلنا آنفاً لو أن مشركاً مهما كان دينه قال: لا رب إلا الله، لا يدخل في الإسلام؛ لأنه آمن إيمان المشركين، وهو يجب أن يؤمن إيمان الموحدين، الموحدون حقاً يوحدون الله في ذاته، يوحدون الله في عبادته، لا يعبدون معه غيره، كما يفعل النصارى مثلاً؛ يعبدون عيسى -عليه السلام-، يوحدونه في أسمائه وفي صفاته، فإذا مسلم آمن بأن الله واحد في ذاته، كما كان المشركون يقتصرون على هذا التوحيد، ثم أضاف هذا المسلم إلى ذلك أنه يعبد الله وحده لا يعبد معه غيره، مثلاً: لعلك تسمع أن كثيراً من المسلمين الطيبين الصالحين إذا وقعوا في ضيق ينادون من؟ من يسمونه بـ «البدوي»، وبـ «سيدي عبد القادر»، ونحو ذلك من الأولياء والصالحين يدعونهم من دون الله، فهم يفعلون فعل الجاهلية الأولى، فإذاً قولهم: لا إله إلا الله، لم يفدهم، لم ينقذهم من الشرك؛ لأن الشرك ثلاثة أنواع كالتوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، من أنكر وجود الله كالدهريين مثلاً، هذا مشرك، أشرك عقله، ونفى وجود ربه، أما لو آمن بوجود الله وأنه خالق، ولكنه يعبد غيره، يعبد هواه، كما في الآية القرآنية؛ كيف الآية؟ مداخلة: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية:23). الشيخ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية:23) شايف؟ فإذاً هذا الذي أسلم وقال: الله في ذاته لا شريك له، هذا لا بد منه، ثم لا يعبد إلا الله -عز وجل-، ولكنه يعطي صفة من صفات الله لعبد من عباد الله ما يكون مؤمناً بـ لا إله إلا الله؛ لأن لا إله إلا الله تشمل هذه الأنواع الثلاثة؛ فمن آمن بالله واحداً في ذاته، واحداً في عبادته، واحداً في صفاته وأسمائه فهذا هو الذي يدخل الجنة، وهو الموعود بقوله: «من قال: لا إله إلا الله؛ دخل الجنة»، أو كما في الحديث الآخر: «نفعته يوماً من دهره»، أما الإخلال بشيء من هذا التوحيد الثالث وهو توحيد الأسماء

والصفات أو توحيد العبادة فهذا لا يكون مسلماً؛ لذلك قال تعالى في حق المشركين الذين آمنوا بأن الله هو الخالق: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات:35)، لماذا يستكبرون، وهم يقولون: الله هو الذي خلق السموات والأرض؟ لماذا يستكبرون أن يقولوا: لا إله إلا الله؟ لأنهم عرب وأنهم يفهمون أن معنى لا إله إلا الله، ليس معنى لا رب إلا الله، بل المعنى أوسع بكثير من هذا المعنى الضيق، لا رب إلا الله، هذا أساس التوحيد، ثم لا بد أن يضم إلى ذلك عبادته وحده لا شريك له في العبادة، ثم توحيد الأسماء والصفات، وأنا أضرب لك الآن مثلاً فيما يخل بتوحيد الصفات، إذا مسلم اعتقد بأن الشيخ الفلاني يعلم الغيب؛ هل يكون موحداً؟ الملقي: يفرق بين ... بين بعض الناس، وبين كل الناس. الشيخ: يمكن أن تشرح لي لأفهم عليك؟ الملقي: مثلاً هذا الرجل الذي يجلس هنا يعرف ماذا في [تفسير] آية الكرسي. فهذا غيب بالنسبة إليه، الشيخ: لا الملقي: وليس غيباً بالنسبة لما هو ... الشيخ: معليش الملقي: هاه. الشيخ: لكن هذا أمر واقع، هذا الغيب النسبي. الملقي: نعم

الشيخ: وأنا أقول لك ما هو يعني أبعد عن الناس، هؤلاء الفلكيون الذين يخبروننا قبل سنين بخسوف الشمس والقمر، هذا غيب نسبي، ولكن هل يستطيع أحد أن يقول: أنا أعلم ما في اللوح المحفوظ؟ الملقي: كيف؟! الشيخ: هاه. الملقي: كيف يعلم؟! .... الشيخ: هاه، فإذا قال فلان يغيب، ويقرأ ما في اللوح المحفوظ؛ هل يكون شهد بـ: لا إله إلا الله، هل يكون آمن بكتاب الله: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل:65)، نحن نعلم مع الأسف الشديد، لذلك قلت لك، وأنا لك ناصح أمين: أخشى على إسلامك أن يداخله شيء مما يفسد عليك إسلامك، مما قد تسمعه من بعض من يظن أنه مسلم وصالح وعالم، فنحن نعلم من الكتب ومن مشاركتنا ومخالطتنا بالناس أن كثيراً من هؤلاء المسلمين مع الأسف الشديد يعتقدون بأن بعض الأولياء والصالحين يعلمون الغيب، يعلمون الغيب، بالرغم من النصوص القاطعة في القرآن وفي السنة، وأنا تلوت على مسامعك الآن الآية الصريحة {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل:65)، وهناك حديث في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بجوارٍ من الأنصار وهن يغنين، ويقلن فيما يقلن: وفينا نبيٌ يعلم ما في غد، فقال: «لا يعلم الغيب إلا الله، دعي هذا وقولي ما كنت تقولين»، هي قال: يعلم ما في غد، لعلك سمعت من بعض المشايخ أو الصوفيين أو الطرقيين أنهم يتناشدون في مجالسهم التي يسمونها بمجالس الذكر، يخاطبون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقول البوصيري:

فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم ألم تسمع هذا؟ الملقي: لا لا ما سمعت. الشيخ: احمد الله -عز وجل-. الملقي: الحمد لله. الشيخ: احمد الله -عز وجل-، ولكن أنا أُذكِّرك الآن لا بد أنك ستسمع إن لم تكن سمعت كما قلت، هذا يتقربون به إلى الله، وينشدون هذا النشيد يخاطبون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بكلمة الكفر، وأنا أعرف في سوريا كانوا إذا جلسوا مجلس ذكر جاؤوا بوعاء فيه ماء، بيسموها (شربة) شو بتسموها انتوا؟ مداخلة: شربة شيخنا. الشيخ: شربة، عرفت هذه؟ الملقي: نعم الشيخ: وعاء من الفخار. الملقي: وعاء من الفخار الشيخ: كهذه الشربة، شايف هذه؟ من فخار ممتلئة ماءً فيضعونه في وسط الحلق، وهم ينشدون ويطربون ويميلون، ويخاطبون الرسول -عليه السلام- بقولهم: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

الملقي: ضرتها، شو معنى ضرتها؟ الشيخ: كيف؟ الملقي: ضرتها ما معناها؟ الشيخ: آه، الضرة الآخرة. فإن من جودك الدنيا وضرتها، يعني الآخرة. مداخلة: الدنيا والآخرة. الملقي: آه. الشيخ: وهذا هو عين الكفر. مداخلة: الله أكبر. الشيخ: لأنه كيف يتصور المسلم أن المسلم يجود في الدنيا معليش، لكن في الآخرة هاللي وصفها الرسول -عليه السلام- بقوله: «يها ما لا عين رأت، و .. ». مداخلة: ولا أذن سمعت. مداخلة: «ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» (¬1)، وفيها أكبر نعمة هي: رؤية الله -عز وجل- في الآخرة، كما قال رب العالمين: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:22، 23)، وقال في القرآن الكريم ... الآية؛ للذين أحسنوا، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس:26) للذين أحسنوا في الدنيا: آمنوا بالله ورسوله، لهم الحسنى؛ أي: الجنة، وزيادة؛ أي: رؤية الله -عز وجل- في الآخرة، وجاء في بعض الأحاديث أن أهل الجنة حينما يرون ربهم ينسون نعيم الجنة ولا ¬

(¬1) "البخاري" (رقم3072).

شك، وهذا أمر طبيعي جداً، حينما يرى إنسان حبيباً له من البشر من طين، ينسى كل شيء، فما بال هذا الإنسان يرى رب العالمين؛ كيف يقال أن مسلماً عادياً يطلق الدنيا ويجود بالدنيا وبضرتها الآخرة، لو نسب هذا القول المسلم أقل مسلم علماً وعملاً صالحاً لكان خطأً كبيراً، فكيف ينسب هذا القول إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم: ومن علومك علم اللوح والقلم؛ وأنت تعلم كما أظن (من) للتبعيض، تعرف هذا؟ الملقي: نعم. الشيخ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (التوبة:103) مش خذ أموالهم كلها. الملقي: نعم. الشيخ: خذ بعض أموالهم، من بعض أموالهم إلى آخره، فهون يخاطب الرسول -عليه السلام- الذي قال للجارية: {لا يعلم الغيب إلا الله}، هو يقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم علم اللوح والقلم أحاط بكل شيء كان وما سيكون، إذاً الرسول -عليه السلام- أحاط بهذا علماً، وهذا بعض علمه، فهذا كله مما يوجد في عقائد كثير من المسلمين اليوم. الملقي: توحيد الأسماء والصفات، شو موضع الشاهد بالنسبة لنفي الحروف المنسوب إلى أبي حنيفة؟ الشيخ: أحسنت، لا، هذا لسه ما وصلنا إليه، هذا ما وصلنا إليه، أنا أريد أن يعني أن أُذكِّرك بأشياء قد تسمعها فتكون على بصيرة منها أنها لا صلة لها بالإسلام، فيجب على كل مسلم أن يعرف أن التوحيد له ثلاث أقسام؛ يقابله الشرك له ثلاثة أقسام، توحيد الربوبية، توحيد العبادة، توحيد الأسماء والصفات،

فتوحيد الأسماء والصفات كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فيجب على المسلم أن يصف ربه بما وصف به نفسه، ولكن وصف نفسه بالتنزيه أو بالإثبات ثانياً، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، ثم أثبت فقال: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فلا يجوز نحن أن نشبهه بالخلق؛ لأنه منزه عن مشابهة للحوادث، ولا يجوز أن ننفي صفة من صفاته بزعم أن هذه الصفة فيها تشبيه لله -عز وجل- بالحوادث، وإنما نحن مع الكتاب تنزيهاً وإثباتاً. فإذا عرفت هذه الحقيقة، الآن أعود إلى ما سألته في الأول: الحروف تستطيع أن تقول: الله ينزه عن الحرف المعهود عندك وعندي، هذا الذي يحتاج إلى جوف، ويحتاج إلى لسان، ولهاة وو الخ، طبعاً رب العالمين منزه عن هذه الأشياء كلها، فحينما ينقل عن أبي حنيفة مثل تلك الرواية، أنا بدأت بآية: اتخذوا أحبارهم؛ لماذا؟ لنقول: إذا جاءنا قول عن إمام من أئمة المسلمين، نحن هذا الإمام لا نتخذه إلهاً كما فعلت النصارى بعيسى، نحن نؤمن بإمامته، ولا نؤمن بعصمته، واضح؟ الملقي: نعم. الشيخ: حينئذٍ أي قول جاءنا عن إمام قبل كل شيء نريد أن نتثبت من نسبته إليه، بعد ذلك إن صح هذا القول عرضناه على الكتاب والسنة، مثل هذا القول نحن لا نؤمن به. الملقي: نسبة الكتاب له هو صحيح؟ الشيخ: لا مو صحيح، يعني أبو حنيفة لم يؤلف كتاباً في حياته، هذا الذي ألفه بعض أتباعه من بعده، ففي هذا الكتاب ما يوافق الكتاب والسنة، وما يخالف ذلك.

الملقي: ممكن مدلس عليه. الشيخ: كيف؟ الملقي: مدلس على أبي حنيفة الكتاب؟ الشيخ: منسوب منسوب إليه، لا يقال مدلس، منسوب إليه، هناك كتب كثيرة منسوبة لغير مؤلفيها الملقي: نعم. الشيخ: لكن أنت ما يهمك هذه الناحية مع أني أجبتك، هذا الكتاب منسوب إلى أبي حنيفة، أبو حنيفة ليس له كتاب، كل الأئمة الأربعة كلهم لهم كتب بنسب متفاوتة كثرةً وقلة، إلا الإمام الأول بالنسبة للطبقة وهو أبو حنيفة، فليس له كتاب، وإنما هناك له تلامذة وله روايات تروى عنه، ولذلك فما ينبغي أن نهتم نحن بـ هل هذا الكتاب صحيح النسبة لأبي حنيفة أو لا؟ فيما يتعلق بموضوعنا. الملقي: نعم. الشيخ: مع أني قلت لك: الذي نعرفه أن هذا الكتاب لا تثبت نسبته إلى أبي حنيفة، لكن افترض، نحن نبتلى بكثير من الناس المتعصبين المذهبيين نبتلى بكثير من هؤلاء المتعصبة، من يتعصبون لقول الإمام، قد يكون هذا القول صحيح النسبة إليه، وقد لا يكون صحيح النسبة إليه، نحن الآن نفترض أن هذا القول أو هذا الكتاب كله صحيح النسبة لأبي حنيفة، وقال هذا الكلام، نحن لا نقبله؛ لماذا؟ لأننا نعلم أن المبتدعة الذين خالفوا عقيدة السنة وأهل السنة وأهل الحديث هم الذين يقولون بنفي هذه الأشياء أي الحروف واللفظ ونحو ذلك، يتوصلون منها لنفي ما صرح القرآن الكريمة والسنة الصحيحة. مثلاً أنا أربطك الآن بالمشكلة

الأساسية، لا شك أن الله -عز وجل- من صفته الكلام، حيث رب الأنام: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164)،والقرآن باتفاق المسلمين هو كلام الله -عز وجل-، والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول: الم، حرف؛ بل ألف حرف، لام حرف، ميم حرف» (¬1) إذاً قد قال الله: {كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164)، إذا نثبت كلام الله -عز وجل-، ولا ننفيه بشيء من التأويل، ونثبت أن كلام الله حروف، كما سمعت من قوله -عليه السلام-: «من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات»، لكننا حينما نثبت هذا وذاك لا نقول: كلام الله ككلامنا، ولا نقول: الحرف الذي يخرج من كلام الله -عز وجل- هو ككلامنا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فنثبت ما أثبت وننفي ما نفى، ما الذي نفى؟ {ليس كمثله شيء}، ما الذي أثبت، أثبت السمع والبصر، هذا هو السمع هو هذا؟! الذي أثبته لنفسه هو هذا؟ الملقي: لا. الشيخ: حاشا، أثبت لنفسه السمع؛ هو هذا؟ حاشا، إنما هنا كلمة لبعض المحدثين، وهو بالضبط أبو بكر الخطيب صاحب تاريخ بغداد، تسمع به ولا بد، يقول كلمة حق لو وقف عندها الفرق التي اختلفت في الكلام الإلهي اختلافاً كثيراً لاتفقوا جميعاً على كلمة سواء، كما قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (آل عمران:64)، كذلك لو اتفقوا على هذه الكلمة التي ذكرنا بها الخطيب -رحمه الله- لزال الخلاف وهو: يقال في الصفات ما يقال في الذات، هل نحن ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم6469).

نعلم كيفية الذات؟ الملقي: لا. الشيخ: لا لا نعلم كيفية الذات أليس كذلك؟ لكننا نؤمن بأن الله ذات مش معنى ذهني قائم فقط ليس له وجود خارج، فمالذي نقوله في الذات نقوله في الصفات؛ لأنه الصفات متعلقة بالذات، فكما نؤمن بوجود الذات الإلهية نؤمن تماماً بوجود الصفات الإلهية، كما نؤمن بأن ذاته ليست كالذوات كذلك نقول: صفاته ليست كالصفات، الآن الكلام ما موقف المسلمين إلى اليوم: ثلاثة مذاهب، تعرف هذا أنت ولا بد؟ الملقي: سمعت. الشيخ: ثلاث مذاهب: مذهب المعتزلة؛ يقولون: الله لا يتكلم. آه، وحينما يأتون إلى قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164) يقولون الله ما تكلم، إنما التي تكلمت هي الشجرة، فنفوا الكلام صراحة؛ لماذا؟ قالوا: لأنه الكلام صفة الإنسان. الملقي: نعم الشيخ: فإذا قلنا الله يتكلم معناه شبهناه بالمخلوق، فهذا منتهى الجهل والضلال. الملقي: نعم، قتل الجهم في نفس هذه المسألة. الشيخ: فأقول: هذا منتهى الجهل والضلال، لم؟ أنت وأنا وكل هذه المخلوقات من إنس وجن وملائكة وجماد وو الخ، كمان موجودات، فنحن بين

أحد شيئين، إما أن نقول: الله غير موجود؛ لأننا إذا قلنا موجود صار فيه اشتراك بيننا وبينه، وهذا هو التشبيه، فإذا ماذا نقول؟ نقول كما قالت المعتزلة: ننفي، نقول الله غير موجود؛ لأنه هذا فيه تشبيه للرب الموجود بالمخلوقات إذاً هو غير موجود، وهذا ضلال بين، إذا ماذا نفعل؟ نقول كما قال أهل وحدة الوجود، أظن تعرف شيئاً عنهم؟ الملقي: نعم سمعت ... الشيخ: آه، هؤلاء الذين يقولون: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا ... وما الله إلا راهب في كنيسة وكل ما تراه بعينك فهو الله، ولما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار، أي: هو هو، لا شيء إلا هو، حينئذٍ فكل ما تراه بعينك فهو الله، هذا هو الوجود؛ لذلك هم يسمون أنفسهم بـ أهل التوحيد، نحن الذين نقول: لا إله إلا الله، نحن مشركون؛ لأننا أوجدنا شيئاً مع الله، هذا هو الضلال المبين بسبب أيش؟ عدم التمسك بالآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، نثبت ما أثبت مع التنزيه، وننزه كما نزه، الشاهد المعتزلة قالوا: الله لا يتكلم، الأشاعرة قالوا: كيف؟! الله بيتكلم، لكن داروا، ولفوا، ووصلوا عند المعتزلة بالتأويل، فقالوا بالكلام النفسي، سمعت بهذا؟ الملقي: نعم، نعم. الشيخ: الكلام النفسي. الملقي: نعم كلام النفس ...

الشيخ: آه الكلام النفسي، معناها أنهم التقوا مع المعتزلة بأن الله لا يتكلم كلاماً مسموعاً، وأنت ذاكر معي قول الله -عز وجل-: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (طه:12، 13)، هنا الشاهد، فاستمع لما يوحى، فالكلام النفسي لا يسمع، الآن أنا في صدري كلام أنت ما تسمعه. الملقي: نعم الشيخ: وأنت في صدرك كلام أنا لا أسمعه، لا يحسن لي أن أخاطبك أنت: اسمع لكلامي الذي في نفسي، وإنما قد أقول لك: افهم ما في نفسي. أما اسمع، هذا لا يقال، فكيف يؤول الكلام الإلهي المصرح في الآية عند الأشاعرة بأنه كلام نفسي، الله يقول: {فاستمع لما يوحى} إذاً هو كلام، أي كلام مسموع، لكن نحن كيف، لهاة وفم وأضراس وأسنان والخ، هذه أشياء نبرأ إلى الله من أن نخوض فيها، فإذاً الأشاعرة لما أولوا الكلام أثبتوا شيئاً لم يتعرض له القرآن، القرآن تعرض لإثبات العلم الإلهي، فإذا قلنا بالكلام النفسي وفسرناه بالعلم الإلهي فممكن أن يكون هذا كلام معقول، لكن هو العلم، ولماذا نسميه بالكلام النفسي تضليلاً. في النهاية هم يقولون بأن القرآن هذا لم يصدر من الله -عز وجل-، وهذا خلاف عقيدة المسلمين جميعاً، والسبب أنهم وقفوا عند صفة الكلام فاختلفوا ثلاث مذاهب: المعتزلة صرحوا بأن الله لا يتكلم، أي: إنه وقعوا في شر ما منه فروا، الذي لا يتكلم هو الجماد، صح؟ فإذاً وصفوا الله -عز وجل- بالجماد؛ إذاً ما الحل؟ الحل إنكار وجوده وانتهت المشكلة كلها، فالمهم فالأشاعرة التقوا مع المعتزلة في إنكار الكلام الإلهي، وهذا يلزم منه يا أخا الإسلام إنكار عشرات

الآيات، ربنا -عز وجل- حينما خاطب الملائكة وقال لهم: {اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} (البقرة:34) أليس هناك كلام تسمعه الملائكة ويأمرهم وأيضاً كان إبليس يعبد الله معهم، {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ} (الحجر:30، 31)، {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (المائدة:116)، ما يسمع عيسى -عليه السلام- حينما يخاطبه رب الأنام بهذا .. ، هذا كله تعطيل لعشرات إن لم نقل مئات النصوص للكتاب والسنة، بسبب أيش: التأويل، وتحكيم العقل، وقياس الغائب، غيب الغيوب هو الله -تبارك وتعالى- على الشاهد وهو البشر، يبقى المذهب الثالث يقول: نحن نثبت لله ما أثبت لنفسه، أثبت لنفسه الكلام، وأن هذا القرآن هو كلام الله وليس كلام مخلوق من خلق الله -عز وجل- أبداً، ولكن كيف؟ لا ندري، لعلك سمعت قول الإمام مالك -رحمه الله- حينما جاءه سائل قال له: يا مالك .. {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا هذا الرجل. مداخلة: والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. الشيخ: بدعة أخرجوا هذا الرجل فإنه مبتدع، فقال له: الاستواء معلوم لغة، وهو العلو، فالله -عز وجل- فوق المخلوقات كلها، كما نقرأ في القرآن: سبحان ربي الأعلى (¬1) ونقوله في السجود والخ، لكن استواؤه ليس كاستوائي أنا على الكرسي وأنت وغيرك من البشر، هو استواء يليق بعظمته وجلاله، لا نقول كما يقول -أيضاً- المعتزلة والأشاعرة وغيرهم اليوم، يكون هنا مجلس كهذا المجلس يقول أحدهم في ظنه أنه يذكر الله: اللـ آآآآآآآآآ ـه موجود في كل وجود، اللـ آآآآآآآآآ ـه ¬

(¬1) في القرآن: (سبح اسم ربك الأعلى).

موجود في كل وجود، لا بد سمعت هذا التوحيد؟ الملقي: لا. الشيخ: ما سمعته؟ مداخلة: الحمد لله. الشيخ: هنيئاً لك، هههه. مداخلة: ههه. الشيخ: نحن نسمعه كثيراً، لو سألت الآن سائلاً أي إنسان ممن تعرفه أو لا تعرفه: أين الله؟ سيقول لك: الله في كل مكان، فهذا سؤال يعني جوابه معروف عند الناس اليوم مشايخ ووعاظ ومرشدين ودكاترة والخ، الله موجود في كل مكان. مداخلة: هذا الحلول. الشيخ: هذا حلول -بارك الله فيك-، هذا حلول، والعقيدة الصحيحة ما قال مالك، {الرحمن على العرش استوى}، أما أن نقول: الله موجود في كل مكان! ما بتعرفوا أنه من الأماكن الدهاليز والمجاري والبارات والسينمايات وو ما لا يدخله الإنسان حتى الكافر حتى الفاسق إلا مضطراً، فيجعلون ربهم في أماكن ما يدخلونه هم إلا مضطرين، هذا توحيد؟ هذا إسمه توحيل؟ مداخلة: هههه. الشيخ: باللام، هاه، هذا اسمه توحيل، ولذلك قال أحد فقهاء الحنفية الماتريدية، الماتريدية هنا طائفتان: طائفة تلتقي مع الأشاعرة في نفي العلو لله -عز وجل-، ويلتقون مع المعتزلة: الله موجود في كل مكان، وطائفة منهم يلتقون مع

أهل السنة. فقال قائلهم: ورب العرش فوق العرش لكن ... بلا وصف التمكن واتصال مفهوم هذا الكلام، وهذا تفسير لقوله -عز وجل-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران:97)، إن الله غني عن العالمين، كل العالمين المخلوقين فضلاً عن كرسي أو عن عرش يحمله، فهذه العقائد أخي يجب أن تؤخذ من الكتاب والسنة وليس من الفقه المسمى بـ «الفقه الأكبر»، حتى لو صحت النسبة إلى الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، وهي غير صحيحة النسبة. الملقي: هي غير صحيحة. الشيخ: أي نعم مداخلة: المتهم به أظن أبو مطيع البَلْخي. الشيخ: أي نعم، لا بأس ولو أطلنا على المشايخ نروي له هالنكته هاده، هاللي إلها علاقة بالعقيدة. مداخلة: تفضل يا شيخي. الشيخ: كنا في بعض سنين الحج في منى، وأنا جالس في ليلة صافية جداً، واجتمعنا اجتمعنا مع بعض الشباب منهم أنصار السنة في مصر؛ لما دخل علينا أحد المشايخ الأزهريين، سمع شَعَرَ أنه في مجلس علم فجلس، وانتبه أنه الأرض مسكونة بمن يسمونهم بالوهابية يعني. الملقي: آه.

الشيخ: الجو علمي وهابي، قال: بس أنتم معشر الوهابية تجسمون، قلت: كيف؟ قال: أنتم بتقولوا إنه الله على العرش، قلت له: سبحان الله، نحن نقول، ولَّا رب العالمين قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، قال: لكن أنتو بتقولوا إنه الله له مكان، الشاهد الآن جرى النقاش هذا النقاش الحقيقة يشبه الفلسفة؛ لأنه نقاش عقلي منطقي، ولكن المسلم ليس بحاجة أن يناقش المسائل الاعتقادية مناقشة عقلية، لكن يضطر أحياناً لمناقشة هؤلاء الذين يحكمون العقل على النقل فيضلون ضلالاً بعيداً، لما قال: لكن أنتم تجعلون لله مكاناً، قلت: أسألك وأرجو أن تجيبني، قال: تفضل، قلت له: المكان شيء عدمي أم وجودي؟ مفهوم السؤال؟ الملقي: نعم. الشيخ: قال: وجودي، قلت: كان منذ الأزل أم وجد بعد أن لم يكن؟ قال: وجد بعد أن لم يكن، قلنا: إذاً نحن الآن في مكان؟ قال: نعم، قلنا: فوقنا السماء الأولى؟ قال: نعم. مكان؟ قال: نعم. السماء الثانية ووو السماء السابعة مكان أمكنة كلها؟ قال: نعم، قلت له: وفوق السماء السابعة أيش في؟ قال: العرش، قلت: مكان؟ لأنه مخلوق طبعاً، قال: نعم مكان، قلت: وفوق العرش أيش في؟ ففاجأني بشيء لم يكن في الحسبان، قال: الملائكة الكروبيون، قلت: ما هم هذول كروبيون؟ أيه، قلت: أيش هدون ملائكة كروبيون؟ مداخلة: كروبيون بيكربوا. الشيخ: ههه ههه قال: هؤلاء ملائكة، قلت: في عندك آية تثبت إنه على العرش ملائكة ولهم اسم كروبيون؟ قال: لا، قلت: حديث نبوي عن الرسول

-عليه السلام-؟ قال: لا، قلت: عجباً، أنت رجل أزهري، ونحن نعلم أن مشايخ الأزهر يلقنونكم أنه لا يجوز إثبات عقيدة بحديث صحيح آحاد إلا إذا كان متواتراً، أنت كيف تثبت عقيدة أمر غيبي أنه هناك فوق العرش ملائكة كروبيون بلا حديث؟ قال: هيك لقنونا. مداخلة: الله أكبر. الشيخ: هيك لقنونا أنه هناك ملائكة فوق أيش العرش، قلنا له: لا حول ولا قوة إلا بالله، نمشي معك الآن، بزعمك فوق العرش الملائكة كروبيون، فوق الملائكة الكروبيون أيش في؟ سكت، قلت: الكون محدود، أم لا محدود؟ قال: محدود، قلنا له: المحدود إذاً نهايته العرش، وبزعمك أنه فوق العرش ملائكة كروبيون، فوق الملائكة الكروبيون ما في إلا العدم أليس كذلك ما دام الكون محدوداً؟ قال: نعم، إذاً إذا قال السلفيون إن الله -عز وجل- على العرش فليش أنت تنسبهم إلى أنهم جعلوه في مكان، وليس هناك مكان؛ لأن الخلق انتهى، ... ماذا يجيب المفحم بالحجة! حسبه أن يبلع ريقه. فهذا منطق يتماشى مع نصوص الشريعة، الله قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) كيف استوى؟ لا ندري، هل ندري صفة من صفاته تعالى بما سبق الكلام عليها، السمع والبصر والكلام؟ لا، إن كنا ندري شيئاً عن ذاته، فندري شيئاً عن صفاته، وإن كنا لا ندري فلا ندري، نحن بس مؤمنون بكل ما جاء عن الله ورسوله، نثبت ما أثبت وننفي ما نفى، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، هذا منتهى علوم البشر كلهم إذا وقفوا مع قول الله -عز وجل-. "الهدى والنور" (515/ 43: 50: 00) (516/ 40: 00: 00)

[1157] باب هل يقال: القرآن غير مخلوق؟

[1157] باب هل يُقال: القرآن غير مخلوق؟ [قال الشيخ -رحمه الله - بعد أن تكلم على جواز وصف الله تعالى بلفظتي "بذاته" و"بائن" في قولهم "الله فوق العرش بذاته" "بائن من خلقه" مع أن هذا لم يرد عن الصحابة لكن لما ظهر قول الجهمية بأن الله في كل مكان اضطر أئمة السلف أن يتلفظوا بذلك، قال]: ومثل هذا تماماً قولهم في القرآن الكريم أنه غير مخلوق؛ فإن هذه لا تعرفها الصحابة أيضاً وإنما كانوا يقولون فيه: كلام الله تبارك وتعالى لا يزيدون على ذلك وكان ينبغي الوقوف فيه عند هذا الحد لولا قول جهم وأشياعه من المعتزلة: إنه مخلوق ولكن إذا نطق هؤلاء بالباطل وجب على أهل الحق أن ينطقوا بالحق ولو بتعابير وألفاظ لم تكن معروفة من قبل, وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين سئل عن الواقفة الذين لا يقولون في القرآن إنه مخلوق أو غير مخلوق هل لهم رخصة أن يقول الرجل: "كلام الله " ثم يسكت؟ قال: ولِمَ يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا لأي شيء لا يتكلمون؟ " سمعه أبو داود منه كما في "مسائله" (ص263 - 264). " مختصر العلو" (ص18). [1158] باب ذكر أقدم من صرح بأن القرآن غير مخلوق [قال الإمام في "مختصر العلو"]: وأقدم من صرح بذلك [أي بأن القرآن غير مخلوق] ممن صرحوا باسمه من السلف: عمرو بن دينار كما تقدم في ترجمة (149) [من مختصر العلو] وقد توفي

سنة (126) , وأما الصحابة فلم أرَ نصاً صريحاً صحيحاً عن أحد منهم، اللهم إلا عموم قول عمرو بن دينار المتقدم في الكتاب هناك (¬1)، وظني أن فيه تغليباً فقد صح عنهم القول بأن القرآن كلام الله، ولكن لم يقولوا: "غير مخلوق" لعدم الحاجة إليه يومئذ. وإلى هذا أشار الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين سئل: هل لهم رخصة أن يقول الرجل: "كلام الله" ثم يسكت؟ قال: ولِمَ يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا لأي شيء لا يتكلمون؟! رواه عنه أبو داود (ص 263 - 264). ولذلك قال الحافظ ابن عدي: "لا يعر ف للصحابة رضي الله عنهم الخوض في القرآن ". وعلق عليه البيهقي في "الأسماء" فقال (ص 244): "قلت: إنما أراد به أنه لم يقع في الصدر الأول ولا الثاني من يزعم أن القرآن مخلوق، حتى يحتاج إلى إنكاره، فلا يثبت عنهم شيء بهذا اللفظ "غير مخلوق"، لكن قد ثبت عنهم إضافة القرآن إلى الله تعالى وتمجيده بأنه كلام الله تعالى". وأما ما رواه البيهقي (ص 247) عن ابن المديني أنه قال في أثر جعفر الصادق المتقدم برقم (144): "ليس بخالق ولا مخلوق". "لا أعلم أنه تكلم بهذا الكلام في زمان أقدم من هذا ". ¬

(¬1) قول عمرو بن دينار المتقدم هو: أدركت الناس منذ سبعين سنة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن دونهم يقولون: الله خالق, وما سواه مخلوق إلا القرآن, فإنه كلام الله منه خرج وإليه يعود. قال الألباني: إسناده صحيح مسلسل بالثقات الحفاظ.

[1159] باب هل القول بخلق القرآن من الكفر البواح

قلت فهو على ما أحاط به علمه، فإن عمرو بن دينار أقدم من جعفر كما تعرف مما سبق من ترجمتهما. على أنه قد روى مثله عن علي بن الحسين زين العابدين كما تقدم في الترجمة (13) وكانت وفاته سنة (93) فهذا أقدم وفاة منهما، لكن في السند إليه ضعف كما سبق. "مختصر العلو"ص174 - 175). [1159] باب هل القول بخلق القرآن من الكفر البواح السائل: جاء في حديث عبادة بن الصامت دعانا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله قال: «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان» فالسؤال المطروح هو توضيح معنى الكفر البواح؟ الشيخ: يعني الكفر الصريح الذي ليس عند صاحبه حجة يقتنع بها في نفسه فضلاً عن أن يستطيع أن يُقْنِعَ بها غيره، فالحجة هنا هي الحجة القاطعة البيّنة؛ أن يأتي بحجة على الكفر الذي نسميه نحن، أما إذا كان جاء بحجة هو مقتنع بها فلا يجوز الخروج عليه؛ لأنه خالف معهودنا وخالف معلوماتنا، وبهذا نعلل فتنة المأمون العباسي حيث خرج على العالم الإسلامي في خلافته بقوله بأن القرآن مخلوق، فهم ما خرجوا عليه .. فنجد العالم الإسلامي يومئذ وفيه العلماء الفطاحل من المحدثين والفقهاء والأئمة ما خرجوا عليهم وهم كانوا بلا شك يعني أقوى منا اليوم في الخروج عليهم؛ لكنهم لما كانوا يتبنون هذا الحكم وهو أنه لا يجوز للمسلمين أن يخرجوا على حكامهم وأمرائهم إلا إذا رأوا منهم كفراً بواحاً، مارأوا منه الكفر البواح؛ لأن الكفر البواح يمكن أن نفهمه بما يُعبِّر عنه بعض العلماء في

بعض المناسبات بما كان معلوماً من الدين بالضرورة، يعني حكم يشترك في معرفته الخاصة والعامة، العالم والجاهل فإذا أعلن الحاكم يوماً ما استباحة أمر مقطوع تحريمه مثلاً من الدين بالضرورة حينئذ تسقط البيعة التي بويع بها؛ لأنه ارتكب كفراً بواحاً صريحاً، أما مسألة خلق القرآن صحيح أنها خطأ بلا شك لكن أين الدليل، علماء السلف الصحابة الأولون ما تكلموا في هذه القضية لكن لما خرجت المعتزلة بهذه العقيدة الباطلة المنحرفة طبعاً عن الأدلة الشرعية فقالوا: إن كلام الله مخلوق؛ اضطر علماء السنة وبخاصة منهم علماء الحديث أن يقابلوا هذا القول بنقيضه وهو الصفة، وأن يقولوا كلام الله صفة من صفاته ولا يُعقل أن يكون مخلوقاً لكن هذا أشبه شيء بما يسمى بعلم الكلام، ولنقل عبارة أخرى أشبه شيء بالفلسفة من يفهم أن هذه صفة والصفة تبع للذات، والذات قديمة والصفات قديمة فيلزم منه أن الكلام ليس مخلوقاً؛ لأن هذا صفة للخالق .. ، هذه أمور اجتهادية استنباطية وليست كل أمور اجتهادية استنباطية باطلة ولا هي كلها صواب لكن يختلف الأمر بين ما هو منصوص عليه وبين ما هو بطريق الاجتهاد والاستنباط لذلك نجد العلماء يومئذ ما قابلوا ضلالة المهدي بالخروج عليه؛ لأنه صحيح جاء بأمر منكر لكن ما جاء كفراً بواحاً، ولذلك لقوا ما لقوا من التعذيب والسجن وربما الموت والقتل وما خرجوا عليه، وهنا الآن نحن بعد أن تبيّن لنا ما هو الكفر البواح وضربنا بعض الأمثلة ما فائدة فهم هذا الحديث في هذا العصر حيث لا بيعة، أنا أعتقد أن الذين يثيرون هذا السؤال وأمثاله هم من جماعة الخوارج المُحْدَثين، هم يحملون الفكر الجديد الذي تبنته جماعة سموا بحق أو بباطل بجماعة الكفر والهجرة ... "الهدى والنور" (211/ 05: 57: 00)

[1160] باب منه

[1160] باب منه [قال الإمام]: لا شك أن الإباضية وكل من دان برأيهم وبعقيدتهم في أن كلام الله عز وجل مخلوق، ومن ذلك هذا القرآن المعجز مخلوق، وكذلك من نفى إنكار رؤية المؤمنين لرب العالمين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لا شك أن هؤلاء المنكرين لكون القرآن كلام الله حقيقة وليس مخلوقاً، وأن الله عز وجل يمتن على عباده المؤمنين فيتجلى لهم يوم القيامة، ويوم يدخل المسلمون الجنة، هذا الإنكار فيه ضلال واضح جداً، وأما أن هذا الضلال كفر ردة عن الدين أو لا، نقول: من تبينت له الحجة ثم أنكرها فهو كافر مرتد عن دينه، لكن من أنكر ذلك فهو في ضلال، ونحن لا يهمنا أن نقول فلان من الناس أو الطائفة الفلانية من الناس هم كفار، حسبنا أن نقول هم ضُلّال؛ لأن المقصود هدايتهم وأن يعرفوا أنهم على خطأ وعلى ضلال حتى يعودوا إلى الصواب .. "الهدى والنور" (310/ 00:49:33) [1161] باب ذكر دور ابن أبي دُؤَاد في فتنة خلق القرآن [قال الإمام]: أحمد بن أبي دؤاد - على وزن فؤاد - القاضي الجهمي المشهور وهو الذي بسببه امتُحِن الإمام أحمد وأهل السنة بالضرب والهوان على القول بخلق القرآن، ثم ابتلي ابن أبي دؤاد في نفسه وماله بما هو مذكور في ترجمته من "الشذرات " (2/ 93) وغيره عامله الله بما يستحق مات سنة (240). "مختصر العلو" (ص195).

[1162] باب الرد على من استدل على خلق القرآن بقوله تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} فقال: المجعول لا يكون إلا مخلوقا

[1162] باب الرد على من استدل على خلق القرآن بقوله تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} فقال: المجعول لا يكون إلا مخلوقًا [ذكر الذهبي في "العلو" أن أهل الضلال قالوا أن القرآن كلام الله وتنزيله وأنه مخلوق", وذكروا في دليلهم [إنا جعلناه قرآنا عربيا] وقالوا: والمجعول لا يكون إلا مخلوقًا]. [فعلّق الإمام على ذلك قائلاً]: هذا القول باطل ظاهر البطلان، وكأنه لذلك لم يتعرض المصنف لرده، لكن لا بد لنا في هذا التعليق من الإشارة إلى بعض الآيات التي استدل بها أهل الحديث على بطلانه، فقد قالوا ما ملخصه: إن لفظة "جعل" لا تأتي بمعنى "خلق" كُلما ذُكِرت، وفي أي مكان وقعت، كقوله تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب}، فليست هنا بمنى الخلق قطعاً، بل إن الله تعالى قد أضاف هذه اللفظة إلى بعض المخلوقين فقال في يوسف عليه السلام: «جعل السقاية في رحل أخيه» بل قال في المشركين: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} فهل المعنى أن المشركين خلقوا الملائكة ... ؟! تعالى الله عن تفسير المبتدعة لكلامه علواً كبيراًَ. فإذا تبين هذا كان لا بد من تفسير اللفظة المذكورة بالنظر إلى الموضع الذي وردت فيه، فإذا كان قوله تعالى: {جعلنا قرآناً عربياً} إنما هو القرآن قطعاً، وكان القرآن من كلامه تعالى قطعاً، وكان كلامه صفة من صفاته، وصفاته تعالى كلها أزلية غير مخلوقة كذاته، لم يجز حينئذ أن تُفَسَّر هذه اللفظة بما ينافي هذه الأمور المقطوع بها، قالوا: فالمعنى: إن الله تعالى لما كان يعلم الألسنة كلها وهو قادر على أن يتكلم بما شاء منها متى شاء، فإن شاء تكلم بالعربية، وإن شاء تكلم

[1163] باب التحذير من كتاب لبعض أهل البدع انتصر فيه للقول بخلق القرآن

بالعبرية، قال {جعلناه قرآناً عربياً} أي جعله عربياً من كلامه، كما جعل التوراة والإنجيل عبرياً من كلامه، ذلك لأنه أرسل كل رسول بلسان قومه ليبين لهم، كما قال تعالى في كتابه, فمعنى قوله "جعلناه": صرفناه من لغة إلى أخرى، وليس خلقناه."انظر الرد على المريسي" (ص 123 - 124). "مختصر العلو" (ص175). [1163] باب التحذير من كتاب لبعض أهل البدع انتصر فيه للقول بخلق القرآن [قال الإمام]: من غرائب هذا الزمان وعجائبه أن يتجرأ أحد الإباضيين وهو الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ويؤلف كِتَاباً سماه بغير اسمه: " الحق الدامغ "! انتصر فيه لمذهبه في إنكارهم رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وقولهم بخلق القرآن، وبخلود أهل الكبائر في النار. وقد سلك فيه طريقة أسلافه من المعتزلة وغيرهم من أهل الأهواء في تأويل أدلة أهل السنة، وجعلها ظنية الدلالة أو الثبوت، فيقول مَثَلاً فيما كان من القرآن وأخرجه عن دَلَالَته الظاهرة على الأقل: " والدليل إذا اعتراه الاحتمال سقط به الاستدلال "! (ص 50) وغيرها. وأما ما استدل به هو من الآيات فتأولها؛ لتوافق مذهبه؛ كمثل تأويله لقوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة}؛ فإنه تأول قوله: {ناظرة} أي: منتظرة! ومع ذلك فهي عندهم قطعية! وفيما كان من السنة والحديث وتبين له أن التأويل غير ناجح فيه استعمل فيها معول الهدم، وهو قوله (ص 62): " ومهما يكن فإن هذه الأحاديث آحادية، والآحادي لا تنهض به حجة في

[1164] باب دفع تهمة القول بخلق القرآن عن أبي حنيفة وذكر بعض العقائد الضالة في كلام الله تعالى

الأمور الاعتقادية ... "! شنشنة نعرفها من أخزم، يلهج بذلك أهل الأهواء والبدع في كل زمان، وبخاصة زماننا هذا الذي كثرت فيها الفرق والطوائف! (وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا)! وإن عجبي من هؤلاء لا يكاد ينتهي، يردون الاستدلال بالأحاديث الصحيحة بتلك الحجة الواهية، ومن جهة أخرى هم يستدِلّون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، وما لا أصل له في السنة الصحيحة؛ بل وبالآثار الموقوفة الواهية، وكتاب الخليلي المذكور آنِفًا مشحون بما لا يصح من المرفوع والموقوف. "الضعيفة" (12/ 2/925). [1164] باب دفع تهمة القول بخلق القرآن عن أبي حنيفة وذكر بعض العقائد الضالَّة في كلام الله تعالى [قال الإمام]: في " التاريخ " [أي تاريخ بغداد] روايات .. عدة أن أبا حنيفة كان يقول: القرآن مخلوق. إلا أنني دققت النظر في بعضها فوجدتها لا يخلو من قادح، ولعل سائرها كذلك، لاسيما وقد روى الخطيب عن الإمام أحمد أنه قال: لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول: القرآن مخلوق. قلت: وهذا هو الظن بالإمام أبي حنيفة رحمه الله وعلمه، فإن صح عنه خلافه، فلعل ذلك كان قبل أن يناظره أبو يوسف كما في الرواية الثابتة عنه في الكتاب، فلما ناظره ولأمرٍ ما استمرت مناظرته ستة أشهر، اتفق معه أخيرًا على أن القرآن غير مخلوق، وأن من قال:"القرآن مخلوق" فهو كافر. وهذا في الواقع من الأدلة الكثيرة على فضل أبي حنيفة فإنه لم تأخذه العزة،

ولم يستكبر عن متابعة تلميذه أبي يوسف حين تبين له أن الحق معه، فرحمه الله تعالى ورضي عنه. ولكن مما يؤسف له أشد الأسف، أن كثيراً من أتباعه، وبخاصة المتأخرين منهم، قد تأولوا كلامه هذا بما يعود إلى رده وذلك بحمله على الكلام النفسي، كما قد سبقت الإشارة إلى ذلك - فيما أظن، فهذا الشيخ الكوثري - حامل راية الخلف، والطعن في السلف - يعلق على مناظرة أبي يوسف لأبي حنيفة، فيقول بعد أن ذكر المذاهب في كلام الله تعالى، ونبز أهل الحديث بالحشوية لقولهم بأن كلام الله تعالى بحرف وصوت وأنه لا عبرة بخلافهم!! قال: "فبقي النزاع بيننا وبين المعتزلة (!)، وهو في التحقيق عائد إلى إثبات كلام النفس ونفيه، وأن القرآن هو، أو هذا المًؤَلَّف من الحروف الذي هو كلام حسي (أي مسموع) أولاًَ، فلا نزاع لنا في حدوث الكلام الحسي، ولا لهم في قدم النفسي لو ثبت. وعلى البحث والمناظرة في ثبوت الكلام النفسي وكونه هو القرآن ينبغي أن يحمل ما نقل من مناظرة أبي حنيفة وأبي يوسف ستة أشهر، ثم استقر رأيهما على أن من قال بخلق القرآن فهو كافر "! وهكذا التقي الكوثري مع المعتزلة في إنكار أن القرآن كلام الله تبارك وتعالى، ولكن بطريقة اللف والدوران منه ومن أمثاله ممن يتظاهرون بأنهم من أهل السنة والجماعة!! وما تخفي صدورهم أكبر، فإنهم يقولون بالكلام النفسي، وهو غير مسموع، ولذلك فإنهم إذا سئلوا من الذي تكلم بالقرآن أولاً، ومن الذي سمعه منه؟ أولاً، فإنهم لا يحيرون جواباً, والحقيقة أن النفاة لكلام الله تعالى إنما يرجع قولهم إلى أن القرآن ليس كلام الله، وإذا كان كذلك فسواء كان أول من تكلم به بكلام مسموع هو جبريل أو محمد عليهما السلام، فإن قولهم يلتقي مع

[1165] باب شرح قول أحمد: "من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي"

كفار قريش الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا في القرآن: {إن هذا إلا قول البشر} فإنهم إن لم يقولوا مثلهم إنه قول البشر، فهم قائلون ولا بد إنه قول جبريل أو غيره من الخلق، فهم مشتركون معهم في الغرض من قولهم {إن هذا إلا قول البشر} أنه ليس من كلام الله تعالى, فالله المستعان على هذا الضلال الذي وصل إليه كثير من الخلف، وتلك عقوبة لهم من الله تعالى لانحرافهم عن مذهب السلف وأهل الحديث حشرنا الله في زمرتهم، وأماتنا على ملتهم, من أجل ذلك قال وكيع بن الجراح: "لا تستخفوا بقولهم: "القرآن مخلوق؛ فإنه من شر قولهم، وإنما يذهبون إلى التعطيل"! رواه البخاري في " أفعال العباد " (ص 71) وقال البيهقي عقبه (ص254): "وقد روينا نحو هذا عن جماعة آخرين من فقهاء الأمصار وعلمائهم رضي الله عنهم، ولم يصح عندنا خلاف هذا القول عن أحد من الناس في زمان الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين". " مختصر العلو" (ص156 - 157). [1165] باب شرح قول أحمد: "من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي" [قال الذهبي في العلو]: يقول الإمام أحمد: "من قال: لفظي بالقرآن مخلوق- يريد القرآن - فهو جهمي". [قال الإمام معلقًا على هذا الأثر]: رواه عبد الله بن أحمد في "السنة" (ص 29) عن أبيه نحوه. أخرجه البيهقي

في "الأسماء" (ص 266) بإسناد صحيح، وقال: "قلت: هذا تقييد حفظه عنه ابنه عبد الله، وهو قوله: "يريد القرآن"، فقد غفل عنه غيره ممن حكى عنه في اللفظ خلاف ما حكينا حتى نسب إليه ما تبرأ منه فيما ذكرنا". قلت: وفي قوله: "فقد غفل عنه غيره ... " نظر؛ لأن حقيقة الأمر أن الإمام أحمد كان يطلق ذلك في كثير من الأحيان، وممن روى ذلك عنه ابنه عبد الله نفسُه كما يأتي في الكتاب، وكذا أبو داود كما سأبينه قريباً فهل يجوز أن ينسبا إلى الغفلة؟! فالحق أن أحمد أطلق غالباً، فحفظه عنه جمع، وقيد مرة بياناً ودفعاً لما قد يتوهم من الإطلاق أن نطقنا بالقرآن ليس من أفعالنا، وهذا خلاف ما هو مقرر عند أهل السنة أن أفعال العباد - ومنها النطق - مخلوقه كما شرحه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه "خلق أفعال العباد" بأدلة قاطعة من الكتاب والسنة، وأقوال السلف. فبيَّن الإمام أحمد رحمه الله تعالى بهذا القيد أنه لا يعني نطق التالي، فإنه مخلوق، وإنما يريد كلام الله تعالى، وبهذا يتفق الإمام مع تلميذ البخاري الذي كان يفرق بين التلاوة والمتلو، كما حكاه البيهقي وغيره، وقال: "ومسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى كان يوافق البخاري في التفصيل". وهو الذي شرحه المصنف رحمه الله تعالى، وأحسن في ذلك، وبين السبب في فرار الإمام أحمد - في أكثر الروايات عنه - ومن وافقه من القول بالتفصيل المذكور ولله عاقبة الأمور. وراجع له كلام الإمام الجويني في رسالته في "الاستواء" (ص 184) فإنه مهم. "مختصر العلو" (ص211)

[1166] باب هل يجوز القول بأن لفظنا بالقرآن مخلوق

[1166] باب هل يجوز القول بأن لفظنا بالقرآن مخلوق السائل: هل يجوز القول بأن لفظنا بالقرآن مخلوق؟ الشيخ: هذه المسألة في اعتقادي لا حاجة ولا مبرر لإثارتها في العصر الحاضر؛ لأنها قد تكون سبباً لإساءة فهم السامعين لهذه الكلمة، سواء أُثْبِتَت أو نُفِيَت، فإذا قيل: لفظي للقرآن مخلوق، ممكن أن يؤخذ على أن القرآن نفسه مخلوق، وهذا ما وقع في إمام المحدثين في زمانه، وهو الإمام البخاري، فكبار أصحابه وكثير من حفاظ الحديث خاصموه وعَادَوُه؛ لأنه قال هذه الكلمة، والآن نحن لسنا في هذا الصدد وفي هذا العصر؛ ذلك لأن جماهير المسلمين اليوم حينما يشاركوننا في الاعتقاد بأن القرآن كلام الله، وكلام الله غير مخلوق، هم يفسرونه بتفسير معروف في كتبهم؛ بأن كلام الله تبارك وتعالى نفسي وليس كلاماً لفظياً مسموعاً عند المصطفين الأخيار، فالخلاف الآن الموجود يكفينا ولا نريد أن نثير خلافاً قديماً كان بين أهل السنة أنفسهم، فالخلاف الموجود اليوم بين أهل السنة وأتباع أهل الحديث والمخالفين لهم، ممن ينتمون إلى مذهب الماتريدي أو الأشعري هذا الخلاف يكفينا، فما يجوز [نُثِيره] بيننا نحن الذين نقول بأن كلام الله عز وجل كلام حقيقي مسموع كما في الآية الكريمة: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (طه:13). أما: هل يجوز لي أن أقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟ ما الذي يترتب من وراء هذا وخاصة في العصر الحاضر، فهو في اعتقادي وهذا خلاصة جوابي: إنه غيرذي موضوع الآن في العصر الحاضر، أما إذا كان إنسان - فرد من الأفراد - عنده شبهة أو إشكال حول هذه الكلمة سلباً أو إيجابياً، ممكن هذا البحث معه على انفراد، أما نثيرها جماعية هكذا بين الناس ويمكن

[1167] باب حكم قول القائل: قولنا بالقرآن مخلوق

أكثرهم فكره خالي عن هذا الموضوع إطلاقاً، سواء قيل بأنه يجوز بمعنى كذا، أو لا يجوز إذا كان بمعنى كذا. هذا جوابي عن هذا السؤال. "الهدى والنور" (247/ 30: 32: 00) [1167] باب حكم قول القائل: قولنا بالقرآن مخلوق السؤال: يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله في «الفقه الأكبر»، ينقل ذلك صاحب الطحاوية بالنسبة للقرآن الكريم يقول: «والقرآن على الألسنة مقروء، وفي الصدور محفوظ» إلى آخر قوله يقول وهذا الشاهد إن شاء الله، يقول: «وقولنا بالقرآن مخلوق». يقول الحكمي عالم من علماء السعودية رحمه الله يقول: «من قال: قولي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع»، ومعلوم الاثنين عقيدتهم سلفية الحمد لله ومن العلماء الأجلاء، فما القول في أقوال العلماء؟ الشيخ: يختلف الأمر أخي بين القصد، وهذا الخلاف الواقع بين الإمام البخاري إمام المحدثين، والإمام الذهلي أيضا ًمن كبار أئمة الحديث في بخارى، حتى قام الذهلي على البخاري واضطره إلى أن يهجر بلده، المسألة فيها دقة من حيث التعبير، وما كنت أحب أن يقال مثل هذا السؤال في مثل هذا الجمع؛ لأنه أشبه ما يكون الجواب بالفلسفة، وقد تشرد بعض الأذهان عن المراد بهذا الكلام فيقع المحذور الذي يقول: أن من قال لفظي بالقرآن فهو جهمي، تقع هذه المشكلة نفسها، لماذا قال الإمام أحمد هذه الكلمة أو غيره؟ لأنه هذه ذريعة ليقول القائل: أن القرآن مخلوق، ذريعة .. خطوة، أما التدقيق

[1168] باب الواقفة في القول بخلق القران ليسوا جهمية كلهم

وهو الذي عناه البخاري أنه أنا تلفظي أنا فأنا تلفظي حادث بلا شك، وأنا أتلفظ بالقرآن الآن فأقول: (ألم) تلفظي أنا هو حادث ومخلوق، لكن لما أقول: أنا لفظي بالقرآن مخلوق، قد يفهم بعض الناس أن القرآن نفسه هو المخلوق، وبخاصة أن ذلك الزمن كان زمن الصولة والدولة للمعتزلة، فأراد الإمام أحمد قطع دابر كل وسيلة يؤدي إلى تأييد الجهمية والمعتزلة ونحو ذلك، والآن إذا عرفنا قصد المتكلم كما أقول أنا الآن لفظي أنا لما أقول: أنا (ألم) لفظي أنا، هذا مخلوق لأني أنا مخلوق، لكن الله الذي تكلم به فكلامه غير مخلوق، هذا هو المقصود. "الهدى والنور" (261/ 11: 09: 00) [1168] باب الواقفة في القول بخلق القران ليسوا جهمية كلهم [قال الإمام]: ولقد رأيت الحافظ الذهبي رحمه الله قد أنصف إسحاق [ابن أبي إسرائيل] هذا في ترجمته إياه في "السير" فقال في آخرها (11/ 477 - 478): "قلت: أداه ورعه وجموده إلى الوقف، لا أنه كان يتجهم؛ كلا ". ثم روى عنه أنه قال: "لم أقل على الشك، ولكني سكت؛ كما سكت القوم قبلي ". قلت: فهو على هذا سلفي المنهج؛ فهو مأجور إن شاء الله تعالى، وغاية ما يمكن أن يقال في مثله؛ أنه أخطأ في وقفه وجموده؛ لعدم انتباهه إلى أن الوقوف ينفع فيما لو لم يجهر المبتدعة بالقول بخلق القرآن، ففي هذه الحالة لا بد من إنكار ذلك؛ لأنه على الأقل مخالف لما كان عليه السلف. والله أعلم. "الضعيفة" (13/ 1/477 - 478).

[1169] باب هل يلزم من سؤال "هل القرآن مخلوق" أن السائل يقول بخلق القرآن؟

[1169] باب هل يلزم من سؤال "هل القرآن مخلوق" أن السائل يقول بخلق القرآن؟ [قال الإمام]: لا يخفي أن مجرد السؤال عن القرآن: "هل هو مخلوق"، لا يلزم منه أن السائل يقول به؛ لاحتمال أنه يقول بخلافه، وإنما سأل عنه للاستزادة من علم المسؤول. والله أعلم. "مختصر العلو" (ص162). [1170] باب حكم قول بعضهم: القرآن يقُصُّ ... مداخلة: بعضهم يقول هذا القرآن يقص ... الشيخ: هذا الذي يقال هنا: مجاز، أن هذا القرآن الذي هو كلام الله يقص عليكم كذا. مداخلة: ..... مداخلة: ... على المجاز. الشيخ: أقول المجاز: ليس على اصطلاحهم وإنما على الاصطلاح أن المجاز في بعض المواطن هو الحقيقة؛ لأن حينما قسموا الكلام إلى حقيقة أو مجاز، قالوا: الحقيقة هو المعنى الذي يتبادر في الذهن أول ما يسمع الكلام، فإذا انصرفوا عنه إلى معنى غير متبادر سموه تأويلًا ولا بد للمصير إلى التأويل في هذه الحالة من قرينة، كما يقولون: إما أن تكون القرينة نقلية أو عقلية، لكن حينما تكون الجملة التي سموها مجازًا الذي يتبادر من الجملة هو المعنى المسمى

مجازًا فهو الحقيقة وللمثال على ذلك مما حفظته من كلام ابن تيمية - رحمه الله - والآية الكريمة: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (يوسف:82) فهنا لا يتبادر لأي عربي المعنى الذي يسمونه حقيقة، أي: القرية هذه في ترابها وجبالها وأنهارها وإنما يتبادر من النص القرآن هذا المعنى الذي يسمونه مجازًا، فإذًا تسميتهم لمثل هذا المعنى بالمجاز اصطلاح خاص لا يغاير المعنى الذي هو الحقيقة في اصطلاحهم فما يسمونه مجازًا في بعض المواطن هو الحقيقة، فالآن هنا: لا يتبادر إلى الذهن أن القرآن هو ذات يتكلم فيقص، لكن يتبادر المعنى الذي ذكرته آنفًا. وهكذا مثلًا ضرب مثلًا آخر ابن تيمية رحمه الله فيما إذا قال العربي: سرت والقمر فيقولون: هذا مجاز؛ لأن القمر في السماء وهو في الأرض، لكن هل أحد يفهم ويتبادر لذهنه: أنه سار والقمر بجنبه واضع يده ونحو ذلك من المعاني التي تفهم فيما لو قال: سرت مع فلان من البشر؟ طبعًا لا، إذًا: المعنى الحقيقي يتناسب مع المتحدث عنه فيه مما ... يطابق الواقع، فهنا: سرت والقمر، هذا مجاز .. مجاز في اصطلاحهم؛ لأنه ما هو الحقيقة؟ الحقيقة أنه في مكان واحد .. في أرض واحدة، لكن هذا المعنى لا يتبادر إلى الذهن إطلاقًا، وليس هناك إلا معنى واحد هو المعنى الذي سماه مجازًا وهو الحقيقة التي أرادها الله فيما إذا جاء بها ... {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر:22) .. {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} (المعارج:4) إلى آخره فهذه الآية تشبه هذه الآيات، يسمونه مجازًا في اصطلاحهم، لكن هي الحقيقة باصطلاح أهل السنة. "رحلة النور" (46أ/00:07:10)

[1171] باب شفاعة القرآن

[1171] باب شفاعة القرآن [قال الإمام]: أما شفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فثابتة بالتواتر، وأما شفاعة القرآن ففيها أحاديث فانظر "الصحيح" [صحيح الجامع] (1165). "ضعيف الجامع" (ص503). [1172] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن طعن في قرآن رب العالمين [قال الإمام]: هناك مع الأسف الشديد بعض الفرق الإسلامية تقول: بأن القرآن الموجود الآن بين أيدي المسلمين هذا جزء من مصحف فاطمة عليها السلام، حيث أن مصحف فاطمة زعموا ضاع، وهذا الذي بقي لدينا هو الربع كذبوا، إنما القرآن كما أنزله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام فهو بين أيدي المسلمين اليوم. "الهدى والنور" (705/ 00:00:41)

جماع أبواب الكلام على صفة الخلق، والكلام على أول المخلوقات، ومسألة كروية الأرض ودورانها وغير ذلك

(جماع أبواب الكلام على صفة الخلق، والكلام على أول المخلوقات، ومسألة كروية الأرض ودورانها وغير ذلك)

[1173] باب القلم أول مخلوق والرد على من قال بخلاف ذلك

[1173] باب القلم أول مخلوق والرد على من قال بخلاف ذلك [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم وأمره أن يكتب كل شيء يكون». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به، ثم قال]: في الحديث إشارة إلى رد ما يتناقله الناس حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى. وليس لذلك أساس من الصحة ... وفيه رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق، ولا نص في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإنما يقول به من قاله كابن تيمية وغيره - استنباطاً واجتهاداً فالأخذ بهذا الحديث - وفي معناه أحاديث أخرى - أولى لأنه نص في المسألة، ولا اجتهاد في مورد النص كما هو معلوم. وتأويله بأن القلم مخلوق بعد العرش باطل، لأنه يصح مثل هذا التأويل لو كان هناك نص قاطع على أن العرش أول المخلوقات كلها ومنها القلم، أما ومثل هذا النص مفقود، فلا يجوز هذا التأويل. وفيه رد أيضاً على من يقول بحوادث لا أول لها، وأنه ما من مخلوق، إلا ومسبوق بمخلوق قبله، وهكذا إلى مالا بداية له، بحيث لا يمكن أن يقال: هذا أول مخلوق. فالحديث يبطل هذا القول ويُعَيَّن أن القلم هو أول مخلوق، فليس قبله قطعاً أي مخلوق. ولقد أطال ابن تيمية رحمه الله الكلام في رده على الفلاسفة محاولاً

[1174] باب ذكر أول المخلوقات

إثبات حوادث لا أول لها، وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول، ولا تقبله أكثر القلوب، حتى اتهمه خصومه بأنه يقول بأن المخلوقات قديمة لا أول لها، مع أنه يقول ويصرح بأن ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بالعدم، ولكنه مع ذلك يقول بتسلسل الحوادث إلى ما لا بداية له. كما يقول هو وغيره بتسلسل الحوادث إلى ما لا نهاية، فذلك القول منه غير مقبول، بل هو مرفوض بهذا الحديث وكم كنا نود أن لا يلج ابن تيمية رحمه الله هذا المولج، لأن الكلام فيه شبيه بالفلسفة وعلم الكلام الذي تعلمنا منه التحذير والتنفير منه، ولكن صدق الإمام مالك رحمه الله حين قال: " ما منا من أحد إلا رَدَّ ورُدَّ عليه إلا صاحب هذا القبر - صلى الله عليه وآله وسلم - ". "الصحيحة" (1/ 1/257 - 258). [1174] باب ذكر أول المخلوقات السائل: [هناك موضوع] (يضطرب) فيه العلماء هو ... ماذا أول شيء خُلِقَ؟ نحن نعرف في الحديث الصحيح أول شيء خلق هو: القلم، طبعاً يوجد أحاديث تثبت أن الله عز وجل كان ولم يكن شيئاً قبله، وأحاديث أخرى تثب أن الله عز وجل كان عرشه على الماء. الشيخ: نعم. مداخلة: طبعاً أنا الذي [أعرفه] أن القلم خلق قبل الماء على الحديث صح أو لا؟ الشيخ: نعم. مداخلة: صحيح أم يوجد اضطراب في كلامي؟

[1175] باب رد قول من قال: العرش أول مخلوق

الشيخ: لا، لا يوجد اضطراب. مداخلة: هذا هو الصحيح. الشيخ: نعم. "الهدى والنور" (259/ 54: 23: 00) [1175] باب رد قول من قال: العرش أول مخلوق [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: ([إن] أول شيءٍ خَلَقَ اللهُ القلمُ، ثم خَلَقَ بعده النُّونَ، وهي الدَّواةُ، ثم قال سبحانه وتعالى: اكْتُب. فقال: وما أكْتُبُ؟ قال جل وعلا: اكتب ما يكونُ من عملٍ، أو أَثَرٍ، أو رِزْقٍ، [أو أجل].فكتبَ ما يكونُ، وما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ، فذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ: {ن والقلم وما يسطرون} ثم خَتَمَ على القَلَم، فلمْ يَنْطِقْ، ولا ينطقُ إلى يومِ القيامةِ، [ثم خلق العقل فقال: وعزَّتي! لأُكَمِلَّنَّك فيمن أَحْبَبْتُ ولأُنْقِصَنَّك فيمن أَبْغَضْتُ]. (منكر). [قال الإمام]: أخرجه الآجري في "الشريعة" (ص 83)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (2/ 83) من طريق أبي مروان هشام بن خالد - يعني: الدمشقي الأزرق - قال: حدثنا الحسن بن يحيى الخُشَني عن أبي عبد الله مولى بني أمية عن أبي صالح عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... مرفوعاً. قلت وهذا إسناد ضعيف، أبو عبد الله هذا: لم أجد له ترجمة.

والحسن بن يحيى الخشني: قال الحافظ:"صدوق كثير الخطأ". وله طريق أخرى عن أبي صالح، ولكنها واهية: يرويه محمد بن وهب الدمشقي: ثنا الوليد بن مسلم: نا مالك بن أنس عن سمي عن أبي صالح ... به. أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/ 269) وقال: "وهذا باطل بهذا الإسناد". ذكره في ترجمة محمد بن وهب بن عطية الدمشقي، وقال: "وله غير حديث منكر، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماًً، وقد رأيتهم تَكَلَّموا فيمن هو خير منه". ومن طريق ابن عدي أخرجه ابن عساكر (16/ 95)، لكن ذكره في ترجمة محمد بن وهب بن مسلم أبو عمرو القرشي الدمشقي، يشير بذلك إلى خطأ ابن عدي في إيراده في ترجمة محمد بن وهب بن عطية. وصرَّح بتخطئته الذهبي في "الميزان"، وقال عَقِبَه: "فصدق ابن عدي في أن الحديث باطل". وذكر نحوه الحافظ في "التهذيب". واعلم أن الزيادات التي بين المعكوفتين هي لابن عساكر في الموضوع المشار إليه من "تاريخه"، وإلا الأخيرة منها، فقد عزاها إليه الحافظ ابن كثير في تفسيره سورة {ن}. وساق إسنادها السيوطي في "اللآلي" (1/ 131) من طريق أبي مروان المتقدمة. والحديث جاء من طرق ذكرها ابن عباس موقوفاً عليه بنحوه إلى قوله: {ن والقلم وما يسطرون}.

أخرجه الآجري (ص 84)، والطبري في "التفسير" (29/ 9 - 10)، و"التاريخ" (17 - 18)، والحاكم (2/ 498)، والبيهقي في " السنن" (9/ 3) من طريق أبي ظبيان وأبي الضحى مسلم بن صبيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 433/12227) من طريق مؤمل ابن إسماعيل: حدثنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى ... به مرفوعاً. قلت وهذا منكر، قال الطبراني عقبه:"لم يرفعه عن حماد بن زيد إلا مؤمل بن إسماعيل" قال الهيثمي (7/ 128) عقبه: "قلت: مؤمل ثقة كثير الخطأ، وقد وثقه ابن معين وغيره، وضعفه البخاري وغيره، وبقية رجاله ثقات". وأقول: وإنما يصح مرفوعاً من هذا الحديث عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ وغيره أولُه مختصراً، فرواه سعيد بن جبير عنه بلفظ: "إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم، وأمره أن يكتب كل شيء يكون". وهو مخرج في "الصحيحة" (133)، وله شواهد من حديث عبادة بن الصامت من طرق عنه، ومخرج في "المشكاة" (1/ 34/94)، وعَنْ ابْنِ عُمَرَ في "الصحيحة" أيضاً (3136). (تنبيه): وأما الرواية التي أخرجها الطبري في "كتابيه" من طريق سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ موقوفاً بلفظ:"إن الله تعالى ذِكْرُهُ كان على عرشه قبل أن يخلق شيئاً فكان أول ما خلق الله القلم، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ... ".الحديث.

فهو منكر جداً عندي لقوله:"قبل أن يخلق شيئاً" ... فإنه يشعر أن العرش غير مخلوق! وهذا باطل، وقد رواه شعبة عن أبي هاشم فلم يذكر فيه هذا الباطل. ولعله من قبل أبي هاشم الرماني، فإنه وإن كان ثقة بالاتفاق، فقد غمزه ابن حبان، فقال في "ثقاته" (7/ 596): "كان يخطئ، يجب أن يعتبر حديثه إذا كان من رواية الثقات عنه، فأما رواية الضعفاء عنه ... فان الوهن يلزق بهم دونه لأنه صدوق لم يكن له سبب يوهن به غير الخطأ، والخطأ متى لم يفحش لا يستحق من وجد فيه ذلك الترك". قلت: وإذا كان لا بد من تعصيب الخطأ في ذلك القول إلى أحد من سلسلة هذا الإسناد، فالأولى أن ينسب إلى من دون ابن عباس، ثم إن أولاهم به هو أبو هاشم هذا -لما سبق-، وليس الراوي عنه سفيان -وهو: الثوري-، فإنه:"ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة" - كما قال الحافظ في "التقريب" -. وإن مما يبطل ذاك القول ونسبته إلى ابن عباس: أنه نفسه ممن روى عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما يؤكد بطلانه لما تقدم بلفظ: "إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم ... ". ولذلك قال الطبري رحمه الله: "وقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي رويناه أولى بالصواب، لأنه كان أعلم قائل بذلك قولاً بحقيقته وصحته، ومن غير استثناء منه شيئاً من الأشياء أنه تقدم خلقُ الله إياه خلقَ القلم، بل عمَّ بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن أول شيء خلق الله القلم» كل شيء، أن القلم مخلوق قبله من غير استثناء من ذلك عرشاً ولا ماءً، ولا شيئاً غير ذلك، فالرواية التي رويناها عن أبي ظبيان وأبي الضحى عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أولى بالصحة عن ابن عباس من خبر مجاهد عنه الذي رواه عنه أبو هاشم، إذا كان أبو هاشم قد اختلف في رواية ذلك عنه شعبة وسفيان على ما ذكرت من اختلافها فيها".

[1176] باب منه

وإني لأحمد الله تعالى أن هذا الكلام من هذا الإمام موافق تماماً لما كنت ذكرته في فوائد حديث ابن عباس هذا في المصدر المذكور آنفاً "الصحيحة"، أن فيه رداً على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق، ولم أكن يومئذ قد وقفت عليه. فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله. "الضعيفة" (13/ 2/676 - 680) [1176] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم وأمره أن يكتب كل شيء يكون». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به، ثم قال]: فيه رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق، ولا نص في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإنما يقول به من قاله كابن تيمية وغيره - استنباطاً واجتهاداً فالأخذ بهذا الحديث - وفي معناه أحاديث أخرى - أولى لأنه نص في المسألة، ولا اجتهاد في مورد النص كما هو معلوم. وتأويله بأن القلم مخلوق بعد العرش باطل؛ لأنه يصح مثل هذا التأويل لو كان هناك نص قاطع على أن العرش أول المخلوقات كلها ومنها القلم، أما ومثل هذا النص مفقود، فلا يجوز هذا التأويل .. "الصحيحة" (1/ 1/257 - 258).

[1177] باب هل يلزم من كون المخلوقات لها أول، أن الحوادث لها أول؟ والكلام على أول مخلوق؟

[1177] باب هل يلزم من كون المخلوقات لها أول، أن الحوادث لها أول؟ والكلام على أول مخلوق؟ سؤال: يا شيخ! قلت في السلسلة الصحيحة الحديث الذي يدل على أن أول مخلوق هو القلم، واستدللت بذلك على أن الحوادث لها أول، فهل يلزم من أن المخلوقات لها أول أن الحوادث لها أول، وجزاكم الله خير ... الشيخ: ما الفرق بين المخلوقات والحوادث؟ كل مخلوق حادث، وكل حادث مخلوق، ما أدري ما الذي يريد؟ مداخلة: شيخ أنا صاحب السؤال. الشيخ: تفضل. مداخلة: أنا أقصد بصفات الله .. تحدَّث كما في الكلام مثلًا، ويأتي كلام الله متى يشاء، فأقصد أن الكلام من حيث نوعه هو قديم، ومن حيث آحاده فهو حادث، وهذا الذي قصدته فهل يدخل الحوادث .. الشيخ: طيب! لكن كلام صفة من صفاته، فهل المخلوقات كذلك؟ مداخلة: لا. الشيخ: فإذًا: يفترقان تمامًا، نعم. مداخلة: على هذه المسألة: هل نقول: أن تلك الحوادث ليس لها أول. الشيخ: وقوله عليه السلام: «أول ما خلق الله القلم»؟ مداخلة: لا، أنا أقصد الجنس يعني ... لو تصورنا هكذا: خالق وخلق ومخلوق، فلعله يُشْكِل على كثير من الناس هذه المسألة، فنقول: الخلق هو قديم.

الشيخ: الخلق صفة الخالق قديم. مداخلة: نعم، والخالق هو الله بذاته سبحانه وتعالى، وأن المخلوق هو الحادث، ... يعتبر أول المخلوقات الذي هو القلم، طيب! وما جاء أن العرش أول المخلوقات. الشيخ: لا يستوي هذا الكلام، هذا قول وليس جاء عن الرسول عليه السلام. مداخلة: ... في حديث: «وكان عرشه على الماء». الشيخ: لا بأس! أنا أعرف، لكن أنت قلت: وما جاء أن العرش أول مخلوق قلت: لا أصل لهذا الكلام، وهناك فرق كبير بين الاستنباط لحكم ما استنباطًا يمكن أن يكون صوابًا ويمكن أن يكون خطأً، وبين حكم صرح به الرسول عليه السلام تصريحًا، فأنا قلت لك: هذا لا أصل له، أعني: لا يوجد في أي حديث كما قال الرسول للقلم أنه أول مخلوق لا يوجد أنه قال للعرش أنه مخلوق، لكن كونه قال عليه السلام: «وكان عرشه على الماء» هذا لا يُبَيَّن أنه لم يخلق شيئًا قبل ذلك الماء الذي كان عرشه عليه، فإذا كان هذا غير مُبَيَّن في هذا الحديث، وكان حديث القلم صريح بأنه أول مخلوق، فليس هناك ما يحملنا على أن نترك النص الصريح إلى النص الذي يحتمل معنى هذه الحديث الصحيح بغير القلم فحينئذٍ على كل حال سواء كان - الآن البحث يأخذ طورًا ثانيًا - سواًء كان القلم هو أول مخلوق أو كان الماء الذي كان عليه العرش، فإذًا: هناك نقطة التقاء بين جميع المختلفين في تعيين أول مخلوق أن هناك أول مخلوق، صح هذا أو لا؟ إنما الخلاف في تحديده وتعيينه، لكن لا خلاف عند الذين اختلفوا، وهذا من العجائب ابن تيمية نفسه حكى هذا الاختلاف أن العلماء اختلفوا في أول مخلوق: هل هو

العرش .. هل هو القلم .. هل هو الماء؟ إلى آخره، فإذًا هناك شيء متفق عليه أنه يوجد أول مخلوق، يوجد شيء مختلف فيه، ما هو هذا الأول من المخلوقات؟ قيل وقيل. والصريح كما ذكرنا آنفًا: أول ما خلق الله القلم، نعم. مداخلة: شيخ! ... هذا الحديث: بعضهم يقول: أنه ليس فيه دلالة صريحة، وهم يؤولونها ويقولون: أن فيه ممكن يكون بالمفهوم: «أول ما خلق الله القلم وقال له اكتب» يعني: كما يقول: أول ما دخل فلان من الباب قال له: افعل كذا، يقول: ليس فيه دلالة على .. الشيخ: انظر انظر أنت غيَّرت العبارة، أول ما خلق قال، الحديث ليس هكذا «أول ما خلق الله القلم» جملة تامة، فقال استئناف كلام .. أما لو قال: "قال" هنا يرد الشبهة التي أنت ذكرتها. مداخلة: واو الآن عاطفة .. الشيخ: ما هو المتبادر؟ نرجع للقواعد؟ ما هو المتبادر من قوله عليه السلام: «أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» كلها جمل مرتبطة بعضها في بعض، ثم هب أن القضية فيها احتمال أن يقول: الماء أول مخلوق، أو العرش أول مخلوق، ما فيها احتمال؟ مداخلة: فيها. الشيخ: فيها احتمال، فأي الاحتمالين يعني: أقوى بحيث يجعل الدليل أضعف، لا شك أن الذي ما فيه ذرة تأول أضعف، وهذا أقوى، والله أعلم، نعم.

[1178] باب هل النور المحمدي أول خلق الله؟

مداخلة: في رأي ... شيخ في السنة يعني: تعين ما ذهبتم إليه، لكني أردت أن أعرف الرد على مثل هذا، وهي مذكورة في كتاب السنة: «أول شيء خلقه الله القلم، فقال له: اكتب» فإضافة شيء لعلك ترجح هذا المعنى يا شيخ؟ الشيخ: نعم، هو كذلك، لكن هذا الذي عنده شبهة يفرقون بين لفظة: قال، وهذا وجهة نظر قديمة، وبين: فقال، ورواية، أنا دندنت حول هذه الكلمة من حيث إثبات صحة الرواية فيها؛ لأنه لو قال: «أول ما خلق الله القلم قال .. » يكون قال هو الخبر بهذه الجملة، وإنما الخبر هنا القلم، أول ما خلق الله القلم، تمت مبتدأ أو اسم وخبره، أول ما خلق الله: هذه في محل نصب، واسم إن، فالقلم هو الخبر لإن، أما لو قال: "قال" فحينئٍذ تصير الجملة التالية هو الخبر، فيختلف المعنى. "رحلة النور" (41ب/00:07:53) [1178] باب هل النور المحمدي أول خلق الله؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم وأمره أن يكتب كل شيء يكون». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به، ثم قال]: في الحديث إشارة إلى رد ما يتناقله الناس حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى. وليس لذلك أساس من الصحة ... "الصحيحة" (1/ 1/257 - 258).

[1179] باب منه

[1179] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «خُلِقت الملائكة من نور, وخلق إبليس من نار السموم, وخُلِق آدم عليه السلام مما قد وصف لكم». [قال الإمام]: قلت: وفيه إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس: " أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ".ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - خلق من نور، فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خُلِقُوا من نور، دون آدم وبنيه، فتنبه ولا تكن من الغافلين. "الصحيحة"1/ 2/820).

(كروية الأرض ودورانها)

(كروية الأرض ودورانها) [1180] باب الأرض كروية [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «أول الأرضين خرابا، يُسراها ثم يمناها». (ضعيف). [قال الإمام]: ثم إن ظاهر الحديث منكر عندي، لأن الأرض كروية قطعاً، كما تدل عليه الحقائق العلمية، ولا تخالف الأدلة الشرعية، خلافا لمن يُماري في ذلك، وإذا كان الأمر كذلك فأين يمنى الأرض ويسراها؟! فهما أمران نسبيان كالشرق والغرب تماماً. "الضعيفة" (4/ 157 - 159). [1181] باب كروية الأرض وعلو الله تعالى سؤال: يسأل (بعضهم) سؤالاً في العقيدة .. فيقول: أنه هذه الكرة الأرضية إذا فرضنا بأن رجل في الطرف الأعلى، بالنسبة لنا، ورجل آخر في الطرف الأسفل، فالرجل الأعلى إذا رفع يديه إلى السماء فإنه يسأل مِنَ الله تبارك وتعالى، ويكون الرفع باليدين إلى جهة العلو، وأما الرجل الذي في الأسفل في تصورنا فيكون يرفع يديه إلى تحت، فهل ممكن تُوضِّح لنا هذا؟

[1182] باب هل العالم كروي؟

الشيخ:- هذا خطأ؛ كل من كان على سطح الأرض فهو يرفع يديه إلى السماء إلى العلو، أنت اللي عم تحكيه خطأ من الناحية الفلكية وخطأ من الناحية الشرعية [ثم أخذ الشيخ يُصَوِّرُ شيئاً للسائل ليبين له المقصود]. " الهدى والنور" (41/ 42: 08: 00) [1182] باب هل العالم كروي؟ السؤال: هل في رأيكم أن العالم كروي أم مستقيم؟ الشيخ: هذا سؤال جغرافي أو ديني؟ مداخلة: كلاهما. الشيخ: كروي. مداخلة: هل أخطأ ابن باز حينما قال بأنها مستقيمة؟ الشيخ: مستقيمة أو مسطحة؟ مداخلة: مسطحة. الشيخ: ليت أن الخطأ وقف عند المسألة الجغرافية. مداخلة: يريد أن تشرح لي. الشيخ: مسألة كُروية الأرض أو سطحيتها ليست مسألة عملية، ولا هي مسألة اعتقادية، يجب على المسلم أن يعرف حكم الشرع فيها، إذا كانت عملية ليتعبد الله بها كسائر العبادات، أو أن يعتقدها في قرارة نفسه وقلبه، إذا كانت عقيدة يؤمر كل مسلم أن يعتقدها وأن يُؤمن بها، وإنما هي مسألة قد تؤخذ على وجهين اثنين من تفسير بعض الآيات في القرآن الكريم، وبلا شك كما هو الشأن في أكثر المسائل

يكون أحد الوجهين صواباً والآخر خطأ، وعلى هذا من اجتهد وكان أهلاًَ للاجتهاد وأول شرط لهذه الأهلية هو المعرفة باللغة العربية، فسواء أصاب أو أخطأ كما يعلم هو، من أصاب له أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، وهذه الآيات التي جاءت حول الأرض هل هي متحركة كروية أم هي ثابتة، فليس هناك نص قاطع يؤيد أحد الوجهين المختلفين، ولذلك قلنا أن هذه ليست مسألة اعتقادية لا بد أن يكون فيها رأي مُوحَّد كما نعتقد برأي السلف، فبعض الآيات من القرآن الكريم التي تتعلق بهذا الموضوع يمكن أن يُفهم منها ثبات الأرض وسطحيتها، والبعض الآخر يمكن أن يُفهم منها حركتها ودورانها، وهذا الرأي هو الذي يترجح عندنا ويطابق في الواقع الطبيعي الذي يشعر به كل فرد من أفراد الناس سواء كان مسلماً أو كافراً. ويكفي في أن نعرف أن المسألة ليس فيها دليل قاطع مع الذين يُلِحُّون على مخالفة ما ثبت علمياً اليوم أن الأرض متحركة وأنها تدور حول الشمس، يكفي لمعرفة أنه لا نص صريح يخالف هذه الفكرة أو هذا الرأي الفلكي، أن كثيراً من علماء المسلمين الذين يعترف كل المسلمين بعلمهم وفضلهم وبخاصة نحن معشر السلفيين نعتقد بإمامية شيخ الإسلام ابن تيمية في معرفة الكتاب والسنة، وابن القيم الجوزية فضلاً عن غيرهما بأنهم كانوا يرون خلاف ما يذاع الآن بناء على بعض الظواهر القرآنية كآية: والجبال رواسي مثلاً، {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النازعات:30)، ونحو ذلك من الآيات، ما فهموا منها هذا الرأي الجامد المخالف، أولاً لظواهر النصوص الأخرى، وثانياً للحقيقة العلمية الفلكية. مثل آية وَصْف الجبال بالنسبة للأرض كالرواسي بالنسبة للسفن، لا يستلزم لغة أن تكون الأرض غير متحركة مطلقاً، وإنما تنفي حركة اضطرابية مضطربة.

[1183] باب مسألة دوران الأرض هل هي حقيقة؟

ومثل هذه الآية آية: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} (النبأ:7)؛ لأننا نعلم بالمشاهدة أن الوتد بالنسبة للدابة ليس مانعاً لها من الحركة، وإنما الوتد يمنعها من الحركة الفوضوية وهي الشرود والانطلاق كيفما شاءت، لا، ربنا نَظَّم دوران الأرض كدوران الفرس حول الوتد، فجعل الجبال أوتاداً على عكس ما يدعون، هي تُثَبِت حركة الأرض لكن تثبت حركة علمية معروفة اليوم أنها منظمة ودقيقة جداً في طوال السنة لا تختلف ثانية، وكذلك الرواسي لا تمنع السفينة من الحركة، وإذا انتقلنا إلى الآيات الأخرى فهي صريحة أو تكاد تكون صريحة بعكس ما تفهمون من الآيات الأولى، كالآيات المذكورة في سورة يس، {وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} (يس:33)، إلى أن قال: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ} (يس:38 - 40) من الآيات الثلاث: الأرض والقمر والشمس {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس:40)، وهذه الآيات الدقيقة من الآيات الكونية على صدق النبوة والرسالة بدون تَكَلَّف؛ لأن هناك آيات تعرفوا أنتم يتكلفون جداً في تأويلها وتطبيقها في بعض النظريات العلمية ... "الهدى والنور" (435/ 00: 53: 00) و (436/ 00:00:55) [1183] باب مسألة دوران الأرض هل هي حقيقة؟ السؤال: سائل يقول: ما قولكم في مسألة دوران الأرض؟ الشيخ: نحن الحقيقة لا نشك في أن قضية دوران الأرض حقيقة علمية لا تقبل الجدل، في الوقت الذي نعتقد أن ليس من وظيفة الشرع عموما ًوالقرآن خصوصاً أن يتحدث عن علم الفلك ودقائق علم الفلك، وإنما هذه تدخل في

عموم قوله عليه الصلاة والسلام الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة تأبير النخل، حينما قال لهم: «إنما هو ظن ظننته، فإذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فأتوا منه ما استطعتم، وما أمرتكم بشيء من أمور دنياكم فأنتم أعلم بأمور دنياكم» فهذه القضايا ليس من المفروض أن يتحدث عنها الرسول عليه السلام وإن تحدث هو في حديثه أو ربنا عز وجل في كتابه فإنما لغاية أو لآية أو لمعجزة ونحو ذلك. ولذلك فنستطيع أن نقول: أنه لا يوجد في الكتاب ولا في السنة ما ينافي هذه الحقيقة العلمية المعروفة اليوم والتي تقول: بأن الأرض كروية وأنها تدور بقدرة الله عز وجل في هذا الفضاء الواسع، بل يمكن للمسلم أن يجد ما يشعر إن لم نقل: ما ينص على أن الأرض كالشمس وكالقمر من حيث أنها كلها في هذا الفضاء كما قال عز وجل: {وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس:40) لا سيما إذا استحضرنا أن قبل هذا التعميم الإلهي بلفظة: وكل، هي تعني الكواكب الثلاثة، حيث ابتدأ بالأرض فقال: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} (يس:33) ثم قال: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس:38 - 40) لفظة كل تشمل الآية الأولى الأرض ثم الشمس ثم القمر ثم قال تعالى: {وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس:40)، هذا ظاهر من سياق الآيات هذه، وهي بلا شك آيات في ملك الله عز وجل باهرة، فكل هذا مع العلم بأن العلماء في التفسير أعادوا اسم كل إلى أقرب مذكور وهو الشمس والقمر، لكن ليس هناك ما يمنع أبداً من أن نوسع معنى الكل فيشمل الأرض التي

ذكرت قبل الشمس وقبل القمر، هذا أقوله، فإن صح فبها ونعمت، وإن لم يصح فأقل ما يقال: أنه لا يوجد في القرآن كما قلت آنفاً ولا في السنة ما ينفي هذه الحقيقة العلمية. أما ما يقال أو ما يستدل به من الآيات كجعل الله عز وجل الجبال رواسي أن تميد بهم، وكالأرض بعد ذلك دحاها ونحو ذلك من الآيات فهي في الحقيقة لا تنهض لإبطال هذه الحقيقة العلمية الكونية من جهة، بل لعل بعضها تكون حجة على المستدلين بها، فجعل الله عز وجل الجبال أوتاداً كذلك كالأوتاد تشبيهاً بالأوتاد فهذا نص صريح بأن ذلك لا يمنع تحركها مطلقاً، وإنما يمنع تحرك الأرض تحركاً اضطرابياً، بحيث لا يتمكن الساكنون عليها من التمتع بما فيها بل من الحياة عليها، ذلك لأننا نعلم أن الرواسي بالنسبة للسفن لا تمنع حركتها مطلقاً، لكنها تمنع أن تفلت هكذا في خضم البحر فتضربها الأمواج يميناً وشمالاً، ثم يكون مصيرها الغرق، كذلك الأوتاد التي تضرب عادة للخيل ونحو ذلك من الدواب فهي لا تمنع أبداً أن تتحرك تحركاً في مدى محدود أراده ذاك الواتد إن صح التعبير وهو الذي ضرب الوتد للحيوان. ونحن نرى في سوريا في بعض البساتين البساتين التي تُزرع فيها بعض الحشائش التي هي طعام للخيل وللبقر ونحو ذلك من الحيوانات يسمى عندنا في بلاد الشام بالفصة وربما يسمى عندكم بالبرسيم، هذا الذي يباع في المدينة حشيش أخضر أليس هو البرسيم؟ مداخلة: نعم. الشيخ: هذا يزرع، فيأتي الفلاح حينما ينبت فيضرب وتداً لفرسه أو لبقرته،

فتجد هذه البقرة تأكل من هذا البرسيم المقدار الذي يريده صاحبها، فهي تتحرك، لكن ما تتحرك كما تشاء تتحرك بفوضى كما لو أطلق لها الزمام، وإنما تتحرك حركة نظامية، ولذلك تجد قد شكَّلت دائرة، الفصة أو البرسيم الذي أكتله أصبحت الأرض جرداء تقريباً من الخضار، وما حولها لا يزال الخضار فيه قائماً. فتشبيه رب العالمين تبارك وتعالى للجبال بالنسبة للأرض كالمراسي للسفينة، والأوتاد بالنسبة للحيوانات هذه أيضاً بالنسبة للأرض كل ذلك لا ينفي عن الأرض حركة مُنَظَّمة بقدرة الله تبارك وتعالى، لذلك قلت: أن هذا الآيات أو بعضها على الأقل هي أقرب إلى الدلالة على أن الأرض تتحرك أقل ما يقال، وأنها ليست ثابتة جامدة كما يتوهم كثير من الناس. فخلاصة القول: لا يوجد في الشرع أبداً ما ينفي كروية الأرض، ثم كروية الأرض أصبحت اليوم حقيقة علمية ملموسة لمس اليد يعني يتهم الإنسان في عقله أو على الأقل في علمه فيما إذا جحد هذه الحقيقة، لأنك اليوم تستطيع أن ترفع السماعة وتتصل مع صديق لك صادق تقول له: الآن ماذا عندكم نهار أم ليل؟ سيقول لك: عندنا ليل، في الوقت الذي يًؤذَّن عندنا مثلاً لأذان المغرب يُؤذِّن عندهم لصلاة الفجر أو يكون قد طلعت الشمس، وهذا لا يمكن تصوره أبداً إلا كما يقول العلم هذا التجربة أن هذا ينتج بسبب أن الأرض تدور حول الشمس دائرة كاملة ينتج من وراءها الليل والنهار، ثم أدق من ذلك حصول الفصول الأربعة بسبب ابتعاد الأرض عن الشمس واقترابها، وهذا له تفصيله في علم الفلك في علم الجغرافيا لسنا في صدده، لكن الشاهد أنه لا يمكن أن تحصل هذه الأمور الواضحة إلا والأرض أولاً كروية، وإذا سُلِّم بكرويتها فلا يمكن أن يقال بأنها

ثابتة، لأن البشر يسكنون هذه الأرض في كل جوانبها، كما يقال اليوم في القطب الشمالي وفي القطب الجنوبي، فلو كانت هي كروية وثابتة كيف يثبت من كانوا في أسفل القطب الجنوبي بل ومن كان في طرفيها، لكنها لما كانت تدور بقدرة الله العجيبة الدوران الذي لا يجعل حياة المستوطنين أو الساكنين عليها مضطربة فهذا أمر يعني غاية الإعجاز الدالة على عظمة قدرة الله تبارك وتعالى. وأنا أريد أن أُذكِّر بشيء يقرب هذا الشيء البعيد الذي لا يدخل في أذهان بعض الناس: (وأنا في ألبانيا كنت أجيراً في دكانة خال لي كان حلاقاً، فكان يأتيه زبون مثلاً فيطلب له قهوة فنجان قهوة، يأتي الكهوجي أو أجير القهوجة يأتي أجيره في القهوة أو القهوجي وفي يده صحن أو صينية تقولون صينية؟ مداخلة: نعم. الشيخ: مثل هذه الصواني أكبر منها قليلاً، لكن هذه لها حاملة، يعني: ممكن أن نصورها هكذا .. ! هنا يضع إصبعه هنا ويمشي أولاً يده ويتسلى يعمل فيها هكذا، والفنجان على الصحن الصغير كما هي العادة لا يتحرك من مكانه، هذا مصغر جداً جداً يفهم الإنسان كيف تدور الأرض ولا يضطرب البشر عليها، والبشر بشر كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين:4) فإذا كان هذا الفنجان وهو موضوع في الصينية والذي يحركه هو إنسان جاهل غشيم قدرته ومداركه محدودة، مع ذلك ربنا عز وجل أعطاه شيئاً من العقل وشيئًا من القدرة، بحيث أنه يدير هذه الصينية وعليها الفنجان وهو فوق الصحن الصغير فلا يقطر منه قطرة، هذا كنا نراه ونحن صغار، الله عز وجل ماذا نقول، وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل، أي: أن الله على كل شيء قدير، إذاً: القضية ما

[1184] باب دوران الأرض من الحقائق العلمية التي لا تقبل الجدل

تحتاج إلا إلى شيء من العلم والإدراك الصحيح مع وجود الإيمان الكامل طبعاً بعظمة قدرة الله التي لا يمكن أن يتصورها إنسان. هذا رأيي في هذا السؤال. مداخلة: جزاكم الله خير. "الهدى والنور" (497/ 46: 42: 00) [1184] باب دوران الأرض من الحقائق العلمية التي لا تقبل الجدل [قال الإمام]: (كون) الأرض تدور في الفضاء أصبحت من الحقائق العلمية التي لا تقبل الجدل، وليس في الكتاب ولا في السنة نص ينافي ذلك خلافاً لبعضهم. "التعليق على التنكيل" (2/ 185).

(الكلام على حديث: "خلق الله التربة يوم السبت")

(الكلام على حديث: "خلق الله التربة يوم السبت") [1185] باب الجمع بين حديث التربة وقوله تعالى: {خلق السموات والأرض في ستة أيام} [قال الذهبي في "العلو"]: قال النسائي في تفسير السجدة: حدثنا إبراهيم بن يعقوب: حدثني محمد بن الصبَّاح: حدثنا أبو عبيدة الحداد: حدثنا أخضر بن عجلان عن ابن جريح عن عطاء عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أخذ بيدي فقال: «يا أبا هريرة إن الله خلق السموات والأرضين وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الإثنين، والشر يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء والدواب يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة في آخر ساعة من النهار بعد العصر، خلقه من أديم الأرض بأحمرها وأسودها وطيبها وخبيثها، من أجل ذلك جعل الله من آدم الطيب والخبيث». الأخضر وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم يُكتب حديثه وليَّنه الأزدي، وحديثه في السنن الأربعة، وهذا الحديث غريب من أفراده. [قال الإمام بعد أن رجَّح أن الأخضر صدوق]: وبقية رجال الإسناد ثقات كلهم، فالحديث جيد الإسناد على أنه لم يتفرد بذكر خلق التربة يوم السبت، وغيرها في بقية الأيام السبعة، فقد أخرجه مسلم

[1186] باب منه

وغيره من طريق أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وقد خرجته في "الصحيحة" رقم (1833) وقد توهم بعضهم أنه مخالف للآية المذكورة في أول الحديث، وهي في أول سورة " السجدة "، وليس كذلك كما كنت بينته فيما علَّقته على " المشكاة" (5735)، وخلاصة ذلك أن الأيام السبعة في الحديث هي غير الأيام الستة في القرآن، وأن الحديث يتحدث عن شيء من التفصيل الذي أجراه الله على الأرض، فهو يزيد على القرآن، ولا يخالفه، وكان هذا الجمع قبل أن أقف على حديث الأخضر، فإذا هو صريح فيما كنت ذهبت إليه من الجمع. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. "مختصر العلو" (ص111 - 112) [1186] باب منه عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بيدي فقال: «خلق الله التربة يوم السبت, وخلق فيها الجبال يوم الأحد, وخلق الشجر يوم الاثنين, وخلق المكروه يوم الثلاثاء, وخلق النور يوم الأربعاء, وبث فيها الدواب يوم الخميس, وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق وآخر ساعة من النهار فيما بين العصر إلى الليل».رواه مسلم [قال الإمام]: ولا مطعن في إسناده البتة, وليس هو بمخالف للقرآن بوجه من الوجوه, خلافاً لما توهمه بعضهم, فإن الحديث يُفَصِل كيفية الخلق على الأرض وحدها, وأن ذلك كان في سبعة أيام, ونص القرآن على أن خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام, والأرض في يومين لا يعارض ذلك, لاحتمال أن هذه الأيام الستة غير

[1187] باب معنى حديث {خلق الله التربة يوم السبت} وهل ضعفه شيخ الإسلام؟

الأيام السبعة المذكورة في الحديث, وأنه - أعني الحديث - تحَدَّث عن مرحلة من مراحل تطور الخلق على وجه الأرض حتى صارت صالحة للسكنى, ويؤيده أن القرآن يذكر أن بعض الأيام عند الله تعالى كألف سنة, وبعضها مقداره خمسون ألف سنة, فما المانع أن تكون الأيام الستة من هذا القبيل؟ والأيام السبعة من أيامنا هذه؟ كما هو صريح الحديث, وحينئذ فلا تعارض بينه وبين القرآن. " تحقيق مشكاة المصابيح" (3/ 1598). [1187] باب معنى حديث {خلق الله التربة يوم السبت} وهل ضعَّفه شيخ الإسلام؟ السائل: السؤال الأول: الحديث الذي يرويه مسلم .. الإمام مسلم رحمه الله أنه أول ما خلق الله عز وجل يوم السبت: التربة، فلقد قرأت للإمام ابن تيمية رحمه الله بأنه يقول على هذا الحديث: بأنه معلل، وقد رواه البخاري موقوف على أحد الصحابة. الشيخ: من قال؟ مداخلة: بحث الشيخ ابن تيمية يقول هذا القول. الشيخ: لا، أنت وهمت على الشيخ. مداخلة: ماذا؟ الشيخ: وهمت .. أخطأت على الشيخ، الشيخ ما يقول: أن البخاري رواه موقوفاً. مداخلة: وإلا ماذا يقول؟

الشيخ: يقول: أعله بالوقف. مداخلة: ماذا يقول؟ الشيخ: أعله. مداخلة: أعله بالوقف. الشيخ: نعم، وشتان بين أعله بالوقف وبين رواه موقوفاً. مداخلة: نعم، صحيح. الشيخ: طيب! غيره. مداخلة: طبعاً أنت تصحح الحديث. الشيخ: نعم ولا شك. مداخلة: ... ابن تيمية بتعليله هذا الحديث يعني: يستدل على أن أول أيام الأسبوع الذي هي ماذا؟ الأحد، وأن الله عز وجل خلق السماوات والأرض في ستة أيام، يذكر خلق آدم في هذه المسألة، كيف هذه الشبهة التي أصابتني أنا على أنه يعني: نقدر نقول: أن خلق آدم لحاله غير ستة أيام ما هو الحديث؟ الشيخ: أنت الحديث استوعبت نصه. مداخلة: تقريباً. الشيخ: جميل. مداخلة: ليس كل نصه يعني: أنا الشرح الذي فهمته. الشيخ: لا بأس! قبل الشرح بدك تكون مستوعب المشروح، قبل شرح

الحديث يجب أن تستوعب الحديث، فأنا سأُذَكِّرك الآن هل في الحديث ذكر خلق السماوات والأرض؟ مداخلة: لا، التربة أول الشيء. الشيخ: إذاً انتبه لما يُلقى عليك: الحديث لا يتعلق ولا يتحدث بما تحدَّثت به الآية الكريمة التي تُصَرِّح بأن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام حتى نأتي ونقول: بأن هذا الحديث يخالف الآية؛ لأن هذا الحديث فقط يتحدث عما خلق الله عز وجل وأوجد من مخلوقات وتصرفات جديدة في الأرض فقط. "الهدى والنور" (259/ 54: 23: 00)

(متفرقات)

(متفرقات) [1188] باب الأرضين سبع كالسماوات [قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]: «إن نبي الله نوحاً - صلى الله عليه وآله وسلم - لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاصٌّ عليك الوصية, آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين, آمرك بـ (لا إله إلا الله) , فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة, ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله, ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حَلَقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله, وسبحان الله وبحمده, فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق, وأنهاك عن الشرك والكبر, قال: قلت: أو قيل: يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر؟ - قال -: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: لا. قيل: يا رسول الله فما الكبر؟ قال: «سفه الحق وغمص الناس». [قال الإمام]: وفيه فوائد كثيرة، "منها": أن الأرضين سبع كالسماوات. وفيه أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما، ولعلنا نتفرغ لتتبعها وتخريجها. ويشهد لها قول الله تبارك وتعالى: {خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} أي في الخلق والعدد. فلا تلتفت إلى

[1189] باب هل جعل الله لمسخ نسلا؟

من يفسرها بما يؤول إلى نفي المثلية في العدد أيضا اغتراراً بما وصل إليه علم الأوربيين من الرًقِي وأنهم لا يعلمون سبع أرضين! مع أنهم لا يعلمون سبع سماوات أيضا! أفننكر كلام الله وكلام رسوله بجهل الأوربيين وغيرهم مع اعترافهم أنهم كلما ازدادوا علما بالكون ازدادوا علما بجهلهم به، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} ... "الصحيحة" (1/ 1/259، 261). [1189] باب هل جعل الله لمسخ نسلاً؟ مداخلة: ثبت في الحديث: «ما جعل الله لمسخ من نسل». الشيخ: نعم، هذا حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم. مداخلة: معنى هذا الحديث. الشيخ: ربنا عز وجل لما مسخ اليهود قردة وخنازير هؤلاء مكثوا ثلاثة أيام ممسوخين ثم أبيدوا، الممسوخون هؤلاء لم يجعل الله لهم نسلًا كما يَظن أو يقول بعض الناس أن الحيوان الفلاني وبخاصة القرد مثلًا أن هذا أصله إنسان، هذا خطأ من الكلام، القرد كان موجودًا قبل أن يمسخ الله تبارك وتعالى اليهود قرودًا، وما نسخهم قرودًا إلا ليجعلهم كالقرود الذين كانوا يشاهدونهم، فالشاهد أن الحديث يعني أن أي قوم يمسخهم الله تبارك وتعالى ببعض الحيوانات فهذه الحيوانات لا يجعل الله لها نسلًا إنما يبيدهم ويفنيهم. "أسئلة وفتاوى الإمارات" (2/ 00:28:11)

جماع أبواب الكلام على مسألة تسلسل الحوادث وتحرير قول شيخ الإسلام في ذلك

(جماع أبواب الكلام على مسألة تسلسل الحوادث وتحرير قول شيخ الإسلام في ذلك)

[1190] باب الرد على من قال بحوادث لا أول لها

[1190] باب الرد على من قال بحوادث لا أول لها عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: يا رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة». (صحيح). [قال الإمام]: في الحديث إشارة لطيفة إلى الرد على من يقول من العلماء: بحوادث لا أول لها وإنه ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بمخلوق وهكذا إلى ما لا أول له! فتأمل. وراجع لهذا "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (رقم 133). "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 265). [1191] باب حول كلام شيخ الإسلام في مسألة تسلسل الحوادث [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم وأمره أن يكتب كل شيء يكون». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به، ثم قال]: في الحديث إشارة إلى رد ما يتناقله الناس حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى. وليس لذلك أساس من الصحة ... وفيه رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق، ولا نص في ذلك عن

رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإنما يقول به من قاله كابن تيمية وغيره - استنباطاً واجتهاداً فالأخذ بهذا الحديث - وفي معناه أحاديث أخرى - أولى لأنه نص في المسألة، ولا اجتهاد في مورد النص كما هو معلوم. وتأويله بأن القلم مخلوق بعد العرش باطل، لأنه يصح مثل هذا التأويل لو كان هناك نص قاطع على أن العرش أول المخلوقات كلها ومنها القلم، أما ومثل هذا النص مفقود، فلا يجوز هذا التأويل. وفيه رد أيضاً على من يقول بحوادث لا أول لها، وأنه ما من مخلوق، إلا ومسبوق بمخلوق قبله، وهكذا إلى مالا بداية له، بحيث لا يمكن أن يقال: هذا أول مخلوق. فالحديث يبطل هذا القول ويُعَيِّن أن القلم هو أول مخلوق، فليس قبله قطعاً أي مخلوق. ولقد أطال ابن تيمية رحمه الله الكلام في رده على الفلاسفة محاولاً إثبات حوادث لا أول لها، وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول، ولا تقبله أكثر القلوب، حتى اتهمه خصومه بأنه يقول بأن المخلوقات قديمة لا أول لها، مع أنه يقول ويُصرِّح بأنه ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بالعدم، ولكنه مع ذلك يقول بتسلسل الحوادث إلى ما لا بداية له. كما يقول هو وغيره بتسلسل الحوادث إلى ما لا نهاية، فذلك القول منه غير مقبول، بل هو مرفوض بهذا الحديث وكم كنا نود أن لا يلج ابن تيمية رحمه الله هذا المولج، لأن الكلام فيه شبيه بالفلسفة وعلم الكلام الذي تعلَّمنا منه التحذير والتنفير منه، ولكن صدق الإمام مالك رحمه الله حين قال: " ما منا من أحد إلا رَدَّ ورُدَّ عليه إلا صاحب هذا القبر - صلى الله عليه وآله وسلم - ". "الصحيحة" (1/ 1/257 - 258).

[1192] باب القول الحق في مسألة تسلسل الحوادث

[1192] باب القول الحق في مسألة تسلسل الحوادث سؤال: ما الحق في كلام العلماء على مسألة تسلسل الحوادث؟ الشيخ: هذا تكلمنا عنه أيضًا في بعض المجالس القريبة العهد، أظن كان هذا البحث في مجلس أبو معاذ، الجواب باختصار: أننا لا نرى القول بهذا لسببين اثنين: السبب الأول: أنه يتعارض مع إثبات أول مخلوق، وإثبات أول مخلوق بدون تعيين وتحديد كأنه أمر متفق عليه حتى عند من قال بحوادث لا أول لها. والسبب الثاني وهو الأهم: أن الحديث في تحديد أول مخلوق صحيح عن الرسول عليه السلام وهو قوله: «أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، قال: ما أكتب، قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» الذي يقول بحوادث لا أول لها، وبالتسلسل في القِدَم هو يقول صراحةً: ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق، وهكذا إلى ما لا أَول له، كيف يتفق هذا مع قوله عليه السلام الآنف الذكر: «أول ما خلق الله القلم»؟ يضاف إلى ذلك بأن القول هذا مع عدم وروده عن السلف وإنما فهم لبعض أئمة الخلف دخول في التحدث عن أمر غيبي .. أمر خطير جدًا بمجرد الرأي والاجتهاد، والأمور الغيبية كما نعلم جميعًا لا ينبغي أن نتوسع فيها، بل علينا أن نقف عند النص وانتهى الأمر. مداخلة: يعني: ... الحديث هذا فيما قرأنا يعني: الذي ابن تيمية يقول: أن هذا اللفظ جاء: «أولَ ما خلق الله القلم» فـ"أول": منصوب على الظرفية، لكن الآن هل ثبتت روايات يعني: بلفظ أول؟

الشيخ: هو هذا، وهذا أنا بينته قديمًا في تخريج شرح الطحاوية فرددت هذا التأويل الذي والأسلوب العربي وأنتم أعرف بأسلوبكم مني، أنا متعلق بلغتكم، فأنا إن صح شيء فأنا متعرب أما أنتم العرب وأنتم الأصل. مداخلة: لا لا. الشيخ: لا أقول لك: الرواية هكذا «أولُ ما خلق الله القلم»: مبتدأ وخبر، «فقال له اكتب»: جملة استئنافية، «قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» فليس هنا نصب وإنما مرفوع مبتدأً ومرفوع خبرًا، ثم جملة استئنافية متممة للكلام الأول .. مداخلة: لو ثبتت الرواية ممكن يعني اعتباره ظرفًا ويُمشَّي على هذا. الشيخ: لو ثبت! لكن كما جاء في بعض الآثار ولا مؤاخذة: اجعل لو عند ذاك الكوكب، ثم لا تنسى قلت آنفًا كلامًا له أهميته: لقد اختلف العلماء في أول مخلوق، وأشرت إلى أن الذي يقول بحوادث لا أول لها هو حكى هذا الخلاف ورجَّح خلاف هذا الحديث لما قام في نفسه: أن أول: منصوب على الظرفية، وقال: أول مخلوق هو العرش، إذًا: انتقضت الدعوى كلها، وهذا مهم كما لا يخفاكم. مداخلة: لا، لا يقول: أول مخلوق .. ما أول المخلوق، يقول هو أسبق من القلم، لا يقول هو أول مخلوق .. الشيخ: لا لا، يقول .. يحكي المسألة الخلاف بين العلماء في تحديد أول مخلوق، وهو يرجِّح أن أول مخلوق هو العرش. "لقاءات المدينة" (2/ 00:10:54)

[1193] باب في قول ابن تيمية في مسألة تسلسل الحوادث

[1193] باب في قول ابن تيمية في مسألة تسلسل الحوادث السؤال: ماذا يقصد ابن تيميه في قوله: لا مانع من أن تكون أنواع الحوادث غير مخلوقة أو لا أول لها؟ الشيخ: هذا يقصد الذي يقصده واضح جداً، ولكنه غير مفهوم لدينا وبخاصة أن ظاهره ينافي قوله عليه الصلاة السلام: «أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة .. ». فلذلك هذه المسألة لا يجوز اتباع شيخ الإسلام ابن تيمية فيها، وبلا شك أنا اعتقادي أن ابن تيمية بما أوتى من عقل وعلم وذكاء قد يُدرك ما لا ندرك، ولكن نحن من مثله تعلَّمنا أن لا نسلم بما لا ندرك إلا للمعصوم وهو رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. فهو حينما يقول: ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق، وقبله .. وقبله .. إلى ما لا أول له، هذا كلام ما نستطيع أن نعقله، وإن كان نستطيع أن نفهمه، والفهم شيء والعقل شيء آخر. لذلك نقف عند قوله عليه السلام: «أول ما خلق الله القلم» فهو أول مخلوق، فإذا كان هو أول مخلوق، فإذاً: هو ليس قبله مخلوق. فلذلك ندع هذا الرأي لابن تيمية ولا نتبعه فيه. " الهدى والنور" (615/ 45: 00: 00 طريق الإسلام) [1194] باب الفرق بين قول أهل السنة والفلاسفة في مسألة تسلسل الحوادث السؤال: ما الفرق بين تسلسل الحوادث عند من قال به من أهل السنة وقدم العالم عند الفلاسفة؟ هذا السؤال الأول.

[1195] باب هل يلزم من كون المخلوقات لها أول، أن الحوادث لها أول؟

الشيخ: الذي يقول من أهل السنة بتسلسل الحوادث يُصرِّح بأنه ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بالعدم، أما الفلاسفة فلا يقولون ذلك. وحسبكم هذا التفاوت بيننا، وكل إناء بما فيه ينضح. "الهدى والنور" (491/ 11: 57: 00) [1195] باب هل يلزم من كون المخلوقات لها أول، أن الحوادث لها أول؟ سؤال: يا شيخ! قلت في السلسلة الصحيحة: الحديث الذي يدل على أن أول مخلوق هو القلم، واستدللت بذلك على أن الحوادث لها أول، فهل يلزم من أن المخلوقات لها أول أن الحوادث لها أول، وجزاكم الله خير ... الشيخ: ما الفرق بين المخلوقات والحوادث؟ كل مخلوق حادث، وكل حادث مخلوق، ما أدري ما الذي يريد؟ مداخلة: شيخ أنا صاحب السؤال. الشيخ: تفضل. مداخلة: أنا أقصد بصفات الله .. تحدث كما في الكلام مثلًا، ويأتي كلام الله متى يشاء، فأقصد أن الكلام من حيث نوعه هو قديم، ومن حيث آحاده فهو حادث، وهذا الذي قصدته فهل يدخل الحوادث .. الشيخ: طيب! لكن كلام صفة من صفاته، فهل المخلوقات كذلك؟ مداخلة: لا. الشيخ: فإذًا: يفترقان تمامًا، نعم.

مداخلة: على هذه المسألة: هل نقول: أن تلك الحوادث ليس لها أول. الشيخ: وقوله عليه السلام: «أول ما خلق الله القلم»؟ مداخلة: لا، أنا أقصد الجنس يعني ... لو تَصوَّرنا هكذا: خالق وخلق ومخلوق، فلعله يُشكل على كثير من الناس هذه المسألة، فنقول: الخلق هو قديم .. الشيخ: الخلق صفة الخالق قديم. مداخلة: نعم، والخالق هو الله بذاته سبحانه وتعالى، وأن المخلوق هو الحادث، ... يعتبر أول المخلوقات الذي هو القلم، طيب! وما جاء أن العرش أول المخلوقات. الشيخ: لا يستوي هذا الكلام، هذا قول وليس جاء عن الرسول عليه السلام. مداخلة: ... في حديث: «وكان عرشه على الماء». الشيخ: لا بأس! أنا أعرف، لكن أنت قلت: وما جاء أن العرش أول مخلوق قلت: لا أصل لهذا الكلام، وهناك فرق كبير بين الاستنباط لحكم ما استنباطًا يمكن أن يكون صوابًا ويمكن أن يكون خطأً، وبين حكم صرح به الرسول عليه السلام تصريحًا، فأنا قلت لك: هذا لا أصل له، أعني: لا يوجد في أي حديث كما قال الرسول للقلم أنه أول مخلوق لا يوجد أنه قال للعرش أنه مخلوق، لكن كونه قال عليه السلام: «وكان عرشه على الماء» هذا لا يبين أنه لم يخلق شيئًا قبل ذلك الماء الذي كان عرشه عليه، فإذا كان هذا غير مُبيَّن في هذا الحديث، وكان حديث القلم صريح بأنه أول مخلوق، فليس هناك ما يحملنا على أن نترك النص الصريح

إلى النص الذي يحتمل معنى هذه الحديث الصحيح بغير القلم فحينئذٍ على كل حال سواء كان - الآن البحث يأخذ طورًا ثانيًا - سواًء كان القلم هو أول مخلوق أو كان الماء الذي كان عليه العرش، فإذًا: هناك نقطة التقاء بين جميع المختلفين في تعيين أول مخلوق أن هناك أول مخلوق، صح هذا أو لا؟ إنما الخلاف في تحديده وتعيينه، لكن لا خلاف عند الذين اختلفوا، وهذا من العجائب ابن تيمية نفسه حكى هذا الاختلاف أن العلماء اختلفوا في أول مخلوق: هل هو العرش .. هل هو القلم .. هل هو الماء؟ إلى آخره، فإذًا هناك شيء متفق عليه أنه يوجد أول مخلوق، يوجد شيء مختلف فيه، ما هو هذا الأول من المخلوقات؟ قيل وقيل. والصريح كما ذكرنا آنفًا: أول ما خلق الله القلم، نعم. مداخلة: شيخ! ... هذا الحديث: بعضهم يقول: أنه ليس فيه دلالة صريحة، وهم يؤولونها ويقولون: أن فيه ممكن يكون بالمفهوم: «أول ما خلق الله القلم وقال له اكتب» يعني: كما يقول: أول ما دخل فلان من الباب قال له: افعل كذا، يقول: ليس فيه دلالة على .. الشيخ: انظر انظر أنت غيَّرت العبارة، أول ما خلق قال، الحديث ليس هكذا «أول ما خلق الله القلم» جملة تامة، فقال استئناف كلام .. أما لو قال: "قال" هنا يرد الشبهة التي أنت ذكرتها. مداخلة: واو الآن عاطفة .. الشيخ: ما هو المتبادر؟ نرجع للقواعد؟ ما هو المتبادر من قوله عليه السلام: «أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى

[1196] باب حول مسألة: حوادث لا أول لها

يوم القيامة» كلها جمل مرتبطة بعضها في بعض، ثم هب أن القضية فيها احتمال أن يقول: الماء أول مخلوق، أو العرش أول مخلوق، ما فيها احتمال؟ مداخلة: فيها. الشيخ: فيها احتمال، فأي الاحتمالين يعني: أقوى بحيث يجعل الدليل أضعف، لا شك أن الذي ما فيه ذرة تأول أضعف، وهذا أقوى، والله أعلم، نعم. مداخلة: في رأي ... شيخ في السنة يعني: تعيَّن ما ذهبتم إليه، لكني أردت أن أعرف الرد على مثل هذا، وهي مذكورة في كتاب السنة: «أول شيء خلقه الله القلم، فقال له: اكتب» فإضافة شيء لعلك ترجِّح هذا المعنى يا شيخ؟ الشيخ: نعم، هو كذلك، لكن هذا الذي عنده شبهة يفرقون بين لفظة: قال، وهذا وجهة نظر قديمة، وبين: فقال، ورواية، أنا دندنت حول هذه الكلمة من حيث إثبات صحة الرواية فيها؛ لأنه لو قال: «أول ما خلق الله القلم قال .. » يكون قال هو الخبر بهذه الجملة، وإنما الخبر هنا القلم، أول ما خلق الله القلم، تمت مبتدأ أو اسم وخبره، أول ما خلق الله: هذه في محل نصب، واسم إن، فالقلم هو الخبر لإن، أما لو قال: "قال" فحينئٍذ تصير الجملة التالية هو الخبر، فيختلف المعنى. "رحلة النور" (41ب/00:07:53) [1196] باب حول مسألة: حوادث لا أول لها سؤال: سؤال في موضوع تسلسل الحوادث! بس بدك تطول بالك عليّ من أجل أفهمه منك. شيخنا! مثل حديث القلم، هل المقصود بالقلم هو من الأشياء المشاهدة؟

يعني: قول الرسول عليه الصلاة والسلام .. الشيخ: المشاهدة؟ مداخلة: نعم. الشيخ: لا، ليس المقصود. مداخلة: طيب! شيخنا الذي سأل السؤال .. الشيخ: من الذي سأل؟ مداخلة: أهل اليمن، أهل اليمن عندما سألوا .. الشيخ: أهل اليمن ما سألوا عن القلم. مداخلة: أليس سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام عن أول هذا الأمر؟ الشيخ: نعم، كان الجواب القلم؟ مداخلة: عفواً عفواً، أصبح عندي التباس بين الحديثين. الشيخ: تفضل. مداخلة: قال عليه الصلاة والسلام: «كان الله ولم يكن شيء قبله» وفي الرواية الأخرى غيره .. في الحديث الآخر حديث القلم .. الشيخ: وهو! حديث القلم وهو؟ مداخلة: «أول ما خلق الله تبارك وتعالى القلم فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال له: اكتب ما هو كائن وما سيكون» .. الشيخ: ما هو كان نعم، إلى يوم القيامة .. نعم؟

مداخلة: إلى يوم القيامة، فالآن: كيف نربط بين الحديثين، ولو قلنا .. نرجع أيضاً للآية التي تقول: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (هود:107) هل في فترة من الفترات كان الله تبارك وتعالى مُعطَّل عن الفعل لغاية خلق القلم وكان أول خلق القلم ثم استمر في الخلق؟ الشيخ: كنت معذوراً عندما طلبت من الشيخ أنه يأخذك بحلمه. مداخلة: طبعاً، أحفظ خط الرجعة يا شيخ. الشيخ: نعم، هذا المنطق الذي نطقت به آنفاً هو شرعي؟ مداخلة: ألا وهو؟ الشيخ: أنه هل كان الله قبل ذلك مُعطَّلاً عن الخلق وعن العمل؟ مداخلة: شيخنا أنا أريد أن أفهم المسألة، يعني: المسألة حصل عندي فيها إشكال، إلى أمس وأنا أراجع فيها لم أقدر أن أفهمها .. الشيخ: مُبَيَّن عليك ... ستقف .. ما الذي يدخلك في هذه المضايق؟ مداخلة: أقرأ في كتاب فمرت علي هذه المسألة .. أمر عليها بدون أن أفهمها؟ الشيخ: حوادث لا أول لها .. في نص القرآن الكريم عليها؟ مداخلة: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (هود:107) حسب معرفتي طبعاً واعذرني .. الشيخ: الظاهر سارت العدوى وهو الحيدة، لم تقل: في نص أو ما في نص .. تلوت علي الآية وأنا لا أفهم أن الآية تعني أن هناك حوادث لا أول لها،

{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (هود:107) كل مسلم يعرف أن الله غير مجبور من غيره وإنما الغير قد يكون مجبوراً منه، فهو {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (هود:107) لكن أنا سؤالي: هل هناك نص فيما علمت أو فيما قرأت يُقرِّر هذا النص .. فلسفة حوادث لا أول لها؟ مداخلة: لا، لا أعرف. الشيخ: أرأيت كيف الفرق بين جوابك السابق {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (هود:107) وبين جوابك الآن، فمعنى إذا جمعنا بين الجوابين تبين أنك كنت متسرعاً في قولك: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (هود:107) لأننا جميعاً نؤمن بأنه {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (هود:107) ولكن ليس له علاقة بموضوع السؤال الموجه إليك حوادث لا أول لها. في أثناء طرحك للسؤال ذكرت حديث عمران بن حصين وذكرت حديث القلم .. كيف التوفيق بينهما؟ من وجوه التوفيق التي ذكرها علماء الحديث جزاهم الله خيراً، وقد أبلغوها إلى أكثر من مائة وجه من وجوه التوفيق بين نصين يبدو التعارض بينهما، من ذلك: - أن ترى أي النصين صريح في موضوع الاختلاف المُتَوهَّم من النصين، فالآن يوجه إليك هذا السؤال: أحديث عمران صريح في تحديد أول مخلوق هو العرش أم حديث القلم؟ مداخلة: حديث عمران .. الشيخ: لا، ما أسألك أن تعيد لي الحديث، قل لي: هذا أو هذا فقط، وأعيد السؤال: أي الحديثين أصرح في الدلالة على أول مخلوق أحديث عمران أم حديث أول ما خلق الله القلم؟

مداخلة: حسب فهمي القلم .. حديث القلم. الشيخ: هه، إذاً: زال التعارض، هذا أولاً. ثانياً: قد تفهم أنت وغيرك أن القلم ليس هو أول مخلوق لكن العرش هو أول مخلوق، صح؟ مداخلة: ممكن شيء قبل العرش. الشيخ: لم تجبني صح أو ليس بصح؟ مداخلة: أنا الذي أفهمه من هذه الأحاديث أن القلم هو أول المخلوقات. الشيخ: عجيب! كَثّر خيرك وفَّرت علي مشوار طويل، طيب! إذا كان أنت تفهم هذا الفهم وأنا معك، ألا تكون حينذاك معارضاً لقوله عليه السلام: «أول ما خلق الله القلم» يمكن أن يكون قبل القلم مخلوق؟ مداخلة: لا، ليس ممكناً. الشيخ: أقول: إذا كنت أنت تعتقد معنا بأن أول مخلوق هو القلم، ألا تشعر أنك حين تقول يمكن يكون القلم ليس هو أول مخلوق .. مداخلة: لا، ليس ممكن أنا أعتقد هذا الاعتقاد، ليس ممكن أقول أنه: ليس ممكناً القلم يكون أول مخلوق؟ الشيخ: لكن قد قلت هذا فتب إلى الله، صح؟ مداخلة: مضبوط. الشيخ: انتهت مسألة حوادث لا أول لها.

مداخلة: طيب! شيخنا قبل القلم .. الشيخ: ما زلت؟ تريد أن ترجع، ما هكذا يكون، إما أنك تقول أن في أول مخلوق .. عفواً: إما أن تقول: في أول قبل القلم، أو لا تقول إلا كما قال الرسول: «أول ما خلق الله القلم» فإذا قلت بقول الرسول بطل قول غيره بداهةً، وإذا قلت بخلاف قول الرسول أبطلت قول الرسول وفيه ما لا يخفاك. مداخلة: لا، إن شاء الله ما نقول هذا .. الشيخ: بارك الله فيك! فإذاً: لماذا نشغل ذهننا بشيء نخالف فيه كلام نبينا عليه السلام وبخاصة أن هذا أمر يتعلق بغيب الغيوب، وهو رب العالمين تبارك وتعالى مع التسامح طبعاً في التعبير. الحقيقة أن ابن تيمية عندما بحث هذا الموضوع كان بحثه جُرَّ إليه جراً في أثناء رده على الفلاسفة القائلين بقدم العالم، لكن ينبغي على المسلم دائماً وأبداً أن يكون مستحضراً في ذهنه دائماً أيضاً أنه: وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف، نحن كلمة حوادث لا أول لها لا نعرفها في تاريخ السلف إطلاقاً، هذا التعبير لا نعرفه، لكن نعرف حديث: «أول ما خلق الله القلم» وابن تيمية نفسه يتناقض في هذا الموضوع وأنت أرحتني من أن تقع في التناقض الذي وقع فيه ابن تيمية. ابن تيمية في رسالته المسماة بـ «الرسالة العرشية» يميل إلى أن بعدما يذكر الخلاف بين العلماء في تحديد أول مخلوق يميل إلى أن أول مخلوق هو العرش على ظاهر حديث عمران بن حصين، إذاً: بالنسبة لما يتعلق بحوادث لا أول لها أصبح موضوع تحديد أول مخلوق ثانوي، المهم أن هناك أول مخلوق سواءً كان

[1197] باب الرد على القائلين بحوادث لا أول لها

القلم أو كان العرش، فإذاً بطل القول بحوادث لا أول لها، لكن إذا أردنا أن نُوفِّق بين ظاهر حديث عمران وبين حديث القلم كما قلنا آنفاً أُصرح في الدلالة على الأولية. لكن إذا فرضنا إنساناً يظل يُصِرُّ على أنه أول مخلوق هو العرش لا نظل نتطاحن معه لا أنت مصيب .. أنت مخطئ إلى آخره؛ لأن البحث كله في موضوع حوادث لا أول لها، فسواء كان أول مخلوق هو العرش أو كان القلم فالمهم أن مسألة حوادث لا أول لها بطلت؛ لأننا اتفقنا أن هناك أول مخلوق، لكن اختلفنا ما هو أول مخلوق؟ فمن قائل العرش، ومن قائل القلم، إذاً: هذا موضوع ثاني، فلا ينبغي إذاً أن نشغل أنفسنا بالبحث في حوادث لا أول لها؛ لأن هذه لا تثبت أمام حديث عمران أو أمام حديث القلم؛ لأن كلاً من الحديثين يثبت أول مخلوق، وانتهى الموضوع. " الهدى والنور" (798/ 36: 50: 00) [1197] باب الرد على القائلين بحوادث لا أول لها [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية:"ونؤمن باللوح والقلم"] ذكر الشارح هنا أن العلماء اختلفوا هل القلم أول المخلوقات أو العرش؟ على قولين لا ثالث لهما وأنا وإن كان الراجح عندي الأول كما كنت صرَّحت به في تعليقي عليه (ص 295) فإني أقول الآن: سواء كان الراجح هذا أم ذاك فالاختلاف المذكور يدل بمفهومه على أن العلماء اتفقوا على أن هناك أول مخلوق, والقائلون بحوادث لا أول لها مخالفون لهذا الاتفاق, لأنهم يُصرِّحون بأن ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق وهكذا إلى ما لا أول له كما صرح بذلك ابن

[1198] باب هل يقول شيخ الإسلام بقدم العالم؟

تيمية في بعض كتبه فإن قالوا: العرش أول مخلوق كما هو ظاهر كلام الشارح نقضوا قولهم بحوادث لا أول لها. وإن لم يقولوا بذلك خالفوا الاتفاق فتأمل هذا فإنه مهم. والله الموفق. التعليق على متن الطحاوية" (ص47 - 48). [1198] باب هل يقول شيخ الإسلام بِقِدَمِ العالم؟ سؤال: أقول فضيلة الشيخ: وصلتنا كما تعلم كتب السقاف .. مما في بعض هذه الكتب: أن شيخ الإسلام رحمه الله ابن تيمية كان يعتقد بقدم العالم، فهل هذا ثابت عن ابن تيمية، وما حكم من اعتقد هذا المعتقد، وما حكم من يقول: إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقع في هذا الأمر الخطير؟ الشيخ: هذا افتراء على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن المتبادر إلى الذهن من كلمة القول بقدم العالم أن العالم كالخالق عند المسلمين، وحاشا لأقل المسلمين علماً وإيماناً أن يقول بقدم شيء من المخلوقات إنما الله هو الأزلي الأول والظاهر والباطن وهو خالق كل شيء، فمن باب أولى أن لا يقول بذلك عالم مسلم، ومن باب أولى وأولى وأولى إلى ما لا نهاية أن يقول بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. فالقول بِقِدَم العالم هو قول الفلاسفة الدهريين الذين لا يؤمنون بالإله الرب الخالق، وابن تيمية رحمه الله له مجاهدات كبيرة جداً جداً دون كثير من علماء المسلمين في الرد على الفلاسفة والدهريين القائلين بِقِدَم العالم، فالذي ينسب إلى ابن تيمية القول بقدم العالم هو أحد رجلين: إما كذاب أفاك، وعدو للإسلام والمسلمين، وهذا لا كلام لنا معه إطلاقاً، وإما أن يقرأ كلاماً لابن تيمية يفهم منه

بسبب جهله أولاً وبسبب الحقد والبغض الذي هو كمين في قلبه ضد شيخ الإسلام تيمية فيتوهم من بعض كلماته أنه يقول بقدم العالم. وابن تيمية أكبر كما أشرنا من أن يقع في مثل هذه الكفرية. أظن أن هناك شيء أتى في سؤالك أيضاً لم أجب عنه؟ مداخلة: وما حكم من اعتقد هذا المعتقد؟ الشيخ: سبق الجواب قلت: هذا كلام الدهريين والفلاسفة الذين رد عليهم ابن تيمية كتبه. "الهدى والنور" (795/ 53: 40: 00)

[1199] باب نقاش طويل بين الإمام وبعض المخالفين في مسائل عقدية هامة وبعض أصول أهل السنة في أبواب الأسماء والصفات متضمنا الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية

[1199] باب نقاش طويل بين الإمام وبعض المخالفين في مسائل عقدية هامة وبعض أصول أهل السنة في أبواب الأسماء والصفات متضمنًا الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية الشيخ: بس معليش يا أستاذ لو توضح لنا معنى العلم الشرعي الذي تقصد أنت يعني. مداخلة: يعني العلم الذي يتعبدنا ربنا به من أين يؤخذ؟! الشيخ: أه أه، يعني المصادر للعلم الشرعي. مداخلة: آه، مصادره من الكتاب والسنة واتفاق الأمة. الشيخ: جميل إذاً عندك الكتاب والسنة وإجماع الأمة. مداخلة: والقياس في بعض. الشيخ: جميل جداً الكتاب يفسر بأي أسلوب بأي طريق؟ مداخلة: إما يفسر بعضه بعضاً وإما يفسر بالآثار. الشيخ: بالآثار أم بالسنة؟. مداخلة: بالسنة. الشيخ: جميل جداً والسنة منها الصحيح ومنها الضعيف؟ مداخلة: نعم بلا شك. الشيخ: جميل جداً، فهذا العلم أهم شيء في هذا العلم ما هو العلم الشرعي

أهم شيء؟ مداخلة: العلم الشرعي طبعاً أهم شيء في الوجود. الشيخ: أهم شيء منه؟ مداخلة: العقيدة. الشيخ: جميل جداً والعقيدة تؤخذ من نفس المصادر ولَّا في كلام. مداخلة: بلاشك من نفس المصادر. الشيخ: لا أنا عم بالفت نظرك بشروط تحديد ولا. مداخلة: لا كل شيء بتدل عليه المصادر هذه تؤخذ منه العقيدة الإسلامية الشيخ: ما أظنك تعني ما تقول، هل العقيدة تؤخذ من القياس؟ مداخلة: العقيدة تؤخذ من القرآن. الشيخ: أنا أسألك الله يهديك أريد منك جواب تريح نفسك وتريح غيرك، نحن اتفقنا إنه مصادر الشرع الإسلامي والعلم الإسلامي أربعة، فجاء السؤال هل العقيدة تؤخذ من نفس المصادر، قلت أنت: نعم، فأنا أحببت أن أسأل سؤالك أنه لا، أن هذا الإطلاق خطأ بما يتعلق بالعقيدة. مداخلة: العقيدة تؤخذ من الكتاب والسنة والإجماع. الشيخ: جميل جداً الإجماع معناه إذا اختلف في شيء حينئذ؟ مداخلة: ما فيش إجماع الشيخ: ماذا يبقى حين ذاك من المصادر الأربعة.

مداخلة: الكتاب والسنة. الشيخ: أحسنت هنا يجب أن نكشف قليلاً ما دام أننا والحمد لله ما دام اتفقنا أن العلم أقسام، وأهمه هو العقيدة، ووصلنا إلى نقطة هامة جداً وهي أن العقيدة لا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة وإلا بإجماع الأمة إذا كان هناك إجماع، الإجماع -هنا سؤال أرجو أن يكون الجواب واضحاً- هل هو موجود مع وجود الكتاب والسنة أم هو يحصل بعد ذلك؟ مداخلة: يعني مصادر السنة الصحيحة. الشيخ: أقول لك يا أخي خير الكلام ما قل بارك الله فيك، أنا عم باسألك سؤال محدد، يعني كما قلت لك: هذا النور متقد وُلاَّ منطفي، والله متقد، وخير الكلام ما قل ودل، أنا سؤالي أعيده على مسامعك الإجماع هو مع الكتاب والسنة، ولا بعد الكتاب والسنة يأتي من حيث الواقع. مداخلة: معليش يعني شو المقصود بعد الكتاب والسنة يعني ما فهمت. الشيخ: يعني في عهد الرسول شيء اسمه إجماع؟ مداخلة: في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. الشيخ: نعم. مداخلة: كان في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - .... الشيخ: يا أخي خلي كلامك ما قلَّ ودلَّ قل فيه ولَّا ما فيه. مداخلة: في تشريع في عهد الرسول الشيخ: بدها شرح؟ عم باسألك فيه تشريع؟ عم بأقلك إجماع في عهد الرسول فيه ولا لا؟

مداخلة: المسائل التي أتى بها الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، بدها تفصيل المسألة. الشيخ: ما بدي تفصيل الله يرضى عليك ما بدها تفصيل، الضوء شاعل ولا مطفى بده تفصيل؟! مداخلة: هي بتختلف عن النور. الشيخ: ما بيشهد على الكلام، النور أبداً ما بيشهد على كلامك، عم باسألك لما كان ينزل القرآن وكان الرسول يتكلم بكلامه هل هناك إجماع؟ مداخلة: بلا شك الذي كانوا يعطونهم إياه كانوا يتفقون عليه كل الآمة. الشيخ: إذاً أنت ما تعرف ايش هو الإجماع. مداخلة: كيف ما أعرف إيش هو الإجماع؟ في إجماع. الشيخ: أكيد ما تعرف الإجماع. مداخلة: أنت مثلاً آيات الكتاب أليس كلها مجمع عليها وعلى صحتها. الشيخ: الله يهديك. مداخلة: إجماع اضطراري هذا. الشيخ: الكتاب لما تنزل الآية على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اسمع يا أخي أنا أتكلم الله يرضي عليك الكلام، والنقاش له أدب. مداخلة: نعم نعم. الشيخ: وأنا نفس الكلام ما خليتني أكمله عم باقلك لما القرآن بينزل هل كل الصحابة على علم بذلك في تلك اللحظة؟

مداخلة: في تلك اللحظة، لا. الشيخ: آه إذا ً فيه إجماع في تلك اللحظة؟ مداخلة: في تلك اللحظة لا. الشيخ: وبعد لحظات في إجماع. مداخلة: لما رسول الله يبين خلاص بقية الأمور اتضحت، ما في إنسان ... الشيخ: عم بتحكي خيال عم بتحكي خيال مداخلة: طيب أضرب لك مثالاً الشيخ: أنت تضرب لي مثال على خيالك مداخلة: ايه على خيالي الشيخ: على خيالك ... إذا نزلت آية في المدينة مثلاً متى وصلت الآية على مكة. مداخلة: أنا بدي .. الشيخ: متى وصلن إلى مكة تصور أنت. مداخلة: لما أمر ... الشيخ: متى وصلت أسألك الله يهديك. مداخلة: هو معليش ... الشيخ: أنت مبيِّن عليك أنت جايي بس بدك تتسلى. مداخلة: لا.

الشيخ: شرقي ولَّا غربي. مداخلة: لالا. الشيخ: أنا بأقلك سؤال وجوابه، الآية التي نزلت في أمر من الأمور متى وصلت إلى مكة؟ مداخلة: شيخ معليش أنت بتطلعني من سؤال إلى سؤال أنا بدي أجاوبك خليني أجاوب. الشيخ: أنا أسألك من شان إيش؟ مداخلة: أنت سألتني هل يكون إجماع ورسول الله على قيد الحياة. الشيخ: أنا أسألك أخر سؤال هذيك الأسئلة ما جاوبت عنها، الآن عم بأسألك سؤال. مداخلة: أنت ما خليتني أجاوب، انا عندي أجوبة ... هذا مو سبيل التفاهم. الشيخ: سبيل التفاهم سبيل التفاهم سين جيم سين جيم سين جيم نصل إلى نقطة انتهينا منها ننتقل إلى غيرها، مثلاً الآن انتهينا من العلم المتعلق بالعقيدة، ننتقل إلى خطوة ثانية وهو العلم الذي متعلق بالعبادة إلى آخره، نحن الآن في النقطة الأولى ما انتهينا منها، العلم له أربع مصادر القرآن والسنة والإجماع والقياس، سألنا أول سؤال هل العقيدة تؤخذ من هذه المصادر الأربعة أجبت: نعم، وهذا خطأ، قلت أربعة، ثم استثنيت القياس وهذا هو الحق بعدين. مداخلة: في العقيدة طبعاً هذا الحق. الشيخ: أنا ألخص ما اتفقنا عليه وبعدين أجيب

مداخلة: في قطع. الشيخ: الله يهديك الله يهديك الله يهديك الله يهديك. مداخلة: آمين آمين. الشيخ: أنت شايف نفسك من كتر الكلام هذا مو سبيل العلم هذا مو سبيل العلم الله يهديك مو هذا سبيل العلم. مداخلة: أنت مو معطيني وقت. الشيخ: مو هذا سبيل العلم. مداخلة: احنا جايين نتعلم. الشيخ: أنا قايلك مئة ألف مرة: مو هذا سبيل العلم سبيل العلم إن كان عندك علم تطرحه. اسمع الله يهديك وأنت عارف حالك أنه عندك علم وجعلت القياس مصدراً للعقيدة. مداخلة: لا القياس ما جعلته مصدر. الشيخ: أنت جعلته مصدراً للعقيدة ثم سحبت. مداخلة: أنا باقول. الشيخ: لما نبهتك تنبهت، ما بيجوز تنكر الحقيقة لما نبهتك تنبهت بعدين سحبت القياس - لماذا لا تقول هذه الحقيقة. مداخلة: أنا ما أنكرتها، نبهتني.

الشيخ: يا أخي العلم بده قرار، العلم بده أناة. مداخلة: طبعاً طبعاً الشيخ: طبعاً طبعاً طبعاً طبعاً أنا الّي بأقوله من الصبح طبعاً طبعاً، إذا شو الفائدة، لكن مكانك راوح، العلم الكتاب والسنة والإجماع والقياس، القياس ليس له علاقة بالعقيدة، الإجماع له علاقة، كان السؤال متى يكون الإجماع بارك الله فيك، يجب أن تعلم أن الإجماع ما بيكون في زمن الرسول عليه السلام، وإنما الجواب الصحيح يكون بعد الرسول عليه السلام؛ لأن المسلمين في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ليسوا بحاجة إلى سواه أبداً، هذا هو الجواب، مش تديلي كلام شرقي وغربي وإلى أخره، الإجماع لا يصار إليه إلا بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأنه ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا؛ نجي الآن ما هي الطبقة الأولى التي يمكنك الاعتماد عليها في الإجماع. مداخلة: الطبقة الأولى التي يمكن الاعتماد عليها في الإجماع: الذين أتوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذين أتوا بعده. الشيخ: قل الصحابة الله يهديك. مداخلة: صحابة رسول الله. الشيخ: قول الصحابة، أنت تحب المشوار الطويل باين عليك، قل الصحابة وترضى عنهم الصحابة، الآن هل للصحابة فيما يتعلق بالعقيدة كانوا على هدى من ربهم؟ مداخلة: بلا شك.

الشيخ: هه، هذا الجواب ما تعملي محاضرة بلا شك. مداخلة: كانوا على هدى طبعاً. الشيخ: طيب كانوا على هدى من ربهم فمن سار مسيرتهم فيما بعدهم بقرن أو قرون حتى هذا الزمان بيكونوا أيضاً على هدى من ربهم؟ مداخلة: نعم. الشيخ: جميل جداً، الآن أنت تعلم جيداً أن هناك خلافاً قديماً بين من يسمون بأهل الحديث وبين من يُسمَّون بالمعتزلة عارف هذا الخلاف؟ مداخلة: نعم في خلاف واقع حقيقي الشيخ: جميل جداً، تقدر تذكر ولو مسألة واحدة نحن جماعة قنوعين نريد منك مسألة واحدة مما وقع الخلاف فيها بين أهل الحديث أهل السنة الأئمة الأربعة على رأسهم، والمعتزلة على جانب أخر مسألة واحدة. مداخلة: مسألة واحدة وهي المسألة مهمة جداً وهي مسالة الرؤية مثلاً. الشيخ: طيب. مداخلة: أهل الحديث إلي هم أهل السنة كمان أثبتوها والمعتزلة ما أثبتوها. الشيخ: جميل جداً شو حجة المعتزلة في إنكارهم إياها؟ مداخلة: حجة المعتزلة في إنكارهم إياها هي حجة إنكارهم نقول قوية نوعاً ما. الشيخ: الله أكبر.

مداخلة: اعتمدوا آية قوله تعالى لا {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}. الشيخ: طيب وحجة أهل السنة. مداخلة: وحجة أهل السنة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى ربهم ناظرة}. الشيخ: نعم نعم قوية ولا ضعيفة. مداخلة: قوية. الشيخ: قوية ولا ضعيفة. مداخلة: قوية. الشيخ: بس بس. مداخلة: نعم. الشيخ: وهاذيك قوية أيضاً. مداخلة: هذيك قوية أيضاً. الشيخ: ما شاء الله بيصير قوتان متنافستان متعارضتان في العقيدة. مداخلة: أنا ذاهب إلى مذهب أهل السنة. الشيخ: طيب ويبقى مذهب المعتزلة قوي؟ مداخلة: نحن بنقول خطأ. الشيخ: لكن ليش وصفته بالقوة.

مداخلة: ما دام أنهم أخطأوا. الشيخ: لماذا وصفته يا أخ، يا أخا الإسلام، يا أخا العلم، لماذا وصف المذهب الخطأ بالقوة؟ مداخلة: آه معهم حجة ولكن حجتنا أقوى منها. الشيخ: أنا باسألك من الأقوى الآن هذه انتهينا منها. مداخلة: أيوه. الشيخ: أنا اسألك لماذا وصفتها بالقوة؟ مداخلة: وصفتها بالقوة؛ لأنها أول شيء آية في كتاب الله. الشيخ: ما شاء الله عم بأسألك لماذا وصفتها بالقوة وأنت لا تؤمن بها؟ مداخلة: أنا لا أؤمن بها ولكن أُخطئ من يقول بها. الشيخ: الله أكبر. مداخلة: أنا لا أؤمن بها .. الشيخ: الله يهديك طالما أنت لا تؤمن بها مع عدم إيمانك بها لماذا وصفتها بالقوة؟ مداخلة: ليش أصفها بالضعف حتى الرجل قال واعتمد آية، أنا باقله لا أبداً مش صحيحة، باقله: لا أفهم معنى الآية؟! الشيخ: الله أكبر. مداخلة: وبعدين أنا يا ريت توضح لي كيف السؤال يعني؟

الشيخ: جاييك التوضيح جاييك التوضيح بس مو على طريقتك. مداخلة: ماشي. الشيخ: شرقي وغربي. مداخلة: ومنكم نستفيد. الشيخ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} بالنسبة لقولك وصفك لمذهب المعتزلة بالقوة هل كانوا يأخذون بأقوال سلفهم أولهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. مداخلة: كيف كانوا يعني؟ الشيخ: أنا باحكي بالألماني ولا بالعربي؟ مداخلة: لا السؤال معليش بدي؟ الشيخ: معليش أنا أسلك بس أرجوك أن تكون منتبهاً. مداخلة: نعم. الشيخ: المعتزلة هل كانوا يأخذون بأقوال سلفهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما يتعلق قبل كل شيء بالعقيدة ومن ذلك فيما يتعلق بما هو جزء من العقيدة الصحيحة وهي رؤية الله في الآخرة. مداخلة: نعم هنا معليش أنا أسال سؤال يعني. الشيخ: ما لك حق إنك تسأل لأنك سألت وضح لي السؤال، وضَّحت لك إياه ... فلماذا تعود تسأل أجب عن السؤال

مداخلة: أنا هنا لا استطيع التوضيح. الشيخ: لا تستطيع أنا ما طلبت التوضيح. مداخلة: ما استطيع أجاوب، بالجواب الي بدي إياه، ليش لأن بدي ما درست في المذهب المعتزلة حتى أعرف بيأخذوا ولا لا بيعتمدوا ولا لا ... الشيخ: إذاً شو بدك تتعلم أنت إذا ما تعرف. مداخلة: جينا نستفيد منك يعني. الشيخ: إن شاء الله، قل إن شاء الله. مداخلة: إن شاء الله. الشيخ: بس هيك من قلبك، طيب بنطور السؤال غير شكل، إذا جاءتنا آية كالآية التي ذكرتها وكان لها وجهان من الناحية العربية، وكان هناك آثار من السلف الصالح في تحديد معنى من المعنيين هذا في علمك أنت يكون مُرجِّحاً لأحد المعنيين أم لا؟ مداخلة: يعني وضِّح الي بتقصده تماماً، علشان أجاوب عليك، يعني قلت: آية في القرآن هي الآية في اللغة تحمل عدة معاني، كلمة في الآية وردت في الآية تحتمل عدة معاني مثلاً. الشيخ: أي نعم. مداخلة: الصحابة والسلف وعلماء المسلمين يعني ورد عنهم أنهم فسروها تفسيراً مناسباً لها يعني رجحوا أحد ... الشيخ: أخذوا معنى من المعنيين هل يجوز مخالفتهم؟

مداخلة: إذا كان الإنسان على قدره علمية، وكان فيه ناس منهم برضوا يعني من نفس الصحابة إلهم معنيين فيها. الشيخ: حيدة حيدة حيدة عن السؤال. مداخلة: صار اتفاق عليها يعني. الشيخ: يا أخي أنت الله يهديك بتسأل، أوضح لك السؤال رغم توضيح السؤال. مداخلة: أنا طلبت منك توضح لي سؤال المعتزلة. الشيخ: أنا شو سوّيت مداخلة: أنا قلتله ما عنديش فكرة عنه، إحنا جايين، إحنا جايين في موضوع معين، بدناش نغرب عنه ... الشيخ: أيه نعم الموضوع المعين الي أنتم جايين إليه أنتو جايين فارضنيه فرض؟! مداخلة: لا، بس إحنا بلغنا الإخوة إن إحنا جايين في موضوع معين فقالوا اتفضلوا. الشيخ: هه هذا هو الموضوع المعين بحث في العقيدة. مداخلة: موضوع معين. الشيخ: نعم هذا موضوع معين في العقيدة هذا الموضوع المعين في العقيدة يحتاج إلى مقدمات نتفق عليها.

مداخلة: تتعلق بهذا الموضوع. الشيخ: هو هيك وأنا شو عملت فيك، أنا باقول يا أخي هذا الموضوع المعين يحتاج إلى مقدمات متفق عليها؛ مثلاً: إذا كان أحد الفريقين لا يأخذ بالسنة، في فائدة من الدخول في الموضوع المعين؟! مداخلة: لا حط الموضوع ثم ادخل في المقدمة. الشيخ: لا مش على كيفك الموضوع على كيفي أنا، أنت لما بدك تطرح موضوع لكم ولغيركم يطرحه على كيفه، ولذلك أنا أول ما ابتدأت الكلام قلت من بده يتكلم؟ مداخلة: نعم. الشيخ: صح ولا لا. مداخلة: نعم نعم. الشيخ: فأنا ما فرضت، لكن هو بدأ يتكلم، الآن وصل الموضوع إذا كان هناك آية تحتمل معنيين والصحابة جاؤوا بمعنى من المعنيين في تفسير النص يجوز أن نخالفهم؟ مداخلة: لا يجوز مخالفة اتفاق الصحابة وأخذ الصحابة قاطبة على شيء، لا يجوز ألبتة. الشيخ: جميل جداً الآن نحن نسألكم وهذا هو الموضوع المعين هل أنتم مع الصحابة بكل ما يتعلق بكل عقيدة؟ مداخلة: والله إن شاء الله نحن نرى ذلك.

الشيخ: يا أخي إن شاء الله كلنا نقول إن شاء الله فنحن نسأل عن الواقع. مداخلة: نعم ونحن نرى ذلك. الشيخ: هذا الذي نريده الآن فيما سبق تقريره، ماذا تقولون لمن يقول إن الله عز وجل في السماء؟ مداخلة: هذه آية في كتاب الله. الشيخ: هه جزاك الله خيراً أنا ما بعرف إنها آية في كتاب الله جزاك الله خيراً. جزاك الله خير أنا باسألك ماذا تقول فيمن بيقول الله في السماء بتقلي آية. مداخلة: ولكنه حكى كلام جميل. الشيخ: نعم. مداخلة: حكى كلام جميل طيب. الشيخ: إذا سألتك أنت أين الله شو جوابك؟ مداخلة: إذا سألتني أين الله أنا أقول لك بلا مكان موجود موجود. الشيخ: ولما لا تقول كما حسنت الآية جزاك الله خير، لماذا لا تقول كما قال رب العالمين. مداخلة: أنا أقول ليش؟ لأسباب لأنه لما رجل واحد يسألني أين الله وأقول له في السماء هي تفيد المكان. الشيخ: تفيد المكان هذه الإفادة صحيحة؟ مداخلة: باللغة صحيحة، أخونا علي أقوى منى في اللغة.

الشيخ: الله يهديك الله يهديك عم بأسألك أنت. مداخلة: نعم. الشيخ: الآية تفيد المكان؟ مداخلة: الآية لا تفيد المكان. الشيخ: الآية لا تفيد المكان؟ مداخلة: أيوه الآن مش الآية .. الشيخ: أنت قلت الآن الآية تفيد المكان مداخلة: الأين. الشيخ: الأين. مداخلة: نعم. الشيخ: قال الأين تفيد المكان؟ مداخلة: الأين تفيد المكان والآية لا تفيد المكان. الشيخ: لا تفيد المكان فإذاً أنت أجبت بالآية عن الأين بتكون على صواب وإلا على خطأ. مداخلة: أنا باكون على خطأ إذا أجبت أين الله. الشيخ: تأنَّ الله يهديك تأنَّ في الجواب، أنت بتغلط في الآية وما أنت حاسس أنا حددت لك السؤال الآن.

الشيخ: إذا سألنى سؤالاً أين الله؟ مداخلة: أقل له الله بلا مكان؟ الشيخ: ما سألتك هل له مكان؟ مداخلة: أنت تسألني أين الله الشيخ: أنا ما سألتك. مداخلة: شو جوابك هذا جوابي. الشيخ: أنا سألتك سؤال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - صحيح ولا لا. مداخلة: سؤال الرسول في حديث الجارية تعني ... نحن الآن لا نريد أن نخوض في حديث الجارية. الشيخ: أنا أريد أن نخوض في حديث الجارية شو رأيك. مداخلة: نعم. الشيخ: شو رأيك تسمح أريد أن أخوض في حديث الجارية أنا أريد أن أسألك سؤال الرسول أين الله فما هو جوابك؟ مداخلة: بلا مكان ولا أخالف الحديث الصحيح ليش؟ الشيخ: الله يهديك. مداخلة: اسمعني. الشيخ: الله يهديك. مداخلة: أنت حكيت لي إذا سُئلت سؤال النبي أين الله فماذا تجيب، فأنا

أحكي لك بأن النبي لا يثبت أن هذا سؤال النبي ليش؛ لأنه عندنا حديث الجارية حسب قواعد المصطلح فهو مضطرب فهو لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سأل بهذا السؤال. الشيخ: طيب. مداخلة: فنتناول هذا الحديث بالبحث. الشيخ: طيب. مداخلة: لكي نثبت لك أنه الحديث مضطرب أو ليس مضطرب. الشيخ: طيب. مداخلة: نحب برضوا أنه يعني إن شاء الله أن تبين أنه إن شاء الله أنه نحنا نكون صادقين في الطلب وفي البحث وأنه ليس قصدنا إلا أن نصل إلى الحق ونصل إلى الله عز وجل. الشيخ: والله يا أخي هذا الكلام ما في واحد في هذا المكان إلا بيقوله. مداخلة: شوف يا سيدي أنا بدي أحكي لك إن شاء الله: إحنا طلبة علم، وقرأنا كتب، وقرأنا لعدة جوانب، قرأنا من كتبكم، قرأنا من هون ومن هون، وقرأنا لواحد الشيخ السقاف أكيد تعرفه، في أمور اقتنعنا فيها، فنحن الآن عندنا قناعات معينة بدنا نعرضها عليك فأين كانت من أي جانب لازم تتعاون معي. الشيخ: أحسنت جداً لكن أنا بأسألك سؤال يا أخي. مداخلة: تفضل. الشيخ: أنت لما قلت أنفاً أنه الحديث مضطرب أنت شخصياً تعرف ما هو

الحديث المضطرب؟ مداخلة: نعم. الشيخ: ما هو؟ مداخلة: الحديث المضطرب هو الحديث الذي ورد في عدة متون متساوية في القوة متعارضة في الظاهر. الحديث المضطرب هو: الحديث الذي ورد في عدة متون متساوية في القوة وظاهرها التعارض، لكن يخرج من هذا الأمر إذا كان حديث ضعيف يعارض حديث صحيح هنا نطرح الضعيف ونأخذ الصحيح. الشيخ: أحسنت جداً، من يعرف تساوي قوة هذه الطرق أو هذه المتون من الذي يعرف؟ مداخلة: الذي يعرف ذلك هو الإنسان الذي نظر في أسانيدها وحقَّق رجالها. الشيخ: بدك تقول بدون تعليم؟ هو أهل العلم. مداخلة: نعم. الشيخ: لأن الذي بيعرف هذا مش دقيق جداً، فأنت توافق معي أن الذي بيعرف هم أهل العلم وطلاب العلم المتمكنين. طيب الآن حديث أين الله ما هو اللفظ الذي يعارضه مداخلة: نعم أنا أقلك ياشيخ ناصر ورد الحديث بعدة ألفاظ اللفظ الأول. الشيخ: يا أخي خير الكلام ما قل ودل أنا سؤالي ما هو اللفظ المعارض له،

أنت قلت لي جاء بعدة ألفاظ، اسمحلي أنا أبين لك حتى ما تظن أنه نحن أنه ما نمشي بأقرب طريق للوصول إلى معرفة الحق الذي اختلف فيه الناس، أنت عرفت أنه الحديث المضطرب تعريفاً صحيحاً، توجه سؤال من الذي يعرف هذه الطرق المتساوية القوة أو مختلفة القوة، قلت أهل العلم حسن، الآن السؤال ما هو اللفظ الذي يخالف اللفظ المعروف وهو أين الله، ما هو اللفظ الآخر؟ مداخلة: اللفظ هو سؤال النبي للجارية من ربكِ؟ الشيخ: من ربكِ؟ مداخلة: وفي رواية أخرى أتشهدين أن لا إله إلا الله. الشيخ: طيب. مداخلة: فأنا أبين نقطة الآن الشيخ: لالا أسمحلي يا أخي ... متى الإنسان بحاجة لطرح بيان لما بيكون الشخص إلِّي بيسالك سؤالاً بحاجة لبيان أما إذا كان لم يكن بحاجة لبيان، شو حاجة البيان؟! مداخلة: بالنسبة لرأيي بحاجة لبيان رأيي أنا فيه استثناء مش على الإطلاق كلامي. الشيخ: يا أخي سيتبين فيما بعد أنت بحاجة لبيان أو لست بحاجة للبيان. مداخلة: لا مش القصد يا سيدي، القصد أن كلامي ليس على إطلاقه في عليه شوية تقييدات حابب أحكي لك إياها. الشيخ: طيب تفضل.

مداخلة: أما الكلام فالحديث يمكن الجمع بين ألفاظه إذا حملنا لفظة السماء على علوّ الرتبة وكذا. الشيخ: حيدة حيدة، حدت الآن على الموضوع الموضوع، ليس البحث في السماء الموضوع في السؤال الذي وُجِّه الذي وُجِّه للرسول، لا تستعجل أرجوك ولا تسري العدوى إلي الحديث، حديث الجارية فيه سؤال في جواب صح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: السؤال كان عن السؤال، ولم يكن عن الجواب، فالآن أنت قفزت قفزة الغزلان من السؤال إلى الجواب، من سؤال الرسول إلى جواب الجارية، السؤال الآن أكرره على مسامعك للمرة الثانية والثالثة، ما هو اللفظ الذي يخالف سؤال الرسول للجارية أين الله ما هو السؤال؟ مداخلة: لفظة من ربك أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ الشيخ: هل هذا فيه تعارض تعارضاً لا يمكن التوفيق بين الألفاظ كلها؟ مداخلة: أنا بدي أجاوب؛ نعم بالنسبة لإمكانية الجمع قبل لا أجمع بدي أبين شو نقطة التعارض؛ نقطة التعارض هي أن لفظة سؤال أين الله لا يثبت به إيمان وينفى به شرك؛ لأن الكفار أنفسهم كانوا بيقولوا أن الله في السماء هذه نقطة، بينما الحديث الآخر يثبت إيماناً وينفي شركاً هذا وجه التخالف. الشيخ: الله أكبر. مداخلة: هذا وجه التخالف. الشيخ: هذا هو الوجه.

مداخلة: نعم. الشيخ: الآن أنت تنقلنا إلى موضوع ربما ينقلنا هذا أخطر، لكن جملة معترضة نجعلها هل كل قول يقوله الكفار يجب أن يكون ضلالاً؟ مداخلة: لا. الشيخ: إذاً ما فائدة قولك اسمع يا أخي الله يهديك، ما دام قلت أخيراً كلمة الحق أنه ليس كل قول يقوله الكفار هو باطل، إذاً من أين لك أن كلمة في السماء هذا ينبغي أن لا نقوله: لأن الكفار يقولونه هذا هو جوابك. مداخلة: لا. الشيخ: طيب أشلون لا. مداخلة: أنا باقول أنه .. الشيخ: ما قلت أنفاً أنه المشركين في الجاهلية كانوا يعتقدون أن الله في السماء. مداخلة: نعم. الشيخ: ليش بتقول لا إذاً. مداخلة: صح بس وجهة نظري من هذا الأمر أنا بدي أوضح لك إياه أنه كون اعتقاد عقيدة أن الله عز وجل في السماء لا تفرق بين المؤمن والكافر، وهذا التفريق هو كان المطلوب من سؤال. الشيخ: هذا من وجهة نظرك أنت.

مداخلة: هذا إفادة للمطلوب من سؤال النبي. الشيخ: معليش معليش. مداخلة: سؤال النبي مؤمنه ولا مو مؤمنة. الشيخ: يا أخي أنا عم باقلك هذا ووجهة نظرك أنت بيجوز يكون هناك وجهة نظر أخرى الآن. مداخلة: ممتاز في نقطة المراد بسؤال. الشيخ: الكلام إلي الله يهديك. مداخلة: تفضل أنا متأسف. الشيخ: سبحان الله. مداخلة: الله يجزيك الخير إن شاء الله تعلمنا الأدب منكم. الشيخ: اللهم آمين، هل تعلم أن هناك طائفة أو طوائف من المسلمين يقولون الله في كل مكان. مداخلة: وأنا أُكفِّرهم بذلك. الشيخ: يا أخي الله يهديك نحن لسنا بصدد التكفير. مداخلة: نعم أعرف أن في طائفة بتقول أن الله في كل مكان. الشيخ: جميل جداً هؤلاء الذين يقولون أن الله في كل مكان إذاً بالنسبة إلى هؤلاء يحسن أن نقول إذا عرفنا أو شعرنا أو أو أو إلى أخره أنه هناك طائفة من المسلمين يشهدوا معنا بالشهادتين، لكن قد يقولون أو يقيناً يقولون: أن الله في كل

مكان، فنحن نسألهم بسؤال الرسول، نقول لهم: أين الله؟ ليستكشف هل هم كما قلت أنت كفار ولا مسلمين، أما أنت حينما لم تتبنَّ هذا السؤال، بتقول أن هذا السؤال لا يكشف عن الإيمان ولا يكشف عن كفر، نقول لك: لا هذا خطأ: هذا بالنسبة لوجهة نظرك أنت، أما بالنسبة لوجهة نظر الآخرين، ونحن الآن ضربنا لك مثالاً إذا اجتمعنا بإنسانٍ ابتلي بأن يقول إن الله في كل مكان، فنحن نسأله هذا السؤال النبوي، وحينئذ إذا أجاب بنفس الجواب: الله في كل مكان، تأكدنا أنه كان ما سمعناه منه بأنه صحيح وأنه هو الضلال، بل الكفر بعينة، لكن الآن إذا سألنا هذا الإنسان أو غيره من الناس أين الله فأجاب بـ في السماء هل نقبل منه هذا الجواب أم نرفضه؟ لعلك استوعبت سؤالي. مداخلة: إذا سألت إنسان أين الله فأجاب بأنه قال في السماء، فنحن ننظر للإنسان قد يكون الإنسان عامي ولا يعقل معنى كلمة في السماء أن لها مرادات أخرى، يمكن قصد الله في السماء في العلو وكذا على سبيل الرتبة، فإذا قال ذلك نقبل منه، إنه رجل مؤمن، أما إذا قصد أن الله عز وجل في السماء يعني: أنه يجيب أنه الله في مكان فنرفضه منه، هناك نقطة الله يجزيك الخير بدي أحكيها. الشيخ: تفضل. مداخلة: هي أنه أنت حكيت لي أنه نسأل واحد أين الله على أساس بيقول: في كل مكان، أولاً حتى نفحص إيمانه، أنا أقول لا الحديث يوجد في الحديث ضابط إلّي يحتج في الحديث يحتج بان الله عز وجل في السماء، لأن النبي سألها ليعرف هل هي مؤمنه ولا لا، في الحديث ضابط أنه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما سألها بده يشوفها إذا قالت في السماء فكان الجواب أنها مؤمنة، وإذا قالت غير هيك هي مش مؤمنة ففي ضابط يبين أنه إنما سألها ليعرف اللي في السماء، وبناء على هذا

الأمر ما نحتج في سؤال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما نحتج بهذا اللفظ بيكون هذا اللفظ مخالف للألفاظ الثانية. الشيخ: ما فهمت عليك كيف ما نحتج نحتاج بلفظ الرسول؟ مداخلة: من حيث هذا اللفظ مخالف للألفاظ الأخرى ونحنا بدنا نشوف نقطة التخالف. الشيخ: أي لفظ؟ أين؟ مداخلة: نعم. الشيخ: نحن لسه من مصطلح الحديث ما انتهينا الله يهديك، نحن من الناحية الحديثية نحن في طريق إجراء عملية إما نسميها ترجيح لفظ على لفظ أو تجميع بين الألفاظ كلها، فأنت لا تستبق النتيجة وتجعلها مقدمه، لسه نحن ما انتهينا الناحية الحديثية، لكن إن تيسر لنا هالنقطة هذه إنك أنت قلت: إنه ما في ما يكشف سؤال أن الله عن عقيدة المسؤول فأنا أثبتُّ لك عملياً هذا في وجهة نظرك، لكن إذا أتينا إلى إنسان يعتقد أو قد يعتقد أن الله في كل مكان يكشف هذا السؤال عن طويته، هل هو موافق للشرع ولَّا مخالف؟ فحين سألنا أين الله؟ أجاب وهذا نحن نعرفه نلمسه لمس اليد في هذا الزمان، ولعلكم عرفتم ذلك من كثرة ما نوجه هذا السؤال نفسه النبوي في عقيدتنا، فنسمع جواب من الناس: أن الله في كل مكان، وهذا ليؤكد رأيي الذي احكيه الآن، أريد أن أعرف شو حكمكم على جماهير المسلمين اليوم إذا سئلوا هذا السؤال التقليدي في حدود ما صح عندنا عن رسوله أين الله، شو بيكون جوابهم هل هو جوابهم جواب المعتزلة أم جوابكم أنتم هل أستطيع أن أحظى بجواب.

المداخلة: جواب المعتزلة. الشيخ: آه. مداخلة: مش عارف أيش المعتزلة اش جاوبوا مش عارف. الشيخ: طيب دعنا والمعتزلة لأنه يبدوا أنه ما عندكم معرفة بآراء الفرق، أقول شو جواب جماهير المسلمين من عامة ومن خاصة إذا ما سئلوا أين الله، هل يكون جوابهم هو هذا الجواب الذي أنت تسرعت فقلت من قال أن الله في كل مكان نكفره؟ ما رأي جماهير المسلمين من عامة وخاصة إذا سئلوا أين الله؟ فيقولون الله في كل مكان، شو رأيك يجيبون بهذا الجواب أم بجوابكم أنتم. مداخلة: والله يا سيدي نحن ما نريده من حق نحن ملتزمين [به]. الشيخ: ما سألتك عن هذا. مداخلة: من حقي هذا. الشيخ: أنا ما سألتك عن هذا. مداخلة: لو كل المسلمين، لو كل العالم جاوبوا جواباً، وأنا باعتقد انه خلاف القرآن ما برد عليهم. الشيخ: هذه حيدة الله يهديك، هذه حيدة ألا تؤمن بقوله عليه السلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير». مداخلة: نعم. الشيخ: طيب لماذا حدت أنت، وقلت: لو أن المسلمين كلهم أجمعوا على هذه الضلالة وكنت أنا مو هذا سؤال الله يهديك.

مداخلة: مستحيل أن يُجمع المسلمين على هذا، أنا قلت لو أن كل من في العالم قالوا .. الشيخ: يا أخي ليش انصرفت عن الاهتمام بالمسلمين، إلى القول أنه لو جماهير المسلمين قالوا هذا القول وهنا قول الصواب فأنت تأخذ به هذا مو هذا موضع سؤال ولا موضع نقاش، لذلك أرجوكم ما تضيع علينا الوقت. مداخلة: فهمني السؤال أنا ما فهمت السؤال. الشيخ: قل لي ما فهمت يا أخي الله يهديك. مداخلة: لا يُمْكِن أنا أجبت على فهم خاطئ فهمني الله يجزيك الخير. الشيخ: عم أقول. مداخلة: نعم. الشيخ: اليوم الإنسان يعيش في مجتمع يجب أن يعرف خيره من شره صح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: كأن يأمر الناس بالخير وينهاهم عن الشر الآن من حيث التجربة إذا سألتم بل ما سألتم لأنكم ما اتفقتم معنا بعد، نحن إذا سألنا أين الله يأتي جواب ولا لا يأتي جواب؟ مداخلة: يأتي جواب. الشيخ: يأتي جواب بارك الله فيك، الآن أنا أسأل على حد علمك ماذا يكون الجواب من جماهير المسلمين كانوا من خاصة ولا من عامة هل هو الله موجود في كل مكان أم هو جوابكم

مداخلة: العامة بيجوز على جهلها بيقولوا الله في كل مكان؛ لأنهم لا يدركون خطورة هذا الأمر، أما الخاصة يجوز بيكونوا متنبهين لهذا الأمر. الشيخ: بيجوز بيجوز. مداخلة: متنبهين على هي العقيدة. الشيخ: أنت بتستعمل كلمات السياسيين بيجوز وبيجوز الله يهديكم، يا أخي عم بنحكي عن الواقع بارك الله فيك. مداخلة: الواقع غير مضبوط في ناس بيقولوا الله في لا مكان وفي ناس بتقول في كل مكان، وفي ناس تقول الله يوجد بلا مكان. الشيخ: الله أكبر. مداخلة: عامتهم تقول في كل مكان الشيخ: طيب المقولة الثانية الله موجود في كل موجود شو رأيكم فيها. مداخلة: الله موجود في كل وجود. الشيخ: إيه. مداخلة: هذا حلول هذا. الشيخ: حلول بس الحمد لله هذا ما قلت كفر. مداخلة: ما هو الحلول ما هو إلا كفر. الشيخ: طيب إذاً كفر يعني أخت هذيك. مداخلة: صح.

الشيخ: هه الآن أسألك أنتم عقيدتكم ما هي؟ مداخلة: أنا عقيدتي أن الله عز وجل موجود بلا مكان. الشيخ: موجود بلا مكان هذه العقيدة من قال بها. مداخلة: في الكتاب والسنة. الشيخ: ما شاء الله ما شاء الله، أنا أسألك الآن عن الكتاب والسنة أنت ما تستطيع أن تتسلق على الكتاب والسنة حتى تجد الكتاب والسنة، أنت مثل امرأة آنفاً فسألتني عن الحجاب والخمار إلى آخره قالت: والله أحسنت، قلت لها: أنت عالمه؟ قالت لا أنا طويلبة طويلبة، فسرنى هذا الجواب في الحقيقة، أنت بارك الله فيك رأساً من الكتاب والسنة، أنا عم باسألك من قال بهذا من أهل العلم. مداخلة: والله أنا في عقيدتي بالنسبة إلى لا استدل بقول أي انسان ولا يشترط لي أنه على شان أثبت عقيدتي أجيب بأقوال الناس. الشيخ: الله أكبر أقوال الناس كل الناس؟ مداخلة: أقوال العلماء مش شرط إني أستدل فيها. الشيخ: إذاً أنت ما تتبع العلماء. مداخلة: مش شرط أنا مو متعبد بتتبع العلماء، أنا متعبد بإتباع الكتاب والسنة. الشيخ: والكتاب والسنة من وين تحصله أليس من طريق العلماء؟. مداخلة: نعم. الشيخ: الله يهديك، طيب أنت لا تستغني عن العلماء أولاً لا تستغني عن

العلماء؛ لأنه يتبين لك بالمقدمة السابقة وخطورتها وأهميتها الآن أنت أفصحت حقيقة أنه الكلام السابق ماله قيمة عندكم حينما وجهت السؤال إله المعتزلة هل يأخذون بأقوال السلف؟ ما أحسن الجواب، وأنت أيضاً لا تحسن الجواب، بل أنت أجبت من حيث لا تريد الجواب فأطلقت بأنك لا تأخذ بأقوال العلماء بدون استثناء، لا قلت مثلاً: آخذ بأقوال الصحابة ومن بعدهم، آخذ بأقوال الصحابة ومن جاء بعدهم من التابعين، آخذ بأقوال هؤلاء وهؤلاء والأئمة و ... اسمع يا أخي. مداخلة: أنا كلامي كان على المجمل. الشيخ: أنت قلت كلمة عامة. مداخلة: نعم قلت أنه ... الشيخ: كلمة عامة. مداخلة: بحجة قاطعة. الشيخ: أنت قلت كلمة عامة أنا لا آخذ بأقوال الناس هذه إجابتك. مداخلة: يعني مش حجة، الحجة بالكتاب والسنة. الشيخ: هذا خطأ الحجية الكتاب والسنة التلقين ممنوع عند أهل الحديث أليس كذلك. الآن يا أخي بارك الله فيك من الخطأ بمكان ألا يعتد العالم وليس طالب العلم فضلاً عن طويلب العلم أن لا يعتد بكلام العلماء، أنا بهذا بحكم أنه صلاتك أنت وأنا ما شفتها، ووضوئك وما شفته، أحكم أنك لا تعرف تتوضأ على سنة الرسول ولا على صفة صلاة الرسول وإنما في حدود ما سمعت من كلام العلماء، كيف

تجيء بتقول أنا لا آخذ بكلام العلماء؟! سامحك الله، هذا أولاً ثانياً: لو سألتك أنا بتعطيني جواب واضح جداً أنت يا أخي تستطيع تأخذ من القرآن والسنة بدون الاستعانة بأهل العلم؟ مداخلة: [لا]. الشيخ: هه، هذا الذي أنا طلبته وصدق يعني طابق الخُبر الخبر، فإذاً كيف تجي بتقول أنا ما بيهمني العلماء، (كيف) ما بيهمك أنت طريق قاصد العلماء. مداخلة: شيخ أفهم معنى كلامي، أنا كلامي بينت لك أنت ما سمعتني، كلامي كالتالي أنا قلت لك أنه كلام الناس عندي مش بمقام. الشيخ: لا تقل كلام الناس يا أستاذ الله يهديك، قل كلام العلماء. مداخلة: كلام العلماء. الشيخ: أنا ما بنحكي عن الناس عم بنحكي عن العلماء. مداخلة: كلام العلماء عندي لا يكون في مرتبة الحجية إذا عرفت ... الشيخ: أنا سألتك عن المرتبة؟ أنا ما سألتك عن الحجة وما الحجة قلت لك أنت الآن هل تستطيع أن تفهم العقيدة من كتاب الله وحديث رسول الله دون أن تستعين بالعلماء. مداخلة: كلا. الشيخ: كلا، أيش معنى كلامك السابق وأنا عم برجع الآن، وأنا عم باسألك، نرجع الآن لسؤالي الذي أنت حدت عنه بالجواب الخطأ، فأقول لك: من يخرج بقولك من العلماء؟ عرفتم الآن الموضوع كله كيف ماشي؟

مداخلة: نعم. الشيخ: سلسلة تأتي بعد سلسلة بعضها أخذ رقابها برقاب بعض بينما، أنت تتوهم .. مداخلة: أنا سأجاوب. الشيخ: الآن أنا أقول مَنْ مِنْ العلماء الذين تعتدون بهم يقولون الله عز وجل موجود بدون مكان؟ من الذين يقولون كذا؟ مداخلة: أنا بأحول الإجابة للأخ عبد الرحمن تسمحلي. الشيخ: إيه باسمحلك، ليش لا؟ مداخلة: لأنه بيلح علي أنه بيجاوب. الشيخ: معليش معليش ما بتفرق أنا معي؛ لأنه كل المقصود أنه تكونوا كما قال تعالى [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي] هات لنشوف بدك تجاوب عن أي سؤال؟ عبد الرحمن: والله الذي بتوجه لنا أياه إن شاء الله. الشيخ: نعم. مداخلة: آخر سؤال أجاوب عنه. الشيخ: أيوه ما هو السؤال؟ مداخلة: هو من يقول بقولنا في مسألة السؤال عن مكان الله عز وجل؟ الشيخ: من يقول بما تقولون هذه عبارتك، لا.

مداخلة: شوية على البركة. الشيخ: لا الله يهديك هه. علي حسن: الشيخ قال من يقول بجوابكم حيث قلتم جواب على سؤال أين الله: الله موجود بلا مكان. الشيخ: من يقول أن الله موجود بدون مكان. مداخلة: ايوه معليش الجواب. الشيخ: معليش معليش معليش. مداخلة: أنت تريد من يقول بقولنا عندما تسألني كما سؤال رسول الله الجارية أين الله، ... الشيخ: هذا .. مداخلة: ولا بدك سؤال ثان الشيخ: هذا. مداخلة: ماحدت الآن الشيخ: هذا هو الجواب؟! مداخلة: الأخ علي حكى كلام غير، يعني بمعنى آخر، غير الحكي بدي أعرف أن أرد. الشيخ: اتق الله اتق الله الكذب لا يجوز: لا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وأنت تًغَيِّر كلامك الآن.

مداخلة: أنا ما غيرَّت. الشيخ: أنا بأسألك أنت من الذي يقول بقولكم. مداخلة: أيوه بقولنا عن أيه؟ إنه الله موجود بلا مكان. بدي أُعدِّد لك عدة علماء: الإمام الغزالي. الشيخ: الإمام الغزالي. مداخلة: رحمه الله. الشيخ: رحمه الله وقبل الإمام الغزالي مين؟ مداخلة: قبل الإمام الغزالي: البيهقي. الشيخ: البيهقي أين يقول هو الله موجود بدون مكان بغير مكان. مداخلة: في كتابه الأسماء في كتاب شعب الإيمان اعتقد. الشيخ: تعتقد. مداخلة: نعم. الشيخ: ألا يقول البيهقي أن الله عز وجل في السماء بمعنى فوق؟ .. مداخلة: أنا احتج ... بالبيهقي وغيره لسه باقي. الشيخ: البيهقي وغيره يا جماعة جبتوا غيره عم بنسأل عن البيهقي. مداخلة: نعم نعم. الشيخ: البيهقي بيقول بكلمتك هذه الله عز وجل موجود بغير مكان.

مداخلة: بلا مكان. الشيخ: طيب انتم تأخذون الكلام إذا صح هذا وأنا ما بدي أخوض الآن، البيهقي يقول في تفسير قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} أي فوق السماء هكذا يقول البيهقي، لكن أنا أسألك الآن أين الدليل أن الله عز وجل موجود بدون مكان كلمة بدون مكان هذه منصوص عليها اسمع يا أخي لا تقاطعني. مداخلة: نعم نعم. الشيخ: هذا الاستثناء بدون مكان في نص في القرآن أو في السنة أرجو أن يكون الجواب نعم أو لا ثم اشرح إلى مطلع الفجر، هل فهمت سؤالي هل فهمت سؤالي؟ مداخلة: هل لفظة المكان عن الله وردت في الكتاب والسنة أم لا؟ الشيخ: أيه لا ما هذا فقط كمل سؤالي أرجوا أن يكون الجواب نعم أو لا ثم اسمع الله يهديك ثم ... مداخلة: الجواب. الشيخ: لا حولا ولا قوة إلا بالله الله يهديك. مداخلة: طيب طيب معليش. الشيخ: الله يهديك. مداخلة: معليش. الشيخ: الله يهديك معليش معليش.

مداخلة: في أسئلة بنعم أو لا. الشيخ: معليش. مداخلة: وفي أسئلة فيها ... الشيخ: لا أسال شو ما بدك وأن أجيب بنعم أو لا اسأل ما شئت هذا الكلام مو صحيح أبداً. مداخلة: لا صحيح. الشيخ: محتكر المسألة. مداخلة: مش محتكر أنا بجبلك أمثلة على كلامك. الشيخ: اسأل ما شئت لأقول لك نعم أو لا. مداخلة: أنا بدي أسال. الشيخ: نعم. مداخلة: في سؤال ما فيها نعم أو لا، يعني مثلاً بدي أسأل الشيخ عنها. الشيخ: اسأل عن الشرع عن الشرع، اترك عن الشرع. مداخلة: لو سألنا رجلاً مثلاً لساتك بتدخن ولّا بطَّلت التدخين مثلاً؟ الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، الله يهديكم. والله يا جماعة أنا بأسف عليكم ماعندكم مبادئ العلوم بدكم تطلعوا للسماء بتقولوا الله في السماء ولا لا، لكن تعلموا مبادئ العلوم لا يوجد أي سؤال إلا وله جواب بنعم أو لا

نعم ما الدليل على، أو نقول هل قولكم بلا مكان فيه عليه دليل؟ مداخلة: هو الصحيح في نقطة يا شيخ نحن المسألة هذه في الأصل ما كنا جايين نناقش فيها هي مسألة وحدة بس عارفين السؤال هذه ... الشيخ: أي مسألة كنتم جايين من أجلها أنتم حاطين في بالكم هي مو عقيدة؟ مداخلة: لا نحنا محددين موضوع معين ما بنقدر نخرج عنه لحد الآن مع الأسف بتحكي مقدمات مقدمات دخلتنا في موضوع آخر ولسه. الشيخ: لالا لسنا في المقدمات. وين المقدمات انتهينا منها نحن الآن في العقيدة أنتم تقولون أن الله بلا مكان، وتنكرون أن الله في السماء. مداخلة: خليني أنا احكي تفضل. الشيخ: نعم. مداخلة: أنا أسأل هل كتاب الله. الشيخ: هذا سؤال الله يهديك. مداخلة: لسه أنا ما سألت. الشيخ: اسمع أنا السائل مش أنت. مداخلة: أحنا جينا نتناقش في موضوع لنصل على الحق. الشيخ: يا أخي نتناقش. مداخلة: بتسألنا ونسألك.

الشيخ: قل لي شو جوابك وبعدين أسأل ما شئت. مداخلة: يا ريت تعيد السؤال علشان. الشيخ: الله أكبر. مداخلة: يمكن معليش. الشيخ: الله أكبر هل جاء النص في الكتاب والسنة أن الله موجود بدون مكان؟ مداخلة: لم يأت باللفظ هذا. الشيخ: جميل بهالمعنى؟ مداخلة: بهالمعنى أتى من عدة آيات. الشيخ: من عدة آيات. مداخلة: نعم. الشيخ: نقنع بآية واحدة. مداخلة: لا بنجيبهن كلهن علشان. الشيخ: شوف شوف الله أكبر الله الله أكبر. مداخلة: الله عز وجل قال في كتابه {فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ]} هي الآية ظاهر مفهوم الآية هيك يعني اللي يسمعها للوهلة الأولى يعتقد أن الله عز وجل أتى بنيان ثمود وعاد على أساسات بيوتهم. الشيخ: خلينا نخلص من الآية هي وين نفي المكان في الآية هي الله يهديك. مداخلة: خليني أكمل بجملة في نفي المكان.

الشيخ: أنت عم بتقول لي بس، الله يهديك. مداخلة: أنت قلت لي أجيب واحدة. الشيخ: إيه خلصنا: مداخلة: خلصنا جبت الآية. الشيخ: لا عم بأقلك وين الدليل في الآية. مداخلة: في آية غيرها. الشيخ: الله أكبر. مداخلة: أزبطها ليك، لا بدي أطرح لك وجهة نظري كاملة ثم الاستدلال. الشيخ: أنا فهمان وجهة نظرك كاملة. مداخلة: طيب ياريت. الشيخ: أريد الاستدلال من الآية هذه: من استدلالك من الآية وين نفي المكان في الآية. مداخلة: نفي المكان في الآية هي الله عز وجل، هنا في الآية هي ونحن نستدل لحد الآن أثبت أن بيتي أنه في أساسات قوم عاد قوم ثمود في الآية الأخرى. الشيخ: هه نقل للآية الأخرى. مداخلة: بدي أجيب لك كل الآيات. الشيخ: هذا ما ينفعه بقى إلا قصة ذاك الأزهري.

مداخلة: إما تسمع كلامنا كامل أو نخرج من الموضوع هذا بالمرة. الشيخ: على راحتك لكن وين بدك تخرج وإن كنتم خرجتم مراراً وتكراراً لكن نحن {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} أنت حر لكن عم أبين لك إنه الآية الأولى ليس فيها ذكر، اسمع. مداخلة: نعم. الشيخ: ليس فيها ذكر للمكان لا سلباً ولا إيجابا. مداخلة: كلامك صحيح. الشيخ: صح. مداخلة: كلامك سليم. الشيخ: أيش معنى كلامك إذاً؟! كلامي سليم وصحيح. مداخلة: لالالالا. الشيخ: أدعى أنه يعرف وجهت نظري ما يعرفها. الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، الله أكبر الله أكبر. مداخلة: خليني احكي. الشيخ: تفقهوا قبل أن أن تُسَوَّدوا الله أكبر. مداخلة: خليني أكمل. الشيخ: لا ما تكمل أثبت لي الآية هذه أين المكان سلباً أو إيجاباً. مداخلة: أنا قلت له عدة آيات، قال لا آية واحدة، قلت له عدة آيات ما قلت له

آية طلب آية واحدة. الشيخ: وأنا باجبلك آيات وأنا باجبلك آيات. مداخلة: اجبلك كل الآيات. الشيخ: أنا باجبلك آيات في إثبات المكان وليس في لله المكان راح أجيب له آيات وليس لله مكان {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}. هه طيب {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ} كملها لشوف. أنتم تقولون أن الله عز وجل موجود بدون مكان بدون مكان بدي آية تثبت أن الله عز وجل ليس في مكان هذا أولاً. مداخلة: بالمفهوم طبعاً. الشيخ: أرجوك أرجوك قلت هذا أولاً. مداخلة: هذا أولاً. الشيخ: لما بيقول الإنسان أولاً شو معناها؟! فيه ثانياً. تفضل ثانياً بنريد تشرحوا لنا كلمة المكان إن شئتم شرحتم وإن شئتم شرحنا نحن، المهم الآن نريد آية تنفي المكان عن الله عز وجل آية واحدة ومثل ما قلت لصاحبك وأنا قنوع تفضل. مداخلة: الآية التي تدل على أن الله عز وجل منزه عن المكان قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} إذ أن كل مخلوق في هذا الكون مفتقر في وجودة

مفتقر في وجودة إلى مكان، الله عز وجل ليس كمثله شيء فهو في وجوده غير مفتقر إلى مكان. الشيخ: جميل جداً. مداخلة: وهو بذلك يباين خلقه أي يخالفهم. الشيخ: جميل جداً الذي يعتقد بقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} السمع والبصر من صفات البشر أيضاً والله عز وجل وصف نفسه بأنه سميع بصير، فهل نثبت هاتين الصفتين أم ننفيهما عن الله عز وجل، أم نثبتهما وننزهه عن أن يشابه الحوادث والمخلوقات؟ مداخلة: نثبتها وننزهه عن المشابهة. الشيخ: جميل جداً إذاً هذا الدليل وحده لا يكفي لنفي المكان، لا يكفي لنفي المكان، علماً لعلك تذكر معي قلت آنفاً نلفت نظر أخينا هذا (الذي) عم بيجيب آية بنفي المكان، والآية ليست في ذاك الصدد، فأنا جابهته أنا راح أجبلك آيات في إثبات المكان وليس لله مكان انتبهت لهذا الكلام ولا ما انتبهت، أنا قلت آنفاً للفت نظر الأخ أن الاستدلال بالآية تحميل الآية مالا تحمل لأنها لا تذكر المكان لا سلباً ولا إيجاباً فمن باب لفت نظره قلت له أنا راح أجبلك آيات لإثبات المكان بها، للاستدلال على المكان، بها وليس لله مكان وليس لله مكان حتى ما يسبق لذهنكم أنه أنا أقول إن الله له مكان بس للفت نظره أنه ما بيجوز الاستدلال لمجرد تلاوتنا آية هي الآية فيها نفي المكان فمثله مثلي أنا لما نفيت المكان أثبت المكان بسورة قل هو الله أحد إنا أعطيناك الكوثر. جميل، لكن أردت ألفت نظرك أردت ألفت نظرك انه قلت ليس لله مكان

أخذت بالك؛ لأنه الشيء الذي نحن نفهمه مما نشر قديماً من الخلافات بين الخلف والسلف ومن ينشر الآن مذهب الخلف أنهم يفهمون من عقيدة السلف الذين يقولون إن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها أنهم يثبتون لله مكاناً، يفهمون من هذا وهذا فهم خطأ بالمائة مليون، ولذلك فأنا الآن أريد أن أقول أنه لا يجوز للمسلم أن يثبت شيئاً أو أن ينفي شيئاً عن الله عز وجل إلا بدليل من كتاب الله ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصحيحة، وهذه كلمة لا خلاف فيها إن شاء الله. مداخلة: بس ... الشيخ: جاييك جاييك بالبيان جاييك البيان. مداخلة: الله يجزيك الخير هذا الكلام على العين وعلى الرأس. الشيخ: كويس الآن نحن نقول كلمة المكان هل هي معناها وجودي ولا ذهني؟ مداخلة: جزاك الله خير. الشيخ: تفضل بدك تحكي هل المكان أمر معنوي ولا حسي. مداخلة: هذا حسي. الشيخ: طيب فالآن إذا كان المكان وجودي. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب فهل من مسلم يعتقد بأن الله عز وجل كان منذ الأزل في مكان حيث كان الله ولا شيء معه. مداخلة: مافيش مسلم يعتقد ذلك.

الشيخ: هه. مداخلة: لا. الشيخ: لا إذاً هل أنتم تعتقدون بأن هناك مسلماً عالماً يعتقد بأن الله عز وجل في مكان. مداخلة: طبعاً لا. الشيخ: فإذاً ما هو الخلاف الآن بينكم وبين كل من يؤمن بكل الآيات التي تثبت أن علو الله عز وجل فوق مخلوقاته كلها بآية في السماء، بآية الرحمن على العرش استوى بالآيات، كلها على آخرها ما ننفيها؛ لأن كلها معروفة ومتلوة الحمد لله ليلاً نهاراً، فإذاً بماذا تميزتم أنتم الآن في هذه اللحظة بعدما توضح لكم شيئان؛ أن المكان أمر وجودي أي خُلِقَ من العدم، وأن الله عز وجل كان وليس هناك مكان ولا زمان كويس. مداخلة: الله يجزيك الخير. الشيخ: إذن فعلماء السلف كلهم الذين يؤمنون بآيات الصفات وأحاديث الصفات ومنها العلي الأعلى، لماذا تفهمون من هذه النصوص ومن أقوالهم أنهم جعلوا الله في مكان ... فشردتم أنتم عنهم وقلتم ليس في مكان، لماذا؟ مداخلة: أنا أجيبك هذا الكلام والله ممتاز جداً، كلام السلف دائماً ببيان بقولهم بأن الله عز وجل فوق المخلوقات بأن الله عز وجل عليٌّ أو له صفة العلو، فنحن موافقون على هذا الأمر موافقة كلية، لكن طبعاً نحن بنحكي أن السلف كان الله عز وجل فوق المخلوقات عالٍ على المخلوقات في علو الرتبة ليس علو ... الشيخ: لا ليس علوا الرتبة فقط ... اسمح لي لأنه قضية الحس أخي من هنا

جاءكم الخطأ الحس له علاقة بالكون. مداخلة: نعم. الشيخ: الحس له علاقة بالكون أي بالمكَوَّن وليس بالخالق الكون. مداخلة: صدقت هذا الكلام توحيد ... الشيخ: طيب اعتبارك انتبه لحالك، ما أعطيتني الجواب عن سؤالي، أعيده فأقول: بماذا تميزتم عن علماء السلف الذين يؤمنون بأن الله عز وجل على العرش استوى مع اعتقادهم أنه ليس في مكان؛ لأن الله كان قبل أن يخلق المكان، وهو الآن كما كان قبل خلق المكان؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب بماذا تميزتم، سيظهر الآن سيظهر الآن، بعد قليل الفرق بين عقيدة السلف وبين عقيدة الخلف، وأنتم على هذه العقيدة يعني الذي أنتم فررتم منه آنفاً، نحن ما نقول الله في كل مكان. مداخلة: كنت بدي أجاوب صح نعم. الشيخ: هذا الذي فررتم منه، نخشى -ما نقول وقعتم- نخشى أن تكونوا وقعتم فيما هو شر مما منه فررتم الآن. مداخلة: حكيت أنت بأيش تميزنا على السلف إلي بيقولوا. الشيخ: لسه ما خَلَّصت كلامي إلي بأقول الآن. الشيخ: الله أكبر أنا بأقوله الآن أريد أن أُكَمِّل كلامي.

مداخلة: تفضل. الشيخ: الآن أظن وضح لك أننا نحن لا نقول أن الله في مكان صح. مداخلة: أحسنت هذا الذي نريد أن نتفق عليه إن شاء الله. الشيخ: صح طيب لكن أنتم لا تقولن بما قال الله أن الله في السماء وعلى العرش استوى وو إلى آخره. مداخلة: لا نقول بذلك؟ الشيخ: ما أظن. مداخلة: نحنا نقول أن الله عز وجل .. الشيخ: ما أظن اسمح لي، لأنه لما أقول لك: ما أظن، قف معي، مش تسمع كلامي معطل لكلامك وتمضي في كلامك، بيكون ما تفاهمنا، أنا أقول ما أظن أنكم تقولون هذا الكلام لأنه هالي استقيتم منه هذه الكلمات والذين هم سقوا هذا -الساقين لكم- هم يقولون يقولون أن الله في السماء هي عقيدة المشركين وأنت قلتها آنفاً. ما أسرع ما نسيت مش أنت يا أخي (الذي) قلت الله يهديك: أنه كلمة جواب أن الله في السماء ليس جواباً؛ لأنه هي عقيدة المشركين، وقلت لك يا أخي: هل كل عقيدة يعتقدها المشركون ضروري نحن نخالفهم، قلت: لا أيضاً إذا قال المشركون: إن الله في السماء نحن نخالفهم نكاية فيهم. مداخلة: لا. الشيخ: قد يقولون الله موجود، الله موجود، نقول إحنا الله مو موجود، نكاية

فيهم فإذاً نسيت ما قلت. المحمل الذي حملت عليه كلامي خاطئ؛ أنا قلت: أن اعتقاد أن الله عز وجل في السماء بمعنى إثبات المكان لله هذا الكفار أقروه، والسؤال المجرد عنه لا يفيد، بدنا ندقق نفهم شو المحمل على هذا؟ الشيخ: يا أخي بارك الله فيك. مداخلة: هذا قصدي. الشيخ: أنت عم بتحمل الآية مالا تتحمل لما ربنا بيقول: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} أنت بفهمك عم بتفهم من الآية إثبات المكان، إثبات المكان المخلوق بناءً على ذلك تقول هي عقيدة المشركين. مداخلة: وفي ناس فهموا كذلك. الشيخ: طَوِّل بالك. نكون في شيء ونصير بشيء، يا أخي أنت عم بتقول بارك الله فيك انه هذه الآية {أأمنتم من في السماء} تثبت المكان لله وهو صًرَّح في هذه الآية تماماً، ولو لعلها تكون فلتة لسان معليش الله عز وجل لا يثبت لنفسه مكاناً ولا ينفي عن نفسه مكاناً، أخذت بالك، لا يثبت لنفسه مكاناً ولا ينفي عن نفسه مكاناً، ولكن إن نفى فينفي شيئاً لا يليق به، كما قلت أنت آنفاً مستدلاً بقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لكن هذا لا ينفي ما أثبته في القرآن من أنه في السماء، وكما قلت لكم آنفاً جواب البيهقي يقول في السماء فوق السماء، فلله صفة الفوقية وصفة الاستعلاء على العرش كما يليق بجلاله وعظمته، فإذا قال المسلم: الله في السماء فإما أن يفهم في السماء يعني السماء ظرف له هذا ضلال.

مداخلة: ونحن معك على ذلك. الشيخ: كويس. مداخلة: نعم. الشيخ: وإما أن يفهم في السماء بمعنى على السماء، وأنه فوق المخلوقات كلها، أنت قلت: مكاناً لا حساً، قلت لك: يا أخي بارك الله فيك الحس له علاقة بالمخلوقات، ونحن كلامنا في الخالق، فالخالق فوق السماوات كلها، فوق المخلوقات كلها، فوقية تليق به تبارك وتعالى. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب الآن سنقول نحن نعرف وسمعنا من بعض مشايخنا في دمشق وقرأناه في بعض كتب لبعض الفرق أن الله عز وجل، -أسألكم الآن شو رأيكم بهذا الكلام -الله عز وجل لا يوصف بأنه فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، شو رأيكم في هذا الكلام؟ مداخلة: الكلام هذا إذا كان محمول عنه على نفي المكان نقول لهم هذا صح ليس له مكان، الله عز وجل فوق فنحن نحمله على محمل الرتبة والعلو المعنوي فإذا كان قصدهم نفي المكان فنحن معهم. الشيخ: أنت حدت عن الجواب. مداخلة: إذا كان قصدهم نفي المكان. الشيخ: حدت حدت سمعت مني كلمة القصد. مداخلة: كيف أنا أحكيت كلمت القصد؟

الشيخ: أنا عم بأقلك حدت، أنا عم باقلك حدت عن الجواب وعم بأسألك سمعت مني كلمة القصد ولَّا لا. مداخلة: لا. الشيخ: طيب إذاً لماذا حشرت كلمت القصد وأنا ما حشرت في كلامي هذه الكلمة. مداخلة: بدي أجاوب كيف بدي أجاوب أنا لما بدي أجاوب يجب أن آتي بكلمات جديدة شرط يعني. الشيخ: الله يهديك يا أخي كل سؤال إله جواب كل سؤال إله جواب أنا عم باقلك ماذا تقول فيمن يقول .. مداخلة: كلامك صحيح هذا الشيخ: نعم. مداخلة: هذا الكلام صحيح. الشيخ: طيب. مداخلة: وورد في الكتاب تتمة. الشيخ: بس كلمة وغطاها، الله يهديك، يعني هلاَّ لو قلت: هذا الكلام صحيح، وكان هذا الكلام غير صحيح عندنا، ما نسألك شو حجتك طَوِّل بالك طَوِّل بالك الله يهديك. مداخلة: الله يجزاك الخير.

الشيخ: الله يهديك طول بالك أنا عم بأقلك ما بأسألك شو الدليل إذا كان هذا الكلام بتقول صحيح وكان عندنا غير صحيح ما بنسألك عن الدليل. مداخلة: صح. الشيخ: إذا ً ليش أنت بدك تفرض وتحكي. مداخلة: بدي أُفَصِّل الأمر هذا الكلام. الشيخ: يا أخي فصل إذا احتجت للتفصيل. مداخلة: طيب ماشي أنا بأقلك هذا الكلام صح. الشيخ: صح. مداخلة: نعم. الشيخ: يعني الله إذاً لا داخل الكون ولا خارجه. مداخلة: بلا شك. الشيخ: الله أكبر الله أكبر، ... نسألك الآن، وائت ما عندك، واحشر ما شئت من الأدلة، أليس هذا يساوي كلام المعطلة الذين يقولون ليس هناك شيء إلا المادة. مداخلة: لا لا يساويها. الشيخ: ليه لا داخل العالم المخلوق ولا خارج العالم المخلوق. مداخلة: ممتاز أنا أثبت لك أن الكلام لا يساوي كلام المعطلة ليش؛ لأن المعطل ... الشيخ: يا أخي مو سؤالي يساوي ولا ما يساوي، الآن شوف هذا الذي خرج

عن الكلام السابق ما تقول فيمن يقول الله لا داخل العالم ولا خارجه؟ مداخلة: صواب. الشيخ: طيب فإذاً أيش الفرق بين هذا الكلام وبين من يقول لا شيء إلا المادة. مداخلة: فيه فرق الفرق هو كالتالي إن الفرق إنه المعطل ينفي وجود الله بالمرة، أما الي بيقول أن الله عز وجل ليس داخل العالم ولا خارجه فهو يثبت وجود الله ولكن ينزهه عن أن يكون في مكان. الشيخ: الله يهديك. مداخلة: ليس كمثله شيء واضح. الشيخ: لا مش واضح. مداخلة: أعيده. الشيخ: خليك معي مواتفقنا آنفاً أنه المكان شيء وجودي؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب أنت الآن عم بتنفي وجود الله خارج المكان. مداخلة: لا. الشيخ: الله يهديك. مداخلة: خارج العالم مش مكان، يعني خارج العالم مش مكان؟! الشيخ: لا مش مكان الله يهديك.

مداخلة: طب شو خارج العالم. الشيخ: هذه مشكلتكم. مداخلة: أنا حملت الإجابة حملت الإجابة على محمل ممكن يكون كل هدفنا واحد ممكن نتفق، بس يجوز يكون لا مشاحة في الاصطلاح أنا قصدي أنه هذا الفارق بين المعطل ... أنا قصدي انه بحاجة إلى نفي المكان فهذا الذي قال هذا الكلام أنه جوة العالم مكان وأنه برة العالم مكان فقال الله لا جوة ولا برة. الشيخ: هذا يدل على وجود التناقض (داخل) نفسك. مداخلة: كلا. الشيخ: كلا كلا كلا، الذي بيقول أن المكان أمر وجودي الذي قال آنفاً معنا بأن المكان شيء وجودي ليس ذهنياً صح؟ مداخلة: صح. الشيخ: بارك الله فيك هالمكان عند جميع العاقلين لايمكن أن نتصور إلا أنه شيء وجودي صح؟. مداخلة: نعم هذا كلام سليم. الشيخ: طيب ما سوى المكان شيء ذهني يعني عدمي؟ مداخلة: ذهني آه عدمي لسه ما استوعبتها. الشيخ: ستستوعبها إن شاء الله. مداخلة: كيف يعني، انا طالب علم ... فهمني هيه.

الشيخ: مشان هيك أنا استكثرت عليه أنا ما باعتد بكلام الناس شيء بيفلق الحجر، لو أن الله عز وجل متَّع الإنسان بشيء من الأناة والصبر والعلم والصبر على الناس وهدايتهم وإرشادهم إلى آخره، يا أخي مو متفقين نحن كان الله ولا شيء معه، لا شيء معه عدم ولا وجود، غيره هو عدم ولا وجود؟ مداخلة: عدم. الشيخ: طيب هذا العدم مكان. مداخلة: لا لأن المكان وجودي. الشيخ: هه رجعت حليمة لعادتها القديمة عم بأقلك أنا وأنت رجعنا إلى المكان، فالمكان شيء وجودي وما سواه شيء عدمي. مداخلة: أو ذهني. الشيخ: نعم. مداخلة: في نقطة تسمح لي. الشيخ: بس ما تكون نقطة نقطتين. مداخلة: لا نقطة واحدة. الشيخ: طيب تفضل. مداخلة: نقطة واحدة إلّي هو أنه نتفق لذلك لا يطلق لفظ مكان على شيء وجود أهم شيء العدم ونسكت ما نقول المكان عدمي يعني ننطق المكان بأنه عدمي.

الشيخ: لكن شو الفائدة منه الله يهديك. مداخلة: أنا توصلنا إلى نقطة لأنه بعضهم بيقلك ... الله موجود بلا مكان عدمي، بنقله لا مش صحيح صح أن الله عز وجل موجود بلا مكان فما يصير تقول المكان عدمي تربط هذه بهاي ... والله إحنا بنتعلم الحكمة ضالة المؤمن. الشيخ: إذاً غير المكان ليس مكاناً. مداخلة: صح. الشيخ: طيب هل يصح بعد هذا التوضيح الذي وضح لك أن يقول القائل المسلم وهو يؤمن بالكتاب والسنة إن الله عز وجل ليس داخل العالم ولا خارجه هل يصح هذا الكلام؟ شوف يا أخي مداخلة: عم بأفكر بدي أفكر. الشيخ: عم بأقلك شوف يا أخي. مداخلة: تفضل. مش عم بأقلك احكي لا هذه النقطة ضل فيها فرق، فرق كبيرة شو السبب، السبب أنهم خلطوا بين المكان الوجودي وبين المكان العدمي ولا نسميه مكاناً خلطوا بين ... الشيخ: استثناء ممتاز. الشيخ: هذا الخلط هو الذي أضل كثيراً من الفرق ولا بأس أن أقص عليكم هذه القصة.

في موسم من مواسم الحج وفي أيام من أيام منى، كنا هناك والحمد لله جالسين في أمسية مباركة، وبعض الحجاج ملتفين جالسين معنا نتكلم فيما كان ربنا يسر لنا من الكلام العلمي، مر بنا شيخ أزهري سمع حديث ديني فجلس، لا شك أن كل عالم لما بيخوض في بحث ما ويجلس إليه عالم آخر بيفهم أن اتجاهه مثلاً سلفي خلفي حنفي شافعي سني شيعي إلى آخره. مداخلة: نعم. الشيخ: الرجل شم في زعمه هو من طريقة البحث إنه أنا طريقتي على منهج السلف الصالح، واستلزم من ذلك كما هو رأي كثير من جماهير طلاب العلم والمشايخ استلزم من هذا الأسلوب في الكلام أنه أنا رجل وهابي واضح، والوهابية إلِّي هم النجديين متهمون في عقيدتهم في مذهبهم في في إلى آخره وهذه بلا شك تهمة ليس لها أصل وهنا حنابلة ومتمسكين بمذهب الإمام أحمد سواء في الأصول أي العقيدة أو في الفروع. قال الرجل انتم فيكم خير وبركه لكنكم مُجسِّمة مشبهة قلت له: كيف؟ قال: لأنكم تجعلون الله عز وجل، بل تقولون أن الله عز وجل على العرش استوى، قلت له: يا شيخ هذا مو كلامنا هذا كلام رب العالمين، قال: صح لكن أقصد أنكم تجعلون الله بإيمانكم بهذه الآية على ظاهرها هنا الشاهد في مكان، قلت له: يا أخي نحن نؤمن بما جاء في الكتاب والسنة بدون تشبيه ولا تعطيل بدون تشبيه ولا تعطيل، والآن نحن نثبت لك بلسانك وعلمك أننا لا نقول بأن الله في مكان حينما نقول: الرحمن على العرش استوى أو إليه يصعد الكلم الطيب، قال: كيف؟ سألته السؤال السابق وما يلحقه قلت له: المكان هل هو شيء وجودي أم

عدمي؟ قال: لا وجودي، قلت له: حسن هذا الموجود محدود ولا مطلق الكون محدود ولا مطلق؟ قال: لا محدود، طيب عم بنسأل سؤالاً بيعطي جواب ما فيه خلاف فيه، قلت: حسناً، الآن فوقنا أيش؟ قال سماء الدنيا الأولى قلت: والثانية والثالثة، قال: نعم، والسابعة، قال: نعم قلت: فوق السابعة إيش في؟ قال: العرش. أنا ظننت انتهينا من المخلوقات، هيك ظننت لكن جاءني بالتعبير العربي بباقعة، وبالتعبير السوري (بمفخوتة)، لماذا لماذا؟ قلت له: أيش فوق العرش؟ أنا أيش ظننت أيش بيقول؟ الرحمن على العرش استوى، وإذ فاجأني ... شو قال لي: فوق العرش الكروبيون، قلت له: أيش الكروبيون، أيش كروبيون؟ قال: هذول ملائكة، قلت في آية تذكر أنه في ملائكة اسمهم كروبيون أولاً، وأنهم فوق العرش؟ قال: لا. قلت له: في حديث عن الرسول عليه السلام؟ قال: لا، قلت: إذاً من أين جئت بهذا وهذا أمر غيبي أن تقول فوق العرش في ملائكة، وهؤلاء الملائكة اسمهم كروبيون، من أين جئت بهذا؟ قال: علماء الأزهر هيك لقنونا، قلت: سبحان الله، أنا أعلم عن علماء الأزهر بأنهم يقولون أن العقيدة لا تؤخذ إلا من حديث متواتر مش حديث صحيح وبس لازم يكون حديثاً متواتراً، كيف أنتم أخذتم هذه العقيدة ما فيه ولا حديث صحيح غير متواتر واحدة؟! قلت له: هب أن فوق العرش ملائكة كروبيون؛ لأنه نحن بنقول لأخوانا دائماً أسلوبنا كما رأيتم الي ما بيجي معك تجي معه؛ لأنه الإنسان بده يكون واسع بالأخذ والعطاء، طيب ها أنت تعتقد أنه فوق العرش في ملائكة كروبيون، وفوق هالملائكة أيش فيه؟ قال لا شيء قلت سبحان الله، ألا يكفيك الآن أن تشد بلسانك على نفسك أن السلفيين الِّي بتسموهم بالوهابيين إذا قالوا: الله فوق العرش ما جعلوه في مكان؛ لأنه

باعترافك أن المكان انتهى عندنا بالعرش، وعندك أنت بالكروبيون، ففوق الكروبيون ما فيه مكان؟ فإذاً الله نحن الذين نؤمن بأنه فوق المخلوقات كلها نعتقد أنه ليس في مكان، إذاً بهذه المفاهيم الصحيحة التي تتجاوب مع آيات الصفات وتنزيه رب العالمين عن مشابهة الحوادث نؤمن بان الله عز وجل مستوٍ على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته الله، إذاً إيماننا بكل هذه الصفات ليس في مكان. على هذا نعود الآن للسؤال النبوي أين الله؟ أنتم لقنتم بأن هذه الرواية ضعيفة وأنها مخالفة للروايات الصحيحة، شوفوا يا أخواننا المسلمين هذا الكلام لا يوجد عالم في الدنيا سبق من لقنكم هذا التلقين لا يوجد في الدنيا، اسمح لي. بنقول نقول يا أخي، نقول: أنت تفهمها الله يرضى عليك أنت ما تستطيع أنت تضع هذه الروايات وتميز الراجح منها من المرجوح، بل ولا الذي يقول بأنه رواية من ربك وتشهد بأن هذه أرجح من هذه لا يستطيع ولا هو أهل للبحث في هذا الموضوع، لكن الآن هذه النقطة بالذات تفتح لنا سؤالاً مهماً جداً، وأنا ألفت نظركم إلى آية في القرآن الكريم وأرجو أنه ما بتظنوا أنه هذه والله مالها علاقة بالموضوع، لها علاقة كل العلاقة ربنا يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فالآن قَسّم رب العالمين الأمة الإسلامية إلى قسمين علماء وغير علماء، وأوجب على كل من الفريقين ما لا يجب عن الأخر، أوجب على الجمهور من الناس أن يسألوا القلة من الناس وهم العلماء، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} الآن أنتم بلا شك أفقتم على كتب في علم الحديث كثيرة وكثيرة جداً منها ما يعرف بالصحاح، مثلاً: صحيح البخاري، ومسلم، ابن خزيمة، ابن حبان، الحاكم، إلى آخره، هؤلاء عامة المسلمين لا يستطيعون أن يضربوا عنها صفحاً بل

لا بد لهم أن يعتمدوا عليها والاعتماد عليها، يكون على أسلوب من أسلوبين وعلى طريق من طريقتين، الطريق الأولى رواه البخاري خلاص، بالنسبة لعامة الناس هذا حديث صحيح رواه مسلم هذا حديث صحيح وهذا لعامة الناس، للقسم الذي ليس من أهل العلم، القسم الثاني وهم الأقل خاصة في هذا الزمان قد يأخذ عن البخاري أو عن الإمام مسلم خطأ سواء في لفظة من الحديث صحيح أو الحديث كله قد يراه ضعيفاً وعند الإمام البخاري ومسلم صحيح، لكن هل هذا لعامة الناس أو خاصة الناس وهم أهل العلم جيد، الآن أنتم الآن تحشرون أنفسكم في عامة الناس ولا في خاصة الناس؟ مداخلة: في عامة الناس الشيخ: بارك الله فيك، إذا رأيت حديثاً كحديث الجارية أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة رأيت مثل هذا الحديث في صحيح مسلم، ثم رأيت العلماء المتقدمين والمتأخرين يصرحون بتصحيح هذا الحديث، وبعضهم يتابع مسلماً في تصحيح هذا الحديث. أضرب لك يعني مثالين اثنين فقط: مسلم أخرج هذا الحديث في صحيحه فإذاً هو عنده صحيح، الإمام البيهقي يقول هذا الحديث إسناده صحيح، والأمثلة كثيرة بس قلت لك بس مثالين طيب، مَنْ الآن يستطيع أن يعلوا على مسلم وعلى البيهقي وما بينهما من علماء آخرين أسمائهم موجودة في الكتب المطولة ومن جاء بعدهم كالحافظ ابن حجر الذي يصحح هذا الحديث، مَنْ الذي بقى تتصوروا أنتو يا معشر المسلمين من القسم الثاني من الذي يستطيع أنه يأتي ويُخَطِّئ هؤلاء، ويقول: أخطأتم، هذا الحديث خطأ، ليس بالحديث الصحيح «أين الله» وإنما فيه «من ربك» أتشهدين إلى أخره، قولوا الآن الشاهد في أنفسكم كيف تعالجون مثل

هذه القضية، زيد من الناس في هذا العصر يقول: هذا الحديث صحيح، وبكر من الناس يقول: لا هذا حديث خطأ، ويقسم بالله أن الرسول ما قال هذا الكلام، شو رأيكم بعض العلماء الذين تتابعوا وتابع بعضهم بعضاً على التصريح بصحة هذا الحديث هؤلاء على خطأ، وهذا الإنسان الآن الذي هو وليد اليوم في هذا العلم، وليد اليوم في هذا العلم، يتطاول على هؤلاء الجماهير من العلماء ممن يؤمن ممن يؤمن بعلمهم وسلوك سبيلهم وممن يخالفهم هو يخالفهم جميعاً، أيش رأيك هذا المنهج سليم يكون؟ مداخلة: نشوف دعوى الرجل. الشيخ: ما تستطيع تفهم دعواه الله يرضى عليك ما تستطيع أنت من عامة الناس، لا تنسى حالك، من عرض نفسه عارض ربه، ما تستطيع الآن أنا أقول لك هل تستطيع أن تدرس سند مسلم ومالك وأحمد وأبي داود إلى أخره، الذين رووا هذا الحديث وجماهيرهم سلَّموا به، وأفراد منهم صرَّحوا بصحته، هل تستطيع أنت أن تتناول كل راوي من هؤلاء من الصحابة وأنت نازل وتعرفهم بثقة ولا بجرح تستطيع؟ مداخلة: ما أقدر طبعاً على مقدرتي، ... بس أنت وقعت في نفس الأمر أنت ضعفت حديثاً في مسلم. الشيخ: الله يهديك هذه حيدة، الله يهديك هذه حيدة، هذه حيدة أنا ما أضعفت حديثاً في مسلم وتفردتُّ به أنا باجبلك تتابع العلماء على تصحيحه، وأتحدى الذي يُضعِّف الآن أن يأتينا برجل من غير العصر الحاضر ومن الذين انحرفوا عن العقيدة السلفية الصحيحة التي فهمناها لكم آنفاً واحد من المتقدمين سواء

من الذي لا يؤولون، أو الذين يؤولون كالبيهقي، تعرف أن البيهقي يؤول بعض الآيات ولَّا لا؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب هذا المؤول يُصرِّح بأن هذا الحديث إسناده صحيح فأنت لا تضلل نفسك تتورط معي أنه أنا ضعفت حديث في صحيح مسلم نعم، لكن أنا ما ضعفت حيث تتابع العلماء من يوم صحيح مسلم إلى ما قبل اليوم قبل زمن الفتنة والابتلاء بالآراء الجديدة، يختلف الأمر تماماً أنا عندي استعداد أجبلك عشرة من العلماء قديماً وحديثاً ومنهم الإمام النووي وغيره أن هذا الحديث صحيح، كيف يدخل في عقلك أنت وأنت الشاب المتجرد كما يبدو لي عن الهوى كيف يدخل في عقلك أن يكون هؤلاء العلماء كلهم ومنهم نتعلم علم الحديث انه يكونوا هؤلاء كلهم أخطؤوا في تصحيح هذا الحديث ثم يأتي إنسان يقول هذا الحديث ما قاله رسول الله لما لأنه خالف هوى في نفسه؛ لأنه يفهم منه أين الله، وين مكانه؟ هذا الكلام خطأ، وما بُني على خطأ فهو خطأ فقد بَيَنا لك آنفاً أن الله ليس في مكان لكن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها. مداخلة: إذاً الأمر اختلاف لفظي، بناء على ذلك من الكلام هذا بيكون الاختلاف لفظي ليش لأنه .. الشيخ: عفواً عفواً لا تبني قبل أن نفهم شو بتقصد بخلاف لفظي وفي أي لفظ في أي لفظ. مداخلة: خلاف لفظي يعني معناه. الشيخ: في أي شيء عم بأقلك الله يهديك، حدِّد الدعوى، حَدِّد الدعوى

بعدين بَيِّنْ. مداخلة: في الحديث مضطرب أو مش مضطرب يعني من ناحية. الشيخ: لا أنت حتى الآن ما عم بتجاوب الله يهديك. مداخلة: أنا أرتب لك جواب. الشيخ: كيف؟ مداخلة: دعني أرتب لك جواب. الشيخ: يا أخي رتب لكن هو حاد عن السؤال. مداخلة: بدي أعيد أرتب جوابي. الشيخ: أيش هو السؤال الي بدك تجاوب عنه. مداخلة: أنت سألتني في أي لفظ وقع هذا الخلاف؟ الشيخ: لا. مداخلة: أنت حكيت. الشيخ: لا لا لسه بيحكي أنا باقلك لا لا مو هذا السؤال السؤال هو كيف يستقيم في عقولكم أن العلماء علماء الحديث الذي يؤولون والذين لا يؤولون اتفقوا على صحة هذا الحديث. مداخلة: والله ممكن نحكي. الشيخ: كيف.

مداخلة: يعني أنت يا شيخ ناصر ضعفت أحاديث ما سبقك بها أحد. الشيخ: بس اسمح لي اشويه أنت يا أستاذ لك حق انك ترجع تقول تعيد كلام أنا رديت عليه، إذا كنت أنت عندك رد على كلامي رد عليه، مش تعيد كلامك أنا قلت لك أنا ضعَّفت حديثاً أو أكثر من حديث في صحيح مسلم معتمداً على من سبقني، اسمع اسمع، أما هذا الحديث الذي بيضعفه اليوم فهو يخالف كل الذين رووا الحديث والذين صرحوا بتصحيحه سواء من المؤمنين بالحديث على ظاهره بدون تأويل أو الذين يؤولون، أنت لسه بترجع بتقول أنت أنا لما بأُضعف شيء لي سلف في ذلك، أما هو ما جاء ودرسه دراسة علمية حديثية، وثانياً خالف كل العلماء الذين تكلموا في هذا الحديث سواء تكلموا عليه من حيث إسناده أو تكلموا عليه من حيث دلالته في العقيدة أو من حيث دلالته الفقهية تعرف، أنه في الحديث دلاله فقهية تعرف ذلك ولا لا. مداخلة: ... الشيخ: طيب فإذاً هؤلاء العلماء كلهم تتابعوا على تصحيح هذا الحديث كيف بتقول أنت ضعفت؟ مداخلة: ممتاز أستاذ طيب الحديث في مسلم ضعفته مين سلفك يعني تورينا تعطينا يا شيخ؟ الشيخ: الله يهديك هلا خرجت على الموضوع. مداخلة: لا بس عشان نثبت النقطة هذه. الشيخ: لك يا أخي بس هذا خطأ في البحث أن عم أجبله الفرق بين هذا وهذا، وهو بيرجع .. هذه مجادله اسمها، أنت انتهى من هذا الموضوع لننتقل

لغيره، ولهذا ما بينتهي معنا البحث ولو عشنا سنين طويلة، أنا أجيب لك حديثاً أقول لك أي حديث تريد بابحثلك إياه، لكن هذا موضوعنا الآن؟ مداخلة: لا. الشيخ: طيب فإذاً لماذا هذا الخروج بارك الله فيك، في فرق بين حديث أنا ضعفته .. أدلتي الحديثية الِّي ما خرجتُ عنها كما يفعل مثلاً بعض المعاصرين اليوم، ولا بد سمعتم بمشكلة الغزالي غزالي العصر الحاضر يجي ينقض الأحاديث بعقلة برأيه ما بيستعمل القواعد العلمية التي وضعها العلماء، هكذا نحن بنقول بالنسبة لحديث الجارية: أين الله؟ أولاً: علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم تتابعوا على تصحيح هذا الحديث، ثانياً: الذي يضعفه يضعفه برأيه بتوهمه لأنه خالف هذا الحديث الأحاديث الأخرى، مع أنه هنا في مخالفات متعددة، أولاً: أنت طرقت موضوع الاضطراب وسأعود إليه أولاً: أنه هذا الحديث لم ينكره أحد من علماء المسلمين ومن المقرر في علم مصطلح الحديث أن الحديث الذي رواه الشيخان أو أحدهما وتلقته الأمة بالقبول فهو يقيني الثبوت تعرف هذا تعرف هذا في علم الحديث، ما تعرفه ما تعرفه، ما أسالك مالذي تعرفه أسألك عن هذا؟ مداخلة: هذه لا. الشيخ: طيب الآن هذه أسمعها وتعلَّمها فيما بعد مش في الجلسة هذه الأحاديث التي في الصحيحين. مداخلة: نعم. الشيخ: كويس هي قسمان قسم الأكبر تلقتها الأمة بالقبول أسانيده آحاد مثلاً

أنا عم باقلك حديث: «إذا صعد الخطيب المنبر فلا صلاة ولا كلام» هذا قام عليه مذهب الحنفية وهو إسناده ضعيف الحديث، الذي نعرفه إذا دخل أحدكم المسجد يوم الجمعة والخطيب يخطب فليصلي ركعتين وليتجوز فيهما وآخره إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والخطيب يخطب أنصت، فقد لغوت»، هذه أحاديث آحاد لكن موجودة في الصحيحين والأمة تلقتها بالقبول شو معنى تقبلتها بالقبول هذا مشروح في المصطلح تلقتها بالقبول كلاً من الذين يأخذون بها أو لا يأخذون بها هذه لحجة أخرى عندهم مثلاً حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» كل المسلمين اعترفوا بهذا الحديث، لكن الأحناف لا يأخذون بروايته يتأولونه تأويلاً حسب رأيهم، ولسنا أيضاً في هذا الصدد، لكن هذا الحديث مقطوع بأن الرسول قاله، لماذا؟ لأن الأمة كلها تلقته بالقبول، لو كان فيه ضعف كان بيقول الِّي ما بيأخذ به: هذا ضعيف واسترحنا منه، لكن لا؛ وجدوه صحيحاً، فإذاً هذا الحديث مقطوع بثبوته هذا مقرر في علم المصطلح، أن أي حديث جاء في الصحيحين باعتبار أنه في الصحيحين تلقي بالقبول من الأمة، فالأحاديث التي لم يسبق أن انتقدها أحد من العلماء كالدارقطني وغيره هذه تفيد القطع، أما التي انتقدت بين بين كما هو شأن الأحاديث الأخرى تصحيحاً وتضعيفاً هذا الحديث حديث الجارية هو من هذا القبيل تلقته الأمة بالقبول من يوم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وجه هذا السؤال وأجابته هي بذلك الجواب إلى هذا الزمان، لا أحد من علماء المسلمين إلا ويعترف بتصحيح هذا الحديث، منهم من يصرح كما قلت لك آنفاً عن البيهقي وابن حجر العسقلاني، ومنهم من يعامله معاملة الصحيح؛ لأنه بيجي بيشرحه، الشافعية مثلاً يستدلون بالحديث أن كلام المتكلم في الصلاة جهلاً أو سهواً الصلاة صحيحة، هذا معناه أنهم استدلوا بحديث يعتقدون بصحته إلى

آخره، فالآن الذي ضعَّف هذا الحديث ما ضعفه على أسلوب علم الحديث وإلا كان من السهل جداً الرد عليه؛ لأن كل رجاله ثقات وحفاظ ووو إلى آخره، ثانياً: رده بهواه لأنه توهم انه يعارض، انظر الآن أنه لا معارضة أنت بتعرف أنه التعارض هو التدافع يعني واحد بيخالف الثاني؟ مداخلة: نعم. الشيخ: أما إذا جاء حديث فيه زيادة على حديث آخر هذا لا يسمى تعارضاً وإنما هو تجري قاعدة زيادة الثقة مقبولة ولا مردودة. مداخلة: نعم. الشيخ: الآن أنت آنفاً ذكرت روايتين عارضت بهما الرواية الصحيحة رواية مسلم، وهي: من ربك؟ أتشهدين ... أنا أسألك الآن أي الروايتين الصحيحة؟ هل قال الرسول لها: من ربك؟ ولا قال لها: أتشهدين أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله؟ هنا على حسب رأيك في تعارض بين الروايتين؟ مداخلة: بين من ربك. الشيخ: أي نعم. مداخلة: هون ما فيش تعارض. الشيخ: هاه. مداخلة: ما فيه تعارض. الشيخ: ليش. مداخلة: يمكن الجمع بينهما أو ترجيح واحدة منهم.

الشيخ: لا، لما بتقول ترجيح معناها أنه صار تعارض الله يهديك، لما بتقول ترجيح معناها أنه صار تعارض، الآن شو أنت أو شو شيخك توجيهه في الموضوع شو هو جوابه جوابنا إن قلت ما فيه تعارض، نحن نقول ما فيه تعارض بين الروايتين ورواية مسلم الِّي هي أصح من هاتين الروايتين، يكفيكم يا جماعة يا القسم الثاني من الأمة المسلمة، يكفيكم أن تعرفوا أنه هذول الحديثين من ربك؟ أتشهدين ... ما جاءوا في أحد الصحيحين المشهورين، ما بيكفيكم تعرفوا أن هذول من حيث الصحة مرجوحة، والراجح هي رواية الإمام مسلم يكفيكم هذا؟ مداخلة: نحنا حابين. الشيخ: نعم. مداخلة: ياريت تزيدنا حتى نستفيد. الشيخ: بارك الله فيك أنا في هذا الصدد وبيقولوا لا توصي حريص. الآن في عندنا ثلاث روايات: رواية مسلم، ورواية ابن حبان أي نعم، ورواية علماء آخرين لعله أحمد والبيهقي وو إلى أخره، هذه الثلاث روايات بارك الله فيك ما فيها تعارض أبداً، يمكن يكون الرسول عليه السلام سأل من ربك؟ نحن الآن بلا تشبيه نحن الآن أول ما نبدأ في توجيه المسلم إلى العقيدة الصحيحة نقول له هذا الله الذي تعبده، هذا الله الذي تعبده أين هو؟ إذاً أنا سألت سؤالين في آن واحد؛ لأن الشخص عندما يعرف أنه مسلم بيصلي ويصوم مثل حكايتي لكن أعرف أنه جماهير الناس ضايعين عن عقيدة السلف الصالح وعن جواب الجارية التي شهد لها الرسول بالإيمان، اسمع الجواب كما قلنا آنفاً: الله موجود في كل

مكان، الله موجود في كل الوجود، اتق الله، نحن أحياناً نحن البشر الذي نحاول أن نتطهر؛ لأننا لسنا مطهرين كالملائكة لما أمكننا أن ندخل في بعض الأماكن وهي المراحيض مثلاً، وأنت بتقول عن ربك الذي تعبده: في كل مكان، يعني في المراحيض في الدهاليز في المجاري في البارات إلى آخره، حاشا لله حاشا لله، نعم بعلمه ما هذا موضع خلاف. الشاهد فأنا بأقول هذا الله الذي تعبده أين هو؟ فإذاً يمكن الجمع أن الرسول عليه السلام سألها: من ربك؟ قالت: الله، أتشهدين أنه لا إله إلا هو؟ شايف، ما فيه تعارض بين الروايتين؛ لأنه المشركين قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} فإذاً هم يؤمنون بأن الخالق لهذا المخلوق أو لهذه المخلوقات خالقاً ولكنهم {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ} إذا قيل لا إله إلا الله يستكبرون، إذاً هذه الجارية بعد أن سألها من ربك؟ قالت: الله، أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ لأنه لا يكفي أن يؤمن الإنسان بأن الله خالق هذا الكون، وأنا أقول هذا، وأقول هذا أنه من طامات العصر الحاضر التثليث الذي زعم صاحبكم فأنكر توحيد الألوهية وتوحيد الصفات وآمن فقط بتوحيد الربوبية، وتأول الآيات غير تأويل غير علماء التفسير كلهم، قال الكفار لما بيقولوا جواباً عن سؤال: من خلق السموات والأرض ليقولون الله، كأنهم يقولون يكذبون ليقولون خلاف عقيدتهم، من شان أيش التآويل هذه؟ منشان الوصول إلى هدف هو واضعه أمامه هو يريد أن يزيل كل العثرات من أمامه بزعمه، ومن الثابت في صحيح مسلم لعلكم تعلمون أن المرأة في زمن الجاهلية وفي زمن أول البعثة النبوية كانت تطوف حول الكعبة وهي عارية فضلاً عن الرجال وتقول هذه الطائفة: اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله

ويقولون في تلبيتهم- وهنا الشاهد- لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً تملكه وما ملك، هذا صريح الحديث يفسر الآيات تماماً، أنهم كانوا يعتقدون حقيقةً أنه خالف هالشركاء كلهم هو الله بدليل تملكهم وما ملك إذا داخله، فالشاهد انه ما فيه تعارض بين الثلاث روايات أبداً السؤال: من ربك؟ صحيح، سؤال: أتشهدين أنه لا إله إلا الله؟ صحيح، وأين الله؟ كمان صحيح ما فيه تضارب فنلجأ إلى عملية الترجيح، هذا عندما يضيق طريق التجميع مقرر في كتاب «شرح النخبة» للحافظ ابن حجر العسقلاني، قال: إذا جاء حديثان مقبولان متعارضان وفق قبل كل شيء بينهما بوجه من وجوه التوفيق، هذه الوجوه من الكثرة بحيث إنه الحافظ العراقي أوصلها على أكثر من مائة وجه، مائة وجه، إذا ما أمكن بهذا الوجه الثاني الثالث الرابع الرابع الخامس السته عشر العشرين تسعة وتسعين مائة وزيادة ... المقصود فهو قال المرحلة الأولى التوفيق بوجه من الوجوه التوفيق؛ لأنه كتابه مكثف جداً فالحافظ العراقي أبلغها إلى ما ذكرنا، قال: إذا لم يمكن نزلنا على الترجيح، الترجيح مثلاً أن يعارض الحسن الصحيح فقدم الصحيح على الحسن, أن يعارض الصحيح الآحاد الحديث الصحيح المشهور أو المستفيض, أو أن يعارض هذا المتواتر, هذا هو سبيل الترجيح, قال: فإن لم يمكن الترجيح أعتبر الناسخ من المنسوخ هذا المرتبه, قال إن لم يمكن هذا أوكل الأمر إلى عالمه وقلنا: الله أعلم, هكذا أهل العلم يعملون في الأحاديث التي يبدو لهم فيها أيش؟ التعارض, مش لأن هذا حديث وإن رواه مسلم ويصححه فلان وفلان فكر وين التعارض التعارض هو التدافع وهذا كله لا يوجد في هذه الروايات إطلاقاً وبخاصة في رواية وجدتها سبحان الله وإن كان فيها ضعف جمعت بين السؤالين

بين أين الله وبين أتشهدين أن لا إله إلا الله, أنا لا أحتج بهذا لأن في سنده ضعف لكن موجود يستأنس بها كما يقولون, فالشاهد يا أخي الثلاثة الروايات صحيحة ولا تدافع ولا تنافر بينها وكلها ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - , ثم معليش ثم هب كما بدأنا الحديث الحقيقة في هذه المسألة أنه أين الله مو صحيح لكن واحد وجه السؤال بتقول أخطأ بتقول أصاب هذا بحث ثاني وقد انتهينا منه, طيب شو جواب هذا السؤال: الله موجود ليس في مكان هذا أخي ليس تنزيهاً؛ لأن التنزيه يكون بناءً على النص, ولذلك بعض علماء المحققين يقولون لا يقال: إن الله ليس في جهة, ولا يقال إن الله في جهة, لماذا؟ لأن لفظة الجهة بالذات نفياً أو إثباتاً ما جاءت لا في الكتاب ولا في السنة, ولذلك نحن لا نقول إن الله في جهة فوقية ولا نقول ليس في جهة فوقية وإنما كما قال السلف نرويها كما جاءت {الرحمن على العرش استوى} الرحمن على العرش استوى, في السماء, في السماء يصعد الكلم الطيب. مداخلة: تفويض يعني .. الشيخ: تقول تفويض ما سمعت اللفظة. مداخلة: تفويض يعني تفسيرها كما جاءت. الشيخ: التفويض له معنيان يا أخي, وهنا بعض المعاصرين اليوم ممن يلجأون إلى أنصاف الحلول وما عندهم من القدرة العلمية ما يحملهم على التوفيق بين النقل الصحيح والرأي الرجيح يقولون بالتفويض بمعنى ما نفهم ماذا يعني ربنا من آية كذا ومن آية كذا, هذا ليس تفويضاً, التفويض يطلق ويراد تفويض فهم المعنى ويطلق ويراد التفويض في تكييف المعنى.

يعني مثلاً ليس كمثله شيء وهو السميع البصير, فنؤمن بأن الله سميع وبصير, ليس لا نفهم أيش معنى سميع وبصير نفهم إيش معناها, كما قال البيهقي في بعض كتبه أن صفة السمع والبصر غير صفة العلم, لكن لا نقول بتكييف هذه الصفة صفة البصر وصفة السمع عارف كيف, فإذاً التفويض للكيف وليس التفويض للمعنى وإلا نعود إلى القول بأن الله عز وجل عرف نفسه إلى عباده بما لا يفهمون معناه, حاشا لله, يفهمون بما وصف به نفسه لكن دون أن يكلفهم, ولو كلفهم أن يفهموا الكيفية لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً لأعنتهم ولكلفهم مالا يطيق ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. باختصار ... نقول في الصفات كما نقول في الذات نقول في الصفات الإلهية كما نقول في الذات الإلهية إثباتاً ونفياً هل ننفي ذات الله مداخلة: كلا وحاشا. الشيخ: حاشا, هذا هو الإلحاد والكفر نثبتها حينما نثبت ذات الله ووجوده هل نكيف ذات الله؟ الجواب: لا كذلك الصفات. مداخلة: يعني الكيف ما نثبته. الشيخ: نقول في الصفات ما نقوله في الذات, نثبت ما أثبت وننفي ما نفى, وكفى الله المؤمنين القتال, هي عقيدة السلف الصالح في كلمة مختصرة نقول في الصفات ما نقوله في الذات, والذي بيحيد عن هذه الجملة معناها منحرف عن الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح وعلماء المسلمين المحترمين والموقَّرين عند العلماء. الآن أنا انتهيت مما عندي بخصوص أين الله سواء من الناحية الحديثية أو من

الناحية الاعتقادية فأين الله أصح بكثير من روايات أخرى: من ربك؟ أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ لأن الرواية الأولى سنداً أصح, وتداول العلماء لهذا التصحيح ما فيه نسبه بينها وبين الرواية الأخرى, لو أردنا أن نجمع من صحح رواية من ربك؟ وأتشهدين .. ؟ لن نجد إلا عدد قليل ربما لا يصل عدد كف واحدة كَما يقولون. ومن الناحية الفقهية باعتقادي أيضاً فهمتم تماماً أننا نحن نؤمن بما جاء في الكتاب والسنة من وصف الله عز وجل بعلوه على خلقه دون تشبيه ودون تأويل وتعطيل, وأنه ليس في مكان؛ لأن المكان شيء وجودي كان الله ولا مكان له, وهو الآن من هذه الحيثية كما كان من قبل ليس في مكان الآن شو بدك تقول هات لشوف؟ مداخلة: يعني بالنسبة لمسألة التفويض هيك أن الله عز وجل منزه عن الكيف. الشيخ: بالنسبة لأيش. مداخلة: في مسألة التفويض يعني الكيف منفي عنه؟ الشيخ: أبداً ما في كيفية هون, كل من يُكيِّف فهو مجسم, وكل من يُؤول فهو المعطل, اعطني بالك, المذهب السلفي قائم بدون تأويل, كما قال أحد أئمتنا حقاً وهو ابن القيم الجوزية: المجسم يعبد صنماً, والمعطل يعبد عدماً, وكلاهما في ضلال. وأخيراً كلمة بارك الله فيك تلصق في الذهن ما تحتاج إلى إتعاب هذا الذهن هو: قُلْ في الصفات ما تقول في الذات. مداخلة: إن شاء الله.

الشيخ: الذات لا يمكن تكييفها وكذلك الصفات مثل الذات لا يمكن تكييفها. مداخلة: في سؤال حكيت أنه لا تأويل ولا تعطيل في مسألة التأويل نحن نريد نفهم مو مفهوم التأويل لأنه ورد عن السلف .. كالبخاري وأحمد. الشيخ: في قاعدة يا أخي باجاوبك أنا عليها معليش معليش؛ نقول لك هؤلاء العلماء في حدود إطلاعكم على تأويلاتهم أو بعض تأويلاتهم أنتم تؤمنون أنهم مؤوله؟ لأنهم أَوَّلوا بعض النصوص ولم يؤولوا النصوص الأخرى, وهذا يثبت وهذا الذي نحن ندين الله به, إنه في بعض التأويل هذا لا يمكن إنكاره, لكن هل الأصل في كل جمله عربية هو التأويل؟ مداخلة: الحقيقة الأصل. الشيخ: طيب هذا الذي نقوله نحن. مداخلة: يعني الذي يخالف ظاهر التنزيل هو المؤول. الشيخ: هذا هو. مداخلة: ممتاز. الشيخ: هذا هو, لكن كل مسألة لو توسع فيها خرج عن حدودها الشرعية والعقلية والمنطقية, علماء اللغة الآن لما يتخاطبون بعضهم مع بعض يتخاطبون على أساس التأويل ولا على أساس عدم التأويل؟ على أساس الحقيقة ولا على أساس المجاز؟ مداخلة: الحقيقة.

الشيخ: طيب, فكلام الله عز وجل كلام الله كلمنا بهذا الأسلوب العربي, فما بيجوز نحن نجي نفتح باب التأويل فنضل ضلالاً بعيدٍا. مداخلة: بدون ضوابط أيوه فلا بد منه. الشيخ: هذا هو، ولذلك مثلاً {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} هذه الآية في كثير من المعطلة المؤولة يحتجون بهذه الآية, [يقولون] هذا تأويل أنتم بتأولوا. يا جماعة أولاً هكذا جاء عن ترجمان القرآن وهو عبد الله ابن عباس رضي الله عنه. ثانياً الآية أولها سياقها وسباقها بتدل أن الله يتحدث عن صفة من صفاته ألا وهي العلم, ولذلك كان هذا التأويل في الحقيقة ليس تأويلاً مثل قوله تعالى في قصة يوسف: {وَاسْأَلِ القَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} هذا ليس تأويلاً؛ التأويل هو: الذي لا يتبادر إلى الذهن لأول وهلة, فيضطر الإنسان لسبب من الأسباب إلى التأويل, هنا في الآية هذه, لا يمكن لعربي سليقةً أو متعلماً أن يفهم منها خلاف ما يبدو بادي الرأي, اسأل القرية يعني: جبالها وحيطانها مو هذا الي بيتبادر, إذاً بتقدير كما يقول العلماء: مضاف محذوف هي "الأهل" هذا ليس تأويلاً هذا هو المعنى العربي الأصيل فهو الحقيقة, والعكس لو قلت: اسأل الجبال يكون هذا هو التأويل؛ لأن هذا هو الأسلوب العربي. كذلك مثلاً يقول العربي سرت والقمر, إيش معنى "والقمر" حاطط إيده بإيده مخاصره وماشي, لا ما يتبادر هذا المعنى إطلاقاً, هذا ليس تأويلاً وعلى ذلك فقس, لكن في بعض أشياء يعني ممكن أن يقال أنها تأويل فإذا كان سلفنا أَوَّلوا على الرأس والعين؛ لأنهم أعلم منا بدينَّا بقرآنَّا بأحاديث نبينا لكن هذا ليس

هو الأصل أبداً من هنا ضل المعتزله حتى وصل بهم الأمر أن أنكروا صفة السمع والبصر, تعرفون هذه الحقيقة؟ مداخلة: يقولون أن صفة السمع والبصر مرجع للعلم. الشيخ: العلم. مداخلة: آه. الشيخ: وبعضهم بالغ حتى أنكر العلم وقال: إن الله عز وجل لا يعلم الحوادث قبل وقوعها إلا بعد وقوعها, والحقيقة كما يقول أيضاً بعض علمائنا أن الذين أولوا ما أولوا إلا وقد شبهوا, شوف النكتة هذه نكته عظيمة جداً, إيش معنى الكلام؟ مداخلة: ما فهمت. الشيخ: أنا اقول ما أولوا إلا وقد شبهوا, شبهوا أولاً فوجدوا التشبيه باطل, ففروا منه إلى التأويل فوقعوا فيما هو أبطل: التعطيل, ولذلك قال ذلك العليم الحكيم المجسِّم يعبد صنماً يعبد صنم يعني شيء موجود, لكن المعطل يعبد عدماً, ولذلك فهؤلاء الذين يؤولون قبل كل شيء يشبهون. يعني مثلاً بالأمس القريب جاءني سؤال من بعض المسلمين الذي ابتلوا بالاستيطان في ألمانيا أنه قال: يسكن مع رجل شيعي فسألني بعض الأسئلة يتعلق بعقيدة الشيعة ووو إلى آخره, ثم سأل عن قوله عليه السلام في ربه: «إنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا» الإشكال الذي يورد الآن على هذا الحديث, سترون إنه إشكال مادي محض إنه الآن بعد أن عُرِفَ علمياً أن الأرض كروية وإنه في كل لحظة في كل لحظة في ثلث ليل إذا كيف معنى ينزل الله في كل ليلة في الثلث

الأخير من الليل؟ يا جماعة اتقوا الله أنتم عم بتستشكلوا هذه الصفة بناءً على الصفات المعهودة فيكم, أي على ضعفكم البشري, فعم بتقيسوا رب العالمين على المخلوقات فكيف أنه بينزل كل لحظة, عم بتشبه نزول رب العالمين بنزولك أنت, فأنت لما بتكون في هذه الغرفة تنزل لتحت خَلَت هذه الغرفة, من هنا جاء الضلال تشبيه شبه رب العالمين بهذا الإنسان العاجز فهذا باطل وأنا أول المبطلين, لكن هل هذا يورطني أن أقول: إذاً لا نزول, لا أنا أقول: ينزل كما يشاء وكما يليق به, ولا أقول تنزل رحمته, وهذه ضلالة حديثية وأيضاً عقائدية, حينما يلجأون إلى حديث في «سنن النسائي» أو في «عمل اليوم والليلة» له إنه فينادي مناد الحاديث كلها متواترة في ذكر الفاعل وهو الله: ينزل الله, ينزل الله, حديث متواتر ثم تمام الحديث يبطل الرواية الأخرى وهي حقيقةً ليست شاذة فقط بل هي منكرة لأنه فيها ضعف مع هذا الضعف مخالف للروايات الأخرى الموجودة في الصحيحين وغيرها تمام الحديث يبطل هذه الرواية؛ لأنه يقول: «ألا من داعاً فاستجيب له, ألا من سائل فأعطيه, ألا هل من مستغفر فأغفر له» هذا الله أم خلق من خلق الله؟ هذا الله هو الذي يقول: «ألا من داعاً ألا من مستغفر ألا من سائل». مداخلة: كلامك جميل. الشيخ: طيب نحن بنقلك الآن الي أوَّله السلف نحن نأوله لكن إذا واحد من السلف أول واحد من السلف. مداخلة: [مالك .. ]. الشيخ: فهمت كلامي؟

مداخلة: أنا عم أجاوبك .. أنا سمعت فهمت كلامك. الشيخ: لا ما فهمت كلامي لا لو فهمت كلامي ما بتحكي ما بتقول مالك، أول راح أسألك الآخرون أولوا .. مداخلة: أنا .. الشيخ: عم باسألك غيره غير مالك أول. مداخلة: والله في غيره أولوا الذي نقل عن مالك أصبح أوَّلَ مثل مالك الي نقل عن مالك. الشيخ: الله يهديك ... [طلب الشيخ الإخوة أن يأتوا له بالتمهيد لابن عبد البر]. الشيخ: شوف هذا الحديث «أعتقها» حديث طويل يقول في «التمهيد»: حديث الجارية ما في حاجة نعيده على مسامعكم، بس بيقول أين الله؟ قالت: في السماء, قال: من أنا؟ قالت: رسول الله قال: أعتقها فإنها مؤمنة فأعتقها, إيش بيقول صاحب «التمهيد»؟: أنا اختصرت الحديث الطويل من رواية الأوزاعي وهو من حديث مالك أيضاً وسياتي في موضعة من كتابنا إن شاء الله, وأما احتجاجهم بأنه لو كان في مكان لأشبه المخلوقات لأنه ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوقٌ؛ فشيء لا يلزم ولا معنى له؛ لأن الله عز وجل ليس كمثله شيء من خلقه ولا يقاس بشيء من بريته, لا يدرك بقياس ولا يقاس بالناس لا إله إلا هو كان قبل كل شيء ثم خلق الأمكنة والسماوات والأرض وما بينهما وهو الباقي بعد كل شيء وخالق كل شيء لا شريك له وقد قال المسلمون وكل ذي عقل: إنه لا يعقل كائن لا في مكان منا كان في مكان منا, وما ليس في مكان فهو عدم, وقد صح في

المعقول وثبت بالواضح من الدليل أنه كان في الأزل لا في مكان وليس بمعدوم, فكيف يقاس على شيء من خلقه؟ .. إلى آخر كلامه وقد سمعتم أخيراً أنه ينفي المكان, سمعت ينفي المكان؟ مداخلة: صح. الشيخ: اسمع التعليق. مداخلة: تعليق مين؟ الشيخ: كدت أنا أُخطئ معك خاصة وأقول شيخ شيخكم، كدت أن أخطأ فلا تأخذ نصف الكلام آه, كدت أن أقول أنه هالتعليق الذي سوف تسمعونه الآن هو لشيخ شيخكم لكن ما قلته والحمد لله. الشيخ: شو تحقيق مين؟ مداخلة: ... عبد الله بن صديق الغماري الشيخ: اسمع شو بيقول هالمحقق في التخريج وهو تحت رواه مسلم وأبو داود رواه مسلم وأبو داوود والنسائي, اسمع الآن اتهام الروات الثقات من مسلم من مالك من أحمد من كل الأئمة الذين أشرنا إليهم سابقاً, رواه مسلم وأبو داود والنسائي وقد تصرف الرواة في ألفاظه .. طيب رواه مسلم وأبو داود والنسائي وقد تصرف الرواة في ألفاظه فروي بهذا اللفظ, روي، أيش معنى روي؟ مداخلة: تضعيف. الشيخ: ضعيف! رواه مسلم وصححه البيهقي والحافظ ابن حجر العسقلاني

والنووي ووو إلى أشخاص كثيرين لا مجال الآن لإحصائها يا واش يا واش على قولة التركي, وقد تصرف الرواة في ألفاظه فروي بهذا هنا وبلفظ من ربك؟ قالت: الله ربي, وبلفظ: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ ترى لو عاكس معاكسٌ غيري كما سمعت آنفاً وقال: لماذا لا نعكس فنقول الذي قال من ربك؟ قال: الله ربي, أتشهدين لا إله إلا الله, فلماذا لا يقال تصرف هؤلاء الرواة وإنما نسبنا التصرف إلى أصح رواية في الدنيا حول قصة الجارية, هذه إن شاء الله ستكون القاضية على الأوهام, قالت: نعم وقد استوعب تلك الألفاظ بأسانيدها الحافظ البيهقي في «السنن الكبرى» بحيث يجزم الواقف عليها أن اللفظ المذكور هنا مروياً بالمعنى حسب فهم الراوي, شو رأيك الآن هذا الكلام الي عم بينسبه لسنن البيهقي الكبرى؟ شو بتفهم أنت الآن حسب ما ظهر لي ما شاء الله متجرد عن الهوى إن شاء الله بقدر كبير, شو بتفهم الآن من قوله وقد استوعب تلكم الألفاظ بأسانيدها الحافظ البيهقي في السنن الكبرى بحيث يجزم الواقف عليها أن اللفظ المذكور هنا مروي بالمعنى حسب فهم الراوي. مداخلة: أنا افهم من هذا الكلام أن البيهقي في السنن الكبرى ذكر كل الروايات ورواها بالأسانيد وبيَّن إنه رواية الجارية فيها تصرف. الشيخ: شو رأيك إذا قال البيهقي في الرواية التي عم بنصححها قال إسنادها صحيح؟ مداخلة: ممكن يحدث هذا. الشيخ: لا معليش ما أسالك خل بالك ما عم باسألك ممكن ولا لا, هل يصح هناك أن يقال هذا الكلام؟

مداخلة: ممكن إذا .. الشيخ: تجرد هه وصفناك بالتجرد, انصف اتق الله اتق الله. مداخلة: اللهم اجعلنا من المتقين. الشيخ: تجرد. مداخلة: يا ريت تعيد السؤال. الشيخ: بارك الله فيك هذا حسن ولو كلفنا. مداخلة: الله يجزيك الخير. الشيخ: أنا أقول بارك الله فيك بعدما سمعت هذا النص هل يتبادر إلى ذهنك أن البيهقي يصحح رواية أين الله من هذا النص؟ مداخلة: ممكن يصححها إسناداً لكن بيحكي أن الرواة تصرفوا. الشيخ: لا تحد لا تحد يا أخي الله يهديك أنا ما أسألك يمكن أو لا يمكن حتى يكون جوابك ممكن أنا عم بأسألك هل يفهم من هذا الكلام إنه البيهقي بيقول أنه إسناد رواية أين الله؟ إسنادها صحيح. مداخلة: ممن يكون الإسناد. الشيخ: بيرجع بيقول ممكن معليش معليش نحن بنعطيك أخي نعطيك فسحة أيام فَكِّر فيما تسمع, ولا تجاوب هيك كما يقولون عندنا في الشام من فوق أساطيح, أنت عم بتجاوب جواب غير مطروح, يا أخي صحيح أنت عم بتجاوب لكن مو عن سؤال مطروح أنا باقول يمكن انه يمكن يصحح ويمكن ما يصحح لكن هل يتجاوب هذا الكلام الذي عزاه للبيهقي وهو مصحح للرواية الأولى: أين

الله؟ ومعلل لبعض الروايات الآن أزيدك الحديث بيجر الحديث, معلل لبعض الروايات الأخرى بعلة الإرسال؟ مداخلة: يعني ممكن. الشيخ: المهم, ممكن طيب, اسمع اسمع الكَمَّالة والباقي عندك, ويؤيد ذلك أن المعهود من حال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الثابت عنه بالتواتر أنه كان يختبر إسلام الشخص بسؤاله عن الشهادتين اللاتي هما أساس الإسلام ودليله, الآن انتم بلا شك تؤمنون بهذا الكلام وهو قول ويؤيد ذلك أن المعهود من قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الثابت عنه بالتواتر أنه كان يختبر إسلام الشخص بسؤاله عن الشهادتين. مداخلة: نعم. الشيخ: وين هذا الاختبار المتواتر, في سؤالين, أولاً أين هذا السؤال المتواتر؟ ثم ننزل درجة أين السؤال الصحيح غير المتواتر؟ فهمت السؤال؟ مداخلة: إذن المطلوب من السيد عبد الله أنه يبين أين هذا مروي؟ فهل بلغ درجة التواتر؟ الشيخ: شفت كيف تجاوب من فوق الأساطيح. مداخلة: أنا من ناحيتي لا أعلم، أما فعلاً مطلوب ممن كتب هذا الكلام أن يثبت لنا وين؟ وهل تواتر؟ .. الشيخ: هذا الكلام بيجركم جر إلى الانحراف عن السنة. مداخلة: لا والله ونحن .. الشيخ: اسمحلي, اسمحلي, اسمحلي يا أخي, انا أقول عن مَن, عن الفريق

الثاني من المسلمين الله يهديك, لا تنسى [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] , هذا الشيخ عبد الله الصديق أليس من قسم العلماء؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب والقسم الثاني إلي هم أنتم لما بتشوفوا الكلام هذا ما بده يجركم جر إلى ما بيقوله. مداخلة: صح. الشيخ: ليش عم بتقلي ليش عم بتكابروا ما بيجوز هذا يا أخي. مداخلة: الله يجزيك الخير. الشيخ: ربنا عز وجل قال {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} يعني لما أنتم بتجادلوا أنفسكم ما بتنقص عنكم أنه نحن مابدنا نمشي مع الشيخ, أو نمشي مع الشيخ أو مع الأفريخ, لا مع الحق حيث ما كان فأنا الآن عم بأقول هذا الرجل بيقول الثابت عنه بالتواتر أنه كان يختبر إسلام الشخص .. هذا الكلام ماله أصل إطلاقاً هذا فقط هيك شو بيسموها هي لغة أيش؟ خطابية هه, لغة خطابية مشان إيش؟ يقنع الناس إنه هذا الحديث الصحيح الذي هو يفهمه فهماً سيئاً, يريد أن يبطله بمثل هذه الدعوى انه ثبت بالتواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كان يختبره, نحن ليس عندنا إلا حديث الجارية اختبرها بهذه الأسئلة الثلاثة, أما كان يختبر الناس وبالتواتر ما قال أحد قبله, لماذا؟ لأنه يريد أن يؤيد بدعته, واسمع الآن تمام الكلام: أما كون الله في السماء, الله أكبر الله أكبر على المعطلة, أما كون الله في السماء فكانت عقيدة العرب أليس صاحبنا كان يكرر هذا الكلام من أول؟! من هنا أُتي أما كون الله في السماء فكانت عقيدة العرب في الجاهلية, وكانوا مشركين,

فكيف تكون دليلاً على الإسلام؟ عقيدة العرب في الجاهلية هي دليل على الإسلام أم قال الله {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} ويحكم مش انتم مش أنتم, الذين عم بيقولوا هالكلام هذا. مداخلة: أنت بينت لنا نقطة انه إذا قال الكافر كلمة لا يعني أنها خطأ الشيخ: بارك الله فيك بارك الله فيك اليهود والنصارى يؤمنوا بأن لهذا الكون خالقاً لكنهم مشركون فهل ننكر الخالق لأنهم أشركوا؟ لا, نحن نأخذ الحق حيثما كان هذا هو أدب الإسلام أما الآن هنا بيقول أما من قال: إن الله في السماء فكانت عقيدة العرب في الجاهلية وكانوا مشركين فكيف تكون دليلاً على الإسلام؟ هذه العقيدة التي دندن حولها شيخكم أو ليس شيخكم أنتم أدرى, أنتم أدرى, دندن في تعليقاته كلها على «دفع شبهه التشبيه» لابن الجوزي ونسبني أنا الآن أنا مجسم, وعرفتم عقيدتي قال مجسم في «صحيحته» قال مجسم في «صحيحته» هذا مسلم هذا؟! الإنسان الذي يتهم الأبرياء خلاف قوله تعالى, كيف الآية ذكرونا بها .. علي حسن: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا}. الشيخ: أيوه الله أكبر, نحن نحارب التجسيم كما نحارب التعطيل تماماً, ومع ذلك فهو يقول: قال المجسم في «صحيحته» قال المجسم في «صحيحته» ثم لم يكف هذا فاعرفوا يا إخوانا لو كان رجل عنده علم, وأنا أشهد لله أنه لا علم عنده إنما هو حطاب, تعرف شو معنى حطاب؟ يعني جمع الحطب من هون ومن هون, كما قال الإمام الشافعي ثم يلقيه وراء ظهرة وفيه الأفعى وهي تلدغه وهو لا يحس ولايشعر, الرجل جماع حطاب متفرغ الظاهر بعفى التفرغ إلى أخره وين مستنده أنه أنا مجسم ابن تيمية مجسم ابن القيم مجسم وهما اللذان رفعا راية التوحيد

والرد على الجنسين المشبهة والمعطلة معاً. أنت الي بدك تتكلم شو رأيك يتهمني شيخك بالتجسيم بعد ما سمعت طبعاً ما راح تجاوب, عنزة ولو طارت, لذلك ارجوك أرجوك أن تخطأني, أنا عم بأقلك أرجوك أن تخطئني أنا أقول رأساً رأساً عنزة ولو طارت أرجوك أن تخطئني إلى هنا مفهوم كلامي؟ لا يحيل جواباً ولذلك هذا لا يبشرني, مفهوم كلامي؟ مداخلة: مفهوم مفهوم. الشيخ: شو هو كلامي. مداخلة: أنا بدي الرجل اتهمك بالتجسيم أنت وابن تيمية وابن القيم كلام جميل. الشيخ: لا لسه ما كملت. مداخلة: آه. الشيخ: شفت اشلون؟ شفت اشلون؟ عم بأقلت أرجوك أن تخطئني في اتهامي لك أن جوابك سيكون على طريقة عنزة ولو طارت .. هه شرق وغرب بقى .. هلا أوجه سؤالي إلك بعد ما سمعت: شيخك له حق أن يتهمني ويقول عني أنا مجسم؟ مداخلة: على الكلام اليِّ سمعناه والله كلامك جميل لا لا تُخَطَّأ. الشيخ: جزاك الله خيراً خلاص الآن أنت الحمد لله ظني كان محله ما خطأني ... الآن السؤال تطور شويه ... على ما سمعت وعلى ما قرأت هل يجوز الشيخ أن يقول الألباني مجسم ويُكرِّر ذلك مرة بعد مرة وكرة بعد كرة؟

مداخل آخر: ممكن أتحمل عنه الإجابة. الشيخ: وكلَّك هو وجعلك محامياً عنه؟! معليش. مداخلة: بالنسبة للشيخ وقوله عنكم بالتجسيم في التفسير إنما هذا الأمر مرجعه أنه أنتم وافقتم ابن تيمية على تصريحات بنظن انه اطلعتم عليها؛ ابن تيمية بيصرح بالجسمية: إن الله عز وجل جسم. الشيخ: شو أقول لك دفاعاً عن شيخ الإسلام! كذب. مداخلة: كيف؟ الشيخ: كذب على شيخ الإسلام. مداخلة: هذه النقول شفتها بعيني في الكتب. الشيخ: كذب هذا من شيخك على شيخ الإسلام. مداخلة: في «تأسيس التقديس» يصرح بالجسمية. الشيخ: كذب كذب كذب يا جماعة اتقوا الله اتقوا الله, الرجل ميت الرجل ميت اتقوا الله ... مداخلة: عفواً شيخنا ... المسألة الي كنا بالأصل جايين عشانها الي هي مسألة قِدم العالم بالنوع وأنه ابن تيمية يعتقدها وجايبين معنا منهاج السنة وكذا فهذه لحد الآن ما دخلنا فيها فيا ريت نمسك المسألة. الشيخ: شو بدك تدخل فيها مشان أيش؟ مداخلة: عندنا شبهه نحن.

الشيخ: عندكم شبه في ايش؟ مداخلة: بأنه ابن تيمية يقول بِقِدَم العالم بالنوع. الشيخ: أنت عارف شو يعني فيها؟ مداخلة: آه. الشيخ: أه شو يعني فيها؟ مداخلة: يعني أنه العالم أفراده حادثة وإنما النوع قديم. الشيخ: شو يعني الكلام أنا ما فهمته منك. مداخلة: هذا كلام ابن تيمية مش كلامي. الشيخ: كلام ابن تيمية أنت الآن عم بتعمل حكواتي مثل المسجلة، لا أنا بدي تفهمني. مداخلة: أنا بدي أفهمك, ابن تيمية يعتقد أنه شيء غير الله عز وجل قديم, مهما كان: سواءً عينه نوعه ... هذا الي بيعتقده. الشيخ: قديم يعني غير مخلوق؟ مداخلة: هذا ممكن يجي على محملين, ابن تيميه كلامه متناقض هنا, فقد يكون قديم مش مخلوق ويمكن يكون مخلوق لكن لا أول له وهذا تناقض إن لم يكن كفراً. الشيخ: إذا واحد تناقض في كلامه شو واجبكم انتم معشر المسلمين؟ مداخلة: نحاول.

الشيخ: اسمع اسمع شو واجبكم أنتم معشر المسلمين الي شفتوا كلامين لعالم من علماء المسلمين أحد الكلامين باطل شرك كفر ضال والكلام الثاني إيمان شو واجبكم حينذاك. مداخلة: نحاول النهي الموهم للكفر بنحاول نحمله على المحمل الحسن. الشيخ: هل شيخكم يفعل هكذا؟ مداخلة: بس نحنا ما استطعنا نفعل هكذا. الشيخ: اسمعني يا أخي أعطي جواب الله يهديك لا تنحرف تنحرف بعدين هذا أمر خطير جداً. مداخلة: أسألني عني ما علي من شيخي. الشيخ: يا أخي أنت أفكاره تحملها الله يهديك أنت شو بيعرفك بالنوع وغير النوع. مداخلة: نناقش فكرة نحن. الشيخ: لا تجادل لو انك كنت مجادلاً فيما مضى لما فهمت شيئاً كغيرك, أعطي بالك, أنا عم بأقلك أنت في هذا العصر لولا هذا الرجل ما كنت تعرف عن ابن تيمية بيقول بقدم النوع وما ادري ايش هذه الفلسفة أنت تعلم أنه هذا رديته؟ مداخلة: آه في «الصحيحة» الأولى. الشيخ: طيب, الصحيحة والتعليق على العقيدة الطحاوية وإلى آخرة, فالآن شو يهمكم من الموضوع ما دام بتعترف انت انه هو إله كلام إيمان وكلام بتظنوا انه كفر مع أنكم ما أنتم فاهمانينه.

مداخلة: كلام إيمان, لا نحن بنحكي في كلام موهم, في كلام تناقض, بيحكي أنه مخلوق لكن لا أول له يعني هذه ما تركبش في عقل أي إنسان كيف مخلوق لا أول له, وبعدين يرجع يحكي النوع قديم والأفراد حادثة يعني الرجل أقل ما يقال فين أنا في نظري: أنه متناقض. الشيخ: متناقض شو معنى متناقض الله يهديك؟ مداخلة: يجيب كلام ثم يجيب نقيضه. الشيخ: طول بالك هذا الرجل ليس له في كتاب ومن أقوال ومن فتاوى إلا هالمسألة هذه! مداخلة: في غيرها. الشيخ: طيب غيرها أقل ولا أكثر؟ مداخلة: أكثر. الشيخ: هذا الأكثر شو بيشهد عليه أنه رجل كافر ولا مسلم. مداخلة: والله يمكن واحد بده يحكي مليون كلمة. الشيخ: ما بيجاوب ما بيجاوب ما بيجاوب. مداخلة: أنه مسلم. الشيخ: الله يهديك .. يا أخي خليك على الجاده الله يهديك, طيب هل يجوز اتهام هذا المسلم بكلمة أنت تفهمها أنها متناقضه؟ هل يجوز إلغاء المقطوع به في أمر مشكوك به, هل يجوز هذا؟

مداخلة: طبعاً لا بس عندنا ثبت أنه ليس مشكوك فيه يعني ثابت مية بالمية. الشيخ: أنت هلا عم بتقول مشكوك فيه, مشكوك فيه يعني مانك فاهم, بتقول كلام متناقض, فمن ناحية مخلوق ومن ناحية لا أول له, هذا اقصده مشكوك فيه يعني في دلالته ومش ثبوته, أنا قلت لك سلفاً أنا رديت هذا الكلام يكفي أنه كلام بيستغلوه خصومه يكفي أنه ما كان ينبغي أن يتكلم هذا الكلام يكفي وأولاً وثانياً أنه السلف ما دخلوا بهذه المعركة هذه. مداخلة: هو دخل مع الأسف. الشيخ: شو كأني باقله انه هذا صواب, هو دخل لكن هذا لا يفيدكم أن تُنصِّبوا العداء له وتنكروا جهوده التي يشهد بها العدو قبل الصديق والبغيض قبل الحبيب, ليش حاطين دأبكم دأب هالرجل هذا؟ لأنه قال كلمة أنتم ما عم بتقدروا تفهموا معناها؟ إذا كان الرجل بيقول بحوادث لا أول لها هذا معنى الكلام الي عم بتقول مش مفهوم, إذا كان الرجل يقول بحوادث لا أول لها وهذا عندي خطأ ولعلك تذكر ذلك طيب, مع ذلك بيضيف على هذا قوله ما من مخلوق وإلا وقبله مخلوق وأين التهمة تبعه؟ اصبر حتى يلقى سلاحه هو وأنت اشهر سلاحك. مداخلة: ياريت تعيد السؤال علشان افهمه. الشيخ: نعم. مداخلة: ابن تيمية بيقول ما مخلوق إلا وقبله مخلوق. الشيخ: نعم أنا الآن بدي أتفلسف عليك أنت بصورة خاصة. مداخلة: أنا فعلاً ..

الشيخ: أسمع أنا هلا بدي اتفلسف عليك. مداخلة: نعم. الشيخ: حتى تعرف المخاضة هي .. مداخلة: يا ريت تفهمنا أنا والله عجبتني المسألة. الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله. مداخلة: يعني مسألة جميلة. الشيخ: انتم حاملين السلم بالعرض وماشيين ومالكم .. مداخلة: جايين نستفيد. الشيخ: اسمع اسمع .. مداخلة: أحنا جينا في مسألة بدنا نشوف مسألة القِدَم, هل ثبتت عن ابن تيمية ثبوت على أنه يثبت أنه في مخلوقات لا أول لها أم أنه بده يثبت أن هناك مخلوقات مع الله, فنحن عندنا شبهة أنه الرجل كافر ولا مش كافر, بدنا نتأكد، نحن ما نكفره. الشيخ: الله أكبر سبق الجواب عن هذا يا جماعة .. اتقوا الله هذا عَلَم من أعلام المسلمين يا جماعة، أنتم الآن مثل رجل فلَّاح عائش في قرية صغيرة صغيرة جداً لا يعلم أن هناك مدن وعواصم في هي الدنيا وإذا به لما خرج من القرية شاف قرية أكبر مش كمان شوية يا جماعة اسمعوا الله يهديكم لازم تعرفوا حالكم شو, أنتم ما قرأتم كتاب الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي شو اسمه يا أبو الحارث علي حسن: "الرد الوافر على من زعم أن من سمى على ان ابن تيميه شيخ الإسلام كافر".

الشيخ: انتم مثل رجالات كبار في قرية صغيرة أطفال صغار في قرية صغيرة منتم شايفين. مداخلة: ممتاز. الشيخ: هذا الكتاب ألفه رجل من كبار رجال الحديث ابن ناصر الدين الدمشقي وجمع لك فيه عشرات الفتاوى من كبار العلماء انتم بتقولوا نحن معكم انه الي بيعرف انه هذا الشخص كان كافر ما بيكفره بيكون هو كافر صح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: شو رأيكم هذول العلماء الي بيردوا على اللي بيكفر شيخ الإسلام ابن تيمية, هذول كفار؟ أنتم لما بتحكموا بأن ابن تيمية كافر معناها سحبتوها على الذين ألَّفوا هذا الكتاب في الدفاع عن ابن تيمية والرد على من قال في ابن تيمية شيخ الإسلام فهو كافر الله أكبر, فالشاهد الآن أنت هذا الي عم بتقول ما وصلت له أنا انتهيت مع صاحبك, بس أنا شاعر أنك أنت جسمك معنا وعقلك مش معنا أنا أجبت تلك الساعة هل هو الرجل موجود أنا أجبت تلك الساعة أن ابن تيمية ماذا يقول يقول بحوادث لا أول لها أنا قلت هذا مش معقول, أنا لا أعقله وانتم مثل حكايتي ما تعقلون هذا الشيء, لكن كونكم ما تعقلون هذا الشيء ليس معنى انه هذا القائل كافر, لماذا؟ لأنه عنا مائة دليل ودليل بل ألوف مؤلفة أنه هذا الرجل عالم فاضل وهدى الله به كبار المسلمين في زمانه وبعد زمانه, كيف نحن نهجر هذه العلامات وهذه الأدلة القاطعة على أنه رجل أولاً مسلم وثانياً عالم وثالثاً أنه من كبار شيوخ الإسلام كيف بتكفروه بمسأله ما فهمتوها طيب سطحناها اللي ما فهمناها.

مداخلة: احنا ما كفرناه، نحن عندنا شبهة بدنا نردها كنا نتمنى لو الرجل. الشيخ: اسمع اسمع اثنين اثنين يتكلموا في أن واحد ما ممكن. مداخلة: معليش انا جيتنا كلها بكلمتين يعني نحن وجدنا ابن تيمية في علماء في عصره وبعده بقليل كفَّروه, وفي علماء في عصره وبعده بقليل يعني في العصور التي كان فيها أو الِّي مات فيها بفترة وجيزة في علماء كفره وفي ناس رد عليهم, فإحنا طيب لما نقرأ كتب الذين كفروه بنقول كافر ونقرأ الذي ردوا عليه بنقول هذا من افضل الناس بعد الصحابة. الشيخ: طيب. مداخلة: نحنا هونا بدنا الضابط للمسأله هي نشوف. الشيخ: إن شاء الله طَوِّل طَوِّل بالك إن شاء الله أنت بتكون صادق فيما تقول. مداخلة: إن شاء الله. الشيخ: طَوِّل بالك خلصت كلامك. مداخلة: يعني هذا تلخيص الكلام. الشيخ: خلصت كلامك. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب الآن هل من شروط الإسلام إنه إنك تعرف انه ابن تيمية انه الذين كفروه الحق معهم ولا الذين جعلوا شيخ الاسلام الحق معهم؟ مداخلة: هل من أركان الإسلام أنه ابن تيمية كافر ولا مش كافر.

الشيخ: لا لا مو هيك كان السؤال شفت اشلون يعني .. الشيخ: عم بأعيد عليك السؤال علشان أنت تجاوبني. مداخلة: إن شاء الله. الشيخ: هل من أركان الإسلام إنك تعرف أن الذين كَفَّروا شيخ الإسلام الحق معهم أو أن الذين قالوا أن شيخ الإسلام الحق معهم هل هذا من شروط الإسلام؟ مداخلة: هو ليس من شروط الإسلام، لا مش من شروط الإسلام. الشيخ: بارك الله فيك. مداخلة: بس لي كلام. الشيخ: شوف صاحبك أحسن منك لأنه بدأ يشعر بأنه هذا أسلوب علمي خير الكلام ما قل ودل، أنت بدك تعمل محاضرة، المهم ليس من شروط الإسلام اتفقنا. مداخلة: نعم اتفقنا. الشيخ: سؤال ثاني هل من فرائض الإسلام؟ مداخلة وليست من فرائضه. الشيخ: إذاً ما هو الحكم، ما هو الحكم عندك؟ لأننا عم ننزل درجات ونذكر الأحكام الخمسة .. لالا خليك معي خليك معي اتفقنا العين نظرة الكلام العين العين مغرفة الكلام، خليك معي خليك معي شو حكمه. مداخلة: حكمه هذا في الشرع؟

الشيخ: أيه. مداخلة: حكمه جائز إذا. الشيخ: جائز طيب؛ هل أنت قائم بمحاولة التعلم بكل أركان الإسلام وفرائض الإسلام وواجبات الإسلام وسنن الإسلام ومستحبات الإسلام، ومندوبات الإسلام ما بقي عندك ما تقوم إلا بهذا جائز؟! قل لا تحيد لا تحيد، إذا إذا، خلاصة وصلت الفكرة إذاً الدين النصيحة ليس هذا عشك فادرجي. مداخلة: طيب في مسأله واحدة؛ هل أثق بكتبه أقرأها ولاّ لا أثق هي المسألة الوحيدة التي بدي أفهمها؟ الشيخ: لا هذا سؤال آخر، كل شيء له جواب. مداخلة: هه. الشيخ: الآن شو سؤالك؟ مداخلة: سؤالي هو كالتالي. الشيخ: هذاك خلصنا منه؟ مداخلة: هذاك خلصنا منه. الشيخ: جميل جداً. مداخلة: الآن بدي أجيب فكرتي بصورة سؤال يعني. الشيخ: تفضل. مداخلة: هنا أنا وقعت لي شبه إنه الرجل له أقوال كفرية تؤدي إلى الكفر،

وكعالم له مصنفات ... فأنا هل أقرأ هالمصنفات ولاّ لا؟ الشيخ: اقرأها .. أنت عم بتسألني؟ مداخلة: هذا السؤال إيه. الشيخ: أنا عم باقلك إذا ما قرأت كتب الشيخ ابن تيمية وابن القيم تكون على ضلال. مداخلة: كثير مليح. الشيخ: بتكون على ضلال ما دام .. أنت تسألني فهذا هو الجواب. مداخلة: عظيم. الشيخ: ولكن أسألك الآن لو مسكت كتاب من فتاوى ابن تيمية اسمه كتاب الفرائض وقرأته وما فهمته شو بتقول عنه. مداخلة: إذا قرأته وما فهمته الآن بالوم نفسي. الشيخ: بتلوم نفسك لكن إحنا ما بنسألك با تلوم نفسك بتلوم المؤلف الذي كتب الكتاب. مداخلة: أنا أنا .. الشيخ: اسمع الله يهديك. مداخلة: نعم نعم. الشيخ: اسمع مثل ما تُعلِّم صاحبك بالجنب تعلَّم أنت، خير الكلام ما قل ودل هل تلوم المؤلف الذي كتب كتاب الفرائض وما فهمت منه شيئاً؟

مداخلة: لا. الشيخ: هه إذاً أنا أنصحك نصيحة نصيحة ثانية النصيحة الأولى إذا ما قرأت كتب ابن تيمية وابن القيم الجوزي بتكون ضال وقد تكون مع كونك ضالاً مضلاً للآخرين، النصيحة الثانية أنك إذا قرأت كلاماً له لم تفهمه فدعه فدعه لعالمه؛ لأنه أنا ذكرت آنفاً بمناسبة حديثين متعارضين لما نقلنا عن ابن حجر العسقلاني شو قلنا آخر شيء قال اعتبار الناسخ والمنسوخ، فإذا لم يتبين لنا قال نكل العلم إلى عالمه، هذا مين عم بيقول هيك شيخ الإسلام في زمانه ابن حجر العسقلاني شايف، أنت لسه شيخ ما صرت بعد إنما انت فريخ الآن فأنت إذا قرأت كلام ابن تيمية ومافهمته ما تيجي تتمسك فيه وتقول فلان قال كافر قال فلان مسلم، اتركه يا أخي فيه مين يفهمه، لكن اقرأ كتبه فتاواه ما شاء الله ثلاثين مجلدًا وأكثر وإلى أخره فستفهم هناك علماً مستقى من الكتاب والسنة نعم. مداخلة: أنا قرأت .. الشيخ: نعم؟ مداخلة: قرأت الموافقة. الشيخ: أنهو موافقة؟ مداخلة: "موافقة صحيح المنقول .. " ... قرأت في الموافقة ثلثينه أو أكثر من ثلثينه بشكل من أول صفحة إلى آخره، فوجدت كلامًا وكنت قاريء الردود ردود على ابن تيمية، الواحد صراحة لأني قراءت؛ وجدت في له كلامًا يعني يتبادر إلى الذهن إنه فعلاً بيقول أن الحوادث لا أول لها فبدي استوضح الأمر. الشيخ: هاي هي المسألة كلها؟!

مداخلة: هذه هي. الشيخ: هذه انتهينا منها الله يهديك .. ، انتهينا منها الله يهديك انتهينا منها انتهينا منها كلامه إن كان مفهوماً هاتوا الذي فهمته. مداخلة: أنا بأقلك شو الذي فهمت منه؟ الشيخ: هات لشوف. مداخلة: فهمت منه إنه بيقول أن العالم قديم بالنوع يعني. الشيخ: يعني؟ مداخلة: العالم هذا كان فيه قبله عالم، وهلم جرا إلى ما لا بداية وهذا بيتعارض .. الشيخ: من وين بتقول هذا الكلام، أنا الي قلته هذا الكلام. مداخلة: هو أنا بأقول لك شو الّي فهمته. الشيخ: هذا انتهينا منه؛ قلنا: هذا الكلام إلي بيقوله حوادث لا أول لها هذا معناها ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق، كويس، هذا القول قلنا إنه ابن تيمية لما بيقول بحوادث لا أول لها يحكم بأنه كل مخلوق أو مسبوق بمخلوق قبله، طيب فهو لا يقول بالقدم يعني مع الله لا يقول أن مع الله خالق آخر وإنما يقول .. مداخلة: نعم إنما يقول .. الشيخ: طول طول بالك فإذاً هو بيقول بكلام قلنا نحن أنفاً .. مداخلة: صح الكلام الي أنت قلته. الشيخ: اسمح لي.

مداخلة: هذا الي فهمته. الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله. مداخلة: معليش تحملنا. الشيخ: صحيح يا ابني هو مصارع. مداخلة: ملاكم. الشيخ: ملاكم هذا هو السبب ... يا أخي لسنا في ملاكمة اعطني بالك هذه المسألة عِلْم ... ابن تيمية يقول بحوادث لا أول لها، نحن قلنا أنه هذا رأي له لا نتمناه ونرده لأنه يخالف أول ما خلق الله القلم. مداخلة: هذا هو الذي ذكرته. الشيخ: معليش معليش أنا عارف إنك مُطّلع على كلام ابن تيمية، ومطلع على كلام تلميذه البار به لكن ما عم بتقدر تميز بقرار هل هذا هو الصحيح ولا غيره؟ مداخلة: أنا جيت علشان أميز. الشيخ: جزاك الله خيرا، المهم كلامه غير معقول ولا هو منقول، ولكن ماذا وراء ذلك؟ وراء ذلك انه قال رأياً خالف فيه ما نعتقده نحن، فنحن نسألك الآن: المعتزلة خالفوك في قولك أن الله يرى يوم القيامة أم وافقوك؟ مداخلة: لا خالفونا. الشيخ: طيب هل هم كفار؟

مداخلة: في المسألة هذه لا يكفرون؛ لأنه لأنه .. الشيخ: اسمع الله يهديك اسمع إن شاء الله إن شاء الله. مداخلة: فهمت قصد الشيخ بده أجاوب بدون ما أعلل وليش .. الشيخ: إذا كان هذا الأسلوب خطأ أرجوا أن تبينه. مداخلة: معليش إذا. الشيخ: أنا عم باسألك سؤال إذا كان هذا الأسلوب خطأ أرجوا أن تبين خطأي. مداخلة: لا مش خطأ. الشيخ: جزاك الله خيرًا، طيب فهذا الكلام قول ابن تيمية بقول حوادث لا أول لها إذا فهمته بأنه خطأ مخالف لعقيدتنا فأسوء ما يقال فيه أنه كالمعتزلة الذين لا تُكَفِّرهم مع أنك تفهم خطأ المعتزلة مجسَّداً خالفوا آيات خالفوا أحاديث خالفوا السلف الصالح، ابن تيمية انت إلى الآن مانت فاهم شو بيقصد من الكلام هذا، فشتان بين هذا الذي يُكفِّره شيخك، وبين أولئك الذين نتفق جميعاً على تخطئتهم، ومع ذلك لا نكفرهم فنخلي هناك ضوء بسيط من أن نخلص المسلمين من العلماء من أن نكفرهم، فإذاً أنا اعطيك الجواب وأنت بتقول الشيخ لسه بيدندن ... مداخلة: مسألة بسيطة. الشيخ: اسمع المسألة البسيطة. مداخلة: الشيخ حسن قرأت عليه ولا أنكر ذلك، ولكن مش شرط أن كل شيء خطأ أنا أقره على ذلك، بيجوز الزلمة فتحت له مسائل أن ابن تيمية

كافر بيحكم من خلالها، أنا ما تفتحتلي ذلك، ولاّ لا مزبوط؟ بيجوز عنده هذه المسألة .. الشيخ: على كل حال نحن هلا بيهمنا أنت، أنت تُكَفِّر ابن تيمية؟ مداخلة: إلى الآن لسه. الشيخ: شوفوا الشيخ بيقول: الآن!! ... أولاً بهذه المناسبة بدي ألفت نظركم العلم له أسلوبه إذا ابن تيمية عم بيبحث موضوع وبيجيب نقول كثيرة، في منقول في شي غير منقول، في معقول شيء غير معقول، إلى آخره فلا يجوز أن تنسب إلى ابن تيمية كل هذه المنقولات وكل هذه المعقولات، وإنما بتشوفه بعقيدته له كتب بينشر فيها بصراحة عن عقيدته، فإذا كان هناك في العقيدة ذاكر الشيء أنتم ما عقلتموه ما فهمتموه، أو فهمتموه على أنه ضلال أوكفر أو سموه ما شيئتم هنا لكم الحق إنكم إيش تقفون وتسألون. أما مثل قصة البعوضة وما أدري إيش ومثل الجلوس على العرش إلى آخره هذه روايات لا سنام لها ولا خطام تذكر في بعض الكتب التي تذكر الأحاديث والآثار المروية عن السلف بأسانيدها، فلما الإنسان بيدرس هذه الآثار كالأحاديث بأسانيدها بيعمل عملية تصفية، هون صحيح حديث صحيح أثر صحيح إلى آخره، هون حديث ضعيف أثر ضعيف إلى آخره، هذا القسم الثاني ما بنعرج عليه ذكره ابن تيمية ولا ابن القيم، ما أحد معصوم، ما منا من احد إلا رَدَّ ورُدَّ عليه إلا صاحبُ هذا القبر محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، أما إذا هو يتبنى عقيدة ما والله هنا يجب عليكم ان تبحثوا في هذه العقيدة، مش نبحث فيما هو جائز فقط لا هو من أركان الإسلام، ولا هو من فرائض الإسلام، ولا هو ولا ولا إلى آخره، أما هنا هنا بالذات يجب عليه أن

يعرف انه هذا الكلام صحيح ولاّ لا. فالآن الأثر الذي يذكر أن الله قاعد على عرشه أولاً نسبة القول إلى الله، مثل نسبة الجهة إلى الله، والمكان إلى الله، واللا مكان إلى الله؛ لأنه كل ذلك أيش؟ لم يرد، حينئذ نرجع إلى الوارد فقط، ما ورد أبداً في أحاديث يجب أن نبني عقيدتنا عليها ولو أحاديث آحاد - اعطني بالك - لأنه نحن الفلسفة هذه لا نؤمن بها، لا يوجد حديث أن الله عز وجل قاعد على العرش جالس على العرش، إذاً هذا الأثر ليس له قيمة هذا لو ثبت وهو لم يثبت، ثم من تمام ضلال هذا الأثر إنه باقي من العرش الي ما ممكن لعقل الإنسان يستوعب إيش سعته لأنه أوسع من الكون كله شو باقي من العرش قدر إيش؟ شبر، سبحان الله لوكان هذا العرش مثل كرسي واسع - بلا تشبيه يعني- كرسي واسع ما بيسع شخصين بيسع شخص ونص، وقيل إن هذا العرش فيه فراغ مقدار شبر مشان يجلس مين؟ الأمير الملك، بيكون كلام سخيف، فما بالكم هذا العرش الذي لا يعلم سعته إلا الله الذي قال وسع كرسيه السماوات والأرض، فماذا نقول عن العرش؟ شيء فوق ما يتخيله الإنسان كيف يقال إن باقي هناك مقدار شبر، ليش هذا المقدار؟ مشان يجلس الرسول بجانب رب العالمين، ما بيسعه هذا المكان هذ ما بيسعه، سبحان الله لا نقلاً ولا عقلاً هذا الشيء مقبول ... المقصود إنه إذا شفتوا هيك رواية؛ ما بتقولوا هي عقيدة ابن تيمية ذكرها ابن تيمية وأنا بأقلك كان الأولى أنه يذكرها ويعلق عليها، لكن العالم يا أخي الذي يفيض علماً ما بيستطيع أنه كل كلمة بيحكيها ويرميها أنه بيقف عندها وبيعلق عليها، هذه طبيعة العلماء هيك، لكن لما بيجي يؤلف لك في العقيدة الحموية، التدمرية مثلاً إلى آخره، الواسطية، وبيجي بيتكلم مثلاً لا سمح الله أنه الله قاعد على العرش وباقي فراغ مقدار شبر مشان يقعد عليه محمد عليه

الصلاة والسلام، والله هذه مشكلة المشاكل وأنا أول الكافرين بها، أكيد بدكم تتصوروا أنه أكيد مثل هذه الضلالة إنه ابن تيمية بيتحملها وتنسب إليه، هذا خطا لا يجوز، هذه نصيحتي لكم لعلها واضحة. مداخلة: واضحة طيب بس في شبه إنه ابن القيم "بدائع الفوائد"بيقول في هي المسأله أنه .. الشيخ: لا تقل لا تقل ما قبلت النصيحة أنت الآن. مداخلة: لا هذه شبهه. الشيخ: أنت الآن ما قبلت النصيحة، سبق الجواب عنه الله يهديك .. مداخلة: بس بدي توضحلي عندي شبهه. الشيخ: وهي؟ .. مداخلة: يعني ابن القيم بيقول هالحكي، بيقول يفرغ من العرش وهالحكي. الشيخ: هو ما بيقول هو بينقل. مداخلة: بينقل. الشيخ: ينقل ولا يقول. مداخلة: بينقل ومقر بهذا الكلام, الشيخ: هل هل كل ما ينقل يكون مقررًا. مداخلة: أنت أدرى يا شيخ لا لا. الشيخ: شوف هلا.

مداخلة: الصح صح. الشيخ: اعطني بالك، كدت أخطِئ معك بصورة خاصة، وأقول لك: شيخك بيقول لكن تراجعت، بيقول ابن الجوزي الّي رافع راية التعطيل بدفع شبه تشبيه مصحح حديث الجارية. مداخلة: حلو. الشيخ: شايف، وهو شو قايل في مقدمة في التعليق تبعه، أنا أقطع بأن الرسول ما قال هذا الكلام، أعوذ بالله، بس الرواية هنيك ابن الجوزي ذكرها ومشي عنها، ولكن هو في مكان آخر بين رأيه أنه ينكر هذا الحديث، إذاً معنى هذا أي كتاب ليس كل ما يذكره المؤلف فيه،- وهذا ما سبق الكلام عنه آنفاً- مش معناه أن هذه عقيدته. مداخلة: خلاص فهمت الشبهة خلاص. الشيخ: طيب جزاكم الله خيرًا. مداخلة: في سؤال أخير. الشيخ: أخير هذه مو بشارة هذه مو بشارة. مداخلة: سؤال هو عتب أو إشكال أو شيء. الشيخ: آه. مداخلة: طيب يا سيدي ما دام أنه الكلام الي ذكرته طيب جداً جداً، وأنا بأعرف ناس كثيرين مش يعني إني درست عند الشيخ حسن أتأثر فيه أو كذا ... في ناس ولا عمره سمع بالشيخ حسن .. في ناس ما عمره سمع بالشيخ حسن ومع

ذلك يراك يعني لسه لسه الشيخ حسن بيجوز قلبه يحن لك فهمت كيف؟ الشيخ: لا ما فهمت عليه. مداخلة: أنا باقلك كيف. علي حسن: شيخنا يقول إنه بالرغم أنه قرأ على الخساف لكن مع ذلك. مداخلة: لا لا لو سمحت هذا رجل من آل البيت احترامه واجب معليش انسى كل الخلافات ... الشيخ: طيب بيقول؟ مداخلة: بيقول: بالرغم أنه قرأ على ذاك الرجل لكن مع أنه قرأ عليه ما تأثر فيه أو شيء من هذا مع أنه في أناس آخرين ما قرأوا عليه ولا شافوه ولا بيعرفوه ومع ذلك ينظرون إليكم أكثر من نظرة هذا إليك. الشيخ: هذه كمان أخشى أن تكون ملغومة هذه. مداخلة: لا لا، لي فيه كلام وراء هذا. الشيخ: هات لشوف هاه. مداخلة: ينظرون لك أن عقيدتك مش سليمة أو إنك مجسم إلى آخره يعني من الكلام، حتى إنك نفيت ذلك أنت. الشيخ: ما نفيته أنا ما نفيته. مداخلة: يا ريت يا سيدي لو تعملنا .. أنا باقول لك كلام واقع. الشيخ: هذا ليس بواقع قولك بأني نفيت فهذا ليس بواقع، .. في فرق بين نفيت

وبين هذه عقيدتي التي أدعوا الناس إليها ومسطرة في كتبي. مداخلة: كلامك سليم. الشيخ: بس كلامك مو سليم. مداخلة: ماشي أنا أعترف صح على اللفظة هي، ممكن. الشيخ: بس هي مو أول واحدة هذه. مداخلة: انتفت الفكرة من أذهاننا. الشيخ: ميل الحمد لله. مداخلة: لكن. الشيخ: ما شي ماشي. مداخلة: يعني مش إحنا ناقلين هذه الفكرة هي من الشيخ حسن أو غيره لا أكيد من الشيخ حسن وأعطني بالك؛ ما دام بيجي يعلق في كتاب مطبوع، أولاً المجسم المجسم، مالك يا أخي مالك حجر أنت بشر، وأنت مالك عالم ولا متعلم إلا من طرفه، فلما بتسمعه وأنت واثق بأنه رجل عالم إن شاء الله، بيقول: ناصر المجسم المجسم المجسم فمالك حجر حتى ما تتأثر، ونحن نعذرك أنت وغيرك، لكن ما تنفي الحقيقة أنه أنا ما تأثرت به، مش ممكن هذا الكلام، أنت متأثر به. مداخل آخر: متأثر بس ما فقد الإنصاف إن شاء الله. الشيخ: هه هذا ممكن، هذا ممكن شايف صاحبك أشلون يرقع كلامك، كلام معتدل معقول لا يمكن رده، كتاب بيألفه صاحبنا هذا بيقول تأليف الألباني

شو هالتخرص هذا! شو هالكذب هذا! شو الاتهام هذا! بدك تدافع عنه تفضل تفضل، حتى أنا ما أريد تدافع عنه حتى ما تلصق التهمة لنفسك. مداخلة: إحنا جايين في مسائل قلنا بدنا نأخذ فيها باب الإنصاف والحمد لله إن شاء الله طعنا بفوائد ... الشيخ: الحمد لله لولا حرصنا على أنه تنتفعوا ما سهرنا معكم إلى قرابة نصف الليل. مداخلة: الله يجزيك الخير. الشيخ: الله يحفظك، هذا مشان تعرفوا إنه نحن ما نريد السيطرة وما نريد نفرض آراءنا وإلا كنت باقلكم كلمة وغطاها، ما بأخذ واعطي خاصة معك أنت رجل تجادل وبتشرق وتغرب وبتضيع علينا الوقت وإلى آخره، مع ذلك مع ذلك معليش أنا يكفيني إنه إن شاء الله قريباً إنه هالتاج هذا بيطيح من راسك وتلبس ما يلبسه إخوانك ... وبالإضافة إلى هذا أنصحك نصيحة ثانية انصح إخوانك فيها، إنه ما بتصير أنت مثل حكايتهم يعني يطيح التاج وتضل حاسر الرأس لا هم كمان يقتدوا فيك ويستروا رؤوسهم لأنه هيك الأدب الإسلامي. مداخلة: إن شاء الله يعني يا سيدي النقطة الّي دارت في فكري طيب يا ريت تعمل أنت كتاب عقيدة علشان تكون عقيدتك واضحة للناس. مداخل آخر: هي مفرقة في الكتب. مداخلة: حقيقةً ممكن إنسان ما عنده لأن الكتب يمكن صعب يشتري كتبك بيشوف كل موضع يعني، ياريت تعملك كتاب عقيدة يعني واحد.

الشيخ: وشو رأيك في ناس غيرك من عشرات السنين بيقولوا ياريت بتضع لنا كتاب في مصطلح الحديث باعتبارك أنت طبقت علم الحديث عملياً بينما الّي عم بيألفوا اليوم نظرياً. مداخلة: نعم. الشيخ: شو رأيك. مداخلة: والله إلهم حق بيطلبوا. الشيخ: نتجاوب معك ولا معهم وناس آخرين. مداخلة: في أمور مهمة في العقيدة. الشيخ: نحن بشر يا أخي طاقاتنا محدودة وصرنا كما ترون على حافة القبر. مداخلة: بعد طول عمر إن شاء الله. الشيخ: الّي نستطيع نفعله إن شاء الله. مداخلة: الّي بينفع بيظل نفعه. الشيخ: نحن ماشين في هذا السبيل أخي، نحن ماشين في هذا السبيل، نخدم المسلمين بالتصفية والتربية سواء في الحديث أو في العقيدة أو في الفقه، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. مداخلة: معليش أنت عالم صار لك يعني خمسين يعني فوق الخمسين السنة، اسمك صار قريب للأذهان، يعني إذا مش في الأذهان، شايف كيف يعني لما بتعمل كتاب عقيدة .. الشيخ: هذا ما بده .. بيستدل أنه هذا شيء طيب! ما بده دليل يا أخي:

وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل مداخلة: بيصير عليك شوية لوم حتى أنا عتبان حقيقة أنا عتبان .. الشيخ: لكن هذا الي بيصير في نفوسهم شيء بيكونوا يعني من أصحاب سوء الظن وهذا لا يجوز في الإسلام. مداخلة: في جماعة كثيرين يعني لما بيشوف اسمك على الكتاب بيموت، طيب ليش يا أخي؟ بيقلك هذا مش مضبوط هذا مش كذا. الشيخ: هلا أنت أثرت مسألة من المسائل الّي ما تريدها، شو رأيك بقى. غيري جنى وأنا المعذب فيكمُ ... فكأنني سبابة المتندمِ مداخلة: أيش البيت معليش. الشيخ: غيري جنى، بس ايش الفائدة الّي بدك تسجلها. مداخلة: يعني البيت بيصور حالتك الآن صحيح. الشيخ: غيري جنى وأنا المعذب فيكمُ ... فكأنني سبابة المتندمِ أه أنا بدي أسألك سؤال بيجوز؟ مداخلة: تفضل. الشيخ: ليش هذول بقى لما بيقرأوا اسم على كتاب للألباني بيموتوا قل لي .. ؟ مداخلة: ليش لأنه .. أول شيء يعني في جماعة من تلاميذك. علي حسن: أيوا هيك.

مداخلة: صراحةً مسائل ما فيهاش لف وعجن، في ناس من الّي بيقول أنا سلفي وأنا وهابي وأنا من تلاميذ الشيخ ناصر. الشيخ: ما أحد بيقول أعطني بالك هلاّ لا تفتري على الناس .. ما أحد بيقول أنا وهابي. مداخلة: سلفي. الشيخ: هه لكن أنت بتقول وهابي ... مداخلة: بيقول احنا من تلاميذ الشيخ ناصر وحنا كذا ولكن يتكلم كلام التجسيم بعينه. الشيخ: سبحان الله عندك مثال. مداخلة: عندي مثال. الشيخ: هاته لنشوف. مداخلة: يعني مثلاً لما بيقلك أنا بأقول بأن الله - معليش ولو بنعيد كلام- في السماء حقيقةً، ولا نقولا بلا مكان ولا نقول عارف شو كلام يعني مش الكلام الطيب الي انت حكيته. الشيخ: انا راح أقلك الآن ... الله في السماء حقيقةً والله سميع بصير حقيقةً، خالفني لاشوف انت يش عم .. مداخلة: ما هو أنت جبت قرينة .. الشيخ: اسمع اسمع اتركني ... صارت مشرقة رجعنا رجعنا رجعنا رجعت سجلها هيذه، رجعت حليمة لعادتها القديمة ..

مداخلة: أقول لك .. الشيخ: الله يهديك أنت خالفني الآن فيما أقوله أنا. مداخلة: كلامك واضح. الشيخ: لا، لاه أنا لسه ما خلصت كلامي. مداخلة: قلتلي أخالفك بدي اجاوبك بسرعه علشان. الشيخ: ما شاء الله ماشاء الله. مداخلة: في معك فاين. الشيخ: شو شايفنا جايين رياضة ولا بنحكي في الرياضة؛ لأنه الرياضة بدها شوط ثاني رياضة علمية ورياضة بدنية، فهو الظاهر موجه رياضتكم بالرياضة البدنية ما عنده رياضة علمية، خالفني في قولي أن الله عز وجل حينما قال:"وهو السميع البصير" أقول هو السميع البصير حقيقةً خالفني لشوف. الشيخ: الآن كلامك ما نستطيع نخالفك. مداخلة: وين كنت قبل الآن. الشيخ: وين كنت قبل الآن معليش، وين كنت قبل الآن؛ لأنه كانوا بيقولوا بجيب أنا مسألة. شو كانوا بيقولوا هلا أنت الله يهديك أنت الله يهديك أنت معنا كنت في هذه الحقيقة أنا بقول الآن: وهو السميع البصير حقيقةً. هل أنت دار في ذهنك يوماً ما أن تقول وهو السميع البصير حقيقة، أنا أقول

لك لا؛ لأن التلقين الذي لُقنته والقراءة التي قرأتها لا تشعرك بهذه الحقيقة أبدًا، وإنما نمرها كما جاءت، وقلنا آنفًا ليس معنى كما جاءت بدون فهم بالفهم وهذا هو الفهم الصحيح وما تحك رأسك كثير لأنه بنخاف عليها خاصة بالقلم يعني الحك بالقلم له معنى، المهم الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير كما أنه ليس كمثله شيء حقيقةً، كذلك وهو السميع البصير حقيقةً، إذاً استشكالك من ذلك السلفي المجهول عندنا لأنك أنت. مداخلة: هو .. الشيخ: اسمع يا أخي الله يهديك. مداخلة: نعم. الشيخ: اسمع الله يهديك لو غيري أنا وكان شاباً كنت أنت أهلكته بمصارعتك العلمية فهمتني ما فهمتني طبعاً. مداخلة: فهمتك فهمتك. الشيخ: طيب أنت أنكرت عليه ليش؟ لأنه ذهنك خالي عن هذه العقيدة الصحيحة، فكل شيء وصف الله به نفسه، كل شيء هو على الحقيقة لكن حقيقة تليق بذاته وجماله وكماله، وليس حقيقة تتناسب نحن مع ضعفنا وعجزنا وو إلى آخره، إذاً استنكارك على ذاك الرجل الّي جمعت بين النقيضين في وصفه أنه سلفي أو قلت وهابي وإن كنا نشكرك أنك سحبت كلمة وهابي نشكرك عليها شايف، فاستنكارك عليه نابع إنك أنت ما بتقول العقيدة حقيقةً وإنما نمرها كما جاءت. مداخلة: في استشكال صغير. الشيخ: كمان صغيرة.

مداخلة: انا بانقل لك الكلام يعني شو الكلام الّي بيحكوه .. الشيخ: ما نحن سمعنا الكلام كلام صحيح. مداخلة: لا أنا حكيت جزءًا منه، بعدين يقول لك إنه الله عز وجل استوى في السماء على العرش، يقول لك: استوى: استقر. الشيخ: لا ما بيقول هيك. مداخلة: معليش بدي أقلك أنا. الشيخ: ما بيقول هيك، أنت عم بتقول على كيفك، لا ما فيه سلفي بيقول: استقر أو قعد أو جلس. مداخلة: كويس. الشيخ: هذه عقيدة مش واردة ومن هنا أنتم أوتيتم ... مداخلة: حقيقة الّي كنت أفكره الّي سمعته من الشباب أنك تقول بالاستقرار صراحةً الآن سمعت كلام غير الكلام. الشيخ: أنا بأقلك الله يهديك ليش أنت لما سمعت الكلام هذا شأنك شأن غيرك شأن الجماعة التي قلت عنهم (انقطاع) الله يهديك لا أنت حقيقة لازم يحطوك ملاكم يعني لأنه بيضعوك في محلك، أنت لماذا لم تحاول الاتصال مع الألباني قبل ما يموت ويصيبه منك ما أصبت شيخ الإسلام وهو قد مات، لماذا لم تحاول أن تتصل مع الألباني وتشوف صحيح هو مجسم كما يقول شيخك صحيح .. مداخلة: .. سيبنا من الشيخ.

الشيخ: معليش خذها على الماشي معليش. مداخلة: على الماشي. الشيخ: هذا من باب التذكير نحن على الماشي، المهم أو تسمع واحد ينتمي إلى التتلمذ عليّ، تسمع منه إيش؟ عقيدة باطلة، وهو أن الله استوى على عرشه أي استقر وربما تسمع جلس وقعد ووو ... أين كنت والألباني لسه ما مات حتى ما تصفه مع شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه الفرية، أين كنت قل لي هلا لا تحيد .. أين كنت. مداخلة: أتيت على بيتك من قبل سنة ونصف وأتيت بعدها بأشهر. الشيخ: شو ساويت في بيتي. مداخلة: رنيت على الجرس، قالوا الشيخ مشغول ما بيفضاش يا جماعة الخير بدنا نسأله عدة مسائل قالوا مشغول وكبير في السن وما بيفضاش هلا لسه جينا انحل الإشكال. الشيخ: الآن بدنا نسألك هذا عذر لك؟ مداخلة: عندي عذر. الشيخ: طيب شو بتعمل بقوله تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا}. مداخلة: مش فاهم المقصود من السؤال. الشيخ: قدموا لك العذر الجماعة خلاص ما عد تطرق بابه ما عد تفتح على هاتفه، هذا عذر لك. مداخلة: والله هذا فعلاً هذا قصور.

الشيخ: هه هذا قصور هيك بدي إياك تعترف بالخطأ؛ لأنه الذي ما بيعترف بخطئه ما بيفيء عنه ما بيرجع عنه أبداً ولذلك .. مداخلة: شو قلت لك أنا بأقلك أنا أعتبت بما أنه هي مش عقيدتك وأنت تنفيها. الشيخ: يا أخي الله يهديك هلا أنت بمجيئك إلى هنا مجيئك. مداخلة: انحل الإشكال حقيقةً. الشيخ: اسمع الله يهديك، الإشكالات كثيرة مو المسؤول عنها إلا الّي وقعوا في هي الإشكالات، مش الذين يفترى عليهم كل فرية ما بتتحملها الجبال، الألباني مجسم، ابن تيمية مجسم، الله أكبر على الظالمين على الطاغين، هذول نصبوا أنفسهم لعقيدة السلف التي هي بين التجسيم وبين التعطيل، قال الله، قال رسول الله، على الكيفية التي أرادها الله، هذا مجسم ويكرر لا تكاد تخلو صحيفة إلا قال المجسم، أين انتم، وأنا بأقول الآن مجيئكم إليّ هنا ليته كان بطلب منكم لحتى نسجلها في صحيفتكم البيضاء لكن هذا كان بطلب مني غيرة عليكم لما حدثني رجل من إخوانا قديماً كنا نعرفه قنا جيبهم لحتى نتفاهم نحن وإياهم، لولا أننا طلبنا هذا ما جئتم هنا ولا طرقتم بابنا .. مداخلة: هي فرصة سعيدة. الشيخ: جزاكم الله خيراً جميعاً. علي حسن: شيخنا في نقطة معليش. الشيخ: تفضل.

علي حسن: الآن في كلامكم في صفحتكم البيضاء بلاش يفكروها كما فكرها واحد قديم. [كلام حول اتهام السقاف للعلامة الألباني بأنه يوزع صكوك غفران لما قال له مثل هذه الكلمة (صفحتك البيضاء) في اتصال هاتفي، وأقر الإخوة الشيخ عليّا على أنه لا يُفهم منها ما فهمه السقاف]. الشيخ: تذكروا هذه الحقيقة التي يقولها العلماء وما آفة الأخبار إلا رواتها، أنا أعتقد إنه بدي أضطر إني اقول شيخكم أو حسن السقاف ما شئتم، حسن السقاف لو خلع الحقد الدفين من قلبه واجتمع مع الشيخ الألباني لتغير من ضلال إلى هدى لا يعرفه حتى هذه الساعة. مداخلة: بتحبوا يجتمع معكم والله يا ريت يجتمع معكم. الشيخ: اسمع يا أخي. مداخلة: كلام جميل. الشيخ: اسمع لأنه الاجتماع معي إله شروط. مداخلة: ياريت. الشيخ: مش على طريقة عبد الرحمن، مش على طريقته؛ لأنه بيكون جلسة علمية. مداخلة: والله يا ريت تشرط والله. الشيخ: طيب طَوِّل بالك شوية وافهم، ونحن قبل ما نعرف الرجل اتصل بي هاتفياً هذا من بضع سنين، قال هو بيريد يبحث موضوع التوسل قلنا له طيب

وتواعدنا وجاء وجلسنا في غرفة الضيوف هناك. علي حسن: قبل تسع سنوات الشيخ: تسعه والله أنا أعرف قديماً بس ما بأرِّخ المهم هو بدأ يتكلم فيمالم نجتمع ونتواعد من أجله قلت له نحن اتفقنا على البحث في موضوع التوسل فإن كنت على هذا الاتفاق فأنا معك قال هو لا هو الآن مو مستعد، لما خرج بقي شوية ومشي، وصلنا إلى الباب إلي قبل الدرج قال لي انا أريد جلسة وحدك ما يكون أحد فيها، قلت له لماذا إذا كان الحق معك خلِّي الجماعة يستفيدوه، وإن كان الحق معي خلي الجماعة يستفيدوه، فالحق مشترك للجميع وليس محصوراً بيني وبينك، وهذا أول الكلام وقع بيني وبينه مباشرة ربما يكون فيه اتصالات هاتفية قليلة جداً بيني وبينه، أخيراً هنا الشاهد في شخص يمكن لا بد تعرفوه سمه نوح الأمريكي. مداخلة: نسمع فيه. الشيخ: عم بتعرفوه. مداخلة: نسمع فيه سماع، رأيت له مؤلفًا. الشيخ: رسالة صغيرة عن سبب إسلامه ... المهم انه اجتمعنا في مجلس مع الرجل في مجلس عامر، بدأ هو يسأل أسئلة بتدل على نباهه ويقظة وحرص على العلم، فالحقيقة أنا تجاوبت معه بحيث الإخوان الّي كانوا جالسين يعرفون إني توجهة بكلي إليه والحاضرين عم بيسمعوا فأجبته عن أسئلته، فيما بعد بعض إخوانا إلي بيعرفوه قلتله أنا أريد أن أزور هذا الشخص لأني آنست منه رشدًا ومحاولة للفهم الصحيح للكتاب والسنة، المهم أخذلي موعد وبيته متواضع جداً

مدخله لو مديت يدك هيك ما بتستطيع تمشي من ضيقه، دخلنا جلست وإذ أُفاجأ تجاهي الشيخ حسن. بدأ الأمريكي يسألني سؤالاً غريبًا جداً قال: معاوية ابن أبي سفيان صحيح أنه من أهل النار؟ قلت له: أعوذ بالله، شو هالحكي هذا؟! معاويةرجل من أصحاب الرسول عليه السلام وله خدمات في الإسلام ونشر الإسلام ووو إلى أخره وإذا انبرى الشيخ حسن يتكلم لما صرح الأمريكي بيقول لي هذا يقول أنه من أهل النار. قلت له صراحةً أمامه لا تعبأ به هذا الرجل ليس عالماً، هذا حواش حطاب يجمع من هنا وهنا، ليس عنده مبادئ قواعد علمية حتى يتمكن من التوفيق بين كونه صحابيًّا وكونه أخطأ كذا وكذا وكذا، وكون له حسنات كأمثال الجبال فيهدر حسناته كلها، وبيتمسك بأيش؟ بأخطائه التي وقع فيها، لا تعبأ بهذا الرجل لأنه ليس عالماً. بدأ يتكلم قلت له: ليس لي معك كلام، أنت رجل أولاً لست عالماً، وثانياً من أهل الأهواء، كيف بتقول أنه معاوية من أهل النار؟! صار يلف ويدور وما يقول مثل ما قال لنوح هذا بأنه من أهل النار، لكن فعل كذا وفعل كذا صار يعد أشياء لا تنكر عليه، يعني معروفه في التاريخ، قلت له: أنت رجل متخصص في تتبع العثرات، هذا رجل كونه صحابيًّا يترضى عنه والصحابة كلهم عدول، فضلاً عن كونه كان ملك من ملوك المسلمين، ونقل دعوة الإسلام إلى بلاد الكفر إلخ .. وكنت أتكلم مع نوح فيما يسأل. الشاهد: قال مثل ما قال صاحبنا هذا، قال: والله هذا كلام جيد؛ لأنه كان

يوجه أسئلة من الداخل من زوجته أنه الرجل العامي ماذا يفعل لما بيسمع أقوال متعارضة إلخ .. فأنا أجبت بما نحن نفتي به دائماً وأبداً إنه المسلم يختلف بين أنه يوجد في بلدةٍ لا يوجد لها علماء إلا علماء في مذهب معين، فهذا المسلم يجب أن يتبع هذا المذهب المعين وليس له أن يجتهد أو أن يدعي أنا أفهم القرآن والسنة وو وإلى أخره، وبين مسلم آخر موجود في مجتمع أوسع فيه العديد من العلماء فهو ليس مكلفاً أن يتمسك بمذهب معين من المذاهب، ولكن يطبق الآية الكريمة التي ابتدأنا الكلام آنفاً {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} بيسأل من يثق بعلمهم جرى بحث طويل في هذا، إنسان آخر موجود في مجتمع على حد تعبيرنا نحنا سلفي أو الحديثي، علماء يأخذون من الكتاب والسنة وهم أهل لذلك قد يختلفون في بعض الجزئيات كما وقع من الصحابة لكن مرجعهم كلهم قال الله قال رسول الله، فهذا يسأل من يثق بعلمه في كتاب الله وفي سنة رسول الله، صرح الرجل وما وسعه إلا أن يقول والله هذا شيء طيب، فأنا أعتقد أنه الرجل يصفي قلبه ويبتعد عن الافتراء بالكوم بتقولوا أنتوا بالكوم ولاّ ما بتقولوا يعني بدون إيش .. مداخلة: بالكبشة. الشيخ: بالكبشة بدون حساب، يبعد عن هذا الخلق الوخيم الذي ليس من صفات المسلمين، ويكتب ما وصل إليه علمه ما فيه مانع ولكن الأخوة الإسلامية بسبب خلافات يمكن الاتفاق عليها يجب أن ان لا يقضي عليها بفريات فرية تتبعها فرية إلى مالا نهاية، آخر ما اطلعنا عليه هو: المجسم المجسم، وليس هذا فقط كتاب ابن الجوزي يدس فيه ما ليس فيه اطلعتم على هذا الكتاب؟

مداخلة: نعم. الشيخ: طيب لفت نظركم الدس هذا. مداخلة: لا. الشيخ: مالفت نظركم. مداخلة: بس أنت كلمة المجسم أشار إليها. الشيخ: نعم. مداخلة: مسألة كلمة المجسم أشار بالمقدمة قال أنا وضعت بين قوسين كذا. الشيخ: يجوز ذلك؟ مداخلة: هو قال وضعت. الشيخ: يجوز يجوز؟ مداخلة: ما دام نبه يجوز. الشيخ: يجوز يدس في كتاب يعني هلا أنت بارك الله فيك هل تضن كل من قرأ مثلاً أبو حامد الحنبلي هذا الي بيتهمه بالتجسيم أبو حامد المجسم، هل أنت تظن أن كل من قرأ مجسم، فلان مجسم، قارئ المقدمة، قل: لا قل: لا، قلها صريحة؛ لأنه هذه هي الحقيقة، كثيراً ما إنسان يمسك كتابًا بيقرأ هيك ... كثيرًا ما يمسك الإنسان الكتاب يقرا أو بيشوف الفهرس، بينتقل بين المواضيع ما بيقرى الكتاب في مقدمته ولا مؤخرته، بينتقل لمسائل بيرجع إليها، هذا حينئذ بيفهمها هذه المجسم بس من المقدم، ما بيفهمها، ثم افترض أنه قرأ المقدمة هل تتصور كل من قرأ المقدمة رسخت في ذهنه بكل جزئياتها وتفاصيلها؟ قل أيضاً: لا ولا تخف.

مداخلة: طبعاً لا. الشيخ: فإذاً هذا تبرير أخي لتمشيته الضلال. مداخلة: نحسن الظن فيه. الشيخ: ما خلى لأحد حسن الظن فيه، مثل القنفذ عم بيرش هيك وهيك، ماعد أبقى محلاً لحسن الظن. مداخلة: طيب ياريت أنت بيصير لقاء بينكم. الشيخ: بعد ما نشوفه بيصفي الحقد الدفين. مداخلة: بيصفي أنتم حطوا الشروط ونشوف نحن. الشيخ: لا لا يا أخي لا لا اسمحوا لي .. سمحوا لي يا جماعة .. اسمحوا لي: الشروط بارك الله فيك يجب أن تنبع من حياتنا مش من ألفاظنا. مداخلة: وضح لنا. الشيخ: مش واضح هذا الكلام. مداخلة: يعني كيف ما فهمت. الشيخ: يعني الآن. مداخلة: بالعمل والتطبيق. الشيخ: أيوة أيوة نعم. مداخلة: ممتاز. الشيخ: فالرجل ما ظهر منه هذا الخلق.

مداخلة: كيف يعني؟ الشيخ: في كتبه في كتبه تعليقاته ما ظهر منه إلا الحقد والضغينة التي قلما نراها حتى من الكفار والعياذ بالله فلما نشوف نحن في اعتدال في التأليف يبدي رأيه ولو كان ضلالاً مبينا، خليه يبديه ما عليه شيء، لكن بالتي هي أحسن كما قال تعالى "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" لما هو بيطور أسلوبه في الكتابة وبيترك الطعن في الناس، أنت هذيك الساعة شو قلت له: لا تتكلم فيه هذا من أهل البيت، طيب بس أهل البيت ما بيجوز الكلام فيهم؟! المسلمين دمهم حلال، عرضهم حلال؟!! مداخلة: كل المسلمين وأهل البيت خاصة. الشيخ: كويس لكن هو لا يراعي في المسلمين إلاًّ ولا ذمة. مداخلة: هذا الّي بدنا بنعقد الاجتماع عشانه إنه نزيل الضغينة في القلوب. الشيخ: إيه بس عم بأقلك يا أخي الضغينة هذه لا تزال بمجرد إنه تعالى اجتمع مع الألباني بشرط كذا وكذا؛ لأنه فاقد الشيء لا يعطيه لما هو بيطور حياته وبيقدم براهين مقدماً إنه هو خلاص الآن توجه إلى العلم وترك الطعن في أعراض المسلمين كافةً. مداخلة: بس هو بيعتقد أنه أنا بأكتب وهذا اعتقادي وهذا الذي ثبت عندي فنحن ما نقدرش ننتظر؛ لأنه لازم نغير اعتقاده هذا وبعدين بنشوف النتائج. الشيخ: الكفار هيك بيعتقدوا يعني هذا عذر بتقدمه له؟! مداخلة: لا مش عذر بس هذا الواقع.

الشيخ: الكفار يعتذرون هيك، ربنا قال {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} يا أخي هلاّ في مؤلفين غيره في الدنيا ولاّ لا؟ مداخلة: فيه. الشيخ: أرونا كتاب يشبه كتابه، أرونا كتاب يشبه رسائله. مداخلة: كتاب الشيخ علي. الشيخ: الشيخ علي رد .. رد رد عليه بتشوفه شو سوى؟ اذكر المثل العربي القديم ... تذكر المثل العربي القديم: قال الحائط للوتد: لمَ تشقني؟ قال: اسأل من يدقني سله سله. مداخل آخر: من صف الشيخ: يا شيخي بارك الله فيك الشيخ: تفضل. الآخر: أذكر حقيقة في نفس المجلس حصل شئ لابد أن يذكر للأخ إياد والأخ عبد الرحمن. الشيخ: أنت كنت حاضراً. الآخر: نعم يا شيخ، قال الأخ حسن كلمة وهي كلمة حق قال يا شيخ ناصر أنا ما أعرفك هكذا، ما أدري عن الشيخ، أنا ما أعرفك هكذا، ويا شيخ أنا أعرف الود بالقرب منك، أقول أنه بعد ما ذَكَر هذا قال يا شيخ نحن نريد أن نأتيك قال له: لا يا حسن نحن إذا رأينا منك صفاء نية وإخلاص نحن نأتيك ولست أنت تأتينا. وبعد ما ذكر هذا شيخنا قال: قال الشيخ إنه تكف عن الطعن فينا في

مقدماتك، فما كان جواب حسن؟ قال: وأنت كذلك تكف عن الطعن في الشيخ الكوثري، فقال الشيخ جوابه بيني وبينك، دعنا من الكوثري ... فبعد ذلك ماذا قال؟ قال: وأنا سأذكر هذا في الجزء الثاني من التناقضات، وهو لسه بين يدي شيخنا ويقول أنا بدي الرد، كيف تقول أمام الشيخ وسأذكر هذا في الجز الثاني من التناقضات وأنت تريد الود ... مداخلة: التناقضات بحث علمي، التناقضات بحث علمي. الآخر: لا نريد ندخل في مسألة هذا البحث علمي من خطئه، أنا أريد أن أذكر انه يريد الود وهو يضع هذا الود ضمن معترضات. الشيخ: يضع العصى في العجل. الآخر: أي نعم فبارك الله فيك أنت ذعك من الكوثري الآن، أنت ترد على الشيخ وتتهم الشيخ بالتجسيم وتتهم الشيخ بأكثر من تهمة باطلة منها أنه يبيع صكوك الغفران، وأنت بلسانك قلت الآن ان هذه الكلمة لا تحمل إاى على محمل واحد فبارك الله فيك هذا لا يأتي. مداخلة: قلنا تحمل على محمل واحد لما سمعنا كلام الشيخ الليلة. الآخر: ولوما سمعت؟ مداخلة: لو ماسمعتش بأقول فعا يبيع صكوك غفران. الشيخ: ما بيجوز ما بيجوز أنت وأمثالك كثر حقيقة لا يعرفون الألباني ليه؟ لأنه الألباني منزوي في هالصومعه هذه وأمامه هالكتب: لنا جلساء لا نمل سماعهم ... مامونين غيباً ومشهدًا

فإن قلت أحياءٌ فأنت صادق ... وإن قلت أمواتٌ فما أنت بكاذب هذه الكتب أنا عايش بينها فأنتم ما تعرفوا الألباني لا في علمه ولا في أسلوبه، أنا عندي استعداد أن أجتمع مع أعلم الناس وأصلح الناس وأضل الناس وأجهل الناس لأني باقول لأخوانا الي بيعرفونا إنه أنا مثل المنشار على الطالع والنازل باستفيد، كيف ذلك؟ إن كنت .. اجتمعت مع رجل أعلم مني استفد منه، وإن كان اجتمعت مع دون مني استفاد مني، فأنا مستفيد على الطالع وعلى النازل، لكن هذا متى يكون؟ حينما تكون النفوس صافية أما إذا كانت النفوس ممتلئة بغضاً وحقداً وحسداً هذا لا سبيل للقاء ولا فائدة منه. مداخلة: عظيم. الشيخ: اسمع، قد أيش عمر الشيخ حسن؟ نص عمري بالكاد، أو ما وصل، يعني هو أمس طلع بعض رسائله وإلى آخره وإلى آخره أنا صار لي العمر كله وأنا ملتقي مع مختلف الناس ولا أتحاشى بالاجتماع مع أي إنسان إطلاقاً، ثم مثلما انتم شايفين ما يمكن مع عالم من العلماء الّي بتعرفوهم يجلس مع طلبة العلم هذا أحسن ما يقال للساعة (12). مداخلة: نعم نعم. الشيخ: شايف، فأنا ما عندي رغبة عن الاجتماع عندي رغبة في الاجتماع، لكن عندي شروط هذه الشروط سمعتموها أكثر من مرة وبترجعوا وبتقولوا لي: الاجتماع، يا أخي الاجتماع الاجتماع خير فهمنا هالدرس، اقلبوا صحيفة جديدة هالاجتماع له شروط لما بنشوف صادق الرجل فيما يكتب، مخلص وإن كان مخطئًا معليش بس يكون مخلصصًا، ليش بيجي يقول إن الرسالة الّي ألفها أخونا

علي ردًّا عليها ويقول هي رسالة الألباني وبعدين يحيد عن الرد عن رسالته إلى الرد على الألباني، لك شو فيه بينك وبين الألباني؟ يهودي هو؟! نصراني هو؟! مجوسي هو؟! .. إلى آخره، غلطان الألباني غلطان متناقض، طيب خليه يؤلف هو في الحديث ستة ألاف حديث صحيح وستة ألاف حديث ضعيف غير الرواة إلى آخره وشوف بعدين شو راح يبين لك من التناقضات، راح تترضوا عن تناقضات الألباني المزعومة، لكن مثل ما بيقولوا العلماء: الشجرة يا جماعة حينما ينضج ثمرها شو ابيصيء فيها؟ يكثر الرماة لها، هذه حقيقة تطبق في كل الأمور سواء كانت مادية أو كانت معنوية، أكبر مثل عندنا أشرف البشر الذين بعثهم الله وهو رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - هل سلم من الطعن من أهل بلده في زمانه بعد زمانه إلى اليوم؟ لا يمكن هذا، ونحن شو نحن، نحن فرد من أفراد أمته عليه السلام ولذلك فلن نسلم أيش بيقولوا بيت الشعر: ولو حاول العزلة في جبل، حافظ البيتين؟ علي حسن: ومن ذا الذي ينجو من الناس سالمًا .. ز وللناس قالٌ بالظنون وقيلُ .. الشيخ: آه، خلاصة: فنحن الاجتماع لا تدندن، نحن معك ندندن حولها ندندن، لكن دندن معنا حول الشروط. مداخلة: بدي أفهم الشروط. الشيخ: يا أخي مو هو في صدد الكتابة، في صدد التأليف والكتابة؟ مداخلة: نعم. الشيخ: خليه يكتب علم بدون طعن في الأشخاص. مداخلة: تسمح لي بنقطة نعتبر هلا إنه مابدوش يؤلف مصنفًا ...

الشيخ: لا تكن خياليًّا، كن واقعيًّا ... أنت ليش عم بتقول نفترض. مداخلة: لأنه يمكن يمسك عنه. الشيخ: يا أخي يمكن ما يمسك الله يهديك. مداخلة: طيب. الشيخ: احكي في الواقع. مداخلة: طيب إذا الرجل حكالك وصرحلك حكالك أنا مقبل عليك وإن شاء الله بصفاء نية وقال أشهد الله أني ما بدي إلا الحق، ممكن تجلسوا معه؟ الشيخ: لا قبل ما شوف هالصفاء الّي بيدعييه ظاهراً على الصفحات البيضاء شو رأيك؟ مداخلة: إن شاء الله ... مداخلة: الآن أنت يعني جانب السوء من الشيخ حسن، مش من الردود العلمية وإنما من التطاول مثلاً. الشيخ: نعم نعم. مداخلة: يعني هذا. الشيخ: مع التسامح معك في تسمية كتاباته ردود علمية. مداخلة: بغض النضر ماشي مش على المواد مثلاً. الشيخ: أنا جاوبتك. مداخلة: معليش بدنا نفهم بدنا نحكي للشيخ.

الشيخ: يا أخي إلي بتسأل عنه سبق الجواب قلت لكم خليه يكتب، خليه يكتب ما شاء. مداخلة: لكن يكون أهذب يعني. الشيخ: لا مش أهذب، يكون مهذبًا. مداخلة: تمام يا شيخ سميها مثل ما بدك يا شيخ. مداخل آخر: اسمح لنا بطلب بسيط .. ياريت حتى تكون هي الجلسة تتفضل علينا تعطينا حديث الرحمة المسلسل بالأولية. الشيخ: حديث أيش؟ مداخلة: الرحمة المسلسل بالأولية. الشيخ: آه والله الله ألهمك الصواب الله أكبر الله أكبر على هذا الشيخ الذي يضلل الناس، هذا الحديث عارف شو سوى صاحبكم. مداخلة: ضعفه بمقدمة .. الشيخ: تعرف شيوخه شو قالوا عنه؟ مداخلة: شو قالوا عنه؟ الشيخ: أنه حديث صحيح. مداخلة: لا هو ضعفه هو ضعيف. الشيخ: لك فاهم، شيوخه شيوخه الغماريين الغماريين ... صححوا هذا الحديث غير المتقدمين يعني، هذا رجل راكب رأسه واضع هدف مثل الصياد مثل

العسكري مثل الملاكم بده يوجه ضربة قاضية إلى خصمه، بيستحق ما بيستحق هذا موضوع آخر. هذا الحديث مثلما قلنا عن حديث: أين الله؟ يعني تلقته الأمة بالقبول، هالّي بيأوله والّي ما بيأوله كلهم على إنه حديث صحيح، حتى الغماريين الّي بيتشرف بالانتساب إليهم، وبيقول شيخنا وبيقول عنده إجازات لا تسمن ولا تغني من جوع، لأنه هذه شكلية محضة المهم هؤلاء في كتبهم المطبوعة صححوا هذا الحديث ... مداخلة: يعني حابين نتبارك يعني بالإملاء إنه تملوا علينا أي حديث هيك إذا تحب إذا ترغب. الشيخ: هو هذا الحديث مداخلة: يعني حديث الرحمة الشيخ: أنت تعني المتن ولا السند مداخلة: الاثنان الشيخ: نعم؟ مداخلة: الاثنان. الشيخ: أنا ما عندي هذه الشكليات تبع الأسانيد إذا أنت هذا سؤالك عنها أما الحديث فالرسول عليه السلام معروف أنه يقول كما في الترمذي وغيره: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» الآن الأخ كان في العمرة في عندنا هون كتاب للحافظ ابن حجر "المجلس الأول من الأمالي" لابن ناصر الدين الدمشقي هذا في تخريج هذا الحديث والتعليق

عليه، وجمع طرقه، هذا بعدين عنا هون "الإمتاع للأربعين المتباينة بشرط السماع" للحافظ ابن حجر العسقلاني. مداخلة: طُبع جديد هذا؟ الشيخ: جديد الظاهر، لكن الليلة جابه أخونا الجاي من العمرة الّي كان في هذيك البلاد، شايف هونا الحافظ ابن حجر أيضا يقوي هذا الحديث فيا جماعة إنسان شاب علماً شاب خلقاً شاب عن شيوخه. مداخلة: خلقاً كيف مش فاهمينها؟ الشيخ: الله أكبر الله أكبر يا جماعة اتقوا الله عز وجل، العصبية هذه عصبية جاهلية، الصبر له حدود فرجل عم بتشوفوه .. :قال مجسم من أين أخذ هذا، يقول قال المجسم كذا وكذا، بينما أنا في المقدمة هذه يقترح بعض إخوانا انه المقدمة تبع "مختصر اعلو" وحدها كافية لبيان الحق للناس في هذه القضية بيقول عني أنا مجسم؟! ... على كل حال إلى لقاء آخر والحديث له شجون. مداخلة: الله يجزيك الخير، والله أشجانا اليوم الشيخ. علي حسن: أشجان دفعت الأحزان. مداخلة: السلام عليكم. الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... "الهدى والنور" (الأشرطة 566، 567، 568، 569 كاملةً).

موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني «موسوعة تحتوي على أكثر من (50) عملاً ودراسة حول العلامة الألباني وتراثه الخالد» العمل الأول سلسلة جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة «تحتوي على ما يقارب ألفي مسألة وفائدة عقدية مستخرجة من تراث العلامة الألباني بعناية» (5) (الإيمان بالملائكة، عالم الجن، النبوات، عقيدة أهل السنة في الصحابة) صَنَعَهُ شادي بن محمد بن سالم آل نعمان

كتاب الإيمان بالملائكة

كتاب الإيمان بالملائكة

جماع أبواب الكلام حول صفات الملائكة وأصل خلقتهم وهل يشاركهم أحد في كونهم خلقوا من نور والكلام على إبليس الرجيم هل كان من الملائكة؟

جماع أبواب الكلام حول صفات الملائكة وأصل خلقتهم وهل يشاركهم أحد في كونهم خلقوا من نور والكلام على إبليس الرجيم هل كان من الملائكة؟

[1200] باب الملائكة خلقوا من نور

[1200] باب الملائكة خلقوا من نور [قال الإمام]: الملائكة ... خلقوا من نور. "الصحيحة" (1/ 2/820). [1201] باب هل خلق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من نور كالملائكة؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار السموم وخلق آدم عليه السلام مما قد وصف لكم». [قال الإمام]: قلت: وفيه إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس: «أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر». ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - خلق من نور، فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور، دون آدم وبنيه، فتنبه ولا تكن من الغافلين. وأما ما رواه عبد الله بن أحمد في " السنة " (ص 151) عن عكرمة قال: " خلقت الملائكة من نور العزة، وخلق إبليس من نار العزة ". وعن عبد الله بن عمرو قال: " خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر " قلت: فهذا كله من الإسرائيليات التي لا يجوز الأخذ بها، لأنها لم ترد عن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الصحيحة" (1/ 2/820).

[1202] باب منه

[1202] باب منه [تكلم الإمام على بعض أخطاء الشيخ الشعراوي-رحمه الله- العقدية إلى أن قال]: من عقائده يقول: أن محمد عليه السلام هو رسول ... كما قال تعالى في القرآن الكريم: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144] إلى آخر الآية، يقولون ويمكن هذا سمعته: محمد خلق من نور الله، سمعت هذا الشيء أو لا؟ الشيخ: في سوريا موجود، وفي الأردن موجود يقول: "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر"، ما سمعت هذا الحديث عندك؟ مداخلة: هذا سمعته من الشعراوي. الشيخ: هه، أتت ... يقولون: - على رجليها -، رأيت؟! وهذا من أبطل الباطل، كيف خلق الله محمدًا من نوره، وأول ما خلق الله القلم والحديث صحيح كما ذكرته آنفًا: «أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: ما هو كائن إلى يوم القيامة» (¬1) بعد ذلك نحن نعرف ... الرسول أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وهكذا، وبعد ذلك ينقطع السند أو النسب، لكن هو على كل حال جده الأول من هو؟ آدم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كلكم كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «كلكم من آدم وآدم من تراب (¬2)» كيف إذًا محمد وبينه وبين آدم الله كم جد، ثم هو قبل هؤلاء خلق من نور، هذه تريد إيمان .. تريد مخ كبير لا ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 2017). (¬2) "صحيح الجامع" (رقم 6798) , " الصحيحة" (3/ 8).

[1203] باب منه

وجود له في هذا الكون، أنه يؤمن بمثل هذه الخرافات أما عامة المسلمين وبعض الخاصة منهم ـ وأنت شاهد ـ ومنهم الشيخ الشعراوي يؤمن بهذه الخرافة. هذا حديث لا هو في البخاري ولا في مسلم ولا في السنن الأربعة ولا الأربعين ولا الأربعمائة لا أصل لهذا الحديث إطلاقًا إلا إذا صح التعبير في أمخاخ المخرفين، هذا له وجود هناك فقط، هذا ما هو الإسلام؟ الإسلام قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه إلى آخر ما قال ابن القيم رحمه الله. "رحلة النور" (45أ/00:00:00) [1203] باب منه [قال الإمام]: [رددنا] قول من قال: بأن الرسول عليه السلام نور، وأبطلنا هذا القول بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف:110] فهو عليه السلام كالبشر تماماً، خلق كما خلق البشر، يعني: حملت فيه أمه كما تحمل كل الأمهات تسعة أشهر، ووضعته كما تضع كل أم ولدها، سوى أنها رأت في المنام أنها خرج منها نور أضاءت لها الشام، أو بصرى الشام، هذا صحيح كرؤيا كمنام، فعليه الصلاة والسلام كان كما تعلمون يأكل ويشرب ويمرض، ويجرح و .. و .. إلى آخره، فهو بشر لا يختلف عنهم إطلاقاً إلا بما اصطفاه الله من الوحي والنبوة والرسالة. "الهدى والنور" (/322/ 29: 01: 00)

[1204] باب منه

[1204] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم وأمره أن يكتب كل شيء يكون». [قال الإمام]: في الحديث إشارة إلى رد ما يتناقله الناس حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى، وليس لذلك أساس من الصحة، وحديث عبد الرزاق غير معروف إسناده، ولعلنا نفرده بالكلام في " الأحاديث الضعيفة " إن شاء الله تعالى. "الصحيحة" (1/ 1/257 - 258). [1205] باب هل إضاءة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كل شيء في المدينة لما دخلها إضاءة مادية أو معنوية؟ سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عندنا الله يسلمك! أتانا شيخ من قريب اسمه عبد الرحيم الطحان، وكانت له محاضرة عنوانها: تعظيم أنبياء الله ومن بعض ما قاله في نفس المحاضرة قوله: ليتنا كنا نساء وحظينا بريق الحسن، من يحظ بالحسن .. ليلة لو نظرَ، وقوله: ووالله لو أدركنا الحسين لمسحنا نعليه بلحانا وفي ذلك شرف لنا وفخر. وقوله: ثبت عن أنس بإسناد صحيح: إن النبي عليه الصلاة والسلام عندما دخل المدينة أضاء فيها كل شيء لما تنورت بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأشرقت. وقوله: ينقل الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في الجزء الحادي عشر

صفحة (211) عن بعض طلبة العلم أنه قال: نظرة إلى الإمام أحمد تعدل عبادة سنة وأكثر، علق الإمام الذهبي على هذه الجملة بقوله: هذا غلو لا ينبغي، وقال: والله ليس بغلو وإنه مما ينبغي. وقال ... : كان جعفر الصادق يقول: إذا وجدت في قلبي فتور وقسوة نظرت إلى وجه محمد بن واسع فاجتهدت أسبوع، وقال: النظر إلى أئمتنا يستشفى به .. يتداوى به .. يذكر بالله، ويقولون: من لم ينفعك لحظه لم ينفعك لفظه ووعظه. وقوله: ذكر أحمد من مجالس الذكر عندما نذكره [كأننا] ذكرنا الله ... وقوله: نظرة إلى وجه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تعدل عبادة آلاف السنين، والنظرة إلى الصحابة الطيبين تعدل عبادة آلاف السنين. قابل هذا الشيخ بعض الشيوخ يقول: واسمه الشيخ عبد الرحمن زيد العابدين، ويقول: قابلته وقلت له: ووالله ما رأيته إلا قبلت يده، وكان يقول، أي: الشيخ عبد الرحمن زين - يقول للشيخ عبد الرحيم: من مقاصدي إذا ذهبت لأحج رؤية الإمام الشنقيطي، وهذا الشيخ يا شيخنا! معروف على مستوى في دولتنا قطر، وكل طلبة العلم يحضرون له، فما رأيكم وما الرد على هذا؟ الشيخ: بارك الله فيك، ما كان ينبغي أن تطيل علينا بسردك لمثل هذا الهراء، فانتبه لما سأقول: باستثناء حديث أنس الذي حكيته عن الطحان أقول: أولاً: حديث أنس هو فعلاً حديث صحيح ولكن الإضاءة هي إضاءة معنوية يعني: هو كناية عن انتشار نور الإسلام، وإلا فالمدينة كما تعلم إذا أطفئت الأنوار اليوم فسنراها مظلمة كما كان الشأن في عهد الرسول عليه السلام، وقد جاء في الحديث الصحيح أن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها استيقظت ليلة قالت: ولم تكن المصابيح يومئذٍ، لم تجد نبيها بجانبها فأخذت تبحث عنه والليل ظلام فوقعت

يدها على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو ساجد في صلاته وقدماه منصوبتان وهو يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (¬1) فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بلا شك نور هدى الله به العرب ثم العجم بسبب الهدى والنور الذي أنزله الله تبارك وتعالى على قلب الرسول، فلم تكن إضاءة المدينة المذكورة في حديث أنس هي إضاءة مادية وإلا كانت السيدة عائشة ترى نبيها - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يصلي في الغرفة .. في البيت، لكنها صرحت بأنها لم تره لم؟ لأنه لم تكن عندهم المصابيح يومئذٍ فأقول: باستثناء حديث أنس من ذاك الهراء، فحديث أنس صحيح ومعناه ليس كما يفسره الرجل. أقول بعد تكريري لهذا الاستثناء: الكلام الذي حكيته عنه كله هراء ويجب أن يطحن من الطحانين طحناً. سمعت الجواب؟ مداخلة: ماذا تنصحون طلبة العلم جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: أنصحهم ألا يحضروا للرجل درساً؛ لأنه صوفي مبتدع ويتستر بالسنة وهو جاهل بها، والسلام عليكم ورحمة الله. مداخلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مداخلة: هذا عبد الرحيم ما كان يُصْدِرُ هذا في السعودية. الشيخ: ما كان نعم، هؤلاء يا أخي مصلحية هؤلاء. "الهدى والنور" (801/ 08: 20: 00) ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 1280).

[1206] باب هل يطلق على الملائكة أنهم جن لأنهم لا يرون؟

[1206] باب هل يطلق على الملائكة أنهم جن لأنهم لا يُرَون؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يا جبريل! ما لي أراك متغير اللون؟! فقال: ما جئتك حتى أمر الله عز وجل بمفاتيح النار. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: يا جبريل! صف لي النار، وانعت لي جهنم! فقال جبريل: إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداءً مظلمة، لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهبها. والذي بعثك بالحق! لو أن قدر ثقب إبرة فتح من جهنم؛ لمات من في الأرض كلهم جميعاً من حره. والذي بعثك بالحق! لو أن ثوباً من ثياب النار علق بين السماء والأرض؛ لمات من في الأرض جميعاً من حره. والذي بعثك بالحق! لو أن خازناً من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا، فنظروا إليه؛ لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه. والذي بعثك بالحق! لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا؛ لا رفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى السفلى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: حسبي يا جبريل! لا ينصدع قلبي فأموت. قال: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جبريل وهو يبكي. فقال: تبكي يا جبريل وأنت من الله بالمكان الذي أنت به؟! قال: وما لي لا أبكي! أن أحق بالبكاء؛ لعلي أكون في علم الله على غير الحال التي أنا عليها، وما أدري لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به إبليس؛ فقد كان من الملائكة. وما يدريني لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به هاروت وماروت. قال: فبكى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبكى جبريل عليه السلام، فما زالا يبكيان حتى نوديا أن: يا جبريل! ويا محمد! إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصياه.

فارتفع جبريل عليه السلام، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فمر بقوم من الأنصار يضحكون ويلعبون؛ فقال: أتضحكون ووراءكم جهنم؟! فلو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولما أسغتم الطعام والشراب، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عزوجل. فنودي: يا محمد! لا تقنط عبادي، إنما بعثتك ميسراً، ولم أبعثك معسراً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: سددوا وقاربوا» (موضوع) [قال الإمام]: أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 2750 - مصورتي) من طريق الحكم بن مروان الكوفي قال: أخبرنا سلام الطويل عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن عدي بن عدي الكندي قال: قال عمر بن الخطاب: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه، فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: ... فذكره. وقال: "لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به سلام". قلت: قال الهيثمي (10/ 387): "وهو مجمع على ضعفه". قلت: بل اتهمه بعضهم بالكذب. بل قال ابن حبان (1/ 339): "يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمد لها". وقال الحاكم: "روى أحاديث موضوعة". قلت: وهذا في نقدي من موضوعاته؛ فإن قوله عن إبليس: "كان من الملائكة"؛ مخالف لقوله تعالى: {كان من الجن ففسق عن أمر ربه}.

[1207] باب هل البشر يرون الملائكة؟

ولا يصح تفسير الآية بأن المراد الملائكة وأنه أطلق عليهم (الجن)؛ لأنهم لا يُرون؛ لأن القرآن والسنة مصرحان بأن إبليس خُلِقَ من نار، والحديث يصرح بأن الملائكة خلقت من نور. وكذلك ذكره فيه هاروت وماروت، فيه إشارة إلى قصتهما المعروفة مع الزهرة، وهي من الإسرائيليات الباطلة التي لا يصح نسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ كما تقدم برقم (170، 912،913). "الضعيفة (11/ 2/672 - 675). [1207] باب هل البشر يرون الملائكة؟ سؤال: البشر هل يرون الملائكة؟ الشيخ: أما بصورتهم التي خلقهم الله فالجواب: لا. أما بصورة يتشبهون بها فبلى، وقد ... رؤي جبريل في صورة دحية الكلبي من عائشة رضي الله عنها ومن غيرها، أما أن يرى جبريل على صورته فلم يكن ذلك لأحد إلا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الهدى والنور" (322/ 51: 57: 00) و (322/ 36: 59: 00) [1208] باب هل الملائكة يعصون الله؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن آدم - صلى الله عليه وآله وسلم - لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب [أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون] قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة، حتى يهبط بهما الأرض، فننظر كيف

[1209] باب منه

يعملان؟ قالوا: ربنا! هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض، ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله، فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها قالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: والله لا نقتله أبدا، فذهبت ثم رجعت بقدح خمر، فسألاها نفسها، قالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر، فشربا فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبى، فلما أفاقا، قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا مما أبيتما علي إلا قد فعلتما حين سكرتما، فخيرا بين عذاب الدنيا والآخرة، فاختارا عذاب الدنيا». (باطل مرفوعاً). [قال الإمام]: ومما يؤيد بطلان رفع الحديث ... أن فيه وصف الملكين بأنهما عصيا الله تبارك وتعالى بأنواع من المعاصي على خلاف وصف الله تعالى لعموم ملائكته في قوله عز وجل: {لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}. "الضعيفة" (1/ 314 - 315، 318). [1209] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يا جبريل صف لي النار، وانعت لي جهنم، فقال جبريل: إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأو قد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأو قد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهبها، والذي بعثك بالحق لوأن خازنا من خزنة جهنم برز

إلى أهل الدنيا فنظروا إليه لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه، ومن نتن ريحه، والذي بعثك بالحق لوأن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لارفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: حسبي يا جبريل لا يتصدع قلبي، فأموت، قال: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جبريل وهو يبكي، فقال: تبكي يا جبريل وأنت من الله بالمكان الذي أنت به، فقال: مالي لا أبكي؟ أنا أحق بالبكاء! لعلي ابتلى بما ابتلي به إبليس، فقد كان من الملائكة، وما أدري لعلي ابتلي مثل ما ابتلي به هاروت وماروت، قال: فبكى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وبكى جبريل عليه السلام، فما زالا يبكيان حتى نوديا: أن يا جبريل ويا محمد إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصياه، فارتفع جبريل عليه السلام، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فمر بقوم من الأنصار يضحكون ويلعبون، فقال: أتضحكون ووراءكم جهنم؟! لوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولما أسغتم الطعام والشراب، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل .. فنودي: يا محمد! لا تقنط عبادي، إنما بعثتك ميسرا ولم أبعثك معسرا فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: سددوا وقاربوا» (موضوع). [قال الإمام]: أخرجه الطبراني في " الأوسط " بسنده عن عمر بن الخطاب قال: " جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه، فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا جبريل: مالي أراك متغير اللون؟ فقال: ما جئتك حتى أمر الله بمفاتيح النار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: يا جبريل صف لي النار. الحديث، أورده المنذري في " الترغيب والترهيب " (4/ 225 - 226) وأشار لضعفه أو وضعه، وقد بين علته الهيثمي في

[1210] باب منه

"المجمع" فقال (10/ 387): " وفيه سلام الطويل وهو مجمع على ضعفه". قلت: وذلك لأنه كان كذابا كما قال ابن خراش، وقال ابن حبان: (1/ 335 - 336): "روى عن الثقات الموضوعات، كأنه كان المعتمد لها". وقال الحاكم - على تساهله -: " روى أحاديث موضوعة ". قلت: وهذا منها بلا شك فإن التركيب والصنع عليه ظاهر، ثم إن فيه ما هو مخالف للقرآن الكريم في موضعين منه: [فذكر الأول ثم قال:] الموضع الثاني: قوله: " ابتلي به هاروت وماروت ". فإن فيه إشارة إلى ما ذكر في بعض كتب التفسير أنهما أنزلا إلى الأرض، وأنهما شربا الخمر وزنيا وقتلا النفس بغير، فهذا مخالف لقول الله تعالى في حق الملائكة: {لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}، ولم يرد ما يشهد لما ذكر، إلا في بعض الإسرائيليات التي لا ينبغي أن يوثق بها، وإلا في حديث مرفوع، قد يتوهم - بل أوهم - بعضهم صحته، وهو منكر بل باطل كما سبق تحقيقه برقم 170، ويأتي بعد حديث من وجه آخر. "الضعيفة" (2/ 311 - 313). [1210] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «جَاءَني جِبْرِيلُ وَهُوَ يَبْكِي فَقلتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: مَا جَفَّتْ لِي عَيْنٌ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ جَهَنَّمَ مَخَافَةَ أَنْ أَعْصِيَهُ؛ فَيُلْقِيَني فِيهَا». (موضوع).

[1211] باب هل كان إبليس من الملائكة؟

[قال الإمام]: ثم إن متن الحديث منكر جداً، بل هو موضوع؛ لمخالفته لمثل قوله تبارك وتعالى في الملائكة: {لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}؛ فلعله من الإسرائيليات اشتبه على بعض الرواة؛ فرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كحديث قصة هاروت وماروت، وقد مضى برقم (913). "الضعيفة" (13/ 2/1134 - 1135). [1211] باب هل كان إبليس من الملائكة؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يا جبريل صف لي النار، وانعت لي جهنم، فقال جبريل: إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهبها، والذي بعثك بالحق لوأن خازنا من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا فنظروا إليه لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه، ومن نتن ريحه، والذي بعثك بالحق لوأن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لارفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: حسبي يا جبريل لا يتصدع قلبي، فأموت، قال: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جبريل وهو يبكي، فقال: تبكي يا جبريل وأنت من الله بالمكان الذي أنت به، فقال: مالي لا أبكي؟ أنا أحق بالبكاء! لعلي ابتلى بما ابتلي به إبليس، فقد كان من الملائكة، وما أدري لعلي ابتلي مثل ما ابتلي به هاروت وماروت، قال: فبكى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وبكى جبريل عليه السلام، فما زالا يبكيان

حتى نوديا: أن يا جبريل ويا محمد إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصياه، فارتفع جبريل عليه السلام، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فمر بقوم من الأنصار يضحكون ويلعبون، فقال: أتضحكون ووراءكم جهنم؟! لوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولما أسغتم الطعام والشراب، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل .. فنودي: يا محمد! لا تقنط عبادي، إنما بعثتك ميسرا ولم أبعثك معسرا فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: سددوا وقاربوا». (موضوع) [قال الإمام]: أخرجه الطبراني في " الأوسط " بسنده عن عمر بن الخطاب قال: " جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه، فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا جبريل: مالي أراك متغير اللون؟ فقال: ما جئتك حتى أمر الله بمفاتيح النار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: يا جبريل صف لي النار. الحديث، أورده المنذري في " الترغيب والترهيب " (4/ 225 - 226) وأشار لضعفه أو وضعه، وقد بين علته الهيثمي في " المجمع " فقال (10/ 387): " وفيه سلام الطويل وهو مجمع على ضعفه ". قلت: وذلك لأنه كان كذاباً كما قال ابن خراش، وقال ابن حبان: (1/ 335 - 336): " روى عن الثقات الموضوعات، كأنه كان المعتمد لها ". وقال الحاكم - على تساهله -: " روى أحاديث موضوعة ". قلت: وهذا منها بلا شك فإن التركيب والصنع عليه ظاهر، ثم إن فيه ما هو مخالف للقرآن الكريم في موضعين منه:

[1212] باب منه

الأول: قوله في إبليس: " كان من الملائكة " والله عز وجل يقول فيه: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}، وما يروى عن ابن عباس في تفسير قوله: (من الجن) أي من خزان الجنان، وأن إبليس كان من الملائكة، فمما لا يصح إسناده عنه، ومما يبطله أنه خلق من نار كما ثبت في القرآن الكريم، والملائكة خلقت من نور كما في " صحيح مسلم " عن عائشة مرفوعا، فكيف يصح أن يكون منهم خلقة، وإنما دخل معهم في الأمر بالسجود لآدم عليه السلام لأنه كان قد تشبه بهم وتعبد وتنسك، كما قال الحافظ ابن كثير، وقد صح عن الحسن البصري أنه قال: " ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر " [ثم ذكر الثاني]. "الضعيفة" (2/ 311 - 312). [1212] باب منه [أورد الإمام الحديث السابق ثم قال]: «يا جبريل مالي أراك متغير اللون؟ فقال: ما جئتك حتى أمر الله عز وجل بمفاتيح النار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: يا جبريل صف لي النار، وانعت لي جهنم، فقال جبريل: إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهبها، والذي بعثك بالحق لوأن ثوبا من ثياب النار علق بين السماء والأرض لمات من في الأرض جميعا من حره، والذي بعثك بالحق لوأن خازنا من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا

فنظروا إليه لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه، والذي بعثك بالحق لوأن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لا رفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: حسبي يا جبريل لا يتصدع قلبي فأموت قال: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جبريل وهو يبكي، فقال: تبكي يا جبريل؟ وأنت من الله بالمكان الذي أنت به! قال: ومالي لا أبكي؟ أنا أحق بالبكاء لعلي أن أكون في علم الله على غير الحال التي أنا عليها، وما أدري لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به إبليس، فقد كان من الملائكة، وما يدريني لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به هاروت وماروت، قال: فبكى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وبكى جبريل عليه السلام، فما زالا يبكيان حتى نوديا: أن يا جبريل ويا محمد: إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصيا. فارتفع جبريل عليه السلام، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فمر بقوم من الأنصار يضحكون ويلعبون، فقال: أتضحكون ووراءكم جهنم؟! لوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ولما أسغتم الطعام والشراب، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل. فنودي: يا محمد: لا تقنط عبادي، إنما بعثتك ميسرا، ولم أبعثك معسرا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: سددوا، وقاربوا». (موضوع بهذا السياق والتمام). أخرجه ابن أبي الدنيا في " صفة النار " (ق 9/ 1) والطبراني في "المعجم الأوسط " (2750 - بترقيمي لمصورة الجامعة الإسلامية) عن سلام الطويل عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن عدي بن عدي الكندي قال: قال: عمر بن الخطاب: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه، فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: فذكره. وقال الطبراني:

"لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد تفرد به سلام". قلت: وقال الهيثمي (10/ 386 - 387) بعد ما عزاه للطبراني: " وهو مجمع على ضعفه". قلت: وقد اتهمه غير واحد بالكذب والوضع كما تقدم غير ما مرة، وقال ابن حبان في " الضعفاء والمتروكين ": " يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمد لها ". قلت: وفي هذا الحديث ما يؤكد ما اتهموه به أعظمها قوله في إبليس: «كان من الملائكة» وهذا خلاف القرآن: و {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}. ثم إن الملائكة خلقت من نور كما في "صحيح مسلم"، وهو مخرج في "الصحيحة" (458)، وأما إبليس فخلق من نار كما في القرآن والحديث. ونحوه قوله: " ما ابتلي به هاروت وماروت، فإنه يشير إلى ما يروى من قصتهما مع الزهرة ومراودتهما إياها وشربهما الخمر وقتلهما الصبي، وهي قصة باطلة مخالفة للقرآن أيضا كما سبق بيانه في المجلد الأول برقم (170). ولا يفوتني التنبيه أن قوله: " لو تعلمون ... " إلى قوله: " تجأرون إلى الله عز وجل " قد جاء طرفه الأول في " الصحيحين "، والباقي عند الحاكم وغيره، فانظر الحديث الآتي إن شاء الله برقم (4354). وتخريج " فقه السيرة " (ص479). "الضعيفة" (3/ 472 - 475).

[1213] باب منه

[1213] باب منه [قال الإمام]: [يزعم بعضهم] أن إبليس الرجيم كان من الملائكة وهذا زعم مخالف للقرآن الكريم؛ لأنه يصرح بقوله: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} وهذا نقوله استطراداً وإلا سواء كان من الملائكة المقربين أو من الجن المؤمنين وهو فعلاً كان مؤمناً كان مطيعاً ومن أين نفهم هذا من قوله تعالى بعد قوله {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}؛ لأن الفسوق هو الخروج على الطاعة وذلك مشتق من قول العرب فسقت الحية؛ أي: خرجت من قميصها الذي تدثر به حينما تلتوي على نفسها في جحرها في أيام الشتاء, فإذا آن الأوان للخروج تفسق أي تخرج من هذا القميص, المقصود فما الذي أخرج إبليس من أولائك الطائعين المؤمنين من الجن هو فسوقه عن أمر ربه تبارك وتعالى. "الهدى والنور" (654/ 00:00:02) [1214] باب الملائكة عباد مطيعون عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إن الملائكة قالت: يا ربنا، أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون، ونحن نسبح بحمدك، ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة؟ قال: لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له: كن فكان». (صحيح بإسناد الدارمي في "الرد على المريسي"). [قال الإمام:] إعلاله من جهة المتن والمعنى ... غير جيد, ولا مقبول. فإن الملائكة لم

[1215] باب هل إبراهيم عليه السلام خير من الملائكة؟

يعترضوا بهذا على ربهم, ولم يتبرموا بأحوالهم, وإنما سألوا ربهم, وهم عباد مطيعون, يرضون بما أمرهم الرب تبارك تعالى, إذا لم يستجب دعاءهم. ومثال ذلك الآيات في خلق آدم في أول سورة البقرة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الآيات 30 - 33). "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 306 - 307). [1215] باب هل إبراهيم عليه السلام خير من الملائكة؟ [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ذاك إبراهيم عليه السلام. يعني: أنّه خير البريّة». [قال الإمام]: قلت: وظاهر الحديث يدل على أمرين: أحدهما: أن إبراهيم عليه السلام خير الخلق مطلقاً بما فيهم الملائكة. والآخر: أنه أفضل من نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. وأجاب العلماء عن هذا بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال ذلك تواضعاً وهضماً لنفسه، أو أنه قال ذلك قبل أن يوحى إليه بأن الله تعالى اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، وأنه سيد الناس يوم القيامة، آدم فمن دونه تحت لوائه - صلى الله عليه وآله وسلم -، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، وبهذا أجاب الطحاوي، فراجعه فإنه هام مفيد. وأما الأمر الأول؛ فلم يتعرض له الطحاوي، فأرى- والله أعلم- أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خير البرية» من حيث إنه لا يشمل الملائكة، كقوله تعالى في سورة

(البينة): {[إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة} بعد قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة}، وأن المراد بـ (خير البرية) و (شر البرية)؛ إنما هم غير الملائكة- كما يشعر بذلك السياق-؛ فإن الملائكة {لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}. وقد ذكر القرطبي أنه قد استدل بقوله تعالى: {خير البرية} من فضل بني آدم على الملائكة، ثم أحال في بيان الخلاف في ذلك على سورة البقرة (1/ 289)، وهناك ذكر الخلاف في المسألة بشيء من التفصيل، وذكر دليل من قال بذلك، والقائل بأن الملائكة أفضل، ومن ذلك قوله: "وفي البخاري: "يقول الله تعالى: من ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم "، وهذا نص" (¬1). ثم قال: "وقال بعض العلماء: ولا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة، ولا القطع بأن الملائكة خير منهم, لأن طريق ذلك خبر الله تعالى، وخبر رسوله، أو إجماع الأمة، وليس ههنا شيء من ذلك ". ثم رأيت العلامة ابن أبي العز الحنفي قد توسع جدا في ذكر أدلة الفريقين ومناقشتها، وبيان ما لها وما عليها في "شرح العقيدة الطحاوية" (301 - 311) - وتبعه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري " (13/ 384 - 388) -؛ وذكر عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لم يقطع فيها بجواب، وقال: ¬

(¬1) الحديث أخرجه مسلم أيضاً، وهو من حديث أبي هريرة، وله شواهد من حديث ابن عباس، وأنس بن مالك، وهي مخرجة في "الصحيحة" (2011و 2287 و2942). [منه].

"وهذا هو الحق، فإن الواجب علينا الإيمان بالملائكة والنبيين، وليس علينا أن نعتقد أي الفريقين أفضل؛ فإن هذا لو كان من الواجب لبين لنا نصاً .. وحملني على بسط الكلام هنا: أن بعض الجاهلين يسيئون الأدب بقولهم: كان الملك خادماً للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -! أو أن بعض الملائكة خدام بني آدم!! يعنون: الملائكة الموكلين بالبشر، ونحو ذلك من الألفاظ المخالفة للشرع المجانبة للأدب .. ". ثم شرع في البسط المذكور، وختمه بقوله: "وحاصل الكلام: أن هذه المسألة من فضول المسائل، ولهذا لم يتعرض لها كثير من أهل الأصول، وتوقف أبو حنيفة في الجواب عنها كما تقدم. والله أعلم بالصواب ". قلت: ولقد كان التوقف المذكور هو الذي يقتضيه النظر والتأمل في أدلة الفريقين، وجواب كل منهما عن أدلة الآخر، لولا حديث البخاري الذي قال فيه القرطبي: إنه نص في المسألة كما تقدم؛ وقد حكاه الحافظ العسقلاني عن ابن بطال أيضاً، وإن كان الحافظ تكلف في رد دلالته وتأويله: "بأن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ معاً؛ فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب، فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع ". وقد كنت وقفت منذ القديم في "الترغيب والترهيب " على حديث من رواية البزار وابن حبان في "صحيحه " هو نص في الموضوع وأقوى؛ لأنه يبطل التأويل المذكور، ونصه: "أول من يدخل الجنة من خلق الله: الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم

الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله لملائكته: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة: ربنا! نحن سكان سماواتك، وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؛! قال: إن هؤلاء كانوا عباداً لي يعبدوني لا يشركون بي شيئاً، وتسد بهم الثغور .. ، قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك؛ فيدخلون عليهم من كل باب: [سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار]. وقال المنذري (4/ 86)، والهيثمي (10/ 259): "ورجاله ثقات ". وهو في "موارد الظمآن " (2565) - والسياق له-، ومخرج في المجلد السادس من "الصحيحة" برقم (2559). وإني لأستغرب جدًّا كيف فات على أولئك العلماء من الفريقين إيراده احتجاجاً ودفعاً؟! وبخاصة الحافظ ابن حجر العسقلاني، لنعلم رأيه في شهادة الملائكة أمام ربهم: أنهم خيرة خلقه، وما أظن أنه يجد له تأويلاً إلا التسليم لدلالته! ونحوه حديث الترجمة، فما تعرض أحد منهم لذكره، ولعل ذلك لأنهم يرون أيضاً أنه خاص بالناس دون الملائكة؛ كما تقدم بيانه في طليعة هذا التخريج، وهو الذي استظهره الإمام الآلوسي في تفسيره "روح المعاني " (3/ 264)! والله ولي التوفيق. وأما حديث: "علي خير البرية"؛ فمن موضوعات الشيعة، وقد روي من حديث أبي سعيد الخدري، وهو مخرج في "الضعيفة " (5593)، ومن حديث جابر بن جابر برقم (4925)، وذكره الآلوسي من حديث أبي هريرة عند ابن أبي

[1216] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن يقول بأن أهل البيت أفضل من الملائكة

حاتم، وحديث عائشة وعلي وابن عباس عند ابن مردويه، ولم أقف على أسانيدها. ومن الظاهر أنها من عمل الشيعة أو غيرهم من الضعفاء والكذابين، ولذلك عقب الآلوسي عليها بقوله: "وإن دون إثبات صحة تلك الأخبار خرط القتاد. والله تعالى أعلم ". ولا بد من التنبيه أنه وقع فيه حديث أبي هريرة: "مرفوعاً "، وأنا أظن أنه محرف: "موقوفاً"؛ فإن من المعروف أن مرجع المتأخرين في تخريج أحاديث التفسير إنما هو "الدر المنثور"على الغالب، والحديث فيه (6/ 379) غير مرفوع!. "الصحيحة" (7/ 2/1035 - 1039). [1216] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن يقول بأن أهل البيت أفضل من الملائكة [سئل الشيخ عن فتوته الخاصة بالخميني، فأجاب]: الفتوى خلاصتها: أنه وقفنا على عبارات للخميني أنه يقول: كذا وكذا، أربع خمس عبارات، فهذه العبارات هي الكفر بعينه، وكل من يقول بهذا الكلام فهو كافر أو يكفر، وشرحنا هنا في الأسباب المقتضية لهذا الحكم، وبلا شك أنه نفس الكلمات عندما يقرأها مسلم مهما كان الثقافة الإسلامية ضحلة فهو لا يشك في أن هذا الكلام كفر. من ذلك مثلاً أنه يقول في بعض كتبه: بأن أئمة أهل البيت هم من المنزلة عند الله تبارك وتعالى فوق منزلة الملائكة والرسل والأنبياء، ومن ذلك أنه يقول: أن

مصحف فاطمة أظن مذكور هذا في الأشياء .. مصحف فاطمة هو المصحف الكامل، أما المصحف المتداول اليوم بين الأئمة فهو جزء من ذاك المصحف، وهذا كفر لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] وهكذا أربع خمس عبارات نقلت من كتبه .. كتب الخميني نفسه، هذه الأشياء خطيرة جداً وكتابه الذي أصدره: «فوائد الثورة الإيرانية» هذه وهي: الكتاب المعروف: «بالحكومة الإسلامية»، لا أدري رأيتم هذا الكتيب الصغير؟ مداخلة: لا. الشيخ: لم تروه،، في هذا الكتيب الصغير الذي سماه: الثورة الإسلامية أو: الحكومة الإسلامية مع أن هذا الكتاب هو كتاب دعاية، والمفروض عند كل الناس المسلمين والكافرين أن أي كتاب سياسي لا يحسن بالكاتب أن ينشر في هذا الكتاب العقائد التي يعلم أن الخصوم سوف ينكرونها ويبادرون إلى عدم الاستجابة لمضمون الكتاب بصورة عامة، ومع أن الشيعة يوجد عندهم عقيدة يساعدهم أوسع ما تكون المساعدة في سلوك هذا السبيل السياسي وهو: كتمان عقائدهم عن الناس؛ لأنه يوجد لديهم شيء يسمى: بالتقية، لا بد أنك سمعت عن التقية شيء، فالأمر عندهم في موضوع التقية خطير جداً بحيث أنه لا يمكن لإنسان يعرف أن عندهم التقية أن يركن إليهم؛ لأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وهذا دين عندهم، فهو إذا قال لك عن شيء وهو يعلم أنه كاذب لا يستوحش من هذا الكلام إطلاقاً؛ لأن هكذا دينه الذي منه التقية يأمره بذلك. فمع كون عندهم هذه التقية التي تسوغ لهم أن يقولوا ما شاؤوا، وعلى العكس أكثر من ذلك أن يكتموا عن الناس عقائدهم، لكن الله عز وجل لحكمته البالغة ألهم هذا الرجل الخميني في كتيبه المشار إليه آنفاً: الحكومة الإسلامية أن

يبيح عن بعض العقائد مع أنه كتاب دعوة وسياسة، منها: ما ذكرته آنفاً من تعظيمه لأهل البيت أكثر من الملائكة والأنبياء والرسل. ومن ذلك وهذه كفرية أخرى، وهي: أنهم يعني: أهل البيت يعلمون كل حركة تقع في الكون ما من ذرة تقع في الكون إلا وهم على علم بها، مع أن أهل البيت ماتوا وصاروا تراباً مهما كان شأنهم، فجعلوهم شركاء في العلم مع الله عز وجل، يعني: أشياء غريبة جداً، فربنا تبارك وتعالى ليقيم الحجة على من قد يغتر بدعايتهم يعني: سَخَّرَ هذا الإنسان أن يضع في هذا الكتيب الذي هو كتاب دعاية العقيدتين الوافدتين، واحدة منها تكفي لتحذير الناس من الاغترار بما سموه بالثورة الإسلامية. ومع الأسف يعني: لما قامت هذه الثورة اغتر بها بعض الشخصيات الإسلامية ويمكن ذهبوا إليهم، فمنهم من رجع وقد تبين له الحق، ومنهم من لا يزال إلى الآن يدعو إلى دعوتهم ... "الهدى والنور" (137/ 00:05:18)

جماع أبواب ذكر بعض الملائكة

جماع أبواب ذكر بعض الملائكة

(جبريل عليه السلام)

(جبريل عليه السلام) [1217] باب حال حديث سؤال النبي لجبريل: «هل تتنزل بعدي إلى الأرض ... » سؤال: صاحب "الإبداع" علي محفوظ في مضار الابتداع، ذكر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سأل جبريل: هل تنزل بعد موتي إلى الأرض، قال: أنزل في كوكبة من الملائكة لقبض روح كل مؤمن، إلا رجلاً كان جنباً ونام ولم يتوضأ، يظهر ضعف هذا الحديث؟ الشيخ: وأشد من ضعف. "الهدى والنور" (426/ 59: 55: 00)

(ملك الموت)

(ملك الموت) [1218] باب هل صحت تسمية ملك الموت بعزرائيل؟ [تكلم محمد العدوي في "التوحيد والعقائد الإسلامية" حول الإيمان بملك الموت ولم يسمه بـ"عزرائيل"، فعلق الإمام على صنيعه بقوله]: لقد أحسن المصنف صنعاً بإعراضه عن تسميه ملك الموت بـ «عزرائيل» فإن هذا الاسم على شهرته عند الناس ليس له أصل في الكتاب والسنة، وإنما هو من الإسرائيليات واسمه في القرآن والسنة «ملك الموت». قال الحافظ ابن كثير في "البداية " (1/ 57): «وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن ولا في الأحاديث الصحاح، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بـ (عزرائيل). والله أعلم». "تحقيق كتاب: التوحيد والعقائد الإسلامية" (ص 68) [1219] باب منه [علق الإمام على قول صاحب الطحاوية: "ونؤمن بملك الموت" قائلاً]: هذا هو اسمه في القرآن وأما تسميته بـ (عزرائيل) كما هو الشائع بين الناس فلا أصل له وإنما هو من الإسرائيليات. "التعليق على متن الطحاوية" (ص84).

[1220] باب الكلام على قصة لطم موسى عليه السلام لملك الموت وهل تصح تسمية ملك الموت بعزرائيل؟

[1220] باب الكلام على قصة لطم موسى عليه السلام لملك الموت وهل تصح تسمية ملك الموت بعزرائيل؟ سؤال: يقول السائل: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن موسى عليه السلام لطم عين ملك الموت فأعوره» سمعت أحد العلماء يضعف إخراج هذا الحديث، ويقول: إن رائحة الإسرائيلية لتفوح من هذا الحديث، فكيف نرد عليهم، وهل يجوز أن نسمي ملك الموت عزرائيل، وهل هناك رواية صحيحة على أن اسمه عزرائيل، وكيف يجوز لنبي أن يضرب ملكًا، مع العلم بأن ملك الموت شديد، وهل أذن الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام بذلك؟ الشيخ: هذا السؤال له شعبتان: الشعبة الأولى: تتعلق بحديث لطم موسى عليه السلام للملك حتى فقأ عينه. والشعبة الأخرى: هي هل صح أن ملك الموت يسمى بعزرائيل كما هو شائع عند كثير من الناس، نجيب عن هذا الشق الثاني: لأن الجواب فيه مختصر لنعود إلى الجواب عن الشق الأول: لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إطلاقًا تسمية ملك الموت بعزرائيل، فقد جاء في كثير من الأحاديث اسم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، هذا ثابت لكن تسمية ملك الموت بعزرائيل فليس له أصل في السنة فضلًا عن القرآن الكريم. نعود إلى الجواب عن الشق الأول من السؤال وهو حديث ملك الموت، وتضعيف من ضعفه من العلماء، بين يدي الجواب أريد أن أذكركم بقاعدة علمية معترف بها حتى عند من ليس مسلمًا، هذه القاعدة العلمية: هي أنه لا يجوز لمن

كان جاهلًا بعلم أن يتكلم فيه؛ لأنه يخالف نصوصًا من الكتاب والسنة من ذلك قول ربنا تبارك وتعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36) فالذي يريد أن يتكلم في الطب مثلًا لا يجوز أن يتكلم إذا كان مفسرًا؛ لأن الطب ليس من عمله، كما أن هذا الطبيب المختص في مهنته لا يجوز أن يتكلم في التفسير أو في الفقه أو في غير ذلك؛ لأن هذا وذاك إذا تكلما في غير اختصاصهما فقد قفا ما لا علم له به، ويكون قد خاف النص القرآني السابق. هذا أظن من الأمور التي يصح أن يذكر معه المثل العربي القديم: هذا أمر لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان، أي: أنه لا يجوز أن يتكلم في علم ما إلا أهل الاختصاص، إذا كان هذا أمرًا مسلمًا وهو كذلك عدنا إلى هذا الحديث أو غيره، من الذي يتكلم فيه، آلطبيب مثلًا؟ الجواب طبعًا: لا، آلكيمائي مثلًا؟ الجواب: لا، أسئلة كثيرة كثيرة نقترب من الحقيقة، آلمفسر؟ الجواب: لا، آلفقيه؟ الجواب: لا، إذًا: من الذي يتكلم؟ إنما هو العالم بالحديث، وعلماء الحديث كانوا كما قيل .. كانوا إذا عدو قليلًا فصاروا اليوم أقل من القليل. ولذلك فلا يجوز لطلاب العلم أن يتورطوا بكلمة تنقل عن عالم لا نعرف هوية واختصاص هذا العالم إذا ما قال: الحديث الفلاني ضعيف، هذه قاعدة يجب أن نلتزمها دائمًا وأبدًا، ومن عجائب المصائب التي حلت في الأمة من الغفلة بالقواعد العلمية المبثوثة في الكتاب والسنة أنهم يبتعدون عنها كل البعد، وإذا جاء دور ما يتعلق بما يخص أنفسهم تجدهم يحققون مثل ذلك النص القرآني الذي يلزم المسلمين أن يرجعوا إلى أهل الاختصاص، مثلًا إذا أصاب أحدنا أو أحد من يخصنا مرض ما فهو لا يذهب إلى أي طبيب وإنما قبل كل شيء يسأل عن

المختص في ذاك المرض، ثم يتابع السؤال والبحث والتحقيق عن الطبيب الماهر المختص في ذلك المرض حينذاك يذهب إليه ويعرض نفسه أو حبيبه عليه، أما فيما يتعلق بالدين فأصبح الأمر فوضى لا نظام لها، ذلك أن الناس اليوم كلما رأوا إنسان يدندن حول بعض المسائل الفقهية أو حول بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية ظنوا أنه عالم زمانه فيتوجهون في الأسئلة فيقعون في المحذور الذي جاء ذكره في الحديث الأول ألا وهو قوله عليه السلام: «قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا - أي: أهل العلم - فإنما شفاء العي السؤال» (¬1). بعد هذا أعود لأقول: أي إنسان تكلم في غير اختصاصه لا يجوز له ذلك، وبخاصة إلا تبين أن كلامه مخالف لأهل الاختصاص في العلم الذي تكلم هو فيه بغير علم، فحديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت حديث أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «جاء ملك الموت إلى موسى عليه الصلاة والسلام فقال له: أجب ربك» يعني: سلم لي نفسك وروحك، فما كان من موسى عليه السلام إلا أن لطمه تلك اللطمة ففقأ عينه، فرجع الملك ملك الموت إلى ربه، قال: يا رب! أرسلتني إلى عبد يكره الموت، فقال الله له: عد إليه وقل له: إن ربك يقول لك: ضع يدك على جلد ثور فلك من العمر من السنين بعدد كل الشعرات التي تكون تحت أصابعك، فرجع ملك الموت إلى موسى عليه السلام وقال له ما أمره به ربه، قال موسى: وماذا بعد ذلك؟ قال الموت، قال: فالآن، فقبض ملك الموت روح موسى عليه السلام في تلك اللحظة. ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (4362)

قال نبينا صلوات الله وسلامه عليه: «ولو كنت ثمة» أي: حيث قبض ملك الموت روح موسى «لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر» هذا نص الحديث في الصحيحين. الجواب الآن: يحتاج إلى أن أتكلم في أكثر من مسألة، المسألة الأولى: يتبين بعد ورود هذا الحديث في الصحيحين أن ذلك الذي ضعفه هو الضعيف؛ ذلك لأنه تكلم بغير علم، وفي ظني أن هذا المضعف هو من أولئك الناس الكثيريين الذين يسلطون ويحكمون عقولهم إن لم أقل أهوائهم في الحكم على الأحاديث الصحيحة بأنها ضعيفة وربما قالوا إنها موضوعة، ما الدليل على ما زعموه من الضعف والوضع؟ هو تحكيمهم عقولهم، واتباعهم لأهوائهم: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} [المؤمنون:71] ذلك لأن الإيمان ضعف في صدور كثير من الناس ولو ممن قد ينتمون إلى العلم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: لم يدرسوا السنة دراسةً واعيةً مستوعبة لطرق الحديث التي من عادتها أنها تزيل ما قد يقع في نفوس البعض من إشكال. نحن الآن بعد أن بينا أن الذي ضعف الحديث هو الضعيف؛ لأنه خالف أولًا: الإمامين الذين وضعا كتابين يسميان بالصحيحين هما باتفاق علماء السنة أصح كتاب بعد كتاب الله تبارك وتعالى، صحيح البخاري وصحيح مسلم، وليس هذا فقط بل تلقت الأمة ذلك بالقبول، ولذلك كان كل حديث جاء في الصحيحين لم يتكلم أحد من علماء الحديث الذين كانوا في مرتبة البخاري ومسلم بشيء من النقد، فهذه الأحاديث كلها ثابتة يقينًا عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، إذًا: فلا نقيم وزنًا لمن يضعف مثل هذا الحديث مهما كان شأنه ومهما ظن الناس فيه علمًا.

أما الإشكال الذي يصوره السؤال: أن ملك الموت كيف يضربه موسى عليه السلام؟ الجواب: وهذا فيه إشارة لما قلته أن هؤلاء الناس لا يدرسون السنة، الجواب: في رواية في مسند الإمام أحمد بسند صحيح قال: كان ملك الموت يأتي الناس على صورة البشر، فإذًا: ملك الموت لما جاء إلى موسى فقال له: أجب ربك، ما جاءه بالعلامة التي تجعل موسى عليه السلام ينتبه إلى أن هذا الذي يقول له: أسلم روحك هو ملك مرسل من الله، فهو جاءه بصورة بشر، وأي إنسان منا لو جاءه شخص ويقول: سلم لي روحك، فماذا سيكون موقفه منه؟ سيكون موقف موسى عليه السلام بالذات؛ لأنه يتعدى على وظيفة لملك كريم لا يشاركه فيه الملائكة الآخرون، فكيف إنسان يتقدم إلى بشر مثله ويقول: أسلم روحك، فما كان منه إلا صفعه ففقأ عينه، هذا أمر طبيعي والشبهة تطيح وتزول من أصلها وفصلها حينما نتذكر هذه الرواية الأخرى أن ملك الموت كان يأتي الناس عيانًا بصورة البشر، بذلك ترون في تتمة الحديث أن ملك الموت لما شكا أمره إلى الله وقال له: أرسلتني إلى عبد يكره الموت، أعطاه علامة وقال له: راجع إلى موسى وقل له: إن ربك يأمرك أن تضع يدك إلى آخر الحديث على جلد ثور فلك من العمر بكل شعرة تحت يدك، لما رجع الملك بهذا البرهان إلى موسى عليه الصلاة والسلام قال له: وماذا بعد ذلك؟ قال: الموت، قال: إذًا فالآن قبض روحه تلك الساعة، لماذا استسلم ثانيًا ولم يستسلم أولًا؟ وضح الجواب، أولًا كان الطالب بشرًا من البشر، فكأنه يهزأ، وما كان موسى يعلم أنه ملك من الله مرسل، لذلك ضربه فلما جاء الملك ومعه هذه العلامة من الله عز وجل واطمئن موسى إليها وسأله ذلك السؤال، وأجابه: ما بعد ذلك إلا الموت، قال: فالآن، إذًا: موسى لا يكره الموت ولكنه فقأ عين ذلك الرجل على ظنه أنه بشر من البشر.

فحينما ننظر إلى الحديث بتفسير هذه الرواية التي رواها الإمام أحمد في المسند يطيح الإشكال يبطل قول من قال: أنه ربما يكون هذا الحديث من الإسرائيليات، هذا كلام باطل؛ لأنه حين يقال الراوية الفلانية أو الحديث الفلاني هو من الإسرائيليات فذلك يعني أنه مما كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى يتحدثون بينهم ببعض الروايات التي تلقوها عن أسلافهم، وفيها الحق وفيها الباطل لذلك قال عليه السلام: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم» (¬1) هذا هو معنى كون الشيء من الإسرائيليات، ولكن هناك تفصيل لا بد من ذكره لعلمي أن قليلًا ما يقرأ هذا التفصيل في كتب العلماء؛ الإسرائيليات نسبة إلى رواية قصص تتعلق ببني إسرائيل، تنقسم إلى قسمين: القسم الأول وهو الأكثر رواية وشيوعًا ما كان مرويًا كما ذكرنا آنفًا عن أهل الكتاب، وهذه روايات كثيرة وكثيرة جدًا كقصة مثلًا هاروت وماروت أنه ما كانا ملكين مقربين عند الله تبارك وتعالى، وأن الله عز وجل لما قال للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] قال: الله أراد أن يمتحن هؤلاء الملائكة الذين قالوا: أتجعل فيها، قال: اختاروا ملكين منكم لأنزلهما إلى الأرض ولأبتليهم، فاختار هاروت وماروت، قصة طويلة خلاصتها: أن الله عز وجل كساهم ثوب البشرية فافتتنوا بامرأة فراودها عن نفسها فامتنعت حتى يقتلا غلامًا هناك، فامتنعا لأنهم يعلمون أن هذا حرام، فعرضت عليهم الخمر فشربا الخمر فسكرا وقتلا الغلام وفجرا بالمرأة، فعاقبهم الله تبارك وتعالى في الدنيا بأن علقهم في بئر منكسين رؤوسهم إلى أسفل وأرجلهم إلى أعلى ويخرج الدخان من أسفل ¬

(¬1) "الصحيحة" (6/ 1/ 712).

ويدخل في مناخيرهم ويخرج من أدبارهم. هذه قصة تروى في تفسير الآية السابقة، هذه من الإسرائيليات، وهي مما تنافي قول الله عز وجل في الملائكة في قوله تبارك وتعالى: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6) فهذه القصة تنافي مثل هذه الآية التي تصرح أن الملائكة معصومون لا يمكن أن يتصور أنهم يزنون ويقتلون النفس بغير حق إلى آخر ما جاء في تلك الإسرائيليات. هذا النوع من الإسرائيليات حينما يقال هذا الخبر أو هذه الرواية من الإسرائيليات. هناك قسم آخر ولو أنه قليل ولكن هذا يجب ألا يساق مساق القسم الأول: هذا القسم الآخر أخبار يتحدث بها رسول الله عن بني إسرائيل، هذه إسرائيليات صحيحة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حدث بها وليست من قبيل ما يرويه أهل الكتاب، والأمثلة في هذا كثيرة، ولا بأس أن نذكر بحديث واحد قاله عليه السلام: بينما رجل ممن قبلكم يمشي في فلاة من الأرض، إذ سمع صوتًا من السحاب يقول: اسق أرض فلان، فتعجب الرجل الذي يمشي في الأرض وتوجه مع السحاب حتى رأى السحاب يفرغ مشحونه من المطر في بستان، فأطل هذا الرجل فرأى صاحب البستان يعمل في أرضه، فسلم عليه وكأنه سماه بالاسم الذي سمعه من السماء فتعجب الرجل وقال له: ما علمك؟ فقص عليه القصة أنه سمع هذا الاسم يخاطب به الملائكة السحاب ويأمرون السحاب أن ينطلق إلى هذه الأرض التي أنت تعمل فيها، فبم ذاك؟ لا أعلم أمرًا أستحق من الله هذا الإكرام سوى أنني أملك هذه الأرض، فأزرعها ثم أحصدها، فأجعل حصيدها ثلاثة أثلاث: ثلث أعيده إلى الأرض، وثلث أنفقه على نفسي وعيالي، وثلث آخر أتصدق به على

(منكر ونكير)

الفقراء الذين حولي، فقال له الرجل: فهو هذا، يعني: بقيامك بهذه الواجبات استحققت هذه العناية الإلهية حيث سخر لك السحاب (¬1). هذا حديث يتحدث عن بني إسرائيل، لكن من الذي حدث به؟ هو رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الموصوف في القرآن الكريم بأنه لا ينطق الهوى .. {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:4) فإذًا هذا الحديث ما دام جاء في الصحيحين، وعن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: وذكر الحديث، فإذًا: لا يجوز لنا أن نقول: هذا من الإسرائيليات بالمعنى، وإذا كان ولا بد فنقيد ذلك بأنه من الإسرائيليات لكن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الذي تكلم به ... "فتاوى الإمارات" (12/ 00:00:37) (منكر ونكير) [1221] باب تسمية منكر ونكير [علق الإمام على قول صاحب الطحاوية: "ونؤمن ... بعذاب القبر لمن كان له أهلا وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الل - صلى الله عليه وآله وسلم - وعن الصحابة رضوان الله عليهم " قائلا]: وهي [أي أخبار السؤال في القبر] متواترة إلا تسمية الملكين بمنكر ونكير ففيه حديث بإسناد حسن مخرج في " الصحيحة " (1391). "التعليق على متن الطحاوية" (ص85). ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 2864) , " الصحيحة" (3/ 194)

(الملك الموكل بالأرحام)

(الملك الموكل بالأرحام) [1222] باب متى يرسل الملَك الموكل بالرحم؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إذا استقرت النطفة في الرحم أربعين يوماً، أو أربعين ليلة بعث إليها ملكاً، فيقول: يا رب ما رزقه؟ فيقال له: فيقول: يا رب ما أجله؟ فيقال له، فيقول: يا رب ذكر أو أنثى؟ فيعلم، فيقول: يا رب شقي أو سعيد؟ فيعلم». (ضعيف). [قال الإمام]: قلت: وظاهر الحديث مع ضعف إسناده مخالف لحديث ابن مسعود مرفوعاً: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات ... » الحديث متفق عليه، وهو مخرج في " ظلال الجنة " (175). فهذا صريح في أن الملك إنما يرسل بعد الأربعين الثالثة. وقد يتوهم البعض أن هذا مخالف أيضا لحديث حذيفة بن أسيد الغفاري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا فصورها، وخلق سمعها وبصرها، وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟

فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجله؟ ... » الحديث. أخرجه مسلم (8/ 45). فأقول: لا مخالفة بينهما لأن بعث الملك فيه إنما هو لأجل تصوير النطفة وتخليقها، وأما الكتابة فهي فيما بعد بدليل قوله: "ثم قال: يا رب .. "، فإن " ثم " تفيد التراخي كما هو معلوم، فيمكن تفسيره بحديث ابن مسعود، كما أن حديث هذا يضم إليه ما أفاده حديث حذيفة من التصوير والتخليق مما لم يرد له ذكر في حديث ابن مسعود، وبذلك تجتمع الأحاديث ولا تتعارض. نعم في رواية عند مسلم، والطحاوي في " المشكل " (3/ 278)، وأحمد (4/ 7) عن حذيفة بمعنى حديث الترجمة، ولفظه: " يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أوخمسة وأربعين ليلة، فيقول: يا رب أشقي أوسعيد؟ فيكتبان ... " الحديث. فهذا بظاهره يشهد للحديث، لكن لابد من فهمه على ضوء اللفظ الذي قبله وتفسيره به، وذلك بأن يقال: إن دخول الملك بعد الأربعين من أجل التصوير والتخليق، وأما الكتابة فبعد الأطوار الثلاثة كما سبق، ففي اللفظ اختصار يفهم من اللفظ المتقدم ومن حديث ابن مسعود. والله تعالى أعلم. "الضعيفة" (5/ 346).

(الملائكة السيارة)

(الملائكة السيارة) [1223] باب ذكر الملائكة السيارة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فُضْلاً يبتغون مجالس الذكر ... » الحديث. [قال الإمام]: [فضلاً]: بسكون الضاد على الأكثر والأصوب كما في النهاية، أي: إنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق، فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم، وإنما مقصودهم حلق الذكر. ذكره النووي. "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 617).

(الملك الموكل بعرض الأعمال)

(الملك الموكل بعرض الأعمال) [1224] باب ذكر المَلَك الموكل بعرض الأعمال عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يصوم الاثنين والخميس فقيل يا رسول الله إنك تصوم الاثنين والخميس، فقال: «إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين يقول دعهما حتى يصطلحا». (صحيح لغيره). [قال الإمام]: الظاهر أن الخطاب للملك الذي يعرض الأعمال، فمعنى (دعهما) أي: لا تعرض عملهما، أو لعله إذا غفر لأحد يضرب الملك على سيئاته أو يمحوها من الصحيفة، فمعنى دعهما: لا تمسح سيئاتهما. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 445). [1225] باب من هم الملائكة الكروبيون؟ السائل: من هم الملائكة الكروبيون؟ الشيخ: من هم الملائكة الكروبيون؟ لم يثبت فيما علمتُ حديث فيه ذكر هذا الاسم للملائكة, الملائكة الكروبيون والحقيقة أن هذا الاسم منذ نحو ثلاثين سنة لم يكن مر بي في الأحاديث التي كنت قرأتها في مئات إن لم أقل

ألوف الكتب أكثرها مخطوطة حتى سمعت هذا الاسم في منى في موسم من مواسم الحج، كنت جالسا في ليلةٍ هادئةٍ وجميلةٍ من أيام منى أتحدث مع بعض إخواننا من أنصار السنة المصريين والسوريين وغيرهم، لما دخل علينا شيخ سمته لا بأس به سلم وجلس واستمع وبعد أن توقفت قليلاً عن الكلام دخل هو في الموضوع يتكلم، تبين من كلامه أنه من الذين درسوا في الأزهر ويحملون في طوايا نفوسهم بغضًا للدعوة السلفية أو دعوة التوحيد وأنه متأثر ببعض الدعاوى الكاذبة التي تنسب إلى جماعة التوحيد في كل بلاد الإسلام سواء كان هنا أو في مصر أو في سوريا أو في غير مكان، وإذا به يتهجم ويقول أن دعوة الوهابيين بهذا الاسم دعوة جيدة، ولكنهم يشبهون الله بالمخلوقات. فسألته: كيف ذلك؟ قال: إنهم يقولون بأن الله عز وجل - سبحان الله يخطِّئ القرآن وهو لا يشعر - قال: يقولون بأن الله على العرش استوى, فقلت له: هل هذا قولهم؟ أم قول رب العالمين؟ استدرك فقال يعني هو بأنهم يفسرون هذه الآية بمعنى, يفسرون الآية بمعنى أن الله قاعد على عرشه, قلت له: يا أخي ... الخلاف بينهم وبين مخالفيهم ليس في تشبيه رب العالمين بالمخلوقين فهذا باطل بالاتفاق, وإنما الخلاف هل يصح تأويل الاستواء بمعنى الاستيلاء أم الصحيح أن الاستواء هو الاستعلاء ودخلت في هذا الموضوع طويلاً, وأمر طبيعي جدًّا أن خلاصة العقيدة السلفية في هذه الجزئية أن لله صفة الفوقية, فهو تمسك بهذه وقال: هل من المعقول أن الله عز وجل يكون فوق العرش, معنى ذلك أننا وضعناه في مكان, قلت له: لا, هذا وهم منكم ونحن نتبرأ من عقيدة تجعل الله عز وجل محصور في مكان وهو العلي الكبير، ثم بدأت المناقشة معه بطريقة

خاصة قلت له: هل أنت معي في أن الله كان ولا شيء معه؟ قال: طبعًا قلتُ: حين كان الله فهل كان هناك عرش؟ قال: لا إذن كان الله ولا شيء معه ثم خلق العرش قال: نعم تسلسلت معه فقلت له: نحن الآن في الأرض فما الذي فوقنا؟ قال: السماء الدنيا ثم؟ الثانية, إلى أن وصلنا إلى السابعة, قلت: ماذا فوق السابعة؟ قال: العرش قلتُ - وهنا الشاهد - وماذا فوق العرش؟ قال: الملائكة الكروبيون لأول مرة أسمع هذا الاسم منذ نحو ثلاثين سنة, قلت: ما هذا؟ الملائكة الكروبيون فوق العرش؟ نحن نعرف أن الذي فوق العرش هو خالق العرش بدليل الآية السابقة وتأويل السلف لها بأنه على العرش استوى أي استعلى, وكما قال المعتبرين في هذه المسألة: ورب العرش فوق العرش لكن بلا وصف التمكن واتصال فالله غني عن العالمين, لكن أنا أسمع لأول مرة أن الذي فوق العرش هم

الملائكة الكروبيون, هل عندك آية في إثبات أولا: أن هناك ملائكة يسمون بالملائكة الكروبيون؟ قال: لا قلت: طيب, هل عندك حديث في أنه جاء ذكرهم فيه بهذه التسمية؟ قال: لا قلت: فإذن من أين جئت بهذه العقيدة أن فوق العرش ملائكة كروبيون قال: هكذا درسونا مشايخنا في الأزهر الشريف قلت: يا عجبا، أنا أعلم أن علماء الأزهر يقررون على الطلبة في دروسهم ما يتعلق بأصول العقائد وأصول الفقه يقولون لهم: أحاديث الآحاد الصحيحة لا تثبت بها عقيدة, فكيف لقنوكم عقيدة ليست مذكورة لا في القرآن ولا في السنة؟ كيف اعتقدتم؟ فبهت الرجل, ثم تابعتُ الكلام, قلت له: هب أن فوق العرش أولئك الملائكة المسمون عندكم بالكروبيون, فماذا فوقهم, وقف الرجل, وقف حيران, وقد كنت قدمت معه كان الله ولا شيء معه، وكان مشتق من كن فيكون فلم يكن شيء هناك فقال الله لخلقه كن فكان، فإذا انتهى أن ما وصلنا إلى العرش وبزعمك أن فوق العرش أولئك الملائكة؛ فماذا فوق هؤلاء الملائكة, أعدم أم وجود؟ قال: لا, عدم, لأنا كنا اتفقنا أن لا شيء قبل أن يخلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض, كان الله ولا شيء معه, إذن فقبل أن يخلق الله شيئا لم يكن

هناك شيء, فإذا انتهى بك العلم إلى أن فوق العرش الملائكة الكروبيون ولا شيء وراء ذلك من كون لأنه انتهى الخلق فإذا قال السلفيون بأن الله تبارك وتعالى على العرش استوى أي استعلى, فلماذا تنسبونهم إلى أنهم حصروا الله عز وجل في كونه ولا كون هناك لأن الكون محصور ومحدود وفي رأينا آخر الكون وأعلاه العرش, في رأيك أنت العرش وعليه الكروبيون ولا شيء بعد ذلك, فإذن العقيدة الصحيحة عقلاً ونقلاً إنما هي عقيدة السلف الصالح؛ لأنهم لم يجعلوا الله في مكان كما تزعمون؛ لأنه لا مكان هناك وراء العرش إنما هو العدم المحض إلا الله تبارك وتعالى, ولكن ما بالكم أنتم أنكم حينما فررتم مما نسبتم السلفيين إليه وهم براء منه فإن الله ليس في مكان لأن ما بعد العرش ليس كونًا وليس مكانًا فهو على العرش استوى, لكن ما بالكم أنتم تفرون من إثبات هذه الصفة لله تبارك وتعالى وهي صفة التنزيه تمامًا؛ لأنه ليس في الكون، فكيف وأنتم تقولون إن الله في كل مكان تحصرونه في كونه الذي خلقه بعد أن لم يكن له وجود, فأنتم المشبهة وأنتم المجسمة، ولسنا نحن معشر السلفيين إلا القائلون بما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير} [الشورى:11] وعلى أساس من هذه الآية بطرفيها ننزهه تعالى تنزيهًا كاملاً ونثبت له الصفات كما يليق بعظمته وجلاله. "فتاوى جدة -الأثر-" (17/ 01:15:15).

كتاب عالم الجن

كتاب عالم الجن

جماع أبواب مسائل متفرقة في عالم الجن

جماع أبواب مسائل متفرقة في عالم الجن

(تزاوج الإنس والجن)

(تزاوج الإنس والجن) [1226] باب هل يتزاوج الإنس مع الجن؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «لا تقوم الساعة حتى تكثر فيكم أولاد الجن من نسائكم، ويكثر نسبهم فيكم حتى يجادلوكم بالقرآن؛ حتى يردوكم عن دينكم». (منكر جداً). [قال الإمام]: (فائدة): ذكر الذهبي في «الميزان» من رواية الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد قال: سمعت شيخنا أبا محمد بن عبد السلام السلمي (يعني: عز الدين) يقول - وجرى ذكر ابن عربي الطائي-: «وهو شيخ سوء شيعي كذاب. فقلت له: وكذاب أيضاً؟ قال: نعم؛ تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن، فقال ابن العربي: هذا محال؛ لأن الإنس جسم كثيف والجن روح لطيف، ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف. ثم بعد قليل رأيته وبه شجة! فقال: تزوجت جنية فرزقت منها ثلاث أولاد، فاتفق يوماً أني أغضبتها، فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة، وانصرفت، فلم أرها بعد». وعلق الذهبي رحمه الله على تكذيب العز بن عبد السلام للشيخ ابن عربي بقوله: «وما عندي من محيي الدين تعمد كذباً؛ لكن أثرت فيه الخلوات والجوع فساداً وخيالاً وطرف جنون».

والغرض من ذكر هذه الفائدة إنما هو تذكير القراء بأن العلماء يستنكرون أشد الاستنكار إمكانية التزاوج بين الإنس والجن؛ لاختلاف طبيعة خلقهما، حتى اتهموا من ادعى ذلك بالكذب أو بنوع من الجنون، وأحلاهما مر, فما نسمعه في هذا الزمان من أن بعض النسوة يشعرن وهن في فراش الزوجية بالمجامعة ممن لا يرينه، إن هو إلا من وسوسة الشيطان، وتلاعبه ببني الإنسان، ويستغل ذلك بعض أولئك الذين يتعاطون مهنة استخراج الجني من الإنسي، ويرتكبون في أثناء ذلك أموراً - غير تلاوة القرآن والمعوذات - مما هو غير واردٍ في السنة، مثل: مكالمة الجني وسؤاله عن بعض الأمور الخفية، وعن دينهم ومذهبهم! وتصديقهم في كل ما يخبرون به! وهم من عالم الغيب، لا يمكن للإنس أن يعرفوا مؤمنهم من كافرهم، والصادق من الكاذب منهم، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد حرم إتيان الكهان وتصديقهم؛ لأنهم ممن يوالون الجن، وهؤلاء كانوا يسترقون السمع ويلقون إلى أوليائهم من الإنس ما استرقوا ويخلطون معه أكثر من مئة كذبة؛ كما في «الصحيح». أقول: إذا كان إتيان هؤلاء محرماً؛ فبالأولى أن يكون محرماً إتيان أوليائهم من الإنس الذين يخاطبون الجن مباشرة ويستخدمونهم، ويقضون لهم بعض مصالحهم، ليضلوهم عن سبيل الله؛ كما كان الأمر في الجاهلية، وذلك قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6]. "الضعيفة" (12/ 2/601 - 603).

[1227] باب منه

[1227] باب منه «إذا جامع الرجل ولم يسم؛ انطوى الجان على إحليله، فجامع معه، فذلك قوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَان} [الرحمن:56]». (منكر مقطوع). أخرجه ابن جرير الطبري في «تفسيره» (27/ 88): حدثني محمد بن عمارة الأسدي: ثنا سهل بن عامر: ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال:. . . فذكره موقوفاً عليه. واعلم أن إيرادي لهذا الأثر في هذه «السلسلة» - وإن كان ليس من شرطي، فقد وجدت نفسي مضطراً لتخريجه والكشف عن وهائه -؛ لأنني رأيت بعض العلماء من المفسرين وغيرهم قد ساقوه مساق المسلمات؛ كالقرطبي في «جامعه» (10/ 289)، والشوكاني في «فتح القدير» (3/ 233)، والآلوسي في «روح المعاني» (14/ 119)! وفسروا به قوله تعالى لإبليس الرجيم في سورة الإسراء: {. . . وَشَارِكْهُمْ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} بل وكذلك الحافظ ابن حجر في «الفتح» (9/ 229) لما ذكر اختلاف العلماء في تفسير قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لم يضره شيطان أبداً»؛ في دعاء إتيان الرجل أهله (¬1)، فكان آخر ما ذكر منها قوله: «وقيل: لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد. . . (فذكره. وقال): ولعل هذا أقرب الأجوبة»! فأقول: قوله: «كما جاء. . .» بصيغة الجزم؛ يخالف حال إسناده! فكان ¬

(¬1) متفق عليه من حديث ابن عباس, وهو مخرج في "الإرواء" (2012). [منه].

الواجب على الحافظ أن يشير إلى ذلك بقوله: «كما روي»؛ كما هو المقرر في المصطلح، وكما هي عادته الغالبة، ولكن غلبته طبيعة كل إنسان، والكمال لله وحده. على أنه لو صح ذلك عنه؛ فهو مقطوع موقوف عليه، فلا حجة فيه، ولو أنه رفعه؛ لكان مرسلاً، والمرسل ضعيف عند المحدثين، ولا سيما في مثل هذا الأمر الغيبي الغريب، وهذا كله لو صح السند بذلك إليه، فكيف وهو مقطوع واهٍ؟! وقد أشار العلامة الآلوسي إلى رده بقوله: «ثم إن دعوى أن الجن تجامع نساء البشر جماعاً حقيقياً مع أزواجهن إذا لم يذكروا اسم الله تعالى غير مسلّمة عند جميع العلماء، وقوله تعالى: {وَشَارِكْهُمْ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} غير نصٍّ في المراد كما لا يخفى». وما قاله من التعميم مخالف لما تقدم، ووقع في وهم آخر، وهو أنه نسب أثر مجاهد للحسن أيضاً - وهو البصري -؛ قرنهما معاً! وهذا خطأ؛ فإن أثر الحسن ذكره الحافظ قبيل أثر مجاهد بلفظ آخر نحو حديث ابن عباس المشار اليه آنفاً؛ إلا أنه قال في آخره: «فكان يرجى إن حملت أن يكون ولداً صالحاً». وعزاه الحافظ لعبد الرزاق، وهو في «مصنفه» (6/ 194/10467) بسند صحيح عنه. ثم إن الآلوسي - رحمه الله - جاء بغريبة أخرى؛ فقال: «ولا شك في إمكان جماع الجني إنسية بدون أن يكون مع زوجها الغير الذاكر اسم الله تعالى، ويدل على ذلك ما رواه أبو عثمان سعيد بن داود الزبيدي قال: كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن، وقالوا إن هاهنا رجلاً من الجن يزعم أنه يريد الحلال؟ (!) فقال: ما أرى بذلك بأساً في الدين؛ ولكن أكره إذا وجدت امرأةُ

حامل قيل: من زوجكِ؟ قالت: من الجن! فيكثر الفساد في الإسلام». ووجه الغرابة استدلاله على الإمكان المذكور بهذا الأثر عن مالك! وهو باطل - في نقدي - سنداً ومتناً. أما السند؛ فإن سعيد بن داود الزبيدي ضعفه ابن المديني، وكذبه عبد الله ابن نافع الصائغ في قصةٍ مذكورة في ترجمته في «تاريخ بغداد» و «التهذيب». وقال الحاكم: «روى عن مالك أحاديث موضوعة». وقال الخطيب وغيره: «حدث عن مالك، وفي أحاديثه نكارة». وقال ابن حبان في «الضعفاء» (1/ 325): «لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة الاعتبار». وأما المتن؛ فإني أستبعد جداً - على فقه الإمام مالك - أن يقول في تزويج الإنسية بالجني: «ما أرى بذلك بأساً في الدين»! ذلك لأن من شروط النكاح - كما هو معلوم - الكفاءة في الدين على الأقل. فلا يجوز تزويج مسلمة بكافر، بل ولا بفاسق، فمن أين لوليها وللشهود أيضاً أن يعلموا أن هذا الجني كفؤ لها، وهم لا يعرفونه؟! فإنه قد ظهر لهم بصورة رجل خاطب وجميل! ولا يمكن رؤيته على حقيقته بنص القرآن. وقد يتمثل بصورة أخرى إنسانية أو حيوانية، وحينئذٍ كيف يمكن تطبيق الأحكام المعروفة في الزوجين - كالطلاق والظهار والنفقة وغيرها - مع اختلاف طبيعة خلقهما؟! تالله! إنها من أغرب الغرائب أن يخفى مثل هذا البُطل - بل السُّخف - على العلامة الآلوسي - غفر الله لنا وله -. وأغرب من ذلك كله قول ابن تيمية في رسالة «إيضاح الدلالة في عموم الرسالة» (ص125 - مجموعة الرسائل المنيرية): «وقد يتناكح الإنس والجن، ويولد بينهما ولد، وهذا كثير

[1228] باب منه

معروف»!! وأقول: نعم؛ هو معروف بين بعض النسوة الضعيفات الأحلام والعقول، ولكن أن الدليل الشرعي والعقلي على التوالد أولاً، وعلى التزواج الشرعي ثانياً؟! هيهات هيهات! وقد علمت مما ذكرته تحت الحديث السابق قبل هذا إنكار العز بن عبد السلام والذهبي على ابن عربي الصوفي ادعاءه أنه تزوج جنية!! وأنه رزق منها ثلاثة أولاد!! وأنه لم يعد يراها فيما بعد!!! وانظر كلام المازري المبطل لدعوى ابن عربي فيما يأتي تحت الحديث التالي، وهو من الأحاديث التي تساعد على تصديق خرافة التزاوج بين الإنس والجن. "الضعيفة" (12/ 2/603 - 608). [1228] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «كان أحد أبوي بلقيس جنياً». (منكر). [قال الإمام]: وقال الماوردي: «والقول بأن أم بلقيس جنية مستنكر من العقول؛ لتباين الجنسين واختلاف الطبْعين، وتفارق الحِسَّين؛ لأن الآدمي جسماني والجن روحاني، وخلق الله الآدمي من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، ويمتنع الامتزاج مع هذا التباين، ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف». حكاه القرطبي عنه (13/ 213)، ثم رده بما لا يسمن ولا يغني من جوع فقال: «العقل لا يحيله مع ما جاء من الخبر في ذلك».

[1229] باب منه

فأقول: نعم العقل لا يحيله، ولكنه أيضاَ لا يدركه؛ بل إنه يستبعده كما تقدم، فالإيمان به يتطلب نصاً صحيحاً صريحاً، والخبر الذي أشار إليه لا يصح، وهو حديث أبي هريرة هذا. ثم أشار إلى أثر مجاهد المخرج قبله، وقد عرفت نكارته، وإلى النص القرآني: {وَشَارِكْهُمْ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ}، وسبق جواب العلامة الألوسي عنه تحت الأثر المذكور. ثم رأيت الآلوسي قد صرح بإنكار حديث الترجمة؛ فقال بعد أن ذكره وقول أبي حيان المتقدم: «والذي ينبغي أن يعول عليه عدم صحة الخبر». ثم ذكر قول أبي حيان المتقدم، وزاد: «. . . وأن ما ذكر من الحكايات أشبه شيء بالخرافات؛ فإن الظاهر على تقدير وقوع التناكح بين الإنس والجن الذي قيل؛ يصفع السائل عنه؛ لحماقته وجهله أن لا يكون توالد بينهما». وأقول: عبارته من قوله: «يصفع. . .» إلخ؛ غير سليمة؛ فإن السائل لم يذكر في السياق! فلينظر. "الضعيفة" (12/ 2/608 - 611). [1229] باب منه سؤال: هل زواج المسلم صحيح العقيدة الواعي بدينه، هل زواجه من إحدى فتيات الجن، هل هذا ممكن يحدث؟ وإن كان ممكن حدوثه هل هذا حلال أم حرام أم مكروه؟ الشيخ: رحم الله البخاري لما سئل عن الخضر أحي هو أم ميت؟ قال: من أحالك على غائب فما أنصفك، وماذا نعلم الجن ما الجن؟ ورجل يتزوج من امرأة جنية، ماذا سيكون حال النسل إنس أو جن أو إذا غلب ماؤها ..

[1230] باب هل الجن يحرقون البيوت؟ وكلام حول استحالة التزاوج بين الإنس والجن

هذا يذكرنا بترجمة محيي الدين بن عربي النكرة في كتاب «الميزان» للإمام الذهبي، بعد ما ترجمه بما كان عليه من الانحراف في تصوفه، يقول: كان يقول بعدم إمكانية تزاوج الإنس مع الجن، قال: فرئي يوماً وقد عصب جبينه، فلما سئل عن ذلك قال: اختلفت أنا وزوجتي الجنية فضربتني بالقبقاب في رأسي فَفَجَّتْني، فهذه العصابة لأن زوجته الجنية ضربته، فاعتبر ذلك الإمام الذهبي غمزاً في صدقه، وأنت كنت تقول قبل أيام أن هذا لا يمكن، خلق من طين وخلق من نار، فما بالك الآن تقول: أن زوجتك الجنية ضربتك بالقبقاب، الله أعلم عن القبقاب. "الهدى والنور" (13/ 19: 05: 00) [1230] باب هل الجن يُحرِقون البيوت؟ وكلام حول استحالة التزاوج بين الإنس والجن السائل: رجل [بيته] حُرِقَ وهو يدّعي يعني من خلال الكلام أن الذي أحرقوه هم الجن، فأتوا بمشائخ متخصصين في المجال هذا .. أشوف أبو أنس الآن مع أنه حضر فما رأيك أبو أنس. مداخلة: يفعلون وقد أحرقوا بيت أحد إخواننا الأفاضل .. كان يرقي فاحترق بيته بدون أي سبب، ما رأى إلا النار شبّت فيه، حتى الذين دخلوا على البيت وجدوا النار ما لها تحليل مادي. الشيخ: لو قال لك قائل أو سألك سائل كيف عرفت أن هذا من صنع الجن؟ مداخلة: ما فيه تحليل إلا تجربة. الشيخ: أعجبتك كلمة التجربة، صارت لك مستند دائماً تلجأ إليها .. ما هو الجواب؟ مداخلة: شيخنا الذي يعالج يتعرض لأذى من الجن. الشيخ: ما هو الجواب؟

مداخلة: ما في جواب مادي يقنع به إلا التصديق .. الشيخ: هذه صارت صوفية .. صارت صوفية ذوقية يعني. مداخلة: ما هناك سبب شيخنا .. ، ما هناك أي سبب .. ما هناك سبب ظاهر. الشيخ: بارك الله فيك. مداخلة: سبب ظاهري نعم. الشيخ: الأسباب قسمين: أسباب ظاهرية وأسباب خفية صح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: ومن أجل خاطرك فيه أسباب مادية وفيه أسباب روحية، صحيح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: حتى أنا أحكي .. مداخلة: ما هو سبب القسمة؟ الشيخ: نعم؟ مداخلة: قسمتك. الشيخ: أنا قسمت القسمة هذه من أجل خاطرك أنت، من أجل أكون قريب دائماً منك.

مداخلة: الله يبارك فيك. الشيخ: أن الأسباب المادية قسمين: ظاهرة وخفية، ثم في أسباب روحية ومعنوية، هذه الأسباب المعنوية منها الأرواح ومنها الجان الذي وصفه الرحمن في القرآن {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} (الأعراف:27) فإذا واحد قال: هذا مر الشيطان من هنا مثلاً أو جني، ما هو موقفنا؟ مداخلة: لا نصدق. الشيخ: أنا أراك غير صريح مثلي، أنا أحكي من يمَّك وأنت لماذا لا تحكي من يمَّي؟ لا نصدق أو نكذّب. مداخلة: نكذّب. الشيخ: نكذّب، بل فيه فرق بين نكذّب وبين لا نصدّق صح؟ مداخلة: صح. الشيخ: طيب، إذاً لا نصدق أو نكذّب؟ مداخلة: نكذّب. الشيخ: الآن إذا قال لنا قائل: هذا بيت هناك احترق سببه جني، نصدّق أم نكذّب؟ مداخلة: نكذّب. مداخلة: لا بأس بس شيخنا هنا وقفة .. هنا أنا ألزم أوقف. الشيخ: وأنا أوقف معك.

مداخلة: فيها تفصيل: الأخ هذا الذي احترق بيته معروف بِتَصَدِّيْهِ للجن. الشيخ: معروف بماذا؟ مداخلة: بتصديه للجن. الشيخ: ماذا؟ مداخلة: بتصديه. الشيخ: بتصديه للجن. مداخلة: نعم هو دائماً في حرب معهم. الشيخ: هذا أشكل. مداخلة: فلذلك هم يؤذونه. الشيخ: هذه أشكل. الشيخ: أنا أعرف هو ماذا يعني. مداخلة: هو عندما يضرب الجني يستخدم الكهرباء معه ويقتل بعض الجن. مداخلة: فيه جن قُتلوا على يديه؟ قتل الجني على يديه شيخنا؟ الشيخ: ما هي أشكل وأشكل وأشكل. السنة مما يتعلق بالغيبيات ومنهم الملائكة والجن يجب الإيمان، التوسع في ذلك لا، الآن سوف يكون معنا توسع منافٍ للشرع، أن نقول إذاً أي اتصال بين الجن والإنس هذا ننكره! لا، ليس أي اتصال، إنما المناكحة والمجامعة. مداخلة: الاتصال.

الشيخ: سأبين لك، وكما يقال لا توصي حريص، هناك عندنا نصوص تبين أنه يمكن للإنسي أن يمسك جني، ويصرعه ويتغلب عليه، لكن هذا الجني يكون متمثل بصورة غير صورته الحقيقية، فالله عز وجل قال في القرآن الكريم: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} (الأعراف:27) لا ترونهم كما خلقهم الله، لكن هم عندهم استعداد أن يتطوروا ويتلبسوا بأشكال وألوان، قبل أن تأتي أنت كنا نتحدث عن موضوع قتل الأفاعي والحيايا، فجاءنا تفصيل وهو أن المسلم إذا رأى في داره حية فلا ينبغي أن يقتلها، بل عليه أن ينذرها ثلاث مرات، لماذا؟ لأن الرسول عليه السلام قال: «إن في المدينة أقواماً أيضاً من الجن فإذا رأيتم جاناً -يعني أفعى أو حية- فأنذروها ثلاثاً، فقد تكون من الجن الذين أسلموا من المدينة» (¬1)، هذا شيء والشيء الثاني، أو لعل هذا هو سبب هذا الحديث أن رجلاً من الأنصار من الشباب .. شباب الأنصار تزوج وخرج من داره، عندما رجع وإذا بعروسته في الباب، لا هي تستطيع أن تدخل الدار ولا هي تستطيع أن تخرج من الدار؛ لأن كان لديهم شرف وحياء، لكن ما تستطيع أن تدخل الدار، فَهَمَّ بطعنها، قالت له: تريث ادخل الدار وانظر ما فيها، وإذا هناك حية مكورة على نفسها كبيرة، فما كان منه إلا أن طعنها بالرمح، قال: فلا ندري أيهما كان أسرع موتاً من الآخر الحية أم الشاب الأنصاري المتزوج حديثاً، فقال عليه السلام الحديث السابق، أي أن هذه الحية التي كانت متكورة في الدار هي من الجن، ولذلك لما هو طعنها الجن طعنوه وقتلوه، فهذه حوادث بارك الله فيك تفصيلية لبعض هذه الأمور الغيبية، فما صح منها آمنا به، كذلك مثلاً قصة حراسة أبي هريرة وغيره من ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم5976).

الصحابة لبيت التمر تبع زكاة الصدقة، كان يحرس ليلاً وإذا بشخص يأخذ من التمر ويضع في ذيله ويريد أن ينطلق، فهجم عليه طبعاً هذا سيأتي صراحة أنه شيطان جني، لكنه متمثل، فهم أبو هريرة أن يأخذه ويسلمه للرسول على اعتبار أنه سارق، قال: دعني وتَدَخَّل عليه وتَشَفَّق عليه أن لديه عيال وأطفال وإلى آخره، تركه، الصباح حكى القصة للرسول قال: إنه شيطان، وسيعود إليك وفعلاً عاد بلا طول سيرة الليلة الثانية والليلة الثالثة، وكل مرة أبو هريرة يلقي القبض عليه، في المرة الثالثة عندما عزم أبو هريرة أن يسلّمه للرسول قال: دعني وأنا أعلمك فائدة تقرأ كل ليلة حينما تضع جنبك للنوم آية الكرسي لا يضرك شيء في تلك الليلة من إنس أو جن، فكأنه صدّق كلامه وتركه، وعندما أصبح الصباح وقص له القصة للرسول قال: صدقك وهو كذوب، فذهبت مثلاً. الشاهد هنا أنه صار بينهم اتصال، فلا ننكر نحن هذا الاتصال، ننكر التزاوج والتناكح الذي يرد عليه إشكالات كثيرة وكثيرة جداً، هذا الذي نحن فيه، فهنا لا يصير إفراط وتفريط، ناس أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يضيعون نصوص واردة في الشرع وناس يزيدون على النصوص الواردة في الشرع، وإنما الحق {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان:67) نثبت ما أثبته الشرع وننفي ما نفاه الشرع. مداخلة: [قول رب] العالمين {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} (الرحمن:56). الشيخ: كيف مداخلة: يعني قول رب العالمين عن الحور العين: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} (الرحمن:56) فيستدلون بهذه على جواز الاتصال الجنسي بين الإنس والجن.

الشيخ: هل حور العين من الإنس؟ مداخلة: نعم؟ الشيخ: هل حور العين من الإنس؟ مداخلة: المهم أنها ليست من الإنس. الشيخ: إذاً ما وجه الاستدلال؟ مداخلة: هذا كذلك غيب يعني نسكت عنه. مداخلة: بعضهم يستدلون بهذه الآية على أن الإنس يطئون الحور العين. الشيخ: أين العموم؟ مداخلة: هم يستدلون بهذا. الشيخ: أين .. أين؟ أنت تقول عنهم ما يطأه الإنس، هذا العموم هذا من أين أتى؟ مداخلة: أنا ناقل عنهم فقط. الشيخ: وما فائدة هذا النقل؟ أنت تقول .. مداخلة: من وجه الاستدلال لهم. الشيخ: هذا هو. مداخلة: قلت له ما وجه الاستدلال ما قال لك. الشيخ: وأنت الآن بيّنت وجه الاستدلال؟ مداخلة: نعم هم يقولون ..

الشيخ: هذا ليس بيان، فأنت تقول ما يقولون. مداخلة: أنا أبيّن وجه الاستدلال لهم، الذين يقولون به. الشيخ: وَرَدَ عليهم مثل ما وَرَدَ عليك، العموم الذي يستدلون به من أين أتوا به؟ مداخلة: فهماً منهم للآية. الشيخ: يا أخي من أين أتوا به، فهماً نعم، لكن من أين أتوا به؟ يعني هذه قضية عينية ذاتية. مداخلة: نعم. الشيخ: تفيد أن الحور العين ممكن يطأهن الجان كالإنس. مداخلة: نعم. الشيخ: فأنا أبطلت الاستدلال قلت له: هل الحور العين إنس؟ مداخلة: لا ليس إنس. الشيخ: طيب وهذا يقال نفسه الكلام لك، فإذاً لا فائدة من هذا الكلام لأنه من باب واحد. مداخلة: شيخنا. الشيخ: نعم. مداخلة: الجني عندما يتشكل بصورة الإنسي كما في حديث أبي هريرة في الصدقات ألا يمكن أن يطأ إنسية في هذه الحالة؟

الشيخ: لا يمكن؛ لأنه لن يبقى بهذه الصورة سيتطور .. مداخلة: في الوقت هذا وهو إنسي. الشيخ: فهمت في الوقت هذا ما بده يجيب ذرية ويصيبة ما أصاب ابن عربي ونحو ذلك، هذا كله توسع في الغيبيات ولا يجوز، التوسع في الغيبيات لا يجوز. مداخلة: طيب يا شيخ [من باب الإمكان]؟ الشيخ: يعني عندما تقول أنت من باب الإمكان .. باب الإمكان واسع جداً. مداخلة: [يروي عن مالك] سئل عن امرأة تزعم أنها حامل من الجن، فالإمام مالك قال كلاماً معناه بإمكانية الاتصال ولكن قال: أوكلما جاءتنا امرأة زنت فزعمت أن الجن وقع عليها صدقناها؟ ممكن هذا يفيد في نفس البحث. الشيخ: انقد كلام مالك ما الذي يؤخذ منه؟ مداخلة: يؤخذ منه ليس كل دعوى يدعي إنسان بأن له اتصال بالجن وبأن فيه تزاوج وكذا يصدق، مع إمكانية وقوع ذلك عند مالك. مداخلة: .. الإمكانية من كلامه. الشيخ: هذا الذي نريد أن نصل إليه، يقول هو من جهة قال ملفتاً للنظر أنه نقل عن مالك، والله أعلم بصحة النقل (¬1)، ثم لو ثبت عن مالك نقول ما هو الدليل على ذلك ما دام الكتاب والسنة لا يتكلم عن هذا الأمر الغيبي؟ مداخلة: شيخنا السيوطي في الأشباه والنظائر. الشيخ: في؟ ¬

(¬1) تقدم ضعفه عن الإمام قبل قليل.

[1231] باب هل يمكن التزاوج بين الإنس والجن؟ وهل يمكن تلبس الجن بالإنس؟

مداخلة: «الأشباه والنظائر» الكتاب الفقهي يقول في باب زواج الإنسي من الجنية، فيقول: والظاهر من مذهبنا أنه حرام، واستحالة وقوعه كقوله سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم:21] قال: لفظ أنفسكم دلّت بمنطوقها على حرمة واستحالة وقوع هذه الزواجة، ما أدري إن كان هذا يعني .. الشيخ: الأشباه النظائر؟ كلام جميل وسليم؛ لأن الجن ليسوا من طبيعتنا ومن أنفسنا. "الهدى والنور" (628/ 07: 33: 00) و (628/ 26: 46: 00) [1231] باب هل يمكن التزاوج بين الإنس والجن؟ وهل يمكن تلبس الجن بالإنس؟ سؤال: ما علاقة الإنس بالجن؟ هل يمكن للإنسي أن يتزوج جنيةً أو يرى جنيًّا أو يلبس جني إنسيًّا؟ الشيخ: يمكن أن يكون هناك علاقة ما بين إنسي وجني، وليس يهمنا هل هذا من الممكن واقعًا أو لا، إنما المهم هل هذه العلاقة إن كانت ممكنة يجوز للمسلم أن يحققها، هذا هو المهم، نحن مثلًا: لا يزال بعض الناس يشكون في وصول الكفار اليوم إلى القمر بالذات، إلى غيره من الكواكب، نحن لا يهمنا هذا ممكن أو غير ممكن، لكن نقول: هل هذا يجوز شرعًا أم لا؟ نقول: إذا وقع جاز، هذا المثال الأخير الذي أنا آتي به. أما ما جاء من اتصال الإنس بالجن إن وقع فلا يجوز، هذا هو المهم أن نعرف الحكم الشرعي؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (الجن:6) وجاء في صحيح البخاري وغيره أن

الكهان في الجاهلية كانوا لهم قرناء من الجن، وأن القرين من الجن كان يصعد إلى السماء ويسترق السمع مما يجري هناك بين الملائكة فيختطف الكلمة وينزل بها فيقرها ويلقيها في أذن قرينه من الإنس لكنه يكون قد زاد فيها تسعة وتسعين كذبة، فيحدث هذا القرين الإنسي بني جنسه من البشر بمائة خبر أوحى ذلك إليه قرينه من الجن خبرًا واحداً صحيحاً؛ لأنه سمعه من الملائكة، وبقية المائة كله كذب، فيصدق في الخبر الواحد ويكذب في سائر الأخبار. كان هذا الاتصال بين الإنس والجن سبب استغلال الإنس من هذا القبيل من الإنس بالجن، وهذا كما يقال يعيد التاريخ نفسه في هذا الزمن، فلا بد أنكم قرأتم في الجرائد والمجلات وخاصة مجلة المسلمون أخيرًا حيث تابعت هذا الموضوع بشيء من السعة والفائدة فالشاهد: نعتقد يمكن - أخيرًا أقول -: أن يتصل الإنسي بالجني، لكن هذا لا يعني جواز ذلك، كما أنه يمكن لرجل مسلم أن يتصل بالمرأة الكافرة، لكن هل يجوز شرعًا؟ طبعًا لا يجوز شرعًا. إذا عرفنا هذا فهناك أمور تذكر في التاريخ يثبت إمكان اتصال الإنسي بالجني والتزاوج أيضًا لكن هذا يعود إلى خبر أولئك الذين يدعون التزاوج بينهم وبين الجنية مثلًا، لقد ذكر الحافظ الدمشقي ابن الذهبي في كتابه: ميزان الاعتدال في نقد الرجال، في ترجمة محمد بن محمد بن عربي - وليس ابن العربي - بن عربي النكرة وهو صاحب الكتب الممتلئة بالضلال كمثل الفتوحات المكية وفصوص الحكم ونحوها، ذكر في ترجمته ما في كتبه من الشطحات التي يسمونها الصوفية بالشطحات، ونحن نقول: ما فيها من الضلالات والكفريات. ثم ذكر أنه كان من اعتقاده أنه لا يمكن للإنسي أن يتزاوج في الجني، فَرُئي يومًا وقد شد رأسه بعصابة، فقيل له: ما بالك؟ قال: تزوجت امرأة من الجن

فاختلفت أنا وإياها فرمتني بالقبقاب، تعرفون القبقاب؟ النعل الخشبي، فرمته زوجتها الجنية بالقبقاب فشجته ولذلك هو عصب رأسه. يلمح المترجم الفاضل الذهبي إلى أن هذا الرجل في الوقت الذي كان يعتقد أنه لا يمكن الاتصال والتزاوج بين الإنس والجن إذا به يقول إنه تزوج امرأة ووقع بينهم هذا الخلاف حتى شجته في رأسه. فالشاهد الذي يهم من هذا السؤال: هو أن نعرف أن الاتصال وتعلق الإنس بالجن ممكن بالنظر إلى الآية والحديث وبعض الحوادث التاريخية، لكن ذلك لا يجوز إسلاميًا لما فيه من استغلال اتصالهم بالجن للإنس والانحراف بهم عن جادة الشرع. ختامًا أقول من أجل ما سبق: قال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» (¬1). "فتاوى الإمارات" (9/ 00:06:41). ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم5939).

(رؤية الجن)

(رؤية الجن) [1232] باب هل يمكن أن يرى الإنسان قرينه من الجن؟ سؤال: هل من الممكن أن يرى الإنسان الجن تبعه؟ الشيخ: لا. لا يمكن. "الهدى والنور" (323/ 19: 26: 00) [1233] باب هل يظهر القرين عياناً؟ سؤال: يقول السائل: لكل إنسان قرين فهل يمكن ظهور القرين عياناً بشكل حقيقي أو بغيره؟ الشيخ: الله أعلم، يمكن أن يظهر الجني بصور مختلفة هذا أمر مقطوع، أما والسؤال في القرين فما عندنا جواب؛ لأنه ما جاءنا شيء في هذا. مداخلة: هل حقيقة أو خيال [أنه] يظهر بعد مقتل هذا الرجل؟ الشيخ: لا هذي خرافة نعم. مداخلة: نعم. "الهدى والنور" (215/ 24: 15: 00). [1234] باب هل صح أننا نرى الجن يوم القيامة وهم لا يرونا؟ سؤال: هل صح أن الجن يوم القيامة نراه ولا يرانا أي عكس في الدنيا؟ الشيخ: ما صح. "الهدى والنور" (326/ 09: 32: 00).

[1235] باب معنى قوله تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} (الأعراف:27)

[1235] باب معنى قوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} (الأعراف:27) سؤال: [ما معنى آية إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم]؟ الشيخ: الآية السابقة معناها على ضوء ما جاء في السنة من مثل هذا الحديث الصحيح معناها: {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} (الأعراف:27) على صورهم التي خلقهم الله عليها، أما صورهم التي يتشكلون بها ممكن أن يروا بها، لكن هذه الصورة لا تُعَرِّف الإنس بشخصية صاحب الصورة؛ لأنه متلون ومتلبس بصورة أخرى، على هذا يحمل حديث أبي هريرة وما شابهه، يعني: هذا الشيطان الذي تحول إلى شخص كبني الإنسان حتى تمكن الإنسان وهو: أبو هريرة أن يلقي القبض عليه وأن يهدده بأنه سارق وأنه سيرسله إلى الرسول عليه السلام، فيجري بينه وبين أبي هريرة ذاك الاستعطاف بأنه فقير وذو عائلة، فيطلب منه بأن يطلق سبيله، فحن قلبه عليه وأطلق سبيله، ولما أصبح الصباح وقص أبو هريرة القصة على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إنه شيطان، وإنه سيعود إليك» وفعلاً عاد إليه مرتين أخريين. وفي المرة الثانية أيضاً رق قلبه عليه وأطلق سبيله، في المرة الثالثة قال: لن أدعك؛ لأن الرسول عليه السلام قال لي: إنك شيطان، قال: دعني وأنا أعلمك آية إذا تلوتها قبل نومك فإنه لا يضرك في تلك الليلة إنس ولا جان: آية الكرسي. الظاهر أن الزمن الأول كانت القلوب غير قلوبنا كانت يعني: تصدق بسهوله، نحن مثلما أنت ترى الآن سؤال بعد سؤال، ونقاش بعد نقاش، فدخل في عقله أن هذا الكلام صحيح فتركه وهو على علم أن هذا شيطان، والشيطان عدو مبين للإنسان، كيف دخل في عقله؟ هكذا! فلما أصبح ولقي الرسول عليه السلام

وحدثه بما جرى بينه وبين الشيطان قال: «صدقك وهو كذوب». فالشاهد: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} (الأعراف:27) على خلقتهم الطبيعية التي خلقهم الله عليها، أما إذا تصوروا ببعض الصور الأخرى فهذا ممكن أن يروه عليها، لكن كما قلت هذه الرؤية لا تحدد شخصية المرء أمام الإنسان، فقد يتمثل بصورة أخرى، من هذا القبيل الحيات التي تخرج في الدور فإنها قد تكون من الجآن؛ لأنه تصور بصورة الجآن. ولهذا جاء الأحاديث تنهى المسلم عن قتل الجآن الذي يخرج في الدور، إلا بعد الإنذار ثلاث مرات، وكان ذلك بعد حادثة ذاك الشاب الأنصاري الذي كان حديث عهد بالعرس، فخرج من داره ثم عاد إليها وإذا زوجته على باب الدار فأخذته الغيرة الله أكبر! اليوم يخرجن سافرات ومتبرجات في الأزقة وبخاصة الرجال والشباب ولا حراك ولا غيرة ولا إحساس، هذا مجرد ما رآها واقفة على باب الدار فأخذها ليطعنها بالسهام التي كانت معه أو الحربة، قالت: اصبر ادخل الدار وانظر، فدخل في الدار وإذا بأفعى غليظة متكورة على نفسها على فراشها، وتعرف النساء يعني: يخفن جداً فهي تركت الدار، لا هي تقدر تدخل في الدار ولا هي تقدر تشرد مثل ما يفعلوا اليوم يعني: خاصة بمثل هذا العذر، فهي واقفة على باب الدار. مداخلة: كانت يا شيخنا يعني: بشعرها. الشيخ: لا يوجد شيء واضح ألا يكفي بروزها إلى باب الدار، الشاهد: فدخل ورأى هذا المنظر فما كان منه إلا أن طعنها، يقول راوي الحديث: فما ندري أيهما كان أسرع موتاً من الآخر، الأنصاري مات والحية ماتت، فلما وصل الخبر إلى الرسول عليه السلام قال: «إن أقواماً من الجن في المدينة، فإذا رأيتم شيئاً من

[1236] باب هل يطلق على الملائكة أنهم جن لأنهم لا يرون

ذلك فأنذروهم» هذا يؤيد أن الجن يتصور ويتشكل. الآية إذاً تفسَّر على المعنى الذي لا يتصادم مع هذه الحوادث والوقائع الصحيحة. (الهدى والنور (172/ 50: 14: 00) [1236] باب هل يطلق على الملائكة أنهم جن لأنهم لا يُرَون [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يا جبريل! ما لي أراك متغير اللون؟! فقال: ما جئتك حتى أمر الله عز وجل بمفاتيح النار. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: يا جبريل! صف لي النار، وانعت لي جهنم! فقال جبريل: إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداءً مظلمة، لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهبها. والذي بعثك بالحق! لو أن قدر ثقب إبرة فتح من جهنم؛ لمات من في الأرض كلهم جميعاً من حره. والذي بعثك بالحق! لو أن ثوباً من ثياب النار علق بين السماء والأرض؛ لمات من في الأرض جميعاً من حره. والذي بعثك بالحق! لو أن خازناً من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا، فنظروا إليه؛ لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه. والذي بعثك بالحق! لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا؛ لا رفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى السفلى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:حسبي يا جبريل! لا ينصدع قلبي فأموت. قال: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جبريل وهو يبكي. فقال: تبكي يا جبريل وأنت من الله بالمكان الذي أنت به؟! قال: وما لي لا أبكي! أن أحق

بالبكاء؛ لعلي أكون في علم الله على غير الحال التي أنا عليها، وما أدري لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به إبليس؛ فقد كان من الملائكة. وما يدريني لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به هاروت وماروت. قال: فبكى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبكى جبريل عليه السلام، فما زالا يبكيان حتى نوديا أن: يا جبريل! ويا محمد! إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصياه. فارتفع جبريل عليه السلام، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فمر بقوم من الأنصار يضحكون ويلعبون؛ فقال: أتضحكون ووراءكم جهنم؟! فلو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولما أسغتم الطعام والشراب، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل. فنودي: يا محمد! لا تقنط عبادي، إنما بعثتك ميسراً، ولم أبعثك معسراً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: سددوا وقاربوا». (موضوع). أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 2750 - مصورتي) من طريق الحكم بن مروان الكوفي قال: أخبرنا سلام الطويل عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن عدي بن عدي الكندي قال: قال عمر بن الخطاب: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه، فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: ... فذكره. وقال: "لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به سلام". قلت: قال الهيثمي (10/ 387):"وهو مجمع على ضعفه". قلت: بل اتهمه بعضهم بالكذب. بل قال ابن حبان (1/ 339):"يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمد لها". وقال الحاكم: "روى أحاديث موضوعة".

قلت: وهذا في نقدي من موضوعاته؛ فإن قوله عن إبليس: "كان من الملائكة"؛ مخالف لقوله تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}. ولا يصح تفسير الآية بأن المراد الملائكة وأنه أطلق عليهم (الجن)؛ لأنهم لا يرون؛ لأن القرآن والسنة مصرحان بأن إبليس خلق من نار، والحديث يصرح بأن الملائكة خلقت من نور. وكذلك ذكره فيه هاروت وماروت، فيه إشارة إلى قصتهما المعروفة مع الزهرة، وهي من الإسرائيليات الباطلة التي لا يصح نسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ كما تقدم برقم (170، 912،913). "الضعيفة (11/ 2/672 - 675).

(استراق السمع)

(استراق السمع) [1237] باب كيف تسترق الشياطين السمع عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: سأل ناس النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: عن الكهان؟ فقال لهم: «ليسوا بشيء». فقالوا: يا رسول الله! فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقاً؟ فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تلك الكلمة [من الحق] يخطفها الشيطان، فيقرقره بأذني وليه كقرقرة الدجاجة، فيخلطون فيه بأكثر من مائة كذبة». (صحيح). [قال الإمام]: (فائدة): في رواية أخرى صحيحة بيان كيفية خطف الشيطان للكلمة، وهي بلفظ: «إن الملائكة تنزل في العنان (وهو السحاب)، فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان، فيذكرون معها مائة كذبة من عند أنفسهم». أخرجه المؤلف [أي البخاري] في " الصحيح" (2210) والطبري في "التفسير" (23/ 26). "صحيح الأدب المفرد" (ص237).

(قرين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -)

(قرين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -) [1238] باب كيف أسلم قرين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ سؤال: طيب! الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الشيطان ترى خلاه يسلم وهو شيطان، كيف إذا عليه إنه يسيطر عليه أنه يخليه أسلم؟ الشيخ: الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «ما منكم من أحد إلا وله قرين من الملائكة وقرين من الجن، قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ... » (¬1) الحديث ليس صريحاً بالمعنى اللي أنت عم بتسأل عنه، وصبيت كلامك حوله حين قلت: كيف خلاه أسلم، وهو شيطان؟ الحديث ليس صريحاً في ذلك ليه؟ لأن العلماء لما بيذكروا الحديث، «ولكن الله أعانني عليه» بيرووه كمان بلفظ "فأسْلَمُ"، وبلفظ ثاني: "فأسْلَمَ". ففي فرق بين فأسلمُ يعني: من شره، فأسلمُ، فأسلمَ روايتان، وكل من الروايتين بتدل على معنى غير الرواية الأخرى، فعلى رواية فأسْلَمَ أي: صار مسلماً، وهنا بيجي الإشكال وسيأتيك الجواب، أما على رواية فأسْلَمُ، يعني: أسلمُ من شره، وأسلمُ من وسوسته، فلا يضرني فما فيه إشكال. أما على الرواية الأولى: فَأَسْلَمَ. أي: صار مسلماً فالجواب: من ناحيتين: الناحية الأولى: كما يوجد في الإنس الصالحين والطالحين يعني: غير صالحين، كمان في الجن يوجد منهم الجنسين الصالح والطالح، لذلك قال تعالى في القرآن في سورة الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم7286).

قِدَدًا} (الجن:11) فمن كان صالحاً من الجن فهو مسلم، كما أنه من كان صالحاً من الإنس فهو مسلم، ومن كان طالحاً فاسقاً من الجن فهو شيطان. مداخلة: ما معنى كلمة (طالحاً)؟ الشيخ: يعني: ضد صالح، أنا أقول لك: من كان صالحاً أو من كان طالحاً يعني: غير صالح واضح؟ مداخلة: نعم. طيب! من كان طالحاً يعني: غير صالح من الجن اسمه شيطان، وكذلك من كان من الإنس طالحاً فهو شيطان، ولذلك قال تعالى في القرآن: {وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} (الأنعام:112) أي: شياطين الجن بيوحوا لإخوانهم من شياطين الإنس، إذاً: في من الإنس مسلمين ومن الجن مسلمين، وكما أنه فيه بالإنس غير مسلمين كمان فيه بالجن غير مسلمين، الجن اللي غير مسلمين اسمهم شياطين، (نأتي الآن) إلى شيطان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو جني، لكن الله عز وجل أعان نبيه عليه فوعظه ونصحه وذكره كما فعل مع كفار قريش، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، وهو أرسل إلى الجن كما تعلم في سورة الجن {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} (الجن:1) فهؤلاء الذين استمعوا اهتدوا وراحوا إلى قومهم وأنذروهم برسالة الرسول عليه السلام، فمنهم من آمن ومنهم من كفر من الجن، فهذا الشيطان الذي كان للرسول عليه السلام ربنا عز وجل أعان نبيه عليه فَأََسْلَمَ وصار مسلماً، كما لو كان من قبل كان من شياطين الجن، وبعدين أسلم، واضح؟ وهذا على رواية فأسْلَمَ. أما على الرواية الثانية فأسلمُ ما فيها إشكال. "الهدى والنور" (323/ 24: 20: 00).

[1239] باب كيف أسلم قرين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو ملعون؟

[1239] باب كيف أسلم قرين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو ملعون؟ السائل: كيف أسلم شيطان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كيف أسلم وهو ملعون؟ الشيخ: أولاً يجب أن نعلم أن الله عز وجل لما خلق الإنس والجن، ما خلقهم جميعاً شياطين كفاراً عصاةً، وإنما خلقهم على الفطرة، فكما أنه يوجد في الإنس صالحون وطالحون، فيهم من لَقَّبَهُم رب العالمين بأنهم شياطين، كذلك الجن، ولا فرق أبداً من هذه الحيثية يوجد فيهم الصالح والطالح وهذا مذكور صراحةً في سورة الجن، وعلى لسان الجن، {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} [الجن:11]، فكما يوجد في الإنس صالح وطالح، فكذلك يوجد في الجن صالح وطالح، فمن أسلم من الجن فهو صالح ومن لم يسلم فهو كافر أو فاسق على الأقل، ولذلك فلا إشكال على إحدى الروايتين، في قوله عليه السلام «ولكن الله أعانني عليه فأسلم»، لا إشكال في هذا؛ لأن الجن ليس كلهم كفار منهم الصالحون، ومنهم دون ذلك، فإذاً حديثه [فأسلم] يشير إلى هذه الحقيقة أن من الجن الصالح ومنهم الطالح، ونحن نعلم جميعاً أن إبليس كان بصريح القرآن {إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (الكهف:50)، فمن كان من ذريته يفسق أيضاً ويخرج عن أمر ربه فهو مثله، ومن أسلم وأطاع ربه فهو جني مسلم فلا فرق إذاً بين الإنس والجن من حيث أن فيهم المؤمن والكافر، فيهم المؤمن الصالح، وفيهم المؤمن الطالح هذا جواب ما سألت وهو واضح، إن شاء الله تعالى. "الهدى والنور" (399/ 49: 13: 00).

(هل كان إبليس من الملائكة؟)

(هل كان إبليس من الملائكة؟) [1240] باب هل كان إبليس من الملائكة؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: - «يا جبريل صف لي النار، وانعت لي جهنم، فقال جبريل: إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهبها، والذي بعثك بالحق لو أن خازنا من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا فنظروا إليه لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه، ومن نتن ريحه، والذي بعثك بالحق لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لا رفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: حسبي يا جبريل لا يتصدع قلبي، فأموت، قال: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جبريل وهو يبكي، فقال: تبكي يا جبريل وأنت من الله بالمكان الذي أنت به، فقال: مالي لا أبكي؟ أنا أحق بالبكاء! لعلي ابتلى بما ابتلي به إبليس، فقد كان من الملائكة، وما أدري لعلي ابتلي مثل ما ابتلي به هاروت وماروت، قال: فبكى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وبكى جبريل عليه السلام، فما زالا يبكيان حتى نوديا: أن يا جبريل ويا محمد إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصياه، فارتفع جبريل عليه السلام، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فمر بقوم من الأنصار يضحكون ويلعبون، فقال: أتضحكون ووراءكم جهنم؟! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا

ولبكيتم كثيرا، ولما أسغتم الطعام والشراب، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل .. فنودي: يا محمد! لا تقنط عبادي، إنما بعثتك ميسرا ولم أبعثك معسرا فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: سددوا وقاربوا». (موضوع). [قال الإمام]: أخرجه الطبراني في " الأوسط " بسنده عن عمر بن الخطاب قال: " جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه، فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا جبريل: مالي أراك متغير اللون؟ فقال: ما جئتك حتى أمر الله بمفاتيح النار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: يا جبريل صف لي النار. الحديث، أورده المنذري في " الترغيب والترهيب " (4/ 225 - 226) وأشار لضعفه أو وضعه، وقد بين علته الهيثمي في " المجمع " فقال (10/ 387): " وفيه سلام الطويل وهو مجمع على ضعفه ". قلت: وذلك لأنه كان كذابا كما قال ابن خراش، وقال ابن حبان (1/ 335 - 336): "روى عن الثقات الموضوعات، كأنه كان المعتمد لها ". وقال الحاكم - على تساهله -: " روى أحاديث موضوعة ". قلت: وهذا منها بلا شك فإن التركيب والصنع عليه ظاهر، ثم إن فيه ما هو مخالف للقرآن الكريم في موضعين منه: الأول: قوله في إبليس: " كان من الملائكة " والله عز وجل يقول فيه: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}، وما يروى عن ابن عباس في تفسير قوله: {من الجن} أي من خزان الجنان، وأن إبليس كان من الملائكة، فمما لا يصح إسناده عنه، ومما يبطله أنه خلق من نار كما ثبت في القرآن الكريم، والملائكة خلقت من

[1241] باب منه

نور كما في " صحيح مسلم " عن عائشة مرفوعا، فكيف يصح أن يكون منهم خلقة، وإنما دخل معهم في الأمر بالسجود لآدم عليه السلام لأنه كان قد تشبه بهم وتعبد وتنسك، كما قال الحافظ ابن كثير، وقد صح عن الحسن البصري أنه قال: "ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر ". [ثم ذكر الإمام الموضع الثاني]. "الضعيفة" (2/ 311 - 312). [1241] باب منه [أورد الإمام الحديث السابق ثم قال]: أخرجه ابن أبي الدنيا في " صفة النار " (ق 9/ 1) والطبراني في المعجم الأوسط (2750 - بترقيمي لمصورة الجامعة الإسلامية) عن سلام الطويل عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن عدي بن عدي الكندي قال: قال: عمر بن الخطاب: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه، فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: فذكره. وقال الطبراني: " لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد تفرد به سلام ". قلت: وقال الهيثمي (10/ 386 - 387) بعد ما عزاه للطبراني: " وهو مجمع على ضعفه". قلت: وقد اتهمه غير واحد بالكذب والوضع كما تقدم غير ما مرة، وقال ابن حبان في " الضعفاء والمتروكين ": " يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمد لها ". قلت: وفي هذا الحديث ما يؤكد ما اتهموه به أعظمها قوله في إبليس: "كان من

[1242] باب منه

الملائكة " وهذا خلاف القرآن: و {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}. ثم إن الملائكة خلقت من نور كما في " صحيح مسلم "، وهو مخرج في " الصحيحة " (458)، وأما إبليس فخلق من نار كما في القرآن والحديث. ونحوه قوله: "ما ابتلي به هاروت وماروت، فإنه يشير إلى ما يروى من قصتهما مع الزهرة ومراودتهما إياها وشربهما الخمر وقتلهما الصبي، وهي قصة باطلة مخالفة للقرآن أيضا كما سبق بيانه في المجلد الأول برقم (170). ولا يفوتني التنبيه أن قوله: " لو تعلمون ... " إلى قوله: " تجأرون إلى الله عز وجل " قد جاء طرفه الأول في " الصحيحين "، والباقي عند الحاكم وغيره، فانظر الحديث الآتي إن شاء الله برقم (4354). وتخريج " فقه السيرة" (ص479). "الضعيفة" (3/ 472 - 475). [1242] باب منه [ذكر أبو عبيد في "الإيمان": أن إبليس "كان في عداد الملائكة" فعلق الإمام على ذلك قائلا]: يعني الذين أمروا بالسجود، ولا يعني .. رحمه الله تعالى: أنه كان منهم في الخلق والجبلة، كيف والقرآن يقول عنه {كان من الجن}، والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وخلق آدم مما وصف لكم». "مختصر مسلم" رقم (2169). "تحقيق الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام" (ص 58).

(حكم لعن الشيطان)

(حكم لعن الشيطان) [1243] باب هل يجوز لعن إبليس؟ سؤال: يجوز لعن إبليس؟ الشيخ: إبليس، لا يجوز، إنما تقول: أعوذ بالله من شر إبليس. "رحلة النور" (9أ/00:24:35) [1244] باب حال حديث «لا تلعنوا الشيطان فإنه يتعاظم» سؤال: صحة حديث: «لا تلعنوا الشيطان فإنه يتعاظم» (¬1). الشيخ: أي نعم. مداخلة: اللفظ صحيح. الشيخ: المعنى صحيح، أما اللفظ لا أستحضره، في نهي عن ذلك، ويأمر الرسول في هذه الحالة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. مداخلة: نعم، لكن الحديث نفسه. الشيخ: أقول لك: هذا من تمام الحديث، والحديث صحيح. "الهدى والنور" (245/ 09: 53: 00) ¬

(¬1) الذي وقفت عليه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - , لا تقل تعس الشيطان فإنه يتعاظم ... ". أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 124) والبيهقي في "الشعب" (4/ 302).

(متفرقات)

(متفرقات) [1245] باب في ذكر طعام الجن [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «لكم (يعني الجن) كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم». [قال الإمام]: وخلاصة الكلام في هذا الحديث أنه ضعيف للاضطراب في سنده ومتنه، ولم أجد له شاهداً نقويه به، بل هو مخالف بظاهره لحديث أبي هريرة: " أنه كان يحمل مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال: من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة فقال: ابغني أحجاراً أستنفض بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة " فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي، حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت معه، فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين - ونعم الجن - فسألوني الزاد، فدعوت الله أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعماً، وفي لفظ: طعاماً ". أخرجه البخاري (7/ 136) والطحاوي (1/ 74) والبيهقي (1/ 107 - 108). قلت: ووجه المخالفة أن ظاهره أن العظم والروثة زاد وطعام للجن أنفسهم،

[1246] باب هل الحيات الموجودة الآن من الجن الممسوخ؟

وليس شيء من ذلك لدوابهم، والتوفيق بينه وبين حديث ابن مسعود بحمل الطعام فيه على طعام الدواب كما فعل الحافظ في " الفتح " وتبعه الصنعاني في " سبل السلام " (1/ 123)، لا بأس به لوثبت حديث ابن مسعود، أما وهو ضعيف كما سبق فلا وجه للتوفيق حينئذ. "الضعيفة" (3/ 133/137). [1246] باب هل الحيات الموجودة الآن من الجن الممسوخ؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الحيات مسخ الجن، كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل». [ترجم له الإمام بقوله: ما مسخ انقرض ثم قال:] اعلم أن الحديث لا يعني أن الحيات الموجودة الآن هي من الجن الممسوخ، وإنما يعني أن الجن وقع فيهم مسخ إلى الحيات، كما وقع في اليهود مسخهم قردة وخنازير، ولكنهم لم ينسلوا كما في الحديث الصحيح: «إن الله لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقباً»، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك. " الصحيحة" (4/ 439 - 440). [1247] باب هل يسلط الشيطان على أموال الناس؟ سؤال: السؤال توضيح فعل الشيطان في حديث: «صدقك وهو كذوب»؟ وهل الشيطان هو إبليس الذي لم يسجد لآدم أم من أفراد أسرته إذا صح أو ذريته؟ الشيخ: ماذا تفرق معك إن كان هو وإلا ابنه ... أنا ما عندي التوضيح هذا،

لأن هذا ما يترتب وراءه شيء. مداخلة: هل يفعل الشيطان أن يأخذ من مال المسلمين بهذا التصوير .. ؟ الشيخ: هذا السؤال غير وارد، لأن الحديث شو يدل؟ مداخلة: الحديث أنه كان داخل في المال في بيت مال المسلمين. الشيخ: بس هيك؟ مداخلة: هو لما جاء قال له: أنا مسكين وفقير. الشيخ: لا، هذا الحديث شو بيدل بالنسبة لسؤالك. مداخلة: يعني الحديث أنه قاعد داخل موجود في الغرفة وقاعد يحمل. الشيخ: طيب. إذاً ما هو سؤالك؟ مداخلة: أنه هل يعني يصير؟ الشيخ: قد صار. مداخلة: يعني يصير بعدها. الشيخ: صار، ولولا أن الرجل مؤمن أبو هريرة وشجاع وهجم عليه واستفاد الذكر فائدة؛ كان الشيطان أخذ البضاعة وذهب، لكن أنت يمكن مثلما ألمح بعض الإخوان متأثر ببعض الإشاعات أو الوساوس الشيطانية، الشيطان يفعل هذا, ولكن الله لا يسلط شيطان على أموال الناس كلهم دائماً وأبداً، وإنما حين يريد أن يظهر حكمة يقع هذا، فما هو المانع؟ مداخلة: .. في قضية في أحد أقاربنا سرق ماله يعني، سرق ماله وهم ناس

[1248] باب هل الجني يؤذي الإنسي ابتداء؟

بسطاء فصار يقولوا: اذهبوا إلى الشيخ من أجل يعرف أين الفلوس، وقال لهم واحد: أنا أخلي الشيطان يروح يأتي بالفلوس. الشيخ: ما له علاقة بحديث الشيطان الذي قال فيه الرسول: «صدقك وهو كذوب» وهذا توسع غير مشروع وغير جائز أن الواحد يستعين بالذين يتعاونون مع الجن، فهذا بلا شك يعني ليس من سبيل المؤمنين. "الهدى والنور" (235/ 50: 26: 00) [1248] باب هل الجني يؤذي الإنسي ابتداءً؟ السائل: شيخنا الجن هل يمكن أن يؤذي الإنسان ابتداء وإلا لازم يكون سحر نافخ فيه إنسي؟ الشيخ: لا ليس شرطاً. مداخلة: .. يعني ممكن الجني يؤذي الإنسي ابتداءً. الشيخ: أي نعم. مداخلة: يتلبسوا دونما سبب. الشيخ: أي نعم. "الهدى والنور" (628/ 33: 06: 00). [1249] باب هل جنس البشر أفضل أم الجن؟ مداخلة: الجن يعتبرون الإنس أفضل منهم خلقاً ونسباً، ولذلك يطيعونهم. الشيخ: هذه مسألة دخلت في طور الشريعة، هل عندك دليل؟ ...

مداخلة: شيخنا الآية قول إبليس لعنه الله: {هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} عن آدم {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} (الإسراء:62) ليست دليلاً هذه أيضاً. الشيخ: دليل خاص بين شخصين، نحن نحكي عن أمة أمام أمة، شعب أمام شعب، خلق أمام خلق، كما لو قلنا مثلاً الملائكة أفضل أم البشر؟ فقد يكون في البشر شخص يكون أفضل من أفضل الملائكة، لكن ذلك لا يستلزم تفضيل جنس الملائكة على جنس البشر، أو العكس يعني. مداخلة: شيخنا جعل الله الخلافة لبني آدم والجن يسكنون الأرض معنا، ولكن الخلافة في بني آدم {إِنِّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة:30). مداخلة: الإنسان. مداخلة: نعم. مداخلة: يعني شيخنا تفضيل نوعية يبحث فيه. الشيخ: كيف؟ مداخلة: تفضيل النوعية .. الشيخ: ما فهمت. مداخلة: أنا أتساءل عن [البحث] الذي يبحث فيه، يعني .. هل المراد بذلك الجنس مثلاً وما يتبعها. الشيخ: هذا الذي قلناه الجنس، المراد الجنس. مداخلة: نعم.

الشيخ: هل جنس الملائكة أفضل أم جنس البشر، أم العكس؟ فإذا فرضنا أن جنس الملائكة أفضل، جنس الملائكة أفضل كلهم كجماعة أو كأمة، لكن بدون أن يكون محمد أفضل من الملائكة أم لا يجوز؟ يجوز، لكن ليس البحث في الأفراد، البحث في الجنس، فأنا أحاول نشوف فيه شيء أم لا، لا نستحضر. مداخلة: شيخنا مجرد ما بحثت مفاضلة الإنس مع الملائكة ألا يقتضي ضمناً تفضيل الإنس على الجن؟ الشيخ: كيف قلت؟ مداخلة: مجرد مبحث أهل العلم في المفاضلة بين الملائكة والإنس، ألا يقتضي ذلك ضمناً تفضيلهم على الجن؟ الشيخ: مجرد البحث؟ مداخلة: نعم. الشيخ: كيف؟ مداخلة: يعني مجرد ما يذكر أن الملائكة أم الإنس، فلو كان الجن أفضل من الإنس لقيل الجن أم الملائكة، فمجرد هذه المقارنة تحصيل حاصل الإنس هو أعلى قدراً من الجن. الشيخ: بارك الله فيك، لكن هذا يتطلب الدليل، أما مجرد ادعاء هذا قيل من قبل. مداخلة: العموميات شيخنا الذي نقل. مداخلة: إذا قارنت الجنس بالذي يليه فبالتالي تسقط ما هو دون الأدنى، فمن

باب الاستنتاج بس أقول لك، أو من باب الوصول إلى النتيجة. الشيخ: نعم. مداخلة: ... قرأ سورة الرحمن على الجن، رأيتهم أحسن مردوداً منكم، هل هذا دليل على تفضيلهم على الإنس؟ الشيخ: تفضيل موضعي نعم. "الهدى والنور" (628/ 51: 20: 00) و (628/ 14: 24: 00)

جماع أبواب ضلال من أنكر عالم الجن وحقيقته

جماع أبواب ضلال من أنكر عالم الجن وحقيقته

[1250] باب كفر من أنكر عالم الجن

[1250] باب كفر من أنكر عالم الجن عن جابر بن سمرة قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلاة مكتوبة فضم يده في الصلاة، فلما صلى قلنا: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ قال: «لا إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي، وأيم الله لولا ما سبقني إليه أخي سليمان لارتبط إلى سارية من سواري المسجد حتى يطيف به ولدان أهل المدينة». [قال الإمام]: إسناده صحيح على شرط مسلم. [وعلق قائلاً]: وهو من الأحاديث الكثيرة التي يكفر بها طائفة القاديانية؛ فإنهم لا يؤمنون بعالم الجن المذكور في القرآن والسنة، وطريقتهم في رد النصوص معروفة، فإن كانت من القرآن؛ حرفوا معانيها؛ كقوله تعالى {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} قالوا: أي من الإنس! فيجعلون لفظة " الجن " مرادفة للفظة " الإنس "؛ كـ " البشر"! فخرجوا بذلك عن اللغة والشرع، وإن كانت من السنة؛ فإن أمكنهم تحريفها بالتأويل الباطل؛ فعلوا، وإلا؛ فما أسهل حكمهم ببطلانها؛ ولو أجمع أئمة الحديث كلهم والأمة من ورائهم على صحتها؛ بل تواترها! هداهم الله. "أصل صفة الصلاة" (1/ 124).

[1251] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن أنكر عالم الجن والشياطين

[1251] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن أنكر عالم الجن والشياطين [قال الإمام]: ومن [أباطيل غلام أحمد] القادياني المخبول: زعمه أن المراد بالشيطان الرجيم في الاستعاذة هو هذا الدجال -يعني: الديانة [المسيحية الباطلة]-؛ قال [في كتابه "إعجاز المسيح"] (29): ولا يفهم هذا الرمزَ إلا ذو القريحة الوقادة! ... ومن وقف على كتبه؛ يعلم أن تفسيره كله أو جله على هذه الطريقة الرمزية الصوفية الغالية, التي لا تستند إلى قاعدة لغوية أو شرعية, وإنما هي الهوى أو الوحي الشيطاني! وهو في أثناء تفسيره للاستعاذة يشير إلى إنكار وجود الجن والشياطين, وإنما الجن عنده وعند أتباعه الضالين هم زعماء الناس؛ كما صرح لي بذلك بعض أتباعه, وكان قد جرى بيني وبينه مناظرة شفهية في هذا الموضع في جلسات تبلغ العشر, كان نتيجتها أن انسحب منها مذموماً مدحوراً. "أصل صفة الصلاة" (3/ 1005 - 1006). [1252] باب منه [قال الإمام]: ومن ضلالات القاديانية إنكارهم لـ (الجن) كخلقٍ غير الإنس، ويتأولون كل الآيات والأحاديث المصرحة بوجودهم ومباينتهم للإنس في الخلق بما يعود إلى أنهم الإنس أنفسهم أو طائفة منهم، حتى إبليس نفسه يقولون إنه إنسي شرير، فما أضلهم. "التعليق على متن الطحاوية" (ص23 - 24).

[1253] باب منه

[1253] باب منه [قال الإمام في أثناء كلامه على ضلالات القاديانية:] وأنكروا وجود الجن مع تردد ذكرهم في القرآن الكريم فضلاً عن السنة وتنوع صفاتهم فيهما، وزعموا أنهم طائفة من البشر، إلى غير ذلك من ضلالاتهم، وكلها من بركات التأويل الذي أخذ به الخلف في آية الاستواء وغيرها من آيات الصفات. "مختصر العلو" (ص32). [1254] باب منه [قال الإمام]: اليوم الفرق الإسلامية كلها يأخذون ... : قال الله وقال رسول الله، لكن بيلفوا ويدوروا على ما قال الله قال رسول الله، ويأتونك بمذهب ما أنزل الله به من سلطان، وحسبكم مثالاً على ذلك: الفرقة الجديدة وهي فرقة القاديانية الذين يسمون بالأحمدية، فهؤلاء آخر الفرق الإسلامية التي لها كيان ولها شخوص، ولها بروز ولها دعوة شائعة في [القارة] الأوربية والأمريكية باسم الإسلام. هؤلاء مسلمون يصلون صلوات خمس، ويحجون إلى بيت الله الحرام، ولكنهم ينكرون حقائق شرعية منصوصة في الكتاب والسنة لم يسبقوا إلى القول بها، مش مثل المعتزلة والماتريدية الأشاعرة، فهم مثلاً: ينكرون أن يكون هناك خَلْقٌ هم الجن مع أنه هناك سورة في القرآن اسم سورة الجن، طيب. هل ينكرون القرآن ينكرون السورة؟ لا. لكن يقولون لنا: أنتم ما فهمتم معنى الجن كمثل الإنس والبشر اللفظين هذين يدلان على مسمى واحد والَّا على مسميين؟ لا مسمى واحد، هم بقي جابوا مسمى ثالث الإنس والبشر والجن أسماء ثلاثة تطلق

على مسمى واحد وهم: البشر. لما تأتي لهم بآية في القرآن: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (الأعراف:12) يقول لك: هذه ما هي نار حقيقة، ولا طين حقيقي إنما هذا مجاز، مجاز ولما بتجيب له بالحديث الصحيح في مسلم: «خلق الله الملائكة من نور، وخلق الجان من نار وخلق آدم مما وصف لكم» (¬1) يقول لك: هذا حديث آحاد، حديث آحاد آحاد، حديث ما هو متواتر يعني، حديث آحاد لا تثبت فيه عقيدة، وهذه ضلالة وهي: أن حديث الأحاديث لا تثبت به عقيدة مع الأسف الشديد ما هو مذهب قادياني، القاديانية سُبِقوا إلى هذه الضلالة بقرون، لكن لم يسبقوا إلى تفسير الجن بأنهم الأنس أو البشر. الأزهر الشريف الآن، الأزهر الذي يسموه شريف يقرر على الطلاب الذي يوزعوهم في العالم الإسلامية للدعوة للإسلام أن الحديث الصحيح لا يحتج به في العقيدة إلا إذا كان متواتراً، ما معنى متواتر؟ يعني: يكون جاء من طرق عديدة، يعني: يكون رواه في عشرة من الصحابة، وعشرة من التابعين عن عشرة من الصحابة ... وهكذا. وعلى كل حال: أردت أن أختصر، لكن كما يقال: الحديث ذو شجون .. مداخلة: ماذا يستفيدون من التعطيل. الشيخ: اتباع الأهواء عقل بيحكموا عقولهم ما بيحكموا الشرع. مداخلة: هذا هو الأمر، {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الفرقان:43). الشيخ: هواه أي نعم. "الهدى والنور""الهدى والنور" (161/ 01: 33: 00) و (161/ 27: 45: 00) ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم7687).

جماع أبواب إثبات تلبس الجن بالإنس والرد على من أنكر ذلك

جماع أبواب إثبات تلبس الجن بالإنس والرد على من أنكر ذلك

[1255] باب إثبات تلبس الجن بالإنس والرد على من أنكر ذلك مع الإنكار على من يتوسع في هذا الباب كذلك

[1255] باب إثبات تلبس الجن بالإنس والرد على من أنكر ذلك مع الإنكار على من يتوسع في هذا الباب كذلك "يا شيطان اخرج من صدر عثمان! [فعل ذلك ثلاث مرات] ". [قال الإمام]: هو من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه، وله عنه طرق أربعة: الأولى: عن عبد الأعلى: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عبد الله بن الحكم عن عثمان بن بشر قال: سمعت عثمان بن أبي العاص يقول: شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نسيان القرآن، فضرب صدري بيده فقال: فذكره. قال عثمان: "فما نسيت منه شيئا بعد، أحببت أن أذكره ". وفي الحديث دلالة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ويدخل فيه ولو كان مؤمناً صالحا، وفي ذلك أحاديث كثيرة، وقد كنت خرجت أحدها فيما تقدم برقم (485) من حديث يعلى بن مرة قال: "سافرت مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فرأيت منه شيئا ًعجباً .. " وفيه: "وأتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين، يأخذه كل يوم مرتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " أدنيه "، فأدنته منه، فتفل في فيه، وقال: اخرج عدو الله! أنا رسول الله ". رواه الحاكم وصححه. ووافقه الذهبي، وهو منقطع. ثم خرجته من طرق أخرى عن يعلى، جود المنذري أحدها! ثم ختمت التخريج بقولي: " وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد (¬1). والله أعلم ". ثم وقفت على كتاب عجيب من غرائب ما طبع في العصر ¬

(¬1) وله شواهد كثيرة يزداد بها قوة، قد ساقها المؤلف الآتي ذكره، وسلم بصحته في الجملة، ولكنه ناقش في دلالته، ويأتي الرد عليه. [منه].

الحاضر بعنوان (طليعة " استحالة دخول الجان بدن الإنسان")! لمؤلفه (أبو عبد الرحمن إيهاب بن حسين الأثري) -كذا الأثري موضة العصر! - وهذا العنوان وحده يغني القارئ اللبيب عن الاطلاع على ما في الكتاب من الجهل والضلال، والانحراف عن الكتاب والسنة، باسم الكتاب والسنة ووجوب الرجوع إليهما، فقد عقد فصلا في ذلك، وفصلا آخر في البدعة وذمها وأنها على عمومها، بحيث يظن من لم يتتبع كلامه وما ينقله عن العلماء في تأييد ما ذهب إليه من الاستحالة أنه سلفي أو أثري - كما انتسب - مائة في المائة! والواقع الذي يشهد به كتابه أنه خلفي معتزلي من أهل الأهواء، يضاف إلى ذلك أنه جاهل بالسنة والأحاديث، إلى ضعف شديد باللغة العربية وآدابها، حتى كأنه شبه عامي، ومع ذلك فهو مغرور بعلمه، معجب بنفسه، لا يقيم وزناً لأئمة السلف الذين قالوا بخلاف عنوانه كالإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم، والطبري وابن كثير والقرطبي، والإمام الشوكاني وصديق حسن خان القنوجي، ويرميهم بالتقليد! على قاعدة (رمتني بدائها وانسلت)، الأمر الذي أكد لي أننا في زمان تجلت فيه بعض أشراط الساعة التي منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة» (¬1). ونحوه قول عمر رضي الله عنه: " فساد الدين إذا جاء العلم من الصغير، استعصى عليه الكبير، وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير، تابعه عليه الصغير " (¬2). وما أكثر هؤلاء (الصغار) الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ، وما العهد عنا ببعيد ذاك المصري الآخر الذي ألف في تحريم النقاب على المسلمة! وثالث أردني ألف في تضعيف قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين "، وفي حديث تحريم المعازف، المجمع على صحتهما عند المحدثين، وغيرهم وغيرهم كثير وكثير!! ¬

(¬1) حديث صحيح مخرج من طرق فيما تقدم برقم (1887 و2238 و2253). [منه] (¬2) رواه قاسم بن أصبغ بسند صحيح كما في " الفتح " (13/ 301).] منه].

وإن من جهل هذا (الأثري) المزعوم وغباوته أنه رغم تقريره (ص 71 و138) أن: " منهج أهل السنة والجماعة التوقف في المسائل الغيبية عندما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأنه ليس لأحد مهما كان شأنه أن يضيف تفصيلا، أو أن ينقص ما ثبت بالدليل، أو أن يفسر ظاهر الآيات وفق هواه، أو بلا دليل ". أقول: إنه رغم تقريره لهذا المنهج الحق الأبلج، فإنه لم يقف في هذه المسألة الغيبية عند حديث الترجمة الصحيح. بل خالفه مخالفة صريحة لا تحتاج إلى بيان، وكنت أظن أنه على جهل به، حتى رأيته قد ذكره نقلا عن غيره (ص 4) من الملحق بآخر كتابه، فعرفت أنه تجاهله، ولم يخرجه مع حديث يعلى وغيره مما سبقت الإشارة إليه (ص 1002). وكذلك لم يقدم أي دليل من الكتاب والسنة على ما زعمه من الاستحالة، بل توجه بكليته إلى تأويل قوله تعالى المؤيد للدخول الذي نفاه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (البقرة:275) تأويلا ينتهي به إلى إنكار (المس) - الذي فسره العلماء بالجنون - وإلى موافقة بعض الأشاعرة والمعتزلة! الذين فسروا (المس) بوسوسة الشيطان المؤذية! وهذا تفسير بالمجاز، وهو خلاف الأصل، ولذلك أنكره أهل السنة كما سيأتي، وهو ما صرح به نقلا عن الفخر الرازي الأشعري (ص 76 و78): " كأن الشيطان يمس الإنسان فيجن "! ونقل (ص89) عن غيره أنه قال: " كأن الجن مسه "! وعليه خص المس هذا بمن خالف شرع الله، فقال (ص 22): " وما كان ليمس أحد (كذا غير منصوب!) (¬1) إلا بالابتعاد عن النهج المرسوم "! ولو سلمنا جدلا أن الأمر كما قال، فلا يلزم منه عند العلماء ثبوت دعوى النفي، لإمكان وجود دليل آخر على الدخول كما في هذا الحديث ¬

(¬1) قلت: ومثله كثير، انظر بعض الأمثلة في آخر هذا التخريج. [منه].

الصحيح، بينما توهم الرجل أنه برده دلالة الآية على الدخول ثبت نفيه إياه، وليس الأمر كذلك لو سلمنا برده، فكيف وهو مردود عليه بهذا الحديث الصحيح، وبحديث يعلى المتقدم وبهما تفسر الآية، ويبطل تفسيره إياها بالمجاز. ومن جهل الرجل وتناقضه أنه بعد أن فسر الآية بالمجاز الذي يعني أنه لا (مس) حقيقة، عاد ليقول (ص 93): " واللغة أجمعت على أن المس: الجنون ". ولكنه فسره على هواه فقال: أي من الخارج لا من الداخل، قال: " ألا ترى مثلا إلى الكهرباء وكيف تصعق المماس لها من الخارج ... " إلخ هرائه. فإنه دخل في تفاصيل تتعلق بأمر غيبي قياساً على أمور مشاهدة مادية، وهذا خلاف المنهج السلفي الذي تقدم نقله عنه، ومع ذلك فقد تعامى عما هو معروف في علم الطب أن هناك جراثيم تفتك من الداخل كجرثومة (كوخ) في مرحلته الثالثة! فلا مانع عقلا أن تدخل الجان من الخارج إلى بدن الإنسان، وتعمل عملها وأذاها فيه من الداخل، كما لا مانع من خروجها منه بسبب أو آخر، وقد ثبت كل من الأمرين في الحديث فآمنا به، ولم نضربه كما فعل المعتزلة وأمثالهم من أهل الأهواء، وهذا المؤلف (الأثري) - زعم - منهم. كيف لا وقد تعامى عن حديث الترجمة، فلم يخرجه البتة في جملة الأحاديث الأخرى التي خرجها وساق ألفاظها من (ص 111) إلى (ص126) - وهو صحيح جدا - كما رأيت، وهو إلى ذلك لم يأخذ من مجموع تلك الأحاديث ما دل عليه هذا الحديث من إخراجه - صلى الله عليه وآله وسلم - للشيطان - من ذاك المجنون -، وهي معجزة عظيمة من معجزاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل نصب خلافاً بين رواية " اخرج عدو الله " ورواية " اخسأ عدو الله "، فقد أورد على نفسه (ص 124) قول بعضهم: " إن الإمام الألباني قد صحح الحديث "، فعقب بقوله: " فهذا كذب مفترى، انظر إلى ما قاله الشيخ الألباني لتعلم الكذب: المجلد الأول من سلسلته الصحيحة ص 795 ح 485 ". ثم ساق كلامي فيه، ونص ما في آخره كما تقدم: " وبالجملة

فالحديث بهذه المتابعات جيد. والله أعلم ". قلت: فتكذيبه المذكور غير وارد إذن، ولعل العكس هو الصواب! وقد صرح هو بأنه ضعيف دون أي تفصيل (ص 22)، واغتر به البعض! نعم، لقد شكك في دلالة الحديث على الدخول بإشارته إلى الخلاف الواقع في الروايات، وقد ذكرت لفظين منها آنفا. ولكن ليس يخفى على طلاب هذا العلم المخلصين أنه ليس من العلم في شيء أن تضرب الروايات المختلفة بعضها ببعض، وإنما علينا أن نأخذ منها ما اتفق عليه الأكثر، وإن مما لا شك فيه أن اللفظ الأول: " اخرج " أصح من الآخر " اخسأ "، لأنه جاء في خمس روايات من الأحاديث التي ساقها، واللفظ الآخر جاء في روايتين منها فقط! على أني لا أرى بينهما خلافاً كبيراً في المعنى، فكلاهما يخاطب بهما شخص، أحدهما صريح في أن المخاطب داخل المجنون، والآخر يدل عليه ضمنا. وإن مما يؤكد أن الأول هو الأصح صراحة حديث الترجمة الذي سيكون القاضي بإذن الله على كتاب " الاستحالة " المزعومة، مع ما تقدم من البيان أنها مجرد دعوى في أمر غيبي مخالفة للمنهج الذي سبق ذكره. ولابد لي قبل ختم الكلام على هذا الموضوع أن أقدم إلى القراء الكرام ولو مثالاً واحد على الجهل بالسنة الذي وصفت به الرجل فيما تقدم، ولو أنه فيما سلف كفاية للدلالة على ذلك! لقد ذكر الحديث المشهور في النهي عن اتباع سنن الكفار بلفظ لا أصل له رواية ولا دراية، فقال (ص 27): " وصدق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذ يقول: " لتتبعن من قبلكم من الأمم حذاء القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وراءهم. قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: فمن؟ ". أو كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم - "! ومجال نقده في سياقه للحديث هكذا واسع جداً، وإنما أردت نقده في حرف واحد منه أفسد به معنى الحديث بقوله (حذاء)، فإن هذا تحريف قبيح للحديث لا يخفى على أقل الناس ثقافة، والصواب (حذو). وليس هو خطأ مطبعيًّا كما قد يتبادر لأذهان البعض،

فقد أعاده في مكان آخر. فقال (ص 34) مقرونا بخطأ آخر: " حذاء القذة بالقذة "! كذا ضبطه بفتح القاف! وإنما هو بالضم (¬1). ونحو ذلك مما يدل على جهله بالسنة قوله (ص 240): "يقول السلف: ليس الخبر كالمعاينة ". وهذا حديث مرفوع رواه جماعة من الأئمة منهم أحمد عن ابن عباس مرفوعاً، وفيه قصة. وهو مخرج في " صحيح الجامع الصغير " (5250). ومن أمثلة جهله بما يقتضيه المنهج السلفي أنه حشر (ص 74) في زمرة التفاسير المعتبرة " تفسير الكشاف "، و" تفسير الفخر الرازي "، فهل رأيت أو سمعت أثريًّا يقول مثل هذا، فلا غرابة بعد هذا أن ينحرف عن السنة، متأثراً بهما ويفسر آية الربا تفسيراً مجازيًّا! وأما أخطاؤه الإملائية الدالة على أنه (شبه أمي) فلا تكاد تحصى، فهو يقول في أكثر من موضع: " تعالى معي "! وقال (ص 131): " ثم تعالى لقوله تعالى "، وذكر آية. وفي (ص 129): " فمن المستحيل أن تفوت هذه المسألة هذان الإمامان الجليلان "! و (ص130). " أضف إلى ذلك أن الإمامين ليسا طبيبان "! فهو يرفع المنصوب مراراً وتكراراً. وفي الختام أقول: ليس غرضي مما تقدم إلا إثبات ما أثبته الشرع من الأمور الغيبية، والرد على من ينكرها. ولكنني من جانب آخر أنكر أشد الإنكار على الذين يستغلون هذه العقيدة، ويتخذون استحضار الجن ومخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين والمصابين بالصرع، ويتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة القرآن مما لم ينزل الله به سلطاناً، كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحياناً قتل المصاب، كما وقع هنا في عمان، وفي مصر، مما صار حديث الجرائد والمجالس. ¬

(¬1) وهو مخرج في " الصحيحة " من طرق بألفاظ متقاربة (3312). [منه].

لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين صالحين فيما مضى، فصاروا اليوم بالمئات، وفيهم بعض النسوة المتبرجات، فخرج الأمر عن كونه وسيلة شرعية لا يقوم بها إلا الأطباء عادة، إلى أمور ووسائل أخرى لا يعرفها الشرع ولا الطب معاً، فهي - عندي - نوع من الدجل والوساوس يوحي بها الشيطان إلى عدوه الإنسان {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}، وهو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}. فمن استعان بهم على فك سحر - زعموا - أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى؟ مسلم أم كافر؟ وصدقه المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده، فقد شملهم جميعاً وعيد قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد "، وفي حديث آخر: " .. لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " (¬1). فينبغي الانتباه لهذا، فقد علمت أن كثيراً ممن ابتلوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن هذه الحقيقة، فأنصحهم - إن استمروا في مهنتهم - أن لا يزيدوا في مخاطبتهم على قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: " اخرج عدو الله "، مذكرا لهم بقوله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} (النور:63). والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. "الصحيحة" (6/ 2/999 - 1010). ¬

(¬1) رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " غاية المرام " (رقم 284) ورواه الطبراني من طريق أخرى بقيد: " غير مصدق لم تقبل ... "، وهو منكر بهذه الزيادة، ولذلك خرجته في " الضعيفة " (6555). والحديث الذي قبله صحيح أيضا، وهو مخرج في " الإرواء "برقم (2006) وفي غيره. اهـ. [منه].

[1256] باب منه

[1256] باب منه [قال الإمام]: (تنبيه) ألف أحد المعاصرين- المتعالمين المغرورين المتعالين على أئمة السنة والجاهلين بها، والمعادين لها، ومع ذلك كنى نفسه بـ (أبي عبد الرحمن الأثري)! - ألف كتاباً أسماه: "استحالة دخول الجان بدن الإنسان "! يكفيك هذا العنوان عن مضمونه، فقد حشاه أنواعاً من الجهل بالكتاب والسنة، وبالتدليس وقلب الحقائق. "الصحيحة" (7/ 2/919). [1257] باب منه [قال الإمام]: لقد أَنكر بعضُ المعاصرين عقيدةَ مسِّ الشيطان للإنسان مسًّا حقيقيًّا، ودخولَه في بدن الإنسان وصرعه إِيّاه، وأَلّف بعضهم في ذلك بعض التأليفات، موَّهوا فيه على النّاس، وتولّى كِبرَه مُضَعِّفُ الأَحاديث الصحيحة [هو حسان عبد المنان] المارّ ذكره - في كتابه الُمسمَّى بـ"الأُسطورة"!، وضعَّفَ ما جاء في ذلك من الأَحاديث الصحيحة - كعادته -، وركن هو وغيره إلى تأويلات المعتزلة، واشتطَّ آخرون، فاستغلّوا هذه العقيدة الصحيحة، وأَلحقوا بها ما ليس منها مّما غيَّرَ حقيقتَها، وساعدوا بذلك المنكرين لها! واتخذوها وسيلة لجمع النّاس حولَهم لاستخراج الجانَّ من صدورهم بزعمهم، وجعلوها مهنةّ لهم، لأَكل أَموالِ النَّاس بالباطل، حتّى صار بعضهم من كبار الأَغنياء، والحقُّ ضائع بين هؤلاءِ المبطلين وأُولئك المنكرين، وقد رددتُ عليهم جميعاً في المجلد السادس من

[1258] باب منه

"الصحيحة"، خرجت فيه بعض الأَحاديث الصحيحة التي تؤكّد المسَّ الحقيقي، برقم (2918). "تحريم آلات الطرب" (ص 166) [1258] باب منه سؤال: [أحدهم] ... يقول: الآن لا يوجد جني يتمثل بشيء ويؤذي الإنسان .. هذا الكلام انقطع بالرسالة، ... يقول هذا الكلام انتهى بالرسالة، قلت له: لماذا انتهى .. لماذا لا يكون لم ينتهِ .. هو يقول لي: والله هذا لا يمكن يُتصور؛ لأن عندي الآية تقول: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} (الإسراء:65) في سورة الإسراء، فما رأي حضرتك في هذا الكلام؟ الشيخ: طيب! هذه الآية ليس لها علاقة بالتسلط البدني والإيذائي .. هذا التسلط المعنوي والخلقي: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:42]؛ هذا تسلط هداية وتسلط ضلال فهو لا يتسلط بضلاله على المهتدين، لكن يتسلط بضلاله على الضالين الفاسقين، فليس له علاقة بهذا الموضوع الذي هو أذى مادي، هذا من جهة، ومن جهة الأذكار والأوراد التي شرعت إلى يوم الدين .. مداخلة: أيوا لماذا شرعت؟ الشيخ: هذه تُعَطَّل بالنسبة لوجهة هذا النظر .. مداخلة: يعني: ممكن يكون مس مادي من الشيطان للإنسان. الشيخ: طبعاً. مداخلة: حتى للمؤمنين.

[1259] باب منه

الشيخ: طبعاً ... وكما قال عليه السلام: «نحن معاشر الأنبياء [أشد الناس] ابتلاء [ثم] الأمثل فالأمثل» (¬1). فممكن الإنسان يبتلى بأن يسلط عليه شيطان من شياطين الجن في بدنه، يصبر على ذلك فيثاب ويؤجر. مداخلة: تكملة، يقول: أنا ما الذي يثبت لي أن اللي مسك فلان من الناس هذا جن، ما الذي يثبت لي؟ ممكن يكون وهم وممكن يكون تصور وممكن يكون تخيل .. الشيخ: هذا ممكن صحيح لكن عندما يعالج وبكل أنواع المعالجات المادية الطبية فلا ينجح فيها، وبالعكس ينجح فيها العلاج الطب النبوي الروحي فهذا الذي يبين أنه من النوع الآخر. "الهدى والنور" (28/ 26: 52: 00) [1259] باب منه سؤال: أستاذي .. فيه دليل على .. : تلبس الجن بالإنس؟ الشيخ: إيه طبعاً، موجود في القرآن قوله تعالى: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] وهو المصروع، وفيه أحاديث أن الرسول عليه السلام كان يخرج الجان من بعض المصابين بالصرع، وابن تيمية مشهور بأنه كان يفعل ذلك اقتداء به عليه السلام، فهذا معروف، وبعدين فيه عندنا شيء ما له علاقة بالصرع، لكن هو من أمور الغيب، حيث قال عليه السلام: «إن الشيطان يجري من ابن آدم ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم992)، "الصحيحة" (1/ 225).

[1260] باب منه

مجرى الدم» (¬1). فالشيطان ما هو مادته من مادة الإنسان، بحيث إنه لا يمكن أن تحل مادة في مادة، لا هو الشيطان من باب التقريب، كالهواء .. كالنور، ... "الهدى والنور" (29/ 42: 38: 00) [1260] باب منه السائل: هل الجن يتلبس بالإنسان؟ الشيخ: لا شك في هذا. "الهدى والنور" (627/ 52: 13: 00) [1261] باب هل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» "من أدلة تلبس الجن بالإنس؟ سؤال: ما هي الأدلة لدخول الجن في الإنس من الكتاب والسنة؟ الشيخ: هذا بحث طرق وشبعتم منه، والآية الكريمة: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (البقرة:275) والأحاديث التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه من معجزاته أنه أخرج بعض الشياطين من بعض المرضى فنشط المريض كأنما نشط من عقال، فحسبكم هذا، وهذه عقيدة صحيحة تلقتها الأمة بالقبول، إلا المعتزلة وإلا من كان فيه اعتزال، وقد لا يكون من المعتزلة. مداخلة: طيب! الحديث: «يجري الشيطان من ابن آدم مجرى الدم» قالوا: هل سيحملنا هذا الحديث أن تقول» كل إنسان به مس ... ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم 1933) وصحيح مسلم " (رقم 5807).

الشيخ: لا، هذا كلام .. هذا تحميل للحديث الصحيح هذا ما لا يتحمل، ومن هنا ندخل في بحث هام جدًا قد يغفل عنه كثير من طلبة العلم إن لم أقل: قد يغفل عنه بعض أهل العلم أو على الأقل بعض من ينتسب إلى أهل العلم، قوله عليه السلام: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» له مناسبة، هذه المناسبة تَشْرَحُ وتُبَيٍّنُ للسامع للحديث المعنى الصحيح المقصود من الحديث، فلا يسعه حينذاك أن يحمله ما لا يتحمل من المعنى؛ الحديث في صحيح البخاري، وفي باب الاعتكاف منه بصورة خاصة، أو كتاب الاعتكاف الذي يلي كتاب الصيام، أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان معتكفًا في مسجده فزارته زوجته صفية وجلست عنده مدة، ثم خرج معها يقلبها إلى أهلها فوقف معها في جانب في الطريق، وهو معها يتحدث مر رجلان من الأنصار فوقع بصرهما على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبجانبه امرأة، هم لا يعرفونها بطبيعة الحال؛ لأن نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كن يحتجبن حتى في وجوههن وجوبًا وخصوصيةً للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولذلك كانت الفضليات .. النساء الفاضلات من الصحابيات الجليلات يغطين أيضًا وجوههن تشبهًا بنساء الرسول عليه السلام أمهات المؤمنين. فما عرف هذان الرجلان هذه المرأة التي وقف الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - معها، فسارعا السير والمشي، فقال لهما عليه الصلاة والسلام: «على رسلكما إنها صفية - زوجتي -» قالا: «يا رسول الله!» إن كنا نشك في أحد فما كنا لنشك بك يا رسول الله» .. قال: «إن الشطيان يجري من الإنسان - وفي لفظ روايات - من ابن آدم مجرى الدم» إذا ربطنا هذا الحديث بمناسبته انكشف لنا المراد منه؛ يجري من الإنسان من ابن آدم مجرى الدم بالوسوسة، وليس بالإيذاء والصرع كما زعم المشار إليه في كلام السائل. "لقاءات المدينة" (2/ 00:37:04)

[1262] باب هل الشيطان ليس له سلطان على المؤمن مطلقا؟

[1262] باب هل الشيطان ليس له سلطان على المؤمن مطلقًا؟ سؤال: فيه بالقرآن يقول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (النحل:98، 99). الشيخ: طيب. مداخلة: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} (النحل:99، 100). الشيخ: نعم. مداخلة: من هذه الآية يتبين لنا أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين إطلاقاً، ما هكذا نفهم؟ الشيخ: أما إطلاقاً فلا، ليس له سلطان في الإغواء والإضلال، أما أن يمسه بنصب وعذاب فهذا يدخل في عموم قوله عليه السلام: «نحن معاشر الأنبياء أشد ابتلاء الأمثل فالأمثل» كيف آية أيوب عليه السلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} (ص:41) ... وهو نبي .. " الهدى والنور" (133/ 42: 11: 00) (¬1). ¬

(¬1) تنبيه هام: بقي مما يتعلق بعالم الجن الكلام على العلاج الشرعي للمس والصرع والكلام حول الاستعانة بالجن والتعامل معهم وحكم التنويم المغناطيسي واستحضار الأرواح, وغير ذلك, وقد قدمنا كل ذلك في كتاب التوحيد والشرك فلتراجع هناك.

كتاب النبوات

(كتاب النبوات)

جماع أبواب: - تعريف النبي والرسول - والكلام على الفرق بينهما - والكلام على النسبة بين النبوة والرسالة والولاية

جماع أبواب: - تعريف النبي والرسول - والكلام على الفرق بينهما - والكلام على النسبة بين النبوة والرسالة والولاية

[1263] باب تعريف النبي والرسول وبيان الفرق بينهما

[1263] باب تعريف النبي والرسول وبيان الفرق بينهما [قال الإمام]: النبي (من) بُعِثَ لتقرير شرعٍ سابق، والرسول من بعثه الله بشريعة يدعو الناس إليها، سواء كانت جديدة أو متقدمة. والله أعلم. "الصحيحة" (6/ 1/369) [1264] باب الفرق بين النبي والرسول [قال الإمام]: اعلم أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، وقد ذكروا فروقاً بين الرسول والنبي تراها في " تفسير الآلوسي " (5/ 449 - 450) وغيرها، ولعل الأقرب أن الرسول من بُعِثَ بشرع جديد والنبي من بعث لتقرير شرع من قبله وهو بالطبع مأمور بتبليغه؛ إذ من المعلوم أن العلماء مأمورون بذلك فهم بذلك أولى كما لا يخفى. "التعليق على متن الطحاوية" (ص19). [1265] باب المغايرة بين الرسول والنبي [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «كان آدم نبياًّ مكلماً، كان بينه وبين نوح عشرة قرون، وكانت الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر».

[قال الإمام]: اعلم أن الحديث وما ذكرنا من الأحاديث الأخرى، مما يدل على المغايرة بين الرسول والنبي، وذلك مما دل عليه القرآن أيضاً في قوله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ في أُمْنِيَّتِهِ ... } [الحج:52] الآية. وعلى ذلك جرى عامة المفسرين، من ابن جرير الطبري الإمام، إلى خاتمة المحققين الآلوسي، وهو ما جزم به شيخ الإسلام ابن تيمية في غير ما موضع من فتاويه (المجموع10/ 290 و18/ 7) أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا. وقال القرطبي في " تفسيره " (12/ 80): " قال المهدوي: وهذا هو الصحيح أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً. وكذا ذكر القاضي عياض في كتاب "الشفا"، قال: والصحيح الذي عليه الجم الغفير أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا واحتج بحديث أبي ذر ... قلت: ويؤكد المغايرة في الآية ما رواه أبو بكر الأنباري في كتاب " الرد" له بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ: [وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث]. وقال أبو بكر: فهذا حديث لا يؤخذ به على أن ذلك قرآن، والمحدث هو الذي يوحى إليه في نومه؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي. قلت: فإن صح ذلك عن ابن عباس فهو مما يؤكد ما ذكرنا من المغايرة، وإن كان لا يثبت به قرآن، ويؤيده أن المغايرة هذه رويت عن تلميذه مجاهد رحمه الله، فقد ذكر السيوطي في " الدر " (4/ 366) برواية ابن المنذر وابن أبي حاتم عن

مجاهد قال: " النبي وحده الذي يكلم وينزل عليه، ولا يرسل ". فهذا نص من هذا الإمام في التفسير، يؤيد ما تتابع عليه العلماء من القول بالمغايرة، الموافق لظاهر القرآن وصريح السنة. وكان الدافع على تحرير هذا أنني رأيت مجموعة رسائل لأحد فضلاء العصر الحاضر، فيها رسالة بعنوان: " إتحاف الأحفياء برسالة الأنبياء " ذهب فيها إلى عدم التفريق بين الرسول والنبي. وبحثه فيها يدل المحقق المطلع على بحوث العلماء وأقوالهم، على أن المؤلف لها حفظه الله ارتجلها ارتجالاً دون أن يتعب نفسه بالبحث عن أقوال العلماء في المسألة، وإلا فكيف جاز له أن يقول (ج 1/ 429): 1 - " وأسبق من رأينا تكلم بهذا التفريق هو العلامة ابن كثير ... "! وقد سبقه إلى ذلك مجاهد، التابعي الجليل (ت 104) وشيخ المفسرين ابن جرير (ت 310) والبغوي (ت 516) والقرطبي (ت 671) والزمخشري (ت 538)، وغيرهم ممن أشرت إليهم آنفاً. 2 - كيف يقول (ص 431): " إن ابن تيمية لم يذكر التفريق المشار إليه في كتابه (النبوات) "! وليس من اللازم أن يذكر المؤلف كل ما يعلمه في الموضوع في كتاب واحد، فقد ذكر ذلك ابن تيمية في غير ما موضع من فتاواه، فلو أنه راجع " مجموع الفتاوى " له لوجد ذلك في (10/ 290 و18/ 7). ومن ذلك تعلم بطلان قوله عقب ذلك: " فهذه الغلطة في التفريق بين الرسول والنبي يظهر أنها إنما دخلت على الناس من طريق حديث موضوع رواه

ابن مردويه عن أبي ذر، وهو حديث طويل جدا لا يحتمل أبو ذر حفظه مع طوله .. "! أقول: ليس العمدة في التفريق المذكور على هذا الحديث الطويل الذي زعم أن أبا ذر لا يتحمل حفظه كما شرحت ذلك في هذا التخريج الفريد في بابه فيما أظن، وتالله إن هذا الزعم لبدعة في علم الجرح والتعديل ما سُبِقَ - والحمد لله - من أحد إلى مثلها! وإلا لزمه رد أحاديث كثيرة طويلة صحيحة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، كحديث صلح الحديبية، وحديث الدجال والجساسة، وحديث عائشة: " كنت لك كأبي زرع لأم زرع "، وغيرها. ولعله لا يلتزم ذلك إن شاء الله تعالى وتقليده لابن الجوزي في حكمه على الحديث بالوضع مردود، لأن التقليد ليس بعلم، كما لا يخفى على مثله، ثم لماذا آثر تقليده على تقليد الذين ردوا عليه حكمه عليه بالوضع؟ كالحافظ العسقلاني والمحقق الآلوسي وغيرهما ممن سبقت الإشارة إلى كلامهم، لاسيما وهو يعلم تشدد ابن الجوزي في نقده للأحاديث، كما يعلم إن شاء الله أن نقده لو سلم به، خاص في بعض طرق الحديث التي خرجتها هنا. ومن غرائبه أنه ذكر آية الأمنية: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى} وأن الواو تفيد المغايرة، ثم رد ذلك بقوله: " والجواب أن مثل هذا يقع كثيراً في القرآن وفي السنة يعطف بالشيء على الشيء، ويراد بالتالي نفس الأول كما في قوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، فغاير بينهما بحرف العطف، ومعلوم أن المسلمين هم المؤمنون، والمؤمنين هم المسلمون ". فأقول: هذا غير معلوم، بل العكس هو الصواب، كما شرح ذلك شيخ

الإسلام ابن تيمية في كتبه، وبخاصة منها كتابه " الإيمان "، ولذلك قال في " مختصر الفتاوى المصرية " (ص586): " الذي عليه جمهور سلف المسلمين: أن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، فالمؤمن أفضل من المسلم، قال تعالى 49: 14: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا}. فالآية كما ترى حجة عليه، ويؤيد ذلك تمامها: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ... } الآية: فإن من الظاهر بداهة أنه ليس كل مسلم قانتا! ثم ذكر آية أخرى لا تصلح أيضا دليلا له، وهي قوله تعالى: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ... }، قال: فعطف بجبريل وميكال على الملائكة وهما منهم ". أقول: نعم، ولكن هذا ليس من باب عطف الشيء على الشيء ويراد بالتالي نفس الأول كما هو دعواه، وإنما هذا من باب عطف الخاص على العام. وهذا مما لا خلاف فيه، ولكنه ليس موضع البحث كما هو ظاهر للفقيه. نعم إن ما ذهب إليه المومى إليه في الرسالة السابقة من إنكار ما جاء في بعض كتب الكلام في تعريف النبي أنه من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، فهو مما أصاب فيه كبد الحقيقة، ولطالما أنكرناه في مجالسنا ودروسنا، لأن ذلك يستلزم جواز كتمان العلم مما لا يليق بالعلماء، بله الأنبياء، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون}. ولعل المشار إليه توهم أن هذا المنكر إنما تفرع من القول بالتفريق بين الرسول والنبي، فبادر إلى إنكار الأصل ليسقط معه الفرع، كما فعل بعض الفرق قديماً حين بادروا إلى إنكار القدر الإلهي إبطالا للجبر، وبعض العلماء في العصر الحاضر إلى إنكار عقيدة نزول عيسى وخروج المهدي عليهما السلام، إنكاراً

لتواكل جمهور من المسلمين عليها. وكل ذلك خطأ، وإن كانوا أرادوا الإصلاح، فإن ذلك لا يكون ولن يكون بإنكار الحق الذي قامت عليه الأدلة. ولو أن الكاتب المشار إليه توسع في دراسة هذه المسألة قبل أن يسود رسالته، لوجد فيها أقوالاً أخرى استوعبها العلامة الآلوسي (5/ 449)، ولكان بإمكانه أن يختار منها ما لا نكارة فيه، كمثل قول الزمخشري (3/ 37): " والفرق بينهما، أن الرسول من الأنبياء: من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه. والنبي غير الرسول: من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله ". ومثله قول البيضاوي في " تفسيره " (4/ 57): " الرسول: من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها، والنبي يعمه، ومن بعثه لتقرير شرع سابق، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم السلام، ولذلك شبه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علماء أمته بهم ". يشير إلى حديث " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " ولكنه حديث لا أصل له، كما نص على ذلك الحافظ العسقلاني والسخاوي وغيرهما. ثم إنهم قد أوردوا على تعريفه المذكور اعتراضات يتلخص منها أن الصواب حذف لفظة " مجددة " منه، ومثله لفظة " الكتاب " في تعريف الزمخشري، لأن إسماعيل عليه السلام، لم يكن له كتاب ولا شريعة مجددة، بل كان على شريعة إبراهيم عليهما السلام، وقد وصفه الله عز وجل في القرآن بقوله: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا}. ويبقى تعريف النبي بمن بعث لتقرير شرع سابق، والرسول من بعثه الله بشريعة يدعو الناس إليها، سواء كانت جديدة أو متقدمة. والله أعلم. "الصحيحة" (6/ 1/358، 364 - 369)

[1266] باب رد قول من قال أن النبي: من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ

[1266] باب رد قول من قال أن النبي: من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة، فيرقق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الأخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر". [قال الإمام]: في الحديث فوائد كثيرة، من أهمها أن النبي يجب عليه أن يدعو أمته إلى الخير ويدلهم عليه، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، ففيه رد صريح على ما ذكر في بعض كتب الكلام أن النبي من أوحي إليه، ولم يؤمر بالتبليغ! "الصحيحة" (1/ 1/484 - 486). [1267] باب منه [قال الإمام]: نعم إن ما ذهب إليه المومى إليه في الرسالة السابقة [أي رسالة "إتحاف الأحفياء برسالة الأنبياء" وقد ذكر هذا الكلام في معرض الرد على قول صاحب

[1268] باب التفاضل بين النبوة والولاية

الرسالة بعدم التفريق بين الرسول والنبي] من إنكار ما جاء في بعض كتب الكلام في تعريف النبي أنه من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، فهو مما أصاب فيه كبد الحقيقة، ولطالما أنكرناه في مجالسنا ودروسنا، لأن ذلك يستلزم جواز كتمان العلم مما لا يليق بالعلماء، بله الأنبياء، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون}. ولعل المشار إليه توهم أن هذا المنكر إنما تفرع من القول بالتفريق بين الرسول والنبي، فبادر إلى إنكار الأصل ليسقط معه الفرع. "الصحيحة" (6/ 1/368). [1268] باب التفاضل بين النبوة والولاية -[قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية]:"ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء". [قال الإمام]: قال [أي ابن أبي العز] في الشرح: يشير الشيخ [أي الطحاوي] رحمه الله إلى الرد على الاتحادية وجهلة المتصوفة وإلا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع. فقد أوجب الله على الخلق كلهم متابعة الرسل قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ} [النساء: 64] وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياسته واجتهاده في العبادة وتصفية نفسه إلى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتباع لطريقتهم، ومنهم من يظن أنه قد صار أفضل من الأنبياء، ومنهم من يقول: إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء ويدعي لنفسه أنه خاتم الأولياء، ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول فرعون وهو أن هذا الوجود

[1269] باب النبوة أخص من الولاية، والرسالة أخص من النبوة

المشهود واجب بنفسه ليس له صانع مباين له ولكن هذا يقول: هو الله، وفرعون أظهر الإنكار بالكلية لكن كان فرعون في الباطن أعرف بالله منهم؛ فإنه كان مثبتاً للصانع وهؤلاء ظنوا أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق كابن عربي وأمثاله وهو لما رأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره - قال: النبوة ختمت ولكن الولاية لم تختم، وادعى في الولاية ما هو أعظم من النبوة وما يكون للأنبياء والمرسلين وأن الأنبياء مستفيدون منها كما قال: "مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي" وهذا قلب للشريعة فإن الولاية ثابتة للمؤمنين المتقين كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون} [يونس:62 - 63]: والنبوة أخص من الولاية والرسالة أخص من النبوة كما تقدم التنبيه على ذلك."التعليق على متن الطحاوية" (ص104 - 106). [1269] باب النبوة أخص من الولاية، والرسالة أخص من النبوة [قال الإمام]: النبوة أخص من الولاية، والرسالة أخص من النبوة. "التعليق على متن الطحاوية" (ص106).

جماع أبواب الكلام على عدد الأنبياء والرسل

جماع أبواب الكلام على عدد الأنبياء والرسل

[1270] باب هل ثبت في أعداد الأنبياء والرسل شيء؟

[1270] باب هل ثبت في أعداد الأنبياء والرسل شيء؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «بُعِثْتُ على أَثَرِ ثمانيةِ آلافٍ من الأنبياءِ؛ منهم أربعةُ آلافِ نبيٍّ من بني إسرائيلَ». [قال الإمام]: (ضعيف). [ثم تكلم على ضعفه إلى أن قال]: وقد روي في حَدِيثِ أبي ذر الطويل: أن عدد الأنبياء مائة ألف وعشرون ألفاً! أخرجه ابن حبان في "صحيحه " بطوله (رقم 94)، وفيه إبراهيم بن هشام الغَسَّاني وهو متروك؛ متهم بالكذب، وعزاه الحافظ (6/ 361) لـ "صحيحه "وسكت! وروي بإسناد آخر ضعيف من حديث أبي أمامة مرفوعاً بلفظ:" وأربعة وعشرون ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر؛ جماً غفيراً". أخرجه أحمد (5/ 265 - 266)، والطبراني في "الكبير" (8/ 258/ 7871)، وفيه علي بن يزيد الألهاني؛ ضعيف. لكن عدد الرسل صحيح؛ جاء من طريق أخرى عن أبي أمامة بسند صحيح، وعدد الأنبياء صحيح لغيره، وقد حققت ذلك كله في"الصحيحة" (2668). "الضعيفة" (13/ 202، 205).

[1271] باب منه

[1271] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «كان آدم نبيا مكلماً، كان بينه وبين نوح عشرة قرون، وكانت الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر». [قال الإمام]: أخرجه أبو جعفر الرزاز في " مجلس من الأمالي " (ق 178/ 1): حدثنا عبد الكريم ابن الهيثم الديرعاقولي: حدثنا أبو توبة - يعني الربيع بن نافع -: حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبو أمامة: " أن رجلا قال: يا رسول الله! أنبيا كان آدم؟ قال: نعم، مكلم. قال: كم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون. قال: يا رسول الله! كم كانت الرسل؟ قال: ثلاثمائة وخمسة عشر " ... [وجاء في بعض طرق الحديث]: عن أبي أمامة مطولا، وفيه: " قال: قلت: يا نبي الله! فأي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم عليه السلام. قال: قلت: يا نبي الله! أو نبي كان آدم؟ قال: نعم، نبي مكلم، خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم قال له: يا آدم قبلا. قال: قلت: يا رسول الله! كم وفى عدد الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر، جماً غفيراً ". [ثم قال الإمام]: وجملة القول: إن عدد الرسل المذكورين في حديث الترجمة صحيح لذاته، وأن عدد الأنبياء المذكورين في أحد طرقه، وفي حديث أبي ذر من ثلاث طرق، فهو صحيح لغيره. "الصحيحة" (6/ 1/363،358).

[1272] باب منه

[1272] باب منه [قال محمد العدوي في "التوحيد والعقائد الإسلامية" في معرض كلامه على الأنبياء والرسل:"ونقف عن تحديد عددهم." فعلق الإمام على ذلك قائلاً]: كأنه يعني أنه لم يصح في عدد الأنبياء والرسل شيء، وذلك غير مسلم في الرسل، فقد أخرج الحاكم في "المستدرك" (2/ 262) من طريق معاوية بن سلام حدثني «أن رجلاً قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: نعم معلم مكلم، قال: كم بينه وبين نوح؟ قال: عشر قرون، كم كان بين نوح وإبراهيم؟ قال: عشر قرون، قالوا: يا رسول الله كم كانت الرسل؟ قال: ثلاثمائة وخمس وعشرة جماً غفيراً». أخرجه الحاكم (2/ 262) وقال: «صحيح على شرط مسلم». ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقد أخرج شطره الأول ابن منده في "التوحيد " (ق104/ 2) وعند ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (2/ 325/2) وقال ابن منده: "هذا إسناد صحيح على رسم مسلم والجماعة إلا البخاري، وروي من حديث القاسم أبي عبد الرحمن وغيره عن أبي أمامة، عن أبي ذر بأسانيد فيها مقال". [ثم تكلم الإمام على حديثي أبي ذر وأبي أمامة ثم قال]: وجملة القول أن الأحاديث في عدد الأنبياء مع ضعف أسانيدها متعارضة. وأما عدد الرسل فحديثه صحيح. كما سبق تحقيقه. "تحقيق كتاب: التوحيد والعقائد الإسلامية" (ص 49، 51).

[1273] باب منه

[1273] باب منه السائل: هنا حديث رواه الإمام أحمد عن أبي أمامة قال أبو ذر, قلت: يا رسول الله, كم وصلت عدة الأنبياء, قال: «مائة ألف وأربع وعشرون ألفًا الرسل من ذلك ثلاث مائة وخمس عشرة جمًّا غفيرًا» , هل هذا الحديث صحيح؟ وهل ورد (عدد) معلوم بأسماء الرسل؟ (¬1) الشيخ: الحديث هذا صحيح، أما الشق الثاني من السؤال وهو هل جاء عدد معين للرسل (¬2)؟ فذلك مما لم نحط به علمًا. "فتاوى جدة - الأثر -" (17/ 00:02:25) [1274] باب من غير المعقول توفر عدد كبير من الأنبياء في وقت واحد وبلد واحد [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يا أبا عبيدة! قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مئة رجل واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل، فأمروا من قتلهم بالمعروف، ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعاً من آخر النهار في ذلك اليوم، وهم ¬

(¬1) كذا. (¬2) كذا، والظاهر أن الشيخ يريد أنه لم يثبت حديث وردت فيه أسماء الرسل مع ذكر عددهم، كما يظهر أن هذا مراد السائل.

الذين ذكر الله عز وجل؛ يعني: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم}». (ضعيف) [قال الإمام]: وأنكر من هذا الحديث: الأثر الذي ساقه ابن كثير عقب هذا من رواية [ابن] أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قتلت بنو إسرائيل ثلاث مئة نبي من أول النهار، وأقاموا سوق بقلهم من آخره. وقال في مكان آخر (1/ 102): "قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال: ... فذكره بلفظ: كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاث مئة نبي، ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار". قلت: وهذا إسناد صحيح؛ إن كان الطيالسي قد ثبت السند إليه به؛ فإنه ليس في "مسنده" المطبوع، وهو المفروض؛ لأنه ليس من شرطه؛ فإنه موقوف على ابن مسعود. فإن صح عنه؛ فهو من الإسرائيليات الباطلة التي يكذبها العقل والنقل: أما العقل؛ فإنه من غير المعقول أن يتوفر هذا العدد الكبير من الأنبياء في وقت واحد وبلد واحد، ويتمكن اليهود من ذبحهم ذبح النعاج قبل انتهاء النهار، وفي آخره يقيمون سوقهم! هذا من أبطل الباطل. وأما النقل؛ فهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي ... " الحديث؛ متفق عليه، وهو مخرج في "الإرواء" (2473). فهذا صريح في أن أنبياء بني إسرائيل كان يخلف بعضهم بعضاً، ويأتي أحدهم بعد الآخر؛ كقوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا}]؛ أي: متواترين واحداً بعد واحد.

نعم؛ ذلك لا ينفي أن يرسل الله أكثر من رسول - بله نبي - واحد في وقت واحد لحكمة يعلمها؛ مثل هارون مع موسى، وقوله في أصحاب القرية: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُون}. وأما بعث مثل ذاك العدد الضخم من الأنبياء في زمن واحد؛ فليس من سنة الله تبارك وتعالى. "الضعيفة" (11/ 2/812، 814).

جماع أبواب: - ذكر ما يجب على الأنبياء - وذكر ما يجوز عليهم - وذكر شيء من خصائصهم

جماع أبواب: - ذكر ما يجب على الأنبياء - وذكر ما يجوز عليهم - وذكر شيء من خصائصهم

[1275] باب ذكر بعض ما يجب على النبي

[1275] باب ذكر بعض ما يجب على النبي [قال الإمام]: النبي يجب عليه أن يدعو أمته إلى الخير ويدلهم عليه، وينذرهم شر ما يعلمه لهم. "الصحيحة" (1/ 1/486). [1276] باب هل يأتي الرسل صغائر الذنوب؟ السؤال: هل الرسل يأتون صغائر الذنوب؟ الجواب: أنا أعتقد قبل الإجابة مباشرة عن هذا السؤال، بأنه سؤال كما يقال اليوم غير ذي موضوع؛ لأن الأمر لا يتعلق بمنهج لنا وبإصلاح عقائدنا وأعمالنا، وإنما هو أمر يتعلق بمن تقدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأنبياء والرسل، فما أجد أن مثل هذا السؤال ينبغي الاهتمام بتوجيهه، ولكن لا بد من الإجابة عنه حتى نبين ما عندنا من علم في هذه المسألة. نحن نعتقد أن العصمة المقطوع بها للأنبياء والرسل إنما هي أولاً العصمة في تبليغ الدعوة، وثانياً: العصمة عن الوقوع في الذنوب الكبائر وهم يعلمونها، أما أن يقعوا في صغيرة من الصغائر التي لا يترتب من ورائها إلا انتفاء الكمال المطلق؛ فهذا لا بأس من أن يقع شيء من ذلك من الأنبياء والرسل، وذلك ليبقى مستقراً في قلوب المؤمنين أن الكمال المطلق لله رب العالمين وحده لا شريك له. والقرآن في إثبات هذه الحقيقة فيه الكثير من النصوص والأدلة في غير ما نبي أو رسول، فقصة آدم عليه السلام في نهي رب العالمين إياه عن أكل الشجر، وقول

رب العالمين: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] وقول القرآن الكريم بالنسبة لنبينا عليه السلام: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:1] .. {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة:43]، هذا كله يدل على أن النبي ممكن أن يتعرض لما لا يليق بمقام نبوته من هذه الصغائر، لكن هل هذا يعيبهم؟ الجواب: لا؛ لأن هذه مقتضى البشرية. كما نقول: هل يعيب النبي والرسول أن يتعرض لما يتعرض له الناس عامة من مثل السهو والنسيان؟ نقول: لا، لا مانع من أن يتعرض أحد من الرسل والأنبياء لمثل هذا؛ لأنه لا يمس مقام الدعوة التي أرسل بها إلى الناس كافة. فقوله عليه السلام فيما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حينما صلى بهم صلاة الظهر خمس ركعات، فلما سلم قالوا له: «صليت خمساً. فسجد سجدتي السهو، ثم قال عليه السلام: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني» (¬1). فلا يضر مقام النبوة ولا الرسالة أن يقع منهم مما الأكمل أن لا يقع، لكن الكمال المطلق لله عز وجل، الأكمل أن لا ينسى الرسول عليه السلام، لكن حكمة الله عز وجل اقتضت أن ينسى الرسول لكن هذا النسيان لا يمس الدعوة؛ لأنه لا ينسى ما يتعلق بالدعوة، ولذلك يشير ربنا عز وجل إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (الأعلى:6، 7) من أن تنسى آية قد بلغتها الناس، أي: أديت الرسالة وبلغت الأمانة، فممكن أن يعرض للرسول عليه السلام ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم392) و"صحيح مسلم" (رقم 1302).

[1277] باب معنى النسيان في قوله تعالى: {فنسي ولم نجد له عزما}؟

بعد هذا التبليغ الواجب عليه أن ينسى شيئاً مما بلغهم كما جاء في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل المسجد يوماً فسمع رجلاً يتلو القرآن فقال: «رحم الله فلاناً، لقد ذكرني آية كنت أنسيتها» (¬1) فنسيان الرسول عليه السلام لمثل هذه الآية لا يضره فيما يتعلق بدعوته؛ لأنه قد بلغها، ولذلك استطاع ذلك الرجل أن يقرأها، فلما قرأها الرجل تذكرها الرسول عليه السلام، فمثل هذا النسيان لا يضره. كذلك وقوع بعض الأنبياء والرسل في شيء من الصغائر لا يضرهم؛ لأنه لا ينفر المدعوين عن دعوته بخلاف وقوعهم في الكبائر، ولذلك فهم منزهون عنها دون الصغائر. "الهدى والنور" (188/ 00:42:27). [1277] باب معنى النسيان في قوله تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}؟ سؤال: .. «لا تقول: نسيت بل أنسيت» (¬2)، كيف التوفيق بينها وبين قول الله تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115]؟ الشيخ: نعم، هنا نسي ليس بمعنى النسيان الذي هو الذهول [بل] بمعنى ترك وخالف، نعم. "الهدى والنور" (814/ 55: 02: 00) ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم4751) و"صحيح مسلم" (رقم1874). (¬2) صحيح مسلم البخاري (رقم 4744) وصحيح مسلم (رقم1877) ولفظ الحديث: «بئسما لأحدهم يقول نَسَيْتُ آية كيت وكيت بل هو نُسِّيَ .. »

[1278] باب تحريم الله على الأرض أن تأكل أجساد الانبياء، وبأن عيسى عليه السلام حيا في السماء بروحه وجسده

[1278] باب تحريم الله على الأرض أن تأكل أجساد الانبياء، وبأن عيسى عليه السلام حياً في السماء بروحه وجسده [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحاً حتى ترد إليه روحه، ومررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم في قبره بين عائلة وعويلة» (موضوع) [قال الإمام]: ثم إنه سبق في كلام السيوطي أن للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن! فلابد من النظر في ذلك لتتبين الحقيقة لكل من ينشدها، فأول ذلك أن ليس هناك شواهد، وإنما هما شاهدان فقط ذكرهما السيوطي نفسه لم يزد عليهما. ثم إن أحدهما من طريق أبي المقدام ثابت بن هرمز الكوفي - صدوق يهم - عن سعيد بن المسيب قال: «ما مكث نبي في قبره من الأرض أكثر من أربعين يوماً»، زاد في رواية: "حتى يرفع"، وهذا سند قوي، ولكنه مقطوع فلا حجة فيه لاحتمال كونه من الإسرائيليات. ثم إن هذه الزيادة يبطلها حديث: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»، وهو حديث صحيح رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وغيرهم، (انظر " فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " بتحقيقي رقم 22، 23) فإنه صريح في أن من خصوصيات الأنبياء أن الأرض لا تبلي أجساد الأنبياء، وهذه الخصوصية تنتفي إذا أثبتنا رفعهم بأجسادهم من قبورهم، كما هو مفاد

[1279] باب الجمع بين قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» والحديث الذي جاء فيه: «واستخرجوا عظام يوسف»

هذه الزيادة، فثبت بذلك بطلانها، ولوثبتت لانتفت خصوصية أخرى لعيسى عليه السلام وهي كونه في السماء حياً بروحه وجسده، فتأمل مفاسد وآثار الأحاديث الواهية! "الضعيفة" (1/ 360، 363، 364). [1279] باب الجمع بين قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» والحديث الذي جاء فيه: «واستخرجوا عظام يوسف» [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟ فقال أصحابه: يا رسول الله وما عجوز بني إسرائيل؟ قال: إن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر، ضلوا الطريق فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: نحن نحدثك، إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقاً من الله أن لا يخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا، قال: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا: ما ندري أين قبر يوسف إلا عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها فأتته فقال: دلوني على قبر يوسف، قالت: لا والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي، قال: وما حكمك؟ قالت: أكون معك في الجنة، فكره أن يعطيها ذلك فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء، فقالت: انضبوا هذا الماء فأنضبوا، قالت: احفروا واستخرجوا عظام يوسف فلما أقلوها إلى الأرض إذا الطريق مثل ضوء النهار». [قال الإمام]: (فائدة) كنت استشكلت قديماً قوله في هذا الحديث " عظام يوسف "؛ لأنه

[1280] هل أجساد الشهداء لا تبلى مثل أجساد الأنبياء؟

يتعارض بظاهره مع الحديث الصحيح: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» حتى وقفت على حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما بدن، قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبراً يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك؟ قال: بلى فاتخذ له منبراً مرقاتين». أخرجه أبو داود (1081) بإسناد جيد على شرط مسلم. فعلمت منه أنهم كانوا يطلقون " العظام "، ويريدون البدن كله، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، كقوله تعالى: {وقرآن الفجر} أي: صلاة الفجر. فزال الإشكال والحمد لله، فكتبت هذا لبيانه. "الصحيحة (1/ 2/622 - 624). [1280] هل أجساد الشهداء لا تبلى مثل أجساد الأنبياء؟ السائل: يقولون: إن جثة الشهيد لا تبلى يعني مثل باقي جثثت الأموات. الشيخ: ليس لهذا القول دليل شرعي. مداخلة: كما يقولون: أن قبر سيدنا عم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. حمزة. الشيخ: العباس؟ مداخلة: نعم. الشيخ: وألا حمزة؟ مداخلة: حمزة. الشيخ: أقول لك: ليس هناك دليل في الشرع يخبرنا أن أجساد الشهداء لا

[1281] باب صفة حياة الأنبياء في قبورهم

تفنى كأجساد الأنبياء، عندنا نص أن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، مثل هذا النص بالنسبة للشهداء لا يوجد إطلاقاً، لكن الذي وقع أن في التاريخ الإسلامي الأول بسبب حفريات اكتشفوا جثث بعض الشهداء كما هي، هذا صحيح وقع. لكن هذا لا يعطينا قاعدة أولاً: أن كل شهيد لا يبلى جسده، بل قد وجدت بعض الأجساد لغير شهداء، وهذا كما قلت آنفاً بيحوز تكون إما الأمر يعود إلى طبيعة الأرض، أو أن الله عز وجل العليم بأحوال الموتى فقد يكرم بعضهم بأن يبقي جسده كما كان في ... حياته، تكون كرامةً من الله لذاك الإنسان سواء كان شهيداً أو كان صالحاً غير شهيد، لكن ما يجوز أن نأخذ من ذلك قاعدة، فلا نقول على الله ما لا نعلم، نقول: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، أما غير الأنبياء فلا دليل معنا بأن أجسادهم تبقى. "الهدى والنور" (317/ 00: 21: 00) [1281] باب صفة حياة الأنبياء في قبورهم [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الأنبياء - صلوات الله عليهم - أحياء في قبورهم يصلون». [قال الإمام]: اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء، ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة

[1282] باب في صلاة الأنبياء في قبورهم

الدنيا. هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - في قبره حياة حقيقية! قال: يأكل ويشرب ويجامع نساءه!!. وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى. "الصحيحة" (2/ 190،178). [1282] باب في صلاة الأنبياء في قبورهم سؤال: فضيلة الشيخ حفظك الله ذكرتم في أحد مؤلفاتكم حديث أن الأنبياء يصلون في قبورهم أرجو توضيح ذلك وجزاكم الله خيرًا. الشيخ: هذا الحديث من أنباء الغيب التي لا يجوز للمسلم أن يُعمل عقله فيها بل من الواجب عليه أن يسلم بها تسليمًا، وهذا الحديث وإن كان وقع فيه خلاف من بعض العلماء علماء الحديث تصحيحًا وتضعيفًا فالراجح عندي أنه صحيح ومذكور في "سلسلة الأحاديث صحيحة" ومخرج تخريجًا علميًا، لكن إن كان يشك بعضهم في صحة هذا الحديث فهناك حديث لا شك في صحته؛ لأن الإمام مسلمًا قد أخرجه في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مررت ليلة أسري بي بموسى قائمًا يصلي في قبره» (¬1) فإذًا صلاة الأنبياء في قبورهم عقيدة صحيحة يجب على المسلم أن يؤمن بها لكن لا يتوسع في محاولة تكييف هذه الصلاة فلا يقول مثلًا: كيف يصلي موسى في قبره والقبر ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم6306).

[1283] باب هل روح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تستقر في جسده بعد موته؟

لا يتسع لقيام موسى في القبر؟ لأننا نقول عالم الغيب لا يقاس على عالم الشهادة .. عالم البرزخ لا يقاس على عالم الآخرة فلكل طبائعه وخواصه، فإذا أخبرنا الصادق المصدوق أنه رأى موسى عليه الصلاة والسلام قائمًا يصلي في قبره صدقناه وآمنا به ووكلنا معرفة حقيقة هذه الصلاة إلى الله تبارك وتعالى. وعلى هذا الميزان قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» (¬1) فليست هذه الحياة بالحياة المادية بحيث أننا إذا خاطبناهم يردون علينا ويسمعون كلامنا كما كانوا يسمعون كلام الناس في الدنيا حينما كانوا أحياء لا نتوسع في مثل هذه التفاصيل؛ لأنه كما قلت آنفًا عالم الغيب لا يقاس على عالم الشهادة على عالم المادة. "رحلة النور" (33ب/00:29:47) [1283] باب هل روح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تستقر في جسده بعد موته؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحاً حتى ترد إليه روحه، ومررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم في قبره بين عائلة وعويلة» (موضوع) [قال الإمام]: وأنا أرى أن هذا الحديث يعارض قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من أحد يسلم علي إلا رد ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم2790).

الله علي روحي حتى أرد عليه السلام». رواه أبو داود (1/ 319) والبيهقي (5/ 245) وأحمد (2/ 527) بإسناد حسن عن أبي هريرة، وهو مخرج في الكتاب الآخر " الصحيحة " (2266). ووجه التعارض أنه يدل على أن روحه - صلى الله عليه وآله وسلم - ليست مستقرة في جسده الشريف، بل هي ترد إليه ليرد سلام المسلمين عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، بينما هذا الحديث الموضوع يقرر صراحة أن روح كل نبي ترد إليه بعد أربعين صباحاً من وفاته، فلو صح هذا فكيف ترد روحه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جسده ليرد السلام، هذا أمر غير معقول، بل هو ظاهر التناقض، فلابد من رد أحدهما، وليس هو إلا هذا الحديث المنكر حتى يسلم الحديث القوي من المعارض، فتأمل هذا فإنه مما ألهمت به، لا أذكر أني رأيته لأحد قبلي، فإن كان صواباً فمن الله، وإلا فمن نفسي. "الضعيفة" (1/ 360، 362 - 363).

جماع أبواب الكلام على بعض الأنبياء والرسل، وذكر شيء من أخبارهم، وبيان ما ثبت عنهم وما لم يثبت

جماعُ أبوابِ الكلامِ على بعضِ الأنبياء والرسل، وذكرِ شيءٍ من أخبارهم، وبيان ما ثبت عنهم وما لم يثبت.

(إبراهيم عليه السلام)

(إبراهيم عليه السلام) [1284] باب الرد على من أنكر حديث كذبات إبراهيم الثلاث سؤال: الكذب حرام، ولكن إذا اضطر الإنسان إليه ليمنع كارثة تكاد تقع لو صدق القول، أيبقى نفس الحكم؟ الشيخ: إذا صح هذا السؤال لا يبقى على نفس الحكم, إذا صح التصوير لا يبقى نفس الحكم. أحد الحضور: لا يصلح الكذب إلا في ثلاثة؟ الشيخ: نعم، لا يصلح الكذب إلا في ثلاث. السائل: على هذا السؤال يجوز، لأنه كارثة. الشيخ: نعم، هذا بيذكرني بمناقشة من المناقشات التي وقعت بيني وبين القاديانية في دمشق, هؤلاء - طبعاً - لهم انحرافات خطيرة جداً، الظاهر إني نسيت اسمه, المهم: جرت جلسات عديدة بيني وبينهم, وبعدين اتفقنا أننا نعمل مناقشة أو مناظرة كتابية [كلام غير واضح] أن هذا الحديث ما بيتناسب مع مقام الأنبياء, كيف إبراهيم بيكذب؟ وربنا يقول في القرآن الكريم: {كان صديقاً نبياً} {صديقاً نبياً}، وهذا الحديث يقول: «كذب ثلاث كذبات» هذا حديث باطل، هذا النقاش كان بيني وبين داعيتهم الكبير من بعد هذاك الباكستاني، هذا (منير الحصني) عنوان مكتبه [كلام غير مفهوم]، فجرى بيني وبينه النقاش الآتي: لكنه

منطقي وجميل جداً، قلت له: أنت بتنزه إبراهيم عليه السلام من هذه الكذبات الثلاث وهي مشفوعة بالحديث، فهل أفهم منك إن الكذب حرام ولو كان فيه تخليص نفس مؤمنة من كافر؟ قال لي: نعم، وكنا يومئذ حديثي عهد بالثورة الفرنسية أو بالأحرى الثورة السورية على الفرنسيين، وكان الثوار بيهجموا على ما يسمى عندنا بـ (الاستحكامات) , بيجي ثاير، اثنين، ثلاثة فدائيين ... للفرنساويين والسنغال -كانوا يجيبوا من السود-، ويرمي له قنبلتين ثلاثة، وبسرعة البرق يدخل بين الحارات وبين القبور، ويضيع عن الجماعة، وكان أمر طبيعي جداً، كما يقع اليوم في فلسطين - مع الأسف - سرعان ما بينشلوه يفتشوا عن مين الفاعل؟ يلاَّ يدخلوا البيوت يدقوا على الباب، فقلت له: هذا (منير الحصني)، قلت له: لو وقعت هيك واقعة ويجوا بيدقوا عليك الباب، وكان لجأ عندك رجل من هؤلاء الثوار المسلمين، وهو جاك يسموه عندنا: (الجندرمة) يعني: العسكري، الفرنسي (جندرمة) دق عليك الباب، قال لك: دخل لعندك شخص اتخبى؟ شو بتقول له: دخلك؟ تقول له: إيه نعم، قال: نعم، بقول له, هون جرى السؤال والجواب الآتي وهنا الدقة، قلت له: بدي اسألك سؤال: الصدق وَجَبَ، لأنه مركب من ثلاثة أحرف هي (ص د ق)؟ والكذب حُرِّمَ؛ لأنه مركب من ثلاثة أحرف أخرى هي (ك ذ ب)؟ أم لأنه في الصدق خير وفي الكذب شر؟ قال: طبعاً، هو هذا، قلت له: وفي حادثةٍ ما اختلفت النتائج نتج من (ص د ق) ما ينتج عادةً من (ك ذ ب)، هل تعطيه حكم (ص د ق)؟؟ فَبُهِتَ الذي كَفَرْ. "الهدى والنور" (3/ 00:48:59)

(إسماعيل وإسحاق عليهما السلام)

(إسماعيل وإسحاق عليهما السلام) [1285] باب الذبيح إسماعيل [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: 332 «الذبيح إسحاق» (ضعيف). [أورد الإمام بعض طرقه ثم قال:] قال الزرقاني (1/ 98): فهذه أحاديث يعضد بعضها بعضاً، فأقل مراتب الحديث أنه حسن فكيف وقد صححه الحاكم والذهبي! قلت: الذهبي لم يصححه، والحاكم وهم في تصحيحه كما سيأتي بيانه، والطرق فيها ضعف واضطراب، واحتمال كون متونها إسرائيليات، بل هو الغالب كما سبق، فهذا كله يمنع من القول بأن بعضها يعضد بعضاً، ولا سيما وقد ذهب المحققون من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم إلى أن الصواب في الذبيح أنه إسماعيل عليه السلام، قال ابن القيم في " الزاد " (1/ 21): وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجهاً، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب

[1286] باب منه

مع أنه باطل بنص كتابهم، فإن فيه أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره، وفي لفظ: وحيده. ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده ... وكيف يسوغ أن يقال: أن الذبيح إسحاق والله تعالى قد بشر أم إسحاق به وبابنه يعقوب، فقال تعالى عن الملائكة أنهم قالوا لإبراهيم لما أتوه بالبشرى: {لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوط، وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوب} [هود:70، 71]، فمحال أن يبشرها بأنه يكون له ولد ثم يأمر بذبحه. [ثم ذكر وجوهاً أخرى في إبطال القول بأن الذبيح إسحاق وتصويب أنه إسماعيل فليراجعها من شاء]. "الضعيفة" (1/ 503،505). [1286] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن الله تبارك وتعالى خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي، وبين أن يجيب شفاعتي، فاخترت شفاعتي ورجوت أن تكون أعم لأمتي، ولولا الذى سبقني إليه العبد الصالح لتعجلت فيها دعوتي، إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق كرب الذبح، قيل له: يا إسحاق سل تعط، فقال: أما والذي نفسي بيده لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان: اللهم من مات لا يشرك بك شيئاً فاغفر له وأدخله الجنة» (منكر)

[1287] باب كل ما جاء في أن إسحاق هو الذبيح ضعيف [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]

[قال الإمام]: وهو دليل على أن الذبيح إسحاق عليه السلام، وبه قال بعضهم وهو باطل، والصواب أنه إسماعيل ... ومثله: " أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله". منكر بهذا اللفظ. "الضعيفة" (1/ 506،507). [1287] باب كل ما جاء في أن إسحاق هو الذبيح ضعيف [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن داود سأل ربه فقال: يا رب! إنه يقال: رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فاجعلني رابعهم حتى يقال: ورب داود. فقال: يا داود! إنك لم تبلغ ذلك؛ إن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً قط، ألا ترى إليه إذ يقول: [{أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُون، أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُون، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِين}]. يا داود! وأما إسحاق؛ فإنه جاد بنفسه لي في الذبح. وأما يعقوب؛ فإني ابتليته ثمانين سنة، فلم يسئ بي الظن ساعة قط؛ فلن تبلغ ذلك يا داود». (منكر). [قال الإمام]: ومن نكارة هذا الحديث: أن فيه أن الذبيح إسحاق! وقد روي في هذا أحاديث أخرى كلها ضعيفة، وبعضها أشد ضعفاً من بعض. "الضعيفة" (12/ 821،822).

(موسى عليه السلام)

(موسى عليه السلام) [1288] باب قصة موسى مع ملك الموت [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «جاء ملكُ الموتِ إلى (وفي طريق: إنَّ ملكَ الموتِ كان يأتي الناسَ عياناً، حتّى أتى) موسى عليه السلام، فقال له: أجب ربَّك، قال: فلطَم موسى عليه السلام، عينَ مَلكِ الموتِ ففَقأها، فرجعَ الملكُ إلى اللهِ تعالى، فقالَ: [يا ربِّ!] إنَّك أرسلتني إلى عبدٍ لكَ لا يريدُ الموتَ، وقد فقأ عيني، [ولولا كرامتُه عليك لشققتُ عليه]. قال: فردَّ اللهُ إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدِي فقِل: الحياة تريدُ؟ فإن كنت تريدُ الحياةَ؛ فضع يدَك على متنِ ثورٍ، فما توارت يدُك من شعرة؛ فإنّك تعيشُ بها سنةً، قال: [أي ربِّ!] ثمَّ مَه؟ قالَ: ثم تموتُ، قال: فالآن من قريبٍ، ربِّ! أمتني من الأرضِ المقدّسةِ رميةً بحجرٍ! [قال: فشمَّه شمّةً فقبض روحَه، قال: فجاء بعد ذلك إلى النّاسِ خفياً].قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: والله! لو أني عنده لأريتُكم قبره إلى جانب الطريق عند (وفي طريق: تحت) الكثيبِ الأحمرِ]. [قال الإمام]: قلت: هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المشهورة التي أخرجها الشيخان من طرق عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، وتلقته الأمة بالقبول، وقد جمعت ألفاظها والزيادات التي وقعت فيها، وسقتها لك سياقاً واحداً كما ترى؛ لتأخذ القصة كاملة بجميع فوائدها المتفرقة في بطون مصادرها، الأمر الذي

يساعدك على فهمها فهماً صحيحاً، لا إشكال فيه ولا شبهة، فتسلِّم لقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تسليماً. واعلم أن هذا الحديث الصحيح جدّاً مما أنكره بعض ذوي القلوب المريضة من المبتدعة- فضلاً عن الزنادقة- قديماً وحديثاً، وقد رد عليهم العلماء- على مر العصور- بما يشفي ويكفي من كان راغباً السلامة في دينه وعقيدته؛ كابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، والبغوي، والنووي، والعسقلاني، وغيرهم. وممن أنكره من المعاصرين: الشيخ الغزالي في كتابه "السنة .. "، بل وطعن في الذين دافعوا عن الحديث " فقال (ص 29): "وهو دفاع تافه لا يساغ "! وهكذا؛ فالرجل ماضٍ في غيّه، والطعن في السنة والذابين عنها بمجرد عقله (الكبير!). ولست أدري- والله- كيف يعقل هذا الرجل- إذا افترضنا فيه الإيمان والعقل-! كيف يدخل في عقله أن يكون هؤلاء الأئمة الأجلة من محدِّثين وفقهاء - من الإمام البخاري إلى الإمام العسقلاني- على خطأ في تصحيحهم هذا الحديث، ويكون هو وحده- صاحب العقل الكبير! - مصيباً في تضعيفه إياه ورده عليهم؟! ثم هو لا يكتفي بهذا! بل يخادع القراء ويدلس عليهم، ويوهمهم أنه مع الأئمة لا يخالفهم، فيقول بين يدي إنكاره لهذا الحديث وغيره كالذي قبله (ص26): "لا خلاف بين المسلمين في العمل بما صحت نسبته لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفق أصول الاستدلال التي وضعها الأئمة، وانتهت إليها الأمة، إنما ينشأ الخلاف حول صدق هذه النسبة أو بطلانها، وهو خلاف لا بد من حسمه، ولا بد من رفض

الافتعال أو التكلف فيه، فإذا استجمع الخبر المروي شروط الصحة المقررة بين العلماء فلا معنى لرفضه، وإذا وقع خلاف محترم في توفر هذه الشروط أصبح في الأمر سعة "! هذا كلامه، فهل تجاوب معه؟ كلا ثم كلا؛ فإن الحديث لا خلاف في صحته بين العلماء، وله ثلاثة طرق صحيحة كما تقدم، فكيف تملص من كلامه المذكور؟! لقد دلس على القراء وأوهم أن الحديث مختلف في صحته؛ فقال (ص 27): "وقد جادل البعض في صحته "! ويعني: أن الحديث صار من القسم الذي فيه سعة للخلاف! فنقول له: أولاً: هل الخلاف الذي توهمه "خلاف محترم " أم هو خلاف ساقط الاعتبار؟! لأن المخالف ليس من العلماء المحترمين!! ولذلك لم تتجرأ على تسميته! ولعله من الخوارج أو الشيعة الذين يطعنون في أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبخاصة راوي هذا الحديث (أبي هريرة) - رضي الله عنه-. وثانياً: يحتمل أن يكون المجادِل الذي أشرتَ إليه هو أنت، وحينئذٍ فبالأولى أن يكون خلافك ساقط الاعتبار، كما هو ظاهر كالشمس في رائعة النهار! ثم قال: "إن الحديث صحيح السند؛ لكن متنه يثير الريبة؛ إذ يفيد أن موسى يكره الموت ولا يحب لقاء الله ... " إلى آخر هرائه! فأقول: بمثل هذا الفهم المنكوس يرد هذا الرجل أحاديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -!! ولا يكتفي بذلك، بل ويرد على العلماء كافة الذين فهموه وشرحوه شرحاً صحيحاً، وردوا على أمثاله من أهل الأهواء الذين يسيئون فهم الأحاديث ثم يردونها، وإنما هم في الواقع يردون جهلهم، وهي سالمة منه والحمد لله، وها هو المثال؛ فإن

الحديث صريح بخلاف ما نسب إلى موسى عليه السلام، ألا وهو قوله عليه السلام: "فالآن من قريب ". فتعامى الرجل عنه، وتشبث باللطم المذكور في أوله، ولم ينظر إلى نهاية القصة، فمثله كمثل من يَرُدُّ قوله تعالى: {فويل للمصلين} بزعم أنه يخالف الآيات الآمرة بالصلاة، ولا ينظر إلى ما بعده: {الذين هم عن صلاتهم ساهون} هذا من جهة. ومن جهة أخرى؛ فإن الرجل بنى ردَّهُ للحديث على زعمه أن موسى عليه السلام كان عارفاً بملك الموت حين لطمه! وهذا من تمام جهله وإعراضه عن كلام العلماء الذي نقله (ص 28): "أن موسى لم يعلم أنه ملك من عند الله، وظن أنه رجل قصده يريد قتله، فدافعه عنه، فأدت المدافعة إلى فقءِ عينه ". ومع أن هذا الكلام يدل عليه تمام القصة كما قدمتُ، ويؤكده قوله في أول الحديث: "أن ملك الموت كان يأتي الناس عياناً"،أي: في صورة البشر، وفقءِ عينه وردها إليه مما يقوي ذلك. أقول: مع هذا كله، استكبر الرجل ولم يرد على علماء الأمة إلا بقوله الذي لا يعجز عن مثله أيُّ مُبطِلٍ غريق في الضلال: "نقول نحن (!): هذا الدفاع كله خفيف الوزن، وهو دفاع تافه لا يساغ "! وإن من ضلال الرجل وجهله قوله (ص 27): "ثم، هل الملائكة تعرض لهم العاهات التي تعرض للبشر من عَمَى أو عَوَر؟! ذاك بعيد"! فأقول: وهذا من الحجة عليك، الدالة على قلة فهمك؛ فإن هذا الذي استبعدتهُ مما جعل العلماء يقولون في دفاعهم: إن موسى لم يعلم أنه ملك، أفما آن لك أن تعقل؟!!

ثم ختم ضلاله في هذا الحديث وطعنه فيه بقوله: "والعلة في المتن يبصرها المحققون (!) وتخفى على أصحاب الفكر السطحي "! فيا له من مغرور أهلكه العجب لقد جعل! نفسه من المحققين، وعلماء الأمة من "أصحاب الفكر السطحي "! والحقيقة أنه هو العلة؛ لجهله وقلة فهمه إن لم يكن فيه ما هو أكثر من ذلك مما أشار إليه الكفار وهم يعذَّبون في النار: {لو كنا نسمعُ أو نعقِلُ ما كنا في أصحاب السَّعير}؛ نسأل الله حسن الخاتمة والوفاة على سبيل المؤمنين. وأرى من تمام الفائدة أن أنقل إلى القراء الكرام كلام إمامين من أئمة المسلمين وحفاظ الحديث، فيه بيان الحكمة من تحديثه - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الحديث، قال ابن حبان عقب الحديث: "إن الله جل وعلا بعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - معلماً لِخلقِهِِ، فأنزله موضع الإبانة عن مراده، فبلَّغ - صلى الله عليه وآله وسلم - رسالته، وبّين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة، عقلها عنه أصحابه أو بعضهم، وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يُحرَمِ التوفيق لإصابة الحق، وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، وأمره أن يقول له: "أجب ربك ": أمر اختبار وابتلاء، لا أمراً يريد الله جل وعلا إمضاءه؛ كما أمر خليله صلى الله على نبينا وعليه بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء، دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه (وتلّه للجبين)؛ فداه بالذِّبح العظيم. وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها؛ كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم ولم يعرفهم؛ حتى أوجس منهم خيفة، وكمجيء جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام، فلم يعرفه المصطفى حتى ولَّى.

فكان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها، وكان موسى غيوراً، فرأى في داره رجلاً لم يعرفه، فشال يده فلطمه، فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة التي تصور بها، لا الصورة التي خلَقَهُ اللهُ عليها، ولما كان المصرح عن نبينا في خبر ابن عباس حيث قال: "أمَّني جبريلُ عند البيت مرتين ... " فذكر الخبر، وقال في آخره: "هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك " (¬1)، كان في هذا الخبر البيانُ الواضح: أن بعض شرائعنا قد تتفق ببعض شرائع من قبلنا مِن الأمم. ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل دارهُ بغير إذنه، أو الناظر إلى بيته بغير أمره، من غير جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه، للأخبار الواردة فيه، التي أمليناها في غير موضع من كتبنا (¬2)؛كان جائزاً اتفاق هذه الشريعة بشريعة موسى بإسقاط الحرج عمّن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحاً له، ولا حرج عليه في فعله. فلما رجع ملك الموت إلى ربه، وأخبره بما كان من موسى فيه؛ أمره ثانياً بأمر آخر أمر اختبار وابتلاء كما ذكرنا قبل، إذ قال الله له: "قل له: إن شئت، فضع يدك على متن ثور، فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة"، فلما علم موسى كليم الله صلى الله على نبينا وعليه أنه ملك الموت، وأنه جاء بالرسالة من عند الله، طابت نفسه بالموت ولم يستمهل، وقال: "فالآن ". ¬

(¬1) حديث حسن صحيح؛ كما قال الترمذي، وصححه جمع، وهو مخرج في "الإرواء" (1/ 268)،و"صحيح أبي داود" (417)،وعزاه بعضهم لـ"صحيح ابن حبان"، فوهم! [منه]. (¬2) قلت: من ذلك كتابه "الصحيح" (7/ 597 - 598 - الإحسان) من حديث أبي هريرة بألفاظ متقاربة، بعضها في"الصحيحين"،وهو مخرج في "الإرواء" (1428و 2227). [منه].

فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت، لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به، ضدَّ قول من زعم: "أن أصحاب الحديث حمَّالة الحطب ورعاة الليل، يجمعون ما لا ينتفعون به، ويروون ما لا يؤجرون عليه، ويقولون بما يبطله الإسلام "، جهلاً منه لمعاني الأخبار، وترك التفقه في الآثار، معتمداً على رأيه المنكوس، وقياسه المعكوس ". قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة! فهذا الزاعم الطاعن في أصحاب الحديث هو سلف الغزالي في طعنه فيهم، وفي أحاديثهم الصحيحة، وما وصفه به ابن حبان من الجهل بمعاني الآثار، يشبه تماماً جهل الغزالي بها، وكتابه المتقدم ذكره والنقل عنه مشحون بطعنه في الأحاديث الصحيحة التي لا خلاف عند أهل العلم في صحتها، وقد ختم الكتاب بإنكاره عدة أحاديث صحيحة في إثبات القدر؛ لأنه فهم منها- بفهمه المعكوس والمنكوس- أنها تفيد الجبر، وتنفي عن الإنسان الاختيار الذي به كُلِّفَ، وترتب عليه الثواب والعقاب، مشاركاً في هذا الفهم العامة الجهلة، ولكنه فرَّ من فهمه الخاطئ إلى ما هو مثله أو أسوأ منه، ألا وهو إنكاره القدر والأحاديث الدالة عليها، وألحق نفسه بالمعتزلة!! وقد قام بواجب الرد عليه كثير من العلماء والكتَّاب، وكشفوا للناس ما فيه من زيغ وضلال في الحديث والعقيدة والفقه، وكان أطولهم نفساً، وأكثرهم إفادة، وأهدأهم بالاً: الأخ الفاضل سلمان العودة في كتابه "حوار هادئ مع محمد الغزالي"،فنِعمَ الردُّ هو؛ لولا تساهل وتسامح لا يستحقه الغزالي تجاه طعناته العديدة مع أئمة الحديث والفقه، وإن كان الأخ الفاضل قد كشف القناع عنها بأدبه الناعم! والحافظ الآخر الذي سبقت الإشارة إليه: هو الإمام البغوي؛ فإنه بعد أن ذكر أن الحديث: "متفق على صحته "؛ قال رحمه الله:

"هذا الحديث يجب على المرء المسلم الإيمان به على ما جاء به من غير أن يعتبره بما جرى عليه عُرف البشرِ، فيقع في الارتياب؛ لأنه أمرٌ مصدره عن قدرة الله سبحانه وتعالى وحُكمه، وهو مجادلة بين ملك كريم، ونبي كليم، كلُّ واحد منهما مخصوص بصفة خرج بها عن حكم عوامِّ البشر، ومجاري عاداتهم في المعنى الذي خُصَّ به، فلا يعتبر حالهما بحال غيرهما، قد اصطفى الله سبحانه وتعالى موسى برسالاته وبكلامه، وأيده بالآيات الظاهرة، والمعجزات الباهرة، كاليد البيضاء، والعصا، وانفلاق البحر، وغيرهما مما نطق به القرآن، ودلّت عليه الآثار، وكل ذلك إكرام من الله عز وجل أكرمه بها، فلما دنت وفاته- وهو بشرٌ يكره الموت طبعاً، ويجد ألمه حساً-؛ لطف له بأن لم يفاجئه به بغتة، ولم يأمر الملك الموكل به أن يأخذه به قهراً؛ كن أرسله إليه منذراً بالموت، وأمره بالتعرض له على سبيل الامتحان في صورة بشرٍ، فلما رآه موسى استنكر شأنه، واستوعر مكانه، فاحتجز منه دفعاً عن نفسه بما كان من صكه إياه، فأتى ذلك على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاءه فيها، دون الصورة الملكية التي هو مجبول عليها، وقد كان في طبع موسى - صلى الله عليه وآله وسلم - حمِيَّةٌ وحِدّةٌ على ما قص الله علينا من أمره في كتابه من وكزه القبطي، وإلقائه الألواح، وأخذه برأس أخيه يجره إليه. وروي أنه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته ناراً، وقد جرت سنة الدين بدفع من قصدك بسوء، كما جاء في الحديث: «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم حلّ لهم أن يفقأوا عينه»، فلما نظر موسى إلى شخص في صورة بشر هجم عليه يُريد نفسه، ويقصد هلاكه، وهو لا يثبته، ولا يعرفه أنه رسول ربه؛ دفعه عن نفسه، فكان فيه ذهاب عينه، فلما عاد الملك إلى ربه، ردّ الله إليه عينه، وأعاده رسولاً إليه؛ ليعلم نبي الله عليه السلام- إذا رأى صحة عينه المفقوءة- أنه رسول الله بعثه لقبض

[1289] باب منه

روحه، فاستسلم حينئذٍ لأمره، وطاب نفساً بقضائه، وكلُّ ذلك رفق من الله عز وجل، ولطف منه في تسهيل ما لم يكن بد من لقائه، والانقياد لمورد قضائه، قال: وما أشبه معنى قوله:"ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت ... " بترديده رسوله ملك الموت إلى نبيه موسى عليه السلام، فيما كرهه من نزول الموت به، وقد ذكر هذا المعنى أبو سليمان الخطابي في كتابه رداً على من طعن في هذا الحديث وأمثاله من أهل البدع والملحدين أبادهم الله، وكفى المسلمين شرهم ". "الصحيحة" (7/ 2/826 - 835). [1289] باب منه سؤال: يقول السائل: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن موسى عليه السلام لطم عين ملك الموت فأعوره» سمعت أحد العلماء يضعف إخراج هذا الحديث، ويقول: إن الرائحة الإسرائيلية لتفوح من هذا الحديث، فكيف نرد عليهم، وهل يجوز أن نسمي ملك الموت عزرائيل، وهل هناك رواية صحيحة على أن اسمه عزرائيل، وكيف يجوز لنبي أن يضرب ملكًا، مع العلم بأن مَلَك الموت شديد، وهل أذن الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام بذلك؟ الشيخ: هذا السؤال له شعبتان: الشعبة الأولى: تتعلق بحديث لطم موسى عليه السلام للملك حتى فقأ عينه. والشعبة الأخرى: هي هل صح أن ملك الموت يسمى بعزرائيل كما هو شائع عند كثير من الناس، نجيب عن هذا الشق الثاني: لأن الجواب فيه مختصر لنعود إلى الجواب عن الشق الأول: لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إطلاقًا تسمية ملك الموت

بعزرائيل، فقد جاء في كثير من الأحاديث اسم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، هذا ثابت لكن تسمية ملك الموت بعزرائيل فليس له أصل في السنة فضلًا عن القرآن الكريم. نعود إلى الجواب عن الشق الأول من السؤال وهو حديث ملك الموت، وتضعيف من ضعفه من العلماء، بين يدي الجواب أريد أن أذكركم بقاعدة علمية معترف بها حتى عند من ليس مسلمًا، هذه القاعدة العلمية: هي أنه لا يجوز لمن كان جاهلًا بعلم أن يتكلم فيه؛ لأنه يخالف نصوصًا من الكتاب والسنة من ذلك قول ربنا تبارك وتعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36] فالذي يريد أن يتكلم في الطب مثلًا لا يجوز أن يتكلم إذا كان مفسرًا؛ لأن الطب ليس من عمله، كما أن هذا الطبيب المختص في مهنته لا يجوز أن يتكلم في التفسير أو في الفقه أو في غير ذلك؛ لأن هذا وذاك إذا تكلما في غير اختصاصهما فقد قفا ما لا علم له به، ويكون قد خالف النص القرآني السابق. هذا أظن من الأمور التي يصح أن يذكر معه المثل العربي القديم: هذا أمر لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان، أي: أنه لا يجوز أن يتكلم في علم ما إلا أهل الاختصاص، إذا كان هذا أمرًا مسلمًا وهو كذلك عدنا إلى هذا الحديث أو غيره، من الذي يتكلم فيه، آلطبيب مثلًا؟ الجواب طبعًا: لا، آلكيمائي مثلًا؟ الجواب: لا، أسئلة كثيرة كثيرة نقترب من الحقيقة، آلمفسر؟ الجواب: لا، آلفقيه؟ الجواب: لا، إذًا: من الذي يتكلم؟ إنما هو العالم بالحديث، وعلماء الحديث كانوا كما قيل .. كانوا إذا عدو قليلًا ... فصاروا اليوم أقل من القليل

ولذلك فلا يجوز لطلاب العلم أن يتورطوا بكلمة تنقل عن عالم لا نعرف هوية واختصاص هذا العالم إذا ما قال: الحديث الفلاني ضعيف، هذه قاعدة يجب أن نلتزمها دائمًا وأبدًا، ومن عجائب المصائب التي حلت في الأمة من الغفلة يالقواعد العلمية المبثوثة في الكتاب والسنة أنهم يبتعدون عنها كل البعد، وإذا جاء دور ما يتعلق بما يخص أنفسهم تجدهم يحققون مثل ذلك النص القرآني الذي يلزم المسلمين أن يرجعوا إلى أهل الاختصاص، مثلًا إذا أصاب أحدنا أو أحد من يخصنا مرضٌ ما فهو لا يذهب إلى أي طبيب وإنما قبل كل شيء يسأل عن المختص في ذاك المرض، ثم يتابع السؤال والبحث والتحقيق عن الطبيب الماهر المختص في ذلك المرض حينذاك يذهب إليه ويعرض نفسه أو حبيبه عليه، أما فيما يتعلق بالدين فأصبح الأمر فوضى لا نظام له (¬1)، ذلك أن الناس اليوم كلما رأوا إنسان يدندن حول بعض المسائل الفقهية أو حول بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية ظنوا أنه عالم زمانه فيتوجهون في الأسئلة فيقعون في المحذور الذي جاء ذكره في الحديث الأول ألا وهو قوله عليه السلام: «قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا - أي: أهل العلم - فإنما شفاء العي السؤال» (¬2). بعد هذا أعود لأقول: أي إنسان يتكلم في غير اختصاصه لا يجوز له ذلك، وبخاصة إذا تبين أن كلامه مخالف لأهل الاختصاص في العلم الذي تكلم هو فيه بغير علم، فحديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت حديث أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم4362). (¬2) "صحيح الجامع" (رقم4362).

- صلى الله عليه وآله وسلم -: «جاء ملك الموت إلى موسى عليه الصلاة والسلام فقال له: أجب ربك» يعني: سلم لي نفسك وروحك، فما كان من موسى عليه السلام إلا أن لطمه تلك اللطمة ففقأ عينه، فرجع الملك -ملك الموت- إلى ربه، قال: يا رب! أرسلتني إلى عبد يكره الموت، فقال الله له: عد إليه وقل له: إن ربك يقول لك: ضع يدك على جلد ثور فلك من العمر من السنين بعدد كل الشعرات التي تكون تحت أصابعك، فرجع ملك الموت إلى موسى عليه السلام وقال له ما أمره به ربه، قال موسى: وماذا بعد ذلك؟ قال الموت، قال: فالآن، فقبض ملك الموت روح موسى عليه السلام في تلك اللحظة. قال نبينا صلوات الله وسلامه عليه: «ولو كنت ثمة» أي: حيث قبض ملك الموت روح موسى «لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر» هذا نص الحديث في الصحيحين. الجواب الآن: يحتاج إلى أن أتكلم في أكثر من مسألة، المسألة الأولى: يتبين بعد ورود هذا الحديث في الصحيحين أن ذلك الذي ضعفه هو الضعيف؛ ذلك لأنه تكلم بغير علم، وفي ظني أن هذا المضعف هو من أولئك الناس الكثيريين الذين يسلطون ويحكمون عقولهم إن لم أقل أهواءهم في الحكم على الأحاديث الصحيحة بأنها ضعيفة وربما قالوا إنها موضوعة، ما الدليل على ما زعموه من الضعف والوضع؟ هو تحكيمهم عقولهم، واتباعهم لأهوائهم: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} (المؤمنون:71) ذلك لأن الإيمان ضعف في صدور كثير من الناس ولو ممن قد ينتمون إلى العلم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: لم يدرسوا السنة دراسةً واعيةً مستوعبة لطرق الحديث التي من عادتها أنها

تزيل ما قد يقع في نفوس البعض من إشكال. نحن الآن بعد أن بينا أن الذي ضعف الحديث هو الضعيف؛ لأنه خالف أولًا: الإمامين الذين وضعا كتابين يسميان بالصحيحين هما باتفاق علماء السنة أصح كتاب بعد كتاب الله تبارك وتعالى، صحيح البخاري وصحيح مسلم، وليس هذا فقط بل تلقت الأمة ذلك بالقبول، ولذلك كان كل حديث جاء في الصحيحين لم يتكلم فيه أحد من علماء الحديث الذين كانوا في مرتبة البخاري ومسلم بشيء من النقد، فهذه الأحاديث كلها ثابتة يقينًا عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، إذًا: فلا نقيم وزنًا لمن يضعف مثل هذا الحديث مهما كان شأنه ومهما ظن الناس فيه علمًا. أما الإشكال الذي يصوره السؤال: أن ملك الموت كيف يضربه موسى عليه السلام؟ الجواب: وهذا فيه إشارة لما قلته أن هؤلاء الناس لا يدرسون السنة، الجواب: في رواية في مسند الإمام أحمد بسند صحيح قال: كان ملك الموت يأتي الناس على صورة البشر، فإذًا: ملك الموت لما جاء إلى موسى فقال له: أجب ربك، ما جاءه بالعلامة التي تجعل موسى عليه السلام ينتبه إلى أن هذا الذي يقول له: أسلم روحك هو ملك مرسل من الله، فهو جاءه بصورة بشر، وأي إنسان منا لو جاءه شخص ويقول: سلم لي روحك، فماذا سيكون موقفه منه؟ سيكون موقف موسى عليه السلام بالذات؛ لأنه يتعدى على وظيفة لملك كريم لا يشاركه فيه الملائكة الآخرون، فكيف إنسان يتقدم إلى بشر مثله ويقول: أسلم روحك، فما كان منه إلا صفعه ففقأ عينه، هذا أمر طبيعي والشبهة تطيح وتزول من أصلها وفصلها حينما نتذكر هذه الرواية الأخرى أن ملك الموت كان يأتي الناس عيانًا بصورة البشر، لذلك ترون في تتمة الحديث أن ملك الموت لما شكا أمره إلى الله وقال له: أرسلتني إلى عبد يكره الموت، أعطاه علامة وقال له: ارجع إلى موسى

وقل له: إن ربك يأمرك أن تضع يدك إلى آخر الحديث على جلد ثور فلك من العمر بكل شعرة تحت يدك، لما رجع الملك بهذا البرهان إلى موسى عليه الصلاة والسلام قال له: وماذا بعد ذلك؟ قال: الموت، قال: إذًا فالآن قبض روحه تلك الساعة، لماذا استسلم ثانيًا ولم يستسلم أولًا؟ وضح الجواب، أولًا كان الطالب بشرًا من البشر، فكأنه يهزأ، وما كان موسى يعلم أنه ملك من الله مرسل، لذلك ضربه فلما جاء الملك ومعه هذه العلامة من الله عز وجل واطمأن موسى إليها وسأله ذلك السؤال، وأجابه: ما بعد ذلك إلا الموت، قال: فالآن، إذًا: موسى لا يكره الموت ولكنه فقأ عين ذلك الرجل على ظنه أنه بشر من البشر. فحينما ننظر إلى الحديث بتفسير هذه الرواية التي رواها الإمام أحمد في المسند يطيح الإشكال يبطل قول من قال: أنه ربما يكون هذا الحديث من الإسرائيليات، هذا كلام باطل؛ لأنه حين يقال الراوية الفلانية أو الحديث الفلاني هو من الإسرائيليات فذلك يعني أنه مما كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى يتحدثون بينهم ببعض الروايات التي تلقوها عن أسلافهم، وفيها الحق وفيها الباطل لذلك قال عليه السلام: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم» هذا هو معنى كون الشيء من الإسرائيليات. ولكن هناك تفصيل لا بد من ذكره لعلمي أن قليلًا ما يقرأ هذا التفصيل في كتب العلماء، الإسرائيليات نسبة إلى رواية قصص تتعلق ببني إسرائيل، تنقسم إلى قسمين: القسم الأول وهو الأكثر رواية وشيوعًا ما كان مرويًا كما ذكرنا آنفًا عن أهل الكتاب، وهذه روايات كثيرة وكثيرة جدًا كقصة مثلًا هاروت وماروت أنه ما كانا ملكين مقربين عند الله تبارك وتعالى، وأن الله عز وجل لما قال للملائكة: {إِنِّي

جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (البقرة:30) قال: الله أراد أن يمتحن هؤلاء الملائكة الذين قالوا: أتجعل فيها، قال: اختاروا ملكين منكم لأنزلهما إلى الأرض ولأبتليهم، فاختار هاروت وماروت، قصة طويلة خلاصتها: أن الله عز وجل كساهم ثوب البشرية فافتتنوا بامرأة فراودها عن نفسها فامتنعت حتى يقتلا غلامًا هناك، فامتنعا لأنهم يعلمون أن هذا حرام، فعرضت عليهم الخمر فشربا الخمر فسكرا وقتلا الغلام وفجرا بالمرأة، فعاقبهم الله تبارك وتعالى في الدنيا بأن علقهم في بئر منكسين رؤوسهم إلى أسفل وأرجلهم إلى أعلى ويخرج الدخان من أسفل ويدخل في مناخيرهم ويخرج من أدبارهم. هذه قصة تروى في تفسير الآية السابقة، هذه من الإسرائيليات، وهي مما تنافي قول الله عز وجل في الملائكة في قوله تبارك وتعالى: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6) فهذه القصة تنافي مثل هذه الآية التي تصرح أن الملائكة معصومون لا يمكن أن يتصور أنهم يزنون ويقتلون النفس بغير حق إلى آخر ما جاء في تلك الإسرائيليات. هذا النوع من الإسرائيليات حينما يقال هذا الخبر أو هذه الرواية من الإسرائيليات. هناك قسم آخر ولو أنه قليل ولكن هذا يجب ألا يساق مساق القسم الأول: هذا القسم الآخر أخبار يتحدث بها رسول الله عن بني إسرائيل، هذه إسرائيليات صحيحة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حدث بها وليست من قبيل ما يرويه أهل الكتاب، والأمثلة في هذا كثيرة، ولا بأس أن نذكِّر بحديث واحد قاله عليه

السلام: بينما رجل ممن قبلكم يمشي في فلاة من الأرض، إذ سمع صوتًا من السحاب يقول: اسق أرض فلان، فتعجب الرجل الذي يمشي في الأرض وتوجه مع السحاب حتى رأى السحاب يفرغ مشحونه من المطر في بستان، فأطل هذا الرجل فرأى صاحب البستان يعمل في أرضه، فسلم عليه وكأنه سماه بالاسم الذي سمعه من السماء فتعجب الرجل وقال له: ما علمك؟ فقص عليه القصة أنه سمع هذا الاسم يخاطب به الملائكة السحاب ويأمرون السحاب أن ينطلق إلى هذه الأرض التي أنت تعمل فيها، فبم ذاك؟ [قال]: لا أعلم أمرًا أستحق من الله هذا الإكرام سوى أنني أملك هذه الأرض، فأزرعها ثم أحصدها، فأجعل حصيدها ثلاثة أثلاث: ثلث أعيده إلى الأرض، وثلث أنفقه على نفسي وعيالي، وثلث آخر أتصدق به على الفقراء الذين حولي، فقال له الرجل: فهو هذا، يعني: بقيامك بهذه الواجبات استحققت هذه العناية الإلهية حيث سخر لك السحاب (¬1). هذا حديث يتحدث عن بني إسرائيل، لكن من الذي حدث به؟ هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الموصوف في القرآن الكريم بأنه لا ينطق الهوى .. {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:4) فإذًا هذا الحديث ما دام جاء في الصحيحين، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وذكر الحديث، فإذًا: لا يجوز لنا أن نقول: هذا من الإسرائيليات بالمعنى، وإذا كان ولا بد فنقيد ذلك بأنه من الإسرائيليات لكن النبي صهو الذي تكلم به ... "فتاوى الإمارات" (12/ 00:00:37) ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم7664).

[1290] باب كيف رأى نبينا - صلى الله عليه وسلم - موسى عليه السلام يصلي ليلة الإسراء والمعراج؟

[1290] باب كيف رأى نبينا - صلى الله عليه وسلم - موسى عليه السلام يصلي ليلة الإسراء والمعراج؟ سؤال: شيخنا الفاضل بارك الله فيك، بالنسبة للحديث الذي يقول فيه المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم -: «رأيت موسى عند الكثيب الأحمر قائماً يصلي» يعني: الحديث هذا صحيح؟ الشيخ: أي نعم. السائل: بالنسبة قائماً يصلي كيفية القيام لا نسأل عنها؟ الشيخ: وأنت هل يجوز أن تسأل عن كيفية القيامة؟ السائل: لا بارك الله فيك. الشيخ: فهذا القيام كالقيامة. "الهدى والنور" (/290/ 53: 00: 01)

(الخضر عليه السلام)

(الخضر عليه السلام) [1291] باب إثبات نبوة الخضر عليه السلام [قال الإمام]: لقد أشار المؤلف الفاضل في أول كتابه [أي كتاب الأستاذ أحمد بن عبد العزيز الحصين "جزيرة فيلكا وخرافة أثر الخضر فيها"] إلى اختلاف العلماء في نبوة الخضر عليه الصلاة والسلام فقال «والراجح من أقوالهم أنه ليس نبياً». ولما كان هذا القول مرجوحاً عند العلماء المحققين، فقد رأيت أن أذكر شيئاً من أقوالهم وأدلتهم، تنبيهاً وتذكيراً، فأقول: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في أول رسالته «الزهر النضر»: «باب ما ورد في كونه نبياً، قال الله تعالى في خبره عن موسى حكاية عنه: {وما فعلته عن أمري}، وهذه ظاهرة أنه فعله بأمر من الله، والأصل عدم الوساطة، ويحتمل أن يكون بوساطة نبي آخر لم يذكره، وهو بعيد، ولا سبيل إلى القول بأنه إلهام، لأن ذلك لا يكون من غير نبي وحياً حتى يعمل به ما عمل؛ من قتل النفس، وتعريض الأنفس للغرق. فإن قلنا: إنه نبي، فلا إنكار في ذلك. وأيضاً، كيف يكون غير النبي أعلم من النبي، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح (¬1): «أن الله تعالى قال لموسى: بلى عبدنا خضر»؟!. ¬

(¬1) أخرجه الشيخان، وهو في كتابي «مختصر صحيح البخاري» برقم (57)، وفي لفظ لهما. [منه].

وأيضا فكيف يكون النبي تابعاً لغير نبي؟! وقال الثعلبي: هو نبي في جميع الأقوال. وكان بعض أكبر العلماء يقول: أول عقدة تحل من الزندقة اعتقاد كون الخضر نبياً، لأن الزنادقة يتذرعون بكونه غير نبي إلى أن الولي أفضل من النبي! كما قال قائلهم (¬1): مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون النبي قلت: وهناك آية أخرى تدل على نبوته عليه الصلاة والسلام، وهي قوله تعالى في: {آتيناه رحمة من عندنا}، فقد ذكر العلامة الآلوسي في تفسيرها ثلاثة أقوال، أشار إلى تضعيفها كلها، ثم قال: «والجمهور على أنها الوحي والنبوة، وقد أطلقت على ذلك في مواضع من القرآن، وأخرج ذلك ابن أبي حاتم عن ابن عباس، ... والمنصور ما عليه الجمهور، وشواهده من الآيات والأخبار كثيرة، وبمجموعها يكاد يحصل اليقين» (¬2). قلت: ولقد صدق رحمه الله تعالى، فإن المتأمل في قصته مع موسى عليهما الصلاة والسلام يجد أن الخضر كان مظهراً على الغيب وليس ذلك لأحد من الأولياء، بدليل قوله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبة أحداً إلا من ارتضى من رسول}، وذلك ظاهر في مواطن عدة من القصة، أذكر ما تيسر منها: ¬

(¬1) قلت: هو ابن عربي صاحب «الفصوص» و «الفتوحات المكية» [منه] (¬2) روح المعاني (5/ 92 - 93). [منه]

1 - قوله لموسى عندما طلب منه الصحبة {إنك لن تستطيع معي صبرا} فهذا الجزم منه عليه السلام لدليل واضح على أنه كان على علم بذلك، ولم يكن من باب الظن والتخرص منه، حاشاه، ويؤيده زيادة جاءت في بعض طرق الحديث عقب هذه الآية بلفظ: «وكان رجلاً يعلم علم الغيب، قد علم ذلك» (¬1). 2 - ومثله قوله في تأويله قتل الغلام: «وأما الغلام فطبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك، أرهقهما طغياناً وكفراً, فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً». زاد في رواية: «ووقع أبوه على أمه فعلقت فولدت منه خيراً منه زكاة وأقرب رحماً» (¬2). وإخباره عليه السلام أن الغلام طبع كافراً، وأن أباه وقع على أمه فحملت وولدت خيراً منه، لهو من الأمور الغيبية المحضة التي لا مجال للاطلاع عليها إلا من طريق النبوة والوحي، فذلك من أقوى الأدلة على أنه كان نبياً، إن لم يكن رسولا. 3 - ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لما لقي موسى الخضر عليهما السلام، جاء طير، فألقى منقاره في الماء فقال الخضر لموسى: تدري ما يقول هذا الطير؟ قال: وما يقول؟ قال: يقول: ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من الماء» (¬3). ¬

(¬1) الدر المنثور (4/ 231). [منه] (¬2) أخرجه مسلم، والزيادة لعبد الله بن أحمد (5/ 118 - 119). [منه] (¬3) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والسيوطي وهو مخرج في «الصحيحة» (2467) [منه].

فهذا صريح في أن الخضر، قد علم منطق الطير، وهو من الغيب الذي لا يعلمه البشر، فهو في هذا على نحو النبي سليمان عليه الصلاة والسلام الذي حكى الله عنه في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} (النمل:16). وخلاصة القول في هذه المسألة أن الأدلة المتقدمة إذا تأملها المسلم ووعاها بقلبه، تيقن أن الصواب القول بنبوة الخضر كما ذهب إليه جمهور العلماء ولذلك فعل ما فعل من العجائب التي لم يصبر لها موسى عليه الصلاة والسلام، وهو كليم الله تعالى، وبه نستطيع أن نحل تلك العقدة من الزندقة التي أشار إليها الحافظ ابن حجر فيما سبق، ونحوها مما يعتقده كثير من الصوفية من الاعتقاد بالظاهر والباطن، والحقيقة والشريعة التي أفسد عقيدة كثير من الخاصة فضلاً عن العامة، فاعتقدوا الصلاح بل الولاية في كثير من الفساق الذين لا يصلون ولا يشهدون جماعات المسلمين ولا أعيادهم بدعوى الظاهر، وأنهم في الباطن من كبار أولياء الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وما قصة شيخ الإسلام ابن تيمية مع البطائحية الذين كانوا يتظاهرون في دمشق بالولاية والكرامة في زمانه حتى نصره الله عليهم، وقضى على باطنهم وباطلهم عن القارئ ببعيد. {إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق:37). وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم دمشق 9 ربيع الأول سنة 1394 محمد ناصر الدين الألباني "حياة الألباني" (1/ 426 - 429).

[1292] باب منه

[1292] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل؛ أبصره رجل مكاتب. فقال: تصدق علي بارك الله فيك! فقال الخضر: آمنت بالله، ما شاء الله من أمر يكون، ما عندي شيء أعطيكه. فقال المسكين: أسألك بوجه الله! لما تصدقت علي؛ فإني نظرت السيماء (وفي رواية: سيماء الخير) في وجهك، ورجوت البركة عندك! فقال الخضر: آمنت بالله، ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني! فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟! قال: نعم، الحق أقول؛ لقد سألتني بأمر عظيم، أما إني لا أخيبك بوجه ربي؛ بعني! قال: فقدم إلى السوق فباعه بأربع مئة درهم، فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شيء، فقال له: إنك إنما ابتعتني التماس خير عندي، فأوصني بعمل؟ قال: أكره أن أشق عليك؛ إنك شيخ كبير. قال: ليس يشق علي. قال: فقم وانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم. فخرج الرجل لبعض حاجته؛ ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة! قال: أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه. قال: ثم عرض للرجل سفر، فقال: إني أحسبك أميناً، فاخلفني في أهلي خلافة حسنة. قال: فأوصني بعمل. قال: إني أكره أن أشق عليك. قال: ليس يشق علي. قال: فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك. قال: فمضى الرجل لسفره. [قال:] فرجع الرجل وقد شيد بناءه! فقال: أسألك بوجه الله! ما سبيلك وما أمرك؟ قال: سألتني بوجه الله، ووجه الله أوقعني في العبودية. فقال الخضر: سأخبرك من أنا؟ أنا الخضر الذي سمعت به؛ سألني [رجل] مسكين صدقة، فلم يكن عندي

[1293] باب هل كان الخضر حيا في حياة نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -؟

شيء أعطيه، فسألني بوجه الله، فأمكنته من رقبتي، فباعني. وأخبرك أنه من سئل بوجه الله، فرد سائله وهو يقدر؛ وقف يوم القيامة [ليس على وجهه] جلد ولا لحم؛ إلا عظم يتقعقع. فقال الرجل: آمنت بالله، شققت عليك يا نبي الله! ولم أعلم. قال: لا بأس؛ أحسنت وأبقيت. فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا نبي الله! احكم في أهلي ومالي بما أراك الله، أو أخيرك؛ فأخلي سبيلك؟ فقال: أحب أن تخلي سبيلي؛ فأعبد ربي. فخلى سبيله. فقال الخضر: الحمد لله الذي أوقعني في العبودية؛ ثم نجاني منها» (ضعيف) [قال الإمام]: ونبوة الخضر ليست بحاجة في إثباتها إلى مثل هذا الحديث؛ بعد قوله تعالى في القرآن حكاية عن الخضر: {وما فعلته عن أمري}، وغير ذلك من الأدلة المعروفة. "الضعيفة" (11/ 2/580 - 581، 585). [1293] باب هل كان الخضر حياًّ في حياة نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ [عن علي بن الحسين قال]: «لما مرض رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ جاءه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! أرسلني الله عز وجل إليك؛ تكريماً لك، وتشريفاً لك، وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك: يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني - يا جبريل - مغموماً، وأجدني - يا جبريل -؛ مكروباً. ثم جاءه اليوم الثاني، فقال ذلك له، فرد عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما رد عليه أول يوم. ثم جاءه اليوم الثالث، فقال له كما قال أول يوم،

ورد عليه كما رد. وجاء معه ملك يقال له: إسماعيل على مئة ألف ملك، كل ملك منهم على مئة ألف ملك؛ فاستأذن فسأل عنه؛ ثم قال جبريل: هذا ملك الموت؛ يستأذن عليك، ما استأذن على آدمي قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ائذن له. فأذن له، فسلم عليه، ثم قال: يا محمد! إن الله عز وجل أرسلني إليك، فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضته، وإن أمرتني أن أتركه تركته. قال: أو تفعل يا ملك الموت؟! قال: نعم؛ بذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك! قال: فنظر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جبريل عليه السلام، فقال جبريل: يا محمد! إن الله عز وجل اشتاق إلى لقائك. فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لملك الموت: امض لما أمرت به. فقبض روحه. فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وجاءت التعزية؛ سمعوا صوتاً من ناحية البيت: سلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته! إن في الله عزاءً من كل مصيبة؛ وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا: فإنما المصاب من حرم الثواب! فقال علي عليه السلام: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام». (موضوع) [ثم أورد الإمام طرق الحديث مبينا وهاءها ثم قال]: وإذا عرفت طرق هذا الحديث وشدة ضعفها؛ فمن الغريب اعتماد شيخ الإسلام ابن تيمية على الطريق الأولى في ميله في فتوى له إلى القول بحياة الخضر في حياته - صلى الله عليه وآله وسلم -! فقد سئل عنها في استفتاء له، فأجاب بقوله: "وأما حياته؛ فهو حي، والحديث المذكور: "لو كان حياً لزارني"؛ لا أصل له، ولا يعرف له إسناد، بل المروي في "مسند الشافعي" وغيره: أنه اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومن قال: إنه لم يجتمع بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فقد قال ما لا علم له به؛ فإنه من العلم الذي لا يحاط به ... "!! قلت: وهذه الفتوى كأنها كانت منه قبل أن يتمكن من العلم الصحيح؛ فإن أكثر

[1294] باب كل أحاديث حياة الخضر موضوعة

فتاويه على خلافها، وأن الخضر مات، وأنه لو أدرك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لوجب عليه أن يأتيه وينصره، كما بينت ذلك من كلامه في مقدمتي لكتاب "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" للإمام الصنعاني. "الضعيفة" (11/ 2/641 - 642، 645). [1294] باب كل أحاديث حياة الخضر موضوعة [قال الإمام]: كل حديث فيه حياة الخضر إلى عهده - صلى الله عليه وسلم - لا يصح. "تحقيق مشكاة المصابيح" (3/ 1685). [1295] باب منه [قال الإمام]: كل ما يروى عن بقاء الخضر حيًّا هو باطل موضوع، كما بين ذلك الإمام ابن القيم في رسالة "المنار المنيف" (ص67 - 76). "مختصر صحيح مسلم" (ص6). [1296] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الخضر في البحر، واليسع في البر، يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج؛ يحجان ويعتمران كل عام، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل».

[1297] باب منه

[قال الإمام]: هو حديث موضوع؛ ككل أحاديث حياة الخضر عليه السلام، على ما حققه العلماء الأجلاء؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وقد أورد ابن الجوزي طائفة كبيرة منها في " الموضوعات ". "الضعيفة" (12/ 1/38). [1297] باب منه [قال الإمام عن القول بحياة الخضر]: ليس على ذلك دليل صحيح من السنة، بل الأدلة العامة تشهد أنه خلا ومات كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين. "مختصر صحيح مسلم" (ص539).

(داود عليه السلام)

(داود عليه السلام) [1298] باب بطلان قصة افتتان داود عليه السلام بنظره إلى امرأة الجندي أوريا [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «كان خطيئة داود عليه السلام النظر». (موضوع) [قال الإمام]: رواه الديلمي بسنده عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن الحسن عن سمرة قال: قدم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفد عبد القيس، وفيهم غلام ظاهر الوضاءة، فأجلسه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خلف ظهره وقال: فذكره. قال ابن الصلاح في " مشكل الوسيط ": لا أصل لهذا الحديث. وقال الزركشي في " تخريج أحاديث الشرح ": هذا حديث منكر، فيه ضعفاء، ومجاهيل، وانقطاع، قال: وقد استدل على بطلانه بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " إني أراكم من وراء ظهري "، كذا في " ذيل الأحاديث الموضوعة " للسيوطي (ص 122 - 123) و" تنزيه الشريعة " لابن عراق (308/ 1 - 2). قلت: والاستدلال المذكور فيه نظر، لأن رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من خلفه إنما هي في حالة الصلاة كما تدل عليه الأحاديث الواردة في الباب، وليس هناك ما يدل

على أنها مطلقة في الصلاة وخارجها، فتأمل ... وقصة افتتان داود عليه السلام بنظره إلى امرأة الجندي أو ريا مشهورة مبثوثة في كتب قصص الأنبياء وبعض كتب التفسير، ولا يشك مسلم عاقل في بطلانها لما فيها من نسبة ما لا يليق بمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل محاولته تعريض زوجها للقتل، ليتزوجها من بعده! وقد رويت هذه القصة مختصرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فوجب ذكرها والتحذير منها وبيان بطلانها وهي: «إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع على بني إسرائيل بعثاً وأوحى إلى صاحب البعث فقال: إذا حضر العدو فقرب فلاناً، وسماه، قال: فقربه بين يدي التابوت، قال: وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان يستنصر به، فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش الذي يقاتله، فقتل زوج المرأة، ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة» باطل. "الضعيفة" (1/ 483 - 485).

(سليمان عليه السلام)

(سليمان عليه السلام) [1299] باب مدى صحة تعبير: "قبض على خاتم سليمان" الشيخ: «قبض على خاتم سليمان» تعبير خطأ. مداخلة: نعم. الشيخ: تعبير خطأ يشير إلى خرافة راسخة في أذهان الناس ... لأن عامة الناس يعتقدوا أن مُلك سليمان كان في خاتمه. مداخلة: مشهور جداً هذا بين الناس على كل طبقاتهم. الشيخ: آه, وبناءً على ذلك تروى الخرافة المعروفة وهي: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} (ص:34). ألقينا على كرسيه جسداً، هي الآية تتعلق بالحديث الصحيح، قال سليمان عليه السلام: «لأطوفن الليلة على مائة امرأة تأتي كل امرأة منها بفارس أو ولد يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل إن شاء الله. فنسي ولم يقل، فلم تأت امرأة منهن إلا بشق ولد» (¬1). هذا الشق الولد ألقي على كرسي السلطان الدنيا, كلها في ملكه، هذا التفسير الصحيح، فسروا هذه الآية بقصة خبيثة جداً وهي: أن سليمان عليه السلام كان ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم2664) و"صحيح مسلم" (رقم4376).

يصطاد يوماً السمك على ساحل البحر فسقط الخاتم منه فالتقطته سمكة، أخذ الخاتم من السمكة شيطان من شياطين الجن فوضعه في أصبعه فخضع ملك سليمان له وهو صار غريباً عن ملكه، وجلس الشيطان على كرسي سيلمان يحكم بين الناس كما يشتهي ويشاء، وصار يدخل على نساء سليمان بصورة سليمان. هنا يبدأ الخُبْث الذي لا خُبث بعده بالنسبة للأنبياء، واستمر برهة من الدهر وهو هكذا يظن الناس أنه سليمان حتى نساؤه، وأنه يأتي نساءه حتى استنكرت إحداهن من أمره، لما سئلن قلن: والله نحن نستغرب أنه يأتينا في حالة الحيض، فثاروا عليه حينئذ المجلس الذي كان يحكمهم سليمان عليه السلام. إي نعم. لا، أنا لبعد العهد يمكن ما حكيت القصة من عشرين سنة، خلطت شوية ولا مؤاخذة, سليمان دخل يتوضأ فخلع ماذا؟ مداخلة: الخاتم. الشيخ: الخاتم، فجاء الشيطان سرقه وماذا؟ وتسلط كما قلنا على الملك، إي نعم. فلما يعني طرد الشيطان بعد أن انكشف حاله التقطته السمكة فهو اصطادها وإذا بها لما يشقها يجد فيها الخاتم فيضعه في خاتمه فيعود السلطان إليه، سخافة, مع سخافتها فيها النكارة الشديدة هذه. "الهدى والنور" (311/ 36: 04: 00)

(عيسى عليه السلام)

(عيسى عليه السلام) [1300] باب عقيدة رفع عيسى عليه السلام وحكم الصلاة خلف من ينكرها السائل: يا شيخ هل تجوز الصلاة خلف إمام يستغيث بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كوسيلة. الشيخ: عليه الصلاة والسلام. مداخلة: عليه الصلاة والسلام. وهل يجوز كذلك الأمر أنه يستبيح لنفسه أنه يميل إلى الحكم الذي يقول فيه: إنه عيسى عليه السلام لم يُرفع جسدياً إلى السماء، بل رفع مقداراً، وكذلك الأمر يستبيح لنفسه بالقول أنه يقرأ على اللوح المحفوظ في المنام رؤيةً، هل تجيز الصلاة خلفه؟ الشيخ: تجوز الصلاة خلفه ما دمت أو دمنا نحكم بإسلامه، فإذا أخرجناه من دائرة الإسلام فحينئذ لا تجوز الصلاة. فأنت في حدود معرفتك بالشرع أولاً، ومعرفتك بالشخص ثانياً: هو لا يزال في دائرة الإسلام ولَّا ارتد عن الإسلام؟ لا زال في دائرة الإسلام ... ورجع وقال لي: لا تخبر شيوخك بالذي أنا قلته إياك، ... ، بالطبع خضع في القول عاود من جديد، كان في الأول موقفه حازم

وبعدين رجع يحكي لي: لا تخبر شيوخك بالذي حصل حتى لا يكفروني أو يفهموني خطأ، أنا برائي رؤية في المنام شيء حصل معاي. الشيخ: معليش هذه جزء مما ذكرت، ... مداخلة: أنا أحكي الرؤية في المنام. أما هو يميل إلى أنه عيسى عليه السلام لم يرفع نبياً إلى السماء، بل رفع مقداراً، إني رافعك. الشيخ: نعم. الشيخ: المهم يا أخي خذ القاعدة واسترح: كل إنسان أصله مسلم، ثم ارتكب مخالفة شرعية، هذه المخالفة تخرجه من دائرة الإسلام والمسلمين، ولا تصح الصلاة خلفه، ولكن يجب أن نعلم أنه ليس كل مسلم وقع في الكفر وقع الكفر عليه، عرفت كيف؟ ليس كل من وقع في الكفر، وقع الكفر عليه وتلبسه الكفر وأحاط به بحيث أنه خرج من دائرة الإسلام. فهذه هي القاعدة وتطبيق هذه القاعدة لا يستطيع عامة الناس أن يطبقوها على أي إنسان، وإنما هذا يحتاج إلى علماء عارفين بالكتاب والسنة، ويكون عنده شيء من الروية والتؤدة والتأني بحيث أنه ما في عنده الإفراط والتفريط، ما عنده أن كل المسلمين كما يقولون على خير، ولا أنه من قال كذا فقد كفر وارتد عن الدين بدون ما يعرف أحواله، هل هو معذور هل هو جاهل، هل هو عالم إلى آخره. ولذلك فأنا أقول لعامة المسلمين من أمثالك: أنه هذا الذي أنت تسأل عنه في حدود معرفتك أنت مسلم ولَّا كافر؟ لا والله مسلم إذاً: الصلاة جائزة، لا والله هذا ليس مسلماً عندي، أقول لك حينئذ: أنت احتياطاً لا تصلي وراءه، لكن معناها من

[1301] باب من حكم عيسى عليه السلام

جهة أخرى: لازم تحتاط ما تبادر إلى تكفيره، ستكون أنت مخطئ في تكفيره؛ لأنك لست من أهل العلم عرفت كيف؟ فإذا غلب على ظنك أنه هذا كَفَرَ، لا تصلي وراءه وتصلي خلف إمام لا تشك في إسلامه وإيمانه. لكن لا تقطع بكفره ما دمت لست من أهل العلم. "الهدى والنور" (343/ 00: 15: 00) [1301] باب مِن حِكَمِ عيسى عليه السلام [تكلم الشيخ حول عدم أهمية تسمية الاثنتين وسبعين فرقة لأنهم يُعْرَفُون بثمارهم, ثم قال]: الشيخ: هذا يذكرني بحكمة إنجيلية, وبتعرفوا أن الإنجيل كتاب من الكتب المقدسة كما يقولون اليوم, والتي أنزلها الله عز وجل على عيسى عليه السلام. مداخلة: كما يزعمون الشيخ: لا مش كما يزعمون, استغفر ربك, هذا حق, ولكن الذي ينبغي أن يقال: لكنهم حرفوه وغيروه وبدلوه, أما النزول فهذه حقيقة. والذي أردت أن أصل إليه أن مع هذا التغيير فقد بقيت فيه أشياء وأشياء نافعة, من ذلك: أن عيسى عليه السلام وعظ يوماً الحواريين كما هي عادته, والإنجيل في الحقيقة على ما وصل إلينا أكثره مواعظ ونصائح, فمن هذه النصائح أنه حذرهم بعد أن أخبرهم بمجيء أنبياء ويأتي هؤلاء الأنبياء هم أنبياء كذبه لكن يأتي خاتم الأنبياء وهو محمد ابن عبد الله وهو خاتم الأنبياء؛ فإياكم ومدعي النبوة كذباً, فقالوا له: كيف نعرفهم؟ هنا الشاهد في جواب عيسى: "من ثمارهم

تعرفونهم", من ثمارهم تعرفونهم, أنه يجي يسميلي إياهم ويصفهم لهم بأعيانهم هذه شغله لا يمكن حصرها, ولكن من ثمارهم تعرفونهم أي من كذبهم ودجلهم على الناس ومحاولة التسلط على أموالهم, بل هو في كثير من الأحيان على أعراض نسائهم, فمن ثمارهم تعرفونهم فاجتنبوهم ولا تؤمنوا إلا بالنبي الصادق وهو أحمد بن عبد الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعلى الأنبياء جميعاً. مداخلة: لكن ما أظن شيخنا أن هذا موجود في الإنجيل؟ الشيخ: هو ما أدري الحقيقة لكن هذا يُروى عن الإنجيل, أم هل هو موجود؟ أنا كنت قرأت طبعاً قديماً التوراة والإنجيل, لكن قرأتُ مرةً واحدة للإطلاع, ففي ذهني بعض الأشياء وأكثرها ذهبت مع الرياح, أما هذا فيذكر في كتبنا على أنه من مواعظ عيسى عليه السلام للحواريين. " الهدى والنور" (265/ 24: 03: 00)

هل خالد بن سنان نبي

هل خالد بن سنان نبي [1302] باب هل خالد بن سنان نبي؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «ذاك نبي ضيعه قومه، يعنى خالد بن سنان» (لا يصح) [قال الإمام]: قلت: ومع ضعف الحديث فإنه معارض كما قال الهيثمي (8/ 214) للحديث الصحيح: " أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، الأنبياء إخوة لعلات، وليس بيني وبينه نبي " رواه البخاري في " صحيحه " (6/ 380) ومسلم (7/ 96). "الضعيفة" (1/ 449 - 450).

(محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -)

(محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -) جماع أبواب لوازم الإيمان بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومقتضيات شهادة أن محمدًا رسول الله

[1303] باب لوازم الإيمان برسالة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -

[1303] باب لوازم الإيمان برسالة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال الإمام]: [الإيمان بكونه]- صلى الله عليه وآله وسلم - رسولاً اصطفاه الله تعالى, وخصه بالوحي وأطلعه على بعض المغيبات, .. ذلك يستلزم الإيمان بكل ما قاله - صلى الله عليه وآله وسلم - , وصح عنه من التشريعات والأخبار بالمغيبات, سواء كان ذلك موافقاً لعلقك, أو بعيداً عن فهمك وعقلك, يجب الإيمان بذلك كله, فمن لم يكن هذا موقفه معه - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فهو لم يؤمن حق الإيمان بأن محمدا ً رسول الله, فما تنفعه هذه الشهادة, وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم, وذلك ما يفيد قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ولا شك أن إيمانك وتصديقك بما جاء به محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأمور التشريعية والغيبية - ولو كانت بعيدة عن متناول عقلك -؛ إنما هو من الإيمان بالغيب الذي هو من صفات المتقين في القرآن: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}. فقف أيها المؤمن عند نص الشارع الحكيم, ولا تُغالِ فيه, ولا تفرط؛ بل وسطاً بين ذلك, لتكون من الناجين عند رب العالمين. "أصل صفة الصلاة" (3/ 882 - 883). [1304] باب معنى شهادة أن محمدًا عبد الله ورسول وبيان مقتضياتها [قال الإمام:] اعلم أن هذه الشهادة قد جمعت له - صلى الله عليه وآله وسلم - صفتين لا يتم إيمان المرء به - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا

إذا تحقق بمعناهما. الأولى: كونه - صلى الله عليه وآله وسلم - عبداً لله تعالى, كغيره من عباده تعالى, فهو مثلهم من هذه الناحية, كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}. وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنما أنا بشر مثلكم؛ أنسى كما تنسون, فإذا نسيت فذكروني» وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تطروني كما أَطْرَتِ النصارى عيسى ابن مريم, إنما أنا عبد. فقولوا: عبد الله ورسوله». ولذلك فلا يجوز لمسلم يشهد هذه الشهادة أن ينزله - صلى الله عليه وآله وسلم - منزلةً فوق التي أنزله الله تعالى فيها؛ فإن ذلك مما لا يرضاه - صلى الله عليه وآله وسلم - , كما قال في الحديث: «أنا محمد بن عبد الله, عبد الله ورسوله, والله! ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل». ولا أن يمدحه إلا بمدحه الله به, أو بما صحت به الأحاديث والأخبار, فمدحه - صلى الله عليه وآله وسلم - بمثل قول بعضهم: فإن من جودك الدنيا وضَرّتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم فهذا القول مما يتنافى مع الشهادة بالعبودية لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - , وهو القائل - كما حكاه الله تعالى في القرآن الكريم-: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}. وهو القائل للجارية التي كنت تندب من قتل يوم [بدر] , ثم قالت: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تقولي هكذا, وقولي كما كنت تقولين». ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث لها في"الصحيحين": ومن حدثكم أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يعلم ما في غد؛ فقد أعظم على الله الفرية.

فإذا كان هذا شأن من قال عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -: إنه يعلم ما في غد؛ فما بال من يقول: إنَّ من بعض علومه علمَ اللوح والقلم؟! فلا جَرَم أن حَذَّرَنا - صلى الله عليه وآله وسلم - من الغلو في مدحه وتعظيمه؛ فإنه سبب هلاك الأمم قبلنا كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم غلوهم في دينهم.» وأما الصفة الأخرى: فهي كونه - صلى الله عليه وآله وسلم - رسولا ً اصطفاه الله تعالى, وخصه بالوحي وأطلعه على بعض المغيبات, وذلك يستلزم الإيمان بكل ما قاله - صلى الله عليه وآله وسلم - , وصح عنه من التشريعات والأخبار بالمغيبات, سواء كان ذلك موافقاً لعقلك, أو بعيداً عن فهمك وعقلك, يجب الإيمان بذلك كله, فمن لم يكن هذا موقفه معه - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فهو لم يؤمن حق الإيمان بأن محمدا ً رسول الله, فما تنفعه هذه الشهادة, وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم, وذلك ما يفيد قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ولا شك أن إيمانك وتصديقك بما جاء به محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأمور التشريعية والغيبية - ولو كانت بعيدة عن متناول عقلك -؛ إنما هو من الإيمان بالغيب الذي هو من صفات المتقين في القرآن: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}. فقف أيها المؤمن عند نص الشارع الحكيم, ولا تُغالِ فيه, ولا تفرط؛ بل وسطاً بين ذلك, لتكون من الناجين عند رب العالمين. "أصل صفة الصلاة" (3/ 881 - 883).

جماع أبواب أفضلية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على الأنبياء وعلى جميع ولد آدم ونقض ما يخالف ذلك والرد على المخالفين

جماع أبواب أفضلية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على الأنبياء وعلى جميع ولد آدم ونقض ما يخالف ذلك والرد على المخالفين

[1305] باب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خير ولد آدم

[1305] باب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خير ولد آدم [قال الإمام]: قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أنا سيد ولد آدم» صريح في تفضيله - صلى الله عليه وآله وسلم - على جميع ولد آدم. "الضعيفة" (3/ 43). [1306] باب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خير من طلعت عليه الشمس [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر» (موضوع) [قال الإمام]: ثم إن الحديث ظاهر البطلان، لمخالفته لما هو مقطوع به: أن خير من طلعت عليه الشمس إنما هو نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم الرسل والأنبياء، ثم أبو بكر، وقد جاء من طرق عن ابن جريج عن عطاء عن أبي الدرداء مرفوعا بلفظ: " ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر ". أخرجه جمع من المحدثين منهم عبد بن حميد والخطيب وغيرهما، وهو أصح من الأول سنداً ومتناً كما ترى، وقد حسنه بعضهم، ولكن الطرق المشار إليها بحاجة إلى دراسة دقيقة، وهذا مما لم يتيسر لي بعد. والله الموفق. "الضعيفة" (3/ 533 - 534).

[1307] باب نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل النبيين

[1307] باب نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل النبيين [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «ألا أخبركم بأفضل الملائكة جبريل عليه السلام، وأفضل النبيين آدم، وأفضل الأيام يوم الجمعة، وأفضل الشهور شهر رمضان، وأفضل الليالي ليلة القدر، وأفضل النساء مريم بنت عمران» (موضوع) [قال الإمام]: وأفضل النبيين إنما هو نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بدليل الحديث الصحيح: «أنا سيد الناس يوم القيامة ... ». أخرجه مسلم (1/ 127)، فهذا يدل على وضع هذا الحديث "الضعيفة" (1/ 638). [1308] باب نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - سيد المرسلين يقيناً -[قال الإمام معلقا على قول صاحب الطحاوية: وأنه خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء وسيد المرسلين]. قلت: هذه العقيدة ثبتت في أحاديث كثيرة مستفيضة تلقتها الأمة بالقبول. وقد ذكر الشارح (في الصفحة 169 - الطبعة الرابعة) طائفة منها فلتراجع منه فهي تفيد العلم واليقين فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - سيد المرسلين يقيناً. ومن المؤسف أن أقول: إن هذه العقيدة لا يؤمن بها أولئك الذين يشترطون في الحديث الذي يجب الإيمان به أن يكون متواتراً فكيف يؤمن بها من صرح بأن

[1309] باب التنبيه على لفظ ضعيف قد يورد ضمن الأدلة الصحيحة على أن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل الخلق

العقيدة لا تؤخذ إلا من القرآن كالشيخ شلتوت وغيره وقد رددت على هؤلاء جميعا من عشرين وجها في رسالتي " وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين " وذكرت في آخرها عشرين مثالاً من العقائد الثابتة في الأحاديث الصحيحة يلزمهم جحدها وعدم الإيمان بها وهذه العقيدة واحدة منها فراجعها فإنها مطبوعة وهامة. "التعليق على متن الطحاوية" (ص20). [1309] باب التنبيه على لفظ ضعيف قد يورد ضمن الأدلة الصحيحة على أن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل الخلق (أخرج) البخارى [وغيره] من طرق عن الأعمش حدثنا خيثمة حدثنا سويد بن غفلة، قال علي رضي الله عنه: " إذا حدثتكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا فوالله لأن أخر من السماء أحب إلى من أن أكذب عليه, وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم, فإن الحرب خدعة, وإنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: .. " سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان, سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية, لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, فأينما لقيتموهم فاقتلوهم, فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة". [نبه الإمام على أن الحديث جاء من وجه آخر بلفظ]: "يقولون من قول خير البرية" بدلاً من "يقولون من خير قول البرية" [ثم نبه على ضعف هذا اللفظ إلى أن قال]:

[1310] باب هل الأنبياء أفضل من الملائكة؟ وهل إبراهيم عليه السلام خير من نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن الملائكة؟ وهل علي رضي الله عنه خير من الأنبياء؟

هذا وقد كنت قرأت قديماً في بعض الشروح مما لا أذكره الآن أن بعضهم استدل باللفظ الآخر: " يقولون من قول خير البرية " على أنه - صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق بناءً على أنه هو المراد بقوله " خير البرية ", وإذا قد علمت أن اللفظ المذكور شاذ غير محفوظ, فلا يصح الاستدلال به على ما ذكر. والله سبحانه وتعالى أعلم. "إرواء الغليل" (8/ 120 - 123). [1310] باب هل الأنبياء أفضل من الملائكة؟ وهل إبراهيم عليه السلام خير من نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن الملائكة؟ وهل علي رضي الله عنه خير من الأنبياء؟ جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا خير البرية! فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ... «ذاك إبراهيم عليه السلام. يعني: أنّه خير البريّة». [قال الإمام]: قلت: وظاهر الحديث يدل على أمرين: أحدهما: أن إبراهيم عليه السلام خير الخلق مطلقاً بما فيهم الملائكة. والآخر: أنه أفضل من نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. وأجاب العلماء عن هذا بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال ذلك تواضعاً وهضماً لنفسه، أو أنه قال ذلك قبل أن يوحى إليه بأن الله تعالى اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، وأنه سيد الناس يوم القيامة، آدم فمن دونه تحت لوائه - صلى الله عليه وآله وسلم -، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، وبهذا أجاب الطحاوي، فراجعه فإنه هام مفيد. وأما الأمر الأول؛ فلم يتعرض له الطحاوي، فأرى- والله أعلم- أن قوله

- صلى الله عليه وآله وسلم -: "خير البرية" من حيث إنه لا يشمل الملائكة، كقوله تعالى في سورة (البينة): {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} بعد قوله: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية}، وأن المراد بـ (خير البرية) و (شر البرية)؛ إنما هم غير الملائكة- كما يشعر بذلك السياق-؛ فإن الملائكة {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}. وقد ذكر القرطبي أنه قد استدل بقوله تعالى: (خير البرية) مَنْ فَضَّل بني آدم على الملائكة، ثم أحال في بيان الخلاف في ذلك على سورة البقرة (1/ 289)، وهناك ذكر الخلاف في المسألة بشيء من التفصيل، وذكر دليل من قال بذلك، والقائل بأن الملائكة أفضل، ومن ذلك قوله: "وفي البخاري: "يقول الله تعالى: من ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم "، وهذا نص " {(¬1)}. ثم قال: "وقال بعض العلماء: ولا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة، ولا القطع بأن الملائكة خير منهم, لأن طريق ذلك خبر الله تعالى، وخبر رسوله، أو إجماع الأمة، وليس ههنا شيء من ذلك ". ثم رأيت العلامة ابن أبي العز الحنفي قد توسع جداً في ذكر أدلة الفريقين ومناقشتها، وبيان ما لها وما عليها في "شرح العقيدة الطحاوية" (301 - 311) - وتبعه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري " (13/ 384 - 388) -؛ وذكر عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لم يقطع فيها بجواب، وقال: "وهذا هو الحق، فإن الواجب ¬

(¬1) الحديث أخرجه مسلم أيضاً، وهو من حديث أبي هريرة، وله شواهد من حديث ابن عباس، وأنس بن مالك، وهي مخرجة في "الصحيحة" (2011و 2287 و2942). [منه].

علينا الإيمان بالملائكة والنبيين، وليس علينا أن نعتقد أي الفريقين أفضل؛ فإن هذا لو كان من الواجب لبين لنا نصاً .. وحملني على بسط الكلام هنا: أن بعض الجاهلين يسيئون الأدب بقولهم: كان الملك خادماً للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -! أو أن بعض الملائكة خدام بني آدم!! يعنون: الملائكة الموكلين بالبشر، ونحو ذلك من الألفاظ المخالفة للشرع المجانبة للأدب .. ". ثم شرع في البسط المذكور، وختمه بقوله: "وحاصل الكلام: أن هذه المسألة من فضول المسائل، ولهذا لم يتعرض لها كثير من أهل الأصول، وتوقف أبو حنيفة في الجواب عنها كما تقدم. والله أعلم بالصواب ". قلت: ولقد كان التوقف المذكور هو الذي يقتضيه النظر والتأمل في أدلة الفريقين، وجواب كل منهما عن أدلة الآخر، لولا حديث البخاري الذي قال فيه القرطبي: إنه نص في المسألة كما تقدم؛ وقد حكاه الحافظ العسقلاني عن ابن بطال أيضاً، وإن كان الحافظ تكلف في رد دلالته وتأويله: "بأن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ معاً؛ فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب، فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع ". وقد كنت وقفت منذ القديم في "الترغيب والترهيب " على حديث من رواية البزار وابن حبان في "صحيحه " هو نص في الموضوع وأقوى؛ لأنه يبطل التأويل المذكور، ونصه: «أول من يدخل الجنة من خلق الله: الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله لملائكته: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة: ربنا! نحن سكان سماواتك، وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؛! قال: إن هؤلاء كانوا عباداً لي يعبدوني لا يشركون بي شيئاً، وتسد بهم

الثغور .. ، قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك؛ فيدخلون عليهم من كل باب: {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}. وقال المنذري (4/ 86)، والهيثمي (10/ 259): "ورجاله ثقات ". وهو في "موارد الظمآن " (2565) - والسياق له-، ومخرج في المجلد السادس من "الصحيحة" برقم (2559). وإني لأستغرب جدا كيف فات على أولئك العلماء من الفريقين إيراده احتجاجاً ودفعاً؟! وبخاصة الحافظ ابن حجر العسقلاني، لنعلم رأيه في شهادة الملائكة أمام ربهم: أنهم خيرة خلقه، وما أظن أنه يجد له تأويلاً إلا التسليم لدلالته! ونحوه حديث الترجمة، فما تعرض أحد منهم لذكره، ولعل ذلك لأنهم يرون أيضاً أنه خاص بالناس دون الملائكة؛ كما تقدم بيانه في طليعة هذا التخريج، وهو الذي استظهره الإمام الآلوسي في تفسيره "روح المعاني " (3/ 264)! والله ولي التوفيق. وأما حديث: "علي خير البرية"؛ فمن موضوعات الشيعة، وقد روي من حديث أبي سعيد الخدري، وهو مخرج في "الضعيفة " (5593)، ومن حديث جابر بن جابر برقم (4925)، وذكره الآلوسي من حديث أبي هريرة عند ابن أبي حاتم، وحديث عائشة وعلي وابن عباس عند ابن مردويه، ولم أقف على أسانيدها. ومن الظاهر أنها من عمل الشيعة أو غيرهم من الضعفاء والكذابين،

[1311] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن يقول بأن أهل البيت أفضل من الأنبياء والرسل

ولذلك عقب الآلوسي عليها بقوله: "وإن دون إثبات صحة تلك الأخبار خرط القتاد. والله تعالى أعلم ". ولا بد من التنبيه أنه وقع فيه حديث أبي هريرة: "مرفوعاً "، وأنا أظن أنه محرف: "موقوفاً"؛ فإن من المعروف أن مرجع المتأخرين في تخريج أحاديث التفسيرإنما هو "الدر المنثور"على الغالب، والحديث فيه (6/ 379) غيرمرفوع!. "الصحيحة" (7/ 2/1035 - 1039). [1311] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن يقول بأن أهل البيت أفضل من الأنبياء والرسل [سئل الشيخ عن فتوته الخاصة بالخميني، فأجاب:] الفتوى خلاصتها: أنه وقفنا على عبارات للخميني أنه يقول: كذا وكذا، أربع خمس عبارات، فهذه العبارات هي الكفر بعينه، وكل من يقول بهذا الكلام فهو كافر أو يكفر، وشرحنا هنا في الأسباب المقتضية لهذا الحكم، وبلا شك أنه نفس الكلمات عندما يقرأها مسلم مهما كانت ثقافته الإسلامية ضحلة فهو لا يشك في أن هذا الكلام كفر. من ذلك مثلاً أنه يقول في بعض كتبه: بأن أئمة أهل البيت هم من المنزلة عند الله تبارك وتعالى فوق منزلة الملائكة والرسل والأنبياء، ومن ذلك أنه يقول: أن مصحف فاطمة أظن مذكور هذا في الأشياء .. مصحف فاطمة هو المصحف الكامل، أما المصحف المتداول اليوم بين الأئمة فهو جزء من ذاك المصحف، وهذا كفر لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9) وهكذا أربع خمس عبارات نقلت من كتبه .. كتب الخميني نفسه، هذه الأشياء خطيرة جداً

وكتابه الذي أصدره: «فوائد الثورة الإيرانية» هذه وهي: الكتاب المعروف: «بالحكومة الإسلامية»، لا أدري رأيتم هذا الكتيب الصغير؟ مداخلة: لا. الشيخ: لم تروه،، في هذا الكتيب الصغير الذي سماه: الثورة الإسلامية أو: الحكومة الإسلامية مع أن هذا الكتاب هو كتاب دعاية، والمفروض عند كل الناس المسلمين والكافرين أن أي كتاب سياسي لا يحسن بالكاتب أن ينشر في هذا الكتاب العقائد التي يعلم أن الخصوم سوف ينكرونها ويبادرون إلى عدم الاستجابة لمضمون الكتاب بصورة عامة، ومع أن الشيعة يوجد عندهم عقيدة يساعدهم أوسع ما تكون المساعدة في سلوك هذا السبيل السياسي وهو: كتمان عقائدهم عن الناس؛ لأنه يوجد لديهم شيء يسمى: بالتقية، لا بد أنك سمعت عن التقية، فالأمر عندهم في موضوع التقية خطير جداً بحيث أنه لا يمكن لإنسان يعرف أن عندهم التقية أن يركن إليهم؛ لأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وهذا دين عندهم، فهو إذا قال لك عن شيء وهو يعلم أنه كاذب لا يستوحش من هذا الكلام إطلاقاً؛ لأن هكذا دينه الذي منه التقية يأمره بذلك. فمع كون عندهم هذه التقية التي تسوغ لهم أن يقولوا ما شاؤوا، وعلى العكس أكثر من ذلك أن يكتموا عن الناس عقائدهم، لكن الله عز وجل لحكمته البالغة ألهم هذا الرجل الخميني في كتيبه المشار إليه آنفاً: الحكومة الإسلامية أن يبيح عن بعض العقائد مع أنه كتاب دعوة وسياسة، منها: ما ذكرته آنفاً من تعظيمه لأهل البيت أكثر من الملائكة والأنبياء والرسل. ومن ذلك وهذه كفرية أخرى، وهي: أنهم يعني: أهل البيت يعلمون كل

حركة تقع في الكون ما من ذرة تقع في الكون إلا وهم على علم بها، مع أن أهل البيت ماتوا وصاروا تراباً مهما كان شأنهم، فجعلوهم شركاء في العلم مع الله عز وجل، يعني: أشياء غريبة جداً، فربنا تبارك وتعالى ليقيم الحجة على من قد يغتر بدعايتهم يعني: سَخَّرَ هذا الإنسان أن يضع في هذا الكتيب الذي هو كتاب دعاية العقيدتين الوافدتين، واحدة منها تكفي لتحذير الناس من الاغترار بما سموه بالثورة الإسلامية. ومع الأسف يعني: لما قامت هذه الثورة اغتر بها بعض الشخصيات الإسلامية ويمكن ذهبوا إليهم، فمنهم من رجع وقد تبين له الحق، ومنهم من لا يزال إلى الآن يدعو إلى دعوتهم ... "الهدى والنور" (137/ 00:05:18)

جماع أبواب ذكر تسمية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والكلام على والديه وذكر بعض ما يجوز عليه والكلام على بعض شمائله وخصوصياته وبيان بعض ما ثبت له وما لم يثبت

جماع أبواب ذكر تسمية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والكلام على والديه وذكر بعض ما يجوز عليه والكلام على بعض شمائله وخصوصياته وبيان بعض ما ثبت له وما لم يثبت

[1312] باب ما هو أصل تسمية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بمحمد

[1312] باب ما هو أصل تسمية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بمحمد السائل: بالنسبة لتسمية رسول الله عليه الصلاة والسلام محمد هل جاء من رؤيا أم من وحي، وكيف نوافق بين هذا والذي قبله? الشيخ: إيش التوافق? ما هو التعارض حتى نوفق? مداخلة: نعم، أول شيء خلينا نعرف لأنه إذا تم الثاني نوفق ما تم [ما حاجه للتوفيق]؛ أنه هل أتى اسم محمد عليه السلام من رؤيا أمه قالت: أُسميه محمد? الشيخ: خرافة .. خرافة. مداخلة: خرافة? الشيخ: نعم. مداخلة: ما جاء هذا الكلام. الشيخ: لا. مداخلة: وتسميته عن طريق ماذا وحي؟ الشيخ: الله أعلم. مداخلة: الله أعلم. الشيخ: وحي ما في عند ولادة الرسول، لكن في إلهام. مداخلة: في إلهام. الشيخ: نعم.

[1313] باب والدي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في النار

مداخلة: والإلهام يجوز أن يكون لوالدته يعني. الشيخ: طبعاً لوالدته لوالده لعمه لجده أياً كان، ويومئذ لما ولد عليه السلام أبوه كان ميتاً. مداخلة: نعم. الشيخ: نعم ووالدته ماتت متى? بعد كم? مداخلة: ست سنوات. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب ممكن يكون هذا إلهام لها أو لأحد أقاربه يعني مثل جده كما قلنا أو عمه أو ما شابه ذلك، والقضية ليست مهمة كثير, كيف سمي؛ لأن الذي حفظه من أن يَعْبُدَ غير ربه هو الذي ألهم ذويه أن يختاروا له هذا الاسم الطيب. "الهدى والنور" (664/ 42: 36: 00) [1313] باب والدي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في النار [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أبي وأباك في النار» [قال لإمام]: والحديث أخرجه الجورقاني في " الأباطيل والمناكير " (1/ 235) من طريق أخرى عن داود بن أبي هند في جملة أحاديث أخرى تدل كلها - كهذا - على أن من مات في الجاهلية مشركاً فهو في النار، وليس من أهل الفترة كما يظن

كثير من الناس، وبخاصة الشيعة منهم، ومن تأثر بهم من السنة! ومن تلك الأحاديث، ما رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار. فلما قفى دعاه، فقال: فذكر حديث الترجمة حرفا بحرف. أخرجه مسلم (1/ 132 - 133) وأبو عوانة (1/ 99) وأبو داود (4718) والجوزقاني (1/ 233) وصححه، وأحمد (3/ 268) وأبو يعلى (6/ 229/3516) وابن حبان (578 - الإحسان) والبيهقي (7/ 190) من طرق عن حماد بن سلمة به. ومنها سعد بن أبي وقاص المتقدم في المجلد الأول برقم (18) بلفظ: " حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار ". فراجع سببه هناك، فإنه بمعنى حديث الترجمة لمن تأمله. وإن مما يتصل بهذا الموضوع قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما زار قبر أمه: " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي .. " الحديث رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 187 - 188) من حديث أبي هريرة وبريدة، فليراجعهما من شاء. والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرنا خير كبير وبركة. واعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس اليوم وقبل اليوم لا استعداد عندهم لقبول هذه الأحاديث الصحيحة، وتبني ما فيها من الحكم بالكفر على والدي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل إن فيهم من يظن أنه من الدعاة إلى الإسلام ليستنكر أشد الاستنكار التعرض لذكر هذه الأحاديث ودلالتها الصريحة! وفي اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصب منهم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي قالها إن صدقوا بها.

وهذا - كما هو ظاهر - كفر بواح، أو على الأقل: على الأئمة الذين رووها وصححوها، وهذا فسق أو كفر صراح، لأنه يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم، لأنه لا طريق لهم إلى معرفته والإيمان به، إلا من طريق نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - كما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه، فإذا لم يصدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم وأذواقهم وأهوائهم - والناس في ذلك مختلفون أشد الاختلاف - كان في ذلك فتح باب عظيم جدا لرد الأحاديث الصحيحة، وهذا أمر مشاهد اليوم من كثير من الكتاب الذين ابتلي المسلمون بكتاباتهم كالغزالي والهويدي وبليق وابن عبد المنان وأمثالهم ممن لا ميزان عندهم لتصحيح الأحاديث وتضعيفها إلا أهواؤهم! واعلم أيها المسلم - المشفق على دينه أن يهدم بأقلام بعض المنتسبين إليه - أن هذه الأحاديث ونحوها مما فيه الإخبار بكفر أشخاص أو إيمانهم، إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها وتلقيها بالقبول، لقوله تعالى: {ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب} (البقرة: 1 - 3) وقوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ... } (الأحزاب: 36)، فالإعراض عنها وعدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لا ثالث لهما - وأحلاهما مر -: إما تكذيب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإما تكذيب رواتها الثقات كما تقدم. وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين ينكرون هذه الأحاديث أو يتأولونها تأويلا باطلا كما فعل السيوطي - عفا الله عنا وعنه - في بعض رسائله، إنما يحملهم على ذلك غلوهم في تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وحبهم إياه، فينكرون أن يكون أبواه - صلى الله عليه وآله وسلم - كما أخبر هو نفسه عنهما، فكأنهم أشفق عليهما منه - صلى الله عليه وآله وسلم -!! وقد لا يتورع بعضهم أن يركن في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الذي فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحيا الله له أمه، وفي رواية: أبويه، وهو حديث موضوع

باطل عند أهل العلم كالدارقطني والجورقاني، وابن عساكر والذهبي والعسقلاني، وغيرهم كما هو مبين في موضعه، وراجع له إن شئت كتاب " الأباطيل والمناكير " للجورقاني بتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي (1/ 222 - 229) وقال ابن الجوزي في " الموضوعات " (1/ 284): " هذا حديث موضوع بلا شك، والذي وضعه قليل الفهم، عديم العلم، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافراً لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة، لا بل لو آمن عند المعاينة، ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى: {فيمت وهو كافر}، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في (الصحيح): «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي» ولقد أحسن القول في هؤلاء بعبارة ناصعة وجيزة الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله في تعليقه على " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للإمام الشوكاني، فقال (ص 322): " كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس، فيتخطى الحجة ويحاربها، ومن وفق علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية. والله المستعان ". قلت: وممن جمحت به المحبة السيوطي عفا الله عنه، فإنه مال إلى تصحيح حديث الإحياء الباطل عند كبار العلماء كما تقدم، وحاول في كتابه " اللآلىء " (1/ 265 - 268) التوفيق بينه وبين حديث الاستئذان وما في معناه، بأنه منسوخ، وهو يعلم من علم الأصول أن النسخ لا يقع في الأخبار وإنما في الأحكام! وذلك أنه لا يعقل أن يخبر الصادق المصدوق عن شخص أنه في النار ثم ينسخ ذلك بقوله: إنه في الجنة! كما هو ظاهر معروف لدى العلماء. ومن جموحه في ذلك أنه أعرض عن ذكر حديث مسلم عن أنس المطابق لحديث الترجمة إعراضاً مطلقاً، ولم يشر إليه أدنى إشارة، بل إنه قد اشتط به القلم

[1314] باب نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - خليل رب العالمين، والتنبيه على أنه لم يثبت حديث في أنه حبيب الله

وغلا، فحكم عليه بالضعف متعلقاً بكلام بعضهم في رواية حماد بن سلمة! وهو يعلم أنه من أئمة المسلمين وثقاتهم، وأن روايته عن ثابت صحيحة، بل قال ابن المديني وأحمد وغيرهما: أثبت أصحاب ثابت حماد، ثم سليمان، ثم حماد بن زيد، وهي صحاح. وتضعيفه المذكور كنت قرأته قديماً جداً في رسالة له في حديث الإحياء - طبع الهند - ولا تطولها يدي الآن لأنقل كلامه، وأتتبع عواره، فليراجعها من شاء التثبت. ولقد كان من آثار تضعيفه إياه أنني لاحظت أنه أعرض عن ذكره أيضا في شيء من كتبه الجامعة لكل ما هب ودب، مثل " الجامع الصغير " و" زيادته " و" الجامع الكبير "! ولذلك خلا منه " كنز العمال " والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وتأمل الفرق بينه وبين الحافظ البيهقي الذي قدم الإيمان والتصديق على العاطفة والهوى، فإنه لما ذكر حديث: «خرجت من نكاح غير سفاح "، قال عقبه:» وأبواه كانا مشركين، بدليل ما أخبرنا .. "، ثم ساق حديث أنس هذا وحديث أبي هريرة المتقدم في زيارة قبر أمه - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الصحيحة" (6/ 1/177 - 182). [1314] باب نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - خليل رب العالمين، والتنبيه على أنه لم يثبت حديث في أنه حبيب الله [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية على نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -: وحبيب رب العالمين]: قلت: بل هو خليل رب العالمين فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل

[1315] باب ثبوت سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - والرد على من أنكر ذلك

ولذلك قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً» ولذلك لم يثبت في حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - حبيب الله. "التعليق على متن الطحاوية" (ص21) [1315] باب ثبوت سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - والرد على من أنكر ذلك عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ - قَالَتْ - حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ جَاءَنِي رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ. فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ أَوِ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي مَا وَجَعُ الرَّجُلِ قَالَ مَطْبُوبٌ. قَالَ مَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ في أَيِّ شَيْءٍ قَالَ في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ. قَالَ وَجُبِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ. قَالَ فَأَيْنَ هُوَ قَالَ في بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ». قَالَتْ فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - في أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ». قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أَحْرَقْتَهُ قَالَ: «لاَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ». [قال الإمام:] اعلم أن هذا الحديث صحيح الإسناد بلا ريب ... ولقد أخطأ السيد رشيد رضا رحمه الله ومن قلده في تضعيفه لهذا الحديثـ، وأثاروا حوله شبهات عقلية هي في الحقيقة {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء} , وليس في الحديث سوى أنه

[1316] باب منه

مرض - صلى الله عليه وسلم - وأنه يرى أنه يأتي النساء وما يأتيهن. والله سبحانه الذي حفظه من أن يخطئ في التشريع - وهو كبشر يمكن أن يخطئ, ولكن الله عصمه - فكذلك الله حفظه وهو بشر قد سحر, ومن شأن البشر أن يسحر, فأي شيء في هذا السحر الذي أصابه - صلى الله عليه وسلم - , وقد أصاب مثله موسى عليه السلام بنص القرآن {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} فهل مس ذلك من مقام موسى عليه السلام كلا ثم كلا. وكذلك الشأن في الحديث. فتأمل منصفًا. "مختصر صحيح "مختصر مسلم" (ص365، 376) [1316] باب منه عن عائشة قالت: سحر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه ثم قال: «أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته، جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: في ماذا؟ قال: في مشط ومشاطة وَجُبِّ طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان، فذهب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في أناس من أصحابه إلى البئر فقال: هذه البئر التي أريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رءوس الشياطين فاستخرجه». متفق عليه [قال الإمام معلقاً على قول عائشة: حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء]: كناية عن الجماع, ففي رواية البخاري "حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن" والحديث صحيح لا شك فيه, فإن له شواهد صحيحة في "المسند" وغيره, ولا متمسَّك فيه للطاعنين في عصمته - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا لأشباههم ممن يردون

الحديث الصحيح لأدنى شبهة ترد عليهم من أمثال أولئك الطاعنين, فإن الحديث يدور حول أمر دنيوي محض لا علاقة له بالتشريع, فأي ضير على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يُسحر سحراً يؤدي به إلى حالة من المرض والوجع؛ يرى ويظن أنه أتى النساء ولم يأتهن؟ هذا كل ما في الحديث ليس إلا, وتوسيع الأمر بطريق القياس والإلحاق كما يفعل بعض الطاعنين في الحديث بقولهم: إذا ظن ذلك الأمر فيمكن أن يظن مثله في الشرع, كأن يظن أن آية نزلت عليه ولم تنزل {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} فالجواب أن الذي عصمه من نسيان الآيات التي نزلت عليه أن يبلغها إلى الناس مع العلم أن النسيان من طبيعة البشر, فهو الذي يعصمه من أن يتلو عليهم ما ليس قرآناً متوهماً أنه من القرآن! فهذا مثل هذا ولا فرق، نسأل الله السلامة في ديننا وعقولنا. وهذه كلمة وجيزة أردت بها التذكير وإلا فالموضوع طويل الذيل. [ثم قال -رحمه الله-]: ومع اتفاق الشيخين على تصحيح الحديث وتلقي العلماء المحققين له بالقبول، فقد طعن فيه بعض المبتدعة قديماً وتبعهم على ذلك بعض المتأخرين، والحديث صحيح لا شك فيه، وقد حاول السيد رشيد رضا أن يُعِلَّهُ بأنه من رواية هشام بن عروة، وهو مع كونه ثقة حجة فلم يتفرد به، بل تابعه جماعة من آل عروة كما في صحيح البخاري، ثم إن للحديث شواهد من رواية زيد بن أرقم وابن عباس وغيرهما، فراجع "فتح الباري"، (10/ 192 - 193) فلا تغتر بكلام من ينكره ممن يدعي الانتصار للسنة من المعاصرين الذين هم أبعد ما يكونون عن العلم الصحيح بها، وتخيله - صلى الله عليه وآله وسلم - المذكور فيه لا يطعن في عصمته المقطوع

[1317] باب منه

بثبوتها، لأنه ليس في أمور الدين والتبليغ، وليت شعري ما الفرق بين نسيانه - صلى الله عليه وآله وسلم - الثابت بالكتاب {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ} وبالسنة في أحاديث كثيرة وبين التخيل المذكور، فكما أننا قد أمنا وقوع النسيان فيما أمر بتبليغه بالعصمة فكذلك قد أمنا وقوع التخيل في التبليغ بالعصمة ولا فرق، فتنبه. " تحقيق مشكاة المصابيح" (3/ 1651 - 1652). [1317] باب منه " كان رجل [من اليهود] يدخل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، [وكان يأمنه]، فعقد له عقداً، فوضعه في بئر رجل من الأنصار، [فاشتكى لذلك أياماً، (وفي حديث عائشة: ستة أشهر)]، فأتاه ملكان يعودانه، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: فلان الذي [كان] يدخل عليه عقد له عقداً، فألقاه في بئر فلان الأنصاري، فلو أرسل [إليه] رجلا، وأخذ [منه] العقد لوجد الماء قد اصفر. [فأتاه جبريل فنزل عليه بـ (المعوذتين)، وقال: إن رجلا من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، قال:] فبعث رجلا (وفي طريق أخرى: فبعث عليا رضي الله عنه) [فوجد الماء قد اصفر] فأخذ العقد [فجاء بها]، [فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية]، فحلها، [فجعل يقرأ ويحل]، [فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة] فبرأ، (وفي الطريق الأخرى: فقام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كأنما نشط من عقال)، وكان الرجل بعد ذلك يدخل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يذكر له شيئاً منه، ولم يعاتبه [قط حتى مات] ". [ترجم له الإمام بقوله]:سحر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ونزول المعوذتين. [ثم قال]:

[1318] باب إمكانية رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته وصفة ذلك

من المفيد أن نذكر أن بعض المبتدعة قديماً وحديثاً قد أنكروا هذا الحديث الصحيح، بشبهات هي أوهى من بيت العنكبوت، وقد رد عليهم العلماء في شروحهم، فليرجع إليها من شاء. "الصحيحة" (6/ 1/615 - 616، 619). [1318] باب إمكانية رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته وصفة ذلك [عن ابن مسعود رضي الله عنه قال]: «كان [أي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -] لا يخيل على من رآه». [قال الإمام وقد ذكر شواهد للحديث]: (فائدة): في هذه الأحاديث أنه من الممكن أن يرى الرائي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته، ولو لم يكن معاصراً له، لكن بشرط أن يراه على صورته التي كان عليها - صلى الله عليه وآله وسلم - في برهة من حياته، وإلى هذا ذهب جماعة من العلماء كما في " فتح الباري " (12/ 384)، وهو قول ابن عباس في رواية يزيد الفارسي وكليب والد عاصم، وكذا البراء كما تقدم، وعلقه البخاري عن محمد بن سيرين إمام المعبرين، وقد وصله القاضي بسنده الصحيح عن أيوب قال: " كان ابن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره "، وبه قال العلامة ابن رشد، فقال كما في " الاعتصام " للإمام الشاطبي (1/ 355): " وليس معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من رآني فقد رآني حقّاً» " أن كل من رأى في منامه أنه رآه، فقد رآه حقيقة، بدليل أن الرائي قد يراه مرات على صور مختلفة، ويراه الرائي على صفة، وغيره على صفة أخرى، ولا يجوز أن تختلف

صور النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا صفاته، وإنما معنى الحديث: من رآني على صورتي التي خلقت عليها فقد رآني، إذ لا يتمثل الشيطان بي، إذ لم يقل - صلى الله عليه وآله وسلم -: من رأى أنه رآني فقد رآني، وإنما قال: " من رآني فقد رآني "، وأنى لهذا الرائي الذي رأى أنه رآه على صورته الحقيقية أنه رآه عليها، وإن ظن أنه رآه ما لم يعلم أن تلك الصورة صورته بعينها، وهذا ما لا طريق لأحد إلى معرفته ". قال الحافظ: " ومنهم من ضيق الفرض في ذلك، فقال: لابد أن يراه على صورته التي قبض عليها، حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة. والصواب التعميم في جميع حاله بشرط أن تكون صورته الحقيقة في وقت ما، سواء كان في شبابه أو رجولته أو كهولته، أو آخر عمره .. ". وقال الشيخ علي القارىء في " شرح الشمائل " (2/ 293): " وقيل إنه مختص بأهل زمانه - صلى الله عليه وآله وسلم -، أي من رآني في المنام يوفقه الله تعالى لرؤيتي في اليقظة. ولا يخفى بعد هذا المعنى، مع عدم ملاءمته لعموم (من) في المبنى، على أنه يحتاج إلى قيود، منها: أنه لم يره قبل ذلك، ومنها أن الصحابي غير داخل في العموم .. ". قلت: ولا أعلم لهذا التخصيص مستنداً إلا أن يكون حديث أبي هريرة عند البخاري (6993) مرفوعا بلفظ: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي». فقد ذكر العيني في " شرح البخاري " (24/ 140) أن المراد أهل عصره - صلى الله عليه وآله وسلم -، أي من رآه في المنام وفقه الله للهجرة إليه والتشرف بلقائه - صلى الله عليه وآله وسلم - .. ". ولكنني في شك من ثبوت قوله: «فسيراني في اليقظة»، وذلك أن الرواة اختلفوا في ضبط هذه الجملة: «فسيراني في اليقظة»، فرواه هكذا البخاري كما ذكرنا، وزاد مسلم (7/ 54): " أو فكأنما رآني في اليقظة ". هكذا على الشك، قال الحافظ (12/ 383): " ووقع عند الإسماعيلي في

[1319] باب شرح حديث من رآني في المنام فقد رآني

الطريق المذكورة: " فقد رآني في اليقظة "، بدل قوله: " فسيراني ". ومثله في حديث ابن مسعود عند ابن ماجه، وصححه الترمذي وأبو عوانة. ووقع عند ابن ماجه من حديث أبي جحيفة: " فكأنما رآني في اليقظة ". فهذه ثلاثة ألفاظ:" فسيراني في اليقظة "، " فكأنما رآني في اليقظة "، (انظر ما تقدم برقم 1004). " فقد رآني في اليقظة "، وجل أحاديث الباب كالثالثة إلا قوله في (اليقظة) "، وكلها في تأكيد صدق الرؤيا، فاللفظ الثاني أقرب إلى الصحة من حيث المعنى، فهو فيه كحديث ابن عباس وأنس المتقدم: " فقد رآني "، وآكد منه حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: " فقد رآني الحق ". أخرجه البخاري (6997) وأحمد (3/ 55) وهو لابن حبان (6019 و6020) عن أبي هريرة. "الصحيحة" (6/ 1/513، 517 - 520). [1319] باب شرح حديث من رآني في المنام فقد رآني السائل: الحمد لله رب العالمين, حديث «من رآني فقد رآني حقّاً فإن الشيطان لا يتمثل بي» [لو] تُحَدثنا فضيلتنا عن فقه هذا الحديث جزاكم الله خيرًا. الشيخ: [هذا] حديث صحيح أخرجه الشيخان في صحيحيهما وله ألفاظ كثيرة متقاربة تؤدي إلى هذا المعنى أي: إن الله تبارك وتعالى حفظ نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يتشبه به الشيطان لبني الإنسان حتى في المنام، وهذه غاية محافظة الله عز وجل لعصمة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وما ذلك إلا لمحافظته على شريعته تبارك وتعالى حتى لا يؤتى المسلم في نومه من الشيطان «من رآني في المنام فقد رآني حقًّا» لمَ؟ علل ذلك عليه السلام بقوله: «فإن الشيطان لا يتمثل بي» وفي لفظ آخر «لا يتزيى بي»

ويُخبر بعض الناس ممن يرون أو يظنون بالأحرى أو الأصح أن نقول: يظنون أنهم رأو النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام لمجرد أنه خيل إليهم أنهم رأوه في المنام فإذا ما سئلوا عن أوصافه - صلى الله عليه وآله وسلم - وشمائله حيث ادعوا أنهم رأوه أجابوا بصفات تخالف المعروف عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - من شمائله, لقد وقع لنا [هذا] كثيرًا مع بعض الرائين فكنا نسألهم؛ بعضهم يقول: رأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ووجهه ولحيته بيضاء كلها نور، يتوهم أنه يصف حقيقة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وما درى أن هذا الوصف باطل إلى ما وصف به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يدريه ويعلمه من كان على علم واسع بشمائل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإننا نقرأ في صحيح البخاري وغيره عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما شانه الله ببيضاء (¬1) , فإذن كيف يصف المرئي في منامه بأن له لحية بيضاء، وإن كان يضيف إلى ذلك بأنها من نور والرسول عليه السلام لا يجوز أن يوصف بأنه كان شائبًا لأنه كذب عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويمكن أن هذا كذب يدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: «من كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار» وفي لفظ آخر: «من قال علي ما لم أقل فليتبوء مقعده من النار» وهذا الحديث وإن كان ظاهره التقول عليه بالكلام على كلامه عليه الصلاة والسلام، فلا شك أنه يشمل أيضًا أن ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الشمائل والأوصاف ما لم يكن عليها فمن ذلك وصفه عليه السلام بأنه كان شائبا أبيض اللحية لكثرة الشيب في لحيته فهذا كذب لما ذكرته آنفًا من حديث أنس، وفي رواية أخرى عنه أن الشعرات البيضاء لا يتجاوز عددها عشرين شعرة ... فهذا الرائي الذي يقول: رأيته ذا لحية بيضاء إلى آخر كلامه يدل على أنه لم ير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ذلك لأنه يقول عليه الصلاة والسلام: «من رآني في المنام فقد رآني حقًّا» من رآني: يعني بأوصافي وبشمائلي مش بالخيال لا يطابق ما كنت ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم6225) ولم أجده بهذا اللفظ في البخاري.

عليه في حياتي، لذلك كان إمام المؤولين للرؤى وهو تابعي جليل محمد ابن سيرين رحمه الله الراوي عن أبي هريرة المكثر من الرواية عن أبي هريرة رضي الله عنه، كان مشهورًا بإصابته في تأويل الرؤى، كان إذا جاءه شخص وادعى بأنه رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام سأله كيف رأيته؟ فيصفه بصفات لم يكن عليه السلام متصفًا بها في حياته فيقول: لم تر الرسول لكن ذاك شيطان خيل إليك أنه الرسول والرسول يقول: «من رآني» أي على حقيقتي, وهذا يذكرنا بحديث آخر وله علاقة بمسألة أخرى هامة وهي هل تكون الدعوة دعوة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد بلغت ناسًا أو قومًا إذا ما بلغتهم محرفة عن حقيقة الدعوة الإسلامية هل تكون بلغتهم والحالة هذه الدعوة وأقيمت عليهم الحجة؟ أم يكونون ممن يسميهم العلماء بأهل الفترة وينطبق عليهم قول ربنا عز وجل في القرآن: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}؟ الجواب بحديث يشبه هذا الحديث من جانب؛ ذاك الحديث هو: ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (¬1) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي - هنا الشاهد - يسمع بي - كما قال: «من رآني» ما من رجل في هذه الأمة - أي أمة الدعوة -من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» فقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: «يسمع بي» يعني على حقيقته وعلى حقيقة ما جاء به من الدعوة إلى الإسلام فإذا كان ذلك الرجل من يهودي أو نصراني لم يسمع به عليه السلام على حقيقته فلم تبلغه الدعوة؛ لأنها بلغته محرفة، فإذا آمن بهذه ¬

(¬1) رقم (403).

الدعوة المحرفة لم يؤمن به عليه السلام، وعلى ذلك نفهم حقيقتين مؤسفتين: الحقيقة الأولى: أن النصارى بخاصة في بلاد الغرب وأمريكا حينما يقوم المبشرون الذين يسمون على غير اسمهم مبشرون وهم في ضلال مبين، حينما يصفون نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - لأقوامهم بأوصاف مخالفة لما كان عليه الرسول عليه السلام من طُهر وكمال في الأخلاق كما قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» فحينما يصف المبشرون نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - لقومهم بهذه الأوصاف ثم كانت النتيجة أنهم لم يؤمنوا به عليه السلام، فما بلغتهم الدعوة؛ لأنهم وصفوه لهم بأنه كان ذا شهوة عارمة، والدليل أن المسلمين يقولون بأنه عليه السلام حرم على أمته من النساء أكثر من أربع بينما هو تزوج وجمع في وقت واحد بين تسع من النساء, فهم - أعني المبشرين الكذابين المفترين - يقولون: فأباح النبي لنفسه لغلبة الشهوة عليه ما حرم على أمته, فحينما يسمع النصارى مثل هذه الأوصاف الكاذبة تكون النتيجة أنهم لا يؤمنون لأنهم قد وُصف لهم الرسول على غير حقيقته هذه المسألة الأولى المؤسفة. والمسألة الأخرى على العكس من هذا ولكنها أيضا مؤسفة, هناك طائفة من المسلمين ينتمون إلى الإسلام يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلون ويحجون ويزكون ويصومون ولكنهم يعتقدون عقائد باطلة تخالف الشريعة الإسلامية في كثير من عقائدها المعلومة من الدين بالضرورة أولئك هم المعروفون عند عامة المسلمين بالقاديانيين والذين يسمون أنفسهم بالأحمديين, لهم عقائد ضالة منحرفة عن الإسلام منها اعتقادهم بأن باب النبوة بعده عليه السلام لم يغلق وأنه مفتوح إلى قيام الساعة، وأنه قد جاء واحد منهم وهو الذي اتبعوه واغتروا به وابتعدوا بسبب ذلك عن الإسلام بعيدًا بعيدًا جدًّا وهو المعروف

بميرزا غلام أحمد القادياني، هؤلاء يدعون إلى الإسلام في تلك البلاد الأوروبية بنشاط عجيب مع الأسف واستطاعوا أن يدخلوا في إسلامهم كثير من أولئك الأوروبيين فاعتقدوا ما اعتقدوه من جواز مجيء أنبياء بعد الرسول عليه السلام ومنهم ميرزا غلام أحمد فهل هؤلاء الذين أسلموا إسلامًا قاديانيًّا سمعوا به عليه السلام على حقيقته وحقيقة دعوته، وهل ينفعهم هذا الإسلام أم لا ينفعهم؟ , الجواب في الحديث السابق «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» فمن سمع بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على غير ما كان عليه من أخلاق ومن شريعة فهو لم يسمع به وحينذاك لا يكون من المعذبين الكافرين في النار لأن الحجة لم تقم عليه وعلى العكس من ذلك أولئك الذين آمنوا به عليه السلام على أنه يقول بأن النبوة بعده سائغة ماشية وإلى غير ذلك من عقائد القاديانية، ولستُ الآن بصدد ذكر كثير منها وإنما ذكرتُ هذا على سبيل التمثيل, فقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الأول: «من رآني في المنام» أي: من رآني على حقيقتي البدنية وشمائلي المحمدية فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، وبذلك نعلم أن كثيرًا من الرؤى التي يدعي أصحابها فيها أنهم رأوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وإذا ما سئلوا عن وصف المرئي كان جوابهم أنهم رأوه في صورة لم يكن عليه السلام عليها، كما ضربنا لكم آنفا مثلاً بالرجل الشايب والذي لحيته نور هكذا رأى الرسول فهذه رؤيا شيطانية, كذلك مثلاً: وقع لنا [هذا] أننا سألنا: كيف رأيت الرسول؟ فيجيب بأني رأيته يمشي (الهوينة) يمشي بضعف وهذا خلاف شمائله عليه الصلاة والسلام حيث جاء فيها أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا مشى فكأنما ينصب من صبب كناية على أنه عليه السلام يمشي بقوة فمن رأى أنه يمشي على ضعف فليس هو الرسول عليه السلام وهكذا يجب أن نفهم هذا الحديث ... "فتاوى جدة -الأثر-" (17/ 00:26:48)

[1320] باب كيف تثبت خصوصياته - صلى الله عليه وآله وسلم -

[1320] باب كيف تثبت خصوصياته - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال الإمام]: خصوصياته عليه السلام إنما تثبت بالنص الصحيح، فلا تثبت بالنص الضعيف ولا بالقياس والأهواء، والناس في هذه المسألة على طرفي نقيض، فمنهم من ينكر كثيراً من خصوصياته الثابتة بالأسانيد الصحيحة، إما لأنها غير متواترة بزعمه، وإما لأنها غير معقولة لديه! ومنهم من يثبت له عليه السلام ما لم يَثْبُتْ مثل قولهم: إنه أول المخلوقات، وإنه لا ظل له في الأرض وإنه إذا سار في الرمل لا تؤثر قدمه فيه، بينما إذا داس على الصخر علم عليه، وغير ذلك من الأباطيل. والقول الوسط في ذلك أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بشر بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة، فلا يجوز أن يعطى له من الصفات والخصوصيات إلا ما صح به النص في الكتاب والسنة، فإذا ثبت ذلك وجب التسليم له، ولم يجز رده بفلسفة خاصة علمية أو عقلية، زعموا، ومن المؤسف، أنه قد انتشر في العصر الحاضر انتشاراً مخيفاً رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترد من بعض الناس، حتى ليكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من البشر الذين ليسوا معصومين، فهم يأخذون منها ما شاؤوا، ويدعون ما شاؤوا، ومن أولئك طائفة ينتمون إلى العلم، وبعضهم يتولى مناصب شرعية كبيرة! فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله تعالى أن يحفظنا من شر الفريقين المبطلين والغالين. "الصحيحة" (1/ 1/296).

[1321] باب عصمته - صلى الله عليه وآله وسلم - من الناس

[1321] باب عصمته - صلى الله عليه وآله وسلم - من الناس [عن عائشة رضي الله عنها قالت]: " كان يُحْرَسُ [أي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: حتى نزلت هذه الآية: {والله يعصمك من الناس}، فأخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رأسه من القبة، فقال لهم: يا أيها الناس! انصرفوا فقد عصمني الله ". [ترجم له الإمام بما ترجمناه به] "الصحيحة" (5/ 644). [1322] باب كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يكتب عن أبي راشد الحبراني: أتيت عبد الله بن عمرو، فقلت له: حدثنا بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فألقى إلي صحيفة، فقال: هذا ما كتب لي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فنظرت فيها فإذا فيها: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله! علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت. فقال: «يا أبا بكر! قل: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءاً، أو أجره إلى مسلم». [قال الإمام]: (صحيح) [ثم علق على قوله في الحديث:"هذا ما كتب لي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " قائلاً]: أي أمر بالكتابة، فإنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يكتب، كما هو ثابت في "صحيح

[1323] باب الرد على من زعم أن الشعر لم يجر على لسان نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - قط

المؤلِّف [أي صحيح البخاري] "، ولعل المقصود أن المأمور بكتابة الصحيفة إنما هو ابن عمرو رضي الله عنهما، فإنه كان يكتب كما في "الصحيح " أيضاً، والله أعلم. "صحيح الأدب المفرد" (ص336). [1323] باب الرد على من زعم أن الشعر لم يجر على لسان نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - قط عن عكرمة: سألت عائشة رضي الله عنها: هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يتمثل شعراً قط؟ فقالت: أحياناً إذا دخل بيته يقول: "ويأتيك بالأخبار من لم تزود" (صحيح). [قال الإمام]: قوله: " ويأتيك بالأخبار من لم تزود" عجز بيت لطرفة بن العبد من معلقته المشهورة في "ديوانه" (96)، و"شرح القصائد المشهورات" لابن النحاس (1/ 94) وصدره: "ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً"؛ والمشهور في كتب الأدب أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتمثل بقول طرفة: "ويأتيك من لم تزود بالأخبار"؛ لأن الشعر لم يجر قط على لسانه! هكذا زعموا، والحديث مما يرد عليهم. "صحيح الأدب المفرد" (ص213). [1324] باب منه عن شريح قال: قلت لعائشة رضي الله عنه: أكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يتمثل بشيء من الشعر؟ فقالت: كان يتمثل بشيء من شعر عبد الله بن رواحة: " ويأتيك

بالأخبار من لم تزود" (صحيح). [قال الإمام]: لا منافاة بينه وبين آية {وما علمناه الشعر} ... ونحوها؛ لأنه لم يكن قصداً منه - صلى الله عليه وسلم - إلى الشعر، ونظماً منه له، وإنما كان تمثلاً به، وهذا مما يجوز في حقه - صلى الله عليه وآله وسلم - على الصحيح كما قال الحافظ (10/ 241) واحتج بهذا الحديث. فما جاء في بعض كتب الأدب أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كسر هذا البيت فقال: " ويأتيك من لم تزود بالأخبار" بدعوى أن الشعر لم يجر على لسانه! مما لا أصل له، مع مخالفته لهذا الحديث الصحيح وغيره فتنبه. "صحيح الأدب المفرد" (ص232).

جماع أبواب أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعجزاته

جماع أبواب أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعجزاته

[1325] باب من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - حادثة الراهب بحيرا والرد على من أنكرها

[1325] باب من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - حادثة الراهب بحيرا والرد على من أنكرها [قال الإمام تحت عنوان]: حادثة الراهب المسمّى "بحيرا" حقيقة لا خرافة (¬1): قرأت في الأجزاء (37 - 40) شوال سنة 1378 - من هذه المجلة الكريمة [أي مجلة التمدن] بحثاً من كتاب " المنتقى في تاريخ القرآن " للأستاذ عبد الرؤوف المصري تحت عنوان "خرافة الراهب بحيرا" جاء فيه: "لم يثبت بالسند الصحيح عن الصحابة ولا عن التابعين حادثة بحيرا الراهب (نسطورس)، ولم يثبت بالصحيحين (كذا) بأن بحيرا قابل رسول الله حتى في صغره مع عمه أبي طالب في سفره إلى الشام، ولم يشر - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى تلك الحادثة لا تصريحاً ولا تلميحاً في جميع أحاديثه وأدوار حياته، بل كانت حادثة بحيرا غفلة من بعض كتاب السيرة دسها داس لتعظيم شأن النبي في صغره ونقلها أصحاب السير من غير تمحيص " ثم قال:" .... واعتمدوا على أمشاج من الروايات لا سند لها ... ". هذا لب ما جاء في البحث المذكور ويتلخص منه أن الحادثة لم تثبت في الصحيحين ولا في غيرهما عن أحد من الصحابة والتابعين بالسند الصحيح، وإن كل ما هنالك إنما هو أمشاج من الروايات التي لا سند لها. ¬

(¬1) "مجلة التمدن الإسلامي" (25/ 167/- 175)، بواسطة "مقالات الألباني".

سند الحادثة: كيف لا تصح هذه الحادثة وقد رواها من الصحابة أبو موسى الأشعري، ومن التابعين الأجلاء أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله تعالى، ورد ذلك عنهما بإسنادين صحيحين، وهاك البيان: أما رواية أبي موسى الأشعري فأخرجها الترمذي في "سننه" (4/ 496) وأبو نعيم في "دلائل النبوة " (1/ 53) والحاكم في " المستدرك " (2/ 615 - 616) وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/ 187 - 188/ 1) بأسانيد متعددة عن قراد أبي نوح: أنبأ يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يتلفت، قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرّ ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاماً فلما أتاهم به، وكان هو في رعية الإبل، قال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجد القوم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه. الحديث بطوله. وحسنه الترمذي وإسناده جيد وقد صححه الحاكم والجزري وقواه العسقلاني والسيوطي وقد بينت صحته على طريقة أهل الحديث قريباً في "مجلة المسلمون " العدد الثامن من سنة 1379 (ص 393 - 397) فليرجع إليه من شاء زيادة في التثبت. وأما رواية أبي مجلز فأخرجها ابن سعد في " الطبقات الكبرى " قال:

(1/ 120): أخبرنا خالد بن خداش: أخبرنا معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز أن عبد المطلب أو أبا طالب - شك خالد - قال: " لما مات عبد الله عطف على محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال: فكان لا يسافر سفراً إلا كان معه فيه، وإنه توجه نحو الشام فنزل منزله فأتاه فيه راهب، فقال: إن فيكم رجلاً صالحاً، فقال: إن فينا من يقرى الضيف ويفك الأسير ويفعل المعروف، أو نحواً من هذا، ثم قال: إن فيكم رجلاً صالحاً، ثم قال: أين أبو هذا الغلام؟ قال: ها أنا ذا وليه، أو قيل: هذا وليه، قال: احتفظ بهذا الغلام ولا تذهب به إلى الشام، إن اليهودَ حُسَّدٌ، وإني أخشاهم عليه، قال: ما أنت تقول ذاك ولكن الله يقول، فرده، قال: اللهم إني أستودعك محمداً، ثم إنه مات. وهذا إسناد مرسل صحيح، فإن أبا مجلز واسمه لاحق بن حميد تابعي، ثقة، جليل، احتج به الشيخان في صحيحيهما، وبقية أصحاب الكتب الستة، وأخذ الحديث عن جماعة من الصحابة منهم: عمران بن حصين، وأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأنس، وجندب بن عبد الله، وغيرهم، ومن بينه وبين ابن سعيد كلهم عدول ثقات، احتج بهم مسلم في صحيحه. وإذا تبين هذا يسقط بداهة قول الأستاذ في خاتمة البحث: "إن خرافة بحيرا ابتدعت في القرن الثاني والثالث الهجري، ولم يروها الثقات" فقد رواها الثقات من قبل القرن الذي زعم أن الحادثة ابتدعت فيه! شبهات حول الحادثة وجوابها: بعد أن أثبتنا صحة الحادثة بالحجة العلمية، لا بد لنا من الإجابة عن الشبهات التي حملت الأستاذ المصري على الطعن في الحادثة واعتبارها من الخرافات التي راجت على أسلافنا جميعاً من كُِتاب السيرة! حتى يأخذ البحث مداه

العلمي فأقول: الشبهة الأولى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشر إلى تلك الحادثة لا تصريحاً ولا تلويحاً. الجواب: إنها شبهة يغني حكايتها عن ردها، إذ كل من عنده ذرة من علم بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرة غيره من العظماء يعلم أن أكثر هذه السيرة وردت عن أصحابهم متحدثين بما يعلمونه عنهم، فهل طعن أحد في شيء من ذلك بعد ثبوت الرواية بها، لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، لم يشر إلى ذلك أصلاً؟! الشبهة الثانية: قول الأستاذ: "إن بحيرا الراهب كان في القرن الرابع للمسيح، وادعاء مقابلة بحيرا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - كان في أواخر القرن السادس مع أن بحيرا وجد في القرن الرابع وحادثته التاريخية مشهورة بقصها تاريخ الكنيسة نفسه ... " وجوابنا عن هذه الشبهة من وجوه: الأول: إن الراهب في تلك الحادثة لم يسم مطلقاً في الرواية الصحيحة التي قدمتها وبذلك تسقط الشبهة من أساسها. الثاني: إن تسمية الراهب بـ (بحيرا) إنما جاء في بعض الروايات الواهية، في إحداها الواقدي وهو كذاب، وفي الأخرى محمد بن إسحاق صاحب السيرة رواها بدون إسناد، وهاتان الروايتان هما عمدة كل المؤرخين الذي سموه بهذا الاسم، فلا يجوز اعتبارهما ورد الرواية الصحيحة بهما كما هو ظاهر، على أن بعض مؤرخينا كالمسعودي وغيره ذكر أن اسمه جرجيس، فلا إشكال أصلاً. الثالث: إن هذه الشبهة إنما تقوم على ادعاء الأستاذ أن الراهب بحيرا كان في القرن الرابع من الميلاد، وهي دعوى عارية عن الصحة إذ ليس لديه حجة علمية يستطيع بها إثباتها، وكل ما عنده من الحجة تاريخ الكنيسة! فيا لله العجب كيف

يثق الأستاذ بهذا التاريخ هذه الثقة البالغة إلى درجة أنه يعارض به تاريخ المسلمين، وهو يعلم أن تاريخهم - مهما كان، في بعض حوادثه نظر من الوجهة الحديثية خاصة - أصح وأنقى بكثير من تاريخ الكنيسة الذي تعجز الكنيسة نفسها عن إثبات صحة كتابها المقدس الذي هو أصل دينها، فكيف تستطيع أن تثبت تاريخها الذي هو بحق "أمشاج من الروايات التي لا سند لها " كما قاله الأستاذ نفسه لكن في تاريخ المسلمين لا تاريخ الكنيسة!! الرابع: إنني رجعت إلى دائرة المعارف الإسلامية تأليف جماعة من المستشرقين، وإلى دائرة المعارف للبستاني، وإلى "المنجد"، فلم أجدهم ذكروا ما عزاه الأستاذ المصري إلى تاريخ الكنيسة، بل ظاهر كلامهم أنهم لا يعرفون عنه شيئاً مما يتعلق بتاريخ حياته في أرض العرب، إلا مما جاء في مصادرنا الإسلامية، وخاصة ما يتعلق منه بقصة اتصاله بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حسبما تقدم تخريجه، وإن كانوا يعتبرونها "من الأساطير التي أحاطت بسيرة النبي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - " حسبما تقدم تخريجه، كفراً منهم واستكباراً أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مبشراً به في الكتب السماوية السابقة، ومعروفاً عند المؤمنين بها، ولذلك علق الأستاذ الفاضل المحقق أحمد محمد شاكر على هذه الكلمة الواردة في "دائرة المعارف الإسلامية " بقوله: "ليست هذه القصص بالأساطير، بل كثير منها ثابت بأسانيد صحيحة، وعلم أهل الكتاب بالبشارة بمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - في كتبهم ثابت عند المسلمين بنص القرآن الصريح، وليسوا في حاجة إلى افتعال أساطير يؤيدون بها ما أثبته الوحي المنزل من عند الله، وهو ثابت أيضاً عند المسلمين فيما قرءوه من كتب أهل الكتاب مما بقى في أيديهم من الصحيح من أقوال أنبيائهم المنقولة في كتبهم ".

الخامس: لنفترض أن ما عزاه الأستاذ إلى تاريخ الكنيسة صحيح ثابت، وهو أن بحيرا الراهب كان في القرن الرابع من الميلاد، فذلك لا ينفي أن يأتي شخص آخر على شاكلته في الترهب سمي باسمه منذ ولادته على عادة النصارى وغيرهم من التسمي بأسماء الصالحين عندهم، أو لقب به بعد، لظهور شبه فيه به، هذا كله جائز ليس في العقل السليم ما ينفيه، وإذا الأمر كذلك، فبإمكان الأستاذ أن يعتقد وجود شخصين في زمنين متباينين باسم واحد (بحيرا) وبذلك يستطيع أن يوفق بين ثقته بالتاريخ الكنسي، وثقته بالتاريخ الإسلامي ولا يقع في هذه المغالطة التي كتبها بقلمه: "فكيف التقى الزمان القرن الرابع والقرن السادس، والتقى المكانان ... "!! تلك وجوه خمسة في الجواب عن الشبهة الثانية أقواها عندنا الوجه الأول، وسائرها إنما هي بالنظر لترجيح التاريخ الإسلامي على التاريخ الكنسي، ولا حاجة بنا إليها بعد الوجه الأول، وإنما ذكرتها لبيان ما يرد على الأستاذ مما قد يكون غافلاً عنه. الشبهة الثالثة: قول الأستاذ ما خلاصته: "إن الغرض من ذكر خرافة بحيرا الراهب، إنما هو كرد على المبشرين والمستشرقين الذين يدعون بأن هذا الدين الإسلامي من بحيرا الراهب، وكان يتردد على مكة يُعَلِّم محمداً تعاليمه". وأقول: لا شك أن الأستاذ المصري يشكر على قصده المذكور ولكن خفي عليه أن الرد على المبشرين لا يكون برد الحقائق التاريخية، وإنكار ثبوتها، بحجة أن الكفار يستغلونها للطعن في الإسلام أو في نبيه عليه الصلاة والسلام، بل المنهج العلمي الصحيح يوحي بالاعتراف بالحادثة الثابتة، ثم الجواب عن استغلال المبشرين لها جواباً علمياً صحيحاً، ومن المؤسف جداً أن هذه الطريقة

التي جرى عليها حضرة الأستاذ في الرد على المبشرين والمستشرقين، قد أخذ بها كثير من الكتاب المسلمين في العصر الحاضر، لا سيما الذين لا علم عندهم بأدلة الكتاب والسنة، فهؤلاء كلما رأوا مبشراً (¬1) يورد شبهة على نص إسلامي، أو يستغله للطعن في الدين، بادروا إلى التشكيك في صحته إن كان حديثاً أو سيرة، وإلى تأويل معناه إن كان لا سبيل إلى إنكاره من أصله كالقرآن، وهذا الأسلوب مع ما فيه من عدم الاعتداد بنصوص الشريعة المعصومة ومعانيها، فإنه في الوقت نفسه يدل على أن هؤلاء الكتاب قد وثقوا بعلم أولئك الكفار وفهمهم وإخلاصهم ثقة عمياء! مع أن الذي يدقق فيما كتبوه ويكتبونه من البحوث حول الشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي يتجلى له بوضوح لا وضوح بعده - إلا قليلاً منهم - لا إنصاف عندهم ولا علم، وأنهم كل غرضهم من ذلك تشويه حقائق الإسلام الناصعة وإبعاد المسلمين عنه، وليس يتسع هذا المقال لضرب الأمثلة على ما نقول، ولكن حسبنا منها هذه الحادثة التي أثبتنا صحتها، فقد علمت مما سبق كيف أن جماعة من أولئك المستشرقين اعتبروها من الخرافات والأساطير، وكيف أن الأستاذ المصري انزلق معهم في ذلك مع ما فيها من الآيات البينات على التبشير بنبوته - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولذلك أنكرها أولئك الكفار، وأما أخونا المصري فإنما أنكرها متأثراً بوحي خفي من بعض المستشرقين الآخرين الذين زعموا أن الحادثة تدل أن الدين الإسلامي مستقى من بحيرا الراهب، وأنه كان يتردد إلى مكة يعلم محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - تعاليمه! كما نقله الأستاذ المصري عنهم، وهم بهذا الزعم يرمون إلى أحد شيئين إما إثباته في قلوب ضعفاء العلم والإيمان منا، وإما حمل من كان قوي الإيمان منا ¬

(¬1) قلت: الصواب تسميته «منصراً» فأخبارهم وأعمالهم وأبعد ما يكون عن البشارة والخير. (العباسي). [منه].

على رد الحادثة في سبيل رد هذا الزعم الباطل، وهذا مع الأسف قد حصلوا عليه من بعضهم. ومن الغرائب حقاً أن هذا الزعم الذي هو موضوع الردّ مع أنه باطل في نفسه ولا صلة له بالحادثة مطلقاً، لأن التقاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مرة واحدة وفي ساعة أو ساعات محدودة مع الراهب في الشام شيء، وتردد الراهب إلى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي مكة شيء آخر، وهذا التردّدُ لو وَرَدَ شيءٌ، والالتقاء شيءٌ أخرُ، ومع أن هذا الزعم لم يَخْفَ بطلانُهُ على الأستاذ المصري كما صرح به في بحثه مع ذلك كله فإنه رد الحادثة وحكم ببطلانها! وهذا تناقض عجيب، فإنه إذا كان الأستاذ جازماً ببطلان الزعم المذكور، فلماذا رد الحادثة بعلة الرد على المبشرين الأفاكين، مع أن الرد حصل عليهم كما رأيت بدون رد الحادثة، بل ألا يكفي في الرد عليهم قول الله عز وجل في الرد على سلفهم من أمثالهم من المشركين الأفاكين الذين ادعوا مثل هذا الزعم في حياته؟! فقال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ، إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، إِنَّمَا يَفْتَرِي الكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الكَاذِبُونَ}. ما وراء إنكار الحادثة: إنَّ أخشى ما أخشاه أن يكون الأستاذ المصري من أولئك الذين لا يصدقون بمعجزات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غير القرآن طبعاً - هذه المعجزات التي تجاوزت المئات، وثبت قسم كبير منها بالطرق المتواترات التي لا يسع العالم بها أن ينكرها، والذي يحملني على إبداء هذه الخشية أن الأستاذ نقل فصلاً من كلام الدكتور هيكل جاء فيه: " ولقد كان - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يرضى أن تنسب إليه معجزة غير القرآن ويصارح أصحابه

بذلك " وأقره الأستاذ عليه، وأتي عليه بمثال فقال عقبه: "مثل شق الصدر وغيره". ونحن نعلم أن حادثة شق الصدر صحيحة ثابتة في صحيح مسلم وغيره، فإذا كان الأستاذ ينكر ذلك تقليداً منه للدكتور هيكل في القول المذكور، فمعنى ذلك أن الأستاذ ينكر المعجزات كلها مهما كانت أسانيدها صحيحة وكثيرة، وحينئذ فإنكاره لحادثة التقائه - صلى الله عليه وآله وسلم - بالراهب ليس الباعث عليه الرد على المبشرين لأن الرد حصل بدون ذلك كما عرفت، وإنما هو ما قام في نفس الأستاذ من إنكار المعجزات، وبما أن هذه الحادثة تتضمن أكثر من معجزة واحدة كتظليل الغمامة له - صلى الله عليه وآله وسلم - وميل فيء الشمس عليه فلذلك أنكرها الأستاذ. وإذا كان استنتاجنا هذا صحيحاً، فالكلام حينئذ يأخذ مع الأستاذ مجالاً آخر وهو طريقة إثبات المعجزات كحوادث وقعت أو لم تقع وما هو السبيل إلى معرفة ذلك، فهذا لا مجال للبحث فيه الآن، ولعل الأستاذ لا يحوجنا إلى الولوج فيه، وذلك بتصريحه بتخطئتنا في استنتاجنا المذكور. ولكن لا بد لي من الإشارة إلى بطلان ما عزاه الدكتور هيكل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كان لا يرضى أن تنسب إليه معجزة غير القرآن، فإن هذا مما لا أصل له عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل هو من المعاني المخترعة التي أحدثها الدكتور وأمثاله من منكري المعجزات وألصقوها ببعض الآيات القرآنية زاعمين أنها المراد بها، ليضربوا بها المعجزات الثابتة بحجة أنها مخالفة لنص القرآن!! ومجال القول في ذلك واسع جداً فأكتفي بالإشارة إليه وأجتزيء بدليل واحد يؤيد البطلان المذكور. وهو أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يحدث أحياناً أصحابه ببعض معجزاته عملاً بقول الله

تبارك وتعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} فكان - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «إني لأعرف حجراً كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن» رواه مسلم وغيره. فإذا كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يحدث أصحابه بمعجزاته ثم يرويها منسوبة إلى أصحابه من بعده، فكيف يصح أن يقال: إنه كان لا يرضى أن تنسب إليه معجزة؟! وإني قبل أن أنهي هذا البحث لا بد من أن ألفت نظر القارئ إلي أمر هام، وهو أنني حين قرأت بحث الأستاذ وما نقله عن ابن خلدون ومحمد عبده والسيد رشيد رضا والدكتور هيكل من وجوب التدقيق في روايات الحديث والسيرة إذ ليس كل ما فيها صحيحاً، تساءلت في نفسي: ترى هل دقق هؤلاء في هذه الحادثة فتبين لهم أنها خرافة كما ادعى الأستاذ المصري؟ فرجعت إلى اثنين منهم من المعاصرين وهما الدكتور هيكل في كتابه " حياة محمد" والسيد رشيد رضا في رسالته "خلاصة السيرة النبوية " فإذا بالأول يذكر هذه الحادثة (112 - 113) كما يذكرها كل المؤرخين، وكذلك فعل الثاني (ص14 - 15) دون أن يذكر أو يشير أدنى إشارة إلى ضعفها فضلاً عن وضعها! والحقيقة أن أحداً لم يصرح - فيما علمت - بأن حادثة بحيرا الراهب خرافة قبل الأستاذ المصري، والحمد لله لست من " أهل الطرق ولا المتطفلين من بعض من يلبسون العمائم " وقد استندنا فيما أوردنا إلى طرق العلم الصحيح، ولكن الأستاذ اتبع فيما أنكر ظنوناً وأوهاماً أدّت به - ولو مع حسن النية - إلى إنكار حقيقة تاريخية لا شك فيها هي حادثة بحيرا الراهب، فعسى أن الأستاذ المصري يعيد النظر فيما كان كتب فيها على ضوء الحجج التي أوردنا حتى نلتقي في صعيد واحد في ميدان العلم والحق. محمد ناصر الدين الألباني دمشق -22/ 3/1379 هـ "مقالات الألباني" (ص 118 - 127)

[1326] باب من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - تظليل الغمام له وميل فيء الشجرة عليه والرد على من أنكر ذلك

[1326] باب من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - تظليل الغمام له ومَيل فيء الشجرة عليه والرد على من أنكر ذلك [قال الإمام تحت عنوان]: حديث تظليل الغمام له أصل أصيل (¬1) قرأت في العدد السادس من المجلد السادس من مجلة "المسلمون" الغراء كلمة الأستاذ الطنطاوي بعنوان "صناعة المشيخة" فَسرَّني ما فيها من الصراحة والشجاعة في محاربة الباطل الذي انطلى أمره على كثير من الناس فبارك الله فيه وزاده توفيقاً. بيد أنني استنكرت قوله في التعليق: "وما يقوله القوالون من أنه (المظلل بالغمام) لا أصل له ". ذلك لأن حديث تظليل الغمام للنبي عليه الصلاة والسلام ثابت في غير ما كتاب من كتب السنة، فكيف يصح أن يقال فيه: "لا أصل له "؟ نعم لو قال: " لا يصح سنده " لكان أقرب إلى الصواب، وأبعد عن الغلو في الخطاب، وإنما قلت: " أقرب " لأن الصواب أن الحديث صحيح، وإن ضعَّفه بعضهم، لأنه لم يأت عليه بحجة مقنعة وإليكم البيان: أخرج الترمذي (4/ 296 بشرح التحفة) وأبو نعيم في (دلائل النبوة 1/ 53) والحاكم (2/ 615 - 616) وابن عساكر في (التاريخ 1/ 187/1 - 188/ 1) عن قراد أبي نوح، أنبأ يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه، ¬

(¬1) "مجلة المسلمون" (6/ 793 - 797)، بواسطة "مقالات الألباني".

قال: خرج أبو طالب إلي الشام وخرج معه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب ... قلت: فذكر القصة وفيها «فأقبل - صلى الله عليه وآله وسلم - وعليه غمامة تظله، قال: انظروا إليه غمامة تظله! فلما دنا على القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، قال انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه» الحديث بطوله، وفي آخره «وبعث معه أبو بكر بلالاً» قلت: فهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح: أما أبو بكر بن أبي موسى فثقة بلا خلاف واحتج به الشيخان. وأما يونس بن أبي إسحاق فاحتج به مسلم، وفيه كلام لا يسقط حديثه عن رتبة الاحتجاج به, وقد قال الذهبي فيه: "صدوق ما فيه بأس ". وأما قراد، واسمه عبد الرحمن، فثقة أيضاً احتج به البخاري. قلت: فتبين أن الإسناد صحيح من الوجهة الحديثية، وقد تناقضت فيه آراء العلماء ما بين مفرط ومفرِّط، فهذا الحاكم يقول فيه: "صحيح على شرط الشيخين"! وقال الجزري: «إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح أو أحدهما». وفي الجانب الآخر قول الذهبي في تعقيبه على الحاكم: " قلت: أظنه موضوعاً، فبعضه باطل ". فهذا الغلو من القول لا ينفق في ميدان العلم والبحث الحر، فأين الدليل على وضعه بطوله، ومن المعلوم أن الوضع إنما يحكم به إما من جهة السند، وذا منفي هنا لما علمت من ثقة رجاله، وإما من جهة متنه، وهذا مفقود أيضاً إذ غاية ما يمكن أن ينكر منه ما ذكره الذهبي في ترجمة قراد أبي نوح من " الميزان " فقال: " أنكر ما له حديثه عن يونس بن أبي إسحاق ... ومما يدل على أنه باطل

قوله: " وبعث معه أبو بكر بلالاً" وبلال لم يكن بعد خلق، وأبو بكر كان صبياً ". وقال في "تاريخ الإسلام " (1/ 39): "تفرد به قراد، واسمه عبد الرحمن بن غزوان، ثقة احتج به البخاري والنيسابوري (¬1)، ورواه الناس عن قراد وحسنه الترمذي، وهو حديث منكر جداً، وأين كان أبو بكر؟! كان ابن عشر سنين فإنه أصغر من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بسنتين ونصف، وأين كان بلال في هذا الوقت، فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث ولم يكن ولد بعد". وذكر نحو هذا وأبسط منه ابن القيم في فصل له في هذا الحديث مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق (عام- 5485/ 100 - 103). قلت: وهذا النقد للمتن لو سلم به لم يقتض الحكم على الحديث كله بالوضع، ذلك لأن رواته ثقات كما عرفت، وحينئذ إنما يجوز أن يردَّ من حديث الثقة ما ثبت خطؤه ويبقى باقيه على الأصل وهو القبول، ويؤيده أن البزار لما روى هذا الحديث لم يسم "بلالاً" وإنما قال: "رجلاً" وعلى هذا يطيح الإشكال الذي اعتمد عليه الذهبي في إنكاره للحديث، ويدل على أن تسمية الرجل بلالاً سهو من بعض الرواة، وهذا لا بد من الاعتراف به، إذ الثقة قد يخطيء والجواد قد يكبو. وتوسط آخرون فحسنوا الحديث كالترمذي، فإنه قال: " حديث حسن غريب". ¬

(¬1) يعني الإمام مسلماً صاحب الصحيح فإنه من نيسابور، ولكن قرنه مع البخاري هنا وهم، فإن مسلماً لم يخرج له كما أفاده الذهبي نفسه في الميزان. [منه].

وهذا هو الحق عندي لما عرفت من سلامة إسناده من قادح، وما أشرنا إليه من الكلام في بعض رواته لا ينافي القول بحسنه لا سيما إذا علمنا مجيئه من طرق أخرى، فقد قال السيوطي في "الخصائص الكبرى" (1/ 84): "قال البيهقي: هذه القصة مشهورة عند أهل المغازي. قلت: ولها شواهد عدة سأوردها تقضي بصحتها، إلا أن الذهبي ضعف الحديث لقوله في آخره: "وبعث معه أبو بكر بلالاً" ... وقد قال ابن حجر في "الإصابة":الحديث رجاله ثقات, وليس فيه منكَر سوى هذه اللفظة، فتحمل على أنها مدرجة فيها مقتطعة من حديث آخر وهماً من أحد رواته". ثم ساق السيوطي الشواهد التي أشار إليها فليراجعها من شاء فإن الكلام عليها مما يطيل البحث، ولا مجال لذلك الآن. بقي علينا أن ندفع شبهة أخرى على هذه المعجزة وقد تعلق بها الذهبي أيضاً، فإنه قال عطفاً على قوله السابق في "التاريخ": "وأيضاً فإذا كان عليه غمامة تظله كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة لأن ظل الغمامة تقدم فَيْءَ الشجرة التي نزل تحته". فأقول: إنما يصح هذا الاستشكال لو كان في الحديث التصريح بأن الفيء مال مع بقاء الغمامة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وليس في الحديث شيء من هذا، فمن الجائز أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لما جلس عند الشجرة عليه ليظله بدل الغمامة، عليه فيكون قد ظهرت له - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذه القصة معجزتان الأولى تظليل الغمامة له، والأخرى ميل الفيء عليه، وهو - صلى الله عليه وآله وسلم - أهل لذلك ولما هو أكثر منه بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وآله وسلم -، نقول هذا وإن كنا لسنا والحمد لله من الذين ينسبون إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما هب ودب مما لم يصح من المعجزات،

[1327] باب من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - شق صدره وهو صغير

فإن فيما صح منها ما يكفي ويشفي والحمد لله. على أنه ينبغي أن لا ننسى أنه ليس في هذه القصة أن الغمامة كانت تظله دائماً أينما سار وأينما نزل، فإن هذا الباطل قطعاً، فهناك أحاديث كثيرة صحيحة تصرح بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يستظل بالشجرة والخيام وغيرها، وإنما وقعت هذه المعجزة في خروجه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الشام. وخلاصة القول: إن تظليل الغمامة له - صلى الله عليه وآله وسلم - له أصل في السنة، ولكن في ثبوته ما ألممت به من الخلاف، والراجح عندي الصحة لما سبق، فمن اقتنع بذلك فبها، وإلا فحسبه التوقف وترك الجزم بالضعف؛ وأما القول بأنه لا أصل له، فلا أصل له. محمد ناصر الدين الألباني دمشق -18 ذي القعدة 1378 هـ "مقالات الألباني" (ص 113 - 117). [1327] باب من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - شق صدره وهو صغير سؤال: هل صحيح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شق صدره وهو غلام صغير؟ الشيخ: صحيح. مداخلة: صحيح؟ الشيخ: نعم. مداخلة: وهو صغير؟ الشيخ: نعم. " الهدى والنور" (/241/ 42: 23: 00)

[1328] باب من أعلام النبوة التنبؤ بفتح فارس والروم

[1328] باب من أعلام النبوة التنبؤ بفتح فارس والروم [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها يبارك لكم فيها، ثم قال: خذوا فكلوا، فوالذي نفس محمد بيده ليفتحن عليكم أرض فارس والروم، حتى يكثر الطعام فلا يذكر اسم الله عليه». [قال الإمام]: والحديث علم من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقد فتح سلفنا أرض فارس والروم وورثنا ذلك منهم، وطغى الكثيرون منا فأعرضوا عن الشريعة وآدابها التي منها ابتداء الطعام بـ " بسم الله " فنسوا هذا حتى لا تكاد تجد فيهم ذاكراً! "الصحيحة" (1/ 2/749 - 750). [1329] باب من أعلام النبوة التنبؤ بفتح قسطنطينية عن أبى قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي وسئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتابا قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نكتب، إذ سئل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مدينة هرقل تفتح أولاً. يعني قسطنطينية». [وقال الإمام]: (رومية) هي روما كما في " معجم البلدان " وهي عاصمة إيطاليا اليوم. وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف،

[1330] باب من معجزاته - صلى الله عليه وآله وسلم - العلمية الغيبية: تنبئه بأن تبوك ستصير جنانا

وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولابد، ولتعلمن نبأه بعد حين. ولا شك أيضاً أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة. "الصحيحة" (1/ 1/33). [1330] باب من معجزاته - صلى الله عليه وآله وسلم - العلمية الغيبية: تنبئه بأن تبوك ستصير جناناً عن معاذ بن جبل: أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عام غزوة تبوك وكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء قال: فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً ثم قال: «إنكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك، فإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي» قال: فجئناها وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء فسألهما رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «هل مسستما من مائها شيئاً؟» فقالا: نعم، فسبهما، وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا من العين بأيديهم قليلاً حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه وجهه ويديه، ثم أعادها فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يوشك يا معاذ إن طالت بك الحياة أن ترى ما هاهنا قد مليء جنانا». [قال الإمام]: صحيح.

[1331] باب منه

[ثم علق قائلا]: هذا من معجزاته - صلى الله عليه وآله وسلم - العلمية الغيبية, فقد صارت تبوك جناناً, أو كادت, فصلى الله وسلم على محمد النبي الأمي. "صحيح موارد الظمآن" (1/ 264). [1331] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جناناً. يعني تبوك». [ترجمه الإمام بقوله: من أعلام النبوة]. "الصحيحة" (3/ 210). [1332] باب من أعلام النبوة التنبؤ بظهور السيارات وظهور الكاسيات العاريات [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمهن نساؤكم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم». [قال الإمام]: النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يشير بذلك إلى هذه المركوبة التي ابتكرت في هذا العصر، ألا

وهي السيارات، فإنها وثيرة وطيئة لينة كأشباه الرحال، ويؤيد ذلك أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - سماها (بيوتاً) في حديث آخر تقدم برقم (93)، لكن تبين فيما بعد أن فيه انقطاعاً. وإذن ففي الحديث معجزة علمية غيبية أخرى غير المتعلقة بالنساء الكاسيات العاريات، ألا وهي المتعلقة برجالهن الذين يركبون السيارات ينزلون على أبواب المساجد. ولعمر الله إنها لنبوءة صادقة نشاهدها كل يوم جمعة حينما تتجمع السيارات أمام المساجد حتى ليكاد الطريق على رحبه يضيق بها، ينزل منها رجال ليحضروا صلاة الجمعة، وجمهورهم لا يصلون الصلوات الخمس، أو على الأقل لا يصلونها في المساجد، فكأنهم قنعوا من الصلوات بصلاة الجمعة، ولذلك يتكاثرون يوم الجمعة وينزلون بسياراتهم أمام المساجد فلا تظهر ثمرة الصلاة عليهم، وفي معاملتهم لأزواجهم وبناتهم، فهم بحق "نساؤهم كاسيات عاريات"! وثمة ظاهرة أخرى ينطبق عليها الحديث تمام الانطباق، ألا وهي التي نراها في تشييع الجنائز على السيارات في الآونة الأخيرة من هذا العصر،. يركبها أقوام لا خلاق لهم من الموسرين المترفين التاركين للصلاة، حتى إذا وقفت السيارة التي تحمل الجنازة وأدخلت المسجد للصلاة عليها، مكث أولئك المترفون أمام المسجد في سياراتهم، وقد ينزل عنها بعضهم ينتظرون الجنازة ليتابعوا تشييعها إلى قبرها نفاقاً اجتماعياً ومداهنةً، وليس تعبداً وتذكراً للآخرة، والله المستعان. هذا هو الوجه في تأويل هذا الحديث عندي، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، والله تعالى هو المسؤول أن يغفر لي خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي. الصحيحة" (6/ 1/411، 415 - 416)

[1333] باب من أعلام النبوة التنبؤ بانتشار الزينة

[1333] باب من أعلام النبوة التنبؤ بانتشار الزينة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «كيف أنتم إذا مرج الدين [وسفك الدمَ وظهرت الزينة، وشرف البنيان]، وظهرت الرغبة، واختلفت الإخوان، وحرق البيت العتيق؟!». [قال الإمام]: وهي من معجزاته - صلى الله عليه وآله وسلم - العلمية، وبخاصة منها قوله: " وظهرت الزينة "، فقد انتشرت في الأبنية والألبسة والمحلات التجارية انتشاراً غريباً، حتى في قمصان الشباب ونعالهم، بل ونعال النساء! فصلى الله على الموصوف بقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}. و (الرغبة): قال ابن الأثير: " أي قلة العفة وكثرة السؤال ". "الصحيحة" (6/ 1/555 - 556). [1334] باب من أعلام النبوة التنبؤ برفع العلم الشرعي [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن من أشراط الساعة أن يفيض المال، ويكثر الجهل، وتظهر الفتن، وتفشو التجارة، [ويظهر العلم]». [قال الإمام]: في الحديث إشارة قوية إلى اهتمام الحكومات اليوم في أغلب البلاد بتعليم الناس القراءة والكتابة، والقضاء على الأمية حتى صارت الحكومات تتباهى بذلك، فتعلن أن نسبة الأمية قد قلت عندها حتى كادت أن تمحى! فالحديث علم من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم -، بأبي هو وأمي.

[1335] باب من أعلام النبوة التنبؤ بظهور التعصب لغير الكتاب والسنة

ولا يخالف ذلك - كما قد يتوهم البعض - ما صح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في غير ما حديث أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل لأن المقصود به العلم الشرعي الذي به يعرف الناس ربهم ويعبدونه حق عبادته، وليس بالكتابة ومحو الأمية كما يدل على ذلك المشاهدة اليوم، فإن كثيراً من الشعوب الإسلامية فضلاً عن غيرها، لم تستفد من تعلمها القراءة والكتابة على المناهج العصرية إلا الجهل والبعد عن الشريعة الإسلامية، إلا ما قل وندر، وذلك مما لا حكم له. وإن مما يدل على ما ذكرنا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا». رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمرو وصدقته عائشة، وهو مخرج في " الروض النضير " (رقم 579). "الصحيحة" (6/ 1/631، 635). [1335] باب من أعلام النبوة التنبؤ بظهور التعصب لغير الكتاب والسنة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من اقتراب (وفي رواية: أشراط) الساعة أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار، ويفتح القول، ويخزن العمل، ويقرأ بالقوم المثناة، ليس فيهم أحد ينكرها. قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب سوى كتاب الله عز وجل». (فائدة): هذا الحديث من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقد تحقق كل ما فيه من الأنباء، وبخاصة منها ما يتعلق بـ (المثناة) وهي كل ما كتب سوى كتاب الله كما فسره الراوي، وما

يتعلق به من الأحاديث النبوية والآثار السلفية، فكأن المقصود بـ (المثناة) الكتب المذهبية المفروضة على المقلدين، التي صرفتهم مع تطاول الزمن عن كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - كما هو مشاهد اليوم مع الأسف من جماهير المتمذهبين، وفيهم كثير من الدكاترة والمتخرجين من كليات الشريعة، فإنهم جميعا يتدينون بالتمذهب، ويوجبونه على الناس حتى العلماء منهم، فهذا كبيرهم أبو الحسن الكرخي الحنفي يقول كلمته المشهورة: " كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ ". فقد جعلوا المذهب أصلاً، والقرآن الكريم تبعاً، فذلك هو (المثناة) دون ما شك أو ريب. وأما ما جاء في " النهاية " عقب الحديث وفيه تفسير (المثناة): " وقيل: إن المثناة هي أخبار بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله، فهو (المثناة)، فكأن ابن عمرو كره الأخذ عن أهل الكتاب، وقد كان عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك منهم. فقال هذا لمعرفته بما فيها ". قلت: وهذا التفسير بعيد كل البعد عن ظاهر الحديث، وأن (المثناة) من علامات اقتراب الساعة، فلا علاقة لها بما فعل اليهود قبل بعثته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا جرم أن ابن الأثير أشار إلى تضعيف هذا التفسير بتصديره إياه بصيغة " قيل " وأشد ضعفاً منه ما ذكره عقبه:" قال الجوهري: (المثناة) هي التي تسمى بالفارسية (دوبيتي). وهو الغناء"! "الصحيحة" (6/ 2/774 - 776).

[1336] باب من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - تنبئه بوفاته بعد عام

[1336] باب من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - تنبئه بوفاته بعد عام [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يا معاذ! إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، [أ] ولعلك أن تمر بمسجدي [هذا أ] وقبري». [ترجم له الإمام بقوله: تنبؤه بوفاته بعد عام]. "الصحيحة" (5/ 665) [1337] باب من معجزاته - صلى الله عليه وآله وسلم - تنبئه بظهور السيارات عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «يكون في آخر أمتي رجال يركبون على سرج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كان وراءكم أمة من الأمم خدمهن نساؤكم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم». [قال الإمام]: حسن. [ثم علق قائلا:] الحديث معجزة علمية غيبية للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فإنه يشير إلى السيارات الفاخرة التي يركبها أشباه الرجال الذين يأتون عليها إلى المساجد مشيعين للجنازة, فإذا أدخلت المسجد للصلاة عليها؛ ظل أولئك في سياراتهم أو واقفين بجانبها بالانتظار. "صحيح موارد الظمآن" (2/ 47).

[1338] باب من أعلام النبوة التنبؤ بخروج الفتن من العراق

[1338] باب من أعلام النبوة التنبؤ بخروج الفتن من العراق [قال رسوله الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ألا إن الفتنة ههنا، ألا إن الفتنة ههنا [قالها مرتين أو ثلاثا]، من حيث يطلع قرن الشيطان، [يشير [بيده] إلى المشرق، وفي رواية: العراق]». [قال الإمام]: قلت: وطرق الحديث متضافرة على أن الجهة التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هي المشرق، وهي على التحديد العراق كما رأيت في بعض الروايات الصريحة، فالحديث علم من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن أول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة كبدعة التشيع والخروج ونحوها. وقد روى البخاري (7/ 77) وأحمد (2/ 85، 153) عن ابن أبي نعم قال: " شهدت ابن عمر وسأله رجل من أهل العراق عن محِرم قتل ذباباً فقال: يا أهل العراق! تسألوني عن محرم قتل ذباباً، وقد قتلتم ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «هما ريحانتي في الدنيا». وإن من تلك الفتن طعن الشيعة في كبار الصحابة رضي الله عنهم، كالسيدة عائشة الصديقة بنت الصديق التي نزلت براءتها من السماء ... "الصحيحة" (5/ 653 - 656). [1339] باب منه عن ابن عمر مرفوعًا: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في يَمَنِنَا»، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟، قَالَ: «هُنَالِكَ الزَّلازِل .. ». (صحيح).

[1340] باب من الطب النبوي والإعجاز العلمي: نهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الشرب من ثلمة القدح

[قال الإمام]: وقد تحقق ما أنبأ به عليه السلام فإن كثيراً من الفتن الكبرى كان مصدرها العراق، كالقتال بين سيدنا علي ومعاوية، وبين علي والخوارج، وبين علي وعائشة، وغيرها مما هو مذكور في كتب التاريخ. فالحديث من معجزاته - صلى الله عليه وآله وسلم - وأعلام نبوته. "تخريج أحاديث فضائل الشام" (ص 27). [1340] باب من الطب النبوي والإعجاز العلمي: نهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الشرب من ثلمة القدح عن أبي سعيد قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الشرب من ثلمة القدح ... [قال الإمام]:صحيح لغيره. [ثم علق على كلمة "ثلمة" قائلاً]: أي: موضع الكسر منه, وإنما نهى عنه لأنه لا يتماسك عليها فم الشارب, وربما انصب الماء على ثوبه وبدنه, وقيل: لأن موضعها لا يناله التنظيف التام إذا غسل الإناء. "النهاية". قلت: ويمكن أن يقال اليوم: لأنه مجمع الجراثيم والمكروبات, فهو من الطب النبوي, والإعجاز العلمي؛ فصلى الله على النبي الأمي. "صحيح موارد الظمآن" (2/ 15).

[1341] باب من الإعجاز النبوي الأمر بتغطية الإناء ..

[1341] باب من الإعجاز النبوي الأمر بتغطية الإناء .. [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء». [ترجم له الإمام بقوله: ما لم يعرفه الطب الحديث]. "الصحيحة" (1/ 1/93). [1342] باب من معجزاته - صلى الله عليه وآله وسلم - أن الجمادات تحبه وتحن إليه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي طلحة: «التمس لي غلاماً من غلمانكم يخدمني» فخرج أبو طلحة يردفني وراءه فكنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كلما نزل، قال: ثم أقبل حتى إذا بدا له أُحُد قال: «هذا جبل يحبنا ونحبه ... ». (صحيح). [قال الإمام]: قيل [في قوله يحبنا ونحبه] على حذف مضاف؛ أي يحبنا أهله ونحب أهله، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وأهله هم أهل المدينة، وقيل على حقيقته، وهو الصحيح عند أهل التحقيق؛ إذ لا يستبعد وضع المحبة في الجبال وفي الجذع اليابس، حتى إنه حن إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.والله أعلم. "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 516).

[1343] باب من أعلام النبوة التنصيص على أن في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر دواء

[1343] باب من أعلام النبوة التنصيص على أن في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر دواء [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه (كله) ثم لينتزعه، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء». [وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام فامقلوه، فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء». [قال الإمام]: كثيرا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء وهو أن الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم، فإذا وقع في الطعام أو في الشراب علقت به تلك الجراثيم، والحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك، بل هو يؤيدهم إذ يخبر أن في أحد جناحيه داء، ولكنه يزيد عليهم فيقول: " وفي الآخر شفاء " فهذا مما لم يحيطوا بعلمه، فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين، وإلا فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء! ذلك لأن العلم الصحيح يشهد أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه. نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة، وقد اختلفت آراء الأطباء حوله، وقرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة كل يؤيد ما ذهب إليه تأييداً أو رداً، ونحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث وأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - {ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى}، لا يهمنا كثيراً ثبوت الحديث

من وجهة نظر الطب؛ لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي ومع ذلك فإن النفس تزداد إيماناً حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح، ولذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث قال: " يقع الذباب على المواد القذرة المملوءة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض المختلفة، فينقل بعضها بأطرافه، ويأكل بعضاً، فيتكون في جسمه من ذلك مادة سامة يسميها علماء الطب بـ " مبعد البيكتريا "، وهي تقتل كثيرا من جراثيم الأمراض، ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم الإنسان في حال وجود مبعد البكتريا. وأن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب، هي أنه يحول البكتريا إلى ناحيته، وعلى هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم وأول واق منها هو مبعد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريباً من أحد جناحيه، فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه، وغمس الذباب كله وطرحه كاف لقتل الجراثيم التي كانت عالقة، وكاف في إبطال عملها ". وقد قرأت قديماً في هذه المجلة بحثاً ضافياً في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد السيوطي (مجلد العام الأول) وقرأت كلمة في مجلد العام الفائت (ص503) كلمة للطبيبين محمود كمال ومحمد عبد المنعم حسين نقلاً عن مجلة الأزهر. ثم وقفت على العدد (82) من " مجلة العربي " الكويتية ص 144 تحت عنوان: " أنت تسأل، ونحن نجيب " بقلم المدعو عبد الوارث كبير، جوابا له على سؤال عما لهذا الحديث من الصحة والضعف؟ فقال: " أما حديث الذباب، وما في

جناحيه من داء وشفاء، فحديث ضعيف، بل هو عقلا حديث مفترى، فمن المسلم به أن الذباب يحمل من الجراثيم والأقذار ... ولم يقل أحد قط أن في جناحي الذبابة داء وفي الآخر شفاء، إلا من وضع هذا الحديث أو افتراه، ولو صح ذلك لكشف عنه العلم الحديث الذي يقطع بمضار الذباب ويحض على مكافحته". وفي الكلام على اختصاره من الدس والجهل ما لابد من الكشف عنه دفاعاً عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وصيانة له أن يكفر به من قد يغتر بزخرف القول! فأقول: أولاً: لقد زعم أن الحديث ضعيف، يعني من الناحية العلمية الحديثية بدليل قوله: " بل هو عقلاً حديث مفترى ". وهذا الزعم واضح البطلان، تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكلها صحيحة. وحسبك دليلاً على ذلك أن أحداً من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء! ثانياً: لقد زعم أنه حديث مفترى عقلاً. وهذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه؛ لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلاً يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكن الإحاطة به، ألست تراه يقول: " ولم يقل أحد ... ، ولو صح لكشف عنه العلم الحديث ... ". فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيء علماً، أم أن أهله الذين لم يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم منا - يقولون: إننا كلما ازددنا علما بما في الكون وأسراره، ازددنا معرفة بجهلنا! وأن الأمر بحق كما قال الله تبارك وتعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}. وأما قوله: " إن العلم يقطع بمضار الذباب ويحض على مكافحته "!

فمغالطة مكشوفة، لأننا نقول: إن الحديث لم يقل نقيض هذا، وإنما تحدث عن قضية أخرى لم يكن العلم يعرف معالجتها، فإذا قال الحديث: " إذا وقع الذباب .. " فلا أحد يفهم، لا من العرب ولا من العجم، اللهم إلا العجم في عقولهم وإفهامهم أن الشرع يبارك في الذباب ولا يكافحه؟ ثالثاً: قد نقلنا لك فيما سبق ما أثبته الطب اليوم، من أن الذباب يحمل في جوفه ما سموه بـ " مبعد البكتريا " القاتل للجراثيم. وهذا وإن لم يكن موافقاً لما في الحديث على وجه التفصيل، فهو في الجملة موافق لما استنكره الكاتب المشار إليه وأمثاله من اجتماع الداء والدواء في الذباب، ولا يبعد أن يأتي يوم تنجلي فيه معجزة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في ثبوت التفاصيل المشار إليها علميا، {ولتعلمن نبأه، بعد حين}. وإن من عجيب أمر هذا الكاتب وتناقضه، أنه في الوقت الذي ذهب فيه إلى تضعيف هذا الحديث، ذهب إلى تصحيح حديث " طهور الإناء الذي يلغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات: إحداهن بالتراب " فقال: " حديث صحيح متفق عليه " فإنه إذا كانت صحته جاءت من اتفاق العلماء أو الشيخين على صحته، فالحديث الأول أيضا صحيح عند العلماء بدون خلاف بينهم، فكيف جاز له تضعيف هذا وتصحيح ذاك؟! ثم تأويله تأويلا باطلا يؤدي إلى أن الحديث غير صحيح عنده في معناه، لأنه ذكر أن المقصود من العدد مجرد الكثرة، وأن المقصود من التراب هو استعمال مادة مع الماء من شأنها إزالة ذلك الأثر! وهذا تأويل باطل، بين البطلان وإن كان عزاه للشيخ محمود شلتوت عفا الله عنه. فلا أدري أي خطأيه أعظم، أهو تضعيفه للحديث الأول وهو صحيح، أم

[1344] باب جملة من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم -

تأويله للحديث الآخر وهو تأويل باطل!. وبهذه المناسبة، فإني أنصح القراء الكرام بأن لا يثقوا بكل ما يكتب اليوم في بعض المجلات السائرة، أو الكتب الذائعة، من البحوث الإسلامية، وخصوصاً ما كان منها في علم الحديث، إلا إذا كانت بقلم من يوثق بدينه أولاً، ثم بعلمه واختصاصه فيه ثانيا، فقد غلب الغرور على كثير من كتاب العصر الحاضر، وخصوصاً من يحمل منهم لقب " الدكتور "!. فإنهم يكتبون فيما ليس من اختصاصهم، وما لا علم لهم به، وإني لأعرف واحداً من هؤلاء، أخرج حديثاً إلى الناس كتابا جله في الحديث والسيرة، وزعم فيه أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث والأخبار في كتب السنة والسيرة! ثم هو أورد فيه من الروايات والأحاديث ما تفرد به الضعفاء والمتروكون والمتهمون بالكذب من الرواة كالواقدي وغيره، بل أورد فيه حديث: «نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر»، وجزم بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ، كما نبه عليه حفاظ الحديث كالسخاوي وغيره، فاحذروا أيها القراء أمثال هؤلاء. والله المستعان. "الصحيحة" (1/ 1/94 - 101). [1344] باب جملة من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال] رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي

[1345] باب من أعلام النبوة

لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سُلِّط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم». (صحيح). [قال الإمام]: أليس هذا من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - الدالة على صدقه، وأنه وحي من ربه؟! بلى وربي. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 343). [1345] باب من أعلام النبوة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن بين يدي الساعة الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضا (حتى يقتل الرجل جاره ويقتل أخاه ويقتل عمه ويقتل ابن عمه) قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء». [ترجمه الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (4/ 248).

[1346] باب من خصوصياته - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه يسمع ما لا يسمع الناس ويرى ما لا يروه

[1346] باب من خصوصياته - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه يسمع ما لا يسمع الناس ويرى ما لا يروه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. قال زيد: ثم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذا بالله من عذاب القبر، قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال». [قال الإمام]: وفي هذه الأحاديث فوائد كثيرة [منها]: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يسمع ما لا يسمع الناس، وهذا من خصوصياته عليه الصلاة والسلام، كما أنه كان يرى جبريل ويكلمه والناس لا يرونه ولا يسمعون كلامه، فقد ثبت في البخاري وغيره أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال يوماً لعائشة رضي الله عنها: هذا جبريل يقرئك السلام، فقالت: وعليه السلام يا رسول الله، ترى ما لا نرى. "الصحيحة" (1/ 1/296،294). [1347] باب من خصائص نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - إبصاره مِن ورائه في الصلاة خاصةً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوماً ثم انصرف، فقال: «يا فلان ألا تحسن صلاتك؟

[1348] باب منه

ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي، فإنما يصلي لنفسه، إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي». (صحيح). [قال الإمام]: قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: معناه أن الله تعالى خلق له - صلى الله عليه وآله وسلم - إدراكاً في قفاه يُبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له - صلى الله عليه وآله وسلم - بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به، قال القاضي: قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وجمهور العلماء: إن هذا الرؤية رؤية بالعين حقيقية قلت: وهي خاصة به - صلى الله عليه وآله وسلم - في حالة الصلاة، ولا دليل على العموم، فتنبه. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 245). [1348] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري». [قال الإمام]: في الحديث ... معجزة ظاهرة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهي رؤيته - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْ ورائِه، ولكن ينبغي أن يعلم أنها خاصة في حالة كونه - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصلاة، إذ لم يرد في شيء من السنة، أنه كان يرى كذلك خارج الصلاة أيضا ً. والله أعلم. الصحيحة" (1/ 1/74،70).

[1349] باب منه

[1349] باب منه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الظهر وفي مؤخر الصفوف رجل فأساء الصلاة فلما سلم ناداه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يا فلان ألا تتقي الله؟ ألا ترى كيف تصلي؟ إنكم ترون أنه يخفى علي شيء مما تصنعون والله إني لأرى من خلفي كما أرى من بين يدي». [قال الإمام]: يعني في الصلاة بقرينة السباق, وذلك من خصوصياته ومعجزاته - صلى الله عليه وآله وسلم -. "تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 255). [1350] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «كان خطيئة داود عليه السلام النظر» (موضوع) [قال الإمام]: رواه الديلمي بسنده عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن الحسن عن سمرة قال: قدم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفد عبد القيس، وفيهم غلام ظاهر الوضاءة، فأجلسه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خلف ظهره وقال: فذكره. قال ابن الصلاح في " مشكل الوسيط ": لا أصل لهذا الحديث. وقال الزركشي في " تخريج أحاديث الشرح ": هذا حديث منكر، فيه ضعفاء، ومجاهيل، وانقطاع، قال: وقد استدل على بطلانه بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إني أراكم

من وراء ظهري»، كذا في " ذيل الأحاديث الموضوعة " للسيوطي (ص 122 - 123) و" تنزيه الشريعة " لابن عراق (308/ 1 - 2). قلت: والاستدلال المذكور فيه نظر، لأن رؤية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من خلفه إنما هي في حالة الصلاة كما تدل عليه الأحاديث الواردة في الباب، وليس هناك ما يدل على أنها مطلقة في الصلاة وخارجها، فتأمل ... "الضعيفة" (1/ 483 - 485).

جماع أبواب معجزة الإسراء والمعراج

جماع أبواب معجزة الإسراء والمعراج

[1351] باب هل ثبت في تحديد وقت إسراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شيء؟

[1351] باب هل ثبت في تحديد وقت إسراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شيء؟ السائل: هل يحضركم ما هو الزمن الراجح في موعد إسراء النبي ومعراجه الشيخ: لا يوجد ثابت. مداخلة: لا يثبت لحد الآن حديث. الشيخ: أبدًا مداخلة: والحديث اللي بيقول 18 ربيع الأول إيش درجته؟ الشيخ: رواية معضلة. مداخلة: معضلة يعني ضعيفة؟ الشيخ: نعم. "الهدى والنور" (594/ 00:53:42) [1352] باب الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد عن ابن عباس قال: أسري بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى بيت المقدس, ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره إلى بيت المقدس, وبعيرهم, فقال ناس: نحن لا نصدق محمداً بما يقول!! فارتدوا كفاراً فضرب الله أعناقهم مع أبي جهل. الحديث. [قال الإمام:] إسناده حسن ... وهذا من الأدلة الكثيرة التي تبين أن الإسراء كان بالروح والجسد .. !. "فقه السيرة" (ص 125).

[1353] باب هل الإسراء والمعراج كان في المنام أم في اليقظة؟

[1353] باب هل الإسراء والمعراج كان في المنام أم في اليقظة؟ سؤال: يسأل السائل فيقول: وهل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه عز وجل، وهل الإسراء والمعراج كان في المنام أم في اليقظة؟ الشيخ: أما الإسراء المعراج فقد كان يقظةً به عليه الصلاة والسلام، هذا لا شك ولا إشكال فيه، وإن كان هناك بعض الأقوال المرجوحة تقول: إنه كان في منام أو كان بين النوم واليقظة، ولكن الصحيح الذي لا نشك فيه أبدًا أن ذلك كان يقظةً. وهناك أشياء كثيرة وكثيرة جدًا تدل على هذا الذي نجزم به، من ذلك أن القصة هذه العجيبة الغريبة لو كانت منامًا ولم تكن يقظة لم تكن فيها معجزة حملت بعض ضعفاء الإيمان أن يرتابوا في دينهم، وحملت المشركين على الاستهزاء بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكل هذا وهذا يؤكد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما أصبح وأخبر الناس بما رأى من آيات ربه الكبرى، إنما كان قد حدثهم بأنه كان ذلك يقظة، ومن هنا كان الإعجاز وكانت كرامة من جهة، وكانت الفتنة لضعفاء الإيمان والمشركين في آن واحد من جهة أخرى. أما الشق الثاني من السؤال وهو هل رأى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ربه فالمسألة خلافية منذ السلف الأول، والراجح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ير ربه بعينه، وإنما رآه ببصيرته وقلبه، ومما يؤكد هذا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد سئل صراحًة: هل رأيت ربك؟ قال: «نور أنى أراه؟!» فهذا نفي لأن يكون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد رأى ربه وأكد نفيه لذلك بقوله: أن هناك نورًا يمنع الإنسان من أن يرى ربه، وهذا أيضًا جاء في حديث آخر أن حجابه النور ولولا هذا الحجاب لأحرقت سبحات وجهه تبارك وتعالى كل شيء مر به أو

كما قال عليه السلام، وكل من الحديث الأول وهذا الآخر مخرج في صحيح الإمام مسلم (¬1). فالراجح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ير ربه، وهو ظاهر قوله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (الشورى:51) وبهذه الآية استدلت السيدة عائشة على رد من يقول بأن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى ربه بعينيه، فقد جاء في الصحيحين من رواية مسروق رحمه الله أنه جاء إلى السيدة عائشة رضي الله عنها فقال لها: يا أم المؤمنين! هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد قف شعري مما قلت، قال: يا أمر المؤمنين! ارحمني ولا تعجلي علي، أليس يقول الله تبارك وتعالى في كتابه: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (النجم:13 - 14) قالت رضي الله عنها: أنا أعلم الناس بذلك، لقد سألت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: «رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح .. » رأيت إذًا {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (النجم:13) قال: «رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح وقد سد الأفق - بعظمته -» فإذًا: الضمير في الآية التي سأل مسروق عائشة عنها إنما يعود إلى جبريل وليس إلى الله تبارك وتعالى. ولذلك فقد تابعت السيدة عائشة رضي الله عنها كلامها تأكيدًا لجوابها وإفادة للسائل وغيره ببعض ما في جعبتها من علم تلقته من زوجها ونبيها محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالت: ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية .. من حدثكم أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ثم قالت محتجة على ما قالت: {وَمَا كَانَ ¬

(¬1) (رقم 81).

لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (الشورى:51) وقالت: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} (الأنعام:103). ثم قالت: ومن حدثكم أن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يعلم الغيب فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل:65)، ثم قالت: ومن حدثكم بأن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - كتم شيئًا أمر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة:67). مداخلة: ما هي الفرية؟ الشيخ: الكذب. مداخلة: شيخنا بالنسبة لحديث الإسراء والمعراج! تفضلتم وقلتم أنه رأى ربه بقلبه، ما معنى رأى ربه بقلبه؟ الشيخ: ببصيرته يعني: وليس بعينه بالجارحة هذه، رؤية قلبية، يعني: ممكن تقول علمي لا يمكن تمثيله. مداخلة: في نفس حديث عائشة: ومن زعم أن محمدًا كتم شيئًا أمر بتبليغه، فبمفهوم المخالفة: إذا لم يؤمر بتبليغه يجوز للرسول أن يكتم؟ الشيخ: أولًا مفهوم المخالفة لا يحتج به دائمًا وأبدًا، وثانيًا: ممكن أن يقال ما ليس له علاقة بالشريعة أنه ما حدث به ممكن أن يقال هذا؛ لأنه في الآية السابقة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة:67) نعم. "فتاوى الإمارات" (4/ 00:05:52)

[1354] باب من الذي دنا وصار بينه وبين نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - قدر قوسين ليلة الإسراء

[1354] باب من الذي دنا وصار بينه وبين نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - قدر قوسين ليلة الإسراء [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «أتاني جِبريلُ، فَحَمَلَنِي على جَنَاحِهِ الأيمنِ، فكنتُ مِنْ ربي عز وجل كقاب قوسينِ أو أدنى وذكر الحديث» (باطل) [قال الإمام]: [وهو .. ] مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على أن الذي دنا وصار بينه وبين محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - قدر قوسين إنما هو جبريل عليه السلام. انظر تفسير ابن كثير لهذه الآية. "الضعيفة" (12/ 1/422 - 423). [1355] باب منه [قال الذهبي في "العلو"]: ومن عقد أئمة السلف أن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - عرج به إلى السموات العلى عند سدرة المنتهى، فكان منه قاب قوسين أو أدنى]. [قال الإمام]: قلت: يشير إلى ما رواه سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله ابن أبي نمر قال: سمعت أنس بن ملك يحدث عن ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .. قلت فذكر حديث الإسراء الطويل وفيه:

[1356] باب منه

"ودنا الجبار تبارك وتعالى فتدلي، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه ما شاء .. " لكن هذه الجملة من جملة ما أنكر على شريك هذا مما تفرد به عن جماهير الثقات الذين رووا حديث المعراج، ولم ينسبوا الدنو والتدلي لله تبارك وتعالى، بل روت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما ما يدل على أن قوله تعالى {ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى} إنما المراد به جبريل عليه الصلاة والسلام، روى مسلم (1/ 111) عن مسروق قال: قلت لعائشة: فأين قوله {ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى}؟ قالت: إنما ذاك جبريل - صلى الله عليه وآله وسلم - وانظر "الأسماء والصفات" للبيهقي (ص 438 - 441). وقد كان المصنف رحمه الله تعالى أورد في الأصل [أي الذهبي في "العلو" (ص 50) الجملة المذكورة من حديث شريك ثم أورده بطوله " ق 21/ 1 - 2 - مخطوطة"، فحذفته لما أشرت إليه من النكارة، وقال المصنف في الموضع الثاني: "هذا حديث غريب" استنكره بعض العلماء ولكنه قفز القنطرة وتقرر في "الصحيح" قلت: هذا مسلم فيما لم تظهر فيه علة قادحة، وليس كذلك هنا، فتأمل. "مختصر العلو" (117 - 118) [1356] باب منه [عن ابن عباس] قال: [ولقد رآه نزلة أخرى] قال: دنا [منه] ربه عز وجل. [قال الإمام:] إسناده حسن كما قال [أي الذهبي في "العلو"]، فإنه ساقه في الأصل

(ص82) عن يحيى بن سعيد الأموي حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس. هكذا وقع في الأصول كلها، وفيها المخطوطة (ق19/ 2)، وقد سقط من الإسناد الواسطة بين يحيى ومحمد بن عمرو، وهو سعيد بن أبان الأموي والد يحيى، فإنه أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (27/ 26) حدثنا يحيى ابن سعيد الأموي قال: ثنا أبي قال: ثنا محمد بن عمرو ... وهذا إسناد رجاله ثقات غير محمد بن عمرو وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي وهو مختلف فيه، والذي استقر عليه الرأي عند أهل العلم أنه حسن الحديث، وإليه أشار الحافظ بقوله في "التقريب": "صدوق، له أوهام". لكن قد اختلف عليه في إسناده فرواه الأموي عنه هكذا عن ابن عباس موقوفاً، ورواه الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو وقال: ثنا كثير بن حبيش عن أنس بن مالك مرفوعاً: " بينما أنا مضطجع في المسجد ... " فذكر حديث الإسراء والمعراج، وفيه: «فدنا ربك فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى» ... » الحديث أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (ص 139ـ 140) باللفظ الأول, وابن جرير (27/ 27 ـ 28) من طريق النضر ابن شميل قال: أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي به. وكثير بن حبيش - وقيل: خنيس - فيه ضعف، فإن كان محمد بن عمرو قد حفظه عنه فهو منكر لمخالفته للثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن الذي دنا إنما هو جبريل عليه السلام كما روى ابن جرير (27/ 27) عن مسروق قال:

[1357] باب منه

«قلت لعائشة: ما قوله {ثم دنا فتدلى ... } الآية؟ فقالت: "إنما ذاك جبريل، كان يأتيه في صورة الرجال، وأنه أتاه في هذه المرة في صورته، فسد أفق السماء" وسنده صحيح، وهو عند مسلم بنحوه وقد مضى قريباً. وهو معارض لحديث ابن عباس هذا الموقوف إن ثبت عنه. "مختصر العلو" (ص120 - 121). [1357] باب منه السائل: سائل يقول في الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (النجم:8، 9) ماذا تقول في الحديث الذي يقول: «فدنا الجبار تبارك وتعالى» الذي يعزى للبخاري كما في تفسير ابن كثير؟ الشيخ: أقول ما قال فيه علماء الحديث: هذه الرواية هي من شواذ أحد رواة البخاري والذي هو شريك بن عبد الله وليس هو بالقاضي المعروف، فهذا جاء بهذه الزيادة في قصة الإسراء والمعراج وذكر علماء الحديث بأنه شذ، [فالمراد من قوله تعالى]: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (النجم:9) هو جبريل عليه الصلاة والسلام وليس هو رب العالمين تبارك وتعالى. إذاً: هذه الرواية شاذة مع وجودها في صحيح البخاري. "الهدى والنور" (228/ 19: 29: 00)

[1358] باب كيف رأى نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - موسى عليه السلام يصلي ليلة الإسراء والمعراج؟

[1358] باب كيف رأى نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - موسى عليه السلام يصلي ليلة الإسراء والمعراج؟ سؤال: شيخنا الفاضل بارك الله فيك، بالنسبة للحديث الذي يقول فيه المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم -: «رأى موسى عند الكثيب الأحمر قائماً يصلي») يعني: الحديث هذا صحيح؟ الشيخ: أي نعم. السائل: بالنسبة قائماً يصلي كيفية القيام لا نسأل عنها؟ الشيخ: وأنت هل يجوز أن تسأل عن كيفية القيامة؟ السائل: لا بارك الله فيك. الشيخ: فهذا القيام كالقيامة. "الهدى والنور" (290/ 53: 00:01)

جماع أبواب صور من الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

جماع أبواب صور من الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

[1359] باب كيف يكون تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التعظيم المشروع

[1359] باب كيف يكون تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التعظيم المشروع [قال الإمام]: وتعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تعظيماً مشروعاً، إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - صحيحا ثابتاً، وبذلك يجتمع الإيمان به - صلى الله عليه وآله وسلم - عبداً ورسولاً، دون إفراط ولا تفريط، فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - بشر، بشهادة الكتاب والسنة، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقاً

[1360] باب النهي عن الغلو في تعظيمه - صلى الله عليه وآله وسلم -

بنص الأحاديث الصحيحة، وكما يدل عليه تاريخ حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - وسيرته، وما حباه الله تعالى به من الأخلاق الكريمة، والخصال الحميدة، التي لم تكتمل في بشر اكتمالها فيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وصدق الله العظيم، إذ خاطبه بقوله الكريم: {وإنك لعلى خلق عظيم}. "الصحيحة" (1/ 1/167). [1360] باب النهي عن الغلو في تعظيمه - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يا أيها الناس! لا ترفعوني فوق قدري، فإن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً». [ترجم له الامام بما ترجمناه به] "الصحيحة" (6/ 1/106).

[1361] باب من مفاسد الغلو في تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رد الأحاديث الصحيحة

[1361] باب من مفاسد الغلو في تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رد الأحاديث الصحيحة [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يا أم سليم! أما تعلمين أن شرطي على ربي؟ أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن يجعلها له طهوراً وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة». [قال الإمام]: اعلم أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذه الأحاديث: «إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر .. » إنما هو تفصيل لقول الله تبارك وتعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ... } الآية. وقد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء، إلى إنكار مثل هذا الحديث بزعم تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتنزيهه عن النطق به! ولا مجال إلى مثل هذا الإنكار فإن الحديث صحيح، بل هو عندنا متواتر، فقد رواه مسلم من حديث عائشة وأم سلمة كما ذكرنا، ومن حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما، وورد من حديث سلمان وأنس وسمرة وأبي الطفيل وأبي سعيد وغيرهم. انظر " كنز العمال " (2/ 124). وتعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تعظيماً مشروعاً، إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - صحيحاً ثابتاً، وبذلك يجتمع الإيمان به - صلى الله عليه وآله وسلم - عبداً ورسولاً، دون إفراط ولا تفريط، فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - بشر، بشهادة الكتاب والسنة، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقاً بنص الأحاديث الصحيحة،. وكما يدل عليه تاريخ حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - وسيرته، وما حباه الله تعالى به من الأخلاق الكريمة، والخصال الحميدة، التي لم تكتمل في بشر اكتمالها فيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وصدق الله العظيم، إذ خاطبه بقوله الكريم: {وإنك لعلى خلق عظيم}. "الصحيحة" (1/ 1/166 - 167). [1362] باب النهي عن إطراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله». (صحيح). [قال الأستاذ الدعاس في تحقيق «الشمائل»: الإطراء هو حسن الثناء، أي لا تبالغوا في مدحي كما بالغت النصارى في مدح سيدنا عيسى فجعلوه إلها أو ابن إله. فتعقبه الإمام قائلاً]: «قلت: حمل الحديث على المبالغة في مدحه - صلى الله عليه وآله وسلم - مما لا يناسب ما ترجم له المؤلف رحمه الله [أي الترمذي في الشمائل]، ألا وهو تواضعه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ذلك أن المبالغة تقترن عادةً بالكذب والغلو في الدين، وذلك محرم فالنهيُ عن مثله من الأمور التي لا يظهر بها تواضعه كما لا يخفى، فيبعد أن يكون هذا هو مراد المؤلف، فلعل الأولى أن يقال: إن المراد: لا تمدحوني مطلقاً، وهو من معاني

الإطراء لغة، وهو وإن كان جائزاً في الأصل، فقد ينهى عن مثله من باب سد الذريعة، كما هو معلوم من علم الأصول، فإن فتح باب المدح قد يؤدي إلى مخالفة الشرع كما هو مشاهد في الواقع، إما جهلاً، وإما علواً، ألا ترى معي إلى ما قال بعضهم في مدحه - صلى الله عليه وآله وسلم -: دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكمِ كيف أوصله إلى أن قال فيه - صلى الله عليه وآله وسلم -: فإن من جودك الدنيا وضرَّتَها ومن علومك علم اللوح والقلم وهذا مدح بما هو باطل بداهة، ومثله كثير فيما يسمونه بالأناشيد الدينية، فنهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - أمته عن مدحه بما هو جائز أصلاً خشية وقوع المادح فيما لا يجوز، لاشك أنه من تواضعه - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يدل عليه سائر أحاديث الباب وغيرها، بخلاف حمل النهي على المدح المحرم، وهذا بين لا يخفى إن شاء الله. يؤيده قوله في آخر الحديث. «إنما أنا عبد ... » لأنه كأنه خرج مخرج الجواب عن سؤال مقدر: فماذا نقول في مدحك يا رسول الله؟ فقال: «قولوا عبد الله ورسوله». أي قولوا ما لا شك فيه شرعاً مما أنا متصف به ولا تزيدوا عليه. وأين هذا مما يصفه بعض المسلمين اليوم فيما يسمونه بالموالد وغيرها مما لم يكن معروفاً عند السلف الصالح، كقولهم: إنه نور. وإنه أول خلق الله, وأن جبريل كان خادمه ليلة الإسراء، ونحو ذلك من المماديح والأباطيل. {فاعتبروا يا أولي الأبصار}. "مختصر الشمائل" (ص 175)

[1363] باب من وسائل الشرك: الغلو في مدح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

[1363] باب من وسائل الشرك: الغلو في مدح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم. يعني يوم ذي قار» (ضعيف) [قال الإمام]: (تنبيه): بلغ جهل بعض الناس بالتاريخ والسيرة النبوية في هذا العصر أن أحدهم طبع منشوراً يرد فيه على صديقنا الفاضل الأستاذ علي الطنطاوي طلبه من الإذاعة أن تمتنع من إذاعة ما يسمونه بالأناشيد النبوية، لما فيها من وصف جمال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعبارات لا تليق بمقامه - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل فيها ما هو أفظع من ذلك من مثل الاستغاثة به - صلى الله عليه وآله وسلم - من دون الله تبارك وتعالى، فكتب المشار إليه في نشرته ما نصه بالحرف (ص 4): " وها هي (!) الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا يستصحبون بعض نسائهم لخدمة أنفسهم في الغزوات والحروب، وكانوا يضمدون (!) الجرحى ويهيئون (!) لهم الطعام، وكانوا يوم ذي قار عند اشتداد وطيس الحرب بين الإسلام والفرس كانت النساء تهزج أهازيج وتبعث الحماس في النفوس بقولها: إن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق، أو تدبروا نفارق فراق غير وامق، فانظر إلى هذا الجهل ما أبعد مداه!. فقد جعل المعركة بين الإسلام والفرس، وإنما هي بين المشركين والفرس، ونسب النشيد المذكور لنساء المسلمين في تلك المعركة! وإنما هو لنساء المشركين في غزوة أحد! كن يحمسن المشركين على المسلمين كما هو مروي في كتب السيرة! فقد خلط بين حادثتين متباينتين، وركب منهما ما لا أصل له البتة بجهله أو

[1364] باب اعتقاد سماع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته من وسائل الشرك

تجاهله ليتخذ من ذلك دليلاً على جواز الأناشيد المزعومة، ولا دليل في ذلك - لوثبت - مطلقاً إذ أن الخلاف بين الطنطاوي ومخالفيه ليس هو مجرد مدح النبي بل إنما هو فيما يقترن بمدحه مما لا يليق شرعاً كما سبقت الإشارة إليه وغير ذلك مما لا مجال الآن لبيانه، ولكن صدق من قال: " حبك الشيء يعمي ويصم " فهؤلاء أحبوا الأناشيد النبوية، وقد يكون بعضهم مخلصاً في ذلك غير مغرِض فأعماهم ذلك عما اقترن بها من المخالفات الشرعية. ثم إن هذا الرجل اشترك مع رجلين آخرين في تأليف رسالة ضدنا أسموها " الإصابة في نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة " حشوها بالافتراءات والجهالات التي تنبيء عن هوى وقلة دراية، فحملني ذلك على أن ألفت في الرد عليهم كتاباً أسميته " تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة " موزعاً على ست رسائل صدر منها الرسالة الأولى وهي في بيان بعض افتراءاتهم وأخطائهم، والثانية في " صلاة التراويح " والثالثة في أن " صلاة العيدين في المصلى هي السنة " ثم أصدرنا الخامسة بعنوان " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ". "الضعيفة" (2/ 47، 49 - 50). [1364] باب اعتقاد سماع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته من وسائل الشرك [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائياً وُكِّلَ بها ملك يبلغني، وكفي بها أمر دنياه وآخرته، وكنت له شهيدا أو شفيعا». (موضوع بهذا التمام)

[1365] باب هل يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته سلام من سلم عليه؟ وهل يلزم من رده - صلى الله عليه وسلم - السلام أن يكون سمعه؟

[قال الإمام]: فائدة: قال الشيخ ابن تيمية عقب كلامه المتقدم على الحديث: وهو لوكان صحيحاً فإنما فيه أنه يبلغه صلاة من صلى عليه نائياً، ليس فيه أنه يسمع ذلك كما وجدته منقولاً عن هذا المعترض (يريد الأخنائي)، فإن هذا لم يقله أحد من أهل العلم، ولا يعرف في شيء من الحديث، وإنما يقوله بعض المتأخرين الجهال: يقولون: إنه ليلة الجمعة ويوم الجمعة يسمع بأذنيه صلاة من يصلي عليه، فالقول إنه يسمع ذلك من نفس المصلين (عليه) باطل، وإنما في الأحاديث المعروفة إنه يبلغ ذلك ويعرض عليه، وكذلك السلام تبلغه إياه الملائكة. قلت: ويؤيد بطلان قول أولئك الجهال قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني ... » الحديث وهو صحيح كما تقدم (ص 364) فإنه صريح في أن هذه الصلاة يوم الجمعة تبلغه ولا يسمعها من المصلي عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الضعيفة" (1/ 366،369). [1365] باب هل يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته سلام من سلم عليه؟ وهل يلزم من رده - صلى الله عليه وسلم - السلام أن يكون سمعه؟ [قال الإمام]: لم أجد دليلاً على سماعه - صلى الله عليه وسلم - سلام من سلَّم عليه عند قبره، وحديث أبي داود: [وهو: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" وإسناده حسن كما بينه الشيخ في " الصحيحة " (2266)] ليس صريحاً في ذلك. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص113).

[1366] باب هل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حي في قبره؟ وهل يسمع بعد موته؟

[1366] باب هل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حي في قبره؟ وهل يسمع بعد موته؟ سؤال: حديث بقول فيما معناه: ما من عبد يصلي عليَّ يوم الجمعة إلا رد الله علي روحي. الشيخ: ما فيش يوم الجمعة «ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي فأرد عليه السلام». السائل: نعم فبعض الصوفيين استدل عليه بأن الرسول الصلاة والسلام ما مات بل حي في القبر ويستدلوا بهذا الحديث. الشيخ: وأيش معنى يرد علي روحي, ما مات, أنت روحك هلا في نفسك ولا مردودة إليك, هذا كلام صوفي ويكفي أنه كلاماً صوفياً؛ لأنه خالف حديث الرسول عليه السلام ولذلك أقول هدول الصوفية لبالغ جهلهم ينكرون النصوص القاطعة بشبهات ما أنزل الله بها من سلطان ربنا يقول في صريح القرآن {إنك ميت وإنهم ميتون} فإذاً هو كسائر البشر ميت, كما هم أيش؟ ميتون, إيش معنى ميت؟ أي: ستموت, أي: ستصبح ميتاً, وكذلك الناس جميعا. ً أينكرون هذه الحقائق بشبهات مثل هذه الشبه التي ذكرتها عن الحديث, الحديث يعني أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يعني مات, وكل حي فإنما سبيله الموت, ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام، ولذلك لما قال عليه السلام في الحديث الآخر الصحيح: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة, فإن صلاتكم تبلغني» , قالوا: «كيف ذاك وقد أَرَمْتَ» , ماذا فهم الصحابة من قوله عليه السلام هذا؟ فهموا أنه ميت, ولذلك استغربوا كيف تبلغه صلاته وقد أَرِمَ؟ أي: فني, أي: صار رميماً, {قال من يحيي العظام وهي رميم} فالصحابة كانوا يتلقوا عن الرسول عليه السلام هذه الحقيقة التي لا مناص لأحدٍ من البشر إلا وأن يقع فيها وهي {إنك ميت وإنهم ميتون} كانوا عرفوا هذه

الحقيقة, ولذلك لما جاءهم الرسول عليه السلام بشيء ما كانوا يعرفونه من قبل: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني» قالوا كيف ذاك وقد أرمت أي فنيت, طبعاً مت وأكثر من مت أي فنيت وصرت رميماً, قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» فأجساد الأنبياء كل الأنبياء لا تصبح رميماً كأجساد الآخرين, ولذلك فرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جسده في قبره كما هو من قبل, هذه معجزة هذه كرامه من الله عز وجل لنبيه عليه السلام, بل ولِسائر الأنبياء الكرام, ولكن الله كرم نبيه عليه السلام بكرامةٍ أخرى لا يشاركه أحد من الأنبياء وهي قوله عليه السلام: «فإن صلاتكم تبلغني» قالوا: كيف ذاك وقد أرمت, قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» ,أي: أنا كسائر الأنبياء جسدي في القبر حي طري, ولكن اصطفاني ربي عز وجل بخصلة أخرى أنه كلما سلم علي مسلمون رد الله إلي روحي فأرد عليه السلام, وهذا الحديث وهو ثابت فيه دلاله على أن الرسول عليه السلام خلاف ما يتوهم كثير من العامة, بل وفيهم بعض الخاصة وهي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يسمع سلام المسلمين عليه, وإنما كما جاء في الحديث الصحيح: «إن لله ملائكة سياحين, يبلغوني عن أمتي السلام» , إن لله ملائكة سياحين: يعني طوافين على المسلمين, فكلما سمعوا مسلماً يصلي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بلغوه بذلك وهو لا يسمع؛ لأن الميت لا يسمع, انفصل عن هذه الحياة الدنيا ومتعلقاتها كلها, ولكن الله عز وجل اصطفى نبيه عليه السلام فيما ذكرنا من الحياة ومن تمكينه بإعادة روحه إلى جسده, ورد السلام على المسلمين عليه, ومن ذلك أيضاً أن هناك ملائكةً يبلغونه السلام فكلما سلموا عليه من فلان، رد عليهم السلام. " الهدى والنور" (268/ 08: 22: 00)

[1367] باب هل روح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تستقر في جسده بعد موته؟

[1367] باب هل روح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تستقر في جسده بعد موته؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه، ومررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم في قبره بين عائلة وعويلة» (موضوع) [قال الإمام]: وأنا أرى أن هذا الحديث يعارض قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام». رواه أبو داود (1/ 319) والبيهقي (5/ 245) وأحمد (2/ 527) بإسناد حسن عن أبي هريرة، وهو مخرج في الكتاب الآخر " الصحيحة " (2266). ووجه التعارض أنه يدل على أن روحه - صلى الله عليه وآله وسلم - ليست مستقرة في جسده الشريف، بل هي ترد إليه ليرد سلام المسلمين عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، بينما هذا الحديث الموضوع يقرر صراحة أن روح كل نبي ترد إليه بعد أربعين صباحاً من وفاته، فلو صح هذا فكيف ترد روحه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جسده ليرد السلام، هذا أمر غير معقول، بل هو ظاهر التناقض، فلابد من رد أحدهما، وليس هو إلا هذا الحديث المنكر حتى يسلم الحديث القوي من المعارض، فتأمل هذا فإنه مما ألهمت به، لا أذكر أني رأيته لأحد قبلي، فإن كان صوابا فمن الله، وإلا فمن نفسي. "الضعيفة" (1/ 360، 362 - 363).

[1368] باب من صور الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنكار كون أبواه في النار

[1368] باب من صور الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنكار كون أبواه في النار [قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أبي وأباك في النار» [قال الإمام]: والحديث أخرجه الجورقاني في " الأباطيل والمناكير " (1/ 235) من طريق أخرى عن داود بن أبي هند في جملة أحاديث أخرى تدل كلها - كهذا - على أن من مات في الجاهلية مشركاً فهو في النار، وليس من أهل الفترة كما يظن كثير من الناس، وبخاصة الشيعة منهم، ومن تأثر بهم من السنة! ومن تلك الأحاديث، ما رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفى دعاه، فقال: فذكر حديث الترجمة حرفا بحرف. أخرجه مسلم (1/ 132 - 133) وأبو عوانة (1/ 99) وأبو داود (4718) والجورقاني (1/ 233) وصححه، وأحمد (3/ 268) وأبو يعلى (6/ 229/ 3516) وابن حبان (578 - الإحسان) والبيهقي (7/ 190) من طرق عن حماد بن سلمة به. ومنها سعد بن أبي وقاص المتقدم في المجلد الأول برقم (18) بلفظ: ِ «حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار». فراجع سببه هناك، فإنه بمعنى حديث الترجمة لمن تأمله. وإن مما يتصل بهذا الموضوع قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما زار قبر أمه: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي .. » الحديث. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 187 - 188) من

حديث أبي هريرة وبريدة، فليراجعهما من شاء. والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرنا خير كبير وبركة. واعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس اليوم وقبل اليوم لا استعداد عندهم لقبول هذه الأحاديث الصحيحة، وتبني ما فيها من الحكم بالكفر على والدي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل إن فيهم من يظن أنه من الدعاة إلى الإسلام ليستنكر أشد الاستنكار التعرض لذكر هذه الأحاديث ودلالتها الصريحة! وفي اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصب منهم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي قالها إن صدقوا بها، وهذا - كما هو ظاهر - كفر بواح، أو على الأقل: على الأئمة الذين رووها وصححوها، وهذا فسق أو كفر صراح، لأنه يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم، لأنه لا طريق لهم إلى معرفته والإيمان به، إلا من طريق نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - كما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه، فإذا لم يصدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم وأذواقهم وأهوائهم - والناس في ذلك مختلفون أشد الاختلاف - كان في ذلك فتح باب عظيم جدا لرد الأحاديث الصحيحة، وهذا أمر مشاهد اليوم من كثير من الكتاب الذين ابتلي المسلمون بكتاباتهم كالغزالي والهويدي وبليق وابن عبد المنان وأمثالهم ممن لا ميزان عندهم لتصحيح الأحاديث وتضعيفها إلا أهواؤهم! واعلم أيها المسلم - المشفق على دينه أن يهدم بأقلام بعض المنتسبين إليه - أن هذه الأحاديث ونحوها مما فيه الإخبار بكفر أشخاص أو إيمانهم، إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها وتلقيها بالقبول، لقوله تعالى: {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب} (البقرة:1 - 3) وقوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .. } (الأحزاب: 36)، فالإعراض عنها وعدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لا ثالث لهما

- وأحلاهما مر -: إما تكذيب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإما تكذيب رواتها الثقات كما تقدم، وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين ينكرون هذه الأحاديث أو يتأولونها تأويلاً باطلاً كما فعل السيوطي - عفا الله عنا وعنه - في بعض رسائله، إنما يحملهم على ذلك غلوهم في تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وحبهم إياه، فينكرون أن يكون أبواه - صلى الله عليه وآله وسلم - كما أخبر هو نفسه عنهما، فكأنهم أشفق عليهما منه - صلى الله عليه وآله وسلم -!! وقد لا يتورع بعضهم أن يركن في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الذي فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحيا الله له أمه، وفي رواية: أبويه، وهو حديث موضوع باطل عند أهل العلم كالدارقطني والجورقاني، وابن عساكر والذهبي والعسقلاني، وغيرهم كما هو مبين في موضعه، وراجع له إن شئت كتاب " الأباطيل والمناكير " للجورقاني بتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي (1/ 222 - 229) وقال ابن الجوزي في " الموضوعات " (1/ 284): " هذا حديث موضوع بلا شك، والذي وضعه قليل الفهم، عديم العلم، إذ لو كان له عِلم لَعَلِمَ أن من مات كافراً لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة، لا بل لو آمن عند المعاينة، ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى: {فيمت وهو كافر}، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في "الصحيح": «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي». ولقد أحسن القول في هؤلاء بعبارة ناصعة وجيزة الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله في تعليقه على " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للإمام الشوكاني، فقال (ص 322): " كثيراً ما تجمح المحبة ببعض الناس، فيتخطى الحجة ويحاربها، ومن وفق علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية، والله المستعان ". قلت: وممن جمحت به المحبة السيوطي عفا الله عنه، فإنه مال إلى تصحيح حديث الإحياء الباطل عند كبار العلماء كما تقدم، وحاول في كتابه " اللآلىء "

(1/ 265 - 268) التوفيق بينه وبين حديث الاستئذان وما في معناه، بأنه منسوخ، وهو يعلم من علم الأصول أن النسخ لا يقع في الأخبار وإنما في الأحكام! وذلك أنه لا يعقل أن يخبر الصادق المصدوق عن شخص أنه في النار ثم ينسخ ذلك بقوله: إنه في الجنة! كما هو ظاهر معروف لدى العلماء. ومن جموحه في ذلك أنه أعرض عن ذكر حديث مسلم عن أنس المطابق لحديث الترجمة إعراضاً مطلقاً، ولم يشر إليه أدنى إشارة، بل إنه قد اشتط به القلم وغلا، فحكم عليه بالضعف متعلقا بكلام بعضهم في رواية حماد بن سلمة! وهو يعلم أنه من أئمة المسلمين وثقاتهم، وأن روايته عن ثابت صحيحة، بل قال ابن المديني وأحمد وغيرهما: أثبت أصحاب ثابت حماد، ثم سليمان، ثم حماد بن زيد، وهي صحاح. وتضعيفه المذكور كنت قرأته قديماً جدا في رسالة له في حديث الإحياء - طبع الهند - ولا تطولها يدي الآن لأنقل كلامه، وأتتبع عواره، فليراجعها من شاء التثبت. ولقد كان من آثار تضعيفه إياه أنني لاحظت أنه أعرض عن ذكره أيضا في شيء من كتبه الجامعة لكل ما هب ودب، مثل " الجامع الصغير " و" زيادته" و"الجامع الكبير "! ولذلك خلا منه " كنز العمال " والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وتأمل الفرق بينه وبين الحافظ البيهقي الذي قدم الإيمان والتصديق على العاطفة والهوى، فإنه لما ذكر حديث: «خرجت من نكاح غير سفاح»، قال عقبه: " وأبواه كانا مشركين، بدليل ما أخبرنا .. "، ثم ساق حديث أنس هذا وحديث أبي هريرة المتقدم في زيارة قبر أمه - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الصحيحة" (6/ 1/177 - 182).

[1369] باب من صور الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ادعاء إحياء أمه بعد موتها وإيمانها به وبيان وضع القصة في ذلك

[1369] باب من صور الغلو في ذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ادعاء إحياء أمه بعد موتها وإيمانها به وبيان وضع القصة في ذلك [تكلم الإمام على أن السيوطي رحمه الله قد ملأ كتابه "الخصائص الكبرى" بالأحاديث الضعيفة والموضوعة ثم بدأ بضرب أمثلة على ذلك فقال]: قصة إحياء أم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وإيمانها به (ج2 ص 280) , وهي قصة موضوعة باطلة عند المحققين من العلماء كابن الجوزي وابن تيمية وغيرهم. ومما يبطلها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لمن سأله عن أبيه فقال له: "إن أبي وأباك في النار". رواه مسلم وغيره, وهو حديث صحيح, رغم تعنت السيوطي الذي أعله في بعض رسائله بما لا يقدح, ولا سيما وله بعض الشواهد التي تكشف أنه ليس من الممكن تضعيفه لولا الهوى, ولذلك لما غلب ذلك عليه لم يورده في "الجامع الصغير" ولا في "الزيادة عليه" نسأل الله السلامة. وما أحسن ما قاله الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله تعليقًا له على هذا الحديث, وقد أورده الشوكاني في (الأحاديث الموضوعة) (ص322) (¬1): "كثيراً ما تجمح المحبة ببعض الناس فيتخطى الحجة ويحاربها, ومن وفق علم أن ذلك منافٍ للمحبة المشروعة والله المستعان" "تحقيق بداية السول" (ص16 - 17). ¬

(¬1) من طبع المكتب الإسلامي [منه].

[1370] باب من صور الغلو في النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: اعتقاد أنه خلق قبل الذوات

[1370] باب من صور الغلو في النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: اعتقاد أنه خُلِقَ قبل الذوات [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين» (موضوع) ومثله: «كنت نبياً ولا آدم ولا ماء ولا طين» (موضوع) [قال الإمام]: ذكر هذا والذي قبله السيوطي في ذيل " الأحاديث الموضوعة " (ص 203) نقلاً عن ابن تيمية، وأقره، وقد قال ابن تيمية في رده على البكري (ص 9): لا أصل له، لا من نقل ولا من عقل، فإن أحداً من المحدثين لم يذكره، ومعناه باطل، فإن آدم عليه السلام لم يكن بين الماء والطين قط، فإن الطين ماء وتراب، وإنما كان بين الروح والجسد. ثم هؤلاء الضلال يتوهمون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان حينئذ موجوداً، وأن ذاته خلقت قبل الذوات، ويستشهدون على ذلك بأحاديث مفتراة، مثل حديث فيه أنه كان نوراً حول العرش، فقال: يا جبريل أنا كنت ذلك النور. ويدعي أحدهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يحفظ القرآن قبل أن يأتيه به جبريل. ويشير بقوله: " وإنما كان بين الروح والجسد " إلى أن هذا هو الصحيح في هذا

[1372] باب هل خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - من نور؟ وهل هو أول الخلق؟

الحديث ولفظه:" كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " وهو صحيح الإسناد كما بينته في " الصحيحة " (1856). "الضعيفة" (1/ 473 - 474). [1371] باب هل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أول خلق الله [قال الإمام]: [قال] .. - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد». رواه أحمد في " السنة " (ص 111) عن ميسرة الفجر. وسنده صحيح، ولكن لا دلالة فيه على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أول خلق الله تعالى، خلافاً لما يظن البعض. وهذا ظاهر بأدنى تأمل. "الضعيفة" (2/ 115). [1372] باب هل خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - من نور؟ وهل هو أول الخلق؟ [تكلم الإمام على بعض أخطاء الشيخ الشعراوي-رحمه الله- العقدية إلى أن قال]: من عقائده يقول: أن محمد عليه السلام هو رسول ... كما قال تعالى في القرآن الكريم: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (آل عمران:144) إلى آخر الآية، يقولون ويمكن هذا سمعته: محمد خلق من نور الله، سمعت هذا الشيء أو لا؟ في سوريا موجود، وفي الأردن موجود يقول: "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر"، ما سمعت هذا الحديث عندك؟

[1373] باب هل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - نور؟

مداخلة: هذا سمعته من الشعراوي. الشيخ: هه، أتت ... يقولون: - على رجليها -، رأيت؟! وهذا من أبطل الباطل، كيف خلق الله محمدًا من نوره، وأول ما خلق الله القلم والحديث صحيح كما ذكرته آنفًا: «أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: ما هو كائن إلى يوم القيامة» بعد ذلك نحن نعرف ... الرسول أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وهكذا، وبعد ذلك ينقطع السند أو النسب، لكن هو على كل حال جده الأول من هو؟ آدم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كلكم كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «كلكم من آدم وآدم من تراب» كيف إذًا محمد وبينه وبين آدم الله كم جد، ثم هو قبل هؤلاء خلق من نور، هذه تريد إيمان .. تريد مخ كبير لا وجود له في هذا الكون، أنه يؤمن بمثل هذه الخرافات أما عامة المسلمين وبعض الخاصة منهم وأنت شاهد ومنهم الشيخ الشعراوي يؤمن بهذه الخرافة. هذا حديث لا هو في البخاري ولا في مسلم ولا في السنن الأربعة ولا الأربعين ولا الأربعمائة لا أصل لهذا الحديث إطلاقًا إلا إذا صح التعبير في أمخاخ المخرفين، هذا له وجود هناك فقط، ما هو الإسلام؟ الإسلام قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه إلى آخر ما قال ابن القيم رحمه الله. "حلة النور" (40أ/00:00:00). [1373] باب هل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - نور؟ [قال الإمام]: [رَدَدْنَا] قول من قال: بأن الرسول عليه السلام نور، وأبطلنا هذا القول بقوله

[1374] باب هل خلق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من النور؟ وهل النور المحمدي أول خلق الله؟

تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (الكهف:110) فهو عليه السلام كالبشر تماماً، خلق كما خلق البشر، يعني: حملت فيه أمه كما تحمل كل الأمهات تسعة أشهر، ووضعته كما تضع كل أم ولدها، سوى أنها رأت في المنام أنها خرج منها نور أضاءت لها الشام، أو بصرى الشام، هذا صحيح كرؤيا كمنام، فعليه الصلاة والسلام كان كما تعلمون يأكل ويشرب ويمرض، ويجرح و .. و .. إلى آخره، فهو بشر لا يختلف عنهم إطلاقاً إلا بما اصطفاه الله من الوحي والنبوة والرسالة. "الهدى والنور" (/322/ 29: 01: 00). [1374] باب هل خلق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من النور؟ وهل النور المحمدي أول خلق الله؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم وأمره أن يكتب كل شيء يكون». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به، ثم قال]: في الحديث إشارة إلى رد ما يتناقله الناس حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى، وليس لذلك أساس من الصحة، وحديث عبد الرزاق غير معروف إسناده، ولعلنا نفرده بالكلام في " الأحاديث الضعيفة " إن شاء الله تعالى. "الصحيحة" (1/ 1/257 - 258).

[1375] باب منه

[1375] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار السموم وخلق آدم عليه السلام مما قد وصف لكم». [قال الإمام]: قلت: وفيه إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس: " أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر "، ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - خلق من نور، فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور، دون آدم وبنيه، فتنبه ولا تكن من الغافلين. "الصحيحة"1/ 2/820). [1376] باب هل إضاءة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كل شيء في المدينة لما دخلها إضاءة مادية أو معنوية؟ سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عندنا الله يسلمك! أتانا شيخ من قريب اسمه عبد الرحيم الطحان، وكانت له محاضرة عنوانها: تعظيم أنبياء الله ومن بعض ما قاله في نفس المحاضرة قوله: ليتنا كنا نساء وحظينا بريق الحسن، من يحظ بالحسن .. ليلة لو نظرَ، وقوله: ووالله لو أدركنا الحسين لمسحنا نعليه بلحانا وفي ذلك شرف لنا وفخر. وقوله: ثبت عن أنس بإسناد صحيح: إن النبي عليه الصلاة والسلام عندما دخل المدينة أضاء فيها كل شيء لما تنورت بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأشرقت.

وقوله: ينقل الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في الجزء الحادي عشر صفحة (211) عن بعض طلبة العلم أنه قال: نظرة إلى الإمام أحمد تعدل عبادة سنة وأكثر، علق الإمام الذهبي على هذه الجملة بقوله: هذا غلو لا ينبغي، وقال: والله ليس بغلو وإنه مما ينبغي. وقال ... : كان جعفر الصادق يقول: إذا وجدت في قلبي فتور وقسوة نظرت إلى وجه محمد بن واسع فاجتهدت أسبوع، وقال: النظر إلى أئمتنا يستشفى به .. يتداوى به .. يذكر بالله، ويقولون: من لم ينفعك لحظه لم ينفعك لفظه ووعظه. وقوله: ذكر أحمد في مجالس الذكر عندما نذكره ذكرنا الله .. وقوله: نظرة إلى وجه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تعدل عبادة آلاف السنين، والنظرة إلى الصحابة الطيبين تعدل عبادة آلاف السنين. قابل هذا الشيخ بعض الشيوخ يقول: واسمه الشيخ عبد الرحمن زيد العابدين، ويقول: قابلته وقلت له: ووالله ما رأيته إلا قبلت يده، وكان يقول، أي: الشيخ عبد الرحمن زين - يقول للشيخ عبد الرحيم: من مقاصدي إذا ذهبت لأحج رؤية الإمام الشنقيطي، وهذا الشيخ يا شيخنا! معروف على مستوى في دولتنا قطر، وكل طلبة العلم يحضرون له، فما رأيكم وما الرد على هذا؟ الشيخ: بارك الله فيك، ما كان ينبغي أن تطيل علينا بسردك لمثل هذا الهراء، فانتبه لما سأقول: باستثناء حديث أنس الذي حكيته عن الطحان أقول: أولاً: حديث أنس هو فعلاً حديث صحيح ولكن الإضاءة هي إضاءة معنوية يعني: هو كناية عن انتشار نور الإسلام، وإلا فالمدينة كما تعلم إذا أطفئت الأنوار اليوم فسنراها مظلمة كما كان الشأن في عهد الرسول عليه السلام، وقد جاء في الحديث

الصحيح أن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها استيقظت ليلة قالت: ولم تكن المصابيح يومئذٍ، لم تجد نبيها بجانبها فأخذت تبحث عنه والليل ظلام فوقعت يدها على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو ساجد في صلاته وقدماه منصوبتان وهو يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك» فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بلا شك نور هدى الله به العرب ثم العجم بسبب الهدى والنور الذي أنزله الله تبارك وتعالى على قلب الرسول، فلم تكن إضاءة المدينة المذكورة في حديث أنس هي إضاءة مادية وإلا كانت السيدة عائشة ترى نبيها - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يصلي في الغرفة .. في البيت، لكنها صرحت بأنها لم تره لم؟ لأنه لم تكن عندهم المصابيح يومئذٍ فأقول: باستثناء حديث أنس من ذاك الهراء، فحديث أنس صحيح ومعناه ليس كما يفسره الرجل. أقول بعد تكريري لهذا الاستثناء: الكلام الذي حكيته عنه كله هراء ويجب أن يطحن من الطحانين طحناً. سمعت الجواب؟ مداخلة: ماذا تنصحون طلبة العلم جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: أنصحهم ألا يحضروا للرجل درساً؛ لأنه صوفي مبتدع ويتستر بالسنة وهو جاهل بها، والسلام عليكم ورحمة الله. مداخلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مداخلة: هذا عبد الرحيم ما كان يُصْدِرُ هذا في السعودية. الشيخ: ما كان نعم، هؤلاء يا أخي مصلحية هؤلاء. "الهدى والنور" (801/ 08: 20: 00)

[1377] باب ما هو المقام المحمود لنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وهل هو جلوسه على العرش؟

[1377] باب ما هو المقام المحمود لنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وهل هو جلوسه على العرش؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يجلسني أي الله تعالى على العرش». (باطل) [قال الإمام]: ذكره الذهبي في " العلو" (55 طبع الأنصار) من طريقين عن أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن أشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود قال: بينا أنا عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أقرأ عليه حتى بلغت {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: فذكره ومما يدل على [بطلانه .. ] أنه ثبت في " الصحاح " أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الضعيفة" (2/ 255). [1378] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}؛ قال: يُجْلِسُني معه على السريرِ». (باطل). [قال الإمام]: هذا حديث باطل مخالف لأحاديث جمع من الصحابة بعضها في "البخاري" (4718): أن المقام المحمود هو شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - الكبرى يوم القيامة. وراجع إن

[1379] باب ما أثبت للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا يصح

شئت "ظلال الجنة" (2/ 784 و785 و789 و804 و813)، و"الصحيحة" (2369 و2370)، و "الدر المنثور" (4/ 197). "الضعيفة" (13/ 2/1043 - 1044). [1379] باب ما أُثْبِتَ للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا يصح [قال الإمام]: والناس في هذه المسألة [أي مسألة إثبات خصوصيات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -] على طرفي نقيض، فمنهم من ينكر كثيراً من خصوصياته الثابتة بالأسانيد الصحيحة، إما لأنها غير متواترة بزعمه، وإما لأنها غير معقولة لديه! ومنهم من يثبت له عليه السلام ما لم يثبت مثل قولهم: إنه أول المخلوقات، وإنه لا ظل له في الأرض وإنه إذا سار في الرمل لا تؤثر قدمه فيه، بينما إذا داس على الصخر علم عليه، وغير ذلك من الأباطيل. والقول الوسط في ذلك أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بشر بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة، فلا يجوز أن يعطى له من الصفات والخصوصيات إلا ما صح به النص في الكتاب والسنة، فإذا ثبت ذلك وجب التسليم له، ولم يجز رده بفلسفة خاصة علمية أو عقلية، زعموا، ومن المؤسف، أنه قد انتشر في العصر الحاضر انتشاراً مخيفاً رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترد من بعض الناس، حتى ليكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من البشر الذين ليسوا معصومين، فهم يأخذون منها ما شاؤوا، ويدعون ما شاؤوا، ومن أولئك طائفة ينتمون إلى العلم، وبعضهم يتولى مناصب شرعية كبيرة! فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله تعالى أن يحفظنا من شر الفريقين المبطلين والغالين. الصحيحة (1/ 1/296).

[1380] باب هل يعلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟

[1380] باب هل يعلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟ [قال الإمام]: الأمر عندنا معشر المسلمين ... أنه عليه السلام مميز على البشر بالوحي، ولذلك أمره الله - تبارك وتعالى - أن يبين هذه الحقيقة للناس فقال في آخر سورة الكهف: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وعلى هذا كان لكلامه - صلى الله عليه وآله وسلم - صفة العصمة من الخطأ لأنه كما وصفه ربه عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وليس هذا الوحي محصوراً بالأحكام الشرعية فقط، بل يشمل نواحي َ أخرى من الشريعة منها الأمور الغيبية، فهو - صلى الله عليه وسلم - وإن كان لا يعلم الغيب كما قال فيما حكاه الله عنه: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف:187) فإن الله تعالى يطلعه على بعض المغيبات وهذا صريح في قول الله تبارك وتعالى {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} وقال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}. فالذي يجب اعتقاده أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يعلم الغيب بنفسه ولكن الله تعالى يُعْلِمُهُ ببعض الأمور المغيبة عنا، ثم هو صلى الله تعالى عليه وسلم يظهرنا على ذلك بطريق الكتاب والسنة، وما نعلمه من تفصيلات أمور الآخرة من الحشر والجنة والنار ومن عالم الملائكة والجن وغير ذلك مما وراء المادة، وما كان وما سيكون، ليس هو إلا من الأمور الغيبية التي أظهر الله تعالى نبيه عليها، ثم بلَّغنا إياها، فكيف يصح بعد هذا أن يرتاب مسلم في حديثه لأنه يخبر عن الغيب؟! ولو جاز هذا للزم منه رد أحاديث كثيرة جداً قد تبلغ المائة حديثاً أو تزيد، هي كلها من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم - وصدق رسالته، وردُّ مثل هذا ظاهر البطلان، ومن المعلوم أن ما

لزم منه باطل فهو باطل، وقد استقصى هذه الأحاديث المشار إليها الحافظ ابن كثير في تاريخه وعقد لها باباً خاصاً فقال: " باب ما أخبر به - صلى الله عليه وآله وسلم - من الكائنات المستقبلة وفي حياته وبعدها فوقعت طبق ما أخبر به سواء بسواء " ثم ذكرها في فصول كثيرة فليراجعها [مَنْ] .. شاء في «البداية والنهاية» (6/ 182 - 256) يجد في ذلك هدى ونوراً بإذن الله تعالى, وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ}. وقال: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ}. فليقرأ المسلمون كتاب ربهم وليتدبروه بقلوبهم يكن عصمة لهم من الزيغ والضلال، قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً» (¬1). " مقالات الألباني" (ص 159 - 161) ¬

(¬1) حديث صحيح، أخرجه ابن نصر في "قيام الليل " (ص74) وابن حبان في صحيحة (ج 1 رقم 122) بسند صحيح، وقال المنذري في "الترغيب" (1/ 40): (رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد). [منه].

[1381] باب لا يصح إطلاق القول بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علم جميع الكائنات

[1381] باب لا يصح إطلاق القول بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلِمَ جميع الكائنات عن عبد الرحمن بن عائش قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " رأيت ربي عز وجل في أحسن صورة قال: فبم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: أنت أعلم قال: فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمتُ ما في السماوات والأرض وتلا: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين}. [قال الإمام معلقًا على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فعلمتُ ما في السموات والأرض»]: يعني ما أعلمه الله تعالى مما فيهما من الملائكة والأشجار وغيرهما، وهو عبارة عن سعة علمه الذي فتح الله عليه، ولابد من هذا التقييد الذي ذكرناه؛ إذ لا يصح إطلاق القول بأنه علم جميع الكائنات التي في السماوات والأرض، كما قال العلامة الشيخ علي القاري (1/ 463) وهو الظاهر. "تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 225).

جماع أبواب عقيدة ختم النبوة بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - والرد على أهل الضلال ممن خالف هذه العقيدة كمدعي النبوة وأتباعهم

جماع أبواب عقيدة ختم النبوة بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - والرد على أهل الضلال ممن خالف هذه العقيدة كمدعي النبوة وأتباعهم

[1382] باب لا نبوة بعد نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -

[1382] باب لا نبوة بعد نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - «كان [أي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -] إذا انصرف من صلاة الغداة يقول: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ويقول: ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة». [قال الإمام]: الحديث نص في أنه لا نبوة ولا وحي بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا المبشرات: الرؤيا الصالحة، وهي جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة. "الصحيحة" (1/ 2/845). [1383] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن ضل في عقيدة ختم النبوة بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال الإمام]: لقد ضلت طائفة زعمت بقاء النبوة واستمرارها بعده - صلى الله عليه وآله وسلم -، وتأولوا بل عطلوا معنى هذا الحديث، ونحوه مما في الباب، وكذلك حرفوا قول الله تعالى: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} بمثل قولهم: أي زينة النبيين! وتارة يقولون: هو آخر الأنبياء المشرعين، ويقولون ببقاء النبوة غير التشريعية. "الصحيحة" (1/ 2/845). [1384] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «في أمتي كذابون ودجالون، سبعة وعشرون، منهم أربعة نسوة، وإني خاتم النبين، لا نبي بعدي».

[1385] باب منه

[قال الإمام]: وفي الحديث رد صريح على القاديانية وابن عربي قبلهم القائلين ببقاء النبوة بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأن نبيهم المزعوم ميرزا غلام أحمد القادياني كذاب ودجال من أولئك الدجاجلة."الصحيحة" (4/ 654 - 655). [1385] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «لا مهدي إلا عيسى» (منكر) [قال الإمام]: وهذا الحديث تستغله الطائفة القاديانية في الدعوة لنبيهم المزعوم: ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة، ثم ادعى أنه هو عيسى بن مريم المبشر بنزوله في آخر الزمان، وأنه لا مهدي إلا عيسى بناء على هذا الحديث المنكر، وقد راجت دعواه على كثيرين من ذوي الأحلام الضعيفة، شأن كل دعوة باطلة لا تعدم من يتباناها ويدعوإليها، وقد ألفت كتب كثيرة في الرد على هؤلاء الضلال، ومن أحسنها رسالة الأستاذ الفاضل المجاهد أبي الأعلى المودودى رحمه الله في الرد عليها، وكتابه الآخر الذي صدر أخيرا بعنوان " البيانات " فقد بين فيهما حقيقة القاديانيين، وأنهم مرقوا من دين المسلمين بأدلة لا تقبل الشك، فليرجع إليهما من شاء. "الضعيفة" (1/ 175 - 176).

[1386] باب منه

[1386] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن له (يعني إبراهيم بن محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -) مرضعا في الجنة، ولو عاش لكان صديقا نبيا، ولوعاش لعتقت أخواله القبط، وما استرق قبطي قط». (ضعيف) [قال الإمام]: أخرجه ابن ماجه (1/ 459، 460) من طريق إبراهيم بن عثمان، حدثنا الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى رسول الله عليه وقال: فذكره. وهذا سند ضعيف من أجل إبراهيم بن عثمان، فإنه متفق على ضعفه، ولكن الجملة الأولى من الحديث وردت من حديث البراء، رواه أحمد (4/ 283، 284، 289، 297، 300، 302، 304) وغيره بأسانيد بعضها صحيح. والجملة الثانية وردت عن عبد الله بن أبي أوفى قيل له: رأيت إبراهيم ابن رسول الله؟ قال: مات وهو صغير، ولو قضي أن يكون بعد محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - نبي لعاش ابنه ولكن لا نبي بعده، رواه البخاري في " صحيحه " (10/ 476) وابن ماجه (1/ 459) وأحمد (4/ 353) ولفظه: ولوكان بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نبي ما مات ابنه إبراهيم، وعن أنس قال: رحمة الله على إبراهيم لو عاش كان صديقاً نبياً، أخرجه أحمد (3/ 133 و280 - 281) بسند صحيح على شرط مسلم، ورواه ابن منده وزاد: " ولكن لم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء " كما في " الفتح " للحافظ ابن حجر (10/ 476) وصححه.

[1387] باب منه

وهذه الروايات وإن كانت موقوفة فلها حكم الرفع إذ هي من الأمور الغيبية التي لا مجال للرأي فيها، فإذا عرفت هذا يتبين لك ضلال القاديانية في احتجاجهم بهذه الجملة: " لوعاش إبراهيم لكان نبياً " على دعواهم الباطلة في استمرار النبوة بعده - صلى الله عليه وآله وسلم - لأنها لا تصح هكذا عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن ذهبوا إلى تقويتها بالآثار التي ذكرنا كما صنعنا نحن فهي تلقمهم حجراً وتعكس دليلهم عليهم إذ إنها تصرح أن وفاة إبراهيم عليه السلام صغيراً كان بسبب أنه لا نبي بعده - صلى الله عليه وآله وسلم - ولربما جادلوا في هذا - كما هو دأبهم - وحاولوا أن يوهنوا من الاستدلال بهذه الآثار، وأن يرفعوا عنها حكم الرفع، ولكنهم لم ولن يستطيعوا الانفكاك مما ألزمناهم به من ضعف دليلهم هذا ولومن الوجه الأول وهو أنه لم يصح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - مرفوعا صراحة. "الضعيفة" (1/ 387 - 388). [1387] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (لا أصل له بهذا اللفظ) [قال الإمام]: وهذا الحديث رأيته في بعض كتب الشيعة، ثم في بعض كتب القاديانية يستدلون به على وجوب الإيمان بدجالهم ميرزا غلام أحمد المتنبي، ولوصح هذا الحديث لما كان فيه أدنى إشارة إلى ما زعموا، وغاية ما فيه وجوب اتخاذ المسلمين إماماً يبايعونه، وهذا حق كما دل عليه حديث مسلم وغيره. "الضعيفة" (1/ 525).

[1388] باب منه

[1388] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» [قال الإمام]: لا أصل له باتفاق العلماء، وهو مما يستدل به القاديانية الضالة على بقاء النبوة بعده - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولو صح لكان حجة عليهم كما يظهر بقليل من التأمل. "الضعيفة" (1/ 677 - 678). [1389] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إذا جلس القاضي في مكانه، هبط عليه ملكان يسددانه ويوقفانه ويرشدانه ما لم يجر، فإذا جار عرجا وتركاه» (موضوع) [قال الأمام]: قلت: وهو من الأحاديث الكثيرة الباطلة التي تحتج بها الفئة القاديانية الضالة على بعض ما يذهبون إليه مما خالفوا فيه الكتاب والسنة وإجماع الملة؛ ألا وهو قولهم ببقاء النبوة والوحي، ونزول الملائكة به بعد خاتم النبياء محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومع أن الحديث ليس صريحاً في ذلك، فهم يجادلون به، مع علمهم أنه من رواية هذا الكذاب، لأن علم الحديث وقواعده مما لا يلتفتون إليه، شأن أهل الأهواء جميعاً، فكل حديث وافق مذهبهم وأهواءهم فهو صحيح عندهم، ولو كان راويه مسيلمة الكذاب! "الضعيفة" (5/ 52).

[1390] باب منه

[1390] باب منه [قال الإمام]: القاديانية لا شك أنهم يدعون الإسلام ولكن الإسلام منهم بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب كما يقال في المثل العربي القديم؛ ذلك لأنهم خالفوا سبيل المسلمين في كثير من عقائدهم، فهم مثلاً يعتقدون بأن باب النوبة لم يختم .. لم يغلق .. باب النبوة لا يزال مفتوحاً، وأكدوا ذلك بادعاء نبيهم الذي كان يسمى: بميرزا غلام أحمد القادياني ادعى النبوة، ولذلك فهم يؤمنون بنبوة: ميرزا غلام أحمد القادياني ويكفروننا نحن معشر المسلمين؛ لأننا لا نؤمن بنبيهم هذا الدجال، طيب! ألا يؤمنون بقوله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)؟ يؤمنون طبعاً؛ لأنهم لو أنكروا كفروا وارتدوا عن دينهم، كيف إذاً يؤمنون بهذا النص القرآني ويعتقدون بمجيء نبي ويصرحون بأنه سيأتي أنبياء كثر من أمثال هذا النبي خاصتهم. اسمعوا الآن ماذا يفعلون بالآية هذه ويخالفون سبيل المؤمنين كما قال رب العالمين، قالوا: أنتم أسأتم فهم هذه الآية فوقعتم في الخطأ وفي الضلال؛ لأنكم فهمتم من قوله: {خَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) أي: آخرهم هذا خطأ، والصواب في فهم الآية: {خَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) أي: زينة النبيين كالخاتم في الإصبع، إذاً: هم آمنوا بالآية لكن كفروا بالمعنى فلم يفدهم شيئًا .. "الهدى والنور" (544/ 41: 00: 00) [1391] باب منه وهل يكفر من ينكر عقيدة ختم النبوة نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ [قال الإمام]: لابد أنكم تسمعون بطائفة اسمها القاديانية ينتسبون إلى بلدة أو قرية في

الباكستان تسمى بقاديان هنا خرج رجل من الصوفية عالم، لكن كان صوفياً صاحب طريقة فادعى أولاً: بأنه المهدي، ثم ادعى بأنه عيسى المبشر بنزوله في آخر الزمان، ثم ادعى أنه يوحى إليه، وله كتاب مطبوع باللغة العربية اسمه: حقيقة الوحي، وله هناك كفريات عجيبة جداً هذا النبي الذي كذب وافترى على الله عز وجل. يقول هناك مثلاً يزعم أن اسمه أحمد وكان اسمه الذي سماه أبوه غلام أحمد ترجمة غلام أحمد في لغتهم أي: خادم أحمد والمقصود بأحمد هنا: نبينا محمد عليه السلام، وهذا الوليد سموه تبركاً بغلام أحمد أي: خادمه، ثم لما ترقى في الضلال حذف كلمة غلام وبقي اسمه: أحمد، ثم زعم بأن الله عز وجل أوحى إليه ذلك الكتاب المعروف بحقيقة الوحي ماذا يقول فيه؟ قال الله له: يا أحمد أنت مني بمنزلة توحيدي أنت مني بمنزلة تفريدي يعني: توحيده هو بمنزلة توحيد الله عز وجل. وله من مثل هذه الضلالات كثيرة وكثيرة جداً، لكنه لما ادعى النبوة اتبعه ناس إلى اليوم وهو مضى عليه تقريباً نحو سبعين سنة، مات له أتباع اليوم منتشرون في بريطانيا في ألمانيا في فرنسا ولهم نشاط عجيب في الدعوة لا أقول في الدعوة إلى الإسلام، وإنما في الدعوة إلى إسلامهم؛ لأن من إسلامهم أن النبوة لم تنقطع خلافاً للآية المعروفة: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) خلافاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبي بعدي ولا رسول بعدي» (¬1). ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم1631).

وخلاف قوله عليه السلام لعلي لما ذهب عليه السلام إلى تبوك وخلفه في المدينة نائباً عنه قال له عليه الصلاة والسلام: «أنت بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي» (¬1). هؤلاء القاديانيون لا تظنوا أنهم ينكرون شيئاً من أركان الإيمان، أو شيئاً من أركان الإسلام لا هم يؤمنون معنا في كل هذه الأركان، فهم يصلون ويصومون ويحجون، وأسماؤهم أسماء إسلامية تماماً، فهل ترونهم مسلمين وهم يعتقدون بأنه هذا الرجل نبي صادق؟ ثم هذا الرجل يقول: بأنه سيأتي أنبياء من بعده؟ طبعاً: هؤلاء ليسوا من المسلمين؛ لأنهم أنكروا كما يقول الفقهاء: ما هو معلوم من الدين بالضرورة، معلوم من الدين بالضرورة عند كل مسلم أنه لا نبي بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - للآية المذكورة آنفاً، وللأحاديث التي ذكرت بعضها أيضاً آنفاً. الشاهد: هل يؤمنون بهذه الآية؟ الجواب: نعم. هل يصدقون بهذه الأحاديث؟ الجواب: نعم. كيف هذا وهم يقولون بخلاف الآية، وبخلاف الأحاديث؟ هنا تأتي مصيبة التأويل، هنا تأتي مصيبة التأويل الذي كان سبباً لتفريق المسلمين تلك الفرق القديمة، والتي لا يزال شيء من آثارها حتى اليوم. المعتزلة مثلاً: ضلوا وخرجوا عن الجماعة، هل كفروا بشيء من آيات القرآن؟ الجواب: لا. إذاً: لماذا ضلوا؟ لأنهم سلطوا معول التأويل على نصوص القرآن والسنة، فضلوا ضلالاً بعيداً. كذلك هؤلاء القاديانيون ما خرجوا عن القرآن والسنة لفظاً، ولكنهم خرجوا عن القرآن والسنة تأويلاً، وتحريفاً فقالوا مثلاً في الآية السابقة: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم1484).

وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} (الأحزاب:40) أي: هو رسول الله حقاً وصدقاً، لكن خاتم النبيين معنى هذا الوصف أنه زينة النبيين، وليس آخرهم، {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) قالوا: هذا تشبيه، وهذا مجاز كما أن الخاتم في الإصبع زينة الأصابع واليد، كذلك محمد هو خاتم الأنبياء أي: زينتهم وليس آخرهم، فإذاً: هم آمنوا وهم كفروا، أي: آمنوا بلفظ القرآن وكفروا بمعناه، تُرى هل ربنا عز وجل حينما يريد منا أن نؤمن بالقرآن يريد منا أن نؤمن بلفظه دون معناه، أو بمعناه دون لفظه، أم يريد منا أن نؤمن بهما كليهما لفظاً ومعناً؟ لاشك أن الجواب: لفظاً ومعنى. وجد في المسلمين من الفلاسفة الذين يعتبرون من الذين خرجوا من دين الله أفواجاً، وكما تخرج الشعرة من العجين قالوا: الآيات التي جاءت تأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ليس المقصود بهذه الآيات هو هذه الصلاة التي يفعلها المسلمون حتى اليوم والحمد لله، صلوات في أوقات خمسة بركعات معروفة، بشروط وأركان وو إلى آخره، لا، هذا خطأ في فهم الآية إنما المقصود: أقيموا الصلاة يعني: الدعاء، والزكاة يعني: تطهير النفس. فعطلوا هذه الشرائع كلها، ومعنى هذا: أنهم لا يؤمنون بالله ورسوله حقاً، هذا ما يقوله بعض الفلاسفة الإسلاميين. لكن هناك ضلال أدنى درجة من هذا الضلال، لكنه ضلال أيضاً، ولا أريد أن أعود إلى بعض الأمثلة القديمة حسبنا هذا المثال الجديد الآن: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) أي: زينتهم أي: هو ليس آخرهم؛ لأنه جاء بعد الرسول غلام أحمد القادياني، وسيأتي من بعده أنبياء كثر، والآية فسروها أولوها عطلوا دلالتها كاليهود يحرفون الكلم من بعد مواضعه، فوقعوا في الكفر وهم

[1392] باب منه

يعتمدون على القرآن، وهم يعتمدون على القرآن زعموا مؤولين للآية خلاف تأويلها الصحيح، ماذا فعلوا بالحديث! سمعتم آنفاً قوله عليه السلام لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي» قالوا: لا نبي معي، أما بعد موته فهناك أنبياء هكذا. إذاً: هؤلاء هم من الفرق التي جاء الإشارة إليها في قوله عليه الصلاة والسلام: «وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» هذه الفرقة من هذه الفرق الاثنين والسبعين الهالكة لماذا؟ لأنهم ولو آمنوا بالقرآن، ولكنهم سلكوا غير سبيل المؤمنين في تفسير القرآن من أجل ذلك قال الله عز وجل في الآية السابقة في القرآن: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115). فإذاً: هؤلاء القاديانيون وأمثالهم قديماً، وربما حديثاً: لما آمنوا بالآية وأولوها غير تأويل المؤمنين إذاً: جزاؤهم ما جاء في الآية: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115) ... "الهدى والنور" (705/ 30: 18: 00). [1392] باب منه [قال الإمام]: القاديانيون يتأولون القرآن في بعض آياته تأويلاً ويفسرونها تفسيراً يلتقي مع ضلالهم الكبير الذي منه ادعاؤهم عدم ختم النبوة بمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهم يصرون على تأويل قوله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) بمعنى وبتأويل

[1393] باب منه

يبطلون دلالة الآية على أنه كما قال عليه السلام في أحاديث كثيرة: «أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي»، فيقولون في تفسير الآية: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) أي: هو زينة النبيين، كما أن الخاتم زينة الإصبع فرسول الله زينة الأنبياء هكذا اعتقادهم. "الهدى والنور" (654/ 00:22:18). [1393] باب منه [قال الإمام]: كلكم يسمع بطائفة معاصرة لم يمض على نشأتها إلا أقل من قرن من الزمان، ألا وهم الطائفة القاديانية، هؤلاء مسلمون وليسوا بمسلمين، مسلمون يصومون ويصلون، ويشهدون كما نشهد لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويحجون أيضاً، ولكنهم كما قلت آنفاً ليسوا مسلمين؛ لأنهم خالفوا سبيل المؤمنين، فصبت عليهم الآية السابقة صباً، {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين .. } هؤلاء اتبعوا غير سبيل المؤمنين، لكنهم حينما اتبعوا غير سبيل المؤمنين، هل أعرضوا عن الكتاب والسنة، لا. هم يتحدوننا ويقولون لنا: نحن مع الكتاب والسنة، أما أنتم فقد أخطأتم الكتاب والسنة، مثال واحد كما قلت آنفاً. هؤلاء لهم عقائد كثيرة انحرفوا فيها عن سبيل المؤمنين، ولسنا أيضاً في هذا الصدد، لكن حسبكم هذا المثال: من عقائدهم أن النبوة لم تختم ولن تنقطع بنبينا عليه الصلاة والسلام، بل لا تزال أبواب النبوة مفتحة على مصراعيها إلى ما شاء الله في زعمهم، ثم زعموا أن أحد هؤلاء جاءهم، وجاءهم من بلاد الهند ومن قرية اسمها قاديان، ولذلك هم

ينسبون إليها فيقال عنهم: القاديانيون، هذا الرجل اسمه ميرزا غلام أحمد القادياني، يؤمن بالكتاب والسنة، لكنه لا يؤمن بالكتاب والسنة، أظن يسهل عليكم أن تفهموا هذا الكلام المتناقض ظاهراً، هم يؤمنون بالكتاب والسنة ولكنهم لا يؤمنون بالكتاب والسنة. كيف هذا؟ يؤمنون بألفاظ الكتاب والسنة، ولكنهم لا يؤمنون بحقائق معانيها، واللفظ كما نعلم جميعاً، الألفاظ هي قوالب المعاني، فهي وسيلة للتعبير عما في نفس المتكلم، وليس اللفظ هو المقصود بالذات كما قيل قديماً: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلاً فإذا آمن مؤمن بكلام الله عز وجل، لكنه حرفه عن المعنى الحقيقي، فهو آمن باللفظ وكفر بالمعنى. إذاً: هو كفر بحقيقة الآية وإن آمن بلفظها، فهناك الآية الكريمة: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)، هل كفروا بهذه الآية؟ لا ما كفروا، بل كفروا. عرفتم الآن؟ لِمَ؟ لأنهم فسروا {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} بغير المعنى الذي تلقاه الخلف عن السلف، ووصل إلينا تفسير الآية بالتواتر من أحاديث الرسول عليه السلام، من تفسير الصحابة والتابعين إلى أن جاء المعنى الصحيح مدوناً في كل كتب المسلمين عقيدةً وحديثاً وتفسيراً، {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} أي: آخرهم. فماذا قال هؤلاء الضالون؟ آمنوا، ما أنكروا أن الله قال: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} قالوا: أي

زينتهم. وليس معنى الآية آخرهم. قالوا: كما أن الإصبع زينته الخاتم، كذلك رسول الله هو زينة الأنبياء، فأنتم معشر المسلمين ضللتم في فهم هذه الآية، والحقيقة أنهم هم الضالون؛ لأنهم خالفوا سبيل المؤمنين، أظن هذا المثال يكفيكم تماماً أن تفهموا أنه لا يكفي في هذا العصر أن نقول: الكتاب والسنة؛ لأن كلاً من الكتاب والسنة يفسر حسب المذاهب والمشارب والأهواء، وهذا هو المثال. لذلك نحن دعوتنا يجب أن تكون قائمة عندكم بصورة واضحة جداً قائمة على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، فمن وافقنا على هذا فهو معنا، وإلا فحسبه أن يكون فرقة من تلك الفرق التي حكم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليها بأنها في النار، ونحن نقول بلسان الحال وبلسان القال كما قال رب الأنام في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة:105) المهم أن نكون على بينة من دعوتنا، وعلى أي أساس قامت دعوتنا، وما هو نقطة الخلاف بين دعوتنا هذه وبين دعوات أخرى قد تلتقي كلها أو بعضها على الأقل معنا في الكتاب والسنة، ولكن تنفصل عنا في الاحتجاج بما كان عليه سلفنا الصالح، هذا فيما يتعلق بتعريف العلم الذي يجب أن يكون قائماً في أذهان المسلمين بعامة، ونختم ذلك بشعر ابن القيم الجوزية حيث جمع هذا المعنى في شعر لطيف جميل فقال: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه هذه ثلاثة أشياء ..

[1394] باب منه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه كلا ولا جحد الصفات ونفيها حذراً من التعطيل والتشبيه "الهدى والنور" (632/ 00:05:52) [1394] باب منه [قال الإمام]: طائفة القاديانية ... أنكروا بطريق التأويل كثيراً من الحقائق الشرعية المجمع عليها بين الأمة كقولهم ببقاء النبوة بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - متأسين في ذلك بنبيهم ميرزا غلام أحمد ومن قبله ابن عربي في "الفتوحات المكية " وتأولوا قوله تعالى: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} بأن المعنى زينة النبيين وليس آخرهم وقوله ص: «لا نبي بعدي» بقولهم: أي معي. "مختصر العلو" (ص32). [1395] باب منه عَنْ أَبِى نَوْفَلٍ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ - قَالَ -: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولاً لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللَّهِ لأُمَّةٌ أَنْتَ

أَشَرُّهَا لأُمَّةٌ خَيْرٌ. ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ فَأُلْقِىَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ لَتَأْتِيَنِّى أَوْ لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مِنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ - قَالَ -: فَأَبَتْ وَقَالَتْ وَاللَّهِ لاَ آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَىَّ مَنْ يَسْحَبُنِى بِقُرُونِى - قَالَ -: فَقَالَ: أَرُونِى سِبْتَىَّ. فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِى صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ؟ قَالَتْ رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِى أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَطَعَامَ أَبِى بَكْرٍ مِنَ الدَّوَابِّ، وَأَمَّا الآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِى لاَ تَسْتَغْنِى عَنْهُ أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - حَدَّثَنَا «أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا». فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلاَ إِخَالُكَ إِلاَّ إِيَّاهُ - قَالَ - فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا. [قال الإمام معلقاً على قول أسماء: "فأما الكذاب فقد رأيناه":] تعني المختار بن عبيد الثقفي, كان شديد الكذب ومن أقبحه أنه ادعى أن جبريل عليه السلام يأتيه, قلت: ومثله نبي القاديانية المدعو ميراز غلام أحمد القادياني, هذا حقيقة اسمه "غلام أحمد" ومعناه خادم أحمد أي نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. ثم حذف القاديانية منه (غلام) وأطلقوا عليه اسم أحمد, ليوهموا ضعفاء الأحلام أنه المعني بقوله تعالى {ومبشراً برسول يأتي من بعده اسمه أحمد}!! ومعنى (المبير) المهلك. "مختصر صحيح مسلم" (ص 462).

[1396] باب منه

[1396] باب منه [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية على نبينا ص: وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى] قلت: وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمته نصحاً لهم وتحذيراً في أحاديث كثيرة أنه سيكون بعده دجالون كثيرون وقال في بعضها: «كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي» رواه مسلم وغيره " الأحاديث الصحيحة" (1683) ومن هؤلاء الدجالين " ميرزا غلام أحمد القادياني " الذي ادعى النبوة وله أتباع منتشرون في الهند وألمانيا وإنكلترا وأمريكا ولهم فيها مساجد يضلون بها المسلمين، وكان منهم في سوريا أفراد استأصل الله شأفتهم وقطع دابرهم، ولهم عقائد كثيرة غير اعتقادهم بقاء النبوة بعده - صلى الله عليه وسلم -، وسلفهم فيه ابن عربي الصوفي ولهم في ذلك رسالة جمعوا فيها أقواله في تأييد اعتقادهم المذكور، لم يستطع المشايخ الرد عليها؛ لأنها مما قاله ابن عربي مع جزمهم بتكفيرهم، ولا مجال لذكر شيء من عقائدهم الآن، وهم بلا شك ممن عناهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح عنه: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم» رواه المؤلف في " مشكل الآثار " (4/ 104) وهو عند الإمام مسلم (1/ 9). وإن من أبرز علاماتهم أنهم حين يبدءون بالتحدث عن دعوتهم إنما يبتدئون قبل كل شيء بإثبات موت عيسى عليه الصلاة والسلام، فإذا تمكنوا من ذلك بزعمهم انتقلوا إلى مرحلة ثانية وهي ذكر الأحاديث الواردة بنزول عيسى عليه

[1397] باب ميرزا غلام أحمد أحد الكذابين الذين يكونون بين يدي الساعة

الصلاة والسلام ويتظاهرون بالإيمان بها ثم سرعان ما يتأولونها ما دام أنهم أثبتوا بزعمهم موته بأن المقصود نزول مثيل عيسى وأنه هو غلام أحمد القادياني ولهم من مثل هذا التأويل الشيء الكثير والكثير جداً مما جعلنا نقطع بأنهم طائفة من الباطنية الملحدة. "التعليق على متن الطحاوية" (ص21 - 23). [1397] باب ميرزا غلام أحمد أحد الكذابين الذين يكونون بين يدي الساعة عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم». رواه مسلم [قال الإمام:] ومنهم المدعو ميرزا غلام أحمد القادياني الهندي, الذي ادعى النبوة منذ أكثر من نصف قرن, وتبعه بعض من لا خلاق له هنا في دمشق وفي غيرها. " تحقيق مشكاة المصابيح" (3/ 1498). [1398] باب كيف نناقش من يدعي النبوة؟ مداخلة: عندنا يا شيخ في الزرقاء الآن كنت ذكرت لك من مدة أنه في أحد المعتوهين يدعي أنه صاحب الوسيلة. الشيخ: إيه. مداخلة: خرج الآن واحد جديد.

الشيخ: ما شاء الله. مداخلة: يقول: أنني أنا نبي. الشيخ: ما شاء الله. مداخلة: ونقلوا لي بعض الإخوة أنه حصل الآن في هذا المسجد الذي يصلي فيه كثير من الفتن. الشيخ: إيه. مداخلة: وكثير من الناس يعني مالوا إلى قوله. الشيخ: نعم. مداخلة: بأن محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أعطاه الحصة حقه. الشيخ: ما شاء الله. مداخلة: وأبو بكر أعطاه حصته لكن أعطاه ووزعها على أصدقائه وأصحابه. الشيخ: يا سلام. مداخلة: وعمر رضي الله عنه كذلك أعطى حصته لواحد من أصحاب هذا النبي المدَّعَى. الشيخ: ما شاء الله. مداخلة: فجاءونا بعض الناس ومن هؤلاء الناس يا شيخي، يعني ممن يعني يميل لقوله [فيقول:] ... يا أخي كل كلامه قال الله وقال الرسول أيش فيها؟ الشيخ: ما شاء الله.

مداخلة: أي نعم. فقالوا: نحن نريد الشيخ (عليًّا) ونريدك أن نجلس مع هذا الأخ، فقلت: أنا والله يعني سمعت أكثر من مرة أن مثل هؤلاء لا، يعني لا نضيع وقتنا معهم. الشيخ: أي والله. مداخلة: وأحببت والله أني أنا أستأنس في رأيك يا شيخنا، لأنه الآن الأمر أصبح يعني عام في الزرقاء. الشيخ: إيه. مداخلة: أي نعم. والرجل هذا كنا جلسنا معه قبل ثلاث سنوات. الشيخ: إيه. مداخلة: لعلي ذكرته لك شيخ كان ... يعني يقول عنده أنفاق من تحت الأرض يمر فيها. ومرة من المرات نزلت في الكويت فكنت ذكرت له أيش وجدت في الكويت وأين نزلت؟ قال: نزلت على دوار، يعني دوار للسيارات. الشيخ: إيه. مداخلة: وماذا رأيت هناك؟ قال: رأيت امرأة تلبس الثوب القصير وما رأى سوى هذا. فنريد منك نصيحة يعني أن تنصحنا أن نذهب إليه ونبين للناس دجل هذا الرجل بالحجة فنذهب وإلَّا فلا، أو شيء آخر أن نجلس معه ومع بعض الناس، لأنه هو الآن يتكلم بشكل عام شيخنا أمام العوام وأمام طلاب العلم من الإخوان، من رجال التحرير ومن الشباب السلفيين، فما هي نصيحتكم؟ هؤلاء

الناس يتكلم أمامهم يعني. الشيخ: نعم. مداخلة: أي نعم. يعني ليس فقط أمام العوام، بل أمام حتى بعض طلبة العلم، لكن الظاهر لم يجرؤ على محادثة أي أحد من هؤلاء. الشيخ: نعم. مداخلة: نعم. الشيخ: والله يخطر في خاطري خاطرة أنه الناس من أمثال هؤلاء الحمقى هؤلاء ما يصلح لهم إلا واحد يكون أبو صياح. مداخلة: نعم. الشيخ: تعرف ايش أقصد بأبي صياح. مداخلة: إيه، طبعاً شيخي. الشيخ: إيه. لذلك أنا أنصح أنك تروح إلى عند صاحبكم الجديد (¬1). مداخلة: نعم، مفهوم. الشيخ: بصوت واحد يتغلب عليه. مداخلة: والله ممتازة شيخنا. مداخلة: أي نعم. بس شيخنا، الشيخ ليس موجوداً هنا، بفرنسا الآن. ¬

(¬1) يقصد الشيخ شخصاً بعينه.

الشيخ: ما شاء الله. مداخلة: أنا متأكد لو كان موجوداً كان أقام الزرقاء على رأسه. الشيخ: نعم. مداخلة: أي نعم. الشيخ: طيب. والله يا أخي أنا أسألك: كل نبي له معجزة، أنت ما هي معجزتك؟ مداخلة: هو مجدد هذا القرن يا شيخ. الشيخ: ما عليك، هذه دعوى. ما هي المعجزة تبعه؟ مداخلة: نعم. الشيخ: أنت تعرفه سابقاً؟ مداخلة: نعم، أعرفه يا شيخنا. الشيخ: هو مثقف أو غير مثقف؟ مداخلة: الظاهر عنده بعض الثقافة. الشيخ: عنده بعض الثقافة. قد أيش عمره؟ مداخلة: يعني بحدود الأربعين. الشيخ: إيه. قول له: كل نبي كان يرسل على عمر الأربعين. مداخلة: نعم.

الشيخ: فأنت اسأله أولاً: أنت أيش عمرك؟ فإذا قال لك: لسه ما وصل الأربعين، قول له: ما صرت نبي. مداخلة: نعم. الشيخ: ثانياً: ما هي علامة نبوتك؟ شو في عندك معجزة وبرهان؟ مداخلة: نعم. الشيخ: الرسول جاء ببرهان وقرآن وهي معجزة الدهر، أنت ما هي معجزتك؟ هذا يريد واحد يسخر منه يا أخي. مداخلة: نعم والله يا شيخ. الشيخ: لذلك لا تتعب حالك ... "الهدى والنور" (318/ 48: 36: 00).

كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة

كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة

جماع أبواب مقدمات وقواعد هامة حول عقيدة أهل السنة في الصحابة

جماع أبواب مقدمات وقواعد هامة حول عقيدة أهل السنة في الصحابة

[1399] باب الشهادة بالجنة لمن شهد الله ورسوله له من الصحابة

[1399] باب الشهادة بالجنة لمن شهد الله ورسوله له من الصحابة [علق الإمام على قول صاحب الطحاوية]:"ولا ننزل أحداً منهم [أي من أهل القبلة] جنة"قائلاً: إلا العشرة المبشرين بالجنة وعبد الله بن سلام وغيرهم فإنا نشهد لهم بالجنة على شهادة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - , وقد صرح المصنف رحمه الله بذلك في الفقرة (95)، ومن ضلال بعض الكتاب اليوم وجهلهم غمزهم لعبد الله بن سلام بيهوديته قبل إسلامه مع شهادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - له بالجنة كما في " صحيح البخاري " وليت شعري أي فرق بين من كان يهودياًّ فأسلم وبين من كان وثنياًّ وأسلم لولا العصبية القومية الجاهلية. بلى هناك فرق فقد جاء في " الصحيحين " قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ثلاث لهم أجرهم مرتين. . .» فذكر منهم «ورجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فآمن به واتبعه وصدقه». فهذا له أجران دون الوثني إذا أسلم فله أجر واحد. "التعليق على متن الطحاوية" (ص76). [1400] باب عدم الإفراط في حب الصحابة [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية:] "ونحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا نفرط في حب أحد منهم": أي لا نتجاوز الحد في حب أحد منهم فندعي لهم العصمة كما تقول الشيعة في علي رضي الله عنه وغيره من أئمتهم. "التعليق على متن الطحاوية" (ص101).

[1401] باب الصحابة كلهم عدول عند أهل السنة

[1401] باب الصحابة كلهم عدول عند أهل السنة [أكثر الشيخ من ذكر هذه القاعدة في كتبه فانظر على سبيل المثال "الصحيحة" (3/ 360)، (5/ 399)، (6/ 2/1260)، (7/ 1/291)، (7/ 2/1189)]. [1402] باب أصحاب الرسول كلهم عدول في الرواية [قال الإمام]: المحدثون يقولون أصحاب الرسول كلهم عدول فيما يتعلق بالرواية عن الرسول عليه السلام. "الهدى والنور" (15/:00:41:51) [1403] باب أهل السنة يوالون الصحابة وآل البيت [قال الإمام معلقا على قول صاحب الطحاوية:] " ونحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم": أي: كما فعلت الرافضة فعندهم لا ولاء إلا ببراء. أي لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وأهل السنة يوالونهم جميعاً وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف لا بالهوى والتعصب. "التعليق على متن الطحاوية" (ص102). [1404] باب حكم سب الصحابة سؤال: نفترض أن واحداً وقع في سب الصحابة, ما الحكم المترتب عليه على هذا السب؟ الشيخ: طبعاً خالف النهي يعني حين قال عليه السلام: «لا تسبوا أصحابي,

فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحد مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» إذا سب فمعنى ذلك أنه خالف النهي, ولم يأتمر بأمر الرسول عليه السلام الذي يلزم منه الانتهاء عما نهى عنه, وهو ألا يسب أصحابه, وقد قال تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63). وبهذه المناسبة لا بد لي من لفت النظر إلى أن الأمر في هذا الحديث أعني في نهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - المسلمين كافة أن يسبوا أحداً من أصحابه, ذلك لا يعني من الباب الذي يسمى عند فقهاء الأصول مفهوم المخالفة, ليس لهذا الحديث مفهوم مخالفة؛ لأنه لا يجوز سب أي مسلم لا يجوز سب أي مسلم على وجه الأرض؛ لأنه مسلم يشارك الساب, والمفروض أنه أيضا مسلم مثله لا يجوز له أن يسب مسلماً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي قال: «لا تسبوا أصحابي» قد قال أيضاً: «لا تسبوا تُبَّعاً فإنه كان قد أسلم» , تُبَّع كان قد أسلم, إذن الإسلام وحده يكفي في ردع المسلم الملتزم بأحكام دينه عن أن يتوجه بسبابه إلى مسلم مثله, فمن باب أولى أنه لا يجوز أن يسب مسلماً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , ولو كان كما قال بعض التابعين أعرابيّاً بوالاً على عقبيه؛ لأنكم تعلمون أن الذين آمنوا بالنبي الأمي واتبعوه وكانوا من الرعيل الأول أي من القرن الأول الذي قال فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» لا شك أن أهل القرن الأول وهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , وغيرهم أيضاً ممن شاركوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته, ولكنهم لم يتسنى لهم المجيء إليه لكنهم آمنوا به غيبيّاً, هؤلاء كلهم من أهل القرن الأول فإذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد نهى المسلم أن يسب تبعاً بعلة شرعية وهي أنه كان قد أسلم, فمن باب أولى أن ينهى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يُسب أحد من أهل القرن الأول؛ لأنه أفضل الناس,

ثم أُعْلُ؛ فمن باب أولى أن ينهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يسب أحد من أهل القرن الأول الذين أتوا أو وفدوا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , وآمنوا به ثم رجعوا إلى قريتهم إلى بلدتهم إلى باديتهم وأخيرا أولى وأولى وأولى ألَّا يسب أحد من الصحابة الذين لهم سابقة في الإسلام, أو لهم جهود في الجهاد في سبيل الله ونحو ذلك, فهذه كلها درجات وإن كانت متفاوتة لكنها تدخل في النهي عن أن يسب أحد مسلماً ولو كان تبعاً لم يدرك الرسول عليه السلام لكنه أسلم إسلام الأولين, فكيف وقد جاء في "سنن أبي داود" و"مسند الإمام أحمد" وغيره أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعظ أظن أبا تميم الجهيني أو ما يشبه هذه هو الجهيني. مداخلة: أبو تميمة. الشيخ: أبو تميمة الجهيني الأيش. مداخلة: الهجيمي. الشيخ: الهجيمي أحسنت قال له واعظاً: «لا تسبن أحداً» (¬1) لا تسبن مسلماً فإذن انتهى الموضوع فإذا كان الرسول يقول لا تسبوا أصحابي, أنا أقول هذا التفصيل لأنني أدري أن من أقوال بعض الشراح أن هذا الحديث وجه النهي إلى بعض الصحابة الذين تأخروا في إسلامهم حينما بَدَرَ منهم شتم لبعض المتقدمين السابقين في الإسلام, هذا له وجاهة من القول لكنكم إذا تذكرتم هذا التسلسل في الاعتماد على أحاديث أخرى آخرها النهي عن سب أي مسلم حينئذ نعرف ضلال كثير من الشيعة الذين يصدعون ويجهرون بسب ليس فقط بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذين يقال عنهم أنهم من الذين أسلموا عام الفتح, بل يتعدون إلى سب نخبة أصحاب الرسول -عليه السلام- كأبي بكر وعمر وعائشة ونحو ذلك, المهم أن ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 98) , "الصحيحة" (3/ 99).

[1405] باب الترضي خاص بالصحابي عرفا

التوجه إلى سب أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مهما كانت مراتبهم فهي ضلالة شيعية, إن لم نقل أنها رافضية, إن لم نقل غير ذلك مما نسمعه اليوم في العالم الإسلامي حتى من هذا الخبيث السقاف حيث أعلن وسمعت أحد الأمريكان الذين أسلموا وكان المذكور جالساً يقول هذا يقول: إن معاوية في النار فسبه سبّاً قبيحاً, فأنا رددت عليه في حضوره, ولم يحر جواباً كما يقال, لذلك فينبغي على كل مسلم أن يحفظ لسانه من أن ينال عرضاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , وأن يتذكر معي: احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان, وأحسن من هذا قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» (¬1) وبهذا القدر كفاية. " الهدى والنور" (768/ 041: 09: 00 طريق الإسلام) [1405] باب الترضي خاص بالصحابي عرفاً [قال الإمام]: الترضي خاص بالصحابة عرفاً. وأما أتباعهم فيترحم عليهم. "الضعيفة" (11/ 2/770). [1406] باب القاعدة أن الصحابة كانوا متأولين في الحروب إلا ما استثني [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «قاتل عمار وسالبه في النار» [قال الإمام]: ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 5136) , "الصحيحة" (3/ 114).

[و] عن أبي غادية قال: " سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة، قال: فتوعدته بالقتل، قلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن، فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل: هذا عمار، فرأيت فرجة بين الرئتين وبين الساقين، قال: فحملت عليه فطعنته في ركبته، قال، فوقع فقتلته، فقيل: قتلت عمار بن ياسر؟! وأخبر عمرو بن العاص، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: (فذكره)، فقيل لعمرو بن العاص: هو ذا أنت تقاتله؟ فقال: إنما قال: قاتله وسالبه". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، وأبو الغادية هو الجهني وهو صحابي كما أثبت ذلك جمع، وقد قال الحافظ في آخر ترجمته من " الإصابة " بعد أن ساق الحديث، وجزم ابن معين بأنه قاتل عمار: " والظن بالصحابة في تلك الحروب أنهم كانوا فيها متأولين، وللمجتهد المخطىء أجر، وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس، فثبوته للصحابة بالطريق الأولى ". وأقول: هذا حق، لكن تطبيقه على كل فرد من أفرادهم مشكل لأنه يلزم تناقض القاعدة المذكورة بمثل حديث الترجمة، إذ لا يمكن القول بأن أبا غادية القاتل لعمار مأجور لأنه قتله مجتهداً، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: " قاتل عمار في النار "! فالصواب أن يقال: إن القاعدة صحيحة إلا ما دل الدليل القاطع على خلافها، فيستثنى ذلك منها كما هو الشأن هنا وهذا خير من ضرب الحديث الصحيح بها. والله أعلم. "الصحيحة" (5/ 18 - 19).

[1407] باب عدم عصمة آل البيت وزوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

[1407] باب عدم عصمة آل البيت وزوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ... علي بن أبي طالب ... قال: " أُكْثِرَ على مارية أم إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في قبطي - ابن عم لها - كان يزورها ويختلف إليها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لي: «خذ هذا السيف فانطلق إليه، فإن وجدته عندها فاقتله». فقلت: يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضى لما أرسلتني به، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: ... [الشاهد يرى ما لا يرى الغائب]، فأقبلت متوشحا السيف فوجدته عندها فاخترطت السيف، فلما أقبلت نحوه عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقى فيها، ثم رمى بنفسه على قفاه، وشفر برجليه، فإذا هو أجب أمسح، ما له ما للرجال قليل ولا أكثر، فأغمدت سيفي، ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأخبرته، فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت». [قال الإمام]: قلت: والحديث نص صريح في أن أهل البيت رضي الله عنهم يجوز فيهم ما يجوز في غيرهم من المعاصي إلا من عصم الله تعالى، فهو كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لعائشة في قصة الإفك: «يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ... » أخرجه مسلم. ففيهما رد قاطع على من ابتدع القول بعصمة زوجاته - صلى الله عليه وآله وسلم - محتجّاً بمثل قوله تعالى فيهن: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} جاهلاً أو متجاهلاً أن الإرادة في الآية ليست الإرادة الكونية التي تستلزم وقوع المراد وإنما هي الإرادة الشرعية المتضمنة للمحبة والرضا وإلا لكانت الآية حجة للشيعة في استدلالهم بها على عصمة أئمة أهل البيت وعلى رأسهم علي رضي الله عنه، وهذا مما غفل عنه ذلك المبتدع مع أنه يدعي أنه سلفي!

[1408] باب عدم عصمة زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على الشيعي الرافضي (2/ 117): " وأما آية التطهير فليس فيها إخبار بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس عنهم، وإنما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم وذهب الرجس عنهم، ... ومما يبين أن هذا مما أمروا به لا مما أخبر بوقوعه ما ثبت في " الصحيح " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أدرك الكساء على فاطمة وعلي وحسن وحسين ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». رواه مسلم. ففيه دليل على أنه لم يخبر بوقوع ذلك، فإنه لو كان وقع لكان يثني على الله بوقوعه ويشكره على ذلك لا يقتصر على مجرد الدعاء ". "الصحيحة" (4/ 527، 529 - 530). [1408] باب عدم عصمة زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مخاطباً عائشة]: - «إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن التوبة من الذنب: الندم والاستغفار». [قال الإمام]: وفيه دليل على عدم عصمة نسائه - صلى الله عليه وآله وسلم -، خلافاً لبعض أهل الأهواء! "الصحيحة" (3/ 209 - 210). [1409] باب الوصية بالعترة وبيان المراد بهم [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

[قال الإمام]: واعلم أيها القارئ الكريم، أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة، ويلهجون بذلك كثيراً، حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك، وهم جميعاً واهمون في ذلك، وبيانه من وجهين: الأول: أن المراد من الحديث في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " عترتي " أكثر مما يريده الشيعة، ولا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به، ألا وهو أن العترة فيهم هم أهل بيته - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد جاء ذلك موضحاً في بعض طرقه كحديث الترجمة: " عترتي أهل بيتي " وأهل بيته في الأصل هم " نساؤه - صلى الله عليه وآله وسلم - وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعاً كما هو صريح قوله تعالى في (الأحزاب): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا، وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى في بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (الأحزاب:32 - 34)، وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه - صلى الله عليه وآله وسلم - من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصاراً لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه، وحديث الكساء وما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية ودخول علي وأهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره، وكذلك حديث " العترة " قد بين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن المقصود أهل بيته - صلى الله عليه وآله وسلم - بالمعنى الشامل لزوجاته وعلي وأهله. ولذلك قال التوربشتي - كما في " المرقاة " (5/ 600): " عترة الرجل: أهل

بيته ورهطه الأدنون، ولاستعمالهم " العترة " على أنحاء كثيرة بينها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: " أهل بيتي " ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه ". والوجه الآخر: أن المقصود من " أهل البيت " إنما هم العلماء الصالحون منهم والمتمسكون بالكتاب والسنة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: " (العترة) هم أهل بيته - صلى الله عليه وآله وسلم - الذين هم على دينه وعلى التمسك بأمره ". وذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفا. ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله: " إن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه وحكمته. وبهذا يصلح أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} ". قلت: ومثله قوله تعالى في خطاب أزواجه - صلى الله عليه وآله وسلم - في آية التطهير المتقدمة: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى في بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}. فتبين أن المراد بـ (أهل البيت) المتمسكين منهم بسنته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فتكون هي المقصود بالذات في الحديث، ولذلك جعلها أحد (الثقلين) في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول وهو القرآن، وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في " النهاية ": " سماهما (ثقلين) لأن الآخذ بهما (يعني الكتاب والسنة) والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس (ثقل)، فسماهما (ثقلين) إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما ". قلت: والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ... ». قال الشيخ القاري (1/ 199): " فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، إما لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها ". إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث " الموطأ " بلفظ: " تركت فيكم أمرين لن

[1410] باب ظهور بدعة التشيع والطعن في الصحابة

تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنة رسوله ". وهو في " المشكاة" (186). وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ. والله المستعان. "الصحيحة" (4/ 355 - 361). [1410] باب ظهور بدعة التشيع والطعن في الصحابة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ألا إن الفتنة ههنا، ألا إن الفتنة ههنا [قالها مرتين أو ثلاثا]، من حيث يطلع قرن الشيطان، [يشير [بيده] إلى المشرق، وفي رواية: العراق]». [قال الإمام]: قلت: وطرق الحديث متضافرة على أن الجهة التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هي المشرق، وهي على التحديد العراق كما رأيت في بعض الروايات الصريحة، فالحديث عَلَمٌ من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن أول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سبباً للفرقة بين المسلمين، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة كبدعة التشيع والخروج ونحوها. وقد روى البخاري (7/ 77) وأحمد (2/ 85، 153) عن ابن أبي نعم قال: " شهدت ابن عمر وسأله رجل من أهل العراق عن محرم قتل ذبابا فقال: يا أهل العراق! تسألوني عن محرم قتل ذباباً، وقد قتلتم ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " هما ريحانتي في الدنيا. وإن من تلك الفتن طعن الشيعة في كبار الصحابة رضي الله عنهم، كالسيدة عائشة الصديقة بنت الصديق التي نزلت براءتها من السماء، فقد عقد عبد الحسين الشيعي المتعصب في كتابه " المراجعات " (ص 237) فصولاً عدة في الطعن فيها وتكذيبها في حديثها،

ورميها بكل واقعة، بكل جرأة وقلة حياء، مستنداً في ذلك إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وقد بينت قسما منها في " الضعيفة " (4963 - 4970) مع تحريفه للأحاديث الصحيحة، وتحميلها من المعاني ما لا تتحمل كهذا الحديث الصحيح، فإنه حمله - فض فوه وشلت يداه - على السيدة عائشة رضي الله عنها زاعما أنها هي الفتنة المذكورة في الحديث - {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} (¬1) معتمدا في ذلك على الروايتين المتقدمتين: الأولى: رواية البخاري: فأشار نحو مسكن عائشة ... والأخرى: رواية مسلم: خرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من بيت عائشة فقال: رأس الكفر من ههنا. فأوهم الخبيث القراء الكرام بأن الإشارة الكريمة إنما هي إلى مسكن عائشة ذاته، وأن المقصود بالفتنة هي عائشة نفسها! والجواب، أن هذا هو صنيع اليهود الذين يحرفون الكلم من بعد مواضعه، فإن قوله في الرواية الأولى: " فأشار نحو مسكن عائشة "، قد فهمه الشيعي كما لو كان النص بلفظ: " فأشار إلى مسكن عائشة "! فقوله: " نحو " دون " إلى " نص قاطع في إبطال مقصوده الباطل، ولاسيما أن أكثر الروايات صرحت بأنه أشار إلى المشرق. وفي بعضها العراق. والواقع التاريخي يشهد لذلك. وأما رواية عكرمة فهي شاذة كما سبق، ولو قيل بصحتها، فهي مختصرة جدًّا اختصاراً مخلاًّ، استغله الشيعي استغلالاً مرًّا، كما يدل عليه مجموع روايات الحديث، فالمعنى: خرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من بيت عائشة رضي الله عنها، فصلى الفجر، ثم قام خطيباً إلى جنب المنبر (وفي رواية: عند باب عائشة) فاستقبل مطلع الشمس، فأشار بيده، نحو المشرق. (وفي رواية للبخاري: نحو مسكن عائشة) وفي أخرى لأحمد: يشير بيده يؤم العراق. ¬

(¬1) الكهف: الآية:5. اهـ. [منه].

[1411] باب لا يلزم من التشيع في المتقدمين بغض الشيخين

فإذا أمعن المنصف المتجرد عن الهوى في هذا المجموع قطع ببطلان ما رمى إليه الشيعي من الطعن في السيدة عائشة رضي الله عنها. عامله الله بما يستحق. "الصحيحة" (5/ 653 - 657). [1411] باب لا يلزم من التشيع في المتقدمين بغض الشيخين [قال الإمام في الأجلح بن عبد الله الكندي وهو من رجال "تقريب التهذيب"]: لا ريب فيه أنه شيعي لإجماعهم على ذلك، ولا يلزم من التشيع بغض الشيخين رضي الله عنهما، وإنما مجرد التفضيل. "الصحيحة" (5/ 262). [1412] باب هل مِن الصحابة مَن يعذب قبل دخول الجنة؟ السائل: شيخنا في من الصحابة أناس يعني يحاسبون ويعذبون ثم يدخلون الجنة. في منهم له الدرجات هذه؟ الشيخ: ماذا يهمك من هذا السؤال؟ الملقي: والله هو سؤال خطر في بالي. الشيخ: ما أظن أنه خطر في بالك ههه مداخلة: ههه هه الشيخ: ههه هذه وسوسة من بعض الجهات .. شو بيهمك شو بيهمك له علاقة هذا بعقيدتك شيء من شان تصحح [عقيدتك] اسأل عما يهمك يا أخي، لأنه هذا باب يدخل منه الشيطان. "الهدى والنور" (547/ 20: 21: 00).

جماع أبواب فضائل الخلفاء الأربعة والكلام حول التفاضل بين عثمان وعلي

جماع أبواب فضائل الخلفاء الأربعة والكلام حول التفاضل بين عثمان وعلي

[1413] باب ترتيب الخلفاء الأربعة من ناحية الأفضلية

[1413] باب ترتيب الخلفاء الأربعة من ناحية الأفضلية [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب». (موضوع). [قال الإمام]: ثم إن روح التشيع واضح من الحديث، فإن من الثابت عند أهل السنة أن فضل الخلفاء الأربعة على ترتيبهم المعروف، فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وهذا التفضيل، ثابت عن علي نفسه، بل وفي زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا لا يعدلون بأبي بكر أحداً كما في البخاري وغيره، فكيف يمكن أن يقول: "وعلي سيد العرب "، فلا شك أن هذا من وضع الشيعة. "تحقيق بداية السول" (ص 28) [1414] باب حكم من طعن في خلافة الثلاثة [قال الإمام معلقًا على قول صاحب الطحاوية]: "ونثبت الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أولاً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه تفضيلاً له وتقديماً على جميع الأمة ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم لعثمان رضي الله عنه ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون".

[1415] باب أبو بكر الصديق خير من طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء

[قال]: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله. " مجموع الفتاوى " (3/ 153). "التعليق على متن الطحاوية" (ص102). [1415] باب أبو بكر الصديق خير من طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر». (موضوع). [قال الإمام]: ثم إن الحديث ظاهر البطلان، لمخالفته لما هو مقطوع به: أن خير من طلعت عليه الشمس إنما هو نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم الرسل والأنبياء، ثم أبو بكر، وقد جاء من طرق عن ابن جريج عن عطاء عن أبي الدرداء مرفوعا بلفظ: «ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر». أخرجه جمع من المحدثين منهم عبد بن حميد والخطيب وغيرهما، وهو أصح من الأول سنداً ومتناً كما ترى، وقد حسنه بعضهم، ولكن الطرق المشار إليها بحاجة إلى دراسة دقيقة، وهذا مما لم يتيسر لي بعد. والله الموفق. "الضعيفة" (3/ 533 - 534).

[1416] باب أبو بكر أحب الناس إلى رسول الله وأفضل الخلفاء الراشدين

[1416] باب أبو بكر أحب الناس إلى رسول الله وأفضل الخلفاء الراشدين «كان أحب النساء إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فاطمة، ومن الرجال علي». (باطل). [قال الإمام]: [وقد] صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خلافه، من رواية عمرو بن العاص قال: " أتيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، ثم من؟ قال: عمر. فعد رجالاً ". أخرجه الشيخان وأحمد (4/ 203). وله شاهد من حديث أنس قال: " قيل: يا رسول الله، أي الناس ... " دون قوله: " ثم من ... ". أخرجه ابن ماجه (101) والحاكم (4/ 12) وقال: "صحيح على شرط الشيخين ". وهو كما قال: " وشاهد آخر، فقال الطيالسي (1613): حدثنا زمعة قال: سمعت أم سلمة الصرخة على عائشة، فأرسلت جاريتها: انظري ما صنعت، فجاءت فقالت: قد قضت، فقالت: يرحمها الله، والذي نفسي بيده، قد كانت أحب الناس كلهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، إلا أباها". قلت: وهذا الإسناد لا بأس به في الشواهد. قلت: وكون أبي بكر رضي الله

[1417] باب من فضائل أبي بكر الصديق

عنه أحب الناس إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الموافق لكونه أفضل الخلفاء الراشدين عند أهل السنة، بل هو الذي شهد به علي نفسه رضي الله عنه، برواية أعرف الناس به ألا وهو ابنه محمد بن الحنفيه قال: "قلت لأبي: أي الناس خير بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر .. " الحديث. أخرجه البخاري (2/ 422). فثبت بما قدمنا من النصوص بطلان هذا الحديث. والله المستعان. "الضعيفة" (3/ 253، 255). [1417] باب من فضائل أبي بكر الصديق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أصبح منكم اليوم صائماً»؟ قال أبو بكر: أنا، قال: «من عاد منكم اليوم مريضاً»؟ قال أبو بكر أنا، قال: «من شهد منكم اليوم جنازة»؟ قال أبو بكر: أنا، قال: «من أطعم اليوم مسكيناً»؟ قال أبو بكر: أنا، قال مروان: بلغني أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «ما اجتمع هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة». [قال الإمام]: فيه فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه والبشارة له بالجنة، والأحاديث في ذلك كثيرة طيبة. "الصحيحة" (1/ 1/178 - 179). [1418] باب أبو بكر وعمر أفضل الصحابة [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]:

«اللهم! ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطير. فجاء أبو بكر فردَّه، وجاء عمر فردَّه، وجاء علي فأذن له». (منكر). [قال الإمام]: ولقد كان من هؤلاء الذين ضعفوه ولم يلتفتوا إلى طرقه الحاكم نفسه، فيما ذكره الذهبي في ترجمته من "السير" (17/ 168): أنهم كانوا في مجلس، فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير؟ فقال: "لا يصح، ولو صح، لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ". قال الذهبي عقبه:"فهذه حكاية قوية، فما باله أخرج حديث الطير في "المستدرك"؟! فكأنه اختلف اجتهاده، وقد جمعت طرق حديث الطير في جزء". قلت: وقد أشار الحاكم بجوابه المذكور إلى حقيقة علمية مقطوع بها عند أهل السنة، ولا يرتاب فيها إلا الرافضة وأمثالهم من فرق الضلالة، وهي أن أفضل الصحابة بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على الإطلاق أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما، كما جاء من طرق عن ابن عمر رضي الله عنه وبعضها في "صحيح البخاري"، وهي مخرجة في آخر المجلد الثاني من "ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة". وكذلك، فحديث الطير يخالف حديث عمرو بن العاص: أنه سأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أحب الناس إليك؟ قال: "عائشة". قال: قلت: من الرجال؟ قال: "أبوها". متفق عليه. (انظر مقدمة المجلد الثالث من "المشكاة"). ولذلك قال شيخ

[1419] باب خلافة أبي بكر

الإسلام ابن تيمية في رده على الشيعي في "منهاج السنة" (4/ 99): "إن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل ... "؟ في بحث له قيم، فراجعه. "الضعيفة" (14/ 1/173،182). [1419] باب خلافة أبي بكر [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن جِئْتِ ولم تجديني؛ فأتي أبا بكر؛ فهو الخليفة بعدي». [قال الإمام]: منكر. أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في (الحجة) (ق145/ 1) عن الفضل بن جبير الوراق: حدثنا يحيى بن كثير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تسأله شيئاً، فقال لها: (تعودين). فقالت: يا رسول الله! إن جئتُ ولم أجدكَ - كأنها تعرض بالموت -؟ قال:. . . فذكره. وقال: (واللفظة الأخيرة تفرد بها الفضل بن جبير من هذا الوجه). قلت: وهو غير معروف؛ أورده الذهبي في (الميزان) وقال: "قال العقيلي: لا يتابع على حديثه". ثم ساق له من رواية سلم بن سلام عنه عن خلف عن علقمة بن مرثد عن أبيه عن عائشة مرفوعا؛ قال لرجل: «انطلق؛ فقل لأبي بكر: أنتَ خليفتي، فَصَلِّ بالناس. . .» الحديث. قلت: والحديث صحيح بدون ذكر: (فهو الخليفة بعدي)؛ ورواه جبير بن مطعم قال: أتت امرأةٌ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيتَ إن جئت ولم

[1420] باب سبب تسمية أبي بكر بالصديق

أجدك. -كأنها تقول: الموت-؟ قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن لم تجديني؛ فأتي أبا بكر». أخرجه البخاري (3659، 7220، 7360)، ومسلم (7/ 110)، والترمذي (3677) - وصححه-، والطيالسي (944)، وأحمد (4/ 82، 83)، وابن سعد في (الطبقات) (3/ 178). وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث الصحيح على أن أبا بكر هو الخليفة بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقال الحافظ في "الفتح" (13/ 333): " وهذا صحيح؛ لكن بطريق الإشارة لا التصريح، فلا يعارض جَزْمَ عمرَ بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يستخلف (يعني كما في البخاري 7218)؛ لأن مراده نفي النص على ذلك صريحاً والله أعلم ". هذا؛ وقد روى الأصبهاني أحاديث أخرى فيها التصريح بخلافة أبي بكر، ولا يصح شيء من أسانيدها، ومتونها منكرة؛ بل باطلة؛ كما يدل على ذلك جزم عمر المذكور. والله ولي التوفيق. "الضعيفة" (12/ 1/119 - 121). [1420] باب سبب تسمية أبي بكر بالصديق [عن عائشة رضي الله عنها قالت]: "لما أسري بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد

[1421] باب أبو بكر ليس بمعصوم

من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر الصديق". [ترجم له الإمام بما ترجمناه به ثم قال]: قد جزم الإمام أبو جعفر الطحاوي في " مشكل الآثار " (2/ 145) بأن سبب تسمية أبي بكر رضي الله عنه بـ "الصديق" إنما هو سبقه الناس إلى تصديقه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على إتيانه بيت المقدس من مكة، ورجوعه منه إلى منزله بمكة في تلك الليلة، وإن كان المؤمنون يشهدون لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بمثل ذلك إذا وقفوا عليه. "الصحيحة" (1/ 2/615، 617). [1421] باب أبو بكر ليس بمعصوم [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن الله يكره فوق سمائه أن يخطأ أبو بكر». (موضوع). [قال الإمام]: فإنه مع ضعف إسناده علامات الوضع عليه ظاهرة؛ فإن أبا بكر رضي الله عنه ليس معصوماً، وإذا كان كذلك فلماذا يكره الله أن يخطأ؟ كيف وقد يكون بيان خطئه واجباً في بعض الأحيان! وقد خطأه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نفسه في قصة مخرجة في "الصحيح" فانظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - له: "أصبت بعضاً، أخطأت بعضاً". "الضعيفة" (7/ 132 - 133).

[1422] باب من فضل عثمان وحيائه

[1422] باب من فضل عثمان وحيائه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (4/ 258). [1423] باب علي في الجنة [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «هذا في الجنة - يعني: علياً - وإن من شيعته قوماً يعلمون الإسلام ثم يرفضونه، لهم نبز يسمون: الرافضة، من لقيهم فليقتلهم، فإنهم مشركون». (منكر). [قال الإمام]: (تنبيه): قوله في علي رضي الله عنه: "هذا في الجنة" ثابت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من طرق، وهي عقيدة أهل السنة، وأنه من العشرة المبشرين بالجنة، كما جاء في غير ما حديث مرفوع عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. فانظر "تخريج العقيدة الطحاوية" (ص488 - 489). "الضعيفة" (14/ 1/95، 97).

[1424] باب الدعاء بالبغض لمن أبغض عليا

[1424] باب الدعاء بالبغض لمن أبغض عليّاً [قال الإمام]: حريز بن عثمان: هو الرَّحبي الحمصي، وهو ثقة من رجال البخاري؛ ولكنه كان يبغض علياً أبغضه الله! "الصحيحة" (7/ 2/693). [1425] باب من فضل جعفر, وعلي, وزيد [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي, وأشبه خلقي خلقك, وأنت مني وشجرتي، وأما أنت يا علي فختني، وأبو ولدي، وأنا منك وأنت مني، وأما أنت يا زيد فمولاي ومني وإلي، وأحب القوم إلي». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (4/ 66). [1426] باب فضل عليٍّ أشهر من أن يستدل له بالموضوعات [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليّاً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي». (موضوع).

[1427] باب هل يجوز تخصيص علي رضي الله عنه بالإمامة وبقولنا: كرم الله وجهه؟

[قال الإمام]: وفضل علي رضي الله عنه أشهر من أن يستدل عليه بمثل هذه الموضوعات، التي يتشبث الشيعة بها، ويسودون كتبهم بالعشرات من أمثالها، مجادلين بها في إثبات حقيقة لم يبق اليوم أحد يجحدها، وهي فضيلة علي رضي الله عنه. "الضعيفة" (2/ 298). [1427] باب هل يجوز تخصيص علي رضي الله عنه بالإمامة وبقولنا: كرم الله وجهه؟ سؤال: يقول السائل: بعض من يتسمون بالمشايخ يتعاملون بما يسمى الجَفْر ومفاتيح الرموز والأعداد وغير ذلك، ويعدون هذه الأمور من الدين، فالمرجو هو توضيح الأمر في ذلك؟ الشيخ: يقول بعض الظرفاء أو الأدباء من أصعب الأمور التحدث عن البدهيات والتدليل عليها ... نحن نقول: هذا العلم لا هو في الكتاب ولا هو في السنة، ولا هو مدروس ومعلوم عند السلف الصالح، بل نقول: ولا أحد من علماء المسلمين لا المجتهدين ولا المتبعين ولا المقلدين يقولون بهذا العلم، إنما يقول به ويدعيه من يريد أن يأكل أموال الناس بالباطل، ولذلك الجفر المنسوب إلى علي رضي الله عنه وكدت أن أقع في خطأ مشهور يقع فيه غيري، كدت أن أقول: الجفر المنسوب إلى الإمام علي، فحبست نفسي وحفظت لساني فلم أقل الإمام علي لأنه ليس إماماً، لا. هو من أئمة المسلمين بلا شك، ولكن العرف خصه بهذه اللفظة الإمام، أيُّ عرفٍ؟ العرف السني أم العرف البدعي؟ نعم. هو العرف الشيعي، هم الذين

سحبوا هذا اللقب وخصوه بعلي رضي الله عنه تعصباً منهم له وعلى الخلفاء الراشدين الأولين: أبي بكر وعمر وعثمان، ولذلك فمن الخطأ أن نذكر علياً بلفظة الإمام دون بقية الخلفاء الراشدين، فإذا قلنا: الإمام أبو بكر حينئذ جاز لنا أن نقول: الإمام علي، لكن أنا أذكركم: هل سمعتم يوماً ما عالماً من أهل السنة، أما الشيعة فلا نسأل عنهم لأنهم أعداء الإمامين الشيخين أبي بكر وعمر، لكن هل سمعتم يوماً ما عالماً من علماء المسلمين أهل السنة والجماعة يقولون: قال الإمام أبو بكر؟ الجواب: لا، لكن سمعتم مثلي وكدتم أن تسمعوا مني الإمام علي، لماذا؟ هذه الغفلة التي تسيطر على الناس، والتقليد الذي ران على قلوب كثير من الناس المسلمين فضلاً عن غيرهم، يقولون: قال الإمام علي رضي الله عنه، على الرأس والعين هو إمامنا بلا شك، ولكن لماذا خصصتم علياً بالإمامة؟ لأنه الإمام عند الشيعة، ولأنهم يزعمون ضغثاً على إبالة أن الخلافة كانت له بوصية الرسول زعموا له، ثم صادرها منه أبو بكر وعمر وعثمان طيلة هذه القرون الفاضلة، وهو لم يستطع أن يحرك ساكناً، لماذا؟ لأنهم زعموا أنه رأى المصلحة في ذلك، ما يطالب بحقه الذي أعطاه الرسول عليه السلام وفي حجة الوداع زعموا. إذاً: هذا تعبير شيعي، فيجب أن تحفظوا ألسنتكم منه. ومثله أيضاً قولهم: علي كرم الله وجهه، أيضاً خصصوا علياً بهذا التكريم، نحن نقول: عليٌ كرم الله وجهه لا شك، لكن لماذا خصصنا علياً دون أبي بكر وعمر وعثمان؟ نقول لكم كما قلنا آنفاً: لقد سمعتم الشيعة يقولون: الإمام علي كرم الله وجهه، لكن ما سمعتم منهم من يقول في أبي بكر والبقية: الإمام أبو بكر. كذلك ما قالوا ولن يقولوا: أبو بكر كرم الله وجهه إلى آخره، لكن ألم تسمعوا

كثيراً من مشايخ المسلمين يقولون: قال علي كرم الله وجهه؟ نعم. الأخرى كالأولى تماماً، والأخرى كالأولى تماماً. أعني: الأخرى كالأولى تماماً من حيث استعمالهم، والأخرى كالأولى من حيث عدم جواز تخصيص الأولى كالأخرى بعلي دون الأولين من الخلفاء الراشدين، لذلك ينبغي أن نحفظ ألسنتنا من أن نقول: قال علي كرم الله وجهه وحده، أو قال الإمام علي وحده، إن كان ولا بد أعطينا لبقية الخلفاء ما نعطيه لهم من الوصف ووصف يصدق عليهم جميعاً لكي لا نفرق بين أحد منهم. لا شك أن هذه آية جاءت في الأنبياء والرسل: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (البقرة:285) ولكن أتباع الرسل ينبغي أن نسلك فيهم سبيل الذي نسلكه مع الرسل، فهؤلاء جمعهم الرسول عليه السلام في ملتقى واحد كما يقولون في عبارة واحدة في جملة واحدة حيث قال: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي». وقال: «النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة ... » (¬1) إلى آخر العشرة المبشرين بالجنة. فإذاً: لا نفرق بين أحد منهم. غيره. [ثم تكلم الشيخ على الجفر وقد تقدم]. "الهدى والنور" (313/ 34: 28: 00) ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 4010).

[1428] باب منه

[1428] باب منه [وصف أحد السائلين علياً -رضي الله عنه - في ثنايا سؤاله بالإمام، فقال له الشيخ]: لا تقل الإمام علي. "الهدى والنور" (276/ 07: 25: 00) [1429] باب مذهب أهل السنة في المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما سؤال: نرى بعض المحدثين أنهم يقدمون عليًّا على عثمان، فماذا قول أهل السنة والجماعة في هذه .. الشيخ: أهل السنة والجماعة على ما وقع عليه اختيار الجماعة، حينما آثروا عثمان على علي خليفة لهم بعد عمر، فهذا هو الجواب الحاسم في الموضوع. "فتاوى جدة" (3/ 00:54:41) [1430] باب هل علي رضي الله عنه أحق بالخلافة من الشيخين؟ [قال الإمام]: ما يذكره الشيعة ... أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في علي رضي الله عنه: «إنه خليفتي من بعدي». (لا) يصح بوجه من الوجوه، بل هو من أباطيلهم الكثيرة التي دل الواقع التاريخي على كذبها؛ لأنه لو فرض أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قاله، لوقع كما قال لأنه [وحي يوحى] والله سبحانه لا يخلف وعده. "الصحيحة" (4/ 344).

[1431] باب منه

[1431] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ما تريدون من علي؟ إن عليّاً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي». [قال الإمام]: الحديث ليس فيه دليل البتة على أن عليّاً رضي الله عنه هو الأحق بالخلافة من الشيخين كما تزعم الشيعة؛ لأن الموالاة غير الولاية التي هي بمعنى الإمارة، فإنما يقال فيها: والي كل مؤمن. "الصحيحة" (5/ 264). [1432] باب رد ما قد يستدل به الشيعة على تفضيل علي على الخلفاء الثلاثة [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ, وَعَلِيٌّ سَيِّدُ العَرَبِ». (موضوع). [قال الإمام]: والخلاصة: أن الحديث ضعيف من جميع طرقه، لا يصلح شيء منها لتقويته، فقول الغماري (ص 6): " فالحديث بطريق أنس وطريق عائشة لا يبعد أن يكون من قبيل الحسن لغيره "! محاولة فاشلة؛ لأن مدار الطريقين المشار إليهما على مجهولين لا يعرف حالهما، ومن المحتمل كونهما من الشيعة؛ فإن الحديث لو صح كان دليلاً على تفضيل علي رضي الله عنه على الخلفاء الثلاثة! وهذا باطل؛

[1433] باب كذب الشيعة في ادعائهم أن آية {والله يعصمك من الناس} نزلت يوم غدير خم

لمخالفته للأحاديث الصحيحة، وقد كنت أشرت إلى بعضها في مقدمة تعليقي على رسالة " بداية السول " (ص 28)، وهو وَجْهُ حُكْم الذهبي والعسقلاني بالبطلان على الحديث، وقد أشار إلى ذلك الشيخ الغماري ولم يستطع الجواب عنه مطلقاً إلا مراوغة، فإنه قال: ". . . فمعنى قوله: " علي سيد العرب " أنه ذو الشرف والمجد فيهم "! فتجاهل الشطر الأول من الحديث: " أنا سيد ولد آدم. . . "! فإنه صريح في تفضيله - صلى الله عليه وآله وسلم - على ولد آدم جميعهم، وهو الوجه الأول الذي استدل به العز بن عبد السلام رحمه الله على تفضيله - صلى الله عليه وآله وسلم - على الأنبياء في رسالته المذكورة آنفاً؛ فقال عقب الحديث: " والسيد: من اتصف بالصفات العلية، والأخلاق السّنية. وهذا مشعر بأنه أفضل منهم في الدارين. . . " إلخ. فلو صح الشطر الثاني من الحديث؛ كان دليلاً واضحاً على تفضيل علي على العرب جميعهم، ومنهم أبو بكر وعمر! وذلك باطل بداهة، لا يخفى على الغماري لولا غلبة الهوى، والتعصب للشيعة! "الضعيفة" (12/ 1/405، 414 - 415). [1433] باب كذب الشيعة في ادعائهم أن آية {والله يعصمك من الناس} نزلت يوم غدير خم [عن عائشة قالت]: - «كان يُحْرَسُ حتى نزلت هذه الآية: {والله يعصمك من الناس}، فأخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رأسه من القبة، فقال لهم: يا أيها الناس! «انصرفوا فقد عصمني الله».

[قال الإمام]: واعلم أن الشيعة يزعمون - خلافا للأحاديث المتقدمة - أن الآية المذكورة نزلت يوم غدير (خم) في علي رضي الله عنه، ويذكرون في ذلك روايات عديدة مراسيل ومعاضيل أكثرها، ومنها عن أبي سعيد الخدري، ولا يصح عنه كما حققته في " الضعيفة " (4922)، والروايات الأخرى أشار إليها عبد الحسين الشيعي في " مراجعاته " (ص 38) دون أي تحقيق في أسانيدها كما هي عادته في كل أحاديث كتابه، لأن غايته حشد كل ما يشهد لمذهبه، سواء صح أو لم يصح على قاعدتهم: " الغاية تبرر الوسيلة "! فكن منه ومن رواياته على حذر، وليس هذا فقط، بل هو يدلس على القراء - إن لم أقل يكذب عليهم - فإنه قال في المكان المشار إليه في تخريج أبي سعيد هذا المنكر، بل الباطل: " أخرجه غير واحد من أصحاب السنن، كالإمام الواحدي ... "! ووجه كذبه أن المبتدئين في هذا العلم يعلمون أن الواحدي ليس من أصحاب السنن الأربعة، وإنما هو مفسر، يروي بأسانيده ما صح وما لم يصح، وحديث أبي سعيد هذا مما لا يصح، فقد أخرجه من طريق فيه متروك شديد الضعف، كما هو مبين في المكان المشار إليه من " الضعيفة ". وهذه من عادة الشيعة قديماً وحديثاً: أنهم يستحلون الكذب على أهل السنة، عملا في كتبهم وخطبهم، بعد أن صرحوا باستحلالهم للتقية، كما صرح بذلك الخميني في كتابه " كشف الأسرار " (ص 147 - 148)، وليس يخفى على أحد أن التقية أخت الكذب، ولذلك قال أعرف الناس بهم، شيخ الإسلام ابن تيمية: " الشيعة أكذب الطوائف ".

[1434] باب ذكر ما صح في فتنة مقتل عثمان

وأنا شخصيّاً قد لمست كذبهم لمس اليد في بعض مؤلفيهم وبخاصة عبد الحسين هذا والشاهد بين يديك، فإنه فوق كذبته المذكورة، أوهم القراء أن الحديث عند أهل السنة من المسلمات بسكوته عن علته وادعائه كثرة طرقه، فقد كان أصرح منه في الكذب الخميني، فإنه صرح في الكتاب المذكور (ص 149) أن آية العصمة نزلت يوم غدير خم بشأن إمامة علي بن أبي طالب باعتراف أهل السنة واتفاق الشيعة، كذا قال عامله الله بما يستحق، وسأزيد هذا الأمر بيانا في " الضعيفة " إن شاء الله تعالى. "الصحيحة" (5/ 644 - 646). [1434] باب ذكر ما صح في فتنة مقتل عثمان (¬1) الشيخ: ما يهمني (¬2) أن تقول أنه ليس هناك رواية صحيحة تثبت أن أحداً من الصحابة شارك، هذا طيب، لكن هذا سلبي، الإيجابي: من الذي شارك؟ من سبب هذه الفتنة؟ مداخلة: من ضمن النتائج التي توصلت إليها أو توصل إليها البحث أن قاتل عثمان رضي الله تعالى عنه في الإسناد الصحيح السليم من العلل أنه رجل أسود من أهل مصر يقال له جبلة، وجبلة هذا لقب له، ويعني كما ذكرت الرواية ¬

(¬1) هذا المجلس وإن كان الشيخ فيه سائلاً ومستمعاً في الغالب، إلا أني رأيت إثباته لأهميته، ولوجود بعض الملاحظات المهمة الدقيقة من الشيخ، وقد ظهر لي من النقاش أن المجلس عُقد مع الشيخ ذياب بن سعد الغامدي يعرض فيه على الشيخ بعض ما جاء في كتابه القيم"تسديد الإصابة فيما شجر بين الصحابة" (¬2) كذا بدأت المادة المسجلة.

الرجل الأسود. فهنا ذكرت كلام محب الدين الخطيب أنه يحتمل أنه يكون عبد الله بن سبأ هو؛ لأن الصفات التي وردت عن عبد الله بن سبأ مشابهة وقريبة من صفات هذا الرجل الأسود الذي هو من أهل مصر، هذا من ضمن الذي .. الشيخ: والرواية التي تقول بأن ابن أبي بكر الصديق دخل عليه ما قيمتها؟ مداخلة: الروايات التي وردت في اتهام محمد بن أبي بكر الصديق في قتل عثمان رضي الله تعالى عنه لم يصح منها إلا أنه دخل عليه فوعظه عثمان رضي الله تعالى عنه، فخرج وتركه. هذه التي رواها ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب بإسناد حسن. الشيخ: سند ابن عبد البر من أوله إلى آخره وجدت لرجاله تراجم؟ مداخلة: لا، هو نقل هذه الرواية عن أسد بن موسى. الشيخ: وأسد بن موسى عن من؟ مداخلة: أسد بن موسى عن زهير بن معاوية عن كنانة مولى صفية ثم ذكر كنانة شهد يوم الدار وأنا ذكرت الكلام في كنانة. الشيخ: رحم الله السؤال، أنا سألتك رجال هذه الرواية كلهم مترجمون وكلهم ثقات، قلت: هو نقل عن أسد بن موسى، هذا ليس الجواب للسؤال، واضح؟ مداخلة: يعني الإسناد من أسد بن موسى إلى منتهاه أو من ابن عبد البر إلى أسد بن موسى؟

الشيخ: عبد البر. مداخلة: أسد بن موسى مصنف وهو ينقل عنه مباشرة بدون إسناد، ابن عبد البر نقل عن أسد بن موسى بدون إسناد .. الشيخ: إذاً: لا يصح أن يقال بإسناد حسن. مداخلة: لأنه نقل عنه نقلاً. الشيخ: أنت تقول لأنه، تعلل ماذا؟ هذه جملة تعليلة تعلل بها ماذا؟ أنا أقول لا يصح أن تقول والحالة كما شرحت آنفاً أنه إسناد حسن؛ لا يجوز أن تقول إسناد حسن؛ لأن هذا إسناد معلق عند ابن عبد البر أليس كذلك؟ مداخلة: بلى. لكن أقول إسناد حسن باعتبار من [عند] أسد بن موسى، الشيخ: لا يقال حينذاك إسناد ابن عبد البر حسن. مداخلة: لا يقال إسناد ابن عبد البر، لكن بإسناد حسن مطلقاً، والمصدر هو من أسد بن موسى. الشيخ: أنت تقول بحق ولك أن تقول بارك الله فيك، روى أسد بن موسى، لكن سيأتيك السؤال: وأين السند إلى أسد؟ مداخلة: لا أدري. الشيخ: إذاً: ما صح السند؛ لأن هذا حكمه حكم الأحاديث المعلقة، وإن شئت قلت الحديث منقطع، فبين ابن عبد البر وبين أسد بن موسى مفاوز. إذاً: ينبغي أن نعرف .. نعم؟

مداخلة: هذه النقطة أنا اتصلت فيك يا شيخ في شأنها؛ لأن عندي تاريخ دمشق لابن عساكر يروي عن طريق كتب مفقودة كثيرة، فهل أدرس الإسناد من ابن عساكر نفسه إلى منتهاه، أو أني أقف عند المصنف الذي اشتهر أن له كتاب، وابن عساكر يروي عنه من كتابه هذا، وأدرس [السند] من مصنف هذا الكتاب؟ فهذه النقطة كنت أنا في تاريخ دمشق ابن عساكر أرجع إلى الإسناد من أوله، ولو كان كتاب مصنف، إلا في روايتين أو ثلاث فهذه منها، اعتماداً على أن ابن عبد البر ينقل من كتاب ابن موسى مباشرة، فحصلت الثقة في نفسي أن هذا موجود في كتاب أسد ابن موسى، ثم تركت البحث عن إسناده من ابن عبد البر إلى أسد بن موسى، فصرت أدرس أسد بن موسى إلى منتهاه. الشيخ: هذا كلام أخي غير مسلم، هل تعتقد أن كل رواية تروى عن أسد بن موسى أو غيره من الضروري أن تكون هذه الروايات كلها في كتاب أسد بن موسى؟ مداخلة: كل ما ينسب إلى أسد بن موسى ما نستطيع نجزم أنه في كتابات ابن موسى، ولكن حصل فيه من الثقة في نفسي بنقل ابن عبد البر وهو ثقة عن كتاب أسد ابن موسى .. الشيخ: طيب حول الكتاب الذي يذكر في قصة فتنة عثمان رضي الله عنه أنه أرسل إلى والي مصر: إذا جاءكم فلان فاقتلوه. بدل فاقبلوه، ما قيمة هذه الرواية؟ مرت بك؟ مداخلة: فاقتلوه ما مرت علي. الشيخ: فاقتلوه.

مداخلة: جاء متضمن هذا، أما بهذه اللفظة: فاقتلوه. الشيخ: في التاريخ يذكر أنه أصل الرواية فاقبلوه حرفت لإيقاع الفتنة، فاقتلوه. مداخلة: يا شيخ الذي بدا لي في البحث أنه لا كتاب مكتوب من عثمان أبداً .. الشيخ: عفوا صار معك قفز الآن، قلت: فاقبلوه ما عرفته، فاقتلوه عرفته. مداخلة: أنا الآن ما فهمت السؤال هل هو ... الشيخ: عثمان أرسل خطاباً إلى والي مصر مع شخص يريد قتله، فهذا حسب ما جاء في التاريخ الذي يحتاج إلى تفلية وتنقية كما فعلت جزاك الله خيراً، فحرف كلمة: فاقبلوه إلى فاقتلوه، هذا مذكور في بعض كتب التاريخ التي كنا قرأناها قديماً قبل التوجه إلى خدمة السنة، فلما سألتك قلت: لم تقف على رواية: فاقبلوه، وإنما على رواية: فاقتلوه، لكن أخيراً كأنك نفيت أيضاً الرواية الثانية، أكذلك؟ مداخلة: قلت على معناها وقفت، أما على نفس اللفظة: فاقتلوه، لا .. الذي ورد أنه اتهم عثمان .. الشيخ: .. سؤال هناك خطاب أم لا؟ هل هناك خطاب مرسل من عثمان إلى والي مصر أم لا؟ ثم بعد ذلك يصح أن تقول أما المعنى فَبَلَى، أما اللفظ فلا. مداخلة: لم يكتب عثمان بن عفان خطاباً قط. الشيخ: هذا هو الجواب. مداخلة: نعم. الشيخ: ليس هناك فاقبلوه ولا فاقتلوه؟

مداخلة: نعم. مداخلة: هل وقفت على شيء في هذا؟ مداخلة: اتهم بذلك، اتهم أنه لما جاء وفد المصريين والعراقيين إلى عثمان واصطلحوا معه على خمس: أنه المنفي يُرَدُّ، والمحروم يُعْطَى .. إلى آخره، ثم رجعوا إلى ديارهم، وفي الطريق اكتشفوا رجلاً يعرض لهم ثم يهرب، يعرض لهم كأنه يقول خذوني كما في الرواية، هنا توقفوا وقبضوا عليه، وفور قبضهم عليه سألوه: ما خبرك؟ قال: معي خطاب من عثمان إلى والي مصر مختوم، فطلبوا منه كشفه حتى كشفوه، فوجدوا فيه أن يقتل محمد بن أبي بكر وفلان وفلان، ويحلق لحاهم، كما في بعض الروايات، ويفعل .. ويفعل .. هنا رجع الوفد إلى المدينة، وجاؤوا يحاجون عثمان رضي الله عنه بذلك، فحلف لهم عثمان بأنه لم يكتب كتاباً قط، فاتهموا مروان؛ لأنهم وجدوا عليه خاتماً، كما يقولون ويزعمون، ولأنهم وجدوا مع هذا الرجل أيضاً بعير لعثمان، فهنا قالوا: إما أن تكون أنت كتبته أو أن واليك الذي يحمل خاتمك قد كتبه، ثم ثارت الفتنة .. هذا مجمل الروايات التي وردت في ذلك، ولكن أنا شككت في صحة أن يكون هذا مرسل من مروان أو من عثمان أو غيره، والذي ترجح لدي أو ملت إليه ووضعت احتمال، احتملت أنهم يكونوا في الطريق دبروا هذه المؤامرة وكتبوا هذا الخطاب، وأوعزوا إلى هذا الرجل أن يأتي ويعرض لهم كأنه يقول خذوني .. هناك طريق إلى مصر غير الطريق التي سلكها هؤلاء، ولو كان يريد الوصول إلى مصر فعلاً، لسلك طريق أخرى، لما جاء يتعرض لهم.

الشيخ: طيب ممكن تلخيص ما صح في فتنة عثمان؟ ما موقف علي؟ ما موقف الحسن؟ ما موقف الحسين؟ .. إلى آخره. مداخلة: أنا أخذت ما صح فقط، أخذت الروايات الصحيحة والتي بدا لي أنها حسنة، مؤلفة من بعض الروايات وصورت منها صورة ... أرجو أن تكون متكاملة، بلغت مائتين وثلاثين صفحة هي التي بيد الأخ علي الآن. نعم، ولكن من أهم ما فيها؛ لأنها كثيرة، أهم ما فيها موقف الصحابة من الدفاع عن عثمان رضي الله عنه، وعقدت له فصلاً خاصاً، مبحث خاص في فصل يوم الدار، دفاع الصحابة عن عثمان رضي الله عنه، ويتلخص ذلك بأن الأنصار جاءته كما صح ذلك، جاءته الأنصار وعرضوا عليه الدفاع، وقالوا له: إن شئت أن نكون أنصار الله مرتين، أي: ننصر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الهجرة، وننصرك الآن. وأيضاً جاء ابن عمر وأيضاً جاء الحسن بن علي رضي الله عنه، وجاؤوا عدد كبير ذكرتهم مع عزو المعلومات إلى مصادرها، وذكر حكمها، والإحالة إلى الملحق؛ لأني قسمت البحث إلى قسمين، ملحق وخلاصة. في الملحق تكون الرواية بإسنادها من المؤلف إلى منتهاه إلى المتن، ثم الكلام على الرجال والعلل والأسانيد، والخلاصة هي خلاصة هذه الروايات، فكنت أذكر موقف الصحابة ثم أذكر حكم الرواية وأعزو إلى الملحق. الشيخ: طيب ما ينسب إلى عثمان من تولية أقاربه من بني أمية، فيه شيء صحيح؟ مداخلة: هذا يعتبر من مبررات الخروج التي برر بها الخارجون عليه الخروج عليه.

الشيخ: حيدة عن الجواب. مداخلة: لا، سأذكر الجواب. الشيخ: .. الكلام ما قل ودل، قل: يوجد أو لا يوجد، وبعد ذلك يتطلب الأمر التفصيل ... مداخلة: لا يوجد. (حصل هنا انقطاع صوتي) مداخلة: [بالنسبة] للخاتمة [لو] تفيدوني إذا هناك ملاحظات، إذا تحب أقرأها ... مداخلة: اقرأ حسب ما تيسر لك من الوقت ... اقرأ قراءة. مداخلة: الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: فإن أهم النتائج التي ظهرت لي من خلال .. الشيخ: أما كلمة وبعد، فهذه خلاف السنة، والسنة: أما بعد. مداخلة: فإن أهم النتائج التي ظهرت لي من خلال هذا البحث هي كما يلي: أولاً: أنه قد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إخبارَه بوقوع فتنة يقتل فيها عثمان .. الشيخ: قد صح إخبارَه؟ مداخلة: نعم.

الشيخ: كيف هذا؟ مداخلة: صح إخبارُه. مداخلة: أنه قد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إخباره بوقوع فتنة يقتل فيها عثمان رضي الله عنه، وأنه دعا الناس إلى أن يكونوا معه عند اشتعالها، وأنه حدد زمن وقوعها، وأن عثمان وأصحابه على الحق والهدى فيها. الشيخ: حدد زمن وقوعها، ماذا تعني؟ مداخلة: زمن وقوعها في الحديث الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: «تدور رحى الإسلام لخمس أو ثلاث أو ست وثلاث أو سبع وثلاثين». الشيخ: جيد. مداخلة: نعم، وأنا كنت نقلت عن السلسلة تعليقكم على هذا الحديث وكلامك فيه. الشيخ: هو قتل عثمان كان في السنة الخامسة والثلاثين؟ مداخلة: أي نعم. الشيخ: طيب. مداخلة: ثانياً: أنه أشار إلى عظم هذه الفتنة حتى قرنها بموته - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبفتنة الدجال وأن من نجا منها فقد نجا، وأنه سيستشهد فيها عثمان رضي الله عنه وهو على الحق صابراً على القتل معطياً له، شهيداً ينتقل بعد شهادته هذه إلى جنة الخلد. الشيخ: ما الذي نصب صابراً؟

مداخلة: وهو على الحق، على أنها حال يا شيخ. الشيخ: والخبر أين؟ مداخلة: وهو على الحق، صابراً على القتل، يعني حال كونه صابراً. الشيخ: والخبر؟ مداخلة: خبر أن؟ الشيخ: وهو؟ مداخلة: وأنه سيستشهد فيها عثمان رضي الله عنه، وهو على الحق .. مداخلة: ... وهو على الحق صابراً على ... مداخلة: وهو على الحق .. صابراً على كذا معطياً لكذا .. مداخلة: حال يعني. الشيخ: ممكن يكون له وجه. مداخلة: ثالثاً: أنه أخبر عثمان رضي الله عنه بوقوع هذه الفتنة، وأنه سيطلب منه خلع الخلافة، وأمره بأن لا يفعل. رابعاً: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بَيَّنَ عظم هذه الفتنة، وأن من نجا منها فقد نجا، وأن ذلك يشمل من عاصرها ومن لم يعاصرها، ونجاة من لم يعاصرها تكون بعدم الخوض فيها بالباطل. خامساً: أن ما تناقلته المصادر من معايب ألصقت بعثمان رضي الله عنه، منها ما صح صدوره من الخارجين عليه، ومنها ما لم يصح، ومنها ما اشتهر ولم أقف

على إسناده له. وأن هذه المعايب بأقسامها الثلاثة، إنما هي في الحقيقة إما مناقب له، وإما مفتراة عليه، وإما اجتهاد منه مأجور عليه. سادساً: أن شخصية ابن سبأ شخصية حقيقة دلت على وجودها الروايات الصحيحة، ولم تنفرد بإثباتها روايات قيس بن عمر التميمي، بل رواها غيره بأسانيد صحيحة وضعيفة. سابعاً: وجوب الحذر عند الحديث عن مواقف عثمان رضي الله عنه في الفتنة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أرشده إلى مواقف يقفها عند حدوث هذه الفتنة لم يصلنا منها إلا اليسير. ثامناً: أن عقيدة السلف في الصحابة هي عدم الخوض فيما شجر بينهم إلا عند ظهور مبتدع يقدح فيهم بالباطل، فيجب عندئذ الدفاع عنهم بالحق والعدل. تاسعاً: أن الله لا يرضى عن أحد من خلقه إلا وهو يعلم سبحانه أنه سيوافيه على مرضاته، وبما أن الصحابة قد رضي الله عنهم، فإن خاتمتهم حتماً ستكون على خير، وهذا ما وقع فعلاً. عاشراً: أن عثمان رضي الله عنه بذل ما بوسعه في سبيل إخماد الفتنة منذ قدوم أهل الأنصار، وإلى فتحه الباب ودخول القاتل عليه وقتله له. الحادي عشر: أن الصحابة رضوان الله عليهم بذلوا ما بوسعهم للدفاع عن عثمان يوم الدار، إلا أنه منعهم بل شدد في منعهم من ذلك، فحال بينهم وبين ما يريدون من الدفاع عنه، وبما أنه أميرهم وتجب عليهم طاعته، نفذوا أمره ولم يقاتلوا الخارجين عليه بعد يأسهم من سماحه لهم بالدفاع.

الشيخ: مَن مِن هؤلاء الصحابة أو غير الصحابة الذين عرضوا عليه أن يدافعوا عنه، ثم هو أبى رضي الله عنه، تذكر؟ مداخلة: نعم، زيد بن ثابت كان مندوب الأنصار وعرض عليه طلب الأنصار كلهم للدفاع عنه، وابن عمر، عبد الله بن عمر. الشيخ: الرواية أين؟ مداخلة: الرواية في خليفة، رواها خليفة بن خياط في كتابه التاريخ. الشيخ: بسند؟ مداخلة: بسند إما صحيح أو حسن. الشيخ: طيب غير زيد بن ثابت؟ مداخلة: عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وفي روايات كثيرة جداً عنه، والحسن بن علي في روايات كثيرة منها ما روى علي بن الجعد بإسناد حسن أيضاً، وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه. الشيخ: علي ماذا كان موقفه؟ مداخلة: أراد الدفاع عنه. الشيخ: فيه أن الرواية هكذا؟ مداخلة: في رواية في عدة روايات ضعيفة يصح منها أشياء نقاط، ذكرتها أنه أرسل عثمان إلى علي يخلفه، فقام علي رضي الله عنه واتجه إلى الدار، ثم لما قرب من الدار قال له أحد أهله، في بعض الروايات أنه محمد بن الحنفية، وحذره من الدخول إلى الدار؛ لأنه رأى العدو محيط بها ومعهم السلاح، فخاف عليه،

فألقى علي رضي الله عنه عمامته إلى الدار ليشير بها أنه لبى النداء، ثم ذهب عند أحجار البيت فجاءه خبر قتل عثمان، فتألم من قتله رضي الله عنه. الشيخ: حسبنا الله ونعم الوكيل. نعم. مداخلة: الثاني عشر: أن من أسباب رفض عثمان القتال ما يلي: أ-علمه بأن هذه الفتنة ستنتهي بقتله؛ لإخبار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بذلك. ب-عدم رغبته بأن يكون أول من خلف رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .. بسفك الدماء. جـ - علمه بأن البغاة لا يريدون غيره، فكره أن يتوقى بالمؤمنين، وأحب أن يقيهم بنفسه. د- عملاً بمشورة عبد الله بن سلام رضي الله عنه له بالكف عن القتال. الثالث عشر: أنه لم يقع يوم الدار قتال عنيف، بل وقع اشتباك خفيف أدى إلى جرح الحسن بن علي رضي الله عنهما، وحمله من الدار على إثر هذا الجرح. الرابع عشر: أن عثمان رضي الله عنه رأى في النوم في آخر يوم من أيامه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، يقولون له: يا عثمان! أفطر عندنا، فأصبح صائماً، وأخرج من كان معه في الدار ممن كانوا يريدون الدفاع عنه، ثم وضع المصحف بين يديه، وأمر بفتح الباب وأخذ يقرأ القرآن، فدخل عليه أسود من أهل مصر يلقب بجبلة لسواد بشرته، ولا يستبعد أن يكون هو عبد الله بن سبأ اليهودي. الشيخ: عبد الله بن سبأ مصري؟ مداخلة: أنا ذكرت أنه قد يكون الراوي ذكر بحكم أنه قدم مع أهل مصر،

ولأنه كان في مصر مدة من الزمان، وتغلغلت أفكاره فيهم ... الشيخ: العبارة توهم أنه من أهل مصر .. فإذا كان عبد الله بن سبأ هذا المنافق، إذا كان لا يعرف بأنه سكن في مصر، ومثلما قال الشيخ أبو يحيى، تأهل منها مثلاً، فيكون هذا تأويل لتلك. مداخلة: يا شيخ أنا أذكر لك كلامي ... ملاحظة عليه. الشيخ: نعم. في داخل الرسالة أنا قلت أنه يعتبر من أهل مصر لتغلغل أفكاره في بعض أهلها، ولمكثه فيها آخر أمره. الشيخ: هذا التعبير غير سليم. مداخلة: ولمكثه فيها آخر أمره، ولقدومه مع أهله، هذه ثلاثة أشياء. الشيخ: أولاً: تغلغل أفكاره في أهل مصر. مداخلة: نعم. الشيخ: هذه ليست علة، يعني رجل تغلغلت أفكاره في أمريكا، يعني يقال عنه أنه أمريكي؟ مداخلة: لا. الشيخ: ثانياً ما هو. مداخلة: إذا قرنت بمكثه فيها آخر أمره. الشيخ: مكث آخر عمره.

مداخلة: ولقدومه مع أهله. الشيخ: عفواً هنا لا بد لك أن تلاحظ شيئاً، هل كان آخر أمره حين فتنة عثمان. مداخلة: آخر أمره. الشيخ: كله واحد، إذا قلبنا الهمزة إلى عين فالمعنى واحد. مداخلة: أي نعم. مداخلة: ولقدومه مع أهلها. الشيخ: لاحظت الملاحظة هذه آخر أمره أليس هكذا؟ مداخلة: نعم. الشيخ: تفضل. مداخلة: .. أثر أن عثمان رضي الله عنه رأى في النوم في آخر يوم من أيامه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يقول له .. الشيخ: معه أبا بكر ... ما نصبها؟ مداخلة: رأى في النوم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعه أبا بكر. علي حسن: لو بدون معه كان معقول، أما معه خلاص جملة ثانية مستقلة. مداخلة: يعني أبو بكر. مداخلة: نعم. مداخلة: وعمر رضي الله عنهما يقول له: يا عثمان أفطر عندنا، فأصبح صائماً وأخرج من كان معه في الدار ممن كانوا يريدون الدفاع عنه، وأمر بفتح الباب

وأخذ القرآن، فدخل عليه رجل أسود من أهل مصر يلقب بجبلة لسواد بشرته، ولا يستبعد أنه يكون هو عبد الله بن سبأ اليهودي. الخامس عشر: أنه لم يشترك في التحريض على عثمان رضي الله عنه فضلاً عن قتله أحد من الصحابة. الشيخ: .. رواية سقوط دمه على قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} (البقرة:137)، مرت معك؟ مداخلة: أي نعم. الشيخ: صحيحة؟ مداخلة: ليست ثابتة، الثابت أنه سقط الدم على المصحف، لما قطعت يده. الشيخ: طيب. مداخلة: الخامس عشر: أنه لم يشترك في التحريض على عثمان رضي الله عنه فضلاً عن قتله أحد من الصحابة رضي الله عنهم، وأن كل ما روي في ذلك ضعيف الإسناد. السادس عشر: أن محمد بن أبي بكر لم يشترك في التحريض ولا في قتل عثمان رضي الله عنه، وكل ما روي في اتهامه بذلك باطل لا صحة له. السابع عشر: أن قتله كان في صبيحة يوم الجمعة الموافق لأوسط أيام التشريق الثاني عشر من شهر ذي الحجة للهجرة. الثامن عشر: أن سنه عند قتله كان في اثنتين وثمانين سنة على الراجح. التاسع عشر: أنه قد ترتب على قتله رضي الله عنه فتن ومحن كثيرة لا زالت

الأمة الإسلامية تعاني منها إلى اليوم. عشرون: أنه لا يوثق بمعظم كتابات المعاصرين عن فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، لعدم تحري مصنفيها الروايات الصحيحة في بناء الصورة التاريخية للفتنة، واعتمادها في الغالب على الروايات الواهية التي يرويها الضعفة أو الرافضة، ولعدم عزو المعلومات إلى مصادرها. إحدى وعشرون: أن روايات محمد بن عمر الواقدي عن فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه فيها دس كثير وتخالف الرويات الصحيحة في أكثر الحقائق، وأنها تعكس صورة مشوهة عن الفتنة، وتبرز مواقف غير صحيحة للصحابة، وتظهر فيها ملامح التشيع. الشيخ: ولماذا أنت لم تظهر حقيقة الواقدي؟ مداخلة: ضمن الرسالة ذكرت يا شيخ ... مداخلة: اثنتان وعشرون: أن روايات سيف بن عمر التميمي عن فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه عبارة عن مجموعة روايات مسندة يحذف سيف أسانيدها، ثم يرويها من طريق عدد من شيوخه يصلون أحياناً إلى أربعة شيوخ، وأن روايات سيف هذه لا تخلو من القدح في بعض الصحابة واتهامهم بما هم منه براء، فتعتدل أحياناً، فتظهر الصورة الصحيحة لمواقفهم. "الهدى والنور" (404/ 59: 00: 00).

جماع أبواب فضائل جمع من الصحابة

جماع أبواب فضائل جمع من الصحابة

[1435] باب الرد على الطاعنين في أبي هريرة - رضي الله عنه - والصحابة

[1435] باب الرد على الطاعنين في أبي هريرة - رضي الله عنه - والصحابة [قال] أبو خيثمة [في كتاب "العلم"]: ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الأعرج قال: سمعت أبا هريرة يقول: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والله الموعد: كنت رجلا مسكينًا أخدم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على ملء بطني وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئا سمعه مني» فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه، ثم ضممتها إليّ فما نسيت شيئا سمعته بعد. [قال الإمام]: اعلم أنه ليس في هذا الوصف للمهاجرين وكذا وصفه للأنصار بما يأتي شيء من الإزراء عليهم والازدراء بهم، كما زعم ذلك بعض الكتاب المعاصرين الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه بغير حق، والمتأولين لكلامه على غير وجهه، فإن العمل وراء الكسب الحلال من سبيل الله، كما جاء ذلك صريحاً في بعض الأحاديث، وأبو هريرة على علم بذلك، لأنه أحد رواتها، فهو رضي الله عنهم جميعاً يعتذر عنهم بذلك عن حفظ الحديث كما حفظ هو، وقد روى الحاكم (3/ 511 - 512) عن طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن المهاجرين والسابقين الأول أنه قال في المهاجرين وأبي هريرة نحو هذا الحديث، وقال: "والله ما أشك أن أبا هريرة سمع من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، إنا كنا قوماً أغنياء لنا بيوت وأهلون، كنا نأتي نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - طرفي النهار، ثم نرجع، وكان أبو هريرة مسكيناً لا مال له، ولا أهل ولا ولد، إنما كانت يده مع يد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكان يدور معه حين ما دار، ولا نشك أنه قد علم ما لم نعلم وسمع ما لم نسمع، ولم يتهمه أحد منا ". "تحقيق العلم لابن أبي خيثمة" (ص 40)

[1436] باب لماذا يكره الرافضة أبا هريرة؟

[1436] باب لماذا يكره الرافضة أبا هريرة؟ سؤال: بالنسبة للرافضة يكرهون أبا هريرة لماذا يا شيخ؟ الشيخ: لأنه قصم ظهورهم بكثرة حديثه رضي الله عنه. "الهدى والنور" (445/ 53: 25: 01) [1437] باب من فضل جعفر, وعلي, وزيد [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي, وأشبه خلقي خلقك, وأنت مني وشجرتي، وأما أنت يا علي فختني، وأبو ولدي، وأنا منك وأنت مني، وأما أنت يا زيد فمولاي ومني وإلي، وأحب القوم إلي». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (4/ 66). [1438] باب فضل أبي عبيدة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «هذا أمين هذه الأمة. يعني أبا عبيدة». [ترجم له الإمام بقوله فضل أبي عبيدة ... ] "الصحيحة" (4/ 605). [1439] باب من فضائل طلحة بن عبيد الله الأنصاري [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن

[1440] باب من فضائل عمرو بن العاص وبيان حرمة الطعن فيه رضي الله عنه

عبيد الله» [قال الإمام]: وفي الحديث إشارة إلى قول الله تبارك وتعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}. وفيه منقبة عظيمة لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، حيث أخبر - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه ممن قضى نحبه مع أنه لا يزال حيًّا ينتظر الوفاء بما عاهد الله عليه، قال ابن الأثير في " النهاية ":" النحب النذر، كأنه ألزم نفسه أن يصدق أعداء الله في الحرب، فوفى به، وقيل: النحب الموت، كأنه يلزم نفسه أن يقاتل حتى يموت ". وقد قُتِل رضي الله عنه يوم الجمل. فويل لمن قتله. "الصحيحة" (1/ 1/248 - 249). [1440] باب من فضائل عمرو بن العاص وبيان حرمة الطعن فيه رضي الله عنه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص». [ترجم له الإمام بقوله]: عمرو بن العاص مؤمن. [ثم قال]: وفي الحديث منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه؛ إذ شهد له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنه مؤمن، فإن هذا يستلزم الشهادة له بالجنة، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح المشهور: «لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة» متفق عليه. وقال تعالى: {وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}.

[1441] باب فضل معاوية رضي الله عنه ورد طعن الطاعن فيه

وعلى هذا فلا يجوز الطعن في عمرو رضي الله عنه - كما يفعل بعض الكتاب المعاصرين، وغيرهم من المخالفين - بسبب ما وقع له من الخلاف بل القتال مع علي رضي الله عنه؛ لأن ذلك لا ينافي الإيمان، فإنه لا يستلزم العصمة كما لا يخفى، لاسيما إذا قيل: إن ذلك وقع منه بنوع من الاجتهاد، وليس اتباعا للهوى. "الصحيحة" (1/ 1/288 - 290). [1441] باب فضل معاوية رضي الله عنه ورد طعن الطاعن فيه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لا أشبع الله بطنه. يعني معاوية». [قال الإمام]: رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (2746): حدثنا هشام وأبو عوانة عن أبي حمزة القصاب عن ابن عباس: " أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بعث إلى معاوية ليكتب له: فقال: إنه يأكل ثم بعث إليه، فقال: إنه يأكل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - " فذكره ... وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعناً في معاوية رضي الله عنه، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك، كيف وفيه أنه كان كاتب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! ولذلك قال الحافظ ابن عساكر (16/ 349/2) " إنه أصح ما ورد في فضل معاوية " فالظاهر أن هذا الدعاء منه - صلى الله عليه وآله وسلم - غير مقصود، بل هو ما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض نسائه " عقرى حلقى " و" تربت يمينك". ويمكن أن يكون ذلك منه - صلى الله عليه وآله وسلم - بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه

السلام في أحاديث كثيرة متواترة. منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه، فلعنهما وسبهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان؟ قال: وما ذاك؟ قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما، قال: «أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا» ... رواه مسلم مع الحديث الذي قبله في باب واحد هو " باب من لعنه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة ". ثم ساق فيه من حديث أنس بن مالك قال: " كانت عند أم سليم يتيمة وهي أم أنس، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اليتيمة، فقال: آنت هي؟ لقد كبرت لا كبر سنك, فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي فقالت أم سليم: ما لك يا بنية؟ فقالت الجارية: دعا علي نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن لا يكبر سني أبداً، أو قالت: قرني، فخرجت أم سليم مستعجله تلوث خمارها حتى لقيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ما لك يا أم سليم؟ فقالت يا نبي الله، أدعوت على يتيمتي؟ قال: وما ذاك يا أم سليم؟ قالت: زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها، ولا يكبر قرنها قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم قال: «يا أم سليم! أما تعلمين أن شرطي على ربي؟ أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة».

ثم أتبع الإمام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية وبه ختم الباب، إشارة منه رحمه الله إلى أنها من باب واحد، وفي معنى واحد، فكما لا يضر اليتيمة دعاؤه - صلى الله عليه وآله وسلم - عليه بل هو لها زكاة وقربة، فكذلك دعاؤه - صلى الله عليه وآله وسلم - على معاوية. وقد قال الإمام النووي في " شرحه على مسلم " (2/ 325 طبع الهند): " وأما دعاؤه - صلى الله عليه وآله وسلم - على معاوية ففيه جوابان: أحدهما: أنه جرى على اللسان بلا قصد. والثاني: أنه عقوبة له لتأخره، وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقا الدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له ". وقد أشار الذهبي إلى هذا المعنى الثاني فقال في " سير أعلام النبلاء ": "قلت: لعل أن يقال: هذه منقبة لمعاوية لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: اللهم من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة ". واعلم أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذه الأحاديث: «إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر ... » إنما هو تفصيل لقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ... } الآية. وقد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء، إلى إنكار مثل هذا الحديث بزعم تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتنزيهه عن النطق به! ولا مجال إلى مثل هذا الإنكار فإن الحديث صحيح، بل هو عندنا متواتر، فقد رواه مسلم من حديث عائشة وأم سلمة كما ذكرنا، ومن حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما، وورد من حديث سلمان وأنس وسمرة وأبي الطفيل وأبي سعيد وغيرهم.

[1442] باب الرد على من طعن في معاوية رضي الله عنه

انظر " كنز العمال " (2/ 124). وتعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تعظيماً مشروعاً، إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - صحيحاً ثابتاً، وبذلك يجتمع الإيمان به - صلى الله عليه وآله وسلم - عبدا ورسولا، دون إفراط ولا تفريط، فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - بشر، بشهادة الكتاب والسنة، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقاً بنص الأحاديث الصحيحة. وكما يدل عليه تاريخ حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - وسيرته، وما حباه الله تعالى به من الأخلاق الكريمة، والخصال الحميدة، التي لم تكتمل في بشر اكتمالها فيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وصدق الله العظيم، إذ خاطبه بقوله الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم}. "الصحيحة" (1/ 1/164 - 167). [1442] باب الرد على من طعن في معاوية رضي الله عنه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «ليست بشجرة نبات، إنما هم بنوفلان، إذا ملكوا جاروا، وإذا ائتمنوا خانوا، ثم ضرب بيده على ظهر العباس، قال: فيخرج الله من ظهرك يا عم! رجلا يكون هلاككم على يديه». (موضوع) ... [قال الإمام]: ومثل هذا الحديث في البطلان؛ ما روى ابن جرير الطبري قال: حدثت عن محمد بن الحسن بن زبالة: حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد: حدثني أبي عن جدي قال: " رأى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بني فلان ينزون على منبره نزو القرود، فساءه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتى مات، قال: وأنزل الله

في ذلك {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة ... } الآية ". هذا حال هذين الحديثين في الضعف بل البطلان، ومع ذلك، فإننا لا نزال نرى بعض الشيعة في العصر الحاضر يروون مثل هذه الأحاديث، ويحتجون بها على تكفير معاوية رضي الله عنه مثل المعلق على كتاب " أصول الكافي " للكليني المتعبد لغير الله، المسمى بعبد الحسين المظفر، فإنه كتب؛ بل سود صفحتين كاملتين في لعن معاوية وتكفيره، وأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أخبر بموته على غير السنة، وأنه أمر بقتله، ساق (ص 23 - 24) في تأييد ذلك ما شاء له هواه من الآثار الموضوعة والأحاديث الباطلة، منها هذان الحديثان الباطلان، ولذلك بادرت إلى بيان حالهما نصحا للناس، وغالب الظن أن عبد الحسين هذا لا يعلم حال إسنادهما، ولئن علم فما يمنعه ذلك من الاحتجاج بهما مع بطلانهما لأن الغاية عند أمثاله تبرر الوسيلة، والغاية لعن معاوية وتكفيره ولو بالاعتماد على الأحاديث الموضوعة، والشيعة قد عرفوا بذلك منذ زمن بعيد كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه. "الضعيفة" (3/ 194 - 196).

جماع أبواب فضائل عائشة وجمع من نساء الصحابة

جماع أبواب فضائل عائشة وجمع من نساء الصحابة

[1443] باب هل عائشة أفضل من جميع النساء؟

[1443] باب هل عائشة أفضل من جميع النساء؟ سؤال: يا شيخ والله تفسير الحديث: فضل عائشة على النساء. ما المقصود بـ"ال" هنا يعني، تفيد ماذا " ال" هنا؟ الشيخ: يعني: هل هي من العموم أم فيه خصوص؟ السائل: نعم. الشيخ: كفضل الثريد على الطعام؟ السائل: نعم. الشيخ: بلا شك هو يفيد العموم، ولكن كما تقول القاعدة الأصولية: أنه ما من عام إلا وقد خُصَّ، فيمكن البقاء على هذا العموم إلا إذا جاء نص صريح يضطرنا إلى استثناء هذا النص الصريح من العموم، وهذا ما لا يحضرنا الآن. السائل: جزاك الله خير، وفيه حديث: «كمل من الرجال كثير»، هذا يعني منها؟ الشيخ: لا، هذا ليس تفضيل، إنما هو بيان فضيلة. "الهدى والنور (290/ 49: 59: 00) [1444] باب عائشة رضي الله عنها محفوظة غير معصومة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «أما بعد يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، [إنما أنت من بنات آدم]، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه،

فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. وفي رواية: فإن التوبة من الذنب الندم». [قال الإمام]: أخرجه البخاري (8/ 363 - 364 - فتح) ومسلم (8/ 116) وأحمد (6/ 196) والرواية الأخرى له (6/ 364) وأبو يعلى (3/ 1208 و1218) والطبري في " التفسير " (18/ 73 و75) والبغوي (6/ 74) من حديث عائشة رضي الله عنها، في حديثها الطويل عن قصة الإفك، ونزول الوحي القرآني ببراءتها في آيات من سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ... } الآيات (11 - 20)، والزيادة التي بين المعقوفتين هي لأبي عوانة في "صحيحه"، والطبراني في "معجمه" كما في "الفتح" (8/ 344 و364). وقوله: " ألممت". قال الحافظ: أي وقع منك على خلاف العادة، وهذا حقيقة الإلمام، ومنه: ألمت بنا والليل مرخ مستورة. قال الداوودي: " أمرها بالاعتراف، ولم يندبها إلى الكتمان، للفرق بين أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وغيرهن، فيجب على أزواجه الاعتراف بما يقع منهن ولا يكتمنه إياه، لأنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك بخلاف نساء الناس، فإنهن ندبن إلى الستر ". ثم تعقبه الحافظ نقلاً عن القاضي عياض فيما ادعاه من الأمر بالاعتراف، فليراجعه من شاء، لكنهم سلموا له قوله: إنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك, وذلك غيرة من الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولكنه سبحانه صان السيدة عائشة رضي الله عنها وسائر أمهات المؤمنين من ذلك كما عرف ذلك من تاريخ حياتهن، ونزول التبرئة بخصوص السيدة عائشة رضي الله عنها، وإن كان وقوع ذلك ممكناً من الناحية النظرية لعدم وجود نص باستحالة ذلك منهن، ولهذا

كان موقف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في القصة موقف المتريث المترقب نزول الوحي القاطع للشك في ذلك الذي ينبئ عنه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث الترجمة: «إنما أنت من بنات آدم، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله .. »، ولذلك قال الحافظ في صدد بيان ما في الحديث من الفوائد: " وفيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي, نبه عليه الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ", يعني أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقطع ببراءة عائشة رضي الله عنها إلا بعد نزول الوحي, ففيه إشعار قوي بأن الأمر في حد نفسه ممكن الوقوع، وهو ما يدندن حوله كل حوادث القصة وكلام الشراح عليها. ولا ينافي ذلك قول الحافظ ابن كثير (8/ 418) في تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِين} (التحريم:10). " وليس المراد بقوله: {فخانتاهما} في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور ". وقال هناك (6/ 81): " ثم قال تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم}، أي: تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين، وتحسبون ذلك يسيراً سهلاً، ولو لم تكن زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما كان هيناً، فكيف وهي زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، فعظيم عند الله أن يقال في زوجة نبيه ورسوله ما قيل، فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا، وهو سبحانه لا يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك، حاشا وكلا، ولما لم يكن ذلك، فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء زوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ

هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم} ". أقول: فلا ينافي هذا ما ذكرنا من الإمكان، لأن المقصود بـ " العصمة " الواردة في كلامه رحمه الله وما في معناها إنما هي العصمة التي دل عليها الوحي الذي لولاه لوجب البقاء على الأصل، وهو الإمكان المشار إليه، فهي بالمعنى الذي أراده النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «فالمعصوم من عصمه الله» في حديث أخرجه البخاري وغيره، وليس المراد بها العصمة الخاصة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهي التي تنافي الإمكان المذكور، فالقول بهذه في غير الأنبياء إنما هو من القول على الله بغير علم، وهذا ما صرح به أبو بكر الصديق نفسه في هذه القصة خلافا لهواه كأب، فقد أخرج البزار بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها أنه لما نزل عذرها قبل أبو بكر رضي الله عنها رأسها، فقالت: ألا عذرتني؟ فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن قلت ما لا أعلم؟! وهذا هو الموقف الذي يجب على كل مسلم أن يقفه تجاه كل مسألة لم يأت الشرع الحنيف بما يوافق هوى الرجل، ولا يتخذ إلهه هواه. واعلم أن الذي دعاني إلى كتابة ما تقدم، أن رجلاً عاش برهة طويلة مع إخواننا السلفيين في حلب، بل إنه كان رئيساً عليهم بعض الوقت، ثم أحدث فيهم حدثاًً دون برهان من الله ورسوله، وهو أن دعاهم إلى القول بعصمة نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأهل بيته وذريته من الوقوع في الفاحشة، ولما ناقشه في ذلك أحد إخوانه هناك، وقال له: لعلك تعني عصمتهن التي دل عليها تاريخ حياتهن، فهن في ذلك كالخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة المشهورين، المنزهين منها ومن غيرها من الكبائر؟ فقال: لا، إنما أريد شيئا زائداً على ذلك وهو عصمتهن التي دل عليها الشرع، وأخبر عنها دون غيرها مما يشترك فيها كل صالح وصالحة، أي العصمة

التي تعني مقدماً استحالة الوقوع! ولما قيل له: هذا أمر غيبي لا يجوز القول به إلا بدليل، بل هو مخالف لما دلت عليه قصة الإفك، وموقف الرسول وأبي بكر الصديق فيها، فإنه يدل دلالة صريحة أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يعتقد في عائشة العصمة المذكورة، كيف وهو يقول لها: إنما أنت من بنات آدم، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ... الحديث: فأجاب بأن ذلك كان من قبل نزول آية الأحزاب 33: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}! جاهلاً أو متجاهلاً أن الآية المذكورة نزلت قبل قصة الإفك، بدليل قول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن صفوان بن المعطل السلمي: " فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب"، وفيه أنها احتجبت منه. ودليل آخر، وهو ما بينه الحافظ رحمه الله بقوله (8/ 351): " ولا خلاف أن آية الحجاب نزلت حين دخوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بزينب بنت جحش، وفي حديث الإفك: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سأل زينب عنها. فثبت أن الحجاب كان قبل قصة الإفك ". ثم اشتدت المجادلة بينهما في ذلك حتى أرسل إليّ أحد الإخوان الغيورين الحريصين على وحدة الصف خطاباً يشرح لي الأمر، ويستعجلني بالسفر إليهم، قبل أن يتفاقم الأمر، وينفرط عقد الجماعة, فسافرت بالطائرة - ولأول مرة - إلى حلب، ومعي اثنان من الإخوان، وأتينا الرجل في منزله، واقترحت عليهما أن يكون الغداء عنده تألفاً له، فاستحسنا ذلك, وبعد الغداء بدأنا بمناقشته فيما أحدثه من القول، واستمر النقاش معه إلى ما بعد صلاة العشاء، ولكن عبثاً، فقد كان مستسلماً لرأيه، شأنه في ذلك شأن المتعصبة الذين يدافعون عن آرائهم دون أي اهتمام للأدلة المخالفة لهم، بل لقد زاد هذا عليهم. فصرح في المجلس بتكفير من يخالفه في قوله المذكور، إلا أنه تنازل

- بعد جهد جهيد - عن التكفير المشار إليه، واكتفى بالتصريح بتضليل المخالف أيا كان! ولما يئسنا منه قلنا له: إن فرضك على غيرك أن يتبنى رأيك وهو غير مقتنع به، ينافي أصلاً من أصول الدعوة السلفية، وهو أن الحاكمية لله وحده، وذكرناه بقوله تعالى في النصارى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ}، ولهذا فحسبك أن يظل كل منكما عند رأيه، ما دام أن أحدكما لم يقنع برأي الآخر، ولا تضلله، كما هو لا يضللك، وبذلك يمكنك أن تستمر في التعاون معه فيما أنتما متفقان عليه من أصول الدعوة وفروعها. فأصر على فرض رأيه عليه وإلا فلا تعاون، علما بأن هذا الذي يريد أن يفرض عليه رأيه هو أعرف منه وأفقه بالدعوة السلفية أصولاً وفروعاً، وإن كان ذاك أكثر ثقافة عامة منه. وصباح اليوم التالي بلغنا إخوانه المقربين إليه بخلاصة المناقشة، وأن الرجل لا يزال مصرًّا على التضليل وعدم التعاون إلا بالخضوع لرأيه, فأجمعوا أمرهم على عزله، ولكن بعد مناقشته أيضاً، فذهبوا إليه في بيته - بعد استئذانه طبعاً - وأنا معهم، وصاحباي فطلبوا منه التنازل عن إصراره وأن يدع الرجل على رأيه، وأن يستمر معهم في التعاون، فرفض ذلك، وبعد مناقشة شديدة بينه وبين مخالفه في الرأي وغيره من إخوانه، خرج فيها الرجل عن طوره حتى قال لمخالفه لما ذكره بالله: أنا لا أريد أن تذكرني أنت بالله! إلى غير ذلك من الأمور التي لا مجال لذكرها الآن، وعلى ضوء ما سمعوا من إصراره، ورأوا من سوء تصرفه مع ضيوفه اتفقوا على عزله، ونصبوا غيره رئيساً عليهم. ثم أخذت الأيام تمضي، والأخبار عنه تترى بأنه ينال من خصمه ويصفه بما ليس فيه، فلما تيقنت إصراره على رأيه وتقوله عليه، وهو يعرف نزاهته وإخلاصه

قرابة ثلاثين سنة، أعلنت مقاطعته حتى يعود إلى رشده، فكان كلما لقيني وهش إلي وبش أعرضت عنه, ويحكي للناس شاكياً إعراضي عنه متجاهلاً فعلته، وأكثر الناس لا يعلمون بها، في الوقت الذي يتظاهر فيه بمدحي والثناء علي وأنه تلميذي! إلى أن فوجئت به في منزل أحد السلفيين في عمان في دعوة غداء في منتصف جمادى الأولى لسنة (1396) فسارع إلى استقبالي كعادته، فأعرضت عنه كعادتي، وعلى المائدة حاول أن يستدرجني إلى مكالمته بسؤاله إياي عن بعض الشخصيات العلمية التي لقيتها في سفري إلى (المغرب)، وكنت حديث عهد بالرجوع منه، فقلت له: لا كلام بيني وبينك حتى تنهي مشكلتك! قال: أي مشكلة؟ قلت: أنت أدرى بها، فلم يستطع أن يكمل طعامه. فقصصت على الإخوان الحاضرين قصته، وتعصبه لرأيه، وظلمه لأخيه المخالف له، واقترحت عقد جلسة خاصة ليسمعوا من الطرفين, وكان ذلك بعد يومين من ذلك اللقاء، فبعد أن انصرف الناس جميعاً من الندوة التي كنت عقدتها في دار أحدهم في (جبل النصر) وبقي بعض الخاصة من الإخوان، بدأ النقاش، فإذا بهم يسمعون منه كلاماً عجباً، وتناقضا غريباً، فهو من جهة يشكوني إليهم لمقاطعتي إياه، وأنه يهش إلي ويبش، ويتفاخر في المجالس بأني شيخه، ومن جهة أخرى لما يجري البحث العلمي بيني وبينه يصرح بتضليلي أيضاً وبمقاطعتي! فيقول له الإخوان: كيف هذا، وأنت تشكو مقاطعته إياك؟! فلا يجيب على سؤالهم، وإنما يخوض في جانب آخر من الموضوع. وباختصار فقد انكشف للحاضرين إعجابه برأيه وإصراره عليه، وتعديه على من يزعم أنه شيخه وجزمه بضلاله، والله المستعان. فإذا قيل له: رأيك هذا هو وحي السماء، ألا يمكن أن يكون خطأ؟ قال: بلى، فإذا قيل له: فكيف تجزم

بضلال مخالفك مع احتمال أن يكون الصواب معه؟ لم يحر جوابا، وإنما يعود ليجادل بصوت مرتفع، فإذا ذكر بذلك قال: عدم المؤاخذة، لقد قلت لكم: هذه عادتي! فلا تؤاخذوني! فطالبه بعض الحاضرين بالدليل على العصمة التي يزعمها، فتلى آية التطهير: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، فقيل له: الإرادة في هذه الآية شرعية أم كونية، فأجاب: كونية! فقيل له: هذا يستلزم أن أولاد فاطمة أيضا معصومون! قال: نعم. قيل وأولاد أولادها؟ فصاح وفر من الجواب. وواضح من كلامه أنه يقول بعصمة أهل البيت جميعا إلى يوم يبعثون، ولكنه لا يفصح بذلك لقبحه. فقام صاحب الدار وأتى برسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقرأ منها فصلاً هاماًّ في بيان الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية، فالأولى محبته تعالى ورضاه لما أراده من الإيمان والعمل الصالح، ولا تستلزم وقوع المراد، بخلاف الإرادة الكونية، فهي تستلزم وقوع ما أراده تعالى، ولكنها عامة تشمل الخير والشر، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون} (يس: 82)، فعلى هذا، فإذا كانت الإرادة في آية التطهير إرادة شرعية فهي لا تستلزم وقوع المراد من التطهير، وإنما محبته تعالى لأهل البيت أن يتطهروا، بخلاف ما لو كانت إرادة كونية فمعنى ذلك أن تطهيرهم أمر كائن لابد منه، وهو متمسك الشيعة في قولهم بعصمة أهل البيت، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ضلالهم في ذلك بيانا شافيا في مواطن عديدة من كتابه " منهاج السنة "، فلا بأس من أن أنقل إلى القراء الكرام طرفا منه لصلته الوثيقة بما نحن فيه، فقال في صدد رده على الشيعي المدعي عصمة علي رضي الله عنه بالآية

السابقة: "وأما آية (الأحزاب 33): {ويطهركم تطهيرا} فليس فيها إخبار بذهاب الرجس وبالطهارة، بل فيها الأمر لهم بما يوجبهما، وذلك كقوله تعالى (المائدة6): {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم}، والنساء: 26): {يريد الله ليبين لكم ويهديكم}، و (النساء: 28): {يريد الله أن يخفف عنكم}. فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا ليست هي الملتزمة لوقوع المراد، ولو كان كذلك لتطهر كل من أراد الله طهارته. وهذا على قول شيعة زماننا أوجه، فإنهم معتزلة يقولون: إن الله يريد ما لا يكون، فقوله تعالى: {يريد الله ليذهب عنكم الرجس} إذا كان بفعل المأمور وترك المحظور، كان ذلك متعلقاً بإرادتهم وبأفعالهم، فإن فعلوا ما أمروا به طهروا. ومما يبين أن ذلك مما أمروا به لا مما أخبر بوقوعه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أدار الكساء على علي وفاطمة والحسن والحسين ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا». رواه مسلم من حديث عائشة, ورواه أهل السنن من حديث أم سلمة، وفيه دليل على أنه تعالى قادراً على إذهاب الرجس والتطهير، وأنه خالق أفعال العباد، ردا على المعتزلي. ومما يبين أن الآية متضمنة للأمر والنهي قوله في سياق الكلام: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة ... } - إلى قوله - {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن} (الأحزاب:30 - 34)، فهذا السياق يدل على أن ذلك أمر ونهي، وأن الزوجات من أهل البيت، فإن

السياق إنما هو في مخاطبتهن ويدل الضمير المذكر على أنه عم غير زوجاته كعلي وفاطمة وابنيهما". وقال في " مجموعة الفتاوى " (11/ 267) عقب آية التطهير: " والمعنى أنه أمركم بما يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً، فمن أطاع أمره كان مطهرا قد أذهب عنه الرجس بخلاف من عصاه ". وقال المحقق الآلوسي في تفسير الآية المذكورة بعد أن ذكر معنى ما تقدم عن ابن تيمية (7/ 47 - بولاق): " وبالجملة لو كانت إفادة معنى العصمة مقصودة لقيل هكذا: إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت وطهركم تطهيراً. وأيضاً لو كانت مفيدة للعصمة ينبغي أن يكون الصحابة لاسيما الحاضرين في غزوة بدر قاطبة معصومين لقوله تعالى فيهم: {ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون}، بل لعل هذا أفيد لما فيه من قوله سبحانه: {وليتم نعمته عليكم}، فإن وقوع هذا الإتمام لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان ". وللبحث عنده تتمة لا يخرج مضمونه عما تقدم، ولكن فيه تأكيد له، فمن شاء فليراجعه. فأقول: لقد أطلت الكلام في مسألة العصمة المزعومة، لأهميتها ولصلتها الوثقى بحديث عائشة رضي الله عنها, وتذكيراً للآخر المشار إليه لعله يجد فيما كتبت ما ينير له سبيل الهداية، والعودة لمواصلة أخيه، راجعاً عن إضلاله، وللتاريخ والعبرة أخيراً. ثم توفي الرجل بعد كتابه هذا بسنين طويلة إلى رحمة الله ومغفرته، ومعذرة إلى بعض الإخوان الذين قد يرون في هذا النقد العلمي وفيما يأتي ما لا يروق

[1445] باب فضل نساء الصحابة

لهم، فأذكرهم بأن العلم الذي عشته دهري هو الذي لا يسعني مخالفته. "الصحيحة" (6/ 1/26 - 35). [1445] باب فضل نساء الصحابة عن أبي هريرة: جاء نسوة إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقلن: يا رسول الله! ما نقدر عليك في مجلسك من الرجال، فواعدنا منك يوما نأتيك فيه. قال: «موعدكن بيت فلان». وأتاهن في ذلك اليوم، ولذلك الموعد. قال: فكان مما قال لهن، يعني: «ما من امرأة تقدم ثلاثاً من الولد تحتسبهن إلا دخلت الجنة, فقالت امرأة منهن: أو اثنان؟ قال: أو اثنان». [قال الإمام]: فيه فوائد كثيرة، [منها]: فضل نساء الصحابة وما كن عليه من الحرص على تعلم أمور الدين. "الصحيحة" (6/ 1/400 - 401). [1446] باب من فضائل فاطمة [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجاب: يا أهل الجمع! غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى تمر». (موضوع).

[قال الإمام]: لقد وقفت للشيخ أحمد الغماري على كلام عجيب في هذا الحديث يدل على انحرافه عن أهل الحديث والسنة، وميله إلى التشيع ومحاباته لأهل البيت ولو بتقوية الأحاديث الموضوعة، فقد ذكر في " المداوي " (1/ 451 - 542) أسماء الصحابة الذين روي الحديث عنهم دون أن يسوق أسانيدهم - على خلاف عادته من تسويد صفحات بها - ودون أن يبين من فيها من الكذابين والسراقين، اللهم إلا حديث علي رضي الله عنه، فقد ساق إسناده، ولكنه خنس عنه، ولم يبين علته، مع أن فيه (العباس بن بكار الضبي)، وهو كذاب كما تقدم عن الإمام الدارقطني. وإن من انحرافه واتباعه لهواه أنه أجمل الكلام فيها وألانه، ورمى رواة الحديث وأئمتهم الذين أعرضوا عن رواية هذه الموضوعات في كتبهم بالنصب ومعاداة أهل البيت - حاشاهم، فقال: " والطرق التي ذكرها المصنف (يعني السيوطي في " الجامع ") وإن كانت كلها ضعيفة (!) إلا أن زهد النواصب (!) ونفور غيرهم من التهمة بالرفض إذا رووا فضائل أهل البيت، كما كان معروفاً في عصر الرواية، هو الذي جعل الضعفاء ينفردون بمثل هذا، والأمر لله "! فأقول والله المستعان. قوله: " الضعفاء " كلمة مضللة للقراء كما هو ظاهر من التخريج. وفاطمة رضي الله عنها أرفع وأغنى أن تمدح بالكذب على أبيها - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأهل السنة وأئمة الحديث ليسوا بـ (النواصب) كيف وهم الذين رووا بالأسانيد الصحيحة في فضلها أنها بضعة منه - صلى الله عليه وآله وسلم - يريبه ما يريبها، ويؤذيه ما يؤذيها، وأنها سيدة نساء العالمين، وأنها سيدة نساء أهل الجنة، إلا مريم ... إلى غير ذلك من الفضائل. "الضعيفة" (6/ 208، 212 - 213).

[1447] باب فضل فاطمة رضي الله عنها

[1447] باب فضل فاطمة رضي الله عنها [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «فاطمة بضعة مني، يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها، وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (4/ 650).

موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني «موسوعة تحتوي على أكثر من (50) عملاً ودراسة حول العلامة الألباني وتراثه الخالد» العمل الأول سلسلة جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة «تحتوي على ما يقارب ألفي مسألة وفائدة عقدية مستخرجة من تراث العلامة الألباني بعناية» (6) (اليوم الآخر - القضاء والقدر) صَنَعَهُ شادي بن محمد بن سالم آل نعمان

كتاب اليوم الآخر

كتاب اليوم الآخر

[1448] باب حكم من أنكر اليوم الآخر

[1448] باب حكم من أنكر اليوم الآخر سؤال: بخصوص في مثل هذه المجالس أحياناً يتطرق البعض في بعض الأسئلة عن الدنيا والجنة والنار؟ من الجالسين أو من عامة الناس البعض منهم ينكرون الآخرة، وينكرون الجنة، يعني يقولون: أنه إذا مات الميت خلاص راح، مات كالكلب، فمثل هذا الرجل أو هذا القائل يعني ما الحكم في ذلك؟ الشيخ: هذا ليس مسلماً ولا يهودياً ولا نصرانياً، واليهود والنصارى خير منه، يعني هذا زنديق ملحد، لا يؤمن بالله ولا برسوله، وفي القرآن الكريم: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (يس:78، 79). " الهدى والنور" (/9/ 23: 42: 00)

جماع أبواب القيامة الصغرى

جماع أبواب القيامة الصغرى (الموت)

[1449] باب جواز تمني الموت تدينا، وأن من علامات الساعة تمني الرجل الموت للبلاء والمحن

(تمني الموت) [1449] باب جواز تمني الموت تديناً، وأن من علامات الساعة تمني الرجل الموت للبلاء والمحن [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه ما به حب لقاء الله عز وجل». [قال الإمام]: ومعنى الحديث أنه لا يتمنى الموت تديناً وتقرباً إلى الله وحبّاً في لقائه وإنما لما نزل به من البلاء والمحن في أمور دنياه. ففيه إشارة إلى جواز تمني الموت تديناً. ولا ينافيه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ... " لأنه خاص بما إذا كان التمني لأمر دنيوي كما هو ظاهر. قال الحافظ: " ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين عن جماعة من السلف. قال النووي: لا كراهة في ذلك بل فعله خلائق من السلف منهم عمر ابن الخطاب و ... ". "الصحيحة" (2/ 121).

(جماع أبواب تلقين المحتضر وحكم تلقين الميت بعد موته)

(جماع أبواب تلقين المحتضر وحكم تلقين الميت بعد موته)

[1450] باب تلقين المحتضر شهادة التوحيد

[1450] باب تلقين المحتضر شهادة التوحيد [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله، قبل أن يحال بينكم وبينها ولقنوها موتاكم». [قال الإمام]: فيه مشروعية تلقين المحتضر شهادة التوحيد، رجاء أن يقولها فيفلح. والمراد بـ (موتاكم) من حضره الموت؛ لأنه لا يزال في دار التكليف، ومن الممكن أن يستفيد من تلقينه فيتذكر الشهادة ويقولها، فيكون من أهل الجنة. وأما تلقينه بعد الموت، فمع أنه بدعة لم ترد في السنة فلا فائدة منه لأنه خرج من دار التكليف إلى دار الجزاء، ولأنه غير قابل للتذكر، {لتنذر من كان حيّاً}. وصورة التلقين أن يؤمر بالشهادة، وما يذكر في بعض الكتب أنها تذكر عنده ولا يؤمر بها خلاف سنه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ... "الصحيحة" (1/ 2/836 - 838). [1451] باب هل يزاد في تلقين الميت على شهادة أن لا إله إلا الله؟ سؤال: الميت يلقن بشهادة ألا إله إلا الله، فهل يزاد على ذلك أن محمداً رسول الله، وهل ورد حديث صحيح في هذا؟ الشيخ: لا، الوارد ما تعرفونه: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» يعني: هنا التلقين

[1452] باب أهمية تلقين المحتضر الشهادة وبدعية قراءة يس عنده وجواز حضور المسلم موت الكافر لدعوته

بِأُسّ الإسلام الذي يدخل تحته الإيمان بمحمد رسول الله بالأركان الإيمانية كلها وو .. إلخ، فليس الموضع الآن موضع تعليم، وإنما هو موضع تلقين وتذكير بِأُسِّ الإسلام ألا وهو التوحيد، ويكفي -بلاش ما يمكن أن نسميه فلسفة وكثرة كلام- نقول: الرسول قال هكذا: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» بينما في مثل حديث: «أمرت أن أقاتل حتى يشهدوا لا إله إلا الله قال: وأن محمداً رسول الله» فإذاً: نقف عِنْدَ ما علمنا الرسول عليه السلام ولا نزيد على شهادة لا إله إلا الله شيئاً آخر. "الهدى والنور" (299/ 20: 43: 00) [1452] باب أهمية تلقين المحتضر الشهادة وبدعية قراءة يس عنده وجواز حضور المسلم موت الكافر لدعوته [قال الإمام]: - فإذا حضره [أي المريض] الموت، فعلى من عنده أمور: أ - أن يلقنوه الشهادة، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله»، «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه» وكان يقول: «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة»، وفي حديث آخر: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة».أخرجها مسلم في صحيحه. ب، ج - أن يدعوا له، ولا يقولوا في حضوره إلا خيراً، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا حضرتم المريض أو الميت، فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون» أخرجه مسلم والبيهقي (3/ 384) وغيرهما.

- وليس التلقين ذكر الشهادة بحضرة الميت وتسميعها إياه، بل هو أمره بأن يقولها خلافاًً لما يظن البعض، والدليل حديث أنس رضي الله عنه: «أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عاد رجلاً من الأنصار، فقال: يا خال! قل: لا إله إلا الله، فقال: أخال أم عم؟ فقال: بل خال، فقال: فخير لي أن أقول: لا إله إلا الله؟ فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: نعم». أخرجه الإمام أحمد (3/ 152، 154، 268) بإسناد صحيح على شرط مسلم. - وأما قراءة سورة (يس) عنده، وتو جيهه نحو القبلة فلم يصح فيه حديث، بل كره سعيد بن المسيب توجيهه إليها، وقال: " أليس الميت امرأ مسلماً!؟ "وعن زرعة بن عبد الرحمن أنه شهد سعيد بن المسيب في مرضه وعنده أبو سلمة بن عبد الرحمن فغشي على سعيد، فأمر أبو سلمة أن يحول فراشه إلى الكعبة. فأفاق، فقال: حولتم فراشي!؟ فقالوا نعم، فنظر إلى أبي سلمة فقال: أراه بعلمك؟ فقال: أنا أمرتهم! فأمر سعيد أن يعاد فراشه. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (4/ 76) بسند صحيح عن زرعة. - ولا بأس في أن يحضر المسلم وفاة الكافر ليعرض الإسلام عليه، رجاء أن يسلم، لحديث أنس رضي الله عنه قال: "كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فمرض، فأتاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده؟ فقال له: أطع أبا القاسم - صلى الله عليه وآله وسلم - فأسلم، فخرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار»، (فلما مات، قال: صلوا على صاحبكم) ".أخرجه البخاري والحاكم والبيهقي وأحمد (3/ 175،227، 280,260) والزيادة له في رواية. "أحكام الجنائز" (ص19 - 21).

[1453] باب حكم تلقين الميت الشهادة بعد موته

[1453] باب حكم تلقين الميت الشهادة بعد موته سؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله! ما حكم تلقين الميت للشهادة بعد قبره؟ الشيخ: هذا التلقين الذي يفعل في بعض البلاد الإسلامية عمدته حديث لا يصح بوجه من الوجوه، وكم دَفَنَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من أصحابه من الشهداء وغيرهم ولم ينقل عنه ولا في حديث واحد من فعله عليه السلام ولو كان حديثاً ضعيفاً أنه بعد أن دفن الميت أخذ عليه السلام يلقنه هذا التلقين: إذا جاءاك فسألاك من ربك فقل: ربي الله إلى آخره، هذا لم يرد من فعله عليه السلام مطلقاً وإنما جاء في حديث من حديث أبي أمامة أو ثوبان الآن أنا أشك في معجم الطبراني الكبير وفي إسناده ضعف مذكور في محله. فهذا التلقين لا يجوز اتخاذه سنةً؛ لأن عمل الرسول عليه السلام لم يكن عليه ... ومن عجب أن التلقين المشروع لا يأخذ اهتمامهم كما يهتمون بهذا التلقين غير المشروع، أعني بالتقلين المشروع: ما جاء به الحديث الصحيح من غير ما طريق واحد ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله» لقنوا موتاكم، أي: الذين حضرهم الموت وأشرفوا على الموت وهم لا يزالون في قيد الحياة؛ لأن هذا التلقين قد ينفعهم؛ لأن الرسول عليه السلام ثبت عنه أنه قال: «إن الله تبارك وتعالى يقبل توبة عبده ما لم يغرغر» (¬1). فإذا كان فضل الله عز وجل واسعاً إلى درجة أنه يقبل توبة عباده أو عبده قبل أن تصل الروح إلى الحلقوم فحينئذٍ يؤمل ويرجى أن المحتضر إذا قيل له: قل: لا إله إلا الله، أن يستجيب لهذا القول ولهذا الأمر فيكون آخر قوله شهادة أن لا إله إلا ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 1903).

الله، ويكون ذلك بشرى له بحسن خاتمته، فهذا التلقين هو المشروع، .. «لقنوا موتاكم» أي: الذين حضرهم الموت لا إله إلا الله، أما تلقين الميت الذي وضع في قبره فلا يفيده شيئاً؛ لأنه انتهى أجله إن صالحاً فصالح وإن طالحاً فطالح ولا يفيده هذا التلقين المبتدع، بل أنا أقول: هذا التلقين يشبه نوعاً من التلقين معروف بين الناس في هذا الزمان وهم الطلبة في المدارس، إذا أحدهم لقن جاره في أثناء الامتحان قد يكون سبباً لسقوطه؛ لأنه تلقن ما لا ينبغي أن يتلقنه؛ لأنه هذا الذي كان قد لقنه كان ينبغي عليه أن يصل إليه بجهده وتعبه ونصبه، أما أن يستفيد من جهود غيره فسوف لا يستفيد، كذلك هذا الميت الذي دفن في قبره فتلقينه لا يفيده شيئاً مطلقاً. «من مات وكان آخر ما قال: لا إله إلا الله» أو كما قال عليه الصلاة والسلام. بهذه المناسبة تلقين المحتضر: هناك بعض العلماء يقولون، وفي زعمي قولهم هذا يشبه الفلسفة التي لا أصل لها في الشرع بل ولا في العقل، يقولون: لا ينبغي للملقن لمن حضره الموت أن يقول له: قل لا إله إلا الله، وإنما هو يذكر الله ويقول: لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله تسميعاً للمحتضر لعله يتنبه من غفلته في تلك الساعة الخطيرة ويقول: لا إله إلا الله، لماذا يقول هذا البعض، أنه لا ينبغي أن يأمره بلا إله إلا الله؟ خشية أن يرفض الأمر فيكون عاقبة أمره الموت على كفر والعياذ بالله، هكذا زعموا. لكني أقول: قد جاء في السنة الصحيحة ما يبين أن قوله عليه السلام: «لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله» إنما يعني أمر المحتضر بأن يقول: لا إله إلا الله، جاء هذا في صحيح البخاري حينما مرض غلام من اليهود كان يخدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فعاده النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فوجده في حضرة الموت، فقال له عليه الصلاة والسلام: «قل: لا إله إلا الله»

هذا هو التلقين. وبهذا ينبغي أن نأخذ فائدة وهي: أن أقوال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يجب تفسيرها بأفعاله عليه الصلاة والسلام فالسنة القولية تبين بالسنة الفعلية، «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» قيل كما سمعتم آنفاً أنه يقول في حضرة المحتضر: لا إله إلا الله، ولا يخاطبه بقوله: قل: لا إله إلا الله، فجاءت السنة الفعلية مبينة أن المقصود من: «لقنوا موتاكم» هو أن يؤمر بأن يقول: لا إله إلا الله، هذا ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام حينما عاد هذا الغلام اليهودي الذي كان يخدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يهودي ابن يهودي، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام هو من أكرم الناس خلقاً ولو كان هذا الغلام يهودياً فقد عاده، ولكنه عليه الصلاة والسلام يهتبل كل فرصة ليبلغ الناس العلم والدين فاغتنمها فرصة وقال له: «» يا غلام! قل: لا إله إلا الله» وعلى رأس الغلام والده اليهودي فنظر الغلام إلى أبيه كأنه يقول له ما رأيك .. هاأنت تسمع محمداً عليه الصلاة والسلام يقول لي: قل: لا إله إلا الله، فالخبيث وهذا شأن الكفار كما قال تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146) هو يعرف أن دعوة الرسول حق ولكن كما قال أيضاً في الآية الأخرى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) لما رأى اليهودي ابنه في طريق الموت وأنه لا حياة له بعد ذلك قال له: أطع أبا القاسم، أبا القاسم يقول لابن اليهودي، قل: لا إله إلا الله، واليهودي الوالد يكفر بلا إله إلا الله، ولكن لما رأى ولده أنه في طريق الموت ولا نجاة له إذا مات يهودياً قال له: أطع أبا القاسم، أما هو فلا يزال عاصياً لأبي القاسم عناداً وكفراً وضلالاً. الشاهد، قال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وخرجت روحه، فقال عليه الصلاة والسلام: «الحمد لله الذي نجاه بي من النار» فهذا هو التلقين المشروع أن يقال للمحتضر: قل: لا إله إلا الله، أما تلقينه وهو في قبره فلا يفيده شيئاً سواء عند

[1454] باب التلقين بعد الموت من محدثات الأمور

دفنه أو بعد دفنه وهو ميت لا حراك له ولا يسمع ما يلقن ولو سمع لما استجاب؛ لأنه خرج بما حصله في الدنيا من إيمان وعمل صالح، أو كفر وعمل طالح. أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لفهم الإسلام فهماً صحيحاً وأن يرزقنا العلم الصالح، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين. "رحلة النور" (8أ/00:44:03) و (8ب/00:00:00) [1454] باب التلقين بعد الموت من محدثات الأمور [ذكر الآلوسي في"الآيات البينات" عن ابن الهمام أنه قال: وأما التلقين من بعد الموت وهو في القبر: فقيل: يفعل .. ونسب لأهل السنة والجماعة وخلافه إلى المعتزلة وقيل: لا يؤمر به ولا ينهى عنه. فعلق الألباني قائلاً]: هذا مردود؛ لأن التلقين تذكير ليس أمراً دنيوياً أو عادياًّ حتى يصح فيه ما ذكره، وإنما هو أمر تعبدي محض، فإما أن يكون مشروعاً فيؤمر به حينئذ ولو أمر استحباب، وإما أن يكون غير مشروع فينهى عنه؛ لأنه يكون والحالة هذه من محدثات الأمور، وهي منهي عنها. فتنبه. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص82). [1455] باب منه [قال الإمام]: التلقين بعد الدفن .. لم يرد فيه حديث تقوم به حجة. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص85).

[1456] باب منه

[1456] باب منه [نقل الآلوسي في "الآيات البينات " عن ابن حجر الهيتمي رد قول العز ابن عبد السلام أن التلقين بعد الدفن بدعة، فعلق الألباني قائلاً]: قلت: بل قوله [أي قول العز] هو الصواب لأن التلقين مع ضعف حديثه مخالف لهديه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه ثبت أنه كان إذا دفن الميت وقف على قبره يدعو له بالتثبيت ويستغفر له ويأمر الحاضرين بذلك، فما خالفه فهو بدعة دون شك، وقد جزم بذلك الإمام الصنعاني وقد فصلت هذا بعض الشيء في " أحكام الجنائز " (ص 155 - 156) فراجعه إن شئت. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص89).

(مبشرات حسن الخاتمة)

(مبشرات حسن الخاتمة) [1457] باب علامات حسن الخاتمة [قال الإمام]: إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات يستدل بها على حسن الخاتمة - كتبها الله تعالى لنا بفضله ومَنِّه - فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له، ويا لها من بشارة. الأولى: نطقه بالشهادة عند الموت وفيه أحاديث. 1 - " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ".أخرجه الحاكم وغيره بسند حسن عن معاذ. 2 - عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: " رأى عمر طلحة بن عبيد الله ثقيلاً، فقال: مالك يا أبا فلان؟ لعلك ساءتك امرأة عمك يا أبا فلان؟ قال: لا -[وأثنى على أبي بكر] إلا أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ما منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات، سمعته يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه، ونَفَّس الله عنه كربته، قال: فقال عمر: إني لأعلم ما هي! قال: وما هي؟ قال: تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت: لا إله الله؟ قال طلحة: صدقت، هي والله هي ". أخرجه الإمام أحمد (رقم 1384) وإسناده صحيح، وابن حبان بنحوه، والحاكم (1/ 350،

351) والزيادة له، وقال " صحيح على شرطهما " ووافقه الذهبي. الثانية: الموت برشح الجبين، لحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: " أنه كان بخراسان، فعاد أخًا له وهو مريض، فوجده بالموت، وإذا هو بعرق جبينه، فقال: الله أكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موت المؤمن بعرق الجبين ". أخرجه أحمد (5/ 357،360) والسياق له، والنسائي (1/ 259) والترمذي (2/ 128) وحسنه، وابن ماجه (1/ 443 - 444) وابن حبان (730) والحاكم (1/ 761) والطيالسي (808) وقال الحاكم: " صحيح عل شرط مسلم " ووافقه الذهبي! وفيه نظر لا مجال لذكره هنا، لا سيما وأن أحد إسنادي النسائي صحيح على شرط البخاري. وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. رواه الطبراني في " الاوسط " و " الكبير " ورجاله ثقات رجال الصحيح، كما في " المجمع " (2/ 325). الثالثة: الموت ليلة الجمعة أو نهارها، لقوله صلى الله عليه وسلم:" ما من مسلم يموت يوم الجمعة، أي ليلة الجمعة، إلا وقاه الله فتنة القبر ". أخرجه أحمد (6582 - 6646) من طريقين عن عبد الله بن عمرو، والترمذي من أحد الوجهين، وله شواهد عن أنس وجابر بن عبد الله، وغيرهما، فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح. الرابعة: الاستشهاد في ساحة القتال، قال الله تعالى: [ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله،

ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}] (آل عمران: 169). وفي ذلك أحاديث: 1 - " للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه ". أخرجه الترمذي (3/ 17) وصححه، وابن ماجه (2/ 184) وأحمد (131) وإسناده صحيح، ثم أخرجه (4/ 200) من حديث عبادة بن الصامت ومن حديث قيس الجذامي (4/ 200) وإسنادهما صحيح أيضا. 2 - عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: " أن رجلا قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة". رواه النسائي (1/ 289) وعنه القاسم السرقسطي في " الحديث " (2/ 165/1) وسنده صحيح. (تنبيه): ترجى هذه الشهادة لمن سألها مخلصا من قلبه ولو لم يتيسر له الاستشهاد في المعركة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " من سأل الله الشهادة بصدق، بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ". أخرجه مسلم (2/ 49) والبيهقي (9/ 169) عن أبي هريرة. وله في "المستدرك " (2/ 77) شواهد.

الخامسة: الموت غازيًا في سبيل الله، وفيه حديثان: 1 - " ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يارسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذًا لقليل، قالوا: فمن هم يارسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن (¬1) فهو شهيد، والغريق شهيد ". أخرجه مسلم (6/ 51) وأحمد (2/ 522) عن أبي هريرة. وفي الباب عن عمر عند الحاكم (2/ 109) والبيهقي. 2 - " من فصل (أي خرج) في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد، أو وَقَصَه فرسه أو بعيره، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد وإن له الجنة ". أخرجه أبو داود (1/ 391) والحاكم (2/ 78) والبيهقي (9/ 166) من حديث أبي مالك الاشعري، وصححه الحاكم، وإنما هو حسن فقط. السادسة: الموت بالطاعون، وفيه أحاديث: 1 - عن حفصة بنت سيرين: قال لي أنس بن مالك: بم مات يحيى بن أبي عمرة؟ قلت: بالطاعون، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الطاعون شهادة لكل مسلم ". أخرجه البخاري (10/ 156 - 157) والطيالسي (2113) وأحمد (3/ 150، 2 20، 223، 258 - 265). ¬

(¬1) أي بداء البطن وهو الاستسقاء وانتفاخ البطن. وقيل: هو الإسهال، وقيل: الذي يشتكي بطنه. [منه].

2 - عن عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون؟ فأخبرها نبي الله صلى الله عليه وسلم: "أنه كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرًا يعلم أنه لن يصيبه إلا ماكتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشهيد. أحرجه البخاري (10/ 157 - 158) والبيهقي (3/ 376) وأحمد (6/ 64،145،252). 3 - " يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون، فيقول أصحاب الطاعون: نحن شهداء، فيقال: انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشهداء تسيل دما ريح المسك، فهم شهداء، فيجدونهم كذلك ". أخرجه الامام أحمد (4/ 185) والطبراني في " الكبير " (مجموع 6/ 55 / 2) بسند حسن كما قال الحافظ (10/ 159) عن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه. وله شاهد من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أخرجه النسائي (2/ 63) وأحمد (4/ 128، 129) والطبراني وحسنه الحافظ أيضا، وهو حسن في الشواهد. السابعة: الموت بداء البطن، وفيه حديثان: 1 - " ... ومن مات في البطن فهو شهيد ".رواه مسلم وغيره. 2 - عن عبد الله بن يسار قال: " كنت جالسًا وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة، فذ كروا رجلا توفي، مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته فقال أحمد هما للاخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يقتله بطنه

فلن يعذب في قبره "؟ فقال الآخر: بلى وفي رواية " صدقت ". أخرجه النسائي (1/ 289) والترمذي (2/ 160) وحسنه، وابن حبان في صحيحه (رقم 728 - موارد) والطيالسي (1288) وأحمد (4/ 262) وسنده صحيح. الثامنة والتاسعة: الموت بالغرق والهدم، لقوله صلى الله عليه وسلم: " الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله". أخرجه البخاري (6/ 33 - 34) ومسلم (6/ 51) والترمذي (2/ 159) وأحمد (2/ 325، 533) من حديث أبي هريرة. العاشرة: موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، لحديث عبادة بن الصامت: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد عبد الله بن رواحة قال: فما تحوز (¬1) له عن فراشه، فقال: أتدري مَن شهداء أمتي؟ قالوا: قتل المسلم شهادة، قال: إن شهداء أمتي إذًا لقليل! قتل المسلم شهادة، والطاعون شهادة، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء (¬2) شهادة، (يجرها ولدها بسرره (¬3) إلى الجنة) ". أخرجه أحمد (4/ 201 - 5/ 323) والدارمي (2/ 208) والطيالسي (582) وإسناده صحيح. وله في " المسند " (4/ 315، 317، 328) طرق أخرى. وفي الباب عن صفوان بن إمية عند الدارمي والنسائي (1/ 289) وأحمد ¬

(¬1) بالحاء المهملة والواو المشددة، أي: تنحى. [منه] (¬2) هي التي تموت، وفي بطنها ولد. انظر كلام " النهاية " في التعليق الاتي قريبا. [منه] (¬3) السرة ما يبقى بعد القطع مما تقطعه القابلة، والسرر ما تقطعه، وهو السر بالضم أيضا. [منه]

(6/ 465) -466). وعن عقبه بن عامر، عند النسائي (2/ 62 - 63). وعن راشد بن حبيش عند أحمد (3/ 289)، ورجاله ثقات، وقال المنذري في " الترغيب " (2/ 201): " إسناده حسن" وفيه الزيادة وهي في حديث عبادة عند الطيالسي وأحمد. الحادية عشر، والثانية عشر: الموت بالحرق، وذات الجنب (¬1) وفيه أحاديث، أشهرها عن جابر بن عتيك مرفوعًا: " الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع (¬2) شهيدة ". أخرجه مالك (1/ 232 - 233) وأبو داود (2/ 26) والنسائي (1/ 261) وابن ماجه (2/ 185 - 186) وابن حبان في صحيحه (1616 - موارد) والحاكم (1/ 352) وأحمد (5/ 446) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! ولست أشك في صحة متنه، لأن له شواهد كثيرة، تقدم أكثرها وروي الطبراني من حديث ربيع الأنصاري مرفوعا به نحوه دون ذكر الهدم. قال المنذري وتبعه الهيثمي (5/ 300): " ورواته محتج بهم في الصحيح ". ¬

(¬1) هي ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع. [منه] (¬2) في " النهاية ": " أي تموت وفي بطنها ولد، وقيل التي تموت بكرًا، والجمع بالضم بمعنى المجموع، كذخر بمعنى المذخور، وكسر الكسائي الجيم، والمعنى أنها ماتت مع شئ مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة " قلت: والمراد هنا الحمل قطعا بدليل الحديث المتقدم في " العاشرة " بلفظ " يقتلها ولدها جمعاء ". [منه]

وروى أحمد (4/ 15 7) من حديث عقبة بن عامر مرفوعا بلفظ: " الميت من ذات الجنب شهيد ". وسنده حسن في الشواهد، وقا جاءت هذه الجملد في بعض طرق حديث أبي هريرة المتقدم في " الخامسة " أخرجه أحمد (2/ 441 - 442) وفيه محمد بن اسحاق وهو مدلس وقد عنعنه. الثالثة عشر: الموت بداء السل لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «القتل في سبيل الله شهادة، والنفساء شهادة، والحرق (¬1) شهادة والغرق شهادة، والسل شهادة، والبطن شهادة». قال في "مجمع الزوائد " (2/ 317 - 301):"رواه الطبراني في الأوسط، وفيه مندل بن علي، وفيه كلام كثير وقد وثق ".فقد زاد فيه أحمد في رواية له: "والسل ". ورجاله موثقون، وحسنه المنذري كما سبق، وله شاهد آخر في"المجمع". الرابعة عشر: الموت في سبيل الدفاع عن المال المراد غصبه، وفيه أحاديث: 1 - "من قتل دون ماله، [وفي رواية: من أريد ماله بغير حق فقاتل، فقتلٍ] فهو شهيد". أخرجه البخاري (5/ 93) ومسلم (1/ 87) وأبو داود (2/ 285) والنسائي (2/ 173) والترمذي (2/ 315) وصححه وابن ماجه (2/ 123) وأحمد (16 68، 6823، 6829) كلهم بالرواية الثانية إلا البخاري ومسلم فبالأولى، وهي رواية للنسائي والترمذي وأحمد (6822) عن عبد الله بن عمرو. ¬

(¬1) بفتحتين، وكذا (الغرق)، كما في " حاشية المسند " (ق 301/ 1) مكتبة شيخ الاسلام في المدينة.

وفي الباب عن سعيد بن زيد، ويأتي في الخامسة عشرة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قاتله، قال: أرأيت إن قتلني، قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار». أخرجه مسلم (1/ 87)،وأخرجه النسائي (2/ 173) وأحمد (1/ 339 - 360) من طريق أخرى عنه. عن مخارق رضي الله عنه: " جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: «الرجل يأتي فيريد مالي؟ قال: ذكره بالله، قال فإن لم يذكر؟ قال: فاستعن عليه السلطان، قال: فإن نأى السلطان عني [وعجل علي]؟ قال: قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة، أو تمنع مالك». أخرجه النسائي وأحمد (5/ 294،294،295) والزيادة له وسنده صحيح على شرط مسلم. الخامسة عشر، والسادسة عشر: الموت في سبيل الدفاع عن الدين والنفس، وفيه حديثان: 1 - " من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ". أخرجه أبو داود (2/ 275) والنسائي والترمذي (2/ 316) وصححه، وأحمد (1652) 1653) عن سعيد بن زيد، وسنده صحيح.

2 - " من قتل دون مظلمته فهو شهيد " (¬1). أخرجه النسائي (2/ 173 - 174) من حديث سويد بن مقرن، وأحمد (2780) من حديث ابن عباس، وإسناده صحيح إن سلم من الانقطاع بين سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس، لكن أحد الطريقين يقوى الأخرى، وفي الأولى من لم يوثقه غير ابن حبان. السابعة عشرة: الموت مرابطًا في سبيل الله، ونذكر فيه حديثين: "رباط يومٍ وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان ". رواه مسلم (6/ 51) والنسائي (2/ 62) والترمذي (3/ 18) والحاكم (2/ 80) وأحمد (5/ 440، 441) من حديث سلمان الفارسي، ورواه الطبراني وزاد:" وبعث يوم القيامة شهيدا ".لكن في سنده من لم يعرفهم الهيثمي في " مجمعه " (5/ 290)، وسكت عليه المنذري في" ترغيبه " (2/ 150). " كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر ". أخرجه أبو داود (1/ 391) والترمذي (3/) وصححه، والحاكم (2/ 144) وأحمد (6/ 20) من حديث فضالة بن عبيد، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين"! الثامنة عشر: الموت على عملٍ صالحٍ لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من قال: لا إله إلا الله ¬

(¬1) قلت: وهذا بإطلاقه يشمل الانواع الاربعة المذكورة في الحديث الاول وغيرها. [منه]

[1458] باب من المبشرات بحسن الخاتمة

ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوما ابتغاء وجه الله خُتِمَ له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله خُتم له بها دخل الجنة». أخرجه أحمد (5/ 391) عن حذيفة قال:" أسندتُ: النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وإلى صدري فقال " فذكره. وإسناده صحيح، وقال المنذري (2/ 61) " لا بأس به". "أحكام الجنائز" (ص48 - 59) بتصرف. [1458] باب من المبشرات بحسن الخاتمة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «من ختم له بإطعام مسكين محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة، من ختم له بصوم يوم محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة، من ختم له بقول لا إله إلا الله محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (4/ 200).

[1459] باب هل بياض جلد الميت أو ابتسامه أو شم رائحة طيبة منه من علامات حسن الخاتمة؟

[1459] باب هل بياض جلد الميت أو ابتسامه أو شم رائحة طيبة منه من علامات حسن الخاتمة؟ مداخلة: هل من علامات حسن الخاتمة رؤية المغسل بياض جلد الميت، أو يرى أنه يبتسم، وكذا بالنسبة لما نسمعه عن المجاهدين في أفغانستان بعد موت أحدهم من شم رائحة المسك؟ الشيخ: أما ما ذكر قبل رائحة المسك فلا يوجد شيء يستلزم أن يكون ذلك من البشائر، أما رائحة المسك فككرامة يمكن أن يكون ذلك، ولكن القضية تحتاج إلى تَرَوِّي وتَبَصُّر في رواية هذه القصص التي تنقل عن بعض المجاهدين من فوحان رائحة المسك بالنسبة لبعضهم فقد تناقضت الأقوال في هذه المسألة فبعضهم أنكرها أشد الإنكار، وبعضهم أقرها مؤكدًا بصحتها، ومنهم الشيخ عبد الله عزام رحمه الله أكد ذلك في غير ما حديث له، بل لعلكم اطلعتم على رسالة له في ذلك، ثم أشيع عنه لما قتل رحمه الله أيضًا أنه شموا منه الرائحة الطيبة، فأنا أقول: هذا ممكن لأن ربنا عز وجل يكرم بعض عباده بما يشاء، أما هل هذا وقع أو لا فأنا لست شاهدًا ولست مصدقًا ولا مكذبًا. "رحلة النور" (29ب/00:38:36)

جماع أبواب الكلام على انتفاع الميت بعمل غيره من عدمه

جماع أبواب الكلام على انتفاع الميت بعمل غيره من عدمه

[1460] باب ما ينتفع به الميت بعد موته

[1460] باب ما ينتفع به الميت بعد موته [قال الإمام]: ينتفع الميت من عمل غيره بأمور: أولاً: دعاء المسلم له، إذا توفرت فيه شروط القبول، لقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم} (سورة الحشر:10). وأما الأحاديث فهي كثيرة جداً ومنها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل» أخرجه مسلم (8/ 86،87) والسياق له، وأبو داود (1/ 240) وأحمد (6/ 452) من حديث أبي الدرداء بل، إن صلاة الجنازة جلها شاهد لذلك، لأن غالبها دعاء للميت واستغفار له ... ثانياً: قضاء ولي الميت صوم النذر عنه، وفيه أحاديث: الأول: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «من مات وعليه صيام، صام عنه وليه».أخرجه البخاري (4/ 156) ومسلم (3/ 155) وأبو داود (1/ 376)، ومن طريقه البيهقي (6/ 279) والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 140،141) وأحمد (6/ 69). الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه: " أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله تبارك وتعالى أنجاها أن تصوم شهرا، فأنجاها الله عز وجل، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت قرابة لها [إما أختها أو ابنتها] إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فذكرت ذلك له، فقال:

[أرأيتك لو كان عليها دين كنت تقضينه؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى]، [فـ] اقض [عن أمك]). أخرجه أبو داود (2/ 81) والنسائي (2/ 143) والطحاوي (3/ 140) والبيهقي (4/ 255،256،10/ 85) والطيالسي (2630) وأحمد (1861،1970،3137،3224،3420) والسياق مع الزيادة الثانية له، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، والزيادة الأولى لأبي داود والبيهقي. وأخرجه البخاري (4/ 158 - 159) ومسلم (3/ 156) والترمذي (2/ 42 - 43) وصححه، وابن ماجه (1/ 535) بنحوه، وفيه عندهم جميعاً الزيادة الثانية، وعند مسلم الأخيرة. الثالث: عنه أيضا: "أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر؟ فقال: اقضه عنها ".أخرجه البخاري (5/ 400، 494) ومسلم (6/ 76) وأبو داود (2/ 81) والنسائي (2/ 130،144) والترمذي (2/ 375) وصححه البيهقي (4/ 256،6/ 278،10/ 85) والطيالسي (2717) وأحمد (1893،3049، 6/ 47) ثالثاً: قضاء الدين عنه من أي شخص ولياًّ كان أو غيره، وفيه أحاديث كثيرة ... رابعاً: ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة، فإن لوالديه مثل أجره، دون أن ينقص من أجره شيء، لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والله عز وجل يقول: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه».أخرجه أبو داود (2/ 108) والنسائي (2/ 211) والترمذي (2/ 287) وحسنه، والدارمي (2/ 247) وابن ماجه (2/ 2 - 430) والحاكم (2/ 46) والطيالسي (1580) وأحمد (6/ 41،126،127،162،173،193،201،202)

وقال الحاكم: " صحيج على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو خطأ من وجوه لا يتسع المجال لبيانها، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو. رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد (2/ 179،204،214) بسند حسن. ويؤيد ما دلت عليه الآية والحديث، أحاديث خاصة وردت في انتفاع الوالد بعمل ولده الصالح كالصدقة والصيام والعتق ونحوه، وهي هذه: الأول: عن عائشة رضي الله عنها:" أن رجلا قال: إن أمي افتلتت (¬1) نفسها [ولم توص]، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها [ولي أجر]؟ قال: نعم، [فتصدق عنها] " أخرجه البخاري (3/ 198،5/ 399 - 400) ومسلم (3/ 81،5/ 73) ومالك في (الموطأ) (2/ 228) وأبو داود (2/ 15) والنسائي (2/ 129) وابن ماجه (2/ 160) والبيهقي (4/ 62،6/ 277 - 278) وأحمد (6/ 51). والسياق للبخاري في إحدى روايتيه، والزيادة الأخيرة له في الرواية الأخرى، وابن ماجه، وله الزيادة الثانية، ولمسلم الأولى. الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه:" أن سعد بن عبادة-أخا بني ساعدة-توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت، وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائط المخراف (¬2) صدقة عليها".أخرجه البخاري (5/ 297،301،307) وأبو داود (2/ 15) والنسائي (2/ 130) والترمذي (2/ 25) والبيهقي (6/ 278) وأحمد ¬

(¬1) بضم المثناة وكسر اللام، أي سلبت، على ما لم يسم فاعله، أي ماتت فجأة. [منه] (¬2) أي المثمر، سمي بذلك لما يخرف منه أي يجي من الثمرة. [منه]

(3080 - 3504 - 3508) والسياق له. الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه: " أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم ". أخرجه مسلم (5/ 73) والنسائي (2/ 129) وابن ماجه (2/ 160) والبيهقي (6/ 278) وأحمد (2/ 371). الرابع: عن عبد الله بن عمرو: «أن العاص بن وائل السهمي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، وأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، قال: حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا رسول الله إن أبي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، وإن هشاماً أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنه لو كان مسلما فأعتقتم أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك، (وفي رواية): فلو كان أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك». أخرجه أبو داود في آخر"الوصايا" (2/ 15) والبيهقي (6/ 279) والسياق له، وأحمد (رقم 6704) والرواية الأخرى له، وإسنادهم حسن. قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/ 79): "وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابها، فيخصص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}. ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبت أن ولد الإنسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما من غير الولد فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت، فيوقف عليها، حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها".

قلت: وهذا هو الحق الذي تقتضيه القواعد العلمية، أن الآية على عمومها وأن ثواب الصدقة وغيرها يصل من الولد إلى الوالد لأنه من سعيه بخلاف غير الولد، لكن قد نقل النووي وغيره الإجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصله ثوابها، هكذا قالوا (الميت) فأطلقوه ولم يقيدوه بالوالد، فإن صح هذا الإجماع كان مخصصًا للعمومات التي أشار إليها الشوكاني فيها يتعلق بالصدقة، ويظل ما عداها داخلا في العموم كالصيام وقراءة القرآن ونحوهما من العبادات، ولكنني في شك كبير من صحة الإجماع المذكور، وذلك لأمرين: الأول: أن الإجماع بالمعنى الأصولي لا يمكن تحققه في غير المسائل التي علمت من الدين بالضرورة، كما حقق ذلك العلماء الفحول، كابن حزم في "أصول الأحكام" والشوكاني في "إرشاد الفحول" والأستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه "أصول الفقه" وغيرهم، وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد في كلمته المشهورة في الرد على من ادعى الإجماع - ورواها عنه ابنه عبد الله بن أحمد في "المسائل". الثاني: أنني سبرت كثيرا من المسائل التي نقلوا الإجماع فيها، فوجدت الخلاف فيها معروفاً! بل رأيت مذهب الجمهور على خلاف دعوى الإجماع فيها، ولو شئت أن أورد الأمثلة على ذلك لطال الكلام وخرجنا به عما نحن بصدده. فحسبنا الآن أن نذكر بمثال واحد، وهو نقل النووي الإجماع على أن صلاة الجنازة لا تكره في الأوقات المكروهة! مع أن الخلاف فيها قديم معروف، وأكثر أهل العلم على خلاف الإجماع المزعوم، كما سبق تحقيقه في المسألة (87)، ويأتي لك مثال آخر قريب إن شاء الله تعالى. وذهب بعضهم إلى قياس غير الوالد على الوالد، وهو قياس باطل من وجوه:

الأول: أنه مخالف العموميات القرآنية كقوله تعالى {ومن تزكى فإنما يتزكي لنفسه} وغيرها من الآيات التي علقت الفلاح ودخول الجنة بالأعمال الصالحة، ولا شك أن الوالد يزكي نفسه بتربيته لولده وقيامه عليه فكان له أجره بخلاف غيره. الثاني: أنه قياس مع الفارق إذا تذكرت أن الشرع جعل الولد من كسب الوالد كما سبق في حديث عائشة فليس هو كسبا لغيره، والله عز وجل يقول: {كل نفس بما كسبت رهينة} ويقول: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}. وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله عز وحل: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}: " أي كما لا يحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه. ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء " وقال العز بن عبد السلام في "الفتاوى" (24/ 2 - عام 1692): "ومن فعل طاعة الله تعالى، ثم أهدى ثوابها إلى حي أو ميت، لم ينتقل ثوابها إليه، إذ {ليس للإنسان إلا ما سعى}، فإن شرع في الطاعة ناوياً أن يقع عن الميت لم يقع عنه، إلا فيما استثناه الشرع كالصدقة والصوم والحج". وما ذكره ابن كثير عن الشافعي رحمه الله تعالى هو قول أكثر العلماء وجماعة من، الحنفية كما نقله الزبيدي في "شرح الإحياء" (10/ 369).

قلت: ومما سبق تعلم بطلان الإجماع الذي ذكره ابن قدامة في "المغني" (2/ 569) على وصول ثواب القراءة إلى الموتى، وكيف لا يكون باطلاً، وفي مقدمة المخالفين الإمام الشافعي رحمه الله تعالى. وهذا مثال آخر من أمثلة ما ادعى فيه الإجماع وهو غير صحيح، وقد سبق التنبيه على هذا قريباً. الثالث: أن هذا القياس لو كان صحيحاً، لكان من مقتضاه استحباب إهداء الثواب إلى الموتى ولو كان كذلك لفعله السلف، لأنهم أحرص على الثواب منا بلا ريب، ولم يفعلوا ذلك كما سبق في كلام ابن كثير، فدل هذا على أن القياس المذكور غير صحيح، وهو المراد. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " الاختيارات العلمية " (ص 54): "ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعاً أو صاموا تطوعاً أو حجوا تطوعا، أو قرؤوا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل". وللشيخ رحمه الله تعالى قول آخر في المسألة، خالف فيه ما ذكره آنفا عن السلف، فذهب إلى أن الميت ينتفع بجميع العبادات من غيره!. وتبنى هذا القول وانتصر له ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "الروح" بما لا ينهض من القياس الذي سبق بيان بطلانه قريباً، وذلك على خلاف ما عهدناه منه رحمه الله من ترك التوسع في القياس في الأمور التعبدية المحضة لاسيما ما كان عنه على خلاف ما جرى عليه السلف الصالح رضي الله عنهم وقد أورد خلاصة كلامه العلامة السيد محمد رشيد رضا في "تفسير المنار" (8/ 254 - 270) ثم رد عليه ردًّا قويًّا، فليراجعه من شاء أن يتوسع في المسألة ..

وقد استغل هذا القول كثير من المبتدعة، واتخذوه ذريعة في محاربة السنة، واحتجوا بالشيخ وتلميذه على أنصار السنة وأتباعها، وجهل أولئك المبتدعة أو تجاهلوا أن أنصار السنة، لا يقلدون في دين الله تعالى رجلا بعينة كما يفعل أولئك! ولا يؤثرون على الحق الذي تبين لهم قول أحد من العلماء مهما كان اعتقادهم حسناً في علمه وصلاحه، وأنهم إنما ينظرون إلى القول لا إلى القائل، وإلى الدليل، وليس إلى التقليد، جاعلين نصب أعينهم قول إمام دار الهجرة "ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر"! وقال: "كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر". وإذا كان من المسلَّم به عند أهل العلم أن لكل عقيدة أو رأى يتبناه في هذه الحياة أثرًا في سلوكه إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، فإن من المسلَّم به أيضًا، أن الأثر يدل على المؤثر، وأن أحدهما مرتبط بالآخر، خيرًا أو شرًّا كما ذكرنا، وعلى هذا فلسنا نشك أن لهذا القول أثراً سيئاً في من يحمله أو يتبناه، من ذلك مثلاً أن صاحبه يتكل في تحصيل الثواب والدرجات العاليات على غيره، لعلمه أن الناس يهدون الحسنات مئات المرات في اليوم الواحد إلى جميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، وهو واحد منهم، فلماذا لا يستغني حينئذ بعمل غيره عن سعيه وكسبه.! ألست ترى مثلاً أن بعض المشايخ الذين يعيشون على كسب بعض تلامذتهم، لا يسعون بأنفسهم ليحصلوا على قوت يومهم بعرق جبينهم وكد يمينهم! وما السبب في ذلك إلا أنهم استغنوا عن ذلك بكسب غيرهم! فاعتمدوا عليه وتركوا العمل، هذا أمر مشاهد في الماديات، معقول في المعنويات كما هو الشأن في هذه المسألة. وليت أن ذلك وقف عندها، ولم يتعدها إلى ما هو أخطر منها، فهناك قول بجواز الحج عن الغير ولو كان غير معذور كأكثر الأغنياء التاركين للواجبات فهذا القول يحملهم على التساهل في الحج والتقاعس عنه، لأنه يتعلل به ويقول في

باطنه: يحجون عني بعد موتي! بل إن ثمة ما هو أضر من ذلك، وهو القول بوجوب إسقاط الصلاة عن الميت التارك لها! فإنه من العوامل الكبيرة على ترك بعض المسلمين للصلاة، لأنه يتعلل بأن الناس يسقطونها عنه بعد وفاته! إلى غير ذلك من الأقوال التي لا يخفى سوء أثرها علي المجتمع، فمن الواجب على العالم الذي يريد الإصلاح أن ينبذ هذه الأقوال لمخالفتها نصوص الشريعة ومقاصدها الحسنة. وقابل أثر هذه الأقوال بأثر قول الواقفين عند النصوص لا يخرجون عنها بتأويل أو قياس تجد الفرق كالشمس؛ فإن من لم يأخذ بمثل الأقوال المشار إليها لا يعقل أن يتكل على غيره في العمل والثواب، لأنه يرى أنه لا ينجيه إلا عمله، ولا ثواب له إلا ما سعى إليه هو بنفسه، بل المفروض فيه أن يسعى ما أمكنه إلى أن يخلف من بعده أثرًا حسنا يأتيه أجره، وهو وحيد في قبره، بدل تلك الحسنات الموهومة، وهذا من الأسباب الكثيرة في تقدم السلف وتأخرنا، ونصر الله إياهم، وخذلانه إيانا، نسأل الله تعالى أن يهدينا كما هداهم، وينصرنا كما نصرهم. خامساً: ما خلَّفه من بعده من آثار صالحة وصدقات جارية، لقوله تبارك وتعالى: {ونكتب ما قدموا وآثارهم}، وفيه أحاديث: الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله (¬1) إلا من ثلاثة [أشياء]،إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ¬

(¬1) أي فائدة عمله وتجديد ثوابه، قال الخطابى في "المعالم": "فيه دليل على أن الصوم والصلاة وما دخل في معناهما من عمل الأبدان لا تجري فيها النيابة وقد يستدل به من يذهب إلى أن من حج عن ميت فإن الحج في الحقيقة للحاج دون المحجوج عنه، وإنما يلحقه الدعاء، ويكون له الأجر في المال الذي أعطى إن كان حج عنه بمال ". [منه]

ولد صالح (¬1) يدعو له».أخرجه مسلم (5/ 73) والسياق له والبخاري في (الأدب المفرد) (ص 8) وأبو داود (2/ 15) والنسائي (2/ 129) والطحاوي في (المشكل) (1/ 85) والبيهقي (6/ 278) وأحمد (2/ 372)، والزيادة لأبي داود والبيهقي. الثاني: عن أبي قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها، وعلم يعمل به من بعده» أخرجه ابن ماجه (1/ 106) وابن حبان في "صحيحة " (رقم 84،85) والطبراني في "المعجم الصغير" (ص79) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 15) وإسناده صحيح كما قال المنذري في "الترغيب" (1/ 58) الثالث: عن أبي هريرة أيضا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته» أخرجه ابن ماجه (1/ 106) بإسناد حسن، ورواه ابن خزيمة في "صحيحة" أيضا والبيهقي كما قال المنذري. الرابع: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في صدر النهار، فجاءه أقوام حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي ¬

(¬1) قيد بالصالح لأن الأجر لا يحصل من غيره، وأما الوزر فلا يلحق بالوالد من سيئة ولده إذا كان نيته في تحصيل الخير، وإنما ذكر الدعاء له تحريضاً على الدعاء لأبيه، لا لأنه قيد، لأن الاجر يحصل للوالد من ولده الصالح، كلما عمل عملاً صالحاً، سواء أدعا لأبيه أم لا، كمن غرس شجرة يحصل له من أكل ثمرتها ثواب سواء أدعا له من أكلَها أم لم يدع، وكذلك الأم. كذا في " مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار " لا بن الملك. [منه]

السيوف، [وليس عليهم أزر ولا شئ غيرها] عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر (وفي رواية: فتغير - ومعناهما واحد) وجه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما رأى بهم من الفاقة، فدخل، ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وصلى [الظهر، ثم صعد منبراً صغيراً]، ثم خطب [فحمد الله وأثنى عليه] فقال: [أما بعد فإن الله أنزل في كتابه]: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا}، والآية التي في (الحشر): {ويا أيها الذين آمنوا] اتقوا الله ولتنظر ننسى ما قدمت لغد واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون. ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون. لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، أصحاب الجنة هم الفائزون} تصدقوا قبل أن يحال بينكم وبين الصدقة]، تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، [من شعيره]، من صاع تمره، حتى قال: [ولا يحقرن أحدكم شيئا من الصدقة]،ولو بشق تمرة، [فأبطؤوا حتى بان في وجهه الغضب]،قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة [من ورق (وفي رواية: من ذهب)] كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت [فناولها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو على منبره] [فقال: يا رسول الله هذه في سبيل الله]، [فقبضها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]، [قام أبو بكر فأعطى، ثم قام عمر فأعطى، ثم قام المهاجرون والأنصار فأعطوا]، ثم تتابع الناس [في الصدقات]، [فمن ذي دينار، ومن ذي درهم، ومن ذي، ومن ذي] حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله ص: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، و [مثل] أجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ومن سن سنة في الاسلام سيئة كان عليه وزرها و [مثل] وزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص

[1461] باب هل ينتفع الميت بعمل غيره؟

من أوزارهم شئ، [ثم تلى هذه الآية: {ونكتب ما قدموا وآثارهم}، [قال: فقسمه بينهم]».أخرجه مسلم (3/ 88، 89/ 61، 62) والنسائي (1/ 355، 356) والدارمي (1/ 126، 127) والطحاوي في "المشكل" (1/ 93، 97) والبيهقي (4/ 175، 176) والطيالسي (670) وأحمد (4/ 357، 358، 359، 360، 361، 362) وابن أبي حاتم أيضا في " تفسيره "، كما في ابن كثير (3/ 565) والزيادة التي قبل الأخيرة له، وإسنادها صحيح، وللترمذي (3/ 377) وصححه وابن ماجه (1/ 90) الجملتان اللتان قبل الزيادة المشار إليها مع الزيادتين فيهما. وأما الزيادة الأولى فهي للبيهقي، وما بعدها إلى الرابعة له ولمسلم، والخامسة حتى الثامنة للبيهقي، وعند الطيالسي الخامسة، والتاسعة للدارمي وأحمد، ولمسلم نحوها وكذا الطيالسي وأحمد أيضاً، والعاشرة والثانية عشر والخامسة عشر والتاسعة عشر للبيهقي، والحادية عشر والسابعة عشر للطحاوي وأحمد، والرابعة عشر للطيالسي، والسادسة عشر والسابعة عشر لمسلم والترمذي وأحمد وغيرهم. والرواية الثانية للنسائي والبيهقي: والثالثة للطحاوي وأحمد. "أحكام الجنائز" (ص213 - 226). [1461] باب هل ينتفع الميت بعمل غيره؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «أما أبوك فلو كان أقر بالتوحيد، فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك». [قال الإمام]: أخرجه الإمام أحمد (2/ 182) حدثنا هشيم أخبرنا حجاج حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

" أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، وأن هشام ابن العاص نحر حصته خمسين بدنة، وأن عمراً سأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ذلك؟ فقال " فذكره. والحديث دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتهما إذا كانا مسلمين ويصل إليهما ثوابها، بدون وصية منهما. ولما كان الولد من سعي الوالدين، فهو داخل في عموم قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب، مما أورده المجد ابن تيمية في " المنتقى " كما فعل البعض. واعلم أن كل الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد، فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله " باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى " غير صحيح لأن الدعوى أعم من الدليل، ولم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء، اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني في " نيل الأوطار " (4/ 78 - 80)، ثم الكاتب في كتابه " أحكام الجنائز وبدعها " .. ، من ذلك الدعاء للموتى فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك وتعالى. فاحفظ هذا تنج من الإفراط والتفريط في هذه المسألة، وخلاصة ذلك أن للولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه لأنه من سعيهما، وليس له ذلك عن غيرهما إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه. والله أعلم. "الصحيحة" (1/ 2/873 - 874).

[1462] باب منه

[1462] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال [: «أعتقوا عنه، يعتق الله بكل عضومنه، عضوا منه من النار». (ضعيف). [قال الإمام]: هذا وقد يستدل بالحديث من يقول بوصول ثواب العمل إلى غير عامله إذا وهبه له، وهو خلاف قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وما في معناه من الأحاديث ولو صح هذا الحديث لكان من جملة المخصصات للآية، وقد حقق الإمام الشوكاني القول في هذا الموضوع وذكر ما وقف عليه من المخصصات المشار إليها، فراجعه في " نيل الأوطار " (3/ 333 - 336)، مع فصل " ما ينتفع به الميت " من كتابي " أحكام الجنائز " (ص 168 - 178). "الضعيفة" (2/ 307، 309). [1463] باب منه [سئل الشيخ عن مسألة انتفاع الميت بعمل غيره، فأجاب]: -أنا تعرضت لهذه المسألة في أحكام الجنائز بشيء من التفصيل تعرفه، ثم لخصته في جزء نحو ربع من الأصل، بالنسبة للوالدين فكل ما يفعله الولد يستفيد منه الوالدان على اعتبار أنهما السبب في هذا الخير كما قال تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} وقد جاء في الحديث الصحيح: «أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده، وإن أولادكم من كسبكم»

[1464] باب هل ينفع الميت صيام غيره عنه مطلقا؟

[من خلال] الوصف النبوي نخرج بالنتيجة السابقة الذكر وهي: أن كل الأعمال الصالحة التي تصدر من الولد فهي تصل إلى الوالد أما سائر الناس فلا ... ، الأعمال الصالحة (ليس) ينتفع بها إلا صاحبها مع شرط القبول، وإلا من كان سبباًَ لهذا العمل الصالح بمعنى ما ذكره الرسول عليه السلام في الحديث الصحيح: «إذا مات الإنسان» وفي روايات أخرى: «ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له» الشاهد من الحديث هي الفقرة الوسطى: «أو علم ينتفع به» فرجل مثلاً توفي وخلف من بعده تلامذة ينشرون العلم فما دام هؤلاء التلامذة ينشرون هذا العلم فأجر هذا النشر يصل إلى هذا العالم المتوفى في قبره لأنه كان سبب لهذا العلم، أو مثلاً ألف كتاباً والناس ينتفعون منه بعد وفاته لأن هذا من آثاره، وقد قال تعالى: {ونكتب ما قدموا وآثارهم} فهذه هي القاعدة: الأبوان يصل إليهما أجر عمل الولد مداخلة: هل يشترط في هذا القصد؟ الشيخ: لا يشترط، ولكن هنا شيء من التفصيل؛ في شيء يصل كما يقال اليوم أوتوماتيكياً لكن الأفضل إذا أراد الولد أن ينفع والده أو والديه وهما في قبريهما أن يخصهما بالنية؛ أن يقول مثلاً: هذه الصدقة عن أبي، هذه الحجة، هذه العمرة عن والدي أو والدتي، لكن لو لم يفعل ذلك وصلهما ... " الهدى والنور" (83/ 19: 44: 00) [1464] باب هل ينفع الميت صيام غيره عنه مطلقاً؟ [قال الإمام]: قوله [أي: صاحب فقه السنة] في مذهب الشافعية المختار: أنه يستحب لولي

الميت أن يصوم عنه: " واستدلوا بما رواه أحمد والشيخان عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» زاد البزار لفظ: «إن شاء» وقال في التعليق:" سندها حسن " قلت: كلا بل هذه الزيادة ضعيفة منكرة فإن مدارها على ابن لهيعة وهو ضعيف وقد تفرد بها كما قال الحافظ في " الفتح " وقال في " التلخيص ": " وهي ضعيفة لأنها من طريق ابن لهيعة " والمؤلف كأنه تبع في تحسينها صديق خان في " الروضة " وهو تبع الهيثمي في " المجمع " وهو خطأ أو تساهل منهم جميعاً. ثم إن هذا الحديث حمله الحنابلة على صوم النذر فهو الذي يصومه الولي عنه، وأما صوم الفرض فلا يصومه أحد عن أحد وهو مذهب راوية الحديث عائشة، وكذا ابن عباس راوي الحديث الآتي بعده، وقد ذكرت أقوالهما في ذلك في " أحكام الجنائز " في المبحث (106)، وهو الذي تقتضيه أصول الشريعة وحكمتها، وقد انتصر لهذا ابن القيم في " تهذيب السنن " وكذا في " إعلام الموقعين " ونقلت كلامه منه في الكتاب المشار إليه وهو نفيس فليراجع. [ثم قال الإمام]: قوله [أي صاحب " فقه السنة"]: " وروى أحمد وأصحاب السنن عن ابن عباس: أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صيام شهر أفأقضيه عنها؟. . قال: نعم. . " قلت: هذا يوهم أنه لم يخرجه من هو أرقي في الصحة من المذكورين وليس كذلك فقد أخرجه الشيخان في " الصوم " عن ابن عباس وفي رواية لهما: " ماتت

[1465] باب هل ينتفع الأموات بدعوة الأحياء وصدقاتهم؟

وعليها صوم نذر ". فهذا الحديث إذن وارد في صوم النذر فلا يجوز الاستدلال به على صوم الفرض كما فعل المؤلف وبعبارة أخرى الحديث دليل للحنابلة لا للشافعية فتنبه. "تمام المنة" (ص425 - 426). [1465] باب هل ينتفع الأموات بدعوة الأحياء وصدقاتهم؟ -[قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية:"وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات"]: نقل الشارح [أي: أبن أبي العز] رحمه الله تعالى اتفاق أهل السنة على ذلك، ثم ساق الأدلة من الكتاب والسنة عليه، ولكنه فيما يتعلق بالصدقة لم يذكر إلا ما يدل على انتفاع الوالد بصدقة ولده، وهذا أخص من الدعوى كما لا يخفى. وقد شرحت هذا ونظرت في الاتفاق المذكور في أحكام الجنائز " (ص 173) فراجعه. "التعليق على متن الطحاوية" (ص99 - 100). [1466] باب هل ينتفع الميت بصدقة الحي؟ [قال الإمام:] ليس في السنة - فضلاً عن القرآن - دليل يدل على انتفاع كل ميت بصدقة الحي، وإنما فيها انتفاع الوالد بصدقة الولد، وذلك لأنه من سعى الوالد، ولا يصح إلحاق غيره به كما حققته في " أحكام الجنائز" (ص173 - 178). "التعليق على إصلاح المساجد" (ص 218).

[1467] باب الميت ينتفع بقضاء الدين عنه ولو من غير ولده، بخلاف التصدق عنه

[1467] باب الميت ينتفع بقضاء الدين عنه ولو من غير ولده، بخلاف التصدق عنه [ذكر الإمام بعض ما يجب على الحاضرين فعله بعد موت الميت فأورد أمورًا ثم قال]: أن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله، ولو أتى عليه كله، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة أن تؤدي عنه إن كان جهد في قضائه، فإن لم تفعل، وتطوع بذلك بعضهم جاز، وفي ذلك أحاديث: الأول: عن سعد بن الأطول رضي الله عنه:" أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أنفقها على عياله، قال: فقال لي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن أخاك محبوس بدينه (فاذهب) فاقض عنه (فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت) قلت: يا رسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة، وليست لها بينة، قال: «أعطها فإنها محقة، (وفي رواية: صادقة)». أخرجه ابن ماجه (2/ 82) وأحمد (4/ 136، 5/ 7) والبيهقي (10/ 142) وأحد إسناديه صحيح، والآخر مثل إسناد ابن ماجه، وصححه البوصيري في " الزوائد "! وسياق الحديث والرواية الثانية للبيهقي وهي والزيادات لأحمد في رواية. الثاني: عن سمرة بن جندب. " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى على جنازة (وفي رواية: صلى الصبح) فلما انصرف قال: «أههنا من آل فلان أحد»؟ (فقال رجل: هو ذا)، قال: فقام رجل يجر إزاره من مؤخر الناس (ثلاثا لا يجيبه أحد)، (فقال له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: ما منعك في المرتين الأولين أن تكون أجبتني؟) أما إني لم أفوه باسمك إلا لخير، إن فلاناً - لرجل منهم - مأسور بدينه (عن الجنة، فإن شئتم فافدوه، وإن

شئتم فأسلموه إلى عذاب الله)، فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه، (حتى ما أحد يطلبه بشيء) " (¬1) أخرجه أبو داود (2/ 84) والنسائي (2/ 233) والحاكم (2/ 25،26) والبيهقي (6/ 4/76) والطيالسي في مسنده (رقم 891،892) وكذا أحمد (5/ 11، 13،20) بعضهم عن الشعبي عن سمرة، وبعضهم أدخل بينهما سمعان بن مشنج، وعلى الوجه الثاني صحيح فقط. والرواية الأخرى للمسندين، والزيادة الأولى والثانية للحاكم، وكذا الثالثة والخامسة، وللبيهقي الثانية، ولأحمد الثالثة والرابعة، وللطيالسي الخامسة، وله ولأحمد وأبي داود السادسة. الثالث: عن جابر بن عبد الله قال: "مات رجل، فغسلناه وكفناه وحنطناه، ووضعناه لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حيث توضع الجنائز، عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالصلاة عليه، فجاء معنا، (فتخطى) خطى، ثم قال: لعل على صاحبكم ديناً؟» قالوا: نعم ديناران، فتخلف، (قال: صلوا على صاحبكم)، فقال له رجل منا يقال له أبو قتادة: يا رسول الله هما علي، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «هما عليك وفي مالك، والميت منهما برئ»؟ فقال: نعم، فصلى عليه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا لقي أبا قتادة يقول: (وفي رواية ثم لقيه من الغد فقال:) ما صنعت الديناران؟ (قال: يا رسول الله إنما مات أمس) حتى كان آخر ذلك (وفي الرواية الأخرى: ثم لقيه من الغد فقال: ما ¬

(¬1) وله شاهد من حديث ابن عباس، رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (ق 156/ 5) بسند ضعيف. [منه]

فعل الديناران؟) قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: «الآن حين بردت عليه جلده" (¬1).أخرجه الحاكم (2/ 58) والسياق له والبيهقي (6/ 74 - 75) والطيالسي (1673) وأحمد (3/ 330) بإسناد حسن كما قال الهيثمي (3/ 39) وأما الحاكم فقال: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! والرواية الأخرى مع الزيادات عندهم جميعا إلا الحاكم، إلا الزيادة الثانية فهي للطيالسي وحده ... [تنبيه]: [1]- أفادت هذه الأحاديث أن الميت ينتفع بقضاء الدين عنه، ولو كان من غير ولده، وأن القضاء يرفع العذاب عنه، فهي من جملة المخصصات لعموم قوله تبارك وتعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} ولقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ... » الحديث رواه مسلم والبخاري في الأدب المفرد وأحمد، ولكن القضاء عنه شيء والتصدق عنه شيء آخر؛ فإنه أخص من التصدق، وإلا فالأحاديث التي وردت في التصدق عنه، إنما موردها في صدقة الولد عن الوالدين، وهو من كسبهما بنص الحديث، فلا يحوز قياس الغريب عليهما؛ لأنه قياس مع الفارق كما هو ظاهر، ولا قياس الصدقة على القضاء؛ لأنها أعم منه كما ذكرنا. "أحكام الجنائز" (ص25 - 28). ¬

(¬1) أي بسبب رفع العذاب عنه بعد وفاء دينه. [منه].

[1468] باب هل تصل صدقة الفاسق لأبيه المتوفي؟

[1468] باب هل تصل صدقة الفاسق لأبيه المتوفي؟ سؤال: دعاء الولد الغير صالح ونفقته عن أبيه المتوفى؟ الشيخ: غير صالح. مداخلة: وتصدقه عن أبيه المتوفى، هل يصل لوالده؟ الشيخ: إذا كانت الصدقة لوجه الله عز وجل فالله يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} (الزلزلة:7، 8). وقولك: أن الولد غير صالح، فهل كونه غير صالح ثم يريد أن يتصدق، فالصدقة أمر صالح أو ليس بصالح؟ مداخلة: صالح. الشيخ: صالح، فقولك: أنه غير صالح، يعني ماذا تعني؟ مداخلة: يعني: ما يصلي. الشيخ: ما يصلي، طيب، فاسق مش كافر يعني؟ مداخلة: لا مش كافر. الشيخ: الحمد لله، الجواب سبق في الآية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} (الزلزلة:7)، ومن تصدق عن أبيه ويبتغي من وراء ذلك مرضات ربه وصلة أبيه ولو بعد وفاته، هذا بلا شك يصدق عليه قوله عليه السلام: «أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده، وإن أولادكم من كسبكم»، كما لو فعل الرجل نفسه هذا الرجل الصالح لو تصدق على مسكين ماذا نقول؟ هل تقبل صدقته؟ {فَمَنْ يَعْمَلْ

[1469] باب هل ينتفع الميت بثواب الصدقة أو قراءة القرآن عنه؟

مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} (الزلزلة:7) .. ، هذه الصورة العادية، يعني في ناس نعرفهم لا يصلون فعلاً لكنهم يتصدقون، هاه، هذا يتصدق للفقراء والمساكين لكنه لا يصلي مثلاً ولا يحج، فنحن ما نقول: إن صدقته مقبولة مطلقاً أو مردودة مطلقاً، وإنما نقول: ماذا قصد بالصدقة؟ فإن كان قصد بها وجه الله عز وجل فهي بلا شك حسنة، والله عز وجل يقبل الحسنات، أما إن قصد بذلك غير وجه الله عز وجل، حتى من الصالح، لا تقبل منه، وهذه حقائق معروفة شرعاً، نعم. تفضل. "الهدى والنور" (729/ 47: 35: 00) [1469] باب هل ينتفع الميت بثواب الصدقة أو قراءة القرآن عنه؟ سؤال: « .. إذا تُصُدِّق عن الميت على من يقرأ القرآن أو غيرهم؛ ينفعه ذلك باتفاق المسلمين، وكذلك من قرأ القرآن محتسباً وأهداه إلى الميت نفعه ذلك، والله أعلم» ما رأيك يا شيخنا في هذه العبارة؟ الشيخ: من قال هيك؟ مداخلة: هذه في الفتاوى الجزء الأربع والعشرين (¬1). الشيخ: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية؟ مداخلة: أي نعم فتاوى ابن تيمية. الشيخ: ابن تيمية له فتويان. مداخلة: نعم. ¬

(¬1) "مجموع فتاوى ابن تيمية" (24/ص 300).

الشيخ: واحد يقول فيها وهو الصواب: إنه هذا لم يكن من عمل السلف. مداخلة: نعم. الشيخ: والأخرى: كما قرأت، .. وهذا المقروء غير سليم ولا صحيح، لأن الله يقول: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (النجم:39)، وهذا نص قرآني معصوم، وعام شامل، فلا يخرج منه إلا ما جاء الدليل القاطع باستثنائه منه، ولم يأت الدليل إلا في مواطن معدودة ومحصورة، وأنا كنت تعرضت لهذه المسألة بشيء من التفصيل، والبيان في كتابي أحكام الجنائز وبدعها، فإذا ما كنت رجعت إليه فارجع إليه ليتبين لك إن شاء الله الأمر. مداخلة: إن شاء الله. يا شيخنا؟ الشيخ: نعم. مداخلة: الموضع الثاني، هو في الفتاوى لابن تيمية كذلك؟ الشيخ: الموضع الثاني وهو؟ مداخلة: الذي ذكرته أنت يا شيخنا الآخر. الشيخ: لا ما أذكر إن كان في نفس هذه الفتاوى أو في كتبه الأخرى. مداخلة: نعم. الشيخ: ولعل المرجع تبعي الذي دللتك عليه يعينك على هذا. مداخلة: إن شاء الله تعالى يا شيخنا. الشيخ: إن شاء الله. " الهدى والنور" (/202/ 40: 54: 00).

[1470] باب هل يصل ثواب قراءة القرآن للميت؟

[1470] باب هل يصل ثواب قراءة القرآن للميت؟ سؤال: يا شيخ هل يجوز إيصال الثواب بقراءة القرآن؟ .. ، لقد استدل البعض بتعليقكم على شرح العقيدة الطحاوية في هذا الموضوع؛ بأنكم ترون جوازه ... الشيخ: .. أنا ما أقول يا أخي بالجواز مطلقاً، أنا أقول: بأن كسب الولد .. كما قال عليه السلام: «أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده، وإن أولادكم من كسبكم» وقال تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (يس:12). وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «إذا مات الإنسان» وفي رواية: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» فهذا الولد الصالح فعله الصالح ينفع والديه؛ لأنه أثر من آثار الوالدين، {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (يس:12)، ولا أقول بأن القراءة هذه تفيد غير الوالدين أو أي يعني: فعل صالح يفيد غير الوالدين، ولعلكم تذكرون أن بعض العلماء المتقدمين يقولون: بأن صدقة المتصدق عن بعض المسلمين تصلهم هذه الصدقة ولو كانوا غير الوالدين، نحن في هذا الموقف نحدد الوصول للوالدين، فصدقة الولد تصل إلى الوالدين، وكل عمل صالح كعتق الرقاب والعبادات بصورة عامة تصل إلى الوالدين لما ذكرنا آنفاً من عموم الأدلة. أما أن ينتفع من هذه المبرات أو هذه العبادات غير الوالدين ومنها تلاوة قرآن نحن ما نقول بهذا العموم؛ ولذلك فينبغي إعادة النظر في ذالك الكلام حتى لا ينسب إلينا ما لا نقول به، نحن نقول فقط بهذا التحديد الضيق. "الهدى والنور" (366/ 00:04:56 طريق الإسلام)

[1471] باب هل يصل ثواب قراءة القرآن إلى الميت

[1471] باب هل يصل ثواب قراءة القرآن إلى الميت سؤال: قراءة القرآن تصل إلى الميت؟ الشيخ: إذا كان الذي يقرأ القرآن هو ولد للمتوفى سواء كان أباً أو أماً فهذه القراءة تنفع، أما من سوى الأولاد فلا تنفع قراءتهم غير الأبوين كما ذكرت آنفاً، فالزوجة إذاً طلعت خارج، لكن بلا شك أنتِ كزوجة مصابة بوفاة زوجك فباستطاعك أنك تدعي له أنه إن كان محسناً فربنا عز وجل يزيد في حسناته، وإن كان مسيئاً فربنا يتجاوز عن سيئاته، دائماً تذكريه بالخير وتدعي له بالخير، أما أنك تقرأي وتهدي ثواب القراءة للزوج خلاص انقطع عمله كما ذكرت في الحديث السابق وتمام هذا الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: «إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». " الهدى والنور" (/290/ 10: 53: 00). [1472] باب هل يجزى حج الأولاد أو الورثة عن أبيهم المتوفي؟ سؤال: رجل كان مستطيعاً الحج ولم يحج ومات، أيحج عنه الورثة أو أبناؤه مثلاً؟ الشيخ: إذا كان وجب عليه الحج فإن استطاع الحج ولم يفعل فلا يستطيع أحد أن يحج عنه، وهذا فيه أثر صحيح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: «لا يحج أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد» رواه الإمام مالك في الموطأ بالسند الصحيح. بدأت بهذا الأثر الصحيح لصراحته في الموضوع وهو مأخوذ من نصوص من الكتاب والسنة، من ذلك قوله تبارك وتعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا

سَعَى} (النجم:39) فإنسان أمر بأداء فريضة ما .. فريضة الحج أو الصيام أو الصلاة أو ما شابه ذلك، وكان مستطيعاً لكل ذلك ثم لم يفعل فمعنى ذلك أنه لم يتزك بالقيام بهذه الفرائض، والله عز وجل يقول: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} (فاطر:18) فحينئذٍ من يزكيه بعد أن جاءه اليقين؟! وانتقل إلى رحمة رب العالمين أو إلى عذابه الأليم حسب ما يشاء الله عز وجل أن يعامله به. من الذي يزكيه؟ {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (النجم:39) ولذلك قال ذلك الصحابي الجليل: "لا يحج أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد" أي: هذا في الفرائض؛ ولذلك فرجل مات ولم يؤد فريضة الحج التي كانت فرضت عليه فلا يستطيع أحد أولاده أن يحج بدلاً عنه فضلاً عما جاء في السؤال مما هو أعم مما قلت، أي: لا يستطيع أن يحج أحد من أفراد ذريته، فهذا قد يكون في الذرية أخ، وقد يكون في الذرية زوجة وإلى آخره، فإذا كان الولد لا يستطيع أن يحج عن أبيه فمن باب أولى أن لا يستطيع من هو أبعد عن هذا الأب من ابنه. وهنا قد يرد في البال كيف يقال: «لا يصوم أحد عن أحد» ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول في الحديث الصحيح: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»؟ إذاً: هذا كأنه يعارض ذاك الذي قلته آنفاً. الجواب: الحديث إنما يراد به من مات وعليه صيام نذر وليس صيام فريضة، أي: هو نذر على نفسه نذراً ما كان الله عز وجل فرضه عليه إلا بفرضه هو بهذا الصيام على نفسه .. هذا الذي لولي الميت أن يصوم عنه؟ من أين أخذنا هذا القيد؟ هنا مسألة تتعلق بقاعدة فقهية أصولية وهي: الراوي أدرى بمرويه من غيره، الراوي - أي: في الحديث - أدرى بمرويه من غيره .. هذه القاعدة معشر طلاب العلم! إذا فهمتموها ورسخت في أذهانكم ساعدتكم على فهم بعض المسائل الخلافية بين العلماء فمهاً صحيحاً.

الراوي للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل والراوي عن صحابي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهكذا وأنت نازل إلى إن يصنف هذا الحديث من الراوي الأول هو الصحابي، ثم التابعي، ثم تابع التابعي، ثم أتباع هذا التابعي وهكذا إلى أن يصنف، هذه القاعدة تشمل كل هذه الأصناف: الراوي أدرى بمرويه من غيره. فهنا نبدأ بالراوي الأول: هذا الحديث رواه صحابيان جليلان أحدهما عائشة رضي الله تعالى عنها، والآخر عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما .. هذان الراويان حملا الحديث على صوم النذر، إذاً: الراوي أدرى بمرويه من غيره، ولا أريد أن أطيل أيضاً في الإجابة. لكن أيضاً أريد أن أضرب مثلاً لراوٍ نازل ليس صاحبي تابعي .. فأنتم ولا شك تسمعون حديثاً تجدون عامة علماء العلم اليوم بعيدين عن فهم الحديث .. لا أقول: فهماً صحيحاً وهو صحيح، إنما أقول: إنهم فهموا الحديث على خلاف فهم الراوي عن الصحابي .. عفواً: هذا الفهم من هذا الصحابي .. من هذا الراوي عن الصحابي هو الصحيح، ما هو الحديث؟ حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن بيعتين في بيعة» (¬1) تجار آخر الزمان يقعون في مخالفة هذا الحديث وما في معناه، فلعل إخواننا الذين جمعتنا معهم دعوة الحق الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح .. اسمعوا الآن السلف الصالح: ابن مسعود يقول: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن بيعتين في بيعة». الراوي لهذا الحديث عن ابن مسعود سئل: ما بيعتين في بيعة؟ قال: أن تقول ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم6943).

أبيعك هذا بكذا نقداً وبكذا وكذا نسيئة، هذا هو بيع التقسيط اليوم! لكن الأسماء تختلف، أنا في علمي والله أعلم بيع التقسيط جاءنا من بلاد الكفر والضلال عندما استعمرت هذه البلاد .. بيع فيه بيع بالدين قديماً، أما بيع بالتقسيط منظم بما يسمى بالشيكات وإلى آخره هذه بضاعة أوروبية كافرة. «نهى عن بيعتين في بيعة» قال سماك بن حرب: الراوي لهذا الحديث عن ابن مسعود: ما بيعتين في بيعة؟ قال: أن تقول: أبيعك هذا بكذا نقداً بمائة مثلاً نقداً .. بمائة وخمسة دنانير تقسيطاً .. نسيئةً .. قال الرسول عليه السلام نهى عن هذا، إذا أردنا أن نفسر هذا الحديث بغير هذا التفسير وهذا معروف من بعض المتأخرين بخاصة، نقول لهم: أولاً: راوي الحديث أدرى بمرويه من غيره، كيف هذا؟ هل يدخل في عقل طالب علم .. طالب علم بحق أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما كانوا يسمعون الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وافترض في احدهم أنه سمع الحديث وما فهم معناه ودلالته وفقهه ألا يتوجه بالسؤال إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ أم يكتم ذلك الجهل في نفسه ويروي الحديث دون أن يستوضح منه؟ أظن أنا أول الظانين ظن المؤمن هذا مستحيل على الصحابي أن يسمع الحديث لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يفهم دلالته الظاهرة، ثم هو لا يسأل الرسول عليه؟! هذا مستحيل. إذاً: يقال هذا الذي قلنا في الصحابي للذي تلقى هذا الحديث عن الصحابي، هو هنا سماك بن حرب، سمع الحديث من ابن مسعود .. نفس السؤال السابق: أتظنون أن سماك بن حرب التابعي لما سمع الحديث من ابن مسعود: «نهى عن بيعتين في بيعة» لم يفهمه، هو أحد رجلين: إما أنه فهمه وإما أنه لم يفهمه، فإذا فهمه ما في داعي للسؤال، وإذا لم يفهمه سيسأل أيضاً كما يفعل الصحابي وهكذا. فإذا سمعنا التابعي إذاً يروي هذا الحديث عن الصحابي ويسأل التابعي: ما

[1473] باب هل الحج عن الميت ينفعه؟

معنى هذا الحديث؟ يقول: أنت تبيع هذا الشيء بكذا نقداً وكذا وكذا نسيئةً، هكذا الحديث ينبغي أن يفهم .. الراوي أدرى بمرويه من غيره، إذا كان الأمر كذلك .. أشعر بأني افتلت، أين كان الموضوع؟ مداخلة: في الحج. الشيخ: أيحج أحد عن أحد؟ قال ابن عمر: لا، يصوم أحد عن أحد؟ قال: لا، هناك حديث قد يشكل على البعض وهو: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» قلنا: هذا رواه عائشة وابن عباس وفسروا هذا الصيام الذي أمر به الرسول عليه السلام ولي الميت أن يصوم عنه بأنه صيام النذر .. لا تتساءلوا ولا تقولوا: من أين هذا؟ الحديث مطلق، فنقول: الراوي أدرى بمرويه من غيره، وعلى ذلك فقيسوا تستريحوا في فهم كثير من النصوص إذاً استحضر .. قيسوا تستريحوا. "الهدى والنور" (732/ 48: 32: 00). [1473] باب هل الحج عن الميت ينفعه؟ سؤال: [سئل الشيخ سؤالاً مفاده هل الحج عن الميت ينفعه؟ فأجاب]: إيه، هذا فيه تفصيل، إن كان المتوفى لم يتمكن من الحج في قيد حياته إما بسبب فقره أو مرضه فحينئذٍ يجوز أنه أحد الأولاد يحج عنه، أما غيره كما ذكرنا فيما يتعلق بالقراءة فما أحد يستطيع أن يحج عنه، إلا إذا كان موصي وصية، موصي هو بشيء؟ المتصلة: لا، والله ما وصى، بس لأنه توفى. الشيخ: خلاص ما أحد يستطيع أن يحج عنه. " الهدى والنور" (290/ 34: 55: 00).

جماع أبواب الكلام على سماع الأموات

جماع أبواب الكلام على سماع الأموات

[1474] باب تحقيق أن الموتى لا يسمعون

[1474] باب تحقيق أن الموتى لا يسمعون [قال الإمام في مقدمة تحقيق "الآيات البينات في عدم سماع الأموات "الآلوسي]: اعلم أن كون الموتى يسمعون أو لا يسمعون إنما هو أمر غيبي من أمور البرزخ التي لا يعلمها إلا الله عز وجل, فلا يجوز الخوض فيه بالأقيسة والآراء, وإنما يوقف فيه مع النص إثباتاً ونفياً, وسترى المؤلف رحمه الله تعالى ذكر في الفصل الأول كلام الحنفية في أنهم لا يسمعون, وفي الفصل الثاني نقل عن غيرهم مثله, وحكى عن غير هؤلاء أنهم يسمعون, وليس يهمني أن هؤلاء قلة وأولئك الكثرة فالحق لا يعرف بالكثرة ولا بالقلة وإنما بدليله الثابت في الكتاب والسنة مع التفقه فيهما وهذا ما أنا بصدده إن شاء الله تعالى؛ فأقول: استدل الأولون بقوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} (فاطر: 22) وقوله: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} (النمل:80 والروم 52) وأجاب الآخرون بأن الآيتين مجاز وأنه ليس المقصود «الموتى» بـ «من في القبور» الموتى حقيقة في قبورهم وإنما المراد بهم الكفار الأحياء شبهوا بالموتى " والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر " كما قال الحافظ ابن حجر على ما يأتي في الرسالة (ص 72). فأقول: لا شك عند كل من تدبر الآيتين وسياقهما أن المعنى هو ما ذكره الحافظ رحمه الله تعالى (¬1) وعلى ذلك جرى علماء التفسير لا خلاف بينهم في ¬

(¬1) وقد بين ذلك بياناً شافياً العلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه " أضواء البيان " (6/ 416 - 421). [منه].

ذلك فيما علمت, ولكن ذلك لا يمنع الاستدلال بهما على ما سبق؛ لأن الموتى لما كانوا لا يسمعون حقيقة وكان ذلك معروفاً عند المخاطبين شبه الله تعالى بهم الكفار الأحياء في عدم السماع فدل هذا التشبيه على أن المشبه بهم - وهم الموتى في قبورهم - لا يسمعون, كما يدل مثلاً تشبيه زيد في الشجاعة بالأسد على أن الأسد شجاع بل هو في ذلك أقوى من زيد ولذلك شبه به, وإن كان الكلام لم يسق للتحدث عن شجاعة الأسد نفسه وإنما عن زيد, وكذلك الآيتان السابقتان وإن كانتا تحدثتا عن الكفار الأحياء وشبهوا بموتى القبور فذلك لا ينفي أن موتى القبور لا يسمعون, بل إن كل عربي سليم السليقة لا يفهم من تشبيه موتى الأحياء بهؤلاء إلا أن هؤلاء أقوى في عدم السماع منهم كما في المثال السابق, وإذا الأمر كذلك فموتى القبور لا يسمعون. ولما لاحظ هذا بعض المخالفين لم يسعه إلا أن يسلم بالنفي المذكور ولكنه قيده بقوله: " سماع انتفاع " يعني أنهم يسمعون ولكن سماعا لا انتفاع فيه (¬1) وهذا في نقدي قلب للتشبيه المذكور في الآيتين حيث جعل المشبه به مشبهاً فإن القيد المذكور يصدق على موتى الأحياء من الكفار فإنهم يسمعون حقيقة ولكن لا ينتفعون من سماعهم كما هو مشاهد فكيف يجوز جعل المشبه بهم من موتى القبور مثلهم في أنهم يسمعون ولكنهم لا ينتفعون من سماعهم، مع أن المشاهد أنهم لا يسمعون مطلقاً, ولذلك حسن التشبيه المذكور في الآيتين الكريمتين فبطل القيد المذكور. ولقد كان من الممكن القول بنحو القيد المذكور في موتى القبور لو كان ¬

(¬1) انظر (ص 45 - 46) من كتاب " الروح " المنسوب لابن القيم رحمه الله تعالى فإن فيه غرائب وعجائب من الروايات والآراء كما سنرى شيئا من ذلك فيما يأتي: وانظر (ص 87). [منه].

هناك نص قاطع على أن الموتى يسمعون مطلقاً إذن لوجب الإيمان به والتوفيق بينه وبين ما قد يعارضه من النصوص كالآيتين مثلاً، ولكن مثل هذا النص مما لا وجود له بل الأدلة قائمة على خلافه وإليك البيان: الدليل الأول: قوله تعالى في تمام الآية الثانية: {ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} فقد شبههم الله تعالى - أعني موتى الأحياء من الكفار بالصم أيضاً فهل هذا يقتضي في المشبه بهم " الصم" أنهم يسمعون أيضاً ولكن سماعاً لا انتفاع فيه أيضاً, أم أنه يقتضي أنهم لا يسمعون مطلقاً كما هو الحق الظاهر الذي لا خفاء فيه. وفي التفسير المأثور ما يؤيد هذا الذي نقول فقال ابن جرير في "تفسيره" (21/ 36) لهذه الآية: هذا مَثَلٌ معناه: فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم فسلبهم فَهْمَ ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله, كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين سلبهم الله أسماعهم بأن تجعل لهم أسماعاً, وقوله: {ولا تسمع الصم الدعاء} يقول: كما لا تقدر أن تسمع الصم الذين قد سلبوا السمع إذا ولوا عنك مدبرين؛ كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فَهْمَ آيات كتابه لسماع ذلك وفهمه. ثم روى بإسناد الصحيح عن قتادة قال: هذا مَثَلٌ ضربه الله للكافر فكما لا يسمع الميت الدعاء كذلك لا يسمع الكافر {ولا تسمع الصم الدعاء. .. } يقول: لو أن أصم ولى مدبراً ثم ناديته لم يسمع, كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما سمع. وعزاه في " الدرر " (5/ 114) لعبد بن حميد, وابن المنذر, وابن أبي حاتم,

دون ابن جرير, وقد فسر القرطبي (13/ 232) هذه الآية بنحو ما سبق عن ابن جرير وكأنه اختصره منه. فثبت من هذه النقول عن كتب التفسير المعتمدة أن الموتى في قبورهم لا يسمعون كالصم إذا ولوا مدبرين, وهذا هو الذي فهمته السيدة عائشة رضي الله عنها واشتهر ذلك عنها في كتب السنة وغيرها, ونقله المؤلف عنها في عدة مواضع من رسالته فانظر (ص 54، 56، 58، 68، 69، 71) وفاته هو وغيره أنه هو الذي فهمه عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة لما نادى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أهل القليب على ما يأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى. الدليل الثاني: قوله تعالى: {ذلك الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} (فاطر 13 و14). قلت: فهذه الآية صريحة في نفي السمع عن أولئك الذي كان المشركون يدعونهم من دون الله تعالى وهم موتى الأولياء والصالحين الذين كان المشركون يمثلونهم في تماثيل وأصنام لهم يعبدونهم فيها وليس لذاتها, كما يدل على ذلك آية سورة (نوح) عن قومه: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ولا يعوق ونسرا} ففي التفسير المأثور عن ابن عباس وغيره من السلف: أن هؤلاء الخمسة أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا, وسموها بأسمائهم, ففعلوا فلم تعبد, حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم (أي علم تلك الصور بخصوصها) عبدت. رواه البخاري وغيره. ونحوه قوله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (الزمر:3) فإنها صريحة في أن

المشركين كانوا يعبدون الصالحين ولذلك اتخذوهم وسائط بينهم وبين الله تعالى قائلين: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. ولاعتقادهم بصلاحهم كانوا ينادونهم ويعبدونهم من دون الله توهما منهم أنهم يسمعون ويضرون وينفعون, ومثل هذا الوهم لا يمكن أن يقع فيه أي مشرك مهما كان سخيف العقل لو كان لا يعتقد فيمن يناديه الصلاح والنفع والضر كالحجر العادي مثلاً, وقد بين هذا العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى فقال في كتابه " إغاثة اللفهان " (2/ 222 - 223): وتلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام له أسباب عديدة, تلاعب بكل قوم على قدر عقولهم؛ فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم كما تقدم عن قوم نوح عليه السلام ولهذا لعن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المتخذين على القبور المساجد, ونهى عن الصلاة إلى القبور (¬1) - صلى الله عليه وآله وسلم -. . فأبى المشركون إلا خلافه في ذلك كله إما جهلاً وإما عناداً لأهل التوحيد ولم يضرهم ذلك شيئا. وهذا السبب هو لغالب على عوام المشركين. وأما خواصهم فإنهم اتخذوها - بزعمهم - على صور الكواكب المؤثرة في العالم عندهم وجعلوا لها بيوتا وسدنة وحجاباً وحجباً وقرباناً ولم يزل هذا في الدنيا قديماً وحديثاً (ثم بين مواطن بيوت هذه الأصنام وذكر عباد الشمس والقمر وأصنامهم وما اتخذوه من الشرائع حولها ثم قال 2/ 224): فوضع الصنم إنما كان في الأصل على شكل معبود غائب, فجعلوا الصنم على شكله وهيأته وصورته ليكون نائباً منابه وقائماً مقامه, إلا فمن المعلوم أن عاقلاً لا ينحت خشبة ¬

(¬1) انظر كتابي: " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " [منه].

أو حجراً بيده ثم يعتقد أنه إلهه ومعبوده ". قلت: ومما يؤيد أن المقصود بقوله في الآية المتقدمة {لا يسمعوا دعاءكم} إنما هم المعبودون من دون الله أنفسهم وليست ذوات الأصنام تمام الآية: {ويوم القيامة يكفرون بشرككم} والأصنام لا تبعث؛ لأنها جمادات غير مكلفة كما هو معلوم، بخلاف العابدين والمعبودين فإنهم جميعا محشورون قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيل، قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} (الفرقان:17 - 18) وقال: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُون، قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُون} (سبأ:40 - 41) وهذا كقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} الآية (المائدة:116) وخير ما فسر به القرآن إنما هو القرآن والسنة وليس فيهما - فيما أعلم - ما يدل على أن الله يحشر الجمادات أيضا فوجب الوقوف عند هذه الآية الصريحة فيما ذكرنا. وقد يقول قائل: إن هذا الذي بينته قوي متين ولكنه يخالف ما جرى عليه كثير من المفسرين في تفسير آية سورة (فاطر) وما في معناها من الآيات الأخرى فقالوا: إن المراد بها الأصنام نفسها وبناء على ذلك عللوا قوله تعالى فيها: {لا يسمعوا دعاءكم} بقولهم: "لأنها جمادات لا تضر ولا تنفع" فأقول: لا شك أن هذا بظاهره ينافي ما بينت، ولكنه لا ينفي أن يكون لهم قول آخر يتماشى مع ما حققته فقال القرطبي (14/ 336) عقب التعليل المذكور آنفا وتبعه الشوكاني

(4/ 333) وغيره ما معناه: ويجوز أن يرجع {والذين تدعون من دونه. . .} وما بعده إلى من يعقل ممن عبدهم الكفار كالملائكة والجن والأنبياء والشياطين، والمعنى أنهم يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقاًّ، وينكرون أنهم أمروكم بعبادتهم، كما أخبر عن عيسى عليه السلام بقوله: {ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} وقد ذكرا نحوه في تفسير آية (الزمر) المتقدمة. قلت: وهو أولى من تفسيرهما السابق؛ لأنه مدعم بالآيات المتقدمة، بخلاف تفسيرهما المشار إليه فإنه يستلزم القول بحشر الأصنام ذاتها، وهذا مع أنه لا دليل عليه فإنه يخالف الآيات المشار إليها ولهذا قال الشيخ عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - في كتابه " قرة عيون الموحدين " (ص 107 - 108) في تفسير آيتي (فاطر) ما نصه: ابتدأ تعالى هذه الآيات بقوله: {ذلكم الله ربكم له الملك} يخبر الخبير أن الملك له وحده، والملوك وجميع الخلق تحت تصرفه وتدبيره، ولهذا قال: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} فإن من كانت هذه صفته فلا يجوز أن يرغب في طلب نفع أو دفع ضر إلى أحد سوى الله تعالى وتقدس بل يجب إخلاص الدعاء - الذي هو أعظم أنواع العبادة - له، وأخبر تعالى أن ما يدعوه أهل الشرك لا يملك شيئاً، وأنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم، ولو فرض أنهم يسمعون فلا يستجيبون لداعيهم، وأنهم يوم القيامة يكفرون بشركهم أي: ينكرونه، ويتبرؤون ممن فعله معهم، فهذا الذي أخبر به الخبير الذي {لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} وأخبر أن ذلك الدعاء شرك به وأنه لا يغفره لمن لقيه فأهل الشرك ما صدقوا الخبير ولا أطاعوه فيما حكم به وشرع بل قالوا: إن الميت يسمع ومع سماعه ينفع، فتركوا الإسلام والإيمان رأساً كما ترى عليه

الأكثرين من جهلة هذه الأمة". فتبين مما تقدم وجه الاستدلال بقوله تعالى: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم} على أن الصالحين لا يسمعون بعد موتهم وغيرهم مثلهم بداهة، بل ذلك من باب أولى كما لا يخفى فالموتى كلهم إذن لا يسمعون. والله الموفق. الدليل الثالث: حديث قليب بدر وله روايات مختصرة ومطولة أجتزئ هنا على روايتين منها: الأولى: حديث ابن عمر قال: وقف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على قليب بدر فقال: «هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول» فذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق» ثم قرأت: {إنك لا تسمع الموتى} حتى قرأت الآية. أخرجه البخاري (7/ 242 - فتح الباري) والنسائي (1/ 693) وأحمد (2/ 31) من طريق أخرى عن ابن عمر وسيأتي بعضه في الكتاب (ص 68، 71). والأخرى: حديث أبي طلحة: أن نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان ابن فلان: ويا فلان ابن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم». قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخاً

وتصغيراً ونقمةً وحسرةً وندماً. أخرجه الشيخان وغيرهما وقد خرجته في التعليق الآتي (ص 54) من الكتاب. ووجه الاستدلال بهذا الحديث يتضح بملاحظة أمرين: الأول: ما في الرواية الأولى منه من تقييده - صلى الله عليه وآله وسلم - سماع موتى القليب بقوله: «الآن» (¬1) فإن مفهومه أنهم لا يسمعون في غير هذا الوقت، وهو المطلوب. وهذه فائدة هامة نبه عليها العلامة الآلوسي - والد المؤلف رحمهما الله - في كتابه " روح المعاني " (6/ 455) ففيه تنبيه قوي على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون، ولكن أهل القليب في ذلك الوقت قد سمعوا نداء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبإسماع الله تعالى إياهم خرقاً للعادة ومعجزة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما سيأتي في الكتاب (ص 56، 59) عن بعض العلماء الحنفية وغيرهم من المحدثين. وفي " تفسير القرطبي " (13/ 232): قال ابن عطية (¬2): فيشبه أن قصة بدر خرق عادة لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - في أن رد الله إليهم إدراكا سمعوا به مقاله، ولولا إخبار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بسماعهم لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين". ¬

(¬1) ولها شاهد صحيح في حديث عائشة الآتي (ص 70) عند المؤلف رحمه الله تعالى " [منه]. (¬2) هو عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربي الغرناطي مفسر فقيه أندلسي عارف بالأحكام والحديث. توفي سنة (542) له المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز " طبع منه جزءان في المغرب ثم علمت الآن وأنا في زيارة الدوحة - قطر (أوائل ربيع الأول سنة 1401 هـ) من فضيلة الشيخ عبد الله الأنصاري أنه يقوم بطبع الكتاب طبعة جديدة وقد تم حتى اليوم. طبع أربع مجلدات منه يسر الله تمامه ". [منه].

قلت: ولذلك أورده الخطيب التبريزي في " باب المعجزات " من " المشكاة " (ج 3 رقم 5938 - بتخريجي). والآمر الآخر: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقر عمر وغيره من الصحابة على ما كان مستقرا في نفوسهم واعتقادهم أن الموتى لا يسمعون، بعضهم أومأ إلى ذلك إيماءً، وبعضهم ذكر صراحة، لكن الأمر بحاجة إلى توضيح فأقول: أما الإيماء فهو في مبادرة الصحابة لما سمعوا نداءه - صلى الله عليه وآله وسلم - لموتى القليب بقولهم: " ما تكلم أجساداً لا أرواح فيها؟ " فإن في رواية أخرى عن أنس نحوه بلفظ " قالوا " بدل: "قال عمر " كما سيأتي في الكتاب (ص 71 - 73) فلولا أنهم كانوا على علم بذلك سابق تلقوه منه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما كان لهم أن يبادروه بذلك، وهب أنهم تسرعوا وأنكروا بغير علم سابق فواجب التبليغ حينئذ يوجب على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يبين لهم أن اعتقادهم هذا خطأ، وأنه لا أصل له في الشرع، ولم نر في شيء من روايات الحديث مثل هذا البيان وغاية ما قال لهم: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ". وهذا - كما ترى - ليس فيه تأسيس قاعدة عامة بالنسبة للموتى جميعا تخالف اعتقادهم السابق، وإنما هو إخبار عن أهل القليب خاصة، على أنه ليس ذلك على إطلاقه بالنسبة إليهم أيضاً إذا تذكرت رواية ابن عمر التي فيها " إنهم الآن يسمعون " كما تقدم شرحه، فسماعهم إذن خاص بذلك الوقت، وبما قال لهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقط، فهي واقعة عين لا عموم لها؛ فلا تدل على أنهم يسمعون دائماً وأبداً، وكل ما يقال لهم، كما لا تشمل غيرهم من الموتى مطلقاً، وهذا واضح إن شاء الله تعالى. ويزيده ووضوحا ما يأتي. وأما الصراحة فهي فيما رواه أحمد (3/ 287) من حديث أنس رضي الله عنه قال: ". . . . فسمع عمر صوته فقال: يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاث؟ وهل

يسمعون؟ يقول الله عز وجل: {إنك لا تسمع الموتى} فقال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع [لما أقول] منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا ". وسنده صحيح على شرط مسلم (¬1). فقد صرح عمر رضي الله عنه أن الآية المذكورة هي العمدة في تلك المبادرة وأنهم فهموا من عمومها دخول أهل القليب فيه، ولذلك أشكل عليهم الأمر فصارحوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بذلك ليزيل إشكالهم؟ وكان ذلك ببيانه المتقدم. ومنه يتضح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقر الصحابة - وفي مقدمتهم عمر - على فهمهم للآية على ذلك الوجه العام الشامل لموتى القليب؛ وغيرهم لأنه لم ينكره عليهم ولا قال لهم: أخطأتم، فالآية لا تنفي مطلقاً سماع الموتى بل إنه أقرهم على ذلك، ولكن بين لهم ما كان خافياً من شأن القليب وأنهم سمعوا كلامه حقًّا، وأن ذلك أمر مستثنى من الآية معجزة له - صلى الله عليه وآله وسلم - كما سبق. هذا وإن مما يحسن التنبيه عليه وإرشاد الأريب إليه أن استدلال عائشة المتقدم بالآية يشبه تماماً استدلال عمر بها، فلا وجه لتخطئتها اليوم بعد تبين إقرار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعمر عليه، اللهم إلا في ردها على ابن عمر في روايته لقصة القليب بلفظ السماع، وتوهيمها إياه؛ فقد تبين من اتفاق جماعة من الصحابة على روايتها كروايته هو أنها هي الواهمة، وإن كان من الممكن الجمع بين روايتهم وروايتها كما سيأتي بيانه في التعليق على " الرسالة " (ص 7 - 8) فخطؤها ليس في الاستدلال بالآية وإنما في خفاء القصة عليها على حقيقتها ولولا ذلك لكان ¬

(¬1) وأصله عنده (8/ 163 - 164) والزيادة له وهو رواية لأحمد (3/ 219 - 220) والحديث عزاه في " الدر " (5/ 157) لمسلم وابن مردويه وكأنه يعني أن أصله لمسلم وسياقه لابن مردويه ولا يخفى ما فيه من إيهام وتقصير. [منه].

موقفها موقف سائر الصحابة منها، ألا وهو الموقف الجازم بها، على ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - واعتبارها مستثناةً من الآية. فتنبه لهذا، واعلم أن من الفقه الدقيق الاعتناء بتتبع ما أقره النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأمور، والاحتجاج به؛ لأن إقراره - صلى الله عليه وآله وسلم - حق كما هو معلوم، وإلا فبدون ذلك قد يضل الفهم عن الصواب في كثير من النصوص، ولا نذهب بك بعيداً فهذا هو الشاهد بين يديك فقد اعتاد كثير من المؤلفين وغيرهم أن يستدلوا بهذا الحديث - حديث القليب - على أن الموتى يسمعون متمسكين بظاهر قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» غير منتبهين لإقراره - صلى الله عليه وآله وسلم - الصحابة على اعتقادهم بأن الموتى لا يسمعون، وأنه لم يرده عليهم إلا باستثناء أهل القليب منه معجزة له - صلى الله عليه وآله وسلم -، فعاد الحديث بالتنبه لما ذكرنا حجة على أن الموتى لا يسمعون، وأن هذا هو الأصل فلا يجوز الخروج عنه إلا بنص كما هو الشأن في كل نص عام. والله تعالى الموفق. وقد يجد الباحث من هذا النوع أمثلة كثيرة ولعله من المفيد أن أذكر هنا ما يحضرني الآن من ذلك وهما مثالان: الأول: حديث جابر عن أم مبشر رضي الله عنهما أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول عن حفصة: «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها». قالت: بلى يا رسول الله فانتهرها. فقالت حفصة: {وإن منكم إلا واردها} فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: " قد قال الله عز وجل: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} ". رواه مسلم وغيره وهو مخرج في " الصحيحة " (2160) و"تخريج السنة" (860 - طبع المكتب الإسلامي).

أقول: ففي استدلال السيدة حفصة رضي الله عنها بآية الورود دليل على أنها فهمت (الورود) بمعنى الدخول وأنه عام لجميع الناس الصالح والطالح منهم، ولذلك أشكل عليها نفي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخول النار في حق أصحاب الشجرة، فأزال - صلى الله عليه وآله وسلم - إشكالها بأن ذكرها بتمام الآية: {ثم ننجي الذين اتقوا} ففيه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أقرها على فهمها المذكور، وأنه على ذلك أجابها بما خلاصته أن الدخول المنفي في الحديث هو غير الدخول المثبت في الآية، وأن الأول خاص بالصالحين ومنهم أهل الشجرة، والمراد به نفي العذاب، أي أنهم يدخلونها مرورا إلى الجنة دون أن تمسهم بعذاب، والدخول الآخر عام لجميع الناس ثم هم فريقان: منهم من تمسه بعذاب ومنهم على خلاف ذلك وهذا ما وضحته الآية نفسها في تمامها وراجع لهذا " مبارق الأزهار " (1/ 250) و" مرقاة المفاتيح " (5/ 621 - 632) قلت: فاستفدنا من الإقرار المذكور حكما لولاه لم نهتد إلى وجه الصواب في الآية، وهو أن الورود فيها بمعنى الدخول وأنه لجميع الناس، ولكنها بالنسبة للصالحين لا تضرهم بل تكون عليهم برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، وقد روي هذا صراحةً مرفوعاً في حديث آخر لجابر لكن استغربه الحافظ ابن كثير وبينت علته في " الأحاديث الضعيفة " (4761)، لكن حديثه هذا عن أم مبشر يدل على صحة معناه، وقد مال إليه العلامة الشوكاني في تفسيره للآية (3/ 333) واستظهره من قبله القرطبي (11/ 138 - 139) وهو المعتمد. والآخر: حديث " الصحيحين " والسياق للبخاري نقلا من " مختصر البخاري " بقلمي لأنه أتم جمعت فيه فوائده وزوائده من مختلف مواضعه قالت عائشة: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعندي جاريتان [من جواري الأنصار 3/ 3]

(وفي رواية: قينتان 4/ 266] [في أيام منى تدففان وتضربان 4/ 161] تغنيان بغناء (وفي رواية: بما تقاولت (وفي أخرى تقاذفت) الأنصار يوم) بعاث (¬1). [وليستا بمغنيتين] فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر [والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - متغش بثوبه 2/ 11] فانتهرني) وفي رواية: فانتهرهما) وقال: مزمارة (وفي رواية: مزمار) الشيطان عند (وفي رواية: أمزامير الشيطان في بيت) رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -[(مرتين)]؟ فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (وفي رواية: فكشف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن وجهه) فقال: دعهما [يا أبا بكر [ف] إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا] ". فلما غفل غمزتهما فخرجتا ". (رقم 508 من المختصر "). قلت: فنجد في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ينكر قول أبي بكر الصديق في الغناء بالدف أنه " مزمار الشيطان " ولا نهره لابنته أو للجاريتين بل أقره على ذلك فدل إقراره إياه على أن ذلك معروف وليس بمنكر فمن أين جاء أبو بكر بذلك؟ الجواب: جاء به من تعاليم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأحاديثه الكثيرة في تحريم الغناء وآلات الطرب، وقد ذكر طائفة منها العلامة ابن قيم الجوزية في كتابه " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " (1/ 258 - 267) وخرجت بعضها في " الصحيحة " (91) و" المشكاة " (3652) ولولا علم أبي بكر بذلك وكونه على بينة من الأمر ما كان له أن يتقدم بين يدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي بيته بمثل هذا الإنكار الشديد، غير أنه كان خافياً عليه أن هذا الذي أنكره يجوز في يوم عيد فبينه له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " فبقي إنكار أبي بكر العام مسلماً به ¬

(¬1) بالصرف وعدمه وهو اسم حصن وقعت الحرب عنده بين الأوس والخزرج قبل الهجرة بثلاث سنين. [منه].

لإقراره - صلى الله عليه وآله وسلم - إياه، ولكنه استثنى منه الغناء في العيد فهو مباح بالمواصفات الواردة في هذا الحديث. فتبين أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كما أقر عمر على استنكاره سماع الموتى، كذلك أقر أبا بكر على استنكاره مزمار الشيطان، وكما أنه أدخل على الأول تخصيصاً, كذلك أدخل على قول أبي بكر هذا تخصيصاً اقتضى إباحة الغناء المذكور في يوم العيد، ومن غفل عن ملاحظة الإقرار الذي بَيَّنَّا؛ أخذ من الحديث الإباحة في كل الأيام كما يحلو ذلك لبعض الكتاب المعاصرين وسلفهم فيه ابن حزم، فإنه استدل به على الإباحة مطلقا جموداً منه على الظاهر فإنه قال في رسالته في الملاهي (ص 98 - 99): وقد سمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قول أبي بكر: مزمار الشيطان " فأنكر عليه ولم ينكر على الجاريتين غناءهما ". والواقع أنه ليس في كل روايات الحديث الإنكار المذكور وإنما فيه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي بكر: " دعهما. . . " وفرق كبير بين الأمرين فإن الإنكار الأول لو وقع لشمل الآخر ولا عكس كما هو ظاهر، بل نقول زيادة على ذلك: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقر قول أبي بكر المذكور كما سبق بيانه وقد قال ابن القيم في " إغاثة اللهفان " بعد أن ذكر الحديث (1/ 257): فلم ينكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على أبي بكر تسميته الغناء مزمار الشيطان وأقرهما؛ لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب وكان اليوم يوم عيد. وأما أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ينكر على الجاريتين فحق، ولكن كان ذلك في يوم عيد فلا يشمل غيره أولا. وثانياًّ: لما أمر - صلى الله عليه وآله وسلم - أبا بكر بأن لا ينكر عليهما بقوله: " دعهما "

أتبع ذلك بقوله: " فإن لكل قوم عيداً. . . " فهذه جملة تعليلية تدل على أن علة الإباحة هي العيدية إذا صح التعبير، ومن المعلوم أن العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، فإذا انتفت هذه العلة بأن لم يكن يوم عيد لم يبح الغناء فيه كما هو ظاهر، ولكن ابن حزم لعله لا يقول بدليل العلة كما عرف عنه أنه لا يقول بدليل الخطاب، وقد رد عليه العلماء ولا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية في غير ما موضع من " مجموع الفتاوى " فراجع المجلد الثاني من " فهرسه ". لقد طال الكلام على حديث عائشة في سماع الغناء ولا بأس من ذلك إن شاء الله تعالى؛ فإن الشاهد منه واضح ومهم، وهو أن ملاحظة طالب العلم إقرار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأمرٍ ما يفتح عليه باباً من الفقه والفهم ما كان ليصل إليه بدونها، وهكذا كان الأمر في حديث القليب فقد تبين بما سبق أنه دليل صريح على أن الموتى لا يسمعون، وذلك من ملاحظتنا إقرار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لاستنكار عمر سماعهم واستدلاله عليه بالآية {إنك لا تسمع الموتى} فلا يجوز لأحد بعد هذا أن يلتفت إلى أقوال المخالفين القائلين بأن الموتى يسمعون، فإنه خلاف القرآن الذي بينه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. الدليل الرابع: قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام» (¬1). أقول: ووجه الاستدلال به أنه صريح في أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يسمع سلام المسلمين عليه؛ إذ لو كان يسمعه بنفسه لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه كما هو ¬

(¬1) وهو حديث صحيح. [منه].

ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى، وإذا كان الأمر كذلك فبالأولى أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يسمع غير السلام من الكلام، وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيره من الموتى أولى وأحرى. ثم إن الحديث مطلق يشمل حتى من سلم عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - عند قبره، ولا دليل يصرح بالتفريق بينه وبين من صلى عليه بعيدا عنه، والحديث المروي في ذلك موضوع كما سيأتي بيانه في التعليق (ص 80). وهذا الاستدلال لم أره لأحد قبلي فإذا كان صواباً - كما أرجو - فهو فضل من الله ونعمة وإن كان خطأ فهو من نفسي، والله تعالى أسأل أن يغفره لي وسائر ذنوبي. أدلة المخالفين: فإن قيل: يظهر من النقول التي ستأتي في الرسالة عن العلماء أن المسألة خلافية فلا بد أن المخالفين فيها أدلة استندوا إليها. فأقول: لم أر فيها من صرح بأن الميت يسمع سماعاً مطلقاً عاماً كما كان شأنه في حياته، ولا أظن عالماً يقول به، وإنما رأيت بعضهم يستدل بأدلة يثبت بها سماعاً لهم في الجملة، وأقوى ما استدلوا به سندا حديثان: الأول: حديث قليب بدر المتقدم وقد عرفت مما سبق بيانه أنه خاص بأهل القليب من جهة، وأنه دليل على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون من جهة أخرى، وأن سماعهم كان خرقاً للعادة فلا داعي للإعادة. والآخر: حديث: «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا». وفي رواية: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه

ملكان ... » الحديث (انظر ص 55، 56، 57، 82) من " الآيات". وهذا كما ترى خاص بوقت وضعه في قبره ومجيء الملكين إليه لسؤاله " فلا عموم فيه، وعلى ذلك حمله العلماء كابن الهمام وغيره كما سيأتي في " الآيات " (ص 56، 59، 73). ولهم من هذا النوع أدلة أخرى ولكن لا تصح أسانيدها، وفي أحدها التصريح بأن الموتى يسمعون السلام عليهم من الزائر، وسائرها ليس في السماع، وبعضها خاص بشهداء أحد، وكلها ضعيفة، وبعضها أشد ضعفا من بعض كما ستراه في التعليق (ص 69). وأغرب ما رأيت لهم من الأدلة قول ابن القيم رحمه الله في " الروح " (ص8) تحت المسألة الأولى: هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا؟ فأجاب بكلام طويل جاء فيه ما نصه: ويكفي في هذا تسمية المسلم عليهم زائراً، ولولا أنهم يشعرون به لما صح تسميته زائراً؛ فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره لم يصح أن يقال: زاره (!) هذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم، وكذلك السلام عليهم أيضا فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال (!) وقد عَلَّم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا: سلام عليكم أهل الديار. وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد وإن لم يسمع المسلم الرد ". أقول وبالله تعالى التوفيق: رحم الله ابن القيم فما كان أغناه من الدخول في مثل هذا الاستدلال العقلي

الذي لا مجال له في أمر غيبي كهذا، فوالله لو أن ناقلاً نقل هذا الكلام عنه ولم أقف أنا بنفسي عليه لما صدقته؛ لغرابته وبعده عن الأصول العلمية والقواعد السلفية التي تعلمناها منه ومن شيخه الإمام ابن تيمية، فهو أشبه شيء بكلام الآرائيين والقياسيين الذين يقيسون الغائب على الشاهد، والخالق على المخلوق، وهو قياس باطل فاسد طالما رد ابن القيم أمثاله على أهل الكلام والبدع، ولهذا وغيره فإني في شك كبير من صحة نسبة " الروح " إليه أو لعله ألفه في أول طلبه للعلم. والله أعلم. ثم إن كلامه مردود في شطريه بأمرين: الأول: ما ثبت في " الصحيح " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يزور البيت في الحج وأنه كان وهو في المدينة يزور قباء راكباً وماشياً ومن المعلوم تسمية طواف الإفاضة بطواف الزيارة. فهل من أحد يقول: بأن البيت وقباء يشعر كل منهما بزيارة الزائر أو أنه يعلم بزيارته؟ وأما الآخر: فهو مخاطبة الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في تشهد الصلاة بقولهم: " السلام عليكم أيها النبي. . . . " وهم خلفه قريباً منه وبعيداً عنه في مسجده وفي غير مسجده، أفيقال: إنه كان يسمعهم ويشعر بهم حين يخاطبونه به وإلا فالسلام عليه محال؟ اللهم غفراً. وانظر التعليق الآتي على الصفحة (95 - 96). وإذا كان لا يسمع هذا الخطاب في قيد حياته أفيسمعه بعد وفاته وهو في الرفيق الأعلى لا سيما وقد ثبت أنه يبلغه ولا يسمعه كما سبق بيانه في الدليل الرابع (ص 36)؟ ويكفي في رد ذلك أن يقال: إنه استدلال مبني على الاستنباط والنظر، فمثله

قد يمكن الاعتداد به إذا لم يكن مخالفا للنص والأثر، فكيف وهو مخالف لنصوص عدة، واحد منها فقط فيه كفاية وغنية كما سلف، وبخاصة منها حديث قليب بدر، وفيه إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر أن الموتى لا يسمعون، فلا قيمة إذن للاستنباط المذكور فإن الأمر كما قيل: " إذا جاء الأثر بطل النظر، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ". وقد يتساءل القارئ - بعد هذا - عن وجه مخاطبة الموتى بالسلام وهم لا يسمعونه؟ وفي الإجابة عنه أحيل القارئ إلى ما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى فيما يأتي من الرسالة وما علقته عليها (ص 95 - 96) فإن في ذلك كفاية وغنية عن الإعادة. وخلاصة البحث والتحقيق: أن الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة الحنفية وغيرهم - كما ستراه في الكتاب مبسوطاً - على أن الموتى لا يسمعون، وأن هذا هو الأصل، فإذا ثبت أنهم يسمعون في بعض الأحوال كما في حديث خفق النعال، أو أن بعضهم سمع في وقت ما كما في حديث القليب فلا ينبغي أن يجعل ذلك أصلاً فيقال إن الموتى يسمعون كما فعل بعضهم (¬1) كلا فإنها قضايا جزئية لا تشكل قاعدة كلية يعارض بها الأصل المذكور، بل الحق أنه يجب أن تستثني منه على قاعدة استثناء الأقل من الأثر، أو الخاص من العام، كما هو المقرر في علم أصول الفقه ولذلك قال العلامة الآلوسي في " روح المعاني " بعد بحث مستفيض في هذه المسألة (6/ 455): والحق أن الموتى يسمعون في الجملة فيقتصر على القول بسماع ما ورد ¬

(¬1) انظر " الأضواء " (6/ 425). [منه].

[1475] باب منه

السمع بسماعه. وهذا مذهب طوائف من أهل العلم كما قال الحافظ ابن جرب الحنبلي على ما سيأتي في الرسالة (ص 70) وما أحسن ما قاله ابن التين رحمه الله: "إن الموتى لا يسمعون بلا شك، لكن إذا أراد الله تعالى إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع لقوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة ... } الآية وقوله: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ... } الآية. كما نقله المؤلف فيما يأتي (ص 72). فإذا علمت أيها القارئ الكريم أن الموتى لا يسمعون فقد تبين أنه لم يبق هناك مجال لمناداتهم من دون الله تعالى ولو بطلب ما كانوا قادرين عليه وهم أحياء كما تقدم بيانه في (ص 16 - 21) بحكم كونهم لا يسمعون النداء، وأن مناداة من كان كذلك والطلب منه سخافة في العقل وضلال في الدين وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: {ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون. وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} (الأحقاف 5 - 6). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص37 - 63). [1475] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إذا مررت عليهم (يعني أهل القبور) فقل: السلام عليكم يا أهل القبور من المسلمين والمؤمنين، أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. فقال أبو رزين: يا رسول الله ويسمعون؟ قال: ويسمعون، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا، أولا ترضى يا أبا رزين أن يرد عليك [بعددهم من]

الملائكة». (منكر). [قال الإمام]: أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (369) وعبد الغني المقدسي في " السنن " (ق 92: 2) عن النجم بن بشير بن عبد الملك بن عثمان القرشي حدثنا محمد بن الأشعث عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: " قال أبو رزين: يا رسول الله: إن طريقي على المقابر، فهل من كلام أتكلم به إذا مررت عليهم؟ قال: " فذكره. وقال العقيلي والزيادة له:" محمد بن الأشعث مجهول في النسب والرواية، وحديثه هذا غير محفوظ، ولا يعرف إلا بهذا الإسناد. وأما " السلام عليكم يا أهل القبور " إلى قوله " وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " فيروى بغير هذا الإسناد من طريق صالح، وسائر الحديث غير محفوظ ". والنجم بن بشير أورده ابن أبي حاتم (4/ 1) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. قلت: فهو بهذه الزيادة منكر، لتفرد هذا المجهول بها، وأما بدونها فهو حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث عائشة وبريدة، وهو مخرج في كتابي " أحكام الجنائز وبدعها ". وهذه الزيادة منكرة المتن أيضاً، فإنه لا يوجد دليل في الكتاب والسنة على أن الموتى يسمعون، بل ظواهر النصوص تدل على أنهم لا يسمعون. كقوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه وهم في المسجد: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإن صلاتكم تبلغني ... » فلم يقل: أسمعها. وإنما تبلغه الملائكة كما في الحديث الآخر: «إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن

أمتي السلام». رواه النسائي وأحمد بسند صحيح. وأما قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «العبد إذا وضع في قبره، وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له .. » الحديث رواه البخاري فليس فيه إلا السماع في حالة إعادة الروح إليه ليجيب على سؤال الملكين كما هو واضح من سياق الحديث. ونحوه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لعمر حينما سأله عن مناداته لأهل قليب بدر: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» هو خاص أيضاً بأهل القليب، وإلا فالأصل أن الموتى لا يسمعون، وهذا الأصل هو الذي اعتمده عمر رضي الله عنه حين قال للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: إنك لتنادي أجسادا قد جيفوا، فلم ينكره الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بل أقره، وإنما أعلمه بأن هذه قضية خاصة، ولولا ذلك لصحح له ذلك الأصل الذي اعتمد عليه، وبين له أن الموتى يسمعون خلافا لما يظن عمر، فلما لم يبين له هذا، بل أقره عليه كما ذكرنا، دل ذلك على أن من المقرر شرعا أن الموتى لا يسمعون. وأن هذه قضية خاصة. وبهذا البيان ينسد طريق من طرق الضلال المبين على المشركين وأمثالهم من الضالين، الذين يستغيثون بالأولياء والصالحين ويدعونهم من دون الله، زاعمين أنهم يسمعونهم، والله عز وجل يقول: " إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ". وراجع لتمام هذا البحث الهام مقدمتي لكتاب " الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات " للآلوسي. "الضعيفة" (3/ 284 - 286).

[1476] باب منه

[1476] باب منه سؤال: بالنسبة لموضوع الموتى حديث أن الميت يسمع قرع النعال .. ما صحة الحديث؟ الشيخ: أولًا: هذا حديث صحيح؛ لأنه مخرج في صحيح البخاري: «إذا وضع الميت في قبره وانصرف الناس عنه إنه ليسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرون» هذا الحديث صحيح، لكن هذا كذاك، أي: هذا مستثنى من القاعدة العامة؛ لأنه يقول: "حين" فهو ليس في كل حين يسمع، نفس الحديث يعطيك تخصيص ولا يعطيك العموم، يسمع قرع نعالهم حين .. حين ما معنى حين؟ يعني: وقت، {حين يولون عنه مدبرين} لكن هل يعني الحديث أن الموتى كلما مر المرء من المقابر فهو ... بسمع قرع النعال؟! مداخلة: ألا يحمل على وجه البلاغة يعني: مثلًا في الإعلانات .. الشيخ: ما هو الذي يحمل يا أخي حدد كلامك. مداخلة: حتى أنهم يسمعون قرع نعالهم مثلًا في إعلان عن شقة ما هو مقبول؟ شقة ترى البحر، هي لا ترى البحر ولكنها في موضع يسمح لمن فيها برؤية البحر، فهنا المعنى يحمل على أنهم .. أن الصوت يصل إليهم، لو أن حيًا في مكانهم لسمع قرع النعال. الشيخ: أما قرع النعال ما يسمعون؟ مداخلة: نعم؟ الشيخ: يعني: في النهاية تعني أنهم لا يسمعون قرع النعال؟

مداخلة: أنا أتصور والله أعلم .. الشيخ: أنا أسألك حتى أفهم منك، تعني: أنهم لا يسمعون قرع النعال؟ مداخلة: قد يحمل المعنى على هذا والله أعلم. الشيخ: وقد لا يحمل، ما الذي تستفيده من القدقدة؟ ثم أنا أذكر السائل وسائر الحاضرين بقاعدة لغوية مهمة جدًا: إذا دار الأمر بين التقدير وعدمه فالأصل عدم التقدير، بعبارة أخرى: إذا أمكننا أن نفسر العبارة أو الجملة العربية من كلام الله أو من حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو أي جملة عربية إذا أمكننا أن نفسرها على الحقيقة، فلا يجوز تفسيرها على المجاز إلا إذا قامت القرينة الشرعية أو العقلية فحينذاك يقال: وجدت القرينة التي تضطرنا إلى تفسير الآية أو الحديث أو الجملة العربية على المجاز وليس على الحقيقة لكن إذا دار الأمر بدون وجود قرينة بين تفسير الجملة على الحقيقة أو على المجاز فالأصل الحقيقة وليس المجاز، وإلا فسدت اللغة وفسدت استعمالها بين الناس، إذا قال قائل: جاء الأمير، فهل يجوز للسامع أن يفهم جاء خادم الأمير؟ وهذا تعبير عربي معروف بتقدير مضاف محذوف، لا يجوز؛ لأنه ليس هناك ما يضطر السامع أن يتأول قول القائل: جاء الأمير يعني: لا ليس الأمير وإنما جاء خادمه، أو جاء نائبه أو أو إلى آخره، لو فتح هذا الباب لفسد التفاهم بين الناس باللغة العربية. ومن هنا كان من رد العلماء والفقهاء على غلاة الصوفية الذين يقولون من جهة بما يعرف عند العلماء بوحدة الوجود، والذين يتكلمون بعبارات صريحة في الكفر وفي وحدة الوجود فيأتي المدافعون عن أولئك الصوفية بالباطل فيتأولون كلامهم تأويلًا يتفق في نهاية المطاف مع الشريعة، فنحن نقول لهؤلاء بهذه

الطريقة: لا يمكن أن نقول أن هذا الكلام كفر، حتى قلت مرة لبعضهم: ائتني بأي جملة هي كفر في ظاهر العبارة وأنا على طريقتك أجعلها توحيدًا خالصًا؟ طريقته ما هي؟ تأويل النصوص، مثلًا مما قال قائلهم المغرق في الضلال: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة يتكلفون في تأويل: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا، أي: إلا إلى هنا .. إلى هنا .. إلى: حرف جر، ما هذا التأويل؟! ولذلك مثل هذا التأويل يمكن إجراؤه على أي عبارة، مثلًا أنا أقول: لو قال قائل: [فرعون] خلق السموات والأرض، ما رأيكم في هذا الكلام يجوز أو لا يجوز؟ طبعًا بالإجماع لا يجوز، لكن أنا أجعله توحيدًا بطريقة الصوفية، وهو رب [فرعون]، هذا معروف في اللغة تقدير مضاف محذوف، على حد قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (يوسف:82) اسأل القرية ماذا؟ حيطانها .. شجرها؟ لا، إنما أهلها، كذلك العير، لكن هذا المضاف المحذوف، الأسلوب العربي نفسه يوحي به إلى السامع فإن أحدًا لا يتساءل يا ترى! المقصود هنا ... القرية؟ لا، ولذلك تسمية هذا التعبير في اللغة العربية أن هذا مجاز مما يدفعه ابن تيمية رحمه الله في رسالته الخاصة بالحقيقة والمجاز، يقول: تسمية هذه العبارة خاصة بأنها مجاز من باب حذف المضاف هذا اصطلاح طارئ، وإلا فالعرب ما كانوا يفهمون من هذه العبارة إلا معنًى واحدًا هو الذي يسمونه بالمجاز بحذف المضاف. كذلك مثلًا في الأسلوب العربي: سال الميزاب، على طريقة المتأخرين في تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، حقيقة هذه العبارة: سال الميزاب، يعني: الميزاب من شدة الحرارة ذاب وصار سائلًا سال الميزاب، لكن مَن مِن العرب إذا سمع هذه العبارة يتبادر إلى ذهنه المعنى الذي يسمونه حقيقة، فيقولون: لا، هنا

المقصود المجاز، هذا المعنى الذي يسمونه مجازًا في هذا المثال هو المعنى الحقيقة المراد منه، سال الميزاب، يعني: سال ماء الميزاب، مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (يوسف:82) تمامًا، وهكذا أمثلة كثيرة يذكرها ابن تيمية. منها مثلًا: جرى النهر، النهر هو الأخدود الذي يجري فيه الماء فحينما يقول العربي: جرى النهر، لا هو يعني جرى الأخدود نفسه بدون ماء ولا السامع منهم من العرب يفهم إلا الذي أراده، أي: جرى ماء النهر، إذًا: تسمية هذه التعابير بأنها مجاز يقول ابن تيمية: هذا خطأ، المجاز هو الذي يخرج المعنى الظاهر من العبارة إلى معنى آخر لوجود قرينة، لكن هنا لا معنى آخر إلا معنى واحد محدد هو اسأل القرية، يعني: أهلها .. سال الميزاب، أي: ماؤه .. جرى النهر، أي: ماؤه، من هنا يصل ابن تيمية إلى الرد على المتأخرين الذين يتأولون آيات الصفات وأحاديث الصفات باللجوء إلى ارتكاب طريق التأويل وهو سلوك طريق المجاز، لكن ما الذي يضطرهم إلى ترك فهم المعاني من هذه الآيات وتلك الأحاديث المتعلقة كلها بالصفات أن تفسر على حقائقها؟ لا سيما وهم يقولون جميعًا المتقدمون منهم والمتأخرون: الأصل في كل عبارة أن تفسر على حقيقتها. فمثلًا قوله تبارك وتعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر:22) لا، جاء ربك لا يجوز هذا الفهم، إذًا: جاءت رحمة ربك، جاء أي مضاف محذوف يقدمونه، وعلى ذلك فقس، نحن نقول: الحق كما نطق الحق في كتابه: {وَجَاءَ رَبُّكَ} (الفجر:22) لكن كيف يجيء؟ ما ندري. وهذا البحث طرقه العلماء قديمًا وحديثًا، فنحن في مناسبة قريبة تعرضنا لمثله أيضًا، الخلاصة: أن الكلام العربي أول ما ينبغي أن يفسر به هو على الحقيقة، فقوله عليه السلام: «إذا وضع الميت في قبره فإنه ليسمع قرع نعالهم وهم

[1477] باب هل الأموات على علم بحال الأحياء؟

عنه مدبرين» على الحقيقة يسمع قرع النعال، بل أنا أقول خلاف ما قلت أنت: هو لا يمكن القول أنه يسمع كل شيء؛ لأنه هو بكل شيء سمع، هذا أمر مستحيل، لكن ما دام أن الأصل أن الموتى لا يسمعون كما شرحنا لكم آنفًا فإذا جاء نص ما يعطي لميت أو موتى ما سماعًا ما نستثنيه من القاعدة، نقول: أولئك المشركين في القليب سمعوا قول الرسول عليه السلام، لكن ما كان يجري حولهم من أحاديث الصحابة وحينما قال عمر: يا رسول الله! إنك لتنادي أجسادًا لا أرواح فيها، ما نقول أنهم سمعوا قول عمر؛ لأن سماعهم لقول الرسول معجزة للرسول فيوقف عندها، كذلك في هذا الحديث يسمع الميت قرع نعالهم وفقط، وما نزيد على ذلك لسببين اثنين: أولاً: أنه خلاف الأصل، أن الموتى لا يسمعون، ثانيًا وأخيرًا: أن الأمور الغيبية، وهذا من الغيب في البرزخ لا يتوسع فيها أبدًا، والحق الوقوف عند النص وعدم التَزَيُّد عليه .. "أسئلة وفتاوى الإمارات" (2/ 47: 50: 00). [1477] باب هل الأموات على علمٍ بحال الأحياء؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس على الله، وتعرض على الأنبياء، وعلى الآباء والأمهات يوم الجمعة، فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا وإشراقا، فاتقوا الله، ولا تؤذوا أمواتكم». (موضوع) [ثم بين الإمام وضعه ثم قال]:

[1478] باب هل يسمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته سلام من سلم عليه؟ وهل يلزم من رده ص السلام أن يكون سمعه؟

ومنه تعلم أن السيوطي قد أساء بإيراده لهذا الحديث في " الجامع الصغير " وباستشهاده به على ما جزم به في " الحاوي " أن الأموات على علم بأحوال الأحياء، وبما هم فيه! وقد ساق في هذه المسألة أحاديث أخرى، لا يحتج بشيء منها مثل حديث:" إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات .. " الحديث، وقد مضى (867). "الضعيفة" (3/ 672). [1478] باب هل يسمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته سلام من سلم عليه؟ وهل يلزم من رده - صلى الله عليه وسلم - السلام أن يكون سمعه؟ [قال الإمام]: لم أجد دليلاً على سماعه - صلى الله عليه وسلم - سلام من سلَّم عليه عند قبره، وحديث أبي داود: [وهو: " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام "وإسناده حسن كما بينه الشيخ في " الصحيحة " (2266)] ليس صريحاً في ذلك. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص11300). [1479] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيا وكل بها ملك يبلغني، وكفي بها أمر دنياه وآخرته، وكنت له شهيداً أو شفيعاً». (موضوع بهذا التمام).

[1480] باب الجمع بين قوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} و {إنك لا تسمع الموتى} وبين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا»

[قال الإمام]: فائدة: قال الشيخ ابن تيمية عقب كلامه المتقدم على الحديث: وهو لوكان صحيحاً فإنما فيه أنه يبلغه صلاة من صلى عليه نائياً، ليس فيه أنه يسمع ذلك كما وجدته منقولا عن هذا المعترض (يريد الأخنائي)، فإن هذا لم يقله أحد من أهل العلم، ولا يعرف في شيء من الحديث، وإنما يقوله بعض المتأخرين الجهال: يقولون: إنه ليلة الجمعة ويوم الجمعة يسمع بأذنيه صلاة من يصلي عليه، فالقول إنه يسمع ذلك من نفس المصلين (عليه) باطل، وإنما في الأحاديث المعروفة إنه يبلغ ذلك ويعرض عليه، وكذلك السلام تبلغه إياه الملائكة. قلت: ويؤيد بطلان قول أولئك الجهال قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -:" أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني ... " الحديث وهو صحيح كما تقدم (ص 364) فإنه صريح في أن هذه الصلاة يوم الجمعة تبلغه ولا يسمعها من المصلي عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -. "الضعيفة" (1/ 366، 369). [1480] باب الجمع بين قوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} و {إنك لا تسمع الموتى} وبين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا» [ذكر الآلوسي في"الآيات البينات" بعض أدلة من يقول بعدم سماع الأموات فذكر قوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} (فاطر:22) و {إنك لا تسمع الموتى} (النمل:80)، ثم قال: لكن يشكل عليهم ما في "مسلم": «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا» إلا أن يخصوا ذلك بأول الوضع في القبر مقدمةً للسؤال.

[1481] باب منه

[فعلق الألباني قائلاً]: والتخصيص المشار إليه أمر لا بد منه للجمع المذكور، ولكن ينبغي أن يعلم أن ذلك كذلك ولو لم يتعارض ظاهره بالآيتين المذكورتين فإن الحديث يدل أنه خاص بأول الوضع فإن لفظه: " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان. . . " الحديث متفق عليه. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص81). [1481] باب منه [وقال الألباني حول الجواب بالتخصيص بأول الوضع في القبر في موضع آخر]: وهذا الجواب هو الأصح لقول قتادة المتقدم في حديث أبي طلحة (ص78) (¬1) وهو الذي اعتمده الحافظ البيهقي، وغيره، ويأتي في الكتاب (99) قول السهيلي في ذلك، ويظهر أن مناداة الكفار بعد هلاكهم سنة قديمة من سنن الأنبياء فقد قال تعالى في قوم صالح عليه السلام: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ في دَارِهِمْ جَاثِمِين، فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِين} (الأعراف: 78، 79)، قال ابن كثير (2/ 229 - 230): هذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه لما أهلكهم الله بمخالفتهم إياه وتمردهم على الله وإبائهم الحق وإعراضهم عن الهدى، قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريعاً وتوبيخاً وهم يسمعون ذلك كما ثبت في "الصحيحين ". . . فذكر ¬

(¬1) قال قتادة: «أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيراً، ونقمة، وحسرة وندماًً».

[1482] باب لا يلزم من السلام على الأموات أو مخاطبتهم أنهم يسمعون

حديث القليب. لكن قوله: " وهم يسمعون ذلك " ليس في الآية ما يدل عليه. ثم ذكر الله تعالى عن شعيب عليه السلام وقومه نحو ذلك فانظر " ابن كثير " (2/ 233). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص84). [1482] باب لا يلزم من السلام على الأموات أو مخاطبتهم أنهم يسمعون [قال الآلوسي في "الآيات البينات"]: فإن قيل: إذا كان مذهب الحنفية وكثير من العلماء المحققين على عدم السماع [أي سماع الأموات] فما فائدة السلام على الأموات وكيف (صحت) مخاطبتهم عند السلام؟ قلت: لم أجد فيما بين يدي الآن من كتبهم جوابهم عن ذلك، ولا بد أن تكون لهم أجوبة عديدة فيما هنالك، والذي يخطر في الذهن، ويتبادر إلى الخاطر والفهم، أنهم لعلهم أجابوا بأن ذلك أمر تعبدي، وبأنا نسلم سراًّ في آخر صلاتنا إذا كنا مقتدين، وننوي بسلامنا الحفظة، والإمام، وسائر المقتدين، مع أن هؤلاء القوم لا يسمعونه لعدم الجهر به، فكذا ما نحن فيه. [فعلق الألباني قائلاً:] ومن هذا القبيل قول الضرير في حديثه المشهور: " يا محمد إني توجهت بك إلى ربي. . . " الحديث وهو مخرج في رسالتي " التوسل " (ص 67 - 68). وهذا إذا افترض أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان بعيدا أو غائباً عنه لا يسمعه، وأما إذا كان ذلك في حضوره - صلى الله عليه وسلم - فلا إشكال.

[ثم قال الآلوسي:] على أن السلام هو الرحمة للموتى، وننزلهم منزلة المخاطبين السامعين، وذلك شائع في العربية كما لا يخفى على العارفين، فهذه العرب تُسَلِّمُ على الديار، وتخاطبها على بعد المزار. [فعلق الألباني قائلاً]: ومن ذلك مخاطبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الهلال حين يراه بقوله: ". . . ربنا وربك الله " ونحوه مما جاء في عدة أحاديث مخرجة في " المشكاة " (2428 و2451) و"الكلم الطيب " (ص 91/ 161) و" الصحيحة " (1816). و" الضعيفة " (1506). ومثله ما روي عن ابن عمر مرفوعاً: " كان إذا سافر فأقبل الليل قال: يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك. . . " الحديث، وقد صححه بعضهم، لكن في إسناده جهالة كما بينته في " الكلم الطيب " (99/ 180) و" المشكاة " (3439 - التحقيق الثاني). وفي ذلك كله رد قوي على قول ابن القيم في " الروح " (ص 8) وقد ذكر السلام على الأموات -: "فإن السلام على من لا يَشْعُرُ ولا يَعْلَمُ بالمسلم محال"، قال: "وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويرد" وكأنه رحمه الله لم يستحضر خطاب الصحابة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في التشهد: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " خلفه في المدينة، وبعيداً عنه في سائر البلاد، بحيث لو خاطبوه بذلك جهراً لم يسمعهم - صلى الله عليه وآله وسلم -، فضلاً عن جمهور المسلمين اليوم وقبل اليوم الذي يخاطبونه بذلك، أفيقال: إنه يسمعهم؟ أو أنه من المحال السلام عليه

[1483] باب كيف سلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على القبور فقال:"السلام عليكم دار قوم مؤمنين ... "مع أن الموتى لا يسمعون؟

وهو لا يشعر بهم ولا يعلم؟ وكذلك لم يستحضر رحمه الله قول شيخ الإسلام ابن تيمية في توجيه هذا السلام ونحوه فقال في " الاقتضاء " (ص 416) وقد ذكر حديث الأعمى المشار إليه آنفاً: وقوله: "يا محمد " هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادي في القلب، فيخاطب لشهوده بالقلب، كما يقول المصلي: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " والإنسان يفعل هذا كثيراً يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من سمع الخطاب ". "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص131 - 132). [1483] باب كيف سلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على القبور فقال:"السلام عليكم دار قوم مؤمنين ... "مع أن الموتى لا يسمعون؟ [قال الآلوسي في "الآيات البينات"]: رأيت في " شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك " في " فصل جامع للوضوء " في الكلام على حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خرج إلى المقبرة فقال: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " ما لفظه: " قال الباجي وعياض: يحتمل أنهم أحيوا له حتى سمعوا كلامه كأهل القليب، ويحتمل أن يسلم عليهم مع كونهم أمواتاً لامتثال أمته ذلك بعده، قال الباجي: وهو الأظهر ". [فعلق الألباني قائلاً:] قلت: كل من الاحتمالين غير قوي عندي أما الأول فلأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان

[1484] باب لا يستدل بحديث أهل القليب على أن الموتى يسمعون

يخاطب الموتى بالسلام المذكور كلما زار القبور كما في حديث عائشة رضي الله عنها: " كان - صلى الله عليه وسلم - كلما كان ليلتها من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخرج من آخر الليل فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين. . . " الحديث. رواه مسلم وغيره وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 189) فهل كانوا يجيبونه كلما سلم عليهم؟ وأما الآخر فهو أضعف منه لأنه يعود السؤال السابق: لماذا خاطبهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بذلك؟ اللهم إلا أن يكون مراده أن الأمر تعبدي محض. والله أعلم. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص133 - 134). [1484] باب لا يستدل بحديث أهل القليب على أن الموتى يسمعون عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلاَثًا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: «يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ، خَلَفٍ يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّى قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِى رَبِّى حَقًّا». فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا؟ وَقَدْ جَيَّفُوا قَالَ «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا». ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ. [قال الإمام معلقًا على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ»]: أي لأن الله أحياهم له كما قال قتادة في "صحيح البخاري", لا لأن الموتى يسمعون كما يظن البعض. كيف والله عز وجل يقول فيهم {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم}. فمن أكبر الضلال, استدلال

[1485] باب منه

بعض الجهال بالحديث على أن الموتى يسمعون, ثم الاستدلال بسماعهم على جواز الاستعانه بهم. والآية صريحة في نفي الأمرين معاً. والله المستعان. "مختصر صحيح مسلم" (ص 307). [1485] باب منه [قال ابن أبي عاصم في "السنة"]: ثنا أبو الشعثاء، ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن أشعث عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود في بيت المال، قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على القليب قليب بدر فقال: «يا فلان يا فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقاًّ»؟ قالوا: يا رسول الله هل يسمعون؟ قال: «ما أنتم لأسمع لما أقول منهم، ولكنهم اليوم لا يجيبون». [قال الإمام]:حديث صحيح. قال أبو بكر [هو ابن أبي عاصم] والأخبار التي في قليب بدر، ونداء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إياهم، وما أخبر أنهم يسمعون كلامه؛ أخبار ثابتة توجب العمل والمحاسبة، فيه أخبار كثيرة قد أثبتناها في مواضعها. [فعلق الإمام قائلاً]: قلت: لكن ليس فيها أن الموتى عامة يسمعون, وإنما فيها أن أهل القليب سمعوا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - إياهم (¬1) , فهي قضية خاصة لا عموم لها, فلا تعارض بينها وبين الآيتين اللتين احتجت بهما السيدة عائشة رضي الله عنها, فاحتجاجها بهما صحيح ¬

(¬1) كذا.

[1486] باب متى كانت مخاطبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأهل القليب

كأصل, لكن خفي عليها أن الحادثة وقعت كما رواها ابن عمر, وكذا أنس وعمر كما تقدم. فتمسكت بالأصل الثابت في القرآن, لعدم ثبوت القصة عندها, ولو ثبتت لاستثنتها من هذا الأصل كما هو الواجب للتوفيق بين القرآن والحديث, ويؤيده قول قتادة المتقدم: أحياهم الله له ... فالقضية خاصة فلا يجوز أن يلحق بها غيرها فيقال: إن الموتى كلهم يسمعون, كما يقول كثير من الناس اليوم! "ظلال الجنة في تخريج السنة" (ص 384) [1486] باب متى كانت مخاطبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأهل القليب [نقل الآلوسي في "الآيات البينات" عن ابن جحر قولاً لبعضهم بأن مخاطبة النبي لأهل القليب كانت وقت سؤال الملكين في القبر، فعلق الألباني على هذا القول قائلاً]: قلت: وكذا قال الطحطاوي (ص 546). وهذا باطل فقد ثبت في بعض طرق القصة عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم فناداهم. . . وفيه أن عمر قال: يا رسول الله كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا؟ الحديث. أخرجه مسلم (8/ 163) وأحمد (3/ 286) من رواية ثابت عنه. ورواه حميد عنه بلفظ "قالوا " بدل " قال عمر " كما تقدم قريباً، ومعناه في طريق قتادة الذي سبق تخريجه (ص 54)، فالعجب من الحافظ كيف فاته هذا وهو الذي نقل في شرحه لهذا الحديث قول السهيلي .. وفيه قول الصحابة: " أتخاطب أقواما قد جيفوا " بل وذكر قبل ذلك حديث أنس هذا من طريق مسلم؟ إلا أن يقال: إن الروح تبقى مدة في جسدها بعد إعادتها إليه وهو بعيد جداً لعدم ورود نص بذلك. والله أعلم. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص102).

(متفرقات)

(متفرقات)

[1487] باب هل علة الموت هي فساد الأعضاء بحيث تصبح غير قادرة على قبول الآثار الفائضة عليها من الروح

[1487] باب هل علة الموت هي فساد الأعضاء بحيث تصبح غير قادرة على قبول الآثار الفائضة عليها من الروح [نقل الآلوسي في "الآيات البينات "قول ابن القيم في كتابه"الروح" عن ماهية الروح]: الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وأدلة العقل والفطرة، أنه جسم حادث مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد، والدهن في الزيتون، والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي هذا الجسم اللطيف متشابكا لهذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة والإدارة، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول الآثار، فارق الروح البدن وانفصل بأمر الله تعالى إلى عالم الأرواح قال الله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي}. [فعلق الألباني قائلاً]: (إن) تعليل الموت بهذا السبب يشبه الفلسفة عندي؛ لأنه لا دليل عليه من نقل، أو عقل بل كم من شخص مات فجأة وأعضاؤه سليمة قوية في عز المنعة والقوة. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص152).

[1488] باب هل الأموات على علم بحال الأحياء؟

[1488] باب هل الأموات على علم بحال الأحياء؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس على الله، وتعرض على الأنبياء، وعلى الآباء والأمهات يوم الجمعة، فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا وإشراقا، فاتقوا الله، ولا تؤذوا أمواتكم». [قال الإمام]: (موضوع) [ثم بين الإمام وضعه ثم قال:] ومنه تعلم أن السيوطي قد أساء بإيراده لهذا الحديث في " الجامع الصغير " وباستشهاده به على ما جزم به في " الحاوي " أن الأموات على علم بأحوال الأحياء، وبما هم فيه! وقد ساق في هذه المسألة أحاديث أخرى، لا يحتج بشيء منها مثل حديث " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات .. " الحديث، وقد مضى (867). "الضعيفة" (3/ 672). [1489] باب صفة حياة الأنبياء بعد الموت [قال الإمام]: (حياة) الأنبياء بعد الموت حياة برزخية، ولنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - فيها من الخصائص ما ليس لغيره كهذه الخصوصية [وهي رد السلام على من سلم عليه] وغيرها ... ، ولكن لا يجوز التوسع في ذلك بالأقيسة والأهواء كما جاء في آخر " مراقي الفلاح " تحت " فصل زيارة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " ما نصه:

[1490] باب في صفة حياة الشهداء

"ومما هو مقرر عند المحققين أنه - صلى الله عليه وسلم - حي يرزق بجميع الملاذ والعبادات، غير أنه حجب عن أبصار القاصرين"! "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص111). [1490] باب في صفة حياة الشهداء سؤال: يا أستاذ! هل هناك أناس الآن دخلوا الجنة أو أناس دخلوا النار، مثل الآية التي في سورة يس: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} (يس:26) .. ؟ الشيخ: هذا فيما سيكون .. ، أما الآن ما هو إلا الحياة البرزخية فدخول الجنة والنار مؤقت للحساب، ... البعث يوم القيامة .. مداخلة: حتى الشهداء والأنبياء .. الشيخ: كلهم، لكن أرواحهم لها نعيم خاص كما قال عليه السلام: «أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تعلق من ثمر الجنة» وكذلك: «أرواح المؤمنين في بطون طير خضر تعلق من ثمر الجنة» فهذا نعيم روحي، أما النعيم البدني والروحي معاً وكذلك الجحيم فذلك لا يكون إلا بعد البعث والنشور. مداخلة: طيب يا أستاذ! نحن الذي نفهمه على قدر عقولنا، أن الشخص عندما يكون حي يكون جسده وروحه مرتبطان ببعض ... ، الله عز وجل عندما يقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} (آل عمران:169) أقصد أنا: بل أحياء تكون الحياة مربوطة الجسد في الروح. الشيخ: هذا شيء معروف لا يحتاج إلى سؤال، شرحه لك الرسول وأعطاك الجواب وأنا قدمته سلفاً .. أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر، ما معنى هذا؟

[1491] باب لبعض الأعمال الصالحة فضائل خاصة بعد الموت مع رد حديث طويل في الباب

معناه أنه يتنعم في بدنه؟! يتنعم في بدن مستعار, وهو الطير الأخضر، فحياة الشهداء حياة تتناسب مع مقامه عند الله أولاً وبقاؤهم في البرزخ ثانياً، الحياة تختلف حياة البرزخية غير الحياة الدنيوية، والحياة الأخروية غير الحياتين كلتيهما، الحياة الأخروية غير الحياة البرزخية وغير الحياة الدنيوية أيضاً؛ ولذلك لا يجوز أن يستعمل الإنسان القياس .. قياس الغائب على الشاهد، فتقول أنت: نحن لا نعرف الحياة إلا هكذا! طيب! هذه الحياة التي تعرفها لا تقيس عليها الحياة التي لا تعرفها، وبخاصة وقد جاءت بعض النصوص توضح لك تماماً أن حياة الشهداء التي ربنا عز وجل أثبتها في نص القرآن: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169) ما هو رزقهم؟ ليس طبق ونفق مثل الذي عندنا، رزقهم يأكلون بطريق أكل هذا الطير الأخضر، هذا هو الرزق، الحديث يبين القرآن. مداخلة: عندما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام الجنة والنار ووجد الذين يتعذبون فيها والذين يتنعمون فكيف هذا؟ الشيخ: نعم، كشف له عما سيكون عليه أوضاع أهل الجنة وأهل النار، هذا الكشف الحقيقي الذي سرقه الصوفية ونسبوه إلى أنفسهم، هذا للأنبياء والرسل وفقط. "الهدى والنور" (28/ 18: 55: 00) [1491] باب لبعض الأعمال الصالحة فضائل خاصة بعد الموت مع رد حديث طويل في الباب [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إني رأيت البارحة عجباً:

1 - رأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب, فجاءه وضوءه, فاستنقذه من ذلك. 2 - ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر, فجاءته صلاته, فاستنقذته من ذلك. 3 - ورأيت رجلاً من أمتي احتوشته الشياطين, فجاءه ذكر الله, فخلصه منهم. 4 - ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً, فجاءه صيام رمضان, فسقاه. 5 - ورأيت رجلاً من أمتي من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة, فجاءته حجته وعمرته, فاستخرجاه من الظلمة. 6 - ورأيت رجلاً من أمتي جاءه ملك الموت ليقبض روحه, فجاءه بره لوالديه فرده عنه. 7 - ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه, فجاءته صلة الرحم, فقالت: إن هذا كان واصلاً لرحمه. فكلمهم وكلموه وصار معهم. 8 - ورأيت رجلاً من أمتي يأتي النبيين وهم حلق حلق, كلما مر على حلقة طرد, فجاءه اغتساله من الجنابة, فأخذ بيده فأجلسه إلى جنبي. 9 - ورأيت رجلاً من أمتي يتقي وهج النار بيديه عن وجهه فجاءته صدقته فصارت ظّلاً على رأسه وستراً عن وجهه. 10 - ورأيت رجلاً من أمتي جاءته زبانية العذاب, فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر, فاستنقذه من ذلك. 11 - ورأيت رجلاً من أمتي هوى في النار, فجاءته دموعه اللاتي بكى بها في الدنيا من خشية الله, فأخرجته من النار.

12 - ورأيت رجلاً من أمتي قد هوت صحيفته إلى شماله, فجاءه خوفه من الله تعالى, فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه. 13 - ورأيت رجلاً من أمتي قد خف ميزانه, فجاءه أفراطه, فثقلوا ميزانه. 14 - ورأيت رجلاً من أمتي على شفير جهنم, فجاءه وجله من الله تعالى, فاستنقذه من ذلك. 15 - ورأيت رجلاً من أمتي يرعد كما ترعد السعفة, فجاءه حسن ظنه بالله تعالى, فسكن رعدته. 16 - ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط مرة, ويحبو مرة فجاءته صلاته علي, فأخذت بيده فأقامته على الصراط حتى جاز. 17 - ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة, فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله فأخذت بيده, فأدخلته الجنة». [قال الإمام]: قلت: منكر جداً. نعم، أنا لا أنكر أن لبعض الأعمال الصالحة فضائل خاصة بعد الموت مثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب! منعته الطعام والشهوة؛ فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل؛ فشفعني فيه. قال: فيشفعان». وهو مخرج في " تمام المنة " (ص 394). وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن سورة في القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له؛ وهي: {تبارك الذي بيده الملك}».

[1492] باب جزاء من مات له ولد وصبر

وهو مخرج في "التعليق الرغيب" (2/ 222/ 1)، وفي رواية فيه برقم (4) بلفظ: «من قرأ {تبارك الذي بيده الملك} كل ليلة؛ منعه الله عزوجل بها من عذاب القبر». فهذان أصلان يشهدان لما ذكرت من الفضائل الخاصة. فأين الأصول التي تشهد لما جاء في هذا الحديث المنكر؟!. "الضعيفة" (14/ 3/1228 - 1230،1239 - 1240). [1492] باب جزاء من مات له ولد وصبر [قال الإمام]: قد يصاب المسلم -كما هو الواقع المشاهد- بوفاة ولد له أو أكثر، فتأتيه أجور أخرى غير تلك الأجور التي أشرنا إليها آنفاً مما لو أحياهم الله عز وجل له وعاشوا بعد وفاته، فجاءه من حسناتهم دون أن يكون هو قد فعل هذه الحسنات، فالآن في الصور الأخرى إذا أصيب المسلم بوفاة بعض أولاده، ثم صبر على ذلك، ورضي بقضاء الله وقدره ضمنت له الجنة؛ قال عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلمين -أي: زوجين- يموت لهما ثلاثة من الولد، إلا لن تمسه النار؛ إلا تحلة القسم. قالوا: واثنان يا رسول الله! قال: واثنان. قال أصحابه عليه السلام: حتى ظننا أننا لو قلنا: وواحد، لقال: وواحد». إذاً: المسلم المتزوج يعيش بين حسنتين لا بد من إحداهما: إن عاش أولاده من بعده جاءته أجورهم، وهو في قبره. وإن مات شيء من ولده في .. حياته، فقد ضمن الله له تبارك وتعالى الجنة، وأنه لن تمسه النار إلا تحلة القسم. " الهدى والنور" (20/ 00:90:32)

[1493] باب جزاء من مات له ولدان

[1493] باب جزاء من مات له ولدان [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -}: «ما من امرأة تقدم ثلاثا من الولد تحتسبهن إلا دخلت الجنة. فقالت امرأة منهن: أو اثنان؟ قال: أو اثنان». [قال الإمام]: فيه فوائد كثيرة، [منها]: أن من مات له ولدان دخل الجنة وحجباه من النار، وليس ذلك خاصًّا بالإناث آباء وأولادا، لأحاديث أخرى كثيرة تعم الجنسين، وتجد جملة طيبة منها في " الترغيب والترهيب " (3/ 89 - 91) ويأتي بعد هذا أحدها [ثم أورده:] " من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله عز وجل الجنة برحمته إياهم ... [فساقه بطوله] "الصحيحة" (6/ 1/399 - 402،400) [1494] باب هل تقبل توبة من هو على وشك الإعدام؟ مداخلة: من المعلوم أنها لا تقبل التوبة عند الغرغرة، فرجل حُكم عليه بالإعدام، عند التنفيذ عندما يدخل إلى الغرفة حتى ينفذوا وهو متحقق من موته الآن. الشيخ: نعم. مداخلة: فقبل أن يصعد إلى المشنقة يقول: لا إله إلا الله ويستغفر ويتوب، فهل هذا يدخل في باب تحت الغرغرة؟

[1495] باب حكم قولهم:"انتقل إلى مثواه الأخير"

الشيخ: لا، لا يدخل لأنه ما غرغر، ما حشرجت الروح، لكن هو غلب على ظنه أن الموت آتيه، فالتوبة مقبولة ما لم يغرغر، هذا نص صريح في الموضوع. " الهدى والنور" (420/ 58: 55: 00). [1495] باب حكم قولهم:"انتقل إلى مثواه الأخير" [قال الإمام]: وأما قولهم في الإذاعات وغيرها: " .. مثواه الأخير " فكفر لفظي على الأقل، وأنا أتعجب كل العجب من استعمال المذيعين المسلمين لهذه الكلمة، فإنهم يعلمون أن القبر ليس هو المثوى الأخير، بل هو برزخ بين الدنيا والآخرة، فهناك البعث والنشور ثم إلى المثوى الأخير، كما قال تعالى {فريق في الجنة وفريق في السعير}، وقال في الأخير: {فالنار مثوى لهم}، وما ألقى هذه الكلمة بين الناس إلا كافر ملحد، ثم تقلدت من المسلمين في غفلة شديدة غريبة! {فهل من مدكر}؟ اهـ. "الصحيحة" (6/ 1/416). [1496] باب حكم تشريح جسد من مات موتاً دماغياً فقط سؤال: يقول الأخ: نسمع في هذه الآونة عن عملية تحويل القلب لرجل فقد الحياة إلى رجل آخر يريد قلب صحيح؟ فهل هذه العملية جائزة؟ بإذنه وبغير إذنه؟ نقل القلب. الشيخ: يعني تشريح جثة الميت، واستخراج القلب منها، ووضعه في الحي الذي هو بحاجة لقلب جديد، هذا جواب يفهم مما سبق، لا يجوز التشريح.

السائل: تعليق، هم ما يأخذوا قلب ميت مثلاً، يأخذوا قلب كان ميت بالتحليل، موت الدماغ يسموه؟ قبل أن يموت، يأخذوا قلبه قبل أن يموت؟ الشيخ: هذا أنكى وأمر. نعم. السائل: حتى لو أوصى بذلك؟ ألا يدخل في باب: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}؟ الشيخ: لا، ما يدخل، كيف يدخل، واحد يوصي بأن يقتل في سبيل آخر، وقد لا ينجح حتى هذا الآخر كما هو معلوم طبياً. السائل: نقل قلب كافر لمسلم؟ الشيخ: هذا من الحيثية ما يضر؛ لأنه القلب الذي هو مقر الإيمان والصلاح والتقوى كما جاء في الأحاديث وبعض الآيات القرآنية ليس هو بمجرد هذه المضغة، وإنما هو أثر حياة هذا الإنسان كله، بجسده وروحه، فقد يتوفر هذا في هذه المضغة التي قال الرسول عنها: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (¬1)، الشاهد: أنه لا يجوز. السائل: وإذا فُعل؟ إذا تمت هذه العملية؟ ونقل القلب من رجل صالح إلى رجل ضال مضل والعياذ بالله؟ كيف يكون؟ الشيخ: ما يختلف شيء من حياة المنقول إليه القلب، سواء كان يعني قلب كافر إلى مؤمن، أو العكس، هذا قلت عنه آنفاً ما قلت. ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم52) و"صحيح مسلم" (رقم4178).

السائل: هل هذا خاص بالقلب أم لو أوصى ببصره أو لو أوصى؟ الشيخ: كله، عام. السائل: هناك قضية يا أستاذ: أن بعض الناس ينقل كلية وهو ما زال حي؟ تبرع لقريبه أو؟ الشيخ: نفس الكلام. السائل: ما يموت إذا نزعها؟ الشيخ: قد يموت، هذه قضية مش مضمونة، وربنا خلق كلتين بدل كلية واحدة، ما خلق ذلك عبثاً، وإنما أقل ما يقال احتياطاً، ولذلك تسمعون أن بعض الناس يعيشون على كلية واحدة. "الهدى والنور" (12/ 43: 10: 00).

(جماع أبواب الروح)

(جماع أبواب الروح)

(خلق الروح)

(خَلْقُ الروح) [1497] باب هل الأرواح مخلوقة قبل الأجساد أم بعدها؟ [قال الإمام]: أما مسألة تقدم خلق الأرواح على الأجساد وتأخرها عنها، فللعلماء فيها قولان معروفان، وممن ذهب إلى تقدم خلقها محمد بن نصر المروزي وأبو محمد بن حزم وحكاه إجماعاً و [من] أدلتهم قوله تعالى في سورة الأعراف: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين. أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون} قالوا: وهذا الاستنطاق والإشهاد إنما كان لأرواحنا، ولم تكن الأبدان حينئذ موجودة، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله خلق أرواح العباد قبل العباد بألفي عام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف». رواه ابن منده بإسناده عن عمرو بن عنبسة مرفوعا كما في " الروح " (ص160) ثم قال (ص 172) " لا يصح إسناده فيه عتبة بن السكن قال الدارقطني: متروك. وأرطأة ابن المنذر قال ابن عدي: بعض أحاديثه غلط ". قلت: وهو البصري، وأما أرطأة بن المنذر الحمصي فثقة، لكن فوقهما عطاء بن عجلان وهو متروك أيضا فهو حديث ضعيف جداًّ إن لم يكن موضوعا، اللهم إلا قوله: " فما تعارف. . . . " فهو طرف من حديث صحيح معروف.

لكن في المسألة أحاديث أخرى كثيرة تغني عن هذا الحديث من أصرحها حديث ابن عباس مرفوعاً: " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بـ (نعمان) يوم عرفة، وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلاً قال: {ألست بربكم قالوا: بلى} " وهو حديث صحيح بل هو متواتر المعنى كما بينته في " الصحيحة " (1623). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص150).

(نفخ الروح)

(نفخ الروح) [1498] باب متى تنفخ الروح في الجنين؟ سؤال: يا شيخ بالنسبة لنفخ الروح في الجنين متى يكون، خصوصاً أن هناك من يقول: ان هناك دلالة علمية تثبت أن النفخ في بداية الأربعين الأولى من نفخ الجنين، وأن هناك حديث في مسلم يثبت أن فيه زيادة: أنه يكون علقة مثل ذلك في الأربعين يوماً، يستدلون بهذا الحديث على أنه الروح تنفخ النفخ بالأربعين اليوم الأولى؟ الشيخ: في سؤالك ناحيتان: إحداهما شرعية، والأخرى طبية، من الناحية الشرعية ثبت في حديث ابن مسعود المتفق عليه بين الشيخين أن الروح إنما تنفخ في الجنين بعد أربعة أشهر. أما القول: أنه ثبت علمياً طبياً: أن الروح تنفخ قبل ذلك، فأنا في اعتقادي أن هذا مع أنه مخالف للحديث السابق فهو أيضاً ليس بثابت طبياً؛ لأنني أنا أعلم أن هذا ليس من اختصاصي ولكنه من معلوماتي التي يشاركني فيها كل مثقف له مشاركة في الاطلاع على ما يجري اليوم من بحوث علمية وغيرها، نحن نعلم أن الحوين الصغير هذا الذي يوجد منه الملايين المملينة في مني الرجل كلها حوينات ليست ميتة وإنما هي فيها الحياة، أليس كذلك؟ مداخلة: بلى.

الشيخ: طيب، فهذا الحوين حينما ينمو حينما يلقح البويضة في رحم المرأة ينمو وينمو معه هذه الحياة التي فطرها الله عز وجل في هذا الحوين وهو في صلب الرجل قبل أن ينتقل إلى رحم المرأة، فإذاً هنا حياتان، ولنتسامح في التعبير ولا بأس من ذلك قليلاً، هنا روحان: الروح الأولى وجدت مع الحوين وهو في صلب الرجل، الحياة أو الروح الأخرى نفخت بنص الحديث بعد أربعة أشهر، يوم يأتي وينفخ فيه الروح ويسأل: سعيد أم شقي، ذكر أم أنثى .. إلى آخر التفاصيل المعروفة في الصحيح. فهنا إذاً روحان، الروح الثالث هذه ما هي؟ فقهياً لا يوجد روح ثالث إطلاقاً، بمعنى: غير الروح التي بها يحيا هذا الحوين ويكبر وينمو وينمو، حتى يصبح يتحرك في بطن الأم، والروح التي تنفخ في الجنين، هذه بلا شك روح جديدة غير تلك الروح الكبيرة في ذلك الحوين، هذه دعوى، مجرد دعوى أنه هناك ثابت في علم الطب أن الروح التي أخبر الله عنها أو أخبرنا نبينا أن الله يأمر الملك بأن ينفخ فيه الروح لا في الشرع ولا في علم الطب أن هذا ينفخ بعد أربعين يوماً، أو على الأقل قبل مضي الأربعة الأشهر، هذا لا وجود فيه إطلاقاً. ثم أخيراً أنا أريد أن أذكر: لا ينبغي أن نخلط بين العلم التجريبي البشري وبين العلم الإلهي الذي مصدره من كتاب ربنا ومن حديث نبينا صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن كلاً من العلمين لهما لكل منهما سبيله، فسبيل العلم الشرعي هو القرآن والسنة، سبيل العلم الكسبي هو البشر، فقد يخطئ وقد يصيب. كثيراً ما نسمع ونسأل، كثير مع الأسف: أن امرأة في بطنها جنين واكتشفوا الآن بواسطة الجهاز الذي يشبه التلفاز بأن هذا الجنين مشوه، وأنه إذا لم تجهض المرأة وولدت ولادة طبيعية سيكون هذا الولد معوقاً.

هكذا السؤال، سئلت بأنه بعض الأطباء قالوا للحامل: بأن هذا مشوه تشويه فظيع جداً، ربما له أكثر من يدين وأكثر من رجلين، يعني: صورة مخيفة جداً خاصة للأم الوالدة، وكان في المجلس حينما سئلت هذا السؤال امرأة حدثتنا وهي صادقة: بأن قريبة لها حدثوها بأنه الجنين في بطنها إذا ما ولد فسيولد له أربعة أرجل وما عاد أذكر كم يد، فمسكينة هي خافت جداً، ولكن قالت: أمري إلى الله عز وجل، فلما ولدت فإذا بهذا الجنين بشراً سوياً، سبحان الله! رجعت بعد ذلك عللوا لها: أنه والله التلفاز يمكن كان شوية مشوش إلى آخره، وهذه حقيقة، كثيراً ما يقع مثل هذا. فغرضي أن أقول: ما نربط هذا بهذا؛ لأنه الحقيقة راح نقع في تناقض مع الحكم الشرعي، كلنا يعلم أن إسقاط الجنين بعد نفخ الروح لا أقول على الزعم الطبي؛ لأن هذا معناه إسقاطه بعد أربعين يوم يعني يكون محرماً، بينما نحن شرعاً ما نقول إلا بعد أربعة أشهر هذا الإسقاط يكون محرماً؛ لأنه يسقطه حياً. أما إذا كان الإسقاط أو الإجهاض قبل ذلك فهنا لنا تفصيل مذكور أكثر من مرة: هو كالعزل، العزل وهو إسقاط الماء خارج الرحم حينما يجامع الرجل زوجته، هذا اسمه عزل، وهو شرعاً مكروه والكراهة تنزيهية؛ لما فيه من تقليل نسل الأمة المحمدية، ولكن إذا اقترن مع هذا العزل وهو قبل أن يتكون قبل أن يدخل الماء إلى فرج المرأة هذا مكروه فإذا ما دخل إلى كنه وأوى إلى مأواه فهناك يمكن أن يتكون وأن يتخلق ويصبح جنيناً ثم يولد ويصبح بشراً سوياً .. إلى آخره، فتتضاعف الكراهة، لكن ما تصل إلى حد التحريم إلا بشرطين اثنين: الشرط الأول الذي ذكرته آنفاً: أن يكون قد نفخت الروح فيه. والشرط الآخر ولو قبل نفخ الروح: أن يكون الدافع على الإجهاض قبل نفخ

الروح فكر غير شرعي، مثلاً: في القرآن الكريم النهي عن قتل الأطفال: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} (الأنعام:151)، فإذا كان الدافع على إسقاط الجنين قبل تكونه هو خشية الإملاق فيكون هذا محرماً، صحيح ليس فيه قتل لنفس نفخت فيه الروح، لكن الدافع عليه تلك العقيدة الجاهلية الأولى، كما جاء في بعض الأحاديث لما سئل عليه السلام عن العزل، قال: «أأنت ترزقه؟» (¬1) فلماذا أنت خائف؟! فإذا كان العزل ليس لهذا السبب فهو مكروه، أما إذا كان اقترن معه هذا السبب فيكون محرماً؛ لذلك لما هذا الطبيب يقول: والله جنينك في بطنك مشوه، وإذا كمل وضعه جاء معوقاً، يالاَّ يجري عملية الإجهاض واستريح منه، وإذا الولد ليس فيه أي شيء، وإنما الخطأ من الطبيب. خلاصة القول: نحن ننصح المسلمين جميعاً أن يبتعدوا عن العزل بكل إشكاله وأنواعه؛ لأن أدناه الكراهة؛ لما فيه من مخالفة بغية الرسول عليه السلام حينما قال: «تزوجوا الولود الودود فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة» (¬2)، فهذا أدناه تقليل نسل أمة الرسول عليه السلام، وأعلاه وأسوأه هو إسقاط الجنين بعد أن نفخت فيه الروح. نسأل الله عز وجل أن ينفخ في المسلمين روحاً طيبة تحضهم على فهمهم أولاً لإسلامهم فهماً صحيحاً، وأن يطبقوه في أنفسهم وبين الإخوة المتحابين في الله عز وجل، ثم لا تزال تتسع دائرتهم حتى تشمل البعيدين عنهم. "الهدى والنور" (729/ 44: 46: 00). ¬

(¬1) وجدت مثل هذا اللفظ في سياق آخر غير الكلام على العزل فانظره في "الصحيحة" (2/ 115). (¬2) "صحيح الجامع" (رقم5251)

(قبض الروح)

(قبض الروح) [1499] باب هل للمسلم الذي يرتكب الكبائر ملائكة مخصصون يقبضون روحه غير ملائكة الرحمة وملائكة العذاب؟ سؤال: لما تأتي ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب اللي وردت في الحديث في قبض الروح، بالنسبة للمسلم العاصي اللي ارتكب كبائر، هل هناك أحاديث واردة في المنطقة الوسط (¬1) هنا؟ الشيخ: لا، لا أحاديث. "الهدى والنور" (/355/ 28: 30: 00) [1500] باب هل يصحب ملك الموت خمسمائة من الملائكة عند قبض الروح؟ سؤال: هل ورد أن ملك الموت عليه السلام يصطحب معه أو يكون معه من الملائكة عند قبض الروح خمسمائة؟ الشيخ: ما نعلم هذا في كتب السنة. مداخلة: ما ورد عدد يعني؟ الشيخ: لا. "الهدى والنور" (347/ 57: 22: 00). ¬

(¬1) يريد السائل: أن مرتكب الكبيرة في منطقة وسط بين الصلاح والطلاح ... فهل له ملائكة وسط بين ملائكة الرحمة وملائكة العذاب؟

[1501] باب كيف يجمع بين الأحاديث التي فيها أن روح المؤمن تخرج مقرونة بالريح الطيبة وبين كونه يعذب في القبر؟

[1501] باب كيف يجمع بين الأحاديث التي فيها أن روح المؤمن تخرج مقرونة بالريح الطيبة وبين كونه يعذب في القبر؟ سؤال: يسأل السائل يقول: كيف يوفق بين الثواب الذي يعرف للمؤمن من طلوع روحه والريح الطيبة لها وما إلى ذلك ويوسع له قبره، ثم إنه يعذب لبعض أفعاله في القبر، أو لا يكون ذلك الثواب إلا للمؤمن المغفور له كل ذنوبه؟ الشيخ: لا يوجد في الأحاديث الجمع بين النقيضين المذكورين في السؤال، أنه من جهة تخرج روحه مقرونة بالريح الطيبة وملفوفة بالحرير الناعم، كما هو مذكور في بعض الأحاديث الصحيحة، ثم من جهة أنه يعذب، لا يوجد مثل هذا الجمع بين النقيضين في الأحاديث، فالذي يعذب كمثل ما سبق في الحديثين السابقين: «استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» (¬1) هذا لم يأت في مثله أن روحه تلف في حرير، فالظاهر: أن الجمع بين النقيضين غير واقع. وهذا بلا شك كما لا يخفى على الجميع هو من أمور الغيب التي أشرنا إليها في الأمس القريب، بمناسبة ذكر إذا وضع الميت في قبره وانصرف الناس عنه مدبرين فإنه يسمع قرع نعالهم، قلنا: أنه لا ينبغي التوسع في الأمور الغيبية ولا استعمال أقيسة نظرية؛ لأن هذا أمر يتعلق بالإيمان فقط وليس بالأحكام الشرعية، ولذلك فلا نجد في السنة الجمع بين هذين النقيضين. "فتاوى الإمارات" (4/ 00:21:30). ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم3002).

(مصير الأرواح بعد الموت)

(مصير الأرواح بعد الموت) [1502] باب أين مستقر أرواح المؤمنين بعد الموت [قال الآلوسي في آخر"الآيات البينات"]: الخاتمة؛ - ونسأل الله تعالى حسنها إذا بلغت الروح المنتهى - في بيان الخلاف في مستقر الأرواح بعد مفارقتها البدن إلى يوم القيامة والبعث [ونتبعها بمسائل]. قال الحافظ ابن القيم في كتاب الروح ": هذه مسألة عظيمة تكلم فيها الناس واختلفوا فيها وهي إنما تتلقى من السمع فقط، واختلف في ذلك فقال قائلون: أرواح المؤمنين عند الله تعالى في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء، إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة، ولا دين، ويلقاهم ربهم بالعفو عنهم، وهذا مذهب أبي هريرة، وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما. [فعلق الألباني قائلاً]: وهو الصحيح من الأقوال الآتية لأن غيره مما لا دليل عليه في السنة أو في أثر صحيح تقوم به الحجة كما سترى وهو الذي جزم به شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى " (24/ 365) وقال: " ومع ذلك فتتصل بالبدن متى شاء الله، وذلك في اللحظة بمنزلة نزول الملك، وظهور الشعاع في الأرض، وانتباه النائم "

[1503] باب منه

وللحافظ ابن رجب تفصيل جيد في ذلك في كتابه " الأهوال " (ق 95 - 113/ 3) ولولا خشية الإطالة لنقلته برمته فاكتفيت بالإشارة. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص137). [1503] باب منه [قال الآلوسي تتميما للبحث السابق]: وقالت طائفة: أرواح المؤمنين ببئر (زمزم)، وأرواح الكفار ببئر (برهوت). [فعلق الألباني قائلاً]: هذا رده ابن القيم بنفسه بقوله (ص 108): بأنه لا دليل عليه في الكتاب والسنة ولا في قول صاحب يوثق به. وأما فقرة أرواح الكفار فلم ترد في حديث مرفوع وإنما هي آثار موقوفة ساقها ابن القيم (106 - 1079 وكلها ضعيفة الإسناد، نعم وقع مرفوعاً في مؤلف لأبي سعيد الخراز كما في " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (4/ 221) لكن الخراز هذا صوفي مشهور، بيد أنه في الرواية غير معروف. انظر " الضعيفة " (2/ 209). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص140). [1504] باب منه [قال الآلوسي تتميما للبحث السابق]: وقالت طائفة: أرواح المؤمنين عن يمين آدم، وأرواح الكفار عن شماله

[1505] باب منه

[فعلق الألباني قائلاً]: هذا معنى طرف من حديث أبي ذر الطويل في الإسراء عند الشيخين، ولكن لا يدل ذلك على تعادلهم في اليمين والشمال، بل يكون هؤلاء عن يمينه في العلو والسمعة، وهؤلاء عن يساره في السفل والسجن كما قال ابن القيم (ص 108) "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص140 - 141). [1505] باب منه [قال الآلوسي تتميما للبحث السابق]: وقالت طائفة أخرى منهم ابن حزم: مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها [فعلق الألباني قائلاً]: قلت: وهذا مما لا دليل عليه، وقد رده ابن القيم في فصل خاص عقده لذلك (ص 109 - 110) وتبعه الحافظ ابن رجب (ق 127/ 1) باختصار. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص141). [1506] باب منه [قال الآلوسي تتميما للبحث السابق]: وقال أبو عمر بن عبد البر: أرواح الشهداء في الجنة وأرواح عامة المؤمنين على أفنية القبور. [فعلق الألباني قائلاً]: وهذا على إطلاقه خطأ؛ فإن أرواح المؤمنين أيضاً في الجنة كما في حديث

[1507] باب منه ومعنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة»

مالك الآتي، فإذا بأن (¬1) ذلك في بعض الأوقات، أو بأن لها إشرافاً على القبور استقام الكلام. راجع " الروح " (ص 100). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص141). [1507] باب منه ومعنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة» [ساق الآلوسي في الآيات البينات حديث]: «إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم يبعثه». [فعلق الألباني على الحديث قائلاً]: أي روحه، " طير " أي كطير، "يعلق" أي يأكل. وكان الأصل (معلق) فصححته من " الموطأ " (1/ 238) وغيره. قال ابن القيم في شرح الحديث (ص112): يحتمل أن يكون هذا الطائر مركبا للروح كالبدن لها، ويكون لبعض المؤمنين والشهداء، ويحتمل أن يكون الروح في صورة طائر، وهذا اختيار ابن حزم وابن عبد البر. قلت: ومن الملاحظ أن لفظ الحديث هنا " المؤمن طير " وفي الشهداء " في أجواف طير " كما تقدم قريباً، فمن العلماء من جعلهما حديثاً واحداً وحمل حديث مالك على هذا، ومنهم من جعلهما حديثين كابن القيم وغيره، فقال ابن ¬

(¬1) كذا في الأصل، ولعل العبارة فإذا [قيد] بأن ذلك ...

[1508] باب منه

كثير في " تفسيره " (1/ 427): " وفي هذا الحديث أن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة " وأما أرواح الشهداء فكما تقدم " في حواصل طير خضر" فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها ". ونحوه في " شرح العقيدة الطحاوية " لابن أبي العز (ص 455 - 456). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص143). [1508] باب منه [قال الآلوسي تتميما للبحث السابق]: وقالت فرقة: مستقرها العدم المحض. وهذا قول من يقول: إن النفس عرض من أعراض البدن كحياته وإدراكه فتعدم بموت البدن كما تعدم سائر الأعراض المشروطة بحياته، وهذا قول مخالف لنصوص القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين. [فعلق الألباني قائلاً]: وقد بين ذلك وشرحه شرحا مبسطاً في " مجموع الفتاوى " (4/ 262 - 270)، وصرح في مكان آخر (4/ 292): " أن الروح تبقى بعد مفارقة البدن، خلافاً لضلال المتكلمين، وأنها تصعد وتنزل خلافا لضلال الفلاسفة " "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص144). [1509] باب منه سؤال: بالنسبة للروح، بعد وفاة الشخص هل تعود إليه ثانية عندما ينزل إلى القبر وهل يعذب حسب أعماله في القبر؟

الشيخ: لا شك أن الميت حينما يوضع في قبره فتعود الروح إليه ساعة مجيء الملكين: منكر ونكير لسؤاله، فإذا ما أجاب بالجواب عاد ميتاً كما كان من قبل، وأنا أعني بهذا أن الروح حين يوضع في قبره تعود إليه الروح وتتلبسه بحيث أنه لما بيكون ضجيع القبر يجلس حتى يوجه إليه السؤال فيجيب، فالروح تتلبس قسمه الأعلى فإذا ما انتهى من الجواب عاد كما كان ميتاً، هنا الآن سؤال: أين مصير روحه؟ الجواب: يعذب أو ينعم بروحه لأن جسده ميت، طريقة التنعيم والتعذيب طبعاً هذه الأمور الغيبية التي لا يجوز لمسلم أن يتعمق فيها، لأنه من باب الغيب وما نعلم الغيب ولا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، ولكن في عندنا بعض التفاصيل التي عرفناهما من السنة الصحيحة، من ذلك مثلاً إذا كانت روح الميت مؤمنة يفتح له طاقة من القبر يطل منها على منزله في الجنة، من روحها، ونعيمها ولا يزال هكذا يتنعم إلى قيام الساعة. في حديث آخر أن هنا الميت المؤمن إما أن يكون من عامة المؤمنين، وإما أن يكون شهيداً، فإذا كان من عامة المؤمنين فتتنقل روحه منه إلى بطن طير من طيور الجنة فيتنعم يأكل هذا الطير من شجر الجنة، إذا كان هذا الميت شهيدا فتكون روحه في حوصلة طير من طيور الجنة. روح المؤمن العادي في بطن الطير، روح المؤمن الشهيد في حوصلة الطير. فإذن روح المؤمن نعيمه إما في قبره وقد ينتقل في الجنة بروحه وليس بجسده، أما إذا كان لا سمح الله فاسقا أو كافراً فيفتح له طاقة ويرى منزله في النار، في جهنم، يفتح له منها طاقة فيأتيه من ريحها ولهيبها ودخانها فلا يزال يعذب حتى

[1510] باب هل روح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تستقر في جسده بعد موته؟

تقوم الساعة. ومن هنا نصل إلى نقطة هامة جداً لها علاقة ببعض مشاكل العصر الحاضر، فلا بد أنكم تسمعون بناس يزعمون أنهم يستحضرون الأرواح، تسمعون الشيء هذا ولا لا؟ يعني استحضار الأرواح اليوم من بدع العصر الحاضر، وضلالات الكفار الأوربيين وأمثالهم. هؤلاء لا يؤمنون بشيء اسمه بعث ونشور ... إلخ. فيزعمون أن بإمكانهم أن يستحضروا روح من شاؤوا من الأطباء، من العلماء، من الصالحين، من الطالحين الخ. واغتر بهم كثر من المسلمين في مصر، في سوريا الخ. نحن نعرف بعضهم، فإذا استحضرنا هذه العقيدة الإسلامية وهي أن روح الميت في القبر: ينعم أو يعذب أن ينتقل إذا كان مؤمناً إلى الجنة، كيف يمكن استعادة هذا الأرواح إلى عالم الدنيا، واستنطاقها، واستجوابها؟ هذا من تدجيل الشيطان على هؤلاء الناس اليوم إذا تذكرتم هذا الحقيقة فاذكروا معها عملية استحضار الأرواح هو دجل عصري، دجل عصري يخالف الشريعة الإسلامية. "الهدى والنور" (528/ 15: 49: 00). [1510] باب هل روح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تستقر في جسده بعد موته؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه،

ومررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم في قبره بين عائلة وعويلة». (موضوع). [قال الإمام]: وأنا أرى أن هذا الحديث يعارض قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام». رواه أبو داود (1/ 319) والبيهقي (5/ 245) وأحمد (2/ 527) بإسناد حسن عن أبي هريرة، وهو مخرج في الكتاب الآخر " الصحيحة " (2266). ووجه التعارض أنه يدل على أن روحه - صلى الله عليه وآله وسلم - ليست مستقرة في جسده الشريف، بل هي ترد إليه ليرد سلام المسلمين عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، بينما هذا الحديث الموضوع يقرر صراحة أن روح كل نبي ترد إليه بعد أربعين صباحا من وفاته، فلوصح هذا فكيف ترد روحه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جسده ليرد السلام، هذا أمر غير معقول، بل هو ظاهر التناقض، فلابد من رد أحدهما، وليس هو إلا هذا الحديث المنكر حتى يسلم الحديث القوي من المعارض، فتأمل هذا فإنه مما ألهمت به، لا أذكر أني رأيته لأحد قبلي، فإن كان صوابا فمن الله، وإلا فمن نفسي. "الضعيفة" (1/ 360، 362 - 363).

(تلاقي الأرواح بعد الموت)

(تلاقي الأرواح بعد الموت) [1511] باب هل تعود أراوح الأموات إلى الدنيا؟ سؤال: روح الميت هل تأتي ويعرف ماذا نفعل هنا في بيته مثلاً؟ الشيخ: أبداً، هذه خرافات تدور في أذهان بعض الناس، الميت إذا مات انقطعت علاقته بالدنيا بالكلية، يعني: لو نزلت القنابل الذرية التي سمعتي عن واحدة منها لما أنزلوها الأمريكان على اليابان، لو نزلت مئات القنابل الذرية على هذه الأرض الكروية ما يحس الأموات بها إطلاقاً: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث»، وربنا يقول في القرآن الكريم: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ في الْقُبُورِ} (فاطر:22) - صلى الله عليه وآله وسلم -، فالموتى لا يسمعون، فلا تصدقي هذه الأخبار كلها. " الهدى والنور" (290/ 02: 52: 00) [1512] باب هل أرواح الأموات تتلاقى وتتزاور وتتذاكر [قال الآلوسي في "الآيات البينات" ضمن مسائل ذكرها حول الروح]: الأولى [أي المسألة الأولى]: هل أرواح الموتى تتلاقى وتتزاور وتتذاكر أم لا؟ وجوابها على ما في " كتاب الروح ": " إن الأرواح قسمان: أرواح معذبة وأرواح منعمة، فالمعذبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي، والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا، وما يكون من أهل الدنيا فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها.

[1513] باب هل تجتمع أرواح الموتى فتتذاكر في أحول الدنيا؟

[فعلق الألباني قائلاً]: وقد ساق لها [أي ساق ابن القيم للمسألة] أدلة كثيرة من الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة والتابعية، لكن الأحاديث التي أوردها ليس فيها ما يحتج به من قبل إسناده، وقد فاته حديث أبي هريرة وفيه: «. . . وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض. . .» الحديث. وسنده حسن، وصححه السيوطي وقد خرجته في "الصحيحة" (2628). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص145). [1513] باب هل تجتمع أرواح الموتى فتتذاكر في أحول الدنيا؟ سؤال: أرواح الأحياء إذا قبضت [تجتمع بأرواح الموتى قائمةً عليهم] من عالم الأحياء فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقولون: فلان تزوج، فلان على حال حسنة، ويقولون: ما فعل فلان؟ فيقول: ألم يأتكم فيقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية؛ هل في ذلك نصوص عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ الشيخ: نعم. يوجد حديث بهذا المعنى الذي ذكرته لكني في الواقع الآن غير مستحضر إن كان صحيحاً أو ضعيفاً (¬1)، وعسى أن يتاح لنا المراجعة، إن شاء الله تعالى يا شيخنا. الشيخ: إن شاء الله. مداخلة: نراجعك بعد فترة في هذه المسألة يا شيخنا؟ ¬

(¬1) صحيح الشيخ في "صحيح الجامع" (رقم490) و"الصحيحة" (3/ 293).

الشيخ: ما في مانع. مداخلة: إن شاء الله. مداخلة: هنا الأخ مصطفى رحمه الله الذي علمت عن وفاته. الشيخ: أي نعم. مداخلة: كان أخ يعني: من أحبابنا وكان عزيز علينا يعني؟ الشيخ: نعم. مداخلة: كان يا شيخنا يعني صديق لي يعني: دائم الصداقة، فأنا بعد موته أشعر في كآبه وفي ضيق. الشيخ: أمر طبيعي. مداخلة: أمر طبيعي. الشيخ: ومعلوم، لكن عليك أن تتدرع بالصبر. مداخلة: بالصبر؟ الشيخ: أي نعم. {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر:10). مداخلة: جزاك الله خير يا شيخنا. الشيخ: وإياك. مداخلة: بارك الله فيك يا شيخنا. الشيخ: وفيك بارك إن شاء الله.

[1514] باب هل تتلاقى أرواح الأحياء وأرواح الأموات؟

"الهدى والنور" (202/ 01: 57: 00). [1514] باب هل تتلاقى أرواح الأحياء وأرواح الأموات؟ [قال الآلوسي في "الآيات البينات" ضمن مسائل ذكرها حول الروح]: الثانية [أي المسألة الثانية]: هل تتلاقى أرواح الأحياء وأرواح الأموات؟ وجوابها: نعم قال الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} روى أبو عبد الله بن منده بسنده إلى ابن عباس في هذه الآية قال: "بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتساءلون بينهم، فيمسك الله تعالى أرواح الموتى، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها ". والقول الثاني في الآية: أن الممسك والمرسل في الآية كلاهما توفي وفاة النوم، فمن استكملت أجلها أمسكها عنده فلا يردها إلى جسدها، ومن لم تستكمل أجلها ردها إلى جسدها لتستكمله. [فعلق الألباني قائلاً]: وقد واجه ابن القيم (ص 20 - 21) كلاًّ من القولين: وذكر أن شيخ الإسلام ابن تيمية اختار القول الثاني. . ثم رجح هو القول الأول ثم أفاد من التحقيق أن الآية تتناول النوعين: الوفاة الكبرى وهي الموت، والوفاة الصغرى وهي النوم، فراجع كلامه إن شئت التفصيل، وبذلك فسر الآية ابن كثير ثم قال (4/ 55): فيه دلالة على أنها تتجمع في الملأ الأعلى كما ورد بذلك الحديث المرفوع الذي رواه ابن منده وغيره. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص145).

(فناء الأرواح)

(فناء الأرواح) [1515] باب هل تفنى الأرواح [علق الإمام على قوله تعالى {كل من عليها فان} وقوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} قائلاً]: والمراد بالفناء والهلاك المذكورين في الآيتين بالنسبة للأرواح إنما هو خروجها من أبدانها، وليس عدمها مطلقا فإنها لا تفنى كالجنة والنار ونحوهما، وقد جمعها ابن القيم فقال في " الكافية الشافية " (1/ 97 - شرح). ثمانية حُكْمُ البقاء يعمها من ... الخلق والباقون في حيز العدم هي العرض والكرسي ونار وجنة ... وشجب وأرواح كذا اللوح والقلم وذكره النار فيها وأنها باقية لا تفنى هو الصواب من قوله كما بينته في مقدمتي لكتاب " رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار " للعلامة الصنعاني. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص147).

[1516] باب منه

[1516] باب منه [عن ابن مسعود مرفوعًا]: «كان إذا دخل الجبانة قال: السلام عليكم أيتها الأرواح الفانية، والأجداث البالية، والعظام النخرة، التي خرجت من الدنيا وهي بالله مؤمنة، اللهم! أدخل عليهم روحاً منك، وسلاماً منا». ضعيف. [قال الإمام]: والحديث ظاهر النكارة، لوصفه الأرواح بأنها فانية، وهذا خلاف ما عليه المسلمون جميعاً. "الضعيفة" (9/ 201).

(كتاب الروح لابن القيم)

(كتاب الروح لابن القيم) [1517] باب ما قيمة كتاب «الروح» لابن القيم العلمية؟ مداخلة: كتاب الروح لابن القيم الجوزية هل يعتمد عليه يا شيخنا هذا الكتاب؟ الشيخ: لا يعتمد عليه، ولو كان ابن القيم هو عندنا قيم، لكن كتابه إن صح نسبته إليه فهو من الكتب التي تشبه ما يؤلفها الناشئون اليوم في العلم، والذين يتسرعون فيخبطون الخبط العشواء في الليلة الظلماء، فالظاهر إن صحت نسبة كتاب ابن القيم كان هذا الكتاب من أوائل ما ألفه، يعني: قبل أن يتحرر من التقليد والجمود الفكري والمذهبي والخرافي. "الهدى والنور" (328/ 42: 46: 00). [1518] باب هل تصح نسبة كتاب الروح لابن القيم؟ سؤال: كتاب الروح الذي ينسب لابن القيم، هل تصح نسبته إليه فعلاً ولاَّ لا؟ الشيخ: هو ينسب له فعلاً، لكن ما ندري هل هو ألفه في أول حياته، أم هو منسوب إليه، ولا علم عنده به الله أعلم. " الهدى والنور" (229/ 58: 52: 00).

جماع أبواب ذكر عذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين وغير ذلك

جماع أبواب ذكر عذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين وغير ذلك

[1519] باب إثبات عذاب القبر من الكتاب والسنة

[1519] باب إثبات عذاب القبر من الكتاب والسنة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. قال زيد: ثم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذا بالله من عذاب القبر، قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها ما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال». [قال الإمام]: من فوائد الحديث وفي هذه الأحاديث فوائد كثيرة [منها]: - إثبات عذاب القبر، والأحاديث في ذلك متواترة، فلا مجال للشك فيه بزعم أنها آحاد! ولو سلمنا أنها آحاد فيجب الأخذ بها لأن القرآن يشهد لها، قال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَاب، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب} (غافر:45، 46). ولو سلمنا أنه لا يوجد في القرآن ما يشهد لها، فهي وحدها كافية لإثبات هذه العقيدة، والزعم بأن العقيدة لا تثبت بما صح من أحاديث الآحاد زعم باطل دخيل في الإسلام، لم يقل به أحد من الأئمة الأعلام كالأربعة وغيرهم، بل هو مما جاء به بعض علماء الكلام، بدون برهان من الله ولا سلطان، وقد كتبنا فصلاً خاصا في

[1520] باب أدلة عذاب القبر

هذا الموضوع الخطير في كتاب لنا، أرجو أن أوفق لتبييضه ونشره على الناس. - إن سؤال الملكين في القبر حق ثابت، فيجب اعتقاده أيضاً، والأحاديث فيه أيضاً متواترة. "الصحيحة" (1/ 1/294 - 297). [1520] باب أدلة عذاب القبر [قال الإمام]: عذاب القبر" (ثابت) كتاباً وسنة وبإجماع أهل السنة والجماعة والسلف الصالح. "الصحيحة" (7/ 2/884) [1521] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن أنكر عذاب القبر [ترجم الإمام لضرار بن عمرو قائلاً]: هو القاضي. قال الذهبي: " معتزلي جلد له مقالات خبيثة قال ابن حزم: " كان ضرار ينكر عذاب القبر ". قلت: ومثله اليوم كثير ممن يشككون في الأحاديث الصحيحة الصريحة في عذاب القبر ويدفعونها بزعمهم أنها أحاديث آحاد، وأن القاعدة أنه لا تثبت بها عقيدة، وقد بينت بطلان هذه القاعدة في رسالتين مطبوعتين: " الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام " و" وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة ". "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص124).

[1522] باب منه

[1522] باب منه [قال الإمام]: الطبيب البيطري إسماعيل منصور المصري ... [في] كتابه الذي اسماه "شفاء الصدر (ينفي) عذاب القبر" (¬1). "الصحيحة" (7/ 2/883 - 884). [1523] باب هل تعود الروح للإنسان في قبره؟ والتنبيه على عدم التوسع في الكلام على عذاب القبر ونعيمه إلا بما ثبت سؤال: بالنسبة للروح، بعد وفاة الشخص هل تعود إليه ثانية عندما ينزل إلى القبر وهل يعذب حسب أعماله في القبر؟ الشيخ: لا شك أن الميت حينما يوضع في قبره فتعود الروح إليه ساعة مجيء الملكين: منكر ونكير لسؤاله، فإذا ما أجاب بالجواب عاد ميتاً كما كان من قبل، وأنا أعني بهذا أن الروح حين يوضع في قبره تعود إليه الروح وتتلبسه بحيث أنه لما بيكون ضجيع القبر يجلس حتى يوجه إليه السؤال فيجيب، فالروح تتلبس قسمه الأعلى فإذا ما انتهى من الجواب عاد كما كان ميتاً، هنا الآن سؤال: أين مصير روحه؟ الجواب: يعذب أو ينعم بروحه لأن جسده ميت، طريقة التنعيم والتعذيب طبعاً هذه الأمور الغيبية التي لا يجوز لمسلم أن يتعمق فيها، لأنه من باب الغيب وما نعلم الغيب ولا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، ولكن في عندنا بعض التفاصيل ¬

(¬1) تأتي ردود العلامة الألباني عليه في "جامع التعقبات والردود" من هذه الموسوعة، يسر الله إتمامها بخير.

التي عرفناهما من السنة الصحيحة، من ذلك مثلاً إذا كانت روح الميت مؤمنة يفتح له طاقة من القبر يطل منها على منزله في الجنة، من روحها، ونعيمها ولا يزال هكذا يتنعم إلى قيام الساعة. في حديث آخر أن هذا الميت المؤمن إما أن يكون من عامة المؤمنين، وإما أن يكون شهيداً، فإذا كان من عامة المؤمنين فتتنقل روحه منه إلى بطن طير من طيور الجنة فيتنعم يأكل هذا الطير من شجر الجنة، إذا كان هذا الميت شهيدا فتكون روحه في حوصلة طير من طيور الجنة. روح المؤمن العادي في بطن الطير، روح المؤمن الشهيد في حوصلة الطير. فإذن روح المؤمن نعيمه إما في قبره وقد ينتقل في الجنة بروحه وليس بجسده، أما إذا كان لا سمح الله فاسقا أو كافراً فيفتح له طاقة ويرى منزله في النار، في جهنم، يفتح له منها طاقة فيأتيه من ريحها ولهيبها ودخانها فلا يزال يعذب حتى تقوم الساعة. ومن هنا نصل إلى نقطة هامة جداً لها علاقة ببعض مشاكل العصر الحاضر، فلا بد أنكم تسمعون بناس يزعمون أنهم يستحضرون الأرواح، تسمعون الشيء هذا ولا لا؟ يعني استحضار الأرواح اليوم من بدع العصر الحاضر، وضلالات الكفار الأوربيين وأمثالهم. هؤلاء لا يؤمنون بشيء اسمه بعث ونشور ... الخ. فيزعمون أن بإمكانهم أن يستحضروا روح من شاؤوا من الأطباء، من العلماء، من الصالحين، من الطالحين الخ. واغتر بهم كثر من المسلمين في مصر، في سوريا الخ. نحن نعرف بعضهم،

[1524] باب السؤال في القبر حق وأحاديثه متواترة

فإذا استحضرنا هذه العقيدة الإسلامية وهي أن روح الميت في القبر: ينعم أو يعذب أن ينتقل إذا كان مؤمناً إلى الجنة، كيف يمكن استعادة هذا الأرواح إلى عالم الدنيا، واستنطاقها، واستجوابها؟ هذا من تدجيل الشيطان على هؤلاء الناس اليوم إذا تذكرتم هذا الحقيقة فاذكروا معها عملية استحضار الأرواح هو دجل عصري، دجل عصري يخالف الشريعة الإسلامية. "الهدى والنور" (528/ 15: 49: 00) [1524] باب السؤال في القبر حق وأحاديثه متواترة [علق الإمام على قول صاحب الطحاوية: "ونؤمن ... بعذاب القبر لمن كان له أهلا وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه، ودينه، ونبيه، على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعن الصحابة رضوان الله عليهم " قائلاً]: وهي [أي أخبار السؤال في القبر] متواترة، إلا تسمية الملكين بمنكر ونكير ففيه حديث بإسناد حسن مخرج في " الصحيحة " (1391). "التعليق على متن الطحاوية" (ص85). [1525] باب منه [قال الإمام]: - إن سؤال الملكين في القبر حق ثابت، فيجب اعتقاده أيضاً، والأحاديث فيه أيضا متواترة. "الصحيحة" (1/ 1/297).

[1526] باب ما جاء أن إبليس وأعوانه يأتون الميت في القبر

[1526] باب ما جاء أن إبليس وأعوانه يأتون الميت في القبر [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «احضروا موتاكم، ولقنوهم لا إله إلا الله، وبشروهم بالجنة، فإن الحليم من الرجال والنساء يتحيرون عند ذلك المصرع، وإن الشيطان لأقرب ما يكون عند ذلك المصرع، والذي نفسي بيده لا تخرج نفس عبد من الدنيا حتى يألم كل عرق منه على حياله». (ضعيف). [قال الإمام]: (فائدة): وأما ما نقله الغزالي في " الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة " من فتنة الموت، وأن إبليس لعنه الله وكل أعوانه يأتون الميت على صفة أبويه على صفة اليهودية، فيقولان له: مت يهوديّاً، فإن انصرف عنهم جاء أقوام آخرون على صفة النصارى حتى يعرض عليه عقائد كل ملة، فمن أراد الله هدايته أرسل إليه جبريل فيطرد الشيطان وجنده، فيبتسم الميت ... إلخ، فقال السيوطي: " لم أقف عليه في الحديث ". "الضعيفة" (3/ 645 - 646). [1527] باب عذاب القبر يكون للكفار والفساق [علق الإمام على قول صاحب الطحاوية: "ونؤمن ... بعذاب القبر لمن كان له أهلاً" قائلاً]: يعني من الكفار وفساق المسلمين، والأول مقطوع به منصوص عليه في

[1528] باب هل يعذب المسلم العاصي في القبر بأصناف عذاب الكافر؟

القرآن، والآخر كذلك، وهو منصوص عليه في أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر، كما ذكر الشارح وغيره. فيجب الاعتقاد به ولكن لا يجوز الخوض في تكييفه؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، فيجب التسليم به، وتجد بعض الأحاديث المشار إليها في " الشرح " وفي " السنة " لابن أبي عاصم (رقم 863 - 877 بتحقيقي وتخريجي). "التعليق على متن الطحاوية" (ص84 - 85). [1528] باب هل يعذب المسلم العاصي في القبر بأصناف عذاب الكافر؟ سؤال: يسأل السائل فيقول: هل حديث تعذيب الرجل الكافر في القبر وضرب الملائكة له يطبق على المسلم العاصي؟ الشيخ: ذلك مما لا نعرفه، ومن المحتمل أن يشارك المنافق أو الفاسق من المسلمين الكافر في التعذيب بنوع من العذاب، وهذا مما جاء التصريح به في مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» فهذا يدل على أن المسلم يعذب في القبر ولكن ما نوعية هذا العذاب هذا مما لا نعلمه، وكذلك يؤيد معنى هذا الحديث حديث ابن عباس رضي الله عنه الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بقبرين فقال عليه السلام: «أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه - وفي رواية: لا يستتر - من البول، وأما الآخر فكان يسعى بالنميمة» ثم أمر عليه الصلاة والسلام بأن يؤتى بغصن النخيل فشقه نصفين ووضع أحدهما على قبر والآخر على الآخر، فسألوه

[1529] باب هل عذاب القبر مستمر أم منقطع؟

عن عليه السلام فقال: «لعل الله أن يخفف عنهما ما داما رطبين» فهذا أيضًا فيه تصريح بأن المسلم يعذب في قبره بسبب معصية كان اقترفها في حياته، وذكر هنا في الحديث معصيتين إحداهما: إهماله التنزه وعدم الاحتياط في أن يصاب برشاش البول والآخر أنه كان يسعى بالنميمة. وقوله عليه السلام حينما وضع على كل قبر شقًا من ذلك الغصن: «لعل الله أن يخفف عنهما ما داما رطبين» إشعار بأنهما كأنا مسلمين، ويؤكد ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما سئل عن الوضع المذكور وعن السبب الحامل له على ذلك قال: «لعل الله عز وجل أن يخفف عنهما بشفاعتي» أي: بدعائي، ومعنى هذا: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا لهما أن يخفف الله عنهما من العذاب الذي أصابهما ما دام الغصنان رطبين. "فتاوى الإمارات" (4/ 00:00:38). [1529] باب هل عذاب القبر مستمر أم منقطع؟ سؤال: أستاذنا، عذاب القبر هو عذاب حتى يوم القيامة، أم متقطع؟ وما الدليل على ذلك؟ الشيخ: ربنا قال في القرآن الكريم في حق فرعون وجماعته: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} (غافر:46)، هذا بالنسبة لأكثر الناس، فرعون وجماعته، الذي اتخذوه إلهاً من دون الله، أما الآخرين لا شك أن من الفساق من المسلمين، بيكون عذابهم دون ذلك، أما تفصيل بين كم وكم، فهذا ليس له ذكر في السنة. "الهدى والنور" (9/ 04: 46: 00)

[1530] باب هل يمكن أن يرى بعض الناس ما يحدث في القبر من عذاب؟

[1530] باب هل يمكن أن يرى بعض الناس ما يحدث في القبر من عذاب؟ السائل: العاصي؛ في بعض الأوقات يدعون أنهم يشوفون ما يحدث له في القبر. الشيخ: هذا ممكن، لعلكم سمعتم الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن العباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بقبرين فقال عليه الصلاة والسلام: «أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر: فكان لا يستنزه - وفي رواية -: لا يستتر من البول، ثم أمر بأن يؤتى له بغصن فشقه شقين ووضع كل شق منهما على القبر، فسألوه عن ذلك عليه الصلاة والسلام فقال: لعل الله عز وجل يخفف عنهما ما داما رطبين». فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - سمع عذاب هذين المعذبين، وكانا مسلمين لكن أحدهما يسعى بالنميمة والآخر: لا يستتر، أي: يتساهل في الكشف عن عورته أمام الناس، أو لا يستنزه من البول، أي: لا يتحاشى أن يصيبه رشاش البول، ولذلك عذبا، وقال عليه الصلاة والسلام: «استنزهوا من البول فإن أكثر عذاب القبر من البول». كذلك جاء في الصحيح: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر ذات يوم راكبًا دابته فشمست به، فنزل فرأى قبرين فسأل أصحابه الذين كانوا معه: متى مات هذان؟ قالوا: في الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام: لولا أن لا تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر» (¬1) أي: إن ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم5325).

[1531] باب ضمة القبر غير عذاب القبر

الدابة لما شمست به عليه السلام سمعت صوت عذاب المقبورين، فلا يستبعد أن يرى بعض الناس بعض العصاة في قبورهم يعذبون؛ لأن عذاب القبر حق، ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من قوله: «إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» (¬1) فعذاب القبر حق يمكن أن يرى بالأعين العادية أفعى تنهش منه ... ونحو ذلك، لكن يبقى كل شيء خاضع لعلم الرواية صحت الرواية أم لا؟ الذي يُحَدِّث صادق أو مُهَوِّل، كل هذا ممكن أن يقال، أما الأصل فثابت. "فتاوى جدة -الأثر-" (29/ 01:06:48). [1531] باب ضمة القبر غير عذاب القبر [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الضمة في القبر كفارة لكل مؤمن؛ لكل ذنب بقي عليه لم يغفر له، وذلك أن يحيى بن زكريا عليهما السلام ضمه القبر ضمة في أكلته الشعير». (موضوع) [قال الإمام]: وبيض له المناوي في "شرحيه" فلم يتكلم على إسناده بشيء؛ إلا أنه نقده من حيث متنه فقال:"وهذا يعارض خبر: «أكثر عذاب القبر من البول» و «عامة عذاب القبر من البول». ¬

(¬1) البخاري (رقم2344) ومسلم (رقم75).

[1532] باب في ضغطة القبر

وهذه معارضة غير صحيحة؛ لأن ضمة القبر غير عذاب القبر، كما يدل عليه أحاديث ضم القبر لسعد بن معاذ، وللصبي، وانظر "الصحيحة" (1695و2164). والحديث الذي ذكره المناوي صحيح، ورد عن جمع من الصحابة باللفظين اللذين ذكرهما، وهو مخرج في "إرواء الغليل" (1/ 310/ 280). ويشهد له حديث "الصحيحين": «أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، وأما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة». رواه الشيخان وهو مخرج في المصدر السابق (283). "الضعيفة" (7/ 281). [1532] باب في ضغطة القبر سؤال: قال في المسند .. : حديث حذيفة قال: «كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في جنازة، فلما انتهينا إلى القبر قعد على ساقيه فجعل يردد بصره فيه، ثم قال: يضغط المؤمن فيه ضغطة تزول منها حمائله، ويُملأ على الكافر نارًا» قال: والحمال: عروق الأنثيين ... ما معنى تزول الحمائل؟ الشيخ: كناية عن شدة العذاب .. مداخلة: يعني: المؤمن يضغط ضغطة لهذه الدرجة؟ الشيخ: وتتداخل أضلاعه لا ينجو منها حتى سعد بن معاذ كما قال عليه السلام في بعض الأحاديث الصحيحة. مداخلة: يعني: الضغطة يتألم منها؟

[1533] باب من عذاب القبر ونعيمه

الشيخ: ... بلا شك، هذا إذا تداخلت الأضلاع فهذا ألم شديد لكن لا يستمر، ضغطة واحدة ثم يعود كل شيء إلى طبيعته إن صالحًا فصالح وإن طالح فطالح كما شرحنا آنفًا من حيث أنه يفتح للميت طاقة في القبر. مداخلة: يعني: الضغطة لا بد منها. الشيخ: لا بد منها. "فتاوى رابغ" (2/ 36: 22: 00). [1533] باب مِن عذاب القبر ونعيمه سؤال: القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، هذا حديث؟ الشيخ: حديث ضعيف (¬1)، لكن معناه مأخوذ من أحاديث صحيحة لعلكم تذكرون أن الميت إذا وضع في قبره وكان صالحًا فتحت له طاقة نافذة يطل منها على منزله في الجنة، فيأتيه من روحها وريحها ونعيمها ولا يزال كذلك ينعم حتى تقوم الساعة، وإذا كان والعياذ بالله غير صالح فتحت له طاقة إلى النار ويرى منزله من النار فيأتيه من ريحها ودخانها ولهيبها فلا يزال كذلك يعذب حتى تقوم الساعة، هذا بمعنى حديث: روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار تقريبًا أو يؤدي هذا المعنى وإن كان الحديث الضعيف هذا فيه شيء من المبالغة في الوصف، روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، لا لكن يأتيه من روحها ... ونعيمها إن كان صالحًا، والعكس بالعكس كما ذكرنا. "فتاوى رابغ" (1/ 00:06:17). ¬

(¬1) "ضعيف الجامع" (رقم1231).

[1534] باب رزق الشهداء في قوله تعالى: {بل أحياء عند ربهم يرزقون} يكون في القبر أم في الجنة؟

[1534] باب رزق الشهداء في قوله تعالى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} يكون في القبر أم في الجنة؟ [قال الألباني معلقا على كلمة "عند"في الآية الكريمة]: فيه إشارة إلى أن رزقهم المذكور ليس في القبر وإنما عند ربهم، وذلك صريح في حديث مسروق قال: سألنا عبد الله (ابن مسعود) عن هذه الآية: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون}؟ قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك؟ فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل. . . " الحديث. رواه مسلم وغيره. وهو مخرج في " الصحيحة " (2633). "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص109). [1535] باب عدم التنزه من البول والنميمة من أسباب عذاب القبر سؤال: في كل بلاد المسلمين ... نحن أحوج ما نكون للتعلم على الأشياء الصغيرة في ديننا، فالأشياء الصغيرة في ديننا نحن نجهلها تماماً حتى الناس المتعلمين منا، نرى الشيوخ عندنا في المساجد يقف الواحد يخطب خطبة كاملة عن مشكلة اقتصادية، أو مشكلة سياسية أو مشكلة كذا، ولا نرى أن أحداً منهم يعلم الناس كيف يتبرأ الإنسان من البول هذه الأشياء المهمة جداً بالنسبة لنا. الشيخ: على كل حال يعني الأمر كما تقول مع ملاحظة شيء وهو: إنه هذه في الواقع قد تكون صغيرة بمعنى هينة، ولكنها عند الله كبيرة، انظر الآن بمناسبة ما

[1536] باب هل وضع أغصان رطبة على القبر يخفف عن الميت في القبر؟

قلت قوله عليه السلام: «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» إذاً تنزهوا من البول هذا شيء صغير رشاش من البول يصيب البدن أو الثياب، وهذا يقع فيه كثير من الناس وخاصة الذين ابتلوا بلباس البنطلون يا أبا عبد الله هذه مصيبة الدهر؛ لأنه هذا البنطلون لا يساعد على التنزه من البول هذه حقيقة، ولذلك كما قال أيضاً في الحديث الآخر وهو أصح من الأول رواه البخاري ومسلم في صيحيحهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مر بقبرين فقال: أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير» هنا الشاهد «بلى إنه كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول» وفي رواية: «لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يسعى بالنميمة» ثم أمر عليه الصلاة والسلام أن يؤتى إليه بعذق من نخيل فشقه شقين ووضع على كل قبر شقاً فسألوه عن هذا فقال: «لعل الله أن يخفف عنهما ما داما رطبين». "الهدى والنور" (331/ 03: 16: 00). [1536] باب هل وضع أغصان رطبة على القبر يخفف عن الميت في القبر؟ [قال الإمام]: يظن كثير من الناس وقد تسمعون هذا الظن من بعض الخاصة من الناس، العادة الجاهلية اليوم وبخاصة في الأعياد من وضع الأغصان الرطبة على القبور زعماً منهم إنه هذا ينفع الميت، هيهات هيهات؛ لا ينفع الميت إلا ما قدم من عملٍ صالح، أو ما خلَّف من بعده من آثاره الصالحة، كما قال تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (يس:12)، وشرح ذلك الرسول عليه السلام في قوله: «إذا مات الإنسان» وفي رواية: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع

به أو ولد صالح يدعو له»، فإذا مات الميت ما أحد يستطيع أن يفيده إطلاقاً إلا عمله الصالح وإلا كما قلنا ما خلَّف من بعده من آثار لعمل له صالح كما تدل الآية والحديث، وإلا بإمكاننا أن نستثني استثناء آخر ويجب أن يظل هذا قائماً في أذهاننا وإلا دعاء يدعو به المسلم لمسلم ميت فيستجيب الله لهذا الدعاء فينتفع به ذلك الميت، ولكن هذا أمر غيبي لا يجوز لنا أن نتكل عليه لا في حياتنا ولا بعد وفاتنا بمعنى: أن نؤمل أننا إذا متنا أن يمر بنا رجل صالح فيدعو لنا فيغفر الله لنا هذا في عالم الغيب، ولذلك المثل يقول: عصفور في اليد ولا عشرة في الشجرة، فإذاً: {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة:94)، فهذا الغصن الرطب الندي لا يفيد الميت إطلاقاً، أما ما فعله الرسول عليه السلام فهذه معجزة وكرامة من الله كما جاء في رواية في صحيح مسلم من حديث جابر أن الله عز وجل قبل شفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المقبور ما دام الغصن رطباً. فإذاً: علة انتفاع الميت الذي وضع الرسول عليه الصلاة والسلام الغصن على قبره ليس هو الرطوبة والنداوة الموجودة بالغصن، وإنما العلة هو أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا وقبل الله منه دعاءه بحق الميت، ولكن ليس إلى يوم يبعثون، وإنما ما دام الغصن رطباً فإذاً هذا هو معنى الحديث ونستفيد منه أن الشيء الذي لا يهتم به المسلم مثل استغابة أخيه المسلم في المجلس، أو عدم الاهتمام بالتنزه من رشاش البول فذلك من الأسباب الموجبة لعذاب القبر، ونسأل الله عز وجل أن يعيذنا وإياكم من عذاب القبر. "الهدى والنور" (331/ 03: 16: 00).

[1537] باب هل زراعة الأشجار على القبور تخفف من عذاب القبر؟

[1537] باب هل زراعة الأشجار على القبور تخفف من عذاب القبر؟ عن ابن عباس قال مر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول - وفي رواية لمسلم: لا يستنزه من البول - وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة» قالوا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».متفق عليه. [قال الإمام]: لقد توهم كثير من الناس أن التخفيف إنما كان من أجل رطابة الشقين, وهذا ليس بصحيح ولو كان كذلك لما شق الغصن شقين لأن ذلك مما يسرع اليبوسة إلى الشقين كما لا يخفى, والصحيح أن سبب التخفيف إِنما هو شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - ودعاؤه لهما, وأن الله استجاب له ذلك إلى أن ييبساً, فالرطابة علامة لا سبب, ويشهد لهذا حديث جابر الطويل في مسلم (8/ 235): "إني مررت بقبرين يُعذبان, فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما مادام الغصنان رطبين". ولهذا لم يعرف عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كان يفعل ذلك عند زيارة القبور ولا عن الصحابة ولا عن أحد السلف, بل قد أنكر الإمام الخطابي ما يفعله الناس اليوم من وضع الأخضر على القبور, وقال: إنه لا أصل له, وقد تكلمت على هذه المسألة بتفصيل في كتابي "أحكام الجنائز وبدعها" وراجح أيضاً تعليق أحمد شاكر على "الترمذي" (1/ 103). " تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 110).

[1538] باب أن التخفيف من عذاب القبرين كان بسبب دعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - لا بسبب الغصنين وأن ذلك خاص به - صلى الله عليه وآله وسلم -

[1538] باب أن التخفيف من عذاب القبرين كان بسبب دعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - لا بسبب الغصنين وأن ذلك خاص به - صلى الله عليه وآله وسلم - عن جابر: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ فَذَهَبَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقْضِى حَاجَتَهُ فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَنَظَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِى فَانْطَلَقَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: «انْقَادِى عَلَىَّ بِإِذْنِ الله». فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: «انْقَادِى عَلَىَّ بِإِذْنِ الله». فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا لأَمَ بَيْنَهُمَا - يَعْنِى جَمَعَهُمَا - فَقَالَ: «الْتَئِمَا عَلَىَّ بِإِذْنِ الله». فَالْتَأَمَتَا قَالَ جَابِرٌ فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بِقُرْبِى فَيَبْتَعِدَ - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ فَيَتَبَعَّدَ - فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِى فَحَانَتْ مِنِّى لَفْتَةٌ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مُقْبِلاً وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وَقَفَ وَقْفَةً فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا - وَأَشَارَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ بِرَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالاً - ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَىَّ قَالَ «يَا جَابِرُ هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِي». قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: «فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا فَأَقْبِلْ بِهِمَا حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَمِينِكَ وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ». قَالَ جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ فَانْذَلَقَ لِي فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَقُلْتُ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ «إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ».

[قال: الإمام معلقًا على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "بشفاعتي"]: أي بدعائي. قلت: وهذا نص في أن التخفيف عن عذاب القبرين إنما كان بسبب دعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - , وليس ذلك بسبب الغصنين كما يظن كثير من الناس, وإنما الغصنان علامة لمدة التخفيف ما داما رطبين. ليس إلا, وهذا مما يؤكد أن ذلك خاص به - صلى الله عليه وآله وسلم - , ولذلك لم يجر العمل به في العهد الأول عند زيارة القبور, وما عليه الناس اليوم بدعة ينبغي نبذها, لا سيما وقد تطورت إلى أشكال أخرى مثل تزيين القبور بالأكاليل والزهور، حتى لقد حدثني بعض الثقات أنه رأى إكليلاً منها في صورة صليب ظاهر جداً موضوعاًُ على قبر مسلم. فإلى الله المشتكى. "مختصر صحيح مسلم" (ص 404).

جماع أبواب شرح حديث: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» وحديث: «من نيح عليه يعذب بما نيح عليه»

جماع أبواب شرح حديث: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» وحديث: «من نيح عليه يعذب بما نيح عليه»

[1539] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه»

[1539] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» [سئل الإمام]: هناك من يقول: إذا عارض الحديث آية من القران, فهو مردود مهما كانت درجة صحته, وضرب مثالاً لذلك بحديث: «إن الميت ليُعذب ببكاء أهله عليه» (¬1) , واحتج بقول عائشة في ردها الحديث بقول الله عز وجل: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (فاطر18) , فكيف يُرد على من يقول ذلك؟ [فأجاب الإمام] رد هذا الحديث هو من مشاكل رد السنة بالقرآن، وهو يدل على انحراف ذلك الخط. أما الجواب عن هذا الحديث - وأخص به من تمسك بحديث عائشة رضي الله عنها فهو: أولاً: من الناحية الحديثية: فإن هذا الحديث لا سبيل لرده من الناحية الحديثية لسببين اثنين: أ - أنه قد جاء بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما. ب - أن ابن عمر رضي الله عنه لم يتفرد به, بل تابعه على ذلك عمر بن الخطاب وهو وابنه لم يتفردا به, فقد تابعهما المغيرة ين شُعبة, وهذا مما يحضرني في هذه الساعة بأن هذه الروايات عن هؤلاء الصحابة الثلاثة رضي الله عنهم في الصحيحين. ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (1970). [منه].

أما لو أن الباحث بحث بحثاً خاصاً في هذا الحديث فيسجد له طرقاً أخرى, وهذه الأحاديث الثلاثة كلها أحاديث صحيحة الأسانيد فلا تُرد بمجرد دعوى التعارض مع القران الكريم. ثانياً: من الناحية التفسيرية: فإن هذا الحديث قد فسره العلماء بوجهين اثنين: الوجه الأول: أن هذا الحديث إنما ينطبق على الميت الذي كان يعلم في قيد حياته أن أهله بعد موته سيرتكبون مخالفات شرعية, ثم لم ينصحهم ولم يوصهم أن لا يبكوا عليه؛ لأن هذا البكاء يكون سبباً لتعذيب الميت. و" ال " التعريف في لفظ " الميت " هنا ليست للاستغراق والشمول, أي: ليس الحديث بمعنى أن كل ميت يُعذب ببكاء أهله عليه, وإنما " ال " هنا للعهد, أي: الميت الذي لا ينصح بألا يرتكبوا بعد وفاته ما يخالف الشرع, فهذا الذي يعذب ببكاء أهله عليه, أما من قام بواجب النصيحة, وواجب الوصية الشرعية بألا ينوحوا عليه, وألا يأتوا بالمنكرات التي تُفعل خاصة في هذا الزمان, فإنه لا يُعذب وإذا لم يُوص ولم يَنصح عُذب. هذا التفصيل هو الذي يجب أن نفهمه من التفسير الأول لكثير من العلماء المعروفين والمشهورين؛ كالنووي وغيره, وإذا عرفنا هذا التفصيل, وضح ألا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (فاطر18) , إنما يظهر التعارض فيما لو فُهم أن " ال " في لفظ " الميت " إنما هي للاستغراق والشمول, أي: كل ميت يُعذب, حينئذٍ يُشكل الحديث ويتعارض مع الآية الكريمة, أما إذا عرفنا المعنى الذي ذكرناه آنفا, فلا تعارض ولا إشكال, لأن الذي

يُعذب إنما يُعذب بسبب عدم قيامه بواجب النصح والوصية, هذا الوجه الأول مما قيل في تفسير هذا الحديث لدفع التعارض. أما الوجه الثاني: فهو الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض مصنفاته, أن العذاب هنا ليس عذاباُ في القبر, أو عذاباً في الآخرة, وإنما هو بمعنى التألم وبمعنى الحزن, أي: إن الميت إذا سمع بكاء أهله عليه, أسف وحزن لحزنهم هم عليه. هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية, وهذا لو صح لاستأصل شأفة الشبهة. لكني أقول: أن هذا التفسير يتعارض مع حقيقتين اثنتين لذلك لا يسعنا إلا أن نعتمد على التفسير الأول للحديث: الحقيقة الأولى: أن في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه الذي أشرت إليه آنفاً زيادة تبين أن العذاب ليس بمعنى التألم, وإنما هو بمعنى العذاب المتبادر, أي: عذاب النار, إلا أن يعفو الله تبارك وتعالى, كما هو صريح قوله عزوجل {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء48) , ففي رواية المغيرة قال: «إن الميت ليُعذب ببكاء أهله يوم القيامة» , فهذا صريح بأن الميت يُعذب بسبب بكاء أهله عليه يوم القيامة, وليس في القبر, وهو الذي فسره ابن تيمية بالألم والحزن. الحقيقة الأخرى: هي أن الميت إذا مات لا يحس بشيء يجري من حوله, سواء أكان هذا الشيء خيراً أو شراً - كما تدل عليه أدلة الكتاب والسنة - اللهم إلا في بعض المناسبات التي جاء ذكرها في بعض الأحاديث, إما كقاعدة لكل ميت, أو لبعض الأموات, حيث أسمعهم الله عزوجل بعض الشيء الذي يتألمون به.

فمن الأول: الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن العبد إذا وضع في قبره, وتولى عنه أصحابه -حتى إنه سمع قرع نعالهم - أتاه ملكان» (¬1) , ففي هذا الحديث الصحيح إثبات سمع خاص للميت في وقت دفنه, وحين ينصرف الناس عنه, أي: في الوقت الذي يُجلسه الملكان أُعيدت الروح إليه, فهو في هذه الحالة يسمع قرع النعال, فلا يعني الحديث بداهةً أن هذا الميت وكل الأموات تُعاد إليهم أرواحهم, وأنهم يظلون يسمعون قرع نعال المارة بين القبور إلى يوم يبعثون! لا. إنما هذا وضعٌ خاص وسماع خاص من الميت, لأنه أُعيدت روحه إليه, وحينئذٍ لو أخذنا بتفسير ابن تيمية رحمه الله, وسعنا دائرة إحساس الميت بما يجري حوله, سواءً عند نعشه قبل دفنه, أو بعد وضعه في قبره, ومعنى ذلك: أن يسمع بكاء الأحياء عليه وهذا يحتاج إلى نص, وهو مفقود. هذا أولاً. وثانياً: بعض نصوص الكتاب والسنة الصحيحة تدل على أن الموتى لا يسمعون, وهذا بحث طويل, ولكني سأذكر حديثاً واحداً, وأنهي الجواب عن السؤال وهو قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام» (¬2) , وقوله " سياحين " أي: طوافين على المجالس, فكلما صلى مسلم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , فهناك ملك موكَّلٌ يُوْصِلُ السلام من ذاك المسلم إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , فلو كان الأموات يسمعون, لكان أحق هؤلاء الأموات أن يسمع هو نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - , لما فضله الله تبارك وتعالى, وخصه بخصائص على كل الأنبياء والرسل والعالمين, فلو كان أحدٌ يسمع لكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم لو كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يسمع شيئا بعد موته, ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (1675) [منه]. (¬2) "صحيح الجامع" (2174). [منه].

[1540] باب منه

لسمع صلاة أمته عليه. ومن هنا تفهمون خطأ - بل ضلال - الذين يستغيثون ليس بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بل وبمن دونه, سواء كانوا رسلاً أو أنبياء أو صالحين؛ لأنه لو استغاثوا بالرسول عليه الصلاة والسلام لما سمعهم, كما هو صريح القران {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأعراف194) , و {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} (فاطر14) إلى آخر الآية. إذاً فالموتى من بعد موتهم لا يسمعون, إلا ما جاء النص في قضية خاصة - كما ذكرت آنفاً - من سماع الميت قرع النعال, وبهذا ينتهي الجواب عن هذا السؤال. "كيف يجب علينا أن نفسر القرآن" (ص11 - 17). [1540] باب منه عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رضي الله عنهما أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَىِّ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَغْفِرُ الله لأَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِىَ أَوْ أَخْطَأَ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا». [قال الإمام]: قد جاء هذا عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , وعن ابن عمر, والمغيرة بن شعبة, رضي الله عنهم, في "الصحيحين " وغيرهما, ولهذا فلا مجال إلى تخطئة ابن عمر, بل الصواب أن ما رواه هو صحيح, وما روته السيدة عائشة صحيح أيضاً, ولا منافاة بين الروايتين كما ظاهر.

[1541] باب منه

ثم أن المراد بـ "البكاء" فيه: النياحة, بدليل حديث المغيرة بلفظ: «من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة» رواه مسلم. واختصره المؤلف رحمة الله, وهذا اللفظ يرجح قول الجمهور في تفسير «يعذب» أنه بمعنى «يعاقب» وليس بمعنى «يتألم ويحزن» كما قال ابن جرير الطبري ونصره ابن تيمية، والله أعلم. "مختصر صحيح مسلم" (ص126). [1541] باب منه [ذكر الإمام في" أحكام الجنائز" أن النياحة مما يحرم على أقارب الميت، ثم أورد أدلة ذلك فذكر منها]: عن أنس بن مالك: " أن عمر بن الخطاب لما طُعِنَ عولت عليه حفصة، فقال: يا حفصة أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: المعول عليه يعذب؟! وعول عليه وفي أخرى: (في قبره) بما نيح عليه". أخرجه البخاري ومسلم والسياق له والبيهقي (4/ 72 - 73) وأحمد (رقم 268، 288، 290، 315، 334، 254، 386) من طرق عن عمر مطولا ومختصراً، وروى ابن حبان في " صحيحه " (741) قصة حفصة فقط. - " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " وفي رواية: " الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ". أخرجه الشيخان وأحمد من حديث ابن عمر، والرواية الأخرى لمسلم

وأحمد ورواه ابن حبان في "صحيحة" (742) من حديث عمران بن حصين نحو الرواية الأولى. - " من ينح عليه يعذب بما نيح عليه (يوم القيامة) " أخرجه البخاري (3/ 126) ومسلم (3/ 45) والبيهقي (4/ 72) وأحمد (4/ 245، 252، 255). [ثم قال الإمام]: في هذا الحديث بيان أن البكاء المذكور في الحديث الذي قبله، ليس المراد به مطلق البكاء، بل بكاء خاص وهو النياحة، وقد أشار إلى هذا حديث عمر المتقدم في الرواية الثانية وهو قوله: " ببعض بكاء ... ". [ثم علق على هذه الأحاديث قائلاً]: ثم إن ظاهر هذا الحديث واللذين قبله مشكل، لأنه يتعارض مع بعض أصول الشريعة وقواعدها المقررة في مثل قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، وقد اختلف العلماء في الجواب عن ذلك على ثمانية أقوال، وأقربها إلى الصواب قولان: الأول: ما ذهب إليه الجمهور، وهو أن الحديث محمول على من أوصى بالنوح عليه، أو لم يوص بتركه مع علمه بأن الناس يفعلونه عادة. ولهذا قال عبد الله بن المبارك: " إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئا من ذلك بعد وفاته، لم يكن عليه شيء ". والعذاب عندهم بمعنى العقاب.

[1542] باب منه

والآخر: أن معنى" يعذب" أي: يتألم بسماعه بكاء أهله ويرق لهم ويحزن، وذلك في البرزخ، وليس يوم القيامة. وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره، ونصره ابن تيمية وابن القيم وغيرهما. قالوا: " ليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه، والعذاب أعم من العقاب كما في قوله: " السفر قطعة من العذاب "، وليس هذا عقاباً على ذنب، وإنما هو تعذيب وتألم ". وقد يؤيد هذا قوله في الحديث (5، 6): " في قبره ". وكنت أميل إلى هذا المذهب برهة من الزمن، ثم بدا لي أنه ضعيف لمخالفته للحديث [السابق] الذي قيد العذاب بأنه " يوم القيامة "، ومن الواضح أن هذا لا يمكن تأويله بما ذكروا، ولذلك فالراجح عندنا مذهب الجمهور، ولا منافاة عندهم بين هذا القيد والقيد الآخر في قوله " في قبره "، بل يضم أحدهما إلى الآخر، وينتج أنه يعذب في قبره، ويوم القيامة، وهذا بين إن شاء الله تعالى. "أحكام الجنائز" (ص40 - 42). [1542] باب منه سؤال: الحديث: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله .. » كيف شرحه؟ الشيخ: هذا قد جرى خلاف بين عائشة وبين ابن عمر وغيره من الصحابة، فالسيدة عائشة رضي الله عنها أنكرت هذا الحديث، وقالت: إنما قال عليه السلام هذا الحديث بالنسبة لبعض اليهود كانوا يبكون على ميتهم، لكن علماء الحديث ما وافقوها على الإنكار؛ ذلك لأن الحديث: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه»

رواه جماعة من الصحابة، غير ابن عمر رواه أبوه عمر، وغير عمر وابنه عبد الله رواه أيضًا المغيرة بن شعبة، ولذلك فلا مجال لتوهيم ابن عمر كما فعلت السيدة عائشة، كان يمكن هذا التوهيم لو كان ابن عمر وحده قد روى هذا الحديث، لكن ما دام أن معه أبوه ومعه المغيرة بن شعبة فالثلاثة أحفظ من واحد وهي عائشة. لو كان ابن عمر لوحده كان يمكن حينئذٍ أن يغلب رأي عائشة وقولها على قول ابن عمر؛ ذلك بأن السيدة عائشة رضي الله عنها كما تعلمون هي زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهي تصاحبه ما شاء الله في أكثر الأوقات بخلاف عبد الله بن عمر، فلو كان ابن عمر هو وحده روى هذا الحديث وخطأته عائشة رضي الله عنها كان يمكن أن نقبل تخطئتها ونتبنى حديثها دون حديث ابن عمر، كما وقع لها في قضية أخرى: وهي أن ابن عمر حدث بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - اعتمر في شهر رجب فقيل لعائشة: اسمعي عبد الله بن عمر ماذا يقول؟ قالت: ماذا يقول؟ قالوا: يقول: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - اعتمر في شهر رجب، فقالت: لقد غفل عبد الله بن عمر يرحمه الله، ما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عمرةً إلا في ذي القعدة. جاء في بعض الروايات أن عائشة لما ذكرت هذا سمع كلامها ابن عمر ما تكلم بكلمة مما يُشْعِرُ أنه كأنه شعر بأنه فعلًا هو واهم، لكن حديثنا: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» لا سبيل إلى تبني رأي عائشة وتخطئة عبد الله بن عمر كما فعلنا في حديث العمرة لما ذكرته آنفًا أن مع ابن عمر نفسه والمغيرة بن شعبة ... [و] للعلماء قولان في تفسير: يعذب ببكاء أهله عليه: منهم من يقول: أن العذاب المذكور في الحديث هو عذاب الآخرة، ومنهم

من يقول: المقصود بالعذاب هو التألم والحزن، والذي يقول هذا القول يعني: أن الميت يسمع بكاء الأحياء عليه فيأسف لأسفهم ويحزن لحزنهم، هذا هو العذاب الذي عناه الرسول في الحديث في قول هذا البعض، أما الأولون وهم الجمهور يقولون: يعذب فعلًا، وهنا يرد قول السيدة عائشة المذكور والمشار إليه آنفًا، أنها لماذا أنكرت هذا الحديث؟ لأنها فهمت أن العذاب هنا هو العذاب بمعنى التألم إما بالنار أو بالزمهرير أو ما شابه ذلك مما هو معروف، فقالت: لماذا يعذب هذا والله عز وجل يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الأنعام:164)؟ أجاب العلماء عن هذه الشبهة: بأن المقصود من الحديث على المعنى الذي ذهب إليه الجمهور وهو العذاب المعروف أنه إنما يعني به الميت الذي يموت ولا يوصي ولا ينصح أهله بألاَّ يبكوا عليه، أما إذا قاموا بواجب التذكير والنصيحة ثم بكوا عليه فلا يضره ذلك؛ لأنه قد أدى الواجب. هذا مع ملاحظة أن المقصود بالبكاء ليس هو مطلق البكاء، وإنما المقصود به النياحة وهو رفع الصوت، فبرفع الصوت إذا كان الميت لم ينصح ولم يذكر أهله قبل وفاته بأنه إذا جاءتني الوفاة فلا تصيحوا ولا تنوحوا لأن هذا يكون سببًا ليس لعذابكم فقط بل سببًا لعذابي أنا، على هذا يفسر الحديث. وخلاصة ذلك: أن الميت الذي لم يذكر أهله بما يجب عليه من النصح إذا مات ألا يبكوا عليه فهذا الذي هو يعذب، والعذاب ليس هو بمعنى الألم والحزن وإنما هو بمعنى العذاب الذي يستحقه العاصي يوم القيامة أو في القبر، ويؤيد هذا المعنى من السنة ومن النظر أيضًا، أما السنة ففي رواية للمغيرة بن شعبة قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه يوم القيامة"، بينما التفسير الثاني الذي فسر العذاب بالألم فهو يعني وهو في القبر، إنما حديث المغيرة يقول: يعذب يوم القيامة.

[1543] باب منه

أما النظر فسأذكره قريبًا إن شاء الله .. فالتفسير الثاني أنه يتألم فمعنى ذلك: أن الميت إذا مات ما انقطعت علاقته مع الناس فهو يحس بهم ويتألم بألمهم، وهذا الكلام ليس صحيحًا؛ لأن الميت إذا مات انقطعت علاقته بهذه الحياة الدنيا فهو لا يسمع ولا يحس بشيء كما قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ في الْقُبُورِ} (فاطر:22) .. {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} (النمل:80). فإذًا: الأموات لا يسمعون فكيف يقال: إن الميت إذا بكى أو ناح أهله عليه هو يحس ببكائهم ويتألم لألمهم، هذا المعنى مع مخالفته للحديث يعذب يوم القيامة فهو يخالف نصوص أخرى في الكتاب وفي السنة التي تدل على أن الميت لا يسمع ولا يحس، فإذًا: المعنى الأول هو المعنى الصحيح ... "فتاوى رابغ" (1/ 00:07:48) [1543] باب منه السائل: شيخنا على ذكر موضوع ... أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها حديث الميت، وهو الحديث الذي قد كثر الكلام فيه (¬1) وخاصة من أولئك العقلانيين الذين يجعلون النصوص حكماً على الشرع وما شابه ذلك. الشيخ: يجعلون عقولهم. مداخلة: عفواً، يجعلون عقولهم حكماً على الشرع، أقول هؤلاء شيخنا يلمزون من طرف خفي بأبي هريرة رضي الله عنه وروايته بسبب إنكار السيدة عائشة وردها. ¬

(¬1) يريد حديث: «الميت يعذب ببكاء أهله عليه».

الشيخ: أي نعم. مداخلة: مع أن الحديث مروي عن عدد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فحينئذ هل نقول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أخطأت في التأويل أو في الرد أم نقول كما قلت في الحديث الأول أنها اعترضت على لفظ وردها وإلا فالألفاظ الأخرى جاءت تبين النياحة وما شابه ذلك. الشيخ: ما في شك. مداخلة: هو هذا. الشيخ: أي نعم، يعني الحديث الذي أنكرته السيدة عائشة هنا غير الحديث الذي أنكرته هنا، الحديث الذي أنكرته صحيح بلا شك، «الميت يعذب ببكاء أهله عليه»، وكون الرسول عليه السلام قال في بعض المناسبات أو الحوادث بالنسبة ليهودي مات فبكى أهله عليه، فهذا من باب أولى أن يطبق هذا الحديث عليه، لكن هذا لا ينفي ما رواه أولاً ابن عمر ثم ما رواه أبو ابن عمر ثم ما رواه المغيرة بن شعبة، كل هؤلاء الثلاثة من الصحابة اتفقوا على رواية الحديث الذي أنكرته السيدة عائشة، ولذلك فلا مجال للاعتماد عليها بالإنكار هنا، وبهذه المناسبة لا بد من أن نذكر شيئاً يفيد طالب العلم، ألا وهو: ظاهر الحديث يتبادر منه أنه يخالف القاعدة الإسلامية المصرح بها في القرآن الكريم وغيره، أن لا تزر وازرة وزر أخرى، لماذا يعذب الميت ببكاء أهله عليه؟ هذا ليس من عمله وليس من صنعه، وليس أيضاً من سعيه، فاختلفت آراء العلماء في الإجابة على هذه المشكلة، جمهورهم قال هذا الحديث في ظاهره عام، لكن لا بد من تقييده أو تخصيصه بمن يعلم أنه إذا مات يبكي أهله عليه بكاء نياحة

وليس بكاء دمع، فمن كان بهذه المثابة ممن سيبكى عليهم فعليهم أن ينصحوا وأن يذكروا، فإن فعلوا ذلك لم يشملهم الحديث؛ لأنهم قاموا بالواجب، هذا هو التأويل الذي ذهب إليه الجماهير من العلماء، وهو الذي لا نرى له بديلاً، أما شيخ الإسلام رحمه الله فذهب إلى تأويل آخر، فقال: العذاب هنا ليس من عذاب النكال الذي يعذبه الإنسان في الآخرة أو في القبر، وإنما هو من باب السفر قطعة من العذب، فهذا مسافر لا يعذب بشيء يأتيه من غيره، وإنما هو بشيء نابع من نفسه، أي أن هذا الميت حينما يبكي أهله عليه يأسف على بكائهم عليه ويأسى، فإذاً العذاب هنا بمعنى الحزن، ليس بمعنى العذاب النكال، كان يمكن أن يقبل من شيخ الإسلام هذا التأويل الناعم الجميل لولا زيادة استفدناها من حديث المغيرة بن شعبة حيث قال: الميت يعذب ببكاء أهله عليه يوم القيامة، فهذه الزيادة اضطرتنا أن نرجع إلى التأويل الأول. هذا الذي أحببت أن أذكر به .. الميت لا يعلم بحال أهله. الشيخ: هو هذا صحيح. مداخلة: أي نعم. الشيخ: أنا قلت هذا في بعض الكتابات، أن يقال أن الميت بالمعنى الذي ذكره ابن تيمية، معناه أن الميت عنده إحساس وعنده شعور من قريب ومن بعيد، الميت دفن مثلاً كما يقع اليوم مع الأسف كان مستوطناً في بلاد الكفر فدفن هناك، وأهله يبكون هنا، شو عرفه، بل شو عرفه لو بكوا حول قبره، انقطعت العلاقة بينه وبين الدنيا إطلاقاً، فهذا التأويل وهذا ليس بعيداً حقيقة عن مذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم؛ لأنهم يتوسعون في هذه الناحية، وهذا من توسعهم جاءهم، وهم يصرحون بأن الميت يحس بما قد يقع من حوله أو من أهله أو نحو ذلك،

[1544] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة»

فمثلاً مثلما قال الأستاذ ما يرد عليه هذا أيضاً. مداخلة: شيخنا ورد في كلامكم شرح الحديث الذي هو تفسير البكاء ببكاء النياحة، وهذا شيخنا نبهتم أنتم أن هناك رواية صريحة بهذا. الشيخ: أي نعم. مداخلة: إن الميت ليعذب بما نيح عليه. الشيخ: أي نعم. الأحاديث تفسر بعضها بعضاً أو أن يكون قد أوصى بأن يبكى عليه. مداخلة: كالذي يوصي مثلاً بأن يصنع له كذا وكذا بعد موته، أو أن تحيى ذكراه في الأربعين، أو أن يبنى عليه القبر. الشيخ: الله أكبر. مداخلة: وهذا من هذا الباب أيضاً. الشيخ: الله أكبر. نعم. "الهدى والنور" (668/ 33: 42: 00). [1544] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة» عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة». (صحيح).

[1545] باب منه

[قال الإمام]: فيه إشعار بأن العذاب المذكور هو في يوم القيامة، فتفسيره بتألم الميت في قبره مع أنه يستلزم علمه بنوح أهله عليه، فهذا مع كونه مما لا دليل عليه، فإنه لا يساعد عليه القيد المذكور (يوم القيامة) فتنبه لهذا ولا تكن للرجال مقلداً، فالحق أن العذاب فيه وفي غيره على ظاهره، إلا أنه مقيد بمن لم ينكر ذلك في حياته، توفيقاً بينه وبين قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. "التعليق على الترغيب والترهيب" (3/ 1268). [1545] باب منه [قال صديق حسن خان في "الروضة الندية":ويحرم النعي والنياحة [أي على الميت] لحديث": من نيح عليه يعذب بما نيح عليه" وهو في الصحيحين]. [فقال الإمام معلقاً]: أي يتألم ويتوجع، قال شيخ الإسلام ... بعد أن قرر أن ليس على أحد من وزر غيره شيء، وأنه لا يستحق إلا ما سعاه-، قال (2/ 209 - من المجموعة المنيرية): "وإن ظن بعض الناس أن تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ينافي الأول! فليس كذلك؛ إذ ذلك النائح يعذب بنوحه، لا يحمل الميت وزره، ولكن الميت يناله ألم من فعل هذا كما يتألم الإنسان من أمور خارجه عن كسبه، وإن لم يكن جزاء الكسب والعذاب أعم من العقاب، كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -:"السفر قطعة من العذاب". وانظر تفصيل هذا البحث في "تهذيب السنن"لابن القيم (4/ 290)، وقد صرح فيه بخطإ تفسير الحديث علي هذا الوجه، فراجعه؛ فإنه مفيد. "التعليقات الرضية" (1/ 460).

جماع أبواب الكلام حول الحياة في القبور

جماع أبواب الكلام حول الحياة في القبور

[1546] باب هل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حي في قبره؟

[1546] باب هل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حيٌّ في قبره؟ سؤال: حديث يقول فيما معناه: «ما من عبدٍ يصلي عليّ يوم الجمعة إلا رد الله علي روحي» (¬1). الشيخ: ما فيش يوم الجمعة «ما من مسلمٍ يسلم علي إلا رد الله علي روحي فأرد عليه السلام». مداخلة: نعم فبعض الصوفيين استدل عليه بأن الرسول الصلاة والسلام ما مات بل حي في القبر، ويستدلوا بهذا الحديث. الشيخ: أيش معنى يرد علي روحي؟ ما مات؛ أنت روحك هلا في نفسك ولا مردودة إليك هذا كلام صوفي ويكفي أنه كلاماً صوفياً؛ لأنه خالف حديث الرسول عليه السلام ولذلك أقول هذول الصوفية لبالغ جهلهم ينكرون النصوص القاطعة بشبهات ما أنزل الله بها من سلطان؛ ربنا يقول في صريح القرآن {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (الزُّمر:30) فإذاً هو كسائر البشر ميت كما هم أيش؟ ميتون، إيش معنى ميت؟ أي: ستموت أي ستصبح ميتاً، وكذلك الناس جميعاً. أينكرون هذه الحقائق بشبهات مثل هذه الشبهة التي ذكرتها عن الحديث، الحديث يعني أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مات، وكل حي فإنما سبيله الموت، ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام، ولذلك لما قال عليه السلام في الحديث الآخر الصحيح: «أكثروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة، فإن صلاتكم تبلغني» قالوا: كيف ذاك وقد أَرَمْتَ؟ ماذا فهم الصحابة من قوله عليه السلام هذا؟ فهموا أنه ميت، ولذلك استغربوا كيف تبلغه صلاته، وقد أَرِمَ أي: فني، أي: صار رميماً، قال {قَالَ مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:78) فالصحابة كانوا يتلقون عن الرسول عليه السلام هذه ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم5679). [منه].

الحقيقة التي لا مناص لأحدٍ من البشر إلا وأن يقع فيها، وهي {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (الزُّمر:30) كانوا عرفوا هذه الحقيقة ولذلك لما جاءهم الرسول عليه السلام بشيء ما كانوا يعرفونه من قبل: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني» قالوا كيف ذاك وقد أرمت، أي فنيت، طبعاً مت، وأكثر من مت، أي: فنيت وصرت رميماً، قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» فأجساد الأنبياء كل الأنبياء لا تصبح رميماً كأجساد الآخرين، ولذلك فرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جسده في قبره كما هو من قبل هذه معجزة هذه كرامه من الله عز وجل لنبيه عليه السلام، بل ولِسائر الأنبياء الكرام ولكن الله كرم نبيه عليه السلام بكرامةٍ أخرى لا يشاركه فيها أحد من الأنبياء؛ وهي قوله عليه السلام: «فإن صلاتكم تبلغني» قالوا: كيف ذاك وقد أرمت؟ قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» أي أنا كسائر الأنبياء جسدي في القبر حي طري ولكن اصطفاني ربي عز وجل بخصلةٍ أخرى؛ أنه كلما سلَّم علي مسلمٌ رد الله إليًَّ روحي فأردُّ عليه السلام. وهذا الحديث وهو ثابت فيه دلاله على أن الرسول عليه السلام خلاف ما يتوهم كثير من العامة بل وفيهم بعض الخاصة وهي أن النبي لا يسمع سلام المسلمين عليه، وإنما كما جاء في الحديث الصحيح: «إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام» «إن لله ملائكة سياحين» يعني: طوافين على المسلمين، فكلما سمعوا مسلماً يصلي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بلغوه بذلك، وهو لا يسمع؛ لأن الميت لا يسمع انفصل عن هذه الحياة الدنيا ومتعلقاتها كلها، ولكن الله عز وجل اصطفى نبيه عليه السلام فيما ذكرنا من الحياة، ومن تمكينه بإعادة روحه إلى جسده ورد السلام على المسلمين عليه، ومن ذلك أيضاً أن هناك ملائكة يبلغونه السلام، فكلما سلموا عليه من فلان هو رد عليهم السلام. " الهدى والنور" (268/ 08: 22: 00).

[1547] باب حياة الأنبياء في قبورهم

[1547] باب حياة الأنبياء في قبورهم [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الأنبياء - صلوات الله عليهم - أحياء في قبورهم يصلون». [قال الإمام]: اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء، ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها, ومحاولة تكييفها, وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا, هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء, كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - في قبره حياة حقيقية! قال: يأكل ويشرب ويجامع نساءه!!. وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى. "الصحيحة" (2/ 190،178). [1548] باب في صلاة الأنبياء في قبورهم سؤال: فضيلة الشيخ حفظك الله ذكرتم في أحد مؤلفاتكم حديث أن الأنبياء يصلون في قبورهم أرجو توضيح ذلك وجزاكم الله خيرًا. الشيخ: هذا الحديث من أنباء الغيب التي لا يجوز للمسلم أن يعمل عقله فيها بل من الواجب عليه أن يسلم بها تسليمًا، وهذا الحديث وإن كان وقع فيه خلاف من بعض العلماء علماء الحديث تصحيحًا وتضعيفًا فالراجح عندي أنه صحيح

ومذكور في سلسلة الأحاديث صحيحة ومخرج تخريجًا علميًا، لكن إن كان يشك بعضهم في صحة هذا الحديث فهناك حديث لا شك في صحته؛ لأن الإمام مسلمًا قد أخرجه في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مررت ليلة أسري بي بموسى قائمًا يصلي في قبره» (¬1) فإذًا صلاة الأنبياء في قبورهم عقيدة صحيحة يجب على المسلم أن يؤمن بها لكن لا يتوسع في محاولة تكييف هذه الصلاة فلا يقول مثلًا: كيف يصلي موسى في قبره والقبر لا يتسع لقيام موسى في القبر؟ لأننا نقول عالم الغيب لا يقاس على عالم الشهادة .. عالم البرزخ لا يقاس على عالم الآخرة فلكل طبائعه وخواصه فإذا أخبرنا الصادق المصدوق أنه رأى موسى عليه الصلاة والسلام قائمًا يصلي في قبره صدقناه وأمنا به ووكلنا معرفة حقيقة هذه الصلاة إلى الله تبارك وتعالى. وعلى هذا الميزان قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» فليست هذه الحياة بالحياة المادية بحيث أننا إذا خاطبناهم يردون علينا ويسمعون كلامنا كما كانوا يسمعون كلام الناس في الدنيا حينما كانوا أحياء لا نتوسع في مثل هذه التفاصيل؛ لأنه كما قلت آنفًا عالم الغيب لا يقاس على عالم الشهادة على عالم المادة. "رحلة النور" (ب33/ 00:29:47). ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم6306). [منه].

[1549] باب يفهم من صلاة المؤمنين في قبورهم أنهم مكلفون في القبور؟

[1549] باب يفهم من صلاة المؤمنين في قبورهم أنهم مكلفون في القبور؟ سؤال: صلاة المؤمنين في قبورهم صح الحديث عن ابن ماجه فهل هذا من تكليف المؤمنين في القبور؟ الشيخ: هل يوجد تكليف في الجنة؟ مداخلة: لا يوجد. الشيخ: في تسبيح في الجنة، في حمد، في تسبيح في الجنة، مداخلة: نعم. الشيخ: هذه مثل هذه .. ، ليس تكليف، هذا شكر لله عز وجل. مداخلة: ولكن لا نعرف كيفية هذه الصلاة. الشيخ: كل أمور الغيب لا تعرف. مداخلة: فيه فرق بينهم وبين صلاة الأنبياء أم لا نعلم؟ الشيخ: لا نعلم، هل علمت صلاة الأنبياء؟ لا، تلك بأولى. " الهدى والنور" (56/ 12: 41: 00).

[1550] باب هل يشعر المقبور بزيارة أهله؟

[1550] باب هل يشعر المقبور بزيارة أهله؟ سؤال: زيارة القبور يا شيخ، هل المقبور يشعر بزيارة أهله مثلاً؟ الشيخ: أبداً ليس عنده هذا الشعور، ولا ذاك العلم بالزائر للمزور. مداخلة: يعني الدعاء لا يصل في الحال في نفس الوقت. الشيخ: الدعاء إذا كان مقبولاً يصل إلى الله فيستجيبه أما الميت فلا يشعر به، لكن لو فرضنا مثلاً أن الميت كان يعذب فرُفع العذاب عنه كلاًّ أو جزءًا بسبب دعاء الرجل الصالح، فهو يشعر بالفرق بين العذاب الذي كان فيه، وبين انتفاء العذاب كلاً أو جزءًا. " الهدى والنور" (229/ 21: 51: 00).

القيامة الكبرى

القيامة الكبرى

[1551] باب حكم من أنكر شيئا من أشراط الساعة

[1551] باب حكم من أنكر شيئاً من أشراط الساعة [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أنكر نزول عيسى بن مريم فقد كفر، ومن أنكر خروج الدجال فقد كفر، ومن لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر، فإن جبريل عليه السلام أخبرني بأن الله تعالى يقول: من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فليتخذ ربا غيري». (باطل). [قال الإمام]: واعلم أن الإيمان بكل ما ذكر في هذا الحديث من خروج المهدي، ونزول عيسى، وبالقدر خيره وشره، كل ذلك واجب الإيمان به، لثبوته في الكتاب والسنة، ولكن ليس هناك نص في أن " من أنكر ذلك فقد كفر "، ومن أجل هذا أوردت الحديث وبينت وضعه، وهو ظاهر الوضع، وكأنه من وضع بعض المحدثين أو غيره من الجهلة، وضعه ليقيم به الحجة على منكري ذلك من ذوي الأهواء والمعتزلة، ولن تقوم الحجة على أحد بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والافتراء على الله تعالى، فقاتل الله الوضاعين ما أجرأهم على الله عز وجل. والتكفير ليس بالأمر السهل، نعم من أنكر ما ثبت من الدين بالضرورة بعدما قامت الحجة عليه، فهو الكافر الذي يتحقق فيه حقيقة معنى كفر، وأما من أنكر شيئا لعدم ثبوته عنده، أو لشبهة من حيث المعنى، فهو ضال، وليس بكافر مرتد عن الدين شأنه في ذلك شأن من ينكر أي حديث صحيح عند أهل العلم، والله أعلم. "الضعيفة" (3/ 201 - 202).

(جماع أبواب علامات الساعة الصغرى)

(جماع أبواب علامات الساعة الصغرى)

[1552] باب المستقبل للإسلام في آخر الزمان

[1552] باب المستقبل للإسلام في آخر الزمان قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون}. [قال الإمام]: تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره وحكمه على الأديان كلها, وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده - صلى الله عليه وآله وسلم - وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين, وليس كذلك, فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق, كما أشار إلى ذلك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى, فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون} أن ذلك تامّاً, قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ... » الحديث. وقد وردت أحاديث أخرى توضح مبلغ ظهور الإسلام ومدى انتشاره, بحيث لا يدع مجالا للشك في أن المستقبل للإسلام بإذن الله وتوفيقه. وها أنا أسوق ما تيسر من هذه الأحاديث عسى أن تكون سببا لشحذ همم العاملين للإسلام, وحجة على اليائسين المتواكلين: - «إن الله زوى (أي جمع وضم) لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها». الحديث - «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزّاً يعز الله به الإسلام وذلّاً يذل به الكفر».

[1553] باب من المبشرات بأن المستقبل للإسلام تقدم العرب اقتصاديا وزراعيا

- عن أبى قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي وسئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتابا قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نكتب، إذ سئل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " مدينة هرقل تفتح أولا. يعني قسطنطينية ". - «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضًّا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريّاً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة. ثم سكت». "الصحيحة" (1/ 1/31 - 34) [1553] باب من المبشرات بأن المستقبل للإسلام تقدم العرب اقتصاديّاً وزراعيّاً [قال الإمام]: إن من المبشرات بعودة القوة إلى المسلمين واستثمارهم الأرض استثماراً يساعدهم على تحقيق الغرض، وتنبئ عن أن لهم مستقبلاً باهراً حتى من الناحية الاقتصادية والزراعية قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً». [حتى قال الإمام]: قد بدأت تباشير هذا الحديث تتحقق في بعض الجهات من جزيرة العرب بما أفاض الله عليها من خيرات وبركات وآلات ناضحات

[1554] باب الجمع بين هذه الأحاديث وبين قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه»

تستنبط الماء الغزير من بطن أرض الصحراء وهناك فكرة بجر نهر الفرات إلى الجزيرة كنا قرأناها في بعض الجرائد المحلية فلعلها تخرج إلى حيز الوجود، وإن غداً لناظره قريب. "الصحيحة" (1/ 1/36). [1554] باب الجمع بين هذه الأحاديث وبين قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه» [قال الإمام]: مما يجب أن يعلم ... أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم». رواه البخاري في " الفتن " من حديث أنس مرفوعاً. فهذا الحديث ينبغي أن يفهم على ضوء الأحاديث المتقدمة وغيرها مثل أحاديث المهدي ونزول عيسى عليه السلام فإنها تدل على أن هذا الحديث ليس على عمومه بل هو من العام المخصوص، فلا يجوز إفهام الناس أنه على عمومه فيقعوا في اليأس الذي لا يصح أن يتصف به المؤمن {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون} أسأل الله أن يجعلنا مؤمنين به حقّاً. "الصحيحة (1/ 1/36). [1555] باب رفع القرآن في آخر الزمان [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة

[1556] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث جبريل في علامات الساعة «أن تلد الأمة ربتها»

ولا نسك ولا صدقة وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: " لا إله إلا الله " فنحن نقولها». [قال الإمام]: من فوائد الحديث: وفي هذا الحديث نبأ خطير، وهو أنه سوف يأتي يوم على الإسلام يمحى أثره، وعلى القرآن فيرفع فلا يبقى منه ولا آية واحدة، وذلك لا يكون قطعاً إلا بعد أن يسيطر الإسلام على الكرة الأرضية جميعها، وتكون كلمته فيها هي العليا. كما هو نص قول الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}، وكما شرح رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك في أحاديث كثيرة سبق ذكر بعضها في المقال الأول من هذه المقالات (الأحاديث الصحيحة). وما رفع القرآن الكريم في آخر الزمان إلا تمهيدا لإقامة الساعة على شرار الخلق الذين لا يعرفون شيئا من الإسلام البتة، حتى ولا توحيده! "الصحيحة" (1/ 1/173،171). [1556] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث جبريل في علامات الساعة «أن تلد الأمَةُ ربَّتها» سؤال: في حديث جبريل من علامات الساعة «أن تلد الأمة ربتها» (¬1)، كيف هذا يا شيخ؟ ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم48)، و"صحيح مسلم" (رقم102).

الشيخ: هذا بارك الله فيك كان في بعض العصور الزاهرة حينما كان تنتشر الجيوش الإسلامية في بلاد الكفر تدعوها إلى الإسلام، فمنهم من يستجيب ومنهم من لا يستجيب، فحينئذٍ ما يكون من الجيش المسلم إلا أن يحارب كما جاء في قوله عليه السلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» وكما جاء في صحيح مسلم من حديث بريدة بن الحصيب: «أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا أمر أميرًا على سرية أو جيش أوصاه، وكان من وصيته: إذا لقيتم المشركين فادعوهم إلى إحدى ثلاث: إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن أبو فأن يعطوا الجزية عند يد وهم صاغرون، فإن أبوا فالقتال» (¬1) فحينما كان يجري هذا القتال بين المسلمين وبين الكافرين يقع في أغلب الأحيان كثير من الأسرى في أيدي المسلمين من النساء ومن الرجال، ثم تجري قسمة هذه المغانم وفيها أولئك الأسرى، فيقسمها قائد الجيش المسلم على الغانمين. فكان يقع كثيرًا وكثيرًا جدًّا أن يكون حصة بعض الغانمين سبية من السبايا التي وقعت في أيدي المسلمين، فيجوز للمسلم كما أظنكم تعلمون أن يتمتع بمثل هذه السبية الأسيرة كما يتمتع الرجل بحلاله بزوجته، كما قال تعالى في وصف عباده المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (المؤمنون:5 - 6) إلى آخر الآيات، فملك اليمين هي السرية هذه التي كان أصلها غنيمة من الكفار، والذي وقع في التاريخ الإسلامي الأول وسنين طويلة وعصور مديدة فيما بعد أن هذا السيد ينكح هذه الأمة أو هذه ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم4619).

[1557] باب منه

الجارية وهي مملوكة فيرزق منها ولدًا قد يكون ذكرًا وقد يكون أنثى، والشرع يحكم بأن هذه الأمة أو الجارية إذا رزقت من سيدها ولدًا فهذا الولد يعتقها، فإذا كان المولود منها من سيدها بنتًا فهذه البنت هي تلحق بأبيها فهي سيدة، فقوله عليه السلام: «وأن تلد الأمة ربتها» فهي كانت أمة ثم ولدت هذه البنت من سيدها فهي ربتها، أي: سيدتها، هذا من معاني التي ذكرها شراح الحديث في هذا الحديث. وبعضهم قال معنًى آخر، معنى مجازي يمكن أن يكون صوابًا لكن المعنى الأول هو المتبادر، قالوا: هذا إشارة إلى فساد التربية وفساد الزمان، بحيث أن السيدة الحرة حينما ترزق من سيدها من زوجها الحر أيضًا .. حينما ترزق منه بنتًا، فبسبب سوء تربية هذه البنت - وهذا مشاهد اليوم - تصبح هذه البنت متعالية على أمها، فكأن أمها هي عبدة مملوكة وهي سيدتها، هذا من معاني قوله عليه السلام: «وأن تلد الأمة ربتها» هي ليست أمةً حقيقةً كما هو في التفسير الأول، لكن بالنسبة لسوء التربية تصبح ابنتها سيدة عليها وهي كأنها عبدة لها ومملوكة لها، والواقع أنها حرة بنت حرة، لكن سوء التربية قلب الأمر فجعل الأم التي هي سيدة أمة، وجعل البنت التي هي بنت هذه كأنها هي السيدة تستعلي عليها وتتأمر عليها ولا تسمع كلامًا، والأم تضطر أن تخضع لأوامرها وهذا هو المشاهد في هذا الزمان. "فتاوى رابغ" (2/ 00:52:14). [1557] باب منه [قال الإمام]: وقد اختلفوا في المراد [أي بهذا الحديث] على أقوال حكاها الحافظ، ومال إلى أن المعنى: أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة الولد أمه

[1558] ظهور السيارات في آخر الزمان

معاملة أمته من الإهانة والسب والضرب والاستخدام. فأطلق عليه (ربها) مجازاً لذلك، أو المراد بـ (الرب): المربي، فيكون حقيقة. "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 751). [1558] ظهور السيارات في آخر الزمان عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «يكون في آخر أمتي رجال يركبون على سرج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كان وراءكم أمة من الأمم خدمهن نساؤكم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم». [قال الإمام]: حسن. [ثم علق قائلاً]: الحديث معجزة علمية غيبية للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فإنه يشير إلى السيارات الفاخرة التي يركبها أشباه الرجال الذين يأتون عليها إلى المساجد مشيعين للجنازة, فإذا أدخلت المسجد للصلاة عليها؛ ظل أولئك في سياراتهم أو واقفين بجانبها بالانتظار. "صحيح موارد الظمآن" (2/ 47). [1559] باب من أشراط الساعة ظهور التعصب المذهبي [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «من اقتراب (وفي رواية: أشراط) الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار ويفتح القول ويخزن العمل ويقرأ بالقوم المثناة، ليس فيهم أحد ينكرها. قيل: وما

المثناة؟ قال: ما استكتب سوى كتاب الله عز وجل». [قال الإمام]: (فائدة):هذا الحديث من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقد تحقق كل ما فيه من الأنباء، وبخاصة منها ما يتعلق بـ (المثناة) وهي كل ما كتب سوى كتاب الله كما فسره الراوي، وما يتعلق به من الأحاديث النبوية والآثار السلفية، فكأن المقصود بـ (المثناة) الكتب المذهبية المفروضة على المقلدين. التي صرفتهم مع تطاول الزمن عن كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - كما هو مشاهد اليوم مع الأسف من جماهير المتمذهبين، وفيهم كثير من الدكاترة والمتخرجين من كليات الشريعة، فإنهم جميعاً يتدينون بالتمذهب، ويوجبونه على الناس حتى العلماء منهم، فهذا كبيرهم أبو الحسن الكرخي الحنفي يقول كلمته المشهورة: " كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ". فقد جعلوا المذهب أصلاً، والقرآن الكريم تبعاً، فذلك هو (المثناة) دون ما شك أو ريب. وأما ما جاء في " النهاية " عقب الحديث وفيه تفسير (المثناة): " وقيل: إن المثناة هي أخبار بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله، فهو (المثناة)،فكأن ابن عمرو كره الأخذ عن أهل الكتاب، وقد كان عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك منهم. فقال هذا لمعرفته بما فيها ". قلت: وهذا التفسير بعيد كل البعد عن ظاهر الحديث، وأن (المثناة) من علامات اقتراب الساعة، فلا علاقة لها بما فعل اليهود قبل بعثته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا جرم أن

[1560] باب الفتنة من المشرق

ابن الأثير أشار إلى تضعيف هذا التفسير بتصديره إياه بصيغة " قيل " وأشد ضعفا منه ما ذكره عقبه: " قال الجوهري: (المثناة) هي التي تسمى بالفارسية (دوبيتي). وهو الغناء "! "الصحيحة" (6/ 2/774 - 776). [1560] باب الفتنة من المشرق [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ألا إن الفتنة ههنا، ألا إن الفتنة ههنا [قالها مرتين أو ثلاثا]، من حيث يطلع قرن الشيطان، [يشير [بيده] إلى المشرق، وفي رواية: العراق]». [قال الإمام]: وطرق الحديث متضافرة على أن الجهة التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هي المشرق، وهي على التحديد العراق كما رأيت في بعض الروايات الصريحة، فالحديث علم من أعلام نبوته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن أول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة كبدعة التشيع والخروج ونحوها. وقد روى البخاري (7/ 77) وأحمد (2/ 85، 153) عن ابن أبي نعم قال: "شهدت ابن عمر وسأله رجل من أهل العراق عن محرم قتل ذبابا فقال: يا أهل العراق! تسألوني عن محرم قتل ذبابا، وقد قتلتم ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «هما ريحانتي في الدنيا». وإن من تلك الفتن طعن الشيعة في كبار الصحابة رضي الله عنهم، كالسيدة عائشة الصديقة بنت الصديق التي نزلت براءتها من السماء. "الصحيحة" (5/ 653، 655، 656).

[1561] باب الجمع بين قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تنتهي البعوث عن غزو هذا البيت، حتى يخسف بجيش منهم» وبين قوله: «لا تغزى مكة بعد إلى يوم القيامة»

[1561] باب الجمع بين قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تنتهي البعوث عن غزو هذا البيت، حتى يخسف بجيش منهم» وبين قوله: «لا تغزى مكة بعد إلى يوم القيامة» [قال الإمام]: اعلم أنه لا منافاة بين هذا الحديث و (حديث) ... : " لا تغزى مكة بعد إلى يوم القيامة " لأن المثبت من الغزو في هذا غير المنفي في ذاك، ألا ترى إلى تفسير سفيان إياه بقوله: " إنهم لا يكفرون أبدا ولا يغزون على الكفر ". ويؤيده قوله في هذا الحديث: " يخسف بجيش منهم ". فهو صريح في أن هذا الجيش من الكفار، أو البغاة، وإن كان فيهم مؤمنون مكرهون، فهم يؤمون البيت ليغزوا من فيه من المسلمين، فلا تعارض، والحمد لله. "الصحيحة" (5/ 558 - 560). [1562] باب القحط في آخر الزمان وبيان خطأ من حدد وقته [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يُوشِكُ أن تطلبُوا في قُراكُم هذه طَسْتاً من ماءٍ فلا تَجدونَهُ، يَنْزَوِي كلُّ ماءٍ إلى عُنْصُرِهِ؛ فيكون في الشام بَقِيَّةُ المؤمنين والماءُ». [قال الإمام]: والحديث حمله مؤلف كتاب "المسيح الدجال قراءة سياسية في أصول الديانات الكبرى" (ص 214) على أنه يكون بعد القحط الذي قال: إنه يأتي بعده الدجال!

وليس فيه ولا في غيره- فيما أعلم- ما يدل على هذا التحديد، فيمكن أن يكون قبل ذلك أو بعده، وهذا لعله هو الأقرب أن يكون بين يدي القيامة. ومن المفيد هنا أن أنقل إلى القراء ما جاء في الكتاب المذكور (ص 210) فيما يتعلق بنضوب المياه: "أصدر معهد (وواردوانش) الأ مريكي دراسة تشير إلى أن العالم استخرج كميات كبيرة من المياه الجوفية، وفي (تكساس) و (نيومكسيكو) أصبح هناك احتمال بنضوب المياه الجوفية تماماً في هذه المنطقة؛ وفي الأقاليم الشمالية يهبط مستوى المياه الجوفية بمقدار 12 قدماً كل عام. (الأهرام1/ 10/1985). وأشارت دراسة في الولايات الأمريكية أن العالم سوف يتعرض لنقص في موارد المياه التي لا علاج لها، ولن تفيد الطرق التقليدية في توفير المياه، مثل السدود والخزانات والقنوات. (أهرام 2/ 10/1985). كما أعلن مركز تحليل المناخ الفيدرالي في الولايات المتحدة في بيان له أن درجة حرارة مياه المحيط الهادي آخذة في الارتفاع. وهذه الظاهرة تؤثر على الأحوال المناخية في جميع أنحاء العالم، وتؤدي إلى تفاقم حالة الجفاف في إفريقيا واستراليا، وفيضانات في الصين، وسيول رعدية في (بيرو) و (أكوادور)، وعواصف وأعاصير على الولايات المتحدة وكندا وجنوب إفريقيا. (أهرام 16/ 10/1986) ". "الصحيحة" (7/ 1/210 - 211).

[1563] باب شرطة آخر الزمان

[1563] باب شرطة آخر الزمان [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يكون في هذه الأمة في آخر الزمان رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر، يغدون في سخط الله ويروحون في غضبه». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (4/ 517). [1564] باب من أشراط الساعة زخرفة المساجد [قال الإمام]: [من أحكام المساجد] أن لا يزخرفه ويزينه؛ لأنه تضييع للمال فيما لا فائدة فيه لما فيه من إلهاء المصلي عن الخشوع الذي هو روح الصلاة ولبها. [ثم ساق الإمام الأدلة على ذلك ثم قال]: وبالجملة فمجموع هذه الأحاديث يدل على ثبوت نهيه عليه الصلاة والسلام عن زخرفة المساجد وقد أشار إلى ذلك في الحديث الآتي: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد» الحديث أخرجه النسائي، والدارمي، وابن ماجه، والبيهقي، وأحمد من طرق عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس مرفوعاً به. وهذا سند صحيح على شرط مسلم ولفظ النسائي: «من أشراط الساعة أن يتباهى. . .» الحديث.

وفي هذا الحديث والذي قبله كراهة تزويق المساجد، وتزيينها بالنقوش والحمرة والصفرة، وكل ما يلهي المصلي ويشغله عن الخشوع الذي هو روح جسم العبادة، كما قال الصنعاني، وفوق هذا ففيه إضاعة المال بدون أية فائدة للمسجد، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، وذلك أنه ليس المقصود من بناء المساجد إلا أن تَكِنّ الناس من الحر والقر كما سبق عن عمر رضي الله عنه، وزخرفتها ليس من ذلك في شيء، ولذلك نهى عنه عمر رضي الله عنه بقوله: "وإياك أن تحمر أو تصفر". قال ابن بطال: " كأن عمر فهم ذلك من رد الشارع الخميصة إلى أبي جهم من أجل الأعلام التي فيها، وقال: " إنها ألهتني عن صلاتي». قال الحافظ: «ويحتمل أن يكون عند عمر من ذلك علم خاص بهذه المسألة». ثم ذكر الحديث المتقدم قريبا عن عمر مرفوعا بلفظ: «ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم». وقد روى البخاري، وأبو داود، وأحمد، وعنه البيهقي، عن ابن عمر رضي الله عنه: أن المسجد كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مبنيًّا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - باللبن والجريد، وأعاد عمده خشباً، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة (الجص) وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج. قال الحافظ: "و (الساج): نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند، وقال ابن بطال وغيره:" هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد، وترك الغلو في

تحسينه، فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده؛ لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه، ثم كان عثمان - والمال في زمانه أكثر - فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة، ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه كما سيأتي بعد قليل. وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان، وذلك في أواخر عصر الصحابة، وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفاً من الفتنة. . . وقال ابن المنير: لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صوناً لها عن الاستهانة، وتعقب بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال، وإن كان لخشيته شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة، وفي حديث أنس علم من أعلام النبوة لإخباره - صلى الله عليه وآله وسلم - بما سيقع فوقع كما قال". قال الشوكاني: "ومن جملة ما عول عليه المجوزون للتزيين بأن السلف لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك، وبأنه بدعة مستسحسنة، وبأنه مرغب إلى المسجد، وهذه حجج لا يعول عليها من له حظ في التوفيق، لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأنه نوع من المباهاة المحرمة، وأنه من علامات الساعة كما روي عن علي عليه السلام، وأنه من صنع اليهود والنصارى، وقد كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يحب مخالفتهم ويرشد إليها عموماً وخصوصاً، ودعوى ترك إنكار السلف ممنوعة؟ لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل، وأحدثوا من البدع ما لا يأتي عليه الحصر، ولا ينكره أحد، وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا، بل قام في وجه باطلهم جماعة

من علماء الآخرة، وصرخوا بين أظهرهم بنعي ذلك عليهم، ودعوى أنه بدعة مستحسنة باطلة وقد عرفناك وجه بطلانها في شرح حديث: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» في باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب، ودعوى أنه مرغب إلى المسجد فاسدة؛ لأن كونه داعياً إلى المسجد ومرغباً إليه لا يكون إلا لمن غرضه وغاية قصده النظر إلى تلك النقوش والزخرفة، فأما من كان غرضه قصد المساجد لعبادة الله - التي لا تكون عبادة على الحقيقة إلا مع خشوع وإلا كانت كجسم بلا روح - فليست إلا شاغلة عن ذلك كما فعله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الأنبجانية التي بعث بها إلى أبي جهم، وكما تقدم من هتكه للستور التي فيها نقوش، وكما سيأتي في " باب تنزيه قبلة المصلي عما يلهي " وتقديم البدع المعوجة التي يحدثها الملوك توقع أهل العلم في المسالك الضيقة فيتكلفون لذلك من الحجج الواهية ما لا ينفق إلا على بهيمة ". ومما يدلك على أن دعوى كون السلف لم يقع منهم الإنكار على من فعل التزيين به دعوى باطلة في الجملة: ما روى سعيد بن منور: ثنا سفيان عن [ابن] أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب قال: دخلت مع ابن عمر مسجداً بالجحفة فنظر إلى شرفاته فخرج إلى موضع فصلى فيه ثم قال لصاحب المسجد: إني رأيت في مسجدك هذا - يعني الشرفات - شبهتها بأنصاب الجاهلية فأمر أن تكسر. نقلته من "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الستة غير إسماعيل هذا وهو ثقة كما في " التقريب". وفي " المدونة " لابن القاسم: قال: سمعت مالكاً، وذكر مسجد المدينة وما

[1565] باب تمنع الجزية عن أهل العراق في آخر الزمان

عمل في قبلته من التزويق وغيره قال: كره ذلك الناس حين فعلوه، وذلك يشغل الناس في صلاتهم ينظرون إليه فيلهيهم. من أجل ذلك كره كثير من العلماء الصلاة في المساجد المزخرفة والمزينة فقال المناوي في " الفيض ": " قالت الشافعية: وتكره الصلاة في مسجد مشرف لما في "سنن البيهقي " عن ابن عمر: نهانا - أو نهينا - أن نصلي في مسجد مشرف. وأخذ منه كراهتها في المزوق والمنقوش بالأولى؛ لما فيه من شغل قلب المصلي، ويحرم نقشه، واتخاذ شرفات له من غلة ما وقف على عمارته أو مصالحه. "الثمر المستطاب" (1/ 462، 465 - 471). [1565] باب تمنع الجزية عن أهل العراق في آخر الزمان [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يكونُ في آخرِ أمتي خليفةٌ يَحْثُو المالَ حَثْواً؛ لا يَعُدُّهُ عَدّاً». [قال الإمام]: أخرجه أحمد (3/ 317): ثنا إسماعيل- هو ابن عُلَيَّة- عن الجُرَيري عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله قال: يوشك أهل العراق أن لا يُجبى إليهم قَفِيز ولا درهم. قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قِبَل العجم يمنعون ذاك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم ديناراً ولا مُدَّ قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قِبَل الروم يمنعون ذاك.

قال: ثم أمسك هُنَيَّةً، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ... فذكره. (فائدة): قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم ": "وفي معنى " منعت العراق " وغيرها قولان مشهوران: أحدهما: لإسلامهم، فتسقط عنهم الجزية، وهذا قد وُجد. والثاني: أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان؛ فيمنعون حصول ذلك للمسلمين. وقد روى مسلم عن جابر: " يوشك أن لا يجبى إليهم قفيز " فذكر الحديث، قال النووي: " وهذا قد وجد في زماننا في العراق، وهو الآن موجود. وقيل: لأنهم يرتدون في آخر الزمان؛ فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها. وقيل: معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان؛ فيمتنعون مما كانوا يؤدونه من الجزية والخراج وغير ذلك ". قلت: وهذا المعنى هو الظاهر المتبادر من لفظ "المنع "؛ بخلاف المعنى الأول، فهو عنه بعيد جداً؛ لأن من أسلم وسقطت عنه الجزية لا يصح أن يقال فيه: امتنع من أداء ما عليه؛ كما هو ظاهر بين. ولقد كان الداعي إلى تخريج هذا الحديث؛ وبيان أن الموقوف منه في حكم المرفوع؛ وبيان معناه؛ أن بعض الناس اليوم ظنوا أن لهذا الحديث علاقة بالفتنة العمياء التي حلت على المسلمين بسبب اجتياح الجيش العراقي لدولة الكويت، ما فرض على العراق من الحصار البري والبحري والجوي؛ لمنع وصول المؤن والأرزاق إليها من البلاد المسالمة لها!

[1566] باب كيف الجمع بين أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل وبين قوله (- صلى الله عليه وآله وسلم -): «إن من أشراط الساعة أن يفيض المال ويكثر الجهل وتظهر الفتن وتفشو التجارة [ويظهر العلم]»

فكثر السؤال عن هذا الحديث بهذه المناسبة، وهل له علاقة أو ارتباط بهذا الحصار للعراق؟ فأجبت بالنفي، وبينت لهم معناه بنحو ما تقدم نقله عن الإمام النووي - رحمه الله -. كتبت هذا نهار الأربعاء: 1 صفر سنة 1411هـ. كفى الله المسلمين شر الفتن ما ظهر منها وما بطن. "الصحيحة" (7/ 1/196، 198 - 199) [1566] باب كيف الجمع بين أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل وبين قوله (- صلى الله عليه وآله وسلم -): «إن من أشراط الساعة أن يفيض المال ويكثر الجهل وتظهر الفتن وتفشو التجارة [ويظهر العلم]» [قال الإمام]: ولا يخالف ذلك [أي حديث ظهور العلم]- كما قد يتوهم البعض - ما صح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في غير ما حديث أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل؛ لأن المقصود به العلم الشرعي الذي به يعرف الناس ربهم ويعبدونه حق عبادته، وليس بالكتابة ومحو الأمية كما يدل على ذلك المشاهدة اليوم، فإن كثيرا من الشعوب الإسلامية فضلا عن غيرها، لم تستفد من تعلمها القراءة والكتابة على المناهج العصرية إلا الجهل والبعد عن الشريعة الإسلامية، إلا ما قل وندر، وذلك مما لا حكم له. وإن مما يدل على ما ذكرنا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً

[1567] باب تنبيه هام حول فهم بعض الأحاديث التي تتكلم عما سيكون آخر الزمان

ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا». رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمرو وصدقته عائشة، وهو مخرج في " الروض النضير " (رقم 579). "الصحيحة" (6/ 1/635). [1567] باب تنبيه هام حول فهم بعض الأحاديث التي تتكلم عما سيكون آخر الزمان سؤال: هل بعض الأحاديث الواردة في المدينة تنفي خبثها، والأحاديث الواردة في الصبر على لأوائها، ما أدري، بعض العلماء يقول .. يخصصها في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبعضهم يجعلها في آخر الزمان مثل المدينة تنفي خبثها عندما يأتي الدجال، وبعضهم يجعلها عامة في كل زمان؟ ... الشيخ: أما العموم فلا مجال للقول به لمصادمته الواقع، أما التخصيص بزمن الرسول عليه السلام فهذا تخصيص بغير مخصص، لكن ينبغي أن نبقي الحديث على عمومه ولا نستثني منه إلا ما دل الدليل القاطع على ذاك الاستثناء الذي قلته آنفًا، وأعني بإيجاز أنه ليس خاصًا بزمنه ولا مضطردًا في كل زمن، وهذا له أمثلة في نصوص كثيرة مثلًا: «ذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم» (¬1) هذا من البداهة في مكان بأنه لا يمكن أن يقال فيه أنه خاص بزمن الرسول أو بزمن آخر، لكن لا مجال للقول بأنه يشمل كل الأزمان، وهكذا الأمثلة تتكرر، مثلًا في الحديث ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم702).

المعروف المشهور بل المتواتر: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» (¬1) إلى آخره جاء في صحيح البخاري في رواية معاوية لهذا الحديث المرفوع، يقول هذا معاوية يقول وهو الذي روى الحديث مرفوعًا، يقول: وهذا معاذ يقول: هم في الشام. مداخلة: معاوية يحكي عن معاذ؟ الشيخ: يحكي عن معاذ نعم، معاذ هو الذي يقول هذا الكلام: هم في الشام، فليس من الضروري أن يكونوا في الشام في كل لحظة في كل دقيقة في كل ساعة في كل يوم في كل أسبوع وهكذا تطرد، على ما يشاء الله عز وجل لكن بلا شك الغالب أنهم في الشام مع استحضار أن معنى الشام أوسع مما يدور في أذهان كثير من الناس اليوم بسبب حياتهم وغفلتهم عن التقسيمات السياسية ... فالشام سوريا والأردن وفلسطين ولبنان نعم، فبهذا المعنى الواسع يكون الحديث ماشيًا، لكن ليس بهذا المعنى الضيق في اللحظة، ممكن مثلًا أن يأتي زمن كما هو الزمن الحاضر الآن كما كان في زمن بعض الفتن المغول مثلًا حينما هجموا على هذه البلاد فيفر المسلمون بدينهم إلى بلاد أخرى، فلا يقال: أن الحديث كيف ... تطبيقه، إنما نقول: هذا لا يعني الاطراد الدقيق الذي ذكرته آنفًا في اللحظة في الدقيقة إلى آخره، وعلى هذا النوع من المعنى الواسع من جهة والضيق من جهة أخرى يمكن أن نفسر الحديث الذي ذكرت آنفًا، والله أعلم. "لقاءات المدينة" (6/ 00:38:06). ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم1920) و"صحيح مسلم" (رقم53).

[1568] باب هل ورد عن سلمان الفارسي حديث في أشراط الساعة؟

[1568] باب هل ورد عن سلمان الفارسي حديث في أشراط الساعة؟ سؤال: هل ورد عن سلمان الفارس رضي الله عنه يروي عن النبي عليه الصلاة والسلام حديثاً في أشراط الساعة، فإني سمعت من أحد الإخوان يقول: في حديث عن سلمان رضي الله عنه يرويه عن النبي عليه الصلاة والسلام في أشراط الساعة، فيسأل أين أجده وكذا .. إن كان ينصح .. الشيخ: أنا لا استحضر حديثًا في أشراط الساعة لسلمان، لكن لو أنك تعرف جملة من هذا الحديث ممكن أن نتذكر شيئًا من ذلك، الآن لا أستحضر. "فتاوى جدة" (6/ 00:41:43). [1569] باب ما قيمة كتابي «الإشاعة في أخبار الساعة» و «الإذاعة ... » العلمية. [سئل الشيخ عن كتاب «الإشاعة في أخبار الساعة»، فأجاب:] الشيخ: الإشاعة أو الإذاعة في اثنين، في كتابين: في إشاعة وفي إذاعة؛ الإشاعة للحسيني والإذاعة لصديق حسن خان. لا شك أن الكتاب الثاني الإذاعة خير من الإشاعة، لأن صديق حسن خان من أهل الحديث، أما الحسيني هذا فمن الفقهاء المتأخرين وله مع الأسف يعني حملات على من كانوا يسمون قديماً وأحياناً حديثاً بالوهابية، فله حملات عليهم لأنه كان مفتياً في مكة. المهم أن كتاب الإشاعة جمع فأوعى، ولم يهتم بتمييز الصحيح من الضعيف عند الروايات التي حشرها وجمعها، بخلاف صديق حسن خان في الإذاعة فإن له

[1570] باب منه

شيئاً من هذه العناية في التصحيح والتضعيف وإن كان أنه لم يبلغ في ذلك الغاية، لكنه خير من الإشاعة. نعم. "الهدى والنور" (316/ 50: 34: 00). [1570] باب منه السائل: .. هل عرفتم هذا مؤلف الكتاب واسمه محمد بن رسول الحسيني البرفنجي ثم المدني، صاحب كتاب الإشاعة في أشراط الساعة? الشيخ: نعم معروف هذا. مداخلة: ماذا تقولون فيه وبعلمه واتجاهه? الشيخ: لا هو ليس محققاً هو جماع حطاب .. واضح? مداخلة: واضح. "الهدى والنور" (664/ 32: 41: 00).

(علامات الساعة الكبرى)

(علامات الساعة الكبرى) جماع أبواب ظهور المهدي وخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام

(تواتر أحاديث ظهور المهدي وخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام)

(تواتر أحاديث ظهور المهدي وخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام) [1571] باب إثبات تواتر الأحاديث الواردة في خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام [قال الإمام]: (اتفق) أهل العلم بالحديث وحفاظه على تواتر حديث الدجال ونزول عيسى عليه السلام من السماء؛ كالحافظ ابن كثير (¬1) وابن حجر وغيرهما؛ بل إن الإمام الشوكاني ألف رسالة سماها: "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح". وقد تيقَّنت - أنا شخصيًّا - بتواتر أحاديث الدجال وعيسى حينما كتبت الرسالة المشار إليها آنفاً، وقد بلغت الطرق التي تجمعت عندي - يومئذٍ - أكثر من أربعين طريقاً عن نحو أربعين صحابيّاً، بعضها على شرط الصحة، وسائرها أكثر شواهدها معتبرة، ومن المؤسف أنني لا أدري أين بقيت الآن بسبب النقلة من دار إلى أخرى؟! ثم تَجَدَّد يقيني بذلك في دراستي لحديث أبي أمامة المشار إليها في المقدمة [أي مقدمة كتاب: قصة المسيح الدجال]. ¬

(¬1) "النهاية" لابن كثير (1/ 148). [منه].

وإليك تسمية الصحابة الذين رووا أحاديث الدجال -الذين خرَّجت أحاديثهم في هذه الدراسة؛ علماً بأنها لم تستقصِ كل ما ورد في ذلك لعدم مناسبته للدراسة المذكورة-: هشام بن عامر. عبد الله بن مغفل. حذيفة بن اليمان. جابر بن عبد الله. عبد الله بن عمر. أنس بن مالك. أبو هريرة. النواس بن سمعان. نفير بن مالك. عائشة. أم سلمة. بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. عبادة بن الصامت. عبد الله بن عباس. أبو بكرة الثقفي. رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. أبو سعيد الخدري. فاطمة بنت قيس.

أم شريك. عبد الله بن مسعود. عبد الله بن عمرو. وهناك صحب آخرون روي عنهم أحاديث في الدجال بأسانيد لا بأس بها في الشواهد؛ وهم: أبو أمامة. سعد بن أبي وقاص. عبد الله بن مغنم. أسماء بنت يزيد الأنصارية. محجن بن الأردع. عثمان بن أبي العاص. سمرة بن جندب. مجمَّع بن جارية. أسماء بنت عميس. ثم إليك أسماء الصحابة الذي رووا حديث نزول عيسى عليه السلام: عبد الله بن مغفل. أبو هريرة. النواس بن سمعان. نفير بن مالك. عائشة. جابر بن عبد الله.

أبو هريرة. حذيفة بن أسيد. عبد الله بن عمرو. وهذه أسماء الصحابة الآخرين الذين روي عنهم أحاديث نزول عيسى عليه السلام بأسانيد لا بأس بها في الشواهد: أبو أمامة الباهلي. بعض أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. سمرة. حذيفة بن اليمان. مجمَّع بن جارية الأنصاري. إن هذا العرض السريع لطرق حديث الدجال، وحديث عيسى عليه الصلاة والسلام، ورواتهما من الصحابة الكرام الصادقين؛ ليتبين لكل ذي عينين أن الحديث متواتر بذلك، وأن كل من يشك في ذلك فهو من المرتابين في الدين كله، أو هو - على الأقل - معرَّض لذلك أشد التعريض؛ لأن ما كان منه تواتراً - كالقرآن وبعض الأحاديث - فهي معرَّضة عنده لجحدها بطريق التأويل؛ بل التعطيل، وما كان منها لم يبلغ مبلغ التواتر؛ فهي معرَّضة لديه لإنكارها بطريق الشك في ثبوت نسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ومن هنا يظهر أن كل المؤمنين بالدين الإسلامي؛ فهم على خطر في إيمانهم إذا لم يعتمدوا على مذهب أهل الحديث في تلقيهم للدين؛ فإنهم أعلم الناس بما هو منه ثبوتاً، وما ليس منه روايةً، وأعرف الناس بمعانيها ومقاصدها؛ لأنهم تلقوا

كل ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالطرق العلمية الصحيحة التي لا سبيل إلى معرفة الدين إلا بها، وبدونها يصير الدِّين هوىً متَّبعاً، وهذا هو الداء العضال الذي أصاب العالم الإسلامي اليوم، ولم ينج منه إلا الطائفة المنصورة التي بشر بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في أحاديث كثيرة متواترة؛ منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم؛ حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال» (¬1). أقول: ولعل ذلك الذي ذكرنا من طريق المرتابين هو السبب في تشديد عمر على المكذبين بالدجال - وغيره مما ثبت في السنة الصحيحة - فقد روى يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر وهو يقول: "سيكون فيكم قوم من هذه الأمة يكذّبون بالرجم، ويكذّبون بالدجال، ويكذّبون بطلوع الشمس من مغربها، ويكذّبون بعذاب القبر، ويكذّبون بالشفاعة، ويكذّبون بقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا، فلئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود". أخرجه الداني في "الفتن" (ق23/ 2)، وأحمد (1/ 23)، مختصراً، وإسناده حسن. "قصة المسيح الدجال " (ص24 - 30). ¬

(¬1) خرَّجته في "الصحيحة" برقم (1959). [منه].

[1572] باب أحاديث الدجال ونزول عيسى متواترة، وذكر بعض أهل الضلال ممن أنكر ذلك

[1572] باب أحاديث الدجال ونزول عيسى متواترة، وذكر بعض أهل الضلال ممن أنكر ذلك [قال الإمام]: اعلم أن أحاديث الدجال ونزول عيسى عليه السلام متواترة يجب الإيمان بها, ولا تغتر بمن يدعي فيها أنها أحاديث آحاد, فإنهم جهال بهذا العلم, وليس فيهم من تتبع طرقها, ولو فعل لوجدها متواترة كما شهد بذلك أئمة هذا العلم كالحافظ ابن حجر وغيره, ومن المؤسف حقاً أن يتجرأ البعض على الكلام فيما ليس من اختصاصهم, لا سيما والأمر دين وعقيدة! وإن من هؤلاء أخيراً المدعو عز الدين بليق في كتابه "موازين القرآن والسنة" الذي زعم فيه تقليداً لغيره ممن لا معرفة عنده بهذا العلم - أن روايات نزول عيسى بعد الدجال إنما هي من رواية وهب بن منبة وكعب الأحبار وهذا اختلاق محض, فلا وجود لهما في شيء منها مطلقاً, وقد كنت قديماً خرجت نحو أربعين حديثاً ليس لهما فيها ذكر! "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 501). [1573] باب أحاديث خروج الدجال ونزول عيسى متواترة -[قال الإمام معلِّقاً على قول صاحب الطحاوية: "ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء"]: والأحاديث في ذلك متواترة كما شهد بذلك كثير من الحفاظ المهرة، ولي رسالة في ذلك أسميتها: " قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام". "التعليق على متن الطحاوية" (ص107).

[1574] باب أحاديث الدجال، والمهدي، وعيسى متواترة، والرد على من أنكر ذلك

[1574] باب أحاديث الدجال، والمهدي، وعيسى متواترة، والرد على من أنكر ذلك [قال الإمام]: قرأت منذ بضعة أيام كتاب " الإسلام المصفى " [ثم علق في الحاشية قائلاً]: تأليف محمد عبد الله السمان وهو - والحق يقال كتاب قيم قد عالج فيه كثيراً من المسائل والقواعد التي تهم المسلم في العصر الحاضر، ولكنه عفا الله عنه قد اشتط كثيراً في بعض ما تحدث عنه، ولم يكن الصواب فيه حليفه، مثل مسالة إعفاء اللحية .. ومثل إنكاره شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - لأهل الذنوب، وإنكاره نزول عيسى، وخروج الدجال، والمهدي. قد أنكر كل ذلك وزعم أنها " ضلالات مصنوعة " وأن الأحاديث التي وردت فيها أحاديث آحاد لم تبلغ حد التواتر. ونحن نقول للأستاذ كلمتين مختصرتين: 1 - دعواك أن الأحاديث المشار إليها غير متواترة غير مقبولة منك، ولا ممن سبقك إليها، مثل الشيخ شلتوت وغيره؛ لأنها لم تصدر من ذوي الاختصاص في علم الحديث، ولا سيما وقد خالفت شهادة المتخصصين فيه كالحافظ ابن كثير، وابن حجر، والشوكاني، وغيرهم حيث صرحوا بأن حديث النزول متواتر، وذلك يتضمن تواتر حديث خروج الدجال من باب أولى؛ لأن طرقه أكثر؟ كما لا يخفى على المشتغلين بهذا العلم الشريف، وقد كنت جمعت في بعض المناسبات الطرق الصحيحة فقط لحديث النزول فجازوت العشرين

[1575] باب أحاديث الدجال ونزول عيسى متواترة

طريقاً عن تسعة عشر صحابياًّ فهل التواتر غير هذا؟! 2 - تقسيمك أنت وغيرك - أيا كان - الأحاديث الصحيحة إلى قسمين: قسم يجب على المسلم قبولها ويلزمه العمل بها وهى أحاديث الأحكام ونحوها. وقسم لا يجب عليه قبولها والاعتقاد بها وهي أحاديث العقائد وما يتعلق منها بالأمور الغيبية. أقول: إن هذا تقسيم مبتدع لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا يعرفه السلف الصالح، بل عموم الأدلة الموجبة للعمل بالحديث تقتضي وجوب العمل بالقسمين كليهما ولا فرق، فمن ادعى التخصيص فليتفضل بالبيان مشكوراً وهيهات هيهات. ثم ألفت رسالتين هامتين جداًّ في بيان بطلان التقسيم المذكور الأولى: " وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة " والأخرى: " الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ". "تمام المنة" (ص78 - 79). [1575] باب أحاديث الدجال ونزول عيسى متواترة [قال الإمام]: (أحاديث) الدجال ونزول عيسى عليه السلام وهي متواترة عندهم، ونحوها أحاديث خروج المهدي - مهدي السنة لا الشيعة - فإنها صحيحة أيضا بل متواترة عند أهل العلم. "حياة الألباني" (1/ 234).

[1576] باب نزول عيسى متواتر

[1576] باب نزول عيسى متواتر [أورد شيخ الإسلام في كتاب "الإيمان" قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "والذي نفسي بيده لينزلن فيكم ابن مريم حكماً عدلا وإماما قسطًا"]. [فعلق الإمام قائلاً]: متفق عليه. ونزول عيسى عليه السلام متواتر يجب الإيمان به، ولا يغتر بمن يزعم أنه حديث آحاد، فإنه ليس من أهل العلم بهذا الشأن، كيف ذلك وقد استخرجت له أنا بنفسي عشرين طريقًا عن عشرين صحابيًا بأكثر من عشرين سندًا صحيحًا؟!. "تخريج الإيمان لابن تيمية" (ص357).

(المهدي)

(المهدي) [1577] باب خروج المهدي حقيقة عند العلماء [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا ملئت جوراً وظلماً، بعث الله رجلا مني، اسمه اسمي، فيملؤها قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (4/ 38). [1578] باب من علامات المهدي [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به ثم قال]: وفي الباب أحاديث أخرى فيها التصريح بأن الإمام الذي يصلي خلفه عيسى عليه السلام إنما هو المهدي، تراها في "العرف الوردي" للسيوطي (ص 81، 83، 84)، وقد مضى منها حديث جابر قريباً (2236).وختم السيوطي ذلك بما نقله عن أبي الحسن السحري (!): "قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - بمجيء المهدي وأنه من أهل بيته، ... وأنه يخرج مع عيسى بن مريم، فيساعده على قتل الدجال ... وأنه يؤم هذه الأمة، وعيسى يصلي خلفه .. ". "الصحيحة" (5/ 371 ـ 372).

[1579] باب في علامات قرب خروج المهدي

[1579] باب في علامات قرب خروج المهدي سؤال: يقول: ما رأي فضيلتكم في الأحاديث الواردة في كتاب: الإشاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة، وكتاب: الإذاعة، وذلك حول الأمارات الدالة على قرب خروج الإمام المهدي، وعلامات خروجه وهي كما ذكرها: جفاف بحيرة طبرية .. انحسار نهر الفرات .. وجفاف مياهه عن جبل من ذهب .. عدم إثمار نخل بيسان .. انكساف الشمس في أول رمضان وانخساف القمر في ليلة النصف منه، وهل قطع مياه الفرات الآن عن سوريا والعراق في الوقت الحاضر، أفيدونا أثابكم الله بإسهاب عن هذا الموضوع. الشيخ: أما القطع المذكور فليس له علاقة بأشراط الساعة، فإنه خلاف سياسي قد يزول إن شاء الله، أما كسوف الشمس والقمر فليس فيه حديث صحيح، أما سائر العلامات التي ذكرت في السؤال فهي ثابتة، وأخيرًا: فليس هناك تحديد لوقت خروج المهدي ونزول عيسى عليهما السلام، ولا أعتقد أن هذا الوقت فيه نذر وعلامات تمكننا من تحديد وقت خروج المهدي أو نزول عيسى عليه السلام، لا سبيل إلى ادعاء شيء من ذلك إلا على سبيل التظنن والتخرص وهذا لا يجوز في دين الله. وأنا أقول بمثل هذه المناسبة: أن كثيرًا ممن ينتمي إلى العلم وإلى الدعوة إلى الإسلام قد ينكر أحاديث نزول عيسى عليه السلام وخروج المهدي عليه السلام؛ لأنها كواقع مع الأسف الشديد كانت سببًا .. بسبب سوء فهم الأمة لهذه الأحاديث كانت سببًا لتواكل المسلمين وتقاعسهم عن القيام بواجب العمل لإعادة الحكم الإسلامي حكمًا قائمًا في أرض الإسلام، والواقع أن هذه الأحاديث لا تعني هذا المعنى المنحرف، ومن المؤسف أن بعض الدعاة بديل أن يقوموا بواجب نشر هذه

العقيدة لثبوتها في كتب السنة ثبوتًا متواترًا من جهة، ومن جهة أخرى: بديل أن يفهموا الأمة المقصد الأسنى من تبشير الرسول عليه الصلاة والسلام لهذه الأمة بخروج المهدي ونزول عيسى عليه السلام، بدل النشر والتبشير والتقييم ماذا فعلوا؟ لقد أنكروا هذه الأحاديث الصحيحة وأوجدوا بلبلةً بين المسلمين الذين ليس عندهم من الوعي والتوعية ما تمكنهم من تمييز الأقوال الصحيحة من الأقوال الضعيفة. يجب على كل مسلم أن يدرس الأحاديث على منهج علماء الحديث، وليس على منهج علماء الرأي والفلسفة العقلية المحضة، فالفلسفة لا حدود لها وكل يرى ما يناسب هواه، وما يناسب ثقافته، وإنما الطريق لمعرفة ما صح عن الرسول، وما لم يصح إنما هو طريق علماء الحديث منذ أن كانوا على وجه الأرض إلى أن تقوم الساعة، وهو الرجوع إلى أسانيد الأحاديث وإلى تراجم رواتها. وقد تبين لكل عالم بالحديث أن هذه الأحاديث أحاديث نزول عيسى وخروج المهدي أحاديث صحيحة لا يجوز إنكارها، وإنكارها يعرض منكرها ولا شك لمفسدتين أحلاهما مر: إما الكفر؛ لأنه جحد ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالتواتر، أو الفسق إذا كان لم يقم بواجب البحث والتحقيق وهو عالم يستطيع القيام بذلك. هذا هو الواجب الأول: أن نثبت هذه الأحاديث لأنها صحيحة لا شك ولا ريب فيها. الواجب الثاني: أن نفهم الأمة أن هذه الأحاديث لا تعني أن الأمة ينبغي أن تتواكل وأن تنتظر خروج المهدي ونزول عيسى، بل عليها كلها أن تعمل لعزة الإسلام ولتطبيق الإسلام، وحينذاك سيشعرون بأن الأمة بحاجة إلى وحدة الكلمة

[1580] باب هل سيخرج المهدي في هذا الزمان؟

قبل كل شيء، ثم إلى رجل يقودهم إلى العز والمجد الغابر، هذا الرجل قد يكون المهدي عليه السلام وقد يكون رجلًا مصلحًا قبل خروجه هو؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد بشر هذه الأمة بقوله: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» فالمجددون والحمد لله موجودون وهم متتابعون على رأس كل مائة سنة، فقد يكون المهدي على رأس المائة سنة القابلة، وقد يكون بعد مائتي سنة وقد وقد؛ لأن هذا غيب لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، لكن المسلمين عليهم أن يعملوا واجبهم، ثم قد ربنا عز وجل يرسل إليهم مصلحًا ليجمع كلمتهم ويقيموا دولتهم وما ذلك على الله بعزيز. "فتاوى جدة" (4/ 00:41:50) [1580] باب هل سيخرج المهدي في هذا الزمان؟ سؤال: قيل ... إنك قلت [أن المهدي] يخرج ليس في هذا الزمان ... سيخرج في زمان .. الحرب تكون بالسيوف والرماح؟ الشيخ: لا، أنا ما أقول هذا، بس أقول ما بيخرج بهذا الزمان؛ لأنه المهدي سوف لا يستطيع أن يعمل أكثر من الرسول عليه السلام، الذي ظل بقومه عشرين سنة حتى استطاع أن يوجد من حوله أمة يقاتلون في سبيل الله، فلو خرج [المهدي و] وجد التسعمائة مليون مسلم متفرقين شذر مدر حتى يجمعهم على فكرة واحدة، على تصفية وعلى تربية، يحتاج إلى كذا سنين هو، ونص الحديث يمكث في الأرض سبع سنين، ثمان سنين، شو بده يسوي في سبع سنين ... "الهدى والنور" (149/ 21: 02: 01).

[1581] باب من هو المهدي المنتظر؟ وهل هو مهدي الشيعة؟

[1581] باب من هو المهدي المنتظر؟ وهل هو مهدي الشيعة؟ سؤال: بالنسبة للمهدي، المهدي هل هو المهدي المنتظر اللي بيتكلموا عنه الشيعة أو المهدي اللي بيقولوا عنه ... بيطلع بعد كذا عام؟ الشيخ: المهدي يا أخي تبع الشيعة خيال، مهدي الشيعة خيال لا وجود له، إلا في أدمغتهم. تسمع بالعنقاء؟ مداخلة: لا. الشيخ: العنقاء: اسم بدون جسم، ومثله الخل الوفي، تعرفوه؟ الخل الوفي، المهم: مهدي الشيعي خيال، لأنو بيقولوا هو داخل في السرداب من كذا سنين، وكل يوم بيهيؤوا ثلة من الجيش، من العسكر، من الفرسان، وبيروحوا باب المغارة من شان يستقبلوه، وهكذا لا يزالون في ضلالهم يعمهون، أما المهدي المبشر به في الأحاديث الصحيحة، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تنقضي الدنيا حتى يبعث الله رجلاً يوافق اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي -أي محمد بن عبد الله- يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، «يمكث في الأرض سبع سنوات أو ثمان سنوات». فإذن المهدي محمد بن عبد الله هو رجل من المجددين، الذين أخبر الرسول عليه السلام عنهم بقوله: «إن الله يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها على رأس كل مائة سنة». فالمهدي ما هو إلا إنسان عادي عالم مصلح، الناس يتبعونه لعلمه ولصلاحه؛ ولذلك ففي زمانه يرى الناس العدل، ولا يعودون يرون الجور والظلم [كما هو] حال المسلمين اليوم يعيشونه في كل بلاد الإسلام مع الأسف الشديد. «لا تنقضي الدنيا حتى يبعث الله رجلاً يوافق اسمه اسمي، واسم أبيه اسم

[1582] باب بيان حال حديث حول المهدي

أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً». هذا المهدي إنسان من العلماء المصلحين لم تلد النساء مثله بعد الصحابة والخلفاء الراشدين. مداخلة: قبل نزول عيسى عليه السلام. الشيخ: هو قبل لكن يلتقى به كما سمعت آنفاً، ذكرنا أنه بينزل عيسى شرقي دمشق، وبتكون الصلاة أقيمت للمهدي، فحينما يرى عيسى بيقدمه يصلي، يقول: لا، أي أنا لا أتقدمكم معشر أمة محمد تكرمة هذه الأمة. نعم. مداخلة: شيخنا: ... في شاهد لما تفضلت به وهو قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (النساء:159). الشيخ: نعم، صدق الله. "الهدى والنور" (529/ 09: 06: 00). [1582] باب بيان حال حديث حول المهدي سؤال: [نسأل] عن صحة حديث: «لا يخرج المهدي حتى يحكم رجل من جزيرة العرب وهو من العرب المتنصرة»؟ الشيخ: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين. "الهدى والنور" (316/ 30: 34: 00).

(قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه السلام)

(قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه السلام) قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام وقتله إياه على سياق رواية أبي أمامة رضي الله عنه مضافا إليه ما صح عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم (¬1) 1 - يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم [ولا تكون حتى تقوم الساعة] أعظم من فتنة الدجال [ولن ينجو أحد مما قبلها إلا نجا منها] [وإنه لا يضر مسلماً]. 2 - وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته [الأعور] الدجال [إني لأنذركموه]. 3 - وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم. 4 - وهو خارج فيكم لا محالة، [إنه لحق وأما إنه قريب فكل ما هو آت قريب]، [إنما يخرج لغضبة يغضبها] و [لا يخرج حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة]. 5 - فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج من بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، (وفي حديث أم سلمة: ¬

(¬1) وقد أبقيت على ما وضعه الألباني من معقوفات تميز الزوائد على سياق أبي أمامة دون عزو لمواضع الزيادات، فعلى من أراد الوقوف على مواضعها الرجوع إلى الأصل.

وإن يخرج بعد أن أموت يكفيكموه الله بالصالحين). 6 - وإنه يخرج [من [أرض] قبل المشرق] [يقال لها: (خراسان)] [في يهودية أصبهان] [كأن وجوههم المجان المطرقة] من خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً [وعاث] شمالا يا عباد الله فاثبتوا. [ثلاثاً]. 7 - فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي، (وفي حديث عبادة: إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا). 8 - إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي. 9 - ثم يثني فيقول: أنا ربكم. ولا ترون ربكم حتى تموتوا. 10 - وإنه أعور [ممسوح] [العين اليسرى] [عليها ظفرة غليظة] [خضراء كأنها كوكب دري] [عينه اليمنى كأنها عنبة طافية] [ليست بناتئة ولا حجراء] [جفال الشعر] [ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم] إن ربكم ليس بأعور [ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور] [ثلاثا] [وأشار بيده إلى عينيه] [وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا]. 11 - [إنه يمشي في الأرض وإن الأرض والسماء لله]. 12 - [إنه شاب قطط كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن] [قصير أفحج دعج] [هجان]. 13 - [وإنه آدم جعد] [جفال الشعر]. 14 - وإنه مكتوب بين عينيه: كافر يقرؤه [من كره عمله أو يقرؤه] كل مؤمن كاتب أو غير كاتب. 15 - وإن من فتنته أن معه جنة وناراً [ونهرا وماء] [وجبل خبز] [وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار] فناره جنة وجنته نار.

-[وسأله المغيرة بن شعبة عنه؟ فقال: قلت: إنهم يقولون: معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء؟ قال: هو أهون على الله من ذلك]. (وفي حديث آخر: [معه نهران يجريان أحدهما - رأي العين - ماء أبيض والآخر - رأي العين - نار تأجج] [فمن أدرك ذلك منكم فأراد الماء فليشرب من الذي يراه أنه نار] [وليغمض [عينيه] ثم ليطأطئ [رأسه] فإنه يجده ماء [بارداً عذباً] [طيباً] [فلا تهللوا]. وفي أخرى: فمن دخل نهره حط أجره ووجب وزره ومن دخل ناره وجب أجره وحط وزره). 16 - فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ [عليه] فواتح سورة (الكهف) [فإنها جواركم من فتنته]. 17 - وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك. 18 - وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار حتى تلقى شقين. 19 - وإن من فتنته أن يمر بالحي [فيدعوهم] فيكذبونه [فينصرف عنهم] فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت. 20 - وإن من فتنته أن يمر بالحي [فيدعوهم] فيصدقونه [ويستجيبون له] فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه وأمده خواصر وأدره ضروعاً. 21 - ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل. 22 - [يخرج في [زمان اختلاف من الناس وفرقة] (و) بغض من الناس وخفة من

الدين وسوء ذات بين، فيرد كل منهل، فتطوى له الأرض طي فروة الكبش]. 23 - [ولا يخرج حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق [يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام]. فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ. فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم. فيقول المسلمون: لا. والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم [وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون، حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام] فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً ويقتل ثلثهم -[هم] أفضل الشهداء عند الله - ويفتتح الثلث لا يفتنون أبداً [فيجعل الله الدبرة عليهم (أي الروم) فيقتتلون مقتلة إما قال: لا يرى مثلها وإما قال: لم ير مثلها، حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتاً فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح أو أي ميراث يقاسم؟] فيبلغون قسطنطينية فيفتحونها (وفي رواية: سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر. فيسقط أحد جوانبها الذي في البحر ثم يقولوا الثانية:

لا إله إلا الله والله أكبر. فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر. فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا) فبينما هم يقتسمون الغنائم - قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح [الدجال] قد خلفكم في أهليكم. [فيرفضون ما بأيديهم] فيخرجون وذلك باطل [فيبعثون عشرة فوارس طليعة. قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ] فإذا جاؤوا الشام خرج»]. 24 - وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا [أربع مساجد: مسجد] مكة و [مسجد] المدينة [والطور ومسجد الأقصى]. 25 - وإن أيامه أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. قالوا: فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا اقدروا له قدره. قالوا: وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح]. 26 - وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله. قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام.

27 - لا يأتي مكة والمدينة من نقب من نقابها إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة. 28 - [وإنه ليس من بلدة إلا يبلغها رعب المسيح [الدجال] إلا المدينة [لها يومئذ سبعة أبواب] على كل نقب من نقابها ملكان يذبان عنها رعب المسيح]. 29 - حتى ينزل عند السبخة [سبخة الجرف] [دبر أحد] [فيضرب رواقه]. 30 - فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص [وأكثر من يخرج إليه النساء]. 31 - [فيتوجه قبله رجل من المؤمنين [ممتلئ شباباً] [هو يومئذ خير الناس أو من خيرهم] فتلقاه المسالح - مسالح الدجال - فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج. قال: فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء. فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحداً دونه؟ فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس [أشهد أن] هذا الدجال الذي ذكر (وفي طريق: الذي حدثنا) رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -[حديثه] قال: فيأمر الدجال به فيشبح فيقول: خذوه وشبحوه. فيوسع ظهره وبطنه ضرباً قال: فيقول: أو ما تؤمن بي؟ قال: فيقول: أنت المسيح الكذاب [فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا]. قال: فيؤمر به فيؤشر المئشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه [فيقتله] (وفي حديث النواس: فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض). قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم. فيستوي قائما قال: [ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك] ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: [والله] ما ازددت فيك إلا بصيرة. قال: ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي

بأحد من الناس. قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلا قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به. فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين]. 32 - [ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام] [ثم يأتي جبل إيليا فيحاصر عصابة من المسلمين] [فيلقى المؤمنون شدة شديدة] [ويفر الناس من الدجال في الجبال] فقالت أم شريك بنت أبي العكر يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: هم يومئذ قليل. 33 - وإمامهم رجل صالح [وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: المهدي منا آل البيت [من أولاد فاطمة] يصلحه الله في ليلة] [يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي] [أجلى الجبهة أقنى الأنف] [يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً] [يملك سبع سنين]. - وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم عليه السلام» - وقال: «من أدركه منكم فليقرئه مني السلام». 34 - [فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم [من السماء] عيسى بن مريم الصبح] [عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه]. 35 - [ليس بيني وبينه نبي (يعني: عيسى)، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل،

فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام). - وقال: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم (وفي رواية: وأمكم) منكم؟). قال: ابن أبي ذئب: تدري ما (أمكم منكم)؟ قلت: تخبرني. قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى، وسنة نبيكم - صلى الله عليه وآله وسلم -)]. 36 - فرجع ذلك الإمام ينكص - يمشي القهقرى - ليتقدم عيسى [فيقول: تعال صل لنا]. فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: [لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة] تقدم فصل. فيصلي بهم إمامهم. 37 - [ثم يأتي الدجال جبل (إيلياء) فيحاصر عصابة من المسلمين] [فيقول لهم الذين عليهم: ما تنتظرون بهذا الطاغية [إلا] أن تقاتلوه حتى تلحقوا بالله، أو يفتح لكم، فيأتمرون أن يقاتلوه إذا أصبحوا]. 38 - [فبينما هم يعدون للقتال ويسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة] [صلاة الصبح] [فيصبحون ومعهم عيسى ابن مريم] [فيؤم الناس فإذا رفع رأسه من ركعته قال: سمع الله لمن حمده قتل الله المسيح الدجال، وظهر المسلمون]. فإذا انصرف قال: افتحوا الباب. فيفتح وراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج [فيطلبه عيسى عليه الصلاة والسلام]. 39 - [فيذهب عيسى بحربته نحو الدجال] فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء [فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريه دمه في حربته] فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله [فيهلكه الله عز وجل عند عقبة أفيق]. 40 - فيهزم الله اليهود [ويسلط عليهم المسلمون] [ويقتلونهم] فلا يبقى شيء مما

خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر، ولا شجر، ولا حائط، ولا دابة - إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق - إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي [ورائي] فتعال فاقتله. 41 - [ثم يلبث الناس بعده سنين سبعاً ليس بين اثنين عداوة]. 42 - فيكون عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام في أمتي [مصدقا بمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - على ملته] حكما عدلاً وإماماً [مهدياًّ] مقسطاً [فيقاتل الناس على الإسلام ف] يدق الصليب، ويذبح الخنزير [وتجمع له الصلاة] ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض [والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد]، [حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها]، [وتكون الدعوة واحدة لرب العالمين]، -[والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج (الروحاء) حاجاًّ أو معتمراً أو ليثنينهما]. 43 - ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذا أوحي الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء. [ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس - فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماً] ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى

كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة. ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس] ويكون الثور بكذا وكذا من المال وتكون الفرس بالدريهمات. -[وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: (طوبى لعيش بعد المسيح طوبى لعيش بعد المسيح يؤذن للسماء في القطر، ويؤذن للأرض في النبات، فلو بذرت حبك على الصفا لنبت، ولا تشاح، ولا تحاسد، ولا تباغض)]. 44 - وتنزع حمة كل ذات حمة، [وتقع الأمنة على الأرض، حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم]، حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتفر الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها [ثم يقال: تكون الأرض كفاثور الفضة تنبت نباتها بعهد آدم]. 45 - [فيمكث عيسى عليه الصلاة والسلام في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى

فيصلي عليه المسلمون]. 46 - فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا [باردة من قبل الشام] فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم (وفي حديث ابن عمرو: لا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدهم كان في كبد جبل لدخلت عليه) ويبقى شرار الناس [في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً قال: فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيأمرهم بالأوثان فيعبدونها وهم في ذلك دارة أرزاقهم حسن عيشهم] يتهارجون تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة. 47 - [ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا، ورفع ليتا، أول من يسمع رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس. ثم يرسل الله - أو قال: ينزل الله - مطراً كأنه الطل أو الظل - شك من الراوي - فتنبت منه أجساد الناس [ثم نفخ فيه أخرى فإذا قيام هم ينظرون]؟ (الزمر: 68) ثم يقال: يا أيها الناس هلم إلى ربكم؟ وقفوهم إنهم مسؤولون؟ [الصافات: 24]. ثم يقال: أخرجوا بعث النار فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. فذاك يوم [يجعل الولدان شيبا] (المزمل: 17) وذلك [يوم يكشف عن ساق] (القلم: 42). "قصة المسيح الدجال .. " (ص129 - 149).

(الدجال)

(الدجال) [1583] باب الدجال حقيقة وصفة عينه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الدجال عينه خضراء كالزجاجة، ونعوذ بالله من عذاب القبر». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به ثم قال]: وهذا حديث واحد من عشرات الأحاديث الواردة في الدجال، فالاعتقاد به واجب. "الصحيحة" (4/ 477). [1584] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن من بعدكم الكذاب المضل، وإن رأسه من بعده حبك حبك - ثلاث مرات - وإنه سيقول: أنا ربكم، فمن قال: لست ربنا، لكن ربنا الله عليه توكلنا وإليه أنبنا، نعوذ بالله من شرك، لم يكن له عليه سلطان». [قال الإمام]: والحديث دليل صريح على أن الدجال الأكبر هو شخص له رأس وشعر،

[1585] باب الدجال من البشر والرد على من ادعى انه ليس كذلك

وليس معنى وكناية عن الفساد كما يحلو لبعض ضعفاء الإيمان أن يتناولوا أحاديثه الكثيرة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالتواتر كما صرح به أئمة الحديث، فلا تغتر بعد ذلك أيها القارئ بمن لا علم عنده بحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مهما كان شأنه ومقامه في غير هذا العلم الشريف. "الصحيحة" (6/ 2/727). [1585] باب الدجال من البشر والرد على من ادعى انه ليس كذلك [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الدجال الأعور هجان أزهر (وفي رواية أقمر) كأن رأسه أصلة أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فإما هلك الهلك، فإن ربكم تعالى ليس بأعور». [قال الإمام]: والحديث صريح في أن الدجال الأكبر من البشر له صفات البشر، لاسيما وقد شبه به عبد العزى بن قطن، وكان من الصحابة. فالحديث من الأدلة الكثيرة على البطلان تأويل بعضهم الدجال بأنه ليس بشخص وإنما هو رمز للحضارة الأوربية وزخارفها وفتنتها! فالدجال من البشر وفتنة أكبر من ذلك كما تضافرت على ذلك الأحاديث الصحيحة، نعوذ بالله منه. "الصحيحة" (3/ 190 - 191).

[1586] باب أهمية إحياء ذكر الدجال

[1586] باب أهمية إحياء ذكر الدجال [قال الإمام في مقدمة كتابه "قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه السلام"]: الأمر الثاني - مما شجعني على تأليف هذه الرسالة -: أن الناس كافة - عامة وخاصة؛ إلا من شاء الله - لم يعودوا يتحدثون عن خروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام؛ مصداقاً لما في "زوائد مسند أحمد" (4/ 72) عن راشد بن سعد قال: لما فتحت اصطخر نادي منادٍ: ألا إن الدجال قد خرج. قال: فلقيهم الصعب بن جثامة، قال: فقال: لولا ما تقولون لأخبرتكم أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره في المنابر» (¬1). ولقد صدق هذا الخبر على أئمة المساجد، فتركوا ذكر الدجال على المنابر وهم خاصة الناس؛ فماذا يكون حال عامتهم؟! وإذا كان الله تبارك وتعالى قد جعل بحكمته لكل شيء سبباً؛ فلست أشك أن سبب هذا الإهمال لذكره - مع اهتمام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أشد الاهتمام في التحذير من فتنته؛ كما ستراه فيما يأتي في أول قصته - إنما هو تشكيك بعض الخاصة في الأحاديث الواردة فيه؛ تارة في ثبوتها ¬

(¬1) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 335): رواه عبد الله بن أحمد من رواية بقيّة عن صفوان بن عمرو، وهي صحيحة كما قال ابن معين، وبقيَّةُ رجالهِ ثقات". وعزاه في مكانٍ آخر (7/ 351) لأحمد نفسه، فوهم!. [منه].

[1587] باب ذكر أسباب العصمة من فتنة الدجال

وعدم ورودها بطريق التواتر - زعموا - وتارة في دلالتها كما تقدم بيانه، فكان من الواجب أن يقوم أهل العلم بواجبهم؛ فيبينوا للأمة ما حدثهم به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من فتنة الدجال وقتل عيسى عليه الصلاة والسلام إياه؛ بنفس الطريق التي تتلقى الأمة به عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كل ما يتعلق بدينها - من عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق وغيرها، ألا وهو الحديث النبوي - وبذلك يقضى على السبب المشار إليه، ويعود الناس فيذكرون الدجال وفتنته فيتخذون الأسباب لاتقائها، فلا يغترون بأضاليله وتحاريفه التي لا يصدق بإمكان وقوعها من مِثله إلا المؤمن - الذي لا يرتاب أدنى ارتياب فيما جاء عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من أخباره - لعلمه بأن الله تعالى يبتلي عباده بما شاء من أنواع الفتن، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (القصص:68). "قصة المسيح الدجال" (ص30 - 31). [1587] باب ذكر أسباب العصمة من فتنة الدجال [قال الإمام في مقدمة كتابه: " قصة المسيح الدجال]: فإذا علم المؤمن بذلك وآمن به [أي بعقيدة خروج الدجال]؛ اتخذ الأسباب التي تعصمه من فتنته؛ وهي: أولاً: الاستعاذة بالله تعالى من شر فتنته، والإكثار منها؛ لا سيما في التشهد الأخير في الصلاة، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر؛ فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم! إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنته المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» (¬1). ¬

(¬1) انظر: "صفة الصلاة" (ص 199 - الطبعة السابعة). [منه].

وثبت في "الصحيحين" وغيرهما عن جمع من الصحابة - منهم عائشة رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يستعيذ من فتنته. بل إنه أمر بالاستعاذة من فتنته أمراً عاماً؛ كما في حديث زيد بن ثابت قال: بينما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حائط لبني النجار على بغلة له - ونحن معه - إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أَقْبُرُ ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: "من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ ". فقال رجل: أنا. قال: " فمتى مات هؤلاء؟ ". قال: ماتوا في الإشراك (وفي رواية: في الجاهلية). فقال:"إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا؛ لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه"، ثم أقبل بوجهه فقال: "تعوذوا بالله من عذاب النار". قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. فقال: "تعوّذوا بالله من عذاب القبر". قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: "تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ". قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: "تعوذّوا بالله من فتنة المسيح الدجال". قالوا نعوذ بالله من فتنة الدجال (¬1). ثانياً: أن يحفظ عشر آيات من سورة (الكهف)، فقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من حفظ عشر آيات من أول سورة (الكهف)؛عصم من [فتنة] الدجال». ¬

(¬1) أخرجه مسلم (8/ 161)، وأحمد (5/ 190). [منه].

رواه مسلم وغيره عن أبي الدرداء (¬1). ثالثاً: أن يبتعد عنه، ولا يتعرض له؛ إلا إن كان يعلم من نفسه أنه لن يضره؛ لثقته بربه، ومعرفته بعلاماته التي وصفه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله؛ إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه؛ مما يبعث به من الشبهات». أخرجه أحمد وغيره عن عمران بن حصين (¬2). رابعاً: أن يسكن مكة والمدينة، فإنهما حرمان آمنان منه؛ لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "يجيء الدجال فيطأ الأرض إلا مكة والمدينة، فيأتي المدينة؛ فيجد بكل نقب من نقابها صفوفاً من الملائكة ". أخرجه الشيخان وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه (¬3). ومثلهما المسجد الأقصى والطور؛ كما يأتي في الفقرة (24 - السياق). واعلم أن هذه البلاد المقدسة إنما جعلها الله عصمة من الدجال لمن سكنها وهو مؤمن ملتزم بما يجب عليه من الحقوق والواجبات تجاه ربها، وإلا فمجرد استيطانها - وهو بعيد في حياته عن التأدب بآداب المؤمن فيها - فَمِمَّا لا يجعله ¬

(¬1) رواه مسلم وغيره، وفي رواية له: "آخر الكهف"، وهي شاذة؛ كما حقيقته في "الصحيحة" رقم (2651). ويشهد للرواية الأولى حديث النواس الآتي في الفقرة (5) - تخريج فقرات القصة، وحديث أبي أمامة في الفقرة (14). . [منه]. (¬2) وهو مخرّج في "المشكاة " (5488)، ورواه حنبل أيضاً في "الفتن" (ق46/ 2). . [منه]. (¬3) وهو مخرّج في "الصحيحة" (2457). [منه].

في عصمة منه، فسيأتي في الفقرة (25 - أبو أمامة، 30 - السياق) أن الدجال - عليه لعائن الله - حين يأتي المدينة النبوية وتمنعه الملائكة من دخولها؛ ترجف بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه. فهؤلاء المنافقون والمنافقات - وقد يكون نفاقهم عمليًّا - لم يَعْصِمْهُمْ من الدجال سكنهم المدينة النبوية؛ بل خرجوا إليه، وصاروا من أتباعه كاليهود! وعلى العكس من ذلك؛ فمن كان فيها من المؤمنين الصادقين في إيمانهم؛ فهم مع كونهم في عصمة من فتنته؛ فقد يخرج إليه بعضهم متحدياً وينادي في وجهه: هذا هو الدجَّال الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يحدثنا حديثه ... كما سيأتي في الفقرة (31 - السياق). فالعبرة إذن بالإيمان والعمل الصالح، فذلك هو السبب الأكبر في النجاة، وأما السكن في دار الهجرة وغيرها؛ فهو سبب ثانوي، فمن لم يأخذ بالسبب الأكبر؛ لم يفده تمسكه بالسبب الأصغر، وقد أشار إلى هذا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله للذي سأله عن الهجرة: "ويحك! إن شأن الهجرة لشديد! فهل لك من إبل؟ ". قال: "فهل تؤتي صدقتها؟ ". قال: نعم. قال: "فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يَتِرَك من عملك شيئاً" (¬1). وما أحسن ما روى الإمام مالك في "الموطأ" (2/ 235) عن يحيى بن سعيد: ¬

(¬1) أخرجه البخاري (7/ 207 - فتح)، ومسلم (6/ 28)، وأبو داود (1/ 388)، والنسائي (2/ 182)، وأحمد (3/ 64). [منه].

[1588] باب منه

"أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلمَّ إلى الأرض المقدسة. (يعني: الشام). فكتب إليه سلمان: إن الأرضَ لا تقدسُ أحداً، وإنما يقدسُ الإنسانَ عملُهُ". وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة:105). "قصة المسيح الدجال" (ص31 - 35) [1588] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال». [قال الإمام]: فائدة: قد جاء في حديث آخر بيان المراد من الحفظ والعصمة المذكورين في هذا الحديث وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث الدجال: «فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإنها جواركم من فتنه». أخرجه أبو داود (4321) بسند صحيح وأصله عند مسلم (8/ 197) دون قوله " فإنها ... ". "الصحيحة" (2/ 123 - 125). [1589] باب هل هناك فتنة أشد من فتنة الدجال؟ سؤال: الفتنة التي هي أشد من فتنة الدجال، هل بعد الدجال أو قبل الدجال؟ الشيخ: ليس هناك أكبر من فتنة الدجال بصريح هذا الحديث: «ما بين خلق

[1590] باب فتنة الدجال فتنة عظيمة

آدم والساعة فتنة أضر من فتنة المسيح الدجال» (¬1). مداخلة: لا يوجد يعني أضر منها؟ الشيخ: نعم. "الهدى والنور" (177/ 01: 53: 00). [1590] باب فتنة الدجال فتنة عظيمة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. قال زيد: ثم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذا بالله من عذاب القبر، قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال». [قال الإمام]: من فوائد الحديث وفي هذه الأحاديث فوائد كثيرة [منها]: إن فتنة الدجال فتنة عظيمة ولذلك أمر بالاستعاذة من شرها في هذا الحديث وفي أحاديث أخرى، حتى أمر بذلك في الصلاة قبل السلام كما ثبت في البخاري ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم7875).

[1591] باب من أخبار الدجال

وغيره. وأحاديث الدجال كثيرة جدا، بل هي متواترة عند أهل العلم بالسنة. ولذلك جاء في كتب العقائد وجوب الإيمان بخروجه في آخر الزمان، كما جاء فيها وجوب الإيمان بعذاب القبر وسؤال الملكين. "الصحيحة" (1/ 1/297). [1591] باب من أخبار الدجال [قال الإمام]: حينما يخرج الدجال الأكبر الذي حدثنا عنه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في أحاديث كثيرة متواترة، منها قوله عليه السلام: «ما بين خلق آدم والساعة فتنة أشد من فتنة المسيح الدجال». وذلك لأنه يأتي بمخاريق، بخوارق للعادات يظن ضعفاء الإيمان أنه فعلاً هو كما يزعم، أنه رب، وأنه الإله الذي يستحق العبادة، لأنه يقول للسماء أمطري فتمطر، ويقول للأرض القاحلة الجدبة: أنبتي أخرجي نباتك، فتصبح خضراء مورقة، ويقول للخربة: أخرجي كنوزك، فتخرج الكنوز تمشي وراءه، يعني أشياء من جملة الفتنة التي يفتتن بها الناس بالدجال، لكن الله عز وجل كما هي سنته في عباده يبتلي الناس بالخير والشر، فهو بالإضافة إلى أنه يسخر لهذا الدجال هذه الأنواع من الخوارق، فبالإضافة إلى ذلك يبتليه بأن يكون أعور العين، ومكتوب على جبينه: كافر، يقرأه الأمي والقارئ، وهذا برهان لكونه كذاب، وتلك براهين توهم ضعفاء الإيمان أنه إله، ولذلك قال عليه السلام لما وصفه بأنه أعور، قال عليه السلام: «وإن ربكم ليس بأعور، وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت». إذاً: أي إنسان مهما كان صاحب مخاريق وخوارق وآيات يظن الناس أنها

[1592] باب هل يبقى الخضر إلى زمان الدجال؟

كرامات، فما دام أنه يدعي الألوهية، فإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت. إذاً: هو دجال. هذا الدجال يقول للناس آمن بي أدخلتك الجنة، ويريه جنة، ولمن يعصه يريه النار، فيقول الرسول عليه السلام: «فمن كفر به أدخله النار وهو في الجنة» والعكس بالعكس: «من آمن به أدخله الجنة وهو في النار». "الهدى والنور" (177/ 45: 48: 00). [1592] باب هل يبقى الخضر إلى زمان الدجال؟ [قال الإمام]: بقاء الخضر عليه السلام إلى زمن الدجال خرافة لا أدري كيف انطلى أمرها على بعض العلماء - فضلاً عن جماهير الصوفية -؟! ولكن الله تبارك وتعالى قد وفق كثيراً من أهل العلم فبينوا بطلان إدراك الخضر للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فضلاً عن استمراره حياً -؛ كالإمام البخاري وابن تيمية والعسقلاني وغيرهم. "الضعيفة" (14/ 2/678). [1593] باب حول حديث الجساسة سؤال: يقول فضيلة الشيخ: حديث الجساسة هل هو صحيح، وهل هو مخالف لبعض الأحاديث؟ نرجو توضيح ذلك. الشيخ: حديث الجساسة حديث صحيح، وليس فيه ما يخالف الأحاديث الصحيحة إطلاقًا، وإنما فيه تفاصيل ستقع يومًا ما مما لم يرد ذكره في بعض الأحاديث الصحيحة، وبعضها وقع، وكما رواه تميم الداري رضي الله عنه، وإنما

الناس اليوم يريدون أن يطبقوا الأحاديث الغيبية على عقولهم الصغيرة، وهذا ليس من الإيمان في شيء؛ لأن الله عز وجل يقول: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة:1 - 3) فواجب كل مسلم إذا ما جاءه حديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سواء كان الحديث هذا يتعلق بالعقائد أو بالأحكام أو بأشراط الساعة أو بأي حكم يتعلق بالمغيبات فواجب المسلم أمام هذا الحديث أو ذاك شيئان اثنان: الشيء الأول: أن يسأل أهل العلم بالحديث: أصحيح هو أم لا، فإذا قالوا له بأنه صحيح وجب الأمر الثاني، وهو: أن يخضع عقله وفكره وثقافته التي نشأ عليها للإيمان بهذا الحديث؛ لأنه من أمور الغيب، وقد علمنا أن أول صفة للمؤمن حقًا هو ما قاله الله عز وجل في آنفًا في الآية آية البقرة: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة} (البقرة:3) فالإيمان بالغيب أمر هام جدًا يمتحن الله تبارك وتعالى عباده بمثل هذه الأحاديث الصحيحة، وحديث الجساسة لا شك في صحته لسببين اثنين: الأول: أنه رواه مسلم في صحيحه. والآخر: أننا لم نجد في إسناده مغمزًا أو مطعنًا ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يتفلسف عليه، وأن يقول: معقول أو غير معقول أو ما شابه هذا الكلام الذي لا يخرج ممن آمن بالغيب حقًا. هذا جواب حديث الجساسة. مداخلة: يا شيخ! هناك أحاديث وردت مثلًا: تعارض هذا الحديث .. الشيخ: مثل؟

مداخلة: قوله عليه الصلاة والسلام: «ما من نفس منفوسة يمر عليها مائة عام وهي حية يومئذ» أو كما قال. الشيخ: هذا الذي يقول بهذا الكلام هو جاهل بعلم أصول الفقه، ما من نص عام إلا وقد خصص، وهذا من ذاك، يعني: ما من نفس منفوسة، إلا ما جاء النص يستثني ذلك، وعلى هذا اعتمد من زعم أن الخضر عليه السلام لا يزال حيًّا بين الأنام، لكن نحن نقول كما تعلمنا من بعض العلماء: أثبت العرش ثم انقش، نقول له: أثبت أن الخضر حي حتى نستثنيه من الحديث، ولما لم يكن هناك حديث صحيح يثبت حياة الخضر إلى عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن بنا حاجة إلى أن نقول: عن الخضر مستثنى من حديث: «ما من نفس منفوسة» أما والدجال حي بصريح الحديث الذي جاء ذكره آنفًا وكذلك عيسى لا يزال حيًا وإن كان هذا في السماء فإذًا الجواب: هو تخصيص العام بالحديث الخاص، وإلا لوقع هذا الجاهل وأمثاله في جهل بل جهالات متتابعة؛ لأننا سنواجهه بالآية الكريمة. وهذا مثل أذكره في كثير من مثل هذه المناسبة، ألا وهي قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ} (المائدة:3) إلى آخر الآية، فهل يجوز أكل السمك الميت؟ سيقول بالجواز، فما هو الجواب عن الآية، سيضطر أن يقول بقول العلماء: الآية عامة والحديث يخصص هذه الآية، فكيف لا يخصص الحديث الحديث؟ ذلك من باب أولى. "فتاوى جدة" (2/ 00:28:10).

(نزول عيسى عليه السلام)

(نزول عيسى عليه السلام) [1594] باب كم بين المهدي وعيسى [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «كيف تهلك أمة أنا أولها، وعيسى آخرها، والمهدي في وسطها». (منكر). [قال الإمام]: والحديث منكر عندي، لأن ظاهره أن بين المهدي وعيسى سنين كثيرة مع أنه صح في غير ما حديث أنهما يلتقيان في دمشق، ويأتم عيسى بالمهدي عليهما السلام، فكيف يقال: إن المهدي في وسطها وعيسى في آخرها؟! "الضعيفة" (5/ 371). [1595] باب الضمير في قوله تعالى: {وإنه لعلم للساعة} يعود على عيسى والمراد نزوله [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يا معشر قريش! إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير - وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن مريم، وما تقول في محمد-؛ فقالوا: يا محمد! ألست تزعم أن عيسى كان نبياً وعبداً من عباد الله صالحاً؟! فلئن كنت صادقاً فإن آلهتهم

[1596] باب نزول عيسى واجتماعه بالمهدي

لكما يقولون- (الأصل: تقولون!) -، قال: فأنزل الله عز وجل: {ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون} (الزخرف: 57) قال: قلت: ما (يصدون)؟ قال: يضجُّون. {وإنه لعلم للساعة} (الزخرف: 61)، قال: هو خروج (وفي رواية: نزول) عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة». [قال الإمام]: واعلم أن الحديث صريح الدلالة على أن الضمير في قوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة) يعود إلى عيسى عليه السلام، وليس إلى القرآن كما روي عن بعضهم، ولذلك قال الحافظ ابن كثير: «بل الصحيح أنه عائد على عيسى عليه الصلاة والسلام؛ فإن السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة كما قال تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} أي: قبل موت عيسى عليه الصلاة والسلام، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً ". "الصحيحة" (7/ 1/632، 634 - 635). [1596] باب نزول عيسى واجتماعه بالمهدي [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: لا إن بعضهم أمير بعض، تكرمة الله لهذه الأمة». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (5/ 276).

[1597] باب إمامة عيسى عليه السلام للمسلمين عند نزوله آخر الزمان

[1597] باب إمامة عيسى عليه السلام للمسلمين عند نزوله آخر الزمان عن أبي هريرة قال: أحدثكم ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصادق المصدوق؟ حدثنا رسول الله أبو القاسم الصادق المصدوق: «إن الأعور الدجال مسيح الضلالة يخرج من قبل المشرق في زمان اختلاف من الناس وفرقة، فيبلغ ما شاء الله من الأرض في أربعين يوماً، الله أعلم ما مقدارها، الله أعلم ما مقدارها - مرتين - وينزل الله عيسى ابن مريم فيؤمهم، فإذا رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده قتل الله الدجال وأظهر المؤمنين». [قال الإمام]: صحيح. [ثم علق على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: فيؤمهم قائلاً]: قال ابن حبان: أراد به فيأمرهم بالإمامة؛ إذا العرب تنسب الفعل إلى الآمر, كما تنسبه إلى الفاعل. قلت: هذا تأويلٌ لا وجه له عندي, بل هو خلاف قوله: "إذا رفع رأسه من الركعة قال. ." فالمعنى: يصلي بهم إماماً, وهذا وهو في بيت المقدس, حيث يَقتلُ عليه السلام الدجال بـ (لُد) , كما في الحديث التالي, وفي الحديث اختصار وطيٌ؛ فإن من الثابت في غير ما حديث صحيح أن عيسى عليه السلام ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق, وفي "صحيح مسلم": فيقول أميرهم: تعال صلِّ بنا, فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمه الله هذه الأمة. فهو هناك مأموم, وفي بيت المقدس إمام, وذلك يكون بعد وفاة المهدي عليه السلام, وانتقال عيسى من دمشق إلى "القدس". "صحيح موارد الظمآن" (2/ 236 - 237).

[1598] باب في أن عيسى عليه السلام يحكم بشرعنا عند نزوله آخر الزمان

[1598] باب في أن عيسى عليه السلام يحكم بشرعنا عند نزوله آخر الزمان عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَاللَّهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلاً: فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلاَصُ فَلاَ يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلاَ يَقْبَلُهُ أَحَدٌ». [قال الإمام معلقًا على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "وليضعن الجزية"]: أي لا يقبلها, ولا يقبل من الكفار إلا الإسلام أو القتل, ومعنى هذا أن الحديث يشعر بنسخ أخذ الجزية من الكفار في عهد عيسى عليه السلام، فالناسخ هو الحديث وليس عيسى - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فإنه يحكم بشريعتنا كما أفاد ذلك قوله "حَكَماً". "مختصر صحيح مسلم" (ص 543). [1599] باب منه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّكُمْ مِنْكُمْ». فَقُلْتُ لاِبْنِ أَبِى ذِئْبٍ إِنَّ الأَوْزَاعِىَّ حَدَّثَنَا عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: «وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ». قَالَ ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ تَدْرِى مَا أَمَّكُمْ مِنْكُمْ؟ قُلْتُ: تُخْبِرُنِى. قَالَ: فَأَمَّكُمْ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ. [قال الإمام]: هذا صريح في أن عيسى عليه السلام يحكم بشرعنا, ويقضي بالكتاب والسنة, لا بغيرهما من الإنجيل أو الفقه الحنفي ونحوه!. "مختصر صحيح مسلم" (ص 543).

[1600] باب طيب العيش بعد نزول عيسى عليه السلام

[1600] باب طيب العيش بعد نزول عيسى عليه السلام [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «طوبى لعيش بعد المسيح، طوبى لعيش بعد المسيح يؤذن للسماء في القطر ويؤذن للأرض في النبات، فلو بذرت حبك على الصفا لنبت، ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض، حتى يمر الرجل على الأسد ولا يضره، ويطأ على الحية فلا تضره ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (4/ 559).

(جماع أبواب الرد على من أنكر عقيدة المهدي أو خروج الدجال أو نزول عيسى عليه السلام)

(جماع أبواب الرد على من أنكر عقيدة المهدي أو خروج الدجال أو نزول عيسى عليه السلام)

[1601] باب ذكر المشككين في أحاديث الدجال وعيسى عليه السلام والرد عليهم

[1601] باب ذكر المشككين في أحاديث الدجال وعيسى عليه السلام والرد عليهم [قال الإمام بعد أنْ بين أنَّ منكري عقيدة الدجال وعيسى عليه السلام منهم من ينكر الأحاديث الواردة في ذلك أصالةً، ومنهم من يثبتها مع تأويلها بما يَؤُولُ إلى إنكارها كذلك]: يلجأ بعضهم إلى الخلاص منها [أي من أحاديث الدجال وعيسى عليه السلام] بطريقة أخرى - غير طريقة تفسيرها بالرمز - ألا وهي طريقة التشكيك في ثبوتها يقيناً بزعم أنها أحاديث آحاد! ومن هؤلاء الشيخ "محمود شلتوت"؛ فقد كنت قرأت له قديماً جواباً حول حياة عيسى عليه السلام في السماء ونزوله في آخر الزمان - نشرته مجلة "الرِّسالة" يومئذ- رأيت فيها العجب العجاب من الجهل بحقيقة الأحاديث الواردة في نزوله عليه السلام، ومن ذلك زعمه أن طرقها كلها تدور على وهب ابن منبِّه وكعب الأحبار، فاستنكرت ذلك في نفسي؛ لأن ذهني كان خالياً من مثل هذه الدعوى، ولكني قلت في نفسي: لعل ذلك بالنسبة لبعض الطرق، ولكن الشيخ يبالغ! وللتثبت من ذلك؛ اندفعت إلى تتبع أحاديث نزوله عليه السلام من مصادرها الأصلية في كتب السنة - التي تروي الأحاديث بأسانيدها؛ كالأمهات الست وغيرها - حتى اجتمع عندي في ذلك أحاديث كثيرة جدًّا؛ من طرق متواترة عن أكثر من أربعين صحابيّاً، فعجبت أشد العجب حين لم أر لوهبٍ وكعب ذكراً في شيء من تلك الطرق أصلاً، حتى ما كان منها ضعيف الإسناد! فتيقنت حينئذٍ أن الشيخ - عفا الله عنه - كتب ما سبق من ذاكرته؛ دون أن يراجع في ذلك كتاباً واحداً من كتب السنة المشار إليها! فكتبت يومئذٍ رسالة

[1602] باب لا فرق بين من أنكر عقيدة خروج الدجال ومن أثبتها مع تأويلها بتأويلات باطلة

مفصّلة في الرد على فتواه، وهممت بإرسالها إلى مجلة "الرسالة"، ولكن أحد أصحابنا من الأدباء الأفاضل الذين يترددون إلى مصر نصحني بأن لا أرسلها؛ لأنهم سوف لا ينشرونها؛ لطولها أولاً؛ ولأن الشيخ شلتوت فوق مستوى النقد هناك؛ لا سيما من شخص غير مصري وغير مشهور عندهم! قال: فإن كان ولا بد فاختصر الرسالة ما استطعت، ثم أرسلها إليهم لعلهم ينشرونها في المجلة، وما أظنهم فاعلين. وكذلك كان، فإني اختصرتها في صفحة ونصف، ثم أرسلتها، فلم تنشر!! "قصة المسيح الدجال " (ص23 - 24). [1602] باب لا فرق بين من أنكر عقيدة خروج الدجال ومن أثبتها مع تأويلها بتأويلات باطلة [قال الإمام بعد أن ذكر صورًا من تأويل بعض المنتسبين للسنة لعقيدة خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام]: وليت شعري! ما الفرق بين هؤلاء العلماء المنتمين إلى السُّنّة، والمعطِّلين لهذه النصوص بخروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وقتله إياه؛ وبين إيمان الباطنية، والفرق الضالة التي تؤمن بنصوص الكتاب والسنة؛ مع تأويلهم إياها تأويلاً يؤدي في النهاية إلى الكفر بحقائقها؛ كالذين ينكرون النصوص المتواترة في الكتاب والسنة برؤية المؤمنين لربهم في الآخرة؛ بتأويل أن المقصود منها رؤية نعيم ربهم! وكالقاديانية الذين يؤمنون - زعموا- بقوله تعالى: {ولكنْ رسولَ اللهِ وخاتَمَ النبيين} (الأحزاب: 40)، ثم يقولون ببقاء النبوة ومجيء أنبياء كثيرين بعده - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ منهم «ميرزا غلام أحمد القادياني»! وإذا سألتهم عن هذه الآية؛ أجابوك

[1603] باب جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية وذكر مثال ذلك في عقيدة خروج الدجال

بأنهم يؤمنون بها - طبعاً! - ولكن معناها ليس كما فهمها المسلمون من قبل! بل المعنى: ولكن خاتم النبيين؛ أي: زينتهم؛ كالخاتم زينة الأصبع! فهل يجدي إيمانهم بها عند الله شيئاً بعد أن فسروها بغير تفسيرها الحق؟! كذلك أقول: إن إيمان هؤلاء العلماء بالأحاديث المتواترة بنزول عيسى عليه السلام وقتله للدجال؛ لا يجديهم شيئاً مع تفسيرهم إياها بذلك التفسير الرمزي؛ لأنه خلاف ما يقطع به كل عالم متجرد عن الهوى إذا ما اطلع على النصوص الواردة فيهما. "قصة المسيح الدجال " (ص22 - 23). [1603] باب جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية وذكر مثال ذلك في عقيدة خروج الدجال [قال الإمام في معرض إنكاره على من أنكر عقيدة خروج الدجال مدعياً أن المراد بالدجال هو الرمز إلى الشر واستعلائه وما شابه ذلك]: إن إيماناً بالنصوص كلها على طريقة الرمز والتأويل لهو إيمان لا يساوي فلساً، ولا يغني عند الله شيئاً. "قصة المسيح الدجال" (ص22). [1604] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن أنكر خروج الدجال [قال الإمام بعد أن ساق بعض أحاديث خروج الدجال ونزول عيسى]: كل هذه الأخبار صحيحة ثابتة في " صحيح البخاري" و"مسلم", وهي من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها؛ كما قال تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ

[1605] باب تواتر أحاديث المهدي والرد على من أنكر عقيدة المهدي

فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}. وأما تأويلها, بل تعطيلها - كما فعل غلام أحمد القادياني الذي كان ادعى النبوة - بأن المراد بالدجال: الديانة المسيحية الباطلة, أو المبشَّرون بها - كما في كثير من كتبه, ومنها "إعجاز المسيح" (ص 27 - 30) -؛ فذلك واضح البطلان, لا يحتاج إلى بيان. "أصل صفة الصلاة" (3/ 1005). [1605] باب تواتر أحاديث المهدي والرد على من أنكر عقيدة المهدي [قال الإمام تحت عنوان]: حول المهدي (¬1) كتب بعض القراء الأفاضل إلى هذه المجلة [أي مجلة التمدن] يقول: «قرأت في الأجزاء (8، 9، 10) بحثاً قيماً عن المهدي كتبه الأستاذ ناصر الدين الألباني في باب "الأحاديث الضعيفة والموضوعة" وقد كنا قررنا واعتقدنا قبلاً ما كتبه الأستاذ الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره "المنار" (9 - 499 - 504) وكذلك ما كتبه الأستاذ محمد عبد الله السمان في كتابه "الإسلام المصفى" وإنني متيقن بأن الأستاذ ناصر الدين له علم بما كتباه، فلذلك أرجو الأستاذ أن يطالع ما كتباه مرة ثانية، ويكتب في المهدي مقالاً ضافياً فإن فيما كتباه ما يخالف ¬

(¬1) مقال نشره الألباني في {مجلة التمدن الإسلامي)) (22/ 642 - 646)، بواسطة"مقالات الألباني". [منه]

ما كتبه الأستاذ ناصر الدين تمام المخالفة (¬1). أقول في الجواب عن ذلك: نعم لقد كنت على علم بما كتبه الشيخ رشيد - رحمه الله - وكذا بما كتبه الأستاذ السمان في كتابه الذي أسماه "الإسلام المصفى"! وأنا أجزم بخطأ ما كتباه في هذه المسألة لا سيما الأخير فإنه لا علم عنده، ولذلك أَنْكَر مسائل أخرى هي أقوى ثبوتاً من هذه المسألة، مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وشفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم القيامة، فإن هذه المسائل الثلاث أدلة ثبوتها مقطوع بها لورود الأحاديث المتواترة بتأييدها، ومع ذلك لم يتورع حضرة الأستاذ السمان من إنكارها! وقد سبقه إلى شيء من ذلك السيد رشيد - رحمه الله - فإنه طعن في أحاديث الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، مع أنها أحاديث صحيحة متواترة، كما صرح بذلك علماء هذا الشأن كالحافظ ابن حجر وغيره، ولا مجال الآن لبيان ذلك فإلى مناسبة أخرى - إن شاء الله تعالى -. أما مسألة المهدي فليعلم أن في خروجه أحاديث كثيرة صحيحة، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة، وأنا مورد هنا أمثلة منها ثم معقب ذلك بدفع شبهة الذين طعنوا فيها فأقول: الحديث الأول: حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: ¬

(¬1) التمدن الإسلامي: نشرنا في الجزأين 35 و36 من المجلد 16 كلمة للعلامة الأستاذ محمد الخضر حسين (شيخ الأزهر السابق) بعنوان نظرة في أحاديث المهدي ختمها بقوله: والخلاصة أن في أحاديث المهدي ما يُعدَّ في الحديث الصحيح ... وأشار إلى أنه ليس من الصواب إنكار الحق من أجل ما ألصق به من باطل. [منه]

«لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم، حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجَوْراً». رواه أبو داود (2/ 207)، والترمذي، وأحمد، والطبراني في الكبير والصغير، وأبو نعيم في "الحلية"، والخطيب في "تاريخ بغداد" من طرق عن زر بن حبيش عن ابن مسعود. وقال الترمذي: "حسن صحيح" والذهبي: "صحيح" وهو كما قالا. وله طريق آخر عند ابن ماجة (2/ 517) عن علقمة عن ابن مسعود به نحوه، وسنده حسن. الحديث الثاني: عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مرفوعاً نحوه. وله عنه طريقان: أخرج الأول أبو داود وأحمد، وإسناده صحيح، وأخرج الآخر ابن ماجة وأحمد، وإسناده حسن. الثالث: عن أبي سعيد الخدري، وله طريقان أيضاً. الأول: أخرجه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وأحمد، وحسنه الترمذي، وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرج الطريق الثاني أبو داود، والحاكم وصححه، وسنده حسن. الرابع: عن أم سلمة، وقد ذكرت لفظه وتخريجه عند الكلام على الحديث الثمانين من المقال العاشر من "الأحاديث الضعيفة".

وبقية الطرق قد ذكرها العلماء في كتب خاصة فليراجعها من أراد زيادة الاطلاع (¬1) وقد قال صديق حسن خان في "الإذاعة". " الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياته كثيرة جداً تبليغ حد التواتر وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد، وقد اضجع القول فيها ابن خلدون في كتابه " العبر وديوان المبتدأ والخبر " حيث قال: يحتجون في الباب بأحاديث خرجها الأئمة، وتكلم فيها المنكرون لذلك، وعارضوها ببعض الأخبار، وللمنكرين فيها من المطاعن، فإذا وجدنا طعناً في بعض رجال الإسناد بغفلة أو سوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث وأوهن منها. إلى آخر ما قال، وليس كما ينبغي فإن الحق الأحق بالاتباع، والقول المحقق عند المحدثين المميزين بين الدار والقاع، أن المعتبر في الرواة ورجال الأحاديث أمران لا ثالث لهما الضبط والصدق، دون ما اعتبره أهل الأصول من العدالة وغيرها فلا يتطرق الوهن إلى صحة الحديث بغير ذلك ". ثم قال صديق خان: "وأحاديث المهدي بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، وأمره مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت النبوي يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل ¬

(¬1) مثل: "العرف الوردي في أخبار المهدي " للسيوطي، و" الإذاعة لما كان وما يكون بين يدين الساعة " لصديق خان، ونحوها. [منه].

الدجال، ويأتم بالمهدي في صلاته إلى غير ذلك، وأحاديث الدجال وعيسى أيضاً بلغت مبلغ التواتر ولا مساغ لإنكارها كما بين ذلك القاضي العلامة الشوكاني - رحمه الله - في "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح "، قال (يعني الشوكاني): "والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها: خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك. انتهى. وقد جمع السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير اليماني الأحاديث القاضية بخروج المهدي وأنه من آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنه يظهر في آخر الزمان ثم قال: ولم يأت تعيين زمنه إلا أنه يخرج قبل خروج الدجال. انتهى " شبهات حول أحاديث المهدي: هذا ثم إن السيد رشيد أو غيره لم يتبعوا ما ورد في المهدي من الأحاديث حديثاً حديثاً، ولا توسعوا في طلب ما لكل حديث منها من الأسانيد، ولو فعلوا لوجدوا فيها ما تقوم به الحجة حتى في الأمور الغيبية التي يزعم البعض أنها لا تثبت إلا بحديث متواتر! ومما يدلك على ذلك أن السيد رشيد- رحمه الله- ادعى أن أسانيدها لا تخلو عن شيعي! مع أن الأمر ليس كذلك على إطلاقه، فالأحاديث الأربعة التي أوردتها ليس فيها رجل معروف بالتشيع، على أنه لو صحت هذه الدعوى لم يقدح ذلك في صحة الأحاديث لأن العبرة في الصحة إنما هو الصدق والضبط، وأما الخلاف المذهبي فلا يشترط في ذلك كما هو مقرر في علم مصطلح الحديث ولهذا روى الشيخان في صحيحيهما لكثير من الشيعة

وغيرهم من الفرق المخالفة واحتجا بأحاديث هذا النوع. وقد أعلها السيد بعلة أخرى وهي التعارض! وهذه علة مدفوعة لأن التعارض شرطه التساوي في قوة الثبوت، وأما نصب التعارض بين قوي وضعيف فمما لا يسوغه عاقل منصف، والتعارض المزعوم من هذا القبيل، وقد أوردت بعض الأمثلة على ذلك في المقال الذي سبقت الإشارة إليه فليراجعه من شاء. وقد يُعلُّ بعض الناس هذه الأحاديث وكذا أحاديث نزول عيسى عليه السلام بِعلة أخرى، وهي أنها كانت - بزعمهم - سبباً لحمل المسلمين على الاتكال عليها، وانتظار خروج المهدي، ونزول عيسى عليهما السلام، وعلى ترك الأخذ بأسباب الحياة والقوة والمنعة، ويظنون أن معالجة هذه المشكلة إنما هي بإنكار أحاديثهما! وهذا خطأ يشبه معالجة المعتزلة للآيات المتشابهات، والأحاديث التي في معناها، فإنهم اشتهروا بتأويلهم للآيات وردهم للأحاديث الصحيحة التي من هذا القبيل حرصاً منهم - كما زعموا- على التنزيه ودفعاً للتشبيه! وأما أهل السنة فكانوا يؤمنون بهذه الآيات والأحاديث على ظاهرها، ولا يفهمون من ذلك تشبيهاً أو ما لا يليق بالله تعالى. وكذلك القول في أحاديث المهدي، فإنه ليس فيها ما يدل بل ما يشير أدنى إشارة إلى أن المسلمين لا نهضة لهم ولا عز قبل خروج المهدي، فإذا وجد في بعض جهلة المسلمين من يفهم ذلك منها، فطريق معالجة جهله أن يُعَلَّمَ ويُفَهَّمَ أنَّ فَهْمَهُ خَطَأٌ، لا أن نرد الأحاديث الصحيحة بسبب سوء فهمه إياها! ومن شبهات بعض الناس أن عقيدة المهدي قد استغلها بعض الدجالين، فادعوا المهدوية لأنفسهم وشقوا بسبب ذلك صفوف المسلمين وفرقوا بينهم، ويضربون على ذلك الأمثلة الكثيرة آخرها غلام أحمد القادياني دجال الهند،

ونحن نقول إن هذه الشبهة من أضعف الشبهات، وفي رأيي أن حكايتها تغني عن ردها، إذ أن من المسلَّم به أن كثيراً من الأمور الحقة يستغلها من ليس أهلاً لها، فالعلم مثلاً يدعيه بعض الأدعياء وهو في الواقع من الجهلاء، فهل يليق بعاقل أن ينكر العلم بسبب هذا الاستغلال؟! بل إن بعض الناس فيما مضى ادعى الألوهية فهل طريقة الرد عليه وبيان كذبه يكون بإنكار الألوهية الحقة؟! ومثال آخر: يفهم بعض المسلمين اليوم من عقيدة "القضاء والقدر " الجبر وأن الإنسان الذي قدّر عليه الشر مُجبر على ارتكابه، وأنه لا اختيار له فيه، وقع في هذا الفهم الخاطئ غير قليل من أهل العلم، ونحن مع جماهير العلماء الذين لا يشكون في صحة عقيدة القضاء والقدر وأنها لا تستلزم الجبر مطلقاً، فإذا أردنا أن نصحح ذلك الفهم الخاطئ الملصق بهذه العقيدة الحقة، أفيكون طريق ذلك بإنكارها مطلقاً كما فعل المعتزلة قديماً وبعض أذنابهم حديثاً؟! أم السبيل الحق الاعتراف بها لأنها ثابتة في الشرع ودفع فهم الجبر منها؟ لا شك أن هذا السبيل هو الصواب الذي لا يخالف فيه مسلم البتة، فكذلك فلتعالج عقيدة المهدي، فنؤمن بها كما جاءت في الأحاديث الصحيحة، ونبعد عنها ما ألصق بها بسبب أحاديث ضعيفة واهية خبيثة، وبذلك نكون قد جمعنا بين إثبات ما ورد به الشرع والإذعان لما يعترف به العقل السليم. وخلاصة القول: إن عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - يجب الإيمان بها لأنها من أمور الغيب، والإيمان بها من صفات المتقين كما قال تعالى: {الم، ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ}. وإن إنكارها لا يصدر إلا من جاهل أو مكابر. أسأل الله تعالى أن يتوفانا على الإيمان بها وبكل ما صح في الكتاب والسنة. "مقالات الألباني" (ص 105 - 110).

[1606] باب ذكر بعض من أنكر خروج المهدي

[1606] باب ذكر بعض من أنكر خروج المهدي [قال الإمام]: أخطأ ابن خلدون خطأً واضحًا حيث ضعف أحاديث المهدي كلها، ولا غرابة في ذلك؛ فإن الحديث ليس من صناعته ... وتورَّط بكلامه بعض أفاضل المعاصرين فصرَّح بأن خروج المهدي خرافة، هدانا الله وإياه لقول الحق واتّباعه. "تخريج أحاديث فضائل الشام" (ص 44). [1607] باب ذكر بعض من أنكر عقيدة المهدي وعيسى وبيان خطئهم [قال الإمام في مقدمة كتابه "قصة المسيح الدجال ونزول عيسى" مبينًا الأسباب التي دفعته لتصنيفه]: ومما شجعني على ذلك الأمور الآتية: الأول: شك كثير ممن ينتمون إلى العلم - بل وإلى الدعوة إلى الإسلام؛ فضلاً عن غيرهم ممن لا ثقافة إسلامية عندهم من الشباب المثقف وغيرهم من العوام - في عقيدة نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وقتله للدجال في آخر الزمان، حتى لقد قام في نفسي أن كثيراً من الطلاب المتخرجين من جامعة الأزهر هم من هؤلاء الشاكِّين - إن لم يكونوا من المنكرين لها - وقد عرفت ذلك من مناقشتي لبعضهم شفهيّاً، ومن اطلاعي على فتاوى بعضهم في ذلك، وتعليقات آخرين منهم على بعض الكتب. ومن أشهر هؤلاء الشيخ (محمد عبده)؛ فإنه يقول في حديث نزول عيسى

عليه السلام تارة: بأنه حديث آحاد! وهذا حسب علمه بالحديث، وهو من أبعد العلماء المعاصرين عنه في نقدي، وتارة يتأوَّلُ نزولَهُ وحكمَهُ في الأرض بِغَلَبَة روحِهِ وسِرِّ رسالتِهِ على الناس، وهو ما غلب في تعليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم ... حكاه السيد رشيد رضا في "تفسيره" (3/ 317)؛ ومع أنه رده عليه بقوله عقبه: "ولكن ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك تأباه"؛ فإنه رد هذا الاستدراك بقوله عقبه أيضاً: "ولأهل هذا التأويل أن يقولوا: إن هذه الأحاديث قد نقلت بالمعنى كأكثر الأحاديث، والناقل للمعنى ينقل ما فهمه. وَسُئِلَ (يعني: محمد عبده) عن المسيح الدجال وقتل عيسى له؟ فقال: إن الدجال رمز للخرافات والدجل والقبائح التي تزول بتقرير الشريعة على وجهها ... "! ومن الغريب أن هذا التأويل سبقه إليه مدّعي النبوة " ميرزا غلام أحمد القادياني الهندي"، وكرره في كتبه ورسائله، وما أشبه هذا التأويل بتأويله لآيات كثيرة في القرآن؛ يحرِّفها ويستدل بها على نبوته؛ كتأويله لقوله تعالى في عيسى: {ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} (الصف:6)؛ فزعم أنه المقصود بقوله: [أحمد]! وله من مثل هذا الشيء الكثير، وفي غاية السخف؛ كما قال السيد رشيد نفسه في صدد الرد عليه في موضع آخر من "تفسيره" (6/ 58)، فقال فيه: "وقد جرى على طريقة أدعياء المهدوية من شيعة إيران - كالبهاء والباب - في استنباط الدلائل الوهمية على دعوته من القرآن؛ حتى إنه استخرج ذلك من سورة الفاتحة! وله في تفسيرها كتاب في غاية السخف يدعي أنه معجزة له!!

فجعلها مبشرة بظهوره، وبأنه هو مسيح هذه الأمة! ". قال السيد رشيد عقبه: "وإنما فتح على هذه الأمة هذا الباب الغريب من أبواب تأويل القرآن، وتحريف ألفاظه عن المعاني التي وضعت لها إلى معان غريبة لا تشبهها ولا تناسبها؛ أولئك الزنادقة من المجوس وأعوانهم الذين وضعوا تعليم فرق الباطنية؛ فراجت حتى عند كثير من الصوفية". قلت: فما الفرق بين تأويل هؤلاء الباطنية للقرآن؛ وتأويل القاديانية و (محمد عبده) ومن تَبِعَهُ لأحاديث النزول والدجال بذلك التأويل الباطل بداهة؟! وكيف سكت عليه السيد رشيد رحمه الله؛ بل تأول لهم تأويلاً جديداً بأن الأحاديث نُقِلَتْ بالمعنى؟! وليت شعري! هل ذلك يستلزم رد ما صح روايته عن الصحابة من المعاني فضلاً عما تواتر عنهم؟! مثلاً: إذا تواتر عن الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن شيء كلحوم الحمر الإنسية؛ فهذا رواية بالمعنى قطعاً، فهل ذلك يستلزم رد هذا المعنى الذي رووه من النهي بطريقٍ ما من طرق التأويل؛ بحيث يُعطل هذا النَّهي ويصير كأنه لم يرد مطلقاً؟! اللهم! إن هذا لهو الضلال المبين، ونسأل الله تعالى أن يحمينا منه. وإليك مثالاً آخر من أمثلة التأويل الذي بُلِيَ به بعض الكتاب المعاصرين من الأزهريين: قال الشيخ "محمد فهيم أبو عبية" في تعليقه على " نهاية البداية والنهاية" (1/ 71): "هل بقي عيسى عليه السلام حتى الآن حيّاً؟ وسينزل إلى الأرض ليجدد الدعوة إلى دين الله بنفسه؟ أم أن المراد بنزول عيسى هو انتصار دين

الحق، وانتشاره من جديد على أيدٍ مُخْلِصةٍ تعمل على تخليص المجتمع الإنساني من الشرور والآثام؟ رأيان (!) ذهب إلى كل منهما فريق من العلماء (!). وهذا هو ما يقال بالنسبة إلى الدجال: هل هو شخص من لحم ودم ينشر الفساد، ويهدد العباد، ويملك وسائل الترغيب والترهيب والإفساد؛ حتى يقيّض له عيسى عليه السلام فيقتله؟ أم إنه رمز لانتشار الشر، وشيوع الفتنة، وضعف نوازع الفضيلة، تهبُّ عليه ريح الخير المرموز إليها بعيسى عليه السلام، فتذهبه وتقضي عليه، وتأخذ بيد الناس إلى محجة الخير ومنهج العدل والتديّن؟ "! (¬1). قلت: ولا يكتفي هذا الأزهري "الفهيم" بهذا التعطيل لنصوص السنة وتأويلها - على طريق الرمز الذي هو مذهب الباطنية الملحدة؛ كما سبق حكايته عن السيد رشيد رضا نفسه - بل إنه يوهم القراء بأن هذا التعطيل هو رأي لبعض العلماء يقابل الرأي الأول! والحقيقة أنه لم يقل به أحد ممن له ذكر بالعلم في أهل الحديث والسنة، وإنما قال به بعض الخوارج والمعتزلة من الفرق الضالة؛ قال القاضي عياض: "في هذه الأحاديث حجة لأهل السنَّة في صحة وجود الدجال، وأنه شَخْصٌ مُعَيَّنٌ يبتلي الله به العباد، ويُقَدِّرُه على أشياء؛ كإحياء الميت الذي يقتله ... وظهور الخصب، والأنهار والجنة والنار، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء فتمطر، والأرض فتنبت ... ، وكل ذلك بمشيئة الله، ثم يعجزه، فلا يقدر على قتل الرجل ولا غيره، ثم يبطل أمره، ويقتله عيسى ابن مريم، وقد خالف في ذلك بعض الخوارج والمعتزلة والجهمية؛ فأنكروا وجوده، وردوا الأحاديث الصحيحة"! ¬

(¬1) وذكر نحو هذا (ص147). [منه].

قلت: وهذا هو بعينة ما فعله هذا الأزهري (الفهيم) وبعض شيوخه - تبعاً لسلفهم من الخوارج والمعتزلة؛ وأخيراً القاديانية كما سبق - تارة بطريق التشكيك في صحة الأحاديث بزعم أنها آحاد - كما فعل الشيخ (محمود شلتوت) في بعض مقالاته؛ تبعاً للشيخ (محمد عبده) كما سبق -وتارة بطريق التأويل والتعطيل كما فعل هذا (الفهيم)! وهو وإن كان اقتصر في كلامه السابق على حكاية الرأيين - بزعمه- دون أن يحدد موقفه بوضوح منها؛ فإنه إنما فعل ذلك تمويهاً وتدليساً على القراء، وإعداداً لنفوسِهم لِتَقََبُّلِ ما سيرجحه هو فيما بعد! فاسمع إليه وهو يقول في تعليقه على الفقرة الآتية (12 - أبو أمامة، 14 - السياق): (¬1) "يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ": "اختلف العلماء في الكتابة هنا: هل هي حقيقة؛ أم أنها كناية عن الأمارات الدالة على صاحبها؟ وأن القراءة معناها أن تلهم النفس المؤمنة بإشراقها ما يبصرها الحقيقة دون امتراء ... ولعل هذا التأويل هو الأقرب وهو الأسلم"! (¬2). هكذا قال هذا "الفهيم" متجاهلاً نص الإمام النووي وغيره على خلاف ترجيحه؛ قال الحافظ في"الفتح" (13/ 85): "قال النووي: الصحيح الذي عليه المُحقِّقون أن الكتابة المذكورة حقيقة، جعلها الله علامة قاطعة بكذب الدجال، فيظهر الله المؤمن عليها، ويخفيها على من أراد شقاوته". قال الحافظ: "وحكي عياض خلافاً، وأن بعضهم قال: هي مجاز عن سمة ¬

(¬1) هذا عزو لموضع هذه الفقرة من كتاب " قصة المسيح الدجال"، وسيأتي مثله. (¬2) وذكر نحو هذا (ص148). [منه].

الحدوث عليه، وهو مذهب ضعيف". ثم لا يكتفي ذاك (الفهيم) بترجيحه لذلك التأويل الباطل؛ بل إنه يجزم به بعد عدة صفحات؛ فيقول (ص118): "اختلاف ما روي من الأحاديث في مكان ظهور الدجال ... يشير إلى أن المقصود بالدجال الرمز إلى الشر واستعلائه ... "! وهذا هو الذي جزم به في تصديره للكتاب؛ فقال (ص6): "ثم سرنا مع القائلين بأن ظهور المهدي ونزول عيسى عليهما السلام هما رمزان لانتصار الخير على الشر، وأن الدجال رمز لاستشراء الفتنة، واستيلاء الضلال فترة من الزمان ... "! قلت: وهذا " الفهيم" هو رئيس بعثة الأزهر الشريف بـ (لبنان)؛ كما طبع ذلك تحت اسمه على طُرّة الكتاب. ولقد أساء جدًّا في تعليقاته على الكتاب المذكور إلى مؤلِّفه وكتابه من جهة؛ وإلى الحديث النبوي من جهة أخرى؛ مما يدل على جهله البالغ به! فإنه قطع بتضعيف أحاديثَ صحيحة؛ لعدم اتِّساع قلبه لها! ولم يسبقه إلى ذلك أحد من أهل - العلم - كحديث الجساسة؛ انظر (ص6 و96 و101)، وقد رواه مسلم، وحديث المهدي (ص37) - غير مبال بتصحيح المؤلف ابن كثير لبعضها (ص42 و43)؛ بل جزم بوضع حديث آخر رواه مسلم في "صحيحه" (ص 58 - 59)! أما إساءته إلى الكتاب والمؤلف؛ فهي أنه وضع في صلب الكتاب عناوين من عنده دون أن ينبّه على ذلك، وبعضها على خلاف طريقة المؤلف؛ باعتباره من أئمة الحديث الذين يؤمنون بالنصوص المتعلقة بأشراط الساعة دون تأويل لها؛ كما يفعل المبتدعة من المعتزلة وغيرهم، وهذا "الفهيم" قد أبان في تعليقاته

المشار إليها؛ أنه سلك سبيلهم حذو القذة بالقذة، فها هو مثلاً قد وضع من عند نفسه عنواناً في صلب الكتاب (ص116): "حديث يجب صرفه عن ظاهره إلى التأويل"! وضعه فوق حديث مسلم في قتل الدجال للمؤمن وإحيائه إياه؛ (انظر فقرة: 17 و18 - أبو أمامة). وعنوان آخر وضعه على الأحاديث الواردة في ابن صياد بعضها في البخاري! فقال (ص104): "مرويات مرفوضة؛ لأنها لا تصدق عقلاً، وليس بمعقول صدورها عن الرسول عليه السلام ". كأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عند هذا "الفهيم" ينبغي أن لا يتكلم بأمور غيبية لا مجال للعقل إلا أن يسلِّم بها، وعلى ذلك فالإيمان بالغيب الذي هو التصديق لا وجود له في نفسه!! ووضع عنواناً على حديث تعذيب المصورين (2/ 50): "عذاب المصورين المجسمين يوم القيمة "! وبالجملة؛ فهذه العناوين التي وضعها من عند نفسه في ثنايا الكتاب؛ مع أنها تنافي الأمانة العلمية؛ فهي - في الوقت نفسه - تدل على مبلغ علم هذا "الفهيم"، والخسارة التي لحقت بالناشرين للكتاب مادةً ومعنى؛ حيث إن تعاليقه المذكورة قد غيرت معالم الكتاب، وجعلته بهذا العناوين والتعاليق كتاباً آخر ليس هو كتاب الحافظ ابن كثير! "قصة المسيح الدجال" (ص 9 - 16).

[1608] باب بيان سبب انحراف بعضهم في عقيدة المهدي ونزول عيسى

[1608] باب بيان سبب انحراف بعضهم في عقيدة المهدي ونزول عيسى [قال الإمام]: (كثيرٌ) من العلماء حينما يريدون أن يعالجوا بعض الانحرافات التي أصابت الجماهير قديماً وحديثا، إنما يعالجونها بانحراف مثله أو أخطر منه وضربت على ذلك مثلاً بعقيدة نزول عيسى عليه السلام. أنا أذكر جيداً أنني حينما نشأت في طلب العلم، انتفعت بالسيد رشيد رضا وبمجلته المنار خاصة انتفاعاً كثيراً، بل أعتقد أنه لم يكن المفتاح الذي فتح لي طريقة السلف إلا هذه المجلة، لكن وجدت في كثير فيما بعد من مقالاته أنه انحرف في قليل أو كثير عما جاءت به السنة، والسبب في ذلك أنه كان ابتلي بمن يسمون بالقديانية، تعرفونهم، القاديانية الذين يسمون أنفسهم بالأحمديين، غلام أحمد القادياني، معروفون عند أهل السنة بالقاديانية، وهم يفرون من هذه النسبة إلى النسبة الأحمدية، فهم يقولون نحن أحمديون، ولهم هدف خبيث بالفرار من تلك النسبة إلى هذه؛ لأن النسبة الأولى إنما هي نسبة إلى البلدة التي خرج منها نبيهم الكذاب ميرزا غلام أحمد القدياني وهي قاديان، وينتسبون إلى أحمد لأن ميرزا غلام أحمد القادياني ليس اسمه أحمد وإنما هو غلام أحمد وهذا أسلوب في اللغة الهندية تفسيره خادم أحمد، فهو ليس أحمد وإنما هو خادم أحمد، والمقصود بأحمد هو نبينا عليه الصلاة والسلام، والأعاجم لهم مثل هذه النسبات افتخاراً بانتسابهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فغلام أحمد هكذا عرف الرجل، ولكنه لما ادعى المهدوية ثم ادعى النبوة، وحمل على نفسه بعض النصوص الشرعية من الكتاب والسنة جرها جرًّا على نفسه، مثل قوله تعالى:

{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصف:6) من هذا أحمد؟ هو محمدنا، لا، هو أحمدهم. هكذا .. وبناءً على ذلك حتى يصح له جر هذه الآية وحملها على ذاته غَيَّرَ اسمه في مؤلفاته، أنا هذا درسته شخصياً لأني ابتليت بمجادلة القاديانية هناك في دمشق سنين طويلة، فهو كان يكتب اسمه في مؤلفاته ميرزا غلام أحمد، أي خادم أحمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فحذف ميرزا غلام أحمد وقال اسمه أحمد لكي يضلل الناس أن هذه الآية تعنيني أنا وأنا اسمي أحمد، أما محمد النبي المبعوث رحمة للعالمين اسمه محمد وليس اسمه أحمد، هكذا أوهم المضللين به، أي نعم، ولذلك وإتماماً لإضلال شيخهم لهم يضلون العالم بأنهم أحمديون ليسوا منتسبين لأحمد بن عبد الله بن عبد المطلب وإنما لأحمد ذلك الكذاب. هؤلاء كالمعتزلة بل وأشد إغراقاً في الضلال، لأنهم ينكرون ما هو معلوم من الدين بالضرورة، يؤمنون بكل الكتاب ولكن لفظاً وليس معنىً، ولا يخفى على أهل العلم أن اللفظ في كل الكلام فضلاً عن الكلام الإلهي ليس مقصوداً بذاته وإنما هو وسيلة للمعاني، وكما يقال: الألفاظ قوالب المعاني، فما الفائدة إذا آمن مؤمنٌ ما بآيةٍ ما ثم لف ودار عليها واستخرج لها من ضلاله معنى لا صلة لهذا المعنى باللفظ القرآني، هكذا كل الفرق الضالة شأنهم مع القرآن الذين لم يعلنوا الخروج عن الإسلام وإنما لا يزالون يدعون أنهم مسلمون ويؤمنون بالقرآن. القاديانيون هكذا مثالهم، يؤمنون بألفاظ القرآن في كثير من نصوصه، ولكنهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه كما حكى ذلك ربنا في القرآن الكريم عن اليهود.

هم يعتقدون مثلاً بأن باب النبوة مفتوح بعد محمد عليه الصلاة والسلام، على الرغم من مثل قوله تبارك وتعالى في القرآن: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)، هم لا ينكرون أنه خاتم النبيين لكنهم ينكرون كما أنكر المعتزلة القدر وأنكروا الصفات الإلهية ونحو ذلك، فهم يقولون خاتم النبيين ليس معناه آخرهم، وإنما خاتم النبيين كالخاتم في الإصبع أو هو زينتهم. طيب .. هذا موقفهم من القرآن .. ما موقفهم من الأحاديث المتواترة، بأنه لا نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام؟ ما استطاعوا تأويله حرفوه كما حرفوا القرآن، وما لم يستطيعوا نسفوه نسفاً وقالوا هذا مخالف للقرآن. من أشهر الأحاديث التي تثبت أن لا نبي بعده عليه السلام حديث مخاطبة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لعلي حينما سافر إلى تبوك غازياً وترك علياً في المدينة، وبكى علي فآنسه عليه السلام بقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي» قالوا هذا حديث صحيح لكن ما فهمتموه جيداً، لا نبي بعدي أي معي. أما بعده، أي بعد وفاته هناك نبي. مثال آخر كيف يحرفون الكلم من بعد مواضعه. مداخلة: فيهم ذكاء دول؟ الشيخ: ذكاء لكن ذكاء بدون عقل لا يفيد أبداً، ولذلك حكى ربنا عز وجل في القرآن الكريم عن الكفار والمشركين {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10)، لذلك الذكاء شيء والعقل شيء. عفواً، أنا جعلت الاستطراد طويلاً جداً، يعني كنت أتكلم عن السيد رشيد رضا، وأنني استفدت منه، لكن رأيت منه بعض الانحرافات، منها بسبب رده على

القاديانيين، والقاديانيون يدعون من دعاويهم الباطلة أن ميرزا غلام أحمد القادياني هو عيسى المبشَّر به في الأحاديث وهذا أيضاً من تآويلهم الباطلة، «لينزلن فيكم عيسى ابن مريم حكماً عدلاً» ليس المقصود عيسى وإنما بمضاف محذوف تقديره مثيل عيسى، لف ودوران، من هو هذا المثيل؟ ميرزا غلام أحمد القادياني!! السيد رشيد رضا رحمه الله كأنه شعر أنه ما استطاع أن يقيم الحجة عليهم حجة دامغة قاهرة إلا بالتشكيك بأحاديث نزول عيسى عليه السلام، كان من شان إيش يخلص الجمهور من التأثر بالقاديانية فلا عيسى ولا مهدي لذلك قلنا بالنسبة إليه مع فضله وعلمه: أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل وأنا كتبت في بعض ما كتبت من المؤلفات والكتب أن السبيل في كل هذه الأمثلة وسواها ليس هو التأويل الذي هو أخو التعطيل، وإنما هو فهم النصوص فهماً جيداً، من المسلمين حتى لا يقعوا في انحراف سلبي أو إيجابي ... على هذا يجب أن تعالج كل العقائد الإسلامية الصحيحة، منها قضية نزول عيسى عليه السلام، أشكل الأمر على السيد رشيد رضا رحمه الله، ومنه استقينا نحن هذا المنهج في السلف والحديث وأشكل على كثير من علماء الأزهر كشلتوت وأمثاله، أنكروا عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، لماذا؟ قالوا لأن كثيراً من الناس ادعوا العيسوية، فهذا غلام أحمد القادياني، كثير منهم ادعوا المهدوية، وجاركم هناك في السودان المهدوي هذا معروف، وفي التاريخ الإسلامي كثير ممن ادعى المهدوية وادعى العيسوية. إذا سداً لباب هذه الدعوات الباطلة، بنريِّح الناس من عقيدة نزول عيسى عليه

السلام وخروج المهدي. هذا خطأ، ومعالجة خطأ بخطأ مثله وشر منه. أنا قلت في بعض ما كتبت رداً على أمثال هؤلاء أنا أخشى ما أخشى أن يأتي يوم يعالج فيه بعضهم الإلهية فينكرها لأن الفراعنة ما انتهوا بعد فبعضهم يدعي الألوهية، فلنريح الناس من هذه الدعوى، وهي من أبطل الباطل، ما في ألوهية وانتهت المشكلة، هل هذه طريقة صحيحة. نحن نقول أخيراً .. نزول عيسى عقيدة صحيحة آمن بها السلف وتبعهم الخلف على هدى من ربهم، لكن ليس في هذه الأحاديث ولا في أحاديث المهدي عليهما السلام أن على المسلمين أن لا يعملوا لإسلامهم ولعزة دينهم حتى ينزل عيسى ويخرج المهدي، لا يوجد في هذه الأحاديث كلها ما يشعر بهذا الفهم الخاطئ الذي وقع فيه بعض المسلمين، ولذلك أنكر بعض المصلحين هذه الأحاديث من شان يزيحوا العثرة بزعمهم من طريق عامة المسلمين، "ما في فائدة أن ينزل عيسى ويخرج المهدي" هذا فهم خطأ كما فهم الجبريون من القدر، ووافقهم المعتزلة ثم أنكروا الجبر وأنكروا معه القدر. ما دام لا يوجد في الأحاديث الصحيحة التي نزلت في عيسى عليه السلام وفي خروج المهدي ما يشعرنا بالتواكل على مجيئهما، إذاً يجب علينا أن نعمل، لأن عيسى إن نزل وجد الأرض مهيأة لقائد يقودُهم وإذا نزل عيسى عليه السلام والمسلمون كما هم اليوم -أنا أقول هذا الكلام مؤمناً به- سوف لا يستطيع عيسى أن يجمع المسلمين في لحظة، في يوم وليلة، يجمع المسلمين الصالحين منهم بطبيعة الحال حول قيادته لأنه سوف لا يكون في اعتقادي أحلم ولا أقدر على

جمع قلوب الناس حوله من نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو لبث في قومه عشرين سنة حتى استطاع أن أوجد هذه النواة التي غذاها الله عز وجل بقوته وعلمه ثم امتدت ظلالها كما تعلمون في التاريخ الإسلامي. فإذاً عيسى عليه السلام، يجب أن لا نتصور أنه ينزل إلا والأرض قد هُيئت له لقبوله. إذاً ينبغي أن نفهم أحاديث النزول والخروج بأنها تحض المسلمين على العمل لإعادة الإسلام إلى مجده الغابر لا أن ينتظروا عيسى والمهدي ليعيد لهم المجد الغابر. إذا آمنا هكذا ما المشكلة من أحاديث عيسى وخروج المهدي، لا إشكال أبداً، دائماً المشاكل تأتي من سوء فهم النصوص، وهذه الحقيقة نقطة مهمة جداً في العالم الإسلامي من حيث أنهم أساءوا فهم بعض النصوص فاساءوا فهم نصوص أخرى. ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً وإياكم للفهم الصحيح عن الله ورسوله. سؤال: يا شيخ .. ابن خلدون يتكلم في أحاديث المهدي، ما رأيكم في أحاديث المهدي؟ يقول إنها ضعيفة كلها؟ الشيخ: أولاً، لا يخفاكم أن ابن خلدون هو مؤرخ وحكيم في التاريخ وليس عالماً بالحديث، وما أردت أن أقول: ليس متخصصاً في الحديث؛ بل هو ليس عالماً في الحديث. من قرأ كتابته في التاريخ أو في مقدمة تاريخه حول أحاديث المهدي يجد هناك في بعض الأحاديث اعترافاً بالصحة، في هذا البعض، ولذلك فيخطئ كثير من الكتاب الذين كتبوا في هذه القضية ومنهم شيخ قطر -إذا سمعتم به

مداخلة: القرضاوي. الشيخ: لا المحمود هذا. مداخلة: آه الشيخ الكبير. الشيخ: يخطئ كثيراً كهذا الشيخ حين يعزو إلى ابن خلدون أنه ضعف كل أحاديث المهدي، هذا خطأ ليس فقط على الحديث النبوي بل وخطأ آخر على ابن خلدون المؤرخ، ثم علم الحديث فيه الواقع دقائق هي التي صرفت كثيراً من العلماء عن الاشتغال بالحديث؛ لأنه يتطلب جهداً ودأباً قد لا يستطيعه أكثر النفوس ولو كانوا من أهل العلم والفضل. أضرب لك مثلاً بين عالم يكتب بحثاً علمياً وكاتب يكتب مقالة أدبية كم الفرق بينهما؟ مداخلة: الفرق شاسع. الشيخ: شاسع جداً، الذي يكتب مقالة أدبية، الأفكار المخزونة في مخه وفكره يسيل بها قلمه، لا يحتاج أن يراجع هذه الكتب التي يسميها الناس ظلماً الكتب الصفراء، ما يحتاج. بينما الذي يريد أن يكتب ويحرر مقالةً علميةً خاصة في آخر الزمان الذين علمهم كأمثالنا في سطورهم وليس في صدورهم، هؤلاء بحاجة أن يراجعوا على الأقل يتثبت، أما ذاك الكاتب ما يحتاج إلى مراجعة أبداً، يكتب ويشحبر -يقولوا عندنا في الشام بهذا القلم الأسود- النسبة التي ذكرتها بين الكاتب العالم، والكاتب الأديب؛ هي النسبة بين

العالم المحدث المتخصص في الحديث والعالم، يحتاج إلى صبر ومراجعات كثيرة وكثيرة جداً، لماذا؟ لأن كثيراً من الأحاديث هي من القسم الذي يسميه علماء الحديث صحيح لغيره، حسن لغيره. أحد العلماء كالترمذي مثلاً إذا قال في حديث ما حديث حسن -وهذا من الغرائب واللطائف التي لا ينتبه لها أكثر العلماء بل وكثير من المحدثين، إذا قال الترمذي في حديث: حسن؛ يعني: إسناده ضعيف، أسمعتم بهذا؟ إذا قال في حديثٍ ما: حديث حسن يعني أن إسناده ضعيف. مداخلة: لم يصل إلى درجة الصحة؟ الشيخ: لا، أنا أقول إذا قال في حديثٍ ما: حديث حسن يعني: إسناده ضعيف، فما نقفز قفزة الغزلان بارك الله فيك، يعني ليس بصحيح، يعني أن إسناده غير حسن، ليس بصحيح: إذا قال الترمذي في حديث ما حديث حسن يعني هذا الحديث الذي حسنه الترمذي إسناده ضعيف، كيف هذا؟ هذا اصطلاح، على خلاف ما إذا قال في حديث آخر: حديث حسن غريب، فإنما يعني حديث حسن إسناده، كلمة غريب حددت المراد من قوله: حسن. أما إذا عرى هذه الكلمة «حسن» عن لفظة «غريب» فهو يعني حسن متنه ضعيف إسناده، لماذا جاء هذا التحسين؟ من علمه أن لهذا المتن شواهد وطرق أخرى ارتقت به من الضعف الذي جاءه من هذا الإسناد. إذاً من أجل ذلك قال علماء الحديث: إذا وقف طالب العلم على حديث إسناده ضعيف فهل يجوز له أن يقول حديث ضعيف، قالوا وقالوا، قالوا لا يجوز لأنه قد يكون له إسناد آخر إما أن يكون هذا الإسناد الآخر حسن لذاته أو صحيح لذاته أو على الأقل يجعل هذا الحديث الضعيف إسناده حسناً أو صحيحاً لغيره.

[1609] باب رد بعض شبهات من أنكر عقيدة المهدي ونزول عيسى: شبهة أن عقيدة المهدي استغلت استغلالا سيئا فينبغي قطع دابرها

ولذلك فلا يستقل بالقول بأنه هذا حديث ضعيف، وإنما يقول حديث إسناده ضعيف، ثم استثنوا فقالوا اللهم إلا رجل عالم متمكن في علم الحديث محيط ما شاء الله بطرق الحديث ثم لم يجد لهذا الحديث إلا هذا الإسناد؛ فلمثله فقط أن يقول: هذا حديث ضعيف. "الهدى والنور" (226/ 34: 12: 00) و (14: 42: 00). [1609] باب رد بعض شبهات من أنكر عقيدة المهدي ونزول عيسى: شبهة أن عقيدة المهدي استغلت استغلالاً سيئاً فينبغي قطع دابرها [قال الإمام]: ومنهم [أي من الناس] من يشاركنا في النقمة على هؤلاء المدعين للمهدوية، ولكنه يبادر إلى إنكار الأحاديث الصحيحة الواردة في خروج المهدي في آخر الزمان، ويدعي بكل جرأة أنها موضوعة وخرافة!! ويسفه أحلام العلماء الذين قالوا بصحتها، يزعم أنه بذلك يقطع دابر أولئك المدعين الأشرار! وما علم هذا وأمثاله أن هذا الأسلوب قد يؤدي بهم إلى إنكار أحاديث نزول عيسى عليه الصلاة والسلام أيضا، مع كونها متواترة! وهذا ما وقع لبعضهم، كالأستاذ فريد وجدي والشيخ رشيد رضا، وغيرهما، فهل يؤدي ذلك بهم إلى إنكار ألوهية الرب سبحانه وتعالى لأن بعض البشر ادعوها كما هو معلوم؟! نسأل الله السلامة من فتن أولئك المدعين، وهؤلاء المنكرين للأحاديث الصحيحة الثابتة عن سيد المرسلين، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. "الصحيحة" (5/ 278).

[1610] باب منه

[1610] باب منه [قال الإمام]: وطائفة منهم [أي ممن أنكر عقيدة المهدي] رأوا أن عقيدة المهدي قد استغلت عبر التاريخ الإسلامي استغلالاً سيئاً، فادعاها كثير من المغرضين، أو المهبولين، وجرت من جراء ذلك فتن مظلمة، كان من آخرها فتنة مهدي (جهيمان) السعودي في الحرم المكي، فرأوا أن قطع دابر هذه الفتن، إنما يكون بإنكار هذه العقيدة الصحيحة! "الصحيحة" (4/ 43). [1611] باب منه رد نفس الشبهة حول عقيدة نزول عيسى [قال الإمام]: وما مثل هؤلاء [أي الذين ينكرون عقيدة المهدي] إلا كمثل من ينكر عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان التي تواتر ذكرها في الأحاديث الصحيحة؛ لأن بعض الدجاجلة ادعاها، مثل ميرزا غلام أحمد القادياني، وقد أنكرها بعضهم فعلا صراحة، كالشيخ شلتوت، وأكاد أقطع أن كل من أنكر عقيدة المهدي ينكرها أيضاً، وبعضهم يظهر ذلك من فلتات لسانه، وإن كان لا يبين, وما مثل هؤلاء المنكرين جميعاً عندي إلا كما لو أنكر رجل ألوهية الله عز وجل بدعوى أنه ادعاها بعض الفراعنة! {فهل من مدكر}. "الصحيحة" (4/ 43).

[1612] باب منه

[1612] باب منه [قال الإمام]: ومنهم [أي من الناس] من يشاركنا في النقمة على هؤلاء المدعين للمهدوية، ولكنه يبادر إلى إنكار الأحاديث الصحيحة الواردة في خروج المهدي في آخر الزمان، ويدعي بكل جرأة أنها موضوعة وخرافة!! ويسفه أحلام العلماء الذين قالوا بصحتها، يزعم أنه بذلك يقطع دابر أولئك المدعين الأشرار! وما علم هذا وأمثاله أن هذا الأسلوب قد يؤدي بهم إلى إنكار أحاديث نزول عيسى عليه الصلاة والسلام أيضاً، مع كونها متواترة! وهذا ما وقع لبعضهم، كالأستاذ فريد وجدي والشيخ رشيد رضا، وغيرهما، فهل يؤدي ذلك بهم إلى إنكار ألوهية الرب سبحانه وتعالى لأن بعض البشر ادعوها كما هو معلوم؟! نسأل الله السلامة من فتن أولئك المدعين، وهؤلاء المنكرين للأحاديث الصحيحة الثابتة عن سيد المرسلين، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. "الصحيحة" (5/ 278). [1613] باب رد شبهة أن أحاديث المهدي تؤدي إلى التثبيط والتواكل [قال الإمام]: اعلم يا أخي المسلم أن كثيراً من المسلمين اليوم قد انحرفوا عن الصواب في هذا الموضوع، فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي! وهذه خرافة وضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة، وبخاصة الصوفية منهم، وليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقاً، بل هي

كلها لا تخرج عن أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بَشَّرَ المسلمين برجل من أهل بيته، ووصفه بصفات بارزة أهمها أنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة كما صح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكما أن ذلك لا يستلزم ترك السعي وراء طلب العلم والعمل به لتجديد الدين، فكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكل عليه وترك الاستعداد والعمل لإقامة حكم الله في الأرض، بل على العكس هو الصواب، فإن المهدي لن يكون أعظم سعياً من نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي ظل ثلاثة وعشرين عامّاً وهو يعمل لتوطيد دعائم الإسلام، وإقامة دولته فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد المسلمين شيعاً وأحزاباً، وعلماءهم - إلا القليل منهم - اتخذهم الناس رؤوساً! لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم ويجمعهم في صف واحد، وتحت راية واحدة، وهذا بلا شك يحتاج إلى زمن مديد الله أعلم به، فالشرع والعقل معا يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين، حتى إذا خرج المهدي، لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر، وإن لم يخرج فقد قاموا هم بواجبهم، والله يقول: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ}. ومنهم - وفيهم بعض الخاصة - من علم أن ما حكيناه عن العامة أنه خرافة ولكنه توهم أنها لازمة لعقيدة خروج المهدي، فبادر إلى إنكارها، على حد قول من قال: " وداوني بالتي كانت هي الداء "! وما مثلهم إلا كمثل المعتزلة الذين أنكروا القدر لما رأوا أن طائفة من المسلمين استلزموا منه الجبر!! فهم بذلك أبطلوا ما يجب اعتقاده، وما استطاعوا أن يقضوا على الجبر! "الصحيحة" (4/ 42 - 43).

[1614] باب هل الإيمان بخروج المهدي ونزول عيسى عليه السلام يبعث على التكاسل وعدم الأخذ بالأسباب

[1614] باب هل الإيمان بخروج المهدي ونزول عيسى عليه السلام يبعث على التكاسل وعدم الأخذ بالأسباب [قال الإمام]: لا يجوز للمسلمين اليوم أن يتركوا العمل للإسلام وإقامة دولته في وجه الأرض؛ انتظاراً منهم لخروج المهدي ونزول عيسى عليهما الصلاة والسلام؛ يأْساً منهم؛ أو توهماً أن ذلك غير ممكن قبلهما! فإن هذا توهم باطل، ويأس عاطل فإن الله تعالى أو رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يخبرنا أن لا عودة للإسلام ولا سلطان له في وجه الأرض إلا في زمانهما، فمن الجائز أن يتحقق ذلك قبلهما إذا أخذ المسلمون بالأسباب الموجبة لذلك؛ لقوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7)، وقوله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40). ولقد كان هذا التوهم من أقوى الأسباب التي حملت بعض الأساتذة المرشدين والكُتّاب المعاصرين على إنكار أحاديث المهدي وعيسى عليهما السلام - على كثرتها وتواترها - لما رأوا أنها عند المتوهمين مدعاة للتواكل عليها وترك العمل لعز الإسلام من أجلها! فأخطؤوا في ذلك أشد الخطأ من وجهين: الأول: أنَّهم أقروهم على هذا التوهم؛ على اعتبار أن مصدره تلك الأحاديث المشار إليها؛ وإلا لم يبادروا إلى إنكارها! والآخر: أنهم لم يعرفوا كيف ينبغي عليهم أن يعالجوا التوهم المذكور؟ وذلك بإثبات الأحاديث، وإبطال المفاهيم الخاطئة من حولها، وما مثلهم في ذلك إلا كمثل من أنكر عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره؛ لأن بعض المؤمنين به فهموا

منه أن لازمه الجبر، وأن المكلَّف لا كسب له ولا اختيار، ولما كان هذا الفهم باطلاً بداهة سارعوا إلى إنكاره، ولكنهم أنكروا مَعَهُ القدر أيضاً؛ لتوهمهم - أيضاً مع المتوهمين - أنه يعني الجبر، فوافقوهم في خطئهم في التوهم المذكور، ثم زادوا عليهم خطأً آخر- فراراً من الأول - وهو إنكارهم القدر نفسه! فلولا أنهم شاركوهم في فهمهم منه الجبر ما أنكروه! وهذا هو عين ما صنعه البعض المشار إليه من الأساتذة والكُتّاب؛ فإنهم لما رأوا تواكل المسلمين - إلا قليلاً منهم - على أحاديث المهدي وعيسى؛ بادروا إلى إنكارها لتخليصهم بزعمهم من التواكل المذكور! فلم يصنعوا شيئاً؛ لأنهم لم يستطيعوا تخليصهم بذلك من جهة؛ ولا هم كانوا على هدى في إنكارهم للأحاديث الصحيحة من جهة أخرى. والحقيقة أن هؤلاء المنكرين- الذين يفهمون من هذه الأحاديث ما لا تدل عليه من التواكل المزعوم، ولذلك يبادرون إلى إنكارها تخلّصاً منه - قد جمعوا بين المصيبتين: الضلال في الفهم، والكفر بالنص! ولكنهم عرفوا أن الفهم المذكور ضلال في نفسه؛ فأنكروه بإنكار النص الذي فهموا ذلك منه! وعكس ذلك العامة؛ فآمنوا بالنص مع الفهم المذكور، فمع كل من الفريقين هدى وضلال، والحق الأخذ بهدى كل منهما، ونبذ الضلال الذي عندهما؛ وذلك بالإيمان بالنص دون ذلك الفهم الخاطئ. وما مثل هؤلاء وهؤلاء إلا كمثل المعتزلة من جهة؛ والمشبِّهة من جهة أخرى، فإن الأولين تأولوا آيات وأحاديث الصفات بتآويل باطلة أودت بهم إلى إنكار الصفات الإلهية، وما حملهم على ذلك إلا فرارهم من التشبيه الذي وقع فيه المشبِّهة، والحقيقة أن المعتزلة أنفسهم شاركوا المشبِّهة في فهم التشبيه من آيات

[1615] باب منه

الصفات، ولكنهم افترقوا عنهم بإنكار التشبيه بطريق التأويل الذي هو باطل أيضاً؛ كالتشبيه لما لزم منه من إنكار الصفات الإلهية، وأما المشبِّهة فلم يقعوا في هذا الباطل، ولكنهم ثبتوا على التشبيه، والحق الجمع بين صواب هؤلاء وهؤلاء، ورد باطل هؤلاء وهؤلاء؛ ذلك بالإثبات والتنزيه؛ كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير} (الشُّورى:11). وكذلك أقول في أحاديث نزول عيسى عليه السلام وغيرها؛ فإن الواجب فيها إنما هو الإيمان بها، وردّ ما توهمه المتوهمون منها؛ من ترك العمل والاستعداد الذي يجب القيام به في كل زمان ومكان، وبذلك نكون قد جمعنا بين صواب هؤلاء وهؤلاء، ورددنا باطل هؤلاء وهؤلاء. والله المستعان. "قصة المسيح الدجال" (ص36 - 38). [1615] باب منه سؤال: يقول السائل: ما هو حكم الشرع في العمل لاستئناف الحياة الإسلامية، مع معرفة السبيل الأمثل لتحقيق ذلك؟ علماً: أن هناك أحاديث يفهمها البعض على أنها تعني القعود عن هذا العمل وهي: أحاديث المهدي، فما هو رأيكم في ذلك جزاكم الله خيراً؟ الجواب: لقد كتبنا أكثر من مرة حول أحاديث المهدي عليه السلام، ومواقف علماء العصر وهذا الزمان، فإنهم مختلفون في ذلك أشد الاختلاف. أما العلماء الذين لا يزالون يتمسكون بما قام عليه الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة؛ فهم لا يزالون يعتقدون والحمد لله بأن خروج المهدي حق لا ريب فيه، ولكن لابد بهذه المناسبة من التذكير أن هناك شخصاً آخر لابد من خروجه،

وسيلتقي مع المهدي وهو عيسى عليه الصلاة والسلام، فإن عيسى عليه السلام أحاديثه أقوى من أحاديث المهدي، وإن كان كل من أحاديث الرجلين يلتقيان في الصحة إلا أن أحاديث عيسى عليه السلام أصح من أحاديث المهدي كما لا يخفى ذلك على أهل العلم في الحديث؛ لأنه من المتفق بين أهل الحديث أن أحاديث عيسى متواترة، بلغت علم اليقين، أحاديث المهدي عليه الصلاة والسلام، يوجد هناك خلاف بين بعض العلماء هل بلغت هذه المرتبة أم لا؟ وأنا لا يهمني الوصول إلى هذه المرتبة، وإن أكنت أميل إليها أي: إن أحاديث المهدي أيضاً وصلت إلى هذه المرتبة، ولكني يكفي المسلم أن يعلم أن أحاديث المهدي صحيحة، وأن علماء المسلمين توارثوا خلفاً عن سلف الاعتقاد بخروج المهدي، وبنزول عيسى عليهما السلام. إذاً: قلت هذا لأن السؤال ذكر المهدي، وكان الأولى أن يذكر عيسى؛ لأن أحاديث عيسى أقوى، فلذلك هذا السؤال فتح لي باب التطرق لأحاديث عيسى عليه الصلاة والسلام. قلنا: إن هذه العقيدة حق لا عوج فيها. بعض العلماء في العصر الحاضر ممن لا يهتمون بدراسات العلماء السابقين سواءً ما كان منها متعلق بتصحيح الأحاديث، أو ما كان منها متعلق بتصحيح العقائد المبنية على الأحاديث، فكثير من علماء العصر الحاضر ينكرون خروج المهدي بل غلا بعضهم فأنكروا أيضاً: نزول عيسى عليه الصلاة والسلام. لا أريد الخوض بتفصيل في هذه المسألة إلا بمقدار ما نود من تقديمه جواباً عن هذا السؤال.

كثير من المعاصرين الذين يدعون الإصلاح، وجدوا عامة المسلمين يتكؤون في العمل الإسلامي، وبعبارة أوضح: في ترك العمل للإسلام يقولون: ما في فائدة للعمل إلا حينما يخرج المهدي أو ينزل عيسى عليه السلام، هكذا يعتقد كثير من الناس أي: وصلوا إلى مرتبة اليأس التي لا يجوز للمسلم أن يقع فيها؛ لأنه {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون} (يوسف:78) في القرآن الكريم. فلما وجد بعض المصلحين هذا اليأس مسيطراً على جماهير المسلمين، وجدوا أن سبب هذا اليأس هو إيمانهم بنزول عيسى وخروج المهدي، فظنوا أن الإصلاح يكون بإنكار هاتين العقيدتين الصحيحتين بأن يقول للناس: يا جماعة اعملوا فعقيدة نزول عيسى عليه السلام ما هي ثابتة بالطريق اليقين وهم مخطئون أشد الخطأ، اعملوا فإن خروج المهدي هذا عقيدة شيعية وهي غير صحيحة، كذلك هم في ذلك مخطئون، فقلنا مراراً وتكراراً وكتبنا شيئاً من هذا المعنى في بعض المؤلفات قلنا: لا يكون الإصلاح على هذا المنوال، وعلى هذا المنهاج في إنكار الأحاديث الصحيحة وما بني عليها من عقيدة؛ لأن هذا المنهج الاستمرار عليه سيؤدي بأصحابه إلى الاعتزال الماضي قديماً، ذلك؛ لأن المعتزلة أنكروا ما هو أخطر من عقيدة عيسى عليه السلام، والمهدي ما الذي أنكروه؟ أنكروا القدر، فقالوا: لا قدر مع أن القدر ثابت في الكتاب والسنة، وهي عقيدة كما تعلمون جميعاً: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره قالت المعتزلة: لا قدر فنحن إذا درسنا ما الذي حمل المعتزلة وهم بطبيعة الحال ليسوا كفاراً ليسوا مرتدين عن دين الإسلام كل ما نستطيع أن نقول عنهم: إنهم مسلمون ضالون؛ لأنهم أنكروا حقائق شرعية منها: إنكارهم للقدر الإلهي لكننا إذا درسنا السر في

إنكارهم للقدر الإلهي وجدناه كإنكار بعض المعاصرين اليوم لعقيدة خروج المهدي ونزول عيسى عليه السلام كيف؟ وجدوا أن كثيراً من المسلمين فهموا من عقيدة القدر أنها تعني الجبر، وأن الإنسان ليس مخيراً في طاعته لله، أو في معصيته إياه، وهم بلا شك وجدوا نصوصاً في الكتاب والسنة وذلك مقتضى العقل الصحيح السليم: أنه لا يجتمع في الإنسان جبر وتكليف ضدان لا يجتمعان. فالمعتزلة نظروا فقالوا: إذاً: إذا كان معنى القدر الجبر، فلا يمكن إن ربنا عز وجل يجبر الإنسان على معاصيه، وبعدين ماذا؟ يعذبه، إذاً: هذه العقيدة عقيدة باطلة. نحن نلتقي مع المعتزلة في قولهم: بأن الجبر عقيدة باطلة كما نلتقي مع أولئك المصلحين بأن الاتكال على خروج المهدي ونزول عيسى، وعدم العمل للإسلام أيضاً: عقيدة باطلة، ولكننا لا نلتقي لا مع هؤلاء، ولا مع أولئك المعتزلة فيما أنكروا من عقائد صحيحة ثبتت بعضها بالكتاب والسنة، وبعضها بالأحاديث الصحيحة المتواترة. فالمعتزلة تأولوا الآيات التي تنص على القدر كما تأولوا الأحاديث، بل وأنكروا بعضها حينما لا يسعهم تأويلها، فوقعوا في القدر وهو إنكار القدر الإلهي الذي ثبت في القرآن وفي السنة كما ذكرنا. فنقول نحن للمعتزلة كما نقول لهؤلاء المصلحين اليوم: ما هكذا يا سعد تورد الإبل، ما هكذا يا جماعة يكون الإصلاح لا يكون الإصلاح بإنكار حقائق شرعية، وإنما يكون الإصلاح بتفهيم المسلمين الفهم الصحيح بتلك النصوص سواءً ما كان منها قائماً على إثبات القدر، أو ما كان منها قائماً على إثبات نزول

عيسى وخروج المهدي عليهما السلام. فنقول: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مكث في قومه ثلاث وعشرين سنة، وهو يدعوهم ليلاً نهاراً حتى استطاع أن يضع النواة للخلافة الإسلامية بالمدينة المنورة. فنحن علينا معشر المسلمين ألا ننتظر ما بشرنا بمجيئه من المهدي أو عيسى علينا أن نعمل؛ لأن الواقع الآن نشعر نحن تماماً: أن هناك جماعات من المسلمين متفرقون في العالم الإسلامي هم ينتظرون قائداً يأخذ بأيديهم ويجاهد بهم أعداء الإسلام في كل زمان، وفي كل مكان، فهم ينقصهم هذا الإنسان المصلح القائد، لكن تصوروا معي الآن: إذا جاء هذا المبشر به، وهو: المهدي أو عيسى، وأخذ يصلح بين المسلمين كما يفعل اليوم المصلحون المتفرقون في العالم الإسلامي، فكم سيضل في عملية الإصلاح هذه؟ ستنقضي حياته إلا إن كان له حياة تشبه حياة نوح عليه السلام، وهذا لم نبشَّر به، ستنقضي حياته في إصلاح المسلمين تفهيمهم الإسلام الصحيح، وحملهم على العمل بالإسلام [ .... انقطاع]. نقول مثلاً: نحن يعلم يقيناً: أن من آفة العالم الإسلامي هو: الانكباب على الدنيا. ومن آثار هذا الإنكباب: استحلال ما حرم الله عز وجل من الربا بأدنى الحيل فضلاً عن غير ذلك من المحرمات، أبمثل هؤلاء الناس يمكن إذا خرج المهدي أو نزل عيسى عليه السلام أن يجاهد به الكفار أو بهم الكفار؟ الجواب: لا؛ إذاً: على المسلمين كافة في كل بلاد الإسلام أن يعملوا بفهم الإسلام أولاً فهماً صحيحاً، وأن يطبقوه في ذوات أنفسهم وفي أهليهم وذراريهم ثانياً، حتى إذا جاء المهدي أو نزل عيسى وجد القوم ليسوا بحاجة إلى إصلاح ما أفسده هذا الزمن الطويل. " الهدى والنور" (218/ 35: 46: 00)

[1616] باب رد شبهة حول نزول عيسى عليه السلام

[1616] باب رد شبهة حول نزول عيسى عليه السلام سؤال: في بعض العلماء يقولون في نزول عيسى عليه السلام أو حديث المسيح الدجال، قالوا: هذا حديث ضعيف وليس له أساس، لأنه عيس عليه السلام يعني بعد وفاة أي إنسان أو كائن عاش على الأرض، لن يعود ثانية إلى يوم القيامة، لن يعود على الأرض ثانية، وفي آية استشهدوا فيها بيقول: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ... } (آل عمران:55) إلى آخر الآية. فمعناه حصل وفاة عيسى، فكيف بده ينزل بعد وفاته؟ الشيخ: نعم. الجواب بكل صراحة أن الذين يقولون هذا الكلام والعهدة على الراوي أي أنت يعني العهدة عليك، أنت الناقل. فهؤلاء الذين تنقل عنهم هذا الكلام ليسوا بعلماء، لماذا؟ لأنه العالم المسلم من أين يأخذ علمه؟ قال الله، قال رسول الله، طيب، بعد قال الله، قال رسول الله، ما عندنا إلا قال السلف الصالح.؟ كيف نفهم ما قال الله في كتابه، وما قال نبيه في حديثه على ما كان عليه سلفنا الصالح، وآنفاً أذكركم بأني ذكرت الآية: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115)، فالآن هذا القول الذي حكيته عن أولئك الناس، هل هو سبيل المؤمنين؟ هل هو سبيل السلف؟ هل هو سبيل الأئمة الأربعة؟ الأربعة عشر، الأربعين كما ذكرنا، علماء المسلمين ما شاء الله. أقول: ليس هذا سبيل المؤمنين، هذا سبيل أحد رجلين:

إما مسلم لكنه جاهل، وإما كافر مدسوس بين المؤمنين يريد أن يدس وأن يفسد عقائد المسلمين لفلسفة، مثل هذه الفلسفة التي أنت حكيتها، شو هي؟ إن الله قال: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (آل عمران:55) ... نحن نقول لهذا الإنسان: شو معنى إني متوفيك؟ هل الوفاة في اللغة العربية تعني الموت حتماً؟ الجواب: لا، لأنه الوفاة تأتي بمعنى النوم. صح ولَّا لا؟ مداخلة: صح. الشيخ: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} (الأنعام:60). مداخلة: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ} (الزمر:42) ... الشيخ: أيوه، الآيات في القرآن الكريم يفسر بعضها بعضاً، فنص الوفاة ليس بمعنى الموت، وهنا الآية يفسرها ما بعدها: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} (آل عمران:55) لمن الخطاب؟ لعيسى، إذن خلينا نحن في سبيل الشرح: إني متوفيك يا عيسى، من هو عيسى؟ بروحه وجسده، {رَافِعُكَ إِلَيَّ} (آل عمران:55) لمن الخطاب؟ لعيسى، أي بروحك وجسدك. كقوله تعالى في آية الإسراء التي ذكرها أبو بكر أنفاً وإن كان في ذلك مخطئاً، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} (الإسراء:1) قالوا بعض المفسرين القدامى والمحدثين يا أخي الإسراء كان بالروح وليس بالجسد، رد عليهم أهل العلم قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} (الإسراء:1)، العبد: هو بروحه وبجسده، كذلك عيسى بروحه وبجسده، فلما قال له: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} (آل عمران:55)، أي: قابضك بروحك وجسدك، ورافعك أي: كما أنت بروحك وجسدك، يؤيد هذا المعنى العربي الواضح المبين، أحاديث متواترة عن الرسول عيه السلام يقول في بعضها، قال

عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «لينزلن فيكم عيسى بن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبل أحد، حتى تكون السجدة لأحدهم خيراً من الدنيا وما فيها» (¬1). إذن أكد الرسول عليه السلام أن هذا الرفع المذكور في الآية السابقة: {رَافِعُكَ إِلَيَّ} (آل عمران:55)، له خاتمة، وهو أن هذا المرفوع المكرم بأن يرفع بجسده وروحه لينزلن حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير إلى آخر الحديث. فإذن عيسى عليه السلام حي في السماء، سينزل ليثبت لهؤلاء النصارى الذين اتخذوه إلهاً من دون الله تبارك وتعالى أنه عبد من جهة، وأن محمداً أفضل منه من جهة ثانية، وأنه سيحكم الشريعة، ويكون فرداً من أفراد أمته، حتى جاء في حديث آخر وصحيح أنه قال: «ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق على جناحي ملكين» هذا في صحيح مسلم (¬2)، في حديث آخر (¬3)، حينما ينزل في صلاة الفجر وقد أقيمت الصلاة لمحمد المهدي، محمد بن عبد الله المهدي، المعروف بالمهدي، واسمه: محمد بن عبد الله. أقيمت صلاة الفجر له، فلما يرى عليه السلام قد نزل يقدمه، فيقول: لا، تكرمة الله لهذه الأمة، فيأتم عيسى اللي هو نبي النصارى واليهود الذين كفروا به، يقتدي بالمهدي الذي هو فرد من أفراد أمة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم7077). (¬2) رقم (7560). (¬3) "صحيح مسلم" (رقم412).

هذه الأحاديث كلها صحيحة؛ ولذلك يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني وكثير من أمثاله من العارفين بعلم الحديث: أن عقيدة نزول عليه السلام في آخر الزمان أحاديثها متواترة، مُش حديث فرد ممكن يكون صحيحاً وممكن يكون ضعيفاً. حديث جاء من طرق كما تسمع الآن، أنا في اللحظة هاي وبدون ما أتعب مخي ... ذكرت لكم ثلاثة أحاديث، شايف، فلو أراد الإنسان أن يجمع لكم أحاديث، أنا يوماً ما جمعت أربعين حديثاً عن أربعين صحابياً، بعض هؤلاء الصحابة له أكثر من طريق واحد ... الخ. كيف يقال عن هذا الحديث: إنه حديث ضعيف، معنى هذا أن هذا النوع من الناس لا يمكن أن يثبت عندهم حديث. مداخلة: يا سيدي بس المنارة، أيش بتعني المنارة، كلمة المنارة؟ الشيخ: يعني بمئذنة، علامة. مداخلة: علامة. الشيخ: أي نعم، بس. مداخلة: بارك الله فيك. "الهدى والنور" (528/ 49: 55: 00) و (529/ 53: 00: 00).

جماع أبواب ذكر مدعي المهدوية والعيسوية والرد على باطلهم

جماع أبواب ذكر مُدَّعِي المهدوية والعيسوية والرد على باطلهم

[1617] باب ذكر بعض أهل الضلال من مدعي المهدوية والعيسوية

[1617] باب ذكر بعض أهل الضلال من مدعي المهدوية والعيسوية [قال الإمام]: لابد أنكم تسمعون بطائفة اسمها القاديانية ينتسبون إلى بلدة أو قرية في الباكستان تسمى بقاديان هنا خرج رجل من الصوفية عالم، لكن كان صوفياً صاحب طريقة فادعى أولاً: بأنه المهدي، ثم ادعى بأنه عيسى المبشَّر بنزوله في آخر الزمان، ثم ادعى أنه يوحى إليه، وله كتاب مطبوع باللغة العربية اسمه: حقيقة الوحي، وله هناك كفريات عجيبة جداً من هذا النبي الذي كذب وافترى على الله عز وجل. يقول هناك مثلاً يزعم أن اسمه أحمد وكان اسمه الذي سماه أبوه غلام أحمد ترجمة غلام أحمد في لغتهم أي: خادم أحمد والمقصود بأحمد هنا: نبينا محمد عليه السلام، وهذا الوليد سموه تبركاً بغلام أحمد أي: خادمه، ثم لما ترقى في الضلال حذف كلمة غلام وبقي اسمه: أحمد، ثم زعم بأن الله عز وجل أوحى إليه ذلك الكتاب المعروف بحقيقة الوحي ماذا يقول فيه؟ قال الله له: يا أحمد أنت مني بمنزلة توحيدي، أنت مني بمنزلة تفريدي، يعني: التوحيد هو بمنزلة توحيد الله عز وجل. وله من مثل هذه الضلالات كثيرة وكثيرة جداً، لكنه لما ادعى النبوة اتبعه ناس إلى اليوم وهو مضى عليه تقريباً نحو سبعين سنة، مات، له أتباع اليوم منتشرون في بريطانيا في ألمانيا في فرنسا ولهم نشاط عجيب في الدعوة لا أقول

في الدعوة إلى الإسلام، وإنما في الدعوة إلى إسلامهم؛ لأن من إسلامهم أن النبوة لم تنقطع خلافاً للآية المعروفة: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) خلافاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبي بعدي ولا رسول بعدي». وخلاف قوله عليه السلام لعلي لما ذهب عليه السلام إلى تبوك وخلفه في المدينة نائباً عنه قال له عليه الصلاة والسلام: «أنت بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي». هؤلاء القاديانيون لا تظنوا أنهم ينكرون شيئاً من أركان الإيمان، أو شيئاً من أركان الإسلام لا هم يؤمنون معنا في كل هذه الأركان، فهم يصلون ويصومون ويحجون، وأسماؤهم أسماء إسلامية تماماً، فهل ترونهم مسلمين وهم يعتقدون بأنه هذا الرجل نبي صادق؟ ثم هذا الرجل يقول: بأنه سيأتي أنبياء من بعده؟ طبعاً: هؤلاء ليسوا من المسلمين؛ لأنهم أنكروا كما يقول الفقهاء: ما هو معلوم من الدين بالضرورة، معلوم من الدين بالضرورة عند كل مسلم أنه لا نبي بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - للآية المذكورة آنفاً، وللأحاديث التي ذكرت بعضها أيضاً آنفاً. الشاهد: هل يؤمنون بهذه الآية؟ الجواب: نعم. هل يصدقون بهذه الأحاديث؟ الجواب: نعم. كيف هذا وهم يقولون بخلاف الآية، وبخلاف الأحاديث؟ هنا تأتي مصيبة التأويل، هنا تأتي مصيبة التأويل الذي كان سبباً لتفريق المسلمين تلك الفرق القديمة، والتي لا يزال شيء من آثارها حتى اليوم. المعتزلة مثلاً: ضلوا وخرجوا عن الجماعة، هل كفروا بشيء من آيات

القرآن؟ الجواب: لا. إذاً: لماذا ضلوا؟ لأنهم سلطوا معول التأويل على نصوص القرآن والسنة، فضلوا ضلالاً بعيداً. كذلك هؤلاء القاديانيون ما خرجوا عن القرآن والسنة لفظاً، ولكنهم خرجوا عن القرآن والسنة تأويلاً، وتحريفاً فقالوا مثلاً في الآية السابقة: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} (الأحزاب:40) أي: هو رسول الله حقاً وصدقاً، لكن خاتم النبيين معنى هذا الوصف أنه زينة النبيين، وليس آخرهم، {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) قالوا: هذا تشبيه، وهذا مجاز كما أن الخاتم في الإصبع زينة الأصابع واليد، كذلك محمد هو خاتم الأنبياء أي: زينتهم وليس آخرهم، فإذاً: هم آمنوا وهم كفروا، أي: آمنوا بلفظ القرآن وكفروا بمعناه، تُرى؛ هل ربنا عز وجل حينما يريد منا أن نؤمن بالقرآن يريد منا أن نؤمن بلفظه دون معناه، أو بمعناه دون لفظه، أم يريد منا أن نؤمن بهما كليهما لفظاً ومعناً؟ لاشك أن الجواب: لفظاً ومعنى. وجد في المسلمين من الفلاسفة الذين يعتبرون من الذين خرجوا من دين الله أفواجاً، وكما تخرج الشعرة من العجين قالوا: الآيات التي جاءت تأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ليس المقصود بهذه الآيات هو هذه الصلاة التي يفعلها المسلمون حتى اليوم والحمد لله، صلوات في أوقات خمسة بركعات معروفة، بشروط وأركان وو إلى آخره، لا، هذا خطأ في فهم الآية إنما المقصود: أقيموا الصلاة يعني: الدعاء، والزكاة يعني: تطهير النفس. فعطلوا هذه الشرائع كلها، ومعنى هذا: أنهم لا يؤمنون بالله ورسوله حقاً، هذا ما يقوله بعض الفلاسفة الإسلاميين.

لكن هناك ضلال أدنى درجة من هذا الضلال، لكنه ضلال أيضاً، ولا أريد أن أعود إلى بعض الأمثلة القديمة حسبنا هذا المثال الجديد الآن: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) أي: زينتهم أي: هو ليس آخرهم؛ لأنه جاء بعد الرسول غلام أحمد القادياني، وسيأتي من بعده أنبياء كثر، والآية فسروها أولوها عطلوا دلالتها كاليهود يحرفون الكلم من بعد مواضعه، فوقعوا في الكفر وهم يعتمدون على القرآن، وهم يعتمدون على القرآن زعموا مؤولين للآية خلاف تأويلها الصحيح، ماذا فعلوا بالحديث! سمعتم آنفاً قوله عليه السلام لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي» قالوا: لا نبي معي، أما بعد موته فهناك أنبياء هكذا. إذاً: هؤلاء هم من الفرق التي جاء الإشارة إليها في قوله عليه الصلاة والسلام: «وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» هذه الفرقة من هذه الفرق الاثنين والسبعين الهالكة لماذا؟ لأنهم ولو آمنوا بالقرآن، ولكنهم سلكوا غير سبيل المؤمنين في تفسير القرآن من أجل ذلك قال الله عز وجل في الآية السابقة في القرآن: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115). فإذاً: هؤلاء القاديانيون وأمثالهم قديماً، وربما حديثاً: لما آمنوا بالآية وأولوها غير تأويل المؤمنين إذاً: جزاؤهم ما جاء في الآية: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115) ... "الهدى والنور" (705/ 30: 18: 00).

[1618] باب منه

[1618] باب منه [قال الإمام]: واعلم أن من ... الدجالين الذين ادعوا النبوة ميرزا غلام أحمد القادياني الهندي، الذي ادعى في عهد استعمار البريطانيين للهند أنه المهدي المنتظر، ثم أنه عيسى عليه السلام. "الصحيحة" (4/ 252). [1619] باب منه [قال الإمام]: واعلم أيها الأخ المؤمن! أن كثيراً من الناس تطيش قلوبهم عند حدوث بعض الفتن، ولا بصيرة عندهم تجاهها، بحيث إنها توضح لهم السبيل الوسط الذي يجب عليهم أن يسلكوه إبانها، فيضلون عنه ضلالاً بعيداً، فمنهم مثلاً من يتبع من ادعى أنه المهدي أو عيسى، كالقاديانيين الذين اتبعوا ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى المهدوية أولا، ثم العيسوية، ثم النبوة، ومثل جماعة (جهيمان) السعودي الذي قام بفتنة الحرم المكي على رأس سنة (1400) هجرية، وزعم أن معه المهدي المنتظر، وطلب من الحاضرين في الحرم أن يبايعوه، وكان قد اتبعه بعض البسطاء والمغفلين والأشرار من أتباعه، ثم قضى الله على فتنتهم بعد أن سفكوا كثيراً من دماء المسلمين، وأراح الله تعال العباد من شرهم. "الصحيحة" (5/ 278).

[1620] باب منه

[1620] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «لا مهدي إلا عيسى». (منكر). [قال الإمام]: وهذا الحديث تستغله الطائفة القاديانية في الدعوة لنبيهم المزعوم: ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة، ثم ادعى أنه هو عيسى بن مريم المبشر بنزوله في آخر الزمان، وأنه لا مهدي إلا عيسى بناءً على هذا الحديث المنكر، وقد راجت دعواه على كثيرين من ذوي الأحلام الضعيفة، شأن كل دعوة باطلة لا تعدم من يتبناها ويدعو إليها، وقد أُلفت كتب كثيرة في الرد على هؤلاء الضلال، ومن أحسنها رسالة الأستاذ الفاضل المجاهد أبي الأعلى المودودى رحمه الله في الرد عليها، وكتابه الآخر الذي صدر أخيرا بعنوان " البيانات " فقد بين فيهما حقيقة القاديانيين، وأنهم مرقوا من دين المسلمين بأدلة لا تقبل الشك، فليرجع إليهما من شاء. "الضعيفة" (1/ 175 - 176) [1621] باب منه [قال الإمام]: بلغني عن بعض من تصوف - بعد هدى كان عليه - أنه يصرح أن المهدي عليه السلام على وشك الخروج في هذه الأيام، وقد سمى شهر رمضان من هذه السنة! وهذا من تخرصاته، أو وساوس شيطانه؛ فإنه غيب لا يعلمه إلا الله.

[1622] باب منه

بل هو خلاف ما تدل عليه الأحاديث الصحيحة، وما تقتضيه سنة الله الكونية التي منها ما أفاده قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، وذلك أن من المعلوم أن عيسى عليه السلام ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، وأنه يصلي خلف المهدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهذا يعني أن عيسى عليه السلام يكون مع المؤمنين في بيت المقدس حين يحاصره الدجال، ويكون معه سبعون ألفاً من يهود أصبهان عليهم الطيالسة، وهذا يعني: أن لا يهود يومئذٍ في فلسطين، أو على الأقل في بيت المقدس، وهذا وذاك يعني: أن دولة اليهود يكون المسلمون قد قضوا عليها. وواقع المسلمين اليوم - مع الأسف - لا يوحي بأنهم يستطيعون ذلك؛ لبعدهم عن الأخذ بالأسباب التي تؤهلهم لذلك؛ لأنهم لم ينصروا الله حتى ينصرهم، ولذلك فلا بد لهم من الرجوع إلى دينهم؛ ليرفع الذل عنهم - كما وعدهم بذلك نبيهم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، حتى إذا خرج المهدي ونزل عيسى؛ وجد المسلمين مستعدين لقيادتهم إلى ما فيه مجدهم وعزهم في الدنيا والآخرة، فعليهم أن يعملوا لذلك كما أمر الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ... } الآية. "الضعيفة" (13/ 1/382 - 383). [1622] باب منه [قال الإمام على الطائفة القاديانية]: إن من أبرز علاماتهم أنهم حين يبدءون بالتحدث عن دعوتهم إنما يبتدئون قبل كل شيء بإثبات موت عيسى عليه الصلاة والسلام، فإذا تمكنوا من ذلك

[1623] باب ذكر لقاء الشيخ بأحد مدعي المهدوية

بزعمهم؛ انتقلوا إلى مرحلة ثانية وهي ذكر الأحاديث الواردة بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام، ويتظاهرون بالإيمان بها، ثم سرعان ما يتأولونها ما دام أنهم أثبتوا بزعمهم موته بأن المقصود نزول مثيل عيسى، وأنه هو غلام أحمد القادياني، ولهم من مثل هذا التأويل الشيء الكثير والكثير جداًّ، مما جعلنا نقطع بأنهم طائفة من الباطنية الملحدة. "التعليق على متن الطحاوية" (ص23). [1623] باب ذكر لقاء الشيخ بأحد مدعي المهدوية [قال الإمام]: كنا من أيام قريبة على موعد مع رجل يدعي أنه المهدي فالتقينا به ووُجِّهَ إليه سؤال صريح: أنت مهدي بمعنى مسلم مهدي بمعنى صالح، أو المهدي المبشَّر به؟ قال: لا، أنا المهدي المبشَّر به في الأحاديث. وبدأ يتكلم، أريد أن أعرف من أين تُؤكل الكتف، أسمع له وإذا به يقول: أن الأحاديث التي جاءت في المهدي بعضها صحيحة وبعضها ضعيفة كلام سليم، طيب! بعدما انتهى قلت له: ممكن أسأل سؤال؟ قال: تفضل، قلت له: إذا تفضلت أن تعطينا بعض الأحاديث الصحيحة وبعض الأحاديث الضعيفة التي أشرت إليها، فمسكين أسقط بيده ولم يعرف بماذا يتكلم، إلا أنه قال بعد لف ودوران طبعاً ما يقولها سلفاً، قال في الأخير: الليلة سوف لن نتكلم عن هذه الأحاديث. مداخلة: الله أكبر! ... الشيخ: لا، يريد أن يحكي ... قلت له: لماذا؟ أهو بكيفك؟! أنا سألتك أنت

لازم تجيب، أنت تدعي أنك المهدي ... مهدي للناس، والناس فيهم العالم وفيهم الجاهل وفيهم الصالح وفيهم الطالح .. ، المفروض المهدي الحقيقي يتحمل هؤلاء وليس العكس الناس يتحملون المهدي؛ لأن المهدي كله خير وكله علم وإلى آخره، لذلك أنا أُلح وأطالبك أن تأتينا ببعض الأحاديث الصحيحة وبعض الأحاديث الضعيفة، قال: غداً آتيك بهم، قلت له: لا، أنا لن أستمر لغدٍ ومن يملك نفسه أن يعيش إلى الغد؟! [أخذ] يلف ويدور، يلف علي ويدور إلى آخره. في الأخير قلت له: طيب! نحن نتنازل عن نصف السؤال أما النصف الثاني لا نتنازل عنه، طلبنا منك بعض الأحاديث الصحيحة وبعض الأحاديث الضعيفة؛ نعفيك عن الأحاديث الضعيفة، هات لنا بعض الأحاديث الصحيحة، لا يوجد عنده شيء، ولو أراد أن يمشي تكون حجة عليه طبعاً، رجل مظهره ما تظنه مسلم؛ حليق، حاسر الرأس، متخوم من البدانة، ثخين يعني .. ثم لا يحسن أن يتكلم بل أن يقرأ آية كما أنزلها الله. والعجيب في هذا المسكين أنه يزعم بأنه رسول من الله .. مداخلة: ... متبعه أخوه. الشيخ: كيف؟ مداخلة: المتبع له أخوه. الشيخ: تمام متعبه أخوه، فقال: هو رسول من الله لكن ليس نبي، انظر الضلال؟ مخطط خطة من أجل أن يموه على الناس، تعرفوا أنتم الأحاديث الصريحة أنه: «لا نبي بعدي»، لكن هو بجهله الظاهر أنه متصور أنه لا يوجد حديث: «لا رسول بعدي» ولذلك هو يدعي الرسالة ولا يدعي النبوة، فأنا قلت له:

أنت تقول أنك رسول، ويقول: أن الله أوحى إليه القرآن من جديد، مع ذلك لا يحسن قراءة القرآن يكسر يعني ويلحن؛ المنصوب يرفعه المرفوع ينصبه وهكذا .. مداخلة: حافظ القرآن؟ الشيخ: لا ... لكن بعض الآيات، في المصحف أتى بالمصحف، قرأ والمصحف مشكَّل مع ذلك أخطأ في الآية، قلت له: كيف أنت نزل عليك الوحي وهذا القرآن لو نحن نخطئ في قراءته ليس هناك غرابة لأننا ما نَزَلَ علينا قرآن من جديد، كيف أنت تخطئ في هذا؟ ... سألته بعض الأسئلة أستكشف عن جهله وعن ضلاله؛ قلت له: أنت ماذا تعتقد الرسل معصومين أو لا؟ قال: معصومين بشيء وغير معصومين بشيء، قلنا له: فَصِّل، قال: معصومين في التبليغ، وغير معصومين فيما سوى ذلك، قلت له: عندك شيء آخر تضيفه؟ قال: لا، قلت: يعني: يجوز عليهم السرقة .. ويجوز عليهم الزنا وإلى آخره، فطبعاً شبهة قوية ما التزمها لكن كعادته فَرَّ عنها، سألته: الرسول معصوم إذاً في التبليغ قال: نعم، قلت له: طيب! لكن أنت من قبل ساعة تبين أنك لست معصوماً؛ لأن القرآن نزل عليك من جديد ما قرأته كما أنزل عليك من جديد، فهذا دليل أنك لست معصوم بالتالي أنت لست رسول كما تقول، وهكذا استمر النقاش بيني وبينه، أخيراً قلت له: أهناك فرق بين الرسول وبين النبي؟ أريد أرى ما هو الفرق حتى هو احتكر الرسالة له دون ماذا؟ النبوة، قال: يوجد فرق لكن هذا الفرق لا يعرفه أحد إلا الله، قلت له: طيب! أنت رسول لست نبيًّا؟ قال: نعم، قلت له: هذا دليل أنك تعرف أن الرسول غير النبي فكيف يلتقي مع قولك: لا يعرف الفرق إلا الله عز وجل. الخلاصة: الجماعة الحاضرون اكتشفوا ضلاله وجهله بالشريعة، وسبحان الله! أخوه .. أنا وعظت الاثنين في الأخير قلت لأخيه: اتقي الله في نفسك هذا

أخوك أقل ما يقال فيه أنه شبه له، وأنه صاحب خيالات وأوهام إلى آخره فأنت لا تراه كيف يُسْأَل أسئلة لا يستطيع أن يجيب عنها، وتحديتهم قلت لهم: أنتم ماذا تعرفون من الشرع، هل تعرفون الصلاة كما كان الرسول يصلي أنا أتحداكم الآن قم صلِّ، قال: هو لا يريد أن يصلي. أثناء المناقشة بيني وبين هذا ما اسمه خليل؟ مداخلة: هو خليل ... خليل اسم أخوه محمد. الشيخ: بالعكس .. عندما كنت أتناقش أنا مع المهدي المزعوم يتدخل أخوه، طيب يا أخي! هذا ما هو أسلوب البحث، أنا أتكلم مع أخيك: لماذا تتدخل، فإذا كان يسمح لك أخوك أنك تتكلم ما في عندي مانع لكن أنا شخص واحد إما أتكلم معه أو معك، لأنني [كان] كرسي هنا وكرسي هنا وهنا بجانبي أخوه، فمرة أتكلم معه ومرة أتكلم معك .. مع من سأتكلم؟ قام من أجل أن يبرر له خطأه ماذا قال: أنا آذن له أن يتكلم، قلنا له: إذاً! نتركك الآن ونتكلم مع أخيك، عندما قلنا له: قم صلِّ، ما رضي أن يصلي من؟! خليل: المهدي، قلنا له: طيب! أنت أخوه قم تفضل صلِّ نرى، قال: لا، حتى يأذن لي، طيب! هو أذن لك .. تلك الساعة ألم يقل أنه أذن لك أن تتكلم وتعمل أي شيء؟! الخلاصة: الجهل أعمى قلوبهم، ... تعرف المهدي الذي اسمه غلام أحمد القادياني، كان رجل عالم ودجال بالعلم تماماً، لكن هؤلاء مساكين جهال لا يعرفون شيئاً من الشريعة ولا يعرفون قراءة قرآن .. لا يعرفون اللغة .. لا يعرفون أي شيء. "الهدى والنور" (28/ 22: 42: 00).

[1624] باب ميرزا غلام أحمد أحد الكذابين الذين يكونون بين يدي الساعة

[1624] باب ميرزا غلام أحمد أحد الكذابين الذين يكونون بين يدي الساعة عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم». رواه مسلم [قال الإمام:] ومنهم المدعو ميرزا غلام أحمد القادياني الهندي, الذي ادعى النبوة منذ أكثر من نصف قرن, وتبعه بعض من لا خلاق له هنا في دمشق وفي غيرها. " تحقيق مشكاة المصابيح" (3/ 1498).

جماع أبواب ذكر يأجوج ومأجوج

جماع أبواب ذكر يأجوج ومأجوج

[1625] باب عقيدة خروج يأجوج ومأجوج والرد على شبهة حول وجود سدهم

[1625] باب عقيدة خروج يأجوج ومأجوج والرد على شبهة حول وجود سدهم [قال الإمام]: قال تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} (الأنبياء: 96 - 97) لا شك أن الإيمان بأقوام يعرفون بيأجوج ومأجوج من العقائد الإسلامية الصحيحة لوجود أصلها في القرآن ووجود فصلها وتفصيلها في السنة، والسد الذي جاء ذكره قبل هذه الآية في القرآن الكريم هو الذي تحدث عنه نبينا صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الصحيح: أن وراء هذا السد هم قوم يأجوج ومأجوج، وأنهم في كل يوم يتوجهون إلى هذا السد لينفذوا منه إلى العالم فيأخذون لحسًا بألسنتهم إياه، حتى إذا بدا لهم بصيص نور يقولون غدًا نكمل عليه ونخرج منه، فإذا عادوا وجدوه قد عاد سيرته الأولى حتى إذا شاء الله تبارك وتعالى أن يأذن لهم بالخروج ألهم بعضهم أن يقول: غدًا إن شاء الله، فيعودون إلى السد فيجدونه كما تركوه فيتمون عليه ثم هم يخرجون ومن كل حدب ينسلون كما قال رب العالمين (¬1). فالآن الشبهة التي تطرح في هذا الزمان بدءاً من الكفار وانتهاءً إلى بعض ضعفاء العلم إن لم نقل: ضعفاء الإيمان: إن هؤلاء يدعون أكثر مما يدعيه الكفار، هؤلاء الضعفاء علمًا وربما إيمانًا يدعون ما لا يدعي الكفار أنفسهم فيقولون: إن الكفار مسحوا الكرة الأرضية وعرفوا كل أراضيها ما بين جبال وهضاب وسهول ¬

(¬1) يأتي نص هذا الحديث بعد قليل.

وأنهار وبحار وغابات ونحو ذلك، فلم يبق هناك مكان -زعموا- لم تطأه أقدامهم، بينما هذه الدعوى لم يدعيها نفس الكفار! وذلك لأننا مع الأسف الشديد نعترف بأن هؤلاء الكفار لا يؤمنون إلا بالبحث العلمي، والبحث العلمي جعلهم يتورعون عن ادعاء ما لا علم لهم به، ويقولون: نحن وصلنا إلى هنا ولا ندري ما وراء ذلك. أما ضعفاء العلم والإيمان من أمتنا فيأتونهم من العلم ما لا يعترفون هم به، فقد مسحوا الأرض زعموا! فنقول: هذه دعوى مجردة عن الدليل، والمؤمن يجب أن يؤمن بالقرآن وبحديث الرسول عليه السلام أقل ما يقال: أكثر من إيمانهم بأقوال الكفار وبحوثهم وتجاربهم، وإذا كان قد صرح القرآن بوجود سد هناك، ووجود قوم خلف هذا السد، وأنه سيأتي يوم ينفذون منه، فهذا يعني أن الكفار بعد كما قال الله عز وجل كمبدأ عام مخاطبًا لجميع الأنام: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (الإسراء:85) فمن هذا العلم الذي لم يحيطوا به إلى الآن أنهم لم يعثروا بعد على سد ذي القرنين، ولا على القوم الذي هم خلفه، أين هو؟ هو بلا شك في هذه الأرض {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (البقرة:216) ولذلك فلا يشكلن على أحد أن هؤلاء الكفار مسحوا الأرض، لا هذه دعوى كاذبة. ثم إن هؤلاء الكفار لو وجدوا شيئًا من ذلك لبادروا إلى الإنكار؛ لأن في ذلك تأييدًا لدين الإسلام وهم كافرون به، وحينئٍذ يصدق فيهم كما قال رب العالمين في المشركين الأولين: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14). هذا جوابي عن هذه المشكلة، وخلاصتها: نؤمن بما جاء في الكتاب والسنة ونكفر بما يقال: إن هذا لا وجود له. مداخلة: شيخ! ... قول الرسول عليه السلام: «ويل للعرب من شر قد اقترب،

[1626] باب قصة يأجوج ومأجوج ونقبهم السد آخر الزمان

فتح اليوم من ردم يأجوج مثل هذه، فحلق .. » (¬1) إلى آخر الحديث، قول الرسول عليه السلام مع ما ذكرت من قوله عليه الصلاة والسلام: أنهم يلحسون بألسنتهم هذا السد، هذا يعني أنه من ذلك العهد فتح هذا الردم؟ يعني: نفس القصد .. الشيخ: في كل يوم هذا! مداخلة: في كل يوم. الشيخ: نعم، ثم يعود كما كان. مداخلة: يعني: قول الرسول فتح اليوم، يعني: كل يوم. الشيخ: في كل يوم. "فتاوى جدة" (6/ 00:24:28) [1626] باب قصة يأجوج ومأجوج ونقبهم السد آخر الزمان [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فسنحفره غدا، فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعو فسنحفره غدا إن شاء الله تعالى، واستثنوا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع عليها ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم3168)، و"صحيح مسلم" (رقم7416).

الدم الذي اجفظ، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفا في أقفائهم فيقتلون بها. قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم». [قال الإمام]: غريب الحديث: (اجفظ): أي ملأها، يعني ترجع السهام عليهم حال كون الدم ممتلئا عليها. في " القاموس ": الجفيظ: المقتول المنتفخ. و (الجفظ): الملء واجفاظت كاحمار واطمأن: انتفخت. (نغفا): دود تكون في أنوف الإبل والغنم، واحدتها: نغفة. (وتشكر): أي تمتلئ شحما، يقال: شكرت الناقة تشكر شكرا إذا سمنت وامتلأت ضرعها لبنا. (تنبيه): أورد الحافظ ابن كثير هذا الحديث من رواية الإمام أحمد رحمه الله تحت تفسير آيات قصة ذي القرنين وبنائه السد وقوله تعالى في يأجوج ومأجوج فيه: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} (الكهف:97) ثم قال عقبه: "وإسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدته ". قلت: نعم، ولكن الآية لا تدل من قريب ولا من بعيد أنهم لن يستطيعوا ذلك أبداً، فالآية تتحدث عن الماضي، والحديث عن المستقبل الآتي، فلا تنافي ولا نكارة بل الحديث يتمشى تماماً مع القرآن في قوله " {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُون} (الأنبياء:96). وبعد كتابة هذا رجعت إلى القصة في كتابه " البداية والنهاية "، فإذا به أجاب بنحو هذا الذي ذكرته، مع بعض

[1627] باب يأجوج ومأجوج وفتحهم السد

ملاحظات أخرى لنا عليه يطول بنا الكلام لو أننا توجهنا لبيانها، فليرجع إليه من شاء الوقوف عليه (2/ 112). "الصحيحة" (4/ 313 - 314). [1627] باب يأجوج ومأجوج وفتحهم السد [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «فُتِحَ اليومَ منْ رَدمِ يأجوجَ ومأجوجَ مِثْلُ هذه. وعَقَدَ وُهَيْبٌ تِسْعِينَ [وَضَمَّها]». [قال الإمام]: وفي الحديث إشارة قوية إلى أن السد سيفتح من يأجوج ومأجوج يوم يأذن الله لهم بذلك؛ كما في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} (الكهف:98)، وقد جاء التصريح بالفتح المذكور في حديث صحيح مضى تخريجه برقم (1735)، وفيه تفصيل الفتح المشار إليه، وأنهم يحفرونه ويخرجون على الناس. "الصحيحة" (7/ 1/37) [1628] باب منه عن أم حبيبة قالت: استيقظ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج» وحلق بيده عشرة قالت: قلت: يارسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث». [قال الإمام]: صحيح.

[1629] باب الجمع بين قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت» وقوله: «ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج»

[ثم علق قائلا]: وهذا الحديث ... صريح في أنه سيأتي يوم على السد يحفره يأجوج ومأجوج، وينطلقون منه، فلا ينافي ذلك قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}؛ لأن المنفي فيه غير المثبت في الأحاديث كما هو ظاهر, وخفي ذلك على الحافظ ابن كثير؛ فإنه مع تقويته لحديث أبي هريرة الآتي؛ زعم أنه منكر لمخالفته للآية, وقد كنت رددت عليه في "الصحيحة" بما لا يمكن لمنصف ردّه. "صحيح موارد الظمآن" (2/ 238). [1629] باب الجمع بين قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت» وقوله: «ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج» [قال الإمام]: يمكن الجمع بين الحديثين، فإنه لا يلزم من حج الناس بعد خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج في وقت ما عند قرب ظهور الساعة. "الصحيحة" (5/ 557).

جماع أبواب الكلام على يوم القيامة

جماع أبواب الكلام على يوم القيامة

[1630] باب هل وقت قيام القيامة معلوم

[1630] باب هل وقت قيام القيامة معلوم [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «الدنيا كلها سبعة أيام من أيام الآخرة، وذلك قول الله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّون}». (موضوع) [ثم ذكر الإمام أحاديث تدور حول هذا المعنى ثم قال]: إن الواقع يشهد ببطلان هذه الأحاديث؛ فإن السيوطي قرر في الرسالة المذكورة [أري رسالة "الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف"] بناء عليها وعلى غيرها من الأحاديث والآثار - وجلها واهية - أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة، ولا تبلغ الزيادة عليها خمس مئة سنة، وأن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مئة وعشرين سنة!. أقول: ونحن الآن في سنة (1391)، فالباقي لتمام الخمس مائة إنما هو مئة سنة وتسع سنوات، وعليه تكون الشمس قد طلعت من مغربها من قبل سنتنا هذه بإحدى عشرة سنة على تقرير السيوطي، وهي لما تطلع بعد! والله تعالى وحده هو الذي يعلم وقت طلوعها، وكيف يمكن لإنسان أن يحدد مثل هذا الوقت المستلزم لتحديد وقت قيام الساعة، وهو ينافي ما أخبر الله تعالى من أنها لا تأتي إلا بغتة؛ كما في قوله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون} (الأعراف: 187).

[1631] باب هل يقوم الناس يوم القيامة مقدار ثلاث مئة سنة من أيام الدنيا

ومع مخالفة هذه الأحاديث لهذه الآية وما في معناها، فهي مخالفة أيضاً لما ثبت بالبحث العلمي في طبقات الأرض وآثار الإنسان فيها أن عمر الدنيا مقدر بالملايين من السنين، وليس بالألوف! "الضعيفة" (8/ 101، 107). [1631] باب هل يقوم الناس يوم القيامة مقدار ثلاث مئة سنة من أيام الدنيا [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «كيف أنت صانع في {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين} مقدار ثلاث مئة سنة من أيام الدنيا، لا يأتيهم خبر من السماء، ولا يؤمر فيهم بأمر؟ قال بشير الغفاري: المستعان الله. قال: إذا أنت أويت إلى فراشك فتعوذ بالله من كرب يوم القيامة وسوء الحساب». (ضعيف). [قال الإمام]: ثم إن قوله: "مقدار ثلاث مئة سنة" منكر؛ مخالف لبعض الأحاديث الصحيحة. "الضعيفة" (9/ 173 - 174). [1632] باب هل يدعى الناس يوم القيامة بأسماء أمهاتهم؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا من الله عز وجل عليهم».

[1633] باب قوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة} هل هذا في الدنيا أم يوم القيامة؟

(موضوع). [قال الإمام]: وقد ثبت ما يخالفه، ففي " سنن أبي داود " بإسناد جيد كما قاله النووي في " الأذكار " من حديث أبي الدرداء مرفوعاً: «إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم» وفي الصحيح من حديث عمر مرفوعا: «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان»، والله أعلم. "الضعيفة" (1/ 621 - 622). [1633] باب قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} هل هذا في الدنيا أم يوم القيامة؟ سؤال: شيخنا الفاضل حفظك الله في تفسير الآية: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} (النمل:88) في الآية تفسير للشيخ الشعرواي بأن هذا إثبات لحركة دوران الأرض حيث يقول: أن تشبيه حركة السحاب المحمولة بالرياح مثل حركة الجبال المحمولة بالأرض المتحركة، واستدل الشيخ الشعرواي بأن يوم القيامة لا يكون فيه حسباناً إنما حقيقة، وأن الأرض والسماوات تبدل تماماً فلا ترى فيها عوجاً ولا أمتًا في الأرض، فهل من كلمة في هذا الموضوع وجزاك الله خيراً. الشيخ: أنا بطبيعة الحال ما أستحضر الآيات التي جاءت قبل هذه الآية ولكن الذي أعلمه فيها من علماء التفسير الماضيين أن قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} (النمل:88) إنما هذا: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ

[1634] باب من هم أولوا الأرحام الذين يطالبوننا بحقوقهم يوم القيامة؟

الأَرْضِ} (إبراهيم:48) ففي هذا التبديل في الآية الأخرى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ} (النبأ:20) فهذا التبديل لا يكون في هذا العهد الذي يعيشه الناس بطمأنينة على هذه الأرض وإنما يوم ذلك {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} (إبراهيم:48). وأنا أقول بهذه المناسبة: إن كثيراً من الكتاب أو الوعاظ المعاصرين اليوم يحاولون أن يتكلفوا تطبيق بعض الآيات القرآنية على المخترعات أو الأفكار الفلكية التي اكتشفت في العصر الحاضر ظناً منهم أن في ذلك نصراً للإسلام، ونحن نقول: أن الإسلام ليس بحاجة إلى تكلف تأويل الآيات على خلاف ما كان عليه علماء التفسير سلفاً وخلفاً ولشيء من التكلف الذي لا يحتمله سياق الآيات وسباقها، فلا أجد هذا الذي نقل عن الشيخ الشعرواي صواباً بل هو مخالف لما هو عليه علماء التفسير، نعم. "رحلة النور" (8أ/00:05:35). [1634] باب من هم أولوا الأرحام الذين يطالبوننا بحقوقهم يوم القيامة؟ مداخلة: يسأل السائل فيقول: من هم أولوا الأرحام الذين يطالبوننا بحقوقهم يوم القيامة، وهل إكرام أبناء الأعمام والأخوال ذكورًا وإناثًا من حقوق الوالدين على أبنائهما؟ الشيخ: الذي ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه: "فتح الباري شرح صحيح البخاري"، أن أولي الأرحام هم القرابة من جهة الوالد، ولكن هذا لا يعني أن القرابة الأخرى ليس لها حق المواصلة؛ لأنه قد ثبت في صحيح مسلم وربما في صحيح البخاري أيضًا أن من أبر البر أن يصل الرجل أهل

[1635] باب تبديل السيئات حسنات يوم القيامة

ود أبيه، فمن باب أولى أن يصل القرابة ولو كانت من غير طريق الوالد التي هي صلة الرحم التي جاء الحض عليها في أحاديث كثيرة، وهذا يشمل ما على وما سفل، نعم. مداخلة: من هم يعني تحديدًا؟ الشيخ: هم قرابة الوالد سواء علا أو سفل. مداخلة: يعني الأصول والفروع. الشيخ: هذا هو ما علا وسفل، يعني: الأصول والفروع، سواء كان من تحت أو من فوق. "فتاوى الإمارات" (4/ 00:13:45) [1635] باب تبديل السيئات حسنات يوم القيامة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لَيَتَمَنَّيَنَّ أقوامٌ لو أَكثَرُوا مِنَ السَّيِّئاتِ. قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: الذِينَ بَدَّلَ اللهُ سَيِّئاتِهم حَسَناتٍ». [قال الإمام]: وفيه إشارة إلى فضل الله عز وجل ورحمته بمن يشاء من عباده الذين يبدل يوم القيامة سيئاتهم حسنات؛ كما في الحديث الذي قبله. والله أعلم. "الصحيحة" (7/ 1/127).

جماع أبواب البعث والصعق والحشر

جماع أبواب البعث والصعق والحشر

[1636] باب بطلان قول من نفى البعث الجسماني

[1636] باب بطلان قول من نفى البعث الجسماني [قال الإمام]: ولهم [أي للقاديانية] عقائد ... كثيرة باطلة، خالفوا فيها إجماع الأمة يقيناً، منها: نفيهم البعث الجسماني. "الصحيحة" (4/ 252). [1637] باب البلاء عام والبعث على النيات [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون، فيصابون معهم، ثم يبعثون على نياتهم». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (4/ 157). [1638] باب معاني "الصعق" في القرآن [قال ابن أبي عاصم في "السنة"]: حدثنا أزهر بن مروان صاحب النَّوَى ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أنس في قوله: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} قال: أشار إليه بيده أو قال: بأصبعه، فتعفر الجبل بعضه على بعض {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} أي: ميتاً.

[1639] باب هل الصعقة في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الناس يصعقون يوم القيامة ... » صعقة البعث أم صعقة لفصل القضاء يوم القيامة؟

[قال الإمام]: (إسناده صحيح). [وعلق على قول قتادة: أي: ميتًا بقوله]: كذا قال قتادة رحمه الله تعالى، ولعله يعني: كالميت، وإلا فظاهره مخالف للقرآن وتفسير ابن عباس الآتي بعد حديث، ولذلك قال الحافظ ابن كثير: والمعروف أن الصعق هو الغشي هنا كما فسره ابن عباس وغيره لا كما فسره قتادة بالموت، وإن كان ذلك صحيحاً في اللغة كقوله تعالى: {وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّمَاوَاتِ وَمَن في الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} (الزمر:68) فإن هناك قرينة تدل على الموت كما أن هناك قرينة تدل على الغشي, وهي قوله: {فلما أفاق} والإفاقة لا تكون إلا عن غشي. "ظلال الجنة في تخريج السنة" (ص 196). [1639] باب هل الصعقة في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الناس يصعقون يوم القيامة ... » صعقة البعث أم صعقة لفصل القضاء يوم القيامة؟ [قال ابن أبي العز في "شرح الطحاوية"]: وفي الصَّحِيحِ عَنِ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، أنه قَالَ: «إِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَة، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا موسى آخِذٌ بِقَائِمَة الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ جُوزِي بِصَعْقَة يَوْمِ الطُّورِ»؟ " (متفق عليه). وَهَذَا صَعْقٌ في مَوْقِفِ الْقِيَامَة، إِذَا جَاءَ الله لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِه، فَحِينَئِذٍ يَصْعَقُ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ.

[1640] باب النار التي تخرج من اليمن

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَصْنَعُونَ بقوله في الْحَدِيثِ: «إِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَة، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عنه الْأَرْضُ، فَأَجِدُ موسى بَاطِشًا بِقَائِمَة الْعَرْشِ» (صحيح)؟ ... إلى آخر كلامه [فعلق الإمام قائلاً]: ومن هذين الحديثين يتبين أن هذه الصعقة الثانية إنما هي صعقة البعث, المذكورة في الآية, وليست صعقة تقع لفصل القضاء كما ذكر الشارح تبعاً للإمام ابن القيم. وعلى ذلك فلا إشكال في الحديث والله أعلم. "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 413). [1640] باب النار التي تخرج من اليمن [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ليتَ شِعْري! متى تَخْرُجُ نارٌ من اليمن من جبل الوِرَاقِ؛ تضيء منها أعناقُ الإبل بُروكاً بِبُصرى كضَوْءِ النهارِ». [قال الإمام]: واعلم أن هذه النار التي تخرج من اليمن قبل قيام الساعة، هي غير النار التي خرجت في المدينة سنة (654 هـ) وفق قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى». "الصحيحة" (7/ 1/220،218).

[1641] باب كيف يحشر الناس؟

[1641] باب كيف يحشر الناس؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يُحشر النّاسُ على ثلاثِ طرائقَ: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثةٌ على بعير، وأربعةٌ على بعير، وعشرةٌ على بعير، ويَحشرُ بقيتَهم النّارُ، تقيلُ معهم حيثُ قالُوا، وتبيتُ معهم حيثُ باتُوا، وتصبحُ معهم حيث أصبحُوا، وتُمسي معهم حيثُ أمسُوا». [قال الإمام]: (تنبيه هام): هكذا ثبت الحديث في المصادر المذكورة؛ إلا "سنن النسائي "؛ فإنه ساقه بزيادة: "يحشر الناس يوم القيامة "، فهي زيادة شاذة بلا شك، ومفسدة للمعنى أيضاً؛ فإن الركوب الوارد فيه ليس من أهوال يوم القيامة. "الصحيحة" (7/ 2/1171 - 1172). [1642] باب الشام أرض المحشر [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ستخرج نار قبل يوم القيامة من بحر حضرموت تحشر الناس، قالوا: يا رسول لله! فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (6/ 1/636)

[1643] باب هل يحشر الناس على الصراط أم على أرض بيضاء؟

[1643] باب هل يحشر الناس على الصراط أم على أرض بيضاء؟ سؤال: عن سهل بن سعد في الصحيحين قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «يحشر الناس على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي» (¬1) وهناك حديث عائشة في مسلم عندما سألته عن مكان الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض، فقال: على الصراط (¬2)، ولكننا نعلم أن الناس يساقون على أرض المحشر أولاً وقبل أن يصلوا إلى الصراط فهل يكون هناك تبديل قبل الوصول إلى الصراط؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: لا جواب عندي في مثل هذه الأمور الغيبية، ولا يجوز الخوض فيها بالرأي وإنما كما قال: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65)، نعم. "رحلة النور" (8أ/00:08:11) [1644] باب حشر البهائم والوحوش يوم القيامة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يقتص الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء، وحتى الذرة من الذرة». [قال الإمام]: (فائدة) قال النووي في " شرح مسلم " تحت حديث الترجمة: " هذا تصريح ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم6156) و"صحيح مسلم" (رقم7233). (¬2) "صحيح مسلم" (رقم7234).

بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين وكما يعاد الأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه دعوة. وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَت} وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع، وجب حمله على ظاهره. قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب. وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف، إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة، و (الجلحاء) بالمد هي الجماء التي لا قرن لها. والله أعلم ". وذكر نحوه ابن الملك في " مبارق الأزهار " (2/ 293) مختصرا ً. ونقل عنه العلامة الشيخ علي القاريء في " المرقاة " (4/ 761) أنه قال: " فإن قيل: الشاة غير مكلفة، فكيف يقتص منها؟ قلنا: إن الله تعالى فعال لما يريد ولا يسأل عما يفعل والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع بل يقتص حق المظلوم من الظالم". قال القاريء: " وهو وجه حسن، وتوجيه مستحسن، إلا أن التعبير عن الحكمة بـ (الغرض) وقع في غير موضعه. وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف، والقوي والضعيف؟ ". قلت: ومن المؤسف أن ترد كل هذه الأحاديث من بعض علماء الكلام بمجرد الرأي، وأعجب منه أن يجنح إليه العلامة الألوسي! فقال بعد أن ساق الحديث عن أبي هريرة من رواية مسلم ومن رواية أحمد بلفظ الترجمة عند تفسيره آية {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَت} في تفسيره " روح المعاني " (9/ 306): " ومال حجة الإسلام الغزالي وجماعة إلى أنه لا يحشر غير الثقلين لعدم كونه مكلفاً ولا أهلاً لكرامة بوجه، وليس في هذا الباب نص من كتاب أو سنة معول عليها يدل على حشر غيرهما من الوحوش، وخبر مسلم والترمذي وإن كان صحيحا لكنه لم

يخرج مخرج التفسير للآية ويجوز أن يكون كناية عن العدل التام. وإلى هذا القول أميل ولا أجزم بخطأ القائلين بالأول لأن لهم ما يصلح مستندا في الجملة. والله تعالى أعلم ". قلت: كذا قال - عفا الله عنا وعنه - وهو منه غريب جدًّا؛ لأنه على خلاف ما نعرفه عنه في كتابه المذكور، من سلوك الجادة في تفسير آيات الكتاب على نهج السلف، دون تأويل أو تعطيل، فما الذي حمله هنا على أن يفسر الحديث على خلاف ما يدل عليه ظاهره، وأن يحمله على كناية عن العدل التام، أليس هذا تكذيباً للحديث المصرح بأنه يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء، فيقول هو تبعا لعلماء الكلام: إنه كناية! ... أي لا يقاد للشاة الجماء. وهذا كله يقال لو وقفنا بالنظر عند رواية مسلم المذكورة، أما إذا انتقلنا به إلى الروايات الأخرى كحديث الترجمة وحديث أبي ذر وغيره، فإنها قاطعة في أن القصاص المذكور هو حقيقة وليس كناية، ورحم الله الإمام النووي، فقد أشار بقوله السابق: " وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره". قلت: أشار بهذا إلى رد التأويل المذكور وبمثل هذا التأويل أنكر الفلاسفة وكثير من علماء الكلام كالمعتزلة وغيرهم رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة وعلوه على عرشه ونزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة ومجيئه تعالى يوم القيامة، وغير ذلك من آيات الصفات وأحاديثها. وبالجملة، فالقول بحشر البهائم والاقتصاص لبعضها من بعض هو الصواب الذي لا يجوز غيره، فلا جرم أن ذهب إليه الجمهور كما ذكر الألوسي نفسه في مكان آخر من " تفسيره " (9/ 281)، وبه جزم الشوكاني في تفسير آية " التكوير " من تفسيره " فتح القدير "، فقال (5/ 377): " الوحوش ما توحش من دواب البر، ومعنى (حشرت) بعثت، حتى يقتص بعضها من بعض، فيقتص للجماء من القرناء ". وقد اغتر بكلمة الألوسي

[1645] باب منه

المتقدمة النافية لحشر الوحوش محرر " باب الفتاوي " في مجلة الوعي الإسلامي السنة الثانية، العدد 89 ص 107، فنقلها عنه، مرتضيا لها معتمدا عليها، وذلك من شؤم التقليد وقلة التحقيق. والله المستعان وهو ولي التوفيق. "الصحيحة" (4/ 608، 612 - 614). [1645] باب منه [قال الإمام]: إن مما يدل على غربة السنة في هذا الزمان وجهل أهل العلم والفتوى بها، جواب إحدى المجلات الإسلامية السيارة عن سؤال: "هل تبعث الحيوانات ... " ونصه: " قال الإمام الآلوسي في تفسيره: " ليس في هذا الباب - يعني بعض الحيوانات - نص من كتاب أو سنة يعول عليه يدل على حشر غير الثقلين من الوحوش والطيور ". هذا كل ما أعتمده المجيب، وهو شيء عجيب يدلكم على مبلغ إهمال أهل العلم - فضلاً عن غيرهم- لعلم السنة، فقد ثبت فيها أكثر من حديث واحد يصرح بأن الحيوانات تحشر، ويقتص لبعضها من بعض، من ذلك حديث مسلم في "صحيحه": "لتؤدون الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء". وثبت عن ابن عمرو وغيره أن الكافر حين يرى هذا القصاص يقول: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}. "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام" (ص37).

جماع أبواب ذكر الحوض والصراط

جماع أبواب ذكر الحوض والصراط

[1646] باب أحاديث الحوض متواترة

[1646] باب أحاديث الحوض متواترة [ذكر العز ابن عبد السلام في "بداية السول" من خصائص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الكوثر الذي أعطيه في الجنة، والحوض الذي أعطيه في الموقف». فقال الإمام معلقًا]: وأما الحوض فأحاديثه كثيرة جداً، قد بلغت مبلغ التواتر التي يحصل بمجموعها العلم القطعي، قال الحافظ: «إذ قد روى ذلك عن - صلى الله عليه وآله وسلم - من الصحابة نيف على الثلاثين، منهم في الصحيحين ما ينيف على العشرين، وفي غيرهما بقية ذلك مما صح نقله، واشتهر رواته». قلت: وقد استقصى طرقه ابن أبي عاصم في «السنة» (2/ 321 - 260) (رقم 697 - 776) عن أكثر من خمسة وثلاثين وصحابياً، لبعضهم أكثر من طريق واحد وهذه أسماؤهم: عمر بن الخطاب: أنس بن مالك زيد بن أرقم أبو برزة الأسلمي البراء بن عزب عائد بن عمرو خولة بنت حكيم ثوبان عتيبة بن عبد السلمي أبي بن كعب عبد الله بن عمرو أبو ذر

أبو سعيد الخدري حذيفة بن اليمان عبد الله بن عمر أبو أمامة رجل من خزاعة أبو هريرة سمرة بن جندب عقبة بن عامر عبد الله بن مسعود أبو الدرداء جابر بن سمرة الصناحجي جبير بن مطعم سهل بن سعد عبد الله بن عباس أبو بكر الصديق أُسَيْد بن حضير عبد الله بن زيد زيد بن ثابت كعب بن عجرة خباب بن الأرتّ حذيفة بن أسيد أبو بكر. عائشة. جابر بن عبد الله. وقال ابن أبي عاصم رحمه الله ما مختصره: «والأخبار التي ذكرنا في حوض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - توجب العلم، فنحن به مصدقون، ونرغب إلى الذي وفقنا للتصديق به أن يوردنا فيسقينا منه شربة نعدم بها ظمأ الأمد بطوله، ونسأله ذلك بفضله». "تحقيق بداية السول" (ص 55 - 56).

[1647] باب منه

[1647] باب منه [قال الإمام]: والأحاديث التي جاء ذكر الحوض فيها كثيرة جداً بلغت مبلغ التواتر كما صرح بذلك جمع من الأئمة، ورواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابياًّ وقد استقصى طرقها الحافظ ابن كثير في " النهاية " في آخر تاريخه، وعقد لها الحافظ ابن أبي عاصم في " كتاب السنة " سبعة أبواب (رقم 155 - 161) ورقم الأحاديث (734 - 776 - بتحقيقي) أشار في آخرها إلى تواترها بقوله: " والأخبار التي ذكرناها في حوض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - توجب العلم. . . " "التعليق على متن الطحاوية" (ص37). [1648] باب منه [قال الإمام]: حديث الحوض متواتر. "الضعيفة" (14/ 1/440). [1649] باب منه [قال الإمام]: «أحاديث الحوض كثيرة جداً، وهي قد جاوزت الثلاثين حديثاً أو قريباً من ذلك عند البخاري وغيره ممن استوعبها كالحافظ ابن أبي عاصم في الجزء الثاني من "كتاب السنة"، والبيهقي في كتاب "البعث والنشور" (88 - 110). "الضعيفة" (14/ 2/1033)

[1650] باب هل صح حديث: «لكل نبي حوض إلا صالح فإن حوضه هو بضع ناقته»؟

[1650] باب هل صح حديث: «لكل نبي حوض إلا صالح فإن حوضه هو بضع ناقته»؟ سؤال: ذَكَرَ في كتاب "السنة" للبربهاري ... الشيخ: كتاب السنة لمن؟ مداخلة: البربهاري، هذا مخطوط هو الكتاب. الشيخ: لذلك أعجم علي! ما عرفت هذا الكتاب، طيب! مداخلة: كان يتحدث عن حوض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال بأن لكل نبي حوض إلا صالح فإن حوضه هو ضرع ناقته (¬1). الشيخ: هذا شيء غريب! نسبه بدون سند؟ مداخلة: كتابه سوف يطبع. الشيخ: سوف يطبع؟ مداخلة: سوف يطبع نعم. الشيخ: طيب! هذا مخطوط؟ مداخلة: حُقق الآن هذا هو الكتاب. الشيخ: طيب! ذاكره بالسند؟ مداخلة: نقرؤه؟ ¬

(¬1) موضوع. أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/ 64 - 65) وعنه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/ 244) وقال: حديث موضوع لا أصل له.

الشيخ: البربهاري هذا ... هذا متكلم فيه من حيث الصفات حنبلي هو .. مداخلة: أبي محمد الحسن. الشيخ: حنبلي هو. مداخلة: في القرن الرابع هو؟ مداخلة: الرابع يمكن .. الشيخ: أنا في ذهني أن هذا متكلم فيه من حيث غلوه في الصفات، هل هو كذلك؟ البربهاري هذا. مداخلة: عندما تحدث عنه المحقق أتى بأقوال الأئمة ... وكان يعتبر هو إمام أهل السنة في عصره. الشيخ: هو يثني عليه من حيث أنه كان يحارب المبتدعة، وكان يتمسك بالسنة وبالعقيدة السلفية صحيح، لكن في كثير من أمثال هؤلاء غلو وتطرف، مثلاًكابن بطة الحنبلي صاحب "الإبانة" فهو على هذا النمط، لكن هو يروي في إبانته نفسه ما هب ودب من أحاديث حتى ما كان منها متعلقاً بالصفات، فهذه نقطة مهمة جداً ليس كل من يكتب في الصفات يكون متحققاً فيما يذكر من الروايات. وعلى كل حال! هذا الاستثناء المذكور في هذه الفقرة فلأول مرة سمعت به، وما أظنه يصح في أحاديث الحوض المتواترة، وفي كتاب "السنة" لابن أبي عاصم طائفة كبيرة من الأحاديث الواردة في الحوض، وليس فيها مثل هذا الاستثناء، فهو أقل ما يقال فيه: أنه غريب، وينبغي التوقف عن البت أو الجزم به حتى يأتي من طريق تقوم الحجة به.

مداخلة: طيب! .. ابن بطة كتابه "الإبانة الصغرى" هل يؤخذ عنه في الأسماء والصفات مثلا، أنت قلت "الإبانة" لكن هل هي الصغرى أم الكبرى؟ الشيخ: ما أستحضر الجواب الآن، عندنا في المكتبة الظاهرية نسخة خطية من الإبانة مشوشة الترتيب، وكانت النسخة قد أصابها الماء فمحا كثيراً من كتابتها، وكنت استفدت منها أشياء كثيرة فتجلى لي أن ابن بطة من الحنابلة الذين عندهم شيء من الغلو في إثبات الصفات، وقد يثبتون صفةً بروايات لا تصح أسانيدها، وإن صحت فلا تصح نسبتها إلى الرسول عليه السلام؛ لأنها تكون إما موقوفة وإما مقطوعة، نعم. وعلى نحو هذا الدارمي في رده على المريسي .. فيه أيضاً مثل هذا. والحقيقة أن هذا الموضوع هام جداً وينبغي تصفية الروايات الضعيفة وإبعادها عن العقيدة الصحيحة، وهذا ما حاولت القيام به حينما اختصرت "العلو للعلي الغفار" أو للعلي العظيم للإمام الذهبي، فمع كون الإمام الذهبي كما تعلمون إماماً في هذا الصدد ومع ذلك تساهل في ذكر بعض الروايات، ومنها مثلاً رواية مجاهد أن الله عز وجل يُقْعِدُ معه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على عرشه، وهذه الرواية تلقاها كثير من العلماء ممن نثق بعقيدتهم كأنه حديث مرفوع إلى الرسول عليه السلام، مع أنه لو قال مجاهد: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث فقهي لكان هذا الحديث مرسلاً، ولا يثبت حكماً فقهياً، فكيف وهو أولاً لم يرفعه إلى الرسول عليه السلام؟! وثانياً: هو في العقيدة وليس في الفقه ومع ذلك تلقوه على طريقة المسلمات. فالحقيقة ينبغي الاحتياط في مثل هذه القضايا. "الهدى والنور" (87/:00:14:36)

[1652] باب المرور على الصراط,

[1651] باب الحوض قبل الصراط [ذكر العز ابن عبد السلام في "بداية السول" من خصائص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الكوثر الذي أعطيه في الجنة، والحوض الذي أعطيه في الموقف» فقال الإمام معلقًا]: إن قول المصنف: «في الموقف»، فيه أنه يرى أن الحوض قبل الصراط، وهو الظاهر من بعض الأحاديث، وهو الذي رجحه الحافظ. "بداية السول" (ص 57). [1652] باب المرور على الصراط, ووضع الرب قدمه في جهنم, والحوض, كل ذلك حق [قال الإمام]: المرور على الصراط، ووضع الرب قدمه في جهنم، والحوض كل ذلك ثابت في الأحاديث الصحيحة. "الضعيفة" (14/ 1/249).

جماع أبواب ذكر الميزان

جماع أبواب ذكر الميزان

[1653] باب الإيمان بالميزان من عقائد أهل السنة

[1653] باب الإيمان بالميزان من عقائد أهل السنة [قال الإمام]: ذلك [أي الإيمان بالميزان ووزن الأعمال] من عقائد أهل السنة. "الصحيحة" (1/ 1/263). [1654] باب الأحاديث الواردة في الميزان ووزن الأعمال [قال الإمام]: والأحاديث في ذلك [أي في وزن الأعمال] متضافرة إن لم تكن متواترة. "الصحيحة" (1/ 1/263) [1655] باب في صفة الميزان وأن الأعمال توزن [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاًّ، كل سجل مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب. فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم. فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. فيقول: هاحضر وزنك، فيقول: ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟! فقال: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء».

[1656] باب منه

[قال الإمام]: وفي الحديث دليل على أن ميزان الأعمال له كفتان مشاهدتان وأن الأعمال وإن كانت أعراضا فإنها توزن، والله على كل شيء قدير، وذلك من عقائد أهل السنة، والأحاديث في ذلك متضافرة إن لم تكن متواترة ... "الصحيحة" (1/ 1/261 - 263). [1656] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن نبي الله نوحاً - صلى الله عليه وآله وسلم - لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين آمرك بـ (لا إله إلا الله) فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة, ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله, ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله,. وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق, وأنهاك عن الشرك والكبر, قال: قلت: أو قيل: يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر؟ - قال -: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: لا. قيل: يا رسول الله فما الكبر؟ قال: سفه الحق وغمص الناس». [قال الإمام]: قلت: وفيه فوائد كثيرة، [منها] ... : أن الميزان يوم القيامة حق ثابت وله كفتان، وهو من عقائد أهل السنة خلافاً

[1657] باب تجسيد الأعمال يوم القيامة

للمعتزلة وأتباعهم في العصر الحاضر ممن لا يعتقد ما ثبت من العقائد في الأحاديث الصحيحة، بزعم أنها أخبار آحاد لا تفيد اليقين ... "الصحيحة (1/ 1/259 - 260). [1657] باب تجسيد الأعمال يوم القيامة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان». (حسن صحيح). [قال الإمام]: أي: يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة، قال المناوي: " وهذا القول يحتمل أنه حقيقة بأن يجسد ثوابهما ويخلق الله فيه النطق {وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ويحتمل أنه على ضرب من المجاز والتمثيل". قلت: والأول هو الصواب الذي ينبغي الجزم به هنا وفي أمثاله من الأحاديث التي فيها تجسيد الأعمال ونحوها، كمثل تجسيد الكنز شجاعاً أقرع، ونحوه كثير، وتأويل مثل هذه النصوص ليس من طريقة السلف، رضي الله عنهم، بل هو طريقة المعتزلة ومن سلك سبيلهم من الخلف، وذلك مما ينافي أول شروط الإيمان {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}، فحذار أن تحذو حذوهم، فتضل وتشقى، والعياذ بالله تعالى. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 419).

[1658] باب هل الميزان واحد أم هي موازين؟

[1658] باب هل الميزان واحد أم هي موازين؟ سؤال: قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} (الأنبياء:47) ذكر ابن كثير في تفسيره هذه الآية أنه يحتمل أن جمع الموازين إنما هو لتعدد الأعمال، وقولًا آخر أنه ميزان واحد، يعني: قد يكون عدة موازين وقد يكون ميزان واحد. الشيخ: هذا على القاعدة التي نجيب عنها، هل هذا حكم شرعي يجب أن نتعرف عليه بدقة؟ الجواب: لا، الموازين جمع ميزان فما في مانع أن يكون هناك عدة موازين، بلا تشبيه بعدة موازين، والآخرة لا تقاس على أمور الدنيا، فإذا جاء خبر غيبي هكذا فلا نقول: موازين يعني: ميزان؛ لأن هذا تعطيل نص القرآن، فندعه كما هو ونؤمن به وكفى الله المؤمنين القتال. "فتاوى جدة" (6/ 00:55:57) [1659] باب منه السائل: قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (الأنبياء:47) فهل الميزان يوم القيامة واحد أم عدة موازين؟ الشيخ: لا شك أن لفظ القرآن لا يجوز تغييره وتبديله، فما دام أن الله عز وجل أطلق لفظة الموازين فهي موازين، ولا مانع أن تكون هذه الموازين كما نعلم من أمور الغيب مختلفة، وليس ينبغي أن نتصورها ميزانًا معينًا، كيف والموازين في الدنيا الآن قد تعددت وتنوعت، فمن باب أولى أن يكون يوم القيامة أن تكون هناك موازين متعددة، فما دام أن الله عز وجل جمع الموازين في مثل هذا اللفظ القرآني فاعتقد أنه من التعطيل بمكان أن يفسر الموازين: بالميزان، وهذا ليس من طريقة السلف. "فتاوى جدة -الأثر-" (36ب/00:13:50)

جماع أبواب الشفاعة

جماع أبواب الشفاعة

[1660] باب أحاديث شفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - متواترة

[1660] باب أحاديث شفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - متواترة [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية: "والشفاعة التي ادخرها لهم، [أي: لأمته] حق كما روي في الأخبار"]: قلت: وهي متواترة .. وقد عقد لها ابن أبي عاصم في " السنة " ستة أبواب (163 - 168) رقم الأحاديث (784 - 832) وساق طائفة منها الشارح رحمه الله في شرحه تضمنت أن شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - ثمانية أنواع فليراجعه من شاء البحث والتحقيق فإنه هام. "التعليق على متن الطحاوية" (ص37 - 38). [1661] باب منه [قال الإمام]: أحاديثها [أي الشفاعة] مشهورة متواترة. "الضعيفة" (12/ 2/932). [1662] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن أنكر شفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأهل الذنوب والرد على ذلك [قال الإمام]: قرأت منذ بضعة أيام كتاب " الإسلام المصفى " [ثم علق في الحاشية قائلاً]: تأليف محمد عبد الله السمان وهو - والحق يقال كتاب قيم قد عالج فيه كثيراً من المسائل والقواعد التي تهم المسلم في العصر الحاضر، ولكنه عفا الله

عنه قد اشتط كثيراً في بعض ما تحدث عنه، ولم يكن الصواب فيه حليفه، مثل مسالة إعفاء اللحية .. ومثل إنكاره شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - لأهل الذنوب، وإنكاره نزول عيسى، وخروج الدجال، والمهدي قد أنكر كل ذلك وزعم أنها " ضلالات مصنوعة " وأن الأحاديث التي وردت فيها أحاديث آحاد لم تبلغ حد التواتر. ونحن نقول للأستاذ كلمتين مختصرتين: 1 - دعواك أن الأحاديث المشار إليها غير متواترة غير مقبولة منك، ولا ممن سبقك إليها، مثل الشيخ شلتوت وغيره؛ لأنها لم تصدر من ذوي الاختصاص في علم الحديث، ولا سيما وقد خالفت شهادة المتخصصين فيه كالحافظ ابن كثير، وابن حجر، والشوكاني، وغيرهم حيث صرحوا بأن حديث النزول متواتر، وذلك يتضمن تواتر حديث خروج الدجال من باب أولى؛ لأن طرقه أكثر؟ كما لا يخفى على المشتغلين بهذا العلم الشريف، وقد كنت جمعت في بعض المناسبات الطرق الصحيحة فقط لحديث النزول فجازوت العشرين طريقاً عن تسعة عشر صحابياًّ فهل التواتر غير هذا؟! 2 - تقسيمك أنت وغيرك - أيا كان - الأحاديث الصحيحة إلى قسمين: قسم يجب على المسلم قبولها ويلزمه العمل بها وهى أحاديث الأحكام ونحوها. وقسم لا يجب عليه قبولها والاعتقاد بها وهي أحاديث العقائد وما يتعلق منها بالأمور الغيبية. أقول: إن هذا تقسيم مبتدع لا أصل في كتاب الله ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -،

[1663] باب شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - الخاصة به هي المقام المحمود

ولا يعرفه السلف الصالح، بل عموم الأدلة الموجبة للعمل بالحديث تقتضي وجوب العمل بالقسمين كليهما ولا فرق، فمن ادعى التخصيص فليتفضل بالبيان مشكوراً وهيهات هيهات. ثم ألفت رسالتين هامتين جداًّ في بيان بطلان التقسيم المذكور الأولى: " وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة " والأخرى: " الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ". "تمام المنة" (ص78 - 79). [1663] باب شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - الخاصة به هي المقام المحمود [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبيناهم كذلك استغاثوا بآدم فيقول: لست صاحب ذلك، ثم بموسى، فيقول كذلك، ثم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، فيشفع بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً، يحمده أهل الجمع كلهم». [قال الإمام]: وهذا حديث عزيز في المقام المحمود وأنه شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - الخاصة به. وهو أصح حديث وقفت عليه فيه وهناك أحاديث أخرى. "الصحيحة" (5/ 590). [1664] باب الشفاعة لعصاة الموحدين [ذكر الصنعاني في "رفع الأستار" أن الشفاعة تكون لعصاة الموحدين، فعلق الإمام قائلاً]:

[1665] باب شفاعة رب العالمين

ويشهد لهذا نصوص كثيرة منها حديث أنس مرفوعاً: «ما زلت أشفع إلى ربي عز وجل ويشفعني وأشفع ويشفعني، حتى أقول: أي رب شفعني فيمن قال: لا إله إلا الله. فيقول: هذه ليست لك يا محمد ولا لأحد، هذه لي، وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النار أحداً يقول: لا إله إلا الله» أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " وابن أبي عاصم في " السنة " (828) وهو حديث صحيح، وقد أخرجه مسلم وغيره بمعناه كما بينت هناك. "تحقيق رفع الأستار" (ص132). [1665] باب شفاعة رب العالمين [قال الإمام]: تواتر في أحاديث الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. "الصحيحة" (7/ 1/116). [1666] باب كيف الجمع بين قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أمتي أمة مرحومة» وبين الأحاديث التي فيها أنه يخرج ناس من أمته من النار بالشفاعة؟ [قال الإمام مبينًا خطأ من ضعف حديث «أمتي أمة مرحومة» بدعوى أنه مخالف لأحاديث خروج ناس من أمته - صلى الله عليه وآله وسلم - من النار بالشفاعة]: الحقيقة أنه لا تعارض عند التأمل والابتعاد عن التظاهر بالتحقيق المزيف كما هو الواقع في هذا الحديث الصحيح، فإنه ليس المراد به كل فرد من أفراد الأمة، وإنما من كان منهم قد صارت ذنوبه مكفرة بما أصابه من البلايا في حياته؛ كما قال البيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 342): "وحديث الشفاعة يكون فيمن لم تَصِر ذنوبه مكفرة في حياته". قلت: فالحديث إذن من باب إطلاق الكل وإرادة البعض؛ أطلق "الأمة" وأراد بعضها؛ وهم الذين كفرت ذنوبهم بالبلايا ونحوها مما ذكر في الحديث، وما أكثر المكفرات في الأحاديث الصحيحة والحمد لله، وفي ذلك ألف الحافظ ابن حجر كتابه المعروف في المكفرات. "السلسلة الصحيحة" (2/ 727 - 728) [1667] باب منه [قال الإمام]: الحقيقة أنه لا تعارض عند التأمل ... فإنه ليس المراد به كل فرد من أفراد الأمة,

وإنما من كان منهم قد صارت ذنوبه مكفرة بما أصابه من البلايا في حياته؛ كما قال البيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 342): "وحديث الشفاعة يكون فيمن لم تصر ذنوبه مكفرة في حياته". قلت: فالحديث إذن من باب إطلاق الكل وإرادة البعض؛ أطلق "الأمة" وأراد بعضها؛ وهم الذين كفرت ذنوبهم بالبلايا ونحوها مما ذكر في الحديث؛ وما أكثر المكفرات في الأحاديث الصحيحة والحمد لله، وفي ذلك ألف الحافظ ابن حجر كتابه المعروف في المكفرات. "الصحيحة" (2/ 827 - 828).

[1668] باب شفاعة القرآن والصيام للعبد يوم القيامة، وتجسيد الأعمال يوم القيامة

[1668] باب شفاعة القرآن والصيام للعبد يوم القيامة، وتجسيد الأعمال يوم القيامة. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان». (حسن صحيح). [قال الإمام]: أي: يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة، قال المناوي: " وهذا القول يحتمل أنه حقيقة بأن يجسد ثوابهما ويخلق الله فيه النطق {وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ويحتمل أنه على ضرب من المجاز والتمثيل". قلت: والأول هو الصواب الذي ينبغي الجزم به هنا وفي أمثاله من الأحاديث التي فيها تجسيد الأعمال ونحوها، كمثل تجسيد الكنز شجاعاً أقرع، ونحوه كثير، وتأويل مثل هذه النصوص ليس من طريقة السلف، رضي الله عنهم، بل هو طريقة المعتزلة ومن سلك سبيلهم من الخلف، وذلك مما ينافي أول شروط الإيمان {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}، فحذار أن تحذو حذوهم، فتضل وتشقى، والعياذ بالله تعالى. "التعليق على الترغيب والترهيب" (1/ 419).

[1669] باب ما نوع الشفاعة التي يشفعها الطفل لوالده إذا عق عنه؟

[1669] باب ما نوع الشفاعة التي يشفعها الطفل لوالده إذا عق عنه؟ سؤال: ما نوع الشفاعة التي يشفعها الطفل لوالده إذا عق عنه؟ الشيخ: معلوم في كثير من الأحاديث؛ أن الأطفال الصغار يوم القيامة يقفون عند باب الجنة، ويبكون يطلبون آباءهم، فيرسل الله تبارك وتعالى إليهم جبريل عليه السلام ليسألهم عن سبب بكائهم - والله تبارك وتعالى أعلم بهم - فيأتيهم جبريل عليه السلام فيسألهم فيقولون: لا ندخل الجنة إلا وآباؤنا معنا، فيأتيهم الإذن من رب العالمين تبارك وتعالى أن يدخلوا هم وآباؤهم الجنة فهذا النوع من الشفاعة وهو الاستعجال بدخول الجنة هو الذي يستحقه الآباء الذين عقوا، أي ذبحوا عن أبنائهم، والله أعلم. "الهدى والنور" (16/ 46: 07: 00).

جماع أبواب ذكر الجنة ونعيمها وغير ذلك

جماع أبواب ذكر الجنة ونعيمها وغير ذلك

[1670] باب الشهادة بالجنة لمن شهد له الله ورسوله

[1670] باب الشهادة بالجنة لمن شهد له الله ورسوله [علق الإمام على قول صاحب الطحاوية]:"ولا ننزل أحدا منهم [أي من أهل القبلة] جنة"قائلاً: قلت: إلا العشرة المبشرين بالجنة وعبد الله بن سلام وغيرهم؛ فإنا نشهد لهم بالجنة على شهادة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد صرح المصنف رحمه الله بذلك في الفقرة (95). ومن ضلال بعض الكتاب اليوم وجهلهم غمزهم لعبد الله بن سلام بيهوديته قبل إسلامه مع شهادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - له بالجنة كما في "،صحيح البخاري " وليت شعري أي فرق بين من كان يهودياًّ فأسلم، وبين من كان وثنياًّ وأسلم لولا العصبية القومية الجاهلية، بلى هناك فرق فقد جاء في " الصحيحين " قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ثلاث لهم أجرهم مرتين. . .» فذكر منهم «ورجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فآمن به واتبعه وصدقه»، فهذا له أجران دون الوثني إذا أسلم فله أجر واحد. "التعليق على متن الطحاوية" (ص76). [1671] باب عِلْمِ الله لعدد من يدخل الجنة والنار [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية: "وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة وعدد من يدخل النار جملة واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه". يشير المؤلف رحمه الله إلى حديث عبد الله بن عمرو قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي يده كتابان فقال: «أتدرون ما هذان الكتابان؟» فقلنا: لا يا رسول الله إلا

[1672] باب هل الجنة واحدة أم هي جنان؟ وذكر الفردوس وسدرة المنتهى

أن تخبرنا " فقال للذي في يده اليمنى: «هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم، وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً». ثم قال للذي في شماله: «هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار، وأسماء آبائهم، وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً» فقال أصحابه: ففيم العمل إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال: سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار، وإن عمل أي عمل، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بيده فنبذهما ثم قال: «فرغ ربكم من العباد {فريق في الجنة وفريق في السعير} (الشورى: 7)». أخرجه الترمذي وصححه هو وغيره، وهو مخرج في " الصحيحة " (848). "التعليق على متن الطحاوية" (ص39 - 40). [1672] باب هل الجنة واحدة أم هي جنان؟ وذكر الفردوس وسدرة المنتهى مداخلة: يسأل السائل فيقول: ذكر الله تعالى في القرآن الكريم عدد من الجنات مثل جنة الفردوس وجنة عدن وجنة المأوى، وهل سدرة المنتهى هو أعلى مرتبة كما في سماوات رب العالمين، وما هي الجنة التي يدعو بها المسلم؛ لأن الله يحب المسلم اللحوح في الدعاء؟ الشيخ: قد جاء الجواب عن هذا السؤال أو عن بعض ما في هذا السؤال في قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنها أعلى درجات الجنان» (¬1) أما عن سدرة المنتهى فالظاهر من قصة الإسراء والمعراج ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم2637).

[1673] باب الجنة في السماء السابعة

بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنها هناك آخر شيء من الجنة، أقول: هذا الظاهر؛ لأنني لا أستحضر نصًا صريحًا في الموضوع، إنما بالنسبة للجنة التي يسألها فهي جنة الفردوس فإنها من صريح الحديث أعلى لجنان. مداخلة: شيخنا والله أعلم يعني: حلى حسب فهمي لكلام الأخ أن الله سبحانه وتعالى عدد يعني جنة الفردوس .. جنة عدن .. جنة المأوى، هي جنة واحدة أو .. الشيخ: ... هذا أيضًا جاء صريحًا في البخاري: «إنها جنان كثيرة» (¬1) هذه جنان عديدة، ولذلك قال في الحديث السابق: «إذا سألتم الله الجنة فسلوه الفردوس فإنها أعلى الجنان». "أسئلة وفتاوى الإمارات" (4/ 00:04:14) [1673] باب الجنة في السماء السابعة [وي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «يدخلُ رَجُلٌ من هذه الأمةِ الجنةَ قبْلَ موته» (باطل منكر). [قال الإمام]: أخرجه ابن حبان في " الثقات " (/ 361)، والطبراني في " مسند الشاميين " (1/ 55/54)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (7/ 374) من طرق عن زهير بن ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم3761).

عباد الرواسي: ثنا رُديح بن عطية عن إبراهيم بن أبي عبلة عن شريك بن خُباشة النميري: أنه ذهب يستسقي من (جب سليمان) الذي في بيت المقدس، فانقطع دلوه، فنزل الجب ليخرجه، فبينما هو يطلبه في نواحي الجب، إذ هو بشجرة، فتناول ورقة من الشجرة، فأخرجها معه، فإذا هي ليست من شجر الدنيا (!) فأتى بها عمر بن الخطاب، فقال: أشهد أن هذا لهو الحق، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ... (فذكره)، فجعل الورقة بين دفتي المصحف. وأما حكمي على الحديث بالبطلان وتعجبي من سكوت الذهبي والعسقلاني عن الحديث وراويه؛ فذلك ظاهر من وجوه، أهمها: أن الجنة ليست في الأرض وتحت (جب سليمان)! وإنما هي في السماء، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة. والنصوص في ذلك كثيرة؛ كقوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}، وهي في السماء السابعة؛ كما جاء في حديث أنس في " صحيح البخاري " وغيره، وانظر " فتح الباري " (7/ 213)؛ فإن آدم عليه السلام أهبط من الجنة التي وعد بها المتقون، على القول الصحيح، وفي الحديث الصحيح: «. . فإذا سألتُمُ اللهَ؛ فاسألوه الفردوسَ؛ فإنها أوسط الجنة - أو أعلى الجنة -، فوقه عرش الرحمن». رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في " الصحيحة " (921 - 922). فكيف يصح أن تكون تلك الشجرة من الجنة وهي في الجب؟! "الضعيفة" (12/ 1/133، 135).

[1674] باب بطلان القول الذي ينسب لرابعة العدوية: رب ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك

[1674] باب بطلان القول الذي ينسب لرابعة العدوية: رب ما عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفا ًمن نارك [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «بكى شعيب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من حب الله عز وجل حتى عمي، فرد الله إليه بصره، وأو حى إليه: يا شعيب ما هذا البكاء؟! أشوقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار؟ قال: إلهي وسيدي أنت تعلم ما أبكي شوقا إلى جنتك ولا خوفا من النار، ولكني اعتقدت حبك بقلبي، فإذا أنا نظرت إليك فما أبالي ما الذي صنع بي، فأو حى الله عز وجل إليه: يا شعيب إن يك ذلك حقا فهنيئا لك لقائي يا شعيب! ولذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي». (ضعيف جدّاً). [قال الإمام]: ومما ينكر في هذا الحديث قوله: " ما أبكي شوقاً إلى جنتك، ولا خوفاً من النار "! فإنها فلسفة صوفية، اشتهرت بها رابعة العدوية، إن صح ذلك عنها، فقد ذكروا أنها كانت تقول في مناجاتها: " رب! ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك ". وهذا كلام لا يصدر إلا ممن لم يعرف الله تبارك وتعالى حق معرفته، ولا شعر بعظمته وجلاله، ولا بجوده وكرمه، وإلا لتعبده طمعاً فيما عنده من نعيم مقيم، ومن ذلك رؤيته تبارك وتعالى وخوفاً مما أعده للعصاة والكفار من الجحيم والعذاب الأليم، ومن ذلك حرمانهم النظر إليه كما قال: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون}، ولذلك كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - وهم العارفون بالله

[1675] باب منه

حقًّا - لا يناجونه بمثل هذه الكلمة الخيالية، بل يعبدونه طمعاً في جنته - وكيف لا وفيها أعلى ما تسمو إليه النفس المؤمنة، وهو النظر إليه سبحانه، ورهبة من ناره، ولم لا وذلك يستلزم حرمانهم من ذلك، ولهذا قال تعالى بعد ذكر نخبة من الأنبياء: " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين "، ولذلك كان نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أخشى الناس لله، كما ثبت في غير ما حديث صحيح عنه. هذه كلمة سريعة حول تلك الجملة العدوية، التي افتتن بها كثير من الخاصة فضلاً عن العامة، وهي في الواقع {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء}، وكنت قرأت حولها بحثا فياضاً ممتعاً في " تفسير العلامة ابن باديس " فليراجعه من شاء زيادة بيان. "الضعيفة" (2/ 425 - 427). [1675] باب منه سؤال: أستاذنا في عندنا من بعض الأخوات كانوا ذكروا أنه بيصير في أحد المدارس مسرحية بخصوص رابعة العدوية، فهي حتى تستطيع تقنع البعض من هؤلاء القائمين على هذه المسرحية ... بتريد هي مثلا تعرف كيف نهاية حياتها ... يعني من المعلومات الموجودة عندك. الجواب: على كل حال رابعة العدوية هي معتبرة من الزاهدات الصوفيات، ولا شك أن المسرحية هذه سيقوم بوضع يعني المسرحية من حيث تاريخها أناس عندهم علم بفقه لا سيما فقه الكتاب والسنة ... ، خلافاً للروايات التي تذكر في الكتب الصوفية، ... فهي معدودة من كبار الزهاد والصوفيات، ... ومن أشهر ما يروى عنها بغض النظر هل هذا الذي يروى عنها صحيح أو لا؛ لأنه لا يمكن

الحكم بصحة كل ما (ينسب) لأمثال هذه المرأة الصوفية، مما يروى عنها أنها كانت تقول في مناجاتها لربها: «ربي ما عبدتك طمعاً في جنتك، ولا خوفاً من نارك، وإنما عبدتك لأنك تستحق العبادة»؛ هذا الكلام شعري ... شعري يعني جميل يأخذ بقلوب من لا يعلمون ما يجوز وما لا يجوز في الإسلام، فهي تقول في مناجاتها لربها: «ما عبدتك طمعاً في جنتك، ولا خوفاً من نارك»، وهذا لا يمكن أن يصدر من مسلم يخشى الله؛ لأن المسلم المؤمن بالله حق الإيمان لا يكون إلا وقد آمن بكل صفات الله عز وجل كاملة التي وصف بها نفسه في كتابه أو في سنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن ذلك أن الله ذو فضل عظيم، ومن ذلك أن الله شديد العقاب، فمن عرف الله بهاتين الصفتين مع الصفات الأخرى بأنه منتقم جبار وبأنه كريم إلى آخر ما هنالك؛ لا يمكن أن نتصور هذا المؤمن حينما يعبد الله لا يعبده طمعاً في فضله ولا خوفاً من عذابه هذا مستحيل؛ لذلك جاء في الكتاب القرآن الكريم أن الله عز وجل وصف بعض عباده بالمصطفين الأخيار لقوله عز وجل: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (يعبدوننا رغبا): فيما عنده من النعيم، (ورهبًا) خوفا مما عنده من الجحيم هذا أعده رب العالمين للأتقياء، فكيف يتصور بامرأة صالحة أو المفروض أن تكون صالحة وهي تقول: «ما عبدتك طمعاً في جنتك، ولا خوفا من نارك» علماً بأن في الجنة أكبر النعم؛ وهي رؤية الله عز وجل ... في الجنة هذا مما يروى عنها في الكتب، وسيذكر هذا حتما في المسرحية المشار إليها، ولذلك نحن ما نشجع كما تعلم المسرحيات بصورة عامة، والمسرحيات التي تظهر فيها شخصيات لا يعرف تاريخها على الوجه الصحيح الذي يوافق الإسلام كتاباً وسنةً. الآن نحن نستطيع أن نقول عن رابعة العدوية هل ماتت على صلاح أو

[1676] باب منه

كغيرها من الصوفيين كابن عربي؟ ما نستطيع أن نحكم على إنسان على أي شيء مات، الله يعلم به، ولا يترتب بالنسبة إلينا فائدة من القطع بأنه مات مؤمناً أو كافراً، وإنما المهم أن الكلمات التي تروى عن هذه أو تلك، أو عن هذا أو ذاك؛ أنها كلمات لا يجوز أن تكون إسلامية، وكفى، (لكي) المسلم يأخذ حذره ويبتعد عنها. "الهدى والنور" (19/ 15: 35: 00) [1676] باب منه سؤال: شيخنا عدم المؤاخذة عفواً: لماذا نعبد الله، هل نعبد الله طمعاً في الجنة وخوفاً من النار، أم هنالك شيء آخر، يعني: شيء فطرة الإنسان؟ الشيخ: يعني: أنت سؤالك يدندن حول ما يروى عن رابعة العدوية أنها كانت تقول في مناجاتها، أقول: يدندن ما تقصد؛ يدندن حول هذا، فيه فرق بين الذي تقصده وبين الذي يدندن حوله السؤال، «ما عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك، وإنما عبدتك لأنك تستحق العبادة»، الحقيقة أن هذه المسألة التي جاءت في هذه الكلمة التي تروى عن رابعة، ولا يهمني صح ذلك عنها أم لم يصح؛ لأني أنا أنظر إلى المقول ولا أنظر إلى من قال، هذه كلمة خلاف الطبيعة البشرية، وخلاف ما ظننت أنه الفطرة، يعني: الإنسان يعبد الله على خلاف مذهب رابعة إن صح صحة القول إليها، يعبد الله طمعاً رغباً ورهباً وهذا مما وصف الله به عباده بالقرآن الكريم، ولا يمكن لبشرٍ أن يتجرد عن الخوف من شيء عظيم رهيب مخيف لا يمكن إلا إذا أخرج عن طور البشرية، ونحن نتكلم عن البشر.

[1677] باب بطلان القول بأن النعيم والجحيم للروح دون الجسد

فانظر مثلاً: موسى كليم الله تبارك وتعالى، حينما جمعه الله مع سحرة فرعون، وإذا بالسحرة يأتون بسحرهم، فإذا سحرهم يأخذ بألباب الناس الحاضرين، ومنهم موسى الذي قال عنه رب العالمين في صريح القرآن الكريم: {فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى، قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} (طه:67، 68) فموسى خاف من سحر السحرة وهو باطل، لكن الخوف طبيعة الإنسان، ولذلك إذا كان الإنسان يخاف من سبع، من أسد، من ضبع، من سحر ساحر مثل ذلك، فكيف لا يخاف من عذاب رب العالمين، وكيف لا يطمع فيما عند الله من نعيم مقيم، لا يمكن للإنسان أن يتجرد من هذا الشيء إطلاقاً، فهو يعبد الله طمعاً في جنته ورهبة من ناره، ولذلك جاء وصف الرسول عليه السلام لنفسه حينما ذكر لهم شيئاً لا يحضرني الآن، قال قائل منهم: هذا رسول الله، هذه غير قصة أنس بن مالك والرهط، فقال عليه السلام: والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم لله، فإذاً: هو يخشى الله، فكيف هذا تصور إنسان يعبد الله ولا يخشاه، هذا مستحيل. "الهدى والنور" (261/ 32: 51: 00) [1677] باب بطلان القول بأن النعيم والجحيم للروح دون الجسد [قال الإمام]: ولهم [أي للقاديانية] عقائد ... كثيرة باطلة، خالفوا فيها إجماع الأمة يقينا منها: أن النعيم والجحيم للروح دون الجسد. "الصحيحة" (4/ 252).

[1678] باب نعيم الجنة لا يزول

[1678] باب نعيم الجنة لا يزول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل [قال الإمام]: وأما الزيادة المشهورة:"وكل نعيم لا محالة زائل"؛ فهي من حيث المعنى باطلة؛ فإن نعيم الجنة لا يزول، كما قال عثمان بن مظعون في قصة له مع لبيد ذكرها الحافظ في "الفتح"، ومن جهل بعضهم أنه ألحقها بالحديث، ودسها علي في كتابى "صحيح الجامع" (الطبعة الجديدة)، ولا أصل لها ألبتة في شيء من طرق الحديث. "مختصر صحيح البخاري" (2/ 532 - 533). [1679] باب عدد ما للرجل من نساء في الجنة [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إنَّ الرَّجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة لَيُزَوَّج خَمْسمِائَةِ حَوْرَاء، وأَرْبَعَة آلَاف بِكْر، وَثَمَانِيَة آلَاف ثَيِّب، يعُانِقَ كلَّ واحدةٍ مِنْهُنَّ مِقْدارَ عُمُرِهِ في الدنيا». (منكر). [قال الإمام]: واعلم أن الأحاديث التي وردت في تحديد عدد ما للرجل من النساء في الجنة مختلفة جدًّا، والثابت منها حديث أبي هريرة في "الصحيحين" بلفظ:

[1680] باب في كشف ربنا تعالى الحجاب لأهل الجنة لرؤيته

"أول زمرة تدخل الجنة ... " ... وفيه: "لكل واحد منهم زوجتان "، وهو مخرج في "الصحيحة" (2868). وحديث المقدام: "للشهيد عند الله سبع خصال ... " فذكرها، وفيه "ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين"، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص35 - 36)، وهو كما ترى خاص بالشهيد، وبقية الأحاديث لا تخلو من ضعف، وبخاصة حديث الترجمة، وقد أفاد الحافظ أن العدد الذي فيه هو أكثر ما وقف عليه. "الضعيفة" (13/ 1/232، 234 - 235). [1680] باب في كشف ربنا تعالى الحجاب لأهل الجنة لرؤيته عن صُهيب - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُريدُونَ شَيئاً أَزيدُكُمْ؟ فَيقُولُونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ ألَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَى رَبِّهِمْ». رواه مسلم. [قال الإمام معلقًا على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيكشف الحجاب]: أي يكشف الله تبارك وتعالى الحجاب، وهو حجاب منه للعباد أن يروه، فيرفعه عنهم فيروه جل جلاله، نسأله تعالى أن يتفضل علينا بالنظر إلى وجهه الكريم. "تحقيق رياض الصالحين" (ص646).

[1681] باب هل عرش الرحمن فوق الماء أو فوق الجنة؟

[1681] باب هل عرش الرحمن فوق الماء أو فوق الجنة؟ السؤال: حديث: «إذا سألتم الله فسألوه الفردوس فهي أوسط الجنة وهو أعلى الجنة وفوقه العرش ومنه تفجر أنهار الجنة» وقول الله سبحانه وتعالى في سورة هود: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (هود:7)، فالفهم لهذا الحديث؛ لأنه يذكر الحديث أن أعلى الجنة العرش، والآية تذكر أن عرش الله سبحانه وتعالى فوق الماء؟ الجواب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (هود:7)، هذا لا ينافي هذا أولاً؛ لأنه كون العرش أعظم مخلوقات الله عز وجل، فما ينفي أن يكون بهذه العظمة ... وهو فوق الجنة، ومشكلة هذا السؤال وغيره من الأسئلة أن بعض المسلمين اليوم يحاولون أن يكيفوا الأخبار الغيبية تكييفاً مادياً ملموساً، وهذا خطأ جداً؛ لأن الأمور الغيبية لا يجوز التوسع فيها وإنما يجب الوقوف عند حروفها وعدم التزايد عليها، أما محاولة التعمق في فهم الكيفيات هذه الغيبية عندنا كهذه المسألة، فالعرش كان على الماء، ثم العرش هو سقف الجنة، نحن نحاول الآن أن نتكيف أن العرش حجمه صغير أولاً، ثم نحاول أن نتكيف أن الأمر كما كان من قبل، أي: كان عرش الرحمن على الماء، ... وهو كذلك، لكن هذا أولاً لا يستلزم المنافاة التي أشرت إلى نفيها آنفاً. وثانياً وأخيراً أقول: يمكن أن يكون الأمر "كان" كما قال في القرآن "كان" ثم بعد ذلك ربنا عز وجل كما قال: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} (الرحمن:29)، فمن شأنه عز وجل أن يخلق وأن يحيي وأن يميت ويتصرف في خلقه كما يشاء، فإذاً: ليس هناك من الضروري أن نجمع أولاً أن عرشه على الماء، وعرشه أيضاً فوق الجنة في آن واحد، ممكن أن يكون كذلك وقد سبق الجواب عنه، ويمكن أن يكون طرأ

[1682] باب من سعة الجنة

على هذا الماء خلق جديد بحيث أنه صار العرش كله سقف الجنة. هذا ما نقوله إجمالاً, والتفصيل لا يجوز الدخول في الغيبيات. "الهدى والنور" (590/ 00:35:38) [1682] باب من سعة الجنة [قال الإمام]: «إن ما بين مصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (4/ 273). [1683] باب ما في الدنيا من أنهار الجنة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة». [وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «فجرت أربعة أنهار من الجنة: الفرات والنيل والسيحان وجيحان». [وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل ما هذان؟ قال: أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات». [ترجم لها الإمام بما ترجمناها به]. "الصحيحة" (1/ 1/227 - 228).

[1684] باب ذكر أنهار الجنة

[1684] باب ذكر أنهار الجنة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل ما هذان؟ قال: أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات». [قال الإمام]: لعل المراد من كون هذه الأنهار من الجنة أن أصلها منها كما أن أصل الإنسان من الجنة، فلا ينافي الحديث ما هو معلوم مشاهد من أن هذه الأنهار تنبع من منابعها المعروفة في الأرض، فإن لم يكن هذا هو المعنى أو ما يشبهه، فالحديث من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها، والتسليم للمخبر عنها {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}. "الصحيحة (1/ 1/228 - 229). [1685] باب ذكر الكوثر [ذكر العز ابن عبد السلام في "بداية السول" من خصائص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الكوثر الذي أعطيه في الجنة، والحوض الذي أعطيه في الموقف». [فقال الإمام معلقًا]: أما الكوثر فهو مذكور في قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر}، وقد صح عن ابن عباس أنه فسر الكوثر بالخير الكثير الذي أعطاه الله. ولا ينافيه قول عائشة:

[1686] باب الكوثر يجري على وجه الأرض

" هو نهر أعطيه نبيكم - صلى الله عليه وآله وسلم - شاطئاه عليه در مجوف، آنيته كعدد نجوم السماء ". أخرجهما البخاري، أقول: لا ينافيه لأن هذا النهر هو من الخير الكثير الذي أعطاه الله نبينا محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم -، والأحاديث فيه كثيرة في البخاري ومسلم وغيرهما منها حديث أنس قال: «لما عرج بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى السماء قال: أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر». أخرجه البخاري (8/ 562 - فتح) وانظر «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» لابن القيم (1/ 283 - 287). "تحقيق بداية السول" (ص 54 - 55). [1686] باب الكوثر يجري على وجه الأرض [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أعطيت الكوثر، فإذا هو نهر يجري [كذا على وجه الأرض] ولم يشق شقًّا، فإذا حافتاه قباب اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى تربته، فإذا هو مسكة ذفرة، وإذا حصاه اللؤلؤ». [ترجمه الإمام بما ترجمناه به ثم قال]: وفيما تقدم دليل على بطلان ما أخرج ابن مردويه في "الدر المنثور" (6/ 402) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنا أعطيناك الكوثر} قال: "نهر في الجنة عمقه [في الأرض] سبعون ألف فرسخ ". وعزاه المنذري (4/ 254 - 255) لابن أبي الدنيا وعنده الزيادة، وأشار إلى تضعيفه، بل هو عندي منكر لمخالفته لحديث أنس هذا. والله أعلم. "الصحيحة" (6/ 1/47 - 48).

[1687] باب هل يسمع خرير الكوثر بوضع المرء أصبعيه في أذنيه

[1687] باب هل يُسمع خرير الكوثر بوضع المرء أُصبعيه في أذنيه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: - «من أحب أن يسمع خَريرَ (الكوثِر) فلْيجعلْ أُصبعيه في أذنَيه». (منكر). [قال الإمام]: وإن مما يؤكد نكارة هذا الحديث بل بطلانه أنه تواترت الأحاديث عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في وصف الكوثر، وليس في شيء منها هذا المذكور هنا؛ فانظرها إن شئت في "ابن كثير" و"فتح الباري/التفسير، والرقائق"، وبعضها في"صحيح الجامع": "الكوثر نهر في الجنة"، "هل تدرون ما الكوثر؟ هو نهر أعطانيه ربي في الجنة ... ". "الضعيفة" (14/ 3/1085، 1087). [1688] باب ذكر شجرة «طوبا» في الجنة سؤال: «طوبا» شجرة في الجنة؟ أنا أعرف تتمة الحديث: «تخرج ثياب أهل الجنة من أكمامها» (¬1)، أما ذاك حديث آخر: «أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها» وفي رواية: «مائة عام لا يقطعها» (¬2) فما أدري! ذكرتم طوبا شجرة في الجنة يسير الراكب ... إلى آخره، فما أدري إن كان هنالك تداخل بين الروايتين أم هناك رواية مستقلة؟ ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم3918). (¬2) "صحيح البخاري" (رقم4599) و"صحيح البخاري" (رقم7317).

الشيخ: كيف يعني! أنا لم أفهم سؤالك؟ ما هو الذي متداخل؟ مداخلة: الحديث: «طوبا شجرة في الجنة تخرج ثبات أهل الجنة من أكمامها» سمعت منكم تقولون: طوبا شجرة في الجنة يسير الراكب حولها مائة عام ما يقطعها بهذا المعنى، فهذا أحفظه من حديث آخر مستقل عن ذاك. الشيخ: وهو كذلك. مداخلة: نعم. الشيخ: هو كذلك، لكن ما هو الإشكال؟ مداخلة: الإشكال: أن طوبا شجرة في الجنة تتمة الحديث: «تخرج ثياب أهل الجنة من أكمامها». الشيخ: نعم، لكن أنت بارك الله فيك تقول: من جهة تعترف أن هذا حديث آخر، فإذا كان حديثاً آخر فلا إشكال، بمعنى: هل لا يمكن أن يقال: بأن طوبا من الضخامة والسعة بحيث أنه يسير الراكب المجد تحتها مائة عام لا يقطعها وأن هذه الشجرة يخرج منها ثياب أهل الجنة أهناك منافاة؟ مداخلة: لا منافاة. الشيخ: إذاً: أنا أفهم أن سؤالك ليس هذا الذي طرحته، كأن سؤالك تريد أن تقول: هل هناك حديث آخر غير حديث الأكمام المفسر لشجرة طوبا؟ الجواب بداهةً: نعم. واضح؟ مداخلة: واضح. "الهدى والنور" (332/ 06: 51: 00)

[1689] باب هل في الأرض من الجنة شئ غير الحجر الأسود؟

[1689] باب هل في الأرض من الجنة شئ غير الحجر الأسود؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ليسَ في الأرضِ منَ الجنةِ إلا ثلاثةُ أشياء: غرْسُ العجوة، وأواقٍ تنزلُ في الفراتِ كلَّ يومٍ من بركةِ الجنةِ والحَجَرُ». [قال الإمام]: ثم إنه يبدو أن بين هذا الحديث، وبين (حديث) [الحجرالأسود] ... [الذي] بلفظ:" «[لولا ما مسه من أنجاس الجاهلية؛ ما مسه ذو عاهة إلا شُفي]، وما على الأرض من شيء من الجنة غيره»: تعارضاً! فكيف التوفيق؟ فأقول: ... لعل المراد بقوله: "غيره " أي: من الحجارة؛ فقوله: "شيء" مخصوص بها. والله أعلم. "الصحيحة" (7/ 1/302،305) و (7/ 2/1073،1072). [1690] باب هل الريحان من الجنة؟ [روي عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة». [قال الإمام]: حديث ضعيف أخرجه الترمذي (4/ 18) من طريق جنان عن طريق أبي عثمان النهدي مرسلاً, وهذا مع إرساله فيه جهالة جنان هذا ولم يوثقه غير ابن حبان, ولو صح الحديث لكان اللائق حمله على ظاهره وهو أن الريحان أصله من الجنة، ولا يلزم منه أن ما نقطفه منه من الحقول هو في الجنة أيضاً ... , ألا ترى أنه إذا قال إنسان لماء في كأس: هذا من السماء لكان صادقاً وكان قصده معروفاً؟

[1691] باب من سعة الجنة وفضل الله فيها

فليتأمل, ونحو هذا يقال فيما صح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أن أربعة أنهار من الجنة»؛ أي أصلها من الجنة, لا أنها تنبع الآن منها. "فقه السيرة" (ص119). [1691] باب من سعة الجنة وفضل الله فيها [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يدخل أهل الجنة الجنة، فيبقى منها ما شاء الله عز وجل، فينشئ الله تعالى لها ـ يعني خلقا ـ حتى يملأها». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (6/ 1/92). [1692] باب خيمة المؤمن في الجنة [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضاً» ... [قال الإمام]: [وفي رواية]:"عرضها ستون ميلا". ولعل الجمع بين الروايتين؛ أن يقال بصحة كل منهما، ويكون المعنى بأن طول الخيمة مساوٍ لعرضها؛ فإن صح هذا فبها ونعمت، وإلا؛ فرواية الطول أرجح ... والله أعلم. "الصحيحة" (7/ 3/1494 - 1495).

[1693] باب تفسير قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن ربك يعجب من أقوام يجرون إلى الجنة بالسلاسل»

[1693] باب تفسير قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن ربك يعجب من أقوام يجرون إلى الجنة بالسلاسل» سؤال: تفسير حديث أن هناك أناساً يدخلون الجنة بالسلاسل (¬1)؟ الشيخ: تفسير ما وقع في العصور الأولى من مجيء المسلمين بكثير من الأسرى الكافرين إلى بلاد المسلمين وهم مغللون بالأصفاد عبيداً أرقاء، فبعد أن يسترقوا، وبسبب هذا الاسترقاق؛ خدمتهم لأسيادهم وبمن يلوذ بهم عرفهم بشيء من أخلاق المسلمين وعقائدهم كان خافياً عليهم، ووجدوا أن ما عرفوه من أخلاقهم وحسن معاملاتهم لأرقائهم وعبيدهم خلاف ما يعرفونه هم في بلادهم من سوء معاملة الأسياد للأرقاء والعبيد. فهذه المعاملة الحسنة فتحت قلوبهم للإسلام ودخلوا فيه أفواجاً، وصار الكثير منهم بسبب النظام الإسلامي الرائع الذي تفرد يومئذ بتشريع ما يعرف في كتب الحديث والفقه بالمكاتبة فضلاً عن فك الرقاب المنصوص عليه في القرآن، والذي حث عليه الإسلام بأساليب شتى مما كان لا يعرفه الكفار الذين هم الذين ابتدعوا بدعة الاسترقاق للناس الذين هم أمثالهم كما قال عمر في كلمته المشهورة: «متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، فوجدوا في الإسلام طرقاً كثيرة لتخليص أنفسهم من ذل الاستعباد والاسترقاق. بعض هذه السبل يعود إلى السيد الذي إما أن يحسن إلى رقيقه، وإلى عبده، فيعتقه لوجه الله تبارك وتعالى، وإما أن يعتقه كفارةً لذنب له شرع الله التكفير لهذا ¬

(¬1) صحيح البخاري (رقم2848).

الذنب أنه لا بد من عتق رقبة، إما وإما .. ، أخيراً تأتي تلك المكاتبة والمكاتبة هي أن يتفق السيد مع العبد أو مع عبد من عبيده أن يصبح حراً إذا ما قدم إلى سيده مَبْلَغاً يتفقان عليه، فإذا ما قدم آخر قسطٍ عليه يصبح حراً، ففتح الإسلام لهؤلاء العبيد أن يكسبوا حريتهم ويفكوا عنهم الرق، فبتلك المعاشرة الحسنة التي ألمحنا إليها آنفاً والتي كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يحض عليها في أحاديث كثيرة كمثل قوله عليه السلام: «إخوانكم خولكم». كأنه سقط من ذهني عبارة: «فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون» (¬1) .. أو هكذا، فوجدوا في الشرع الإسلامي ما جذبهم جذباً إلى الدخول في الإسلام بمحض اختيارهم، ولذلك كان منهم من كبار العلماء والفقهاء، وحسبكم أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله الذي هو أول الأئمة الأربعة المتبعين .. ، أبوه من هؤلاء الأرقاء، فضلاً عن مثل طاووس وأمثاله من كبار المحدثين، فهؤلاء يعجب ربك من أقوام يجرون إلى الجنة في السلاسل أي: أنهم جيء بهم كما قلنا مغللين أسرى، فلما خالطوا المسلمين وتبين لهم الإسلام الحق آمنوا، فدخلوا الجنة بسبب إيمانهم، هذا معنى الحديث إن ربك ليعجب من أقوام يجرون إلى الجنة في السلاسل، أي: إلى الإسلام الذي يأخذ بهم إلى الجنة، وقد جيء بهم من قبل بالسلاسل، وهذه حقيقة يشهد بها التاريخ الصحيح، فكم وكم من مولى من الموالي، أي: من هؤلاء العبيد، الذين أعتقهم أسيادهم أو عتقوا أنفسهم بالمكاتبة، كم وكم من هؤلاء أصبحوا من كبار العلماء الذين نحن الآن نستفيد العلم منهم، وهم كانوا أسرى جيء بهم مغللين. "الهدى والنور" (250/ 15: 02: 00) ¬

(¬1) صحيح الجامع (رقم905).

[1694] باب منه

[1694] باب منه [قال الإمام مبيناً أهمية التجمع والتقارب في المجالس]: حينما يكون الجمع جمعاً كثيراً مباركاً ويكونون متفرقين ومبتعدين عن مجلس الشيخ المزعوم أنه شيخ قد يكون حقاً وقد يكون كذباً، فأنا أقول بهذه المناسبة أن هذا التفرق وهذا التوسيع لدائرة الحلقة خلاف السنة، أما من حيث التفرق فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل المسجد يوماً فرآهم متفرقين فقال لهم: «مالي أراكم عزين» (¬1) بالعين والزاي أي متفرقين، وقد وصل اهتمام الرسول عليه السلام بالنهي عن التفرق في المكان وعن ابتعاد الناس بعضهم عن بعض إلى درجة أنه نهاهم عن ذلك حتى في الصحراء، حتى في السفر فقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد قوي عن أبي ثعلبة الخشني قال: كنا إذا سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نزلنا في الوديان والشعاب فقال لنا يوماً: «إنما تفرقكم هذا في الوديان والشعاب من عمل الشيطان» (¬2) قال أبو ثعلبة: «فكنا بعد ذلك إذا نزلنا في مكان اجتمعنا، أي انضم بعضنا إلى بعض حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا»، ولذلك التقارب في الجلوس وعدم ابتعاد الناس بعضهم عن بعض وهو اقتراب من الجنة بسبب تعاطي الأسباب التي تؤدي إلى الجنة، أنا أقتبس هذا من مثل قوله عليه السلام: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة» (¬3) ومن قوله عليه السلام وهو حديث عجيب قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل». ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم996). (¬2) "صحيح الجامع" (رقم2352). (¬3) "صحيح الجامع" (رقم6297).

يقول أهل العلم: يعني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الحديث الأسرى الذين يقعون في أيدي المسلمين فيجرونهم مغللين في السلاسل إلى بلاد الإسلام، وهناك يوزعون حسب التقسيم الشرعي للمكاسب والغنائم على الغانمين، فيدخلون بيوت المسلمين وهم بعد أن كانوا مغللين يصبحون شبه أحرار، أقول شبه؛ لأنهم في الواقع من حيث حرية العمل حتى بقاء أحدهم على دينه الباطل كانوا أحراراً، لكنهم لا يزالون أرقاء، إلا أن الله عز وجل بما أوحى إلى نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأحكام التي وجهها إلى أتباعه عليه السلام من العناية والوصاية الطيبة بالأسرى وبالعبيد صار هؤلاء العبيد كأنهم أحرار، وحسبكم في هذا الصدد دلالة قوله عليه السلام: «أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون» إلى آخر الحديث الذي لا أذكره الآن بتمامه، الشاهد أن هؤلاء الأسرى دخلوا حياة جديدة غير الحياة التي كانوا يحيونها وهم أحراراً دخلوا حياة جديدة وهم عبيد، ولكنهم في حياتهم خير مما كانوا عليه وهم كانوا أحراراً، ذلك لأنهم تداخلوا مع المسلمين في بيوتهم، في أسواقهم، في مساجدهم .. فعرفوهم وعرفوا أخلاقهم، وعرفوا تأثير دينهم في تربيتهم عن كثب وعن قرب، فتجلى لهم عملياً ما هو دين الحق فآمنوا غير مكرهين، وآمنوا بقلوبهم بوازع من شخصهم وليس كأولئك الذين يؤمنون رغم أنوفهم إما خلاصاً من القتل إذا ما وقفوا أمام الدعوة الإسلامية، أو خلاصاً من دفع الجزية عن يد وهم صاغرون .. أما هؤلاء قد أسلموا طواعية وبإخلاص من قلوبهم ودخلوا في الإسلام ولا شك أن من دخل في الإسلام دخل الجنة بسلام إلى هذه الحقيقة -التي لو أراد الإنسان أن يشرحها شرحاً مبسطاً موسعاً لكان من ذلك كتاب-، إلى هذه الحقيقة أشار عليه السلام في الحديث السابق: «إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل» فإذاً الأسباب التي تكون مشروعة فهي

[1695] باب منه

تؤدي إلى الجنة، ومن هذه الأسباب طلب العلم ومن وسائل طلب العلم هو طلبه مع الجماعة، وهذه الجماعة ينبغي عليهم حسب ما عرفتم أن يكونوا متقاربين في أبدانهم كما يجب عليهم أن يكونوا متقاربين متوادين متحابين في قلوبهم. " الهدى والنور" (213/ 00:00:34) [1695] باب منه يقول الرسول عليه السلام في الحديث الصحيح: «إن ربك ليعجب من أقوام يجرون إلى الجنة في السلاسل» من هم؟ [هم] أسرى من الكفار يصبحون أرقاء ويوزعون على المسلمين الذين انتصروا عليهم فيصبح خادماً رقيقاً في بيت المسلم، لكن هذا الرق يعود عليه بالسعادة في الدنيا قبل الآخرة، لأنه يصبح مسلماً عارفاً بالله وبرسوله فيسعد السعادة التي كان يشقاها من قبل كما يشهد بذلك قوله تعالى أولاً ثم واقع الكفار اليوم ثانياً: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (طه:126). فالغالب اليوم. نعم. الغالب اليوم يعيش هذه الحياة الضنكا، وهكذا طبيعة الكفار في كل زمان وفي كل مكان، فحينما ينتقل الرقيق بطريق لا يعجبه بطبيعة الحال مأسور مغلل في الأصفاد ينتقل إلى بلاد الإسلام ويعيش رقيقاً خادماً رغم أنفه لا يأخذ أجراً، وإن حصل هو أجراً بمهنة له فهذا الأجر يعود إلى سيده، لكن مع ذلك والتاريخ يشهد أن من كبار علماء المسلمين من كان أصله رقيقاً فصاروا من العلماء، من الصالحين الأتقياء، نحن الأحرار نأخذ علمنا عن أولئك العبيد لكن هم في الحقيقة هم الأحرار. "الهدى والنور" (219/ 24: 43: 00)

[1696] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الكاسيات العاريات: «لا يدخلن الجنة .... »

[1696] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الكاسيات العاريات: «لا يدخلن الجنة .... » سؤال: حديث لا يدخلن الجنة ... الشيخ: .. هذا له عدة تآويل، .. لا يدخلن الجنة إذا استحللن ذلك في قلوبهن، [أما إذا لم يستحللن ذلك] ... فيدخلن الجنة بعد َلأْيٍ ليس مع السابقين الأولين. "الهدى والنور" (19/ 29: 26: 00) [1697] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يدخل الجنة ... ولد زنية» [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لا يدخل الجنة عاق, ولا منان, ولا مدمن خمر, ولا ولد زنية». [قال الإمام]: وقوله: «لا يدخل الجنة ولد زنية»، ليس على ظاهره بل المراد به من تحقق بالزنا حتى صار غالباً عليه، فاستحق بذلك أن يكون منسوباً إليه، فيقال: هو ابن له، كما ينسب المتحققون بالدنيا إليها، فيقال لهم: بنو الدنيا بعلمهم وتحققهم بها، وكما قيل للمسافر ابن السبيل، فمثل ذلك ولد زنية وابن زنية، قيل لمن تحقق بالزنا، حتى صار تحققه منسوباً إليه، وصار الزنا غالباً عليه، فهو المراد بقوله «لا يدخل الجنة» ولم يرد به المولود من الزنا ولم يكن هو من ذوي الزنا .... وهذا المعنى استفدته من كلام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله وشرحه لهذا الحديث. والله أعلم. "الصحيحة" (2/ 280،283).

[1698] باب هل يحول الدين بين الشهيد ودخوله الجنة؟

[1698] باب هل يحول الدَّين بين الشهيد ودخوله الجنة؟ السؤال: المقاتل أو المجاهد في سبيل الله، قبل أخونا الشيخ رفيق الله يجزيه خير والحاضرين يتعلم الفقه ويصير عنده حلقات العلم كنا نجهل أنه المجاهد في سبيل الله يقف على باب الجنة لسبب عدم سداده الدين، هذه لم نكن نعرفها، الآن من فضل الله علينا صرنا نعرفها، بالنسبة للمجاهد إذا أقام كل الأوامر التي صدرت من الله سبحانه وتعالى: الصلاة الصوم الحج الزكاة كله، (بقيت مسألة) الدين، يا هل ترى لو صارت ظروف الجهاد تيسرت للمسلمين وجاهد في سبيل الله، هنا فعلاً هذا الدين يمنعه من دخول الجنة؟ الشيخ: لا، ليس هناك حديث يقول: إن هذا الشهيد المدين لا يدخل الجنة، وإنما الحديث يقول: يغفر للشهيد كل ذنب له إلا الدين (¬1). تغفر ذنوبه كلها إلا الدين، لكن كونه يدخل الجنة أو لا يدخل الجنة هذه قضية أخرى، يعني: نحن لا نقدر نقول عن غير الشهيد إنه إذا كان مات مديناً لا يدخل الجنة، عن غير الشهيد، فما بالك بالشهيد، لكننا نقول: إنه موت الشهيد وعليه دين يمنع أن يغفر عنه هذا الذنب فقط وهو الدين، بينما الذنوب الأخرى تغفر له. "الهدى والنور" (141/ 25: 35: 00) [1699] باب هل هناك تكليف في الجنة سؤال: صلاة المؤمنين في قبورهم صح الحديث عن ابن ماجه فهل هذا من تكليف المؤمنين في القبور؟ الشيخ: هل يوجد تكليف في الجنة؟ ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم4991).

[1700] باب حال حديث حول الجنة

مداخلة: لا يوجد. الشيخ: في تسبيح في الجنة، فيه حمد في تسبيح في الجنة، مداخلة: نعم. الشيخ: هذه مثل هذه .. ، ليس تكليف، هذا شكر لله عز وجل. مداخلة: ولكن لا نعرف كيفية هذه الصلاة. الشيخ: كل أمور الغيب لا تعرف. مداخلة: فيه فرق بينهم وبين صلاة الأنبياء أم لا نعلم؟ الشيخ: لا نعلم، هل علمت صلاة الأنبياء؟ لا، تلك بأولى. " الهدى والنور" (56/ 12: 41: 00) [1700] باب حال حديث حول الجنة مداخلة: في حديث ما أدري ما صحته «لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب باب يدخل عليه منه زواره من الملائكة وباب يدخل عليه منه أزواجه من الحور العين، وباب مقفل فيما بينه وبين أهل النار لتعظم النعمة عليه، وباب فيما بينه وبين دار السلام يدخل منه على ربه إذا شاء» (¬1)؟ الشيخ: هذا لا أعرفه، ولا مر علي حتى ولا في الموضوعات. "الهدى والنور" (324/ 48: 47: 00) ¬

(¬1) أخرجه أبو نعيم في "صفة الجنة" (رقم169).

جماع أبواب ذكر النار أعاذنا الله منها

جماع أبواب ذكر النار أعاذنا الله منها

(العذاب في الدنيا)

(العذاب في الدنيا) [1701] باب مسخ بعض اليهود قردة وخنازير كان حقيقيّاً بدنيّاً [قال الإمام]: ذهب بعض المفسرين في العصر الحاضر إلى أن مسخ بعض اليهود قردة وخنازير لم يكن مسخا حقيقيًّا بدنيًّا، وإنما كان مسخاً خلقيّاً! وهذا خلاف ظاهر الآيات والأحاديث الواردة فيهم، فلا تلتفت إلى قولهم فإنهم لا حجة لهم فيه إلا الاستبعاد العقلي، المشعر بضعف الإيمان بالغيب. نسأل الله السلامة. "الصحيحة" (1/ 1/194). [1702] باب الرد على من أنكر المسخ سؤال: ذهب قوم إلى تأويل [أحاديث المسخ] ... قالوا: الخنزير معروفٌ بالدياثة، والقرد بالتقليد، فذهبوا إلى أن الأمة تصبح لا تغار على عرضها وتحاكي الأجنبي، فهل هذا التأويل له مسوغ؟ الشيخ: لا مسوغ لمثل هذا التأويل إلا باستبعاد العقل، ولا يجوز لغة فضلاً عن الشرع إخراج أي كلام عن دلالته الظاهرة إلا إذا كانت هذه الدلالة غير ممكن وقوعها، هذه قاعدة معروفة عند علماء اللغة والشرع معاً: أنه لا يجوز تأويل الكلام إلا عند تعذر حقيقة هذا الكلام، والمسخ المذكور في هذا الحديث وفي أحاديث أخرى له مثال سابق صرح به ربنا عز وجل في القرآن الكريم ذلك هو

[1703] باب ما مسخ انقرض

المسخ المتعلق بطائفة من اليهود حيث قال عز وجل: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (البقرة:65)، وقد صرح الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الأحاديث بما يؤيد أن المسخ الذي وقع في اليهود والذي ذكر في القرآن صراحةً في غير ما آية هو مسخ حقيقي ولذلك لم يتناسل، فقال عليه الصلاة والسلام: «لم يمسخ الله قوماً فجعل لهم نسلاً» وقد كانت القردة الخنازير قبل ذلك، وفي حديث آخر: «أن الله عز وجل إذا مسخ قوماً أهلكهم بعد ثلاثة أيام فلا يبقى لهم نسل»، فتأويل أحاديث المسخ على أنه مجازي وليس بحقيقي لا مبرر له لا لغةً ولا شرعاً، وإنما هي على ظاهرها. "الهدى والنور" (16/ 55: 34: 00) [1703] باب ما مُسخ انقرض [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الحيات مسخ الجن، كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل». [ترجم له الإمام بقوله: «ما مسخ انقرض» ثم قال:] اعلم أن الحديث لا يعني أن الحيات الموجودة الآن هي من الجن الممسوخ، وإنما يعني أن الجن وقع فيهم مسخ إلى الحيات، كما وقع في اليهود مسخهم قردة وخنازير، ولكنهم لم ينسلوا كما في الحديث الصحيح: " إن الله لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقباً، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك " الصحيحة" (4/ 439 - 440)

[1704] باب منه

[1704] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «فُقِدَتْ أُمَّةٌ من بني إسرائيل؛ لا يُدرَى ما فَعَلَتْ؟! وإنّي لا أُراها إلا الفَأْرَ؛ [أَلا تَرَوْنَها] إذا وضعَ لها ألبانُ الإبِلِ لم تَشرب، وإذا وُضعَ لها ألبانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ؟!». [قال الإمام]: (فائدة): من الظاهر أن هذا الحديث كان رأياً منه - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل أن يُعْلِمَه الله تعالى أنه لم يجعل لمسخ نسلاً؛ كما تقدم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ: «إن الله لم يمسخ شيئاً فيدع له نسلاً أو عاقبة .. » الحديث. وقد سبق تخريجه تحت الحديث (2264). وبهذا جمع بين الحديثين الطحاوي وغيره من العلماء. "الصحيحة" (7/ 1/189 - 190). [1705] باب هل الريح خاصة بالعذاب والرياح بالرحمة؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما أمرت به». [قال الإمام]: وفي الحديث دلالة واضحة على أن الريح قد تأتي بالرحمة، وقد تأتي

بالعذاب، وأنه لا فرق بينهما إلا بالرحمة والعذاب، وأنها ريح واحدة لا رياح، فما جاء في حديث الطبراني عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا ". فهو باطل، وقال الطحاوي: " لا أصل له ". وقد صح عن ابن عباس خلافه، كما بينته تحت حديث الطبراني المخرج في الكتاب الآخر: " الضعيفة " (5600). "الصحيحة" (6/ 1/598، 601 - 602).

(عذاب الآخرة)

(عذاب الآخرة) [1706] باب هل يجوز الدعاء [بقولنا] يارب إن كنت تريد أن تعذبني في الآخرة فعذبني في الدنيا ولا تعذبني في الآخرة؟ مداخلة: ... هل يجوز الدعاء [بقولنا] يا رب إن كنت تريد أن تعذبني في الآخرة فعذبني في الدنيا ولا تعذبني في الآخرة؟ الشيخ: لا ما يجوز، قد جاء حديث في هذا الصدد في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال نحو هذه الكلمة، فقال له ما معناه: أنه لا يستطيع الإنسان على عذاب الآخرة هلا قلت كما قال تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (البقرة:201) فلا يجوز ذلك. "فتاوى جدة-الأثر-" (3/ 01:03:49) [1707] باب هل نار جهنم في الأرض؟ سؤال: من قال من العلماء أن نار جهنم موجودة في هذه الأرض التي نعيش عليها، وجعلها من متعلقات الإيمان، لأن ظواهر النصوص القرآنية والحديثية تدل على ذلك، كقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} (المطففين:7)، وقوله تعالى: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} (الأعراف:40)، وقوله عليه الصلاة والسلام: «اكتبوا كتاب عبدي في سجين وأعيدوه إلى الأرض السفلى» (¬1)؟ ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم1676) ولفظه: «اكتبا كتابه في سجين في الأرض السفلى».

الشيخ: أنا فهمت السؤال، لكن ما الآية التي قرأتها أخيراً التي يستدلون بها على أن جهنم في الأرض؟ السائل: ذكروا آيتين: قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} (المطففين:7)، وقوله: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} (الأعراف:40) والحديث؟ الشيخ: والحديث ما هو؟ السائل: وقوله عليه الصلاة والسلام: «اكتبوا كتاب عبدي في سجين وأعيدوه إلى الأرض السفلى». الشيخ: أعيدوه إلى الأرض السفلى يعني: جهنم؟ السائل: إلى الأرض السفلى المقصود بها يعني: هذه الأرض، أرض الدنيا. الشيخ: ما أجبتني. السائل: إلى جهنم نعم. الشيخ: يعني الروح تعاد بها إلى جهنم؟ السائل: نعم، يستدلون بها على .. الشيخ: ... خذ وأعط معي بارك الله فيك، أنا فهمت الاستدلال، الحديث نصه مرة أخرى؟ السائل: «اكتبوا كتاب عبدي في سجين وأعيدوه إلى الأرض السفلى». الشيخ: عبدي من المقصود به؟ هو من كان في قيد الحياة ثم مات، أم ما المقصود به؟

السائل: ما فيه شك أنه بعد الموت. الشيخ: يعني: أنه مات ودفن، أليس هذا هو المقصود؟ السائل: بلى. الشيخ: فالمسلم إذا مات وكان من أهل الاستقامة فهل هو في الجنة، وإذا كان فاسقاً أو كافراً هل هو في النار؟ أم هو يعذب في القبر بما يأتيه من لهيبها ودخانها ونارها؟ .. فإذاً: الحديث ليس له علاقة بجهنم التي سيصير إليها الفساق أو الكفار. السائل: والآية يا شيخ. الشيخ: معليش، انتهينا من الحديث؟ السائل: نعم. الشيخ: الآية، ما في الآية مما يحتجون به إطلاقاً، إلا لو كانت الآية مفسرة في السنة، وقد حاولوا أن يفسروها بهذا الحديث، وهذا الحديث لا يتعرض لكون جهنم في الأرض السفلى، لأنه هو يتحدث عن روح الأشقياء، فالآيات أو الآيتين التين ذكرتهما ليس فيهما أي إشعار أبداً أن جهنم هي في الأرض ولو أنها الأرض السابعة. ثم نحن لابد أن نستحضر بعض النصوص التي تقول: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (إبراهيم:48) فهذه الأرض التي ذكرت في هذا الحديث مهما أرادوا بها فهي ستتبدل، فإذاً: كيف يستدل بذلك على أنها مقر جهنم؟ ثم أن الأرضين السبع التي جاء ذكرها في الأحاديث الصحيحة فهي كما قال: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} (الطلاق:12) يعني: بعضها فوق

[1708] باب شرح حديث: «لن تمسه النار إلا تحلة القسم» والكلام على سماع الموتى

بعض، فهي في اعتقادي ذرة من جهنم {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} (ق:30) الأرض في الحدود المعروفة اليوم جغرافياً والمعروف بالنسبة للسنة أو الشريعة أنها طبقات بعضها فوق بعض نظرياً لا يمكن أن تكون هي مقر جهنم، فإذا أضفنا هذه إلى الحقيقة السابقة: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} (إبراهيم:48) لا يمكن أن تكون الأرض هي مقر جهنم، ولذلك نخرج بنتيجة وهي: أنه ليس فقط لا يجب في اعتقاد هذه العقيدة، بل لا يجوز اعتقادها؛ لأنها غير قائمة على دليل شرعي ملزم، ولو بحديث صحيح آحادي .. " الهدى والنور" (300/ 32: 00: 00) [1708] باب شرح حديث: «لن تمسه النار إلا تحلة القسم» والكلام على سماع الموتى [قال الإمام]: يسأل سائل هنا عن معنى قوله عليه السلام في الحديث السابق: «لن تمسه النار إلا تحلة القسم» هذا الحديث يشير إلى قوله تبارك وتعالى في الآية الكريمة: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} (مريم:71) إلا واردها .. وإن منكم: قسم من الله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (مريم:71) اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في معنى الورود المقصود في هذا الحديث على ثلاثة أقوال: الورود بطرف النار، كما يقال: أورد الإبل الحوض، والمعنى الثاني: المرور على الصراط، من فوق النار، والمعنى الثالث وهو لا ينافي الثاني: الدخول في النار؛ لأن المرور في الصراط هو دخول في النار، فقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (مريم:71) أي: داخلها، لا فرق بين مؤمن وكافر، كلهم جميعًا من الإنس

والجن لا بد لهم من هذا الدخول، لكن بعد أن يتحقق هذا القسم الإلهي من الدخول هناك بعد ذلك سرعان ما يتميز الصالح من الطالح .. الصالح لائق بدخول الجنة .. الطالح لائق بدخول النار. ويفسر هذا الكلام حديث أذكره لما فيه من بيان وتفصيل، لكن لا بد لي من أن أقرن بذلك أن هذا الحديث لم يصح من حيث إسناده؛ لأنه على شهرته ينبغي أن نذكره تنبيهًا على ضعفه لكن معناه مقبول في حدود ما جاء من الأدلة، ذلك الحديث يرويه بعض التابعين من المجهولين وهو العلة، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه لقيه في طريقه قال: كنا في مجلس ذكرت فيه هذه الآية: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (مريم:71) قال: فاختلفنا وذكر الأقوال الثلاثة، فما كان من جابر كما تقول الرواية على ضعفها: إلا أن وضع أصبعيه في أذنيه وقال: صمتا .. صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «لا يبقى بر ولا فاجر إلا ويدخلها ثم تكون بردًا وسلامًا على المؤمنين كما كانت على إبراهيم» إذًا: هذا الدخول المذكور في هذه الآية والمفسر أيضًا في حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «» لا يدخل النار أحد من أهل بدر وأصحاب الشجرة، قالت: كيف هذا يا رسول الله والله عز وجل يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (مريم:71)؟!». هنا ملاحظة ومهمة من حيث أنها تساعد طالب العلم على فهم النصوص الشرعية: نجد هنا السيدة حفصة رضي الله عنها كأنها تريد أن تقول: إن الذي تقوله يا رسول الله خلاف ما أفهم من الآية، فكيف التوفيق بين هذه الآية حسب فهمي - أي: حفصة - وبين ما تقول يا رسول الله؟ فقال لها بكل هدوء ولطف كما هو شأنه عليه السلام وديدنه، قال: اقرئي ما بعدها: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ

فِيهَا جِثِيًّا} (مريم:72) ما هي الفائدة؟ الفائدة: أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا سمع قولًا وما أنكره كان ذلك دليلًا على صحته في نفسه، ولكن يمكن أن يدخل فيه تخصيصًا وتقييدًا ما يخطر على بال المتكلم تلك الكلمة والتي أقره الرسول عليه السلام عليها ولكنه يدخل فيها تقييدًا أو تخصيصًا، هذه فائدة مهمة جدًا قد يغفل عنها بعض أهل العلم، ولا بأس من أن أضرب لكم مثلًا: وقع في عدم الانتباه لهذه النكتة الفقهية الدقيقة الإمام أبو محمد بن حزم صاحب كتاب: "المحلى"، الكتاب العظيم، وكتاب: "الإحكام في أصول الأحكام" وغيره من الكتب، لقد ألف رسالة في إباحة الملاهي عامة، من الآلات الموسيقية والأغاني وما شابه ذلك، وكان مما استدل به على ما ذهب إليه في تلك الرسالة الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علي يوم عيد وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، وتضربان عليه بدف، لما دخل أبو بكر قال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! استفهام استنكاري طبعًا، دعهما فإن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا. الشاهد: أن الإمام ابن حزم احتج بهذا الحديث على جواز الضرب بالدف والغناء به؛ لأن الرسول عليه السلام أقر الجاريتين، لكن فاته ما أردت التنبيه عليه: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقر أبا بكر الصديق على قوله السابق الذكر: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟! لقد سمى أبو بكر الضرب على الدف والغناء به سماه ماذا؟ مزمار الشيطان، ما أنكر الرسول عليه السلام ذلك عليه بل أقره كما أقر حفصة على قولها في الآية هكذا.

وكذلك كما أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أدخل على استدلال حفصة قيدًا كانت غافلة عنه، كذلك تمامًا فعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع صاحبه في الغار أبي بكر الصديق أيضًا لفت نظره كأنه يقول له: إن الأمر كما تقول أنت يا أبا بكر لكن هو استثناء قد فات، دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا، فإذا نحن جمعنا بين إقرار الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي بكر على قوله: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! وبين قوله له: دعهما، فإن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا، خرجنا بنتيجة أن مزامير الشيطان لا تجوز ويكفي في النهي عنها النسبة إلى الشيطان، لكن هذا الحكم مستثنى منه الضرب بالدف في يوم العيد وممن؟ من الجاريتين، فجمعنا بين إقرار الرسول لأبي بكر وبين قوله له، وخرجنا بنتيجة معاكسة تمامًا للنتيجة التي ذهب إليها أبو محمد ابن حزم رحمه الله، حيث أخذ قول الرسول عليه السلام ولم يتنبه لإقرار الرسول لقول أبي بكر: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟! عندك شيء؟ مداخلة: يقولون أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقر مزمار الشيطان في بيته؟! الشيخ: أنا أجبتك على هذا بارك الله فيك! نحن نقول: الأصل في آلات الطرب أنها من مزامير الشيطان، لكن استثنى الشارع الحكيم من أن يكون مزمارًا للشيطان في هذا الوقت المعين، فالأصل أنه مزمار الشيطان في غير يوم العيد، أما في يوم العيد فليس مزمارًا للشيطان، فلا منافاة والحمد لله. هذا أيضًا لعله من المفيد أن نذكر أيضًا بمثال آخر وهو مهم جدًا من حيث الحياة الفكرية التي يحياها اليوم العالم الإسلامي جله الذين يعتقدون بأن الموتى يسمعون، الموتى يسمعون ويحتجون على ذلك بحجج كثيرة ولسنا نحن في هذا

الصدد إلا فيما يتعلق بلفت النظر إلى أن الرسول عليه السلام إذا أقر على شيء فهو حق، ويجب الاستفادة بذلك. وهنا نذكر غزوة بدر وحينما أهلك الله عز وجل صناديد قريش وألقوا في قليب بدر، ثم جاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد أن وضعت الحرب أوزارها فوقف على القليب ونادى أولئك الكفار الموتى القتلى بأسمائهم: يا فلان بن فلان لقد وجدت ما وعدني ربي حقًا، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟ قال عمر - هنا الشاهد - قال: يا رسول الله! إنك لتنادي أجسادًا لا أرواح فيها، ماذا نفهم نحن من قول عمر هنا؟ نفهم نحو ما فهمنا من كلمة أبي بكر هناك، ومن كلمة حفصة هناك، نفهم أن عمر بن الخطاب يرى أن الموتى لا يسمعون، ولذلك هو يستغرب ويتعجب لمناداة الرسول عليه السلام لهؤلاء الموتى يقول: يا فلان بن فلان .. إلى آخره بأسمائهم: إني وجدت ما وعدني ربي حقًا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟ هذه المناداة تنافي كما أنا أفهم - وهو حق إن شاء الله - ما كان تلقاه عمر بن الخطاب تعليمًا من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن الموتى لا يسمعون، يكفي في ذلك القرآن الكريم: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} (النمل:80) كذلك قوله عز وجل: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ في الْقُبُورِ} (فاطر:22) طبعًا الآيتان فيهما كلام من حيث التفسير، لكن خلاصة الكلام فيهما لا يتنافى أبدًا مع هذه الحقيقة الشرعية، وهي: أن الموتى لا يسمعون، هذه الحقيقة هي التي كان عمر بن الخطاب تلقاها من قبل وتعلمها من رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولذلك أصبح عنده إشكال: كيف هو لقننا هذا العلم ثم هو يناديهم؟! فماذا كان موقف الرسول عليه السلام؟ كان موقفه منهم كما كان موقفه من أبي بكر ومن حفصة، أقرهم جميعًا على ما قالوا، لكن أدخل على كلامه قيدًا لا يعرفونه؛ لأنهم لا يوحى إليهم كما يوحى إليه، فلقد أقر الرسول عليه السلام عمر بن الخطاب على كلمته هذه، ومعنى هذا: أنه يقول له: صدقت

فالموتى لا يسمعون، لكن هؤلاء يسمعونني، ولذلك قال له في الجواب بلسان عربي مبين: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» أي: هؤلاء يسمعونني فأنت يا عمر الذي تلقيته مني حق وصواب، لكن اعلم أن هنا معجزة وكرامة خاصة لنبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - حيث أسمعهم صوته، ومن شأنهم أنهم لا يسمعون لم؟ لأنهم موتى. ويؤكد هذا المعنى أن الإمام أحمد رحمه الله روى هذه القصة بإسناده الصحيح في المسند أن عمر قال: والموتى لا يسمعون، أيضًا جاء الجواب كما سمعتم: ما قال له: لا، أنت مخطئ الموتى يسمعون لو كان هو مخطئًا، لكنه أقره على هذه العبارة الصريحة، ولكن أدخل في ذلك قيدًا، وهو: الموتى لا يسمعون إلا هؤلاء. ولذلك جاء في صحيح البخاري في هذه القصة من طريق قتادة عن أنس بن مالك، هذه القصة التي رويناها باستثناء رواية الإمام أحمد مروية في الصحيحين، ومن طريق قتادة، قال قتادة: أحياهم الله له فأسمعه صوته تبكيتًا تحقيرًا ونكايةً منه. إذًا: هذا الانتباه لإقرار الرسول عليه السلام لكلام الصحابي هذا معناه: أن كلام الصحابي حق لكن ينظر هل أدخل عليه الرسول عليه السلام شيئًا من التخصيص أو التقييد فيضاف إليه فنخرج بنتيجة سليمة بالمائة مائة، فالموتى لا يسمعون إلا هؤلاء سمعوا، وآلات الطرب لا تجوز بخاصة الدف إلا في يوم العيد، والناس كلهم لا بد أن يدخلوا النار كما فهمت حفصة من الآية ولكن يختلفون من صالح يمر مرورًا إلى الترنزيت كما يقولون اليوم إلى الجنة، أما الكفار فيلبثون فيها أحقابًا، نعم. "فتاوى الإمارات" (1/ 00:41:10)

[1709] باب منه

[1709] باب منه سؤال: ما معنى تحلة القسم؟ الشيخ: يشير عليه الصلاة والسلام إلى قول الله عز وجل في القرآن: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (مريم: 71 - 72). {وَإِنْ مِنْكُمْ} معشر الإنس والجن. {إِلَّا وَارِدُهَا} أي: داخل النار، لا بد ولا مناص من ذلك، لا فرق في ذلك بين بار وشقي، كلهم؛ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}. الورود هنا هو المرور على جسر جهنم الذي يحيط به لهيب نار جهنم، الذين يمرون على الجسر لا بد أن تحيط بهم النار سواء كانوا صالحين أو طالحين، ولكن الصالحين منهم وهنا الشاهد: لا تمسهم النار بسوء. أي: أن النار في حق الصالحين المارين في جسر جهنم تكون عليهم برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم ... المرور لكل الثقلين: الإنس والجن، مع فارق هام جداً أن الأبرار لا تمسهم النار إلا مجرد المرور تنفيذاً لهذا القسم الإلهي: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (مريم: 71 - 72). المتقون يمرون على جهنم ولا يتساقطون فيها، بخلاف الكفار وهم الذين يهوون في جهنم وبئس المصير. " الهدى والنور" (20/ 32: 09: 00)

[1710] باب منه

[1710] باب منه [قال الإمام]: أما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: «لن تمسه النار إلا تحلة القسم» ففي الحديث إشارة إلى قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (مريم: 71 - 72) الخطاب للإنس والجن: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} (مريم:71) أي: إن ذلك في الكتاب كان مسطورًا، فلا بد لكل من الجنسين من الإنس والجن، لكل فرد من أفراد هذين الثقلين لا بد من أن يدخلوا النار، ثم قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (مريم:72) فلا بد إذًا لكل من البشر أن يدخل النار، ولكن مع فارق كبير، المسلم يدخل النار ولا تمسه النار بعذاب، أما الكافر أو الفاسق فكل بحسب ما كان ارتكب من معاصي، أما الكافر فمخلد في النار، أما من دونه فكما ذكرنا. وواردها في هذه الآية الكريمة: اختلفوا في التفسير على أقوال ثلاثة: القول الأول: أن المقصود من الورود هو المرور بجانب النار وليس الدخول؛ لأنهم يقولون في اللغة العربية: أورد الناقة الحوض لا يعني أنه دخل بها الحوض، فإذًا: معنى قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (مريم:71) هذا القول الأول، أي: يمر بها مرورًا جانبيًا، لكن من كان من الكفار أو الفساق فهو داخلها رغم أنفه، أما من كان مؤمنًا فهو يمر بجانبها، هذا هو القول الأول. والقول الثاني: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (مريم:71) أي: مار عليها، فهو يرى النار ولكن لا يحس بلهيبها ودخانها.

والقول الثالث والأخير، وهو الصحيح: أن المقصود بالورود الدخول، ويكفي أن يكون الدخول هو من نفس الصراط، ويكون الصراط كالنفق في الجبل، فيحيط النار بالداخلين، ولكن من كان مثل هذا الذي لم تمسه النار إلا تحلة القسم لا تؤثر فيه النار، وهذا القول كما ذكرت آنفًا هو الراجح، لماذا؟ لأن الإمام مسلمًا قد روى في صحيحه من حديث حفصة فيما أظن أو جابر بن عبد الله أشك الآن، لكن القصة تتعلق يقينًا بحفصة بنت عمر زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: قال عليه الصلاة والسلام: «لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية، قالت حفصة: كيف ذاك يا رسول الله! والله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} (مريم:71)؟». فنلاحظ هنا شيئًا هامًا جدًا: أن الورود المذكور في الآية فهمته السيدة حفصة بمعنى الدخول، ولذلك أشكل عليها قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه لا يدخل أحد من أهل بدر والحديبية، فأشكل عليها هذا النفي مع تعميم رب العالمين في الآية الدخول للثقلين كلهم بلا استثناء، فنجد الرسول عليه السلام كان موقفه تجاه فهم السيدة حفصة بمعنى الورود من الورود بمعنى: الدخول، أن الرسول أقرها على ذلك، وما قال لها: لا يا حفصة، الورود هنا: إنما هو بمعنى المرور بجانب النار أو من فوق ... لكنه عليه السلام أقرها أولًا على فهمها، أن معنى الورود هو بمعنى الدخول المنفي في حديثه عليه السلام، وهو: «لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية» أقرها على هذا الفهم ولكنه عليه الصلاة والسلام لفت نظرها إلى خطئها في وقوفها عند لفظة الورود دون إتمام الآية، فقال لها: «» وماذا بعد ذلك؟ قالت: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (مريم:72)». إذًا: نخرج من هذا الحديث بأن معنى الورود هو معنى الدخول؛ لأن النبي

- صلى الله عليه وآله وسلم - قد أقر السيدة حفصة على فهمها للآية، الورود بمعنى الدخول ولكنه قال تمام الآية: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (مريم:72) أي: إن هذا الدخول بالنسبة للأبرار لا يكون إلا للعبرة ولرؤية الذين كانوا يستهزئون بهم في الحياة الدنيا: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ، عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ، هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المطففين: 34 - 36). ويحسن أن نذكر هنا حديثًا آخر هو صريح أصرح من حديث جابر كما قلنا أو حفصة، لكن هذا الحديث نذكره أيضًا كما نسمع أحيانًا: نرمي به عصفورين بحجر واحد، نبين أولًا أن معناه كمعنى حديث حفصة، وثانيًا: أنه ضعيف السند فيمكن الاستشهاد وليس الاستدلال به. الحديث أخرجه الإمام أبو عبد الله الحاكم في المستدرك (¬1) بإسناد فيه جهالة وضعف، عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أنه لقيه رجل في الطريق في المدينة، فسأله عن هذه الآية بعد أن قص عليه أن خلافًا وقع في مجلس من المجالس حول معنى الورود فيها، فكل ذهب إلى معنى من المعاني الثلاثة، فكان جواب جابر أن وضع أصبعيه في أذنيه وقال: صمتاً إن لم أكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا يبقى بر ولا فاجر إلا ويدخلها ثم تكون بردًا وسلامًا على المؤمنين كما كانت على إبراهيم عليه الصلاة والسلام». هذا الحديث يؤكد معنى حديث جابر في صحيح مسلم ونخرج بالدراسة: أن معنى تحلة القسم: أن الدخول لا بد منه؛ لأن الله قال في الآية: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم6156).

[1711] باب منه

وَارِدُهَا} (مريم:71) هذا هو القسم، لكن لا تمسه النار؛ لأن الله عز وجل قد عصم الأبرار من أن تمسهم النار، أما الدخول فلا بد منه. "فتاوى جدة -الأثر-" (22/ 00:14:39) [1711] باب منه حديث جابر عن أم مبشر رضي الله عنهما: أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول عن حفصة: «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها». قالت: بلى يا رسول الله فانتهرها. فقالت حفصة: {وإن منكم إلا واردها} فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قد قال الله عز وجل: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا}». [قال الإمام]: رواه مسلم وغيره وهو مخرج في " الصحيحة " (2160) و" تخريج السنة " (860 - طبع المكتب الإسلامي). أقول: ففي استدلال السيدة حفصة رضي الله عنها بآية الورود دليل على أنها فهمت (الورود) بمعنى الدخول وأنه عام لجميع الناس الصالح والطالح منهم، ولذلك أشكل عليها نفي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخول النار في حق أصحاب الشجرة، فأزال - صلى الله عليه وآله وسلم - إشكالها بأن ذكرها بتمام الآية: {ثم ننجي الذين اتقوا} ففيه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أقرها على فهمها المذكور وأنه على ذلك أجابها بما خلاصته أن الدخول المنفي في الحديث هو غير الدخول المثبت في الآية، وأن الأول خاص بالصالحين ومنهم أهل الشجرة، والمراد به نفي العذاب، أي أنهم يدخلونها مروراً إلى الجنة دون أن

[1712] باب منه

تمسهم بعذاب، والدخول الآخر عام لجميع الناس ثم هم فريقان: منهم من تمسه بعذاب، ومنهم على خلاف ذلك، وهذا ما وضحته الآية نفسها في تمامها وراجع لهذا " مبارق الأزهار " (1/ 250) و" مرقاة المفاتيح " (5/ 621 - 632). قلت: فاستفدنا من الإقرار المذكور حكماً لولاه لم نهتد إلى وجه الصواب في الآية وهو أن الورود فيها بمعنى الدخول وأنه لجميع الناس، ولكنها بالنسبة للصالحين لا تضرهم بل تكون عليهم برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، وقد روي هذا صراحةً مرفوعاً في حديث آخر لجابر لكن استغربه الحافظ ابن كثير وبينت علته في " الأحاديث الضعيفة " (4761)، لكن حديثه هذا عن أم مبشر يدل على صحة معناه، وقد مال إليه العلامة الشوكاني في تفسيره للآية (3/ 333) واستظهره من قبله القرطبي (11/ 138 - 139) وهو المعتمد. "تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص52 - 53). [1712] باب منه [قال النووي في قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها}:"الورود هو العبور على الصراط" فعلق الإمام قائلاً]: ولا ينافي ذلك أن يكون الصراط نفسه محاطًا بالنار، بحيث أن المار عليه تحيط النار به فتمسه بعذاب إلا المتقين، وعيه فالورود هو الدخول، وعليه يدل عديد من النصوص. "تحقيق رياض الصالحين" (ص372).

[1713] باب هل هناك أناس الآن قد دخلوا الجنة أو النار؟

[1713] باب هل هناك أناس الآن قد دخلوا الجنة أو النار؟ سؤال: يا أستاذ! هل هناك أناس الآن دخلوا الجنة أو أناس دخلوا النار، مثل الآية التي في سورة يس: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} (يس:26) .. ؟ الشيخ: هذا فيما سيكون .. ، أما الآن ما هو إلا الحياة البرزخية فدخول الجنة والنار مؤقت للحساب، ... البعث يوم القيامة .. مداخلة: حتى الشهداء والأنبياء .. الشيخ: كلهم، لكن أرواحهم لها نعيم خاص كما قال عليه السلام: «أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تعلق من ثمر الجنة» وكذلك: «أرواح المؤمنين في بطون طير خضر تعلق من ثمر الجنة» فهذا نعيم روحي، أما النعيم البدني والروحي معاً وكذلك الجحيم فذلك لا يكون إلا بعد البعث والنشور. مداخلة: طيب يا أستاذ! نحن الذي نفهمه على قدر عقولنا، أن الشخص عندما يكون حي يكون جسده وروحه مرتبطان ببعض ... ، الله عز وجل عندما يقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} (آل عمران:169) أقصد أنا: بل أحياء تكون الحياة مربوطة الجسد في الروح. الشيخ: هذا شيء معروف لا يحتاج إلى سؤال، شرحه لك الرسول وأعطاك الجواب وأنا قدمته سلفاً .. أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر، ما معنى هذا؟ معناه أنه يتنعم في بدنه؟! يتنعم في بدن مستعار, وهو الطير الأخضر، فحياة الشهداء حياة تتناسب مع مقامه عند الله أولاً وبقاؤهم في البرزخ ثانياً، الحياة تختلف حياة البرزخية غير الحياة الدنيوية، والحياة الأخروية غير الحياتين كلتيهما، الحياة الأخروية غير الحياة البرزخية وغير الحياة الدنيوية أيضاً؛ ولذلك لا يجوز

[1714] باب الكافر في النار مكان المسلم فيها وفكاكا له منها

أن يستعمل الإنسان القياس .. قياس الغائب على الشاهد، فتقول أنت: نحن لا نعرف الحياة إلا هكذا! طيب! هذه الحياة التي تعرفها لا تقيس عليها الحياة التي لا تعرفها، وبخاصة وقد جاءت بعض النصوص توضح لك تماماً أن حياة الشهداء التي ربنا عز وجل أثبتها في نص القرآن: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169) ما هو رزقهم؟ ليس طبق ونفق مثل الذي عندنا، رزقهم يأكلون بطريق أكل هذا الطير الأخضر، هذا هو الرزق، الحديث يبين القرآن. مداخلة: عندما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام الجنة والنار ووجد الذين يتعذبون فيها والذين يتنعمون فكيف هذا؟ الشيخ: نعم، كشف له عما سيكون عليه أوضاع أهل الجنة وأهل النار، هذا الكشف الحقيقي الذي سرقه الصوفية ونسبوه إلى أنفسهم، هذا للأنبياء والرسل وفقط. "الهدى والنور" (28/ 18: 55: 00) [1714] باب الكافر في النار مكان المسلم فيها وفكاكاً له منها [قال الإمام]: وأما كون الكافر في النار مكان المسلم فيها. وفكاكاً له منها؛ فقد جاء بيانه في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا مات فدخل النار؛ ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُون}» وهو مخرج في "الصحيحة" (2279). ونحوه في "صحيح البخاري" (6569)، وهو من حديث أبي هريرة. وبه

[1715] باب ذكر السور الذي في قوله تعالى: {فضرب بينهم بسور له باب}

احتج البيهقي على ما ذكرنا من المعنى، فقال عقبه:"ويشبه أن يكون هذا الحديث تفسيراً لحديث الفداء، فالكافر إذا أورث على المؤمن مقعده من الجنة، والمؤمن إذا أورث على الكافر مقعده من النار؛ يصير في التقدير كأنه فدى المؤمن بالكافر. والله أعلم".ونحوه في "شرح مسلم" للنووي؛ فراجعه إن شئت. "الضعيفة" (11/ 2/669). [1715] باب ذكر السور الذي في قوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ} [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «إن السُّوْرَ الذي ذَكَرَهُ الله في القرآنِ: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ}؛ هو السور الشرقي: (يعني: مسجدَ بيتِ المقدس)؛ باطنُه المسجد، وظاهره وادي جهنم». (موقوف باطل). [ثم أورد الإمام أحاديث بمعناه ثم قال]: وبالجملة؛ فهذه الأحاديث - مع ضعف أسانيدها - منكرة من حيث متونها؛ لمخالفتها لما قبل الآية المذكورة وما بعدها؛ قال تعالى في أول سورة الحديد: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ}.

[1716] باب هل الشمس والقمر يعذبان في النار؟

فهذا السياق صريح بأن ضرب السور إنما هو يوم القيامة. وأن (السور) حائط بين الجنة والنار؛ كما رواه ابن جرير عن قتادة وغيره. وهو الصحيح؛ كما قال ابن كثير. وما أحسن ما قاله الشوكاني في هذه الآثار: «ولا يخفاك أن تفسير السُّوْر المكور في القرآن في هذه الآية بهذا السور الكائن ببيت المقدس فيهمن الإشكال ما لا يدفعه مقال، ولا سيما بعد زيادة قوله: " باطنه فيه الرحمة ": المسجد؛ فإن هذا غير ما سيقت له الآية، وغير ما دلت عليه، وأين يقع بيت المقدس أو سوره بالنسبة إلى السور الحاجز بين فريقي المؤمنين والمنافقين، وأي معنى لذكر مسجد بيت المقدس ههنا، فإن كان المراد أن الله سبحانه ينزع سور بيت المقدس ويجعله في الدار الآخرة سوراً مضروباً بين المؤمنين والمنافقين؛ فما معنى تفسير باطن السور وما فيه من الرحمة بالمسجد؟! وإن كان المراد أن الله يسوق فريقي المؤمنين والمنافقين إلى بيت المقدس، فيجعل المؤمنين داخل السور في المسجد، ويجعل المنافقين خارجه؛ فهم إذ ذاك على الصراط وفي طريق الجنة وليسوا ببيت المقدس. فإن كان مثل هذا التفسير ثابتاً عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قبلنا وآمنا به، وإلا فلا كرامة ولا قبول ". "الضعيفة" (12/ 1/377، 379 - 380). [1716] باب هل الشمس والقمر يعذبان في النار؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة». [قال الإمام]: أخرجه الإمام الطحاوي في " مشكل الآثار " (1/ 66 - 67) حدثنا محمد

بن خزيمة: حدثنا معلى بن أسد العمي حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج قال: " شهدت أبا سلمة بن عبد الرحمن جلس في مسجد في زمن خالد بن عبد الله بن خالد ابن أسيد، قال: فجاء الحسن فجلس إليه فتحدثنا، فقال أبو سلمة: حدثنا أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال. (فذكره). فقال الحسن: ما ذنبهما؟! فقال: إنما أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فسكت الحسن. وليس المراد من الحديث ما تبادر إلى ذهن الحسن البصري أن الشمس والقمر في النار يعذبان فيها عقوبة لهما، كلا فإن الله عز وجل لا يعذب من أطاعه من خلقه ومن ذلك الشمس والقمر كما يشير إليه قول الله تبارك وتعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن في السَّمَاوَاتِ وَمَن في الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}. فأخبر تعالى أن عذابه إنما يحق على غير من كان يسجد له تعالى في الدنيا، كما قال الطحاوي، وعليه فإلقاؤهما في النار يحتمل أمرين: الأول: أنهما من وقود النار. قال الإسماعيلي: " لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما، فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذاباً وآلة من آلات العذاب، وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة ". والثاني: أنهما يلقيان فيها تبكيتا لعبادهما. قال الخطابي:

[1717] باب منه

" ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلاً ". قلت: وهذا هو الأقرب إلى لفظ الحديث ويؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى - كما في " الفتح " (6/ 214): " ليراهما من عبدهما ". ولم أرها في " مسنده " والله تعالى أعلم. "الصحيحة" (1/ 1/242 - 245). [1717] باب منه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " الشمس والقمر مكوران يوم القيامة ". (رواه البخاري). [قال الإمام]: أي في النار، كما في بعض الروايات الصحيحة، لا تعذيبًا لهما، بل توبيخًا لمن كان يعبدهما من دون الله تعالى. "تحقيق مشكاة المصابيح" (3/ 1531). [1718] باب هل ينشئ الله أقواما للنار ليملأها [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يدخل أهل الجنة الجنة، فيبقى منها ما شاء الله عز وجل، فينشئ الله تعالى لها ـ يعني خلقاً ـ حتى يملأها». [قال الإمام]:

[1719] باب من أهوال أهل النار

وقع في رواية للبخاري (7449) من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: " .. وينشئ للنار ... "، مكان " .. الجنة ". وهي بلا شك رواية شاذة لمخالفتها للطريق الأولى عن أبي هريرة ولحديث أنس، وقد أشار إلى ذلك الحافظ أبو الحسن القابسي (علي بن محمد بن خلف القيرواني ت 403)، وقال جماعة من الأئمة: إنه من المقلوب، وجزم ابن القيم بأنه غلط، واحتج بأن الله أخبر بأن جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه، وأنكرها الإمام البلقيني، واحتج بقوله تعالى: {ولا يظلم ربك أحدا}. ذكره الحافظ في " الفتح " (13/ 437). "الصحيحة" (6/ 1/92 - 93). [1719] باب من أهوال أهل النار [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم، يعني مكان الدمع». [وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل يحذى له نعلان من نار يغلي منهما دماغه يوم القيامة». [ترجم لهما الإمام بما ترجمنا به]. "الصحيحة" (4/ 245،246).

[1720] باب هل الكذب المتعمد على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوجب الخلود في النار؟

[1720] باب هل الكذب المتعمد على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوجب الخلود في النار؟ سؤال: هل الكذب عمداً على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يستوجب الخلود في النار؟ المسألة أن هذا كذب متعمداً كعبد الكريم بن أبي العوجاء، لأجل أن يحرم الحلال، ويحلل الحرام، كما صرح هو بنفسه. هذا يعتبر خرج من الملة لو قصد هذا؟ الشيخ: .. إذا قصد ماذا؟ مداخلة: إذا قصد أن يُدخل في الشريعة عمداً لأجل تزييفها ونحوها، هذا كافر؟ الشيخ: كافر. مداخلة: وعامة الوضاعين الذين كانوا يضعون الحديث؟ الشيخ: ليسوا سواء، هناك ... يعني من يضع مثلاً حديث: «شكوت إلى جبريل ضعفي من [الجماع]، فأمرني بأكل الهريسة» (¬1). هذا لا يقصد الدس في الشريعة أو تغييرها، هذا من أجل ترويج البضاعة، كالذي روى أيضاً حديث: «من أكل اليخنة دخل الجنة» .. هذا يروونه بعضهم عن إمام قرية جاءه أحد فلاحي القرية، فوجد اليخنة عنده متكدسة عنده ويخشى أن تفسد، قال له: ما عليك، أنت أحضرها غداً أو اليوم إذا كان يوم جمعة، وضعها أمام المسجد والباقي علي، ففعل الرجل، صعد المنبر: يا ¬

(¬1) "الضعيفة" (4/ 180).

[1721] باب كيف الجمع بين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يدخل النار إنسان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» وبين ما هو معلوم من دخول العصاة النار - إذا شاء الله - لتطهيرهم

عباد الله! اتقوا الله .. إلى آخره، تسلسل، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أكل اليخنة دخل الجنة»، الناس ما يكادون يصدقون، يخرجون من مسجد اليخنة مكومة أمام باب المسجد، يشترون اليخنة من شان يدخلون الجنة، وفي لحظات انصرفوا من المسجد، نظف المكان من اليخنة، لأن الشيخ: [فال] على المنبر: «من أكل اليخنة دخل الجنة». فهذا بلا شك ريب وافتراء، ويستحق النار، فليتبوأ مقعده من النار، لكن هذا يختلف عن ذلك الذي قصد إفساد الدين والشريعة، هذا متبع هواه. سؤال: أذكر أن الجويني [ذكره] العلماء فيمن تفرد بأنه حكم على الكاذب على رسول الله بالكفر؟ مداخلة: أبو محمد. مداخلة: أبو محمد الجويني، يذكرون أنه قال عنه أنه كافر. الشيخ: نعم، هذا المنصوص عليه في المصطلح، لكن أنا في اعتقادي لا بد من التفصيل، لا بد من دراسة الدافع له على الكذب. " الهدى والنور" (31/ 45: 34: 00) [1721] باب كيف الجمع بين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْسَانٌ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيْمَانٍ» وبين ما هو معلوم من دخول العصاة النار - إذا شاء الله - لتطهيرهم [قال ابن أبي شيبة في كتاب "الإيمان"]: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ يَقُولُ: لا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْسَانٌ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ مِنْ خَرْدَلٍ

[1722] باب تفسير قوله تعالى: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته}

مِنْ إِيْمَانٍ. (السند إلى إبراهيم صحيح). [قال الإمام:] يعني النّار الأبدية الّتي لا تفنى. "تحقيق الإيمان لأبن أبي شيبة" (ص 84) وانظر (ص87) منه. [1722] باب تفسير قوله تعالى: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [قال ابن أبي عاصم في "السنة"]: حدثنا أبو عبد الله العنبري ثنا مؤمل عن أبي هلال عن قتادة عن أنس في قوله {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} قال: من تخلده النار فقد أخزيته. [فعلق الإمام قائلاً]: إسناده ضعيف من أجل أبي هلال واسمه محمد بن سليم الراسبي وهو صدوق فيه لين، ونحوه المؤمل وهو ابن إسماعيل، قال الحافظ: "صدوق سيء الحفظ" وسائر رجاله ثقات، وأبو عبد الله العنبري اسمه: سوار بن عبد الله بن سوار. والحديث أخرجه ابن جرير من طريقين آخرين (4/ 14) من طريقين عن المؤمل به. وأشار إلى تضعيف الحديث بتصويبه أن معنى الآية أن من دخل النار فقد

[1723] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أمتي أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة»

أخزي بدخوله إياها، وإن أخرج منها ... ، وروى نحوه عن جابر، وكل من تأمل في سياق الآية المذكورة وما قبلها وما بعدها لم يتردد في صحة ما استصوبه ابن جرير رحمه الله تعالى؛ وذلك أنها وقعت في جملة دعاء المؤمنين الذين يذكرون الله ويدعون قائلين: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}. فهل يخطر في بال أحد أنهم دعوا أن لا يخزيهم بالنار الأبدية فقط؟! "ظلال الجنة في تخريج السنة" (ص 371 - 372). [1723] باب معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أمتي أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة» [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أمتي أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل». [قال الإمام]: اعلم أن المقصود بـ"الأمة" هنا غالبها؛ للقطع بأنه لابد من دخول بعضهم النار للتطهير. "الصحيحة" (2/ 648 - 649).

جماع أبواب تحقيق مسألة القول بفناء النار

جماع أبواب تحقيق مسألة القول بفناء النار

[1724] باب الرد على القول بفناء النار وتحقيق قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في ذلك

[1724] باب الرد على القول بفناء النار وتحقيق قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في ذلك [قال الإمام في مقدمة تحقيقه على كتاب " رفع الأستار لإبطال أدلة القالين بفناء النار" للصنعاني]: وقعت عيني على رسالة الإمام الصنعاني تحت اسم " رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار"،. في مجموع رقم الرسالة فيه (2619) فطلبته فإذا فيه عدة رسائل هذه الثالثة منها، فدرستها دراسة دقيقة واعية؛ لأن مؤلفها الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى رد فيها على شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ميلهما إلى القول بفناء النار بأسلوب علمي رصين دقيق " من غير عصبية مذهبية، ولا متابعة أشعرية ولا معتزلية " كما قال هو نفسه رحمه الله تعالى في آخرها. وقد كنت تعرضت لرد قولهما هذا منذ أكثر من عشرين سنة بإيجاز في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " في المجلد الثاني منه (ص 71 - 75) بمناسبة تخريجي فيه بعض الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة التي احتجا ببعضها على ما ذهبا إليه من القول بفناء النار، وبينت هناك وهاءها وضعفه وأن لابن القيم قولاً آخر وهو أن النار لا تفنى أبداً، وأن لابن تيمية قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار، وكنت توهمت يومئذ أنه يلتقي فيها مع ابن القيم في قوله الآخر، فإذا بالمؤلف الصنعاني يبين بما نقله عن ابن القيم أن الرد المشار إليه إنما يعني الرد على من قال بفناء الجنة فقط من الجهمية دون من قال بفناء النار، وأنه هو نفسه - أعني ابن تيمية - يقول بفنائها وليس هذا فقط، بل وأن أهلها يدخلون بعد ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار، وذلك واضح كل الوضوح في الفصول الثلاثة

التي عقدها ابن القيم لهذه المسألة الخطيرة في كتابه " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " (2/ 167 - 228)، وقد حشد فيها " من خيل الأدلة ورجلها، وكثيرها وقلها، ودقها وجلها، وأجرى فيها قلمه، ونشر فيها علمه، وأتى بكل ما قدر عليه من قال وقيل، واستنفر كل قبيل وجيل " كما قال المؤلف رحمه الله، ولكنه أضفى بهذا الوصف على ابن تيمية، وابن القيم أولى به وأحرى لأننا من طريقه عرفنا رأي ابن تيمية في هذه المسألة، وبعض أقواله فيها، وأما حشد الأدلة المزعومة وتكثيرها فهي من ابن القيم وصياغته وإن كان ذلك لا ينفي أنه تلقَّى ذلك كله أو جله من شيخه في بعض مجالسه، فما عزاه إليه صراحة فهو الأصل في ذلك، وما لم يعزه فلا، ولذلك جريت فيما يأتي على التنبيه على ما لم يعزه إليه صراحةً؛ لأن من بركة العلم أن يعزى كل قول لقائله، وليس العكس كما هو معروف عند العلماء. وإن مما يؤيد هذا؛ أن ابن القيم رحمه الله تعرض لهذا البحث مطولاً أيضاً في كتابه " الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة " بنحو ما في " الحادي " كما تراه في " مختصر الصواعق " للشيخ محمد بن الموصلي (ص 218 - 239) فلم يذكر فيه ابن تيمية مطلقاً، وكذلك رأيته فعل في " شفاء العليل " (ص 252 - 264) إلا أنه قال في آخرها: "وكنت سألت عنها شيخ الإسلام قدس الله روحه فقال لي: هذه المسألة عظيمة كبيرة، ولم يجب فيها بشيء، ومضى على ذلك زمن حتى رأيت في تفسير عبد بن حميد الكشي بعض تلك الآثار (يعني أثر عمر الآتي في أول الكتاب) فأرسلت إليه الكتاب وهو في مجلسه الأخير وعلمت على ذلك الموضع، وقلت للرسول: قل له هذا الموضع يشكل عليه ولا يدرى ما هو؟ فكتب فيها مصنفه

المشهور رحمة الله عليه فهذا مما يدل على أنه من الممكن أن يكون تلقاه كله عنه، ولكن لا نقول به إلا في حدود ما نص هو عليه أنه من كلام ابن تيمية نفسه رحمهما الله تعالى في " الحادي " أو في غيره إن وجد. وقد وقفت في مخطوطات المكتب الإسلامي على ثلاث صفحات في ورقتين بخط لعله من خطوط القرن الحادي عشر، نقلها كاتبها الذي لم يكشف عن هويته من رسالة ابن تيمية رحمه الله في الرد على من قال بفناء الجنة والنار. وهذه الورقات الثلاث جمعها أخي المحقق زهير الشاويش من دشت مخطوطات عنده. وانظر صورها في الصفحات (53 - 55) وهذا نصها: "قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية - رحمه الله تعالى - في رسالة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار ما نصه: " وأما القول بفناء النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف والنزاع في ذلك معروف عن التابعين ومن بعدهم، وهذا أحد المأخذين في دوام عذاب من يدخلها. فإن الذين يقولون: أن عذابهم له حد ينتهي إليه ليس بدائم كدوام نعيم الجنة قد يقولون: إنها قد تفنى وقد يقولون: إنهم يخرجون منها فلا يبقى فيها أحد. لكن قد يقال: إنهم لم يريدوا بذلك أنهم يخرجون مع بقاء العذاب فيها على غير أحد. وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وغيرهم رضي الله عنهم. وروى عبد بن حميد - وهو من أجل علماء الحديث - في تفسيره المشهور قال: " أخبرنا سليمان بن حرب أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن

البصري قال: قال عمر: "لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج (¬1) لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه". وقال: أخبرنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن: أن عمر بن الخطاب قال: "لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه ". ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: [لابثين فيها] (¬2) وهذا يبين أن مثل هذا الشيخ الكبير من علماء الحديث والسنة يروي عن مثل هؤلاء الأئمة في الحديث والسنة مثل سليمان بن حرب الذي هو من أجل علماء السنة والحديث، ومثل حجاج بن منهال كلاهما عن حماد بن سلمة - مع جلالته في العلم والسنة والدين -، يروي من وجهين من طريق ثابت ومن طريق حميد هذا عن الحسن البصري - الذي يقال: أنه أعلم من بقي من التابعين في زمانه - يروى عن عمر بن الخطاب، وإنما سمعه الحسن من بعض التابعين، سواء كان هذا قد حفظ هذا عن عمر أو لم يحفظه كان مثل هذا الحديث متداولاً بين هؤلاء العلماء الأئمة لا ينكرونه، وهؤلاء كانوا ينكرون على من خرج عن السنة من الخوارج والمعتزلة والمرجئة والجهمية، وكان أحمد بن حنبل يقول: أحاديث حماد بن سلمة هي الشجا في حلوق المبتدعة. فهؤلاء من أعظم أعلام أهل السنة الذي ينكرون من البدع ما هو دون هذا لو كان هذا القول عندهم من البدع المخالفة للكتاب والسنة والإجماع كما يظنه طائفة من الناس، وعبد بن حميد ذكر هذا في تفسير قوله تعالى: [لابثين فيها أحقابا] ليبين قول من قال: إن الأحقاب لها أمد تنفد ليست كالرزق الذي ما له من ¬

(¬1) هو رمل كثير جداً مسيرة أربع ليال بين فيد والقريات [منه]. (¬2) سورة النبأ الآية (23) [منه] ز.

نفاد، ولا ريب أن من قال هذا القول: عمر ومن نقله عنه إنما أراد بذاك جنس أهل النار الذين هم أهلها. فأما قوم أصيبوا بذنوب فأولئك قد علم هؤلاء وغيرهم بخروجهم منها، وأنهم لا يلبثون فيها قدر عدد رمل عالج ولا قريبا من ذلك، والحسن كان يروي حديث الشفاعة في أهل التوحيد وقد ذكره البخاري ومسلم عنه وكذلك حماد بن سلمة كان يجمعها ويحدث الناس بها وكذلك سليمان بن حرب وأمثاله فهذا عندهم لا يقال فيه مثل هذا ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم كما قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون» (¬1) وقوله: "يخرجون فيه" أي يخرجون من جهنم بعد أن يفنى عذابها، وينفد وينقطع، فهم لا يخرجون منها بل هم خالدون في جهنم كما أخبر الله، لكن انقضى أجلها وفنيت كما تفنى الدنيا فلم يبق فيها عذاب، وذلك أن العالم لا يعدم، وجهنم في الأرض، والأرض لا تعدم بالكلية لكن فناؤها بتغير حالها واستحالتها من حال إلى حال قال تعالى: {كل من عليها فان} (¬2) وهم لا يعدمون بل يموتون ويهلكون وكما قال تعالى {ما عندكم ينفد وما عند الله باق} (¬3) فإذا أنفذه الرجل فقد نفد ما عنده وإن كان لم يعدم بل انتقل من حال إلى حال". انتهى. وقال فيها أيضاً: " والفرق بين بقاء الجنة والنار عقلاً وشرعاً أما شرعاً فمن وجوه: ¬

(¬1) أخرجه مسلم وغيره وهو مخرج في " سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1551).وانطر مختصر صحيح مسلم" رقم (78). [منه]. (¬2) سورة الرحمن الآية (26). [منه]. (¬3) سورة النحل الآية (96). [منه]

أحدها: أن الله أخبر ببقاء نعيم الجنة ودوامه وأنه لا نفاد له ولا انقطاع في غير موضع من كتابه، كما أخبر أن أهل الجنة لا يخرجون منها، وأما أهل النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها. الثاني: أنه أخبر بما يدل على أنه ليس بمؤبد في عدة آيات. الثالث: أن النار لم يذكر فيها شيء مما يدل على الدوام. والرابع: أن النار قيدها بقولها: {لابثين فيها أحقابا} (¬1) وقوله: {خالدين فيها إلا ما شاء الله} (¬2) وقوله: {خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك} (¬3) فهذه ثلاث آيات تقتضي قضية مؤقتة، أو معلقة على شرط وذاك دائم مطلق ليس بمؤقت ولا معلق. الخامس: قد ثبت أنه يدخل الجنة من ينشئه الله لها ويدخلها من دخل النار أولَّاً، ويدخلها الأولاد بعمل الآباء، فثبت أن الجنة يدخلها من لم يعمل خيراً، وأما النار فلا يعذب أحد إلا بذنوبه فلا يقاس هذه بهذه. السادس: أن الجنة من مقتضى رحمته ومغفرته والنار من عذابه وقد قال: {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيم، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيم} (¬4) وقال تعالى: {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} (¬5) وقال تعالى: {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} (¬6). ¬

(¬1) سورة النبأ الآية (23. [منه]. (¬2) سورة الأنعام الآية (128). [منه]. (¬3) سورة هود الآية (107). [منه]. (¬4) سورة الحجر الآية (49 - 50). [منه]. (¬5) سورة المائدة الآية (98). [منه]. (¬6) سورة الأعراف الآية (167). [منه].

فالنعيم من موجب أسمائه التي هي من لوازم ذاته فيجب دوامه بدوام معاني أسمائه وصفاته. وأما العذاب فإنما هو من مخلوقاته والمخلوق قد يكون له انتهاء مثل الدنيا وغيرها، لا سيما مخلوق خلق لحكمة يتعلق بغيره. الوجه السابع: أنه قد أخبر أن رحمته وسعت كل شيء وأنه {كتب على نفسه الرحمة} (¬1) وقال: «سبقت رحمتي غضبي» و «غلبت رحمتي غضبي» وهذا عموم وإطلاق، فإذا قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة. الثامن: أنه قد ثبت مع رحمته الواسعة أنه حكيم إنما يخلق لحكمة كما ذكر حكمته في غير موضع، فإذا قدر أنه يعذب من يعذب لحكمة كان هذا ممكناً كما يوجد في الدنيا العقوبات الشرعية فيها حكمة، وكذلك ما يقدره من المصائب فيه حكمة عظيمة فيها تطهير من الذنوب، وتزكية للنفوس، وزجر لها في المستقبل للفاعل ولغيره يجنبها غيره، والجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب ولهذا قال في الحديث الصحيح: «إنهم يحبسون بعد خلوصهم من الصراط على قنطرة بين الجنة والنار، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة» (¬2). والنفوس الشريرة الظالمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا تصلح أن تسكن دار السلام التي تنافي الكذب والظلم والشر، فإذا عُذبوا بالنار عذاباً يخلص نفوسهم من ذلك الشر كان هذا معقولاً في الحكمة، كما يوجد في تعذيب الدنيا وخلق من فيه شر يزول بالتعذيب من تمام الحكمة. ¬

(¬1) إشارة إلى قوله تعالى {وسعت رحمتي كل شيء} الأعراف الآية (156). [منه]. (¬2) رواه البخاري وغيره وهو مخرج في (ظلال الجنة في تخريج السنة) لابن أبي عاصم (857 - 858). [منه].

أما خلق نفوس تعمل الشر في الدنيا والآخرة لا يكون إلا في العذاب، فهذا تناقض يظهر فيه من مناقضة الحكمة والرحمة ما لا يظهر من غيره، ولهذا كان من الجهم (¬1) لما رأى ذلك ينكر أن يكون الله أرحم الراحمين وقال: بل يفعل ما يشاء. والذين سلكوا طريقته كالأشعري وغيره ليس عندهم في الحقيقة له حكمة ورحمة، لكن له علم وقدرة وإرادة لا ترجح أحد الجانبين، ولهذا لما طلب منهم أن يقروا بكونه حكيماً، فرده بأنه عليم، إذ قد يراد،: يريد وليس من الثلاثة ما يقتضي الحكمة، وإذا ثبت أنه حكيم رحيم وعلم بطلان قول الجهم تعين إثبات ما تقتضيه الحكمة والرحمة. وما قاله المعتزلة أيضاً باطل، فقول القدرية المجبرة والنفاة في حكمته ورحمته باطل، ومن أعظم ما غلَّطهم اعتقادهم تأبيد جهنم فإن ذلك يستلزم ما قالوه، وفساد اللازم يستلزم فساد الملزوم" انتهى (¬2). وأنت ترى في هذه الصفحات المنقولة عن رسالة ابن تيمية شبهاً كبيراً فيما جاء فيها من الأمور بكلام ابن القيم في " الحادي " الذي نقل المؤلف خلاصات منه ورد عليها، مع فارق من حيث الإيجاز والبسط من جهة، وعدم تعرضه لكثير من المسائل والأحاديث والأدلة من جهة أخرى، وإن كان من الممكن أن يقال: أن من الجائز أن يكون ابن تيمية قد تعرض لذلك أيضاً في " رسالته " ولكن كاتب تلك الصفحات اختصرها كما يدل عليه قوله في أولها عن ابن تيمية: " وأما القول بفناء النار "، وقول الكاتب في آخر ثلث الصفحة الثانية من الثلاث: (انتهى) وكذا قال في آخر الثالثة أيضاً. والله أعلم، ولقد كان أملي كبيراً في أن أجد رسالة ابن ¬

(¬1) هو الجهم بن صفوان المقتول سنة 124 هـ. [منه]. (¬2) هنا انتهت الصفحات الثلاث المخطوطة. [منه].

تيمية هذه محفوظة في " مجموع الفتاوى " التي جمعها الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم في خمس وثلاثين مجلداً ولكني - مع الأسف - لم أجد لها أثرا في شيء منها بعد تقليبي لها كلها، والاستعانة على ذلك بالفهارس التفصيلية الموضوعة لها، وكان أقوى ظني أن يوردها تحت عنوان " التخليد " الموضوع في (الفهرس) (1/ 139) ولكن دون جدوى أو في " تفسير سورة هود " في آيتي الاستثناء فيها، لكني لم أرها مع أنه أشار إليهما في فهرس السورة (1/ 291) فلما رجعت إلى المكان الذي أشار إليه (15/ 104) لم أجد فيه سوى إشارة ابن تيمية إلى الآيتين بقوله: " ثم ذكر حال الذين سعدوا والذين شقوا ثم قال. . . " أو في آية (الأنعام 128) من تفسير هذه السورة، ولكنها مما لا وجود له فيه مطلقا، أو في تفسير (النبأ) آية [لابثين فيها أحقابا] والقول فيه كالقول في الذي قبله، إلا أنه قد أشار في (الفهرس) (1/ 345) أنها في موضعين من " المجموع " الأول في (16/ 194 - 197) والآخر في (18/ 307) ومع ذلك فليس للآية ذكر فيهما مطلقاً نعم في الموضع الأول (ص 197) ما يدل ظاهر كلامه أنه يقول بخلود الكفار في النار، ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى في (سورة الأعلى): {ثم لا يموت فيها ولا يحيى}. ولكنه لا ينافي قوله بفناء النار؛ لأن له أن يقيده بقوله: ما لم تفن كما فعل بكثير من الآيات الصريحة بالخلود، بل والخلود الأبدي كما سترى ذلك مع رد المؤلف عليه في الرسالة إن شاء الله تعالى. لكنه في الموضع الآخر قد صرح بخلاف ذلك وأن النار لا تفنى صراحة؛ فقد جاء في الصفحة المشار إليها منه ما نصه: " وسئل عن حديث أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: " سبعة لا تموت ولا تفنى ولا تذوق الفناء: النار، وسكانها، واللوح، والقلم، والكرسي، والعرش "

فهل هذا الحديث صحيح أم لا؟ فأجاب: هذا الخبر بهذا اللفظ ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وإنما هو من كلام بعض العلماء. وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرض وغير ذلك ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين. . . ". قلت: والظن بمن هو دون ابن تيمية علماً وديناً أن لا يخالف سلف الأمة وأئمتها، ولم لا وهو حامل راية الدعوة إلى اتباعهم، والسير على منهجهم، والتحذير من مخالفتهم، والخروج عن سبيلهم، كما لا يخفى ذلك على كل من اطلع على شيء من كتبه، وتغذى بطرف من علمه، لا سيما والنص في معنى ما ذكره محفوظ عن الإمام أحمد إمام السنة فقد ذكر في آخر كتابه " الرد على الزنادقة " (¬1) وقد حكى عن الجهمية قولهم بفناء الجنة والنار فرده عليهم بشطريه وذكر آيات كثيرة في بقاء الجنة ودوامها، ثم قال في رد قولهم بفناء النار: " وذكر الله تعالى أهل النار فقال: {لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها} (فاطر:36). وقال: {أولئك يئسوا من رحمتي} (العنكبوت:23). وقال: {ولا ينالهم الله برحمته} (الأعراف:49) وقال: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} (الزخرف:77) وقال: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من ¬

(¬1) وهو من المراجع المعتمدة عند ابن تيمية وغيره فانظر مثلا " مجموع الفتاوى " (3/ 4. 66/ 96 - 6. 217. 70/ 8. 153/ 13. 416. 409. 385/ 15. 310. 144/ 17. 472. 408. 213/ 414. 391). [منه].

محيص} (إبراهيم:21) وقال: {خالدين فيها أولئك هم شر البرية} (البينة:6) وقال: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} (النساء:56) وقال: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} (السجدة:30) وقال: {إنها عليهم مؤصدة} (الهمزة:8). هذا كله مما احتج به الإمام أحمد رحمه الله تعالى على القائلين بفناء النار وعدم دوامه وقد نقل عنه شارح قصيدة الإمام ابن القيم: (الكافية الشافية) (1/ 97) أنه قال: " والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف ذلك فهو مبتدع " ونحوه قول ابن حزم في " الملل والنحل " (4/ 83): " اتفقت فرق الأمة كلها على: أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها، إلا جهم بن صفوان. . . " وفي " العقيدة الطحاوية " (ص 420 - بشرحها طبع المكتب الإسلامي): " والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان " ثم رأيت ابن حزم قد أورد المسألة أيضا في كتابه " مراتب الإجماع" فقال (ص 173): ". . . وأن النار حق وأنها دار عذاب أبداً، لا تفنى ولا يفني أهلها أبدا بلا نهاية" وأقره شيخ الإسلام أحمد بن تيمية خلافا لغيرها من المسائل التي تعقبه فيها ومن العجيب أن هذا القول بعدم فنائها هو مما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله، كما يدل عليه ظاهر كلامه في كتابه " الروح " (ص 34 - طبعة صبيح) بل ذلك ما صرح به في بعضه كتبه: 1 - قال في " الكافية الشافية ": "ثمانية حكم البقاء يعمها من ... الخلق والباقون في حيز العدم"هي: العرش والكرسي ونار وجنة ... وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم (¬1). ¬

(¬1) "توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم " (1/ 69). [منه].

2 - وأصرح منه ما كنت نقلته عنه في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " في كتابه " الوابل الصيب " (ص 26) قال ما نصه: "وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب، ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعضه، ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث، ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشوبه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، كانت دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض ودار الخبث المحض وهاتان الداران لا تفنيان ودار لمن معه خبث وطيب، وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبث المحض. 3 - تصريحه في مقدمة كتابه العظيم: " زاد المعاد في هدى خير العباد " بأن المشرك لا تطهره النار، ولو أخرج منها عاد خبيثاً كما كان وقد حرم الله عليه الجنة. وسيذكر المؤلف رحمه الله نص كلامه في ذلك في أول الرسالة (ص 63) فإن قيل: إن بعض الآيات التي احتج بها الإمام أحمد رحمه الله هي على الأقل قطعية الدلالة في ديمومة عذاب الكفار وعدم فناء النار كقوله تعالى: {لا يخفف عنهم من عذابها} وقوله: {إنكم ماكثون} وقوله: {ما لنا من محيص} وغير ذلك من الآيات التي تأولها ابن القيم وأخرجها عن دلالتها على عدم الفناء مما سيأتي ذكره في الرسالة ورد المصنف عليه، وكذلك بعض الأحاديث الصحيحة تدل دلالة قاطعة على ذلك، ولا بأس من أن أذكر الآن بعضها: الأول: حديث أنس الطويل في شفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفيه: «فأخرجهم فأدخلهم الجنة فما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن. أي وجب عليه الخلود». رواه

الشيخان وغيرهما وهو مخرج في «ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم» (804 - 810). الثاني: حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس (¬1) أصابتهم النار بذنوبهم أو قال: بخطاياهم فأماتهم الله تعالى إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة. . .» الحديث أخرجه مسلم (1/ 118) وغيره وهو مخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة " (1551). وفي رواية عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خطب فأتى على هذه الآية: {لا يموت فيها ولا يحيى} فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: فذكره نحوه إلا أنه قال: «وأما الذين ليسوا من أهل النار فإن النار تميتهم. . . .». ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية من رواية أبي حاتم كما في " مجموع الفتاوى " (16/ 195). ووجه دلالة الحديث أنه صرح تبعا للقرآن أن الكافر لا يموت في النار ولا يحيى، فإذا قيل بأن النار تفنى؛ فإما أن يقال: تفنى بمن فيها كما هو المتبادر إن قيل بفنائها، أو تفنى لوحدها دون من فيها، وكلاهما باطل، لأن معنى الآية كما في "تفسير ابن كثير ": "أن الكافر لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة تنفعه، بل هي مضرة عليه "، فإن فني الكافر معها فقد مات واستراح، وإن حيي دونها فقد استراح منها أيضاً، وكل هذا باطل بداهة، فإذا انضم إلى ذلك القول بأنه يدخل الجنة فهو أبطل. ¬

(¬1) وقع هنا في " مختصر مسلم " للمنذري (رقم - 87) زيادة (منكم) فلتحذف فإنها ليست في مسلم. [منه].

الثالث: حديث ذبح الموت بين الجنة والنار وقد جاء عن جمع من الصحابة كابن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم في " الصحيحين " وغيرهما فلنذكر حديثين منها: أحدهما: عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «يدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، كل خالد فيما هو فيه» أخرجه الشيخان. والآخر: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يؤتى بالموت يوم القيامة فيوقف على الصراط فيقال: يا أهل الجنة، فيطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، ثم يقال: يا أهل النار فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا؟ قالوا: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر فيذبح على الصراط ثم يقال للفريقين كلاهما: خلود فيما تجدون لا موت فيها أبدا». أخرجه ابن ماجه بإسناد جيد كما قال المنذري وصححه ابن حبان (2614) وأحمد (2/ 261). قلت: ففي الحديث دلالة قاطعة على بطلان دعوى فناء النار؛ لأنه جعلها كالجنة من حيث خلود أهلها فيما هم فيه من العذاب إلى الأبد، فكما أن الجنة لا تفنى أبداً فكذلك النار لا تفنى أبداً، وكل ذلك واضح بين إن شاء الله تعالى. بعد هذا أعود فأقول: إن ما تقدم من الآيات والأحاديث صريحة في الدلالة على بطلان القول بفناء النار، فكيف ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وانتصر له تلميذه ابن قيم الجوزية؟ فأقول: إن أحسن ما أجد في نفسي من الجواب عنهما إنما هو أنه لما توهما أن بعض الصحابة قد ذهبوا إلى ذلك، وهم قدوتنا جميعاً لو صح ذلك عنهم روايةً ودرايةً ولم يصح كما سيأتي بيانه عند المؤلف الصنعاني رحمه الله، واقترن مع ذلك غلبة الخوف عليهما من الله {ولمن خاف مقام ربه

جنتان} (¬1) والشفقة على عباده تعالى من عذابه، وغمرهما الشعور بسعة رحمته وشمولها حتى للكفار منهم، وساعدهما على ذلك ظواهر بعض النصوص ومفاهيمها، فأذهلهما ذلك عن تلك الدلالة القاطعة، وقالا ما لم يقل أحد قبلهما، وما أرى لهما شبهاً في هذا إلا ذلك المؤمن الذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ليضل عن ربه فلا يقدر على تعذيبه زعم كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم به، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت، أعلم فغفر الله له». أخرجه الشيخان وغيرهما عن جمع من الصحابة منهم أبو هريرة وهذا لفظه عند مسلم (8/ 97) وسيأتي عن ابن يتيمة وغيره أنه متواتر في التعليق (97) فهذا الرجل أنساه خوفه من ربه قدرته تعالى على إعادة خلقه وهي معلومة يقيناً {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم. قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم} (يس:78 79) فما أشبه ابن تيمية به من حيث أنه غفل عن المعلوم يقيناً أيضاً، وهو أن النار باقية لا تفنى، إلا أن الحامل له على ذلك إنما كان ثقته البالغة في رحمة ربه وعفوه، وأنها وسعت كل شيء دون ما استثناء، ووافق ذلك منه خلقاً كريماً وطبعاً رحيماً جبله الله عليه عرف به بين أصحابه، ولا أدل على ذلك مما كتب به إليهم من سجنه الظالم في مصر: "فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه، فإني قد أحللت كل مسلم وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسه، ¬

(¬1) سورة الرحمن الآية (46). [منه].

والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي. . . أسأل الله أن يتوب عليهم وأنتم تعلمون هذا من خلقي. . . ". انظر " مجموع الفتاوى " (28/ 55 - 56). وساعده على ذلك ظواهر بعض الآيات والأحاديث التي لم يمعن النظر فيها فلم يتبين له خطأ استدلاله بها، حتى استقر ذلك القول في نفسه، وأخذ بمجامع لبه، فصار يدافع عنه ويحتج له بكل دليل يتوهمه ويتكلف في الرد على الأدلة المخالفة له تكلفاً ظاهراً خلاف المعروف عنه، وتبعه في ذلك بل وزاد عليه تلميذه وماشطة كتبه - كما يقو ل البعض - ابن قيم الجوزية. حتى ليبدو للباحث المتجرد المنصف أنهما قد سقطا فيما ينكرانه على أهل البدع والأهواء من الغلو في التأويل والابتعاد بالنصوص عن دلالتها الصريحة، وحملها على ما يؤيد ويتفق مع أهوائهم، كما سترى ذلك مفصلا في " الرسالة " هذه (ص 116 - 122)، حتى بلغ الأمر بهما إلى تحكيم العقل فيما لا مجال له فيه كما يفعل المعتزلة تماماً، وقد تعلمنا من ابن تيمية وابن القيم - جزاهما الله خيراً - الرد عليهم في مثله؛ فزعما أن عذاب النار سبب لإزالة آثار الخبث والنجاسة من الكفار فإذا تطهروا منها عادوا إلى فطرتهم الأولى فيزول العذاب ويبقى مقتضى الرحمة. كما سيأتي (ص 122) نقلاً عن ابن القيم ومضى نحوه من كلام ابن تيمية. فتأمل معي في ذلك تجده كلاماً خطابياًّ خيالياًّ لا حقيقة تحته، فإنه يفترض ذهاب تلك الخبائث وتلاشيها، وزوال العذاب عن الكفار وهم في الدار الآخرة حيث لا تكليف فيها، فإن من المعلوم يقيناً أننا لو تخيلنا كافراً تاب إلى ربه وأناب إليه حينما رأى العذاب بأم عينيه أنه لا يفيده ذلك شيئاً بالإجماع، فكيف ينفعه شيء وهو لم يتب وهو في العذاب محترق؟ تالله إنها لإحدى الكبر أن يخفى مثل هذا على أحد من المسلمين، فكيف بشيخ الإسلام وتلميذه ابن

القيم الهمام ونحن دائماً نغترف من بحر علومهما ونستضيء بنور أدلتهما في إزالة الشكوك والأوهام، في كثير مما اختلف فيه الناس قديماً وحديثاً، وعلى سبيل المثال المناسب للحال أذكر هنا ملخصاً فتوى لابن تيمية جاءت في " مجموع الفتاوى " (4/ 324): "سئل الشيخ رحمه الله تعالى: هل صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن الله تعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك؟ " فأجاب: "لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث، بل أهل الحديث متفقون على أن ذلك كذب مختلق، وإن كان قد روي بإسناد فيه مجاهيل، وأمثال هذه المواضع فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذباً، كما نص عليه أهل العلم، فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله؛ فإنه من أعظم الأمور خرقا للعادة من وجهين: 1 - من جهة إحياء الموتى: 2 - ومن جهة الإيمان بعد الموت، ثم هذا خلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع قال الله تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما. وليس التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار} (النساء:17 18). فبين الله تعالى أنه لا توبة لمن مات كافراً. وقال تعالى: {فلم يك ينفعهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون} (غافر:85) فأخبر أن سنته في عباده أنه لا ينفع الإيمان بعد رؤية البأس فكيف بعد الموت؟ " قلت: فمن يفتي بهذا كيف يعقل أن يقول بنقيضه، لولا الذهول الذي نوهت

عنه، بل إنه زاد على ذلك فقال ابن تيمية فيما تقدم من رسالته (ص 13): "ولو قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة "! ويا سبحان الله أين هو من مثل قوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} (الأعراف:156) وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن لله مائة رحمة، سأنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس، والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة». أخرجه الشيخان، وكذا أحمد، والحاكم وصححه، من طرق عن أبي هريرة بلفظ: «فيكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة»، وله بعض الشواهد خرجتها معه في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (رقم 1634) فالآية الكريمة والحديث الشريف صريحان في أن الرحمة إنما هي للذين يستحقونها من المؤمنين، كلما كان المؤمن لله أتقى كلما كان بها أحظى، وليس الأمر كما يرجو بعض المهابيل من الذين يترنمون بقول شاعرهم البوصيري: لعل رحمة ربي حين يقسمها ... تأتي على حسب العصيان في القسم كيف هذا وربنا يقول: [والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروق وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطعيون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم] (التوبة/71) ويقول: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم} (البقرة:218) ولذلك كان من دعاء الملائكة الذين يحملون العرش: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} (غافر:7). فكل من وقاه الله تبارك وتعالى عذاب الجحيم فهو منغمس في رحمة الله يومئذ، كما هو صريح قوله عز وجل: {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرت بعد إيمانكم فذقوا العذاب بما كنتن تكفرون. وأما الذين ابيضت

وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} (آل عمران:106 و107). فكيف يقول ابن تيمية: «ولو قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة "، فكأن الرحمة عنده لا تتحقق إلا بشمولها للكفار المعاندين الطاغين، أليس هذا من أكبر الأدلة على خطأ ابن تيمية وبعده هو ومن تبعه عن الصواب في هذه المسألة الخطيرة؟ فغفرانك اللهم. ولعل ذلك كان منه إبان طلبه للعلم، وقبل توسعه في دراسة الكتاب والسنة، وتضلعه بمعرفة الأدلة الشرعية في الوقت الذي كان يحسن الظن بابن عربي الصوفي القائل بأن عذاب الكفار في النار لا يستمر، بل ينقلب عليهم إلى عذوبة يتلذذون بها كما في " حادي الأرواح " (2/ 168) فلما تبين له حاله رجع عنه كما تحدث بذلك هو نفسه فقال كما في " مجموع الفتاوى " (2/ 464 - 465): "وإنما كنت قديماً ممن يحسن الظن بابن عربي ويعظمه لما رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثير من " الفتوحات " " والدرة الفاخرة " و" مطالع النجوم "ونحو ذلك، ولم نكن بعد اطلعنا على حقيقة مقصودة ولم نطالع " الفصوص" ونحوه. . .». ومثله جزمه بحياة الخضر عليه الصلاة والسلام مع إبطاله لحديث «لو كان الخضر حياًّ لزارني» وقوله: بل المروي في " مسند الشافعي وغيره أنه اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومن قال إنه لم يجتمع بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد قال ما لا علم له " (¬1). ذكر له ذلك في فتوى له تجد نصفها في (المجموع) (4/ 338 - 340) انظر (10/ 46). ¬

(¬1) يشير إلى حديث وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - واجتماع الصحابة حوله ومجيء الخضر عليه السلام وتعزيته إياهم، وهو حديث موضوع خرجته في " الضعيفة " (5204). [منه].

فإن المعروف عنه رحمه الله أنه يقول بموت الخضر عليه السلام, كما هو قول كثير من الأئمة كالإمام البخاري، وقد صرح بذلك في كثير من رسائله وفتاويه فقال في " زيارة بيت المقدس " (27/ 18): " وكذلك الذي يرون الخضر أحياناً هو جني لبس على المسلمين الذي رأوه، وإلا فالخضر الذي كان مع موسى عليه السلام مات، ولو كان حياًّ على عهده رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لوجب عليه أن يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ويؤمن به ويجاهد معه. . . ولم يذكر أحد من الصحابة أنه رأى الخضر، ولا أنه أتى إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن الصحابة كانوا أعلم وأجل قدراً من أن يلبس الشيطان عليهم، ولكن لبس على كثير ممن بعدهم. . . ". وقال في موضع آخر (27/ 100): "والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت، وأنه لم يدرك الإسلام، ولو كان موجوداً في زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لوجب أن يؤمن به ويجاهد معه. . . وإذا كان الخضر حياً دائماً فكيف لم يذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك قط، ولا أخبر به أمته ولا خلفاؤه الراشدين؟ " قلت: حتى ولا ذكر ذلك لأمين سره حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فمن ذا الذي يدعي بعد ذلك أنه علمه ما لم يعلم هؤلاء الأجلة العظماء رضي الله عنهم. وقد صرح ابن تيمية بموت الخضر في مواطن أخرى كثيرة فانظر مثلاً (1/ 249) من " المجموع "، أليس في ذلك دليل واضح على أن فتواه الأولى بحياة الخضر كانت في أول أمره ولا سيما وقد احتج لها بحديث الشافعي وهو موضوع كما هو مبين في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " برقم (5204) فيه القاسم بن عبد الله العمري قال أحمد: " كان يكذب ويضع الحديث ".

ومن ذلك أنه كان يفتي بنجاسة الزيت ونحوه إذا وقعت فيه نجاسة مثل الفأرة الميتة، كما هو مذهب الشافعي وغيره، اعتماداً منه على حديث أبي داود: «إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوا سمنكم، وإن كان مائعا فلا تقربوه». فلما تبين له أن قوله فيه: «وإن كان مائعا فلا تقربوه» ضعيف رجع عنه إلى القول: بعدم التفريق بين المائع والجامد، وأن العبرة في كل ذلك إنما هو التغير، فقال في فتوى له: " وهذا هو الذي تبين لنا ولغيرنا ونحن جازمون بأن هذه الزيادة ليست من كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلذلك رجعنا عن الإفتاء بها بعد أن كنا نفتي بها أولاً، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل " " مجموع الفتاوى" (21/ 515 - 516) (¬1). ونحوه رجوعه عن بعض أحكام المناسك التي كان قلد فيها من قبله من العلماء كما قال في "منسكه " (المجموع 26/ 98). ولا غرابة في أن يكون لمثله أكثر من قول واحد في بعض المسائل، وأن يخطئ في بعض آخر؛ فإن ذلك من الأمور الطبيعية التي لا يخلو منها أحد من العلماء بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن من المعلوم أن أحدهم كلما طال به الزمن في طلب العلم، وتقدم به في ذلك العمر، كلما ازداد به معرفةً ونضجاً، وهذا هو السبب في كثرة الأقوال التي تروى في المسألة الواحدة عن بعض الأئمة المتبوعين، وبخاصة منهم الإمامين أحمد وأبا حنيفة، وتميز الإمام الشافعي من ¬

(¬1) وانظر " المسائل الماردينية " لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق زهير الشاويش (ص 27) طبع المكتب الإسلامي. [منه].

بينهم بمذهبه القديم والجديد، وهذا أبو الحسن الأشعري - إمام الأشاعرة في العقيدة - نشأ في الاعتزال أربعين عاماً يناظر عليه، ثم رجع عن ذلك وصرح بتضليل المعتزلة، وبالغ في الرد عليهم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " المجموع " (4/ 72). وقد صرح بهذه الحقيقة الإمام أبو حنيفة رحمه الله حين نهى أبا يوسف عن تقليده فقال له: "ويحك يا يعقوب، لا تكتب كل ما تسمع مني، فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً وأتركه بعد غد". ولذلك تتابعت أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم في النهي عن تقليدهم، وجرى في ذلك على سننهم كل من جاء بعدهم من العلماء المحققين من أمثال ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وجريت أنا على هذا الذي خططوه لنا في كل ما تبين من العلم كما تراه موضحاً في مقدمة "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ". وهذا هو السبب الذي يحملني على أن لا أحابي في ذات الله أباً، أو أداري في دين الله أحداً، فترانا هنا نرد على شيخ الإسلام ابن تيمية قوله بفناء النار، ولا نداريه مع عظمته في نفوسنا، وجلالته في قلوبنا فضلاً عن أننا لا نقلده في ديننا، خلافاً لما عليه عامة المقلدة الذين يحملهم إجلالهم لإمامهم على تقليده، ونبذ قول كل من خالف، حتى ولو كان المخالف هو النبي محمداً - صلى الله عليه وسلم -، بديل أن يتخذوه وحده قدوةً ولا يشركوا معه في ذلك أحداً كما هو الواجب (¬1) بل إنهم ليصرحون بخلاف ذلك كما قال أحدهم اليوم في كتيب له: ¬

(¬1) انظر كلام الحافظ ابن رجب الحنبلي في " صفة الصلاة " (ص 32 - 33) الطبعة العاشرة - نشر المكتب الإسلامي. [منه].

" أفلا يحق لنا أن نعتبر من واقع غيرنا (يعني السلفيين) فنثبت عند أقوال الإمام الذي يسر الله تعالى لنا الاقتداء به منذ أول نشأتنا " (¬1). ونحن نقول بقول رب العالمين في القرآن الكريم: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير]؟ فأين أنت يا هذا من قوله تبارك وتعالى: [لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}؟ وغير ذلك من النصوص التي توجب على كل مسلم اتباعه - صلى الله عليه وآله وسلم - دون سواه {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} ولكن {من لم يجعل الله له نورا فما له من نور}. وإذا كان هذا موقف المقلدة من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فماذا يكون موقفهم من المحبين له، المخلصين في الاقتداء به، لا سيما إذا كان من العلماء العاملين المعروفين بالرد على كل من خالف شرعة رب العالمين؛ كابن عربي وابن الفارض القائلين بوحدة الوجود، وأن الخالق هو عين المخلوق، وعلى غيرهم من علماء الكلام والمتصوفة والمقلدة، وسائر الهالكين من الأنام، ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإننا نرى المقلدة في كل عصر ومصر يعادونه أشد العداء، لا سيما إذا عثروا له على قول خالف فيه العلماء كمسألتنا هذه، فهناك تراهم يصولون ويجولون، ومن عرضه ينالون، وفي دينه يطعنون، بل وبالكفر والضلال يصرحون، كما يفعل الكوثري والحبشي وغيرهما اليوم، وهم - مع الأسف -كثيرون، ولكنهم غثاء كغثاء السيل؛ لأنهم بالقرآن لا يعملون، بل هم عنه يعدلون، إلى تحكيم أهوائهم، وإلا فأين هم من قوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن ¬

(¬1) انظر مقدمتي للطبعة الثالثة لكتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات" للشيخ نعمان الآلوسي بتحقيقي ونشر المكتب الإسلامي. [منه].

لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}. فهل من العدل في شيء أن يتخذوا شيخ الإسلام رحمه الله غرضاً للتكفير والتضليل لقوله هذا ونحوه من الأقاويل، ولا ينبسون ببنت شفة في حق ابن عربي مثلاً الذي ملأ الدنيا بالكفريات والأضاليل، وهلك بسببه الألوف المؤلفة من خاصة المسلمين، فضلاً عن عامتهم المهابيل، فضلُّوا جميعا عن سواء السبيل، مع البون الشاسع والفرق اللامع بين الرجلين؛ فإن عربي ليس له ذكر ولا أثر في العلوم الإسلامية، كالتفسير والحديث والفقه كما لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، الذي شهد بفضله وغزارة علمه القريب والبعيد، والحبيب والبغيض فهم، جميعاً يغترفون من بحر علومه بأوفى نصيب، فهو بحق كما قال السيد محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى: " رحم الله شيخ الإسلام وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فوالله إنه ما وصل إلينا من علم أحد منهم ما وصل إلينا من علمه: في بيان حقيقة هذا الدين، وحقيقة عقائده، وموافقة العقل السليم وعلومه للنقل الصحيح من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل لا نعرف أحداً منهم أوتي مثل ما أوتي من الحجج بين علوم النقل وعلوم العقل بأنواعها، مع الاستدلال والتحقيق دون محاكاة أو تقليد" (¬1). وما لنا نذهب بعيداً، فهناك بعض الأئمة المتقدمين ممن يقلدهم اليوم جماهير المسلمين، ممن ذهب إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، مع مخالفة ذلك لأدلة الكتاب والسنة الصريحة وأقوال سلف هذه الأمة، مما هو معروف ومبسوط في ¬

(¬1) من مقدمة " مجموعة الفتاوى ". [منه].

محله، فلماذا مع ذلك يعتذر عنه بعض المقلدين وجمهورهم له يقلدون، وعن ابن تيمية يزورن، بل وله يعادون، والحكم واحد فهلاّ ساقوهما مساقاً واحداً، واعتذروا عنهما كليهما بجامع كونهما من أفاضل العلماء الأتقياء أم الأمر كما قال الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا ولست بالذي يتبع عثرات العلماء، وإنما هي الأمثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون، فينصفون ابن تيمية ولا يظلمون، وإلا فإن من فضائل ابن تيمية التي حرمها المقلدة علماً وعملاً تحذيره عن تتبع زلات العلماء، وعن التكلم فيهم؛ لأن الله عفا عما أخطؤوا فيه، فقال في آخر رسالته في تحريم الشطرنج في " المجموع " (32/ 239) ما نصه: " وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء كما ليس له أن يتكلم في أهل العلم والإيمان إلا بما هم له أهل؛ فإن الله تعالى عفا عن المؤمنين عما أخطؤوا كما قال تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال الله: قد فعلت" (¬1). وأمرنا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا، ولا نتبع من دونه أولياء، وأمرنا أن لا نطيع مخلوقاً في معصية الخالق، ونستغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان فنقول: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} (¬2). وهذا أمر واجب على المسلمين في كل ما كان يشبه هذا من الأمور، ونعظم ¬

(¬1) رواه مسلم. [منه]. (¬2) سورة الحشر الآية 10: [والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم]. [منه].

أمره تعالى بالطاعة لله ورسوله، ونرعى حقوق المسلمين لا سيما أهل العلم منهم كما أمر الله ورسوله، ومن عدل عن هذه الطريقة فقد عدل عن اتباع الحجة إلى اتباع الهوى في التقليد، وآذى المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فهو من الظالمين، ومن عظم حرمات الله وأحسن إلى عباد الله كان من أولياء الله المتقين ". {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}. وإن مما يمنع توجيه الطعن في ابن تيمية لقوله بفناء النار علاوة على ما ذكرنا آنفاً؛ أن له قولاً آخر في المسألة، وهو عدم فنائها كما سبق بيانه بالنقل عنه، وإذا كنا لا نعلم أي القولين هو المتأخر فمن البدهي أن الطاعن لا بد له من الجزم بأنه هو الأول، ودون هذا خرط القتاد، وأما نحن فإن حسن الظن الذي أُمِرنا به يقتضينا بأن نقول: لعله القول الآخر؛ لأنه موافق للإجماع الذي نقله هو نفسه فضلاً عن غيره كما تقدم، وقد يؤيده هذا أن ابن القيم نقله أيضاً كما سبق في قصيدته " الكافية الشافية " فالظاهر أنه مات على ذلك؛ لأنها قرئت عليه في آخر حياته فقد ترجمه الحافظ ابن رجب الحنبلي في " طبقاته " وذكر في آخرها ما يشعرنا بذلك فقال: (2/ 448): " ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة وأشياء من تصانيفه وغيرها ". أقول فإذا صح ظننا هذا فالحمد لله، وإلا فأسوأ ما يمكن أن يقال: إنه خطأ مغفور لهما بإذن الله تعالى؛ لأنه صدر عن اجتهاد صادق منهما، ومعلوم أن المجتهد مأجور ولو أخطأ، كما جاء في الحديث الصحيح: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد». متفق عليه وقد تقرر في الأصول أن الخطأ مغفور ولو في المسائل العلمية كما حققه شيخ

الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه وفتاويه (¬1). هذا بالإضافة إلى ما لهما من الجهاد والبلاء الحسن في الدعوة إلى العمل بالكتاب والسنة والرد على المبتدعة والفرق الضالة، وتقديم الإسلام إلى المسلمين صافياً نقياًّ على منهج السلف الصالح، وإن ما نراه اليوم في العالم الإسلامي من نهضة فكرية وعلمية ودعوة سنية سلفية فهو ثمرة من ثمار جهادهما وصبرهما جزاهما اله تعالى عن الإسلام والمسلمين خيراً. ولذلك رأينا المصنف رحمه الله تعالى مع أنه لم يقصِّر في الرد عليهما، فإنه لا يذكرهما إلا مقروناً بالإجلال والإكبار وبخاصة الشيخ ابن تيمية، فإنه وصفه في أول الكتاب بـ " العلامة شيخ الإسلام " أو يذكره بهذا اللقب كثيراً ووصفه في مكان آخر (ص 120): "بتبحره في العلوم، وسعة اطلاعه على أقوال السلف والخلف " وصدق من قال: " إنما يعرف الفضل لذوي الفضل أهل الفضل " (¬2). أقول هذا؛ لأن كثيراً من المقلدة المتعصبة تقزز نفوسهم من إطلاق لقب " شيخ الإسلام " على ابن تيمية رحمه الله تعالى، حتى أن العلاء البخاري الحنفي المتعصب كفر من يلقبه به، وقد رد عليه أحسن الرد الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي في كتابه القيم " الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية (شيخ الإسلام) كافر "، ذكر فيه نحو المائة من كبار العلماء المشهورين من مختلف المذاهب وكلهم يلقب ابن تيميه يلقبه: (شيخ الإسلام). وقد قام بتحقيقه والتعليق عليها أخونا الأستاذ زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي جزاه الله ¬

(¬1) انظر " مجموع (الفتاوى " (19/ 403 و30/ 19 - 36). [منه]. (¬2) وقد روى مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح بل هو موضوع كما هو مبين عندي في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (3227). [منه].

خير الجزاء على جهده القيم. أقول هذا بياناً للحقيقة، وإلا فأنا أعلم أن هذا اللقب وغيره مما هو مستعمل اليوم لم يكن معروفاً عند السلف، فالخير كله في الاتباع، ولا سيما وقد صار مبتذلاً في العصور المتأخرة، بحيث أنهم يطلقونه نفاقاً ورياء على من لا علم عنده، بل هو ممن يصدق عليه المثل الشهير:"لا في العير ولا في النفير". ولعل من ألطاف الله تعالى بالشيخين رحمهما الله تعالى أننا لم نر أحداً - فيما اطلعنا - تبعهما على ذلك القول بالفناء، فهذا شارح العقيدة الطحاوية مثلا فإنه مع كونه لا يكاد يخرج فيه عما ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله تعالى، فإنه ههنا ذكر أدلة هذا القول، ثم ذكر أدلة القول الآخر وهي ملخصة من كلام ابن القيم، ولم يرجح شيئاً منهما، ذكر ذلك تحت قول الطحاوي المتقدم: " والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ". وأما العلامة السفاريني فقد رأيته تعرض للموضوع في كتابه " شرح الدرة المضية في عقد الفرق المرضية " ونقل فيه طرفاً من بحث ابن القيم، ولكنه صرح بمخالفته، فإنه ذكر بعض الآيات المستلزمة لدوام العذاب وحديث ذبح الموت المتقدم ثم قال (2/ 234 - 235): "فثبت بما ذكرنا من الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة خلود أهل الدارين خلوداً مؤبداًّ، كل بما فيه من نعيم وعذاب أليم، وعلى هذا إجماع أهل السنة والجماعة، فأجمعوا أن عذاب الكفار لا ينقطع كما أن نعيم أهل الجنة لا ينقطع، وقد ألف العلامة مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي رسالة سماها " توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين ".

وهذا ما ذهب إليه الشيخ نعمان الآلوسي فإنه تعرض للمسألة في كتابه " جلاء العينين في محاكمة الأحمدين " (ص 420 - 424) نقل فيه الأقوال السبعة في عذاب أهل النار وقال: " وأما بداية النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف والأصح عدم فنائها أيضا ". ثم قال في قول ابن تيمية: "واعلم أن الإمام ابن القيم قدس الله تعالى روحه انتصر لهذا القول انتصاراً عظيماً، ومال إليه ميلاً جسيماً، وذكر خمسة وعشرين دليلاً، ثم رجع القهقرى وقال: إن قيل: إلى أين انتهى قدمك في هذه المسألة العظيمة؟ قيل: إلى قوله تعالى {إن ربك فعال لما يريد} وإلى هنا انتهى قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه (¬1) فيها حيث ذكر دخول أهل الجنة وأهل النار وما يلقاه هؤلاء وهؤلاء قال: ثم يفعل لك بعد ذلك ما يشاء. ثم قال: وما ذكرناه في هذه المسألة من صواب فمن الله سبحانه وهو المنان، وما كان من خطأ فهو مني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه ". قلت: وقوله (¬2) في ابن القيم: " ثم رجع القهقرى وقال. . . " نظر عندي؛ لأنه ليس صريحاً في ذلك، وغاية ما يمكن أن يؤخذ منه أنه لم يجزم بما دندن حوله من الانتصار للقول بفناء النار، ومناقشة أدلة المخالفين ورده عليها مما سترى الرد ¬

(¬1) الأصل: كرم الله تعالى وجهه. والتصويب من " حادي الأرواح " (2/ 228) وقد ذكر ابن القيم نحو هذه الخاتمة وأطول في " شفاء العليل " (ص 264). [منه]. (¬2) كذا، ولعل صواب العبارة: و [في] قوله. كما هو ظاهر.

عليه فيها في الكتاب إن شاء الله تعالى، ولكن ذلك لا ينفي ميله إلى ترجيحه إياه، وإلا كانت دندنته {كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا} وهذا مما لا يليق أن يقال في مثله كما لا يخفى، ويؤيد هذا أن خاتمته للبحث في " شفاء العليل " التي أشرت إليها آنفا أقوى في الدلالة على ما ذكرت فإنه قال ما خلاصته (ص 264): "وأنا في هذه المسألة على قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه ذكر دخول أهل الجنة. . . والقول بأن النار وعذابها دائم بدوام الله خبر عن الله بما يفعله، فإن لم يكن مطابقا لخبره عن نفسه بذلك، وإلا كان قولا عليه بغير علم، والنصوص لا تفهم ذلك. والله أعلم ". قلت: فقوله: " والنصوص لا تفهم ذلك " صريح منه بأنه لا يختار القول ببقاء النار، فهو إذن يميل إلى القول بفنائها، غير أنه لا يقطع بذلك لأنه يشعر أنه ليس لديه دليل قاطع فيه، وإنما هو فهمه واستنباطه، ولذلك ترك فيها مجالاً للأخذ والرد كما هو شأن العلماء المنصفين الذين لا يفرضون رأيهم على الآخرين، لا سيما في مثل هذا الفهم الذي أجمع العلماء على خلافه ومما يؤكد ذلك قوله في خاتمة بحثه في " الصواعق ": ". . . فتأمل هذا الوجه حق التأمل، وأعطه حقه من النظر، واجمع بين ذلك وبين معاني أسمائه وصفاته، وما دل عليه كلام الله وكلام رسوله، وما قاله الصحابة ومن بعدهم، ولا تبادر إلى القول بلا علم، ولا إلى الإنكار، فإن أسفر لك صبح الصواب، وإلا فرد الحكم إلى ما رده الله إليه بقوله {إن ربك فعال لما يريد} وتمسك بقول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، وقد ذكر دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ووصف حالهما ثم قال: ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء". ولكني ألاحظ في هذا النص أنه يأمر فيه من لم يتبين الصواب أن ينهي إلى

قوله تعالى: {إن ربك فعال لما يريد} وقول علي المذكور وذلك ما انتهى هو إليه في خاتمة " الحادي ". فهل يعني ذلك أن ابن القيم نفسه بعد تلك المناقشة الطويلة لم يتبين له الصواب فانتهى إلى ما أمر به من لم يتبين له الصواب، أم هو التردد في مثل هذه المسألة الخطيرة التي كان الأولى به أن يقف فيها حيث وقف العلماء، ولا يدخل نفسه في مضايق لا قبل للعقل البشري أن يدخلها؟ ويؤسفني والله جدا قوله المتقدم: " والنصوص لا تفهم ذلك " كيف يتجرأ على مثل هذا القول، والنصوص قاطعة في ذلك من الكتاب والسنة كما تقدم، فلا جرم أجمعت على مدلولها الأمة، فالحق والحق أقول: لقد أصيب ابن القيم في هذه المسألة مع الأسف الشديد بآفة التأويل التي ابتلي بها أهل البدع والأهواء في مقالتهم التي خرجوا بها عن نصوص الكتاب والسنة، فرد عليهم ذلك هو وشيخه ابن تيمية أحسن الرد في كتبهما الكثيرة المعروفة، فما باله وقع في مثل ما وقعوا من التأويل. ولقد كان أوله (¬1) في تأويلهما قول عمر على انقطاعه: " لو لبث أهل النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه ". فاستدلا به على الفناء المزعوم، وهو صريح في الخروج من النار، وهما لا يقولان به، وهكذا تأولوا كثيرا من الآثار بالفناء وهي في الخروج كما ستراه مفصلا في الكتاب بإذن الله تعالى. ثم قال الشيخ نعمان الآلوسي في " محاكمة الأحمدين " ص (424): " ونقل الوالد قدس الله تعالى روحه في " تفسيره " عن الفهامة ابن الجوزي: أنه ضعف ¬

(¬1) كذا.

بعض الآثار الواردة في ذلك. " ثم ذكر خبر ابن عمرو الآتي (ص 81) ثم قال: وأول البعض أيضاً بعضها قال: "وأنت تعلم أن خلود الكفار مما أجمع عليه المسلمون لا عبرة بالمخالف، والقواطع أكثر من أن تحصى، ولا يقاوم واحداً منها كثير من هذه الأخبار". قلت: ولو كان العلم بالتمني لتمنيت أن يكون ما عزاه العلامة الشيخ جمال الدين القاسمي لابن القيم صحيحاً، ولكنها من أوهام العلماء فقد قال في تفسيره "محاسن التأويل" (6/ 2503 - 2504): "وقد بسط البحث وَجَوَّدَ الإمام ابن القيم في كتابه " حادي الأرواح " ومع كونه انتصر لهذا القول انتصاراً عظيماً وذكر له خمسة وعشرين دليلاً؛ لم يصححه حيث قال: وأما أبدية النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف، والأصح عدم فنائها. أيضاً." انتهى. فقوله: " وأما أبدية النار. . . " إلخ. إنما هو من كلام الشيخ نعمان الآلوسي كما تقدم نقله عنه توهمه الشيخ القاسمي - على ما كان عليه من الوعي - أنه من كلام ابن القيم وبناء عليه قال: " لم يصححه ". فهو وهم آخر نشأ من الوهم الأول، فسبحان من لا يسهو ولا يهم. هذا - ثم إن ابن القيم - عفا الله عنا وعنه لم يقنع بميله إلى القول بفناء نار الكفار، وتخلصهم به من العذاب الأبدي في تلك الدار، حتى طمع لهم في رحمة الله أن ينزلهم منازل الأبرار، جنات تجري من تحتها الأنهار، ذلك ما يظهر لنا من بعض الأدلة التي ساقها تأييداً للقول بفناء النار، وهو مما نبه عليه المؤلف رحمه الله معقبا على قول ابن القيم: " ثم تفنى ويزول عذابها " فقال (ص 64):

" يريد: ويدخل الله من كان فيها من الكفار الجنة، كما ستعرفه من الأدلة التي ذكرها ". وأعاد هذا المعنى في مكان آخر (ص 120). وإن مما لا شك فيه أن هذا الذي استظهرناه هو في الخطورة والإغراق كقوله بالفناء إن لم يكن أخطر منه؛ لأنه كالثمرة له، ولأنه لا قائل به مطلقاً من المسلمين بل هو من المعلوم من الدين بالضرورة للأدلة القاطعة بأن الجنة محرمة على الكفار كقوله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} (المائدة:72) وقوله: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} (الأعراف:40) وكقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي أمر الذي أمر بالمناداة به يوم حنين: «إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة». أخرجه البخاري ومسلم (01/ 74) عن أبي هريرة وله مثله عن عمر بلفظ «. . . إلا المؤمنون» وله شواهد فانظر «إرواء الغليل» (963) إن شئت. ويكفي في ذلك قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء:48). فإننا نعلم بالضرورة أن من دخل الجنة فقد غفر الله له وعلى العكس. ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بحث له في " المجموع " (14/ 476 - 477) " "ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد وهم أهل {لا إله إلا الله} ". ثم قال: "ولكن لا يعذب الله أحدا حتى يبعث إليه رسولاً، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه".

قلت: ومثل هذا مما لا يخفى على ابن القيم، بل هو ممن صرح بذلك في غير ما موضع من كتبه، فهو يقول مثلاً في " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ". (ص 89): "إن الله حرم الجنة على كل مشرك". بل إنه لما حكى في " الحادي " (2/ 169 - 170) قول من يقولك أن أهل النار يعذبون فيها إلى وقت محدود، ثم يخرجون منها، ويخلفهم آخرون، أبطله بعدة آيات ساقها كلها صريحة في عدم خروج أهل النار منها، وكان آخرها آية الأعراف المتقدمة: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}. قال عقبها: "وهذا أبلغ ما يكون في الإخبار عن استحالة دخولهم الجنة " وحينئذ كيف يصح ما سبق من استظهارنا أن ابن القيم يميل إلى القول بأن الكفار يدخلون الجنة بعد العذاب؟ والذي يدور في ذهني من الجواب على وجهين: الأول: إما أن يقال: أن صريح كلامه ينافي ما وصل إليه باستنباطه فهو الذي ينبغي الاعتماد عليه ونسبته إليه وهو الأحب إلي. والآخر: أن يجمع بين الصريح والمستنبط فيقال: الصريح يريد به دخول الكافر الجنة بعد خروجه من النار، فهذا هو المستحيل، وأما المستنبط فإنما يريد به دخول الجنة بعد فناء النار. وهذا الجمع وإن بدا غريباً، فليس بأغرب من تفريقه بين انتهاء عذاب الكفار بخروجهم من النار، فهذا مستحيل أيضاً وفقاً لجميع العلماء، وبين انتهاء عذابهم بفناء النار فهذا أمر جائز، بل واقع عنده، ويجادل فيه، ويصول ويجول ويتأول النصوص الصريحة المخالفة له، مما لا نعرفه عنه وإنما عن أهل البدع والأهواء

الذين قضى حياته هو وشيخه في الرد عليهم، والكشف عن ضلالتهم، وبغير هذا الجمع لا يمكن أن يفهم كلامه في رده على مخالفيه، فانظر إلى قوله في " الحادي " (2/ 185): " وأما الطريق الثاني وهو دلالة القرآن على بقاء النار وعدم فنائها، فإن في القرآن دليل واحد يدل على ذلك؟ نعم الذي دل عليه القرآن: أن الكفار خالدين في النار إلى الأبد وأنهم غير خارجين منها و. . . و. . . و. . . وليس هذا مورد النزاع وإنما النزاع في أمر آخر وهو أنه هل النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء. قال: "وأما كون الكفار لا يخرجون منها و {لا يفتر عنهم} من عذابها {ولا يقضى عليهم فيموتوا} {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجميل في سم الخياط} فلم يختلف في ذلك الصحابة والتابعون ولا أهل السنة فهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية ولا يخرجون منها ... مع بقائها البتة" (¬1). فتأمل نقله اتفاق الصحابة ومن بعدهم على أنهم لا يدخلون الجنة كما في الآية الكريمة، فإنه لا يتفق مع ميله إلى أنهم يدخلون الجنة يوماً ما إلا يحمل (¬2) الدخول المنفي على دخول مقرون بخروجهم من النار، والدخول المثبت على دخولهم بعد فناء النار، كما ذكرنا، وهذا المعنى يكاد يكون صريحاً في سياق كلامه على هذه الطريق في كتابه " شفاء العليل "، فإنه قال بعد الآيات النافية المتقدمة بما فيها الآية النافية لدخولهم الجنة قال (ص 260): "وهذه الطريق لا ¬

(¬1) وقد لخص المؤلف رحمه الله هذا الكلام ورد عليه في مواطن منها (ص 118). [منه]. (¬2) كذا، ولعل صوابها: إلا [أن] يحمل.

تدل على ما ذكروه، وإنما يدل على أنها ما دامت باقية فهم فيها، فأين فيها ما يدل على عدم فنائها؟ " قلت: فكأنه يريد أن يقول: وأين الدليل أيضا في الآية المذكورة على نفي دخولهم الجنة بعد فناء النار؟ فيا سبحان الله ما يفعل التأويل بأهله، وإلى حضيض سحيق يهوون به فيه، وإلا فقل لي بربك: كيف يمكن لابن القيم أن ينكر أبدية النار ببقاء أهلها فيها وعدم دخولهم الجنة مطلقاً لولا تشبثه بذاك التأويل البشع، وهو المعروف بمحاربته لعلماء الكلام من المعتزلة والأشاعرة لتأولهم كثيراً من آيات وأحاديث الصفات، كاستواء الله على عرشه، ونزوله إلى السماء، ومجيئه يوم القيامة، وغير ذلك من التأويل الذي هو أيسر من تأويله، فقد قال به كثير من المتأخرين خلافا للسلف، وأما تأويله فلم يقل به أحد منهم، لا من السلف، ولا من الخلف إلا تقليداً لشيخه، ولقد كان من الواجب عليه أن يلتزم بقول إمامه الذي قال ناصحاً لكل سلفي: " إياك أن تتلكم في مسألة ليس لك فيها إمام ". وكان في المحنة يقول: "كيف أقول ما لم يقل؟ " (¬1). وإن مما يتنبه له الباحث المتأمل أن يرى موقفين متباينين أشد التباين لابن تيمية رحمه الله تعالى؛ فإنه في الوقت الذي مال إلى القول بفناء النار وانتصر له ابن القيم ذاك الانتصار الغريب المتكلف، نرى ابن القيم نفسه قد عقد في " الحادي " ستة أبواب في مسألة أخرى هي أهون من هذه بكثير من حيث موضوعها، ومن حيث اختلاف العلماء فيها ألا وهي: جنة آدم عليه السلام التي أهبط منها هل هي ¬

(¬1) ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (10/ 320 - 341). [منه].

جنة الخلد التي وعد بها المتقون أم غيرها؟ على قولين للعلماء أطال النفس فيها جداً (ص 43 - 80) وذكر حجة كل منهما، وما له وما عليه، وعلى الرغم من أن من القائلين بأنها ليست جنة الخلد أبا حنيفة وأصحابه، وابن عيينة، كما حكاه ابن القيم، ومال إليه هو في آخر الباب الرابع (ص 68 - 69): على الرغم من ذلك نرى شيخ الإسلام ابن تيمية يرده بكل صراحة وشدة يقول في بعض فتاويه: "والجنة التي أسكنها آدم وزوجته عند سلف الأمة وأهل السنة والجماعة هي جنة الخلد، ومن قال إنها في الأرض بأرض الهند أو بأرض جدة أو غير ذلك فهو من المتفلسفة والملحدين، أو من إخوانهم المبتدعين، فإن هذا يقوله من يقوله من المتفلسفة والمعتزلة ". فأقول: أليس كان الأحق بمثل هذا الرد الأشد من قال بفناء النار أيا كان القائل؛ لأنه لم يقل به أحد حتى ولا المعتزلة، ولأن أدلته وهمية لا حقيقة لها، كما سيفصل المؤلف القول في ذلك تفصيلاً، ويبين بطلانها تبياناً بحيث لا يدع شبهة إلا أطاح بها، ولا متأثراً بها إلا أعاده إلى الصراط المستقيم يمشي عليه سوياًّ. غير أن هناك شبهة أخرى أوردها ابن القيم رحمه الله لم أر المؤلف جزاه الله خيرا تعرض لها فلا بد لي أن أذكرها لأرد عليها بما يبدو لي، راجياً منه تعالى أن يلهمني الصواب ويعصمني من الخطأ. قال في "الحادي " (2/ 221): " لو جاء الخبر منه سبحانه صريحاً بأن عذاب النار لا انتهاء له وأنه أبدي لا انقطاع له؛ لكان ذلك وعيداً منه سبحانه، والله تعالى لا يخلف وعده، وأما الوعيد فمذهب أهل السنة كلهم: أن إخلافه كرم وعفو، وتجاوز بمدح الرب تبارك وتعالى عليه، فإنه حق له إن شاء تركه وإن شاء استوفاه، والكريم لا يستوفي حقه، فيكف بأكرم الأكرمين، وقد صرح سبحانه في كتابه في غير موضع بأنه لا يخلف

وعده ولم يقل في موضع واحد لا يخلف وعيده وقد روى أبو يعلى. . . . عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: " من وعده الله على عمل ثواباًَ فهو منجزه، ومن أوعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار ". وأقول وبالله المستعان: أولاً: قد جاءت الأخبار كتاباً وسنةً بأبدية النار وعذابها كما تقدم فلا داعي للإعادة، وما تشبث به ابن القيم رحمه الله في خلاف ذلك مردود بل باطل، كما يأتي شرحه من المؤلف رحمه الله تعالى. ثانياً: ما ذكره: أن مذهب أهل السنة كلهم جواز إخلاف الله لوعيده، لا أعلمه بهذا الإطلاق، وقد بحث شيخ الإسلام الخلاف المعروف بين المرجئة والمعتزلة في الوعد والوعيد في مناسبات شتى فلم يذكر هذا (¬1) بل صرح بخلافه في بعض المواطن، فإنه بعد أن ذكر حديث الشفاعة وغيره في دخول بعض الموحدين النار وخروجهم منها قال: (16/ 196): " وفيه رد على من يقول: " يجوز أن لا يدخل الله من أهل التوحيد أحداً النار " كما يقوله طائفة من المرجئة والشيعة. . . ". فإذا لم يجز هذا الإخلاف في حق الموحدين، فكيف يجوز الإخلاف الأكبر الذي هو في حق المشركين؟ ثالثاً: " ولم يقل في موضع واحد: لا يخلف وعيده ". ¬

(¬1) انظر " فهرس مجموع الفتاوى " " أحكام عصاة الموحدين - الوعد والعيد " (1/ 137 - 138). [منه].

أقول: قد فاته - عفا الله عنا وعنه - قوله تعالى في (ق: 27 - 29) {قال قرينة ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد. قال لا تختصموا لذي وقد قدمت إليكم بالوعيد. ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عقبه (14/ 498): " وهذا يقتضي أنه صادق في وعيده أيضاً، وأن وعيده لا يبدل، وهذا مما احتج به القائلون بأن فساق الملة لا يخرجون من النار، وقد تكلمنا عليهم في غير هذا الموضع، لكن هذه (¬1) الآية يضعف جواب من يقول: أن إخلاف الوعيد جائز فإن قوله: {ما يبدل القول لدي} بعد قوله: {وقد قدمت إليكم بالوعيد} دليل على أن وعيده لا يبدل كما لا يبدل وعده". رابعًا: حديث أنس المذكور إسناده ضعيف كما كنت بنيته في " الأحاديث الصحيحة " (2463) وعلى فرض ثبوته فهو بمعنى قوله تعالى: [إن الله لا يفغر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء] وما في معناها من الأحاديث، أي: أن الحديث في الموحدين وليس في المشركين، فهؤلاء مستثنون من المغفرة بهذه الآية وغيرها. وإلى هذا أشار العلامة المرتضى اليماني بقوله في " إيثار الحق على الخلق " (ص 389): "والحق أن الله لا يخلف الوعيد إلا أن يكون استثنى فيه ". وهذا مما يشعر به قول ابن تيمية نفسه في " مجموع الفتاوى " (24/ 375) فإنه قال: "وأحاديث الوعيد يذكر فيها السبب، وقد يتخلف موجبه لموانع تدفع ذلك إما بتوبة مقبولة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفرة، وإما بشفاعة شفيع ¬

(¬1) كذا، ولعل صوابها: بهذه.

مطاع، وإما بفضل الله ورحمته ومغفرته فإنه {لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}. فهذا منه رحمه الله كالتفصيل لكلام ابن القيم، وهو يقيده ويبين أن الإخلاف للوعيد إنما يكون لمانع، من تلك الموانع وليس منها الشرك بداهةً، فإن الله لا يغفره. فتأمل في هذا يتبين لك خطأ ابن القيم في بعض مما يدعيه ويعزوه لأهل السنة دون قيد أو شرط، فيكون ذلك مثار شبهة عنده، تحمله على أن يتأول النصوص القاطعة الدلالة، فيخرج بذلك عما عليه أهل السنة والجماعة، فيقع في الخطأ من حيث لا يدري ولا يشعر. وإن من العجيب حقا أن ينفرد بالاغترار بكلامه في هذه المسألة الخطيرة العلامة السيد محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى؛ لما تعلم عنه من استقلاله في الفهم، وبعده عن الجمود والتقليد، فإنه مع ذلك تابعه عليه دون كل من وقفنا على كلامه من المحققين الذين وقفوا عليه ولم يتابعوه أمثال الآلوسي أباًّ وابناً وغيرهما ممن سبق ذكره، فقد نقل السيد رشيد كلام ابن القيم على طوله من " حادي الأرواح " في تفسير سورة (الأنعام) (ج 8 ص 69 - 99) تحت " فصل في الخلاف في أبدية النار وعذابها " وختمه مفصحاً عن إعجابه به بقوله: "وإنما أوردناه بنصه على طوله لما تضمنه من الحقائق التي نوهنا بها، ولأمر آخر أهم وهو أننا نعلم أن أقوى شبهات الناس من جميع الأمم على الدين قول أهل كل دين من الأديان المشهورة أنهم هم الناجون وحدهم وأكثر البشر يعذبون عذاباً شديداً دائماً لا ينتهي أبداً، بل تمر ألوف الألوف المكررة من الأحقاب والقرون ولا يزداد إلا شدة وقوة وامتدادا، مع قولهم ولا سيما المسلمين منهم: إن الله تعالى

أرحم الراحمين، وإن رحمة الأم العطوف الرؤوم بولدها الوحيد ليست إلا جزاءً صغيراً من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وهذا البحث جدير بأن يزيل شبهة هؤلاء، فيرجع المستعدون منهم إلى دين الله تعالى مذعنين لأمره ونهيه، راجين رحمته خائفين عقابه الذي تقتضيه حكمته؛ لأنهم لا يعلمون قدره " (¬1). قلت: هذا الكلام خيال لا حقيقة له في الواقع، لأن الأصل في هذه المسألة وغيرها من المسائل الاعتقادية الغيبية إنما هو الإيمان بما جاءنا عن الرحمن الرحيم العليم الحكيم، كما قال في القرآن الكريم: {هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب}. وهو الإيمان بكل ما غاب عن عقلك، فمن لم يؤمن بما أخبر به تعالى من خلود الكافرين في النار أبد العابدين (¬2)؛ لأن عقله لم يقبله فلن يؤمن بعقاب يبلغ مئات السنين أخبر به رب العالمين في مثل آية {لابثين فيها أحقابا}، ولو على افتراض أن له أمد (¬3) منتهياً " لا يعلمون قدره"! إذ أن لبثهم هذه المدة الطويلة التي تزيد على مدة عمرهم الذي قضوه كافرين أضعافاً مضاعفة، فلو أراد أحد أن يقنعهم بها وأنها عدل من الله فلن يصل إلى نتيجة معهم أبداً، اللهم إلا من طريق الإيمان بالله ورسوله. وإذا كان الأمر كذلك فمن العبث بل من الضلال؛ أن يحاول أحد إقناع ¬

(¬1) وقد أشرنا إلى الصواب في التعليق على " مختصر تفسير المنار " (ج2/ 541) مع أن السيد رشيد رضا - رحمه الله - لم يسترسل فيه، وهذا يدلك على فوائد مختصر المنار، وتعليقات الشيخ محمد كنعان، وقد قمت بمراجعته، وهو من مطبوعات. المكتب الإسلامي [منه]. (¬2) كذا، وصوابها: الآبدين. (¬3) كذا، وصوابها: أمداً.

المشركين في أصل الدين ببعض ما جاء فيه من العقائد من طريق العقل المجرد عن الإيمان، فإن هذا مع كونه لا يثمر معهم إلا الخسران، فإنه ليس من سبيل المؤمنين، بل هو سبيل المتأثرين بالفلسفة وعلم الكلام، الذي حملهم إلى تأول آيات وأحاديث الصفات، وتفسيرها بما يتناسب مع عقولهم، وأهواء أمثالهم من ضعفاء الإيمان، وربما فعل ذلك بعضهم لإقناع الآخرين، وإن كان هو في قرارة نفسه لا يؤمن بذلك التأويل، فهل يمكن أن يكون كلام السيد رشيد رضا من هذا القبيل، بغية إرشاد من ضل عن سواء السبيل؟ فقد كنت لقيت رجلا فاضلاً في بعض أسفاري إلى المغرب منذ بعض سنين يظهر أنه سلفي العقيدة فزرته في داره، ودار البحث في الدعوة السلفية هناك، وإذا به يصرح بأنه لا يرى مانعاً في سبيل تقريب الناس إليها من تأويل آيات الصفات وأحاديثها لإقناع المخالفين. فقلت له: عجباً كيف يمكن أن يكون هذا؟ إذ كيف تقدم إليهم معنى للنص أنت تؤمن بخلافه أولاً، ثم كيف تكون قد دعوته إلى مذهبك السلفي وقد قدمت إليه المعني الخلفي؟ إن أخشى ما أخشاه أن يكون هذا من باب قول من قال: "وداوني بالتي كانت هي الداء". وختامًا أقول: لقد خرجت من دراستي لهذه الرسالة النافعة للأمير الصنعاني رحمه الله تعالى بالعبر الآتية: الأولى: أنني ازددت إيماناً ويقيناً بالقول المأثور عن جمع من الأئمة: " ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " (¬1). فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية زلت به ¬

(¬1) انظر " صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص 26 - 27 - الطبعة العاشرة). [منه].

القدم فقال قولاً لم يسبق إليه ولا قام الدليل عليه ومن هنا قالوا: " زلة العالم زلة العالمَ " فلو أننا كنا مبتلين بتقليده كما ابتلي كل مقلد بتقليد إمامه، لزللنا بزلته ولذلك قالوا: " الحق لا يعرف بالرجل، اعرف الحق تعرف الرجال ". فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. الثانية: بطلان الخرافة التي يطلقها اليوم كثير من الكتاب الإسلاميين المعاصرين وفيهم بعض من يُجِلُّون شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الخلاف في الفروع وليس في الأصول. وقد يسارع بعض الجاحدين لعلم شيخ الإسلام وفضله، الحاقدين عليه لرده على أهل الأهواء والمبتدعة المبغضين له لإخلاصه في الدعوة لاتباع الكتاب والسنة، فيقول: إنما الخلاف في الأصول من ابن تيمية وأمثاله المخالفين للجمهور، والمثال أمامك. فأقول: كذبت والله؛ فإن الخلاف المذموم إنما يكون من المصرين عليه بعدما تبين لهم الحق كما في قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}. والشيخ رحمه الله لم يُعرف يوماً بالإصرار على الخطأ مهما كان نوعه، بدليل رجوعه عن كثير من آرائه التي كان عليها بعدما تبين له الحق، وقد ذكرنا فيما سبق نماذج منها، وأما خلافه في هذه المسألة فهي زلة منه بلا شك يغفرها الله له إن شاء الله تعالى، كفاه جهاده في سبيل الله إلى آخر رمق من حياته، حتى توفي في سجن دمشق مظلوماً بعيداً عن أهله وتلامذته وكتبه، ولغير ذلك من الأسباب التي سبق التحدث عنها.

والخلاف المذموم حقاً: إنما هو من أولئك المقلدين، الذين يصرون على التدين بالتقليد، والإعراض عن الاهتداء بهدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرة، والإخلاص له في اتباعه وحده دون سواه، الذي هو من لوازم الشهادة له بأنه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد أمرنا بطاعته استقلالاً لا يشاركه في ذلك أحد من البشر في غير ما آية من آيات الله تبارك وتعالى، فأي خلاف شر من هذا الذي عليه المقلد هذا الذي يظل {يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشرها بعذاب أليم} (الجاثية:8) فالخلاف حقيقة واقعة - مع الأسف - أصولاً وفروعاً، فلا يجوز تجاهلها أو الرضا بها، وإنما يجب على أهل العلم أن يحاولوا في كل قطر ومصر تقليله قدر الاستطاعة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بشيء واحد وهو تحكيم الكتاب والسنة في كل خلاف كما هو صريح قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. الثالثة: لقد وجدت في هذه الدراسة مثلا جديدا يضاف إلى الأمثلة العديدة التي كنت ولا أزال أشير إليها في كتابي " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها الشيء في الأمة " نصحاً وتحذيراً؛ لأن من آثارها السيئة أنها تصرف كثيراً من العلماء والفقهاء فضلاً عن غيرهم عن تبني الحكم الصحيح فيما هم فيه مختلفون من العقائد والأحكام، وقد تكون معارضته لنص أو نصوص في الكتاب والسنة الصحيحة، فقد وجدت أن الذي فتح لابن تيمية وابن القيم باب التورط في القول بفناء النار إنما هو بعض الآثار المروية عن بعض الصحابة والأحاديث المرفوعة جلها لا تصح أسانيدها ... "مقدمة تحقيق رفع الأستار" (ص7 - 49).

[1725] باب فناء نار العصاة وبقاء نار الكفار

[1725] باب فناء نار العصاة وبقاء نار الكفار [قال الإمام]: اعلم أن النار في الآخرة ناران: نار تفنى ونار تبقى أبداً لا تفنى، فالأولى هي نار العصاة المذنبين من المسلمين، والأخرى نار الكفار والمشركين، هذا خلاصة ما حرره ابن القيم في " الوابل الصيب " وهو الحق الذي لا ريب فيه، وبه تجتمع الأدلة، فلا تغتر بما ذكره الشارح هنا [أي شارح الطحاوية]، وابن القيم في " شفاء العليل " و" حادي الأرواح " مما قد ينافي هذا الذي لخصته؛ فإنهما لم يتبنيا ذلك، وليس فيه أي دليل صريح صحيح يدل على فناء نار الكافرين، والله تعالى كما قال في أهل الجنة: {لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين} (الحجر: 48) قال مثله في الكافرين: {وما هم بخارجين من النار} (البقرة: 167). وما روي عن عمر وغيره لا يصح إسناده كما بينته في تعليقي على " الشرح " [أي شرح الطحاوية] ثم في " الأحاديث الضعيفة " المجلد الثاني (606 - 607).فتنبه. "التعليق على متن الطحاوية" (ص85 - 87). [1726] باب هل يقول ابن تيمية وابن القيم بفناء النار؟ سؤال: السؤال هو أننا نعلم أن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى يعني أَجَلّ من أن يسقطوا في مسألة يعني انتشرت لاسيما مسألة فناء النار، فهل صحيح هذه الدعوى صحت في كتبهم أم تراجع عنها أم كيف؟ أريد جواب في هذا الأمر؟ الشيخ: القول بفناء النار زلة من زلات ابن تيمية، وأظنك إذا كنت مقدراً لعلم ابن تيمية بل لشخصه وعلمه وصلاحه، أنك سوف لا تكفر به إذا ما قلنا لك بأنه

ليس بنبي معصوم، أليس كذلك؟ مداخلة: نعم. الشيخ: حسناً، قوله بفناء النار قد قال ذلك، وهذه زلة لا ينبغي أن يتابع بل ولا أن يقلد فيها، وظني أنه رجع عنها، ظني -انتبه! - وإنما جاءني هذا الظن من كلام لتلميذه ابن القيم الجوزية؛ لأني أظن من متابعتي لأقوال الشيخ وآرائه وأحكامه، ومتابعتي لهذه الأشياء من تلميذه أيضاً أن التلميذ أتبع كما يقال لشيخه من ظله، مفهوم إلى هنا؟ فقلما نجد ابن القيم يخالف ابن تيمية، وحق له ذلك؛ لأن ابن تيمية رجل يعني جمع من العلم والصواب ما لا يحيط به كثير من كبار العلماء. فلما رأيت ابن القيم الجوزية ذكر في كتابه «الوابل الصيب في الكلم الطيب» أو «شرح الكلم الطيب» وهذا مشكوك فيه، يقول: النار ناران فنار تفنى ونار تبقى، النار التي تفنى هي نار الفساق من المؤمنين المسلمين، والنار التي لا تفنى هي نار الكفار، فإذاً ممكن أن يكون هذا الذي صرح به ابن القيم هو رأي ابن تيمية الذي انتهى إليه، لكن ما وقفنا على رأي ابن تيمية هذا الأخير من كلامه أو من قلمه إنما وجدنا بقلم تلميذه ابن القيم الجوزية رحمه الله. وهذا له يعني أمثلة كثيرة وكثيرة جداً، ... حديث: «من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار» (¬1). ابن تيمية في فتاواه «مجموعة الفتاوى» له كلام جيد بمناسبة هذا الحديث من جهة وله كلام غير جيد من جهة أخرى، الكلام الجيد هو يقول: أنه لم يكن من عادة السلف الصالح ولا من عادة الخلفاء الراشدين أن يقوم بعضهم للقادم قيام ¬

(¬1) "الصحيحة" (1/ 2627).

إكرام وتعظيم، لم يكن هذا من عادتهم ولذلك فهو يقول: ينبغي على الخلف أن يقتدي بالسلف في كل شيء ومن ذلك هذه المسألة. ثم يستثني وهذا من فقهه وحكمته يقول: لكن إذا كان المسلم يعيش في جو اعتاد الناس هذا القيام وفهمتم أي قيام أعني بهذا الكلام، رجل دخل شيخ مثلاً، لو دخل علينا الآن شيخ كبير لا شك أن بعضكم سيقوم له إكراماً وتعظيماً، وهذا موجود في أكثر البلاد الشامية. فيقول ابن تيمية: السنة عدم القيام، لكن إذا كان المسلم في جو اعتادوا مثل هذا القيام وإذا لم يقم يخشى أن يقع في نفس الحاضرين أو الداخل شيء من البغض والحقد ضد هذا الجالس الذي لم يقم، هنا يرى ابن تيمية القيام، وهذا داخل في باب دفع المفسدة الكبرى بالصغرى، قاعدة هذه فقهية عظيمة، الخطأ أين؟ يقول: هو ليس هذا القيام هو المقصود بقوله عليه السلام: «من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار»، قال: لأن المقصود بهذا الحديث هو القيام للقاعد يعني الملك جالس والوزراء والحاشية كلهم قيام على طريقة ما جاء في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري لما أصيب عليه السلام في عضده ولم يستطع صلاة الظهر قائماً فصلى قاعداً، فصلى الناس خلفه قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا، بعد الصلاة قال لهم: «كدتم آنفاً أن تفعلوا فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم»، الملك قاعد وهم قائمون. قال ابن تيمية حديث: «من سره أن يتمثل الناس له قياماً»، إلى آخر الحديث قال: المقصود به أن يقوموا وهو جالس، هذا خطأ، والدليل على هذا الخطأ إذا تذكرتم معي القصة التي ذكرتها آنفاً دخل معاوية على رجلين عبد الله بن عامر

وعبد الله بن الزبير قام الأول ولم يقم الآخر فنهى القائم، معاوية ما كان جالساً قاعداً فعلى العكس تماماً، هو دخل وهم كانوا قاعدين فقام أحدهما فأنكر عليه بهذا الحديث. فوجدت ابن القيم الجوزية يقول هذا الكلام نفسه يرد يعني ما قاله ابن تيمية نفسه، فأنا أظن الحالة هذه أن ابن تيمية كتب هذا الكتاب في الفتاوى لأن هذه الفتاوى ليست تأليفه، جمعها الجامع وقد أحسن بذلك من مختلف المخطوطات والرسائل وإلى آخره، فممكن أن يكون هذا الجواب من ابن تيمية أو هذا البيان من ابن تيمية كان في أول نشأته العلمية يعني. لكن تلميذه ابن القيم صاحبه إلى آخر رمق من حياته بين أن هذا المعنى خطأ وليس هو ابن تيمية الذي وقع في هذا، سبقه إلى ذلك مثلاً غيره من الشراح للحديث، والذين يتكلمون على غريب الحديث منهم ابن الأثير مثلاً في النهاية، فسره وهو قاعد، هذا خلاف الحديث، فحملوا حديث معاوية على حديث جابر بينما لكل منهما محله يختلفان تماماً. فيمكن إذاً كما هو المثال في هذا الحديث أن ابن تيمية فسر هذا التفسير الخطأ تلميذه ابن القيم فسره التفسير الصواب، أنا في غلبة ظني أنه أخذه من شيخه متى؟ بعد أن فسر الشيخ الحديث بخلاف التفسير الصواب، كذلك في مسألة فناء النار، فابن القيم يُفَصِّلُ ويبين أن النار التي تفنى هي نار المسلمين الفساق، أما نار الكفار فخالدين فيها أبداً كما جاء في كثير من الآيات الكريمة. "الهدى والنور" (591/ 38: 02: 00)

[1727] باب تحقيق قول ابن القيم في فناء النار

[1727] باب تحقيق قول ابن القيم في فناء النار سؤال: ذكر ابن القيم في "الوابل الصيب"فناء النار، فما قولكم؟ الشيخ: ابن القيم له قولان: الذي ينبغي الاعتماد عليه هو التفصيل الذي ذكره في الوابل الصيب، النار ناران: فنار للكفار ونار يعذب فيها فساق المسلمين، فالنار الأولى لا تفنى، والنار الأخرى هي التي تفنى، وما يوجد في بعض كتبه وكتب شيخه ابن تيمية مما ظاهر كلامهما القول بفناء النار مطلقًا ينبغي حمل ذلك على فناء النار التي يدخلها فساق المسلمين؛ لأنهم سينجون يومًا ما كما قال عليه الصلاة والسلام: «من قال: لا إله إلا الله نفعته يومًا من دهره» وبخاصة أنني قد وضعت لهذا الكتاب (¬1) مقدمة تبلغ نحو الخمسين صفحة، أكدت ما ذهب إليه الصنعاني رحمه الله من أن فناء نار الكفار هذا قول يخالف الكتاب والسنة، والظن بشيخ الإسلام بن تيمية ثم بتلميذه ابن قيم الجوزية ألا يقعا في مثل هذه المخالفة الصريحة فينبغي حمل النار التي قالا بفنائها على نار الفساق من هذه الأمة وليس على نار الكفار. "فتاوى جدة" (4/ 00:29:54) [1728] باب هل ثبت القول بفناء النار عن شيخ الإسلام؟ سؤال: يا شيخ! هل القول بفناء النار ثبت عن شيخ الإسلام أم لم يثبت عنه؟ الشيخ: لا، ثبت عنه ولعله تراجع عنه كما فعل تلميذه ابن القيم الجوزية. "لقاءات المدينة" (1/ 00:50:01) ¬

(¬1) يريد كتاب " رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار"للصنعاني.

[1729] باب حول قول ابن القيم في فناء النار

[1729] باب حول قول ابن القيم في فناء النار [قال الإمام]: ابن القيم له كلام في الوابل الصيب من الكلم الطيب يقول: النار ناران نار تفنى ونار تبقى، النار التي تفنى هي لعصاة المسلمين، التي لا تفنى هي للكفار، وهذا يحل المشكلة. مداخلة: يعني نقول: المقصود في كلام ابن القيم هو نار العصاة ليست نار الكفار؟ الشيخ: نعم، على أن هذا الكلام جزاك الله خيرًا يعني: وإن كان صريحًا في الشق الثاني أن نار الكفار لا تفنى فبالنسبة للشق الأول ما هو دقيق يعني؛ لأنه سيقال له: ما يدريك أنها تفنى؟ فيجوز أن تبقى لكن ليس مهم التحدث عن النار بالتفصيل أن هذه النار تفنى، المهم: الذين يدخلونها ما مصيرهم؟ فبعضهم يخرجون وبعضهم لا يخرجون، أما قضية النار الذي كان فيها أنها تفنى، هذا يحتاج لنص لكن نحن الذي يهمنا من كلامه قوله في نار المشركين: أنها لا تفنى، لأن هذا صريح القرآن: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} (الحج:22) فإذًا هي لا تفنى و {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (النساء:169) إلى آخر النصوص، وحديث ذبح الموت في صورة كبش، فبعد أن يذبح يناد مناد «يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت» هذه نصوص قاطعة تمنع القول بفناء النار وفناء أهلها. أما أن يقال: أن نار المؤمنين تفنى فهذا ككلام يعني ... من الكلام، نار المشركين لا تفنى ونار المؤمنين تفنى، وإلا فالحق أن يقال: الذين يدخلونها فإن كانوا كفارًا كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا، ثُمَّ

[1730] باب هل يقول ابن القيم ومحمد رشيد رضا بفناء النار؟

نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (مريم: 71 - 72) النار هي هي، لكن منهم من يدخلها ويبقى فيها، ومنهم من يدخلها ويخرج منها، والخروج هذا يتفاوت ما بين إنسان مثلًا يعذب يومًا أو بعض يوم، شهر أو أقل أو أكثر وهكذا. "رحلة النور" (30ب/00:34:13) [1730] باب هل يقول ابن القيم ومحمد رشيد رضا بفناء النار؟ السائل: باب هل يقول ابن القيم ومحمد رشيد رضا بفناء النار؟ الشيخ: أما محمد رشيد رضا فلا أعلم، أما ابن القيم فله قولان: أحدهما هذا، والآخر: هو الذي فصله في كتابه: "الوابل الصيب"، فقد ذكر أن النار ناران: نار تفنى، ونار تبقى: فالنار التي تفنى هي نار المذنبين من المؤمنين، والنار التي تبقى ولا تفنى هي نار الكافرين، وهذا هو الحق. "فتاوى جدة -الأثر-" (28/ 01:23:43) [1731] باب تحرير قول ابن القيم في فناء النار، وهل تفنى نار الموحدين؟ السؤال: ابن القيم في "الوابل الصيب" يقرر فناء نار عصاة الموحدين وبقاء نار المشركين، فهل له قولان في المسألة؟ الجواب: نعم، ذلك مما كنت فصلته في مقدمتي لكتاب "رفع الأستار عن بطلان قول من قال بفناء النار" هو في كتابه "حادي الأرواح" فهو هناك يبحث هذا البحث بصورة مفصلة، وشيخ الإسلام ابن تيمية كذلك وقد نشرنا بعض المصورات يقولان بفناء النار مطلقاً، لكن قول ابن القيم في الوابل الصيب هو كأنه

[1732] باب بيان خطأ نسبة عمر رضي الله عنه للقول بفناء النار

ارتداد من ذاك القول إلى ما هو صواب، فنار المشركين لا تفنى؛ لأن الله يقول: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} (الحج:22) فنار المشركين وعذابهم فيها إلى أبد الآبدين ولا نهاية لذلك، وهذه كلمة لا ينبغي أن يغتر بها المسلمون الذين يقدرون علم الشيخ أو الشيخين ابن تيمية وابن القيم الجوزية، وبخاصة حينما وجدنا هذه الكلمة التي تدفع الإشكال أو الشبهة من أنه يفرق بين نار العصاة وبين نار المشركين فنار العصاة هي التي تفنى، أما نار المشركين فهي تبقى كما يبقى نعيم المؤمنين. مداخلة: إذاً هذا القول الصواب إن نار الموحدين تفنى. الشيخ: طبعاً؛ لا بد لأنه لا يخلد في النار موحد أبداً. نعم. "الهدى والنور" (188/ 00:53:29) [1732] باب بيان خطأ نسبة عمر رضي الله عنه للقول بفناء النار عن عمر رضي الله عنه، أنه قال: «لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه». [ضعفه الإمام وذكر تصحيح ابن القيم له مبينًا خطأه ثم قال]: سامح الله ابن القيم وغفر له, فإنه بتصحيحه لمثل هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه يفتح باباً كبيراً لبعض الفرق الضالة يلجؤون فيه إلى تأييد ضلالهم, كالقاديانية, فإن من خِلَالهم (¬1) القول بفناء النار, وانتهاء عذاب الكفار. "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 429). ¬

(¬1) أي: خصالهم ومعتقداتهم.

[1733] باب من الأدلة على بقاء النار

[1733] باب من الأدلة على بقاء النار [قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية]: ومن أدلة القائلين ببقائها [أي النار] وعدم فنائها: قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}. {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}. {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا}. {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}. {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}. {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}. {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِيَاطِ}. {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}. {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}، أي مقيماً لازماً. وقد دلت السنة المستفيضة أنه يخرج من النار من قال: " لا إله إلا الله "، وأحاديث الشفاعة صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم، فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم، ولم يختص الخروج بأهل الإيمان، وبقاء الجنة والنار ليس لذاتهما، بل بإبقاء الله لهما. [فعلق الإمام قائلاً]: قلت: وهذه الأدلة قاطعة في بقاء النار وأهلها فيها من الكفار, بخلاف أدلة القول الذي قبله [أي القول بفنائها] , فليس فيها شيء صريح, كما بسطه الإمام الصنعاني في "رفع الأستار", فكن رجلاً يعرف الحق بدليله وليس بالرجال, فكل أحدٍ يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص 430).

[1734] باب خطأ الاستدلال على خلود النار بقوله تعالى: {وما هم منها بمخرجين}

[1734] باب خطأ الاستدلال على خلود النار بقوله تعالى: {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِين} [ساق الصنعاني في "رفع الأستار" بعض الأدلة من القرآن على خلود النار وأورد منها قوله تعالى "وما هم منها بمخرجين" فعلق الإمام قائلاً]: حشر هذه الجملة هنا سهو من المؤلف تبعاً لابن القيم رحمهما الله تعالى؛ فإنها في أهل الجنة، قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَعُيُون، ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِين، وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِين، لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِين} (سورة الحجر:45 - 48). وقد وقع هذا السهو من ابن القيم في كتابه " الصواعق المرسلة " أيضاً، ولم يتنبه له مختصره الشيخ محمد ابن الموصلي رحمه الله تعالى، وفي " شفاء العليل " أيضاً (ص 258 و259) على الرغم من وقوع ذلك منه في موضعين آخرين (ص 225 و228) من " المختصر " مطبعة الإمام بمصر. "تحقيق رفع الأستار" (ص118، 109 - 110). [1735] باب أبدية النار بمن فيها من كفار [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «أما أهل النار الذين هم أهلها (وفي رواية: الذين لا يريد الله عز وجل إخراجهم) فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (يريد الله عز وجل إخراجهم) فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل».

[1736] باب منه

[ترجم له الإمام بما ترجمناه به ثم قال]: وفي الحديث دليل صريح على خلود الكفار في النار، وعدم فنائها بمن فيها، خلافاً لقول بعضهم؛ لأنه لو فنيت بمن فيها لماتوا واستراحوا، وهذا خلاف الحديث ولم يتنبه لهذا ولا لغيره من نصوص الكتاب والسنة المؤيد له من ذهب من أفاضل علمائنا إلى القول بفنائها، وقد رده الإمام الصنعاني ردًّا علميّاً متيناً في كتابه " رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار ". "الصحيحة" (4/ 67 - 69). [1736] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لو قيل لأهل النار: إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا سنة لفرحوا بها، ولوقيل لأهل الجنة: إنكم ماكثون في الجنة عدد كل حصاة في الدنيا سنة لحزنوا، ولكنهم خلقوا للأبد والأمد» (موضوع). [قال الإمام]: والحديث يدل على أبدية الخلود في النار، والآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة تغني عنه من هذه الناحية. "الضعيفة" (2/ 70 - 71).

[1737] باب ضلال من ادعى انتهاء عذاب الكفار وأن مصيرهم إلى الجنة

[1737] باب ضلال من ادعى انتهاء عذاب الكفار وأن مصيرهم إلى الجنة [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «ليأتين على جهنم يوم كأنها زرع هاج، وآخر تخفق أبوابها». (باطل). [قال الإمام]: [قال الزمخشري] في " تفسيره " (2/ 236): " وقد بلغني أن من الضُّلال من اغتر بهذا الحديث فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار، وهذا والعياذ بالله من الخذلان المبين، ولئن صح هذا عن ابن عمرو فمعناه أنهم يخرجون من النار إلى برد الزمهرير، فذلك خلوجهنم وصفق أبوابها ". وهذا تأويل بعيد. والأقرب ما سبق عن الحافظ، إلا أنني أرى أن الصواب عدم الاشتغال بالتأويل ما دام أن الحديث لم يصح. والله أعلم. واعلم أن من أذناب هؤلاء الضلال في القول بانتهاء عذاب الكفار الطائفة القاديانية، بل هم قد زادوا في ذلك على إخوانهم الضلال، فذهبوا إلى أن مصير الكفار إلى الجنة! نص على ذلك ابن دجالهم الأكبر محمود بشير بن غلام أحمد في كتاب " الدعوة الأحمدية ". "الضعيفة" (2/ 72 - 73)

[1738] باب منه

[1738] باب منه [قال الإمام]: ويؤسفني أن أقول: إن القاديانية في ضلالهم [أي بقولهم بانتهاء عذاب الكفار] يجدون متكئاً لهم في بعض ما ذهبوا إليه في بعض كتب أئمتنا من أهل السنة، فقد عقد العلامة ابن القيم في كتابه " الحادي " فصلاً خاصا في أبدية النار، أطال الكلام فيه جدًّا، وحكى في ذلك سبعة أقوال، أبطلها كلها سوى قولين منها: الأول: أن النار لا يخرج منها أحد من الكفار، ولكن الله عز وجل ينفيها، ويزول عذابها. والآخر: أنها لا تفنى، أن عذابها أبدي دائم. وقد ساق فيه أدلة الفريقين وحججهم من المنقول والمعقول، مع مناقشتها، وبيان ما لها وما عليها. والذي يتأمل في طريقة عرضه للأدلة ومناقشته إياها، يستشعر من ذلك أنه يميل إلى القول الأول، ولكنه لم يجزم بذلك، فراجع إن شئت الوقوف على كلامه مفصلا الكتاب المذكور (2/ 167 - 228 طبع الكردي). ولكنني وجدته يصرح في بعض كتبه الأخرى بأن نار الكفار لا تفنى وهذا هو الظن به، فقال رحمه الله في " الوابل الصيب " (ص 26) ما نصه: " وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله. فليس فيها إلا خبيث، ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشوبه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب - كانت دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض، وهاتان

[1739] باب منه

الداران لا تفنيان. ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى، وهي دار العصاة فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقى إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض ". ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار، لم نقف عليها، وإنما ذكرها الشيخ يوسف بن عبد الهادي في " فهرسته " (ق/26/ 1). "الضعيفة" (2/ 74 - 75). [1739] باب منه [قال الإمام]: ولهم [أي للقاديانية] عقائد ... كثيرة باطلة، خالفوا فيها إجماع الأمة يقينا منها: أن العذاب بالنسبة للكفار منقطع. . "الصحيحة" (4/ 252).

كتاب القضاء والقدر

(كتاب القضاء والقدر)

جماع أبواب عقيدة أهل السنة في القضاء والقدر

جماع أبواب عقيدة أهل السنة في القضاء والقدر

[1740] باب وجوب الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره

[1740] باب وجوب الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه». [ترجم له الإمام بما ترجمناه به]. "الصحيحة" (5/ 566). [1741] باب درجات الإيمان بالقدر [نقل الإمام كلاماً لشيخ الإسلام في ذلك مقرراً إياه فقال]: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «مجموع الفتاوى» (1/ 148 - 150) باختصار بعض الفقرات: والإيمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين: فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاً، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال. ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق، فأول ما خلق الله القلم قال له: اكتب قال: ما اكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام، وطويت الصحف كما قال وتعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا في السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ في كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى

اللَّهِ يَسِير} (الحج:70). وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملةً وتفصيلاً؛ فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات: اكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، ونحو ذلك فهذا القدر منكوره غلاة القدرية قديماً ومنكروه اليوم قليل. وأما الدرجة الثانية: فهو مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشية الله سبحانه، لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات. ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين ولا يرضى عن القوم الفاسقين ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد. والعباد فاعلون حقيقةً والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلى والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال تعالى: {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيم، وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين} (التكوير: 28، 29) وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي مجوس هذه الأمة، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره ويُخرِجون عن أفعال الله وأحكامه

[1742] باب الإيمان باللوح المحفوظ

حِكَمَها ومصالحها. قلت [الكلام للإمام]: ويشير بكلامه الأخير إلى الأشاعرة فإنهم هم الذين غلوا وأنكروا الحكمة على ما فصله ابن القيم في «شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل». فراجعه فإنه هام جداً. "التعليق على متن الطحاوية" (ص42 - 45). [1742] باب الإيمان باللوح المحفوظ [قال الإمام معلقًا على قول صاحب الطحاوية:- «ونؤمن باللوح»]: قلت: وهو المذكور في قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيد، في لَوْحٍ مَّحْفُوظ} (البروج:21، 22) وهو من الغيب الذي يجب الإيمان به ولا يعرف حقيقته إلا الله. "التعليق على متن الطحاوية" (ص47). [1743] باب إثبات المشيئة لله عز وجل [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية:- وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن]: يعني أن مشيئته تعالى وإرادته شاملة لكل ما يقع في هذا الكون من خير أو شر وهدى أو ضلال والآيات الدالة على ذلك كثيرة معروفة يمكن مراجعتها في الشرح وغيره. . . والمقصود بهذه الفقرة الرد على المعتزلة النافين لعموم مشيئته تعالى.

لكن يجب أن يعلم أنه لا يلزم من ذلك أن الله تعالى يحب كل ما يقع؛ فالحب غير الإرادة وإلا كان لا فرق عند الله تعالى بين الطائع والعاصي وهذا ما صرح به بعض كبار القائلين بوحدة الوجود من أن كلا من الطائع والعاصي مطيع لله في إرادته، ومذهب السلف والفقهاء وأكثر المثبتين للقدر من أهل السنة وغيرهم على التفريق بين الإرادة والمحبة وإلى ذلك أشار صاحب قصيدة «بدء الأمالي» بقوله: مريد الخير والشر القبيح ولكن ليس يرضى بالمحال. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ثم قالت القدرية: هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يريد ذلك فيكون ما لم يشأ ويشاء ما لم يكن. وقالت طائفة من (المثبتة): ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وإذن قد أراد الكفر والفسوق والعصيان ولم يرده ديناً أو أراده من الكافر ولم يرده من المؤمن، فهو لذلك يحب الكفر والفسوق العصيان ولا يحبه دينا ويحبه من الكافر ولا يحبه من المؤمن؛ وكلا القولين خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها؛ فإنهم متفقون على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته ومجموعه على أنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وأن الكفار {يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} (النساء: 108). "التعليق على متن الطحاوية" (ص16 - 18).

[1744] باب إثبات الحكمة لله عز وجل

[1744] باب إثبات الحكمة لله عز وجل [قال الإمام]: ومن قول شيخ الإسلام في فصل له في إثبات حكمة أحكم الحاكمين وأن السلف من الصحابة والتابعين والأئمة المشهورين يقرون بها لله في خلقه وأمره قال: «لكن قد يعرف أحدهم الحكمة وقد لا يعرفها، ويقرون بما جعله من الأسباب، وما في خلقه وأمره من المصالح التي جعلها رحمة بعباده. . . وأن كل ما وقع من خلقه وأمره فعدل وحكمة، سواء عرف العبد ذلك أو لم يعرفه». انظر (مجموع الفتاوى) (17/ 198 - 205) " تحقيق رفع الأستار" (ص136). [1745] باب اتفاق أهل السنة على أن الطاعات والمعاصي بإرادة الله تعالى [قال الإمام]: اتفق أهل السنة على أن كل شيء من الطاعات والمعاصي فبإرادة الله تبارك وتعالى، لا يقع شيء من ذلك رغماً عنه سبحانه وتعالى، لكنه يحب الطاعات ويكره المعاصي. "الصحيحة" (4/ 196). "تحقيق رفع الأستار" (ص136).

[1746] باب لماذا طوى الله تعالى علم القدر عن أنامه؟

[1746] باب لماذا طوى الله تعالى علم القدر عن أنامه؟ [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية: «فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال الله تعالى في كتابه: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون} (الأنبياء: 23)]: أي لكمال حكمته ورحمته وعدله لا لمجرد قهره وقدرته كما يقول جهم وأتباعه. كذا في «الشرح» وراجع فيه تحقيق أن مبنى العبودية والإيمان على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع فإنه مهم جداً لولا ضيق المجال لنقلته برمته لنفاسته وعزته. "التعليق على متن الطحاوية" (ص42).

أثر ضعف الإيمان بتقدير الله للرزق في حياة المسلمين

أثر ضعف الإيمان بتقدير الله للرزق في حياة المسلمين

[1747] باب أثر ضعف الإيمان بتقدير الله للرزق في حياة المسلمين

[1747] باب أثر ضعف الإيمان بتقدير الله للرزق في حياة المسلمين سؤال: [نحن في] الزمان الذي أختلط فيه الحابل بالنابل، والتبس فيه طريق الحرام بالحلال لا التباساً شرعياً، وإنما التباساً عرفياً، فأصبح من العسير جداً أنه نأتي نقول لهذا والله خطأ. وخاصة الآن يعني: عندما قَلَّت الأعمال وضعفت .. ، فمثلاً: يأتي واحد يسألك عن حكم العمل في البنك يقول لك بحثت بحثت ما وجدت عمل، واحد مثلاً يسألك عن حكم العمل في الشركة تعمل أو حسابات في البنوك. وواحد يسألك عن التأمين، .. وهذه السيرة طبعاً يعني: خاصة الآن في كل الشركات والمدارس معظمها أنه العمل الرجال مع النساء، يعني: الرجل يعمل إلى جانب المرأة، وبخاصة في الشركات وبعض المؤسسات الاقتصادية والمالية، فهذه طبعاً دوائر الحكومة كما عندك قديم، لكن هذه الحقيقة طبعاً نحن نجيبهم على هذا، ونقولهم يعني: ما نعلم من هذا الحكم، لكن النقطة التي يوردوها لك: إنه والله يا أخي نحن الآن ما في عمل مثلاً، ومتطلبات الحياة كثيرة، فماذا ترون يعني: بارك الله فيكم؟ الشيخ: أرى أن هذه لا تبرر ارتكاب ما نهى الله عنه، لكن المسألة في الحقيقة تدور بين من يعتقد أن هذه الأمور أو هذه الوظائف نهى الشارع الحكيم عنها، وبين من يجد من يفتيه بجوازها، ولذلك فالمسألة ليس من السهل أن نفتي الناس كل الناس بعدم جواز هذه الأمور؛ لأن كثيرين منهم قد أفتوا، وأبيح لهم وهذا أمر لا يخفى عليك، لكن نحن رأينا الشخصي لاشك أنه كل هذه الأمور ما دامت

تقوم على التعاون على المنكر، فهو منكر بنص القرآن الكريم: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2) هذا من جهة. ومن جهة أخرى: المجتمع اليوم كما تعلم، وكما تدندن في كثير من خطبك: ليس ملتزماً للأحكام الشرعية، ومن أهمها: تقوى الله تبارك وتعالى، هذه التقوى التي تستلزم الإتيان بما أمر الله، والانتهاء عما نهى الله، فطلب الرزق أصبح اليوم جماهير المسلمين لا يفكرون مطلقاً فيما هو حلال، وفيما هو حرام، وإنما نحن بحاجة وكما قلت حكايةً عنهم أنه متطلبات العصر كثيرة وكثيرة، ولذلك نحن بدنا نكفي أنفسنا وأهلينا وذريتنا ونحو ذلك، لكن الواقع أن المبدأ القرآني الذي كان ينبغي أن يكون مسطوراً مغروزاً في القلوب فالشيطان أوحى إليهم بأن يعلقوها على الجدر، ويجعلوها لافتات جميلة الخط: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (الطلاق:2، 3). أما القلب فلا يشعر بأن هناك آية تنص على هذا الأمر الإلهي، فَهْم القضية الإلهية، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (الطلاق:2، 3). تجد هذه الظاهرة كما لا يخفى على الجميع منتشرة بين صدور جماهير المسلمين حتى المصلين منهم، وبصورة خاصة: الأغنياء منهم فما يسألك نعرف نحن أن الربا حرام، ووضع المال في البنك حرام، لكن أين نضع أموالنا؟ إذا وضعناها في بيوتنا كنا عرضةً في مالنا وفي ذواتنا للصوص والقتلة وسفاكي الدماء وو إلى آخره، هذا بلا شك كما لا يخفاك من تزيين الشيطان لعمل الإنسان المخالف لأوامر الرحمن. ولذلك أنا أريد أن ندندن دائماً وأبداً مع هؤلاء المسلمين أن نربطهم مع تقوى

الله عز وجل، والخوف منه بكل تصرفاتهم وأن يتذكروا هذه الآية وما يتعلق بها من أحاديث تعتبر كالشرح لمضمون هذه الآية، فحين يقول قائلهم: وين نضع هذه الأموال؟ هو أبداً لا يتذكر: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (الطلاق:2) وأنا أقول: أمر مضحك كأن الواحد منكم يتصور بأنه سيرفع الراية على الجماهير أنه أنا مليونير، وهذه الملايين التي عندي واضعها في داري وفي المكان الفلاني، ولذلك هو سَيُغزى وسيقصد، يا أخي افعل الوسائل المشروعة وخبي مالك في مكان لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، ثم أنت ومن قد تثق به من أهلك، فهذا السبب مشروع، لكن لا؛ هو إذا فعل ذلك تعطلت أعماله التجارية، وضاقت عليه وسائل الكسب بينما البنك ييسر له ذلك، وهذا بلا شك أن البنك ييسر المعاملات، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يتورط، وأن يتبنى كل وسيلة، ولو كانت ميسرة لبعض أعماله إذا كانت ماذا؟ محرمة شرعاً. فعلى هذا يجب أن نروي بهذه المناسبة، قصة ذلك الرجل الذي كان يمشي في الصحراء، فسمع صوتاً من السحاب اسق أرض فلان فوصل إلى أرض فلان، وإذا فيها رجل يعمل بالمسحات والأمطار تنزل في أرضه فقط، فعجب من ذلك، ولما سلم عليه والرجل عرف أنه ليس من أهل تلك البلاد، فما يدريك فيَّ؟ قال: سمعت في السحاب اسق أرض فلان، فعرفت أنك أنت الذي سخر لك السحاب، سخر لك السماء، فلمَ؟ قال كما هو شأن المتقين الخائفين من رب العالمين: هو ما يدري، ولكن عندي هذه الأرض أزرعها ثم أحصدها، وأجعلها ثلاثاً: ثلث أعيده للأرض، وثلث أنفقه على نفسي وأهلي، والثلث الآخر: أتصدق على الفقراء والمساكين قال له: بهذا (¬1). ¬

(¬1) " صحيح الجامع" (2864)، " الصحيحة" (3/ 194)

فهنا نجد أن تقوى الله سخرت له السماء، وذاك الآخر سخر الله له البحر حينما جاء الأجل بوفاء الدين، ولم يستطع الوفاء، فأخذ خشبة ودك فيها مائة دينار، وجاء إلى ساحل البحر وقال بكل بساطة وبكل دروشة وهو بلا شك نحن اليوم صحيح مسلمين لكن غلبت علينا المادة من جهة، وضعف الإيمان بالغيب من جهة أخرى، لا نكاد نصدق بمثل هذه القصة، وهي في صحيح البخاري ونعتبر أنه هذا الإنسان ما هو طبيعي عقله، وأنا أشهد أيضاً كذلك، بل هو نفسه يشهد بأنه حينما اتصل مع صاحبه الدائن له تجاهل ما فعل كما تعلمون، تجاهل لماذا؟ لأنه إنسان عاقل عقله معه، يأتي وقد حشا مائة دينار في شعفة خشبه وما ندري طريق الدك يمكن تجيء موجة تضربها ويروح الدنانير كله لقاع البحر، رمى الخشبة وقال: يا رب أنت كنت الكفيل وأنت كنت الشهيد ورماها، وربنا عز وجل قادر على كل شيء، أمر الأمواج أن تأخذ هذه الخشبة إلى البلدة التي فيها الدائن، وقد خرج لاستقبال المدينة في اليوم الموعود ما جاء الرجل، لكن الخشبة تتقاذفها الأمواج بين يديه فمد يده إليها، وإذا هي ليست خشبة كالخشبات، أخذها إلى الدار ولما كسرها انهارت بين يديه مائة دينار ذهب أحمر، استغرب الرجل وسرعان ما عاد إليه المدين هنا يظهر للمدين عارف حاله أنه عامل دروشة عامل عمل غير منطقي، فمد يده ودفع له مائة دينار؛ لأنه افترض أن المائة الدينار تلك ما راح توصل، عمل غير طبيعي هنا كما يقولون اليوم ما وراء الطبيعة. في الحقيقة القصة تعطينا عبر عظيمة جداً إن الطيور على أشكالها تقع، كلاهما قلوبهم صافية سواءً الدائن أو المدين، كان باستطاعة الدائن أن يأكل المائة الدينار ولا رقيب ولا عتيد، ولم يقل له أعطيه لك بواسطة البريد المستعجل كلام فاضي هذا، من أين يشهد؟ لكن هو مضطر أن الله عز وجل يعرف قال: والله أنا

خرجت في اليوم الموعود لاستقبالك فلما تأخرت وجدت الخشبة تتلاعب بين يدي، فأخذتها كسرتها وإذا فيها مائة دينار قال: والله أنا فعلت هذا؛ لأنه لما جاء اليوم الموعود وعرفت أني لا أستطيع أن أفي بالوعد، فأخذت الخشبة ونقرتها ووضعت فيها مائة دينار، وجئت إلى ساحل البحر قلت: يا رب أنت كنت الكفيل وأنت الشهيد قال: قد وفى الله عنك بارك الله لك في مالك، ورد له المائة الدينار (¬1). بهذه التقوى نحن اليوم لا نجدها في صدور المسلمين، ولذلك تكثر الشكاوى من أين أعيش؟ ولا يستطيع أن يدبر حاله في هذا العصر وهم يعلمون جميعاً أن الكثير منهم كما أشرت في سؤالك بارك الله فيك أنه في عنده شيء من المال، لكن كيف ينميه ويجدده؟ "الهدى والنور" (233/ 07: 35: 00) ¬

(¬1) " الصحيحة" (6/ 2/829).

جماع أبواب الإمساك عن التكلم في القدر

جماع أبواب الإمساك عن التكلم في القدر

[1748] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا ذكر القدر فأمسكوا»

[1748] باب معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا ذكر القدر فأمسكوا» [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية:- «وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة»]: وهذا التعمق هو المراد - والله أعلم - بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «. . . وإذا ذكر القدر فأمسكوا» وهو حديث صحيح روي عن جمع من الصحابة وقد خرجته في «الصحيحة» (34). "التعليق على متن الطحاوية" (ص42). [1749] باب النهي عن التكلم في القدر [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن أمر هذه الأمة لا يزال مقارباً أو مواماً حتى يتكلموا في الوالدان والقدر». [ترجم له الإمام بقوله]: النهي عن التكلم في الولدان والقدر. "الصحيحة" (4/ 241).

جماع أبواب حكم الاحتجاج بالقدر

جماع أبواب حكم الاحتجاج بالقدر

[1750] باب الاحتجاج على المصائب بالقدر

[1750] باب الاحتجاج على المصائب بالقدر [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «إن موسى قال: يا رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم، فقال: أنت أبونا آدم؟ فقال له آدم: نعم، فقال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه، وعلمك الأسماء كلها، وأمر الملائكة فسجدوا لك، قال: نعم، قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم: ومن أنت؟ قال: أنا موسى، قال: أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب، لم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال: نعم، قال: فما تلومني في شيء سبق من الله تعالى فيه القضاء قبلي؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عند ذلك: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى». [قال الإمام]: قوله: (فحج آدم موسى) أي غلبه بالحجة. واعلم أن العلماء قد اختلفوا في توجيه ذلك، وأحسن ما وقفت عليه ما أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، إنما هو أن موسى لامه على ما فعل لأجل ما حصل لذريته من المصيبة بسبب أكله من الشجرة، لا لأجل حق الله في الذنب، فإن آدم كان قد تاب من الذنب، وموسى عليه السلام يعلم أن بعد التوبة والمغفرة لا يبقى ملام على الذنب، ولهذا قال: " فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ "، لم يقل: لماذا خالفت الأمر؟ والناس مأمورون عند المصائب التي تصيبهم بأفعال الناس أو بغير أفعالهم بالتسليم للقدر وشهود الربوبية ... فراجع

[1751] باب هل يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي؟

كلامه في ذلك فإنه مهم جداً في الرسالة المذكورة وفي " كتاب القدر " من " الفتاوى " المجلد الثامن وكلام غيره في " مرقاة المفاتيح " (1/ 123 - 124). "الصحيحة" (4/ 277 - 278). [1751] باب هل يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي؟ السؤال: يا شيخ في حجاج آدم وموسى عليه السلام، قال آدم لموسى أخيراً: أفتلومني على أمر كتبه الله علي أو قدره علي ... [فهل هذا غير] علم الله السابق .. ؟ الشيخ: ليس هناك غيره أبداً، القدر هو ما سجله الله في اللوح المحفوظ، فما كتبه الله عز وجل في اللوح المحفوظ مما هو موافق للعلم الإلهي، فهذا هو المقصود ولا يوجد شيء ثاني أبداً. مداخلة: إذاً: آدم هنا احتج بالقدر يعني ... الشيخ: نعم. مداخلة: هل يجوز الاحتجاج بالقدر؟ الشيخ: لا يجوز الاحتجاج بالقدر، لكن يجب أن تلاحظ بأن هناك فرقاً بين هذا الاحتجاج الذي حكاه نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - مما جرى بين آدم وموسى وبين احتجاج غير آدم مثل قول المشركين: ولو شاء الله ما عبدناه. الفرق واضح جداً وهو أن التحاجج الذي جاء في الحديث جرى في عالم غير عالم التكليف واضح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: هذا أولاً.

وثانياً: المؤاخذة جرت بعد أن تاب آدم عليه السلام وأناب كما هو في صريح القرآن، بينما الاحتجاج بالقدر هو لتمرير وتسويغ المعصية بحجة أن الله هكذا كتب علينا، فشتان بين الأمرين. مداخلة: يا شيخ اليوم الناس إذا حدث لإنسان شئ بدون فعله، يقول: هذا قضاء وقدر، ليس هناك تعبير آخر بدل هذا التعبير؟ يعني مثلاً إنسان عمل حادث بدون قصد نقول له: قضاء وقدر ... الشيخ: كله قضاء وقدر. مداخلة: هو كله قضاء وقدر، لكن هل يوجد تعبير آخر نقوله؟ الشيخ: لا يوجد، لكن المهم أن المسلم إذا ارتكب فاحشة أن لا يحتج بالقدر، لكن كل شيء يقع فهو بقدر الله وقضائه ولا شك ولا ريب أبداً. مداخلة: الذي يقع علينا غصباً عنا كما يقولون. الشيخ: كله قدر، لكن بين قدر وقع على الإنسان ويؤاخذ به، وبين قدر يقع للإنسان ولا يؤاخذ به، كما نعلم جميعاً التفريق بين قتل العمد وقتل الخطأ، فقتل العمد يؤاخذ عليه الإنسان في الدنيا والآخرة، أما قتل الخطأ فلا يؤاخذ إلا في الدنيا دون الآخرة، وهكذا كل المعاصي إما أن تقع باختيار الإنسان فهو يؤاخذ وذلك مقدر عليه بلا شك، وإما أن يقع رغم أنفه وبدون اختياره فهو لا يؤاخذ على ذلك. "الهدى والنور" (221/ 00:53:41)

[1752] باب منه؟

[1752] باب منه؟ سؤال: أمامي الآن كتيب عقيدة أهل السنة والجماعة لشيخنا محمد بن صالح بن عثيمين. الشيخ: نعم. مداخلة: هناك فقرة .. الكتاب جيد, صحيح؟! الشيخ: أنا ما رأيته لكن هكذا نسمع. مداخلة: نعم، هنا أمامي فقرة لا أفهمها: أقرأه لك إن شاء الله جيد؟ الشيخ: نعم. مداخلة: يقول الشيخ: ونرى أنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله تعالى؛ لأن العاصي يقدم على المعصية باختياره من غير أن يعلم أن الله تعالى قدرها عليه، إذ لا يعلم أحد قدر الله تعالى إلا بعد وقوع مقدوره: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} (لقمان:34) فكيف يصح الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتج بها حين إقدامه عليها ... هذا الكلام لا أفهمه. الشيخ: الكلام واضح. مداخلة: كيف. الشيخ: الآن عندما الواحد يريد أن يسرق، هل علم قبل أن يسرق بأن الله قدر عليه السرقة؟ مداخلة: لا طبعاً. الشيخ: طيب! وعندما سرق عرف.

مداخلة: نعم. الشيخ: فما فائدة هذا الاحتجاج؟! مداخلة: لكن هذا لا ينفي أنه قدر الله. الشيخ: لا ينفي، لكن نحن نضيف إلى كلام الشيخ عبارة قد تكون هي العبارة الموضحة والقاضية على الشبهة. مداخلة: نعم. الشيخ: لا شك أن عمل كل إنسان إما أن يكون فيه مختاراً وإما أن يكون فيه مجبوراً، وأنت لا تناقش في هذا التقسيم، أليس كذلك؟ مداخلة: نعم. الشيخ: يعني: الإنسان قد يفعل شيئاً باختياره، وقد يفعل الشيء نفسه رغم أنفه، واضح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: طيب! يعني: من الأمثلة الواضحة قتل العمد وقتل الخطأ، طيب! مداخلة: نعم. الشيخ: فحينما يقتل القاتل عامداً متعمداً، أولاً: هو لا يدري أن هذا مسجلاً عليه أو لا؟ إلا بعد الوقوع، كذلك الذي يقتل خطأً لا يدري أن ذلك كان مسجلاً عليه إلا بعد الوقوع، فالذي يحتج بالقدر وهو عاصي، وهو القاتل العمد في مثالنا نقول له: ربنا عز وجل قدر عليك بمعنى أنه علم أنك ستقتل عامداً متعمداً وهذا

الذي علمه الله عز وجل كَتَبَهُ في اللوح المحفوظ وذلك هو القدر، هذا العلم الإلهي والكتابة الإلهية والقدر الإلهي هو كاشف لما سيقع بكل تفاصيله، وبحثنا الآن: القاتل عمداً، فالله عز وجل علم بأنه سيقتل باختياره؛ ولذلك يؤاخذه، والذي يقتل خطأً أيضاً كتب في اللوح أنه يقتل خطأً ولذلك فلا يؤاخذه، فالاحتجاج إذاً بالقدر باطل إلا إذا كان مكرهاً فحينئذ ما منه مانع. لعله وضح لك الأمر؟ مداخلة: فهمت جداً فهمت جداً، يعني: الآن القدر قدر الله يعني: علمه لا يتناقض مع قدره. الشيخ: أبداً هو كشاف للواقع قبل وقوعه. "الهدى والنور" (339/ 39: 53: 00)

جماع أبواب الكلام على إرادة الله تعالى الشرعية وإرادته الكونية

جماع أبواب الكلام على إرادة الله تعالى الشرعية وإرادته الكونية

[1753] باب بيان أقسام الإرادة الإلهية والقضاء الإلهي

[1753] باب بيان أقسام الإرادة الإلهية والقضاء الإلهي سؤال: مرتين، وردت آية في القرآن: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (البقرة:117) مرتين، ربنا سبحانه وتعالى أراد وقضى، الإرادة سابقة لقضاء الله وأمر الله أم الأمر سابق للإرادة؟ نعرف من الآية من سياق الآية أن الإرادة سابقة لقضاء الله وأمره، ربنا سبحانه وتعالى قضى على إبليس ألا يسجد لآدم .. كان إبليس شيخ المسبحين، وكان في الجنة بإرادة الله، طبعاً بإرادة الله ربنا سبحانه وتعالى أراد لإبليس ألا يسجد في علمه، وعندما قضى له أن اسجد رفض السجود لم يطع أمر الله، لو أطاع إبليس أمر الله لخالف إرادة الله؟ ولو أطاع إرادة الله لخالف أمر الله؟ الشيخ: الله أكبر. إيه. مداخلة: هل ربنا سبحانه وتعالى ظالم جل وتعالى عن ذلك لإبليس؟ أو كيف يعذب وهو أراد له ذلك؟ الشيخ: طيب. أنت حصرت الآن الكلام على إبليس. مداخلة: نعم. الشيخ: هل المسألة تختلف عن إبليس وأتباع إبليس أو مخصوصة بإبليس؟ مداخلة: هي يعني خلينا نقول: يعني وجه الشر على إطلاقه. الشيخ: ما هوَّ هذا السؤال أنت قيدته، ولذلك قلت لك: خاص بإبليس أو هو بأتباع إبليس؟ مداخلة: إذا إحنا خصصنا نعرف العام.

الشيخ: آه. مداخلة: إذا خصصنا نعرف العام. الشيخ: تعرف العام. إذاً من حيث الفكر غير المنطق، الفكر أنه ما في فرق بين إبليس وأتباعه. مداخلة: نعم. الشيخ: وأنت مؤمن بهذا معي. مداخلة: نعم. الشيخ: لا، شايفك أنت تكتب. مداخلة: لأن السؤال أيضاً لي وأنا يعني سُئلت. الشيخ: معليش، بس ... يقولون عندنا في الشام: العين مغرفة الكلام. مداخلة: نعم. الشيخ: فإذا أنا ماشي وأنت تكتب معنى هذا انْصَرَفْتَ عني. مداخلة: بارك الله فيك. الشيخ: ولست أعني لا تسجِّل لا، خذ رخصة وسَجِّل. مداخلة: بارك الله فيك. الشيخ: كيف تفهم قولَهُ تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (الإسراء:23)؟

مداخلة: إرادة الله السابقة لعلمه. الشيخ: هذه الفلسفة تبعك اتركلي إياها الآن. ما معنى: قضى ربك؟ مداخلة: أمر. الشيخ: أمر أمراً شرعياً أم كونياً؟ مداخلة: لعله شرعي. الشيخ: ولعله ليس شرعيًّا؟ مداخلة: طبعاً شرعي. في عندنا أثر عن ابن عمر نسيت القصة، بس قال له واحد من الجالسين قال له: لعل الأمر كذا قال له: اجعل لعل عند ذاك الكوكب. مداخلة: نعم. الشيخ: وأنت كذلك. طيب. إذاً نعيد السؤال. مداخلة: نعم. الشيخ: .. {وَقَضَى رَبُّكَ} (الإسراء:23) هل هو معنى قضى: أراد إرادة شرعية أم كونية؟ قلت: أنت لعل، وأنا أظن أن هذه رمية ولذلك خائف منها، تكون رمية من غير رام، أما إذا كنت قاصدها فيسهل علينا ماذا؟ المضي فيما نحن في صدده. مداخلة: نعم. الشيخ: [بعد تدخل بعض الحضور] اسمع يا أخي الله يهديك. إلا إذا كنت أنت عاملين اتفاق أنتم اثنين عليَّ واحد من جهة وواحد من الجهة معليش، أما أنا

ما أحب أن واحد من هون وواحد من هون. مداخلة: ... يميز بين الشرعي. الشيخ: يا أخي هذا مش وارد، نسمع منه. راح يبين للأخير، ثم نحن يا أخي نكون صريحين في الموضوع. إذا أنا سألت هذا السؤال وبحلق عيونه وما عمره سمع هذا السؤال يقول: والله ما عندي علم، لازم هو يقول مش أنت تخليه براحته وتجاوب عنه، هيك ما تكون ساعدته ... {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (الإسراء:23) قضى ربك بمعنى ماذا؟ أمر. مداخلة: نعم. الشيخ: طيب. الأمر هنا كوني أم شرعي؟ مداخلة: شرعي. الشيخ: شرعي. الأمر في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:82) شرعي أم كوني؟ مداخلة: كوني. الشيخ: كوني، طيب. كفر إبليس وعدم سجوده لآدم عليه السلام هو الذي كان بأمر إلهي كوني أو شرعي؟ مداخلة: شرعي. الشيخ: هنا وقف حمار الشيخ عند العقبة. كيف شرعي؟ إذاً كنا نقول: ما هو

الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية؟ وهذا في الحقيقة من دقائق علم التفسير التي يدندن حولها شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله. إرادة الله في آياته تحمل معنيين: أحدهما معنى عام شامل لكل شيء والآخر معنى خاص ليس شاملاً لكل شيء. الأول العام يشمل الخير والشر، يشمل الإيمان والكفر، كل شيء. الثاني خاص بما يحبه الله، بما يرضاه، بما شرعه لعباده. فلما تساءلنا عن قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء:23) كان الجواب قضى هنا بمعنى: أراد إرادة شرعية، أي: حكم كذا وكذا أن يعبد الله وحده وبالوالدين إحساناً، لكن كون الله حكم بشيء شيء، وكون هذا الحكم سيقوم به الناس كل الناس أو بعض الناس هذا شيء آخر. وكواقع هذا القضاء، هذا الحكم الإلهي في الآية: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (الإسراء:23) مُشَاهَد ما يحتاج إلى شرح، منهم من حقق هذا الحكم الشرعي ومنهم من لم يحققه، فالناس إذاً تجاه هذه الآية كهم تماماً تجاه كل الآيات التشريعية قسمين، فمنهم من آمن ومنهم من كفر. هؤلاء القسمين داخلين في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:82) بمعنى: أن كفر الكافر لا يقع رغم إرادة الله بل هذا من إرادة الله فضلاً عن إيمان المؤمن لا يقع رغم إرادة الله بل كل ذلك بإرادة الله، فهذا معنى كون الإرادة في قوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:82) فهذه الإرادة تشمل كل شيء إطلاقاً وهي الإرادة الكونية وليست هي الإرادة الشرعية. أما الإرادة الشرعية فهي خاصة بما شرعه الله ورضيه لعباده. أي نعم.

[1754] باب هل هناك فرق بين الإرادة والمشيئة؟

كيف تقول الآية ولا يريد لعباده الكفر. مداخلة: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (الزمر:7). الشيخ: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (الزمر:7) لا يرضى هو بمعنى: لا يريد، لكن لا يرضى أوضح وألصق بالإرادة الشرعية من كلمة «إرادة» المطلقة؛ لأنه وضح لنا أن الإرادة تنقسم إلى قسمين يدخل فيها الخير ويدخل فيها الشر، إذا دخل فيها الشر تكون إرادة كونية ما تكون إرادة شرعية. فإذاً؛ إذا رجعنا لإبليس والأبالسة كلهم هؤلاء عصوا الله عز وجل، ما أطاعوه من حيث إرادته الشرعية، لكن هم وقعوا وفعلوا ما فعلوا ضمن الإرادة ماذا؟ الكونية، أي: ما عصوا الله رغم إرادة الله لأن الله عز وجل قادر أن يرغم أكثر الكفار أنه يؤمن وما ذلك على الله بعزيز، لكن سبقت مشيئة الله وحكمته أن يقرر ما جاء في قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف:29). إذاً ما في إشكال - يا أخي - بين الآية هذه والآية الأخرى التي فهمت منها التناقض، إنما استحضر في نفسك أن الإرادة والقضاء الإلهي يشمل نوعين من حيث ماذا؟ الإرادة الكونية، لكن من حيث الإرادة ومن حيث القضاء الشرعي فهو يشمل نوعاً واحداً. لعله زال الإشكال إن شاء الله. "الهدى والنور" (234/ 48: 38: 00) [1754] باب هل هناك فرق بين الإرادة والمشيئة؟ سؤال: فضيلة الوالد حفظك الله: هل هناك فرق بين الإرادة والمشيئة؟ الشيخ: لا فرق في ذلك فهما لفظان يؤديان إلى صفة واحدة: إرادة الله ومشيئته في معنى واحد بخلاف رضى الله ومحبة الله، فرضى الله ومحبة الله أيضًا

[1755] باب الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية

بمعنى واحد ولكنهما يختلفان من ناحية عن الإرادة والمشيئة، فمشيئة الله وإرادته تشمل كل شيء يقع في هذا الكون من خير أو من شر، كما تقرؤون في كتابه تبارك وتعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:82) فقوله تعالى هذا يشمل كل شيء يقع في هذا الكون من كل أمر سواءً كان مشروعًا أو غير مشروع، لذلك قال أحد العلماء: مريد الخير والشر القبيح ولكن ليس يرضى بالمحال. إن مشيئة الله وإرادة الله لفظان مختلفان مترادفان في المعنى، كذلك قوله: رضا الله ومحبة الله أيضًا لفظان مختلفان مترادفان في المعنى، هذان لفظان يختلفان لفظًا ومعنًى عن اللفظين الأولين، فمحبة الله للشيء ورضى الله للشيء يدخل في عموم إرادته، وكذلك ما يكرهه كما ذكرنا آنفًا. أما ما يكرهه ربنا تبارك وتعالى فلا يدخل فيما يحبه ولا فيما لا يرضاه كما قال تعالى: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (الزمر:7) من هنا قال أحد العلماء: مريد الخير والشر القبيح: جمع للإرادة الخير والشر كما ذكرنا، ولكن ليس يرضى بالمحال: الذي هو الشر، فالله عز وجل يحب الخير .. يحب الإيمان ويكره الكفر والطغيان، كل من الإيمان والكفر بمشيئة الله عز وجل وتقديره وإرادته. "رحلة النور" (33أ/00:15:00) [1755] باب الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «يقول الله لأهون أهل النار عذاباً يوم القيامة: يا ابن آدم! كيف وجدت

مضجعك؟ يقول: شر مضجع، فيقال له: لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتدياً بها؟ فيقول: نعم، فيقول: كذبت قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب» وفي رواية: ظهر «آدم أن لا تشرك بي شيئا ولا أدخلك النار، فأبيت إلا الشرك، فيؤمر به إلى النار». [قال الإمام]: قوله: (قد أردت منك) أي أحببت منك، والإرادة في الشرع تطلق ويراد بها ما يعم الخير والشر والهدى والضلال كما في قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ في السَّمَاءِ}.وهذه الإرادة لا تتخلف. وتطلق أحياناً ويراد بها ما يرادف الحب والرضا، كما في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}،وهذا المعنى هو المراد من قوله تعالى في هذا الحديث (أردت منك) أي أحببت والإرادة بهذا المعنى قد تتخلف، لأن الله تبارك وتعالى لا يجبر أحدا على طاعته وإن كان خلقهم من أجلها {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، وعليه فقد يريد الله تبارك وتعالى من عبده ما لا يحبه منه. ويحب منه ما لا يريده، وهذه الإرادة يسميها ابن القيم رحمه الله تعالى بالإرادة الكونية أخذاً من قوله تعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، ويسمى الإرادة الأخرى المرادفة للرضا بالإرادة الشرعية، وهذا التقسيم، من فهمه انحلت له كثير من مشكلات مسألة القضاء والقدر، ونجا من فتنة القول بالجبر أو الاعتزال وتفصيل ذلك في الكتاب الجليل " شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل " لابن القيم رحمه الله تعالى. "الصحيحة" (1/ 1/330 - 334).

[1756] باب منه

[1756] باب منه السائل: شيخنا أكرمكم الله، سؤالي عن الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية لو مع التمثيل إذا تكرمتم؟ بارك الله فيكم. الشيخ: الإرادة الكونية مشتقة من قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:82) وهذا واضح جداً، لكن قد يكون غائباً عن بعض الأذهان، هل الشر يكون بإرادة الله أم لا؟ جوابك؟ الملقي: بإرادة الله أولاً. الشيخ: طيب. فإذا كل شيء يكون في هذا الكون هو بإرادة الله -عز وجل-، سواءٌ كان خيراً أو كان شراً، فهذه الإرادة الشاملة للخير والشر هي الإرادة الكونية، أما الإرادة الشرعية فهي تتعلق فقط بأحد المكونين، ألا وهو الخير، ويجمع لك هذا قول أحد الفقهاء العلماء في قصيدة لها يقول فيها في الرب -تبارك وتعالى-: مريد الخير والشر ... ولكن ليس يرضى بالمحال هو يريد الخير والشر ولكن لا يرضى بالشر، وهذا صريح في القرآن الكريم: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (الزمر:7)، مع أنه الكفر كائن من الأكوان، وذلك بإرادة الله، فهو يريد هذا الكفر وهذا الكافر إرادة كونية، لكن لا يريد ذلك إرادة شرعية، لعل في هذا بيان. الملقي: جزاك الله خيراً. الشيخ: وإياك. "الهدى والنور" (674/ 30: 41: 00)

[1757] باب منه

[1757] باب منه سؤال: قرأت حديثاً يا شيخنا في تفسير الجلالين يقول: قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} (الأنعام:159) إنما هم أهل البدع وأهل الأهواء والضلالة من هذه الأمة، يا عائشة إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع ليس لهم توبة، يا عائشة إني برئ منهم وهم منا براء» (¬1) فما مدى صحة هذا الحديث؟ وما معنى: غير أصحاب البدع والأهواء ليس لهم توبة؟ وجزاكم الله خيراً. الشيخ: طبعاً هذا الحديث ضعيف سنداً ومتناً كما يقول علماء الحديث سنداً ومتناً. أما السند فلأن فيه علة تمنع من الحكم عليه بالصحة طبعاً أنا الآن غير مستحضر لهذه العلة سوى أني أعرف أن الحديث لا يصح من حيث إسناده، أما أنه لا يصح من حيث متنه، فهذا واضح جداً؛ لأن صاحب البدعة مهما كانت بدعته فسوف لا تكون أشر عند الله عز وجل من شرك الكافر المشرك، فإذا كان الأمر كذلك وكان معلوماً عند كل مسلم قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48). فهذا النص صريح بأن الله عز وجل من الممكن الجائز بالنسبة إليه تبارك وتعالى ليس فقط أن يقبل توبة المبتدع، بل وأن يغفر له بدعته، ولو لم يتب منها؛ لأن بدعته ليست شركاً، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48). ¬

(¬1) انظر "كنزر العمال" (رقم 4366).

هذا جواب على افتراض أن البدعة ليست كالشرك، وإنما هي دون ذلك. وإذا افترضنا أن البدعة التي أريد بهذا الحديث هي: نوع من أنواع الشرك حينئذ نستدل بقوله تبارك وتعالى في صفات الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الفرقان:68 - 70). لقد بدأ الله عز وجل بذكر المذنبين المجرمين في هذه الآية بالمشركين فقال: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ... } (الفرقان:68) إلى آخر الآية. ثم استثنى أي: بعد أن حكم لهؤلاء بالنار قال: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الفرقان:70). إذاً: لنفترض أن هذا المبتدع بدعته بدعة شركية، فلماذا لا يتوب الله عليه إذا تاب؟ وقد قال تعالى في الآية السابقة: إلا من تاب. فهذا دليل على بطلان هذا المتن بعد أن لم يثبت هذا المتن على طريقة المحدثين أي: من جهة السند، فإذاً: هذا الحديث لا يصح لا إسناداً ولا متناً، لكن يمكن أن يقال: لو افترضنا أن لهذا الحديث أصلاً يمكن أن يقال: بأن راويه الذي بسببه ضعف إسناد الحديث هذا كان من أصحاب الأوهام والأخطاء في رواية الحديث. هناك حديث ثابت عن الرسول عليه السلام قد يتوهم كثير من الناس أنه هذا

الحديث هو بمعنى حديثك، ما هو الحديث؟ «أبى الله أن يجعل لصاحب بدعه توبة» (¬1). هذا حديث صحيح: «أبى الله أن يجعل لصاحب بدعة توبة». فربما فهم ذلك الراوي بسوء فهمه، أو سوء حفظه فروى هذه الجملة التي لها صحة بتلك الجملة أن الله لا يقبل توبة المبتدع لا، أبى الله أن يجعل لصاحب بدعة توبة لا تعني أنه لو تاب توبة نصوحاً لا يقبل الله توبته للسبب الذي ذكرته آنفاً. إذاً: ما معنى: «أبى الله» هذا إباء يسمى في لغة العلماء كوني إباء كوني وليس إباء شرعياً بمعنى: قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:82) طيب. هذه الكفريات هذه الشركيات، وهذه المعاصي التي تقع في هذا الكون هي بإرادة الله أم لا؟ الجواب: تأملوا في الآية، إذا ما كان عندكم فكرة سابقة أن إرادة الله تشمل كل شيء، ولذلك جاء في عقيدة الإيمان بالله وملائكته في آخره وبالقدر خيره وشره إذاً: الخير والشر كلاهما بإرادة الله وتقديره، هذا هو الذي يعنونه بأنه هذه الإرادة كونية، فالحديث يعني: أبى الله أي: إرادة كونية أن يجعل لصاحب بدعة توبة، لكن ليس هذا إرادة شرعية أي: إذا تاب المشرك يقبل توبته؟ يقبل توبته بدليل ما سبق وغيرها، في إرادة يقابل الإرادة السابقة الإرادة الكونية إرادة شرعية. فهناك فرق كبير جداً بين الإرادة الشرعية وبين الإرادة الكونية: الإرادة الكونية تشمل الخير والشر، تشمل الهدى والضلال الإيمان والكفر، ¬

(¬1) " البدع" لابن وضاح (رقم 143) بهذا اللفظ، وصحح الألباني حديث: «إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته» في "صحيح الترغيب والترهيب" (رقم 54).

هذه ما اسمها؟ إرادة كونية يقابلها الإرادة الشرعية، الإرادة الشرعية خاصة بالخير خاصة بالإيمان، قال تعالى: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (الزمر:7) هذه آية في القرآن صريحة، {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (الزمر:7) هل يريد لعباده الكفر؟ مداخلة: نعم. الشيخ: هاه، أخطأ صاحبنا؛ لأننا نحن في صدد القول أنه الإرادة الكونية شاملة، الإرادة الكونية شاملة إبليس لما كفر مش رغم أنفه كما يقال رب العالمين حاشاه، إنما بإرادة الله عز وجل، لكن هذه إرادة كونية وليست شرعية؛ لأن الإرادة الشرعية لا تشمل الكفر. الإرادة يمكن الآن أن نجعل لها قسمين نقسم الإرادة إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية. الإرادة الكونية شاملة للخير والشر من إيمان وكفر ... إلى آخره. الإرادة الشرعية لا تتعلق إلا بالإيمان والعمل الصالح، وهنا تفسر الإرادة الشرعية بالرضا. أما الإرادة الكونية لا تفسر بالرضا، وقد ظهر لكم الفرق؟ إرادة كونية تشمل كل شيء سواءً كان خيراً أو شراً، كَفَرَ، وربنا قال: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (الزمر:7). أما الإرادة الشرعية فهي خاصة بما أمر الله به، لذلك قال أحد العلماء: مريد الخير والشر القبيح ... ولكن ليس يرضى بالمحال هو يريد الخير والشر إرادة كونية، ولكن ليس يرضى به بحال، لا يرضى؛ لأنه

قال: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (الزمر:7). حينئذ يشيب ابن آدم على ما شب عليه، هذه قاعدة الإنسان الذي يشب على الخير في الغالب يموت على الخير، يشب على الإيمان يموت على الإيمان، والعكس بالعكس تماماً، فلا يجوز أن يقال: لا يقبل التوبة من المبتدع لا، الله يقبل التوبة من عباده ويعفو عن كثير. ولا يجوز أن نقول: لا يقبل التوبة من المشرك؛ لأنه صرح في القرآن الكريم أنه يقبل التوبة. فالمبتدع أسوأ أحواله أن يكون مشركاً، أسوأ أحواله أن يكون مشركاً، فإذا تاب تاب الله عليه، لكن أنا أريد أن أبين الفرق بين هذا الحديث الضعيف، وبين الحديث الصحيح: «أبى الله أن يجعل لصاحب بدعة توبة». هنا الجعل بمعنى: الإرادة الكونية، مش الإرادة الشرعية، فلو فرضنا أن مشركاً تاب، تاب الله عليه، لو فرضنا أن مبتدعاً تاب تاب الله عليه، إذاً: ما معنى: «أبى الله أن يجعل لصاحب بدعة توبة»؟ أي: المبتدع من أولئك الذين يقال لهم: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} (التوبة:37) ولذلك فهل يتوب الإنسان الذي مثله كمثل أولئك الذين قال الله عز وجل عنهم في القرآن: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (الكهف:103، 104). فإنسان كان مشركاً أو كان مبتدعاً يحسب أنه يحسن صنعاً هذا يتصور أن يتوب؟ لا يتصور أن يتوب. من هنا يقول العلماء: ضرر البدعة على صاحبها أخطر من ضرر المعصية؛

لأن المعصية حينما يرتكبها العاصي يعرف أنه عاصي فيرجع أنه يوماً ما يتوب إلى الله من معصيته التي هو عارف بأنها معصية، لكن المبتدع الذي لسان حاله يقول: رب زدني؛ لأنه يتقرب ببدعته إلى الله عز وجل، فهذا لا يتصور أن يتوب إلى الله. فإذاً: حديثنا: «أبى الله أن يجعل لصاحب بدعة توبة» هذا إرادة كونية، أما لو تصورنا وهذا ممكن أن يقع ولو بندرة كالمشرك الذي يعيش دهره الطويل مشركاً صعب جداً أن يتوب إلى الله؛ لأنه شاب على ما شب عليه، لكن نادراً ممكن أن يقع. كذلك المبتدع ممكن أن يتوب إلى الله عز وجل، لكن هذا على طريقة نادرة جداً حينما يتبين له أنه كان عايشاً في الأوهام، أنه هو يعيش في طاعة الله في ظنه، وإذا هو يعيش في معصية الله من حيث أنه ابتدع في دين الله ما لم ينزل الله به سلطاناً. إذاً: الآن استفدنا ضعف الحديث المسؤول عنه أولاً، وصحة الحديث الثاني غير المسئول عنه ثانياً، واستفدنا الفرق الجوهري بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية. وثالثاً وأخيراً: استنتجنا من الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية الفرق بين الحديث الضعيف، وبين الحديث الصحيح. الحديث الضعيف حكم شرعي: «لا يقبل الله توبة مبتدع». هذا باطل؛ لأنه قلنا لو كان بدعته شركاً فالله يقبل، أما البدعة المذكورة في الحديث الصحيح فهي: إرادة ليست شرعية، وإنما إرادة كونية.

فمن هنا ظهر الفرق واستفدنا من الجولة القصيرة هذه فوائد ثلاثة: ضعف الحديث الأول، صحة الحديث الثاني، الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية. ومن هنا: نفهم معنى قول ذلك العالم: مريد الخير والشر القبيح ... ولكن ليس يرضى بالمحال وبهذا ينتهي الجواب. مداخلة: جزاك الله خيراً. ولذلك الإمام الشاطبي في كتاب "الاعتصام" يذكر قولاً يقول يستحيل على كل صاحب بدعة أن يتوب من بدعته. الشيخ: هو هذا لذلك قلت لكم: العلماء يقولون: شر البدعة على صاحبها أشر من شر المعصية على صاحبها لماذا؟ العاصي يمكن أن يتوب؛ لأنه يعرف نفسه أنه عاصي. المبتدع لسان حاله يقول: رب زدني؛ لأنه يتقرب إلى الله عز وجل، والله لا يقبل، فهذا التقرب كما تعلمون: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (¬1) هكذا. مداخلة: كذلك حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي هو المذكور في صحيح الترغيب والترهيب في كتاب التمسك بالسنة. ¬

(¬1) " صحيح الجامع" (5970).

[1758] باب هل قوله تعالى: {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا} يشم منه رائحة الجبر؟ والكلام على الإرادة الشرعية والإرادة الكونية

والحديث فيما معناه يقول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أبى الله أن يقبل من كل صاحب بدعة عمل حتى يدع بدعته» (¬1) ومن ذلك هذا. الشيخ: هو هذا، نعم. مداخلة: جزاكم الله خيراً. الشيخ: أي نعم. "الهدى والنور" (/704/ 18: 18: 00) [1758] باب هل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} يُشَم منه رائحة الجبر؟ والكلام على الإرادة الشرعية والإرادة الكونية [سئل الإمام]: قال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} (الأنعام25) , يَشُم البعض من هذه الآية رائحة الجبر, فما رأيكم في ذلك؟ [فأجاب]: هذا الجعل هو جعلٌ كوني, ولفهم هذا لابد من شرح معنى الإرادة الإلهية, فالإرادة الإلهية تنقسم إلى قسمين: «إرادة شرعية, وإرادة كونية». والإرادة الشرعية: هي كل ما شرعه الله عزوجل لعباده, وحضهم على القيام به من طاعات وعبادات على اختلاف أحكامها, من فرائض إلى مندوبات, فهذه ¬

(¬1) " ضعيف الجامع" (رقم 29)، " الضعيف " (3/ 683).

الطاعات والعبادات يريدها تبارك وتعالى ويُحبها. وأما الإرادة الكونية: فهي قد تكون تارة مما لم يشرعها الله, ولكنه قدرها وهذه الإرادة إنما سُميت بالإرادة الكونية اشتقاقاً من قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس82) , فـ {شَيْئًا} اسم نكرة يشمل كل شيء, سواء أكان طاعة أو معصية, وإنما يكون ذلك بقوله تعالى: {كُنْ} , أي بمشيئته وقضائه وقدره, فإذا عرفنا هذه الإرادة الكونية - وهي أنها تشمل كل شيء, سواء أكان طاعة أو كان معصية - فلا بد من الرجوع بنا إلى موضوع القضاء والقدر, لأن قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} , معناه أن هذا الذي قال له {كُنْ} جعله أمراً مُقدراً كائناً لابد منه, فكل شيء عند الله عزوجل بقدر, وهذا أيضاً يشمل الخير والشر, ولكن ما يتعلق منه بنا نحن الثقلين -الإنس والجن المكلفين المأمورين من الله عزوجل- أن ننظر فيما نقوم نحن به, إما أن يكون بمحض إرادتنا واختيارنا, وإما أن يكون رغماً عنا, وهذا القسم الثاني لا يتعلق به طاعة ولا معصية, ولا يكون عاقبة ذلك جنة ولا ناراً, وإنما القسم الأول هو الذي عليه تدور الأحكام الشرعية, وعلى ذلك يكون جزاء الإنسان الجنة أو النار, أي: ما يفعله الإنسان بإرادته, ويسعى إليه بكسبه واختياره هو الذي يحاسب عليه, إنْ كان خيراً فخير, وإن كان شراً فشر. وكون الإنسان مختاراً في قسم كبير من أعماله, فهذه حقيقة لا يمكن المجادلة فيها شرعاً ولا عقلاً. أما شرعاً: فنصوص الكتاب والسنة متواترة في أمر الإنسان بأن يفعل ما أمر به, وفي أن يترك ما نُهي عنه, وهذه النصوص أكثر من أن تذكر. أما عقلاً: فواضح لكل إنسان متجرد عن الهوى والغرض بأنه حينما يتكلم,

حينما يمشي, حينما يأكل, حينما يشرب, حينما يفعل أي شيء, مما يدخل في اختياره, فهو مختار في ذلك غير مضطر إطلاقاً, وأنا شئتُ أنْ أتكلم الآن, فليس هناك أحد يجبرني على ذلك بطبيعة الحال, ولكنه مقدر, ومعنى كلامي هذا مع كونه مقدراً, أي أنه مقدر مع اختياري لهذا الذي أقوله وأتكلم به, ولكن باستطاعتي أن أصمت لأبين لمن كان في شك مما أقول أني مختار في هذا الكلام. إذاً, فاختيار الإنسان -من حيث الواقع- أمر لا يقبل المناقشة والمجادلة, وإلا فالذي يجادل في مثل هذا إنما هو يسفسط ويشكك في البدهيات, وإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة انقطع معه الكلام. إذاً فأعمال الإنسان قسمان: اختيارية, واضطرارية. والاضطرارية: ليس فيها كلام, لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية الواقعية, والشرع يتعلق بالأمور الاختيارية, فهذه هي الحقيقة, وإذا ركزناها في أذهاننا, استطعنا أن نفهم الآية السابقة {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} وهذا الجعل كوني, ويجب أن نتذكر الآية السابقة {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أن الإرادة ههنا إرادة كونية, ولكن ليس رغما عن هذا الذي جعل الله على قلبه أكنة. مثال من الناحية المادية: أن الإنسان حينما يُخلق إنما يُخلق ولحمه غض طري, ثم إذا كبر وكبر يقسو لحمه ويشتد عظمه ولكن الناس ليسوا كلهم سواءً, فهذا مثلاً إنسان منكب على نوع من الدراسة والعلم, فهذا ماذا يقوى فيه؟ يقوى عقله؟ ويقوى دماغه من الناحية التي هو ينشغل بها, ويَنصب بكل جهده عليها, ولكن من الناحية البدنية جسده لا يقوى, وعضلاته لا تنمو.

[1759] باب التطهير كوني وشرعي، وبيان أن تطهير أهل البيت شرعي

والعكس بالعكس تماماً: فهذا شخص منصب على الناحية المادية, فهو في كل يوم يتعاطى تمارين رياضية -كما يقولون اليوم- فهذا تشتد عضلاته, ويقوى جسده, ويصبح له صورة كما نرى ذلك أحياناً في الواقع, وأحياناً في الصور, فهؤلاء الأبطال مثلاً تصبح أجسادهم كلها عضلات, فهل هو خُلق هكذا, أم هو اكتسب هذه البنية القوية ذات العضلات الكثيرة؟ هذا شيء وصل إليه هو بكسبه واختياره. ذلك هو مثل الإنسان الذي يضل في ضلاله وفي عناده, وفي كفره وجحوده, فيصل الران إلى هذه الأكنة التي يجعلها الله عزوجل على قلوبهم؟ لا بفرض من الله واضطرار من الله لهم, وإنما بسبب كسبهم واختيارهم, فهذا هو الجعل الكوني الذي يكسبه هؤلاء الكفار, فيصلون إلى هذه النقطة التي يتوهم الجُهال أنها فُرضت عليهم, والحقيقة أن ذلك لم يُفرض عليهم وإنما ذلك بما كسبت أيديهم, وأن الله ليس بظلامٍ للعبيد. "كيف يجب علينا أن نفسر القرآن" (ص23 - 28). [1759] باب التطهير كوني وشرعي، وبيان أن تطهيرَ أهل البيت شرعيٌّ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن الله عز وجل خلق الخلق قسمين، فجعلني في خيرهما قسماً، وذلك قول الله عز وجل: {وأصحاب اليمين}، {وأصحاب الشمال}؛ فأنا من أصحاب اليمين؛ وأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثاً، فجعلني في خيرها ثلثاً، فذلك قوله: {وأصحاب الميمنة}، {والسابقون السابقون}؛ فأنا خير السابقين،

ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قوله: {وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}، وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله عز وجل، ثم جعل القبائل بيوتاً؛ فجعلني في خيرها بيتاً، وذلك قوله: {إنما يريد ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}، وأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب». (موضوع بهذا التمام). [قال الإمام]: قلت: وآثار الوضع والغلو في المتن ظاهرة؛ لا سيما في الجملة الأخيرة منه:" .. مطهرون من الذنوب". فإنه يشعر بأن التطهير في الآية تطهير كوني! وليس كذلك؛ بل هو تطهير شرعي؛ كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية - في رده على الرافضي - في كتابه العظيم: "منهاج السنة". "الضعيفة" (11/ 2/855 - 856).

جماع أبواب: - إثبات قدرة العبد - والكلام على استطاعة العبد وأقسامها - والكلام على مسألة تكليف ما لا يطاق

جماع أبواب: - إثبات قدرة العبد - والكلام على استطاعة العبد وأقسامها - والكلام على مسألة تكليف ما لا يطاق

[1760] باب الجزاء يكون على ما للإنسان فيه كسب لا غيره

[1760] باب الجزاء يكون على ما للإنسان فيه كسب لا غيره [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن الله تعالى لا يعذب حسان الوجوه سود الحدق». (موضوع). [قال الإمام]: لست أشك في بطلان هذا الحديث لأنه يتعارض مع ما ورد في الشريعة، من أن الجزاء إنما يكون على الكسب والعمل {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} لا على ما لا صنع ولا يد للإنسان فيه كالحسن أو القبح، وإلى هذا أشار - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم (8/ 11)، وغيره وهو مخرج في " غاية المرام " (415)، وراجع التعليق عليه في مقدمتي على " رياض الصالحين " للنووي (ص: ل ـ ن)، فإنه مهم جدّاً، ومثل هذا الحديث الموضوع في البطلان الحديث الآتي وهو: «عليكم بالوجوه الملاح والحدق السود فإن الله يستحي أن يعذب وجهاً مليحاً بالنار». (موضوع). "الضعيفة" (1/ 255 - 2569).

[1761] باب الجمع بين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لن يدخل أحدا منكن عمله الجنة» وبين قوله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون}

[1761] باب الجمع بين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لن يُدخل أحدًا منكن عملُه الجنة» وبين قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: " لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة [ولا ينجيه من النار]، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا -[وأشار بيده هكذا على رأسه:]- إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة، [مرتين أو ثلاثا] [فسددوا وقاربوا] [وأبشروا] [واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا] [واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل] ". [قال الإمام]: اعلم أن هذا الحديث قد يشكل على بعض الناس، ويتوهم أنه مخالف لقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ونحوها من الآيات والأحاديث الدالة على أن دخول الجنة بالعمل، وقد أجيب بأجوبة أقربها إلى الصواب: أن الباء في قوله في الحديث: " بعمله " (¬1) هي باء الثمنية، والباء في الآية باء السببية، أي أن العمل الصالح سبب لابد منه لدخول الجنة، ولكنه ليس ثمناً لدخول الجنة، وما فيها من النعيم المقيم والدرجات. ¬

(¬1) حديث الترجمة ليس فيه "بعمله" إلا أن هذا اللفظ قد ورد في بعض طرق الحديث التي أشار إليها الألباني -رحمه الله- في تخريه للحديث وإن لم يصرح بلفظه، فقد ورد هذا اللفظ في مسند أحمد وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يدخل أحدكم الجنة بعمله» الحديث.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض فتاويه: " ولهذا قال بعضهم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون سببا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب، فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافياً في حصول النبات، بل لابد من ريح مربية بإذن الله، ولابد من صرف الانتفاء عنه، فلابد من تمام الشروط وزوال الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره. وكذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج، بل كم ممن أنزل ولم يولد له، بل لابد من أن الله شاء خلقه فتحبل المرأة وتربيه في الرحم وسائر ما سيتم به خلقه من الشروط وزوال الموانع. وكذلك أمر الآخرة ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة، بل هي سبب، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (فذكر الحديث)، وقد قال تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}. فهذه باء السبب، أي بسبب أعمالكم، والذي نفاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - باء المقابلة، كما يقال: اشتريت هذا بهذا. أي ليس العمل عوضاً وثمناً كافياً في دخول الجنة، بل لابد من عفو الله وفضله ورحمته، فبعفوه يمحو السيئات، وبرحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعف الدرجات. وفي هذا الموضع ضل طائفتان من الناس: 1 - فريق آمنوا بالقدر, وظنوا أن ذلك كاف في حصول المقصود فأعرضوا عن الأسباب الشرعية والأعمال الصالحة. وهؤلاء يؤول بهم الأمر إلى أن يكفروا بكتب الله ورسله ودينه. 2 - وفريق أخذوا يطلبون الجزاء من الله كما يطلبه الأجير من المستأجر،

[1762] باب هل استطاعة العبد مقرونة بفعله أم سابقة له؟

متكلين على حولهم وقوتهم وعملهم، وكما يطلبه المماليك. وهؤلاء جهال ضلال: فإن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به حاجةً إليه، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلاً به، ولكن أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عما فيه فسادهم. وهو سبحانه كما قال: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني". فالملك إذا أمر مملوكيه بأمر أمرهم لحاجته إليهم، وهم فعلوه بقوتهم التي لم يخلقها لهم فيطالبون بجزاء ذلك، والله تعالى غني عن العالمين، فإن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم، وإن أساءوا فلها. لهم ما كسبوا، وعليهم ما اكتسبوا، {من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} ". انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله منقولا من " مجموعة الفتاوى " (8/ 70 - 71) ومثله في " مفتاح دار السعادة " لتلميذه المحقق العلامة ابن قيم الجوزية (ص 9 - 10) و"تجريد التوحيد المفيد " (ص 36 - 43) للمقريزي. "الصحيحة" (6/ 1/195، 198 - 200). [1762] باب هل استطاعة العبد مقرونة بفعله أم سابقة له؟ [قال الإمام معلقا على قول صاحب الطحاوية: «والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به فهي مع الفعل، وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب وهو كما قال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة: 286)»]: [قال الإمام]: والأُولى قال بها الأشاعرة والأخرى قال بها المعتزلة، والصواب القول بهما معاً على التفصيل الذي ذكره المؤلف رحمه الله تعالى وقد بين ذلك شيخ الإسلام

ابن تيمية رحمه الله بياناً شافياً لا بأس من نقله بتمامه لأهميته؛ قال رحمة الله عليه في «مجموع الفتاوى» (8/ 371 - 376): قد تكلم الناس من أصحابنا وغيرهم في استطاعة العبد هل هي مع فعله أم قبله؟ وجعلوها قولين متناقضين؛ فقوم جعلوا الاستطاعة مع الفعل فقط وهذا هو الغالب على مثبتة القدر المتكلمين من أصحاب الأشعري ومن وافقهم من أصحابنا وغيرهم. وقوم جعلوا الاستطاعة قبل الفعل وهو الغالب على النفاة من المعتزلة والشيعة، وجعل الأولون القدرة لا تصلح إلا لفعل واحد إذ هي مقارنة له لا تنفك عنه، وجعل الآخرون الاستطاعة لا تكون إلا صالحة للضدين ولا تقارن الفعل أبداً، والقدرية أكثر انحرافاً فإنهم يمنعون أن يكون مع الفعل قدرة بحال، فإن عندهم أن المؤثر لا بد أن يتقدم على الأثر لا يقارنه بحال سواء في ذلك القدرة والإرادة والأمر. والصواب الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الاستطاعة متقدمة على الفعل ومقارنة له أيضا وتقارنه أيضاً استطاعة أخرى لا تصلح لغيره، فالاستطاعة نوعان: متقدمة صالحة للضدين، ومقارنة لا تكون إلا مع الفعل، فتلك هي المصححة للفعل المجوزة له وهذه هي الموجبة للفعل المحققة له؛ قال الله تعالى في الأولى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} (آل عمران:97) ولو كانت هذه الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل لما وجب الحج إلا على من حج، ولما عصى أحد بترك الحج، ولا كان الحج واجباً على أحد قبل الإحرام به، بل قبل فراغه وقال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن: 16) فأمر بالتقوى بمقدار الاستطاعة ولو أراد الاستطاعة المقارنة لما وجب على أحد من التقوى إلا ما فعل فقط؛ إذ هو الذي قارنته تلك الاستطاعة وقال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة: 286) و (الوسع): الموسوع وهو الذي تسعه

وتطيقه فلو أريد به المقارن لما كلف أحد إلا الفعل الذي أتى به فقط دون ما تركه من الواجبات. . . ونظائر هذا متعددة فإن كل أمر علق في الكتاب والسنة وجوبه بالاستطاعة وعدمه بعدمها لم يرد به المقارنة وإلا لما كان الله قد أوجب الواجبات إلا على من فعلها وقد أسقطها عمن لم يفعلها فلا يأثم أحد بترك الواجب المذكور. وأما الاستطاعة المقارنة الموجبة فمثل قوله تعالى: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} (هود: 20) فهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة إذ الأخرى لابد منها في التكليف؛ فالأولى: هي الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي والثواب والعقاب، وعليها يتكلم الفقهاء وهي الغالبة في عرف الناس. والثانية: هي الكونية التي هي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل، فالأولى للكلمات الأمريات الشرعيات، والثانية للكلمات الخلقيات الكونيات كما قال: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه} (التحريم: 12). وقد اختلف الناس في قدرة العبد على خلاف معلوم الحق أو مراده، والتحقيق أنه قد يكون قادراً بالقدرة الأولى الشرعية المتقدمة على الفعل فإن الله قادر أيضاً على خلاف المعلوم والمراد وإلا لم يكن قادراً إلا على ما فعله، وليس العبد قادراً على ذلك بالقدرة المقارنة للفعل فإنه لا يكون إلا ما علم الله كونه وأراد كونه فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكذلك قول الحواريين: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} (المائدة: 112) إنما استفهموا عن هذه القدرة. وكذلك ظن يونس {أن لن نقدر عليه} (الأنبياء: 87) أي فسر بالقدرة كما يقال للرجل هل تقدر أن تفعل كذا؟ أي هل تفعله؟ وهو مشهور في كلام الناس.

ولما اعتقدت القدرية أن الأولى (الاستطاعة قبل الفعل) كافية في حصول الفعل وأن العبد يحدث مشيئته جعله مستغنياً عن الله حين الفعل، كما أن الجبرية لما اعتقدت أن الثانية موجبة للفعل وهي من غيره رأوه مجبوراً على الفعل وكلاهما خطأ قبيح؛ فإن العبد له مشيئة وهي تابعة لمشيئة الله كما ذكر الله ذلك في عدة مواضع من كتابه. فإذا كان الله قد جعل العبد مريداً مختاراً شائياً امتنع أن يقال: هو مجبور مقهور مع كونه قد جعله مريداً، وامتنع أن يكون هو الذي ابتدع لنفسه المشيئة فإذا قيل: هو مجبور على أن يختار، مضطر إلى أن يشاء، فهذا لا نظير له وليس هو المفهوم من الجبر بالاضطرار ولا يقدر على ذلك إلا الله. ولهذا افترق القدرية والجبرية على طرفي نقيض وكلاهما مصيب فيما أثبته دون ما نفاه. وابن الخطيب ونحوه من الجبرية يزعمون أن العلم بافتقار رجحان فعل العبد على تركه إلى مرجح من غير العبد ضروري؛ لأن الممكن المتساوي الطرفين لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح ما، وكلا القولين صحيح، ولكن دعوى استلزام أحدهما نفي الآخر ليس بصحيح؛ فإن العبد محدث لأفعاله كاسب لها وهذا الإحداث مفتقر إلى محدث فالعبد فاعل صانع محدث، وكونه فاعلاً صانعاً محدثاً بعد أن لم يكن لابد له من فاعل كما قال: {لمن شاء منكم أن يستقيم} (التكوير: 28) فإذا شاء الاستقامة صار مستقيماً ثم قال: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين} (التكوير: 29). فما علم بالاضطرار وما دلت عليه الأدلة السمعية والعقلية كله حق، ولهذا كان لا حول ولا قوة إلا بالله والعبد فقير إلى الله فقراً ذاتياً له في ذاته وصفاته

[1763] باب لم يكلف الله العباد إلا ما يطيقون

وأفعاله مع أن له ذاتاً وصفات وأفعالاً، فنفي أفعاله كنفي صفاته وذاته، وهو جحد للحق شبيه بغلو غالية الصوفية الذين يجعلونه هو الحق، وجعل شيء منه مستغنياً عن الله أو كائناً بدونه جحد للحق شبيه بغلو الذي قال: {أنا ربكم الأعلى} (النازعات:24) وقال: إنه خلق نفسه وإنما الحق ما عليه أهل السنة والجماعة. "التعليق على متن الطحاوية" (ص88 - 95). [1763] باب لم يكلف الله العباد إلا ما يطيقون [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية: «ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون ولا يطيقون إلا ما كلفهم»]: أي ولا يطيقون إلا ما أقدرهم عليه، وهذه الطاقة هي التي من نحو التوفيق لا التي من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات ولكن في كلام المؤلف إشكالاً بينه الشيخ الشارح بقوله: فإن التكليف لا يستعمل بمعنى الإقدار وإنما يستعمل بمعنى الأمر والنهي وهو قد قال: «لا يكلفهم إلا ما يطيقون ولا يطيقون إلا ما كلفهم». وظاهره أنه يرجع إلى معنى واحد ولا يصح ذلك؛ لأنهم يطيقون فوق ما كلفهم به لكنه سبحانه يريد بعباده اليسر والتخفيف كما قال تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} (البقرة: 185)، وقال تعالى: {يريد الله أن يخفف عنكم} (النساء: 28) وقال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج:78). فلو زاد فيما كلفنا به لأطقناه، ولكنه تفضل علينا ورحمنا وخفف عنا، ولم يجعل علينا في الدين من حرج، ويجاب عن هذا الإشكال بما تقدم: أن المراد الطاقة التي من نحو التوفيق لا من جهة التمكن وسلامة الآلات ففي العبارة قلق فتأمله». "التعليق على متن الطحاوية" (ص95 - 96).

جماع أبواب الكلام على حكم نسبة الشر والظلم لله تعالى

جماع أبواب الكلام على حُكْمِ نسبة الشر والظلم لله تعالى

[1764] باب هل ينسب الشر لله تعالى؟

[1764] باب هل ينسب الشر لله تعالى؟ [علق الإمام على قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في دعاء الاستفتاح:"والشر ليس إليك"قائلاً]: أي: لا ينسب الشر إلى الله تعالى؛ لأنه ليس في فعله تعالى شر؛ بل أفعاله عز وجل كلها خير؛ لأنها دائرة بين العدل والفضل والحكمة, وهو كله خير لا شر فيه, والشر إنما صار شراً لانقطاع نسبته وإضافته إليه تعالى. قال ابن القيم رحمه الله: هو سبحانه خالق الخير والشر, فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله, ولهذا تنزه سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير محله, فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها؛ وذلك خير كله, والشر وضع الشيء في غير محله, فإذا وضع في محله لم يكن شراً, فعلم أن الشر ليس إليه ... (قال:) فإن قلت: فلم خلقه وهو شر؟ قلت: خلقه له, وفعله خير لا شر, فإن الخلق والفعل قائم به سبحانه, والشر يستحيل قيامه واتصافه به, وما كان في المخلوق من شر فلعدم إضافته ونسبته إليه والفعل والخلق يضاف إليه فكان خيراً. وتمام هذا البحث الخطير وتحقيقه في كتابه "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل"؛ فراجعه (ص 178 - 206). "أصل صفة الصلاة" (1/ 148 - 249). [1765] باب منه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا قام إلى الصلاة وفي رواية: كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم قال: «وجهت وجهي للذي فطر

[1766] باب منه

السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت، ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك ... » رواه مسلم. [قال الإمام]: أي لا ينسب الشر إِليه تعالى؛ لأنه ليس من فعله عز وجل, بل أفعاله كلها خير؛ لأنها دائرة بين العدل والفضل والحكمة. وتمام هذا البحث الهام, راجعة في كتاب: «شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل» لابن القيم رحمه الله تعالى. " تحقيق مشكاة المصابيح" (1/ 257). [1766] باب منه [نقل الإمام كلاما في تفسير هذه العبارة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية مقرراً إياه؛ يقول ابن تيمية]: "اعْلَمْ أَنَّ مذْهَبَ أَهل الحقِّ من المحدثين والفقهاء من الصحابة والتابعين ومَن بَعْدَهم من عُلماء المسلمين: أّن جميع الكائناتِ خَيْرها وشرها، نفْعَها وضرَّها، كُلُّها مِنَ الله تعالى وبإرادَته وتَقْديرِه، فلا بُدّ منْ تأويل الحديث، فَذَكَر العلماء فيه أَجْوبَة:

[1767] باب منه والكلام على بطلان مذهبي القدرية والجبرية

أَحدها: - وهو أَشْهَرُها؛ قاله النَّضْر بن شُمَيْل والأئِمَّة بعْدَهُ - أَن معناه: والشر لا يُتَقَرّبُ {بِهِ} إٍلَيْكَ. والثاني: لا يَصْعَدُ إليْك، إنما يصْعدُ الكَلِمُ الطّيّبُ. والثالث: لا يُضاف إِلَيْك أَدباً، فلا يُقال: يا خالِق الشرِّ، وإِن كان خالقه، كما لا يقال: يا خالِق الخنازير، وإِن كان خالِقها. والرابع: ليس شراً بالنِّسبة إِلى حكْمَتكَ، فإنك لا تَخْلُقُ شَيْئاً عبثاً". "تحقيق الكلم الطيب" (ص 100). [1767] باب منه والكلام على بطلان مذهبي القدرية والجبرية سؤال: ما أدري يا شيخ كيف التوفيق يا شيخ بين حديث: «أركان الإيمان ستة: الإيمان بالقدر خيره وشره»، وبين قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «والشر ليس إليك»، كيف يفهم هذا الشر يا شيخ؟ الشيخ: نسبي، الشر بالنسبة إلينا لا بالنسبة لربنا؛ لأن أفعال الله عز وجل كلها خير، ويمكن تقريب المسألة بمثال مع التذكير بأن لله المثل الأعلى هذا أولاً، وثانياً: التذكير بمبدأ قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فتقدير الله عز وجل هو خلق وتصرف منه عز وجل، يتوافق تماماً مع كل الصفات التي منها: القدرة والإرادة والعدالة والحكمة، فحينما نحن نرى شراً يقع، فهذا كما قال: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (الأنعام:96). فالمثال الذي أريد أن أقرب به هذه المسألة الإيمانية: إذا رأيت طبيباً يقطع

عضواً من مريضٍ ما فلا شك أنك تستنكر عمله إذا كنت لا تعرف أن هذا الطبيب أولاً ماهر في طبابته، وثانياً: عادل في تنفيذه لطبه، كذلك إذا رأيت حاكماً يضرب إنساناً أو يجلده، فستقول: بأن هذا شر، لكن إذا عرفت أنه يضربه بحق انقلب المفهوم السابق الذي كان في ذهنك وهو أنه شر إلى أنه ليس بشر، وهذا نحن بين بعضنا البعض فما بالك بالنسبة للخالق الذي لا يقاس به شيء إطلاقاً؟! ولذلك فنحن نقول في موضوع القضاء والقدر: الأصل فيه الإيمان الصادق الصحيح، وحينما يجري نقاش بين المعتزلة والجبرية، حيث إن كلاً من الفريقين يقف بعيداً جداً عن الآخر، وكلاهما على طرفي نقيض؛ لأنهم يحكمون عقولهم دون أن يلاحظوا دون ما ذكرت آنفاً من أن الله عز وجل لا يضرب له الأمثال، وأنه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء، فالمعتزلة يلتقون مع الجبرية في رأي واحد، لكن الفرق بين الفريقين: أن المعتزلة حينما يعملون عقلهم في ذلك الرأي يجدونه لا يلتقي مع العدالة الإلهية، فيفرون منه، أما الجبرية فيستقرون عليه ويطمئنون إليه، ما هو؟ إذا قيل: بأن الإنسان مقدر عليه كل عمل يأتيه، سواء كان خيراً أو شراً، التقى الفريقان: أن هذا يعني أنه جبر للإنسان على أن يفعل الخير أو الشر، فالتقيا في هذا كلاهما، لكن المعتزلة فروا قالوا: لو كان الأمر كذلك لم يبق هناك حكمة لله عز وجل أولاً في أن يأمر بالخير وينهى عن الشر، وثانياً: أن يجزي على الخير خيراً وعلى الشر شراً، أن يجزي على الخير جنة وعلى الشر ناراً، يقول المعتزلة: التقدير مع التكليف لا يلتقيان، إذاً فروا إلى قولهم: لا قدر، الجبرية ظلوا على رأيهم: أن معنى كون لله عز وجل قدر على الإنسان الخير أو الشر أنه مجبور، وظلوا عليه. فأخذ كلاً من الفريقين يرد الباطل الذي في كل منهما: الباطل في المعتزلة

إنكارهم للقدر، الباطل في الجبرية تشبثهم بالقدر وإثبات الجبر، وهو إيمان باطل؛ ولذلك الأمر كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يؤخذ الصواب من كل من الفريقين ويترك لهم الضلال، يؤخذ من الجبرية إيمانهم بالقدر؛ لأنه حق، ويترك لهم القول بالجبر؛ لأنه باطل، ويؤخذ من المعتزلة قولهم: أن الجبر باطل، وينكر عليهم إنكارهم للقضاء والقدر. فالشاهد: فكل من الفريقين تمسك بحق ورد باطلاً؛ والسبب: أنهم أرادوا أن يعقدوا هذه الصفة الإلهية التقدير الإلهي: وكل شيء بقدر، ما قال عليه السلام: «كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس» (¬1)، أرادوا أن يفهموا التصرف الإلهي بعقولهم المحدودة فوقعوا في الضلال، أولئك أنكروا القدر؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يوفقوا بين الإيمان بالقدر وبين الإيمان بأن الإنسان مختار، وهؤلاء أنكروا اختيار الإنسان؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يوفقوا بين اختيار الإنسان وبين القدر الإلهي. فلذلك القصد من هذا الكلام: أن المؤمن يستعمل عقله وفكره إلى حد، وبخاصة فيما يتعلق بالصفات الإلهية، ومن ذلك القدر، فهو لا يستطيع أن يحل مشكلة القدر أو بالمعنى الصحيح: عقيدة القدر، بحيث أنه يفهمه ويخضعه لعقله، لا بد من إجمال، ولا بد من التسليم. فالاختيار الذي أنكره الجبرية هذا إنكار للأمور البدهية، وكما أقول أنا في مثل هذا البحث، أنا الآن أتكلم معكم: من الذي يشك بأني أتكلم مختاراً؟ وإذا عاند أحدهم وقال لي: أنت تتكلم غير مختار، أصمت، إذن أنا أتكلم باختياري ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 8660) " الصحيحة" (2/ 542).

وأصمت باختياري هذه مكابرة وجحد للحقائق البدهية، لماذا ينكرون هذه الحقائق البدهية؟ يا أخي مكتوب هذا مسجل، نعم مسجل ولا شك ولا ريب، ومسجل بعلم وعدل وحكمة. وأنا أضرب مثلاً لقتل الخطأ وقتل العمد، فهذا القتل وذاك كلاهما مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ ولا شك، ولا يقبل تأويلاً ولا تحويلاً، ولكن كيف كتب؟ كيف قدر؟ حينما نقول: قتل العمد وقتل الخطأ بلا شك نذكر مع قتل الخطأ عدم وجود الإرادة البشرية، قتل ولكنه ما أراد القتل، أما قتل العمد كما يقولون اليوم في لغة القانون: قتل عن سابق عزم وتصميم وتخطيط، فأنا أضرب مثلاً لهذين النوعين من القتل: رجل خطط لقتل رجل من ذويه على رأس الجبل، ووضع الخطة الدقيقة للغدر به وقتله، فصعد الجبل في ليلة لا قمر فيها -كما يقال- فقتله، آخر صعد الجبل لأمر ما للنزهة، فزلت به القدم، وهناك شخص فصدمه فانقلب يتدحرج حتى وصل قتيلاً إلى سفح الجبل، ذاك قاتل وهذا قاتل، فمن الذي يقول هذا كهذا؟! كلاهما مقدر. إذاً: يجب أن نفكر أن القدر الإلهي كما ألمحت في أول كلامي مقرون بالصفات الإلهية الأخرى، منها العلم ومنها الحكمة، فإذا انكشف الغطاء لنا وكنا من قبل لا نعلم شيئاً عن صفة هذين القتلين، لكن بعد أن وقعت الواقعة عرفنا أن الأول قتل عن سابق علم وتصميم وتخطيط، أما الآخر فزلت به القدم صدم شخصاً فانقلب هذا الشخص يتدحرج ميتاً، انكشف الأمر أن القتل الأول عمد

[1768] باب الإيمان بالقدر خيره وشره لا ينافي قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «والشر ليس إليك»

والقتل الآخر خطأ، فالآن تحليل الكتابة الإلهية: كتب الله عز وجل أن الأول سيتعمد ويخطط وسيعزم على قتل الرجل باختياره، فكتبه في اللوح المحفوظ قاتلاً عمداً، وادخر له عذاب جهنم، أما الآخر فقد كتب: بأنه سيقتل بغير قصد وبغير إرادة منه؛ ولذلك ما كتب عليه جهنم. إذاً: الأمر الأول يمثل ما يستحق عليه العذاب، والآخر ما لا يستحق عليه العذاب. "الهدى والنور" (724/ 39: 01: 00) [1768] باب الإيمان بالقدر خيره وشره لا ينافي قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «والشر ليس إليك» [قال الإمام معلقًا على قول صاحب الطحاوية:- «والإيمان هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وحلوه ومره من الله تعالى»]: اعلم أنه لا ينافي هذا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في دعاء الاستفتاح: «والخير كله بيديك والشر ليس إليك» رواه مسلم؛ لأن المعنى: فإنك لا تخلق شرًّا محضاً بل كل ما تخلقه فيه حكمة هو باعتبارها خير، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس فهذا الشر جزئي إضافي، فأما شر كلي أو شر مطلق فالرب سبحانه وتعالى منزه عنه، أفاده في «الشرح» وراجع التفصيل إن شئت في «شفاء العليل» لابن القيم رحمه الله تعالى، ومنه تعلم كذب من نسب إلى أن للشر خالقاً غير الله تعالى في مقال نشر مع الأسف في مجلة «الحضارة» (ص 50 - 52، العدد 5 السنة 18). "التعليق على متن الطحاوية" (ص71 - 72).

[1769] باب خطأ من قال بأن الشر ليس من خلقه تعالى [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]

[1769] باب خطأ من قال بأن الشر ليس من خلقه تعالى [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما [فليأخذ بناصيتها] [وليسم الله عز وجل] [وليدع بالبركة] وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه». رواه البخاري. [قال الإمام]: في الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر خلافًا لمن يقول - من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى، وليس في كون الله خالقًا للشر ما ينافي كماله تعالى، بل هو من كماله تبارك وتعالى، وتفصيل ذلك في المطولات ومن أحسنها كتاب " شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل " لابن القيم فليراجعه من شاء. "آداب الزفاف" (ص93). [1770] باب هل ينسب الظلم إلى الله تعالى؟ [نقل الإمام كلام شارح الطحاوية على قول الماتن: «وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، غلبت مشيئة المشيئات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها، يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبد» مقرراً إياه فقال]: قال الشارح (ص 448): «الذي دل عليه القرآن من تنزيه الله نفسه عن ظلم العباد يقتضي قولاً وسطاً بين قولي القدرية والجبرية، فليس ما كان من بني آدم

ظلماً وقبيحاً يكون منه ظلماً وقبيحاً، كما تقوله القدرية والمعتزلة ونحوهم؛ فإن ذلك تمثيل لله بخلقه وقياس له عليهم، هو الرب الغني القادر وهم العباد الفقراء المقهورون، وليس الظلم عبارة عن الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة كما يقوله من يقوله من المتكلمين وغيرهم؛ يقولون: إنه يمتنع أن يكون في الممكن المقدور ظلم، بل كل ما كان ممكناً فهو منه -لو فعله- عدل؛ إذ الظلم لا يكون إلا من مأمور من غيره منهي، والله ليس كذلك! فإن قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} (طه: 112) وقوله تعالى: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} (ق: 76) وقوله تعالى: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} (الزخرف: 76) وقوله تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف: 49) وقوله تعالى: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب} (غافر: 17) يدل على نقيض هذا القول. ومنه قوله الذي رواه عنه رسوله: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» فهذا دل على شيئين: أحدهما أنه حرم على نفسه الظلم والممتنع لا يوصف بذلك. الثاني: أنه أخبر أنه حرمه على نفسه كما أخبر أنه كتب على نفسه الرحمة وهذا يبطل احتجاجهم بأن الظلم لا يكون إلا من مأمور منهي والله ليس كذلك، فيقال لهم: هو سبحانه كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم، وإنما كتب على نفسه وحرم على نفسه ما هو قادر عليه لا ما هو ممتنع عليه». "التعليق على متن الطحاوية" (ص97 - 99).

جماع أبواب جواب إشكالات حول الإيمان بالقضاء والقدر

جماع أبواب جواب إشكالات حول الإيمان بالقضاء والقدر

[1771] باب صلة الرحم سبب في زيادة الرزق والعمر، وبيان أن ذلك لا ينافي قضاء الله وقدره

[1771] باب صلة الرحم سبب في زيادة الرزق والعمر، وبيان أن ذلك لا ينافي قضاء الله وقدره عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ في أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». (صحيح مسلم). [قال الإمام]: هذا الحديث نص في أن صلة الرحم سبب للزيادة في الرزق وطول العمر, ولا ينافيه أن الرزق والعمر مقدران,, فإنهما مقدران بأسبابهما. ألا ترى أن دخول الجنة أو النار مقدر أيضاً, ومع ذلك فدخولهما مربوط بالسبب من الإيمان أو الكفر. فكما أن قوله تعالى {فريق في الجنة وفريق في السعير} وقوله تعالى في الحديث القدسي «هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي, وهؤلاء إلى النار ولا أبالي» لا ينافي الأخذ بأسباب النجاة ودخول الجنة, بل ذلك أمر لا بد منه كما قال تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} وقال - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث المعروف: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له, فمن كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة» الحديث. فكذلك أقول: من كان طويل العمر عند الله, فسييسر للأخذ بأسباب طول العمر, والعكس بالعكس, فإذاً ليس معنى كون صلة الرحم سبباً لطول العمر أن ذلك يغير ما سبق في علم الله من العمر المحدود, كما أن كون الإيمان سبباً لدخول الجنة ليس معناه أنه يغير مما سبق في علم الله من السعادة أو الشقاوة, بل الحقيقة أن الكل سبق في علم الله, من السبب والمسبب, فمن سبق في علمه تعالى أنه من أهل الجنة فقد سبق في علمه أنه يأخذ بسببه وهو الإيمان, ومن سبق في علمه

[1772] باب منه

تعالى أنه من أهل النار فقد سبق في علمه أيضاً أنه يأخذ بسببه وهو الكفر. فكذلك نقول: من سبق في علمه تعالى أنه طويل العمر فقد سبق في علمه أنه يأخذ بالسبب وهو هنا صلة الرحم والعكس بالعكس. فإذا قلنا طال عمره حقيقة بصلته للرحم كما لو قلنا: دخل الجنة بإيمانه ولا فرق. فتأمل هذا فإنه يريحك عن تكلف تأويل الحديث بما لا طائل تحته ولا مبرر له سوى البعد عن الفهم السليم لبحث القضاء والقدر, والتوفيق من الله عز وجل. "مختصر صحيح مسلم" (ص 465 - 466). [1772] باب منه [قال البخاري في الأدب المفرد]: عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه». [قال الإمام]: (صحيح) [وعلق قائلاً]: «ينسأ له في أثره» قال الترمذي: «يعني به: الزيادة في العمر». قلت: فالحديث على ظاهره، أي: أن الله جعل بحكمته صلة الرحم سبباً شرعياً لطول العمر وكذلك حسن الخلق وحسن الجوار كما في بعض الأحاديث الصحيحة، ولا ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن العمر مقطوع به؛ لأن هذا بالنظر للخاتمة، تماماً كالسعادة والشقاوة، فهما مقطوعتان بالنسبة للأفراد

[1773] باب منه

فشقي أو سعيد، فمن المقطوع به أن السعادة والشقاوة منوطتان بالأسباب شرعاً كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فمن كان من أهل السعادة فسيُيسر لعمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة». ثم قرأ - صلى الله عليه وآله وسلم -: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الأعلى:5 - 10)، فكما أن الإيمان يزيد وينقص، وزيادته الطاعة ونقصانه المعصية، وأن ذلك لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ، فكذلك العمر يزيد وينقص بالنظر إلى الأسباب فهو لا ينافي ما كتب في اللوح أيضاً، فتأمل هذا فإنه مهم جداً في حل مشاكل كثيرة؛ ولهذا جاء في الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة الدعاء بطول العمر، كما سيأتي في الكتاب برقم (509/ 653 و851/ 1112). "صحيح الأدب المفرد" (ص40). [1773] باب منه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه». (رواه البخاري) [قال الإمام]: اعلم أن كلاًّ من البسط في الرزق والإطالة في العمر؛ إنما هو على ظاهره، من باب ربط المسبب بالسبب: كالإيمان ودخول الجنة، والكفر ودخول النار، وكل ذلك ينتهي إلى علم الله وقدره، كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له»،

[1774] باب منه

فكما أن دخول الجنة بالإيمان؛ فكذلك السعة في الرزق والإطالة في العمر، فكما أن الإيمان سبب لدخولها، ولا ينافي ما سبق في علم الله؛ فكذلك صلة الرحم سبب للبسط والإطالة، ولا تنافي ما سبق في علمه تعالى، فلا داعي لتأويل الحديث وحمله على المجاز. "مختصر صحيح البخاري" (2/ 21). [1774] باب منه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «اشتروا الرقيق وشاركوهم في أرزاقهم يعني كسبهم، وإياكم والزنج، فإنهم قصيرة أعمارهم، قليلة أرزاقهم». (موضوع). [قال الإمام]: هذا حال إسناد الحديث، وأما متنه فإني أرى عليه لوائح الوضع ظاهرة، فإن قصر الأعمار وقلة الأرزاق لا علاقة لها بالأمم، بل بالأفراد، فمن أخذ منهم بأسباب طول العمر وكثرة الرزق التي جعلها الله تبارك وتعالى أسباباً طال عمره وكثرة رزقه، والعكس بالعكس، وسواء كانت هذه الأسباب طبيعية أو شرعية، أما الطبيعية فهي معروفة، وأما الشرعية فمثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أحب أن ينسأ له في أجله، ويوسع له في رزقه، فليصل رحمه». رواه البخاري. وقوله: «حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويطيلان الأعمار». رواه أحمد وغيره وهو مخرج في " الصحيحة " (519).

[1775] باب منه

والله تبارك وتعالى سهل لكل أمة لأخذ بأسباب الحياة من الرزق وطول العمر وغير ذلك ولم يخصها بقوم دون قوم، ولذلك نجد كثيراً من الأمم التي كانت متأخرة في مضمار الرقي أصبحت في مقدمة الأمم رقياً وثروةً كاليابان، وغيرها، فليس من المعقول أن يحكم الشارع الحكيم على أمة كالزنج بالفقر ويطبعهم بطابع قصر العمر، مع أنهم بشر مثلنا وهو يقول: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. وقصر العمر وقلة الرزق ليسا من التقوى في شيء كما يشير إلى ذلك الحديثان المذكوران، بل إنهما ليصرحان أن خلافهما وهما الغنى وطول العمر من ثمار التقوى، فإذن أي أمة أخذت بأسباب طول العمر وسعة الرزق لاسيما إذا كانت من النوع الشرعي فلا شك أن الله تبارك وتعالى يبارك لها في عمرها ورزقها، لا فرق في ذلك بين أمة وأمة، للآية السابقة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وخلاصة القول: إن هذا الحديث موضوع متناً لعدم اتفاقه مع القواعد الشرعية العادلة التي لا تفرق بين أمة وأمة أو قوم وقوم. ولذلك ما كنت أو د للسيوطي أن يورده في " الجامع الصغير " وإن كان ليس في إسناده من هو معروف بالكذب أو الوضع، ما دام أن الحديث يحمل في طياته ما يشهد أنه موضوع والله أعلم. "الضعيفة" (2/ 155 - 156). [1775] باب منه السؤال: بالنسبة لإطالة العمر .. ، هل يعني يطول عمر الإنسان إذا كان وصل الرحم ... الشيخ: .. سؤالك مفهوم لكن هو خطأ؛ لأنه ما دام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: يطيل العمر، فلماذا معنى السؤال: هل يطيل العمر؟

مداخلة: ... الشيخ: أنا قلت لك سلفاً فلا تستعجل علي، قلت قصدك مفهوم، لكن السؤال خطأ، لو قلت مثلاً: سمعنا من بعض الناس أو بعض العلماء وبعض المشايخ أنهم يفسرون طول العمر هنا بغير ما يدل عليه ظاهر الحديث، كان أليق وآدب بالنسبة لكلام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الصريح، لا سيما وهناك حديث آخر وهو منه أشهر وأصح، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «من أحب أن ينسأ له في أجله، ويوسع له في رزقه؛ فليصل رحمه»، من عجائب التأويلات التي لا يكاد ينقضي عجبي صدور ذلك من بعض أهل العلم، تأويلهم لهذا الحديث والذي قبله؛ لأنهم يقولون: ليس المقصود إطالة العمر حقيقة، وإنما المقصود المباركة في عمر هذا الإنسان، ولماذا يتأولون هذا التأويل؟ يتأولون هذا التأويل بحجة هي قائمة على تأويلهم؛ ذلك لأنهم يقولون: لأن العمر محدود، والرزق مقسوم، وهذا مصرح في الأحاديث التي فيها أن الجنين قبل أن ينفخ فيه الروح ويأتي الملك ينفخ فيه الروح يسأل ربه عن سعادته وشقاوته، وأجله ورزقه، فيكتب، يقول: فإذاً العمر محدود، والرزق مقسوم، فكيف يقال: إن العمر يطول والرزق يتوسع، يوسع عليه، لذلك تأولوه بذلك التأويل. وموضع تعجبي هو أنه لا يمكن لمسلم أن يقول فيه ما تأولوه به إلا ما يقوله فيما تأولوه. أي: البركة نفسها هي أيضاً محدودة ومقسومة معلقة في اللوح المحفوظ لا تتغير ولا تتبدل، فما هي الفائدة من قولنا أن المقصود هو البركة في العمر، والبركة في الرزق، والبركة في الرزق والعمر هذه حقيقة، وكثيراً من الناس كما تعلمون يأتيهم الرزق الواسع ولكن ما بين عشية وضحاها يصبحوا صفر اليدين.

صحيح هذه قضية البركة، لكن نقول: لماذا تأويل طول العمر وسعة الرزق بالبركة، والبركة أيضاً محددة، أيضاً لم نستفد شيئًا من هذا التأويل فراراً من الإشكال الذي أوردوه على أنفسهم، أي في تأويلهم وهكذا يقال لهم: مكانك راوح ... لا نتقدم إطلاقاً. فما الجواب الصحيح؟ الجواب الصحيح هو ما جاء في الحديث صراحة، أي: الرزق يوسع على صاحبه بالخلق الحسن، والواصل لأقاربه، وعمره يطول، وكيف ذلك والعمر محدد؟ الجواب بسيط جداً لو كنتم تعلمون جواب السعادة والشقاوة، السعادة والشقاوة أليست محددة أيضاً؟ طبعاً، قد قيل للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أعمالنا هذه عن سابق؟ عن قدر ماضٍ أم الأمر أنف؟ قال: لا، بل عن قدر ماض. قالوا له: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، ومن كان من أهل الجنة فسيعمل بعمل أهل الجنة، ومن كان من أهل النار فسيعمل بعمل أهل النار، وتلا قوله تبارك وتعالى:: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل: 5 - 10)» (¬1) ما معنى الحديث والآية؟ ¬

(¬1) "البخاري" (رقم 4661) وكرره مراراً، ولفظه عن علي رضي الله عنه: كنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في بقيع الغرقد في جنازة فقال: {ما منكم إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعدة من النار} فقالوا يا رسول الله أفلا نتكلم؟ فقال: اعملوا فكل ميسر، ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقي .. }، وأخرجه "مسلم" (رقم 6901).

معنى الحديث والآية أن السعادة والشقاوة كل منهما مرتبط في علم الله عز وجل، والذي سجل في اللوح المحفوظ العمل الصالح مع السعادة، والعمل الطالح مع الشقاوة. إذا عرفنا أن السعادة مرتبطة بالعمل الصالح، والشقاوة مرتبطة أيضاً بالعمل الطالح، وعرفنا أن كلاً من العمل الصالح والعمل الطالح سببان محققان للسعادة أو الشقاوة، هذه حقيقة لا خلاف فيها بين المسلمين أبداً. إذاً: إذا كان العمل الصالح هو سبب السعادة، والعمل الطالح سبب الشقاوة فصلة الرحم وحسن الخلق سبب في طول العمر والسعة في الرزق، أي: أن الحديثين السابقين ذكراً وهما: «حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويطيلان في الأعمار» والحديث الآخر: «من أحب أن ينسأ له في أجله ويوسع له في رزقه فليصل رحمه» يتحدثان في دائرة الأسباب، ما سبب السعادة؟ سبق، العمل الصالح. وما سبب الشقاوة؟ العمل الطالح. ... الحديثان يتحدثان عن سبب سعة الرزق وطيلة العمر، قال: حسن الجوار وصلة الأرحام. فنحن لا ندري ما الذي كتب على الإنسان أسعادة أم شقاوة؟! لكن العمل هو الذي يدرينا، ولذلك جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كيف بي أن أعلم أنني أنا مسلم أو مؤمن أو محسن؟ قال: سل جيرانك فإن أحسنوا الثناء عليك فأنت مسلم، وإن أساءوا الثناء عليك فأنت غير مسلم» (¬1) أو كما قال عليه السلام. إذاً: الأعمال هي مرتبطة مع القدر الغائب عنا، ولذلك قال تعالى في الآية ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 277) " الصحيحة" (3/ 317).

السابقة: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أي: الجنة. {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10]، وكما أن رجلاً لا أقول مسلماً، وكما أن رجلاً عاقلاً لا يستطيع أن يقول: أنا أترك أسباب الصحة، وأترك أسباب القوة والسعادة الدنيوية بحجة أنه إن كان الله مقدر لي الصحة والسعادة الدنيوية ستأتيني هذه السعادة ولو أنا ما اتخذت سبب من الأسباب، لا أحد يقول بهذا. والآن تجد الناس الأشقياء الفاسدين سلوكاً وأخلاقاً يأخذون بأسباب السعادة الدنيوية والصحة البدنية؛ لأنهم يعلمون يقيناً أن هذه الصحة لا بد لها من اتخاذ الأسباب، كذلك يقال تماماً بالنسبة للسعادة الأخروية، إذا المسلم يريد أن يكون سعيداً فعلاً فعليه أن يضع نصب عينيه الآية السابقة: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10]. إذاً: الحديث الأول والثاني على ظاهرهما تماماً. «من أحب أن ينسأ له في أجله ويوسع له في رزقه فليصل رحمه» أي: صلة الرحم سبب شرعي لسعة الرزق وطول العمر، لكن النتيجة مخبأة عنا وغير معلومة لدينا كالسعادة والشقاوة تماماً، لكن كما أن السعادة والشقاوة لها أسباب، كذلك طول العمر وسعة الرزق لها أسباب، لا فرق بين هذه الأسباب وبين تلك الأسباب، ويكفي في إثبات أثر السببية في السعادة الأخروية أن نتذكر قول الله تبارك وتعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل:32) هذه الباء هنا سببية، يعني: بسبب عملكم الصالح وأعظم الأعمال الصالحة هي الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سأله رجل قال: عن أفضل الأعمال؟ قال: الإيمان

[1776] باب كيف الجمع بين الأحاديث المصرحة بأن هناك أسبابا شرعية لإطالة العمر، وبين قوله تعالى: {ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها}

بالله تبارك وتعالى. العمل بالإيمان عمل قلبي ليس كما يظن بعض الناس أنه لا علاقة له بالعمل، لا الإيمان أولاً، لا بد من أن يتحرك القلب بالإيمان بالله ورسوله، ثم لا بد أن يقترن مع هذا الإيمان الذي وقر في القلب أن يظهر .. على البدن والجوارح، لذلك فقوله تبارك وتعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل:32)، نص قاطع صريح بأن دخول الجنة ليس بمجرد الأماني كما قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (النساء:123)، من يعمل خيراً يجز به، من يعمل سوءاً يجز به، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} (الزلزلة:8). "الهدى والنور" (11ب/ 00:07:24) [1776] باب كيف الجمع بين الأحاديث المصرحة بأن هناك أسباباً شرعية لإطالة العمر، وبين قوله تعالى: {ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها} [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن الله تعالى لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها، وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها العبد، فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة العمر». (منكر). [قال الإمام]: أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" من طريق الوليد بن عبد الملك ابن عبيد الله بن مسرح: حدثنا سليمان بن عطاء عن مسلمة بن عبد الله عن عمه أبي مشجعة

بن ربعي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ذكرنا [زيادة العمر] عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فقال: ... فذكره. نقلته من "تفسير ابن كثير" (7/ 54)، ووقع فيه أخطاء كثيرة في رجال إسناده، صححتها من كتب الرجال، ويبدو لي أن في أول متنه سقطاً لعله قولهم: قوله تعالى: {وما يعمر من معمر ... } الآية، أو نحوه. ثم تحققت من ذلك كما يأتي. وسكت عن إسناده ابن كثير، وهو إسناد ضعيف مظلم مسلسل بالمجهولين: 1 - أبو مشجعة هذا؛ لم يذكروا له راوياً غير ابن أخيه مسلمة بن عبد الله؛ وقال الحافظ: "مقبول"؛ يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فهو لين الحديث. 2 - مسلمة بن عبد الله الجهني؛ قال دحيم:"لم يرو عنه أحد نعرفه غير الشعيثي". وقال الحافظ أيضاً: "مقبول". 3 - سليمان بن عطاء - وهو ابن قيس القرشي - متفق على تضعيفه، بل قال ابن حبان في "الضعفاء والمجروحين" (1/ 329): "روى عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مشجعة بن ربعي أشياء موضوعة لا تشبه حديث الثقات، فلست أدري؛ التخليط فيها منه أو من مسلمة ابن عبد الله؟! ". وأما الوليد بن عبد الملك؛ فقال ابن أبي حاتم (4/ 2/ 10) عن أبيه:"صدوق". وذكر أنه روى عنه أبوه، وكذا أبو زرعة، ورواية هذا عنه توثيق منه له؛ كما هو معروف عنه.

فآفة الحديث ممن فوقه. وقد أخرجه من طريقه أيضاً: ابن حبان، وابن عدي (ق 160/ 1)، والطبراني في "الأوسط" (1/ 190/ 2 - مصورة الجامعة)؛ وفي روايتهم ما أشرت إليه من السقط في "تفسير ابن كثير". وهذا الحديث مما فات السيوطي؛ فلم يورده في "الجامع الكبير"، بل ولا في "الدر المنثور" في تفسير الآية: {وما يعمر من معمر ... }! وإنما أورد فيها الحديث الآتي بعده، ولم يورده أيضاً في آخر سورة (المنافقون) في قوله تعالى: {ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} وهو بها أليق وألصق، وهي بمعنى الطرف الأول من الحديث. وأما سائره؛ فمنكر لا شاهد له، بل هو مخالف لبعض الأحاديث الصحيحة المصرحة بأن هناك أسباباً شرعية لإطالة العمر؛ كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره (وفي رواية: أجله)؛ فليصل رحمه»؛ أخرجه الشيخان من حديث أنس، وله شواهد خرجت بعضها في "صحيح أبي داود" (1486). وكقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «حسن الخلق وحسن الجوار؛ يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار». أخرجه أحمد بسند صحيح؛ كما تراه مبيناً في "الصحيحة" (519). وقد يظن بعض الناس أن هذه الأحاديث تخالف الآية السابقة: {ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها ... }، وغيرها من الآيات والأحاديث التي في معناها! والحقيقة؛ أنه لا مخالفة؛ لأن الأحاديث المذكورة آنفاً إنما تتحدث عن مبدأ الأخذ بالأسباب، ولا تتحدث عما سبق في علم الله الأزلي من الآجال المحددة؛ فإن علم الله تعالى لا يتغير ولا يتبدل؛ تماماً كما هو الشأن في الأعمال الصالحة والطالحة، والسعادة والشقاوة، فالآيات والأحاديث التي تأمر بالإيمان

والعمل الصالح، وتنهى عن نقيضهما لا تكاد تحصى، وفي بعضها يقول الله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}، وقد ذكر العلماء المحققون أن الباء في هذه الآية؛ إنما هي باء السببية، فذلك كله لا ينافي ما سبق في علم الله تعالى من السعادة والشقاوة، بل إنما هما أمران متلازمان: السعادة مع العمل الصالح، والشقاوة مع العمل الطالح. وهذا صريح في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها». أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "تخريج السنة" (175 - 176). فانظر كيف أن نهاية الأمر كان مقروناً بالعمل دخول الجنة والنار. فكما أنه لا يقال: إن العمل ليس سبباً للدخول؛ فكذلك لا يقال: إن صلة الرحم وغيرها ليست سبباً لطول العمر بحجة أن العمر محدود؛ فإن الدخول أيضاً محدود: {فريق في الجنة وفريق في السعير}. وما أحسن وأجمل جواب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما حدث أصحابه بقوله: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة». فقالوا: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟! فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اعملوا؛ فكل ميسر لما خلق له: أما من كان من أهل السعادة؛ فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة؛ فييسر لعمل أهل الشقاوة». ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى ... } إلى قوله: {فسنيسره للعسرى}. أخرجه الشيخان. وجملة القول: أن الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء سبباً، فالعمل الصالح سبب لدخول الجنة، والعمل السيئ لدخول النار، فكذلك جعل بعض الأخلاق

[1777] باب الحسنة سبب في زيادة الرزق وطول العمر وبيان أنه لا منافاة بين ذلك وبين قوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}

الصالحة سبباً لطول العمر. فكما أنه لا منافاة بين العمل وما كتب لصاحبه عند ربه؛ فكذلك لا منافاة بين الأخلاق الصالحة وما كتب لصاحبها عند ربه، بل كل ميسر لما خلق له. وأنت إذا تأملت هذا؛ نجوت من الاضطراب الذي خاض فيه كثير من العلماء؛ مما لا يكاد الباحث يخلص منه بنتيجة ظاهرة سوى قيل وقال، والأمر واضح على ما شرحنا والحمد لله، وإن شئت أن تقف على كلماتهم في ذلك؛ فراجع "روح المعاني" للعلامة الآلوسي (7/ 169 - 170). "الضعيفة" (11/ 1/512 - 516). [1777] باب الحسنة سبب في زيادة الرزق وطول العمر وبيان أنه لا منافاة بين ذلك وبين قوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إن الرزق لا تنقصه المعصية ولا تزيده الحسنة، وترك الدعاء معصية». (موضوع). [قال الإمام]: ثم إن مما يدل على بطلان الحديث قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه»، رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1486). فهذا يدل على أن الحسنة سبب في زيادة الرزق كما أنها سبب في إطالة

[1778] باب تأويل قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} وبيان علاقة ذلك بالقضاء والقدر

العمر، ولا تعارض عند التحقيق بين هذا وبين قوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} ولبسط هذا موضع آخر. "الضعيفة" (1/ 330 - 331). [1778] باب تأويل قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} وبيان علاقة ذلك بالقضاء والقدر [قال الإمام]: اعلم أن المفسرين اختلفوا اختلافاً كثيراً في تفسير آيتي (الرعد): {لكل أجل كتاب. يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} على أقوال كثيرة، استوعبها الشوكاني في "الفتح"، وذكر بعضها ابن جرير، ثم ابن كثير، واختار هذا ما هو أقرب للسياق؛ فقال: "أي: لكل كتاب أجل، يعني: لكل كتاب أنزله الله من السماء مدة مضروبة عند الله، ومقدار معين، فلهذا: (يمحو الله ما يشاء): منها: (ويثبت)؛ يعني: حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلوات الله وسلامه عليه". فالمحو والإثبات فيهما خاص بالأحكام في الكتب المتقدمة أو في الشريعة المحمدية، ينسخ منها ما يشاء، ويثبت ما يشاء. وهو يلتقي مع ما رواه ابن جرير (16/ 485) وغيره بسند فيه ضعف عن ابن عباس: {يمحو الله ما يشاء}، قال: من القرآن؛ يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله. {وعنده أم الكتاب}، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب، الناسخ والمنسوخ،

وما يبدل، كل ذلك في كتاب. وقد وجدت ما يقويه من رواية عكرمة عن ابن عباس، من وجهين عن عكرمة: الأول: رواه يزيد النحوي عنه ابن عباس؛ في قوله: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}، وقال: {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل ... } الآية، وقال: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}؛ فأول ما نسخ من القرآن القِبلة ... الحديث. رواه النسائي أواخر "الطلاق"، وأبو داود مختصراً. وإسناده حسن؛ كما هو مبين في "الإرواء" (7/ 161/ 2080). والآخر: رواه سليمان التيمي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ في قول الله عز وجل: {يمحو الله ما يشاء}، قال: من أحد الكتابين؛ هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت. {وعنده أم الكتاب}؛ أي: جملة الكتاب. رواه ابن جرير (16/ 480،481)، والحاكم (2/ 349). وقال: "صحيح غريب". ووافقه الذهبي. قلت: وفي رواية لابن جرير (16/ 491) من طريق علي عن ابن عباس: {وعنده أم الكتاب}، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب؛ الناسخ والمنسوخ، وما يبدل وما يثبت، كل ذلك في كتاب. وفي سنده انقطاع وضعف. ثم اعلم أنه - وإن كان المحو والإثبات في الآية خاصاً بالأحكام الشرعية؛

كما تقدم -؛ فليس في الشرع ما ينفيهما في غيرها، بل إن ظواهر بعض النصوص تدل على خلاف ذلك؛ كمثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر»؛ وهو حديث حسن مخرج في "الصحيحة" (154). وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره (وفي بعض الطرق: في آجله)؛ فليصل رحمه». متفق عليه، وهو مخرج في المصدر السابق برقم (276). وقد صح عن ابن عباس أنه قال: لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر. أخرجه الحاكم (2/ 350). وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. إذا عرفت ما تقدم؛ فاعلم أن المحو المذكور والزيادة في الرزق والعمر؛ إنما هو بالنسبة للقضاء أو القدر المعلق، وأما القضاء المبرم المطابق للعلم الإلهي؛ فلا محو ولا تغيير، كما كنت شرحت ذلك في تعليقي على "مختصر مسلم" للمنذري (ص 470)؛ فراجعه فإنه هام! ثم رأيت القرطبي قد أشار إلى ذلك في تفسيره "الجامع"، فقال (5/ 332): "والعقيدة: أنه لا تبديل لقضاء الله، وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء، وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعاً محتوماً - وهو الثابت -، ومنه ما يكون مصروفاً بأسباب - وهو الممحو - والله أعلم. قال الغزنوي (¬1): وعندي: أن ما في اللوح خرج عن الغيب؛ لإحاطة بعض ¬

(¬1) قلت: الظاهر أنه عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي، الملقب بـ (تاج الشريعة)، فقيه حنفي مفسر، له " تفسير التفسير "، أبدع فيه؛ كما قال غير واحد، توفي سنة (582)؛ كما في "الأعلام". [منه].

[1779] باب هل آية {يمحوا الله ما يشاء ويثبت ... } من آيات القدر؟

الملائكة، فيحتمل التبديل؛ لأن إحاطة الخلق بجميع علم الله محال، وما في علمه من تقدير الأشياء لا يبدل". وإذا عرفت هذا؛ سهل عليك فهم كثير من النصوص المرفوعة والآثار الموقوفة، وقد تقدم بعضها، وتخلصت من الوقوع في تأويلها. والله الهادي. ثم وقفت على كلام جيد لشيخ الإسلام ابن تيمية، يؤيد ما ذهبت إليه في "مجموع الفتاوى" (8/ 516 - 518،540،541) و (14/ 488 - 492)، فراجعه؛ فإنه مهم. "الضعيفة" (11/ 2/764 - 768). [1779] باب هل آية {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ... } من آيات القدر؟ - سؤال: الطلبة في كلية المجتمع بيسألوا سؤالاً على النحو الذي تفضلت به, الآن كتب عليّ في اللوح المحفوظ أمور أنا الجاني فيها خيراً أو شراً, ... الآن أنا جوابي أريد أن أعرضه عليك, فإن كنت على صواب أخذت منك, وإن كنت على ضلال رجعت عنه. أقول للطلبة بأن كل ما في اللوح المحفوظ أصلاً هو في علم الله, لكن أنا كإنسان لم أُخبر لأن أسير في هذا الطريق أو في هذا الطريق, إنما وضع لي العقل, العقل يقول لي هذا الطريق خير فسر به, ويؤدي بك إلى الخير, هذا الطريق هو الطريق الشر ويؤدي بك إلى النار, فابتعد عنه, فلو لو فرضنا جدلًا أن الله تعالى في علم الكتاب قد كتب عليّ أن أفعل شرًّا فعندما هممت بالشر اهتديت بعقلي أن هذا شر فتراجعت عنه وعملت خيراً واستندت إلى قوله تعالى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ

وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، فما رأيك بهذا الجواب إذا سمحت لأني أنا قلق فيه؟ الشيخ: والله الجواب فيه شيء من الخطأ؛ لأنه لا نستطيع نتصور؛ نتقول أنه سبق في علم الله أنني أعمل شرًّا ثم أنا أحيد عنه, هذا مستحيل, نحن ننتهي إلى القدر, لكن انتهينا أن القدر ليس غصباً وليس رغماً وإنما هو كما شرحنا آنفاً, والآن نضرب مثلاً توضيحيّاً: مدير مدرسة -وأنت تتكلم عن الطلاب- كيس فطن, قائم بإشرافه الكامل على تلامذته, وعاش معهم بضع سنين, هو يستطيع أن يقول فلان التلميذ أو الطالب سينجح في آخر السنة, وفعلاً بينجح, لماذا؟ لأنه عرف من إشرافه عليهم وممارسته هو وإلى آخره إنه هذا كيس فطن مجتهد ما هو كسل ووإلى آخره, فبيعطي النتيجة قبل أن تظهر, وهذا إنسان عاجز بَشَر, وربنا عز وجل الذي علمه ذاتي وليس كسبيًّا كعلمنا نحن, فهو بسابق علمه كما شرحت آنفاً يعلم فلان حينما يأتيه الأمر بالإيمان يؤمن أم يكفر, وكَتَبَهُ مؤمناً إن سبق في علمه أنه سيؤمن, وكَتَبَهُ كافراً إن سبق في علمه أنه يكفر, ... الشيء الحقيقة كما جاء في بعض الأغاني وقلما تنطق بالحق المكتوب على الجبين لا بد ما تشوفه العين, هذا الكلام صحيح ولو في أغنية؛ لأنه مثل ما قلنا ذاك اليوم مش كل ما يقوله الصوفي نقول باطل, هو بيقول: لا إله إلا الله محمداً رسول الله, فهو حق, فإذاً كل شيء مسجل على الإنسان لا بد أن يقع كما هو مسجل, لكن نحن درسنا موضوع التسجيل أنه لن يرغم على هذا التسجيل صاحبه, وإنما سجل عليه مسبقاً ما سيفعله, كهذا التلميذ الذي حكم أستاذه بأنه سينجح, وبالمقابل فلان سيسقط؛ لأنه يلهو ليلاً نهاراً ليس سينجح فهو ساقط, وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون, فهذا يجب أن يكون الجواب, مش على فرضية أنه كتب عليّ أن أعمل شرًّا فأنا حكمت عقلي أنه هذا شر ما لازم أعمله فرجعت عنه, لا بدك تفترض هالمناقشة هالمحاكمة

هالمحاكمة هالي أنت ذكرتها أخيراً هذه مكتوبة في اللوح المحفوظ, يعني مثلاً مكتوب في اللوح المحفوظ: زيد من الناس يخطر في باله أنه يروح يحيى الليلة ليلة حمراء خطر في باله هكذا, ناقش القضية أيش الفائدة أنا أروح أحيي هالليلة الحمراء أنفق قوتي صحتي مالي أضيع أهلي وأولادي إلى آخره, لا والله هذا ما راح أفعلها, وبقي في بيته, هذا كله مكتوب في اللوح المحفوظ, أما يكون مكتوب في اللوح المحفوظ شيء ويقع شيء هذا مستحيل, أما الآية فليس لها علاقة بموضوعنا مطلقا "يمحو الله ما يشاء" من الشرائع والأحكام يمحوا منها ما يشاء "وعنده أم الكتاب" أي اللوح المحفوظ اللي فيه المحكم والمنسوخ الذي قُرِّرَ بقاءه واستمرار حكمه والذي رُفِعَ, فهذا له علاقة بالشرائع وليس له علاقة بأعمال القضاء والقدر. مداخلة: يصدق هذا على حديث: «إذا هم عبدي»؟ الشيخ: «إذا هم عبدي بسيئة فعملها فاكتبوها له سيئة, وإذا لم يعملها فلا تكتبوها شيء, وإذا هم عبدي بحسنة فعملها فاكتبوها عشر حسنات إلى مائة حسنة إلى سبعمائة إلى أضعاف -كثيرة والله- يضاعف لمن يشاء, وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة واحدة» (¬1) هذا كله ما يجري في النفس ويتحدث به الإنسان كله مسجل لكن الأمر كما قال عليه السلام: «إنما الأعمال بالخواتيم» (¬2) فهمت هالمحاكمة الذي فرضتها أنت في نفس ذاك الإنسان شو النهاية بده يعمل الشر, عمله مكتوب في اللوح المحفوظ أنه بده يعمله، ما بده يعمله ما بيعمله؛ لأنه إنما الأعمال بالخواتيم. " الهدى والنور" (34/ 10: 21: 00 طريق الإسلام) ¬

(¬1) " صحيح الجامع" (رقم 4306). (¬2) "ظلال الجنة " (رقم 216).

[1780] باب هل الإيمان بالقدر يستلزم التواكل؟

[1780] باب هل الإيمان بالقدر يستلزم التواكل؟ عن سهل بن سعد - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها». (صحيح). [قال الإمام]: الرباط بكسر الراء وبالباء الموحدة الخفيفة: ملازمة المكان الذي بين الكفار والمسلمين لحراسة المسلمين منهم. قلت: وليس من ذلك ملازمة الصوفية للربط، وانقطاعهم فيها للتعبد، وتركهم الاكتساب، اكتفاء منهم - زعموا- بكفالة مسبب الأسباب سبحانه وتعالى، كيف وهو القائل: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا في الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} ولذلك قال عمر رضي الله عنه: "لا يقعدن أحدكم في المسجد يقول: الله يرزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة". وقوله: «خير من الدنيا وما عليها» أي: على الدنيا، وفائدة العدول عن قوله: (وما فيها) هو أن معنى الاستعلاء أعم من الظرفية وأقوى، فقصده زيادة لمبالغة، وبيان الحديث أن الدنيا فانية، والآخرة باقية، والدائم الباقي خير من المنقطع الكثير، والله أعلم. "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 519 - 520).

[1781] باب هل الإيمان بأن الله قد قدر الأرزاق يوجب التكاسل والتواكل؟

[1781] باب هل الإيمان بأن الله قد قدر الأرزاق يوجب التكاسل والتواكل؟ [سئل الإمام]: فضيلة الشيخ، قرأت في كتاب صغير حديثاً يقول «خذ من القرآن ما شئت لما شئت» فهل هذا الحديث صحيح؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. [فأجاب]: هذا الحديث: «خذ من القران ما شئت لما شئت» (¬1) حديث مشتهر على بعض الألسنة ولكنه -مع الأسف الشديد- من تلك الأحاديث التي لا أصل لها في السنة, ولذلك فلا يجوز روايته ونسبته إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ثم هذا المعنى الواسع الشامل لا يصح ولا يثبت مطلقاً في شريعة الإسلام: «خذ من القران ما شئت لما شئت» فمثلاً إن أنا جلست في عقر داري, ولا أعمل في مهنتي وصنعتي, وأطلب الرزق من ربي أن ينزله علي من السماء لأني اخذ من القران لهذا! من يقول هذا؟! هذا كلام باطل, ولعله من وضع أولئك الصوفية الكسالى الذين طُبعوا على الجلوس والسكن فيما يسمونها بالرباطات, ينزلون فيها وينتظرون رزق الله ممن يأتيهم به من الناس, علماًً أن هذا ليس من طبيعة المسلم, لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد ربى المسلمين جميعاً على علو الهمة, وعلى عزة النفس, فقال عليه الصلاة والسلام «اليدُ العليا خير من اليد السفلى, فاليد العليا هي المنفقة, واليد السفلى هي السائلة» (¬2). ويُعجبني بهذه المناسبة مما كنت قرأته فيما يتعلق ببعض الزهاد من الصوفية ¬

(¬1) الضعيفة (557). [منه]. (¬2) البخاري (1429) واللفظ له - مسلم (1033).

- ولا أطيل في ذلك, فقصصهم كثيرة وعجيبة:- زعموا أن أحدهم خرج سائحاً ضارباً في الأرض بغير زاد, فوصل الأمر إلى أنه كاد أن يموت جوعاً, فبدت له من بعيد قرية, فأتى إليها, وكان اليوم يوم الجمعة, وهو بزعمه خرج متوكلاً على الله, فلكيلا ينقض بزعمه توكله المزعوم, لم يظهر شخصه للجمهور الذي في المسجد, وإنما انطوى على نفسه تحت المنبر, لكيلا يشعر به أحد, لكنه كان يحدث نفسه لعل أحداً يُحس به, وهكذا خطب الخطيب خطبته, وهو لم يُصل مع الجماعة! فبعد أن انتهى الإمام من الخطبة والصلاة, وبدأ الناس يخرجون زرافات ووحداناً من أبواب المسجد, حتى شعر الرجل بأن المسجد كاد يخلو من الناس, وحينئذٍ تُقفل الأبواب, ويبقى وحيداً في المسجد من غير طعام ولا شراب, فلم يسعه إلا أن يتنحنح ليثبت وجوده للحاضرين, فالتفت بعض الناس, فوجدوه قد تحول كأنه عظم من الجوع والعطش, فأخذوه وأغاثوه. وسألوه: من أنت يا رجل؟! قال: أنا زاهد متوكل على الله. قالوا: كيف تقول: متوكل على الله, وأنت كدت أن تموت؟! ولو كنت متوكلاً على الله لما سألت, ولما نبهت الناس إلى وجودك بالنحنحة, حتى تموت بذنبك؟! هذا مثال إلى ما يؤدي به مثلُ هذا الحديث «خذ من القرآن ما شئت لما شئت». والخلاصة: أن هذا الحديث لا أصل له. "كيف يجب علينا أن نفسر القرآن" (ص5 - 7).

[1782] باب هل التواكل تسليم بالقضاء والقدر

[1782] باب هل التواكل تسليم بالقضاء والقدر سؤال: ... بالنسبة للزهد والتوكل، الفرق بينهما، مع الشرح، ... نحن نعرف أن الشخص إذا ذهب إلى الصحراء ثم مكث في الصحراء وقال: رب ارزقني، هذا تواكل، طيب ما الفرق؟ الشيخ: أنت تقول: الزهد والتواكل، أم التوكل؟ مداخلة: التواكل ... الشيخ: عفواً، أنت تلاحظ معي ما الفرق بين التوكل والتواكل؟ مداخلة: أي نعم. الشيخ: وهو؟ مداخلة: التوكل التوكل على الله يُعِدُّ الأسباب. الشيخ: والتواكل؟ مداخلة: والتواكل لا يُعِدُّ الأسباب. الشيخ: أجل؛ لماذا ذكرت التواكل مع الزهد معاً؟ مداخلة: لأن الزهد الإنسان أراد أن يزهد في الدنيا، هل يجب أن يعد الأسباب؟ ... الشيخ: هنا يأتي التفصيل، لكن هذا لا يستلزم أنك تذكر التواكل مع الزهد أبداً. التواكل أن يقعد الإنسان في بيته ويقول: الله يرزقني، فيأتي جواب عمر: لقد

علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. هذا التواكل، لكن إنسان عنده قوة إيمان بالله عز وجل، وعنده كم دينار أو فلس أو قرش .. إلخ، فإيمانه بالله عز وجل يحمله على أن يتصدق بهذه الأموال القليلة أو الكثيرة التي عنده، فهذا لا يلتقي أبداً مع التواكل، إنما هذا يلتقي مع التوكل على الله تبارك وتعالى، وإلا هل تظن بأن الرسول كان متواكلاً؟ مداخلة: لا. الشيخ: فإذاً؟ مداخلة: متوكلاً. الشيخ: ما فيه ارتباط بين الزهد الصحيح وبين التواكل إطلاقاً، لكن هنا شيء لابد للإنسان من أن يلاحظه، هذا الزهد الذي ذكرت نوعاً منه عن نبينا عليه الصلاة والسلام، هذا يختلف باختلاف الأشخاص، فليس كل إنسان يجوز له ليس يستحب له أن يخرج عن كل ماله كما فعل الرسول عليه السلام، ... وإنما هذا له أناس بلغ بهم إيمانهم وتوكلهم على الله مبلغاً لا تناله الناس أو البشرية كلها، فنحن نعلم مثلاً في الحديث الصحيح لما أبو بكر الصديق تصدق بما عنده فقال عليه السلام: «ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله» (¬1) فهذه أيضاً المنقبة والفضيلة اختص بها الرجل الأول بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من أصحابه. لكن انظر الآن ما يقابل هذا بالنسبة لقصة سعد بن أبي وقاص لما مرض في حجة الوداع، وخشي أن يكون وفاته هناك، فعاده الرسول عليه السلام وقال له بأنه ¬

(¬1) "فضائل الصحابة " لأحمد (1/ 360ح 527).

أريد أن أوصي بمالي، قال: «لا، قال: في النصف؟ قال: لا، قال: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون أيدي الناس» (¬1)، فإذاً: هنا يعطينا هذا الحديث فرق بين إنسان معيل وعائلته ليسوا من قوة الإيمان والتوكل بحيث أنه إذا تصدق بكل ماله كما فعل أبو بكر الصديق يقولوا: ماذا فعل أبونا، تركنا فقراء فيما بعد، ولن يقولوا: جزى الله أبانا خيراً، فلنا الله من بعده، كما يروى أيضاً وإن كان هذه لا تروي بالأسانيد الحديثية عن قصة عمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة، كل المال الذي كان عند زوجته فاطمة أعاده إلى بيت مال المسلمين، لو أن فاطمة لم تكن كفاطمة بنت الرسول كانت وقعت الواقعة بين الزوجين، ولذلك باختصار الزهد ليس له حد أولاً، ثم يختلف باختلاف الأشخاص ثانياً، فإذا كان إنسان معيل وعنده عائلة، ويعلم بأنهم لم يؤتوا من الزهد نصيباً؛ فلا يجوز له أن يخرج عن كل ماله ويدعهم فقراء، وربما يصل بهم الأمر أن يقعوا فيما يشبه الكفر؛ لأن الرسول عليه السلام كما نعلم من الأحاديث الصحيحة استعاذ من الكفر والفقر؛ لأن الفقر يكون أحياناً سبباً يؤدي إلى الكفر، وإن كان الحديث الوارد في هذا المعنى: «كاد الفقر أن يكون كفراً» (¬2) لا يصح إسناداً. هذا ما يحضرني جواباً عن سؤال الزهد هذا. السؤال: عمر بن عبد العزيز عندما أراد أن يموت ما أدري هل القصة هذه صحيحة أم لا، حينما قال له أحد وزرائه أو أحد الرجال: لم لا تترك لأبنائك بعض ¬

(¬1) "صحيح سنن آبي داود " (رقم 2864)، وصحيح الترميذي (975)، وصحيح النسائي (3626) وصحيح ابن ماجة (2708). (¬2) "ضعيف الجامع" (رقم 4148) , " الضعيفة" (9/ 77).

المال؟ فقال: إن كان أبنائي صالحين فإن الله تبارك وتعالى يتولى الصالحين، وإن كان أبنائي غير صالحين فأنا لا أترك أموالي إلى غير صالحين. ترون هل هو تشبه بأبي بكر لم يترك شيئاً لأبنائه؟ الشيخ: تشبه بأبي بكر ولم يتشبه بمين، قلت: تشبه بأبي بكر ولم يتشبه؟ مداخلة: ولم يترك شيئاً من ماله. الشيخ: أولاً: هل عمر هو حجتنا؟ مداخلة: لا، ... الشيخ: هذا تصرف شخصي، وكما قلنا: واقعة عين أيضاً ليس لها عموم. فنحن نقول: هذا تصرف من عمر أصاب أم أخطأ لسنا مكلفين فيه، نحن أتينا بحديث سعد بن أبي وقاص، وحديث سعد خلاف ما فعل عمر بن عبد العزيز تماماً، لكن ممكن عمر بن عبد العزيز بدا له شيء، فكان ذلك المنطلق منه بناء على هذا الذي بدا له، فهذا ما يهمنا نحن بالنسبة للأحكام الشرعية أبداً. مداخلة: نستخلص أن الحكم الشرعي أن يترك الرجل الثلث. الشيخ: أي نعم. مداخلة: وهذا كثير. الشيخ: أي نعم. "الهدى والنور" (27/ 42: 11: 00)

[1783] باب هل قوله تعالى: {ويعلمكم الله} يعني ترك أسباب التعلم؟

[1783] باب هل قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} يعني ترك أسباب التعلم؟ [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «من زهد في الدنيا؛ علمه الله تعالى بلا تعلم، وهداه الله بلا هداية، وجعله بصيراً، وكشف عنه العمى». (موضوع). [قال الإمام]: والحديث عندي موضوع؛ عليه لوائح الوضع بادية، وظني أنه من وضع بعض الصوفية؛ الذين يظنون أن لطلب العلم طريقاً غير طريق التلقي والطلب له من أهله الذين تلقوه خلفاً عن سلف، وهو طريق الخلوة والتقوى فقط بزعمهم! وربما استدل بعض جهالهم بمثل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}! ولم يدر المسكين أن الآية لا تعني ترك الأخذ بأسباب التعلم؛ قال الإمام القرطبي في "تفسيره" (3/ 406): "وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علمه، أي: يجعل في قلبه نوراً يفهم به ما يلقى إليه، وقد يجعل الله في قلبه ابتداءً فرقاناً، أي: فيصلاً يفصل به بين الحق والباطل، ومنه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} ". "الضعيفة" (10/ 1/114).

[1784] باب هل الدعاء قدح في الإيمان بالقدر؟

[1784] باب هل الدعاء قدح في الإيمان بالقدر؟ عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها لنا وبارك لنا، في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة». [قال الإمام]: [الجحفة]: موضع بينه وبين مكة نحو ثلاث مراحل ... قال الخطابي وغيره: «كان ساكنو الجحفة يهوداً في ذلك الوقت، ففيه دليل للدعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والهلاك. وفيه الدعاء للمسلمين بالصحة وطيب بلادهم والبركة فيها، وكشف الضر والشدائد عنهم، وهذا مذهب العلماء كافة. قال القاضي عياض: وهذا خلاف قول بعض المتصوفة أن الدعاء قدح في التوكل والرضا، وأنه ينبغي تركه! وخلاف قول المعتزلة أنه لا فائدة في الدعاء مع سبق القدر. ومذهب العلماء كافة أن الدعاء عبادة مستقلة، ولا يستجاب منه إلا ما سبق به القدر، والله أعلم. "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 513). [1785] باب هل فُضَّل آدم على الملائكة بأنه حر مختار؟ سؤال: [يقول بعضهم] إن الله أسجد الملائكة لآدم بما فضله الله عليهم بأنه حر مختار، فهل هذا القول صحيح؟ الشيخ: ليس بصحيح، ليس هناك تعليل لمثل هذا الأمر الإلهي للملائكة بالسجود لآدم عليه السلام أنه كان ذلك لأن الله خلق آدم مختاراً بشراً مختاراً،

ولا يجوز للمسلم أن يعلل حكماً شرعياً تعليلاً عقلياً ليس له على ذلك برهان من الله ورسوله. والعلماء يقسمون الأوامر والعبادات الشرعية أو الأحكام الشرعية إلى قسمين اثنين: القسم الأول: أنها أمور تعبدية محضة، ويكنون عنها بقولهم: إنها غير معقولة المعنى، وكثير من الأحكام الدينية والعبادات الشرعية تعبدية غير معقولة المعنى. والقسم الآخر: يعبرون عنه: بأنها معقولة المعنى. والبحث في هذا يتحمل الطول والبسط والشرح، ولعلنا تكلمنا في بعض مجالسنا عن ذلك بشيء من البيان والتفصيل. والآن أقول: أمر الله عز وجل الملائكة بأن يسجدوا لآدم، ليس عندنا علة منصوصة في الشرع لماذا، جواب: لماذا أمر الله عز وجل الملائكة بالسجود لآدم؟ لكن لا شك أن السجود من شخص إلى آخر يدل على فضيلة المسجود له، فيمكن أن يقال: بأن الأمر للملائكة بالسجود لآدم هو لبيان أن هذا الإنسان الذي خلق بشراً من طين يستحق أن يقدر وأن يعظم بتطبيق الأمر الإلهي في السجود له، فإذاً: هذا أمر لا يختلف فيه اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان كما يقال، أن السجود لشيء ما يدل على تعظيمه، هذا أمر لا خلاف فيه. فبإمكاننا أن نعلل أمر الله للملائكة بالسجود: إنما هو تعظيم لآدم عليه السلام؛ لأنه أبو البشر، ولأن الملائكة لا تعرف هذا الجنس من البشر، وبخاصة أن الله عز وجل حكى عنهم حينما أمرهم بالسجود: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا

تَعْلَمُونَ} (البقرة:30)، ذكر المفسرون: بأن الله عز وجل كان خلق خلقاً آخر غير الإنس قبل خلق آدم وهم جن، ففسدوا في الأرض، فخشيت الملائكة أن يكون هذا الخلق الجديد من ذلك النوع القديم الذي أفسد في الأرض. فالله عز وجل أمرهم ليسجدوا ليعرفوا أن هذا الإنسان الذي هو أبو البشر فيما سيأتي من الزمان يستحق مثل هذا التكريم الإلهي. وقلت آنفاً: إن السجود لشيء ما يدل على التعظيم، وأن هذه حقيقة لا شك ولا ريب فيها، فبإمكاننا أن نعلل الأمر الإلهي بما لا شك فيه، أما أن نأتي بتعليل لا برهان لنا عليه أنه خلقه مختاراً، فهذا يحتاج إلى [دليل] وإن كان فعلاً البشر مختار؛ ولذلك قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف:29)، ولكن هذا لا يعني أن الملائكة ليسوا مختارين، وإنما يعني: أن الملائكة مفطورون على طاعة الله عز وجل، كما قال تبارك وتعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6). فكون السجود للشيء يدل على إكرامه وتعظيمه، لدينا أشياء كثيرة وكثيرة جداً، منها: سجود إخوة ليوسف ويوسف لأبيه، كما جاء في سورة يوسف عليه السلام، ومنها: أن هذا السجود الذي بدئ بتشريعه في قصة الأمر من الله للملائكة بالسجود لآدم واستمر هذا الحكم يمشي حتى كان السجود يعتبر إكراماً في الشرائع السابقة، ومنها سجود إخوة يوسف عليه السلام، لكن هذا الإكرام الذي استمر إلى عهد الرسول عليه السلام نهى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عنه؛ لما فيه أولاً: من المبالغة في إكرام المسجود له، وثانياً: من باب سد الذريعة والإخلاص لله تعالى في عبادته.

[1786] باب الرد على من ضعف حديث موسى مع ملك الموت بدعوى أنه يفيد أن موسى يكره قدر الله عليه بالموت

وأنهي جواب هذا السؤال بحديث معاذ بن جبل حينما سافر من مدينة إلى الشام ورجع إلى المدينة، فأول ما وقع بصره على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأراد أن يسجد له، فنهاه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ذلك وقال له: «ما هذا؟» قال: يا رسول الله! إني أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لقسيسهم وعظمائهم، فرأيتك أنت أحق بالسجود منهم، فقال عليه السلام: «لا يصلح السجود إلا لله، ولو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لعظم حقه عليها، ولكن لا ينبغي السجود إلا لله» (¬1). فأيضاً السجود إكرام، لكن هذا الإكرام ختم أمره بخاتمة الشرائع ... وهي شريعة الإسلام. خلاصة القول: أمر الله عز وجل للملائكة بالسجود كان إكراماً لهذا الجنس، ولم يكن لتلك العلة: أنه جعله مختاراً؛ لأن هذه العلة لا دليل عليها، لا في الكتاب، ولا في السنة، ولا في الاستنباط من أدلة الشريعة كما ذكرت آنفاً. "الهدى والنور" (729/ 35: 12: 00) [1786] باب الرد على من ضعف حديث موسى مع ملك الموت بدعوى أنه يفيد أن موسى يكره قدر الله عليه بالموت [قال رسول الله]: «جاء ملكُ الموتِ إلى (وفي طريق: إنَّ ملكَ الموتِ كان يأتي الناسَ عياناً، حتّى أتى) موسى عليه السلام، فقال له: أجب ربَّك، قال: فلطَم موسى عليه ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم5239، 5294، 5295)، الصحيحة (7/ 2/1097) و (7/ 2/1435).

السلام، عينَ مَلكِ الموتِ ففَقأها، فرجعَ الملكُ إلى اللهِ تعالى، فقالَ: [يا ربِّ!] إنَّك أرسلتني إلى عبدٍ لكَ لا يريدُ الموتَ، وقد فقأ عيني، [ولولا كرامتُه عليك لشققتُ عليه]. قال: فردَّ اللهُ إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدِي فقِل: الحياة تريدُ؟ فإن كنت تريدُ الحياةَ؛ فضع يدَك على متنِ ثورٍ، فما توارت يدُك من شعرة؛ فإنّك تعيشُ بها سنةً، قال: [أي ربِّ!] ثمَّ مَه؟ قالَ: ثم تموتُ، قال: فالآن من قريبٍ، ربِّ! أمتني من الأرضِ المقدّسةِ رميةً بحجرٍ! [قال: فشمَّه شمّةً فقبض روحَه، قال: فجاء بعد ذلك إلى النّاسِ خفياً». قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «والله! لو أني عنده لأريتُكم قبره إلى جانب الطريق عند (وفي طريق: تحت) الكثيبِ الأحمرِ». [قال الإمام]: قلت: هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المشهورة التي أخرجها الشيخان من طرق عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، وتلقته الأمة بالقبول، وقد جمعت ألفاظها والزيادات التي وقعت فيها، وسقتها لك سياقاً واحداً كما ترى؛ لتأخذ القصة كاملة بجميع فوائدها المتفرقة في بطون مصادرها، الأمر الذي يساعدك على فهمها فهماً صحيحاً، لا إشكال فيه ولا شبهة، فتسلِّم لقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تسليماً. واعلم أن هذا الحديث الصحيح جدّاً مما أنكره بعض ذوي القلوب المريضة من المبتدعة- فضلاً عن الزنادقة- قديماً وحديثاً، وقد رد عليهم العلماء- على مر العصور- بما يشفي ويكفي من كان راغباً السلامة في دينه وعقيدته؛ كابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، والبغوي، والنووي، والعسقلاني، وغيرهم.

وممن أنكره من المعاصرين: الشيخ الغزالي في كتابه "السنة .. " المذكور في الحديث الذي قبله، بل وطعن في الذين دافعوا عن الحديث " فقال (ص 29): "وهو دفاع تافه لا يساغ "! وهكذا؛ فالرجل ماضٍ في غيّه، والطعن في السنة والذابين عنها بمجرد عقله (الكبير!). ولست أدري- والله- كيف يعقل هذا الرجل- إذا افترضنا فيه الإيمان والعقل-! كيف يدخل في عقله أن يكون هؤلاء الأئمة الأجلة من محدِّثين وفقهاء - من الإمام البخاري إلى الإمام العسقلاني- على خطأ في تصحيحهم هذا الحديث، ويكون هو وحده- صاحب العقل الكبير! - مصيباً في تضعيفه إياه ورده عليهم؟! ثم هو لا يكتفي بهذا! بل يخادع القراء ويدلس عليهم، ويوهمهم أنه مع الأئمة لا يخالفهم، فيقول بين يدي إنكاره لهذا الحديث وغيره كالذي قبله (ص26): "لا خلاف بين المسلمين في العمل بما صحت نسبته لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفق أصول الاستدلال التي وضعها الأئمة، وانتهت إليها الأمة، إنما ينشأ الخلاف حول صدق هذه النسبة أو بطلانها، وهو خلاف لا بد من حسمه، ولا بد من رفض الافتعال أو التكلف فيه، فإذا استجمع الخبر المروي شروط الصحة المقررة بين العلماء فلا معنى لرفضه، وإذا وقع خلاف محترم في توفر هذه الشروط أصبح في الأمر سعة "! هذا كلامه، فهل تجاوب معه؟ كلا ثم كلا؛ فإن الحديث لا خلاف في صحته بين العلماء، وله ثلاثة طرق صحيحة كما تقدم، فكيف تملص من كلامه المذكور؟! لقد دلس على القراء وأوهم أن الحديث مختلف في صحته؛ فقال

(ص27): "وقد جادل البعض في صحته "! ويعني: أن الحديث صار من القسم الذي فيه سعة للخلاف! فنقول له: أولاً: هل الخلاف الذي توهمه "خلاف محترم " أم هو خلاف ساقط الاعتبار؟! لأن المخالف ليس من العلماء المحترمين!! ولذلك لم تتجرأ على تسميته! ولعله من الخوارج أو الشيعة الذين يطعنون في أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبخاصة راوي هذا الحديث (أبي هريرة) - رضي الله عنه-. وثانياً: يحتمل أن يكون المجادِل الذي أشرتَ إليه هو أنت، وحينئذٍ فبالأولى أن يكون خلافك ساقط الاعتبار، كما هو ظاهر كالشمس في رائعة النهار! ثم قال: "إن الحديث صحيح السند؛ لكن متنه يثير الريبة؛ إذ يفيد أن موسى يكره الموت ولا يحب لقاء الله ... " إلى آخر هرائه! فأقول: بمثل هذا الفهم المنكوس يرد هذا الرجل أحاديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -!! ولا يكتفي بذلك، بل ويرد على العلماء كافة الذين فهموه وشرحوه شرحاً صحيحاً، وردوا على أمثاله من أهل الأهواء الذين يسيئون فهم الأحاديث ثم يردونها، وإنما هم في الواقع يردون جهلهم، وهي سالمة منه والحمد لله، وها هو المثال؛ فإن الحديث صريح بخلاف ما نسب إلى موسى عليه السلام، ألا وهو قوله عليه السلام: "فالآن من قريب ". فتعامى الرجل عنه، وتشبث باللطم المذكور في أوله، ولم ينظر إلى نهاية القصة، فمثله كمثل من يَرُدُّ قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} بزعم أنه يخالف الآيات الآمرة بالصلاة، ولا ينظر إلى ما بعده: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ}. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى؛ فإن الرجل بنى ردَّهُ للحديث على زعمه أن موسى عليه السلام كان عارفاً بملك الموت حين لطمه! وهذا من تمام جهله وإعراضه عن كلام العلماء الذي نقله (ص 28): "أن موسى لم يعلم أنه ملك من عند الله، وظن أنه رجل قصده يريد قتله، فدافعه عنه، فأدت المدافعة إلى فقءِ عينه ". ومع أن هذا الكلام يدل عليه تمام القصة كما قدمتُ، ويؤكده قوله في أول الحديث: "أن ملك الموت كان يأتي الناس عياناً"،أي: في صورة البشر، وفقءِ عينه وردها إليه مما يقوي ذلك. أقول: مع هذا كله، استكبر الرجل ولم يرد على علماء الأمة إلا بقوله الذي لا يعجزعن مثله أيُّ مُبطِلٍ غريق في الضلال: "نقول نحن (!): هذا الدفاع كله خفيف الوزن، وهو دفاع تافه لا يساغ "! وإن من ضلال الرجل وجهله قوله (ص 27): "ثم، هل الملائكة تعرض لهم العاهات التي تعرض للبشر من عَمَى أو عَوَر؟! ذاك بعيد"! فأقول: وهذا من الحجة عليك، الدالة على قلة فهمك؛ فإن هذا الذي استبعدتهُ مما جعل العلماء يقولون في دفاعهم: إن موسى لم يعلم أنه ملك، أفما آن لك أن تعقل؟!! ثم ختم ضلاله في هذا الحديث وطعنه فيه بقوله: "والعلة في المتن يبصرها المحققون (!) وتخفى على أصحاب الفكر السطحي "! فيا له من مغرور أهلكه العجب! لقد جعل! نفسه من المحققين، وعلماء الأمة من "أصحاب الفكر السطحي "! والحقيقة أنه هو العلة؛ لجهله وقلة فهمه " إن لم يكن فيه ما هو أكثر من ذلك مما أشار إليه الكفار وهم يعذَّبون في النار: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ}؛ نسأل الله حسن الخاتمة والوفاة على سبيل المؤمنين. وأرى من تمام الفائدة أن أنقل إلى القراء الكرام كلام إمامين من أئمة المسلمين وحفاظ الحديث، فيه بيان الحكمة من تحديثه - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الحديث، قال

ابن حبان عقب الحديث: "إن الله جل وعلا بعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - معلماً لِخلقِهِِ، فأنزله موضع الإبانة عن مراده، فبلَّغ - صلى الله عليه وآله وسلم - رسالته، وبّين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة، عقلها عنه أصحابه أو بعضهم، وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يُحرَمِ التوفيق لإصابة الحق، وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، وأمره أن يقول له: "أجب ربك ": أمر اختبار وابتلاء، لا أمراً يريد الله جل وعلا إمضاءه؛ كما أمر خليله صلى الله على نبينا وعليه بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء، دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}؛ فداه بالذِّبح العظيم. وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها؛ كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم ولم يعرفهم؛ حتى أوجس منهم خيفة، وكمجيء جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام، فلم يعرفه المصطفى حتى ولَّى. فكان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها، وكان موسى غيوراً، فرأى في داره رجلاً لم يعرفه، فشال يده فلطمه، فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة التي تصور بها، لا الصورة التي خلَقَهُ اللهُ عليها، ولما كان المصرح عن نبينا في خبر ابن عباس حيث قال: "أمَّني جبريلُ عند البيت مرتين ... " فذكر الخبر، وقال في آخره: "هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك " (¬1)، كان في هذا الخبر البيانُ الواضح: أن بعض شرائعنا قد تتفق ¬

(¬1) حديث حسن صحيح؛ كما قال الترمذي، وصححه جمع، وهو مخرج في "الإرواء" (1/ 268)، و"صحيح أبي داود" (417)،وعزاه بعضهم ل"صحيح ابن حبان"، فوهم! [منه].

ببعض شرائع من قبلنا مِن الأمم. ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل دارهُ بغير إذنه، أو الناظر إلى بيته بغير أمره، من غير جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه، للأخبار الواردة فيه، التي أمليناها في غير موضع من كتبنا (¬1)؛كان جائزاً اتفاق هذه الشريعة بشريعة موسى بإسقاط الحرج عمّن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحاً له، ولا حرج عليه في فعله. فلما رجع ملك الموت إلى ربه، وأخبره بما كان من موسى فيه؛ أمره ثانياً بأمر آخر أمر اختبار وابتلاء كما ذكرنا قبل، إذ قال الله له: "قل له: إن شئت، فضع يدك على متن ثور، فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة"، فلما علم موسى كليم الله صلى الله على نبينا وعليه أنه ملك الموت، وأنه جاء بالرسالة من عند الله، طابت نفسه بالموت ولم يستمهل، وقال: "فالآن ". فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت، لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به، ضدَّ قول من زعم: "أن أصحاب الحديث حمَّالة الحطب ورعاة الليل، يجمعون ما لا ينتفعون به، ويروون ما لا يؤجرون عليه، ويقولون بما يبطله الإسلام "، جهلاً منه لمعاني الأخبار، وترك التفقه في الآثار، معتمداً على رأيه المنكوس، وقياسه المعكوس ". قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة! فهذا الزاعم الطاعن في أصحاب الحديث هو سلف الغزالي في طعنه فيهم، وفي أحاديثهم الصحيحة، وما وصفه به ابن حبان من ¬

(¬1) قلت: من ذلك كتابه "الصحيح" (7/ 597 - 598 - الإحسان) من حديث أبي هريرة بألفاظ متقاربة، بعضها في"الصحيحين"،وهو مخرج في "الإرواء" (1428و 2227). [منه].

الجهل بمعاني الآثار، يشبه تماماً جهل الغزالي بها، وكتابه المتقدم ذكره والنقل عنه مشحون بطعنه في الأحاديث الصحيحة التي لا خلاف عند أهل العلم في صحتها، وقد ختم الكتاب بإنكاره عدة أحاديث صحيحة في إثبات القدر؛ لأنه فهم منها- بفهمه المعكوس والمنكوس- أنها تفيد الجبر، وتنفي عن الإنسان الاختيار الذي به كُلِّفَ، وترتب عليه الثواب والعقاب، مشاركاً في هذا الفهم العامة الجهلة، ولكنه فرَّ من فهمه الخاطىء إلى ما هو مثله أو أسوأ منه، ألا وهو إنكاره القدر والأحاديث الدالة عليها، وألحق نفسه بالمعتزلة!! وقد قام بواجب الرد عليه كثير من العلماء والكتَّاب، وكشفوا للناس ما فيه من زيغ وضلال في الحديث والعقيدة والفقه، وكان أطولهم نفساً، وأكثرهم إفادة، وأهدأهم بالاً: الأخ الفاضل سلمان العودة في كتابه "حوار هادئ مع محمد الغزالي"،فنِعمَ الردُّ هو؛ لولا تساهل وتسامح لا يستحقه الغزالي تجاه طعناته العديدة مع أئمة الحديث والفقه، وإن كان الأخ الفاضل قد كشف القناع عنها بأدبه الناعم! والحافظ الآخر الذي سبقت الإشارة إليه: هو الإمام البغوي؛ فإنه بعد أن ذكر أن الحديث: "متفق على صحته "؛ قال رحمه القه: "هذا الحديث يجب على المرء المسلم الإيمان به على ما جاء به من غير أن يعتبره بما جرى عليه عُرف البشرِ، -فيقع في الارتياب-؛ لأنه أمرٌ مصدره عن قدرة الله سبحانه وتعالى وحُكمه، وهو مجادلة بين ملك كريم، ونبي كليم، كلُّ واحد منهما مخصوص بصفة خرج بها عن حكم عوامِّ البشر، ومجاري عاداتهم في المعنى الذي خُصَّ به، فلا يعتبر حالهما بحال غيرهما، قد اصطفى الله سبحانه وتعالى موسى برسالاته وبكلامه، وأيده بالآيات الظاهرة، والمعجزات الباهرة، كاليد البيضاء، والعصا، وانفلاق البحر، وغيرهما مما نطق به القرآن، ودلّت عليه الآثار، وكل ذلك إكرام من الله عز وجل أكرمه بها، فلما دنت وفاته- وهو بشرٌ يكره الموت طبعاً، ويجد

ألمه حساً-؛ لطف له بأن لم يفاجئه به بغتة، ولم يأمر الملك الموكل به أن يأخذه به قهراً؛ لكن أرسله إليه منذراً بالموت، وأمره بالتعرض له على سبيل الامتحان في صورة بشرٍ، فلما رآه موسى استنكر شأنه، واستوعر مكانه، فاحتجز منه دفعاً عن نفسه بما كان من صكه إياه، فأتى ذلك على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاءه فيها، دون الصورة الملكية التي هو مجبول عليها، وقد كان في طبع موسى - صلى الله عليه وآله وسلم - حمِيَّةٌ وحِدّةٌ على ما قص الله علينا من أمره في كتابه من وكزه القبطي، وإلقائه الألواح، وأخذه برأس أخيه يجره إليه. وروي أنه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته ناراً، وقد جرت سنة الدين بدفع من قصدك بسوء، كما جاء في الحديث:"من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم حلّ لهم أن يفقأوا عينه"، -فلما نظر موسى إلى شخص في صورة بشر هجم عليه يُريد نفسه-، ويقصد هلاكه، وهو لا يثبته، -ولا يعرفه أنه رسول ربه-؛ دفعه عن نفسه، فكان فيه ذهاب عينه، فلما عاد الملك إلى ربه، ردّ الله إليه عينه، وأعاده رسولاً إليه؛ -ليعلم نبي الله عليه السلام- إذا رأى صحة عينه المفقوءة- أنه رسول الله بعثه لقبض روحه، فاستسلم حينئذٍ لأمره، وطاب نفساً بقضائه، وكلُّ ذلك رفق من الله عز وجل، ولطف منه في تسهيل ما لم يكن بد من لقائه، والانقياد لمورد قضائه، قال: وما أشبه معنى قوله:"ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت ... " بترديده رسوله ملك الموت إلى نبيه موسى عليه السلام، فيما كرهه من نزول الموت به، وقد ذكر هذا المعنى أبو سليمان الخطابي في كتابه رداً على من طعن في هذا الحديث وأمثاله من أهل البدع والملحدين أبادهم الله، وكفى المسلمين شرهم ". "الصحيحة" (7/ 2/826 - 835).

[1787] باب كيف الجمع بين كون الحيوانات غير مكلفة وبين الاقتصاص للشاة الجماء من الشاة القرناء يوم القيامة

[1787] باب كيف الجمع بين كون الحيوانات غير مكلفة وبين الاقتصاص للشاة الجماء من الشاة القرناء يوم القيامة سؤال: يقول: بعث معي فضيلة الشيخ محمد أحمد بن عبد القادر الشنقيطي القرشي التيمي مر بكم؟ هذا شيخ شنقيطي كبير في السن في المسجد النبوي ندرس عليه أشياء في الحديث منها علل ابن رجب ونقرأ عليه في مسلم وفي غيره، بعث معي هنا رسالة قال: لابد أن تبلغها للشيخ وفيها أشياء استشكل .. الشيخ: عفواً أعد علي اسمه؟ مداخلة: اسمه الشيخ محمد أحمد مركب ابن عبد القادر الشنقيطي القرشي. الشيخ: طيب، كم سنه؟ مداخلة: الآن تقريباً هو حدثني أنه يبلغ الثالثة والثمانين أو يقاربها، قال لي: أنا أكبر من الشيخ ابن باز بخمس سنين. الشيخ: هاه، هو في الثالثة والثمانين؟ مداخلة: تقريباً. الشيخ: هاه. عجيب أنا ما أذكره، كان في المدينة يوم كنت أنا هناك؟ مداخلة: هو يقول قديم أنا في المدينة بس ما حدد السنوات التي مكثها. الشيخ: طيب، ماذا يقول؟ مداخلة: يقول: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مداخلة: إنني ممن أخصك بالرأي والمعرفة وأبلغك السلام، ثم قال: إن الشيخ محمد أحمد يطلب منك أن تدعو له بحسن الخاتمة ويقول: الحديث الذي في مسلم: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء» (¬1)، فالمعلوم بالإجماع بأن البهائم لا تكليف عليها، فكيف يقاد لهذه من هذه، وأما قولكم: حتى يظهر عدل الله، أو ليظهر الله عدله، فهذا فيه بعد، وهل العدل لا يظهر إلا بذلك وليس هناك يظهر من مظاهر العدل إلا هذا؟ ... الشيخ: اللي ننشره في المقال أيش هو .. مداخلة: هو يقول: أنكم أنتم تقولون أن هذا الحديث .. الشيخ: معليش، أين مذكور كلامي حول هذا الحديث؟ مداخلة: .. لعله اطلع عليه، لكن ما سطر المصدر. الشيخ: ما ذكر لك؟ مداخلة: لا، هذه الورقة سلمها لي أحد الإخوان من إندونيسيا، قبل السفر (¬2). الشيخ: يرد عليّ كلام الشيخ الفاضل أنه يتساءل مستنكراً ما يظهر عدل الله إلا ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم 6745) , "الصحيحة" (4/ 115). (¬2) يظهر لي أن الكلام المقصود هو ما في السلسلة الصحيحة " (4/ 608, 612 ـ 614) حيث نقل الألباني كلاماً لعلي القاري مقرراً له تحت حديث: "يقتص الخلق بعضهم من بعض, حتى الجماء من القرناء .. ", قال علي القاري: وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين, فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف, فكيف بذري العقول من الوضيع والشريف, والقوي والضعيف".

بإجراء العدل بين القرناء الجماء، نحن ما قلنا هكذا ولا أحد يقول، لكن هذا من مظاهر ذلك، فأي إشكال في ذلك؟ ثم كون الحيوانات غير مكلفة، نعم هي غير مكلفة، لكن أليس هذا ظالم وهو حيوان على ذلك الحيوان الآخر وهو مظلوم، فما المانع من الناحية العقلية وبخاصة بعدما جاء نص في الشريعة المحمدية أن الله عز وجل يقتص من القرناء للجماء، ما المانع أن يكون الأمر لإظهار .. مش لإظهار العدل الإلهي كمثال للعدل الإلهي، فهذا لا يفيد الحصر الذي هو يدندن حوله فيقول: ألا يظهر العدل الإلهي إلا .. ما أحد يقول هكذا، ولذلك أنا أحببت أن نرجع إلى الكلام الذي هو يشير إلى انتقاده حتى ننظر ما قبله وما بعده، هو ما في شيء من هذا الكلام الذي .. أنا خرجت الحديث وما قلت شيئاً من ذلك الكلام. هنا (¬1): «إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة» أخرجه فلان وفلان .. ، قلت بأسفل الصحيفة: والحديث صحيح؛ لأنه قد صح عن أبي هريرة مرفوعاً من طريقين، الأول: عن علاء بن عبد الرحمن عنه بلفظ: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء» أخرجه مسلم والبخاري في الأدب المفرد، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والطريق الأخرى: «يقتص الخلق بعضه من بعض حتى الجماء من القرناء وحتى الذرة من الذرة»، أخرجه أحمد، قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، ثم وجدت له طريقاً ثالثاً .. إلى آخره، وفي الباب عن أبي ذر وغيره، فراجع إن شئت المجمع: «رأى رسول الله شاتين تنطحان، فقال: يا أبا ذر أتدري فيما تنتطحان؟ قلت: لا، قال: ولكن ربك يدري وسيقضي بينهما يوم القيامة»، قلت: وهذا إسناده صحيح رجاله ثقات، وأخرجه ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة حدثنا جرير عن الأعمش بالبحث، هو ¬

(¬1) يقرأ الشيخ من "السلسلة الصحيحة" (4/ 162 رقم 1588).

[1788] باب هل يفهم من قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} أنه قد يغفر للكفار؟

حديثي محض، فما تكلمت أنا، لكن الجواب عن الإشكال الذي ذكره الشيخ واضح جداً، هذا يعني مظهر من مظاهر عدل الله في خلقه حتى من القرناء يقتص منها للجمحاء، لكن ليس هذا لا يظهر إلا بهذه الصورة كما هو يقول لا. "الهدى والنور" (734/ 53: 36: 00). [1788] باب هل يفهم من قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أنه قد يغفر للكفار؟ سؤال: بالنسبة لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث: «خمس صلوات كتبهن» ثم قال في آخره: «فأمره إلى الله» يعني قرنه بالمشيئة طبعاً، «إن شاء عذبه وإن شاء غفر له» (¬1). قد يقول البعض بأن هذا مثل قول عيسى ابن مريم لربه عز وجل: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المائدة:118). فما الجواب على هذا الإشكال؟ الشيخ: تريد أن تقول أن هذا القول يقوله الذين يكفرون تاركي الصلاة؟ (¬2). مداخلة: أنا جاء الإشكال علي؟ الشيخ: سامحك الله، لا تحد تطول علينا الطريق، قل لي أريد هذا أو لا أريد؟ مداخلة: لا. ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 5553) ولفظ الحديث: خمس صلوات افترضهن الله عز وجل من أحسن وضوءهن وصلاتهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد, إن شاء غفر له وإن شاء عذبه. (¬2) حدث هذا النقاش في سياقٍ بحث مسألة "حكم تارك الصلاة".

الشيخ: من الذي يقول هذا الكلام إذاً. مداخلة: إشكال أتى علي. الشيخ: في الإشكال الذي عندك ولسه ما فهمناك، الذي قائم في ذهنك أن هذا الكلام يقوله قائل هو من الذين يقولون بتكفير تارك الصلاة مطلقاً؟ الشيخ: معليش، في الإشكال الذي عندك ولم نفهمه من بعد، فالذي قائم في ذهنك أن هذا الكلام يقوله قائل هو من الذين يقولون بتكفير تارك الصلاة مطلقاً. مداخلة: لا أعلم. الشيخ: أو العكس. مداخلة: لا أعلم. الشيخ: سنرى ما وراء الأكمة. ما هو الإشكال، هل هو الذي طرحته لا أكثر؟ طيب أوضح لنا الإشكال، ما هو الشبه بين الآية التي حكاها الله عن عيسى، وبين هذا الحديث الذي نطق به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ ما الشبه بين الأمرين؟ مداخلة: إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، .. الآية. الشيخ: لا نستفيد منك أن تؤيد الآية والحديث. مداخلة: الإشكال هنا المشيئة، أنه هناك قال بمشيئة الله عز وجل إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، وهناك قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} (المائدة:118)، فقرنها يعني بما يشاء ربنا عز وجل.

الشيخ: طيب لو تركنا آية عيسى الآن جانباً الإشكال ألا يزال قائماً عندك؟ مداخلة: ما فهمت. الشيخ: لو تركنا آية عيسى جانباً، هل الإشكال يطيح، أنا أظن لا؟ قل لي أنت: بلى. مداخلة: السؤال مش واضح. الشيخ: سؤال من؟ مداخلة: السؤال الآن أوضح. الشيخ: سؤالي أنا، طيب ما هو الجواب ما دام هو واضح. مداخلة: السؤال ... الشيخ: ... ألا تتصور ليس في باله آية عيسى؟ مداخلة: ممكن. الشيخ: افرض هو أنت، هل يطيح الإشكال؟ مداخلة: أنا أظن أنه يطيح. الشيخ: أما أنا فأظن أنه لا يطيح، بالنسبة لإشكالك أنت لا يطيح، لماذا؟ لأنه سيرد الآن عليك سؤال، بغض النظر عن آية عيسى عليه السلام، أليس الله فعال لما يشاء. مداخلة: بلا شك. الشيخ: يدخل من يشاء، أو كما قال في صريح القرآن: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ

وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} (البقرة:284)، هذا مش موجود في القرآن؟ مداخلة: نعم موجود. الشيخ: هذا ألا يقوم مقام آية عيسى؟ مداخلة: نعم. الشيخ: فإذاً، سيظل إشكاله قائماً، ولو صرفت نظرك عن آية عيسى. مداخلة: لكن هنا يختلف. الشيخ: أكمل حديثي أنا .. إلا إذا وجدت أن في آية عيسى معنى لا يوجد في مثل آية {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} وآيات كثيرة بمعنى أن المشيئة بإذن الله عز وجل، فما هو الفرق إن كان عندك فرق بين هذه الآية التي أنا ذكرتك بها الآن، وبين آية عيسى عليه السلام. مداخلة: الفرق ... أن الله سبحانه وتعالى خاطبه خاطبه بقوله: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي} (المائدة:116) .. إلى آخر الآيات، يسأله هل قال لهم أن يتخذوه إلهاً .. مداخلة: يعني في متعين هنا، في قومه، الذين اتخذوه وأمه آلهة، هذا الفرق أظن هناك عامة تشمل المؤمنين والمسلمين الفاسقين وما إلى ذلك. الشيخ: هذا هو، إذاً: هذا هو الفرق بين آية عيسى والآية الأخرى التي أتيت بها. الآن من يذكر آية القائلين فيها .. لريثما [تأتي] هذه الآية .. ألفت النظر أن من الخطأ الاستدلال بشرائع من كانوا قبلنا، في الأمس القريب كنا نتكلم حول

الانتخابات، وأنها ليست شرعية، وتورط بعض الجماعات الإسلامية في الدخول في البرلمانات القائمة على الحكم بغير ما أنزل الله، فأحد الجالسين طرح إشكال يشبه إشكالك، فيقول هذا يوسف عليه السلام قال: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف:55)، فإذاً هو كان حكاماً تحت سلطة حاكم وثني هو العزيز، فلماذا لا يجوز أن يدخل المسلمون البرلمانات هذه؟ أنا كان جوابي من ناحيتين أو أكثر: الناحية الأولى: أن يوسف عليه السلام لم يدخل ولم يصل إلى ذاك المقام السامي بطريقة انتخابات غير مشروعة، وإنما الله عز وجل بحكمته البالغة ابتلاه بامرأة العزيز ووقع بينها وبينه ولا أقول بينه وبينها ما وقع، وكان من آثار ذلك أن ألقي في السجن، وكان من تفاصيل مكثه في السجن قصته مع الرجلين، أخيراً أحدهما قتل والآخر صار ساقياً للملك، وكما تعلمون رأى الملك تلك الرؤية، {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي في رُؤْيَايَ إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ، قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ، وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ، يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا في سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} (يوسف:43 - 46)، نقل فتوى هذه إلى الملك أعجبه وقال: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي، قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف:55)، فيوسف عليه السلام ما سلك طريقاً ليصل إلى هدف وإلى مكان رفيع، ولا خطر في باله هذا الشيء، وإنما ربنا عز وجل قدر عليه هذه الحوادث المتعددة الأشكال حتى استطاع الملك بنفسه وجعله وزيراً على دولته فأخذ يحكم بشريعته بوحي ربه وليس بشريعة الكافر، هذا من جانب.

أما نحن اليوم فنطرق أبواباً شركية، أبواباً وثنية كفرية، حاشا ليوسف عليه السلام أن تخطر في باله أن يطرقها فضلاً عن أن يطرقها عملياً، الانتخابات كما تعلمون تتناسب مع النظم الكافرة التي ليس فيها مؤمن وكافر، الناس كلهم سواء عندهم، وليس فيهم رجل وامرأة، فللمرأة من الحق مثل ما للرجل إلى آخره، وعلى هذا فالانتخابات حينما تفتح أبوابها يدخل ويرشح نفسه فيها المؤمن والكافر، والرجل والمرأة، والصالح والطالح، وبالنتيجة ما ينتخب إلا شرار الخلق عادة، نحن هذا يناسبنا أن نسلك هذا الطريق الكافر، ونحتج على ذلك بمثل قصة يوسف عليه السلام وشتان ما بينها وبين واقع حياتنا الانتخابية اليوم، هذا قلته ثم أضفت إلى ذلك أخيراً، هذه شريعة من قبلنا، والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة» (¬1). فإذاً: ليس من العلم في شيء أن ينزع طالب العلم مستدلاً بآية تتعلق بشريعة من قبلنا، إذا عرفنا هذه الحقيقة نعود الآن لنقول: نحن نحتج الآن بما قال عيسى عليه السلام، وبعد أن عرفنا منبع الشبهة عندك نقول: هل تعلم أنه كان في شرع عيسى عليه السلام مثل ما في شرعنا من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48)، بحيث أنه لا يجوز في شريعتنا أن نطلب من ربنا أن يغفر لكفار أمتنا، هل كان هذا موجوداً في شريعة عيسى فيما تعلم؟ إذاً: الشبهة تسقط من أصلها. مداخلة: قد يقع هنا أصل وهو أننا نعلم أنه لا يدخل الجنة مشرك. ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم 427).

الشيخ: هذا في شرعنا. مداخلة: ونص الآية .. الشيخ: هذا العلم من أين أخذته؟ مداخلة: من ديننا. الشيخ: طيب، فهل كان هذا في دين من قبلنا. مداخلة: سياق الآيات التي تتحدث عن الآخرة. الشيخ: الآيات في ديننا، هذه ما فيها خلاف. مداخلة: أقول هي تتحدث عن أمر سيحصل لكل الأمم. الشيخ: أنا أسألك هل كانت الأمم تعلم هذا الحكم؟ بمعنى آخر، هل كل ما نعرفه في شرعنا كان معروفاً فيمن قبلنا. مداخلة: لا. الشيخ: أليس قد قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} (البقرة:286)، حمله إصراً وإغلالاً، ولذلك جاء هذا الإسلام ليضع الأغلال التي كانت موضوعة من قبل، فحتى الأحكام الثقيلة التي ربنا عز وجل خففها عن هذه الأمة، كانت قائمة معروفة من قبل، فضلاً عن الأخبار الغيبية أنه ليس بعيد ... خطرت في بالهم، لأنهم لا يعلمون إلا ما أنزل على أنبيائهم، فكون هذه حقيقة علمية عندنا ليس يلزم منه أنه حقيقة علمية عندهم، فعلى كل حال خذها قاعدة، الأصول المقطوع بها لا تعطل لشبهة تعرض على

الإنسان لمجرد نص حتى لو كان في شرعنا نحن، لأن هذا من باب {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (آل عمران:7)، يعني دائماً الإنسان يأخذ بالأصول الواضحة ويترك المتشابهات من الآيات أو الأحاديث النبوية، شو طلع عندك الآية هذه؟ مداخلة: ... شيخنا، تعلمنا من هذيك المرة، قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (هود:106 - 107). الشيخ: أيوه، هنا هذه الآية، وعلى كل حال من تمام الفائدة انظر كيف النص يختلف بالنسبة لأهل الجنة. مداخلة: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (هود:108). الشيخ: فالآن هذا الاستثناء هل ينافي آية عيسى عليه السلام، {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المائدة:118)، فهنا بالنسبة للفريقين الذين سعدوا أهل الجنة والذين شقوا أهل النار، قال: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} اختلف علماء التفسير كثيراً في هذه الآية، لكن الظاهر والله أعلم أن ربط مصير الفريقين السعداء والأشقياء بمشيئة الله يلفت نظر عباد الله إلى أن كل ذلك ليس بحكم حاكم على الله، إنما هو بمشيئته وهو فعال لما يريد، فنستطيع أن نقول عيسى عليه السلام لما قال هذه الكلمة انطلق من هذا الملحظ، أنه أنت تفعل ما تشاء، حتى ولو كان يعني الذين أشركوا بالله عز وجل، فأنت فعال لما تريد. والله أعلم. "الهدى والنور" (667/ 01: 57: 00) و (668/ 42: 00: 00)

جماع أبواب مباحث لفظية في القضاء والقدر

جماع أبواب مباحث لفظية في القضاء والقدر

[1789] باب هل يصح قول القائل: الله على ما يشاء قدير؟

[1789] باب هل يصح قول القائل: الله على ما يشاء قدير؟ [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: - «آخرُ مَن يدخلُ الجنةَ رجلٌ؛ فهو يمشي مرة، ويكبو مرةً، وتسفعُهُ النارُ مرةً، فإذا ما جاوزَها التفتَ إليها فقال: تباركَ الذي نجاني منكِ، لقدْ أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فتُرفعُ لهُ شجرةٌ، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه الشجرة، فلأستظلَّ بظلِّها، وأشربَ من مائها، فيقولُ الله عزّ وجلّ: يا ابن أدم! لعلِّي إن أعطيتُكَها سألتني غيرها؟ فيقولُ: لا يا ربِّ! ويعاهدُه أن لا يسألَه غيرها، وربُّه يعذِرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صبْرَ لَهُ عليه، فيدنيهِ منها، فيستَظلُّ بظلِّها، ويشربُ من مائها. ثم ترفعُ له شجرةً هي أحسن من الأولى، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه لأشربَ من مائها، وأستظلَّ بظلِّها، لا أسأَلُكَ غيرها، فيقولُ: يا ابن آدم! ألم تعاهدْني أن لا تسألنِي غيرها؟ فيقول: لعلِّي إن أدنيتُك منها تسألُني غيرها؟ فيعاهدهُ أن لا يسألَه غيرَها، وربُّه يعذرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صَبْرَ له عليه، فيدنيهِ منها، فيستظلُّ بظلِّها، ويشربُ من مائها. ثم ترفعُ له شجرةٌ عند باب الجنة هي أحسن من الأولَيَيْنِ، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه لأستظلَّ بظلِّها، وأشربَ من مائها، لا أسألُكَ غيرها! فيقولُ: يا ابن آدمَ! ألمْ تعاهدني أن لا تسألَني غيرها؟ قال: بلى يا ربِّ! هذه لا أسألُك غيرها، وربُّه يعذرُه؛ لأنه يرى ما لا صَبْرَ له عليها، فيدنيه منها. فيسمعُ أصوات أهل الجنة فيقولُ: أيْ ربِّ! أدخِلنِيها، فيقول: أيِ ابنَ أدمَ! ما يَصْرِيني منكَ؟ أيرضيك أن أعطيكَ الدنيا ومثلَها معَها؟ قال: يا ربِّ! أتستهزئ مني وأنت ربُّ العالمين؟.

فضحكَ ابنُ مسعودٍ، فقالَ: ألا تسألوني ممَ أضحكُ؟ فقالوا: ممَ تضحكُ؟ قال: من ضَحِكِ ربِّ العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنتَ ربُّ العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئُ منكَ، ولكنِّي على ما أشاء قادر.- وفي رواية: قدير-». [قال الإمام]: (فائدة): قوله: "ولكني على ما أشاء قادر- أو قدير- ": فيه دليل على جواز استعمال هذه الكلمة: "إن الله تعالى على ما يشاء قدير"، وقد كنت توقفت عنها حين علقت على قول الطحاوي في "العقيدة" (ص 20): "ذلك بأنه على كل شيء قدير" كلمة للشيخ ابن مانع- رحمه الله- أن ذلك ليس بصواب، وأن الصواب ما في الكتاب والسنة {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} لعموم مشيئة الله وقدرته .. إلخ كلامه. ثم وقفت بعد ذلك على هذه الكلمة في هذا الحديث في "صحيح مسلم "، فخشيت- متأثراً بكلام الشيخ- أن تكون شاذة في الحديث؛ أو خطأ من بعض الرواة، فتريَّثت حتى يتسنى لي تخريجه والنظر في إسناده ورواته. ثم كنت في ليلة من ليالي غرة شهر ذي الحجة في بعض مخيمات عمّان ألقي كلمة حول وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح؛ ووجوب قرن ذلك بالعمل، وبعد الفراغ منها فتحنا باب الأسئلة، فسأل أحد إخواننا الحاضرين- ويبدو أنه على شيء من العلم والثقافة- عن هذه الكلمة، مشيراً إلى تعليقي المذكور على "العقيدة الطحاوية "، وذكر- جزاه الله خيراً- بقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} (الشورى:29)، فأجبته بأن الحديث بحاجة إلى تخريج وتحقيق، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يكون أصل الكلمة: "وأنا على كل شيء قدير" أو نحوها، فبادرت إلى تخريج الحديث، فوجدت أن

الرواة عن حماد بن سلمة اتفقوا على اللفظ المتقدم. ثم تابعت البحث والتحقيق فوجدت للحديث طريقاً أخرى عن ابن مسعود، يرويه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني: ثنا المنهال بن عمرو عن أبي عُبيدة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً مطولاً جداً؛ لكن بلفظ: "ولكني على ذلك قادر". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ 416 - 421)، والحاكم (2/ 376 - 377 و4/ 589 - 592) وقال في الموضع الأول: "صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وقال في الموضع الآخر: "رواة هذا الحديث- عن آخرهم- ثقات؛ غير أنهما لم يخرجا أبا خالد الدالاني في "الصحيحين "؛ لما ذكر من انحرافه عن السنة في ذكر الصحابة، فأمّا الأئمة المستقدمون؛ فكلهم شهدوا لأبي خالد بالصدق والإتقان، والحديث صحيح ولم يخرجاه، وأبو خالد الدالاني ممن يجمع حديثه في أئمة أهل الكوفة". كذا قال! وما عرفت من شهد له بالإتقان، أما الصدق؛ فنعم، وفي حفظه ضعف كما يأتي، وأما الذهبي؛ فتعقبه هنا بقوله: "ما أنكره حديثاً على جودة إسناده، وأبو خالد شيعي منحرف"! وأقول: لم أر من رماه بالتشيع، فلعله التبس عليه بغيره، ثم هو مختلف فيه، فقال الذهبي نفسه في "الكاشف ": "وثقة أبو حاتم، وقال ابن عدي: في حديثه لين ".

وقال في " المغني ": "مشهور، حسن الحديث، قال أحمد: لا بأس به، وقال ابن حبان: فاحِشُ الوهم، لا يجوز الاحتجاج به ". ولذلك قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق يخطئ كثيراً، وكان يدلس ". قلت: وجزم الهيثمي بتوثيقه؛ كما يأتي، وهو من تساهله، وإن كان مسبوقاً إليه، ولكن لا ينبغي غض النظر عن الجرح المفسر، الذي تضمنه كلام ابن حبان وغيره، فيتقى من حديثه ما يخشى أن يكون وهم فيه، أو ينتقى من حديثه ما سلم من خطئه، كما هو الواقع هنا؛ فقد توبع عليه، فقال زيد بن أبي أنيسة: عن المنهال بن عمرو به مطولاً أيضاً، وباللفظ المذكور في رواية الدالاني. أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (2/ 520 - 524 - دار ابن القيم)، والطبراني أيضاً عنه وعن حافظين آخرين ثلاثتهم، والبيهقي في "البعث " (239/ 479)، كلهم عن إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحرَّاني: ثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير إسماعيل ابن عُبَيد الحراني، وهو ثقة كما قال الذهبي في "الكاشف "، والحافظ في " التقريب"؛ وزاد: " يغرب ". وقال المنذري في "الترغيب " (4/ 198 و248): "رواه ابن أبي الدنيا والطبراني من طرق أحدها صحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد".

وقال ابن القيم في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " (2/ 94 - طبعة الكردي): "هذا حديث كبير حسن .. ". وأما الهيثمي فقال (10/ 343): "رواه كله الطبرانى من طرق رجال أحدها رجال الصحيح؛ غير أبي خالد الدالاني؛ وهو ثقة"! كذا قال: وفيه شيئان: أحدهما: جزمه بتوثيق الدالاني، وقد عرفت ما فيه. والآخر: أنه فاته أن الطريق الأخرى من رواية الحرانيين أصح من طريق الدالاني كما تبين لك مما ذكرنا، وهي التي جزم بصحتها المنذري، وحسنها ابن القيم، ولا أدري لِمَ لَمْ يصححها؟ على أنه أخرجها الطبراني أيضاً عقب روايته عن الدالاني. وقد خالفهم في إسناد الطريقين: أبو طيبة فقال: عن كُرْز بن وبرة عن نُعَيْمٍ ابن أبي هند عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود به مطولاً بلفظ: "يقوم الناس لرب العالمين أربعين سنة، شاخصة أبصارهم ". الحديث، وفيه اللفظ الثاني الذي في طريق الدالاني والحراني. أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان " (350 - 354) بطوله، والطبراني (9764) عقب حديث ابن أبي أنيسة، ولم يسق منه إلا طرفاً من أوله، وكذا ابن عدي في "الكامل " (5/ 258) في ترجمة أبي طيبة- واسمه عيسى بن سليمان

الجرجاني- وقال الطبراني عقبه: "ثم ذكر نحو حديث زيد بن أبي أنيسة". قلت: وأبو طيبة هذا قال ابن عدي- وقد ساق له هذا الحديث مع أحاديث أخرى-: "وهذه الأحاديث كلها غير محفوظة، وأبو طيبة رجل صالح، ولا أظن أنه كان يتعمد الكذب، ولكن لعله كان يُشَبهُ عليه فيغلط ". قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/ 234) وقال: "يخطئ ". ومن الظاهر أنه هو الذي خالف في هذا الإسناد، فأسقط- من بين ابن مسعود وأبي عبيدة- مسروقاً؛ فإن رجاله ثقات غير كرز بن وبرة، وقد روى عنه جمع من الثقات، وقد ذكره ابن حبان فيهم، وقد تناقض فيه تناقضاً عجيباً، فأورده في "التابعين " (5/ 338) بروايته عن أنس! وما إخاله يصح، ثم ذكره (9/ 27) فيمن روى عن "أتباع التابعين "؛ بروايته عن الثوري (¬1)! ولعل الصواب أن يذكر في "أتباع التابعين "؛ لأنه روى عن نعيم بن أبي هند كما في هذه الرواية، وكما في "الجرح"، وقال (3/ 2/170): "روى عنه الثوري وابن شبرمة وعبيد الله الوَصَّافي وفُضَيل بن غزوان وورقاء ابن عمر". فإن هؤلاء أكثرهم من أتباع التابعين، غير ابن شبرمة- واسمه- عبد الله؛ فإنه تابعي كنعيم بن أبي هند، وعبيد الله الوصافي- وهو ابن الوليد-؛ فإنه من الرواة عن التابعين، فمن المحتمل أن يكون كُرْز هذا من صغار التابعين، وكان مشهوراً بالعبادة، بل وبالمبالغة فيها، وحكوا عنه في ذلك عجائب، له ترجمة واسعة في ¬

(¬1) كذا وقع فيه، والصواب أن الثوري روى عنه؛ كما يأتي عن "الجرح والتعديل ". [منه].

"تاريخ جرجان " (ص 336 - 344)، و"الحلية " (5/ 79 - 83)، و"سير أعلام النبلاء" (6/ 84 - 86)، ولقد عجبت منه- والله! وهو المحدث السلفي- كيف سكت عن بعض تلك المبالغات؟! مثل ختمه للقرآن في اليوم والليلة ثلاث مرات، وهو يعلم أنه خلاف السنة، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث». بل إنه سكت عما هو أدهى وأمرُّ، وهو أنه سأل ربَّه أن يعطيه الاسم الأعظم، فسأل أن يقوى على الختم المذكور! وهذا من الاعتداء في الدعاء المنهي عنه أيضاً في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء». وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1330). وجملة القول؛ أن هذه الجملة قد اختلف في ضبطها عن ابن مسعود رضي الله عنه على اللفظين السابقين: الأول: "ولكني على ما أشاء قادر". والآخر: "ولكني على ذلك قادر". واللفظ الأول أصح إسناداً كما هو ظاهر. لكن الآخر- مع صحة إسناده- مطابق لنص الآية تمام المطابقة: (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير). لأن المعنى: إذا يشاء ذلك الجمع، قال العلامة الآلوسي في "روح المعاني": "و (إذا) متعلقة بما قبلها لا بـ (قدير)؛ لأن المقيّد بالمشيئة جمعُه تعالى، لا

[1790] باب منه

قدرته سبحانه ". قلت: وعلى ضوء تفسيره للآية، نقول: إن اسم الإشارة في الحديث: "ذلك " يعود إلى ما أعطى الله عز وجل عبده من النعم الكثيرة التي لا يستحقها؛ فضلاً منه تعالى عليه، فلما قال ما قال مستكثراً ذلك عليه؛ قال تعالى: "ولكني على ذلك قادر"، فإذا فُسِّرَ بهذا اللفظ الأول أيضاً ولم يوقف عند ما فيه من مفهوم المخالفة، المشعر بأنه تعالى غير قادر على ما لا يشاء؛ على حد قوله تعالى: {لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} ونحوه من المفاهيم التي قامت الأدلة القاطعة على أنها غير مرادة، إذا فسر هذا اللفظ الأول بهذا الذي دل عليه اللفظ الثاني؛ استقام المعنى، ولم يبق أي إشكال إن شاء الله تعالى. هذا ما عندي من علم، فإن أصبت؛ فمن الله، وإن أخطأت، فمني، وأستغفره تعالى من كل ذنب لي، ومن كان عنده فضل علم؛ فليتفضل به شاكرين له. "الصحيحة" (7/ 1/345 - 353). [1790] باب منه [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين. فترفع له شجرة، فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم! لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ - فيقول -: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها. ثم ترفع

له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخلنيها! فيقول: يا ابن آدم! ما يصريني منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب! أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ - فضحك ابن مسعود، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ - فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر. (وفي رواية: قدير). [قال الإمام]: (تنبيه): دل قوله تعالى في آخر الحديث: " ولكني على ما أشاء قادر أو قدير " على خطأ ما جاء في التعليق على " العقيدة الطحاوية " (ص 20) نقلا عن بعض الأفاضل: "يجيء في كلام بعض الناس: وهو على ما يشاء قدير، وليس بصواب .. ". فأقول: بل هو عين الصواب بعد ثبوت ذلك في هذا الحديث، لاسيما ويشهد له قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} (الشورى: 29) وذلك لا ينافي عموم مشيئته وقدرته تعالى كما توهم المشار إليه، والله أعلم. "الصحيحة" (6/ 1/193 - 195).

[1791] باب حكم قول أحدهم: صدفة

[1791] باب حكم قول أحدهم: صدفة سؤال: قول أحدهم: صدفة. الشيخ: هذه الكلمة في حد ذاتها ما فيها إشكال مثل كلمة الحظ، فالمتكلم بها هو ونيته، فإن كان يقصد صدفة بمعنى لا قدر فهو كفر، وإن كان يقصد لفظة حظ بمعنى لا قدر كذلك، أما إذا كان يقصد أنه هذا كله بأمر الله وتقديره فما في شيء. "الهدى والنور" (216/ 25: 19: 00) [1792] باب متى تجوز قولة: لو؟ سؤال: طيب! ما جاء عن النهي عن اللو يا شيخ، وقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت» (¬1) إلى آخره. الشيخ: نعم؟ مداخلة: كيف نوفق؟ الشيخ: قد كنت قرأت توفيقًا بين النهي عن أن يقول أحدنا لو فإن لو تفتح باب ماذا؟ مداخلة: عمل. الشيخ: نعم، وبين ما جاء في مثل هذا الحديث، لكن الحقيقة أنني الآن لا أستحضر الجواب، فلا بد أنكم تستحضرون ذلك فأفيدوا السامعين. ونصف العلم لا أدري، فأنا إذًا في امتناعي من الجواب صرت نصف ¬

(¬1) تمامة: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت, ولولا أن معي الهدي لأحلت". أخرجه البخاري (رقم 1568).

[1793] باب حكم مقولة: فلانة مكتوبة لفلان

عالم، فلا يضيق صدر أحدنا إذا كان لا يعلم الجواب أن يقول: لا أعلم. مداخلة: ما يقال في هذا بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال ذلك؛ لأنه يشرع لأمته، فقال: هو حتى يدلهم على الأمر الأفضل أو الواجب كما يقول بعض أهل العلم. الشيخ: لكن هذا ليس هو جواب الإشكال الذي طرحته؛ لأن بإمكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يأتي بعبارة ليس فيها: لو، لكن سبحان الله ذهب عن ذهني لأن مثل هذه القضية ليست قضية عملية يقرأها الإنسان، ثم مع الزمن والشيخوخة والطعن يصبح الأمر نسيًا منسيًا. مداخلة: يا شيخ كأنك ذكرت في "حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " ما إذا كان في التحسر لا تجوز، أما إذا كانت في تمني الخير كأن يقول: لو كان لي مال ... الشيخ: ارفع صوتك. مداخلة: الذي أستحضر الذي ذكرتموه في حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، أنه إذا كانت للتحسر فلا تجوز، أما إذا كانت لتمني الخير، كأن يقول مثلًا قائل: لو كان لي مثل مال فلان لتصدقت جاز هذا. الشيخ: صحيح هذا هو، هذه البضاعة المنشودة. "رحلة النور" (32أ/00:27:08) [1793] باب حكم مقولة: فلانة مكتوبة لفلان سؤال: في العام الماضي جاء بعض المشايخ [تكلموا] ... في الثقافة الإسلامية على القضاء والقدر, ... ومشكلة الزواج, نسمع من العامة إنه فلانة مكتوبة لفلان, فلما سُئِلْتُ طبعاً, قلت: القضاء والقدر نؤمن به, ولا نستطيع أن

نتعداه, ولكن الزواج أمر يدخله العقل, أمر يدخله العقل, الاستدلال اللي استدلت به أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «تنكح المرأة لأربع» وفي نهاية الحديث يقول: «فعليك بذات الدين تربت يداك» فالرسول عليه السلام دعانا إلى الودود الولود, إذاً لو آمنا بنظرية الناس بأن الزواج أو الزوجة هي مكتوبة, إذاً عليّ أنا في أول يعني جهة أذهب دون أن أسأل عن الدين والأخلاق, وكذا أقول هذه كتبت لي وآخذ بها, فأين مجال العقل في الزواج, وأين مجال القضاء والقدر في الزواج؟ الشيخ: كلام الناس يا أخي ما يخرج عما قلناه آنفاً وهم مع ذلك لا يعنون أن فلانة هي مكتوبة إليّ؛ لأنه قلنا إنما الأعمال بالخواتيم, هو فلانة بيزعم مكتوبة له, بيسعى وراءها بيخطبها, فقد يستجيب أهلها وقد لا يستجيبون, يا أستاذ يجب أن تستحضر قوله عليه السلام: «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس» (¬1) "كل شيء بقدر" يعني: أنا زوجتي, أنت زوجتك, هذا كله مقدر, لكن لا تنسى قولك القدر غيب, فما أحد يستطيع أن يقول: فلانة هي زوجتي, لكن فلانة لو كان الله مقدر تكون زوجتي ما أحد يستطيع أنه يمنعها عني, بدها تصير زوجتي, بدها تصير زوجتي شاء أو أبى, فقول العامة يمشي مع هذا الكلام ... العام كل شيء بقدر, لكن متى يقال فلانة كانت زوجته في الغيب لما صارت زوجته, أما قبل ذلك لا يمكن أن يقال, ولا هم يقولون هذا يعني ما يقصدون هذا. مداخلة: كيف التوفيق العقلي يعني الله تعالى أمرني أو النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمرني أن أفتش عن ذات الدين؟ ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 4531).

[1794] باب حكم قولهم الزواج قسمة ونصيب

الشيخ: لا هذا من الأخذ الأسباب اللي مضى الكلام فيه, هذا من الأخذ بالأسباب التي أُمِرْنا بها, وقد قلت لك: فرق بين السعادة والشقاوة, الأسباب فيها مربوطة بمسبباتها حتماً بخلاف الأمور الدنيوية فقد تثمر وقد لا تثمر, فأنت مثلاً بلغك خبر امرأة صلاحها ودينها وجمالها وغناها وكل شيء فيها من أحسن ما يكون, فتسعى حثيثاً لخطبتها, لكن في النهاية لا سمح الله أو سمح الله وانتهى إن شاء الله ترجع بخفي حنين, ليه؟ لأن مو فرض إنك أتيت بالسبب لتكون سعيداً في الدنيا, هذا السبب مش قاطع, لا تنسى ذلك: من كان يريد العاجلة عجلنا له, فهذه عاجلة, أما السعادة الأبدية هذه ما تتخلف عن أسبابها أبداً, المهم الكلمة التي حكيتها عن العامة فهي كلمة حق, ولا يراد بها الكشف عن الغيب, إنه فلانه ستكون زوجة فلان, هذا ما أحد يقوله الحمد لله. " الهدى والنور (34/ 39: 28: 00 طريق الإسلام) [1794] باب حكم قولهم الزواج قسمة ونصيب سؤال: هل الزواج قسمة ونصيب أي: أنه يكون بمجرد الولادة الفتاة أو الرجل مكتوبة لهذا الزوج أو الزوجة؟ أو هي اختيار يعني؟ الشيخ: سامحك الله، ما هو الفرق بين هذا السؤال وبين سؤال واحد غني وآخر فقير، وواحد جميل وواحد قبيح، ... إلى آخر الأمثلة، بلا شك إنه المقدر على الإنسان هو أمر واقع ما له من دافع، لكن هو مكلف بسعيه، ثم هو لا يسأل عن عاقبة الأمر إذا ما وقع على خلاف اختياره، فهذا خطب امرأة كان حريصاً أن يخطبها وهي صالحة، وإذا بها مع الزمن تنكشف أنها طالحة طبعاً نصيب، لكن كل شيء بقدر كما قال عليه السلام: «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس» لكن

[1795] باب هل تجوز نسبة الشيء إلى سببه الذي جعله الله سببا له؟

هذا لا يعني أن الإنسان في حدود قدرته وطاقته ما هو مكلف أن يسعى لاختيار الخير، لا هذا شيء آخر، فعلى الإنسان أن يسعى ثم البقية على الله تبارك وتعالى، فالجواب طبعاً هو نصيب، لكن ما نريد أن نفهم من أنه نصيب؟ إذاً: الإنسان - مثلما بيقولوا الجماعة - يتوكل على الله وبس، لا؛ يتخذ الأسباب ثم يتوكل على رب الأرباب. مداخلة: ... يا شيخ معنى هذا أنه الكلام المشهور بأنه نصيبك بإيدك؟ الشيخ: كيف؟ مداخلة: لما نقول مثلاً: والله هذه زوجتي ... ، هذا نصيبي. الشيخ: أيش شو بيقولوا؟ مداخلة: نصيبك بأيدك. الشيخ: لا باطل هذا الكلام. "الهدى والنور" (134/ 46: 18: 00) [1795] باب هل تجوز نسبة الشيء إلى سببه الذي جعله الله سببًا له؟ مداخلة: ما تقولون في هذا البيت من حيث العقيدة: دع الأيام تفعل ما تشاء ... وطب نفساً إذا حكم القضاء الشيخ: هذا من يقول بالمجاز وكان مسلمًا، فيستساغ منه على التأويل، كقولهم:

[1796] باب منه

أنبت البقلَ الربيعُ أما من كان يساء الظن به فلا يتكلم به، ومن كان [ممن] يعلمون أن المؤمن إنما ينسب كل تصرف في الكون إلى الله، ولكن ذلك لا يمنع من نسبة الشيء إلى السبب الذي جعله الله عز وجل سببًا كمن يقول: أشبعني هذا الخبز، وأرواني هذا الماء، فليس في هذا شيء ولكن ينبغي أن يلاحظ المكان الذي يقال فيه مثل هذا الكلام، فإذا كان [بين ناس لا يفهمون] فلا ينبغي أن ينطق به، ويكفي في هذا قوله عليه الصلاة والسلام: «إياك وما يعتذر منه» (¬1) فإذا تكلمت بمثل هذا الكلام الذي يحتاج إلى شيء من التأويل بين ناس لا يفهمون عليك ما تقول يأتي قول الرسول المذكور: «إياك وما يعتذر منه» أما إذا كان يعيش بين أناس من العرب لا يزالون على التوحيد وعلى الفهم لأصل لغتهم فما أحد يشك بأن هذه العبارة من باب المجاز المستعمل في اللغة وليس في الكتاب أو السنة, على ما هو مشروح في كتب ابن تيمية رحمه الله. "رحلة النور" (31 أ/00:33:04). [1796] باب منه سؤال: طيب! في «لولا»، يقول: الضابط في «لولا»؟، فقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ولولا البهائم لم يمطروا» (¬2) وقال عن عمه أبا طالب: «ولولاي لكان في الدرك الأسفل من النار» (¬3). ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 2671) , " الصحيحة" (1/ 622) (¬2) "صحيح الجامع" (رقم 5204, 7978) , "الصحيحة" (1/ 167). (¬3) "البخاري" (رقم 3670) , ومسلم (رقم 531).

الشيخ: ما فهمت السؤال مداخلة: ضابط لولا؛ ما يجوز منها وما لا يجوز قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ولولا البهائم لم يمطروا» وقوله عن عمه أبا طالب: «ولولاي لكان في الدرك الأسفل من النار». الشيخ: هذا في اعتقادي يختلف عن ذاك مداخلة: كأن يقول إنسان: لولا كذا لكان كذا، ألا يجب عليه أن يقول: لولا الله ثم .. الشيخ: لا، هذا يرجع إلى الموضوع السابق: أنبت الربيع البقلة، وأشبعه الطعام ونحو ذلك، هذا أسلوب في العربية معروف، نعم، شرحنا هذا آنفًا. "رحلة النور" (32 أ/00:29:27)

جماع أبواب الكلام على مخالفي أهل السنة في أبواب القضاء والقدر وبيان أسباب وقوعهم فيما وقعوا فيه والرد عليهم

جماع أبواب الكلام على مخالفي أهل السنة في أبواب القضاء والقدر وبيان أسباب وقوعهم فيما وقعوا فيه والرد عليهم

[1797] باب تعريف القدرية

[1797] باب تعريف القدرية [قال الإمام]: (القدرية) هم المنكرون للقدر، من المعتزلة قديماً، وأشباههم حديثاً! "تحقيق الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام" (ص 64) [1798] باب عرض المذاهب في القدر مع بيان كيفية محاججة الجبرية [قال الإمام]: في مذاهب إسلامية قديمة، بل فرق إسلامية منهم من يقول: إن الإنسان مجبور ولا يملك شيء من الحرية والاختيار، ومنهم من يقول: لا، هو مختار ويخلق أفعال نفسه وهؤلاء المعتزلة وتلك الجبرية، منهم من يقول: أن الإنسان في أمور مختار فيها وفي أمور مسير فيها، والآن الفكرة الشائعة عند عامة الناس فكرة هي الجبر بعينه حيث يقولون: الإنسان مسير ليس مخير. لما يتناقش سني وهو الذي يقول: أن الإنسان مخير في التكاليف الشرعية مع جبري، يدخلوا طبعاً في نقاشات حول آيات حول أحاديث إلى آخره، يقول أحد علماء السنين يقول: فإذا ما تجاوب معك هذا الجبري بكل هذه المناقشات والأدلة: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف:29) يعني: نص القرآن: أن الإنسان عنده مشيئة، لم يتجاوب معك اصفعه هنا الشاهد، هذا يصيح يقول: لماذا؟ قل له: مجبور. "الهدى والنور" (137/ 21: 46: 00)

[1799] باب بيان نشأة مذهب المعتزلة وضلال قول الجبرية والقدرية

[1799] باب بيان نشأة مذهب المعتزلة وضلال قول الجبرية والقدرية سؤال: بالنسبة لو تعطينا نبذة عن فرقة المعتزلة، من هم الذين اتفق عليهم من قبل معتزلة؟ الشيخ: من هم أيش؟ مداخلة: من الذين أسسوا فرقة المعتزلة، هل هم من السلف الصالح؟ الشيخ: لا: حاشاهم، هو من هؤلاء الرؤوس واصل بن عطاء، منهم الجهم بن صفوان ... مداخلة: الجهم بن صفوان على العكس. الشيخ: المهم، عطني بالكم أنا بدي أرجع لكم شيء هو من الحقائق. مداخلة: زين العابدين، أبو محمد النفس الزكية. الشيخ: شو بهم هادول؟ مداخلة: هل هم هادول المعتزلة الأصلية؟ الشيخ: راح أقول لك يا أخي لا يجوز أن نقول إن مذهب المعتزلة أسسه فلان بعينه، مذهب الجبرية أسسه فلان بعينه، لا هي مذاهب، يأتي رجل برأي نفترض أن هذا الرأي موافق للسنة، فيتبعه الناس ويؤيدونه وينصرونه، لا يقال هو دعا إلى هذا المذهب، وإنما هو رأي تبناه وكان صواباً، ثم تبعه العلماء وطلاب العلم والناس جميعاً، وهذا يعود إلى ما ذكرناه آنفاً بالنسبة للأئمة الأربعة. على العكس تماماً الآن لا يمكن أن يقال: أسس مذهب المعتزلة هو شخص

واحد، أول من دعا مثلاً إلى القول بخلق القرآن هو شخص معروف حتى شو اسمه؟ مداخلة: الجهم. الشيخ: الجهم وقتل وذبح، لكن هذا. مداخلة: الجعد بن درهم. مداخلة: نعم شيخنا. الشيخ: هذا ضحي به. مداخلة: خالد القسري. الشيخ: أي نعم، فهذا أول من دعا إلي إيه؟ إلى أن كلام الله مخلوق، لكن هذا الرأي تبنته المعتزلة، لكن المعتزلة ما صاروا معتزلة لأنه تبنوا هذا الرأي، لا تبنوا آراء أخرى كثيرة، وكثيرة جداً، منها مثلاً: أنهم يقولون: الإنسان يخلق أفعال نفسه، منها مثلاً: أنهم يقولون إن الله عز وجل لا يراه المؤمنون يوم القيامة خلافاً للآية الكريمة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:23). القصد هذه المذاهب تتشكل وتتأسس على مضي الزمن، فلا يصح أن يقال أن المذهب الحنفي مثلاً هو أسسه أبو حنيفة، لا. أبو حنيفة كان له أصحاب أبو يوسف، محمد بن الحسن، زفر الخ. كذلك المذاهب الأخرى، السؤال حينئذ يكون خطأ، وإن كان لا يترتب من ورائه يعني فائدة تذكر، وإنما الفائدة أن تعرف إنه مذهب المعتزلة صواب فنتبعه، أم ضلال فنجتنبه، هذا هو الصواب الصحيح من السؤال، والجواب يكون: المعتزلة هم بلا شك طائفة من المسلمين ولكنهم انحرفوا عن العقيدة الصحيحة السلفية في كثير من الجوانب، ومنها ما ذكرت آنفاً، وهم حينما قالوا: إن الإنسان

يخلق أفعال نفسه أرادوا بذلك الرد على طائفة من الطوائف الأخرى وهم الجبرية، الجبرية يقولون: إن الإنسان مجبور على الخير والشر، وهذا ضلال، قابل هذا الضلال المعتزلة بضلال آخر: لا: الإنسان يخلق أفعال نفسه. والصواب طبعاً: هو عقيدة أهل السنة الذين يرون أن الإنسان ليس مجبوراً في كل شيء، هو مختار في كثير من أعماله، مجبور في كثير من أفعاله، ولكن حيث وجد الاختيار وجد التكليف، وحيثما وجد الإجبار رفع عنه التكليف، لماذا؟ لوجود علة المؤاخذة أو لفقدانها، حيث يوجد الاختيار فهو علة المؤاخذة، وحيث يوجد الإجبار فلا مؤاخذة. المعتزلة يقولون: الإنسان يخلق أفعال نفسه، هو كذب وافتراء على الله؛ لأن الله هو الخالق ولا شريك له، الجبرية عكس هؤلاء يقولون: كما قال شاعرهم يصف ربهم: ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء هكذا نحن معشر المسلمين اللي بنصلي وبنصوم غصباً عنا؟ لا والله، قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف:29). مداخلة: ... لو سمحت والله مسألة مرتبطة في هذا الموضوع وهو أن المعتزلة جابوا آيات قرآنية، والجبرية جابوا آيات قرآنية، يعني يلتبس فيها الأمر، المعتزلة مثلاً قالوا: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر:38)، الجبرية قالوا: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (الصافات:96). الشيخ: وما تعملون، نعم. مداخلة: يعني ظاهر الآيات يؤيد رأي كل جهة يعني.

الشيخ: يعني يؤيد التناقض؟ مداخلة: بدنا نحن توضيح لهذا الشيء. الشيخ: ها هذا ليس مجاله بارك الله فيك، بس لازم أنت تحضر في بالك، لازم تحط في بالك قوله عز وجل: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} (النساء:82). فوجود هذا الاختلاف في مذهبين رأساً يجب أن تحكم بأنه مستحيل أن يكون في الشرع الإسلامي خاصة في القرآن الكريم، لكن أرى أنني لا بد أن أجيب جواباً مختصراً جداً. شو الآية اللي قلتها أنت: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر:38). مداخلة: يعني ظاهرها: التخيير. الشيخ: معليش، ونحن قلنا آنفاً شو عقيدة أهل السنة؟ مداخلة: الاختيار, في اختيار وجبر. الشيخ: طيب، أنت الآن هل تعتقد معنا أنه في اختيار وفي جبر، ولا ما تعتقد؟ مداخلة: بالتأكيد. الشيخ: طيب، إذن فنحن لسنا معتزلة نحن عم بنقول بقول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر:38)، صدق الله، لكن الآن يأتي: هل هذا الإنسان الذي اكتسب خيراً فسيجزى خيراً، أو اكتسب شراً فيسيجزى شراً، هل هو فعل هذا [جبراً] ... ولَّا ربنا عز وجل خلقه بشراً سوياً، ومكنه وقدره، وخلق فيه قدرة يتمكن بها من التصرف بما يريد من خير أو شر؟ كما قال تعالى: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} (الواقعة:59)، لا، هو الخالق،

فإذاً إذا رجعنا إلى ملاحظة أن هذا الإنسان الذي له هذا الكسب الاختياري أن الله عز وجل هو الذي خلقه في هذه الصورة، وقدره على أن يفعل خيراً إن شاء، أو شراً إن شاء، كيف يقال: إن الإنسان يخلق فعله، سواء كان خيراً أو شراً بنفسه؟ هذا تحدي للخالق الأكبر، وهذا هو الكفر، ولذلك جاء في بعض الأحاديث: «القدرية مجوس هذه الأمة» (¬1)، القدرية مجوس هذه الأمة، لماذا؟ لأن المجوس يقولون: في خالقَين؛ خالق للخير وخالق للشر، وهؤلاء يقولون شر من قول المجوس: إن كل إنسان يخلق أفعاله بنفسه، فإذن إذا آمنا بالآية والآيات الأخرى التي في معناها: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر:38). لا يلزمنا أن نقول: إن الإنسان يخلق أفعاله خلقاً؛ لأن شو معنى الخلق؟ هو الإيجاد من العدم، فهل نحن نوجد شيئاً من العدم؟ مداخلة: لا. الشيخ: لا. فإذاً قولهم بأن الإنسان يخلق أفعاله بنفسه هذا من أبطل الباطل، كما أن طريقة الجبرية أيضاً هم مثل المعتزلة مبطلون حين يقولون: إن الإنسان مجبور، والأمثلة نشاهدها في كل ساعة من حياتنا، بل بكل حركة من حركاتنا. أنا الآن أتكلم معكم، هل يستطيع أحد أن يقول: أنا مجبور؟ هلَّا بقى نتحدى؛ أنت مجبور على الكلام, هه ... [وسكت الشيخ] بلحظه الآن بيخرسني ما حد جبرني، إذن أنا مختار، لكن هذه الخيرة لو شاء الله لا سمح الله بلحظة الآن بيخرسني. شو بيطلع بيدي، كيف يقول بقى المعتزلة: اخلق الكلام، لا، فكل شيء ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 4442).

[1800] باب بيان معتقد الجبرية والرد عليهم

بقضاء وقدر، كما قال عليه السلام: «حتى العجز والكيس». وهذا بحث طويل جداً، ونحن تكلمنا عنه مراراً وتكراراً، لكني أقول: كلمة قضاء الله وقدره عقيدة إسلامية، وإن عجز مسلم ما أن يجمع في ذهنه بين اعتقاده: إن الإنسان والله مخير؛ لأنه لو كان مسيراً مثل ما بيقولوا الجهلة ما يقال له: افعل أو لا تفعل، مثل ما قال هاداك الشاعر: ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء لو وصف إنسان رجلاً بهذا الوصف الذي وصف هذا الشاعر به لنسبه إلى الظلم، إنسان لو وصف ملكاً أو رئيساً بهذا الوصف لوصفه ظالماً، ما بعده ظلم، فما باله وهو يصف رب العالمين: خلقه وألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له: إياك إياك أن تبتل بالماء، حاشا لله، وإنما قال: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف:29)، وقال: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد:10)، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس:10)، إلى آخره. إذن كل من المذهبين: المعتزلة والجبرية باطل والحق بينهما. الإنسان فيما كان مخيراً فيه هو مأجور أو مأزور، وفيما وقع منه رغم أنفه فهو غير مسؤول. "الهدى والنور" (529/ 18: 11: 00) [1800] باب بيان معتقد الجبرية والرد عليهم سؤال: نرجو من فضيلتكم إيضاح معتقد الجبرية وكيفية الرد عليهم بشبهة أن الله قدر المقادير قبل خلق السموات والأرض بزمن بعيد، فكيف يقال بأن الإنسان مخير في أعماله كالطاعة والنسيان؟

الشيخ: المسألة في الحقيقة سهلة عند من أحاط معرفةً بتقادير الله عز وجل السابقة للحوادث، فإذا نحن درسنا أي حادثة من الحوادث وقعت فلا نشك أن هذا الواقع هو الذي سبق في اللوح المحفوظ وسجل قبل أن يقع، لنضرب على ذلك بعض الأمثلة: القاتل العمد والقاتل الخطأ، والمجتهد المصيب والمجتهد المخطئ، فلان قتل عامدًا، ترى! في اللوح المحفوظ ما الذي كتب؟ أنه سيقتل عامدًا، والآخر قتل خطأً، ترى! ما الذي كان مكتوبًا في اللوح المحفوظ؟ يقتل عامدًا أم يقتل خطأً؟ لا شك أن القدر الإلهي سابق للحوادث وهو بعلمه تبارك وتعالى الأزلي السابق يكتشف هذه الحوادث وسجلها في اللوح المحفوظ قبل وقوعها، فهي كما وقعت سجلت، وحينئذٍ نقول: القاتل العمد قتل باختياره أم باضطراره، وعلى العكس القاتل الخطأ قتل أيضًا باختياره أم رغم أنفه؟ سيأتي الجواب: القاتل الأول قتل باختياره، والقاتل الثاني قتل رغم أنفه ليس باختياره، فهل نحن لأنه ربنا تبارك وتعالى بالقدر الذي سبق أن سجل المخلوقات كلها؛ لأننا علمنا هذه الحقيقة، هل معرفتنا بهذه الحقيقة تضطرنا نحن أن نغير علمنا بهذا الواقع، قلنا: أن أحد القاتلين قتل باختياره، فهل نقول: إنه قتل رغم أنفه؛ لأننا اعتقدنا أنه سبق في كتاب الله عز وجل أنه سيقتل؟ كان جوابنا: سبق في كتاب الله أنه سيقتل باختياره، فإذًا الاختيار ثابت في القدر كالاضطرار تمامًا، ولذلك كان كنتيجة بدهية جدًا أن الله عز وجل يعذب القاتل العمد ولا يعذب القاتل الخطأ؛ لأن القاتل العمد قتل باختياره، فالاختيار لا يمكن إنكاره لمجرد اعتقاد أن هذا القتل سجل في اللوح المحفوظ، لكن ينبغي أن نتذكر أن الذي سجل في اللوح المحفوظ سيقع بكل دقة. وقد قلنا أن الذي وقع وقع باختياره، فهذا مطابق القدر الإلهي أو مخالف؟

كان مطابق للقدر الإلهي، ولهذا فالذين يقولون بالجبر هم يخالفون القدر الإلهي، ويريدون أن يسووا بين ما كان مكتوبًا في اللوح المحفوظ وفي القدر الإلهي بالاختيار أو بالاضطرار، من أجل هذا فرق الشرع والقانون والعقل بين من كان مختارًا في شيء، وبين من كان غير مختار، فمناط التكليف إنما هو بوجود الاختيار، فإذا انتفى الاختيار انتفى التكليف، فالقول بالجبر ينفي القدر، بينما هم يريدون من إثبات الجبر بأنه ثبت في القدر، القدر قسمان: مسجل بالاختيار أنه سيفعل كذا ومسجل بالاضطرار أنه سيفعل كذا، فإذًا يعود قولهم بالجبر مستميلين إلى القضاء والقدر تعود الحجة عليهم على خلاف ما يزعمون. وهناك نكتة لبعض الظرفاء: إذا قال لك الجبري: كل شيء يفعله الإنسان فإنما هو مضطر؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ وأنه لا بد أن يقع، قل له: فهل المضطر مؤاخذ ومكلف؟ سيقول لك: لا، فما عليك بعد أن يقول هذه الدلالة إلا أن تصفعه صفعة في خده مثلًا، فهو سيقول: أخ لماذا ضربتني؟ قل له: مضطر، مضطر كلام من أسخف ما يكون والإنسان خلقه الله عز وجل في أحسن تقويم. أنا أقول مثلًا: أين الاضطرار؟ أنا الآن أتكلم معكم يا ترى! مختارًا أو مجبورًا؟ إذا قلت: مجبورًا هه .. [سكت الشيخ] هه مجبور عن السكوت هه سأتكلم معكم، أين الاضطرار المزعوم، فالله عز وجل أحكم الحاكمين خلق الإنسان ومكنه من عمل الخير كما مكنه من عمل الشر، ولذلك قال: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف:29) فالمشيئة البشرية تحمل الخير والشر .. [صوت مختلط لا يفهم] ربنا عز وجل قد فرق بين من كفر اختيارًا وبين من كفر اضطرارًا: {إِلَّا مَنْ

أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:106) ولقد روى بعض علماء التفسير كابن حجر وكابن جرير الطبري وغيره أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه حيث عذبه المشركون كما عذبوا بلالًا، ثم يظهر أنهم شعروا منهم شيئًا من الضعف والارتخاء فعرضوا عليه أن يكفر بمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وأن يقول فيه: إنه كذاب .. إنه ساحر .. إنه شاعر، قالوا له: إن قلت هذا أطلقنا سراحك، .. فقال هذه الكلمات فأطلقوه، فجاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فبعد هذه الراحة التي وجدها عاد إليه رشده فأنبته نفسه كيف أنا قلت فيمن هداني الله بسببه: إنه كذاب .. إنه ساحر .. إنه شاعر، فشكا الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعله ترتاح نفسه مما بدر منه من الخطأ، فقال له عليه الصلاة والسلام: «كيف تجد قلبك؟» أي: هذه الكلمات التي هي الكفر بعينه هل أنت مطمئن إليها، ومنكر صدقي ونبوتي وإلى آخره؟ قال: أجد قلبي مطمئن بالإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام: «فإن عادوا فعد» (¬1). فالآن: مَن مِن العقلاء ممن أوتي ذرة من عقل ولب يسوي بين كفر عمار بن ياسر وكفر أبي لهب وأبي جهل، هل يستويان مثلًا؟ الجواب: لا، لكنهما كل من الكفرين مسجل في اللوح المحفوظ، لأن الله قال: {مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:38) لكن هذا المسجل هو الذي وقع، فلماذا هؤلاء الجبريون يتخذون إذًا الكتابة السابقة دليلًا على أن المقصود مجبور عليه صاحبه، والمكتوب فيه تفصيل تارةً قد يكتب مجبوراً، وتارًة قد يكتب مختارًا، فالقدر نفسه مطابق الواقع له، فما كان جبرًا فلا مؤاخذة كما في قصة عمار بن ياسر، وما كان اختيارًا كما في قصة أبي لهب وأبي جهل وأمثاله من الكفرة، فبهذا يمكن الرد على هؤلاء الجبرية، ويكفي أن تعرفوا خطورة مذهبهم وسخافة عقولهم ما قاله الشاعر ¬

(¬1) "مستدرك الحاكم" (2/ 389) "السنن الكبرى" للبيهقي (8/ 208).

في حقهم ممثلًا لهم كيف اعتقدوا في ربهم الظن الذي يترفع عنه أظلم الناس حيث وصفوا ربهم بقولهم كما قال الشاعر: ألقاه في اليم مكتوفًا ثم قال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء هل يغلله بالأغلال ثم يرميه في البحر ويقول له: إياك يصيبك رشاش الماء، أظلم الناس ما يفعل هذا، أما هم فقد وصفوا ربهم بما لا يليق بأظلم الناس وأفجر الناس: ألقاه في اليم مكتوفًا ثم قال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء أما الله عز وجل فقد صرح بأنه لا يظلم الناس شيئًا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وفي الحديث القدسي، قال الله تبارك وتعالى: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا، يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! لو اجتمع أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم على صعيد واحد فسألني كل واحد مسألته فأعطيته إياها ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي! - وهنا الشاهد - إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم فمن وجد خيرًا فليحمد لله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» (¬1). ¬

(¬1) "صحيح مسلم" (رقم 6737).

[1801] باب الرد على الجبرية الذين يستدلون بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كل ميسر لما خلق له» على ضلالهم

هل هذا الحديث من أوله إلى آخره يدل على أن الإنسان لا يملك التصرف .. لا يملك أن يكون صالحًا، ولا يملك أن يكون طالحًا، فإذا كان طالحًا فعذبه رب العالمين وهو يقول: أنا حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا، أي: الظلم الذي تعرفونه بينكم ظلمًا هو عندي ظلم فنزهوني ولا تنسبوا إلي الظلم، فإذا رجعنا إلى ذلك البيت الذي وصف عقيدة الجبرية: ألقاه في اليم مكتوفًا ثم قال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء هذا في عرف البشر عدل أو ظلم؟ هو ظلم، إذًا: ربنا عز وجل يعلم الناس أنه أنزه من أن يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون، نعم. "رحلة النور" (41 أ/00:06:34) [1801] باب الرد على الجبرية الذين يستدلون بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كل ميسر لما خلق له» على ضلالهم [قال الإمام معلقاً على قول صاحب الطحاوية:- «وكذلك [أي يعلم الله] أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه وكل ميسر لما خلق له»]: هو قطعة من حديث علي المروي في «الصحيحين» وقد خرجته في «تخريج السنة» برقم (171). وقد صح أن بعض الصحابة لما سمعوا هذا الحديث منه - صلى الله عليه وآله وسلم - قالوا: إذا نجتهد, وفي رواية: فالآن نجد الآن نجد الآن نجد. انظر «السنة». (161 - 167) ففيه رد صريح على الجبرية المتواكلة الذين يفهمون من الحديث خلاف فهم الصحابة فتأمل. "التعليق على متن الطحاوية" (ص40).

[1802] باب القدر وحديث القبضتين حق ورد بعض ما قد يستدل به الجبرية

[1802] باب القدر وحديث القبضتين حق ورد بعض ما قد يستدل به الجبرية [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال في القبضتين: «هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه». [وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الله عز وجل قبض قبضة فقال: في الجنة برحمتي، وقبض قبضة فقال: في النار ولا أبالي». [وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الله عز وجل خلق آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر». [وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى، فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي». -[وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة بيمينه فقال: هذه لهذه ولا أبالي وقبض قبضة أخرى، يعني: بيده الأخرى، فقال: هذه لهذه ولا أبالي». [ترجم الإمام لهذه الأحاديث بما ترجمناها به ثم قال]: (كثير) من الناس يتوهمون أن هذه الأحاديث - ونحوها أحاديث كثيرة - تفيد أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية، ما دام أنه حكم عليه منذ القديم

وقبل أن يخلق بالجنة أو النار، وقد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى أو حظ فمن وقع في القبضة اليمنى كان من أهل السعادة، ومن كان من القبضة الأخرى كان من أهل الشقاوة، فيجب أن يعلم هؤلاء جميعا أن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لا في ذاته ولا في صفاته، فإذا قبض قبضة فهي بعلمه وعدله وحكمته، فهو تعالى قبض باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته، وقبض بالأخرى على من سبق في علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعته، ويستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى، والعكس بالعكس، كيف والله عز وجل يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}. ثم إن كلا من القبضتين ليس فيها إجبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار، بل هو حكم من الله تبارك وتعالى عليهم بما سيصدر منهم من إيمان يستلزم الجنة، أو كفر يقتضي النار والعياذ بالله تعالى منها، وكل من الإيمان أو الكفر أمران اختياريان، لا يكره الله تبارك وتعالى أحدا من خلقه على واحد منهما {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، وهذا مشاهد معلوم بالضرورة، ولولا ذلك لكان الثواب والعقاب عبثا، والله منزه عن ذلك. ومن المؤسف حقا أن نسمع من كثير من الناس حتى من بعض المشايخ التصريح بأن الإنسان مجبور لا إرادة له! وبذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن يظلم الناس! مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة، وإعلانه بأنه قادر على الظلم ولكنه نزه نفسه عنه كما في الحديث القدسي المشهور: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ... " وإذا جوبهوا بهذه الحقيقة، بادروا إلى الاحتجاج بقوله تعالى: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}، مصرين بذلك على أن

[1803] باب ما قد يستدل به على عقيدة الجبر وبيان بطلانه

الله تعالى قد يظلم ولكنه لا يسأل عن ذلك! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وفاتهم أن الآية حجة عليهم لأن المراد بها - كما حققه العلامة ابن القيم وغيره - أن الله تعالى لحكمته وعدله في حكمه ليس لأحد أن يسأله عما يفعل، لأن كل أحكامه تعالى عدل واضح فلا داعي للسؤال. وللشيخ يوسف الدجوي رسالة مفيدة في تفسير هذه الآية لعله أخذ مادتها من ابن القيم فلتراجع. هذه كلمة سريعة حول الأحاديث المتقدمة حاولنا فيها إزالة شبهة بعض الناس حولها فإن وفقت لذلك فبها ونعمت، وإلا فإني أحيل القارىء إلي المطولات في هذا البحث الخطير، مثل كتاب ابن القيم السابق، وكتب شيخه ابن تيمية الشاملة لمواضيع هامة هذه أحدها. "الصحيحة" (1/ 1/112 - 117). [1803] باب ما قد يُسْتَدَلُّ به على عقيدة الجبر وبيان بطلانه [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوا، وإذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوا به، وإنه يصير إلى ما جبل عليه». (ضعيف). [قال الإمام]: وهذا الحديث يستشم منه رائحة الجبر وأن المسلم لا يملك تحسين خلقه لأنه لا يملك تغييره!، وحينئذ فما معنى الأحاديث الثابتة في الحض على تحسين

[1804] باب رد شبهة للجبرية

الخلق كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» رواه أبو داود (2/ 288) وغيره في حديث, وسنده صحيح، فهذا يدل على أن حديث الباب منكر، والله أعلم. "الضعيفة" (1/ 260 - 261). [1804] باب رد شبهةٍ للجبرية [سئل الإمام عن مقولة لبعض الناس أنه بما أننا نقول بأن الله هو الذي خلق القلوب ثم صنفها فلا ذنب للإنسان فيما يفعل أو يعتقد]. الشيخ: أولاً: هذا الرجل مسلم أم كافر؟ مداخلة: مسلم. الشيخ: مسلم. طيب: ... هو ماذا يقول؟ مداخلة: يقول: نحن لا ذنب لنا ... الشيخ: وفيه مسلم اليوم يقول هذا؟ مداخلة: ... يعني: لا يعتقد هذا، وإنما هو مذبذب كما تقول. الشيخ: هذا إقناعه إذا قال بالجبر اصفعه على وجهه صفعة تكون ماكنة وقوية، إذا قال: لماذا؟ قل: مجبور. مداخلة: هل يجوز ضرب [الوجه]؟ الشيخ: ما فيه يجوز أو ما يجوز بالنسبة للمجبور. مداخلة: نكمل الشيء هذا، فيقول: أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق

[1805] باب هل قوله تعالى: {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا} يشم منه رائحة الجبر؟ والكلام على الإرادة الشرعية والإرادة الكونية

القلوب. الشيخ: خلق القلوب بما فيها من إيمان وكفر؟ مداخلة: هذا كلامه. الشيخ: ودليله؟ مداخلة: أنه هو الذي خلق كل شيء. الشيخ: هو خلق كل شيء صحيح، لكن لم يخلق الإنسان مجبوراً على الإيمان والكفر، وإلا حينئذٍ هو يكفر بالقرآن، ما معنى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف:29)؟! "الهدى والنور" (27/ 06: 41: 00) [1805] باب هل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} يُشَم منه رائحة الجبر؟ والكلام على الإرادة الشرعية والإرادة الكونية [سئل الإمام]: قال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} (الأنعام25) , يَشُم البعض من هذه الآية رائحة الجبر, فما رأيكم في ذلك؟ [فأجاب]: هذا الجعل هو جعلٌ كوني, ولفهم هذا لابد من شرح معنى الإرادة الإلهية, فالإرادة الإلهية تنقسم إلى قسمين: "إرادة شرعية, وإرادة كونية". والإرادة الشرعية: هي كل ما شرعه الله عز وجل لعباده, وحضهم على القيام

به من طاعات وعبادات على اختلاف أحكامها, من فرائض إلى مندوبات, فهذه الطاعات والعبادات يريدها تبارك وتعالى ويُحبها. وأما الإرادة الكونية: فهي قد تكون تارة مما لم يشرعها الله, ولكنه قدرها وهذه الإرادة إنما سُميت بالإرادة الكونية اشتقاقاً من قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس82) , فـ (شَيْئًا) اسم نكرة يشمل كل شيء, سواء أكان طاعة أو معصية, وإنما يكون ذلك بقوله تعالى (كُنْ) , أي بمشيئته وقضائه وقدره, فإذا عرفنا هذه الإرادة الكونية - وهي أنها تشمل كل شيء, سواء أكان طاعة أو كان معصية - فلا بد من الرجوع بنا إلى موضوع القضاء والقدر, لأن قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} , معناه أن هذا الذي قال له (كُنْ) جعله أمراً مُقدراً كائناً لابد منه, فكل شيء عند الله عز وجل بقدر, وهذا أيضاً يشمل الخير والشر, ولكن ما يتعلق منه بنا نحن الثقلين -الإنس والجن المكلفين المأمورين من الله عزوجل- أن ننظر فيما نقوم نحن به, إما أن يكون بمحض إرادتنا واختيارنا, وإما أن يكون رغماً عنا, وهذا القسم الثاني لا يتعلق به طاعة ولا معصية, ولا يكون عاقبة ذلك جنة ولا ناراً, وإنما القسم الأول هو الذي عليه تدور الأحكام الشرعية, وعلى ذلك يكون جزاء الإنسان الجنة أو النار, أي: ما يفعله الإنسان بإرادته, ويسعى إليه بكسبه واختياره هو الذي يحاسب عليه, إنْ كان خيراً فخير, وإن كان شراً فشر. وكون الإنسان مختاراً في قسم كبير من أعماله, فهذه حقيقة لا يمكن المجادلة فيها شرعاً ولا عقلاً. أما شرعاً: فنصوص الكتاب والسنة متواترة في أمر الإنسان بأن يفعل ما أمر به, وفي أن يترك ما نُهي عنه, وهذه النصوص أكثر من أن تذكر.

أما عقلاً: فواضح لكل إنسان متجرد عن الهوى والغرض بأنه حينما يتكلم, حينما يمشي, حينما يأكل, حينما يشرب, حينما يفعل أي شيء, مما يدخل في اختياره, فهو مختار في ذلك غير مضطر إطلاقاً, وأنا شئتُ أنْ أتكلم الآن, فليس هناك أحد يجبرني على ذلك بطبيعة الحال, ولكنه مقدر, ومعنى كلامي هذا مع كونه مقدراً, أي أنه مقدر مع اختياري لهذا الذي أقوله وأتكلم به, ولكن باستطاعتي أن أصمت لأبين لمن كان في شك مما أقول أني مختار في هذا الكلام. إذاً, فاختيار الإنسان -من حيث الواقع- أمر لا يقبل المناقشة والمجادلة, وإلا فالذي يجادل في مثل هذا إنما هو يسفسط ويشكك في البدهيات, وإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة انقطع معه الكلام. إذاً فأعمال الإنسان قسمان: اختيارية, واضطرارية. والاضطرارية: ليس فيها كلام, لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية الواقعية, والشرع يتعلق بالأمور الاختيارية, فهذه هي الحقيقة, وإذا ركزناها في أذهاننا, استطعنا أن نفهم الآية السابقة {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} وهذا الجعل كوني, ويجب أن نتذكر الآية السابقة {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أن الإرادة ههنا إرادة كونية, ولكن ليس رغماُ عن هذا الذي جعل الله على قلبه أكنة. مثال من الناحية المادية: أن الإنسان حينما يُخلق إنما يُخلق ولحمه غض طري, ثم إذا كبر وكبر يقسو لحمه ويشتد عظمه ولكن الناس ليسوا كلهم سواءً, فهذا مثلاً إنسان منكب على نوع من الدراسة والعلم, فهذا ماذا يقوى فيه؟ يقوى

[1806] باب الكلام على بطلان مذهبي القدرية والجبرية

عقله؟ ويقوى دماغه من الناحية التي هو ينشغل بها, ويَنصب بكل جهده عليها, ولكن من الناحية البدنية جسده لا يقوى, وعضلاته لا تنمو. والعكس بالعكس تماماً: فهذا شخص منصب على الناحية المادية, فهو في كل يوم يتعاطى تمارين رياضية -كما يقولون اليوم- فهذا تشتد عضلاته, ويقوى جسده, ويصبح له صورة كما نرى ذلك أحياناً في الواقع, وأحياناً في الصور, فهؤلاء الأبطال مثلاً تصبح أجسادهم كلها عضلات, فهل هو خُلق هكذا, أم هو اكتسب هذه البنية القوية ذات العضلات الكثيرة؟ هذا شيء وصل إليه هو بكسبه واختياره. ذلك هو مثل الإنسان الذي يضل في ضلاله وفي عناده, وفي كفره وجحوده, فيصل الران إلى هذه الأكنة التي يجعلها الله عزوجل على قلوبهم؟ لا بفرض من الله واضطرار من الله لهم, وإنما بسبب كسبهم واختيارهم, فهذا هو الجعل الكوني الذي يكسبه هؤلاء الكفار, فيصلون إلى هذه النقطة التي يتوهم الجُهال أنها فُرضت عليهم, والحقيقة أن ذلك لم يُفرض عليهم وإنما ذلك بما كسبت أيديهم, وأن الله ليس بظلامٍ للعبيد. "كيف يجب علينا أن نفسر القرآن" (ص23 - 28). [1806] باب الكلام على بطلان مذهبي القدرية والجبرية سؤال: ما أدري يا شيخ كيف التوفيق يا شيخ بين حديث: «أركان الإيمان ستة: الإيمان بالقدر خيره وشره»، وبين قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «والشر ليس إليك}، كيف يفهم هذا الشر يا شيخ؟ الشيخ: نسبي، الشر بالنسبة إلينا لا بالنسبة لربنا؛ لأن أفعال الله عز وجل كلها

خير، ويمكن تقريب المسألة بمثال مع التذكير بأن لله المثل الأعلى هذا أولاً، وثانياً: التذكير بمبدأ قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فتقدير الله عز وجل هو خلق وتصرف منه عز وجل، يتوافق تماماً مع كل الصفات التي منها: القدرة والإرادة والعدالة والحكمة، فحينما نحن نرى شراً يقع، فهذا كما قال: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (الأنعام:96). فالمثال الذي أريد أن أقرب به هذه المسألة الإيمانية: إذا رأيت طبيباً يقطع عضواً من مريضٍ ما فلا شك أنك تستنكر عمله إذا كنت لا تعرف أن هذا الطبيب أولاً ماهر في طبابته، وثانياً: عادل في تنفيذه لطبه، كذلك إذا رأيت حاكماً يضرب إنساناً أو يجلده، فستقول: بأن هذا شر، لكن إذا عرفت أنه يضربه بحق انقلب المفهوم السابق الذي كان في ذهنك وهو أنه شر إلى أنه ليس بشر، وهذا نحن بين بعضنا البعض فما بالك بالنسبة للخالق الذي لا يقاس به شيء إطلاقاً؟! ولذلك فنحن نقول في موضوع القضاء والقدر: الأصل فيه الإيمان الصادق الصحيح، وحينما يجري نقاش بين المعتزلة والجبرية، حيث إن كلاً من الفريقين يقف بعيداً جداً عن الآخر، وكلاهما على طرفي نقيض؛ لأنهم يحكمون عقولهم دون أن يلاحظوا ما ذكرت آنفاً من أن الله عز وجل لا يضرب له الأمثال، وأنه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء، فالمعتزلة يلتقون مع الجبرية في رأي واحد، لكن الفرق بين الفريقين: أن المعتزلة حينما يعملون عقلهم في ذلك الرأي يجدونه لا يلتقي مع العدالة الإلهية، فيفرون منه، أما الجبرية فيستقرون عليه ويطمئنون إليه، ما هو؟ إذا قيل: بأن الإنسان مقدر عليه كل عمل يأتيه، سواء كان خيراً أو شراً، التقى الفريقان: أن هذا يعني أنه جبر للإنسان على أن يفعل الخير أو الشر، فالتقيا في هذا كلاهما، لكن المعتزلة فروا قالوا: لو كان الأمر كذلك لم يبق هناك حكمة لله عز

وجل أولاً في أن يأمر بالخير وينهى عن الشر، وثانياً: أن يجزي على الخير خيراً وعلى الشر شراً، أن يجزي على الخير جنة وعلى الشر ناراً، يقول المعتزلة: التقدير مع التكليف لا يلتقيان، إذاً فروا إلى قولهم: لا قدر، الجبرية ظلوا على رأيهم: أن معنى كون لله عز وجل قدر على الإنسان الخير أو الشر أنه مجبور، وظلوا عليه. فأخذ كلٌّ من الفريقين يرد الباطل الذي في كل منهما: الباطل في المعتزلة إنكارهم للقدر، الباطل في الجبرية تشبثهم بالقدر وإثبات الجبر، وهو إيمان باطل؛ ولذلك الأمر كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يؤخذ الصواب من كل من الفريقين ويترك لهم الضلال، يؤخذ من الجبرية إيمانهم بالقدر؛ لأنه حق، ويترك لهم القول بالجبر؛ لأنه باطل، ويؤخذ من المعتزلة قولهم: أن الجبر باطل، وينكر عليهم إنكارهم للقضاء والقدر. فالشاهد: فكل من الفريقين تمسك بحق ورد باطلاً؛ والسبب: أنهم أرادوا أن يعقدوا هذه الصفة الإلهية التقدير الإلهي: وكل شيء بقدر، ما قال عليه السلام: «كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس»، أرادوا أن يفهموا التصرف الإلهي بعقولهم المحدودة فوقعوا في الضلال، أولئك أنكروا القدر؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يوفقوا بين الإيمان بالقدر وبين الإيمان بأن الإنسان مختار، وهؤلاء أنكروا اختيار الإنسان؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يوفقوا بين اختيار الإنسان وبين القدر الإلهي. فلذلك القصد من هذا الكلام: أن المؤمن يستعمل عقله وفكره إلى حد، وبخاصة فيما يتعلق بالصفات الإلهية، ومن ذلك القدر، فهو لا يستطيع أن يحل مشكلة القدر أو بالمعنى الصحيح: عقيدة القدر، بحيث أنه يفهمه ويخضعه لعقله، لا بد من إجمال، ولا بد من التسليم.

فالاختيار الذي أنكره الجبرية هذا إنكار للأمور البدهية، وكما أقول أنا في مثل هذا البحث، أنا الآن أتكلم معكم: من الذي يشك بأني أتكلم مختاراً؟ وإذا عاند أحدهم وقال لي: أنت تتكلم غير مختار، أصمت، إذن أنا أتكلم باختياري وأصمت باختياري هذه مكابرة وجحد للحقائق البدهية، لماذا ينكرون هذه الحقائق البدهية؟ يا أخي مكتوب هذا مسجل، نعم مسجل ولا شك ولا ريب، ومسجل بعلم وعدل وحكمة. وأنا أضرب مثلاً لقتل الخطأ وقتل العمد، فهذا القتل وذاك كلاهما مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ ولا شك، ولا يقبل تأويلاً ولا تحويلاً، ولكن كيف كتب؟ كيف قدر؟ حينما نقول: قتل العمد وقتل الخطأ بلا شك نذكر مع قتل الخطأ عدم وجود الإرادة البشرية، قتل ولكنه ما أراد القتل، أما قتل العمد كما يقولون اليوم في لغة القانون: قتل عن سابق عزم وتصميم وتخطيط، فأنا أضرب مثلاً لهذين النوعين من القتل: رجل خطط لقتل رجل من ذويه على رأس الجبل، ووضع الخطة الدقيقة للغدر به وقتله، فصعد الجبل في ليلة لا قمر فيها -كما يقال- فقتله، آخر صعد الجبل لأمر ما للنزهة، فزلت به القدم، وهناك شخص فصدمه فانقلب يتدحرج حتى وصل قتيلاً إلى سفح الجبل، ذاك قاتل وهذا قاتل، فمن الذي يقول هذا كهذا؟! كلاهما مقدر. إذاً: يجب أن نفكر أن القدر الإلهي كما ألمحت في أول كلامي مقرون بالصفات الإلهية الأخرى، منها العلم ومنها الحكمة، فإذا انكشف الغطاء لنا وكنا

[1807] باب بيان بعض أسباب إنكار المعتزلة للقدر

من قبل لا نعلم شيئاً عن صفة هذين القتلين، لكن بعد أن وقعت الواقعة عرفنا أن الأول قتل عن سابق علم وتصميم وتخطيط، أما الآخر فزلت به القدم صدم شخصاً فانقلب هذا الشخص يتدحرج ميتاً، انكشف الأمر أن القتل الأول عمد والقتل الآخر خطأ، فالآن تحليل الكتابة الإلهية: كتب الله عز وجل أن الأول سيتعمد ويخطط وسيعزم على قتل الرجل باختياره، فكتبه في اللوح المحفوظ قاتلاً عمداً، وادخر له عذاب جهنم، أما الآخر فقد كتب: بأنه سيقتل بغير قصد وبغير إرادة منه؛ ولذلك ما كتب عليه جهنم. إذاً: الأمر الأول يمثل ما يستحق عليه العذاب، والآخر ما لا يستحق عليه العذاب. "الهدى والنور" (724/ 39: 01: 00) [1807] باب بيان بعض أسباب إنكار المعتزلة للقدر سؤال: يقول السائل: ما هو حكم الشرع في العمل لاستئناف الحياة الإسلامية، مع معرفة السبيل الأمثل لتحقيق ذلك؟ علماً: أن هناك أحاديث يفهمها البعض على أنها تعني القعود عن هذا العمل وهي: أحاديث المهدي، فما هو رأيكم في ذلك جزاكم الله خيراً؟ الجواب: لقد كتبنا أكثر من مرة حول أحاديث المهدي عليه السلام، ومواقف علماء العصر وهذا الزمان، فإنهم مختلفون في ذلك أشد الاختلاف. أما العلماء الذين لا يزالون يتمسكون بما قام عليه الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة؛ فهم لا يزالون يعتقدون والحمد لله بأن خروج المهدي حق لا ريب فيه، ولكن لابد بهذه المناسبة من التذكير أن هناك شخصاً آخر لابد من خروجه،

وسيلتقي مع المهدي وهو عيسى عليه الصلاة والسلام، فإن عيسى عليه السلام أحاديثه أقوى من أحاديث المهدي، وإن كان كل من أحاديث الرجلين يلتقيان في الصحة إلا أن أحاديث عيسى عليه السلام أصح من أحاديث المهدي كما لا يخفى ذلك على أهل العلم من الحديث؛ لأنه من المتفق بين أهل الحديث أن أحاديث عيسى متواترة، بلغت علم اليقين، أحاديث المهدي عليه الصلاة والسلام، يوجد هناك خلاف بين بعض العلماء هل بلغت هذه المرتبة أم لا؟ وأنا لا يهمني الوصول إلى هذه المرتبة، وإن أكنت أميل إليها أي: إن أحاديث المهدي أيضاً وصلت إلى هذه المرتبة، ولكن يكفي المسلم أن يعلم أن أحاديث المهدي صحيحة، وأن علماء المسلمين توارثوا خلفاً عن سلف الاعتقاد بخروج المهدي، وبنزول عيسى عليهما السلام. إذاً: قلت هذا لأن السؤال ذكر المهدي، وكان الأولى أن يذكر عيسى؛ لأن أحاديث عيسى أقوى، فلذلك هذا السؤال فتح لي باب التطرق لأحاديث عيسى عليه الصلاة والسلام. قلنا: إن هذه العقيدة حق لا عوج فيها. بعض العلماء في العصر الحاضر ممن لا يهتمون بدراسات العلماء السابقين سواءً ما كان منها متعلق بتصحيح الأحاديث، أو ما كان منها متعلق بتصحيح العقائد المبنية على الأحاديث، فكثير من علماء العصر الحاضر ينكرون خروج المهدي بل غلا بعضهم فأنكروا أيضاً: نزول عيسى عليه الصلاة والسلام. لا أريد الخوض بتفصيل في هذه المسألة إلا بمقدار ما نود من تقديمه جواباً عن هذا السؤال.

كثير من المعاصرين الذين يدعون الإصلاح، وجدوا عامة المسلمين يتكؤون في العمل الإسلامي، وبعبارة أوضح: في ترك العمل للإسلام يقولون: ما في فائدة للعمل إلا حينما يخرج المهدي أو ينزل عيسى عليه السلام، هكذا يعتقد كثير من الناس أي: وصلوا إلى مرتبة اليأس التي لا يجوز للمسلم أن يقع فيها؛ لأنه {وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} في القرآن الكريم. فلما وجد بعض المصلحين هذا اليأس مسيطراً على جماهير المسلمين، وجدوا أن سبب هذا اليأس هو إيمانهم بنزول عيسى وخروج المهدي، فظنوا أن الإصلاح يكون بإنكار هاتين العقيدتين الصحيحتين بأن يقول للناس: يا جماعة اعملوا فعقيدة نزول عيسى عليه السلام ما هي ثابتة بالطريق اليقين وهم مخطئون أشد الخطأ اعملوا فإن خروج المهدي هذا عقيدة شيعية وهي غير صحيحة، كذلك هم في ذلك مخطئون، فقلنا مراراً وتكراراً وكتبنا شيئاً من هذا المعنى في بعض المؤلفات قلنا: لا يكون الإصلاح على هذا المنوال، وعلى هذا المنهاج في إنكار الأحاديث الصحيحة وما بني عليها من عقيدة؛ لأن هذا المنهج الاستمرار عليه سيؤدي بأصحابه إلى الاعتزال الماضي قديماً، ذلك؛ لأن المعتزلة أنكروا ما هو أخطر من عقيدة عيسى عليه السلام، والمهدي ما الذي أنكروه؟ أنكروا القدر، فقالوا: لا قدر مع أن القدر ثابت في الكتاب والسنة، وهي عقيدة كما تعلمون جميعاً: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره قالت المعتزلة: لا قدر فنحن إذا درسنا ما الذي حمل المعتزلة وهم بطبيعة الحال ليسوا كفاراً ليسوا مرتدين عن دين الإسلام كل ما نستطيع أن نقول عنهم: إنهم مسلمون ضالون؛ لأنهم أنكروا حقائق شرعية منها: إنكارهم للقدر الإلهي لكننا إذا درسنا السر في

إنكارهم للقدر الإلهي وجدناه كإنكار بعض المعاصرين اليوم لعقيدة خروج المهدي ونزول عيسى عليه السلام كيف؟ وجدوا أن كثيراً من المسلمين فهموا من عقيدة القدر أنها تعني الجبر، وأن الإنسان ليس مخيراً في طاعته لله، أو في معصيته إياه، وهم بلا شك وجدوا نصوصاً في الكتاب والسنة وذلك مقتضى العقل الصحيح السليم: أنه لا يجتمع في الإنسان جبر وتكليف ضدان لا يجتمعان. فالمعتزلة نظروا فقالوا: إذاً: إذا كان معنى القدر الجبر، فلا يمكن أن ربنا عز وجل يجبر الإنسان على معاصيه، وبعدين ماذا؟ يعذبه، إذاً: هذه العقيدة عقيدة باطلة. نحن نلتقي مع المعتزلة في قولهم: بأن الجبر عقيدة باطلة كما نلتقي مع أولئك المصلحين بأن الاتكال على خروج المهدي ونزول عيسى، وعدم العمل للإسلام أيضاً: عقيدة باطلة، ولكننا لا نلتقي لا مع هؤلاء، ولا مع أولئك المعتزلة فيما أنكروا من عقائد صحيحة ثبتت بعضها بالكتاب والسنة، وبعضها بالأحاديث الصحيحة المتواترة. فالمعتزلة تأولوا الآيات التي تنص على القدر كما تأولوا الأحاديث، بل وأنكروا بعضها حينما لا يسعهم تأويلها، فوقعوا في القدر وهو إنكار القدر الإلهي الذي ثبت في القرآن وفي السنة كما ذكرنا. فنقول نحن للمعتزلة كما نقول لهؤلاء المصلحين اليوم: ما هكذا يا سعد تورد الإبل، ما هكذا يا جماعة يكون الإصلاح لا يكون الإصلاح بإنكار حقائق شرعية، وإنما يكون الإصلاح بتفهيم المسلمين الفهم الصحيح بتلك النصوص سواءً ما كان منها قائماً على إثبات القدر، أو ما كان منها قائماً على إثبات نزول

عيسى وخروج المهدي عليهما السلام. فنقول: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مكث في قومه ثلاث وعشرين سنة، وهو يدعوهم ليلاً نهاراً حتى استطاع أن يضع النواة للخلافة الإسلامية بالمدينة المنورة. فنحن علينا معشر المسلمين ألا ننتظر ما بُشِّرنا بمجيئه من المهدي أو عيسى علينا أن نعمل؛ لأن الواقع الآن نشعر نحن تماماً: أن هناك جماعات من المسلمين متفرقون في العالم الإسلامي هم ينتظرون قائداً يأخذ بأيديهم ويجاهد بهم أعداء الإسلام في كل زمان، وفي كل مكان، فهم ينقصهم هذا الإنسان المصلح القائد، لكن تصوروا معي الآن: إذا جاء هذا المبشر به، وهو: المهدي أو عيسى، وأخذ يصلح بين المسلمين كما يفعل اليوم المصلحون المتفرقون في العالم الإسلامي، فكم سيظل في عملية الإصلاح هذه؟ ستنقضي حياته إلا إن كان له حياة تشبه حياة نوح عليه السلام، وهذا لم نبشَّر به، ستنقضي حياته في إصلاح المسلمين تفهيمهم الإسلام الصحيح، وحملهم على العمل بالإسلام [ .... انقطاع]. نقول مثلاً: نحن يعلم يقيناً: أن من آفة العالم الإسلامي هو: الانكباب على الدنيا. ومن آثار هذا الإنكباب: استحباب ما حرم الله عز وجل من الربا بأدنى الحيل فضلاً عن غير ذلك من المحرمات، أبمثل هؤلاء الناس يمكن إذا خرج المهدي أو نزل عيسى عليه السلام أن يجاهد به الكفار أو بهم الكفار؟ الجواب: لا؛ إذاً: على المسلمين كافة في كل بلاد الإسلام أن يعملوا بفهم الإسلام أولاً فهماً صحيحاً، وأن يطبقوه في ذوات أنفسهم وفي أهليهم وذراريهم ثانياً، حتى إذا جاء المهدي أو نزل عيسى وجد القوم ليسوا بحاجة إلى إصلاح ما أفسده هذا الزمن الطويل. " الهدى والنور" (218/ 35: 46: 00)

[1808] باب بيان سبب خطأ الجبرية والقدرية في أبواب القضاء والقدر باب

[1808] باب بيان سبب خطأ الجبرية والقدرية في أبواب القضاء والقدر باب [قال الإمام]: عقيدة الجبر ... نشأت عند الجبرية من غلوهم في الإيمان بالقضاء والقدر، وفهمها أو فهمهم لهذه العقيدة فهماً خاطئاً، فاستلزموا من هذه العقيدة الجبر، فقالوا بلازمه في زعمهم أنه كما جاء في بعض أشعارهم: ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء فهذا يصور عقيدة الجبرية، فمن أين جاءت الجبرية؟ من الإيمان بالقضاء والقدر مع الفهم الخاطئ، فعالج هذا الخطأ الفريق الآخر وهو: المعتزلة قالوا: لا سبيل لنا إلى إبطال الجبر إلا بما اتكئوا عليه من الإيمان وهو القدر؛ إذاً: لا قدر، كلاهما على طرفين نقيض، وكلاهما على مذهب أبي نواس: وداوني بالتي كانت هي الداء، وأنا أرى أن كثيراً من العقائد يساء فهمها فتعالَج على هذا المذهب المنحرف عن الحق، وقد يقع في مثل هذا كثير من كبار العلماء المشهورين، يدفعهم في ذلك إساءة العامة وربما بعض الخاصة فهم العقيدة الصحيحة فيضربون سوء الفهم بضرب العقيدة الصحيحة. لاشك أنكم تعلمون أن من العقائد الصحيحة التي توارثها الخلف عن السلف: الإيمان بنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، ويقترن معه الإيمان بخروج المهدي، نعم. نعود إلى أصل المسألة عن القدر، فكيف عالجت المعتزلة الجبر معالجة سيئة وذلك لما لم يستطيعوا أن يفهموا القدر الإلهي فهماً لا يستوجب الجبر، بل

هم شاركوا الجبريين في فهمهم للقدر؛ بأنه يستلزم الجبر، والجبر باطل وما لزم منه باطل فهو باطل، وإذاً: لم يجدوا وسيلة أعني بطبيعة الحال المعتزلة بمحاربة الجبر إلا بنفس عقيدة القدر، وهم لاشك ما يستطيعون وإن كانوا ضلالاً فهم مؤمنون بكتاب الله عز وجل، لا يستطيعون أن ينكروا القدر كلفظ مذكور في القرآن الكريم في غير ما آية لا يستطيعون أن ينكروا ذلك وإلا خرجوا من الدين، لكنهم وهكذا شأن كل الفرق الضالة الذين انحرفوا عن الكتاب والسنة أنهم يؤمنون بألفاظ الكتاب، ولا يؤمنون بمعانيها، فما [أنكروا] القدر، ولكنهم تأولوا القدر بما يساوي العلم كما يفعلون في كثير من الآيات المتعلقة بالصفات الإلهية، فهم مثلاً: ينكرون أن يكون الله تبارك وتعالى له صفة السمع والبصر، وهم يعلمون مثل قول رب العالمين آية التنزيه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فهم لا يستطيعون أن ينكروا هاتين الصفتين أنه سميع وبصير إلا بالطريقة ذاتها التي أنكروا فيها القدر ألا وهو: التأويل بل هو التعطيل فقالوا: السميع البصير يعني: العليم. فكذلك أولوا القدر بمعنى ماذا؟ العلم. مع أنه كما لا يخفاكم العلم صفة ذاتية، أما التقدير الإلهي فصفة فعل، نعم من صفات الأفعال، فهم خلطوا بين هذه الصفة الذاتية وبين الصفة العملية لماذا هذا الخلط؟ ليضربوا الجبر، ولكن أصابهم كما يقول المثل في بعض البلاد: كانوا تحت المطر صاروا تحت المزراب ... والشاعر العربي القديم - كما تعلمون - يقول: أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل أي: [يحب] الجمع بين الصفات الإلهية كلها والمشتقة من كتاب الله

وأحاديث رسول الله ولا يجوز ضرب بعضها ببعض، أو إنكار بعضها على حساب البعض. ما أحسن ما قال ابن القيم رحمه الله في هذه المناسبة: العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحاب ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذراً من التعطيل والتشبيه وهذا هو الموقف العادل لا تعطيل ولا تشبيه، وإنما هو الإيمان على ما أراد الله عز وجل بهذه الآية وأحاديث الرسول عليه السلام التي تثبت الصفات الإلهية. فالشاهد: أعود إلى ما كنت انتهيت إليه أن كثيراً من العلماء حينما يريدون أن يعالجوا بعض الانحرافات التي أصابت الجماهير قديماً وحديثاً: إنما يعالجون بانحراف مثله أو بأخطر منه، وضربت على ذلك مثلاً عقيدة نزول عيسى عليه السلام. أنا أذكر جيداً أنني حينما نشأت في طلب العلم أني انتفعت بالسيد رشيد رضا وبمجلته المنار خاصة انتفاعاً كثيراً، بل أعتقد أنه لم يكن المفتاح الذي فُتِح لي به طريقة السلف إلا هذه المجلة، أي نعم. لكن وجدت في كثير فيما بعد من مقالاته: أنه انحرف في قليل أو كثير مما جاءت به السنة، والسبب في ذلك: أنه كان ابتلي بمن يسمون بالقاديانية تعرفونهم؟ مداخلة: هؤلاء القاديانية؟

الشيخ: نعم القاديانية الذين يسمون أنفسهم بالأحمديين. مداخلة: غلام أحمد ... الشيخ: الغلام غلام أحمد القادياني. مداخلة: نعم. الشيخ: فهم معروفون عند أهل السنة بالقاديانية وهم: يفرون من هذه النسبة إلى النسبة الأحمدية فهم يقولون: نحن أحمديون، ولهم هدف خبيث بالفرار من تلك النسبة إلى هذه، لأن النسبة الأولى إنما هي نسبة إلى البلدة التي خرج منها نبيهم الكذاب هذا الغلام أحمد القادياني وهي قاديان. وينتسبون إلى أحمد لأن غلام أحمد القادياني ليس اسمه أحمد وإنما هو غلام، غلام أحمد وهذا أسلوب في اللغة الهندية تفسيره: خادم أحمد، فهو ليس أحمد وإنما هو خادم أحمد. والمقصود بأحمد هو: نبينا عليه الصلاة والسلام، والأعاجم لهم مثل هذه النسبات افتخاراً بانتسابهم للرسول عليه السلام. فغلام أحمد هكذا عرف الرجل ولكنه لما ادعى المهدوية، ثم ادعى النبوة فحمل على نفسه بعض النصوص الشرعية من الكتاب والسنة جرها جراً على نفسه مثل: قوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصف:6) من هذا أحمد؟! هو محمد لا، هو أحمدهم هذا، وبناءً على ذلك حتى يصح له جر هذه الآية وحملها على ذاته غَيَّرَ اسمه في مؤلفاته، أنا هذا درسته شخصياً؛ لأني ابتليت بمجادلة القاديانية بدمشق سنين طويلة. فهو كان يكتب اسمه في مؤلفاته ميرزا غلام أحمد أي: خادم أحمد بن

عبد الله بن عبد المطلب، فحذف ميرزا غلام أحمد فقال: أحمد؛ لكي يضلل الناس أن هذه الآية تعنيني أنا وأنا اسمي أحمد، أما محمد النبي المبعوث رحمة للعالمين اسمه: محمد وليس اسمه أحمد، هكذا أوهم المضللين به، أي نعم. ولذلك فهو إتماماً لإضلال شيخهم لهم يبينون للعالم بأنهم أحمديون ليسوا منتسبين لأحمد بن عبد الله هذا ابن عبد المطلب، وإنما لأحمد بس هذا الكذاب. هؤلاء كالمعتزلة، بل وأشد إغراقاً في الضلال؛ لأنهم ينكرون ما هو معلوم من الدين بالضرورة، يؤمنون بكل الكتاب ولكن لفظاً وليس معنىً، ولا يخفى على أهل العلم أن اللفظ في كل الكلام فضلاً عن الكلام الإلهي ليس مقصوداً بذاته، وإنما هو وسيلة للمعاني، وكما يقال: الألفاظ قوالب المعاني، فما الفائدة إذا آمن مؤمنٌ ما، بآية ما ثم لف ودار عليها واستخرج لها من ضلاله معنى لا صلة لهذا المعنى باللفظ القرآني، هكذا كل الفرق الضالة شأنهم مع القرآن الذين لم يعلنوا الخروج عن الإسلام، وإنما لا يزالون يدعون أنهم مسلمون ونؤمن بالقرآن. القاديانيون هكذا مثالهم يؤمنون بألفاظ القرآن في كثير من نصوصه، ولكنهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه كما حكى ربنا ذلك في القرآن الكريم عن اليهود. هم يعتقدون مثلاً: بأن باب النبوة مفتوح بعد محمد عليه الصلاة والسلام على رغم مثل قوله تبارك وتعالى في القرآن: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40). هم لا ينكرون أنه خاتم النبيين، لكنهم ينكرون كما أنكرت المعتزلة القدر، وأنكروا الصفات الإلهية ونحو ذلك، فهم يقولون: خاتم النبيين ليس معنى

آخرهم، وإنما خاتم النبيين كالخاتم في الأصبع، فهو زينتهم، هذا موقفهم من القرآن، ما موقفهم من الأحاديث المتواترة، في أنه لا نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام؟ ما استطاعوا تأويله حرفوه كما حرفوا القرآن، وما لم يستطيعوا نسفوه نسفاً فقالوا: هذا مخالف للقرآن. من أشهر الأحاديث التي تثبت أن لا نبي بعده عليه السلام حديث: مخاطبة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لعلي حينما سافر إلى تبوك غازياً، وترك علياً في المدينة، وبكى علي فأنسه عليه السلام بقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي» (¬1). قالوا: هذا حديث صحيح، لكن ما فهمتموه جيداً، «لا نبي بعدي» أي: معي، أما بعده يعني: بعده في نبي، هذا، وهذا مثال آخر يعني كيف يحرفون الكلم من بعد مواضعه. مداخلة: يستدلون أن هارون كان مع موسى. الشيخ: نعم. مداخلة: لهم ذكاء مع ضلالهم يعني. الشيخ: إيه ذكاء، لكنه ذكاء بدون عقل ما يفيد شيئاً أبداً. مداخلة: ذكاء يجعلهم ضلالاً. الشيخ: ولذلك حكى ربنا عز وجل في القرآن الكريم عن الكفار المشركين: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10). ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم 4154) , ومسلم (رقم 6370).

لذلك الذكاء شيء والعقل شيء: أنا جعلت الاستطراد طويل جداً، يعني: كنت أتكلم عن السيد رشيد رضا، وأنني استفدت منه، لكن رأيت منه بعض الانحرافات منها: بسبب رده على القاديانية، والقاديانيون يدعون من دعاويهم الباطلة أن ميرزا غلام أحمد القادياني هو عيسى المبشر به في الحديث، وهذا أيضاً من تآويلهم الباطلة، «لينزلن فيكم عيسى ابن مريم حكماً عدلاً» (¬1) نعم ليس المقصود عيسى، وإنما المضاف محذوف تقديره مثيل عيسى، لف ودوران من هو هذا المثيل؟ ميرزا غلام أحمد القادياني، فالسيد رشيد رضا رحمه الله كأنه شعر أنه ما استطاع أن يقيم الحجة عليهم حجة دامغة قاهرة إلا بالتشكيك في أحاديث نزول عيسى عليه السلام من أجل ماذا؟ يقلص الجمهور المتأثر بالقاديانية لا عيسى ولا مهدي. لذلك قلنا بالنسبة إليه مع فضله وعلمه: أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل وأنا كتبت في بعض ما كتبت من المؤلفات والكتب: أن السبيل في كل هذه الأمثلة وسواها ليس هو التأويل الذي هو أخو التعطيل، وإنما هو فهم النصوص فهماً جيداً من المسلمين حتى لا يقعوا في انحراف سلبي أو إيجابي. نعود إلى مسألة القدر وهي مشكلة المشاكل في الواقع من يوم وجدت المعتزلة إلى اليوم. المعتزلة يقولون: إذا قلنا: إن الله عز وجل قدر على الإنسان الإيمان والكفر، ¬

(¬1) "صحيح البخاري" (رقم 3264).

والخير والشر فهذا معناه أنه مجبور لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً! إذاً: ما المخرج عندهم؟ لا قدر إذاً: ماذا نقول في الآيات التي أثبتت القدر؟ نؤولها بالمعنى الذي سمعته: العلم، لكن ما استفادوا شيئاً من هذا الإنكار؛ لأنه لا فرق بين كل المؤمنين الذين يؤمنون بالعلم الإلهي، وبين أكثر المؤمنين الذين يؤمنون أيضاً بالقدر الإلهي من حيث المشكلة التي أوردها المعتزلة لا فرق بين العقيدتين: عقيدة الإيمان بالعلم الإلهي الأزلي والإيمان بالقدر الإلهي لا فرق من حيث المشكلة، ما هي المشكلة؟ قالوا: إذا قلنا إن الله قَدَّرَ وكتب الإيمان والكفر والخير والشر لزمنا الجبر. كذلك نقول نحن: لاشك ولا ريب عند كل المؤمنين بالقدر الإلهي أنه وفق العلم الإلهي، كذلك الكتابة الإلهية على مراحلها المتعددة كما شرح ذلك الإمام ابن القيم في كتابه العظيم المسمى ماذا؟ الحكمة والتعليل. مداخلة: شفاء الغليل. الشيخ: شفاء الغليل (¬1)، نعم أحسنت. فهناك مراحل للكتابة كل هذه الكتابة، الكتابة الأولى والأخيرة التي والولد في بطن أمه بطبيعة الحال على وفق ماذا؟ العلم الإلهي. فإذاً: الإشكال الذي أوردوه لا يزال قائماً بمعنى: حذفنا الآن من أذهاننا ما حذفوه هم من عقائدهم وهو: القدر الإلهي طوينا عنه صفحة مؤقتاً. كذلك الكتابة الإلهية، وأن نتفق معهم هناك على العلم أو هم يتفقون معنا، ¬

(¬1) كذا، والصواب «شفاء العليل»، بالعين المهملة.

طيب. سبق في العلم الإلهي أن فلاناً سيكفر هل يمكن أن يتغير العلم الإلهي؟! طبعاً لا. مداخلة: لا يتغير. الشيخ: طيب. الكتابة الإلهية تتغير؟! لا. القدر الإلهي يتغير؟ لا. فما الذي استفدتموه من قولكم: لا قدر واضح؟ مداخلة: نعم. الشيخ: إذاً: يجب الإيمان بكل ما جاء من العلم والكتابة والقدر وتأويل ذلك بما يتفق مع الأدلة الأخرى. فما استفادوا شيئاً من إنكارهم القدر بحجة أنه إذا كان القدر لا يتغير فإذاً: صار المكلف مجبوراً نقول لهم: هل العلم الإلهي يتغير؟ سيقولون: العلم الإلهي ما يتغير. مداخلة: لا يتغير. الشيخ: نعم. فسيكون من جوابهم: أنه لا يتغير، إذاً: هل سبق في العلم الإلهي أن فلاناً سعيد، فلاناً شقي؟! فمن قولهم: أنه أحاط بكل شيء علماً إذاً: لا يتغير فما جوابكم عن العلم الإلهي الذي لا يتغير فهو جوابنا عن القدر الإلهي الذي لا يتغير، هذا كما لا يخفاكم جواب جدلي. مداخلة: إي والله جدلي. الشيخ: لكنه حق، لكن عندي جواب آخر: ما سبق في العلم الإلهي أو في القدر الإلهي هو بلا شك يوافق ما سيقع لا يختلف قيد شعرة، وإذا كان الأمر

كذلك فنحن نرد على كل من الفريقين المعتزلة وخصومهم الجبرية، جواب يشمل الفريقين معاً، ثم نعود على الجبرية بتفصيل لا يحتاجه المعتزلة، إنهم معنا في أن العلم الإلهي يعرف الوقائع على حقائقها الجلية، ونحن نعلم من واقع المكلفين أن أعمالهم وحياتهم فيها ما هم مختارون ضرورة، وما هم مجبورون أيضاً. نبدأ بعمل القلب، عمل القلب مجبورون فيه؛ لأنه من خلق الله الذي ليس للبشر فيه خيرة، ولذلك إذا شاء الله عز وجل عطل هذه الحركة بإماتة صاحبها. كذلك نقول في كون زيد من الناس طويلاً وآخر قصير بليداً نحيلاً وو ... إلى آخر ما هنالك. هنا يصدق قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (القصص:68). لكن هناك أمور أخرى تتعلق بهذا الإنسان المجبور من هذه الزاوية، هناك أمور أخرى تصدر منه باختياره، فالآن أنا أتكلم، وأنتم تصغون وأحياناً تتكلمون أيضاً معنا، هل أنتم يا معشر المعتزلة الجبرية لهم خطاب آخر قلنا آنفاً، أنتم معشر المعتزلة تقولون أننا نحن الآن في هذا الكلام مختارون أم مجبرون؟ سيكون من قولهم: مختارون، طيب في الحال الأولى أو الأمثلة الأخرى: مختارون أم مجبورون؟ يعني: في كون حركات القلب، وهذا إنسان طويل وآخر قصير، وأبيض وأسمر وأسود إلى آخره، مختارون أم مجبورون؟ ما يستطيعون أن يقولوا مختارون. إذاً: هذا الواقع بقسميه بصورتيه سبق في علم الله عز وجل، سبق في علم الله عز وجل.

العلم يشملهما الصورتين. ننزل الآن إلى ما أنكرتم من القدر، القدر يشملهما أيضاً؛ لأننا قلنا أن القدر الإلهي وفق العلم الإلهي، فما في اختلاف بينهما من حيث أنه يكتشف الواقع على حقيقته يكتشفان الواقع على حقيقته قبل وقوعه، فمن هذه الحيثية القدر مطابق لماذا؟ للعلم الإلهي. إذاً: أين الإشكال إذا كان ما قدره الله من القسم الأول فأنا لا أسأل عنه؛ لأني لا إرادة لي، كون واحد أسود فاحم قد يعير الأبيض بسواد بشرته مثلاً، لكن لا يعير؛ لأنه هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه. لكن أنا إذا انحرفت أو شتمت أعير لماذا؟ لأنه من القسم الآخر. مداخلة: في إرادة يعني؟ الشيخ: نعم في إرادة، فإذاً: ما هو الإشكال في إنكاركم القدر، والقدر يكتشف الواقع بقسميه؟! نحن آنفاً ضربنا القسم الأول؛ لأنه واضح لا جدل فيه إطلاقاً وهو مفهوم لدى الجميع. الآن نضرب مثلاً في أعمالنا نحن التي تصدر من جوارحنا: إنسان رمى عصفوراً فأصاب إنساناً فقتله هذا. مداخلة: قتل خطأ. الشيخ: قتل خطأ، لكن بفعل ماذا؟ بإنسان. مداخلة: أي نعم.

الشيخ: ليس فعل الإله مباشرة كما هو القسم الأول. مداخلة: أي نعم. الشيخ: هذا مقدر أم، عفواً لا أقول للمعتزلة مقدر؛ سبق في العلم الإلهي هذا أنه عمل وَلَّا لا؟ مداخلة: سبق. الشيخ: ولذلك كان من العدل الإلهي أنه لن يؤاخذه في الآخرة؛ لأنه قتله خطأ. طيب. كذلك نحن نقول: نحن المؤمنين بالقدر الإلهي القدر الإلهي سجل عليه هذا الخطأ، هذا القتل خطأً، ولذلك ما يؤاخذني لكن إنسان آخر فنقول: إنسان آخر، وفي ليلة لا قمر فيها ترصد خصماً له، وتهيأ لقتله فرماه بالبندقية أو طعنه بخنجره، هل يستوي هذا وذاك؟ مداخلة: لا. الشيخ: لا يستويان مثلاً. مداخلة: هذا متعمد. الشيخ: نعم هذا متعمد، وكما يقولون في القضاء اليوم عن سابق ماذا؟ تصميم وإصرار. الشيخ: كلاهما الصورتان سبقتا في العلم الإلهي بلا شك، لأنه أحاط بكل شيء علماً، فما المانع يا معتزلة أن يكون هذا العلم الإلهي سجل في اللوح المحفوظ فكان قدراً، فالقدر إذاً: يحيط بالواقع على حقيقته إن كان جبراً لا

مؤاخذة، وإن كان اختياراً فهنا مؤاخذة، فلماذا تخشون من القول بالقدر؟ واضح هذا الجواب، هذا الجواب ملزم بالإيمان بالقدر. كذلك الجواب الأول، لكن ذاك جواب جدلي وهذا مؤكد لذاك الجواب، على هذا يجب أن تعالج كل العقائد الإسلامية الصحيحة منها: قضية نزول عيسى عليه السلام أشكل الأمر على السيد رشيد رضا رحمه الله ومنه استقينا نحن هذا المنهج السلفي والحديثي، وأشكل على كثير من علماء الأزهر كشلتوت وأمثاله، أنكروا عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان لماذا؟ قالوا: لأن كثيراً من الناس ادعوا العيسوية، وهذا غلام أحمد القادياني كثير منهم ادعوا المهدوية وجاركم هناك في السودان المهدوي هذا معروف، وفي التاريخ الإسلامي كثير ممن ادعى ماذا؟ العيسوية وادعى المهدوية، إذاً: سداً لباب هذه الدعوات الباطلة ... نضيع [على] الناس ... عقيدة نزول عيسى عليه السلام وخروج المهدي، هذا خطأ، ونعالج الخطأ بخطأ مثله وشر منه، فأنا قلت في بعض ما كتبت رداً على أمثال هؤلاء أنا أخشى ما أخشى أن يأتي يوم يعالج فيه بعضهم الإلهية فينكرها؛ لأن الفراعنة ما انتهوا بعد، فبعضهم يدعي الإلوهية، فلنريح الناس من هذه الدعوة وهي أبطل الباطل ما في إلوهية وانتهت المشكلة هل هذا يصلح مع الردود الصحيحة؟ نحن نقول أخيراً: نزول عيسى عقيدة صحيحة آمن بها السلف وتبعهم الخلف على هدى من ربهم، لكن ليس في الأحاديث ولا في أحاديث المهدي عليهما السلام أن على المسلمين ألا يعملوا لإسلامهم ولعزة دينهم حتى ينزل عيسى ويخرج المهدي، ما يوجد في هذه الأحاديث كلها ما يشعر بهذا الفهم الخاطئ الذي وقع فيه بعض المسلمين، ولذلك أنكر بعض المصريين هذه

الأحاديث من أجل يزيحوا العثر بزعمهم من طريق عامة المسلمين فما في فائدة لا ينزل عيسى ويخرج المهدي، هذا فهمه خطأ كما فهم الجبريون من القدر ووراهم المعتزلة ثم أنكروا الجبر، وأنكروا معه القدر. ما دام لا يوجد في الأحاديث الصحيحة التي نزلت في عيسى عليه السلام، وفي خروج المهدي ما يشعرنا بالتواكل على مجيئهما إذاً: يجب علينا أن نعمل؛ لأن عيسى إن نزل وجد الأرض مهيئة لقائد يقودهم، وإذا نزل عيسى عليه السلام والمسلمون كما هم اليوم - أنا أقول هذا الكلام مؤمن به - سوف لا يستطيع عيسى أن يجمع المسلمين في لحظة، في يوم وليلة يجمع المسلمين الصالحين منهم بطبيعة الحال حول قيادته؛ لأنه سوف لا يكون في اعتقادي أحلم وأقدر على جمع قلوب الناس حوله من نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو لبث في قومه عشرين سنة، وحتى استطاع أن أوجد هذه النواة التي غذاها الله عز وجل بِقَوَّتِهِ وعلمه ثم امتدت ظِلالها كما تعلمون من التاريخ الإسلامي. فإذاً: عيسى عليه السلام يجب ألا نتصور أنه ينزل إلى الأرض إلا وقد هيئت له لقبوله، إذاً: ينبغي أن نفهم أحاديث النزول والخروج؛ على أنها تحض المسلمين على العمل لإعادة الإسلام إلى مجده الغابر، لا أن ينتظروا عيسى والمهدي ليعيد لهم المجد الغابر، إذا آمنا هكذا فما المشكلة من أحاديث عيسى عليه السلام وخروج المهدي؟ لا إشكال أبداً دائماً المشاكل تأتي من سوء فهم النصوص، وهذه الحقيقة نقطة مهمة جداً في العالم الإسلامي من حيث إنهم أساءوا فهم بعض النصوص فأساؤوا فهم نصوص أخرى. ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً وإياكم للفهم الصحيح عن الله ورسوله.

مداخلة: يا شيخ ... ابن خلدون يتكلم عن أحاديث المهدي ما رأيكم في أحاديث المهدي يقول: إنها ضعيفة كلها. الشيخ: أولاً: لا يخفاكم أن ابن خلدون هو مؤرخ وحكيم في التاريخ وليس عالماً بالحديث، وما أردت أن أقول ليس متخصصاً في الحديث، بل هو ليس عالماً في الحديث. مداخلة: يعني: أبعد من هذا. الشيخ: هو هكذا، ثم من قرأ كتابته في تاريخه أو في مقدمة تاريخه حول أحاديث المهدي يجد هناك في بعض الأحاديث اعترافاً بالصحة لهذا البعض، ولذلك فيخطئ كثيراً من الكتاب الذين كتبوا في هذه القضية ومنهم: شيخ قطر إذا سمعتم به. مداخلة: القرضاوي الشيخ: لا المحمود هذا. مداخلة: الشيخ الكبير. الشيخ: يخطئ كثيراً كهذا الشيخ حين يعزوا إلى ابن خلدون أنه ضعف كل أحاديث المهدي، فهذا خطأ ليس فقط على الحديث النبوي، بل وخطأ آخر على ابن خلدون المؤرخ. ثم علم الحديث في الواقع فيه دقائق هي التي صرفت كثيراً من العلماء عن الاشتغال بالحديث؛ لأنه يتطلب جهداً ودأباً قد لا يستطيعه أكثر النفوس، ولو كانوا من أهل العلم والفضل. أضرب لك مثلاً بين عالم يكتب بحثاً علمياً وكاتب يكتب مقالة أدبية كم

الفرق بينهما؟ مداخلة: الفرق شاسع. الشيخ: شاسع جداً الذي يكتب مقالة أدبية، الأفكار المخزونة في ماذا؟ مخه وفكره يسير قلمه لا يحتاج أن يراجع هذه الكتب التي يسميها بعض الناس ظلماً الكتب الصفراء ... ، لا يحتاج. بينما الذي يريد أن يكتب ويحرر مقالة علمية خاصة في آخر الزمان الذين علمهم كأمثالنا في سطورهم وليس في صدورهم هؤلاء بحاجة أن يراجعوا على الأقل يتثبتوا، أما ذاك الكاتب ما يحتاج إلى مراجعة أبداً، يكتب يشحبر -يقولوا عندنا في الشام- يعني بالقلم الأسود. النسبة التي ذكرتها بين الكاتب العالم، والكاتب الأديب هي النسبة بين العالم المحدث المتخصص في الحديث والعالم يحتاج إلى صبر ومراجعة كثيرة وكثيرة جداً لماذا؟ لأن كثيراً من الأحاديث هي من القسم الذي يسميه علماء الحديث صحيح لغيره، حسن لغيره. صحيح لغيره وحسن لغيره، أحد العلماء كالترمذي مثلاً إذا قال في حديث ما حديث حسن، وهذا من الغرائب واللطائف التي لا يتنبه لها أكثر العلماء بل وكثير من المحدثين إذا قال الترمذي في حديث: حسن, يعني: إسناده ضعيف أسمعتم بهذا؟ إذا قال في حديثٍ ما: حديث حسن يعني: أن إسناده ضعيف. مداخلة: لم يصل إلى درجة الصحة يعني .... الشيخ: إذا قال الترمذي في حديث ما حديث حسن يعني: إسناد الحديث الذي حسنه الترمذي إسناده ضعيف كيف هذا؟ هذا اصطلاح، على خلاف ما إذا

[1809] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن أنكر الحكمة والتعليل عن أفعال الله تعالى

قال في حديث آخر: حديث حسن غريب، فإنما يعني حديث حسن إسناده، كلمة غريب حددت المراد من كلمة قوله: حسن. أما إذا عَرَّى هذه الكلمة حسن عن لفظة غريب، فهو يعني حسنٌ متنه ضعيفٌ إسناده لماذا جاء هذا التحسين؟ من علمه أن لهذا المتن شواهد، وطرق أخرى ارتقت به من الضعف الذي جاءه من هذا الاسناد. إذاً: من أجل ذلك قال علماء الحديث: إذا وقف طالب العلم على حديث إسناده ضعيف، فهل يجوز له أن يقول حديث ضعيف؟ قالوا وقالوا؛ قالوا: لا يجوز لأنه قد يكون له إسناد آخر إما أن يكون هذا الإسناد الآخر حسناً لذاته، أو صحيحاً لذاته أو على الأقل يجعل هذا الحديث الضعيف إسناده حسناً أو صحيحاً لغيره، ولذلك فلا يستقل بالقول بأنه هذا حديث ضعيف وإنما يقول: حديث إسناده ضعيف، ثم استثنوا فقالوا: اللهم إلا رجل عالم متمكن في علم الحديث محيط ما شاء الله بطرق الحديث، ثم لم يجد لهذا الحديث إلا هذا الإسناد فلمثله فقط أن يقول هذا حديث ضعيف. "الهدى والنور" (198/ 09: 21: 00) [1809] باب ذكر بعض أهل الضلال ممن أنكر الحكمة والتعليل عن أفعال الله تعالى [قال الإمام]: الأشاعرة ... غلوا وأنكروا الحكمة على ما فصله ابن القيم في «شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل». فراجعه فإنه هام جداً. "التعليق على متن الطحاوية" (ص45).

[1810] باب الرد على من قال أن لله تعذيب الطائع وإثابة العاصي

[1810] باب الرد على من قال أن لله تعذيب الطائع وإثابة العاصي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ... » الحديث. (صحيح). [قال الإمام]: قال الراغب: [الظلم] هو لغة: وضع الشيء في غير موضعه المختص به بنقص أو زيادة، أو عدول عن وقته أو مكانه، قلت: ففيه رد على الذين يفسرونه بأنه التصرف في ملك الغير! وبناء عليه يقولون بأن لله تعذيب الطائع، وإثابة العاصي! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، راجع للرد عليهم كتاب ابن القيم: «شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل». "التعليق على الترغيب والترهيب" (2/ 858). [1811] باب خطأ من قال بأن الشر ليس من خلقه تعالى [قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما [فليأخذ بناصيتها] [وليسم الله عز وجل] [وليدع بالبركة] وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه». رواه البخاري.

[قال الإمام]: في الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر خلافًا لمن يقول - من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى، وليس في كون الله خالقًا للشر ما ينافي كماله تعالى، بل هو من كماله تبارك وتعالى، وتفصيل ذلك في المطولات ومن أحسنها كتاب " شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل " لابن القيم فليراجعه من شاء. "آداب الزفاف" (ص93).

جماع أبواب الكلام على حكم منكري القدر أو بعض مراتبه

جماع أبواب الكلام على حكم منكري القدر أو بعض مراتبه

[1812] باب الجبرية والقدرية؛ هل تخرجهم مقالتهم من الإسلام؟

[1812] باب الجبرية والقدرية؛ هل تخرجهم مقالتهم من الإسلام؟ سؤال: يقول السائل: ذكرتم .. أن المعتزلة لا يكفرون، فكيف ذلك وهم يقولون بخلق القرآن وغيره من الأمور العقدية المخالفة، فما هو الضابط في قضية الكفر؟ الجواب: نعم، هذا سؤال مهم. الحقيقة أن هناك شيئاً وسطاً، لا يلزم من وقوع الإنسان في الكفر أن يقع الكفر عليه، ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، لكن إذا أردنا أن نقول: إنه كفر وارتد عن الدين فلا بد من إقامة الحجة عليه حتى تتجلى له الحقيقة وتزول عنه الشبهة التي كانت هي السبب في انحرافه عن الحق الذي جاء به الشرع وخالفه فوقع في الضلال المبين. هذا الجواب يشمل كل الفرق الإسلامية التي لا تزال مسلمة معنا، لا تنكر شيئاً من الأحكام المتعلقة بالإسلام، يعني الأحكام العملية. فما دام مسلماً لا ينكر ما هو ثابت من الدين بالضرورة - كما يقول الفقهاء - فهو مسلم ولو ضل سواء السبيل في بعض الأفكار أو في بعض العقائد، فمن أنكر - كما قلنا عن المعتزلة وغيرهم من الجبرية وأمثالهم من المبتدعة قديماً وحديثاً، حديثاً اليوم جبرية ما شئت من المسلمين جبرية، يقول لك: ما في فائدة، الإنسان مجبور، وكلمة سائرة على الألسنة يمكن كلكم يشترك في معرفتها، الإنسان مسير وإلا مخير؟ ويش يقولون؟ مسير، أيش هو معنى مسير؟

مداخلة: مجبور. الشيخ: يعني مجبور. فإذاً أمة يغلب عليها هذه العقيدة أن الإنسان مسير ما هو مخير مش ممكن أنها تنهض، بدها علاج بدها تصحيح المفهوم. هل نكفر هؤلاء؟ نقول: لا. لماذا؟ لأنهم يعيشون في جو جاهلي الحقيقة. نرجع للمعتزلة الموجودين اليوم، كثير منهم بيقول لك: أن الإنسان مش معقول أن الله يكتب عليه أنه شقي وبعدين أيش يعذبه، فأنكروا الكتاب الإلهي السابق، قال تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} (القمر:53) يعني: مسجل. {مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:38) الكتاب هنا ليس كما تسمعون أحياناً من بعض الكتاب المعاصرين يعني القرآن، ويريدون [أن] يتفاخروا على سائر الأديان بباطل، والمسلمون ليسوا بحاجة إلى مثل هذا الافتخار بالباطل حين يقولون: أن القرآن كل شيء مذكور فيه. {مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:38) الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ، الكتاب في هذه الآية هو اللوح المحفوظ وليس القرآن الكريم. القرآن الكريم بشهادة أهل السنة والجماعة ليس فيه كل شيء مما يتعلق بإصلاح عبادة الإنسان وسلوكه، وإنما تمام ذلك في سنة نبيه، كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» (¬1). فإذا كانت السنة متممة للقرآن فكيف يقال: إن القرآن فيه كل شيء من الاختراعات والابتكارات وعلم الفلك والجغرافيا وو، هذه مبالغة ليس الإسلام ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 5248).

بحاجة إليها أبداً. {مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:38) أي: اللوح المحفوظ، فالناس اليوم ينكرون هذه الكتابة ويتوهمون شيئاً آخر وهو الذي وقع فيه المعتزلة: أن القدر الإلهي هو العلم الإلهي، بينما القدر ليس هو العلم الإلهي كالكتابة، القدر مشتق من التقدير من تفصيل كل شيء ووضعه في مكان لائق به، فالقدر الإلهي هو فعل الإله عز وجل، لكن حسب العلم الإلهي الأزلي. كذلك الكتابة، كتب كل شيء في اللوح المحفوظ كما جاء في الحديث الصحيح: «لما خلق الله القلم، أو أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» (¬1) هذه عقيدة المسلمين كافة، إلا المعتزلة يقولون: لا قدر، لا كتابة. إذاً: ليس فقط إلا العلم الإلهي. الحقيقة أنهم حينما يؤمنون بالعلم الإلهي من جهة يجعلهم في دائرة الإسلام، لكن من جهة يخرجون عن الإيمان - كما قلنا آنفاً - بعض الخروج بإنكارهم التقدير الإلهي والتسطير الإلهي والكتابة الإلهية. لكن من عجائب عقولهم: أنهم ما استفادوا شيئاً من تعطيل هذه النصوص التي قصدوا بهذا التعطيل تخليص جماهير الجبريين من الجبر، ما استفادوا شيئاً، لماذا؟ لأن الذي قدره الله وفق علمه ولأن الذي كتبه الله هو وفق علمه، فإذاً بزعمهم الجبر لا يزال ملازماً لهذا الإنسان المخلوق. إذا رفعنا الآن من أذهاننا كما يريد المعتزلة لا كتابة ولا قدر، طيب. ألم يسبق في علم الله أن فلاناً من أهل النار؟ مثلاً: أن إبليس هو في أسفل الدرك من النار؟ ¬

(¬1) "صحيح الجامع" (رقم 2017).

نعم، سبق في علم الله. طيب. هل يستطيع ألا يفعل ذلك؟ نفس الشبهة هم يوردونها على أهل السنة حينما يقولون بالقدر ويقولون بالكتابة، الشبهة واردة عليهم أيضاً، لأن الكتابة لا تزيد على أكثر مما في العلم الإلهي. بلا تشبيه، إنسان منا عنده فكرة أجى كتبها، الكتابة هذه ما زادت على ما في فكره وفي عقله فهي تبقى هذا الفكر، فما أدت بشيء جديد إلا لماذا يكتب أحدنا الآن؟ ليبين للناس الحقيقة التي في مخه. بلا تشبيه، ربنا عز وجل أراد أن يبين ما سبق في علمه فقدر كل شيء وكتب كل شيء، وذلك لتأكيد أن الله عز وجل على كل شيء قدير. إذاً: الجواب لإبطال شبهة الجبر ليس هو بإنكار الكتابة والقدر وإنما بأن نلاحظ شيئاً واحداً وهو: أن ندرس طبيعة هذا الإنسان الذي خلقه ربنا عز وجل في أحسن تقويم، هل هو فعل المجبور؟ أو بالتعبير العامي: هل هو ميسر ما هو مخير؟ الجواب: لا يصح أن نقول كما يقولون، الإنسان مسير ما هو مخير، ولا يصح العكس أيضاً أن نقول: الإنسان مخير ما هو مسير، وإنما نقول: إنه تارة يكون مسيراً أي: مجبوراً، وتارة يكون مخيراً مختاراً، فلا نطلق لا سلباً ولا إيجاباً، لا نقول كما تقول العامة: مسير ما هو مخير، ولا العكس نكاية في العامة نقول: لا، هو مخير ما هو مسير، لأن الواقع يشهد أن الإنسان تارة مسير وتارة مخير. بدليل حينما يكون الإنسان في أي شيء ما صدر منه، لوحظ في ذلك أنه كان مجبوراً، كان مسيراً من الغير وهو رب العالمين ولم يكن مخيراً هل عليه مسئولية

عند الله تبارك وتعالى؟ لا مسئولية. لماذا؟ لأنه ثابت كتاباً وسنة وعقلاً: أن المسئولية والجبر لا يجتمعان، كما قال الجبري المقيت واصفاً ربه عز وجل بما لا يصح أن نصف به جباراً ظالماً مبيراً، قال في الله واصفاً علاقة العبد مع ربه: ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء هكذا الإنسان مع رب الأنام؟ حاشا لله عز وجل. قال بصريح القرآن: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف:29). قال الرسول: «من أراد الحج فليتعجل، ومن أراد أن يضحي ودخل عليه عشر ذي الحجة فلا يأخذن من شعره وظفره» إلى غير ذلك من النصوص. إذاً: الإنسان له إرادة، له اختيار، فإذا سلبت منه هذه الإرادة رفع عنه التكليف، وإذا ثبتت هذه الإرادة وهذا الاختيار ترتب من ورائه التكليف. فإذاً: الإنسان تارة يكون مسيراً وتارة يكون مخيراً، الذي يقتل إنساناً خطأً هذا مسير، رمى عصفور، رمى غزال، رمى أرنب راحت الرصاصة وأصابت أيش؟ وراء الأكمة مُزارع يعمل في الأرض هذا قتل خطأ، لا يقول لهذا الإنسان رب العالمين: لماذا قتلت فلاناً؟ لأنه غير مختار. وعلى العكس من ذلك الذي يُبَيِّتُ قتل زيد من الناس ويتخذ الأسباب ويعزم على قتله ويقتله كما يقولون اليوم في لغة المحامين: عن سابق إصرار وترصد. نعم. هذا يستوي مع ذاك؟ لا يستويان مثلاً، هذا سيقول رب العالمين: لم قتلت فلاناً؟ ولم عزمت على قتله؟ وسيحاسبه حساباً عسيراً جداً.

فكل نصوص الشريعة فضلاً عن العقل الفطري السليم يحكمان معاً على أن الإنسان تارة يكون مختاراً وتارة مجبوراً، فلما يقول لك الجبري: لا قدر، كيف لا قدر يا أخي؟ هذا أرغم وقتل إنساناً خطأً هذا هو القدر، لكن أين الذي قتل الإنسان بإرادته وبسابق ترصد؟ هذا أيضاً بقدر، لكن الذي أردت بهذه الأمثلة أن أقول: كتب الله على فلان هكذا في اللوح المحفوظ بوفق العلم الإلهي، كتب الله على إبليس أنه سيكون في أسفل سافلين، في الدرك الأسفل من النار، لماذا؟ لأنه يؤمر بالسجود وهو مستطيع فيستكبر على أمر ربه ويقول ناسباً إلى الله الظلم: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} (الإسراء:61). إذاً هو لا يسجد وباستطاعته أن يسجد، فإذاً كُتب من أهل النار بل أشقى أهل النار، لكن على العكس، نرجع الآن لموضوع المعتزلة؛ الذي مات في القطب الشمالي أو القطب الجنوبي ولم يطرق سمعه شيء اسمه دين الإسلام، أو إنسان اسمه محمد بن عبد الله نبي الإسلام ما طرق سمعه فعاش يعبد الأصنام التي كان يعبدها أهل الجاهلية الأولى هل هذا يقال له يوم القيامة: لم كفرت؟ لا. قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). وهذا باب واسع جداً، ولذلك فلا أريد أن أذهب بعيداً عن السؤال. فالمعتزلة وكل الفرق الضالة إذا ضلوا سواء السبيل وظلوا مع المسلمين يقومون بالواجبات الدينية فهم ضالون ولا شك، ولكن لا نخرجهم من دائرة الإسلام إلا بعد إقامة الحجة عليهم، فإذا أقيمت الحجة عليهم فهناك أمران اثنان: أمر يتعلق برب العالمين، ونحن ما ندري ما سيكون عاقبة أمره عند الله.

[1813] باب حكم من أنكر القضاء والقدر

وأمر يتعلق بحاكم المسلمين، حاكم المسلمين هنا يظهر أهمية الحكم الإسلامي، يؤتى بهذا الإنسان إليه ويؤتى ببعض علماء المسلمين ويقيمون الحجة عليه، فإذا أصر على ضلاله بعد أن تبينت له حجة الله عليه قتلوه ردةً، لأنه كفر فعلاً وأقيمت الحجة عليه. أما إنسان لم يتاح له مثل هذه الفرصة أن تقام عليه الحجة فنحن نكتفي وبخاصة بالنسبة للماضين معتزلة وخوارج ومرجئة وجبرية و .. و .. إلى آخره، نقول: أمرهم إلى الله، فمن يعلم الله عز وجل بأنه كابر وجحد فحسبه جهنم، ومن يعلم الله عز وجل بأنه ما جحد شيئاً وهو يؤمن بحقيقة الأمر فهذا لا يحاسب حساب الكفار، يجوز أن يحاسب لأنه مقصر، ما سلك الطريق الذي يوصله لمعرفة الحق فحينئذ ربنا عز وجل هو حسيبه. أما نحن فلا نخرج مسلماً من دائرة الإسلام مهما كان ضالاً إلا بعد إقامة الحجة. هذا آخر الجواب. "الهدى والنور" (219/ 36: 10: 00) [1813] باب حكم من أنكر القضاء والقدر [روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]: «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أنكر نزول عيسى بن مريم فقد كفر، ومن أنكر خروج الدجال فقد كفر، ومن لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر، فإن جبريل عليه السلام أخبرني بأن الله تعالى يقول: من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فليتخذ ربا غيري». (باطل).

[1814] باب حكم من أنكر قدرة الله عز وجل لعارض

[قال الأمام]: واعلم أن الإيمان بكل ما ذكر في هذا الحديث من خروج المهدي، ونزول عيسى، وبالقدر خيره وشره، كل ذلك واجب الإيمان به، لثبوته في الكتاب والسنة، ولكن ليس هناك نص في أن " من أنكر ذلك فقد كفر "، ومن أجل هذا أوردت الحديث وبينت وضعه، وهو ظاهر الوضع، وكأنه من وضع بعض المحدثين أوغيره من الجهلة، وضعه ليقيم به الحجة على منكري ذلك من ذوي الأهواء والمعتزلة، ولن تقوم الحجة على أحد بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والافتراء على الله تعالى، فقاتل الله الوضاعين ما أجرأهم على الله عز وجل. والتكفير ليس بالأمر السهل، نعم من أنكر ما ثبت من الدين بالضرورة بعدما قامت الحجة عليه، فهو الكافر الذي يتحقق فيه حقيقة معنى كفر، وأما من أنكر شيئاً لعدم ثبوته عنده، أولشبهة من حيث المعنى، فهو ضال، وليس بكافر مرتد عن الدين شأنه في ذلك شأن من ينكر أي حديث صحيح عند أهل العلم، والله أعلم. "الضعيفة" (3/ 201 - 202). [1814] باب حكم من أنكر قدرة الله عز وجل لعارضٍ سؤال: هل الرجل الذي أوصى أبناءه إذا مات أن يذروه في التراب، أن يذروه في الريح يحرقوه ويذروه حتى لا يستطيع الله أن يجمعه ثم جمعه، فكيف وأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء؟ الشيخ: نعم. نحن ذكرنا هذا أكثر من مرة أن الآية التي ذكرت في ختام سؤالك هي القاعدة وهي الأصل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48) كما أن الآية: {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ} (البقرة:86)

المشركون لا يخفف عنهم العذاب، لكن هناك قاعدة في علم الأصول أن كثيراً من العمومات يدخلها التخصيص وإن كان الأصل البقاء مع النص العام حتى يأتي المخصص، فإذا جاء المخصص لا يتردد الإنسان في قبوله سلفاً لا يتردد، ولو أنه لم يظهر له وجه التوفيق بين العام والخاص يكفي أن ذاك نص عام وهذا نص خاص. أما ما هي الحكمة وما هي فلسفة الموضوع وتوجيهه هذا بحث ثاني، قد يستطيعه بعض الناس وقد لا يستطيعه، لكن المشي مع القواعد يريح عقل الإنسان ونفسه، هذا عام وهذا خاص: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:116). {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ} (البقرة:86) ممكن يدخل تخصيص من الناحية العقلية؟ ممكن، لكن من الناحية الشرعية ننتظر الشرع، إن جاء ما يدل على التخفيف قبلناه وإلا نحن مع النص العام ونرفض كل رأي يخالف النص العام إلا إذا كان مقروناً بالدليل. نحن ننظر ما هو موقفنا نحن أهل الحديث، بالنسبة للحديث الصحيح أن الرسول سئل أن عمك أبو طالب كان يدافع عنك، كان وكان إلى آخره: هل نفعه ذلك شيء؟ قال: لقد خفف عنه العذاب وهو أخف أهل النار عذاباً، وإنه ليغلي دماغه من شدة العذاب في نعليه. المهم خفف عنه العذاب، وربنا يقول ما يخفف عنهم العذاب، إذاً هذا نص عام وهذا نص خاص ما في مانع، نقبله ما دام صح، ولهذه القاعدة والجهل بها يضل كثير من الناس قديماً وحديثاً.

الخوارج مثلاً الذين ضلوا في كثير من الأمور الاعتقادية والفروع الشرعية، لماذا؟ لأنهم استندوا إلى نصوص عامة، ورفضوا النصوص الخاصة، .. وقواعد أهل العلم هو الجمع بين النص العام والنص الخاص. الآن ما نحن في صدده [ننظره] من زاوية عامة شوية وهي: الذين أشركوا وكفروا وبغوا واعتدوا وما بلغتهم الدعوة، ما حكمهم عند الله؟ هل هم في النار؟ هل هذا ذنبهم مغفور؟ الجواب: نعم، هؤلاء لا يشملهم العذاب الذي هو جزاء الكافرين المخلدين في النار، وإنما لهم معاملة أخرى في عرصات يوم القيامة، يؤمرون بطاعة الرسول هناك، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصا دخل النار. هؤلاء الذين دخلوا الجنة داخلين في عموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:116). إذاً: ما جاز لنا أن نأخذ هذا العموم على شموله وإطلاقه، وأنا سأدخل في موضوع الإجابة عن السؤال من باب ممكن الجميع يدركوه يعني، حتى ما ندرك شيئاً ربما لا يدركه بعض الناس. فإذاً إذا وصلنا إلى هذه الحقيقة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (النساء:116) شو صار في هذه الآية؟ بقيت على عمومها وَلاَّ دخلها شيء من التخصيص؟ دخلها شيء من التخصيص، لا يغفر أن يشرك به إلا إذا كان الشرك به دون بلوغ ماذا؟ دعوة، إذاً: الآية ليست على الإطلاق والشمول الذي يتبادر إلى الأذهان. إذا كان هذا واضحاً وظاهراً وهو كذلك بإذن الله، ننتقل الآن إلى قصة هذا الرجل الذي أوصى أولاده بتلك الوصية والتي أعتقد أنها أغرب وصية علمناها في الدنيا، أنه إذا مات أنه يحرقوه، ولماذا؟ قال: «لأني مذنب مع ربي، ولئن قدر

الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» فهو الآن بين عقيدتين متناقضتين أشد التناقض، هو يعتقد بأنه عاصي ومذنب وهو كذلك، ويعتقد أن الله عز وجل إذا عذبه فهو عادل، لكن هو يريد أن يخلص من هذا العذاب فوقع في الضلال، فأوصى أنهم يحرقوه بالنار وأن يجعلوا نصف رماده في الريح ونصف رماده في البحر، لماذا؟ ليضل على ربه زعم، ونسي قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:78). هذا الرجل أنا أتصور الآن أنه كان في ساعة شدة، فيها غاب عقله ووعيه عن الحقيقة التي يؤمن بها كل من يعتقد أنه عاص مع ربه وأن ربه عز وجل إذا عذبه عادل به، وهو لخوفه من ربه غلب عليه هذا الضلال، والدليل أنه ربنا لما أحياه وقال لذراته المنتشرة في الريح الهائج والبحر المائج: كوني فلاناً فكان بشراً سوياً، قال له: «أي فلان! ما حملك على ذلك؟ قال: خشيتك». فهو مؤمن بالله، لكن يعني خفت منك أي: الخوف [اشتد] به فأوحى إليه بأن يأتي بهذه الوصية الجائرة، فعلم الله ما في قلبه فقال له: قد غفرت لك. فإذاً هذا النوع من الكفر ليس من الكفر المستمكن في النفس، وإنما هو الكفر العارض لحالة نفسية واضحة جداً في هذه الحادثة، فلا إشكال والحمد لله في هذا الحديث الصحيح. أما الذين يتسرعون ويتفهمون نصوص الشرعية بألفاظها العامة دون أن يدققوا النظر في معانيها الخاصة فهم يضربون نصوص الشريعة بعضها في بعض، بيقولك هذا الحديث غير صحيح ولو رواه البخاري ومسلم، نحن نعرف بعض إخواننا كانت عندهم هذه الجرأة أنه هذا الحديث ما هو صحيح ولو رواه البخاري

[1815] باب حكم اعتقاد أن بعض الصالحين يطلعون على ما في اللوح المحفوظ

ومسلم ... الشاهد: يجب دائماً وأبداً إذا جاءنا حديث صحيح أن نتريث ونتثبت، هذا حديث صحيح؟ إي نعم حديث صحيح على الرأس والعين. كيف التوفيق بين الحديث والآية؟ [الجواب] {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (الأنبياء:7). قد لا توفقون لأهل الذكر، إما لأنكم حرمتم منهم، أو أنتم حرمتم أنفسكم منهم، ممكن هذا وممكن هذا حتى ما نظلم الناس، حينئذ نقف نؤمن أن هذه الآية وهذا الحديث صحيح، التوفيق بينهما الله أعلم به، لكن نحن ما نتسرع فنضرب الحديث بالآية أو العكس لا سمح الله نضرب الآية بالحديث، ليس هذا هو سبيل المؤمنين، ورب العالمين يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115). "الهدى والنور" (234/ 38: 58: 00) وتتمته (235/ 38: 00: 00) [1815] باب حكم اعتقاد أن بعض الصالحين يطلعون على ما في اللوح المحفوظ [قال الإمام]: واعتقاد أن بعض الصالحين يطلعون على ما فيه [أي اللوح] كفر بالآيات والأحاديث المصرحة بأنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى. "التعليق على متن الطحاوية" (ص47).

§1/1