موسوعات الفقه الإسلامي أو معاجم القوانين الفقهية

الكتاني، محمد المنتصر

موسوعات الفقه الأسلامي

موسوعات الْفِقْه الإسلامي أَو معاجم القوانين الْفِقْهِيَّة لفضيلة السَّيِّد مُحَمَّد الْمُنْتَصر الكتاني المستشار الْعَام لرابطة الْعَالم الإسلامي والمدرس فِي الجامعة الإسلامية سَابِقًا تقنين الْفِقْه بِجَمِيعِ مذاهبه مُنْذُ عصر الصَّحَابَة إِلَى عصر تجميد الِاجْتِهَاد، أَي الْقُرُون الْخَمْسَة الأولى، قُرُون الْخَيْر والنور وإمامة الْعُلُوم وسيادة الْمُسلمين للْعَالم، تقنين الْفِقْه صناعَة عَرَبِيَّة إسلامية عنَّا أَخذهَا الْأَجَانِب وَكَانَ الأندلسيون هم رواد الْمُسلمين والعالم فِيهَا. فَأَبُو مُحَمَّد ابْن حزم الأندلسي إِمَام فقه الحَدِيث، وَقد عَاشَ مَا بَين عَام (384) وعام (456) هُوَ الرائد الأول لتقنين الْفِقْه، فقد وضع كتابا يعْتَبر أول موسوعة فقهية جَامِعَة وَأول مُعْجم شَامِل لجَمِيع مَذَاهِب الْفِقْه وَهُوَ: كتاب الْخِصَال الجامعة لجمل شرائع الْإِسْلَام فِي الْوَاجِب والحلال وَالْحرَام وَسَائِر الْأَحْكَام على مَا أوجبه الْقُرْآن وَالسّنة وَالْإِجْمَاع. قَالَ عَنهُ مُؤَلفه ابْن حزم فِي الْمحلي: "قد جَمعنَا فِيهِ كل مَا رُوِيَ من نُصُوص الْقُرْآن وَالسّنة وَالْإِجْمَاع، مُنْذُ أَرْبَعمِائَة عَام ونيف وَأَرْبَعين عَاما من شَرق الأَرْض إِلَى غربها". وَقَالَ عَنهُ تِلْمِيذه الْحَافِظ الْحميدِي فِي جذوة المقتبس: "أورد فِيهِ أَقْوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من أَئِمَّة الْمُسلمين فِي مسَائِل الْفِقْه وَالْحجّة لكل طَائِفَة وَعَلَيْهَا وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصَّحِيح والسقيم بِالْأَسَانِيدِ وَبَيَان ذَلِك كُله وَتَحْقِيق القَوْل فِيهِ". وَذكر معاصر ابْن حزم الْحَكِيم صاعد الأندلسي فِي كِتَابه أَخْبَار الْحُكَمَاء

أَنه رأى كتاب الإيصال فِي أَرْبَعَة وَعشْرين مجلدا بِخَط مُؤَلفه ابْن حزم قَالَ: "وَكَانَ خطه فِي غَايَة الإدماج". يُرِيد بالإدماج الْخط الدَّقِيق المرصوص، الَّذِي لَو كتب بِخَط أوسع لأخذ مَسَافَة أكبر ولبلغ مجلدات أَكثر. وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي سير النبلاء: "كتاب الإيصال فِي خَمْسَة وَعشْرين ورقة". وَيعْتَبر هَذَا الْكتاب ضائعا بَين مَا ضَاعَ من كنوز وتراث الفردوس الْمَفْقُود: الأندلس. وَلَكِن إِذا ضَاعَ الإيصال فقد بقيت لنا صُورَة مصغرة عَنهُ وَهُوَ مُخْتَصره لِابْنِ حزم الْمُؤلف نَفسه وأعني بِهِ: كِتَابه الْمحلي وَقد طبع ثَلَاث مَرَّات. فالمحلي مُخْتَصر الإيصال فِي أحد عشر مجلدا مَاتَ ابْن حزم وَهُوَ يؤلفه وَقد وصل فِيهِ إِلَى ثنايا المجلد الْعَاشِر فأتمه وَلَده الشَّهِيد الْفضل أَبُو رَافع أَمِير ولَايَة مالقة الأندلسية أتم الْعَاشِر وَكتب المجلد الْحَادِي عشر والأخير مِنْهُ، اختصر من الأَصْل الْجَامِع كتاب أَبِيه الإيصال. وبمعرفتنا للمحلي عرفنَا الإيصال فالمحلي دون مواد قانونية باسم مسَائِل يبلغ عَددهَا (2308) مَسْأَلَة مِنْهَا مَا هُوَ فِي عشر صفحات وَفِي عشْرين، وَفِي ثَلَاثِينَ، وَفِي أَكثر من ثَلَاثِينَ، وَهِي مواد مُسْتَقلَّة أشبه برسائل محررة مُسْتَقلَّة فِي بَابهَا، وصفحاتها (4388) صفحة. والإيصال فِي خَمْسَة وَعشْرين ألف ورقة كَمَا قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ: أَي خَمْسُونَ ألف صفحة، وَمعنى هَذَا أَن الْمحلي اختصر فِيهِ الإيصال إِلَى أقل من عشره، وَمعنى هَذَا أَيْضا أَن مسَائِل الإيصال تبلغ (23080) مَسْأَلَة وَإِذا كَانَ الْمحلي وَهُوَ الْمُخْتَصر للإيصال قد طبع فِي أحد عشر مجلدا فَمَعْنَى ذَلِك أَن الإيصال إِذا عثر عَلَيْهِ وطبع يخرج فِي أَكثر من مائَة مُجَلد بعدة مجلدات. والرائد الثَّانِي لتقنين الْفِقْه الشَّهِيد أَبُو الْقَاسِم بن جزي الأندلسي الإِمَام الْمَالِكِي، وَقد عَاشَ بَين عَام (693) وعام (741) فقد وضع كتابا - طبع أَكثر من مرّة - فِي فقه أَئِمَّة الْمذَاهب الْأَرْبَعَة أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَسَماهُ: "القوانين الْفِقْهِيَّة". والعودة إِلَى تقنين الْفِقْه مَسْأَلَة

مَسْأَلَة كَمَا دون فِي الْعَصْر الْخَامِس، ومادة مَادَّة كَمَا دون فِي الْقرن الثَّامِن، هِيَ عودة ضَرُورِيَّة ملحة، توجبها العقيدة والتزام الثَّبَات عَلَيْهَا ويوجبها الْعلم وَالْتزم الدعْوَة إِلَيْهِ. توجبها العقيدة والتزام الثَّبَات عَلَيْهَا: نَحن الْيَوْم نَعِيش فِي غَزْو فكري، الْغُزَاة فِيهِ وحوش ضارية، هم أَشد ضراوة من الْغُزَاة العسكريين، فَهَؤُلَاءِ استهدفوا الأَرْض قرونا أَو قرنا وَبَعض قرن وَفِي النِّهَايَة طردوا مِنْهَا أشلاء صاغرين وَقَامَت على تِلْكَ الأَرْض دوَل إسلامية تشهد بِشَهَادَة التَّوْحِيد وتستقبل كعبة الْمُسلمين، أما غزَاة الْفِكر فقد استهدفوا الْمُسلم نَفسه لَا أرضه فَقَط، فغزوا مخه وَقَلبه وعشعشوا فيهمَا وعنكبوا، باض فيهمَا وفرخ سرطان تمكن من عقيدة الْإِسْلَام وَفقه الْمُسلمين، فحوَّلهما إِلَى عقيدة الْكفْر وَفقه الشَّيَاطِين. حررت أَرض الْمُسلمين من الْغَزْو العسكري، وَقَامَت جيوش وحكومات إسلامية مَكَان ذَلِك الْغَزْو، وَلكنهَا بألسنة عَرَبِيَّة وَقُلُوب أَعْجَمِيَّة كَمَا أنذر نَبينَا صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ. فقد تكهن شَيْطَان من شياطين الْغَزْو العسكري، وَقد فشل فِي غَزوه وَهلك شَرِيدًا طريدا بِأَن فتوحاته ستعود مَا انْتَشَر قانونه ودام فقهه، وأعني بِهِ نابليون، فقد تكهن قَائِلا: "ستمتد فتوحاتي حَيْثُ يصل قانوني". {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . وَهَذَا الْفَرِيق على قلَّته بَين الْمُسلمين، قد أَخذ إِبْلِيس بقانونه النابليوني ينتقص من أَطْرَاف فقهه، فِي مؤسسات وشركات وأنظمة. أما الْعَالم الإسلامي فِي أَكْثَره فقانون نابليون بِكُفْرِهِ وظلمه وَكَثْرَة فسوقه قد غزاه وَحكمه حكومات وشعوبا وَلَا تزَال كليات الْحُقُوق فِي جامعاتهم تجمع لإبليس طلابا وتخرِّج لَهُ أساتذة ودكاترة، يحلُّون قوانينه محلَّ فقه الْإِسْلَام، {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} . وَكثير من هَؤُلَاءِ لَو يقرب لَهُم الْفِقْه بِمَا اعتادوه من تقنين ووسائل لعادوا إِلَيْهِ عود الْغَرِيب لأَهله والشارد إِلَى قومه. وَالطَّرِيق لهَذَا التَّقْرِيب هُوَ تدوين موسوعة للفقه جَامِعَة لكل قضاياه

شَامِلَة لكل مذاهبه وَتَكون هَذِه الموسوعة معجما، بِمَعْنى أَنَّهَا تدوِّن مواد ومسائل مرتبَة على حُرُوف المعجم: أب ت، ففقهنا المدون أبوابا وفصولا مَعَ كَثْرَة الاستطراد فِيهِ وَذكر الْكثير من القضايا فِي غير مظانِّها حِين يُعَاد تصنيعه على حُرُوف المعجم: أب ت، وتستقصى فِي هَذَا المعجم جَمِيع الْمذَاهب فِي العصور الفاضلة نَكُون قد يسرنَا الْفِقْه على الْمُخْتَص، وقربناه لغير الْمُخْتَص، وأبرزنا كنوزه ومعادنه الثمينة لجَمِيع النَّاس فِي الْعَالم، مُسلمين وَغير مُسلمين ونكون بذلك دعاة إِلَى الْإِسْلَام الدّين الْحق، ومعلمين للْعُلَمَاء حقائق الْحَلَال وَالْحرَام، وقضاة عادلين محاربين للظلم والظلمة وناشرين للحق وَالْعَدَالَة بَين الْبشر فِي جَمِيع مَا شجر بَينهم. وبظهور معاجم الْفِقْه الإسلامي، ندفع عَنهُ مَا قذفه بِهِ كفرة المستشرقين وجهلة الْمُسلمين من أَنه فقه بدائي وَإِنَّمَا انْتَشَر واتسع فِي بَغْدَاد بقانون حمورابي وَالْفرس والرومان باسم الْقيَاس. وبظهور معاجم الْفِقْه الإسلامي، وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من مجلدات فِي فقه الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ قبل أَن تكون بَغْدَاد وَقبل أَن يُولد أئمتها نثبت للنَّاس أَن فقه الْإِسْلَام هُوَ فقه الْإِسْلَام وَكفى بِهَذَا الْوَصْف كشفا وسمة فَهُوَ مستنبط من الْقُرْآن وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَمَا زَاد عَلَيْهَا فَهُوَ فروع عَنْهَا، ومستخرج مِنْهَا خُرُوج الْجَنِين من بطن أمه.

المعاجم

المعاجم: دونت أَكثر الْعُلُوم الإسلامية على حُرُوف المعاجم، فهرس الْقُرْآن الْكَرِيم وأنفع فهارسه وأدقها المعجم المفهرس لألفاظ الْقُرْآن الْكَرِيم لمُحَمد فؤاد عبد الْبَاقِي ودونت السّنة وَأشهر مدوناتها الْمُعْجَمَة وأنفعها جَامع الْأُصُول لِابْنِ الْأَثِير، وَفِي اللُّغَة أجمعها لِسَان الْعَرَب لِابْنِ مَنْظُور وَفِي تراجم الرِّجَال كتب الْحَافِظ: الْإِصَابَة فِي الصَّحَابَة وتهذيب التَّهْذِيب فِي رجال كتب الحَدِيث السِّتَّة.

معاجم الفقه

معاجم الْفِقْه: وَأول من فكَّر فِي إِخْرَاج مُعْجم موسوعة للفقه كُلية الشَّرِيعَة بجامعة دمشق مُنْذُ سِتَّة عشر عَاما أسست لذَلِك لجنة بمرسوم جمهوري وَبعد قِيَامهَا بِسنتَيْنِ حَضَرتُ من الْمغرب وضُمِمْت لَهَا بمرسوم فَكَانَ التخطيط لتدوين

معجم الحديث

مُعْجم الحَدِيث: والمرحلة الثَّالِثَة هِيَ جمع جَمِيع أَحَادِيث الْأَحْكَام مرتبَة على حُرُوف المعجم كَذَلِك وَتَكون هَذِه الْأَحَادِيث ذَات عناوين مُفْردَة لكل حَدِيث كلمة أَصْلِيَّة، تحتهَا كَلِمَات فرعية ذَات دلَالَة فقهية خَاصَّة، ولتكون هَذِه الْأَحَادِيث مَعَ آيَات الْأَحْكَام الدَّلِيل المرجوع إِلَيْهِ عِنْد تضارب الْمذَاهب وتغاير الْأَحْكَام فِي الْقَضِيَّة الْوَاحِدَة لاختيار حكم وَاحِد من بَينهَا، يسْندهُ الدَّلِيل ويعززه على أَن يُخرج كل حَدِيث مِنْهَا وَيذكر بجانبه من صحَّحه أَو ضعَّفه أَو من زكَّى جَمِيع رِجَاله أَو جرَّح أحدهم. وَكنت أشرفت فِي لجنة موسوعة الْفِقْه الدمشقية على جمع جَمِيع أَحَادِيث الْبيُوع، فخرجتْ فِي ثَلَاثَة أَجزَاء، وأعجلتنا الْفِتَن العقائدية عَن مراجعتها وَإِعْطَاء عناوين أَصْلِيَّة لوحداتها وفرعية لكل حَدِيث مِنْهَا، فأخرجتنا عَن الشَّام حَيْثُ نُقِيم بَين المملكة الْعَرَبيَّة السعودية وَبَين الكويت، بعد أَن مَاتَ ثَلَاثَة من خيرة زملائنا فِي اللجنة وهم الدكاترة مصطفى السباعي ويوسف الْعشي وَأحمد السمان رَحِمهم الله وَغفر لَهُم. وَقد وَضعنَا فِي المعجم الظَّاهِرِيّ كَلِمَات لَيْسَ لَهَا فِي كتب الْفِقْه أَبْوَاب أَو فُصُول مُسْتَقلَّة وَأَن يكون لَهَا أَحْكَام مبعثرة فِي ثناياها ومستطردة، وَمِنْهَا كمثال: إجهاض وتشريح وفضول المَال. وطريقتنا هَذِه فِي المعاجم الموسوعة أثنى عَلَيْهَا بِكِتَاب مُسْتَقل ودعا لَهَا ونوَّره بهَا فِيهِ وأسماه: تراث الْفِقْه الإسلامي ومنهج الاستفادة مِنْهُ على الصعيدين الإسلامي والعالمي دَعَا لَهَا وساندها مؤلف هَذَا الْكتاب: الدكتور جمال الدّين عَطِيَّة، فَقَالَ بعد أَن تحدث عَنْهَا فِي أوراق مِنْهُ وَفِي عدَّة صفحات خص بهَا الحَدِيث عَن مُعْجم فقه ابْن حزم: "ونرى أَن يكون مَنْهَج الْعَمَل، فِي معاجم أُمَّهَات الْفِقْه على مِثَال مَا تمّ بِالنِّسْبَةِ لمعجم فقه ابْن حزم الَّذِي يتَمَيَّز فِي رَأينَا بميزتين أساسيتين: 1- أَنه أورد خُلَاصَة وافية لرأي ابْن حزم فِي كل مَسْأَلَة. 2- أَنه أرجع مبَاحث كل كلمة إِلَى رقم الْمَسْأَلَة من كتاب الْمحلي".

وَكتاب الدكتور عَطِيَّة فِي 104 صفحات. وسيكون (معاجم الْفِقْه الإسلامي) هَذَا بعد قِيَامه كتاب دراسة لجَمِيع مراحل التَّعْلِيم الثانوي والجامعي والعالي وَمِنْه يَأْخُذ كل مَا يَحْتَاجهُ وَمَا يتَّفق ومنهاجه وبرامجه. وَمِنْه ستختار الحكومات الإسلامية بِوَاسِطَة علمائها وقضاتها وَرِجَال الحكم فِيهَا دساتيرها وقوانينها الْعَامَّة والخاصة الداخلية الخارجية إِن شَاءَ الله. وَقد استبعد بعض زملائنا وأصدقائنا من أساتذة الجامعات وَالْعُلَمَاء إِمْكَان تَنْفِيذ هَذِه الطَّرِيقَة وتحقيقها فِي الْمَاضِي وَلَكِن حِين رأوها متمثلة فِي مُعْجم فقه ابْن حزم تلاشى استبعادهم وآمنوا بتحقيق تنفيذها وَإِذا أعَان الله فسنعيده وسيكون بعد تجديده ثَلَاث مجلدات بدل مجلدين، إِذْ لَا تزَال فِيهِ نواقص ككل عمل فِي الْبِدَايَة حِين يبتكر. وَلَا يزَال بعض الْعلمَاء مَعَ كل ذَلِك يستبعد جمع فقه الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة المنقرضة مذاهبهم ولهؤلاء أَقُول: يمكننا بِكُل يسر وسماحة وَبلا كَبِير تَعب ومشقة فِي عصرنا هَذَا الرَّابِع عشر، أَن نجمع فقه الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأُولَئِكَ الْأَئِمَّة ونصل بهَا - فِي معاجم - لما قدره لَهَا ابْن حزم من خبْرَة لَهُ مُؤَكدَة واطلاع تَامّ وَلَعَلَّ المصادر المتاحة لنا الْيَوْم لم تكن متاحة كلهَا لِابْنِ حزم، فَمَا علينا إِلَّا أَن نحضر من التفاسير أَمْثَال كتب ابْن جرير وَالْبَغوِيّ والقرطبي وَابْن كثير والسيوطي وأمثال كتب الحَدِيث: الْمُوَطَّأ لمَالِك وَسنَن التِّرْمِذِيّ والدراقطني وَالْبَيْهَقِيّ ومصنف ابْن أبي شيبَة وشروح الحَدِيث: فتح الْبَارِي لِلْحَافِظِ وَشرح مُسلم للنووي ومعالم السّنَن للخطابي وَطرح التثريب للعراقي ونيل الأوطار للشوكاني وسبل السَّلَام للصنعاني وَكتب ابْن حزم: الْمحلى والإحكام والملل والنحل وجمهرة الْأَنْسَاب ومراتب الْإِجْمَاع وتقريب الْمنطق وجوامع السِّيرَة وَالرَّدّ على ابْن التغريلة ورسائله المجتمعة والمتفرقة وَالْمَجْمُوع للنووي وَالْمُغني لِابْنِ قدامَة وَالْبَحْر الزخار لِابْنِ المرتضى وَالرَّوْض النَّضِير للحسين الصَّنْعَانِيّ وأشباهها ونظائرها من الْكتب كَثِيرَة، تطولها كل يَد دارسة وَلَعَلَّ المصادر الَّتِي بَين أَيْدِينَا من ذَلِك توصلنا لِأَن نضع بَين

يَدي الْفُقَهَاء من فقه الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَهَؤُلَاء الْأَئِمَّة أَكثر مِمَّا قدره لَهُ ابْن حزم. وَقد سبق لي أَن قلت هَذَا أَو شبيهه فِي مُقَدّمَة تخريجي بالمشاركة لأحاديث فقه الْحَنَفِيَّة، مُنْذُ سنوات وَهُوَ مطبوع متداول بَين أَيدي النَّاس فِي أَربع مجلدات. وَبعد، فَإِن قيام هَذِه (المعاجم لموسوعة الْفِقْه الإسلامي) سَيبقى دينا فِي ذمَّة الدول الإسلامية ملوكا ورؤساء وحكومات ودينا فِي ذمَّة الجامعات الإسلامية إدارة وأساتذة وموجهين ودينا فِي ذمَّة الْقَضَاء محاكم وحكاما وقضاة. وَالَّذِي سيسعده الْحَظ من الْمُلُوك والرؤساء الْمُسلمين سَيكون نابليون الْمُسلم الَّذِي سَيَقُولُ بملء فِيهِ: ستنتهي فتوحاتي حَيْثُ يصل قانوني. والمنتظر أَن يكون الْقَائِم بذلك فيصل خَادِم الْحَرَمَيْنِ الشريفين ومنزلي الْوَحْي ومولد صَاحب الشَّرِيعَة ومرقده صلوَات الله عَلَيْهِ، فَمن أولى بذلك مِنْهُ فَلَا يزَال فِي مَمْلَكَته للحدود سُلْطَان وللشريعة محاكم وقضاة. نُرِيد أَن نسْمع قَرِيبا: قانون فيصل، بدل قانون نابليون. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} . {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.

التعليق على محاضرة السيد المنتصر لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

التَّعْلِيق على محاضرة السَّيِّد الْمُنْتَصر لسماحة الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن باز ... التَّعْلِيق على محاضرة السَّيِّد الْمُنْتَصر محاضرة لسماحة رَئِيس الجامعة الإسلامية الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن باز الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله وَسلم وَبَارك على عَبده وَرَسُوله نَبينَا مُحَمَّد وعَلى آله وَأَصْحَابه وَمن سلك سَبيله واهتدى بهداه إِلَى يَوْم الدّين. أما بعد، فَإنَّا نشكر الْأُسْتَاذ الْكَبِير والعلامة الشهير الْأَخ الشَّيْخ الْمُنْتَصر الْمُوفق. نعم، لقد أَجَاد أخونا الْعَلامَة وَأفَاد وَأحسن فِيمَا ذكر واقترح، وإنّ مَا ذكره عَن الموسوعات الْقَدِيمَة الْفِقْهِيَّة

ولاسيما موسوعة الْعَلامَة الْكَبِير أبي مُحَمَّد بن حزم الْمُسَمَّاة بالإيصال، لَا شكّ أَن هَذِه الموسوعة موسوعة عَظِيمَة وَإِن لم تُوجد، فقد بَقِي وَوجد مختصرها الَّذِي يدل على علم الْمُؤلف الْوَاسِع وَعظم عنايته وسعة اطِّلَاعه. وَإِنِّي أؤيد فَضِيلَة الْأُسْتَاذ فِيمَا ذكر من الاقتراح ومسيس الْحَاجة إِلَى معاجم مُتعَدِّدَة لفقه الْإِسْلَام وَإِن الْحَاجة ماسة بل شَدِيدَة جدا إِلَى جمع أَقْوَال عُلَمَاء الْإِسْلَام من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام رضوَان الله عَلَيْهِم جَمِيعًا. وَإِن إِيجَاد معاجم لفتاواهم وأحكامهم لَيْسَ ذَلِك وَاجِبا فَقَط وَإِنَّمَا ذَلِك مُفِيد جدا وَنَافِع كثيرا، وَقد أَجَاد فضيلته فِي بَيَان حَاجَة النَّاس لذَلِك وَإِن هَذَا القانون وَهَذِه المعاجم سَوف تفِيد الْعَالم كُله الإسلامي وَغير الإسلامي وحاجة الْمُسلمين أنفسهم إِلَى تراثهم الْعَظِيم على نقاوته وصفائه من معادنه لَا شكّ حَاجَة عَظِيمَة، وَمن استبعد وجود ذَلِك وَإِمْكَان ذَلِك فَإِنَّمَا ذَلِك من عدم الْعِنَايَة بِهَذَا الْأَمر والتدبر لَهُ والتفكير فِيهِ تفكيرا جدَّيا، وَإنَّهُ كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذ لَيْسَ بعسير وَلَا مُسْتَحِيل، بل مُمكن إِذا فُرِّغ لَهُ الْعلمَاء المتبصرون والمتحمسون لهَذِهِ الفكرة فَإِن الْحُصُول عَلَيْهِ وَإِمْكَان جمعه أَمر مُمكن بِلَا شكّ، وَإِنِّي أقترح أَن يكون ذَلِك من طَرِيق تكوين لجنة من أهل الْعلم المتبصرة فِي الْفِقْه الإسلامي مِمَّن يفرغون فِي مَكَان وَاحِد ليجمعوا هَذِه المعاجم بادئين بِفقه الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وأرضاهم ثمَّ التَّابِعين وَهَكَذَا وَفِي الْإِمْكَان أَيْضا أَن يتشاوروا ويدرسوا الْمَوْضُوع دراسة جدية على ضوء الدراسات السَّابِقَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا محاضرنا وعَلى الطَّرِيقَة الجيدة الْحَسَنَة الَّتِي سلكت فِي وضع المعاجم كَمَا أَن فِي الْإِمْكَان أَن ينْظرُوا فِي ذَلِك من جِهَة أُخْرَى من جِهَة البدء بمعاجم الصَّحَابَة أَو غَيرهم، كل ذَلِك مُمكن إِذا فرغ لَهُ الْعلمَاء المبصرون المعوَّل عَلَيْهِم فِي الْفِقْه الإسلامي مِمَّن لَهُم سمعة حَسَنَة وَمَعْرِفَة جَيِّدَة فِي هَذَا الْبَاب. وكما أَن النَّاس فِي حَاجَة إِلَى جمع نُصُوص الْفُقَهَاء والعناية بهَا مرتبَة على أحرف المعجم فَكَذَلِك هم فِي حَاجَة إِلَى تَرْتِيب مَا لم يرتب من أَحَادِيث رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَنشر مَا رتب والعناية بالتصحيح والتضعيف، حَتَّى

يكون النَّاظر فِي ذَلِك على بَيِّنَة وعَلى بَصِيرَة من أَمر الحَدِيث الشريف من جِهَة الصِّحَّة والضعف والوضع وَغير ذَلِك ولابد من الْإِشَارَة إِلَى تكوين لجان مُتعَدِّدَة، لجنة لكذا ولجنة لكذا ولجنة تقوم بإعداد التَّرْتِيب الْكَافِي الْمُنَاسب لما يتَعَلَّق بالأحاديث ولجنة تكون لما يتَعَلَّق بِفقه الصَّحَابَة ولجنة أُخْرَى لفقه التَّابِعين وَهَكَذَا على حسب الْإِمْكَان واليسر من جِهَة وجود الْعلمَاء الَّذين يصلحون لهَذَا الْغَرَض. وَمن أهم الْأُمُور فِي هَذَا الْبَاب الْعِنَايَة بِصِحَّة الفتاوي وَالنَّظَر فِي أسانيدها إِلَى من نسبت إِلَيْهِ فَإِن هَذَا أَمر عَظِيم فقد تنْسب الْفَتْوَى إِلَى شخص هُوَ برَاء مِنْهَا وتنسب الْفَتْوَى إِلَى شخص لم يقلها كَمَا نسبت وَإِنَّمَا قَالَ شَيْئا مِنْهَا فيزيد فِيهَا وَينْقص. فالحاجة ماسة إِلَى الْعِنَايَة بأسانيد الْفَتْوَى عَمَّن نقلت عَنهُ من الصَّحَابَة وَغَيرهم وَعَن الْمرجع ومكانها فِي الصفحات والطبعات، وَغير ذَلِك، حَتَّى يكون المراجع والمطالع على بَيِّنَة وعَلى هدى وعَلى بَصِيرَة فِي ذَلِك كُله. وكما أَن الْعلمَاء محتاجون إِلَى مَا دوِّن فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَالتَّفْسِير فَكَذَلِك هم محتاجون أَيْضا إِلَى معرفَة صِحَة الْفَتَاوَى عَمَّن نسبت إِلَيْهِ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الْإِسْلَام، وَعدم صِحَّتهَا حَتَّى يكون النَّاقِل لَهَا والناظر فِيهَا على بَصِيرَة. وَقد علمنَا وَعلم غَيرنَا فتاوي كَثِيرَة تنْسب لكثير من أهل الْعلم وَلَا صِحَة لَهَا، وَقد علم النَّاس مَا لَدَى الشِّيعَة فِي كتبهمْ وَغير الشِّيعَة من فتاوي تنْسب إِلَى أهل الْبَيْت تحْتَاج إِلَى تمحيص وَإِلَى عناية وَالْوَاجِب فِي هَذَا، يتثبت فِي كل شَيْء. فَالَّذِي ينْسب للأئمة من الصَّحَابَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم جَمِيعًا وَغَيرهم من أَئِمَّة الصَّحَابَة وعلماء الصَّحَابَة يجب أَن يكون الْعِنَايَة بِهِ أكبر ثمَّ هَكَذَا التابعون وَالْأَئِمَّة بعدهمْ، وبخصوص مَا ينْسب لأهل الْبَيْت يَنْبَغِي أَن يمحص وَينظر فِي أسانيده حَتَّى ينْتَفع فِي ذَلِك من أَرَادَ الله هدايته وتوفيقه إِلَى معرفَة الصَّحِيح وَالصَّوَاب فِيمَا ينْسب إِلَى أهل الْبَيْت كَمَا ينْتَفع أَيْضا من ينتسب إِلَى الشَّافِعِي وَإِلَى مَالك وَإِلَى أبي حنيفَة وَإِلَى أَحْمد بِمَا يُوقف عَلَيْهِ من الفتاوي بأسانيدها وَدَلَائِل صِحَّتهَا أَو ضعفها حَتَّى يكون ذَلِك الشَّخْص أَو تِلْكَ الْجَمَاعَة على

بَيِّنَة فِيمَا ينْسب إِلَى مَذْهَبهم وَإِلَى إمَامهمْ وَقد تكون أُمُور كَثِيرَة فِي مسَائِل فقهية يُوجد الشَّيْء وضده فِيهَا فتحتاج إِلَى بحث وتمحيص إِلَى أَن يُوجد السَّنَد الْقوي أَو الأَصْل الْمُعْتَمد فِي صِحَة ذَلِك الحكم وَتلك الْفَتْوَى فَالْحَاصِل أَن مَا ذكره أخونا الْعَلامَة الشَّيْخ الْمُنْتَصر فِي هَذَا الْبَاب حقيق بالعناية وَلَا شكّ أَنه قد أصَاب فِي ذَلِك وَلَا شكّ أَن هَذَا الْعَمَل أَمر عَظِيم ومشروع جليل يحْتَاج إِلَى عناية كَبِيرَة وَإِلَى عُلَمَاء معروفين بالأمانة والنصح والصدق والبصيرة وَالْعلم حَتَّى يطمئن النَّاس إِلَى علمهمْ وَإِلَى صِحَة مَا ذكرُوا من الحَدِيث وَالْفِقْه والفتاوى. وَفِي الْجَامِع الصَّحِيح للْبُخَارِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ من الْآثَار وَالْأَحَادِيث مَا ينفع جدا هَذَا السَّبِيل كَمَا هُوَ فِي كتب السّنة وَكتب الْأَحَادِيث الْمَعْرُوفَة من الْآثَار والعلوم الْكَثِيرَة مَا ينقع فِي هَذَا الْبَاب وَفِي كتب الْفِقْه كالمحلى وَالْمُغني وَغَيرهمَا من الْفَوَائِد الْعَظِيمَة والْآثَار الْكَبِيرَة مَا ينفع فِي هَذَا الْبَاب أَيْضا، وَالْحَاصِل أَن هَذَا مُمكن بِحَمْد الله وَلَيْسَ بعسر وَلَا مُسْتَحِيل إِذا أوجد لَهُ الرِّجَال الْأَكفاء وَإِذا هيئت لَهُ الْأَسْبَاب وفرَّغوا لهَذَا الْأَمر. وَإِن أولى النَّاس بِهَذَا الْأَمر وَلِهَذَا الْمَشْرُوع الْعَظِيم هُوَ كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذ حَاكم هَذِه الْبِلَاد وَإِمَام الْمُسلمين فيصل بن عبد الْعَزِيز وَفقه الله وهداه إِنَّه أولى النَّاس بِهَذَا الْمَشْرُوع والعناية بِهِ وإخراجه إِلَى حيّز الْوُجُود لإيجاد عُلَمَاء صالحين لهَذَا الْغَرَض متفرغين يعنون بِهِ ويكرِّسون جهودهم ويمنحونه مَا لديهم فِي هَذَا الْبَاب مستعينين بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثمَّ بإخوانهم بَقِيَّة الْعلمَاء فِي كل مَا يهم فِي هَذَا السَّبِيل من المراجع والمحفوظات وَغير ذَلِك. وأسأل الله أَن يَجْزِي محاضرنا عَن محاضرته خيرا، وَأَن يُبَارك فِي جهوده وعلومه وَأَن ينفع بِهِ وبسائر عُلَمَاء الْمُسلمين الْأمة الإسلامية وَأَن ينصر بهم الْحق ويدحض بهم الْبَاطِل وَأَن يجمع عُلَمَاء الْمُسلمين وولاة أَمرهم على الْحق وَالْهدى وَيصْلح عَامَّة الْمُسلمين جَمِيعًا ويهديهم سَوَاء السَّبِيل وَيصْلح ويوفق قادتهم لحكم الشَّرِيعَة والتحاكم إِلَيْهَا وتسهيل سَبِيل ذَلِك إِنَّه على كل شَيْء قدير، وَصلى لله وَسلم على نَبينَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه.

§1/1