من عجائب الدعاء - الجزء الثاني

الربعي، خالد

تقريظ

تقريظ قرأت كتاب .. (من عجائب الدعاء) لأخي الكريم: خالد بن سليمان الربعي فوجدت فيه ما سرَّ الخاطر وشرح الصدر. والحقيقة أنني وجدت فيه ضالتي المنشودة من حيث جمع الروايات، والقصص، والأخبار، بهذا الباب. وهذا الكتاب يشحذ الهمة لإدمان الدعاء وكثرة اللجأ إلى الله فاقرؤوه وادعوا لصاحبه. له منا الشكر والدعاء ... الشيخ د/ عائض بن عبد الله القرني

المقدمة

المقدمة الحمد لله مجيب الدعاء، كاشف الضر والبلاء، لا يرد سائلاً ولا يخيب راجيًا، فهو أهل الفضل والثناء، أحمده على نعمه العظيمة التي لا تحصى، وأشكره في السر والنجوى، والصلاة والسلام على من بعث بالدين الأسمى والرسالة العظمى، وعلى آله وصحبه أولي البصائر والنهى ومن بهديهم اقتفى وبآثارهم اهتدى، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فإن الدعاء عبادة لله - تعالى - وفيه من راحة النفس وانشراح الصدر وطمأنينة القلب ما يفوق الوصف، كما أن له أثرًا في حياة المسلم فكم من عاص هداه الله! وكم من مريض شفاه الله! وكم من فقير أغناه الله! وكم من مكروب أنجاه الله! وكم من مظلوم نصره الله! بسبب دعوة منه أو له. وقد حاول الفقير لعفو ربه جاهدًا أن يجمع قصصًا في هذا الموضوع، لا للتسلية بل تكون حافزًا وللقارئ بالإكثار من الدعاء في كل خير من أمور الدنيا والآخرة، فخرج الجزء الأول من هذه السلسلة يحمل (165) قصة، أما هذا الجزء فإليك بيان محتواه: 1 - المقدمة. 2 - من كلام العلماء عن الدعاء. 3 - من دعوات الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

4 - القصص: أ- أولها من دعوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم من دعوات الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم إلى وقتنا الحاضر. ومجموعها (212) قصة. ب- قد تستغرب من بعض القصص! فما حصل منها في الماضي فقد ذكرتها مع مراجعها، غير أن الكلام عن المرجع من حيث المحقق والطبعة والناشر ذكر في قسم المراجع. وما حصل في الوقت الحاضر فقد حدثني بها من وقعت له الحادثة أو عمن حصلت له والباقي ذكرت المرجع له. 5 - التراجم: أ- ذكرت ترجمة لأغلب المذكورين مستقيًا ذلك من كتابي (تاريخ الإسلام) و (سير أعلام النبلاء) للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة (748هـ) لكن قد لا تذكر الترجمة في أول ذكر للمترجم له، وقد تجوزت في ذلك إذ لا تقل عن أهمية القصة - وسبب الترجمة ما يلي: 1 - أن بعض المؤلفين يحيل القارئ في التراجم إلى المصادر وقد لا توجد بين يديه أو يتكاسل في الرجوع إليها. 2 - ليعرف القارئ حال الداعي والمدعو عليه. 3 - لأخذ العبرة والفائدة من سيرهم وما تشمله من (عبادات، وحكم، ونصائح، وطرائف وقصص).

6 - المراجع. 7 - الفهرس. وأخيرًا: أسأل الله - تعالى - أن يجزي خيرًا فضيلة الشيخ الدكتور: عائض بن عبد الله القرني صاحب العلم الجم، والذهن الوقاد، والدعوة الصادقة، والوعظ الموجز البليغ على تقديمه للكتاب وحسن ظنه، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته. وأسأل الله - تعالى - أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لنا يوم نلقاه، وأسأله أن يديم علينا استقرارنا وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه. وشكرًا لك أخي القارئ: إن نصيحة أهديت أو نقدًا بناءً أبديت أو فكرة أسديت أو دعوة لأخيك دعوت. راجيًا منك مشكورًا أن ترسل ما تعرفه من قصص غير ما ذُكر على العنوان أدناه. وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوك خالد بن سليمان بن علي الربعي العنوان المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في الشقة بريدة ص ب (25076) الرمز البريدي (51321)

من كلام العلماء عن الدعاء

من كلام العلماء عن الدعاء قال ابن القيم - رحمه الله -: «وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يختلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاءً لا يحبه الله لما فيه من العدوان، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدًا فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا، وإما لحصول المانع من الإجابة: من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو وغلبتها عليه كما في مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ادعو الله، وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاءً من قلب لاهٍ» فهذا دواء نافع مزيل للداء ولكنْ غفلةُ القلب عن الله تبطل قوته وكذلك أكل الحرام يبطل قوتها ويضعفها ... قال أبو ذر: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح». وقال - رحمه الله تعالى -: «والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدفعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أن يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن. وله مع البلاء ثلاث مقامات: أحدهما: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه. الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاءُ فيصاب به العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفًا.

الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه». وقال - رحمه الله الله تعالى - «ومن الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذرًا أو غرس غرسًا فجعل يتعهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله». وقال - رحمه الله تعالى: «وإذا جمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب؛ وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة وهو: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تٌقضى الصلاة من ذلك اليوم، وآخر ساعة بعد العصر؛ وصادف خشوعًا في القلب وانكسارًا بين يدي الرب وذلاً له وتضرعًا ورقة؛ واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ... وألح في المسألة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدي دعائه صدقةً فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدًا ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للاسم الأعظم» (¬1). ¬

_ (¬1) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، للإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - ص14 - 19.

قال يحيى بن معاذ الرازي: «لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طريقها بالذنوب» (¬1). قال الذهبي: وروى أبو عمر الضرير عن أبي عوانة قال: دخلت على همام بن يحيى وهو مريض أعوده فقال لي: يا أبا عوانة أُدع الله لي أن لا يميتني حتى يبلغ ولدي الصغار فقلت: إن الأجل قد فرغ منه فقال لي: أنت بعد في ضلالك قلت: (والكلام للذهبي) بئس هذا! بل كل شيء بقدر سابق ولكن وإن كان الأجل قد فرغ منه فإن الدعاء بطول البقاء قد صح دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لخادمه أنس بطول العمر، والله يمحو ما يشاء ويثبت فقد يكون طول العمر في علم الله مشروطًا بدعاء مجاب، كما أن طيران العمر قد يكون بأسباب جعلها الله من جور وعسف و (لا يرد القضاء إلا الدعاء) والكتاب الأول فلا يتغير) (¬2). قال أبو حازم الأعرج: «لأنا من أن أمنع من الدعاء أخوف مني أن أمنع الإجابة» (¬3). روى مسعر عن ابن عون قال: ذكر الناس داء وذكر الله دواء قلت (والكلام للذهبي) إي والله فالعجب منا ومن جهلنا، كيف ندع الدواء ونقتحم الداء؟ قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 153] وقال: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 46]، ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء،: للذهبي (13/ 15). (¬2) المرجع السابق (219 - 220). (¬3) المرجع السابق (100).

وقال تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله، ومن أدمن الدعاء ولازم قرع الباب فتح له (¬1). عن محمد بن سعد، حدثنا يحيى بن خليفة حدثنا هشام بن حسان عن مورق، قال: «ما امتلأتُ غضبًا قط، ولقد سألت الله حاجة منذ عشرين سنة، فما شفعني فيها وما سئمت من الدعاء» (¬2). عن ابن المنكدر قال: «إن الله يحفظ العبد المؤمن في ولده وولد ولده، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله، فما يزالون في حفظ أو في عافية ما كان بين ظهرانيهم» (¬3). قال الذهبي في وصيته لمحمد بن رافع السلامي - رحمهما الله تعالى -: « ... فثمة طريق قد بقي لا أكتمه عنك وهو: كثرة الدعاء والاستعانة بالله العظيم في آناء الليل والنهار، وكثرة الإلحاح على مولاك بكل دعاء مأثور تستحضره أو غير مأثور، وعقيب الخمس: في أن يصلحك ويوفقك» (¬4). قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في فضائل الذكر والدعاء: « ... ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله - ¬

_ (¬1) المرجع السابق (369). (¬2) المرجع السابق (355). (¬3) المرجع السابق (355). (¬4) وصية الذهبي، لمحمد بن رافع السلامي: ص25 - 26.

تعالى - والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته ... فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه هذا الثناء والذكر وأنه اسم الله الأعظم، فكان ذكر الله - عز وجل - والثناء عليه أنجح ما طلب به العبد حوائجه. فالدعاء الذي يقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإذا انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان أبلغ في الإجابة وأفضل، فإنه يكون قد توسل المدعو بصفات كماله وإحسانه وفضله وعرَّض بل صرح بشدة حاجته وضرورته وفقره ومسكنته: فهذا المقتضي منه وأوصاف المسئول مقتضى من الله فاجتمع المقتضى من السائل والمقتضى من المسئول في الدعاء وكان أبلغ وألطف موقعًا وأتم معرفة وعبودية ... وفي الصحيحين: أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال: قل: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» فجمع في هذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين الاعتراف بحاله والتوسل إلى ربه عز وجل بفضله وجوده وأنه المنفرد بغفران الذنوب، ثم سأل حاجته بعد التوسل بالأمرين معًا فهكذا أدب الدعاء وآداب العبودية». وقال - رحمه الله تعالى -: «قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء هذا من حيث النظر لكل منهما مجردًا ... اللهم إلا أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة

من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -

القرآن ... وكذلك أيضًا قد يعرض للعبد حاجة ضرورية إذا اشتغل عن سؤالها بقراءة أو ذكر لم يحضر قلبه فيهما وإذا أقبل على سؤالها والدعاء إليها اجتمع قلبه كله على الله تعالى وأحدث له تضرعًا وخشوعًا وابتهالاً، فهذا قد يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه أنفع، وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجرًا، وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفسه وفرقان بين فضيلة الشيء في نفسه وبين فضيلته العارضة، فيُعطى كل ذي حق حقه ويوضع كل شيء موضعه» (¬1). * * * من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - 1 - عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: سيد الاستغفار أن يقول: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» قال: من قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة (¬2). ¬

_ (¬1) فضائل الذكر والدعاء، للإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - ص117 - 121. (¬2) رواه البخاري، (كتاب الدعوات) باب أفضل الاستغفار: رقم 6306 ص531.

2 - عن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: علمني دعاء أدعو به في صلاتي؟ قال: قل: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» (¬1). 3 - عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم» (¬2). 4 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء». قال سفيان: الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي (¬3). 5 - عن مصعب قال: كان سعد يأمر بخمس ويذكرهن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر بهن: «اللهم إني أعوذ بك من البخل، ¬

_ (¬1) رواه البخاري، (كتاب الدعوات) باب الدعاء في الصلاة: رقم 6326 ص532، واللفظ له ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم 6869 ص1148. (¬2) رواه البخاري، باب الدعاء عند الكرب: رقم 6346 ص534، واللفظ له ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم 6921 ص1151. (¬3) رواه البخاري، باب التعوذ من جهد البلاء: رقم 6347 ص534، واللفظ له رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم 6877 ص1148.

وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أُرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا يعني فتنة الدجال، وأعوذ بك من عذاب القبر» (¬1). 6 - عن أنس بن مالك – رضي الله عنه -: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» (¬2). 7 - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم، ومن فتنة القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال. اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» (¬3). 8 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه البخاري، باب التعوذ من عذاب القبر: رقم 6365 ص535، واللفظ له رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم 6876 ص1148. (¬2) رواه البخاري، باب التعوذ من فتنة المحيا والممات: رقم 6367 ص535. (¬3) رواه البخاري باب التعوذ من المأثم والمغرم رقم 6368 ص535، واللفظ له ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم 6375 ص1148.

يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال» (¬1). 9 - عن أنس رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» (¬2). 10 - عن ابن أبي موسى عن أبيه – رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعو بهذا الدعاء: «رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وجدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير» (¬3). 11 - عن أبي مالك الأشعري عن أبيه قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني» (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري، باب الاستعاذة من الجبن والكسل: رقم 6369 ص535. (¬2) رواه البخاري، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة»: رقم 6389 ص537، ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم 6841 ص1146. (¬3) رواه البخاري، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت»: رقم 6398 ص538، ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم 6901 ص1150. (¬4) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: رقم 6849 ص1147.

12 - عن فروة بن نوفل الأشجعي قال: سألت عائشة – رضي الله عنها – عما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو به الله قالت كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل» (¬1). 13 - عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول اللهم إني أعوذ بعزتك – لا إله إلا أنت – أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون (¬2). 14 - عن أبي هريرة – رضي الله عنه – كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر» (¬3). 15 - عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» (¬4). 16 - عن زيد بن أرقم قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول، قال كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي ¬

_ (¬1) المرجع السابق: رقم 6895 ص1150. (¬2) المرجع السابق: رقم 6899 ص1150. (¬3) المرجع السابق: رقم 6903 ص1150. (¬4) المرجع السابق: رقم 6904 ص1150.

تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها» (¬1). 17 - عن علي – رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قل: «اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سدادك السهم» (¬2). 18 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن قلوب بني آدم كلها، بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء». ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك» (¬3). 20 - عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق» (¬4). * * * ¬

_ (¬1) المرجع السابق: رقم 6906 ص1150. (¬2) المرجع السابق: رقم 6911 ص1151. (¬3) المرجع السابق، كتاب الرقاق: رقم 6944 ص1153. (¬4) المرجع السابق، كتاب القدر (باب تصريف الله – تعالى – القلوب كيف شاء): رقم 6750 ص1140.

اللهم اجعل له آية تعينه ذكر ابن إسحاق (¬1) عن عثمان بن الحويرث عن صالح بن كيسان (¬2)، أن الطفيل بن عمرو (¬3) قال: كنت شاعرًا سيدًا في قومي فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش، فقالوا: إنك امرؤ شاعر سيد، وإنا خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر فاحذره أن يُدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا، فإنه فرق بين المرء وزوجته وبين المرء وابنه، فوالله ما زالوا يحدثوني شأنه وينهوني أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني قال: فعمدت إلى أذني فحشوتها كرسفًا، ثم غدوت إلى المسجد فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا في المسجد، فقمت قريبًا منه وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فقلت ¬

_ (¬1) محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار: العلامة الحافظ الإخباري، أبو بكر، صاحب السيرة النبوية، ولد سنة ثمانين، وهو أول من دون العلم بالمدينة روى حرملة عن الشافعي قال: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق عن الزهري قال: لا يزال بالمدينة علم ما بقي هذا – عنى ابن إسحاق – مات سنة اثنتين وخمسين. [السير للذهبي (7/ 33 - 55)]. (¬2) صالح بن كيسان: الإمام الحافظ الثقة المدني، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، وكان جامعًا من الحديث والفقه والمروءة. عن إبراهيم بن سعد جئت إلى صالح بن كيسان في منزله، وهو يكسر لهرة له يطعمها، ثم يفت لحمامات له أو لحمام يطعمه. مات بعد الأربعين والمئة. [السير للذهبي (5/ 454 - 456)]. (¬3) الطفيل بن عمرو الدوسي: صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان سيدًا مطاعًا من أشراف العرب، ودوس بطن من الأزد، وكان يلقب ذا النور، أسلم قبل الهجرة بمكة، قتل – رضي الله عنه – يوم اليمامة [السير للذهبي (1/ 344 - 347)].

في نفسي: والله إن هذا للعجز! وإني أمرؤ ثبت ما تخفى علي الأمور حسنها وقبيحها، والله لأتسمعنَّ منه، فإن كان أمره رشدًا أخذت منه وإلا اجتنبته، فنزعت الكرسفة فلم أسمع قط كلامًا أحسن من كلام يتكلم به، فقلت: يا سبحان الله ما سمعت كاليوم لفظًا أحسن ولا أجمل منه، فلما انصرف تبعته فدخلت معه بيته فقلت: يا محمد إن قومك جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فأخبرته بما قالوا وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق فاعرض علي دينك، فعرض علي الإسلام فأسلمت، ثم قلت: إني أرجع إلى دوس وأنا فيهم مطاع وأدعوهم إلى الإسلام لعل الله أن يهديهم فادع الله أن يجعل لي آية قال «اللهم اجعل له آية تعينه» فخرجت حتى أشرفت على ثنية قومي، وأبي هناك شيخ كبير وامرأتي وولدي. فلما علوت الثنية وضع الله بين عيني نورًا كالشهاب يتراءاه الحاضر في ظلمة الليل وأنا منهبط من الثنية، فقلت: اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم، فتحول فوقع في رأس سوطي، فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق، قال: فأتاني أبي فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني قال: وما ذاك؟ قلت: إني أسلمت واتبعت دين محمد فقال: أي بني ديني دينك، وكذلك أمي فأسلما، ثم عدوت دوسًا إلى الإسلام فأبت علي وتعاصت، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: غلب على دوس الزنا والربا فادع عليهم، فقال: «اللهم اهد دوسًا» ثم رجعت إليهم وهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقمت بين

ظهرانيهم ادعوهم إلى الإسلام حتى استجاب منهم من استجاب، وسبقتني بدر وأحد والخندق، ثم قدمت بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس، فكنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح مكة فقلت يا رسول الله ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه قال: «أجلْ فاخرُج إليه» فأتيت فجعلت أوقد عليه النار، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقمت معه حتى قُبض، ثم خرجت إلى بعث مسيلمة ومعي ابن عمرو حتى إذا كنت ببعض الطريق رأيت رؤيا: رأيت كأن رأسي حلق، وخرج من فمي طائر، وكان امرأة أدخلتني في فرجها، وكأن ابني يطلبني طلبًا حثيثًا فحيل بيني وبينه، فحدثت بها قومي فقالوا: خيرًا فقلت: أما أنا فقد أولتها: أما حلق رأسي فقطعه، وأما الطائر فروحي، والمرأة الأرض أدفن فيها فقد رُوِّعت أن أقتل شهيدًا وأما طلب ابني إياي فما أراه إلا سيعذر في طلب الشهادة ولا أراه يلحق في سفره هذا. فال فقتل الطفيل يوم اليمامة وجرح ابنه ثم قتل يوم اليرموك بعد. قال الذهبي: وقد عد ولده عمرو في الصحابة وكذا أبوه ينبغي أن يعد في الصحابة فقد أسلم فيما ذكرنا لكن ما بلغنا أنه هاجر ولا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (1/ 345 - 347).

دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على قريش

دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على قريش عن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: إن قريشًا لما أبطؤوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإسلام قال: «اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف» فأصابتهم سنة حصَّت كل شيء حتى أكلوا العظام، حتى جعل الرجل ينظر في السماء فيرى بينه وبينها مثل الدخان، قال الله: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] قال الله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ وقد مضى الدخان ومضت البطشة (¬1). * * * دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - للمدينة عن عائشة رضي الله عنها (¬2) أنها قالت: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه البخاري: رقم الحديث (4693) ص390. (¬2) عائشة: أم المؤمنين بنت الصديق أبي بكر القرشية، نشهد أنها زوجة نبينا في الدنيا والآخرة فهل فوق ذلك مفخر، وإن كان للصديقة خديجة شأو لا يحلق وأنا (والكلام للذهبي) واقف في أيتهما أفضل. نعم جزمتُ بأفضلية خديجة عليها لأمور ليس هذا موضعها. سأل عمرو بن العاص - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: «عائشة» قال: فمن الرجال؟ قال: «أبوها» عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: ما أشكل علينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا. توفيت سنة سبع وخمسين ودفنت بالبقيع - رضي الله تعالى عنها -[السير للذهبي (2/ 135 - 201)].

المدينة وعك أبو بكر وبلال (¬1) قالت: فدخلت عليهما فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كُلُّ امرئ مُصَبَّحٌ في أهله ... والموتُ أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلعت عنه يرفع عقيرته يقول: ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلةً ... بواد وحولي إذخر وجليلُ؟ وهل أردَنَّ يومًا مياه مجنَّة ... وهل يبدونَّ لي شامةٌ وطفيلُ قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك في مُدها وصاعها، وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجُحْفَة» (¬2). * * * ¬

_ (¬1) بلال بن رباح رضي الله عنه: مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مولى أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - وأمه حمامة، وهو من السابقين الذين عذبوا في الله - تعالى - شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - على التعيين بالجنة، قال عمر: أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا. قال سعيد بن عبد العزيز: لما احتضر بلال قال: غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه قال: تقول امرأته: واويلاه فقال: وافرحاه. توفى سنة عشرين بدمشق [السير للذهبي (1/ 347 - 360)]. (¬2) رواه البخاري: رقم الحديث (5654) ص484.

دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر

دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر عن ابن عباس - رضي الله عنهما - (¬1) قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في قبة: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم» فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 45 - 46] قال وهيب: حدثنا خالد يوم بدر (¬2). * * * دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - (¬3) أن رسول الله ¬

_ (¬1) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب: حبر الأمة وإمام التفسير، مولده قبل الهجرة بثلاث سنين، وهو ابن خالة خالد بن الوليد - رضي الله عنه - له جماعة أولاد منهم علي أبو الخلفاء عنه - رضي الله عنه - قال: إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، إسناده صحيح: توفي - رضي الله عنه - سنة ثمان أو سبع وستين: عن سعيد قال: مات ابن عباس بالطائف فجاء طائر لم ير خلقته فدخل نعشه ثم لم ير خارجًا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يدري من تلاها {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27 - 28] هذه قضية متواترة. [السير للذهبي (3/ 331 - 359)]. (¬2) رواه البخاري: رقم الحديث (2915) ص234. (¬3) عبد الله بن عمرو بن العاص: الإمام الحبر العابد، وليس أبوه أكبر منه إلا بإحدى عشرة سنة أو نحوها وله مناقب وفضائل وقدمٌ راسخ في العلم والعمل، ورث من أبيه قناطير مقنطرة من الذهب المصري فكان من ملوك الصحابة، عن يعلى بن عطاء عن أمه أنها كانت تصنع الكحل لعبد الله بن عمرو، وكان يكثر البكاء يغلق عليه بابه ويبكي حتى رمصت عيناه. مات سنة ثلاث وستين [السير للذهبي (3/ 79 - 94].

رجلا خيرا مني

- صلى الله عليه وسلم - خرج يوم بدر في ثلاث مائة وخمسة عشر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إنهم حفاة، فاحملهم اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم» ففتح الله له يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا وما فيهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، فاكتسوا وشبعوا (¬1). * * * رجلاً خيرًا مني عن زياد بن أبي مريم، قالت أم سلمة لأبي سلمة (¬2): بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها، وهو من أهل الجنة ثم لم تزوج، إلا جمع الله بينهما في الجنة، فتعال أعاهدك أن لا تزوج بعدي ولا أتزوج بعدك قال: أتطيعينني؟ قالت: نعم قال: إذا مت تزوجي، اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلاً خيرًا مني لا يحزنها ولا يؤذيها، فلما ¬

_ (¬1) رواه أبو داود: رقم (2747) ص (1428)، باب في النفل للسرية تخرج من العسكر. (¬2) أبو سلمة بن عبد الأسد: أخو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة وابن عمته برة، وأحد السابقين، مات بعد بدر بأشهر، ولما انقضت عدة زوجته أم سلمة تزوج بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، روت عن زوجها القول عند المصيبة، وكانت تقول: من خير من أبي سلمة؟ وما ظنت أن الله يخلفها في مصابها به بنظيره فلما فُتح عليها بسيد البشر اغتبطت أيما اغتباط. مات سنة ثلاث من الهجرة [السير للذهبي 1/ 150 - 153)].

سقطت عينه

مات قلت: من خير من أبي سلمة؟ فما لبثت وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام على الباب فذكر الخطبة إلى ابن أخيها أو ابنها فقالت: أرد على رسول الله أو أتقدم عليه بعيالي، ثم جاء الغد فخطب (¬1). * * * سقطت عينه عن عبد الرحمن بن الغسيل (¬2)، حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة (¬3)، عن أبيه عن جده (¬4): أنه أصيبت عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته، فأراد القوم أن يقطعوها فقالوا: نأتي نبي الله نستشيره. فجاء فأخبره الخبر فأدناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه فرفع حدقته حتى وضعها موضعها ثم غمزها براحته، وقال: «اللهم اكسه ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء، للذهبي (3/ 203). (¬2) عبد الرحمن بن سليمان: ابن صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن حنظلة الأنصاري الفقيه المحدث وقيل لجدهم: حنظلة الغسيل لأنه استشهد يوم أحد كان جنبًا فغسلته الملائكة، توفي سنة إحدى وسبعين ومئة وقد جاوز التسعين [السير للذهبي (7/ 323 - 325)]. (¬3) عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الظفري الأنصاري: أحد العلماء، يروي عن أبيه وعن جابر بن عبد الله ومحمود بن لبيد ورميشة الصحابية وهي جدته وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - وكان عارفًا بالمغازي، توفي سنة عشرين ومئة [السير للذهبي 5/ 240 - 241]. (¬4) قتادة بن النعمان بن زيد - رضي الله عنه - الأمير المجاهد أبو عمر الأنصاري، من نجباء الصحابة وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه، وكان على مقدمة أمير المؤمنين عمر لما سار إلى الشام، وكان من الرماة المعدودين، توفي سنة ثلاث وعشرين بالمدينة ونزل عمر يومئذ في قبره - رضي الله عنهما -[السير للذهبي (2/ 331 - 333)].

اللهم لا تردني

جمالاً» فمات وما يدري من لقيه أي عينيه أصيبت (¬1). * * * اللهم لا تردني قال الذهبي - رحمه الله تعالى - في ترجمة عمرو بن الجموح - رضي الله عنه - (¬2): قالت امرأته عند أخت عبد الله بن عمرو بن حرام: (¬3) كأني أنظر إليه قد أخذ درقته وهو يقول: اللهم لا تردني، فقُتل هو وابنه خلاد (¬4) (¬5). * * * ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (2/ 333). (¬2) عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام الأنصاري - رضي الله عنه - لما كان يوم أحد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: - قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين - فقام وهو أعرج فقال: والله لأقحزن عليها في الجنة فقاتل حتى قتل. روى مالك أن عمرو بن الجموح وابن حرام كان السيل قد خرب قبورهما فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوُجدا لم يتغيرا كأنما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد جُرح فوضع يده على جرحه فدفن كذلك فأمطيت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت، وكان بين يوم أحد ويوم حُفر عنهما ست وأربعون سنة [السير للذهبي (1/ 252 - 255)]. (¬3) عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري أبو جابر: عن جابر قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحًا فقال: يا عبدي سلني أعطك! قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانيًا فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله، {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]» [السير الذهبي (1/ 324 - 328)]. (¬4) خلاد بن عمرو شهد بدرًا واستشهد يوم أحد. [السير للذهبي (1/ 252)]. (¬5) سير أعلام النبلاء للذهبي (1/ 255).

صحابي يدخل الجنة

صحابي يدخل الجنة عند البغوي في الصحابة أن النعمان بن قوقل (¬1) قال يوم أحد: أقسمتُ عليك يا رب لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في الجنة، فاستشهد ذلك اليوم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لقد رأيته في الجنة وما به من عَرَج (¬2). * * * بركة ودعاء قال الشعبي: عن جابر (¬3) أن أباه - رضي الله عنهما - توفي وعليه دين قال: فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن أبي ترك عليه دينًا وليس عندنا إلا ما يخرج من نخله، فانطلق معي لئلا يفحش علي ¬

_ (¬1) النعمان بن قوقل: وقوقل اسمه مالك بن ثعلبة بن دعد والقواقل هم رهط عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -[مستدرك الحاكم (3/ 679)] وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - النعمان بن قوقل فقال: يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام وأحللت الحلال أأدخل الجنة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعم». [رواه مسلم (108/ 683)]. (¬2) عون المعبود (7/ 281). (¬3) جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري: الإمام الكبير آخر من شهد ليلة العقبة الثانية موتًا، وكان قد أطاع أباه يوم أحد وقعد لأجل أخواته، ثم شهد الخندق، وشاخ وذهب بصره وقارب التسعين. عن جابر قال: استغفر لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة البعير خمسًا وعشرين مرة. وقال: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا لا أعقل فتوضأ وصب علي من وضوئه فعقلت. مات سنة ثمان وسبعين. [السير للذهبي (3/ 189 - 194].

النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشة رضي الله عنها

الغرماء قال: فمشى حول بَيْدَرٍ من بَيَادِرِ التمر ودعا ثم جلس عليه فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل الذي أعطاهم (¬1). * * * النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشة رضي الله عنها قال مروان بن معاوية، عن وائل بن داود، عن عبد الله البهي قال: قالت عائشة - رضي الله عنها -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر خديجة (¬2) لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها، فذكرها يومًا فحملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن قالت: فرأيته غضب غضبًا شديدًا أسقطت في خلدي، وقلت في نفسي: اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لقيت قال: «كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، ورزقت منها الولد ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (1/ 327). (¬2) خديجة بنت خويلد القرشية: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يثني عليها ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين ويبالغ في تعظيمها، وكانت تنفق عليه من مالها ويتجر هو - صلى الله عليه وسلم - لها. وقد أمره الله - تبارك وتعالى - أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. وأولادها منه - عليه الصلاة والسلام -: القاسم والطيب والطاهر ماتوًا رضعًا ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة. قال الشيخ عز الدين بن الأثير: خديجة أول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين. روي من وجوه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا خديجة، جبريل يقرئك السلام» وفي بعضها «يا محمد اقرأ على خديجة من ربها السلام» ماتت قبل الهجرة بثلاث سنوات [السير للذهبي (2/ 109 - 117)].

رد الله تعالى ابنه وإبله

وحرمتموه مني» قالت: فغدا وراح علي بها شهرا (¬1). * * * رد الله تعالى ابنه وإبله عن عبد الله - رضي الله عنه - (¬2) قال: أتى رجلٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأراه عوف بن مالك (¬3) فقال: يا رسول الله إن بني فلان أغاروا علي فذهبوا بابني وإبلي فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن آل محمد كذا وكذا أهل بيت» وأظنه قال: «تسعة أبيات ما فيهم صاع ولا مد من طعام، فاسأل الله - عز وجل -» قال: فرجع إلى امرأته قالت: ما رد عليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فأخبرها: قال: فلم يلبث ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (2/ 112). (¬2) عبد الله بن عمر بن الخطاب: الإمام شيخ الإسلام، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر، قال نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو تركنا هذا الباب للنساء» فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. قال ابن المنكدر: بويع يزيد فقال ابن عمر: إن كان خيرًا رضينا وإن كان بلاء صبرنا. وعن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] بكى حتى يغلبه البكاء. وعن نافع قال: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان أو زاد إسنادها صحيح. مات سنة أربع وسبعين [السير للذهبي (3/ 203 - 239)]. (¬3) عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني: ممن شهد فتح مكة، كان من نبلاء الصحابة، شهد غزوة مؤتة. وقال: رافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه - الحديث بطوله - وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «هل أنتم تاركوا لي أمرائي» مات سنة ثلاث وسبعين. [السير للذهبي (2/ 487 - 490)].

لا يفضض الله فاك

الرجل أن رد عليه إبله وابنه أوفر ما كانوا، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقام على المنبر فحمد الله وأمرهم بمسألة الله - عز وجل - والرغبة إليه وقرأ عليهم {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (¬1) [الطلاق: 1 - 2]. * * * لا يفضض الله فاك عن الحسن بن عبيد الله قال: حدثني من سمع النابغة الجعدي (¬2) يقول: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنشدته قولي: وإنا لقوم ما نعود خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا وليس بمعروف لدينا أن نردها ... صحاحًا ولا مستنكرًا أن تُعقرا بلغنا السماء مجدًا وسؤددًا ... وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 727) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (¬2) النابغة الجعدي: أبو ليلى، شاعر زمانه، له صحبة، وهو من بني عامر بن صعصعة كان ينتقل في البلاد ويمتدح الأمراء، وامتد عمره وشعره سائر كثير [السير للذهبي (3/ 177 - 178)].

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «إلى أين»؟ قلت: إلى الجنة قال: «نعم، إن شاء الله» قال: فلما أنشدته ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... أريب إذا ما أورد الماء أصدرا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يفضض الله فاك» قال: وكان من أحسن الناس ثغرًا، وكان إذا سقطت له سنٌّ نبتت (¬1). وذكرها الذهبي أيضًا في تاريخ الإسلام فقال: وقال يعلى بن الأشدق وليس بثقة سمعت النابغة يقول: أنشدت النبي - صلى الله عليه وسلم -: بلغنا السماء مجدًا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال: «إلى أين يا أبا ليلى؟» قلت: الجنة. قال: «أجل إنشاء الله» ثم قلت: ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... أريب إذا ما أورد الماء أصدرا ¬

_ (¬1) انظر: مسند الحارث (زوائد الهيثمي) (2/ 844).

ليس في شعره شيب

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يفضض الله فاك» مرتين (¬1). * * * ليس في شعره شيب عن يوسف بن سليمان عن جده عن عمرو بن الحمق (¬2) أنه سقى النبي - صلى الله عليه وسلم - لبنًا فقال: «اللهم أمتعه بشبابه» فلقد أتت عليه ثمانون سنة لا يرى عليه شعرة بيضاء (¬3). * * * دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على المتكبر عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه (¬4) أن رجلاً أكل عند ¬

_ (¬1) تاريخ الإسلام، للذهبي: حوادث ووفيات من سنة 61هـ - 80هـ ص258 - 260. (¬2) عمرو بن الحمق الخزاعي: له صحبة ورواية، وبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وسمع منه، قال عمار الدهني: أول رأس نُقل رأس ابن الحمق وذلك لأنه لدغ فمات فخشيت الرسل أن تُتهم به فحزوا رأسه وحملوه، قُتل سنة خمسين [تاريخ الإسلام للذهبي حوادث ووفيات من سنة 41 - 60هـ ص87 - 89]. (¬3) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (6/ 322). (¬4) سلمان بن عمرو بن الأكوع: واسم سنان الأسلمي قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت وغزوت معه سبع غزوات، وعنه قال: أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرارًا ومسح على وجهي مرارًا واستغفر لي مرارًا عدد ما في يدي من الأصابع، وعن يزيد بن أبي عبيد قال: لما قتل عثمان - رضي الله عنه - خرج إلى الربذة وتزوج هناك امرأة فولدت له أولادًا، وقبل أن يموت بليال نزل إلى المدينة. توفي سنة أربع وسبعين. [السير للذهبي 3/ 326 - 331)].

النبي - صلى الله عليه وسلم - يستغيث

النبي - صلى الله عليه وسلم - بشماله فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع قال: «لا استطعت» ما منعه إلا الكبر فما رفعها إلى فيه (¬1). * * * النبي - صلى الله عليه وسلم - يستغيث عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر (¬2)، أنه سمع أنس بن مالك (¬3) يذكر أن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وِجاه المنبر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه فقال: «اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا» قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قَزَعَةً ولا شيئًا ¬

_ (¬1) رواه مسلم: رقم الحديث (5268) ص1039. (¬2) شريك بن عبد الله بن أبي نمر: المدني المحدث حدث عن أنس - رضي الله عنه - وجماعة مات قبل الأربعين ومئة [السير للذهبي 6/ 159 - 160]. (¬3) أنس بن مالك الأنصاري: خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -، الإمام المقرئ المحدث، قال: جاءت بي أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني ببعضه، فقالت: يا رسول الله هذا هذا أُنيس ابني أتيتك به يخدمك فادع الله له فقال: «اللهم أكثر ماله وولده» فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو من مائة اليوم. صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتم الصحبة ولازمه أكمل الملازمة منذ أن هاجر وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة وبايع تحت الشجرة. مات سنة ثلاث وتسعين فيكون عمره مائة وثلاث سنين. [السير للذهبي (3/ 395 - 406)].

دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن أخطب

وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال: والله ما رأينا الشمس سبتًا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب فاستقبله قائمًا فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يمسكها قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والآجام والظِّراب والأودية ومنابت الشجر» قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: فسألت أنسًا أهو الرجل الأول قال: لا أدري (¬1). * * * دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن أخطب (¬2) روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه وقال: «اللهم جمله» فبلغ مائة سنة وما ابيض من شعره إلا اليسير (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري: رقم الحديث (1031) ص79. (¬2) عمرو بن أخطب أبو زيد: الأنصاري الخزرجي الأعرج - رضي الله عنه - من مشاهير الصحابة الذين نزلوا البصرة، وله بالبصرة مسجد يعرف به، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث وغزا معه ثلاث عشرة غزوة، توفي في خلافة عبد الملك بن مروان. السير للذهبي (3/ 473 - 474). (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي (3/ 474).

اللهم بارك في شعره

اللهم بارك في شعره قال الواقدي: حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن أمه عن أبيه قال: قال أبو قتادة - رضي الله عنه - (¬1): إني لأغسل رأسي قد غسلت أحد شقيه، إذ سمعت فرسي جروة تصهل وتحث بحافرها فقلت: هذه حرب قد حضرت، فقمت ولم أغسل شق رأسي الآخر فركبت وعلي بردة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصيح: «الفَزَعَ الفَزَعَ» قال: فأدرك المقداد (¬2) فسايرته ساعة ثم تقدمه فرسي وكان أجود من فرسه، وأخبرني المقدام بقتل مسعدة محرزًا - يعني ابن نضلة - فقلت للمقداد: إما أن أموت أو أقتل قاتل محرز. فضرب فرسه فلحقه أبو قتادة فوقف له مسعدة فنزل أبو قتادة فقتله وجنب فرسه معه قال: فلما مر الناس تلاحقوا ونظروا إلى بردي ¬

_ (¬1) أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري: فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سلمة بن الأكوع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع». وعن أبي قتادة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره إذ تأخر عن الراحلة فدعمته بيدي حتى استيقظ فقال: «اللهم احفظ أبي قتادة كما حفظني منذ الليلة، ما أرانا إلا قد شققنا عليك» مات سنة سبع أربع وخمسين [السير للذهبي (2/ 449 - 456)]. (¬2) المقداد بن عمرو الكندي: ويقال له المقداد بن الأسود لأنه رُبي في حجر الأسود بن عبد يغوث فتبناه. قال - رضي الله عنه -: استعملني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عمل فلما رجعت قال: «كيف وجدت الإمارة؟» قلت: يا رسول الله ما ظننت إلا الناس كلهم خَوَلٌ لي والله لا ألي على عمل ما دمتُ حيًا، وعن كريمة بنت المقداد أن المقداد أوصى للحسن والحسين بستة وثلاثين ألفًا، ولأمهات المؤمنين لكل واحدة بسبعة آلاف درهم، مات في سنة ثلاث وثلاثين وقبره بالبقيع [السير للذهبي (1/ 385 - 389)].

اللهم بارك لهما

فعرفوها وقالوا: أبو قتادة قتل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ولكنه قتيل أبي قتادة عليه برده، فخلوا بينه وبين سلبه وفرسه» قال: فلما أدركني قال: «اللهم بارك له في شعره وبشره، أفلح وجهك قتلت مسعدة؟» قلت: نعم قال: «فما هذا الذي بوجهك؟» قلت: سهم رميت به قال: «فادنُ مني فبصق عليه فما ضرب علي قط ولا قاح». فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة وكأنه ابن خمس عشرة سنة قال: وأعطاني فرس مسعدة وسلاحه (¬1). * * * اللهم بارك لهما عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان ابن لأبي طلحة (¬2) يشتكي، فخرج أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت: هو أسكن ما كان، فقربت إليه ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (2/ 449 - 450). (¬2) زيد بن سهل الخزرجي هو أبو طلحة: قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «صوت أبي طلحة في الجيش خيرٌ من فئة» قال لنا الحافظ أبو محمد: حلق النبي - صلى الله عليه وسلم - شق رأسه فوزعه على الناس، ثم حلق شقه الآخر فأعطاه أبا طلحة، وعن أنس - رضي الله عنه -: أنا أبا طلحة قرأ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] فقال: استنفرنا الله وأمرنا شيوخنا وشبابنا جهزوني فقال بنوه: يرحمك الله إنك قد غزوت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر ونحن نغزوا عنك الآن قال: فغزا البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام فلم يتغير. مات سنة أربع وثلاثين [السير للذهبي (2/ 27 - 34)].

العشاء فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: وار الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال أعرستم الليلة قال: نعم قال: «اللهم بارك لهما في ليلتهما» فولدت غلامًا، قال لي أبو طلحة: احفظه حتى تأتي به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرسلت معه بتمرات فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أمعه شيءٌ» قالوا: نعم تمرات فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في فيّ الصبي وحنكه به وسماه عبد الله (¬1)، قال عباية: فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلهم قد ختم القرآن (¬2). قال الذهبي «فنشأ عبد الله (¬3) وقرأ العلم وجاءه عشرة أولاد قرءوا القرآن وروى أكثرهم العلم» (¬4). وفي صحيح مسلم، عن أنس - رضي الله عنه - قوله: ... فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر وهي معه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقًا، فدنوا من المدينة فضربها المخاض فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب إنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى ¬

_ (¬1) رواه البخاري: رقم (5470) ص471، واللفظ له ورواه مسلم. رقم (6322) ص1109. (¬2) انظر فتح الباري (3/ 170) وسير أعلام النبلاء للذهبي (2/ 311). (¬3) عبد الله بن أبي طلحة مات قبل أنس بمدة ليست بالكثيرة [السير للذهبي (3/ 482 - 484)]. (¬4) سير أعلام النبلاء للذهبي (3/ 483).

اللهم أمتعنا به

قال: تقول أم سُليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد، انطلق فانطلقنا قال: وضربها المخاض حين قدما فولدت غلامًا فقالت لي أمي: يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فصادفته ومعه ميسم فلما رآني قال: «لعل أم سليم ولدت» قلت: نعم قال: فوضع الميسم قال: وجئت به فوضعته في حجره ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعجوة من عجوة المدينة فلاكها في فيه حتى ذابت ثم قذفها في فيّ الصبي فجعل الصبي يتلمظها قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «انظروا إلى حب الأنصار التمر» قال: فمسح وجهه وسماه عبد الله (¬1). * * * اللهم أمتعنا به عن أبي اليسر كعب بن عمرو (¬2) قال: والله إنا لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر عشية، إذا أقبلت غنمُ لرجل من اليهود تريد حصنهم ونحن محاصروهم، إذ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يطعمنا من هذه الغنم؟» قلت: أنا يا رسول الله قال: «فافعل» قال: فخرجت أشتد مثل الظَّليم فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليًا قال: «اللهم أمتعنا به» قال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم: رقم (6322) ص1109. (¬2) كعب بن عمرو الأنصاري: البدري العقبي أبو اليسر الذي أسر العباس - رضي الله عنه - يوم بدر، شهد العقبة وله عشرون سنة، له أحاديث قليلة، وقد شهد صفين مع علي - رضي الله عنه -، وكان من بقايا البدريين، مات بالمدينة في سنة خمس وخمسين. [السير، الذهبي (2/ 537 - 538)].

اللهم بارك له في تجارته

فأدركت الغنم وقد دخل أوائلها الحصن، فأخذت شاتين من أخراها فاحتضنتهما تحت يدي ثم أقبلت بهما أشتد كأنه ليس معي شيء حتى ألقيتهما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذبحوهما وأكلوهما، فكان أبو اليسر من آخر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلاكًا، فكان إذا حدث بهذا الحديث بكى، ثم قال: أمتعوا بي لعمري كنت آخرهم (¬1). * * * اللهم بارك له في تجارته عن عمرو بن حريث (¬2) قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بن جعفر (¬3) وهو يلعب بالتراب فقال: «اللهم بارك له في تجارته» (¬4). * * * ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند (5/ 686 - 287). (¬2) عمرو بن حريث المخزومي: أخو سعيد بن حريث، كان عمرو من بقايا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين نزلوا الكوفة. مولده قبيل الهجرة، له صحبة ورواية، توفي سنة خمس وثمانين [السير للذهبي (3/ 459 - 462)]. (¬3) عبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما - ابن أبي طالب: السيدُ العالم، استشهد أبوه يوم مؤتة فكفله النبي - صلى الله عليه وسلم - ونشأ في حجره، وهو آخر من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه من بني هاشم، وكان كبير الشأن كريمًا جوادًا عنه - رضي الله عنه - قال: أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثًا لا أحدث به أحدًا، فدخل حائطًا فإذا جمل فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حنَّ وذرفت عيناه، ولعبد الله بن جعفر أخبار في الجود والبذل، وكان وافر الحشمة كثير التنعم، مات - رضي الله عنه - سنة أربع وثمانين. [السير للذهبي (3/ 456 - 462)]. (¬4) سير أعلام النبي للذهبي (3/ 458).

اللهم عافه

اللهم عافه عن علي - رضي الله عنه - قال: كنت شاكيًا فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان متأخرًا فارفعني وإن كان بلاء فصبرني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف قلت؟» قال: فأعاد عليه ما قال. قال: فضربه برجله وقال: «اللهم عافه أو اشفه - شعبة الشاك -» قال: فما اشتكيت وجعي بعد (¬1). * * * البركة عن زهرة بن معبد (¬2) عن جده عبد الله بن هشام، وكان قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله بايعه فقال: «هو صغير» فمسح رأسه ودعا له. وعن زهرة بن معبد أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام إلى السوق فيشتري الطعام فيلقاه ابن عمر وابن الزبير فيقولان له: أشركنا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد دعا لك بالبركة فيشركهم، وربما أصاب ¬

_ (¬1) رواه الترمذي باب في دعاء المريض رقم 3546 ص2018، وقال حديث حسن صحيح. (¬2) زهرة بن معبد بن عبد الله القرشي المدني: نزيل الإسكندرية، الإمام أبو عقيل، وكان من عباد الله الصالحين، توفي في سنة خمس وثلاثين ومئة. وقد شاخ. [السير للذهبي (8/ 147 - 148)].

دعا له فشفاه الله تعالى

الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل (¬1). * * * دعا له فشفاه الله تعالى عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلاً من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هل كنت تدعو بشيء، أو تسأله إياه؟» قال: نعم كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجِّله لي في الدنيا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سبحان الله! لا تطيقه - أو لا تستطيعه - أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» قال: فدعا الله له فشفاه (¬2). * * * المرأة التي تصرع عن عطاء بن أبي رباح (¬3) قال: قال لي ابن عباس - رضي الله ¬

_ (¬1) رواه البخاري: باب الشركة في الطعام وغيره رقم (197/ 2501 - 2502). وفي باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رؤوسهم رقم 1353 ص534. (¬2) رواه مسلم رقم (6835) ص1146 باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا. (¬3) عطاء بن أبي رباح القرشي: مولاهم، مفتي الحرم، ولد في خلافة عثمان - رضي الله عنه - ونشأ بمكة عنه - رحمه الله - قال: أدركت مئتين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو حازم الأعرج: فاق عطاءٌ أهل مكة في الفتوى. قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة وكان من أحسن الناس صلاة. مات سنة خمس عشرة ومئة. [السير للذهبي (5/ 78 - 79)].

دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته

عنهما - ألا أريك امرأةً من أهل الجنة قلت بلى قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: إني أُصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» فقالت: أصبر فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها. حدثنا محمد أخبرنا مخلد عن ابن جريج أخبرني عطاء: أنه رأى أم زفر تلك المرأة الطويلة السوداء على ستر الكعبة (¬1). * * * دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته استقى النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء فأصاب المسلمين العطش، فشكوا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: وقال بعض المنافقين: لو كان نبيًا لاستقى لقومه كما استقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أو قد فعلوها؟ عسى ربكم أن يسقيكم» ثم بسط يديه ودعا، فما ردَّ يديه من دعائه حتى أظلهم السحاب وأمطروا، فعم السيل الوادي فشرب الناس وارتووا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري رقم 5652 ص484 واللفظ له ورواه غيره. (¬2) انظر: زاد المعاد لابن القيم (1/ 441).

اللهم أنزل على نبيك الصادق شيئا

اللهم أنزل على نبيك الصادق شيئًا قال تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} [التوبة: 74] روي أن هذه الآية نزلت في الجلاس بن سويد بن صامت ووديعة بن ثابت، وقعوا في النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: لئن كان محمد صادقًا على إخواننا الذين هم ساداتنا وخيارنا، لنحن شر من الحمير، فقال له عامر بن قيس: أجل والله إن محمدًا لصادق مصدق، وإنك لشر من حمار، وأخبر عامر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاء الجلاس فحلف بالله عند منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - إن عامرًا لكاذب، وحلف عامر لقد قال وقال: «اللهم أنزل على نبيك الصادق شيئًا» (¬1). * * * قتلاً في سبيلك عن عكرمة (¬2) في قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} إلى قوله: {بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65 - 66] قال: فكان رجل ممن إن شاء الله تعالى عفا عنه يقول: «اللهم ¬

_ (¬1) الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) (8/ 188). (¬2) عكرمة: العلامة الحافظ المفسر القرشي مولاهم المدني البربري الأصل، قيل: كان لحصين بن أبي الحر العنبري فوهبه لابن عباس - رضي الله عنهما - قال رحمه الله: طلبت العلم أربعين سنة وكنت أفتي بالباب وابن عباس في الدار، قال مصعب بن عبد الله: تزوج عكرمة أم سعيد بن جبير فلما قتل سعيد قال إبراهيم: ما خلف بعده مثله. توفي سنة خمس ومئة. [السير للذهبي (5/ 12 - 36].

ضرب يوم اليمامة

إني أسمع آية أنا أعنى بها تقشعر منها الجلود وتجل منها القلوب، اللهم فاجعل وفاتي قتلاً في سبيلك لا يقول أحد: أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت» قال: فأصيب يوم اليمامة فما من أحد من المسلمين إلا وجد غيره (¬1). * * * ضرب يوم اليمامة قال الواقدي: هاجر عبد الله العامري (¬2) - رضي الله عنه - الهجرتين جميعًا ولم يذكره ابن إسحاق فيمن هاجر الهجرة الثانية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاثين سنة، واستشهد يوم اليمامة اثني عشرة وهو ابن إحدى وأربعين سنة. ومن ولده نوفل بن مساحيق (¬3) بن عبد الله بن مخرمة، روى عنه أنه دعا الله - عز وجل - ألا يميته حتى يرى في كل مفصل منه حصول في سبيل الله - ¬

_ (¬1) جامع البيان عن تفسير آي القرآن (تفسير الطبري)، للإمام حمد بن جرير الطبري (6/ 172). (¬2) عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى العامري: من المهاجرين الأولين، شهد بدرًا والمشاهد، كنيته أبو محمد وعاش إحدى وأربعين سنة. ومن ذريته نوفل بن مساحيق بن عبد الله بن مخرمة. [تاريخ الإسلام للذهبي: حوادث ووفيات من 11 - 40هـ: ص64]. (¬3) نوفل بن مساحيق بن عبد الله القرشي العامري: أحد الفقهاء، كان على صدقات المدينة ولي القضاء سنة ست وثمانين، وتوفي بعد ذلك وله بدمشق دار. وكان أحد الأشراف الأجواد. [تاريخ الإسلام للذهبي: حوادث ووفيات من 81 - 100هـ: ص 211 - 212].

عمر رضي الله عنه يستسقي

تعالى - فضُرب يوم اليمامة في مفاصله واستشهد وكان فاضلاً عابدًا (¬1). * * * عمر رضي الله عنه يستسقي عن خوات بن جبير (¬2) قال: أصاب الناس قحط شديد على عهد عمر، فخرج عمر بالناس فصلى بهم ركعتين وخالف بين طرفي ردائه فجعل اليمين على اليسار واليسار على اليمين فقال: «اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك» فما برحوا حتى مطروا، فبينا هم كذلك إذا أعراب قدموا فأتوا عمر فقالوا: «يا أمير المؤمنين، بينما نحن في بوادينا يوم كذا في ساعة كذا، إذ أظلنا غمام فسمعنا منها صوتًا: (إياك الغوث أبا حفص، إياك الغوث أبا حفص)» (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر الاستيعاب (3/ 98). (¬2) خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري: أخو عبد الله بن جبير الذي كان أمير الرماة يوم أحد - رضي الله عنهما - ويكنى خوات أبا صالح، قال ابن سعد: قالوا: وكان خوات بن جبير صاحب النحيين في الجاهلية ثم حسن إسلامه. مات بالمدينة سنة أربعين [السير للذهبي (2/ 329 - 330)]. (¬3) انظر: كتاب مجابي الدعوة، لابن أبي الدنيا، ص41 - 42.

عمر والعباس - رضي الله عنهما -

عمر والعباس - رضي الله عنهما - عن أنس - رضي الله عنه - أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب (¬1) فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فُيسقون (¬2). * * * اللهم فقهه في الدين قال محمد بن سلام: حدثنا أبو عمرو الشعاب بإسناد له قال: كانت أم سلمة (¬3) تبعث أم الحسن (¬4) في الحاجة فيبكى وهو طفل، ¬

_ (¬1) العباس بن عبد المطلب: عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولد قبل أصحاب الفيل بثلاث سنين، قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الفتح وأسلم، وكان شريفًا مهيبًا عاقلاً جميلاً من أطول الرجال وأجهرهم صوتًا مع الحلم الوافر والسؤدد، وثبت أن العباس كان يوم حنين وقت الهزيمة آخذًا بلجام بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم - وثبت معه حتى نزل النصر، وأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يهتف يوم حنين: يا أصحاب الشجرة، وكان جهوري الصوت جدًا، ومات سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع. [السير للذهبي (2/ 78 - 103)]. (¬2) رواه البخاري: رقم 3710 ص303. (¬3) أم المؤمنين السيدة هند بنت أبي أمية: بنت عم خالد بن الوليد - رضي الله عنه - وبنت عم أبي جهل. من المهاجرات الأوّل وكانت قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أخيه من الرضاعة: أبي سلمة. قال مصعب الزبيري: هي أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة. دخل بها النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنة أربع من الهجرة. وكانت آخر من مات من أمهات المؤمنين، عمرت حتى بلغها مقتل الحسين الشهيد فرجمت لذلك وغُشي عليها وحزنت عليه كثيرًا لم تلبث بعده إلا يسيرًا وانتقلت إلى الله، عاشت نحوًا من تسعين سنة - رضي الله عنها - توفيت سنة إحدى وستين [السير الذهبي (1/ 201 - 210)]. (¬4) الحسين بن أبي الحسن يسار: مولى زيد بن ثابت. عن غاضرة قال: كانت أم الحسن مولاة لأم سلمة أم المؤمنين. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر - رضي الله عنه - وأمه خيرة، وكان سيد أهل زمانه علمًا وعملاً قال محمد بن سعد: كان جامعًا عالمًا رفيعًا فقهيًا ثقة حجة مأمونًا ناسكًا كثير العلم فصيحًا جميلاً وسيمًا. ومن كلامه: ابن آدم إنما أنت أيام، فكلما ذهب يوم ذهب بعضك. قال أيوب: ما وجدت ريح مرقة طُبخت أطيب من ريح قدر الحسن. مات سنة عشر ومئة [السير للذهبي (4/ 563 - 588)].

يدعو على سارق الإبل

فتسكته أم سلمة بثديها وتخرجه إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير، وكانت أمه منقطعة إليها، فكانوا يدعون له فأخرجته إلى عمر فدعا له وقال: اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس قال الذهبي: إسنادها مرسل (¬1). * * * يدعو على سارق الإبل عن الحسن بن الفضل بن حسن بن عمرو بن أمية الضمري، عن عمه أبي بكر بن أمية قال: كان لنا جار من جهينة في أول الإسلام ونحن على شركنا، وكان منا رجل محارب خبيث يقال له (ريشة) وكنا قد خلفنا لخبثه، فكان ولا يزال يعدو على جارنا ذلك الجهني فيصيب له البكرة والناب والشارف فيأتوننا فيشكونه إلينا فنقول له: والله ما نصنع به قد خلعناه فاقتله قتله الله، فوالله لا يتبعك من دمه شيء تكرهه أبدًا، حتى عدا مرة من ذلك فأخذ منه ناقة له خيارًا فأقبل بها إلى شعبة الوادي ثم نحرها وأخذ سنامها ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (1/ 564 - 465).

نبع لهم الماء

ومطايب لحمها ثم تركها، وأخذ الجهني في طلبها حين فقدها يلتمسها فاتبع أثرها حتى وجدها، فجاء إلى نادي بني ضمرة وهو آسف مصاب، وهو يقول: أصادقٌ ريشةُ يا آل ضمرةَ ... أن ليس لله عليه قدرة ما إن يزال شارف وبكرة ... يطعن منها في سواء الثغرة بصارم ذي رونق أو شفرة ... لا هم إن كان معدًا فجرة فاجعل أمام العين منه جدرة ... تأكله حتى توافي الجهرة قال: فأخرج الله أمام عينيه في مآقيه حيث وصف بثرة مثل النبقة، وخرجنا إلى الموس حجاجًا فرجعنا من الحج وقد صارت أكلة أكلت رأسه أجمع فمات حين قدمنا (¬1). * * * نبع لهم الماء كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول: رأيت من العلاء (¬2) ¬

_ (¬1) انظر: كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا ص26 - 27. (¬2) العلاء بن الحضرمي اسمه العلاء بن عبد الله: كان من حلفاء بني أمية وأخوه ميمون هو المنسوب إليه بئر ميمون التي بأعلى مكة احتفرها قبل المبعث، وأخواهما عمرو وعامر، ولاّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البحرين ثم وليها لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - عن الشعبي أن عمر كتب إلى العلاء بن الحضرمي وهو بالبحرين أن: سر إلى عتبة بن غزوان فقد وليتك عمله، ظننت أنك أغنى منه فاعرف له حقه، فخرج العلاء في رهط منهم أبو هريرة وأبو بكرة: فلما كانوا بنياس مات العلاء. [السير للذهبي (1/ 262 - 266)].

الجليس الصالح

ثلاثة أشياء لا أزال أحبه أبدًا: قطع البحر على فرسه يوم دارين، وقدم يريد البحرين فدعا الله بالدهناء فنبع لهم ماء فارتووا، ونسي رجل منهم بعض متاعه فرد فلقيه ولم يجد الماء، ومات ونحن على غير ماء فأبدى الله لنا سحابة فمطرنا فغسلناه وحفرنا له بسيوفينا ودفناه ولم نلحد له (¬1). * * * الجليس الصالح روى إبراهيم عن علقمة (¬2) أنه قدم الشام فدخل مسجد دمشق فقال: اللهم ارزقني جليسًا صالحًا! فجاء فجلس إلى أبي الدرداء (¬3) فقال له: ممن أنت؟ قال: من الكوفة قال: كيف سمعت ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (1/ 265 - 266). (¬2) فقيه الكوفة وعالمها ومقرئها علقمة بن قيس النخعي: عم الأسود بن يزيد وأخيه عبد الرحمن وخال فقيه العراق إبراهيم النخعي، لازم ابن مسعود - رضي الله عنه - حتى رأس في العلم والعمل عن علقمة قال: أتى عبد الله بشراب فقال: أعط علقمة أعط مسروقًا فكلهم قال: إني صائم فقال: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37] وقال ما حفظت وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قرطاس مات سنة اثنتين وستين [السير للذهبي (4/ 53 - 61)]. (¬3) عويمر بن زيد الأنصاري - رضي الله عنه: - قاضي دمشق، وهو معدود فيمن تلا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وممن جمع القرآن في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، تصدر للإقراء بدمشق قال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء. عن راشد بن سعد قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال: أوصني قال: اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، وإذا ذكر الموتى فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشرفت نفسك على شيء من الدنيا فانظر إلى ما يصير، مات سنة اثنتين وثلاثين [السير للذهبي (2/ 335 - 354)].

اللهم قني الفتنة

ابن أم عبد (¬1) يقرأ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] الحديث (¬2). * * * اللهم قني الفتنة عن جعفر بن عون، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة (¬3) قال: لما طعنوا عثمان صلى أبي (¬4) في الليل ودعا ¬

_ (¬1) عبد الله بن مسعود الهذلي - رضي الله عنه -: من السابقين الأولين وكان معدودًا في أذكياء العلماء. عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينًا وما نحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لكثرة دخولهم وخروجهم عليه. وعن أم موسى: سمعت عليًا - رضي الله عنه - يقول: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود فصعد شجرة يأتيه منها بشيء، فنظر أصحابه إلى عبد الله فضحكوا من حموشة ساقيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما تضحكون؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد» قدم من الكوفة على عثمان وشهد في طريقة بالربذة أبا ذر - رضي الله عنهم - وصلى عليه. مات سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع [السير للذهبي (1/ 461 - 500)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 56). (¬3) عبد الله بن عامر بن ربيعة: أبو محمد العنزي بالسكون وعنز أخو بكر بن وائل، استشهد أخوه سمية عبد الله في حصار الطائف. مولده عام الحديبية توفي سنة خمس وثمانين. [السير للذهبي (3/ 521)]. (¬4) عامر بن ربيعة بن كعب العنزي: من حلفاء عمر بن الخطاب العدوي، من السابقين إلى الإسلام، أسلم قبل عمر وهاجر الهجرتين، قال ابن إسحاق: أول من قدم مهاجرًا أبو سلمة بن عبد الأسد وبعده عامر بن ربيعة وكان معه لواء عمر - رضي الله عنهما - لما قدم الجابية. توفي سنة خمس وثلاثين. [السير للذهبي (2/ 333 - 335)].

فاستعن بمولاي

فقال: اللهم قني من الفتنة بما وقيت به الصالحين من عبادك، فما أخرج ولا أصبح إلا بجنازته (¬1). * * * فاستعن بمولاي عن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - قال: لما وقف الزبير (¬2) يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلومًا، وإن من أكبر همِّي لدَيْني، أفترى يُبقي دينُنا من مالنا شيئًا؟ فقال: يا بني، بع ما لنا فاقض ديني وأوصى بالثلث وثلثه لبنيه - يعني عبد الله بن ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي، (2/ 334 - 335). (¬2) الزبير بن العوام بن خويلد، ابن عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أهل الشورى، وأول من سل سيفه في سبيل الله؛ عن جابر - رضي الله عنه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق: «من يأتينا بخبر بني قريظة؟» فقال الزبير: أنا. فذهب على فرس فجاء بخبرهم، ثم قال الثانية فقال الزبير: أنا. فذهب، ثم الثالثة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لكل نبي حواري وحواريَّ الزبير». عن هشام بن عروة قال: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه؛ إن كنت لأدخل أصابعي فيها؛ ضرب ثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك. قتله ابن جرموز سنة ست وثلاثين [السير للذهبي (1/ 41 - 67)].

الزبير - يقول: ثلث الثلث، فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير - خبيب وعباد - وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بني إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت مَنْ مولاك؟ قال: الله. قال: فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض دينه. فيقضيه. فقتل الزبير - رضي الله عنه - ولم يدَعْ دينارًا ولا درهمًا إلا أرضين منها الغابة وإحدى عشرة دارًا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارًا بالكوفة ودارًا بمصر. قال: وإنما كان دينُه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير: لا، ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة. وما ولي إمارة قط ولا جباية خراج ولا شيئًا إلا أن يكون في غزوة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أو مع أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم. قال عبد الله بن الزبير: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف، قال: فلقي حكيم بن حزام (¬1) عبد الله بن ¬

_ (¬1) حكيم بن حزام بن خويلد: أسلم يوم الفتح، قال ابن منده: وُلد حكيم في جوف الكعبة، وعاش مائة وعشرين سنة. قال البخاري في تاريخه: عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام. قلت - والكلام للذهبي: لم يعش في الإسلام إلا بضعًا وأربعين سنة. عن مصعب بن ثابت يقول: بلغني والله أن حكيم بن حزام حضر يوم عرفة ومعه مائة رقبة ومئة بدنة ومئة بقرة ومئة شاة فقال: الكل لله. قال - رضي الله عنه: ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها، مات سنة أربع وخمسين. [السير للذهبي (3/ 44 - 51)].

الزبير فقال: يا ابن أخي، كم على أخي من الدين؟ فكتمته فقال: مائة ألف. فقال حكيم: ما أرى أموالكم تَسَع لهذه. فقال له عبد الله: أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف، ثم قام فقال: من كان على الزبير حق فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر - وكان له على الزبير أربعمائة ألف - فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخِّرون إن أخرتم. فقال عبد الله: لا. قال: قال: فاقطعوا لي قطعة. فقال عبد الله: لك من هاهنا إلى هاهنا. قال: فباع منها فقضى دينه فأوفاه وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية - رضي الله عنه - وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة، فقال له معاوية: كم قوَّمت الغابة؟ قال: كل سهم مائة ألف. قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. فقال المنذر بن الزبير: قد أخذتُ سهمًا بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذتُ سهمًا بمائة ألف. فقال معاوية: كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف. فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير: اقسم بيننا

سمعه يدعو

ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دينٌ فليأته فلنقضه. قال: فجعل كل سنة ينادي بالموسم، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم، قال: وكان للزبير أربع نسوة، ورفع الثلث فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف (¬1). * * * سمعه يدعو قال سعيد بن عبد العزيز: سمع الحسن بن علي (¬2) - رضي الله عنهما - رجلاً إلى جنبه يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف فبعث بها إليه (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري، رقم 3129، كتاب فرض الخمس، باب بركة الغازي في ماله حيًا وميتًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر، ص252. (¬2) الحسن بن علي - رضي الله عنهما: الشهيد، ريحانة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسبطه وسيد شباب أهل الجنة، كان يشْبه جدَّه رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو جحيفة: مولده سنة ثلاث من الهجرة، قال أسامة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذني والحسن ويقول: «اللهم أحبهما فإني أحبهما». عن معاوية - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمص لسانه أو شفته - يعني الحسن - وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. عاش سبعًا وأربعين سنة، مات سنة خمسين. [السير للذهبي (3/ 245 - 279)]. (¬3) حُجْر بن عدي بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث، وأبوه عدي الأدبر، وكان قد طُعن مولِّيًا فسُمي الأدبر، الكوفي أبو عبد الرحمن الشهيد، له صحبة ووفادة، قتل سنة إحدى وخمسين. [السِّير للذهبي: (3/ 462 - 467)].

اللهم إن كان لي عندك خير

اللهم إن كان لي عندك خير لما بلغ الربيع بن الحارث بن كعب - وكان فاضلاً جليلاً وكان عاملاً لمعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهم - على خراسان - فلما بلغه قتل حجر بن عدي - رضي الله عنه - (¬1) دعا الله - عز وجل - فقال: اللهم إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك وعجِّل. فلم يبرح من مجلسه حتى مات (¬2). * * * سبب وفاته قال الحاكم: ولي الحَكَم (¬3) على خراسان، فكان سبب وفاته ¬

_ (¬1) انظر الاستيعاب (1/ 332). (¬2) الحكم بن عمرو الغفاري - رضي الله عنه: أخو رافع، وهما من بني ثعلبة أخو غفار، له فضل وصلاح ورأي وإقدام، عن الحسن أن زيادًا استعمل الحكم بن عمرو فلقيه عمران بن الحصين فقال: أما تذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه الذي قال أميره: قَعْ في النار. فقام ليقع فيها فأدركه فأمسكه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو وقع فيها لدخل النار، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». قال الحاكم: بلى. قال: إنما أردت أن أذكِّرك هذا الحديث. مات بخراسان واليًا سنة إحدى وخمسين [السير للذهبي (24/ 474 - 477)]. (¬3) بريدة بن الحصيب الأسلمي - رضي الله عنه: استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدقات قومه، وكان يحمل لواء الأمير أسامة - رضي الله عنه - حين غزا أرض البلقاء إثر وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. روى مقاتل بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه قال: شهدت خيبر، وكنت فيمن صدع الثملة، فقاتلت حتى رئي مكاني وعليَّ ثوب أحمر، فما أعلم أني ركبت في الإسلام ذنبًا أعظم عليَّ منه - أي الشهرة، توفي سنة اثنتين وستين. [السير للذهبي (2/ 469 - 471)].

هل تفقدون من متاعكم شيئا

أنه دعا على نفسه وهو بمرو في كتاب قرئ عليه من زياد، فاستجيبت دعوته ومات بمرو، وكان مات قبله بريدة الأسلمي (¬1) فدُفنا جميعًا (¬2). * * * هل تفقدون من متاعكم شيئًا ذهب أبو مسلم الخولاني (¬3) ومن معه من العسكر على دجلة ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك (ذكر مناقب الحكم بن عمرو الغفاري) (3/ 500) (بتصرف). (¬2) إشكال: في القصة السابقة ذكر الحاكم - رحمه الله تعالى - أن الحكم وبريدة - رضي الله عنهما - دفنا في قبر واحد بينما ذكر الذهبي - رحمه الله تعالى - في ترجمة الحكم في السير قال: قال خليفة: مات بخراسان واليًا عليها سنة إحدى وخمسين. وقال في تاريخ الإسلام: توفي بمرو سنة خمس وأربعين وقيل سنة خمسين. [تاريخ الإسلام حوادث ووفيات 41 - 60هـ ص 41 - 42]. وقال - رحمه الله تعالى - في [السير] في وفاة بريدة - رضي الله عنه: توفي سنة اثنتين وستين. وهذا أقوى. وقال في [تاريخ الإسلام]: (سكن مرو في آخر عمره وبها قبره، توفي سنة اثنتين وستين على الأصح). [تاريخ الإسلام، حوادث ووفيات سنة 61 - 80 هـ ص، 76 - 77]. فاتضح أن بينهما في الوفاة أكثر من عشر سنوات مما يضعف هذا الرواية والله - تعالى - أعلم. (¬3) أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب الداراني: زاهد العصر، قدم من اليمن، وقد أسلم في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل المدينة في خلافة الصديق - رضي الله عنه، عن شرحبيل أن رجلين أتيا أبا مسلم فلم يجداه في منزله، فأتيا المسجد فوجداه يركع، فانتظراه، فأحصى أحدهما أنه ركع ثلاث مائة ركعة، قال المفضل بن غسَّان الغلابي: إن علقمة وأبا مسلم ماتا في سنة اثنتين وستين، فالله أعلم. [السير للذهبي (4/ 174)].

دعاء ابن عمر على زياد

وهي ترمى بالخشب من مداها، ثم التفت إلى أصحابه وقال: هل تفقدون من متاعكم شيئًا حتى أدعو الله - عز وجل - فيه؟ فقال بعضهم: فقدت مخلاة. فقال: اتبعني. فاتَّبعه فوجدها قد تعلقت بشيء فأخذها (¬1). * * * دعاء ابن عمر على زياد قال ابن شوذب: بلغ ابن عمر أن زيادًا (¬2) كتب إلى معاوية (¬3): ¬

_ (¬1) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - ص312. (¬2) زياد بن أبيه: وهو زياد بن عبيد الثقفي، وهو زياد بن سمية وهي أمه؛ كانت مولاة للحارث بن كلده الثقفي طبيب العرب، ولد عام الهجرة وأسلم زمن الصديق - رضي الله عنه، وهو أخو أبي بكرة الثقفي الصحابي - رضي الله عنه - لأمه، ثم كان كاتبًا لأبي موسى - رضي الله عنه - زمن إمرته على البصرة، وكان من نبلاء الرجال رأيًا وعقلاً وحزمًا ودهاء وفطنة، قال أبو الشعثاء: كان زياد أفتك من الحجاج لمن يخالف هواه. [السير للذهبي (3/ 494 - 497)]. (¬3) معاوية بن أبي سفيان: أمير المؤمنين ملك الإسلام، كتب الوحي للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخته أم المؤمنين أم حبيبة - رضي الله عنهم، عن العرباض سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يدعو إلى السحور في شهر رمضان: هلم إلى الغداء المبارك. ثم سمعته يقول: «اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب». قلت - والكلام للذهبي: وللحديث شاهد قوي. وجمع عمر إمرة الشام كلها لمعاوية وأقره عليها عثمان - رضي الله عنهم، وحسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم وهو ثغر فيضبطه ويقوم به أتم قيام، وكان محبَّبًا إلى الرعية، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: ما رأيت أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أميركم هذا. يعني معاوية، مات - رضي الله عنه - سنة ستين. [السير للذهبي (3/ 119 - 162)].

أنجاه الله - تعالى - من القتل

إني قد ضبطت العراق بيميني، وشمالي فارغة. وسأله أن يولِّيه الحجاز فقال ابن عمر: اللهم إنك إن تجعل في القتل كفارة فموتًا لابن سمية لا قتلًا. فخرج في إصبعه طاعون فمات (¬1). وقال الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي - رضي الله عنهما - أن زيادًا يتتبع شيعة علي بالبصرة فيقتلهم فدعا عليه (¬2). * * * أنجاه الله - تعالى - من القتل عن عامر الشعبي (¬3) قال: كنت جالسًا مع زياد بن أبي سفيان، فأتي برجل يُحمَل لا نَشُكُّ في قتله، قال: فرأيتُه حرَّك شفته بشيء لا أدري ما هو. قال: فخلى سبيله، فقال بعض القوم: لقد جيء بك وما نشكُّ في قتلك، فرأيناك حركت شفتيك بشيء، وما ندري ما هو فخلَّى سبيلك! قال: قلت: «اللهم ربَّ إبراهيم ورب ¬

_ (¬1) سير أعلام النبي للذهبي (3/ 496). (¬2) المرجع السابق. (¬3) الشعبي عامر بن شراحيل الهمداني: علامة العصر، مولده في إمرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه، رأى عليًا - رضي الله عنه - وصلى خلفه، قال - رحمه الله: ما مات ذو قرابة لي وعليه دين إلا وقضيت عنه، ولا ضربت مملوكًا لي قط ولا حللت حبوتي إلى شيء مما ينظر الناس. وعن داود بن يزيد: سمعت الشعبي يقول: والله لو أصبت تسعًا وتسعين مرة وأخطأت مرة لأعدُّوا عليَّ تلك الواحدة. عن الأعمش قال: أتى رجل الشعبيَّ فقال: ما اسم امرأة إبليس؟ قال: ذاك عرس ما شهدته. مات سنة أربع ومئة. [السير للذهبي (4/ 294 - 319)].

اللهم لا تدركني سنة ستين

إسحاق ويعقوب ورب جبريل وإسرافيل ومنزِّل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم ادرأ عني شر زياد». قال: فخلى عنه (¬1). * * * اللهم لا تدركني سنة ستين قال عمير بن هانئ: قال أبو هريرة - رضي الله عنه (¬2): اللهم لا تدركني سنة ستين. فتوفي فيها أو قبلها بسنة (¬3)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين؛ فأما أحدهما فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم (¬4). (وقد حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها ¬

_ (¬1) انظر: كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا، ص76 والفرج بعد الشدة له ص98. (¬2) الإمام الفقيه المجتهد عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني: سيد الحفاظ، والمشهور أنه كني بأولاد هرة برية، قال: وجدتها فأخذتها في كمي فكنيت بذلك. وقد جاع واحتاج ولزم المسجد، استعمله عمر - رضي الله عنه - على البحرين، وكان معاوية - رضي الله عنه - يبعثه أميراً على المدينة، عن عبد الوهاب المدني قال: بلغني أن رجلا دخل على المدينة فقال: مررت بالمدينة فإذا أبو هريرة جالس في المسجد حول حلقة يحدثهم فقال: حدثني خليلي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -. ثم استعبر فبكى، ثم عاد فقال: حدثني خليلي نبي الله أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - ثم استعبر فبكى ثم قام، ودخل عليه مروان في شكواه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة. فقال: اللهم إني أحبُّ لقاءك فأحبَّ لقائي. قال: فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات. [السير للذهبي (2/ 578 - 632)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي. (2/ 626). (¬4) المرجع السابق، (2/ 596).

ثارت سحابة كالترس

تبيين أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به؛ خوفًا على نفسه منهم؛ كقولهم: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان. يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية (¬1) لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة) (¬2). * * * ثارت سحابة كالترس روى صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال: خرج معاوية رضي الله عنه يستسقي، فلما قعد على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود (¬3)؟ فناداه الناس فأقبل يتخطاهم، فأمره معاوية فصعد المنبر، فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا يزيد بن الأسود، يا يزيد ارفع يديك إلى الله. فرفع يديه ورفع الناس، فما كان بأوشك ¬

_ (¬1) يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: له على هناته حسنة، وهي غزو القسطنطينية، وكان أمير ذلك الجيش وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه، عقد له أبوه - رضي الله عنه - الولاية من بعده فكانت دولته أقل من أربع سنين، ويزيد ممن لا نسُبُّه ولا نحبه وله نظراء من خلفاء الدولتين؛ بل فيهم من هو شر منه، وإنما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بتسع وأربعين سنة والعهد قريب والصحابة موجودون، توفي سنة أربع وستين. [السير للذهبي (4/ 35 - 40)]. (¬2) ما بين القوسين نقلاً من كلام محقق هذا الجزء من سير أعلام النبلاء (2/ 597). (¬3) يزيد بن الأسود الجرشي: من سادات التابعين بالشام، أسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال يونس بن ميسرة: قلت له: كم أتى عليك؟ قال: أدركت العزى تُعبد في قرية قومي، حضره وقت الموت واثلة بن الأسقع. [السير للذهبي (4/ 136 - 137)].

عقبة بن نافع يدعو

من أن ثارت سحابة كالترس وهبَّت الريح، فسقينا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم. سمعها أبو اليمان من صفوان (¬1). * * * عقبة بن نافع (¬2) يدعو قال الواقدي: جهَّزه معاوية - رضي الله عنه - على عشرة آلاف فافتتح إفريقية واختطَّ قيروانها، وكان الموضع غيضةً لا يرام من السِّباع والأفاعي، فدعا عليها، فلم يبق فيها شيء وهربوا؛ حتى إن الوحوش لتحمل أولادها، فحدثني موسى بن علي عن أبيه قال: نادى: إنا نازلون. فأظعنوا فخرجن من جحرتهن هوارب. وروى نحوه محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: لما افتتح عقبة إفريقية قال: يا أهل الوادي، إنا حالون إن شاء الله، فأظعنوا. ثلاث مرات، فما رأينا حجرًا ولا شجرًا إلا يخرج من تحته دابة حتى هبطن بطن الوادي، ثم قال للناس: انزلوا باسم الله (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي، (4/ 137). (¬2) عقبة بن نافع القرشي الفهري: الأمير نائب إفريقية لمعاوية - رضي الله عنه - وليزيد، وهو الذي أنشأ القيروان وأسكنها الناس، وكان ذا شجاعة وإقدام وحزم وديانة، لم يصح له صحبة، عن علي بن رباح قال: قدم عقبة على يزيد فردَّه واليًا على المغرب سنة اثنتين وستين، فغزا السوس الأدنى ثم رجع وقد سبقه جل الجيش، فخرج عليه جمع من العدو فقُتل عقبة وأصحابه، قُتل سنة ثلاث وستين. [السير للذهبي (3/ 532 - 534)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي، (3/ 533).

أعمى يدعو الله - تعالى - فيبصر

أعمى يدعو الله - تعالى - فيبصر حكي عن الليث بن سعد (¬1) أنه قال: رأيت عقبة بن نافع ضريرًا ثم رأيته بصيرًا فقلت له: بم رد الله عليك بصرك؟ فقال: أتيت في المنام فقيل لي: قل يا قريب يا مجيب، يا سميع الدعاء يا لطيف لما يشاء، ردَّ عليَّ بصري. فقلتها فردَّ الله عليَّ بصري (¬2). * * * ¬

_ (¬1) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي: ولد سنة أربع وتسعين، وكان - رحمه الله - فقيه مصر ومحتشمها ورئيسها ومن يفتخر بوجوده الإقليم، بحيث إن متولي مصر وقاضيها وناظرها من تحت أوامره ويرجعون إلى رأيه ومشورته، أعطى ابن لهيعة ألف دينار وأعطى مالكًا ألف دينار وأعطى منصور بن عمار الواعظ ألف دينار وجارية تسوى ثلاث مائة دينار؛ عن شعيب بن الليث قال: خرجت حاجًّا مع أبي فقدم المدينة فبعث إليه مالك بن أنس بطبق رطب قال: فجعل على الطبق ألف دينار وردَّه إليه. مات سنة خمس وسبعين ومئة. [السير للذهبي (8/ 136 - 163)]. (¬2) الدعاء المأثور وآدابه، للحافظ أبي بكر الطرطوشي. ص40 - 41. * إشكال: ذكر أبو بكر الطرطوشي - رحمه الله تعالى - ما حكي عن الليث بن سعد أنه رأى عقبة بن نافع - رحمهما الله تعالى، وقد ذكر الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - وفاة عقبة في السِّير عن ابن يونس أنه قتل سنة ثلاث وستين، وقال في [تاريخ الإسلام]: (قتله البربر بهوذة من أرض المغرب سنة ثلاث وستين). [تاريخ الإسلام حوادث ووفيات، سنة 61 - 80 هـ، ص181]. وقال في [السير] في ترجمة الليث - رحمه الله تعالى: مولده بقرقشندة - قرية من أسفل عمال مصر - في سنة أربع وتسعين، مات سنة خمس وسبعين ومئة. * وقال في [تاريخ الإسلام]: (الليث بن سعد الفهمي ولد سنة أربع وتسعين، ومات سنة خمس وسبعين ومئة). [تاريخ الإسلام حوادث ووفيات، سنة 171 - 180هـ، ص302 - 315]؛ فلا يكون الليث رأى عقبة بن نافع؛ لأن عقبة مات قبل ولادة الليث بإحدى وثلاثين سنة، إلا أن يكون آخر؛ فالعلم عند الله تعالى.

سقوا سريعا

سقوا سريعًا قال سعيد بن عبد العزيز وغيره: استسقى الضحاك بن قيس (¬1) بيزيد بن الأسود فما برحوا حتى سقوا (¬2). * * * اللهم لا تمتني حتى أوتى به عن أيوب عن أبي مليكة قال: دخلت على أسماء (¬3) بعدما أصيب ابن الزبير (¬4) فقالت: بلغني أن هذا صلب عبد الله، اللهم لا ¬

_ (¬1) الضحاك بن قيس الفهري القرشي: الأمير أبو أمية، عداده في صغار الصحابة، وكان جوادًا - رضي الله عنه، لبس بردًا تساوي ثلاث مائة دينار فساومه رجل به فوهبه له وقال: شح بالمرء أن يبيع عطافه. قال الزبير بن بكار: كان الضحاك بن قيس مع معاوية - رضي الله عنهما، فولَّاه الكوفة، وهو الذي صلى على معاوية وقام بخلافته حتى قدم يزيد، قتل - رضي الله عنه - في سنة أربع وستين. [السير للذهبي (3/ 241 - 245)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي، (4/ 137). (¬3) أسماء بنت أبي بكر، عبد الله بن أبي قحافة، عثمان - رضي الله عنهم: والدة الخليفة عبد الله بن الزبير وأخت أم المؤمنين عائشة وآخر المهاجرات وفاة، وتعرف بذات النطاقين، وكانت أسنَّ من عائشة - رضي الله عنها - ببضع عشرة سنة؛ عن محمد بن المنكدر قال: كانت أسماء بنت أبي بكر سخيَّة النفس، شهدت اليرموك مع زوجها الزبير - رضي الله عنهم؛ عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء كانت تمرض المرضة فتعتق كل مملوك لها، بلغت مائة سنة وهي خاتمة المهاجرين والمهاجرات - رضي الله عنها، ماتت سنة ثلاث وسبعين. [السير للذهبي (2/ 287 - 296)]. (¬4) عبد الله بن الزبير: أمير المؤمنين، أول مولود للمهاجرين بالمدينة، عن محمد بن يعقوب أن معاوية - رضي الله عنه - كان يلقى ابن الزبير فيقول: مرحبًا بابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويأمر له بمائة ألف، وعن أبي مليكة قال: ذكر ابن الزبير عند ابن عباس - رضي الله عنهم - فقال: قارئ لكتاب الله عفيف في الإسلام، أبوه الزبير وأمه أسماء وجده أبو بكر وعمته خديجة وخالته عائشة وجدته صفية، بويع بالخلافة عند موت يزيد سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان وبعض الشام، ولم يستوسق له الأمر، حاصره الحجاج في الحرم ورماه بالمنجنيق وقتله وصلبه، عاش نيفًا وسبعين سنة. السير للذهبي (3/ 363 - 380)].

كلمات الفرج

تُمتني حتى أوتى به فأحنِّطه وأكفِّنه. فأتيت به بعد فجعلت تحنطه بيدها وتكفنه بعدما ذهب بصرها. ومن وجه آخر عن أبي مليكة: وصلَّت عليه وما أتت عليها جمعة إلا ماتت (¬1). * * * كلمات الفرج عن عبد الملك بن عمير قال: حدثني أبو مصعب أن عبد الملك بن مروان (¬2) كتب إلى هشام بن إسماعيل (¬3) متولي المدينة: بلغني أن الحسن ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي، (2/ 295). (¬2) عبد الملك بن مروان بن الحكم: الفقيه الأموي، تملك بعد أبيه الشام ومصر ثم حارب ابن الزبير الخليفة وقتل أخاه مصعبًا وجهَّز الحجاج لحرب ابن الزبير، قال الأصمعي: قيل لعبد الملك: عجَّل بك الشيب. قال: وكيف لا وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة؟! قال الشعبي: خطب عبد الملك فقال: اللهم إن ذنوبي عظام وهي صغار في جنب عفوك يا كريم فاغفرها لي. كان من رجال الدهر، وكان الحجاجُ من ذنوبه، توفي سنة ست وثمانين. [السير للذهبي (4/ 246 - 249)]. (¬3) هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة أبو الوليد المخزومي المدني: حمو عبد الملك بن مروان وأميره على المدينة، وهو جد هشام بن عبد الملك لأمه، ولما ولي الوليد عزله عن المدينة بعمر بن عبد العزيز. [تاريخ الإسلام للذهبي: حوادث ووفيات، من سنة 81 - 100 هـ، ص 214 - 215].

لا ينام إلا قليلا

بن الحسن (¬1) يكاتب أهل العراق فاستحضره قال: فجيء به فقال له علي بن الحسين: يا ابن عم، قل كلمات الفرج: «لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرض رب العرش الكريم». قال: فخلي عنه (¬2). * * * لا ينام إلا قليلاً عن حصين عن إبراهيم أن همام بن الحارث (¬3) كان يدعو: "اللهم اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهرًا في طاعتك". قال: فكان لا ينام إلا هنيهة وهو قاعد (¬4). * * * ¬

_ (¬1) الحسن ابن سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين علي - رضي الله عنهم: الهاشمي الإمام أبو محمد، وكان قليل الرواية والفتيا مع صدقه وجلالته، قال الزبير بن بكار: أم حسن بن حسن هذه هي خولة بنت فلان، وهي والدة إبراهيم وداود والقاسم، أولاد محمد بن طلحة التيمي السجاد، توفي سنة تسع وتسعين. السير للذهبي (4/ 483 - 487). (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي، (4/ 485). (¬3) همام بن الحارث النخعي الكوفي الفقيه: قال ابن الجوزي: كان الناس يتعلمون من هديه وسمته، وكان طويل السهر - رحمه الله - قال ابن سعد: توفي زمن الحجاج [السير للذهبي (4/ 283 - 284)]. (¬4) سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 284).

دعا عليه فاسود وجهه

دعا عليه فاسود وجهه عن حماد بن زيد (¬1) قال: حدثنا علي بن زيد (¬2) قال: قال لي سعيد بن المسيب: (¬3) قل لقائدك يقوم فينظر إلى وجه هذا الرجل وإلى جسده، فقام وجاء فقال: رأيت وجه زنجي وجسده أبيض فقال سعيد: إن هذا سب هؤلاء: طلحة (¬4) والزبير وعليًا - رضي ¬

_ (¬1) حماد بن زيد بن درهم الأزدي: آل جرير بن حازم البصري الأزرق، العلامة الحافظ الثبت محدث الوقت، مولده في سنة ثمان وتسعين. قال أحمد بن حنبل: حماد بن زيد من أئمة المسلمين وقال عبد الرحمن بن مهدي: لم أر أحدًا قط أعلم بالسنة ولا بالحديث الذي يدخل في السنة من حماد بن زيد قال أبو حاتم بن حبان: كان ضريرًا يحفظ حديثه كله قلت - والكلام للذهبي: إنما أضر بأخرة. مات - رحمه الله - في سنة تسع وسبعين ومئة. [السير للذهبي (7/ 456 - 466)]. (¬2) علي بن زيد بن جدعان القرشي التيمي البصري: الإمام العالم الأعمى، ولد أظن في دولة يزيد، وكان من أوعية العلم على سوء حفظ يغضه من درجة الإتقان، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة. [السير للذهبي (5/ 206 - 208)]. (¬3) سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي: عالم أهل المدينة وسيد التابعين في زمانه، ولد لسنتين مضيا من خلافة عمر - رضي الله عنه، وكان زوج بنت أبي هريرة - رضي الله عنه، وممن برز في العلم والعمل، عنه - رحمه الله تعالى - قال: (ما أيس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء)، ثم قال لنا سعيد وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى: (ما شيء أخوف عندي من النساء). عن عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة: شهدت سعيد بن المسيب يوم مات سنة أربع وتسعين، وكان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء؛ لكثرة من مات منهم. [السير للذهبي (4/ 217 - 246)]. (¬4) طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي: أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ممن سبق إلى الإسلام وأوذي في الله ثم هاجر، فاتفق أنه غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام وتألم لغيبته، فضرب له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسهمه وأجره، عن قيس قال: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد شلاء، وقال - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: «أوجب طلحة». عن الحسن البصري أن طلحة بن عبيد الله باع أرضًا له بسبع مائة ألف، فبات أرقًا من مخالفة ذلك المال حتى أصبح ففرقه، قتل - رضي الله عنه - في سنة ست وثلاثين. [السير للذهبي (1/ 23 - 40)].

وجدنا حلاوة الدعاء

الله عنهم، فنهيته فأبى، فدعوت الله عليه؛ قلت: إن كنت كاذبًا فسود الله وجهك. فخرجت بوجهه قُرحة فاسود وجهه (¬1). * * * وجدنا حلاوة الدعاء عن داود بن أبي هند قال: لما أخذ الحجاج (¬2) سعيد بن جبير (¬3) قال: ما أراني إلا مقتولاً وسأخبركم: إني كنت أنا ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 242). (¬2) الحجاج بن يوسف الثقفي: أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين كهلاً، وكان ظلومًا جبارًا ناصبيًا خبيثًا سفَّاكًا للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن، قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير وحصاره لابن الزبير بالكعبة ورميه إياها بالمنجنيق وإذلاله لأهل الحرمين، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة، وحروب ابن الأشعث له وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله؛ فنسُبُّه ولا نحبه؛ بل نبغضه في الله؛ فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان له، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمرُه إلى الله - تعالى، مات سنة خمس وتسعين. [السير للذهبي 4/ 343]. (¬3) سعيد بن جبير بن هشام: الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد الأسدي الوالبي، مولاهم، عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه. وعن جعفر بن أبي المغيرة: كان ابن عباس - رضي الله عنهما - إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول: أليس فيكم ابن الدهماء؟! يعني سعيد بن جبير. عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير أنه كان لا يدع أحدًا يغتاب عنده، قتله الحجاج سنة خمس وتسعين. السير للذهبي. [4/ 321 - 343].

أنقذه الله - تعالى -

وصاحبان لي دعونا الله حين وجدنا حلاوة الدعاء، ثم سألنا الله الشهادة؛ فكلا صاحبيَّ رُزِقها وأنا انتظرها، قال: فكأنه رأى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء (¬1). * * * أنقذه الله - تعالى - عن عبد الملك بن عمير قال: كتب الوليد بن عبد الملك (¬2) إلى عثمان بن حبان المري: انظر إلى الحسن بن الحسن (¬3) فأجلده مائة جلدة وقفه للناس، ولا أراني إلا قاتله. قال: فبعث إليه فجيء به والخصوم بين يديه قال: فقام إليه علي بن الحسين فقال: يا أخي تكلم بكلمات الفرج يفرج الله عنك: «لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين». قال: فقالها فانفرجت فرجة من الخصوم فرآه فقال: ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي، 4/ 340. (¬2) الوليد بن عبد الملك الأموي: أنشأ جامع بني أمية وكان مترفًا ونهمته في البناء، أنشأ أيضًا مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزخرفه، كان يقول: لولا أن الله ذكر قوم لوط ما شعرت أن أحدًا يفعل ذلك. وكان فيه عسف وجبروت وقيام بأمر الخلافة، وقد فرض للفقهاء والأيتام والزَّمنى والضعفاء وضبط الأمور، وقد عزم على خلع سليمان من ولاية العهد لولده عبد العزيز فامتنع عليه عمر بن عبد العزيز وقال لسليمان: بيعة في أعناقنا. فأخذه الوليد وطين عليه ثم فتح عليه بعد ثلاث وقد مالت عنقه، مات سنة ست وتسعين. [السير للذهبي 4/ 347 - 348]. (¬3) مرت قصة مشابهة مع الحسن وعبد الملك بن مروان وترجم لهم هناك ص95.

تضرع وبكى

أرى وجه رجل قد قُرِفَتْ عليه كذبة خلوا سبيله، أنا كاتب إلى أمير المؤمنين بعذره؛ فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب (¬1). * * * تضرع وبكى ولي - موسى بن نصير - (¬2) غزو البحر لمعاوية - رضي الله عنه - فغزا قبرس وبنى هناك حصونًا، وقد استعمَلَ على أقصى المغرب مولاه طارقًا (¬3)، فبادر وافتتح الأندلس ولحقه موسى فتمم فتحها، وجرت له عجائب هائلة، وعمل مع الروم مصافًا مشهودًا، ولمَّا همَّ المسلمون بالهزيمة كشف موسى سرادقه عن بناته وحرمه ¬

_ (¬1) انظر: الفرج بعد الشدة للحافظ ابن أبي الدنيا، ص95. (¬2) موسى بن نصير: الأمير اللخمي متولي إقليم المغرب وفاتح الأندلس، ولما تمادى في سيره في الأندلس أتى أرضًا تميد بأهلها فقال عسكره: إلى أين تريد أن تذهب بنا! حسبنا ما بأيدينا. فقال: لو أطعتموني لوصلت إلى القسطنطينية. ثم رجع إلى المغرب وهو يجر الدنيا بين يديه، أمر بالعجل تجر أوقار الذهب والحرير، قال الفسوي: كان ذا حزم وتدبير، افتتح بلادًا كثيرة وولي إفريقية سنة تسع وسبعين. وقد حج موسى مع سليمان فمات بالمدينة. [السير للذهبي 4/ 496 - 500]. (¬3) طارق بن زياد: مولى موسى بن نصير، وكان أمير طنجة بأقصى المغرب، فبلغه اختلاف الفرنج واقتتالهم وكاتبه صاحب الجزيرة الخضراء ليمده على عدوه فبادر طارق وعدى في جنده وهزم الفرنج وافتتح قرطبة، وقتل صاحبها لذريق وكتب بالنصر إلى مولاه، فأمره أن لا يتجاوز مكانه وأسرع موسى بجيوشه فتلقاه طارق وقال: إنما أنا مولاك وهذا الفتح لك، وله فتوحات عظيمة جدًا بالمغرب. [السير للذهبي 4/ 500 - 502].

سقوا وأغيثوا

وبرز ورفع يديه بالدعاء والتضرع والبكاء، فكسرت بين يديه جفون السيوف وصدقوا اللقاء ونزل النصر وغنموا مالا يعبر عنه ... إلخ) (¬1). * * * سقوا وأغيثوا قال الذهبي: قيل: لما دخل موسى بن نصير إفريقية وجد غالب مدائنها خالية لاختلاف أيدي البربر، وكان القحط، فأمر الناس بالصلاة والصوم والصلاح، وبرز بهم إلى الصحراء ومعه سائر الحيوانات، ففرق بينها وبين أولادها، فوقع البكاء والضجيج، وبقي إلى الظهر ثم صلى وخطب فسقوا وأغيثوا (¬2). * * * اللهم أخف عليهم أمري قال المغيرة بن حكيم: قلت لفاطمة بنت عبد الملك (¬3): كنت ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي، (4/ 497). (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي، (4/ 498). (¬3) فاطمة بنت عبد الملك بن مروان: تزوجها ابن عمها عمر بن عبد العزيز، ثم خلف عليها سليمان بن داود بن مروان بن الحكم، توفيت في خلافة أخيها هشام فيما أرى. [تاريخ الإسلام للذهبي، حوادث ووفيات من سنة 101 - 120 ص442 - 443]، وفي [السير] ... ثم بعث إليه عبد الملك بن مروان - يعني عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - عند وفاة أبيه وخلطه بولده وقدمه على كثير منهم، وزوجه بابنته فاطمة التي قيل فيها: بنت الخليفة والخليفة جدها ... أخت الخلائف والخليفة زوجها [السير للذهبي 5/ 117].

أسمع عمر بن عبد العزيز (¬1) في مرضه يقول: اللهم أخف عليهم أمري ولو ساعة. قالت: قلت له: ألا أخرج عنك؛ فإنك لم تنم. فخرجت، فجعلت أسمعه يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]، مرارًا ثم أطرق، فلبث طويلاً لا يُسمع له حس، فقلت لوصيف: ويحك انظر. فلما دخل صاح فدخلت فوجدته ميتًا قد أقبل بوجهه على القبلة، ووضع إحدى يديه على فيه والأخرى على عينيه (¬2). * * * ¬

_ (¬1) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم: الإمام الحافظ العلامة الزاهد العابد أبو حفص القرشي الخليفة، أم بأنس بن مالك - رضي الله عنه - فقال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى. قال ابن سعد: أمه هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، عن أبي قبيل: أن عمر بن عبد العزيز بكى وهو غلام صغير، فأرسلت إليه أمه قالت: ما يبكيك؟ قال: ذكر الموت. قال: وكان يومئذ قد جمع القرآن، فبكت أمه حين بلغها ذلك ... ما زالوا به حتى سقوه السم، فحصلت له الشهادة والسعادة سنة إحدى ومئة، وله تسع وثلاثون سنة ونصف. [السير للذهبي 5/ 114 - 148]. (¬2) سير أعلام الذهبي (5/ 141).

أراد قتل رجل فقتل

أراد قتل رجل فقتل عن وضاح بن خيثمة قال: أمرني عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - بإخراج من في السجن فأخرجتهم إلا يزيد بن أبي مسلم (¬1) فنذر دمي؛ قال: فوالله إني لبإفريقية إذ قيل لي: قدم يزيد بن أبي مسلم فهربت منه فأرسل في طلبي فأخذت فأتي بي فقال لي: وضاح؟ قلت: وضاح. قال: أما والله لطالما سألت الله أن يمكنني منك. قلت: وأنا والله لطالما استعذت بالله من شرك. قال: فوالله ما أعاذك الله، والله لأقتلنك، لو سابقني ملك الموت لقبْض روحك لسبقته، علي بالسيف والنطع. قال: فجيء بالنطع فأقعدت فيه وكتفت، وقام قائم على رأسي بسيف مشهور، وأقيمت الصلاة، فخرج إلى الصلاة، فلما خر ساجدًا أخذته سيوف الجند فقتل، فجاءني رجل فقطع كتافي بسيفه ثم قال: انطلق (¬2). * * * ¬

_ (¬1) يزيد بن أبي مسلم أبو العلاء بن دينار الثقفي: أمير المغرب مولى الحجَّاج وكاتبه ومستشيره، استخلفه عند موته على أموال الخراج فضبط ذلك، وأقره الوليد، ثم ولي الخلافة سليمان فطلب أبو العلاء في غل، فنظر إليه سليمان فقال: لعن الله من ولَّاك. قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين؛ فإنك رأيتني والأمور مدبرة عني، فلو رأيتني في الإقبال لاستعظمت ما استحقرت. فقال: قاتله الله، ما أسد عقله. ثم أمره على إفريقية يزيد بن عبد الملك، فثارت عليه الخوارج، ففتكوا به لظلمه سنة اثنتين ومئة. [السير للذهبي 4/ 593 - 594]. (¬2) انظر: الفرج بعد الشدة للحافظ ابن أبي الدنيا، ص101 - 102.

صرعة تجعله نكالا

صرعة تجعله نكالاً عن أبي بكر الهذلي أن يزيد (¬1) قال: أدعوكم إلى سنة عمر بن عبد العزيز، فخطب الحسن وقال: اللهم اصرع يزيد بن المهلب صرعة تجعله نكالاً، يا عجبًا لفاسق، غير برهة من دهره ينتهك المحارم، يأكل معهم ما أكلوا ويقتل ما قتلوا، حتى إذا مُنع شيئًا قال: إني غضبان فاغضبوا. فنصب قصبًا عليها خرق فاتبعه رجرجة ورعاع يقول: أطلب بسنة عمر، إن من سنة عمر أن توضع رجلاه في القيد ثم يوضع حيث وضعه عمر. قال الذهبي: قتل عن تسع وأربعين سنة. ولقد قاتل قتالاً عظيمًا وتفللت جموعه، فما زال يحمل بنفسه في الألوف لا لجهاد؛ بل لشجاعة وحمية، حتى ذاق حمامه، نعوذ بالله من هذه القتلة الجاهلية (¬2). * * * ¬

_ (¬1) يزيد بن المهلَّب الأزدي: ولي البصرة لسليمان، ثم عزله عمر بن عبد العزيز وسجنه، وكان الحجاج قد عزله وعذَّبه، فسأله أن يخفِّف عنه الضرب على أن يعطيه كل يوم مائة ألف درهم، فقصده الأخطل ومدحه، فأعطاه مائة ألف، فعجب الحجاج من جودِه في تلك الحال وعفا عنه، وكان الحجاج مزوجًا بأخته، وكان ذا تيه وكبر، ثم إن يزيدًا لما استخلف يزيد بن عبد الملك غلب على البصرة فسار لحربه مسلمة، فالتقوا، فقتل يزيد سنة اثنتين ومئة. [السير للذهبي 4/ 503 - 506]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 506).

سيفرج عنه سريعا

سيفرج عنه سريعًا عن سلمة بن زياد قال: كان عمر بن هبيرة (¬1) واليًا على العراق، ولَّاه يزيد بن عبد الملك (¬2) فلما مات يزيد واستُخلف هشام (¬3) قال عمر بن هبيرة: يولي هشام العراق أحد الرجلين: سعيدًا الحرشي (¬4) أو خالد بن عبد الله القسري (¬5)، فإن ولَّى ابن ¬

_ (¬1) عمر بن هبيرة بن معاوية بن سكين: الأمير أبو المثنى الفزاري الشامي أمير العراقين ووالد أميرها يزيد، كان ينوب ليزيد بن عبد الملك فعزله هشام، وقد ولي غزو البحر نوبة قسطنطينية وجمعت له العراق، ثم عزل بخالد القسري فقيده، وألبسه عباءة وسجنه، فتحيلوا غلمانه ونقَّبوا سربًا أخرجوه منه، فهرب واستجار بالأمير مسلمة بن عبد الملك، فأجاره، ثم لم يلبث أن مات سنة سبع ومئة تقريبًا. [السير للذهبي 4/ 562]. (¬2) يزيد بن عبد الملك بن مروان: استخلف بعهد عقده له أخوه سليمان بعد عمر بن عبد العزيز، وأمه هي عاتكة بنت يزيد بن معاوية، ولد سنة إحدى وسبعين، قال ابن جابر: أقبل يزيد بن عبد الملك إلى مجلس مكحول فهممنا أن نوسع له فقال: دعوه يتعلم التواضع. مات سنة خمس ومئة [السير للذهبي 5/ 150 - 152]. (¬3) هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي: ولد بعد السبعين، اسُتخلف سنة خمس ومئة، إلى أن مات في ربيع الآخر وله أربعٌ وخمسون سنة، وكان حريصًا جماعًا للمال عاقلاً حازمًا سائسًا، فيه ظلم مع عدل، قال العيشي: قال هشام: ما بقي شيءٌ من لذات الدنيا إلا وقد نلته إلا شيئًا واحدًا: أخ أرفع مؤنة التحفظ منه. وعن حرملة: حدثنا الشافعي: قال: لما بنى هشام الرصافة بقنسرين أحب أن يخلو يومًا لا يأتيه فيه غم؛ فما تنصف النهار حتى أتته ريشة فيها دم من بعض الثغور فقال: ولا يوم واحد. [السير للذهبي 5/ 351 - 353]. (¬4) سعيد بن عمرو بن الأسود الحرشي: قيل: كان صعلوكًا يسأل على الأبواب ثم صار سقاءً ثم صار جنديًا إلى أن ولي إمرة خراسان من قبل عمر بن هبيرة ثم عزله وسجنه، فلما ولي خالد القسري العراق أخرجه من السجن وأكرمه، فلما هرب ابن هبيرة من سجن خالد بن عبد الله نفذ سعيدًا هذا في طلبه فلم يدركه، فقدم سعيد على هشام بن عبد الملك فأمره على حرب الخزر فسار وبيتهم فقتل منهم عدد لا يحصر، ولم يؤرخوا وفاته. [تاريخ الإسلام للذهبي، حوادث 121هـ - 140هـ ص115]. (¬5) خالد بن عبد الله القسري: أمير العراقين لهشام، وكان جوادًا عالي الرتبة من نبلاء الرجال، لكنه فيه نصب معروف، قال الأصمعي: أُخبرت أن القسري ذم زمزم وقال: يقال أن زمزم لا تنزح ولا تذم، بلى والله إنها تنزح وتذم، ولكن هذا أمير المؤمنين قد ساق لكم قناة بمكة. وعن عبد الرحمن بن محمد عن أبيه عن جده قال: شهدت خالدًا القسري في يوم أضحى يقول: ضحُّوا تقبل الله منكم؛ فإني مضح بالجعد بن درهم؛ زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليمًا، تعالى الله عما يقول الجعد علوًّا كبيرًا، ثم نزل فذبحه. قلت - والكلام للذهبي: هذه من حسناته؛ هي وقتله مغيرة الكذاب. قتل القسري سنة ست وعشرين ومئة. [السير للذهبي 5/ 425 - 432].

النصرانية خالدًا فهو البلاء، فولَّى هشام خالدًا العراق، فدخل العراق وقد أوذن عمر بن هبيرة بالصلاة، وقد اعتم والمرآة في يده يسوي عمته إذ قيل له: هذا خالد قد دخل. فقال عمر بن هبيرة: هكذا تقوم الساعة؛ تأتي بغتةً، فقدم خالد فأخذ عمر بن هبيرة فقيده وألبسه مدرعة من صوف، فقال لخالد: بئس ما سننت على أهل العراق؛ أما تخاف أن يؤذن فيك بمثل هذا. وعن بكر بن عياش قال: لما صنع خالد به ما صنع ذهب يتقلب وهو في الحديد، فتكشف، فكأنما ثمَّ صوفُه فقال: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]. قال من حضره: ما أخلقه، سيفرج عنه سريعًا. وقال سليمان بن زياد: فجاء موال لعمر بن هبيرة فاكتروا دارًا إلى جانب الحبس ثم نقبوا سربًا منها إلى الحبس واكتروا دارًا إلى جنب حائط

سور مدينة واسط، فلما كانت الليلة التي أراد أن يخرجوه فيها من الحبس أفضوا النقب إلى الحبس فخرج من الحبس في السرب، ثم خرج إلى الدار يمشي، حتى بلغ الدار التي إلى جانب حائط المدينة وقد نقب فيها، ثم خرج في السرب منها حتى خرج من المدينة، وقد هيئت له خيل خلف حائط المدينة فركب وعلم به بعدما أصبحوا، وقد كان أظهر علةً قبل ذلك لكي يمسكوا عن تفقده كل وقت، فأتبعه خالد سعيدًا الحرشي فلحقه وبينه وبينه الفرات، فتعصب له وتركه، وقال الفرزدق: ولما رأيتَ الأرض قد سُدَّ ظهرُها ... ولم يك إلا بطنها لك مخرجًا دعوتَ الذي ناداه يونس بعدما ... ثوى في ثلاث مظلمات ففرجا خرجتَ فلم يمنن عليك شفاعة ... سوى ربك البر اللطيف المفرِّجا وأصبحت تحت الأرض قد سرت ليلة ... وما سار سارٍ مثلها حين أدلجا وعن خازم مولى عمر بن أبي هبيرة قال: كنت مع عمر بن هبيرة حيث هرب من السجن فبلغنا دمشق بعد عتمة، فأتى مسلمة بن عبد الملك (¬1)، فأجاره وأنزله معه في بيته، وصلى مسلمة بن ¬

_ (¬1) مسلمة بن عبد الملك بن مروان الأموي: الأمير الضرغام قائد الجيوش، يلقب بالجرادة الصفراء، له مواقف مشهودة مع الروم وهو الذي غزا القسطنطينية، وكان ميمون النقيبة، وقد ولي العراق لأخيه يزيد ثم أرمينية، قلت - والكلام للذهبي: كان أولى بالخلافة من إخوته. [السير للذهبي 5/ 241 - 242].

قضى دين والده فرزقه الله - تعالى -

عبد الملك خلف هشام بن عبد الملك الصبح فاستأذن عليه مسلمة فدخل عليه، فلما رآه قال: يا أبا سعيد ما أظن ابن هبيرة إلا وقد طرقك هذه الليلة. قال: أجل يا أمير المؤمنين، وقد أجرته فهبه لي. قال: قد وهبته لك (¬1). * * * قضى دين والده فرزقه الله - تعالى - عن عبد الله بن محمد بن سيرين قال: لما ضمنت على أبي (¬2) دينه قال لي: بالوفاء؟ قلت: بالوفاء. فدعا لي بخير، فقضى عبد الله عنه ثلاثين ألف درهم، فما مات عبد الله حتى قوَّمنا ماله ثلاث مائة ألف درهم أو نحوها. (¬3)، قال المدائني: كان سبب حبسه أنه أخذ زيتًا بأربعين ألف درهم، فوجد في زق منه فأرة فظن أنها وقعت في المعصرة وصبَّ الزيت كله، وكان يقول: إني ابتليت بذنب أذنبتُه ¬

_ (¬1) انظر: الفرج بعد الشدة للحافظ ابن أبي الدنيا، ص118 - 122. (¬2) محمد بن سيرين الأنصاري: الإمام مولى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال أشعث: كان ابن سيرين إذا سئل عن الحلال والحرام تغيَّر لونه حتى تقول: كأنه ليس بالذي كان. وعن عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار أن السجَّان قال لابن سيرين: إذا كان الليل فاذهب إلى أهلك، فإذا أصبحت فتعال. قال: لا، والله لا أكون لك عونًا على خيانة السلطان. عن ابن عون أن محمدًا كان إذا كان عند أمه لو رآه رجل لا يعرفه ظن أن به مرضًا من خفض كلامه عندها، مات سنة عشر ومئة. [السير للذهبي 4/ 606 - 622]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي 40/ 621.

منذ ثلاثين سنة. قال: فكانوا يظنون أنه عيَّر رجلا بفقر. (¬1)، قال أبو سليمان الداراني (¬2): وبلغه هذا فقال: قلَّت ذنوب القوم فعرفوا من أين أُتوا، وكثرت ذنوبنا فلم ندر من أين نؤتى (¬3). وقال محمد بن سعد (¬4): سألت الأنصاري عن سبب الدَّين الذي ركب محمد بن سيرين حتى حبس، قال: اشترى طعامًا بأربعين ألف، فأخبر عن أصل الطعام بشيء فكرهه أو تصدق به فحبس على المال، حبسته امرأة، وكان الذي حبسه مالك بن المنذر (¬5). * * * ¬

_ (¬1) المرجع السابق، ص613. (¬2) عبد الرحمن بن أحمد أبو سليمان الداراني: الإمام زاهد العصر، ولد في حدود الأربعين ومئة، قال: لكل شيء علم وعلم الخذلان ترك البكاء، ولكل شيء صدأ وصدأ القلب الشبع، قال أحمد بن أبي الحواري: وسمعته يقول: لولا الليل لما أحببت البقاء في الدنيا، ولربما رأيت القلب يضحك ضحكًا. وعنه: الفتوة أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك. مات سنة خمس ومئتين. [السير للذهبي 10/ 182 - 186]. (¬3) المرجع السابق، ص616. (¬4) محمد بن سعد بن منيع البغدادي: الحافظ العلامة الحجة، كاتب الواقدي ومصنف (الطبقات الكبرى) في بضعة عشر مجلدًا، ولد بعد الستين والمئة، وطلب العلم في صباه، ولحق الكبار، وكان من أوعية العلم، ومن نظر في (الطبقات) خضع لعلمه، توفي سنة ثلاثين ومئتين، قال: وكان كثير العلم كثير الحديث والرواية كثير الكتب؛ كتب الحديث والفقه والغريب. [السير للذهبي 10/ 664 - 667]. (¬5) المرجع السابق.

ضرب العالم فقطعت يده

ضرب العالم فقطعت يده عن مالك بن دينار (¬1) أنه حُمَّ، ثم وجد خفَّة، فخرج لبعض حاجته، فمر بعض أصحاب الشرط وبين يديه قوم يطوفون، فأعجلوني فاعترضت في الطريق، فلحقني إنسان من أعوانه فقنعني أسواطًا كانت أشد علي من تلك الحمى، فقلت: (قطع الله يدك). فلما كان من الغد غدوتُ إلى الجسر في حاجة لي، فتلقَّوني به مقطوعة يده معلقة في عنقه (¬2). * * * أسألك العفو والعافية عن توبة العنبري (¬3) قال: عملت ليوسف بن عمر (¬4) قال: ¬

_ (¬1) مالك بن دينار: علم العلماء الأبرار، معدود في ثقات التابعين، ومن أعيان كتبة المصاحف، كان من ذلك بُلْغته، ولد في أيام ابن عباس - رضي الله عنهما، وعنه قال: من تباعد من زهرة الدنيا فذاك الغالب هواه، وعن الأصمعي عن أبيه قال: مرَّ المهلب على مالك بن دينار متبخترًا فقال: أما علمت أنها مشية يبغضها الله إلا بين الصفين. قال المهلب: أما تعرفني؟ قال: بلى؛ أولُك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة فانكسر. وقال: الآن عرفتني حق المعرفة ... توفي سنة سبع وعشرين ومئة. [السير للذهبي 5/ 362 - 364]. (¬2) انظر: كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا، ص60 - 61. (¬3) توبة العنبري: مولاهم البصري، أصله من سجستان، قال محمد بن سعد: ولاه يوسف بن عمر نيسابور ثم ولَّاه الأهواز، وكان صاحب بداوة فمات بصنع وهو على يومين من البصرة، مات في سنة إحدى وثلاثين ومائة. [تاريخ الإسلام للذهبي حوادث ووفيات 121هـ - 140هـ ص389]. (¬4) يوسف بن عمر الثقفي: ولي اليمن لهشام، ثم نقله إلى إمرة العراقين فأقره الوليد بن يزيد وأضاف إليه إمرة خراسان، وكان مهيبًا جبارًا ظلومًا، روينا أنه ضرب وهب بن منبه في إمارته على اليمن حتى هلك تحت الضرب. قال ابن جرير: أرسل يزيد بن خالد القسري مولى لأبيه يكنى أبا الأسد في عدة من أصحابه، فدخل السجن، فأخرج يوسف بن عمر فضرب عنقه؛ وذلك في سنة سبع وعشرين ومائة. [تاريخ الإسلام للذهبي حوادث ووفيات 121 هـ - 140هـ ص315 - 318].

في حفظ الله - تعالى -

فحبسني حتى لم يبق في رأسي شعرة سوداء قال: فرأيت في المنام رجلاً حسن الوجه أبيض الثوب فقال: يا توبة، لقد طال حبسك. قال: قلت: أجل. قال: قل: «اللهم أسألك العفو والعافية، والمعافاة في الدنيا والآخرة». ثلاث مرات، فانتبهت فكتبتها، ثم قمت فتوضأت وصليت، فما زلت أقولها حتى السَّحر، فإذا رسل يوسف قد أخرجوني إليه في قيودي، قال: أتحب أن أخلِّيك؟ قلت: نعم. فأطلق قيودي وخلاني (¬1). * * * في حفظ الله - تعالى - عن الفضل بن الربيع (¬2) قال: حدثني أبي (¬3) قال: حج أبو ¬

_ (¬1) انظر: المستغيثون بالله - تعالى - للحافظ ابن بشكوال، ص40 - 41. (¬2) الفضل بن الربيع بن يونس: حاجب الرشيد، ولما نكب البرامكة ولي وزارة الرشيد وعظم محله ومدحته الشعراء، قام بخلافة الأمين ... جاءه بذلك من طوس وصار هو الكل لاشتغال الأمين باللعب، فلما أدبرت دولة الأمين اختفى الفضل مدة طويلة ثم ظهر إذ بويع إبراهيم بن المهدي، فساس نفسه ولم يقم معه، ولذلك عفا عنه المأمون. مات سنة ثمان ومئتين. [السير للذهبي، 10/ 109 - 110]. (¬3) الربيع بن يونس الأموي: الحاجب، من موالي عثمان - رضي الله عنه، حجب للمنصور ثم وزر له بعد أبي أيوب المورياني، وكان من نبلاء الرجال وألبَّائهم وفضلائهم، قال له المنصور: ما أطيب الدنيا لولا الموت. قال: ما طابت إلا بالموت. قال: وكيف؟ قال: لولا الموت لم تقعد هذا المقعد. توفي سنة تسع وستين ومئة. [السير للذهبي: 7/ 335 - 336].

جعفر (¬1) سنة سبع وأربعين ومائة، فقدم المدينة فقال: ابعث إلى جعفر بن محمد (¬2) من يأتيني به تعبًا، قتلني الله إن لم أقتله. فأمسكت عنه رجا أن ينساه، فأغلظ لي في الثانية فقلت: جعفر بن محمد بالباب يا أمير المؤمنين. قال: ائذن له. فأذنت له، فدخل فقال: السلام عليكم يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال: لا سلَّم الله عليك يا عدو الله؛ تلحد في سلطاني وتبغيني الغوائل في ملكي، قتلني الله إن لم أقتلك. قال جعفر: يا أمير المؤمنين، إن سليمان أُعطي فشكر وإن ¬

_ (¬1) عبد الله بن محمد العباسي: ضرب في الآفاق وطلب العلم، وكان فحل بني العباس هيبة وشجاعة ورأيًا وحزمًا ودهاء وجبروتًا، وكان جمَّاعًا للمال حريصًا تاركًا للهو واللعب، كامل العقل بعيد الغور حسن المشاركة في الفقه، ولكنه يرجع إلى صحة إسلام وتديُّن في الجملة وتصوُّن وصلاة وخير مع فصاحة وبلاغة، وكان يبذل الأموال في الكوائن المخوفة، مات ببئر ميمون قبل أن يدخل مكة سنة ثمان وخمسين ومئة. [السير للذهبي 7/ 83 - 89]. (¬2) الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب: أحد الأعلام، وأمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، ولهذا كان يقول: ولدني أبو بكر الصديق مرتين، ولد سنة ثمانين، وكان يغضب من الرافضة ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر رضي الله عنه ظاهرًا وباطنًا، هذا لا ريب فيه، ولكن الرافضة قوم جهلة قد هوى بهم الهوى في الهاوية؛ فبعدًا لهم، قال - رحمه الله تعالى: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر. وعنه قال: إياكم والخصومة في الدَّين؛ فإنها تشغل القلب وتورث النفاق. مات في سنة ثمان وأربعين ومئة. [السير للذهبي 6/ 255 - 270].

أيوب ابتُلي فصبر وإن يوسف ظُلم فغفر ... فنكس رأسه طويلاً ثم رفع رأسه فقال: إليَّ وعندي يا أبا عبد الله البريء الساحة السليم الناحية القليل الغائلة، جزاك الله من ذي رحم أفضل ما يجزي ذوي الأرحام عن أرحامهم. ثم تناول يده فأجلسه معه على مفرشة ثم قال: يا غلام عليَّ بالمنفحة - والمنفحة مدهن كبير فيه غالية - فأتي به فغلفه بيده حتى خلت لحيته قاطرة، ثم قال له: في حفظ الله وكلاءته يا ربيع، ألحق أبا عبد الله جائزته وكسوته، فانصرف فلحقته فقلت: إني قد رأيت قبل ذلك ما لم تر، ورأيت بعد ذلك ما قد رأيت؛ رأيتك تحرك شفتيك، فما الذي قلت؟ قال: نعم، إنك رجل منا أهل البيت ولك محبة وود. قلت: «اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، واغفر لي بقدرتك عليَّ، ولا أهلك وأنت رجائي، ربِّ كم من نعمة أنعمت بها عليّ قلَّ لك عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني بها قلَّ لك عندها صبري، فيا من قل عند نعمه شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على الخطايا فلم يفضحني، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدًا، ويا ذا النعم التي لا تُحصى أبدًا، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد، وبك أدرأ في نحره وأعوذ بك من شره، اللهم أعني على ديني بدنياي وعلى آخرتي بتقواي واحفظني ... ولا تكلني إلى نفسي فيما حضرته يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة، اغفر لي ما لا يضرك وأعطني ما لا ينقصك، إنك أنت الوهاب، أسألك فرجًا قريبًا وصبرًا جميلاً ورزقًا واسعًا والعافية

قد كشف الله - تعالى - عني ما أجد

من جميع البلاء وشكر العافية» (¬1). * * * قد كشف الله - تعالى - عني ما أجد قال مطرف بن مصعب: دخلت على المنصور فرأيته مغمومًا حزينًا قد امتنع من الكلام لفقد بعض أحبته، فقال لي: يا مطرف، ركبني من الهم ما لا يكشفه إلا الله الذي ابتلاني به؛ فهل من دعاء أدعو الله به عساه يكشف عني؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، حدثني محمد بن ثابت عن عمرو بن ثابت البصري قال: دَخَلَتْ في أُذن رجل من أهل البصرة بعوضة حتى وصلت إلى صماخيه فأنصبته وأسهرت ليله ونهاره، فقال رجل من أصحاب السجن: ادعُ بدعاء العلاء بن الحضرمي صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي دعا به في المفازة وفي البحر وخلَّصه الله - سبحانه. قال: وما هو - يرحمك الله؟ قلت: بعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين فسلكوا مفازةً وعطشوا عطشًا شديدًا حتى خشوا الهلاك، فنزل فصلى ركعتين ثم قال: يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم اسقنا. قال: فإذا نحن بسحابة كأنها جناح طائر قعقعت علينا ومطرنا، حتى ملأنا كل إناء وسقاء، ثم انطلقنا حتى أتينا على خليج من ¬

_ (¬1) انظر: الفرج بعد الشدة للحافظ ابن أبي الدنيا ص99 - 101 وسير أعلام النبلاء للذهبي 6/ 266 - 268.

دعا له بالبركة

البحر ما خيض قبل ذلك اليوم ولا خيض بعده، فلم نجد سفنًا فصلى ركعتين ثم قال: يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم أجزنا. ثم أخذ بعنان فرسه ثم قال: جوزوا باسم الله. قال أبو هريرة: فمشينا على الماء، والله ما بللنا قدمًا ولا خفًّا ولا حافرًا، وكان الجيش أربعة آلاف فارس، قال: فدعا الرجل بها فما برحنا حتى خرجت من أذنه لها طنين حتى صكت الحائط وبرئ. قال: فاستقبل المنصور القبلة ودعا بهذا الدعاء ساعةً ثم انصرف بوجهه إليَّ، وقال: يا مطرف قد كشف الله عني ما كنت أجد من الهمَّ. ودعا بالطعام فأجلسني فأكلت معه (¬1). * * * دعا له بالبركة عن إسماعيل يقول: أنبأنا إسماعيل بن حماد (¬2) بن أبي حنيفة النعمان (¬3) بن ثابت بن المرزبان من أبناء فارس الأحرار، والله ما ¬

_ (¬1) انظر: الدعاء المأثور وآدابه للإمام أبي بكر الطرطوشي ص، 41 - 42. (¬2) حماد بن أبي حنيفة الفقيه: كان ذا علم ودين وصلاح وورع تام؛ لما توفي والده كان عنده ودائع كثيرة وأهلها غائبون، فنقلها حماد إلى الحاكم ليستلمها، فقال: بل دعها عندك، فإنك أهل. فقال: زنها واقبضها حتى تبرأ منها ذمة الوالد ثم افعل ما ترى. ففعل القاضي ذلك وبقي في وزنها وحسابها أيامًا، واستتر حماد فما ظهر حتى أودعها القاضي عند أمين، توفي سنة ست وسبعين ومئة كهلاً. [السِّير للذهبي 6/ 406]. (¬3) أبو حنيفة النعمان الكوفي: مولى بني تيم الله بن ثعلبة الإمام فقيه الملة عالم العراق، ولد سنة ثمانين وعني بطلب الآثار وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه فإليه المنتهى، والناس عليه عيال في ذلك؛ عن أسد بن عمرو أن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة، وروى نوح الجامع من غير وجه أن الإمام أبا حنيفة ضُرب غير مرة على أن يلي القضاء فلم يجب. قلت - والكلام للذهبي: الإمامة في الفقه ودقائقه مسلَّمة إلى هذا الإمام. وهذا أمر لا شك فيه، وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل، توفي شهيدًا مسقيًا في سنة خمسين ومئة. [السير للذهبي 6/ 390 - 403].

اللهم لك الحمد

وقعت علينا رق قط؛ ولد جدي في سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى علي وهو صغير فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته، ونحن نرجو من الله أن يكون استجاب ذلك لعليٍّ - رضي الله عنه (¬1). * * * اللهم لك الحمد قال عبد الصمد بن يزيد مردويه: حدثنا ابن عيينة (¬2) أن عبد العزيز بن أبي رواد (¬3) قال الأخ له: أقرضنا خمسة آلاف درهم إلى ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي، 6/ 395. (¬2) سفيان بن عيينة: مولى محمد بن مزاحم الإمام الهلالي حافظ العصر، مولده بالكوفة سنة سبع ومئة، طلب الحديث وهو حدث؛ بل غلام، ولقي الكبار وحمل عنهم علمًا جمًّا، وأتقن وجوَّد وجمع وصنَّف وعمَّر دهرًا، وازدحم الخلق عليه، وانتهى إليه علوُّ الإسناد، ورُحِل إليه من البلاد، وألحق الأحفاد بالأجداد، قال مجاهد بن موسى: سمعت ابن عيينة يقول: ما كتب شيئًا إلا حفظته قبل أن أكتبه. ومن كلامه رحمه الله: العلم إذا لم ينفعك ضرك. عاش إحدى وتسعين سنة. [السير للذهبي 8/ 454 - 475]. (¬3) عبد العزيز بن أبي رواد: اسم أبيه ميمون، وقيل: أيمن بن بدر مولى الأمير المهلب بن أبي صفرة الأزدي المكي، قال ابن المبارك: كان من أعبد الناس. وقال يوسف بن أسباط: ... فبينا هو يطوف حول الكعبة إذ طعنه المنصور بأصبعه، فالتفت فقال: قد علمت أنها طعنة جبار. وقال أبو عبد الرحمن المقرئ: ما رأيت أحدًا قطُّ أصبر على طول القيام من عبد العزيز بن أبي رواد. توفِّي سنة تسع وخمسين ومئة. [السير للذهبي 7/ 184 - 187].

الموسم. فسُرَّ التاجرُ وحملها إليه، فلما جنَّه الليل قال: ما صنعت بابن أبي رواد؟ شيخ كبير وأنا كبير، ما أدري ما يحدث لنا، فلا يعرف له ولدي ما أعرف له، لئن أصبحت لآتيته فأشاوره وأجعله منها في حل، فلما أصبح أتاه فأخبره فقال: اللهم أعطه أفضل ما نوى. ودعا له وقال: إن كنت إنما تشاورني، فإنما استقرضناه على الله، فكلما اغتممنا به كفر الله به عنا، فإذا جعلتنا في حل كأنه يسقط. وكره التاجر أن يخالفه؛ فما أتى الموسم حتى مات التاجر، فأتى أولاده فقالوا: مال أبينا يا أبا عبد الرحمن. فقال لهم: لم يتهيأ؛ ولكن الميعاد بيننا الموسم الآتي. فقاموا من عنده، فلما كان الموسم الآتي لم يتهيأ المال فقالوا: إيش أهون عليك من الخشوع وتذهب بأموال الناس. فرفع رأسه فقال: رحم الله أباكم؛ قد كان خاف هذا وشبهه، ولكن الأجل بيننا وبينكم الموسم الآتي، وإلا فأنتم في حل مما قلتم. فبينا هو ذات يوم خلف المقام إذ ورد عليه غلام كان قد هرب له إلى الهند بعشرة آلاف درهم، فأخبره أنه اتَّجر وأن معه من التجارة ما لا يُحصى، قال سفيان: فسمعته يقول: لك الحمد، سألناك خمسة آلاف، فبعثت إلينا عشرة آلاف يا عبد المجيد، احمل العشرة آلاف إليهم؛ خمسة لهم وخمسة للإخاء الذي بيننا وبين

علم ورزق

أبيهم. فقال العبد: من يقبض ما معي؟ فقال: يا بني أنت حرٌّ لوجه الله، وما معك فلك (¬1). * * * علم ورزق ذهب إبراهيم بن أدهم (¬2) زائرًا إلى والد الحسن الفزاري، وكان الحسن صغيرًا، قال: فقرع الباب فقال لي أبي: انظر من هذا. فخرجت فإذا رجل آدم عليه عباءةٌ ففزعتُ منه، فدخلت فقلت: يا أبتاه، رجل ما أعرفه. فخرج إليه أبي فلما رآه اعتنقه ثم دخلا، فأخذ يحدِّثه، ووقفت أنا بين أيديهما، فقال له أبي: يا أبي إسحاق، إن ابني هذا بليد في التعلم، فادع الله أن يحبِّب إليه العلم وأن يرزقه حلالاً. فأقعدني في حجره ومسح برأسي ثم قال: اللهم علمه كتابك وارزقه حلالاً. قال: فعلمني الله - تعالى - كتابه ورُزقت حلالاً (¬3). * * * ¬

_ (¬1) تاريخ الإسلام: حوادث ووفيات 141 - 160هـ، ص503 - 504 وسير أعلام النبلاء للذهبي، 7/ 185 - 186. (¬2) إبراهيم بن أدهم بن منصور أبو إسحاق العجلي مولده في حدود المئة. توفي سنة اثنتين وستين ومئة. [السير للذهبي 7/ 387 - 393]. (¬3) انظر: حلية الأولياء لأبي نعيم ج8/ 8 بتصرف يسير.

عجز عنه الأطباء

عجز عنه الأطباء عن العطاف بن خالد (¬1) أن رجلاً اشتكى شكوى شديدةً وأعيا الأطباء، فأتى يومًا إلى سعيد بن المسيب فقال: يا أبا محمد، إني اشتكيت شكوى طالت بي وقد أعيت الأطباء، فادع الله - تعالى - أن يكشف عني. فقام سعيد وتوضأ ثم صلى ركعتين ودعا الله - عز وجل - له، فما لبث أن برأ وصحَّ، والحمد لله كثيرًا (¬2). * * * رجع إلى حاله قال لهيعة بن عيسى: كان المفضَّل (¬3) دعا الله أن يُذْهِبَ عنه الأمل، فأذهبه عنه، فكاد أن يختلس عقلُه ولم يهنأه عيش، فدعا الله ¬

_ (¬1) العطاف بن خالد بن عبد الله بن العاص بن وابصة بن خالد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: الإمام أحد المشايخ الثقات سمعه يحيى بن بكير يقول: أنا أسنُ من مالك ولدت سنة إحدى وتسعين قلت - والكلام للذهبي: موته قريب من مالك. [السير للذهبي 8/ 273 - 274]. (¬2) انظر: المستغيثون بالله تعالى لابن بشكوال، ص74 بتصرف يسير. (¬3) المفضل بن فضالة بن عبيد: الإمام العلامة الحجة القتباني المصري، قاضي مصر، ذكره ابن يونس في تاريخه فقال: كان من أهل الدين والورع والفضل. قال عيسى بن زغبة: كان المفضل قاضيًا علينا، وكان مجاب الدعوة، وكان مع ضعف بدنه يطيل القيام. قال ابن معين: كان مصريًّا، رجل صدق، إذا جاءه مَنْ كُسِرَت يدُه أو رجلُه جبرها، وكان يعمل الأريحية، توفي سنة إحدى وثمانين ومئة. [السير للذهبي (8/ 171 - 172)].

رد الله - تعالى - عليه بصره

أن يردَّ إليه الأمل فردَّه فرجع إلى حاله (¬1). * * * ردَّ الله - تعالى - عليه بصره قال العباس بن مصعب: حدثني بعض أصحابنا قال: سمعت أبا وهب يقول: مر ابن المبارك (¬2) برجل أعمى فقال له: أسألك أن تدعو لي أن يرد عليَّ بصري. فدعا الله فردَّ عليه بصره، وأنا أنظر (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (8/ 172). (¬2) عبد الله بن المبارك: الإمام عالم زمانه وأمير الأتقياء في وقته الحنظلني، مولاهم التركي ثم المروزي، الحافظ الغازي أحد الأعلام، مولده في سنة ثمان عشرة ومئة. قال يحيى بن آدم: كنت إذا طلبت دقيق المسائل فلم أجده في كتب ابن المبارك أيست منه. وقال أبي: أخبرني خادمه أنه عمل آخر سفرة سافرها دعوة، فقدم إلى الناس خمسة وعشرين خوانًا من فالوذج، وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم، قال الحسن بن عيسى بن ماسرجس مولى ابن المبارك: اجتمع جماعة مثل الفضل بن موسى ومخلد بن الحسين فقالوا: تعالوا نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير. فقالوا: العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والزهد والفصاحة والشعر وقيام الليل والعبادة والحج والغزو والشجاعة والفروسية والقوة وترك الكلام فيما لا يعنيه والإنصاف وقلة الخلاف على أصحابه، مات سنة إحدى وثمانين ومئة. [السير للذهبي (8/ 378 - 421)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي (8/ 395).

الليلة الليلة

الليلة الليلة قال فضيل بن عياض (¬1): قال إبراهيم التيمي: إن حبسني - يعني الحجاج - فهو أهون عليَّ؛ ولكن أخاف أن يبتليني فلا أدري على ما أكون عليه. قال فضيل: يخاف الفتنة. قال إبراهيم: فحبسني فدخلت على اثنين في قيد واحد في مكان ضيق لا يجد الرجل إلا موضع مجلسه، فيه يأكلون وفيه يتغوطون وفيه يصلون، قال: فجيء برجل من أهل البحرين فأدخل علينا فلم يجد مكانًا فجعلوا يترامون به فقال: اصبروا؛ فإنما هي الليلة. فلما كان الليل قام يصلي فقال: يا ربّ، مننت عليَّ بدينك وعلمتني كتابك ثم سلطتَ عليَّ شرَّ خلقك، يا رب، الليلة الليلة لا أصبح فيه. فما أصبحنا حتى ضرب البواب السجن فقال: أين البحراني؟ فقلنا: ما دعا به الساعة إلا ليقتل. فخلى سبيله، فجاء فقام على الباب فسلَّم علينا وقال: أطيعوا الله لا يعصكم (¬2). * * * ¬

_ (¬1) الفضيل بن عياض التميمي الخراساني: الإمام الثَّبت، روى عنه سفيان الثوري أجلُّ شيوخه وبينهما في الموت مائة وأربعون عامًا. قال الرشيد: ما رأيت في العلماء أهيب من مالك ولا أورع من الفضيل. وقال فيض بن إسحاق: قال الفضيل: والله ما يحل لك أن تؤذي كلبًا أو خنزيرًا بغير حق فكيف تؤذي مسلمًا. قال عبد الصمد بن يزيد: سمعت الفضيل يقول: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في إمام؛ فصلاح الإمام صلاح البلاد والعباد. وعنه قال: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم كبَّلَتْك خطيئتُك. وهو من أقران سفيان بن عيينة في المولد، ولكنه مات قبله بسنوات. [السير للذهبي، 8/ 421 - 442]. (¬2) انظر: الفرج بعد الشدة للحافظ ابن أبي الدنيا، ص83 - 84 بتصرف يسير.

فأعطني ذلك

فأعطني ذلك قال أحمد بن فضيل العكي: غزا أبو معاوية الأسود (¬1) فحضر المسلمون حصنًا فيه علج لا يرمي بحجر ولا نشاب إلا أصاب، فشكوا إلى أبي معاوية فقرأ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}. [الأنفال: 17]، الستروني منه، فلما وقف قال: أين تريدون بإذن الله؟ قالوا: المذاكير. قال: أي رب قد سمعت ما سألوني فأعطني ذلك: بسم الله. ثم رمى المذاكير فوقع (¬2). * * * صلى ركعتين فكفاه الله - تعالى - عن الفضل بن الربيع حاجب هارون الرشيد قال: دخلت على الرشيد (¬3) أمير المؤمنين فإذا بين يديه صيارة سيوف وأنواع من ¬

_ (¬1) أبو معاوية الأسود: صحب سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم وغيرهما، قال أبو داود: لما مات علي بن الفضيل حج أبو معاوية الأسود من طرسوس ليعزي الفضيل. ومن كلامه: من كانت الدنيا همه طال غمه، ومن خاف ما بين يديه ضاق به ذرعه [السير للذهبي (9/ 78 - 79)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي، (9/ 79). (¬3) هارون الرشيد بن المهدي محمد العباسي: مولده في سنة ثمان وأربعين ومئة، وكان من أنبل الخلفاء وأحشم الملوك ذا حج وغزو وشجاعة ورأي، قيل: إنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدَّق بألف، وكان يحب العلماء ويعظِّم حرمات الدين ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه؛ لا سيما إذا وُعظ، وعظه الفضيل مرة حتى شهق في بكائه، ولما بلغه موت ابن المبارك حزن عليه وجلس للعزاء فعزاه الأكابر، مات غازيًا بخراسان وقبره بمدينة طوس، توفي سنة ثلاث وتسعين ومئة. [السير للذهبي (9/ 286 - 294)].

ترك صديقة ودعا الله - تعالى -

العذاب، فقال لي: يا فضيل. قلت: لبيك يا أمير المؤمنين قال لي: عليَّ بهذا الحجازي ... فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب الرجل فأتيته فقلت: أجب أمير المؤمنين. فقال: أصلي ركعتين؟ فصلى ثم ركب بغلة كانت له فصرنا معًا إلى دار الرشيد، فلما دخلنا الدهليز الأول حرك شفتيه، فلما دخل الدهليز الثاني حرك شفتيه، فلما وصلنا الرشيد قام إليه أمير المؤمنين كالمستريب له فأجلسه موضعه وقعد بين يديه يعتذر إليه، وخاصةُ أمير المؤمنين قيام ينظرون إلى ما أعده له من أنواع العذاب وإذا هو جالس بين يديه، فتحدثوا طويلاً ثم أذن له بالانصراف، فقال لي: يا فضل، احمل بين يديه بدرة - وعاء الدراهم - فحملت، ثم سأله الفضل عن ذلك فذكر له الدعاء (¬1). * * * ترك صديقة ودعا الله - تعالى - عن شقيق البلخي (¬2) قال: كنت في بيتي قاعدًا فقال لي أهلي: ¬

_ (¬1) انظر: حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم (9/ 79) بتصرف. (¬2) شقيق بن إبراهيم الأزدي البلخي: شيخ خراسان، عن حاتم الأصم قال: كنا مع شقيق ونحن مصافو العدو الترك في يوم لا أرى إلا رؤوسا تندر وسيوفًا تقطع ورماحًا تقصف، فقال لي: كيف ترى نفسك هي مثل ليلة عرسك؟ قلت: لا والله. قال: لكني أرى نفسي كذلك. ثم نام بين الصفين على درقته حتى غط فأخذني تركي فأضجعني للذبح، فبينما هو يطلب السكين من خفه إذ جاءه سهم عائر ذبحه، قتل شقيق - رحمه الله - في غزاة كولان سنة أربع وتسعين ومئة. [السير للذهبي (9/ 313 - 316)].

يا أبا علي قد ترى ما بهؤلاء الأطفال من الجوع، ولا يحل لك أن تحمل عليهم ما لا طاقة لهم به. قال شقيق: فأسبغت الوضوء، وكان لي صديق لا يزال يقسم عليَّ بالله - تعالى - إن تكون لي حاجة أن أعلمه بها ولا أكتمها عنه، فخطر ذكره ببالي، فلما خرجت من المنزل مررت بالمسجد فذكرت ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي (من عرضت له حاجة إلى مخلوق، فليبدأ بالله - عز وجل) قال: فدخلت المسجد وصليت فيه ركعتين، ثم نمت فرأيت في منامي أنه قيل: يا شقيق، تدلُّ العباد على الله - تعالى - ثم تنساه. قال: فاستيقظت وعلمت أن ذلك تنبيه نبهني ربي به، فلم أخرج من المسجد حتى صليت العشاء الآخرة ثم تركت الذهاب لصاحبي، وتوكلت على الله - تعالى - وانصرفت إلى المنزل فوجدت الذي أردت أن أقصده في الحاجة قد حركه المولى الكريم عالم الخفيات وكاشف الكربات، الله تعالى، وأجرى لأهلي على يديه ما أغناهم وكفاهم، والحمد لله كثيرًا كما هو أهله. قال الذهبي - رحمه الله تعالى: (من التفرغ للعبادة السعي في السبب؛ ولا سيما لمن له عيال؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن أفضل ما أكل الرجل من كسب يمينه». أما من يعجز عن السبب لضعف أو لقلة

دعاء بعد العطش

حيلة فقد جعل الله - تعالى - له حظًا في الزكاة (¬1). * * * دعاء بعد العطش عن السري بن يحيى قال: بلغنا أن ملكًا من الملوك الأعاجم أقبل في جيش فلقي عصابة من المسلمين، فلما رأوه اعتصموا بربوة فصعدوا فوقها فقال ذلك الملك: ما أحد ولا شيء أشد عليهم من أن نحيط بهم ثم ننزلهم مكانهم حتى يموتوا من العطش، فأحاطوا بهم فأصابهم حر شديد وعطش، فاستقوا الله - عز وجل، فأقبلت سحابة، فجعل الرجل يحمل برنسه يتلقى به الماء حتى يمتلئ ثم يشرب حتى يروى، فقال ذلك الملك: ارتحلوا فوالله لا أقتل قومًا سقاهم الله من السماء وأنا أنظر (¬2). * * * دعا عليه فعمي قال أحمد بن عبد الرحمن: (بحشل) (¬3): طلب عباد بن محمد ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (2/ 570). (¬2) انظر: كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا ص64. (¬3) الحافظ العالم المحدث أحمد بن عبد الرحمن القرشي: مولاهم المصري ويعرف: بحشل. ابن أخي عالم مصر عبد الله بن وهب وكان من أبناء التسعين رحمه الله مات سنة أربع وستين ومئتين. [السير للذهبي (12/ 317 - 323)].

دعاء في يوم حار

الأمير عمِّي (¬1) ليوليه القضاء، فتغيب عمي، فهدم عباد بعض دارنا، فقال الصباحي لعباد: متى طمع هذا الكذا وكذا أن يلي القضاء؟ فبلغ ذلك عمي فدعا عليه بالعمى، قال: فعمي الصباحي بعد جمعة (¬2). * * * دعاء في يوم حار قال ابن مسروق: حدثنا يعقوب ابن أخي معروف أن معروفًا (¬3) استسقى لهم في يوم حار فما استتموا رفْعَ ثيابهم حتى مطروا (¬4). ¬

_ (¬1) عمه هو: عبد الله بن وهب بن مسلم الإمام الفهري مولاهم المصري الحافظ، وكان من أوعية العلم ومن كنوز العمل، قال خالد بن خداش: قرئ على عبد الله بن وهب (كتاب أهوال يوم القيامة) - تأليفه - فخر مغشيًا عليه، قال: فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام - رحمه الله تعالى، عن ابن وهب يقول: نذرتُ أني كلما اغتبت إنسانًا أن أصوم يومًا فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة. مات سنة سبع وتسعين ومئة. [السير للذهبي (9/ 223 - 234)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي (9/ 227). (¬3) معروف الكرخي البغدادي: ومن كلامه: إذا أراد الله بعبد شرًا أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل، وقص إنسان شارب معروف فلم يفتر عن الذكر فقال: كيف أقصّ؟ فقال: أنت تعمل وأنا أعمل. قال عبيد بن محمد الوراق: مر معروف وهو صائم بسقاء يقول: رحم الله من شرب. فشرب رجاء الرحمة، مات سنة مئتين. [السير للذهبي (9/ 339 - 345)]. (¬4) سير أعلام النبلاء للذهبي (9/ 342 - 343).

أصبحت يده ملوية

أصبحت يده ملوية عن أبي عبد الرحمن الطائي قال: كان رجلٌ من بني فهد قد كبر وضعف يكنى أبا منازل، وكان له ابن يقال له منازل، وكان له ولد صغار، وكان إذا أصاب شيئًا أعطاهم إياه، وكان يقبض عطاء أبيه وكان شيخًا كبيرًا، فولد للشيخ ابنتان صغيرتان، وكان منازل يستأثر عليهم، فلما خرج العطاء خرج منازل فقال: أعطوني عطاءه. فقام الشيخ فقال: أعطوني عطائي في يدي. ففعلوا، فحمل عطاءه ثم قام يتوكأ على منازل فقال منازل: هلمَّ أحمل عنك. فقال: دعه. فلما خلا له الطريق فك يد أبيه ثم أخذ العطاء فذهب به، فانصرف الشيخ وليس في يده شيء، فقال له أهله وولده: ما صنعت؟ قال: أخذ منازل عطائي. ثم أنشأ يقول: جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنجز الدَّين طالبُه ربيتُه حتى إذا ما هوى استوى ... كبيرًا وساوى عامل الرمح عاربه تظلمني مالي كذا ولوى يدي ... لوى يده الله الذي هو غالبه فأصبح منازل ملويةً يده (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا، ص61 - 62.

دعاء على العائن

دعاء على العائن روى أبو نعيم عن أبيه عن خاله أن النباجي (¬1) كان مجاب الدعوة وله آيات وكرامات، كان في سفر فأصاب رجلٌ عائنٌ ناقتَه بالعين فجاءه النباجي ودعا عليه بألفاظ فخرجت حدقتا العائن ونشطت الناقة (¬2). * * * بل أسأل الله - تعالى - وحده كان إسحاق بن عبَّاد البصري نائمًا فرأى في منامه قائلاً يقول له: أغث الملهوف. فاستيقظ فسأل: هل في جيرانه محتاج؟ قالوا: ما ندري. ثم نام فأتاه ثانيًا وثالثًا فقال له: أتنام ولم تغث الملهوف؟ فقام وأخذ معه ثلاثمائة درهم وركب بغلة، فخرج به إلى البصرة حتى وقف به على باب مسجد يصلي فيه على الجنائز، فدخل المسجد فإذا رجل يصلي، فلما أحسَّ به انصرف، فدنا منه فقال: يا عبد الله في هذا الوقت؟ في هذا الموضع؟ ما حاجتك؟ قال: أنا رجل ¬

_ (¬1) النباجي العابد سعيد بن بريد: له كلام شريف ومواعظ قال: ما ظننت أن أحدًا يكون في الصلاة فيقع في سمعه غير ما يخاطبه الله. [السير للذهبي (9/ 586)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي، (9/ 589).

مسجون يدعو الله - تعالى -

كان رأس مالي مائة درهم فذهبت من يدي ولزمني دين مائتا درهم. فأخرج له الدراهم وقال: هذه ثلاثمائة درهم خذها. فأخذها فقال: أتعرفني؟ قال: لا. قال: أنا إسحاق بن عبَّاد، فإن نابت نائبة فأتني؛ فإن منزلي في موضع كذا. فقال له: رحمك الله، إن نابتنا نائبة فزعنا إلى من أخرجك في هذا الوقت حتى جاء بك إلينا (¬1). * * * مسجون يدعو الله - تعالى - عن أبي بكر الرازي قال: كنت بأصبهان عند أبي نعيم (¬2) أكتب الحديث، وهناك شيخ يسمى أبا بكر عليه مدار الفتيا، فسُعِيَ به عند السلطان فسُجنَ، فرأيت المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر، فقال لي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في المنام: قل لأبي بكر بن علي ¬

_ (¬1) انظر: نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - رضي الله عنهما - للحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى -. (¬2) أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني: الإمام الحافظ الثقة العلامة صاحب الحلية، ولد سنة ست وثلاثين وثلاث مئة، ومصنفاته كثيرة جدًا، قال أحمد بن محمد بن مردويه: كان أبو نعيم في وقته مرحولاً إليه، ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه، كان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده، فكان كل يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر، فإذا قام إلى داره ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزءًا، وكان لا يضجر، لم يكن له غداء سوى التصنيف والتسميع، مات سنة ثلاثين وأربع مئة. [السير للذهبي (17/ 453 - 464)].

الفريابي يستغيث

يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه. قال: فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن إلا قليلاً حتى أخرج (¬1). * * * الفريابي يستغيث قال إبراهيم بن أبي طالب: سمعت محمد بن سهل بن عسكر (¬2): خرجنا مع محمد بن يوسف الفريابي (¬3) في الاستسقاء، فرفع يديه فما أرسلهما حتى مطرنا (¬4). * * * ¬

_ (¬1) فيض القدير لعبد الرؤوف المناوي (5/ 231). (¬2) محمد بن سهل بن عسكر التيمي: مولاهم البخاري نزيل بغداد، طوف البلاد، قال أبو العباس السراج: توفي في شعبان سنة إحدى وخمسين ومئتين. [تاريخ الإسلام للذهبي حوادث ووفيات سنة 251هـ 260هـ، ص291]. (¬3) محمد بن يوسف الفريابي: الإمام الحافظ الضبي مولاهم، ولد سنة بضع وعشرين ومئة، عنه قال: رأيت في منامي كأني دخلت كرمًا فيه أصناف العنب فأكلت من عنبه كله غيرَ الأبيض؛ فلم آكل منه شيئًا، فقصصتُها على سفيان فقال: تصيب من العلم كله غير الفرائض؛ فإنها جوهر العلم. فكان الفريابي كذلك، لم يكن يجيد النظر في الفرائض، مات سنة اثنتي عشرة ومئتين. [السير للذهبي (10/ 114 - 118)]. (¬4) سير أعلام النبلاء للذهبي 10/ 116.

إذا استسقى لنا سقينا

إذا استسقى لنا سقينا قال عبد الصمد بن سعيد القاضي (¬1): حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني قال: وجَّه المأمون إلى أهل حمص ليقدموا عليه دمشق، فاختاروا أربعة: يحيى بن صالح وأبا اليمان وعلي بن عياش (¬2) وخالد بن خلي (¬3)، فقيل: ما تقول في أبي اليمان؟ قال: شيخنا وعالمنا. قال: قال فما تقول في علي بن عياش؟ قال: رجل من الأبدال إذا نزلت بنا نازلة سألناه فدعا الله فيكفَّها وإذا استسقى لنا سُقينا (¬4). * * * ¬

_ (¬1) عبد الصمد بن سعيد بن يعقوب: المحدث الحافظ الكندي الحمصي قاضي حمص. جمع تاريخًا لطيفًا فيمن نزل حمص من الصحابة: توفي في سنة أربع وعشرين وثلاث مئة. [السير للذهبي (15/ 266 - 267)]. (¬2) علي بن عياش بن مسلم الألهاني الحمصي: الحافظ الصدوق العابد، قال: ولدت في سنة ثلاث وأربعين ومئة. قال يحيى بن أكثم: أدخلت عليَّ بن عياش على المأمون فتبسَّم ثم بكى، فقال: يا يحيى، أدخلت عليَّ مجنونًا. فقلت: أدخلت عليك خير أهل الشام وأعلمهم ما خلا أبا المغيرة، قلت - والكلام للذهبي: الرجل عمل بالسنة. فسلم وتبسم ثم بكى لما رأى من الكبر والجبروت، مات سنة تسع وعشرين ومئتين. [السير للذهبي (10/ 338 - 341)]. (¬3) خالد بن خلي الكلاعي الحمصي: قاضي بلده، ولد في حدود سنة سبعين ومئة، وكان من نبلاء العلماء، كأنه مات سنة نيف وعشرين ومئتين. [السير للذهبي (10/ 640 - 641)]. (¬4) سير أعلام النبلاء للذهبي (10/ 341) وقد ذكرها أيضًا في ترجمة خالد بن خلي مطولة في (10/ 641).

دعا له بالتحديث

دعا له بالتحديث عن أبي القاسم الأزهري أنه سمع أحسن بن رزقويه لما حدَّث يقول: أدركتني دعوة أبي بكر الشافعي. وذلك أنه دعا الله لي بأن أبقى حتى أحدث فاستجيب له، فروى عن الشافعي وأبي الحسن الدارقطني ... (¬1). * * * طارت السيوف من أيديهم روى إبراهيم بن عيشون عن أبيه - وكان من عباد الله الصالحين المنقطعين بالمنستير - قال: لما احتضر أبي قال: أخرجوني إلى الموضع الذي أجيبت فيه دعوتي حتى أدعو الله - تعالى - به. فسألته عن قصته فقال: نزل عليَّ اللصوص فقطعوا عليَّ صلاتي، وقالوا: هات ما عندك، فدعا الله تعالى، ثم قال: فنزعوا ثيابي وتركوني في المئزر، وقالوا: يخرج من كل طائفة رجل يقتله مرة فوقف ستة نفر من ناحية وستة نفر من ناحية ورفعوا سيوفهم ليقتلوني، فلما رأيت البلاء رفعت رأسي تحت ظلال السيوف إلى السماء وقلت: يا غياث المستغيثين أغثني. فوقعوا على ظهورهم وطارت سيوفهم من أيديهم ... إلخ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: تاريخ بغداد (5/ 457). (¬2) انظر: الدعاء المأثور وآدابه للإمام أبي بكر الطرطوشي، ص43 بتصرف.

خرج من الجوع فرزق

خرج من الجوع فرزق عن يزيد بن هارون قال: غدوت إلى أصبغ بن يزيد الوراق أريد أن أسمع منه فوجدته شديد الغمِّ فقلت: يرحمك الله، ممَّ غمُّك؟ فقال لي: إن كنت تريد أن تكتب فاكتب، وإلا فانصرف. فكتبتُ وانصرفتُ، فلما كان في اليوم الثاني غدوت إليه فوجدته قد تضاعف، فسألتُه عن ذلك فقال: إن كنت تريد أن تكتب فاكتب وإلا فانصرف فكتبت وانصرفت، فلما كان اليوم الثالث رحتُ إليه فوجدتُه طلق الوجه مسرورًا، فقلت له: أراك اليوم والحمد لله مسرورًا وكنت بالأمس مغمومًا، فما الخبر؟ فقال: أما إنك لولا سؤالك في اليوم الخالي ما أخبرتك، ولكني أعلمك أني مكثت أنا ومن عندي ثلاثًا لم نطعم طعامًا، فلما كان اليوم خرجت إلى ابنتي الصغيرة وقالت: يا أبت، الجوع. فتركتها وأتيت الميضأة فتوضأت للصلاة، وصليت ركعتين ومددت يدي لأدعو، فأنسيت ما كنت أحسنه من الدعاء، فقلت: اللهم إن حرمتني الرزق فلا تحرمني الدعاء. فألهمت الدعاء، وفيه: « ... وافتح عليَّ رزقًا لا تجعل لأحد عليَّ فيه منة، ولا لك عليَّ في الآخرة تبعة، برحمتك يا أرحم الراحمين». ثم انصرفتُ إلى البيت فإذا بابنتي الكبيرة قد قامت إليَّ وقالت: يا أبه، جاء الساعة عمي بهذه الصرة من الدراهم وبحمال عليه دقيق وحمال عليه من كل شيء في السوق وقال: أقرئوا أخي السلام ... قال أصبغ بن زيد: والله ما كان لي من أحد، ولا أعرف من كان هذا القائل؛ ولكن

مات في اليوم الثالث

الله على كل شيء قدير (¬1). * * * مات في اليوم الثالث عن خلف بن محمد البخاري: سمعت أبا عمرو أحمد بن رئيس نيسابور ببخارى يقول: حدَّثنا الحسين بن منصور (¬2) وقد عرض عليه قضاء نيسابور، فاختفى ثلاثة أيام ودعا الله، فمات في اليوم الثالث (¬3). قال الذهبي - رحمه الله تعالى: قال رسته (¬4): سألت ابن مهدي (¬5) عن الرجل يتمنى الموت مخافة الفتنة على دينه، قال: ما ¬

_ (¬1) انظر: المستغيثون بالله تعالى لابن بشكوال، ص64 - 65 بتصرف. (¬2) الحسين بن منصور بن جعفر السلمي النيسابوري: الإمام الحافظ الكبير، قال الحاكم: هو شيخ العدالة والتزكية في عصره، ومن كلامه: ربَّ معتزل للدنيا ببدنه مخالطها بقلبه، ورب مخالط لها ببدنه مفارقها بقلبه، وهو أكيسهما، مات في سنة ثمان وثلاثين ومئتين. [السير للذهبي (11/ 383 - 384)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي (11/ 384). (¬4) عبد الرحمن بن عمر بن يزيد الزهري المدني الأصبهاني: ولقبه رسته عن أحمد بن حنبل قال: ما ذهبت يومًا إلى ابن مهدي إلا وجدت الأخوين الأزرقين عنده - يعني: عبد الرحمن وعبد الله. توفِّي سنة خمسين ومئتين. [السير للذهبي (12/ 242 - 243)]. (¬5) عبد الرحمن بن مهدي العنبري: مولاهم البصري اللؤلؤي، الإمام الناقد المجوِّد سيد الحفاظ، ولد سنة خمس وثلاثين ومئة، وكان إمامًا حجة قدوة في العلم والعمل، قال علي بن المديني: كان علم عبد الرحمن في الحديث كالسحر. وقال أبو عبيد: سمعت عبد الرحمن يقول: ما تركت حديث رجل إلا دعوت الله له وأسميه. قال أحمد بن حنبل: عبد الرحمن ثقة، خيار، صالح، مسلم، من معادن الصدق، توفِّي سنة ثمان وتسعين ومئة. [السير للذهبي (9/ 192 - 209)].

دعاء وسط البحر

أرى بذلك بأسًا؛ لكن لا يتمناه مِنْ ضُرٍّ به أو فاقة، تمنى الموت أبو بكر وعمر ومن دونهما (¬1). * * * دعاء وسط البحر حكى بعضهم قال: هاجت الريح فرأيتُ عبد الملك بن حبيب (¬2) رافعًا يديه متعلقًا بحبال المركب يقول: اللهم إن كنت تعلم أني إنما أردت ابتغاء وجهك وما عندك فخلصنا. قال: فسلم الله (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء (9/ 207). (¬2) عبد الملك بن حبيب بن سلميان بن هارون بن جاهمة بن الصحابي عباس بن مرداس السلمي العباسي الأندلسي: الإمام العلامة المالكي فقيه الأندلس، ولد في حياة الإمام مالك بعد السبعين والمئة، قال أبو الوليد الفرضي: كان فقيهًا نحويًا شاعرًا عروضيًا أخباريًا نسابة طويل اللسان متصرفًا في فنون العلم، سكن إلبيرة من الأندلس مدة، ثم استقدمه الأمير عبد الرحمن بن الحكم فرتبه في الفتوى بقرطبة، مات سنة ثمان وثلاثين ومئتين رحمه الله. [السير للذهبي (12/ 102 - 107)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي (12/ 105).

أتهزأ بالدعاء

أتهزأ بالدعاء عن أبي علي الفسوي عن أبيه قال: ولينا عامل بفسا فجار وظلم فأقمنا ثلاثة أيام بلياليهن ندعو عليه، فلما كان اليوم الرابع اشتد علينا وقال: بلغني دعاؤكم ولعلكم تظنون أني أفكر في ذلك. ثم أمر ببعضهم إلى الديماس (المكان المظلم)، فقام رجل منهم أديب فوعظه فلم يتعظ وركب، فاستقبله ثور عليه حمل وتحته بغل نفور فنفر ورمى به ثم دار فوقه وشق بطنه فمات، فاجتاز الأديب وهو على تلك الحال فأنشد: أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... تأمل فيك ما صنع الدعاء سهام الليل لا تخطئ ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء فيمسكها إذا ما شاء حكم ... ويرسلها إذا نفذ القضاء (¬1) * * * حج ودعا الله - تعالى - قال الحاكم: سمعت محمد بن المؤمل يقول: حج جدي وقد ¬

_ (¬1) انظر: المستغيثون بالله تعالى لابن بشكوال، ص80.

ذهب ما به

شاخ فدعا الله أن يرزقه ولدًا، فلما رجع رُزق أبي فسماه المؤمَّل (¬1) لتحقيق ما أمله، وكنَّاه أبا الوفاء ليفي لله بالنذور، فوفى بها (¬2). * * * ذهب ما به عن بكر بن محمد بن العلاء القاضي قال: احتبس بولي وأنا صبي نحو سبعة أيام فأتي بي إلى سهل على عنق غلام لنا ومعي أبي، فذكر له أبي احتباس بولي فمسح على بطني وقال: اذهبوا به يذهب الله ما به إن شاء الله. فما هو إلا أن خرجنا عن داره فأطلق الله ما كان بي، وأمر أبي الغلام أن يقف فجرى بولي على الغلام وذهب ما كان بي (¬3). * * * ¬

_ (¬1) المؤمل بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس: المولى الإمام المحدث المتقن صدر خراسان أبو الوفاء النيسابوري كان يضرب به المثل في ثروته وسخائه وشجاعته وكان أبوه من أحشم النصارى فأسلم على يد ابن المبارك مات سنة تسع عشرة وثلاث مئة. السير للذهبي 15/ 21 - 23. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي 15/ 22. (¬3) انظر: المستغيثون بالله تعالى للحافظ ابن بشكوال ص53.

مبالغ في الاستهزاء

مبالغ في الاستهزاء قال ابن بشكوال (¬1): ذكر قاسم بن أحمد في (كتاب العباد) من تأليفه: قال أبو عبد الله بن الطويل: كان لشيبان الزاهد - رحمه الله تعالى - جار يعرف بابن الصيقل، وكانت له دار تلاصق دار إبراهيم بن عيسى بن حيوية الفقيه، فسأله بيعها فأبى عليه وقال له: إن مالك غير طاهر، وهذه دويرة حلال ورثتُها عن أبي وجدي. فألحَّ عليه في بيعها فأبى، فقال له: والله لئن لم تأخذ الثمن فيها لأضيِّقنَّ عليك فيها حتى تفر منها. قال: أرجو أن الله يدفع عني ضرك بدعاء الإخوان. قال: نعم، إذا أردت أن تدعو الله فاجتمع بشيبان وحسان وادعو الله في تلك الصومعة؛ فإنها أقرب إلى الله. فقال: كذلك نفعل إن شاء الله. فنهض الرجل من وقته إلى شيبان وحسان - رحمهما الله - فأعلمهما بمقالة ابن حيوية فقالا: نعم، كذلك نفعل إن شاء الله تعالى. فلما أتى الليل باتوا في الصومعة وصلَّوا ودعوا، فلما كان السحر سمعوا صراخًا وبكاءً، فإذا بابن حيوية قد مات في ذلك السحر، وأجاب الله - تعالى - دعاءهما فيه، وكفى الله تعالى الرجل والمسلمين ضرَّه، وانتشر هذا ¬

_ (¬1) ابن بشكوال: الإمام العالم الحافظ الناقد المجوِّد محدِّث الأندلس: خلف ابن عبد الملك بن مسعود الأنصاري الأندلسي، ولد سنة أربع وتسعين وأربع مئة، قال أبو عبد الله الأبار: كان متسع الرواية شديد العناية بها عارفًا بوجوهها حجة مقدمًا على أهل وقته حافظًا أخباريًا تاريخيًا ذاكرًا لأخبار الأندلس، سمع العالي والنازل ... رحل الناس إليه وأخذوا عنه، وحدثنا عنه جماعة ووصفوه بصلاح الدخيلة وسلامة البطن وصحة التواضع وصدق الصبر للطلبة وطول الاحتمال، توفي سنة ثمان وسبعين وخمس مئة. [السير للذهبي (21/ 139 - 143)].

دعاء الإمام أحمد بن حنبل

الخبر بمدينة قرطبة حديثًا يذكر إلى وقتنا هذا (¬1). * * * دعاء الإمام أحمد بن حنبل قال صالح بن أحمد: قال أبي (¬2): فلما صرنا إلى أذنة ورحلنا ¬

_ (¬1) انظر: المستغيثون بالله تعالى لابن بشكوال ص79 - 80. (¬2) الإمام أحمد: هو الإمام حقًا وشيخ الإسلام صدقًا أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني، ولد سنة أربع وستين ومئة، قال إبراهيم الحربي: رأيت أبا عبد الله كأن الله جمع له عِلمَ الأولين والآخرين. قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد بن حنبل. قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، (أما محنة القول بخلق القرآن فقد حبس وعذب في عهد المعتصم وكان المحرض للفتنة أحمد بن أبي دُوَاد، حتى قال المعتصم لابن أبي دواد: لقد ارتكب إثمًا في أمر هذا الرجل فقال: يا أمير المؤمنين إنه والله كافر مشرك، قد أشرك من غير وجه. فلا يزال به حتى يصرفه عما يريد، قال صالح: وكان مكثه في السجن منذ أُخذ إلى أن ضرب وخلي عنه ثمانية وعشرين شهرًا ... وبقيت إبهاماه منخلعين يضربان عليه في البرد فيُسَخَّن له الماء، ولما أردنا علاجه خفنا أن يدس أحمد بن أبي دواد سمًا إلى المعالج فعملنا الدواء والمرهم في منزلنا. وسمعته يقول: كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعًا، وقد جعلت أبا إسحاق - يعني المعتصم - في حل، والله - تعالى - يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر - رضي الله عنه - بالعفو في قصة مسطح. قال أبو عبد الله: وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سببك. وبلغنا أن المعتصم ندم وأسقط في يده حتى صلح، ولما ولي ابنه الواثق أظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى أحمد بن أبي دواد وأصحابه. قال حنبل: (ثم) ولي المتوكل جعفر فأظهر السنة وفرج عن الناس ثم وإلى أن مات أبي قل يوم يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه ... وكانت تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها المتوكل والثلج والفاكهة وغير ذلك، فما ذاق منها أبو عبد الله شيئًا ولا نظر إليها، ثم أجرى المتوكل على أهله وولده في كل شهر أربعة آلاف، فبعث إليه أبو عبد الله: إنهم في كفاية وليست بهم حاجة. فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لولدك فما لك ولهذا؟ فأمسك أبو عبد الله، فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل. قال صالح: لما كان أول ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين (ومئتين) حُمَّ أبي ليلة الأربعاء وبات وهو محموم يتنفس تنفسًا شديدًا، وكنت عرفت علته، وكنت أمرضه إذا اعتل، وجاء جار لنا قد خضب فقال أبي: إني لأرى الرجل يُحيي شيئًا من السنة فأفرح به ... فلما كانت ليلة الجمعة ثقل وقبض صدر النهار فصاح الناس وعلت الأصوات بالبكاء حتى كأن الدنيا قد ارتجت وامتلأت السكك والشوارع؛ عن أبي زرعة يقول: بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف عليه الناس حيث صُلي على أحمد، فبلغ مقام ألفي ألف وخمس مائة ألف. [السير للذهبي (11/ 177 - 258)] (باختصار وترتيب).

منها في جوف الليل وفُتح لنا بابها إذا رجلٌ قد دخل فقال: البشرى، قد مات الرجل. يعني المأمون (¬1)، قال أبي: وكنت أدعو الله أن لا أراه (¬2). وقال محمد بن إبراهيم البوشنجي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: تبيَّنتُ الإجابة في دعوتين: دعوة الله أن لا يجمع بيني وبين المأمون، ودعوته أن لا أرى المتوكل، فلم أر المأمون، مات بالبذندون، قلت ¬

_ (¬1) المأمون: عبد الله بن هارون الرشيد العباسي: قرأ العلم والأدب والأخبار والعقليات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم، ودعا إلى القول بخلق القرآن، وبالغ، نسأل الله السلامة، وكان من رجال بني العباس حزمًا وعزمًا ورأيًا وعقلاً وهيبةً وحلمًا، ومحاسنه كثيرة في الجملة، عنه قال: لو عرف الناس حبي للعفو لتقربوا إليَّ بالجرائم، وأخاف أن لا أوجر فيه، وأما مسألة القرآن فما رجع عنها وصمَّم على امتحان العلماء وشدَّد عليهم فأخذه الله، وكان كثير الغزو، مات سنة ثمان عشرة ومئتين. [السير للذهبي (10/ 272 - 290)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي (11/ 241، 242).

- والكلام للذهبي: وهو نهر الروم. وبقي أحمد محبوسًا بالرقة حتى بويع المعتصم (¬1) إثر موت أخيه، فردَّ أحمد إلى بغداد. وأما المتوكل (¬2) فإنه نوَّه بذكر الإمام أحمد والتمس الاجتماع به، فلما أن حضر أحمد دار الخلافة بسامراء ليحدث ولد المتوكل ويُبَرِّكَ عليه جلس له المتوكل في طاقة حتى نظر هو وأمه منها إلى أحمد ولم يره أحمد (¬3). * * * ¬

_ (¬1) المعتصم: محمد بن الرشيد هارون العباس: قال الرياشي: كتب طاغية الروم إلى المعتصم يتهدده فأمر بجوابه، فلما عُرض عليه رماه وقال للكاتب: اكتب: أما بعد فقد قرأت كتابك وسمعت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع، (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار). قلت - والكلام للذهبي: امتحن الناس بخلق القرآن وكتب بذلك إلى الأمصار وأخذ بذلك المؤذنين وفقهاء المكاتب، ودام ذلك حتى أزاله المتوكل بعد أربعة عشر عامًا. قال نفطويه: يقال للمعتصم المثمن: فإنه ثامن بني العباس، وتملك ثماني سنين وثمانية أشهر، وله فتوحات ثمانية، وقَتَل ثمانية. مات سنة سبع وعشرين ومئتين. [السير للذهبي (10/ 290 - 306)]. (¬2) المتوكل على الله الخليفة أبو الفضل جعفر بن المعتصم بالله محمد العباسي: ولد سنة خمس ومائتين، قال خليفة بن خياط: استخلف المتوكل فأظهر السنة فتكلم بها في مجلسه وكتب إلى الآفاق برفع المحنة وبسط السنة ونصر أهلها. وغضب المتوكل على أحمد بن أبي داود وصادره وسجن أصحابه به، وحُمِّل ستة عشر ألف ألف درهم، وافتقر هو وآله، قُتِل المتوكل سنة سبع وأربعين ومائتين. [السير للذهبي (12/ 30 - 41)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي (11/ 241 - 242).

انصرف راشدا

انصرف راشدًا لما حُمل ذو النون المصري (¬1) إلى العراق، وأدخل على الواثق (¬2)، أعد السيف والنطع، فلما عاينه أدناه وقرَّبه وقال: مرحبًا بك. ودعا له بغالية فطيبه بيده وقال: أتعبناك يا أبا الفيض، انصرف راشدًا. فقال الوزير: فعلتَ بهذا المصري ما لم تفعله بأحد. فقال: ويحك، إن لم أفعل ما رأيت لظننت أني أوخذ. فقال الوزير: قد رأيتُه والله يحرك شفتيه، أفتأذن لي عن سؤاله في ذلك؟ فقال: نعم. فسأله، فذكر الدعاء الذي قاله (¬3). * * * ¬

_ (¬1) ثوبان بن إبراهيم يكنى أبا الفيض: ولد في أواخر أيام المنصور، قال السلمي: حملوه على البريد من مصر إلى المتوكل ليعظه في سنة 244هـ، وكان إذا ذكر بين يدي المتوكل أهل الورع بكى. توفي سنة خمس وأربعين ومائتين. [السير للذهبي (11/ 532 - 536)]. (¬2) هارون بن المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد: مولده في سنة ست وتسعين ومئة، ولي الأمر بعهد من أبيه في سنة 227 هـ، قال الخطيب: استولى أحمد بن أبي دواد على الواثق وحمله على التشدد في المحنة والدعاء إلى خلق القرآن، قيل أنه رجع عن ذلك قبيل موته، وفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين قتل أحمد بن نصر الخزاعي الشهيد ظلمًا، وأمر بامتحان الأئمة والمؤذنين بخلق القرآن، وافْتَكَّ من أسر الروم أربعة آلاف وست مائة نفس، فقال ابن أبي دواد: من لم يقل "القرآن مخلوق" فلا تكفوه. مات سنة اثنتين وثلاثين ومئتين. [السير للذهبي (10/ 306 - 314)]. (¬3) انظر: الدعاء المأثور وآدابه للحافظ أبي بكر الطرطوشي، ص156 بتصرف.

لا يريد القضاء

لا يريد القضاء عن أبي بكر بن داود يقول: كان المستعين بالله (¬1) بعث إلى نصر بن علي (¬2) بشخصه للقضاء، فدعاه عبد الملك أمير البصرة وأمره بذلك فقال: ارجع واستخير الله - تعالى. فرجع إلى بيته نصف النهار فصلى ركعتين وقال: اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك. فنام فأنبهوه فإذا هو ميت (¬3). * * * دعاء أم البخاري عن محمد بن الفضل البلخي: سمعت أبي يقول: ذهبت عينا محمد بن إسماعيل (¬4) في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل ¬

_ (¬1) أحمد بن المعتصم بالله محمد العباسي: اختلت الخلافة بولايته واضطربت الأمور، استوزر أبا موسى أو تامش بإشارة كاتبه شجاع بن القاسم، ثم قتلهما واستوزر أحمد بن صالح بن شبرزاد، ولما قتل باغر التركي الذي قتل المتوكل غضب له الموالي، وكان المستعين من تحت أوامر وصيف وبغا، وكان جيد الأدب حسن الفضيلة، قال الصولي: بعث المعتز أحمد بن طولون إلى واسط لقتل المستعين فقال: والله لا أقتل أولاد الخلفاء. فبعث سعيدا الحاجب، فما متع الله المعتز؛ بل عوجل بالخلع والقتل جزاءً وفاقًا. [السير للذهبي (12/ 46 - 50)]. (¬2) نصر بن علي بن صهبان بن أبي الحافظ: العلامة الثقة الأزدي الجهضمي البصري الصغير، وهو حفيد الجهضمي الكبير، ولد سنة نيف وستين (ومئة)، مات سنة خمسين ومئتين. [السير للذهبي (12/ 133 - 136)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي (12/ 136). (¬4) محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة - وقيل بذدزبه، وهي لفظ بخارية معناها الزراع: البخاري صاحب الصحيح، ولد سنة أربع وتسعين ومئة قال: صنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الليالي المقمرة، وقل اسم في التاريخ إلا وله قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب. وقال: صنفت الصحيح في ست عشرة سنة، وجعلتُه حجةً فيما بيني وبين الله - تعالى. قال محمد بن حمدون بن رستم: سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى البخاري فقال: دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيِّد المحدثين وطبيب الحديث في علله، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل، عن بكر بن منير قال: كان محمد بن إسماعيل يصلي ذات ليلة فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى الصلاة قال: انظروا أيش آذاني. (وله مواقف كثيرة في الجود والكرم)، توفي - رحمه الله تعالى - سنة ست وخمسين ومئتين. [السير للذهبي (12/ 391 - 471)].

- عليه السلام - فقال لها: يا هذه، قد ردَّ الله على ابنك بصره لكثرة بكائك أو كثرة دعائك - شك البلخي - فأصبحنا وقد رد الله عليه بصره (¬1). وقال محمد بن أبي حاتم: سمعت أبا عبد الله يقول: ما ينبغي للمسلم أن يكون بحالة إذا دعا لم يستجب له. فقالت له امرأة أخيه بحضرتي: فهل تبينت ذلك أيها الشيخ من نفسك أو جربت؟ قال: نعم؛ دعوتُ ربي - عز وجل - مرتين فاستجاب لي، فلن أحبَّ أن أدعو بعد ذلك؛ فلعله ينقص من حسناتي أو يعجِّل لي في الدنيا. ثم قال: ما حاجة المسلم إلى الكذب والبخل (¬2). * * * ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (12/ 393). (¬2) المرجع السابق ص448.

البخاري يدعو على من ظلمه

البخاري يدعو على من ظلمه قال الحاكم: سمعت محمد بن عباس الضَّبِّيَّ يقول: سمعت أبا بكر بن أبي عمرو الحافظ البخاري يقول: كان سبب منافرة أبي عبد الله أن خالد بن أحمد الذهلي (¬1) الأمير خليفة الطاهرية ببخارى سأله أن يحضر منزله فيقرأ (الجامع) و (التاريخ) على أولاده لا يحضره غيرهم، فامتنع وقال: لا أخصُّ أحدًا. فاستعان الأمير بحريث بن أبي الورقاء وغيره حتى تكلموا في مذهبه ونفاه من البلد، فدعا عليهم، فلم يأت إلا شهر حتى ورد أمر الطاهرية بأن ينادي على خالد في البلد، فنودي عليه على أتان. وأما حريث فإنه ابتلي بأهله، فرأى فيها ما يجلّ عن الوصف، وأما فلان فابتلي بأولاده وأراه الله فيهم البلايا (¬2). قلت - والكلام للذهبي: خالد بن أحمد الأمير. قال الحاكم: له ببخارى آثار محمودة كلها إلا موجدته على البخاري؛ فإنها زلة وسبب لزوال ملكه (¬3). * * * ¬

_ (¬1) خالد بن أحمد بن الهيثم بن الذهلي: أمير خراسان فيما وراء النهر، له ببخارى آثار محمودة، أقدم إليها المحدثين وأكرمهم، وطلب أن يأتي أبو عبد الله البخاري إلى داره ليسمع أولاده الصحيح فامتنع من المجيء إليه، فأخرجه من بغداد، ثم إنه في آخر أمره خرج على آل طاهر ومال إلى يعقوب بن الليث بن الصفار الذي خرج بسجستان، ثم إنه حجَّ سنة تسع وستين ومئتين فقبض عليه وسجن ببغداد، فهلك في السجن هذا العام، توفي سنة سبعين ومئتين. [تاريخ الإسلام للذهبي، حوادث سنة (261 - 280هـ)، ص83 - 84]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي 12/ 464 - 465. (¬3) المرجع السابق ص466.

البخاري ضاقت عليه الأرض

البخاري ضاقت عليه الأرض قال ابن عدي: سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي يقول: جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك (قرية) على فرسخين من سمرقند، وكان له بها أقرباء، فنزل عندهم، فسمعته ليلة يدعو وقد فرغ من صلاة الليل: اللهم إنه قد ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك. فما تمَّ الشهر حتى مات (¬1). * * * اللهم مزِّق بطنَه قال الحاكم: حدثنا محمد بن صالح قال: كنا عند أبي عمرو المستملي (¬2) فسمع جلبة فقال: ما هذا؟ قالوا: أحمد بن عبد الله (¬3) - يعني الخجستاني في عسكره - فقال: اللهم مَزِّق بطنه. فما تم ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (12/ 466). (¬2) أحمد بن المبارك المستملي النيسابوري: عرف بحمكويه الحافظ العالم العابد الزاهد قال الحاكم: كان مجاب الدعوة. مات سنة أربع وثمانين ومئتين. [السير للذهبي (13/ 373 - 375)]. (¬3) أحمد الخجستاني: جبار عنيد ظالم متمرد، خرج عن طاعة صاحب خراسان يعقوب الصفار وتملك نيسابور وغيرها، وأظهر الانتماء إلى الطاهرية، وجعل رافع بن هرثمة أتابكه، وجرت له ملاحم وظفر بيحيى الذهلي شيخ نيسابور فقتله وعتا ثم ذبحه مملوكان له، تملك سبع سنين، ومن جوره أنه لما غلب على نيسابور نصب رمحا وألزمهم أن يَزِنوا من الدراهم ما يغطون رأس الرمح، فأفقر الخلق وعذبهم. [السير للذهبي (13/ 96 - 97)] (والقصة الآتية شاهدة على ظلمه).

مع الفجر

الأسبوع حتى قتل (¬1). قال الحاكم: وسمعت أبا بكر الصبغي يقول: كان أبو عمرو يصوم النهار ويحيي الليل، ثم قال الصبغي: فأخبرني غير واحد أن الليلة التي قُتل فيها أحمد بن عبد الله - يعني الظالم الذي استولى على نيسابور - صلى أبو عمرو العتمة ثم صلى طول ليله وهو يدعو على أحمد بصوت عال: اللهم شُقَّ بطنه، اللهم شقَّ بطنه (¬2). * * * مع الفجر قال الحاكم: وسمعت أبي يقول: لما قتل أحمد بن عبد الله الذي استولى على البلاد - الإمام حيكان بن الذهلي - (¬3) أخذ في الظلم والعسف، وأمر بحربة ركزت على رأس المربعة وجمع الأعيان، وحلف: إن لم يصبوا الدراهم حتى يغيب رأس الحربة فقد أحلوا دماءهم، فكانوا يقتسمون الغرامة بينهم، فخُصَّ تاجرٌ بثلاثين ألف ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (13/ 374). (¬2) المرجع السابق، ص375. (¬3) حيكان يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي: الحافظ المجوِّد الشهيد، قتله أحمد بن عبد الله الخجستاني ظلمًا، عن أحمد بن عبد الله الخجستاني يقول: دخلت على حيكان في محبسه الذي كنت حبسته فيه على أن أضربه خشبان وأخلي سبيله، وما كنت عازمًا على قتله، فلما قربت منه مددتُ يدي إلى لحيته فقبضتُ عليها، فقبض على خصيي حتى لم أشك أنه قاتلي، فذكرت سكينًا في خُفِّي، فجرَّدتُ السِّكِّين وشققتُ بطنَه. [السير للذهبي (12/ 285 - 294)].

سقط القيد من رجله

درهم، فلم يكن يقدر إلا على ثلاثة آلاف درهم، فحملها إلى أبي عثمان (¬1) وقال: أيها الشيخ قد حلف هذا كما بلغك، ووالله لا أهتدي إلا إلى هذه. قال: تأذن لي أن أفعل ما ينفعك؟ قال: نعم. ففرَّقها أبو عثمان وقال للتاجر: امكث عندي. وما زال أبو عثمان يتردَّد بين السكة والمسجد ليلته حتى أصبح وأذَّن المؤذن، ثم قال لخادمه: اذهب إلى السوق وانظر ماذا تسمع. فذهب ورجع وقال: لم أر شيئًا. قال: اذهب مرة أخرى. وهو في مناجاته يقول: وحقك لا أقمت ما لم تفرج عن المكروبين. قال: فأتى خادمه الفرغاني يقول: وكفى الله المؤمنين القتال شق بطن أحمد بن عبد الله. فأخذ أبو عثمان في الإقامة. قلت - والكلام للذهبي: بمثل هذا يعظم مشايخ الوقت (¬2). * * * سقط القيد من رجله قال الذهبي: «وألَّف أبو عبد الملك أحمد بن محمد بن عبد البر ¬

_ (¬1) أبو عثمان سعيد بن إسماعيل النيسابوري الحيري: الإمام المحدث الواعظ، مولده سنة ثلاثين ومئتين، قال الحاكم: قدم نيسابور لصحبة الأستاذ أبي حفص النيسابوري، ولم يختلف مشايخنا أن أبا عثمان كان مجاب الدعوة وكان مجمع العباد والزهاد، ولم يزل يسمع ويجل العلماء ويعظمهم، توفي سنة ثمان وتسعين ومئتين. [السير للذهبي (14/ 62 - 66)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي (14/ 65 - 66).

القرطبي كتابًا في أخبار علماء قرطبة ذكر فيه بقيّ بن مخلد (¬1) إلى أن قال: وذكر عبد الرحمن بن أحمد عن أبيه أن امرأة جاءت إلى بقي فقالت: إن ابني في الأسر ولا حيلة لي؛ فلو أشرت إلى من يفديه فإنني والهة. قال: نعم، انصرفي حتى أنظر في أمره. ثم أطرق وحرَّك شفتيه، ثم بعد مدة جاءت المرأة بابنها فقال: كنت في يد ملك فبينا أنا في العمل سقط قيدي. قال: فذكرت اليوم والساعة، فوافق وقت دعاء الشيخ. قال: فصاح على المرسم بنا ثم نظر وتحيَّر ثم أحضر الحداد وقيدني، فلما فرغه ومشيت سقط القيد فبهتوا ودعوا رهبانهم فقالوا: ألك والدة؟ قلت: نعم. قالوا: وافق دعاؤها الإجابة. هذه الواقعة حدَّث بها الحافظ حمزة السهمي عن أبي الفتح نصر بن أحمد بن عبد الملك، قال: سمعت عبد الرحمن بن أحمد، حدثني أبي ... فذكرها، ثم قالوا: قد أطلقك الله، فلا يمكننا أن نقيدك فزودني وبعثوا بي» (¬2). وقال أبو بكر الطرطوشي: «جاءت امرأة إلى بقي بن مخلد وهو ¬

_ (¬1) بقي بن مخلد بن يزيد: الإمام الأندلسي القرطبي الحافظ، صاحب التفسير والمسند الذي لا نظير لهما، ولد في حدود سنة مئتين، وكان إمامًا مجتهدًا صالحًا ربَّانيًّا صادقًا مخلصًا رأسًا في العلم والعمل عديم المثل منقطع القرين، يفتي بالأثر ولا يقلد أحدًا، قال ابن لبابة الحافظ: كان بقيٌّ من عقلاء الناس وأفاضلهم، وكان أسلم بن عبد العزيز يُقدِّمه على جميع من لقبه بالمشرق ويصف زهده ويقول: ربما كنت أمشي معه في أزقَّة قرطبة، فإذا نظر في موضع خال إلى ضعيف محتاج أعطاه أحد ثوبيه، توفي سنة ست وسبعين ومئتين. [السير للذهبي (13/ 285 - 269)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي 13/ 289 - 290.

قصة الغلامين

رجل واسع العلم والدراية من مشايخ علماء الأندلس فقالت: إن ابني أسره الروم، ولا أقدر على أكثر من دويرة لي لا أقدر على بيعها؛ فلو أشرت على من يفديه بشيء؛ فإنه ليس لي ليل ولا نهار ولا نوم ولا قرار. فقال: نعم، أنظريني حتى أنظر في أمره إن شاء الله سبحانه. ثم أطرق الشيخ وحرَّك شفتيه، وجاءت المرأة بعد مدَّةٍ ومعها ولدها، فجعلت تدعو وتقول: حدث خبرك له. فقال: كنت أسيرًا عند بعض ملوك الروم، وكان له إنسان يستخدمنا ويؤذينا وعلينا قيودنا، فجئنا ليلة من العمل فانحل القيد من رجلي ووقع على الأرض. ووصف ذلك اليوم، فوافق الوقت الذي دعا فيه الشيخ، قال: فصاح عليَّ الذي يستخدمني وقال: كسرت القيد؟ قلت: لا؛ إلا أنه سقط من رجلي، فاستحضروا الحداد وقيدوني. فلما مشيت خطوات سقط القيد من رجلي، فتحيروا ودعوا برهبانهم فقالوا: ألك والدة؟ قلت: نعم. قالوا: وافق دعاؤها الإجابة، أطلقك الله فلا نمسك. فزودوني وصحبوني إلى ناحية المسلمين» (¬1). * * * قصة الغلامين عن إبراهيم بن جابر قال: كنت أجلس في حلقة إبراهيم ¬

_ (¬1) الدعاء المأثور وآدابه للحافظ أبي بكر الطرطوشي، ص42.

الحربي (¬1)، وكان يجلس إلينا غلامان وكأنهما روح في جسد؛ إن قاما قاما معًا وإن حضرا فكذلك، فلما كان في بعض الجمع حضر أحدهما وقد بان الاصفرار بوجهه والانكسار في عينيه ... فلما كانت الجمعة الثانية حضر الغائب، ولم يحضر الذي جاء في الجمعة الأولى منهما، وإذا الصفرة والانكسار في لونه ... وقلت: إن ذلك للفراق الواقع بينهما، وذلك للألفة الجامعة لهما، فلم يزالا يتسابقان في كل جمعة إلى الحلقة، فأيهما سبق صاحبه إلى الحلقة لم يجلس الآخر ... فلما كان في بعض الجمع حضر أحدهما فجلس إلينا، ثم جاء الآخر فأشرف على الحلقة، فوجد صاحبه قد سبق، وإذا المسبوق قد أخذته العبرة، فتبيَّنتُ ذلك منه في دائرة عينيه، وإذا في سيراه رقاع صغار مكتوبة فقبض بيمينه رقعة منها وحذف بها في وسط ¬

_ (¬1) الإمام الحافظ العلامة إبراهيم بن إسحاق البغدادي الحربي: مولده في سنة ثمان وتسعين ومئة. قال أبو بكر الخطيب: كان إمامًا في العلم رأسًا في الزهد عارفًا بالفقه بصيرًا في الأحكام حافظًا للحديث مميزًا لعلله قيمًا بالأدب جمَّاعة للغة، وأصله من مرو، قال أبو العباس ثعلب: ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس لغة ولا نحو من خمسين سنة. قال الحاكم: سمعت محمد بن صالح القاضي يقول: لا نعلم بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي في الأدب والفقه والحديث والزهد. قلت - والكلام للذهبي: يريد من اجتمعت فيه هذه الأمور الأربعة وكان صدوقًا عالمًا فصيحًا جوادًا عفيفًا زاهدًا عابدًا ناسكًا، وكان مع ذلك ضاحك السن ظريف الطبع ... ولم يكن معه تكبر ولا تجبر، وربما مزح مع أصدقائه بما يستحسن منه ويستقبح من غيره، مات سنة خمس وثمانين ومئتين. [السير للذهبي (13/ 356 - 372)].

الحلقة، وانساب بين الناس مستخفيًا وأنا أرمقه. وكان ثمَّ أبو عبيدة بن حربويه فنشر الرقعة وقرأها ... وفيها دعاء؛ أن يدعو لصاحبها مريضًا كان أو غير ذلك ويؤمِّن على الدعاء من حضر، فقال الشيخ: اللهم اجمع بينهما وألِّف قلوبهما، واجعل ذلك فيما يقرب منك ويزلف لديك. وأمَّنوا على دعائه ... ثم طوى الرقعة وحذفني بها، فتأمَّلْتُ ما فيها ... فإذا فيها مكتوب: عفا الله عن عبد أعان بدعوة ... لخلَّين كانا دائمَيْن على الود إلى أن وشى واشي الهوى بنميمة ... إلى ذاك من هذا فحالا عن العهد فلما كان في الجمعة الثانية حضرا جميعًا، وإذا الاصفرار والانكسار قد زال، فقلت لابن حربويه: إني أرى الدعوةَ قد أجيبت، وأن دعاء الشيخ كان على التمام ... فلما كان في تلك السنة كنت فيمن حجَّ، فكأنِّي أنظر إلى الغلامين محرمين بين منى وعرفة، فلم أزل أراهما متآلفين إلى أن تكهَّلا (¬1). * * * ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (13/ 365 - 366). (بتصرف).

أخرس يدعو الله - تعالى -

أخرس يدعو الله - تعالى - عن طريف الأشل قال: كان عندنا أخرس رأيتُه كذلك ثلاثين سنة، فلما كان ليلة سبع وعشرين من رمضان دعا الله - تعالى - فأطلق لسانه فأنا كلمتُه وكلمني (¬1). * * * دعا لمقعد فقام عن واقد الصَّفَّار قال: دعا عبد العزيز بن سلمان يومًا بمقعد كان في مجلسه، فدعا عبد العزيز وأمَّن إخوانه، قال: فوالله ما انصرف المقعد إلى بيته إلا ماشيًا على رجليه (¬2). * * * إلا من حيث عودتني عن أبي القاسم بن علان الواسطي قال: لما أصاب أبا الحسين الكرخي (¬3) الفالج في آخر عمره حضرته وحضر أصحابه أبو بكر ¬

_ (¬1) انظر: ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي (3/ 336). (¬2) انظر: كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا، ص83. (¬3) الزاهد عبيد الله بن الحسن البغدادي الكرخي: الفقيه شيخ الحنفية، انتهت إليه رئاسة المذهب وانتشر تلامذته في البلاد واشتهر اسمه وبعد صيته، توفي سنة أربعين وثلاث مئة. [السير للذهبي (15/ 426 - 427)].

دعا الله - تعالى - فأعانه

الدامغاني وأبو علي الشاشي وأبو عبد الله البصري فقالوا: هذا مرض يحتاج إلى نفقة وعلاج، والشيخ مُقلٌّ ولا ينبغي أن نبذله للناس. فكتبوا إلى سيف الدولة بن حمدان (¬1)، فأحس الشيخ بما هم فيه فبكى وقال: اللهم لا تجعل رزقي إلا من حيث عودتني. فمات قبل أن يحمل إليه شيءٌ، ثم جاء من سيف الدولة عشرة آلاف فتصدق بها عنه (¬2). * * * دعا الله - تعالى - فأعانه عن هارون بن عبد العزيز قال: قال أبو جعفر (يعني الإمام محمد بن جرير الطبري) (¬3) استخرت الله وسألتُه العون على ما نويتُه ¬

_ (¬1) سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان: صاحب حلب، فارس الإسلام، مولده في سنة إحدى وثلاث مئة، وكان أديبًا مليح النظم، فيه تشيع، توفيت أخته فخلفت له خمس مائة ألف دينار فافتكَّ بجميعها أسرى، وله غزو ما اتفق لمَلك غيره، وكان يضرب بشجاعته المثل، وله وقع في النفوس؛ فالله يرحمه، مات سنة ست وخمسين (وثلاث مئة)، وكان قد جمع من الغبار الذي يقع عليه وقت المصفات ما جبل في قدر الكف، وأوصى أن يوضع على خده. [السِّير للذهبي (16/ 187 - 189)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي (15/ 426 - 427). (¬3) محمد بن جرير: الإمام العلم المجتهد عالم العصر الطبري صاحب التصانيف البديعة، من أهل آمل طبرستان، مولده سنة أربع وعشرين ومئتين، وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الرجال علمًا وذكاء وكثرة تصانيف، قل أن ترى العيون مثله، واستقر في آخر أمره ببغداد، وكان ربما أهدى إليه بعض أصدقائه الشيء فيقبله ويكافئه أضعافًا لعظم مروءته، وكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحد؛ فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه وزهده في الدنيا ورفضه لها رحمه الله، توفي سنة عشر وثلاث مئة. [السير للذهبي (14/ 267 - 282)].

اللهم اقطع يديه ورجليه

من تصنيف التفسير قبل أن أعلمه بثلاث سنين فأعانني (¬1). * * * اللهم اقطع يديه ورجليه قال أبو نصر السِّراج: صحب الحلاج (¬2) عمرو بن عثمان (¬3) وسرق كتبًا فيها شيء من علم التصوف، فدعا عليه عمرو: اللهم اقطع يديه ورجليه (¬4). (ثم ساق الذهبي قصة الحلاج وقتله)، فقال: قال إسماعيل الخطبي في تاريخه: وظهر رجل يُعرف بالحلاج، وكان في حبس السلطان بسعاية وقعت به في وزارة علي بن عيسى، وذكر عنه ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي 14/ 274. (¬2) الحسين بن منصور الفارسي البيضاوي: تبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء؛ لسوء سيرته ومروقه، ومنهم من نسبه إلى الحلول، ومنهم من نسبه إلى الزندقة وإلى الشعبذة والزوكرة، وقد تستر به طائفة من ذوي الضلال والانحلال وانتحلوه وروجوا به على الجهال؛ نسأل الله العصمة في الدين، قال النديم: قرأت بخط عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر: كان الحلاج مشعبذًا محتالًا يتعاطى التصرف ويدعي كل علم، وكان صفرًا من ذلك، ويدعي عند أصحابه الإلهية ويقول بالحلول. [السير للذهبي (14/ 313 - 354)]. (¬3) عمرو بن عثمان: الإمام الرباني المكي الزاهد، كان ينكر على الحلاج ويذمه، توفي بعد الثلاث مئة. [السير للذهبي (14/ 57 - 58)]. (¬4) سير أعلام النبلاء للذهبي (14/ 316).

ضروب من الزندقة ووضع الحيل على تضليل الناس من جهات تُشبه الشعوذة والسحر وادعاء النبوة، فكشفه الوزير وأنهى خبره إلى المقتدر (¬1)، فلم يقر بما رمي به وعاقبه وصلبه حيًّا أيامًا، ونودي عليه ثم حبس سنين ينقل من حبس إلى حبس حتى حبس بأخرة في دار السلطان، فاستغوى جماعة من الغلمان وموَّه عليهم واستمالهم بحيله حتى صاروا يحمونه ويدفعون عنه، ثم راسل جماعة من الكبار فاستجابوا له، وترامى به الأمر حتى ذكر عنه أنه ادعى الربوبية، فسعى بجماعة من أصحابه فقبض عليهم، ووجد عند بعضهم كتب تدل على ما قيل عنه، وانتشر خبره، وتكلم الناس في قتله، فسلمه الخليفة إلى الوزير حامد، وأمر أن يكشفه بحضرة القضاة، ويجمع بينه وبين أصحابه، فجرت في ذلك خطوب، ثم تيقن السلطان أمره فأمر بقتله وإحراقه لسبع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاث مئة، فضرب بالسياط نحوًا من ألف، وقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه وأحرق بدنه ونصب رأسه للناس وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه (¬2). * * * ¬

_ (¬1) المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد العباسي: بويع بعد أخيه المكتفي في سنة خمس وتسعين ومئتين، وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وما ولي أحد قبله أصغر منه، وقد خلع في أوائل دولته وبايعوا ابن المعتز ثم لم يتم ذلك، وقتل ابن المعتز وجماعة، ثم إنه خلع ثانيًا في سنة سبع عشرة وبذل خطة بعزل نفسه، وبايعوا أخاه القاهر، ثم بعد ثلاث أعيد المقتدر، ثم في المرة الثالثة قتل. قال أبو علي التنوخي: كان جيد العقل صحيح الرأي ولكنه كان مؤثرًا للشهوات. [السير للذهبي (15/ 43 - 56)]. (¬2) المرجع السابق ص335 - 336.

أهل بغداد يتضرعون إلى الله - تعالى -

أهل بغداد يتضرعون إلى الله - تعالى - قال الذهبي - رحمه الله تعالى - عن خلافة المقتدر: « ... ثم أقبل أبو طاهر القرمطي (¬1) في ألف فارس وسبع مائة راجل، وقارب بغداد وكاد أن يملك وضج الخلق بالدعاء وقطعت الجسور، مع أن عسكر بغداد كانوا أربعين ألفًا وفيهم مؤنس (¬2) وأبو الهيجاء ¬

_ (¬1) سليمان بن حسن القرمطي الجنابي الأعرابي: الزنديق عدو الله الذي سار إلى مكة في سبع مائة فارس، فاستباح الحجيج كلهم في الحرم، واقتلع الحجر الأسود، وردم زمزم بالقتلى، وصعد على عتبة الكعبة يصيح: أنا بالله وبالله أنا ... يخلق الخلق وأفنيهم أنا فقتل في سكة مكة وما حولها زهاء ثلاثين ألفًا وسبى الذرية، وأقام بالحرم ستة أيام، وبذل السيف في سابع ذي الحجة، ولم يعرف أحد تلك السنة - أي لم يقف بعرفة - فلله الأمر، وقتل أمير مكة ابن محارب، وعرى البيت وأخذ بابه ورجع إلى بلاد هجر، وقيل: بقي الحجر الأسود عندهم نيفًا وعشرين سنة، وكان بحكم التركي دفع لهم فيه خمسين ألف دينار فأبوا وقالوا: أخذناه بأمر وما نرده إلا بأمر. وقد هزم جيوش بغداد غير مرة وعتا وتمرد، ثم جرت له حروب أوهنته، وقتل جنده، وطلب الأمان على أن يرد الحجر وأن يأخذ كل حاج دينارًا ويخفرهم. قلت - والكلام للذهبي: ثم هلك بالجدري - لا رحمه الله - في رمضان. [السير للذهبي (15/ 320 - 325)]. وقال الذهبي في العبر في حوادث سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة: (ولم يحج الركب لموت القرمطي الطاغية أبي طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي في رمضان بهجر من جدري أهلكه، فلا رحم الله فيه مغرز إبرة). (3/ 42). (¬2) مؤنس الخادم الملقب بالمظفر المعتضدي أحد الخدام الذين بلغوا رتبة الملوك وكان خادمًا فارسا شجاعًا سائسًا داهية، ولي دمشق للمقتدر وبقي ستين سنة أميرًا، وعاش تسعين سنة، وخلف أموالاً لا تحصى، وجرت له أمور وحارب المقتدر فقتل يومئذ المقتدر، فسقط في يد مؤنس وقال: كلنا نقتل. وكان معظم جند مؤنس يومئذ من البربر، فرمى واحد منهم بحربته الخليفة فما أخطأه، ثم نصب مؤنس في الخلافة القاهر بالله، فلما تمكن القاهر قتل مؤنسًا وغيره في سنة إحدى وعشرين (وثلاث مئة). السير للذهبي 15/ 56 - 57.

ذهب علمه بدعاء الشيخ

بن حمدان وإخوته، وقرب القرمطي حتى بقي بينه وبين البلد فرسخان، ثم أقبل وحاذى العسكر، ونزل عبد يجس المخائض فبقي كالقنفذ من النشاب، وأقامت القرامطة يومين وترحلوا نحو الأنبار فما جسر العسكر أن يتبعوهم، فانظر إلى هذا الخذلان» (¬1). * * * ذهب علمه بدعاء الشيخ قال الذهبي (¬2) في ترجمة المحدِّث أبي عبد الله محمد الصَّفار (¬3): ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (15/ 51). (¬2) مؤرخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي: ولد سنة 673هـ من أسرة تركمانية الأصل تنتهي بالولاء إلى بني تميم، عاش طفولته بين أكناف عائلة علمية متدينة، ومضى في طفولته إلى أحد المؤدبين، فأقام في مكتبه أربعة أعوام ثم اتجه بعد ذلك إلى شيخه مسعود الصالحي فلقنه جميع القرآن، وحينما بلغ الثامنة عشرة من عمره توجهت عنايته إلى القراءات، ومال إلى الحديث الشريف وسماعه، وانطلق في هذا العلم حتى طغى على تفكيره واستغرق كل حياته، فسمع ما لا يحصى كثرة من الكتب والأجزاء ولقي كثيرًا من الشيوخ والشيخات. أما رحلاته في طلب العلم .. فقد كان والده يمنعه في بعض الأحيان، ويظهر أن والده قد سمح له بالرحلة حينما بلغ العشرين، واعتنى بالنحو؛ إضافة لسماعه عددًا كبيرًا من مجاميع الشعر واللغة والأدب، واتصل اتصالاً وثيقًا بثلاثة من شيوخ عصره وهم: (شيخ الإسلام ابن تيمية) و (جمال الدين يوسف المزي) و (علم الدين البرزالي)، وقد أحبهم؛ لا سيما ابن تيمية؛ فقد أعجب به وقال بعد أن مدحه مدحًا عظيمًا: وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته؛ فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله، ولا والله ما رأى هو مثل نفسه في العلم. أما نشاطات الذهبي العلمية، فقد بدأ باختصار عدد من أمهات الكتب في شتى العلوم، ثم ألف كتابه (تاريخ الإسلام) وغيره، قال تاج الدين السبكي: (وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له إمام الوجود حفظًا وذهب العصر معنى ولفظًا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل). أُضرَّ الذهبي قبل موته بأربع سنين أو أكثر بماء نزل في عينيه، وتوفي سنة 748هـ. انظر مقدمة الجزء الأول من كتاب (سير أعلام النبلاء)، كتابة د/ بشار عواد معروف. (¬3) الشيخ الإمام المحدث محمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفار الزاهد: قال الحاكم: هو محدث عصره، كان مجاب الدعوة، توفي سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة. [السير للذهبي (15/ 437 - 438)].

يدعو أن لا يراهم

«وكان ورَّاقه أبو العباس المصري خانه، واختزل عيون كتبه، وأكثر من خمس مائة جزء من أصوله، فكان أبو عبد الله يجامله جاهدًا في استرجاعها فلم ينجع فيه، فذهب علمه بدعاء الشيخ عليه» (¬1). * * * يدعو أن لا يراهم ساق الذهبي بسنده عن علي بن عمرو الحراني، سمعت حمزة بن محمد الحافظ (¬2) وجاءه غريب فقال: إن عسكر أبي تميم - يعني المغاربة - قد وصلوا إلى الإسكندرية فقال: اللهم لا تحيني حتى تريني الرايات الصفر. فمات حمزة ودخل عسكرهم بعد موته بثلاثة أيام، قلت - والكلام للذهبي: هؤلاء عسكر المعز العبيدي ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (15/ 438). (¬2) حمزة بن محمد: الإمام الحافظ محدث الديار المصرية الكناني المصري، ولد سنة خمس وسبعين ومئتين، وجمع وصنف وكان متقنًا مجودًا ذا تأله وتعبد، قال أبو عبد الله الحاكم: هو على تقدمه في معرفة الحديث أحد من يذكر بالزهد والورع والعبادة، مات سنة سبع وخمسين وثلاث مائة [السير للذهبي (16/ 179 - 181)].

غدر به فأنجاه الله - تعالى -

الإسماعيلية؛ تملكوا مصر في هذا الوقت، وبنوا في الحال مدينة القاهرة المعزِّيَّة، فأماتوا السُّنَّة وأظهروا الرفض، ودامت دولتهم أزيد من مئتي عام حتى أبادهم السلطان صلاح الدين (¬1) ونسبهم إلى علي - رضي الله عنه - غير صحيح (¬2). * * * غدر به فأنجاه الله - تعالى - قال ابن كثير رحمه الله: وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل حكى عنه أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالدقي الصوفي (¬3)، قال هذا الرجل: كنت أكاري على بغل لي من دمشق ¬

_ (¬1) السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب الدويني ثم التكريتي المولد: ولد في سنة اثنتين وخمس مئة، تملك بعد نور الدين واتسعت بلاده، قال الموفق عبد اللطيف: أتيت وصلاح الدين بالقدس فرأيت ملكًا يملأ العيون روعة والقلوب محبة قريبًا وبعيدًا سهلاً محببًا وأصحابه يتشبهون به، وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حفلاً بأهل العلم يتذاكرون وهو يحسن الاستماع والمشاركة، حُمَّ صلاح الدين ففصده من لا خبرة له فخارت القوة ومات، وما رأيت ملكًا حزن الناس لموته سواه؛ لأنه كان محببًا يحبه البر والفاجر، توفي في سنة تسع وثمانين وخمس مئة. [السير للذهبي (21/ 278 - 291)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي، (16/ 181). (¬3) محمد بن داود الدينوري الدقي: قال السلمي: عمَّر فوق مائة سنة. قال أبو نصر السراج: حكى أبو بكر الدقي قال: كنت بالبادية فوافيت قبيلة فأضافني رجل فرأيت غلامًا أسود مقيدًا ورأيت جمالاً سنة، فقالا لغلام: اشفع لي. قلت: لا آكله حتى تحله. قال: إنه أفقرني. قلت: ما فعل؟ قال: له صوت طيب فحدا لهذه الجمال وهي مثقلة حتى قطعت مسيرة ثلاثة أيام في يوم، فلما حط عنها ماتت كلها، ولكن قد وهبته لك، فلما أصبحت أحببت أن أسمع صوته فسألته، وكان هناك جمل يستقي عليه فحدا فهام الجمل على وجهه وقطع حباله ولم أظن أني سمعت أطيب صوتًا منه، ووقعت لوجهي، مات سنة ستين وثلاث مئة. [السير للذهبي (16/ 138 - 139)].

إلى بلد الزبداني، فركب معي ذات مرة رجل، فمررنا على طريق مسلوكة فقال لي: خذ في هذه؛ فإنها أقرب. فقلت: لا خبرة لي بها. فقال: بل هي أقرب. فسلكناها إلى مكان وعر وواد عميق وفيه قتلى كثيرة، فقال لي أمسك رأس البغل حتى أنزل. فنزل وتشمر وجمع عليه ثيابه وسلَّ سكينًا معه وقصدني، ففررتُ من بين يديه وتبعني، فناشدته الله رجاء أن يأخذ البغل بما عليه فقال: هو لي؛ وإنما أريد قتلك. فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل، فاستسلمت بين يديه وقلت: إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين. فقال: عجل. فقمت أصلي فارتج علي القرآن فلم يحضرني منه حرف واحد، فبقيت واقفًا متحيرًا وهو يقول: هيه افرغ. فأجرى الله على لساني قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]. فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي وبيده حربة فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده فخر صريعًا فتعلقت بالفارس وقلت: بالله من أنت؟ قال: أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء. قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت سالمًا (¬1). * * * ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير 4/ 122.

سقي السم

سُقِي السَّم قال الإمام الذهبي - رحمه الله - في معرض حديثه عن ما حصل في أواسط الدولة العباسية: وقتل ببغداد رجل من أعوان الشحنة، فبعث رئيس بغداد من طرح النار في أسواق، فاحترقت بغداد حريقًا مهولاً، واحترق النساء والأولاد، فعدة ما احترق ثلاثة مائة وعشرون دارًا وثلاث مائة وسبعة عشر دكانًا وثلاثة وثلاثون مسجدًا، وكثر الدعاء على الرئيس، وهو أبو الفضل الشيرازي (¬1) ثم سقي وهلك (¬2). * * * شرب ماء زمزم قال أبو حازم عمر بن أحمد العبدويي الحافظ: سمعت الحاكم أبا عبد الله (¬3) إمام أهل الحديث في عصره يقول: شرب ماء زمزم ¬

_ (¬1) الشيرازي الوزير أبو الفضل الذي غضب على أهل بغداد لقتلهم جندارًا فأمر بإلقاء النار في الأٍسواق، فاحترق من النحاسين إلى السماكين، واحترق عدة من النساء والأطفال، وراحت الأموال، وكثر الدعاء عليه، وشتموه في وجهه، ثم قبض عليه عز الدولة، وطرد إلى الكوفة، فسقي سم الذراريح، فهلك سنة بضع وستين وثلاث مئة. [السير للذهبي (16/ 309)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي (17/ 171). (¬3) الحاكم محمد بن عبد الله: الإمام الحافظ الناقد العلامة شيخ المحدثين أبو عبد الله بن البيع الضبي النيسابوري صاحب التصانيف، صنف وخرج وجرح وعدَّل وصحَّح وعلَّل وكان من بحور العلم، قال عبد الغفار بن إسماعيل: ... ومن تأمل كلامه في تصانيفه وتصرفه في أماليه ونظره في طرق الحديث أذعن بفضله واعترف له بالمزية على من تقدَّمه وإتعابه من بعده وتعجيزه اللاحقين عن بلوغ شأوه، وعاش حميدًا، ولم يخلف في وقته مثله، مضى إلى رحمة الله سنة خمس وأربع مئة. [السير للذهبي (17/ 162 - 177)].

مات فجأة

وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف (¬1). * * * مات فجأة قال الإمام الذهبي - رحمه الله: في ترجمة باديس بن منصور (¬2) صاحب المغرب: (وفي سنة ست وأربع مائة أمر جيشه بالعرض، فسرَّه حسنُ شارتهم وهيئتهم، ثم مد السماط وأكل فمات فجأة لليلته، فأخفوا موته ورتبوا في الملك أخاه كرامت ثم عطفوا فبايعوا ابنه المعز بن باديس، ويقال: مات بالخوانيق، دعا عليه الصالح محرز الطرابلسي المؤدب؛ لكونه همَّ بخراب طرابلس المغرب (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي 17/ 171. (¬2) باديس بن منصور بن يوسف بن بلكين: صاحب المغرب وابن ملوكها من جهة العبيدية أبو مناد الصنهاجي، وصنهاجة من حمير - بالكسر - وقال ابن دريد: لا يجوز إلا ضم الصاد، مولده سنة أربع وسبعين وثلاث مئة، كان سائسًا حازمًا شديد البأس، إذا هزَّ رمحا كسره. [السير للذهبي (17/ 216 - 217)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي (17/ 217).

اللهم عافني لأغزوهم

اللهم عافني لأغزوهم قال الذهبي في ترجمة طغان خان (¬1): (قصدته جيوش الصين، والخطا (¬2) في جمع ما سُمع بمثله، حتى قيل: كانوا ثلاث مائة ألف. وكان مريضًا فقال: اللهم عافني لأغزوهم ثم توفني إن شئت. فعوفي وجمع عساكره وساق فبيتهم وقتل منهم نحو مئتي ألف وأسر مائة ألف، وكانت ملحمة مشهودة في سنة ثمان وأربع مائة ورجع بغنائم لا تحصى إلى بلاساغون، فتوفاه الله عقيب وصوله) (¬3). * * * تحيَّر في مسألة قال ابن سينا (¬4): وكنت كلما أتحير في مسألة أو لم أظفر بالحد الأوسط في قياس ترددت إلى الجامع وصليت وابتهلت إلى مبدع ¬

_ (¬1) طغان خان التركي صاحب تركستان وبلا ساغون وكاشغر وختن وفاراب وكان دينًا عادلاً بطلاً شجاعا [السير للذهبي (17/ 278 - 279)]. (¬2) الخطا: يطلق على بلاد متاخمة للصين يسكنها جنس من الترك (قاله محقق هذا الجزء من السير]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي (17/ 278 - 279). (¬4) الفيلسوف الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا البلخي ثم البخاري: مولده سنة سبعين وثلاث مئة، ولم يأت بعد الفارابي مثله؛ فالحمد لله على الإسلام والسنة، وله كتاب (الشفاء) وغيره وأشياء لا تحتمل، مات سنة ثمان وعشرين وأربع مئة. [السير للذهبي (17/ 531 - 537)].

خطيب يدعو على رجل

الكل حتى فتح لي المنغلق منه (¬1). * * * خطيب يدعو على رجل قال ابن بشكوال في ذكره للعلامة المقرئ أبي محمد مكي بن أبي طالب (¬2) (وكان خيرًا متدينًا مشهورًا بإجابة الدعوة، دعا على رجل كان يؤذيه ويسخر به إذا خطب فزمن الرجل) (¬3). * * * رده الله - تعالى - إلى ملكه قال الذهبي في ترجمة الخليفة العباسي القائم بأمر الله (¬4): ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (17/ 532). (¬2) العلامة المقرئ مكي بن أبي طالب حموش بن محمد القيسي القيرواني ثم القرطبي: صاحب التصانيف، ولد بالقيروان سنة خمس وخمسين وثلاث مئة، وكان من أوعية العلم مع الدين والسكينة والفهم، توفي سنة سبع وثلاثين وأربع مئة. [السير للذهبي (17/ 591 - 593)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي (17/ 592). (¬4) القائم بأمر الله الخليفة عبد الله بن القادر بالله أحمد العباسي: كان قوي النفس ديِّنًا ورعًا متصدقًا وفيه عدل وسماحة ولم يزل أمره مستقيمًا على أن ... تُحدث بأن أرسلان التركي البساسيري يريد نهب دار الخلافة وعزل القائم، فكاتب القائم طغرلبك ملك الغز يستنهضه، وكان بالري، ثم أحرقت دار البساسيري وهرب وقدم طغرلبك في سنة 447هـ، ورد الله القائم إلى مقر عزه، توفي سنة سبع وستين وأربع مئة، وكان ذا حظ من تعبد وصيام وتهجد لما أن أعيد إلى الخلافة، وكان تاركًا للملاهي. [السير للذهبي (15/ 138 - 141)]، وكذا في (18/ 307 - 318).

كان ذا دين وخير وبر وعلم وعدل، بويع سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة، ونكب سنة خمسين في كائنة البساسيري (¬1)، ففر إلى البرية في ذمام أمير للعرب (¬2)، ثم عاد إلى خلافته بعد عام بهمة ¬

_ (¬1) البساسيري: المقلب بالمظفر ملك الأمراء أرسلان التركي البساسيري نسبة إلى تاجر باعه من أهل فسا والصواب فسوي فقيلت على غير قياس كعادة العجم. ترقت به الأحوال إلى أن نابذ الخليفة وخرج عليه وكاتب صاحب مصر المستنصر فأمده بأموال وسلاح فأقبل في عسكر قليل وتوثب على بغداد ففر منه القائم وتذمم بأمير العرب مهارش وعاث جمع البساسيري وأقام الدعوة للمستنصر سنة وقتل الوزير وفعل القبائح حتى أقبل طغرلبك ونصر الخليفة ونزح البساسيري فاتبعه عسكر فقاتل حتى قتل فلله الحمد. [السير للذهبي (18/ 132 - 133)]. * والوزير الذي قتله البساسيري هو: علي بن الحسن بن الشيخ أبي الفرج بن المسلمة، ولد سنة 397هـ، استكتبه القائم ثم استوزره، وكان من خيار الوزراء العادلين، قال الخطيب: اجتمع فيه من الآلات ما لم يجتمع في أحد قبله، مع سداد مذهب ووفور عقل وأصالة رأي. قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: أُخْرج رئيس الوزراء وعليه عباءة وطرطور وفي رقبته مخنقة جلود وهو يقرأ {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} ويرددها، فطيف به على جمل ثم خيط عليه جلد ثور بقرنين وعلق وفي فكيه كلوبان وتلف في آخر النهار في ذي الحجة سنة خمسين وأربع مئة. [السير للذهبي (18/ 216 - 218)]. (¬2) مهارش بن مجلي بن عكيث: الأمير من وجوه العرب بعانة والحديثة، ذو بر وصدقات وصلاة وخير، أجار القائم بأمر الله في فتنة البساسيري وآواه إليه سنة في ذمامه إلى أن عاد إلى مقر عزه؛ فكان يخدم الخليفة بنفسه وله وكتب بها إلى القائم: لولا الخليفة ذو الأفضال والمنن ... نجل الخلائف آل الفرض والسنن بعت قومي وهم خير الأنام وقد ... أصبحت أعرف بغداد وتعرفني ما يستحق سواري مثل منزلتي ... عدلك هذا اليوم ينصفني وهي طويلة، مات سنة تسع وتسعين وأربع مئة. [السير للذهبي 19/ 224 - 225)].

السلطان طغرلبك (¬1) وأزيلت خليفة مصر المستنصر بالله (¬2) من العراق، وقتل البساسيري، ولما أن فر القائم إلى البرية رفع قصة إلى رب العالمين مستعديًا على من ظلمه، ونفذ بها إلى البيت الحرام، فنفعت، وردَّه الله تعالى إلى مقر عزه، فكذلك ينبغي لكلِّ من قُهر وبغي عليه أن يستغيث بالله - تعالى، وإن صبر وغفر فإن في الله كفاية ووقاية (¬3)، (وهي إلى الله العظيم من المسكين عبده، اللهم إنك أنت العالم بالسرائر، المطلع على الضمائر، اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك علي عن إعلامي، هذا عبدك قد كفر نعمك وما شكرها، أطغاه حلمك حتى تعدى علينا بغيًا، اللهم قل الناصر ¬

_ (¬1) أحمد بن ميكائيل: وأصل السلجوقية من بر بخارى، لهم عدد وقوة وإقدام وشجاعة وشهامة وزعارة؛ فلا يدخلون تحت طاعة، وإذا قصدهم ملك دخلوا البرية ... ثم إن طغرلبك عظم سلطانه واستولى على العراق وتحبَّب إلى الرعية بعدل مشوبٍ بجور ... ولما تمهدت البلاد له خطب بنت الخليفة القائم فتألم القائم واستعفى فلم يُعْفَ، فزَوّجه بها، ثم قدم طغرلبك بغداد للعرس ... هذا والخليفة في ألم وحزن وكظم، ثم إن طغرلبك خلا بها ولم يمتع بنعيم الدنيا؛ بل مات في رمضان من السنة بالري سنة خمس وخمسين (وأربع مئة). [السير للذهبي (18/ 107 - 111)]. (¬2) معد بن الظاهر لإعزاز دين الله علي العبيدي المصري: امتدت أيامه ستين سنة وأربعة أشهر، وكان الحاكم قد هدم القمامة التي بالقدس، فأذن المستنصر لطاغية الروم أن يجددها وهادنه على إطلاق خمسة آلاف أسير مسلمين وغرم أموالاً على عمارتها، وما زال حتى قتله الأمراء وقتلوا أخويه فخر العرب وتاج المعالي وانقطعت دولتهم، مات سنة سبع وثمانين وأربع مائة وقد قارب السبعين، وكان سب الصحابة فاشيًا في أيامه والسنة غريبة مكتومة. [السير للذهبي (15/ 186 - 196)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي 18/ 307.

من شاء فلينصرف

واعتز الظالم وأنت المطلع الحاكم، بك نعتز عليه وإليك نهرب من يديه، فقد حاكمناه إليك وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، ورفعنا ظلامتنا إلى حرمك ووثقنا في كشفها بكرمك، فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين) (¬1). * * * من شاء فلينصرف قال الذهبي - رحمه الله تعالى - (وعظم أمر السلطان ألب أرسلان (¬2) وخُطب له على منابر العراق والعجم وخراسان ودانت له الأمم وأحبته الرعية ولا سيما لما هَزَمَ العدو، فإن الطاغية عظيم الروم أرمانوس حشد وأقبل في جمع ما سمع بمثله في نحو من مئتي ألف مقاتل من الروم والفرنج والكرج وغير ذلك ووصل إلى منازكرد (بلد مشهور بين خلاط وبلاد الروم). وكان السلطان ¬

_ (¬1) المرجع السابق 15/ 140. (¬2) الملك العادل عضد الدولة ألب أرسلان محمد التركماني الغزي: من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم، افتتح قلاعًا وأرعب الملوك، وفي سنة خمس عبر بجيوشه نهر جيحون وكانوا مئتي ألف فارس فأتي بعلج يقال له: يوسف الخوارزمي كانت بيده قلعة فأمر أن يشبح في أربعة أوتاد فصاح: يا مخنث: مثلي يقتل هكذا؟ فاحتد السلطان وأخذ القوس وقال: دعوه ورماه فأخطأه فظفر يوسف إلى السرير فقام السلطان فعثر على وجهه فبرك العلج على السلطان وضربه بسكين، وتكاثر المماليك (على يوسف) فهبروه ومات منها السلطان سنة خمس وستين وأربع مئة. [السير للذهبي (18/ 414 - 418)].

بخوي (بلد بأذربيجان) قد رجع من الشام في خمسة عشر ألف فارس وباقي جيوشه بالأطراف فصمم على المصاف وقال: أنا ألتقيهم - وحسبي الله - فإن سلمت وإلا فابني ملكشاه (¬1) ولي عهدي، وسار فالتقى يزكه (مقدمة الجيش) ويزك القوم فكسرهم يزكه وأسروا مقدمهم فقطع السلطان أنفه، ولما التقى الجمعان وتراءى الكفر والإيمان واصطدم الجبلان طلب السلطان الهدنة قال أرمانوس: لا هدنة إلا ببذل الري فحمي السلطان وشاط فقال إمامه: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره، ولعل هذا الفتح باسمك فالقهم وقت الزوال - وكان يوم جمعة - قال: فإنه يكون الخطباء على المنابر وإنهم يدعون للمجاهدين فصلوا وبكى السلطان ودعا وأمنوا وسجد وعفر وجهه وقال: يا أمراء، من شاء فلينصرف فما هاهنا سلطان، وعقد ذنب حصانه بيده ولبس البياض وتحنط وحمل بجيشه حملة صادقة، فوقعوا في وسط العدو يقتلون كيف شاؤوا وثبت العسكر ونزل النصر وولت الروم واستحر بهم القتل وأُسر طاغيتهم أرمانوس، أسره مملوك لكوهرائين وهم بقتله فقال إفرنجي: لا. لا فهذا الملك. وقرأت بخط القفطي: أن ألب آرسلان بالغ في ¬

_ (¬1) جلال الدولة بن ألب أرسلان محمد السلجوقي: تملك من المدائن ما لم يملكه سلطان وكان حسن السيرة لهجًا بالصيد مغرى بالعمائر وحَفْر الآبار وتشييد القناطر والأسوار، وعمَّر ببغداد جامعًا كبيرًا وأبطل المكوس والخفارات في جميع بلاده هكذا نقل ابن خلكان، تزوج الخليفة المقتدي بابنته وعملت دعوة لجيش السلطان ما سمع بمثلها أبدًا وولدت له جعفر. مات سنة خمس وثمانين (وأربع مئة). [السير للذهبي (19/ 54 - 58)] انظر مقدمة لبغداد ووفاته في القصة الآتية.

التجأ إلى الله - تعالى - فدفع عنه

التضرع والتذلل وأخلص لله. وكيفية أسر الطاغية أن مملوكًا وجد فرسًا بلجام مجوهر وسرج مذهب مع رجل بين يديه مغفر من الذهب ودرع مذهب، فَهَمَّ الغلام فأتى به إلى بين يدي السلطان فقنعه بالمقرعة وقال: ويلك ألم أبعث أطلب منك الهدنة؟ قال: دعني من التوبيخ قال: ما كان عزمك لو ظفرت بي؟ قال: كل قبيح؟ قال: فما تؤمل وتظن بي؟ قال تقتلني أو تشهرني في بلادك والثالثة بعيده: العفو وقبول الفداء. قال: ما عزمت على غيرها فاشترى نفسه بألف ألف دينار وخمس مائة ألف دينار وإطلاق كل أسير في بلاده فخلع عليه وأعطاه نفقة توصله. وأما الروم فبادروا وملكوا آخر فلما قرب أرمانوس شعر بزوال ملكه، فلبس الصوف وترهب ثم جمع ما وصلت يده إليه نحو ثلاث مائة ألف دينار فبعثها واعتذر وكانت الملحمة في سنة ثلاث وستين (وأربع مائة) (¬1). * * * التجأ إلى الله - تعالى - فدفع عنه قال الذهبي - رحمه الله تعالى - في ترجمة ملكشاه (وقدم بغداد مرتين وقدم إلى حلب، ولم يكن للمقتدي معه غير الاسم ثم قدمها ثالثًا عليلاً، وكان المقتدي قد فوض العهد إلى ابنه المستظهر فألزمه ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (18/ 415 - 416) بتصرف وقد ذكرها أيضًا في ترجمة القائم بأمر الله في (ص315 - 316).

دعاء أهل مصر

ملكشاه بعزله، وأن يولي ابن بنته جعفرًا وأن يسلم بغداد إليه ويتحول إلى البصرة فشق على المقتدي وحار ثم طلب المهلة عشرة أيام ليتجهز، فصام وطوى وجلس على التراب وتضرع إلى ربه فقوي بالسلطان المرض (أي ملكشاه) ومات في شوال سنة خمس وثمانين (وأربع مائة) عن تسع وثلاثين سنة (¬1) وفي ترجمة الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله (¬2) قال فيها الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - (وكان حسن السيرة وافر الحرمة وكان ملكشاه قد صمم على إخراجه من بغداد فحار والتجأ إلى الله فدفع عنه وهلك ملكشاه) (¬3). * * * دعاء أهل مصر ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي (19/ 57). (¬2) عبيد الله بن ذخيرة الدين محمد بن القائم بأمر الله العباسي: وكان حسن السيرة وافر الحرمة فيه ديانة ونجابة وقوة وعلو همة، من كلامه: الألسن الفصيحة أنفع من الوجوه الصبيحة. والضمائر الصحيحة أبلغ من الألسن الفصيحة. وفي أول سنة سبع وثمانين (وأربع مئة) خطب ببغداد للسلطان بروكياروق ركن الدولة وعلم المقتدي على تقليده ثم مات (المقتدي) فجأة من الغد تغدى وغسل يديه وعنده فتاته شمس النهار فقال: ما هذه الأشخاص دخلوا بلا إذن؟ فارتابت وتغير وارتخت يراه وسقط فظنوه غشي عليه، فطلبت الجارية وزيره ومات وأخروا دفنه ثلاث ليال لكونه مات فجأة [السير للذهبي (18/ 318 - 324)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي (18/ 318 - 319).

اللهم بين لي الحق

في سنة 469هـ سار أتسز (¬1) - الذي أخذ دمشق - إلى مصر وحاصرها وكاد أن يملكها، فتضرع أهلها إلى الله فترحل بلا سبب ونازل القدس ثم أخذها وقتل ثلاثة آلاف وذبح القاضي والشهود صبرًا وعسفا. وفي سنة 471هـ أقبل تاج الدولة تتش (¬2) أخو ملكشاه فاستولى على دمشق وقتل أتسز وأحبه الناس (¬3). * * * اللهم بين لي الحق قال الحسين بن أحمد الحاجي: خرجت مع أبي المظفر (¬4) إلى ¬

_ (¬1) أتسز بن أوق الخوارزمي: من كبار ملوك الظلم، قال ابن عساكر (ولي دمشق بعد حصاره إياها دفعات وأقام الدعوة العباسية، وتغلب على أكثر الشام وقصد مصر ليأخذها فلم يتم له ذلك ثم جهز المصريون إلى الشام عسكرًا ثقيلاً فعجز عنهم واستنجد بتاج الدولة تتش (انظر مقدم تتش في ترجمته الآتية) وقد قتل أتسز بالقدس خلقًا كثيرًا منهم قاضيها، وفعل العظائم حتى قلعه الله تعالى [السير للذهبي (18/ 431 - 432)]. (¬2) تاج الدولة تتش بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي: كان شجاعًا مهيبًا جبارًا ذا سطوة له فتوحات ومصافات وتملك عدة مدائن وخطب له ببغداد وصار من كبار ملوك الزمان، قدم دمشق فخرج ليتلقاه المتغلب عليها أطسز الخوارزمي فسلم عليه ثم سار وشد عليه تتش فضرب عنقه وأخذ البلد وجرت له أمور وحروب مع المصريين وتملك بضع عشرة سنة، ثم سار في سنة ثمان وثمانين وأربع مائة ليتملك بلاد العجم فقتل في المصاف بالري التقاه بركياروق ابن أخيه. [السير للذهبي (19/ 83 - 85)]. (¬3) سير أعلام النبلاء للذهبي (8/ 319). (¬4) منصور بن محمد التميمي السمعاني: الإمام العلامة قال عبد الغفار: هو وحيد عصره في وقته فضلاً وطريقة وزهدًا وورعًا من بيت العلم والزهد، حج على البرية أيام انقطع الركب كان يقول: أسرونا فكنت أرعى جمالهم فاتفق أن أميرهم أراد أن يُزوج بينته فقالوا: نحتاج أن نرحل إلى الحضر لأجل من يعقد لنا فقال رجل منا: هذا الذي يرعى جمالكم فقيه خراسان، فسألوني عن أشياء فأجبتهم وكلمتهم بالعربية فخجلوا واعتذروا فعقدت لهم العقدة وقلت الخطبة ففرحوا، وسألوني أن أقبل منهم شيئًا فامتنعت فحملوني إلى مكة وسط العام. توفي سنة تسع وثمانين وأربع مئة. [السير للذهبي (19/ 114 - 119)].

دعاء عند الملتزم

الحج فكلما دخلنا بلدة نزل على الصوفية وطلب الحديث، ولم يزل يقول في دعائه: اللهم بين لي الحق، فلما دخلنا مكة نزلنا على أحمد بن علي بن أسد وصحب سعدا الزنجاني حتى صار محدثًا (¬1). * * * دعاء عند الملتزم عن أبي جعفر الهمذاني الحافظ: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت في الطواف فوصلت إلى الملتزم وإذا برجل قد أخذ بردائي فإذا الإمام سعد فتبسمت فقال: أما ترى أين أنت؟ هذا مقام الأنبياء والأولياء ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم كما سقته إلى أعز مكان فأعطه شرف عز في كل مكان وزمان، ثم ضحك إلي وقال: لا تخالفني في سرك وارفع يديك معي إلى ربك ولا تقولن البتة شيئًا واجمع لي همتك حتى أدعو لك وأمن أنت ولا يخالفني ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي 19/ 118.

دعاء أهل دمشق

عهدك القديم فبكيت ورفعت يدي، وحرك شفتيه وأمنت ثم قال: مر في حفظ الله فقد أجيب فيك صالح دعاء الأمة، فمضيت وما شيء أبغض إلي من مذهب المخالفين (¬1). * * * دعاء أهل دمشق قال الذهبي - رحمه الله تعالى - (وفي سنة 543هـ جاءت ثلاثة ملوك من الفرنج إلى القدس منهم طاغية الألمان، صلوا صلاة الموت وفرقوا على جندهم سبع مائة ألف دينار فلم يشعر بهم أهل دمشق إلا وقد صبحوهم في عشرة آلاف فارس وستين ألف رجل، فخرج المسلمون فارسهم وراجلهم والتقوا فاستشهد نحو المائتين منهم النفدلاوي (¬2) وعبد الرحمن الحلحولي ثم اقتتلوا من الغد وقتل خلق من الفرنج فلما كان خامس يوم وصل من الجزيرة غازي بن زنكي (¬3) في عشرين ألفًا وتبعه أخوه نور الدين (¬4) وكان الضجيج ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي 19/ 118. (¬2) الإمام يوسف بن دوناس المغربي الفندلاوي: المالكي خطيب بانياس، روى عنه ابن عساكر وقال: كان حسن المفاكهة حلو المحاضرة كريمًا مطرحًا للتكلف قوي القلب. قتل سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة. [السير للذهبي (20/ 209 - 210)]. (¬3) سيف الدين غازي بن زنكي: تملك الموصل بعد أبيه واعتقل ألب أرسلان السلجوقي وكان عاقلاً حازمًا شجاعًا جوادًا محبًا في أهل الخير، لم تطل مدته وعاش أربعين سنة وكان من أحسن الملوك شكلاً وكان له مائة رأس كل يوم لسماطه وقد مدحه الحيص بيص فأجازه بألف دينار. توفي سنة أربع وأربعين وخمس مائة [السير للذهبي (20/ 192 - 193)]. (¬4) الملك العادل ناصر أمير المؤمنين ليث الإسلام نور الدين محمود بن الأتابك قسيم الدولة أبي سعيد زنكي التركي الملكشاهي: مولده سنة إحدى عشرة وخمس مائة قل أن ترى العيون مثله أظهر السنة بحلب وقمع الرافضة وبنى المدارس والجوامع والمساجد وأبطل المكوس وكان بطلاً شجاعًا وافر الهيبة ذا تعبد وخوف وورع، وأمر بتكميل سور المدينة النبوية، واستخراج العين بأحد دفنها السيل، وفتح درب الحجاز ووقف كتبًا كثيرة مثمنة قال سبط الجوزي: كان له عجائز فكان يخيط الكوافي ويعمل السكاكر فيبعنها سرًا ويفطر على ثمنها. توفي سنة تسع وستين وخمس مائة [السير للذهبي (20/ 531 - 539)].

دعاء القاضي الفاضل

والدعاء والتضرع بدمشق لا يعبر عنه ووضعوا المصحف العثماني في صحن الجامع، وكان قسيس العدو قال: وعدني المسيح بأخذ دمشق فحفوا به وركب حماره وفي يده الصليب فشد عليه الدماشقة فقتلوه وقتلوا حماره، وجاءت النجدات وانهزم الفرنج (¬1). * * * دعاء القاضي الفاضل قال الذهبي - رحمه الله تعالى -: حكى القاضي ضياء الدين ابن الشهرزوري أن القاضي الفاضل (¬2) لما سمع أن العادل (¬3) أخذ ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي 20/ 405. (¬2) العلامة البليغ محيي الدين عبد الرحيم بن علي اللخمي: الكاتب صاحب ديوان الإنشاء الصلاحي، ولد سنة تسع وعشرين وخمس مائة انتهت إليه براعة الترسل وبلاغة الإنشاء وله في ذلك الفن اليد البيضاء والمعاني المبتكرة والباع الأطول لا يدرك شأوه ولا يشق غباره مع الكثرة، قال العماد: قضى سعيدًا ولم يبق عملاً صالحًا إلا قدمه ولا عقد بر إلا أبرمه، وكان للحقوق قاضيًا وفي الحقائق ماضيًا والسلطان له مطيع، ما افتتح الأقاليم إلا بأقاليد آرائه ومقاليد غناه، وغنائه وكانت كتابته كتائب النصر وبراعته رائعة الدهر وبراعته بارية للبر وعبارته نافثة في عقد السحر، توفي سنة ست وتسعين وخمس مئة. [السير للذهبي (21/ 338 - 344)]. (¬3) سيف الدين أبو الملوك وأخو الملوك محمد بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي الدويني الأصل التكريتي: كان أصغر من أخيه صلاح الدين بعامين. وكان ذا عقل ودهاء وشجاعة وتؤدة وخبرة بالأمور، احتيل على الفتك به مرات ويسلمه الله وكان شديد الملازمة لخدمة أخيه صلاح الدين وما زال يتحيل حتى أعطاه العزيز دمشق، فكانت السبب في أن تملك البلاد ثم جرت أمور يطول شرحها وقتال على الملك ولو كان ذلك التعب والحرب جهادًا للفرنج لأفلح. توفي سنة خمس عشرة وست مائة [السير للذهبي (22/ 115 - 120)].

غيث أجرى الأودية

مصر دعا بالموت خشية أن يستدعيه وزيره ابن شكر (¬1) أو يهينه فأصبح ميتًا وكان ذا تهجد ومعاملة (¬2). * * * غيث أجرى الأودية قال الذهبي - رحمه الله تعالى - في ترجمة محمد بن أحمد بن ¬

_ (¬1) صفي الدين عبد الله بن علي الشيبي الدميري المالكي ابن شكر: ولد سنة ثمان وأربعين (وخمس مئة) قال أبو شامه: كان خليقًا للوزارة لم يلها بعده مثله وكان متواضعًا يسلم على الناس وهو راكب ويكرم العلماء. وقال عبد اللطيف: وقد نفي ثم استوزره الكامل وقد عمي فصادر الناس وكان يقول: أتحسر أن ابن البيساني ما تمرغ على عتبتي يعني القاضي الفاضل وربما مر بحضرة ابنه وكان معجبًا تياهًا مات سنة اثنتين وعشرين وست مائة عفا الله عنه. [السير للذهبي (22/ 294 - 295)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي (21/ 341)].

أهل المدينة وظهور النار

قدامة (¬1) (وقد استسقى مرة بالمغارة، فحينئذ نزل غيث أجرى الأودية) (¬2). * * * أهل المدينة وظهور النار قال الذهبي - رحمه الله تعالى - (في سنة أربع وخمسين (وست مائة) كان ظهور الآية الكبرى وهي النار بظاهر المدينة النبوية ودامت أيامًا تأكل الحجارة واستغاث أهل المدينة إلى الله وتابوا وبكوا ورأى أهل مكة ضوءها من مكة وأضاءت لها أعناق الإبل ببصرى كما وعد بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه. وكسف فيها الشمس والقمر وكان فيها الغرق العظيم ببغداد، وهلك خلق من أهلها وتهدمت البيوت وطفح الماء على السور، وفيها كان حريق مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعه في أول رمضان من مسرجة القيم فلله الأمر كله (¬3). وقال أيضًا في تاريخ الإسلام (أمرُ هذه النار متواتر وهي مما أخبر به المصطفى صلوات الله وسلامه عليه حيث يقولك «لا تقوم ¬

_ (¬1) الإمام العالم الفقيه المقرئ المحدث محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة: المقدسي الحنبلي الزاهد واقف المدرسة، مولده في سنة ثمان وعشرين وخمس مئة، وتحول إلى دمشق هو وأبوه وأخوه وقرابته مهاجرين إلى الله - تعالى -، وقد جمع الحافظ الضياء سيرته في جزءين فشفى وكفى وقال: لا يترك قيام الليل من وقت شبوبيته، وإذا رافق ناسًا في السفر ناموا وحرسهم يصلي.، توفي سنة سبع وست مئة. [السير للذهبي (22/ 5 - 9)]. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي 22/ 8. (¬3) المرجع السابق (23/ 180).

همة وصدق

الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تُضيء لها أعناق الإبل ببصرى». وقد حكى غير واحد ممن كان ببصرى في الليل ورأى أعناق الإبل في ضوئها (¬1). * * * همة وصدق قال الدكتور عبد الرحمن السميط: «من خلال عملنا في غرب السودان أُخبرت أن داعية قبل أربعين سنة أتى إليها (جبال النوبة) وكانت مشهورة بالوثنية وينتشر في كل قرية ساحر فكان الداعية يشرح الإسلام عند ذلك تجمع السحرة وأثاروا الناس فذهبوا إلى الشيخ وقالوا: نحن في جفاف وإذا كان ربك هو حقًا الرب الصحيح فادعه ينزل المطر. وبدون تردد قال لهم: ما هو اليوم قالوا: الاثنين قال: سأدعو يوم الأربعاء فجلس منذ ذلك الوقت يصلي ويدعو ولم ينم في أي ليلة أكثر من ساعة واحدة، وفي يوم الأربعاء تجمع الناس وبدأ يدعو فيذكر لي المسلمون القدامى أنه نزلت كمية من الأمطار لم تشهدها المنطقة هدمت البيوت ومسحت قرى بكاملها» (¬2). ¬

_ (¬1) تاريخ الإسلام للذهبي: حوادث سنة (651 - 660) في حوادث (سنة أربع وخمسين وستمائة) ص22. (¬2) بتصرف من شريط (مشاهداتي في أفريقيا) للشيخ د. عبد الرحمن السميط إنتاج مؤسسة أحد.

رزق بتوأم

رزق بتوأم قالت إحدى لنساء (عاش: أخي الأكبر عشرة أعوام بعد زواجه، ولم يرزق بذرية فعملوا الفحوصات وأثبتت التحاليل الطبية أنه لا يوجد لدى الزوجين مانع من الإنجاب ... وكان أملهما في الله - تعالى - كبيرًا فلجئوا إليه بالدعاء أن يرزقهم ذرية صالحة وتحروا أوقات الإجابة، وكثيرًا ما يردد أخي في دعائه: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران: 38] ولم يخيب الله - تعالى - رجاءهم فبعد فترة رزقهم الله - تعالى - بتوأم ذكر وأنثى وبعد سنتين رزقهم الله - تعالى - ببنت فلله - تعالى - الحمد والمنة وصدق الله {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49 - 50]. * * * بكى وهو يناقش الدكتوراه ذكر أن رجلاً في ضيق عيش وشدة وعوز وكان يسعى للكسب ليساعد أباه فإذا جاء بأجرة يومه وضعها على المنضدة استحياء أن يمدها بيده لأبيه وكلما وضعها دعا له الوالد قائلاً:

في سكرات الموت

اللهم ارزق ابني القرآن واجعله من أهله. فبلغ الابن عشرين عامًا وهو يسعى لتحصيل الرزق وفي يوم من الأيام كان راجعًا من عمله فالتقى بعالم كان عمدة بلده في الفتوى فقال العالم للرجل: ما الذي أنت فيه؟ قال: الرجل: أسعى برزقي. فقال العالم: هل لك أن تجعل لي يومًا من أسبوعك؟ فقال الرجل: نعم ونعمت عيني بذلك. فما زال يتردد على العالم حتى أصبح طالب علم وترقى شيئًا فشيئًا حتى جاء اليوم الذي يناقش فيه رسالة الدكتوراه في تفسير القرآن الكريم فلما دعي للمناقشة وجلس، إذا بشيخه وأستاذه يقوم مهابةً له واحترامًا ثم قال له: تفضل يا شيخ وقام أمام الجمع يقول: هالني ما رأيت فيه من العلم والمعرفة بكتاب الله تعالى فعظمته وأجللته، فأخذ الرجل يبكي فقال الشيخ: تبكي ونحن نريد أن نجلك؟ قال: تذكرت دعوة أبي - رحمه الله - «اللهم ارزق ابني القرآن واجعله من أهله»، وحمد الله - تعالى - أن بلغه هذه المنزلة العظيمة من العلم ومن تفسير كلام الله تعالى ويا لها من نعمة (¬1). * * * في سكرات الموت ¬

_ (¬1) بتصرف من شريط (رحمة الضعفاء) للشيخ محمد الشنقيطي إنتاج مؤسسة أحد.

توعد زوجته بالطلاق

كتب بعض العلماء ترجمته بيده قائلاً: ما عرفت خيرًا بعد الإيمان بالله - تعالى - وتوفيقه، مثل بري بأبي فقد توفي وهو يدعو لي بالعلم والعمل فبلغني الله - تعالى - العلم (¬1). * * * توعد زوجته بالطلاق توعد رجل بجهله زوجته بالطلاق إن لم تأت بمولود ذكر، وكأن الأمر بيدها فهي لا تملك حولاً ولا قوة ولسان حالها: أنت تريد البنينا وما ذاك في أيدينا وإنا لنرضى بما أعطينا وفي يوم ذهبت للبيت الحرام وطافت وأكثرت الدعاء في ذلك المكان الطاهر وألحت بالدعاء خلف المقام، وبعد عدة أشهر قرب موعد وضعها وهي ترجو ربها وتأمل أن يكون مولودها ذكرًا شفقًا على حياتها وحياة أولادها، وحانت ساعة الصفر وقد اغرورقت عيناها بالدموع في موقفها العصيب، ولما وضعت غذ به مولود ذكر ففرحت واستبشرت وشكرت الله - تعالى - أن استجاب دعاءها فله الحمد والفضل. ¬

_ (¬1) المرجع السابق (بتصرف).

آخر جمعة

آخر جمعة لبث رجل في السجن أكثر من أربعين يومًا فسُمح لأهله بزيارته في أحد الأيام، فقام ليلة يصلي آخر الليل ويقول: اللهم اجعلها آخر زيارة يزورونيها واجعل تلك الجمعة التي صليتها آخر جمعة أصليها في السجن، ونام وأمله أن يستجاب دعاؤه وفي الغد نودي للخروج من السجن فخرج مبتهلاً فرحًا شاكرًا الله - تعالى. * * * شيخ يرزق بأولاد تزوج رجل بزوجة جلس معها سنوات ولم تنجب، ثم تزوج امرأة ثانية ولم يقدر الله - تعالى - شيئًا فتمنى الولد واشتد شوقه له، لا سيما مع كبر سنه فتزوج امرأة ثالثة وكان عمره حينها ستين سنة، وكان يقوم الليل ويدعو الله - تعالى - في السحر أن يأتيه ابن أو بنت، وبفضل من الله سبحانه وتعالى تحمل المرأة وتضع حملها ويأتيه الخبر السار: أبشر لقد رزقت بمولود ذكر، ففرح فرحًا شديدًا وحمد الله - تعالى - وبعد فترة رزق ببنت فسبحان الكريم الرحيم (¬1). ¬

_ (¬1) أجريت مع صاحب القصة مقابلة في جريدة الرياض العدد 12838 نقلتها بتصرف.

الابن يدعو لوالده

الابن يدعو لوالده ذُكر أن شابًا صالحًا يحب الأخيار ومجالستهم، وكان والده يكره الصالحين وإذا رآهم مع ابنه ربما طردهم من المنزل غير مراع شعور ابنه الصالح الذي ظل يدعو والده ويدعو له ... وفي ليلة من الليالي قام في ثلث الليل وصلى وفي آخر ركعة رفع يديه إلى السماء وبدأ يدعو لوالده ودموعه تنهمر من عينيه، وفي تلك اللحظات المفعمة بصدق الالتجاء إلى الله - تعالى - دخل والده البيت قادمًا من إحدى سهراته وسمع بالبيت باكيًا يبكي بحرقة وألم، فالتمس مصدر الصوت حتى وصل إليه فإذا هو ابنه يتضرع إلى الله تعالى أن يهدي والده فتأثر وجلس على ركبتيه عند باب الغرفة وأخذ يبكي ويراجع نفسه ويقول: ولدي يدعو لي وأنا أضايقه، ولدي يدعو لي وأنا أحاربه، ولما انتهى الابن من صلاته وفتح الباب إذ بوالده جالس يبكي، فلمار آه اشتد بكاؤه وضمه إليه وقال: والله لا أضايقك بعد اليوم، وهداه الله تعالى والعجيب أنهما ربما قاما يصليان آخر الليل سويًا. * * * دعاء الأم لولدها

ثلاث وظائف

كانت الأم كثيرًا ما تدعو لابنها الذي تظهر عليه بعض المظاهر السيئة، وفي يوم من الأيام وقفت بنفسها على بعض تصرفاته، فقامت آخر الليل ودعت له وأكثرت التضرع والالتجاء إلى الله - تعالى -، بأن يصلح فلذة كبدها الذي ترجو أن ينفعها في الحياة وبعد الممات، وارتفع صوت المؤذن لصلاة الفجر ينادي (الصلاة خير من النوم) وفجأة سمعت صوت أقدام تنزل من أعلى البيت واقترب الصوت شيئًا فشيئًا ثم دخل عليها في غرفتها، فرفعت رأسها وذهب لصلاة الفجر، والأم تتابعه بنظراتها وقد اغرورقت عيناها بالدمع، واستمر بعدها على الطاعة نسأل الله - تعالى - الثبات للجميع. * * * ثلاث وظائف كتب كاتب في مجلة الدعوة قصة أم سعد - رحمها الله تعالى - وفيها ( ... ومن المواقف التي أذكرها لها أنها تخرجت إحدى بناتها من الكلية، ولم تتعين وأحست بتأثر ابنتها لعدم التعيين، فقامت ليلتها تلك تدعو الله - تعالى - وترجوه ... فلما أصبح الصباح اتصلت بالديوان، فوجدت ثلاث وظائف شاغرة ووجدت أن ابنتها من المرشحات فحمدت الله - تعالى - وشكرته) (¬1). ¬

_ (¬1) بتصرف من مجلة الدعوة العدد 1866 تاريخ 25 شعبان 1423هـ.

منزل مبارك

منزل مبارك تسكن إحدى العوائل في بيت قديم متهالك، وكانت الزوجة تكثر الاستغفار وقيام الليل والدعاء - بأن ييسر الله - تعالى - لهم بيتًا مناسبًا - وتحث زوجها على ذلك فكانا متعاونين على الطاعة، واستمرت على هذه الحالة أيامًا وأتبعت قيامها جلوسًا في مصلاها بعد صلاة الفجر، حتى جاء يوم رأت فيه أثر دعائها واستجابة الله - تعالى - لها فيسر لهم بيتًا جديدًا بأقساط معلومة. وكانت تقول: لم أحلم يومًا بمثله فلله الحمد رب العالمين. * * * دعاء في آخر الليل لم يكن في بيت تلك العائلة شيءٌ من طعام أو غذاء نظرًا لأن راتب الزوج يذهب لتسديد أقساط بيتهم الجديد، وما كان للزوجة حيلة في الحصول على طعام تسد به حاجتهم، والأمر الذي أثارها خوفُها على أطفالها، فقامت في آخر الليل وقت تنزل الرحمات وإجابة الدعوات، فلبست خمارها وصفت في محرابها وصلت ما كُتب لها وأكثرت من الدعاء حتى أُذن للفجر فصلت وجلست في مصلاها تذكر الله - تعالى - وتدعوه حتى غلبها النوم وفي وقت الضحى استيقظت وصلت سنة الضحى ودعت الله - تعالى -

فجر الله - تعالى - كربتها

وبعد قليل أتى ابنها الصغير من الروضة، وبعدها سمعت الجرس فأرسلت ابنها ليفتح الباب فإذا الطارق رجل من أهل الخير أتى بمواد غذائية وبعض الأغراض الأساسية فأدخلها عند الباب، فذهبت الأم لترى من الطارق فسمعت ابنها يقول للرجل: من أنت؟ فلا يجيب وعندما انتهى أدخل الطفل وأغلق الباب. فشكرت المرأة الله تعالى وجزت خيرًا أهل الخير والعطاء. * * * فجر الله - تعالى - كربتها كتبت امرأةٌ في مجلة الأسرة قصتها قائلة ( ... عشت حرمانًا في بيت والدي وتزوجت زوجًا لم يحسن معاملتي و ... و ... وفي معاناتي لم يقف معي أحد من الناس فلجأت إلى الله - تعالى - بكل جوارحي أسأله أن يفرج كربتي ... وما هي إلا أيام بعد الدعاء حتى جاء الفرج وإذا بالجميع القريب والبعيد يقف معي حتى أم زوجي بعد شهور من الوحدة والألم والحمد لله - تعالى - الذي فرج كربتي ... ) (¬1). * * * الرعاة الثلاثة ¬

_ (¬1) بتصرف من مجلة الأسرة العدد 105 ذو الحجة 1422هـ.

دعاء في الربع الخالي

قال رجل (حدثني من أثق به عن امرأة قريبة له من الصالحات أنها تقول: في ذات يوم كنت أرعى الماشية وهناك شابان من حولي يرعيان، وكنا في حر شديد فعطشنا حتى بلغ العطش بنا وبالماشية مبلغًا عظيمًا فاستغاث أحد الشابين بالله - تعالى - أن يسقينا، ولكن الشاب الآخر كان فاجرًا فبدأ يسخر ويستهزئ ويقول: لو كان لدى ربك ماء لسقى به نفسه {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 43] فمكثنا قليلاً حتى أنشأ الله - تعالى - سحابةً من قبل المغرب، فارتفعت شيئًا فشيئًا حتى أظلتنا ثم نزل الغيث، وبعد قليل نزلت السحابة على الذي يستهزئ ويسخر ونحن ننظر إليه فهربنا وأحاطت به وبدأت تقصفه بالصواعق الشديدة حتى أصبنا برعب شديد وكاد أن يُغشى علينا من هول المنظر لولا لطف الله - تعالى - ورحمته، فلما انجلت تلك السحابة عن الساخر المستهزئ إذا بها قد قطعته إربًا إربًا والله شديد العقاب. * * * دعاء في الربع الخالي في مجلة (شباب) وردت هذه القصة التي أذكرها بترتيب واختصار (روى الأستاذ ... هذه الحادثة الغريبة حيث يقول: ذهبت أنا وأخي الأصغر مع مجموعة من الأصدقاء إلى الربع الخالي لأجل الصيد على بعد 400كم في وسط الرمال، فمكثنا عدة أيام بعدها، قررت أنا وأخي بعدها العودة واتجهنا بطريق الخطأ نحو

الشرق، وبعد وقت وجدنا صاحب سيارة فتزودنا منه بالوقود وتوجهنا نحو الشمال، وفي طريقنا أصبح في السيارة بعض الأعطال لا نستطيع من جرائها أن نتعدى سرعة 30كم لأن العجلة تضرب في الرفرف مع أننا ربطناه بالحبال والأسلاك، وكانت عودتنا في صباح يوم الجمعة وعند المساء دخلنا منطقة تكثر فيها الشجيرات المحاطة بالرمال، فوجدنا سيارة محطمة قديمة الصنع، فنزلنا إليها علَّنا نجد فيها ما يصلح عطل سيارتنا ونظرنا حولها وإذا بعظام صاحب السيارة الذي يبدو أنه هالك بجوارها فبدأ الرعب يدب في قلوبنا وما هي إلا لحظات إلا وسيارتنا تنطفئ ... حاولت تشغيلها فلم أستطع عندها نظرت في محركات السيارة فوجدتها صالحة، لكني لم أكرر التشغيل خشية نفاد كهرباء البطارية، وازداد الخوف وبدأ الظلام يخيم علينا فالجو ممطر وبارد والجثة وعظامها بجوارنا، فتوجهنا إلى الله - تعالى - بالدعاء فهو فارج الهم وكاشف الكرب، ثم ذهبت إلى السيارة لتشغيلها ويدي على قلبي، أدرت المفتاح ففشلت المحاولة كررت المحاولة فحصلت المفاجأة اشتغلت السيارة فخررت ساجدًا لله - تعالى -، ثم ركبنا السيارة مسرعين وغادرنا المكان وبعد ساعات رأينا نور إحدى السيارات فتوجهنا نحوه وسألناه عن المسافة المتبقية فأفادنا بأنها 250كم وسألناه عن أقرب طريق فذكر أنه على بعد 50كم فتوجهنا إليه ونمنا داخل السيارة لأن الجو ممطر، وعندما حان وقت صلاة الفجر صلينا ثم واصلنا السير حتى وصلنا، ولله الحمد (¬1). ¬

_ (¬1) بتصرف من مجلة (شباب) العدد 35 الصادرة في شوال 1422هـ.

دعا على ابنه فعمي

دعا على ابنه فعمي كان شاب يرعى غنمًا لأبيه، وفي يوم طلب من والده أن يسمح له بالذهاب للالتحاق بإحدى الوظائف فرفض الأب وحاول الابن مرارًا فلم يأذن له، فقرر الذهاب بالرغم من عدم رضا والده، فقال الأب: أما القوة فما لي عليك من قوة ولكن ليس لي إلا دعاء أرفعه إلى الله - تعالى - وقت السحر. فذهب الابن وترك الغنم مع رجل آخر، وأخذ من بعض قريباته ما يحتاجه المسافر، وعلم الأب بسفره - وكان صالحًا تقيًا - فرفع يديه إلى الحي القيوم وسأل الله - عز وجل - أن يريه في ولده ما يكره فعمي الابن في الطريق، واستقبله بعض أفراد قبيلته وقالوا: ماذا تريد قال: كنت أريد الوظيفة أما الآن فأنا أعمى لا يُقبل مثلي. فرجعوا به إلى أبيه ودخلوا عليه في جوف الليل، وكان والده ضعيف البصر فقال أفلان أنت؟ قال الابن: نعم قال: هل وجدت السهم؟ قال: نعم فأخبروا الأب أنه عمي فحزن حزنًا عظيمًا وتأثر تأثرًا كبيرًا وقام تلك الليلة يبكي ويئن ويرفع ويسجد يدعو الله - تعالى - ويلحس عين ولده بلسانه ويبكي والله سميع قريب مجيب فما قام لصلاة الفجر حتى عاد لولده البصر فلله الحمد كثيرًا (¬1). ¬

_ (¬1) بتصرف من شريط (عقوق الوالدين) للشيخ على القرني.

انتهى الماء في البيت

انتهى الماء في البيت حضر وقتُ الصلاة فذهبت المرأة لتتوضأ لكنها فوجئت بعدم وجود الماء، ثم بحثت في أرجاء البيت فوجدت ماء الشرب قد نفد أيضًا، فاحتارت فأولادها يطلبون الماء خرجت لساحة البيت رأت السماء ملبدة بالغيوم فرفعت يديها داعية الله - تعالى - الذي بيده خزائن السماوات والأرض أن ينزل الغيث، وما مضت دقائق إلا وينهمر المطر فملأت إناء كبيرًا كان فيه بلغتها للوضوء والشرب، حتى حضر ابنها وأصلح الماء فلله الحمد والشرك. * * * دعاء في أفريقيا قال الدكتور عبد الرحمن بن حمود السميط رئيس جمعية العون المباشر الكويتية - حفظه الله تعالى - (اكتشفنا قبل عشر أو إحدى عشرة سنة قبيلة من القبائل الوثنية فذهبنا لجمع المعلومات حتى نبدأ البرنامج الدعوي، فلما وصلت إليهم وعلموا أني مسلم قالوا: نحن نكره النصارى وأنت تدعونا إلى الإسلام ولكن قبل أن نعلن إسلامنا نريدك أن تدعو لنا بنزول الغيث لأنه ومنذ ثلاث سنوات لم تنزل قطرة واحدة فاعتذرت لهم، لأني أعرف أنهم وببساطتهم

دخل مبتسما

يقولون: إن استجاب الله - تعالى - لي فهذا الدين حق وإن لم يستجب فليس بحق هذا هو اعتقادهم، فرفعت يدي إلى السماء ودعوت بدموعي أكثر من لساني وقلت: يا رب المسألة ليست متعلقة بي وإنما بديني، فلا تخذل هذا الدين بسبب أخطاء ارتكبتها، ولا زلت أبكي وأنا أدعو ثم ختمت الدعاء فقالوا: نأتيك بعد ثلاث ساعات فذهبنا وجلسنا تحت شجرة وكان الوقت ظهرًا وأذكر أنا لم نأكل ذلك اليوم شيئًا ولا اليوم الذي قبله، وجاء وقت العصر وهم مُقبلون إلينا فإذا بالسماء تمطر فحمدت الله - تعالى - وأسلمت هذه القبيلة كاملة والحمد لله (¬1). * * * دخل مبتسمًا تقول تلك المرأة: طرد والدي أخي من المنزل لبعض الأمور في حالة غضبه فخرج أخي وهو يقسم أنه لن يرجع ... وبعد أن هدأ والدي اتصل به فلم يجب، فغضب وأقسم إن لم يبت الليلة في البيت فلن يدخلا أبدًا - وأنا أعرف شدة أبي وأخي وإصرارها على رأيهما - لكني لم أيأس بل لجأت إلى الله تعالى بالدعاء واتصلت بأخي بين فينة وأخرى ولكن بدون جدوى ... وفي الساعة الثالثة ¬

_ (¬1) ذكرها في مقابلة مع قناة المجد الفضائية في شهر محرم 1425هـ ذكرتها بتصرف يسير.

يجري خلف والده بعصا

ليلاً دخل البيت وهو يبتسم فقبل رأس والدتي ثم نام وفي الصباح قابله والدي بكل محبة، فعجبنا من ذلك لما نعرفه منهما ولكن الله تعالى لا يخيب من رجاه ولا يرد من دعاه. * * * يجري خلف والده بعصا حكى الدكتور ميسرة طاهر - حفظه الله تعالى - قصة رجل رافقه في الدراسة فقال في معرض حديثه ( ... وأنا رأيته في يوم من الأيام يحمل عصا يجري بها وراء والده، ووالده حافيًا وعليه ملابس النوم والابن يقول له: أوقف (يا كلب) - رأيته بأم عيني - فأخبرت أبي - رحمة الله تعالى عليه - بما رأيت وأني متألم فقال: لا تستغرب يا بني، أنا أعرف الأب يوم كان صغيرًا كان يقول له أبوه: اذهب يا فلان الله يجعل من ينتقم منك من صلبك، وقد استجاب الله - تعالى - دعاءه (¬1). * * * دعاء وسط الصحراء حدثني جدي لأبي - نور الله قلبه وأسكنه الفردوس - أن ¬

_ (¬1) بتصرف من شريط بعنوان (إشارات نبوية للسعادة الأسرية) للدكتور ميسرة طاهر من إنتاج مؤسسة خالد باغانم بجدة.

استجابة دائمة

رجلين ذهبا قديمًا لبعض الدول معهما أغنام، وفي الطريق أصاب الجميع العطش حتى عجزوا عن المشي فقام أحد الرجلين - وكان فيه خير وصلاح - يدعو الله - تعالى - أن يُغيثهم، وإذا بالرجل الآخر يستهزئ به، ولم يُثن الرجل الصالح ما يقوله الآخر بل استمر يلح في الدعاء، وإذا بالسحاب يظهر وينتشر ثم انهمر المطر فما كان المستهزئ إلا أن احترم الرجل وكف عن الاستهزاء به وعرف قدره وخاف أن يدعو عليه. * * * استجابة دائمة حدثني جدي لأمي - حفظه الله تعالى وأطال في عمره على طاعته عن والده أن أباه - رحم الله الجميع - كان يقول: إني ما دعوت الله تعالى في أمر أو أردته إلا حققه لي وأخاف أن تكون حسنات عُجلت لي. * * * طالب الوظيفة ذكر أن رجلاً تنكدت عليه وظيفته وبقي في حزن شديد وكرب عصيب، وكان يبحث عن رجل يؤثر في وظيفته بوساطة، فلقي يومًا أحد المشايخ فتحدثا في موضوع الوظيفة وسأل الرجل

دعا برد المجرم

الشيخ هل رأيت فلانًا؟ فقال: لم أره ولكن هل انقضت حاجتك فقال الرجل: ما زلت أبحث عن واسطة فقال الشيخ: هناك من يحل موضوعك ويكفيك همك فقال: وهل يؤثر على صاحب التوظيف؟ قال: نعم قال: من؟ قال الشيخ: هو الله - تعالى -. فتردد الرجل فقال الشيخ: اتق الله - تعالى - لو قلت لك فلان من البشر لقلت: هيا بنا إليه، فهلا جربت دعوة الأسحار؟ ثم تفرقا والتقيا بعد مدة، وقال للشيخ بوجه مستبشر: في ذلك اليوم لم أذهب لأي أحد وقمت في السحر وكأن أحدًا يوقظني فصليت ودعوت الله - تعالى - بصدق وإخلاص وفي الصباح أردت أن أذهب لمكان الوظيفة، ولكن شاء الله - تعالى - أن أغير الطريق فمررت بإحدى الدوائر الحكومية وقلت: لماذا لا أدخل عليهم وأسألهم فلما دخلت على المدير قام لي ورحب بي فأخبرته أني أبحث عن وظيفة فقال: عندنا وظيفتان فاختر إحداهما وابدأ الدوام من اليوم الفلاني. (وكان هذا الموظف يريد من ذاك الرجل الذي يتوسط له أن يبحث له عن أقل من هذه الوظيفة) (¬1). * * * دعا برد المجرم كان رجلٌ مسؤولاً عن حفظ موضع وعنده مجرم، فعلى أساس ¬

_ (¬1) بتصرف من شريط الاعتصام بالله تعالى للشيخ الشنقيطي.

بقي سبب واحد

أن يقبض عن طريق هذا المجرم على مجرمين آخرين لذلك وسع له النطاق، ففر هذا المجرم: فأعطى المسؤول مهلة أسبوع ليرده فبحث عنه في كل مكان فلم يجده وكأن الأرض التقمته، فتذكر قصة صاحب الوظيفة (القصة السابقة) وأنه دعا الله - تعالى - فاستجاب له، وفي ليلة الجمعة ذهب إلى المسجد النبوي وصلى ودعا الله - تعالى - كثيرًا بأن يرد المجرم، ثم صلى الفجر وقرر الجلوس حتى طلوع الشمس، لكنه أحس بشيء في نفسه وكأن قائلاً يقول: قم فإن صاحبك قد جاء فلما طلعت الشمس صلى ثم ذهب للإدارة، وإذا بالرجل المجرم قد أتى فاستغرب، وسأل: ما القصة؟ فقالوا: قدم في آخر الليل، وسلم نفسه للحارث. فحمد الرجل الله - تبارك وتعالى - وشكره (¬1). * * * بقي سبب واحد بُلي رجل ببلاء في نفسه فتعب، وكان رجلاً ثريًا فأصبح لا يهنأ بعيش ولا يقر قراره فلا هو مرتاح ولا أهله في راحة، وشاء الله - تعالى - أن يأتي لطلب علم فذكره طالب العلم بالله - تعالى - وقال: أنت جربت كل دواء وبقي دواء واحد وجربت الأسباب وبقي سبب واحد فقال: ما هو؟ قال دعاء الله - تعالى - قال: قد ¬

_ (¬1) المرجع السابق (بتصرف).

أم تدعو على ولدها

دعوت الله - تعالى - ولم أر أثرًا لذلك فقال طالب العلم: قال الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} الآية [النمل: 62] فهل صدقت في دعائك لله سبحانه وتعالى ثم قال له: اعتمر وادع الله تعالى. عندها عزم الرجل على ذلك وتهيأ للدواء الجديد واعتمر وأكثر من الدعاء ووالله ما انتهى من عمرته وأمسى مساءه حتى كأن لم يكن به شيءٌ وإذا به يعيش حياة جديدة ولله الحمد والمنة (¬1). * * * أم تدعو على ولدها دخلت الأم العجوز على ابنها وقد صنع طعامًا لأهل زوجته، ولم يدعها للوليمة لذا ضاق صدرها وحزنت لأجل ذلك، ومن جهلها دعت عليه أن لا يأتيه مولود بعد ابنه الصغير وفعلاً لم يأته ولد بعد ذلك من تلك المرأة (¬2). * * * ¬

_ (¬1) المرجع السابق (بتصرف). (¬2) هذا جهل من الأم أن تدعو على ابنها وينبغي عليها أن تدعو له روى مسلم - رحمه الله تعالى - في (باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر - رضي الله عنهما - ... قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم» رواه مسلم رقم 7515 ص1198.

سرقت منه 170 ألف ريال

سرقت منه 170 ألف ريال أحد كبار السن كان يضع جميع أمواله في إحدى الخزانات في البيت، وفي يوم ذهب لوليمة مع عائلته ولما رجعوا ودخلوا البيت شاهدوا آثار السرقة وأنها طالت كل ما يملك هذا الرجل، فأخبره أولاده فما كان منه إلا أن قام وتوضأ وصلى ركعتين ومنع أبناءه من الاتصال بالجهات الرسمية، إلا أنهم ألحوا بذلك وأتت الجهات وعملت عملها، ولم يظهر لهم شيءٌ وبعد مضي ما يزيد على شهرين كان الرجل المسن راجعًا من مزرعته يريد سوق الخضار لبيع ما معه وقبل طلوع الشمس حصلت المفاجأة، إذ أوقفه اثنان بسيارتهم ثم نزل أحدهم وكان متلثمًا وهو يحمل كيسًا في يده فرماه على الرجل وركب سيارته ولاذ بالفرار فلما فتح الرجل الكيس وجدها نقوده المسروقة (مائة وسبعون ألف ريال) فحمد الله - تعالى - وعاد لمنزله ولم يكمل طريقه إلى سوق الخضار (¬1). * * * دعاء في الفحص الدوري قال رجل: ذهبت بسيارتي للفحص الدوري وفيها بعض الأعطال وفي انتظاري لانتهاء الزحام، دعوت الله - تعالى - أن لا يكتشفوا ما فيها واقتربت السيارة من مكان الفحص، وأنا ألح في ¬

_ (¬1) بتصرف من جريدة الجزيرة العدد، (10904)، الثلاثاء 27 جمادى الأولى.

المرأة وولدها

الدعاء ثم خرجت من الفحص ولم يكتشفوا ما بها وبعد أسابيع أصلحتها بأكثر من ألف ريال. * * * المرأة وولدها ضاق صدر تلك الأم التي كانت في بيت أهلها لما رأت من مرض ولدها، وتمنت المرض بها دونه وكرهت أن تأمر إخوانها أن يذهبوا بها للمستشفى لبعض الأمور، فدعت الله - تعالى - أن يأتي زوجها ... ليذهب به. وفجأةً إذا به يطرق الباب، فسبحان الله! يساق سوقًا لها كأنما كانا على ميعاد، فحمدت الله - تعالى - على ذلك. * * * رجع إليها البصر في الطواف سقطت امرأة على الأرض فأدى ذلك لفقدها البصر فتأثرت تأثرًا بليغًا وذهبت مع أهلها للبيت الحرام، ولما وصلت هناك وفي أطهر بقعة على وجه الأرض دعت الله - تعالى - أن يرد لها البصر، وبينما هي تطوف أصيبت بدوار فأُغمي عليها ثم أفاقت بعد وقت، وإذا ببصرها قد عاد فحمدت الله - تعالى - كثيرًا وبقيت وقتًا في الحرم تشكر الله - تعالى -. * * *

تدعو على ابنها الصغير

تدعو على ابنها الصغير في يوم من الأيام آذى الطفل أمه وأزعجها أشد الإزعاج فقالت (اخرج، الله يلقط روحك) فخرج من الباب ولم تعلم الأم أن هذه الدعوة قد تستجاب فخرج مسرعًا واعترض الطريق فاصطدمت به إحدى السيارات، وما إن سمعت الأم الصوت إلا وأحست بشيء يدق قلبها فخرجت مذهولة يرتجف قلبها وترتعش أركانها خوفًا من أن تفقد فلذة كبدها فلما نظرت وجدته ابنها وقد فارق الحياة فانهارت ونُقلت للمستشفى، وأصيبت بعدة أمراض وكانت تردد وتقول: أنا الذي قتلت ابني (¬1). * * * دخلت المستشفى قبل الفجر كذبت إحدى النساء على امرأة من جيرانها بأمر من الأمور فعلمت جارتها بذلك، ودعت الله - تعالى - بأن تدخل المستشفى فاستجاب الله - تعالى - لها فمرضت المرأة وأدخلت المستشفى قبل الفجر، وبعد أيام حاولت الاعتذار فقبلت منها تلك المرأة. * * * ¬

_ (¬1) بتصرف من أحد أشرطة الشيخ سعيد بن مسفر - حفظه الله تعالى -.

المرأة وزوجها المدمن

المرأة وزوجها المدمن قال الشيخ مازن الفريح - حفظه الله -: على طول سنتين كانت تتصل بي زوجة تشكو زوجها المدمن الذي يلهو مع مجموعة فاسدة مع العلم أنها تحبه، فأعطيتها عدة حلول ولم تنجح، حتى اتصلت يومًا وقالت: لا مكان للصبر فلا يفصل بيني وبين رفاقه المدمنين إلا باب خشي لو رفسه أحدهم لفتحه، فلا أنام الليل خوفًا من أن يدخلوا علي قلت: أما وقد وصل الأمر لهذا فاذهبي لأهلك فذهبت وحصل الطلاق، وبعد سنة ونصف اتصلت وقالت: أنا الذي موضوعي كذا وكذا وكنت في دعاء دائم في خلواتي وسجودي وفي كل أوقاتي بأن يصلح الله - تعالى - هذا الرجل ويرده لي، وها هو الآن يطرق الباب وقد استقامت حالته فهل أتزوج به؟ (¬1). * * * حادث حول القرية قال رجل: كان في قريتنا رجل يؤذي رجلاً يظهر عليه الصلاح ويستهزئ به لطاعته، ومن أفعاله أنه إذا رآه في الطريق أتى بسيارته فإذا قاربه رفع صوت المسجل بالأغاني فكلمه بالتي هي أحسن فلم ¬

_ (¬1) بتصرف من شريط (سري للغاية) للشيخ مازن الفريح، إنتاج تسجيلات الصفا للشريط الإسلامي بالرياض.

اللهم اكفنيه بما شئت

يزدد إلا كبرًا وفسادًا، وفي يوم من الأيام اشتد أذاه له وبالغ المستهزئ في الأذى يقول صاحب القصة: فدعوت الله تعالى عليه (اللهم إنه يؤذينا لأننا طائعون لك، الله اجعله يصاب بحادث في سيارته هذه) وبعد يوم أو يومين تعرض الرجل المستهزئ لحادث كبير، وصار له عدة مشاكل من جراء هذا الحادث، وصلت إلى المحكمة وبعد زمن أتى يطلب المسامحة ويتودد في طلب العفو). * * * اللهم اكفنيه بما شئت حدث رجل فقال: كنت أتأخر في المجيء لوالدي بعض الأيام وأنا معترف بهذا التقصير، وكنت أدخل عليه وأنا خائف من غضبه علي، ففي بعض الأحيان وقبل أن أدخل البيت أقول (اللهم اكفنيه بما شئت) وعندما أدخل أجده مستبشرًا بقدومي مرحبًا بي، وفي بعض الأحيان آتيه فيضجر من تأخري فأقول الدعاء في نفسي فيتغير في الحال وأنا المخطئ في ذلك والله المستعان. * * * دعاء صاحب الملح أخبرني رجل أنه يعمل في إخراج الملح وفي يوم تلبدت السماء بالغيوم ورأى الرجل البرق وسمع الرعد، فخاف أن يؤثر المطر على

دعاء الزوجين

عمله فدعا الله - تعالى - وعندما انتهى المطر وهدأ الجو ذهب ليرى أثر عمله فوجد المطر قريبًا منه ولم يصبه شيء بل بينه وبينه عدة أمتار. ولله الحمد. * * * دعاء الزوجين تزوج بزوجة عاشت معه سنوات عدة بفرحها وترحها وهمَّها وغمَّها وحزنها وسرورها، أنجبت إثر ذلك عدة أولاد من البنين والبنات وتقدمت بهما السن ولا يزداد كل منهما إلا محبة واحترامًا، ولشدة ما بينهما من طيب العشرة وحسن الألفة كان الزوج كثيرًا ما يدعو الله - تعالى - أن يتوفاه هو وزوجته جميعًا وفي يوم من الأيام كانا في سفر بالسيارة يتحدثان ويسلوان وهما في غمرة الأنس ولحظة الوداع تقترب شيئًا فشيئًا لكن أيهما سيودع الآخر؟ فجأة أصيبت السيارة بحادث فودعا كلاهما الدنيا ليجتمعا في جنات النعيم بإذن الله - تعالى -. * * * يضرب أمه العجوز ذكر الشيخ أنس بن سعيد بن مسفر - حفظه الله تعالى - قصة رجل عاقًّ لأمه فقال: (إنه يعاملها بقسوة يصرخ في وجهها،

بل يسبها ويشتمها وقد أعطها الله تعالى قوة في الجسم، لكنه صرفها بالظلم والاستبداد بالرأي، كانت أمه العجوز كثيرًا ما تتوسل إليه أن يخفف من حدته وجفوته وطغيانه، فالكل نفر من حوله حتى زوجته تركته بلا عودة بسبب قسوته وشدته، وكان يجعل أمه العجوز تخدمه وتقوم على شؤونه وهي المحتاجة إلى الرعاية والخدمة وما أكثر ما أسال دمعها على خدها وهي تدعو الله - تعالى - أن يصلح لها فلذة كبدها ويهدي قلبه. كيف لا؟ وهو وحيدها. وفي يوم من الأيام دخل عليها والشر يتطاير من عينيه فجعل يصرخ في وجهها ويقول: ألم تعدي الغداء؟ قامت العجوز بيدين ترتعشان وجسد واه أثقلته السنون والأمراض والهموم، لتعد الغداء لقرة عينها فلما رأى الطعام لم يعجبه فألقاه على الأرض وأخذ يتبرم ويسخط ويقول: لقد بُليت بعجوز شمطاء لا أدري متى أتخلص منها؟ عندها بكت الأم وقالت ودمعها على خديها: يا ولدي اتق الله ألا تخاف النار؟ ألا تخاف سخط الله - تعالى - وغضبه؟ ألا تعلم أن الله - تعالى - حرم العقوق؟ ألا تخاف أن أدعو عليك؟ فاستشاط غضبًا من كلامها وزاد جنونه فأمسكها بثيابها وأخذ يهزها بقوة ويقول: اسمعي أنا لا أريد نصائح لست أنا من يقال له: اتق الله ثم ألقى بها بعيدًا فاختلط بكاؤها مع ضحكته الاستهتارية وهو يقول: ستدعين علي تظنين أن الله - تعالى - يستجيب لك، ثم خرج من عندها وهو يستهزئ ويسخر من كلامها ... فذرفت الأم الدموع الحارة تبكي أيامًا وليالي كابدت

ضرب أمه بحذائه

فيها المشقة والعناء، بكت شبابها الذي أفنته في تربيته. أما هو فقد خرج وركب سيارته ورفع صوت المسجل عاليًا على تلك الأغنية الماجنة متناسيًا ما فعل بأمه التي خلفها حزينة وحيدة يعتصر الألم قلبها ويحرق الأسى فؤادها كمدًا وحزنًا على تصرفه الطائش، فرفعت شكواها إلى الله - تعالى - قائلةً (حسبي الله ونعم الوكيل) وكان لدى الابن رحلة إلى منطقة مجاورة وأثناء سيره بسرعة جنونية إذا بجمل يسلطه الله - تعالى - عليه فيظهر له في وسط الطريق فتضطرب سيارته ولا يستطيع أن يمسك مقودها فيصدم ذلك الجمل ودخلت قطعة من الحديد في أحشائه، وأصيب بشلل رباعي لا يحرك إلا رأسه فبقي هكذا ليكون عبرة وعظةً ثم مات (¬1). * * * ضرب أمه بحذائه روت القصص والأخبار في الجرائد والمجلات عن رجل تعدى على أمه وضربها بحذائه في ظهرها وهي تهرب منه خوفًا من ابنها الذي حملته وأرضعته وربته لينفعها فما كان من الأم إلا أن رفعت يدها إلى الله - عز وجل - بدموع حرّى ولوعة وأسى ألمًا لفعل ولدها بها، ودعت عليه من قلب صادق، وكان الابن قد ذهب ¬

_ (¬1) بتصرف من شريط بعنوان (سهام الليل) لفضيلة الشيخ أنس بن سعيد بن مسفر. من إنتاج مؤسسة العقيدة للإنتاج والتوزيع بجدة.

احترق التاجر

لينام، وكأنه لم يفعل شيئًا فما استيقظ إلا ويده اليمنى مشلولة وكانت هي اليد التي قذف بها حذاءه في ظهر تلك الأم المسكينة والموعد يوم يقوم الأشهاد (¬1). * * * احترق التاجر قال الشيخ أنس بن سعيد بن مسفر - حفظه الله - (هذه القصة أرويها عمن رأى وسمع ذلك الموقف وهو ثقة يقول: كان هناك رجل من كبار التجار وعنده عامل يشتغل له لكنه لم يعطه راتبه لأكثر من ثمانية أشهر (ما يقارب ستة آلاف ريال) فطلب العامل المسكين أن يعطيه المبلغ، وذكر له حاله وحال أهله وأولاده وأنه تغرب لكسب العيش وألح في ذلك، فغضب التاجر وذهب للجوازات واستخلص له شهادة خروج مغادرة، ثم حجز له بالطائرة وسفره لبلاده في إحدى الليالي ولم يعطه حقه: جري على أكل الحرام ويدعي ... بأن له في حل ذلك محمل فيا آكل المال الحرام أبن لنا ... بأي كتاب حل ما أنت تأكل ألم تدر أن الله يدري بما جرى ... وبين البرايا القيامة يفصل ¬

_ (¬1) المرجع السابق (بتصرف).

ذهب الرجل لبلاده، وكان التاجر الظالم يسكن في مكة وبعد سنين عاد العامل المظلوم إلى مكة لأداء العمرة، وبدأ يبحث عن هذا القصر الذي كان يشتغل فيه حتى وجده ووجد صديقه حارس البيت فسلم عليه وجلس معه يتحدث، وفجأة خرج صاحب القصر فلما وقعت عينه على العامل أرغى وأزبد وهدد وتوعد وقال: لأسجننك. فقال العامل: أنا لم آت للمال وإنما أتيت لحرم الله - تعالى - لأدعو عليك. عندها ضحك التاجر ضحكات مستهتر مستهزئ ولكن الله تعالى بالمرصاد فبعد أيام شبَّ حريق كبير في منطقة كانت مهيأة للحريق وفي لحظات جاء الرجل التاجر. وكان لديه مبلغًا من المال حول المكان المحترق وعدده (ثلاثون ألف ريال) وحيث أن الحريق لم يصل لذلك المكان أراد أن يدخل ليأخذه ماله فمنعه رجال الدفاع المدني من الدخول فرفض وتفلت منهم وتحايل عليهم وقال: الحريق بعيد وما إن وصل ليأخذ ماله وهو في ذلك المكان إذا بشيء لم يتوقعه لقد سقط عليه البناء الذي هو فيه وشب فيه الحريق فاحترق وأصبح كالفحم، أما المال فهو بجانبه لم يحترق. فتعجبوا وسألوا الحارس بماذا دعا ذلك العامل المسكين قال: لما ضحك الرجل وقهقه قال العامل وهو ينظر إلى القصر: اللهم إني أسألك أن لا تهنيه بهذا القصر ولا يدخله. فلم يدخله ولم يتهن به وهذه عاقبة الظالمين (¬1). * * * ¬

_ (¬1) المرجع السابق (بتصرف).

شريحة الجوال

شريحة الجوال كانت في حجره شريحة جواله وهو في السيارة فسقطت على الأرض لما نزل لشراء بعض الأغراض ولم ينتبه لها، وعندما ذهب للبيت تفقدها وبحث عنها فلم يجدها فقام وتوضأ وصلى ركعتين ودعا الله - تعالى - ثم نام. وكان أحد أصدقائه على علم بالخبر وظن أنها سقطت أثناء نزول صديقه عند البقالة فذهب ووجدها والسيارات قد مرت عن يمينها وشمالها فأرجعها لصاحبها وشكرًا الله تعالى على حفظه. * * * فاتورة الكهرباء في إحدى المدن تعيش امرأة مع أولادها ولا دخل لها من المال، وفي يوم خرجت من بيتهم المتواضع ونظرت إلى العداد فرأت فاتورة الكهرباء فمدت يدها وقرأت المبلغ فإذا هو مبلغ بسيط لكنها تعرف من حالها أنها لا تجد له سدادًا لفقرها وعوزها، وتأخرت في السداد وجاء الإنذار النهائي لقطع الكهرباء وامتدت الأيام ولم يبق إلا يوم واحد لقطع الكهرباء عن المنزل فضاق صدرها وحارت في أمرها وأعملت فكرها، فقامت وتوضأت ولبست خمارها في مصلاها الذي طالما دمعت عليه عيناها آناء الليل وأطراف النهار، واتجهت إلى من عنده خزائن السماوات والأرض

الطبيب والمفاجآت

ودعت ربها رزقًا من عنده. وخيم الليل بسكونه فنامت أملاً في انفراج مع الفجر، وفي الصباح جاء رجل لا تعرفه وطرق الباب وسأل: هل هذا بيت فلان؟ قالت: نعم. فأعطاها مبلغًا من المال والعجيب أنه نفس المبلغ الذي في الفاتورة. * * * الطبيب والمفاجآت كانت تشتكي ألمًا في أذنها فذهبت للمستشفى وبعد الكشف قرر الطبيب حاجتها لعملية جراحية، فراجعت نفسها وكرهت كشف وجهها فامتنعت وأبت، عندها تذكر الطبيب امرأة أخرى فعلت مثلها فتبسم وقال: إن كنت لا تريدين العملية فكوني مثل تلك المرأة الكبيرة في السن التي جاءت إلي وكشفت عليها فإذا هي تحتاج لعملية ترقيع الطبلة فلما أخبرتها بكت وقالت يا طبيب: والله لا أكشف حجابي لغير محارمي، فشرحت لها أن حالتها تستدعي ذلك ولا ينفع لها العلاج، فازدادت إصرارًا وإباءً فأعطيتها موعدًا آخر علها تراجع نفسها وتوافق على العملية وجاء الموعد وحضرت وكأني بها تناجي ربها وتطلبه الشفاء العاجل، ولما جلست على السرير وكشفت عليها كانت الحقيقة التي أذهلتني وزادت من إيماني لقد نظرت إلى الأذن فإذا هي سليمة مائة بالمائة فتحيرت وسألتها مستفهمًا ما لخبر؟ فقالت: منذ أن خرجت منك وأن أدعو الله - تعالى - أن يُشفيني لأني أفضل أن أموت ولا يراني أحد غير محرم

انفصل رأسه عن جسده

لي. فقلت: إن الله على كل شيء قدير. ثم قال لهذه المرأة: وإن كنت ترفضين إجراء العملية فادعي الله - تعالى - والتجئي إليه بصدق بأن يشفيك ويكشف ما بك فقالت المرأة: ومن يكون مثل تلك العجوز فلعلها عابدة صوامة قوامة ولكن سأدعو ربي ثم خرجت من عنده وبدأت بالدعاء والابتهال إلى الله - تعالى - أن يشفيها ويكشف ما بها ومضت الأيام وحان الموعد فذهبت للطبيب الذي كان بانتظار المفاجأة الثانية وبدأ بالكشف عليها - وكأني به يرتجف قلبه أملاً في تحقيق رغبتها - فانشرح صدره لما كشف عليها، وقال مبشرًا ومستبشرًا وذاكرًا الله - تعالى -: إن الأذن بريئة تمامًا ولله الحمد ففرحت المرأة ولهج لسانها بقول: لك الحمد يا رب فأنت على كل شيء قدير، ثم قالت للطبيب: إني لزمت الدعاء فشفاني العليم الخبير القريب المجيب. * * * انفصل رأسه عن جسده شابٌّ في العشرين من عمره، دخلت سيارته تحت شاحنة كبيرة في حادث شنيع، فتجمع الناس لإنقاذه فلما أخرجوه من سيارته إذ برأسه منفصل عن جسده، فبحث الضابط عن اسمه ثم اتصل على البيت فردت امرأة فقال: هذا منزل فلان (والد صاحب الحادث) قالت: نعم قال: أين هو؟ قالت: غير موجود ولا يوجد أحد في

لم يصب بأذى

البيت قال: وما قرابتك من فلان قال: أنا أمه فقال: بتمهيد وأسلوب لقد حصل لابنك حادث بسيط ونريد من يحضر للقسم لإكمال الإجراءات، فلما سمعت الأم اسم ابنها الذي وقع عليه الحادث دعت الله تعالى عليه بالهلاك والموت، ففوجئ الضابط بردها وتعجب ثم أخبرها بما حصل لابنها وسألها عن سبب دعائها فقالت: إنه خرج من عندي وقد شتمني وضربني ودائمًا يهددني حتى سئمت منه، لقد أتعبني وكأني لم أسهر عليه ولم أتعب في تربيته فدعوت الله تعالى أن يهلكه ويريحني منه (¬1). * * * لم يصب بأذى دخلت سيارة ذلك الشاب تحت شاحنة كبيرة واشتعلت فيها النار فاجتمع الناس وحاولوا إخراجها، والكل ينظر ما مصير السائق؟ وماذا حدث له فلما أخرجوا السيارة إذا بالسائق لم يصب بأي أذى غير تناثر بعض الزواج عليه، عندها تعجب الجميع وارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل، فسأل أحدهم الرجل: هل تعرف عملاً أنجاك الله - تعالى - به؟ فقال: إني أعمل في جدة ¬

_ (¬1) بتصرف من شريط (ففوجئت بردها) للشيخ عبد الرحمن الهاشمي إنتاج تسجيلات نور السراج بجدة.

يدعو على سارق الحمار

وعندما استلمت الراتب ذهبت لوالدتي في رابغ، وأعطتها ما كتب لي فاستبشرت ودعت الله - تعالى - أن يحفظني ويبارك لي (¬1). * * * يدعو على سارق الحمار سرق حمارٌ لأحد الناس فعرف المسروق منه أن السارق قريبه فلان فاستغرب من ذلك، ودعا عليه أن يصاب في عينه وأن يقطع الله - تعالى - رزقه، فبعد أيام أصبح السارق أعور وبعد مدة تغيرت حالته وافتقر وصار يمد يده للناس. * * * تدعو لزوجها كان الزوج بعيدًا عن طاعة الله - تعالى - مسرفًا على نفسه بالذنوب، وكانت له زوجة صالحة كثيرًا ما تنصحه وتعظه وتتلطف له بالقول ولم يكن لذلك أثر في نفسه، فعلمت أن دعاء الله - تعالى - أنفع وسيلة فهو سبحانه يهدي من يشاء ويضل من يشاء واستمرت بالدعاء بأن يصلح الله تعالى زوجها ويهديه الصراط المستقيم، وظلت على هذه الحال ليلاً ونهارًا وأتى اليوم الذي كانت ¬

_ (¬1) المرجع السابق (بتصرف).

أجرة البيت

تنتظره لقد بدت بادية خير من زوجها وبدا عليه مظهر الصلاح وسلك طريق الخير وتاب وأناب ولله الحمد. * * * أجرة البيت تقول إحدى النساء: حان ميعاد سداد أجرة بيتنا وكنت وزوجي لا نملك مبلغ السداد فضاقت بنا الأرض، وعلمنا أنه لا يكشف الكرب ويزيل البلاء إلا الله - تبارك وتعالى - فبدأت بالدعاء ومرت بضعة أيام وأنا في قلق دائم وتفكير مستمر، وفي ضحى ذلك اليوم توضأت وأديت سنة الضحى فوجدت لذة الطاعة والعبادة ثم جلست أدعو بإلحاح قائلة (الله الله ربي لا أشرك به شيئًا) (¬1) فلما جاء وقت العصر وقرب مغيب شمس ذلك اليوم، وإذا بالهم ينقلب فرحًا والحزن يكون سرورًا عندما زارتني إحدى قريباتي وأعطتني ثلاثة آلاف ريال فدفعناها لأجرة البيت، ولله الحمد والشكر. * * * ¬

_ (¬1) هذا حديث أسماء بنت عميس - رضي الله عنها - قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب - أو في الكرب - الله الله ربي لا أشرك به شيئًا» رواه أبو داود (1525/ 1335 - 1336). باب في الاستغفار ورواه ابن ماجه رقم (3882/ 2708) باب الدعاء عند الكرب.

قصة البلاطة

قصة البلاطة قالت إحدى النساء تغير على زوجي في فترة معينة حتى صار يضربني ويسيء معاملتي فتعجبت من صنيعه من تغيره، بعدما قضيت معه سنوات عدة في استقرار؟ هل أخطأت عليه؟ هل؟ هل؟ أسئلة كثيرة كنت أفكر فيها ليلاً ونهارًا. ومع الأيام ازداد زوجي سوءًا حتى مللت الجلوس معه وأعلمت أهلي بخبره، فنصحوني بالصبر وذكروني بأبنائي، حينها علمت أن لا ملجأ لي إلا الله - تعالى - فبدأت بالصيام ولزمت الدعاء والاستغفار وقيام الليل، وصرت أعلم أبنائي القرآن الكريم وأروي لهم سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفي يوم دخل زوجي وضربني وبالغ في إساءته لي، حينها لم أعد أصبر على الجلوس معه فاتصلت بأهلي وأنا أبكي، فجاءوا للبيت ورأيت منهم الشفقة لحالي وحال أبنائي، وبينما كنا جالسين في البيت هدأت قليلاً وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث وفجأةً قطع حديثنا صوت قوي فهُرعنا سراعًا للمطبخ ظنًا أنه أنبوب الغاز أو الكهرباء فلم نجد شيئًا عندها خرجنا لساحة البيت فرأينا عجبًا، رأينا (بلاطة) خرجت من مكانها فاقتربنا منها ونحن خائفون متعجبون، وتساءلنا: أحقًا كان الصوت الشديد منها فرفعناها ونظرنا تحتها وكانت الحقيقة، لقد كان شيئًا من عمل السحر وفورًا اتصلنا بأحد المشايخ وأخبرناه فأعطانا طريقة التخلص منه، وأما زوجي فكان خارج البيت ولكن الذي فاجأني جدًا وأفرحني أنه قدم سريعًا بعد إحراق السحر ودخل البيت لكن هل سيفعل مثل ما

كافر مريض يدعو الله - تعالى -

فعله قبل ساعات، أبدًا لقد دخل فرحًا بثغر مبتسم، وصدقوني أن حالنا صارت بعد أحسن من ذي قبل حقًا، لقد أحسست بضرورة الدعاء والالتجاء لله - تعالى - في كل أمر. * * * كافر مريض يدعو الله - تعالى - قال الداعية إبراهيم الطلحة - حفظه الله -: أخبرني أحد المشايخ قائلاً: كنت في روسيا فأتاني رجل روسي مسلم فسألني بقوله: إنني ولد زنا هل أدخل الجنة؟ فذكرت له قول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] فتهلل وجهه واستبشر ثم قلت: لم تسأل هذا السؤال؟ فقال: عشت حياتي بين الزبائل فلا أحد يقف معي ولا يساعدني، وفوق ذلك أني لا أعرف والدي وكبرت على هذه الحال، وفي يوم انكسرت رجلي فلم أجد مالاً أعالج به نفسي والألم يزداد شيئًا فشيئًا فصادفت في طريقي يومًا مركزًا إسلاميًا فاطلعت فإذا فيه رجال يصلون قلت: ما هؤلاء؟ قالوا: مسلمون يعبدون الله - تعالى - فأحسست براحة لهذا الدين، ونمت تلك الليلة في الشارع وقلت: يا رب يا من يعبده هؤلاء المسلمون، إن كان هذا الدين صحيحًا فاشفني فشفيت من

موظفة على البند

تلك الليلة. عندها توجهت للمركز الإسلامي وأعلنت إسلامي (¬1). * * * موظفة على البند اتصلت مسؤولة من إدارة التوجيه على موظفة على البند في أحد المدارس وأخبرتها بقرب إنهاء خدمتها من التعليم إلا أن أتت بواسطة، تقول صاحبة القصة: توكلت على الله تعالى وأكثرت الدعاء والاستغفار وقلت: سأستمر بعملي بل سأكون موظفة رسمية لا على البند - بإذن الله تعالى - وفي أحد الأيام أردت الذهاب للإدارة لأستفهم الخبر، فأصرت والدتي على الذهاب معي مع شدة حالها، فقد كانت رجلها مقطوعة علهم يروا حالها فيصلحوا أمري، ولما دخلنا الإدارة كان المكتب في الأعلى فلم تستطع أمي الصعود، فجلست هناك وصعدت أستطلع الخبر، ولما دخلت كانت الغرفة مليئة بالموجهات فتوجهت للمسئولة وأعطيتها اسمي فقالت: هل أتيت بواسطة؟ قلت بصوت مرتفع: إن عندي أعظم من كل واسطة، فلا أنت ولا الموجودين يستطيع ردها إن الله ربي وخالقي. عندها صمت الجميع وقالت لي المسئولة بصوت هادئ وعبارة لطيفة: حسنًا اتصلي بنا الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر. فخرجت من المكتب ونزلت لوالدتي وأخبرتها. وذهبنا للبيت وفي الموعد رفعت سماعة الهاتف واتصلت بالمسئولة فلما أخبرتها باسمي ¬

_ (¬1) بتصرف من شريط مرئي بعنوان (أين الطريق) للدعاة إبراهيم الطلحة والحمودي والجبيلان من إنتاج مؤسسة مرافئ الحياة الإسلامية بجدة.

قصة الأربعة والعشرين ألفا

رحبت بي وقالت: لقد وثقت بالله تعالى فأعطاك ما تمنيت فقد وصلنا الآن تعيينك رسميًا. فشكرت الله تعالى على تيسيره وحييت المسئولة منهية الاتصال. * * * قصة الأربعة والعشرين ألفًا أخبرت امرأة بهذه القصة قائلة: استدان زوجي من شخص (أربعة وعشرين ألف ريال) ومرت سنوات لم يستطع معها زوجي جمع المال والدين مثقل كاهله، حتى أصبح دائم الهمَّ والحزن فضاقت بي الدنيا لحال زوجي، وفي إحدى ليالي رمضان قمت وصليت ودعوت الله - تعالى - بإلحاح - وأنا أبكي بشدة - أن يقضي الله - تعالى - دين زوجي، وفي الغد وقبيل الإفطار سمعت زوجي يتحدث في الهاتف بصوت مرتفع فحسبت الأمر سوءًا وذهبت مسرعة إليه لكنه انتهى من حديثه فسألته ما الأمر؟ فقال: - وهو عاجز عن الكلام ويبكي بكاءً شديدًا ودموع الفرح بادية عليه -: إن المتصل صاحب الدين يخبرني أنه وهب المال لي، أما أنا فتلعثمت ولم أدر ما أقول فكأن جبلاً انزاح عن رأسي ولهج لساني بشكر الله - تعالى - على ما أنعم علينا. وشكرت صاحب الدين. * * *

أحد عشر عاما لم تحمل

أحد عشر عامًا لم تحمل بعد أربعة أبناء لم تحمل تلك المرأة فذهبت للأطباء فأبعدوا الأمل في رجوع الحمل لها، وأخبروها أن فحوصاتها أثبتت ذلك وطالت المدة وبدأ الزوج بالاستغفار قائمًا وقاعدًا وكثر الدعاء لهم، وفي يوم أسعد تلك المرأة بعد أحد عشر عامًا أحست بألم في بطنها فذهبت للطبيبة فأمرتها بالكشف للتأكد من الحمل أو عدمه، وجزمت المرأة أنه لا يمكن أن تحمل إلا بتوفيق الله - تعالى - ولما كشفت جاءتها البشرى بأنها حامل فحمدت الله - تعالى - على فضله. * * * قبل إعطائه الرخصة أخبرني رجل أنه اختبر في قيادته للسيارة لإخراج الرخصة ثم رسب وحدد له موعد آخر للاختبار، وفي الليل قام يدعو الله - تعالى - ويسأله أن ييسر له اجتياز الاختبار ثم ذهب في الموعد وبدأ بقيادة السيارة داخل مكان الاختبار وخارجه، فيقول: والله إني أقودها ولا أشعر بذلك وكأن قائدًا يقودها فأعطيت الرخصة ولله الحمد. * * *

وظيفة كما يريد

وظيفة كما يريد أخبرني رجل عمن حكى له القصة: أن رجلاً عين في وظيفة في أحد المدن وكان يريد أن يوظف في مدينة البكيرية فلم يستطع حتى بالواسطة، فقام من الليل يدعو ويقول: اللهم اجعلني انتقل للعمل في البكيرية، ولم يذهب أسبوع إلا وينقل لها. * * * عصمها الله - تعالى - من الغيبة حُدَّثت عن امرأة كانت تكثر من الغيبة مما أثر ذلك عليها، ولخوفها حاسبت نفسها مرارًا وحاولت التخلص منها فلم تستطع، فعزمت على دعاء الله تعالى وبينما هي تطوف في البيت الحرام أحست بعظم ذنبها وكبيرة فعلها فقالت بصوت ملؤه الخشية والخضوع وبمزيج من البكاء والدموع: يا رب إن كنت تعلم أن لساني سيهلكني فأسألك أن تكفينيه وأسألك أن تجعله لا ينطق إلا بذكرك واستجاب الله تعالى لها فكانت بعد بعيدة عن الغيبة مكثرة لذكر الله تعالى. * * * قصة الخمسمائة والعاصفة في يوم شديد الرياح كانت العائلة في سفر، ولما حضر وقت

دعت لزوجها بالهداية

الصلاة نزلوا لأدائها وكان مع المرأة خمسمائة ريال فجعلتها تحت السجادة، ولما فرغت من الصلاة طوت سجادتها وركب الجميع السيارة ولم تتذكر المال حتى سلكوا الطريق فقال الزوج لا بد أن نرجع ولكن اليأس محيط بهم، وظنوا أن لا يجدوها في مثل هذا اليوم الشديد الرياح، لكن المرأة الواثقة بالله - تعالى - أطلقت الدعاء وطلبت رب الأرض والسماء قائلة: اللهم احفظها. ولما وصلوا للمكان نزل الزوج من سيارته وكانت المفاجأة لقد وجد المال في مكانه لم يتحرك ولم تؤثر فيه الرياح وكان موقفًا مؤثرًا زاد من إيمانهم وصلتهم بالله - تعالى -. * * * دعت لزوجها بالهداية في ذلك البيت كان يجتمع الزوج مع أصدقائه إلى الساعة الثالثة ليلاً في سهر محرم، وكان ضحية هذا الفعل الزوجة المسكينة التي تأذت من فعله لكنها صابرة محتسبة مع ضربه وشتمه لها، وكانت دائمًا تدعو له بالهداية وفي أحد الأيام دخل عليها في آخر الليل من عند أصدقائه ورائحة الدخان منتشرة في البيت فقالت له: زوجي الغالي إلى متى وأنت على هذا الفعل؟ ألا تتوب؟ إلى متى؟ أرجوك ارحمني؟ زوجي كم من قائم لليل يناجي ربه وأنت في لهو ولعب؟ لكنه نهرها وحصل بينهما كلام ومشادة قوية حتى هددها بالطلاق ثم عاد لرفاقه، أما الزوجة فتأثرت ورفعت يديها إلى السماء داعية

سقط مشلولا في الحرم

ربها بقلب صادق وعينان تذرفان الدمع: بأن يهدي الله زوجها ويرده إليه ردًا جميلاً فتقول: والله إني شهدت تغيرًا كبيرًا عليه منذ ذلك اليوم وقال لها: إذا اتصل أحد من رفاقي فاصرفيه ففعلت، حتى يئسوا منه واستقامت حالة زوجي وترك أصدقاءه وحسن خلقه حتى شهد له القريب والبعيد ولله الحمد. * * * سقط مشلولاً في الحرم كان لذلك الرجل أربع بنات حرمهن من الزواج طمعًا في راتبهن، وفي يوم ذهبوا لأداء العمرة وعندما دخلوا البيت الحرام قالت إحداهن: يا أبت أمن على دعائي. فقال: آمين. فرفعت البنت يدها إلى السماء في ذلك المكان الطاهر وقالت: أسأل الله العظيم كما حرمتنا الزواج أن يشل أركانك فأمن جميع البنات على هذا الدعاء. وما أن انتهت من دعائها إلا ويسقط والدها على الأرض مشلولاً (¬1). * * * ¬

_ (¬1) بتصرف من شريط (فتاة مفجوعة) للشيخ سالم الهيجان من إنتاج مؤسسة همم للإنتاج بالرياض.

تزوج على زوجته

تزوج على زوجته تزوج رجل زوجة ثانية وانصرف عن زوجته الأولى تمامًا، فلا قسم لها ولا نفقة، فاسودت الدنيا في عينها ولم يكن لها ملجأ إلا الله - تعالى - حتى أصبح لا يرقأ لها دمع ولا تكتحل بنوم، فبدأت تقوم الليل تناجي ربها وتدعوه، وكانت حاملاً فلم تنته من نفاسها إلا وقد رجع زوجها أحسن مما كان يقول: إني إذا أقبلت على البيت أحسست بسعادة وانشراح. * * * أصبح طيب المعشر لم يعد زوج تلك المرأة يحسن معاملتها بعد زواجه من أخرى، بل انصرف عنها، وأعظم من ذلك أنه يبين كرهه لها بعد ما كان يظهر سعادته وسروره قبل زواجه، فعظم الكرب على الزوجة وجعلت على نفسها أن تقرأ سورة البقرة يوميًا وأن تكثر من دعاء الله - تبارك وتعالى -، واستمرت على هذا قرابة الشهر وجاء الفرج فقد رجع زوجها أحسن مما كان حسن خلق وطيب معاملة. * * * لم يشرب الخمر تقول الزوجة: كان زوجي يشرب الخمر - والعياذ بالله تعالى

دعاء أم لابنتها الصغيرة

- ولا تسألوا عن فعله بي وبأولادي بعد شربه لأم الخبائث، وزيادة على ذلك أنه يجتمع هو وأصدقاؤه في المنزل وأسمع صراخهم وضحكاتهم فأنا لا أنام الليل والنهار بل أغلق الأبواب على نفسي وأبنائي وكل خوفي أن ننفضح أمام الجيران، وفي يوم أدخل سيارته داخل البيت قبل أذان الفجر بقليل وكان في حالة السكر وقد رفع صوت الأغاني وتوعدني إن أنا أقفلت المسجل، ثم ذهبت لغرفته وحان وقت صلاة الفجر وما زال البكاء ملازمًا لي خشية أن يخرج الناس لصلاة الفجر فيسمعون ذلك، فألححت بالدعاء أن يعصمه الله - تعالى - من شرب الخمر وأن يستر علينا ثم ذهبت لغرفته فوجدته نائمًا عندها تنفست الصعداء، وأغلقت المسجل ولم أر بعدها شرب الخمر ظاهرًا عليه والحمد لله. * * * دعاء أم لابنتها الصغيرة أغلق أحد الأطفال الباب على أصبع أخته الصغيرة فأدى ذلك لقطع اللحوم وفورًا ذُهب بها للمستشفى، وكانت الأم حينها تكثر الدعاء وقول (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) و (إنا لله وإنا إليه راجعون) ولما وصلوا ورأى الأطباء خطورة ما حصل أظهروا اليأس من خياطته وقالوا: لا بد من قطعه وكانت الأم ملازمة للدعاء، وبعد الكشف والفحوصات جاء طبيب مختص فبعث الأمل بعد الألم وفكر وقدر ثم قال: إن العظم لم يصب بأي أذى ولله

فضل ونعمة

الحمد، وخاط أثر الجرح وعاد الإصبع كما كان ولله الحمد والمنة. * * * فضل ونعمة قالت إحدى العجائز: إني ما سجدت ودعوت الله - تعالى - وألححت بالدعاء إلا استجاب لي دعائي وتضرعي فله وحده الحمد والشكر. * * * خرج من المستشفى مسرورًا دخل رجل قسم الإسعاف في إحدى المستشفيات وقلبه يرتجف خوفًا مما سيحصل ثم دخل على الطبيب يشتكي ألمًا في أسفل ظهره مما جعله لا يستطيع الجلوس، فأجرى له الكشف وقال: هذا (ناسور) ولا بد من الدخول الآن وغدًا تجرى لك العملية فضاقت الدنيا بالرجل، تذكر نفسه تذكر ... تذكر ... ثم قال: سأذهب للبيت الآن وأعود غدًا بإذن الله - تعالى - فلقد عزم على الدعاء والالتجاء إلى من بيده الضر والنفع، إلى الشافي الكافي - سبحانه وتعالى - وتذكر قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:

اللهم خذ ابني أو اهده

17] وما إن خرج من المستشفى حتى بدأ بالدعاء والتضرع لله - تعالى - ثم ركب السيارة والدمع على خديه، ولم ينقطع من الدعاء طوال ذلك اليوم، وفي الغد ذهب لوالدته وقد شرق بدموعه وضاق صدره وأخبرها الخبر، وأنه سيذهب الآن للكشف مرة ثانية فأعطته بعض الأدوية الشعبية لاستعمالها بعد العملية، ثم ودعها وذهب للمستشفى وما زال مستمرًا بالدعاء حتى دخل عند الطبيب وأخبره أنه أتى بالأمس، وقال له الطبيب الآخر كذا وكذا فكشف عليه ولسان المريض مستمر بدعاء الله تعالى والتضرع له ثم قال الطبيب متعجبًا: هذا ليس (ناسورًا) بل (دمل) بسيط وإن شئت الآن أعملها لك بالموسى فاستبشر المريض وتلعثم بالكلام وحمد الله - تعالى - وشكره ثم قال: افعل ما شئت الآن، وبعد بضع دقائق خرج الرجل من المستشفى ولسانه يلهج بذكر الله - تعالى - والحمد لله على نعمه العظيمة وآلائه وأفضاله. * * * اللهم خذ ابني أو اهده يقول الشيخ عصام العويد - حفظه الله تعالى -: تكلمت في باص بين مكة والرياض عن بر الوالدين فلما انتهيت أشار إلي رجل فجئت إليه فقال: لي زملاء لهم أبناء، وفي يوم من الأيام رفع كل واحد منهم يده إلى السماء وهو يقول: اللهم خذ ابني أو اهده،

قصة الطباخ

فهدى الله - تعالى - ابن الأول وأخذ ولد الثاني (¬1). * * * قصة الطباخ على مدى عدة سنوات كان الزوج والزوجة في خلاف مع بعضهما يتخلل ذلك صفاءٌ لعدة أسابيع ثم تتعكر الأمور. وقد حملت المرأة وسقط جنيها ثلاث مرات. وفي يوم كانا فيه متصافيين أخبر الزوج زوجته أنه رأى رجلاً شكا له حاله قائلاً: إني أعمل طباخًا في أحد المطاعم فباع الكفيل المطعم لشخص آخر نقلت كفالتي إليه وضايقني أنه جعل صوت الغناء يرتفع في أنحاء المطعم فحاولت جاهدًا الرجوع إلى كفيلي الأول فلم استطع، عندها سألت كفيلي الجديد نقل كفالتي مقابل خمسة آلاف ريال هي كل ما أملكه فوافق فأعطيته المبلغ الذي كنت جمعته لإحضار زوجتي وأنا الآن في ضيق شديد وأمر عصيب فزوجتي تتصل دومًا تسأل: متى أحضرها؟ وأهلي يقولون: نحن محرجون من أهل زوجتك، فأريد هذا المبلغ على أن أسدده بأقساط شهرية. فعندما سمعت الزوجة هذه القصة قالت لزوجها: سأعطيه المبلغ ولا أريد منه شيئًا سوى الدعاء فأخذ الزوج المبلغ وأعطاه الطباخ وأخبره بقول ¬

_ (¬1) بتصرف من شريط (الشمس والقمر) للشيخ عصام العويد، من إنتاج مؤسسة مرافئ الحياة للإنتاج والتوزيع بحدة.

لم يسرق بيتها

الزوجة، فجلس يبكي من الفرح ولم ينم تلك الليلة بل ظل يدعو للمرأة وزوجها وبفضل من الله - تعالى - حملت المرأة منذ ذلك الشهر وثبت حملها وحسنت حالها وظهرت علامات الانشراح بينهم (¬1). * * * لم يسرق بيتها كان عنده زوجتان، تسكن إحداهما في الدور الأول والأخرى في الدور الثاني، وفي يوم ذهب الجميع لمدينة الرياض للزيارة، وعند عودتهم وجدوا أحد البيتين قد سُرق والآخر لم يُمسَّ بسوء، عندها تذكرت التي لم يسرق بيتها دعاءها قبل خروجها: استودعته الله - تعالى - الذي لا تضيع ودائعه فحفظ الله - تعالى - بيتها والله خير حافظًا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) هذه القصة ستعاد بإذن الله - تعالى - مع قصص أخرى في مؤلف بعنوان (من عجائب الصدقة)، وهي مجموعة قصص لقوم تصدقوا فأعقبهم الله تعالى خيرًا إما برزق أكثر مما تصدقوا به أو شفاء مريض أو دفع مكروه أو غير ذلك. (¬2) بتصرف من محاضرة بعنوان شرح قول الله تعالى (فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين) للشيخ عصام العويد.

غض البصر

غض البصر كان ينظر إلى الصور المحرمة في الفضائيات وغيرها، فحاول التخلص من ذلك فلم يستطع فدعا الله تعالى أن يحفظ سمعه وبصره عن الحرام، وصار يلح بالدعاء حتى أصبح يكره النظر الحرام وحافظ على قراءة القرآن الكريم (¬1). * * * عملية ناجحة أصيبت إحدى العوائل بحادث سيارة - نسأل الله تعالى السلامة والعافية - ومن المصابين امرأة تحكي قصتها وتقول: دخلت المستشفى بعد الحادث لإجراء عملية خلف الساق، وكانت عملية سهلة معروفة لا يستغرق جلوسي في المستشفى ثلاثة أيام لكن حدث ما لم يكن بالحسبان لقد جلست شهرًا كاملاً حتى جاء الموعد الآخر لإجراء عملية أخرى خطيرة قد يحدث شلل، من جرائها إن لم تكن السلامة فقد عرفت من عملها وأصيب بالشلل، وفي ظل هذه الأفكار التي تدور في ذهني لزمت الدعاء والتضرع لله - تعالى - أن يشفيني واستخرت الله تعالى ودعوته في الشهرين الماضيين، وفي اليوم الموعود جلست على سرير المستشفى وجاء الطبيب الجراح فقلت: إني أريد الطبيب فلان (وهو من كبار ¬

_ (¬1) المرجع السابق.

تدعو لابنها المدخن

الأطباء وقد درب جهازًا طبيًا كبيرًا على يديه فهو لا يعمل العمليات إلا لشخصيات مرموقة، ومن المستحيل أن يقوم بإجراء العملية لي بنفسه بل يجريها واحد ممن دربهم) فاستغربوا ذلك وأمام إصراري طلبوه لعله يقنعني أن أعدل عن رأي فحضر وهو يضحك ويقول: أنا الطبيب فلان بشحمه ولحمه وأجرى لي العملية بنفسه وكانت عملية ناجحة والحمد لله رب العالمين. * * * تدعو لابنها المدخن ذهب بأمه للعمرة، وكان مبتلى بالتدخين - نسأل الله تعالى السلامة والعافية - وبين فينة وأخرى ينزل من سيارته ليدخن ثم يرجع وهكذا وأمه تعلم ذلك، فلما ركب في إحدى المرات وجدها تبكي فقال: ما بك يا والدتي ... ؟ قالت: لا يهمني أي شيء يا بني إلا صحتك وأخشى أن تصاب بمرض أو لا أجد لك زوجة صالحة بسبب شربك للتدخين فتأثر تأثرًا كبيرًا لبكاء أمه ثم وصلوا للميقات، ولبسوا لباس الإحرام وذهبوا للبيت الحرام، ولما كانوا في الطواف سمع الرجل أمه تبكي بكاء شديدًا وتنشج بصوت مرتفع وتتضرع بصوت يمتلئ رحمة وشفقة: يا رب أسألك أن تجعل ابني يترك التدخين فقال في نفسه: سببت لأمي كل هذا الانزعاج والبكاء ولم أجعلها تهنأ في رحلتها أو تدعو لنفسها فالتفت إليها وقال: أقسم بالله - تعالى - أني لا أشرب الدخان. فاستغلَّي هذه

داعية ترشد زوجة المدمن

اللحظات بالدعاء لنفسك ومن تحبين. ومنذ تلك اللحظة أصبح يكره الدخان وصار من المرموقين خلقيًا واجتماعيًا (¬1). * * * داعية ترشد زوجة المدمن روت إحدى الداعيات أنها لما انتهت يومًا من إلقاء محاضرتها جاءت إليها امرأة تشكو حال زوجها المدمن وأنه يضربها ويبالغ في إهانتها ولا ينفق عليها، فأوصتها بكثرة الاستغفار واللجوء إلى الله - تبارك وتعالى - وخاصة في السجود وفي آخر الليل، ثم ذهبت وبعد عدة أشهر كانت تلقي محاضرة ولما انتهت أتت إليها امرأة وشكرتها ودعت لها ثم قالت: ألم تعرفيني؟ أنا الذي جئتك قبل عدة أشهر فأخبرتك بحالي فأوصيتيني بكذا وكذا، وقد عملت بما قلت ووالله إنه لم يمض على ذلك ستة أشهر إلا ويتوب زوجي ويترك المخدرات وأصبحت أنا وأبنائي كل همه وشغله الشاغل، حتى إني أتمنى أن يخرج لأنظف البيت. فالحمد لله على نعمه التي تترى. * * * ¬

_ (¬1) بتصرف من شريط (تعالى إلى النكهة) للدكتور: فهد بن محمد الخضيري، من إنتاج مؤسسة رياض للإنتاج والتوزيع بالرياض.

تدعو على أهل زوجها

تدعو على أهل زوجها تزوجت امرأة بزوج أكرمها وعاملها أحسن معاملة، فغير هذا الوفاق أهل الزوج وحاكوا الشر ضدها وما زالوا يحرضونه حتى طلقها - وهي حامل - بغير ذنب اقترفته، فكانت تبكي وتقول: (حسبي الله ونعم الوكيل! اللهم اخلفني خيرًا منه) ووضعت ذلك الطفل، ثم تزوجت برجل ذي خلق ودين ربى طفلها حتى كبر وتزوج، وأما أهل زوجها الأول فلا تسأل عن حالهم فقد طلقت أخواته الثلاثة وطلقت أمه بعد أربعين عامًا من الزواج، وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون. * * * حصل ما لم تتوقع قالت امرأة: كان بين أبي وخالي خلاف شديد لدرجة أن والدي قال لأمي: لو دخل أخوك البيت فسأطلقك، وفي يوم من الأيام اتصل خالي وأراد أن يأتي لزيارتنا فأحرجت والدتي وقالت لي: اذهبي لوالدك وحدثيه بالموضوع، خشيت إن أخبرته أن يطلق أمي فقمت وتوضأت وصليت وفي السجود دعوت الله - تعالى - أن يفرج الكرب وبكيت بشدة، ثم توكلت على ربي ودخلت على والدي وكنت متوقعة أن أقل شيء يفعله هو طردي، لكن المفاجأة أني لما أخبرته ابتسم وقال: البيت بيته وإن أتى في كل وقت،

جاءها ما تمنت

وعندما جاء خالي استقبله ببشاشة وترحاب والحمد لله. * * * جاءها ما تمنت تقول المرأة: كلما رأيت بيت الله الحرام في الصور طار قلبي محبةً وشوقًا فأنا منذ أن كنت حاملاً بابني الأول قبل تسعة عشر عامًا لم أذهب إليه، وكلما طلبت من زوجي رفض ذلك فأصبحت أمنيتي الوحيدة أداء العمرة، وفي تلك السنة بدأت بجمع المال أملاً في الذهاب للعمرة، ولكن زوجي رفض وابني لا يستطيع الذهاب لوحده لبعد المسافة وعدم معرفته بالطريق، وكانت أختي ستذهب مع زوجها للعمرة فطلبتُ منهم مرافقتهم في الطريق إلى مكة فوافقوا، وبدأت أجهز أغراض السفر والفرحة تغمرني والأنس يملأ قلبي حتى غير ذلك اتصال أختي قائلة: سنذهب غدًا بعد صلاة الفجر لكن للسياحة، ثم نذهب بعدها إلى مكة فأحسست بحزن شديد لكني لم أيأس من رحمة الله - تعالى - فقمت تلك الليلة وصليت ودعوت ربي وألححت بالدعاء ثم صليت الفجر، وأكثرت الاستغفار والدعاء وفي الظهر اتصلت أختي فظننت أنها اتصلت لتخبرني بوصولهم سالمين، لكنها قالت لي: إن أخا زوجي سيرافقنا ونظرا لحالة زوجته الصحية التي لا تسمح له بالتنقل سنذهب إلى مكة مباشرة ففرحت فرحًا شديدًا وأديت العمرة وجلست خمسة عشر يومًا وكانت من أسعد أيام حياتي، فلله الحمد والشكر أن يسر لي ذلك وأسأله القبول. * * *

كبير السن يدعو للمدخن

كبير السن يدعو للمدخن في أيام الحج رأى رجل كبير في السن رجلاً يعمل بجد وحرص والدخان بيده، فقال له: يا أخي الدخان محرم وهو ضار بك. فرد الرجل بأنها بلوى فقال الكبير في السن: عصمك الله منه وجعلها آخر سيجارة تشربها، قال الرجل المدخن: فقذفت بالسيجارة ولم أشربها والله بعد دعائه. والحمد لله. * * * يسر الله - تعالى - أمرها كثرت مشاكل تلك الزوجة مع أهل زوجها والجميع مخطئ، ولما حملت المرأة وجاءت بولد زادت المشاكل فذهب الزوج بها إلى أهلها، ومكثت عندهم سنتين أو ثلاثًا دون أن يطلقها، ثم ردها إليه في بيت لوحدها فصارت تحرص على كسب رضا زوجها وأهله لكنهم غير راضين عنها ثم تزوج بامرأة أخرى فأحسن أهل الزوج العلاقة معها إغاظة للأولى، وأصبح الزوج يمنعها من الذهاب لأهلها ويقدم زوجته الثانية عليها، ومضت السنون وأنجبت عددًا من الأولاد فلما رأت تفاقم المشاكل واستمرارها لجأت إلى الله - تعالى - بالدعاء والاستغفار، وفي يوم رأت رؤيا في منامها فقصتها على معبر فقال: هذا فرج لك وما لبثت المرأة سوى أسابيع إلا ويحسن زوجها معاملتها وكان يقول من شدة محبته لها أتمنى أن أموت

راحة في النوم

قبلك. أما أهله فأحسنوا معاملتها وكفوا عن أذاها. * * * راحة في النوم تقول إحدى النساء: كنت بعيدة عن الله - تعالى - أسمع الغناء وانظر للحرام، وفي إحدى السنوات ذهبنا لأداء العمرة في العشر الأواخر من رمضان ووافق ذلك شرف الزمان والمكان والوقت فانشرح صدري لما رأيته من الصفاء والبهاء والنقاء، ولجأت إلى رب الأرض السماء مبتهلة بدعوات صادقة من قلب خاشع منيب أن يجعلني أزداد طاعةً وعملاً صالحًا ولم أدع بشيء من أمور الدنيا. لقد كانت عشرة أيام عشتها سعيدة فرحة واستجاب الله تعالى دعائي فصرت أبغض الحرام سماعًا ونظرًا حتى استغربت من نفسي وتساءلت: هل أنا التي كنت أفعل وأفعل؟ ثم بدأت بحفظ القرآن الكريم وقد انتهيت الآن من حفظ سورة البقرة ولله الحمد، وأسأل الله - تعالى - الثبات لي وللمسلمين إلى الممات. * * * يطلب المسامحة كانت الزوجة تحسن معاملتها لأهل زوجها ورأى الزوج ذلك بعينه، وفي يوم حدث أمر بين الزوجة وأهل زوجها فجعل الزوج

الطفل المعوق

الحق مع أهله ظلمًا لامرأته وتطاول عليها بالكلام، ولما أراد الخروج قالت مرارًا: حسبي الله عليك، فخرج واصطدم بسيارته حيث كلفه إصلاحها (ثلاثة آلاف ريال) فرجع إليها معتذرًا معترفًا بظلمه لها يطلب المسامحة. * * * الطفل المعوق تحكي حياتها تلك المرأة العجوز فتقول: تعبت في تربية أبنائي تعبًا شديدًا وتكبدت الصعاب لأجل ذلك، خاصة بعد وفاة والدهم ... فلما كبروا تفرقوا عني ونسوني، وفي يوم دخل علي أحدهم وتكلم بكلام قاس ورفع صوته بشدة وسبني وآذاني، وكأني أحد أصدقائه وأنا خافضة رأسي والدموع تسيل على خدي، ثم خرج غير مبال لبكائي وضعف قوتي وقلة حيلتي بعدما كبرت سني ورق عظمي، فرفعت طرفي إلى السماء قائلة: حسبي الله ونعم الوكيل. وكانت زوجته حينها حاملاً فأنجبت طفلاً مشوهًا غاية التشوه. . * * * ومن الحب ما قتل دخل على زوجته ليلة الزواج ففوجئ بأنها بعيدة كل البعد عن الصفات التي طلب من أهله أن تكون فيها، وأحس بكراهية لها،

خرج سليما معافى

لكن الزوجة لم تيأس بل لجأت إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع ... ومضى أسبوع وهو لا ينظر إليها حتى نظرة، لكن الفرج قريب ومع العسر يسرين، ففي تلك الليلة التي أسعدت الزوجة جعل الله - تعالى - في قلبه حبها وقال لها: أحس بأن قلبي امتلأ حبًا لك وبقي معها في أنس وسعادة حتى كبرت، ثم توفيت فحزن عليها حزنًا شديدًا حتى بدأ بالنسيان ومناداتها بعد وفاتها وتذكرها وأصبحت حالته تتغير إلى أن مات رحم الله الجميع. * * * خرج سليمًا معافى كانت وزوجها وأمه وابنتها الصغيرة يستعدون للخروج من البيت فتروي تلك اللحظات الحرجة قائلة: خرج ابني إلى الشارع مسرعًا فلما توسطه جاءت سيارة مسرعة فاصطدمت به فذهلنا وحملته بين يدي كقطعة قماش ظننته ميتًا ونحن في طريقنا إلى المستشفى استفتحت سورة البقرة أقرؤها عليه، وأنا أبكي أما جدته فهي تتضرع إلى الله - تعالى - أن يشفيه ... وأدخل العناية يومًا ثم خرج منها وظل في المستشفى أسبوعًا ثم خرج سليمًا معافى والحمد لله رب العالمين. * * *

المراجع

المراجع - القرآن الكريم. - تفسير القرطبي، تحقيق عبد الرزاق المهدي، الطبعة الثانية 1420هـ مكتبة الرشد بالرياض. - جامع البيان عن تفسير آي القرآن للإمام محمد بن جرير الطبري دار الفكر ط1408هـ. - تفسير ابن كثير أشرف على تحقيقه محمود عبد القادر الأرناؤوط، ط الأولى 1420هـ مكتبة الرشد. - صحيح البخاري، كتاب موسوعة الحديث الشريف (الكتب الستة)، الناشر: دار السلام للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 1421هـ، إشراف فضيلة الشيخ: صالح آل الشيخ. - صحيح مسلم: الطبعة والناشر (المرجع السابق). - جامع الترمذي: الطبعة والناشر (المرجع السابق). - سنن أبي داود الطبعة والناشر: (المرجع السابق). - سنن النسائي الطبعة والناشر: (المرجع السابق). - سنن ابن ماجه الطبعة والناشر: (المرجع السابق). - مسند الإمام أحمد تحقيق عبد الله بن محمد الدرويش الطبعة الأولى 1411هـ دار الفكر.

- مستدرك الحاكم تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى، 1411هـ، دار الكتب العلمية. - مسند الحارث (زوائد الهيثمي) للإمام الحارث بن أبي أسامة الحافظ نور الدين الهيثمي، المحقق د: حسين أحمد صالح الباكري، الطبعة الأولى، 1413هـ، مركز خدمة السنة النبوية بالمدينة. - مصنف ابن أبي شيبة. - عون المعبود. - فتح الباري شرح صحيح البخاري. - نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - رضي الله عنهما - للحافظ ابن رجب، تحقيق محمد ناصر العجمي. - فيض القدير لعبد الرؤوف المناوي، الطبعة الأولى، 1356هـ، المكتبة التجارية الكبرى. - زاد المعاد للإمام ابن القيم، حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثلاثون، 1417هـ. - الاستيعاب لابن عبد البر. - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، لشيخ الإسلام ابن تيمية، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه عبد الرحمن بن عبد الكريم اليحيى، الطبعة الأولى، دار الفضيلة للنشر والتوزيع.

- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لابن القيم - رحمه الله تعالى - تحقيق الشحات أحمد الطحان، الطبعة الأولى، 1423هـ. - الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا، حققه وعلق عليه ياسين محمد السواس، خرج أحاديثه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، دار البشائر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1412هـ. كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا، دراسة وتحقيق المهندس الشيخ زياد حمدان، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى، 1413هـ - فضائل الذكر والدعاء، للإمام ابن القيم، الطبعة الثانية. - الدعاء المأثور وآدابه وما يجب على الداعي إتيانه واجتنابه، للإمام أبي بكر الطرطوشي. وضع حواشيه وخرج آياته وأحاديثه عبد الله محمود محمد عمر، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1413هـ. - المستغيثون بالله تعالى للحافظ أبي القاسم بن بشكوال، ضبط نصه وعلق عليه غنيم بن عباس بن غنيم، دار المشكاة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1414هـ. - سير أعلام النبلاء، الإمام الذهبي (جميع الأجزاء) طبعة مؤسسة الرسالة. - تاريخ الإسلام للإمام الذهبي، تحقيق د. عمر عبد السلام

تدمري، الناشر دار الكتاب العربي. - وصية الذهبي، لمحمد بن رافع السلامي - رحمهما الله تعالى - علق عليه د. جمال عزون، الناشر مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1424هـ. - العبر في خبر من غبر، للذهبي الجزء الثالث، حققه محمد السعيد بن بسيوني زغلول، الناشر دار الكتب العلمية. - حلية الأولياء لأبي نعيم. - تاريخ بغداد. - ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي تحقيق محمد علي البجاوري دار المعرفة. * * *

§1/1