موجز التاريخ الإسلامي من عهد آدم إلى عصرنا الحاضر

أحمد معمور العسيري

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. . فهذا جهد متواضع قمت بتجميعه وترتيبه على هذا النحو راجياً أن يحقق الفائدة المأمولة منه. وأسأل الله أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم. العمل عبارة عن ملخص مبسط عن التاريخ الإسلامي العريق منذ عهد آدم - عليه السلام -، ومروراً بالأنبياء الكرام، ثم بالعصور الإسلامية المتتالية، إلى وقتنا الحاضر (1417 هـ - 96/ 97 م). ولا أدعي أنني بهذا الجهد التواضع قد تمكنت من تغطية هذا الموضوع، أو القيام به على الوجه الأكمل. فهي مهمة جبارة ضخمة تحتاج إلى جهد عظيم وإلى عدد كبير من المختصين والباحثين للقيام بها، وكل ما قمت به مجرد محاولة متواضعة على قدر استطاعتي. ولا أستغني عن رأي أصحاب الرأي في ما يرونه من ملاحظات وتوجيهات لا شك أنني سأستفيد منها. وما حملني إلى وضع هذا الكتاب دواعي أهمها: - شعوري بحاجة العالم الإسلامي إلى جمع شتات تراثهم وتاريخهم في الماضي والحاضر والمتفرق في بطون الكتب القديمة والحديثة ضمن كتاب واحد موجز.

- عدم وجود مُؤلَّف في مكتبتنا الإسلامية يتناول جميع العصور بأسلوب مبسط سهل خفيف. لا يتردد القارئ العادي (الغير متخصص) في مطالعته وبسهولة. - أغلب الموجود حالياً مؤلفات قديمة ضخمة مجزأة إلى أجزاء كثيرة، لا يعود إليها غالباً إلا المتخصصين والباحثين. - وهدفي الخاص هو بيان ما كان عليه أهل الإسلام من ماضي عريق، وتاريخ مشرق، عندما تمسكوا بدينهم، وطبقوا تعاليمه وساروا على منهاجه القويم. وما صاروا إليه - في الوقت الحاضر - من ضعف وتفرق وذل وخضوع وانكسار بعد ما تركوا دينهم، وحادوا عن منهجه السليم. يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: " نحن قومْ أعزنا الله بالإسلام، وإذا أردنا العزة بغيره، أذلنا الله ". وقد قسمت الكتاب إلى الأبواب التالية:- - التاريخ القديم: يتناول الفترة منذ عهد آدم، ومروراً بالأنبياء - عليهم السلام - وإلى ما قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وضحت أنهم جميعاً جاءوا برسالة واحدة هي الإسلام {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]. وقد أهلك الله معظم تلك الأقوام نتيجة تكذيبهم وإعراضهم عن الحق. - السيرة النبوية: (52 ق. هـ - 11) (570 - 632 م) وقصة قيام أول

دولة إسلامية، قادها الرسول - عليه السلام - واتخذت المدينة المنورة قاعدة لها، ثم ما لبثت أن شملت الجزيرة العربية. وهي السيرة العطرة التي يجب أن يتخذ منها المسلمون (حكاماً وشعوباً) القدوة الحسنة. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. - سيرة الخلفاء الراشدين: (11 - 41 هـ) (632 - 661 م) قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ " (¬1) في هذه الفترة المشرقة تمت فتوحات إسلامية واسعة في بلاد فارس وبلاد الشام ومصر وغيرها. وقد سار الناس على المنهج الإسلامي تماماً. - العهد الأموي: (41 - 132 هـ) (661 - 749 م) وصلت الدولة الإسلامية في هذا العصر أقصى اتساع لها وما كان في ديار الإسلام إلا خليفة واحد. وقل الالتزام بالشريعة الإسلامية عما كان عليه سابقاً، ولكن بدرجة بسيطة حيث يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " (¬2). - العصر العباسي: (132 - 656 هـ) (749 - 1258 م) تميزت هذه الفترة (بالذات في عصرها الثاني) بقيام كثير من الدويلات المستقلة كان لبعضها شأن عظيم ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود والدارمي والترمذي وابن ماجه وابن حنبل. (¬2) أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه وابن حنبل.

في خدمة الإسلام كدولة السلاجقة والزنكية والأيوبية والغزنوية والمرابطين، كما تميزت بكثرة ظهور الحركات الباطنية والدويلات الشيعية، وبدأت الحملات الصليبية الأوروبية الحاقدة على الشرق الإسلامي، وما زادت الفتوحات إلا زيادات بسيطة، وانتهت هذه الفترة بالغزو المغولي المدمر الذي قضى على الدولة العباسية. - العهد المملوكي: (658 - 923 هـ) / (1259 - 1517 م) وأعظم إنجاز إسلامي تحقق في هذا العصر إيقاف ورد الزحف المغولي الوحشي عن الديار الإسلامية، وإنهاء بقايا الوجود الصليبي في المشرق الإسلامي، وقد زاد الابتعاد عن الدين عما كان عليه في السابق. - العهد العثماني: (923 - 1342 هـ) / (1517 - 1923 م) وقد استطاعت هذه الدولة تحقيق فتوحات عظيمة في بداياتها، وكان مجالها أوروبا الشرقية، ففتحت هنغاريا وبلغراد وألبانيا واليونان، ورومانيا وصربيا وبلغاريا، كما بسطت نفوذها على معظم الشرق الإسلامي. ومن أعظم إنجازاتها فتح القسطنطينية (عاصمة الإمبراطورية البيزنطية)، وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش " (¬1)، وفي أواخر هذه الفترة نجح الاستعمار في زرع فكرة القومية، فتسبب ذلك في انهيار الخلافة الإسلامية، وتفرق المسلمين إلى دويلات ضعيفة متناحرة بعيدة عن دينها. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حنبل.

- حاضر العالم الإسلامي: (1342 - حتى الوقت الحاضر 1417 هـ) (1922 - 1996 م) تحدثت عن الدول الإسلامية (كل دولة على حدة) فذكرت نبذة جغرافية مختصرة عنها، وأحوال الإسلام والمسلمين فيها، ثم كيفية دخول الإسلام في كل دولة، وأخيراً تحدثت بصورة موجزة عن الأقليات المسلمة في العالم ما لها وما عليها، وأهم المشكلات التي تواجهها، وواجب المسلمين تجاهها. وقد التزمت منهجاً في كتابتي تضمن النقاط التالية:- - بالنسبة للباب الأول (العصر القديم)، فقد جعلته أقصر أبواب الكتاب (رغم طول فترته الزمنية) وذلك لقلة المعلومات المتوفرة لدينا عن تلك الفترة، فلا يوجد لدينا عن تلك الفترة سوى ما أشار الله إليه في كتابه الكريم، وما ورد في سنة نبيه - عليه السلام -، وهذا قليل وأكثر المعلومات التي وصلتنا عن تلك الفترة هي المذكورة في الإسرائيليات. وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشأن: " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " (¬1)، وقال: " ما حدثكم به أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم " (¬2)، لذا نلتزم الحذر الشديد عند دراسة هذه الفترة. وألفت الانتباه هنا إلى اختلاف وتضارب كثير من المؤرخين فيما دونوه عن تلك الفترة. فحرصت بقدر الإمكان ألا أدون من الأحداث إلا ما ورد في القرآن الكريم أو السنة. أو باتفاق أكثر المصادر والمراجع، وتركت من الأحداث ما حصل حولها جدل وتخبط وتباين. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري والترمذي وأبو داود وابن حنبل. (¬2) سنن أبي داود جـ 2/ص: 285.

التزمت فقط بتدوين الأحداث العامة المتفق عليها، وجعلتها كرؤوس أقلام فقط دون الخوض في تفاصيلها، وتجنبت ذكر التواريخ في هذه الفترة (رغم إصرار، بعض المؤرخين على تواريخ محددة كأنهم عاشوا في تلك الفترة) المقصود من تلك الفترة أخذ العظة والعبرة مما حل بتلك الأقوام. - التزمت بعدم تدوين الأحداث إلا بعد التأكد من صحتها من خلال مطابقة المصادر والمراجع أو بالرجوع إلى باحثين متخصصين. - وأشير هنا إلى أن كل ما كتبته عبارة عن تجميع من مؤلفات ومصادر مختلفة أشرت إليها في مواضعها. - ركزت (في حياة الأمم والأفراد) على ذكر جوانب الإحسان أو التقصير في خدمة الإسلام مبيناً أسباب ذلك ونتائجه، وابتعدت عن التفاصيل التي لا يفيدنا معرفتها أو الإطلاع عليها. - التزمت وتقيدت في كتابي بالتاريخ الهجري والميلادي معاً، ولا أشك في وجود كثير من الملاحظات والأخطاء التي وقعت بدون قصد في هذا المؤلف وأنا بحاجة إلى تنبيهي إليها، وإرشادي وتوجيهي إلى وجه الصواب، فجزى الله خيراً كل من يفعل ذلك. وأسأل الله التوفيق والسداد، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين. المؤلف 25/ 1/1417 هـ

دراسة حول علم التاريخ الإسلامي

دراسة حول علم التاريخ الإسلامي:- نطاق التاريخ الإسلامي:- التاريخ الإسلامي، هو تاريخ الشعوب والدول الإسلامية منذ بدء الإسلام وحتى العهد الحاضر، ويمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي. ولدى الدين الإسلامي فرصة لمزيد من الانتشار؛ فإنه يتصل بأرض بكر ومن المكن أن نجذب الكثيرين للإسلام، لو ربينا جيلاً من الدعاة، يحسن تقديم الإسلام للناس، وعلى هذا فخريطة العالم الإسلامي مفتوحة قابلة للامتداد. ماذا تفيدنا دراسة تاريخنا:- يقول ابن الأثير:- إن من إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما في وقائع التاريخ من سيرة أهل الجور والعدوان، وما ترتب عليها من فساد وخراب وهلاك، استقبحوها وأعرضوا عنها. وإذا رأوا سيرة الولاة العادلين وحسنها، وما فيها من الذكر الجميل بعد ذهابهم، وأن بلادهم وممالكهم عمرت، وأموالهم درت، استحسنوا ذلك ورغبوا فيه، وثابروا عليه.

الأسلوب العام لكتابة التاريخ

ويقول الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ:- التاريخ مدرسة الأجيال يتعلم فيه الأحياء ما ينفعهم فيعملونها وما يضرهم فيجتنبونه، وهو الجسر الذي يصل ماضي الأمة بحاضرها (¬1). * الأسلوب العام لكتابة التاريخ:- ظهر في كتابة التاريخ الإسلامي طريقان:- الأسلوب القديم: سرد الأحداث، من غير تعليق أو تحليل. الأسلوب الحديث: الاهتمام بالتعليق والتحليل، وإهمال سرد الأحداث التاريخية المتتابعة. ومن الواضح أن الطريقين يكمل أحدهما الآخر، ولا يستقيم أحدهما وحده (¬2)، وهذا ما حاولنا جهدنا المتواضع أن نسلكه في هذا السِّفْر المتواضع. * بداية تدوين التاريخ الإسلامي:- - أول كتاب دونه المسلمون هو كتاب الله. وقد كانوا مترددين في تدوينه، بيد أن مقتل أكثر الحُفَّاظ في حروب الردة وحروب المتنبئين جعلهم يدونونه خوفاً عليه من الضياع والنسيان. ¬

_ (¬1) تقديم كتاب عنوان المجد لابن بشر. (¬2) التاريخ الإسلامي، أحمد شلبي.

- وأما تدوين الحديث النبوي، فإن التردد كان أكثر، وكان لا يدون خوفاً من أن يختلط بالقرآن، وقد أمر أبو بكر الناس ألا يحدثوا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وسار عمر على نهجه. ولم ينشط تدوين الأحاديث إلا في منتصف القرن الثاني الهجري/ (8 م). - وعلى ذلك فإن تردد المسلمين على تدوين غير ذلك من العلوم كان أكثر. ومن هنا وجب علينا الحذر في تلقي الأخبار التي دوَّنها المؤرخون، فإن الأحداث الأولى لم تصل للمؤرخين مدونة، وإنما وصلتهم من الرواة. وبدأ تدوين التاريخ الإسلامي في القرن الثالث الهجري/ (9 م)، وكان من باكوراتها: سيرة ابن هشام (213 هـ - 828 م). ومن أهم الكتب القديمة التي تطرقت إلى التاريخ الإسلامي: تاريخ الطبري (310 هـ - 922 م)، والكامل في التاريخ لابن الأثير (630 هـ - 1232 م) والبداية والنهاية لابن كثير (774 هـ - 1372 م) وغيرها. وأما حديثاً فالكتابة عن التاريخ الإسلامي العام قليلة جداً، وأبرز من برع في هذا الميدان الدكتور أحمد شلبي (موسوعة التاريخ الإسلامي)، ومحمود شاكر (التاريخ الإسلامي).

الباب الأول التاريخ القديم " قبل الإسلام "

الباب الأول التاريخ القديم " قبل الإسلام " - من بدء الخليقة (عهد آدم عليه السلام) - إلى ما قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} يوسف (111)

الفصل الأول بدء الخليقة

الفصل الأول بدء الخليقة * تعريف الأمة الإسلامية:- الأمة الإسلامية هم الجماعة الذين تجمعهم العقيدة الإسلامية على مدار التاريخ، فالذين اتبعوا أنبيائهم من عهد آدم - عليه السلام - وإلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن سيسير على هديه إلى يوم القيامة، فيؤمن بربه، ويصدق الرسل، هم جميعاً الأمة الإسلامية. فالرابطة الأصيلة هي العقيدة، وليست اللغة أو التاريخ أو المكان أو الأصل أو غيره. * * * * المخلوق الأول: آدم عليه السلام (أول الأنبياء):- اقتضت حكمة الله أن يستخلف مخلوقاً على هذه الأرض، ويسخر له كل كنوزها وطاقاتها، فكان هذا المخلوق هو آدم خلقه الله من تراب ونفخ فيه من روحه وعلمه أسماء كل شيء، وأمر الملائكة بالسجود له، وطرد إبليس ولعن عندما رفض السجود لآدم امتثالاً لأمر الله. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].

قابيل وهابيل (وأول جريمة على الأرض)

ثم خلق الله لآدم حواء زوجاً له من ضلعه الأيسر وأسكنهما في الجنة، ثم إن إبليس الذي توعد بغواية آدم وذريته ما زال بهما حتى أغواهما وجعلهما يأكلان من الشجرة المحرمة. بعدها ندما وتابا إلى الله، فتاب عليهما وأنزلهما إلى الأرض، وعلم جبريل آدم طرق المعيشة على الأرض من زراعة ورعي وغيره. فزرع وأكل وكان يجتهد للحصول على قوته ثم رزقهما الله بالأولاد. وحصل اختلاف في مكان نزولهما على سطح الأرض، وأكثر الأقوال أنه كان بجزيرة العرب، وكان الإنسان منذ ذلك اليوم في صورته الجميلة المتكاملة ولم يتدرج ويتطور من صورة القرد كما يدعي الماديون أصحاب نظرية التطور الباطلة. قال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} [التين: 4]. * * * * قابيل وهابيل (وأول جريمة على الأرض):- هما أول ابني آدم، وكانت شريعة الله أن يتزوج ذكر كل بطن بأنثى البطن الآخر، وكانت حواء تحمل في كل بطن ذكر وأنثى. فأراد قابيل وهو الأكبر أخت بطنه (وهي شرعاً لأخيه). فرفض هابيل، ثم قدما قرباناً لله فتقبل الله من هابيل قربانه وهو كبش طيب. لم يتقبل من قابيل الزرع الفاسد الذي قدمه لله، فحسده قابيل وقتله، فكانت أول جريمة يرتكبها بشر على سطح الأرض. قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].

شيث بن آدم عليه السلام

ثم رزق الله آدم شيثاً، ثم رزقه البنين والبنات الذين تزوجوا وتكاثر نسلهم، وكان آدم يعلمهم التوحيد ويبلغهم دعوة الله إلى أن مات. وقد روى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألف، قلت: كم الرسل منهم؟ قال: " ثلاثمائة وثلاثة عشر: جم غفير " قلت: من كان أولهم؟ قال: آدم. ومات آدم. واختلف في عمره. وأصح الأقوال أنه بين 950 - 1000 سنة (¬1). * * * * شيث بن آدم عليه السلام:- هو من أبناء آدم، وكان نبياً، واستمر في الدعوة إلى الله وإقامة شريعته في الأرض. * * * * إدريس عليه السلام:- وهو النبي بعد آدم وشيث، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 56، 57]. واستمر إدريس في الحكم بشريعة الله إلى أن قبضه الله. وذكر ابن إسحاق إنه أول من خط بالقلم. وكان الغرض من إرسال الرسل استمرار شريعة الله، وإقامة الحجة على الناس. قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]. وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. ¬

_ (¬1) قصص الأنبياء/ابن كثير، ص 57.

الهجرات البشرية

الهجرات البشرية:- تكاثر السكان بجزيرة العرب (في الحجاز على أكثر الاحتمالات) فأخذوا يهاجرون منها وكانت الهجرات تأخذ الاتجاهات التالية:- 1 - نحو الشمال الشرقي: حيت استقروا في العراق، ثم واصلت جماعات منهم إلى آسيا وأمريكا. 2 - نحو الشمال: باتجاه الشام ثم انتقلت جماعات إلى مناطق البحر المتوسط. 3 - نحو الجنوب: باتجاه بلاد اليمن، ومنها هاجرت جماعات إلى أفريقيا والهند. وسنلاحظ أن كل الأنبياء خرجوا من جزيرة العرب والشام والعراق ومصر، فهي كانت أول المناطق المعمورة على الأرض (¬1). * أول الحضارات:- كانت الحضارة الفرعونية والحضارة السومرية هي أول وأقدم الحضارات على مسرح التاريخ (¬2). ¬

_ (¬1) التاريخ الإسلامي قبل البعثة، محمود شاكر، ص 35. (¬2) موجز تاربخ العالم/هـ. جـ. ويلز، ص 62.

الفصل الثاني ممالك وأنبياء العراق

الفصل الثاني ممالك وأنبياء العراق بعد تكاثر السكان في جزيرة العرب هاجرت مجموعات نحو الشمال الشرقي، واستقرت في العراق وعملوا بالزراعة، وكانوا يعبدون الله ثم ما لبثوا أن عبدوا الأصنام. * * * * دعوة نوح عليه السلام (أول الرسل):- بعث الله إلى هذه الأقوام نوحاً، كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على دين الحق {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة: 213] ثم صاروا إلى الفساد، وكانت بداية عبادة الأصنام أنه كان من قوم نوح رجال صالحين، وبعد موتهم قال أتباعهم (بوحي من الشيطان) لو صورناهم كان أشوق لنا إلى عبادة الله، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون، أخبرهم إبليس أنهم كانوا يعبدونهم فعبدوهم، فأشهر أصنامهم (ود وسواع ويعوق ونسر). دعاهم نوح إلى عبادة الله ونبذ عبادة الأوثان، وبذل كل الأسباب لإقناعهم، فلم يجد إلا الصد والكفران، ولم يؤمن معه إلا القليل؛ بالرغم من أنه لبث فيهم 950 سنة. قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59]. {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح: 5 - 7].

الدولة السومرية (العراق)

فلما يئس منهم دعا عليهم {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]. فلبى الله دعوته وأمره بصنع الفلك وهي السفينة العظيمة {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [المؤمنون: 23]، وحمل معه من آمن به، ومن الحيوانات من كل زوج اثنين، استمر القوم في الفساد والسخرية منه ومن سفينته. فلما انتهي حصل الطوفان العظيم وامتلأت الأرض بالمياه، تحركت السفينة شمالًا {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة: 11] فأهلك الله القوم الكافرين، ثم رست السفينة على جبل الجودي (جبل أرارات في شرق تركيا اليوم) فخرج الركاب واستقروا هناك وبدأت زيادة السكان من جديد، ثم تفرق أبناء نوح، فهاجر سام وآبناؤه باتجاه جزيرة العرب، واتجه أبناء حام جنوباً نحو العراق وما جاورها، وتحرك يافث وذريته شرقاً وجزء منهم غرباً وتفرق آخرون في اتجاهات متباينة. * * * الدولة السومرية (العراق):- استقرت مجموعة في ناحية من العراق يعرف بسهل شنعار، فعظم شأنهم، وعرفوا بالسومرين عملوا بالزراعة، وبنوا السدود، أقام بجانبهم قوم عرفوا بالأكاديين وعاصمتهم (أكاد)، وانتقل بعضهم إلى المرتفعات الشرقية من هذه البقعة، وبنوا مدينة (سوزا) وهم العيلاميون، وكان السومريون أكبر قوة في المنطقة، ومن أشهر ملوكهم (سرجون)، ومن مدنهم الشهيرة (أور)، عبدوا التماثيل والكواكب وتمادوا في غيهم وضلالهم، فبعث الله إليهم نبيه إبراهيم وهو من مدينة (أور).

إبراهيم عليه السلام

* إبراهيم عليه السلام:- هو من ذرية سام بن نوح أرسله الله إلى قومه ليدعوهم إلى عبادة الله فجادلهم وناقش ملكهم (النمرود) الجبار المتغطرس الذي كان يدعي الألوهية. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258]. حطم إبراهيم أصنام قومه في غيابهم، وجعل الفأس في رأس كبيرهم ليبين لهم عجزها وبطلانها {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 58]. تبين للقوم عجزها ومع ذلك استمرو في غيهم وضلالهم، وقرروا حرقه، قال تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 68، 69]. بعد كل هذا الجهد لم يؤمن به إلا زوجه سارة ولوط ابن أخيه، فهاجر بهم إلى بلاد الشام. وسنكمل الحديث عن إبراهيم في موضوع الشام. * * * الدولة الأكادية والبابلية (في العراق) (¬1):- أما السومريون، قوم إبراهيم فقد زاد غيهم وضلالهم فسلط الله عليهم جماعات ظالمة تغلبت عليهم {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129] فسيطر الأكاديون على المنطقة. ثم أتت جماعات من الجنوب الغربي، ¬

_ (¬1) المصدر السابق ص 40.

الدولة الآشورية (العراق)

فانتصروا عليهم، وحكموا المنطقة، وجعلوا عاصمتهم (بابل)، فعظمت دولتهم، وقد اهتموا بالزراعة والعمران، ومن أشهر ملوكهم (حمورابي) الذي وضع قوانين عرفت بـ (شريعة حمورابي) وهي أول قوانين بشرية وضعية على الأرض لغرض الهيمنة والسيطرة، وقد سقطت من بعده. استمروا في عبادة التماثيل والكواكب فسلط الله عليهم أقواماً أهلكتهم، جاءوا من الشمال، منهم الحيثيون والميتانيون ثم الآشوريون. * * * الدولة الآشورية (العراق):- سيطر الآشوريون على تلك المناطق (شمالي العراق) وكانت عاصمتهم (نينوى) ثم امتد نفوذهم إلى كل العراق وبلاد الشام وأجزاء من مصر، وأشهر ملوكهم (سلمنصر الثالث) و (آشور بانيبال) واستمروا في عبادة الأوثان، ولم يتعظوا بما حل بسابقيهم. ولم يعملوا عقولهم، أرسل الله إليهم نبيه يونس عليه السلام. * * * * يونس عليه السلام:- أرسله الله إلى أهل نينوى، فدعاهم إلى عبادة الله وتوحيده، فلم يؤمنوا فضاق بهم ذرعاً، وغضب، وسافر في سفينة في نهر دجلة، فأراد الله أن يعطيه درساً لعدم صبره اضطربت السفينة، وكادت تغرقا فقرر من من عليها أن يقترعوا على من يرمونه في البحر تخفيفاً (حسب العادة المتبعة عندهم)، فوقعت القرعة على يونس لثلاث مرات، فرموه في البحر والتقمه الحوت بأمر الله، فندم يونس على فعله وتسرعه وتاب إلى ربه فغفر له. قال تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 139 - 145].

حضارة الدولة الكلدانية (البابلية الثانية)

عاد إلى قومه، فدعاهم، وكانوا قد ندموا على عنادهم، وتابوا إلى الله (¬1). قال تعالى: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98]. * * * حضارة الدولة الكلدانية (البابلية الثانية):- أصبح الكلدانيين حكام المنطقة، وأعظم ملوكهم كان (بختنصر) الذي استولى على بلاد الشام، ودمر القدس، واستباح اليهود وسلبهم ملكهم، فأهلكهم وشردهم وأسرهم، ومنذ ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل وتشتتوا في أنحاء الأرض، واستقر جماعات منهم في الحجاز ومصر وغيرها. واحتل بختنصر مصر، ومن أشهر أعماله بناء برج بابل المشهور، واستمرت هذه الدولة حتى قضى عليها الفرس واحتلوا المنطقة حوالي عام 1161 ق. هـ/504 ق. م. * * * حضارة الدولة الفارسية:- ويعود الفرس في أصلهم إلى العراق، فهاجروا شرقاً، وعمروا فارس، فلما قويوا غزوا الكلدانيين -كما ذكرنا- وسيطروا على مصر والعراق. فبقيت مصر في حكمهم إلى أن احتلها الإسكندر المقدوني (الحاكم الإغريقي). أما العراق فقد بقيت تحت سيطرة الفرس حتى الفتوحات الإسلامية. ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير/جـ 4.

الفصل الثالث حضارات وأنبياء بلاد الشام

الفصل الثالث حضارات وأنبياء بلاد الشام وصل البشر إلى الشام، وتوزعوا على شكل تجمعات متفرقة، أكبرها في غوطة دمشق وغيرها، وعلى السواحل. * * * بقية قصة إبراهيم (في الشام):- كان إبراهيم قد قدم من العراق إلى الشام (سكن في بلدة الخليل شرق بيت المقدس، وجاءت سنوات عجاف فارتحل مع زوجه إلى مصر، ورآها حاكم مصر فأرادها لنفسه، فطلب منها زوجها أن تقول عنه أنه أخوها (وهو فعلاً أخوها في الله) خوفاً من أن يقتله الحاكم، ففعلت، ثم إن الله حماها من هذا الملك فكان كلما أراد لمسها شلت يده، فعلم حقيقة أمرها وتركها وقدم لها أمة تدعى (هاجر) وأمرهم بالخروج من مصر. عاد إلى الخليل بالشام واستقر هناك، وأعطته سارة جاريتها هاجر، وقالت: عسى الله أن يرزقنا منها غلاماً. ففعل، وحملت هاجر ووضعت ولدها إسماعيل. فغارت سارة وطلبت منه أن يغيب عنها هاجر وولدها. فسار بهما بإذن الله جنوباً حتى وصل إلى موضع مكة المكرمة، فتركهما هناك، ودعا قائلاً: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37].

لوط عليه السلام وأهل سدوم

عاد إبراهيم إلى الشام وفي مكة عندما نفد الماء عند هاجر أخذت تبحث عنه، فسعت بين الصفا والمروة سبعاً وهي تفتش، حتى دلت على مكان زمزم، فضربه إسماعيل بقدمه، وهو يبكي من شدة العطش فانبجس منه الماء بإذن الله، فاستقر مقامهم. وهاجرت قبيلة جرهم من اليمن ومرت بمكة فسمحت لهم هاجر أن يقيموا معهم، ونشأ إسماعيل بينهم. وسنورد قصة إسماعيل في موضوع جزيرة العرب. * * * * لوط عليه السلام وأهل سدوم:- هو ابن أخ إبراهيم وقد آمن به وهاجر معه إلى الشام، وأقام ببلدة سدوم جنوب البحر الميت (¬1)، فبعثه الله إليهم وكانوا يعدون من أفجر الناس وأكفرهم، وابتدعوا فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين وهي إتيان المذكور (فعل اللواط). قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81} [الأعراف: 80، 81]. أرسل الله إلى لوط ملائكة في هيئة بشر، فهرع الكفار إليهم يريدون الفاحشة لهم، فصدهم لوط {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78]. طمأنته الملائكة وأمرته بمغادرة البلدة مع أهله ليلاً لينزل الله بهم العذاب صبحاً. قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82، 83]. ¬

_ (¬1) البداية والنهاية/ابن كثير، جـ 1، ص 176.

إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام

* عودة إلى بقية قصة إبراهيم:- بشر الله إبراهيم بولد من سارة (بعد إسماعيل بـ 13 سنة) وكان إبراهيم قد بلغ من العمر عتياً (عاش إبراهيم 175 عاماً) وزوجه عجوز عقيم، وكانت البشرى عن طريق الملائكة، وهم في طريقهم إلى قوم لوط ليهلكوهم {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]. * * * * إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام:- هو ولد إبراهيم، وقد نشأ في منطقة الخليل. ورزق بيعقوب. (وهو إسرائيل) عاش 180 عاماً وتابع دعوة أبيه إبراهيم بعد موته (¬1). * * * * يعقوب بن إسحاق عليهما السلام:- هو ولد إسحاق، وقد هاجر إلى حران (شمال بلاد الشام) وتزوج هناك، ورزقه الله باثني عشر ولداً منهم يوسف - عليه السلام - وبنيامين (شقيقان). تابع دعوة أبيه إسحاق وجده إبراهيم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، عاش 147 عاماً. * * * * يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وانتقال بني إسرائيل إلى مصر:- هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، كان يعقوب يحب أبناءه الصغار بنيامين ويوسف أكثر من غيرهما عطفاً عليهما، لوفاة أمهما (راحيل). ¬

_ (¬1) قصص الأنبياء/ابن كثير، ص 196.

وحدثت ليوسف القصة المشهورة، وملخصها:- أن إخوته حسدوه، لحب أبيه له، فقرروا التخلص منه، أرسله أبوه معهم بعد إلحاح شديد، فخرجوا به وألقوه في الجب (البئر)، وعادوا إلى أبيهم يبكون، وادعوا أن الذئب أكله، مرت قافلة متجهة من الشام إلى مصر، فاستخرجوه وأخذوه إلى مصر وباعوه هناك. واشتراه (عزيز مصر) وربَّاه، وشب يوسف وكان في غاية الجمال والبهاء، فراودته امرأة العزيز عن نفسه، فامتنع، ثم ادعت أنه راودها عن نفسها، وقد اقتنعوا جميعاً بصدقه وكذبها، ومع ذلك أدخلوه السجن وبقي فيه بضع سنين. وأخرجه الحاكم بعد ما فسر له الرؤيا التي رآها وبعد أن اعترفت امرأة العزيز بذنبها، ورأى الحاكم فيه القدرة على إدارة الأعمال فولاه الخزانة والتصدير، فكان يبيع القمح للبلاد المجاورة التي كانت تعاني من القحط والجدب. وهذا يدل على مدى الرخاء والخصب في أرض مصر في تلك الفترة. وجاءت قوافل الشام تشتري الحبوب ومعهم إخوة يوسف فعرفهم ولم يعرفوه، فباعهم وطلب منهم إحضار أخيهم المرة القادمة. ثم عادوا وأخبروا أباهم فرفض، ولم يوافق إلا بعد إلحاح شديد، فذهبوا إلى مصر واشتروا، وأثناء عودتهم قبض عليهم واتهموا بسرقة صواع الملك. وفتشوا فوجد في رحل بنيامين فأخذه يوسف وكان كل ذلك بتدبير منه. وعادوا فأخبروا أباهم فحزن حزناً أفقده بصره، وأمرهم بالبحث عن يوسف وأخيه. ذهبوا إلى مصر، فعرفوا يوسف، وعفا عنهم، وطلب منهم أن يعودوا ويأتوا بأهلهم جميعاً ففعلوا، وهكذا انتقل بنو إسرائيل إلى مصر، وكان عددهم لا يزيد على المائة وبقوا فيها 500 عام، ثم غادروها مع موسى وهم أكثر من 1600 رجل عدا الذراري. وقصة يوسف بتمامها مذكورة في القرآن في سورة يوسف.

الأحوال في بلاد الشام وبعض أنبياء وحضارات هذه الفترة

* الأحوال في بلاد الشام وبعض أنبياء وحضارات (¬1) هذه الفترة:- حصلت هجرات كثيرة إلى بلاد الشام من العراق أو الجزيرة، وتوزع المهاجرون في المناطق الخصبة، فقامت الدولة العمورية في المناطق الشمالية وقامت الدولة الفينيقية على سواحل البحر المتوسط، والدولة الكنعانية في فلسطين وما حولها. ولقد أشركوا جميعاً بالله، وعبدوا الأصنام، فأرسل الله إليهم كثيراً من الرسل فلم يجدوا إلا التكذيب والتمادي في الكفر، فمنهم:- * * * * أيوب عليه السلام:- أرسله الله إلى بني إسرائيل، وكان كثير المال والأهل، فسلب منه ذلك، وابتلي في جسده بأنواع البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله بهما، وتخلى عنه الجميع، إلا زوجته، وألقي في المزابل خارج البلدة (¬2)، واستمر ابتلاءه 18 عاماً، وكان ذلك امتحان - وابتلاء له من الله. ثم شفاه الله. قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83، 84]. واستمر يتنقل في شمال سوريا يدعو إلى عبادة الله. * * * * اليسع عليه السلام:- من أنبياء بني إسرائيل {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ} [سورة ص: 48]. ¬

_ (¬1) البداية والنهاية/جـ 1 ص 197. (¬2) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كان الأحرى بالمؤلف أن يلتزم هنا بما قطعه على نفسه من الاقتصار على ذكر الصحيح، ولا يخفي ما في قصة إلقاء أيوب - عليه السلام - في المزبلة من الإسرائيليات المنكرة.

يس عليه السلام

* يس عليه السلام:- بعثه الله لأهل الشام. قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} [يس: 13، 14]. * * * * إلياس عليه السلام:- أرسله الله إلى بعض بلاد الشام (تذكر بعض المصادر أنه بعث إلى أهل بعلبك ولبنان) وكانوا يعبدون صنماً اسمه بعل فدعاهم إلى عبادة الله فكذبوه. قال تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات: 123 - 125]. نلاحظ أن الأنبياء كثيرون لهذه الأقوام ولا نعرف إلا بعضهم المذكورين في القرآن. كما أن المؤمنين بهم كانوا قليلين جداً. * * * * يوشع بن نون عليه السلام:- هو الذي قاد بني إسرائيل بعد موسى ويعتقد أنه المقصود بقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} وكان هارون - عليه السلام - تُوفي وبنو إسرائيل ما زالوا في التيه والضياع الذي كتبه الله عليهم في صحراء سيناء. وتُوفي موسى - عليه السلام - أيضاً في تلك الفترة. وقد استمرت 40 عاماً (وسيأتي ذكر قصة موسى في موضوع مصر).

حزقيل بن بوذي عليه السلام

المهم أن من بقي منهم خرج مع يوشع، فذهبوا إلى بيت المقدس ونظم يوشع جيشاً من بني إسرائيل وقسمه إلى 12 قسم حسب الأسباط، أبناء يعقوب (إسرائيل) واستطاع أن يفتح بهم أريحا ثم بيت المقدس ثم لبث فيهم 27 سنة يحكم بكتاب الله التوراة، وبعد موته عادوا إلى ضلالهم وفسادهم. في هذه الفترة جاءت جماعات أخرى من الجزيرة العربية واستقروا في سوريا وهم (الآراميون) وأسسوا ممالك قوية في دمشق وحماة وغيرها. وقد عبدوا الأصنام. وأشهر أصنامهم: عشتار وأدونيس. * * * * حزقيل بن بوذي عليه السلام:- تولى أمر بني إسرائيل بعد يوشع بن نون ولم يطل عهده. وتفرقت بعده بنو إسرائيل وضعف أمرهم، فكانوا يفسدون في الأرض ويقتلون أنبيائهم، فسلط الله عليهم الأعداء، وبدل الأنبياء بملوكاً جبارين طغاة، فسفكوا دمائهم ظلماً وعذبوهم وتغلب عليهم أهل غزة وعسقلان، وسلبوا منهم التابوت المقدس (الذي يحتوي على رفات يوسف عليه السلام)، ثم انقطعت النبوة في بني إسرائيل وانقسمت دولتهم واستمروا على ذلك 400 عام تقريباً، إلى أن بعث الله إليهم بعد ذلك شمويل نبياً. * * * * شمويل عليه السلام (¬1):- طالبه بنو إسرائيل بالقتال وأن يعين عليهم ملكاً ليقاتلوا تحت قيادته، فاختار لهم طالوت {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} [البقرة: 247]. ¬

_ (¬1) قصص الأنبياء/ابن كثير، ص 220.

داوود عليه السلام

فماطلوا في البداية لفقر طالوت. قال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 248]. فلما تحققت تلك المعجزة، انصاعوا وانضووا تحت قيادته. حدث القتال بين بني إسرائيل وبين العمالقة بقيادة جالوت في مرج الصفر (جنوب دمشق) واستطاع داوود - عليه السلام - أن يقتل جالوت الجبار بواسطة حجارة ومقلاع فقط. وكان داود غلاماً حدثاً في جيش طالوت. قال تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة: 250، 251]. * * * * داوود عليه السلام:- اشتهر داوود بين قومه، وكان طالوت قد وعد أن من يقتل جالوت يعطيه نصف ملكه، ويزوجه ابنته، لذا اضطر أن يتنازل عن الملك لداود، ويزوجه ابنته، فآتاه الله النبوة إضافة إلى الملك. فأقام شريعة الله فيهم وأنزل الله عليه كتاب الزبور. قال تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}، وأكرمه الله بمعجزات. قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10]. وكان مجاهداً في سبيل الله، كثير العبادة، وكان لا يأكل إلا من عمل يده وكان عمله حداداً. وخلفه في الملك والنبوة ابنه سليمان. كانت فترة داوود وسليمان هي فترة الرخاء والاستقرار الوحيدة التي قدر للشعوب العبرانية أن تعيشها على مر الدهر كله (¬1). ¬

_ (¬1) موجز تاريخ العالم/هـ. جـ. ويلز ص 92.

سليمان عليه السلام

* سليمان عليه السلام:- تابع جهاد والده ووصل إلى دمشق، وأخضع اليمن وأذل حكامها من السبئيين، وتزوج ملكتهم بلقيس، وقد أبقاها على اليمن خاضعة له، وقد آمنت بالله مع أكثر قومها بعد أن كانوا يعبدون الكواكب والشمس، ومن أعماله تجديد بناء المسجد الأقصى (شيده يعقوب أو أبوه إسحاق بعد بناء الكعبة بأربعين عاما). قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16]. ودعا سليمان لنفسه فقال: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [سورة ص: 35]، فاستجاب الله له وسخر له الريح والإنس والجن وعلمه لغة الحيوان. قال تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} [سورة ص: 36 - 38]. استمر في ملكه 20 عاماً يقيم شريعة الله في الأرض، وبعد موته خلفه ابنه رحبعام، وضعف بنو إسرائيل من بعده وزاد فسادهم. * * * شعيا بن أمصيا عليه السلام:- هو من أنبياء هذه الفترة، وقد حاول الكلدان دخول بيت المقدس بقيادة ملكهم سنحاريب. فأهلكهم الله بدعاء هذا النبي. فلم يزداد اليهود إلا شراً وفساداً فقتلوا نبيهم شعيا (¬1). ¬

_ (¬1) قصص الأنبياء/ابن كثير، ص 447.

في خراب بيت المقدس

بعث الله بعده النبي أرميا بن حلقيا عليه السلام وغيره من الأنبياء فاستمر اليهود في تكذيب أنبيائهم وقتلهم. ملاحظة: الأحداث والأسماء التي لم ترد في القرآن الكريم أو الحديث النبوي مأخوذة من الإسرائيليات المدونة في قصص الأنبياء وتفسير القرآن لابن كثير. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " (¬1)، وقال: " ما حدثكم به أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم " (¬2). كما قال عليه الصلاة والسلام. * * * * خراب بيت المقدس:- سلط الله على اليهود الملك الكلداني (البابلي) بختنصر (نبوخذ نصر) فهدم بيت المقدس وقتلهم وشردهم، ومن ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل في الأرض، وسكنوا في الحجاز ومصر وغيرها بعدها قضى الفرس على الكلدانيين، واستولوا على الشام ومصر. * * * وصول العمران إلى أوروبا:- تنقل الناس من الشام باتجاه الأناضول وجنوب أوروبا (المشرفة على البحر المتوسط) ثم امتدت الهجرات إلى أوروبا الشمالية، وكانت أكثر الجهات عمراناً منطقة البلقان وإيطاليا. وقد أسسوا حكومات قوية هناك. كان أبرزها حضارة الإغريق ثم الرومان. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري والترمذي وأبو داود وابن حنبل. (¬2) سنن أبي داود جـ 2/ص 285.

زكريا وابنه يحيى عليهما السلام

عودة إلى بقية تاريخ بني إسرائيل:- ضعف الكلدان بعد موت بختنصر، فعاد بنو إسرائيل إلى بيت المقدس وعمروه، ولكن بقوا ضعفاء بسبب تكذيبهم وقتلهم لأنبيائهم، وانتشار المنكر بينهم، فخضعوا وذلوا للفرس ثم للإغريق ثم للرومان. * * * * زكريا وابنه يحيى عليهما السلام:- وهم من أواخر أنبياء بني إسرائيل، ولم يجدوا من قومهم إلا التمادي في الطغيان والضلالة. واستمرا في الدعوة إلى الله حتى كان مقتلهما - عليهما السلام - على أيديهم. قال تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 7]. وقال: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنعام: 85]. * * * * عيسى عليه السلام:- وهو آخر أنبياء بني إسرائيل، ولد في بيت لحم بفلسطين، والدته هي مريم العذراء، التي تربت في بيت النبي زكريا (زوج خالتها)، وعرفت بالعفة والطهارة، حملت به من غير أب بإذن الله. فكانت المفاجأة مخيفة لها، فاتهمها قومها في عفتها فأشارت إليه، قال تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 27 - 31].

أقام في الناصرة في فلسطين. وأخذ يدعوا إلى عبادة الله، وآتاه الله كتاب الإنجيل، وكان يعظ كل من يلتقي به، وكان من معجزاته، شفاء المرضى وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ولازمه الحواريون في الدعوة وقد أرسل مجموعات منهم إلى باقي بلاد الشام للدعوة. تآمر بنو إسرائيل على قتله، فسلموه إلى حاكم فلسطين الروماني (بيلاطس)، فأراد القضاء عليه صلباً. ولكن الله نجاه، حيث شبه لهم بغيره. ورفعه الله إليه (¬1). نكَّل قياصرة الروم ومعهم بنو إسرائيل بأتباع السيد المسيح، فضعف أمرهم كثيراً، وزاد الأذى في عهد نيرون الذي اتهمهم بإحراق روما حوالي عام 558 ق. م/80 م. هاجر قسم منهم إلى الحجاز وما حولها ثم أخذت النصرانية تنتشر حتى أصبحت ديانة الدولة الرومانية (¬2). ¬

_ (¬1) القصة في سورة مريم. (¬2) التاريخ الإسلامي قبل البعثة، محمود شاكر.

الفصل الرابع حضارات وأنبياء (مصر)

الفصل الرابع حضارات وأنبياء (مصر) بعد طوفان نوح تفرق أبناء نوح كما ذكرنا، فسام وأبناؤه توزعوا في العراق والجزيرة واليمن وغيرها، أما حام وأبناؤه فانتقلوا إلى الهند، وبعضهم إلى إفريقيا، فتفرقوا هناك، فاستقر جماعة البوشمن في جنوب غرب افريقية، وكانوا وثنيين، فسلط الله عليهم (الهتنتوت) ثم سيطر زنوج البانتو على الأوضاع، وهناك من لجأ إلى مجاهل وغابات أفريقيا، وسكن البربر في الشمال الغربي. وسكن المصريون القدماء شمالاً حول نهر النيل، وكانوا جميعهم على عبادة الأوثان. * الحضارة الفرعونية: كانت مصر من أخصب مناطق أفريقيا، لذا تكاثر سكانها، وقامت فيها دولة الفراعنة، التي أدعى حكامها الألوهية، وسخروا الشعب لبناء الأهرامات الضخمة والتماثيل، وسموها (حضارة) وليست بكذلك. في هذه الفترة قدم إبراهيم وزوجه ساره إلى مصر، وأراد فرعون اصطفائها لنفسه، فأنقذها الله منه، فأعطاها هاجر هدية، وأمرهما بمغادرة مصر (كما ذكرنا سابقاً).

يوسف في بلاد مصر

سلط الله على الفراعنة الظالمين رعاة من بلاد الشام، فقوي أمرهم واخضعوا المنطقة، وأصبحوا ملوكاً، وعرفوا باسم (الهكسوس). * * * * يوسف في بلاد مصر: في هذه الفترة أقام يوسف وأهله في مصر وكان يحكمها الهكسوس، وكانوا مثل سابقيهم ظالمين ومستبدين، فرفضوا الحق فسلط الله عليهم الفراعنة، بعد أن قوي أمرهم على يد (أحمس)، فسيطروا على مصر وامتد نفوذهم إلى حدود العراق في زمن (تحتمس الثالث) و (رمسيس الثاني) اللذين حاربا الدولة الحيثية في الشام وقضوا عليها، وزادت الخيرات فزاد كفرهم وفسوقهم. بدأ الفراعنة في هذه الفترة بقتل ذكور بني إسرائيل؛ لأن الإسرائيليين أشاعوا أنه سيأتي لهم ابن يقضي على فرعون وقومه. قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4]. * * * * موسى بن عمران عليه السلام، وعودة بني إسرائيل إلى الشام: أرسل الله إلى هؤلاء جميعاً موسى، وهو من بني إسرائيل، وأنجاه الله من الذبح، حيث ألقته أمه بعد ولادته في البحر داخل صندوق بأمر الله، فوصل إلى قصر فرعون، فاتخذه ولداً عندما أصرت زوجته آسيا على ذلك. وكان محروماً من الإنجاب. فتربى وشب في قصور فرعون. قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 7، 8].

كبر موسى، وكان بفطرته يميل إلى قومه، وحدث قتال بين قبطي وإسرائيلي فاستنصر الإسرائيلي بموسى الذي وكز القبطي وقتله، (وكان موسى قوي البنية)، وكادت الحادثة تتكرر، فعلم موسى أن خبره انتشر. قال تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: 20]. فهرب إلى بلاد مدين. وهناك ساعد فتاتين على سقي أغنامهما، فعرض عليه أبوهما شعيب أن يزوجه إحدى ابنتيه مقابل أن يعمل عنده (8 - 10 سنوات) فتم ذلك. وقرر موسى أن يعود بأهله إلى مصر. وفي منطقة سيناء أوحى الله إليه وبعثه إلى فرعون وملئه، ودعمه بأخيه هارون، وزوده بالمعجزات. دعا موسى فرعون فكذب وعصى وادعى أنه هو الله. وأن معجزات موسى (وهي اليد البيضاء والحية) مجرد سحر. وحدد له يوماً ليجمع له السحرة ليغلبوه. قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى ... } الآية [النازعات: 15 - 25]. في اليوم الموعود تغلب موسى على السحرة وتبين لهم ما كانوا عليه من الباطل فآمنوا بالله. فصلبهم فرعون وقتلهم ثم اشتد أذاه وبطشه لبني إسرائيل، فعاقبه الله وقومه بالقحط وبالسنوات العجاف فلم يرتدعوا، وأنزل بهم عقوبات أخرى.

قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف: 133]. اشتد ظلم فرعون وطغيانه فأمر الله نبيه موسى أن يهاجر بقومه إلى الشام، فلحقهم فرعون وجنوده، فألجأوهم إلى البحر، فضرب موسى البحر بعصاه بإذن الله، فأصبح طريقاً سهلاً فعبر وقومه. وعندما حاول فرعون وجنده العبور عاد ماءً. فغرقوا وأهلكهم الله. وأما موسى ومن معه فقد وصلوا إلى الضفة الأخرى بأمان. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 77 - 79]. ثم طلب اليهود من موسى طعاماً فأنزل الله لهم المن والسلوى وواصل المسير بهم حتى وصلوا إلى منطقة جبل سيناء. صعد موسى الجبل وأقام عليه 40 يوماً، حيث كلمه الله وأنزل عليه التوراة والوصايا مكتوبة في ألواح من حجر. ثم عاد إلى قومه فوجدهم يعبدون عجلاً صنعوه من حليهم الذهبية، فغضب غضباً شديداً، وتخلص منه. وأمرهم أن يقتل بعضهم بعضاً عقاباً لهم، بأمر من الله. كما أخبرهم أن الله كتب عليهم التيه والضياع في صحراء سيناء 40 عاماً. وتُوفي هارون ثم موسى خلال هذه الفترة -كما ذكرنا سابقاً-.

مصر بعد الفراعنة

* مصر بعد الفراعنة: بعد هلاك فرعون ضعفت دولة الفراعنة. فاحتل الفرس مصر سنة 305 ق. م ثم أخضعها الإغريق بقيادة الإسكندر المقدوني، ثم حكمها البطالمة، وبعدهم الرومان، وانتشرت فيها النصرانية وعرف سكانها بالأقباط، واستمروا كذلك حتى جاءهم الفتح الإسلامي، وأنقذهم من الضلال.

الفصل الخامس جزيرة العرب

الفصل الخامس جزيرة العرب العرب هم الجنس الأول الذي تلقى الإسلام. وحمل ألويته ودعوته. فجدير بنا أن نتعرف عليهم. يطلق مسمى العرب على الأقوام التي عاشت في شبه الجزيرة العربية. * * * * وهذه الجزيرة يمكن أن نقسمها إلى قسمين (¬1):- - قلب الجزيرة: وهي بادية، وأهم مناطقها نجد. - دائر الجزيرة: وسكانها حضر، وأهم مناطقها: اليمن جنوباً، وغسان شمالاً، الإحساء والبحرين شرقاً، الحجاز غرباً. * * * * أقسام العرب:- الجنس العربي هو أحد الأجناس السامية، ولعله أكثرها محافظة على خصائص الساميين، واللغة العربية هي أحد اللغات السامية. وقد قسم المؤرخون العرب إلى:- - عرب بائدة وعرب باقية. ¬

_ (¬1) التاريخ الإسلامي/د. أحمد شلبي جـ 1/ص: 82.

أولا عرب بائدة

أولاً: عرب بائدة:- أي المندثرة والفانية. ومنهم عاد وثمود وطسم وجديس وأصحاب الرس وأهل مدين. * * * أنبياء الله إلى العرب البائدة هم:- * هود عليه السلام:- أرسله الله إلى قوم عاد وهم عرب، سكنوا في منطقة الأحقاف (حضرموت) وهي أول قبيلة عبدت الأصنام بعد الطوفان، وكانوا أصحاب قوة ومال. فعمروا وشادوا وزرعوا. ثم عتوا عن أمر ربهم، فأرسل لهم هوداً وهو منهم. فكذبوه. قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف: 65، 66]. كثروا وانتشروا حتى إن قحطان بن عاد وذريته انتشروا في اليمن وعرفوا بـ (عاد الثانية) واستمروا في طغيإنهم وعتوهم حتى أهلكهم الله. قال تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 6 - 8]. * * * * صالح عليه السلام:- أرسله الله إلى قبيلة ثمود، الذين سكنوا في منطقة العلا (بين المدينة وتبوك)، وقد كانوا بعد هلاك عاد. وهم عرب أيضاً. وعبدوا الأصنام. أرسل الله إليهم نبيه

شعيب عليه السلام

صالحاً فدعاهم إلى التوحيد، فرفضوا، ثم طلبوا منه سخرية أن يخرج لهم ناقة من صخرة صماء، فحقق الله المعجزة، ومع ذلك استمر أكثرهم على الكفر. فقتلوا الناقة وبعد ثلاثة أيام جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفلهم فأهلكتهم. قال تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 11 - 15]. * * * * شعيب عليه السلام:- أرسله الله إلى أهل مدين (أصحاب الأيكة)، وقد سكنوا شمال غرب جزيرة العرب (تبوك وجنوب الأردن)، وكانوا فاسدين عرفوا بقطع الطريق. وإنقاص الكيل والميزان وعبدوا شجرة ضخمة وسط الأيكة، فعرفوا بأصحاب الأيكة. قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود: 84]. فاستمروا في تكذيبهم فأباد الله جماعة منهم بعذاب الصيحة، وجماعة أخرى بعذاب يوم الظُّلَّة. قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 189]. وقال: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: 94]. من الأمم التي أهلكها الله في جزيرة العرب أهل حضورا (وسكنوا بحضرموت أو اليمامة)

ثانيا عرب باقية

وهم أصحاب الرس. قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ} [ق: 12]. * * * * ثانياً: عرب باقية:- وهم الباقون حتى الآن، وهم بنو قحطان وبنو عدنان. فبنو قَحطان: هم العرب العاربة (العرب الأصليين)، وموطنهم الأصلي جنوب الجزيرة ومنهم ملوك اليمن، والمناذرة والغساسنة، وملوك كنده، ومنهم الأزد (الذين تفرع منهم الأوس والخزرج). أما بنو عدنان: فهم العرب المستعربة (الذين اكتسبوا اللسان العربي). وهم عرب الشمال، وموطنهم الأصلي مكة المكرمة، وهم ذرية إسماعيل بن إبراهيم، وأهم أبناء إسماعيل عدنان، ومنه انحدرت القبائل العربية:- إسماعيل | عدنان | معد | نزار | • ربيع: عبد القيس - بكر - تغلب - حنيفة • مضر: هوزان - غطفان - تميم - قريش

التاريخ السياسي للعرب (قبل الإسلام)

التاريخ السياسي للعرب (قبل الإسلام):- كان العرب -كما ذكرنا- بدو وحضر. والفكر السياسي عند البدو يختلف عنه عند الحضر. * * * * قبائل البدو:- البدو عاشوا كقبائل صغيرة متفرقة في الصحاري، ووحدة القبيلة تربط بينها الدم والعصبية. ولم يكن سهلاً قيام ارتباط بين عدد من القبائل لتكوين ممالك، لطبيعة التمرد وعدم الخضوع عند البدو. * * * * مملكة كندة (480 - 529 م):- وهي المملكة الوحيدة التي قامت في أواسط الجزيرة العربية بين الحكم القبلي. وكانت قصيرة العمر، وأول ملوكها (حجر آكل المرار) وكان تابعاً لملوك حمير في اليمن. واستطاع حفيده الحارث بن عمرو أن يمد نفوذه إلى الحيرة. ثم انهار ملكهم وعادت الحياة القبلية. وينسب امرؤ القيس (أحد شعراء المعلقات الجاهليين) إلى ملوك كنده، وقد حاول إعادة ملك آبائه ففشل.

ممالك الحضر

ممالك الحضر:- تركزت في ثلاث مناطق: اليمن - الشمال - الحجاز. 1 - ممالك اليمن:- - مملكة معين " مملكة قتبان: (1200 ق. م - 700 ق. م)، وهما متعاصرتان تقريباً. وهما أقدم ممالك اليمن. والمعلومات المتوفرة عنهما قليلة. * * * - مملكة سبأ: (955 - 115 ق. م):- قامت سبأ على أنقاض معين وقتبان. وانضمت لها حضرموت، وكانت عاصمتها مأرب، وترجع شهرة سبأ إلى سببين هامين هما:- أ - ملكة سبأ (بلقيس) وقصتها مع النبي سليمان (سورة النمل). ب - سد مأرب العظيم الذي كانت نتيجته أن كثر الرخاء باليمن وعمت الخيرات. ثم ضعف هذا السد وانهار أخيراً. فكان سيل العرم. فهاجر كثير من السكان إلى الشمال، وآذن ذلك بسقوط سبأ، وقيام حمير. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ... } الآية [سبأ: 15، 16]. * * * - مملكة حمير: (115 ق. م - 500 م):- قامت بعد انهيار نفوذ مملكة سبأ. واتخذت ظفار عاصمة لها. وكان ملوكها يلقبون بالتبابعة. وقد خلفت سبأ وحمير آثاراً تدل على العظمة والرقي.

ضعفت هذه الدولة في أواخر عهدها، مما أدى إلى احتلال اليمن من قبل الروم ثم الفرس. سيطرة الروم على اليمن:- خَير (ذو نواس) ملك حمير الذي اعتنق اليهودية خير المسيحيين في نجران بين اعتناق اليهودية أو الموت، فاختاروا الموت، فحفر لهم أخدوداً وأحرقهم فيه. قال تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} [البروج: 4 - 6]. ففر بعضهم، واستنصروا بحاكم الحبشة المسيحي (النجاشي) الذي طلب مساعدة قيصر الروم (حامي المسيحية) والذي أرسل السفن والسلاح، فاستطاع النجاشي إخضاع اليمن بواسطة قائده (أرياط)، الذي سرعان ما تمرد عليه (أبرهة) أحد مساعديه، فقتله، وأصبح هو حاكم اليمن، وكان ذلك في زمن عبد المطلب بن هاشم (جد الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -). * * * سيطرة الفرس على اليمن:- ثم فر أحد أولاد ملوك حمير واسمه (سيف بن ذي يزن) إلى فارس، وطلب نجدتهم لإخراج الأحباش من بلاده، فاستجاب الفرس، فقدموا وانتصروا على الروم، ثم أمر كسرى أن يتوج سيف ملكاً على اليمن. وبعد مقتل سيف، أرسل كسرى (وهرز) ليكون حاكماً لليمن تابعاً للفرس، وبعد وهرز حكم أبناؤه وأحفاده. وعند بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - كان حاكم اليمن الفارسي (باذان) وهو من ذرية وهرز، وقد دخل باذان في الإسلام عندما دُعِيَ إليه.

2 - ممالك شمال الجزيرة

2 - ممالك شمال الجزيرة:- أ - مملكة الانباط (400 ق. م - 105 م):- هم قبائل بدوية. استقروا جنوب سوريا. وامتدت مملكتهم من غزة شمالاً حتى العقبة جنوباً، فاتخذت موقعاً هاماً في طريق التجارة بين الشمال والجنوب. وكان لها إتاوة على التجارة الصاعدة والهابطة. وعاصمة الانباط مدينة (البتراء). بلغت غاية مجدها في القرن الأول الميلادي. حيث امتد نفوذها إلى دمشق، وامتدت جنوباً حتى مدائن صالح (ولهم آثار معمارية عظيمة هناك حتى الآن). وأشهر ملوكهم: الحارث الثالث، وعبيدة الثاني. استولى عليها الرومان سنة 105 م. * * * ب - مملكة تدمر:- وهي عريقة في القدم. وقد ورد لها ذكر قبل الميلاد بأكثر من ألف عام، وبلغت ذروة مجدها في القرن الثاني والثالث الميلادي. وكان لها موقع تجاري واستراتيجي هام بين الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، وكانت مرتبطة بالرومان. لذا خاضت حروباً مدمرة ضد الفرس، وانتصرت فيها انتصارات مؤزرة، وذلك في عهد ملكهم (أذينة) الذي بسط نفوذه على سوريا كلها، ثم تولت بعده زوجته زنوبيا (الزباء)، التي تحدت الروم. وخاضت معهم صراعات عنيفة، إلى أن هزمت، ودمرت مملكتها. وقد عبد الأنباط والتدمريون الأوثان وقوى الطبيعة.

ج - مملكة الحيرة:- هم من عرب اليمن المهاجرين قامت مملكتهم في شمال الجزيرة (جنوب العراق) تابعة للفرس، تحميهم ويحمونها وأشهر ملوكهم: عمرو بن عدي والنذر بن ماء السماء والنعمان بن المنذر، وبعد النعمان عين كسرى أياس بن قبيصة على الحيرة. وأشرك معه رجلاً فارسياً، وفي هذا العهد قدم المسلمون وفتحوا الحيرة بقيادة خالد بن الوليد سنة 12 هـ/633 م فصالحهم أياس على الجزية، ثم دخلوا في الإسلام بعد ذلك. * * * د - مملكة غسان:- هم من عرب اليمن الهاجرة بعد انهيار سد مأرب - مثل مناذرة الحيرة - وقد استقروا ببادية الشام، فأصبحوا تابعين للروم يحمونها من هجمات العرب. وكان الحكم في البداية لقبيلة (الضجاعمة) وأشهر ملوكهم: زياد بن الهيولة. ثم حكمت قبيلة بني جفنة واتخذوا دمشق عاصمة لهم، ومن أشهر ملوكهم: الحارث بن جبلة، والمنذر بن الحارث، وجبلة بن الأيهم، وهو آخر ملوك الغساسنة، وفي عهده دخل المسلمون بلاد الشام، ويقال أن جبلة أسلم ثم ارتد وهرب إلى الروم في عهد عمر بن الخطاب. الأهمية الحضارية للمناذرة والغساسنة:- أهم دور لعبته هاتان الملكتان هو أنهما كانتا جسراً عبرت عليه ألوان من حضارة الفرس والروم إلى الجزيرة العربية. وأهم هذه الألوان الحضارية: الأديان وضرورب من المعارف العامة، والفنون الحربية وغيرها.

3 - الحجاز

3 - الحجاز:- الحجاز هو الموطن الأول للدعوة الإسلامية، فيه ولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونشأ، وهو منزل الوحي، ومشرق النور، ومن الحجاز انطلقت صيحة الإصلاح ودعوة الإسلام. وقد نقل الإسلام الحجاز من مكان عربي إلى مكان إسلامي عالمي. نشأة مكة (وقصة إسماعيل عليه السلام):- كما ذكرنا سابقاً - قدم إبراهيم بزوجه هاجر وابنه إسماعيل، وتركهما في مكة وقد كانت صحراء قاحلة وكان الله قد أمره بذلك، ودعا إبراهيم ربه أن يجعل مكة دار أمان وعمار. تدفقت بئر زمزم. ومرت قبيلة جرهم اليمنية حول مكة، فسمحت لهم هاجر بسكناها، ونشأ إسماعيل بينهم وتعلم لغتهم العربية، ثم تزوج منهم، وكان إبراهيم يزورهم بين حين وآخر. وفي إحدى الزيارات أمره الله بذبح إبنه إسماعيل، فاستسلما لأمر الله وعند التنفيذ فداه الله بكبش عظيم. وكان ذلك ابتلاء من الله، ثم قاما ببناء الكعبة تنفيذا لأمر الله. وبعث الله إسماعيل رسولاً لقبيلة جرهم ومن حول مكة. قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 127، 128]. بعد إسماعيل تغلبت جرهم على مكة فحكمتها، ثم أفسدت فيها، ثم خضعت

عام الفيل ومحاولة هدم الكعبة

مكة لخزاعة وهم من اليمن أيضاً، وكان بنو إسماعيل على الحياد. ودخلت عبادة الأصنام إلى مكة في أيام خزاعة، ادخلها زعيمهم عمرو بن لحي حيث جلبها من الشام فعبدها. ثم عبدها أهل مكة. تكاثر بنو إسماعيل ومنهم كنانة (وقريش فرع من كنانة) فاستطاع سيدهم قصي بن كلاب (الجد الرابع للرسول - صلى الله عليه وسلم -) أن يطرد خزاعة من مكة ويتزعمها، فأصبحت سيادة مكة لقريش، وحكمها بعده ابنه عبد مناف، وتقاسم الزعامة من بعده أبناؤه هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل. وكان عبد المطلب بن هاشم (جد الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -) هو سيد مكة يوم حاول أبرهة غزوها فرده الله. وعرف هذا العام بعام الفيل، وهو عام مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في 750 م/52 ق. هـ. * * * عام الفيل ومحاولة هدم الكعبة:- بنى أبرهة الأشرم (حاكم اليمن الحبشي) كنيسة ضخمة مزخرفة في صنعاء وأسماها (القليس) ودعا الناس للحج إليها بدلاً من الكعبة (لأسباب دينية وسياسية واقتصادية) ففشل فشلاً ذريعاً (ولم يحج إليها أحد) فغضب وقرر هدم الكعبة، فسار إليها على جيش ضخم تتقدمه الأفيال. ولم يتصدى له أحد. وعندما دخل مكة وهم بهدم الكعبة أهلكه الله وجيشه. والقصة مذكورة في سورة الفيل. وكانت حادثة الفيل كبيرة الأهمية عند لعرب، فأخذوا يؤرخون بها، وهو العام الذي ولد فيه الرسول - عليه السلام -.

اقتصاديات العرب

اقتصاديات العرب:- أهم مصادر الثروة عند العرب ارتبطت بالتجارة، وقد اشتهر العرب في الجاهلية بالتجارة شهرة واسعة. وكانت التجارة عند قريش عصب الحياة، وقد ورد في القرآن {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش: 1، 2]. وكانت رحلة الشتاء إلى اليمن. ورحلة الصيف إلى الشام. * * * زمن الفترة:- نلاحظ أن الرسالة انقطعت عن الجزيرة العربية مدد طويلة (من زمن إسماعيل إلى بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وانقطعت عن العالم عموماً منذ أن رفع الله عيسى حوالي عام 610 ق. هـ/33 م. وسميت هذه المدة زمن الفترة (فترة انقطاع الرسل). فتخبط المجتمع أيما تخبط. وكان بأشد الحاجة إلى نبي، يعيده إلى الحق والصواب، وخاصة بعد أن حرفت الديانات السماوية، وضاعت فكانت رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى البشر كافة. * * * موجز التاريخ القديم (قبل الإسلام):- - خلق الله البشر وبعث الرسل، لعبادته، وإقامة شريعته في الأرض. - وكان آدم هو أول البشر وأول الأنبياء. - تتابعت الحضارات وتوالى الأنبياء والرسل وأقدم الحضارات ظهرت في العراق ومصر والشام وجزيرة العرب.

- أهم حضارات العراق: السومرية، الأكادية، العيلامية، البابلية، الآشورية، والكلدانية. وأنبياء هذه البلاد: نوح وإبراهيم ويونس عليهم السلام. - وأهم حضارات الشام: العمورية، الفينيقية، الكنعانية، الآرامية، ثم حضارة الأنباط وتدمر، ثم الغساسنة والمناذرة. وأغلب الأنبياء والرسل ظهروا في بلاد الشام، فمنهم: لوط، إسحاق، يعقوب، أيوب، اليسع، يس، إلياس، داود، سليمان، زكريا، يحيى وعيسى عليهم السلام، وهم من بني إسرائيل وأرسلوا إليهم وإلى غيرهم. - وقامت في مصر الحضارة الفرعونية وحضارة الهكسوس، وظهر فيها من الأنبياء يوسف، موسى عليهما السلام. - وظهر في جزيرة العرب قوم عاد وثمود وأهل مدين، وحضارات اليمن (معين، سبأ، حمير قتبان) والقبائل المهاجرة بعد انهيار سد مأرب، والأحباش وذرية إسماعيل بن إبراهيم. وأنبياء جزيرة العرب هم: هود، صالح، شعيب، إسماعيل عليهم السلام. - وظهرت حضارات أخرى وسادت على وجه الأرض كحضارة الفرس ثم الإغريق ثم الرومان. * * * * النتيجة:- معظم هذه الممالك والجماعات كذبت برسلها، وتمادت في غيها وانحرافها، وما آمن إلا قليل. ثم بعث الله آخر رسله (محمد - صلى الله عليه وسلم -) إلى البشر كافة في جميع أصقاع الأرض وعلى يديه كانت هداية البشرية الضالة.

الباب الثاني السيرة النبوية

الباب الثاني السيرة النبوية {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]

مقدمة

مقدمة وصل البشر في فترة انقطاع الرسل (بين عيسى ومحمد) إلى درجة كبيرة من التخبط والضياع، فكانت رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهي جامعة الرسالات وخاتمتها، وناسخة لما قبلها، وكانت لبني البشر كافة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]. وهي لكل زمان ومكان، لذا لا بد أن يكون صاحبها على درجة تؤهله لحمل هذه الرسالة، فاختاره الله بمميزات خاصة. مميزات محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬1):- 1 - اختاره الله من العرب وهي أمة وسط، وجعله في قريش أفضل قبائل العرب، وجعل نسبه في أشرف قريش (بنو هاشم). 2 - بلاده في موقع وسط، يمكن أن تنطلق منها الدعوة إلى جميع الجهات. 3 - اختاره الله من أمة قل أنبياؤها، لتكون له قيمة عظيمة. 4 - بعثه الله على فترة متباعدة من الرسل، لتتهيأ له النفوس، وتنتظره. قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} [المائدة: 19]. 5 - أخبر الله في الكتب السماوية بمبعث محمد. ¬

_ (¬1) السيرة/محمود شاكر، ص 25.

6 - اختاره الله من شعب أقرب إلى البداوة التي لم تفسده المدنية والحضارة. 7 - اختاره الله من شعب أمي، لم يعرف الفلسفة والمعارف والعلوم. 8 - جعل الله سيرته معروفة تماماً بكل تفاصيلها، حتى يكون قدوة لغيره. 9 - سيرته جامعة تشمل جميع نواحي الحياة. 10 - سيرته عملية، وواقعية، ويستطيع الناس ممارستها في كل زمان ومكان.

الفصل الأول النشأة الشريفة

الفصل الأول النشأة الشريفة * فترة الطفولة:- نسبه - صلى الله عليه وسلم -: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر (قريش) بن مالك بن النضر بن كنانه. من ولد نزار بن معد بن عدنان وهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، وأمة آمنة بنت وهب الزهرية القرشية. مولده: ولد في مكة، في عام الفيل حوالي عام 570 م/52 ق. هـ وهو نفس العام الذي حاول فيه أبرهة حاكم اليمن هدم الكعبة فأهلكه الله وجنده بالطير الأبابيل التي رمتهم بحجارة من سجيل، والقصة في سورة الفيل. تُوفي أبوه وهو جنين لم يخرج للدنيا بعد، وبعد مولده سماه جده عبد المطلب محمداً، أخذته حليمة السعدية إلى مضارب بني سعد وتولت رضاعته، ثم توفيت والدته قبل أن يكمل ست سنوات. لقد شاء الله فيما يبدو أن يتولى هو تربية محمد، وأن ينزعه من أسرته ليصبح

في رعاية الله تمهيداً للأسرة الكبيرة التي سيكون محمد زعيمها. وقد عبر القرآن عن هذا المعنى في قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى: 6]. وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه: " أدبني ربي فأحسن تأديبي ". رعاية جده عبد المطلب: هو من سادات قريش. وهو الذي أعاد حفر بئر زمزم، ونازعته قريش، فعز عليه ذلك، ونذر إن رزقه الله بعشرة بنين وبلغوا أن يمنعوه أن ينحر أحدهم لله، فلما تحقق ذلك، وقع الاختيار على عبد الله (والد الرسول - صلى الله عليه وسلم -)، فأراد التنفيذ، فمنعته قريش، واقترع إبلاً بدلاً من عبد الله حتى وصل عددها إلى المائة فنحرها وفدى عبد الله، فكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول عن نفسه: " أنا ابن الذبيحين " عبد الله وإسماعيل. تولى جده رعايته حتى بلغ الثامنة، فتُوفي، فتولى عمه أبو طالب رعايته. رعاية عمه: تولى رعايته منذ الثامنة من عمره، وإلى السنة العاشرة من البعثة. وكان عمه قليل المال، كثير العيال، فعمل راعياً ليساعده، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " ما بعث الله نبياً قط إلا رعي الغنم، فقالوا: وأنت؟ قال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " (¬1). لما بلغ الثانية عشر من عمره خرج به عمه إلى الشام في تجارة، فرآه بحيرا (الراهب) وأمر عمه أن لا يقدم به إلى الشام خوفاً عليه من اليهود، حيث سيكون له شأن عظيم، فأعاده وازداد حرصه عليه. واستمر محمد - صلى الله عليه وسلم - بعدها في رعي الغنم. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد بن حنبل.

مرحلة الشباب

* مرحلة الشباب:- شارك مجتمعه في الأمور العامة: 1 - حروب الفجار:- جرت بين قريش وقيس في الأشهر الحرم، وشارك بها وهو في سن العشرين. 2 - حلف الفضول:- تعاهدت فيه قريش ألا تجد بمكة مظلوماً إلا نصروه، واشترك مع عمومته في ذلك الحلف. 3 - التجارة والزواج:- لما بلغ الخامسة والعشرين، خرج إلى الشام في تجارة لخديجة وبعد عودته طلبته للزواج، لما رأت فيه من رجولة وصدق وأمانة، فتزوجها، فهي أول زوجاته، وأم أبنائه، وأول امرأة أسلمت، ولم ينكح عليها غيرها في حياتها، أمره جبريل: " أن يقرأ عليها السلام من ربِّها -عز وجل-، ويبشرها ببيت في الجنة من قصب " ولها فضائل كثيرة رضي الله عنها. * * * 4 - تحنثه في غار حراء:- حبب إليه - صلى الله عليه وسلم - الخلاء فكان يكره أوثان قومه، فيخلو بغار حراء يتعبد ويتفكر في هذا الكون، أنبته الله نباتاً حسناً فكان أفضل قومه في خلقه حتى أطلقوا عليه: " الصادق الأمين ".

5 - سلوكه - صلى الله عليه وسلم - وأخلاقه:- وقد عُرف محمد - صلى الله عليه وسلم - في جميع مراحل حياته بالخلق الطيب والبعد عن الشبه والخمر ومجالس اللهو. تقول عائشة - رضي الله عنها -: " كان خلقه القرآن ". * * * 6 - بناء الكعبة:- لما بلغ الخامسة والثلاثين، قامت قريش ببناء الكعبة من جديد لما تضعضعت فتجزأتها القبائل بينها، فبنوا حتى بلغوا موضع الحجر الأسود، فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد رفعه إلى موضعه، ثم اتفقوا أن يحكموا بينهم أول داخل إلى المسجد، فكان محمد - صلى الله عليه وسلم -، فأمر بإحضار ثوب، وأن ترفع كل قبيلة بناحية، ففعلوا، حتى إذا بلغوا موضعه، أخذه ووضعه بيده الشريفة، وبنى عليه، وكان ينقل معهم الحجارة. * * * 7 - ديانة أهل مكة:- كانوا يعبدون الأصنام وكان يعبدها معظم سكان جزيرة العرب، وأول من أدخلها إلى مكة هو عمرو بن لحي الخزاعي عندما كانت خزاعة تحكم مكة، وقد أحضرها من الشام، فعبدها أهل مكة، ثم عبدتها العرب، ولم يبق من دين إبراهيم سوى تعظيم البيت.

الفصل الثاني (البعثة)

الفصل الثاني البعثة بدء الوحي:- قالت عائشة - رضي الله عنها -: " أول ما بدأ برسول الله من الوحي: الرؤيا الصادقة، فلا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه ". جاءه جبريل وهو يتحنث بالغار، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فكررها. ثم قال في الثالثة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ... } الآية [العلق: 1 - 19]. فرجع إلى خديجة مسرعاً يرجف فؤاده وهو يقول: زملوني .. زملوني. فطمأنته، وأكدت له أن ربه لن يخذله لكرم خلقه، وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر في الجاهلية. فأخبراه. فقال: " هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى. ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك ". كان ذلك في رمضان 13 ق. هـ. انقطع الوحي 40 يوماً، فحزن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم عاد إليه جبريل جالساً على كرسي بين السماء والأرض في هيئته الحقيقة، فارتعب - صلى الله عليه وسلم -، وعاد إلى خديجة وهو يقول: " دثروني. . دثروني. فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ ... } السورة. فتتابع الوحي بعدها (¬1). ¬

_ (¬1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما ذكره المؤلف فيه نظر وسورة المدثر من أوائل ما نزل من القرآن والسبب الذي ذكره نزل بعده سورة الضحى والقصة مشهورة.

أنواع الوحي وتدرج الرسالة:- على شكل رؤيا أو الإلقاء في الروع، أو يتمثل له رجلاً فيخاطبه أو يأتيه مثل صلصلة الجرس (وهو الأشد عليه)، أو على صورته الحقيقية (وهذا حصل مرتين)، وما أوحى الله إليه فوق السموات ليلة المعراج (¬1). وقد تدرجت الرسالة، فنبأه الله بـ (اقرأ) ثم أرسله بـ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} فأمره أن ينذر أقاربه، ثم قومه، ثم العرب ثم العالمين. * * * مراحل الدعوة * الدعوة في مكة:- المرحلة السرية (الفردية):- كان أول من آمن به من الرجال صاحبه أبو بكر الصديق، ومن النساء زوجه خديجه بنت خويلد، ومن الصبيان علي بن أبي طالب. ومن الموالي زيد بن حارثة. استمرت هذه المرحلة ثلاث سنين. كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجتمع بالمؤمنين في دار الأرقم بن أبي الأرقم يعلمهم أمور دينهم، وبدأت عداوة قريش فحمى الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعمه أبي طالب. وأما أصحابه فمن له عشيرة أو جيرة حمته، وأما الآخرين فقد تعرضوا لأشد أنواع العذاب فكان أمية بن خلف يلقي عبده بلال على رمضاء مكة في شدة الحر، ويقول له اكفر. فلا يزيد أن يردد: أحدٌ .. أحدٌ. وكان أبو جهل يسوم عمار ووالديه سوء ¬

_ (¬1) مختصر السيرة، محمد بن عبد الوهاب ص: 35.

العذاب حتى قتل أمه سمية، فكانت أول شهيدة في الإسلام. وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول لهم: " صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ". وكان أبو بكر يشتري العبيد المعذبين فيعتقهم، فأعتق بلالاً، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، وغيرهم. * * * الدعوة الجهرية (العامة):- أنزل الله {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]. فصعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الصفا ودعا جماعته، فقال: " أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي، قالوا: نعم. ما جربنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ثم دعاهم إلى الإيمان بالله. فقال عمه أبي لهب: تباً لك. ألهذا جمعتنا؟، فأنزل الله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ... } السورة [المسد: 1 - 5]. أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو أقاربه وجماعته. ثم أنزل الله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]. فدعا الناس عامة. * * * مقاومة قريش للدعوة:- أسباب المقاومة: - كان الصراع في الجزيرة يدور لأتفه الأسباب. وظهور دين جديد يهاجم معتقداتهم سبب وجيه لمحاربته. - لم تفرق قريش بين النبوة وبين السيادة والملك. وظنوا أن الدين الجديد يسلم الزعامة لمحمد - صلى الله عليه وسلم -.

- ولأن الإسلام ساوى بين السادة والعبيد وهذا ما لم يتقبلوه. - إنكار البعث. حيث أنكروا أن تعاد الحياة للإنسان فيحاسب على أعماله. - تقليد الآباء. فقد قالوا: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [المائدة: 104]. - كما ظن أهل مكة أن الكساد سيصيبهم. إذا بطلت عبادة الأصنام وأعرض الحجيج عن مكة (¬1). رأت قريش في دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - غير ما توقعت، فقد بدأت الدعوة تنتشر بين مختلف الفئات والطبقات، فبدأت تشن عليه حرباً شاملة، فكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس في الأسواق والمنازل والأندية والمواسم، ويغتنم موسم الحج فيدعو القبائل. فكانت قريش توجه وراءه من يقول عنه أنه مجنون وساحر. فكان يلقى الصد ممن يدعوهم. اشتد أذى الكفار على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: " لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد " فكانت الهجرة إلى الحبشة. * * * الهجرة الأولى إلى الحبشة (¬2):- وكانت في السنة الخامسة من البعثة. وكانوا عشرة رجال وخمسة نسوة. وكان أميرهم عثمان بن مظعون. ولقوا هناك حسن المعاملة، وأقاموا عدة شهور، ثم عادوا إلى مكة، لما سمعوا أن قريش أسلمت، فعادت قريش إلى أذاهم. ¬

_ (¬1) التاريخ الإسلامي. د/أحمد شاكر، ص 194، 197. (¬2) السيرة/ابن هشام، جـ 1/ص 343.

إسلام حمزة بن عبد المطلب (عم الرسول - صلى الله عليه وسلم -):- أسلم في السنة السادسة من البعثة، حيث علم بعد عودته من رحلة صيد، أن أبا جهل شتم محمداً، فذهب إليه غاضباً، وشج وجهه بقوسه وقال له: تشتم ابن أخي وأنا على دينه. لما أسلم حمزة عرفت قريش أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - عزَّ، فقد كان حمزة أعزَّ فتًى في قريش. * * * إسلام عمر بن الخطاب:- أسلم في نفس العام، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد دعا: " اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين إليك " عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام (أبو جهل)، وبعد إسلامه صار المسلمون يصلون ويطوفون حول الكعبة. * * * طلب المعجزات:- كان الكفار يطلبون منه المعجزات والآيات لتعجيزه - صلى الله عليه وسلم -، فمن ذلك طلبوا منه شق القمر، فتحقق ذلك فقالوا: سحر. قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1، 2]. وسألوه أن يجعل الصفا ذهباً، قال تعالى على لسانهم: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)} [الإسراء: 90 - 93]. وهذه لم تتحقق لحكمة أرادها الله. فلو

أنها تحققت ثم كذبوا بها، لأتاهم عذاب الاستئصال كما حصل للأمم السابقة. وكانوا يرسلون إلى أهل الكتاب، يسألونهم عن أمره. قالت لهم اليهود: سلوه عن الروح، وعن رجل طواف، وعن أهل الكهف. فنزلت سورة الكهف وفيها الإجابة. واستمر العناد والضلال. * * * قول الوليد بن المغيرة في القرآن:- استمع إليه فقال عنه: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر. وإن أسفله لمغدق ... الخ، وقال ما هو بمجنون، ولا كاهن، ولا شاعر، هو ساحر، فأنزل الله {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 11 - 26]. كانوا يعلمون صدقه ونبوته، ولكنهم كفروا حجوداً. قال أبو جهل: تنازعنا وبنو عبد مناف الشرف، وكنا كفرسي رهان. فقالوا: منا نبي. فمتى ندرك هذا. والله لا نسمع له أبداً. * * * صور من أذى الكفار للنبي - صلى الله عليه وسلم -:- أخذت قريش تفكر في كل وسيلة للتخلص منه، حتى إنهم جاءوا إلى عمه أبي طالب بعمارة بن الوليد، وهو أحسن فتيان قريش. فقالوا: خذه وادفع إلينا محمد نقتله. فرفض بكل شدة. فهددوا بالحرب إن لم يفعل. فبعث إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأخبره بأمرهم، ونصحه بالكف عنهم. فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه "، فقال له عمه: والله لا أسلمك أبداً.

حصار بني هاشم في الشعب:- اجتمع بنو هاشم على نصرة محمد، فقررت قريش مقاطعتهم، فلا بيع، ولا شراء، ولا زواج، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها في جوف الكعبة، فدخل بنو هاشم شعب أبي طالب. ولبثوا ثلاث سنين حتى اشتد عليهم البلاء، حتى أنهم أكلوا من أوراق الشجر، ثم اتفق نفر من قريش على وجوب نقض الصحيفة فواجهوا بذلك قريشاً، وبعث الله (الأرضة) على الصحيفة فأتت عليها ولم تدع إلا: (باسمك اللهم) وأخبر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فأخبر عمه. فأخبر قريشاً واشترط عليهم إنهاء الحصار إذا كان الأمر كذلك، فأخرجوها، ووجدوا كما أخبر، فانتهي الحصار، وعادوا إلى مكة. * * * الهجرة الثانية إلى الحبشة وإسلام النجاشي:- لما دخل بنو هاشم في الشعب طلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المستضعفين الهجرة، فهاجروا بأمرة جعفر بن أبي طالب، وكانوا 83 رجل و19 امرأة. وأرسلت قريش برسالة وهدايا ورسل إلى النجاشي تطلب ردهم فاستمع إلى دفاعهم، فاقتنع أنهم أصحاب حق ورفض ردهم. وكتب الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي يدعوه للإسلام فأسلم. * * * وفاة خديجة - رضي الله عنها - وأبي طالب:- كانت وفاتهما، بعد انتهاء الحصار بأشهر (في السنة العاشرة من البعثة)، وقد حزن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حزناً شديداً لذلك. واشتد أذى قريش للرسول بعد ذلك؛ إذ كانا يحميانه من كل أذى. وكان أشد قريش إيذاء للرسول - صلى الله عليه وسلم - عمه أبي لهب وامرأته، وأبو جهل، وعقبة بن أبي معيط. وكان أذاهم يصل إلى درجة ضرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإلقاء القاذورات عليه أثناء صلاته.

خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف:- أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يفكر في قاعدة تحمي هذا الدين، فخرج إلى الطائف ودعاهم، فرفضوا وآذوه أشد الإيذاء، وأغروا به سفهائهم، فسبوه ورموه بالحجارة حتى دميت قدماه، فلجأ إلى حديقة لشيبة وعتبة ابني ربيعة، ثم خرج من الطائف فأرسل الله إليه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الجبلين على أهل مكة، فرفض، وقال: " بل استأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً ". * * * الجن تؤمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1):- عندما صار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمنطقة نخلة (وادي بين مكة والطائف) قام من جوف الليل يصلي فمر به نفر من الجن فاستمعوا إلى تلاوته، فلما فرغ من صلاته، ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا. وأنزل الله في ذلك سورة الجن. * * * حادثة الإسراء والمعراج:- أُسري به - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس راكباً على البراق، يصحبه جبريل، وصلى بالأنبياء - صلى الله عليهم وسلم - إماماً، ثم عُرج به إلى السموات، فقابل الأنبياء. ثم صعد إلى سدرة المنتهي، ثم إلى البيت المعمور ورأى جبريل على صورته، وكلمه ربه وأعطاه ما أعطاه. وفرض الصلاة على أمته. فلما أصبح في قومه وأخبرهم، اشتد تكذيبهما فوصف لهم بيت المقدس. ¬

_ (¬1) مختصر السيرة النبوية/محمد بن عبد الوهاب، ص 75.

وأخبرهم عن عير لهم في الطريق. فأبى الظالمون إلا كفوراً. قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]. وقال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 1 - 18]. وهذه الحادثة تعتبر تكريم للرسول، وتخفيف معاناة أذى الكفار عنه، وقد تعددت الروايات حول هذه الحادثة. والذي نراه هو ضرورة أن نؤمن بالإسراء والمعراج بصورتها الإجمالية الواردة في القرآن، دون الدخول في التفصيلات. * * * موافاة المواسم:- يئس الرسول - صلى الله عليه وسلم - من إيمان قريش، فبدأ يذهب إلى المواسم التي تقام في الأسواق مثل عكاظ وذي مجنه وغيرها فيعرض نفسه على القبائل، ويدعوها إلى الله وإلى نصرة دينه، وكذلك يعرض نفسه في مواسم الحج. وكانت قريش تحذر هذه القبائل. * * * بيعة العقبة الأولى:- كان الأوس والخزرج (سكان يثرب) سمعوا من اليهود بخروج نبي في هذا

الزمان. فلما رأوه في الموسم عرفوا أنه المقصود. فلقيه ستة من الخزرج وأسلموا على يده - صلى الله عليه وسلم -، ثم رجعوا إلى المدينة ودعوا إلى الإسلام. وفي العام المقبل، قدم منهم 12 رجلاً وامرأة واحدة، فبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - معهم مصعب بن عمير ليعلمهم القرآن والإسلام، فأسلم على يديه أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ سيدا الأوس. وبعد فترة لم تبق داراً في المدينة إلا وفيها مسلمون، وقرروا دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ونصرته في الموسم المقبل. * * * بيعة العقبة الثانية وهجرة المسلمين إلى المدينة:- قدموا إليه، فقال لهم: " أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ولكم الجنة "، فبايعوه جميعاً ودعوه - صلى الله عليه وسلم - للهجرة إلى المدينة وكانوا 73 رجل وامرأتين، ثم عادوا إلى المدينة. أذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا جميعاً فلم يبق إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر وعلي. وهو ينتظر إذن الله. * * * عوامل ساعدت على دخول الإسلام إلى يثرب:- وقبل الحديث عن هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - نقف وقفة صغيرة. لننظر للظروف التي ساعدت على دخول الإسلام إلى يثرب. ويبدو أن أهمها:- - عرب يثرب كانوا أقرب العرب إلى الأديان السماوية لكثرة ما سمعوا من مجاوريهم اليهود. - كان يهود المدينة يهددون العرب بقرب ظهور نبي وأنهم سيتَّبعونه ويبيدونهم، لذا كان العرب الأسرع إلى إتباع هذا النبي - صلى الله عليه وسلم -. - كان عرب المدينة (الأوس والخزرج) على عداء فكانت كل فئة تسارع إلى الإسلام لتقوى به على الأخرى.

الفصل الثالث الهجرة وبناء الدولة الإسلامية

الفصل الثالث الهجرة وبناء الدولة الإسلامية التآمر على قتل الرسول - صلى الله عليه وسلم -:- انزعجت قريش من هجرة المسلمين وخافت أن ينضم محمد إلى أتباعه. فيقيم لهم مركزاً حصيناً هناك، فاجتمعت قريش في دار الندوة، وحضرهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد وتشاورت في قتل الرسول - صلى الله عليه وسلم -. فأشار أبو جهل باختيار شاب من كل قبيلة من قريش ومعه سيف ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل وتقبل بنو عبد مناف الدية. فقبلوا وهنأه إبليس. فيحكي الله خبر هذه المؤامرة فيقول: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]. * * * مراحل الهجرة إلى المدينة:- الخروج من مكة:- جاء جبريل وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما اتفق عليه القوم، وأمره بالهجرة تجمع الكفار حول بيته، فخرج إليهم - صلى الله عليه وسلم - وذر التراب على رؤوسهم فغشيوا. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9].

ذهب الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر - رضي الله عنه - وخرجا معاً. ونام عليٌّ - رضي الله عنه - مكانه - صلى الله عليه وسلم - فلما استيقظ الكفار دخلوا فوجدوا عليًّا - رضي الله عنه -. مضى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه إلى غار ثور، وجدَّت قريش في طلبهما، حتى وصلوا إلى باب الغار. فقال أبو بكر: لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " ما ظنك باثنين الله ثالثهما. لا تحزن إن الله معنا ". قال تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]. كان عبد الله بن أبي بكر وعامر بن فهيرة يأتيانهما بالأخبار. وأسماء بنت أبي بكر تأتي بالطعام والشراب، ولبثا في الغار ثلاث أيام ثم سارا إلى المدينة. * * * قصة سراقة بن مالك:- جعلت قريش لمن يأتي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - مائة ناقة، فجد الناس في طلبه، وكان منهم سراقة، وكان قصاص أثر، فوجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولما اقترب منهم، دعا عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فغاصت قدما فرسه في الأرض. وتكرر ذلك، فقال: " إن الذي أصابني بدعائكما، فادعوا الله لي ولكما أن أرد الناس عنكما "، فدعا له الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ووعده حينها بسواري كسرى، (وتحققت له هذه النبوءة بعد فتح فارس). * * * قصة أم معبد:- مروا بخيمة أم معبد الخزاعية، ولم يكن عندها طعاماً أو شراباً. فمسح الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيده ضرع شاةٍ عازبة مريضة جاهدة، فتدفقت حليباً فسقاهم وشرب، ثم واصلوا السير.

دخول الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى يثرب (سنة 13 من البعثة، 1 هـ، 622 م):- كان الأنصار وهم الأوس والخزرج يترقبون وصول الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشوق. ولما وصل خرجوا إليه فرحبوا به فما فرحوا بشيء كفرحهم به. نزل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقباء خمسة أيام. فأسس مسجد قباء وهو أول مسجد أسس بعد النبوة. ثم ركب نحو يثرب، وواصل، والقبائل تأخذ بخطام راحلته، وهو يقول: " خلوا سبيلها فإنها مأمورة " حتى بركت في موضع بني النجار، فنزل عند أبي أيوب، وأقام عنده. * * * التسمية الجديدة ليثرب والتأريخ بالهجرة:- أصبحت يثرب منذ ذلك اليوم تعرف بالمدينة، وأصبح العام الذي هاجر فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدءاً للتاريخ الإسلامي، أو التاريخ الهجري. وتؤكد أكثر الروايات أن عمر بن الخطاب هو أول من أرخ بالهجرة بشكل رسمي ثابت. وكان ذلك في زمن خلافته. * * * وضع أسس المجتمع الإسلامي:- لم يقم المسلمون مجتمعاً إسلامياً في مكة. لكونهم قلة مغلوبة، وبدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة بوضع هذه الأسس العظيمة لخير مجتمع يترقبه التاريخ. وأهم أسس هذا المجتمع الجديد:- 1 - بناء المسجد النبوي:- بركت الناقة عند موضع المسجد، فأمرهم ببنائه، وبنى معهم، وكان ينقل اللبن والحجارة بنفسه، وجعل قبلته إلى بيت المقدس، وجعل عُمده الجذوع، وسقفه الجريد، وبنى حُجَر أزواجه - صلى الله عليه وسلم - إلى جانبي المسجد، فلما انتهي بنى بعائشة - رضي الله عنها - في شوال، وعرفت

يثرب يومها بمدينة الرسول أو المدينة المنورة. وكان المسلمون يلتقون في هذا المسجد للعبادة والتعلم والقضاء والبيع والشراء والاحتفالات، وكان عاملاً كبيراً في التقريب بينهم. * * * 2 - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:- آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فاقتسموا البيوت والنساء والأموال، وكانت لهذه المؤاخاة قوة أخوة النسب، وبهذه المؤاخاة خلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحدة دينية بدل الوحدة القبلية. * * * 3 - معاهدة التعاون بين المسلمين وغير المسلمين:- كان بالمدينة ثلاث طوائف: المسلمون، والعرب الغير مسلمين، واليهود (بنو النضير وبنو قريظة وبنو قينقاع)، فوضع الرسول - صلى الله عليه وسلم - معاهدة لضمان الأمن والسلام، ولخلق جو من التعاون والتسامح بين هذه الطوائف. * * * 4 - وضع الأسس السياسية والإقتصادية والإجتماعية:- الإسلام دين ودولة. فكان لزاماً وضع هذه الأسس، فاتجهت آيات كثيرة من القرآن في هذه الفترة إلى التشريع في كافة هذه الجوانب، كما شرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل ذلك بقوله وعمله (¬1). فعاشت المدينة الحياة الفاضلة، السامية، فأخوة صادقة، وتكافل تام بين أفراد المجتمع. تكون بذلك أول مجتمع إسلامي وضع الرسول - عليه السلام - أسسه الخالدة. ¬

_ (¬1) التاريخ الإسلامي/أحمد شلبي.

الفصل الرابع الجهاد في سبيل الله

الفصل الرابع الجهاد في سبيل الله سبب الجهاد والقتال:- لا توجد آية واحدة في القرآن الكريم، أو حادثة واحدة في تاريخ صدر الإسلام تشير إلى أن الإسلام انتشر بالقوة، أو أن القتال في الإسلام كان لحمل الناس على اعتناقه وسبب القتال ينحصر في رد العدوان وحماية الدعوة وحرية الدين. بعد مضي ستة شهور من الهجرة كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد وطد الجبهة الداخلية، ونظم أمورها، وبدأ يستعد للجبهة الخارجية، والقتال المنتظر. * * * تدرج الجهاد:- في البداية كان يأمرهم بالكف والصفح عن المشركين، فلما قويت شوكتهم أذن لهم ولم يفرضه عليهم. قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]. ثم فرض عليهم قتال من يقاتلهم. قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190]. ثم فُرِض قتال المشركين كافة {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36]. يقول المؤرخون إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اشترك في 27 غزوة، وقاتل في 9 منها، وأنه أرسل

أول لواء في الإسلام

ما يقرب من 60 سرية. وسنكتفي هنا بالحديث عن الغزوات والسرايا ذات الأثر في سير الإسلام. * * * أول لواء في الإسلام (¬1):- كانت بقيادة حمزة - رضي الله عنه - في 30 مهاجراً، وقد اعترضوا عيراً لقريش، ولم يتقاتلوا، ثم بعث لواء بقيادة عبيدة بن الجراح، ثم لواء عليه سعد بن أبي وقاص. وكانت عير قريش تفوتها. وكان ذلك في عام 1 هـ. * * * الغزوات في عام 2 هـ/623 م:- غزوة الأبواء: أول غزوة خرج فيها - صلى الله عليه وسلم - بنفسه مع مجموعة من المهاجرين يعترض قافلة لقريش ففاتته، ثم خرج في غزوات بوط وودان والعشيرة لاصطياد قوافل قريش ففاتته كلها، وأبقى بعض الصحابة لانتظار عودة قافلة أبو سفيان العظيمة من الشام. * * * بعث عبد الله بن جحش:- بعثه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في 18 مهاجراً إلى نخلة (بين مكة والطائف) يرصدون عير قريش، فمرت بهم عيراً، فقتلوا أميرها عمرو بن الحضرمي، وأسروا اثنين. واستولوا على القافلة، فكان ذلك أول قتل وأسر في الإسلام. فأنكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكونه في الأشهر الحرم. واشتد إنكار قريش فقالوا أحل محمد الشهر الحرام، فأنزل الله: ¬

_ (¬1) البداية والنهاية/ابن كثير، جـ 3، ص: 234.

وقعة بدر الكبرى

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ... } الآية [البقرة: 217]. * * * وقعة بدر الكبرى (17 رمضان 2 هـ/623 م):- سبب المعركة:- كان لا بد من هذه المواجهة بين محمد وصحبه وبين قريش فهو بالإضافة إلى تهديد أوثان قريش وزلزلة مكانتها الدينية، يهدد أيضاً تجارتها الصاعدة والهابطة بين مكة والشام. وحدثت حادثة صغيرة كانت هي السبب المباشر لهذه المعركة. عادت قافلة أبي سفيان من الشام، فخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في 314 مهاجراً لملاقاتها. فعلم أبو سفيان وحث قريشاً على إنقاذ قافلتهم. ولما علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - استشار الصحابة، فتكلم المهاجرون وأحسنوا فكررها، فعلم الأنصار أنه يعنيهم. فقال سعد بن معاذ: " امضِ بنا حيث شئت. فوالله لئن استعرضت بنا البحر لخضناه، وتكلم غيره. فأشرق وجه الرسول. وخرجوا. غيَّر أبو سفيان طريق القافلة فنجا. ولكن أبا جهل صمم على الخروج ومعه 950 كافراً. عسكروا في بدر، استنصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ربه، وبالغ في التضرع ومما قال: " اللهم انجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك. اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض بعد .. " فأنزل الله: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ] [آل عمران: 125]. ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالصبر والثبات.

فعاليات المعركة ونتائجها:- ونشبت المعركة وقد بدأت بالمبارزة. أنزل الله ملائكته تقاتل مع المؤمنين. فنصر الله جنده، وقتل فيها أكابر صناديد قريش كأبي جهل، وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة وغيرهم. فقتلوا سبعين وأسروا سبعين، واستشهد من المؤمنين أربعة عشر. فقسَّم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الغنائم، وأما الأسرى فقد أشار عمر بقتلهم، وأشار أبو بكر بمفاداتهم، فأخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - برأي أبي بكر، فنزل الوحي معاتباً الرسول - صلى الله عليه وسلم -، موافقاً لرأي عمر. قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67]. ونزلت سورة الأنفال في وصف هذه الغزوة. أهمية غزوة بدر:- - غزوة بدر هي الغزوة الوحيدة التي انتصر فيها المسلمون انتصاراً حقيقياً حاسماً فكانت أساساً متيناً لمستقبل الإسلام، ولذلك سماها القرآن (يوم الفرقان) لأنها فرقت بين الحق والباطل. فأعزت أهل الحق وأذلت أهل الباطل. - وقد وضعت سورة الأنفال التي نزلت في هذه المعركة أدق التعاليم الإسلامية للحروب مثل: الاستعداد لملاقاة العدو، الوحدة وعدم التنازع، الثبات في المعركة، ذكر الله عند الشدائد خاصة. - وهناك تشريعات إسلامية ارتبطت بغزوة بدر: كالشورة، والتحذير من البحث عن الأهداف المادية في الحروب، والحرص على إعلاء كلمة الله، وتشريع توزيع الغنائم، لكل هذا كانت لغزوة بدر أهمية خاصة.

غزوة بني قينقاع

ظهور المنافقين:- ظهر المنافقون بعد معركة بدر، وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول، واستمر عملهم الخفي ضد الإسلام. خروج السرايا:- خرج في عدة سرايا لتأديب من تحدثه نفسه بغزو المدينة أو الاستيلاء على قوافل قريش. * * * غزوة بني قينقاع:- وهم من يهود المدينة. نقضوا العهد فهددوا المسلمين فحاصرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقذف الله في قلوبهم الرعب ثم استسلموا فأجلاهم عن المدينة دون سلاح. * * * من أحداث سنة 2 هـ:- شرع الأذان فكان بلال هو مؤذن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفرض الصوم والزكاة. وصرف الله قبلة المسلمين من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتمنى ذلك. قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]. ولم يعجب ذلك اليهود، فأخذوا يتقولون على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} [البقرة: 145]. كذلك قامت الحدود في هذه السنة، وفرض الله الحلال والحرام.

غزوة أحد

حوادث عام 3 هـ/624 م:- * غزوة أحد في شوال 3 هـ:- سببها:- رغبة قريش في الانتقام لأنفسهم وأخذ الثأر لقتلاهم في بدر، خرج أبو سفيان على ثلاث آلاف مقاتل فعسكروا قريباً من جبل أحد. فاستشار النبي صحبه، فأشار أكثرهم بالخروج، فخرج في ألف مقاتل، وأثناء الطريق انخذل المنافق ابن أبي سلول بثلث الجيش بحجة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عصاه وخرج، ولم يأخذ رأيه. فعسكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند جبل أحد (شمال المدينة) وجعله خلفه، وجعل عليه خمسين رامياً بقيادة عبد الله بن جبير، وأمرهم بعدم النزول مهما حصل، ثم نظم الجيش، وأعطى اللواء لمصعب بن عمير. قاتل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشجاعة، وأبلى أبو دجانة (الذي أعطاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيفه)، وطلحة، وحمزة، وعليٌّ وغيرهم، فانتصر المسلمون في أول النهار مظهرين بطولة رائعة، وانهزم الأعداء. فنزل أكثر الرماة مخالفين أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لجمع الغنائم، فالتف خالد بن الوليد مع فرقة الخيالة من خلفهما فكانت مفاجأة مفجعة حيث اضطرب المسلمون وعمهم الذعر، فأثخن الكفار فيهم، فاستشهد عدد منهم (أكثر من 70) وولى البعض، وجرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكسرت رباعيته. وممن استشهد مصعب (حامل اللواء)، وحمزة بن عبد المطلب الذي قتله العبد وحشي بحربة، وحنظلة بن أبي عامر، وكان جنباً، فأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الملائكة تغسله.

انسحب المسلمون بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - نحو الجبل انسحاباً منظماً. ثم تحصنوا بهضبة عالية فعجز عنهم المشركون، فقال أبو سفيان: إن موعدكم بدر للعام المقبل. فقالوا له بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -: هو بيننا وبينكم موعد. فكان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص اختبر الله المؤمنين، وفضح المنافقين، وأكرم من أراد بالشهادة. ونزل تصوير هذه المعركة في سورة آل عمران. قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 139، 140]. وقفة عند غزوة أحد:- إن هزيمة المسلمين المشرفة في هذه المعركة أبرزت أنبل الصفات عندهم من ثبات وتضحية وصمود وعزيمة وإيمان وبطولة. ووقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - كالطود الأشم لا يتزعزع، وعندما تجمعت قوى الشر كلها ضده وقف سبعة من الأنصار يذودون عنه، وصارعوا صراعاً مريراً حتى قتلوا جميعاً. وبرزت الكثير من الأدوار البطولية العظيمة. فكانت هزيمة مشرفة فُتِّت عضد العدو، حتى أنه لم يجرؤ بعدها على الهجوم.

غزوة حمراء الأسد

غزوة حمراء الأسد:- بعد أُحد خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع من اشترك في أحد في مكان حمراء الأسد (13 كيلو عن المدينة)، ليبين لليهود والأعراب ما يتمتعون به من معنويات عالية، فخافت قريش وعادت إلى مكة، وقد كانت تريد المدينة. * * * حوادث سنة 4 هـ/625 م:- يوم الرجيع:- أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ستة من الصحابة بأمرة مرثد الغنوي، إلى الأعراب بطلب منهم ليعلموهم الدين، فلما صاروا قريباً من مكة. غدروا بهم وقتلوا أربعة. وباعوا الاثنين في مكة وهما زيد بن الدثنة. وخبيب بن عدي حيث قُتِلا هناك. * * * * حادثة بئر معونة:- أرسل 40 صحابياً أميرهم المنذر بن عمرو إلى أهل نجد ليعلموهم الدين، فلما نزلوا في بئر معونة (جنوب شرق المدينة) هوجموا. وقاتلوا حتى استشهدوا جميعاً. * إجلاء يهود بني النضير:- غدروا بعهدهم. وحاولوا قتل الرسول - صلى الله عليه وسلم -. فحاصرهم حتى استسلموا فأجلاهم عن المدينة بدون سلاح. ونزلت فيهم سورة الحشر.

* غزوة ذات الرقاع:- خرج فيها إلى غطفان في نجد، وكانوا يريدون غزو المدينة. ولم يحصل قتال. وكان الغرض إرهاب الأعراب. * غزوة بني أسد:- أرادوا غزو المدينة بقيادة طليحة بن خويلد. فأرسل لهم سرية إلى ديارهم، ففروا وغنم المسلمون. * * * تأديب هذيل:- جمع خالد الهذلي الجموع لغزو المدينة (هذيل قرب مكة) فأرسل له الرسول - صلى الله عليه وسلم - من يقتله، فقُتِل، وانفضت جموعه وانتهى أمره. * * * * غزوة بدر الآخرة:- خرج أبو سفيان بثلاث آلاف مقاتل (حسب الموعد المحدد) ورغب في نفسه عدم القتال. وخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ألف وخمسمائة. فخافت قريش وعادت. فكانت هي المتحدية وهي الفارة. * * * * غزوة دومة الجندل:- هاجمهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - تأديباً لهم، ففروا وتركوا الغنائم للمسلمين.

غزوة المريسيع

حوادث عام 5 هـ:- * غزوة المريسيع:- أراد بنو المصطلق غزو المدينة، فغزاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وملك ديارهم وأموالهم ونسائهم. ثم تزوج الرسول - صلى الله عليه وسلم - جويرية بنت الحارث (بنت زعيم القوم) فأطلق المسلمون أسراهم. وقالوا أصهار رسول الله. بعد هذه الغزوة حصلت حادثة الإفك التي اتهمت فيها عائشة رضي الله عنها في عفتها، فأنزل الله براءتها. * * * * غزوة الأحزاب (الخندق) سنة 5 هـ/626:- سبب الغزوة:- تجمعات قصد منها القضاء على الإسلام والمسلمين. خرجت قريش وغطفان والأحزاب إلى المدينة في أكثر من عشرة آلاف بتحريض من اليهود (خيبر وبنو النضير)، فاستشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه. فأشار سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة لحمايتها. فنفذوا (كان عدد المسلمين 3000) استمر الحصار شهراً. ونقضت بنو قريظة العهد واتفقت مع الأحزاب. أسلم حينها نعيم بن مسعود الغطفاني، واتفق مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على تفريق الأحزاب. فخرب بين قريظة وقريش وغطفان بحيلة بارعة فبين لكل فريق أن الآخر ضده، فتفرقوا، فأرسل الله على المشركين جنداً من الريح فقوضت خيامهما وأكفأت قدورهم ففروا. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

غزوة بني قريظة

اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]. وكانت هذه آخر غارة على المدينة. إذ أصبح المسلمون بعدها هم الأقوياء والأسياد. * * * * غزوة بني قريظة (¬1):- نقضوا عهدهم وغدروا في أحرج الأوقات فحالفوا قريشاً في الأحزاب، فحاصرهم بعد غزوة الخندق حتى استسلموا، فحكَّم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيهم سعد بن معاذ، وكان حليفهم في الجاهلية. فحكم بقتل رجالهم، وسبي نسائهم وذراريهم وهذا يتناسب جدا مع عظم جريمتهم. فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات ". * * * * تأديب الأعراب:- بعد الإنتهاء من قريش واليهود، بقي العدو الثالث وهم الأعراب. وهؤلاء أرسل إليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - العديد من السرايا، أرعبتهم وكفَّت شرهم، وأذاهم للمسلمين. ¬

_ (¬1) السيرة/ابن هشام، جـ 3/ص 252.

صلح الحديبية وبيعة الرضوان

حوادث عام 6 هـ/627 م (¬1): * صلح الحديبية وبيعة الرضوان:- خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - بـ 1500 من أصحابه، يريد العمرة، ونزل الحديبية، وفزعت قريش. بعث إليهم عثمان يخبرهم قصده. ثم أشيع أن عثمان قتل، فدعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى البيعة، فتبادر إليه أصحابه وهو تحت الشجرة (لذا سميت بيعة الشجرة أو بيعة الرضوان) بايعوه على ألا يفروا، ثم عاد عثمان.، فتصالح مع قريش. وتم الاتفاق على هدنة عشر سنوات بينهم. وأن من يأتي محمد من قريش يرده إليهم، ومن جاء قريش من محمد لا يردوه، ومن أراد عهد محمد دخله، ومن أراد عهد قريش دخله. (فدخلت خزاعة في عهد محمد وبكر في عهد قريش)، وأنهم سيعودون العام القادم لأداء العمرة. وفي الطريق أنزل الله سورة الفتح، فبشرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفتح مكة. وقفة عند صلح الحديبية:- كثير من الصحابة امتعض من هذا الصلح واستاء لهذه النتيجة. وعد نفسه مغلوباً ذليلاً، ومن بينهم عمر بن الخطاب. على أن المدقق المنصف يدرك أن هذه المعاهدة كانت عظيمة الخير للمسلمين. كبيرة النفع لهم. ومن مزاياها:- - اعتراف قريش بكيان المسلمين. ¬

_ (¬1) المصدر السابق، جـ 3/ص 363.

- إعطاء المسلمين فرصة لنشر الدعوة والتفرغ لها. - دخول خلق كثير في الإسلام بعد هذا الصلح (من هؤلاء بعض عظماء قريش كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة). كذلك أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - للملوك والحكام يدعوهم للإسلام. - أعطت هذه المعاهدة للمسلمين فرصة ليفرغوا لليهود، لذا غزا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعدها خيبر، وانتصر واكتملت معظم التشريعات الإسلامية خلال هذه الفترة. - أما شرط إعادة من يسلم من قريش إلى قريش. ولا تلتزم قريش برد من يعود لها من المسلمين، فذاك وضحه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " إن من ذهب منا إليهم فقد أبعده الله. ومن جاءنا منهم فرددناه، فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً ". وهكذا كان هذا الصلح فتحاً مبيناً كما وصفه القرآن الكريم. * * * حوادث عام 7 هـ/628 م:- * غزوة خيبر:- {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82] برهنت الأحداث طوال القرون على شدة عداوة اليهود للمسلمين حتى عندما أحسن المسلمون إليهم. كانت خيبر (في شمال المدينة) من أقوى حصون اليهود وأخطرها. وكان خطرهم

دعوة الملوك والحكام إلى الإسلام

محدقاً على المدينة. وكان يهود خيبر حرضوا على غزو المدينة، وجمعوا الأحزاب في غزوة الخندق، سار إليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وحاصرهم، حتى استسلموا، فصالحهم على شطر ثمرها وزرعها، قالت عائشة: " لما فتحت خيبر، قلنا: الآن نشبع من التمر "، بعد الغزوة أهدت زينت بنت الحارث اليهودية للرسول شاةً مسمومة، فأشعره الله بذلك فكف عنها، وأكل منها بشر بن البراء، فمات فقتلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - قصاصاً، كان ذلك في محرم سنة 7 هـ. ثم أخضع يهود وادي القرى على شطر نخيلهم. وقبل الفدية من يهود فدك ويهود تيماء وعدهم ذميين. بعد خيبر أصبح المسلمون أكبر قوة في جزيرة العرب، كما انكسرت بذلك شوكة اليهود، وإن كانت لم تزل نهائياً. * * * * دعوة الملوك والحكام إلى الإسلام:- رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الوقت أصبح مناسباً لذلك، فاليهود انتهوا، وقريش في هدنة معه، والأعراب لا بد من غزو ديارهم باستمرار، فكتب الكتب، وأرسل الرسل إلى: - هرقل إمبراطور الروم، والمقوقس حاكم مصر، وقد خافا على ملكهما منه. - المنذر بن ساوي حاكم البحرين، النجاشي ملك الحبشة، الحارث الحميري حاكم اليمن، وملكي عمان جيفر وعياد ابنا جلندي، وهؤلاء دخلوا في الإسلام. - الحارث بن أبي شمر ملك الغساسنة بالشام، وقد قتل رسول رسول الله وسب

المسلمين وهدد بغزو المدينة. - كسرى ملك الفرس، غضب ومزق الخطاب. فدعا عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فمزق الله ملكه. * * * * عمرة الحديبية:- خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه لأداء العمرة حسب صلح الحديبية، وكان عددهم (2000) فيسرها الله لهم، فقاموا بأدائها وعادوا بسلام وطمأنينة. * * * حوادث عام 8 هـ/629 م:- إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص: قدما إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ومعها عثمان بن طلحة، فأسلموا على يديه، وفرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - كثيراً بإسلامهما، وصارا بعد ذلك من أعظم قواد الفتوحات الإسلامية. * * * * غزوة مؤتة:- سبب الغزوة:- قتل الغساسنة (عمال الروم) دعاة المسلمين إلى الشام، وقتلوا الحارث بن عمير رسول رسول الله إليهم. وهدد ملكهم الحارث الغساني بغزو المدينة. فأراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعطي الروم وعملائهم الغساسِنة الصورة الحقيقية عن قوة المسلمين وأهدافهم.

سير المعركة ونتائجها:- أهمية المعركة:- أحس المسلمون أن هناك عدواً عنيداً في الشمال، وأن الإسلام لا أمن له إلا بالقضاء على هذا العدو. وكانت هذه أول حلقة في النضال للفتوحات الإسلامية خارج جزيرة العرب. أرسل جيشاً قوامة 3000 مقاتل يقودهم زيد بن حارثة، فإن قتل فالأمير جعفر بن أبي طالب، وإن أصيب فعبد الله بن رواحة. فنزلوا في معان (شمال الجزيرة العربية على حدود الشام). وقدم الروم في مائة ألف مقاتل وحلفائهم قضاعة في مائة ألف، فتشاور المسلمون ورأى الأغلبية القتال وعدم الانسحاب، استمر القتال سبعة أيام، وقتل القواد الثلاثة واستشهد عدد كبير من المسلمين، فتولى القيادة خالد بن الوليد، فانسحب بالجيش انسحاباً منظماً. وقد أثنى عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودعا لهم. * * * * معركة ذات السلاسل (1):- انزعج الروم من قوة المسلمين، فأرادوا القضاء عليهم في عقر دارهم، وكلفوا حليفتهم قضاعة بذلك، فأرسل لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - 300 مقاتل بقيادة عمرو بن العاص، وبينهم من كبار الصحابة، ثم أمدهم بـ 200 بأمرة أبي عبيدد بن الجراح. التحم الفريقان ففرت قضاعة، رغم جموعهم الهائلة، ومساعدات الروم لهم.

غزوة فتح مكة

* غزوة فتح مكة (رمضان 8 هـ/629 م):- ظروف مهدت لفتح مكة:- - القضاء على اليهود خلال فترة الهدنة والصلح. وقد كانوا أكبر نصير لقريش. - امتداد نفوذ المسلمين وإحاطته بمكة من كل جانب. - ورأت قريش نفسها تقف وحيدة ضد كل العرب. إضافة إلى انهيار تجارتها. - كما أن أحوال قريش تغيرت فقد هلك كفارها الصناديد. ودخل كثير من أبطالها المغاوير في الإسلام كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص. كل هذه الظروف فتت من عضد قريش وجعلتها تيأس من النصر. سبب الغزو:- أن قبيلة بكر (حليفة قريش) تعدت على خزاعة (كانت حليفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم أسلمت كاملة)، فأعانت قريش حليفتها، فنقضت بذلك صلح الحديبية، فاستنجدت خزاعة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - فخافت قريش، وأرسلت زعيمها أبي سفيان ليعتذر ويطيل مدة الهدنة ففشل وعاد خائباً. وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بالجهاز لفتح مكة. كتب الصحابي حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يعلمها وأرسل الرسالة مع امرأة فأخبر الله رسوله بذلك. فكلف عليًا والزبير فعادا بالكتاب. فبكى حاطب، وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل ذلك ليتخذ عندهم يدًا فلا يأذوا أهله، فسامحه، وحاطب من أهل بدر.

فمضى المسلمون (وهم أكثر من 10.000 مقاتل) وعسكروا قرب مكة، وقدم أبو سفيان زعيم قريش إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأسلم فدعا له الرسول - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل في المسجد فهو آمن " ولم يسمح له بالمغادرة حتى رأى مواكب الجيوش الإسلامية. ثم دخل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مكة من أعلاها وهو واضعاً رأسه تواضعاً لله بما أكرمه. ولم يلق المسلمون مقاومة تذكر. واستسلمت مكة فدخل الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسجد، حوله المسلمون، فطاف وفي يده قوس، وحول البيت أكثر من 360 صنم فجعل يطعنها ويقول: " جاء الحق وزهق الباطل " والأصنام تتساقط على وجوهها، فالتفت إلى أهل مكة وقال: " يا معشر قريش. ما ترون أني فاعل بكم " قالوا: خيرًا. أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء (وهذا منتهي العفو والتسامح والكرم من الرسول - صلى الله عليه وسلم -) ثم بايعته قريش، وأسلمت كلها. وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقتل نفر ولو تعلقوا بأستار الكعبة، فقتل بعضهم وأسلم البعض، ثم أرسل الصحابة لهدم الأصنام في مكة وحولها. * * * أهمية فتح مكة:- استسلام مكة مهد الطريق لاستسلام الجزيرة العربية كلها. فقد أصبح المسلمون سادة الكعبة وحماة البيت الحرام. ووصلت سيرتهم الطيبة إلى كل مكان. فكان ذلك مطلع عهد جديد سعيد على الإسلام والمسلمين، وكان هدف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة تطهير الجزيرة كلها من أعداء الإسلام وخلق وحدة إسلامية موحدة مترابطة. وهذا ما تحقق.

غزوة حنين

* غزوة حنين:- سبب الغزوة:- خضعت أغلب الجزيرة العربية لنفوذ الإسلام. ولم يبق خارجاً عليه إلا قبائل هوازن وثقيف. وكان لا بد من المواجهة بينهم وبين المسلمين. حنين موقع بين مكة والطائف:- بعد ما سمعت هوازن بفتح مكة، خرجت لقتال الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقيادة مالك بن عوف ومعهم نسائهم وأموالهم لكي يستميتوا في الدفاع عنهم، فخرج إليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في 12000 مقاتل. فاغتر المسلمون يومها بكثرتهم وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة فنشب القتال في حنين، حيث انقض الكفار على المسلمين من الشعاب والمرتفعات، فاضطرب المسلمون وتفرقوا وانهزموا، ولم يثبت إلا قلة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -. فنادى الرسول - صلى الله عليه وسلم -: يا أصحاب بيعة الرضوان. يا للأنصار. فاجتمعوا وثبتوا حتى انتصروا وانهزم الأعداء، وتركوا أموالهم ونسائهم وفروا إلى الطائف وتحصنوا بها مع ثقيف، وكانت غنائم هائلة. وأعطى الرسول - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم الكثير منها ومنهم أبو سفيان وأبنائه. فكانت حنين درساً لمن قال: لن نغلب اليوم من قلة. قال تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ

غزوة الطائف

سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 25، 26]. * * * * غزوة الطائف:- وهي امتداد لغزوة حنين، حيث سار الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف لقتال هوازن وثقيف، وكانت حصونهم منيعة جداً، ومؤنهم كثيرة. فلم يأذن الله بفتحها، وطال حصارها، فدعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: اللهم إهد ثقيفاً وأت بهم مسلمين. وعاد بعدها للمدينة. وبعد زمن قصير أسلمت هوازن وأسلم زعيمها مالك بن عوف، ورد لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أموالهم وسباياهم. وبعد غزوة تبوك أرسلت ثقيف وفدها معلنة إسلام أهل الطائف. * * * أهمية غزوة حنين والطائف:- بعد هذه الغزوة أصبحت الجزيرة العربية لأول مرة في التاريخ دولة متحدة قوية تدين بدين واحد، ولها مبادئ وحضارة. * * * حوددث عام 9 هـ/630 م:- * غزوة تبوك:- سبب الغزوة: تناهى إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الروم جمعت جموعها الهائلة بالشام لغزو المدينة، والقضاء على الإسلام والمسلمين. فأمر الناس بالتجهز للخروج، وسمى ذلك

خبر المتخلفين (عن غزوة تبوك)

الجيش بجيش العسرة لجدب الأرض وشدة الحر، حتى إن المنافقين أعلنوا نفاقهم وتخلفوا عن ركب الجيش، وأنفق المسلمون بسخاء على هذا الجيش، فجهز عثمان نصف الجيش لوحده، وتصدق أبو بكر بكل ماله، وتصدق عمر بنصف ماله، فخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك، وكان تعداد الجيش ثلاثين، وقيل أربعين وقيل سبعين ألف مقاتل. ولم يجد أثراً للروم، فقد ارتاعوا وتقهقروا إلى داخل بلادهم مدافعين. وعسكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بجيشه عند تبوك حيث أرهب الأعداء، ثم آتاه أهل آيلة وجربا وأذرح وأعطوه الجزية، وعاد للمدينة بعد بضع عشرة ليلة، وكانت آخر غزوة غزاها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنفسه. * * * خبر المتخلفين (عن غزوة تبوك):- في غزوة تبوك كانت قصة تخلف كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وهم ممن شهدوا بدراً. ولم يكن لهم عذر في التخلف، فقاطعهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون حتى أنزل الله فيهم {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ... } {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 117، 118]. * * * وفود العرب (عام الوفود):- أنزل الله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر: 1 - 3]. بعد إسلام قريش وهي سيدة القبائل أسلمت كل قبائل الجزيرة، فأرسلت وفودها

حجة الوداع

إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لإعلان إسلامها وسمي ذلك العام (9 هـ) عام الوفود. وهكذا عمت الدعوة الإسلامية شبه الجزيرة العربية، ونعم محمد - صلى الله عليه وسلم - بأن رأى زرعه يثمر، ودين الله ينتشر على يديه. * * * * حجة 9 هـ:- بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أميراً على الحج، ونزلت سورة براءة (التوبة) في نقض ما بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمشركين من عهود، فأعلن أنه لا يحج بعد العام مشرك. ومن له عند رسول عهد فهو إلى مدته. * * * حوادث عام 10 هـ/631 م:- * حجة الوداع:- حج الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين في هذه السنة (وهي حجته الوحيدة) وخرج معه قريباً من مائة ألف حاج، فعلم الناس مناسكهم وسنن حجهم وهو يقول: " خذوا عني مناسككم فلعلكم لا تلقوني بعد عامكم هذا " وخطب خطبته التي بين فيها منهاج المسلمين. ومنها: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم "، ومنها: " إني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي "، ومنها: " أيها الناس إن ربكم واحد. وأباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى "، وعاد بعدها للمدينة وبدأ به مرض الموت.

بعث أسامة بن زيد

حوادث عام 11 هـ/632 م:- بعث أسامة بن زيد:- جهز الرسول جيشاً لقتال الروم في البلقاء (الأردن) بقيادة أسامة بن زيد بن حارثة (وعمره 18 عاماً) وفي الجيش كبار الصحابة، ولم يخرج الجيش لمرض الرسول - صلى الله عليه وسلم -. * * * مرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووفاته:- بدأ به الوجع والحمى، فاستأذن نسائه أن يُمَرّض في بيت عائشة، فأذنّ له، وفي آخر مرة صعد فيها المنبر، كان مما قاله: " أوصيكم بالأنصار خيراً. فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم. فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ". ولما اشتد به المرض قال: مروا أبا بكر، فليصلِّ بالناس. ثم تُوفي - صلى الله عليه وسلم - في ضحى يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام 11 هـ/632 م، وكان عليه السلام في الثالثة والستين من عمره. وأصاب المسلمين حزن عظيم. ولم يصدق عمر بموت الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فخطب فيهم أبو بكر وقال: " يا أيها الناس إنه من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات. ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت. ثم تلا {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. فأفاق الناس، وأفاق عمر حتى إن عمر قال: " والله ظننت أنه ليس في القرآن هذه الآية حتى ذكرنيها أبو بكر "

أسس الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدولة الإسلامية الأولى في المدينة. وقامت هذه الدولة على أسس العدل والمساواة والحب والتكافل الاجتماعي التام، فاكتمل منهجها، وضبط نظامها، الذي يجب أن يسير المسلمون على خطاه. رحم الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - لقد كان نفحة سماوية أمدها الله بالتأييد، حباها كريم الصفات ونبيل السجايا. ومنح العالم على يده ديناً جديراً بأن يكون خاتم الأديان لما يكفله للبشرية من تنظيم أمور الدين والدنيا (¬1). * * * ¬

_ (¬1) موسوعة التاريخ الإسلامي/د. أحمد شلبي، 1/ 361.

الباب الثالث عهد الخلفاء الراشدين (11 - 41 هـ) (632 - 661 م)

الباب الثالث عهد الخلفاء الراشدين (11 - 41 هـ) (632 - 661 م) قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ " رواه أبو داود والدارمي والترمذي وابن ماجه وابن حنبل

تقييم هذه المدة:- لم تتجاوز الخلافة الراشدة 30 عاماً، وقد تميزت بأن الخلفاء ساروا على نهج رسول الله تماماً، حسب الطريق المستقيم الذي ارتضاه الله لعباده، فكانت هذه الفترة هي الصورة الصحيحة للحكم الإسلامي، وللدولة الإسلامية. وهذه الصورة يجب أن تكون القدوة لكل حاكم يريد لنفسه السعادة في الدارين، ولشعبه الصلاح والحياة السعيدة. وقد بلغت الحضارة في هذه المدة أوجها، والمقصود هنا الحضارة الإنسانية النابعة من العقيدة، والتي تسعى لتحقيق سعادة الإنسان. حيث حصل الأفراد على السعادة التامة في المساواة والعدل والأمن والطمأنينة، والحاجات الأساسية. وفي أواخر هذه المدة، ظهرت الفتن التي عصفت بالمسلمين، وفرقتهم إلى أحزاب وفرق، ولا زالوا إلى الآن على هذا الحال، فالله المستعان.

الفصل الأول أبو بكر الصديق

الفصل الأول أبو بكر الصديق (11 - 13 هـ) (632 - 634 م) حياته في الجاهلية:- هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، وبنو تيم أحد بطون قريش الاثنى عشر وهي ليست من البطون الكبيرة. يلقب بالعتيق، ويكنى بأبي بكر، ويعرف بالصديق، وكان في الجاهلية من وجهاء قريش وأشرافهم، وكان أعرف قريش بالأنساب، وكان تاجراً يرتحل البلاد، حرَّم على نفسه الخمر في الجاهلية، ولم يسجد لصنم قط، وكان صديقاً ونديماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية، دخوله في الإسلام وسبقه رفعه عمن سواه وأشهره، وهو يعد الشخص الثاني في الإسلام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * حياته في الإسلام:- كان أول من أسلم من الرجال، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " ما حكمت في الإسلام أحداً إلا أبي عليّ، وارجعني الكلام، إلا ابن أبي قحافة، فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله واستقام عليه "، وصحب أبو بكر النبي - صلى الله عليه وسلم -

بيعته

من حين أسلم إلى أن تُوفي، وهاجر معه وكان صاحبه في الغار أثناء الهجرة {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وشهد مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - المشاهد كلها، وثبت يوم أحد وحنين، وقد فرَّ الناسُ، وكان من أشجع الناس، يثبت في المعارك، ولا يحيد خطوة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يدافع ويذود عنه، وكان كريماً، أنفق معظم ماله في سبيل الله، وهو المقصود بقوله تعالى {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - " ما نفعني مالٌ قط ما نفعني مال أبي بكر ". في غزوة تبوك تصدَّق بكل ماله لتجهيز الجيش، وكانت راية المسلمين في يده في هذه الغزوة، أسلم على يده عدد كبير من كبار الصحابة، منهم عثمان بن عفان، والزيير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وقد اشترى وأعتق عددا من المعذبين منهم بلال بن رباح، وعامر بن فهيرة، وزنيرة وغيرهم، بعثه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أميراً على الحج في عام 9 هـ/630 م. وعندما مرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرض الموت، قال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس ". بيعته:- بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، شعر الأنصار، وهم أهل المدينة، أنهم بحاجة إلى اختيار خليفة يتولى شؤون المدينة، وأمر المسلمين، وإلا تعرضت المدينة للتهديد، وقد ظنوا أن المهاجرين ربما يعودون إلى موطنهم مكة، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وتشاوروا بينهم، واتفقوا على اختيار سعد بن عبادة، فبايعوه بالخلافة. علم المهاجرون، فجاء أبو بكر وعمر والزبير وغيرهم، فخطب أبو بكر ومما قاله: إن العرب لا تعرف هذا

أعماله وفتوحاته

الأمر إلا لقريش، وأكد عمر على ذلك. فاقتُرِح أن يتولاها مهاجري ثم أنصاري وهكذا. وقوبل هذا بالرفض، ثم اقترح بعض الأنصار: أن يكون من المهاجرين أمير، ومن الأنصار أمير، ورفض هذا الرأي، وعندما رأى الأنصار أن المهاجرين سيبقون في المدينة، ولن يغادروها، اقتنعوا بأنهم أولى بهذا الأمر، فوافقوا، فتقدم عمر وبايع أبا بكر، ثم بايعه كل أهل السقيفة، وفي اليوم الثاني بايعه الناس البيعة العامة، وخطب في المسجد، فكان مما قاله: " أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم ". * * * أعماله وفتوحاته:- كانت فترته قصيرة (سنتين و3 شهور)، وكانت مليئة بالأعمال الجليلة، أهمها:- إنفاذ جيش أسامة بن زيد:- اقترح الكثيرون عدم إرسال هذا الجيش، نظراً لردة أغلب سكان الجزيرة، وإحداق الخطر بالمدينة، ورغم ذلك أنفذه أبو بكر، تنفيذاً لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - مهما كانت النتائج، وفي إرسال هذا الجيش بيان للجميع بقوة المسلمين المادية والمعنوية، وعاد الجيش منتصراً، وكان ذلك سبباً في ثبات الكثيرين على الإسلام. * * * حروب الردة:- بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ارتدت كل الجزيرة عن الإسلام، ما عدا مكة والمدينة والطائف، فقسم من المرتدين عادوا إلى الكفر واتباع مدّعي النبوة، وقسم امتنعوا فقط عن دفع الزكاة، فأشار الصحابة بعدم قتالهم نظراً للظروف الحرجة،

ولخروج جيش أسامة بن زيد فرفض بكل شدة، وقال قولته المشهورة " والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لجاهدتهم عليه ". بمجرد أن شيَّع أبو بكر جيش أسامة جعل الصحابة على منافذ المدينة لحراستها، وأمر المسلمين بالتواجد في المسجد للطوارئ خوفاً من مهاجمة المدينة، وحصلت غارة فردوها، وكان يخرج بنفسه إلى المنافذ. جاءت بعد فترة قصيرة صدقات كثيرة، ومن جهات عديدة، وبعد شهرين عاد جيش أسامة منتصراً كما أسلفنا. فعقد أبو بكر (11) لواءً لقتال المرتدين في كل الجزيرة. انطلق خالد وقاتل أسد وغطفان وعامر، وكان يقودهم طليحة بن خويلد الأسدي (مدعي النبوة)، فالتقاهم خالد عند بئر بُزاخة، فنكَّل بهم، حتى انهزموا وتابوا. ثم سار إلى منازل بني يربوع وبني تميم بالبطاح، وقد تنبأت فيهم سجاح، وقاتلهم، فقتل قائدهم مالك بن نويره وأخضعهم. * * * * معركة اليمامة (11 هـ/632 م):- ثم سارت الجيوش إلى بني حنيفة في اليمامة، وقد تنبأ فيهم مسيلمة الكذاب، نشب قتال ضاري. وانتصر المسلمون أخيراً. وقتل مسيلمة، وتاب القوم وعادوا إلى الإسلام، وقد استشهد في المعركة عدد كبير من الصحابة، ومن حملة القرآن. وهذا ما حمل أبو بكر فيما بعد إلى التفكير في جمع القرآن بين دفتي مصحف. أرسل أبو بكر جيوشاً بقيادة حذيفة بن محصن وعرفجة بن هرثمة وعكرمة إلى

أهل عمان ودبا ومهرة، فأخضعا تلك الجهات. ثم أخضعت بحران وحضرموت واليمن، وكان قد تنبأ فيها الأسود العنسي. ومن قوادها المشهورين المهاجر بن أبي أمية، وعكرمة بن أبي جهل. أرسل العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، فأخضعها ودانت له. ثم أخضعت باقي الجهات بالقتال أو عادت إلى الحق بدون قتال، فاستقرت الأمور في الجزيرة العربية، ودانت أطرافها، ورفرف الإسلام عليها.

الفتوحات الإسلامية

الفتوحات الإسلامية:- انتهت حروب الردة، وكان لا بد من الجهاد، وأعداء الدولة كانوا الفرس والروم، وهما أعظم إمبراطوريتين في ذلك الوقت، ولحسن الحظ إنهما كانتا على خلاف وعدم اتفاق وهذا ما سهل مهمة المسلمين، فقاتلوا على جبهتين في وقت واحد. 1 - الجبهة الشرقية (الفرس):- سيطر الفرس على مناطق واسعة، تشمل العراق، وغرب الشام، وشمال الجزيرة، وخضعت لهم كثير من القبائل العربية، وكانت هذه القبائل تعمل على توطيد سلطان الفرس في مناطقها. قاد الجيوش الإسلامية في تلك الجهات خالد بن الوليد، والمثنى بن حارثة، فحققوا انتصارات، ففتحوا الحيرة وبعض المدن العراقية، منها الأنبار ودومة الجندل والفراض وغيرها. بعدها أمر الخليفة خالداً بالتوجه للإنضمام إلى جيوش الشام. 2 - الجبهة الغربية (الروم):- سيَّر أبو بكر إلى الشام الجيوش التالية:- 1 - جيش بقيادة يزيد بن أبي سفيان إلى دمشق. 2 - جيش بقيادة عمرو بن العاص إلى فلسطين. 3 - جيش بقيادة شرحبيل بن حسنه إلى الأردن.

4 - جيش بقيادة أبو عبيدة بن الجراح إلى حمص (وله القيادة العامة)، وكان مجموعها (21000) مقاتل، وعكرمة بن أبي جهل احتياطي في الخلف ومعه (6000) مقاتل. تعبأت جيوش الروم، فوصلت أعدادهم إلى 240 ألف مقاتل. * * * * بداية مكركة اليرموك (13 هـ/634 م):- فأمر الخليفة خالد بن الوليد -كما ذكرنا- بالتوجه بجيشه إلى الشام، وتولي القيادة العامة، فنفذ الأمر، وقام برحلة تاريخية متخطياً الصحاري الشاسعة الغير مأهولة. فوصل إلى الشام بعد 18 يوم، تجمع المسلمون، ووصل عددهم إلى 36 ألف. ونظم خالد الجيش وقسمه، وكان ذلك على رافد من روافد نهر الأردن ويسمى (اليرموك)، نشب القتال، وكان عنيفاً، وأثناء ذلك جاء البريد بموت الخليفة أبو بكر وتولية عمر، وعزل خالد عن القيادة، وتأمير أبي عبيدة، وذلك في جمادى الآخرة عام 13 هـ/634 م. ملاحظة: مما يذكر بالفخر والإعجاب لخالد تلقيه خبر العزل برضا وقبول مع أنه كان في أوج نصره، واستمر يقاتل بجد وإخلاص تحت إمرة القائد الجديد. وقد سبق أن وقف أبو عبيدة نفس هذا الموقف الرائع عندما طلب منه أبو بكر أن يسلم القيادة العامة لخالد. إنها في الحقيقة نماذج إسلامية رائعة، ستظل ذكراها عطرة على مر السنين.

جمع القرآن الكريم

نرى قلة الفتوحات في عهد أبي بكر، للأسباب التالية: 1 - قصر مدة خلافته (سنتين، وثلاثة أشهر). 2 - الانشغال بحروب الردة التي شملت كل الجزيرة العربية. 3 - ومع ذلك فإن المعارك التي جرت في عهده ضد الفرس والروم، دوخت أعداء الإسلام، وأظهرت قوة المسلمين وإمكاناتهم. ومن الأعمال الجليلة التي تمت في عهده جمع القرآن الكريم. * * * جمع القرآن الكريم عام 12 هـ/633 م:- أمر الصديق زيد بن ثابت أن يجمع القرآن من اللحاف والعسب وصدور الرجال، وذلك بعد استشهاد عدد كبير من القراء في معركة اليمامة، بقصد المحافظة على القرآن من الضياع، وكان عمر قد أشار عليه بذلك، فجمع القرآن بين دفتي مصحف واحد، فكان هذا أول جمع للقرآن. * * * وفاته:- لما شعر أبو بكر بمرض الموت واشتد عليه، أراد أن يولي خليفة بعده حتى لا يختلف المسلمون، فوقع اختياره على عمر، فاستشار كبار الصحابة، فكلهم أيد ذلك فكتب وصيته بذلك، ثم بايع عمر، ومات الصديق بعدها بأيام. وكان ذلك في جمادى الآخرة عام 13 هـ/634 م، رحم الله أبا بكر، لقد قام بأعمال جدُّ جليلة، وتمثلت فيه كل المعاني الإسلامية السامية.

الفصل الثاني عمر بن الخطاب

الفصل الثاني عمر بن الخطاب (13 - 23 هـ) (634 - 643 م) حياته في الجاهلية: هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، من بني عدي بن كعب، وهم بطن صغير من قريش، لم يكن في جاهليته صاحب مركز أو شهرة، بل كان فرداً عادياً، ولولا الإسلام لما اشتهر، ولا عرفه أحد بعد ذلك. وعُرِف بالجلافة والقسوة والشجاعة المفرطة، كما عرف عنه عناده للإسلام، وشدة إيذائه للمؤمنين في جاهليته، أسلم في السنة السادسة من البعثة، فيكون عاش 35 سنة في الجاهلية، و 30 سنة في الإسلام. * * * حياته في الإسلام:- قصة إسلامه: اتجه يوماً غاضباً إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليقتله، فقابله نعيم بن مسعود، وهو مؤمن ومن قومه، فلما عرف قصده خاف على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقال لعمر: هلا بدأت بأهل بيتك إن أختك فاطمة وزوجها سعيد بن زيد قد أسلما، فاتجه إليهما وهو في أشد الغضب، فلما وصل سمع تلاوة داخل البيتِ، وقد كان عندهما خباب بن الأرت

يتلو سورة طه، فدخل وبطش بسعيد بن زيد فقامت أخته تدافع عن زوجها، فلطمها، فسأل الدم منها، فلما رأى ذلك رق قلبه، فطلب الصحيفة التي فيها الآيات، فرفضا إلا أن يغتسل فاغتسل، فقرأها، فقال: ما أحسن هذا الكلام!! فقال خباب: أرجو أن يكون الله خصك بدعوة نبيه، فإني سمعته يقول: " اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين " عمرو بن هشام (أبو جهل)، أو عمر بن الخطاب. فقال عمر: دلني على محمد. فذهب به إليه، وكان عنده الصحابة، فأسلم، فسُرَّ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بذلك أعظم السرور. قال عبد الله بن مسعود: إن إسلام عمر كان فتحًا، وإن هجرته كانت نصرًا، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلى عند الكعبة، فصلينا معه، وسماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - الفاروق، ولم يكن يجرؤ أحد من قريش على إيذائه. كان جريئًا شجاعًا، لما عزم على الهجرة إلى المدينة طاف بالكعبة، وصلى ثم قال: من أراد أن تثكله أمه فليلقني خلف هذا الوادي، فخرجا ولم يلقه أحد، وكان من الصحابة الذين يستشيرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولربما نزل الوحي بما يؤيد رأيه. فبعد غزوة بدر استشار النبي أصحابه فيما يفعل بالأسرى، فأشار عمر بقتلهم، وأشار أبو بكر بفدائهم، فأخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - برأي أبي بكر، فأنزل الله وحيه مؤيدًا لرأي عمر، ومعاتبًا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67].

مبايعته

كان يتمنى تحريم الخمر، فنزل القرآن بذلك فطابت نفسه، كذلك كان يتمنى فرض الحجاب وبخاصة على نساء النبي، وطابت نفسه عند نزول آية الحجاب. وعندما تُوفي رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، وأراد النبي الصلاة عليه، جادله عمر وناقشه، فنزل الوحي بعد ذلك مطابقًا لرأي عمر. قال تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]. وقد حضر عمر المشاهد كلها مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكان من الملازمين له في المعارك لا يفارقه أبدًا، يدافع ويذود عنه، وكان لا يجتهد بل ينفذ كلام الله ورسوله حرفيًا، ويُعد عمر الصحابي الثاني بعد أبي بكر الصديق. وفي عهد الصديق، كان عمر مستشاره، واليد اليمنى له، والمشارك له في تسيير شؤون الدولة. مبايعته:- عندما مرض أبو بكر وشعر بالموت، أراد أن يولي خليفة على المسلمين حتى لا يقع الخلاف بينهم، فوقع اختياره على عمر، فاستشار كبار الصحابة، فأيدوه، فبايعه، وبايعه المسلمون، ومات أبو بكر بعد ذلك بأيام. * * * الفتوحات:- تمت في عهد عمر أعظم الفتوحات الإسلامية على مر العصور، فقد تم طرد الروم وإنهاء وجودهم في الشام، وتم القضاء على الإمبراطورية الفارسية تمامًا، ثم انتقل القتال إلى مصر وشمال أفريقية وجزر البحر المتوسط.

أولا الجبهة الغربية (فتوحات بلاد الشام)

أولًا: الجبهة الغربية (فتوحات بلاد الشام):- * معركة اليرموك (14 هـ/635 م):- عندما تولى عمر الخلافة، كان المسلمون بقيادة ابن الوليد مجتمعين أمام جموع الروم الهائلة، (تجاوزوا 200 ألف مقاتل، والمسلمون حوالي 24 ألف فقط) نشب القتال، فكانت معركة حامية، زلزل الله فيها الكفار، ففر الروم وتابعهم المسلمون فأسروا وغنموا الكثير. * * * * فتح دمشق وبقية مدن الشام:- ثم تقدمت الجيوش الإسلامية بقيادة أبي عبيدة ومعه خالد نحو مدن الشام، فاستولت على فحل بيسان ثم دمشق فحمص، وبعدها قنسرين وقيسارية والبقاع وبعلبك. ثم فتحوا أجنادين. ومدن الجزيرة (الرها ونصيبين) وغيرها. * * * * فتح بيت المقدس عام 15 هـ/636 م (¬1):- حاصرت الجيوش الإسلامية بيت المقدس، فطلب حكامها أن يقدم عليهم عمر بنفسه ليستسلموا له، فقدم إلى الشام، فسلموا له مفتاح بيت المقدس، وصالحهم على الجزية، وصلى بالمسلمين في المسجد الأقصى. وتم فتح حلب ومنبج وإنطاكيه وحران والرها وباقي المدن صلحًا. ¬

_ (¬1) البداية والنهاية/ابن كثير، جـ 7/ص 55.

* فتح سواحل بلاد الشام:- تولى معاوية بن أبي سفيان فتح المدن الساحلية بأمر أبي عبيدة، ففتح صور وصيدا وبيروت وطرابلس. بذا أصبحت بلاد الشام كلها بيد المسلمين وتم طرد الروم منها. وهكذا تم فتح سوريا وفلسلطين. * * * * فتح مصر 20 هـ/640 م:- كان لا بد من الزحف لفتح مصر، بعد فتح سوريا وفلسطين، فهي كانت خاضعة للروم، ولن يستقر الأمر للمسلمين إذا لم يتم فتحها، فكان ذلك. لما فتح عمرو بن العاص فلسطين، استأذن من عمر أن يفتح مصر، فوافق فسار إليها، وعرض الإسلام أو الجزية أو القتال (كما يفعل المسلمون قبل كل قتال) نشب القتال، وانتصر المسلمون، وفُرِضت الجزية عليهم، ثم تقدم المسلمون، وفتحوا الإسكندرية (مقر المقوقس) وكانت عاصمة مصر، وبنوا هناك مدينة الفسطاس (مكان خيمة عمرو بن العاص). وفتحوا بقية المدن وفرضوا الجزية عليها، وهكذا أصبحت مصر تابعة للخلافة الإسلامية. * * * * فتح برقة (ليبيا):- ثم سار عمرو بن العاص غربًا وفتح برقة ثم زويلة، فطرابلس وصبراته وشروس، ومنعه عمر أن يتقدم أكثر من ذلك غربًا.

ثانيا الجبهة الشرقيه (مع الفرس)

ثانيًا: الجبهة الشرقيهَ (مع الفرس):- بعد فتح دمشق عاد جيش خالد إلى العراق بأمر الخليفة، كما أرسل جيشًا بقيادة أبا عبيد بن مسعود الثقفي، ثم أضاف مددًا بإمرة جرير البجلي، ساروا باتجاه الكوفة، وتلاقيا، والتقيا بجيش من الفرس، فهزمهم المسلمون. * * * * معركة النمارق 13 هـ/634 م:- التقى أبو عبيد الثقفي بالفرس في النمارق (بين الحيرة والقادسية) فألحق بهم هزيمة منكرة، ففروا إلى المدائن. * * * * معركة الجسر: 13 هـ/634 م:- أرسل الفرس جيشًا كثيفًا لقتال المسلمين، فجرت معركة عنيفة، استشهد فيها القائد أبو عبيد، والقواد الذين بعده، فتولى القيادة المثنى بن حارثة وواصل القتال، ثم انسحب بالمسلمين، وقد جرح جرحًا بليغًا، وقد قتل وغرق من المسلمين كثير. معركة البويب: رمضان 13 هـ/634 م:- كانت قرب الكوفة، وبقيادة المثنى، وانتصر فيها على الفرس انتصارًا ساحقًا، ثم جاء مدد بقيادة سعد بن أبي وقاص، وأمر بتعيينه قائدًا عامًا. * * * * معركة القادسية الكبرى: محرم 16 هـ/637 م:- قدم سعد مع الجيوش الإسلامية، فعسكر في (القادسية) وأرسل يزدجرد كسرى الفرس قائده رستم على 120 ألف مقاتل، ومثلهم مددًا، أرسل سعد رسلًا إلى رستم

فقاموا بعرض الإسلام أو الجزية أو القتال، وقد تجلى في هؤلاء الرسل أنفة الإسلام وعزته، فمما قالوه: جئنا لنخرجكم من عبادة العباد إلى عبادة الله، وقالوا " جئنا لموعود الله إيانا، أخذ بلادكم وسبي نسائكم وذراريكم وأخذ أموالكم. ونحن على يقين من ذلك ". وقد أضعف هذا الكلام معنويات الفرس. نشب القتال. واستمر عنيفًا لمدة أربعة أيام، استخدم الفرس فيلة ضخمة ففقأ المسلمون عيونها، فرجعت على الفرس وقتلتهم، انتهت المعركة بانتصار عظيم للمسلمين، فقد قتل قائد الفرس ومعظم جنده، وغنم المسلمون غنائم هائلة جدًا، وبشروا الخليفة بذلك. * * * فتح العاصمة وبقية المدن وإنهاء الإمبراطورية الفارسية:- تقدم المسلمون نحو المدائن، التقوا بعدة جيوش من الفرس فسحقوهم فتحصن الفرس أخيرًا بمدينة (بهرسير) الحصينة في المدائن. ثم فروا إلى داخل المدائن، فتبعهم المسلمون (¬1). * * * * فتح المدائن: صفر 16 هـ/637 م:- دخل المسلمون المدائن وهي عاصمة الفرس ومركز حكمهم، وكانت خالية فقد فرَّ كسرى فارس (يزدجرد) وفرَّ أهلها، سكن سعد في القصر الأبيض (قصر يزدجرد) واتخذ الإيوان مصلى، وغنم المسلمون غنائم هائلة من خزائن كسرى، فتلا سعد قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا ¬

_ (¬1) المصدر السابق، جـ 7/ص 64.

فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 25 - 29]. وهكذا سقطت العاصمة الفارسية العريقة في أيدي المسلمين. ولا شك أن سقوطها آذن بالإنهيار الكامل للإمبراطورية الفارسية. * * * * فتح جلولاء:- وهي المدينة التي فرَّ إليها يزدجرد، وتجمع معه الفرس هناك، فتحصنوا بها، فتقدم إليها المسلمون وفتحوها، وانتصروا انتصارًا عظيمًا، ولم تقل غنائمها عن المدائن. ثم فتح المسلمون حلوان، تكريت، الموصل، ماسبذان، الأهوز، تستر، السوس، جنديسابور. وقبض المسلمون على الهرمزان وهو من أكابر الأمراء وأرسلوه إلى عمر مع الغنائم. * * * * فتح إصطخر 17 هـ/638 م (¬1):- سار إليها العلاء بن الحضرمي (والي البحرين) بحرًا بدون إذن الخليفة، وحقق بعض الانتصار فحاصرهم الفرس، أرسل عمر مددًا، فتحقق الانتصار الرائع، وفتحت المدينة. ¬

_ (¬1) المصدر السابق جـ 7/ص 83.

* فتح نهاوند (فتح الفتوح) 21 هـ/641 م:- أراد عمر أن يسير بنفسه لإكمال قتال الفرس، فمنعه الصحابة، فسير النعمان بن مقرن المزني إلى نهاوند على 30 ألف. ووصلت جموع الفرس إلى 150 ألف مقاتل نشبت المعركة، وكانت حامية، قتل فيها من الفرس أكثر من 100 ألف، وتجلل وجه الأرض بجثثهم، وقتل قائدهم (الفيرزان) واستشهد النعمان في المعركة، وتولى بعده حذيفة بن اليمان، ففتحت نهاوند، وكان نصرًا عظيمًا مبينًا. ثم واصل المسلمون تقدمهم، وفتحوا أصبهان، وقاشان (قم) وكرمان. * * * انسياح المسلمين في فارس (22 - 23 هـ) (642 - 643 م):- كان عمر يرفض انسياح المسلمين في فارس الواسعة، خوفًا عليهم من الضياع حتى أقنعه الأحنف بن قيس بذلك. بعدها انساحت الجيوش الإسلامية على أرض فارس. 1 - فتح نعيم بن مقرن همدان ثم الري (طهران)، وصالح أهل (جرجان) وطبرستان، ووصل إلى بعض بلاد أذربيجان. 2 - فتح سراقة بن عمرو باب الأبواب (دربند) على سواحل بحر الخزر الغربية. 3 - فتح الأحنف بن قيس بلاد خراسان. 4 - فتح عثمان بن أبي العاص بقية إصطخر وشيراز وأرمينيا. 5 - فتح عاصم بن عمرو التميمي سجستان.

استشهاد الخليفة

6 - فتح سهيل بن عدي كرمان. 7 - فتح الحكيم التغلبي مكران. 8 - وفتح عتبة بن فرقد شمال غرب بلاد فارس. وهكذا قضي على الإمبراطورية الفارسية من على الوجود. يخيل للإنسان كأن الجزيرة العربية تحولت إلى جيش يجاهد في سبيل الله لنشر الإسلام في بقاع الأرض. ملاحظة:- وهكذا سقطت فارس عسكريًا، ولكنهم ظلوا يصارعون الإسلام فكريًا، وكان ذلك من أهم أسباب ضعف العالم الإسلامي. - فهم كان سبب الانحراف في بعض الاتجاهات الشيعية، وهم وراء معظم الحركات الهدامة التي أرادت تدمير الإسلام مثل حركات الزنادقة والزنج والقرامطة وسنباذ والمقنع المروزي وبابك الخُرَّمي وغيرهم (¬1). * * * استشهاد الخليفة:- استشهد رضي الله عنه في مؤامرة دبَّرها بعض أعداء الإسلام من اليهود والفرس (الحاقدين عليه، لأنه سبب زوال ملكهم). فمات نتيجة طعنات تلقاها أثناء صلاته من أبي لؤلؤة المجوسي (مولى فارسي) بخنجر مسمومة، وقبل موته اختار ستة صحابة من المبشرين بالجنة وهم عثمان وعلي ¬

_ (¬1) موسوعة التاريخ الإسلامي/د. أحمد شلبي، 1/ 402.

من أعماله

وطلحة والزيير وابن عوف وابن الوقاص، وأوصى هؤلاء الستة أن يختاروا واحدًا من بينهم خليفة. كانت وفاته في ذي الحجة 23 هـ/264 م، ودامت خلافته عشر سنوات. من أعماله:- - الخليفة عمر رضي الله عنه أول من تلقب بأمير المؤمنين. - وهو أول من دون الدواوين، فكان دايوان الجند وديوان العطاء (الديوان كالوزارة حاليًا) ورتب البريد، وصك النقود. - وهو الذي رتب التاريخ العربي، فجعله بالهجرة النبوية الشريفة. - وقام بتوسعة الحرم. استشهد عمر مخلفًا سيرة من أعظم السير التي يرويها التاريخ ويسجلها بمداد الفخر.

الفصل الثالث عثمان بن عفان

الفصل الثالث عثمان بن عفان (33 - 35 هـ) (644 - 656 م) حياته:- هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، فهو من بطن بني أمية، ومن ساداتها، وكان تاجرًا كريمًا جوادًا. وكان من كبار الأثرياء قبل الإسلام وبعده. * * * إسلامه وفضله:- أسلم على يد أبي بكر، وكان من السابقين، فهو من العشرة الأوائل الذين أسلموا، وكان يمتاز بصفتين: الحياء: فما كان إنسان أشد حياءً منه، حتى كان النبي يستحيي منه. ويقول: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة. الكرم: فلم يكن في قريش من هو أكرم منه. تزوج عثمان ابنتي الرسول - صلى الله عليه وسلم - رقية ثم أم كلثوم، فسمي (ذو النورين) شهد مع

خلافته

الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشاهد كلها، بعثه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى قريش في عام 6 هـ/627 م، ليبلغهم أنهم قدموا للعمرة فقط، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - نازلًا بالمسلمين في الحديبية قرب مكة. فقام عثمان بمهمته خير قيام، وقد رفض إغراء قريش عندما رغبوه بالطواف، فقال: " ما كنت أفعل حتى يطوف رسول الله ". وأشيع أنه قتل في مكة، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: لا نبرح حتى نناجز القوم. فبايعه المسلمون على عدم الفرار، وسميت بيعة الرضوان، وكانت من أجل عثمان. وفي غزوة تبوك حين كان الناس في شدة وعسر، تبرع عثمان بـ 950 بعيرًا، و50 فرس، وجاء بـ 1000 دينار للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ". وتُوفي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو عنه راضٍ، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، وقد أثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قوله: " لكل نبي رفيق. ورفيقي في الجنة عثمان ". وفي عهد الصديق كان يعد ثاني اثنين بعد عمر في تسيير شؤون الدولة. وفي عهد عمر كان الرجل الثاني في الدولة، فاجتمع لين عثمان مع شدة عمر. * * * خلافته:- بعد أن طُعِن عمر جعل الشورى في ستة من الصحابة -كما مر معنا-، اجتمع هؤلاء الستة بعد دفن عمر، وكل منهم يريد أن ينخلع منها، حتى اختاروا عثمان من بينهم، ولم يكن حريصًا عليها أبدًا، وكان عثمان في السبعين من عمره حين توليته. * * * الفتوحات في عهده:- كان عهده رضي الله عنه مليئًا بالفتوحات تتمة لفتوحات عهد عمر، وكانت

الجبهة الغربية

فتوحاته مستمرة برًا وبحرًا، فمضى ينفذ سياسة عمر في الجهاد. أولًا: الجبهة الغربية:- نقضت الإسكندرية عام 25 هـ/645 م فأخضعهم عمرو بن العاص. أفريقية: سمح عثمان للجيوش بالانسياح في أفريقية، فسار عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فاجتاز طرابلس، والتقى بجيوش بيزنطة في سبيطله، وحقق الانتصار عليهم عام 27 هـ/647 م. وبذلك انضم للدولة الإسلامية: برقة وطرابلس وغرب مصر وجزء من بلاد النوبة. غزا معاوية بن أبي سفيان قبرص، وفتحها عام 28 هـ/648 م، وكان عمر قد رفض دخول المسلمين في البحر، وسمح عثمان بذلك. * * * * معركة ذات الصواري 31 هـ/651 م:- أول معركة بحرية يخوضها المسلمون (فقد أصبح للمسلمين بحرية في عهد عثمان) وكانت ضد الروم على شواطئ كيليكيا، وقاد المسلمين عبد الله بن أبي السرح من قبل معاوية بن أبي سفيان، وهزم فيها الروم شر هزيمة، وقتل قائدهم الإمبراطور قسطنطين. غزا معاوية الروم ووصل إلى حدود عمورية (قرب أنقرة) عام 33 هـ/653 م. * * * الجبهة الشرقية:- وصل القائد عمير بن عثمان إلى فرغانة عام 29 هـ/649 م، ووصل عبد الله

الليثي إلى كابل، وعبيد الله التميمي إلى نهر السند، فتح سعد بن العاص جرجان. إنتفضت فارس، فأخضعها عبد الله بن عامر، فهرب يزدجرد إلى كرمان ثم خراسان حيث قتل هناك. وأعيد فتح المناطق التي نقضت عهودها. وهكذا فالفتوحات أيام عثمان واسعة، إذ أضيفت بلادًا جديدة في أفريقيا، وقبرص، وأرمينيا، وبلاد السند وكابل وفرغانة، وبلخ وهراة، وتم إخضاع البلاد التي نقضت الصلح في فارس وخراسان وباب الأبواب.

الفتنة

الفتنة 34 هـ/654 م:- سبب الفتنة:- هناك أعمال قام بها عثمان، كانت هي الشرارة التي انطلقت منها الفتنة، وقبل ذكرها نشير إلى أنه قام بها عن فكر واجتهاد هداه إلى أن من حقه أن يقوم بما قام به. وهذه الأعمال ذات شقين: من ناحية الحكم، ومن الناحية الأقتصادية. فمن ناحية الحكم: استكثر من توليه أقاربه، نظرًا لشيخوخته، وحاجته لمن يساعده، وأقاربه أكثر من يثق بهم ويعتمد عليهم، كما أنهم معروفين بالكفاءة والمقدرة. أما من الناحية الاقتصادية: فمعروف أن عثمان كان من قبل غنيًا جدًا، ومبسوط اليد، لا يعرف البخل أبدًا وأنفق ماله كله في الإنفاق والعطاء في سبيل الله. ولكنه وجد أمامه بيت المال، فأخذ منه لنفسه وأعطى أقاربه وسائليه، وأسرف أحيانًا كما تروي بعض الروايات وهو يرى أنه أنفق كل أمواله في سبيل الإسلام. وأن شئون المسلمين وشئون الخلافة هي التي ذهبت بثرائه الواسع، ومن حقه -كما يرى- أن يتسع له بيت المال حتى لا يعيش في عسرة (¬1). وهذه هي النقاط التي استغلها مشعلوا الفتنة والثورة ضد عثمان - رضي الله عنه -. فاشتعلت الفتنة العمياء، أشعلها عبد الله بن سبأ (وهو يهودي يمني ادعى ¬

_ (¬1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: معاذ الله أن تصدر أمثال هذه الأفعال عن ذي النورين - رضي الله عنه - وهذا محض افتراء، وكان الأحرى بالمؤلف -غفر الله لنا وله- أن يرد هذه الافتراءات لا أن يذكرها، ويوهم القارئ بوقوعها.

استشهاد الخليفة

الإسلام)، وكان قد دار في الأمصار، ثم استقر في مصر، وبدأ يشكك الناس في عقيدتهم، ويطعن في عثمان وولاته، ويدعو إلى خلافة علي، لبذر الفتنة والفرقة فبدأت فتنته في الكوفة عام 34 هـ/654 م، حيث طالبوا بتغيير الوالي، فغيره عثمان مجاراة لهم لمنع الفتنة. قدمت الجموع الساخطة إلى المدينة لمجادلة الخليفة (وقد قدموا من الكوفة والبصرة ومصر في آن واحد) وتصدى لهم عليًّا، وشرح لهم خطأ تصرفاتهم، كما دافع الخليفة عن نفسه دفاعًا مقبولًا، فقفل الثائرون راجعين. أدرك ابن سبأ أنه هزم. وأن الفرصة التي عمل لها سنوات أوشكت أن تضيع. فأعمل الحيلة وتدبر أمرها فزور خطابات وأختام على لسان الخليفة، وعليًّا وعائشة - رضي الله عنهم - تتضمن نداءات بخلع الخليفة، وتولية علي، وقتل المتمردين. * * * استشهاد الخليفة 35 هـ/656 م:- فعاد هؤلاء المتمردون إلى المدينة، فحاصروا دار عثمان، أرسل عثمان إلى الولاة يطلب إرسال جند إلى المدينة. اختل النظام في المدينة، طلب عثمان من الصحابة الذين معه ألا يقاتلوا، وألح عليهم في ذلك، فقد أراد أن لا يحدث شيء بسببه. وصلت الأخبار بقرب وصول المدد، فخاف المنحرفون، ودخلوا دار عثمان، عبر السور، فقتلوه بالسيوف، ونهبوا بيت المال، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا، وكان ذلك في ذو الحجة عام 35 هـ/656 م فكانت مدة خلافته اثنا عشر عامًا.

من فضائل عثمان - رضي الله عنه -

ملاحظة: ولعل من المناسب أن نذكر أن القتلة الحقيقيين كانوا قلائل عرف منهم الغافقي الذي فر، ولم يعرف الآخرون. ولهذا أسند قتل عثمان إلى الثائرين المتمردين، مما وسع الهوة وسبب ألوانًا من النكبات عانى منها العالم الإسلامي. من فضائل عثمان - رضي الله عنه -:- - اشترى بئر أرومة وجعلها للمسلمين. - وهو أول من وسع مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، استجابة لرغبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين ضاق. - جمع القرآن الكريم. - اختلفت القراءات في الديار الإسلامية، فجمع عثمان آكد القراءات الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دفتي مصحف، وأمر بحرق باقي المصاحف. والرسم العثماني هو الذي يسير عليه المسلمون في قراءاتهم إلى الآن (¬1). - وله أفضال كثيرة لا يسع المجال لذكرها. * * * ¬

_ (¬1) الخلفاء الراشدون/محمود شاكر، ص 248.

الفصل الرابع علي بن أبي طالب

الفصل الرابع علي بن أبي طالب (35 - 40 هـ) (656 - 661 م) حياته وإسلامه:- هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن عم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وزوج ابنته فاطمة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. تربى منذ طفولته في بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأسلم ولم يبلغ العاشرة، فكان أول من أسلم من الأولاد، فنشأ على الإسلام. بات في فراش الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند هجرته مع علمه أن الموت محيط بهذا الفراش، فكان بذلك أول فدائي في الإسلام. ثم سلم الودائع التي كانت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابها، فهاجر إلى المدينة - كان في كل معاركه مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأبطال الكبار، وكانت شجاعته مضرب الأمثال، وكان بالغًا الغاية في الفصاحة، ولا يشق له غبار في العلم. في عهد الصديق، كان ملازمًا له، وتوفي الصديق وهو عنه راضٍ. وعندما تولى عمر، كان عليٌّ أشد الملازمين له، وكان عمر يستشيره في كل شأن. وبعد أن طُعن عمر، كان علي أحد الستة من أصحاب الشورى الذين اختارهم

خلافته

عمر ليولوا أحدهم أمر المسلمين. فتولى عثمان الخلافة، وكان علي بجانبه، يساعده في تسيير شؤون الدولة، وأثناء الحصار كان أبناء عليٍّ من المدافعين عن عثمان. * * * خلافته:- بعد مقتل عثمان اختاره المسلمون أميرًا لهم، فلم يقبل، فأصر الصحابة عليه، للخلاص من المأزق الذي وقعوا فيه، وكانت أوضاع المدينة قد تدهورت وسيطر المنحرفون عليها، فقبل الإمارة وهو زاهد بها، غير راغب فيها، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضائله. * * * سياسة عليٍّ:- معروف عن عليٍّ -كرم الله وجهه- الصرامة والحزم والصلابة والشدة في الحق، وقد بادر عقب بيعته، فأصدر أمرين في منتهي الصرامة وهما: عزل ولاة عثمان (وهم من بني أمية)، واسترداد القطائع والهبات الكبيرة التي منحها عثمان لأقاربه من بيت المال، وتصرفه هذا نتج عنه تمرد بني أمية عليه وعدم مبايعته، وتمثل ذلك في معاوية بن أبي سفيان (والي الشام). أما باقي الأمصار الإسلامية فقد بايعت عليًّا، واستتب الأمر فيها. * * * * معركة الجمل (البصرة) 36 هـ/656 م:- لم يبايع معاوية بن أبي سفيان والي الشام عليًّا، إذ كان يطالب بدم عثمان،

معركة صفين

وكان عليٌّ أجل هذا الأمر لعدم استقرار الأوضاع، بذا خرجت الشام عن الطاعة واستقل بها معاوية، فقرر الخليفة قتاله. فخرج إليه علي على جيش من أهل الكوفة وكان علي نقل العاصمة من المدينة إلى الكوفة في هذه الأثناء خرجت عائشة ومعها الزبير وطلحة وجماعة من مكة إلى البصرة ليستقروا بها، فوصلوا إلى هناك وسيطروا عليها، وتمكنوا من قتل قتلة عثمان، وكتبوا إلى بقية الأمصار أن يفعلوا كذلك. فغير علي خط سيره من الشام إلى البصرة، وأرسل لعائشة ومن معها يبين لهم سوء عاقبة فعلهم، وتسرعهم، فاقتنعوا بكلامه، وساروا إلى معسكرة لإجراء المصالحة. كاد الفريقان أن يصطلحا، فخاف ابن سبأ وجماعته المنحرفة، ورأوا ضرورة نشوب القتال، ونجحوا في إشعال الحرب بين الفريقين لأسباب تافهة. التحم الفريقان، ولم يستطع عليٌّ إيقاف القتال، وقد اشتدت المعركة أمام الجمل الذي يحمل هودج عائشة (فسميت معركة الجمل). هزم جيش البصرة، وأكرم علي عائشة وأعادها إلى مكة، وكانت هذه أول معركة بين طرفين مسلمين، وقد قتل الكثير من المسلمين (يقدره بعض المؤرخين بعشرة آلاف). تمت البيعة لعلي في البصرة، فواصل بعدها مسيره إلى الشام. * * * معركة صفين (شرق الشام) 37 هـ/657 م:- حدثت بين علي ومعاوية، فقد سارت الرسل بين على ومعاوية بدون نتيجة، حتى عسكر الفريقان في صفين، ونشب القتال، وقتل الكثير من الطرفين، وكاد علي

الخوارج ومعركة النهروان

أن ينتصر، فرفع أهل الشام المصاحف، وطلبوا تحكيم كتاب الله، وهذه حيلة دبرها عمرو بن العاص (قائد جيش معاوية) لإيقاف القتال فنجح في ذلك، وتوقف القتال، والتقى حكما الفريقين، ولم يصلا إلى اتفاق، وكتبت صحيفة التحكيم. وعادت الجيوش إلى بلادها. * * * * الخوارج ومعركة النهروان (38 هـ/658 م):- الخوارج هؤلاء كانوا من ضمن جيش علي، فخرجوا عليه بعد التحكيم واعتزلوه، لأنه قبل التحكيم، والعجيب أن أكثرهم كانوا قد أرغموا عليًّا على قبول التحكيم، وطالب هؤلاء بالعودة لقتال معاوية، فرفض طلبهم فانحازوا إلى منطقة حروراء، وصمموا على القتال، ثم إن هذه الجماعة أخذت تزداد وتتجمع في منطقة النهروان، فأخذوا يقتلون المسلمين، ويعيثون فسادًا في الأرض. فخرج إليهم علي وجادلهم طويلًا، وبين لهم خطأ مذهبهم بكل طريقة، فارتدع بعضهم. أما الأكثرية فصمموا على القتال، فنشب القتال، وأبادهم علي تمامًا، ولم ينج منهم إلا عدد أقل من عشرة، ومن النتائج الخطيرة لهذه المعركة تفرق هؤلاء البقية: فاثنان إلى عمان واثنان إلى كرمان، واثنان إلى سجستان، واثنان إلى الجزيرة، وواحد إلى اليمن، وكونوا جماعاتهم هناك (¬1). ¬

_ (¬1) الملل والنحل/الشهرستاني، ص 107.

مقتله

خروج مصر:- هذه الأمور شجعت أهل الشام أكثر على عدم المبايعة، وعلى التوسع، فسار عمرو بن العاص إلى مصر، واحتلها، وحكمها عام 38 هـ/658 م، وبذلك اتسع سلطان معاوية. استطاع معاوية أن يحتل المدينة، ومكة، واليمن، فاسترجعتها جيوش علي، وقتل علي - رضي الله عنه - أثناء ذلك. مقتله:- قتله الخارجي عبد الرحمن بن ملجم (من الخوارج) أثناء خروجه من صلاة الفجر في رمضان عام 40 هـ/661 م، فكانت خلافته خمس سنوات. * * * * مبايعة الحسن بن عليٍّ:- بايع الناس الحسن بن علي، فاستمر 6 أشهر، رأى خلالها تخاذل أصحابه وضرورة اتفاق الأمة، ففضل الصلح، وتنازل لمعاوية عن الخلافة في ربيع أول عام 41 هـ/661 م (وسمي عام الجماعة لاجتماع الأمة على خليفة واحد). انتهت بمقتل عليٍّ الخلافةُ الراشدةُ التي سارت على نهج الله تمامًا، وبدأت زاوية الانحراف تزيد تدريجيًا.

الباب الرابع العهد الأموي (41 - 132 هـ) (661 - 749 م)

الباب الرابع العهد الأموي (41 - 132 هـ) (661 - 749 م) قال الرسول - صلى الله عليه وسلم:- " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه وابن حنبل

الفصل الأول تاريخ بني أمية

الفصل الأول تاريخ بني أمية تعريف ببني أمية:- تنسب الدولة الأموية إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وكان أمية هذا سيدًا من سادات قريش في الجاهلية. وكان هو وعمه هاشم بن عبد مناف متنافسين على الرياسة والشرف. وبعد أن جاء الإسلام انقلب التنافس إلى عداء ظاهر، فبنو أمية وقفوا ضد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، أما بنو هاشم فقد عاونوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحرسوه، ولم يدخل بنو أمية الإسلام إلا بعد أن لم يبق طريق غير الدخول فيه، وذلك بعد فتح مكة.

تشويه تاريخ بني أمية

تشويه تاريخ بني أمية:- وتاريخ بني أمية أصابه الكثير من التشويه، وكان ذلك من قبل العباسيين خصومهم السياسيين (الذين دُوِّن التاريخ في أيامهم)، ومن الشيعة والخوارج أعدائهم التقليديين، ومن قبل العوام الذين يتناقلون التاريخ بالألسن، فتعرضوا لاتهامات اتخذت عدة أشكال:- 1 - الاهتمام بالأحداث التاريخية التي تضع من مكانتهم، وتحط من قدرهم كمعاداتهم للإسلام في البداية، وتأخرهم في دخول الإسلام، ونسوا دورهم العظيم بعد إسلامهم كدورهم في الفتوحات. 2 - تسليط الأضواء على النكبات التي حصلت في عهدهم، مثل فاجعة كربلاء ومقتل الحسين وأهلها ووقعة الحرة، واستباحة حرمة المدينة، وضرب مكة والكعبة بالمنجنيق، وقتل عبد الله بن الزبير، وثورة زيد بن علي بن الحسين ومقتله، وإغفال ما حصل في تلك الأحداث من خطأ، وخروج على الخليفة، وشق عصا الطاعة. 3 - التركيز على نقاط ضعف النفس البشرية، من بعضهم، وترك كل جوانب الخير، ويتجلى ذلك بالذات في حق عثمان، وأبو سفيان، ومعاوية، وتصوير بعض ولاتهم بكل صور التعصب والباطل، كما حصل مع الحجاج وزياد بن أبيه. 4 - أشيعت شائعات سامة ضد بعض الخلفاء أمثال يزيد بن معاوية والوليد بن يزيد. والذي نقوله أن المنهج الإسلامي تدهور قليلًا بعد العهد الراشدي، وبدأت زاوية

بنو أمية لهم فضائل كثيرة

الإنحراف تزيد مع الزمن، والمجتمع المسلم عاش حياة قريبة من العهد الراشدي، وإن تأثر قليلًا نتيجة ما جاء من الغنائم والأموال، ودخول الإماء والسبايا للقصور والبيوت. * * * بنو أمية لهم فضائل كثيرة، أغفلها المؤرخون، منها:- 1 - كان معاوية صحابيًا جليلًا، وإن اجتهد في خروجه على الخليفة علي بن أبي طالب، ولم يوفق في اجتهاده، فإنه يبقى عدلًا، والصحابة كلهم عدول. وكان مروان بن الحكم من الطبقة الأولى من التابعين، وروى عن كثير من الصحابة كعمر بن الخطاب وعثمان وغيرهم، وعبد الملك كان من أهل العلم والفقه وقد كان من علماء المدينة قبل أن يتولى الخلافة، وكان عمر بن عبد العزيز من أئمة الاجتهاد، ويُعد من الخلفاء الراشدين. 2 - كان بنو أمية يقدمون أهل العلم والفضل غالبًا، ولا يتدخلون في شؤون القضاء. 3 - تمت على أيديهم أعظم الفتوحات الإسلامية، فوصلوا إلى الصين شرقًا، وبلاد الأندلس وجنوب فرنسا غربًا، فبلغت الدولة الإسلامية في عهدهم أقصى اتساع لها عبر التاريخ (¬1). ¬

_ (¬1) التاريخ الإسلامي الأموي/محمود شاكر ص 55، 56.

خلفاء بني أمية

4 - وتميز عهدهم بإحياء الأرض، وشق القنوات، وبناء المدن، وازدهار العمران والتنمية، ويجب أن لا ننسى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .. ". وهم عاشوا في القرن الذي يلي قرن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. * * * الخلافة الأموية (41 - 132 هـ) (661 - 749 م):- - قامت بعد انتهاء الخلافة الراشدة بمقتل علي في رمضان 40 هـ/661 م. ويعد بدء الدولة الأموية من تنازل الحسن بن علي لمعاوية بن أبي سفيان في 25 ربيع الأول 41 هـ/661 م. - وانتهت الدولة بهزيمة الخليفة مروان بن محمد في معركة الزاب في جمادى الأولى عام 132 هـ/749 م. فدامت الدولة 91 عام، وتوالى عليها أسرتان، وحكمها 14 خليفة. وكانت دمشق هي عاصمة الأمويين. * * * خلفاء بني أمية * الأسرة السفيانية: 1 - معاوية بن أبي سفيان 41 - 60 هـ/661 - 679 م. 2 - يزيد بن معاوية 60 - 64 هـ/679 - 683 م. 3 - معاوية بن يزيد 64 هـ/683 م (40 يومًا فقط).

(64 - 73 هـ/683 - 692 م) فترة تداخل إمارة الأمويين مع خلافة عبد الله بن الزبير. * * * * الأسرة المروانية:- 4 - مروان بن الحكم 64 - 65 هـ/683 - 684 م. 5 - عبد الملك بن مروان بن الحكم 65 - 86 هـ/684 - 705 م. 6 - الوليد بن عبد الملك 86 - 96 هـ/705 - 714 م. 7 - سليمان بن عبد الملك 96 - 99 هـ/714 - 717 م. 8 - عمر بن عبد العزيز بن مروان 99 - 101 هـ/717 - 719 م. 9 - يزيد بن عبد الملك 101 - 105 هـ/719 - 723 م. 10 - هشام بن عبد الملك 105 - 125 هـ/723 - 742 م. 11 - الوليد بن يزيد بن عبد الملك 125 - 126 هـ/742 - 743 م. 12 - يزيد بن الوليد بن عبد الملك 126 - 126 هـ/743 م. 13 - إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك 126 - 127 هـ/743 - 744 م. 14 - مروان بن محمد بن مروان 127 - 132 هـ/744 - 749 م.

الفصل الثاني خلفاء بني أمية

الفصل الثاني خلفاء بني أمية معاوية بن أبي سفيان (41 - 60 هـ) (661 - 679 م):- نسبه: هو معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس. * * * حياته:- حضر غزوة الخندق مع المشركين، وفرَّ معهم بعد هبوب الريح، أسلم عام الحديبية 6 هـ/627 م، وأخفى إِسلامه، وأظهره عام الفتح 8 هـ/629 م عندما أسلمت قريش، شهد مع رسول الله حنين والطائف، وأعطي من غنائمها الكثير، وعُد يومها من المؤلفة قلوبهم، ثم حسن إسلامه. وكان أحد كتاب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - 163 حديث، قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم اجعله هاديًا مهديًا، واهديه " رواه الترمذي. تُوفي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو عنه راضٍ. شهد اليرموك، وفتح دمشق تحت راية أخيه يزيد، وفتح قيسارية وبعض سواحل بلاد الشام. جعله عمر بن الخطاب واليًا على بلاد الشام كلها، واستأذن عمر في غزو الروم بحرًا فرفض، غزا أرض الروم ووصل إلى عمورية (قرب أنقرة)، سمح له عثمان بالغزو

بحرًا بعد إلحاح منه، فغزا قبرص وفتحها عام 28 هـ/648 م، انتصر على الروم في أعظم معركة بحرية خاضها المسلمون وهي معركة ذات الصواري عام 31 هـ/651 م. * * * خروجه على الخليفة:- عندما بويع علي بن أبي طالب بالخلافة، عزل جميع الولاة، فرفض معاوية العزل، ورفض البيعة، فجرت حروب بينه وبين الخليفة، انتهت بمقتل علي على يد أحد الخوارج، فبويع ابنه الحسن، الذي ما لبث أن تنازل لمعاوية حقنًا لدماء المسلمين، وتوحيدًا لكلمتهم، فأصبح معاوية هو الخليفة الشرعي بدءًا من عام 41 هـ/661 م (الذي سمي بعام الجماعة). استقرت الأمور، واستتب الأمن الداخلي، وعادت الفتوحات بعد توقفها بسبب الخلافات الداخلية. * * * الفتوحات الأموية:- شملت الفتوحات في العهد الأموي ثلاث ميادين:- - ضد الروم في آسيا الصغرى: وقد امتدت فشملت حصار القسطنطينية وبعض جزر البحر المتوسط. - الشمال الأفريقي: وقد امتدت حتى المحيط ثم عبرت مضيق جبل طارق وامتدت إلى أسبانيا. - الميدان الشرقي: امتد شرق العراق، ثم تفرع شمالا تجاه ما وراء النهر وجنوبًا فشمل بلاد السند.

ويلاحظ أن التوسع الإسلامي توقف بعد بني أمية. فلم تتقدم الدولة العباسية عسكريًا خطوة واحدة للأمام (رغم أن الإسلام واصل انتشاره عن طريق الدعاة والتجار). وقد استؤنفت بعد ذلك حركة التوسع الحربي في ظل الغزنونيين والعثمانيين (¬1). * * * الفتوحات في عهد معاوية:- كانت الفتوحات في عهده واسعة، وعلى جبهتين رئيسيتين:- أولًا - الجبهة الغربية:- - بلاد الروم (تركيا): عُمِلت ثغور دائمة هناك، وكانت الحملات مستمرة، وكان الهدف فتح القسطنطينية، حوصرت عام 50 هـ/670 م - ثم من 53 - 61 هـ/672 - 680 م ولم تفتح. كون معاوية أسطولًا ضخمًا مجهزًا في البحر المتوسط (1700 سفينة)، وحقق به عدة انتصارات، ففتح جزيرة جربا (بصقلية) عام 49 هـ/669 م، وجزيرة رودوس عام 53 هـ/672 م، وجزيرة كريت عام 55 هـ/624 م، وجزر بحر إيجه قرب القسطنطينية عام 57 هـ/680 م. - في أفريقيا: فتحت بنزرت عام 41 هـ/661 م، وفتحت قمونية (قرب القيروان) عام 45 هـ/665 م، وسوسة في العام نفسه، وفتح عقبة بن نافع سرت ¬

_ (¬1) موسوعة التاريخ الإسلامي/د. أحمد شلبي، جـ 2/ص 96.

ومغداس وطرابلس وأعاد فتح ودان، ودخل فزان وقفصة، وبنى مدينة القيروان سنة 50 هـ/670 م. وفتح كورًا من بلاد السودان، وأخيرًا وصلت الفتوحات إلى الغرب الأوسط (الجزائر). فكان عقبة بن نافع الفهري من أعظم القادة في هذا الميدان. * * * * ثانيًا - الجبهة الشرقية:- الجبهة الشرقية تشمل:- بلاد ما وراء النهر، والسند أما بلاد ما وراء النهر (أو ما بين النهرين) فهي البلاد الواقعة بين نهري سيحون وجيحون، وأهم ممالكها:- طخارستان (عاصمتها بلخ)، صفانيان (عاصمتها شومان)، الصغد (سمرقند وبخارى)، فرغانة (عاصمتها جخندة)، خوارزم (عاصمتها الجرجانية)، أشروسنه (عاصمتها بنجكث)، الشاش (عاصمتها بنكث) (¬1). ومعظم سكان تلك الجهات أمم وثنية، غزا المسلمون بلاد ما وراء النهر عام 41 هـ/661 م، ففتحوا سجستان عام 43 هـ/663 م، وبعض طخارستان في 45 هـ/665 م، ووصلوا إلى قوهستان، وفي عام 55 هـ/624 م، وصل عبيد الله بن زياد إلى تلال بخارى، وفي عام 44 هـ/664 م غزا المسلمون بلاد السند والهند. وكان سكان تلك البلاد ينكثون مرة بعد أخرى، ولم تستقر الأوضاع نهائيًا إلا في عهد الوليد بن عبد الملك. ¬

_ (¬1) ممالك ما وراء النهر/د. عبد الهادي شعيرة، ص 206.

الخوارج:- هم الذين أجبروا عليًّا على وقف القتال في صفين لتحكيم القرآن، ثم رفضوا التحكيم، فخرجوا على عليٍّ في حروراء، وأفسدوا في الأرض فأبادهم علي في معركة النهروان، وبقي منهم الكثير في جيشه. وقد تمكن أحدهم من قتل علي - رضي الله عنه -. في عهد معاوية قامت لهم عدة ثورات في الكوفة والبصرة، فقُضِيَ عليها، وكان والي البصرة زياد بن أبيه وابنه عبيد الله شديدين جدًا عليهم. والخوارج بدو أجلاف، شديدو الإيمان، شديدو البأس، يرون أن الناس اثنين مؤمن وكافر، فمن رأى رأيهم مؤمن، ومن خالفه كافر، ورموا عثمان وعليًّا ومعاوية بالكفر، فهم حاربوا كل من ليس من جماعتهم، واستباحوا دماء المسلمين، وتسببوا في الكثير من الويلات. ويلاحظ أن أزهي انتصاراتهم كانت خلال عهد الدولة الأموية. وأهم فرقهم الأزارقة، النجدات، الإباضية، العجاردة، والصفرية (¬1). * * * بيعة يزيد أخذ معاوية البيعة لابنه يزيد في حياته، فكان أول خليفة مسلم يفعل ذلك، وكان أهم من عارضه من الصحابة الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن العباس وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر، وواجهته مصاعب جمة ومشاكل ¬

_ (¬1) الملل والنحل/الشهرستاني.

يزيد بن معاوية

ومعارضات شديدة. حتى تمكن من هذا الأمر، وهذا التصرف الذي بدأ به معاوية لا يجوز شرعًا، فالخلافة إمامة للمسلمين جميعًا. يتولاها الكفء منهم، ولا يجوز جعلها وراثية. * * * وفاته:- سار معاوية في الناس سيرة حسنة، وحرص على جمع الكلمة. ولم يبق معارضًا إلا عدد من الخوارج وتأثيرهم ضعيف. كان عهد معاوية طويلًا ولكنه كان عريضًا أيضًا. فقد كان من أنضر عهود الخلافة الإسلامية، كان الأمن الداخلي مستتب، وكل العناصر المعادية له مغلوبة، وفتوحاته الخارجية مستمرة على كل الجبهات، مجلله بالانتصارات، كما كانت سابقًا. وما أخذه الصحابة وأبنائهم على معاوية أخذه البيعة لابنه يزيد. تُوفي في رجب 60 هـ/679 م، فكانت خلافته عشرين عامًا. وهو أول من وضع البريد في الإسلام، وأول من اتخذ ديوان الختم. * * * * يزيد بن معاوية 60 - 64 هـ/679 - 683 م:- هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. نشأ على شيء من الرفاهية والدلال، وعندما شب انصرف إلى اللهو والصيد، وقد وصلته الخلافة بعهدٍ من أبيه، فبايعته الأمصار في حياة أبيه، ما عدا نفر من المدينة، وقد حاول يزيد إجبارهم، فبايع ابن عمر وابن أبي بكر وابن عباس، أما الحسين وابن الزيير فقد رحلا إلى مكة، ولم يبايعا، وكانا يطمعان في الخلافة.

الفتوحات:- حدثت فتوحات في أفريقية فقط، وهدأت في باقي الجهات بسبب الأحداث الداخلية والفتن. ففي أفريقيا واصل عقبة بن نافع الفتوحات غربًا ففتح بلاد الغرب كلها ووصل إلى المحيط الأطلسي، ويروى أن عقبة صعد على ربوة مقابل المحيط وقال: يا رب لولا هذا البحر لمضيت مجاهدًا في سبيلك. ولو كنت أعلم بعده أرضًا وناسًا لخضته إليهم. * * * الأحداث الداخلية:- ثورات الشيعة:- ثورات الشيعة كانت ثورات متصلة خلال العهد الأموي، بواعثها كراهية الأمويين، وهدفها إسقاطهم، بل وإضعاف المسلمين جميعًا. * * * فاجعة كربلاء 10 محرم 61 هـ/680 م (¬1):- لم يبايع الحسين بن علي يزيدًا، وطلبه أهل العراق ليبايعوه وألحوا عليه، فخرج إليهم، وأخذ معه أهل بيته وخاصة جماعته، وقد نصحه كثيرون من أصحاب الرأي والمعرفة بعدم الخروج فلم ينتصح (ولعله اجتهد في ذلك فأخطأه التوفيق في اجتهاده) لقيته خيل عبيد الله بن قلاد والي البصرة والكوفة، فعدل إلى كربلاء، وهناك خيروه بين الاستسلام أو القتال فاختار القتال، فنشب القتال، فقاتل الحسين وأصحابه قتالًا ¬

_ (¬1) البداية والنهاية/الحافظ ابن كثير جـ 8/ص 172.

مستميتًا، إلى أن قتل وكل أصحابه ومعظم أهل بيته، وحمل رأسه مع أهل بيته إلى يزيد، فبكى لما حدث، وأكرم نساء الحسين، ورحلهم إلى المدينة. وكانت هذه فتنة أيسر ما نقول عنها إنها وسعت باب الفرقة والتهمت الآلاف والملايين من المسلمين، ولا يزال بابها مفتوحًا حتى كتابة هذه السطور. * * * وقعة الحرة واستباحة المدينة (ذو الحجة 63 هـ/683 م):- وصل خبر كربلاء إلى المدينة، فأعلن عبد الله ابن الزبير خلع يزيد، وأخذ البيعة لنفسه، فبايعه أهل المدينة، فأرسل يزيد جيشًا دخل المدينة بعد إمهالها، فاستباح حرمتها وقتل المئات من الصحابة وأبنائهم فانهزمت، وواصل الجيش إلى مكة، وكان ابن الزبير قد فر إليها، فحوصرت مكة ورمي البيت بالمنجنيق وأُحْرِق بالنار، ثم مات يزيد أثناء حصار مكة، فرحل الجيش الأموي إلى الشام. * * * وفاته:- كانت في ربيع أول 64 هـ/683 م، دامت خلافته 4 سنوات. * * * * معاوية (الثاني) بن يزيد 64 هـ/683 م:- تولى بعد أبيه، ولمدة 40 يومًا فقط، ثم تنازل لمرضه وضعفه، واعتزل في بيته، حتى مات بعد 3 أشهر. * * * * انقطاع مؤقت للخلافة الأموية.

خلافة عبد الله بن الزبير

وخلافة عبد الله بن الزبير 64 - 73 هـ/683 - 692 م:- حياته:- هو عبد الله بن الزبير بن العوام، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، ولد بالمدينة، بعد الهجرة بسنة، وهو أول مولود للمهاجرين، لذا فرح به المسلمون، فقد كان هناك إدعاء أن عقمًا أصاب المهاجرين، وهو صحابي جليل، روى عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - 33 حديثًا، شهد اليرموك، ودافع عن سيدنا عثمان يوم مقتله وجرح آنذاك. شارك في غزو القسطنطينية، وكانت له فتوحات في أفريقية في أيام معاوية، كان كثير العبادة، وكان فارس الخلفاء لا يوازيه أحد في شجاعته. بعد مقتل الحسين في كربلاء، خلع بن الزيير الخليفة يزيد، ودعا لنفسه، فبايعته المدينة ومكة فقاتلها يزيد -كما ذكرنا- واستباح حرمتها، ومات يزيد أثناء حصار مكة عام 64 هـ/683 م فاستقرت الأمور لابن الزبير، وبايعته جميع الأمصار، ولم يبق لبني أمية إلا جزء من الشام فقط. فصار هو الخليفة الشرعي. وبناءً عليه فخلافة معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان (في مدته الأولى) خلافتهم باطلة (هؤلاء حكموا في الشام في فترة ابن الزبير) وهذا ما ذهب إليه أغلب أهل العلم (¬1). ¬

_ (¬1) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 212 - 215، والعقد الفريد، جـ 4/ 393.

الأحداث:- * نشاط مروان بن الحكم:- بعد موت يزيد تولى ابنه معاوية الذي تنازل فاعتزل، فبايع الأمويون مروان بن الحكم عام 64 هـ/683 م، فاستطاع أن يخضع الشام كلها لسيطرته، ثم استولى على مصر من ابن الزبير، وتُوفي عام 65 هـ/684 م، بعد أن عهد لابنه عبد الملك. * * * حركة المختار الثقفي 64 - 67 هـ/683 - 686 م:- كان من أتباع ابن الزبير بمكة، ثم تمرد ورحل للكوفة، ودعا بإمامة المهدي من آل البيت، وكان ضالًا منحرفًا، قاصدًا الجاه والمال، فاستولى على الكوفة والموصل وهاجم مكة، فقاتله عبد الملك فغلبه المختار، وقتل قتلة الحسين ونكَّل بهم إرضاء للشيعة وقتل عبيد الله بن زياد، ثم قضى عليه مصعب بن الزبير، والي البصرة من قبل أخيه عبد الله سنة 67 هـ/686 م. * * * استيلاء عبد الملك على العراق والمدينة:- خرج عبد الملك بنفسه لقتال مصعب بن الزبير، فانهزم مصعب وقتل سنة 71 هـ/690 م فخضعت العراق لعبد الملك، ثم قدم الجيش إلى المدينة المنورة، فأخضعها. * * * مقتل ابن الزبير وإخضاع مكة:- سير عبد الملك جيشًا كبيرًا إلى مكة بقيادة قائده الشهير الحجاج بن يوسف

عبد الملك بن مروان

الثقفي، وكان ابن الزيير متحصنًا بها، حاصر الحجاج مكة، وضرب الكعبة بالمنجنيق، وتخاذل الناس عن ابن الزبير، فقاتل مع خاصته بشجاعة نادرة عند الكعبة، حتى سقطت عليه إحدى شرفات الكعبة فقتلته في عام 73 هـ/692 م. فخضعت مكة لعبد الملك، وهكذا خضعت له الأمصار كلها فصار هو الخليفة الشرعي في عام 73 هـ/692 م. دامت خلافة عبد الله بن الزبير 9 سنوات تقريبًا. * * * (عودة الخلافة الأموية) * عبد الملك بن مروان 73 - 86 هـ/692 - 705 م:- حياته وخلافته:- هو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، ولاه معاوية على المدينة وعمره 16 عامًا. وكان قبل خلافته عابدًا زاهدًا فقيهًا، ومن علماء المدينة، شارك في فتوحات أفريقيا عام 41، 45 هـ. في سنة 65 هـ/684 م تولى الأمر بعد وفاة والده مروان بن الحكم، (وكان الخليفة ابن الزبير) فانتزع العراق من ابن الزبير، ثم أخضع الحجاز كلها بعد أن قتل ابن الزبير، فبايعته باقي الأمصار، وغدا الخليفة منذ عام 73 هـ/692 م، فاستقر له الوضع تمامًا.

ويعتبر المؤسس الثاني للدولة الأموية، فقد تولى والعالم الإسلامي متفكك واستطاع بحكمته وسياسته أن يرد البلاد كلها إلى الطاعة ويقضي على كل تمرد وعصيان. * * * الفتوحات:- لم تحدث فتوحات واسعة في عهده لانشغاله في قتال الخوارج وقتال ابن الأشعث، وعاد إلى قتال الروم وكانوا يهددون بلاد الشام، أعيد فتح بلاد الغرب، وأشهر القادة في ميدان الشمال الأفريقي موسى بن نصير الذي أعاد الاستقرار للمنطقة بعد موت عقبة وفتح طنجة وسبتة. حورب الترك في الشرق وبلاد ما وراء النهر، وسار محمد الثقفي لفتح السند، ولم تحصل فتوحات واسعة في المشرق، ولكن استقرار عهده مهد لفتوحات عظيمة في عهد ولده الوليد. * * * الأحداث:- حركة عبد الرحمن بن الأشعت 81 - 85 هـ/700 - 704 م:- سيره الحجاج (والي العراق) إلى قتال بلاد الترك سنة 81 هـ فحقق انتصارات ثم خلع طاعة الحجاج وعبد الملك، قاتل الحجاج وأخضع العراق، ثم دان له المشرق ما عدا خراسان جرت معارك ضخمة بينه وبين الأمويين إلى أن انهزم وفرَّ في عام 82 هـ، وقتل عام 85 هـ/704 م، وقتل الحجاج الكثير من العلماء الذين تبعوا ابن الأشعث، ومنهم التابعي سعيد بن جبير.

* الحجاج بن يوسف الثقفي:- كان من أعظم رجال عبد الملك. وقد عرف بالسياسة والدهاء والفتك والبطش والقسوة الشديدة (بحق أو بدون حق)، وكان من ضمن القادة الذين قاتلوا مصعب بن الزبير وضموا العراق إلى الأمويين ثم سيره عبد الملك لقتال عبد الله بن الزبير وإخضاع الحجاز. فأخضعها وقتل ابن الزبير. وصار واليًا عليها، وعندما تجددت الفتن بالعراق (كالعهد بها دومًا) ولاه عبد الملك عليها. فاستخدم ضدهم كل وسائل البطش والفتك حتى استكانوا تمامًا، وامتد نفوذه حتى شمل الشرق كله، كما نرى، كان له دور كبير في تذليل العقبات التي واجهت الدولة الأموية ويبدو أن قسوته كانت لازمة لضمان الأمن والسلام والاستقرار. * * * الخوارج:- قوي نشاطهم في العراق والجزيرة، واستطاع القائد الأموي المهلب بن أبي صفره أن يحقق انتصارات عظيمة عليهم، ويقضي على أعداد ضخمة منهم. ومن القادة البارزين للخوارج في هذه الفترة قطري بن الفجاءة وشبيب الشيباني. أعمال هامة له:- إصدار العملة الإسلامية عام 76 هـ/695 م - إعادة بناء المسجد الأقصى - تعريب الدواوين 81 - 86 هـ/700 - 705 م.

الوليد بن عبد الملك

وفاته:- تُوفي عام 86 هـ/705 م، فكانت خلافته الشرعية 13 عامًا. * * * * الوليد بن عبد الملك 86 - 96 هـ/705 - 714 م:- هو الوليد بن عبد الملك بن مروان، نشأ في الترف، كان ضعيف اللغة، تولى الخلافة بعد أبيه بعهد منه. أهم أعماله:- بدأ خلافته ببناء جامع دمشق، وانتهى منه بانتهاء خلافته (10 سنوات)، فكان هذا الجامع آية في الإبداع والروعة، بنى صخرة القدس، وسَّع مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقام بإصلاحات وأعمال عمرانية ضخمة. الأوضاع في عهده:- كانت هادئة في كل الولايات، فقد ضعف أمر الخوارج، ولم تقم حركة تُذكر في أيامه، وكان عهده عهد سعة ورخاء وأمن واستقرار. * * * الفتوحات:- حدثت فتوحات واسعة وعظيمة جدًا، واتسمت بامتدادها على مختلف الجبهات، في الشرق والغرب والأندلس وفرنسا.

الجبهة الغربية:- في بلاد الروم وصل القائد مسلمة بن عبد الملك إلى عمورية (أنقرة) وهرقله ففتحها سنة 89 هـ/707 م، ووصل المسلمون إلى خليج القسطنطينية، وغزوا أذربيجان وكان السكان ينقضون مرة بعد مرة، فكثرت الغزوات في تلك الجهات عام 93 هـ/711 م. في البحر المتوسط: فتح المسلمون جزيرة صقلية وميورقة سنة 89 هـ/707 م. في أفريقية: وطَّد موسى بن نصير الفتوحات هناك. ثم عمل على نشر الإسلام بين البربر. فتح الأندلس: قرر القائد موسى بن نصير أن يعبر المضيق وينشر الإسلام في بلاد أوروبا ويدخلها في نطاق الدولة الإسلامية، فسير القائد البربري طارق بن زياد إلى الأندلس بحرًا، ويروى أنه أحرق سفنه ليقطع على جنوده أمل العودة أو الهروب، وألقى خطابه الشهير: أيها الناس أين المفر .. البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم إلا الصدق والصبر. فخاض معارك عظيمة وقتل حاكمها لذريق وفتحها سنة 92 هـ/710 م، وصل طارق وموسى إلى جبال البرانس، وأخضعا كل تلك المناطق ما عدا جليقية. الجبهة الشرقية (بلاد الترك):- في بلاد ما وراء النهر: اشتهر هناك القائد قتيبة بن مسلم الباهلي، فتح مدينة بيكند سنة 87 هـ/705 م - وغزا بلاد الصغد ونسف وكش عام 89 هـ/707 م - فتح بخارى في 91 هـ/709 م ثم فتح الطالقان والفارياب وبلخ. ثم سمرقند عام

93 هـ/711 م - غزا بلاد الشاش وفرغانه حتى بلغ خوقند عام 94 هـ/712 م - وفتح كابل في 94 هـ/712 م أيضًا - فتح مدينة كاشغر (في تركستان الشرقية) عام 96 هـ/714 م، استطاع هذا القائد العظيم أن يمد فتوحاته إلى كل البلاد الواقعة بين النهرين (وهذا يشمل معظم مساحة الاتحاد السوفيتي السابق وبلاد أفغانستان) ثم واصل حتى دخل الصين. وفرض الجزية على ملكها. إلى هنا توقف قتيبة شرقًا. أخضع قتيبة مناطق شاسعة جدًا، تجاوزت مساحتها 4 ملايين كيلو متر مربع تمتد من أواسط بلاد القفقاس إلى جنوب بحر الخزر، ثم تمتد شمالا لتتعمق في آسيا الوسطى، وتصل شرقًا إلى أواسط تركستان الشرقية، ثم تتجه غربًا نحو كابل (أفغانستان، سجستان) (¬1). في بلاد السند (بلاد السند تكون معظم دولة باكستان حاليًا) أرسل الحجاج جيشًا ضخمًا إلى هذه البلاد بقيادة القائد الشاب محمد بن القاسم الثقفي (ابن أخيه)، تمكن القائد محمد بن القاسم الثقفي من تحقيق انتصارات ضخمة هناك وقتل داهر ملك السند، واحتل بلاد السند في الفترة 90 - 94 هـ/708 - 712 م، فكانت تلك من أعظم الفتوحات. فبلغت الدولة الإسلامية في هذا العهد أقصى اتساع لها عبر التاريخ. وفاة الوليد:- تُوفي عام 96 هـ/714 م، ودامت خلافته عشر سنوات. ¬

_ (¬1) العهد الأموي/محمود شاكر، ص 227.

سليمان بن عبد الملك

* سليمان بن عبد الملك 96 - 99 هـ/714 - 717 م:- هو سليمان بن عبد الملك بن مروان. كان قبل خلافته واليًا على الرملة، وتولى الخلافة بعهد من أبيه، وكان أبوه قد عهد لولديه الوليد ثم سليمان. * * * خلافته:- عندما تولى أمر بإقامة الصلاة في وقتها، وكانت تؤخر إلى آخر وقتها، وكانت الفترة الأولى من حكمه مملوءة بالانتقام المر لشخصه. من عظماء ملأ ذكرهم الدنيا، كانوا قد وافقوا أخاه الوليد على عزل سليمان وتولية العهد لابنه وهم محمد بن القاسم الثقفي وقتيبة بن مسلم. وكذلك آل الحجاج بن يوسف فبطش بهؤلاء جميعًا. ونكل بالقائد العظيم موسى بن نصير. حج سنة 97 هـ/715 م، عهد من بعده لابن عمه عمر بن عبد العزيز، وهذه أجل وأروع أعماله. * * * الفتوحات:- كانت الفتوحات محدودة في أيامه، فعلى الجبهة الغربية غزا القسطنطينية برًا وبحرًا تحت قيادة مسلمة بن عبد الملك، ورابط بنفسه هناك، وأقسم ألا يعود حتى يفتحها، فتوفي أثناء حصارها عام 99 هـ/717 م. على الجبهة الشرقية: فتح يزيد بن المهلب جرجان وطبرستان عام 98 هـ/716 م. * * * وفاته:- تُوفي عام 99 هـ/717 م، فكانت خلافته ثلاث سنوات.

* عمر بن عبد العزيز 99 - 101 هـ/717 - 719 م:- نحن الآن أمام صفحة رائعة من صفحات التاريخ الإسلامي، صفحة وصلت ما انقطع من تاريخ أبي بكر وعمر، ومن الممكن أن نقرر أن عهد عمر بن عبد العزيز -على قصره- كان عهدًا قائمًا بذاته، له خواصه الإسلامية الصافية، التي لم تتأثر بما يؤخذ علي بني أمية من اتجاهات (¬1). هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، كان قبل خلافته أميرًا على المدينة، وكان غارقًا في مظاهر التكبر والترف الأموي الصارخ. * * * خلافته وأعماله:- تولى بعهد من ابن عمه سليمان بدون علمه، فلم يكن يسعى لها أو يريدها، وتبدل كليًا منذ خلافته، فهجر كل ألوان النعيم، وصار عابدًا زاهدًا، ضيق على نفسه وأهله فرد كل ما لديه من أموال وقطائع إلى بيت المال، وكذلك أموال ومجوهرات زوجته فاطمة بنت عبد الملك. واسترد من بني أمية كل ما أعطوا من قطائع وهبات، وأعادها لبيت المال، وحرم نفسه أن يأخذ من بيت المال شيئًا، وامتاز عهده بكثير من الإصلاحات، فأصلح الأراضي وحفر الآبار وبنى المساجد، ووزع الصدقات حتى قضى على الفقر، فلم يبق في عهده من يأخذ من أموال الزكاة أو الصدقات، وعزل الولاة الظالمين. فكان لصلاحه وتقواه يعد من الخلفاء الراشدين. ¬

_ (¬1) موسوعة التاريخ الإسلامي، د. أحمد شلبي، جـ 2/ص 72.

الفتوحات:- فك حصار القسطنطينية، وأمر بعودة الجيوش الإسلامية، واستمرت الحملات على الترك في بلاد الروم. غزا المسلمون فرنسا، واخترقوا جبال البرانس، ووصلوا إلى مقاطعتي سبتمانيا وبروفانس، وحاصروا طولوز، ولكن لم يحقق المسلمون نتائج ملموسة في فرنسا، وقلت الحروب في فترته، ونشطت الدعوة للإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، فدخل الكثيرون في الإسلام. الأحداث:- كانت مدته قصيرة، ولم تحدث أية أحداث داخلية ذات أهمية، حتى أن الخوارج أوققوا نشاطهم الثوري، والتقوا مع عمر للتفاهم معه بالحجة، وانصاع له كثيرون منهم. * * * بدء الدعوة العباسية (¬1):- ادَّعت فرقة الكيسانية (الرافضية) أن الإمامة في عقب محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية)، ثم دعوها لابنه أبي هاشم الذي كان ينتقد الأمويين، وقبل موته طلب من ابن عمه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس (المقيم بالحميمة في الأردن) طلب منه تقويض الحكم الأموي والدعوة إلى آل البيت، فبدأ ينفذ من عام 100 هـ/718 م. ¬

_ (¬1) البداية والنهاية/ابن كثير، جـ 9/ص 189.

يزيد بن عبد الملك

وفاة عمر:- تُوفي في رجب 101 هـ/719 م، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر فقط، وكانت خلافته - رضي الله عنه - نعمة وخيرًا على الإسلام والمسلمين. * * * * يزيد بن عبد الملك 101 - 105 هـ/719 - 723 م:- هو يزيد بن عبد الملك بن مروان، نشأ في الرفاهية والدلال، فلم يشعر بقيمة السلطان، إذ أتاه الحكم ولم يتعب عليه، تولى بعد عمر بعهد من أخيه سليمان، شغل عن الحكم بجاريتين أحبهما هما: حبابه وسلامة، ويقال إنه مات كمدًا على موت حبابة، كما يروي الكثير من المؤرخين. ورغم أننا لا نعفي يزيد من الخلاعة والمجون، إلا أننا نستبعد مثل هذه الروايات التي تبدو من نسيج الخيال، وربما وضعها أعداء بني أمية (الذين دُوِّن التاريخ في عهدهم). ويلاحظ أنه عندما تولى الشباب الخلافة في أواخر الدولة الأموية أدى هذا إلى توقف الفتوحات وضعف الدولة وبداية نهايتها. * * * الفتوحات:- أعيد فتح أرمينيا وبلاد اللان، انهزم المسلمون وتراجعوا إلى جنوب فرنسا عام 102 هـ/720 م - غزو صقلية - وغزو بلاد الصغد عام 104 هـ/722 م.

هشام بن عبد الملك

الأحداث:- نشط الخوارج بقيادة شوذب فهزموا الأمويين في كثير من المعارك، إلى أن قُضِيَ عليهم وعلى زعيمهم شوذب. ومن أهم الأحداث في عهده ثورة يزيد بن المهلب بن أبي صفرة في العراق (أرض الثورات)، فانتصر يزيد عليهم وقتل ابن المهلب، وقضى على آل المهلب كلهم. وقد كانوا فيما مضى من أشهر قواد الأمويين الذين جلبوا لهم الانتصارات. * * * وفاته:- تُوفي عام 105 هـ/723 م، فكانت مدته أربع سنوات. * * * * هشام بن عبد الملك 105 - 125 هـ/723 - 742 م:- هو هشام بن عبد الملك بن مروان. استخلف بعهد من أخيه يزيد، كان يولي أولاده الجهاد في بلاد الروم وعرف عهده بالإصلاحات الواسعة وعمَّر الأراضي - بنى مدينة الرصافة، ضبط الدواوين تمامًا، وكان عارفًا بالأمور حليمًا ويكره سفك الدماء. وعرف بالبخل. * * * الفتوحات:- كان الجهاد مستمرًا بدون فتوحات جديدة، في فرنسا تقدم القائد عبد الرحمن الغافقي بجيوشه إلى أن وصل إلى وسط فرنسا فأصيب الفرنجة برعب شديد. كما أثار ذلك خوف المسيحيين في جميع أنحاء أوروبا، فتجمعوا جميعًا تحت قيادة (شارل

مارتن)، فجرت معركة هائلة في بواتييه هي معركة (بلاط الشهداء)، قتل فيها الغافقي وتراجع الجيش إلى جنوب فرنسا عام 114 هـ/732 م، فكانت هذه أعظم الواقع خطرًا على فرنسا. الأحداث:- ثورة زيد بن علي بن الحسين: خرج علي بني أمية بالكوفة عام 121 هـ/738 م ثم تخاذل عنه الكوفيون (كعادتهم) فقاتل قتالا عظيمًا حتى قضى عليه في عام 122 هـ/739 م، ثم ثار ابنه يحيى في بلخ بخراسان. فقتله الأمويون عام 125 هـ/742 م. وتنسب إلى زيد وابنه يحيى فرقة الزيدية الشيعية. * * * الدعوة العباسية:- نشطت الدعوة في هذه الفترة، وكان مركزها في الكوفة، ومجال انتشارها في خراسان، كان الأمويون يتعقبون الدعاة ويقتلونهم. مات صاحب الدعوة محمد بن علي بن عبد الله بن العباس عام 124 هـ/741 م، وتولى ابنه إبراهيم. ظهر في هذه الفترة نشاط أبي مسلم الخراساني كأحد أبرز الدعاة. * * * وفاة هشام:- تُوفي عام 125 هـ/742 م، ودامت خلافته عشرون عامًا. في عهده خطت الدولة خطوة نحو الضعف، وذلك بسبب قيام العصبية بين عرب الشمال وعرب الجنوب. وبخاصة في خراسان. وهذا مما ساعد الشيعة على تحقيق انتصارات جديدة في تلك البقاع.

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

* الوليد بن يزيد بن عبد الملك 125 - 126 هـ/742 - 743 م:- استخلف بعهد من أبيه يزيد بعد عمه هشام، أسرف في شهواته وخلاعته ومجونه، فنقم عليه الناس، وبايعوا سرًا ابن عمه يزيد بن الوليد الذي كان معروفًا بالصلاح. فنادى يزيد بخلعه وهو غائب، ثم أرسل إليه جماعة فقتلوه في عام 126 هـ/743 م، فكانت مدته سنة و3 أشهر. سلوكياته:- وقد أشيع عنه انحرافات ومنكرات تبدو كالأساطير، حتى إن البعض تصوره زنديقًا، محتقرًا للقرآن. مهاجمًا تعاليم الإسلام. ولو صح ذلك لكانت فرصة لعمه هشام لعزله، ولكن ذلك لم يحصل كما أن أشياعه الذين دافعوا عنه قبل مقتله كانوا كثيرين. والثورات التي طالبت بالثأر له لم تهدأ حتى انتصر أتباعه بقيادة مروان بن محمد. * * * * يزيد بن الوليد بن عبد الملك 126 هـ/743 م:- بويع بعد أن قتل ابن عمه الفاسد الوليد في عام 126 هـ. كان عهده قصيرًا ومضطربًا، فلم يهنأ بالخلافة يومًا، فقد ظهرت الفتن، واختلفت كلمة بني مروان، ثار أهل حمص ثم أهل فلسطين فأخمد ثورتهم، وبدأت الفتنة تظهر بين القيسية واليمانية خاصة في خراسان. * * * وفاته:- مات بالطاعون بعد ستة أشهر من خلافته في عام 126 هـ/743 م.

إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك

* إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك 127 هـ/744 م:- تولى بعد أخيه يزيد، فخرج عليه مروان بن محمد بن مروان الذي كان يدعو بالثأر للوليد بن يزيد وإلى بيعة ابني الوليد بن يزيد، فقتلهما إبراهيم في سجنهما، وصل مروان إلى دمشق. فهرب إبراهيم. ودام حكمه 70 يوم فقط. تولى بعدها مروان بن محمد. * * * * مروان بن محمد 127 - 132 هـ/744 - 749 م:- (وزوال الدولة الأموية) حياته:- هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم. يلقب بالحمار لنشاطه وجرأته في الحروب، غزا أرض الروم عام 105 هـ/723 م، وفتح مدينة قونية، وكان أمير أرمينيا وأذربيجان. خلافته:- بويع بالخلافة بعد أن دخل دمشق، وهرب منها إبراهيم عام 127 هـ/744 م. * * * الأحداث:- كانت فترته فترة اضطرابات وفتن إلى أن زالت الدولة. * * * الخوارج:- اشتد أمرهم في العراق. واستولوا على المدينة. وخرجوا في خراسان لكن قضي عليهم.

زوال الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية

زوال الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية:- أصبحت الدعوة العباسية قوية، فأعلنت في عام 129 هـ/746 م. فقبض مروان على زعيمها إبراهيم وقتله، ثم تولى أخوه أبو العباس السفاح، الذي توجه بأهله إلى الكوفة. فبويع هناك بالخلافة عام 132 هـ/749 م. وأخضع العباسيون خراسان والعراق. والتقى مروان بن محمد مع العباسيين على نهر الزاب (بين الموصل وأربيل) فهزم جيشه عام 131 هـ/748 م، ففر إلى عدة جهات. إلى أن قتله العباسيون في مصر سنة 132 هـ/749 م. وبمقتله زالت دولة بني أمية وقامت الدولة العباسية. وبعد ... ذلك هو العصر الأموي. عصر حافل بالحركات السياسية والحركات الفكرية، ولا نزاع أنه لا ينافسه عصر آخر فيما خلَّد من فتوح، وما جذب للإسلام من جموع، فهو عصر فريد بين عصور التاريخ الإسلامي، وجدير بأن يكون مفخرة للمسلمين في جميع البقاع حتى العهد الحاضر.

الباب الخامس الدولة العباسية (132 - 656 هـ) (749 - 1200 م)

الباب الخامس الدولة العباسية (132 - 656 هـ) (749 - 1200 م)

الفصل الأول قيام الدولة العباسية

الفصل الأول قيام الدولة العباسية نسب العباسيين:- تنسب الخلافة العباسية للعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمؤسس هذه الدولة هو عبد الله (السفاح) محمد بن علي بن عبد لله بن العباس بن عبد المطلب. ويعتبر قيامها انتصارًا للفكرة التي نادى بها بنو هاشم (العلويون) عقب وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإسناد الخلافة إلى أهل الرسول وذويه، وقد هُزِمت هذه الفكرة في مطلع الإسلام. وانتصر التفكير الإسلامي الصحيح وهو أن الخلافة ملك للمسلمين يولون على أنفسهم من يصلح لذلك. * * * بداية الدعوة:- ادعت فرقه الكيسانية (الرافضة) أن الإمامة في عقب محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية). فدعوها بعد وفاته لابنه أبي هاشم، الذي كان ينتقد الأمويين وقبل موته ذهب إلى ابن عمه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس في الحميمة (الأردن)، وطلب منه أن يعمل على تقويض الحكم الأموي والدعوة لآل البيت.

المرحلة الجهرية وإخضاع خراسان والعراق

المرحلة السرية 100 - 129 هـ/718 - 746 م:- وكان محمد طموحًا، فحمل الفكرة، وبدأ بتنفيذها منذ سنة 100 هـ، فكانت الحميمة مركزًا للتخطيط وتنظيم العمل، واختار الكوفة مركزًا للدعوة، واختار خراسان مجالًا لانتشار الدعوة، واختار لها دعاة ونقباء أكفاء لنشرها فكانت تنتشر بسرية تامة وببطء باسم آل البيت. فكان عمله يتسم بالسياسة والدهاء وبعد وفاة محمد تولى الدعوة ابنه إبراهيم عام 125 هـ/742 م، وكان الأمويون قد ضعفوا وتفرقوا بعد وفاة هشام بن عبد الملك، بينما أخذت الدعوة العباسية بالانتشار. * * * * المرحلة الجهرية وإخضاع خراسان والعراق:- في سنة 129 هـ/746 م أمر إبراهيم أبرز قواده أبي مسلم الخراساني (وهو داهية خطير وعظيم من عظماء العالم العسكريين)، أن يعلن الدعوة في خراسان ففعل، فقبض مروان بن محمد (آخر الخلفاء الأمويين) على إبراهيم وسجنه، فتولى أخوه عبد الله (السفاح) الأمر والذي قدم إلى الكوفة مع أهله، ونزل في دار أبي سلمة الخلال وبقي أمره سرًا. استطاع أبو مسلم أن يقضي على نصر بن سيار (والي خراسان) رغم أن هذا الأخير بذل كل جهوده ومحاولاته لصد أبي مسلم واستنجد بالخليفة مروان بن محمد مرتين. واستنجد بيزيد بن عمر بن هبيره (والي مروان على العراق)، ولكن لم يلق أي استجابة لانشغالهم جميعًا بالحروب والفتن. فتمكن أبو مسلم من الاستيلاء على خراسان سنة 130 هـ/747 م. ثم انتزعت العراق من يد يزيد بن عمر بن هبيرة سنة 132 هـ/749 م.

إعلان الخلافة العباسية

ورغم أن ابن هبيرة لم يستسلم للعباسيين إلا بعد أن أعطاه السفاح العهود والمواثيق والأمان إلا أنهم غدروا به وخانوا العهد وقتلوه. كذلك قتل السفاح بعد إعلان خلافته أبي سلمة الخلال متهمًا إياه بالتواطؤ لنقل الخلافة إلى العلويين. رغم أن هذا الأخير كانت له جهود جبارة في القضاء على الأمويين. وانتشار الدعوة العباسية. نرى من خلال ذلك مدى اندفاع حماس العباسيين لتأمين قيام دولتهم. * * * إعلان الخلافة العباسية:- خرج عبد الله (السفاح) من مخبئه، وذهب مع جماعته إلى جامع الكوفة، وأعلن خلافته، فبويع بها، في ربيع أول سنة 132 هـ/749 م. * * * معركة الزاب والقضاء على الأمويين:- سير السفاح جيوشه لقتال مروان بن محمد (آخر خليفة أموي) والذي عسكر على نهر الزاب (قرب الموصل) فهزم مروان، وفرَّ من مكان إلى مكان، إلى أن تمكن العباسيون من قتله في مصر سنة 132 هـ/749 م، فاستتب الوضع لبني العباس في جميع الأقطار الإسلامية عدا الأندلس.

عصور الدولة العباسية

عصور الدولة العباسية (إجمالًا) قامت عام 132 هـ/749 م على أنقاض الدولة الأموية، وزالت عام 656 هـ/1258 م بعد أن دمر المغول بغداد، وقتلوا آخر خليفة عباسي، فحكم العباسيون في الفترة (132 - 656 هـ) أي 524 عامًا. وتنقسم هذه الفترة إلى مرحلتين (حسب اصطلاح أغلب المؤرخين):- 1 - الدولة العباسية الأولى (132 - 247 هـ/749 - 861 م). وهي مرحلة قوة وسيطرة الخلفاء، وقد حكم عشرة خلفاء في هذه المرحلة. 2 - الدولة العباسية الثانية (247 - 656 هـ/861 - 1258 م). وهي مرحلة ضعف الخلفاء وفقدإنهم للسلطة، وسيطرة العسكريين على الأمر. وقد حكم سبعة وعشرون خليفة في هذه المرحلة.

الفصل الثاني العصر العباسي الأول

الفصل الثاني العصر العباسي الأول (132 - 247 هـ) (749 - 861 م) خلفاء عصر القوة م ــ الخليفة ــ اللقب ــ فترة الحكم 1 - أبو العباس عبد الله بن محمد ... السفاح ... 132 - 136 هـ/749 - 753 م 2 - أبو جعفر عبد الله بن محمد ... المنصور ... 137 - 158 هـ/753 - 774 م 3 - محمد بن عبد الله بن محمد ... المهدي ... 158 - 169 هـ/774 - 785 م 4 - موسى بن محمد بن عبد الله ... الهادي ... 169 - 170 هـ/785 - 786 م 5 - هارون بن محمد بن عبد الله ... الرشيد ... 170 - 193 هـ/786 - 808 م 6 - محمد بن هارون بن محمد ... الأمين ... 193 - 198 هـ/808 - 813 م 7 - عبد الله بن هارون بن محمد ... المأمون ... 198 - 218 هـ/813 - 833 م 8 - محمد بن هارون بن محمد ... المعتصم ... 218 - 227 هـ/833 - 841 م 9 - هارون بن محمد بن هارون ... الواثق ... 227 - 232 هـ/841 - 846 م 10 - جعفر بن محمد بن هارون ... المتوكل ... 232 - 247 هـ/846 - 861 م

خلفاء العصر العباسي الأول العباس (رضي الله عنه) | عبد الله (رضي الله عنه) | علي | محمد | • (1) عبد الله (السفاح) • (2) عبد الله (المنصور) | • (3) محمد (المهدي) | • (4) موسى (الهادي) • (5) هارون (الرشيد) | • (6) محمد (الأمين) • (7) عبد الله (المأمون) • (8) محمد (المعتصم) | • (9) هارون (الواثق) • (10) جعفر (المتوكل)

1 - أبو العباس السفاح

1 - أبو العباس السفاح 132 - 136 هـ/749 - 753 م:- هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس. أول خلفاء بني العباس والده هو الذي حمل فكرة الدعوة وعمل على نشرها، فعرف عبد الله الكثير عن الدعوة وأسرارها، ولاه أخوه إبراهيم قبل أن يقبض عليه الأمويون سنة 129 هـ/746 م فقدم مع جماعته إلى الكوفة سرًا. * * * خلافته:- لما استولت الجيوش العباسية على خراسان والعراق. خرج من مخبئه، وبويع بالخلافة سنة 132 هـ/749 م، ثم هزم مروان بن محمد وقضى على الدولة الأموية في نفس العام. ويلاحظ أنه اعتمد في خلافته على ثلاث دعائم:- 1 - أسرته: فأعمامه وأخوانه وأبناء عمومته كثيرون، وقد تسلموا له قيادة الجيوش وأمرة الولايات، والنصح والشورى. 2 - أبو مسلم الخرساني: هذا القائد الفذ المحنك، الذي استطاع بحزمه وقوته إخضاع خراسان والعراق. وأن يمهد الأمر لقيام الدولة. 3 - العصبية القبلية: استفحل أمرها في أواخر العهد الأموي، فاستغلها العباسيون فكانوا مع اليمانيين ضد القيسيين (أنصار الأموين) (¬1). ¬

_ (¬1) الدولة العباسية الأولى/محمود شاكر، ص 85.

2 - أبو جعفر المنصور

العاصمة:- كانت الكوفة مركز الدعوة العباسية، وفيها بويع السفاح، ثم غادرها إلى الأنبار، وجعلها عاصمته سنة 134 هـ/751 م. الفتوحات:- كان مشغولًا بتوطيد أركان الدولة، التي لم تستقر بعد، لذا فقد انصرف عن الفتوحات، واستمرت المناوشات في بلاد الترك وبلاد ما وراء النهر. * * * وفاته:- تُوفي عام 136 هـ/753 م، فكانت خلافته أربع سنوات. 2 - أبو جعفر المنصور 137 - 158 هـ/753 - 774 م:- هو عبد الله بن محمد علي بن عبد الله بن العباس. كان فحل بني العباس شجاعة وحزمًا ودهاءً، ويعتبر المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، انتقل مع أبو العباس إلى الكوفة وعمل معه على تأسيس الدولة، وتوطيد أركانها، وكان الساعد الأشد والعضد الأقوى له، ثم كان واليًا على الجزيرة وأرمينيا وأذربيجان قبل خلافته. * * * خلافته: استخلف بعد أخيه العباس بعهدٍ منه. الأحداث:- قابل المنصور ثورات خطيرة، من شأنها أن تهز العروش، وتزعزع النفوس،

ولكنه كان ثابت الجأش، واستطاع بحنكته وسياسته ومهارته أن ينتصر فيها جميعًا، وكانت أهم هذه الأحداث:- 1 - ثورة عمه عبد الله بن علي: ادعى عمه أنه أحق بالخلافة، لأنه قتل مروان بن محمد، وثبت دعائم الدولة، كما ادعى أن السفاح عهد إليه بالخلافة من بعده فبايعه جيشه، كما بايعه أهل الشام والجزيرة، فسار بجيشه إلى حران فتحصن بها، سير إليه المنصور أبي مسلم الخراساني، فقاتله خمسة شهور، فانهزم عبد الله وفرَّ إلى البصرة، ثم قبض عليه المنصور سنة 137 هـ/753 م وسجنه حتى مات. 2 - قتل أبي مسلم الخراساني: كان قويًا، داهية (وأصله فارسي)، وكان السيد الوحيد المطاع في خراسان، وكان المنصور يخاف أن يتمرد على الدولة، فاستقدمه بعد أن كلفه بالقضاء على عمه عبد الله، فقدم بعد إلحاح شديد وتهديد، فقتله المنصور سنة 137 هـ/753 م. 3 - ثورة محمد وإبراهيم: وهم أبناء عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي، ثار محمد في المدينة المنورة فتبعته سنة 145 هـ/762 م، فسير إليه المنصور جيشًا قضى عليها وثار أخوه إبراهيم في نفس العام في البصرة، فأطاعته، ثم أخضع معظم العراق وفارس والأهواز. وقاوم المنصور مقاومة عنيفة إلى أن قضى عليه في عام 145 هـ/762 م، وكان هؤلاء العلويون يطالبون بالخلافة ويؤكدون أنهم أحق بها من العباسيين. 4 - الخوارج: نشطوا أيام المنصور وبالذات في بلاد المغرب، حيث أقام الخوارج

الصفرية دولة لهم في سجلماسة بالغرب سنة 140 هـ/757 م، ونشط المنصور في جهادهم. * * * الدولة الأموية في الأندلس:- فرَّ عبد الرحمن بن معاوية بن هشام عبد الملك إلى الأندلس بعد انهيار الدولة الأموية، فسمي عبد الرحمن الداخل، واستطاع أن يؤسس فرعا للدولة الأموية هناك بعد جهود مضنية سنة 138 هـ/755 م. وعجز المنصور عن قتاله، فتركه. * * * الفتوحات:- بعد استقرار الأوضاع سير الجيوش إلى بلاد الروم، وأنشأ ثغور للمرابطة كانت تنظم منها غارات منتظمة عرفت بالصوائف والشواتي. الغرض منها حماية الحدود، وأخضع البلدان التي نقضت العهد كطبرستان والديلم وكشمير وغيرها. * * * أهم أعماله:- بنى مدينة بغداد واتخذها عاصمة للدولة سنة 146 هـ/763 م، بنى مدينة الرافقة وسع المسجد الحرام عام 139 هـ/756 م. والمنصور هو الذي أصل الدولة، وضبط المملكة ورتب القواعد وأقام الأنظمة والقوانين. * * * وفاته:- تُوفي في مكة أثناء حجه عام 158 هـ/774 م، حكم أحد وعشرين عامًا.

3 - محمد المهدي

3 - محمد المهدي 158 - 169 هـ/774 - 785 م:- هو محمد المهدي بن المنصور. بويع بالخلافة بعد أبيه بعهد منه عام 158 هـ/774 م. وكان جوادًا كريمًا، كثير العطايا، رد المظالم لأهلها، وسع المسجد الحرام والمسجد النبوي. * * * الأحداث:- كانت الأوضاع مستقرة في عهده. فلم تقم حركات تذكر. * * * الزنادقة:- كان هذا اللقب يطلق على من اعتنق المانوية أو الثنوية (أي عبدة النور والظلمة) وأصلها القديم من فارس (تنسب إلى مزدك) ثم أطلق لقب زنديق على كل ملحد أو مبتدع، وأطلق أحيانًا على من كان يحيا حياة المجون والخلاعة من الأدباء، وكان المهدي أكثر الخلفاء العباسيين إيقاعًا بالزنادقة، وتعقبًا لهم. وقد أوصى ابنه الهادي بتعقبهم، وقد استجاب الهادي لوصية أبيه. * * * الخوارج:- قامت الدولة الرسمية في تاهرت (الجزائر) وهم خوارج إباضية، وقامت دولتهم سنة 160 هـ/776 م. * * * الفتوحات:- حقق انتصارات كبيرة في بلاد الروم. وقد تولى ابنه الرشيد قيادة الجيوش،

4 - موسى الهادي

فوصل إلى سواحل بحر مرمرة، وصالح الإمبراطورة أغسطة على الجزية عام 166 هـ/782 م. وفاته:- توفي عام 169 هـ/785 م فحكم 10 سنوات وعدة أشهر. * * * 4 - موسى الهادي 169 - 170 هـ/785 - 786 م:- هو موسى الهادي ابن محمد المهدي. بويع بعد أبيها تتبع الزنادقة وعمل على إبادتهم كوالده. حاول أن يخلع ولاية العهد عن أخيه الرشيد إلى إبنه، فلم يتحقق له ذلك. * * * الأحداث:- ثورة الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي: في المدينة ومكة، كان يريد الخلافة، استطاع الهادي القضاء عليه وعلى جماعته في معركة فخ (قرب مكة) عام 169 هـ/785 م. أفلت من هذه المعركة إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن. فوصل إلى المغرب الأقصى وأسس دولة الأدارسة هناك، كما ثار أخوه يحيى بن عبد الله في بلاد الديلم. وكثرت جموعه واشتدت شوكتها فسير إليه جيشًا ضخمًا، فتمكن من القضاء عليه. * * * وفاته:- تُوفي عام 170 هـ/786 م، وتقول بعض المصادر التاريخية أن أمه الخيزران

5 - هارون الرشيد

أوعزت بقتله، لأنه جردها من النفوذ والصلاحيات الواسعة التي كانت تتمتع بها في عهد زوجها المهدي (¬1). فلم يحكم إلا سنة، وثلاثة أشهر. * * * 5 - هارون الرشيد 170 - 193 هـ/786 - 808 م:- هو هارون الرشيد بن المهدي. درة التاج العباسي، ويعتبر بحق أحد عظماء الملوك في التاريخ، وفي عهده شمل الرخاء الإمبراطورية الإسلامية على نحو لم يتوافر من قبل. بلغت الدولة في أيامه قمة أوجها وعظمتها واستقرارها. واكتملت لها ألوان من العظمة والقوة والمجد العلمي. وكانت الدولة مهيبة الجانب عظيمة القدر. يقول السيوطي:- إن أيام الرشيد كانت كلها أيام خير. كأنها في حسنها أعراس وأعياد. وكان شجاعًا، قاد الجيوش إلى بلاد الروم، فأخضعهم في عهد أبيه وهو في سن العشرين، وكان تقيًا يخشى الله في أموره كلها. حج تسعة مواسم، فشاع بين الناس أنه يحج عامًا، ويغزو عامًا. وكان يستمع إلى الوعاظ، فيبكي من خشية الله. فكان من أفاضل الخلفاء وفصحائهم وعلمائهم وكرمائهم. ومن فضائله رعايته للعلم وتأسيسه (بيت الحكمة) ذلك العهد الذي كان المنار للثقافة والفكر في العالم آنذاك، والذي انبعثت منه الشعلة التي أضاءت الطريق للنهضة الأوروبية فيما بعد (¬2). وقد أشيعت الشائعات المغرضة، الباطلة حول الرشيد، ووجهت له التهم بصفته أعظم خلفاء بني العباس، فأشاعوا عن لهوه وكأسه وعرضه. ¬

_ (¬1) ابن الأثير 6/ 34. ابن خلدون 3/ 217. (¬2) التاريخ الإسلامي/أحمد شلبي، 3/ 146.

الأحداث:- كان عهده هادئًا مستقرًا، فلم تقم أي أحداث بارزة. ثورة يحيى بن عبد الله (من ذرية الحسن بن علي): ثار في بلاد الديلم، وأخضع بعض الأقاليم سنة 176 هـ/792 م، فقضى عليه الرشيد سنة 180 هـ/796 م. * * * الخوارج:- هبت للخوارج عاصفة قوية في عهد الرشيد كان يقودها رجل ذو بأس شديد، هو الوليد بن طريف (الشاري). وقامت ثورته سنة 178 هـ في الجزيرة، واستطاعت جيوش الخلافة القضاء عليه بعد جهد جهيد. * * * الزنادقة: تغلبوا على جرجان وعاثوا فيها بالفساد، فقضي عليهم سنة 181 هـ/797 م. * * * نكبة البرامكة: وهم من أصل فارسي مجوسي. وكان لهم نفوذ كبير وسيطرة واسعة أيام الرشيد. حيث جعلهم أمراء ووزراء، فتحكموا بالدولة ومقدراتها. ثم قضى عليهم الرشيد. وأنهي وجودهم سنة 187 هـ/802 م، لأسباب غير واضحة، واختلف المؤرخون كثيرًا في تلك الأسباب. * * * ثورة خراسان: قامت ثورة عنيفة في خراسان قادها رافع بن ليث بن نصر بن سيار نتيجة استبداد وتعسف والي خراسان، فعزل الرشيد هذا الوالي وحبسه ولكن الثورة استمرت، وقد استمر رافع في سلطانه حتى خضع للمأمون.

6 - محمد الأمين

الفتوحات:- فتح هرقلة: كان الغزو في بلاد الروم لا ينقطع، ويقوده الرشيد بنفسه أحيانًا، وفي عام 187 هـ/802 م. نقض الروم بعد أن ولوا عليهم نقفور، الذي كتب إلى الرشيد " من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب. إذا قرأت كتابي هذا، فاردد إلى ما حمل إليك من الأموال، وافتد نفسك، وإلا فالسيف بيننا وبينك ". فغضب الرشيد غضبًا شديدًا. وكتب إليه: " من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قرأت كتابك يا ابن الكافرة. والجواب ما تراه دون ما تسمعه وسار إليه على جيش كبير. حتى دخل العاصمة (هرقلة) وانتصر عليهم، وأسر ابنة ملكهم، وغنم الكثير. وفرض عليهم الجزية. ونقض أهل قبرص فأخضعهم. * * * وفاته:- عهد من بعده لولديه الأمين ثم المأمون، وكان ذلك باب فتنة هوجاء هبت عقب وفاته بين الأخوين. فأكلت الآلاف من المسلمين. وتُوفي الرشيد عام 193 هـ/808 م. دام حكمه ثلاثة وعشرون عامًا. * * * 6 - محمد الأمين 193 - 198 هـ/808 - 813 م:- محمد الأمين بن هارون الرشيد، وأمه زبيدة بنت جعفر بن المنصور، وليس في خلفاء بني العباس من أمه وأبوه هاشميان سواه. كان أبوه قد أخذ البيعة له ثم لأخيه المأمون من بعده، ثم القاسم وولاه العراق.

وولى المأمون الشرق (خراسان) وكان الرشيد قد أخذ لهما البيعة في مكة وأقسمهما على عدم الاختلاف وأشهد عليهما جميع من حضر، ووضع كتاب البيعة في جوف الكعبة. فقام الفضل بن الربيع (وزير الأمين) بإغرائه بخلع أخيه المأمون ومبايعة ابنه موسى، ففعل، ومزق كتاب البيعة. فخرج عليه المأمون. * * * الصراع على السلطة ونهاية الأمين:- في عام 195 هـ/810 م، أرسل الأمين جيشين لقتال أخيه، فهزمها طاهر بن الحسين قائد المأمون وفي 196 هـ/811 م ألحق بهم هزيمة أخرى. ثم سار طاهر إلى بغداد فحاصرها وضيق في حصارها. فانفض أتباع الأمين من حوله. وزاد اتباع المأمون. ودخل جيش المأمون في بغداد سنة 198 هـ/813 م. فاستحر القتال بين الطرفين، فانهزم الأمين وفرَّ، ثم قتل في عام 198 هـ/813 م. وقد كان الأمين كثير اللهو، ومحبًا للصيد، تاركًا أمور الدولة. وتروى عنه كتب التاريخ أنه كان خالعًا مسرفًا في التهتك والمجون (¬1). استمرت خلافته خمس سنوات. ¬

_ (¬1) الجاحظ/التاج، ص 43، المسعودي/مروج الذهب، جـ 2، ص 301 - 302.

7 - عبد الله المأمون

7 - عبد الله المأمون 198 - 218 هـ/813 - 833 م:- عبد الله المأمون بن هارون الرشيد. بايع الرشيد ابنيه الأمين ثم المأمون. فخلع الأمين أخاه كما مر معنا. فاستطاع المأمون بعد صراع دموي عنيف وبتدبير وزيره الفضل بن سهل. أن يقضي عليه ويتولى الخلافة سنة 198 هـ/813 م. الأحداث:- ثورة بغداد وتعيين إبراهيم بن المهدي: بايع وليًا لعهده علي بن موسى الرضا (من أحفاد الحسين بن علي) بإيعاز من وزيره الرافضي الفضل بن سهل. فغضب عليه العباسيون وخلعوه، وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدي سنة 201 هـ/816 م. فقدم المأمون من مرو وقد كان مستقرًا بها منذ توليه ففر عمه. ومات على الرضا فاستقرت له الأمور سنة 202 هـ. * * * الخُرَّمية: هو من مذاهب الزنادقة، وامتداد لأفكار مزدك. وتنسب إلى مدينة فارسية اسمها (خُرَّمه)، والخرمية أباحوا كل المحرمات. وأشهر زعمائهم هو بابك الخرمي كان يقول بعقيدة التناسخ ووجود إلهين للنور والظلمة، ظهر سنة 201 هـ/816 م، واستطاع أن يسيطر على همدان وأصبهان، واستمر المأمون في قتاله طوال فترته، وقد عظم شأنه، وتولي المأمون ولم ينته منه. * * * فتنة خلق القرآن: حدثت في عهد المأمون في عام 218 هـ/833 م، وهي القول بأن القرآن مخلوق وليس منزل، وآمن المأمون بهذا الاعتقاد وهو رأي المعتزلة، وقد

8 - أبو إسحاق المعتصم

تعرض عدد من العلماء للتعذيب في ذلك، منهم الإمام أحمد بن حنبل (1). ولم يَزُلْ هذا المعتقد الفاسد إلا في عهد المتوكل الذي انتصر لرأي أهل السنة. * * * الفتوحات:- الفتوحات عمومًا محدودة جدًا أيام العباسيين. فقد توقفت منذ أواخر دولة بني أمية. فتح اللاز والشيزر من بلاد الديلم سنة 202 هـ/817 م وتمت فتوحات في بلاد النوبة والبجاة. والمأمون هو الذي بدأ باستقدام العسكر من الترك. * * * ولاية العهد:- من أجلّ أعمال المأمون أنه كان أول خليفة عباسي أفاد من أحداث التاريخ، فلم ينظر للخلافة على أنها ملك خاص له يتوارثه أبناؤه بل على أنها مصلحة عليا، يجب أن يراعي فيها خير الناس واسعادهم، فتجاوز ابنه (العباس) رغم أنه من القادة العسكريين البارزين، وعين أخاه (المعتصم) إذ رأى أنه يرجح ابنه كفاءةً وشجاعة. * * * وفاته:- تُوفي عام 218 هـ/833 م، فحكم عشرين عامًا. * * * 8 - أبو إسحاق المعتصم 218 - 227 هـ/833 - 841 م:- هو محمد بن هارون الرشيد. تولى الخلافة بعد أخيه المأمون بعهدٍ منه عام

218 هـ/833 م. استخدم الجند الأتراك بكثرة، حتى ازداد أذاهم في بغداد، فبنى لهم مدينة سامراء، ويبدو أن المعتصم لجأ إلى الترك لفقده الثقة في الفرس والعرب، أما الفرس فقد اتضح أنهم يقصدون الاستبداد بالسلطة، وقد نكل بهم الخلفاء العباسيين (بداية بأبي سلمة الخلال فأبي مسلم الخرساني والبرامكة والفضل بن سهل وغيرهم). وأما العرب فقد زال سلطانهم بزوال دولة الأمين بسيوف الفرس. لكل هذا اضطر المعتصم أن يبحث عن عنصر جديد فكان العنصر التركي. ولم يدر أنه بذلك التصرف وقع وأوقع أولاده والدولة الإسلامية في شر مرير، حيث وضع أمور الدولة في أيدي هؤلاء الأوغاد الطغاة. تابع المعتصم مقولة خلق القرآن، واستمر في تعذيب الإمام أحمد بن حنبل فهو كان امتداد لسياسة المأمون في أغلب أموره. * * * الأحداث:- حركة بابك الخُرَّمي: قاتله عدة مرات، حتى قضى عليه عام 223 هـ/837 م، وكان يوم الانتصار على بابك من أزهى أيام النصر التي شهدها المسلمون. فقد قُضِي بذلك على الخُرَّمية بعد جهاد استمر أكثر من عشرين عامًا. * * * الفتوحات:- فتح عمورية: سار ملك الروم ومعه الخرمية، قد خلوا زلطرة وملاطية، وفعلوا الأفاعيل بالمسلمين. ويقال أن امرأة مسلمة أعتدي عليها في زبطرة، فصرخت: وامعتصماه. فلبى النداء وسار بنفسه إلى أقوى مدن الروم، وهي عمورية، فدخل

9 - هارون الواثق

المدينة بعد معركة عظيمة وفتحها عام 223 هـ/837 م. وقد خلد الشاعر أبو تمام هذه الواقعة في قصيدته الشهيرة ومطلعها:- السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب يا يوم وقعة عمورية انصرفت ... عنك المنى حفلا معسولة الحلب * * * وفاته:- تُوفي عام 227 هـ/833 م. وكانت مدته تسع سنوات. * * * 9 - هارون الواثق 227 - 232 هـ/841 - 846 م:- هو هارون بن محمد المعتصم. تولى الخلافة بعد أبيه المعتصم عام 227 هـ/841 م، ولم تحدث في عهده أحداث ذات أهمية. * * * الأتراك:- وصل القواد الأتراك في عهده إلى مكانة مرموقة، وقد منح الواثق للقائد التركي (أشناس) لقب سلطان، فكانت له صلاحيات واسعة. * * * وفاته:- تُوفي عام 232 هـ/846 م. فكان حكمه خمس سنوات.

10 - جعفر المتوكل

10 - جعفر المتوكل 232 - 247 هـ/846 - 861 م:- هو جعفر بن محمد المعتصم. تولى الخلافة بعد أخيه الواثق، نصَّبه القادة الأتراك الذين أصبحت مقاليد السلطة في أياديهم، وحاول هذا أن يتخلص من هؤلاء الترك. ولكنه فشل وانتهت حياته أخيرًا على أيديهم. وهو الذي منع القول بخلق القرآن، وألغى هذه البدعة. وأكرم الإمام أحمد بن حنبل. * * * الأحداث:- أغار الروم على دمياط بمصر، فدمروا وقتلوا وعادوا إلى بلادهم دون أن يتعرض لهم أحد عام 238 هـ/852 م. وتكررت اعتداءاتهم على بلاد المسلمين المجاورة لهم. فخرجت لهم عدة حملات. ولكن لم تحقق نتائج هامة. * * * وفاته:- تآمر عليه ابنه المنتصر مع بعض القادة الأتراك فقتلوه. وكان الأتراك قد استفحل أمرهم وعظم شأنهم، كان مقتله في عام 247 هـ/861 م. وقد حكم خمس عشرة سنة. وبمقتل المتوكل انتهى العصر العباسي الأول عصر قوة الخلفاء.

الفصل الثالث الدويلات المنفصلة في القرن الثاني الهجري

الفصل الثالث الدويلات المنفصلة في القرن الثاني الهجري ظل العالم الإسلامي وحدة واحدة طيلة عهد الخلفاء الراشدين، وعهد الأمويين وبسقوط الأمويين بدأ التفكك في العالم الإسلامي، فانفصلت بعض الأجزاء عن الدولة العباسية، واستقلت بنفسها كإمارات منفصلة. فكان أولها قيام الدولة الأموية في الأندلس عام 138 هـ/755 م ثم دولة الخوارج في المغرب عام 140 هـ/757 م. وكان العباسيون يحاولون القضاء عليها في البداية، ثم تركوها وشأنها. ونلاحظ أن جميع الإمارات المنفصلة في هذه الفترة من مغرب العالم الإسلامي فقط. * * * الدول المنفصلة م ــ الدولة ــ الموقع ــ فترة الحكم 1 - الدولة الأموية ... الأندلس ... 138 - 422 هـ/755 - 1030 م 2 - دولة بني مدرار ... سجلماسة (المغرب) ... 140 - 297 هـ/757 - 909 م 3 - الدولة الرستمية ... المغرب الأوسط (الجزائر) ... 160 - 296 هـ/776 - 908 م 4 - دولة الأدارسة ... مراكش (المغرب) ... 172 - 375 هـ/788 - 985 م 5 - دولة الأغالبة ... القيروان (تونس) ... 184 - 296 هـ/800 - 908 م

1 - الدولة الأموية في الأندلس

1 - الدولة الأموية في الأندلس 138 - 422 هـ/755 - 1030 م:- وهي أول دولة تنفصل وتستقل عن جسم العالم الإسلامي. مؤسس هذه الدولة هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي. وكان قد فرَّ من وجه الدولة العباسية، بعد انهيار الدولة الأموية، فدخل الأندلس فسُمي عبد الرحمن الداخل. وقد كان هناك نزاع بين المضرية واليمانية، فكان الأمر بيد يوسف الفهري (مضري) وتجمع اليمانية والأمويين تحت راية عبد الرحمن الذي سار إلى يوسف في قرطبة فاقتتلا وتحاربا مدة عام تقريبًا، إلى أن غلبه عبد الرحمن وتولى الحكم عام 138 هـ/756 م، وعرفت الموقعة الحاسمة التي انتصر فيها عبد الرحمن على يوسف باسم (المصارة)، وعظم شأنه واستقرت له الأحوال حتى أنه فكر في انتزاع بلاد الشام من العباسيين. أرسل له أبو جعفر المنصور عدة جيوش للقضاء عليه ففشل فسماه (صقر قريش) إعجابًا به وكف عن قتاله. ثم حاول المهدي قتاله فانهزم، فتركوه وشأنه. مات الداخل سنة 172 هـ/788 م (كانت قرطبة هي عاصمة الدولة). ومن أبرز حكام هذه الدولة عبد الرحمن الناصر (الثالث) 300 - 350 هـ/912 - 961 م. فقد تولى والبلاد في غاية الاضطراب، فأخضع الثوار، ثم بدأ يشن الغارات على ممالك المسيحيين، فحقق عليهم انتصارات عظيمة، وقاد

الجيوش بنفسه عدة مرات، وانهزم مرة أمام المسيحيين في معركة الخندق عام 308 هـ/920 م ثم استرد قوته سريعًا. عاشت الأندلس في عصره فترتها الذهبية، فبلغت أوج عظمتها وأبهتها من الناحية السياسية والحضارية والعمرانية. وكسبت احترام وتقدير الجميع. * * * السيطرة العامرية:- في الفترة 366 - 399 هـ/976 - 1008 م استبد الحاجب المنصور العامري بالملك والسلطة لضعف بني أمية، ووصيًا عن الخليفة هشام (10 سنوات) وكان المنصور في غاية الذكاء والشهامة والشجاعة. أخضع الثورات والفتن. ومضى في فتوحاته ضد المسيحيين. وكان يتولى الغزو بنفسه، ولم يهزم قط في الخمسين غزوة التي غزاها طوال حكمه ووصل إلى أقصى الركن الشمالي الغربي من أسبانيا فهابه ملوك أوروبا كلهم. فتولى بعده ابنه عبد الملك وكان ككفاءة أبيه، ثم تولى أخوه عبد الرحمن وكان ضعيفًا وقتل سنة 399 هـ، وبذا انتهت السيطرة العامرية، ثم عادت السلطة إلى بني أمية وكانوا ضعفاء متناحرين فسقطوا عام 422 هـ/1030 م. وتفككت إلى إمارات ملوك الطوائف (¬1). وسنتحدث عن ملوك الطوائف فيما بعد. ¬

_ (¬1) في الأدب الأندلسي/جودت الركابي، ص 21، 22.

أبرز الحكام الأمويين في الأندلس: 1 - عبد الرحمن الداخل 138 - 172 هـ/755 - 788 م. 2 - الحكم بن هشام 180 - 206 هـ/796 - 821 م. 3 - عبد الرحمن بن الحكم 206 - 238 هـ/821 - 852 م. 4 - محمد بن عبد الرحمن 238 - 273 هـ/852 - 886 م. 5 - عبد الله بن محمد 275 - 300 هـ/888 - 912 م. 6 - عبد الرحمن بن محمد (الناصر) 300 - 350 هـ/912 - 961 م.

2 - دولة بني مدرار في سجلماسة (بالمغرب)

2 - دولة بني مدرار في سجلماسة (بالمغرب) 140 - 297 هـ/757 - 909 م:- وهم من الخوارج الصفرية. وقد هادنوا العباسيين. وانصرفوا إلى شؤونهم الداخلية وتجارتهم، قضت عليهم الدولة العبيدية (الفاطمية) عام 297 هـ/909 م. * * * أبرز حكامها:- 1 - عيسى بن يزيد الأسود (المؤسس) 140 - 155 هـ/757 - 771 م. 2 - أبو القاسم سمكو 155 - 168 هـ/771 - 784 م. 3 - اليسع بن أبو المقاسم 174 - 208 هـ/790 - 823 م. 4 - ميمون بن مدرار 224 - 263 هـ/838 - 876 م. * * * 3 - الدولة الرستمية (في المغرب الأوسط) 160 - 296 هـ/776 - 908 م. وهم فرقة من الخوارج الإباضية، أسسها عبد الرحمن بن رستم بعد القضاء على البربر. ثم شيد تاهرت وجعلها عاصمة حكمه، قضى العبيديون على هذه الدولة، وضموها إلى نفوذهم عام 296 هـ/908 م. أبرز حكامها:- 1 - عبد الرحمن بن رستم 160 - 168 هـ/776 - 784 م.

4 - دولة الأدارسة في مراكش

2 - عبد الوهاب بن عبد الرحمن 168 - 208 هـ/784 - 823 م. 3 - الأفلح بن عبد الوهاب 208 - 258 هـ/823 - 871 م. 4 - أبو اليقظان محمد بن الأفلح 260 - 281 هـ/873 - 894 م. * * * 4 - دولة الأدارسة في مراكش 172 - 375 هـ/788 - 985 م:- بعد أن بطش العباسيون بالبيت العلوي في معركة فخ عام 169 هـ/785 م، فر إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأخوه يحيى، فيحيى ثار في بلاد الديلم ثم قضى عليه الرشيد، أما إدريس فقد سار إلى المغرب الأقصى وأيده البربر هناك، فأسس إمارته في مراكش، ثم قويت شوكته. وتولى بعده ابنه إدريس ويعتبر إدريس أبرز حكام هذه الدولة ومؤسسها الحقيقي، وهو الذي بنى مدينة فاس وفي زمن يحيى بن إدريس بن عمر امتد نفوذ الدولة على جميع بلاد المغرب ودولة الأدارسة هي أول دولة شيعية في التاريخ، وينسب للأدارسة أنهم أول من نقلوا الحضارة الإسلامية إلى المغرب. قضى عليهم العبيديون (الفاطميون). * * * أبرز الحكام:- 1 - إدريس بن عبد الله بن الحسن 172 - 177 هـ/788 - 793 م. 2 - إدريس بن إدريس 177 - 213 هـ/793 - 828 م. 3 - محمد بن إدريس بن إدريس 213 - 221 هـ/828 - 835 م. 4 - يحيى بن إدريس بن عمر 292 - 310 هـ/904 - 922 م.

5 - دولة الأغالبة في القيروان (تونس)

5 - دولة الأغالبة في القيروان (تونس) 184 - 296 هـ/800 - 908 م:- ولى الرشيد إبراهيم بن الأغلب على أفريقية لتأديب البربر وخوفًا من زحف الأدارسة على مصر والشام عام 184 هـ/800 م، فاستطاع ضبط الأمور وإخماد الثورات، وجعل مركز حكمه في القيروان واستقل بمنطقته عن الدولة العباسية فتركته وشأنه، وامتد نفوذ هذه الدولة على تونس وكل طرابلس (ليبيا). الفتوحات الخارجية:- استطاع زيادة الله بن إبراهيم أن يفتح جزيرة صقلية عام 212 هـ/827 م وقد غزاها المسلمون منذ عهد معاوية غير أن أقدامهم لم تثبت إلا في عهد الأغالبة، وشارك في فتحها القائد أسد بن الفرات (قاضي القضاة) واستمر النفوذ الإسلامي فيها حتى عام 483 هـ/1090 م. وتوالت هجمات بني الأغلب على جزر البحر الأبيض المتوسط، ففتحوا مالطة سنة 256 هـ/869 م. وقاموا بغارات ناجحة على جنوبي فرنسا وجنوبي إيطاليا، فسيطروا على سواحل فرنسية، وفتحوا عدة مدن إيطالية (برنديزي - نابلي - كالبريا - تورنتو - باري). وقضت الدولة العبيدية عليهم عام 296 هـ/908 م. * * * وأبرز حكامها:- 1 - إبراهيم بن الأغلب بن سالم 184 - 196 هـ/800 - 811 م. 2 - زيادة الله بن إبراهيم 201 - 223 هـ/816 - 837 م. 3 - إبراهيم بن أحمد 261 - 289 هـ/874 - 901 م.

الفصل الرابع العصر العباسي الثاني

الفصل الرابع العصر العباسي الثاني (247 - 656 هـ) (861 - 1258 م) (عصر الخلفاء الضعفاء) تمتد هذه المرحلة من عام 247 هـ/861 م إلى عام 656 هـ/1258 م. أي أكثر من 400 عام. وأهم مميزات هذا العصر:- 1 - ضعف الخلفاء، وسيطرة العسكريين على مركز الخلافة. 2 - نشوء دويلات كثيرة نتيجة بروز قادة استقلوا في مناطقهم واعترف بهم الخليفة. 3 - ظهور نتائج الحضارة الإسلامية السابقة، لهذا العصر، على شكل علوم، وعمران، ورفاهية، وترف. 4 - قيام حركات ادعاء النسب الهاشمي، والحركات الباطنية. 5 - الغزو الصليبي لبلاد المسلمين. 6 - الغزو المغولي، والقضاء على الخلافة العباسية وسقوط بغداد عام 656 هـ/1258 م (¬1). ¬

_ (¬1) الدولة العباسية الثانية/محمود شاكر، ص 7 - 42.

أولا: سيطرة الأتراك

أهم أحداث فترة الدولة العباسية الثانية (247 - 656 هـ/861 - 1258 م) أولًا: سيطرة الأتراك:- الفترة (247 - 334 هـ/861 - 945 م) هي فترة سيطرة العسكريين الأتراك على الخلفاء الضعفاء، فهم الذين يختارون الخليفة، ويخلعونه، ويقتلونه كما يشاؤون، وكان الخليفة المعتصم هو الذي استقدم الترك لتعبئة الجيوش لهم. وقد استقدمهم المعتصم من بلاد ما وراء النهر، وأسند لهم في البداية أمر سلامته الشخصية فجعل منهم حرسه الخاص، ثم أدخلهم في جيشه، واستطاعوا بشجاعتهم وبطولاتهم أن ينالوا تقدير الخليفة. فوصلوا إلى القمة والقيادة في أمور الحرب. ولم يدر أنه بتصرفه هذا وقع وأوقع أولاده وأوقع الدولة الإسلامية في شر مرير على أيدي هؤلاء الأوغاد الطغاة -كما ذكرنا آنفًا-. وقد بدأ شرهم يظهر في عهد المعتصم، فاعتدوا على كثير من الناس في بغداد، واعتدى الناس عليهم، وكثرت الشكوى، فبنى المعتصم مدينة سامراء (سرى من رأى) وانتقل إليها ونقل إليها جيشه. وأخذ هؤلاء يزحفون بسرعة إلى السلطة الكاملة، حتى استطاعوا قتل المتوكل واكتمل سلطانهم في عهد المنتصر. فصارت لهم السيطرة الكاملة، فكانوا يعينون من شاؤوا ويخلعون من أرادوا، وتعرض الخلفاء لأشد إيذاء على أيديهم، فقتلوا وسجنوا

ثورة الزنج

وعذبوا وخلعوا. وفي عهد المعتمد والمعتضد (256 - 289 هـ) شهدت الخلافة فترة صحوة واستعادت قوتها وهيبتها. وعاد الضعف بعد ذلك. * * * ثورة الزنج 255 - 270 هـ/868 - 883 م:- أثار الزنج وهم طائفة من عبيد أفريقية الخوف والرعب في حاضرة الدولة العباسية أكثر من 14 عامًا، كان يقودهم رجل فارسي يدعى علي بن محمد، من أهالي الطالقان، ادعى أنه من ولد علي زين العابدين بن الحسين، وادعى الغيب والنبوة، وجهر بعقائد الخوارج ودعى إلى تحرير العبيد فانضم إليه الكثيرون وقويت شوكته، قدم إلى العراق والبحرين ثم قدم بغداد عام 254 هـ/868 م، وبنى له مدينة سماها (المختارة)، انتشرت جيوشه في العراق وخوزستان والبحرين، واستولوا على سفن الحجاج، وكانوا يدمرون المدن ويذبحون سكانها. انتصروا على الجيش العباسي في كثير من المواقع، واستولوا على مدينة الأبلة الفارسية، والأهواز وعبادان والبصرة عام 257 هـ/870 م، وواسط عام 267 هـ/880 م، فخرج المعتمد العباسي يقود الجيوش بنفسه فأجلاهم عن الأهواز، ثم حاصر المختارة، وتمكن من قتل زعيمهم الخبيث وتفرق من معه، وانتهت الثورة عام 270 هـ/883 م. وسقط فيها مليونان ونصف (في رواية ابن طباطبا) (¬1)، ومليون ونصف (في رواية السيوطي) (¬2). ¬

_ (¬1) ابن طباطبا الفخري ص 221. (¬2) تاريخ الخلفاء/السيوطي، ص 224.

القرامطة

حركة القرامطة 287 - 470 هـ/900 - 1077 م:- وهم فرقة دينية باطنية، تستند في مبدئها الأساسي إلى أن لكل ظاهر باطن، فآيات القرآن لها ظاهر ولها باطن ولا يعرف هذا الباطن إلا الإمام العلوي، والمذهب الباطني ينحدر من الفكر الفارسي الخبيث الفاسد. وهم فرقة ضالة منحرفة، ادعوا التشيع في بدايتهم إلى الإسماعيلية، ثم دعوا إلى أنفسهم وتفرقوا إلى فرق، وينسبون إلى مؤسس دولتهم حمدان بن الأشعث الملقب بـ (قرمط)، وهو يمني الأصل تلقى الباطنية من فارسي يدعى حسين الأهوازي، وقد تزعم الحركة في الكوفة سنة 287 هـ/900 م، وامتد نشاطهم إلى الشام والخليج العربي ثم اليمن والحجاز. استطاع الخليفة العباسي المعتضد أن يقضي عليهم قضاءً مبرمًا في العراق ثم في سوريا بعد عدة حروب طاحنة وبقيت أكبر قوة لهم في البحرين والأحساء. وكان أول دعاتهم في البحرين أبو سعيد حسين الجنابي (287 - 301 هـ) وبنى ابنه سليمان (301 - 332 هـ) مدينة الأحساء على أنقاض هجر عام 317 هـ/929 م، وجعلها عاصمتها وارتكب مذابح عظيمة في البصرة والكوفة. وفي عام 317 هـ هاجم مكة والمدينة، فدخل مكة أيام الحج وارتكب مذبحة عظيمة فقتل الحجاج ورمى بجثثهم في بئر زمزم، ثم اقتلع الحجر الأسود، وجرد الكعبة من كسوتها وحمل ذلك إلى القطيف. وظل هناك إلى أن أعادوه بشفاعة حاكم مصر الفاطمي عام 339 هـ/950 م.

ثانيا: سيطرة البويهيين

نهاية القرامطة:- في عام 462 هـ/1069 م انتصر عليهم عبد الله العيوني بمساعدة العباسيين والسلاجقة فأخرجهم من أوال ثم من البحرين، وأخيرًا حدثت في الأحساء معركة الخندق فقضت على دولة القرامطة نهائيًا عام 470 هـ/1077 م، وحلت محلها الدولة العيونية. * * * ثانيًا: سيطرة البويهيين:- الفترة (334 - 447 هـ/945 - 1055 م) هي فترة سيطرة البويهيين على الخلفاء وهم شيعة من بلاد الديلم حاقدين على الإسلام، بدرت منهم أعمال منكرة ضد الإسلام. * * * سيطرة دول الشيعة:- تميزت هذه الفترة بسيطرة الشيعة على مناطق واسعة، حيث قامت لهم ممالك ودول، فالدولة البويهية حكمت العراق وفارس والري والكرج والأهواز. والدولة العبيدية (الفاطمية) دانت لها المغرب ثم مصر وأجزاء من الشام. والدولة الحمدانية في الموصل والشام، والقرامطة حكموا البحرين والحجاز. والدولة السامانية قامت في بلاد ما وراء النهر. في هذه الفترة وضعت أسس ومبادئ التشيع، ووضع عن آل البيت أقوال وأفعال لم تصدر عنهم أبدًا (نتيجة هيمنة الدول الشيعية)، وكثر القتال وزادت الفتن بين السنة والشيعة.

معركة ملاذكرد

نشاط الروم:- منذ عام 350 هـ/961 م مالت كفة الروم على المسلمين، فازداد هجومهم على بلاد الشام واحتلوا بعض أجزائها، وأبرز من تصدى لهم الدولة الحمدانية. ولكن تشيعهم وضعفهم شجع الروم على التمادي. * * * معركة ملاذكرد عام 463 هـ/1071 م:- وقعت بين السلاجقة المسلمين بقيادة آلب أرسلان، والروم البيزنطيين، انتصر المسلمون انتصارًا عظيمًا، وسيطروا على آسيا الصغرى، فضموا إلى ديار الإسلام مساحة تزيد على 400 ألف كم2 (¬1). وطرد سلطان الروم من آسيا نهائيًا. وتعد هذه المعركة نقطة تحول في التاريخ الإسلامي بصفة عامة وتاريخ غربي آسيا بصفة خاصة، لأنها يسرت القضاء على نفوذ الروم في أكثر أجزاء آسيا الصغرى. وفتحت الطريق لزحف جديد. وقد كان ذلك مثيرًا لأوروبا. فكان من العوامل التي سببت الحروب الصليبية (¬2). * * * ثالثًا: سيطرة السلاجقة:- الفترة (447 - 656 هـ/1055 - 1258 م) هي فترة سيطرة السلاجقة على مركز الخلافة وهم مسلمون سنيون، من قبائل الغز التركية. ¬

_ (¬1) الدولة العباسية الثانية/محمود شاكر، ص 36. (¬2) التاريخ الإسلامي/د. أحمد شلبي، ص 38.

الحملات الصليبية

في هذه المرحلة ضعف أمر الشيعة بعد أن انقرضت أكثر دولهم: الحمدانية، السامانية، البويهية، القرامطة، وضعف العبيديون. * * * الحملات الصليبية:- في هذه الفترة حصلت الحملات الصليبية الأوروبية الحاقدة على بلاد المسلمين (الأندلس، الشام، مصر)، واحتلوا بلاد الشام. برزت دول في هذه المرحلة كان لها أثر كبير في محاربة الصليبيين، كدولة المرابطين ثم الموحدين (في المغرب والأندلس)، والدولة الزنكية ثم الأيوبية (في مصر والشام)، وسيأتي الحديث عنها. * * * الحشاشون (في قلعة الموت وبلاد الديلم) 483 - 654 هـ/1090 - 1256 م:- هم جماعة نشروا الذعر في كثير من البلاد الإسلامية خلال عهد السلاجقة واشتهروا بالتآمر والغدر والقتل وهم باطنية ملاحدة، وزعيمهم هو الحسن بن الصباح (428 (*) - 518 هـ)، أصله فارسي، كان يدعو للفاطميين، بدأ دعوته في فارس سنة (473 هـ/1080 م). استولى سنة 483 هـ/1090 م على قلعة حصن الموت وهو حصن خطير تابع للسلاجقة في أعالي الجبال شمال غرب بحر قزوين. ثم استولى على العديد من الحصون في فارس وسوريا، وفشل السلاجقة في

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بالمطبوع، 483 هـ، وهو خطأ ظاهر مما بعده، والتصحيح من الأعلام للزركلي

معركة الزلاقة

القضاء عليه، واتسع نفوذهم، إلى أن تمكن المغول في عهد هولاكو من احتلال معاقلهم في فارس سنة 659 هـ/1260 م. وكان السلطان المملوكي بيبرس هو الذي سحق هذه الفرقة في سوريا إلى الأبد سنة 671 هـ/1272 م. * * * معركة الزلاقة 479 هـ/1086 م:- جرت في الأندلس بين المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين والنصارى الأسبان، وانتهت بانتصار إسلامي ساحق، تبعها سيطرة المرابطين على كل بلاد الأندلس. * * * معركة اقليش 502 هـ/1108 م. انتصر فيها المرابطين بقيادة تميم بن يوسف بن تاشفين انتصارًا كبيرًا على نصارى الأندلس. * * * معركة الأرك 591 هـ/1194 م:- انتصر فيها الموحدين انتصارًا ساحقًا على النصارى الأسبان في الأندلس. * * * ملوك الطوائف 422 - 898 هـ/1030 - 1492 م:- قامت في الأندلس دويلات كثيرة متفرقة، وضعيفة، ومتناحرة، استطاع النصارى القضاء عليها كلها، واستمرت دولة بني الأحمر في غرناطة إلى عام 898 هـ/1492 م، وبعد طردهم انتهى الوجود الإسلامي في الأندلس.

الحملات الصليبية

الحملات الصليبية 489 - 692 هـ/1095 - 1292 م:- هي الحملات التي وجهها المسيحيون في أوروبا إلى الشرق الأوسط للاستيلاء على بيت المقدس، وكان البابا هو الذي يثير الحماس ويدعو للقتال. * * * أسباب الحملات الصليبية:- - أخذت تسميتها من الصليب دلالة على أن الدِّين كان من أهم أسبابها. - رغبة البابوية المسيحية بالقضاء على الإسلام. - أسباب تجارية: الرغبة في امتلاك موانئ على البحر المتوسط لربط تجارتهم بالشرق. - انتشار الحروب والمجاعات والأمراض والإقطاع في أوروبا جعلهم يبحثون عن أرض غنية. - انحلال وضعف وتفرق الجبهة الإسلامية. - انتقامًا لهزيمة البيزنطيين المروعة في معركة ملاذكرد سنة 463 هـ/1071 م. قدمت الحملة الأولى 489 هـ/1095 م فتصدى لهم السلاجقة وأفنوهم. استطاعوا الاستيلاء على بيت المقدس ومعظم بلاد الشام عام 493 هـ/1099 م. ارتكبوا مجزرة أليمة وحشية، حيث أبادوا جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج النصارى. واستولو على جميع ممتلكاتهم. وأقاموا الإمارات التالية:

الرها، إنطاكية، بيت المقدس، طرابلس. ثم تتالت الحملات من أوروبا، وأشهرها وأهمها الحملات السبعة. الجهاد ضد الصليبيين:- 1 - الدور الجهادي للدولة الزنكية:- تصدى لهم عماد الدين زنكي في الفترة (521 - 541 هـ/1127 - 1146 م) في بلاد الشام فوحد صفوف المسلمين، واسترد الرها وهدد بعض المدن. ثم واصل ابنه نور الدين محمود الجهاد في الفترة (541 - 569 هـ/1146 - 1173 م) يساعده أخوه سيف الدين غازي، وكان مجال الجهاد في بلاد الشام ومصر واستطاعوا حفظ دمشق وحلب من الاحتلال. * * * 2 - الدور الجهادي للدولة الأيوبية:- ويعتبر صلاح الدين الأيوبي من أعظم قواد وأبطال المسلمين الذين أبلوا بلاءً حسنًا ضد الصليبيين. وقد استطاع صلاح الدين أن يحقق عليهم انتصارات ساحقة فانهزموا في معركة حطين عام 583 هـ/1187 م، وتعتبر من أشهر المعارك في تاريخ العالم، واسترد منهم بيت المقدس ومعظم بلاد الشام. وكانت حياته جهاد متواصل ضدهم. 3 - الدور الجهادي للمماليك:- وبعد صلاح الدين جاءت العديد من الحملات المسيحية، ولكنها باءت كلها

الغزو المغولي المدمر ونهاية الدولة العباسية

بالفشل، كان آخرها حملة لويس التاسع ملك فرنسا على دمياط بمصر عام 649 هـ/1251 م، فتصدى له توران شاه الأيوبي وهزمهم بمساعدة المماليك. ثم حمل المماليك راية الجهاد ضدهم إلى أن أخرجوهم من الشرق الإسلامي كليًا عام 702 هـ/1302 م. وكان الظاهر بيبرس وهو أعظم سلاطين المماليك أبرز من وقف في وجه الصليبيين واسترد منهم معظم مدن الشام ومن بعده قلاوون، والأشرف خليل، وبرسباي. * * * الغزو المغولي المدمر ونهاية الدولة العباسية 656 هـ/1258 م:- المغول هم شعب من أواسط آسيا، وموطنهم منغوليا بأطراف الصين. ويشكلون مجموعات كبيرة من القبائل المتفرقة وحدهم (جنكيز خان) (603 - 624 هـ/1206 - 1226 م) واتخذ (قره قورم) عاصمة له (¬1). وهم بدو صحراويين معروفين بالشر والغدر، ويحبون الحرب والسلب وسفك الدماء، ويعبدون الأوثان والكواكب والشمس، ويأكلون كل شيء حتى لحوم الكلاب، وتنتشر عندهم الإباحية. ¬

_ (¬1) ملخص التاريخ الإسلامي/مطلق العتيبي، ص 11.

المغول في بلاد الإسلام:- تمهيدًا للقضاء على بغداد والخلافة الإسلامية استولى المغول على بلاد ما وراء النهر وخراسان وفارس، وقضوا على الدولة الخوارزمية (كما سيمر معنا) واستولوا على آسيا الصغرى، فأصبحت العراق مفتوحة أمامهم. * * * تدمير بغداد وقتل الخليفة:- هجم هولاكو على بغداد بجيش عرمرم، فانتصر منذ الجولة الأولى، واستسلم الخليفة (المستعصم بالله)، وخرج إلى معسكر المغول، ثم خرج القادة والفقهاء والأعيان، فخلت بغداد من المدافعين، قتل هولاكو الخليفة ومن معه شر قتله، وأذن لجيشه باستباحة بغداد فدمروها وأحرقوها، واستمر السلب والقتل حوالي 40 يومًا، وبلغ عدد القتلى قرابة المليونين (كما ذكر بعض المؤرخين) (¬1). ونشير هنا إلى دور الرافضي الخبيث (ابن العلقمي) وزير المستعصم الذي تواطأ مع المغول وساعدهم في أعمالهم. انقرضت بذلك الخلافة العباسية سنة 656 هـ/1258 م. * * * ¬

_ (¬1) تاريخ العراق في العصر العباسي/بدوي فهد، ص 59.

الفصل الخامس أهم الدول المستقلة في زمن العصر العباسي الثاني

الفصل الخامس أهم الدول المستقلة في زمن العصر العباسي الثاني استقلت دول كثيرة في هذه الفترة (247 - 656 هـ/861 - 1258 م) وأهمها:- أ - الدول في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي: م ــ الدولة ــ المكان ــ فترة الدولة 1 - الدولة الطاهرية ... بخراسان ... 205 - 259 هـ/820 - 872 م 2 - الدولة اليعفرية ... بصنعاء ... 225 - 393 هـ/839 - 1002 م 3 - الدولة الزيادية ... زييد ... 203 - 412 هـ/818 - 1021 م 4 - الدولة الزيدية (الطالبية) ... بطبرستان ... 250 - 316 هـ/864 - 928 م 5 - الدولة الطولونية ... مصر والشام ... 254 - 292 هـ/868 - 905 م 6 - الدولة الصفارية ... (إيران وهرات وما وراء النهر) ... 254 - 298 هـ/868 - 910 م 7 - الدولة السامانية ... ببلاد ما وراء النهر وغيرها ... 261 - 390 هـ/874 - 1000 م 8 - الدولة الزيدية (بنو الرسي) ... بصعدة وصنعاء ... 280 - 1382 هـ/893 - 1962 م 9 - الدولة العبيدية (الفاطمية) ... بمصر ... 297 - 567 هـ/909 - 1171 م

الدولة الطاهرية بخراسان

الدولة الطاهرية بخراسان 205 - 259 هـ/820 - 872 م:- عين المأمون قائده العسكري المظفر طاهر بن الحسين أميرًا لخراسان سنة 205 هـ مكافأة له على جهوده العسكرية الجبارة. فاستمرت الإمارة في ذريته إلى سنة 259 هـ. حيث استقلوا بإماراتهم دون أن يعلنوا انخلاعهم وخروجهم على الخليفة، حتى أزاحهم يعقوب الصفار. وقامت على أنقاضهم الدولة الصفارية. * * * الدولة اليعفرية (بصنعاء) 225 - 393 هـ/839 - 1002 م:- أسسها إبراهيم بن يعفر الحميري 225 - 247 هـ/839 - 861 م، وكان نائبًا عليها من قبل الوالي العباسي، فاستقل بها، ويعتبر حفيده يعفر بن عبد الرحيم بن إبراهيم 247 - 259 هـ/861 - 872 م رأس الدولة، ومبدأ استقلالها الحقيقي، وكانوا يدفعون في البداية جزية لآل زياد، وبدأ استقلالهم الحقيقي 247 هـ/861 م. دارت معارك كثيرة بينهم وبين الأئمة الزيدية كما أنهم غزوا القرامطة وأبادوهم. وفي عام 393 هـ/1002 م دخلوا في طاعة الإمام العياني الزيدي وانقرضت دولتهم. الدولة الزيادية (بزبيد) 303 - 412 هـ/818 - 1021 م أسسها محمد بن عبد الله بن زياد (من ولد زياد بن أبيه) 203 - 245 هـ/818 - 859 م. وكان الخليفة المأمون قد أرسله إلى تلك المنطقة كي يقضي على حركة علوية، ويسوي الأمور فيها، فاستولى على المنطقة واستقل بها. وكان عهده عهد السلطة والنفوذ، وهو الذي بنى مدينة زبيد.

الدولة الزيدية (الطالبية) بطبرستان

لما آلت السلطة إلى عبد الله بن إسحاق كان هذا طفلًا، فكفلته أخته وعبد لأبيهما اسمه الحسين بن سلامة النوبي. فاستبد هذا بالأمر وقبض على الأمور كلها، فقضى على كل التمردات والاضطرابات في الدولة، وأخضع أكثر اليمن وأجزاء من الحجاز. وله إصلاحات كثيرة مذكورة وبعد موته، انهارت دولة بني زيادة. وتنازع بعض عبيده على السلطة، فاستقرت أخيرًا لبني نجاح (وهم طبقة من العبيد). * * * الدولة الزيدية (الطالبية) بطبرستان 250 - 316 هـ/864 - 928 م:- نجح الحسن بن زيد (علوي من نسل الحسن بن علي) في تكوين هذة الدولة، حيث اقتطع من ملك بني العباس وآل طاهر طرفًا عظيمًا تحميه الجبال، بطبرستان والديلم (جنوب بحر قزوين)، ثم حكم أخوه محمد بن زيد. وتوالت الأسرة على الحكم، إلى أن استولى (مراداويج بن زيار) على السلطة، وكان من القادة العسكريين للزيديين (316 - 323 هـ/928 - 934 م). وتعاقبت ذريته على الحكم حتى سنة 471 هـ/1078 م، ثم جاءت الإسماعيلية. * * * الدولة الطولونية بمصر والشام 254 - 292 هـ/868 - 905 م:- الدولة الطولونية هي أول دولة إسلامية تستقل بمصر. عين الخليفة العباسي في عام 254 هـ/868 م أميرًا تركيًا على مصر هو (بايكباك) وهو بدوره أناب عنه أحمد بن طولون (الذي كان أبوه مملوك تركي من تركستان وكان رئيس حرس الخليفة المأمون). استقل أحمد بمصر وكون جيشًا عظيمًا فاستولى على بلاد الشام، ثم زحف شمالًا إلى الروم. وانتصر في طرسوس، وتولى حماية الثغور من الروم. واستمر

الدولة الصفارية (إيران وهرات وما وراء النهر)

حكمه (254 - 270 هـ/868 - 883 م). تولى بعده ابنه خمارويه 270 - 282 هـ/883 - 895 م الذي جرت بينه وبين الخليفة العباسي المعتمد عدة حروب، ثم تصالحا وتزوج الخليفة المعتضد (ابن المعتمد) بنت خمارويه، وتعتبر هذه الزيجة من أبرز الزيجات التي دونها التاريخ ولا يضاهيها في عظمتها ومواكبها وما أنفق عليها إلا زواج الرشيد من زبيدة، وزواج المأمون من بوران. وأفقرت هذه الزيجة خزينة خمارويه. وبعد خمارويه عمت الفوضى في البلاد، إلى أن انهارت الدولة عام 292 هـ/905 م. * * * الدولة الصفارية (إيران وهرات وما وراء النهر) 254 - 298 هـ/868 - 910 م:- دولة شيعية تأسست على يد يعقوب بن الليث الصفار (وهو من أصل فارسي)، وكان هذا يعمل صفارًا للأواني النحاسية في بداية حياتها ثم انخرط جنديًا في فرقة عسكرية في سجستان، فعلا شأنه، وصار قائدًا عظيمًا. فاستولى على سجستان وما حولها. وأغار على الدولة الطاهرية بخراسان، واستولى على عاصمتها نيسابور، وحارب الترك، وتوسع واستولى على جنديسابور والأهواز، وحكم خراسان وفارس وأصبهان وسجستان والسند وكرمان. وقد اعتمد في فتوحاته على ضعف الخلافة العباسية، حتى أنه طمع في الزحف إلى بغداد للسيطرة على الخلافة، ثم جاء المعتمد (256 - 279 هـ) وفي عهده تولى

الدولة السامانية في بلاد ما وراء النهر وغيرها

أخوه الموفق قيادة الجيش، وكان حازمًا قويًا، أعاد للخلافة صحوتها وهيبتها وراح الموفق يصارع كل المتمردين في الشرق والغرب. وكان يعقوب واحدًا من هؤلاء. وقد قلم الموفق أظفاره، فانفلتت من يعقوب ولايات كثيرة، كانت خاضعة له، ثم هزمه الموفق هزيمة قاضية. فنزل به المرض والهم فتُوفي سنة 265 هـ. وخلفه أخوه الذي حاول استرداد بلاد ما وراء النهر، فهزمه السامانيون، ووقع في أسرهم وقضى عليه، وأخيرًا وقعت الدولة بأكملها في قبضة السامانيين. * * * وأبرز حكامها:- - يعقوب بن الليث الصفار 254 - 265 هـ/868 - 878 م. - عمرو بن الليث الصفار 265 - 288 هـ/878 - 900 م. - طاهر بن محمد بن عمرو 288 - 296 هـ/900 - 908 م. * * * الدولة السامانية في بلاد ما وراء النهر وغيرها 261 - 390 هـ/874 - 1000 م:- وهم شيعة رافضة. وتنسب هذه الأسرة إلى رجل فارسي اسمه سامان، كان مجوسي، ثم اعتنق الإسلام، وهو من أسرة عريقة الجد في فارس، وخلفه ابنه أسد وظهر أبناء أسد كزعماء في عهد المأمون. فأحمد بن أسد تولى فرغانة، ونوح بن أسد تولى سمرقند، ويحيى تولى الشاس وأشروسنة، وإلياس تولى هراة عام 204 هـ/819 م. وعندما آل حكم خراسان والمشرق إلى طاهر بن الحسين أقرهم. وتولى بعد أحمد بن أسد ابنه نصر، فأقره الطاهريون. وفي سنة 261 هـ/874 م ولاه الخليفة

المعتمد بلاد ما وراء النهر كلها، فجعل عاصمته سمرقند وولى أخوه إسماعيل بخارى. وكانا قد تقاتلا ثم اصطلحا، وبعد وفاة نصر خلفه إسماعيل. ويعتبر إسماعيل المؤسس الحقيقي للدولة السامانية، وفي عهده تحولت الإمارة السامانية إلى مملكة وأصبحت بخارى عاصمتها، ويعتبر عهد إسماعيل عهد قمة في العهود السامانية، قضى على الدولة الزيدية بطبرستان وضم أراضيها، ثم قضى على الدولة الصفارية فضم أراضيها وممتلكاتها، وأصبح ملك السامانيين يشمل ما وراء النهر وخراسان وسجستان وجرجان وطبرستان والري وكرمان فبلغت الدولة بذلك قمة اتساعها، ونذكر عن هذه الدولة أنها شجعت التشيع وأجلته حتى أصبح فيما بعد المذهب الرسمي لإيران. ضعفت دولتهم في أواخر عهدها، ثم انقرضت على يد الدولة الغزنوية، والترك الخاقانية. * * * وأبرز حكامها:- نصر بن أحمد بن سامان 261 - 279 هـ/874 - 892 م. إسماعيل بن أحمد 279 - 295 هـ/892 - 907 م. نصر الثاني بن أحمد 301 - 331 هـ/913 - 942 م.

الدولة الزيدية (بنو الرسي) في صعدة وصنعاء

الدولة الزيدية (بنو الرسي) في صعدة وصنعاء 280 - 1382 هـ/893 - 1962 م:- (وهم شيعة رافضة). قدم الحسين بن القاسم الرسي (من ذرية الحسن بن علي) إلى اليمن واستقر بها سنة 280 هـ، فخلفه ابنه يحيى بن الحسين ودعا لنفسه، وتلقب بالهادي، واتخذ صعدة عاصمة له، وبويع بالإمامة سنة 284 هـ/893 م. وملك صنعاء وقوي نفوذه، وكان عادلًا كريمًا شجاعًا، وخلفه ابنه، ثم تتابعت ذريتهم على ملك اليمن. كما في حديثنا عن الإمارات اليمنية نتوقف عند سنة 569 هـ وهي السنة التي دخل فيها الأيوبيون اليمن. لكننا مع الأئمة الزيدية لن نقف عند ذلك التاريخ لأن هؤلاء لم يختفوا كما اختفي سواهم. لكنهم بقوا في أكثر فترات التاريخ حتى سنة 1382 هـ/1962 م. ومما يذكر أن الأئمة عاشوا في صراع مع الدول اليمنية الأخرى منذ بداياتهم وحتى سنة 1045 هـ/1635 م حيث خلصت لهم اليمن الشمالية حتى قيام الثورة -فيما عدا فترة الاحتلال العثماني- وقد كان سلطانهم سابقًا محصورًا في المنطقة الشمالية (صعدة) حتى القرن 7 هـ/13 م، بعدها امتد للجنوب. ومنذ أوائل القرن 11 هـ/17 م حاول الأئمة الاندفاع لليمن الجنوبية ففشلوا لاختلاف المذاهب ولتعصبهم.

الدولة العبيدية (الفاطمية) في مصر والمغرب

وأهم الأئمة الزيدية:- - الهادي يحيي بن الحسين 284 - 298 هـ/898 - 911 م. - المتوكل أحمد بن سليمان 532 - 567 هـ/1137 - 1171 م. - المهدي محمد بن المطهر 697 - 728 هـ/1298 - 1327 م. - شرف الدين بن المهدي 912 - 965 هـ/1507 - 1558 م. - يحيى بن محمد بن حميد الدين 1322 - 1367 هـ/1904 - 1948 م. - البدر بن أحمد 1382 - 1962 م (حكم عدة أيام ثم هبت ثورة السلال). * * * الدولة العبيدية (الفاطمية) في مصر والمغرب 297 - 567 هـ/909 - 1171:- وهم شيعة رافضة. ادَّعوا (كذبًا وافتراءًا) أنهم من نسل فاطمة الزهراء. اختلف المؤرخون في نسبهما فقيل ينسبون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، لذا سموا بالإسماعيلية أيضًا. وقيل إنهم يرجعون إلى رجل فارسي هو عبد الله بن ميمون القداح الأهوازي. الثنوي المذهب الذي يقول بوجود إلهين (إله النور وإله الظلمة). * * * تأسيس الدولة:- ومؤسس هذه الدولة عبيد الله بن محمد المهدي وإليه تنسب الدولة. وكان أبوه قد استطاع نشر الدعوة الفاطمية في بلاد اليمن، ثم اليمامة والبحرين والسند ومصر

والمغرب. ثم واصل عبيد الله طريق والده. ووسع نفوذه. وتصدى للهجمات والثورات حتى قبض عليه اليسع بن مدرار أمير سجلماسه وسجنه. واصل قائده أبو عبد الله الشيعي فتوحه، ومد نفوذه إلى أكثر أجزاء المغرب. ودخل أخيرًا (رقادة) عاصمة الأغالبة وأزال دولتهم عام 296 هـ/875 م. ثم سار إلى سجلماسه فهرب حاكمها. فأطلق زعيمه عبيد الله عام 296 هـ/875 م فبايعوه. وتلقب بخليفة المسلمين وأمير المؤمنين. وواصل انتصاراته، وهكذا استطاع القضاء على ملك الأغالبة. وآل رستم، والأدارسة، ودان له الشمال الأفريقي كاملًا، واتخذ القيروان عاصمة ملكه. وفي عام 304 هـ/916 م بنى (المهدية) وجعلها عاصمته، مات سنة 322 هـ/933 م وخلفه ابنه القائم، ثم تتالى عليها ذريته. * * * السيطرة على مصر:- في سنة 358 هـ/968 م تمكن القائد الفاطمي جوهر الصقلي من الاستيلاء على مصر سلمًا، فأجرى الكثير من الإصلاحات الداخلية، ومن أبرز أعماله بناء مدينة القاهرة، وبناء الجامع الأزهر. ثم انتقل الخليفة الفاطمي المعز لدين الله إلى القاهرة سنة 362 هـ/972 م، واتخذ القاهرة عاصمة لبلاده. * * * حدود ملك الفاطميين:- امتدت حدودهم في فترات ازدهارهم من نهر العاصي بالشام إلى حدود مراكش. ومن السودان إلى آسيا الصغرى. ففاقوا بذلك ممالك ذلك العصر.

ب - أهم الدول في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي

قضى عليهم صلاح الدين الأيوبي. ومات العاضد آخر حكامها عام 567 هـ/1171 م. ومن أبرز حكامها:- - عبيد الله المهدي 297 - 322 هـ/909 - 933 م. - القائم أبو القاسم محمد 322 - 334 هـ/933 - 945 م. - المعز لدين الله 342 - 365 هـ/953 - 975 م. - العزيز بالله 365 - 386 هـ/975 - 996 م. - الحاكم بأمر الله 387 - 411 هـ/996 - 1020 م. ب - أهم الدول في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي:- * * * م ــ الدولة ــ المكان ــ فترة الدولة 1 - الحمدانية ... في الموصل وحلب ... 317 - 394 هـ/929 - 1003 م 2 - البويهية ... عدة ولايات ... 320 - 447 هـ/932 - 1055 م 3 - الأخشيدية ... مصر ... 323 - 358 هـ/934 - 968 م 4 - عمران بن شاهين ... البطيح ... 329 - 408 هـ/940 - 1017 م 5 - الغزنوية ... غزنة ومعظم إيران وما وراء النهر وبعض الهند ... 349 - 579 هـ/960 - 1183 م 6 - الزيرية ... الجزائر وتونس ... 362 - 563 هـ/972 - 1167 م 7 - العقيلية ... الموصل ... 386 - 489 هـ/996 - 1095 م 8 - الزناتية ... طرابلس (ليبيا) ... 390 - 540 هـ/999 - 1145 م

1 - الدولة الحمدانية في الموصل وحلب

1 - الدولة الحمدانية في الموصل وحلب 317 - 394 هـ/929 - 1003 م:- وهم شيعة رافضة. ينتسبون إلى حمدان بن حمدون. من قبيلة تغلب العربية. قام حمدان بدور هام في الحوادث السياسية في الموصل منذ عام 260 هـ/873 م. ثم اشتهر ابنه الحسين بن حمدان بحروبه ضد القرامطة. وعين الخليفة المقتدر أخاه عبد الله بن حمدان على الموصل وما حولها عام 292 هـ/904 م. بعد سيطرة بن بويه على مركز الخلافة طرد معز الدولة البويهي الحمدانيين من الموصل. فذهبوا إلى حلب. وكان سيف الدولة الحمداني قد استقل بها عام 333 هـ/944 م. ثم استعادوا الموصل. ولكن دبَّ فيهم الضعف والتناحر إلى أن أزال الأكراد دولتهم في الموصل عام 380 هـ/990 م. أما حلب فقد استقل بها سيف الدولة 333 - 356 هـ/944 - 966 م، وامتاز عهده بكثرة حروبه مع البيزنطيين. وكان يوغل في بلاد الروم. وتولى بعده ابنه سعد الدولة. ثم ضعفت الدولة، واستمرت في الضعف حتى قضى عليها الفاطميون في حلب عام 394 هـ/1003 م. وأبرز الحكام:- - ناصر الدولة أبو محمد الحسن 308 - 358 هـ/920 - 968 م. - سيف الدولة أبو المحاسن علي 333 - 356 هـ/944 - 966 م. - سعد الدولة أبو المعالي شريف 356 - 381 هـ/966 - 991 م.

2 - الدولة البويهية

2 - الدولة البويهية 320 - 447 هـ/932 - 1055 م:- امتازت هذه المرحلة بسيطرة آل بويه، وهم يعودون إلى بلاد الديلم (جنوب بحر قزوين)، وهم شيعة، حاقدين على الإسلام، متعصبين، أتوا بأفعال منكرة، وكانوا في البداية من الرعايا العاديين، على أن الأمجاد العظيمة التي حصل عليها بنو بويه دفعت بعض المؤرخين إلى أن يتوهموا لهم نسبًا رفيعًا. فنسبوهم أحيانًا إلى ملوك آل ساسان. وأول من برز منهم بويه بن شجاع، وكان فقيرًا، صياد سمك، وكان أبناؤه أحمد وحسن وعلي جنودًا في جيش (ما كان بن كالي) أحد زعماء الديلم، وتدرجوا حتى صاروا أمراء في الجيش، ثم تركوه وانحازوا إلى الأمير مرداويج الذي رجحت كفته في السيطرة على الديلم، فخشي خطرهم وصرفهم، فجهز علي الجيوش وقاتل مرداويج حتى غلبه واستولى على الأهواز والكرج وعلى ممالك كثيرة. وأخرج أخاه حسن من السجن، فاستولى على أصبهان والري وهمذان. بدأ نفوذهم عام 320 هـ/932 م ووصلوا إلى قمة المجد والسلطان والنفوذ، واكتمل سلطانهم على مساحة شاسعة من أملاك الدولة العباسية. وطلبوا من الخليفة العباسي الاعتراف بهم، فتم لهم ذلك، وكانوا يتحكمون في الخلفاء العباسيين ويهينونهم، ويعينونهم ويخلعونهم كيفما شاءوا!. ولم يبق للخلفاء معهم نفوذ ولا سلطان وذهبت هيبة الخلافة طيلة هذا العهد الأسود، وأصبح مصير العالم الإسلامي مرتبطًا بهؤلاء السلاطين الجدد.

استقدم الخليفة المتقي معز الدولة أحمد ليستولى على بغداد ويجعلها تحت حمايته وهكذا دخلت في سيطرتهم وحمايتهم. وأبرز حكامهم أبناء بويه بن شجاع:- - عماد الدولة علي. حكم فارس وله الإشراف والسلطان العام 320 - 338 هـ/932 - 949 م. - ركن الدولة حسن. حكم الري وهمذان وأصفهان وطبرستان 320 - 366 هـ/932 - 976 م. - معز الدولة أحمد. حكم العراق والأهواز وكرمان وواسط 320 - 356 هـ/932 - 966 م. تقاسم هؤلاء الثلاثة الكبار البلاد على هذا النحو. وهو نظام يحمل في طياته بذور الشقاق. وهذا ما حصل. فبعد هؤلاء انتهت السلطة إلى عضد الدولة (بن ركن الدولة)، وفي عهده بلغ بنوبويه أقصى درجات سلطانهم. وبعد وفاته دبت الحروب بين أبنائه الثلاثة. واستمرت بين أخلافهم حتى دمرتهم جميعًا. وكان آخرهم (الملك الرحيم) واقتحم السلاجقة بغداد في عهده وسجنوه. وانتهى بذلك عهد البويهيين.

3 - الدولة الأخشيدية في مصر

3 - الدولة الأخشيدية في مصر: 323 - 358 هـ/934 - 968 م:- أصل الأخشيديين أتراك من فرغانة (من بلاد ما وراء النهر) مؤسسها هو محمد الأخشيد بن طغج وهو من موالي ابن طولون فبعد الدولة الطولونية ظلت مصر تحت الخلافة العباسية مباشرة 30 سنة (293 - 323 هـ/905 - 934 م)، فتولاها محمد الأخشيد من قبل الخليفة الراضي. وازدهرت البلاد في عهده. واستطاع أن يضم بلاد الشام. ثم ضم الحجاز وحاول سيف الدولة الحمداني انتزاع الشام منه ففشل. بعد موته خلفه ابناه وكانا صغيرين. فكانا تحت وصاية مولاه كافور الذي كان عبدًا حبشيا للأخشيد. فحكم الدولة واستبد بالأمر دونها، وحارب الحمدانيين، وراجت التجارة في عصره. وشجع الأدباء والشعراء ومنهم أبو الطيب المتنبي. وبعد وفاته ضعفت الدولة، حتى قضى عليها الفاطميون عام 358 هـ/968 م. فأبرز الحكام:- - محمد الأخشيد بن طغج 323 - 334 هـ/934 - 945 م. - أبو المسك كافور (مولى الأخشيد) 355 - 357 هـ/965 - 967 م.

4 - دولة عمران بن شاهين في البطيح بالعراق

4 - دولة عمران بن شاهين في البطيح بالعراق 329 - 408 هـ/940 - 1047 م:- هذا كان جابيًا لمعز الدولة البويهي. ثم هرب إلى البطيح (بين واسط والبصرة)، فكثر أصحابه حوله. ونظم بهم جيشًا. أرسل معز الدولة ثلاث جيوش متوالية للقضاء عليه فمنيت كلها بالهزيمة فقوي أمره. واستمر يحكم أربعين سنة. كان شوكة في حلق بني بويه. وحكمت ذريته إلى سنة 408 هـ/1017 م. * * * وأبرز حكام هذه الدولة:- - عمران بن شاهين 329 - 369 هـ/940 - 979 م. - مهذب الدولة علي بن نصر 376 - 408 هـ/986 - 1017 م. * * * 5 - الدولة الغزنوية (في غزنة ومعظم إيران وما وراء النهر وبعض الهند) 349 - 579 هـ/960 - 1183 م:- كان البتكين من موالى الأتراك. وكانت له منزلة عظيمة عند السامانيين. فعينوه عاملًا على مدينة هراة وغزنه، فبدأت أمجادهم من هنا. وفي الفترة 366 - 387 هـ/976 - 997 م، تولى الحكم مملوك تركي يدعي سبكتكين. ويعتبر المؤسس الحقيقي للدولة. مد نفوذه إلى الشرق. وجعل عاصمته بشاور. واستولى على خراسان وأجزاء واسعة من الهند. فاتسع ملكه وثبتت أركانه.

السلطان محمود الغزنوي:- وخلفه أبناؤه إسماعيل ثم محمود الذي يعتبر أعظم سلاطين الدولة. هاجم السامانيين وقضى عليهم، فاستولى على خراسان. وأصبح بذلك أكبر قوة في شرق العالم الإسلامي. ثم زحف إلى الهند، وأخضع عدة مدن أدخل فيها الإسلام ودمر الأصنام، وهو أول حاكم مسلم يحكم معظم بلاد الهند، ثم سيطر على كشمير ومعظم بلاد ما وراء النهر وأصفهان ومعظم إيران. فأصبحت له مملكة شاسعة جدًا. وعرف محمود بالعدالة. واشتهر بحب وتقدير العلم والعلماء (¬1). كان للسلطان محمود ابنان مسعود وهو الأكبر ومحمد، وقد عهد بالولاية للأصغر. وكان ذلك سببًا لنشوب الحروب والصراعات بين الأخوين مما أضعف الدولة وهد كيانها. حتى قضى عليهم السلاجقة والغوريون. وقد كانت دولة عظيمة أضافت الكثير للفتوحات والحضارة الإسلامية. * * * أبرز حكام الدولة الغزنوية:- - البتكين 351 - 352 هـ/962 - 963 م. - سبكتكين أبو منصور 366 - 387 هـ/976 - 997 م. - محمود (يمين الدولة) بن سبكتكين 388 - 421 هـ/998 - 1030 م. - إبراهيم ظهير الدولة 451 - 492 هـ/1059 - 1098 م. ¬

_ (¬1) تاريخ الدول الإسلامية/أحمد سليمان، جـ 2.

6 - الدولة الزيرية في الجزائر وتونس

6 - الدولة الزيرية في الجزائر وتونس 362 - 563 هـ/972 - 1167 م:- كانت هذه المناطق بيد الفاطميين. ولا تمكنوا من مصر انتقلوا إليها سنة 363 هـ/973 م، وأنابوا عنهم بلكين بن زيري الصنهاجي في حكم الشمال الأفريقي. فاستقل هذا بالمنطقة. وأقام دولته. وتولى ابنه حماد بن بلكين ولاية المغرب الأوسط (الجزائر) وأقام بها الدولة الحمادية -كما سيرد- وتدين هذه الدولة بالمذهب الشيعي. وعندما أعلنت هذه الدولة استقلالها وانفصالها عن الفاطميين، أطلق عليهم الخليفة الفاطمي (المستنصر) قبائل بني سليم وبني هلال البدوية (كانوا يعيشون بصعيد مصر) فجازوا النيل إلى أفريقية سنة 444 هـ/1052 م. واستباحوا البلاد وألحقوا بآل زيري هزائم منكرة. فضعفت دولتهم واستمرت في الانحدار إلى أن قضت تمامًا. * * * وأبرز حكام الدولة:- - بلكين (وهو مؤسس مدينة الجزائر) 362 - 374 هـ/972 - 984 م. - باديس 385 - 407 هـ/995 - 1016 م. - المعز بن باديس 407 - 441 هـ/1016 - 1049 م. - تميم 454 - 502 هـ/1062 - 1108 م. - الحسن 515 - 563 هـ/1121 - 1167 م.

7 - الدولة العقيلية في الموصل

7 - الدولة العقيلية في الموصل 386 - 489 هـ/996 - 1095 م:- أسسها أبو الذواد محمد بن المسيب العقيلي. وخلفه أخوه حسام الدولة المقلد بن المسيب. سيطروا على الموصل والأنبار والمدائن والكوفة وغيرها. دعوا للخليفة العباسي على المنبر. استمروا إلى أن قضى عليهم السلاجقة عام 489 هـ/1095 م. * * * أبرز حكام الدولة:- - حسام الدولة المقلد بن المسيب 386 - 391 هـ/996 - 1000 م. - معتمد الدولة قرواش بن المقلد 391 - 442 هـ/1000 - 1050 م. - شرف الدولة مسلم بن قرواش 453 - 478 هـ/1061 - 1085 م. * * * دولة آل خزرون الزناتيون بطرابلس (ليبيا) 390 - 540 هـ/999 - 1145 م:- مؤسس هذه الدولة هو فلفول بن سعيد بن خزرون الزناتي (390 - 400 هـ)، كان واليًا لآل زيري. وانتهز فرصة الخلاف بين الفاطميين وآل زيري، فاستقل بطرابلس. وكانت فترة هذه الدولة غير مستقرة. وحروبهم مستمرة مع الفاطميين والصنهاجيين حتى استولى بنو مطروح على السلطة. ثم احتلها الفرنجة سنة 541 هـ، وامتد سلطانهم على كل الساحل إلى تونس، وظلت تحت سيطرتهم حتى استنقذها الموحدون سنة 555 هـ.

ج - أهم الدول في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي

ج - أهم الدول في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي:- م ــ الدولة ــ المكان ــ فترة الدولة 1 - الدولة الأسدية ... الحلة ... 403 - 551 هـ/1012 - 1156 م 2 - السلجوقية الكبرى ... عدة ولايات ... 432 - 583 هـ/1037 - 1187 م 3 - بنو حماد ... الجزائر ... 398 - 547 هـ/1007 - 1152 م 4 - النجاحية ... زبيد باليمن ... 403 - 554 هـ/1012 - 1159 م 5 - المرداسية ... حلب ... 414 - 472 هـ/1023 - 1079 م 6 - ملوك الطوائف ... الأندلس ... 422 - 484 هـ/1030 - 1091 م 7 - المرابطون ... المغرب والأندلس ... 448 - 541 هـ/1056 - 1147 م 8 - الصليحية ... اليمن ... 450 - 569 هـ/1058 - 1173 م 9 - العيونية ... البحرين ... 466 - 636 هـ/1073 - 1238 م 10 - الخوارزمية ... خوارزم ... 470 - 628 هـ/1077 - 1230 م 11 - بنو زريع ... عدن ... 476 - 569 هـ/1083 - 1173 م 12 - الهمدانية ... صنعاء ... 492 - 596 هـ/1099 - 1174 م 13 - الأرتقية ... حصن كيفا وماردين ... 495 - 811 هـ/1101 - 1408 م 14 - البورية ... دمشق ... 497 - 549 هـ/1103 - 1154 م

الدولة الأسدية (الحلة غرب بغداد)

الدولة الأسدية (الحلة: غرب بغداد) 403 - 551 هـ/1012 - 1156 م:- وهي دولة شيعية. وأصلهم من قبيلة عربية، أقاموا لهم هذه الإمارة الصغيرة ومؤسسها هو أبو الحسن علي الأسدي. وكانوا معروفين بإثارة الفتن والمشاكل في الدولة العباسية، فقد ساعدوا الرافضي المارق/البساسيري في تمرده على العباسيين سنة 450 هـ/1058 م. وساعدوا الروم في حصار حلب ضد المسلمين. وقد أمر الخليفة العباسي بطردهم سنة 551 هـ/1156 م، لكثرة فسادهم. * * * الدولة السلجوقية الكبرى 432 - 583 هـ/1040 - 1187 م:- نشأة السلاجقة:- السلاجقة هم من عشائر الغز الكبيرة من الترك، وينسبون إلى مقدمهم سلجوق بن تقاق. كان يعيش في بلاد التركستان تحت حكم الأتراك الوثنيين. استنجد به السامانيون لرد غارات الترك الكفار عن بلادهم، فأمدهم بولده أرسلان. ومن بعده ميكائيل بن أرسلان واستمر في قتالهم كوالده. خلف ميكائيل ولداه طغرل بك وداود بك. زالت الدولة السامانية عام 390 هـ/1000 م، فاستولى طغرل على مرو ونيسابور وجرجان وطبرستان وكرمان والديلم وخوارزم وأصفهان وغيرها من الأقاليم، وأعلن قيام دولتهم سنة 432 هـ/1040 م. تقاسم السلاجقة البلاد الواسعة التي بحوزتهم، وانتخب طغرل بك ملكًا عليهم جميعًا، واتخذ عاصمته الري.

السلاجقة في بغداد:- في سنة 448 هـ/1056 م دخل طغرل بك بغداد وقبض على آخر سلاطين بني بويه وهو الملك الرحيم، وبذلك انقضت دولة بني بويه وبرزت دولة السلاجقة هذه الدولة السنية العظيمة التي أنقذت العاصمة بغداد من البويهيين الرافضة الضالين، وأنقذت الخليفة العباسي من حركة البساسيري المنحرف. * * * حركة البساسيري:- والبساسيري هو أحد القواد الأتراك التابعين للملك الرحيم آخر سلطان بويهي. وقد تمرد على سيده وعلى الخليفة وحاول أن يستبد بالأمر. فاستنجد الخليفة (القائم) بزعيم السلاجقة (طغرل بك) الذي قَدِم، وقضى على البساسيري، فخضع له الخليفة، واستقرت بذلك قدم السلاجقة في بغداد. وكان السلاجقة يعاملون الخلفاء بكل إجلال وتعظيم واحترام وولاء، ويذكر المؤرخون أن أهم سبب لذلك هو الإتفاق المذهبي، وأعظم وزراء السلاجقة الوزير الإيراني/نظام الملك وسبعة من أولاده وأحفاده. وقد انقسمت الدولة السلجوقية إلى خمس بيوت كبيرة:- 1 - السلاجقة العظمى، وقد ملكت خراسان والري والعراق والجزيرة وفارس والأهواز.

2 - سلاجقة كرمان. 3 - سلاجقة العراق وكردستان (تفرع عن السلاجقة العظام). 4 - سلاجقة سوريا. 5 - سلاجقة الروم (آسيا الصغرى). * * * حدود دولة السلاجقة:- حكموا ما وراء النهر وخراسان وإيران والعراق والشام والأناضول (أي مكان السامانيين والغزنويين والبويهيين والروم). * * * معركة ملاذكرد:- أعظم إنجازاتهم إنتصارهم العظيم على الروم البيزنطيين في معركة ملاذكرد واستيلائهم على آسيا الصغرى سنة 463 هـ/1070 م، وتعد هذه المعركة نقطة تحول في التاريخ الإسلامي بصفة عامة وتاريخ غربي آسيا بصفة خاصة، لأنها يسرت القضاء على نفوذ الروم في أكثر أجزاء آسيا الصغرى، وفتحت الطريق لزحف جديد. * * * وأبرز الحكام من هذه البيوت:- - المؤسس ركن الدين طغرل بك (السلجوقية العظمى) 432 - 455 هـ/1040 - 1063 م. - ألب أرسلان (السلجوقية العظمى) 455 - 465 هـ/1063 - 1072 م.

دولة بني حماد في الجزائر

- ملكشاه بن ألب أرسلان (السلجوقية العظمى) 465 - 485 هـ/1072 - 1092 م. - عماد الدين قرا أرسلان (كرمان) 433 - 465 هـ/1041 - 1072 م. - مغيث الدين محمود (العراق وكردستان) 511 - 525 هـ/1117 - 1130 م. - تقاق بن تتش (سوريا) 488 - 507 هـ/1095 - 1113 م. - سليمان بن قطلمش (سلاجقة الروم) 470 - 485 هـ/1077 - 1092 م. * * * تدهور السلاجقة ونهايتهم:- أضعفتهم الحروب الصليبية، وثورة الحشاشين، والانقسامات الداخلية نظرًا لاتساع المملكة، وقيام إمارات الأتابك، وهذه كانت أهم عوامل الانحلال الداخلي وهي عبارة عن إقطاعات أقطعها الوزير نظام الملك للقادة والمبرزين في الدولة بدل رواتبهم وفي زمن ضعف الدولة استقل هؤلاء بإقطاعاتهم وانفصلوا عن السلاجقة، ومن هذه اتابكية دمشق، واتابكية الموصل، واتابكية الجزيرة وغيرها، وقضى عليهم أخيرًا الخوارزميون. * * * - دولة بني حماد في الجزائر 398 - 547 هـ/1007 - 1152 م:- هم فرع من آل زيري، ودولتهم شيعية، وهم سلالة بربرية، أنشأها حماد بن بلكين عام 398 هـ في المغرب الأوسط (الجزائر)، ثم استولى على فاس.

الدولة النجاحية (زبيد)

ويعتبر عهد الناصر وابنه المنصور أزهى عصور آل زيري وآل حماد حيث استقرار الأوضاع وازدهار حركة العمران والتنمية. انتهت دولتهم على يد الموحدين عام 547 هـ/1152 م. وأبرز حكامها:- - حماد بن بلكين 398 - 419 هـ/1007 - 1028 م. - القائد بن حماد 419 - 447 هـ/1028 - 1055 م. - الناصر بن علناس 454 - 481 هـ/1062 - 1088 م. - المنصور بن الناصر 481 - 498 هـ/1088 - 1104 م. * * * الدولة النجاحية (زبيد) 403 - 554 هـ/1012 - 1159 م:- مؤسس الدولة هو نجاح، وهو من أرقاء الحبشة، وكان مملوكًا للدولة الزيادية. حكم زبيد إلى أن توفي، ثم انتزعها منهم الصليحيون، ثم استردوا سلطانهم وانتقموا من الصليحيين، وكانت الحروب والصراعات مستمرة بينهم. واستقر الأمر لهم في عهد سعيد الأحول بن نجاح. بعده سيطر على بلادهم الوزراء الأحباش، فقاتلهم الأمير المنصور بن فاتك، ولكنهم قتلوه أخيرًا. وفي أواخر عهدهم تولى الأمر طائفة من العبيد حتى زالت الدولة، وقضى عليها بنو المهدي (من الخوارج) سنة 554 هـ/1159 م. ويقيت بأيديهم حتى استولى عليها الأيوبيين عام 569 هـ/1173 م.

الدولة المرداسية في حلب

وأبرز ملوك الدولة:- - المؤيد نجاح 403 - 452 هـ/1012 - 1060 م. - سعيد الأحول بن نجاح 452 - 482 هـ/1060 - 1089 م. - المنصور بن فاتك 503 - 527 هـ/1109 - 1127 م. * * * الدولة المرداسية في حلب 414 - 472 هـ/1023 - 1079 م:- استولى صالح بن مرداس من قبيلة كلاب العربية، على حلب من يد عامل الفاطميين، فأحسن السيرة في الرعية، وملك من بعلبك إلى عانة في عام 420 هـ/1029 م. سير إليه الظاهر صاحب مصر جيشًا، والتقوا في طبرية فانهزم صالح وقتل هو وابنه في عام 420 هـ/1029 م. ونجا ولده أبو كامل نصر بن صالح فعاد إلى حلب وملكها، واستمرت الدولة حتى قضى عليها الفاطميون عام 472 هـ/1079 م، ثم احتواها ملك السلاجقة. وأبرز حكام الدولة هم: - صالح بن مرداس 414 - 420 هـ/1023 - 1029 م. - نصر بن صالح 420 - 429 هـ/1029 - 1037 م. - معز الدولة طمل بن صالح 434 - 449 هـ/1042 - 1057 م.

ملوك الطوائف في الأندلس

ملوك الطوائف في الأندلس 422 - 484 هـ/1030 - 1091 م:- بعد ما ضعفت الدولة الأموية في الأندلس واستبد العامريون بالسلطة بدأ أمراء الطوائف يستقلون بالإمارات التي يحكمونها، فعرفوا بملوك الطوائف وانقسموا إلى أكثر من 20 دويلة. وكان هذا العصر مليء بالاضطراب والفوضى والفتن والتناحر والأنانية. * * * أهم هذه الدويلات:- - الدولة الزيرية: في غرناطة 403 - 483 هـ/1012 - 1090 م وهم بربر. - الدولة الحمودية: التي تنقلت بين قرطبة ومالقة والجزيرة الخضراء في الفترة 407 - 450 هـ/1016 - 1058 م وهم شيعة ينتسبون إلى إدريس (من سلالة الحسن بن علي). - الدولة الهودية: في سرقسطة 410 - 536 هـ/1019 - 1141 م وهم عرب. - الدولة العامرية: في بلنسية 412 - 478 هـ/1021 - 1085 م وهم من موالي بني عامر. - الدولة العبادية: في أشبيلية 414 - 484 هـ/1023 - 1091 م وهم عرب من بني لخم، وهي أشهر وأقوى هذه الدول، وأبرز حكامها المعتمد بن عباد. - دولة بني الأفطس: في بطليوس 421 - 487 هـ/1030 - 1094 م. - الدولة الجهورية: في قرطبة 422 - 461 هـ/1030 - 1068 م، وقد قضى عليها بنو عباد. - دولة ذي النون: في طليطلة 427 - 487 هـ/1035 - 1094 م وهم بربر.

دولة المرابطين في المغرب والأندلس

وكانت هذه الدويلات ضعيفة ومتفرقة ومتناحرة، ولم يتوان بعضهم عن أن يستنجد بملوك الفرنجة ضد إخوانه المسلمين. ودام أمرهم قرابة مائة سنة استطاع في أواخرها ملوك الأسبان أن يجمعوا كلمتهم، فأخذوا يبتلعون هذه الإمارات، حتى بلغوا أشبيليه (أكبر الممالك الإسلامية بالأندلس)، فطلب حاكمها المعتمد بن عباد النجدة من يوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين في المغرب، ولما حذره بعض أتباعه من ذلك قال قولته المشهورة: " لأن أكون سائق جمال في صحراء أفريقية خير من أن أرعى الخنازير في قشتاله " وهو موقف عظيم منه نسجله بالإجلال لهذا الملك العظيم الذي عمل لخير بلاده. ولم تشغله نفسه، فقدم يوسف، وهزم النصارى، ومحا ملوك الطوائف ووحد الأندلس، فأصبحت جزءًا من دولة المرابطين (¬1). * * * دولة المرابطين في المغرب والأندلس 448 - 541 هـ/1056 - 1147 م:- وهم بربر أبناء صحراء من قبيلة لمتونة وهي فرع من صنهاجة، سموا بالمرابطين لأنهم تتلمذوا على يد عبد الله بن ياسين في الرباط الذي أنشأه للدرس والعبادة في صحراء المغرب. وكانوا يعرفون (بالملثمين) أيضًا. تولى أبو بكر بن عمر اللمتوني تنظيمهم والجهاد بهم، ففتح السوس والصامدة، وكان معه في الجيش ابن عمه يوسف بن تاشفين الذي ارتفع شأنه، فاضطر أبو بكر أن يتنازل له عن السلطة. ¬

_ (¬1) في الأدب الأندلسي/جودت الركابي، ص 23 - 25.

وهو أول ملك بربري حكم المغرب (وكان جيشه خليطًا من جميع قبائل المغرب) ويقال أنه كان أعظم الحكام المسلمين في عصره. * * * انضمام الأندلس إلى المرابطين:- استنجد به المعتمد بن عباد حاكم أشبيليه في الأندلس ضد النصارى الأسبان، فزحف من فوره، والتقى بالنصارى بقيادة ملكهم الفونس السادس وهزمهم شر هزيمة في معركة الزلاقة الشهيرة عام 479 هـ/1086 م. استولى بعدها على كل الأندلس. فوحدها وأزال ملوك الطوائف الضعفاء، فأصبحت الأندلس ضمن دولة المرابطين. وامتدت دولته في المغرب من تونس شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى حدود السودان جنوبًا، اختط مدينة مراكش، وجعلها عاصمة مملكته خلفه ابنه علي بن يوسف، فواصل جهاد والده وانتصر على نصارى الأسبان في موقعة أقليش عام 502 هـ/1108 م وهي أعظم موقعة بعد موقعة الزلاقة بعد ذلك أخذت الدولة تضعف وتضمحل، حتى قضى عليها الموحدون سنة 1147/ 541 م. * * * أبرز حكامها:- - يحيى بن عمر (مؤسس الدولة) توفي عام 448 هـ/1056 م. - أبو بكر بن عمر 448 - 453 هـ/1056 - 1061 م. - يوسف بن تاشفين 453 - 500 هـ/1061 - 1106 م. - علي بن يوسف 500 - 537 هـ/1106 - 1142 م.

الدولة الصليحية في اليمن

الدولة الصليحية في اليمن 429 - 569 هـ/1037 - 1173 م:- وهي دولة شيعية. أسسها علي بن محمد الصليحي، الذي نشر الدعوة الإسماعيلية في اليمن بمساعدة الخليفة الفاطمي. وقد سيطر على بلاد اليمن جميعها، وجعل عاصمته صنعاء، قتله بنو نجاح. فتولى ابنه المكرم وانتقم منهم سنة 469 هـ/1076 م، ولاه الخليفة الفاطمي عمان، وكلفه أن يهتم بالحجاز والأحساء. وبعد وفاته ضعفت الدعوة الإسماعيلية في اليمن. وبعد زوال الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي سنة 567 هـ زالت الدولة الصليحية، حيث أرسل صلاح الدين أخاه توران شاه، فأخضع بلاد اليمن كلها سنة 569 هـ/1173 م. * * * وأبرز الحكام:- - مؤسسها علي بن محمد الصليحي 429 - 459 هـ/1037 - 1066 م. - المكرم بن علي 459 - 484 هـ/1066 - 1091 م. - أروى بنت أحمد الصليحي (زوجة المكرم) 492 - 532 هـ/1098 - 1137 م. * * * الدولة العيونية (في البحرين) 466 - 636 هـ/1073 - 1238 م:- ينسب العيونيون إلى فرع من قبيلة بني عبد القيس سكنوا في العيون بالأحساء ويقصد بالبحرين الساحل الشرقي للجزيرة كاملًا.

الدولة الخوارزمية (شاهات خوارزم)

ثار عبد الله بن علي العيوني على القرامطة الفاسدين الذين كانوا يحكمون المنطقة. فتمكن من القضاء عليهم بمساعدة العباسيين والسلاجقة في الفترة (466 - 470 هـ/1073 - 1077 م) فأخرجهم من المنطقة نهائيًا، وخضعت له المنطقة كلها بعده توالى أمراء ضعفاء كثرت بينهم الفتن والمؤامرات إلى أن سقطت الدولة، واستولى عليها الفرس، فأبرز الحكام هو مؤسس الدولة عبد الله بن علي العيوني (466 - 500 هـ/1073 - 1106 م). * * * الدولة الخوارزمية (شاهات خوارزم) 470 - 628 هـ/1077 - 1230 م:- تنسب إلى أنوشتكين. كان مملوكًا تركيًا لأمير سلجوقي (من سلاجقة خراسان) فقاد له عدة معارك، فقربه الأمير حتى ولاه على خوارزم ولقبه خوارزم شاه، فحكمها هو وذريته، واستقلوا بها، ووسعوا نفوذهم، فاستولوا على دولة السلاجقة بخراسان والري وفارس وبلاد ما وراء النهر وكرمان والسند وغزنه، فوصلت بلادهم إلى أقصى اتساعها. قضى عليهم المغول سنة 628 هـ/1230 م. * * * وأبرز الحكام:- - أنوشتكين 470 - 490 هـ/1077 - 1096 م. - قطب الدين محمد بن أنوشتكين 490 - 521 هـ/1096 - 1127 م. - آتسز بن محمد 521 - 551 هـ/1127 - 1156 م.

دولة بنو زريع في عدن

- علاء الدين تكش 568 - 596 هـ/1172 - 1199 م. - علاء الدين محمد 596 - 617 هـ/1199 - 1220 م. * * * دولة بنو زريع في عدن 476 - 569 هـ/1083 - 1173 م:- هي دولة شيعية. كانت تابعة للصليحيين ثم استقلت عنهم، واستمرت بدفع الجزية لهم، لما استقر الأمر للمكرم الصليحي في عدن وما حولها جعل ولايتها للعباس ومسعود الزريعيين وهما أخوان وكانا من أتباعه المخلصين. وكان يدفعان للصليحي جزية سنوية. واستمر أبناؤهما على ذلك. وكان تنصيب الحكام يصدر من الخليفة الفاطمي في مصر، وكانت أقوى دولة في اليمن بعد الصليحيين. واستمروا حتى قضى الأيوبيون عليهم وأخضعوا كل بلاد اليمن سنة 569 هـ/1173 م. الدولة الهمدانية (صنعاء) 492 - 596 هـ/1099 - 1174 م:- مؤسس الدولة هو حاتم بن الغشم الهمداني. الذي تمكن من الاستيلاء على صنعاء من الملك سبأ الصليحي. واستمرت لذريته من بعده، وكانت فترة هذه الدولة فترة حافلة بالفوضى والاضطرابات. وقد مهد ذلك لتدخل الأيوبيين الذين كانوا يرون أنهم الورثة الحقيقيون لأملاك الفاطميين فدخلت المنطقة في حوزه الأيوبيين مع باقي اليمن سنة 596 هـ.

الدولة الأرتقية (حصن كيفا وماردين)

الدولة الأرتقية (حصن كيفا وماردين) 495 - 811 هـ/1101 - 1408 م:- تنسب إلى أرتق التركماني. وهو مملوك من مماليك السلطان ملكشاه السلجوقي. وقائد من قواده، وأول من أسس هذه الدولة سقمان بن أرتق. حيث استولى على حصن كيفا عام 495 هـ/1101 م من التركمان ثم ضم إليها ماردين. وحكم في الفترة 495 - 498 هـ/1101 - 1104 م. وفي عام 502 هـ انقسمت إلى مملكتين:- ملوك الحصن بكيفا (495 - 629 هـ/1101 - 1231 م)، وأبرز ملوكها: ركن الدولة داود بن سقمان (502 - 543 هـ/1108 - 1148 م) وانتهت على يد الأيوبيين. وأما مملكة ماردين (502 - 811 هـ/1108 - 1408 م). فأبرز ملوكها: نجم الدين غازي بن أرتق (502 - 516 هـ/1108 - 1122 م). وقد صار أمراء هذه المملكة عمالًا للمغول الذين سيطروا على آسيا الصغرى (الأناضول) سنة 541 هـ/1243 م. انتهوا على يد الدولة العثمانية. * * * الدولة البورية (دمشق) 497 - 549 هـ/1103 - 1154 م:- جد أسرة البوريين هو طوغتكين، وكان أحد القادة في جيش السلاجقة التابع للسلطان تتش، وعينه ابن تتش أتابكا على دمشق. وسرعان ما سلب السلطة منه، واستقل بدمشق.

د - أهم الدول في القرن السادس الهجري/الثامن عشر الميلادي

وأهم أمراء هذه الدولة:- - سيف الإسلام طوغتكين 497 - 522 هـ/1103 - 1128 م. - تاج الملوك بوري 522 - 526 هـ/1128 - 1131 م. - مجير الدين أبتي 534 - 549 هـ/1139 - 1154 م. وقد استولى عليها نور الدين زنكي سنة 549 هـ/1154 م. * * * د - أهم الدول في القرن السادس الهجري/الثامن عشر الميلادي:- م ــ الدولة ــ المكان ــ فترة الدولة 1 - الموحدين ... المغرب والأندلس ... 514 - 674 هـ/1120 - 1275 م 2 - الزنكية ... الشام ومصر ... 521 - 660 هـ/1127 - 1261 م 3 - الغوربة ... الهند ... 543 - 686 هـ/1148 - 1287 م 4 - بنو مهدي ... اليمن ... 554 - 569 هـ/1159 - 1173 م 5 - الأيوبية ... مصر والشام اليمن ... 567 - 648 هـ/1171 - 1250 م

دولة الموحدين (المغرب والأندلس)

دولة الموحدين (المغرب والأندلس) 514 - 668 هـ/1120 - 1269 م:- بدأت على يد محمد بن تومرت من قبيلة مصمودة، الذي ادعى أنه المهدي وأنه معصوم. بدأ دعوته في أغمات، ودعا إلى إزالة دولة المرابطين بسبب ظلمهم وتعسفهم وتخليهم عن مبادئ الشريعة الإسلامية (حسب زعمه)، وكانت للموحدين فلسفة في الحكم قوامها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الزهد في الدنيا. خلف المهدي عبد المؤمن بن علي الذي قضى على دولة المرابطين سنة 541 هـ/1147 م، واستطاع أن يخضع بلاد المغرب كلها تحت نفوذه. وتُوفي في 558 هـ. وأبرز من جاء بعده يعقوب بن يوسف الذي انتصر على النصارى في الأندلس انتصارًا ساحقًا في معركة الأرك سنة 591 هـ/1194 م، واستطاع إخضاع معظم بلاد الأندلس تحت راية الموحدين. ولكن الموحدين عادوا فهُزِموا في موقعة حصن العقاب سنة 609 هـ، فهان بذلك أمرهم. ثم بدأت الدولة تضعف وتنهار بسبب الحروب الداخلية بين زعمائها في الفترة (609 - 668 هـ/1212 - 1269 م) واستغل نصارى الأسبان ذلك فاستولوا على معظم مدن الأندلس في هذه الفترة الكئيبة. وقد قضت عليها الدولة المرينية. وأبرز حكام الموحدين: - محمد بن تومرت (المهدي) 514 - 524 هـ/1120 - 1129 م. - عبد المؤمن بن علي 524 - 558 هـ/1129 - 1162 م.

الدولة الزنكية (الشام ومصر)

- يوسف بن عبد المؤمن 559 - 580 هـ/1163 - 1184 م. - يعقوب بن يوسف 580 - 595 هـ/1184 - 1198 م. * * * الدولة الزنكية (الشام ومصر) 511 - 660 هـ/1127 - 1261 م:- وهم أتراك الأصل وينتسبون إلى السلاجقة، وتعود هذه الدولة إلى عماد الدين زنكي بن آق سنقر، وكان أبوه مملوكًا للكشاه السلجوقي، ومن كبار قواده. لما شب عماد الدين ولاه السلطان السلجوقي/تتش على الموصل سنة 521 هـ/1127 م. فكان له جهاد ضد الصليبيين طوال فترته (521 - 541 هـ/1127 - 1146 م) فاسترجع منهم الرها وبعض المواقع. وبعد موته انقسمت مملكته بين ولديه، فكان الموصل لسيف الدين غازي (541 - 544 هـ/1146 - 1149 م) وتعاقب عليها ذريته. وأما حلب لنور الدين محمود (541 - 569 هـ/1146 - 1173 م) وهو أعظم ملوك الدولة، وكان صلاح الدين الأيوبي من قواده. وكلاهما له باع طويل في الحروب الصليبية. وكان مجال الجهاد في بلاد الشام ومصر. بعد موت نور الدين دخلت المنطقة تحت نفوذ صلاح الدين الأيوبي، وأما آل زنكي في الموصل فقد قضى عليهم المغول سنة 660 هـ/1261 م.

الدولة الغورية (في أفغانستان والهند)

الدولة الغورية (في أفغانستان والهند) 543 - 686 هـ/1148 - 1287 م:- تنسب الدولة إلى مكان نشأتها في المناطق الجبلية بين هراة وغزنة في أفغانستان، وكانت عاصمتها هي فيروزكوه. وكان الغزنويون يعينون ولاة من الغور على غزنة وما حولها. وكان أول هؤلاء هو عز الدين حسين وهو مؤسس الأسرة الغورية. وبعد موته تقاسم أبناؤه السلطة، واستطاعوا القضاء على الغزنويين سنة 582 هـ/1186 م ثم زاد نفوذهم وشمل بلاد الأفغان والهند. وأعظم سلاطين الغوريين غياث الدين وأخوه شهاب الدين اللذين تمكنا من إخضاع جميع المناطق التي كانت خاضعة لحمود الغزنوي بالهند وواصلا الفتوحات العظيمة ونشر الإسلام وتحطيم الأصنام هناك. وتقول دائرة المعارف الإسلامية عن نهاية الدولة الغورية:- كان يمكن أن ينتظر ملوك الغور عهد طويل من السلطان، ولكن قوات همج آسيا الوسطى المتزايدة أوقفت تقدمهم فجأة، فقد أغار الغز وشاهات خوارزم والمغول بقيادة جنكيز خان على البلاد في تعاقب سريع. فوضعوا حد لهذه الدولة.

دولة بني مهدي (في اليمن)

دولة بني مهدي (في اليمن) 554 - 569 هـ/1159 - 1173 م:- سيطر علي بن مهدي على زبيد بعد سقوط الدولة النجاحية وهم أسرة حميرية، ثم خلفه أبناؤه المهدي وعبد النبي وعبد الله، وقد استطاعوا بسط نفوذهم على بلاد اليمن وتهامه. ونذكر هنا أن اليمن أحسنت استقبال هذه الأسرة لأنها أسرة وطنية تمامًا. ولأن منشئها كان يمتاز بالعلم والخلق: ولكن المهدي وعبد النبي انحرفت أخلاقهما وتغيرا إلى الشدة والقسوة فكرههما الأهالي. ثم كان الزحف الأيوبي بقيادة توران شاه (شقيق صلاح الدين). الذي ضم بلاد اليمن ضمن الحظيرة الأيوبية. * * * الدولة الأيوبية (مصر والشام وغيرها) 567 - 648 هـ/1171 - 1250 م:- وهم من أسرة كردية من أذربيجان هاجرت إلى العراق. ومؤسس الدولة هو صلاح الدين يوسف بن أيوب، كان والده (نجم الدين أيوب) واليًا على تكريت ثم انتقل إلى الموصل فدمشق، ثم صار نجم الدين (والد صلاح الدين) وأخوه أسد الدين شيركوه من كبار أمراء نور الدين محمود الزنكي (صاحب الشام). وأصبح أسد الدين نائبًا لنور الدين على مصر، وبعد موت أسد الدين خلفه ابن أخيه صلاح الدين. فكان وزيرًا للخليفة الفاطمي الشيعي (العاضد) ونائبًا عن نور الدين محمود السني فاستقل بحكم مصر بعد فترة. وبعد موت نور الدين أخذ دمشق

وكثير من بلاد الشام 569 - 571 هـ/1173 - 1175 م وأرسل أخاد توران شاه فأخضع كل بلاد اليمن سنة 569 هـ/1173 م. بذلك كون صلاح الدين جبهة إسلامية موحدة قوية بعد أن عانى المسلمون طويلًا من الفُرقة والضعف والتشتت فوقف بهذا الجيش في وجه الصليبيين، وانتصر عليهم انتصارًا حاسمًا في موقعة حطين المشهورة سنة 583 هـ/1187 م فاسترجع بعدها بيت المقدس وطرد الصليبيين من معظم بلاد الشام بعد احتلال تجاوز التسعين عامًا. وبعد صلاح الدين من أعظم القواد المسلمين الذين وقفوا في وجه الصليبيين واستعادوا البلاد المغتصبة منهم. * * * حدود دولة صلاح الدين:- بالإضافة إلى مصر والشام خضعت له سواحل طرابلس وتونس وبلاد النوبة والسودان، والحجاز واليمن. * * * وفاته وصفاته:- تُوفي صلاح الدين سنة 589 هـ/1193 م وكان معروفًا بالعدل والتسامح والكرم، والزهد والقناعة. ولم يكن من جاء بعده مثله فأخذت الدولة في الانحدار، وانتهت بموت آخر ملوكها الملك الصالح نجم الدين. فتولت السلطة زوجته المملوكة شجرة الدر بعد أن قتلت ابنه توران شاه عام 648 هـ/1250 م. وهكذا انتهت الدولة الأيوبية وقامت على أنقاضها دولة المماليك.

هـ - أهم دول القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي

هـ - أهم دول القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي:- وهو القرن الذي شهد مصرع الدولة العباسية على يد الغزاة المغول. م ــ الدولة ــ المكان ــ فترة الدولة 1 - بنو رسول ... اليمن ... 626 - 858 هـ/1228 - 1454 م 2 - الحفصية ... تونس ... 625 - 941 هـ/1227 - 1534 م 3 - بنو عصفور وبنو جبر ... البحرين ... 636 - 927 هـ/1238 - 1520 م 4 - المرينية ... المغرب ... 642 - 871 هـ/1244 - 1466 م 5 - المماليك ... مصر والشام ... 648 - 792 هـ/1250 - 1389 م * * * ويأتي تفصيلها ضمن الباب القادم.

أسباب وعوامل انهيار الدولة العباسية

أسباب وعوامل انهيار الدولة العباسية:- نلاحظ كثرة الأحداث التي مرت بالعالم الإسلامي خلال فترة الدولة العباسية. وكثرة الدول التي استقلت وعلا شأنها، ثم انطفأت واختفت من الوجود. ولاحظنا أن الدولة العباسية مرت بفترات قوة كانت السيطرة فيها بيد الخلفاء. ثم أخذ خطها البياني في الانحدار إلى أن دمرها المغول في النهاية. فيا ترى ما هي أسباب انهيار الدولة العباسية. قد تكون أهم عوامل الانهيار ما يلي:- 1 - قيام حركات التمرد الديني كفتنة الزنوج وحركة القرامطة والحشاشين، والدولة العبيدية، والحركات الباطنية. 2 - تسلط العسكريين على الخلافة. فأذلوا الخلفاء والشعب. 3 - طغت الظاهر المادية والحضارية. فمال الناس إلى الترف والدعة. 4 - غير أن أخطر العوامل التي أسقطت الدولة إهمالهم لركن من أهم أركان الإسلام .. وهو الجهاد. فلو أنهم وجهوا طاقة الأمة نحو جهاد الصليبيين. ما ارتفعت رايات العصيان الداخلي. وتسببت في انهيار الدولة. 5 - وأخيرًا كان الغزو المغولي المدمر وهو القشة التي قصمت ظهر البعير.

الباب السادس عهد المماليك (658 - 923 هـ) (1259 - 1517 م)

الباب السادس عهد المماليك (658 - 923 هـ) (1259 - 1517 م)

الفصل الأول تاريخ المماليك (مصر والشام)

الفصل الأول تاريخ المماليك (مصر والشام) مقدمة: نطلق على مرحلة التاريخ الإسلامي في الفترة (658 - 923 هـ/1259 - 1517 م) مرحلة العهد المملوكي، رغم أن دولة المماليك لم تحكم سوى مصر والشام والحجاز فقط، ويعود ذلك للأسباب التالية:- - حملت دولة المماليك صفة الخلافة الإسلامية، حيث ضمت خلفاء بني العباس وأعادت إليهم الخلافة (إسميًا فقط) بعد سقوطها. - انتصر المماليك على المغول والتتار وأوقفوا زحفهم المدمر، وما استطاع أحد غيرهم تحقيق هذا الانجاز العظيم. - أنهوا الوجود الصليبي من المشرق الإسلامي. - خضعت لهم الحجاز، وهي مهوى أفئدة المسلمين، ومن يخضعها ينظر له بعين التقدير والتعظيم والطاعة والخضوع. - تمتعت دولتهم بموقع استراتيجي متوسط بين شرق وغرب العالم الإسلامي. - تصدوا لبدايات الغزو البرتغالي، ثم أكمل المهمة العثمانيون. كل هذه الأسباب جعلت هذه الفترة الزمنية تحمل اسم العهد المملوكي.

أحوال العالم الإسلامي في هذه الفترة:- وضع المسلمين:- وصل المسلمون إلى درجة كبيرة من الضعف بسبب التشتت والبعد عن الإسلام والغزو الصليبي والمغولي. وتردت الأحوال الاقتصادية وانتشر الفقر في البلاد. حالة السلاطين والخلفاء العباسيين:- أكثر سلاطين المماليك كانوا ضعفاء وكان الحسد والتباغض والمؤامرات منتشرة بينهم. وهذا كله زاد من ضعف المسلمين. لم يكن وضع الخلفاء العباسيين في مصر أفضل من ذلك. فلم يكن لهم أدنى نفوذ أو تدخل في شؤون الدولة. فكيف يتدخل هؤلاء في شؤون من أحضرهم وآواهم. * * * الروح الدينية:- كانت الروح الدينية لدى المماليك والشعب عامة مرتفعة، يتضح ذلك من النشاط الديني الغزير في ذلك الوقت، فهي كانت أغنى فترات التأليف الإسلامي. وظهر مشاهير العلماء أمثال: النووي، والعز بن عبد السلام، وابن تيميمة، وابن القيم الجوزية، والذهبي، وابن كثير، وغيرهم. * * * حركة الجهاد:- من ناحية الغزو والجهاد فقد كان للمماليك دورًا بارزًا وأثرًا واضحًا. فقد أوقفوا الزحف المغولي الوحشي من خلال معركة عين جالوت العظيمة عام 658 هـ/1259 م.

وطردوا بقايا الصليبيين من بلاد المسلمين عام 690 هـ/1291 م. وفي أواخر عهدهم وقفوا أمام التقدم الصليبي البرتغالي. * * * عيوب المماليك:- - جاءوا من مناطق مختلفة، لذا كثيرًا ما ظهر التنافر بينهم، وطالما نشأ عن هذا التنافر حروب وصراعات. - كانوا معزولين عن الشعب في معسكرات خاصة، مما جعلهم يحسون بالانعزالية وبالفوقية أحيانًا لارتباطهم المباشر بسلطان البلاد. - إحساسهم أنهم رقيق اشتروا بالمال، كون عند كثير منهم عقدة النقص وكان لهذا رد فعل عنيف في تطلعاتهم للسيادة. - كانت القوة مسيطرة على مجتمعهم، ولا يستمر إلا السلطان القوي. لهذا السبب كثر الخلع والقتل بين هؤلاء السلاطين. * * * المماليك:- هذا العصر لا يزال يكتنفه الغموض، وبالتالي يحتاج إلى دراسات جديدة تسلط الأضواء عليه. * * * التعريف بالمماليك:- المماليك جمع مملوك وهو الرقيق، الذي اشتري بالمال، وقد استقدمهم سلاطين الدولة الأيوبية من بلاد مختلفة أهمها: بلاد تركستان والقوقاز وآسيا الصغرى، وبلاد

ما وراء النهر، ثم اشتروهم وهم غلمان صغار، وقاموا بعزلهم عن الناس في أبراج خاصة، وتربيتهم تربية دينية وعسكرية مناسبة، ثم كونوا بهم جيوشًا، وقد وصل عدد كبير منهم إلى مراتب رفيعة جدًا، وكانوا يتميزون بالشجاعة والإقدام، ولا يعرفون لهم ولاء إلا ولاء الإسلام الذي ينتمون إليه. هل هم حقًا مماليك وعبيد؟ نحب أن نقرر أن هؤلاء ليسوا مماليك أو عبيد، وإنهم أحرار تمامًا وأن بيعهم باطل، لقد كانوا جميعًا صفقات غير مشروعة، كان الأب يبيع ابنه ليدفعه إلى المجد في القصور، وكان الأقوياء والنخاسون يخطفون الأطفال ويبيعونهم، والإسلام يرفض هاتين الوسيلتين، ولا يجيء الرق في الإسلام إلا عن طريق الحرب الدينية التي يقصد بها الجهاد في سبيل الله. لذا فهؤلاء من وجهة نظر الشرع الإسلامي أحرار وليسوا مماليك (¬1). وينقسم عصر المماليك إلى فترتين (باتفاق معظم المؤرخين):- 1 - المماليك البحرية: (648 - 792 هـ/1250 - 1389 م). 2 - المماليك البرجية: (792 - 923 هـ/1389 - 1517 م). فدامت دولتهم ما يقارب 275 عامًا. ¬

_ (¬1) التاريخ الإسلامي/أحمد شلبي جـ 5/ص 215.

وبدأ نفوذهم على العالم الإسلامي بعد انتصارهم في معركة عين جالوت على المغول سنة 658 هـ/1259 م. أولًا: عصر المماليك البحرية 648 - 792 هـ/1250 - 1389 م:- جلبهم الملك الصالح نجم الدين أيوب. فبنى لهم قلعة في جزيرة الروضة سنة 638 هـ/1240 م، فعرفوا بالمماليك البحرية أو الصالحية. * * * الوصول إلى السلطة:- تُوفي الملك الصالح الأيوبي وقواته تقاتل الصليبيين بقيادة لويس التاسع، فأخفت زوجته المملوكة (شجرة الدر) خبر وفاته وأدارت شؤون البلاد باسمه فصارت بذلك أول ملكة في الإسلام، واستدعت ولده توران شاه ليتولى الأمر، فجاء وانتصر على الصليبيين بمساعدة المماليك سنة 648 هـ/1250 م. بعد ذلك قتلته شجرة الدر، واستأثرت بالسلطة، واعترض الخليفة العباسي. فتزوجت كبير المماليك (عز الدين أيبك) وتنازلت له عن السلطة. حاول الملك الأيوبي الناصر يوسف (صاحب الشام) استرداد مصر فانهزم أمام المماليك. قتلت شجرة الدر زوجها فقتلها المماليك انتقامًا منها سنة 655 هـ/1257 م، فتولى الأمر نور الدين بن عز الدين أيبك، وفي هذه الفترة دخل المغول بغداد ودمروها سنة 656 هـ/1258 م. وساروا نحو الشام، فتولى السلطة سيف الدين قطز، وأخذ يجهز للقاء المغول.

معركة عين جالوت:- في 15 رمضان عام 658 هـ/1259 م حدثت معركة عين جالوت المشهورة (قرب نابلس بفلسطين) بين المماليك بقيادة السلطان قطز وقائده الظاهر بيبرس وبين المغول بقيادة الطاغية كيتوبوقا (نائب هولاكو)، فانتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا عظيمًا وطردوا المغول عن بلاد الشام. فأصبحت مصر والشام تابعة للمماليك. فاستقرت لهم الأمور بعد ذلك. وتعتبر هذه المعركة حدثًا تاريخيًا إسلاميًا عظيمًا، فهذا أول انتصار يحققه المسلمون على المغول، فحطموا بذلك أسطورتهم المرعبة. ولم ينتصر على المغول أحد قبلهم. * * * بعد عين جالوت!! بعد الانتصار لاحق المماليك المغول شمالًا، فألحقوا بهم هزيمة أخرى منكرة في قيسارية (بآسيا الصغرى) واستردوها منهم.

سلاطين المماليك البحرية

سلاطين المماليك البحرية (648 - 792 هـ/1250 - 1389 م) * * * م ــ السلطان ــ فترة الحكم من: ــ نهايته 1 - شجرة الدر ... 648 هـ/1250 م ... قتلت 2 - عز الدين أيبك ... 648 هـ/1250 م ... قتل 3 - نور الدين علي ابن أيبك ... 655 هـ/1257 م ... خلع 4 - سيف الدين قطز ... 657 هـ/1258 م ... قتل 5 - الظاهر بيبرس ... 658 هـ/1259 م ... توفي 6 - السعيد بركة - ابن بيبرس ... 676 هـ/1277 م ... خلع 7 - العادل بدر الدين - ابن بيبرس ... 678 هـ/1279 م ... خلع 8 - المنصور قلاوون ... 678 هـ/1279 م ... توفي 9 - الأشرف خليل - ابن قلاوون ... 689 هـ/1290 م ... قتل 10 - الناصر محمد - ابن قلاوون ... 963 هـ/1293 م ... خلع 11 - العادل كتبغا ... 694 هـ/1294 م ... 12 - المنصور لاجين ... 696 هـ/1296 م ... قتل 13 - الناصر محمد - ابن قلاوون ... 698 هـ/1298 م ... اعتزل 14 - المظفر بيبرس - أبي شنكير ... 708 هـ/1308 م ... قتل

م ــ السلطان ــ فترة الحكم من: ــ نهايته 15 - الناصر محمد - ابن قلاوون ... 709 هـ/1309 م ... توفي 16 - المنصور أبو بكر - ابن محمد ... 741 هـ/1340 م ... خلع 17 - الأشرف كجك - ابن محمد ... 742 هـ/1341 م ... خلع 18 - الناصر أحمد - ابن محمد ... 742 هـ/1341 م ... خلع 19 - الصالح إسماعيل - ابن محمد ... 743 هـ/1342 م ... توفي 20 - الكامل شعبان - ابن محمد ... 746 هـ/1345 م ... قتل 21 - المظفر أمير حاج - ابن محمد ... 747 هـ/1346 م ... قتل 22 - الناصر حسن - ابن محمد ... 748 هـ/1347 م ... خلع 23 - الصالح صالح - ابن محمد ... 752 هـ/1351 م ... خلع 24 - الناصر حسن - ابن محمد ... 755 هـ/1354 م ... قتل 25 - المنصور محمد - ابن أمير حاج ... 762 هـ/1360 م ... خلع 26 - الأشرف شعبان - بن حسن ... 764 هـ/1362 م ... قتل 27 - المنصور علي - بن شعبان ... 778 هـ/1376 م ... توفي 28 - الصالح حاجي - ابن الأشرف شعبان ... 783 هـ/1381 م ... خلع 29 - الصالح حاجي - ابن الأشرف شعبان ... 791 هـ/1388 م ... خلع * * * وأبرز هؤلاء السلاطين:- سيف الدين قطز - الظاهر بيبرس - المنصور قلاوون - الناصر محمد.

أهم أحداث فترة (المماليك البحرية)

أهم أحداث فترة (المماليك البحرية):- الخلافة العباسية في القاهرة:- استقدم الظاهر بيبرس (أحمد ابن الخليفة العباسي الظاهر) إلى القاهرة (وكان أحمد قد فر من بغداد بعد أن دمرها المغول). فبايعه الظاهر بالخلافة، ولقبه بالمستنصر عام 659 هـ/1260 م. وكان هدف الظاهر بيبرس تقوية مركز الحكم في القاهرة، وكسب تأييد الأمصار الإسلامية وإحاطة عرش المماليك بالقداسة والشرعية ثم تعاقب الخلفاء العباسيون وعددهم 18 خليفة (انظر الجدول) خلال الفترة (659 - 923 هـ) (1260 - 1517 م)، وهؤلاء الخلفاء ليس لهم من الخلافة سوى الاسم فقط فهم مجرد رمز، ولا يتدخلون في شؤون الحكم أبدًا، ولا حول لهم ولا طول ولا رأي في سياسة الأمور. - في عام 667 هـ/1268 م بسط الظاهر بيبرس نفوذه على الحجاز. - في الفترة (660 - 690 هـ/1261 - 1291 م) جاهد المماليك الصليبيين واستعادوا منهم جميع المدن المتبقية عندهم في بلاد الشام. - في عام 680 هـ/1281 م هزم المنصور قلاوون التتار هزيمة منكرة. - في عام 702 هـ/1302 م فتح الناصر محمد بن قلاوون جزيرد أرواد، وطرد الصليبيين منها، فانتهى وجودهم في المشرق الإسلامي. - وفي نفس العام هزم التتار هزيمة منكرة في معركة (شقحب) قرب دمشق (واشترك في الجهاد شيخ الإسلام ابن تيمية).

خلفاء بني العباس في القاهرة

خلفاء بني العباس في القاهرة م ــ السلطان ــ فترة الحكم من: 1 - المستنصر ... 659 هـ/1260 م 2 - الحاكم بأمر الله " الأول " ... 661 هـ/1262 م 3 - المستكفي بالله " الأول " ... 701 هـ/1301 م 4 - الواثق بالله " الأول " ... 736 هـ/1335 م 5 - الحاكم بأمر الله " الثاني " ... 742 هـ/1341 م 6 - المعتضد بالله " الأول " ... 753 هـ/1352 م 7 - المتوكل على الله " الأول " ... 763 هـ/1361 م للمرة الأولى .. خلع 8 - الواثق بالله " الثاني " ... 785 هـ/1383 م 9 - المستعصم ... 788 هـ/1386 م 10 - المتوكل على الله " الأول " ... 791 هـ/1388 م للمرة الثانية 11 - المستعين بالله ... 808 هـ/1405 م خلع 12 - المعتضد بالله " الثاني " ... 815 هـ/1412 م 13 - المستكفي بالله " الثاني " ... 845 هـ/1441 م 14 - القائم بأمر الله ... 854 هـ/1450 م 15 - المستنجد بالله ... 859 هـ/1454 م 16 - المتوكل على الله " الثاني " ... 884 هـ/1479 م 17 - المتمسك بالله ... 893 هـ/1487 م 18 - المتوكل على الله " الثالث " ... 914 هـ/1508 م تنازل للسلطان العثماني سليم سنة 923 هـ/1517 م

ثانيًا: عصر المماليك البرجية 792 - 923 هـ/1389 - 1517 م:- أصل المماليك البرجية:- أصلهم شراكسة، من بلاد الكرج (جورجيا) المشرفة على البحر الأسود اشتراهم السلطان قلاوون (أحد المماليك البحرية) لتثبيت السيادة في ذريته، وأطلق عليهم المماليك البرجية، لأن طائفة منهم سكنت في أبراج القلعة. أهم الأحداث:- - في عام 792 هـ/1389 م خلع الصالح حاجي وعين السلطان برقوق فانتقلت السلطة من المماليك البحرية إلى المماليك البرجية. - في عام 803 هـ/1400 م سار التتار بقيادة تيمور لنك إلى بلاد الشام فدمروها واحتلوها وسحقوا الجيش الملوكي (المدافع عن البلاد). - في عام 805 هـ/1402 م زحف تيمور لنك نحو العثمانيين، وانتصر عليهم وسحق جيشهم عند أنقرة وأسر السلطان بايزيد، ووضعه في السجن إلى أن مات. - في عام 830 هـ/1426 م انتصر المماليك انتصارًا عظيمًا على الصليبيين وأخرجوهم من جزيرة قبرص، وأسروا حاكمهم، وهددوا جزيرة رودس. وصل البرتغاليون إلى الشواطئ الهندية، فاستنجد المسلمون هناك بالمماليك، فخرجوا لنجدتهم، ولكن انهزموا أمام البرتغاليين عام 915 هـ/1509 م. فقدم البرتغاليون إلى سواحل بلاد العرب. ودخلوا إلى البحر الأحمر.

المماليك البرجية (الجراكسة)

المماليك البرجية (الجراكسة) 792 - 923 هـ/1389 - 1517 م م ــ السلطان ــ فترة الحكم من: ــ نهايته 1 - الظاهر برقوق ... 792 هـ/1389 م ... توفي 2 - الناصر فرج - ابن برقوق ... 801 هـ/1398 م ... خلع 3 - المنصور عبد العزيز - ابن برقوق ... ثلاث أشهر ... خلع 4 - الناصر فرج - مرة ثانية ... 808 هـ/1405 م ... قتل 5 - المؤيد شيخ ... 815 هـ/1412 م ... توفي 6 - المظفر أحمد - ابن المؤيد ... عدة أشهر ... خلع 7 - الظاهر ططر ... عدة أشهر ... توفي 8 - الصالح محمد - ابن ططر ... عدة أشهر ... خلع 9 - الأشرف برسباي ... 825 هـ/1421 م ... توفي 10 - العزيز يوسف - ابن برسباي ... عدة أشهر ... خلع 11 - الظاهر جقمق ... 842 هـ/1438 م ... توفي 12 - المنصور عثمان - ابن جقمق ... عدة أشهر ... خلع 13 - الأشرف اينال ... 857 هـ/1453 م ... توفي 14 - المؤيد أحمد - ابن اينال ... عدة أشهر ... خلع

م ــ السلطان ــ فترة الحكم من: ــ نهايته 15 - الظاهر خشقدم ... 865 هـ/1460 م ... توفي 16 - الظاهر بلباي ... شهرين ... خلع 17 - الظاهر تمر بغا ... شهرين ... خلع 18 - خير بك ... ليلة واحدة ... خلع 19 - الأشرف قايتباي ... 872 هـ/1467 م ... توفي 20 - الناصر محمد - ابن قايتباي ... 901 هـ/1495 م ... خلع 21 - قانصوه ... 902 هـ/1496 م ... قتل 22 - الناصر محمد - للمرة الثانية ... 903 هـ/1497 م ... قتل 23 - الظاهر قانصوه ... 904 هـ/1498 م ... خلع 24 - جنبلاط ... 905 هـ/1499 م ... قتل 25 - العادل طومان باي " الأول " ... عدة أشهر ... قتل 26 - الأشرف قانصوه الغوري ... 906 هـ/1500 م ... قتل 27 - طومان باي " الثاني " ... 922 - 923 هـ/1516 - 1517 م ... قتل * * * وأبرز هؤلاء الحكام: الأشرف برسباي - الأشرف قايتباي - الأشرف قانصوه الغوري.

نهاية العهد المملوكي:- تحالفت الدولة الصفوية الشيعية مع البرتغاليين ضد العثمانيين الذين طلبوا من المماليك مساعدتهم للقضاء على عدوهم المشترك. رفض المماليك المساعدة، وكذلك منعوا دخول العثمانيين إلى أملاكهم للوقوف في وجه البرتغاليين. تمكن السلطان سليم العثماني من هزيمة الدولة الصفوية في معركة (جالديران) المشهورة عام 920 هـ/1514 م. ودخل عاصمتهم تبريز وأصبحت العراق تابعة للعثمانيين وقضى بعدها على دولة المماليك في بلاد الشام في معركة (مرج دابق) في حلب، وقتل فيها السلطان قانصوه الغوري سنة 922 هـ/1516 م. ثم واصل السلطان سليم زحفه نحو مصر، وانتصر على المماليك في معركة (الريدانية) في القاهرة، وقتل السلطان طومان باي. وأنهى بذلك سلطان المماليك فتنازل له آخر خليفة عباسي بالقاهرة عن الخلافة وهو المتوكل على الله تم ذلك في عام 923 هـ/1517 م، وهكذا صارت الشام ومصر خاضعة للعثمانيين. وقدم أشراف الحجاز إلى القاهرة وقدموا فروض الطاعة للخليفة العثماني وأعلنوا خضوع الحجاز له. وبذا انقرضت دولة المماليك. وانتقلت الخلافة الإسلامية إلى الدولة العثمانية (¬1). ¬

_ (¬1) العهد المملوكي/محمود شاكر، ص 91.

أعظم أعمال المماليك: لعب المماليك في تاريخنا الإسلامي دورًا هامًا جدًا. فصدوا غارتين من أكبر الغارات التي عرفها تاريخنا، وتاريخ الإنسانية. 1 - أوقفوا زحف المغول المدمر، وصدوه عن العالم الإسلامي. 2 - حاربوا الصليبيين، حتى أخرجوا من تبقى منهم في بلاد المسلمين في الفترة (660 - 690 هـ/1261 - 1291 م) (¬1). ونلاحظ أن أهم عوامل انهيار دولتهم ما يلي:- 1 - تركهم الجهاد، (وما تركه قوم إلا ذلوا). 2 - انقسامهم، وخلافاتهم الداخلية وكثرة الصراعات بينهم. 3 - اكتشاف رأس الرجاء الصالح من قبل البرتغاليين. مما أفقد مصر جزء كبير من أهميتها. 4 - فشلوا في إيقاف الزحف البرتغالي. وكان البرتغاليين قد وصلوا إلى البحر المتوسط والبحر الأحمر. 5 - بروز القوة العثمانية. وهي التي قضت عليهم أخيرًا. ¬

_ (¬1) سقوط 30 دولة إسلامية/عبد الحليم عويس، ص 128 - 130.

الفصل الثاني الأحوال في جزيرة العرب

أحوال البلاد الإسلامية في عهد المماليك الفصل الثاني الأحوال في جزيرة العرب (656 - 923 هـ/1258 - 1517 م) كان شأن جزيرة العرب ضعيف عمومًا منذ العصر العباسي. وفي أواخر هذه المرحلة تعرض جنوب الجزيرة وعمان والبحرين للغزو الصليبي البرتغالي، وقاتلهم المماليك. ثم قضى العثمانيون عليهم. أولًا: الحجاز التبعية العامة:- كان شأنه ضعيفًا منذ العصر العباسي الثاني، وكان تابعًا لغيره، خضع للأخيضريين الشيعة (335 - 350 هـ/946 - 961 م) ثم للقرامطة المنحرفين (350 - 359 هـ/961 - 969 م) ثم للفاطميين الرافضة (359 - 463 هـ/969 - 1070 م) ثم للسلاجقة (463 - 567 هـ/1070 - 1171 م) ثم للأيوبيين (567 - 650 هـ/1171 - 1252 م) ثم للمماليك (650 - 923 هـ/1252 - 1517 هـ)، ثم خضع للعثمانيين منذ سنة 923 هـ/1517 م.

السلطة الفعلية:- هذا بالنسبة للتبعية العامة، أما السلطة الفعلية فكانت لأسر تنشب أو تدَّعي الانتساب إلى الحسن والحسين أبناء علي بن أبي طالب. فقد سيطر بنو موسى باسم الفاطميين (359 - 453 هـ/969 - 1061 م)، ثم جاء بنو هاشم (بنو فليته) في الفترة (453 - 598 هـ/1061 - 1201 م). ثم حكم الحجاز أسرة الشريف قتادة بن إدريس من سلالة الحسن بن علي، وتبعت الأيوبيين فالمماليك، ثم العثمانيين، واستمر حكمها في الفترة (598 - 1343 هـ/1201 - 1924 م). وكانت المدينة تخضع لأشراف ينتمون إلى الحسين بن علي، وتتبع مكة غالبًا. كان الصراع والتناحر على الشرافة على أشده بين أبناء هذه الأسر مما يؤدي إلى تدخل الدول الحاكمة مثل الأيوبيين والمماليك في بعض الأحيان. وأبرز أشراف مكة خلال هذه الفترة:- - محمد أبو نمي (الأول) 647 - 701 هـ/1249 - 1301 م. - محمد بركات 859 - 903 هـ/1454 - 1497 م. - محمد أبو نمي (الثاني) 931 - 992 هـ/1524 - 1584 م.

ثانيا اليمن

ثانيًا: اليمن ارتفع شأن اليمن في عهد المماليك، وحكمت هناك أسرتان: - بنو رسول 626 - 858 هـ/1229 - 1454 م. - بنو طاهر 858 - 923 هـ/1454 - 1517 م أ - دولة بني رسول (626 - 858 هـ):- وهم جماعة من التركمان، ويقال أنهم ينتمون إلى الغساسنة، يعودون إلى جدهم محمد بن هارون الذي اتخذه خليفة عباسي رسولًا، عرف بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، قدموا إلى اليمن مع الأيوبيين سنة 569 هـ، وكانوا قوادًا في الجيش. وكان الأيوبيون ينيبونهم عنهم ويعتمدون عليهم. في سنة 626 هـ بعد أن ضعفت الدولة الأيوبية سيطر المنصور عمر على البلاد وأسس دولته، وجعل عاصمتها تعز. طالت مدة بني رسول باليمن فاستمرت أكثر من قرنين. واتسع ملكهم فشمل أكثر بقاع اليمن الشمالية والجنوبية بما في ذلك حضرموت. ووصل نفوذهم إلى مكة واستطاعوا قهر الأئمة الزيدية في معظم الأحوال. ويذكر الخزرجي أن الدولة الرسولية تعد أعظم دولة وطنية يمنية عرفها التاريخ منذ سقوط الدولة الحميرية. وقد قامت بإنهاض البلاد وتعميرها ونشر العلوم بها ونبغ من أفرادها علماء عباقرة في كل المجالات (¬1). ¬

_ (¬1) العقود اللؤلؤية/الخزرجي، جـ 1.

نهاية الدولة:- كثرت الصراعات والمنافسات بين أمراء الأسرة. وآذن ذلك بقرب نهايتها وعندما سافر السلطان مسعود (آخر سلاطينهم) إلى مصر استبد عبيده بالسلطة، وأساءوا التصرف، فلجأ الناس إلى بني طاهر أبرز عمال بني رسول لينقذوهم من هؤلاء العبيد. فقام بنو طاهر بدورهم. واحتفظوا بالسلطة لصالحهم. * * * وأبرز الحكام:- - المنصور عمر (626 - 647 هـ). - المظفر يوسف بن عمر (647 - 694 هـ). - الأشرف إسماعيل (778 - 803 هـ). * * * ب - دولة بني طاهر (858 - 923 هـ/1454 - 1517 م):- ويقال أنهم ينتمون إلى بني أمية، الذين قدم جزء منهم إلى اليمن وعسير عقب انهيار دولتهم. وقد كانوا نوابًا لبني رسول على عدن. استقل الظافر علي بن طاهر بعدن وزبيد، بسبب الفساد والظلم الذي استشرى في أواخر عهد الرسوليين. وذلك في عام 858 هـ. كان الصراع بين بني طاهر وبين الأئمة يمثل الصراع بين الشمال والجنوب، ومن هنا كان الصراع عنيفًا وشديدًا، وكلًا يريد الاستئثار بأكبر منطقة نفوذ، وكان لبني

ثالثا اليمامة

طاهر إسهامات حضارية جيدة في اليمن فهم بنوا مدينة المقرانة في رداع. وشيدوا العمران والمدارس والمساجد. وشهدت البلاد نهضة علمية ممتازة في هذا العهد. * * * نهاية بني طاهر:- وصل الغزو البرتغالي إلى جنوب الجزيرة عام 912 هـ. فبدأوا باليمن، رفع المماليك راية الجهاد ضدهم، وللأسف لم يتعاون الطاهريون معهم، بل وقفوا ضدهم وحاولوا قطع المواد الغذائية عنهم. انتصر المماليك على البرتغاليين وطردوهم سنة 921 هـ/1515 م، ثم قضى المماليك على الطاهريين في معركة (الصافية) - وقتلوا ملكهم الظافر عامر سنة 923 هـ/1517 م. وكانت دولة الطاهريين قد وصلت في عهد هذا الظافر أوج اتساعها وقوتها، بقيت اليمن تحت نفوذ المماليك إلى أن سقطت دولتهم في مصر والشام. فانسحبوا من اليمن ودخلت اليمن تحت السيطرة العثمانية سنة 945 هـ. * * * أبرز حكام الطاهريين:- - الظافر (الأول) عامر (858 - 870 هـ). - الظافر (الثاني) عامر (894 - 923 هـ). ثالثًا: اليمامة كان شأن اليمامة ضعيفًا في العصر العباسي، فخضعت للدولة الأخيضرية (الشيعية)، وبعد زوالهم تفرق شمل قبائلها وعمت الفوضى، وكانت السيطرة

رابعا البحرين

للأقوى. وفي هذا العصر ازدادت الأحوال سوءًا، فكانت القبائل في صراع وتناحر مستمر ويتدخل في شؤونها أشراف الحجاز حينًا أو حكام البحرين أحيانًا أخرى، حيث تستمد القوة من هذا الجانب أو ذاك. واستمر هذا الوضع إلى ما بعد هذا العصر حتى ظهرت في نجد دعوة الشيخ السلفي محمد بن عبد الوهاب وآزره فيها أمير الدرعية محمد بن سعود سنة 1158 هـ/1745 م، فتبدلت الأوضاع وزال الجهل والظلام والخرافات. وأصبحت نجد وما حولها دولة واحدة قوية. سرعان ما توحدت كل الجزيرة العربية تحت رايتها (وهي الدولة السعودية). - كما سنرى في الباب القادم - * * * رابعًا: البحرين كلمة البحرين قديمًا تشمل باصطلاحنا اليوم (المنطقة الشرقية من السعودية، والكويت، وقطر، والبحرين، وجزء من الإمارات المتحدة). خضعت البحرين للقرامطة الملاحدة في الفترة (287 - 470 هـ/900 - 1077 م)، فعاثوا فيها فسادًا وظلمًا وإجرامًا. حكمت الدولة العيونية المنطقة في الفترة (470 - 642 هـ/1077 - 1244 م) وذلك بعد أن قضت على دولة القرامطة بمساعدة العباسيين والسلاجقة، وبعد انهيار الدولة العيونية خضعت المنطقة كنفوذ الفرس وحكمتها أسر محلية أشهرها أسرة بني عقيل.

آل عصفور: من قبيل بني عقيل. حكموا المنطقة في الفترة (651 - 705 هـ/1253 - 1305 م). آل جروان: وهم بطن آخر من بني عقيل. وواصلوا الحكم إلى سنة 821 هـ/1418 م. آل جبر: وهم أيضًا من بطون آل عقيل. وحكموا في الفترة (821 - 928 هـ/1418 - 1521 م)، وأبرز حكام هذه القبيلة سيف بن زامل الجبري وأخوه أجود بن زامل الذي اتسع سلطانه حتي ضم عمان. بعد ما ضعف وتفرق آل جبر وأخضع البرتغاليون المنطقة. * * * البرتغاليون في منطقة البحرين:- كان البرتغاليون أسبق الأوربيين صلة بمنطقة الخليج، فقد وفدوا إليه عقب انتصاراتهم ضد المسلمين في الأندلس. وقد بدأت صلاتهم بهذه المنطقة عقب نجاح رحلة فاسكودي جاما التي بدأت سنة 902 هـ/1496 م وطاف بها حول رأس الرجاء الصالح. فكشف طريقًا للهند والشرق الأقصى دون المرور بالبحر الأبيض والبحر الأحمر. في سنة 913 هـ/1507 م أخضعوا جزيرة هرمز ثم احتلوا صحار ومسقط. قاوم العرب مقاومة عنيفة لطرد البرتغاليين وتمكنوا من طردهم من البحرين سنة 1011 هـ/1602 م. ولم تأت سنة 1061 هـ/1650 م حتى كان البرتغاليون فقدوا كل ممتلكاتهم في الخليج العربي وعمان نهائيًا. سيطر العثمانيون على المنطقة سنة 957 هـ/1550 م.

خامسا عمان

خامسًا: عمان الأئمة الإباضية:- في العهد الأموي سيطر عليها الخوارج الإباضيون، استمرت سيطرة الأئمة الإباضية ابتداءًا من 135 هـ/752 م وحتى القرن التاسع الهجري/الخامس الميلادي تخللها فترات انقطاع، وظهور أسر حاكمة ورغم أن الإباضيين كانوا يصلون إلى الإمامة بالإنتخاب إلا أن أغلبهم كان معروفًا بالفساد والظلم وسوء السيرة. ثم أخضعها العباسيون في فترة قوتهم. وخرجت من أيديهم مع بدايات القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي. * * * العصور المظلمة في عمان:- خلال الفترة من القرن 4 - 10 هـ/10 - 16 م دخلت عمان في فترة ظلام حالك وعصر مظلم وتاريخ هذه الفترة مجهول في مجمله. ومن أهم أسباب هذه الفترة المظلمة أحداث الفترة السابقة والتي أحدثت دمارًا وتخلفًا وصراعًا هائلًا في البلد. وآثار حروب الزنج والقرامطة والتي وصلت إلى عمان. وقد حاول القرامطة غزوها واحتلالها مرتين، ففشلوا. * * * ملوك آل نبهان في عمان:- كانوا ولاة للبويهيين في عمان في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، وفي عصور الفوضى والخراب استبدوا بالسلطة واستبدوا بباقي خيرات البلاد، وتركوا

الأهالي للضياع. وكان هؤلاء معروفين بالخراب والفوضى والظلم، وكأنهم عقاب سلطه الله على أهل عمان بسبب كثرة فتنهم وتفرقهم ومحاربتهم لبعض. حكم آل نبهان خلال الفترة 543 - 1024 هـ/1148 - 1615 م:- * * * الغزو البرتغالي لعمان 913 - 1034 هـ/1507 - 1624 م:- تعرضت عمان للغزو والاحتلال البرتغالي (كما ذكرنا سابقًا) بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح قدم المستعمر البرتغالي إلى المنطقة. وبدأ بعمان التي كانت مركزًا تجاريًا هامًا، وكانت في الوقت نفسه تصلح لحماية الخط البرتغالي إلى أبعد حد. وتقوي سيطرته على تلك المنطقة الاستراتيجية ذات الموقع الملاحي الممتاز. احتلوا الجزر والسواحل فدمروها وأحرقوها وارتكبوا أبشع الجرائم ضد المسلمين ثم احتلوا هرمز العاصمة، وأخضعوا أسرة آل نبهان، ثم عادوا إلى الهند سنة 915 هـ/1509 م. وفي سنة 921 هـ/1515 م اتجهت الحملة البرتغالية إلى الخليج مرة ثانية واحتلت هرمز ثانية وقتلت الحاكم، ثم عادت إلى الهند وتركت حامية في عمان. وبدأت مقاومة السكان الباسلة بقيادة اليعاربة زعماء البلاد الجدد منذ عام 928 هـ/1521 م، وقد استخدم العدو أبشع وسائل القمع ضدها. فاستمرت المقاومة إلى أن قدم العثمانيون وطردوا البرتغاليين وصارت المنطقة تحت النفوذ العثماني. -والتفاصيل في الباب التالي-

الفصل الثالث المغول وتاريخ العراق

الفصل الثالث المغول وتاريخ العراق سقطت الخلافة العباسية على أيدي المغول -كما ذكرنا من قبل- وحكموا العراق بعد ذلك. ومن هنا كان لا بد أن نتكلم كلمة موجزة عن المغول. أصل المغول وطباعهم:- هم قبائل كبيرة يمثلون شعب بدوي سكان براري. وهم رعاة عاشوا على السهول الواسعة في الهضبة الأسيوية (هضبة منغوليا) الفسيحة التي تمتد من أواسط آسيا جنوبي سيبريا وشمال التبت وشرقي تركستان. عملوا بالرعي والصيد. وكانت تعيش بجوارهم حضارات وممالك لها شأن فكانوا يغيرون على أطرافها كلما استطاعوا ذلك. وكان معظمهم من الوثنيين ومن عبدة قوى الشر كالجن والشياطين. وتنتشر عندهم الإباحية. وقد عرفوا في حروبهم باللؤم والغدر، ونقض العهود وإراقة الدماء وسلب كل شيء، والعدوان على الأعراض (¬1). ¬

_ (¬1) المغول في التاريخ/فؤاد الصياد، ص 345.

أعظم زعماء المغول (المرتبطين بالعالم الإسلامي) جنكيز خان (القرن 7 هـ/12 - 13 م):- أعظم قوادهم على الإطلاق وهو الذي أخضع جميع المغول والتتار تحت حكمه ووحدهم وكون منهم جيوش جرارة، وهو واضع دستور المغول الشهير (الياسا)، زحف بجيوشه على الدولة الخوارزمية فدمرها واستولى على بلاد ما وراء النهر (بمدنها الشهيرة بخارى وبلخ ونيسابور وسمرقند وغيرها ومعظم إيران) (انظر الدولة الخوارزمية). هولاكو (7 هـ/13 م):- زحف إلى الشرق الإسلامي، فدمر بغداد، وقتل معظم سكانها، وقتل آخر الخلفاء العباسيين (المستعصم) فأنهي بذلك الخلافة العباسية. واستمر في زحفه ودمر بعض مدن الشام. ولم يتوقف إلا بعد أن مُنِيَ بهزيمة ساحقة أمام المماليك في معركة عين جالوت 658 هـ/1259 م، وقد أقام الإمارة الايلخانية في العراق (التي أصبحت ولاية تابعة له). * * * تيمور لنك (القرن 8 هـ/14 م):- اكتسح بلاد فارس والعراق والشام وتركيا (وسيأتي الحديث عنه لاحقًا). * * * ظهير الدين بابر (القرن 10 هـ/15 - 16 م):- مؤسس إمبراطورية المغول (المسلمة) في الهند، وقد استمرت سنة 933 - 1526 هـ/1274 - 1857 م.

الدولة الايلخانية (في العراق)

الدولة الايلخانية (في العراق) 656 - 736 هـ/1258 - 1335 م:- (ايلخان) معناه الخان الكبير وهو لقب هولاكو بعد انتصاراته وصار وراثيًا في نسله. وهو مؤسس هذه الدولة بعد سقوط الدولة العباسية. وصارت العراق تحت حكم الايلخانيين، ولاية ضمن الولايات الكثيرة الخاضعة لهم (وكانت عاصمتهم أذربيجان). وتجمع المصادر التاريخية على أن الفساد وعدم الاستقرار وإهمال مصالح الرعية كانت أبرز مظاهر إدارة العراق الايلخانية. وأبرز سلاطينهم وأفضلهم السلطان محمود غازان (695 - 704 هـ/1295 - 1304 م). وكان قد أسلم فأسلمت معه كل أسرته وغدت الدولة مسلمة. وله إصلاحات كثيرة في بغداد التي دمرها الغزو المغولي تمامًا. * * * الدولة الجلائرية (في العراق) 736 - 813 هـ/1335 - 1410 م:- بعد أن توفي آخر حاكم ايلخاني لم يعقب ذرية، فنشب الصراع بين الطامعين واستطاع حسن بن حسين جلائر أن يستولي على السلطة ويؤسس دولته، وهو أمير مغولي ليس من أحفاد هولاكو، وقد استطاع أبناؤه أن يضموا أذربيجان وتبريز والموصل وديار بكر، وكانوا يعتنقون المذهب الشيعي. تيمور لنك وآل جلائر:- وفي عهد آل جلائر مرت بالعراق عاصفة مغولية جديدة يقودها تيمور لنك، وكان

دولة القره قوينلو

هذا يمر من فتح إلى فتح على رأس جيوش جرارة من الشرق. ووصل إلى بغداد سنة 796 هـ/1993 م فاستولى عليها بعد أن هرب حاكمها الجلائري/أحمد بن أويس. وبعد وفاة تيمور لنك سنة 807 هـ/1405 م وتفكك إمبراطوريته عاد أحمد الجلائري إلى العراق، وكانت الدولة قد فقدت أهميتها وضعفت تمامًا. كان عهد الجلائريين بالعراق عهد صراع ودمار بسبب خلافاتهم الداخلية، وبسبب هجوم تيمور لنك، وبسبب الصراع المدمر بينهم وبين القرة قيونليه الذين استطاعوا الاستيلاء على الحكم أخيرًا. * * * دولة القره قوينلو (أو الأسرة التركمانية الأولى) في العراق 782 - 872 هـ/1380 - 1467 م:- قره قوينلو معناها (ذوو الخراف السود) وذلك لأن هذه القبيلة عرفت بتربية هذا النوع منذ عهد بعيد، وهي قبيلة تركمانية جاءت في الأصل من تركستان الغربية، وكان جد هذه القبيلة يعمل في خدمة السلطان أويس الجلائري. بدأت سلطة الأسرة في الموصل سنة 776 هـ/1374 م عندما استولى بيرام (جد القبيلة) على الموصل وبعض المناطق بعد وفاة السلطان أويس. وتعاقب أبناؤه من بعده، وعاصرت الأسرة اجتياح تيمور لنك للمنطقة. وفرت إلى مصر وبعد تيمور لنك استردت هذه الأسرة كل ممتلكاتها. ثم حصل أن قتل السلطان قره يوسف السلطان أحمد الجلائري، واستبد بالأمر في كل المناطق الخاضعة للجلائريين ثم اتسع ملك هذه العشيرة فامتد من تبريز إلى شط العرب. وأصبحت فارس وكرمان تابعة لهذه المملكة

دولة آلاق قوينلو

وكانت تبريز العاصمة الرئيسية، أما بغداد والعراق فكانت ولاية من الولايات التابعة لهذه العشيرة. وقد نعمت بغداد بشيء من السلم في هذه الفترة. واختتم عهد هذه الأسرة بصور من الصراع وضعت حدًّا لهم للأبد (¬1). * * * دولة آلاق قوينلو (أو الأسرة التركمانية الثانية) في العراق 806 - 914 هـ/1403 - 1508 م. دولة تركمانية أخرى حكمت العراق أكثر من قرن، ولم يعرف العراق الاستقرار خلال هذا العهد الأسود، وكان التطاحن والصراع مستمرًا بين أمراء هذه الأسرة. وبينهم ويين جيرانهم. أما الجانب الحضاري فكان مهملًا تمامًا فجهل الحكام انعكس على الشعب. وتُنُوسِيَ تاريخ العراق العظيم، وأصبحت ولاية ضمن الولايات الكثيرة التي امتد لها ملك هؤلاء التركمان. والمؤسس الحقيقي للدولة التركمانية الثانية هو بهاء الدين عثمان. شمل حكم هذه الأسرة بلاد فارس والعراق وديار بكر وأذرييجان. وكان عصر آلاق قوينلو عصرًا حافلًا بالاضطراب والحروب والفساد، فكثرت فيه المجاعات، وانحلت الإدارة، واستمر تدهور الأسرة إلى أن سقطت بغداد في يد الدولة الصفوية سنة 914 هـ/1508 م. وأصبحت العراق تابعة للصفويين. -وسيأتي الحديث عنهم في الباب القادم- ¬

_ (¬1) التاريخ الإسلامي/أحمد شلبي، جـ 7.

الدولة التيمورية

الدولة التيمورية 771 - 907 هـ/1369 - 1500 م:- (بلاد ما وراء النهر والهند وخراسان وإيران والعراق والشام والأناضول):- تيمور لنك هذا هو آخر عظماء المغول، وكما ذكرنا سابقًا قدم من الشرق على رأس جيوش جرارة، وأخذ يمر من فتح إلى فتح ولم يقف أحد في وجهه حتى مات. وكانت العراق من ضمن المناطق التي أخضعها في هذه الفترة. ومن هنا جاء الحديث عنه:- * * * هـ. تيمور لنك (771 - 807 هـ/1369 - 1404 م):- أصله وبدايته:- تشتت شمل المغول في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري واستقل كل زعيم بمنطقته وكثر القتال بينهم. فظهر تيمور لنك، وكان الجو مناسبًا له. وينتمي تيمور لنك إلى قبيلة البرلاس التركية. وكان أحد أجداده مقربًا من جنكيز خان. غزواته:- وهو مسلم شيعي متعصب وعرف عنه أنه طاغية، جبار، يعشق سفك الدماء والتدمير، وكان يبيد الجيوش المهزومة بأكملها. ويكون جبال من جماجم المهزومين. استولى على بلاد ما وراء النهر وجعل سمرقند عاصمة له سنة 771 هـ/1369 م

دخل موسكو وأخضع الروس عام 783 هـ/1381 م. في الفترة (782 - 786 هـ/1380 - 1384 م) استولى على خراسان وجرجان ومازندار وسجستان وأفغانستان وفارس وأذربيجان وكردستان. دخل بغداد عام 796 هـ/1393 م، أخضع دلهي وكشمير في شمال الهند عام 800 هـ/1397 م، ثم أخضع شرق الأناضول. سنة 804 هـ/1401 م سحق جيش المماليك وأخضع بلاد الشام. سنة 805 هـ/1402 م هزم العثمانيين وأسر سلطانهم بايزيد وسجنه حتى مات، وأخرج بقايا الصليبيين من أزمير. سار إلى بلاد الصين فمات في الطريق عام 807 هـ - 1404 م. * * * الدولة التيمورية بعد تيمور لنك:- ضعفت البلاد بعده وتفرقت إلى أجزاء. وأبرز من حكم الدولة التيمورية بعد تيمور لنك ابنه شاه رخ (807 - 850 هـ/1404 - 1446 م). زالت دولة تيمور لنك حوالي عام 907 هـ/1500 م حيث كان كل زعيم استقل بمنطقته. كان فرع من أسرة تيمور لنك قد حكم الهند وهم أحفاد ظهير الدين بابر 933 هـ/1526 م. وقد استمروا إلى أن قضى عليهم الاستعمار الإنكليزي سنة 1274 هـ/1857 م. ووضع بدلهم الهندوس الوثنيين.

خاتمة عن المغول:- ارتبط اسم المغول في أذهاننا بالبربرية والقسوة والتخريب، نتيجة ما فعلوه في بداياتهم. غير أن هذا الشعب لم يلبث أن بدأ يدخل في الإسلام، ولم ينقض على اجتياحه بلاد الإسلام 35 سنة، كما لم يمضِ نصف قرن حتى غدا كله مسلمًا. وأصبح يدافع عن ديار الإسلام. وعادةً الشعب المغلوب يأخذ بحضارة الشعب الغالب. ولكن هنا انعكست هذه القاعدة، فأخذ المغول وهم الغالبون بحضارة المسلمين وهم الشعب المغلوب. فالمغول لم تكن لهم حضارة. وقد أحسوا أن المسلمين أفضل منهم. وأخيرًا ذابوا في المجتمع الإسلامي الذي عاشوا فيه وأصبحوا مسلمين.

الفصل الرابع المسلمون في الهند

الفصل الرابع المسلمون في الهند (656 - 923 هـ/1258 - 1517 م) الهند بلاد واسعة الأرجاء، كثيرة الشعوب، واللغات والأديان، ومن الصعب قيام حكم مركزي شامل فيها، فتحها المسلمون، وأقاموا في عاصمتها دلهي وتوسعوا فيها، ثم انقسموا إلى دويلات كثيرة، متفرقة، ومتناحرة. وقد وقع حكام الهند المسلمون في خطأ فادح جدًا، ما زال مسلمو الهند يدفعون ثمنه إلى الوقت الحاضر، وهذا الخطأ هو الاكتفاء بالسيطرة على البلاد والعباد. ونسيان المهمة الأولي وهي نشر الدعوة الإسلامية. لذا بقي أكثر السكان على وثنيتهم. وهذا الخطأ كان يجر الويلات على هؤلاء الحكام، فكلما أحس الهندوس الوثنيين بضعف الحكام المسلمين قاموا بالثورات والحركات ضدهم، وهم اليوم ولكونهم أكثرية يرتكبون أفظع الجرائم وأبشع المذابح ضد المسلمين. وتاريخ الهند في هذه الحقبة غامض علينا، لكثرة الأسر الحاكمة، ولتداخل مناطق حكمها، وبعد المنطقة عنا.

ملخص عن تاريخ المسلمين في الهند قبل عام 656 هـ/1258 م:- - توجه أول جيش إسلامي إلى الهند في عهد عمر بن الخطاب سنة 15 هـ/636 م. - استمر الغزو مرات عديدة ولكن بدون نتيجة تذكر. - في عهد الوليد بن عبد الملك الأموي فتحت السند على يد القائد محمد بن القاسم الثقفي عام 92 هـ/710 م. - خضعت للدولة العباسية التي توسعت فيها ففتحت أجزاء من الملتان وكشمير سنة 151 هـ/768 م. ثم عصر الإمارات الإسلامية بالهند 198 - 392 هـ/813 - 1001 م:- ظهرت أغلب هذه الإمارات في فترة ضعف الخلافة العباسية نتيجة سيطرة الأتراك على السلطة، وكانت على أجزاء محدودة من الهند، وأشهر هذه الإمارات هي:- - الدولة الماهانية بالسندان سنة 198 هـ ومؤسسها هو فضل بن ماهان. - الدولة الهبارية بالسند سنة 240 هـ ومؤسسها عمر بن عبد العزيز الهباري. - الدولة السامية بملتان سنة 279 هـ ومؤسسها محمد بن القاسم السامي. - الدولة الإسماعيلية بملتان سنة 375 هـ ومن أبرز حكامها جلم بن شيبان.

- الدولة المعدانية في مكران سنة 340 هـ ومؤسسها عيسى بن معدان. وقد انقرضت كلها على يد الغزنويين أو الغوريين. - خضعت الهند للدولة الغزنوية في الفترة (366 - 582 هـ/976 - 1186 م)، وأبرز حكام الغزنويين السلطان محمود الذي غزا الهند 17 غزوة، انتصر فيها جميعًا، فكانت كل سنة تقريبًا تشهد إحدى غزواته للهند، وأخضع البنجاب والملتان وأجزاء كبيرة من الهند وله جهود بارزة في نشر الإسلام. وهو أعظم سلطان مسلم حكم الهند. وقد جعلها دولة موحدة بدل الدويلات والإمارات الكثيرة المتفرقة. بعدها خضعت للدولة الغورية في الفترة (582 - 602 هـ/1186 - 1205 م)، وقد ساهموا في نشر الإسلام في الهند، وفتحوا شمال الهند، ووصلوا إلى البنغال. الدول الإسلامية في الهند (سلاطين دلهي):- هناك خمس دول إسلامية كبيرة حكمت الهند في الفترة من بعد الغوريين إلى أن قامت بالهند إمبراطورية المغول الكبرى (أي في الفترة 602 - 932 هـ/1206 - 1526 م). وهذه الدول هي:- سلاطين المماليك 602 - 686 هـ/1206 - 1287 م:- وهي تعتبر أول دولة إسلامية مستقلة بالهند. فقبلًا كانت تابعة ضمن أملاك الغزنويين والغوريين. وأول سلاطين المماليك قطب الدين أيبك، فكان قائدًا لجيوش الغوريين. واستولى على السلطة بعدهم. وخلفه شمس الدين ايلتمش. وهو أعظم الحكام المماليك. انتهى أمر المماليك بانتقال السلطة إلى أسرة الخلجي.

الدولة الخلجية: 689 - 720 هـ/1290 - 1320 م:- ومؤسس هذه الدولة هو جلال الدين فيروز شاه، وكان نائبًا للمماليك. وقد وسَّعت هذه الدولة نطاق المنطقة الإسلامية في الهند فشملت الدكن والبنغال وجيتور والكجرات. وخلف جلال الدين ابن أخيه علاء الدين محمد شاه وهو أعظم سلاطين هذه الدولة وفي أيامه زحف المغول على الهند فحقق عليهم انتصارات عظيمة وكان اتساع الدولة في عهده، مما جعله يلقب بالإسكندر الثاني، وبعده قام الصراع بين أولاده، فتفككت الدولة، فاستولى عليها أخيرًا تغلق. * * * الدولة التغلقية 720 - 815 هـ/1320 - 1412 م:- كان قيام الدولة على يد غياث الدين تغلق وهو تركي الأصل، وكان من القواد العسكريين وسمي الغازي لكثرة انتصاراته على المغول. قضى عليه ابنه محمد وصعد إلى السلطة. وأبرز حكام الدولة هو فيروز شاه. وبعده ماجت الهند بالخلافات، وفي أواخر عهدهم اكتسح تيمور لنك بلاد الهند، ووصل إلى دلهي. ثم غادرها سريعًا تاركًا إياها تعاني من التخريب والتدمير والصراعات إلى أن قامت دولة الخضر خانية. * * * دولة السادات (الخضر خانية) 817 - 847 هـ/1414 - 1443 م: وهي دولة قصيرة العمر ومحدودة النفوذ، إذ استقلت معظم الولايات في هذه الفترة، وقد بدأت الدولة بالسلطان/سيد خضر خان والذي زحف إلى دلهي وادعى أنه نائب عن تيمور لنك. وتولى بعده ابنه السيد/مبارك (¬1). ¬

_ (¬1) تاريخ الإسلام في الهند/عبد المنعم النمر.

أسرة اللوديين 855 - 932 هـ/1451 - 1526 م:- كانت هذه الأسرة تحكم في لاهور، وعند اضطراب الأحوال في دلهي زحف إليها بهلول اللودي (مؤسس الأسرة) وسيطر عليها، ثم وسع نفوذه في جنوب ووسط الهند، وكان عهده مستقرًا وبعده تولى ابنه إسكندر بن بهلول، وبعده ابنه إبراهيم الذي اضطربت البلاد في عهده فزحف إليها بابر المغولي وضمها ليكون بها إمبراطورية المغولي العظمى في الهند. - ويأتي الحديث عنها في الباب القادم - * * * ملوك المقاطعات:- لم تكن الهند في هذه المرحلة ذات وحدة سياسية واحدة فإضافة إلى الملك في دهلي كان ملوك آخرين يحكمون المقاطعات الكبيرة في أنحاء الهند المترامية الأطراف. * * * وأهم ملوك المقاطعات:- 1 - كشمير: أبرز من حكمها أسرة شمس الدين شاه ميرزا في الفترة (744 - 970 هـ/1343 - 1562 م)، وفي عام 995 هـ/1086 م سيطرت عليها الأسرة التيمورية. 2 - السند: أبرز الأسرة الحاكمة: سام ماني ثم ستمكان ثم أسرة شاه بيك القندهاري، تعاقبت هذه الأسر خلال الفترة (865 - 995 هـ/1460 - 1086 م). 3 - البنجاب: كانت تتبع ملوك دلهي، ثم حكمتها أسرة الأفغاني رايصهره

إلى عام 932 هـ/1526 م حيث احتلها بابر شاه التيموري. 4 - كوجرات (غرب الهند): حكمت أسرة مظفر شاه خلال الفترة (810 - 992 هـ/1407 - 1584 م) ثم سيطر عليها التيموريين. 5 - جونبور (وسط الهند): كانت تتبع ملوك دلهي. حتى استقلت بها أسرة خواجه جهان سرور خلال الفترة (796 - 881 هـ/1393 - 1476 م). 6 - البنغال (شرق الهند): كانت منطقة فوضى واضطرابات فخضعت لأسر كثيرة. 7 - الدكن (جنوب الهند): حكمت الأسرة البهنمية (730 - 929 هـ/1329 - 1522 م) وهناك غيرهم كثيرون. ثم قامت في الهند إمبراطورية المغول العظمى. ودامت ثلاثة قرون ومؤسسها هو الإمبراطور ظهير الدين بابر. وهذه الإمبراطورية جعلت الهند وحدة سياسية واحدة متكاملة ومترابطة. وأنهت معظم الدويلات والإمارات المتفرقة.

الفصل الخامس الإسلام في الجزر وجنوب شرق آسيا

الفصل الخامس الإسلام في الجزر وجنوب شرق آسيا في الفترة (656 - 923 هـ) في هذه الفترة توقفت الفتوحات، وضعفت الخلافة، وتجزأت الدولة الإسلامية، فانتشر الإسلام في مناطق لم تطأها أقدام الفاتحين عن طريق التجار، والدعاة. ونسجل الملاحطات التالية:- - دول جنوب شرق آسيا (في العصر الحديث) هي: بورما - لاوس - فيتنام - كمبوديا - تايلند - الفلبين - ماليزيا - سنغافوره - أندونيسا - وبروناي. وكلها امتداد لقارة آسيا ما عدا أندونيسيا والفلبين وسنغافورة فهي جزر في المحيط. - انتشر الإسلام في الجزر التي لم تكن امتدادًا لأرض الصين وهي جزر أندونيسيا والفلبين ولم يستمر في الفلبين لخضوعها المبكر لأسبانيا الصليبية. - انتشرت أديان الصين في الأقطار التي تعد امتدادًا لأرضها وهي بورما وتايلاند وكمبوديا ولاوس وفيتنام. وأنقذ الإسلام الملايو (جزء من ماليزيا حاليًا) قبل

دخول الإسلام في الملايو وأندونيسيا

أن تذوب في الزحف الصيني (¬1). * * * دخول الإسلام في الملايو وأندونيسيا:- عقدت ندوة علمية في سنة 1963 م في مدينة ميدان بأندونسيا تدارست أمر دخول الإسلام في أندونيسيا. وقررت الندوة ما يلي:- - دخل الإسلام إلى أندونيسيا أول مرة بالقرن الأول الهجري/السابع الميلادي ومن بلاد العرب مباشرة. - وأول منطقة دخلت الإسلام سواحل سومطرة الشمالية، وأنه بعد تكوين المجتمع الإسلامي تكونت أول مملكة إسلامية. وهي مملكة (آتشه). - الدعاة الأولين كان أغلبهم من التجار، والدعوة كانت سلمية (¬2). تكوين الممالك الإسلامية بالملايو وأندونيسيا:- بدأ الإسلام بوجود أفراد مسلمين من العرب، أو من أهل الجزر أنفسهم الذين اعتنقوا الإسلام، وبجهود هؤلاء انتشر الإسلام رويدًا رويدًا وببطء، وخطا انتشار الإسلام خطوة كبيرة عندما تولى الدعوة له رجال متخصصون دعاة وبعد هذه المرحلة تكونت الممالك الإسلامية في هذه الجزر. وأهم هذه الممالك ما يلي:- ¬

_ (¬1) موسوعة التاريخ الإسلامي. د/أحمد شلبي جـ 8. (¬2) الإسلام في أندونيسيا/محمد ضياء وعبد الله بن نوح، ص 9 - 10.

الإسلام في الفلبين

- مملكة ملقا 803 - 917 هـ/1400 - 1511 م. - مملكة آتشه 920 - 1322 هـ/1514 - 1904 م. - مملكة ديماك 918 - 960 هـ/1512 - 1552 م. - مملكة بنتان 960 - 1096 هـ/1552 - 1684 م. - مملكة غووا (مكسر) 1078 هـ/1667 م. - ممالك شبه جزيرة الملايو (عقب سقوط ملقا). * * * ملقا 803 - 917 هـ/1400 - 1511 م:- مدينة ساحلية يعتقد أنها كانت أقدم نقطة ارتكاز إسلامي في أندونيسيا كان يحكمها أمراء هندوس حتى أسلم الأمير إسكندر شاه فتبعه أكثر قومه ثم أصبحت ملقا مركزًا للدعوة الإسلامية بجانب كونها مركزًا تجاريًا عظيمًا. ومات إسكندر شاه سنة 828 هـ/1424 م. وتوسعت ملقا فأصبحت إمبراطورية واسعة الأرجاء تضم شبه جزيرة الملايو كلها وجزءًا كبيرًا من سومطرة. وقد حملت لواء الإسلام للخارج فنشرته في جزر آسيا الجنوبية والشرقية. ومن أعظم سلاطين ملقا محمد شاه، منصور شاه، ومحمود شاه، تعرضت للغزو البرتغالي بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح. وسقطت في يد البرتغال سنة 917 هـ/1511 م. * * * الإسلام في الفلبين:- الفلبين إحدى دول جنوب شرق آسيا، وتتكون من عدة آلاف من الجزر تبلغ

المسلمون في الصين

حوالي 7000 جزيرة، وسكان الفلبين هم من الجنس الأندونيسي الملايوي، وقد انتشر الإسلام في هذه الجزر في نفس الوقت وبنفس الطريقة التي انتشر بها في أندونيسيا ويذكر الباحثون أن الإسلام دخلها عن طريق سومطرة والملايو. وكانت البدايات حوالي عام 270 هـ/883 م. وعقب انتشار الإسلام بها قامت بها سلطنات إسلامية. وكان أغلب سلاطينها من العلماء الذين حملوا الإسلام إليها. ويعتبر الشريف (محمد كابولج) الذي قدم من ملقا إلى الفلبين في القرن 10 هـ/16 م من أهم الذين نشروا الإسلام فيها، وأسس هناك أسرة حاكمة قوية، وأهم السلطنات التي قامت في هذه الفترة سلطنات سولو وما جينداناو وبويان وهي إمارات مركزية ويتبعها عدد من الجزر ثم زحفت أسبانيا الصليبية إلى الفلبين سنة 928 هـ/1521 م ودمرت الوجود الإسلامي. * * * المسلمون في الصين:- وصل الإسلام إلى الصين في عهد مبكر جدًا. وتذكر الروايات أن رجلًا من أسرة سعد بن أبي وقاص أو أن اسمه وقاص وصل للصين في عهد مبكر وقام بالدعوة هناك. وله ضريح هناك حتى الآن يحمل اسم (ضريح وقاص). عصر المغول في الصين 676 - 769 هـ/1277 - 1367 م:- ويسمى عصر (يوان) وفيه أخذ المسلمون، ينهضون بسرعة كبيرة كما تدفق عدد من مسلمي آسيا الوسطى على الصين.

الإسلام في المالديف

ومما سبب زيادة انتشار الإسلام في عهد المغول أن بعض أباطرة المغول الصينيين المسلمين اشترطوا الإسلام لتولي الوظائف. وبعد عصر المغول عاد الحكم إلى الصينيين. وجاءت أسرة منغ (1368 - 1643 م) ثم عصر تسنغ (1644 - 1911 م) ولاقى المسلمون بعض العنت من هذا الحكم. وزار الرحالة ابن بطوطة الصين في هذه الفترة. ووصف حياة المسلمين وذكر أنهم معظمون ومحترمون في الصين. * * * الإسلام في المالديف:- هي عبارة عن مجموعة جزر تقع في المحيط الهندي. جنوب غرب الهند وسريلانكا وصلها الإسلام عن طريق التجار والدعاة حوالي 189 هـ/804 م. وأبرز الدعاة الشيخ حافظ المغربي، وقد أسلم على يديه ملك البلاد البوذي سنة 548 هـ/1153 م ثم أسلم معه كافة السكان، وفي سنة 744 هـ قدم الرحالة ابن بطوطة إلى المنطقة عمل قاضيًا لفترة. واستمر الوضع هادئًا إلى أن احتلها البرتغاليون سنة 913 هـ/1507 م.

الفصل السادس المغرب والأندلس وغرب أفريقية

الفصل السادس المغرب والأندلس وغرب أفريقية (656 - 923 هـ) أولًا: دول المغرب:- الدولة المرينية في المغرب (مراكش) (642 - 869 هـ/1244 - 1464 م):- يعودون إلى البربر من قبيلة زناتة، وقد كانوا بدوًا يتنقلون في الصحاري، ولا يخضعون لأحد. أول زعيم عرف لهم المخضب بن عسكر (قتل سنة 540 هـ). دخلوا مكناس سنة 642 هـ. خاضوا عدة حروب مع النصارى سنة 660 هـ/1260 م. من زعمائهم البارزين يعقوب بن عبد الحق (656 - 685 هـ) الذي أخضع كثير من مدن المغرب. حتى قضى على دولة الموحدين سنة 674 هـ/1275 م. وفي الفترة (674 - 683 هـ) حقق انتصارات على النصارى في الأندلس، ويعتبر عهده أنضر عهود الدولة. اشتهر من زعمائهم: علي أبو الحسن المنصور (731 - 752 هـ) الذي امتد نفوذه

دولة بنو وطاس

على المغرب والجزائر وتونس. انتهوا سنة 869 هـ. قضى عليهم خلافاتهم الداخلية، وحروبهم الطويلة مع إماراتي تلمسان وتونس، وتكتل المسيحيين ضدهم في معاركهم بالأندلس. لما ضعف أمرهم استولى بنو وطاس على الحكم واستبدو به. * * * دولة بنو وطاس (875 - 961 هـ/1470 - 1553 م):- جاءوا بعد المرينيين، وهم فرع منهم، وليسوا من الأسرة الحاكمة أبرز زعمائهم المؤسس محمد بن يحيى الوطاسي (875 - 910 هـ) الذي استولى على فاس، فأقام دولته. وفي عهده سقطت الأندلس، ولجأ آخر ملوك غرناطة إلى بني وطاس ليعيش في حمايتهم، وفي أيامهم احتلت البرتغال شواطئ المغرب استولت الدولة السعدية على فاس. وقضت علي بني وطاس سنة 961 هـ. * * * دولة بني زيان (عبد الواد) في المغرب الأوسط (الجزائر) في الفترة (633 - 962 هـ/1235 - 1554 م) (1):- كما ذكرنا سابقًا - إن الضعف دب في جسم الموحدين عقب هزيمتهم المنكرة في موقعة حصن العقاب سنة 609 هـ في الأندلس. وأن الدولة تفككت عقب ذلك، وقام على إثرهم بنو حفص في تونس وبنو زيان بالمغرب الأوسط وبنو مرين بمراكش. وهنا الحديث عن بني زيان، الذين كانوا في البداية ولاة للجزائر من قبل الموحدين، فاستقلوا بها بعد انهيار الموحدين.

الدولة الحفصية بتونس

يعود أصلهم إلى مدينة تلمسان، وهي صارت عاصمة دولتهم، وأبرز حكامها يغمراسن بن زيان (633 - 681 هـ) ويعتبر مؤسسة الدولة، وأعظم ملوكها، وقد بذل جهودًا عظيمة في تثبيت ملكهم. وخاض حروبًا كثيرة. انتصر في معظمها، وفي القرنين الأخيرين من عمر الدولة، عاشت البلاد أسوأ فتراتها من اضطرابات وثورات، وضربات الفرنجة إلى أن سقطت في أيدي العثمانيين. بسط العثمانيون نفوذهم على أجزاء من المغرب الأوسط سنة 950 هـ، وسيطر الأسبان على بعض السواحل، انتهت الدولة سنة 962 هـ، ومن حكامها البارزين: موسى الثاني أبو حمو (760 - 791 هـ) ويعتبر عهده أزهى عهود الدولة. * * * الدولة الحفصية بتونس 925 - 941 هـ/1227 - 1534 م:- أصلهم سلالة بربرية من قبيلة مصمودة، ينتسبون إلى أبي حفص عمر الهنتاني أحد أتباع بن تومرت (مؤسس دولة الموحدين)، فبعد ما دب الضعف في أوصال الموحدين، استولى أبو زكريا يحيى على تونس سنة 625 هـ/1227 م واستقل بها، وأزهى عصور الدولة هو عصر أبي زكريا وابنه محمد (المستنصر) حيث التوسع الخارجي والاستقرار الداخلي. حكمت هذه الدولة تونس والجزائر الشرقية وطرابلس الغرب. ووصل نفوذهم إلى مكة عام 657 هـ في أواخر عهدهم، دبت الخلافات بينهم، وزادت الثورات والفتن، فأصابهم الضعف والخور. ومنذ عام 900 هـ بدأ النصارى يقتطعون الأجزاء من المغرب بعد أن استولوا على الأندلس في الفترة (942 - 981 هـ) خضعت تونس لأسبانيا بعد أن ارتكبوا مذبحة رهيبة في البلاد، ثم ضمتها الدولة العثمانية عام 981 هـ.

ثانيا أفريقيا

وأبرز حكام الدولة:- 1 - المؤسس يحيى أبو زكريا 625 - 647 هـ/1227 - 1249 م. 2 - أبو عبد الله محمد الأول 647 - 675 هـ/1249 - 1276 م. 3 - أبو فارس عبد العزيز 797 - 838 هـ/1394 - 1434 م. 4 - أبو عمر عثمان 839 - 893 هـ/1435 - 1487 م. وجدير بالذكر أن هذه الدول الثلاث قامت في الشمال الأفريقي على أنقاض دولة الموحدين بعد هزيمتهم في موقعة العقاب أمام النصارى سنة 609 هـ/1212 م. * * * ثانيًا: أفريقيا:- يجدر أن نشير إلى أن العصر التاريخي لأفريقية السوداء لم يبدأ إلا مع الإسلام. وأن بالإسلام ولغته، وحضارته تقدم السود، وبلغوا شأوًا عظيمًا في المدنية (¬1). أفريقيا الغربية:- بدأ الإسلام ينتشر في الصحراء الأفريقية أيام ولاية عمرو بن العاص سنة 41 هـ، وكان أبرز الفاتحين في المنطقة عقبة بن نافع. الذي واصل فتوحاته حتى فتح الطريق إلى بلاد السودان سنة 60 هـ/679 م. ¬

_ (¬1) إمبراطورية غانة الإسلامية/الدكتور طرخام، ص 10.

وصل موسى بن نصير إلى المحيط الأطلسي غرب أفريقية ونشر الإسلام بين قبائل البربر سنة 79 هـ/698 م. دولة الأدارسة كان لها جهود في نشر الإسلام هناك. المرابطون استطاعوا في سنة 469 هـ/1076 م فتح عاصمة إمبراطورية غانا (كومبي صالح) وأن يفرضوا الإسلام على جميع البلاد، فامتدت ديار الإسلام في أفريقية مساحة جديدة تقرب من نصف مليون كم 2 (¬1). قامت عدة ممالك في غرب أفريقيا أهمها:- مملكة مالي (639 - 894 هـ/1240 - 1488 م):- وهي أعظم مملكة إسلامية قامت في أفريقيا الغربية، امتدت هذه الإمبراطورية من جبال الأطلس غربًا إلى بلاد الهوسا شرقًا. ومن المحيط الأطلس جنوبًا حتى الصحراء الكبرى شمالًا. وقد شغلت في تلك الفترة مواقع الدول التالية اليوم (موريتانيا، السنغال، غامبيا، غينيا، مالي، ساحل العاج، ليبيريا، سيراليون) وكان لهذه الدولة جهود عظيمة في نشر الإسلام هناك. مؤسس هذه الدولة هو سند ياتا (ماري جاطة) 639 - 653 هـ/1240 - 1255 م. ومن أعظم ملوكها منسي موسى (712 - 738 هـ/1307 - 1332 م). ¬

_ (¬1) العهد العباسي/محمود شاكر، ص 360.

مملكة الصنغاي

مملكة الصنغاي (783 - 1000 هـ/1381 - 1591 م):- قامت على أنقاض مملكة مالي، ومؤسسها الذي أعاد لها حريتها واستقلالها عن مالي هو سنِّي علي حوالي عام 783 هـ/1381 م، وأبرز ملوكها اسكيا محمد (899 - 935 هـ/1493 - 1528 م) الذي كان له جهاد طويل مع الوثنيين لنشر الإسلام فوصل إلى المحيط الأطلسي غربًا. وشرقًا إلى تشاد. ضمت هذه الإمبراطورية كل مملكة مالي، ثم امتدت إلى أكثر من ذلك، وبخاصة في الناحية الشرقية والجنوبية. فدخلت إلى مناطق وسط أفريقية. نهاية الإمبراطورية:- وجه الملك أحمد المنصور، أعظم ملوك الأشراف الحسنيين بمراكش جيوشه إلى صنغاي. منتهزًا فرصة الخلافات الداخلية التي أضعفت حكامها فاستطاع القضاء على الإمبراطورية. وإخضاع بعض مناطقها. وقامت في السنغال ممالك التكلور ثم الفولاني ثم الولاف فيما بين القرن الخامس والعاشر الهجري/11 - 16 م. وكان لها دور في نشر الإسلام. * * * وسط أفريقية:- قامت عدة ممالك إسلامية أهمها مملكة كانم (بين القرن الخامس والعاشر الهجري) وقد وصلت في جهادها لنشر الإسلام إلى النيجر غربًا، وواداي شرقًا. ولم ينتشر الإسلام في المنطقة إلا بعد القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي.

ثالثا الأندلس

بعد سقوط الأندلس اتجه النصارى إلى أفريقية. ووصلوا إلى رأس الرجاء الصالح. وبدأت عمليات التنصير. * * * ثالثًا: الأندلس:- دولة بني نصر (الأحمر) في غرناطة (635 - 897 هـ/1237 - 1492 م):- بعد أن ضعفت سيطرة الموحدين في الأندلس. عادت وتفككت إلى إمارات صغيرة ضعيفة متناحرة. فزاد ضغط النصارى على المسلمين. برز في هذه الفترة أبو عبد الله محمد بن يوسف من بني نصر الدين (635 - 671 هـ) واستطاع أن يسيطر على غرناطة. في هذه الفترة سقطت باقي مدن الأندلس بأيدي النصارى الواحدة تلو الأخرى فسقطت قرطبة، بلنسية، دانية، جيان، شاطبة، أشبيليه، مرسيه، وغيرها في الفترة (633 - 665 هـ) فلم يبق بأيدي المسلمين إلا غرناطة. انتصر محمد بن الأحمر انتصارًا عظيمًا على جيوش فرديناند الثالث ملك قشتالة، فاستمرت ذريته تحكم غرناطة أكثر من 250 سنة، وضعف أمرهم في أواخر عهدهم، فانتصر عليهم النصارى وطردوهم سنة 897 هـ/1492 م. * * * خيانة الحاكم:- ويجدر أن نسجل هنا الخيانة العظمى التي ارتكبها آخر حاكم لغرناطة وهو أبو

عبد الله محمد بن علي (892 - 897 هـ) حيث خان بلده وأمته وانضم بجيوشه إلى فرديناند يحارب معه حتى انتصر فرديناند واستولى على غرناطة، فأرسل إليه هذا الخائن يهنئه، ولكن فرديناند هاجمه وسلب كل ممتلكاته. فهاجر إلى أفريقيا عاش على الاستجداء. وقد رغبت الدولة العثمانية التي وصلت إلى قوة كبيرة آنذاك في مساعدة إخوانهم في المغرب والأندلس. فتقدمت في أوروبا غير أن الضعف كان وصل هناك إلى درجة كبيرة، فرأى العثمانيون فتح جبهات برية وبحرية لهم في بلاد المغرب. ولكن بعض الأمراء المسلمين وقفوا في وجههم وحاربوهم وبسقوط غرناطة في يد النصارى خرجت الأندلس نهائيًا من أيدي المسلمين. إذ كانت غرناطة آخر معقل لهم قام النصارى بعد ذلك بإبادة المسلمين وتنصيرهم لإزالة الحضارة الإسلامية التي استمرت ثمانية قرون في الأندلس.

الباب السابع العهد العثماني والحديث (923 - 1342 هـ) (1517 - 1923 م)

الباب السابع العهد العثماني والحديث (923 - 1342 هـ) (1517 - 1923 م) " لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش " رواه ابن حنبل في مسنده

الفصل الأول تاريخ الدولة العثمانية

الفصل الأول تاريخ الدولة العثمانية المرحلة التاريخية (923 - 1342 هـ) من التاريخ الإسلامي نطلق عليها العهد العثماني، لأن الحكم العثماني امتد على أوسع رقعة من مساحة الأمصار الإسلامية، ولمدة خمسة قرون ظلت الدولة العثمانية تؤدي الدور الأول والوحيد في حماية المسلمين. وكانت مركز الخلافة الإسلامية لكونها أقوى دولة إسلامية آنذاك. بل ومن أعظم دول العالم، ورغم أنها ظهرت منذ عام 699 هـ/1299 م إلا أنها لم تكن خلافة، ولم يعلن العثمانيون خلافتهم حتى سلمهم إياها الخليفة العباسي في القاهرة سنة 923 هـ/1517 م. ولما ضعف أمرها اجتمعت عليها الدول النصرانية، ولم يجتمعوا على شيء كاجتماعهم على المسألة الشرقية أو كيفية التهام الرجل المريض. كما كانوا يطلقون على الدولة العثمانية أبان ضعفها. فأخذوا يقتطعون من الدولة جزءًا بعد آخر حتى سقطت صريعة، وماتت آخر خلافة إسلامية، وتشتت أمر المسلمين وانقسموا فرقًا وشيعًا ودويلات. ويعتبر تاريخ الخلافة العثمانية من التاريخ الغامض الذي تحيط به الشبهات، وذلك راجع إلى الانحراف في تدوينه، لأنه مدون من قبل أعدائهم، فالذين دونوه هم

حسنات الخلافة العثمانية

الغربيون وهم غير منصفين. أو العرب أبان فترة صراعهم مع العثمانيين أو الأتراك العلمانيين بعد سقوط الخلافة وكانوا خاضعين للنظام الجديد (¬1). وحتى ننصف هذه المرحلة سنذكر جوانبها الإيجابية والسلبية حسب ما توصلنا إليه من خلال مراجع كثيرة. * * * حسنات الخلافة العثمانية:- 1 - توسعة مساحة الأرض الإسلامية: ويكفي أنها فتحت القسطنطينية ونتذكر هنا حديت الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش ". وقد تقدمت في أوروبا حتى أنها وصلت إلى النمسا وحاصرتها أكثر من مرة، كما أنها استولت على كل جزر البحر المتوسط وجذبت لها الإسلام. 2 - الوقوف في وجه الصليبيين على مختلف الجبهات: فتقدموا في أوروبا الشرقية لتخفيف ضغط النصارى على الأندلس ولكن الأندلس سقطت لشدة ضعفها، وأنهوا الوجود البرتغالي في بلاد المسلمين. وجدير بالذكر أن الزحف البرتغالي كان من خططه السيطرة على البحر الأحمر واجتياح الحجاز والاستيلاء على قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ولكن الوجود العثماني منعهما ووقفوا في وجه الأسبان عندما حاولوا الاستيلاء على بلاد المغرب بعد سقوط الأندلس. ودعموا المسلمين ضد الروس في ¬

_ (¬1) موسوعة التاريخ الإسلامي/د. أحمد شلبي، جـ 5.

أواسط آسيا ومنطقة البحر الأسود. 3 - الإمبراطورية العثمانية تواجه الصهيونية: كان حلم اليهود منذ زمن بعيد إقامة وطن لهم في فلسطين. وفي هذه الفترة زاد نشاطهم، ويذكر أنهم قدموا عروض خيالية مغرية للسلطان عبد الحميد الثاني لنيل موافقته، فواجهوا الرفض بكل قوة وإصرار. كما أن العثمانيين منعوا اليهود من الإقامة بمنطقة سيناء بمصر. 4 - الإمبراطورية العثمانية حاربت الشيعة الرافضة المتمثلين في الدولة الصفوية، وقد كان المسلمون في بلاد الخليج والعراق يعانون أشد المعاناة من هؤلاء الرافضة. 5 - عملوا على نشر الإسلام: وقد أسلمت أكثر قبائل الشركس على أيديهم، ونشروا الإسلام في البلاد التي وصلوها في أوروبا وأفريقيا. 6 - أن دخول العثمانيين في بعض الأمصار الإسلامية حماها من بلاء الاستعمار الذي ابتليت به غيرها. 7 - كانت تضم أكثر أجزاء البلاد الإسلامية (تجاوزت مساحتها 20 مليون كم 2). 8 - كانت أوروبا تحارب العثمانيين على أنهم مسلمون لا بصفتهم ترك، فدافعها كان الحقد الصليبي، وهي ترى أنهم أحيوا الجهاد الإسلامي من جديد. 9 - كانت تمثل المسلمين، فهي مركز الخلافة، ولا يوجد سوى خليفة واحد في ديار المسلمين. لذا فهو رمز للمسلمين وينظرون إليه نظرة تقدير وإجلال واحترام.

سيئات الخلافة العثمانية

سيئات الخلافة العثمانية:- 1 - في قمة السيئات نظام الحكم المطلق الذي يضع مقدرات هذه الإمبراطورية الفسيحة في يد شخص واحد هو السلطان، وسلطانه بلا حدود. 2 - الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، فمالية الدولة فاسدة، ولا توجد ميزانية ولا إصلاحات، والرشوة تملأ كل مكان، والحرية مفقودة، والمصادرات تهدد كل مالك، والجواسيس منتشرون في كل مكان بينما السلطان لا يهمه إلا هواه وشهواته. 3 - توالي السلاطين المنحرفين الطغاة على الحكم، وشهد القرن 13 هـ/19 م مجموعة من أشد الخلفاء استبدادًا وأعنفهم بطشًا، بدأت بمصطفي الرابع، فمحمود الثاني، فعبد المجيد الأول، فعبد العزيز، فمراد الخامس، وأخيرًا عبد الحميد الثاني. 4 - إضعاف العرب (خوفًا من بروزهم) فعزلوهم عن الوظائف المرموقة وأهملوهم تمامًا، فأصبح العرب في هذه الفترة جهلاء، مرضى، متخلفون، فقراء. 5 - إهمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث الشريف وهما المصدر الأساسي للتشريع. 6 - عدم الوعي الإسلامي الصحيح لديهم، وعدم فهم الإسلام على أنه منهج حياة متكامل، فكان كثيرون منهم لا يعرفون من الإسلام سوى العبادات.

7 - كانوا يحرصون على تغيير الولاة باستمرار، وخاصة في أواخر عهدهم خوفًا من استقلالهم بولاياتهم. وهذا يؤدي إلى عدم معرفة الوالي الجديد بالمنطقة، وبالتالي يؤدي إلى الضعف والتأخر. 8 - عرف لدى بعض السلاطين قتل إخوتهم خوفًا من المنافسة. 9 - كان بعضهم يتزوجون من النصرانيات لجمالهن فقط، ورغم جواز ذلك، فإن فيه إساءة كبيرة للأمة، لأنها قد تأثر على زوجها أو أبنائها السلاطين، أن تكون عين لقومها ضد المسلمين. 10 - سار العثمانيون على الحكم الوراثي كالأمويين والعباسيين، وكلهم مخالف للسنة. 11 - أعطوا العسكريين أكثر من حقهم، مما دعاهم إلى التسلط والتدخل في شؤون الحكم، حتى أفسدوا وطغوا. 12 - كان العثمانيون يكتفون من البلاد المفتوحة بالخراج ويتركون السكان على وضعهم القائم من العقيدة واللغة والعادات، فالحرص على نشر الإسلام لم يكن بالقدر المطلوب. 13 - عندما أصبحت الخلافة ضعيفة في أواخر عهدها، ركز الجميع على النواحي السلبية فقط، فسلطت عليها الأضواء إلى أن سقطت الدولة.

الأناضول قبل العثمانيين

الأناضول قبل العثمانيين:- كانت بلاد الأناضول (آسيا الصغرى) من أملاك الإمبراطورية البيزنطية (رومانيا الشرقية) قبل الإسلام. وصلت الفتوحات الإسلامية إلى أجزائها الشرقية، من أطراف أرمينيا وحتى ذرا جبال طوروس. وعجز المسلمون منذ عام 50 هـ أيام معاوية عن فتح القسطنطينية. وتكرر الغزو مرات عديدة بلا نتيجة. بعد معركة ملاذكرد عام 463 هـ/1071 م والتي انتصر فيها السلاجقة انتصارًا مبينًا على الروم انساحوا في بلاد الأناضول وكونوا لهم إمارات، أبرزها إمارات سلاجقة الروم. وقعت الأناضول في قبضة المغول، فسيطروا على سلاجقة الروم، فصاروا حربًا مع المغول ضد المسلمين، وذلك عام 641 هـ/1243 م (1). بعد هزيمة المغول في عين جالوت 658 هـ/1259 م. سار الظاهر بيبرس إلى سلاجقة الروم والمغول وألحق بهم هزيمة كبيرة تأديبًا لهم سنة 675 هـ/1276 م، مع ضعف المغول تفككت دولة سلاجقة الروم إلى إمارات كثيرة، ضعيفة ومتناحرة (انظر الخريطة)، قضت عليها الدولة العثمانية في أوقات متفاوتة ووحدت المنطقة تحت رايتها.

تأسيس الدولة وقوتها

تأسيس الدولة وقوتها:- يعود العثمانيون إلى قبيلة قابي من قبائل الغز التركمانية المسلمة من بلاد التركستان، عند اجتياح المغول لبلادهم، هاجر جدهم (سليمان شاه بن قيا ألب) بقبيلته إلى أرض الروم فالشام فالعراق، وأثناء العودة غرق في نهر الفرات، فتفرقت القبيلة، فقسم عاد إلى الوطن الأول، وقسم بقيادة أرطغرل بن سليمان سار إلى شمال الأناضول، ومعه 400 أسرة تركمانية، وكانت المنطقة تحت حكم السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباد، فساعده أرطغرل في صد بعض الغارات ضد البيزنطيين، فكافأه بأن أقطع له منطقة (أسكي شهر) على حدود بلاد الروم، وترك له توسيع ممتلكاته على حساب البيزنطيين، وتُوفي أرطغرل سنة 687 هـ/1288 م. وخلفه ابنه عثمان وإليه تنسب الدولة فهو مؤسسها وأول حكامها.

سلاطين وخلفاء الدولة العثمانية

سلاطين وخلفاء الدولة العثمانية (699 - 1342 هـ) (1299 - 1923 م) م ــ الحاكم ــ ابتداء فترة الحكم ــ سمة الفترة * عصر السلطنة: 1 - عثمان بن أرطغرل ... 699 هـ/1299 م ... السلاطين الأقوياء 2 - أورخان بن عثمان ... 726 هـ/1325 م ... السلاطين الأقوياء 3 - مراد الأول بن أورخان ... 761 هـ/1359 م ... السلاطين الأقوياء 4 - بايزيد الأول بن مراد ... 792 - 805 هـ/1389 - 1402 م ... السلاطين الأقوياء * فترة صراع بين أبناء بايزيد: 5 - محمد الأول بن بايزيد ... 816 هـ/1413 م ... 6 - مراد الثاني بن محمد ... 824 هـ/1421 م ... 7 - محمد الثاني (الفاتح) ... 855 هـ/1451 م ... 8 - بايزيد الثاني بن محمد ... 886 هـ/1481 م ... * عصر الخلافة: 9 - سليم الأول بن بايزيد ... 918 هـ/1512 م ... عصر القوة والخلافة 10 - سليمان (القانوني) بن سليم ... 926 هـ/1519 م ... عصر القوة والخلافة 11 - سليم الثاني بن سليمان ... 974 هـ/1566 م ... عصر الضعف 12 - مراد الثالث بن سليم ... 982 هـ/1574 م ... عصر الضعف

م ــ الحاكم ــ ابتداء فترة الحكم ــ سمة الفترة 13 - محمد الثالث بن مراد ... 1003 هـ/1594 م ... عصر الضعف 14 - أحمد الأول بن محمد ... 1012 هـ/1603 م ... عصر الضعف 15 - مصطفي الأول بن محمد ... 1026 هـ/1617 م ... عصر الضعف 16 - عثمان الثاني بن أحمد ... 1027 هـ/1617 م ... عصر الضعف 17 - مصطفي الأول (مرة ثانية) ... 1031 هـ/1621 م ... عصر الضعف 18 - مراد الرابع بن أحمد ... 1032 هـ/1622 م ... عصر الضعف 19 - إبراهيم الأول بن أحمد ... 1049 هـ/1639 م ... عصر الضعف 20 - محمد الرابع بن إبراهيم ... 1058 هـ/1648 م ... عصر الضعف 21 - سليمان الثاني بن إبراهيم ... 1099 هـ/1687 م ... عصر الضعف 22 - أحمد الثاني بن إبراهيم ... 1102 هـ/1690 م ... عصر الضعف 23 - مصطفي الثاني بن محمد ... 1106 هـ/1694 م ... عصر الضعف 24 - أحمد الثالث بن محمد ... 1115 هـ/1703 م ... عصر الضعف 25 - محمود الأول بن مصطفي ... 1143 هـ/1730 م ... عصر الضعف 26 - عثمان الثالث بن مصطفي ... 1168 هـ/1754 م ... عصر الضعف 27 - مصطفي الثالث بن أحمد ... 1171 هـ/1757 م ... عصر الانحطاط والتراجع 28 - عبد الحميد الأول بن أحمد ... 1187 هـ/1773 م ... عصر الانحطاط والتراجع

م ــ الحاكم ــ ابتداء فترة الحكم ــ سمة الفترة 29 - سليم الثالث بن مصطفي ... 1203 هـ/1788 م ... عصر الانحطاط والتراجع 30 - مصطفي الرابع بن عبد الحميد ... 1222 هـ/1807 م ... عصر الانحطاط والتراجع 31 - محمود الثاني بن عبد الحميد ... 1223 هـ/1808 م ... عصر الانحطاط والتراجع 32 - عبد المجيد الأول بن محمود ... 1255 هـ/1839 م ... عصر الانحطاط والتراجع 33 - عبد العزيز بن محمود ... 1277 هـ/1860 م ... عصر الانحطاط والتراجع 34 - مراد الخامس بن عبد المجيد ... 1293 هـ/1876 م ... عصر الانحطاط والتراجع 35 - عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد ... 1293 هـ/1877 م ... عصر الانحطاط والتراجع 36 - محمد رشاد بن عبد المجيد ... 1328 هـ/1910 م ... سيطرة الاتحاد والترقي 37 - محمد وحيد الدين بن عبد المجيد ... 1337 هـ/1918 م ... سيطرة الاتحاد والترقي 38 - عبد المجيد بن عبد العزيز ... 1340 - 1342 هـ/1921 - 1923 م ... سيطرة الاتحاد والترقي

عصر السلطنة

عصر السلطنة (699 - 923 هـ/1299 - 1517 م) 1 - عثمان بن أرطغرل (699 - 726 هـ):- أغار المغول على أملاك علاء الدين السلجوقي، فانهزم علاء الدين ثم قتل، فبسط عثمان سيطرته على المنطقة، ونودي سلطانًا سنة 699 هـ، فأخذ يوسع مناطقه على حساب الروم البيزنطيين، وأهم مدينة استولى عليها بروسة، فكون عثمان بذلك السلطنة العثمانية والتي سميت باسمه. 2 - أورخان بن عثمان (726 - 761 هـ):- اتخذ من بروسة عاصمة ملكه، وأسس جيش الانكشارية، الذي صار فيما بعد قوة كبيرة ساعدت الدولة في فتوحاتها (وهم من أبناء النصارى الذين تلقوا تدريبات خاصة) استولى على مجموعة مدن على مضيق الدردنيل. * * * 3 - مراد الأول بن أورخان (761 - 792 هـ):- تخطى المضيق متجهًا نحو أوروبا وهاجم شبه جزيرة البلقان، فتح أدرنه وجعلها العاصمة، وأسس فرق الخيالة العسكرية (السباهية)، توسع في فتوحاته فاستولى على عدة إمارات في الأناضول، استولى على صوفيا عاصمة البلغار، وسلانيك اليونانية، انتصر على الصرب وقتل ملكهم وأخذ معظم بلادهما واستشهد بعد هذه المعركة بعد أن استولى على كل أملاك البيزنطيين في آسيا الصغرى.

4 - بايزيد الأول بن مراد

4 - بايزيد الأول بن مراد (792 - 805 هـ) (¬1):- واصل الجهاد، فحاصر القسطنطينية، سيرت إليه أوروبا بتحريض من البابا جيشًا ضخمًا من عدة دول سنة 798 هـ/1396 م، فألحق بهم هزيمة منكرة، زحف إليه تيمور لنك بجيوش التتار الهائلة فدخل أنقره وأفنى معظم الجيش العثماني، وأسر السلطان بايزيد، الذي مات في أسره سنة 805 هـ. أعاد تيمور لنك الإمارات الأناضولية إلى أصحابها، كما استقلت الإمارات الأوروبية وهي البلغار، وصربية والأفلاق. ومات تيمور لنك سنة 808 هـ. * * * فترة صراع بين أبناء بايزيد:- اختلف أبناء بايزيد الثاني على السلطة فتقاتلوا لمدة 11 سنة حتى استطاع محمد أن يستحوذ على السلطة. 5 - محمد الأول بن بايزيد 816 - 824 هـ:- تغلب على إخوته ونال السلطة، ثم تفرغ لقمع الفتن الداخلية، وإعادة توحيد الدولة. * * * 6 - مراد الثاني بن محمد 824 - 855 هـ:- حاصر القسطنطينية، أعاد كل الإمارات المنفصلة إلى حظيرة الدولة، واستعاد الامارات الأوروبية: البلغار والصرب والأفلاق، وأخذ ألبانيا. ¬

_ (¬1) المصدر السابق، ص 71.

7 - محمد الثاني (الفاتح

7 - محمد الثاني (الفاتح) 855 - 886 هـ:- أعظم إنجازاته فتح القسطنطينة (عاصمة الإمبراطورية البيزنطية) عام 857 هـ/1453 م، بعد أن حاصرها من جميع الجهات، وقد تم له النصر المبين فخضعت له المدينة، وقتل الإمبراطور البيزنطي في المعركة، ويعتبر هذا أعظم فتح عثماني، وسماها الاستنبول (مدينة السلام) وجعلها العاصمة. فتح بلاد الصرب والعاصمة بلغراد، فتح بلاد المورة وضم الأفلاق وضم بلاد البوسنة والهرسك، وأسلم أهلها في هذه الفترة، وفتح بعض جزر اليونان وإيطاليا، صالحته كثير من الإمارات على الجزية. بعد هذا النجاح العظيم أصبحت الدولة العثمانية إمبراطورية إسلامية عظيمة، إذ حققت ما فشل المسلمون في تحقيقه طوال ثمانية قرون (فتح القسطنطينية). محاولات فتح القسطنطينية:- - كانت أولى المحاولات في عهد معاوية بن أبي سفيان خلال الفترة 49 - 52 هـ، وقد فشلت. - المحاولة الثانية في عهد سليمان بن عبد الملك الأموي، وقد حاصرها عدة سنوات، ومات دون أن ينجح في فتحها فأمر عمر بن عبد العزيز بفك الحصار عنها. - وخلال العصر العباسي حاول المهدي وهارون الرشيد إسقاطها فلم يحالفهم التوفيق. - وأخيرًا تمكن محمد الفاتح من دخولها على النحو المذكور آنفًا.

8 - بايزيد الثاني بن محمد

وهيأ لهم هذا الانتصار العظيم ألوانا من الانتصارات في العالم الإسلامي، إذ صار الانضمام إليهم نوعًا من الوحدة الإسلامية. * * * 8 - بايزيد الثاني بن محمد 886 - 918 هـ:- انتصر على دولة البندقية الإيطالية، ظهرت في عهده دولة روسيا سنة 886 هـ/1481 م بعد أن تخلصت من التتار، أجبره الانكشارية على التنازل لولده سليم سنة 918 هـ.

الخلافة العثمانية

الخلافة العثمانية 1 - عصر قوة الخلافة (923 - 974 هـ/1517 - 1566 م) تعاقب على هذا العصر خليفتان فقط هما:- 1 - سليم (الأول) بن بايزيد 918 - 926 هـ/1512 - 1519 م:- قرر أن يوحد الأمة الإسلامية تحت النفوذ العثماني للوقوف في وجه التقدم الصليبي، انتصر على الدولة الصفوية (الشيعية) التي تحالفت مع البرتغاليين ضد المسلمين، ودخل عاصمتها تبريز عام 920 هـ بعد معركة (جالديران)، تحالف المماليك مع الصفويين ضد العثمانيين، فقرر سليم أن يمد نفوذه إلى آسيا. فقضى على وجود المماليك في الشام في معركة (مرج دابق) بحلب سنة 922 هـ، وقتل السلطان الملوكي قنصوه الغوري. ثم هزم المماليك في مصر في معركة (الريدانية) قرب القاهرة سنة 923 هـ وقتل حاكمهم طومان باي، فأنهي بذلك دولة المماليك. تنازل له الخليفة العباسي في القاهرة عن الخلافة في نفس العام، فأصبح السلطان العثماني سليم خليفة المسلمين منذ ذلك اليوم. وقدم شريف مكة إلى القاهرة، وأعلن خضوع الحجاز للخليفة العثماني.

2 - سليمان (القانوني) بن سليم

2 - سليمان (القانوني) بن سليم 926 - 974 هـ/1519 - 1566 م:- في عهده بلغت الدولة أوج اتساعها وعظمتها، استولى على بلغراد وجزيرة رودس وشبه جزيرة القرم وعاصمة الأفلاق، واقتحم أوروبا، فوصل إلى فينيا عاصمة النمسا وحاصرها مرتين، وفتح الجر، قاتل البرتغاليين على سواحل الهند. فانهزم عام 943 هـ. وأخضع معظم البلاد العربية. بذا استولت الدولة العثمانية على البلاد الأوروبية التالية: هنغاريا، بلغراد، ألبانيا، اليونان، رومانيا، صربيا، بلغاريا. إضافة إلى معظم الشرق الإسلامي. وهنا وصلت الإمبراطورية العثمانية أقصى مداها. فقد امتدت من المجر إلى أسوان بالقرب من شلالات النيل، ومن نهر الفرات وقلب إيران إلى باب المندب جنوبي الجزيرة العربية. وتوقفت الفتوحات بعد سليمان القانوني، وأخذت الدولة تتجه للضعف والانحدار.

2 - الخلافة العثمانية في عصر الضعف

2 - الخلافة العثمانية في عصر الضعف (974 - 1171 هـ/1566 - 1757 م):- بعد تلك الانتصارات العظيمة والفتوحات الواسعة بدأت الدولة تدخل في مرحلة الضعف، وكان لذلك أسباب أهمها:- 1 - هذه الإمبراطورلة الشاسعة كانت خليط من أجناس وأديان متباينة وغير متعاونة. 2 - انحدار الانكشارية وفسادهم، فصاروا بذلك معولًا يقوض بناء الدولة بعد أن كانوا من دعائم قوتها وانتصاراتها. 3 - الإغفال التام لمصالح الشعب ومتطلبات حياته. 4 - سيطرة العقلية العسكرية التي تميل إلى القوة والتسلط والبطش. 5 - انغماس الكثير من الخلفاء في الترف والدعة والخلاعة والمجون. 6 - الزواج من الأوروبيات، مما أدى إلى خلق عيون للغرب في بلاط الخلفاء. 7 - عدم وجود هدف أساسي، فبعد تحقيق الانتصارات لم يعد يشعر الخلفاء أن هناك هدف أو مهمة عليهم القيام بها، فمالوا إلى الكسل. 8 - اتساع مساحة الدولة وعدم إمكانية السيطرة عليها، لسوء الإدارة وانتشار الرشوة والفساد.

9 - الحركات الصليبية الأوربية والحروب المدمرة. 10 - عدم مواكبة التقدم والتطور العلمي فنتج عنه التخلف والتراجع. 11 - الحركات والثورات المستمرة بغرض الاستقلال. 12 - قيام الجمعيات السرية والتنظيمات وظهور فكرة القومية والوطنية. 13 - ضعف السلاطين المتأخرين وهوانهم. 14 - مخالفة منهج الله وعدم الالتزام بتعاليم الإسلام. * * * أهم أحداث عصر الضعف:- 976 هـ/1568 م الصلح مع النمسا. 978 هـ/1570 م فتح جزيرة قبرص. 984 هـ/1576 م تجديد امتيازات الدول الأجنبية. 985 - 991 هـ/1577 - 1583 م فتح شروان والكرج والداغستان، ثورات في الأناضول واستانبول. 1021 هـ/1612 م الهزيمة أمام الصفويين والتنازل لهم عن بعض الأملاك. 1030 هـ/1620 م انتشار الفوضى والاضطرابات.

الخلافة العثمانية في الانحطاط والتراجع

1044 هـ/1634 م القضاء على ثورة فخر الدين المعنى (من الدروز) والذي كان قد سيطر على لبنان ومعظم فلسطين وسوريا. 1048 هـ/1638 م الحرب مع الصفويين، ودخول العثمانيين في بغداد. 1055 هـ/1645 م فتح كريت. 1074 هـ/1663 م دخول مورافيا، وسيليزيا (في بولونيا) تقسيم المجربين العثمانيين والنمسا. 1083 هـ/1672 م تبعية القوزاق في أوكرانيا للعثمانيين. 1094 هـ/1682 م حصار الدولة العثمانية للنمسا. 1100 هـ/1688 م الهزيمة أمام النمسا. 1110 هـ/1698 م معاهدة كارلوفتس وفقد العثمانيين أوكرانيا وبودوليا وآزوف والجر وترانسلفانيا وغيرها. 1130 هـ/1717 م معاهدة بساروفتس وتخلي العثمانيين عن الصرب وبلغراد وجزء من الأفلاق. * * * أهم أحداث عصر الانحطاط والتراجع (1171 - 1342 هـ):- 1183 - 1187 هـ/1769 - 1773 م قامت ثورة علي بك الكبير والي مصر الذي استقل بها، وأخذ الشام والحجاز، استطاعت الدولة القضاء عليه.

1187 هـ/1773 م معاهدة قينارجه وفقد القرم وبسارابيا (رومانيا)، وقوبان (القفقاس). 1189 هـ/1775 م القضاء على ثورة ظاهر العمر، وكان قد استولى على أكثر فلسطين. 1206 هـ/1791 م استيلاء روسيا على معظم القرم. 1213 - 1216 هـ/1798 - 1801 م حملة نابليون بونابرت (الفرنسي) على مصر، انتصر على المماليك، ثم حاول دخول الشام وفشل، فانسحب إلى فرنسا. 1220 هـ/1805 م محمد علي (الضابط الألباني) يتولى أمر مصر، ويقضي على المماليك في حادثة القلعة سنة 1226 هـ. 1226 - 1233 هـ/1811 - 1817 م قتال الدولة السعودية: كلف العثمانيون محمد علي والي مصر القضاء على الدولة السعودية الفتية والدعوة الوهابية السلفية، وكانت السعودية وقتها في أقصى اتساعها، قدم طوسون بن محمد علي، وسيطر على الحجاز وبعض نجد، ثم قدم أخوه إبراهيم واحتل الدرعية العاصمة، وقضى على السعوديين. 1243 هـ/1827 م ثورات في اليونان أيدتها أوروبا وأعقبها استقلال اليونان.

1245 هـ/1829 م الهزيمة أمام روسيا، استقلال صربيا تمامًا عن العثمانيين. 1242 هـ/1826 م إلغاء نظام الانكشارية الفاسد، وبدء النظام العسكري الحديث. 1245 هـ/1829 م احتلال فرنسا للجزائر. 1247 هـ/1831 م سيطرة محمد علي على بلاد الشام. 1257 - 1277 هـ/1841 - 1860 م الحروب الطائفية في لبنان، أعقبها سيطرة العثمانيين على لبنان. 1275 هـ/1858 م استقلال رومانيا. 1277 هـ/1860 م القضاء على الفتنة الطائفية التي تجددت واتسعت في الشام. 1285 هـ/1868 م فتح قناة السويس. 1295 هـ/1878 م بدء انتشار الدعوة إلى القومية والعلمانية، وظهور المنظمات والجمعيات، وكان أبرزها جمعية تركيا الفتاة وكان لها جناح عسكري سمي بالاتحاد والترقي. 1295 هـ/1878 م انهزم العثمانيون أمام روسيا في عدة مواقع حتى أصبحت روسيا على مقربة من استانبول، فوقع العثمانيون على معاهدة استيفانوس وتنازلوا فيها عن: الصرب والجبل الأسود وبلغاريا ورومانيا.

1295 هـ/1878 م معاهدة برلين: استقلال بلغاريا التام، استيلاء النمسا على البوسنة والهرسك، احتلال انكلترا لجزيرة قبرص. 1299 هـ/1881 م احتلال فرنسا لتونس. 1300 هـ/1882 م احتلال انكلترا لمصر ثم السودان. 1313 هـ/1895 م احتلال إيطاليا لإريتريا وجزء من الصومال. 1315 هـ/1897 م عقد المؤتمر الصهيوني في بال/سويسرا بزعامة هرتزل، اتفق فيه على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، بعدها حاول هرتزل تقديم كل المغريات للسلطان عبد الحميد الثاني ليتنازل عن فلسطين فطرده ورفض كل الإغراءات ومنع هجرة اليهود إلى فلسطين، فعملوا على إطاحته. 1316 هـ/1898 م ظهور جمعية الاتحاد والترقي الداعية إلى القومية التركية (الطورانية) وإلغاء الخلافة الإسلامية بدعم من يهود الدونمة. 1328 هـ/1910 م خلع السلطان عبد الحميد الثاني، وسيطرة الاتحاد والترقي على الأوضاع. 1332 هـ/1913 م احتلال إيطاليا لليبيا. 1333 - 1337 هـ/1914 - 1918 م أقحمت الدولة العثمانية نفسها في الحرب العالمية الأولى مع ألمانيا بدون مبرر لذلك، وانهزمت ألمانيا، وبالتالي

مراحل انهيار الإمبراطورية العثمانية

انهزمت الدولة العثمانية واستسلمت، فقطعت الدول الأوروبية أجزاءها وابتلعتها. 1342 هـ/1923 م إعلان الجمهورية التركية، وجعل الخلافة للشؤون الدينية فقط، وصار اليهودي العلماني/مصطفي كمال رئيسًا للجمهورية وهو من قادة حزب الاتحاد والترقي. 1343 هـ/1924 م إلغاء الخلافة نهائيًا وطرد بيت السلاطين من تركيا، وهكذا طويت صفحة آخر خلافة إسلامية. * * * مراحل انهيار الإمبراطورية العثمانية الدول العربية تواجه العثمانيين:- كانت الدول العربية تقع بين عاملين هامين أحدهما يجذبها إلى تركيا وهو كونها إمبراطورية إسلامية تمثل وحدة المسلمين وترابطهم. والعامل الثاني هو رغبة هذه الدول في الاستقلال وبناء نفسها بعيدًا عن الدولة العليا التي طالما أهملتها، فاشتدت الحركات الاستقلالية ضدها وكان من أبرزها:- في مصر: حركة علي بك الكبير ثم حركة محمد علي. في فلسطين: حركة الزعيم البدوي ظاهر العمر (المعاصر لعلي بك الكبير). في لبنان: حركة فخر الدين المعني ثم حركة الشهابيين.

في العراق: حركات الباشوات المماليك، وفي قمتهم سليمان باشا (أبو ليلى). في اليمن: حركة الزيدية. في الجزيرة العربية: قيام الدولة السعودية مع فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب. في شمال أفريقية: استبد بالسلطة زعماء محليون. وقد لعب السنوسيون دورًا كبيرًا في بعض أجزاء الشمال الإفريقي (¬1). * * * السلطان عبد الحميد (الثاني) بن عبد المجيد 1293 - 1327 هـ/1876 - 1909 م:- آخر السلاطين الأقوياء من سلاطين الدولة العثمانية، ويعتبر من أشهرهم وأطولهم خلافة. وحدثت في عهده أحداث هامة، وشهدت الإمبراطورية أفول نجمها بعزله، سقط قبله سلطانان: عبد العزيز الذي خلع ثم قتل، ثم مراد الذي جن ثم خلع، وقد شارك كبار ضباط الجيش ورجال الدولة في الحدثين. حفل عهده بهزائم دولية واسعة وخسائر عسكرية أليمة نزلت بالدولة نتيجة مواجهتها لتكتلات دولية أوروبية مسيحية لم تستطع الدولة مقاومتها، فخسرت أجزاء كبيرة من ممتلكاتها في أوروبا وآسيا وأفريقية. ووصل الجيش الروسي إلى العاصمة العثمانية. ¬

_ (¬1) موسوعة التاريخ الإسلامي. د/أحمد شلبي.

الدستور العثماني:- أعلن السلطان في مطلع عهده (1293 هـ/1876 م) الدستور العثماني القائم على الشورى، وجرت انتخابات عامة عقب ذلك، ولكنه عاد فأوقفه سنة 1295 هـ/1878 م. وعاد إلى أسلوب الحكم المطلق كسالفيه. * * * جمعية تركيا الفتاة:- قامت هذه الجمعية نتيجة لإيقاف الدستور من جانب، وللهزائم التي نزلت بالدولة من جانب آخر. وكان مركزهم في باريس وجنيف، ونجحوا أخيرًا في عقد رباط بينهم وبين الجيوش التركية في مقدونيا حيث تألفت جمعية الاتحاد والترقي وانضم مصطفي كمال إليهم، وأخذوا يطالبون بإعادة الدستور. * * * العودة للدستور وفكرة الجامعة الإسلامية:- تحت ضغط هذه الجماعة اضطر السلطان عبد الحميد أن يعيد الدستور بعد 31 عامًا من إيقافه وكان ذلك سنة 1326 هـ/1908 م، ثم ألغاه بعد عدة شهور، وكانت الجيوش التابعة لجماعة الاتحاد والترقي قد وصلت إلى العاصمة وهزمت جيوش السلطان، وتم عزله ومصادرة جميع أملاكه وطرده من البلاد سنة 1327 هـ/1909 م. وكان السلطان قبل هذه الأحداث بفترة وجيزة دعا إلى فكرة الجامعة الإسلامية لربط المسلمين في شتى البلاد. ووجد هذا الاتجاه صدى كبيرًا في نفوس المسلمين. ودعا كثير من الناس للدعوة الحميدية. وكان قصد السلطان من ذلك دعم وتحسين موقفه المتدهور، ولم تنجح هذه الدعوة، ولم تتحقق.

ديكتاتورية رجال الاتحاد والترقي:- عندما آلت السلطة الفعلية إليهم بعد عزل السلطان باشر هؤلاء حكمًا مطلقًا استبداديًا غير مبالين بالدستور أو الشريعة، ثم جاء (كمال أتاتورك) على شاكلتهم. * * * مصطفي كمال أتاتورك (أبو الأتراك) 1342 - 1357 هـ/1923 - 1938 م:- زعيم تركي. كان ضابطًا في الجيش العثماني. اشترك في جمعية تركيا الفتاة، وبرز اسمه سنة 1334 هـ/1915 م عندما استطاع رد هجوم الحلفاء على الدردنيل. وفي سنة 1338 هـ/1919 م أسس الحزب الوطني التركي الذي حل محل جماعة الاتحاد والترقي، ومن أشهر أعماله انتصاراته الكبيرة على اليونان وطردهم من الأناضول سنة 1340 هـ/1921 م، وكان وثيق العلاقة بالغرب، عقد معهم معاهدة لوزان سنة 1342 هـ/1923 م، وبمقتضاها بسطت تركيا سلطانها من جديد على جميع آسيا الصغرى والقسطنطينية وتراقيا الشرقية. * * * رئيسًا للجمهورية:- في سنة 1342 هـ/1923 م ألغى الخلافة الإسلامية وحول تركيا إلى جمهورية علمانية، وأصبح رئيسًا لها رياسة ديكتاتورية وتجدد انتخابه عدة مرات ولم ينقذ الناس منه إلا موته سنة 1357 هـ/1938 م.

انتماءاته ومحاربته للإسلام:- يقول شيخ الإسلام: (إن مصطفي كمال كان عميق الصلة بطائفة (الدونمة) اليهودية، بل هو منها)، كما يؤكد (أن أعضاء جماعة الاتحاديين والكماليين " أتباع مصطفي كمال " تابعون جميعًا للمحفل الماسوني) (¬1)، ومنذ أن آلت السلطة إليه أبعد تركيا عن الإسلام تمامًا فألغى الخلافة الإسلامية نهائيًا في تركيا، وقطع كل صلة لها مع الإسلام والدول الإسلامية، واستبدل الدستور العثماني بدستور مدني (الدستور السويسري)، فدفع تركيا بذلك دفعًا إلى العلمانية (أي فصل الدين عن الدنيا) وتتبع ذلك في كل مظاهر الحياة في تركيا. لذا نلاحظ أن من أبرز اتجاهات تركيا الحديثة اتجاهها نحو الغرب، وتقليل علاقاتها مع الشرق الإسلامي. ظل مصطفي كمال يشغل منصب رئيس الجمهورية حتى تُوفي سنة 1357 هـ/1938 م. انتهى هذا اليهودي العلماني، ولم يخلف للأتراك إلا الفقر والضياع. - تابع بقية أحداث الجمهورية التركية في الباب القادم - ¬

_ (¬1) الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة العثمانية/شيخ الإسلام مصطفى صبري.

الفصل الثاني جزيرة العرب والشام والعراق

(الأحوال في البلاد الإسلامية خلال العهد العثماني) الفصل الثاني جزيرة العرب والشام والعراق (923 - 1342 هـ) (1517 - 1923 م) تمهيد: في بداية هذا العهد توجه اهتمام المسلمين نحو الجزيرة العربية بعد ما كانت مهملة، وكان السبب قدوم المستعمرين البرتغاليين إلى الخليج العربي وجنوب الجزيرة، وكانوا يهددون بدخول المدينة المنورة وأخذ رفات النبي صلى الله عليه وسلم وعدم إعادته إلا برد بيت المقدس إليهم. أنهت الدولة العثمانية وجودهم في المنطقة. وكان العثمانيون والمسلمون عمومًا يمرون بفترة ضعف وجمود مقابل التقدم الأوروبي الهائل في كل المجالات. أما داخل الجزيرة فبقى مهملًا إلى أن قامت الدولة السعودية واحتضنت دعوة ابن عبد الوهاب السلفية الإصلاحية، فقضى عليها العثمانيون بواسطة حاكم مصر محمد علي. وكان الإنكليز قد بسطوا نفوذهم على الساحل الشرقي، وعقدوا المعاهدات مع أمرائه وشيوخه.

الأشراف بالحجاز

ودخل القرن الرابع عشر الهجري/العشرين الميلادي، وكثرت الإمارات في الجزيرة العربية، سواء على أطرافها أم في داخلها، وكان معظمها على خلاف مع العثمانيين. وبعد الحرب العالمية الأولى (1333 - 1337 هـ/1914 - 1918 م) بدأت كل دولة تتطور منفصلة عن غيرها وتعمل لوحدها بعد أن سقطت الإمبراطورية العثمانية، ودخلت الصليبية (متمثلة في إنكلترا) الأجزاء الشرقية والجنوبية من جزيرة العرب. وإليكم التفصيل:- الأشراف بالحجاز 355 - 1344 هـ/965 - 1925 م:- المقصود بالأشراف هم نسل الحسن بن علي، والسيد هم نسل الحسين بن علي. وآل البيت لهم مكانة سامية عند المسلمين. ولا شك أن الكثيرين منهم كانوا جديرين بالانتساب لهذه الأرومة الطيبة، ولكن وجد من بينهم من استغل هذا النسب لأغراضه الشخصية ضد مصالح المسلمين. وأول من حكم مكة من الأشراف جعفر الحسني (355 - 370 هـ/965 - 980 م)، ويقال أنه كان من زعماء الجيش الفاطمي، وقد أرسلوه إلى مكة لتخليصها من القرامطة، فنجح في مهمته، واستقر بها، وكون السلطة لأسرته، وحكم أبناؤه من بعده. انتقلت الشرافة إلى عدة فروع من بني الحسن إلى أن وصلت إلى الشريف قتادة بن إدريس وهو خامس فرع من بني الحسن وبدأت سلطته سنة 598 هـ/1201 م.

ومن أهم الأشراف من نسل قتادة أبو نمي الأول، وأبو نمي الثاني وهو الذي سافر إلى مصر لإعلان تسليم الحرمين للسلطان سليم العثماني سنة 923 هـ/1517 م. وظهرت ثلاثة فروع من أسرة أبي نمي الثاني وهي: آل بركات - وآل زيد - وآل عون. ومن أشهر أشراف آل زيد الشريف سرور والشريف غالب. * * * الشريف حسين بن علي بن محمد آل عون 1326 - 1343 هـ/1908 - 1924 م:- نصبته الدولة العثمانية سنة 1326 هـ/1908 م، وأثناء الحرب العالمية الأولى عقد اتفاقية مع بريطانيا على أن يقود العرب في ثورة ضد العثمانيين، وبالمقابل تعترف بريطانيا به ملكًا على العرب. أعلن الشريف ثورته سنة 1336 هـ/1916 م باسم (الثورة العربية الكبرى) وعقب إلغاء الخلافة العثمانية رسميًا في 1343 هـ/1924 م، أعلن الشريف حسين نفسه خليفة على المسلمين، وتصرفه الخاطئ هذا أثار ضده كل زعماء المسلمين، واتهموه بأنه يبحث عن مصالحه الشخصية دون اهتمام بمصالح المسلمين. * * * الصراع بين الأشراف والسعوديين:- بدأ هذا الصراع العسكري عندما أعلنت مناطق تربة وخرمة (بين نجد والحجاز) الانضمام إلى السعوديين، فسير إليها الشريف حسين حملة كبيرة لاقت هزيمة منكرة سنة 1338 هـ/1919 م. وكان حمق الشريف يدفعه إلى التدهور والتقهقر، فساءت علاقته بالعالم العربي والإسلامي ثم أعلن تمرده على الإنجليز وهم أولياء نعمته الذين مدوه بالمال والسلاح والنفوذ منذ البداية.

انضمام الحجاز للدولة السعودية: هذه الظروف هيأت الجو لفتح الحجاز، فقدمت حملة سعودية سنة 1343 هـ/1924 م فأخذت الطائف، وألحقت بالأشراف هزيمة ساحقة، فانهار الشريف حسين وتنازل لابنه علي وسافر. حاصرت القوات السعودية المدينة، ثم تقدمت فدخلت مكة فالقنفذة والليث ورابغ، ثم حاصروا جدة مدة عام تقريبًا، استسلمت بعدها وفي نفس الوقت استسلمت المدينة أيضًا سنة 1344 هـ/1925 م، فغادر علي بن الحسين. وانقرض زمن الأشراف، ودخلت الحجاز في حوزة السعودية.

نسب البيت السعودي الكريم

نجد (وقيام الدولة السعودية) 1139 هـ/1727 م حتى الآن:- بعد أن أخضع العثمانيون الحجاز تطلعوا إلى إخضاع نجد، فكلفوا أشراف الحجاز بذلك، فغزوها مرات عديدة خلال الفترة (986 - 1107 هـ/1578 - 1695 م) ووصلت نجد وما حولها في هذه الفترة إلى أسوأ أحوالها فانتشر بها الفقر والجهل وسيطرة اللصوص وقطاع الطرق، كما انتشر الشرك بالله والتقرب للقبور والبدع. إلى أن قامت الدولة السعودية. * * * نسب البيت السعودي الكريم:- تنسب هذه الأسرة العظيمة في مدارج الأنساب إلى جدهم الكبير سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن المسيب (ومانع لقبه المريدي) ويعود مانع في أصوله إلى قبيلة بكر بن وائل المنحدرة من جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. فيلتقي نسب هذا البيت بنسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم في جده، ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان - وينتمي آل سعود إلى عشيرة عنزة من ضبيعة (أحد أولاد نزار). * * * استقرار الأسرة في الدرعية:- كان الأمير مانع المريدي (الجد الأعلى للأسرة) يقطن ببلدة (الدروع) من أعمال القطيف بشرق الجزيرة العربية، وكان يربطه بابن درع (رئيس حجر اليمامة) صلة نسب، فدعا ابن درع مانعًا، واقطعه من أملاكه مرتفع في وادي حنيفة يشتمل على

قريتي (المليبيد) و (غصيبة) (تبعد 12 ميل من الرياض) - فاستقر مانع مع صحبه وآله في هذه المنطقة وبنوا مساكنهم وسموها (الدرعية) على اسم بلدتهم الأولى في القطيف. كان ذلك في سنة 850 هـ/1446 م ثم توالى أبناء مانع وأحفادهم على إمارة الدرعية والقرى التي حولها (ولم يتجاوزوها إلى مناطق أخرى) إلى أن آلت الإمارة إلى محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان سنة 1139 هـ/1727 م. فتمت المعاهدة التاريخية بينه وبين الإمام محمد بن عبد الوهاب، وبدأت بذلك الدولة السعودية. * * * أدوار الدولة السعودية:- الدور الأول 1139 - 1233 هـ/1727 - 1817 م الإمام محمد بن سعود 1139 - 1179 هـ/1727 - 1765 م:- المعاهدة التاريحية بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب:- في هذه الفترة قيض الله لهذه المنطقة الداعية الكبير الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي خرج من بلدة العيينة (بنجد) يدعو إلى الدين القويم والعودة إلى ما كان عليه السلف من صفاء العقيدة ونبذ الشرك والبدع. فلقي صعوبات كثيرة إلى أن تم بينه وبين محمد بن سعود حاكم الدرعية العهد التاريخي بأن يآزره ليبلغ الدعوة. كان ذلك في عام 1157 هـ/1744 م، فانطلق الشيخ يصحح الأوضاع الدينية المتردية، فقويت الدرعية سياسيًا ودينيًا، وانطلقت جيوشها لتوحيد الأجزاء المتفرقة فضمت كل بلاد العارض (عدا الرياض) وأغلب منطقة الخرج وحائر والوشم والمحمل وسدير، ونشرت الدعوة فيها.

حكام آل سعود في الأدوار الثلاثة م ــ الحكام ــ فترة الحكم * الدور الأول: 1 - محمد بن سعود ... 1139 - 1179 هـ/1737 - 1765 م 2 - عبد العزيز بن محمد ... 1179 - 1218 هـ/1765 - 1803 م 3 - سعود بن عبد العزيز ... 1218 - 1229 هـ/1803 - 1813 م 4 - عبد الله بن سعود ... 1229 - 1233 هـ/1813 - 1817 م 5 - مشاري بن سعود ... 1235 هـ/1819 م (عدة شهور فقط) * * * * الدور الثاني: 6 - تركي بن عبد الله ... 1235 - 1249 هـ/1819 - 1833 م 7 - فيصل بن تركي (المرة الأولى) ... 1250 - 1255 هـ/1834 - 1838 م 8 - خالد بن سعود ... 1255 - 1257 هـ/1838 - 1841 م 9 - عبد الله بن ثنيان ... 1257 - 1259 هـ/1841 - 1843 م 10 - فيصل بن تركي (المرة الثانية) ... 1259 - 1282 هـ/1843 - 1865 م 11 - عبد الله بن فيصل ... 1282 - 1286 هـ/1865 - 1869 م 12 - سعود بن فيصل ... 1286 - 1291 هـ/1869 - 1874 م 13 - عبد الرحمن بن فيصل ... 1307 - 1309 هـ/1889 - 1891 م * * * * الدور الثالث: 14 - عبد العزيز بن عبد الرحمن ... 1319 - 1373 هـ/1901 - 1954 م 15 - سعود بن عبد العزيز ... 1373 - 1384 هـ/1954 - 1964 م 16 - فيصل بن عبد العزيز ... 1384 - 1395 هـ/1964 - 1975 م 17 - خالد بن عبد العزيز ... 1395 - 1402 هـ/1975 - 1982 م 18 - فهد بن عبد العزيز ... 1402 - 1982 هـ - إلى الآن (خادم الحرمين الشريفين) - حفطه الله -

الشيخ محمد بن عبد الوهاب: - نشأته وتعلمه ودعوته: ولد الشيخ في بلدة العيينة بنجد سنة 1115 هـ/1703 م، وكان والده قاضيًا وعالمًا حفظ الشيخ القرآن في مطلع العمر، وقرأ على أبيه الكثير من الكتب الإسلامية، ثم راح يطوف بالبلاد لتلقي العلم فذهب إلى مكة والمدينة والبصرة والعراق وكردستان وهمذان وأصفهان وقم والأحساء، ثم عاد إلى بلده، وأخذ يجهر بضرورة تغيير الحال المنحرف في تلك البقاع، وكانت الأحوال الدينية تدهورت في نجد وما حولها إلى أبعد الحدود، فقد فشا الشرك والاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور والاستعانة بالجن والذبح لهم وغيرها من الانحرافات. وهذه كلها أعلن الشيخ الحرب عليها، فواجه معارضة شديدة، وكان لا بد له من قوة تساند دعوته، فكانت المعاهدة التاريخية التي أشرنا إليها، والتي حالفها التوفيق والنجاح فخلصت البلاد مما كانت عليه. * * * فكر الشيخ ومؤلفاته، ووفاته: - كان الشيخ يتخذ من أحمد بن تيمية رائدًا له. وكان يستمد مذهبه الفقهي من الكتاب والسنة واتباع السلف الصالح. وكان في الفروع الفقهية يتبع مذهب الإمام ْأحمد بن حنبل. وعني بالعقيدة والتوحيد عناية عظيمة، وكان يتبع في ذلك مذهب السلف، وله مؤلفات كثيرة أشهرها: كتاب التوحيد، كشف الشبهات، كتاب الكبائر، كتاب الإيمان، مختصر الإنصاف، الشرح الكبير، ومختصر سيرة ابن هشام وغيرها. توفي سنة 1206 هـ/1792 م.

ملاحظة: - ينظر رجال التاريخ إلى حركة ابن عبد الوهاب الإصلاحية التي شملت كل الجزيرة والدول المجاورة لها، والتي قامت على أكتاف الأسرة السعودية وآل الشيخ نظرة إجلال وإكبار. بل ويعتبرونها أحد العوامل الرئيسية في نهضة العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري (¬1). * * * عبد العزيز بن محمد 1179 - 1218 هـ/1765 - 1803 م: - يعتبر عهده عهد التوسع، فامتدت الدولة من الكربلاء (جنوب العراق) إلى عمان ورأس الخيمة، ومن الخليج العربي إلى أطراف الحجاز وعسير. * * * سعود الكبير بن عبد العزيز 1218 - 1229 هـ/1803 - 1813 م: - يعتبر عصره قمة ازدهار الحكم السعودي، فأخضع الحجاز وعمان وبلغ حوران من بلاد الشام فامتد نفوذه على معظم الجزيرة وبلغت الدولة أقصى اتساع لها. ونشير هنا إلى أن آل سعود اهتموا بنشر العقيدة الإسلامية والقوانين الإسلامية السلفية في كل المناطق التي خضعت لنفوذهم، وهذا أدى إلى اختفاء المنكرات واستتباب الأمن والنظام. ¬

_ (¬1) تاريخ المملكة العربية السعودية/محمد سيد إبراهيم، ص 130.

الحملة المصرية/التركية الأولى 1227 - 1228 هـ/1812 - 1813 م: - خافت الدولة العثمانية من ازدياد قوة السعوديين، ومن انتشار الدعوة الإصلاحية، كما أن انتزاع الحجاز من سلطانهم يعد تهديدًا خطيرًا لمكانتهم كخلفاء للمسلمين، فكلف العثمانيون والي مصر محمد علي القضاء على الدولة السعودية. فأرسل حملة بقيادة ابنه طوسون فاستطاع الاستيلاء على الحجاز وبعض نجد. * * * عبد الله بن سعود 1229 - 1233 هـ/1813 - 1817 م: - الحملة المصرية التركية الثانية (1233 هـ/1817 م): أرسل محمد علي حملة جديدة بقيادة ابنه إبراهيم نزلت بالمدينة، وأحكمت قبضتها عليها، ثم زحفت نحو نجد فتساقطت بلاد نجد في يد هذه الحملة حتى وصلوا إلى الدرعية وحاصروها وضربوها إلى أن استسلمت واستسلم عبد الله، فأرسل إلى مصر ثم استنبول حيث أعدم. فانتهت بموته الدولة السعودية الأولى. * * * حالة نجد بعد عبد الله بن سعود: دمر إبراهيم باشا بيوت الدرعية ومساجدها، ثم ترك البلاد وهي في غاية الفوضى والاضطراب. وعادت نجد إمارات صغيرة ضعيفة، فاستولى محمد بن مشاري بن معمر (وكان من أغنياء الدرعية) على أكثر مناطقها. قدم مشاري بن سعود فتولى الحكم في سنة 1235 هـ/1819 م، ثم قبض عليه ابن معمر في نفس العام وسلمه للعثمانيين فقتلوه، وعاد يحكم الدرعية.

الدور الثاني للدولة السعودية 1235 - 1309 هـ/1819 - 1891 م: - تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود 1235 - 1249 هـ/1819 - 1833 م: - دخل الدرعية وتخلص من ابن معمر، فقدمت حملات عثمانية أجبرته على الخروج من الرياض، وعاد وتمكن من هزيمتهم فبويع بالحكم. جعل الرياض عاصمته، وبدأ يعيد الأمور إلى نصابها إلى أن قتله غدرًا ابن أخته مشاري بن عبد الرحمن. * * * فيصل بن تركي (المرة الأولى) 1250 - 1255 هـ/1834 - 1838 م: - كان في بعض نواحي القطيف على رأس جيش حين علم بمقتل أبيه، فعاد إلى الرياض من فوره، وتمكن من قتل مشاري انتقامًا لأبيه، ثم تولى الإمامة والحكم. أخضع أكثر الإمارات ما عدا الحجاز، وأعاد الأمن والنظام إلى الجزيرة. وهو الذي عين عبد الله بن الرشيد أميرًا على حائل. انزعج محمد علي (حاكم مصر)، فأرسل حملة احتلت نجد، وقبض على فيصل وأرسل إلى مصر سنة 1255 هـ/1838 م وأقامت الحملة خالد بن سعود الذي تربى في مصر، أقامته أميرًا على البلاد لتفريق الأسرة السعودية.

خالد بن سعود بن عبد العزيز بن محمد 1255 - 1257 هـ/1838 - 1841 م: - كان صورة في الحكم، بينما الحكم الفعلي للمصريين، فكرهه أهل نجد، ولم تخضع له جهات كثيرة إلى أن طرد بعد نهاية حكم مصر في الجزيرة سنة 1256 هـ/1840 م * * * عبد الله بن ثنيان 1257 - 1259 هـ: - خلع مثل خالد. * * * فيصل بن تركي (المرة الثانية) 1259 - 1282 هـ/1843 - 1865 م: - عاد من مصر واسترد الحكم، واستطاع بعد فترة وجيزة من استعادة كل أملاكهم السابقة ما عدا الحجاز، فأعاد بذلك الأمن والاستقرار للمنطقة. * * * الحروب الأهلية بين أبناء فيصل 1282 - 1309 هـ/1865 - 1891 م: - تنازع أبناء فيصل (عبد الله وسعود) على السلطة، فنشبت بينهم حروب دامية، أضعفت الأسرة وسببت الفوضى والاضطرابات. وانتهت باستيلاء محمد الرشيد حاكم حائل على أملاكهم. ففر عبد الرحمن بن فيصل وأسرته إلى الأحساء فالقطيف فقطر فالكويت حيث استقر بها ونزل ضيفًا على آل الصباح سنة 1309 هـ/1891 م. وانتهت بذلك الدولة السعودية الثانية.

الدور الثالث للدولة السعودية (العصر الحديث) 1319 هـ/1901 م يرتبط قيام الدولة السعودية الثالثة بشخصية تعددت فيها نواحي التفوق والجلال والعظمة، تلك هي شخصية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن. لقد خلقت المحن هذا البطل العظيم. ودفعته الأقدار ليلعب دورًا يشبه الأحلام والأساطير. * * * الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن 1319 - 1373 هـ/1901 - 1953 م: - أقامت أسرة عبد الرحمن بن فيصل في الكويت إلى سنة 1319 هـ. حيث عاد عبد العزيز بن عبد الرحمن إلى الرياض، واستطاع أن يستولي عليها، ويقتل ابن عجلان (الحاكم من قبل آل رشيد) ولم يكن مع عبد العزيز إلا ستين رجلًا. والخطة التي استعاد بها عبد العزيز الرياض كانت مغامرة عظيمة جمعت بين الدقة والتنظيم والمفاجأة. وكانت كما قلنا تشبه الأساطير والخيال، بذلك استعاد عاصمة ملكهم ووضع أساس الدولة السعودية الحديثة.

فتوحات الملك عبد العزيز وتوحيد البلاد 1319 - 1349 هـ/1901 - 1932 م: - - استعاد الرياض وما يحيط بها من آل الرشيد سنة 1319 هـ/1901 م. - استعاد الخرج والأفلاج وبلاد نجد وما حولها من آل الرشيد سنة 1321 هـ/1904 م. - استعاد عنيزة من آل الرشيد سنة 1322 هـ/1905 م. - استعاد بريدة (في معركة روضة مهنا) من آل الرشيد سنة 1324 هـ/1906 م. - استعاد الأحساء وبقية المنطقة الشرقية من العثمانيين سنة 1331 هـ/1913 م. - استعاد حائل من آل الرشيد وقضى عليهم نهائيًا سنة 1340 هـ/1921 م. - استعاد منطقة عسير وقضى على إمارة آل عايض سنة 1338 - 1340 هـ/1919 - 1922 م - استعاد الحجاز وقضى على حكم الأشراف نهائيًا سنة 1343 - 1344 هـ/1924 - 1925 م - أعلن انضمام تهامة عسير (المقاطعة الإدريسية) للمملكة سنة 1349 هـ/1930 م. - في 21/ 5/1351 هـ - 22/ 9/1932 م صدر مرسوم ملكي وحد أجزاء المملكة جميعًا، فأصبحت مملكة واحدة باسم (المملكة العربية السعودية)، وأصبح لقب عبد العزيز (ملك المملكة العربية السعودية).

المملكة في عهد عبد العزيز:- كون علاقات سياسية جيدة مع شتى الدول الإسلامية والأوروبية، انضمت المملكة إلى الأمم المتحدة وإلى الجامعة العربية كعضو مؤسس 1365 هـ/1945 م فأصبحت الدولة في عهده عضو فعال دوليًا. ومسموعة الكلمة عربيًا وإسلاميًا. أما إصلاحاته الداخلية فقد اهتم بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، والعناية بشؤون الحجاج، وعمل على استتباب الأمن والاستقرار. بدأ بنقل البدو الرحل إلى هجر ثابتة. وقامت في عهده الطيب نهضة في البلاد في كل المرافق. ساعد على ذلك اكتشاف النفط في شرق المملكة سنة 1357 هـ/1938 م. * * * مآثر الملك عبد العزيز:- خلف مملكة عظيمة من أشتات كانت متصارعة، وأقام دولة شامخة، متماسكة انصاع فيها الجميع وافتخر بها الجميع، ولما كون هذه المملكة الفسيحة فتح أبوابها للحضارة والمجد وهيأها لتأخذ مكانها العظيم في التاريخ. * * * وفاته:- حكم جلالته أكثر من نصف قرن تمكن خلالها من توحيد الجزيرة العربية وتثبيت الأمن والاستقرار فيها، فوضع أساس الدولة السعودية الحديثة. تُوفي رحمه الله سنة 1373 هـ/1953 م رحمه الله رحمة واسعة وأحسن مكافأته نظير ما قدمه للإسلام والمسلمين.

الأوضاع بعد الملك عبد العزيز:- تعاقب أبناؤه على الحكم كالتالي:- الملك سعود 1373 - 1384 هـ/1953 - 1964 م:- عين عبد العزيز ابنه الكبير سعود وليًا لعهده، وابنه الثاني فيصل وليًا لعهد سعود، كان الملك سعود يمثل الاتجاه التقليدي المحافظ في الحكم. وكان فيصل يمثل الطبقة المثقفة المستنيرة، وكان ذلك سبب للصراع بينهما، أدى إلى اضطراب الأحوال السياسية والاقتصادية في البلد. فقرر العلماء وأسرة آل سعود خلع الملك سعود وتنصيب فيصل ملكًا للبلاد سنة 1384 هـ/1964 م فتم ذلك. الملك فيصل 1384 - 1395 هـ/1964 - 1975 م:- لم يكن فيصل جديدًا على الحكم ولا على الحياة الدولية، فقد كان ساعد أبيه الأيمن واكتسب خبرات سياسية عميقة. ويعتبر الملك فيصل المؤسس الحقيقي للدولة السعودية الحديثة، ففي عهده الزاخر امتدت يد الإصلاح والتطوير إلى كل مرافق الدولة. ووضعت الخطط التنموية الطموحة وعمت البلاد نهضة شاملة جعلتها في مصاف الدول الحديثة المتقدمة، وفيصل له جهوده العظيمة في الميدان العربي والإسلامي، وكذلك في الميدان الدولي. ومن مواقفه العظيمة موقفه في حرب رمضان 1393 هـ/1973 م ضد إسرائيل، حيث مد مصر وسوريا بدعم مالي لا حدود له. واستعمل سلاح منع البترول ضد الدول

المؤيدة لإسرائيل. وعرف عنه دومًا دعوته للتضامن الإسلامي، وتطلعه للوحدة الإسلامية، وكانت نهاية هذا البطل العظيم على يد ابن أخيه المسمى/فيصل بن مساعد بن عبد العزيز حيث قتله غدرًا بالرصاص سنة 1395 هـ/1975 م رحمه الله وأجزل مثوبته. الملك خالد بن عبد العزيز 1395 - 1402 هـ/1975 - 1982 م:- تولى بعد أخيه وكان وليًا لعهده. وأكمل المسيرة المباركة وتواصلت خطوات البناء والعمار والخير وقطفت في عهده ثمار الخير التي زرعها الراحل فيصل وكان عهده عهد رخاء وخير عميم. فقد عمت الطفرة المادية أرجاء البلد ونعم بخيراتها الجميع. تُوفي سنة 1402 هـ/1982 م. الملك فهد بن عبد العزيز 1402 هـ/1982 م - وحتى الآن:- تولى بعد خالد وكان وليًا لعهده. وتلقب - حفظه الله - بخادم الحرمين الشريفين، وتعيش الدولة في ظل عهده الميمون أوج تقدمها وازدهارها في كل المجالات. ومن أعظم المواقف التي تبناها موقفه إزاء أزمة الخليج (احتلال العراق للكويت) حيث استطاع بتصرفه الحكيم في الوقت المناسب من كبح جماح صدام وإيقاف زحفه نحو المملكة ودول الخليج وهزيمته ودحره أخيرًا، وطرده من الكويت. ومن أعماله الجليلة عمارة الحرمين الشريفين وهي أكبر وأعظم عمارة للحرمين شهدها التاريخ. وما زالت السفينة المباركة تسير وعين الله ترعاها.

إمارة آل رشيد في حائل

إمارة آل رشيد في حائل 1250 - 1340 هـ/1834 - 1921 م:- ينتمي آل رشيد إلى شمر وهي من قبيلة طيء المعروفة. وأول من تولى الحكم منهم عبد الله بن رشيد (1250 - 1265 هـ/1834 - 1848 م) فهو مؤسس هذه الإمارة، وكان من قادة جيش فيصل بن تركي آل سعود، حيث ساعد الإمام فيصل في معاركه وفتوحاته، فكافأه فجعله أميرًا على حائل. ووصل سلطان آل الرشيد القمة في عهد محمد عبد الله الرشيد حيث امتد سلطانه حتى سيطر على كل نجد والرياض وتيماء وخيبر وإلى قرب الخليج، ووصل أحيانًا إلى تدمر وجبال حوران (¬1). انهزم عبد الرحمن بن فيصل أمامهم ففر بأهله إلى الكويت، ثم خاض الملك عبد العزيز معهم حروبًا دامية، فاسترد منهم الرياض ثم بقية نجد ثم القصيم سنة 1324 هـ/1906 م حيث قتل أميرهم عبد العزيز بن متعب (1315 - 1324 هـ/1897 - 1906 م). وأخيرًا استطاع الملك عبد العزيز القضاء على حكمهم باستيلائه على حائل آخر معاقلهم سنة 1340 هـ/1921 م (¬2)، فطويت صفحتهم إلى الأبد. * * * إمارة آل عائض في عسير 1250 - 1340 هـ/1834 - 1922 م:- كانت أبها عاصمة هذه الإمارة. ومؤسسها هو عائض. ويقال إن عائض كان جنديًا باسلًا في جيش آل سعود، وأظهر كفاءة حريية فائقة ضد الجنود المصرية، ¬

_ (¬1) قلب جزيرة العرب/فؤاد حمزة، ص 352. (¬2) نجد الحديث وملحقاته/أمين الريحاني.

فأوصى به قائده علي بن مجثل إلى ابن سعود، فثبته هذا في الإمارة بعد ابن مجثل (¬1). وكانت عسير تابعة للسعوديين منذ سنة 1216 هـ/1801 م. بلغت إمارة آل عائض قمتها في عهد محمد بن عائض. فقد امتدت مملكته إلى عسير السراة، وقسم من الحجاز وغامد وزهران. وقسم كبير من تهامتي عسير واليمن حوالي سنة 1298 هـ/1880 م. وقد خافت الدولة العثمانية نتيجة هذا التوسع فقضت عليه. في سنة 1328 هـ عينت الدولة العثمانية/حسن بن علي بن محمد بن عائض مساعدًا للوالي التركي أبان الفتن التي عصفت بالمنطقة. بعد زوال العثمانيين ونهاية الحرب العالمية الأولى، استقل آل عائض بإماراتهم. ولكن الزحف السعودي تقدم فضم هذه المناطق سنة 1338 - 1340 هـ/1919 - 1922 م. * * * إمارة الأدارسة في صبيا وجيزان وتوابعها 1289 - 1349 هـ/1872 - 1930 م:- قامت هذه الإمارة على أنقاض إمارة أبو عريش، وجدُّ الأدارسة كان من رجال العلم والصلاح، وجاء من المغرب الأقصى، وكان أول من أعلن قيام الأدارسة وهو محمد علي الإدريسي. حيث استقل بصبيا وأبي عريش، وأظهر الولاء للدولة العثمانية فثبتته. ¬

_ (¬1) ملخص التاريخ الإسلامي/مطلق العتيبي، ص 176.

في سنة 1328 هـ/1910 م أعلن الانفصال عن الدولة العثمانية، وعقد معاهدات مع إيطاليا وانجلترا لدعم أمارته. بلغت دولتهم أقصى اتساع لها، فشملت قبائل قحطاني (جنوب عسير) والقسم الأكبر من تهامة وشملت ما كان معروفًا بالمخلاف السليماني وجيزان وغيرها وجزء من اليمن. وعقب وفاة محمد الإدريسي في سنة 1341 هـ/1922 م لم يستطع خلفاؤه الضعفاء حفظ دولتهم، فاستولى الإمام يحيى الزيدي ملك اليمن على الحديدة وبعض مناطق الساحل، فطلب الأمير حسن الإدريسي حماية الملك عبد العزيز سنة 1345 هـ/1926 م، ثم طلب أن تضم بلاده إلى المملكة العربية السعودية وتصير جزءًا منها سنة 1349 هـ/1930 م فتم إعلان ذلك. في سنة 1353 هـ/1934 م هاجم الإمام يحيى منطقة عسير فاستولى على نجران، فأرسل إليه الملك عبد العزيز ابنه الأمير فيصل فحقق انتصارات عظيمة واستولى على الحديدة وعدة مواقع أخرى. وأخيرًا انتهى الصراع بين اليمن والسعودية بتوقيع معاهدة الطائف في نفس العام على أن تكون الحديدة لليمن وجيزان ونجران وعسير وتوابعها للسعودية. * * * البحرين (شرق الجزيرة العربية):- كان مسمى البحرين يشمل سابقًا (المنطقة الشرقية من المملكة وقطر والبحرين والكويت وجزء من الإمارات) وقد حكمها أسر من بني عقيل إلى أن استولى عليها البرتغاليون في الفترة (921 - 957 هـ) ثم خضعت للعثمانيين، وفي سنة 1081 هـ ثار

براك الخالدي على العثمانيين، وأخذ المنطقة ثم خضعت للدولة السعودية سنة 1208 هـ. وانقسمت خلال هذه الفترة إلى:- منطقة الأحساء والقطيف:- استولى العثمانيون على الأحساء أول مرة سنة 963 هـ/1555 م، استولى آل حميد على الأحساء بقيادة براك بن غرير سنة 1081 هـ/1670 م وهم بطن من بني خالد الحجاز. استولى الإمام سعود الكبير بن عبد العزيز على الأحساء وغيرها من المناطق التابعة لبني خالد. ولكن وقع انقلاب ضده عقبه رحيله، واضطربت الأمور بالأحساء، فاستولى عليها العثمانيون للمرة الثانية سنة 1213 هـ/1798 م بعد الغزو المصري لبلاد نجد واستسلام الدرعية أعاد هؤلاء الأحساء إلى بني خالد. في عهد الإمام تركي بن عبد الله استعاد السعوديون الأحساء من بني خالد. زحف جيش مصر إلى نجد، ودخل الرياض واستولى أيضًا على الأحساء سنة 1254 هـ/1838 م. واستعادها السعوديون في عهد سعود بن عبد الرحمن بن فيصل سنة 1287 هـ/1870 م. وفي العام التالي عاد العثمانيون واحتلوها للمرة الثالثة. ثم اقتحمها الملك عبد العزيز واستسلم له العثمانيون، وأصبحت الأحساء جزء من المملكة العربية السعودية سنة 1331 هـ/1913 م. * * * الكويت:- الكويت هو مجموعة من البيوت الصغيرة أو تصغير لكلمة الكوت وهي القلعة.

لقد كان موضع الكويت الحالية فلاة فسيحة. فلم يرد لها ذكر في التاريخ. وكان العرب يخيمون في هذا الموقع في مواسم هطول الأمطار ثم يرحلون. ولم تعمر إلا في مطلع القرن 12 هـ/18 م وتقول أقرب الروايات إلى الدقة أن قحطًا طويلًا دفع مجموعة من عائلات قبيلة (عنزه) إلى الهجرة من نجد بحثًا عن موطن أيسر حياة، وأهم هذه العائلات آل صباح وآل خليفة، فقدموا إلى قطر في البداية. ولكن آل مسلم (حكام قطر آنذاك) ألجأوهم إلى الخروج خوفًا من سطوة آل صباح. فتحركوا حتى حطوا رحالهم في منطقة الكويت، وأتفقوا أن يتولى آل صباح شئون الحكم، وآل خليفة شئون التجارة، وذلك في سنة 1129 هـ/1716 م. وأعلنوا تبعيتهم للعثمانيين في سنة 1180 هـ/1766 م، ثم ترك آل خليفة الكويت برغبتهم ورحلوا إلى الزبارة (قطر) واستطاعوا فيما بعد أن يتغلبوا على آل مسلم ويتولوا حكم قطر. في سنة 1317 هـ/1899 م دخلت الكويت برغبتها في الحماية البريطانية. * * * أمراء آل صباح في الكويت من سنة 1129 هـ/1716 م - حتى الآن:- 1 - صباح الأول (1131 - 1190 هـ/1718 - 1776 م) 2 - عبد الله بن صباح 3 - جابر بن عبد الله 4 - صباح بن جابر 5 - عبد الله بن صباح 6 - محمد بن صباح 7 - مبارك بن صباح (1314 - 1334 هـ/1896 - 1915 م) ويعتبر عهده نقطة تحول في تاريخ البلاد، فقد برزت الكويت إلى الوجود بفضله

وأصبح لها كيان معروف في منطقة الخليج وعلى الصعيد الدولي. ثم تولى:- 8 - جابر بن مبارك 9 - سالم بن مبارك 10 - أحمد بن جابر 11 - عبد الله بن سالم (1370 - 1385 هـ/1950 - 1965 م) في عهده استقلت البلاد عن بريطانيا سنة 1381 هـ/1961 م، وأصبحت دولة واضحة المعالم، غنية، لها كيان اقتصادي وسياسي. تولى بعده أخوه: 12 - صباح بن سالم 13 - جابر بن أحمد سنة 1398 هـ/1978 م - وحتى الآن. * * * تاريخ دولة البحرين:- كان اسم البحرين القديم دلمون، ثم سميت أوال، وأخيرًا سميت البحرين. خضعت المنطقة لنفوذ القرامطة (286 - 469 هـ/899 - 1076 م) ثم استولى عليها عبد الله بن علي العيوني وضمها للدولة العيونية (469 - 642 هـ/1076 - 1244 م) بعد سقوط هذه الدولة خضعت هذه الجزر للفرس وحكمها حكام عرب تابعين للفرس. وأهم هذه القبائل العربية قبيلة بني عقيل وفروعها آل عصفور وآل جبر وآل جروان. في مطلع القرن 10 هـ/16 م دخل النفوذ البرتغالي للمنطقة، وتمكن العرب من طردهم في القرن التالي. وعاد النفوذ الفارسي للمنطقة، ثم أصابه الوهن في أواخر القرن 12 هـ/19 م.

حكام آل خليفة في البحرين منذ سنة 1197 هـ/1781 م حتى الآن:- وفي سنة 1197 هـ/1782 م دخل أحمد بن محمد بن خليفة إلى البحرين وتمكن من احتلالها بعد طرد عامل الفرس. وانتقلت أسرة آل خليفة من قطر إلى البحرين. أسرة آل خليفة:- يرجع نسب آل خليفة إلى قبيلة جميلة من عنزة، وكانوا في الأفلاج في نجد، ثم هاجروا مع أبناء عمومتهم آل صباح فسكنوا في الكويت ثم استقروا في قطر خلال الفترة (1160 - 1196 هـ)، وكان يحكم قطر آل مسلم (من بني خالد) فاستولى آل خليفة عليها، ثم استولوا على البحرين من الفرس كما ذكرنا. وفي سنة 1267 هـ/1850 م طردهم الحاكم السعودي فيصل بن تركي من قطر، فاقتصر حكم آل خليفة على البحرين فقط. وحكام البحرين هم:- 1 - أحمد بن محمد بن خليفة 2 - سلمان بن أحمد 3 - عبد الله بن أحمد 4 - محمد بن خليفة بن سلمان 5 - عيسى بن علي 6 - حمد بن عيسى 7 - سلمان بن حمد 8 - عيسى بن سلمان (وهو الأمير الحالي) واستقلت الدولة عن بريطانيا سنة 1391 هـ/1971 م.

تاريخ دولة قطر:- كانت قطر جزءًا من البحرين أو الأحساء، وفي كثير من الأحوال كانت منطقة البحرين تتبع البصرة أو اليمامة كما سبق القول. في القرن 8 هـ/14 م استولى بنو نبهان العمانيون على قطر. ولم يطل مقامهم بها، ومن بعدها تناوب على حكم قطر وغيرها من مناطق البحرين كثيرون من أهل البلاد. في سنة 922 هـ/1517 م استولى البرتغاليون على قطر مع ما استولوا عليه من مناطق الخليج. في سنة 943 هـ/1937 م طرد العثمانيون البرتغاليين واستولوا على المنطقة، وعندما ضعفت الدولة العثمانية استطاع آل حميد من بني خالد أن يطردوا العثمانيين سنة 1080 هـ/1669 م، ويصبحوا ملوك الأحساء. تمكنت أسرة آل خليفة من الاستيلاء على قطر من الخوالد سنة 1180 هـ/1766 م وعندما ظهرت الدولة السعودية الأولى مدت نفوذها إلى قطر في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد، وأرسلت لذلك حملتين 1202 - 1208 هـ/1787 - 1793 م. وبعد سقوط الدرعية استولى آل خليفة (أمراء البحرين) على قطر. ثم أعاد السعوديون غزوهم لقطر في عهد الإمام فيصل بن تركي سنة 1267 هـ/1850 م، وتم طرد آل خليفة من قطر، وطلب أهل قطر بزعامة آل ثاني الأمان، فأمنهم الأمير السعودي. آل ثاني في قطر 1264 هـ/1847 م وحتى الآن:- يرجع نسبهم إلى قبيلة تميم، وكانوا يقيمون في الوشم من بلاد نجد في الجزيرة العربية، ثم هاجروا إلى سلوى (قرب الأحساء) ثم انتقلوا واستقروا في قطر.

وكانوا من أعوان آل خليفة (الذين كانوا يحكمون قطر سابقًا) ومن قوادهم العسكريين، ومؤسس العائلة هو الشيخ ثاني بن محمد. بعد انتصار آل خليفة على الفرس وطردهم من بلاد البحرين سنة 1197 هـ/1782 م نقلوا عاصمتهم من قطر إلى المنامة في البحرين، وجعلوا آل ثاني نوابًا عنهم على قطر، فصار محمد بن ثاني تابعًا لآل خليفة لا يتصرف في أمر إلا بموافقتهما ومحمد بن ثاني هو أول من بويع بالإمارة في هذه الأسرة سنة 1264 هـ/1847 م. وكان ابنه نائبه قاسم يميل إلى الاستقلال والانفصال عن آل خليفة مما جعلهم يقبضون عليه. وقامت حروب بسبب ذلك بين آل ثاني وآل خليفة، وتدخلت بريطانيا، وانتهت المشكلة باتفاقية بين الطرفين، وكانت هذه الاتفاقية أساس استقلال قطر. بعد الشيخ محمد بن ثاني تولى ابنه الشيخ قاسم بن محمد (1295 - 1331 هـ/1878 - 1913 م) ويعتبر من عظماء الساسة وكبار القادة وهو مؤسس إمارة آل ثاني المستقلة، وقد قضى على مناوئيه، وانتصر على العثمانيين وكان يعارض سياسة الإنجليز بشدة وهو بكل هذه المواقف يعد أعظم قطري في النصف الأول من القرن العشرين (الميلادي). حكام آل ثاني:- 1 - محمد بن ثاني 2 - قاسم بن محمد 3 - عبد الله بن قاسم 4 - علي بن عبد الله 5 - أحمد بن علي 6 - خليفة بن محمد

7 - ثم تولى أخيرًا الشيخ حمد بن خليفة بعد انقلاب أبيض على والده في سنة 1416 هـ/1995 م، استقلت قطر سنة 1391 هـ/1971 م. * * * الإمارات العربية المتحدة:- كانت هذه الإمارات أصلًا جزءًا من عمان، لذا فإن تاريخ عمان هو تاريخ هذه الإمارات حتى تم انفصالها عن عمان. وقد بدأ الاستقلال في هذه المنطقة في سنة 1154 هـ/1741 م حيث أعلن رحمة بن مطر زعيم القواسم الاستقلال بالمنطقة واتخذ رأس الخيمة عاصمة له. دخلت هذه الإمارات الساحلية تحت السيطرة البريطانية سنة 1236 هـ/1820 م، وكانت بعد انفصالها عن عمان تتمتع بقوة بحرية هائلة، فجردها الاستعمار من هذه القوة، واتهمها بالقرصنة البحرية، ثم أمعن في إضعافها بتقسيمها إلى سبع وحدات:- هي أبو ظبي، ودبي، الشارقة، عجمان، أم القوين، رأس الخيمة، الفجيرة. * * * تكريف بالإمارات:- أبو ظبي: أكبر إمارات ساحل عمان، وحكامها آل نهيان من قبيلة بو فلاح فرع من قبيلة بني ياس العمانية الكبيرة. وقد استقروا في أبو ظبي حوالي سنة 1175 هـ/1761 م، ويُعتبر الشيخ/عيسى بن نهيان أول حكام آل نهيان. وخلفه دياب بن عيسى ثم تولى زعامة آل بو فلاح ابنه شخبوط بن دياب (1208 - 1232 هـ/1793 - 1816 م) وكان زعيمًا واسع الأفق، وفي عهده تأكدت

زعامة آل بو فلاح علي بني ياس ثم توالى على الحكم محمد بن شخبوط، طحنون بن شخبوط، خليفة بن شخبوط، سعيد بن طحنون، ثم تولى الشيخ/زايد بن خليفة 1272 - 1327 هـ/1855 - 1909 م، وفي عهده أصبحت أبو ظبي من أكبر إمارات ساحل عمان مساحةً وقوة سياسية. ويعتبر عصره من أزهى عصور الإمارة ثم توالى على الإمارة عدة شيوخ إلى أن انتهت إلى الشيخ زايد بن سلطان سنة 1386 هـ/1966 م وهو الحاكم الحالي لإمارة أبو ظبي وباقي الإمارات المتحدة. * * * دبي: تأتي في المرتبة الثانية بعد أبو ظبي ويحكمها أسرة آل مكتوم منذ سنة 1249 هـ/1833 م وهم فرع من فروع بني ياس. ويرجع الفضل في تقدم دبي إلى الشيخ سعيد آل مكتوم 1331 - 1378 هـ/1912 - 1958 م، وتولى بعده ابنه الشيخ/راشد بن سعيد. * * * الشارقة: إمارة متوسطة المساحة. وحكامها القواسم منذ 1236 هـ/1820 م. * * * رأس الخيمة: إمارة متوسطة. وحكامها القواسم منذ 1338 هـ/1919 م. * * * عجمان: إمارة صغيرة. يحكمها آل النعيمي. * * * أم القوين: إمارة صغيرة. يحكمها آل معلا. * * * الفجيرة: إمارة صغيرة. يحكمها آل الشرقي. استقلت هذه الإمارات عن بريطانيا سنة 1391 هـ/1971 م. وأقامت بينها اتحاد في نفس العام برئاسة/زايد بن سلطان آل نهيان. ورفضت قطر والبحرين الانضمام إلى هذا الاتحاد.

الأحوال في عمان: دولة بني يعرب (اليعاربة) في عمان 1034 - 1151 هـ/1624 - 1738 م:- تنحدر قبيلة اليعاربة من أصل أزدي، فهي قبيلة غافرية شمالية، وكانت قبيلة عادية بين قبائل عمان. فلما سقطت البلاد ضحية التفكك والانقسام في الداخل، والهجوم البرتغالي الاستعماري من الخارج ظهر ذلك الرجل العملاق ناصر بن مرشد، وقاد بلاده إلى السلامة، وبدأ فيه امتيازه ومواهبه وإخلاصه للمهمة الكبرى التي كانت تنتظره. وقد تم انتخابه ومبايعته بعد مشاورات ومناقشات بين أهل الحَلِّ والعقد. وأعظم ملوك اليعاربة:- الإمام ناصر بن مرشد 1034 - 1059 هـ/1624 - 1649 م:- أول ملوك اليعاربة. ومن أعظم ملوك عمان قاطبة. وكان بطلًا عظيمًا. استطاع أن يجمع عمان تحت قيادة واحدة بعد فرقة امتدت أكثر من سبعة قرون. ثم أعلن الحرب والجهاد ضد البرتغاليين لتحرير بلاده، فاسترد منهم هرمز وصحار ورأس الخيمة، وحاصرهم في باقي المناطق.

الإمام سلطان بن سيف 1059 - 1079 هـ/1649 - 1668 م:- أكمل جهود ناصر، فاستطاع أن يستعيد من البرتغاليين كل ما كان قد تبقى بأيديهم من عمان فطردهم 1069 هـ/1658 م من مسقط ومطرح. وتتبعهم في مراكزهم في شرقي أفريقية، وفي الهند واتجه لحصارهم في ممبسة، وطردهم من الصومال وردها لأهلها. وكان بالإضافة إلى إنجازاته العسكرية رجل تعمير وتجارة، فطور بلده في هذه النواحي (¬1). * * * الإمام سيف بن سلطان 1079 - 1123 هـ/1668 - 1711 م: آخر السلاطين العظماء في اليعاربة. استولى 1110 هـ/1698 م على ممبسة، وقد كانت تعتبر عاصمة المستعمرات البرتغالية بشرقي أفريقية وسقوطها كان أساسا لانهيارهم وخروجهم من المنطقة. واستطاع أن يطردهم من بعض الجزر والمدن في الهند. وكان قد كون اسطولًا بحريًا عظيمًا. واهتم كثيرًا بالعمران وإصلاح المرافق والتجارة والزراعة. * * * نهاية الدولة:- بعد ذلك تفشت الخلافات في الدولة. وكثر الطامعون في الحكم، وظهر الصراع القبلي بين العدنانيين والقحطانيين، كل ذلك أدى إلى انحدار الدولة وضعفها ثم انهيارها وسقوطها تحت براثن الاحتلال الفارسي. ¬

_ (¬1) معالم تاريخ الجزيرة العربية/سعيد باوزير، ص 169.

دولة آل بو سعيد في عمان 1154 هـ/1741 م وحتى الآن:- قبيلة آل بو سعيد قبيلة هناوية جنوبية هاجرت من اليمن إلى عمان منذ عهد بعيد، وكان اهتمامها محصورًا في التجارة. * * * أحمد بن سعيد يتزعم عمان 1154 - 1188 هـ/1741 - 1774 م:- شهدت السنوات الأخيرة من حكم اليعاربة اضطرابًا وتفككًا وصورًا من تدخل الفرس العسكري في شؤون البلاد. فاتخذ الإمام سيف بن سلطان اليعربي أحمد بن سعيد مستشارًا له، وعهد إليه بإدارة صحار، فلمع نجمه، وفي نفس الوقت زاد الصراع بين اليعاربة، فقادوا البلاد إلى الفتن فأهلكوا وهلكوا. في هذه الفترة نشط أحمد بن سعيد ليدافع عن بلاده. واستطاع بجهود جبارة أن يعيد لها الوحدة والاستقلال. وأنهي احتلال الفرس لعمان. وأصبح سيد البلاد. وهكذا استطاع الرجل أن يؤسس أسرة مالكة جديدة في المنطقة. ولكن سرعان ما أصاب هذه الأسرة ألوان من الانقسامات والتفكك. فعاشت في صراع مستمر. وكان العقوق من أبرز مظاهرها. * * * الاحتلال البريطاني لعمان:- بدأ تدخل بريطانيا في شؤون عمان سنة 1213 هـ/1798 م وأصبحت عمان تحت الحماية البريطانية سنة 1252 هـ/1836 م. وفي أثناء الحرب العالمية الأولى سنة 1332 هـ/1913 م احتلت بريطانيا عمان ودول الساحل الخليجي.

أعظم سلاطين البوسعيديين:- سلطان بن أحمد 1206 - 1219 هـ/1792 - 1804 م:- جعل التوسع الخارجي سياسة ثابتة له، فصارت الدولة في عهده تتكون من شريط ساحلي في شبه جزيرة العرب، ويضاف إليه عدة جزر وموان حتى حدود باكستان، بالإضافة إلى جزيرة زنجبار، وله إسهامات حضارية. فقد فتح الباب لألوان من التقدم والمدنية لم تدخل البلاد من قبل (¬1). * * * سعيد بن سلطان 1221 - 1273 هـ/1806 - 1856 م:- وحد البلاد بعد الصراعات والانقسامات التي غرقت فيها، واسترد ما ضاع من مناطق، ثم نقل عاصمة ملكه من مسقط إلى زنجبار سنة 1248 هـ/1832 م واستطاع أن يجعلها مستودعًا هائلًا للتجارة. وامتد نفوذه داخل القارة حتى وصل إلى حدود الكونغو وأوغندا وروديسيا. عودة الإمامة الإباضية 1332 - 1375 هـ/1913 - 1955 م:- اختفت الإمامة أمدًا طويلًا يقرب من قرن ونصف، وفي سنة 1332 هـ/1913 م اجتمع زعماء الإباضية واختاروا راشد بن سالم الخروصي إمامًا، وأعلنوا خلع السلطان ¬

_ (¬1) الخليج العربي/د. صلاح العقاد.

اليمن

البوسعيدي، وبعد موت الخروصي سنة 1339 هـ/1920 م بويع محمد بن عبد الله الخليلي إمامًا، وعقب وفاته سنة 1374 هـ/1954 م تم اختيار غالب بن علي، وفي عهده تفجر الخلاف بين الإمام والسلطان فزحف جيش السلطان بقيادته وبمساعدات بريطانيا وهزم قوات الإمام وألغى الإمامة نهائيًا سنة 1375 هـ/1955 م. * * * قابوس بن سعيد 1390 هـ/1970 م (السلطان الحالي):- في عهد والده السلطان/سعيد بن تيمور اتجهت عمان نحو العزلة والانغلاق. حتى أصبحت نقطة هامدة على خريطة العالم، فلا تعليم ولا صحة ولا تخطيط ولا نظم إدارية واقتصاد البلاد في القاع، في سنة 1390 هـ/1970 م أبعد قابوس والده وتولى الحكم في البلاد. فكان مطلع عهد جديد، كان قابوس نافذة نور لعمان، وكانت يده تعمل في كل مجال. فارتقى بالبلاد، ورأت البلاد في عهده أنضر عهودها، وما زالت المركب تسير (¬1). * * * اليمن:- في بداية القرن العاشر كانت اليمن خاضعة للدولة الطاهرية، ما عدا أطرافها الشمالية فقد كان خاضعًا للأئمة الزيدية. قضى المماليك على الطاهريين بسبب وقوفهم ضد المماليك أثناء الغزو البرتغالي ¬

_ (¬1) موسوعة التاريخ الإسلامي/أحمد شلبي، جـ 7، ص 277.

الفاشل على اليمن. وكان القضاء على الطاهريين سنة 923 هـ/1517 م. وانسحب المماليك بعد انهيار دولتهم. * * * اليمن تحت السيطرة العثمانية:- سيطر العثمانيون على اليمن في الفترة 945 - 1045 هـ/1538 - 1635 م، وظلوا في حروب متواصلة مع الأئمة الزيدية إلى أن طردوا. احتل الانكليز عدن سنة 1253 هـ/1837 م. سيطر العثمانيون على البلاد من جديد ما عدا الشمال في الفترة 1265 - 1337 هـ/1848 - 1918 م وانسحبوا بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، فأصبحت اليمن قسمين:- 1 - قسم تحت حكم الإمام الزيدي يحيى حميد الدين (مناطق انسحاب العثمانيين). 2 - قسم تحت سيطرة الانكليز وهي عدن وتوابعها. عرف القسم الأول باليمن الشمالية وعاصمتها صنعاء، وقد قامت في صنعاء ثورة السلال سنة 1382 هـ/1962 م والتي قضت نهائيًا على حكم الأئمة الزيدية وأتت بالنظام الجمهوري في اليمن الشمالية. والقسم الثاني عرف باليمن - الجنوبية وعاصمتها عدن، وقد استقلت اليمن الجنوبية عن الاستعمار البريطاني سنة 1388 هـ/1968 م.

العراق

العراق في العهد العثماني:- الصفويون في العراق:- استطاع الشاه إسماعيل الصفوي مؤسس هذه الأسرة أن يستولي على العراق سنة 914 هـ/1508 م فأصبحت العراق ولاية تابعة لهم. وكان هؤلاء من غلاة الرافضة المتعصبين، لذا انصب جل اهتمامهم على تشييع العراق، حتى أنهم هدموا قبور أئمة السنة، وقتلوا جماعة من السنيين. وكانت فترتهم قصيرة، فقد زحف عليهم العثمانيون، ودخلوا على عاصمتهم تبريز، وألحقوا بهم هزيمة منكرة في معركة جالديران سنة 920 هـ/1514 م. * * * العثمانيون في العراق:- ثم تعاقب العثمانيون والصفويون عدة مرات على حكم العراق، وتوالت الحروب بينهم، إلى أن تم توقيع صلح بينهما، أصبحت بموجبه العراق ولاية عثمانية منذ 1048 هـ/1638 م، وظلت العراق في أحضان الدولة العثمانية مدة أربعة قرون تقريبًا. وخلال هذه الفترة الطويلة استمرت البلاد متفسخة وفي حالة من الجهل وانتشار الفساد وتردي الاقتصاد. * * * بريطانيا في العراق:- بعد دخول العثمانيين الحرب العالمية الأولى مع ألمانيا (عدوة بريطانيا)، قامت بريطانيا باحتلال العراق 1337 هـ/1918 م. في سنة 1340 هـ/1921 م عينت

الشام

بريطانيا فيصل بن الحسين (من أشراف مكة) ملكًا على العراق (كبديل عن الانتخابات العامة والتي كان الشعب يطالب بها) فخلفه ابنه غازي، وخلف غازي ابنه فيصل (وهو طفل) والوصي عليه خاله عبد الإله. وقامت ثورة 1378 هـ/1958 م وقتل فيها الملك وأسرته، وأعلن قيام النظام الجمهوري في العراق. * * * بلاد الشام (خلال العهد العثماني):- كانت بلاد الشام (واسمها [الحديث] (*) سوريا) خاضعة لسلطة المماليك مباشرة منذ سنة 658 هـ/1259 م. * * * العثمانيون في الشام:- استولت الدولة العثمانية على بلاد الشام من المماليك سنة 922 هـ/1516 م، واستمر ذلك إلى سنة 1337 هـ/1918 م (أكثر من أربعة قرون)، والسلطة خلالها كانت للعثمانيين فعلًا. ولكن كان هناك نوع من الاستقلال لبعض المناطق، ففي لبنان حكمت أسرة فخر الدين المعني (1516 - 1697 م)، ثم أسرة بشير الشهابي (1698 - 1842 م)، وحكمت أسرة العظم دمشق وأجزاء أخرى من سوريا ولبنان، وحكم (ظاهر العمر 1737 - 1775 م) أجزاء كبيرة من لبنان وفلسطين، وقضى عليه أحمد الجزار (1775 - 1804 م) الذي أيده العثمانيون. فعظم سلطانه، وبلغ أوج مجده وعزه سنة 1412 هـ/1799 م حينما أوقف زحف نابليون وصمد بعاصمته عكا صمودًا جبارًا، فأجبر نابليون على التراجع.

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع، (القديم)

الاستعمار الأوروبي في الشام:- في سنة 1337 هـ/1918 م وعقب نهاية الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورلة العثمانية، استولت فرنسا على سوريا ولبنان، واستولت بريطانيا على فلسطين والأردن. قامت ثورات عنيفة في بلاد الشام ضد الاحتلال. وفي سنة 1360 هـ/1941 م حصلت سوريا ولبنان على استقلالها. أما بالنسبة للأردن، فقد عينت انجلترا عبد الله بن الحسين (من أشراف الحجاز) أميرًا على إمارة شرق الأردن سنة 1341 هـ/1922 م، وتطورت الإمارة وأصبحت مملكة سنة 1366 هـ/1946 م. بينما سلمت إنجلترا فلسطين لليهود سنة 1368 هـ/1948 م.

الفصل الثالث الأوضاع في أفريقيا

الفصل الثالث الأوضاع في أفريقيا (923 - 1342 هـ) تمهيد:- كانت مصر أكثر بلاد أفريقية أهمية فهي قريبة من مركز العالم الإسلامي والطريق إلى باقي أفريقيا، وهي المركز الذي تولى قتال البرتغاليين في أواخر عهد المماليك وبداية العثمانيين، ولم تسلم من الأطماع الصليبية، فقد وصلها الاستعمار الفرنسي (1213 - 1216 هـ/1798 - 1801 م)، وكانت بداية الهزيمة النفسية الكبيرة لدى المسلمين والشعور بالضعف أمام الأوروبيين، وكان للأزهر دور تعليمي وجهادي رائع. أما بلاد الغرب فقد ضعف شأنها عن السابق، فقد ضاعت الأندلس وغدت بلاد المغرب متطرفة. وليس هناك ثغور أو رباط إسلامي، فكانت مرمى أطماع الصليبيين، وقد بدأوا ينازلون سواحلها. وفي غربي أفريقيا بدأ الإسلام في هذه الفترة ينتشر بطيئًا. وتعد تلك المنطقة مجهولة في هذا العصر. وكان الاستعمار يتقدم هناك مع حرصه على أن يبقى المسلمين هناك تحت وطأة الفقر والجهل والضعف.

(وادي النيل مصر والسودان) خلال العهد العثماني

أما شرقي أفريقيا فقد تمكن الصليبيون في بداية هذه المرحلة من السيطرة عليها، وتمكن المسلمون من طرد البرتغاليين منها، وسيطرت عمان على أجزاء كبيرة من شرقي أفريقيا ثم سيطر المستعمرون على تلك الجهات. وفي وسط أفريقيا كان التقدم الإسلامي بطيئًا جنوبي الصحراء ثم استعمرت البلاد. وفي نهاية هذه المرحلة وصل المسلمون إلى درجة خطيرة من الضعف مكنت الأعداء من السيطرة عليهم واستعمار بلادهم. * * * (وادي النيل: مصر والسودان) خلال العهد العثماني:- 1 - مصر:- كانت من أهم مناطق العالم الإسلامي في هذه المرحلة لموقعها الجغرافي الذي وجه الصليبيين ضدها، وزادت أهميتها بعد افتتاح قناة السويس. في العهد المملوكي كانت من أقوى الدول فهي مركز الخلافة الإسلامية، وبعد القضاء على المماليك سنة 923 هـ/1517 م قلت أهميتها، فقد أصبحت استانبول مركز الخلافة الإسلامية. وكان المماليك في مصر مديرين للمقاطعات. حركة علي بك الكبير 1182 - 1187 هـ/1768 - 1772 م:- كان واليًا لمصر (وهو من المماليك) أعلن الاستقلال وضم الحجاز وسوريا، قتله قائد جيوشه، بعد موت علي بك مرت البلاد بفترة عصيبة مريرة، استولى خلالها عدة

مماليك على السلطة وسخروها لنزواتهم وشهواتهم، وعانى الشعب أشد المعاناة خلال هذه الفترة، وكان الصراع والتناحر في أشده بين هؤلاء المماليك (وهم: إسماعيل، إبراهيم، مراد). في سنة 1206 هـ/1791 م أصاب مصر الطاعون الكبير وهلك فيه الكثيرون. * * * الحملة الفرنسية على مصر والشام 1213 - 1216 هـ/1798 - 1801 م:- قدم الفرنسيون إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت واستولوا على الإسكندرية والقاهرة واستخدموا العنف، ثم انطلقوا نحو الشام فأخذوا غزة ويافا وفشلوا في حصار عكا فرجعوا إلى مصر. وفشل العثمانيون في التصدي لهم، عاد نابليون إلى فرنسا بسبب أوضاعها الداخلية. وترك الجيش في مصر فضعفت معنوياته واضطر أن يعود سنة 1216. ومن نتائج هذه الحملة شعور المسلمين بالهزيمة النفسية نظرًا لتخلفهم الحضاري وتقدم أوروبا وقوتها، كذلك بدأت الفاسد الأخلاقية تنتشر. والحق أن فرنسا وسواها من دول الاستعمار الأوروبي لم تأت إلى الشرق إلا لمحارية الإسلام من جانب، ولسلب ثروات الشرق من جانب آخر، ومن العبث أن يفكر إنسان أن هؤلاء كانوا حملة إصلاح أو دعاة حضارة لبلاد الشرق (¬1). ¬

_ (¬1) موسوعة التاريخ الإسلامي/أحمد شلبي، جـ 5، ص 329.

محمد علي 1218 - 1265 هـ/1803 - 1848 م:- كان قائد الفرقة الألبانية في الجيش العثماني، عينه العلماء بسبب ظلم وتعسف الولاة العثمانيين، فأقرته الدولة، كان ذكيًا طموحًا أزال كل القوى المنافسة له. * * * محاولة القضاء على الدولة السعودية:- كلفه العثمانيون القضاء على السعوديين فسير حملتين إلى جزيرة العرب أخضعت الحجاز وقضت على الدولة السعودية سنة 1233 هـ/1817 م ووصلت إلى عسير. * * * مذبحة المماليك 1226 هـ/1811 م:- خاف محمد علي أن يرسل جيشه للقضاء على الدولة السعودية وخطر المماليك موجودًا في الداخل، فجمعهم لغرض توديع الجيش، وحشدهم في القلعة، ثم أصدر أوامره بالقضاء المبرم عليهم. وهكذا انتهوا نهائيًا ولم يعد لهم أثر. * * * أبرز أعماله:- أخضع السودان سنة 1235 هـ/1820 م تعرض جيش مصر لهزيمة كبيرة في اليونان سنة 1243 هـ/1827 م من أساطيل انكلترا وفرنسا وروسيا. ويبدو أن ذلك بموافقته ليحصل على تأييد انكلترا في استقلاله بمصر. استولى على بلاد الشام وهزم الجيش العثماني سنة 1247 هـ/1831 م وزحف شمالاً إلى آسيا الصغرى حتى وصل إلى قلب الأناضول، وأصبحت استانبول مفتوحة أمامه. ولكن وبضغط من انكلترا اضطر أن ينسحب من الأناضول ويترك بلاد الشام والحجاز مقابل استقلاله بمصر.

إصلاحاته الداخلية:- اهتم محمد علي اهتمامًا كبيرًا بأن يجعل من مصر دولة حديثة تلحق بركب التقدم الأوروبي، فقامت نهضة كبيرة في عهده، فأدخل بعض الصناعات الحربية، وأنشأ المدارس العليا والمطابع، وقام بإصلاحات زراعية وصناعية وتجارية، وله منشآت عمرانية كثيرة. في عهد الخديوي توفيق تدخلت فرنسا وانكلترا في كل شؤون مصر بموافقة كاملة منه وهذه خيانة منه لشعبه، فنقم عليه الشعب والجيش، فكانت ثورة أحمد عرابي التي قضى عليها الانكليز واحتلوا مصر في 1299 هـ/1882 م ظهرت المقاومة وبرز زعماء وطنيون قريبين من الاتجاه الإسلامي أمثال مصطفي كامل ومحمد فريد، وقد نكل بهم الانكليز، ألغت انكلترا الحماية عن مصر وأعطتها الاستقلال سنة 1340 هـ/1921 م -، وفاز حزب سعد زغلول بزعامة البلاد وهو من أنصار انكلترا ويبدو أن كل ذلك بتخطيط منها، بقيت سلالة محمد علي تحكم مصر إلى أن قضت ثورة الضباط الأحرار على الملك فاروق سنة 1372 هـ/1952 م وأقامت النظام الجمهوري. * * * حكام أسرة محمد علي باشا:- ْ1 - محمد علي 1220 هـ/1805 م (المؤسس) 2 - إبراهيم بن محمد علي 1265 هـ/1848 م 3 - عباس بن طوسون 1266 هـ/1848 م

2 - السودان

4 - سعيد بن (محمد علي) 1271 هـ/1854 م 5 - إسماعيل بن إبراهيم 1280 هـ/1863 م 6 - توفيق بن إسماعيل 1297 هـ/1879 م 7 - عباس حلمي بن توفيق 1310 هـ/1892 م 8 - حسين كامل بن إسماعيل 1333 هـ/1914 م 9 - أحمد فؤاد بن إسماعيل 1336 هـ/1917 م 10 - فاروق بن فؤاد 1355 هـ/1936 م 11 - أحمد بن فاروق 1372 - 1373 هـ/1952 - 1953 م وأبرز حكام هذه الأسرة هم: محمد علي، وإسماعيل بن إبراهيم. * * * 2 - السودان (¬1):- انتشر فيها الإسلام بشكل هادئ متدرج، وقامت فيها ممالك إسلامية كمملكة الفونج (في الوسط والشرق) 911 - 1237 هـ/1505 - 1821 م. مملكة دارفور في الغرب 850 - 1293 هـ/1446 - 1876 م. مملكة شمال السودان 911 - 1236 هـ/1505 - 1820 م. وقد أخضع محمد علي معظم بلاد السودان سنة ¬

_ (¬1) انظر تاريخ العرب الحديث/رأفت الشيخ.

بلاد المغرب

1237 هـ/1821 م. قامت الحركة المهدية في الفترة 1299 - 1317 هـ/1881 - 1899 م، حيث أعلن محمد أحمد عبد الله أنه المهدي المنتظر لبعث الأمة فتبعه كثيرون وسيطر على أغلب البلاد إلى أن قضى على حركته بجيش مصري تحت قيادة انجليزية سنة 1317 هـ/1899 م ثم طبق على السودان الحكم الثنائي (المصري/الانكليزي) واستمر ذلك حتى نالت استقلالها سنة 1376 هـ/1956 م. بلاد المغرب:- قامت في بلاد المغرب (على أنقاض دولة الموحدين) عدة دول أهمها الحفصيين في تونس، بني عبد الواد في الجزائر، ودولة بني مرين ثم بني وطاس في الغرب، ومع مرور الزمن ضعفت هذه الدول بسبب صراعاتها وتفرقها وبعدها عن عقيدتها إلى أن استطاع الصليبيون اقتسام البلاد وخيراتها. * * * 1 - ليبيا:- كانت ليبيا خاضعة لبني حفص. ولما ضعف هؤلاء مرت البلاد بفترة ضعف واضطراب وعدم استقرار. * * * الاستعمار الإسباني في طرابلس:- فكانت النتيجة سقوطها في يد الاستعمار الأسباني خلال الفترة 916 - 936 هـ/1510 - 1530 م.

فرسان القديس يوحنا بطرابلس:- تنازل الأسبان عن المنطقة لفرسان القديس يوحنا، وهم منظمة مسيحية لها أغراض دينية وعسكرية، وكان ذلك خلال الفترة 936 - 958 هـ/1530 - 1551 م. * * * العثمانيون في ليبيا (الفترة الأولى):- دخل العثمانيون ليبيا. وطردوا فرسان يوحنا، فخضعت لهم البلاد خلال الفترة 958 - 1123 هـ/1551 - 1711 م. حكم أسرة القرمللي 1123 - 1251 هـ/1711 - 1835 م:- هي أسرة تركية من قرمان بآسيا الصغرى. وقد حققت هذه الأسرة استقلالاً يكاد يكون تامًا. واستطاع مؤسسها أحمد باشا القرمللي أن يحصل على فرمان من الأستانة بأن تكون الولاية وراثية لبنيه من بعده. وكان هذا المؤسس هو أعظم حكام هذه الأسرة، واستطاع أن يصل بالبلاد إلى الاستقرار الداخلي والخارجي. وسقطت هذه الأسرة بعد حكم دام 128 عامًا بسبب الخلافات الداخلية. والهيمنة الأوروبية على شواطئ شمال أفريقية، حيث عجزت الأسرة عن قيادة البلاد، فعادلت إلى العثمانيين. * * * العثمانيون في ليبيا (الفترة الثانية) 1251 - 1330 هـ/1835 - 1911 م: استمرت هذه الفترة إلى أن وقعت ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي، وأهم ما يذكر

عن العهد العثماني في ليبيا أنه فصلها عن تونس وجعلها ولاية مستقلة ووضع لها حدودًا واضحة. وخلال العهد التركي الثاني عانت ليبيا أشد المعاناة من الفوضى والاستبداد وإهمال مصالحها، فأخذت هذه الولاية العثمانية تنحدر مع الإمبراطورية إلى خاتمتها (¬1). * * * الاحتلال الإيطالي 1330 هـ/1911 م:- أمرت إيطاليا الدولة العثمانية بترك ليبيا لها، فامتثلت الأخيرة لشدة ضعفها، فأصبح هذا الشعب المسكين أمام وجه المدفع. ويحكي لنا التاريخ أن هذه القوات الغاشمة ارتكبت أفظع الجرائم واستباحت كل شيء في البلاد. وسقط عشرات الآلاف من القتلى. * * * المقاومة الوطنية وعمر المختار:- اشتعلت المقاومة الوطنية في عدة أماكن، وعدة مرات، وكانت تنتهي بالفشل الذريع، لقسوة إيطاليا في قمعها. وأبرز حركات المقاومة والجهاد هي التي قادها الشيخ/عمر المختار خلال الفترة (1923 - 1931 م) والتي انتهت بالقبض عليه وإعدامه. * * * تحرير البلاد والاستقلال:- بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، تعاونت قوات الحلفاء مع الليبيين ¬

_ (¬1) قضية ليبيا/محمود الشنقيطي، ص 19 - 26.

2 - تونس

في طرد إيطاليا من ليبيا سنة 1362 هـ/1943 م، وحكمت البلاد من قبل إدارة انجليزية/فرنسية إلى أن نالت استقلالها سنة 1371 هـ/1951 م، وأصبحت مملكة، وملكها هو محمد بن إدريس السنوسي، فكان هو ملكها الأول والأخير، حيث قام الجيش بثورة الفاتح من سبتمبر سنة 1390 هـ/1969 هـ وقد ألغت هذه الثورة النظام الملكي، وأعلنت الجمهورية، وحكمت قيادة الثورة البلاد برئاسة العقيد/معمر القذافي، وما زال القذافي يحكم ليبيا إلى الآن. * * * 2 - تونس:- السيطرة العثمانية والاحتلال الأسباني:- سيطر العثمانيون على تونس سنة 941 هـ/1534 م، فلجأ الحسن الحفصي إلى الأسبان. وطلب مساعدتهم، فقدموا واحتلوا البلاد، وارتكبوا فيها مذابح رهيبة، وخضعت لهم لمدة 30 عامًا، حتى عادت لها السيطرة العثمانية سنة 976 هـ/1568 م. * * * سيطرة الدايات والبايات:- كانت هذه السيطرة خلال العهد العثماني، واستمر حكمهم اسميًا حتى بعد الاحتلال الفرنسي. فقد سيطر الدايات (الزعماء العسكريين) عليها في الفترة (999 - 1050 هـ)، ثم خضعت لأسرة الباي إبراهيم (1050 - 1114 هـ)، ثم خضعت تونس لحكم الأسرة الحسينية ومؤسسها هو الباي حسين بن علي في الفترة (1117 - 1377 هـ).

3 - الجزائر

الاحتلال الفرنسي والمقاومة:- احتلت فرنسا تونس سنة 1299 هـ/1881 م، فاكتوى أهلها بلهيب الاحتلال وقامت بها حركات المقاومة العسكرية والسياسية، حتى استقلت تمامًا عن الاستعمار بعد قيام الثورة التونسية بقيادة الحبيب بورقيبة سنة 1376 هـ/1956 م. ثم خلع الباي وصارت تونس جمهورية بزعامة الحبيب بورقيبة منذ سنة 1377 هـ/1957 م. * * * 3 - الجزائر:- سيطرة الدولة العثمانية:- كانت تعرف بالمغرب الأوسط، بعد تفكك دولة الموحدين سيطر عليها بنو زيان ثم الحفصيين ثم المرينيين، وكان الأسبان قد بدأوا يحتلون الموانئ الجزائرية، فاستولت عليها الدولة العثمانية بواسطة خير الدين بربروس سنة 924 هـ/1518 م الذي استطاع أن يسترد المدن الساحلية من الأسبان، واستطاع أخيرًا أن يسيطر على الملاحة في البحر الأبيض المتوسط، فأصبحت البلاد كلها تحت السيطرة العثمانية. وظل الدايات (العسكريون) هم المسيطرون على شؤون السلطة. وأعظم الدايات هو الداي/محمد باشا المعروف بالمجاهد (1183 - 1203 هـ/1769 - 1788 م) وهو الذي أكمل انتصارات الجزائر على الأسبان. * * * الاحتلال الفرنسي والمقاومة:- خضعت البلاد للاحتلال الفرنسي سنة 1246 هـ/1830 م، وبدأ الاضطهاد

4 - المغرب

الفرنسي. وقد وصل استعمار فرنسا للجزائر إلى قمة الطغيان والعربدة والوحشية وتجاهل الجوانب الإنسانية واحتقر المثل العليا. وذلك بهدف فرْنسة الجزائر، فالقتل والتشريد والتجويع في كل مكان. وانتشر الجهل والمرض وأصبحت البلاد في حالة مزرية. فاشتعلت المقاومة وجاهدت القبائل، وكان أبرز قادة الجهاد عبد القادر محي الدين (1248 - 1264 هـ/1832 - 1847 م)، وكذلك من أهم الثورات ثورة محمد المقراني (1871 م)، وقد انضم إليه حوالي مائة ألف من رجال القبائل استطاع أن يكتسح بهم قوات فرنسا ويسترجع مناطق كبيرة، إلا أن فرنسا استجمعت قواتها فدمرت هذه القوة. * * * الثورة الكبرى والاستقلال:- في سنة 1365 هـ/1945 م وعقب احتفال الحلفاء بانتصارهم في الحرب العالمية الثانية خرج الجزائريون يطالبون بالحرية والاستقلال. فارتكبت فرنسا ضدهم أبشع جرائم القتل والإبادة والتدمير، وكانت هذه المجازر هي أساس اشتعال الثورة الكبرى سنة 1374 هـ/1945 م، فقاتل كل الجزائريين، وقدمت الجزائر في سبيل الاستقلال أكثر من مليون ونصف شهيد، ونالت استقلالها أخيرًا سنة 1382 هـ/1962 م. * * * 4 - المغرب:- استولت دولة بني مرين على المغرب بعد الموحدين سنة 668 هـ. ثم خضعت لبني وطاس حتى استولى عليها الأشراف السعديون.

1 - الدولة السعدية في المغرب 916 - 1077 هـ/1509 - 1666 م:- مؤسسها هو أبو عبد الله محمد القائم الذي ادعى أن نسبه يعود إلى الحسن بن علي، بدأ حكمهم في إقليم السوس، ثم استمر نجمهم في الصعود. فحقق أبو عبد الله محمد وابنه أبو العباس أحمد انتصارات كثيرة ضد المسيحيين. وبعد أبي العباس اعتلى العرش أخوه أبو عبد الله المهدي الذي طرد الفرنجة من الساحل. واستولى على مراكش سنة 951 هـ، وأسقط بذلك دولة بني وطاس، وخلص له أمر المغرب الأقصى بأكمله. واستولى العثمانيون على البلاد في الفترة (961 - 978 هـ)، ثم تمكن السعديون من طردهم واستعادة السلطة، وأشهر ملوكهم على الإطلاق أحمد بن محمد الهدي 9861 - 1012 هـ/1578 - 1603 م) وقد امتد نفوذ الدولة إلى السنغال في عهده، وكان هذا مما ساعد على دفع الإسلام نحو هذه البقاع، وانهارت هذة الدولة سنة 1077 هـ/1666 م. 2 - دولة الأشراف العلويين (المغرب) (1075 هـ/1664 م) وحتى الآن:- مؤسسها هو محمد بن علي (1075 - 1082 هـ) الذي دخل فاس وقضى على السعديين، وأشهر سلاطينهم إسماعيل السمين بن محمد (1082 - 1139 هـ/1671 - 1727 م) دام حكمه 57 سنة. استقر له الأمر بالداخل،

فاتجه إلى الفرنجه وانتصر عليهم في معارك كثيرة، واسترد المهدية والعرش من الأسبان، وطنجة من الانكليز، وقد وصل ملكه إلى تخوم السودان ونهر النيجر. وجدير بالملاحظة أن مراكش هي البلد العربي الوحيد الذي نجا من العثمانيين، كما نجا من شر الاستعمار على مر التاريخ حتى نكب بالاستعمار الفرنسي في القرن العشرين. * * * الاحتلال الفرنسي والمقاومة الوطنية:- هاجمت القبائل مدينة فاس، وطالبت الإطاحة بالسلطان، فاستنجد هذا بالقوات الفرنسية، فقدمت واحتلت البلاد سنة 1330 هـ/1911 م، وضمت أسبانيا مناطق الريف. وقامت ثورات أهل الريف، وأبرزها ثورة محمد عبد الكريم الخطابي (1338 - 1344 هـ/1919 - 1926 م)، وقد جاهدهم طويلًا، فقد خاض ضد الأسبان أكثر من 200 معركة انتصر في معظمها حتى وقع في الأسر، ونفي خارج البلاد. * * * دور السلطان محمد (الخامس) بن يوسف 1345 - 1379 هـ/1927 - 1960 م:- حرص هذا السلطان على المطالبة بالوحدة والاستقلال فاتحد معه الشعب والأحزاب، فنفته فرنسا، وكان ذلك مبعث حركات ثورية عنيفة، فاضطرت إلى عادته بعد سنتين (1953 - 1955 م)، واستمرت المفاوضات بين الطرفين حتى نالت الغرب استقلالها سنة 1376 هـ/1956 م. آل حكم البلاد إلى الملك الحسن (الثاني) بن محمد سنة 1379 هـ/1960 م، وما زال يشغل سدة الحكم إلى الآن.

أفريقية

أفريقية:- غرب أفريقية:- المناطق الساحلية استولى عليها البرتغاليون، ثم أخضعتها انكلترا وفرنسا، وأما الداخل، فقد كانت تحت نفوذ المسلمين، وقد أصابهم الضعف، وأبرز مملكة قامت هناك (مملكة الصنغاي) وضمت ما يعرف اليوم (النيجر، نيجيريا، فولتا العليا، السنغال، غينيا، سيراليون، ساحل العاج، توغو، بنين)، وقد خضعت الفترة للمرابطين، وأخضعها السعديون أيضًا، وتفككت وزالت وسيطر على المنطقة دولة عمر الفولاني ثم دولة ساموري توري في الفترة (1254 - 1307 هـ/1838 - 1889 م) ثم استولت فرنسا على المنطقة وبدأت جهودها التنصيرية. * * * وسط أفريقية:- يشمل اليوم: (تشاد، جزء من النيجر، شمال نيجيريا، الكاميرون، أفريقية الوسطى) وقد انتشر الإسلام فيها متدرجًا، ومن ممالك تشاد كانم وواداي وباغيرمي، وقد قضت عليها فرنسا، واحتلت المنطقة كلها سنة 1329 هـ/1911 م. وانتشر الإسلام (ما بين القرن السابع والعاشر الهجري) ولكن لم تقم ممالك قوية. وأبرز دولة قامت في المنطقة دولة الفولاني الإسلامية. ومؤسسها هو عثمان فودي، الذي أسس جماعة مجاهدة بدأوا الجهاد منذ 1219 هـ/1804 م، فأخضعوا معظم نيجيريا وبقوا حتى قضى عليهم الانجليز، واحتلوا المنطقة.

شرقي أفريقية

شرقي أفريقية:- 1 - الصومال: المناطق الشمالية تبعت الحبشة ودخلها الإسلام منذ مطلعه، وقامت بها إمارات مسلمة متفرقة أبرزها مملكة (عدل) التي سقطت بأيدي العثمانيين منذ القرن الـ 10 هـ/16 م. وأبرز الممالك الإسلامية في جنوب الصومال: إمارة الابجل التي قامت في القرن الـ 7 هـ/13 م. وهذه المناطق خضعت للإمبراطورية المصرية. وعقب انهيارها تقاسمها الاستعمار، وكان لبريطانيا نصيب الأسد. * * * 2 - إمبراطورية الزنج (زنجبار) ودولة (تنزانيا):- لقرب هذا الساحل من بلاد العرب والفرس، اندفعت إليه كثير من الهجرات، كان أعظمها هجرة علي بن الحسن الشيرازي، والذي استطاع ابنه سليمان بن علي توحيد معظم الإمارات العربية في شرق أفريقية تحت سيطرته، وأسس مدينة كلوة وجعلها عاصمته. كان ذلك في القرن الـ 4، 5 هـ/10، 11 م. وازدهرت الدولة خلال القرون التالية، وامتد نفوذها بالداخل، ونشطت الدعوة الإسلامية هناك. احتل البرتغاليون سواحل زنجبار سنة 915 هـ/1509 م. وتمكن العمانيون من دحرهم وطردهم. ومن ثم بسط نفوذهم على المنطقة. وكان أعظم حكام عمان لزنجبار السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي (1221 - 1273 هـ/1806 - 1856 م) وقد نقل عاصمته من مسقط إلى زنجبار، فبلغت دولته أعظم نفوذ لها وعظم شأنها، وازدهرت

تجارتها بشكل ملحوظ. وعقب وفاة السلطان انفصلت زنجبار عن عمان، وحكمها أبناؤه. استعمرتها بريطانيا في أواخر القرن الـ 19 م. ونالت الدولة استقلالها سنة 1383 هـ/1963 م. وفي سنة 1384 هـ/1964 م عزل آخر السلاطين البوسعيديين، وأعلنت الدولة جمهورية شعبية، وفي نفس العام انضمت زنجبار إلى تنجانيقا وتكونت جمهورية تنزانيا. * * * 3 - مملكة الفونج (سنار) في السودان 911 - 1237 هـ/1505 - 1821 م:- هي أول دولة إسلامية قامت في السودان العربي ليس هناك تاريخ محقق عن أصل الفونج (¬1). وإن رأى البعض أنهم من بقايا الأمويين. ومؤسس هذه الدولة هو عمارة دونقس من (قبيلة الفونج) ومعه عربي اسمه/عبد الله جماع (من القواسمة). * * * قيام الدولة:- اجتمع القائدان على محاربة (الغنج) ملوك سوبة، فانتصرا، وواصلا الفتوحات، وأسقطا مملكتي مقره وعلوة المسيحية. وأخضعا الأراضي الواقعة بين النيل والبحر الأحمر إلى الحبشة وكردفان. فكانت تلك بداية السيطرة الإسلامية العربية لبلاد السودان. ¬

_ (¬1) تاريخ السودان/نعوم شقير.

وأعظم ملوك الفونج:- - عمارة دونقس 911 - 941 هـ/1505 - 1534 م. - دكين بن نايل 971 - 986 هـ/1563 - 1578 م. - بادي الرابع (أبو شارخ) 1137 - 1176 هـ/1724 - 1762 م. ثم بدأ نفوذ الهمج الذين كانت لهم الوزارة والحكم كله، وقد تميز عهدهم بالفوضى والاستبداد وكثرة الانقسامات (¬1). واستمر ذلك إلى قيام الزحف المصري واستيلائه على السودان في عهد محمد علي باشا سنة 1237 هـ/1821 م. الثورة المهدية (السودان) 1299 - 1317 هـ/1881 - 1899 م:- صاحب هذه الثورة هو الإمام محمد بن أحمد المهدي. الذي أعلن خروجه لإصلاح الأحوال متخذًا العامل الديني وسيلة في ثورته، وادعى أنه من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن دعوته تكليف من الله، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبره أنه المهدي المنتظر. واستطاع بدهائه وحنكته أن يخضع لسيطرته بلاد السودان كلها خلال الفترة (1881 - 1885 م). ثم تُوفي فجأة، وتولى بعده خليفته عبد الله التعايشي (1885 - 1899 م) فقبض على الأمور إلى أن انهزم أمام الانجليز وقتل، ثم خضعت السودان للحكم الثنائي (الانجليزي/المصري) وكانت السيطرة الكاملة خلالها للانجليز. ¬

_ (¬1) تاريخ ملوك السودان/أحمد كاتب الشونة ورفاقه.

الفصل الرابع أواسط آسيا وأنقاض دولة المغول والصين وشبه القارة الهندية

الفصل الرابع أواسط آسيا وأنقاض دولة المغول والصين وشبه القارة الهندية (923 - 1340 هـ/1517 - 1921 م) شرق أوروبا وسيبيريا الغربية:- احتل المغول شرق أوروبا أيام جنكيز خان (603 - 624) بعدها اعتنقوا الإسلام بعد زوال دولة المغول سنة 907 هـ/1502 م استقل خانات ما وراء النهر بإمارات متفرقة ضعيفة أهمها قازان، استراخان، سيبيريا، القرم، وقد ابتلعتها روسيا جميعًا خلال الفترة (959 - 1197 هـ/1551 - 1782 م). * * * بلاد القفقاس:- سيطر عليها العثمانيون (982 - 1049 هـ/1574 - 1639 م) ثم بدأت روسيا تستولي عليها، ففي 1135 هـ/1722 م احتلوا الداغستان وشروان، 1164 هـ/1750 م شمال القفقاس 1215 هـ/1800 م الكرج 1228 هـ/1813 م شروان وأذربيجان، وبعد قيام الثورة الشيوعية 1336 هـ/1917 م أعملوا كل أنواع البطش والتنكيل ضد السكان.

وسط آسيا (بلاد ما وراء النهر)

وسط آسيا (بلاد ما وراء النهر):- كان يسيطر عليها تيمور لنك، ثم تجزأت بين أبنائه (التيموريين) ثم استقل الأمراء المحليون حتى بدأ الاحتلال الروسي، فاستولوا على بخارى سنة 1338 هـ/1919 م، وأخذوا خوارزم سنة 1337 هـ/1918 م، وقبلها فرغانة وطشقند منذ عام 1293 هـ/1876 م. * * * المسلمون في الصين (تركستان الشرقية):- المسلمون في هذه المنطقة من الايغوريين وهم جنس من الأتراك. وهذه المنطقة كانت ضمن المناطق التي فتحها قتيبة بن مسلم، ومنها أرسل مبعوثه إلى إمبراطور الصين فعاد محملًا بالتحف والهدايا. وقد استولى الصينيون على هذه المنطقة سنة 1173 هـ/1759 م، فقامت الثورات الإسلامية ضد الاحتلال، وكان أهمها ثورة الأوزبك سنة 1283 هـ/1866 م وتغلب الصينيون على هذه الثورة سنة 1296 هـ/1878 م وتم ضم المنطقة رسميًا إلى الصين سنة 1299 هـ/1881 م وسميت سينكيانج أي الأرض الجديدة. وقد تجددت هذه الثورات في القرن العشرين. وكان آخرها بقيادة الجنرال عثمان باتو، ولكنها فشلت وأعدم الجنرال البطل سنة 1371 هـ/1951 م. في فترة قيام الجمهورية الصينية (1911 - 1949 م) تجمع المسلمون في بلاد محددة تقريبًا ليضمنوا لأنفسهم نوعًا من الحماية. فكان تجمعهم غالبًا في ولايات الشمال. وفي العهد الشيوعي (اعتبارًا من 1949 - إلى الآن) لاقى المسلمون بعض المتاعب والحرمان من بعض الامتيازات، ولكن لم ينزل بهم ذلك الضر الذي نزل بإخوانهم في روسيا، ويتمتع المسلمون بالحكم الذاتي في ولايتي سينيكيانج ولينسيا.

الأوضاع في إيران

الأوضاع في إيران:- 1 - الدولة الصفوية في فارس 907 - 1148 هـ/1502 - 1736 م:- ينسب الصفويون إلى جدهم الأعلى الشيخ صفي الدين الأردبيلي الذي ينتسب على حد زعمهم إلى الإمام موسى الكاظم (650 - 735 هـ)، أي أن الأسرة من ذرية الإمام الحسين بن علي، وجدهم صفي الدين من شيوخ الصوفية. وهي دولة شيعية مؤسسها إسماعيل بن حيدر (907 - 930 هـ/1502 - 1523 م) وهو أعظم ملوك الدولة. اتخذ من تبريز عاصمة له. أخضع إيران كلها، ومد ملكه من جيحون إلى البصرة، وشمل خراسان وأفغانستان وبلاد الفرات، فأصبح الصفويون على حدود مشتركة مع الإمبراطورية العثمانية وسرعان ما نشب الصراع بين القوتين. ولعل من أهم أسبابه أن الصفويين جهدوا لنشر التشيع في الأناضول. فقام السلطان سليم بقتل وحبس جميع الشيعة في بلاده، ثم سار إليهم فألحق بهم هزيمة منكرة في معركة جالديران سنة 920 هـ/1514 م ودخل عاصمتهم تبريز وضم ديار بكر وما حولها، ومنذ ذلك الحين استمرت الحروب بين الجبهتين. ويعتبر طهماسب إسماعيل (930 - 984 هـ/1523 - 1576 م) من أبرز حكامهم، فقد شمل نفوذه معظم فارس، واستولى عباس (995 - 1037 هـ) على بغداد، وأخرج البرتغاليين من هرمز وجعل العاصمة أصفهان وأخذ كل فارس.

2 - حكم نادر شاه الأفشاري

وقد تحالف الشاه عباس مع المسيحيين وخاصة الانجليز ليضمن المساعدات ضد العثمانيين، فقدم لهم تسهيلات وامتيازات ضخمة في بلاده (1). وأعظم الحكام هم إسماعيل بن حيدر، وطهماسب بن إسماعيل، وعباس بن محمد، بعد عباس أخذت الدولة تتجه للانحدار والتقلص. وأخذت أملاكها تتساقط في أيدي الروس والعثمانيين. فبرز في هذه الفترة القائد التركي نادر شاه الأفشاري فقبض على الأمور. وطرد الأفغان الذين كانوا احتلوا العاصمة وجزء من البلاد، وأعلن نفسه في النهاية شاهًا لإيران، وانقرضت بذلك الأسرة الصفوية سنة 1148 هـ/1735 م. * * * 2 - حكم نادر شاه الأفشاري 1148 - 1160 هـ/1735 - 1747 م:- كان قائدًا عسكريًا عند الصفويين وهو تركي. برز في فترة ضعف الدولة، فتسلط على الحكم إلى أن استولى عليه. وقد حقق الكثير من الانتصارات العظيمة، فقضى على الوجود الأفغاني في إيران ثم استولى على أفغانستان، وفتح دلهي واسترد أرمينيا وجورجيا من الأتراك العثمانيين. وضم جزر البحرين لإيران. وأخذ كثيرًا من مدن العراق، وأعلن المذهب السني مذهبًا للبلاد. قتل سنة 1160 هـ، وهوت البلاد بعده وتمزقت وخلفاؤه لا يستحقون الذكر، ارتفع بعدها شأن القاجاريين.

3 - أسرة الزنديين في إيران

3 - أسرة الزنديين في إيران 1163 - 1209 هـ/1750 - 1794 م:- تمكن كريم خان زعيم الزنديين أن ينتصر على خلفاء نادر شاه، ويصبح ملكًا على إيران خلال الفترة (1163 - 1193 هـ/1750 - 1779 م)، ولم يتجاوز سلطان الأسرة حدود إيران، وبعد كريم خان جاء ملوك ضعفاء. ثم انقرض نفوذ هذه الأسرة وقبض القاجاريون على السلطة. * * * 4 - القاجاريون (في إيران) 1193 - 1343 هـ/1779 - 1925 م:- زعيم القاجاريين ومؤسس دولتهم هو آقا محمد خان (1193 - 1211 هـ/1779 - 1797 م) وقد آل له السلطان سنة 1193 هـ واستطاع أن يحكم كل إيران وضم لها جورجيا، وكان معروفًا بالقسوة والبطش، وجاء بعده ابن أخيه (فتح علي) وفي عهده تغلغل النفوذ البريطانى والروسي في إيران. وفي عهد محمد علي شاه 1324 - 1326 هـ/1907 - 1909 م قسمت إيران إلى ثلاث مناطق:- الجنوب لبريطانيا، والشمال لروسيا، واستولى العثمانيون على الحدود المتاخمة لهم مع إيران. بعد خروج روسيا من الحرب العالمية الأولى، انسحبت من إيران، تاركة البلاد تترنح، وتتجه نحو الهاوية والنهاية تحت حكم آخر القاجاريين (أحمد شاه بن محمد (1326 - 1343 هـ/1909 - 1925 م) ودب الصراع بين القادة العسكريين للاستحواذ على السلطة، وكان أبرز هؤلاء/الرقيب رضا ميرزا، الذي بدأ زحفه سنة

5 - العصر البهلوي (في إيران)

1340 هـ/1921 م. ثم أسقط الأسرة القاجارية وأصبح ملكًا لإيران سنة 1343 هـ/1925 م. 5 - العصر البهلوي (في إيران) 1343 - 1399 هـ/1925 - 1979 م:- مؤسس هذا العصر هو رضا خان بهلوي. وكان من ضباط الجيش القاجاري، وسرعان ما أبدى كفاءة عالية فأصبح قائدًا لفرقة القوزاق. وكان طموحًا جدًا وفي غاية الذكاء. وكانت البلاد تترنح فصمم على إنقاذها، فزحف بفرقته وأسقط الوزارة سنة 1340 هـ/1921 م وأسندها لسياسي إيراني شهير هو ضياء الدين طباطبائي وذلك ليحكم من ورائه، وتتوارى أهدافه الديكتاتورية. ثم خطا خطوته الكبيرة سنة 1343 هـ/1925 م، فأسقط الأسرة القاجارية، وأصبح ملكًا لإيران (1343 - 1360 هـ) وهو الذي غير اسم البلاد من فارس إلى إيران. أبرز أعماله إلغاء نظام الامتيازات الأجنبية، إنشاء جيش حديث منظم، تقليص سلطة رجال الدين، وكانت روح الاستبداد العسكري هي نهجه، وكان بعيدًا عن الاتجاه الإسلامي تمامًا. وخلال الحرب العالمية الثانية سيطرت روسيا ويريطانيا على إيران. فاستسلمت بعد مقاومة ضعيفة، فأصيب الشاه بالإحباط وتنازل لابنه محمد رضا سنة 1360 هـ/1941 م، ونفي إلى جنوب أفريقيا حيث مات هناك.

6 - الجمهورية الإسلامية وحكم الملالي (في إيران)

عصر محمد رضا بهلوي 1360 - 1399 هـ/1941 - 1979 م:- بدأ عصره أثناء الحرب العالمية الثانية، وقوات الحلفاء تحتل بلاده، فقدم لهم كل التسهيلات والمساعدات، وبعد الحرب خرجت القوات الغربية والروسية من إيران. واتجه حكم هذا الإمبراطور للديكتاتورية والاستبداد والحكم المطلق، وكانت اتجاهاته غير إسلامية. وفي سنة 1383 هـ/1963 م أعلن خطة إصلاحية فهبت بإيران ثورة عارمة بسبب هذه الخطة الاستبدادية وبسبب اعترافه بإسرائيل، وقاد هذه الثورة الخميني، وقامت الثورات الدينية، ونُفي الخميني إلى العراق، ولكن الثورات على هذا النظام الفاسد استمرت وزادت، فاضطر الإمبراطور أن يفر من البلاد مع أسرته سنة 1399 هـ/1979 م منهيًا العصر البهلوي، وعاد الإمام الخميني، وبدأت سلطة الملالي الدينية في البلاد. * * * 6 - الجمهورية الإسلامية وحكم الملالي (في إيران) منذ 1399 هـ/1979 م وإلى الآن:- بعد الإطاحة بنظام الشاه، قامت الجمهورية الإسلامية (رافضة، شيعة) وكانت السلطة العليا في الدولة بيد الخميني، وهو يعتبر في المذهب الشيعي فقيه أكبر ويلقب بآية الله العظمى، وانتخب أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية سنة 1979 م وكان روح الانتقام والقسوة مسيطرًا على الجمهورية، فأعدم المئات لأوهى الأسباب وبصور سريعة وجماعية أحيانًا (¬1). ¬

_ (¬1) مدافع آية الله/محمد حسنين هيكل.

الأوضاع في أفغانستان

سنة 1401 هـ/1981 م اختير محمد علي رجائي لرئاسة الجمهورية وقتل في نفس العام وانتخب بعده علي خاميني، وأعقبه هاشمي رافسنجاني وهو الرئيس الحالي لجمهورية إيران. الأوضاع في بلاد الأفغان 390 - 1160 هـ/1000 - 1747 م:- توالى على حكم أفغانستان الغزنويون ثم الغوريون ثم خضعت للخوارزميين ثم لحقها التدمير المغولي في زمن جنكيز خان ثم هولاكو، ثم عانت من تيمور لنك مثل ما عانته من سابقيه، تم خضعت البلاد للأسرة التيمورية (خلفاء تيمور لنك)، وعندما قامت إمبراطورية المغول الكبرى في الهند حكموا معها شرقي أفغانستان، أما غربي أفغانستان فكان تابعًا للدولة الصفوية. تم تمكن الأفغان من تحرير بلادهم بقيادة/ميرويس الهوتكي والاستيلاء على إيران نفسها من الصفويين. ولكن نفوذهم في أفغانستان وإيران كان قصيرًا لأن نادر شاه الزفشاري (1148 - 1160 هـ/1735 - 1747 م) قفز إلى السلطة وسيطر على أفغانستان وإيران ومناطق أخرى واسعة. وبعد مقتل نادر ظهرت أفغانستان الحديثة دولة مستقلة. * * * 1 - الأسرة الدرانية (أفغانستان وجزء من الهند) 1160 - 1258 هـ/1747 - 1842 م:- بعد مقتل نادر شاه انفصلت أفغانستان عن إيران وبرزت كدولة حديثة مستقلة، والتف الأفغان حول زعيم أفغاني هو أحمد خان زعيم قبيلة (أبدالي) فنادى بنفسه ملكًا في قندهار. وتلقب (دردراني) أي درة الدهر فسميت دولته (الدرانية) استولى

2 - الأسرة الباركزائية (أفغانستان)

على الجانب الشرقي من إمبراطورية نادر شاه حتى نهر السند، وامتد سلطانه إلى هرات وضم ولايات كشمير ولاهور وملتان. ويعتبر أحمد شاه مؤسس أفغانستان الحديثة واحدًا من مشاهير التاريخ، وقد كان قائدًا حازمًا وإداريًا ممتازًا، تُوفي سنة 1187 هـ/1773 م. وخلفه ابنه تيمور (1187 - 1208 هـ/1773 - 1793 م) وهو الذي نقل العاصمة إلى كابول وبعده بدأ الصراع بين أولاده الكثيرين. وبينهم وبين قبيلة (باركزائي) الأفغانية فضعفت الدولة وتدهورت أوضاعها، وفقدت ولاياتها في الهند سنة 1215 هـ/1800 م، ثم سقطت أخيرًا أمام أسرة باركزائي. * * * 2 - الأسرة الباركزائية (أفغانستان) (1242 - 1393 هـ/1826 - 1973 م):- الباركزائي قبيلة أفغانية كبيرة، ويقال أنهم فرع من الدراني. وكانوا وزراء للدرانيين، استولى زعيمهم ومؤسسهم دوست محمد (1242 - 1280 هـ/1826 - 1863 م) على السلطة تدريجيًا إلى أن أسقط الأسرة الدرانية نهائيًا سنة 1258 هـ/1842 م. وفي عهدهم بدأ التدخل البريطاني في أفغانستان، ولكنهم لاقوا مقاومة شرسة، ففي حروب (1838 - 1848 م) فقد الانجليز جيشهم بأكمله، وتمكنوا سنة 1295 هـ/1878 م من الاستيلاء على أفغانستان رغم الهزائم المتتالية التي لحقت بهم. في عهد أمان الله (1919 - 1929 م) حقق الأفغان ألوان من النصر على

الأوضاع في الهند

الانجليز، فاعترف الانجليز باستقلال البلاد سنة 1340 هـ/1921 م. آخر ملوك هذه الأسرة هو محمد ظاهر شاه 1352 - 1393 هـ/1933 - 1973 م، وقد ظل في الحكم حتى عزله محمد داوود مؤسس النظام الجمهوري سنة 1393 هـ/1973 م. - انظر أفغانستان الحديثة في الباب المقبل - * * * الأوضاع في الهند:- إمبراطورية المغول العظمى (في الهند) 932 - 1275 هـ/1526 - 1858 م:- طهير الدين بابر 932 - 937 هـ:- مؤسس هذه الإمبراطورية هو ظهير الدين محمد بابر. وهو من أحفاد تيمور لنك، وقد بدأ نفوذه في أفغانستان سنة 910 هـ/1504 م، زحف إلى الهند وقضى على أسرة اللوديين. وسيطر على معظم البلاد، وبذا بدأت إمبراطوريته. وكانت مدته قصيرة 932 - 937 هـ. وأعظم الأباطرة المغول بعده هم:- * * * - همايون شاه 937 - 963 هـ:- تولى بعد أبيه، وكان من أعظم قواد أبيه في فتوحاته، سلب السلطة منه الملك الأفغاني شير شاه، وكان شير شاه ملكًا عظيمًا صالحًا، تمكن همايون من استعادة ملكه بعد 15 سنة.

- جلال الدين أكبر 963 - 1014 هـ:- أصبح الإمبراطور بعد والده همايون. وقد قابل ثورات متعددة وخاض حروبًا كثيرة حالفه الظفر فيها، فاتسعت إمبراطوريته فأصبحت الهند كلها تحت سلطانه وضم البنغال وأفغانستان والسند وكشمير، وكان هذا الإمبراطور منحرفًا عن العقيدة محاربًا للإسلام، وقد ابتكر دين جديد سماه (الدين الإلهي) يعتمد على المجوسية وعلى أديان الهند. * * * - جهانكير 1014 - 1037 هـ:- كان سليم العقيدة فلم يسر في طريق والده المنحرف، وفي عهده نمت سلطة الأوروبيين في الهند، فكان البرتغاليون والانكليز والهولنديين يتنافسون تجاريًا بالهند. * * * - شاه جيهان 1037 - 1069 هـ:- ابن جهانكير، وكانت أيامه حافلة بالصراعات. ويمتاز عصره بالفنون المعمارية الكبرى، ومن أعظم آثاره مقبرة (تاج محل) التي دفن فيها زوجته، ثم دفن فيها بعد وفاته. * * * - أورنجزيب (عالمكير) 1069 - 1119 هـ:- وهو الإمبراطور المغولي الزاهد العادل الذي كان شديد الحرص على الشريعة الإسلامية وآدابها، وقد حكم خمسين عامًا واجه خلالها صورًا من المتاعب والثورات، وهكذا قضى حياته في ميادين القتال، ومات كذلك في ميدان القتال، واضطربت

الاستعمار الأوروبي للهند

الأحوال من بعده، ولم يبق من أباطرة المغول بالهند من يستحق الذكر. في سنة 1152 هـ/1739 م زحف نادر شاه من إيران إلى الهند. فحقق انتصارات كبيرة ووصل إلى دلهي فاستباحها لجنوده فدمروا وسلبوا ما استطاعوا. عاد بعدها لإيران. في سنة 1162 هـ/1748 م زحف الملك الأفغاني أحمد شاه الابدالي إلى الهند واستولى على لاهور ودلهي ومناطق واسعة. * * * نهاية أباطرة المغول:- أصبح شاهات المغول بعد ذلك يعيشون تحت نفوذ الهندوس أو الانجليز. وقبض الانجليز أخيرًا على آخر إمبراطور مغولي/بهادور شاه ونفوه إلى بورما سنة 1275 هـ/1858 م، وإلي أن مات، وانتهى بموته ملك المغول بالهند. * * * الاستعمار الأوروبي للهند:- تطلعت أوروبا إلى استعمار الهند منذ قديم الزمان نظرًا لثرائها ووفرة المواد الخام بها وقد تحقق هذا الحلم بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح الذي يربط بين أوروبا والهند مباشرة. وقد بدأت البرتغال بذلك الزحف. فكانت سيدة الموقف حوالي قرن من الزمان 906 - 1009 هـ/1500 - 1600 م. ثم استطاعت هولندا وفرنسا أن تكون لها بعض المراكز في الهند إلى أن تغلبت عليهم انجلترا وأصبحت الوحيدة في المساحة. تأسست شركة الهند الشرقية تحت حماية بريطانيا، وقد اقتصرت على الأنشطة التجارية في بداياتها، ثم ما لبثت أن قبضت على مقدرات البلاد، وقد بدأ نشاطها سنة 1009 هـ/1600 م وعندما اتضح للهنود أن

الحركة التجارية البريطانية أصبحت استعمارًا صارخًا هبت بالهند ثورات كثيرة قاد المسلمون معظمها. مما دعا بريطانيا أن تعلن تبعية الهند للتاج البريطاني مباشرة في سنة 1275 هـ/1858 م. وقد نفذ الانجليز سياسة اضطهاد جائرة ضد المسلمين. فعاش ملايين المسلمين في الهند بعد سقوط دولة المغول في تعاسة وشقاء وفقر وجهل وأمراض. وزاد على ذلك أن الانجليز تعاونوا مع الهندوس والسيخ ضد المسلمين. * * * محمد على جناح وقيام دولة باكستان:- منح مسلمو الهند لقب (القائد الأعظم لمحمد علي جناح 1947 - 1949 م) اعترافًا بجهوده الكبيرة لوضع آمال المسلمين بالهند موضع التنفيذ، ولقيادته الرشيدة، حتى تحقق الحلم الذي كانوا يتطلعون إليه، وقامت دولة باكستان على يدها وقد بدأ الاتجاه لتقسيم البلاد إلى دولة هندوس ودولة مسلمين يتصاعد ابتداء من سنة 1349 هـ/1930 م. زال الاحتلال البريطاني عن الهند، وقامت دولة باكستان المسلمة حرة مستقلة سنة 1367 هـ/1947 م وعين محمد علي جناح حاكمًا عامًا لباكستان.

الفصل الخامس الأوضاع في جنوب شرقي آسيا

الفصل الخامس الأوضاع في جنوب شرقي آسيا (923 - 1341 هـ) وهذه المنطقة تشمل الدول التالية: ماليزيا، وأندونيسيا، وجنوب الفلبين. وقد انتشر فيها الإسلام عن طريق التجارة والدعوة ولم تصل إليها أقدام الفاتحين أبدًا. 1 - ممالك أندونيسيا الإسلامية:- مملكة آتشه 920 - 1322 هـ/1514 - 1904 م:- تقع شمال سومطرة، وقد اتجه اهتمامها لجانبين هامين هما نشر الإسلام ومقاومة الاستعمار. وأول سلاطينها المشهورين: علي المغيث شاه (920 - 935 هـ/1514 - 1528 م) وقد واجه البرتغاليين بحزم وردهم عن بلاده. ويمثل عصر السلطان إسكندر مودا (1016 - 1047 هـ/1607 - 1637 م) أزهى عصور آتشه، فقد وسع مملكته وتمكن من نشر الإسلام بسومطرة كلها تقريبًا، وحقق انتصارات ضد البرتغاليين. ثم أخذت أحوال البلاد تتدهور بسبب كثرة الحروب والأزمات الاقتصادية وانتقال السلطان إلى الملكات في بعض الفترات، ثم الحروب المتواصلة مع الغرب الذي عانى أشد المعاناة في مواجهة آتشه وتمكن من الانتصار أخيرًا

باللجوء إلى الفتن والدسائس فسقطت البلاد تحت يد هولندا سنة 1322 هـ/1904 م. * * * مملكة ديماك (جاوة) 918 - 960 هـ/1512 - 1552 م:- مملكة ديماك قصيرة العمر، ولكن ملوكها كانوا من خيرة الأبطال والمجاهدين، وأولهم رادين فتاح الذي استقلت الدولة في عهده، وتولى بعده ابنه (باتيه يونس) وقد تمكن من توسيع مملكته، ووضع نهاية لإمبراطورية (ماجابيت) الهندوكية التي كانت بقاياها تتعاون آنذاك مع البرتغاليين. وبعد وفاة يونس سنة 938 هـ/1531 م تولى أشهر مشاهير هذه المملكة وهو (رادين ترينجانو) المجاهد الكبير الذي كانت ثمرة أعماله الخالدة دخول جاوه الغربية الإسلام. وتُوفي سنة 953 هـ/1546 م (¬1). * * * مملكة بنتان (جاوة الغربية) 960 - 1096 هـ/1552 - 1684 م:- استقلت عن مملكة ديماك، وقد ازدهرت خلال حكم السلطان حسن الدين أول ملوكها (960 - 978 هـ/1552 - 1570 م) وخلال حكم ابنه يوسف (978 - 988 هـ/1570 - 1580 م)، فزاد انتشار الإسلام في جاوه. وأصبحت مركزًا تجاريًا هامًا. وأعظم ملوك بنتان هو السلطان/أجونج ترتاياسا. وقد بلغت الدولة أوج عظمتها ومجدها في عهده، لذا ركز الهولنديون جهودهم ضد هذه الدولة، إلى أن تمكنوا من القضاء عليها 1096 هـ/1684 م. ¬

_ (¬1) أندونيسيا الثائرة/المركز العام الأندونيسي.

مملكة متارم 991 - 1055 هـ/1583 - 1645 م:- كانت متارم مملكة هندية وثنية، وفي عام 1583 م تولى أمرها رجل مسلم هو (سنوفاتي)، واتجه لنشر الإسلام في جاوه كلها، كما اتجه لتكوين مملكة موحدة. وأعظم ملوك متارم هو السلطان (آجونج) حفيد سنوفاتي المؤسس. الذي استطاع أن يمد نفوذه على بلاد كثيرة. ونشر الإسلام في جاوه الوسطى، وجعل جذوره تتمكن في هذه المناطق وبعد موت السلطان قامت الصراعات الداخلية والتي مكنت هولندا من القضاء عليهم في النهاية. * * * مملكة غووا (مكسّر) 1078 هـ/1667 م - وحتى القرن 13 هـ/19 م:- قامت في جزيرة (سلاويسي) وكانت هذه الجزيرة ميناءًا هامًا. خاضت هذه الدولة حروبًا ضد هولندا مدة 50 سنة تقريبًا. وكان يقودها ملكها حسن الدين الذي حقق انتصارات عظيمة وضم إلى مملكته العديد من الجزر، ومرة أخرى لم يتم لهولندا النصر إلا بواسطة الفتن التي أثارتها بين الملك وأتباعه. * * * ممالك شبه جزيزة الملايو:- بعد سقوط ملقا قامت مكانها ممالك كثيرة، وقد أسهمت في نشر الإسلام ومصارعة الاستعمار.

الاستعمار الأوروبي في الملايو (أو ماليزيا)

2 - الاستعمار الأوروبي في الملايو (أو ماليزيا):- بدأت البرتغال علاقاتها مع ملقا متخفية في ثوب الاقتصاد والتجارة عقب انتصارها في معركة ديو 915 هـ/1509 م، ثم سيطرت عليها 917 هـ/1511 م، وقد تعرض الأهالي لأسوأ معاملة وبعد حوالي قرن من الزمان في 1051 هـ/1641 م انتهى هذا الاستعمار، وبدأ الاستعمار الهولندي مستفتحًا نشاطه بتأسيس شركة الهند الهولندية التجارية، كسبت انجلترا الأسواق من هولندا مما اضطر هولندا إلى إلغاء شركتها سنة 1215 هـ/1800 م، وكان الحكم الهولندي قد انتهى منذ 1210 هـ/1795 م ثم عقدت تسوية بينهم، فتسلمت انجلترا الملايو وسلمت لهولندا جزر أندونيسيا وذلك في سنة 1240 هـ/1824 م وهبت الثورات في البلاد ضد هذا المستعمر، أثناء الحرب العالمية الثانية استولت اليابان على الملايو. وعاد الاستعمار البريطاني بعد الحرب واستمر إلى أن استقلت البلاد سنة 1377 هـ/1957 م باسم ماليزيا. * * * - الاستعمار الأوروبي في أندونيسيا:- قدمت هولندا إلى الجزر وأنشأت سنة 1011 هـ/1602 م شركة الهند الشرقية الهولندية، ثم بدأ الصراع العسكري بينها ويين سلطان متارم الإسلامية سنة 1022 هـ/1613 م، وهبت حروب طاحنة ضد المحتل الغاصب. أثناء الحرب العالمية

المالديف

الثانية احتلتها اليابان وخرجت بعد الحرب وعادت الهيمنة الهولندية، وأعلن استقلال البلاد سنة 1365 هـ/1945 م. * * * المالديف:- انتشر بها الإسلام في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي، وقد وصلها الاستعمار البرتغالي ثم الهولندي. وقدم الانكليز سنة 1211 هـ/1796 م، حدثت مقاومة وثورات في البلاد سنة 1305 هـ، ووضعت تحت الحماية البريطانية سنة 1367 هـ/1947 م. وأعلنت كجمهورية مستقلة سنة 1373 هـ/1953 م. * * * الأوضاع في الفلبين:- كان الإسلام منتشرًا في الفلبين. وكان يمكن أن يعم جزرها ويكون منها دولة إسلامية، كما حدث بالنسبة لأندونيسيا، ولكن طرأ بها طارئ غير مجرى الفكر الديني بها، ألا وهو الاستعمار الأسباني البغيض. دهم الأسبان جزر الفلبين سنة 928 هـ/1521 م حاملين معهم كل الأحقاد الصليبية ضد المسلمين. وكان موقفها من الفلبين امتدادًا لوقفها من مسلمي الأندلس، وطال بها المقام في الفلبين إلى سنة 1316 هـ/1898 م. وخلال هذه المدة التي قاربت أربعة قرون قضت فيها على أجيال متتالية من المسلمين بطريق الحروب المدمرة ضد المسلمين وإجبارهم على اعتناق المسيحية بالحديد والنار. ورغم كل ذلك لم يتمكنوا من

القضاء على الإمارات المسلمة، وظلت هناك إمارات باقية لم تتمكن أسبانيا من هزيمتها، وتحديدًا في جزيرة مينداناو، وجزر سولو ثم احتلت الولايات المتحدة جزر الفلبين سنة 1317 هـ/1899 م، فقامت المقاومة ضدها واستمرت حتى سنة 1339 هـ/1920 م استسلم المسلمون بعد ذلك، فقد أصابهم الوهن، وانتشرت بينهم الأمراض وعم الفقر والجهل والتخلف، بينما الدعم الصليبي يقدم بكل أشكاله للنصارى، فتراجع الإسلام في البلاد. وأعلنت الولايات المتحدة استقلال الفلبين سنة 1366 هـ/1946 م. وينحصر الإسلام حاليًا في 13 ولاية في جنوب الفلبين، ما زالت تطالب بالحكم الذاتي بكل قوة.

الباب الثامن العالم الإسلامي المعاصر 1417 هـ

الباب الثامن العالم الإسلامي المعاصر 1417 هـ

الفصل الأول التعريف بالعالم الإسلامي المعاصر

الفصل الأول التعريف بالعالم الإسلامي المعاصر المقصود بالعالم الإسلامي:- يقصد بالعالم الإسلامي تلك البلاد أو الدول التي يشكل سكانها المسلمون نسبة تزيد على 50% من مجموع السكان العام. فالمعيار العددي هو أهم المعايير وأولها. وهناك معايير أخرى مثل معيار الدستور فمتى ما ورد في دستور الدولة أن الإسلام هو دينها الرسمي. أو أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، اعتبرت الدولة إسلامية. وهناك معيار ثالث أقل أهمية، وهو ديانة رئيس الدولة، فالدولة التي يرأسها مسلم هي بطبيعة الحال دولة إسلامية. وكل هذه الاعتبارات أخذت بعين الاعتبار في منظمة المؤتمر الإسلامي (¬1). وفي هذه الدراسة أعتبرت كل الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي (دول مسلمة) على الرغم من أن بعضها لا يشكل المسلمون فيها أغلبية مثل:- أوغندا، الكاميرون، بنين. ويعني هذا المصطلح قديمًا (دار الإسلام) وهي البلاد التي كان يطبق ¬

_ (¬1) دعم الأقليات المسلمة في العالم/مؤسسة عكاظ.

مساحة وحدود العالم الإسلامي

فيها شرع الله. مساحة وحدود العالم الإسلامي:- تزيد المساحة على 31 مليون كم 2، تشكل 30% من مساحة اليابسة في العالم، تمتد من أندونيسيا شرقًا إلى السنغال غربًا، ومن تركستان شمالًا إلى موزمبيق جنوبًا (الخريطة). * * * عدد المسلمين في العالم:- يتجاوز عدد المسلمين مليار نسمة (1000.000.000) تعيش النسبة الأكبر في العالم الإسلامي، والبقية أقليات مسلمة في البلاد الكافرة، وأغلب الأقليات المسلمة في قارة آسيا (الهند، الصين). * * * عوامل الوحدة الإسلامية:- أهم وأقوى عامل هو الدين الإسلامي أو العقيدة. والعوامل الأخرى الجانبية هي: اللغة العربية (لغة القرآن)، التاريخ الإسلامي، الثقافة الإسلامية، العادات والآداب العامة، الآلام والآمال المشتركة.

دول العالم الإسلامي

الأجناس البشرية في العالم الإسلامي

الأجناس البشرية في العالم الإسلامي:- القوقاز، المغول، الزنوج، الآريون، الساميون (العرب)، الحاميون. * * * أشهر لغات العالم الإسلامي:- يبلغ عدد اللغات الرئيسية حوالي (25) لغة أهمها: العربية، البنغالية (بنغلاديش)، الهوسا (نيجيريا)، البنجابية (الباكستان)، الجاوية (أندونيسيا)، التركية، الأردو (الباكستان). * * * أشهر الديانات في العالم الإسلامي:- إلى جانب المسلمين هناك أقليات كافرة في العالم الإسلامي أهمهم على التوالي: النصارى 9.5%، اليهود (غربي آسيا وشمال أفريقيا، فلسطين، اليمن، العراق، سوريا وغيرها)، الهندوسية (أندونيسيا، بنجلاديش)، البوذية (جنوب شرق آسيا)، الكونفوشية (ماليزيا، تركستان الشرقية). * * * فرق المسلمين:- 1 - أهل السنة، وهم الغالبية العظمى (94% تقريبًا). 2 - الشيعة (الرافضة) ويشكلون أقلية (6%). مناطق انتشار الشيعة:- على التوالي: إيران، باكستان، العراق، طاجكستان، اليمن، أفغانستان،

أسس المجتمع الإسلامي

لبنان، سوريا. وبأعداد أقل في دول الخليج العربي. وهناك فرق محسوبة على الشيعة كالإسماعيلية والبهرة والنزارية والنصيرية والدروز والخوارج (¬1). كما أن هناك جماعات ضالة أوجدها الاستعمار باسم الإسلام كالبهائية والقاديانية (¬2). وهناك المنحرفون الذين تأثروا بالحركات المادية الحديثة والأفكار الإلحادية كالعلمانيين، وهؤلاء محسوبون على المسلمين. * * * أسس المجتمع الإسلامي:- يعتمد على أسس مستمدد من القرآن الكريم والسنة الشريفة أهمها:- 1 - الحكم لله: قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: 40]. 2 - الطاعة: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]. 3 - الفرد مسئول عن الجماعة والجماعة مسئولة عن الفرد. «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ... الحديث. 4 - المساواة. 5 - الإخاء: " المسلم أخو السلم ". ¬

_ (¬1) حاضر العالم الإسلامي، د. داود الفاعوري، ص 25. (¬2) انظر ذيل الملل والنحل، محمد سيد كيلاني.

6 - العالمية: قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]. 7 - التكافل الاجتماعي: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاري. 8 - الحرية. 9 - العدل: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]. 10 - الشورى: قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ... } [آل عمران: 159].

الفصل الثاني ملاحظات على واقع العالم الإسلامي

الفصل الثاني ملاحظات على واقع العالم الإسلامي ملاحظات داخلية:- 1 - كثرة الدول الإسلامية (أكثر من 55 دولة). 2 - تشتت هذه الدول بين المعسكرات الدولية العالمية (الولاء للدول الكبرى). 3 - كثرة النزاعات مع الديانات الأخرى (كاليهود والنصارى). 4 - كثرة النزاعات الداخلية بين المسلمين. 5 - محاولات السيطرة على العالم الإسلامي. ملاحظات سياسية (وجهود المستعمرين):- 1 - تقسيم العالم الإسلامي بين دول الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى، أدى إلى صبغه بصبغة البلاد التي سيطرت عليه. 2 - انتزع الاستعمار أقسامًا من العالم الإسلامي وسلمها لغير المسلمين مثل فلسطين، أرتيريا، قبرص، لبنان.

ملاحظات فكرية

3 - جزَّأ الاستعمار العالم الإسلامي، وأقام الحدود المصطنعة. وأثار لكل قطر مشكلة مع جيرانه، لكي لا يتحد المسلمون. 4 - حارب الاستعمار اللغة العربية والثقافة الإسلامية، وشوَّه التاريخ الإسلامي. ونشر لغته وتاريخه وعاداته في بلاد المسلمين. 5 - شجع الاستعمار الأحزاب القومية والوطنية والطائفية فتمزق المسلمون نتيجة ذلك. 6 - أثار الاستعمار القوميات المختلفة مثل القومية الطورانية في تركيا والقومية العربية في البلاد العربية حتى اقتتل المسلمون. 7 - الدعوة إلى العلمانية أي فصل الدين عن الدولة. 8 - منح فلسطين وطن قومي لليهود بموجب وعد بلفور سنة 1336 هـ/1917 م ثم اعتراف الدول الكبرى بها ودعمها. 9 - شجع الاستعمار الانقلابات العسكرية في الدول الإسلامية على حسب مصالحهم. ملاحظات فكرية:- - اهتم الاستعمار أثناء سيطرته بإحداث الفراغ الفكري عند المسلمين. - شهد العالم الإسلامي دعوات إصلاحية للعودة إلى الإسلام الصحيح، وكان من أبرز الدعاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد (1115 - 1206 هـ).

ملاحظات على الواقع الاجتماعي

- بعد انهيار الخلافة العثمانية تعرض المسلمون للغزو الفكري ودخول التيارات المدمرة المختلفة باسم الحرية والعلم والإصلاح. - أدرك الغرب أهمية العرب للعالم الإسلامي فعمل على فصلهم عن طريق دعوات فكرية هدامة كتقليد الغرب. واحتقار الماضي الإسلامي والاهتمام بالتربية العلمانية. * * * ملاحظات على الواقع الاجتماعي:- إبعاد المسلمين عن دينهم تحت مصطلحات متعددة:- أ - العلمانية فصل الدين عن الدولة. ب - القومية والوطنية. ج - إضعاف معنويات المسلمين. ملاحظات على الواقع الاقتصادي:- 1 - وجه الاستعمار موارد البلاد الإسلامية لمصالحه الخاصة. 2 - احتكار التجارة الخارجية للبلاد الإسلامية. ومعظم التجارة الداخلية. 3 - محاربة الصناعة الوطنية في العالم الإسلامي. 4 - احتكار الثروات المعدنية كالبترول والقصدير والحديد والنحاس. 5 - شجع نظام الإقطاع الزراعي والطبقية. فشاع الفقر والبؤس.

أسباب ضعف العالم الإسلامي

6 - ربط عملات العالم الإسلامي بعملته. 7 - حرم العالم الإسلامي من إقامة شبكة مواصلات تربطها ربطًا وثيقًا (¬1). * * * أسباب ضعف العالم الإسلامي:- 1 - الابتعاد عن تطبيق العقيدة الإسلامية السليمة. 2 - عدم الحكم بما أنزل الله. 3 - الابتعاد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 4 - ترك الجهاد، وهذا أهم الأسباب وأعظمها. قل تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [التوبة: 38 - 39]. 5 - الخلافات الداخلية والأطماع الدنيوية. 6 - الميل إلى الراحة والدعة والترف. 7 - عدم الاجتهاد في العلوم والمعارف التطبيقية والتجريبية. ¬

_ (¬1) حاضر العالم الإسلامي، داود الفاعوري، ص 55.

8 - تقليد الغرب تقليدًا أعمى في شؤون دنيوية تافهة. 9 - التأثر بالغزو الفكري الغربي والتيارات الهدامة الحديثة. 10 - تفرق المسلمين إلى فرق ونحل وملل كثيرة زادت من ضعف المسلمين وتفككهم. 11 - تضافر الجهود اليهودية والنصرانية والشيوعية والوثنية على القضاء على المسلمين. كلٌّ بوسائله. 12 - زرع اليهود كشوكة في قلب العالم الإسلامي (فلسطين).

الفصل الثالث البلدان الإسلامية

الفصل الثالث البلدان الإسلامية هذه محاولة تعريف مبسطة عن البلاد الإسلامية. نتعرض فيها للموقع والعاصمة وعدد السكان. وكيفية دخول الإسلام وأحوال المسلمين بصفة عامة. عدد الدول الإسلامية (55) دولة حسب التقسيم التالي:- 1 - البلدان الإسلامية في قارة آسيا (28) دولة. 2 - البلدان الإسلامية في قارة أفريقيا (25) دولة. 3 - البلدان الإسلامية في قارة أوروبا (دولتان فقط). أولًا: البلدان الإسلامية في قارة آسيا:- 1 - المملكة العربية السعودية (الرياض):- تقع جنوب غرب قارة آسيا، وتشمل الجزء الأكبر من شبه جزيرة العرب تبلغ مساحتها (2.250.000 كم 2) تقريبًا، وهي موطن العرب الأوائل، ومشرق رسالة الإسلام والدعوة المحمدية التي ختم الله بها الرسالات. وفيها الحرمان الشريفان الحرم

المكي قبلة المسلمين في كل أنحاء الأرض والحرم النبوي حيث يوجد قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومسجده. ومن هذه الأرض خرج المسلمون العرب ينشرون الإسلام في أصقاع الأرض. سكان المملكة مسلمون سنيون يتحرون مذهب السلف، باستثناء قلة من الشيعة تعيش في القطيف والأحساء في المنطقة الشرقية من المملكة، ويبلغ عدد سكان المملكة عمومًا حسب تعداد 1413 هـ/1992 م (16.929.294) معظمهم في المدن الكبرى المعروفة مثل مكة والرياض وجدة والدمام. وأهم موارد المملكة البترول الذي اكتشف في شرقيها سنة 1357 هـ/1937 م ويوجد فيها أكثر من 32 حقل تضم آلاف الآبار. وتأتي المملكة في المرتبة الأولى في إنتاج البترول في الشرق الأوسط. والثانية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية. تاريخ السعودية:- تاريخ الجزيرة العربية القديم غير معروف بصورة دقيقة. ولم تأخذ المنطقة مكانة خاصة وتاريخ متميز إلا بعد ظهور الإسلام في مكة المكرمة. توالت الممالك الإسلامية على الجزيرة، إلى أن انتهت إلى العهد السعودي. اصطلح المؤرخون على تقسيم الدولة السعودية إلى ثلاثة أدوار:- الدور الأول 1139 - 1233 هـ/1726 - 1817 م:- بدأت الدولة بتحالف الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية مع الشيخ محمد بن

عبد الوهاب سنة 1157 هـ/1744 م على تطبيق الشريعة الإسلامية كما نزلت. وانتهت على يد حملة محمد علي باشا (حاكم مصر). الدور الثاني 1235 - 1309 هـ/1819 - 1891 م:- بدأت بعهد تركي بن عبد الله الذي عاد إلى الدرعية، وتمكن من هزيمة الحامية العثمانية وإخراجها. وانتهى هذا الدور بحرب أهلية على الحكم نشبت بين أنجال فيصل بن تركي أدى إلى ضياع ملكهم واستيلاء آل الرشيد عليه. وتميزت هذه المرحلة بسيطرة الدولة العثمانية على معظم هذه المنطقة. الدور الثالث 1319 هـ/1901 م إلى الآن:- بدأت على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الذي طرد آل الرشيد من الرياض واستعاد ملك آبائه. وانطلق بحكمة وشجاعة منقطعة النظير يوحد أنحاء الجزيرة العربية المترامية. حتى تم له ذلك بنجاح تام. فأعلن قيام دولة المملكة العربية السعودية في 1351 هـ/1932 م. وبعد وفاته تعاقب على الملك أبناءه سعود ثم فيصل ثم خالد ثم الملك فهد (خادم الحرمين الشريفين) والذي تولى سنة 1402 هـ/1982 م، وتعيش البلاد تحت ظله في أزهى وأروع فتراتها وقمة ازدهارها. ويعتبر غزو العراق للكويت سنة 1990 م. أخطر الأزمات التي واجهت السعودية، وقد ساهمت المملكة بجهود فعالة لتحرير الكويت حتى تم التحرير وطرد المعتدي.

2 - الجمهورية العربية اليمنية (صنعاء)

ومن أبرز جهود خادم الحرمين التوسعة الهائلة التي أضافها إلى الحرمين الشريفين، وتعتبر أكبر توسعة للحرمين عبر التاريخ. 2 - الجمهورية العربية اليمنية (صنعاء):- تقع في الركن الجنوبي الغربي لشبه جزيرة العرب. وتبلغ مساحتها (555.000 كم 2). وعدد السكان سنة 1990 م (11.282.000) يدين معظمهم بالإسلام، وأكثر من الربع على المذهب الزيدي الشيعي بالإضافة إلى وجود أقلية يهودية. تمثل الزراعة نحو 70% من مجموع الإنتاج القومي. والبن أكبر نصيب من المزروعات. كانت اليمن في الفترة ما بين 750 - 100 ق. م تعرف بمملكة سبأ ثم حكمها الحميريون والأثيوبيون (الأحباش). * * * دخول الإسلام:- كانوا قبل إسلامهم يدينون بالمسيحية واليهودية. أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السنة 6 هـ/627 م كتابًا إلى حاكمهم الحارث بن عبد كلال الحميري، فتلقى ردًا من ملوك حمير يحمل نبأ إسلامهم سنة 9 هـ. فأرسل إليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل يعلمهم ويقضي بينهم. ثم غدت اليمن ظهيرًا للدين وقاعدة من قواعده. ففي خلافة أبي بكر الصديق انخرط في جيش الإسلام آلاف منهم. وبواسطة أهل اليمن دخل الإسلام إلى جنوب آسيا وجنوبها الشرقي وشرقي أفريقيا عن طريق رحلاتهم التجارية.

توالى على حكم اليمن أئمة الزيدية (284 - 1382 هـ/897 - 1962 م)، وكان آخرهم الإمام/محمد البدر الذي قام في وجهه انقلاب عسكري حول البلاد إلى جمهورية بقيادة عبد الله السلال سنة 1962 م، فقامت الحرب بين الملكيين تدعمهم السعودية، والجمهوريين تدعمهم القوات المصرية التي أقحمها جمال عبد الناصر داخل اليمن. وانتهت الحرب بسحب عبد الناصر لقواته أثر حرب 1387 هـ/1967 م، فقامت الجمهورية اليمنية، وفي سنة 1398 هـ/1977 م قتل الرئيس إبراهيم الحمدي، كما قتل أيضًا خلفه/أحمد الغشمي، فانتخب خلفًا له/علي عبد الله صالح سنة 1399 هـ/1978 م أما اليمن الجنوبية الديمقراطية، فقد استقلت عن الاستعمار البريطاني سنة 1388 هـ/1967 م، فسيطرت الشيوعية على البلاد. وكان أول رئيس لها هو قحطان الشعبي، وقد تعددت الانقلابات في البلاد. فرئيسها/سالم ربيع خلع وأعدم. أتى بعده عبد الفتاح إسماعيل الذي خلع ونفي، فتولى الحكم علي ناصر محمد. ثم عاد عبد الفتاح ونشب صراع مسلح بين الاثنين في الأعوام 1406 - 1047 هـ/1985 - 1986 م. فقتل عبد الفتاح وهرب علي ناصر فخلفه حيدر أبو بكر العطاس. في سنة 1410 هـ/1990 م توحد الشطرين. وأطلق على دولة الوحدة/اسم الجمهورية العربية اليمنية برئاسة علي عبد الله صالح. ونائبه علي سالم البيض وحيدر أبو بكر العطاس رئيسًا للوزراء. وكانت وحدة هشة ضعيفة سرعان ما انهارت. ففي عام 1414 هـ/1994 م

3 - سلطنة عمان (مسقط)

نشبت حرب أهلية مدمرة بين الشطرين انتهت بعد شهرين بهزيمة الجنوبيين وهروب البيض والعطاس إلى خارج البلاد. واستمرار الوحدة تحت قيادة موحدة بيد/علي عبد الله صالح وهو الرئيس الحالي للبلاد. * * * 3 - سلطنة عمان (مسقط):- تقع جنوب شرق شبه جزيرة العرب. تبلغ مساحتها 212.457 كم 2، عدد السكان (1.502.000) 1990 م يعتمدون على البترول والزراعة. معظم السكان مسلمون من أهل السنة باستثناء بعض الشيعة، ويوجد المذهب الإباضي في عمان الذي ينسب إلى عبد الله بن أباض أحد زعماء الخوارج. والذي دخل في عمان عام 121 هـ/738 م. * * * دخول الإسلام:- دخل الإسلام في عمان سنة 6 هـ في العهد النبوي، حيث أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن العاص ومجموعة من الصحابة إلى جيفر وعياد ابني الجلندي الأزديين وكانا ملكي عمان، فأسلما ودخل أهل عمان في الإسلام. وقد ارتد الملكان والشعب مع المرتدين في عهد أبي بكر فوجه إليهم عكرمة بن أبي جهل وحذيفة البارقي. فعادوا إلى الإسلام، وكان لهم فضل في فتوحات العراق وفارس والسند في الفترة (15 - 21 هـ)، كما أن لهم فضل نشر الإسلام في أفريقيا الشرقية. يعود اسم البلاد إلى عمان بن قحطان الذي استقر بها منذ فجر التاريخ قادمًا من اليمن.

4 - الإمارات العربية المتحدة (أبو ظبي)

برزت أهمية سواحل عمان مع اكتشاف رأس الرجاء الصالح. فغزت البرتغال عمان وسيطرت على مضيق هرمز. وفي عام 1069 هـ/1658 م تم طردهم من البلاد. ومن ثم قويت الدولة العمانية وجالت بأساطيلها في البحار واتسع نفوذها فسيطرت على زنجبار في أفريقيا ومقاطعات جنوب فارس وبلوشستان تم ذلك في عهد دولة اليعاربة (1624 - 1738 م) وهي أعظم دولة حكمت عمان. وفي سنة 1154 هـ/1741 م حكمت البلاد الأسرة البوسعيدية ومؤسسها هو أحمد بن سعيد (ويعتبر مؤسس الدولة العمانية في العهد الحديث) وتوالى حكام عمان من هذه الأسرة. وآخرهم الحاكم الحالي السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور. الذي تولى بعد تنحية والده سنة 1390 هـ/1970 م. وبدأت في عهده النهضة الفعلية للسلطنة، ولا يزال سلطانًا للبلاد. * * * 4 - الإمارات العربية المتحدة (أبو ظبي):- تقع في شرق الجزيرة العربية وتمتد على ساحل الخليج العربي، تبلغ مساحتها (77.700 كم 2)، وعدد السكان (1.909.000) 1991 م وتتكون من سبع إمارات هي: أبو ظبي، دبي، الشارقة، رأس الخيمة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة. وتعتمد في اقتصادها على البترول الذي يشكل 90% من دخل البلاد. وحصة الفرد من الدخل تعتبر من أعلى الحصص في العالم. دخول الإسلام:- وصلها الإسلام قبل وفاة النبي - عليه السلام -. ومعظمهم مسلمون سنيون. ويوجد قليل من الشيعة. في فترة الاستعمار الأوروبي سيطر عليها البرتغاليون خلال

5 - دولة قطر (الدوحة)

القرن 10 هـ/16 م. ثم خضعت للسيطرة البريطانية خلال القرن 13 هـ/19 م. نالت البلاد استقلالها التام سنة 1391 هـ/1971 م فتشكل اتحاد بين الإمارات بقيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وقد ذكر في وثيقة الاتحاد أنه اتحاد مؤقت وخاضع للتجربة والتعديل. في سنة 1417 هـ/1996 م تم إقرار الاتحاد بصفة مستديمة. * * * 5 - دولة قطر (الدوحة):- تشمل شبه جزيرة (على شكل لسان) داخل الخليج العربي وتجاورها السعودية، وأبو ظبي، مساحتها (11.437 كم 2). عدد السكان (422.000) تعداد 1989 م، نسبة المسلمين 95%، يعتمدون على البترول. * * * دخول الإسلام:- دخلها الإسلام في عهد الرسول - عليه السلام - حين وجه رسله إلى البحرين حيث كانت داخلة في نطاقها. تتابعت عليها الممالك الإسلامية. فقد كانت جزءًا من اليمامة، احتلها القرامطة في الفترة 287 - 468 هـ/900 - 1075 م، ثم تعاقب على حكم اليمامة المغول في القرن 6 هـ/12 م. ثم البرتغاليون في القرن 10 هـ/16 م (في هذه الفترة أصبحت قطر وحدة سياسية قائمة) بعد ذلك خضعت للنفوذ الفارسي. أصبحت قطر جزءًا من الإمبراطورية العثمانية في عام 1289 هـ/1872 م حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. بعدها خضعت للاستعمار البريطاني. إلى أن نالت استقلالها التام سنة 1391 هـ/1971 م.

6 - دولة البحرين (المنامة)

وتحكم قطر أسرة آل ثاني (أصلها من نجد) وذلك منذ سنة 1264 هـ/1847 م. الحاكم الحالي هو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وقد تولى السلطة بعد انقلاب أبيض على والده فيه 29/ 1/1416 هـ/1995 م. * * * 6 - دولة البحرين (المنامة):- إمارة تتكون من مجموعة جزر تقع في الخليج قرب السعودية أهمها جزر البحرين والمحرق وسترة. عدد سكانها (516.400) في إحصاء 1991 م، نسبة المسلمين 85%، وتعتمد على البترول، ومساحة الدولة 695 كم 2. دخول الإسلام:- كانوا قبلًا يدينون بالمسيحية والوثنية. أرسل الرسول - عليه السلام - أبا العلاء الحضرمي إلى المنذر بن ساوي حاكم البحرين من قبل الفرس آنذاك، فأسلم وأسلم معه أهل البحرين شارك أهل البحرين في فتح فارس. في أواخر القرن 3 هـ/9 م احتلها القرامطة. وانتهت دولتهم سنة 366 هـ/976 م. احتلها جنكيز خان المغولي في القرن 6 هـ/12 م. استمر احتلال المغول لمدة 100 عام، ثم استولى عليها هولاكو التتري وبعد موته وقعت تحت الاحتلال البرتغالي 928 - 1011 هـ/1521 - 1602 م فانتزعها منهم الفرس، أجلاهم عنها سلطان عمان. وعادوا إليها مرة أخرى في عهد نادر شاه، حتى تصدى لهم آل خليفة وطردوهم سنة 1197 هـ/1782 م، وأصبحوا حكام البلاد. وقعت البحرين تحت السيطرة البريطانية سنة 1278 هـ/1861 م، ونالت الاستقلال الكامل سنة 1391 هـ/1971 م، يحكمها الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة منذ سنة 1381 هـ/1961 م.

7 - دولة الكويت (الكويت)

7 - دولة الكويت (الكويت):- تقع شمال شرق الجزيرة العربية على الخليج العربي، تبلغ مساحتها (17.818 كم 2)، بلغ عدد السكان سنة 1992 م (1.378.613)، نسبة المسلمين 95%، المساحة المعمورة في الكويت تبلغ 1% فقط من مساحة البلاد. تعتمد الدولة على البترول. دخول الإسلام:- دخلها الإسلام في الوقت الذي دخل إلى البحرين، لأنها كانت داخله في نطاقها. كانت الكويت ميناء صغير، يقطنه بنو عتيبة، وقد تعرضت للغزو البرتغالي في القرن 10 هـ/16 م، في عام 1129 هـ/1716 م تمكنت أسرة آل الصباح القادمة من نجد من الاستيلاء على ميناء الكويت وإقامة إمارة الكويت. بدأ الاستعمار البريطاني للكويت سنة 1317 هـ/1899 م، وفي سنة 1341 هـ/1922 م وقعت في العقير اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، وأنشئت بموجبها المنطقة المحايدة، وفي العام التالي تم تحديد الحدود مع العراق. استمر الكويتيون بالمطالبة بالاستقلال بقيادة الشيخ عبد الله الصباح حتى اعترفت بريطانيا باستقلال الكويت سنة 1381 هـ/1961 م. تُوفي الأمير عبد الله السالم الصباح سنة 1385 هـ/1965 م. وخلفه أخوه صباح السالم وبعد وفاته سنة 1399 هـ/1978 م خلفه الشيخ جابر الأحمد الصباح، وفي عهده قام العراق بغزو واحتلال الكويت سنة 1411 هـ/1990 م. وتم تحريرها بواسطة القوات متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة والسعودية في سنة 1411 هـ/1991 م.

8 - العراق (بغداد)

8 - العراق (بغداد) (¬1):- تقع في جنوب غرب قارة آسيا. تبلغ مساحتها حوالي (438.317 كم 2)، عدد السكان 17.250.000 حسب تعداد سنة 1988 م، ما نسبة المسلمين 97% (نصفهم سنة والنصف الآخر شيعة)، وأغلب الشيعة في الجنوب، ويوجد أقلية مسيحية، وقليل من اليهود. تعتمد الدولة على البترول. * * * تاريخ العراق:- قامت في العراق حضارات قديمة عريقة، فقامت الحضارة السومرية (3700 - 2350 ق. م)، فالإمبراطورية الأكادية الأولى (2350 - 2200 ق. م) فالإمبراطورية البابلية (1895 - 1595 ق. م) فالغزو الكاشي، ثم الإمبراطورية الآشورية (1153 - 612 ق. م)، فالغزو الفارسي (539 ق. م - 635 م). ثم دخلت العراق ضمن الدولة الإسلامية بعد انتصار القادسية الكبير بقيادة سعد بن أبي وقاص سنة 14 هـ/635 م، وقد انطلقت الجيوش الإسلامية بعد ذلك لفتح مدن فارس. وانهت بذلك الإمبراطورية الفارسية، خضعت العراق للممالك الإسلامية (الأموية ثم العباسية)، ثم أتاها سيل الغزو المغولي المدمر سنة 656/ 1258 م، ثم الحكم العثماني (941 - 1337 هـ/1534 - 1918 م). في سنة 1339 هـ/1920 م وضعت تحت الانتداب البريطاني. ¬

_ (¬1) انظر تاريخ العرب الحديث، رأفت الشيخ، ص 272.

في سنة 1341 هـ/1922 م توج فيصل بن الحسين ملكًا على العراق من قبل بريطانيا، وكان رئيس وزرائه نوري السعيد وقد واجها معًا الثورات الكردية (1922 - 1932 م)، نال العراق الاستقلال سنة 1351 هـ/1932 م. خلف الملك فيصل ابنه غازي ثم ابنه فيصل. في سنة 1378 هـ/1958 م وقع انقلاب قاده/عبد الكريم قاسم وألغى بموجبه الملكية، وقتل الملك وأفراد الأسرة المالكة، وأسس النظام الجمهوري، وقع انقلاب آخر سنة 1383 هـ/1963 م بزعامة عبد السلام عارف ثم عبد الرحمن عارف. وتم ذلك بمساندة حزب البعث. في سنة 1400 هـ/1979 م، وصل إلى السلطة أحمد حسن البكر وكان نائبه صدام حسين. الذي سرعان ما سيطر على الأمور ونحى البكر وانفرد بالحكم (وحكم البلاد حكمًا ديكتاتوريًا مطلقًا بالحديد والنار). وخلال الفترة 1401 - 1409 هـ/1980 - 1988 م. شنت العراق حربًا على إيران، انتهت بتدخل مجلس الأمن (الأمم المتحدة) وفرضه لوقف النار الذي وافق عليه الطرفان وقد ذهب أكثر من مليون قتيل نتيجة لهذه الحرب. في محرم 1411 هـ/1990 م احتلت العراق الكويت، وشنت الأمم المتحدة حربًا ضد العراق بقيادة السعودية وأمريكا وبمشاركة 30 دولة، وحررت الكويت بعد 7 أشهر، وفرضت على العراق عقوبات اقتصادية وعسكرية صارمة ما زالت سارية المفعول حتى الآن 1996 م ولا يزال صدام حسين على رأس النظام العراقي.

9 - المملكة الأردنية الهاشهية (عمان)

9 - المملكة الأردنية الهاشمية (عمان):- تقع في الجزء الغربي من قارة آسيا بين العراق وفلسطين، تبلغ مساحتها 97.740 كم 2 (مساحة الضفة الشرقية من نهر الأردن)، عدد السكان (4.009.00) حسب تعداد سنة 1990 م، نسبة المسلمين 92% جملتهم من أهل السنة، ويوجد أقلية مسيحية. احتل العبرانيون وادي الأردن، ثم اجتاحه الآشوريون والكلدانيون، وحكمه الفرس في زمان قورش، خضعت للإسكندر المقدوني سنة 332 ق. م، استولت رومانيا على المنطقة سنة 106 م، وبقيت بحوزتهم إلى أن طردهم المسلمون بعد أن هزموهم شر هزيمة في معركة اليرموك التاريخية سنة 14 هـ/636 م، وأصبح الأردن تحت الحكم الإسلامي وخلال الفترة 509 - 583 هـ/1115 - 1187 م كان الأردن تحت سيطرة الأوربيين الصليبيين، إلى أن حررها صلاح الدين الأيوبي سنة 583 هـ/1187 م بعد معركة حطين المشهورة. خلال الفترة ق 10 - 13 هـ/16 - 19 م كانت الأردن تحت الحكم العثماني. اندلعت الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين سنة 1335 هـ/1916 م بقيادة الحسين شريف مكة وبدعم بريطاني، سنة 1340 هـ/1921 م قسمت الأردن بين فرنسا وبريطانيا. وتولى ابنا الشريف حسين الهاشميان الحكم في الأردن والعراق. عين الأمير عبد الله بن الحسين على إمارة شرق الأردن. وأعلنت عام 1366 هـ/1946 م استقلالها ونصب عبد الله ملكًا عليها، اندلعت الحرب بين الجيوش العربية والصهاينة عام 1367 هـ/1948 م، وانتهت باستيلاء الصهاينة على فلسطين. وضمت الضفة الغربية إلى شرق الأردن. في سنة 1371 هـ/1951 م قتل الملك عبد الله

10 - فلسطين (القدس)

وخلفه ابنه طلال ثم ابنه حسين بن طلال في سنة 1372 هـ/1952 م، فحقق جلاء القوات البريطانية في سنة 1377 هـ/1957 م، بعد حرب 67 م استولت إسرائيل على الضفة الغربية، في حرب 1973 م شارك الأردن في الهجوم ضد إسرائيل مع مصر وسوريا. وخلال حرب الخليج 1411 هـ/1991 م كان الأردن مؤيدًا للعراق، مما أدى إلى تدهور علاقاته مع السعودية ومصر ودول الخليج، بعد الحرب شارك الأردن في محادثات السلام بشأن السلام في الشرق الأوسط، في 1415 هـ/1994 م أقام الأردن علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل. * * * 10 - فلسطين (القدس):- تقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط في غربي آسيا. اسمها القديم أرض كنعنان. بنيت أورشليم (القدس) حوالي سنة 3000 ق. م على يد الكنعانيين، وحوالي عام 1000 ق. م استولى عليها اليهود بقيادة النبي داود - عليه السلام - وخلفه ابنه سليمان. ثم احتلها الآشوريون بقيادة (نبوخذ نصر) فدمروها وشتتوا وأبادوا اليهود. في سنة 332 ق. م استولى الإسكندر المقدوني على فلسطين. وخلفه الرومان السلوقيون الذين دخلت فلسطين وسائر الشام تحت سلطتهم. في عام 66 م تمكن اليهود من احتلال أورشليم، وفي عام 135 م، استطاع الإمبراطور الروماني (هدريان) من إخماد ثورتهم وتدمير أورشليم، وقتل وتشريد اليهود. في عام 614 م احتل الفرس بلاد الشام. وفي عام 627 م انتصر الروم على الفرس وطردوهم من الشام. في تلك الفترة ظهر الإسلام. وفي سنة 15 هـ/636 م تمكنت الجيوش الإسلامية من فتح القدس وبلاد الشام في عهد عمر بن الخطاب وظلت القدس عربية إسلامية وتعاقبت عليها المالك

الإسلامية (الراشدون، الأمويون، العباسيون، بنو طولون، الأخشيديون، الفاطميون، الأيوبيون، المماليك، ثم الأتراك، العثمانيين حتى سنة 1367 هـ/1948 م (باستثناء فترة الحروب الصليبية 493 - 583 هـ/1099 - 1187 م). * * * الاحتلال اليهودي لفلسطين:- كانت فلسطين تقع ضمن أملاك الدولة العثمانية. حاول الزعيم اليهودي هرتزل تقديم كل الإغراءات للخليفة عبد الحميد ليعطيهم فلسطين فرفض، ومنع هجرتهم إلى فلسطين، فعملوا على إسقاطه ونجحوا. أثناء الحرب العالمية الأولى وبعد سقوط الدولة العثمانية دخلت فلسطين تحت الانتداب البريطاني التي منحتها لليهود لإقامة وطن قومي لهم بموجب وعد بلفور سنة 1336 هـ/1917 م. وأنشأت (الوكالة اليهودية) وهي دولة داخل دولة، تمهيدًا لإقامة دولتهم. وسمحت ليهود العالم بالهجرة إلى فلسطين. وبدأت المقاومة، وقامت الثورات ولكن بلا نتيجة. وبعد انتهاء الانتداب البريطاني أعلن اليهود قيام وطنهم القومي في فلسطين تحت اسم دولة إسرائيل سنة 1367 هـ/1948 م واعترفت بها الدول الكبرى. ودخلت الجيوش العربية في فلسطين ولكنها انهزمت وانسحبت. ووضعت الأمم المتحدة مشروعًا يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية سنة 1368 هـ/1949 م، ولم ينفذ هذا المشروع. وحقق اليهود انتصارًا آخر عندما هزموا المسلمين في حرب 1386 هـ/1967 م. وضموا القدس وبقية مدن فلسطين. وابتلعوا الضفة الغريية من الأردن ومرتفعات الجولان من سوريا وسيناء من مصر، وأخيرًا احتلوا جنوب لبنان، ولن تقف أطماعهم عند هذا الحد طبعًا. فهم دائمًا يعلنون عن حلمهم الكبير بقيام دولة إسرائيل الكبرى.

وما زالت فلسطين وغيرها من الأراضي المغتصبة ترزح تحت الاحتلال الصهيوني، وقد اندلعت في أراضيها انتفاضة الحجارة المباركة خلال الفترة (1407 - 1414 هـ)، وقد تجاوز القتلى 1600 شهيد. ولن نسترد فلسطين أبدا إلا بإعلان الجهاد الإسلامي المقدس. في عام 1414 هـ/1993 م تم التوقيع على اتفاق المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية الذي نص على انسحاب إسرائيل من غزة وأريحا أولًا. والاعتراف بالمنظمة ممثلًا للشعب الفلسطيني، والتفاوض على أساس قرارات مجلس الأمن الصادرة بهذا الشأن. وفي نفس العام انسحبت إسرائيل من غزة وأريحا ودخلتها القيادة الفلسطينية، وأقامت أول دولة فلسطينية حديثة برئاسة/ياسر عرفات. في عام 1416 هـ/1995 م تم التوقيع على المرحلة الثانية من اتفاق المبادئ بين إسرائيل وفلسطين والذي ينص على انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية (وبموجبه انسحبت إسرائيل من عدة مدن كبرى هي بيت لحم، نابلس، طولكرم، جنين، رام الله، وأكثر من 400 قرية صغيرة). وما يلاحظ الآن عدم جدية إسرائيل في عملية السلام. ومعاناة الفلسطينيين والعرب أشد المعاناة من مماطلتهم وتسويفهم لعرقلة العملية. مساحة فلسطين 27.010 كم 2، عدد السكان 6.890.543 حسب تعداد سنة 1992 م (العدد يتعلق بالعرب واليهود). في الانتخابات التشريعية لعام 1416 هـ/1996 م تمكن الرئيس ياسر عرفات من الفوز ليكون بذلك أول رئيس ديمقراطي منتخب لدولة فلسطين الناشئة.

11 - جمهورية لبنان (بيروت)

11 - جمهورية لبنان (بيروت):- تقع في غربي آسيا على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، مساحتها 10.452 كم 2، تحيط بها سوريا وفلسطين، يبلغ عدد السكان حسب إحصاء (1992 م) 3.439.115، نسبة المسلمين 75% تقريبًا نصفهم من السنة والنصف الباقي من الشيعة، ويمثل الدروز 4% من سكان لبنان، ويشكل المسيحيون أقلية كبيرة تبلغ 25% تقريبًا. * * * دخول الإسلام وتاريخ البلاد:- منذ القدم كانت لبنان جزءًا من بلاد الشام، وهي تمثل موطن قدماء الفينيقيين، كانت بلاد الشام كلها بيد الروم قبل الإسلام، وفي عهد عمر بن الخطاب، وبعد فتح دمشق سنة 14 هـ/635 م اتجه أبو عبيدة بن الجراح إلى حمص، وفي طريقه فتح بعلبك (¬1)، ثم انتشرت الفتوحات إلى بقية بلاد الشام بما في ذلك السواحل اللبنانية مثل صيدا وبيروت وصور التي فتحها يزيد بن أبي سفيان، وكون معاوية بن أبي سفيان والي الشام أول أسطول بحري إسلامي على سواحل البحر المتوسط في لبنان، ومنها غزا معاوية قبرص وفتحها سنة 28 هـ ثم تفوق الأسطول الإسلامي على الاسطول البيزنطي، وحقق المسلمون أعظم انتصار بحري على الروم في معركة ذات الصواري سنة 31 هـ/651 م في عهد عثمان بن عفان. وصارت السواحل اللبنانية منطلقًا لمهاجمة القسطنطينية. ¬

_ (¬1) انظر الشعوب الإسلامية، عبد العزيز نوار.

أصبحت لبنان جزءًا من الإمبراطورية العثمانية في القرن 10 هـ/16 م، ثم قامت بها الإمارة المعنية 922 - 1109 هـ/1516 - 1697 م، ثم الإمارة الشهابية 1110 - 1258 هـ/1698 - 1842 م ثم شكل قائم مقام النصارى، فمتصرفية جبل لبنان 1278 - 1328 هـ/1861 - 1910 م، بعد الحرب العالمية الأولى دخلتها الجيوش الفرنسية سنة 1337 هـ/1918 م، ووقع عليها الاحتلال الفرنسي والبريطاني معًا إلى أن نالت استقلالها سنة 1360 هـ/1941 م. شاركت لبنان في الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1367 هـ/1948 م، وخلال الأعوام (1395 - 1411 هـ/1975 - 1990 م) دخلت لبنان في حرب أهلية طوائفية مدمرة حطمتها تمامًا. شهدت لبنان سنة 1403 هـ/1982 م الاجتياح الإسرائيلي وارتكاب مذابح صبرا وشاتيلا، واحتلال جنوب لبنان، وفي سنة 1412 هـ/1991 م أصبحت لبنان شريكًا في عملية السلام مع إسرائيل في الشرق الأوسط (إضافة إلى فلسطين وسوريا والأردن). بالنسبة لرؤساء الجمهورية اللبنانية منذ استقلالها، فقد كان بشارة الخوري (1943 - 1952 م) أول رئيس عقب الاستقلال أعقبه على التوالي: كميل شمعون، فؤاد شهاب، شارل الحلو، سليمان فرنجيه، إلياس سركيس (1976 - 1982 م)، بشير الجميل، أمين الجميل، رينيه معوض، وأخيرًا إلياس الهراوي المنتخب سنة 1410 هـ/1989 م. ثم تم التمديد له لـ 3 سنوات تبدأ من 23/ 11/1995 م (نظرًا لظروف مفاوضات السلام المعقدة والصعبة).

12 - سوريا (دمشق)

12 - سوريا (دمشق):- تقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط في غربي آسيا. تبلغ مساحتها (185.180 كم 2)، عدد السكان (12.529.000) حسب تعداد سنة 1991 م، يدين بالإسلام حوالي 91% (السنيون 79%، العلويون 8%، الدروز 3%، إلى جانب شيعة جعفرية وإسماعيلية ويزيدية نسبتهم 1%) وتوجد أقلية مسيحية تبلغ 9%، ويوجد حوالي 70 ألف يهودي. * * * تاريخ سوريا:- استقر العرب الساميون في سوريا قبل الميلاد بـ 5000 عام. وأشهر حضاراتها هي حضارات الأكاديين والعموريين، والآشوريين، والبابليين، والآراميين، خضعت بعد ذلك للإمبراطورية الأخميدية الفارسية، ثم للاسكندر المقدوني في سنة 333 ق. م، ثم اجتاح الرومان سوريا في غزو شمل فلسطين في سنة 64 ق. م، وأصبحت في حوالي سنة 300 م جزءًا من الإمبراطورية البيزنطية. * * * دخول الإسلام:- كما ذكرنا أن الشام كانت بيد الروم، وكانت بصرى أول مدينة سورية يفتحها خالد بن الوليد في عهد أبي بكر، ثم دخل المسلمون دمشق بعد حصار ستة شهور سنة 14 هـ/635 م، وبعد معركة اليرموك الفاصلة سنة 14 هـ دخلت مدن سوريا في حظيرة الإسلام بداية بحماة فحمص وحلب ثم مدن الجزيرة (الرها ونصيبين). وصارت سواحل سوريا منطلقًا للفتوحات الإسلامية نحو الغرب لفتح الجزر وغزو القسطنطينية.

ثم أصبحت دمشق عاصمة الخلافة الأموية، وفي أواخر العهد العباسي حكمتها سلالات من أصول تركية، ثم الفاطميين ثم المماليك في مصر. وفي القرن 5 هـ/11 م سقطت سوريا في أيدي السلاجقة الأتراك. ثم غزاها الصليبيون واحتلوها حتى خلصها منهم نور الدين الزنكي ومن بعده صلاح الدين الأيوبي الذي ضمها في حكم الأيوبيين. تعرضت للغزو المغولي سنة 658 هـ/1260 م فردهم المماليك. وفي عهدهم غزا تيمور لنك سوريا، فأحرق مدنها وقتل كثيرًا من أهلها، أصبحت سوريا جزء من الإمبراطورية العثمانية خلال الفترة 922 - 1339 هـ/1516 - 1920 م، بعد هذا التاريخ انتخب فيصل بن الحسين ملكًا عليها، ودخلت تحت الانتداب الفرنسي. نالت سوريا استقلالها سنة 1361 هـ/1941 م، وتم جلاء فرنسا التام عن سوريا سنة 1366 هـ/1946 م، اتحدت مع مصر 1378 - 1381 هـ/1958 - 1961 م، في عام 1383 هـ/1963 م أصبح حزب البعث هو الحزب الحاكم. في 1387 هـ/1967 م احتلت إسرائيل مرتفعات الجولان السورية. وفي سنة 1393 هـ/1973 م اشتركت مع مصر في حرب أكتوير ضد إسرائيل وحققت بعض الانتصارات، وفي عام 1412 هـ/1991 م جلست سوريا مع إسرائيل على طاولات المفاوضات ضمن عملية السلام في الشرق الأوسط، وما زالت مستمرة وبالنسبة لرؤساء البلاد، فيجدر بالذكر أن البلاد حصل بها العديد من الانقلابات العسكرية. وقد حكمها حسين الزعيم، سامي الحناوي، أديب الشيشكلي، فيصل الأتاسي، أمين الحافظ، نور الدين الأتاسي، والذي قاد حافظ الأسد انقلابًا ضده، وأصبح رئيسًا لسوريا منذ عام 1390 هـ/1970 م وإلى الآن.

13 - الجهمورية التركية (أنقرة)

13 - الجهمورية التركية (أنقرة):- تتكون من آسيا الصغرى (الأناضول) وجزء صغير من أوروبا، تبلغ مساحتها (779.452 كم 2). وموقعها استراتيجي لأنه يشرف على بحار هامة (الأسود والمتوسط) ويتحكم في مضايق تربط بين هذه البحار (الدردنيل والبسفور) وتركيا هي المعبر بين أوروبا وآسيا، يبلغ عدد السكان (56.473.035) حسب تعداد سنة 1990 م. يدين بالإسلام 99% على اختلاف أصولهم العرقية واللغوية. * * * دخول الإسلام وتاريخ البلاد:- كانت آسيا الصغرى قبل الإسلام تابعة للإمبراطورية البيزنطية. في عام 6 هـ أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى ملوك الأرض يدعوهم للإسلام، فكتب إلى قيصر الروم، ويروى أن القيصر مال إلى الإسلام لولا عناد الكنيسة وأصحاب السلطة. بعد فتوحات الشام اتجه المسلمون نحو الشمال، وفتحوا المدن التي واجهوها، واتخذوا ثغورًا ضد الروم على حدود آسيا الصغرى (¬1). في فترات ضعف الدولة العباسية اجتاح الروم هذه الثغور، فتجمع المسلمون الأتراك (السلاجقة) ونذروا أنفسهم للجهاد في سبيل الله فاتجهوا من التركستان إلى الأناضول حيث واجهوا الروم، وانتصروا عليهم أعظم انتصار في معركة ملاذكرد عام ¬

_ (¬1) المصدر السابق، ص 153.

463 هـ/1070 م فصاروا سادة آسيا الصغرى واتخذوا (قونية) عاصمة لهم، وعرفوا بـ (سلاجقة الروم)، فانتشر الإسلام في كل آسيا الصغرى عن طريقهم. * * * الدولة العثمانية:- انتقلت قبيلة تركية من أواسط آسيا الصغرى فرارًا من المغول، واستقرت شمال غرب آسيا الصغرى تحت ظل السلاجقة. وبعد هزيمة السلاجقة أمام المغول أعلن رئيس القبيلة عثمان استقلاله سنة 699 هـ/1299 م، فكان ذلك نواة الدولة العثمانية التي جاهدت في أوروبا، وأخضعت هنغاريا، بلغراد، ألبانيا، اليونان، رومانيا، صربيا، بلغاريا، كما أخضعت كل المشرق الإسلامي. وأعظم انتصار لها هو فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الثاني (الفاتح) سنة 857 هـ/1453 م، التي كانت عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، فأصبحت مركز الخلافة الإسلامية، وصار اسمها استانبول. وقد عاشت الدولة العثمانية خلال الفترة (699 - 1342 هـ/1299 - 1923 م) ثم انهارت الخلافة الإسلامية (وقد كانت آخر خلافة إسلامية موحدة)، وتفرقت الدول الإسلامية، وتحولت تركيا إلى جمهورية صغيرة. شهدت تركيا حركة قومية على يد مصطفي كمال الذي نجح في عام 1342 هـ/1922 م إلغاء الخلافة الإسلامية، وإعلان الجمهورية التركية، وتمكن من استبدال المبادئ الإسلامية بأعراف قومية وعلمانية. وبقى في السلطة حتى وفاته سنة 1357 هـ/1938 م، وخلفه عصمت أينونو، واستمر حتى مات سنة 1370 هـ/1950 م

14 - إيران (طهران)

وتولى بعده بايار، وخلال الفترة 1380 - 1393 هـ/1960 - 1973 م سيطر على البلاد الحكم العسكري، ثم عاد الحكم المدني، تشكل المعارضة الكردية والأرمنية مصدر توتر سياسي دائم في البلاد. بعد وفاة الرئيس تورجوت أوزال خلفه سليمان ديميريل سنة 1414 هـ/1993 م، كما أصبحت تانسو تشيلر أول رئيسة وزراء في تاريخ تركيا في نفس العام. سنة 1996 م عقدت تركيا حلفًا عسكريًا مع إسرائيل عرضها لغضبة العرب والمسلمين. 14 - إيران (طهران):- تقع جنوب غرب آسيا، مساحتها (1.648.000 كم 2)، عدد السكان (61.183.138) حسب تعداد سنة 1992 م، يدين بالإسلام حوالي 98% (معظمهم شيعة على المذهب الاثنى عشري أو الجعفري) وهو مذهب الدولة الرسمي. ويوجد قلة من أهل السنة، كما يوجد قلة من المسيحية واليهودية والزرادشتية لا يتجاوز 2%. * * * دخول الإسلام وتاريخ إيران:- أسس كورش الدولة الأخمينية في فارس عام 559 ق. م. واحتلها الإغريق في عهد الاسكندر المقدوني عام 331 ق. م، ثم عاد الصراع بين الفرس والروم (الذين خلفوا الإغريق). وكانت قبل الإسلام تعتبر أعظم إمبراطورية في الدنيا مع الإمبراطورية الرومانية.

بعد معركة القادسية وفتح العراق سنة 14 هـ/635 م في عهد عمر بن الخطاب، اتخذ المسلمون العراق مركز انطلاق لفتح بلاد فارس، ففتحوا عاصمتهم المدائن ثم جلولاء أعظم مدنهم سنة 16 هـ/637 م، انسحب الفرس إلى الخط الثاني ونهاوند فتم اللقاء الكبير بين المسلمين بقيادة النعمان بن مقرن ثم حذيفة بن اليمان وبين الفرس بقيادة ملكهم يزدجرد، وكان النصر العظيم حليف المسلمين، وعرفت هذه المعركة (بفتح الفتوح) وتمت سنة 21 هـ/641 م بعدها انساح المسلمون في بلاد فارس الشاسعة، ولم ينقض عهد عمر بن الخطاب (سنة 23 هـ/643 م) إلا وكل فارس في قبضة المسلمين، وانتهت إمبراطورية الفرس من الوجود وأصبحت فارس من بلاد المسلمين. ظهرت الدولة الصفارية في سجستان عام 218 هـ/833 م وامتد حكمهم إلى خراسان وكل شرق إيران. وخلفهم بنو زياد، ثم السامنيون، ثم الغزنويون، ثم البويهيون ثم السلاجقة (الذين دانت لهم المنطقة عام 418 هـ/1027 م)، ثم خضعت للمغول ثم لهولاكو التتري وابنه من بعده، أعقبهم تيمور لنك، ثم التركمان (797 - 891 هـ/1394 - 1486 م). ظهرت إيران كدولة في القرن 10 هـ/16 م. مع تولي الأسرة الصفوية للحكم وإعلان المذهب الشيعي مذهبًا للبلاد، وفي عام 1135 هـ/1722 م تولى حكمها الأفغان، ثم نادر شاه الذي طرد العثمانيين والروس، ثم القاجاريين. وفي سنة 1340 هـ/1921 م قام رضا خان بهلوي بانقلاب، وتولى الحكم، وفرض على البلاد الحضارة الغربية، ووقف مع ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، فاحتلت الجيوش البريطانية/الروسية إيران عام 1360 هـ/1941 م، فنفي رضا وخلفه

15 - أفغانستان (كابول)

ابنه محمد رضا. أدت خطة الشام محمد رضا للإصلاح الاقتصادي لثورة 1383 هـ/1963 م بقيادة الخميني، فنفي للعراق، واستبدل الشاه التاريخ الإسلامي بالفارسي، واستولى على ثلات جزر في الخليج العربي، ثم قامت ضده انتفاضة رجال الدين الكبرى مما اضطره الى مغادرة البلاد، وعاد الخميني وتولى السلطة عام 1400 هـ/1979 م. خلال الفترة 1401 - 1409 هـ/1980 - 1988 م شهدت البلاد حربًا مدمرة مع العراق. تُوفي الخميني في 1410 هـ/1989 م، فخلفه خامنئي (كقائد روحي)، وتولى الرئاسة هاشمي رافسنجاني، وجددت له رئاسة أخرى في انتخابات 1414 هـ/1993 م. * * * 15 - أفغانستان (كابول):- تقع في وسط آسيا. وتقدر مساحتها بحوالي (652.225 كم 2)، وعدد السكان (16.121.000) حسب تعداد سنة 1990 م يتكونون من العناصر التالية: البوشتن، الطاجك، الأوزبك، والهازازا، نسبة البدو في الأفغان 80%، والأميون 90%، وأشهر المدن كابل، قندهار، هراة (¬1). نسبة المسلمين حوالي 99% (80% سنة والبقية شيعة " الهازازا ") إلى جانب عدد ضئيل من الهندوكية واليهودية والزرادشتيه، وهم حوالي 1%. * * * دخول الإسلام وتاريخ البلاد:- كانت قديمًا تعرف باسم (أريانا) تم عرفت باسم خراسان في الفتوحات ¬

_ (¬1) أفغانستان، محمود شاكر.

الإسلامية، وصل إليها الإسلام بعد معركة نهاوند سنة 21 هـ/641 هـ حيث واصل المسلمون الزحف شمالًا بقيادة الأحنف بن قيس حتى فتحوا خراسان. فانفتح الطريق من خلالها إلى بلاد ما وراء النهر (نهر جيحون)، وفتحت كابل أيام معاوية بن أبي سفيان. واستمرت المقاومة بقيادة ملكها رتبيل حتى عهد عبد الملك بن مروان. ولم يتوطد فيها الحكم الإسلامي إلا في أيام الدولة الغزنوية (351 - 582 هـ/962 - 1186 م) فقد استولى السلطان البتكين على غزنة وجعلها عاصمته ثم مد نفوذه حتى شمل كل أفغانستان الحالية وإقليم البنجاب، واستطاع سبكتكين (365 - 387 هـ/975 - 997 م) أن يمد نفوذه إلى خراسان ويصل إلى بشاور. وقد اشتهر محمود الغزنوي (388 - 421 هـ/998 - 1030 م) بحروبه وفتوحاته في بلاد الهند ونشره الإسلام في تلك البقاع. تعود نشأة الكيان السياسي المستقل لأفغانستان إلى عام 1160 هـ/1747 م بعد طرد الفرس وتأسيس إمبراطورية بقيادة أحمد شاه دوراني. ظلت أفغانستان طوال القرن 13 هـ/19 م خاضعة لبريطانيا، حصلت على استقلالها في 1340 هـ/1921 م، حكمها الملك محمد ظاهر 1352 - 1393 هـ/1933 - 1973 م أطيح بالنظام الملكي في 1393 هـ/1973 م، وأصبح محمد داود خان رئيسًا للدولة، تم أعدم مع أسرته في انقلاب عسكري في 1399 هـ/1978 م، وتولى محمد نور تراقي الرئاسة وفرض الحزب الشيوعي على نظام الدولة، في 1400 هـ/1979 م قتل تراقي وتولى حفظ الله أمين، وقتل بعد 3 أشهر بدعم سوفيتي، وعين بابراك كارمال رئيسًا للدولة، في عام 1408 هـ/1987 م أصبح نجيب الله أحمد رئيسًا للدولة.

16 - باكستان (إسلام أباد)

وقد كانت القوات الروسية احتلت أفغانستان منذ 1400 هـ/1979 م، فخاض المجاهدون المسلمون حربًا عنيفة ضدهم، إلى أن خرجوا في 1410 هـ/1989 م بعد أن تكبدوا خسائر فادحة، وفي 1412 هـ/1992 م سلم نجيب الله السلطة للمجاهدين الذين كانوا يحاصرون العاصمة كابول، فتسلموا السلطة وكونوا حكومتهم برئاسة برهان الدين رباني، وتولى قلب الدين حكمتيار رئاسة الوزراء، ثم ما لبث أن اختلف مع رباني، فجرت بينهم حروبًا أهلية مدمرة، أعادت البلاد إلى الوراء، وما زالت الحرب الأهلية الطاحنة تدور رحاها في أفغانستان، وقد توسع مداها، ودخلتها أطراف أخرى، والضحية هم هذا الشعب المسكين الذي يعاني الفقر والجهل والأمراض بسبب أطماع الكبار الدنيوية. * * * 16 - باكستان (إسلام أباد):- تقع في شبه القارة الهندية جنوب آسيا بجوار الهند وأفغانستان وإيران، مساحتها (796.095 كم 2)، عدد السكان حسب إحصاء 1990 م (112.050.000) أغلبهم ريفيون، يعتمدون على الزراعة، ومعظمهم أميون (حوالي 85%). وغالبية السكان مسلمون من أهل السنة (حوالي 98%)، وتوجد أقلية شيعية، كما توجد نسبة ضئيلة من الهندوس. * * * الإسلام في شبه القارة الهندية:- فتح بلاد السند القائد محمد بن القاسم الثقفي في الفترة (90 - 94 هـ/708 - 712 م) وقد أرسله الحجاج بن يوسف في عهد الوليد بن عبد الملك

الأموي، ولم يتوطد الإسلام في تلك الديار إلا أيام الدولة الغزنوية، فقد نذر السلطان محمود الغزنوي (388 - 421 هـ/998 - 1030 م) نفسه للجهاد في سبيل الله، فقاد 17 حملة على بلاد الهند، استطاع أن يدمر ملوكها ويخضعها لسلطانه وينشر فيها الإسلام. فدولته أعظم دولة إسلامية حكمت الهند، ثم جاءت الدولة الغورية (543 - 686 هـ/1148 - 1287 م) واستطاع السلطان محمد الغوري أن يحقق انتصارات عظيمة ويفتح باقي مدن الهند سنة 588 هـ/1192 م، وقد تعرضت هذه البلاد للاستعمار البرتغالي. رزحت باكستان وكل شبه القارة الهندية تحت الاستعمار البريطاني منذ القرن 12 هـ/18 م، ونتيجة المطالبة بالوحدة الإسلامية والتي قادمها/محمد علي جناح أنشأت باكستان (الشرقية والغربية) سنة 1367 هـ/1947 م، وحصل تنازع على منطقة جامو وكشمير (ذات الأغلبية الإسلامية)، أدى هذا النزاع إلى حروب شرسة بين الهند وباكستان سنة 1368 هـ/1948 م. أعلنت باكستان جمهورية مستقلة عام 1376 هـ/1956 م، وأصبح اسكندر ميرزا أول رئيس لها، في سنة 1391 هـ/1971 م انفصلت باكستان الشرقية عنها، واستقلت باسم (بنغلاديش) وذلك بدعم هندي. في سنة 1400 هـ/1979 م حصل انقلاب أبيض قاده ضياء الحق، وأعدم الرئيس ذو الفقار علي بوتو، قتل ضياء الحق في حادث طائرة سنة 1409 هـ/1988 م، فانتخبت بناظير بوتو (كأول رئيسة وزراء لباكستان)، وأصبح غلام إسحاق خان رئيسًا للبلاد، بعد انتشار الفساد وتدهورت الحالة الاقتصادية حلت حكومية بناظير، وانتخب

17 - جامو وكشمير (سرنغار)

نواز شريف رئيسًا للوزراء سنة 1411 هـ/1990 م وبعد أزمة سياسية خانقة عام 1414 هـ/1993 م، استقال كل من الرئيس إسحاق خان ورئيس وزرائه نواز شريف، وبعد الانتخابات فازت بناظير بوتو وعادت إلى السلطة مرة ثانية. * * * 17 - جامو وكشمير (سرنغار):- ولاية تقع شمال غرب شبه القارة الهندية وتقسم إلى قسمين: قسم يخضع للهند وآخر لباكستان. تبلغ مساحتها 222.000 كم 2، وعدد سكانها حوالي 12 مليون نسمة (85% مسلمون). * * * دخول الإسلام وتاريخها:- وصل الإسلام إليها (بعد انتشاره شمال الهند) عن طريق الداعية (بلبل شاه) الذي أسلم حاكم الولاية على يده وسمى نفسه (صدر الدين)، فكان هو أول حاكم مسلم لكشمير (سنة 617 هـ/1220 م)، فبدأ الإسلام يعم البلاد منذ عام 740 هـ/1339 م. فتحها ملك الهند المغولي المسلم (أكبر) سنة 965 هـ/1557 م، فحكمها المغول إلى 1166 هـ/1752 م، وكانت أفضل فترات تاريخها. سيطر عليها السيخ في 1235 هـ/1819 م، فسفكوا الدماء وأحرقوا المساجد. وفي سنة 1263 هـ/1846 م احتلها البريطانيون، وأبقوا عليها الحاكم الهندوسي الوثني. بعد استقلال الهند وباكستان سنة 1367 هـ/1947 م رفض الحاكم الهندوسي الانضمام إلى إحدى الدولتين، فطالب المسلمون الانضمام إلى باكستان، فنشب القتال بين الدولتين سنة 1369 هـ/1949 م.

18 - بنغلاديش (دكا)

توقف إطلاق النار، وجُمِّد الوضع بقرارات الأمم المتحدة وتجدد النزاع عدة مرات، فأصبحت الهند تسيطر على ثلثي كشمير، ولا زالت الهند ترفض قرارات الأمم المتحدة، وترفض إجراء استفتاء حر في كشمير. بدأت حركة الجهاد الكشميري سنة 1411 هـ/1990 م في الجانب الباكستاني يرأس حكومة كشمير الحرة/عبد القيوم خان. * * * 18 - بنغلاديش (دكا):- جمهورية إسلامية محاطة بالأراضي الهندية، كانت جزءًا من باكستان، منذ استقلال باكستان سنة 1367 هـ/1947 م، وكان اسمها باكستان الشرقية. تبلغ مساحتها (143.998 كم 2)، عدد السكان سنة 1989 م (106.507.000)، نسبة المسلمين أكثر من 85% أغلبهم سنيون، مع وجود أقلية شيعية. والباقي هندوس وبوذيين ومسيحيين. يعتمد السكان على الزراعة. وقد دخلها الإسلام أثناء دخوله في شبه القارة الهندية، فهي تقع في نطاقها، بعد انتهاء الحكم البريطاني لشبه القارة الهندية. واستقلال الهند وباكستان سنة 1367 هـ/1947 م، برزت باكستان إلى الوجود مقسمة إلى جزئين، إلا أن مصدر السلطة كان أساسًا في باكستان الغربية. حصل تذمر في باكستان الشرقية لعدم المساواة التامة، تحول إلى تمرد في 1386 هـ/1966 م، نالت بنغلاديش استقلالها عن باكستان سنة 1391 هـ/1971 م، وصار مجيب الرحمن حسين رئيسًا لها، وبعد مقتله في 1395 هـ/1975 م تسلم

19 - المالديف (مالي)

السلطة/أحمد خندقار مشتاق، ثم شهدت البلاد عدم استقرار سياسي، وعدة انقلابات، وتعاقب على الحكم كلٌّ من:- ضياء الرحمن، ثم عبد الستار، ثم حسين محمد إرشاد، في سنة 1412 هـ/1991 م أصبحت البيغوم خالدة ضياء الرحمن أول رئيسة وزراء لبنغلاديش، وصار عبد الرحمن بيسواس رئيسًا للدولة. * * * 19 - المالديف (مالي):- جمهورية تتكون من مجموعة جزر (أكثر من ألفي جزيرة) تقع في المحيط الهندي، جنوب غرب الهند، مساحتها (302 كم 2)، عدد السكان في إحصاء 1990 م حوالي (214.000) نسمه، ويدين معظمهم بالإسلام على المذهب السني ويعيشون على صيد الأسماك، وتصدير جوز الهند. * * * دخول الإسلام وتاريخ مالديف:- هذه المنطقة لم تصل إليها أقدام الفاتحين أبدًا، وإنما وصلها الإسلام عن طريق التجارة والدعوة وبالذات مع العرب. كانت المالديف في سابق الزمان تتبع لجزيرة سرنديب (سريلانكا) واستطاع الداعية الشيخ/حافظ بن بركات المغربي أن يدخل ملك البلاد أحمد شنورازه في الإسلام سنة 548 هـ/1153 م، فأسلم معظم أهل البلاد. وقد عمل بها الرحالة المشهور ابن بطوطة قاضيًا سنة 744 هـ/1343 م، احتلها البرتغاليون سنة 931 هـ/1553 م، ثم خضعت للملباريين، ثم استعمرتها بريطانيا عام 1305 هـ/1887 م وألحقتها بسريلانكا. واستقلت المالديف سنة 1385 هـ/1965 م وأصبح إبراهيم محمد رئيسًا

20 - اتحاد ماليزيا (كلوالالمبور)

للوزراء، وخلفه مأمون عبد القيوم سنة 1399 هـ/1978 م، وأعيد انتخابه سنة 1404 هـ/1983 م، و1409 هـ/1988 م. * * * 20 - اتحاد ماليزيا (كلوالالمبور):- مملكة اتحادية تقع جنوب شرق آسيا، كانت سابقًا تشمل شبه جزيرة الملايو. تبلغ مساحتها (329.758 كم 2). عدد السكان حسب إحصاء 1990 م (17.755.900) أغلبهم من العنصر الملاوي الذي ينتمي إلى المغول، يمثل المسلمون 56% وهم سنيون. ويوجد 20% نصارى. بالإضافة إلى البوذيين، والكونفوشيين. ويوجد فيها حركة تنصير نشطة. * * * دخول الإسلام وتاريخ البلاد:- دخل الإسلام عن طريق التجار العرب، ويروى أنهم وصلوا إلى ملقا سنة 675 هـ/1276 م. فأسلم ملك ملقا على يدهم وأسموه (محمد شاه)، فأسلم الشعب، فكانت ملقا أول مملكة إسلامية هناك. فانتشر الإسلام في المناطق المجاورة. ومنها وصل الإسلام إلى أندونيسيا والفلبين. واتجه العلماء للدعوة هناك. غزاها البرتغاليون في القرن 10 هـ/16 م، ثم تلاهم الهولنديون 1051 - 1210 هـ/1641 - 1795 م، ثم خضعت للاستعمار البريطاني سنة 1230 هـ/1814 م. استولى عليها اليابانيون خلال الحرب العالمية الثانية ثم عادت لبريطانيا بعد الحرب. أعلن استقلال ماليزيا سنة 1377 هـ/1957 م، ثم أقيم اتحاد ماليزيا من 11 إقليمًا وضم صباح وسرواك، كما ضم سنغافورة، وأعلنت ملكية

21 - بروناي دار السلام (بندرسري بقوان)

دستورية سنة 1383 هـ/1963 م. في سنة 1385 هـ/1965 م انسحبت سنغافورة ثم بروناي من هذا الاتحاد. في سنة 1389 هـ/1969 م عين تنقو عبد الرحمن رئيسًا للوزراء، خلفه داتوك حسين عون، ثم مهايتو محمد، ويترأس الدولة السلطان عزلان محب الدين شاه. * * * 21 - بروناي دار السلام (بندرسري بقوان):- جمهورية صغيرة، تقع شمال جزيرة بورنيو. مساحتها (5.770 كم 2)، تشتهر بالمطاط والأرز، ويشكل البترول 99% من اقتصادها. عدد السكان (269.319) حسب تعداد 1992 م. * * * دخول الإسلام:- زار حاكمها (أوانج الاكتاتار) ملقا سنة 828 هـ/1424 م. فاعتنق الإسلام. وقدم الدعاة إلى بلاده. فانتشر فيها الإسلام. كانت أسرة السلطان/سيف الدين تحكم بروناي منذ القرن 9 هـ/15 م. في عام 1306 هـ/1888 م خضعت لبربطانيا، في عام 1382 هـ/1962 م ضمتها بريطانيا لاتحاد ماليزيا، وما لبثت أن انسحبت من هذا الاتحاد، في سنة 1387 هـ/1967 م تنازل السلطان عمر عن الحكم لابنه حسن البلقية في عام 1395 هـ/1975 م أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بانسحاب بريطانيا من بروناي، ولم ينفذ السلطان القرار إلا بعد معاهدة 1400 هـ/1979 م بعد ما التزمت ماليزيا باحترام استقلال بروناي.

22 - أندونيسيا (جاكرتا)

22 - أندونيسيا (جاكرتا) (¬1):- تتكون من أكبر أرخبيل للجزر في العالم (أكثر من 3000 جزيرة). تربط بين المحيطين الهندي والهادي. كما تربط بين نصفي الكرة الشمالي والجنوبي. ويغطي هذا الأرخبيل مساحة 1.919.440 كم 2. ومكانها جنوب شرق آسيا. أكبر الجزر سومطرة، جاوة، بورنيو. ومن حيث عدد السكان فهي تأتي في المرتبة الرابعة على مستوى العالم بعد الصين والهند والولايات المتحدة. وتأتي في المرتبة الأولى على مستوى العالم الإسلامي. فعدد سكانها حسب إحصاء 1990 م (179.321.641) يتركزون في جزيرتي جاوه ومادورا. وينتمي معظمهم إلى أصول ملاوية وصينية. يشكل المسلمون 89% (معظمهم سنيون)، وتوجد أقلية مسيحية وهندوسية وبوذية. وجدير بالذكر أن الحركة التنصيرية نشطة جدًا في أندونيسيا، وقد حققوا نجاحات كبيرة، فالانتباه الانتباه!!. الحركة الاقتصادية نشيطة في أندونيسيا، فهي تزخر بالثروات الطبيعية، وتنتج 40% من إنتاج العالم من المطاط، و20% من القصدير، ويوجد السكر والشاي والبترول. * * * دخول الإسلام:- انتشر الإسلام في أواسط القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي عن طريق التجار القادمين من الهند، وكانت البداية في سومطرة ثم جاوة. ¬

_ (¬1) أندونيسيا، محمود شاكر.

كما أن مملكة ملقا كان لها دور في نشر الإسلام في أندونيسيا بعد ذلك انتشر الدعاة في الجزر ونشطت الدعوة حتى عمها الإسلام. في القرن 10 هـ/16 م، وقعت تحت الاستعمار البرتغالي، ثم الهولندي في القرن 11 هـ/17 م. استولت عليها اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب أعلنت الدولة استقلالها سنة 1365 هـ/1945 م برئاسة سوكارنو، الذي قاد ثورة ضد الهولنديين فانسحبوا نهائيًا في 1382 هـ/1962 م، وكان الشعب ضد سوكارنو نظرًا لتحالفه مع الشيوعيين. في عام 1386 هـ/1966 م قاد سوهارتو انقلاب وتولى الرئاسة وأنقذ البلاد من مخالب الشيوعية، ثم تم انتخابه في الفترة 1393 هـ/1973 م إلى أواخر الثمانينات بصورة مستمرة. في عام 1414 هـ/1993 م، أعلن سوهارتو حرية الترشيح للرئاسة عبر الانتخابات الرسمية، ولا يزال هو الرئيس الحالي للبلاد. * * * المسلمون في الاتحاد السوفيتي السابق (¬1):- يتمثل المسلمون في الاتحاد السوفيتي في ست جمهوريات هي: (أذربيجان، أوزباكستان، طاجيكستان، تركمانيا، كازاخستان، غيرقزيا). وقد كان لكل جمهورية دستورها، وجيشها، وعاصمتها الخاصة، وكانت تتمتع حسب الدستور بحق الانفصال عن الاتحاد السوفيتي ولو نظريًا. ولكن حصلت المعجزة وانهار الاتحاد السوفيتي، وتلاشت الشيوعية (غير مأسوف عليها) بعد 75 عامًا من تأسيسها. ¬

_ (¬1) المسلمون في الاتحاد السوفيتي، إحسان حقي.

23 - أذربيجان (باكو)

ونالت هذه الدول المسلمة استقلالها سنة 1412 هـ/1991 م، وقد تعرض المسلمون أثناء الحكم الشيوعي لأنواع الإبادة والقتل الجماعي والتعذيب والاضطهاد. وحولت المساجد والجامعات الإسلامية إلى مواخير ونواد واسطبلات، وارتكبت مجازر لم يعرف التاريخ لها مثيلًا. ففي عام 1337 هـ/1918 م، قام الحزب الحاكم الشيوعي بتصفية دولة (خوقند الإسلامية) بأكملها. وفي عام 1339 هـ/1920 م، تم القفاء المبرم على دولة بخارى الإسلامية، وتم على مدار 50 عامًا إفناء 20 مليون مسلم (11 مليون منهم أبادهم ستالين). * * * وإليك تفاصيل هذه الدول:- 23 - أذربيجان (باكو):- تقع جنوب شرق قفقاسيا وتشرف على بحر الخزر (قزوين)، مساحتها (86.630 كم 2)، عدد السكان حسب إحصاء 1992 م (7.450.787) نسمة. والسكان ينتمون إلى أصول تركية ومغولية، نسبة المسلمين 87% (بينهم نسبة شيعية لها اعتبارها)، يعتمد الاقتصاد على البترول والغاز الطبيعي. * * * تاريخ البلاد:- تأسست أذربيجان في القرن 4 ق. م، مع فتوحات الاسكندر الأكبر المقدوني. وفي القرن 3 م، وقعت تحت حكم الفرس، وبلغتها الفتوحات الإسلامية في القرن 1 هـ/7 م.

24 - أوزبكستان (طشقند)

فتحت هذه البلاد سنة 22 هـ/642 م في خلافة عمر بن الخطاب. ولم يستقر فتحها تمامًا إلا في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك الأموي سنة 105 هـ/723 م، تعرضت للغزو الفارسي في القرن 10 هـ/16 م، في سنة 1141 هـ/1728 م، أخضعها العثمانيون، وفي سنة 1244 هـ/1828 م، استولت إيران على جنوب أذربيجان. وروسيا على شمالها. وفي سنة 1318 هـ/1900 م أصبحت أذربيجان من أكبر منتجي النفط الخام. غزاها الجيش الأحمر عام 1339 هـ/1920 م وتأسست كجمهورية سوفيتية اشتراكية، في 1355 هـ/1936 م، أصبحت كاملة العضوية في اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية. في سنة 1412 هـ/1991 م أعلنت أذرييجان الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي الذي تفكك في أواخر هذا العام. تولى السلطة أبو الفضل الشيبي سنة 1413 هـ/1992 م، وتولى بعده حيدر علييف (مؤقتًا) سنة 1414 هـ/1993 م. يوجد صراع قوي بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورمو كارياخ الذي احتلته أرمينيا، واحتلت بذلك على 10% من أراضي أذربيجان، وما زال الخلاف قائمًا بدون حل. * * * 24 - أوزبكستان (طشقند):- أنشأ الاتحاد السوفيتي هذه الجمهورية على أنقاض عدد من الدويلات وعددها ثمانية: انديزهان، بخارى، فرغانة، خوارزم، سمرقند، سورخان، دارنسك، طشقند. وتقع في قلب آسيا الوسطى. ومساحتها (447.400 كم 2)، عدد السكان حسب إحصاء 1992 م حوالي (21.626.784) نسمة (يتكونون من الأوزبك والروس والتتار)، نسبة المسلمين أكثر من 88% على المذهب السني.

يعتمد الاقتصاد فيها على الموارد الزراعية والمعدنية فيوجد القطن والأرز والحرير. إلى جانب البترول والفحم. * * * دخول الإسلام وتاريخ البلاد:- وصل الإسلام إلى هذه البلاد على يد القائد العظيم قتيبة بن مسلم الباهلي. فقد فتح كل هذه البلاد التي كانت تسمى قديمًا (بلاد ما وراء النهر) ووصلت فتوحاته إلى حدود الصين التي فرض الجزية على ملكها. وكان ذلك خلال الفترة (84 - 96 هـ/703 - 714 م)، مؤسس الدولة الأوزبكية هو تيمور لنك. حكمها الشيباني خان (حفيد جنكيز خان)، بعد انتصاره على دولة تيمور لنك سنة 913 هـ/1507 م، واستمرت سلالته في الحكم حتى 1290 هـ/1873 م سقطت تحت الاحتلال الروسي سنة 1293 هـ/1876 م، وأعلنت جمهورية سوفيتية سنة 1337 هـ/1918 م، وفي سنة 1343 هـ/1924 م أسست الجمهورية السوفيتية الاشتراكية، وخلال الفترة 1379 - 1404 هـ/1959 - 1983 م كان شرف رشيدوف يقود الحزب الشيوعي في أوزبكستان، وقد أدار البلاد بواسطة مافيا منظمة تشرف على الدعارة والمخدرات والقتل، فتحكم في كل شيء تمامًا. في سنة 1411 هـ/1990 م، انتخب مجلس السوفيت الأعلى/إسلام كريموف رئيسًا تنفيذيًا، وشكر الله ميرساندوف رئيسًا للوزراء، أعلنت البلاد استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي سنة 1412 هـ/1991 م.

25 - طاجيكستان (دوشنبي)

25 - طاجيكستان (دوشنبي):- تقع جنوب شرق آسيا الوسطى تبلغ مساحتها 143.100 كم 2، عدد السكان حسب إحصاء (1992 م) حوالي (5.680.242) (طاجيك وأوزبك وروس وتتار)، تبلغ نسبة المسلمين 98% معظمهم شيعة (*). يعتمد اقتصاد البلاد على الزراعة والصناعة والبترول. في سنة 1285 هـ/1868 م سيطر الروس القياصرة على شمال البلاد. وفي سنة 1348 هـ/1929 م أقام الروس حدودًا مستقلة لطاجيكستان وجعلوها جمهورية في الاتحاد السوفيتي. ظلت محتفظة بهويتها الإسلامية طوال عهد الحكم الشيوعي وحتى انهياره. وأعلنت استقلالها عقب انهيار الاتحاد سنة 1412 هـ/1991 م. فاز رحمان نبييف (المنتمي للحزب الشيوعي) برئاسة الجمهورية في نفس العام. مما أدى إلى المعارضة واندلاع حربًا أهلية بسبب ممارسة سياسات القمع. وأجبر الرئيس على الاستقالة. وبسبب الخلافات الكثيرة، عاد الحكم الشيوعي لها بزعامة/علي رحمانوف (مساعد نبييف) في سنة 1413 هـ/1992 م. * * * 26 - تركمانيا (عشق أباد):- مساحتها (448.100 كم 2) أغلبها صحراء. عدد السكان في إحصاء 1992 م بلغ (3.838.108) نسمة يدين أكثر من 90% من السكان بالإسلام. تعتمد البلاد اقتصاديًا على البترول والمعادن والثروة الزراعية. ¬

_ (*) وهذا كلام باطل من أصله.

27 - كازاخستان (آلماآتا) أبو التفاح

احتلتها روسيا سنة 1299 هـ/1881 م، في عام 1336 هـ/1917 م، احتلها البلشفيك، ثم أصبحت جمهورية سوفيتية في 1343 هـ/1924 م، في عام 1406 هـ/1985 م عين غورباتشوف/صفر مراد نيازوف على رأس الحزب الشيوعي في تركمانيا. استقلت بعد انهيار الاتحاد سنة 1412 هـ/1991 م. واستمر نيازوف في زعامة البلاد. * * * 27 - كازاخستان (آلماآتا) أبو التفاح:- المساحة (2.717.300 كم 2)، السكان حوالي (17.103.927) حسب إحصاء 1992 م، كان معظم أهلها مسلمين إلا أن الشيوعيين هجروهم. وأحلوا محلهم الروس فصارت نسبة المسلمين 68% فقط. يقوم اقتصادها على الزراعة والصناعة والرعي والبترول، وتعتبر الأولى في إنتاج الكروم في العالم. ينحدر أصلهم من القبائل المغولية والتركية، دخلها الإسلام في عهد عمر بن عبد العزيز حين أرسل إلى ملوك ما وراء النهر يدعوهم للإسلام. بعد غزو المغول والتتار، اعتنق المغولي/بركة خان الإسلام ثم أوزبك خان في عام 713 هـ/1313 م والذي نشر الإسلام في بلاد الروس. في عام 1339 هـ/1920 م أصبحت جمهورية روسية، وتم دمجها في الاتحاد السوفيتي سنة 1355 هـ/1936 م بعد مقاومة طويلة. في عام 1400 هـ/1989 م فاز نور سلطان نزار بسكرتارية الحزب الشيوعي،

28 - غيرقيزيا (بيشكيك)

فأقام إصلاحات كبيرة. واستقال عقب فشل الانقلاب العسكري في موسكو سنة 1412 هـ/1991 م، وفي نفس العام استقلت البلاد، وانتخب نزار باييف رئيسًا للدولة. * * * 28 - غيرقيزيا (بيشكيك):- عدد السكان (4.567.875) نسمة حسب إحصاء 1992 م، وأصلهم من تركيا، وتعرضوا للقتل والإبادة والتهجير عند احتلال بلادهم. المساحة (191.300 كم 2). تمثل نسبة المسلمين 92% وهم من أهل السنة. يقوم الاقتصاد على التعدين والزراعة والبترول. تعرضت للغزو المغولي في القرن 7 هـ/13 م، ثم ظلوا تحت الحكم التركي حتى 1087 هـ/1685 م، ثم سيطر عليهم الأويدوت المغول، ثم المانش 1182 هـ/1768 م، ثم الصين، ثم ألحقت بالإمبراطورية الروسية في 1293 هـ/1876 م. عرفت عند المسلمين قديمًا بفرغانة، ودخلها الإسلام عن طريق التجار في سنة 1355 هـ/1936 م، ضمت إلى الاتحاد السوفيتي. أعلن استقلال البلاد سنة 1412 هـ/1991 م برئاسة/أشقر أكاييف. في عام 1413 هـ/1992 م، أقامت البلاد علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

ثانيا البلدان الإسلامية الأفريقية

ثانيًا: البلدان الإسلامية الأفريقية:- أ - البلدان العربية:- 29 - مصر (القاهرة):- تقع شمال شرق قارة أفريقيا، عند ملتقى البرين من قارة آسيا وقارة أفريقيا، ومفترق البحرين المتوسط والأحمر، فهي المعبر التجاري والحربي بين المشرق والمغرب، فكان لموقعها بعدًا حضاريًا واستراتيجيًا هيأ البلاد لقيام حضارات متعددة، مساحتها (997.739 كم 2) ويبلغ عدد سكانها (53.5) مليون نسمة حسب تعداد 1990 م. نسبة المسلمين 94%. تعود البداية الحقيقية للحضارة المصرية إلى ظهور الأسرة الفرعونية الأولى 2925 ق. م - 2575 ق. م. وتعرضت مصر خلال تاريخها الطويل للغزو الأجنبي. فقد غزاها الهكسوس والفرس والآشوريون وغيرهم. ثم غزاها الاسكندر المقدوني سنة 332 ق. م. وآلت مصر بعد وفاته إلى بطليموس أحد قادته، فحكمها وزيره من بعده، وكانت كليو باترة خاتمة حكمهم في سنة 30 ق. م. هيمن الرومان والبيزنطيين على مصر بعد ذلك. واستمر ذلك إلى سنة 20 هـ/640 م، حيث فتح المسلمون مصر سلمًا بقيادة عمرو بن العاص ثم تتابع على حكمها ولاة الأمويين والعباسيين. فأحمد بن طولون في سنة 255 هـ/868 م. فالأخشيديون سنة 323 هـ/934 م. ثم خضعت لحكم الفاطميين خلال الفترة 359 - 567 هـ/969 - 1171 م

وأعقبهم الأيوبيون، فالمماليك، فالعثمانيون وولاتهم، إلى أن غزاها نابليون في سنة 1213 هـ/1798 م (ومكث فيها الفرنسيون 3 سنوات). استولى على مصر بعد ذلك (محمد علي باشا) الضابط الألباني (1220 - 1265 هـ/1805 - 1848 م)، واستمر الحكم في ذريته، وكان آخرهم الملك فاروق الذي قامت في وجهه ثورة الضباط الأحرار وخلعته. وأعلنت قيام النظام الجمهوري في البلاد سنة 1372 هـ/1952 م. وكان محمد نجيب أول رئيس للجمهورية ثم نحاه جمال عبد الناصر وتولى السلطة (1373 - 1391 هـ/1953 - 1970 م)، تعرضت مصر سنة 1376 هـ/1956 م لعدوان ثلاثي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ثم أعلنت الوحدة مع سوريا 1378 - 1381 هـ/1958 - 1961 م، وتدخل عبد الناصر بجيشه في حرب اليمن 1382 - 1387 هـ/1962 - 1967 م. وفي يونيو 1388 هـ/1967 م شنت إسرائيل حربًا على مصر وسوريا وبقية فلسطين فاحتلت سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة. خلف أنور السادات عبد الناصر عقب وفاته سنة 1970 م، وخاضت مصر وسوريا في عهده حربًا ضد إسرائيل سنة 1393 هـ/1973 م. وفي سنة 1400 هـ/1979 م وقع على اتفاقية السلام مع إسرائيل في كامب ديفيد. ثم اغتيل سنة 1402 هـ/1981 م. وأعقبه على حكم مصر نائبه الرئيس محمد حسني مبارك (¬1) وهو الرئيس الحالي للبلاد. ¬

_ (¬1) موسوعة المعلومات 94/ 95، مكتب الآفاق.

30 - السودان (الخرطوم)

30 - السودان (الخرطوم):- هي أكبر دولة في أفريقيا، إذ تبلغ مساحتها (2.505.813 كم 2) تقع شمال شرق أفريقيا (جنوب مصر)، عدد السكان حسب إحصاء 1993 م (24.940.683) نسمة، 75% مسلمون سنيون، وينتشر الإسلام حثيثًا في الجنوب، ويعتمد السودان اقتصاديًا على القطن والثروة الحيوانية. * * * الإسلام في السودان وتاريخ البلاد:- بعد ما فتح عمرو بن العاص مصر أرسل عبد الله بن سعد بن أبي السرح إلى بلاد النوبة جنويًا. فوصل إلى دنقلة سنة 31 هـ. وبدأ نزوح القبائل العربية إلى السودان. وهاجر إليها أكثر من ألفي أموي بعد قيام الدولة العباسية سنة 132 هـ/749 م. سيطر المسلمون على الممالك المسيحية في بلاد السودان في القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي. من أعظم الممالك الإسلامية التي قامت في السودان السلطنة الزرقاء (مملكة الفونج) وعاصمتها سنار بين 911 - 1237 هـ/1505 - 1821 م ثم قامت مملكة الفور. وعاصمتها (طرة) عقب انهيار السلطنة الزرقاء. ثم سيطرة مصر على السودان في عهد محمد علي باشا سنة 1237 هـ/1821 م. واستمر ذلك حتى قيام الدولة المهدية بقيادة محمد أحمد المهدي 1299 - 1317 هـ/1881 - 1899 م. ثم وقعت البلاد تحت السيطرة البريطانية/المصرية (اتفاقية الحكم الثنائي) سنة 1317 هـ/1899 م.

31 - ليبيا (طرابلس)

وفي سنة 1376 هـ/1956 م أعلن الاستقلال التام بقيادة إسماعيل الأزهري. تبعته حكومة عبد الله خليل سنة 1957 م. وبعد انقلاب عسكري تزعم البلاد الفريق إبراهيم عبود سنة (1958 - 1964 م) ثم تولى الحكم عقب صورة شعبية سر الختم خليفة (1965 - 1969 م). وفي سنة 1389 هـ/1969 م وقع انقلاب العقيد جعفر محمد نميري، واستمر إلى أن سقط عقب ثورة شعبية كبيرة، وتولت السلطة حكومة انتقالية برئاسة المشير عبد الرحمن سوار الذهب (1985 - 1986م)، وأقيمت انتخابات عامة فاز بها أحمد الميرغني (1986 - 1989 م). وفي سنة 1410 هـ/1989 م وقع انقلاب عسكري تولى على إثره الرئيس الحالي عمر حسن أحمد البشير. وتم إقراره في الرئاسة بعد فوزه في الانتخابات العامة 1996 م. * * * 31 - ليبيا (طرابلس) (¬1):- تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط/شمال أفريقيا، مساحتها (1.775.500 كم 2). يسكنها حوالي (3.773.000) نسمة حسب إحصاء 1988 م، الغالبية العظمى مسلمون. وكانت من البلاد الفقيرة قبل اكتشاف البترول أخيرًا. * * * دخول الإسلام:- عندما استقر الفتح الإسلامي في مصر سنة 20 هـ/640 م، سار عمرو بن العاص غربًا وفتح برقة (الاسم القديم لليبيا) وفرض الجزية عليهم، وانتفضت وأعاد عبد الله بن أبي السرح فتحها سنة 28 هـ/648 م واتخذها قاعدة للانطلاق نحو بلاد الغرب. ¬

_ (¬1) تاريخ ليبيا الإسلامي/عبد اللطيف البرغوتي.

ويرجع الفضل في تعمير ليبيا إلى قبائل بني هلال الذين هاجروا إليها وصبغوها بالصبغة العربية منذ منتصف القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي. في القرن 6 هـ/12 م أصبحت جزءًا من دولة الموحدين. ثم حكمتها الدولة الحفصية حوالي عام 604 هـ/1207 م، واستمر ذلك إلى أن استولى عليها الأسبان سنة 937 هـ/1530 م وسلموها لفرسان مالطة (وهم صليبيون متطرفون) إلى أن حررها وحكمها العثمانيون 962 - 1329 هـ/1554 - 1911 م. في سنة 1329 هـ/1911 م وقعت ليبيا تحت الاستعمار الإيطالي اللعين، واستمر كفاح الشعب الليبي ضد الاستعمار الإيطالي بقيادة زعماء وطنيين وأبطال خلدهم التاريخ أمثال الشيخ/محمد الشريف السنوسي. والقائد رمضان السويحلي والبطل الشهيد عمر المختار 1275 - 1350 هـ/1858 - 1931 م. واستمر الاستعمار الإيطالي إلى انهيار إيطاليا في الحرب العالمية الثانية حيث وضعت البلاد تحت أشراف الأمم المتحدة. أعلن استقلال المملكة الليبية سنة 1371 هـ/1951 م وتولى حكمها الملك إدريس السنوسي الأول. كان الحكم الملكي خاضعًا لنفوذ بريطانيا وأمريكا. وهذا ما سبب اندلاع ثورة الفاتح من سبتمبر 1390 هـ/1969 م. نظم الثورة الضباط الأحرار بقيادة العقيد/معمر القذافي، فأطاحوا بالنظام الملكي وأعلنوا قيام الجماهيرية الليبية بقيادة معمر القذافي، ولا يزال العقيد معمر القذافي حاكمًا لليبيا إلى الآن.

32 - تونس (تونس)

32 - تونس (تونس):- تقع شرق بلاد المغرب، على ساحل المتوسط في شمال أفريقيا في مساحة قدرها (163.610 كم 2)، وعدد سكانها (7.909.600) حسب تعداد 1989 م، نسبة المسلمون 98%. * * * الإسلام في تونس وتاريخ البلاد:- حكمها قبل الميلاد الفينيقيون الذين بنوا قرطاجه. ثم الرومان، ثم جاء البيزنطيون قبل الإسلام. وأما أهلها فهم بربر. تولى عبد الله بن سعد بن أبي السرح مصر بعد عمرو بن العاص، وأذن له عثمان في غزو أفريقيا سنة 27 هـ، وانضم إليه عقبة بن نافع في برقة حيث كان مرابطًا فيها، ثم تحقق الفتح الدائم على يد عقبة بن نافع الفهري الذي بنى القيروان، وأصبح واليًا على أفريقية. وتوفي سنة 63 هـ/682 م. اختار عمر بن عبد العزيز عشرة من فقهاء التابعين لنشر الإسلام في أفريقيا، فكان إسلام البربر نهائيًا من أثر تلك البعثة الكريمة، ولم يتوطد الإسلام ويقبل عليه البربر إلا في فترة القائد موسى بن نصير (78 - 97 هـ/697 - 715 م) وأصبحت البلاد عربية بعد هجرة قبائل بني سليم وبني هلال إليها. استولى عليها الأغالبة من الدولة العباسية وحكموها. ثم خضعت للفاطميين الذين أقاموا عاصمتهم (المهدية) على سواحلها. واستقل بها أمراء البربر من الزيريين. فقضى عليهم الفاطميون. ثم استعادها العباسيون، وظلوا فيها حتى الفتح العثماني

33 - الجزائر (الجزائر)

الذي بدأ سنة 922 هـ/1516 م. وفي سنة 1000 هـ/1591 م قامت ثورة عسكرية انتقلت بموجبها السلطة الفعلية إلى يد كبار ضباط الجيش (الدايات). وظلت طوال قرنين ونصف تتبع اسميًا إلى السلطة العثمانية. أصبحت تونس محمية فرنسية في عام 1301 هـ/1883 م. وبعد كفاح طويل ومرير أقرت فرنسا رسميًا باستقلال تونس سنة 1377 هـ/1956 م، وأصبح الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية الجديدة. في سنة 1409 هـ/1987 م أطاح به رئيس وزرائه زين العابدين بن علي في انقلاب أبيض، وأصبح رئيسًا للبلاد، وما زال. * * * 33 - الجزائر (الجزائر):- عرفت قديمًا بالمغرب الأوسط، تقع على البحر المتوسط بين تونس والمغرب في مساحة قدرها (2.381.471 كم 2) فهي أكبر بلاد المغرب، ويسكنها حوالي (24.960.000) نسمة حسب تعداد سنة 1990 م، 99% مسلمون. يعتمد الاقتصاد على البترول. * * * دخول الإسلام وتاريخ البلاد:- دخلها الإسلام مع تونس. ونزوح قبائل بني هلال إليها عرب لسانها في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي. وأصل أهلها من البرير. توالت فيها الممالك الإسلامية من أموية، وعباسية، وخوارج، ومرابطين ثم الموحدين. حتى وقعت تحت الحكم العثماني في سنة 922 هـ/1516 م. ودام حتى

34 - المغرب (الرباط)

1246 هـ/1830 م حيث احتلها الفرنسيون. وبدأت المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي في الفترة (1255 - 1264 هـ/1839 - 1847 م) بقيادة الأمير عبد القادر. وقامت الكثير من الثورات والانتفاضات والحروب، وقدمت البلاد أكثر من مليون شهيد حتى نالت استقلالها عام 1382 هـ/1962 م بعد 130 عام من الاستعمار الفرنسي. وتولى رئاسة أول حكومة أحمد بن بيلا (1382 - 1385 هـ/1962 - 1965 م) أطاح به العقيد هواري بومدين (1385 - 1399 هـ/1965 - 1978 م) بعد وفاة بومدين خلفه الشاذلي بن جديد (1399 هـ/1978 م). وفي عهده تفاقمت الأزمات السياسية والاضطرابات. وجرت انتخابات في سنة 1412 هـ/1992 م وفازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في جولتها الأولى (فرفض الجيش النتائج)، وعلقت الانتخابات وتصاعدت الأزمة. ونحي الشاذلي عن الحكم وتسلم الجيش السلطة واختار محمد بو ضياف رئيسًا للبلاد سنة 1412 هـ/1992 م، واغتيل بعد أشهر قليلة فخلفه الرئيس علي كافي في نفس العام. في سنة 1414 هـ/1994 م تولى الرئاسة الأمين زروال لفترة انتقالية. وفي سنة 1416 هـ/1995 م تم انتخابه رئيسًا شرعيًا ديمقراطيًا للبلاد. * * * 34 - المغرب (الرباط):- يتمتع المغرب بموقع جغرافي ممتاز على مفترق الطرق بين أوروبا وأفريقيا ويين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وتقع شمال غرب أفريقيا، مساحتها (710.580 كم 2)، وعدد السكان (25.208.000) نسمة حسب إحصاء عام

1990 م، 99% مسلمون، يعتمدون على الزراعة والثروة المعدنية. * * * دخول الإسلام وتاريخ البلاد:- دخلها الإسلام على يد القائد موسى بن نصير سنة 79 هـ/698 م فتح مدنها وقلاعها حتى توقف عند بحر الظلمات (المحيط الأطلسي)، فخاطبه قائلًا: (والله لو أعلم أن وراءك بلادًا لخضتك مجاهدًا في سبيل الله). وكان العرب يعتقدون أن هذا البحر هو نهاية اليابسة، وكان لموسى أثر كبير في نشر الإسلام بين البربر حتى صاروا دعامة الفتح الإسلامي، فمولاه البربري طارق بن زياد هو الذي فتح بلاد الأندلس سنة 92 هـ/710 م. تعاقبت الدويلات العربية والإسلامية في المغرب، فأنشأ البربر مملكة سجلماسة في الجنوب الغربي. كما تكونت دولة الصالحيين في شمال الغرب. ثم دولة الأدارسة (172 - 375 هـ/788 - 985 م)، فالمرابطون (448 - 541 هـ/1056 - 1147 م) فدولة الموحدين (542 - 668 هـ/1147 - 1269 م)، فالمرينيون (668 - 870 هـ/1269 - 1465 م)، ثم تلاهم الأشراف السعديون، فالعلويون (1140 - 1171 هـ/1727 - 1757 م) ثم سيطر الاستعمار الفرنسي والأسباني على البلاد. شبت الثورات ضد الاستعمار. وكان أبرزها ثورة الريف بقيادة محمد عبد الكريم الخطابي سنة 1300 هـ/1882 م إلا أنه هُزِم بعد جهاد طويل ونفي. واستمر نضال الحركة الوطنية، والأحزاب السياسية، حتى نالت المغرب استقلالها سنة

35 - موريتانيا (نواكشوط)

1376 هـ/1956 م. وبعد الاستقلال حكم البلاد السلطان/محمد الخامس، والذي كان يحكمها منذ سنة 1346 هـ/1927 م (وهو من الأشراف العلويين). وبعد وفاته سنة 1382 هـ/1961 م خلفه ابنه الملك الحسن الثاني. وما زال. * * * 35 - موريتانيا (نواكشوط):- كان اسمها قديمًا (شنقيط)، تقع في غرب أفريقيا، مساحتها (1.030.700 كم 2)، يسكنها حوالي (2.059.187) نسمة حسب تعداد عام 1992 م، جميعهم مسلمون يتحدثون العربية، ويحتل المغاربة منهم حوالي 75%، والبقية فلاحون سود. ويعتمد الاقتصاد على الزراعة والرعي، واستخراج المعادن كالحديد. * * * دخول الإسلام وتاريخ موريتانيا:- تذكر بعض المصادر أن القائد عقبة بن نافع حين وصل بلاد المغرب. خاض في الصحراء وفتح بلاد التكرور وغانه ووصل إلى حدود موريتانيا سنة 60 هـ، وانتشر الإسلام في تلك البقاع بعد فتوحات موسى بن نصير. تعاقبت على حكمها دولة المرابطين، فالموحدين، ثم الحسانيون الذين أسسوا إمارات الترارزة والبراكنة خلال القرون الـ 15/ 17 م، دخلتها فرنسا سنة 1814 م. واستعمرتها رسميًا سنة 1339 هـ/1920 م استقلت سنة 1378 هـ/1958 م. وأصبح مختار ولد داده أول رئيس لها، أطاح به انقلاب عسكري في 1399 هـ/1978 م، تولى العقيد خونة ولد هيدالة (1980 - 1984 م) إلى أن أطاح به الكولونيل معاوية

36 - الصومال (مقديشيو)

ولد سيدي أحمد طايع، وأصبح رئيسًا للبلاد سنة 1984 م، وأعيد انتخابه 1413 هـ/1992 م. * * * 36 - الصومال (مقديشيو):- دولة عربية تقع في القرن الأفريقي البارز في مياه المحيط الهندي (شرق أفريقيا) مساحتها (637.657 كم 2)، وعدد السكان (7.961.000) نسمة حسب تعداد سنة 1991 م، الغالبية العظمى مسلمون. * * * الإسلام في الصومال:- انتشر الإسلام عن طريق الهجرات العربية من منطقة عمان وحضرموت واليمن، وعن طريق العلاقات التجارية التي لم تنقطع طوال العصور التاريخية بين بلاد العرب وشرق أفريقيا. استمر الإسلام في الانتشار خلال القرنين الرابع والخامس الهجري سلميًا (10 - 11 م) بواسطة قبائل قدمت من الأحساء. أول مملكة إسلامية في الصومال هي (مملكة عفة) التي هزمها الأثيوبيون خلال القرن 8 هـ/14 م. أسس المسلمون بعدها مملكة (عدال)، واستمر التناحر والقتال بين الصوماليين والأثيوبيين. حتى بدأ الاحتلال البريطاني والإيطالي سنة 1305 هـ/1887 م، اجتاح موسوليني أثيوييا وأريتريا والصومال سنة 1355 هـ/1936 م. استقلت البلاد سنة 1380 هـ/1960 م، وصار عبد الله عثمان رئيسًا للجمهورية. في سنة 1389 هـ/1969 م انتقلت السلطة للجيش بقيادة/محمد

37 - جيبوتي (جيبوتي)

سياد بري. وأسفر النظام الجديد عن ديكتاتوريته. في سنة 1412 هـ/1991 م أسقطت الأحزاب السياسية نظام سياد بري، واختير علي مهدي رئيسًا (انتقاليًا). رفض الزعيم المحلي/محمد فارح عيديد الحكومة الانتقالية. فحدثت صدامات مسلحة دامية في البلاد، واشتعلت الحرب الأهلية. وما زال الشعب الصومالي المسكين يرزح تحت نير الجوع والفقر والخوف والحرب والأمراض. * * * 37 - جيبوتي (جيبوتي):- دولة عربية في شرق أفريقية، اسمها القديم (إقليم عفار وعيسى) تقع عند مضيق باب الندب. مساحتها (23.200 كم 2)، عدد السكان (390.906) حسب تعداد 1992 م، 95% مسلمون. ينتمون إلى أصول صومالية، يعتمدون على الرعي. دخلها الإسلام عن طريق التجار العرب في المنطقة الساحلية بين القرنين 4 - 6 هـ/10 - 12 م. ومن العلوم أن تاريخ جيبوتي مرتبط بتاريخ القرن الأفريقي. بعد سقوط مصر تحت الاحتلال البريطاني، أقتسمت أملاكها في أفريقيا، فكانت جيبوتي من نصيب فرنسا. وكان ذاك في عام 1288 هـ/1871 م. استمرت البلاد تحت الاستعمار الفرنسي. حتى نالت استقلالها سنة 1398 هـ/1977 م وتولى السلطة حسن جوليد. وبعد إجازة قانون الانتخابات العامة سنة 1402 هـ/1981 م تم انتخاب حسن جوليد أيضًا رئيسًا للجمهورية. ثم أعيد انتخابه عام 1408 هـ/1987 م.

ب - البلدان الإسلامية في غرب أفريقيا

ب - البلدان الإسلامية في غرب أفريقيا:- 38 - السنغال (دكار) (¬1):- تقع في أقصى الغرب الأفريقي في مساحة (196.190 كم 2). مجموع السكان حوالي (8.205.058) نسمة في إحصاء عام 1992 م نسبة المسلمين حوالي 92%. أهم القبائل الولوف والبيل والتوكولوز. يعتمد الاقتصاد على الزراعة وأهم المحاصيل الذرة والفول السوداني. * * * دخول الإسلام:- وصل إليهم الإسلام عن طريق بلاد المغرب، ومنذ القرن الأول إلى القرن الحادي عشر الهجري/7 - 17 م كانت من ضمن الممالك السودانية الإسلامية، وقد خضعت المنطقة لدولة المرابطين، وما وصل القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي حتى انتشر الإسلام وازدهر فيها. وفي سنة 1190 هـ/1776 م رفع مسلمو (الفوتاتورو) لواء الجهاد ونشر الإسلام في السنغال، فدخله الكثيرون، مع بدايات القرن العشرين الميلادي، كان قد تم الاجتياح الفرنسي لكل بلاد السنغال. نالت استقلالها الكامل في 1380 هـ/1960 م، وصار (ليوبولدسنغور) أول رئيس لها. تقاعد سنة 1400 هـ/1980 م، وخلفه عبده ضيوف، الذي أعيد انتخابه سنة 1988 م، ثم سنة 1993 م. ¬

_ (¬1) الإسلام في السنغال/أحمد التجاني.

39 - غامبيا (بنجول)

39 - غامبيا (بنجول):- تقع جنوب السنغال، المساحة (11.295 كم 2)، عدد السكان (902.089) نسمة حسب تعداد 1992 م، ولا يختلفون عن السنغال لأنهم في الأصل جزء منها، نسبة المسلمين أكثر من 90%. صارت مستعمرة بريطانية سنة 1237 هـ/1821 م. ونالت استقلالها التام سنة 1385 هـ/1965 م. ثم أصبحت جمهورية عام 1390 هـ/1970 م برئاسة داودا جاوارا. وفي سنة 1994 م تولى العسكري يحيى جمعه حكم البلاد بعد انقلاب عسكري. ولا زال حتى الآن (1996 م)، وسيرشح نفسه في الانتخابات الديمقراطية التي ستجري في هذا العام 1996 م. * * * 40 - غينيا (كونكري):- تقع في الجنوب الغربي الأفريقي مساحتها 245.857 كم 2، وعدد سكانها (7.783.926) حسب تعداد 1992 م، يوجد فيها ثروة معدنية. * * * دخول الإسلام:- حمل إليها الإسلام شعب الماندينغ والبيل وهم ذو أصل مغربي، فانتشر الإسلام في المنطقة عن طريقهم سادت تجارة الرقيق في هذه المنطقة زهاء ثلاثة قرون (9 - 13 هـ/15 - 19 م) فكان الأوربيون يخطفون شباب هذه المنطقة ويبيعونهم في أوروبا.

41 - غينيا بيساو (بيساو)

خضعت لإمبراطورية (مالي) في القرن 7 هـ/13 م، أسس كاراموكوا الفايو أول دولة إسلامية، وأعلن الجهاد عام 1140 هـ/1727 م. قامت إمبراطورية (ساموري توري) القائد المجاهد الإسلامي خلال الفترة (1278 - 1313 هـ/1861 - 1895 م)، وقد وصلت إلى سيراليون وليبيريا جنوبًا. وقضت فرنسا عليه بعد مقاومة عنيفة. خضعت البلاد للاستعمار الفرنسي. وبعد نضال طويل بقيادة أحمد سيكوتوري. نالت البلاد استقلالها بزعامة سيكوتوري سنة 1378 هـ/1958 م، وتعرضت غينيا للعديد من الانقلابات وفشلت جميعها. تُوفي سيكوتوري سنة 1404 هـ/1984 م. وسيطر العسكريون على دفة الحكم بقيادة (لانسانا كونتي). وفي سنة 1411 هـ/1991 م أعلن كونتي عن قيام نظام تعدد الأحزاب، وقيام الانتخابات العامة في البلاد. * * * 41 - غينيا بيساو (بيساو):- جمهورية حديثة العهد بالاستقلال، لا تزيد مساحتها عن (36.125 كم 2). وهي تجاور السنغال وغينيا، يسكنها حوالي (980.000) نسمة حسب إحصاء 1990 م، 30% مسلمون (عضو في منظمة العالم الإسلامي)، ينتمون إلى قبائل البيل والماندنغ ويعتمدون على الرعي وزراعة الدخان والأرز والفول السوداني. دخلها الإسلام مثل غينيا، خضعت البلاد للاستعمار البرتغالي منذ 850 هـ/1446 م. وناضلت طويلًا حتى استقلت سنة 1393 هـ/1973 م، وأصبح لوي كابرال رئيسًا لها، ثم أطاح به انقلاب عسكري سنة 1400 هـ/1980 م بقيادة جواوفييرا، الذي أعلن في 1990 م عن نظام تعدد الأحزاب السياسية وقيام انتخابات رئاسية في البلاد.

42 - مالي (باماكو)

42 - مالي (باماكو):- من دول غرب أفريقيا مساحتها حوالي (1.240.192 كم 2) نصفها صحراء، يسكنها حوالي (8.156.000) نسمة حسب تعداد 1992 م، نسبة المسلمون حوالي 90%. أكثر السكان من قبائل البمبارا. ويعيش السكان على زراعة الحبوب. * * * الإسلام في مالي:- دخلها الإسلام في القرن الرابع قادمًا من بلاد المغرب عن طريق الهجرات والفتوحات. قامت إمبراطوريات إسلامية عظيمة أهمها: إمبراطورية مالي، الصنغاي، تمبتكو، ماسينا، إمبراطورية الحاج عمر. وتعد (مملكة مالي) التي قامت في الفترة من القرن (5 - 10 هـ/11 - 16) أعظم ممالك السودان الإسلامية. وكان لها أثر عظيم في نشر الإسلام، كما استطاعت مملكة الصنغاي (من القرن 8 - 10 هـ/14 - 16 م) نشر الإسلام على نطاق واسع في البلاد المجاورة (¬1). وقامت عدة ممالك، كان آخرها مملكة الحاج عمر التي وحدت البلاد وأعلنت الجهاد منذ عامة 1254 هـ/1838 م إلى أن دخل الاستعمار الفرنسي البلاد سنة 1316 هـ/1897 م. استقلت مالي 1380 هـ/1960 م، برئاسة موديبوكيتا (1960 - 1968 م)، ¬

_ (¬1) انظر الشعوب الإسلامية/عبد العزيز نوار.

43 - الغابون (ليبرفيل)

أطاح به موسى تراوري في انقلاب عسكري. وتولى الحكم خلال الفترة (1968 - 1991 م) إلى أن أطاح به الكولونيل/أماروتوري والذي مهد بعد فترة لقيام انتخابات أوصلت (عمر كوناري) إلى رئاسة البلاد سنة 1413 هـ/1992 م. * * * 43 - الغابون (ليبرفيل):- تقع على خط الاستواء في ساحل غرب أفريقيا، وتعتبر أغنى بلاد أفريقيا بالغابات، المساحة (267.667 كم 2) السكان (1.133.000) حسب تعداد 1989 م، 44% مسلمون. * * * تاريخ البلاد:- احتلها البرتغاليون سنة 876 هـ/1471 م، أخضعتها فرنسا عام 1255 هـ/1839 م. استقلت سنة 1380 هـ/1960 م وكان أول رئيس لها/ليون مبا، بعد وفاته سنة 1385 هـ/1965 م خلفه/ألبير برناربونغو، الذي أعلن إسلامه وتسمى/عمر بونغو سنة 1393 هـ/1973 م. عمت الاضطرابات أنحاء البلاد لسوء الأحوال الاقتصادية والسياسية، وقوبلت انتخابات 1411 هـ/1990 م، وانتخابات 1414 هـ/1993 م (والتي فاز بها عمر بونغو) بالرفض، لعدم وجود الحرية السياسية بها. * * * 44 - بوركينا فاسو (وجادوجو):- عرفت سابقًا بفولتا العليا، تقع على نهر النيجر جنوب مالي (غرب أفريقيا)

45 - سيراليون (فريتاون)

مساحتها (274.200 كم 2). عدد السكان حوالي (9.001.000) نسمة حسب تعداد 1990 م، 25،% مسلمون (عضو في منظمة مؤتمر العالم الإسلامي) يعتمدون على الزراعة والري. * * * دخول الإسلام:- دخلها الإسلام عن طريق ممالك مالي المجاورة لها، وقد تكونت فيها ممالك (موسى) المختلفة منذ القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي. وهي ممالك: الواجادوجو، والتنكودوجو، وغيرها. وقد صمدت في وجه بقية الممالك السودانية مثل مالي وصنغاي. خضعت للاستعمار الفرنسي حتى استقلت في عام 1380 هـ/1960 م برئاسة موريس ياميوغو. وتعرضت البلاد لسلسلة من الانقلابات الدموية. وتولى السلطة بليز كمباوري منذ 1408 هـ/1987 م. في مارس 1990 م اجتمعت سبعة من الأحزاب لوضع دستور يهيئ البلاد لحكومة علمانية. * * * 45 - سيراليون (فريتاون):- من أصغر جمهوريات غرب أفريقيا، مساحتها حوالي (71.740 كم 2) وعدد السكان (4.151.000) حسب تعداد 1990 م. وتوجد أقلية مسيحية، يعمل 90% من السكان بالزراعة، وكانت البلاد جزءًا من الممالك الإسلامية، خضعت للاستعمار البريطاني منذ 1207 هـ/1792 م، واستقلت سنة 1381هـ/1961 م برئاسة السير ملتون مرغي.

46 - بنين (بورتونوفو)

وتعرضت البلاد لعدة انقلابات. آخرها في سنة 1413 هـ/1992 م والتي أوصلت الكابتن/فالنتين استراسير إلى سدة الرئاسة. في سنة 1416 هـ/1996 م وصل أحمد تيجان كباه إلى السلطة بعد فوزه في الانتخابات الديمقراطية. * * * 46 - بنين (بورتونوفو):- في غرب أفريقيا. تشغل مساحة قدرها (112.622 كم 2)، عرفت سابقًا بداهومي، يعيش عليها حولي (4.736.000) نسمة حسب إحصاء 1990 م. نسبة المسلمين 15% (عضو في منظمة مؤتمر العالم الإسلامي). وللبلاد تاريخ مشترك مع الممالك الإسلامية حيث وفدت إليها هجرة إسلامية قوية في القرن 11 هـ/17 م. دخلت البلاد تحت الاستعمار الفرنسي سنة 1310 هـ/1892 م استقلت سنة 1380 هـ/1960 م. تعرضت البلاد للكثير من الاضطرابات والانقلابات والمشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حتى جرت الإصلاحات العامة سنة 1990 م. وجرت انتخابات رئاسية سنة 1991 م، فاز بها نسفور سوغلو، وفي الانتخابات الديمقراطية لعام 1996 م فاز العسكري السابق ماثيو كيريو. * * * 47 - نيجيريا (لاجوس):- تقع عند تقاطع وسط أفريقيا بغربها، مساحتها (923.788 كم 2). عدد السكان (8.514.501) حسب تعداد سنة 1991 م.

يعتمد اقتصاد الدولة على الزراعة وأهم المحاصيل الفول السوداني والكاكاو والقطن. ويوجد ثروة حيوانية، وكميات كبيرة من البترول. يشكل المسلمون حوالي 76%، والنصف الآخر وثنيون وهم بحكم الفطرة أقرب لقبول الإسلام إذا نشطت الدعوة بينهم. * * * الإسلام في نيجيريا:- بدأت قبائل الهوسا بالدخول في الإسلام في القرن 7 هـ/13 م، وانتشر بينهم في القرن 9 هـ/15 م، وقدمت شعوب (الفلاني) من صعيد مصر، واختلطت مع قبائل الهوسا ودانت بالإسلام منذ القرن السابع الهجري. وحصلت بينهم مواجهات ومنافسة. وفي مطلع القرن الثالث عشر الهجري برز من بين فقهاء الفلاني الشيخ (عثمان بن فودي) الذي حج وربما تأثر بالدعوة الوهابية السلفية في جزيرة العرب. فوحد قبائل الهوسا والفلاني ثم أعلن الجهاد ونشر الإسلام. وواجه مملكة جوبير الوثنية. وامتدت دولته بين نهري نبوي والنيجر. تُوفي سنة 1233 هـ/1817 م. واستمر الحكم في سلالته قرن من الزمان حتى جاء الاستعمار البريطاني. واستقلت الدولة سنة 1380 هـ/1960 م. شهدت البلاد الكثير من الانقلابات الدموية، وأبرز رؤسائها (إبراهيم بابا نجيدا) (1985 - 1993 م). وقد مهد لعودة الحكم المدني، وجرت الانتخابات سنة 1993 م، ثم جمدت نتائجها، وتولى الحكم (ساني باشا) في انقلاب أبيض. ولا يزال على رأس السلطة حتى الآن (1996 م).

48 - الكاميرون (ياوندي)

48 - الكاميرون (ياوندي):- تقع في غرب أفريقيا على مساحة قدرها (475.442 كم 2) يعيش عليها حوالي (12.658.439) نسمة حسب تعداد 1992 م، نسبة المسلمين 16% (عضو في منظمة مؤتمر العالم الإسلامي)، ونصف السكان وثنيون، والبقية مسيحيون. تعتمد البلاد على الزراعة وتصدير الكاكاو والبن. * * * دخول الإسلام وتاريخ البلاد:- انتشر الإسلام بعد غزو الفلاني اتباع (عثمان فودي) ابتداء من سنة 1241 هـ/1825 م. توغل البرتغاليون في الكاميرون منذ عام 877 هـ/1472 م. احتلتها ألمانيا سنة 1884 م. وخلال الحرب العالمية الأولى احتلها الفرنسيون والبريطانيون سنة 1338 هـ/1919 م. استقلت البلاد سنة 1381 هـ/1960 م. وانتخب أحمدو أحيجو كأول رئيس. واستمر في الحكم إلى سنة 1403 هـ/1982 م. حيث استقال وسلم السلطات إلى رئيس الوزراء بول بيبا. وأعيد انتخاب بيبا سنة 1990 م، وتم إنشاء لجان لإصلاح الدستور.

ج - البلدان الإسلامية في وسط أفريقيا

ج - البلدان الإسلامية في وسط أفريقيا:- 49 - النيجر (نيامي):- دولة صحراوية داخلية، مساحتها (1.267.000 كم 2)، يسكنها حوالي (8.000.000) نسمة حسب إحصاء 1990 م، كلهم مسلمون، معظمهم مزارعون والبقية رعاة، وأهم عناصر السكان الهوسا وصنغاي جرما. * * * الإسلام في النيجر وتاريخها:- وصلها الإسلام بواسطة المرابطين والموحدين الذين خرجوا من المغرب عبر الصحراء نحو الجنوب في القرنين 5 - 6 هـ/11 - 12 م. كانت النيجر جزءًا من مملكة الصنغاي، ثم المملكة المغربية السودانية، سيطر عليها الاستعمار الانجليزي ثم الفرنسي إلى أن استقلت سنة 1380 هـ/1960 م. صار هاماني ديوري أول رئيس للدولة بعد الاستقلال، واستمر إلى أن أطاح به انقلاب عسكري في 1395 هـ/1974 م بقيادة/حسين كونتش. واست هذا حاكمًا للبلاد حتى وفاته سنة 1408 هـ/1987 م. وخلفه علي شابو، وفي عهده بدأت الدولة تتجه نحو الديمقراطية. وفي سنة 1414 هـ/1993 م جرت انتخابات ديمقراطية وانتخب محمد عثمان رئيسًا للدولة. ثم زحف إبراهيم بابري مناصرة إلى السلطة في انقلاب عسكري، ولا يزال حاكمًا للبلاد حتى هذا التاريخ 1417 هـ/1996 م.

50 - تشاد (انجامينا)

50 - تشاد (انجامينا):- تقع بين الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا، مساحتها (1.259.200 كم 2). عدد السكان (5.428.000) حسب تعداد 1988 م، من عناصر عربية ومغريية وزنجية، وتبلغ نسبة العرب 20% وهم مسلمون رعاة (نسبة المسلمين 85%). تعتمد البلاد اقتصاديًا على الزراعة والرعي. * * * دخول الإسلام وتاريخ البلاد:- دخل عن طريق العرب والمغاربة الذين استقروا في مدينة كانم منذ القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، وكانت مملكة كانم أول مملكة إسلامية في تشاد (من القرن 5 - 8 هـ)، ثم قامت بعدها ممالك باجيرمي والبرنو وواداي بداية من القرن 10 هـ/16 م، وأدخلت الإسلام في البلاد وما حولها. ثم نشبت بينهم حروب أدت إلى احتلال البلاد من قبل فرنسا سنة 1332 هـ/1913 م وبقيت كذلك إلى أن استقلت سنة 1380 هـ/1960 م. استقلت تشاد تحت رئاسة تمبلباي أصبحت دولة حزب واحد بعد إلغاء كل الأحزاب السياسية. قتل تمبلباي في انقلاب عسكري سنة 1396 هـ/1975 م. وآلت السلطة لحسين حبري. وفي عهده دخلت البلاد في حرب مع ليبيا استمرت إلى سنة 1987 م. دخل حبري في مواجهة عسكرية ضد إدريس دبي (زعيم حزب معارض)، فانتصر إدريس وتولى الرئاسة سنة 1411 هـ/1990 م. وأعلن عودة نظام تعدد الأحزاب، ولا يزال إدريس حاكمًا للبلاد حتى هذا التاريخ 1417 هـ/1996 م.

د - البلاد الإسلامية في شرق أفريقيا

(د) البلاد الإسلامية في شرق أفريقيا:- 51 - أوغندا (كمبالا):- من دول شرق أفريقيا، أغلب مناطقها شمال خط الاستواء مساحتها (241.139 كم 2)، عدد السكان (16.582.647) حسب تعداد سنة 1991 م. 16% مسلمون. * * * تاريخ أوغندا:- كانت تحكمها قديمًا أربع ممالك قبلية تقليدية، تتزعمها مملكة بوجاند، ودارت بينها الصراعات والنزاعات حتى دخلها الأوروبيون. أصبحت أوغندا محمية بريطانية سنة 1312 هـ/1894 م. وبعد الحرب العالمية الثانية حصلت على الحكم الذاتي، ثم على الاستقلال التام سنة 1382 هـ/1962 م. انتخب ملكها/السير ادوارد فريدريك رئيسًا للبلاد (1383 - 1386 هـ/1963 - 1966 م)، وأطاح به/أبولو أوبوتي وتولى السلطة إلى عام 1391 هـ/1971 م، وتحولت الدولة إلى النظام الجمهوري سنة 1387 هـ/1967 م. بعد قلب النظام تولى/عيدي أمين دادا إلى عام 1400 هـ/1979 م، وكان ديكتاتوريا، قاسيًا. طرده الجيش، وجرت انتخابات فاز بها/أبوتي وخلفه تيتو أوكلو، ثم يوري موسفيني سنة 1407 هـ/1987 م، وقد مدد لنفسه إلى انتخابات 1416 هـ/1995 م.

52 - تانزانيا (دار السلام)

52 - تانزانيا (دار السلام):- تقوم على اتحاد تانجانيقا وزنجبار الذي تشكل عام 1384 هـ في شرقي أفريقيا في مساحة قدرها حوالي 945.087 كم 2، عدد السكان (25.035.000) حسب تعداد 1990 م، نسبة المسلمين 65% وهناك أقلية نصارى ووثنيين. يعتمد الاقتصاد على الزراعة. * * * دخول الإسلام وتاريخ البلاد:- كان المسلمون يهاجرون ويقيمون على طول الساحل الشرقي لأفريقيا. فانتشر الإسلام على يدهم. فقامت إمارات إسلامية. ومنها مملكة الزنج في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي التي نشرت الإسلام في مناطق كبيرة. حتى استولى عليها الاستعمار البرتغالي. فطردتهم دولة عمان وأخضعت المنطقة منذ القرن 10 هـ/16 م وحتى القرن 13 هـ/19 م ونقلوا العاصمة من مسقط إلى زنجبار وتوغلوا إلى الداخل ونشروا الإسلام، ووصلوا إلى زائير إلى أن استعمر الانجليز البلاد، ثم استقلت وكونت الاتحاد سنة 1384 هـ/1964 م. استعمرتها بريطانيا في أواخر القرن الـ 19 م. ونالت الدولة استقلالها سنة 1384 هـ/1963 م. وفي سنة 1964 م عُزِل آخر السلاطين البوسعيديين (العمانيين) الذين حكموا البلاد عدة قرون، وأعلنت الدولة جمهورية شعبية. وفي نفس العام انضمت زنجبار إلى تنجانيقا، وتكونت جمهورية (تنزانيا المتحدة) برئاسة جونيوس نيريري (1964 - 1984 م) وخلفه علي حسن معيني، والذي أعيد انتخابه في 1990 م.

53 - جزر القمر (موروني)

53 - جزر القمر (موروني):- هي مجموعة جزر مرجانية تقع شمال شرق جزيرة مدغشقر. مساحتها (1862 كم 2)، السكان مسلمون سنيون. عدد السكان (493.853) حسب تعداد 1992 م، 86% مسلمون. * * * الإسلام في جزر القمر وتاريخها:- في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي بدأ انتشار الإسلام عن طريق العرب التجار القادمين من مسقط. ثم قامت عدة إمارات عملت على نشر الإسلام في الجزر، وقد انتشر العرب فيها، وامتزجوا مع السكان السود. استعمرت فرنسا الجزر سنة 1259 هـ/1843 م. ثم نالت الجزر قدرًا من الاستقلال الذاتي سنة 1381 هـ/1961 م، ونالت استقلالها سنة 1396 هـ/1975 م. وانتخب أحمد عبد الله كأول رئيس لها، وفي سنة 1400 هـ/1989 م اغتيل أحمد عبد الله على يد الحرس الجمهوري بقيادة الفرنسي بوب دينار، وانتخب جوهر رئيسًا للبلاد سنة 1992 م، قبلت عضويتها بجامعة الدول العربية سنة 1414 هـ/1993 م. قام المرتزق الفرنسي/بوب دينار بانقلاب آخر في البلاد سنة 1416 هـ/1995 م، فقبضت عليه فرنسا، وأنهت الانقلاب. وفي 1416 هـ/1996 م تم انتخاب محمد تقي عبد الكريم رئيسًا للدولة.

ثالثا الإسلام في أوروبا

ثالثًا: الإسلام في أوروبا:- الإسلام في أوروبا الغربية والجنوبية:- انتشر الإسلام في مناطق كثيرة هناك خلال القرون الأولى عندما دخل المسلمون إلى الأندلس، ووصلوا إلى جنوب فرنسا وإلى وسطها سنة 114 هـ/732 م، كما وصلوا إلى جنوب إيطاليا وشمالها الغربي، ودخلوا إلى سويسرا بعد أن سيطروا على جزر البحر المتوسط كلها. * * * الإسلام في شرق أوروبا:- انتشر عن طريق التجار البلغار خلال القرن 3 هـ/9 م، وعن طريق القبائل المغولية التي دخلت تلك البلاد واستقرت بها خلال القرن 7 هـ/13 م. الإسلام في جنوب شرق أوروبا:- دخلها الإسلام عن طريق العثمانيين الذين عبروا مضيق الدردنيل إلى جنوب أوروبا، ودخلوا أول مدينة أوروبية وهي غالبيولي سنة 758 هـ/1356 م. ثم فتحوا عدة مدن إلى أن دخلوا القسطنطينية سنة 857 هـ/1453 م واتخذوها عاصمة. ثم أخذت بلدان أوروبا تتساقط في أيديهم، ووصلوا إلى فيينا عاصمة النمسا وحاصروها عدد مرات آخرها عام 1095 هـ/1683 م، ثم انحسر الإسلام لضعف الدولة الإسلامية، وبدء انهيار العثمانيين.

54 - ألبانيا (تيرانا)

البلدان الإسلامية في قارة أوروبا:- 54 - ألبانيا (تيرانا):- تقع ألبانيا في جنوب شرق أوروبا في شبه جزيرة البلقان، مساحتها (48.748 كم 2)، وعدد السكان (3.182.417) نسمة حسب تعداد 1989 م يعتمدون على زراعة القمح والذرة ثم المراعي. ويوجد في البلاد ثروة بترولية ومعدنية. يشكل المسلمون غالب السكان ونسبتهم 80%، والبقية نصارى 17%بالإضافة إلى قليل من اليهود. ظلت ألبانيا تحت الحكم الروماني (من 167 ق. م - 395 م) وحكمها البيزنطيون والقبائل الجرمانية والسلاف والبلغار. ثم خضعت للدولة العثمانية أربعة قرون (907 - 1331 هـ/1501 - 1912 م) ودخل أهلها الإسلام، وكانت فرق الألبان (الأرناؤوط) من أهم فرق الجيش العثماني (محمد علي باشا حاكم مصر ينتمي إلى هذه الفرق) حصلت على استقلالها سنة 1331 هـ/1912 م. سيطر عليها الشيوعيون بعد الحرب العالمية الثانية، ففي عام 1365 هـ/1945 م، تولى السلطة/أنور خوجا (رئيس الحزب الشيوعي الألباني) وبعد وفاته في عام 1406 هـ/1985 م خلفه/رامز عاليا. أدخلت في البلاد إصلاحات سياسية واقتصادية بعد تزايد الضغط الشعبي سنة 1412 هـ/1991 م. وفي عام 1413 هـ/1992 م تولى السلطة د. صالح بيريشيا.

55 - البوسنة والهرسك (سراييفو)

55 - البوسنة والهرسك (سراييفو) (¬1):- تقع في جنوب غرب أوروبا، ومساحتها (51.233 كم 2). عدد سكان البوسنة (4.364.000) نسمة حسب تعداد 1991 م. نسبة المسلمين حوالي 45%. * * * تاريخ البوسنة والهرسك:- في سنة 792 هـ/1389 م حقق العثمانيون بقيادة السلطان/مراد بن أورخان انتصارًا ساحقًا على الجيوش الصربية، في معركة (كوزوفو). وأصبحت البوسنة ولاية عثمانية من سنة 868 هـ/1463 م. وبدأ الإسلام ينتشر فيها، وقد عانى العثمانيون طويلًا من الثورات المحلية المدعومة من الأوربيين، وفي سنة 1295 هـ/1878 م احتلت النمسا ولايتي البوسنة والهرسك، وفي سنة 1326 هـ/1908 م أعلنت الإمبراطورية النمساوية/المجرية ضم البوسنة والهرسك إليها. وقاوم المسلمون هذا القرار بكل قوة ولكن بدون جدوى. انطلقت الشرارة الأولى للحرب العالمية الأولى من سراييفو (عاصمة البوسنة). إثر اغتيال ولي عهد النمسا وزوجته على يد شاب صربي. وأدت هذه الحرب إلى تدمير الامبراطورية النمساوية/المجرية. ْفي الفترة ما بين الحربين العالميتين ظلت البوسنة تحت حكم المملكة اليوغسلافية (الصربية الكرواتية السلوفينية). في سنة 1391 هـ/1971 م سمحت دولة الاتحاد اليوغسلافي للمسلمين في البوسنة بتكوين قومية مستقلة ضمن الاتحاد. ¬

_ (¬1) المسلمون في أوربا وأمريكا/علي الكتاني.

مأساة البوسنة والهرسك:- وعقب انهيار الشيوعية سنة 1411 هـ/1990 م تأسس في البوسنة حزب إسلامي بزعامة المحامي/علي عزت بيغوفيتش، وفي سنة 1412 هـ/1991 م طالب السكان بالاستقلال بعد استفتاء عام، فأعلنت الدولة استقلالها بزعامة علي عزت بيجوفيتش الذي فاز في الانتخابات الرئاسية. ومنذ استقلالها عاشت البوسنة والهرسك مأساة حقيقية وصراع دامي من جراء العدوان الصربي الوحشي. وأسأليب التطهير الديني العرقي ضد المسلمين، ومحاولة إنهاء الوجود الإسلامي، وبدعم مستتر من الدول الغربية وروسيا والعالم الصليبي أجمع. لمنع وجود دولة مسلمة في أوروبا. * * * انتهاء المأساة:- في سنة 1416 هـ/1996 م وقع زعماء البوسنة وكرواتيا والصرب على معاهدة في باريس لإنهاء الحرب، وقسمت البلاد بين الصرب وبين اتحاد المسلمين/الكروات، وتخوض البوسنة الآن معركة البناء والتعمير لإصلاح ما خربته الحرب. تؤكد الإحصائيات أن ضحايا المسلمين خلال هذه الحرب (91 - 96 م) تجاوزوا 200 ألف قتيل، وتم اغتصاب أكثر من 50 ألف مسلمة، وفوجئ العالم بالمذابح والمقابر الجماعية التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين.

الفصل الرابع الأقليات المسلمة في العالم

الفصل الرابع الأقليات المسلمة في العالم مفهوم الأقليات المسلمة:- البحث في موضوع الأقليات المسلمة يقتضي تحديد مفهوم الأقلية المسلمة، وهناك العديد من المعايير في هذا الخصوص. أهمها وأولها المعيار العددي بمعنى أن الدولة التي يزيد عدد المسلمين فيها عن نصف مجموع السكان تعتبر دولة إسلامية، وإذا قل المسلمون عن هذا الحد فيعتبرون (أقلية) داخل دولة غير إسلامية. عدد الأقليات المسلمة في قارات العالم (¬1) * * * القارة ــ عدد الأقلية المسلمة آسيا ... (258.733.700) أفريقيا ... (50.483.980) أوروبا ... (15.725.500) الأمريكتان ... (7.651.700) استراليا ... (470.000) المجموع ... (333.064.880) ¬

_ (¬1) دعم الأقليات المسلمة في العالم/مؤسسة عكاظ (1992 م).

الأقليات المسلمة في آسيا

الأقليات المسلمة في آسيا:- دخول الإسلام:- عرفت الدول الآسيوية (الغير عربية) الإسلام في فترة مبكرة منذ ظهور الإسلام. إذ وصلت الفتوحات الكبرى التي بدأت في عهد الخلفاء الراشدين واستمرت في العهد الأموي إلى بلاد ما وراء النهرين وبلاد السند. وقد تحققت أعظم تلك الفتوحات في عصر الوليد بن عبد الملك (86 - 96 هـ/705 - 715 م) فقد فتحت بلاد ما وراء النهرين بقيادة قتيبة بن مسلم، بينما تمكن القائد محمد بن القاسم من فتح بلاد السند. * * * مشاكل ومعاناة الأقلية المسلمة في آسيا:- تعاني هذه الأقلية من التعديات الصارخة على حقوقها الاقتصادية والسياسية والدينية، كما تعاني من مشكلات مزمنة كالأمية والبطالة والأمراض، والتعدي على معتقداتها وقيمها الإسلامية. * * * دور الأمة الإسلامية:- وتقع على عاتق الأمة الإسلامية مسؤولية تذليل تلك الصعاب وتوفير الحماية الضرورية لضمان الحقوق الأساسية وأهمها حق الحياة الكريمة، وحق المشاركة السياسية، والتعليم، والمساواة. * * * أقطار إسلامية واقعة تحت الاحتلال:- وهناك أقليات مسلمة في آسيا واقعة تحت احتلال الأقطار الكافرة، وتعاني من أصناف البلاء والاضطهاد والقمع وسلب حرياتها، وتطالب هذه الأقليات بالانفصال

والاستقلال عن هذه الدول منذ عقود من الزمان، وما زال طلبها يلقى أشد المعارضة. وأهم تلك الأقليات:- - جمهورية جامو وكشمير في شمال الهند. - جمهورية تركستان الشرقية (سنكيانغ) في الصين. - شعب الروهينجا، في ولاية أراكان في بورما (ميانمار). - جمهورية فطاني الإسلامي في جنوب تايلاند. - مقاطعة مورو، جنوب الفلبين. - الجمهوريات الإسلامية في روسيا الاتحادية، وأهمها: تثاريا، بشكيريا، الجوفاش، أدمورت، الشيشان، ماري، أورنبرغ، وغيرها. * * * أهم الأقليات المسلمة في آسيا الدولة ــ الأقلية المسلمة الهند ... 90.000.000 - 120.000.000 الصين ... 20.000.000 - 113.000.000 الفلبين ... 3.500.000 - 7.500.000 بورما (مياتمار) ... 4.000.000 - 7.000.000 تايلاند ... 2.500.000 - 7.000.000 نيبال ... 600.000 - 1.500.000 سريلانكا ... 1.500.000 أقطار أخرى ... 1.234.000 المجموع ... 258.733.700

الأقليات المسلمة في أفريقيا

الأقليات المسلمة في أفريقيا:- دخول الإسلام في القارة:- من المعلوم أن الدين الإسلامي هو أول دين يدخل القارة الأفريقية حيث كانت البدايات الأولى مع بزوغ فجر الإسلام. وذلك عندما اشتد أذى المشركين للصحابة الكرام، فأمرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة إلى الحبشة. وبدأت الفتوحات الإسلامية للشمال الأفريقي في عهد عثمان بن عفان. وقد استطاع القائد/موسى بن نصير تثبيت أقدام المسلمين في كل شمال أفريقيا حتى المحيط الأطلسي خلال عهد الوليد بن عبد الملك الأموي. ثم نشطت الدعوة الإسلامية في أفريقيا الغربية بفضل حكام دولة المرابطين. وعن طريق التجارة انتشرت في كل القارة الأفريقية، حتى أصبحت بحق القارة المسلمة، ويعيش على أرضها ما يزيد عن 300 مليون مسلم، يشكلون نحو 40% من إجمالي سكان أفريقيا. * * * مشاكل وهموم الأقلية المسلمة:- يعيش أكثر من 50 مليون مسلم في أقطار أفريقية غير إسلامية، يواجهون حربًا شرسة من قبل الحركات التنصيرية، والقاديانية، والمنظمات الصهيونية، كما كان للاستعمار الذي رزحت القارة تحت نيره ردحًا طويلًا من الزمن دور فعال في تأخر

المسلمين، وذلك باستخدام أسأليب مثل فرض لغة المستعمر، واستنزاف موارد تلك البلدان، مما أوجد حالة من التبعية الاقتصادية والفكرية حتى بعد زوال الاستعمار. ويعاني المسلمون من أمراض الأمية والفقر والجوع والبطالة (¬1). * * * دور الأمة الإسلامية:- - القيام بالدور الإسلامي المطلوب، بتكثيف العون والمساعدة حتى لا يسبقها أحد من المنظمات المشبوهة، التي تعمد إلى محاربة الإسلام في القارة. * * * أهم الأقليات المسلمة في أفريقيا الدولة ــ الأقلية المسلمة أثيوبيا ... 17.000.000 - 26.000.000 ساحل العاج ... 2.500.000 - 7.500.000 كينيا ... 5.600.000 موزمبيق ... 1.500.000 - 3.850.000 زائير ... 3.500.000 غانا ... 2.000.000 أقطار أخرى ... 2.300.000 المجموع ... 50.483.980 ¬

_ (¬1) الأقليات المسلمة في العالم/مؤسسة عكاظ.

الأقليات المسلمة في أوروبا

الأقليات المسلمة في أوروبا:- دخول الإسلام:- دخل الإسلام إلى أوروبا عبر عدة مسالك، فقد دخلها أولًا من الجنوب عبر الأندلس حيث عبر المسلمون مضيق جبل طارق إلى جنوب غرب أوروبا ففتحوا الأندلس 92 هـ/710 م بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير، كما دخل أيضًا من شمال شرق أوروبا عن طريق التتار بعد إسلام القبيلة الذهبية بزعامة أوزبك خان. ودخل عبر شرق أوروبا بواسطة الأتراك العثمانيبن الذين فتحوا معظم بلاد البلقان ثم تقدموا نحو وسط أوروبا ففتحوا المجر ووصلوا إلى مشارق النمسا. وأخيرًا دخل الإسلام إلى أماكن لم يصلها من قبل عن طريق الهجرة الحديثة والعمال ورجال الأعمال. * * * مشاكل الأقليات المسلمة في أوروبا:- توجد في أوروبا دولتان إسلاميتان هما ألبانيا والبوسنة والهرسك. ويوجد أقلية مسلمة تقارب 16 مليون نسمة. وأهم المشاكل التي تعاني منها:- - حركات التبشير والتنصير. - اختلاف القيم والثقافات والعادات والتقاليد. - الحاجة الملحة إلى علماء متفرغين للعبادة والدعوة. - تزايد القوى العنصرية ضد المسلمين. - الأطفال المسلمون يتلقون العلوم المسيحية في المدارس الأوروبية.

الأقليات المسلمة في الأمريكتين

- نشاط الصهيونية والقاديانية والبهائية وبعض المستشرقين المعادين للإسلام. - الزواج من غير المسلمين، وتأثير ذلك على القيم الإسلامية. ويجب على الأمة الإسلامية مساعدة هذه الأقلية للتغلب على هذه المشاكل والمصاعب. * * * الأقليات المسلمة في الأمريكتين:- يقدر عدد المسلمين في الأمريكتين حوالي 7.650.000 مسلم، ويوجد في أمريكا الشمالية فقط أكثر من 6.350.000 مسلم. دخول الإسلام (قبل كريستوفر كولمبس):- أثبتت الدراسات التاريخية أن المسلمين قد وصلوا إلى الأمريكتين قبل الأوروبيين، وكان هذا الوصول المبكر من مسلمي شمال وغرب أفريقيا والأندلس، ومن الظواهر التي دلت على ذلك:- التأثير الأفريقي في الصناعة التقليدية لدى الهنود الأمريكيين، العثور على آثار إفريقية مكتوية على صخور بأمريكا الجنوبية والوسطى، العثور على عملة عربية مضروبة في الأندلس عام 800 هـ. عثرت في أمريكا الجنوبية. وقد ظهر الإسلام في أمريكا الشمالية على مراحل: - من بداية الكشف الأسباني (رحلة كريستوفر كولمبس) حيث كان من بين الأسبان الأوائل بعض المسلمين.

الأقليات المسلمة في استراليا

- المرحلة الثانية تمثلت في وصول المسلمين الأفارقة الذين استقدمهم تجار الرقيق من غرب أفريقيا. - المرحلة الثالثة تمثلت في الهجرة الإسلامية في القرن التاسع عشر الميلادي من تركيا ولبنان وفلسطين وسوريا وغيرها. وتوجد في الولايات المتحدة منظمات ومراكز وجمعيات إسلامية عديدة لها نشاط ملموس في الدعوة. * * * مشكلات الأقليات المسلمة في أمريكا:- ولعل أكبر المشكلات التي تواجه الأقليات المسلمة في الولايات المتحدة مشكلة التحزب أو التعصب بسبب الخلافات الإقليمية التي حملوها معهم من أوطإنهم. بالإضافة إلى التبعثر وعدم التركز في مناطق محددة بسبب اتساع الولايات المتحدة. * * * الأقليات المسلمة في استراليا:- يتراوح عدد المسلمين في استراليا من 400 ألف إلى 470 ألف مسلم يشكلون نسبة 2.5% من عدد السكان. يتكونون من جنسيات عديدة، ومن أصول عرقية شتى. ومعظمهم من أصل لبناني. * * * دخول الإسلام في استراليا:- دخلها الإسلام عبر مدخلين:- - في سنة 1227 هـ/1850 م استقدمت السلطات عددًا من الجمال والجمالين

لاستكشاف مجاهل الصحراء الاسترالية، فاستقدمتهم من أفغانستان وإيران وباكستان. فأنشأوا المساجد وعملوا بالتجارة بأمانة ونشروا الدين الإسلامي. فكان هذا المدخل الأول. - المدخل الثاني هو هجرة المسلمين من دول عديدة، وفي فترات مختلفة (بدأت عام 1334 هـ/1915 م) وكانت هذه العناصر على درجة عالية من التأهيل المهني. وقد زاد عدد المسلمين نتيجة تلك الهجرات (¬1). * * * المشاكل التي تواجه مسلمي استراليا:- - الانعزال وقلة الاتصال بينهم. وبالذات بين المجتمعات الإسلامية ذات القوميات المختلفة. - نقص وسائل التعليم والمعلمين ذوي المؤهلات التربوية الإسلامية. - وجود فجوة كبيرة بين الآباء المهاجرين والأبناء المولودين هناك. * * * فمن أهم الأهداف التي يجب تحقيقها هناك:- توحد المسلمين تحت قيادة واحدة، زيادة التعليم العربي والإسلامي، توفير العدد الكافي من الأئمة والمعلمين المؤهلين، والمشاركة الفعالة في المجتمع الاسترالي على جميع المستويات بهدف نشر الإسلام. وتعتبر استراليا أرضًا خصبة لنشر الإسلام، فهي بلاد استقرت فيها حرية الأديان. ¬

_ (¬1) الأقليات المسلمة في آسيا واستراليا/سيد عبد المجيد.

واجب المسلمين نحو الأقليات

واجب المسلمين نحو الأقليات:- يجب ألا نتغافل عما تتعرض له الأقليات المسلمة في أوروبا وآسيا، وبصفة خاصة في بلغاريا والفلبين والهند وتايلند وروسيا، حيث تدبر لحرب الإسلام والمسلمين كل يوم وسيلة جديدة، فحري بنا نحن المسلمين أن نولي هذا الأمر ما يستحقه من الدراسة العلمية واتخاذ كافة السبل لتوثيق الصلات بهذه الأقليات ودعمها، حتى يقوى كيانها وتقف في وجه التيارات التي تتعرض لها، وهذه أمور لا تنالها الأماني أو تدرك بالوعود المسوفة، وإنما لا بد أن نستنفذ الوسائل المادية والمعنوية، وأن نسلك في سبيلها كل الدروب الوعرة. وعلى سبيل المثال يجب أن تتخذ الدول الإسلامية بعض الإجراءات ضد الدول التي تضطهد الأقليات المسلمة، ولا سيما وأن الدول الإسلامية لها وزنها وتملك الأساليب الفعالة في هذا المجال. ونشير هنا بفخر إلى الجهود الشكورة التي قامت بها المملكة العربية السعودية من خلال تنظيم مؤتمر عالمي (للأقليات المسلمة في أنحاء العالم) في سنة 1413 هـ/1992 م. وهو أول مؤتمر من نوعه، وقد تدارس هذا المؤتمر مشاكل هذه الأقليات. وأفضل الوسائل لعلاجها وكيفية دعمها وتقديم المساعدات لها.

الخاتمة

الخاتمة إن تدوين تاريخ الأمة الإسلامية قد لعبت فيه الأيدي المنحرفة في الماضي والحاضر، فكم نتمنى من الأقلام الحرة أن تخط تاريخنا الإسلامي بشكله النقي، وهذا الكتاب محاولة متواضعة مني لجمع شتات تاريخنا المتفرق والمبعثر بين دفتي كتاب واحد مبسط، جامع، متكامل. تحدثت فيه عن العصور الإسلامية منذ أن خلق الله آدم وأنزله إلى الأرض ليكون نواة أول مجتمع بشري. ومرورًا بأنبياء الله الكرام، ثم السيرة النبوية العطرة، ثم ما تلته من عصور ودهور مختلفة إلى وقتنا الحاضر وعالمنا المعاصر. تحدثت عن حاضر العالم الإسلامي شؤونه وشجونه، ثم تحدثت عن الدول الإسلامية (كل دولة على حدة)، فذكرت نبذة جغرافية مختصرة عنها، وتطرقت إلى كيفية دخول الإسلام في كل دولة، وتاريخ الدولة المعاصر. وأخيرًا .. تحدثت بصورة مختصرة عن الأقليات المسلمة في العالم ما لها وما عليها، وما يجب علينا تجاهها. وجزى الله خيرًا كل من دلني وأرشدني إلى وجه من وجوه التقصير أو الخطأ في هذا السفر. أسأل الله أن يتقبل مني هذا العمل. ويجعله في ميزان أعمالي يوم القيامة. * * *

§1/1