من أسباب عذاب القبر

سعيد بن مسفر

من أسباب عذاب القبر

من أسباب عذاب القبر في هذه المحاضرة يتحدث الشيخ عن الأسباب التي توجب عذاب القبر، مبتدئاً ببيان انقسامها إلى قسمين رئيسين: مفصلة ومجملة، فبدأ بالحديث عن الأسباب المجملة، وهي جهل الناس بالله عز وجل ومخالفتهم لأوامره، وارتكابهم لنهيه عز وجل، ثم ذكر الأسباب المفصلة وهي سبعة، شارحاً السببين الأولين، فيما تناول بقية الأسباب الأخرى بصورة مجملة.

النميمة من أسباب عذاب القبر

النميمة من أسباب عذاب القبر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. أيها الإخوة في الله! حياكم الله في روضة من رياض الجنة، وفي حلقة من حلقات العلم والإيمان، التي تزكو بها الأرواح وتعلو بها الأنفس، ويشرف بها الإنسان حينما يقف بين يدي الله عز وجل، فيحاسب على كل دقيقٍ وجليلٍ من عمله في هذه الدار فيرى في صحائف عمله وفي سجلات سلوكه هذا الساعات التي اغتنمها من حياته وأمضاها في رياض الجنة وفي حلق الذكر، فإنه لا يبقى للإنسان بعد موته إلا ما كان لله عز وجل، أما ما كان من حظ النفس أو من حظوظ الدنيا فإنه يذهب ويفنى بفناء النفس والدنيا، وما أريد به وجه الله فهو الباقي في الدنيا وفي الآخرة -نسأل الله وإياكم من فضل الله عز وجل-. كان الكلام في الماضي عن عذاب القبر، وعن نعيمه -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل النعيم- ولكن قد يبدو أو يبدر سؤال عن الأسباب التي توجب عذاب القبر؟ وعن الأسباب التي تنجي من عذاب القبر؟ وقد بوب العلماء في كتبهم وفي مصنفاتهم أبواباً لهذه المسألة، وخصوها بكثير الاهتمام؛ لأنها تضع المسلم على الأمور التي ينبغي له أن يهتم في اجتنابها حتى لا يقع في الأسباب الموجبة لعذاب القبر؛ ولأن منهج الإسلام في تربية أتباعه وأبنائه أن يضعهم دائماً على النقاط وعلى الحروف، ويضع أيديهم على المواطن التي يلمسونها ويعلمون بها، لا يتركهم في متاهات، ولا يضعهم في مجاهيل، وإنما يوضح لهم الأمور ويبين لهم الحقائق حتى يستطيعوا أن يعملوا على مستوياتهم المتباينة في الفهم والإدراك، لكن كل مسلم لابد أن يخرج بخيرٍ من هذا المعين العظيم الذي هو معين النبوة وهدي الرسالة صلوات الله وسلامه على صاحبها. الأسباب التي توجب العذاب في القبر على قسمين: قسمٌ مجمل، وقسم مفصل وموضح ومبين. فأما المجمل فإن الناس يعذبون في قبورهم بأسباب جهلهم بالله، وبدينه وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبأسباب إضاعتهم لأوامر الله، وارتكابهم لمعاصيه، هذه بالإجمال تسبب لصاحبها العذاب في القبر، كلما كان الإنسان جاهلاً بهذا الدين وجاهلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالله عز وجل، وأيضاً ارتكب ما نهى الله عنه وضيع ما فرض الله وأمره به كان مستوجباً لعذاب القبر. وهناك أسباب مفصلة -يعني: معينة- ومبينة وموضحة من يقع فيها يناله عذاب القبر إلا أن يشاء الله، وقد وردت بها النصوص الصحيحة الصريحة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي سبعة أشياء. الأول من الأسباب: النميمة: وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد، بنية إفساد ذات البين، والثاني: الاستنزاه من البول، هذان السببان موجبان لعذاب القبر، فقد ورد في الصحيحين في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) يعني: سبب عذابهم ليس بسبب كبير في نظرهم، وإلا فهو عند الله كبير وعظيم، ولهذا جاء في بعض روايات الحديث: (أما إنه كبير) يعني: عند الله، لكن ليس كبير، في أنظار الناس، يعني: الناس الآن يستعظمون الزنا، ويستعظمون الربا، ويستعظمون قتل النفس ويستعظمون الخمور، لكن هذه معاصي كبيرة ويتساهلون في هذه البسيطة وهي سبب عظيم من أسباب العذاب في القبر (وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة -كان يسعى بالنميمة- وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، فأخذ عوداً رطباً فشقه -جريدة من نخل شقها نصفين- وغرز على كل قبر واحدةٍ منهما ثم قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) الحديث من رواية طاوس اليماني رحمه الله، فقيه اليمن، وعالمها اليمن، تابعي جليل سمع من زيد بن ثابت ومن ابن عباس ومن عائشة ومن أبي هريرة رضي الله عنه ولازمهم ملازمة كبيرة، وكان من سادات التابعين وكبرائهم، ومن عباد اليمن، كان من العباد الكبار، وحج أربعين حجة، لكن يجب أن نسأل على ماذا حج أربعين حجة على طائرة أو على سيارة على حماره؟ حج أربعين حجة وكان يقول: ما من كلمة يتكلم بها ابن آدم إلا أحصيت عليه. حتى أنه في مرضه إذا كان مريضاً يقول وهو يئن: آه آه هذا الأنين مسجل ومحسوب؛ لأنك تظهر التبرم والسخط وعدم الرضا؛ لأن مقتضى الصبر أن تصبر، ولذا كان السلف لا يئنون من أمراضهم مهما تعبوا فإنهم يصبرون، ولا يتضجرون من قضاء الله عز وجل، وطاوس اليماني مشهور بـ طاوس بن كيسان كان كثير الصمت، فما من كلمة يتكلم بها إلا وهي مسجلة عليه، وأكثر ما يجر الناس إلى النار هو اللسان؛ لأن الكلام لا يزال في ملكك حتى يخرج من فمك، فتكون أنت ملكاً له إما بالخير أو بالشر، إما بالسلب أو بالإيجاب. لما حج سليمان بن عبد الملك، ووصل إلى مكة قال: هل بقي أحدٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: لا. قال: هل بقي أحدٌ من التابعين الذين أدركوا بعض الصحابة؟ قالوا: نعم. بقي طاوس، فأرسل إليه فجاءه، فلما سلم، سلم عليه ولم يقل له: يا أمير المؤمنين! وجلس على بساطه بنعليه، وبعد ذلك قال له: ما هذا الجفاء يا طاوس؟ قال: دخلت ولم تكنيني بإمرة المسلمين، ووضعت نعليك على طرف بساطي، ودعوتني باسمي؛ لأنه قال: السلام عليك يا سليمان! قال: أما أني دعوتك باسمك فإن الله عز وجل خاطب أنبياءه بأسمائهم، قال: يا نوح ويا لوط ويا إبراهيم ويا موسى، يقول: فأنا لم أخطئ فدعوتك باسمك الذي سمتك أمك وأبوك به، قال: وأما أني لم أسمك بإمرة المؤمنين، فإني لا أدري أكل المؤمنين راضين عن إمارتك أو لا؟ فخشيت أن أكذب، أقول: أمير المؤمنين وهم لا يريدونك أميراً لهم، وكان رجلاً حساساً عند الكلام. قال: وأما عدم خلعي لنعلي على بساطك، فإني أصلي بين يدي ربي بنعلي خمس صلوات ولا يغضب علي. قال له: يا طاوس ما لنا نحب الدنيا ونكره الآخرة؟ قال: لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم، والإنسان بطبعه لا يحب الانتقال من دار العمران إلى دار الخراب، إذا عندك كوخ مهدم وعندك فلة مبنية تريد أن تنتقل من الفلة إلى الكوخ تجلس فيه؟ لا. فالإنسان يكره الآخرة إذا كان ليس عنده فيها عمل ولا دار، أما السلف الأوُل فكانوا يحبون الآخرة ويكرهون الدنيا؛ لأنهم دمروا الدنيا وعمروا الآخرة. قال: كيف القدوم على الله يا طاوس؟ قال: أما المؤمن فكالغائب يعود إلى أهله، وأما الفاجر فكالعبد الآبق يقبض عليه مولاه وسيده، والقدوم على الله على حالتين: إما غائب عن أهله مسافر سنين طوال ثم جاء إليهم بعد سنتين أو ثلاث أو أربع سنوات كيف ظنكم بتلك الليلة؟ لاشك أنها ليلة عيد عندهم، إذا كان بعد غيبة طويلة وأيضاً جاء ومعه أموال كثيرة ومصاريف وهدايا، ويقسم الهدايا على الناس، كل القرية والمدينة تفرح وتسعد بمجيء هذا، أبوه يفرح به وأمه وزوجته وأولاده وأقاربه يسعدون به، فهو في ليلة من الأنس والسعادة مع أهله. وأما الفاجر فكالعبد الآبق يعني: الهارب من سيده يقبض عليه مولاه، يعني: عبد مملوك شرد من سيده وبعد فترة وجده فأمسك به، أين يمسيه تلك الليلة؟ يمسيه في الإصطبل، وهو مكان إنزال وإسكان الحيوانات كان في البيوت في الماضي نضع فيها الحمير والبقر، وإذا أخطأ أحد العبيد المماليك جعلوه يبيت في هذا المكان حتى بعض الآباء إذا أراد أن يربي ولده يربطه مع الحمار؛ لأنه لم يكن هناك فنادق ولا قهوة يذهب ينام فيها، ليس هناك إلا بيت أبيه فهذا قادم على الله وهو آبق فاجر يقبض عليه الله عز وجل فلا يمسيه إلا في النار. لا حول ولا قوة إلا بالله! يقول طاوس اليماني: عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ وابن عباس هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبر الأمة وترجمان القرآن وقمطر العلم، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث عشرة سنة، أدرك من العلم ما لا يدركه كبار الصحابة، كان فقيهاً ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فقد دعا له وقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) فكان يعرف من أسرار القرآن ما لا يعرفه غيره، وكان يقول: [أنا من القليل الذين يعرفون عدد أصحاب الكهف] قال تعالى: {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} [الكهف:22] ، من علم الله الذي أعطاه. يحدث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين) والمرور على المقابر سنة، ينبغي للمسلم أن يمر باستمرار على المقابر وأن يدعو وأن يسلم، فإن السلام والدعاء ينفع والاعتبار يحصل، لكن إذا لم تمر على المقابر فإن قلبك سيقسو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد نهى في أول الأمر عن زيارة المقابر ثم أمر بزيارتها قال: (إني كنت قد نهيتكم عن زيارة المقابر ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة) ولا يحصل للإنسان الاتعاظ القوي إلا إذا وقف على المقابر هكذا ونظر في ظهور القبور وتأمل بجزءٍ من التفكير العميق في بواطنها وكيف كان أصحاب هذه القبور يعيشون بين الناس؟ كانوا أقوياء وأثرياء وأغنياء، وعظماء وعلماء وكانوا حكماء وشجعان، ثم بعد ذلك كيف دسوا في التراب، وكيف وضعوا تحت اللحود، وكيف أن الزمان سيدور دورته وأن السرة سوف تصل إلي وسوف أسكن أنا فيها. أيها الناظر إلى القبر! في تلك الحفرة المظلمة سوف توسد ويغطى وجهك بالتراب وتحت ظهرك ورأسك تراب، وفوق رأسك صلايا ولحود، وبعد ذلك ليس معك هناك أحد، هذه تأملات تزرع في الإنسان القوة في العمل، فيعود من القبر معتبراً، ولذا كان ميمون بن مهران رحمه الله من السلف قد حفر في بيته قبراً، فإذ

النميمة وضررها على الفرد والمجتمع

النميمة وضررها على الفرد والمجتمع النميمة التي هي سبب من أسباب عذاب القبر هي من أعظم الذنوب، وقد ذكرنا في ليلة من الليالي الماضية الحديث، وهو في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام) قد يسأل أحدهم: كيف لا يدخل الجنة نمام؟ فقلنا: إن هذه الأحاديث -أحاديث الترهيب والوعيد- لا تؤخذ بمفردها، وإنما تؤخذ بمجموعها، ومع إجمال ما ورد فيها، وهذا الحديث إذا كان صاحبه النمام موحداً فإنه لا يدخل الجنة ابتداءً وإنما نهايته في النهاية إلى الجنة بعد أن يمكث في النار ما شاء الله عز وجل أن يمكث. أما أن يدخل مباشرة إلى الجنة؟ فلا. لأنه لا يدخل الجنة نمام؛ لأن النميمة من أعظم الكبائر ومن الموبقات -والعياذ بالله- ومن الذنوب التي يتعدى ضررها إلى الغير، يقول عليه الصلاة والسلام: (دب إليكم داء الأمم قبلكم ألا إنها الحالقة -تحلق الدين وتجعله أصلع- لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين) و (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيل والقال، وعن إضاعة المال وعن كثرة السؤال) القيل والقال مأخوذة من القلقلة يعني: تسمع قولاً فتذهب تنقله، وأنت بهذه الطريقة تفتن بين المسلمين وتزرع المشاكل وتسبب الإحن وتنزع الثقة من الناس، وتجعل المسلم يكره المسلم، وإذا وجدت الكراهية والبغضاء والشحناء والاضطرابات النفسية في النفوس فإن الدين يرحل، ولا يحل الدين إلا في أرض الحب والمودة، ولهذا الله عز وجل جعل الود بين الصحابة والولاء أرضية لقيام الدين الإسلامي في المدينة، وأول عمل فعله صلى الله عليه وسلم أنه آخى بين المهاجرين والأنصار، قال الله عز وجل: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63] فتأليف القلوب هدف من أهداف الدين، وتشتيتها هدف من أهداف الشيطان والشرك، فلا ينبغي أن يزرع في المجتمع المسلم إلا الود، والنميمة ضده؛ لأن الإنسان ليس معصوماً، قد يقول الإنسان كلمة وهو لا يلقي لها بالاً في مجلس من المجالس يخطئ، تزل به القدم أو يعثر به اللسان؛ لأنه بشر فيذكر أحد الناس -مثلاً- في المجلس، فهو يقول: من هو فلان؟ فلان ليس فيه خير، فأحد الجلوس لقطها وذهب إليه، قال: ما الذي بينك وبين فلان؟ قال: بالأمس كنا جلوساً ولم يذكرك أحد إلا فلان قال: ليس فيك خير وأنك لعاب وإنسان شيئ. قال: هل هذا صحيح؟ قال: نعم. ألا تعرفه؟ هو خبيث ولكنه يتظاهر لكم أحياناً والله لو تعلم ماذا فيه، قال: ماذا فيه؟ قال: فيه وفيه وفيه. قال: الله أكبر عليه، والله كنت أظن أن فيه خيراً. وخرج مباشرة إلى الآخر، وقال: السلام عليكم، كيف الحال إن شاء طيب أنت بخير، ماذا بينك أنت وفلان؟ والله أنا أعلم أنكم أصدقاء. قال: ماذا هناك؟ قال: كنت عنده بالأمس وقد تكلم عليك وقال فيك: كذا وكذا. ما ظنكم بعد أن يتقابلا، ماذا يحدث بينهما؟ أول ما ينظر إليه من أول الطريق يهرب منه، وإذا سمع عنه أي خير يقلب الحقائق عنه، وإذا سمع عنه أي شر يثير البغضاء والفاحشة عنه، وبعد ذلك يكرهه ويكره أولاده وجيرانه وأقاربه وتشيع وتصدر المفاسد العظيمة بأسباب نقل الكلام، ليس لك مصلحة من نقل الكلام. ولذا يذكر أهل العلم قصة وهي أن رجلاً كان له عبد مملوك، وكان هذا العبد من صفاته -والعياذ بالله- أنه نمام؛ والنميمة مرض، بعضهم إذا ما نم لا يأتيه النوم، عنده النميمة أكلة ووجبة، يضل جائعاً حتى يقول نميمة، فهذا مريض بهذا المرض فعلم سيده وعرف طريقته وأراد أن يتخلص منه فذهب إلى السوق وباعه في سوق النخاسين -مكان بيع العبيد- ونادى عليه قال: هذا العبد خدوم فيه كل خصلة إلا خصلة ليست طيبة، قالوا: ما هي؟ قال: نمام، قال الذي يريد أن يشتريه: لا نصدقه، فاشتراه ولم يصدقه أول الأمر، ومشت الأيام والليالي وجلس العبد المنحوس هذا ينصب له كذبة ونميمة لا أعظم منها، وجاء يومٌ من الأيام إلى سيدته، وكانت امرأة دينة طيبة وكانت على علاقة طيبة بزوجها بينها وبينه عشرة ومودة ورحمة وألفة وحياة كريمة، فصعب عليه هذا الجو الآمن وهذا العش الهادئ، فأراد أن يحطمه وأن يقضي عليه بهذا الأسلوب الشيطاني الذي عمله، فجاء إلى عمته وقال لها: يا عمة! قالت: نعم. ماذا تريد؟ قال: سيدي يريد أن يتزوج، الحقيقة أنه مخطئ وأنت طيبة، ومخلصة، وأنا سمعت أنه يبحث عن زوجة، قالت: هل هذا صحيح؟ قال: نعم. أنا معه دائماً أشاهده يتكلم مع الناس ويسأل ويرسل، وأظنه عازم على الزواج، وتعرفون أن بعض النساء لا تحب أن يتزوج عليها زوجها، هي تريد زوجها لها، فإذا جاءها مشارك فيه تقوم قائمتها، ولذا صعب عليها الأمر فأراد أن يحل إشكالها، قال: يا عمة! قالت: نعم. قال: تريدين أن أحل المشكلة وأجعله لا يعرف النساء أبداً ولا يتزوج عليك مدى الحياة، قالت: بارك الله فيك، قال: أنا عندي فكرة، فقط أريد شيئاً مهماً جداً تحرصين عليه وتأتين به، قالت: ماذا تريد؟ قال: فقط أريد شعرات من لحيته، قالت: كيف آخذها؟ قال: إذا نام في الليل فخذي سكيناً وخذي منه شعرات واقطعيها وأتي بها إلي. وقام من نفس اللحظة وتلك في البيت مسكينة وذهب لدكان عمه وهو تاجر وقال: يا عم يا عم! قال: ماذا بك؟ قال: أتيتك بخبر؛ قال: عمتي تحب شخصاً وقد عزمت هذه الليلة هي وإياه على قتلك! قال: عمتك تحب رجلاً وتريد أن تقتلني؟ قال: نعم. قال: ما عهدت عليها هذا الأمر، قال: أنا نذير لك، وأنا أقول لك: إن كان الخبر صحيحاً تعرف أني مخلص لك، وإن كان الخبر ليس صحيحاً فاقتلني، قال: كيف أعلم أنه صحيح؟ قال: تذهب هذه الليلة وتستلقي على فراشك وتتناوم لكن لا تنام، انتبه حذاري أن تنام. أنا براء منك وأنت ستراها تأتي إليك وفي يدها سكين حادة تريد أن تقطع رقبتك ثم تذهب هي مع هذا الرجل. ذهب هذا الرجل إلى البيت ولم يتغد، وهي أيضاً ما استقبلته استقبالاً حسناً؛ لأن في قلبها شيء، قد أخبرها ذاك أنه سيتزوج عليها، فلما دخل جاء الشيطان إليه وقال: إن العبد كان صادقاً، انظر إليها ليست بطبيعتها الأولى حيث كانت تستقبلك وتقول: كيف حالك؟ كيف السوق؟ انظر إليها اليوم معبسة ماذا بها؟ ولما ذهب الرجل إلى فراشه استلقى على ظهره وجعل يفتح عيونه من بعيد، وجاءت المسكينة تريد أن تأخذ شعرات من تحت لحيته من أجل أن يبقى لها، ومن أجل أن تعيش معه حياةً كريمة فأخذت السكينة ولما أهوت بيدها إلى حلقه تمسك الشعرات وصبر ولما اقتربت السكينة من رقبته قام الرجل وأخذ السكين من يدها ووضعها على الأرض وذبحها، وكان الخبيث عند الباب يراقب، ويوم سمع الصياح خرج وذهب إلى أهل المرأة وصاح عليهم قال: فلان ذبح ابنتكم، فجاءوا كلهم بسلاحهم ودخلوا على الرجل وإذا ابنتهم مذبوحة، فخرج من بينهم وذهب لقرية الرجل قال: آل فلان هجموا على ولدكم وذبحوه وذبحوا امرأته، المهم اقتتلت القبيلتان حتى فنيت بسبب هذا العبد المنحوس. جاء في بعض الآثار: أن النمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة، النمام يفسد في لحظة وفي دقيقة وفي ربع ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة، النمام يزعزع كيان الأمم والشعوب والمجتمعات والأسر يجعل الأخوين عدوين، والصديقين متباعدين، والزوج عدو لزوجته، والولد عدو لأبيه، حتى بين الولد وأبيه, فبعض الناس يجلس مع أحد الأبناء فيقول له: هل يعاملك هكذا دائماً؟ والله لو كان أبي هذا ما نظرت لوجهه، لماذا لا يأخذك باللطف؟ والإحسان؟ ولماذا لا يترضى لك ويعاملك معاملة حسنة؟ فإذا ذهب الولد إلى أبيه لا يرد عليه، يقول الأب: ماذا بك لا ترد ولا تتكلم؟ قال: أنت تعاملني هكذا، أشاهد الناس يعطون لأولادهم ويعاملونهم معاملة طيبة ويعملون لأولادهم لكن لو كان فيه خير ذلك الذي جاء إليه الابن يشتكي أباه لقال له: لا. هذا أبوك، وهو سبب وجودك، وسر وجودك في هذه الحياة وهو جنتك ونارك، كيف لك أن تبدل أباك؟ ما عليك إلا أن تصبر على قسمتك، ليس هناك أب غيره لك. وبعض الناس إذا سمعك تتكلم عن أولادك تقول: والله أنا فلان زعلان منه أو فلانة -الزوجة- أنا زعلان منها، قال مباشرة: هذا جيد، بدل أن يقول: لا والله أبداً ولدك فيه خير، ولدك جيد، يجعل لك أملاً في ولدك، لكن من حين أن تقول له: والله فلان قال: أي والله إنه خبيث -أعوذ بالله- وبدأ يعلمك حتى يجعلك عدواً لولدك، أنت لا تريد أن تكون عدواً لولدك ولا تريد أن أحداً يبلغك عن أهلك ولا عن زوجتك ولا عن أولادك سوءاً، فإذا أحد شكى عليك لا تزد الطين بلة، هو يبث لك من أجل أن تعزيه ومن أجل أن تفرحه، لا من أجل أن تحزنه وتقتله. لا حول ولا قوة إلا بالله!

من صفات أهل الضلال والفسق

من صفات أهل الضلال والفسق النميمة مصيبة من أعظم المصائب على المجتمعات الإسلامية، ولا يمكن أبداً أن يحملها إلا رجلٌ لا خير فيه في الدنيا والآخرة، وقد بين الله عز وجل في كتابه العزيز أن هذه صفة من صفات الضلال والإضلال مع غيرها من المرادفات تجمعت في رجلٍ من كفار قريش اسمه: الوليد بن المغيرة، وهو من كفار قريش ومن زعمائهم ومن العتاة والصناديد الذين كانوا يردون ويصدون عن دين الله عز وجل، سماه الله عز وجل: ((مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)) [القلم:11] وبين الله فيه أيضاً من بعض صفاته أنه دعي، وأنه ابن زنا ولا أب له، قال عز وجل: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10] حلاف: يعني كثير الأيمان، يحلف على كل شيء: بلى والله، ولا والله، وإلا والله -أعوذ بالله- أين الله، ما بك تلعب بالأيمان وتتساهل بها، احفظوا أيمانكم، لا يجوز -يا أخي- أن تقسم بالله إلا إذا احتجت وفي ظرفٍ قاهر ونادر أما أن تحلف على كل شيء، خذ والله تشرب، عليك وجه الله أن تأخذه، عليك وجه الله أن تقوم -أعوذ بالله- بعضهم تجده -والعياذ بالله- واقع في هذه ولا يقيم لله وزناً {حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10] مهين: يعني: لا قيمة له، هين دنيء {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11] الهماز هو: الذي يغمز في الناس، إذا مر شخص وأنت جالس معه، قلت: من هذا؟ قال: هذا خبيث، ماذا فيه؟ قال: لو تعرف أهله وطبعهم. هماز يعني: يبحث عن نقطة ضعف في كل مسلم ويغمز فيها، ولهذا قال الله: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] يلمز ويهمز، يلمز: ينقل، ويهمز: يطعن في الناس، يشكك من قدرات الناس ويضعف من قيمة الناس، ويزعزع ذكر الناس في الآخرين، لا يريد أن يكون أحد حسناً إلا هو، الناس كلهم غير طيبين ما عدا هو فهو طيب، وكل ما ذكر شخص فيه عيب قال: فلان الأعور، فلان الطويل، فلان القصير ذاك فلان المتين، فلان النحيف، فلان الأشدق، فلان الألتق فلان يذكر كل شخص بما فيه من عيب لا يستطيع أن يذكر الشيء الطيب فيه، لماذا؟ لأن منظاره أسود، وعينه قذرة لا تقع إلا على القذر، مثل الذباب؛ الذباب الآن أين يقع؟ لا يقع إلا على النجاسة، فالفاسق مثل الذباب إذا جلس يجلس على نجاسة، وإن أخذ أخذ نجاسة، وينقل عدوى، وإن جاء على مكان يؤذيه، بينما المؤمن كالنحلة، إن أكلت أكلت طيباً وإن حملت حملت طيباً، وإن وقعت على شيء أو عودٍ لم تكسره أو تخدشه، فالمؤمن كالنحلة والمنافق كالذباب. فالله تبارك وتعالى يقول: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:10-11] يعني: ينقل الكلام بين الناس باستمرار يعني: ليس لديه عمل إلا النميمة: {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القلم:11-12] ليس عنده خير أبداً، الخير عنده غير مأمون {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القلم:12] وأيضاً يعتدي بلسانه وبعينه وبأذنه وبيده وبفرجه وبرجله وبكل وسيلة على الناس لا يترك أحداً، وأيضاً أثيم؛ واقع في الجرائم والآثام، آثم يواري توحيد الله، معتدٍ أثيم، بعد ذلك عتل: متكبر متعجرف قلبه أقسى من الحجر لا يلين لكلام الله ولا يستمع موعظة ولا يحضر مسجداً ولا يسمع عالماً، عتل وبعد هذا، أي: فوق ذلك كله قال: زنيم، أي: ابن زنا لا أب له، لما نزلت هذه الآية وسمعها الوليد بن المغيرة جاء إلى أمه، وسل سيفه وقال: قد وصفني محمد بتسع صفات أما ثمان فوالله إني أعلمها أنه صادق أنها فيني -انظروا كافر لكن يعرف أن الوصف هذا كله فيه- قال: أما ثمان فوالله إني أعرف أنها فيني، وواحدة بقيت لا أدري والله إما أن تصدقيني أو لأذبحنك بهذا السيف، قالت: لا تذبحني إن أباك كان رجلاً عنيناً أي: لا ينتصب عضوه تقول: وخشيت أن ينقطع ذكره فذهبت يوماً مع الغنم إلى الراعي، وحملت بك، فأنت لست ابن أبيك ولكنك ابن الراعي، ونسبتك إلى أبيك، وبالرغم من هذا ما آمن لماذا؟ لأنه زنيم دعي -والعياذ بالله- {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم:13-14] لا تطعه ولو كان صاحب مالٍ وبنين؛ لأنه كان صاحب أموال طائلة وصاحب أبناء كثيرين وهو الذي قال: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ:35] فأنزل الله عز وجل قوله: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:37] {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [القلم:14-15] هو الذي قال هذه الكلمة عليه من الله ما يستحق وعليه لعائن الله المتتابعة في الدنيا والآخرة، كان كلما سمع شيئاً يقول: هذه أساطير، أي: خرافات الأولين، قال الله: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:16] الخرطوم هو: الأنف، ولا يعبر به على الإنسان إلا على سبيل الذم، لا يقال: خرطوم الرجل، أما إذا أردت أن تمدحه فتقول: صاحب الأنف؛ لأن الأنف مشتق من الأنفة ولذا فإنه أعز شيء في الإنسان، ولا يرضى الإنسان أن يضرب على أنفه، يود كل شخص أن يضرب في أي منطقة في جسده إلا في أنفه، ولا يمكن أن تهينها إلا لله عز وجل تسجد لله عز وجل على أنفك وعلى جبهتك تذللاً وخشوعاً وخضوعاً، فالله عز وجل عبر عن هذا الرجل بالخرطوم، وكانت المعارك زماناً بالسيوف وكان يقول بعضهم: خَرْطَمه، يعني: ضربه على أنفه بالسيف أو بالجنبية وهذه أعظم مسبة عند العرب، أن يضرب الأنف، يقول الله قال: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:16] أي: سنجعل لهذا الرجل علامة على خرطومه، وفعلاً كانت له علامة أوقعه أحد الصحابة في يوم بدرٍ أصابه وقطع أنفه -قطع خرطومه- فبقي أفلس ليس معه أنف، بوعد الله عز وجل {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:16] لأنه كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: مجنون، والله يقول: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ} [القلم:2-5] يعني: في الآخرة {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} [القلم:6-8] أي: الكفرة {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10] إلى آخر الآيات كما أسلفنا.

حالات الكذب الجائزة

حالات الكذب الجائزة صفة النميمة ليست من صفات أهل الإيمان، ولا ينبغي للمسلم أن يتحلى بها، ولكن يجوز الكذب في ناحية واحدة؛ لأن الناس قيدوها قالوا: هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد، أما على جهة الإصلاح فلا بأس، إذا سمعت أن رجلين متخاصمين وأردت أن تسعى بالإصلاح بينهما، فإنه يجوز لك أن تذهب إلى الأول فتقول له: إن فلاناً يثني عليك ويذكرك بالخير ويتأسف على ما بدر منه نحوك، ويتمنى اللحظة التي يلقاك فيها فيعتذر إليك ويبتسم في وجهك ويحييك، ويريد أن يزورك، فيقول الثاني: هل هذا صحيح؟ إذا قال لك: احلف بالله ماذا تعمل؟ اتصلت أنا تلفونياً بالشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز؛ لأني وقعت في موقف محرج جداً والرجل يثق بي ثقة كبيرة، لكن يستغرب الكلام الذي قلته عن ذاك، يتصور أنه كلام غير صحيح رغم ثقته فيه، فأراد أن يحرجني قال: احلف بالله أنه قال هذا الكلام؟ فوقعت في موقفٍ عجيب، ليس لدي خيار إلا أن أحلف بالله، ماذا أعمل وأمري إلى الله فحلفت بالله قلت: والله إنه قال، ولكن بقيت هذه اليمين في قلبي مثل الجمرة، أردت خيراً فوقعت في يمينٍ غموس، ماذا أصنع يا ربِ! وجلست أستغفر الله طوال يومي، ماذا أفعل أقول: لا. لو أني ما حلفت سيعرف أني كذاب، وبعد ذلك لا يثق بي مطلقاً ويستمر الأمر الذي أنا أردت أني أقضي عليه وهو قضية الفساد الذي حصل بين الرجلين خيارات صعبة لابد لي أني آخذ أقل واحد منها، فتحملت وحلفت، ولما جئت في الليل اتصلت بالشيخ عبد العزيز بن باز وأخبرته فقال: يمينك بارة وأجرك على الله وإن عادوا فعد، -أي والله يا إخواني- قال: ليس هذا من اليمين التي يعذب عليها الله عز وجل، هذه يمين أريد بها وجه الله، أريد بها لمّ شعث المسلمين؛ لأن الحقيقة كانت القضية بين الرجلين قد بلغت أوجها لدرجة أنه ما بقي إلا أن يتقاتلا، ثم افترقا، وكان بعضهم يتصور أنه وهو يفترق بالآخر أنه لن يلتقي به أبداً في حالٍ من الأحوال، لكن من فضل الله لما ذهبت لهذا الرجل الذي كان لا يصدق أن ذاك يقول فيه هذا الكلام قلت: فلان آسف ومتندم ويريد أن يراضيك بأي وسيلة ويعتذر عما حصل ويقول: أنك أنت الذي بدأت لكن هو يقول: إن الشر منه وهو يريد أن يلقاك ويريد أن يزورك وهو مستعد أن يأتي معي إليك فقط يخشى أنك ترده من الباب، قال: صحيح؟! قلت: نعم. قال: احلف بالله أنه قاله؟ فما قدرت إلا أن أحلف وأمري إلى الله وبعد ذلك انتقلت من هذا ذهبت لذاك، ذاك لم يطلب مني يميناً، ووافق، ومن فضل الله قَبِل أن نزوره فذهبت أنا والرجل هذا إلى بيته وأصلحت بينهما وتعشينا عند هذا، وفي اليوم الثاني تعشينا عند الآخر والآن الإخوة من أحسن الناس، من فضل الله. فالشاهد في الموضوع أن هذا ليس من الكذب وليس مما لا يجوز وإنما مما يجوز أن توحد الصفوف وأن تلم الشعث وأن تقرب القلوب عن طريق هذا. تقول عائشة رضي الله عنها: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص بشيء من الكذب إلا في ثلاث: كذب الرجل على زوجته، وكذبه على الحرب، وكذبه في الإصلاح) كذبه على زوجته ليس يعني ذلك أن يأخذ حقوقها ويكذب عليها، يكذب على الزوجة يعني: يقول لها: إن طعامك جيد، ولو كان لا يساوي شيئاً. وإن الثوب هذا لم أر مثله في حياتي ولو كان لا يساوي شيئاً، وإن الفراش نظيف والرائحة جميلة هذا مما يقرب قلبها لك؛ لأنه يبعث فيها عامل التنافس لتقديم أفضل خدمة؛ لأنك تزكيها، والإنسان دائماً يحب المدح، أنت عندما تدخل على الطلاب في المدرسة وتأتي إلى طالب بليد وتمدحه وتقول: ما هذا الخط الجميل! ما شاء الله! عجيب! أنت اليوم يظهر عليك أنك ذاكرت بالأمس، فيذهب الطالب يذاكر طوال الليل، لكن عندما يأتيك وهو مذاكر طوال الليل ويضبط الخط ويفعل الواجبات وتشاهده فنقول له: ما هذا الخط؟ فيقول الطالب: الله أكبر على هذا الأستاذ! كنت طوال ليلي أسهر عليها وآخر شيء يقول لي هكذا والله لا أفعل واجباً فالشاهد في الموضوع أن كذب الرجل على امرأته ليس كذباً في حقوقها، كأن يأخذ مالها أو يشرد عليها ويقول: ليس عندي شيء؛ لأنه يجوز كذب الرجل على المرأة، لا. الكذب الذي هدفه الإصلاح وهدفه تقريب القلوب، أما أخذ الحقوق وانتهاك الحرمة والاعتداء فلا يجوز، فالمسلمة هذه لها حق عظيم عند الله؛ لأنك استحللت فرجها بكلمة الله، وهي عارية عندك أسيرة بين يديك، وأمانة وضعها أبوها وأهلها عندك، فاتق الله فيها، وأنت مسئول عنها يوم القيامة أحسنت أو ضيعت. وكذب الحرب؛ يجوز في الشرع أن الإمام أو الحاكم أو القائد يوري ويموه على الأعداء فإذا كان -مثلاً- يريد الاتجاه إلى الخميس يذهب إلى تهامة، فالعدو الذي في الجهة هذه يقول: والله المعركة ذهبت هناك، لكن يجوز أنه يتجه كذا وبعد ذلك يدور، ويأتيهم من طريق آخر، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل؛ لأن الحرب خدعة، هذا هو الأمر الأول من أسباب عذاب القبر: النميمة.

موقف المسلم تجاه النمام

موقف المسلم تجاه النمام حسناً ما موقفك أخي المسلم أمام النمام؟ أولاً: الله عز وجل سمى النمام فاسقاً ولو كان صادقاً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] فالله سماه فاسقاً ولو كان صادقاً؛ لأنه بمجرد نقله للكلام إليك اتسم بسمة الفسق، والفسق هو: الخروج على طاعة الله والوقوع في معصية الله، فأولاً يلزمك إذا جاءك إنسان بنميمة أن تقول له: أنت فاسق، تعلمه أنه فاسق، ثانياً: أن ترد عليه إذا أتاك وقال لك: فلان يقول ويقول، ماذا تقول؟ تقول له: لا جزاك الله خيراً، ولا كثر الله خيرك، والله لا يسامحك ولا يعفو عنك، ويجعلها في وجهك، وينصرني عليك يا عدو الله، أنت الذي سبني، أنت الذي نقل الكلام إلي، ما وجد الشيطان وسيلة غيرك، ولا وجد حماراً يركبه إلا أنت، وتأتيني بالكلام، فلان الذي تكلم في ظهري الله يسامحه، والله يعفو عنه، إنسان يستحي مني على الأقل قال الكلام في غيبتي لا يريد أن يؤذيني ويريد أن يعطيني من حسناته ويأخذ من سيئاتي فجزاه الله خيراً، أما أنت فأنت قليل الحياء، أنت الذي لا تخاف من الله ولا تستحي مني، تنقل الكلام وتأتي به إلي، لماذا تنقله، ما هدفك من نقله، تريد تتقرب إلي، تتزلف إلي، أنت تسيء إلي ولا تحسن، عندما تقول له هذا الكلام لا ينقل لك نميمة إلى يوم القيامة؛ لأن بعض الناس بالعكس إذا جاءه شخص نمام قال: ماذا تقول؟ نعم. صحيح، حسناً من كان معكم في المجلس؟ قال: فلان، قال: كانوا معك وما أخبروني ولم يخبرني أحد إلا أنت، والله أنت الصديق الصادق يا فلان يعني: نبكيك والله! شاهد الرفقة الذين ما أتوني بالكلام وما أخبروني، وهم يأكلون كل يوم على سفرتي ويقولون: إنهم صادقون وأنهم أصدقاء، ما أتاني إلا أنت، فمدحه ونفخه، ثم رأساً يذهب في اليوم الثاني فيخترع له عشر كذبات، من أجل أن يمدح أكثر، لكن لو أنه وبخه وقمعه ورده من أول يوم لا يكذب ولا ينم أبداً. ثالثاً: ينبغي ألا تتصرف أي تصرف بناءً على هذه النميمة ولا تحمل في قلبك لأخيك أي شيء، ولا تحمل حقداً له، ولا يغير من قلبك تجاه ذاك الذي قال عنه أي شيء؛ لأنك إن غيرت من قلبك أو كرهته أو بغضته أو حلفت عليه أو نظرت إليه نظرة امتهان أو احتقار دل على أنك تأثرت بنميمة هذا. الرابع: ألا يحملك هذا الكلام أو النقل على التأكد، فتقول: والله أنا سأتأكد وتذهب تنشد فلاناً وتنشد فلاناً وتذهب تتجسس على الناس من أجل أن يتأكد لك أن فلان قال، لا. هذا كله من واجبك أمام النميمة؛ لأنه إن صدقتها فقد رديت الآية الكريمة، يقول الله عز وجل: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] . فلا ينبغي لك -أيها المسلم- أن تكون نماماً أو أن تقبل كلاماً من نمام، بل عليك أن تكون مهما سمعت من الناس ماذا تقول؟ إذا سمعت في مجلس من المجالس شخصاً يتكلم في شخص آخر، لا تسكت تقول: يا أخي! اتركه، يا أخي! لا يجوز لك أن تتكلم في غيبة أخيك المسلم، والله ما عرفنا عليه إلا الخير، إذا كان بينك وبينه شيء يا أخي! فالواجب أنك تناصحه في وجهه، إن كنت ناصحاً له، أو يا أخي! لا تأكل لحمه، أما أن تأكل لحمه وتحضر لنا من لحمه أيضاً وتشركنا في الأكل فلا يجوز؛ لأن السامع شريك المغتاب ما لم ينهاه، والله يقول: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] لا يجوز لك أن تسمع كلاماً في مسلمٍ وأنت جالس، تستحي منه أو تستحي من الله، تخاف منه ولا تخاف من الله، بل عليك أن ترده وقد يتضايق بعض الناس، وبعض الناس إذا قلت له: قف يا أخي! لا تأكل لحم الناس يتضايق ولا يريدك أن توقفه، لكنه يوم القيامة يحمدك ويثني عليك، ويشكرك ويقول: جزاك الله خيراً في تلك اللحظة في ذلك اليوم الذي سمعتني فيه أغتاب فلاناً، لقد والله أوقفتني عن الشر، لكن أن تسكت وتجامله خاصة عندما يكون كبيراً، أو مسئولاً أو أعلى منك مستوى، فإنك تجامله على حساب معصية الله، لا. عليك أن تراعي الله تبارك وتعالى ولو غضب الناس، واعلم بأن من رد عن عرض أخيه المسلم في الدنيا رد الله عن عرضه في الدنيا والآخرة.

انتشار النميمة بين طلبة العلم

انتشار النميمة بين طلبة العلم مسألة النميمة ينبغي أن ننتبه منها، فإنها -أيها الإخوة- بضاعة الناس في هذا الزمن خصوصاً الطيبون، وطلبة العلم المشتغلون بكتب العلم والحديث يعني: استطاع الشيطان أن يبيع عليهم هذه السلعة، لما يئس منهم أن يبيع عليهم الأغاني، أو النظر الحرام إلى النساء، أو النظر إلى الأفلام، أو الكذب، باع عليهم سلعة وهي سلعة الغيبة والنميمة؛ لأن الشيطان عنده بضائع كثيرة وقد وزعها، وزع كل صنف على ما يناسبه، وقد ذكرها الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، ذكر كثيراً من هذه الأصناف ومن ضمنها قال: إنه باع الكيد على النساء؛ لأن النساء يقول الله فيهن: {إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف:28] كيد المرأة أعظم من كيد الرجل، وأعظم من كيد الشيطان الذي سماه الله فقال: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] ولكن كيد المرأة عظيم جداً، كيدها ومكرها وحقدها كبير جداً جداً، وباع الكبر والغطرسة والخيلاء على المسئولين، ينفخ فيهم بالكبرياء، وباع الكذب على أهل الحرف، أي: الصناعين، لا يوجد صنايعي صادق إلا من شاء الله، لابد أن يكذب سواء كهربائي أو نجار أو حداد أو سباك، أي عمل تطلبه منه يعرف أنه لا يستغرق أكثر من أسبوعين. كما قيل: إن أحد السلف ذهب بنعله إلى إسكافي -يعني: صانع الأحذية- فوضعها عنده وأهملها وكان يعمل غيرها لكثرة عمله، وكان كلما شاهد الشيخ أخذ الحذاء ووضعها في الماء من أجل أن تتنقع يضع المسامير، فإذا ذهب الشيخ ردها، جاء مرة ثانية وثالثة ورابعة ثم جاء في يوم من الأيام فقال: يا أخي! إنما أعطيتك حذائي لتصلحه لا لتعلمه السباحة كلما أتيتك وضعته في الماء. فالكذب سلعة ووظيفة باعها الشيطان على أهل الحرف إلا ما شاء الله عز وجل. وأيضاً باع الغيبة والنميمة كما يقول الغزالي على طلبة العلم، ما في مجلسهم إلا فلان ماذا قال، وخاصة لحوم العلماء، يأكلون فيها أكلاً بشراهة، وهذه مصيبة جداً؛ لأن أحد السلف يقول: إياكم ولحوم العلماء فإن لحومهم مسمومة، وعادة الله في الذين ينالون منهم معلومة، لا يوجد شخص استحل أعراض العلماء إلا دمره الله عز وجل في الدنيا والآخرة، ويذكر العلماء قصصاً كثيرة عن أناس كانوا فاكهتهم لحوم العلماء، يتصيدون عثرات العلماء، العلماء بشر، ليسوا بمعصومين، يقع منهم ما يقع من البشر يخطئون ويصيبون ولكن هم واجهة الدين، هم شعار الإسلام هم الممثلون لهذا الدين، فإذا أخذوا في أعراضهم والنيل منهم وأسقط من عرضهم، وتتبعت عثراتهم، وشوهت صورهم، وزعزعت مكانتهم في قلوب الناس زعزع الدين، فإذا زعزعت مكانتهم فمن يمثل الدين؟ المغنون والمطربون؟! لا يوجد ممثل للدين إلا العالم، والعالم بشر لا ندعي فيه العصمة ولا نعذره في الخطأ ولكن نستغفر الله له ونطلب منه أن يأخذ سبب الحيطة، لكن إذا وقع منه خطأ، نشهر به، ونتكلم عنه في كل مجلس؟! لا يجوز له حصانة اسمها الحصانة الدينية، حصانة إيمانية، لا ينبغي أن يدور على لسانك اسم عالم، الناس اليوم يتفكهون بلحوم العلماء، بل يقلدون أصواتهم وخطبهم وأصوات الأئمة ويقلدون أصوات بعض المؤذنين، ويقف أحدهم في المجلس كأنه يخطب على لسان أحد الناس، وأولئك يضحكون ويقهقهون، ويحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم. فعلى المسلم طالب العلم الموفق المهتدي أن ينتبه لهذا الأمر، وألا يدور على لسانه أي كلمة من كلمات الغيبة والنميمة وإذا وقع منه شيءٌ فليستغفر الله وليتب إلى الله عز وجل.

ترك الاستنزاه من البول

ترك الاستنزاه من البول أما السبب الثاني من أسباب عذاب القبر: ترك الاستنزاه من البول، يقول علي وقد مر على المقبرة قال: [إن هذه القبور ظاهرها تراب، وباطنها حسراتٌ أو نعيم أو عذاب] ظاهر القبور سواء، لكن لا تعلم ماذا يدور داخلها، وأكثر عذاب أهل القبور من عدم الاستنزاه من البول؛ لأن الإنسان يكون مستعجلاً أو عنده عمل، فما أن ينقطع البول حتى يقوم دون أن يستنزه، وهذه مصيبة، والشيطان استغل هذه المسألة وتجاوز بها الحد عند كثيرٍ من الناس، ووقف بها دون الحد عند الكثير، الدين وسط، لا إفراط ولا تفريط؛ لأن الدين كما يقول الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] وابن القيم يقول: إن الشيطان يأتي إلى الإنسان فيشم قلبه، فإن رأى فيه قوة دين، يوسوس له حتى يخرجه من الدين، وإن رأى فيه ليناً وضعفاً قصر حتى لا يصل إلى الدين الصحيح، فإذا شاهد الشيطان في قلب الإنسان قوة دين وحرص لا يزال يوسوس له حتى يخرجه بالغلو والتنطع إلى خارج الدين، وإذا شاهد عنده ضعف ولين وخور وقلة احتراز فإنه يقصره وحتى لا يصل إلى الدين، ولا يصل إلى الدين الحقيقي إلا أهل الإيمان والاعتدال، كيف؟ يخرج الإنسان إلى الخلاء ويقضي حاجته حتى ينقطع البول، ثم بعد ذلك يمر يده هكذا على العضو، إمراراً بسيطاً ويسمونه في الفقه سلس، دون نترٍ؛ لأن النتر كرهه أهل العلم؛ لأنه يؤدي إلى تمزق في الأعضاء، سلس خفيف ثم بعد ذلك يستنجي، وإذا فرغ يأخذ حفنة من الماء وينضح بها سرواله، حتى إذا قام ليصلي ووجد بللاً في ثوبه أرجع ذلك إلى الماء الذي نضحه، حتى لا يلعب عليه الشيطان، فإن الشيطان يأتي إلى بين فخذي الإنسان إما من دبره فيغمز على عرقٍ صغير فيوهم الإنسان أنه أحدث، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينصرف من صلاته حتى يجد ريحاً أو يسمع صوتاً) ما لم تجد ريحاً أو تسمع صوتاً لا تخرج هذه من الشيطان؛ لأنه يغمز على عرق في الدبر، فهذا العرق يوهمك أنه خرج شيء، وهو ما خرج شيء، لا يمكن أن يخرج شيء إلا بعلمك، لكن هذه من الشيطان نزغة، أو يأتي إلى بين سبيلي الإنسان فيشعره ببرودة فيحس الإنسان ببلل وعرق، ويتصور الشخص أن هذا البلل من البول، فأنت تقطع دابر الشيطان وتقطع وسواسه بنضح الماء، أما ما يصنعه الموسوسون من النتر ومن القفز ومن الحبل، يربط الحبل بالسقف ويتسلق إلى أن يصل إلى أعلى، فإذا هو فوق انفلت يقول: من أجل إذا اهتززت ينزل كل شيء، هذا كله ليس من دين الله عز وجل، وإنما من وساوس الشيطان. وما يفعله -أيضاً- المتساهلون بمجرد أن يكمل وإذا به يقوم مباشرة ويذهب هذا كله خطأ، والصحيح أن تفعل ما ذكرنا حتى تستنزه من البول وتبرأ إلى الله عز وجل من هذا الأمر. روى النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت عليّ امرأة من اليهود فقالت: إن عذاب القبر من البول) هكذا عندهم في اليهودية وهو من العلم الذي لم يُحرف، مثلما تسمعون الآن وما سمعتم في الماضي، (فقالت: - عائشة - كذبت) هذا القول يبين صفة من صفات الصحابة وهي وحدة التلقي، ما كانوا يتلقون إلا من الله ورسوله فقط، حتى ولو شيئاً صحيحاً يأتي من طريق اليهود يقولون: كذبتم لا نريد إلا أن يصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صدقه رسول الله أصبح من ديننا ليس من دين اليهود، قالت: (كذبت. قالت: بلى. إنا لنقرض منه الجلد والثوب) يعني: في دينهم وهو من الآصار التي وقعت عليهم، أن البول إذا وقع في الثوب لا ينظفه الماء، وإنما يقرض -يقطع- الثوب، وإذا وقع البول على الجلد لا يغسله الماء وإنما يسلخ الجلد، ولكن الله رفع عنا هذه الآصار بفضله ورحمته {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة:286] سبحان الله! كان الرجل لا يمكن أن يصلي إلا في معبد مخصص، لكن الله أعطى هذه الأمة كرامات عظيمة جداً لكرامة رسولها صلى الله عليه وسلم، من ضمن ذلك أنه جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، فأينما أدركت الصلاة فصل، وبأي وجه توجه إلى القبلة، وأيضاً إذا جاء الغائط أو البول في ثوبٍ أو في جسدٍ فإنك تغسله بالماء، ويطهر، كما أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. قالت: (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا قال: ما هذا؟ -عندما سمع الصوت- قالت: فأخبرته فقال صلى الله عليه وسلم: صدقت) صدقت اليهودية أن عذاب القبر من البول، قالت: (فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلا قال دبر كل صلاة: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل أعذني من حر النار وعذاب القبر) رواه النسائي في سننه وذكره صاحب جامع الأصول. وهذا الذي أشار إليه الحديث أن بني إسرائيل كانوا يقرضون من البول الجلد والثوب وهو من الدين الذي شرعه الله لهم، ولذلك لما نهاهم من نهاهم عن فعل ذلك عذب في قبره لسبب نهيه، ففي حديث عبد الرحمن بن حسنة والحديث رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه وأخرجه السيوطي في صحيح الجامع، يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل) رجل كان منهم، جاء إليهم وهم يقرضون الثياب ويسلخون الجلد، فقال لهم: إنما يكفيكم الغسل، أبطل عليهم هذا الأمر، ونهاهم عن القرض، فعذب في قبره إلى يوم القيامة؛ لأنه أبطل شيئاً من دين الله وليس بنبي يوحى إليه. وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: أن عامة عذاب القبر من البول، فقد روى أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه) ورواه ابن عباس بلفظٍ آخر: (عامة عذاب القبر من البول، فتنزهوا منه) ورواه أبو هريرة بطريق آخر ولفظٍ آخر: (أكثر عذاب القبر من البول) وهذا الحديث صححه الشيخ ناصر الدين الألباني في إرواء الغليل وقال: حديث صحيح. هذه الأحاديث في مجملها وفي مجموعها تعطي لنا تصوراً أن كثيراً من الناس يتساهلون بموضوع الطهارة من البول، ولذا فإنهم يعذبون في قبورهم كما جاء في الحديث: (إن عامة) يعني: إن أكثر عذاب القبر إنما يكون من هذا الأمر -نعوذ بالله وإياكم من ذلك-. هذان سببان من أسباب عذاب القبر، نقف عندهما هذه الليلة ونذكر البقية على سبيل الإجمال.

من أسباب عذاب القبر

من أسباب عذاب القبر السبب الثالث: الغلول وهو: أخذ شيء من بيت مال المسلمين. والسبب الرابع: الكذب. والسبب الخامس: هجر القرآن، يعني: عدم تلاوته. السبب السادس: الزنا. السبب السابع: الربا. هذه السبعة الذنوب: النميمة، عدم الاستبراء من البول، الغلول، الكذب، هجر القرآن، الزنا، الربا، هذا في التفصيل أما في الإجمال فكثير، لكن بالتفصيل من وقع في هذا يعذب في قبره -نعوذ بالله وإياكم من ذلك- وسوف نتحدث بالتفصيل بإذن الله عن هذه في الندوات المقبلة، ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينجينا وإياكم من عذابه وأن يجعلنا وإياكم من أوليائه ومن عباده الصالحين إنه على كل شيء قدير، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم استقدام العمال غير المسلمين إلى جزيرة العرب

حكم استقدام العمال غير المسلمين إلى جزيرة العرب Q أخبرني بعض الإخوة أن لديهم سائق سيارة ولكنه مسيحي، فهل ندعه يسكن معنا وهل يأكل معنا أم لا؟ A أولاً مسألة كلمة مسيحي يقول العلماء: لا يجوز إطلاقها على النصارى؛ لأنهم ينتسبون إلى المسيح والمسيح منهم براء؛ لأنهم يدعون أنه ابن الله وهو يعرف أنه عبد الله ورسوله، فلا يجوز نسبة هؤلاء النصارى الموجودين في الأرض إلى المسيح عليه السلام فنقول لهم: مسيحيين، لا. نسميهم كما سماهم الله نصارى؛ ولأن كلمة مسيحي فيها نوع من التخفيف، لما تقول لفلان نصراني شيء تنفر منه النفوس، أعوذ بالله نصراني، لكن عندما تقول: مسيحي يعني: كأنك تمسح عليه، كأنك تحببه للناس، لا ليس مسيحياً، وبعض العلماء يقول: سموهم مسيخيين يعني: إذا عيوا إلا أن يضعوا أنفسهم مسيحيين، نضع فوق الحاء نقطة من أجل أن نبعدهم من نسبتهم إلى المسيح ونجعلهم كما هم مسيخ أو مسيخيين -والعياذ بالله- هذا الأولى. الثانية: مسألة السائق؛ السائق مشكلة المشاكل وعقدة العقد على الأسر المسلمة، وهو مما جرت عليه العادات والتقاليد وحب الظهور حتى أصبح الرجل لا ينبسط ولا يشعر بأنه له مكانة في المجتمع إلا إذا استورد له سائقاً يسوق به وبزوجاته وببناته ويذهب بهم المدرسة وإلى المستشفى وإلى السوق وكأنه محرمٌ لهم، هذا منكرٌ كبير لا يجوز في الشرع؛ لأن هذا من أخطر المخاطر على الأُسر، المرأة أخطر شيءٍ عليها مثل هذه الأشياء، إذا ركبت مع رجل لا تحل له وذهب بها إلى السوق وإلى المدرسة وإلى المعرض وإلى المستشفى، وهذا لا يجوز، إذا اضطررت إلى سائق لك أنت أو لعملٍ عندك فليكن في بيت مستقل لا يدخل بيتك أبداً في أي حالٍ من الأحوال، ولا يركب مع أهلك أبداً، ولا يعرف لهم اسماً ولا صورة ولا صوتاً، أما أن يركبهم ويذهب بهم ويسوق بهم، حتى ولو كنت معهم، لا. لا يجوز أبداً في أي حالٍ من الأحوال، هذا إذا كان السائق مسلماً، أما إذا كان نصرانياً فإن استقدام النصارى للعيش في جزيرة العرب محرم، وقد نصت هيئة كبار العلماء على تحريم ذلك، وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فأي مسلم يستقدم عمالاً، أو سائقين أو خياطين أو نجارين أو فنيين أو صنايعيين وهم كفار ونصارى هذه مصيبة، ويحرم عليه، والأولى والأنكى من ذلك أنك عندما تأتي عند شخص تقول له: لماذا تأتي بنصراني؟ قال: يا شيخ! أفضل من المسلمين، يقول: والله أنا آتي بالفلبيني أفضل من الباكستاني، وأفضل من الأندنوسي، لا إله إلا الله! الكافر أفضل؟ والله إن أظفر المسلم الأندنوسي أو قدمه أو إصبعه أفضل والله من ألف مليون من هؤلاء الكفار، أفضل عندك أنه يكذب ويدجل عليك ويعطيك عملاً ممتاز يخدعك به من أجل أن يملي عليك دينه، ويملي عليك مبدأه ويأخذ أموالك، وتبيع دينك بعرض من الدنيا، لا إله إلا الله! أما سمعت أن الله يقول: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء:50] هذه مصيبة فلا ينبغي لك، وإذا كان عندك عمال كفار يهود أو نصارى على طول خروج بلا عودة، وإذا احتجت إلى عامل -يا أخي- فالأمة الإسلامية ما أقفرت ولا أفلست، المسلمون بحاجة -يا أخي- إذا أتيت بأحد من بلاد المسلمين تأتي بأندنوسي مسلم أو فلسطيني مسلم أو أردني مسلم أو من أي بلاد المسلمين ليأكل معك عيشاً، ويأخذ منك راتباً، ويتقوى في ذاته، ويتقوى في أهله وفي بلده، ويبني له بيتاً، ويشتري له سيارة، أفضل من أن تأتي بنصراني يأخذ راتبك ودمك ويذهب يحارب دينك، ويبني كنيسة لينشر دينه من عرقك، فتكون أنت داعية إلى النصرانية وأنت لا تعلم شيئاً، من أجل أنه يلمع لك السيارة ويجعلها لك نظيفة وتقول: إن النصراني أفضل، هذه مصيبة فلا يجوز أكله ولا شربه ولا دخوله ولا استئجاره ولا وجوده في جزيرة العرب كلها، لا حول ولا قوة إلا بالله!!

حكم صلاة المرأة وشعرها مكشوف

حكم صلاة المرأة وشعرها مكشوف Q ما حكم صلاة المرأة وشعرها مكشوف؟ A لا يحل للمرأة أن تكشف شعرها أثناء الصلاة فإنها عورة حتى أظافرها وحتى ظهور قدميها، لا يجوز أن يبدو من المرأة شيء في صلاتها إلا وجهها، المرأة كلها عورة، بعض النساء تأتي وسيقانها وأرجلها مكشوفة وشعرها مكشوف وتصلي، وأيديها مكشوفة لا يجوز، يجب أن يكون لها جلباب وكساء كبير يغطي جسمها كله، ولا يبدو منها إلا تفاصيل وجهها فقط، أما أرجلها وجميع أجزاء جسمها ظاهراً أو باطناً لا يجوز، فلا يجوز لها ذلك، وكذلك كفيها.

كيفية زيارة القبور

كيفية زيارة القبور Q إذا أراد شخص أن يزور قريباً له مات فكيف تكون الزيارة، وإذا حدد يوماً لزيارته فهل هذا مباح؟ A إذا كانت الزيارة داخل البلد، فإنه مأمور بها ومشروعة، أما أن يشد الرحل ويركب سيارة لزيارة قبر فلا يجوز، ولكن إذا كان الميت القريب في بلده الذي يقيم فيه فإنه يشرع له ويسن في حقه أن يذهب إلى زيارة القبر، ويقف على طرف المقبرة أو قريباً من القبر ويسلم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، اللهم اغفر لهم، يدعو له ويدعو لمن معه من المسلمين، لكن لا يدعوهم وإنما يدعو لهم، هذه هي الزيارة الشرعية.

المدة التي يقصر فيها المسافر

المدة التي يقصر فيها المسافر Q طالب في الجامعة وأهله على بعد أربعمائة كيلو متر، ويمكث في أبها أسبوعين يدرس، هل يجوز له قصر الصلاة في وقت إقامته في أبها؟ A لا يجوز له ذلك؛ لأنه من يوم جاء أبها وحدد إقامته بأن يجلس في أبها سنة دراسية أصبح من واجبه أن يقيم الصلاة ويتمها مع الناس وانقطع عنه حكم السفر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الفتاوى في الجزء الثاني والعشرين في ص17، يقول: إن للعلماء أقوال كثيرة في مسألة القصر والجمع، ولكن جاء بالزبدة وهي أنه إذا حدد المسلم إقامته في بلدٍ بأكثر من أربعة أيام فإنه يتم ولا يقصر، إذا كان مكثه أقل من أربعة أيام فإنه يقصر إذا صلى لوحده، ويتم إذا صلى مع الناس، لكن إذا لم يحدد وجاء إلى أبها وليس عنده علم متى ينتهي، يعني: أمره ليس في يده، منتدب في مهمة وقال له: اجلس في أبها حتى يأتيك خبر فتأتي، أسبوع أسبوعين ثلاثة، فإنه إذا صلى لوحده أو مع جماعة هو إمامهم يقصر ولو جلس سنة، ما دام ما حدد ولا يدري متى يرجع، أما إذا صلى مع الناس فإنه يتم ولو لم يمكث إلا يوماً، هذه خلاصة أحكام السفر بالنسبة للقصر.

قصة الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

قصة الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم Q أرجو إبلاغنا عن الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم وما قصته؟ Aالذي سحر النبي هو: لبيد بن الأعصم اليهودي، عليه من الله ما يستحق. في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه كان يخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن) وذلك أشد ما يكون من السحر؛ والسحر في حقيقته مرض عارض للإنسان ويجوز على النبي صلى الله عليه وسلم مثلما يجوز على غيره من البشر، فإن الرسول بحكم أنه بشر معرضٌ لكل ما يتعرض له البشر، من الجوع والعطش والسحر والمرض والحر والبرد، لكن هذا لا يتعدى إلى الرسالة؛ لأن الرسالة العصمة فيها قائمة، انعقد إجماع الأمة على أنه معصومٌ فيما يبلغ عن الله عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه، والذي سحره هو: لبيد بن الأعصم كما ذكرت وسحره في مشطٍ ومشاطة وجف طلعة، -يعني: غلاف الشجر- أخذه من مشاط النبي صلى الله عليه وسلم وجعل فيها سحراً وجعلها في بئرٍ مهجورة يلقي فيها النساء القاذورات، ولكن أبطل الله هذا السحر بأن أنزل الله ملكين من الملائكة جلس أحدهما عند رأسه والآخر عند قدمه، قال: ألا تعلم ما به؟ قال: لا. قال: إنه مطبوب -يعني: مسحور- قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: فيم؟ قال: في مشطٍ ومشاطة وجف طلعة، قال: أين؟ قال: في بئر مهجورة اسمها بئر راعونة، فأرسل صلى الله عليه وسلم علياً وعمار بن ياسر أو المقداد بن المقداد إلى المكان وجاءوا بهذا وأحرقه وأبطله صلى الله عليه وسلم. وعلاج السحر إما بإبطاله في موطنه، أو بإخراجه والقضاء عليه نفسه إن سهل العثور على السحر نفسه، مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو أفضل، وإن لم يسهل يعني: كان السحر في مكانٍ لم يعرف ولم يهتد إليه فإنه يبطل عن طريق الرقية الشرعية، بقراءة سبع آيات من القرآن ذكرها أهل العلم تقرأ مع آية الكرسي على المسحور أو تقرأ في ماءٍ يغتسل به المسحور مرةً ومرة ويعاد ويكرر حتى يبطل الله السحر؛ لأن الله يقول: {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس:81-82] وقال عز وجل: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69] .

أفضلية الصلاة في المسجد الذي فيه المصلون كثر

أفضلية الصلاة في المسجد الذي فيه المصلون كُثُر Q عندنا مسجد في سكن الكلية لا يصلي فيه إلا عدد قليل، ولا يتجاوزون في بعض الأوقات العشرة، فهل أصلي فيه أم أذهب إلى مسجد آخر؟ A فعل الصلاة في المسجد الأكثر جماعة أفضل، لحديث في مسند أحمد: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاة الرجل لوحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من الصلاة الرجل مع الرجل، وصلاة الرجل مع ثلاثة أكثر، وكلما كان أكثر كان أحب إلى الله عز وجل) وإذا تساويا في الجماعة، يعني هذا المسجد فيه خمسون وذاك خمسون، ففعلها في المسجد القديم الذي أخذ أهلية أكبر وأقدمية في العبادة أكبر أفضل، فإن لم يتساويا، فهل الأفضل في الأبعد أو الأقرب؟ هناك روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله: الأولى أن الأبعد أفضل، لكثرة الخطا، لحديث: (ما من مسلمٍ يتوضأ في بيته ثم يحسن الوضوء ثم يخرج من المسجد لا يخرجه إلا الصلاة إلا لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة ورفع له درجة وحط عنه خطيئة) ولهذا كان السلف إذا خرجوا إلى المساجد يقاربون بين خطاهم، وكانوا يعرفون أن أبعد الناس منزلة من المسجد هو أكثرهم أجراً. ويقول بعض أهل العلم: إن من يأتي إلى المسجد على سيارته أنه ينال هذا الأجر إن شاء الله، وإن كان أجر الماشي أفضل، لكن إذا كان يمشي على سيارته، فإنه لا يحرم من الأجر؛ لأن السيارة فيها مئونة وفيها كلفة، فلا يلف إطار السيارة إلا بمئونة وبنزين وتحريك وتعمية ففيها أجر إن شاء الله، لكنه لا يعدل أجر من يمشي؛ لأن الخطا كما جاء في الحديث لبني سلمة لما رأوا أنهم يبتنون بيتاً عند مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يا بني سلمة! دياركم دياركم تكتب آثاركم) والرجل الذي كان يأتي إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكان بيته يبعد عن المسجد أربعة كيلو ذهاب وأربعة كيلو مجيء، فكان يأتي في الصباح ولا يرجع إلا مع الظهيرة، ويأتي يصلي الظهر ويعود في العصر وطوال يومه يصلي تراويح في هذا المسجد، فقيل له: (ألا تتخذ لك حماراً تركبه في الظلماء والرمضاء؟ قال: إني أحتسب خطاي على الله فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد كتب الله لك ذلك) كتب الله له خطاه إلى المسجد. وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات ويمحو به السيئات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره -يعني مثل هذا الوقت أيام البرد- وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط) .

كفارة اليمين

كفارة اليمين Q ما هي كفارة اليمين؟ A اليمين ثلاثة أقسام: يمينٌ معقدة، ويمينٌ غموس، ويمينٌ لاغية، فاليمين اللاغية هي قول الرجل كما قالت عائشة والحديث في صحيح البخاري: (هي قول الرجل: بلى والله، لا والله، خذ والله، قل والله) هذا لغو ليس فيه كفارة لكن الإنسان يأثم إذا استمر عليه، يقول الله: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة:225] قال العلماء: لا يؤاخذكم بأن يلزمكم بكفارة، وإلا من حيث كونكم تتلاعبون، فقال الله: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224] وفي آية أخرى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:89] فينبغي للمسلم أن يحفظ يمينه، لكن لو قالها من غير احترازٍ فلا كفارة عليه. واليمين اللاغية -أيضاً- منها أن تحلف على شيء وأنت تعلم ومتأكد أنه هو ثم يظمر غيره، كأن يقول لك شخص: معك مائة ريال؟ وأنت تذكر أنه ليس في جيبك شيء، فتقول: والله ما عندي، وبعدما ذهب فتحت الشنطة وإذا بك تجد فيها مالاً، فأنت حلفت على ما كنت تتصور أنه حق ولكن بان لك غيره فلا شيء عليك ولا كفارة، هذه يسمونها يمين اللغو. اليمين الثانية: وهي يمين الغموس وهو: أن يحلف الإنسان على شيء يعرفه وهو كاذب، يعني: يحلف وهو كاذب وسميت غموس؛ لأنها تغمس صاحبها في النار -أعاذنا الله وإياكم من اليمين الغموس-. الثالثة: يمين معقدة، وهي التي يعقد الإنسان يمينه بالله عز وجل على شيء يعمله في المستقبل أو ألا يعمله في الماضي هذه فيها كفارة إذا حلف فيها، إذا كانت بالله عز وجل والكفارة على التخيير بين ثلاثة: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، والناس اليوم يذهبون للصيام مباشرة، وهذا خطأ، بعض الناس يقول: أصوم ثلاثة أيام، لا. الصوم للذي لا يجد عتقاً ولا إطعاماً ولا كسوة، أما من يجد عتقاً أو إطعاماً أو كسوةً فلا يجوز له أن ينتقل إلى الصيام إلا بعد العجز عن الثلاث، فهي على التخيير في الثلاث وعلى الترتيب في الرابعة، والإطعام حدده العلماء بكيلو ونصف بر أو رز لكل فقير، وهذه موجودة في الأسواق -القطمة الصغيرة- كيس الرز، هذه تجزئ عن خمسة وزيادة، فإذا حنث الإنسان في يمين فإنه يأتي بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين ثم رأى غيرها أفضل منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) كأن تكون حلفت أنك لا تزور أخاك أو لا تدخل على رحمك، أو لا تصل فلاناً، هذا لا يجوز فعليك إذا حلفت بالله أنك تكفر وتفعل الذي فيه الخير؛ لأن الصلة خيرٌ من القطيعة، فتطعم عشرة مساكين، تأخذ قطمتين أرز وتجعل هاتين القطمتين في بيتين في كل بيت خمسة أفراد فما فوق، أي: بحيث لا يقل عن عشرة، ولا يجزئ النقد كما يقول العلماء؛ لأن الله قال في القرآن إطعاماً، والمال ليس بطعام، بدليل أن لو عندك كيس ورق وما عندك بر ولا رز ولا لحم ما أكلتها، تأكل ورق؟ لا. والإسلام يأمرك أن تخرج مما عليه قوت البشر وضرورة البشر أما المال كماليات، لكن افرض عندك مال وما عندك حب، مثل القصة لكن القصة طويلة لا آتي بها الآن فالوقت ضيق والأسئلة كثيرة.

حكم التوبة من الذنب ثم الرجوع إليه

حكم التوبة من الذنب ثم الرجوع إليه Q ما حكم من يكون في أي درس أو محاضرة ويقول: لن أعود إلى الذنب، فإذا خرج من الدرس أو المحاضرة عاد لما كان يفعل، هل له توبة؟ A نعم. له توبة، ولكن يجب أن يكون صادقاًُ مع الله لا يستهزئ ولا يلعب على نفسه، فقد يحضر الندوة ويلين قلبه ويعقد على التوبة ثم يرتكب المعصية ويموت ولا يتوب إلى الله عز وجل، لا. اعتصم بالله يا أخي! وتب؛ لأن التوبة لا يمنعك منها أحد.

حكم إقامة جماعة ثانية قبل انتهاء الأولى

حكم إقامة جماعة ثانية قبل انتهاء الأولى Q يقول: أرى كثيراً من الناس المتأخرين عن الصلاة يقومون بإقامة الصلاة والبدء في الصلاة والإمام لا زال في صلاته والمأمومون في التشهد الأخير فهل يجوز لهم ذلك؟ A لا يجوز لهم ذلك، لا يجوز أن تقام صلاتين في آن واحد، إذا دخلت المسجد ووجدت أن الإمام في آخر الصلاة فأنت بالخيار بين أن تدخل معه أو أن تنتظر حتى ينصرف، ثم تقيم الصلاة إذا كانت هناك جماعة جديدة، والعلماء اختلفوا في الأفضل، والصحيح أن الأفضل أن تبدأ صلاة جديدة إذا كانت معك جماعة جديدة، أما إذا كنت لوحدك فادخل في الجماعة الأخيرة لعل الله أن يكسبك أجرها، ولكن يشترط أن تبقى واقفاً حتى يسلم الإمام، أما أن تقيم الصلاة وتبدأ الصلاة والإمام لا زال في الصلاة فهذا لا يجوز.

حكم الحلف بالأمانة سهوا أو نسيانا

حكم الحلف بالأمانة سهواً أو نسياناً Q تعودت على الحلف بالأمانة دون علمٍ مني بحرمة ذلك، وبعد ذلك عرفت أنها حرام فتركتها، ولكني أقولها سهواً أو نسياناً فهل ذلك حرام؟ A نعم حرام، إذا تعودت على الحلف بالأمانة فتب إلى الله منها وإذا وقعت فيها فاستغفر الله وقل: لا إله إلا الله بعدها، وحاول أن تعود نفسك على أن لا تحلف بالأمانة لحديث: (من حلف بالأمانة فليس منا) .

كيفية تعلم طرق الهداية

كيفية تعلم طرق الهداية Q كيف تعلم أو تفهم طرق الهداية إذا كان الإنسان جاهلاً ولا يعلم شيئاً؟ A الجاهل لا بد أن يتعلم، ومن وسائل العلم حضور الجلسات هذه، وشراء الأشرطة الإسلامية، وإذاعة القرآن، وقد قامت الحجة على الناس في هذا الزمان، لا يوجد شخص يأتي يوم القيامة يقول: يا رب! والله ما لقيت من يعلمني، لا. والله تستطيع أن تشتري الآن بخمسين ريالاً قيمة أكلة عشاء تشتري بها عشرة علماء، تأخذ عشرة علماء بخمسين ريالاً، كل عالم بخمسة ريال وتذهب بهم البيت تسمع ابن باز وتسمع ابن عثيمين حتى تكون عالماً إن شاء الله بخمسين ريالاً، ليس هناك حجة.

من أخطاء المؤذنين

من أخطاء المؤذنين Q ما هي الأخطاء المنتشرة في الأذان على ألسنة بعض المؤذنين؟ A أخطاءٌ كثيرةٌ لا يعلمها إلا الله، وأنا أنبه عليها على سبيل الإجمال، والذي عنده مؤذن في مسجده يخطئ هذه الأخطاء فإنها تجرح فيه وتقدح في صحة الأذان، كثيرٌ من المؤذنين يقول: الله فيمدها مداً طويلاً، لماذا يا أخي! ليس هناك مد طويل هنا، لكن هذا يقول: الله أكبر ويمد ويمد، لا. الشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده، وبعد ذلك إذا أكمل قال: الله وأكبر، الله وأكبر إله آخر اسمه أكبر، هذا شرك، اللهُ أكبر حقق الهمزة، من هو أكبر؟ هذا خطأ -يا إخواني- وبعضهم يقول: الله وأكبُر، هناك مؤذن في أبها وقد نصحته أكثر من مرة، أعوذ بالله يعني: جمع كبر الكبر هو الطبل، يجمع على إكبار وأكبُر، فلا يجوز هذا يا إخواني! ينبغي أن يتنبه، الأذان الشرعي: الله أكبر، ليس هناك تقريب ولا تلحين ولا تغاني، صحيح أن الصوت الحسن حسن وإذا استطعت أن تلحن أذانك بما لا يفسد المعنى ولا يخرجه عن دائرة المقبول فهذا طيب وليس هناك شيء إن شاء الله. وبعضهم يقول: حايا على الصلاة، من أين أتيت حايا هذه، وبعضهم يقول: حي على الفلاة، الفلاة يعني: الصحراء، وبعضهم إذا جاء يتشهد يقول: اشهدو أن محمداً رسول الله، يقول: اشهدوا أنتم لماذا أنت لا تشهد؟ يقول: أشهد أن محمداً رسولَ الله، رسولَ اسم أن فأين خبرها؟ ما اكتمل المعنى إلا بضم اللام، إذا قال: أشهد أن محمداً رسولُ الله اكتمل اسم أنّ وخبرها، فاسمها محمداً وخبرها رسول الله. لكن عندما تقول: أشهد أن محمداً رسولَ الله لم تأت بالخبر إلى الآن والفصل بين الخبر وبين الاسم مع وجود الناصب أو الأداة التي أثرت في الخبر والمبتدأ هذا لحن جلي يفسد المعنى، في التلاوة أو في الأذان، فبعض الناس يتساهل في هذا الموضوع يا إخوان! فينبغي أن نتذكر هذا الموضوع وأن ننتبه له.

حكم كتابة لفظ الجلالة على الأشياء التي ترمى بعد استعمالها

حكم كتابة لفظ الجلالة على الأشياء التي ترمى بعد استعمالها Q هناك يا شيخ علب البيبسي والميرندا مكتوبٌ عليها اسم صاحب المصنع وأولاده، وكما يعلم فإن اسمه عبد الله بن عبد الهادي، يقول: فما رأيك في أن تحث الإخوان على هذا الموضوع؟ A حقيقة هذا في مصنع القحطاني هذا موجود اسمه عبد الله بن عبد الهادي القحطاني وقد كتبت له وجزاه الله خيراً فتجاوب، لكن بقي شيء وضع عين مكان عبد الله عبد الهادي القحطاني أيضاً لم يعلم انتبه لكلمة عبد الله والأولى أن يضع عين عين القحطاني؛ لأن هذه بعد أن يستعملها الإنسان يرميها في القاذورات مع النجاسات وفيها اسم الله، فأنت من باب التقوى والحيطة (اتقوا الله ما استطعتم) إذا شربت شيئاً مما فيه لفظ الجلالة الله أو اسم الله الهادي فضعه جانباً، وأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينفعنا وإياكم. لا يجوز إدخال أل على لفظة العبودية؛ لأن كلمة عبد الله من أحب الأسماء إلى الله (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) كما جاء في الحديث، لكن إضافة أل لا تجوز؛ لأنها تحيل المعنى وتفسده وقد وجدت مرة رجلاً اسمه: محمد العبد الرزاق، هو اسمه محمد بن عبد الرزاق، لكن وضعوه محمد العبد الرزاق، يعني: هو محمد وهو عبد وهو أيضاً رزاق، وبعضهم عبد الله العبد الخالق، العبد اللطيف العبد العزيز لا يجوز إدخال أل على العبد، لأنها تكسب العبد الصفة التي بعدها، وهي الخالق فتقول: العبد الخالق، بدل أن يكون عبد الرزاق يصبح العبد الرزاق، وبدل أن يكون عبد الرحمن يصبح العبد الرحمن، هذا كله خطأ ويفسد المعاني، والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله.

من أسباب عذاب القبر الحلقة [2]

من أسباب عذاب القبر الحلقة [2] هناك أسباب كثيرة لعذاب القبر وردت بها السنة، منها ومن أعظمها: الجهل بالله، والإعراض عن دينه، والتصدي لأولياء الله وفي هذه المادة يتحدث الشيخ عن سبب من هذه الأسباب، وهو (الغلول) ، ذاكراً تعريفه، وحكمه، وبعض صوره، ومدعماً ذلك بقصص فيها عبرة وعظة تتعلق بشأن الغلول، مع إيراد بعض الوصايا، والنصائح، والإرشادات.

الاستعانة بكتب العلماء وفتاويهم لتصحيح المفاهيم

الاستعانة بكتب العلماء وفتاويهم لتصحيح المفاهيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن هناك ظاهرة تدل على كمال الصحة إن شاء الله، وهي: ظاهرة تدافع الشباب، وتسابقهم في الحضور إلى مجالس الذكر وحلق العلم، وهذه تبشر بخير، وتدل على أن الصحة والعافية الإيمانية بدأت تدب في أجساد الأمة، وفي جسد أهم عنصر من عناصر الأمة ألا وهم الشباب، فإن الشباب هم الذين على أكتافهم تتحقق إن شاء الله أماني الأمة، وهم الذين دخلوا في دين الله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيروا وجه التاريخ ومساره حينما استقرت حقائق ومفاهيم الإيمان في قلوبهم. أما الشيوخ والذين قد تحجرت رءوسهم على الكفر فإنهم رفضوا دعوة الإسلام، فقد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم سنوات طوال فما استجابوا، ولكن الذين استجاب هم الشباب، وقامت دولة الإسلام وحضارة الإسلام على جهود وأكتاف الشباب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا تاريخ الأمة المقروء يشهد بأن الشباب إذا التزموا بالدين واهتدوا بهديه؛ حقق الله على أيديهم نصرة الإسلام، ولكن يشترط لهذا التوجه ولهذه الصحوة الطيبة المباركة أن تكون في الطريق الصحيح، أي: طريق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشيطان كما يجتهد ويحرص كل الحرص على تثبيطهم والوقوف بهم دون الوصول إلى الدين، فهو أيضاً حريص إذا رأى عندهم الحماس والغيرة على أن يقفز بهم خارج الدين، وهو ما يسمى في الدين بالغلو. والغلو هو: تجاوز الشيء أي: تجاوز الحد، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الدين عميق، فأوغلوا فيه برفق) وقال: (لن يشاد الدين أحد إلا غلبه) والاعتدال المطلوب هو: هدي الرسول صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته، وهديه صلى الله عليه وسلم واضح كما قال: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) أي: لا غبش فيها، بل هي واضحةٌ وضوح الشمس في رابعة النهار، ولكن هناك من يَخفى عليه هذا الوضوح؛ لغبش في نظرته أو في تصوره أو في طريقة تلقيه، والذي يجدر بالشباب ألا يتلقوا علومهم هكذا بمجرد الاجتهاد، واقتباس الأحكام من النصوص، بل يجب أن يكون لهم قدوة في استخراج النص؛ لأن رؤية العالم تختلف عن رؤية طالب العلم، فرؤية طالب العلم رؤية محدودة من زاوية ضيقة، فهو لا ينظر إلا إلى هذا النص، ولكن رؤية العالم من المحيط أوسع؛ لأنه يعرف أغلب نصوص الشرع، فيعرف المطلق والمقيد والخاص والعام والناسخ والمنسوخ، والصحيح، والحسن، والضعيف، فيقدم ويؤخر، ويحقق حتى يوازن بين الأحكام. فالآن إذا كان هناك شخص أمامك، وتريد أن تنظر إليه من زاوية أو مجال أو مسار ضيق، فإنك تضع مثلاً بينك وبينه أنبوبة نصف بوصة، ثم تنظر إليه بعين فلا ترى سواه، لكن لو أبعدت هذه الأنبوبة، ووسعت مجال الرؤية لرأيته ورأيت أشياء تحيط به، فأنا الآن أنظر إلى واحد منكم، ورغم أن نظري إليه وتحقيق عيني في عينيه إلا أني أرى البقية كلهم، فأرى الأعمدة والمروحة؛ رغم أن تحقيق عيني فيه فقط، لكن لما كان مجال الرؤية عندي أوسع فإني أرى كذلك كل إنسان منكم. فالعالم إذا نظر إلى الشرع وإلى مقاصد الدين وأهداف الإسلام من منظورٍ واسع، فإن هذا النظر أو هذه الرؤية أو النظرة غير المحدودة سوف تعطيه أحكاماً واسعة، بينما النظرة الضيقة لن تخرج لنا سوى الحكم ضيقاً. ولذا ينبغي على الشباب إذا وجد آية من كتاب الله، أو نصاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يفهمه مباشرةً على مراده، بل يرجع فيه إلى كتب السنة، ويعرف ماذا قال العلماء في هذا النص؟ فإنك مثلاً لو قرأت كتاب سبل السلام فإنك سوف تجد الحديث، وتجد بعده حديثاً يناقضه، أي: ضده (مائة بالمائة) فإما أن يكون ناسخاً له، أو يكون مقيداً، أو يكون عاماً، أو يكون مطلقاً، أو يكون له وجهة نظر، فتجد العلماء يأتون إلى هذه الأحاديث بعقل كبير وبرؤية واسعة، فيضعون لها جواباً، لكن لو بقيتَ فقط على هذا الفهم عند هذه الأدلة لصارت مصيبة. فهناك من الناس من اطلع على حديث في صحيحي البخاري ومسلم من حديث أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها، قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الحُيَّض والعواتق وذوات الخدور يشهدن الخير ودعوة المسلمين في المصلى) يعني: في صلاة العيد، فهذا المسكين ذهب إلى بيته وأخرج النساء كلهن وجعلهن يصلين كلهن، حتى الحُيَّض اللاتي هن ممنوعات من الصلاة جعلهن يصلين؛ لأنه فهم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم على غير المراد، فالحديث صحيح في أن الحيض يخرجن من أجل الصلاة، فقد قال العلماء في هذا الحديث قولان: القول الأول: أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخرج ولكن تعتزل الصلاة بل في بعض طرق الحديث: (أما الحُيَّض فيعتزلن المصلى، ولكن يشهدن الخير ودعوة المسلمين) وقال بعض أهل العلم: لا. أمر الحُيَّض أي: البوالغ، وهن اللاتي بلغن سن المحيض، واللاتي هن دون سن المحيض ببالغات فلا يخرجن. فهذا الأخ فهم من النص أن الحائض تخرج إلى المسجد وتصلي، وهذا فهم من النص ولكنه من ظاهره، فلو أنه رجع إلى كتب أهل العلم، لعلم أكثر مما توصل إليه علمه، فهديه صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي، وهناك كتاب عظيم جداً اسمه (زاد المعاد في هدي خير العباد) صلوات الله وسلامه عليه ألفه العلامة الإمام ابن القيم تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتعرض فيه لما ورد في السنة من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين في مقدمة الكتاب فقال: إننا لن نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز وما لا يجوز، ولكننا تعرضنا لهديه الذي كان يداوم عليه، فإن هديه أكمل الهدي وخير الهدي صلوات الله وسلامه عليه، فإذا أردت أن تعرف هديه؛ فارجع إلى هذا الكتاب وإلى غيره من كتب العلماء المحققة، مثل: (صحيح البخاري) ، وشرحه: (فتح الباري) ، ومثل: (عون المعبود شرح سنن أبي داوُد) ، ومثل: (تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي) ، ومثل: (سنن النسائي) وشرحها، ومثل: (شرح صحيح مسلم) للإمام النووي، كل هذه الكتب تجد الشروح فيها واضحة جداً، بحيث تخرج بعلم عن الحديث الواحد. وهذه المقدمة أردتُ بها تصحيح بعض المفاهيم والإشارة إلى سؤال سأله أحد الإخوة يقول فيه: إنك قلت: إنه لا يجوز حجز الأماكن في المسجد؛ لأن المسجد مناخ من سبق مثل منى، ولأن الأولوية للأول، و (خير صفوف الرجال أولها) ، والغرض حث الرجال على المبادرة: (ولو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه) يقول: ففهمنا هذا، ولكن بعض الإخوة فهم أيضاً أكثر من ذلك، فبعض الإخوة دخل وصلى وجلس يقرأ القرآن حتى إذا ما قرب وقت المغرب أحس بحاجةٍ إلى الخروج وتجديد الوضوء، فترك غترته في الصف وخرج، فجاء أحد من الناس وأخذ غترته، ورماها وصلى مكانه، وقال: لا يجوز! وA إن هذا فهم غير ما نقول، فهذا المكان مكان هذا الأخ في الأصل، فلم يحجزه له أحد، بل حجزه لنفسه، فهو جاء وصلى وجلس وذكر الله، ولكن انتابه عارض ألزمه بالخروج ليتوضأ، فمادام أنه خرج لغرض يخدم الصلاة ومتعلق الصلاة، فإن له أحقية في هذا المكان، أما أن يرسل من يحجز له، أو يوصي من يحجز له، فلا، أردت من هذا توضيح أنه من الممكن أنك إذا كنت في المسجد، وأردت أن تخرج لغرض يخدم الصلاة فقط فإنه يجوز لك أن تحجز المكان، وليس لقضاء أي حاجة أخرى، فلو خرجت لغرض خاص بالصلاة، كأن تتوضأ مثلاً ثم ترجع فليس هناك مانع، والأولى أن يكون الإنسان مستعداً للصلاة قبل الدخول إلى المسجد، حتى لا يؤدي خروجه من المسجد إلى إذهاب مكانه، أو ربما إذا دخل وجلس في المكان يتصور الناس أنه حجز هذا المكان فيسيئون الظن به، فلهذا أوردت هذه المقدمة قبل الكلام.

من أسباب عذاب القبر: الغلول

من أسباب عذاب القبر: الغلول كان الكلام في الماضي عن أسباب عذاب القبر، ولكن لما تكلمنا في الندوة الماضية على بعض الأسئلة فإذا بها تزداد كل يوم، وعليه فلن نستطيع أن نتقدم في الدرس الرئيسي لنا، فلابد الآن من أخذ جزء كبير من وقت الدرس في الموضوع، ثم نجيب إن شاء الله على ما نعرف منها في نهاية كل حلقة. كنا قلنا في الماضي: أن هناك أسباباً كثيرة لعذاب القبر، وهي سبعة أسباب وردت بها السنة، وهناك على العموم أسباب كثيرة يستوجب بها الإنسان عذاب القبر، منها أو من أعظمها: الجهل بالله، والإعراض عن دين الله، والتصدي لأولياء الله هذه كلها أسباب تهلك الإنسان في الدنيا والآخرة، وهناك أسباب خاصة وردت بها السنة تبين أن ارتكابها سببٌ موجبٌ لعذاب القبر، وذكرنا منها سببين: السبب الأول: المشي بالنميمة بين الناس. السبب الثاني: عدم الاستنزاه والاستبراء من البول، ودليلها واضح في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين: أنه مر على قبرين، فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس، فأخذ جريدة رطبة وشقها نصفين، ثم غرز على كل قبر نصفاً، وقال: إنه ليخفف عنهما ما لم ييبسا) وقلنا: إن هذا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه قد أوحي إليه عما يتعذب به هذان الرجلان، وأوحى الله إليه أن ذلك يمكن أن يُخفف به عنهما، أما غيره فلا يعرف لأن الوحي قد انقطع، ولا سبيل إلى معرفة ما يجري في القبور.

تعريف الغلول

تعريف الغلول السبب الثالث من أسباب عذاب القبر هو: الغلول، والغلول: هو أخذ شيءٍ من الأموال العامة للمسلمين، ويطلق على الخصوص على أموال الغنائم، فإذا قامت معركة بين المسلمين والكفار، فإن الغنائم التي يُحصل عليها من أيدي الكفار لا يجوز لمسلمٍ أن يتصرف فيها، سواءٌ كانت هذه الغنيمة قلماً أو سواكاً أو شراكاً أو أي شيء من هذه، ولو حتى دبوساً، بل مرد هذه الغنائم الفيء وهذه الأنفال إلى الله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال:1] وقد أنزل الله تقسيمها في القرآن الكريم: فتخمس وتقسم على المقاتلين أربعة أخماس، والخمس الأخير يقسم على الفقراء والمساكين. فهذه الأموال لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن يأخذ المقاتل منها شيئاً، وإنما أمرها إلى ولي الأمر، وهو الذي يقسمها بحسب تقسيم الله لها. وقاس العلماء على هذه الأموال الأموال العامة، مثل: الخراج، والزكاة، وأموال بيت المسلمين.

حكم الغلول

حكم الغلول الأموال عامة يحرم على المسلم أن يأخذ منها شيئاً بغير حق، ومن أخذ منها سمي غالاً، وقد صح في ذلك عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل الأحاديث قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161] يعني: من يأخذ شيئاً من بيت مال المسلمين يكلف يوم القيامة أن يأتي به، وأنّى له أن يأتي به وقد ذهبت الدنيا وانتهت، وليس هناك (ريالات) في الآخرة؟ إلا أن يأتي به من النار، والنار لا يخرج شيء منها. وجاء أيضاً في الأحاديث: (أن صاحب الغدر أو الخيانة أو الغلول تمثل له غدرته أو خيانته في النار، يقال له: أتراها؟ فيقول: نعم. فيقال: ائتِ بها من النار، فينزل من أجل أن يأتي بها لينجو، فإذا أخذها من وسط الناس -وهو يعذب طبعاً- وحملها، خرج بها، فإذا شارف على الخروج وقعت منه، فينزل وراءها ويبقى في عذاب هكذا ما يشاء الله) . يقول عز وجل: ((يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) [آل عمران:161] ولكن من أن يأتي به؟ لا يأتي به إلا من النار، بمعنى: أنه سيرد النار، والعياذ بالله! ثم قال عز وجل: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [آل عمران:161] وأخرج البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: (كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم) فهذه الكلمة وردت بلفظين: ثِقَل ونَفل، فالثقل أي: المتاع الثقيل للنبي صلى الله عليه وسلم، والنفل أي: الشيء الزائد عن حاجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان صلى الله عليه وسلم معه شيء من المتاع زائد عن حاجته، فكان يوكل أمره إلى بعض أصحابه رضي الله عنهم. (كان على نفله أو ثقله -في إحدى الروايتين، وقيل: على غنيمته أي: قسمته مما حصل له- رجلٌ يقال له: كَركرة، -وورد بكسر الكاف: كِركِرة) وردت كلها، وذكرها البخاري في الصحيح، هذا الرجل مات، فلما مات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو في النار) وهو خادم النبي صلى الله عليه وسلم، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا في متاعه عباءةً غلها، عباءة أي: (بشت) أو (كوت) ، غلها أي: أخذها قبل أن تقسم، فكانت سبباً لوروده في النار، والعياذ بالله.

قبس من سيرة عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه

قبس من سيرة عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه راوي هذا الحديث هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ويحسن بنا أن نأخذ نبذةً من سيرته رضي الله عنه وأرضاه: فهو إمام، حبر، عابد، علامة، صحابي ابن صحابي، وميزته أنه أسلم قبل أبيه، فـ عبد الله بن عمرو أسلم قبل عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان اسمه (العاص) على اسم جده: العاص بن عمرو بن العاص، فلما أسلم قبل أبيه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه إلى عبد الله، وهو أحد العبادلة الأربعة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، فلقد اشتهر ممن اشتهر من الصحابة بكثرة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عن نفسه: [قرأت القرآن كله في ليلة واحدة] ، وهذا ممكن ومجرب أن تقرأ القرآن كله في ليلة واحدة، فلو أنك بدأت من بعد العشاء إلى الفجر -خصوصاً في الليالي الطوال ليالي الشتاء - فلربما أكملته. فيقول رضي الله عنه: (قرأت القرآن كله في ليلة واحدة، فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم: اقرأه في شهر) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معتدلاً، حتى في جوانب الإيمان والدين لا يريد الغلو، لأنه يعرف أن الواحد إذا شد في أمر ديني وهو أكثر من طاقته؛ فإنه سوف يأتي عليه يوم يرجع فيه إلى طبيعته ويكسل، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن عمرو أن يأخذ المتوسط أي: الحد الذي يستطيعه حتى إذا كبر، لكن بحكم قوة إيمان عبد الله بن عمرو بن العاص وقوة يقينه، وأيضاً قوة فتوته وشبابه، قال: أريد أكثر. قال: (اختمه في شهر، فقلت يا رسول الله! دعني أغتنم قوتي وشبابي) .

اغتنام وقت الشباب قبل الشيخوخة

اغتنام وقت الشباب قبل الشيخوخة الله أكبر! ليس كأكثر شباب هذا الزمان، الذي إن قلت له: يا أخي! اتق الله، قال: يا شيخ إذا صرت كبيراً! فهو يريد أن يستغل شبابه مع الشيطان. فيقول: دعني أغتنم شبابي الآن، وهذا هو مفهوم الشباب هذه الأيام، يقول قائلهم: دعني أستغل شبابي بالشهوات، والملذات، والسهرات، واللعب، والكرة، يقول: دعني أشبع من الشهوات، وإذا شبعت وصرت شيبة في تلك الساعة سأرجع إلى الله! لكن الذي لا ينفع في هذا اليوم لن ينفع فيما بعد. إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا صارت من الخشب فالغصن عندما يكون في الشجرة وهو أخضر تستطيع أن تعدله كيفما تشاء، لكن إذا صار عوداً، فيظل كما هو إلا أن تكسره، فقد رأينا كثيراً ممن شب على الضلال، لما شاب ما اهتدى، لماذا؟ لأن الكلام على المنبت وعلى البدايات، وعلى ضوء حسن البدايات تكون حسن النهايات. وأذكر مرة من المرات أنني كنت آتياً من العمرة ووقفت في الطائف عند صاحب بنشر من أجل أن يتفقد لي هواء الإطارات، وكنت على سفر وأهلي معي في السيارة، ومتاعي فوقها وأنا آتٍ من العمرة، فوجدت هناك رجلاً كبير السن ربما في السبعين أو الثمانين من عمره، ولكن لا لحية له ولا شارب، أي: محلوق اللحية والشارب، واللحية زينة للرجل سواء في شبابه أو في شيبته، ففي شبابه وقار وهيبة، وفي شيخوخته ستر وهيبة ونور؛ لأنه ينبت فيها الشيب، والشيب نور: (ما من مسلم يشيب شيبةً في الإسلام إلا كانت له نوراً يوم القيامة) . فهذا الرجل لما صار شيخاً كبيراً في السن وليس عنده ولا شعرة في وجهه، وأيضاً قد تجعد وجهه مع السنين، فظهر وجهه مثل وجه المرأة العجوز الكبيرة في السن، وكان يدخن بإسراف فيشعل الواحدة تلو الأخرى، فأشفقت عليه ورحمته من هذا الوضع الذي هو فيه، فجئت إليه وقلت: لابد أن أنصحه، وتساءلت كيف أنصح من مثل هذا الرجل في هذا السن؟ لابد أن أختار أفضل أسلوب وأحسن عبارة، فجئت وسلمت عليه، وتبسمت في وجهه، وأنا أقول في نفسي: لو أن الشيطان الرجيم لقيته ونصحته بهذا الأسلوب ربما يقول: جزاك الله خيراً، وهو الشيطان الملعون، لكن انظروا كيف كان رد هذا الرجل، قلت: السلام عليكم. قال: وعليكم السلام. قلت: كيف حالك يا والد بارك الله فيك، الحقيقة: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيركم من طال عمره وحسن عمله) فأنت الحمد لله الذي مد في أجلك وطول في عمرك حتى بلغت هذا السن، والآن ذهب الشباب وشرته وحدته وطيشه وجهله، والآن أتى المشيب وحلمه ووقاره، فالحمد لله الذي مد في عمرك، وآن لك أن تقضي ثمرة حياتك في الذكر والعبادة، وانظر! أنا رأيت في السوق كثيراً من المدخنين، ولكني ما استطعتُ أن أنصح واحداً منهم إلا أنت؛ لأني رأيت علامات الدين والإيمان والنور في وجهك -ووالله لا أثر للإيمان في وجهه، لكن قلت: لعل الله أن ينفعه بهذه الكلمة- فما أردت أنصح إلا أنت، فحبذا! يا والدي جزاك الله خيراً أن تترك هذا التدخين، فأنت تعرف أن هذه الحياة فانية، وأنك ستموت وتدخل القبر وتسأل عن عملك -ثم استرسلت في الأسلوب والبيان والفصاحة والبلاغة، إلى أن قلت-: لا يسعه إلا أن يكون أحد رجلين: إما مهتدٍ مؤمن يقول: بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً كما يقول كثير من الناس ويتوب، أو ضال -والعياذ بالله- ومعاند، لكن أمام الأسلوب وأمام الإطراء والثناء ما يسعه إلا أن يقول لي: جزاك الله خيراً. ولكن أتدرون ماذا قال لي بعد أن انتهيت من هذه المقدمة والخطبة الطويلة العريضة؟ نظر إليَّ وهز رأسه ساخراً مستهتراً ثم قال لي: عجيب أنت مُطوع! الحقيقة لما قال هذا الكلام تغير الأمر، وانقلب الحال، فأنا قد أتعبت نفسي، وأريد أن يهديه الله، فما رفض إلا هذا الأسلوب، طبعاً هو كبير في السن لا يستطيع أن يضربني، وأنا لست شجاعاً، لكن قلت: سأقدر عليه، لكن المشكلة أن أولادي في السيارة وأنا على سفر، وما أريده أن يعطلني، وإذا صاح سوف تأتي الشرطة وتمسك بي وتصبح مشكلة، وإلا فإن يدي على وشك ضربه؛ لأنه ليس هناك لهذا الإنسان الذي يرفض هذا الأسلوب إلا أن يعطى درساً يُؤَدَّبُ به حتى يبعد ما في رأسه من خبال، لكن ليس بإمكاني شيء. فتذكرت حلم النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان يتعرض له من الإهانات، وذكرت حلم إبراهيم بن أدهم الذي يحكى عنه أنه كان يسير في طريق، فمر عليه يهودي ومع اليهودي كلب يسحبه بحبل، فقال له: يا إبراهيم! ذنب كلبي أطهر أو لحيتك؟ -لو قيلت هذه الكلمة لواحد منا؛ فلا يرده إلا أن يذبحه مباشرةً! - قال: إن كنتُ من أهل الجنة فلحيتي أطهر من ذنب كلبك، وإن كنتُ من أهل النار فذنب كلبك أطهر من لحيتي. فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله! والله ما هذه إلا أخلاق الأنبياء، يقول: هذا الخلق لم يأتك من السوق، لابد أنه من أخلاق النبوة، ودخل في دين الله عز وجل. فلما تذكرت هذا الكلام أمسكت نفسي، ولكني ما صرت مثل إبراهيم بن أدهم، بل قلت له: انظر أنا دعوتك إلى الله وأَبَيت، وبإمكاني أن أجيب عليك، ولكن أَكَلُكَ إلى من يقتص منك ويجازيك، أحيلك على الله الذي لا إله إلا هو، ثم تركته ومشيت. فالشاهد في الموضوع أن من شب على شيء شاب عليه، فلا تضيع شبابك وحياتك على أمل أنك إذا صرت كبيراً تتوب، لا؛ فالذي لا خير فيه في شبته، لن يكون فيه خير في شيخوخته.

على حسب البدايات تكون النهايات

على حسب البدايات تكون النهايات فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: (دعني يا رسول الله! أغتنم قوتي وشبابي، قال: اقرأه في عشرين) وهذا أكمل الهدي أن تقرأ القرآن في شهر، لكن كيف يكون هذا؟ إن من قرأ القرآن في أكثر من شهر يعد هاجراً للقرآن، انظروا إلى هذا الكلام! لأن الله يقول: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30] والهجر طبعاً يتفاوت من رجل إلى رجل، فمن الناس من يهجره فلا يقرأه في العام ولا مرة، ومنهم من لا يقرأه في السنين كلها إلا مرة، ومنهم من لا يقرأه إلا في أكثر من الشهر، ولكن الاعتدال أن تقرأ في كل شهر مرة، يقول العلماء: الهجر ينقسم إلى خمسة أقسام: أولاً: هجر القرآن تلاوةً. ثانياً: هجر القرآن تدبراً. ثالثاً: هجر القرآن عملاً. رابعاً: هجر القرآن احتكاماً. خامساً: هجر القرآن استشفاءً. فإذا مرضت فاستشفِ بالقرآن، واحتكم إليه، واعمل به، وتدبره، واتله، فإذا توفرت فيك هذه الخمس، فأنت من أهل القرآن، فإذا أهملت خصلة من هذه الخصال فأنت هاجرٌ لكتاب الله. وأحد الإخوة! يقول: هناك أسلوبٌ من أعظم الأساليب إذا اتبعه المسلم؛ استطاع أن يختم القرآن في كل شهرٍ مرة؛ لأن بعض الناس يريد أن يختم، ولكن يضيع عليه مصحفه الذي في البيت أو الذي في المكتب أو الذي في جيبه، أو بعضهم ما يتمكن من حمل المصحف في جيبه؛ لأنه يخشى أن يدخل به دورة المياه، أو يعرضه لإهانة، وفي المسجد لا يستطيع أيضاً أن يمسك مصحفاً خاصاً، فإن المصاحف في المسجد مشتركة لكل واحد، فابتكر طريقة جديدة وأسلوباً عظيماً وموفقاً أدلكم عليه، وقد جُرِّب فكان ناجحاً، وهو أن يختم القرآن في كل شهر مرة بدون أي كلفة، فما هو هذا الأسلوب؟ الأسلوب هو: أن تبدأ في ختم القرآن في اليوم الذي أنت فيه، فمثلاً لو أن اليوم [20/4] فإنك من يوم غدٍ ستبدأ في الجزء الحادي والعشرين من القرآن الكريم؛ لأن غداً يوافق في الشهر [21] فتقرأ في الصباح ما شاء الله لك من الجزء الحادي والعشرين، ربع حزب ربعين نصف جزء وبعد ذلك أَغلق المصحف واعرف عند أي آية انتهيت؛ لأنك في الجزء الحادي والعشرين ما عندك فيه اختلاف ولا لبس، فإذا جاء وقت الظهر فمن المفترض أنك بمجرد أن يؤذِّن أن تنزل وتصلي أربع ركعات، راتبة الظهر كما جاءت في السنة، ثم تجلس وتقرأ، وبعد الصلاة تكمل، أو تكمل هذا في العصر، أو تكمله في المغرب فتواصل القراءة إلى العشاء، المهم إذا جاءت صلاة العشاء وما أكملت الجزء كله، فاعرف كم بقي عليك، وإذا جئت البيت قبل أن تنام فاقرأ بقية الجزء ثم صلِّ الوتر ونم. وبهذا الأسلوب تتمكن في يوم واحد من أن تكمل جزءاً، وفي اليوم (22) تقرأ الجزء (22) ، إلى آخر الشهر، ثم تبدأ من أول الشهر من الجزء الأول، فإذا كان الشهر ثلاثين يوماً فالحمد لله، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين تضاعف القراءة في اليوم الأخير فتجعله جزأين، وبهذا تعد تالياً لكتاب الله، عاملاً بسنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل في هذا صعوبة؟! لا والله ما فيه صعوبة؛ لأننا لو أجرينا الآن استفتاءً في الموجودين وهم صفوة الشباب، وقلنا: هل تقرءون القرآن في كل شهرٍ مرة؟ ربما النسبة التي تقرأ القرآن في كل شهر مرة تبدو قليلة وأنا أولهم، ولكن بالأسلوب هذا إن شاء الله نستطيع أن نعمل.

القصد في العبادة

القصد في العبادة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ في كل شهر مرة، قال: دعني أغتنم قوتي وشبابي يا رسول الله! قال: اقرأه في عشرين، قال: دعني أغتنم شبابي يا رسول الله، قال: اقرأه في عشر، قال: يا رسول الله! إنني أطيق أكثر، قال: اقرأه في ثلاث) فهذا أقل شيء، لم يعد يمكن أقل من هذا. لأن من قرأ القرآن وختمه في أقل من ثلاث لم يفقهه. فقال رضي الله عنه: [ولما شبت وكبر سني ودق عظمي؛ قلت: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم] لأنه في هذه الحالة ألزم نفسه، والرجل صادق لا يعرف الكذب، فمادام أنه استعد أمام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ما كان له أن ينقض عهده الذي أبرمه مع الرسول يوم أن ذهب صلى الله عليه وسلم، بل بقي عليه حتى مات، ولكن حصلت له بعد كبر سنه مشقة في ممارسة مثل هذا من كثرة الصيام والقيام، فقال: [ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصوم] ولقد خفف عنه عليه الصلاة والسلام النافلة حتى قال له: (صم يوماً وأفطر يوما، قال: أكثر من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك، هذا صيام داوُد كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) وهكذا يقول الشارح لهذا الحديث: كل من ألزم نفسه في تعبدٍ أو أورادٍ أو قيامٍ بأكثر من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه سيندم فيما بعد؛ لأن قيام جزء من الليل ولو كان يسيراً؛ حتى ولو ركعتين مع المحافظة على الرواتب التي هي اثنا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر، واثنتان بعده، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء، واثنتان قبل الفجر، والمحافظة على النوافل كالضحى، وتحية المسجد، مع الأذكار طرفي النهار -أي: في أول النهار، وأول الليل- مع الاشتغال بطلب العلم ومتابعة حلق العلماء، وقراءة كتب العلم في البيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا رأى الإنسان معروفاً يأمر به، وإذا رأى منكراً نهى عنه، وتعليم الجاهل، وزجر الناس عن الفساد، وقبل ذلك أداء الفرائض في جماعة المسلمين مع الخشوع والطمأنينة وحضور القلب وانكساره، والصدقة من المال بما تيسر، والتواضع للمسلمين، والإخلاص لله في جميع ذلك بشكلٍ منتظم، يعتبر مقاماً عظيماً ومنزلاً جسيماً، وهو مقام أولياء الرحمن. هذا المقام إذا أصبحت فيه، فليس أفضل منك، لكن من عدم الاعتدال أن تزيد في شيء ثم تندم عليه بعد ذلك، وكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنه كثير القيام والبكاء، وقد بكى رضي الله عنه وأرضاه حتى فسدت عيناه. فلقد كانوا يبكون رضي الله عنهم بكاءً حاراً، بكاء يُنزل الدمع مثل الجمر من حرارة الإيمان في قلوبهم، فكان بكاؤه كثيراً حتى أفسد عينيه، وقد زوجه أبوه رضي الله عنهما بزوجة من فتيات قريش من أجمل النساء، ومكثت فترةً عنده ما كشف لها ثوباً، كلما دخل عليها وقف في بيته واستقبل قبلته وقام طوال الليل حتى يصلي الفجر، فلا يعرف إلا الله والصلاة. لقد كان عبد الله بن عمرو شاباً فريداً عابداً زاهداً من خيرة عباد الله، فلما زاره أبوه عمرو بن العاص -وهو مشتغلٌ عنها بالعبادة- قال لها: كيف بعلك؟ يعني: كيف أخلاقه؟ وهل هو حسن أم لا؟ قالت: والله إنه خير رجل، فلم يقرب لي فراشاً منذ أتيته، أي: منذ أتيت إليه، والله ما يمس لي فراشاً، قالت: فأقبل عليه يعاتبه، فعاتبه أبوه، ثم شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي: (أتصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: نعم. قال: صم ثلاثة أيام من كل شهر الحديث) وفي حديث آخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم للثلاثة الذين سألوا عن عبادته فقال أحدهم: أقوم ولا أنام، وقال الآخر: أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: لا أتزوج النساء، فقال صلى الله عليه وسلم: (أما أنا فأصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء، هذه سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني) لأن أكمل الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الوعيد الشديد لأصحاب الغلول

الوعيد الشديد لأصحاب الغلول ونعود إلى حديثنا السابق، هذا الحديث يرويه البخاري ويقول فيه: إن كركرة هذا كان على الغنيمة وبعد ذلك مات، ولما قال الصحابة إنه في الجنة، قال الرسول: (لا. بل هو في النار) فذهبوا يبحثون ماذا عنده، فوجدوا عباءة غلها، يقول بعض أهل العلم: إن ثمن العباءة درهمان، لكنها حجزته عن دخول الجنة وأوردته النار، ولم تشفع له صحبته ولا خدمته للرسول صلى الله عليه وسلم، وفي مسند الإمام أحمد بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قيل له: (أُستشهد مولاك أو غلامك فلان، فقال: إنه يُجر إلى النار في عباءة غلها) أي: يُجر برقبته إلى النار في عباءة غلها. وأخرج الإمام مالك في الموطأ، وأحمد في المسند، وأبو داوُد، والنسائي، وابن ماجة في السنن، أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تُوفي يوم خيبر، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (صلوا على صاحبكم) أي: رفض أن يصلي عليه، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: (إن صاحبكم غل شيئاً مما هو في سبيل الله، ففتشوا متاعه فوجدوا فيه خرزاً من خرز اليهود) والخرز هو: عقد بسيط فيه خرز لا يساوي درهمين، ولكن هذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من أن يصلي عليه، لأن صلاة الرسول موجبة. وروى الإمام مسلم وغيره عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما، قال: (لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد، فقال صلى الله عليه وسلم: كلا والذي نفسي بيده إني رأيته في النار في بردة غلها، أو عباءة غلها) ثم قال صلى الله عليه وسلم: (يا ابن الخطاب! اذهب فنادِ في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون) وهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان لا يكتمل إلا فيمن توقى مثل هذه الأمور، واحترز من أخذ هذه الأموال العامة، والتي الوقوع فيها -والعياذ بالله- سببٌ لنكبة الإنسان. وروى البخاري ومسلم في الصحيحين هذا الحديث -وهو حديث عظيم جداً، وطويل جداً، وواضح ليس فيه غموض- قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ خطيباً، فذكر الغلول، فعظَّمه وعظَّم أمره، ثم قال: لا أُلفين أحدكم يأتيني يوم القيامة -أي: لا أجدن أحدكم يأتيني يوم القيامة- على رقبته بعير له رغاء -لأنه أخذ من الغنيمة، والله يقول: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31]- فيقول: أغثني! أغثني! يا رسول الله! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك) أي يقول: خلصني يا رسول الله من هذا الحمل الذي على ظهري؛ لأنه غله في الدنيا، ولكن في يوم القيامة ما يستطيع أن يتخلص منه: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161] . أي: فلابد أن تأخذ معك هذا؛ لأنك أنت الذي أخذته من بيت مال المسلمين، استهنت بأمر الله فهو فوق ظهرك، ثم قال: (لا أُلفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته فرس له حمحمة -والحمحمة هي: صوت الفرس- فيقول: يا رسول الله! أغثني! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا أُلفين أحدكم يأتيني يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء -والثغاء هو: صوت الغنم- فيقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق) . والرقاع؟ قال العلماء: هي كل ما يغل من بيت مال المسلمين مما يلبس أو يفرش، فإذا كنت مدير مدرسة ولديك الألبسة الخاصة بالنشاط الرياضي ثم أخذت تُلبِس منها أولادك وعمالك وجيرانك من بيت مال المسلمين فاعلم أنك محاسب على هذا؛ لأن هذه جاءت للطلاب، فما ينبغي أن يلبس أحد أبنائك واحدة منها، بل إن هذا ممنوع أشد المنعِ. أو كنت مثلاً في الشرطة أو في الجيش؛ فتأخذ من الملبوسات وتُلبس الناس من بيت مال المسلمين، هذا لا يجوز. أو كنت مثلاً مسئولاً في أي إدارة؛ فتأخذ من الزوالي أو من الموكيتات أو من الكنبات أو من أي شيء كان؛ فإن هذا لا يحل لك، أو الخيام أيضاً، فالرقاع يشمل: الملبوس، والمفروش، والمسكون به. فـ (رقاع تخفق) أي: تأتي بها، وهي تخفق فوق رأسك، لا حول ولا قوة إلا بالله! (رقاع تخفق، فيقول: أغثني يا رسول الله! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته صامت) والصامت هو: الجماد، فأي شيء صامت مثل: دبوس محفظة قلم دفتر كتاب كرسي طاولة سيارة أدوات أو أي شيء خاص بالمكتب؛ فإنه لا يجوز لك أن تأخذه.

تذكر وتأمل قبل أن تزل القدم

تذكر وتأمل قبل أن تزل القدم هل تعرف أن أحد السلف مات، فلما رؤي بعد موته، وكان من المشهود لهم بالخير، قيل له: ماذا صنع الله بك؟ قال: غفر لي غير أني محبوس عن الجنة في إبرة استعرتها ولم أردها، ما سرقها وما غلها، ولكن استعارها ونسي قبل أن يموت أن يعيدها، فحُبس عن الجنة؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة:8] ما هي مثقال الذرة؟ أصغر شيء، كان الناس يظنون أن الذرة هي ذرات الغبار التي نراها في الهواء، لا، الذرة التي ثبتت في العلم الآن هي: أصغر جزء من المادة، لا ترى بالعين المجردة، من يأتِ بمثقال ذرة خيراً يجده، ومن يأت بمثقال ذرة شراً يجده؛ لأن الميزان حساس، يقول الله تبارك وتعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] . فلا تحتقرن شيئاً يدخل بيتك من بيت مال المسلمين، ولا تستعمل شيئاً إلا ما كان في مصلحة عملك، وفي خدمة واجبك الذي ائتمنك عليه ولي الأمر، فهذا الحديث كما قلت لكم في الصحيح: (فيقول: أغثني يا رسول الله! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك) . وروى أيضاًً البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا، فلم نغنم ذهباً ولا ورِقاً، ولكن غنمنا متاعاً وطعاماً وثياباً، ثم انطلقنا إلى الوادي -يعني: وادي القرى، ووادي القرى وادٍ قِبل خيبر - ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدٌ له وهبه له رجلٌ من جذام يدعى رفاعة بن يزيد من بني الضبيب، فلما نزلنا الوادي قام هذا العبد -عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم- يحل رحله -أي: يحل الحمل من على رحله- فرمي بسهم غريب -والسهم الغريب الذي لا يُعرف مرسله- جاء من السماء وارتطم به فضربه بشدقه فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: كلا، والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها من الغنائم لم تصبها المقاسم لتلتهب على ظهره في النار، قال: ففزع الناس، وارتبكوا وخافوا، -قالوا: إذا كان هذا من أجل شملة حالت بينه وبين الجنة- فجاء رجل بشراك -والشراك أي: فردة من نعل أخذها من الغنيمة- فقال: يا رسول الله! شراك أخذته، قال: شراك من نار، فجاء آخر وقال: شراكين يا رسول الله! قال: شراكين من نار) والعياذ بالله! وروى النسائي وابن خزيمة في صحيحه عن أبي رافع رضي الله عنه هذا الحديث العظيم، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل -بني عبد الأشهل هم قوم سعد بن عبادة في المدينة من الأوس - فيتحدث عندهم حتى تنحدر الشمس بالغروب -قال أبو رافع:- فبينما النبي صلى الله عليه وسلم عائدٌ منهم مسرع إلى المغرب -يريد أن يلحق الصلاة في مسجده- مررنا بـ البقيع - البقيع: هي المقبرة التي بها الصحابة رضي الله عنهم- فقال صلى الله عليه وسلم: أفٍّ لك، أفٍّ لك، أفٍّ لك، قال: فكبرُ عليَّ ذلك -أي: في نفسي- وعظم عندي موقعه، واستأخرت عنه وظننت أنه يريدني، فقال: ما لك لا تمش، قال: أحدث حدثٌ يا رسول الله؟ قال: وما ذاك، قال: إنك تأففت مني ثلاثاً، قلت: أفِّ لك، أفِّ لك، أفِّ لك، قال: لا. ولكن هذا فلان، ثم أشار إلى واحد من المقبورين في المقبرة في البقيع، بعثته ساعياً على بني فلان -يعني: عامل عندهم- فغل نمِرةً -والنمِرة كساء يلبسه الأعراب، وهو من الصوف- فغل نمرةً فَدُرِّع بمثلها في النار) . أي: جعل له درعاً مثلها، أي: من تفصيلها في نار جهنم والعياذ بالله! وروى النسائي وابن حبان في صحيحه واللفظ للحاكم قال: صحيح على شرط البخاري ومسلم: (من جاء بريئاً من ثلاثة دخل الجنة: من الكبر، والغلول، والدَّين) فمن جاء بريئاً من ثلاثة دخل الجنة أي: مع بقية شرائع الدين؛ لأن هذه موانع تمنع الإنسان، الكبر، والغلول، والدَّين.

بعض صور الغلول

بعض صور الغلول الذي نوصي به إخواننا وأنفسنا: تقوى الله عز وجل، والحرص على عدم أخذ شيء من الحق العام للمسلمين، ويدخل في هذا الانتدابات كمن يُطلب منه أن يقوم بمهمة خارج مقر عمله، ويُحدد له لقضاء هذه المهمة أسبوعاً مثلاً، فيقضي المهمة في يومين أو ثلاثة ثم يرجع وينام في البيت بقية الأيام، ثم يقدم البيان أنه أكمل هذه المهمة في أسبوع فهذا حرام. كذلك من يجلس في مهمة يُمططها، كأن تنتهي هذه المهمة في يوم أو يومين، ولكن لا ينجز منها في اليوم الأول إلا ربع ساعة، وفي اليوم التالي ربع ساعة؛ حتى يجلس شهراً كاملاً في رحلة انتداب، وكان من الممكن أن ينهيها كلها في يوم أو يومين، وهذا كله من أجل أن يأخذ انتداباً، وما علم أن هذا الانتداب زاد له إلى النار. ويدخل في ذلك العمل الإضافي الذي يأخذه الموظفون، والذين يقومون بتكديس المعاملات، وتأخيرها، والانشغال عنها بالأكل في المكاتب، والمكالمات الهاتفية، وقراءة الجرائد، ومتابعة أخبار الدوري، والتهرب من العمل، وبعدها يأتي بالمعاملات في آخر الدوام عند الأستاذ أو المدير، ويقول: أطال الله عمرك! كيف أعمل بهذه؟! لا أستطيع أن أنجزها! فيقول له المدير: ماذا تريد؟ قال: أريد عملاً إضافياً شهراً أو شهراً ونصف، فالسنة المالية على الأبواب وأنا مسئول، وإلا فلن أتحمل المسئولية فيما بعد، فيقول المدير: تفضل ويعطيه، هذا المدير خائن، فقد كان من المفروض ألا يعطيه إضافياً، بل يحمله على القيام بالواجب رغماً عنه ولا يعطيه شيئاً؛ لأنه هو الآن قد غرق فلم يعد قادراً على أن يحلل لقمة عيشه التي يأخذها؛ لأنه يأتي متأخراً، فلا يحضر إلى الدوام إلا الساعة التاسعة أو التاسعة والنصف، والمراجعون أكوام على أبوابه وهو يرفضهم ويدخل ويغلق عليه الباب. وأنا مرة من المرات كان عندي معاملة، فدخلت في إحدى الإدارات على أحد الموظفين فأعطيته المعاملة، فقال لي: تفضل اجلس، فجلست حتى تضايقت وهو في مكالمة مع زميل له، وأنا مشغول وعندي عمل، وبعد ذلك عندما وضع السماعة، قال لي: ما عندك؟ ومرة أخرى يكلم شخصاً آخر ربع ساعة أيضاً، وهذا ربع وذاك ربع، وبعد ذلك أغلق السماعة، ثم أخذ معاملتي وقال: اذهب بها إلى القسم الثاني، قلت: لماذا لم تقل لي من البداية يا أخي؟! تربطني نصف ساعة من أجل مكالمتك، وبعد ذلك تقول لي: اذهب إلى القسم الثاني، إنا لله وإنا إليه راجعون! فهذا حرام في دين الله، وخيانة للأمة، وخيانة لولي الأمر، فولي الأمر مؤتمن ومسئول عن هذه الأمة، وقد وزع مسئوليته على الأفراد، وكلٌّ مسئول عن رعيته يوم القيامة، (وما يلي أحد أمر اثنين إلا جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه، يُطلقه عدله أو يوبقه ظلمه) . فلا تتصور يا أخي أنك لست مسئولاً إذا كنت موظفاً، لا. بل والله لو كنت موظفاً على الصادر والوارد فقط، فإنك مسئول في أن تحرر المعاملة، وأن تسجلها بوضوح، وإذا جاءك المراجع تعطيه خدمة ممتازة، فتقوم بخدمته وتراجع له ما يحتاج بالسجلات، وتبحث له في الملفات، وتعطيه الرقم بأحسن عبارة، فهذه أمانة، لكن كونك تؤخر عمله، ثم تأتي تأخذ عملاً إضافياً وتأكل حراماً، لا. هذا كله غلول. ولا ينبغي أن يؤخذ من بيت مال المسلمين شيء بغير حق، إلا بحق شرعي نظير أجرتك التي أنت بذلت فيها عرقك في عملك هذا، وما دخل عليك بغيرها فهو حرام. ويدخل في هذا أيضاً الهدايا، هدايا المسئولين، فإذا كنت مديراً لمدرسة من المدارس مثلاً وعندك طالب في السنة السادسة جاملته لأن أباه وضع في (الحوش) خروفاً، وقال لك: ولدي عندك في المدرسة، فقلت له: ما المسألة يا فلان؟ فيقول لك: نعم. المسألة عزمناك عزمناك عزمناك؛ فما جئت، ولا نريد أن نكلف عليك، لأننا نعرف أنك مشغول، فأحضرنا لك ذبيحة إلى البيت، لك أنت والأولاد، فتقول له: شكراً. فإذا جاءت الامتحانات تكون عينك على هذا الخروف (أبو مرقة) أين هو؟ ولو نقص مائة علامة فلابد من أن تزيده، وتقول: لِلَجنة الرحمة ارحموه، هذا لديه (مرقة) عندنا -له خروف- هذا اسمه: غلول؛ لأن هدايا العمال كما جاء في الحديث: (هدايا العمال غلول) . فإذا كنت في مكتب، وعندك وظيفة، وجاءتك هدية من شخص من أصحاب المعاملات التي عندك، كأن تكون مسئولاً عن المباني مثلاً، أو عن الأجور، أو الرواتب، أو الانتدابات، فتأتيك هدية سواءً من الموظف الذي أقل منك، أو من المراجع الذي يأتيك فيهدي لك كأس سمنٍ، أو عسلٍ، أو تمرٍ، أو زبيبٍ، أو شيءٍ مما يهدى، أو أن يسافر ويأتيك عند عودته بهدية: بساعة، أو بقلم، وأكثر المدرسين يهدون هدايا للمدراء. حتى أن هذا المدير لا ينسى هذا المدرس بأي حال من الأحوال؛ لأن الإنسان عبد الإحسان، فإذا أحسنت إلى أحد من الناس فإنك تستعبده بذلك، والإسلام ينزه المسلم عن هذا، حتى يكون عدلاً في قضاياه وفي تعامله مع الآخرين. (هدايا العمال غلول) فلا ينبغي أن تقبل هديةً من أحدٍ، وأنت في منصبٍ إلا بشرطٍ واحدٍ، قالوا: إذا كان يهديك قبل المنصب، يعني: بينك وبين أحد خلة وصداقة وقرابة، وهو يهديك وأنت تهديه قبل أن تصير في هذا العمل، فهذا ليس فيه شيء، أما إذا صرت في المنصب وجاءتك الهدايا، فانظر بعد أن يذهب عنك المنصب من الذي يهدي لك، والله لن يلقوا عليك حتى السلام. فقد ورد في السير أن عبد الله بن اللتبية وهو صحابي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الزكاة، فذهب وأتى بالزكاة، فلما رجع من الزكاة جاء ومعه شيء من الزكاة ومعه شملة- بردة على ظهره- وقال: فأما هذه فلبيت مال المسلمين، وأما هذه فأهديت لي، فلما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم غضب غضباً شديداً حتى لكأنه يفقأ في وجهه حب الرمان -وكان إذا غضب؛ علته الحمرة صلوات الله وسلامه عليه- ثم أمر أن ينادى: الصلاة جامعة، ولم يكن وقت صلاة، فجمع الناس، وقال: (ما بال أقوامٍ -وهذا من هديه صلى الله عليه وسلم، فما فضحه، فقال: ما بال أقوامٍ نستعملهم على الزكاة، فيذهبون ثم يعودون، ويقولون: هذا لبيت مال المسلمين وهذا أهدي لنا، أفلا قعدوا في بيوت آبائهم وأمهاتهم أكان يهدى إليهم شيء؟) فلو أنك لست في منصب أكان يهدى لك شيء؟ لا. لكن الهدية ليست لك، بل هي رشوة تلبس ثوب الهدية: (وهدايا العمال غلول) كما قال صلوات الله وسلامه عليه.

الأسئلة

الأسئلة

حديث (هدايا العمال غلول)

حديث (هدايا العمال غلول) Q ما صحة الحديث: (هدايا العمال غلول) ؟ A هذا الحديث مشهور، ولكني لا أعرف مدى صحته، وأَعِد الأخ السائل أن أبحث عنه إن شاء الله.

بداية القصر في السفر

بداية القصر في السفر Q هل للمسافر أن يقصر الصلاة منذ عقد نية السفر، أم لابد من خروجه من المكان الذي هو مقيم فيه؟ A صورة المسألة: رجل يريد أن يسافر إلى الرياض، وبعد ذلك أدركته صلاة الظهر وهو في أبها، وسفره قائم وموعده بعد دقائق أو بعد ربع ساعة وأدركه الوقت، هل يقصر الصلاة هنا أم لابد أن يخرج حتى يسمى مسافراً؟ اختلف في ذلك أهل العلم، فقال الإمام مالك والشافعي وأحمد وجماعة من السلف والتابعين: لا يجوز لمن نوى السفر أن يقصر حتى يخرج من بيوت قريته أو بيوت مدينته ويفارق البنيان ويتركها وراء ظهره. هذا قولهم. وقال بعض أهل العلم: يجوز له ويباح له أن يقصر إذا نوى السفر؛ وإن كان لا يزال في بلده، والصحيح الذي عليه الدليل، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز له أن يقصر حتى يسافر، والدليل ما ذكره الله في القرآن، قال الله عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] فلا يسمى الإنسان ضارباً في الأرض حتى يباشر السفر، أما إذا كان لا يزال في بيته، فحتى وإن نوى السفر فإنه لا يسمى ضارباً، فقد علق الله إباحة القصر في الصلاة على الضرب في الأرض، قال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] . الدليل الآخر ما رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه، قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بـ المدينة فصلاها أربعاً، وبـ ذي الحليفة قصرناها اثنتين) فدل ذلك -وهو قبل السفر- على أنه إذا صلى في المقر الذي يقيم فيه؛ فأن عليه أن يتم، وإذا صلى بعد أن يباشر السفر؛ فإنه يجوز له أن يقصر.

حكم تقاضي الكفيل من العامل مبلغا من المال

حكم تقاضي الكفيل من العامل مبلغاً من المال Q ما حكم استقدام العمال من الخارج ثم تركهم يعملون نظير أجر محدد يأخذه كفيلهم منهم في آخر كل شهر قليلاً كان أو كثيراً، وذلك رَغماً عن العامل -رضي أو لم يرضَ- وهل إذا رضي العامل يحل ذلك؟ A هذا الكلام حرام في دين الله عز وجل، وقد أفتت هيئة كبار العلماء بأن ذلك لا يجوز؛ لأن الله عز وجل قد حرم على المسلم دم ومال وعرض أخيه المسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وهذا مسلم، لماذا تأخذ عليه ضريبة؟ لماذا تأخذ عليه جزية؟ لماذا تمارس في رقبته تجارة؟ لكسلك وجهلك وانحطاطك، فكثير من الناس الآن يقوم بعمل مؤسسة وهمية كاذبة، ثم يقول: أريد أن أحضر لي عمالاً، ثم يستقدم له عشرين عاملاً ومن ثم ينام هو، لأنه إنسان فاشل في الحياة، فتجده يقول للعشرين هؤلاء: اذهبوا، وكل واحد منكم يأتي لي في آخر الشهر بخمسمائة ريال، فتصير عشرة آلاف، أي: راتب شهري، تأتيه عشرة آلاف ريال وهو نائم في البيت، لا عَمِل ولا اشتغل، ويأخذها من رقاب المسلمين الضعفاء، فهذا حرام ولا يجوز، سواء رضي العامل بذلك أو لم يرضَ، حتى وإن رضي فإن الرضا هذا ليس منبعثاً عن قناعة، وإنما يسمونه رضا الإذعان، لكن لو جئت وقلت: لا. لن آخذ منك شيئاً فلن يرغمك، لأنه يعرف أنه إذا لم يعطك فإنك تُرَحِله. فهو يعطيك إذعاناً لا يعطيك رضاً، والحكم هو حرمة ذلك، فلا يجوز لمسلم أن يفعله، وعلى المسلم الذي يفعله أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى من هذا الأمر، الذي هو والعياذ بالله حرام.

حكم الطلاق الوارد على صفة اليمين

حكم الطلاق الوارد على صفة اليمين Q ما رأيكم فيمن يجعل الطلاق كلاماً عابراً على لسانه، فيطلق على الضيوف، ويطلق إذا رفض الضيف أن يأكل، وإذا طلق وفجره الضيف قال للناس: اشهدوا أني استرجعت، وإن امرأتي لا زالت في عصمتي، وهل يعتبر هذا الطلاق أو لا يعتبر؟ A أولاً: لا يجوز للسائل أن يقول: ما رأيك؛ لأنه ليس هناك رأي في الدين، والذي يجب عليه أن يقول: ما حكم الشرع في كذا وكذا؛ لأن الدين بالدليل ليس بالرأي. والطلاق شيء شرعه الله في دينه كحل وكمخرج نهائي عند تعذر الحياة الزوجية بين الزوجين، وهو من نعم الله عز وجل على الأمة، إذ لو أنك ارتبطت بامرأة، ثم ساءت عشرتك معها وساءت عشرتها معك، ولا تريدها ولا تريدك، وليس هناك وسيلة للخلاص، فكيف سيكون الأمر؟ عندها تكون مشكلة ومصيبة عليك إلى أن تموت، مثلما يحصل الآن في أوروبا، فعندهم في بعض الديانات ليس هناك طلاق، ولهذا أصبحت الزوجة سلسلة في رقبته تسحبه إلى أن يموت، ولكن الله شرع الطلاق كباب نهائي إذا فشلت الحياة، قال الله عز وجل: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] . فقد يتزوج الإنسان بامرأةٍ فلا يرتاح لها ولا يسكن إليها ولا يطمئن لها، أو تتزوج امرأة بإنسان ولا تسكن ولا ترتاح إليه، فإذا لم تكن هناك عشرة، وليس هناك إقامة لحدود الله، ولا تفاهم، ولا انسجام، ولا تمازج؛ فليس هناك داعٍ إلى أن تستمر الحياة في جحيم، وعذاب، ومضاربة، ومشاكسة، وبغضاء، ولعن، وسب، وشتم، لماذا؟ لأنك تستطيع أن تتركها وتأخذ غيرها، فتأخذ واحدة طيبة إن شاء الله تُرجعك إلى الحياة الحقيقية، واتركها هي تأخذ من يصلح لها: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] . أما أن تقعد إلزاماً، فلا. فليس في دين الله حياة زوجية تقوم على عدم الرضا والقناعة، فإذا تمكن الزوج من ذلك، وإلا فإن من حقه أن يطلق، ومن حق المرأة إذا كانت هناك عيوب شرعية في الرجل أن تطلب الطلاق من زوجها كما هو موضح في كتب أهل العلم. ولكن المصيبة أن الناس تلاعبوا بهذا الأمر، تلاعبوا بالطلاق، وأصبح الرجل منهم يطلق على كل صغيرة وكبيرة، يطلق إذا اشترى، ويطلق إذا باع، ويطلق إذا استضاف، ويطلق إذا أراد أن يبرهن للناس أنه صادق، وهذا كله لا يجوز في دين الله، أولاً: هذا قسم، والقسم بغير الله لا يجوز كما جاء في الحديث: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) والإنسان إذا أراد أن يحلف فإنه يعظِّم، ومن عظَّم غير الله فقد أشرك بالله. ثانياً: فيه تعريض لنفسه في أن يقع في الطلاق؛ لأن هذا الطلاق معلق، فالذي يحلف بالطلاق على شيء لمنع شخص من فعله، أو لدفع إنسان من فعله، أو لإقناع إنسان على أن هذا ليس بصحيح، فهذا الطلاق اختلف فيه أهل العلم هل يقع أو لا يقع، وقد قرأت فتوى لـ هيئة كبار العلماء في مجلة البحوث الإسلامية وفيه خمسة عشر عالماً برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قد أفتوا بأن الطلاق المعلق يقع، ولكن بعض العلماء لهم وجهة نظر أضافوها في نهاية الفتوى للشيخ عبد العزيز بن باز، وللشيخ عبد الله خياط وغيرهما؛ سبعة من العلماء صارت لهم وجهة نظر أو رأي معين تعليقاً على ما رأته الهيئة بكامل أعضائها، ولذا فإن الجمهور يرون أن الطلاق المعلق يقع إذا حلف به صاحبه، فقد تطلق على ضيف أن يأتي ويمسي عندك اليوم، فيقول: كيف أذهب؟! عندي ظرف، ثم لم يأتِ، فهذا يقول: أستغفر الله وأشهدكم أني استرجعت امرأتي، أهي لعبة؟! أولاً: لا ينبغي أن يدور الطلاق في لسانك صادقاً كنت أم كاذباً، براً أم فاجراً، لا تفكر فيه أبداً؛ لأنك تحطم عشك وتحطم أسرتك، وتقضي على مستقبل أولادك وزوجتك. وأذكر أنا كنا مرة جلوساً عند الشيخ عبد الله بن يوسف، فجاءنا رجلان متصاهران، قال الأول: يا شيخ! أفتنا: هذا صهري جاءني، وأنا أريد أن أكرمه، فطلقت إن لم أكرمه بذبيحة، فطلق هو أنها لا تكتب له، والآن أوقفنا النساء هناك مساكين ينتظرن الخبر، فصارت الآن مشكلة من أجل أن يعشيه لحماً ومرقاً. قال له الشيخ: أحدكما يحنث وتحرم عليه زوجته إن كانت الثالثة، أو يسترجعها إن كانت غير الثالثة، وهذا الرأي الذي يفتي به العلماء في المحاكم، ولا يفتي بأن الطلاق المعلق لا يقع إذا حلف فيه إلا الشيخ عبد العزيز بن باز، ولكنه يحتاط لنفسه ويسأل المطلق، يقول: هل تقصد الطلاق أثناء ما حلفت؟ فإن قال: نعم. أقصد الطلاق، قال: اذهب فقد وقع الطلاق، وإن قال: لا. أنا لا أقصد الطلاق، ولكني أقصد اليمين فقط، ولا أنوي الطلاق أبداً ولا أقصده، قال له: نعم. هذه يمين مكفر عن يمينك. فهذا رأي الشيخ ابن باز رحمه الله خاص به، ومعه طائفة من أهل العلم، وقد كلمته أنا بنفسي، وقلت: يا شيخ! كيف تسمع الرجل يتلفظ بلسانه ويقول: طلاق، وتقول أنت: هل تقصد الطلاق؟ قال: نعم نسأله عن ذلك، قلت: حسناً! لو أتى واحد وصفعني في وجهي، وقلت: بالله أنت قصدك تصفعني أو قصدك تضع يدك في وجهي، ماذا أعبرها؟ فضحك الشيخ ضحكة واسعة جداً، ثم قال: جزاك الله خيراً، لكن الموضوع فيه سعة، ولا نريد أن نحرّج على الناس، وما هو ذنب المرأة التي في البيت، هذا رأي خاص به، لكن العلماء الآخرين يقولون: لا. هذا شيء يملكه وما دام أنه تسرع فيه وطلق به، نوقعه عليه زجراً له حتى لا يتلاعب بالأيمان، ولا يلعب بالطلاق. فالذي نوصي به الإخوان ألا يطلقوا لا في كبيرة ولا في صغيرة، ولا يلجأ الإنسان منهم إلى التلاعب بالأيمان، وإذا وقع منه شيء في الطلاق عليه أن يستفتي، ولا يحصل منه الاسترجاع هكذا من مجلس الكلام، فيقول: أشهدكم أني قد استرجعت، ويرجع، لا. بل يذهب ويستفتي، وعلى المفتي أن يسأله كم قد سبق هذه، وهل هي الأولى أم الثانية أم الثالثة؟ وما هي نيتك من الطلاق؟ ومن الممكن أن يفتي على رأي الشيخ ابن باز ومن سار معه، أو أن يفتي على رأي الجمهور الذين يوقعون الطلاق، وعلى كل حال يجب على المسلم أن يتقي الله ولا يقع فيه هذا.

حلاوة الإيمان والأسباب الموصلة إليها

حلاوة الإيمان والأسباب الموصلة إليها Q كيف أجد حلاوة الإيمان، وما هي الأسباب الموصلة إليها؟ A سؤالٌ عامٌ، وواسعٌ جداً، والجواب عليه ما رواه أنس في حديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثٌ من كنّ في قلبه؛ وجد بهن حلاوة الإيمان) وهذه تريد منك أن تجتهد في سبيل تحصيلها؛ لأن حلاوة الإيمان لا تباع في الصيدلية، ولا في السوق المركزي، وليست في الأندية الرياضية، لا؛ أبداً. فحلاوة الإيمان هذه نعمة من الله يسوقها لمن طلبها، قال: (ثلاثٌ من كنّ في قلبه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) وهذه صعبة جداً إلا على من يسرها الله له، بمعنى: أن تقدم طاعة الله ومحبته وامتثال أوامره، ومحبة رسول الله وسنته على كل أمر، على كل هدي، وعلى كل شيء في الدنيا؛ فحلاوة الإيمان تجدها بعد هذا؛ لأن الحلاوة ثمرة لهذه الثلاث: وأن يحب المرء لا يحبه إلا في الله) يعني: يبني علاقاته مع الناس على أساس من دينه وعقيدته فيحب الرجل إذا رأى فيه علامات الخير، ورأى فيه التمسك بالسنّة والغيرة على دين الله، ورأى فيه الحماس والقوة في دين الله، والاعتدال، والتمسك. وإذا رأى فيه نقصاً، أو تراخياً، أو حباً وميلاً للشهوات والمعاصي، فإنه يبغضه، فيحبه على ما فيه من الخير، ويبغضه لما فيه من الشر. (وأن يحب المرء لا يحبه إلا في الله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار) وهذه تمثل غاية الثبات على الإيمان والعقيدة، وغاية الاعتزاز بالدين، لدرجة لو أنه عُرض عليه أن يدخل في النار أو أن يرجع إلى دينه لاختار الدخول في النار على الرجوع عن الدين؛ لأن الرجوع عن الدين معناه دخول النار الحقيقية في الآخرة.

حكم اللقطة في الطريق العام

حكم اللقطة في الطريق العام Q إذا وجد شخص شيئاً في الطريق العام وأخذه أو باعه، هل يجوز له أخذه، مثل إطار سيارة جديد؟ A إذا وجد شخص إطاراً وقع من سيارة وهي تمشي في الطريق، ثم وجده في الطريق ما الحكم فيه؟ يأخذه أم يدعه أم يبيعه؟ أم ماذا يصنع؟ الجواب: اختلف أهل العلم في هذا على أقوال: ذهبت طائفة كبيرة من أهل العلم، على أنه لا يلتقط؛ لأن التقاطه مع عدم الإعلان عنه، -والإعلان بالطريقة الشرعية- يؤدي إلى أكل الحرام، وما دام أن هذه وسيلة إلى أكل الحرام، فما أوصل إلى الحرام فهو حرام، دعها ويأتي صاحبها يأخذها. وقال آخرون: لا. بل يجب أخذها؛ لأن عدم أخذها تضييع للمال، فقد تكون أنت أميناً ورأيت هذا الإطار فتركته وكان بإمكانك أن تعلن وتبين هذه الضالة للناس حتى يجدها صاحبها، لكن إذا تركتها يأتي آخر شرير وأخذها ويخفيها، فتكون أنت بهذا مساعداً على إضاعة هذا المال، فأنت آثم. وقال آخرون -اعتدلوا-: إن كان في أرض خير وإيمان ودين وأمانة كلهم، فلا يأخذها، بل يدعها لعل صاحبها أن يأتي فيأخذها، وإن كانت في أرض سوء كأن يكونوا كلهم لصوص وكلاب دنيا، فعليه أن يأخذها ويعرّفها، وكيف يعرّفها؟ قالوا: يعرّفها سنة كاملة في الأسبوع الأول في كل يوم مرة، أو في الشهر الأول في كل أسبوع مرة، وفي الأشهر التي بعدها في كل شهر مرة، وأين يعرّف؟ يعرّف في مجامع الناس وفي منتدياتهم، أي في غير المساجد؛ لأنه لا يجوز فيها التعريف بالضالة ولا نشدانها، فهذا حرام، وإذا سمعتم أحد يقول من رأى أو وجد لي فقولوا له: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبنَ لهذا، لكن يُعرّف في المجامع والمجتمعات والأسواق، وإذا أمكن في الصحف وفي الجرائد، وفي أي وسيلة إعلام يمكنك أن تعلن فيها، وفي المكان الذي ضاعت فيه، وبعد سنة كاملة من التعريف تحل لك، ولكنها تحل لك مع بقاء الضمان. فتحلها وتعرف كم عددها وكميتها، ولو جاءك صاحبها بعد عشرين أو مائة سنة، فادفعها له، فأنت ضامن، ولكن بعد السنة ما عدت تستطيع أن تمسكها، فإذا جاءك بعد السنة فتعطيه، وإن لم يأتك أُحلت لك. ونقول لهذا الأخ الذي وجد هذا الإطار: إن تركه ربما يضيعه، وإن أخذه ربما يأكل ثمنه، ولكن يعرّف به، وكيف يكون التعريف بالإطار؟ لأن هذا ليس مكان إنسان ثابت، بل طريق عام، والرجل الذي أضاعه لا يعرف في أي مكان أضاعه، ولو أنك عرّفته في الطريق ما وقف لك أحد يسمع صياحك، إذاً ما العمل؟ تأخذه وتبيعه وتتصدق بثمنه بنية أنه عن صاحبه، هذا إن شاء الله قاعدة للأقوال، والله أعلم. أما الشيء البسيط الذي لا يهتم به أوساط الناس فإنه لا يُعرف، مثل: السواك، والقلم الرصاص، والحبل البسيط، أو ورقة، فهذه كلها أشياء لا يهتم بها أواسط الناس، فالذي لا قيمة له عند الناس، لا يحتمل أنك تقعد تصيح به، بل الشيء المهم فقط. هذا الكلام في غير الحرم، أما لقطة الحرم فهي حرام، تلتقط، وإنما تلتقط وتسلم لولي الأمر، للشرطة أو للهيئة. السائل: وإذا عاد صاحبها بعد أن تصدقت بثمنها؟ الشيخ: تقول له: أنا لقيت الإطار وبعته بمائة ريال وتصدقت به عنك، فإن كنت أنت تقرني على هذا التصرف فجزاك الله خيراً، وإن كنت لا تقرني فأنا أعطيك المائة، وينتقل ثوابها من صحيفته إلى صحيفتك في الآخرة.

حكم الصور في الملبوسات

حكم الصور في الملبوسات Q هناك أنواع من الغتر (شماغ) تسمى: (شماغ العقل) فيها صورة غزال، وكثير من الناس يصلون بها في المساجد، فما حكم الصلاة فيها؟ A صلاتهم صحيحة، والصور هذه التي تلبس أو تفرش أو تمتهن، هذه مما عمّت بها البلوى في هذا الزمان فإنك قلَّ أن تجد شيئاً إلا وفيه صورة، بعض الألبسة تجد فيها صورة بقرة أو عسكري أو أرنب، وهذا موجود بكثرة في الألبسة، وقد سمعت الشيخ عبد العزيز بن باز يقول: إن البيت الذي لا تدخله الملائكة هو البيت الذي فيه كلب أو صورة، وخص ذلك بالصورة المعظمة أو الصورة المقدسة، أو الصورة المعبودة والمبجلة، أما الصورة الممتهنة فإنها لا تعتبر مانعاً من دخول الملائكة (والرسول صلى الله عليه وسلم أمر عائشة بأن تأخذ القرام الذي كانت فيه الصورة وتشقه وتجعله وسادتين) ، فيكفي في مثل هذه الصورة الموجودة في الغترة شطب الرأس -فإن الصورة هي الرأس- إن أمكن خروجاً من المحظور وإن لم يتمكن الإنسان -كأن يشطبها بالقلم فإذا غُسلت عادت، وكان في ذلك مشقة- فنرجو الله ألا يكون في ذلك شيء إن شاء الله؛ لأنه من الأمور التي عمّت بها البلوى.

حكم كشف المرأة عند عم أبيها أو أمها

حكم كشف المرأة عند عم أبيها أو أمها Q هل يجوز لي أن الكشف على خال أبي وخال أمي وعم أبي وعم أمي؟ A نعم. لأن عم أبيك وعم أمك وخال أبيك وخال أمك أجدادك، فيجوز لك أن تكشفي عليهم؛ لأنهم محارم إن شاء الله.

التزاور الأخوي

التزاور الأخوي Q أنا شاب لا أحب زيارة إخواني في الله حتى في العيد، وإذا طلبوا مني زيارتي لهم أو زيارتهم لي اعتذرت، وأنا قادر على استقبالهم، فهل هذا جائز؟ A هذا من الجفاء يا أخي المسلم! لأن الأخوة في الله رابطة من أعظم الروابط في هذه الحياة، فإذا كنت لا تحب أن تأتي إخوانك في الله ولا تحب أن يأتوك فكيف تعيش؟ و (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) ، ولكن بعض الناس يبالغ في هذه الرابطة، فالأخوة في الله مثل الملح لهذه الحياة، فالحياة بدون أخوة في الله، وبدون زيارة في الله حياة سامجة لا طعم لها، وأيضاً إذا كثرت أصبحت كلها ملح، فبعض الناس يحب أخاه في الله لكن يفتت كبده، فتجده في كل لحظة وهو عنده، وفي كل لحظة يأكل معه، حتى يكرهه أهله، ولكن (زر غباً تزدد حباً) ، يعني: إذا أردت أن تزور؛ فمرة في الأسبوع، أو مرة في كل خمسة عشر يوماً، فهذا معقول، أما أن تكون في كل يوم عنده، فإن هذه الزيارات تنقلب كراهة؛ لأن ما تجاوز حده انقلب إلى ضده. وأيضاً كونك لا تزور أحداًَ بالمرة، ومنعزل وانطوائي، وإذا أتاك أحد وأنت قادر على أن تستقبله وتقرأ معه في كتاب وتقدم له فنجاناً، وتجلس بدون أن يكون عليك كلفة ولا حرج ولا مشقة، فتقول: لا. لا أريدك أن تأتيني، هذا من الجفاء الذي يخشى عليك فيه، فلعله أنه ينقدح في نفسك بغض لإخوانك في الله، وإذا أبغضت الطيبين ربما ضرك هذا في دينك والعياذ بالله، فيا أخي! حاول أن تربي نفسك على زيارتهم خصوصاً في المناسبات الشرعية مثل: المرض فتعوده، والزواج فتأتيه تبارك له، وإذا عاد من غيبة فتزوره ترحب به، وإذا جاء العيد فإنك تهنئه، إذا مر عليه شهر أو شهران ولم تره فإنك تذهب وتقول له: والله يا أخي! أنا اشتقت لك وفارقتك وما رأيتك منذ زمن، فأحببت أن أجلس معك هذه الساعة؛ ليس هناك مانع.

تصور الجن بصور الإنس

تصور الجن بصور الإنس Q هل الجن يتشكلون بأشكال الناس والحيوانات، ويتحدثون مع الناس وكأنهم بشر؟ A نعم. الجن قد يتشكلون ويتحدثون مع الناس كأنهم بشر، وهذا ثابت كله في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ثابت ومتواتر، ولكن قد يقول قائل: كيف أوفق بين هذا وبين قول الله عز وجل: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] ؟ أجاب العلماء قالوا: إن الشيطان وقبيله- يعني: قبيلته وجماعته- يرون الناس من حيث لا يرونهم إذا كانوا في أصل خلقتهم، أما إذا تشكلوا بخلقة جديدة فيمكن أن نراهم، والدليل على هذا كثير، منها: ما روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله وجعله حافظاً لزكاة عيد الفطر، فكان يرصدها في الليل، فجاء في ليلة من الليالي رجل فجعل يحثو من الزاد، فأمسكه أبو هريرة، فشكا له الحال وقلة المال وكثرة العيال، فأشفق عليه أبو هريرة وأطلقه، فلما جاء في الصباح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: زعم أنه لا يعود، قال: كذب، إنه سيعود، قال: فرصدته في الليلة الثانية عملاً بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء فأوثقته، وقلت: ما أفكك الآن، قال: فألح عليَّ، وطلبني، فأشفقت له وفككته، يقول: فلما جاءت الليلة الثالثة وقد أخبر النبي أنه سيعود، يقول: أمسكته وآليت أن آخذه، فقال: ألا أدلك على آية إن قلتها في الصباح لم يزل عليك من الله حافظ حتى تمسي، وإذا قلتها في المساء لم يزل عليك من الله حافظ حتى تصبح؟ قال: قلت: نعم. قال: اقرأ آية الكرسي، قال: فأطلقته، فلما جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما فعل أسيرك البارحة، فأخبرته بالآية، قال: صدقك وهو كذوب، أتدري من تكلم منذ ثلاث؟ قال: لا يا رسول الله، قال: ذاك الشيطان) . فأخبر هذا الحديث أن الشيطان يتشكل في صورة إنسان، وقد يقول قائل: إنني أقرأ آية الكرسي ولا أسلم من الشيطان، نقول: إن قراءة آية الكرسي تختلف من شخص إلى شخص باختلاف قوة البواعث فيها، مثل الذي عنده بندق والهدف هناك، لكن الرماة ليسوا سواء، فمنهم من يرمي ويصيب، ومنهم من يخطئ الهدف فيجب أن تقرأها بيقين، فبعض الناس يقرؤها يختبر الله، يقول: سأقرأ وسأرى ماذا سيحدث، لا إله إلا الله! من أنت يا ضعيف؟! ويا مسكين؟! اقرأها موقناً وجازماً بها، والله عز وجل يحفظك، أما إذا كان هناك شك، فلا يجوز. أيضاً روى النسائي عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان يقول: [كان لي تمر في جريد- انظروا كيف قوة إيمان الصحابة وقوة قلوبهم- فنقص فتعاهدته، فجاء رجلٌ أكبر من الغلام المحتلم، فأوثقته فإذا يده مثل يد الكلب فيها شعر، يقول: فأوثقته، فقلت: إنسي أنت أم جني؟ قال: جني. لقد علمت الجن ما فيها أشد بأساً مني، قال: أهكذا خلقتم؟ قال: نعم. قال: ما الذي يمنعنا منكم؟ قال: آية الكرسي] لكن لو أن واحداً منا أوثقه، وقال: جني، فكيف سيكون الحال؟! وهذا سبب من أسباب دخول الجن في الأنس أنك تخافهم: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:6] قال ابن كثير: خبالاً وجنوناً، فهم إذا رأوا الواحد يرتجف ركبوه، وإذا رأوه جبلاً صامداً قوياً بدين الله لا يخاف إلا من الله فروا منه، وتنادوا في الشعاب والوديان: هناك مؤمن فروا منه، لا يقدرون عليه أبداً، فكن قوياً بالله عز وجل. وأذكر أني مرة قرأت على امرأة عندها صرع، وكنت قبل أوصي الجالسين أقول: لا تخافوا انتبهوا، فقرأت فلما خرج الجني دخل في أحد البنات الجالسات؛ لأنها كانت ترتجف، فعدت أقرأ على هذه ثانية، لكن في النهاية خرج والحمد لله. أيضاً من الأدلة: ما روى مسلم عن أبي السائب: [قال: دخلت على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو يصلي، يقول: فانتظرته فإذا بحركة السرير الذي هو جالس عليه، فالتفت فإذا حية، فقمت لأقتلها، فقال: اصبر انتبه! إنه كان شاب من أهل المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الخندق في المعركة، وكان حديث عهد بعرس، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت القائلة، قال: دعني يا رسول الله! أتعاهد بيتي -من باب الغيرة ومراقبة الأهل ورصد تصرفاتهم- يقول: فلما جاء وإذا بزوجته واقفة على الباب، فرفع رمحه وشهره ليطعنها في كبدها غيرةً لله وحرصاً، فقالت له: اصبر تعال انظر ما في الداخل، فرد الرمح ودخل وإذا على الفراش حية رقطاء ممتدة على الفراش، فقام وركز الرمح في رأسها، يقول: فاضطربت عليه، ثم التوت فوقعت ميتةً؛ وهو يقول أبو سعيد: لا يدر أهي الأولى أم هو] فلما أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن في هذه المدينة أو البيوت عوامر، إذا وجدتم شيئاً مثلها فلا تقتلوها حتى تؤاذنوها أو تحرجوا عليها) . فإذا رأيت حية أو ثعباناً في بيتك فلا تقتله حتى تحرج عليه، قيل: ثلاث مرات وقيل: ثلاثة أيام، قال العلماء: إن كان في بيت أنت محتاج إليه، تريد أن تسكن فيه أو تنام، فحرجه ثلاث مرات، وكيف تحرج؟ تقول: أحرج عليك بالله إلا خرجت، أحرج عليك بالله إلا خرجت، أحرج عليك بالله إلا خرجت، ثم تصرف نظرك، لأنه لا يتشكل وأنت تراه، فإذا صرفت نظرك، ثم نظرت إليه وقد انصرف فهو جني، وقد ذهب، وإذا حرجت بالله عليه ثلاثاً، ثم صرفت نظرك، ثم رجعت وهو موجود فاقتله، فإنما هو من الدواب، قالوا: وإن كان في بيت لا يحتاج إليه كمن وجده في مستودع، أو دكان، أو مزرعة ولا يحتاج له، فإنه يحرج عليه ثلاث مرات في كل ليلةٍ مرة؛ ليجمع بين الحديثين. وأيضاً يتصور الشيطان في صورة البشر، فيأتي في صورة البشر كما في قصة الشيخ النجدي الذي رواها ابن إسحاق في سيرة ابن هشام قال: لما اجتمع كفار قريش في دار الندوة ليتفكروا ويتشاوروا في أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقتله، دخل عليهم رجل ذو هيئة، وعليه عباءة وعمامة، قالوا: من الرجل؟ قال: شيخ من نجد من بني حنيفة، قالوا: ما تريد؟ قال: جئت لعلي لا أعدمكم رأياً -يقول: لعلكم تحصلون مني على رأي سديد- قالوا: ادخل، فجلسوا يتناقشون في أمر النبي صلى الله عليه وسلم وكلٌ أشار بشوره، فمنهم من قال نطرده، ومنهم من قال: نسجنه، فكان كلما قيل رأي، يقول: هذا ليس هذا برأي، فلما أشار أبو جهل بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الرأي ما قال هذا، يعني: هذا الخبيث أشار برأي أبي جهل بقتل النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضاً ما ثبت أن الشيطان في يوم بدر تشبه بصورة سراقة بن مالك، وجاء في قومه في جماعة وهم كلهم شياطين، وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس، إني جارٌ لكم -ورفيقكم لا يهمكم تقدموا- فلما رأى الملائكة ولى وقال لهم: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله، يقول الصحابة: كنا نعرف قتلانا من قتلى الملائكة في بدر، فكان الرجل يمشي خلف الرجل فيموت مباشرة، نعم. لأن وراءه ملك من الملائكة يقتله. فهذه القصص كلها تُثبت أن الشياطين قد تتشكل بأشكال الإنسان وبأشكال أخرى.

حكم تقصير اللحية

حكم تقصير اللحية Q بعض الناس يرون لحيتك العامرة، فيظنون بنية حسنة أنك تقصرها، فيقتدون بك جهلاً، فنرجو التنبيه؟ A أولاً: الاقتداء لا يكون بي ولا بأحد، إنما الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] وصحيح أن طلبة العلم والعلماء الكبار- وطبعاً لسنا منهم- هم القدوة وينبغي أن يسيروا على هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا خالف فعلهم ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يقتدى بهم، بل الدين حجة عليهم، وأنا أقول للإخوة: إني ما أمس لحيتي، ولا أقص منها أبداً، ولكن هذه خلقتها، ماذا أفعل؟ أطولها؟! ربي خلقها هكذا.

حكم زيادة الإمام ركعة

حكم زيادة الإمام ركعة Q صلينا الظهر أربع ركعات، ثم زاد الإمام ركعة خامسة، وذكرناه ولكنه لم يرجع واستمر، فوقفنا معه وصلينا خمس ركعات وسجدنا للسهو، ثم أفتانا أحد الإخوة بإعادة الصلاة، فأعادها البعض ولم يعدها البعض، فهل الإعادة صحيحة أم لا؟ وماذا يجب على الإمام؟ وماذا يجب على المأمومين؟ A إذا صلى الإمام ركعة خامسة، طبعاً نحن نفترض في الإمام أنه ساهٍ؛ لأنه لا يوجد إمام يزيد ركعة خامسة عمداً؛ لأنه يعرف أنه إذا زادها عمداً بطلت صلاته، ولكن المأمومين الذين بعده أحد رجلين: إما أناس متأكدون أنه زائد فيسبحون، ولكن إذا رفض فلم يرجع فيجلسون؛ لأنهم متأكدون أنه زائد، ولا يتابعونه في الخطأ، فإذا تابعوه في الخامسة وهم يعلمون أنها خامسة بطلت صلاتهم! وعليهم الإعادة. أو مصلٍ آخر مثل الإمام شاك ناسٍ وليس عنده يقين، فهذا حكمه حكم الإمام، يقوم مع الإمام، وينهي الصلاة. أما موقف الإمام في مثل هذه الحالة فهو: إن كان متأكداً أنه في الرابعة وأن هذه الركعة ما هي بالخامسة فيبني على يقينه وإن سبح الناس، أما إن كان عنده شك ولم يكن عنده يقين، ولكن قام أخذاً بالأحوط وسبح له الناس، فإن تسبيح الناس يزيل الشك عنه ويرجعه إلى اليقين بأن هذه زائدة، فيلزمه الرجوع، فإذا لم يرجع وهو عنده شك لزمه إعادة صلاته؛ لأنه استمر في خامسته مع قيام الدليل على أنها خامسة بشكه وتنبيه غيره له، والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من أسباب عذاب القبر [3]

من أسباب عذاب القبر [3] الكذب خصلة ذميمة مرض يصيب القلب واللسان يتنافى مع الإيمان ينبت النفاق يدمر الأخلاق وهو سبب لعذاب القبر والنار. وقد تناولت هذه المادة خصلة الكذب مبينة حكم الكذب وخطورته، وآثاره السيئة، مع إيراد بعض صوره، وقد أعقب ذلك ذكر أحاديث وآثاراً وقصصاً متعلقة به.

إجابة عن سؤال متعلق بالأخوة من الرضاع

إجابة عن سؤال متعلق بالأخوة من الرضاع الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: قبل البدء بالحديث في هذا اللقاء، أحب أن أُشير إلى ما سبق أن أجبت به على سؤال من أحد الإخوة سأل فيه، هل البنت التي رضعتُ معها أو رضعت معي أخت لأخواتي أم لا؟ وأجبت أنا بما ينبغي أن يكون وهو الصحيح إن شاء الله، لكن أحد الإخوة قال: إنه يُخشى أن يُفهم الموضوع بنوع من اللبس وعدم الوضوح، فلا بد من الإيضاح، وزيادة في الإيضاح وكقاعدة يعرفها طالب العلم بالنسبة للتحريم من الرضاع، أن الرضاع لا ينتشر وإنما يلزم الراضع فقط، فمثلاً لو أن رجلاً في أبها معه زوجة هناك، وزوجة أخرى في الحجاز مثلاً وثالثة في خميس مشيط ورابعة في بني الأسمر، وله من كل زوجة أولاد، وجاء شخص من جيرانهم في أبها -معه طفل صغير ولم يجد من يرضعه- فأرضعته امرأته التي في أبها، فإن هذا الولد الراضع أصبح أخاً لجميع الذين رضعوا من ثدي هذه الأم، وجميع الذين ولدوا من صلب هذا الرجل من جميع زوجاته، التي في أبها والحجاز وبني الأسمر وفي خميس مشيط، لأن اللبن للفحل، فهذا الولد أخ لجميع من رضع من ثدي هذه المرأة ومن خرج من صلب هذا الرجل، سواءً كانوا من هذه المرأة أو من غيرها. لكن إخوان هذا الولد من النسب لا علاقة لهم بإخوانه من الرضاع، الحرمة تتعلق بالراضع فقط، فيجوز لأخيه من النسب أن يذهب فيتزوج ببنت هذا الرجل سواءً الموجودة في أبها أو في الحجاز أو بني الأسمر أو في الخميس. لكن متى تكون الحرمة مشتركة؟ تكون الحرمة مشتركة إذا كان هذا الولد قد رضع من هذه المرأة، وأيضاً البنت تلك التي رضع من أمها رضعت من أمه هو أيضاً، فتصبح هذه البنت أختاً لهذا الولد، ولجميع إخوانه، لأن الرضاع أصبح متبادلاً من طرفين لا من طرف واحد، ولكن غيره ممن لم يرضع ليس له علاقة بالآخر. فالقاعدة: أن الرضاع يلزم الراضع فقط، هذه إيضاحات أحببت أن أوردها حتى لا يكون هناك لبس إن شاء الله.

الكذب من أسباب عذاب القبر

الكذب من أسباب عذاب القبر قلنا فيما مضى: إن هناك عذاباً يسلط على أصحاب القبور، أعاذنا الله وإياكم من عذاب القبر، وينبغي -أيها الإخوة- أن نلح في السؤال، وأن نجزم في الطلب في أن يعيذنا الله وإياكم من عذاب القبر، فإن عذاب أو نعيم القبر هو أول ما يحصل للإنسان، فإن كان نعيماً كان ما بعده أفضل، وإن كان عذاباً كان ما بعده أسوأ، نعوذ بالله من عذاب الله. وقلنا: إن هناك أسباباً كثيرة وردت بها أدلة خاصة توضح أن من وقع في هذه الذنوب والأسباب، سُلط عليه العذاب في قبره، وذكرنا منها: النميمة، وعدم التنزه من البول، والغلول وهو: أخذ شيء من الحق العام -من أموال الدولة- وهو في الأصل أخذ شيء مما يغنمه المسلمون في قتالهم مع الكفار. واليوم نتحدث عن الأمر الرابع من أسباب عذاب القبر وهو: الكذب، ونعني بعذاب القبر، ما يُقدم للمُعذب من عذاب عاجل قبل العذاب الكبير في النار، لأن في النار عذاباً ضخماً وكبيراً جداً، ولكن خلال الفترة البرزخية تأتي المقدمات، ومقدمات العذاب كما يعبر عنها أحد الإخوة، يقول: هذه وجبة الإفطار، والعشاء في النار، يعني هذه المقدمات اليسيرة ما هي إلا وجبة خفيفة، ولكن الوجبة الكاملة الدسمة في جهنم، أعاذنا الله وإياكم منها.

الكذب يتنافى مع الإيمان

الكذب يتنافى مع الإيمان الكذب من أقبح القبائح ومن أعظم المعائب، ومن أسوأ الأخلاق، والنفوس الأبية في الإسلام وفي الجاهلية ترفضه وتأباه، ليس هناك أحد يحب الكذب خلقاً، وجاء الدين الإسلامي ليؤصل ويقعِّد ويبني ويؤسس هذا الدين على الصدق، ولذا فالذي يكذب ليس بمؤمن حقيقةً، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم -والحديث في موطأ الإمام مالك - (أيكون الرجل جباناً، قال: نعم) يعني: قد يجبن في لحظة من اللحظات، وإلا فالخلق الأصيل عند المؤمن الشجاعة في الحق وفي سبيل الله، لكن قد يحصل له في يوم من الأيام أن يكون جباناً (قالوا: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم) يعني: قد يحصل وإلا فصفته الأساسية اللازمة له هي الكرم، ولكن قد ينتابه شيء من البخل في لحظة من اللحظات، وفي ساعة من ساعات الضعف البشري بحكم نقص الإنسان (قالوا: أيكون المؤمن كذاباً، قال: لا. إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) فالذي يفتري الكذب لا يؤمن بالله، وأصل النفاق مبني على الكذب. فالمنافقون الذين أظهروا خلاف ما أبطنوا كذبوا ليسوا بواضحين، بل متلونين، يلبسون لكل زمن ما يناسبه، فهم لبسوا لزمن الإسلام، الذي هو زمن التوحيد وقوة الدين، لبسوا له اللباس من الظاهر فأظهروا الدين، ليحقنوا دماءهم ويحموا أموالهم، ويصونوا أعراضهم، ولكنهم في حقيقتهم الداخلية كفار، ولهذا سمّاهم الله كاذبين، وقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8-10] . فهم كذبوا على الله، وتلونوا بلون ليس بلونهم الطبيعي، فلونهم الداخلي الأصيل هو: الكفر، ولكنهم أظهروا لوناً آخر من أجل أن يخدعوا الناس، فخدعهم الله وكذبهم، ونفى عنهم الإيمان فقال: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] فمثلهم كمثل الحرباء، وتعرفون الحرباء، نسميها عندنا باللسان العامي (الفاشة) ، هذه (الفاشة) : دويبة تأتي في الأرض طولها تقريباً شبر، وهذه تستطيع أن تتلون بلون المكان التي هي فيه، فإذا وجدتها في شجرة والشجرة خضراء تجدها خضراء، فإذا أخذتها بعود أو بيدك ووضعتها في الطين تخرج غبراء مثل الطين، وإذا أخذتها ووضعتها في حجرة سوداء تخرج سوداء مثل الغرفة، وإذا رميتها في طين أصفر تخرج صفراء مثل الطين، فهي تأخذ لون المكان التي هي فيه، لماذا؟ من أجل أن تخدع الإنسان حتى لا يراها. ولهذا ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم أن هذا المنافق وأمثاله من أهل النار، فقال: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنْ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:38-45] يعني: لم يكن لنا اتجاه، ولم يكن لنا مبدأ، ولم يكن لنا دين، وإنما إن جلسنا مع الطيبين ظهرنا طيبين، وإن جلسنا مع العصاة والفجرة أصبحنا عصاة وفجرة، وإن جلسنا مع المغنين أصبحنا مغنين، المهم أنهم يلبسون لكل جوٍ ما يناسبه، وهذا هو الكذب وهذا هو الخداع، وهذا هو الغرور. يقول الله عز وجل: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61] ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أسوأ شيء عنده، كما قالت عائشة رضي الله عنها: [ما كان شيء أسوأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يعلم عن أصحابه أو عن أحد من أصحابه كذباً، وكان لا يرضى حتى يعلم أنه أحدث توبة] فإذا وقع من رجل كذبة نبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يرضى عنه إلا أن يعلم أنه أحدث لله توبة، يعني نقلة من حياة الكذب والدجل إلى حياة الوضوح والصدق؛ لأن هذا هو خلق المؤمن.

حديث في وصف عذاب الكذاب

حديث في وصف عذاب الكذاب جاء في صحيح البخاري من حديث سَمُرة بن جندب رضي الله عنه -والحديث صحيح، حديث الرؤية الطويل- قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة الفجر أقبل علينا بوجهه وقال: من رأى منكم رؤيا البارحة؟ فإن رأى أحد منا شيئاً قصه، فقال صلى الله عليه وسلم يوماً: أما أنا فقد رأيت البارحة) وذكر الحديث الطويل أنه جاءه رجلان فأخذاه وقالا له: انطلق، فانطلق معهما ورأى عدة مشاهد، ومن ضمن هذه المشاهد مشهد يتعلق بالكذب، وهو: (قال: أتاني رجلان، فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة، فإذا رجل جالس ورجل قائم وبيده كلّوب من حديد يدخله في شدقه -الشدق طرف الفم- فيشرشره حتى يبلغ به قفاه - أي: يمزقه- ثم يفعل ذلك بشدقه الآخر) أي: يُغلق الكلّوب ويربطه في طرف شدقه ثم يشرشر فاه حتى يبلغ قفاه، ثم لا ينتهي حتى يعود إلى الآخر فيجده قد صح فيصنع به كما صنع بالأول، ثم إذا انتهى انتقل إلى الآخر: (فقلت ما هذا؟ قالا لي: انطلق فانطلقت معهما) يقول في آخر المشاهد: (قالا له: أما الرجل الذي رأيته يشرشر شدقه بالكلّوب فهو الرجل يكذب الكذبة تبلغ الآفاق) . أي أن هذا الرجل مصنع للكذب، يُورد للأمة الكذب، ويصدره لهم وينشرونه، وتروج الأراجيف والأكاذيب بين الناس، وأصلها من هذا الرجل، فهذا عذابه في النار، أعاذنا الله وإياكم من النار.

علاقة الكذب بالنفاق والخيانة والفجور

علاقة الكذب بالنفاق والخيانة والفجور يقول إسماعيل بن واسط سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يخطب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام أول -يعني: قبل عام- ثم بكى فقال: إياكم والكذب فإنه مع الفجور، وهما في النار) هذا الحديث أخرجه الإمام ابن ماجة والنسائي في اليوم والليلة وسنده حسن، وقال الحسن: [كان يقال: إن من النفاق اختلاف السر والعلانية، واختلاف القول والعمل، واختلاف المدخل والمخرج، وأن الأصل الذي بني عليه النفاق هو الكذب] وقال عليه الصلاة والسلام: (كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له به كاذب) يقول: أعظم خيانة أن يعيرك شخص سمعه، ويشغل نفسه، ويُظهر لك اهتمامه، وأنت تصنف عليه كذباً، هو لك به مصدق وأنت تعلم أنك تكذب عليه، هذا أعظم خيانة له. والحديث أخرجه الإمام البخاري في الصحيح، وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود، وكبرت خيانة: أي أعظم خيانة للمسلمين، أن تأتي إلى رجل وتخبره بخبر فيصغي لك وأنت تعلم أنك له كاذب، وهو يصدقك في ذلك، هذه عظيمة جداً؛ لأنه لو علم أنك كذَّاب هل سيستمع إليك؟ فلو قلت له: دعني أقول لك كلاماً كذباً؛ لقال لك: شكراً لا نريد الكذب، لا أحتاج أن تخبرني بالكذب. فهذه خيانة له أن تضيع وقته، وتسترعي انتباهه، وتشد نفسه، ثم تعطيه كلاماًَ لا أساس له في الواقع؛ لأنه سيبني على هذا الكلام أحكاماً وتصرفات، وربما ينقل هذا الكلام للآخرين، بينما كان الأساس منك أنت أيها الإنسان الذي خنته وأخبرته بغير الواقع. قال ابن مسعود رضي الله عنه -والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم - قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا) فالصدق بر يوصلك إلى البر، والبر طريق إلى الجنة، والرجل يصدق باستمرار ويتحرى الصدق، يعني: لديه حيطة وحذر، فلا يستطيع أن يقول شيئاً غير الصدق، وما دام على هذا الوضع، لا يزال يصدق ويتحرى الصدق فإن الله يكتبه صديقا، وإذا كتبه الله صديقاً أفلح ونجح، لأن الله يقول: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء:69] . فمنزلة الصديقين بين النبيين والشهداء، أي أنها منزلة أرفع من منزلة الشهداء وتحت النبيين، فالصديقية منزلة بين النبوة وبين الشهادة: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69] . (وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب -أي: يبحث عن الكذب ويفتش عنه، وعن الذي يضحك الناس، وما الذي ينقل للناس، وماذا يقول للناس، ولو كان كذباً، فتجده يتحراه يعني يتوقعه ويبحث عنه- حتى يُكتب عند الله كذابا) فإذا كتبه الله كذَّاباً فقد خسر وهلك، والعياذ بالله، والحديث كما ذكرنا في الصحيحين.

خطورة الكذب في البيع والشراء

خطورة الكذب في البيع والشراء يبين النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من الناس ممن امتهنوا مهنة يغلب عليهم في مزاولتها الكذب، فكانوا بسبب الكذب فجاراً، قال عليه الصلاة والسلام: (التجار هم الفجار) أي: التجار الذين يمارسون عمليات البيع والشراء هم الفجار، وهي هنا على التغليب ليس على الإجمال أو الكلية، لأن هناك من التجار من يخاف الله ويؤمن به، ولكن الغالب دائماً أن يكون التاجر عنده نوع من الفجور: (قيل له: يا رسول الله! أليس الله قد أحل لهم البيع؟ قال: نعم. ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون) وهذا واقع عند الناس، فقليل من التجار من يصدق في تجارته، قليل جداً، فإذا قلت له: ما نوع هذه السلعة؟ يقول إنها سلعة أصلية، وهو يعرف أنها ليست بأصلية، فتجده يقول: هذه ممتازة جداً أو أصلية؛ لأنه لو قال لك: لا أدري، لدخل في نفسك شك، وهذا كذب، فيقول: لا أدري، وهو يدري أنها تقليد، لأنه لو قال لك: تقليد، لتركته وذهبت لآخر غيره، فهو من أجل أن ينفق سلعته يخدعك بقوله: أصلي ليس هناك أحسن منها مجربة وعلى مسئوليتي وعهدتي الناس لا يأخذون إلا منها، وهذا أحسن ما في السوق؛ من أجل أن ينفق سلعته. (التجار هم الفجار، قيل: يا رسول الله! أليس الله قد أباح لهم البيع؟ قال: نعم، ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون) فيقعون في جريمتين: الحلف الذي ينفق السلعة -لأنه إذا حلف للإنسان اقتنع- والكذب الذي يجعل الناس يقتنعون بصحة معلومات مقدمة لهم عن هذه السلعة، والحديث رواه الإمام أحمد، وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد، ورواه أيضاً الإمام البيهقي، والحديث صحيح. فالذي لديه تجارة عليه أن يراجع نفسه في كيفية معاملته للناس، حتى لا يكون من أهل هذه الطائفة، ليس هناك داعٍ للكذب، حتى لو كنت تاجرَ خُضْرةٍ، أو أي نوع آخر من أنواع التجارة، بل يجب عليك أن تكون دائماً صادقاً. إلا من صدق وبيّن، فالصادق في الكلام والمبيّن للعيب إن كان في السلعة عيب يقول: السلعة هذه بخمسة وثلاثين ريالاً -أصلي أم لا؟ - يقول: ماركتها تايوان، وهذه ماركتها ليست (ياباني) ولا (إنجليزي) ولا (أمريكي) ونوعها كذا. فإذا سألته: هل في السوق أحسن منها؟ قال: نعم. في السوق أفضل منها، لكن لكل شيء ثمن، هذه بخمسة وثلاثين ريالاً، لكن التي في السوق تجدها بستين أو بسبعين ريالاً، فالصادق يعطي الحقيقة ولا يكذب، فإن الكذب وإن أنفق السلعة إلا أنه يمحق البركة.

عقوبة من أنفق سلعته بالحلف الكاذب

عقوبة من أنفق سلعته بالحلف الكاذب إذا طُلِبَتْ منك اليمين وأنت تبيع فلا تحلف نهائياً، لا تحلف على البيع والشراء، لا تحلف بأي حال من الأحوال لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد من حلف على السلعة بوعيد شديد فقال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم -من هم الثلاثة؟ - المنان -أي: الذي إذا أعطى شيئاً ثم جلس بعد ذلك يمن به- والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمسبل إزاره) وهذا الحديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه، والمسبل إزاره هو: الذي يرخي الثوب أو يرخي (البشت) أو (البنطلون) أو أي شيء من الملابس التي يلبسها أسفل من الكعب، فهذا لا يجوز، حرام في دين الله، وصاحبه متوعد بأن الله عز وجل لا ينظر إليه يوم القيامة، فمن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، وما أسفل من الكعب من الإزار ففي النار. فإذا فَصَّلْتَ ثوبك قل للمفصِّلِ: اجعله من فوق الكعب؛ لأن أزرة المسلم إلى نصف الساق، فإن أرخى فإلى الكعب، وما تحت الكعب ففي النار، لا تستطيع يا أخي أن تتحمل أن يوقد عليك نار بمقدار ملابسك التي تحت كعبك، ولكن ارفع الثوب فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك تبارك وتعالى.

ثلاثة يبغضهم الله: منهم التاجر الحلاف

ثلاثة يبغضهم الله: منهم التاجر الحلاف قال أبو ذر رضي الله عنه -والحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الإمام أحمد والنسائي -: (ثلاثة يحبهم الله: رجل كان في فئة -أي في معركة وفي ناحية وفي ثغر من ثغور المسلمين- فنصب نحره دونهم حتى قتل، ورجل كان له جار سوء يؤذيه فصبر على أذاه، حتى فرق الله بينهما بالموت أو بالظعن -إما أنه رحل أو مات، فهذا يحبه الله- ورجل كان معه قوم في سفر أو في سرية، فأطال السرى -في الليل- حتى أعيوا -أي تعبوا- ثم أعجبهم مكانٌ فأمسوا فيه، فخشي هو أن تفوتهم صلاة الفجر فتنحى عنهم وقام يصلي في الليل حتى أيقظهم لصلاة الفجر) فهذا رجل عظيم جداً، هذا يحبه الله تبارك وتعالى؛ لأنه حرص على نفسه وعلى إخوانه في هذه الليلة. (وثلاثة يكرههم الله ويبغضهم ويشنؤهم -الأول- التاجر الحلاف) هذا التاجر الحلاّف يكرهه الله ويبغضه ولو كان صادقاً، فإنه إذا حلف مرة وصدق فيها، فإنه يحلف تسعة وتسعين مرة ويكذب فيها، فلا تحلف على سلعة لا صدقاً ولا كذباً، فإذا قال لك شخص: بكم هذا؟ قل: بكذا. فإذا قال لك: والله؟! فقل: لماذا تحلفني يا أخي، أنا ما أخذتك غصباً، أنا أخذتك بأنفك من السوق، فإذا شئت فاشتر وإلا فاترك، لا تحلف لي ولا أحلف لك، هذا هو سعري. وبعد ذلك الذي يفرض على الناس أن يأتوك ليس هي الدعاية ولا اليمين، بل تقواك لله أولاً، ثانياً: تعاونك معهم في سعر السلعة، فإذا جعلت مثلاً سعراً للسلعة بثلاثين ريالاً وأنت تعرف أنها في السوق كله بخمسة وثلاثين، ثق تماماً أن الناس سوف يشترون منك، لأن الناس يريدون الرخيص مهما كان. لكن كونك تحلف بالله وتقول: والله إنها بأربعين ريالاً، والله إنها بأربعين ريالاً من بطن جدة، وأنه ليس معنا إلا التعب أخذناها من هناك وجئنا به إلى هنا هل سيصدقك؟ لا. لأنه سيقول: لماذا إذاً تبيع وتشتري؟! أين أجرتك؟! وأين إيجار الدكان؟! وأين إيجار الصبي؟! وأين المكسب؟! وأين مصاريف البيت؟! هي في الحقيقة بعشرين وذاك باعها بثلاثين فربح عشرة، لكن بيمينك ربحت عشرين ريالاً، لكنك أنفقت سعلة ومحقت بركة، فتأخذ أربعين وتخرج من ظهرك أربعمائة في أمر آخر، لماذا؟ لأنك حلفت بالله فاجراً. هذه الأولى: (ثلاثة يبغضهم الله: التاجر الحلاف، والفقير المختال) أي: هو فقير ويتكبر، ليس لديه شيء وهو متعالٍ، سبحان الله! يا أخي تواضع؛ لأن الكبرياء ليست طيبة لا للغني ولا للفقير، ولكنها في حق الفقير أعظم جرماً، بعض الناس اليوم لا يوجد لديه ما يتعشى به، لكنه يلبس أحسن لباس، ويركب أحسن (موديل) بالدين، ويفرش البيت بالدين، ويفعل كل شيء بالدين، وبعد ذلك يصبح مسكيناً مهموماً، هذا فقير مختال متكبر، وإذا جاء شخص وأعطاه من رزق الله بدون شيء، قال: لا. أنحن فقراء؟! وهو رزق يسوقه الله إليه فيرده، وهذا من الكبرياء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ساق الله له رزقاً فليقبله) إذا ساقه الله لك من غير إشراف نفس ولا سؤال، يعني: أنك لم تسأل الناس ولا استشرفت نفسك هذا المال، وإنما الله عز وجل قذف في القلوب رحمة بك، فجعلها تعطف عليك وأعطاك فلا تتكبر، فتقول: لا. لا نأخذها، فإذا تكبرت يصرف الله الرزق عنك، ولا تجد بعد ذلك من يرحمك، وإنما إذا ساق الله لك رزقاً فقل: جزاك الله خيراً، وادعُ له وتواضع، ومد رجليك على قدر فراشك، فإذا كان فراشك قصيراً فلا تمد رجليك حتى تضع رجليك في البرد، بل مدها وتكفف على قدرها، فافرش بيتك بمقدار راتبك، وغير سيارتك بمقدار دخلك، أما أن تأخذ بالدين، لكي يقال: كُلْ ما يعجبك والْبَسْ ما يعجب الناس! حسناً أجبت الناس في هذا الكلام، لكن من الذي سيقضي عنك الدين؟ من الذي سيكفيك قضاء الدين؟ فالناس سيقولون: ما هذه السيارة، الله أكبر! ويقولون: ما هذا البيت! لكن هل تنفعك هذه الكلمات في قضاء الدين؟ هل تستطيع أن تجمع كل هذه الكلمات في ورقة ثم تذهب بها لصاحب السيارات وتقول له: والله يا أخي اشتريت منك سيارة بستين ألفاً والناس أثنوا علي وقالوا والله هذه سيارة جميلة، فأريد منك أن تخصم لي عشرة آلاف، هل يقبل بذلك؟ لا. سيقول: هات المال، أثنوا عليك أو ذموك. فلا ينفعك يا أخي! ولا يكون في السوق إلا الصدق، أما الكذب والدجل والمفاخرة والمكابرة، هذه ليست للمسلمين، فالفقير المختال يكرهه الله. والمنفوخ ليس له وزن ولا حقيقة، ولذلك فإنه يتلاشى بأقل دقة إبرة، وكذلك المتكبر الذي ليس لديه شيء. والثالث: قال: (والمنّان) ، نعوذ بالله من المنّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة:264] فلا تمنّ على أحد، وإذا عملت جميلاً في إنسان يوماً من الأيام فانسه، فلا تقل له كلما لقيته: هل تذكر يوم أن ذهبت معك إلى المدير ويوم أن أوجدت لك وظيفة! ويوم أن أعطيتك مالاً! أو صدقة أو ديناً؟!! أو تقول له: كيف السيارة التي أعطيناك ثمنها إن شاء الله تكون جيدة نعم. لا تنسَ أني أنا الذي أقرضتك ذاك اليوم؟! اعلم أن المنّ يكسر خاطر المسلم، ويجعله ضعيفاً وفي موطن احتقار، فلا تفسد قلب أخيك المسلم، ولا تكسره بهذا، فإن المنّ يبطل أجر الصدقة أو القرض. يقولون: كان هناك رجل يعيش في البادية، ورجل آخر يعيش في المدينة -في الحاضرة- فقام الحضري وذهب وزار البدوي في قريته، فذبح له البدوي تيساً سميناً جميلاً فحنذه وطبخه، فأكل الحضري فلما انتهى وسر منه رجع إلى مدينته، وبعد يومين أو ثلاثة جاء البدوي، بحكم المدينة فإن البدوي يأتيها كل يوم، ولكنّ الحضري لا يذهب إلى القرية إلا مرة في السنة، أو في السنين كلها، فأهل البادية يترددون على المدن والقرى والحواضر يومياً؛ لأن مصالحهم ومراجعاتهم وبيعهم وشراءهم هناك، فنزل هذا البدوي عند صاحبه الحضري، فقام الحضري وذبح له خروفاً وليس تيساً، يقول: أكرمنا نكرمه، فلما شبعوا وانتهوا، قال البدوي: يا فلان قال: نعم. قال: تذكر ذاك التيس والله ما ذقت أفضل منه ولا أطرى من لحمه! وأنا وحدي وذبحت لي خروفاً بتيس، وقال: جزاك الله خيراً، فتغدى وذهب. وبعد أسبوع جاء فذبح له الحضري خروفاً، فلما انتهى قال: أبداً أبداً أنا ما قد ذقت مثل ذاك التيس أبداً، كم قد أكلت من الخرفان والتيوس ولكن ذاك التيس له طعم خاص، فقال الحضري: (الله يقلعك ويقلع تيسك) هذا الذي لم يكفه خروفان. فجاء للمرة الثالثة فذبح له خروفاً ثالثاً، فلما انتهى قال: أما أنا فمن يوم أن خلقت لم أذق مثل ذاك التيس إلا مرة واحدة، فقال الحضري: والله ما تجاوزت هذا الباب بعد هذا، ثلاثة خرفان لم تعدل تيسك! أي نعم. فلا ينبغي للمسلم أن يكون منّاناً على أخيه المسلم، بأي جميل يعمله.

أحاديث وآثار في الكذب

أحاديث وآثار في الكذب روى الحاكم وأبو داود (أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى امرأة تدعو ولدها تقول له: هاك أعطك، وفي يدها شيء، فلما جاء أعطته، قال: ما أعطيته؟ قالت: أعطيته تمرة، قال: أما إنك لو لم تعطه لحسبت عليك كذبة) فهذه تبيّن لك أن القضية ليست بسهلة، لماذا؟ أولاً: لأنها كذبت على الولد، ثانياً: لأنها ربته على الكذب، فهناك من الناس من يكون جالساً ويريد أن يأتيه الولد، وليس هناك من يقوم فيمسكه، فيقول: هاك خذ حلاوة! خذ حلاوة يا ولد! فإذا أتى الولد أمسكه، فيتلفت الولد فلا يجد الحلاوة، فمباشرة يكره هذا الشخص ويعرف أنه كذّاب، ولم يعد يصدقه بعد ذلك ويصبح كذّاباً مثله، لأنه طبعه على الكذب. فإذا قلت لطفل تعال أعطك فأعطه، وإن لم تفعل كُتبت عليك كذبة. وروى الإمام مسلم في صحيحه في باب أخلاق النبوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أفاء الله علينا نعماً عدد هذا الحصى -يقول للصحابة وهم في موقف من الضعف والذل والفقر وليس عنده شيء، لكنه يَعِد ويصدق صلوات الله وسلامه عليه- لو أفاء الله علينا نعماً -يعني الإبل، فقد كانت أعظم ما يمتلكه العرب- عدد هذا الحصى -الذي أمامكم- لقسمتها بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذّاباً ولا جباناً) يقول صلوات الله وسلامه عليه: (لا تجدوني بخيلاً ولا كذّاباً ولا جباناً) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله. وقال عليه الصلاة والسلام: وكان متكئاً -والحديث في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه-: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ثم كان متكئاً فجلس وقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور، حتى قلنا: ليته سكت) ويدخل في شهادة الزور الكذب، فإن شهادة الزور أصلها الكذب، فهذا الحديث يخص شهادة الزور، لكنه يُدخل ويعم أيضاً الكذب، فالكذب من أكبر الكبائر وأعظم العظائم، والعياذ بالله. وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليكذب الكذبة فيتباعد الملك من فيه مسيرة ميل من نتن رائحة فمه) يعني: تحدث هذه الكذبة أثراً مادياً تشمه الملائكة، وهو رائحة نتنة قذرة لا يشمها إلا هم، فيتباعد الملك الموكل بكتابة عمله على مسافة ميل، حتى لا يشم رائحة نتنة والعياذ بالله، وهذا الحديث رواه الترمذي وقال: حديث حسن. ثم يخبر عليه الصلاة والسلام ويقول: (من حلف على يمين بإثم ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان) والحديث في الصحيحين، وبقية الحديث: (قالوا وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك) أي: وإن كان مسواكاً ثمنه ريال واحد، فإذا حلفت عليه واقتطعته بغير حق فإنما تقتطع قطعة من النار، ويلقى العبد ربه وهو عليه غضبان، والسبب أنه حلف كاذباً والعياذ بالله. وعن علي رضي الله عنه قال: [أعظم الخطايا عند الله: اللسان الكذوب، وشر الندامة وأعظمها ندامة: ندامة يوم القيامة] وعن عمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس الراشد يقول: [والله ما كذبت كذبة منذ شددت علي إزاري] أي: منذ أصبحت رجلاً أحزم نفسي والله ما كذبت كذبة. قال له الوليد بن عبد الملك يوماً من الأيام وهو يناقشه: كذبت، فقال عمر: [والله ما كذبت كذبة منذ علمت أن الكذب يشين بصاحبه] . وقال أحد خلفاء بني أمية لـ ابن شهاب الزهري وكان يحدث بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل أهل البيت، فقال له هذا الرجل الوالي: كذبت، فقال: [بل كذبت أنت وأبوك وجدك، والله لو كان الكذب مباحاً من السماء ما كذبت] يقول: والله لو أن الله أباح الكذب -وهذا محال، لكن يعلق يمينه على المحال- ما كذبت، وتقول لي أنا: كذبت، فردها عليه وعلى أبيه وعلى جده، ليس عنده لعب! عندها سجنه، لأنه أمير حاكم، لكنه قد أهانه إلى يوم القيامة، فالكذب سيء ولا يمكن لمسلم أن يرضاه. يقول ابن السماك وهو من علماء السلف: [ما أراني أؤجر على ترك الكذب، قيل: ولم؟ قال لأنني أدعه أنفة] يقول: أتركه ترفعاً، ولذلك لا أظن أن لي أجراً عليه، لأني أدعه تأنفاً، ولا يمكن أن أسير فيه مهما كان، وهذا من بالغ درجات نفوسهم الأبية. ويقول مالك بن دينار: [قرأت في بعض الكتب أنه ما من خطيب إلا وتعرض خطبته] أي: كلامه الذي يقوله على الناس يعرض على عمله، يعني: يقارن ويوازن ويواجه بين الكلام الذي يقول وبين العمل الذي يعمل في الغيبة، وهذه عهدة ومسئولية كبيرة جداً؛ لأن الله ينظر إلى قلب المتكلم والناس ينظرون إلى لسانه، فالناس يرصدون لسانه وحركته وكلامه وأدلته ونصوصه، ولكن الله ينظر إلى قلبه، فإذا رأى اختلافاً بين كلامه وبين قلبه مقته الله عز وجل، وهذا الكلام الذي يقوله الإنسان الداعي أو الواعظ أو الخطيب أو العالم، يؤخذ ويواجه ويقارن بأعماله، فإن كان صادقاً فيما يقول قيل له: صدقت، وإن كان كاذباً قرضت شفتاه بمقاريض من نار، كلما قرضت نبتت، وكان يقول مالك بن دينار: [الكذب والصدق يعتركان في القلب] يعني: أن هناك معركة بينهما، بين الصدق والكذب، فواحد يريد أن يصدق والثاني يريد أن يكذب، يقول: [حتى يُخرج أحدهما الآخر] فلا يمكن أن يجتمع في قلبك الصدق والكذب معاً، لابد أن يخرج أحدهما، فإذا صار قلبك إناءً للصدق خرج الكذب، وإذا صار قلبك إناءً للكذب خرج الصدق.

مقياس الرجولة في قصة ابن مسعود

مقياس الرجولة في قصة ابن مسعود هذه بعض الآثار التي وردت عن السلف رضي الله عنهم في الكذب، فالكذب -أيها الإخوة- ليس من خلق المسلم، لأنك إذا أردت أن تزنَ رجلاً لتقيمه فإنما تزنه بما فيه من قيم وموازين الرجولة، فالرجال لا يقاسون بطولهم ولا بعرضهم ولا بلونهم ولا بجمالهم، فإن الطول والعرض للإبل، والجمال والوسامة والبياض للنساء، فلا يقاس الرجال بالبياض والوسامة، لا. هذا ليس من شأن الرجال. وإنما يقاس الرجل بأخلاقياته، ولو كان نحيفاً كالخلال ولكن فيه معالم الرجولة، أما إذا كان سميناً جميلاً بديناً طويلاً عريضاً لكنه كذّاب، فإنك لا تثق به، هل يغني طوله وعرضه وجماله وبياضه عن كذبه، فتثق به لأنه جميل أو طويل أو سمين؟ لا. أو كان جباناً أو بخيلاً أو منافقاً أو زانياً، لا. لا ينفع كل هذا، لكن إذا جاءك شخص وهو كالخلال أو ذميم الخلقة أو قصير القامة لكنه صادق، فإنه يرتفع، وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم. كان ابن مسعود رضي الله عنه دقيق الساقين، كان إذا وقف عند الجالسين فكأن الجالسين جنبه، يعني: يأتي رأسه عند رأس الجالسين من قصر قامته، لكنه ممتلئ من رأسه إلى قدمه إيماناً، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم (إيه يـ ابن مسعود لقد مُلئ إيماناً من مشاش رأسه إلى أخمص قدمه) ذات مرة كان الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فصعد ابن مسعود رضي الله عنه إلى الشجرة فرأى الصحابة ساقية حينما كشفت الريح عن إزاره، فكانتا دقيقتين كأنها مسواكين، فتبسم بعض الصحابة، أي: تعجب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من دقة ساقي ابن مسعود، والذي نفسي بيده لهما في الميزان عند الله أثقل من جبل أحد) نعم. لأن الرجل مملوء بالإيمان. يقول رضي الله عنه: [أخذت القرآن من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما من آية فيه إلا وأنا أعرف أين نزلت ومتى نزلت وفي الليل أو في النهار، وفي الصيف أو في الشتاء، وفي مكة أو في المدينة، وفي السفر أو في الحضر، وفي الحرب أو في السلم، ووالله لو كنت أعلم أنه يوجد في الأرض رجل أعلم مني بكتاب الله لضربت إليه آبط الإبل حتى ألحق به] فهو مهتم بكلام الله، هذا الرجل العظيم ساقاه دقيقتان، لكن قد يكون هناك من كفار قريش من ساقه ضخمة، مثل ساق أبي جهل، أبو جهل رأسه مثل رأس البعير، كبير، كانت عمامته فقط اثني عشر متراً، وكان يوم بدر قد لبس عمامة حمراء، وهي عمامة الموت، والتي كانت إذا لبسها العربي يُعرف أنه فدائي، يعني: أنه لا يريد أن يرجع ذاك اليوم، وكان يهدر كالجمل وهو يصف الجيوش لمقابلة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن شرب الخمر وغنت النساء على رأسه، وقال لهم الشيطان: لا غالب لك اليوم من الناس وإني جار لكم. وبعد ذلك لما قتله معاذ ومعوذ وهما صغيران من أبناء الأنصار ابتدراه بضربتين، فمر ابن مسعود هذا الصغير بين القتلى وإذا بالرجل يتشحط في دمه ويلفظ أنفاسه، فرآها ابن مسعود فرصة أن يحز رأسه، فصعد على صدره، وأخرج سيفه وأمسك بلحيته واحتز رقبته، فماذا كان يقول الخبيث؟ يقول: يا بن مسعود لقد وطأت موطأً صعباً -أي: ارتقيت على مكان لا يرتقي عليه أحد- ولكن إذا قطعت رأسي فأطل عنقي فإن الرأس يعرف بالعنق، أي يقول: إذا ذبحتني فأطل عنقي، انظر إلى الكبرياء حتى عند الموت! فجز ابن مسعود رأسه. ثم بعد ذلك جاء يجرجر رأسه؛ لأن رأسه كبير مثل رأس الثور، والرجل صغير لا يستطيع أن يحمله، فما كان إلا أن أخرج سيفه وخرم أخراماً في أذنه، وربطه بحبل وبدأ يسحب هذا الرأس، وكان ابن مسعود لما أسلم في مكة، وكان هذلياً، أي من هذيل وهي قبيلة في الطائف، ولكنه كان يرعى لأهل مكة، ودائماً الغريب أو الراعي محتقر، فمر عليه أبو جهل عليه لعائن الله ذات يوم وقد سمع أنه أسلم، فقال: أصبأت يا رويع الغنم؟ قال: نعم. يقول: فجاء وجذبني وأخذني بأذني وألصقني إلى الجدار، ثم أخرج مسماراً من جيبه، ودق المسمار في أذني إلى الجدار، فجلست معلقاً من أذني بالمسمار. يقول: حتى مر الصبيان والدم يسيل من أذني إلى الأرض ولا يستطيع أحد أن يفكني، ولم يفكه إلا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، يقول: فلما جئت بالرأس والرسول صلى الله عليه وسلم جالس في العريش وقد انتهت المعركة، تذكر النبي صلى الله عليه وسلم أذن ابن مسعود التي خُرمت في مكة ورأى أذناً هنا مخرومة، فقال: (الأذن بالأذن والرأس زيادة) يعني: أذن بأذن لكن معك مكسب فقد أتيت بالرأس، أي نعم. فقضية قياسك للرجال لا تبنها على أشكالهم وألوانهم وإنما على أخلاقياتهم وصفاتهم وكرامتهم وشهامتهم، وما الذي يجعل للإنسان منزلة ومكانة في قلوب الناس إلا الصدق! فإنه إذا نُقِلَ كلام عن فلان من الناس، وقد عرف أن فلاناً هذا كذَّاب، فبمجرد أن يقولوا: من الذي قال هذا، فيقولون: فلان، فيقول الناس: اتركه هذا كذاب، أي: كلهم مجمعون على أنه كذاب. وهذا إلغاء له، إلغاء لوجوده، فلا قيمة له لا وزن، ووالله إن بطن الأرض خير له من ظهرها، لأن مثله كمثل الكلب أو الخنزير الذي يُحكَى عنه، فلو أن شخصاً جاءك في مجلس من المجالس وقال لك: هل سمعت كذا؟ فيقول لك من الذي أخبرك؟ فتقول له: ذاك الكلب الذي عند الباب، هل سيصدقك؟ لا. لأن الكلب لا يتكلم أصلاً، حتى لا يُقبل كلامه. كذلك هذا الكذاب إذا أخبرت عنه خبراً، يعني: قيمته وقيمة الكلب أو الخنزير سواء. لكن إذا نقل كلام وقيل: من قال هذا الكلام، فقالوا: فلان، عندها يقال: يا سلام، انتهى الأمر! مصدر وثيق، رجل ثقة لا ينقل إلا الصدق، ولا يتكلم إلا بصدق، وهو محط ثقة قلوب الناس، هذه هي قيمة الإنسان. وبعض الناس يقولون: اكذب تنج، والحقيقة أن الصدق هو المنجي؛ لأنك وإن نجوت بالكذبة في الدنيا، فإنك لا تنجو بها في الآخرة، وقد لا تعاقب في الدنيا على الكذبة ولكنك ستعاقب عليها يوم القيامة، ولكن اصدق تنجُ.

الكذب ندامة في الدنيا والآخرة

الكذب ندامة في الدنيا والآخرة ينبغي للمسلم أن تكون نظرته دائماً أبعد من هذه الحياة، فلا يكون محدود النظرة، لا ينظر إلا إلى قدمه وإلى مصلحته، وإلى وظيفته وإلى راتبه، بل انظر إلى ما بعد هذه الحياة، واعمل لما بعد هذه الحياة، حتى تكون ممن ينجو يوم القيامة. لأن من الموظفين من يكذب على مديره مثلاً، فقد يأتي شخص إلى المدير يريد أن يستأذن من الدوام ثم يستحي أو يخجل، فيهرب من الدوام، ثم يذهب ليراجع في إدارة، أو يذهب إلى السوق ليشتري بعض الأشياء، فيبحث عنه مديره: أين فلان، فيقال: لا ندري. وأخيراً بعد ساعة يرجع، فيقال له: أين أنت يا أخي؟ فيقول: أنا كنت في الأرشيف في مكتبي. حسناً كان في الأرشيف، فيأخذها المدير ويسكت، ويذهب المدير في الليل ليسمر مع زملاء له، فيدور حديث عارض من غير قصد، وإذا بشخص من الجالسين رأى هذا الموظف في الصباح وهو يراجع في البلدية، في نفس تلك الساعة، فيقول للمدير: فلان يشتغل عندكم؟ فيقول: نعم. فيقول: والله اليوم جاءنا في البلدية كان لديه معاملة، وطلب منا أن نساعده، فيقول المدير: أتاكم اليوم، فيقول: نعم. فيقول: متى؟ فيقول: الساعة التاسعة والنصف، فيقول المدير: عجيب والله، خير إن شاء الله. فيأتي المدير في اليوم الثاني ويطلب هذا الموظف فيقول: يا أخي أين كنت بالأمس عندما بحثنا عنك؟ فيقول: قلت لك: إني في الأرشيف، فيقول له: أكيد؟ فيقول: والله الذي لا إله إلا هو -لأن من كذب حلف فيكذب ولا يهمه لأنه يريد أن يبرر موقفه، يريد أن يظهر الصدق ونسي الجريمة وعظمها عند الله عز وجل- فيقول له المدير: (يا ابن الحلال عدِّل بدِّل) ربما كنت في مكان آخر، فيقول: يعني أكذب عليك أنا، فيقول المدير: والبلدية التي كنت تراجع فيها بالأمس! فيقول: الله من الذي قال لك؟! -انتهى الأمر لم يعد يستطيع أن يكذب- الله أكبر على الناس! الكذب ليس بحسن يا مدير، والله أنا استحيت أن أستأذن منك فاسترقت وعدت، فيقول المدير: استحيت مني تخدعني وتكذب عليَّ! تحلف بالله فاجراً! تظنني مغفلاً! لماذا لم تكن شجاعاً؟ لماذا لم تكن مؤدباًَ؟ لماذا لم تكن صادقاً؟ ليس هناك مانع من خروجك، ولكن خروجك بدون إذن خطأ، لأنك تأخذ وقتاً يحرم عليك أن تقضيه في أغراضك الشخصية إلا بإذن مني وأنا صاحب الصلاحية، لمَ لم تستأذن مني؟ إذاً ذهابك هذا حرام، لكن عندما وقعت في الحرام وخرجت وأتيت وكذبت وهو حرام، ولما تأكدت منك حلفت عليَّ حراماً. كم صارت الجرائم إذاً؟ ثلاث، وكان بإمكان هذا الموظف أن يجعلها لا شيء، لكن من لم يراقب الله عز وجل يندم في الدنيا والآخرة.

صورة شائعة من صور الكذب

صورة شائعة من صور الكذب لا تكذب يا أخي المسلم! بل كن صادقاً في كل شيء، بعض الناس يكذب خوفاً وحياءً من الناس، يأتيك شخص يطرق عليك الباب وأنت في البيت، ولا تريد أن تخرج، فتقول للمرأة أو للولد: قولوا له: ليس موجوداً. والولد والمرأة تجاه هذه التعليمات يشعرون بمعارضة، كيف نقول: غير موجود، وهو يكلمنا؟ حتى أن بعض الأبناء الأبرياء يأتي عند الباب فيقول: قال أبي: إنه غير موجود، فيكشفه ابنه أولاً. ثانياً: هذا الرجل يعرف أنك دخلت، وأتاك في تلك اللحظة ورصدك وأنت تدخل البيت، وسيارتك أكبر شاهد على أنك في الداخل، وقد تأتي لحظة من اللحظات فيحدث لك طارئ من الطوارئ اقتضى منك أن تخرج، مرضت زوجتك، أو احترق ولدك، أو سقط شيء في البيت، وإذا بك تخرج فتجد الرجل عند الباب ينتظرك، ماذا ستقول له عندها؟ تقول: آسف والله لم يدرِ الولد بي! اطلب من الولد أن يقول: أبي موجود ولكنه يعتذر؛ لأنه غير مستعد لاستقبالك، لماذا؟ لأنك لا يمكن أن تفتح لكل من دق بابك إلا بموعد، أما الذي وعدته فإنك تفتح له غصباً عنك وإلا صرت منافقاً، أما أن يأتيك شخص بعد العشاء ويدق عليك الباب، فإن كنت مستأنساً به فحياه الله، وإن كنت غير مستأنس به فقل: أعتذر والله يا أخي، أنا نائم. لأن الله عز وجل قد قال في القرآن: {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:58] فهذه الثلاث الأوقات لا يستطيع أحد أن يدق عليك بابك فيها، ولا تفتح له إلا بإذنك وأنت مرتاح. نفرض أن شخصاً يريد أن يتكلم معك، فجاءك قبل الساعة الرابعة والنصف، أي: قبل الفجر، ودق الباب، ماذا بك؟ قال: والله أريد أن أتكلم معك، ستقول: (الله أكبر عليك!) ما أتيت إلا في هذا الوقت، أو أتاك بعد الظهر بعدما دخلت وتغديت ووضعت ثيابك وأردت القيلولة، وإذا به يدق الباب، ماذا بك؟ قال: والله أريد أن أسألك سؤالاً، حسناً ما جئت إلا في هذا الوقت لماذا لا تأتي بعد العصر، أو تنتظرني في المسجد؟ لماذا تختار هذا الوقت غير المناسب وتأتي فيه، ولا يجوز لك أن تؤذي المسلمين؟! فأنت بدلاً من أن تكذب على هذا الرجل فتسخط الله أولاً، وتعلِّم ولدك الكذب ثانياً، وتسقط من عين الرجل ثالثاً؛ لأنه علم أنك موجود، فيأخذ عنك فكرة سيئة، وصورة هزيلة أنك رجل دجال، ارتكب واحدة فقط، ما هي؟ أنك إذا استحيت من الرجل تأمر أولادك أن يقولوا له: إنه موجود لكنه يعتذر عن مقابلتك، أو دخل في غرفة نومه ولم يعد يستطيع أن يقابل أحداً، ولا تقل: نائماً، بعضهم يقول: إنه نائم، رقد الساعة السابعة والنصف أو الثامنة. لا. هذا ليس معقولاً، ولكن ائتِ بعذر صحيح فإن قبله فالحمد لله، وإن لم يقبله فليضرب برأسه في الحائط، لا توجد سوى هذه. أما أن تكذب على الله من أجل أن ترضيه، تسخط الله من أجل أن ترضيه، لا. فأنت بين خيارين: إما أن ترضيه أو ترضي الله عز وجل، لا والله أرضي ربي، لأن الحياة والرزق والموت والإعطاء والنفع بيد الله تبارك وتعالى.

قصة غلام صادق

قصة غلام صادق أقص عليكم قصة من الواقع، وليست من نسج الخيال، هذه القصة هي أن امرأة كان لها ولد، أرسلته في طلب العلم إلى قرية بعيدة عن قريتها، وأوصت به القافلة التي ذهب معها خيراً، ولما ودعته ربطت في جيبه مائة وخمسين ريالاً، وقبلته في وجهه وقالت له: يا بني! أوصيك بتقوى الله والصدق، فحفظ الولد الوصية ومشى في الطريق، وبينما هم في الطريق اعتدى عليهم بعض اللصوص وقطاع الطريق، فربطوا الرجال وأخذوا الأموال، ثم أتوا يفتشونهم واحداً واحداً، حتى مروا على هذا الولد، فلما أتوا يفتشونه قال لهم زعيمهم: دعوه لا تفتشوه، ليس معه شيء -يعني: أنه ولد ليس معه شيء- فقال الولد: لا. بل معي مائة وخمسون درهماً، فقال زعيمهم فتشوه، ففتشوا وإذا بمائة وخمسين درهماً. فاسترعى انتباههم هذا الموقف، وقالوا له: نحن قلنا: ليس معك شيء، لماذا تقول: أنا عندي مائة وخمسون درهماً؟ فقال: إن أمي أوصتني حينما بعثتني فقالت: عليك بتقوى الله والصدق، فإن الصدق يوصل إلى الجنة، وإني خشيت أن تتركوا المائة والخمسين هذه فأكون كذَّاباً فتوصلني إلى النار -يقول الولد هذا الكلام ببراءة ولطف، أي: هناك نظافة فطرية- فهز هذا الموقف زعيمهم أعظم هزة، ووقع في قلبه أعظم وقع، أعظم من ألف موعظة، وقال في نفسه: طفل صغير لم يبلغ الحلم لا يريد أن يكذب ويدل على المال الذي عنده وهو حلال له، وخشي أن يحول هذا بينه وبين الجنة، فيدخل النار، وأنا عاقل كبير أسرق الأموال وأهتك الأعراض وأقطع السبل، ولا أخشى النار، ثم التفت إلى الذي بجانبه من الرجال وقال: ما أنا فيكم؟ -وهو فحل بطل- قالوا: أنت سيدنا وكبيرنا، فقال: كلامكم وطعامكم وشرابكم علي حرام إن لم تؤمنوا بما أسير فيه، فقالوا: معك في السراء والضراء، ثم قال: أين تذهبون يا جماعة، قالوا: نريد المدينة، ثم قال للولد: وأنت؟ قال: أريد العالم الفلاني، ثم قال فكوا الرجال، ففكوا الرجال، ثم قال: ردوا الأموال فردوا الأموال، ثم قال: أنا معك يا فتى أريد أن أطلب العلم، فذهبوا معه حتى دخل القرية والتحق بالعالم وطلب العلم، وتاب وأصبح من خيار السلف. إذاً ما هو السبب؟ الصدق. فلو أن هذا الولد سكت لنجا بالمائة والخمسين، ولكن ما كان للقافلة أن تنجو، ولن ينجو من العهدة والمساءلة، ولكن صدق فنجا، فكان لصدقه أثر في نجاة القافلة كلها، وكان لصدقه أثر في توبة قاطع الطريق ونجاته، ويأتي يوم القيامة وهو في ميزان حسناته، فالصدق نجاة.

ثمرة صدق الثلاثة الذين خلفوا

ثمرة صدق الثلاثة الذين خلفوا أعظم من هذا ما ذكره الإمام البخاري في صحيحه في قصة الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك: كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وقد أردت أن آتي بها في هذه الليلة كاملة من صحيح البخاري، ولكني آثرت أن أترك لها ليلة كاملة، لأنها قصة مشوقة، قصة -أيها الإخوة- تصلح أن تكون منهج حياة للإنسان في هذه الدنيا، حينما يوازن ويقارن بين الدنيا والآخرة. فهم ثلاثة صدقوا ونالهم من الضيق والشدة ما لا تتحمله الجبال، ضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وهجرهم الصحابة، وأمروا بالابتعاد عن نسائهم، كان كعب بن مالك يدخل إلى حائط ابن عمه أبي قتادة، فيقول له: السلام عليكم، فلا يرد عليه السلام، فيقول: أسألك بالله هل تعلم أني أحب الله ورسوله، فيقول: الله ورسوله أعلم، ويأتي ويصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: فإذا نظرت في الرسول صرف نظره عني، فإذا جلست أُصلي سارقني النظر، يقول: ثم أسلم عليه فلا أدري أرد علي السلام أم لا، من غضبة عليَّ شيء عظيم لا يمكن أبداً أن يتعرض له إنسان في الدنيا نتيجة الصدق، ولكن ماذا كانت الثمرة؟ كانت الثمرة أن أنزل الله فيهم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة في توبتهم: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} [التوبة:118] والقصة بكاملها سوف آتي بها إن شاء الله في الأسبوع القادم، لتكون لنا منهج حياة نسير عليه في هذه الدنيا، فنصدق أولاً مع الله فلا نكذب، ونصدق مع أنفسنا ومع الناس، ويكون لنا وجه واحد فقط، وما نخفيه هو ما نظهره، فلا نتأول، وإنما نكون واضحين. نقول الحق والصدق ولو كان مراً، نقوله ولو على أنفسنا، هذا الخلق خلق الصدق -أيها الإخوة- خلق أصيل في المسلمين، وهو أيضاً موجود عند كل العقلاء في الأرض، الذين جربوه، حتى الكفار، ونحن لا نأخذ القدوة منهم.

أهمية الصدق في الوعد

أهمية الصدق في الوعد النبي صلى الله عليه وسلم اشترى قبل البعثة شيئاً من رجل اسمه أبو الخنساء، فقال له: اجلس هنا حتى آتيك بالثمن، أي: أعطاه بعض الثمن وقال له: اجلس حتى آتيك بالباقي، فذهب الرجل ونسي الموعد، ولم يتذكر إلا بعد ثلاثة أيام فجاء، وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم جالس مكانه، فقال له: (لقد شققت عليَّ والله إني أنتظرك منذ ثلاث ليالٍ) . لا إله إلا الله! لأنه وعده، قال: اجلس حتى آتيك فما أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك المكان. هذا الخلق نتعلمه من ديننا ومن أخلاقيات إسلامنا، ولكن يؤسفنا جداً ويحز في نفوسنا ويقطع أكبادنا، أن المسلمين اليوم الذين يقولون ويزعمون أنهم من أتباع محمد بن عبد الله أنهم يكذبون، بينما الكفار يصدقون. ولهذا إذا وعد الإنسان منهم بوعد وأراد أن يلزمه قال: تأتيني الساعة السادسة، قال: السادسة، قال: نعم. موعد (إنجليزي) فيقول ذاك: (إنجليزي!) حسناً، موعد (إنجليزي) ستة يعني ستة، بينما كان المفروض أن يقول: وعد مسلم كما كان يقول الأولون. كان الأولون يقولون: وعد مسلم؟ قال: وعد مسلم، يعني: لا يكذب إن شاء الله فيه، لكن اليوم وعد المسلم كذب، تقول: تأتيني؟ قال: إن شاء الله آتيك، وإن شاء الله هذه هي (المعلقة) لا. بل قل: آتيك إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقا، لا تعلق عليها الكذب، إنما حققها بأنك تفي، ولكن اعتبر نفسك في مشيئة الله لأنك قد تموت، أو قد تمرض أو قد يمنعك عن الوفاء بالوعد شيء خارج عن إرادتك، أما أن تعلق الكذب بالمشيئة فلا. حتى إن أحد الكفار كلما أراد أن يقول شيئاً قال: إن شاء الله، تقول: تغديت قال: إن شاء الله، إن شاء الله، يعني: كذب كذب، كلها كذب، لا يجوز، في الغرب الآن لا يكذبون أبداً، أخلاقيات لكن لا تنفعهم يوم القيامة، لأنهم كذبوا أعظم الكذبات على أنفسهم حينما جعلوا لله شريكاً، وكذبوا أعظم الكذبات على دينهم حينما عطلوه وبدَّلوه، لكن في المعاملات التي بينهم صدقوا، يصدقون لا يكذبون، ونحن لا نأخذ القدوة منهم، ولكن نأخذها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن دين الإسلام، ويؤلمنا ويحز في نفوسنا أن يتخلقوا بأخلاقنا ونحن نتخلق بأخلاقهم، فالكذب بضاعتهم ويجب أن ترد عليهم، والصدق بضاعتنا ويجب أن ننتزعها منهم ونتمسك بها، فنصدق ونطيع الله، وأيضاً نصدق ونحيا حياة كريمة في الدنيا والآخرة. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلني وإياكم من الصادقين في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] .

الأسئلة

الأسئلة

حكم الأخذ من مال رب البيت بدون علمه

حكم الأخذ من مال رب البيت بدون علمه السائل: أشهد الله على محبتك فيه وأسأل الله عز وجل أن يجمعني وإياك في ظل عرشه. الشيخ: نسأل الله ذلك، وجزاك الله خيرا وإخواننا المسلمين. Q يقول: هل يكون حراماً أن يأخذ أهل البيت من جيب رب البيت -يعني الوالد- نقوداً للإنفاق على البيت ولكن بدون علم الأب، وذلك لنسيان أهل البيت أن يعلموه -مثل أخذ نقود لشراء الخبز مثلاً- أم أن هذا من السرقة؟ A لا. ليس هذا من السرقة، وهناك حديث في صحيح البخاري ومسلم: (أن هنداً بنت عتبة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح -يعني: بخيل لا يعطي- أنأخذ شيئاً من جيبه بدون علمه؟ قال: خذي ما يكفيك) فإذا كان الرجل لا يقوم بالواجب ويغلق على المال، فلا مانع من أن تأخذ المرأة من جيبه ما تقضي بها حاجتها الضرورية، مثل: الخبز واللحم والفاكهة والخضرة، فليس هناك مانع ولو لم يدر، فإنها تأخذه وهو الذي يأكله وهي تأكل معه، أما أن تأخذ أكثر من الحاجة فتأخذ شيئاً تختص به نفسها، مثل الملابس أو الذهب أو العطور، فلا يجوز، وهذا حرام، إنما تأخذ الشيء الذي لا يمكن أن تستغني عنه من ضروريات المعيشة الدنيوية، وقد رخص لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (خذي ما يكفيك وولدك) أما أن تأخذ أكثر فحرام.

حكم تقليد أصوات الأئمة

حكم تقليد أصوات الأئمة Q قلت: إن تقليد الأئمة والخطباء لا يجوز، ولكن ما حكم من يقلد الأئمة كـ السديس مثلاً يقول: لأنني أحب صوته؟ A وليس هناك مانع، لكن تقليد الأئمة على سبيل الاستهزاء والسخرية بهم هذا حرام، أما تقليد الأئمة على سبيل الإعجاب بهم فلا يوجد مانع، كأن تحب قراءة علي جابر أو السديس أو المنشاوي أو أي قارئ وتريد أن تحسن تلاوتك بقراءته، وإن كان الأفضل أن تبتكر أنت، لأن السديس من قلد؟ هل قلد السديس أحداً من الناس أم اخترع هذا الصوت وهذا الأداء والله وفقه إليه؟ فابحث لك عن أداء معين يمكن أن تصبح به أحسن من السديس، وإن كان التقليد ليس بحرام، ولكنَّ الناس لا يحبونه، فلو أتيت لتصلي بالناس وقمت تقلد السديس مباشرة يُغمز فيك، يعني: أن هذا ليس بمقبول، هذا في نظري أنا، ولا أدري بالنسبة للآخرين، لكنَّ الابتكار والتجديد والاستقلال وعدم التبعية حسن في كل شيء، لكن إذا قلدته من باب الإعجاب به فلا شيء عليك إن شاء الله.

حكم النظر إلى أفخاذ الرجال

حكم النظر إلى أفخاذ الرجال Q ما حكم النظر إلى أفخاذ الرجال؟ A لا يجوز. لا يجوز أن ينظر المسلم إلى عورة أخيه المسلم، هذا حرام في دين الله عز وجل.

حرمة النظر إلى المرأة الأجنبية

حرمة النظر إلى المرأة الأجنبية Q وما حكم النظر إلى المرأة الأجنبية بغير شهوة على سبيل الاعتبار والتفكر؟ A الله أكبر ما هذا الاعتبار؟! هذا اعتبار الشيطان وتفكر إبليس، فإن ابن القيم ذكر هذا الكلام في كتابه إغاثة اللهفان، فقال: إن الشيطان يأتي للبسطاء وأصحاب العقول المهزوزة التي لم تعرف أن تعتبر في مخلوقات الله إلا بالنظرة المحرمة، لماذا لم تعتبر بالسماوات والأرض والليل والنهار؟ لماذا ذهبت هذه العقول تبحث عن وجه المليحات لتعتبر؟ تضحك على من؟ إن النظر المحرم لا يؤدي بك إلى اعتبار، بل يلغي الاعتبار فيك والتفكر، فلا يجوز أن تنظر إلى امرأة لا تحل لك، لأن من ملأ عينيه من الحرام؛ ما ملأها الله اعتباراً بل ملأها من جمر جهنم، لكن هذا مكر الشيطان، أما وجد في الدنيا غير المرأة يتفكر فيها؟!

حكم قراءة القرآن على غير وضوء

حكم قراءة القرآن على غير وضوء Q ما حكم قراءة القرآن والإنسان على غير وضوء، بحيث أنه لم يمس المصحف، يعني: يقرأه غيباً؟ A وليس هناك مانع، قراءة القرآن وأنت محدث حدثاً أصغر بغير مس للمصحف لا شيء فيه، أما قراءته وأنت جنب فلا يجوز، لا بد أن ترفع الجنابة بالغسل ثم تقرأ القرآن سواءً كان غيباً أو نظراً، أما مس المصحف باليد وأنت غير متوضئ فقد قال أهل العلم: لا يجوز، لأن الله يقول: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] . أحد الناس سمع شخصاً في الإذاعة يقول: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] يعني: الملائكة، كيف تنزل الملائكة تمس المصحف؟ هذا كلام الله عز وجل، كيف نأتي بملائكة من السماء يمسكون المصاحف، الله يقول: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:77-79] مَن المطهرون؟ الذين تطهروا من الحدثين، قالوا: إذا قرأ القرآن قراءة تعبد محض لم يجز له أن يقرأه إلا وهو متوضئ، أما إذا قرأه على سبيل التعلم فإنه مرخص له أن يكون محدثاً للمشقة، ولعدم القدرة على الاحتراز من الحدث لطالب العلم أو المدرس، يعني: الذي في المدرسة بإمكانه أن يقرأ ولو مس المصحف وهو غير متوضئ، لأنه لو ألزمنا الطلاب في المدارس والمدرسين أنكم لا تقرءون ولا تحملون المصاحف إلا وأنتم طاهرون لشققنا عليهم، والله قد رفع المشقة والحرج في دينه فقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] .

تكرار المعصية والتوبة منها

تكرار المعصية والتوبة منها Q رجل عمل معصية ثم تاب وعاهد الله ألا يعود إليها ولكنه عاد إليها ثانية، ثم تاب وعاهد الله ألا يعود، ثم عاد إليها ثالثة، فما الحكم في عدم وفائه في المرة الأولى والثانية، وهل عليه ذنب، وما هي كفارته؟ A كفارته أن يتوب إلى الله وأن يقلع، وإذا تاب إلى الله ولو أذنب مائة ذنب، أو مائة مرة فإن الله يقبل التوبة، ولكن اصدق يا أخي! لا تلعب على الله، أتوب وأعاهد وأعود، حسناً افرض أنك مت، كيف تعمل؟ يا أخي! إذا تبت فارفع نفسك، فالجواد يعثر ولكنه لا يجلس دائماً في الطين، فيعثر مرة وينهض، لكن ما رأيك لو أنه كلما قام عثر؟ هل يصلح هذا كجواد في سباق؟! لو كان عندك جواد وأردت أن تسابق به، وكلما ركبت على هذا الجواد عثر بك، ماذا تفعل به؟ تتركه. فالذي يسابق في ميادين الآخرة وهو يعثر، كلما جاءت مصيبة عثر فيها: رأى النساء عثر عندهن سمع الأغاني عثر عندها رأى المال الحرام عثر عنده ثم يريد الجنة، هذا دجال، يا أخي! أنت من طلاب الآخرة، سر في سبيل الله عز وجل وسابق في ميدان الآخرة ومضمارها، فإذا وقعت مرة أو عثرت فانهض واستغفر الله، أما أن تعثر كل ساعة فتتوب وتستغفر، وتتوب وتستغفر، هذا خطر عليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن لا كفارة لك إلا أن تتوب، أما العهد الذي عاهدت الله ثم نقضته فإن عليك فيه كفارة يمين، تطعم عشرة مساكين.

مشكلة الحب المحرم وحلولها

مشكلة الحب المحرم وحلولها Q أنا شاب كنت متديناً، وابتليت بحب شابة وقد أحببتها حباً خالط عظمي ودمي، وقد كنت قبلُ أنظم الشعر سابقاً للدين ونصرته، وبعد ذلك أصبحت أنظم الشعر فيها، وإذا غابت عني تسود الدنيا في نظري فلا أستطيع القيام بواجبي الدراسي ولا واجبي العبادي، وأصبحت الحياة علي ثقيلة والواجبات ثقيلة، وأنا أخاف أن يطغى حبها على حب الله ورسوله فكيف الخلاص؟ A تخاف! قد انتهت المسألة، وهذه يا أخي المسلم عقوبة عاجلة لك، عندما تحولت عن الله، ابتلاك الله عز وجل بهذا المرض، وبعض الناس يتصور أن حب الحرام سهل، لا والله، هذه لعنة ومصيبة في الدنيا والآخرة على الإنسان، لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] ما هي المعيشة الضنكة؟ مثل هذه الحياة، أن تُقذف ويغريك الشيطان بحب امرأة أو بنت محرمة عليك؛ لأن هذه تعذبك ولا تستطيع أن تأكل أو أن تشرب، بعض الناس يذكرها على العشاء فيقول: آه والله لا أتعشى، ماذا بك يا ولد لا تتعشى؟ قال والله لا أذوقه، لماذا؟ لأنه تذكر، أي نعم. وبعضهم يأتيه وهو نائم فيستيقظ ويتقلب طوال الليلة، هذا عذاب أم ليس بعذاب؟ عذاب، قال الله عز وجل {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] ثم قال بعد ذلك: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:127] فأنت كنت متديناً، ولكن وقعت في حب هذه البنت لأنك عصيت الله، إما بنظرة نظرتها وأنت متدين، وهذا نقوله للناس، ونقوله للشباب المتدينين خاصة: إنما الخطورة في أول نظرة، والخطورة في سماع أول أغنية، فلا تجلس أمام جهاز التلفاز أو المذياع أو المسجل فتسمع وتقول: سهلة، فربما تجرك هذه الكلمة أو هذه الأغنية ولا ترجع إلا من النار، احذر! انتبه على نفسك من استسهال المعصية وأنت تقول: سهل سهل، ثم يأتي هذا الذي قد تدين وينتكس ويصبح ألعن من أولئك. يعني الآن لو كان هناك وعاء للقمامة وعليه كلاب القرية تأكل منه وشبعت، وأتى كلب من هناك لم يأكل بعد من هذا البرميل، فبمجرد أن يبدأ بالأكل فإنه ينبح، وكلما تلفت في كلب يحسب أنه لم يذق بعد وهم قد شبعوا من هذا البرميل، ولكن من حرصه عليها، فهذا الذي ينحرف يكون أسوأ من غيره والعياذ بالله، فهذا الرجل كان عقوبته أن أبتلاه الله عز وجل بهذه البنت في الدنيا فعلق قلبه بغير الله. ولهذا انظر حتى إن من العذاب العاجل أنه إذا جاء ليذاكر فإنه لا يحفظ، وإذا أتى ليصلي فإنه لا يستطيع، فيأتيه الشيطان ويقول: اذهب وانظر إليها حتى تصلي بإتقان، من أجل أن يمكنه من الحرام بحجة فعل الحلال، والحرام لا يوصل باستمرار إلى الحلال، بل الحرام يوصل إلى الحرام ويفسد فعل الحلال، ونقول للأخ هذا: الخلاص في يدك وبإمكانك ألا تكون عبداً شهوانياً، ولا تكون (زير نساء) تلعب عليك النساء، وتلعب عليك الجميلات والمليحات، وأن تكون عبداً لله عز وجل، وذلك بذكر ما يفوتك من النعيم في الآخرة إن أنت وقعت في شراك هذه الغبية، واذكر ما ينالك من عذاب في النار، وافعل مقارنة ومفاضلة واعرف أن طاعة الله أولى لك، وأولاً: جمد العلاقات بهذه البنت، لا اتصال هاتفي، ولا مراسلة، ولا مرور من عند بيتهم، بل الجهة الذي أنت فيها لا تتلفت فيها؛ غيِّر الاتجاه نهائياً، وجمد العلاقات، وبعد ذلك قم من الليل ومرغ جبهتك وأنفك بين يدي مولاك، وابكِ وادع الله أن يصرف قلبك، وأن يعصمك منها، وعد إلى جناب الله، وبعد ذلك اسلك السبيل المشروع، اذهب إلى أبيك وقل له: يا أبي! أريد أن أتزوج، ليس هناك حرج، يقول أبوك: لا يوجد لدينا مال، فتقول: نخطب؛ لأن أصل الزواج مخلوف، وأيضاً الخطبة لا تكلفنا شيئاً، حتى تتحسن أمورنا ونتزوج، وأبوك لن يرفض إن شاء الله. وإذا صاح وقال: لا، سلط على أبيك من يؤثر فيه من إخوانك أو جيرانه أو أصدقائه، أو أمك أو الأقارب، المهم اجعل لك ضغوطاً عليه من كل جهة، والأفضل لك أن تمهد قبل أن تكلمه، كما تمهد الطريق قبل رصفها، وبعد ذلك تأتي تكلمه فتجد الموافقة إن شاء الله. واذهبوا إلى عند أهل هذه البنت واخطبوا، فإن وافقت وقبل أبوها الزواج فالحمد لله، ولكن تستمر أيضاً في تجميد العلاقات، لا تتصل بها، لماذا؟ لأن التحريك لها بمجرد الخطبة لا يعني أنها تمت فقد تفشل في النهاية، ثم بعد ذلك واصل حتى تملك، فإذا أصبحت ورقة العقد في جيبك فكلمها من الصباح إلى أن يدوخ رأسك، وليس تكلمها فقط بل اذهب إلى البيت واجلس معها واذهب أنت وإياها. المهم افعلوا كل شيء إذا أصبحت زوجتك في جيبك، لكن الخطأ أن تشغل قلبك بالمكالمات هذا لا يحل إشكالك، هذا يقطع قلبك يحرق دينك يغضب ربك يقلق حياتك، أما تجدون الناس الذين قد سلم الله عز وجل صدورهم من هذا المرض كيف أنهم مرتاحون، يأكلون هنيئاً، وينامون هنيئاً، ويشربون هنيئاً، ويصلون هنيئاً، لكن الذي قد ابتلاه الشيطان بهذه المصيبة تصبح الدنيا كلها مظلمة في حياته، لأن هذا الحب مرض، حب الحرام حرام وهو مرض، وحب الحلال حلال وهو نعيم، إذا تزوجتها وأحببتها وأحبتك فهذه نعمة من نعم الله عز وجل عليك في الدنيا. أسأل الله أن يتوب عليك وأن يمنعك من العذاب، واحذر يا أخي أن تواصل هذا الموضوع، حتى لا يصبح عذاباً في النار، أعوذ بالله وإياكم من النار. وفيما لو تعذر الزواج، كأن امتنع الأب أن يزوج هذه البنت بك أيها الإنسان، فإنه يلزمك وَكَحَلٍ جذري للموضوع أن تقطع العلاقات نهائيا؛ لأنه ليس هناك فائدة؛ فالتواصل إنما يكون مع شيء يمكن أن تحصل منه على شيء، فهل هناك علاج للحب؟ ليس هناك علاج للحب إلا اللقاء، وليس هناك لقاء إلا بالزواج؛ لأن اللقاء عن طريق الحرام لا يحل المشكلة، بل يزيدها ناراً في الدنيا ويزيدها ناراً في الآخرة، فجمد العلاقات وابحث عن أخرى، وقد تقول: إنني أحب هذه البنت حباً -كما قلت- يخالط لحمك ودمك، نقول: ابحث عن واحدة أخرى وتزوج بها، وسوف تحبها حباً يخالط لحمك ودمك وعظمك ودسمك، ومثل ما أحببت تلك ستحب هذه، والنساء سواء.

حكم إتيان المرأة وهي حائض

حكم إتيان المرأة وهي حائض Q هل يجوز للرجل أن يأتي زوجته وهي حائض؟ A لا يجوز. وهو حرام والله يقول: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة:222] يعني: لا يجوز أن تأتي المرأة بمجرد انقطاع الحيض منها، بل لا بد من أن تغتسل {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222] لأن بعض الناس يفهم من حديث صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: [كنت أتزر فآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيباشرني وأنا حائض] فيفهم من المباشرة الجماع، لا. المباشرة هنا بمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب أهله ويباشرهم فيما دون الوطء، فإنه يجوز للرجل أن يستمتع من زوجته الحائض بكل شيء إلا الوطء، أما الوطء فحرام ولا يجوز، وهذه من محاسن الدين الإسلامي، فإن الذين لا يتورعون عن هذا الأمر في الغرب يصابون بالأمراض، لأن الحيض أذى كما قال الله، قذر ونتن، شيء خبيث طعمه وريحه ولونه وشكله وكل شيء، فإذا جاء الإنسان امرأته وهي حائض فإنه يسبب له مرضاً ويسبب لها هي أمراضاً، فلا يجوز ولا ينبغي في الشرع، والله لم يحرمه علينا إلا لخبثه والعياذ بالله، والأمراض الجنسية الموجودة في الغرب مثل (الهربز) و (الزهري) و (السيلان) و (الإيدز) وكل هذه الأمراض الجنسية ناتجة عن عمليات الزنا وعن إتيان المرأة وهي حائض.

حرمة أخذ العامل من قيمة المبيعات بدون علم المالك

حرمة أخذ العامل من قيمة المبيعات بدون علم المالك Q عملت في مكتبة لأحد الإخوة، فكنت أبيع الشيء بأكثر من ثمنه المعتاد وآخذ الزيادة لي، فماذا أصنع جزاك الله خيراً؟ A عليك أن تتوب إلى الله من هذا الجرم وهذه الخيانة، وأن تقدر المبلغ الذي كنت تأخذه وترده إلى صاحب المكتبة، وذلك كأن يكون الكتاب بعشرة وأنت تقول: بخمسة عشر، وإذا أعطاك الخمسة عشر وضعت العشرة هنا والخمسة في جيبك، فإن هذا حرام لا يجوز.

حكم صبغ الشعر

حكم صبغ الشعر Q إني أحبك في الله، يوجد نوع من أنواع صبغة الشعر تسمى (الوسمة) هل يجوز استعمالها؛ لأنها أقرب شيء إلى الحناء؟ A أنا لا أعرف ما هي الوسمة، أنا أعرف حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر فيه بأن يغير الشيب بالحناء والكتم، والكتم أعتقد أنه (الوسمة) ، وهذه إذا استعملت مع الحناء في خضاب الشعر شعر اللحية غيرت لونه الأبيض إلى لون بني داكن بين الحمرة والسواد، هذا هو الجائز في الشرع، أما الصبغ بالسواد فهذا حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي قحافة لما رأى رأسه كأنه ثغامة: (غيروه وجنبوه السواد) وفي حديث في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه يأتي أقوام في آخر الزمان يخضبون لحاهم بالسواد كحواصل الحمام لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها) فما ينبغي لك أن تخدع نفسك، فتذهب وتلطخ وجهك حتى تصبح شاباً، فإن هذا شاب مزيف، أنت تلطخه اليوم لكن انتظر الشعر بعد يومين وإذا به أبيض، فتذهب وتلطخه وتسود وجهك كل يوم، الإنسان يقول: نسأل الله أن يبيض وجوهنا، وهذا يسود وجهه كل يوم، وبعد ذلك من تخدع؟ وعلى من تضحك؟ بل تخادع نفسك، بل إنه ما من شيبة يشيبها المسلم في الإسلام إلا كانت له نوراً على الصراط يوم القيامة، والشيب في وجه الرجل وقار، يقول الناظم: والشيب في رأس الفتى لوقاره فإذا تعلاه المشيب توقرا وأيضاً الشيب هو النذير، الذي قال الله فيه: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37] فإنه بمنزلة جدول الامتحان، أعلم أنك يا فلان لست بصغير، وأن الامتحان قد قرب، هيا استعد، ما رأيكم في شخص يلعب طوال العام ولما أعطي جدول الامتحانات مزقه؟ ماذا بك؟ راجع الجدول! قال: يا شيخ! هذا يعقدنا، ويوم أن دخل الامتحان قال: يا أستاذ ردوني إلى الخارج! أريد أن أرى هذا السؤال! أريد أن أراجع هذه الإجابة! والله إني أعرف أن هذه في الصفحة الفلانية لكني لم أذاكرها، هل يعطونه؟ هل يردونه؟ لا. يقولون: ليس معك إلا هذا، فيقدم ورقة بيضاء، وكذلك الذي يلعب على الله، يعيش طوال حياته في عبث، فإذا جاء جدول الامتحان شطب عليه بالسواد ولطخ وجهه وإذا دخل القبر قال: ربِّ ارجعون لعلي أعمل صالحاً.

شريط يتحدث عن التدخين

شريط يتحدث عن التدخين Q أنا شاب مستقيم إن شاء الله منذ سنة، والحمد لله على ما هداني، ولكن والدي يشرب الدخان ولا أستطيع أن أقنعه عن العدول عنه، فما حكم شربه بأنواعه جزاك الله خيراً؟ A لا أستطيع أن أعطيك حكمه الآن ولكن أدلك على شريط اسمه "القاتل المهذب" القاتل يعني الدخان، المهذب: الذي يقتل بأدب، يقتل بعد سنوات، اشتر هذا الشريط وأسمع والدك، وادع الله أن يهديه على يديك.

حكم أخذ ما زاد على الراتب بطريق الخطأ

حكم أخذ ما زاد على الراتب بطريق الخطأ Q هناك أناس يخطئون مع المحاسبين، فيزيدهم المحاسب شيئاً في الراتب عن طريق الخطأ، فيأخذونه فإذا نصحوا قالوا: هذا من مال الدولة! فما نصيحتكم؟ A هذا حرام، سواء من حق الدولة أو من حق هذا المسكين، أولاً: هذا ليس من حق الدولة، هذا من حق المحاسب؛ لأن المحاسب يأخذها بالريال، وإذا زاد فسوف يغرم من جيبه، وإذا توفر له شيء لا يجوز له أن يأكله؛ لأن المحاسب إذا توفر له شيء، فإنه يتوفر له أحياناً في آخر كل شهر ريال أو نصف ريال، فيجمعها كلها ويضعها في سبيل من سبل الخير، ولا يجوز أكلها بأي حال من الأحوال، وإذا نقص عليه شيء فإنه يضمن، فلا ينبغي للمسلم أن يأكل ماله بحجة أنه مال الدولة، فإذا أخطأ وزادك في الراتب مائة أو خمسمائة فاذهب وقل: هذه زائدة، هذا هو الأمر الشرعي الصحيح، وإذا أكلت إنما تأكل حراماً.

ترشيد مجالس طلاب العلم

ترشيد مجالس طلاب العلم Q طلاب العلم في أيامنا هذه -هدانا الله وإياهم- تجد في اجتماعاتهم ما يؤلم القلب، حيث أنهم يشغلون الاجتماع بكلام عن العلماء وآرائهم واختلافاتهم فيغتابونهم، فيقولون: هذا العالم الفلاني قال كذا، والعالم الفلاني قال كذا، والأول قوله صحيح والآخر قوله خطأ، وبالتالي يتحول هذا المجلس إلى نقاش وجدل عقيم وربما يصل الأمر إلى الغيبة للعلماء والمضاربة لأقوالهم، وهكذا مجالسهم على الخلاف في الفروع، مثل كيفية سجود الرسول صلى الله عليه وسلم في السهو على اليدين أو على الركبة، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A نحن نقول لإخواننا طلبة العلم جزاهم الله خيراً، احذروا من الجدل، لأنه كما جاء في الحديث: (ما ضل قوم بعد هدىً إلا أوتوا الجدل) وإذا كان لابد من النقاش العلمي فليكن بطريقة أهل العلم الهادئة التي تقوم على الدليل، نأتي بالكتاب ونأخذ الدليل ولا أصرخ ولا تصرخ أنت، ونأخذ قول العالم ولا نجرح في عالم ونستفيد، أما أن أتعصب لقولي وأحاول أن أُثبته ولو بالكذب، وأنت تتعصب لرأيك، فلم تعد المسألة لله، بل أصبحت لي ولك، وهذا لا يجوز، وهذا هو الذي نهى الله عنه في الجدال.

حكم بيع سيارة بسيارة أخرى مع زيادة في الثمن

حكم بيع سيارة بسيارة أخرى مع زيادة في الثمن Q ما حكم البيع والشراء في السيارات بهذه الطريقة: مثلاً: يأتي رجلٌ فيبيع سيارة (كرسيدا) لرجل فيأخذ بها (صالوناً) ويزيد عشرة آلاف ريال هل هذا حرام؟ A ليس بحرام، ليس فيه شيء، إذا أخذت سيارة قديمة بسيارة جديدة وبعت وزدت عليها، أو أخذت سيارة (صالون) هذا ليس من الربا، لأن الربا ليس في كل شيء، الربا محصور في ستة أصناف، وفيما توجد علة الستة فيه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستلف بكراً ويرد بكرين، فليس هناك شيء كونك تبيع سيارة قديمة بسيارة جديدة، أو سيارة من نوع بسيارة ثانية وتزيد الفرق، ولا يدخله الربا إن شاء الله.

الحكم إذا ماتت الأضحية قبل يوم العيد

الحكم إذا ماتت الأضحية قبل يوم العيد Q إذا عَيَّن شخص ما أضحية له، ثم قُدِّر عليها وماتت قبل العيد بيوم، فهل يجب عليه أن يبدلها؟ A نعم يأتي بغيرها غصباً عنه، ليس معناه أنها ماتت فإن ربي أماتها، لا. اشتر غيرها أخرى وهذه ذهبت، ولو ذبحتها قبل العيد بلحظة واحدة لا تحسب، وإنما هي شاة لحم لك؛ لأن القضية ليست قضية لحم تملأ به الثلاجة، هذه قضية عبادة، يقول الله عز وجل: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وما عبد الله يوم النحر بأعظم من إراقة الدم، وإنه ليقع من الله بمكان قبل أن يقع الدم في الأرض، وإنه ليغفر لأهل البيت مع أول قطرة منه.

باب التوبة مفتوح

باب التوبة مفتوح Q أكتب لكم هذا السؤال وأنا أرتجف مما سأكتبه، فقد فعلت أفعالاً قبيحة لا يفعلها رجل مؤمن، وأريد أن أذكر بعضها ولا أريد أن أذكر، فإنها كثيرة وهي منكرة عظيمة يؤنبني قلبي كلما تذكرتها؛ فهل لي توبة؟ A نعم لك توبة: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53] مهما عملت؛ ما أعظم من الشرك يا أخي! ما أعظم من القتل! ما أعظم من الزنا! ما أعظم من اللواط! أي شيء فعلته فإن الله يلغيه ويبدله لك حسنات، لكن بشرط أن تتوب وتؤمن وتعمل صالحاً إن شاء الله، ولا يتعاظم على الله شيء.

الزواج لا يلهي عن الدراسة

الزواج لا يلهي عن الدراسة Q أرى عزوفاً من الشباب عن الزواج وذلك بحجة تأمين المستقبل، ويتعذر البعض الآخر بقوله يلهي عن الدارسة أو يصرف عنها؟ A هذا ليس بصحيح، الزواج لا يلهي عن الدراسة، بل يؤيد الدراسة ويشجع عليها، إذا دخلت في غرفتك لتذاكر وأنت أعزب، فإن قلبك مكدود وخاطرك ليس مستريحاً والدروس ثقيلة، لكن إذا دخلت لتذاكر في غرفتك وامرأتك أمامك قد صنعت لك كوباً من (الشاي) وقربته إليك، ووضعت لك الكتب والوسادة ودخلت لتذاكر، كيف تكون بالله نفسيتك منفتحة أو ليست منفتحة؟ تذاكر ربع ساعة أحسن من أربع ساعات، لأن ذهنك موجود وعقليتك متجمعة، لكن الأعزب قلبه مشتت في كل وادٍ، فالزواج خير من يعين على الدراسة، وبالواقع والتجربة أن المتزوجين يحققون نتائج أفضل من العزاب، أما كونه يُؤَمِّن المستقبل فالمستقبل بيد الله، لا تؤمنه أنت ولا يؤمنه أبوك ولا تؤمنه زوجتك ولا أولادك، فمستقبلك بيد الله عز وجل، اترك هذه الأفكار التي ما أنزل الله بها من سلطان، وتزوج إذا كان لك قدرة أو لوالدك قدرة، وحصِّن نفسك وعفها وغض بصرك، وبذلك إن شاء الله تسعد في الدنيا والآخرة.

مواضع رفع اليد في الصلاة

مواضع رفع اليد في الصلاة Q كيف تكون اليد عند قول "ربنا ولك الحمد"؟ A عندما يرفع الإنسان يده من الركوع إلى القيام، يرفع يديه مثلما كان يرفعهما عند تكبيرة الإحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث والحديث في الصحيح، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلا في أربع حالات: عند تكبيرة الإحرام وعند تكبيرة الركوع وعند الرفع من الركوع وعند القيام بعد التشهد الأول إلى الركعة الثالثة (هذه أربع حالات، أما أين يضع يديه بعد الرفع من الركوع؟ فإنه يضعهما على صدره، لا يضعهما هكذا كما يصنع بعض طلبة العلم اعتماداً على ما ذكره بعض العلماء، وهو الشيخ الألباني ذكر في رسالته كيفية صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال إنه يضع يده هكذا، وقد رد عليه الشيخ عبد العزيز بن باز رداً عظيماً مدعماً بالأدلة، واعترف بفضله، قال له: مع جلالة قدره وعظم منزلته وسعة علمه وطول باعه وسعة ميدانه إلا أنه قد أخطأ في هذه المسألة وجانب الصواب، وكلٌ يخطئ والمعصوم هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فإن الأدلة تقول بأنه يجب أنه يضعها هنا -أي: على صدره- بعد الرفع من الركوع، فإن حالات الصلاة أربع: إما أن يكون قياماً، أو قعوداً، أو ركوعاً، أو سجوداً، وقد جاءت الأدلة بالأربع الحالات، بوضع اليدين في موضع معين، ففي القيام من حديث وائل بن حجر والحديث في صحيح البخاري والزيادة في صحيح ابن خزيمة أنه كان صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره في القيام في الصلاة، والقيام الذي بعد الرفع من الركوع قيام، لا نستطيع أن نقول: إنه قعود ولا جلوس ولا سجود بل هو قيام، ومن فرَّق بين القيام قبل الركوع وبعد الركوع من غير دليل لزمه الدليل وإلا فيبقى على الأصل. فضع يديك هكذا بعد الرفع من الركوع وإن شاء الله أنك على الحق، وإن لم تفعل فلا ينكر عليك بعض الإخوان؛ لأن هذه من المسائل الخلافية التي ورد فيها الخلاف والأمر فيه سعة، فإن أردت أن تضع هنا فلك سلف ولك علماء، وإن لم تفعل فليس هناك شيء.

حكم عبارة: صدق الله العظيم

حكم عبارة: صدق الله العظيم Q ما حكم كلمة: صدق الله العظيم؟ A اختلف أهل العلم في جوازها، والصحيح عدم مناسبتها؛ لأن التصديق إنما يقع من الأعلى للأسفل، أو ممن يُتصور عنه أنه يكذب فنصدقه، أما من لا يتصور منه الكذب، فإنه لا ينبغي، والدليل حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ، فقلت: أأقرأ وعليك أنزل؟ قال: اقرأ فإني أحب أن أستمع من غيري، قال: فقرأت من سورة النساء حتى إذا بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} [النساء:41-42] فقال: حسبك، يقول: فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان بالدمع صلوات الله وسلامه عليه) . فما قال له: قل صدق الله العظيم. لا. بل قال: حسبك فقط، ويسعنا ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم.

صحة التوبة من الغلول

صحة التوبة من الغلول Q هل للغلول من توبة؟ A نعم، إذا كنت قد غللت من مال المسلمين فعليك أن تتوب والتوبة تجب ما قبلها.

حكم التأخر عن الدوام وعدم إكماله

حكم التأخر عن الدوام وعدم إكماله Q ما رأيك في الذين يذهبون إلى العمل في الدوام متأخرين وينصرفون متقدمين قبل نهاية الدوام، هل هذا حلال أم حرام؟ A هذا حرام، وسوف يحاسبون على كل دقيقة يسترقونها من وقت المسلمين، فإنك أجير عند الدولة لخدمة المسلمين، فإذا كنت كاتبَ واردٍ، أو موظفَ رُخَصٍ، أو موظفاً في أي عمل فإنك إنما استعملك ولي الأمر على هذه الوظيفة لتقدم خدمة عامة للمسلمين، فإذا جاء المسلم وأنت لست موجوداً على مكتبك فقد خنت ولي الأمر، وخنت المسلم، ويوم القيامة تكون كلها من ظهرك، فخارج نفسك اليوم قبل أن يكون العذاب في النار. وإذا غل شيئاً من مال الدولة يجب عليه أن يرده ويعلن توبته ولو سبَّبَ له مشكلة، لأن هناك أحد الأشخاص المحاسبين سأل أحد العلماء فقال: إني كنت محاسباً وكنت آخذ من المال، فكيف أعمل؟ ولو رددتها سيفعلون بي ويفعلون، فقال العالم: ردها ويفعلون بك الذي يفعلون، يفعلون الآن أفضل من أن يفعلوا في الآخرة، ما رأيك الآن أم بعد؟ والله الآن أفضل، أقعد في السجن إلى يوم القيامة ولا أصبر على النار ليلة واحدة، فقدمها وتب، وثق أن ولاة الأمر إذا سمعوا أنك تائب يمكن أن يسامحوك، فقط اجعل لنفسك موقفاً صحيحاً.

مسئولية الطالب في دعوة زملائه

مسئولية الطالب في دعوة زملائه Q هل يسأل الطالب أمام الله عن الشباب الذين في المدرسة إذا لم يدعهم إلى الله؟ A يُسأل بحسب قدرته وبحسب إمكاناته، لا يُسأل عنهم كلهم، لكن يُسأل عن زملائه في الفصل، وعن الذي يلتصقون به، يجب أن يدعوهم، لكن لا يُسأل لماذا لم يهتدوا، بل يُسأل لماذا لم يدعوهم؛ لأن علينا أن ندعو وليس علينا أن ننجح، الدعوة علينا والنجاح بيد الله عز وجل؛ لأن بعض الشباب يتصور إما أن يدعو وينجح وإلا ترك، أنت لا تملك، أنت مثل الطبيب يداوي بالعلاج والدواء والعافية من رب العالمين.

حكم أداء تحية المسجد في أوقات الكراهة

حكم أداء تحية المسجد في أوقات الكراهة Q من إخواننا المسلمين من يدخل إلى المسجد قبل الأذان بفترة ليست بالقصيرة، ثم يظل قائماً لا يؤدي تحية المسجد ولا يجلس فالبعض يظن أن تحية المسجد لا تؤدى في هذا الوقت؟ A نقول للإنسان الذي يدخل إلى المسجد: إذا دخل المسجد في وقت نهي فهو بين خيارين: إما أن يصلي وله بذلك سلف، وعليه قال كثير من أهل العلم أنك تصلي تحية المسجد ولو كان في وقت نهي، لماذا؟ لأنها من ذوات الأسباب، وإما أن تجلس فلك في ذلك سلف، فقد قال بعض أهل العلم: إنه لا يصلى في هذا الوقت نظراً لأنه وقت نهي، أما أن تظل قائماً لا تصلي ولا تجلس فقد أتيت بشيء جديد، إما أن تصلي وإما أن تجلس.

حكم تعدد الزوجات

حكم تعدد الزوجات Q هل تعدد الزوجات محمود أو مذموم؟ A ليس بمحمود وليس بمذموم، وإنما مباح، تعدد الزوجات لم يأمر به الشرع، لم يقل الشرع: تزوج باثنتين وثلاث ولم ينه عنه، وإنما أباحه عند الاقتضاء، فإذا كان لديك مال ولم تكفك زوجتك تزوج ليس هناك مانع، لكنه حينما أباحه قيده بالعدل فقال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]-وكأن الرجل يريد أن يتزوج لكن ليس لديه الشجاعة، فيريد فتوى-.

إضاعة سنة المعانقة

إضاعة سنة المعانقة Q نحن نحاول أن نطبق السنّة في جميع أمورنا، ولكن هناك في هذا الوقت سنة ضائعة وهي المعانقة إذ أننا لا نراها على الإخوة، وإنما يستبدلونها بالمناقرة؟ A صدق، إذا قابل شخص آخر ينقره في أنفه، ما هذا؟ من أين جاءت هذه المناقرة؟ أو الملاصقة في الخد، يضع خده على خده ويضغط وهذا ليس بحسن، بل المعانقة، والعناق: أن تضع رأسك من هنا ورأسه من هنا فقط، لكن لا يحتك جلدك بجلده ولا تنقر أنفك بأنفه، هذه المعانقة، أما المناقرة والملاصقة فلا.

أهمية المحافظة على الالتزام

أهمية المحافظة على الالتزام Q التزمت منذ فترة قصيرة تقارب الشهرين ولكن بدأ التزامي يضعف فما هو الحل؟ A الحل أن ترجع، وهكذا دائماً الذي بدايته ضعيفة، تكون نهايته هزيلة، لا يا أخي المسلم التزم بدين الله، ما الذي يردك عنه؟ إلا الشيطان، فهل أنت عبد للشيطان؟ مركب للشيطان؟ حمار لإبليس يركب حتى يوصلك إلى النار؟ لا. بل تمرد عليه، كن عبداً لله فر إلى الله حافظ على طاعة الله ابتعد عن المعاصي لا تنهزم كن قوياً جاهد نفسك وروضها وستجد نفسك بعد أيام من أحسن الناس إن شاء الله.

عدم جواز إفراد الجمعة أو السبت أو الأحد بصوم

عدم جواز إفراد الجمعة أو السبت أو الأحد بصوم Q إذا صام أحدٌ يوم الخميس لا بد له من أن يصوم يوم الجمعة؟ A لا. صم يوم الخميس وكثر الله خيرك، وإذا أردت أن تصوم يوم الجمعة مع الخميس فلا بأس، لكن المنهي عنه أن تفرد يوم الجمعة بصوم، أو تفرد يوم السبت بصوم، أو تفرد يوم الأحد بصوم، فإن يوم الجمعة عيد المسلمين، والسبت عيد اليهود، والأحد عيد النصارى.

أهمية أداء الصلاة في المسجد

أهمية أداء الصلاة في المسجد Q نصحت صديقاً لي بالصلاة في المسجد فقال لي: إنني أصلي في البيت، والمهم أن يصلي الإنسان سواءً في البيت أو في المسجد، فدعوت عليه وقلت: الله لا يهديك؟ A كيف تدعوه وتدعو عليه، بل قل: الله يهديك يا أخي! نسأل الله أن يهديه، أما كونه يقول: الصلاة سواء كانت في المسجد أو في غير المسجد فهذا كذب، الله ما أمر ببناء المساجد إلا للصلاة، يقول الله عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:36-37] .

الخمول والنشاط طبيعة بشرية

الخمول والنشاط طبيعة بشرية Q ما الحكم وما العلاج فيما يجده المسلم في نفسه في بعض الأوقات من الكسل والخمول عن أداء العبادة؟ A هذا شيء طبيعي -أيها الإخوة- أن يجد الإنسان في نفسه هبوطاً وصعوداً، ومداً وجزراً، ونشاطاً وكسلاً، هذه طبيعة الإنسان، لا يوجد شخص على وتيرة واحدة، يعني أن درجة الإيمان عنده ستين أو سبعين لا يعدل عنها، لا. ولكن هناك حد أدنى، فالذي ينزل عليه يقع في النار، والحد الأدنى والحد الأعلى يتراوح الناس فيه، فهذا يصعد وهذا يهبط، والحد الأدنى هو: الحفاظ على الفرائض، والإتيان بالرواتب، والبعد عن المحرمات، وترك المكروهات، بعد ذلك إذا نزلت على هذه فليس معك إلا النار.

حكم دخول المسجد لأداء الصلاة بالأحذية

حكم دخول المسجد لأداء الصلاة بالأحذية Q رأيت شيئاً استغربته في هذه الأيام من الناس، ولم أقتنع به رغم سماعي بالحديث وهو: أنني رأيت أناساً يدخلون المسجد بالأحذية ويصلون فيها، فكيف هذا يا مولانا، ولكني أعرف أيضاً أنه يجوز في الضرورة القصوى مثل صلاة الحرب، وعدا ذلك يجب احترام المسجد لأنه بيت الله، فكيف ندخل بيت الله بالأحذية، بينما كنا نلمز المسيحيين في دخول الكنائس بالأحذية، فكيف نفعل أفعالهم؟ A نقول يا أخي الكريم بارك الله فيك، عليك أن تقبل سنّة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم بصدر رحب، وألا تتصلب ولا تتشدد ولا تأتيك حساسية من هذا الموضوع، فإن الموضوع محكوم بنص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأمر الأول: أننا مأمورون باحترام المساجد وبإخراج القذر عنها وبحمايتها من القذر، وما دام الإنسان يعرف أن المسجد مفروش وأن حذاءه هذه كان يسير بها في الطين والأتربة والغبار وربما في النجاسات؛ فإن عليه أن يحترم المسجد وألا يدخل بها، لماذا؟ لأنها محروسة ومقدسة وينبغي المحافظة عليها، حتى ولو كانت الحذاء طاهرة ما دام المسجد مفروشاً؛ لأنه لو دخل الناس كلهم بأحذيتهم والمسجد مفروش، فإنه بعد يومين سوف يتسخ كله، أما إذا كان غير مفروش وجاء رجل وصلى بحذائه فلا ينكر عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى في حذائه وقال: (خالفوا اليهود صلوا في نعالكم) والحديث صحيح، فلا نقول للناس الذين يصلون في نعالهم: إنهم ارتكبوا جريمة أو خالفوا الأمر، لا. لكن نقول لهم: إن الأولى أن تحترموا المساجد، أي: فرشها، لأن المسلم مأمور بأن ينظفها فكيف يأتي بالقذر إلى المسجد؟! فإذا دخل رجل الآن في بيته هل يدخل مجلسه بالحذاء أم ينزعها عند الباب؟ ينزعها عند الباب، حسناً لا يكون المسجد أقل شأناً من بيتك، لا لأن حذاءك نجسة، لا. لعلها طاهرة لكن لأن فيها قذراً، ثم إن مسألة الحذاء ووطء الفراش بها تترك أثراً، يأتي شخص يصلي مكان حذائك، وينظر فيرى أن حذاءك مرسومة في الموكيت ويضع جبهته مكان حذائك، إنه شيء يتقزز منه الإنسان، وما دام هكذا فينبغي للإنسان أن ينزه المسجد، ولا يأخذ الواحد منا هذا الموضوع بنوع من الحساسية، فالموضوع فيه سعة، وعلى المسلم أن يسعى جهده في سبيل العمل بسنّة النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من أسباب عذاب القبر الحلقة [6] 1،2

من أسباب عذاب القبر الحلقة [6] 1،2 لقد خلق الله الخلق لغاية عظيمة وهي عبادته سبحانه، وقد أحل لهم الحلال رحمة بهم، وحرم عليهم الحرام شفقة عليهم من الضرر الديني والأخلاقي والاجتماعي، وإن من أعظم ما حرم عليهم ارتكاب جريمة الزنا والسعي إليها، فإن في هذا الفعل ضرراً على العبد في دينه وخلقه وحياته ومجتمعه، ولذلك حرم الله كل داعٍ من دواعي الزنا وكل سبب يؤدي إلى ارتكاب هذه الفاحشة الشنيعة، وإن من أعظم أسباب الوقوع في الزنا عشرة أسباب ذكرها الشيخ حفظه الله في هذه المحاضرة القيمة، والدرس الوافي، مبيناً أن اقتراف الزنا من الأسباب المؤدية لحصول عذاب القبر.

شرح الله لصدور عباده نعمة من نعمه سبحانه

شرح الله لصدور عباده نعمة من نعمه سبحانه إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه وصفيه وخليله صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: ما أعظم نعمه! وما أكثر مننه! وما أجل آلائه! فله الحمد بكل نعمةٍ أنعم بها علينا من قديمٍ أو حديثٍ أو شاهدٍ أو غائبٍ أو حيٍ أو ميت، اللهم لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالأمن في الأوطان، ولك الحمد بالعافية في الأبدان، ولك الحمد بالأرزاق جلبتها لنا رغداً من كل مكان، لك الحمد بكل النعم، ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد بعد الرضا، كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول والحديث في السنن: (اللهم ما أمسى بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر) . المتأمل في النعم التي تترادف على الإنسان يرى أن فضل الله عليه كبير، وكان فضل الله عليك كبيراً: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34] نعمٌ. لا نستطيع لها حداً، ولا نستطيع لها عداً، نعمٌ كثيرة أهمها وأعظمها وأجلها نعمة الإيمان التي امتن الله بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] شرح الصدر كما يعبر عنه العلماء هو: عملية الانفتاح القلبي على الدين، أي: ينفتح قلبك وتنشرح أساريرك وتقبل بكلك وجميع إمكانياتك على الله، فتستسلم بين يدي الله، وتخضع لكل أوامر الله، ثم لا ترفع رأسك أبداً من أي أمر، ولا تتردد في تنفيذ أي طلب، ولا تستطيع أن تقدم على أي نهي؛ لأن الله شرح صدرك، وضد الانشراح الانغلاق، أن يغلق قلب الإنسان ضد الدين وينفتح على الشر، فيتقبل كل باطل، ويثقل عليه كل حق، ويحب كل شر، ويكره كل خير، يكره المساجد، يكره القرآن، يكره الصلاة، يكره العلماء، يكره مجالس الذكر، يكره الخير في كل صوره وأشكاله، ويحب أضدادها، هذا -والعياذ بالله- منغلقٌ قلبه، مقفول منكوس، والمنكوس لا حيلة فيه، لو أتيت بما في الأرض من ماء وأردت أن تصبه في إناءٍ منكوس لما دخل فيه قطرة واحدة؛ لأنه مقلوب ليس عنده قابلية للاستيعاب. أما الذي شرح الله صدره ونوَّر قلبه فهذا يعيش على نورٍ من الله عز وجل، يقول الله عز وجل: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الزمر:22] ضلال واضح لا غبش فيه، ضلال هائل ضخم جداً؛ لأن الله عز وجل شرح صدورهم ورفضوا إلا أن يسيروا في الخط المعاكس؛ فقست قلوبهم عن ذكر الله وعن دينه، فتوعدهم الله بويل: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22] .

شرح الله لصدر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

شرح الله لصدر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم شرح الله صدر نبيه صلى الله عليه وسلم فعاش أعظم وأكمل عيشةٍ عرفها البشر على وجه الأرض، وأوتي أعظم نصيب من شرح الصدر في الدنيا حتى قال الله فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] شرح الله صدره رغم أن الإمكانيات المادية التي كانت تحيط به لا تدعو إلى شرح الصدر، شرح الله صدره وهو يصعد إلى الطائف ويدعوهم ويرفضون دعوته بعد أن كان عمه أبو لهب يلاحقه -عليه من الله ما يستحق- كان يطارده، فأعرف الناس بالرجل أهله وذويه، فلما انتهى من خطبته وهو يعظ الناس ويدعوهم إلى لا إله إلا الله وقف الخبيث بجواره وقال: من هذا؟ قالوا: هذا ابن أخيك، قال: ومن أنا؟ قالوا: وأنت عمه، قال: أنا أعرف به، والله لو كان صادقاً لكنت أول من صدقه، فإنه كذاب فكذبوه كلهم، وما رجموه هم وما طردوه وإنما أغروا به السفهاء، حتى أدموا عقبيه الشريفة صلى الله عليه وسلم، يطارده الصبيان في أزقة الطائف وبين بساتينها حتى أدموا رجليه وهو صلوات الله عليه وسلامه عليه صابرٌ محتسب منشرح الصدر، وما أعظم ممن يكذب وهو صادق! ما أعظم منه أن تكون صادقاً وتأتي تقول كذا، ويقولون: لا. كذاب، ومن يكذبك؟ ألصق الناس بك، وبعد ذلك يجلس صلوات الله وسلامه عليه عند حائط من حيطان العنب، وهو يشكو أمره إلى الله ويقول: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني أم إلى قريبٍ ملكته أمري، إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي سخطك، أو أن ينزل بي عذابك، لك العتبى حتى ترضى ولك العتبى بعد الرضا) صلوات الله وسلامه عليه. ومع هذا الظرف القاسي أيضاً كان صدره مشروحاً، ويعود صلوات الله وسلامه عليه وفي الطريق يقول له جبريل رسولاً من رب السماوات والأرض: (هذا ملك الجبال إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين فعل) ولكن لو كان ضيق الصدر، ومحدود النظر، وفردي النزعة، أو أناني النظرة لانتقم لنفسه وقال: نعم. هؤلاء لا خير فيهم كما يصنع بعضنا الآن، من الدعاة من إذا كذب أو رد أو قيل فيه شيء أرغى وأزبد ولا يتحمل أبداً، يريد أن يكون داعية بدون تحمل، لا يمكن أبداً، يريد أن يدعو الناس وإذا قال له أحد شيئاً ضاربه، لا يا أخي! ليست هذه دعوة، هذا الذي تدعوه مريض جاهل سقيم وأنت طبيب، أما ترى الطبيب إذا دخل على المريض، المريض يشتمه والطبيب يبتسم له؟ المريض ينفر منه ويدقه ويقول: اتركني لا أريد، لكن يقول: لا من أجل خاطري خذ هذه الحبة الإبرة المرهم العلاج، لماذا؟ لأنه طبيب فأنت طبيب، أتريد من كل من تدعوه أن يقول لك: جزاك الله خيراً، والله ويبارك فيك، وعلى الرأس والعين، وإلا قامت الدنيا وقعدت في نظرك، وقلبت للناس ظهر المجن، وكلت لهم الصاع صاعين، ولماذا تفعلونه، ولماذا تقولون؟ لا. ليس هذا أسلوب الدعوة، أسلوب الدعوة أن تحلم وتعفو، وألا تنتقم لنفسك بأي حالٍ من الأحوال؛ لأنك تضع نفسك في سبيل ربك فيهون عليك كل شيء. فلو كان صلى الله عليه وسلم بشرياً في هذه الناحية ولم يكن ربانياً لقال: نعم. هؤلاء لا خير فيهم، دعوتهم وعددت لهم الأساليب، ونوعت لهم الطرق فرفضوا، أطبق عليهم الأخشبين، لكنه قال: (لا. ولكني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده) نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم نظرة بعيدة، يقول: إذا كان هؤلاء قد تحجرت قلوبهم وجبست رءوسهم فما يدريك لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله، وكان حقاً أن أخرج الله من أصلاب هؤلاء الكفار صناديد من كبار الصحابة ومن قواد الإسلام: خالد بن الوليد بن المغيرة وعمرو بن العاص من العاص بن وائل، وعكرمة بن أبي جهل من أبي جهل وعلي بن أبي طالب من أبي طالب، يعني كبار الصحابة كلهم من أولاد الكفار، صلوات الله وسلامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. شرح الله صدره وهو في الغار يطارد ويهدد بالاستئصال وبالقتل، ويجعل صناديد مكة وكفارها مئات الإبل لمن يأتِ به حياً أو ميتاً أو يدل عليه أو يأتي بخبره، ولكن عنده من الطمأنينة والوثوق بربه ما لو قسم على أهل الأرض لكفاهم، حتى أبو بكر يقول له: (يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى قدمه لرآنا، فيقول له: لا تحزن إن الله معنا) {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] ويقول: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) ثقة عظيمة، من أين جاءت الثقة بالله؟ من انشراح الصدر. شرح الله صدره وهو يسجن في الشعب ويحاصر ويقاطع ثلاث سنوات، لا يباع معه ولا مع أصحابه ولا مع بني هاشم ولا يشترى، مقاطعة كلية، محاربة كاملة، وبالرغم من هذا أكلوا ورق الشجر وتقرحت أشداقهم، وساروا يُخرجون كما تُخرج الإبل؛ لأنهم لا يأكلون إلا ورق الشجر، ومع هذا شرح الله صدره صلوات الله وسلامه عليه. فإذا شرح الله صدرك أقبلت عليك الخيرات من كل جانب، وإذا أغلقت الموجة عليك، وضيق الله على العبد أقبلت عليه النحوس من كل جانب والعياذ بالله.

شرح الله لصدر نبيه موسى عليه السلام

شرح الله لصدر نبيه موسى عليه السلام يقول موسى وهو يكلف بهذه المهمة العظيمة مهمة هداية البشرية في عهده عن طريق أعلى قمة في العالم آنذاك وهو فرعون الذي كان يقول: أنا ربكم الأعلى، ويقول الله له: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:43] فيقول: ربِّ هذه مسئولية ورسالة صعبة جداً، من يستطيع يقف أمام فرعون؟ من يستطيع يذهب إليه؟ {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] ، طاغية جبار، كيف نقول له: تؤمن بالله وهو يدعي أنه هو الله، هذا ليس عنده إلا السيف والقتل: {قَال لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] فيقول وهو يستعين بالله على أداء هذه الرسالة الضخمة: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً} [طه:25-35] والله يقول: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125] .

الأسباب الجالبة لشرح الصدر للطاعة

الأسباب الجالبة لشرح الصدر للطاعة شرح الصدور أيها الإخوة! نعمة يمن الله بها على من يشاء من عباده، وتأتي هذه النعمة بأسباب المبادرات التي يأتي بها العبد، فالمبادرة الأولى أن تطلب من الله هذه النعمة كما طلبها النبي صلى الله عليه وسلم، وكما طلبها موسى، وكما يطلبها كل الصالحين دائماً تقول: ربِّ شرح لي صدري، نوَّر قلبي، حبب إليًَّ الإيمان، كره إليَّ الكفر والفسوق والعصيان، حبب إليَّ أهل الخير؛ لأن الضراعة إلى الله تدل على صدق الطلب، فعندما تلح على واحد بطلب مهما كان قلبه قاسياً لا بد أن يراعي ظرفك، لماذا؟ لأنه يتصور أن عندك حاجة، وعندما تأتي إلى شخص وتقول: أعطني إن شاء الله وقال لك: ما عندي ومشيت خلاص اكتفيت، لكن عندما يقول: ما عندي، وتقول: لا تكفي، طيب! أقول لك: ما عندي، ويذهب من عندك ويعود اليوم الثاني فيقول: أنا أتيتك أمس وطلبتك ورفضت، فتقول: لكن والله يا أخي! عندي حاجة تكفي، مهما كان هذا الإنسان إذا كررت الطلب عليه مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً وخمساً لابد أن يجيب طلبك ولو بشيءٍ بسيط، هذا البشر فكيف برب البشر الكريم الذي يستحي أن يرد سائلاً، والذي تبارك وتعالى يجيب دعوة المضطر، فإذا تضرعت إلى الله في صدقٍ وتذللٍ وفي إظهارٍ للحاجة أن يشرح صدرك، شرح الله صدرك، فمن أسباب شرح الصدر الضراعة والدعاء إلى الله عز وجل. والأسبابٌ كثيرة ليس هذا مجال لذكرها، ولكن من الأسباب ترك مساخط الله، ترك المعاصي، الابتعاد عن الذنوب؛ لأن الذنوب ظلمة، الذنوب حجاب بينك وبين الله، الذنوب سور وعقبة بينك وبين الهداية، فما عليك إذا أردت الهداية وإذا أردت أن يشرح الله صدرك إلا أن تبتعد عن الذنوب. وإن من الذنوب العظيمة والفواحش الكبيرة التي حرمها الله في كتابه وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فاحشة الزنا -أجارنا الله وإياكم منها- فاحشة لفظها فحش وهي ما فحش في القلوب وعظم، وقد سبق أن قلنا في الماضي: إنها من أسباب عذاب القبر، وبعض الذنوب والمعاصي والكبائر مختصةٌ بأن صاحبها ومرتكبها يعذب في قبره منذ أن يموت حتى يبعث الله عز وجل من في القبور، ثم ينتقل من قبره في العذاب ليكمل العذاب في دار المعذبين، في دار الدمار، في دار النكال أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

أسباب انتشار الزنا في المجتمع

أسباب انتشار الزنا في المجتمع وقلنا: إن هناك أسباباً من وقع فيها وقع في الزنا، ولذا ينبغي للعاقل أن يتعرف عليها وأن يتحاشاها حتى لا يقع في الزنا، ثم بعد ذلك يهلك نفسه هلاكاً ليس بعده هلاك، وقلنا إنها عشرة أسباب، وتكلمنا عن خمسة منها، وسنتكلم عن الخمسة الأخرى بإذن الله، والخمسة التي تكلمنا عنها هي:

إطلاق النظر

إطلاق النظر من أعظم أسباب الزنا، بل النافذة الكبيرة والخطوة الرئيسية فيه إطلاق النظر. والمرء ما دام ذا عينٍ يقلبها في أعين الغير موقوفٌ على الخطر يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضرر كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر وهذه قاعدة مجربة، الذي يغض بصره ويخاف من الله، الله يحميه، الله يرعاه، الله يكلؤه؛ لأنك ما دمت خفت من الله في هذه الصغيرة الله تبارك وتعالى يحميك من الكبيرة، لكن إذا تساهلت ولم تخش الله في هذه أوكلك الله إلى نفسك، وإذا أوكلك الله إلى نفسك وتخلى عنك قادك الشيطان إلى الكبيرة. لا تحقرن من الذنوب صغيراً إن الصغير غداً يصير كبيراً إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطرٌ تسطيراً فهذه ناحية مهمة جداً؛ لأننا عرضة لها في كل وقت، تخرج من المسجد ترى امرأة، تمشي في الشارع ترى امرأة، تنزل السوق ترى امرأة، أنت عرضة لابد أنك تتعرض لشيء، ولذا ما موقفك؟ موقفك أن الله ركب على عينيك بابين، ولو أن ما عندك جفون وعيناك مفتحة وأردت أن تغمض يلزمك أن ترفع يديك وتغطى هذه مشقة، لكن من رحمة رب العالمين أن ركب لك جفوناً فأنت فقط غض بصرك، هذه نعمة من نعم الله عليك، غض بصرك عما حرم الله ليفتح الله بصيرتك في الدنيا والآخرة، غض بصرك هنا ليفتح بصرك عليه يوم القيامة تراه في الجنة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] أي: مشاهدة.

التبرج ونزع الحجاب

التبرج ونزع الحجاب هذا في جانب المرأة، إذا نزعت المرأة حجابها، وعرضت مفاتنها، وهتكت عرض زوجها وأهلها، ثم خرجت تبيع الفتنة بلا ثمن، وتنشر الزنا بلا حساب، أوقعت في حبائلها المنخدعين والشهوانيين ممن لا يخافون الله، فتنتشر جريمة الزنا، لكن إذا بقيت المرأة في حجابها مستترة بقيت جوهرة، والجوهرة النفيسة دائماً يضعها صاحبها في مكانٍ نفيس؛ لأنها غالية عنده، هل سمعتم بأن أحداً عنده جوهرة ويضعها عند الباب أو في الحمام أو في السوق ينزلها؟ لا. يضعها في الصندوق ويقفل عليها ولا يراها أحد إلا هو. وكذلك المرأة في نظر الدين جوهرة غالية لا تنظر لها عين، ولا تصل لها يد إلا يدك فقط، أما أن تجعلها مثل البعرة أو تجعلها مثل المنشفة كل من دخل نشف، هذه قذارة والعياذ بالله.

حب الغناء

حب الغناء الغناء رقية الزنا كما يسميه ابن القيم رحمه الله رحمةً واسعة، ومن أراد المزيد في هذا الموضوع فليرجع إلى كتابه إغاثة اللهفان، سيجد شيئاً مما فتح الله به قلب هذا الرجل على هذا الموضوع، بحيث يقتلع هذا الموضوع من أساس قلبك إن شاء الله، وإن شاء الله إن وفق الله سنخصص ندوة خاصة اسمها حكم الإسلام في الغناء، الغناء داعية الزنا، الغناء بريد ورقية الزنا، وشحم الزنا الذي إذا وقعت فيه انزلقت إلى الزنا؛ لأن الغناء ألفاظه وأنغامه وحركاته كلها تحرض على الجريمة، وكلها تذكي وتشعل الجنس فيك، وليس من مطفئٍ لهذا الإشعال إلا الزنا، ولذا لا تذكي النار، لا تشعل الحريقة، أطفئ حريقة الزنا بذكر الله عز وجل وبترك هذا الجانب الخبيث.

عدم التلبس بلباس التقوى

عدم التلبس بلباس التقوى لأن الله يقول: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26] ويقول الناظم: إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً ولو كان كاسياً فخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصياً والتقوى جلباب ورداء، ستر عليه خيمة تحترز بها من كل معصية، فإذا خرج الإنسان من هذا الرداء أو من هذا اللباس وقع وسقط.

معاشرة زملاء السوء

معاشرة زملاء السوء زملاء السوء، زملاء السمر، زملاء الأفلام، زملاء الفيديو، زملاء التمثيليات والمسرحيات والجلسات والتمشيات، هؤلاء يقودون كثيراً من الناس إلى الزنا، يقول لي شخص من الشباب وقد هداه الله إلى الإسلام بعد أن خرج من الطريق وكاد أن يهلك، لكن الله رحمه ورده، يقول: نشأت نشأة الإيمان لا أعرف شيئاً أبداً من هذا الكلام، وبلغت مبلغ الرجال وكان عمري تسعة عشر سنة يقول: والله ما دار في ذهني ولا علق في فكري أني أنظر إلى امرأة وأنا عمري تسعة عشر سنة؛ لأني لا أعرف هذا الكلام، لا أعرف إلا الصلاة والمسجد وأبي من أهل الخير، يقول: وأنا في مدرسة القرآن، يعني: حياة إسلامية كاملة لا يدور أبداً في ذهني هذا الكلام، يقول: وجئت يوماً من الكلية وأنا في سيارة زميل شيطاني قرين من قرناء الشر يقول: وفي الطريق ما ذهب بي إلى البيت قال: هيا نذهب إلى السوق، لماذا؟ قال: ننظر، قلت: ماذا تنظر؟ قال: أريد أن أشتري حاجة، يقول: وأخذ بيدي ودخل سوق الذهب يقول: أنا كنت إذا مررت على المرأة أنصرف، يقول: وليس من أجل الدين لكني تعودت، لا أستطيع أفتش أخجل، لكن هذا الشيطان يقول: منذ أن مررنا على أول امرأة بدأ يطلق كلمات ويعاكس بها البنات يقول: وأنا موجود خجلت لكني استعذبت هذا الشيء، يقول: شيء جديد في حياتي فاستعذبته يقول: وسرت عليه، وفي اليوم الثاني بدلاً من أن أرجع من الكلية إلى البيت ذهبت إلى السوق مثل الشيطان الرجيم، يقول: ولما مرت عليَّ امرأة بدأت أرمي نفس الكلمات التي كان يقولها، يقول: وبدأت في الانزلاق، انظروا! الزاوية الحادة رأسها يكون صفر، لكن نهايتها كيلو، تنفرج الزاوية إلى أن تصل إلى النار والعياذ بالله. فهذا بدأ بكلمة يقول: وما أدركت نفسي في يومٍ من الأيام إلا وأنا أستثقل الصلاة، وأنسى القرآن، وأكره الإخوان، ولا أحب الكلية، يقول: مباشرة أبحث عن شيء جديد يقول: انفتح شيطان جديد قادني إلى هذا الأمر، يقول: فتح لي باباً ثانياً اسمه: باب الأغاني لم أكن أعرفه وأدخلني منه، وفتح لي باباً ثالثاً: باب الجرائد والمجلات الخليعة، مجلة النهضة بعشرة ريالات، أي نهضة؟! نهضة الحمير هذه، الأسماء هذه الكذابة، مجلة النهضة ومجلة اليقظة، أي يقظةٍ وأي نهضة؟!! يقظة الجنس، نهضة الزنا والحرام وبعشرة ريالات، يقول: وأشتريها بعشرة، بينما المجتمع بأربعة ريالات لا أحد يشتريها التي فيها يقظة صحيحة، والتي فيها نهضة حقيقية فيها نهضة الروح ويقظة القلوب إلى بارئها وإلى فاطرها، هذه لا أحد يشتريها إلا أصحاب القلوب الصحيحة، أما الذباب البشرية التي لا تأتي إلا على النجاسات والفضلات تشتري المجلة بعشرة ريالات، لماذا؟ لأن فيها صورة عاهرة، صورة بنت ممثلة أو مغنية مادة لأرجلها أو ليديها مثل الكلبة يقول: وما عرفت بعد ستة أشهر إلا وأنا في اتجاهٍ آخر غير الاتجاه الذي كنت فيه، يقول: وتشاء إرادة الله أن تتداركني عناية الله بلحظة من اللحظات وفي جلسة من الجلسات، نعم وأرجع والحمد لله. فانتبه انتبه! فالقضية خطيرة جداً لا تتساهل لا تعتمد على أنك مؤمن، لا. ثم لا. الشيطان والله ما يتركك والشيطان حريص أن يجلب عليك بكل وسيلة. أحمد بن حنبل إمام أهل السنة الذي مات واهتزت الدنيا لموته رضي الله عنه وأرضاه لمواقفه العظيمة، لما جاءه الموت كانوا يقولون له: قل: لا إله إلا الله، فيقول: لا بعد، فلما أفاق قالوا: يرحمك الله يا إمام، نقول لك: قل: لا إله إلا الله فتقول: لا بعد، قال: لم أكن أكلمكم جاءني الشيطان فقال لي: فتني يا أحيمد، يقول: فتني. يقول: يريد أن يصطادني في آخر لحظة في إدخال العجب والغرور إلى نفسي فأقول: نعم. يمكن يصيدني في تلك اللحظة، فأقول له: لا. ما فتك يا عدو الله! العداوة قائمة بيني وبينك إلى أن تخرج روحي وألحق بربي هناك لن تقدر عليَّ، ونحن الآن بمجرد أن يصبح عند الشخص أمن يمكن يقول: والله ما يهمك أنا أسمع الأغاني ولا تضرني، دجال كذاب والله أنت تسمعها ولا تهرب، وأنا يا شيخ! النساء لا تهمني أجلس مع النساء لكن قلبي نظيف، الله أكبر! قلبك أنظف أم قلب الصحابة؟ قلب المرأة التي تنظر إليها أطهر أم قلب الصحابيات اللائي يقول الله فيهن: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53] لماذا؟ قال: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53] أطهر قلوب على وجه الأرض قلوب الصحابة وأمهات المؤمنين، وبالرغم من هذا يقول الله: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53] ويأتي شخص من حثالة الحثالات يقول: إن قلبه نظيف إذا نظر إلى النساء، والله لو أن القلب نظيف ما نظرت إلى ما حرم الله، ولكن في قلوبهم مرض كما قال الله عز وجل: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب:60] مرض الزنا، مرض حب التبرج، مرض حب الوجوه اللامعة، مرض حب الأصوات الرخيمة، المجلس الذي ليس فيه امرأة مجلس ناشف، مجلس معقد ليس فيه طعم ولا ملح، نريد مجلساً مشتركاً، هؤلاء مرضى بمرض الزنا، قال الله عز وجل: {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:60-62] . زملاء السوء انتبه! إذا رأيت زميلاً سيئاً فاحذر منه حذارك من الأسد. ذات مرة وأنا في مكة قبل فترة شخص يسأل يقول لي: أنا شاب وطيب ومهتدٍ وملتزم والحمد لله، لكن لي زملاء أربعة أو خمسة يسمعون الغناء ولا يصلون، ويستهزئون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي أنا عليها يقول: وأنا في صراع معهم ولا أقدر السكن إلا معهم؛ لأنهم من الجماعة، يقول: لا أستطيع أن آخذ لي عزبة وأذهب وحدي أنا معهم فماذا أصنع؟ فقلت له: معك ثلاثة من الجماعة، لو جاءك يوم من الأيام ذهبت من الدراسة -هو يدرس في الكلية- وإذا بك تفاجأ أن هؤلاء الثلاثة كل واحد منهم معه تقرير طبي، قالوا: والله اليوم عملنا فحصاً في المستشفى واتضح أن الواحد منهم فيه إيدز، وآخر مريض بمرض السرطان، وآخر مريض بمرض السل، فما رأيك يا زميلهم الرابع؟ تجلس معهم؟ تأكل وتشرب معهم؟ والله لا تقعد معهم ولا تلتفت فيهم حتى الالتفات، وتقول لهم: أنت مصاب بالإيدز -أعوذ بالله- وأنت مصاب بالسرطان، وأنت مصاب بالسل، أنتم تعرفون يا جماعة الخير! الحجر الصحي مطلوب والنظافة من الإيمان: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] وأنا بالرغم من إعزازكم لي وإعزازي لكم وأنتم من الجماعة، لكن هذا قضاء الله وقدره، وأنا أعتذر والله، فمن اليوم لا أستطيع أن أتغدى معكم، والله لن تتغدى معهم ذاك اليوم، وإذا أرسلت يدك عليه ويده قدامك ترى الإيدز في رأس يده، وترى السرطان في كف ذاك، وترى السل في نحر ذاك، طبعاً ورأساً تبتعد منهم. هذا في الأمراض الحسية، ما رأيك في شخص عنده إيدز في أخلاقه يحب النساء، ويحب الأغاني والزنا، وشخص عنده سرطان في عقيدته، عنده شك في الدين، شك في الله، وفي الرسالات، وفي صلاحية الإسلام، واحد عنده سل -والعياذ بالله- في إيمانه، هذا أخطر أو أولئك؟ والله الذي لا إله إلا هو إن هؤلاء الثلاثة أخطر ألف مليون مرة من أولئك، أولئك لو جلست معهم فإنك تموت، لكن هؤلاء إذا مت وأنت معهم وقد أعدوك بأمراضهم المعنوية ذهبوا بك إلى جهنم، أهلكك في الدنيا والآخرة، لماذا تجلس مع واحد تعرف أن عنده فساد في عقيدته، احذر ثم احذر، انتبه يا أخي الشاب! لا تجلس إلا مع من تعرف أنه سليم ومعافى في عقيدته وأخلاقه ودينه وإيمانه، وقد تقول: أنا أريد أن أهديه، فهذا مدخل ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، يأتي لبعض الناس شيطان يقول: يا شيخ! اصبر على الناس، ينبغي عليك أن تصبر، إذا أصبحت عندك حصانة ومناعة، قوة إيمان، قوة علم، سعة إطلاع، معرفة للشرور، عندها تأتي على ناس وتمد لهم حبلاً ولا تنزل إلى مستنقعهم وتجرهم، فإن رأيت أنك تجرهم فالله يعينك، وإن رأيت أنهم يجرونك فك الحبل لهم ودعهم في مستنقعهم؛ لأن بعض الناس يقول: لا أنا أريد أن أجر، فيتعاونون عليه فيجرونه حتى يظل معهم، وتلك الساعة لا سلم ولا كر، أردنا الربح فعودنا ربحهم، يريد أن يدعوهم فدعوه، لا حول ولا قوة إلا بالله! يجب أن تحذر من رفقاء السمرات والبشتات والأفلام والعشوات والعقبات؛ لأن العقبة الآن، أكلت أموال الناس، تراهم في كل وادٍ معهم التلفاز والورقة والغنم المحنوذة، ونعم الله تشتغل! والمعاصي تشتغل! وهذا نذير العذاب، ما كنا نشبع يا إخوان! نحن ضيوف حضارة، ولسنا نحن أهل حضارة دائماً، والضيف لابد أن يكون حشيماً، وإذا لم يكن حشيماً صاحب البيت ينذره، إذا دخلت وأنت ضيف وقعدت تخرب على صاحب البيت قال: الله يقلعك، أنا أريد أن أكرمك وأنت رفضت، هيا اترك والله لن تذوق العشاء، ليس عندنا ضيوف حضارة، ما عندنا شيء ما عندنا إلا الجبال والبطحى والصحاري، لكن الله أكرمنا، وأنعم علينا، فإذا ما شكرنا الله عز وجل أنذرنا، ورد علينا مثل ما كنا وأسوأ، كما جاء في بعض الآثار الإلهية يقول الله: (إني أنعم حتى يرفعونه، ثم أمنع حتى يشتكونه) هل نحن نريد الثانية؟ الأولى قد وقعت قد أنعم حتى رفعها، وباقي الثانية، نخاف منها يا إخوان! لا حول ولا قوة إلا بالله! ليس هناك عقبة أو في تهامة، سمِّ داراً من دور بيتك تهامة، واجعل مدفأة تدفئ فيها قليلاً وتقول: والله كأنك في تهامة، وصل لك ركعتين، وخذ كتاب رياض الصالحين أو كتاب تفسير ابن كثير واجلس في بيتك.

التعليم المختلط

التعليم المختلط من أسباب الزنا وفشو فاحشته وانتشارها: التعليم المختلط الذي لا نزال في حفظٍ من الله عز وجل منه، وينادي المستغربون والفروخ التي تربت في الغرب يريدون أن ينقلوا المجتمع المسلم إلى مثل تلك المجتمعات، ويقولون: لماذا تضعون مدارس رجال ومدارس نساء، يعني: ليس هناك ثقة، دع البنت إلى جنب الولد، وضع النار جنب البارود والثقة موجودة ولا تشتعل النار، هؤلاء الدجالين، التعليم المختلط بين الطالبات والطلاب، والمدرسين والمدرسات، في المدارس المتوسطات والثانويات والجامعات، ما أُكثر من هذا النمط في كثير من بلدان العالم الإسلامي حتى فشا الشر، وانحلت المجتمعات، وتدهورت أخلاق الشباب بدرجة أنك ترى الشابة تمشي في الشارع في بعض بلدان المسلمين حاسرة الرأس مكشوفة الصدر والرقبة والفخذ، حقيبتها في يدها، وساعدها في يد زميلها في الفصل، يأخذ كتبها وتأخذ كتبه، ويذهبون يذاكرون في الليل مذاكرة من نوع ثانٍ. التعليم المختلط هذا سبب من أسباب فشو جريمة الزنا، ولذا في أمريكا بلد الإباحية، نسبة 56% من البنات في الثانويات ما عندهن بكارة كلهن مفضوضات 56% لا توجد بكارة، من كل مائة بنت 56 مفضوضة والبقية في الطريق بسبب التعليم المختلط، بسبب وضع النار جنب البارود، لا يجوز هذا. أيضاً من ضمن ذلك مشاركة المرأة في العمل الوظيفي والتجاري والصناعي بدعوى شيطانية: إنها شريكة الرجل، وإن المرأة نصف المجتمع، وأنه يمكن أن نوفر عمالة، لا. المرأة لها وظيفة تختلف عن وظيفة الرجل، لها رسالة كبيرة في المجتمع، وظيفتها أم بيت وأم أولاد، ولا مانع من أن تتوظف بالوظائف النسوية الملائمة لجنسها، ليس هناك مانع مع الاحتياطات الشرعية من أنها لا تختلط برجل، ولا يدخل عليها رجل مثل ما هو قائم عندنا الآن، ونسأل الله أن يديمه ويزيده، لكن تأتي سكرتيرة مكتب، أو موظفة ويتصل بها زوجها ويقول: قد رجعت إلى البيت قبلك وطبخت الغداء، قالت: والله المدير لم يخرج بعد وأنا أنتظره إلى أن يخرج، الآن من الزوج: أنت أم المدير؟ إذا أنت تكلم زوجتك، وتقول: إني لن آتيك لأن الآن المدير جالس، والله لا آتيك إلا إذا طبخت الغداء، أي حياة هذه؟ بئست الحياة، بهذه الطريقة وهذا الأسلوب، وقع الشر وانتشر الفساد وتفشى الزنا عن طريق التعليم المختلط، وعن طريق العمل المختلط، ويضللون المرأة المسكينة، هذه المرأة حقيقةً هم أعداؤها وليسوا أصدقاءها، يريدون أن يستمتعوا بها بكل طريقة، ولذا يخدعونها والمرأة مسكينة تحب هذه الشعارات، قالوا: تحرير المرأة، قالوا: إطلاق المرأة، إشراك المرأة، تنوير المرأة بحجة أنها تشارك الرجل، المساواة مع الرجل، أي مساواة؟ المرأة لها تركيب، ولها وظائف في الحياة تختلف عن وظائف الرجل، حسناً نريد المساواة بين الرجل والمرأة، إذاً صحيح تريدون أن تساووا المرأة بالرجل نقول: إذا حاضت المرأة شهراً يجب أن يحيض الرجل شهراً آخر من أجل المساواة، وإذا حملت مرة أنت تحمل الولد الثاني، أو تحمل هي دائماً وأنت تبقى أميراً، وإذا نفست تنفس أنت، أهذا ممكن؟! الله عز وجل خلق المرأة وركب فيها قدرات وإمكانيات ملائمة لوظيفتها، ولكنهم أخرجوها وحملوها مثل ما يحملون الرجل! فوق ما حملها ربها! فتجدها تعمل في المصنع وبطنها منفوخة حامل، تعمل في المصنع وهي حائض والحيض يغير مزاج المرأة؛ لأنه يفرز أشياء منها، فهم ينادون يقولون: إننا نحررها وهم في الحقيقة يدمرونها ويعذبها، والله ما صانها غير الإسلام، وما حماها غير الدين، حماها وهي بنت ورعاها وهي زوجة وحفظها وهي أم، لكن هؤلاء لا. رخيصة إلى أن تنضج ثم يستغلونها وينفضونها إلى أن تذبل ثم يخلعوها كالحذاء، إذا غلقت الأربعين لا تنفع أبداً في المجتمع، لماذا؟ انتهت وذبلت! ذهبت لمعتها لا قيمة لها عندهم، فلا ثم لموضوع عمل المرأة في غير مجال النساء؛ لأن هذا يؤدي في النهاية إلى جريمة الزنا، فإذا هم بالمكتب موجودين يقولون: إن وجود المرأة يساعد على كثرة الإنتاجية، فإن المكتب إذا فيه أربعة موظفين ومعهم سكرتيرة فإنهم يلزمون مكاتبهم طوال الدوام، لا يخرجون أثناء الدوام، فنحن نأتي لهم بهذه (اللصاقة) مثل (لصاقة) الذباب من أجل أن تبقيهم على الماسات يقعدون يشتغلون وضيعنا الدين، نخليهم يشتغلون وينتجون ونضيع الدين والأخلاق، هذا غلط لا حول ولا قوة إلا بالله!

إلغاء العقوبة الشرعية

إلغاء العقوبة الشرعية من أسباب فشو جريمة الزنا: إلغاء العقوبة الشرعية المقررة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزاني والزانية في كثيرٍ من بلاد المسلمين واعتبار الموضوع بسيطاً، يعني: زنت ليس هناك شيئاً، هذا لا يعاقب عليه القانون، وما هو الذي يعاقب عليه القانون؟ قال: إن كانت هي زنت بإكراه يعني شخص جبرها هذا لا يمكن، أما إذا كانت راضية لا يعاقب عليه القانون لا إله إلا الله! ألغوا كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول الله فيه: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور:2] لا ترحمه ولا ترحمها؛ لأن الذي شرع هذا الأمر هو أرحم الراحمين: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2] ألغوا العقوبات، فلما ألغيت العقوبة فشت الجريمة، لم يعد هناك مانع، ولم يعد هناك جزاء صارم يحول بين الإنسان وبين الوقوع في هذا الشر، وأيضاً الفرص كلها ممكنة والأمور كلها متاحة، فأوجدوا كل سبيل ثم بعد ذلك طبيعي مما يقيمون من الحدود، ففشت جريمة الزنا فإنا لله وإن إليه راجعون!! بعضهم يقولون: إن هذه العقوبات الشرعية لا تلائم إنسان العصر، يقولون: إن العصر هذا عصر الحضارة أو عصر الخسارة والحضيرة؟ عصر التقدم والرقي ولكن إلى جهنم، الإنسان فيه أصبح ناضجاً ومثقفاً ولا يليق بنا نحن أن نجلد ظهره أو أن نرجمه، يجب علينا أن نغير هذه نظرتهم! يقولون: لأن هذا شيء من القسوة والوحشية، ونحن نقول بمنطقين، هذا الزاني وهذه الزانية عضوٌ مريض في جسد هذه الأمة الإسلامية، والعضو المريض الذي ينتشر ضرره إلى الجسد توصي العقول باستئصاله وبتره أليس كذلك؟ الآن عندما تذهب إلى الطبيب ويرى في إصبعك أو في بطنك شيئاً زائداً أليس يوصي بفتح بطنك، وتوقع له أنت ورقة مستقبلية مقدماً: إني موافق على إجراء العملية، وإني لا أطالب الطبيب بأي مسئولية في حالة وفاتي؟ هذه ليست قسوة ووحشية أن يخدرك وينتزع بطنك ويأخذ منك شيئاً أو يقطع يدك أو رجلك، نعم هذه قسوة لكنها رحمة بالجسم، فنحن نقسو على العضو رحمةً بالكل ولا نسميها قسوة في عُرف الأطباء وكذلك في عُرف الشرع، نحن نقسو على الفرد الفاسد الزاني فنجلده إن كان بكراً ونرجمه إن كان محصناً، ونقسو على السارق فنقطع يده؛ لأنها يد عازمة يد دنيئة يد قذرة، ونقسو على القاتل فنقتله لماذا؟ رحمةً بالمجتمع، رحمةً بالجسم الكلي، وكم نقطع أيادي ما قطعنا كثير؛ لأنه إذا امتلأت القلوب بالإيمان وعرفت اليد هذه أنها سوف تقطع لن تسرق، لكن ما رحمنا يداً واحدة ما قطعناها لكنا أهلكنا المسلمين كلهم، وأشعنا السرقة في المجتمع كله لماذا؟ لأننا رحمنا، ففي سبيل رحمتنا لفردٍ ضحينا بالأمة كلها، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179] يقولون في الجاهلية: (القتل أنفى للقتل) لكن الله يقول في الشرع: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179] في الموت حياة، الموت فيه حياة هذه متضادة، نعم. هذا حياة للآخرين، فليست الحدود الشرعية التي تتطبق على الجناة بقسوة وإنما هي رحمةٌ بهم في تطهيرهم من عذاب الله في الآخرة، ورحمةً بالمجتمعات حتى تصان من تفشي هذه الجريمة المنكرة.

الدعايات الشيطانية من قبل أعداء الإسلام

الدعايات الشيطانية من قبل أعداء الإسلام من أسباب فشو جريمة الزنا: الدعايات الشيطانية المغرضة التي يروجها أعداء الإسلام، ويشنونها حرباً ضروساً على تعدد الزوجات، ويصفون الدين بأنه لا يبيح تعدد الزوجات، وهم بهذا يريدون أن يضيقوا واسعاً، وأن يعرضوا العديد من الفتيات اللائي كان بالإمكان أن يستوعبوهن عن طريق التعدد فيقولون: لا. لا يوجد تعدد حتى تبقى ولا يأتيها خاطب، وتمر عليها عشرون أو ثلاثون سنة، ويبدأ العد التنازلي لها خمسة ثلاثين أربعين ولم يأتِ أحد ماذا تعمل؟ تكسر هذا الباب وتفتح باب الزنا، ولو وافقت بأن تكون زوجة لرجل مع أخرى لكان خيراً لها؛ لأن الذي شرع التعدد هو الله، والذي خلق المرأة هو الله: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك:14] الله يعلم أن المرأة تتحمله، وأن في إمكانها أن تسير فيه بدون أي كلفة عليها، ولذا شرعه، والله لا يظلم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40] . ولكن بالتلغيم النفسي ضد التعدد أقنعوا فتيات المسلمين أنه إذا جاء الرجل يريد أن يتزوج وهو متزوج بأخرى، قالت: لا أريد، لماذا؟ قالت: هو متزوج، وماذا يكون إذا كان متزوجاً؟ الله أباح لنا أربع نساء تتزوجن وتسعدن به، وكثير ممن جربت قضية الزواج بمن عنده زوجة وسعدت سعادةً أعظم من سعادة تلك التي تزوجت برجلٍ ليس عنده إلا واحدة، كثير من الفتيات العاقلات قالت: لا أريد شخصاً يهرب بي شهرين ثم يتركني ويمشي، لا. أريد شخصاً عارفاً يعرف قيمة المرأة ولو معه اثنتان أو ثلاث، فتزوجت فسعدت، وتلك رفضت حتى جاءها شخص مثل ما قالت: هرب بها وتركها، وقال لا تصلح هذه، وتلك رفضت قالت: لا أريد فلم يأتها أحد حتى خاست، ولما خاست طاحت، وإذا طاحت لا يوجد أحد، أنت الآن عندما تشتري فاكهة من أين تشتريها؟ تشتريها من الغصن، لكن لما تمر تحت الشجرة وفي واحدة قد سقطت من قبل يومين أو ثلاثة هل ستمد يدك إليها؟ تقول: هذه خربانة قد شمتها الحمير، هذه لا أريدها، أريد شيئاً جديداً ونظيفاً. تعدد الزوجات من محاسن الدين الإسلامي، كما قال شيخنا: محمد الأمين الشنقيطي في كتابه: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن وهو يتكلم على قول الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] فقال: إن الله هدى بهذا القرآن إلى أفضل شيء في العقائد، في الآداب، في الأخلاق، في المجتمع، في الاقتصاد، في كل شيء، ومن ضمن ما هدى الله إليه هذه الأمة أن أباح لها التعدد؛ فإنه من محاسن دين الله أن أباح التعدد لظروف؛ لأن الدين الإسلامي يتعامل مع الأحداث من منطق الواقعية ليس من منطق السطحية واللامبالاة، لا. هو دين رباني وسيواجه بمشاكل اجتماعية لابد من حلول لها، ماذا يقول للمشاكل هذه؟ يقول: لا تعلم عنها، نقف منها موقف المتفرجين، نقول: لا. لابد لها من حلول، ما هي هذه الحلول؟ هذه الحلول في دين الله يتزوج الرجل بامرأة وهذه المرأة لا تفي بمتطلباته، وعنده طموحات نفسية وجنسية، وزوجته لا تفي بمتطلباته ماذا نقول له؟ نقول له: عش مكتوماً طول حياتك، أو اذهب إلى الحرام، أو تعدد في زوجة أخرى، ما هو الأفضل؟ التعدد. يتزوج إنسان بزوجة ثم تمرض عليه زوجته، هل من المنطق والعقل والعلاقة الإنسانية أنه إذا مرضت يطلقها حتى يتزوج أخرى، أو يقعد مريضاً معها طول حياته؟ لا يستطيع أن يقعد معها بعلاقة زوجية ويذهب يزني مثل ما هو في الغرب الآن، الزوجة واحدة والصديقات مائة، يسمون الذي يزني بها صديقاً، ويقولون لها: صديقة، وتدخل الصديقة على الزوجة وهو جالس هو وإياها وتقول: من فضلك نريد نجلس قليلاً أنا وأنت، فيقول لهذه: بعد إذنك ما رأيكِ أذهب مع الصديقة؟ فتقول: تفضل، فيذهب في دارٍ ثانية هو وصديقته، صديقة إبليس والعياذ بالله. فتعدد الزواج من محاسن دين الله الذي هدى الله إليه هذه الأمة، إنه جاء في القرآن، يقول عز وجل: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] . ولكن لا ننسى أن نضيف إلى أن من شرط التعدد العدل، وأن الصورة التي ظهرت في المجتمعات وشوهت صورة التعدد ليست من أمر الإسلام، وإنما هي من تطبيق أبنائه الجهلة به، حينما يتزوج الإنسان بزوجةٍ جديدة فينسى زوجته الأولى ويهملها، ويرفض أولاده الأولين، ويتركهم ولا يأتيهم. في الوظيفة الصناعية، أو التجارية، أو السكرتارية، أو بائعة أزياء، أو عارضة، أو ناسخة آلة، هذا سببٌ كبير من أسباب فشو جريمة الزنا؛ لأننا أخرجنا اللحم الرخيص وعرضناه للكلاب الجائعة، والكلب الجائع إذا وجد لحماً عارياً ورخيصاً طمع فيه، لا يعلم، لكن يجب أن يصان اللحم هذا وأن يذاد الكلب ذاك. إن الرجال الناظرين إلى النسا مثل الكلاب تطوف باللحمان إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أكلت بلا عوضٍ ولا أثمانٍ لا تتركن أحداً بأهلك خالياً لو كان في النساك مثل بنان لو كان أعبد خلق الله ولا يوجد رجل أمين غيره على المرأة. والسبب السابع: إلغاء العقوبات التي قررتها الشريعة الإسلامية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاستعاضة عنها بالقوانين الوضعية التي ترحم المجرم بالزنا وتقول: هذا يمارس حرية شخصية، وإذا كان هو غاضباً، يسجن يومين أو ثلاثة وبعدها اتركوه، هذه ساعدت على فشو الجريمة؛ لأنه من أمن العقوبة أساء العمل. السبب الثامن من أسباب فشو هذه الجريمة الدعايات المغرضة التي روجها أعداء الإسلام وبثوها ونشروها وأقنعوا بها شبابنا وشاباتنا، بأن التعدد ليس جيداً حتى تعطل شريحة كبيرة من شرائح المجتمع على الزواج بحجة أنها تريد زوجاً متفرغاً، من أين نأتي لكِ بواحد مفصل؟ ليس عندنا أحد، إذا صبرتِ عليه ليلة في الليلة الثانية سوف يأتي وله طعم، وإن هذا الذي كل ليلة وهو معكِ قد مللتيه، فلا.

تعقيد الشباب من الزواج المبكر

تعقيد الشباب من الزواج المبكر من أسباب فشو جريمة الزنا تعقيد الشباب من الذكور والإناث من الزواج المبكر، قالوا: لابد من تأمين المستقبل، البنت كل ما أتاها خاطب قالت: لا. لماذا؟ قالت: أريد أؤمن المستقبل، أصبح الرجال مثل الشيكات في الجيب، ردت الأول والثاني والثالث وأمنت المستقبل، وتنام حتى طاحت فنونها، لم يأتها أحد، وذهب المستقبل! المستقبل في الزوج ليس في الوظيفة ولا في الدراسة، إذا جاء الزوج الكفء فتزوجيه اقبليه مباشرةً وكل شيء يندرج، الدراسة ممكنة وإذا جاءت وظيفة فممكنة، وإذا ما جاءت وظيفة الله لا ردها، قد عاشت أمهاتك من فاطمة بنت محمد إلى يومنا هذا بدون وظيفة، ولم يمت أحد منهن جوعاً، بل ما صارت المشاكل إلا في الوظيفة، إذا المرأة كانت موظفة تقول: معي رصيد ومعي كذا، لا تقبل منك كلمة إلا وترد لك بالصاع بصاعين؛ لأنها معها وظيفة، لكن إذا لم يكن معها وظيفة صبرت عليك، وعلى مرك وحلوك، فلا ينبغي للمرأة أن ترد الزوج إذا جاء، وكذلك الولد لا يجوز له إذا أحس بحاجةٍ ورغبة في الزواج أن يتأخر بحجة تأمين المستقبل فالمستقبل، بيد الله، والله يقول: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32] إذا تزوجت وأنت تريد العفاف وستر دينك وحفظ إيمانك كان الله في عونك، ولن تمنعك الزوجة من مواصلة دراستك، بل ستكون إن شاء الله من أكبر الأعوان لك على مواصلة تعليمك، وقد رأينا بالواقع والتجربة أن من تزوج كان في دراسته أكثر نجاحاً ممن لم يتزوج. فهذا التعقيد بين الجنسين من الزواج المبكر بدعوى أن الزواج المبكر يحطم المستقبل ويقضي على هذا؛ لأن هذا تعقيد للحياة حقيقةً، أدى هذا السبب إلى أن الشاب ما دام أنه لا يتزوج يبحث عن الجريمة أين يصرف شهوته؟ وليس لديه إيمان يحجزه عن المعصية، فلابد من أن يصرفها، إن وجد في بلده ما يصرفها صرفها، وإذا لم يجد قطع تذكرة وسافر في عطلة الربيع يأخذ عمرة أين؟!! قال: في سريلانكا في كازبلانكا يأخذ عمرة يذهب يحج! ويأتي إن كان لديه لمحة دين وإلا فليس معه من الدين شيء، معه استمارة إلى النار -والعياذ بالله- ويأتي من هناك يعلم زملاءه ويجمع إخوانه ويقول: شاهدنا حاجات!! ماذا شاهدت؟ شاهدت لعنة الله ورسوله، شاهدت جريمة الزنا، شاهدت جريمة الخمور، حماك الله في بلد الإسلام وصانك في مهبط الرسالات فتترك هذه الحماية، عباد الله يشدون الرحال، ويحجزون الشقق ويذهبون إلى بيت الله وإلى مسجد رسول الله ليتعبدوا في هذه الأيام الطيبة، وأنت تذهب إلى البلاد الخبيثة التي فشت فيها الجريمة، وتعددت فيها أساليب الفسق، من أجل أن تنهل منها كالكلب الجائع، ثم تأتي تعلم أبناء المسلمين، لا إله إلا الله!! هذا بسبب ماذا؟ لأنه لم يتزوج، لكنه لو تزوج وهو صغير فلن يذهب إلى أي مكان، فتكون سيرلانكا عنده في الغرفة إذا ذهب فهي عنده في البيت.

تعدد وسائل منع الحمل

تعدد وسائل منع الحمل وهذه آخر وسيلة من الوسائل التي ساعدت على فشو جريمة الزنا: تعدد وسائل منع الحمل، تعددت هذه الوسائل وكثرت، وأيضاً الإجهاض والعقاقير التي تنزل الجنين جعلت أهل العهر والزنا يمارسون هذه الجريمة بدون خوفٍ من نتائجها، وساعد على هذا فشو هذه الجريمة. هذه العشرة الأسباب الخمسة التي ذكرتها قبل، والخمسة التي قلتها في هذا اللقاء، هي مجمل الأسباب التي تساعد على فشو هذه الجريمة، وهي التي هبطت بالمجتمعات المسلمة من قمة عفافها التي أراد لها الإسلام إلى حضيض التهتك الفاجر والانحلال الخلقي الآثم الذي أراده لها أعداء الإسلام؛ ليسهل القضاء عليهم، إذا انحلت الأخلاق رحلت القيم، وتدمرت الفضائل، واختلت العقائد، وأصبح الناس رعاع غثاء كالغنم يسوقهم واحد، لكن إذا كان هناك قيم ومبادئ وعقيدة ودين، يصبح الرجل أمة لا تستطيع عليه أي أمة كانت؛ لأنه قوي في دين الله عز وجل، ولكن ماذا نقول؟ نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون! ولا يمكن القضاء على هذه الجريمة التي فشت في بلاد المسلمين إلا بالعودة إلى الله، بالعودة الصادقة إلى شرع الله، بالعودة إلى دين الله، وهناك يفرح المؤمنون بنصر الله، أما إذا استمرت المجتمعات في بُعدها وفي طريقٍ غير الطريق الصحيح الذي يوصلها إلى الله، فهناك: {لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52] . أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحمي مجتمعاتنا، ومجتمعات المسلمين، وبنات المسلمين وجميع المسلمين من انتشار هذا الداء الفاشي المتفشي، ومن هذه الفاحشة الكبرى، وأن يحمي لهم أعراضهم إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

أفضلية تأخير صلاة العشاء إذا كانوا جماعة

أفضلية تأخير صلاة العشاء إذا كانوا جماعة Q نحن جماعة ذهبنا إلى رحلة وحان وقت صلاة العشاء، فقلت لهم: هيا بنا من أجل أن نصلي صلاة العشاء في وقتها، فقالوا: لا. بل نؤخرها، فقلت لهم: لماذا؟ قالوا: لأن هناك حديثاً وهو: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بهذه الصلاة هذه الساعة) أي: صلاة العشاء، فيقولون: نحن جماعة لا نرتقب أحداً في تأخيرها، فتأخيرها أفضل، وصلينا تقريباً الساعة التاسعة والنصف، فهل هذا صحيح؟ وهل صلاتنا جائزة إن شاء الله، مع العلم أن الجماعة الذين كانوا معي كلهم متدينون، والبعض من طلاب الشريعة وخريجها؟ أجاب على هذا السؤال: الشيخ الدكتور عبد الله المصلح. A اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك، نبينا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على سنته واقتفى أثره واتبع هداه. أيها الأحبة في الله: أحييكم جميعاً في مطلع هذا اللقاء بتحية الإسلام، تحية أهل الجنة {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44] ، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وهنيئاً لنا في هذه الجلسة المباركة شيوخاً وتلاميذ، أسأل الله عز وجل أن يجزي أخي الشيخ الفاضل المبارك سعيد بن مسفر خيراً، وأن يثيبه ويبارك في جهده وجهاده إنه على كل شيءٍ قدير. ويعلم الله أيها الأحبة: لولا أن أخي ألح عليَّ في هذه الدعوة لكنت تركت لكم هذه الجلسة المباركة فلا أقطعها عليكم، وقد اشرأبت نفوسكم إلى استماع الشيخ، أردت أن أسهم في الخير والإسهام فيه أمرٌ مطلوب، ولقد تركت إخوةً لكم في الكلية والكل غاضبٌ لتركي لهم في هذه الساعات الحرجة؛ لكن نظراً لأن أخي سعيد أصلح الله حالنا وحاله، وبارك فيَّ وفيه حيث ألح عليَّ، فإني لا أجد لي عذراً أن أعتذر عن هذه الجلسة المباركة، وقد اشترطت عليه أن أجيب أنا على سؤال وهو على سؤالٍ آخر، حتى لا أقطعكم من هذا الشيخ المبارك فأثابه الله وبارك فيه، وإذا قلت مباركاً فهو دعوةٌ له إن شاء أن يبارك الله فيه. نبدأ الآن بالإجابة على الأسئلة فأقول: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله معلومٌ أن جبريل عليه السلام جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى به في أول الوقت وفي آخره وقال: (يا محمد! الصلاة بين هذين الوقتين) وهناك أدلة كثيرة تفيد على أن البدار في فعل الصلاة في أولها أفضل إلا صلاة العشاء؛ فإن الإنسان لو أخرها فإن في تأخيرها خير، ولكن هل ذلك التأخير فعلوه من باب التكاسل والتباطؤ، أو أنه من باب طلب السنة؟ فإن كانوا قد فعلوا ذلك تلمساً لفضل التأخير الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بهذه الصلاة في هذه الساعة) عندما خرج عليهم متأخراً، أقول: إنهم إن فعلوا ذلك من باب طلب سنة فضل التأخير لصلاة العشاء، ومعلومٌ أن تقديم الصلوات في أولها كلها أفضل ما عدا وقت صلاة العشاء، لكن بعض الناس لا يفعل ذلك ابتغاءً للسنة، وإنما هو انشغالٌ بمشاغله، فكأن الصلاة عنده أمرٌ إنما يفعل بعد أن تقضى الأعمال، فإذاً المسألة دائرة على المراد من فعله، فإن كان أراد بفعله طلب فضل سنة تأخير صلاة العشاء فهو أفضل له إن شاء الله تعالى.

كيفية التعامل والنصح لجار لا يصلي إلا الجمعة

كيفية التعامل والنصح لجار لا يصلي إلا الجمعة Q كيف نتعامل مع جارٍ أو صديقٍ لا يصلي في المسجد إلا يوم الجمعة، مع الإحاطة بأنه في تمام الصحة مع كبر سنه وعقله، وإذا دعوناه للصلاة في صلاة الفجر اعتبر ذلك سبباً للإزعاج والقلق، فما نفعل به؟ أجاب على السؤال: الشيخ سعيد بن مسفر. A هذا الجار أو الصديق الذي لا يصلي إلا يوم الجمعة هذا مسكين مخذول عافاه الله، ونسأل الله عز وجل أن يهديه وأن يرده إلى صوابه ورشده؛ فإن صلاة الجماعة في المسجد كما هو معروف من أهم وأوجب الواجبات على المسلم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين في الأحاديث الصحيحة حكمها، وفي الحديث الصحيح عند البخاري ومسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنقلب إلى قومٍ لا يشهدون الجماعة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار، لولا ما فيها من الذرية والنساء) والنبي صلى الله عليه وسلم لا يهدد بالتهديد الفاضي، ليس عنده إلا أمر الله عز وجل، لكن منعه من إحراق بيوتهم عليهم وجود من لا تجب عليهم الجماعة في المسجد وهم النساء والذرية، وإلا لو كانوا مثلهم لكان التحريق واجب عليهم، ولذا نقول لهذا الأخ: نسأل الله أولاً أن يهديه، ونقول لهذا الجار الذي يعاني منه: عليك أن تستمر في مناصحته، وأن تدعو له، وأن تتلاطف معه، ولا تأتيه بشدة ولا بغلظة وإنما يشعر منك أنك تحنو وتشفق عليه، تزوره في البيت في المرة الأولى والثانية والثالثة حتى يألفك وتألفه، ولا تدعوه ولا تقول له شيئاً، هذا أول شيء، فإذا هو في المرة الثالثة أو الرابعة يقول: ما رأيك يا أخي تزورني؟ فإذا جاءك تقول: يا أخي الكريم! ما رأيك نسمع هذا الشريط؟ فإذا سمع الحمد لله، وإذا ما عندك شريط، قل: ما رأيك بدلاً من أن نجلس نسمع نقرأ هذا الفصل؟ وتأتي له بكتابٍ من كتب العلم فيه فصل عن الصلاة وهكذا، وما دام أنه يسمع فاستمر، وليس بالضرورة أنك تجلس معه تلك الليلة، وفي الصباح تذهب بدله في المسجد، إن جاء وإلا قلت: هذا ليس فيه خير، نصحناه البارحة ولم يأت يصلي لليوم، هذه ما هي مسئوليتك، الدعوة عليك والإجابة على الله، أنت عليك هداية الدلالة وعلى الله الباقي، وليست هداية الله على مرادك، تريد تنصحه ويأتي في اليوم الثاني أو تترك، لا. تستمر معه، تقول: إلى متى أستمر؟ تستمر ما دام أنه يقبل، ما دام أنك نصحته وقال: جزاك الله خيراً، استمر. أما إذا حدد منك موقفاً وقال لك: يا فلان! أنت آذيتني، كل ساعة تدخل عليَّ، وكل ساعة تعزمني وتقول لي: صلاة صلاة، أرجوك لا تقل لي شيئاً في الصلاة ولا في الدين، إذا قال لك هذا الكلام قل: وأنت من هذه الساعة مهجور في الله لا أكلمك، وأنت مقاطع وتغضب لله، وهذا هو الحق إن شاء الله، والله أعلم.

حكم النظر إلى المجلات الخليعة دون قصد، وحكم ترديد الأغاني بدون موسيقى

حكم النظر إلى المجلات الخليعة دون قصد، وحكم ترديد الأغاني بدون موسيقى Q يا شيخ! يدخل الإنسان منا في المحل ويجد أمامه المجلات التي تتربع في غلافها فتاة داعرة، وقد يبحث في تلك المجلات عن بعض المجلات الإسلامية أو غير ذلك، فما رأيك هل يجوز له؟ وما الحكم في ترديد الأغاني دون معازف، وقد قال البعض: إن التحريم إنما هو في المعازف فقط، وقد غنى أحد المطربين قصيدةً للإمام الشافعي وهي: دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاء وليس فيها فرقة موسيقية ولا بعددٍ من الداعرات؟ أجاب على هذا السؤال الشيخ الدكتور عبد الله المصلح. A بالنسبة للنظر إلى الوجوه الفاتنة سواءً أكانت تلك الصور الفاتنة صورة لنساءٍ تَرَاهن بنفسك، أو كانت تلك الصورة لامرأة تراها في تلفازٍ أو سينما أو صحيفة الكل يفعل في الإنسان فعل السحر، وقد تكون الصورة في التلفاز أو في السينما أو في المجلة أشد فتكاً؛ لأن هذه المرأة السيئة التي تلتقط لها الصورة يحاولون أن يلتقطوا لها الصورة بشكلٍ يجذب الانتباه، أو ما يسمونه بالانتباه القسري، بحيث تجد نفسك مضطراً إلا أن تنظر إليها، ثم هم يحاولون أن يخرجوا أفضل محاسنها إخراجاً هو أبدع مما تفعله النساء العاديات اللواتي قد تراهن في الأسواق أو في المحلات العامة. إذاً: فالصورة التي توضع في المجلات إنما توضع بشكلٍ مدروسٍ لما يسمى بلفت الانتباه القسري حتى يجعل الإنسان منجذباً بحيث لا يشعر إليها، فهي في فتنتها قد تكون أشد من فتنة رؤية المرأة العادية، الكل فيه فتنة، والرسول عليه الصلاة والسلام قد أخبر وقال: (العين تزني وزناها النظر) والعجيب أن يثبت- أيها الإخوة الأحبة- عند العلماء المتخصصين في علم العين أن في العينين أكثر من خمسة ملايين خلية جنسية، وهي التي ترسل هذه الإشارات إلى هذه المراكز الموجودة في العقل من أجل أن تدغدغ فيها كوامن الشهوة، وتحرك مراكز الإثارة للإنسان حتى يسقط في أتون الجريمة، وكم رأينا رجلاً صار صريعاً لصورةٍ لم تكن امرأة أمامه وإنما هي صورةٌ قد يراها في مجلة، أو قد يراها في تلفاز، أو قد يراها في سينما. وأعداؤنا يعلمون ذلك يقيناً، وأنا دائماً أذكر إخواني وأظن أن بعضكم قد سمع مني وأعلم أن الأكثر لم يسمعوا أنه في أواخر الحملة الأخيرة للحروب الصليبية، الفترة الأخيرة التي تسمى بأنها استعمرت فيها بلاد المسلمين تسمى استعماراً، هي كانت امتداد للحروب الصليبية، والآن هم في بلاد النصارى واليهود يقولون ذلك على وجه الوضوح والجلاء، يقولون: إن عملنا كان امتداداً للحروب الصليبية. على أي حال -يا إخواني- لا أريد أن أطيل عليكم، فهناك فرقٌ بين الإجابة الفقهية والإجابة العامة، لكن دعوني أبصركم في هذه القضية تبصيراً ربما أفاد إن شاء الله تعالى. أقول أيها الأحبة: في الحملة الأخيرة التي جاء فيها النصارى إلى بلاد المسلمين وسميت بمرحلة الاستعمار، الذي احتل سواحل الشام قائدٌ شهيرٌ معروف اسمه الجنرال: غوغو، هذا الجنرال -يا أحبتي- لما وصل إلى سواحل الشام جاء ببوارج ضخمة مليئة بالأسلحة وبالمدمرات وبما يأتي به المحارب ولا غرابة فهذه مهمته، ما جاء من أجل أن يستريح أو يتنزه وإنما جاء ليقاتل، لكن الغريب أنه جاء معه ببارجة مليئةٍ بمومسات، فسألوه: يا غوغو! أنت جئت من أجل أن تتاجر بالرقيق الأبيض أم جئت من أجل أن تحارب؟ فقال: مساكين أنتم لا تعرفون حقيقة هذه الأمة، إن تجربة مئات السنين وخاصةً تجربة لويس التاسع الذي انهزم في المنصورة سنة 1254م أثبتت لنا على طول السنين أن هذه الأمة الإسلامية -وهم يسموننا بالأمة المحمدية- هذه الأمة تفعل فيها المرأة والخمرة أعظم مما تفعله الجيوش الجرارة. إذاً: هم يعرفون هذا الأمر وكأنهم يعلمون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت على أمتي فتنةً هي أشد عليهم من النساء) لهذا يحدثني بعض إخوة لي عندما أزور هذه البلاد الكافرة لإلقاء بعض المحاضرات على طلابنا يقول لي: والله إني لأعجب وأرى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يأتي الطلبة من بلاد المسلمين -طبعاً الطلبة الفساق، الطلبة الفجار- عندما يصلون إلى بلاد الكفار أول شيءٍ يبحثون عنه هو ما يسمونه بالصديقة -الداعرة- أو يقولون لها: (الجير فرند) -يعني الصديقة- يعني: أول ما يبحث عن فتنته وهي المرأة، بينما إذا جاء اليهود أول ما ينزل إلى سوق المال يبدأ يتاجر؛ لأن فتنة بني إسرائيل في المال فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. المهم يا إخوتي! أنا سمعت كلاماً لطيفاً جيداً جميلاً لأخي سعيد في هذا الباب أنه المفروض فيه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يصرف نظره، لكن بعض الناس يصاب بالغباء فيقول: والله بما أني أجد في المكتبات صوراً، إذاً لا أذهب إلى المكتبة -كثر الله خيرك- هذا النوع من الغباء أريد أن يرقى عليه الإنسان، وأن لا يقع فيه، أخي! ادخل المكتبة وفتش عن المجلة التي تريدها أو عن الكتاب الذي تريده، واصرف نظرك بقدر الإمكان، وإياك أن تقول: والله بمجرد أن رأيت صوراً في مكتبة إذاً أنا لا أذهب إليها وأقاطعها، أقول: لا. اذهب وابحث عن المجلة التي تريدها وعن الكتاب الذي تريده، حتى لو كنت قد رأيت شيئاً من الفتن والمحن ونحن نعد ذلك باباً من أبواب الفتنة لك ليرى الله مدى صدقك واحتسابك وصبرك وتحملك، ولو لم يكن ذلك كذلك لما شرعت الدعوة في بلاد الكفار، لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب إلى سوق عكاظ من أجل أن يقول كلمة الحق في وسط هؤلاء المشركين، وكان يرى صور الباطل عن يمينه ويساره. وبالمناسبة كان في قريش من السقوط في الأخلاق ما لا يتصوره عقل، وكانت العرب تمارس صوراً من السقوط في الأخلاق تمنيت لو أن أخي سعيداً عرض لكم هذا الأمر، لقد كانت البغايا يضعن لهن أعلاماً في وسط مكة ويأتيهن الناس، هكذا كان الأمر، ليست المسألة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في مجتمعٍ نقيٍ فكان لا يتعامل إلا مع النقاء والصفاء، كان يجد أمامه عوائق وشدائد ومصائب، ولكن المؤمن يصبر على ذلك كله ويرمي به جانباً ويتكل على الله ويأخذ ما ينفع. هناك فرق بين كلمة: أغاني وكلمة: أناشيد، ارتسم في أذهاننا أن كل صوتٍ محسنٍ فهو غناء، الحقيقة لا يا إخوان؛ لأن كلمة إنشاد حتى في مدلولها اللغوي: هي عبارة عن إلقاءٍ للشعر بغير الشكل العادي، يعني لابد أن يكون مرنماً، كان لي شيخٌ اسمه الشيخ: فهد بن حمين أسأل الله أن يمد في عمره وقد درَّسنا في الرياض، كان يدرسنا العقيدة وفي بعض الأحيان كان يدرسنا الفقه، هذا الشيخ إذا ترنم بقصائد ابن القيم لا تكاد تسمع أجمل من صوته ولا أحلى من إلقائه، أنا أجد لذةً كبيرة في استماعي للشيخ عبد الرحمن الحماد عندما يقرأ علينا وخاصةً عندما يلقي علينا بعض القصائد ولا يقرؤها قراءة مسرودة، يقرؤها قراءةً بنغمةٍ أنتم تعرفونها، تلك النغمة النجدية الجميلة، فمن قال: إن ذلك حرامٌ؟! فإذاً إذا قال إنسانٌ شيئاً من الشعر وترنم به فلا بأس في ذلك أبداً، وإنما يصبح حراماً في حالةٍ من الحالات التالية: أولاً: أن يكون صوت امرأةٍ عند رجال، أو أن يكون صوت رجلٍ مؤثرٍ يخشى من صوته عند النساء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أنجشة بعد أن ترنم بصوته يحدو الإبل قال: (يا أنجشة رويدك بالقوارير) أنت زودتها قليلاً، هنا قف، يعني: لما زادت المسألة قال له: قف، لكنه في الأصل غير محرم، سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدو يقول الشعر يترنم به والإبل تتحرك؛ لأنه يعجبها أن تسمع الحداء وهو الشعر الذي فيه شيءٌ من الترنيم. ثانياً: أن يكون مدحاً مبالغاً فيه أخرج الإنسان عن إنسانيته وأعطاه أوصافاً لا تليق إلا بالله عز وجل، كمثل قول ابن هانئ قبحه الله: فاحكم فأنت الواحد القهار يعني: على أية حال ما أريد أقول لكم أبياته كاملةً هو يقولها لرجل من الإسماعيلية الكفرة الباطنية الذين حكموا مصر يوماً من الأيام، فمثل هذا الكلام لا يجوز. ثالثاً: أن يكون فيه شيءٌ من الذم المقذع، الذم الذي يتساقط فيه الإنسان، ووصف الناس وصفاً جرحهم فيه، ولهذا عمر رضي الله عنه لما جاءه الحطيئة قال له: يا حطيئة! دع الشعر، قال: يا أمير المؤمنين إذاً يموت أولادي، من أين أحصل على عيش غيره، قال: [إذا كان ولابد فاعلاً فدع المقذع منه] لا تتكلم ولا تسب سباً مقذعاً، هذه في قصة الزبرقان مع الحطيئة المشهورة، فقال له عمر رضي الله عنه: [دع المقذع منه، قال: وما المقذع يا أمير المؤمنين؟! قال: أن تقول: آل فلان خير من آل فلان وآل فلان أسوأ من آل فلان، قال: والله لأنت أهجى مني يا أمير المؤمنين!] وعند ذلك ساومه عمر رضي الله عنه واشترى منه أعراض المسلمين. على أي حال أقول يا إخوتي! أما الصوت المجرد الذي يقوله الإنسان يترنم فيه ببيتٍ من الشعر، أو حتى يكون مجموعة يقولون أبياتاً من الشعر كبعض الأناشيد التي تلقى في المحافل وفي المنتديات تفعلها بعض المؤسسات التعليمية، أقول: لا بأس في ذلك إن شاء الله، والله أعلم.

حكم الأخذ من مال موقوف على أناس معينين

حكم الأخذ من مالٍ موقوفٍ على أناس معينين Q يقول: أنا طالب أدرس في إحدى الكليات، وأحياناً أزور زملائي في سكن جامعة الملك سعود، وأشتري بطاقة للعشاء بثمنٍ رمزي للطلاب فهل عليَّ إثم وأنا آكل في سكن الجامعة، ولست أدرس في نفس الجامعة وجزاكم الله خيراً؟ أجاب على هذا السؤال الشيخ الدكتور عبد الله المصلح. A الهبات المحددة من بيت مال المسلمين لنوعٍ من الناس عطاءً محدداً كما يقال: قد وقفنا هذا المبلغ من المال على طلاب علم الشريعة، أو قد اقتطعنا هذا المبلغ من بيت مال المسلمين لمن يدرس في كلية الطب وهكذا، يصبح هذا الحق المقتطع من بيت مال المسلمين حق فقط لمن اقتطع له، فإن جاء رجلٌ من خارجهم وانتهبه اعتبر في ذلك منتهباً ومختلساً، فإذاً لا يجوز لك -يا أخي- أن تذهب لتأكل بهذه البطاقة؛ لأن ثمنها رمزي ثمنها ريال والدولة تخسر عليه عشرين ريالاً، من أين أخذ هذه التسعة عشر ريالاً؟ وانتبهوا لقضية الطعام، أنا دائماً أقول لكم مقياساً: أتريدون أن تعرفوا المقياس الحقيقي للرجل الصادق من غيره؟ النساء والمال، فإذا رأيتم في المرء عفةً في هذين الأمرين فاحكموا عليه بالعفة، هذان الوصفان هما منعطفان خطيران جداً في حياة الإنسان، فإذا انهزم أمام المال أو انهزم أمام النساء فاعلم أن المسألة فيها ضعف، وإذا ثبت في هذين الأمرين فاعلم أنه على خير إن شاء الله. السؤال من الحضور: فضيلة الشيخ: إذا تبرع له طالب من طلاب السكن بعشائه هل يصح؟ الجواب: إذا تبرع بعشائه لآخر وهبه له لا بأس، لكن متى يكون الإنسان مالكاً للمال حتى يمكنه أن يتصرف فيه؟ -هذه قاعدة شرعية استفيدوها- لا يصير الإنسان مالكاً ملكيةً تامةً للمال يمكنه معه أن يتصرف بكل أنواع التصرفات الشرعية إلا إذا استلمه، أما قبل استلامه فإنه لا يحق له أن يهبه ولا أن يبيعه، والمثال على ذلك: هذا السواك الذي في يدي لو أن أخي الشيخ سعيد بن مسفر اشتراه مني قال: اشتريت منك هذا السواك بريال، أقول: جيد، وما زال هذا العود -عود الأراك- موجوداً في يدي وسلمني الريال ثم سقط هذا السواك وانكسر على من يكون غرمه عليه أم عليَّ؟ عليَّ أنا؛ لأنه لا يستقر الملك حتى تثبت البضاعة عند الشيخ، فهو إن كان قد قدم له واستلمه في الطبق، وبعد أن وضعه أمامه قال لأخيه: قم هذا لك، وأنا أبيت هذه الليلة طاوياً وهذا الطعام لك، فلا بأس في ذلك إن شاء الله تعالى.

حكم الغش في الامتحانات

حكم الغش في الامتحانات Q ما حكم الغش في الامتحان؟ أجاب على هذا السؤال: الشيخ سعيد بن مسفر A الغش في كل صوره وجميع أشكاله حرام، ولذا جاء في الحديث الصحيح لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم السوق وجد صاحب طعامٍ يبيع طعامه وأعلاه ناشف وأسفله مبلول، فالنبي صلى الله عليه وسلم اختبر الطعام وأدخل يده وإذا هي تصل إلى الطعام المبلول فأخرجه، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء) يقول: جاءه مطر -يعني: من داخل دخل المطر- لم يعرف أن يجيب؛ لأن الكذاب كذاب لم يعرف يرقعها، المطر لو جاء من السماء لكان البلل خارجاً، والداخلي ناشفاً لكن انقلبت المسألة، فقال عليه الصلاة والسلام: (من غشنا فليس منا) الله أكبر! ما أعظم هذا الوعيد في كل شيء! الإسلام يربي المسلم على الصدق والوضوح والصفاء، ولا يربيه على الكذب؛ لأن الغش في الامتحان غايته أن يخرج للمجتمع جهلة يحملون شهادة زور وهم كذابين غير عارفين بالعلوم وإنما نقلوها في أوراق وتقيئوها على أوراق الإجابة، وبعدها ينافسون الشرفاء، ينافسون الفضلاء المجدين، الذين بذلوا جهدهم، وأسهروا لياليهم، وقطعوا أيامهم في طلب العلم، وبعدها يأتي ذلك الكذاب ملغم نفسه بأوراق غش، أنا رأيت طالباً كتب المقرر كله من رجله إلى فخذه، كتب النظريات كلها، ويكتب وقاعد ينقل ويقرأ من فخذه، ويأخذ شهادة، ما رأيكم هذا حرام أم حلال؟ لا شك أنه حرام ولا يجوز: (ومن غشنا فليس منا) ولا يجوز ولا كلمة واحدة، والله واحد من إخواننا في الله يقول: والله إنني احتجت إلى كلمة تفتح لي باب سؤال، كلمة فقط يقول: ما عرفت تلك الكلمة التي تفتح لي السؤال كله، يقول: وبجواري زميل لكن والله ما استطعت أني أسأله خوفاً من الله وذهبت عليَّ الفقرة كلها، قلت: ذهبت عليك خمس علامات، لكن بقي لك عند الله ماذا؟ شيء عظيم، هب أنك سألت زميلك وأُعطيت خمس علامات ماذا تفعل بالخمس العلامات؟ لو حصلت على درجة الأول حتى في المستوى، أول في الدنيا لكنك آخر في النار والعياذ بالله. فاتقِ الله يا مسلم ولا تغش.

حكم مشاهدة المباريات في التلفاز

حكم مشاهدة المباريات في التلفاز Q ما حكم مشاهدة المباريات في التلفاز؟ أجاب على السؤال: الشيخ: عبد الله المصلح A الحقيقة يا إخوتي! وسائل الرأي العام بشكل عام التي هي الإذاعة والصحافة والتلفاز والسينما والمسرح هذه وسائل وأنا في تقديري أنه يجب على المسلمين أن يتنبهوا لهذا السلاح الخطير، والله إنه لسلاح فتاك خطيرٌ خطير! إذا كان في مقدور أي مسلم أن يغزو هذه الأجهزة -دعك من أن يغزو- أن يشارك وأن يساهم فيها فليفعل إنها تؤثر أثراً غير عادي شئت أنا أم أبيت، شئتم أنتم أم أبيتم، هي التي تصنع الرأي العام، هي التي تصنع في الناس أفعالاً غير عادية، ولو جئت إلى الناس لتتحدث عن همومهم، ولتقترب من أفهامهم، ولتنخل مقدار ثقافتهم في الجملة لرأيت من يصنعها في وسائل الرأي العام، دع أولئك الذين مَنَّ الله عليهم فاتصلوا بهذا التراث العظيم الذي لنا، كتاباً وسنة، فقهاً وتاريخاً، نحواً وصرفاً، بلاغةً ونقداً، تفسيراً وأصولاً، هؤلاء الذين مَنَّ الله عليهم، فبدءوا يرتووا من هذا المنهل المبارك كم عددهم؟ وما أثرهم؟ القضية ليست سهلة، أقول: هذه وسائل إن استطاع المسلمون أن يتحكموا فيها وأن يكونوا من روادها فليفعلوا، وإن لم يستطيعوا فهذه قضية أخرى، وبالمناسبة هذا الكلام الذي أقوله لكم هو محصلة نقاشٍ بيني وبين شيخنا الشيخ: عبد العزيز بن باز وفقه الله عز وجل، يبدأ بعد ذلك مسألة التلفاز. أقول: لن نستطيع أن نحرم ما فيه من الحلال، فمسألة التحريم ليست سهلة، لو جاءني رجل وقال لي: هل مشاهدتي للأخبار في التلفاز، هذا بصرف النظر عن كونه في بيته أو في بيت جاره أو موقعٍ معين، أنا أتحدث الآن عن مجرد المشاهدة للأخبار هل لو شاهدتُ الأخبار في التلفاز أكون آثماً؟ أقول له: لا. لأن أفعال العباد التي يفعلها الإنسان لكل فعلٍ منها خطاب لله عز وجل، يفيد ذلك الخطاب أو التوجيه إما بالوجوب، وإما بالندب، وإما بالإباحة، وإما بالكراهة، وإما بالتحريم، فلو جاء لي وقال لي: هل مشاهدة الأخبار في التلفاز حكم الله فيها حرام؟ أقول له: ليس حراماً، ومن أفتاه بالحرمة احتاج إلى دليل، هذه واحدة. يترتب على هذا القول -يا إخواني- كل ما في التلفاز من الحلال، ندوة شرعية، ألقاها مجموعة من العلماء، لو جاءني رجل وسألني بصرف النظر عن أن تقول لي: هل أدخل التلفاز من أجلها؟ هذه مسائل أخرى أنا أناقش قضية رجل يسألني عن حكم الله عز وجل في مشاهدة الأخبار، في مشاهدة الندوات الشرعية، مشاهدة بعض الحلقات والمسلسلات العلمية، ليس مسلسلات التمثيل؛ لأنه ينطبع في أذهان الناس "مسلسلات" قال: تمثيلية، لا برنامج تعليمي علمي معين ليس حراماً. ويندرج بعد ذلك هناك مسألة لو أن رجلاً شاهد مباراة فهل يجوز ذلك أم أنه حرام؟ أريد أن نرى حكم الله فيها، نقول: إذا شاهدت هذه المباريات وكان الذين تشاهدهم قد ستروا عوراتهم -والعورة كما هو معروف من السرة إلى الركبة- فإن الأصل فيها الإباحة، لا نقول لك: إنك قد فعلت أمراً محرماً، إذ لو كان محرماً لعدت في هذه الحالة آثماً، يبقى بعد ذلك قل لي: لا. يقول: بعضهم ما يستر الفخذ وإنما يستر نصفه، نقول: إن عورة الفخذ في الحقيقة فيها كلامٌ لأهل العلم، ولهذا ملخص كلامهم بعد الأدلة، النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه أبو بكر وكان كاشفاً لفخذه ودخل عليه عمر وكان كاشفاً لفخذه، فلما دخل عليه عثمان غطاه فسألوه: (لِمَ يا رسول الله! غطيت فخذيك يوم أن دخل عثمان؟ قال: ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة؟) هذا حديث، الحديث الآخر يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (غط فخذك فإن الفخذ عورة) الجمع بينهما عند الفقهاء والعلماء أن عورة الفخذ تنقسم إلى قسمين: عورةٌ مغلظة وتبدأ من منتصف الفخذ فما فوق، وعورة مخففة وتبدأ من منتصف الفخذ إلى عين الركبة، وإن كان بعض العلماء قد قال: والركبة لا تدخل في العورة. على أي حال أقول: إذا شاهد الإنسان هذه المباراة لا أستطيع أن أقول له: إنها حرام.

حكم نظر المرأة إلى الأخبار في التلفاز

حكم نظر المرأة إلى الأخبار في التلفاز Q هل تنظر المرأة إلى الأخبار في التلفاز؟ أجاب الشيخ عبد الله المصلح A الحقيقة أنا سمعت فيها كلام الشيخ سعيد أنه هل تنظر المرأة إلى الرجل؟ هل الرجل بالنسبة للمرأة يحرم عليها في الأصل النظر إليه أم أن المطلوب غض البصر؟ هل الأصل فيه التحريم أم المطلوب غض البصر؟ الذي يظهر -يا أخي- أن اللواتي كن يستمعن لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كن ينظرن إليه، والرسول عليه الصلاة والسلام وعظ النساء موعظةً معروفة، وتكلم فيها الكلام المعروف، فقال: (لقد رأيت أكثر أهل النار النساء، فتصدقن ولو بحليكن) ثم دخل في وسطهن بلال، وأخذ رداءه، والنساء يخرجن خرصهن ويخرجن ما في أيديهن من الحلي ويلقينه في رداء بلال وبلال يمر بين الصفوف. فإذاً -يا أخي- يظهر لي أن الأصل هو غض البصر يعني المنهي عنه ألا تبالغ المرأة في النظر إلى الرجل، أما مجرد النظر وهي تستمع إليه محدثاً أو كذا فإن شاء الله لا بأس. السؤال: فضيلة الشيخ وما هو وجه الاستدلال بحديث (أفعمياوات أنتما) ؟ الجواب: الحقيقة -يا إخواني- هذا الحديث فيه كلامٌ طويل، العلماء يحكمون بضعفه، الإمام أحمد يحكم بضعفه وغيره يحكم بصحته، وإن كنت أعرف أن بعض المشايخ يقولون: إنه صحيح، لكن أنا أقول: إذا تعارض الإمام أحمد مع غيره في الترجيح والتصحيح فنقدم كلام الإمام أحمد باعتباره إمام أهل السنة.

حكم رفع الإصبع أو الإشارة عند قراءة أحاديث الصفات

حكم رفع الإصبع أو الإشارة عند قراءة أحاديث الصفات Q لما ذكرت أن قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء أشرت بإصبعيك ويقول الإمام أحمد: من رأيتموه يرفع إصبعه فاقطعوها؟ أجاب الشيخ: سعيد بن مسفر A أولاً: أنا أستغفر الله من هذا الرفع. ثانياً: الإمام أحمد يقول: اقطعوها إذا كان مشبهاً يرفع يده يقول: انظروا مشبه، أما من رفعها بغير قصد مثلي فأستغفر الله، ولا تقطعوا إصبعي، وجزاك الله خيراً.

حكم مرتكب الفاحشة بالحيوان

حكم مرتكب الفاحشة بالحيوان Q ما حكم مرتكب جريمة الزنا بالحيوان؟ أجاب الشيخ: عبد الله المصلح A الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا بقتل الحيوان الذي يزنى به، ويعتبر هذا الرجل قد فعل شيئاً مما يستوجب عليه العقوبة التعزيرية ربما وصلت به إلى أن يقتل -نسأل الله السلامة والعافية- وهو رجلٌ شاذ، أي: في طبعه شذوذ وخروج عن المألوف، وهذا الرجل لو بحثت وراء فعلته لوجدت وراء هذه الفعلة نفساً موبوءة مليئةً بالعفن، مليئةً بالمنكر، مليئةً بعدم الخوف من الله عز وجل، ولهذا يعتبر فعله حراماً ويعزر عليه وربما وصل التعزير إلى القتل.

حكم ظهور الزوجة على أخي الزوج وهي متحجبة

حكم ظهور الزوجة على أخي الزوج وهي متحجبة Q امرأة تقول: شقيق زوجي يزورنا، وأنا وزوجي ملتزمون والحمد لله وأتحجب عنه، ولكنني أدخل لابسة خماراً أو إحراماً فوق رأسي وأكتافي وصدري، ويغطي وجهي، فهل يجوز ذلك؟ وإن كان لا يجوز فما الحل؛ لأن زوجي يلزمني بأن أدخل عليه في إدخال طعام أو شيء، مع العلم بأن هذا الشقيق غير ملتزم؟ أجاب الشيخ: عبد الله المصلح A لولا هذه الكلمة الأخيرة، هذه الأمور يا أحبتي! تكون الفتيا فيها على حسب الواقعة؛ لأن الفتيا تقدر زماناً ومكاناً وشخصاً، نحن نقول: إن المرأة إذا احتشمت واحتجبت وتسترت فلا نقول من حيث الأصل فإن تقديمها للشاي ودخولها به لتسلمه لزوجها إنه بذلك حرام، لا نقول ذلك، لكن جلوسها معهم والرجل فاسق، ودخولها عليهم والرجل فيه هذا الوصف الذي لا يتورع من أن يكون سبباً من أسباب انتهاك الحرمة، أو أن يكون طريقاً من طرائق الشيطان المؤثرة عليها أو عليه نقول: المفروض في حق هذه المرأة نظراً لوجود هذا الوصف أن تتجنب الدخول عليهم ما دامت تجد هذا الرجل فيه هذا الوضع من الفسق والسوء، إن الفساق هم الذين يكونون سبباً في فتح بابٍ من أبواب الجريمة وصبها أمام الناس، فلتحذر المرأة من ذلك، أما الأصل فإن المرأة إذا كانت متحجبة متسترة فقد قال الله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53] .

حكم إلقاء السلام على النساء كبيرات السن

حكم إلقاء السلام على النساء كبيرات السن Q ما حكم السلام على النساء الكبيرات في السن وهن كاشفات، مع أنه لا يوجد أي أثر من آثار الفتنة؟ أجاب الشيخ: ابن مسفر A الكبيرة في السن العاجزة القاعدة التي سماها الله قواعد، يعني: لا أمل لها في الزواج، هذه قد رخص الله لها أن تضع ثيابها غير متبرجة بزينة، ولكن قال: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور:60] فإذا كانت كاشفة الوجه وهي عجوز كبيرة قاعدة ليس فيها -مثلاً- أي مجال للفتنة، وقرأت السلام عليها من باب أنها من قريباتك الكبيرات في السن بدون مصافحة، وإنما السلام عليكم، فإن شاء الله ليس في ذلك شيء؛ لأن الفتنة غير واردة في هذا المجال، وإذا كان للشيخ رأي على كلامي فيعقب على ذلك. الشيخ: عبد الله المصلح يا إخواني! أسأل الله عز وجل أن ينفع الجميع بما نسمع، وأن يجعله في ميزان حسناتنا وحسناتكم، إن شاء الله تعالى أنا أعدكم بما وعدت به أخي سعيد أنه في الوقت الذي أكون فيه موجوداً أن يتفضل عليَّ أخي سعيد بأن أسهم معه في الإجابة على الأسئلة، وأسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق، وكلنا نبحث عن الحق. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من أسباب عذاب القبر الحلقة [7] 1،2

من أسباب عذاب القبر الحلقة [7] 1،2 تحدث الشيخ حفظه الله في هذه المحاضرة عن بعض الأمراض الموجودة في المجتمع كالزنا واللواط والسحاق، وإتيان المرأة في دبرها، موضحاً أن هذه الفواحش من أسباب العذاب في القبر، وأنها توجب سخط الله ومقته لصاحبها في الدنيا والآخرة، وقد بين أن أعظم وسيلة لتجنبها هي بحفظ الإنسان فرجه ولسانه وبصره عن الحرام، والتمادي فيه، واستغلال الوقت في طاعة الله وعبادته

أهمية استغلال العطل الصيفية والإجازات

أهمية استغلال العطل الصيفية والإجازات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أرجو الله الذي لا إله إلا هو أن يسعد أوقاتنا وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن يسعد حياتنا وإجازاتنا وجميع أوقاتنا في الدنيا بطاعته لنسعد برضاه في دار كرامته، إنه على كل شيءٍ قدير، كما أرجوه تبارك وتعالى أن تكونوا قد وفقتم في استغلال هذه الفرصة الطيبة، وهذه الإجازة التي منحت لكم فعمرتموها بطاعة الله؛ لأن الإجازة فرصة من الفرص التي توهب للإنسان، ويمكنه أن يستغلها أحسن الاستغلال، كما يمكنه بحكم الفراغ والجدة وبحكم الشباب أن ينحرف فيها، وأن يملأها بمعاصي لا أول لها ولا آخر، ولكن المحصلة والنتيجة تختلف من شخصٍ لآخر بحسب استغلاله لهذه الفرصة. وهاقد عدنا إلى النصف الثاني من العام الدراسي وعدنا إلى مقاعد الدراسة والمحاضرات، أو إلى المكاتب إن كنا في عملٍ، أو إلى المتاجر إن كنا في أعمالٍ خاصة، عدنا ونسينا ما ذهب منا في هذه العطلة، مَنْ عَمِلَ صالحاً وخيراً فقد اختزن أجر هذا الخير عند الله عز وجل، ومن عمل سيئاً فقد سجل عليه هذا السوء، وسوف يجد ما قدمت يداه يوم القيامة. والناس كلهم في هذه الإجازة قد عملوا، ولا يوجد أحد ما تمكن من الإجازة، كلهم استغلوها وعملوا فيها، وملئوها وكدحوا فيها، ولكنهم يختلفون من رجلٍ لآخر، وسوف يلقون أعمالهم كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] . لا تتصور أنك تجد شيئاً ما عملته، الله لا يظلم مثقال ذرة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40] {إِنَّكَ كَادِحٌ} [الانشقاق:6] أي: عامل {إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] هل تتصور أنك إذا عملت ذهباً أن تجني حطباً؟ لا. اعمل ذهباً تجد قطعاً من الذهب، وهل تتصور أن البعير إذا عمل بعراً وعمل -والعياذ بالله- سيئات أن يجني من هذا البعر وهذا الشر ذهباً؟ لا أبداً، سنن الله لا تتغير من أجل هوى أحد، سوف تجد ما عملت أمامك في هذه الإجازة وفي كل عمرك، ولكننا نستشهد فقط بالإجازة كفترة زمنية محدودة من أعمارنا، من أجل أن نقيس عليها بقية حياتنا. الناس في هذه الإجازة قضوا أوقاتهم في أمرين؛ منهم قومٌ استغلوها وقطعوها في طاعة الله.

قصة رجل استغل الإجازة في طاعة الله

قصة رجل استغل الإجازة في طاعة الله يحدثني أحد الإخوة وقد التقيت في مكة المكرمة بعد صلاة المغرب وكنت جالساً في الحرم، فمر فسلمت عليه وجلس معي، قلت: كيف حالك؟ قال: الحمد لله في نعمة. ما الذي معك؟ قال: جئت أنا وأهلي من أول الإجازة وجلسنا في الحرم طوال الإجازة. قلت: كم جلست؟ قال: لي إلى الآن أربعة عشر يوماً. يقول: من يوم الأربعاء إلى الآن أربعة عشر يوماً، أين سكنت؟ كيف عملت؟ قال: استأجرت شقة في عمارة بجوار الحرم لا يبعدني عن الحرم إلا ممر أرضي تحت الخط، يقول: مجرد ما يؤذن أنزل أنا وأهلي فنقطع الممر الصغير ونصل باب الحرم، وأجرتها يومياً مائتا ريال وفي أربعة عشر يوماً في مائة تكون ألفين وثمانمائة ريال. يقول لي: عندي أربعة أطفال، وأمه موجودة معه وأخته، يقول: المائتين الريال هذه لا أتصور أنها قيمة للماء الذي نذهبه للأكل والغسل والتنظف فضلاً عن الكهرباء والأجهزة الموجودة عندهم من ثلاجة وبوتجاز ومفروشة، وثمانية أفراد عدد الأسرة وبمائتين ريال يومياً، يقول: والحمد لله ما أعلم أنها فاتتنا صلاة في الحرم خلال أربعة عشر يوماً، هل عملت لها عملية حسابية أو على الله الحساب؟ قلت: في كل يوم خمس صلوات، اضرب خمس صلوات في أربعة عشر يوماً كم صارت؟ سبعين صلاة، كل صلاة في الحرم كما جاء في الحديث الصحيح بمائة ألف صلاة، اضرب سبعين في مائة ألف كم صارت؟ سبعة ملايين صلاة، حسناً هب أنك سهوت، هب أنك غفلت، لنفرض أن الله قبل منك صلاة واحدة، والله لا يضيع شيئاً، الله يقول: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] بل من فضله إن تك حسنة ما يعطيك عليها حسنة قال: {يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40] . قلت: يا أخي! هب أنه قُبلت منك إن شاء الله كل الصلوات، ولكن على أقل الاحتمالات قبلت منك صلاة واحدة بكم؟ بمائة ألف صلاة، اقسم مائة ألف على خمسة أوقات كم تصير له أياماً؟ عشرين ألف يوماً، اقسمها على ثلاثمائة؟ صارت ثلاثة وثمانين سنة، يعني: عبادة ثلاثة وثمانين سنة تأتي في متى؟ في فريضة واحدة فكيف بمن وفقه الله وقبل منه كل الفرائض؟ هذا توفيقٌ عظيم لا يعلمه إلا الله، قلت له: ما هو برنامجك؟ قال: من فضل الله نستيقظ للفجر مع الأذان الأول؛ لأن في مكة أذانين، الأول يسبق الثاني بساعة، يقول: فنستيقظ على الأذان الأول؛ لأن مكبرات الصوت الموجودة في مآذن الحرم الشريف تزعزع كل العمارات التي في جوارنا، ما يؤذن إلا وكل واحد يصيح ونذهب فننزل بإذن الله إلى الحرم ونطوف، يقول: أول شيء أطوف ثم بعد ذلك أصلي ما شاء الله لي أن أصلي، ثم أجلس أقرأ القرآن حتى يؤذن الفجر، ثم نصلي ركعتي الفجر وبعدها نصلي الفجر مع الإمام، ثم بعد ذلك نجلس في المسجد نقرأ إلى أن تشرق الشمس ونصلي ركعتي الإشراق ونعود إلى البيت لنجد الطعام جاهزاً أمامنا فنفطر ثم بعدها ننام إلى قبل الظهر. ما شاء الله راحة! لأنه يقول: ليس لي عمل إلا عبادةً وأكلاً وشرباً وشكر لله عز وجل، يقول: وقبل الظهر في الساعة الحادية عشرة نستيقظ وننزل إلى الحرم ونقرأ إلى الظهر، ثم نصلي ونجلس في الحرم تقريباً إلى ما بعد الساعة الواحدة والنصف أو الثانية حتى يجهزوا الغداء وأعود أتغدى وأنام قليلاً. يقول: وبعد العصر أنزل في الحرم أطوف وأجلس. المهم عمل برنامجاً غبطته عليه كثيراً. والله -أيها الإخوة- ما أعظم من هذا البرنامج! قلت: بارك الله لك في وقتك وفي مالك، قلت: كم دخلك في الشهر؟ قال: كلها لا تصل الألفين والثمانمائة ريال، أضف إليها في الأربعة عشر يوماً ألف وأربعمائة ريال، أي: ثلاثة آلاف ومائتين بالكثير وهو يقول: يومياً لا نصرف مائة ريال في الأكل، بل أقل من ذلك بكثير. هذا برنامج إيماني ما أعظم منه! يقول: أولادي أحبوا المسجد وعشقوا الصلاة، وألفوا المسجد الحرام وأحبوا العلماء، يقول: نتنقل ونرى هذا عنده درس، وهذا عنده درس، نأخذ من كل واحد مثل النحلة في البستان تجني من كل زهرةٍ شيئاً من العسل، يقول: سعدنا أياماً ما بعدها سعادة، قلت: بارك الله لك.

قصة رجل استغل الإجازة في معصية الله

قصة رجل استغل الإجازة في معصية الله وتمر الأيام ونأتي إلى هنا ونجلس في العمل ونسأل واحداً من الناس من الزملاء في العمل، ليس من الزملاء في الله، قلت: أين قضيت الإجازة؟ عساك إن شاء الله استغليتها؟ قال: والله إنهاراحة لم أرها في حياتي. قلت: خيراً إن شاء الله! أين ذهبت؟ قال: ذهبنا إلى جدة. قلت: وأين سكنت؟ قال: سكنت في شقة في عمارة. قلت: بكم؟ قال: أخذناها عشرة أيام بأربعة آلاف ريال من أربعمائة ريال. قلت: إن شاء الله أخذت عمرة؟ قال: يا شيخ! والله ما أخذت عمرة. قلت: هل جدة أقرب أم مكة؟ قال: والله مكة أقرب طبعاً من جدة لكن ما وجدت فرصة. قلت: وكيف وجدتها إلى جدة؟! وهل عندكم مسجد؟ قال: والله -يا أخي- إن المكان الذي كنا نحن فيه ما سمعنا فيه الله أكبر. قلت: معروف أن جدة مدينة فيها مساجد ممتازة؟ قال: لا أدري، العمارة تلك -والعياذ بالله- مغضوب عليها وعلى أهلها، يقول: والله ما سمعنا الله أكبر. قلت: هل صليت؟ قال: ولا صليت من يوم أن ذهبت حتى رجعت في مسجد بل صليت في البيت. لا إله إلا الله، وأربعة آلاف فوقها معها ضريبتها!! لا يدخل الواحد النار إلا بإيجاره، انظر الذي يذهب الجنة بأقل، وهذا بإيجار أكثر من أجل يُعشق، لا حول ولا قوة إلا بالله! قلت: وأين تذهبون خلال اليوم؟ قال: نرقد من الصباح إلى العصر ونقوم في العصر نذهب إلى البحر نقعد فيه إلى نصف الليل، ونعود نرقد إلى العصر في اليوم الثاني، فضحكت قليلاً، قال: ماذا بك؟ قلت: شيء في نفسي من أجله أضحك. قال: لا، كلمني لماذا تضحك؟ قلت: يا أخي وازنت بين برنامجك وبين برنامج رجلٍ موفق من عباد الله الصالحين، وأعلمته بالخبر خبر ذاك الذي في مكة، فلما أعلمته تقطع قلبه حسرات، قلت: هل تحسرت؟ قال: إي والله. قلت: سبحان الله يا أخي! الآن ذهبت الأربعة عشر يوماً عليك وعليه، هل بقي معك شيء من لذات نومك، ومن لذات البحر، ومن لذات السمك، ومن لذات الأكلات والنوم؟ قال: لا. قلت: وذاك ما بقي معه شيء من آلام، إنه ينزل ولا يجد آلاماً، والله لا يوجد الألم إنه ينزل في المسجد الحرام، بل والله إن أسعد اللحظات لدى المؤمن إذا دخل من بابٍ من بيوت الله، ثم رأى بيت الله الحرام، إذا رأيت الكعبة تنفتح نفسك، وتشرق أساريرك، ترى أنه لا يوجد في الدنيا أسعد منك، لكن لو أذهب البحر فماذا أرى؟ أرى العراة والمدخنين والمطبلين وأرى قليلي الدين! معاصي وذنوب حمى الله عنها جسدي، فأوقع فيها بصري، المهم ما زلت أقول له: هذه كلها مسجلة في الديوان الثاني حقك، في ديوان السيئات ولكن استغفر الله وتب إليه وستأتيك فرص أخرى، وإذا جاءت فلا تكررها. يا أخي! أنت ما خلقك ربي لشواطئ البحر، ولم يخلقك للنوم ولا لأكل السمك، إنما خلقك الله لعبادته وسوف تأكل سمكاً في مكة، وسوف تنام في مكة، لا يفوت المؤمنين شيء إذا ذهبوا إلى بيت الله أو ذهبوا في المدينة المنورة، بل والله يجدون ثواباً وكباباً. أحد الإخوة يقول: إنه خرج في سبيل الله يدعو إلى الله وكان مولعاً بحب الكباب، فخرج من بلده إلى بلدة أخرى فمر عليه يوم ويومان وثلاثة وأربعة ما طعم الكباب ولا شم رائحته، فتقطع قلبه شوقاً إليه، ولكن صبر على هذا السفر، ويوماً من الأيام خرج من المسجد الذي فيه الدعوة وإذ هو يجد رجلاً أمام المسجد يبيع الكباب، والكباب يقلى على النار، فالرجل من فرحته قال: الله ثواب وكباب! يعني ثواب في المسجد وكباب هنا الحمد لله! وذهب واشترى له أربعة أو خمسة أسياخ وأكلها كلها وقال: الحمد لله، ثوابٌ وكباب! فهذه نعمة أهل الإيمان يجدون الثواب، ويجدون الكباب. وأما أهل الغفلة فيجدون العقاب ويجدون العذاب، ولو وجد الكباب فإنه منغص وملغم بالمعصية، والمعصية إذا حلت في نعمةٍ أفسدتها، ما الذي يسعدك في الحياة؟ ما الذي يزين لك هذه الدنيا؟ ما الذي يعطي لك مالاً ووجوداً في حياتك؟ إنه الدين إنه الإيمان إنه الاتصال بالرحمن، لكن إذا عاش الإنسان حياةً مقطوعةً عن الله، لا يسمع كلام لله، ولا يألف الله، ولا يحب الله، هذا -والعياذ بالله- يأكل ويتمتع كما يأكل الحيوان: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] . فهذه الحياة كلها لنجعلها في منزلة الإجازة، كأنها إجازة ونقول لأنفسنا: لنقضي هذه الحياة في طاعة الله، ولنصبر على الآلام والمعاناة إن كان هناك شيء منها، اصبر على طاعة الله، واصبر عن معصية الله، واصبر على أقدار الله المؤلمة، وما هي إلا يومٌ وليلة وشهرٌ وأيامٌ وسنون تمر وبعد ذلك تنتهي إجازتك وترجع إلى الآخرة: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الانشقاق:6-7] هؤلاء الذين عملوا حقيقةً: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:8-9] لماذا ينقلب مسروراً؟ لأنه يجد السرور، ينقلب إلى أهله في الجنة وإلى زوجات وإلى نعيم مسروراً فرحاً لا يشعر بحزن؛ لأنه يشعر بلذة وسعادة: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:9] أسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم وآباءنا وأمهاتنا وجميع إخواننا المسلمين. {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق:10] ذهب يبحر! قعد يلهو ويلعب! قال: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} [الانشقاق:11] يدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور، أي: المصائب يدعو على نفسه بالويل، ويدعو على نفسه بالهلاك والدمار؛ لأنه يقول: أهلكت نفسي، دمرت نفسي ثم قال: {وَيَصْلَى سَعِيراً} [الانشقاق:12] يصلى النار، لِمَ يا رب؟ قال: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق:13-14] اعتقد ألا يرجع إلى الله، الحور: هو الرجوع. ((بَلَى)) كلمة (بلى) هنا للإضراب، بلى سيعود: {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} [الانشقاق:15] إن الله لا يخفى عليه شيء من أمرك سرك وجهرك، ليلك ونهارك، كل أوقاتك مسجلة عليك، والله عز وجل لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها في هذا الكتاب ويوم القيامة: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] فمن عمل، يقول يوم القيامة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43] أما من لم يعمل وفرط وسوَّف وأهمل فيقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:25-32] . فمضت الإجازة وانتهت، وما معك إلا الذي معك، إن عملت خيراً فيها فهو مكتوب، وإن عملت شراً فيها فهو مكتوب، ولكن بإمكانك أن تصحح الخطأ؛ لأن الله مكنك، وإن أناساً ذهبوا إلى جدة في الإجازات وما وصلوا بيوتهم، وقد سمعتم أنتم بحوادث السير، يقول لي مسئول في كهرباء منطقة تهامة في القنفذة: إنه في خلال الأسبوع الأول من أسبوع الإجازة أربعة وعشرون حالة وفاة من حوادث المرور، فقط هذا الذي بجوارهم في القنفذة، يقول: الذي علمته من طريق المستشفى المرور، أما الذي بعيد عني فكثير. فأنت يا أخي ذهبت ورجعت، فمكنك الله وأعطاك فرصة، فإن كنت أحسنت فزد في الإحسان، وإن كنت قد أسأت فعد إلى الله وصحح الخطأ مع الله تبارك وتعالى ما دام في العمر متسع وفيه إمكانية قبل أن يحال بينك وبين التوبة وتقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] فيقال لك: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100] .

الأدلة الواردة في أهمية حفظ الفرج

الأدلة الواردة في أهمية حفظ الفرج أيها الإخوة في الله! مدار سعادة الإنسان ونجاته وفوزه وفلاحه في الدنيا والآخرة على حفظ أمرين: على حفظ لسانه وعلى حفظ فرجه، يشهد لهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة) سبحان الله! تحفظ هذين المحلين اللذين إذا أطلقتهما أورداك النار، وإذا حفظتهما أورداك الجنة، ويضمن لك النبي صلى الله عليه وسلم الجنة، وفي الحديث الآخر الذي ذكره السيوطي في الجامع وصححه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من تزوج فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر) ما معنى الزواج نصف الدين؟ يفسر ذلك المحققون والذين يغوصون في أعماق النصوص، ويعرفون جواهر كلام النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: إن معنى هذا الحديث أن نصف الدين يحفظ بالزواج يعني: يحفظ الفرج (فليتقِ الله في النصف الآخر) أي: في اللسان، من تزوج حفظ نصف دينه، هذا إذا كان موفقاً، أما إذا كان مخذولاً -والعياذ بالله- فما يكفيه الحلال، بل هناك أناس الآن متزوجون يخرجون إلى الخارج، يقطع إجازة ويسافر من أجل أن يزني ويسكر ويعربد هناك -والعياذ بالله- وهو متزوج، لكنه مخذول شيطان رجيم -والعياذ بالله- وهناك شباب ليسوا متزوجين ولكن عندهم عصمة، وعفة، لأنهم معتصمون بالله، أبداً لا ينظرون ولا يسمعون، ولا يمكن أن يفكروا في الحرام، لماذا؟ لأن الله نوَّر قلوبهم، وشرح صدورهم، وربطهم به، فهم مع الله تعالى: (فمن تزوج فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر) . حفظ اللسان وحفظ الفرج عليهما مدار السعادة في الدنيا، الآن لو تذهب في السجن وتطلب إحصائية بالقضايا الموجودة ستجد أكثر السجناء من أجل فرجه أو لسانه، إما في زنا، أو لواط، أو مضاربة بلسانه، أو شهادة زور، أو دعوة كاذبة، أو لعن، وأكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج وهي من الأعضاء الخطيرة على الإنسان والتي ما جعل الله ولا خلق منها إلا واحداً واحداً، فالأعضاء والعناصر والجوارح المفيدة خلق الله منها اثنين، والضارة واحداً، العينان مفيدتان، جعل لك ربي اثنتين تتعطل واحدة وإذا بالثانية شغالة، تضعف واحدة وإذا بالثانية شغالة، الأذنان اثنتان، اليدان اثنتان، الأنف فتحتان، الشفتان اثنتان، الرجلان كذلك، لكن الفم واحد واللسان واحد، إذا كان لسان واحد لم يخارجنا، كيف لو أنه لسانان! والفرج واحد، كيف لو أنه اثنان؟! لا حول ولا قوة إلا بالله! هذه الأعضاء الخطيرة الله جعل منها واحداً وأمرنا أن نحفظ هذا الواحد وقال: احفظوا هذا واحفظوا هذا قال صلى الله عليه وسلم: (أضمن لكم الجنة) .

سبعة يظلهم الله في ظله

سبعة يظلهم الله في ظله روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) يوم القيامة تدنو الشمس من الرءوس حتى تغلي أدمغة العباد، وتكون على بعد ميل، قيل: ميل المسافة، وقيل: ميل المكحلة، وتصهر الناس صهراً في عرصات القيامة حتى إنه ليسيل العرق منهم، ومنهم من يلجمهم العرق، أي: يسبح في عرقه، مهما بلغت درجة حرارة الدنيا كلها لا يمكن أن يسيل العرق في الأرض مثل الأنهار أو مثل الماء، لكن يوم القيامة ليس يسيراً فقط، بل يلجمهم العرق، وفي ذلك الوقت، وفي ذلك الكرب الشديد، وفي ذلك اليوم الهائل الطويل الذي مقدراه خمسين ألف سنة هناك سبعة أصناف من الناس يكونون في ظل عرش الله: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: رجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ إلى نفسها -أي: إلى الزنا- فقال: إني أخاف الله) هذا ما أعظم منه، ترونها في الذهن سهلة، لكن عند التطبيق: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] اللهم ثبتنا يا رب في الدنيا والآخرة.

قصة الكفل من بني إسرائيل وتوبته

قصة الكفل من بني إسرائيل وتوبته أخرج الترمذي وحسن الحديث وأخرجه ابن حبان في صحيحه وأخرجه الحاكم في مستدركه وصحح الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا حديثاً لم أسمعه مرة أو مرتين أو ثلاثاً ولكن سمعته أكثر من ذلك -هذا كلام ابن عمر - يقول: سمعته يحدثنا أكثر من ذلك قال: (كان الكفل من بني إسرائيل وكان لا يتورع من ذنبٍ عمله -كان رجلاً مسرفاً في الذنوب- فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها حراماً، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت -ما دفعها إلى الموافقة إلا الاحتياج، وهو استغل حاجتها وأغراها بالمال، ولكنها شريفة وعفيفة ولا تعمل هذا العمل، فلما جلس منها ارتعدت وخافت من الله وبكت- قال: ما يبكيكِ أأكرهتكِ؟ -يقول: أنا ما أجبرتكِ على هذا- قالت: لا. ولكن عملٌ ما عملته قط وما حملني عليه إلا الحاجة -تقول: هذه الشغلة ليست لي ولا لآبائي ولا لأجدادي - قال: تفعلين هذا لِمَ؟ قالت: من مخافة الله، قال: فأنا أحرى منكِ اذهبي فلكِ ما أعطيتكِ، ووالله لا أعصيه بعدها أبداً. وتاب الله عليه قال: فمات من ليلته-انظروا حسن الخاتمة- فأصبح مكتوباً على بابه: إن الله قد غفر للكفل وأدخله الجنة) . الله أكبر! لا إله إلا الله! هناك من أجل حفظك للفرج يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهنا من أجل حفظ الفرج يغفر الله له، ويصبح مكتوباً يقرؤه الناس على باب الكفل: إن الله قد غفر للكفل وأدخله الجنة، فعجب الناس من ذلك.

حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار

حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار روى البخاري أيضاً ومسلم في الصحيحين حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار وقالوا: -طبعاً كانوا في سفر- وآواهم المبيت في الليل إلى هذا الغار فدخلوا فيه وناموا، وبينما هم نائمون تدحرجت صخرة ضخمة من الجبل ووقفت على باب الغار وسدته، وليس هناك وسيلة اتصال لا هاتف يتصلون بالنجدة أو الشرطة أو الدفاع المدني، ولا جماعة ينادون لهم، ولا جرافة ولا شيء يبعد الحجر عنهم، يدحرها برجله لا يستطيع مثل الجبل على الباب قالوا: (إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا الله) عرفوا أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إلى الله، فادعوا الله بصالح أعمالكم، من تعرف على الله في الرخاء تعرف الله عليه في الشدة، لو أنهم فسقة وعصاة ومغنون ومطربون ولعابون بماذا يدعون الله؟! لا ينفع في الساعات الضيقة والحرجة إلا الإيمان؛ لأن الإيمان جوهر، الإيمان ذهب، والعمل الصالح ذهب والذهب ينفعك في كل ميدان، بينما المعاصي -والعياذ بالله- بعر وفحم، والبعر والفحم لا ينفع، قد ينفع البعر في الدنيا لكن هل تشتري به شيئاً؟! لا. لو أن إنساناً منكم سافر إلى بلدٍ بعيد من أجل الاغتراب سواءً جاء من خارج المملكة إلى المملكة أو من داخل المملكة إلى بعض جهات المملكة، واغترب سنوات طوال وهو يجمع المال إلى أن جمع له مبلغاً من المال وعاد إلى أهله في قريته، أحد الرجلين: إما رجل يذهب بمبلغ من المال ضخم يشتري سيارة كبيرة (مرسديس) ويحملها أثاثاً من كل ما لذ وطاب، ويحملها هدايا للجماعة وأهل القرية كلهم، وجيبه ممتلئ نقوداً، ومن يوم وصل إلى القرية ذبح الذبائح وأقام الولائم وعزم الأهالي كلهم. ثم قال: والله لا يذهب منكم رجل إلا وقد أخذ كسوته، أنا كنت متغرباً عنكم والآن كل واحد له عندي ثوب وغترة وبشت وعقال، والمرأة لها عندي عباية وثوب، وأعطاهم كلهم وفوق نصيب كل واحد يعطيه نقوداً، ماذا يقول الناس لهذا الرجل؟ يقولون: الله أكبر! الله يوفق هذا الرجل، فيقول: وأنا أريد أتزوج هذه المرأة ما رأيكم يا جماعة؟! الكل سيقول: ليته يخطب عندي، بل سيتسابقون كلهم ليزوجوه، يقولون هذا رجل هذا فحل هذا الذي يقرب منه يجد خيراً في الدنيا والآخرة، هؤلاء كلهم يريدونه، إن أتيت تخطب قدموك، وإن أتيت تدخل في مجلس استقبلوك، وإن أتيت تسافر بكوا عليك، وإن أتيت تضيفهم أضافوك، لماذا؟ لأنك عرفت قيمة نفسك وحفظت نفسك في الدنيا، فهؤلاء أكرموك؛ لأنك رجل في الدنيا. وآخر تغرب عشر سنوات وكان على القهاوي والأغاني، وبعدها تذكر أهله بعد عشرات السنين، لابد أن يرجع إليهم، وجاء ويفتش والله ليس معه شيء، لكن أخذ العدة، ما هي العدة؟ معه مسجل، وكرتون أشرطة، وكرتون دخان، وحقيبة أخرى لحلق لحيته، هذا زود الغربة وحملها إنه رجع إلى أهله، ويوم دخل عليهم: مرحباً، حياكم الله، الله يبارك فيك، فرحت به أمه وفرح أبوه، ورأوا الحقائب مليئة يظنون أن فيها شيئاً، فتحها وإذا به أندر شريط وقال: ارقصوا أريدكم تغنوا. قالوا: والنعمة! ما سافرت حتى تعود لنرقص، الرقص في كل مكان، ما نفعنا الرقص، لكن معك شيء آخر؟ قال: أعطيت لكم الدخان، الدخان هذا يجعل الواحد يرى الدنيا كلها وهو جالس. وماذا معك؟ قال: وهذه العدة حق الحلاقة، هذا صابون اسمه كذا، وهذا حلاقة أبو تمساح. انتظر الجماعة يومين وثلاثة الوليمة! وليس هناك وليمة ولا شيء! ما رأيكم هل أحد يزوجه إذا أراد أن يتعرس؟ والله ما يزوجونه بحمارة! لو يطلب حمارة يقولون: الحمارة أفضل من هذا! الحمارة تنفعنا نضع على ظهرها الحمل وتمشي، لكن هذا الضايع ماذا نعطي له؟ ولا يضيفونه ولا يكرمونه ويصبح مسبة لأهله، إذا جاء أبوه يتكلم قالوا: اسكت يا أبا فلان، والله ولدك كله خيبة مثلك، لو فيه خير كان حفظ نفسه، هذا في مقام الدنيا، نحن الآن مسافرون مغتربون، كلنا يا من على ظهر الدنيا مغتربون. ومن الناس من يعمل عمل ذلك الرجل، شغال في الحسنات، يتزود من العمل الصالح لا يترك لله أمراً إلا عمله، ولا ينهى عن أمر إلا انتهى عنه، ولا يُذكر لله خبرٌ إلا صدقه، ولا يترك مجالاً من مجال الخير إلا سار فيه، فهو يحول، فإذا مات رجع إلى الله عز وجل بوجهٍ أبيض وكتابٍ أبيض وعمل أبيض، فالله عز وجل يزوجه من الحور العين، ويسكنه في القصور العالية، ويجري من تحته الأنهار الجارية، ويعطيه من كل ما لذ وطاب؛ لأنه قال: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] وأما ذاك الذي أتى ومعه أغاني ودخان يأتي عند الله ماذا معه؟ {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:40] ليس معه شيء، هل يتزوج من الحور العين هذا؟ لا. ادخلوه الصالة والعياذ بالله. فأنت يا عبد الله! لا ينبغي لك أن تضيع نفسك. هؤلاء الرجال الثلاثة قالوا: إنه لا ينجيكم مما أنتم فيه إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فدعوا، أحدهم ماذا قال؟ قال: (اللهم إنه كانت لي ابنة عم وكانت أحب الناس إليَّ، فراودتها عن نفسها فامتنعت، حتى ألمت بها سَنَة من السنين -أي: نزل بها حاجة وفقر لشدة القحط والمئونة- فجاءتني فأعطيتها مائتين وعشرين ديناراً على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت: اتقِ الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه - تقول: لا تعمل غلط! هذا المكان لا يجيء إلا بالحق والحق هو الزواج الشرعي- قال: فتركتها وانصرفتُ عنها وهي أحب الناس إليَّ، اللهم إن كنت عملت هذا من أجلك وخوفاً منك ففرج عنا ما نحن فيه) وكان هذا الثالث، الأول قال: إنه كان له أب وأم وكان يرعى ونأى به المرعى يوماً من الأيام بعيداً؛ لأنه يتتبع منابت الشجر والأمطار، وما رجع إلا في ساعة متأخرة وقد نام والداه فحلب من الإبل وجاء بالغبوق -العشاء- لأولاده ولأمه وأبيه، لكن يقول: وكنت لا أغبق قبلهما أحداً، فأولاده يتضاغون عند رجله يبكون، وزوجته تبكي من الجوع، وأمه وأبوه نائمان، قال: والله ما أوقظهم فأزعجهم ولا أعطيكم قبلهم، يقول: فجلست واقفاً على قدمي إلى أن طلع الفجر وهو لم يكن طوال يومه نائماً، كان طوال يومه شارداً وراء الإبل يرعى، وفي الليل لم ينم يقول: أخشى أن أنام فيأكلون هذا قبل أمي وأبي، وأخشى أن أوقظهم فيغضب الله عليَّ أن أيقظ أبي وأمي من النوم وأزعجهم، لا يريد أن يقول لهم حتى أف، يقول: اللهم إن كنت تعلم أني صنعت ذلك من أجلك ففرج عنا ما نحن فيه، ففرج عنهم قليلاً لكن لا يستطيعون أن يخرجوا. الثاني ماذا عندك؟ قال: كان عندي أجراء عملوا عندي عملاً فأعطيت كل واحد منهم أجره إلا واحداً ذهب وترك أجرته، يقول: فاستثمرته ونميته حتى أصبح وادياً من الإبل، ووادياً من البقر، ووادياً من الغنم، وعبيد يخدمون، وبعد سنين جاءني هذا العامل وقال: يا سيدي! إني كنت قد عملت عندك يوماً من الأيام وبقي عندك كذا وكذا أريده. قال: أنت فلان؟ قال: نعم. قال: ما ترى من الوديان من الغنم والإبل والبقر والعبيد كلها لك. قال: أتهزأ بي؟! قال: والله ما أهزأ بك ولكن كله لك، فأخذه وساقه وما ترك له شيئاً من أجل الله عز وجل، ليس مثل كثير من الناس الذين يأكلون أجور المسلمين، ويبنون البنايات من ظهور المسلمين، بعض الناس يأتي يبني عمارة وهو مفلس وما عنده شيء، ويأتي بالمقاول ويأمره أن يشتغل، وبعدها يماطل به ويذهب يشاكيه ويقعد يتوسط عليه ويذهب للحقوق فيقول: هذا أجنبي ما له شيء، وأنا ابن الوطن ويشتغل بالهاتف وبالمكالمات حتى يظلم هذا المسكين، و (المشطب) يأمره (يشطب) ولا يعطيه، السباك يسبك ولا يعطيه، المرنج لا يعطيه، يعني: كل شغلته من ظهور الناس، مساكين هؤلاء -يا أخي- ما تركوا بلادهم واغتربوا وضحوا بأموالهم وأولادهم وأهاليهم إلا من أجل طلب لقمة العيش، من أجل أن يأخذ منك مقابل عرق جبينه، ويأكله ويرسل لأهله، فأنت لماذا تأكل عرق جبين المسلم؟ بم تستحل هذا؟ (إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) (أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه) لا يجوز لك شرعاً بأي حال من الأحوال أن تؤخر ريالاً واحداً على عامل عندك. كثير من الناس عنده عمال، وبعض العاملين له أربعة وخمسة أشهر وما أخذوا الراتب إلى الآن، يمارس الضغوط عليهم وإذا قالوا: هات وإلا سنشتكيك. قال: سوف أسفركم يعني: يضع عليهم شيئاً في الترحيل حتى يستغل ضعفهم وقلتهم، ولكن هؤلاء سينصرهم الله عليه في الدنيا والآخرة، والله إن دعوة المظلوم ليرفعها الله وإنها لتشق الغمام وإن الله ليقول: لأنصرنك ولو بعد حين، دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، هذا المؤمن الموفق ما كان من هذا الصنف وإنما من الصنف الذي يخاف الله، ما أخذ النقود وقال: لما يأتي، شغلها وثمرها وأعطاها كلها ففرج الله عنهم، لكنهم لا يستطيعون. فقال الثالث الموفق هذا الذي حفظ فرجه من الحرام؛ ففرج الله عنهم، وأزال الصخرة، وخرجوا يسعون في سبيل الله عز وجل بسبب ماذا؟ بسبب العمل الصالح.

معنى حديث: (وحصنت فرجها)

معنى حديث: (وحصنت فرجها) أخرج ابن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) وهذا الخطاب للمرأة؛ لأنها الطرف الثاني في عملية الزنا؛ ولأنه لا يمكن أن يكون زنا إلا عن طريق موافقتها؛ ولأن الرجل الفاجر الفاسق إذا أقبل على امرأةٍ ونهرته انتهر، وفي اللسان الدارج يقول: (الرجل الفاسق مثل الكلب إن كسكست له جاء، وإن رجمته هرب) نعم. أي رجل جاء عند امرأة وهي مؤمنة وتكلم معها ورجمته بكلمة أو ضربته فإنه يذهب. وأذكر في سوق الثلاثاء أني نزلت أشتري بعض الأغراض وكانت هناك امرأة مسكينة كأنها نزلت السوق لغرض وجاء رجل خبيث وقعد وراءها تماماً، وكلما جلست في مكان جلس إلى جنبها، المهم كأنه في مكان من الأماكن ضايقها أو التصق بها أو احتك بجسمها، ولكنها موفقة من بنات الرجال حقيقةً وكان معها صندل متين والرجل ذو شخصية، على رأسه (غترة) وعقال، وإذا بها تضربه وتعميه في وجهه، والله إنها ضربته وأنا كنت في السوق -فيه مسارات- في المقابل، ورأيت الضربة في وجهه، وصارت تلعنه وتلعن جده، المهم أنه سقط عقاله و (غترته) وفر مثل القط هارباً، وإني أمشي وأقول: ماذا هناك؟ فقالت: امسكوه الخبيث هذا ابن الحرام إنه جاء يطاردني في السوق وأنا ما عندي رجل، زوجي مسافر، وأنا أولادي أمراض أتيت أشتري حاجات وهذا يضايقني، نحن ما طاردناه تركناه الله لا يرده، قد أقامت الحد عليه، والله إن تلك الضربة تساوي مائة سوط؛ لأنه كف من يد منيعة ومن حذاء ممتلئة أوساخاً كانت في الطين وضعته في وجهه والعياذ بالله. فالمرأة إذا كانت دينة وفيها خير، وزجرت الكلب الفاسد الذي يجري وراءها فإنه لايأتي، لكن إذا كسكست له مثل الكلب جاء يشم، فنحن نقول للمرأة: انتبهي لهذا الحديث: (إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) والله أجر عظيم يا نساء! فمسئولية الحريم سهلة لكنهن رفضن -الله المستعان- ليس بمطلوب منهن جهاد، أو سعي في الأرض أو إنفاق، إن المطلوب منها ثلاثة أشياء: تحفظ وجهها وتصلي فرضها، وتطيع زوجها، وتدخل الجنة من أي الأبواب شاءت، ولكن قليلٌ من الموفقات من تسير في هذا الأمر، تحفظ فرجها، وتصلي خمسها، وتطيع بعلها، والله عز وجل يرضى عنها إن شاء الله. هذا فضل حفظ الفرج، أنه يضمن لك الجنة، وينجيك من عرصات يوم القيامة، وتكون في مظلة الرحمن، وفي الدنيا إذا حلت بك مصيبة أو كرب وأنت حافظ لفرجك حفظك الله وفك مصيبتك وأعانك وأسعدك في ساعات الضيق؛ لأنك إذا تعرفت على الله في الرخاء فسوف يتعرف عليك في الشدة.

فاحشة اللواط وعظم جرمها عند الله

فاحشة اللواط وعظم جرمها عند الله يلحق -أيها الإخوة- في الزنا ويتبعه في الحكم الشرعي اللواط -أجارنا الله وإياكم منه- واللواط جريمة منكرة وفاحشة عظيمة, يقول أحد السلف وهو عبد الملك يقول: والله لولا أن الله حدثنا بالقرآن عن قوم لوط ما صدقت أن رجلاً يركب رجلاً؛ لأن هذا مرفوض، وفي طباع الحيوانات البهيمية التي هي أشرس شيء مثل الخنازير والقردة والكلاب، هذه لا تمارس اللواط ذكور مع ذكور أبداً إلا ذكور مع إناث، وهي حمير وخنازير، لكن العجيب أن من البشر أو قل: من الكلاب البشرية من يمارس هذه الفعلة الشنيعة التي عذب الله أهلها ودمرهم في الدنيا والآخرة. أخرج ابن ماجة والترمذي والحاكم وصححه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط) وأخرج ابن ماجة قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معشر المهاجرين! خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قومٍ قط حتى أعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا) والفاحشة تشمل فاحشة الزنا وفاحشة اللواط، واللواط يسمونه في الغرب وفي أمريكا الشذوذ الجنسي، يعني الزنا عندهم ليس بشذوذ؛ لأنهم خبثاء، لكن الذي يزني رجل برجل يسمونه شذوذاً جنسياً، وأيضاً أقروه، وفي مجلس العموم البريطاني جرى الاقتراع على جواز قيام الرجل بنكاح الرجل، ووافق أعضاء مجلس العموم بالإجماع إنه ممكن، وأصبح يكتب الرجل عند القس التابع لهم -القس يعني: الشيخ عند النصارى وعند اليهود اسمه: حاخام، انظروا الأسماء والعياذ بالله، اسمه مثله، حاخام وذاك قس- فيأتي هذا الكلب على الكلب عند القس ويكتب له عقد الزواج ويتزوجه، ويصبح يقول: جريمة لا يعاقب عليها القانون، بل جريمة أقرها النظام والقانون الشيطاني. الآن -إن شاء الله- سأذكر لكم بعض الدروس، درس كامل عن الشذوذ الجنسي هذا، وعن الزنا وعن آفة الأمراض التي يبتلى بها الزناة، وفي مقدمتها الجندي المحارب الأول الرسول من رب العزة والجلال على البشر وهو الإيدز، هذا جندي وصاعقة، صعق الله به البشرية وهو لا يرى بالعين المجردة ولا بـ (الميكروسكوب) اسمه: فيروس الإيدز، الآن أمريكا والعالم كله يقول: من هذا الجندي؟! وجندي آخر اسمه: السيلان، وجندي ثالث اسمه: الزهري، وجندي رابع اسمه: الهربز، هذه أمراض تأتي عن طريق العلاقات الجنسية المحرمة، لكن الإيدز يأتي بنسبة كبيرة عن طريق جريمة اللواط، وفي جنوب شرق آسيا في كوريا الجنوبية يوجد عشرة آلاف جندي أمريكي يمارسون الجنس يعني: اللوطية، والآن انتشر فيهم الإيدز مثل النار في الهشيم يفتك فيهم فتكاً ذريعاً والعياذ بالله. هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما ظهرت الفاحشة في قومٍ -يعني هذه وغيرها- إلا ابتلاهم الله بالأمراض التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا) وأخرج الطبراني في الأوسط بسندٍ رجاله رجال الصحيح ورواه الحاكم من رواية أخي أبي محرز عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله سبعة من خلقه من فوق سبع سماواته، وردد اللعنة على واحد منهم ثلاثاً، -لعن كل واحدٍ منهم لعنة واحدة لكن أحدهم لعنه ثلاثاً؛ لأنه مجرم كبير- فقال: ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ثم قال: وملعون من ذبح لغير الله، وملعون من أتى شيئاً من البهائم، وملعون من عق والديه، وملعونٌ من جمع بين امرأة وابنتها، وملعونٌ من غير حدود الأرض، وملعون من ادعى إلى غير مواليه) رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، وأيضاً رواه الحاكم من طريق أخرى، واعترض وتحفظ على موضوع محرز؛ لأنه من الرجال الذين في كلامهم شيء، ولكن هذا الحديث بعض طرقه تحسن بعضاً وهو يرتقي إلى درجة الحسن. وأخرج ابن حبان في الصحيح والبيهقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من غيَّر تخوم الأرض -يعني حدودها- ولعن الله من ضلل أعمى عن الطريق) -أعمى مسكين يمشي وجاء شخص وقال: ارجع إلى اليمين فرجع ووقع في حفرة، هذا ملعون -والعياذ بالله- لأنه أوقع المسكين في شيءٍ استغل فيه نعمة الله عليه، ما يدريك لعل ربي يعميك أنت ويصير هو يبصر ويقول لك: ارجع إلى اليمين وتذهب أنت كذلك، لا يجوز هذا (ولعن الله من سب والديه) وقد سئلوا في سب الوالدين، كيف يسب الرجل والديه؟ لا يوجد أحد يسب أمه وأباه، ليس بمعقول، كيف يسب الرجل؟ قال: (يسب أبا الرجل، فيسب الرجل أباه) فيكون هو سبب في سب والديه، ولو أنه ما سب آباء الناس ما سبوا والديه، فكأنه هو الذي سب والديه، فيتحقق عليه الوعيد وهو: (لعن الله من سب والديه، ولعن الله من تولى غير مواليه -هو عبد مملوك ويذهب عند أناس آخرين وينكر نفسه على أولئك- ولعن الله من عمل عمل قوم لوط ثلاث مرات) . وأخرج النسائي أيضاً في سننه: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط) . وأخرج الطبراني والبيهقي: (أربعة يصبحون في غضب الله ويمسون في سخط الله عز وجل قلت: من هم يا رسول الله؟! قال: المتشبهون من الرجال بالنساء) يعني: المتخنثون، يخلقه الله رجلاً ويتشبه بالنساء، فيأخذ صفات وأخلاق النساء، ما هي صفات النساء؟ التجمل، التكحل، الترجل، التزين، إن الواحد لا يريد أن يخرج إلا وهو مثل الوردة، لماذا تعمل هذا كله؟ ليس هناك شك أن الجمال والزينة مطلوبة في الرجل والمرأة، لكن تأخذ الزينة التي تليق بك كرجل، أما أن تتزين إلى درجة أن تصبح تغار بعض النساء من بعض الرجال، فتقول: لم تتركوا لنا شيئاً، زاحمتمونا على كل شيء، حتى الحمرة الآن أصبح هناك رجال يضعونها في خدودهم، نعم والله إني رأيت شاباً في وليمة من الولائم في فمه حمرة يضعها في شفتيه، والذهب يلبسوه في أيديهم، ماذا تبقى بعدها؟! واللحى أزالوها من وجوههم، لماذا الواحد يحلق لحيته ماذا يريد أن يفعل؟ يريد أن يبقى مثل المرأة، ربي يريدك أن تكون رجلاً خشناً، وأنت تقول: أريد أن أكون مثل بنات فاطمة، هل رأيتم الأسود في حديقة الحيوانات؟ رأيتم الأسد ولحيته واللبوة بجواره ليس معها لحية ولا معها لبدة، ولا تأكل إلا وقد أكل هو، رأيت هذا في حديقة الحيوان في الرياض، يأتون باللحم لهم وهي رابطة هناك ما تمد يدها معه وهو يأكل فإذا شبع قرب الصحن لها كأنه يقول: كلي، طبعاً نحن ما نقول: تأكل وتترك زوجتك وتصير أسداً، لا. كل مع زوجتك، لكن نقول: إن الرجال أسود، لكن إذا حلقوا لحاهم، لماذا يحلق لحيته؟ والله ما أدري أنا لأي هوى وأي مزاج يحارب الإنسان لحيته لماذا يحاربها؟! لا أدري إلا أنه وحي الشيطان، وإلا جمالك وبهاؤك وهيبتك في لحيتك، والله لو أرادك تكون بدون لحية ما أعجزه شيء لكان خلقك من الجنس الثاني، لكن ميزك وكرمك وشرفك، وأنت تنحر لحيتك. أحد الإخوة كتب لي رسالة صغيرة يقول فيها: إنني والحمد لله اتضح لي الحق وأصبحت والحمد لله ملتزماً وعزمت على أن أعفي لحيتي عملاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هناك فرق بين من يترك لحيته عملاً بسنة الرسول وبين من يتركها كموضة، وهناك أناس رأيناهم تاركين لها كموضة ديكور، فهذا ديكور إبليس وبعضهم يتوب ويطلقها سنة وتحجزه عن المعاصي ويهتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ولكنني أجد صعوبة الآن؛ لأنه يقول: طلعت وهي شديدة قوية كأنها إبر، يقول: وتحكني ولا أدري أصبر عليها أم ماذا؟ فقلت له: يا أخي الكريم! هذه مسكينة كانت تُحارب وهي تريد الحياة، فهي تحارب بسلاح فتعاند وتطلع كالرماح، تقول: أتحداك أن تحلقني، سأريك غداً أنا أطلع لك، فهي مسكينة لم تعرف أنك قد وضعت السلاح عنها، تظن أنك ما زلت تحاربها فهي تتقوى الآن، لكن اصبر عليها أياماً وليالي، إذا أمنت إن شاء الله من السلاح الأبيض سوف تعلن هدنة معك، وتقول: ما دام أنك صديقنا لا بد أن ننزل شعراً ليناً جميلاً، وإن شاء الله لن نؤذيك، لكن الناس يحاربونها والله إن هذه آية من آيات الله، إن اللحية كلما حوربت كلما طلعت غصباً عنك. لكن ما ظنكم في واحد من الناس يقول: إنه استعمل لها مزيلاً يريدها ألا تطلع إلى الأبد، بعضهم اتخذها شغلته المهمة ويقول: والله إني مشغول، ما معك من شغلة؟ قال: أريد أحلق، قال: من العصر إلى المغرب في الحلاقة؟ إما في مكان أو في بيته، فهذا مسكين عرف أن هناك شيئاً ظهر في الأسواق اسمه (هير استب) يعني: توقيف الشعر، فاشتراه ولطخ به وجهه، طبعاً الشعر يريد أن يطلع لا بد أن يطلع، لكنه سد هذه، فماذا فعل الشعر؟ طلع من داخل فمه، ولما أتى يأكل فإذا بشعره داخل فمه، فكيف يحلق من داخل؟!! افتح من جهة واشلح من جهة واحلق مثل اللحمة التي تهزرها من داخل، لا حول ولا قوة إلا بالله! فالتشبه بالنساء لا يجوز، لا تطيل ثوبك، إطالة الثوب من التشبه بالنساء؛ لأن ثوب المرأة هو الطويل وثوب الرجل هو القصير، أيضاً لا ينبغي أن تقعد تثبط نفسك أمام المرآة تنظر، سبحان الله! الشاعر يقول: كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول فالمبالغة في التحسين والتجمل لدرجة تخرج عن الإلف وعن العادة هذا من التشبه، أما الجمال المعهود في الرجال ليس جمالاً شكلياً، جمال الرجال في أخلاقهم وأديانهم، إذا رأيت رجلاً صادقاً براً وفياً كريماً شجاعاً مؤمناً وليس عليه من آثار الجمال شيء، ثيابه بالية ومقطعة وشكله شكل القنف

الأدلة الواردة في حرمة إتيان الزوجة في دبرها

الأدلة الواردة في حرمة إتيان الزوجة في دبرها شرع الله أن تأتي زوجتك في موضع الحرث قال عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة:223] الحرث الذي يبتغى فيه الولد وهو الرحم: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] فقط في موطن الحرث، فإذا غيَّر الإنسان موطن الحرث وأتى زوجته في دبرها فقد عمل عمل قوم لوط. ولذا من أتى زوجته في دبرها فعليه لعنة الله، وإليكم الأدلة: أخرج ابن ماجة والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الله إلى رجلٍ جامع امرأته في دبرها) وأخرج الإمام أحمد في مسنده قال: (ملعونٌ من أتى امرأته في دبرها) وأخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة: (من أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) وأخرج أبو داود: (من أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها أو كاهناً فصدقه فقد برئ مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) هذا ملحق باللواط، زوجتك انتبه لا يغريك الشيطان وإذا ثبت هذا فتعاقب بأن يفرق بينك وبينها، لا يجوز لك إلا أن تأتيها في موطن الحرث: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] . وقد قص الله عز وجل في كتابه العزيز قصة قوم لوط تحذيراً لنا من أن نسلك سبيلهم فيصيبنا ما أصابهم، وقد كرر الله القصة في القرآن في غير موضع، قال عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [هود:82] أي: أمر الله تعالى جبريل أن يقلع قراهم من أساسها، غرس جناحه في الأرض السابعة من أجل النكاية بهم ثم اقتلعها من أساسها وصعد بها على طرف من جناحه من ستمائة جناح إلى أن سمع أهل السماء الدنيا أصوات حيواناتهم ثم قلبها عليهم: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} [هود:82] أي: من طين محرق بالنار، (منضود) أي: متتابعٍ يتلو بعضه بعضاً: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} [هود:83] أي: معلمة مكتوب على كل منها اسم من يصيبه، كل واحد تقع عليه ولا تقع في غيره، لا حول ولا قوة إلا بالله! ثم قال: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83] أي: ما هذا العذاب من ظالمي هذه الأمة ببعيدٍ إذا فعلوا فعلتهم أن يحل بهم ما حلَّ بأولئك من العذاب، وقال عز وجل: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:165] سبحان الله! {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:165-166] أي: معتدون متجاوزون للحلال إلى الحرام وقال تعالى في لوط عليه السلام: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء:74] فأعظم خبائثهم -والعياذ بالله- أنهم كانوا يأتون الذكور في أدبارهم. ولم يجمع الله على أمة من العذاب ما جمع على قوم لوطٍ، فإنه طمس أبصارهم قبل العذاب: {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [القمر:37] ثم سوَّد وجوههم، ثم أمر جبريل بحملهم من أصل قراهم ثم قلبها عليهم، ثم خسف بهم، ثم أمطر عليهم الحجارة من السماء. وأجمع الصحابة على قتل فاعل ذلك، لكنهم اختلفوا في كيفية قتله، فقال عطاء والحسن وقتادة وهو قول الثوري والأوزاعي وأظهر قولي الشافعي: إن حده حد الزاني، إن كان ثيباً فيرجم، وإن كان غير ثيب فإنه يجلد مائة جلدة ويغرب، وقال سعيد بن جبير ومجاهد ومالك وأحمد: بأنه يرجم حتى ولو لم يكن محصناً، يعني: إذا فعل فعل قوم لوط فإنه يرجم ولو لم يتزوج. وقال الشافعي في قولٍ آخر: يقتل الفاعل والمفعول به، استناداً إلى الحديث الأول الذي كان فيه كلام، واستشار أبو بكر رضي الله عنه جمهور الصحابة فرأوا أن يحرق بالنار -نعوذ بالله وإياكم من ذلك. ويلحق بهذا شبيه اللواط وهو إتيان المرأة في دبرها، ويلحق بهذا السحاق. والسحاق: هو أن تفعل المرأة بالمرأة شيئاً على صورة ما يفعله الرجل بالرجل فهو في حكم اللواط والعياذ بالله. كل ما ذكر من أدلة في تحريم اللواط فإنه أيضاً يمكن أن يستدل به على تحريم السحاق لما روي أيضاً في حديث لا يصح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (السحاق زناً بينهن) يعني: زنا بين النساء، وفي الحديث قال: (ثلاثةٌ لا يقبل الله لهم شهادة أن لا إله إلا الله: الراكب والمركوب -أي: المفعول به- والراكبة والمركوبة -أي: التي تفعل بأختها مثلها- والإمام الظالم) والعياذ بالله. هذا كله ملحقٌ بالزنا وبما يتعلق به، نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحمينا وإياكم من ذلك، وقد تستغربون -أيها الإخوة- أنني أطلت في هذا الموضوع أكثر من ست أو سبع حلقات، ولكن هذا الزمن زمن الشهوات العارمة الجارفة، نعمٌ كثيرة وفراغ وخيرات، وما هناك ضوابط إيمانية قوية عند أكثر الناس، ففشت الفاحشة، وزين الفاحشة ما متع الناس به أنفسهم من المتع المحرمة مثل الأغاني ووسائلها، من الأشرطة والفيديو والمسلسلات، وأيضاً التبرج والاختلاط وخروج النساء متزينات متعطرات، وجلوسهن مع الرجال، كل هذه الأمور تمهد وتعين على الوقوع في جريمة الزنا، ولذا كثفنا الكلام على هذا الموضوع لعل الله تبارك وتعالى أن ينقذنا بفضله من هذه الجريمة، فيلحقنا بعباده الصالحين، ويعصمنا من الزلل ومن الوقوع في هذا الخطأ الكبير، إنه ولي ذلك القادر عليه. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة توجيهية للنساء في الانتباه لأولادهن في المسجد

كلمة توجيهية للنساء في الانتباه لأولادهن في المسجد قبل الإجابة على الأسئلة كلمة أوجهها إلى النساء وإلى أولياء أمورهن، فما من امرأة تأتي إلا ومعها وليها، وهو أننا نلاحظ وتسمعون الآن صياح وعبث الأطفال، ومن الطبيعي أن المرأة إذا جاءت بأطفالها فإنها لا تستفيد؛ لأنها تكون منشغلة بإسكاتهم وإرضاعهم، وبالتالي يفوت عليها متابعة الخطبة أو الكلمة، وأيضاً يحصل لها إثم من إيذاء المسلمات اللاتي يأتين بغير أطفال، وإيذاء للرجال بالمسجد، ولا ضرورة لحضورها ومعها أطفال، صحيح أنها تريد الخير، لكن مادام أنها تحصل على خير ويترتب عليه ضرر، فنقول لها: إن الخير أن تجلس في البيت ولا تأتي بأطفالها، وإذا أرادت أن تسمع فبإمكانها أن توصي زوجها أن يسجل لها هذه الكلمة، أو أن يشتريها من المحل بعد تسجيلها في اليوم الثاني ويسمعها هو وإياها في البيت بعد نوم الأطفال؛ لأن الطفل إذا كان في البيت لا يستطيع أن يسكته، والمرأة لا تستطيع هي أن تسكته، وإنما إما أن يسمعها حينما يريد أن ينام هو وزوجته، قبل النوم يقول: دعينا نسمع الشريط، أو يركبهم في السيارة ويذهب يمشيهم فيسمعون الشريط فيحصل لها النفع إن شاء الله، ولا يحصل عليها إثم إن شاء الله، ولكن مجيئها بالأطفال يحصل به ضرر ولا تستفيد، وأنا أعرف أن المرأة إذا كان معها أطفالها لا تستفيد، وإذا خرجت لو قيل لها: ماذا قال الخطيب، أو ما هو الموضوع؟ قالت: لا أدري، أشغلوني عيالي، طيب مادام أنكِ لم تسمعي ما الذي أتى بكِ؟

الأسئلة

الأسئلة

حكم من مات وعليه صيام

حكم من مات وعليه صيام Q والدي رحمه الله توفي في شهر ذي الحجة الماضي، وقد أصيب بمرضٍ خبيث وهو السرطان، وصام من شهر رمضان يومين، ثم اشتد به المرض وأفطر بقية شهر رمضان أي: ثمانية وعشرين يوماً، وقال: إذا شفيت صمت، ولكنه استمر به المرض حتى وافاه الأجل بعد رمضان بثلاثة أشهر، فماذا أصنع بالأيام التي فاتته هل أصومها أو أتصدق عن كل يوم مسكيناً، أو يسقط عنه الصوم؟ A إذا أفطر الإنسان من رمضان بعذر شرعي مثل هذا الإنسان ثم استمر به المرض حتى مات، فلا صيام عليه، ولا على وليه، ولا إطعام ولا قضاء؛ لأنه لم يجب عليه، لكن إذا أفطر ثم مكن، أي: عافاه الله، وكان بإمكانه خلال هذه الفترة أن يصوم ولكنه ما صام؛ فرط، فإنه يصام عنه؛ لأنه في الحديث عن عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح: (من مات وعليه صومٌ صام عنه وليه) أما هذا فلا يجب عليه الصوم، هو وجب عليه وسقط الوجوب بالمرض إلى أيام أخر، ما هي الأيام الأخر؟ هي العافية، قال الله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] يعني: من أيام أخر فيها عافية، ما جاءت الأيام الأخر التي فيها عافية، ومات في مرضه فلا شيء عليه، وهذا في إجماع أهل العلم، ولا شيء عليك، ولكن ادع لأبيك، نسأل الله عز وجل أن يسكنه وجميع المسلمين فسيح جناته.

حكم دعاء الأموات وزيارة قبور الأولياء

حكم دعاء الأموات وزيارة قبور الأولياء Q نحن في قرية من اليمن وهناك أناس يدعون أنهم أولياء وأنهم سادة، وعندما يتوفى الواحد منهم يبنون على قبره غرفة ويخصصون يوماً لزيارته، وعندما يمرض أحدهم يذهب إلى الميت فيدعوه، فما حكم الشرع في هذا؟ A هذا شرك، وهؤلاء هم القبوريون وليسو سادة ولا أولياء، بل أعداء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والذين يدعون أنهم من أهل البيت أو سادة وهم يعارضون دين الله، ويرتكبون محارم الله، ويبتدعون في دين الله هؤلاء هم أعداء الله ورسوله، وليسوا من أهل البيت، فإن أبا لهب هو عم الرسول، لكن هل هو من أهل البيت؟ لا. من أهل النار، أنزل الله فيه قرآناً إلى يوم القيامة: {تَبَّتْ} [المسد:1] أي: حسرت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] وهو عم الرسول، ويأتينا واحد لا نعرف نسبه فيقول: إنه من أصحاب الرسول ويخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ويبني على قبره! نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور، وأمر بهدم القباب والغرف، وهدم الأبنية والأضرحة، فهؤلاء القبوريون الذين يرتكبون هذا الشرك -والعياذ بالله- يضادون دين الله، ويحاربون الله، ويحاربون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا دعوا الميت من دون الله وقعوا في الشرك الأكبر؛ لأن البناء شرك، ودعوة الأموات من دون الله شرك، والله تبارك وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر:13] والقطمير هو: الغشاء الموجود على نواة التمر؛ لأن نواة التمر فيها قطمير ونقير وفتيل، وذكر الله في القرآن أن هؤلاء لا يملكون قطميراً ولا فتيلاً ولا نقيراً، فالقطمير هو: الغطاء، الذي على النواة وهو غشاء شفاف صغير. والنقير هو: الذي في ظهر النواة نفسها، فالنواة في ظهرها خرق صغير، وفيه نقرة صغيرة فيها مادة من التمر وهي التي تنشق منها النواة، وفي بطن النواة فتيل: خيط صغير موجود في الشق، قال: {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر:13] * {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} [فاطر:14] هؤلاء الأموات الذين تسمونهم سادة وأولياء لو دعوتموهم ما سمعوا دعاءكم: {وَلَوْ سَمِعُوا} [فاطر:14] على فرض: {مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14] . فهذا شرك -يا أخي المسلم- وأنت مادام أن الله نور بصيرتك، ووفقك وعرفت التوحيد، وعرفت هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فتعمق فيه وزد علماً، ثم إذا رجعت إلى أهلك فكن داعيةً إلى التوحيد الخالص وإلى البراءة من القبوريين ومن الموسوسين والدجالين هؤلاء الذين يدعون أنهم من أهل البيت وأهل البيت منهم براء.

نصيحة موجهه للشباب في فن التعامل مع الناس

نصيحة موجهه للشباب في فن التعامل مع الناس Q نريد منك أن توجه نصيحةً لإخواننا الشباب الطيب الملتزم الذين هداهم الله وأكثر الله منهم ومن أمثالهم، ولكن يجب عليهم أن يتعرفوا على إخوانهم المسلمين في المساجد ويقوموا بزيارتهم، فإنني لاحظت في أكثر المساجد أن هناك عزلة وانفراداً بينهم وبين أهل المسجد، وينسون أن لهم إخوة آخرين يؤدون معهم الفرائض وهم أقرب الناس إلى الإيمان وكأنهم غرباء عنهم، حتى أنني أعرف واحداً منهم يدخل المسجد ويخرج ولا يسلم ولا يتكلم مع الناس، وديننا دين إخاء وتعارف، وحبذا لو تكون نصيحتك لهم وحثهم على ذلك بدءاً من هذا الدرس؛ لأن هذا يحز في قلوبنا كثيراً، ونغار على إخواننا الطيبين المؤمنين الذين يصلون في المساجد وبينهم وبين الطيبين الملتزمين عزلة؟ A هذه والله مشكلة -أيها الإخوة- يعني: بعض الشباب الطيب الذين هداهم الله يحاول دائماً أن يكون منكمشاً على الناس في المسجد، أنت لابد أن تكون في عزلة وفي اتصال، عزلة عن الباطل وفي اتصال مع الحق، وأهل الحق هم أهل المسجد، وهل في الدنيا أفضل من أهل المسجد؟! وإذا كان الله قد نوَّر بصيرتك وبدأت تنفتح على الدين وتقرأ وتنور بصيرتك، فلابد أن تربط علاقة طيبة مع الناس الذين معك في المسجد تبش لهم، ولو لاحظت عليهم بعض المعاصي؛ لأن بعض الناس إذا رأى إنساناً ثوبه طويل، قال: هذا ليس فيه خير، يا أخي! فيه خير ومن أهل الخير، لكن عنده نقص في هذا الجانب، هذا دورك أنك تصلح هذا الجانب، إذا رأيته يحلق لحيته فلا تهجره، أنت دورك دور الطبيب، سلِّم عليه وتحبب له، واعزمه وزره، واهد له كتاباً أو شريطاً، وحاول أن تدعوه، أما أن تتخذ منه موقفاً فلا يصلح، إذا أنت عاديت هؤلاء الذين هم من صفوة الناس فمن يصلحهم؟ لا يا إخواني! لابد من اتصال بالناس، ولابد من الصبر عليهم، ولابد من غض الطرف عما نلاحظ من السلبيات؛ لأننا لو بدأنا نفتح أعيننا على سلبيات الناس فقط وننسى حسناتهم لما اتبعنا أحداً، ولا استقطبنا عداوة الناس، لكن نقبل من الناس إحسانهم، ونغض الطرف عن مساوئهم لعل الله أن يتوب عليهم، وهم في وضع المريض، والمريض الذي فيه حياة نحن نفرح أن تزداد حياته ولا نفرح بأن نقضي على حياته التي هي معه ثم نخسره. فهذه وصية لإخواني في الله الطيبين أن يتقربوا من إخوانهم في المساجد، ويحتكون بهم على نية الإصلاح والدعوة، لا على نية الإقرار وممارسة المعاصي معهم.

كيفية تعامل الشخص مع كبير السن من أقاربه

كيفية تعامل الشخص مع كبير السن من أقاربه Q لدينا عجوز في البيت وهي جدتي (أم أبي) وصارت في آخر عمرها تتهمنا بالسرقة وتسبنا دائماً حينما نخرج وحينما ندخل، وليس على لسانها إلا السب والشتم والاتهامات بالسرقة، فما رأيك في قضية معاملتها؟ A ماذا تريدني أن أقول؟ اضربها! جدتك أم أبيك، هذه والدتك وعليك أن تبرها، وأن تحسن إليها، وأن تدعو لها، وأن تهدي لها، وأن تخدمها وأن تصبر على كل ما يأتي منها من أذى، وأنا واثق أنك إذا صرت طيباً عندها فلن تعود تتهمك بالسرقة، لكن ربما هي لا تعد نقودها، أو ربما أنك كنت أنت أو بعض إخوانك في حياتكم الأولى مقصرون، وهي ما عرفت أنك مؤمن وطيب، فتتهمك بحكم أنها تفقد النقود، أو أنها لا ترى النقود في الحقيبة أو في الدولاب، فمن تتهم؟ تتهم الهواء، ما دخل البيت أحد إلا أنت وإخوانك، فإذا تكلمت عليك اعذرها، ولأن الكبير في السن النقود هذه قد دخلت في قلوبهم؛ لأنهم قد عاشوا في أوقات فقر، فإذا كان مع الواحد منهم شيء لا يريد أن يضيع الريال، يخرج الريال وكأن روحه تخرج معه، فإذا رأى الريال يذهب بدون أن يشتري به شيئاً يغضب جداً، فأولاً: ابحث عن أسباب السرقة، إن كنت أنت -وأرجو الله ألا تكون لأنك طيب إن شاء الله- لكن ربما شخص من إخوانك أو أمك، اذهب إلى الجدة، وقل: يا والدة النقود هذه التي تقولين: إننا نأخذها أين تضعيها؟ فإذا قالت: يا ولدي هنا، قل: هاتيها نضعها في دولاب ونغلقها بقفل ونعطيكِ القفل، وثق تماماً أنها إذا فقدت شيئاً، فلن تتهم أحداً بالسرقة، وأيضاً إذا دخلت فقبلها في رأسها، وقل: كيف حالك يا والدة؟ وأحسن الله خاتمتك، ولماذا أنت اليوم حزينة؟ ويتكلم معها، ويقول: ما رأيك بأن أعطيك هذا الحديث، أو هذه القصة؟ أعطها حتى تحبك، لكن بعض الناس إذا كبرت أمه أو جدته؛ عزلها في غرفة ولا يسمر معها، فإذا جاءوا يسمرون، قالوا: قومي نامي الله يحسن خاتمتك، هي تريد أن تسمر مسكينة، وبعض الناس يضيقون؛ لأن بعض النساء العجائز إذا كانت في المجلس سمعها خفيف وتسمعهم يتحدثون ويضحكون، فتقوم هي تريد تشارك في الجو، فتقول: ماذا تقولون؟ فيقولون: هذا كلام لا يهمكِ، فيأتي في قلبها، لا. انتبه! يجب أن تأتي إليها وتخبرها بالكلام الصحيح، ولا تحتقرها أو تتجاهلها، ولا تلغي رأيها، لأنه يقع في قلبها وتتحسر؛ لأنها تعيش في مرحلة الضعف والهرم، وأنت ستمر بهذه المرحلة بعد ذلك، ويسلط الله عليك أولاداً أسوأ منك، لكن إذا أنت راعيت أباك وأمك وجدك وجدتك؛ يصير الله لك ولداً صالحاً، ويصير الله لك أولاداً صالحين فمثلما كنت تبر آباءك يبرك أبناؤك (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) وكما تدين تدان، ومن وفّى وُفيَّ له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين، لهم ويل -والعياذ بالله- انتبه! لا تحاول أن تلغي أمك أو جدتك ولا تحترمها ولا تقدرها، لا. وإذا رأتك طيباً ستدعو لك كلما دخلت قالت: الله يوفقك، الله يحفظك، الله يردك سالماً، لكن تراك وإخوانك تسرقون النقود ولا تهابون منها، فماذا تريد منها؟! تدعو لك؟! لا تملك إلا أن تدعو عليك.

حكم ترديد الأشعار على لحن الغناء

حكم ترديد الأشعار على لحن الغناء Q ما حكم ترديد بعض الألفاظ الشعرية على لحن الأغاني التي كنت أسمعها في الجاهلية والحمد لله الآن تبت ولا أسمعها، ولكني أردد أحياناً بعض ألفاظها على هيئة ألحان الغناء، ثم أتذكر فأقف، فما الحكم؟ A ما دام أنك تتذكر أنك مخطئ وتستغفر الله، فالحمد لله، أما الجواز فلا يجوز لك، الله أنقذك منها، فلا تتذكرها لا بسلب ولا بإيجاب؛ لأن من شروط التوبة الإقلاع عن الذنب بالكلية، والندم على ما فات منك، والعزم على عدم العودة، فإن الترديد لهذه الأبيات: يا ليتني طير وأطير حواليك ربما تسقط بعده!

ضرورة هجر الأصحاب الذين يجرون إلى المعصية

ضرورة هجر الأصحاب الذين يجرون إلى المعصية Q لدي زملاء كلما جالستهم حدثوني بالدنيا وزينتها وفي النساء والبنات، وأحاول دائماً كلما جلست معهم أن أذكرهم بالله والآخرة والموت والحساب والعقاب، ولكنهم يسخرون مني ويضحكون مني، فماذا أعمل؟ هل أهجرهم؟ A نعم. اهجرهم الآن قبل غدٍ؛ لأنه مادام أنهم يدعونك إلى النار وأنت تدعوهم إلى الله، فأنت منهم براء أبداً، لا تجلس معهم، لماذا؟ لأنه لو كان جلوسك معهم يجدي؛ كلما قلت لهم: اتقوا الله، قالوا: جزاك الله خيراً زدنا الله يؤجرك، هؤلاء اجلس معهم دائماً، لكن ما دام أنهم يسخرون منك ويضحكون عليك، ويدعونك إلى النساء وإلى الدنيا وزينتها هؤلاء مرضى، بل موتى فاتركهم وعقابهم على الله عز وجل ونسأل الله لهم الهداية.

لزوم التوبة إلى الله من المعاصي وترك الاعتذار من أهلها

لزوم التوبة إلى الله من المعاصي وترك الاعتذار من أهلها Q حدثت لي حوادث مع أشخاص، وجرائم قبل أن ألتزم بالإيمان، ولا زالت هذه الجرائم كلما تذكرتها تحز في نفسي، وأريد أن أعتذر منهم، ولكن كيف؟ A لا تعتذر منهم، ولكن استتر بستر الله الذي سترك به، واستغفر الله وأحسن في المستقبل، أما الماضي فإن الله يغفره لك؛ لأنك لو أتيت تخبرهم بهذه الجرائم ترتب على ذلك مفسدة. تذهب تقول: يا فلان! أنا قعدت مع ابنتك، أو كلمت زوجتك، قال: تعال أضربك الآن قبل أن تأخذ التوبة. فلا حل إلا أن نسأل الله أن يتوب عليك في الماضي، أما المستقبل فأحسن.

حكم الجلوس مع بنات العم ومن ليست بمحرم

حكم الجلوس مع بنات العم ومن ليست بمحرم Q أنا شاب والحمد لله ملتزم، وأعيش منذ الصغر مع عمي، والآن لديه بنات كثير، منهن من هي في سن الزواج، وليس أحد غيره في البيت، هل يجوز أن أبقى معهم في البيت أم لا؟ A بنات عمك أجانب عليك، وليسن بمحارم لك، ولا يحل لك أن تدخل عليهن مادام أنك بلغت مبلغ الرجال، وبنات عمك أيضاً بلغن مبلغ النساء، فإذا استطعت أن تقيم الحجاب بينك وبينهن في البيت وتقول لعمك: يا عم! أنت لي مقام أبي وجزاك الله خيراً، لكن بناتك لا يحل لي أن أنظر إليهن، فأريدك أن تأمرهن بالحجاب حتى يكتب الله الزواج لهن، وإن كنت أنت بإمكانك أن تتزوج بواحدة منهن فهو الأفضل، وإذا حصل الزواج فيجب على بقية بنات عمك أن يتحجبن عنك، فلا يكن زواجك من ابنة عمك يحل لك أن ترى بقية أخوات زوجتك، فإذا رفض عمك بأن يحجبهن، فحجب نفسك أنت بغض البصر وعدم الجلوس معهن مطلقاً، فكلما دخلت غض طرفك، يقولون: افتح عيونك، قل: لا والله حرام ما أفتح عيوني، عود نفسك على هذا، حتى عند الأكل هذا إذا كنت مضطراً أن تبقى مع عمك كأن تكون طالباً أو ما عندك إمكانية أن تخرج، أما إذا كنت قد تخرجت وعندك راتب وإمكانية، اطلب من عمك أن تخرج ولا تجلس في البيت؛ لأنه لا يجوز لك أن تحتك أو تجلس مع البنات وهن غير محارم لك، ولا يجوز لك هذا في الشرع.

حكم إعطاء المدرس للطالب نتيجته قبل موعدها المحدد

حكم إعطاء المدرس للطالب نتيجته قبل موعدها المحدد Q أرجو توضيح هذا السؤال: هناك صديق لي انتهى من الاختبارات في الفصل الأول وقد كانت لديه مادة خاف فيها من الرسوب بحيث أنه يريد أن يتوسط ببعض المدرسين لأخذ النتيجة قبل موعدها الذي قد قرره مدير المدرسة، فهل هذا العمل يرضي الله، علماً بأن هذا الشخص كثير الهموم، وكل طالب يريد الحصول على نتيجته ما معه إلا الواسطة أو الصبر، أرجو من الله ثم منكم توضيح هذا السؤال مع أني نصحته بالصبر والتوكل على الله، وعدم الواسطة فيما لا فائدة فيه، فإنه قد تؤدي إلى سمعة مشوهة للإسلام؛ لأنه ملتزم؟ A أولاً: إذا خفت من مادة من المواد أنك ترسب فيها، هذه قاعدة لك كطالب؛ لأني مررت بهذه المراحل، فما ينبغي لك أنك تفكر في المادة التي أنهيتها وقدمت ورقتها، فلا تخرج إلى الخارج وتهتم؛ فإنه ليس معك إلا ما قدمت، لا ينفعك أنك تعرف ما معك، إنما تركز على المادة التي تختبر فيها غداً، تلك ذهبت والآن انتبه للمادة الجديدة، وبعدما تكمل الامتحانات لا تستعجل النتائج لتعرف هل أنت ناجح أم غير ناجح، ولا تذهب إلى أحد تبحث عن واسطة؛ لأنك إن ذهبت إلى واحد لإخراج النتيجة من الكنترول، أو غرفة النظام والمراقبة قبل الموعد الرسمي، أولاً: سببت خلخلة في النظام، ثانياً: جعلت هذا المدرس خائناً؛ لأنه مؤتمن، المدير يقول للمدرسين: هذه غرفة سرية ولا يدخلها إلا المدرسون الطيبون المؤتمنون، ولا يمكن أن تخرج النتيجة لأي طالب حتى لو كان ولدك، فإذا أتيت إليه تقول: طال عمرك أنا أريد أن أذهب إلى العمرة أريد أن أطمئن، والله إني خائف من تلك المادة، وبعد ذلك يذهب ويرى نتيجتك، ثم أتى وقال لك، بعضهم يعطيك إشارة فقط يقول لك كذا، أي: ناجح، هذا سببت له أنه خان مهمته وأفشى سراً من الأسرار التي لا ينبغي إفشاؤها، ولماذا تستعجل؟ ليس هناك داعي إلى أن تستعجل، انتظر وليس معك إلا ما معك، والله إن كانت جيدة فهي جيدة في صباح ذلك اليوم، وإن كانت غير جيدة فدعها تأتي، أما أن تستعجلها قبل الناس فلا، واجتهد من أول السنة حتى لا تقعد تتوسط، كن رجلاً من أول السنة، إذا أتيت في آخر السنة تجيب على ورقة الأسئلة من أولها إلى آخرها، بعض الشباب إذا أعطوه الأسئلة، فما هي إلا لحظات ويأتيك يندفع مثل السيل، ومثل البحر يموج بالأوراق الأولى والثانية والثالثة إلى أن يكمل، وتفضل، وبعضهم من يوم أن تأتيه الورقة يجلس يفكر يريد أن يأتيه ملك من السماء، والله ليس معك إلا ما معك، من أين تريد أن يأتيك؟! هل سيوحى إليك؟! والله ما معك إلا الذي في رأسك.

عبد الحميد كشك في الميزان

عبد الحميد كشك في الميزان Q يقول بعض الناس: إن بعض أشرطة الشيخ عبد الحميد كشك لا يجوز استماعها؛ لأن فيها سب وشتم للناس؟ A لا. لا نقول كلها، الشيخ عبد الحميد كشك عالم من علماء المسلمين، نسأل الله له التوفيق في الدنيا والآخرة، لكن له شطحات، فلا نوصي بسماعها كلها، ولا نوصي أيضاً بتركها كلها، ولكن نوصي بالحذر من بعضها، فعنده شطحات نبه إليها العلماء، وسمعتها والله بأذني وهي شطحات شركية، فيها دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وتوسل وترديد للأبيات الخبيثة التي قالها صاحب البردة يقول فيها: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي إلى النجاة فقل يا زلة القدم وماذا بقي لربي؟ يقول: مالي من ألوذ به سواك، لمن هذا؟ للرسول صلى الله عليه وسلم، لا إله إلا الله. يقول: وإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم ضرتها: الآخرة. فماذا بقي لربي؟! مادام من جود النبي الدنيا والآخرة، ومن علوم النبي علم اللوح والقلم، أجل ماذا بقي لله؟ ولا يجوز أن تسلب هذه من الله وتعطى لأحد، وأول من تبرأ من هذا الكلام هو رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تبرأ من رجل من الصحابة قال: (ما شاء الله وشئت، فقال صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وحده، أجعلتني لله نداً؟) وقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله) إنما أنا عبد وليس رب، فهذه سمعتها أنا بأذني في بعض الأشرطة يرددها ترديداً يجرح في عقيدة الإنسان، فهذا مأخذ، ومأخذ آخر أنه يجمع الغث والسمين، والصحيح والضعيف، والموضوع من الأحاديث دون تمحيص، فطالب العلم الذي لا يعرف يعتقد هذا على أنه دين، وأكثره ليس بدين؛ لأنه ليس بدين إلا ما صح، أما الذي ليس بصحيح فليس بدين، نحن لسنا بحاجة أن نجمع كل ما هب ودب من أجل أن نقول للناس: هذا دين، لا، فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غنية وكفاية إن شاء الله، فأنت كن حذراً وخاصة طالب العلم المتفقه، يعني: المتفقه هذا يسمعها ولا يهمه، لكن المبتدئ عليه منها خطورة إلا أن يستشير غيره.

حكم تجمل المرأة بالحناء

حكم تجمل المرأة بالحناء Q ما حكم الحناء وتقطيعه ووضعه في أطراف الأصابع؟ A ليس فيه شيء، الحناء للمرأة طيب، وهو من الزينة التي ينبغي للمرأة أن تتزين بها لزوجها، وكونها تقطعه بأي شكل، هذا ما فيه شيء، كل زينة تتزين بها المرأة لزوجها طيبة، أما إذا كان هذا الحناء تتزين به للرجال الأجانب أو تكشف به على الرجال الأجانب، فهذا هو الموت والحرام، إذا تحنأت وتخضبت وتجملت وذهبت تقدم القهوة، وتصب الشاي للرجال فرضاً وتمد بالفنجان للرجال وفي يديها حناء أحمر، فهذه نار حمراء عليها وعلى زوجها إن هو رضي بذلك، أما إذا تزينت بالكحل أو بالخضاب أو بأي أنواع الزينة حتى الحمرة هذه التي توضع في الخدود أو توضع في الشفاه وليست بمادة عازلة، فإنه إذا تزينت بها وقصدت بها زوجها ليس في ذلك شيء، أما المناكير التي تضعها المرأة في أظافرها فهي مادة عازلة تشكل طبقة بلاستيكية على الأظافر وتمنع وصول الماء، فلا ينبغي للمرأة أن تستعملها؛ ولأن هذه فيها تشويه للمرأة وليست تزييناً، فإنك إذا نظرت إلى المرأة وأصابعها ملطخة باللون الأحمر فكأنها قطة كانت (تباخش) فتختلع منها -والعياذ بالله- فإذا جاءت لطخت فمها بالحمرة وزودتها؛ لأن بعض النساء لا تضع الحمرة على لسانها قليلاً، بل تضعها كأنك تقول: إنها كانت تلعق دماً، إذا وضعت تضع شيئاً معقولاً، هذا إذا أرادت، وإذا ما أرادت فصنع ربي أحسن، لكن لو عملت، فما هناك شيء، وقد سمعت الشيخ عبد العزيز بن باز يسأل عن هذا فقال: إن كانت تتزين بها لزوجها فلا حرج، وإن كانت تتزين لغير الزوج، فهذا حرام. أما إذا ذهبت إلى زواج فلا شيء عليها إذا تزينت، لكن المهم ألا يكون في الزواج منكر من تكشف أو تصوير أو تقبيل أو أصوات نساء أو أغاني، إذا كان الزواج إسلامياً ونظيفاً، وتزينت ولم يرها رجل فما هناك شيء إن شاء الله.

حكم كشف المرأة على زوج خالتها

حكم كشف المرأة على زوج خالتها Q هل يجوز أن تكشف البنت على زوج خالتها إذا كان في سن أبيها؟ A لا يجوز، زوج خالتها ليس بمحرم لها، ولو طلق خالتها وأراد أن يتزوجها لجاز له ذلك، فلا يجوز أن تكشف عليه ولو كان في مثل سن أبيها.

حكم رؤية بنات العمات بعد الرضاع من الجدة

حكم رؤية بنات العمات بعد الرضاع من الجدة Q هل يجوز لي أن أكشف على بنات أخوات والدي علماً أني قد رضعت من جدتي أم أبي؟ A أخوات أبيك يعني: عمتك، لماذا لا تقول أريد أن أكشف على بنات عمتي؟ لا يجوز أن تكشف -هو يريد أن يصطادني من أجل أن أقول: يجوز- فلا يجوز، بنات عمتك يحل لك أن تتزوج بهن، ولا يجوز لك أن تكشف عليهن، لكن يقول: علماً بأنني قد رضعت من جدتي أم والدي، فإذا رضعت من جدتك أم والدك خمس رضعات شرعية محرمة، فإنك تصبح أخاً لأبيك وأخاً لعمتك، ويصبح أولاد عمتك أولاد أختك من الرضاع، وتصير أنت خالهن من الرضاع، ويجوز لك أن تكشف عليهن، هذا إذا كان الرضاع خمس رضعات محرمة، أما إذا كان دون ذلك فليس هو رضاع محرِّم.

الحث على تخفيف المهور وجواز التعدد

الحث على تخفيف المهور وجواز التعدد Q أرجو تخصيص حلقة من هذه الحلقات الطيبة في الحث على تعدد الزوجات، وتخفيف المهور، والحث على المساعدة والمشاركة في المهور عند من يرغب في الزواج؟ A لماذا يا أخي؟ أتريد من النساء أن لا يسمعن لي أي موعظة؟! أما تخفيف المهور فهو صحيح، والحث على المساعدة والمشاركة في المهور لمن يرغب في الزواج، هذا أمر طيب، أما الحث على تعدد الزوجات، فلا، لم يأتِ في الدين الحث، وإنما جاء في الدين الإباحة، أباح الله في الدين التعدد، لكن لم يرغب ولم يأمر فيه، بل قال: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129] فأنت إذا أردت أن تتزوج وعندك قدرة على العدل والإنفاق؛ الله يعينك، وإن كان غير ذلك فلا، إنما مسألة التخفيف في المهور وعدم المغالاة فيها ومشاركة المتزوج والإعانة له بأي شيء من المال هذا طيب جداً؛ لأن من أعانه أعانه الله، والمتزوج الذي يريد العفاف يعينه الله، ويعين من يعينه إن شاء الله، وأما المهر -يا إخواني- فوالله ما هناك داعٍ للمغالاة فيه، ليس هناك بركة في مهر المرأة، والمهر هو للمرأة ليس لأبيها، والله يقول: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:4] أي: المهر يسلم إلى يدها، فإن طابت نفسها بغير حياء وبغير إكراه عن شيء، قال العلماء: إن التبعيض هنا (عن شيء) أي: شيء يسير، إذا كان المهر عشرين ألفاً فوهبت لك ألفاً فكله، أما أن تأخذها كلها ولا تهب لها شيئاً، فماذا بقي لها؟! صار المهر لك أنت! المهر هو للبنت وليس للأب، بعضهم يقول: لا. أنا آخذ تعبي، ما هو تعبك؟ لماذا المسألة حسابات؟ هل تريد أن تأخذ ثمن تربيتها؟! لا. تعبك عليها الله يجزيك به الجنة، من عال جاريتين كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، الذي يعيل ابنتين أو ثلاثاً ويحتسب ذلك عند الله ويربيهن تربية إيمانية، الله عز وجل يكرمه بالجنة، أما أن يقعد ينتظر حتى إذا جاءت تتزوج، قال: والله لا أزوجها حتى آخذ كل ما تعبت عليه، أول شيء أدعها تعمل ست أو سبع أو ثمان أو تسع سنوات موظفة وآخذ راتبها، من أجل أن يكمل العمارة، وكل ما جاء خطيب جيد لا يخبرها، وإذا جاء خطيب غير جيد ذهب يخبرها وهي تقول: لا أريده، إلى أن تكبر، وبعد ذلك لا تتزوج.

حكم عمرة من يخرج منها دم علة أو عرق

حكم عمرة من يخرج منها دم علة أو عرق Q امرأة حامل في الشهر الرابع من أشهر الحمل وعندها نزيف خفيف تريد الذهاب إلى العمرة تطوعاً، هل هناك إمكانية في دخولها للمسجد؟ A ما هناك شيء، مادام أن هذا ليس حيضاً وإنما هو دم يسمونه دم علة أو دم عرق أو نزيف، فعليها أن تستثفر وتصوم وتصلي، وتدخل الحرم وتطوف، ولا يمنعها هذا من شيء، لا يمنعها إلا دم الحيض، ودم النفاس. دم الحيض المعروف الذي يأتي في العادة الشهرية، ودم النفاس الذي يأتي بعد الوضع، أما ما يخرج من المرأة في غير حيض ولا نفاس سواءً كانت حاملاً أو غير حامل كدم علة أو عرق أو أي شيء، فهذا لا يمنعها من الصلاة، ويسميه العلماء: الاستحاضة، وهذا دم أحمر خفيف لا رائحة له، وليس دماً داكناً مثل دم الحيض، وهذا لا يمنع من الصلاة، وإنما المرأة تغتسل منه وتستثفر بعد كل خروج، وتصلي، ولا تغتسل لكل صلاة، بل تغتسل مرة واحدة فقط.

حكم النظر إلى المصارعة الحرة

حكم النظر إلى المصارعة الحرة Q ما حكم النظر إلى المصارعة الحرة؟ A هي ليست حرة بل المُرة، حمير يتصارعون، حمير من كفار خلق الله يأتي يلبس (السلب) خفيفاً وتظهر عورته، فلا يجوز لك أن تنظر إلى عورة رجل خاصة من السرة إلى الركبة، ولا يجوز أن تنظر المرأة إليهم؛ لأنها ترى أجساماً، وإذا هي تراك إذا فسخت وإذا بك مثل الجني، وتتلفت في هذا الذي مثل الجني الثاني، فتقول: الله أكبر! أين هذا من هذا؟! فلا يجوز لك أن تدع امرأتك تتلفت في هذا أبداً في أي حال من الأحوال.

حكم لبس المرأة الكاب

حكم لبس المرأة الكاب Q ما حكم الإسلام في نوع من أنواع الملابس يسمونه (الكاب) ؟ A (الكاب) الذي تلبسه بعض البنات ولا تغطي الرأس، إذا كان ساتراً وفضفاضاً ووسيعاً وتخفي أيضاً يديها ورأسها، ليس فيه شيء، المهم أنه لا يبدو منه شيء، سواءً لبست (كاباً) أو عباءة، أما إذا كان (الكاب) قصيراً ويديها ظاهرة؛ لأن اليدين من الفتنة مما يجب تغطيته؛ لأنها تشكل نموذجاً للجسد، فإذا رأى الناس أيادٍ جميلة، حكموا على جمال الأيادي بجمال الباقي، فلا ينبغي أن تخرج المرأة إلا وفي يدها دسوساً، إن كانت عباءة، فالحمد لله، وإن كان (كاباً) لابد أن تلبس (دسوساً) سوداء، وقد سمعت من بعض البنات أنها اتصلت بي عبر الهاتف تقول: إني سمعت أنهم يقولون: إن (الدسوس) بدعة، قلت: الله أكبر! أجل وكشف الأيادي سنة! سنة إبليس، لا والله ليست ببدعة، البدعة كشف الأيادي، أما ستر الأيادي (بالدسوس) وتغطيتها هذا هو السنة، لكن الشيطان يقلب المفاهيم عند كثير من الناس.

كيفية توبة من سرق مالا قبل هدايته

كيفية توبة من سرق مالاً قبل هدايته Q قمت أنا وأخي بسرقة مبلغ من المال قبل الهداية، فهل يجوز أن أعيد المبلغ إلى أهله دون أن أعلمهم؟ وهل يجب أن أتسامح من أهل المال؟ A إن كان إعادة المال إلى أهله مشافهةً سيسبب لك مشكلة بحيث يخونونك أو يتهمونك أو يشتكونك أو غير ذلك، فلا تفعل، وإنما رده لهم بطريقة أخرى، تعال إلى الدكان وضعه في ظرف وأرسله مع شخص وقل: من فاعل خير، قل: كنت قد أخذت هذا المال منكم، والآن هداني الله وهذا هو مبلغكم، وأعطه شخصاً وقل: إذا جاء فلان فأعطه هذا الرسالة فهي مهمة، والمهم أنها وصلت، أما إذا كنت تعرف أنه لن تحصل مفسدة، فما هناك مانع أنك تقول لهم إن شاء الله.

ظاهرة انتشار التبرج والسفور

ظاهرة انتشار التبرج والسفور Q تكلمت عن سفور المرأة في مستوى العالم الإسلامي، ولم تتكلم عن سفور المرأة في مستوى المنطقة المهمة جداً وهو خطر عظيم. A صدق أخونا، صحيح هناك سفور في منطقتنا، ولكنه سفور من نوع جديد، إنهن يتكشفن على العصاة ويحتجبن عن المؤمنين، إذا رأت المؤمن المتدين تغطت، قالت: هذا مطوع، وإذا جاء ذلك الأملس، قالت: مرحباً، والله إنها خربت! من الأولى أن تتحجبين منه ولا نقول: إنها تكشف على المؤمن، فلا ينبغي لها أن تكشف لا على المسلم ولا على العاصي، لكن يجب وجوباً متأكداً ألا تكشف على العاصي، وبعضهن لا يتغطين إلا على البعيدين، يعني: الذين ليسوا من هذه القرية، أما القريب ولد العم ولد الخالة تقول: إنه من الجماعة، وتكشف عليه، وهذا لا يجوز في الشرع، إن الحجاب حجاب وليس كذب، فلا نضحك على الله، هذا دين، وهذا قرآن، وهذه سنة، ما نحن بجهلة، كان الكلام هذا يمشي يوم كنا جهالاً، واليوم نوَّر الله قلوبنا وأعطانا الكتاب والسنة وقرأناهما، وعرفنا وخاطبنا الله به، ونحن مؤمنون وهذا ديننا عليه نعيش وعليه نموت، وعليه عاش آباؤنا وأجدادنا من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، هذه المنطقة منطقتكم منطقة دين ومنطقة رسالة ومنطقة استجابة ودعوة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا سرد بن عبد الله الأزدي قدم على الرسول في وفد أزد من هذه المنطقة، وأسلم وحسن إسلامه، وأعجب الرسول به وبأصحابه، وقال: (فقهاء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) وتأتي أنت في آخر الزمان ترفض أن تحجب زوجتك، وتقول: إنها عاداتنا وتقاليدنا، لا. أجدادك لما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: (نحن مؤمنون يا رسول الله! قال: وما هي علامة إيمانكم؟ قالوا: خمسة عشر خصلة، خمس أمرتنا أن نعمل بها رسلك، وخمس أمرتنا أن نؤمن بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية، فنحن عليها اليوم إلا أن تكره شيئاً) ما قالوا إلا عليها وإنها عادات، فزادهم الرسول صلى الله عليه وسلم خمساً وما هذا مقام لذكرها، لكن نقول: عاداتنا التي تتعارض مع القرآن والسنة مرفوضة. فهذا الأخ جزاه الله خيراً يلفت نظري، أنه يوجد سفور في المنطقة، وينبغي علينا أن ننتبه له وجزاه الله خيراً.

حكم تلحين الأذان

حكم تلحين الأذان Q ما حكم التلحين في الأذان أو مد الصوت وقصره بطريقة غير الأذان المعهود؟ A لم يرد ضابط محدد عن كيفية أداء أذان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى نستطيع نأتي به ونقول: يا مؤذنين انتهوا عن هذا الكلام، إنما الذي ورد الأمر به بتزيين الصوت وتحسينه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم اختار بلالاً؛ لأنه كان ندي الصوت شجياً؛ ولأن الأذان داعي الله، والداعي يجب أن يكون بأحسن لهجة وبأحسن أسلوب، فإنك إذا ناديت شخصاً بصوت خشن وبصوت جلف لا يقبل منك، لكن إذا ناديته بصوت طيب يقبله منك، فأعظم شيء الأذان: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:33] لكن في حدود المعقول والعرف، أما أن يتجاوز المؤذن التلحين ويخرج فيه عن المألوف إلى أن يشبه به الأغاني، ويمططه ويلحنه، ويطلعه وينزله، ويجعل المدة من هنا إلى الخميس، بعضهم تطلع روحك وأنت تراقبه، فالمبالغة والتمطيط في الأذان ليست حسنة، ولا تقبله العقول. أما إذا كان قصدك من التلحين اللحن، يعني: إعطاء الحرف غير حركته فهذا مخل ومفسد للأذان، والمؤذن يأثم يوم القيامة، مثل أن يقول: الله أكبُر، هل تعرف ما معنى أكبُر؟ أي: جمع كبُر والكبُر هو: الطبل، وكأنه يقول: إن الله مجموعة طبول- تعالى الله عما يقول- وبعضهم يقول: الله أكبااااار! وبعضهم يقول: الله وأكبر، فيعطف عليه واحداً اسمه أكبر، هذا كله لحن وغلط، وبعضهم يستفهم فيعمل همزة التسكين والاستفهام: (آلله أكبر) فكلها غلط، والصحيح أنك تحقق الهمزة وتفصل بينها وبين الكلمة: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر) هذا هو الأذان المعهود والذي تشرق له النفس (أشهد أن لا إله إلا الله) ليس هناك داعٍ إلى أن نزيد، بعض الناس لا ينبسط من الأذان إلا إذا كان ملحناً، فهذا يظن أن كل شيء أغاني، حتى القرآن فلا يسمعه إلا من أجل أن يتغنى به، أنا سمعت مرة في الإذاعة على مقرئ من المقرئين قد توفي رحمه الله، وإذا به يقول: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] وهم يقولون: الله! الله! والله ما عرفوا ما معنى (خذوه فغلوه) يعني: الله على هذا الأخذ وعلى هذا الغل، كأنه يقول: يا ربِّ خذني معهم يغلوني، ما عرف المعنى، إنما فقط من أجل اللهجة والنغمة.

حكم دخول المرأة على الخياطين

حكم دخول المرأة على الخياطين Q ما حكم الإسلام في دخول المرأة على الخياطين؟ A هذه مشكلة المشاكل، وهذه والله -يا إخواني- مصيبة، ونرى -الحمد لله- بعض المسئولين في الهيئة جعلوا حلاً جزئياً، لكن المرأة لا تجعلها أبداً، أنت خذ ثياب زوجتك واذهب بها، أما امرأتك فلا تخرج، بعض النساء تأتي وتقول: افتحوا لي، يقولون: ممنوع، تقول: فقط أرى ذلك الموديل، وبعضهن تقول: ما عندي ثوب، فصلوا أنتم على مقاسي، فيأتي المفصل ويأخذ لها المقاس من الرأس إلى تحت ويقيس من وراء، ويأخذ الخصر ويرى الطول والعرض، ما هذا؟! أين الرجل؟ وهذا الكلام متى يحدث؟ والرجل في الدوام، لا يمكن أن بعض الرجال يسمح، لكن إذا سمح فهو ديوث والعياذ بالله. قد قلنا كلاماً وهو أنه لا يجوز استخدام السائق بأي حال من الأحوال، ولا يجوز أنك تستقدم سائقاً لأهلك، أما تستطيع أن تقود لأهلك! فقد استوردنا كل المهن، ما بقي لنا إلا نساؤنا نريد رجالاً يقودون السيارة لهن! عيب والله عيب! لا تستورد قائداً، إلا إذا كانت حالة ضرورة إذا كنت كبير السن، أو أعمى ولا تعرف تقود، ولا أحد يقود لك، فهذه مسألة من مسائل الاضطرار، تستقدم لك شخصاً، لكن يكون أولاً: مسلماً. ثانياً: كبيراً في السن عمره تسعين سنة. ثالثاً: معه زوجته، لا تأتي به لوحده ولو كان كبيراً في السن فبعضهم فاسق إلا من عصم الله، تستقدم كبير السن وزوجته معه، وتسكِّنهم في شقة أو في غرفة ويأتي يسوق لك أنت، وإذا كان معك أهلك وأنت معهم فليس هناك مانع، لكن يذهب بالمرأة لوحدها؟ لا. يذهب بالبنت إلى المدرسة؟ لا. نرى والله ما يفطر القلوب -يا إخواني- رجالاً كفاراً ليسوا بمسلمين من الفلبين، لا يعرفون الله، يأتون ويركبون في السيارات (الجمس) ويذهبون بالبنات إلى المدارس، وتركب البنت بجانبه ووراءه، أين ديننا -يا إخوان؟ وهو يريد ينظر إلى الوراء بالمرآة يريد أن يرجع إلى الخلف. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

من أسباب عذاب القبر أكل الربا [10]

من أسباب عذاب القبر أكل الربا [10] القبر إما حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، وقد جعل الله بعض العقوبات في الحياة البرزخية لبعض أهل الكبائر، ومن أعظم هذه العقوبات عقوبة المرابي؛ لأن الربا من أعظم الكبائر. وقد شدد الله الوعيد على آكلي الربا؛ فآذنهم بالحرب في الدنيا والآخرة، ومن تلك الحرب أنه أعد للمرابي عذاباً في الحياة البرزخية إلى أن تقوم الساعة قبل عذاب الآخرة.

من آثار رحمة الله

من آثار رحمة الله إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

المطر رحمة مادية من الله لعباده

المطر رحمة مادية من الله لعباده أيها الإخوة في الله! القلوب فرحة، وهي تأمل المزيد من الله عز وجل من رحمته وغيثه، المطر ينزل في هذه اللحظات، والغيث يهمل والقلوب تأمل، والله يقول: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28] . وقد سمّى الله المطر أو الغيث رحمة؛ لأنه دليل رضوان من الله عز وجل، وأحياناً يأتي دليل عذاب وعقوبة من الله عز وجل، إذا غضب ربنا تبارك وتعالى حينما تنتهك حرماته ولا يستجاب لأمره، فهو يعذب بالمطر إما بالإنزال وإما بالمنع، فيمنعه فيموت الناس، أو ينزله فيموت الناس، ينزله حتى يغرقهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت:40] ويمنعه حتى يموتون جوعاً وعطشاً، ولكن بالمقادير التي يحتاجها الناس يكون رحمة، أن ينزل الله المطر على الناس بالمقدار الذي يريدونه؛ لأن تحديد نسبة نزول المطر لا يملكها أحد على وجه الأرض: {يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى:27] . فإذا جاء الغيث على المقدار الذي يحتاجه الإنسان، من غير تدمير ولا تخريب، ولا كوارث، ولا فيضانات، ولا إهلاك، كان هذا دليل رحمة من الله عز وجل، قال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28] . أما إذا جاء المطر كثيراً غزيراً مغرقاً مدمراً، فهو دليل عذاب من الله، ينبغي على هؤلاء الذين ينزل عليهم هذا الشيء أن يراجعوا حساباتهم مع الله، وأن يصححوا وضعهم قبل أن يكون المطر الذي نزل ناراً وعذاباً وحجارة من السماء -والعياذ بالله- فالمطر ينزل في هذه اللحظات وهذه الدقائق المباركة، ونحن نأمل من الله تبارك وتعالى أن يكون سقيا رحمة لا سقيا عذاب، وأن يعطينا بقدر ما نحتاج فإنه أعلم بحاجاتنا تبارك وتعالى. والله يا إخوان! القلوب تتألم كثيراً حينما نسمع الرعد ونرى البرق ونرى السماء ملبدة بالغيوم ثم ينزل من المطر قطرات وبعد ذلك يذهب، على ماذا يدل هذا؟ المفروض أن الإنسان العاقل يتأمل، كأنه يرينا تبارك وتعالى آثار رحمته ثم يبعدها منا من أجل أن نطلبه، وأن نتوب إليه، وأن نستغفره، وأن نلح عليه، وأن نراجع حساباتنا فيعطينا، وإلا فماذا؟ هذه عملية ترغيب وتشويق، أنت ترى محتاجاً وتعطيه شيئاً ثم تمنعه، من أجل أن يلح عليك، يقول: أعطني، زدني بارك الله فيك، فنحن نطلب من الله الذي لا إله إلا هو أن يسقينا وأن يسقي جميع المسلمين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، اللهم اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا وغيث المطر في بلادنا وأوطاننا، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأدر لنا به الضرع، وأنبت لنا به الزرع، واجعلنا فيه من السعداء في الدنيا والآخرة يا رب العالمين!

الرسول رحمة قلبية للناس

الرسول رحمة قلبية للناس لقد سمّى الله رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] . وفي الحديث الذي يرويه الحاكم وهو صحيح وقد ذكره السيوطي في صحيح الجامع، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا الرحمة المهداة) وقال عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164] . فالرحمة القلبية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرحمة المادية هو المطر، وقد تأتي هذه ولا تأتي تلك، أي: ليس بالضرورة أن تأتي الاثنتين إلا إذا توفرت رحمة القلوب، إذا رحم الله القلوب بأن تمسك الناس بغيث القلوب عن طريق التمسك بالهداية الربانية والرسالة النبوية -رسالة الإسلام- جاءت تبعاً لها بالضرورة الرحمة الأخرى رحمة المطر، أما إذا تخلفوا عن الرحمة النبوية، ولم يتمسكوا بدين الله فقد تأتي الأولى لكن إما على سبيل العذاب والتدمير أو على سبيل الاستدراج والمكر من الله، كما يحصل الآن في بلاد الكفر، عندهم أمطار بالليل والنهار، لكن هل هذا دليل رضوان الله عليهم؟ لا. إنما يمتعهم الله عز وجل ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً} [آل عمران:178] من أجل أن يزداد العذاب عليهم. وديننا الذي شرعه الله عز وجل، ونبينا الذي أرسله الله، وكتابنا الذي أنزله الله هو رحمة لهذه القلوب، يقول الله عز وجل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] الرحمة العظيمة وسعت كل شيء، فيا حرج ويا شقاء من ضاقت عليه هذه الرحمة ولم تسعه، ولكن لا تسعه إلا إذا توفرت فيه الشروط التي ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف، فقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:156-157] أربعة عشر شرطاً لنيل هذه الرحمة، وللحصول على الفلاح أن تتوفر فيك كل هذه، فإذا توفرت بداية بالتقوى ونهاية بمناصرة هذا الدين واتباع هذا النور الذي أنزله الله على رسوله الكريم فأنت من المفلحين. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا غيث الإيمان والرحمة وغيث المطر إنه على ذلك قدير.

من أسباب عذاب القبر: التعامل بالربا

من أسباب عذاب القبر: التعامل بالربا في هذه الليلة -أيها الإخوة الكرام- نختم أسباب عذاب القبر -أجارنا الله وإياكم منها- نختمها بالحديث عن السبب السابع الذي يُعذب أصحاب القبور بسببه إذا هم وقعوا فيه، خصوصاً أصحاب الثراء؛ لأن الفقير ليس عنده إمكانية أنه يرابي، لكن يقع في هذا السبب أصحاب الأموال الذين أكرمهم الله بالمال، وأحسن إليهم بالغنى، وجعل أيديهم العليا، وجعل الناس ينظرون إليهم ولا ينظرون هم إلى الناس، وكان الأولى بهم والأجدر أن يشكروا الله على هذه النعمة، كما قال قوم قارون لـ قارون: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:77] . وهؤلاء أصحاب الأموال العريضة والطويلة الأجدر بهم والأولى والأفضل لهم والأصلح في حقهم في الدنيا والآخرة ما دام أن الله قد منحهم المال وأحسن إليهم بالرزق أن يحسنوا إلى أنفسهم بصرف هذا المال في طاعة الله عز وجل وعدم مبارزة الله ومحاربته بهذا المال، فإن المرابي محارب لله ولرسوله، كل صاحب معصية لم يأذن الله بحربه كما أذن على صاحب الربا، قال عز وجل: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279] أشعل الله الحرب بينه وبين المرابي، وأطلق الفتيل، وأعلمهم بأنه محاربهم، وفي الحقيقة لا مقدرة لهم ولا قوة ولا شأن لهم بالله عز وجل؛ لأن الله يقول: {والله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] . الربا موبقة ومهلكة ومعضلة خطيرة، وقع فيها كثير من الناس في هذا الزمان، زمن الانفتاح المادي، وزمن كثرة الخير، وانتشار الفضل، وعموم الرزق من الرزاق واهب الفضل ذي الجلال والإكرام، فوقع كثير منهم إما بالجهل، أو بعدم المبالاة، أو بالرغبة في الإثراء وفي تعدد وتكثير المال ولو عن طريق الحرام، وقعوا في هذه الجريمة المنكرة التي عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات -أي: من المهلكات- بل هي من أكبر الكبائر. هذه الجريمة الخطيرة حرمت لأسباب ولأشياء ودواعي تواجدها في المجتمعات الإسلامية، وتسببها على الإنسان المرابي في الدنيا والآخرة.

أدلة تحريم الربا من القرآن

أدلة تحريم الربا من القرآن يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ} [البقرة:275] أي: يوم القيامة {إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] الذي دخل فيه الجن، وقضت على العقل، يصبح يتخبط، فلا يعرف يتصرف، تجده يتكلم كلاماً غير معقول، ويتصرف تصرفات غير مسئولة، وربما يأكل أذاه؛ أي: يأكل حتى نجاسته وعذرته، وربما يقع على أمه، مجنون يتخبطه الشيطان وبعضهم يريد أن يلقي بنفسه من العمارة، وبعضهم يلقي بنفسه في النار، يفحس وجهه في جهنم. هناك شخص مصروع إذا جاءه الجني لم يرض إلا أن يفحس وجهه في النار، من غير عقل، هذا المرابي يقوم يوم القيامة وحالته كحالة الذي يتخبطه الشيطان من المس، والسبب في هذا أنهم {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:275-276] . ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:278-281] . ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران:130-131] .

علل تحريم الربا

علل تحريم الربا لماذا حرم الله الربا؟ هذا السؤال يتردد على ألسنة وعقول عباد المادة، الذين جاءتهم نقود يريدون أن يستثمروها بأي وسيلة، يمصون دماء البشر، ولا يعانون من معاناة الآخرين، ولا يهمهم فقر الفقراء، أو موت الجائعين، إنما يهمه ما دام عنده فلوس لماذا لا يشتغل فيها بالربا؟ ولماذا حرم الله الربا؟ علل الربا ذكرها العلماء، فقالوا: إنها أربع: العلة الأولى: محض التعبد. إذ لا يسأل ربنا عما يفعل وهم يسألون، ومقتضى العبودية: أن ترضخ وتستسلم لأمر خالقك ومولاك من غير أن تسأل، أنت عبد مأمور، وإذا أمرك الله بأمر أو نهاك عن نهي لزمك بمقتضى عبوديتك أن تقول: سمعنا وأطعنا، الله حرم؟ حرم، لماذا؟ ليس لك دخل في هذا. لكن من فضل الله ورحمته أحياناً يبرر الأمر، أو يعلل للنهي ويبين الحكمة، فضلاً منه ورحمة، وإلا فلا حجة لنا في أن نطلب من الله؛ لأننا نصير عبيد منفعة، وإذا أمرنا الله ورأينا الحجة وكانت الحجة والعلة مقنعة وكافية ومبررة قبلنا أو رفضنا، فنحن إذاً لا نعبد الله، بل نعبد أهواءنا وعقولنا، يقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36] . إن بيّن الله لك الحكمة كان فضلاً منه ونعمة، وإن لم يبين كان موقفك أن تستجيب لأمر الله، وأن ترضخ وتستسلم وأن تقول: سمعنا وأطعنا، فالعلة في الدرجة الأولى في كل العبادات والمنهيات محض التعبد أي: أن الله تعبدنا ابتلاءً واختباراً. العلة الثانية: أنه لو أحل الربا لبطلت المكاسب ولتعطلت التجارات، إذ من يحصل على درهمين بدرهم، كيف يتجشم مشقة كسب التجارة وحمل البضاعة وتسويقها وعرضها وليس هناك حاجة أو إمكانية. إن شخصاً يتاجر قد يقول: ما دام أنا عندي فلوس وأنا أعطي الناس ريالاً بريالين، أو ريالاً بعشرة، أو عشرة بأحد عشر، فلا داعي أن أذهب وأشتري أشياء ولا أشتري لي دكاناً ما دام الفلوس نفسها أتاجر فيها. وببطلان التجارة وبتعطيل المكاسب البشرية تنقطع مصالح الناس وتنعدم الحياة الاجتماعية، إذ أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارة وبالمبادلة والمعاوضة وبالحرف والصناعة، فالله أعلم بشرعه وما يصلح عباده، فهو حرم عليهم هذا ليتبادلوا المصالح، وليبدأ هذا بالشراء، أنا أعمل دكاناً في المأكولات، والثاني يعمل دكاناً في الملابس، والثالث يعمل دكاناً في الفواكه، لماذا؟ من أجل أن ننمي هذا المال، لكن إذا كان الربا مباحاً فأنا أعمل دكان صرافة، وهذا صرافة، وهذا صرافة، وبالتالي من يجلب المئونة للناس؟ من يعمل معوضات في التجارة؟ تصبح المعوضات فقط في الريال، ولا يصبح معوضات في بقية الأشياء، وتنقطع الحرف وتتعطل الصناعات والمهن وبالتالي ينقلب نظام العالم كله رأساً على عقب، هذه العلة الثانية. العلة الثالثة: أن الربا يؤدي إلى انقطاع الفضل والمعروف والإحسان والقرض الحسن، الله تبارك وتعالى شرع القرض، وبين ثوابه، والحديث في السنن وفيه مقال: (أنه مكتوب على باب الجنة: الحسنة بعشرة أمثالها، والقرضة بثمانية عشر مثلاً فلما سأل صلى الله عليه وسلم جبريل: ما بال القرض أعظم أجراً من الصدقة والقرض يعود والصدقة لا تعود؟ قال: إن المستقرض يستقرض من حاجة، والسائل ربما يسأل من غير حاجة) . فعلاً الشحاذ والسائل أصبحت وسيلة عنده صناعة أو وظيفة، تجده يشحذ وجيبه ممتلئ بالنقود وعنده رصيد في البنك، لكن المستقرض لا يأتيك يستقرض إلا وليس معه ريال واحد، فكان أجرها أعظم؛ لأثرها على المستقرض، فلو أبيح الربا لتعطل هذا الجانب، وسوف ينعدم مبدأ المعروف، ولأصبح لما يأتي واحد تقول: بالله أنا عندي أزمة وأريد منك ألف ريال، قال: كم تعطي عليه بعد ذلك: ألف ومائة، أو ألف ومائتين، أو ألف وثلاثمائة؟ هل في هذا معروف؟ لا. فيه زيادة والزيادة محرمة، ولكن الله حرمها ليبقى الإحسان، تأتي تريد ألفاً أعطني ألف ريال، هذا ألف ريال لكن متى ترده؟ وهذا مبدأ ينبغي أن نأخذ به حينما نقرض الناس؛ لأن كثيراً من الناس يستقرضون ويتسبب هذا القرض في قطيعة بين المستقرض والمقرض، يأخذ حقه وبعد ذلك لا يسدده، ثم بعد ذلك يتمنى أنه ما أقرضه؛ لأنه أقرضه من أجل تزيد الصلة بينه وبين زميله، فأصبح القرض سبباً للقطيعة بينه وبين زميله، إذ أنه لم يسدده في الوقت المعين، وربما أنكره المال؛ لأنه ما كتب عليه كتاباً، وربما أعطاه بعد تعب إذا طلبه، وبعض المستقرضين إذا جاء صاحب القرض يقول: أعطني حقي يا أخي؟ قال: أنت فضحتنا، أعطيتنا ألف ريال وكل يوم وأنت تطلبني. يا أخي! أريد حقي، كيف فضحتك؟ أنت الذي جئت تأخذ مني حقي، فأحسنت إليك، لو أنني أقفلت الباب ذاك اليوم عليك وقلت: ما عندي شيء، أو ابحث لك عن غيري، أو عندي لكن لن أعطيك؛ لأني راصد هذا المبلغ لمشروع أو لمهمة أريد أصرفه فيها، كان قلت: شكراً في أمان الله، ما أخذته بصميل ولا بعصا، لكن لما فتحت بابي وفتحت جيبي وأقرضتك حقي تتخذني عدواً، فلا بد من الأمرين: أولاً: الكتابة، تأخذ منه سنداً؛ لأنه سوف ينسى وتنسى، ولا يذكركم إلا الكتابة. ثانياً: أن تحدد أجلاً، إذا قال: أريد ألف ريال. تقول: إلى متى؟ إذا قال: قريب. قل: لا أريد قريباً، ماذا قريب؟ قال: شهراً أو شهرين، لكن شهرين صدق. وأذكر مرة كنت في العمل، وجاءني أحد الإخوة فقال لي: أريد منك خمسة آلاف ريال؟ قلت: متى تردها؟ قال: أصلي معك صلاة العصر وأعطيك إياها في نفس اليوم وهو صادق، وأنا أذكر أننا نخرج من العمل الساعة الثالثة ونصل بيوتنا ونصلي العصر، والرجل بيته في الحجاز، ومتى يذهب ويأخذ ويعود، فعرفت أنه لا يأتي بها في العصر، فقلت: لا. ردها في صلاة المغرب، قال: لماذا؟ قلت: المغرب صدق أما العصر كذب. أي: لو صبرت عليك للمغرب وتأتي بها أحسن من عصر وترد لي الفلوس، قال: حسناً، والرجل جزاه الله خيراً من أجل الكلمة هذه وقعت في قلبه استأذن في الساعة الثانية، وذهب إلى البيت، ولما دخلت المسجد أصلي العصر وإذا به جالس في الروضة، ماذا فيك؟ خذ، قال: هذا عصر سداد ليس عصر كذاب، فالشاهد في الموضوع: أن المستقرض ينبغي أن يحدد الأجل ويكتبه في الورقة، وبعد ذلك لا تحزن إذا جاءك صاحب الحق يطلب حقه، قل: بارك الله فيك وجزاك الله خيراً (رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى) . إذا جئت تطلب فاطلب بالمعروف، وإذا أعطيت تعطي بالمعروف، وكن سمحاً في جميع أمورك. فمن أسباب وعلل تحريم الربا: أن الربا يفضي بالنهاية إلى قطع مبدأ الإحسان والإقراض بين الناس. العلة الرابعة: وهو أن الغالب أن المقرضين هم الأغنياء، وأن المستقرضين هم الفقراء، ولو مُكن الأغنياء من الزيادة في القرض على الفقراء لأفضى هذا إلى الضرر وأُلحق زيادة التراكم في الديون على هذا المسكين، فهو ما جاءك يطلب إلا لأنه محتاج، فعندما تعطيه ألفاً ويرده بألف ومائة، معناه سديت حاجة لكن سببت مشكلة في أنك زدت في مسألة المال والرصيد والتراكم عليه، ولكن لو أعطيت المبلغ ألفاً بألف، سديت حاجة ولم تعمل له مشكلة. هذه هي مجمل العلل التي ذكرها العلماء في علة تحريم الربا.

شرح لنصوص الوعيد في أكل الربا

شرح لنصوص الوعيد في أكل الربا

حال قيام آكل الربا يوم القيامة

حال قيام آكل الربا يوم القيامة يقول الله عز وجل -كنوع من الشرح بالنسبة للآيات الكريمة-: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ} [البقرة:275] أي: يوم القيامة من قبورهم: {إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] أي: يصرعه الشيطان فيخبطه تخبيطاً من جهة الجنون، فإذا بعث الله الناس يوم القيامة وخرجوا من قبورهم مسرعين يخرجون وهم عقلاء إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون ويقعون على وجوههم وجنوبهم وظهورهم كما يحصل للمصروع، وسر هذا: أن الحرام الذي أكلوه بطريق المكر والخداع والمحاربة لله عز وجل ولرسوله رَبَا في بطونهم؛ لأنه رِبا، ورَبَا: أي: كبر، حتى نفخها وأثقلها، ولذلك لما قاموا من قبورهم عجزوا عن حمل بطونهم؛ لأنه يأتي وبطنه مثل الجبال يوم القيامة، كل ريال دخل عليه من الربا يحشره الله وهو في بطنه يأتي به يوم القيامة، وصاروا كلما أرادوا الإسراع والسير مع الناس سقطوا وتخلفوا، ومعلوم أن النار التي تحشرهم إلى الموقف كلما سقطوا أكلتهم، وزاد عذابهم، فجمع الله عليهم في الذهاب إلى الموقف عذابين عظيمين: التخبط، والسقوط في النار ولفح جهنم وأكلها لهم وسوقها لهم بعنف -أعاذنا الله وإياكم من ذلك-. السبب في هذا: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} [البقرة:275] أي: العذاب الشديد الذي أذاقهم الله عز وجل بسبب قولتهم الفاسدة وحكمهم القياسي المنكوس الذي بنوه على عقولهم القاصرة حين قدموها على النص الشرعي فقالوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} [البقرة:275] . هذه الكلمة للكفار، يقولون: البيع مثل الربا، لماذا يحل الله البيع ويحرم الربا، وهذه كلها سواء؟ وجعلوا الربا أصلاً وجعلوا البيع مقيساً عليه، مبالغة في حله، ومحبة له، واعتناءً بشأنه، ووجه القياس فاسد؛ لأنهم تخيلوا أنه كما يجوز شراء الشيء بعشرة ريال ثم يبيعها الإنسان بأحد عشر ريالاً، يجوز أن يشتري عشرة ريال ويدفعها بعد ذلك أحد عشر ريالاً، إذ لا فرق عندهم في هذه الصور، مع حصول التراضي من الطرفين، وغفلوا أن الله عز وجل الذي شرع الشرائع ونزَّل تحريم هذا الأمر وحد لنا حداً ونهانا عن نهي، فوجب علينا كعبيد لله امتثال ذلك؛ لأن حدود الله لا تقابل بقضايا الرأي والمنطق والعقل، بل يجب تقديم أمر الله عز وجل سواء فهمنا أو لم نفهم، هذا هو شأن العبيد وشأن التكليف، والعبد الضعيف القاصر المحدود ذو الرأي الناقص وذو العقل السقيم يتعين عليه الاستسلام لأمر الله عز وجل القوي القادر العليم الحكيم الرحمن الرحيم. ومتى حكم عقله وعارض أمر سيده ومولاه انتقم الله منه، وأذاقه العذاب الشديد {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [البروج:12-13] {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14] . ثم قال عز وجل: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة:275] أي: من زلَّت به القدم، وغفلت به الرجل، وسار في هذا الطريق، ووضع أمواله في الربا، ووصلته النصيحة، وبلغه الأمر: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة:275] أي: يغفر الله خطيئته الماضية: {وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ} [البقرة:275] أي: تجاهل وشاقَّ الرسول وعصاه وتعالى على أمر الله وارتفع عليه: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275] واحد تقول له: الربا حرام وهذا الدليل فيه من كتاب الله ومن سنة رسول الله ويقول: صدقت، ويستمر في الربا والمعاوضة، هذا متعالي على أمر الله، إذا كان الله عز وجل هدد من يرفع صوته على الرسول أو يجهر له بالقول كجهره لأحد إخوانه في الله أن يحبط عمله، قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} [الحجرات:2] أي: عند المحادثة معه {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] تحبط: أي تفسد وتبطل وترد، مهما كانت وأنتم صحابة، وهذه الآية نزلت في الصحابة، وحكمها معهم؛ لأن الرسول لا يرفع صوته عليه إلا وهو حي، ولكن العلماء أخذوا منها القياس قالوا: إذا كان من يرفع صوته أو يحادث الرسول محادثة كمحادثته لأخيه يوشك أن يحبط الله عمله، فكيف بمن يخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؟! كيف بمن يشاقه؟! والله يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم: لما نزلت هذه الآية افتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس، وهذا صحابي جليل وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم كان جهوري الصوت قوي الحجة والبيان، إذا جاءه الخطباء يقول: أين ثابت؟ كما أن حسان شاعر النبي فـ ثابت خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت هذه الآية خاف الرجل وصار يصلي ويخرج من المسجد إلى البيت، ويغلق على نفسه بالغرفة، ولا يفتح لأحد، فافتقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه سعد بن معاذ رضي الله عنه وقال: (يا أبا عمرو! ما صنع ثابت وأين هو؟ أيشتكي من مرض؟ قال: يا رسول الله! ما علمت عليه شكوى، إنه جاري) يقول: عرفت أنه ليس مريضاً؛ لأنه جاري، والجار يعرف عن جاره ليس مثل الآن، الجار يموت لا يدري عنه جاره الآن؛ لانقطاع الصِلات الإيمانية بين الناس، يقول: (إنه جاري ولو كان مشتكياً لعلمت ولكن آتيك بخبره، فخرج من مجلسه وطرق الباب على ثابت قال له: ما لك إن الرسول يسأل عنك؟ فقال: آية نزلت في كتاب الله أخشى أن يحبط عملي بسببها؛ لأني جهوري الصوت، وأخشى أن أرفع صوتي على رسول الله وأنا أكلمه أو أحدثه، مثلما أحدث واحداً منكم وأجهر بالقول كجهري لأحدكم فيحبط عملي، فلما رجع سعد بن معاذ إلى النبي وأخبره قال: لا. بل يعيش سعيداً ويموت شهيداً ويدخل الجنة) وبشره الله، وهو من المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه لا يشاق الرسول ولا يعصي الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن هنا: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275] .

الربا محق مادي ومعنوي

الربا محق مادي ومعنوي ثم قال عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا} [البقرة:276] وهذا فيه جواب على الذين يريدون أن يكثروا أموالهم بطريق الربا يقول الله لهم: لا تحاولوا المستحيل، فإن الربا الذي تقصدون من ورائه زيادة الأموال، الله يمحق الأموال بالربا {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا} [البقرة:276] أي: معاملة لفاعليه بنقيض قصدهم، فإنهم آثروه على الله وأحبوه على أوامر الله، تحصيلاً وطمعاً بالزيادة، غير ملتفتين ولا آبهين ولا مبالين بما يسببه لهم من غضب الله في الآخرة وهم دنيويون همهم زيادة المال، فمحق الله تلك الزيادة في الدنيا قبل الآخرة، ومحق المال من أصله، حتى صير عاقبتهم إلى الفقر المدقع، كما هو مشاهد في أكثر من يتعاطاه، وبفرض أنه مات على غِرَّة، يمحقه الله من أيدي ورثته، فلا يمر عليهم أدنى زمان إلا وقد صاروا في غاية الفقر والذلة والهوان، قال صلى الله عليه وسلم: (الربا وإن كثر فإلى قِلِّ) أي: إلى المحق، أي: المحق هنا محق مادي ومعنوي، فالمادي أن الله يمحق هذا المال مهما كان. ثانياً: من المحق المعنوي أن الله عز وجل يرتب على المرابي الذم، ليس هناك شخص مرابي ويحبه الناس، بل يذمونه، والبعض يكرهونه وخصوصاً الفقراء الذين ليس عندهم شيء؛ لأنه ما عنده رحمة، ما عنده قرض حسن، إذا جاءوا يطلبون يقول: هات، الذم والبغض، وسقوط العدالة، والكراهية في قلوب الناس، وزوال الأمانة، وحصول اسم الفسق، والقسوة، والغلظة، فالذي يزيد عليه يدعو عليه، يقول: الله ينتقم منه، الله يعطيه وهو ما يعطيني، يدعو عليه بأنه أخذ ماله بغير حق، وذلك سبب زوال البركة من هذا المال الذي فيه لعنة الله ورسوله والعياذ بالله.

الصدقة بركة وزيادة في الدنيا والآخرة

الصدقة بركة وزيادة في الدنيا والآخرة ثم قال عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] وهذا عكس ما هو مشاهد الآن في الميزان الاقتصادي المادي، أن الربا زيادة والصدقة نقص، لكن عند الله الربا نقص والصدقة زيادة، كيف؟ يقول العلماء: إذا كان عندك -مثلاً- أربعمائة ريال في جيبك، وعرض عليك مشروع خيري، أو رأيت فقيراً، أو علمت بأسرة محتاجة، وأخرجت من هذا المبلغ خمسين ريالاً أو مائة ريال، لما تأتي تعد الباقي في الشنطة تجد أن الباقي ثلاثمائة ريال، الظاهر أنه نقص، لكن الله يقول: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] كيف يربيها؟ قالوا: أولاً: هذا المبلغ الذي أخذ منك يربيه الله في الآخرة حتى يصبح كالجبال الرواسي: (إن الله ليربي لأحدكم صدقته كما يربي أحدكم فلوه) أنت تضعها ريالاً لكنها تأتي يوم القيامة مثل الجبال، هذه واحدة. ثانياً: يصرف الله عن الإنسان من الآفات والمشاكل التي كان بالإمكان أن تلتهم هذه المائة وأضعافها الشيء الكثير -فمثلاً- يصرف الله عنه مرض زوجته بأسباب الصدقة، ويصرف الله عنه السقم من أولاده بأسباب الصدقة، ويصرف الله عنه الحوادث في سيارته بأسباب الصدقة، ويصرف الله عنه الفساد في زراعته وتكون مزارعه باستمرار محفوظة، ويصرف الله عنه الكساد في تجارته، وتكون تجارته مطلوبة، وبضاعته مرغوبة، وجلبه للزبائن محبوب، بأسباب أنه أنفق، لكن لو أنه ما أنفق في سبيل الله، وأعطى هذه المائة لشخص قرضاً بمائتين بعد ذلك، لكن الله يمحقه؛ أولاً: تمرض المرأة، وإذا مرضت تلك الليلة يذهب بها إلى المستشفى، وفي المستشفى لا يريدون علاجها؛ لأنهم يقولون: بلاش، فيذهبون المستوصف ويخسر خمسين ريالاً وأعطاه قبضة حبوب، وبعد ذلك يمرض الولد، وبعد ذلك يوقف السيارة وإذا هي مصدومة في جنبها لا يدري من صدمها، وبعد ذلك زراعته تخرب وبركة أمواله وبركة حياته في أكله حتى في طعامه لا يجد له بركة بأسباب الربا، فالله يقول: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] يقول في الحديث: (ما نقص مال من صدقة بل تزيد، بل تزيد، بل تزيد) وفي بعض الآثار: [ما هلك مال في بر ولا بحر إلا بأسباب منع الزكاة] . أحد التجار يخبرني حكاية عن تاجر في مكة، يقول: كان له تجارة بينه وبين الهند، وبعد ذلك الباخرة آتية، وكانت البواخر يوم ذاك تسير (بطرب) بدائية عن طريق الشراع وليس بالبواخر الحديثة، وفي البحر اضطربت الباخرة وهاجت وتكسرت، وكادت أن تغرق، ولكن ربانها -أهل السفينة- خففوا من البضائع أملاً في نجاة أنفسهم، ولا يعلمون لمن البضائع طبعاً؛ لأنهم مؤتمنين عليها آتين بها من الهند، فقاموا يأخذون من الكراتين ويرمون البضاعة، حتى بقي شيء تنجو به السفينة، إلى أن وصلوا ميناء جدة، وفي ميناء جدة كان كل التجار واقفين وكل واحد منهم لديه كشفه يريد أن يستلم بضاعته، ووجدوا أن البضائع كلها مرمية إلا تاجر بضاعته ما ذهب منها ولا كرتون، لما جاءوا عليه وإذا به من أهل الزكاة ومن أهل الصلاة ومن أهل الخوف من الله، وأولئك بضاعتهم فيها حرام، وفيها منع زكاة، وفيها ربا، ذهبت [فلا هلك مال في بر ولا بحر إلا بأسباب منع الزكاة] . فهنا يقول الله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] أي: يزيدها؛ لأنه كما جاء في الحديث الصحيح: (ما من يوم تشرق فيه الشمس إلا وملك ينادي يقول: اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً) هذه دعوة الملك يدعو لك كل يوم: يا من أنفقت في سبيل الله! يا من أنفقت فيما يرضي الله! أن الله يخلف عليك، الفقير عندما تعطيه ريالاً، يقول: خلف الله عليك، بارك الله لك، جزاك الله كل خير، الله يوسع عليك، الله يمدك، الله يعطيك، سبحان الله! {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] تبارك وتعالى.

حرب الله على أهل الربا

حرب الله على أهل الربا ثم قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:278] وهنا يقول العلماء: إن في نداء الناس بالإيمان وهو يدعوهم إلى ترك الربا فيه استثارة وتنبيه، فيه أنكم مؤمنون، كيف تؤمنون وتعملون الربا؟! هل يتصور؟! يا أيها الذين آمنوا! كيف تقعون في الربا وقد آمنتم بالله، ورضيتم به رباً، وبهذا الإسلام ديناً وبهذا الرسول نبياً، ثم تقعون في الربا؟! فيه إلهاب لهم واستثارة وإشعال لمشاعرهم، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة:278] خافوا من الله، راقبوا الله، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية من خوفه: {وَذَرُوا} أي: اتركوا {مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} ثم قال بعدها: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إن كنتم صادقين، إذ ليس مؤمناً من يرابي، وما هو بصادق أبداً، لو كان مؤمناً صادقاً لترك الربا {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:278] . {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة:279] شخص رفض، قال الله عز وجل: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279] إذا رفضتم خلاص استمروا في الربا، لكن قد أذن الله بحربكم: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279] ويقول العلماء: الحرب هي على شاكلتين: حرب في الدنيا، وفي الآخرة، فأما الحرب التي في الدنيا فالخسارة العاجلة، والمحق لهذا المال، والقلق في القلب، والاضطراب في النفس، والحيرة في الفؤاد، وشقاء النفس، وعذاب داخلي يشعر به المرابي لا يمكن أن يجده أي إنسان على وجه الأرض؛ لأن الإنفاق والإعطاء نفع للناس يترتب عليه رحمة في القلوب، مردود عاجل، والقسوة على الناس ومزاولة الشدة عليهم، يترتب عليها قسوة في القلب وضيق في النفس ولعنة في الضمير -والعياذ بالله- هذا في الدنيا وجبة عاجلة. قال: وأما الآخرة فإن الله يختم له بسوء الخاتمة، إذا لا يلهم الشهادة؛ لأن من اعتاد الربا وتورط فيه فإنه يختم له بسوء الخاتمة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله كثيراً من حالات المرابين في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: أن كثيراً من المرابين حينما حضرتهم الوفاة كان يقال لهم: قولوا لا إله إلا الله، فكانوا يقولون: العشرة بعشرين، قل: لا إله إلا الله قال: العشرة بعشرين، ومات على العشرة بعشرين والعياذ بالله. لكن هذا في الدنيا يختم له بسوء الخاتمة، وفي القبر يسلط عليه العذاب، ما هو العذاب؟ ورد في الأحاديث الصحيحة من حديث سمرة بن جندب في البخاري: (ثم انطلقنا إلى رجل يسبح في نهر من دم، وآخر واقف على طرف النهر، وعنده كوم من حجارة، وذاك يسبح إلى طرف النهر، فإذا قرب منه فغر فاه وضربه بحجر بفمه ثم نزل في بطنه ورجع إلى طرف النهر، ثم يرجع وكلما جاء ألقمه حجر، فقلت: من هذا؟ قال: هذا آكل الربا) هذا عذابه في القبر -أعوذ بالله وإياكم من هذا الحال- أنت تتقزز إذا وقع على ثوبك نقطة دم، أو إذا وقعت في يدك دجاجة مذبوحة أو ذبحت لك ذبيحة تغسل يديك بصابون بل بالديتول فكيف بمن يسبح في الدم؟! وبعد ذلك من يوم أن يموت إلى أن يبعثه الله يوم القيامة وهو في الدم، لماذا الورطة هذه؟ من أجل ماذا؟ من أجل تبني عمارة أو تشتري سيارة جديدة أو تتزوج بزوجة، بعض الناس يقول: أنا مضطر للربا، لا يا أخي! والله أنت لست مضطراً للربا، فاصبر على الفقر وعلى الجوع وعلى أن تأكل الطين تعجنه وتأكله ولا تصبر على النار لحظة واحدة، فلا يا أخي! صبرك على نفسك في الدنيا ولا صبرك عليها في النار في الآخرة، لا توقع نفسك في الربا بأي حال من الأحوال.

حال التائب من أكل الربا

حال التائب من أكل الربا ثم قال عز وجل: {وَإِنْ تُبْتُمْ} [البقرة:279] ذلك الذي لم يرفض يأذن بحرب من الله ورسوله، والذي يتوب إلى الله: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة:279] راجعوا حساباتكم، واشطبوا الزيادات التي أخذتموها على الناس، إن كانت قروضاً وخذوا فقط رأس المال {لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة:279-280] أي: إن كان هذا المدين الذي أخذت منه أعطيته الدين على أمد أن يرد أكثر أو أسقطت منه الربا طبعاً {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] أي: من توبتك لله عز وجل ألا تشد عليه وتقول: لا. أنا أعطيتك ألف بألف ومائة الآن هاتها الآن ولا أشتكي، هات ألف والمائة سامحتك بها، لا أنظره إلى أن الله ييسر عليه، ثم قال: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:280] أي: إذا كان تركت شيئاً من مالك فضلاً عن ذاك الربا تركته فإن تركته كان ذلك خير لك في الدنيا والآخرة. هذا ما يتعلق -أيها الإخوة- بالشرح الإجمالي لهذه الآيات. فتأملوا -أيها الإخوة- كيف وعد الله آكل الربا هذا الوعد الشديد الذي يظهر لمن له بصيرة في الدين قبح هذه المعصية وشؤمها ومزيد فحشها، لما يترتب عليها من العقوبات العظيمة في الدنيا والآخرة، لا سيما محاربة الله ورسوله التي لم يترتب على شيء من المعاصي إلا على صاحب الربا والعياذ بالله. وإذا ظهر للإنسان العاقل قبح هذا الأمر وتاب إلى الله عز وجل عن هذه الفاحشة المهلكة، فإنه يحمد الله عليها.

حال الربا وآكله في السنة المطهرة

حال الربا وآكله في السنة المطهرة لقد شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي سوف نتلوها ما طوي في هذه الآيات:

الربا من السبع الموبقات

الربا من السبع الموبقات فمنها: ما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هي يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله والسحر) والسحر إما أن يكون عملاً أو تخلصاً، فمن الناس من يذهب يفعل سحراً لرجل أو امرأة، ومن الناس من يكون هو نفسه مسحور فيذهب إلى ساحر لفك السحر، ولا يجوز لك أن تذهب إلى ساحر لا لفعله ولا لفكه؛ لأنه من الموبقات، وإذا حصل السحر فعليك بالرقى الشرعية التي وردت بها الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والصبر والاحتساب، والعاقبة دائماً لأهل الإيمان، صحيح لما تذهب إلى الساحر يبين أن فيك سحراً فيفكك منه، لكن قد خسرت دينك، ولكن إذا صبرت على السحر، وسلكت الطرق الشرعية في الرقى بالآيات الكريمة وبالأحاديث النبوية، ودعوت الله أن يخلصك من هذا، فإن الله يبتليك ويختبرك، ثم يكون نهايتك السلامة بإذن الله. وأذكر شخصاً من الإخوة كان له زوجة، ووضُع له سحر بينه وبينها، فكانت تراه على شكل غير الشكل الذي هو عليه، إذا دخل كانت ترى رأسه كبيراً جداً مثل أكبر رأس، فتصيح ولا تنظر فيه، تبكي إذا رأته من هول منظره؛ لأنه خيل لها في عيونها عن طريق السحر أن رأسه مثل جسمه عشر مرات، فإذا خرج من عندها تقطع قلبها عليه حباً ورغبة، فإذا دخل قامت تبكي وما تريد تراه، وبعد ذلك هذا الرجل الموحد ما ذهب إلى هؤلاء الكهنة ولا إلى المشعوذين ولا إلى السحرة، ولكن اكتفى بالرقى الشرعية، واستمرت به الحالة تقريباً سنة ونصف، وهو باستمرار على الرقية بالليل والنهار، كلما دخل على امرأته قام يرقيها، وكلما حصل له شيء في نفسه أخذ يقرأ القرآن، وذهب إلى العلماء وأخذ الرقى وتعالج، وبعد فترة منّ الله عز وجل عليه بالنعمة وخلَّصه من السحر، وذهب ما بزوجته وأبدل الله ذلك السحر محبة ووفاقاً وحياة زوجية سعيدة، وسلم دينه وآخرته، لكن بعد نوع من الابتلاء والامتحان. (وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف) أي: الهروب من ملاقاة أعداء الله: (وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) أي: اتهامهن بالريبة وبالفحشاء.

عقوبة آكل الربا في الحياة البرزخية

عقوبة آكل الربا في الحياة البرزخية وأخرج البخاري الحديث الذي ذكرت لكم من حديث سمرة بن جندب قال: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني فقالا لي: انطلق، فانطلقنا، فأتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى طرف النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل الذي على الشاطئ بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء رجع ورُجم، فقلت: ما هذا الذي رأيت؟ قيل: هذا آكل الربا) .

لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه

لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وأخرج مسلم في صحيحه قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) كلهم ملعونون، إما تؤكل أو تأكل أو تكتب أو تشهد عليه، واقع في اللعنة من بعيد. وأخرج البخاري أيضاً وأبو داود: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواشمة والمستوشمة) الواشمة: التي تعمل وشماً في الوجوه أو الأيدي، في الماضي كانوا يشمون النساء كنوع من التزين والجمال، لكنه وشماً يغير خلق الله؛ لأنه يبقى -يخرقون في الجلد أو الوجه ويضعون كحلاً على الدم، وبعد ذلك يندمل الجرح ويبقى أثره أسود- هذه ملعونة. (والنامصة والمتنمصة) النامصة: التي تحلق أو تنتف شعر الحواجب. (والواشرة والمستوشرة) والواشرة: التي تفعل لها مجاري في أسنانها من أجل الحسن لتغير خلق الله عز وجل. (والواصلة والمستوصلة) وهي التي تصل شعرها، تربط شعراً بشعرها من أجل أن تظهر للناس أنها كثيرة الشعر، ويدخل في هذا (الباروكة) إذا كان الوصل ملعون صاحبه فمن باب أولى المركب الذي يركب شيئاً غلطاً؛ لأنه عيب وتدليس أن يأخذ الإنسان، وهذا موجود عند النساء، ولكن قد سمعت أنه موجود عند بعض الرجال، فإنه يركب له (باروكة) ولا أعلم ما الذي ينتظر؟ يخطبه والعياذ بالله. (لعن الواشمة والمستوشمة، ولعن آكل الربا وموكله) وهذا في صحيح البخاري وفي سنن أبي داود (ونهى عن ثمن الكلب، وكسب البغي، ولعن المصورين) . أخرج الحاكم في مستدركه وصححه قال: (أربع حق على الله عز وجل أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها) وطبعاً الذي ما يدخل الجنة لا يقعد عند الباب بل يذهب إلى النار. (مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم، والعاق لوالديه) -أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

من أكبر الكبائر: عقوق الوالدين

من أكبر الكبائر: عقوق الوالدين إن من العقوق: أن ترفع صوتك على أمك أو على أبيك، لو قلت لها: أف فقط، فأنت عاق، انتبه! خصوصاً الشباب الطيب؛ لأنهم من فضل الله التزموا بكثير من الجوانب لكنهم ربما وقعوا في معصية عقوق الوالدين، حتى ولو كانوا غير صالحين لا يجوز لك أن تعقهم؛ لأن الله يقول: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:15] ولكن ماذا؟ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] فلا بد من الطاعة ومن البر ومن الإحسان ولا بد من الخضوع للوالد مهما كان ولو كان كافراً إلا في أمر الله لا تطيعه، فإذا قال لك: لا تصل، فلا طاعة له في معصية الله، أما أن يناديك يدعيك وأنت نائم أو جالس وتقول: تعبان، أو تناديك أمك تريد منك غرضاً تريد تساعدها تريد منك شيئاً وتقول: لا، فيما بعد، قل: حاضر، لماذا؟ لأنه إذا دعتك وصرت سريع الإجابة وخرجت على طول في طلبها، من يوم أن تخرج وهي تدعو لك، تقول: الله يوفقك، ويرشدك، ويهديك، ويسددك، ويحفظك في الدنيا والآخرة، دعوة الوالدة هذه ما أعظم منها، وكذلك العكس إذا دعتك ولم تجب، وذلك ما لها سلطة عليك إذا أصبحت رجلاً تأتي تضربك! فماذا يحصل منها؟! ترجع إلى نفسها فتدعو، تقول: الله لا يوفقك، الله يجعلها في وجهك، وتدعو عليك، وربما توافق واحدة منها، وممكن ما هي صادقة في بعض الأمور؟ لكن إذا وافقت باباً مفتوحاً فإن الله يرفعها فوق السماء وتتفتح لها أبواب السماء. حدثني من أثق فيه قصة عجيبة موجودة هنا في الواديين، فهي قصة معاصرة قريبة، والذي يحدثني هو الذي يعرف صاحبها، يقول: كان هناك رجل معروف في إحدى القرى ببر والديه، مشهور، كانت له والدة يبرها براً لا يمكن أن يبر أحداً من الناس، لا يمكن أبداً أن ينام إلا إذا ذهب إلى فراشها وتفقد حالها وقام (بتكبيسها) وبإرجاع الدفاء عليها ثم تقبيلها، ثم يقول لها: يا والدتي سلمي عليَّ، سامحيني ادع لي، ثم تدعو له ويذهب إلى فراشه. ولا يمكن أن يأكل الطعام إلا بعدها، ولا يشرب القهوة إلا بعدها، ويأتي بالطعام الطيب والكسوة الطيبة لها ولا يفضل زوجته عليها، المهم بار عظيم البر بأمه. يقول: في يوم من الأيام خرج من قريته، يريد أن يذهب إلى السوق، سوق خميس مشيط متجهاً من الواديين إلى الشرق إلى أحد رفاقه، وكانوا يركبون على الدواب، ويقومون قبل الفجر من أجل يقطعون الطريق ويصلون إلى الأسواق قبل الشمس وقبل أن ينفض السوق، يأخذون السوق من أوله، يقول: فقام قبل الفجر، وشرب قهوته وأمه موجودة وزوجته، ثم نزل وركب على حماره، وقامت أمه وهي معه تودعه إلى الباب وتدعو له: الله يوفقك، الله يشرح لك الأمر، الله يجعل لك التسديد، وتدعو له بدعاء عظيم، وبعد ذلك رجعت تنام وهو ذهب إلى غرضه، وفي الطريق يقول: وهو بين القرية وبين جبل (ضنك) ، هذا الذي بالمدينة العسكرية معروف اسمه جبل (شكر) في التاريخ واسمه ضنك الآن، يقول: وهو ماشي مع شروق الشمس، إذا بذلك الحيوان المفترس الذي ليس له مثيل بالدنيا، يقول: فيه عدة أوصاف من مجموعة حيوانات، الطول طول البعير، والرقبة قصيرة ليست برقبة البعير، لكن الخرطوم والرأس أشبه برأس السبع، ولكنه مدبب، يقول: أوله مثل الدبوس، وآخره مخروطي الشكل، يقول: ولما رأيته من بعد، يقول: صحت عليه، كعادتنا إذا رأينا ذئباً أو رأينا سبعاً أو شيئاً نصيح عليه، ما نخاف منه وهو طبعاً يشرد، يقول: فأنا عملت عليه هذا الأسلوب ظناً مني أنه سوف يشرد، يقول: صحت عليه بصوت قوي، يقول: فما هو إلا أن وجه عليّ، يقول: والتهم الأرض بيني وبينه في أقل من لحظة مثل البرق، يقول: فاغراً فاه، يقول: موجهاً عليَّ بشكل كاد يلتقمني أنا وحماري وأنا على الحمار، يقول: والله ما بقي بيني وبينه إلا أمتار، وأنا مستسلم، ماذا أفعل؟ لا يمكن أن أقف لهذه المصيبة وهذه الداهية، يقول: وإذا بصوت في الجبل وراء الرجل كان صياح امرأة، هو (صياح أمه) والدتي تصيح والصوت ليس من هنا من وراء بل من أمامي، يقول: فوقف عندي والتفت الحيوان إلى الصوت، يقول: ثم رجع، يقول: أنا حينما شعرت بأني نجوت من هذه المهلكة، لا أملك في تلك اللحظة ولا مقداراً من القوة ولا القدرة على أني أتحرك أو أمشي أو أرجع، يقول: بل كان كمن قتل ومات ثم بعثه الله، يقول: كأنه قد حكم عليّ بالموت والله أحياني، يقول: فضربت بعصاي طرف رأس الحمار -الدابة- يقول: ورجعت لا أريد السوق، لا أريد أبيع ولا أشتري ولا شيئاً، يقول: ورجعت وأنا متعب إلى البيت، يقول: وربطت حماري في الفناء، ودخلت البيت، وأدخل وإذا بوالدتي تبكي، ويوم رأتني، يقول: قامت عليّ وأخذتني واحتضنتني بقوة وبعناق شديد، وقالت: الحمد لله، الحمد لله. قال: ما بك يا أمي! ما الذي حصل؟ قالت: يا ولدي رأيت لك رؤيا مفزعة. قال: وماذا رأيتي؟ قالت: رأيتك أنك في يوم تأتي مكان (فلان) في المكان نفسه. يقول: والله نفس الموقع بالضبط. تقول: وأنت ماشي، والشمس شارقة، إلا وذاك الوحش الذي هجم عليك يا ولدي، ما بقي بينه وبينك شيء، وأراد أن يأكلك، تقول: ورأيته أنه يريد يأكلك فصرخت بأعلى صوتي، تقول: وإذا به يقف وتلفت فيّ وإنه يرجع عليك وأنت مكانك والحمد لله الذي ردك، فسبحان الله الذي لا إله إلا هو!! كيف حفظ الله هذا الرجل بسبب بره وطاعته لأمه، الصوت بالواديين ويسمعه عند (ضنك) ، بأسباب ماذا؟ الصوت يحمله الله عز وجل، مثل قصة سارية الجبل، فقد كان عمر في المدينة وسارية في بلاد الشام، والمعركة محتدمة والعدو يريد أن يدخل عليهم من وراء الجبل، فيقطع عمر الخطبة يوم الجمعة ويقول: يا سارية الجبل، فيسمعه أهل الموقف كلهم في الشام، ويرجعون إلى الجبل وإذا بالعدو قد التف عليهم من الخلف، وينجي الله الذين آمنوا بهذه المعجزة العظيمة وبهذه الكرامة، فهذه كرامة لهذا الرجل ببره بوالدته. فعقوق الوالدين -يا إخواني- من أعظم المعضلات، ولا ينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعق والده أو والدته، بل عليك أن تكون سامعاً مطيعاً رقيقاً طيباً، وإذا قال لك أبوك أو أمك أي شيء، قل: طيب، أبشر، حاضر، ولو كانت هناك عليك مشاكل أو تعب؛ لأن الله يقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23-24] .

الربا ثلاث وسبعون بابا

الربا ثلاث وسبعون باباً أخرج الحاكم على شرط الشيخين والبيهقي قال: (الربا ثلاث وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) . وروى ابن ماجة بسند صحيح، كما رواه البيهقي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (الربا سبعون باباً أدناها أن يقع الرجل على أمه) والذي يمارس الآن أعلى شيء، لكن أقلها كأن يأتي الرجل أو يقع الرجل على أمه والعياذ بالله. وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح والطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية في الإسلام) .

ليست السعادة في زيادة الأموال

ليست السعادة في زيادة الأموال أخرج الإمام أحمد في حديث طويل، قال: (رأيت ليلة أسري بي، لما انتهينا إلى السماء السابعة نظرت فوقي، فإذا أنا برعد وبرق وقواصف -في ليلة الإسراء والمعراج- فأتيت على قوم بطونهم كالبيوت) البطن مثل العمارة، طبعاً لا يكبر رأسه ورجليه، لكن الذي يكبر بطنه حتى يصير مثل العمارة ورأسه هناك بسيط، كيف تقلب هذه البطن؟ كيف تأخذه وتمشي به؟! لا إله إلا الله! ولماذا تملؤه -يا أخي- بالحرام الآن، وأنت تأخذه فوق ظهرك يوم القيامة، تطبخ ورق، تأكل أكثر مما يأكله الفقراء، يا أخي! ليست الدنيا كلها كسرة وخرقة، هذه الدنيا يكفيك منها ما سد جوعتك ووارى عورتك، فإن كان معك كوخ يضلك، ودابة تقلك فبخٍ بخ، ليس هناك أحسن منك، لماذا تجمع وتريد ترصد أرقاماً.

زيادة المال زيادة في التعب والقلق

زيادة المال زيادة في التعب والقلق أحد الأثرياء وأنا في الرياض يقص لي حالته يوم كان بسيطاً وفي بداية تجارته وحالته الآن أنه من أثرى أثرياء المملكة، وكنت في بيته معزوماً عنده، والمجلس ممتلئ بالضيوف فنحن في وليمة كبيرة أعدها لي جزاه الله خيراً، وقلت له: أسألك بالله أي الحالتين أفضل عندك الآن أو سابقاً؟ قال: والله تلك الحالة أحسن من الآن إنها كلمة تأتي من إنسان يعرفها. قلت: اسمعوا يا جماعة! قلت: لماذا طيب؟ قال: حاجة الإنسان مبنية على أربعة أشياء: على أكل ولبس وزوجة وسكن، يقول: هذه متوفرة لكل شخص، يقول: وما فوق هذا تعب، فوق هذا أرقام، فقط جمع نقود، وماذا يفعل الشخص يفصل له ثوب سعره خمسمائة، و, إذا أراد بعضهم أن يفصل له ثوباً، يطبخ له ورق ويأكل؟ يسكن بيتاً من ورق أبو مائة أو ذهب؟ لا سيسكن كما يسكن الفقير، وسيأكل كما يأكل الفقير، وسيلبس كما يلبس الفقير، وسيتمتع وينكح كما ينكح الفقير، بل الفقير يتمتع بهذه أكثر من الغني، بعض الأغنياء طعامه حبوب، بعض الأغنياء ممنوع من كل شيء، كل شحماً قال: ممنوع، عندي حساسية، كل أرزاً؟ قال: ممنوع عندي سكر، كل فاكهة؟ قال: ممنوع عندي حموضة، فماذا تأكل؟ قال: والله ما غير فنجال حليب أو كسرة عيش، وأمواله ماذا يفعل بها؟! بينما تعال عند الفقير، يلحق لك الصحن من طرفه إلى طرفه ولا عنده لا حساسية ولا حموضة ولا شيء، هذا أحسن من هذا والله. كذلك بعض التجار والأثرياء مع زوجاتهم، زوجته في عذاب معه، لا تعرفه ولا يعرفها؛ لأنه مشغول بالأموال، النهار يطلب والليل يحاسب.

قصة السعادة في بيت متواضع

قصة السعادة في بيت متواضع يذكر بعض أهل العلم: أن رجلاً كان من أهل الثراء وكانت زوجته مسكينة في عذاب، مشغول باستمرار، كلما دخل يدخل وهو زاهق، قد تحطم، وإذا جاء وصبت له القهوة برد ثم شربه، لماذا؟ مشغول يحاسب الدفتر، إلى أن ينام عند الفجر، وإذا جاء الصباح قام وأخذ دفاتره وذهب إلى التجارة، وهي مسكينة. بينما كان لهم جار آخر وهذا الجار كان يشتغل سقاء، يأخذ في الصباح (سقته) ويذهب يبيع وبعد ذلك يذهب إلى السوق يشتري لحماً وخضرة وأشياء أخرى ويجلس مع زوجته في أكل وشرب وفي بسط وفي ضحك يتكلمون، وفي الليل في أنس. وقد كانت آنذاك (المرازيب) ليست مثل حماماتنا، كان الذي يغتسل يسمعون صب المرزاب في الأرض، فيسمعون المرزاب يصب كل يوم من عندهم، وهذا مرزابه ناشف من شهر، فذهبت امرأة التاجر، تزور امرأة الفقير وهم جيران. قالت لهم: أراكم ما شاء الله مبسوطين، وعندكم ضحك، ودائماً في سمر، وعندكم استئناس، وأسمع المرزاب يصب كل ليلة، كيف حالكم؟ قالت: الحمد لله في نعمة. قالت: وماذا عندكم؟ قالت: زوجي يشتغل سقاء يبرد له من الصباح يذهب يبيع لأناس نحن معاملون لهم، ويأخذ الفلوس ويشتري بها أغراض ويأتي ونأكله والحمد لله، وفي نعمة من فضل الله، كيف أنت؟ قالت المرأة: والله إني في مصيبة مع هذا الزوج، عندنا أموال لكن والله ما أراه إلا من السواد إلى السواد، ولا يدخل البيت إلا يحاسب وينام، ماذا أقضي به وأقضي بأمواله، لكن يكون خيراً إن شاء الله. ذهبت تريد أن تدبر لها مكيدة، وكيد النساء عظيم، ذهبت إلى زوجها في الليل وهو يحاسب قالت: يا فلان! اليوم أنا ذهبت عند جيراننا، وقد رأيتهم في حال لا يعلم به إلا الله من الفقر والحاجة، وهم في ضيق، ولا عندهم شيء، وأنت عندك أموال والله يخلف عليك، أريد منك طلبات للمرأة، وقد طلبني زوجها تعطيهم عشرة آلاف ريال يبيعون فيها ويشترون، يحفظون لك رأس المال والمكسب بينكم وبينه. قال: حاضر لا مانع عندي. أخذت العشرة آلاف منه وجاءت في الصباح وذهبت إلى المرأة وهي تنظر إلى الرجل. قالت: زرتكم في الأمس ووجدتكم في حالة خفت عليكم ما عندكم شيء، والآن طلبت زوجي وأعطاني عشرة آلاف، أتيت بها لك من أجل تبيع فيها وتشتري، وتحفظ له رأس المال، والمكسب بينك وبينه نصف. قال: بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً، وهذا حق الجار على الجار، فذهب الرجل وفرحت المرأة، من أجل أن يصيروا تجاراً، المهم أخذ الفلوس وخرج ذاك اليوم، ولا رجع إلا بعد العشاء. ولما رجع وإذا به يحاسب، بعنا وشرينا، المهم ما جاءه النوم إلى نصف الليل، ثم نام، ولم يكن في تلك الليلة مرزاب، وفي اليوم الثاني كذلك خرج من الصباح ما جاء إلا بعد العشاء، واليوم الثالث والرابع هكذا، مر أسبوع وأسبوعان والرجل قد انفتحت عليه الدنيا، وأصبح وراءها، قامت المرأة وقالت: هذا المال يشغلك عنا ويشغلنا عنك، والله إن كنت تريدني، هذا المال الله لا يبارك فيه ولا نريده، نريد أن نكون على حالتنا الأولى، وعلى الخضرة حقنا، وعلى اللحمة الأولى، لا نريد غير هذا، وبعد ذلك أخذت رأس المال ورجعته إلى التاجرة هذه وقالت: الله يبارك فيك أنت وزوجك، وخذي فلوسك وأنا وزوجي في سعادة بدون مالكما. فالسعادة -أيها الإخوان- ليست في تكثير الأموال ولا في تجميعها، وإنما السعادة في دين الله تبارك وتعالى.

سوء عاقبة آكلي الربا

سوء عاقبة آكلي الربا يقول في الحديث: (فأتيت على قوم بطونهم كالبيوت -كالعمارات بطنه- فيها حيات) الله أكبر! تحول المال إلى حيات وعقارب، يقلقل ويصلصل داخل بطنه. (فيها حيات ترى من خارج البطون) البطن شفاف من انتفاخه، منتفخ مثلما تنفخ البالونة حتى تبقى شفافة وداخلها الحيات والعقارب، والناس يرون هذه الأموال والأكياس والسيارات والعمارات تحولت إلى حيات وعقارب داخل بطنه، قلت: (يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أكلة الربا) والعياذ بالله. وأخرج الأصفهاني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما عرج بي إلى السماء نظرت في سماء الدنيا، فإذا رجال بطونهم كأمثال البيوت العظام -العمارات الضخمة- قد مالت بهم بطونهم، وهم منضدون -أي: مرميون - على سابلة آل فرعون، موقوفون على النار كل غداة وعشي يقولون: ربنا لا تقم الساعة أبداً. قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أكلة الربا من أمتك لا يقومون إلا كما يقوم الذي يخبطه الشيطان من المس) . فيا أخواني! هل بقي مبرر لشخص يرابي؟ لا والله لا يوجد مبرر أبداً، بل علينا من الآن من كان له مبلغ في أي مكان من أجل الربا عليه أن يعود إلى الله، ويتوب إلى الله، ويقنع بالحلال، ويكتفي بما رزقه الله عز وجل، ليبارك الله له في رزقه في الدنيا، ويبارك له في رزقه في الآخرة. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقني وإياكم حسن القول وصالح العمل، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

علاج قسوة القلب

علاج قسوة القلب Q لي فترة طويلة وأنا أحاول أن أبكي فلا أستطيع وقلبي أقسى من الحجر، مع أنني لا أقوم الليل فكيف أصنع؟ A رقة القلب ولين العاطفة والخشوع والخضوع والخوف والوجل، هذه من نعم الله، ومن مِنن الله، يقسمها على الناس كما يقسم الله الأرزاق، فمن الناس من له رزق كثير ومنهم من ليس عنده شيء، لكن ليس هذا بالضرورة أن قلبك أقسى من الحجر أي: أنك لا تخاف الله، لا. المقياس الذي تقاس عليه أمور العباد، هو على مدى استجابتهم لأمر الله وبعدهم عن نهي الله، فقد نجد إنساناً وقافاً عند أوامر الله، لا يرتكب لله عز وجل نهياً ولا يترك لله أمراً، وبالرغم من ذلك لا يبكي وهو من السعداء، وقد نجد آخراً بمجرد ما يسمع آية كريمة أو حديثاً يبكي، لكن لو أتيت تفتشه لوجدته منغمساً إلى مسامعه في المعاصي والذنوب، فهو يبكي ويخرب، فبكاؤه لا ينفعه، لكن إذا وجدنا إنساناً رقيق القلب والعاطفة سريع التأثر، وقافاً عند حدود الله لا يرتكب لله نهياً، ولا يترك لله أمراً فهذا طيب، ولكن هناك وسائل ذكرها العلماء ترقق القلب وتجعل قلبك ليناً -إن شاء الله-: أولاً: زيارة القبور، من غير شد الرحال، تذهب إلى المقابر وتقف عندها وتسلم على أهلها. ثانياً: ذكر الموت والقبر والظلمة في داخل القبر، وتصوره على التصور الصحيح، ولو بممارسة شيء من وسائل الإيضاح، أي: من الشيء العملي في بيتك، كان ميمون بن مهران عنده قبر في بيته، حفر قبراً في طرف بيته، وكان إذا قسا قلبه، يقول لزوجته وأولاده: تعالوا! فيدخل في القبر ويُغطي عليه القبر، ويقول لهم: كونوا قريبين لا تبتعدوا عني، فإذا صحت عليكم افزعوا إليّ، ويصبر في الظلمة وفي الوحشة وفي الضيق إلى أن تكاد روحه تطير، ثم يصيح، ويقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] يقول: إذا سمعتموني أسرعوا إليّ ثم يقول: إذا سمعوا الكلمة جاءه أولاده وفتحوا عليه قال: ها مد يدك ويطلعونه فيقول لنفسه: يا ميمون! قم واعمل صالحاً قبل أن تقول: ربي ارجعون فلا تجاب، يقول: فيقوم من قبره وهو نشيط نشاطاً عظيماً للعبادة والعمل الصالح، هذا درس عملي. ثانياً: تتذكر الحياة الآخرة، وتتذكر الجنة والنار. ثالثاً: تحسن إلى الفقراء؛ لأن من أحسن إلى الفقراء أحسن الله إليه، من رحم المساكين رحمه الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. أيضاً تمسح بيدك على رأس اليتيم، إذا رأيت يتيماً في أي أرض ومسحت على رأسه ووضعت مع المسح مبلغاً من المال له في يديه وقبلته وواسيته؛ لأنه من يمسح رأسه إذا لم تمسح رأسه أنت؟ من يقبله من يواسيه؟ أبوه ليس موجوداً ولهذا خير بيت في الأرض بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في الأرض بيت فيه يتيم يساء إليه. فهذه الأمور مما ترقق -إن شاء الله- القلوب. وأيضاً: قراءة القرآن بنوع الأداء الذي فيه خشوع وخضوع، وإن لم تبك فلا أقل من أن تتباكى، أي: تشعر نفسك بالخشوع ولو تصنعاً؛ لأنه مرحلة انتقالية -إن شاء الله- إلى أن تخشع ويلين قلبك بإذن الله وأسأل الله أن يلين قلوبنا جميعاً لذكره وطاعته.

حكم استقبال القبلة ببول أو غائط

حكم استقبال القبلة ببول أو غائط Q نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استقبال القبلة ببول أو غائط، ولكننا نرى الناس اليوم يضعون الكراسي في الحمامات في اتجاه القبلة، فما الحكم؟ وما حكم الوضوء في الحمام؟ الجوب: ورد النهي حقيقة في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس أحدكم إلى حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها) . ولكن العلماء يقولون: النهي هنا محمول على الكراهة ليس محمولاً على التحريم، والدليل: ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رقيتُ يوماً بيت حفصة فنظرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته وهو مستقبل الشام مستدبر الكعبة) قال العلماء الذين جمعوا بين الحديثين، وكلاهما صحيح قالوا: إنه يحمل النهي على العراء، ويحمل الإباحة على البنيان، فإذا كان الإنسان في عراء أو في صحراء، فإنه لا ينبغي له أن يستقبل القبلة ببول ولا بغائط، أما إذا كان بنياناً، في حمام محاط بأربعة جدران، فإنه يجوز له أن يستقبل القبلة ويستدبرها باعتبار وجود حوائل، هذه طريقة الجمع، وقد ذكر هذا ابن قدامة وذكره النووي في المجموع.

حكم بيع التقسيط مع زيادة الثمن

حكم بيع التقسيط مع زيادة الثمن Q اشتريت سيارة من شخص لكني اشتريتها بالتقسيط، فبدلاً من أن قيمتها نقداً تسعة وعشرون أخذتها بتسعة وثلاثين، على أن أسدده قسطاً شهرياً قيمته ثمانمائة ريال فهل هذا من الربا؟ A لا. ليس من الربا البيع بالتقسيط إذا حدد الثمن وزاد عليك صاحب السلعة؛ لأنك تعطيه على آجال، فليس هناك شيء إن شاء الله، لكن المحذور بيعتين في بيعة، أنك تنفصل أنت وإياه ولا تعلم ماذا أخذت بالتقسيط أو بالنقد، أما إذا اتفقت أنت وإياه على أنك تأخذها بالتقسيط، ودفعت له شيئاً من المقدم والباقي على آجال فليس هناك شيء إن شاء الله؛ لأن هذا من التيسير على الناس.

حكم الوضوء في الحمام

حكم الوضوء في الحمام Q ما حكم الاستنجاء أو الوضوء في الحمام؟ A الأولى أن تستنجي وتقضي حاجتك في الحمام وأن تكمل وضوءك خارج الحمام إذا كان هناك محل للوضوء خارج الحمام، أما إذا لم يتمكن من الوضوء إلا في داخل الحمام مثل أكثر البيوت، فإنك تستنجي وتتوضأ داخل الحمام، وتبدأ البسملة قبل الدخول ولا تذكر الله داخل الحمام مطلقاً.

حكم النظر إلى العمة المطلقة بنتها

حكم النظر إلى العمة المطلقة بنتها Q طلقت إحدى زوجاتي وانتهت العدة وتزوجت بأخرى، ولكن أمها التي كانت عمتي سابقاً لا زالت تكشف وجهها عليّ، وأنا أجد في نفسي حرجاً فما حكم الإسلام؟ A حكم الإسلام أنه لا حرج في ذلك؛ لأنها محرمة عليك على التأبيد؛ لأنه لا يجوز لك أن تنكحها حتى ولو طلقت بنتها، فهي عمتك ولو طلقت بنتها، ويجوز لك أن تكشف عليها، لأنها من المحرمات عليك.

حكم أخذ مال المسلم بغير حق

حكم أخذ مال المسلم بغير حق Q يوجد صاحب مؤسسة كبيرة ولديه عمال كثير ويأخذ من كل عامل خمسمائة ريال على أن يكونوا أحراراً في عملهم، فما حكم هذا العمل؟ A هذا العمل حرام؛ لأنه أخذ مال المسلم بغير حق، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة، قال: (ألا إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) ولا يجوز لك أن تمارس تجارة الرقيق على هؤلاء الأحرار، بأي حق يا أخي المسلم! إذا أردت عمالاً وأتيت بهم شغلهم بالراتب في عملك والعمل لك، أما أن تأتي بهم وتقول: اذهبوا حيث شئتم، وأعطوني كل شهر خمسمائة ريال ربحتم أو لم تربحوا، هذا حرام عليكم، أول شيء تعارض مع الأنظمة التي شرعت، ثانياً: محرم بالشرع؛ لأنه أكل لمال المسلم بغير حق. وقد سمعنا أن بعض العمال يلجأ إلى السرقة من أجل أن يعطي عمه خمسمائة ريال، يظل شهراً ما جاءه شيء، لكن إذا جاء آخر الشهر ما أتى الخمسمائة قال: تعال هات خمسمائة ريال أو رحلتك، أعمل لك خروجاً. سبحان الله! هذا لا يجوز في دين الله عز وجل.

حكم الذهاب للجهاد بدون رضا الوالدة

حكم الذهاب للجهاد بدون رضا الوالدة Q هل يجوز لي الجهاد ولي والدة وأنا أحد أولادها وأقوم على رعايتها، وهي غير موافقة على أن أذهب إلى للجهاد، ثم لا أستطيع الخروج إلا بتزوير ورقة، فما الحكم، علماً بأنني مصر على الجهاد في سبيل الله، فما هو الحكم؟ A ما دام لك والدة -يا أخي- وأنت أحد أولادها وتقوم على رعايتها، وهي غير موافقة، فعليك أن تبقى في رعايتها وطلباً لرضاها، وتأخذ المال الذي سوف تخرج به وترسله للإخوان المجاهدين، فإنهم الآن أحوج إلى المال من أي وقت مضى، وبشكل عجيب جداً؛ لأن المعركة الآن ضروس، والآن حديد يقابل حديداً، لكن حديد فاسد إن شاء الله يقابل حديداً مؤمناً، كان الجندي المجاهد يقابل روسياً ملحداً، يود أن يخرج وينصرف، الآن لا يوجد إلا جندي مؤمن أفغاني مع ملحد أفغاني، والأفغاني الملحد متمسك؛ لأنه على أرضه لا يريد يخرج، أين يذهب؟ فهو مستميت، والمؤمن مستميت، والغلبة -إن شاء الله- لأهل الإيمان، ولكن فيها نوع من الصعوبة، فلا بد الآن الذين كانوا يساهمون؛ لأن بعض الناس لما سمع أن روسيا خرجت برد في مد إخوانه المجاهدين، لا، بل زد؛ لأنهم الآن يقطفون ثمرات الجهاد إن شاء الله بإنزال آخر الضربات بهؤلاء الملاحدة إن شاء الله تبارك وتعالى، وأنت -يا أخي- أرسل بالفلوس التي معك إلى المجاهدين الأفغان، فإنك بإذن الله تجاهد بهذا المال؛ لأن (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) وما دام أن أمك غير راضية، والقضية فيها خلاف بين أهل العلم في حكم الجهاد الأفغاني هل هو فرض عين أو فرض كفاية على المسلمين؛ لأنه لو قيل بفرضية العين للزم كل المسلمين في كل الأرض أن يذهبوا وإلا أثموا، وبالتالي تخلو مواقعهم منهم، ويترتب على هذا مفسدة، ولم يقل بهذا أحد إلا بعض أهل العلم، ولكن الصحيح: أنه ليس فرضاً عينياً، ولكنه بالمال فرض عين، يجب أن تجاهد بمالك؛ لأنه في حدود إمكانك.

حكم لبس البنطال في العمل

حكم لبس البنطال في العمل Q ما حكم لبس البنطلون في العمل؟ A ليس فيه شيء، لبس البنطلون إذا كان واسعاً، وتحتاجه طبيعة عملك كأن تكون نجاراً أو فني كهربائي أو فني في أي عمل، والثياب هذه يمكن تؤذيك في أداء عملك ولا تعينك على أداء شغلك، فإذا لبست بنطالاً بشرط أن يكون واسعاً وليس ضيقاً، فليس فيه شيء إن شاء الله، إنما من يلبس البنطلون على نية الافتخار بهذا الزي الذي يلبسه الكفار واتسم به الغربيين، ويأخذ معه حبلاً في رقبته، يسمونه الكرفتة، وأنا أفكر في كل شيء إلا هذا الحبل ما عرفت له معنى، معروف الذي في رقبته حبل من هو؟ أبو رباط، وهذا يضع على رقبته رباطاً، لا أعلم ما السبب سبحان الله العظيم! فالذي يعمل هذا افتخاراً بهؤلاء يمكن أن يكون فيه محظور؛ نظراً لأنه منهي عن التشبه بالكفار: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) .

تفسير آيتي الشرك والمغفرة

تفسير آيتي الشرك والمغفرة Q قرأت القرآن وفيه آيتان لم أقدر على تفسيرهما، ولم أجمع بينهما، وهي قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، وقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] ؟ A الجمع بينهما: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48] أي: إذا مات الإنسان وهو مصر على الشرك فلا يغفره الله، والآية الثانية: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] لمن تاب قبل الموت، فمن تاب قبل الموت ولو كان مشركاً فالله يغفر ذنبه، لكن من مات ولم يتب من الشرك فالله لا يغفر الشرك، هذا هو الجمع بينهما.

حكم صلاة حاسر الرأس

حكم صلاة حاسر الرأس Q ما حكم صلاة الرجل بدون غطاء على رأسه، بالغترة أو طاقية أو غيرها؟ A الصلاة صحيحة، ولكن بعض أهل العلم كره أن يصلي الإنسان ورأسه مكشوف أو عاتقه ليس عليه شيء من اللباس، أما الصلاة فهي صحيحة؛ لأن حد عورة الرجل من السرة إلى الركبة، ولكنه منافٍ لأدب الصلاة، إذ ينبغي أن تأخذ على رأسك شيئاً أو على جسمك مما اعتاد الناس أن يتستروا به.

حكم إمامة الفاسق في الصلاة

حكم إمامة الفاسق في الصلاة Q أعرف شاباً تخرج من كلية الشريعة وبعد تخرجه استلم إمامة مسجد جامع، ولكنه يدخن ولا يصلي صلاة الفجر في المسجد، وهذا الشاب يستهزئ بالملتزمين والمتدينين ويسخر منهم، فما توجيهكم لمثل هذا الشاب؟ A نقول لهذا الشاب: اتق الله عز وجل في نفسك، طالما وقد قامت عليك حجج الله الدامغة، أولاً: تخرجت من كلية الشريعة، وأصبحت محسوباً على العلماء. ثانياً: أصبحت محسوباً على الأئمة باستلامك لإمامة مسجد جامع، ثم بعد ذلك تصير فاسقاً -والعياذ بالله- وعاصياً تدخن وتترك الصلاة وتستهزئ بأهل الإيمان، وجريمتك هذه جريمة ليس بعدها جريمة، اتق الله تبارك وتعالى، ما دام الله وفقك للعلم ووفقك أيضاً لهذا المنصب فكن في محله، وإذا لم تستطع فرد الشهادة شهادة الزور ردها للشريعة، واترك الإمامة لغيرك، واستمر في فسقك وسوف تندم وستعض على أصابع الندم.

حقيقة الالتزام الصحيح

حقيقة الالتزام الصحيح Q عملت كثيراً من الفواحش، وفهمت منك أن المعاصي إذا كثرت لا يغسلها إلا النار، وأنا تبت إلى الله والتزمت وربيت لحيتي وقصرت ثوبي والحمد لله ندمت على كل عمل كنت أعمله؟ A أقف هنا عند قوله: ربيت لحيتي وقصرت ثوبي، أرجو أن لا يفهم الإخوة أن مجرد الالتزام هو هذان الأمران؛ تربية اللحية وتقصير الثوب، هذا من الالتزام، لكن ليست كل الالتزام؛ لأن من الشباب من يلتزم بهذين الأمرين ثم إذا جئت تفتشه تجد عنده من العظائم ما لا يعلمها إلا الله، فهذا يخدع نفسه والناس، ويضلل على الناس أنه ملتزم لحية طويلة وثوب قصير لكن عمله فاسد، لا. نحن نريد التكامل في حياة المسلم والشاب الملتزم، نريد لحية معفاة وثوباً قصيراً، وأيضاً يكون عنده حساسية في كل الأوامر والنواهي، أما أن يهمل هذه الأوامر، ويضلل الناس بهذه، ويضلل نفسه؛ لأنه إذا رأى نفسه هكذا قال: أنا من الملتزمين، لكن الغيبة يأكل بها حتى يموت، وإذا هو في الليل وليس ثمة أحد قام يسمع الأغاني لوحده، وثوبه قصير ولحيته طويلة ويسمع الأغاني، وإذا دخل عليه شخص أغلق الراديو لماذا؟ لأن الناس سوف يقولون: لماذا تسمع الأغاني وأنت مطوع؟! فهو يستخفي من الناس ولا يستخفي من الله، يخاف من الناس ولا يخاف من الله، إذا مشى في الشارع تلفت هل أحد يراه، إن كان رأى أحداً مشى معتدلاً، وإن كان لا يوجد أحد فتح عيونه في النساء، ولحيته طويلة وثوبه قصير، هذا يضلل نفسه ويضلل الناس، نريد التكامل -يا إخواني- لا نريد أن يفهم من الدين أنه الظاهر فقط، ونحن لا نقلل من شأن الظاهر، الظاهر له أهميته في الدين، لكن المعول على الباطن، إنما ينظر إلى البواطن لا إلى الظواهر، الله عز وجل ينظر إلى الأعمال كلها متكاملة، من تخدع، يمكن أن تضلل الناس في الدنيا وتخدعهم وتقول أنك وأنك، لكن ربك يعرف ماذا في قلبك، إي نعم. يقول الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] . والتقوى عمل قلبي هنا موجود في الصدر، ولا يعني هذا أن يأتي شخص من الناس يحلق لحيته ويطول ثوبه ويقول: التقوى هاهنا، نقول: لا ما هنا التقوى؛ لأنه هناك مثل يقول: "من خش في المزقف تبادى على الضيف" وإذا وجدت كرامة في المطبخ تحصل وتخرج على الضيف، لكن إذا هنا إيمان يخرج على الناس، وإذا هنا نفاق يخرج على الناس، التقوى هاهنا وآثارها على الجوارح، أما التقوى هاهنا واللحية محلوقة، والدخان في جيبك، وشريط محمد عبده وشيطانه في جيبك وفي سيارتك، ووتنام إلى الساعة السابعة ولا تصلي الفجر في المسجد، ثم تقوم تغسل وتنقر أربع ركعات، اثنتين اثنتين وتذهب تصلي ووجهك أغبر وعيونك معمشة وربك ساخط عليك والشيطان قد بال في أذنيك، وتقول: التقوى هاهنا، فليس هنا تقوى، وما هنا إلا فسق، وعدم خوف من الله تبارك وتعالى. فأخونا هذا يقول: إنه تاب، فجزاه الله خيراً.

حكم التوبة ثم الرجوع إلى بعض المعاصي

حكم التوبة ثم الرجوع إلى بعض المعاصي Q أنا أصلي الأوقات كلها وأحياناً أصلي في بعض الأيام اثنتين وتسعين ركعة، ولكن أحياناً يأتي عليّ ظرف فلا أصلي إلا الفروض فقط والرواتب ولا أصلي بقية النوافل؛ لأنني يوم كنت صغيراً كنت أترك الصلاة أحياناً، وأصوم كل اثنين وخميس وثلاثة أيام من كل شهر أي: الأيام البيض، فهل لي من توبة؟ رغم أنني أتوب شهراً وأرجع أحياناً إلى بعض الأمور مثل بعض المعاصي، ولكن قبل أسبوعين عدت إليها وتبت إليها الآن فهل لي من توبة؟ A نعم، وما تغسلك إن شاء الله جهنم، بل تغسلك توبة الله ورحمته، ما دمت على هذا الوضع وأنت الآن في زمن المهلة، وتتوب إلى الله فأبشر بأن يغسل الله كل ذنوبك هذه بالتوبة والرحمة والمغفرة، ثم يبدلها وينقلها من ديوان السيئات إلى ديوان الحسنات، لكن اثبت، إي نعم. لا تكن لعبة للشيطان، تتوب الآن وتعود غداً، فالشيطان يضحك عليك، يقول: هذا دجال هذا ليس بتائب، التائب جبل راسخ، إذا تاب تاب؛ لأنه يخاف من سوء العاقبة، فيمكن لو مت الآن وأنت في أحسن حالاتك الإيمانية فاحمد الله، لكن يمكن تنهزم في لحظة من اللحظات، وترجع وعلى أمل أنك تقسم وتموت ثم تموت والعبرة بالخاتمة، فأنت تقول: يا مسلم سلم، إذا شرقت عليك الشمس تقول: يا رب! ثبتني ولا تغرب شمس هذا اليوم إلا وأنا ثابت، فإذا غربت الشمس تقول: يا رب! ثبتني هذه الليلة حتى أصبح، فإذا أصبحت فقل: يا رب! وهكذا، كل يوم تشرق فيه الشمس اطلب الله الثبات إلى المغرب، ثم اطلب الله الثبات من المغرب إلى العشاء، واعتبر أنه في سجلات اليوم آخر يوم لك. أنت تحت التهديد والخطر، كلنا سوف نموت، من منا الآن عنده وثيقة أنه سوف يموت بعد زمن معين؟! الأمر صادر علينا بالإعدام كلنا، ولكن مواعيد الإعدام مغيبة عنا، ويمكن هذه الليلة هناك ناس سيموتون من أهل هذا المجلس، ويمكن غداً سيموتون، يمكن بعد غد، وما دونه لا نعرف، يجب أن نكون دائماً تائبين إلى الله عز وجل.

أهمية القدوة الحسنة للدعاة والصالحين

أهمية القدوة الحسنة للدعاة والصالحين Q أرجو توجيه كلمة عن أهمية القدوة في الإسلام؛ لأن كثيراً من الناس يجادلوننا قائلين: إن الشباب الملتزم المتدين لا يجدِّون في أعمالهم، ويعتبرون الدين فقط مظهر كالصلاة والصيام وغيرها، فأرجو التنبيه إلى ذلك؟ A أيها الإخوة! نحن دعاة إلى الله عز وجل بالمظهر والمخبر، وبالسلوك وبالجدية في العمل، وأيضاً بعض العصاة يأخذ علينا هذا المأخذ، إذا رأوا مؤمناً ملتزماً في تدينه لكن في الدوام لا يأتي إلا متأخراً، ويخرج، ولا يمشي عمله، قالوا: انظروا المطوع، يأكل حراماً، ويقول: صلوا، وهو لا يأتي إلا آخر شخص، لا. ينبغي أن تكون مطوعاً وأول الناس في دوامك، وأخلص الناس في عملك، وأكثر الناس إنتاجية، وبهذا تكون داعية حقيقة.

حكم كشف المرأة وجهها للأقارب غير المحارم

حكم كشف المرأة وجهها للأقارب غير المحارم Q سؤالي هو من منطوق نقاش دار بيني وبين أحد زملائي حول كشف المرأة على أقاربها مثل أبناء أعمامها وعماتها، وكشف زوجة الأخ على أخيه، فنحن نعلم أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت) في الخلوة؟ A من قال لك: في الخلوة، هذه مشكلتك، الحمو الموت في الخلوة، لا. الحمو الموت في الخلوة والجلوة، مع الناس ولوحده، ولا يجوز أن تكشف المرأة لابن العم ولا لابن الخال ولا لأخ الزوج، سواء خالية أو معها أحد؛ لأنه أجنبي عنها، وخذوها قاعدة: من الذي يحل له أن تكشف له المرأة أو تحرم؟ هناك المحرمات تنقسم إلى قسمين: محرمات على التأبيد، ومحرمات على التوقيت، يعني: مؤقتة، تزول الحرمة بزوال المؤثر. -فمثلاً- زوجة أخيك المسلم، جارك متزوج هل تحل لك زوجته الآن وهي متزوجة؟ لا تحل لك، لكن لو مات عنها زوجها، أو طلقها ماذا تصبح لك؟ حلال، فهي محرمة عليك؛ لأنها متزوجة، فإذا ذهب المؤثر زالت الحرمة وبقيت حلالاً لك. فهذه المحرمة على التأبيد يجوز كشف الوجه عليك؛ لأنها لا تحل لك الآن ولو بعد حين، والمحرمة على التوقيت التي يمكن أن تكون لك زوجة إذا زال سبب التحريم، هذه يحرم عليك أن تكشف عليها -فمثلاً- زوجة أخيك، لو مات أخوك لتزوجتها من بعده، لو طلقها أخوك لتزوجتها من بعده، أجل لا يجوز أن تكشف عليها، حكمها مثل حكم امرأة الجار، فلا فرق بين الاثنتين، كذلك بالنسبة لزوجتك ابن عمها، هو لا يحل له أن يتزوجها؛ لأنها امرأتك الآن، لكن لو طلقتها جاز له أن يتزوجها، ابن عمها أو ابن خالها، فلا مجال للنقاش في هذا الموضوع. وعليك أن تتوب إلى الله عز وجل، وعليك أن تقنع إخوانك بأنه لا مجال لكشف الوجه إلا على من أباح الله. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يوفقني وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن يأخذ بقلوبنا إلى ما يحبه ويرضاه. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

من أسباب عذاب القبر الديون والنياحة [11]

من أسباب عذاب القبر الديون والنياحة [11] الدّيْن من الأسباب المؤدية إلى عذاب الميت في القبر، إذ إن الدين هو من حقوق العباد، والله عز وجل لا يتجاوز عن العباد حتى يأخذ لكل صاحب حق حقه من الآخر. أما النياحة التي تعد من صفات الجاهلية فهي أيضاً من أسباب عذاب القبر، فإن شرها لا يقتصر على الميت فقط، بل ويمتد إلى الحي الذي يتعرض لسخط الله؛ لأن النياحة هي تعبير عن الجزع من أقدار الله عز وجل.

الاعتصام بالقرآن والإيمان نجاة من عذاب القبر

الاعتصام بالقرآن والإيمان نجاة من عذاب القبر إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: فلقد بث الله عز وجل في هذا الكون المنظور، وأنزل في كتابه الكريم المقروء، وأقام من الحجج الباهرات والدلائل الواضحات ما يقيم به الحجة على الناس بمعرفة الطريق إليه {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] .

بصائر الله حجج على عباده

بصائر الله حجج على عباده بصائر وأنوار وهدايات لكن لا يراها إلا أهل الإيمان، وأهل العيون التي فتحها الله عز وجل على نوره وهدايته. الحق شمس والعيون نواظر لكنها تخفى على العميان الأعمى لا يرى الشمس، ولا يضر الشمس عدم رؤية الأعمى لها، ليس عيباً في الشمس ألا يراها الأعمى، فهي شمس يستفيد منها العالمين وإن لم يرها الأعمى. الحق شمس والعيون نواظر لكنها تخفى على العميان ويقول الآخر: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم هذه البصائر يقول فيها الله عز وجل في سورة الأنعام: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأنعام:104] أي: قد قامت عليكم الحجج، ووصلتكم البراهين، فهي بصائر، وليست بصيرة واحدة. أولاً: فطركم الله على الإيمان، يقول الله عز وجل: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] . تركيبة الإنسان تركيبة تتلاءم مع هذا الدين، ولهذا يقول أحد السلف: من تأمل خلقة الإنسان يرى أنه مفصل للعبادة. أي: للركوع والسجود والقيام والقعود، كل هذه التفصيلات لتتلاءم وتتوافق مع عملية العبادة التي شرعها الله في هذا الدين. فالله فطركم على الإيمان، ودائماً الإنسان إذا لبس اللباس المفصل على قدره يرتاح فيه، فالله فطر الإنسان وخلقه وهو الذي شرع هذا الدين وأنزله، فكأن هذا الدين لباس مصمم على مقاسات هذه الفطرة وهذا الإنسان، فإذا لبس الإنسان لباس الفطرة وهو الإسلام عاش سعيداً، وإذا لبس لباساً ليس له لا شك أنه يتضايق، مثاله لو لبست حذاءً ورجلك مقاسها [43] ولبست [40] هل ستشعر بضيق وعدم راحة؟ بدون شك ستشعر بعدم راحة؛ لأن رجلك ستكون محصورة ومتضايقة، أو لبست حذاء مقاس [47] فلا تستطيع أن تمشي لأنك تخبط فيها، لماذا؟ لأنك أعطيت رجلك غير المقاس الذي يصلح لها. وكذلك اليوم الناس حينما يرفضون دين الله وشريعته وهدايته وكأنهم يلبسون ألبسة ليست مفصلة على حجمهم، فلا يسعدون أبداً، بل يعيشون في عذاب وضيق، ولكن الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها، يقول الله عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] بلى، يعلم تبارك وتعالى هذه الخلقة، والتركيبة، والفطرة التي فطر الناس عليها، يوائمها ويوافقها ويناسبها هذا الدين، فإذا جاء الدين وفق هذه الفطرة استراح الإنسان، وشعر بالسعادة والأنس والأمن والطمأنينة في الدنيا والجزاء العظيم في الآخرة بإذن الله، وإذا أعطاها لباساً غير لباسها لا يصلح، ولو حاول أن يغالط نفسه، مهما كان هذا اللباس، من دنيا، أو الملايين لا يشعر الناس بالسعادة؟ لأنهم يموتون بالعذاب، فهذه الملايين تكون سبباً في موتهم، يقول الله عز وجل: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا} [التوبة:55] بالملايين {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55] . هل الأولاد لباس، بدلاً من أن يعيش الإنسان لنفسه فإنه يعيش لأولاده وزوجته؟ لا. يقول الله: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14] {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] فما هو البديل؟ هل المناصب أو الإمارة والجاه والسلطة بديل؟ لا، ليست ببديل، ربما تكون هذه سبيل عذاب على الإنسان في الدنيا قبل الآخرة. إذاً: ما هو البديل الصحيح؟ إنه الإيمان والدين، فهذه بصيرة وهداية، بعد ذلك نزل الله كتاباً، وأرسل رسلاً، وجعل في الكون دلالات عليه، من أصغر جزء في المادة وهي الذرة، إلى أكبر جزء في الدنيا وهي المجرة، كلها دلالات على الله. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد هذا الشعر الذي ينبت في رأسك الآن، لماذا شعر رأسك هذا ينبت ويطول، وشعر حاجبيك هذا يقف عند حد معين من علم الشعرة أن تقف عند حد معين؟ ومن علم الشعر أنها تطول إلى حد معين؟ من علم الشعرة التي في الأجفان أن تصل إلى هذه المرتبة واحد سنتيمتر أو سنتيمتر إلا ربع أو نصف سنتيمتر وتقف، لو امتد شعر عيونك وصار طويلاً، ما رأيك كيف تكون؟ لا تستطيع أن تعيش. إذاً: من هدى هذه الشعرة وعلمها أن تصل إلى هذا المستوى وتقف، وهذا الشعر يطول إلى مستوى أبعد من ذلك من هو؟ إنه الله {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] . من الذي هدى هذه الأسنان، الأسنان التي تصعد وتنشأ في الفك العلوي وتنزل إلى تحت، لماذا لم تطلع إلى فوق، ومن الذي علم الأسنان في الفك السفلي أن تطلع إلى فوق؟ وبعد ذلك من علم هذا السن أنه يستمر في النمو إلى درجة معينة ويتوقف، فلا يطلع أبداً ولا يزيد هذا على هذا، كلها سواء، ما رأيك لو بقي السن على كيفه -مثل ما يقولون: إن الطبيعة خلقته- وطلع السن واستمر في النزول إلى أن يصبح السن في بطنك، والسن الثاني في رأسك، كيف تفعل؟ تظل تنشر أسنانك كل يوم، وكلما نشرته نبت لك سن، لا إله إلا الله! من علم السن هذا أنه ينبت، لا تطلع ثنية إلا وتحتها ثنية، وبعد ذلك ناب ويطلع تحته ناب، وبعد ذلك ضرس وتحته ضرس، لماذا؟ من أجل أن تستفيد منها، إذ لو طلع لك فوق الضرس وتحته ناب لا تستطيع أن تطحن الطعام، بل تخرب فقط ولا يطحن طعاماً أبداً، لو طلع من فوق قاطع -وهو الثنية- وتحتها ضرس تذهب لتقطع لا يمكن، لكن هذه تقطع وهذه تخرق وهذه تطحن، وبعد ذلك هذا الفك متقدم، ولذلك عندما تنظر إلى سنك تجد أن الفك متقدم على الثاني، لماذا؟ من أجل أن تقص مثل المقص، المقص يجب أن يختلف حداه، لو جئت إلى المقص وتركت السنتين سواء فإنه لا يقص. وأوجد لك داخل هذا الفم هذا اللسان مثل المحرك، يأخذ الطعام ويقلبه ويطلعه وينزله، وهنا غدد تفرز اللعاب على الطعام بقدر الطعام، ولا يمكن لأحد أبداً أن يعض لسانه، كم لك تأكل من يوم خلقت؟ هل جاء يوم من الأيام -لعله نادر- غلطت بسبب نهم منك أو جشع، أو أكثرت من الأكل فعضيت لسانك، فإذا عضيته قلت: آه، ولا تذوق الزاد ذلك اليوم. فما رأيك لو أنك كلما أكلت لقمة عضيت لسانك، لكان لسانك قد تقطع، من علم اللسان أن يتحرك هذه الحركة، ويمضغ ويبلع ويهضم ويقضم ولا يعضه سن؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو، كل شيء في الكون لو تفكرت فيه لوجدت أن فيه دلالة على الله عز وجل: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأنعام:104] .

وجوب الاكتفاء بالكتاب والسنة في التشريع

وجوب الاكتفاء بالكتاب والسنة في التشريع هذا القرآن مملوء بالبصائر، من أول آية بدأ فيه التحدي {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:1-2] لا يوجد إنسان في الدنيا، يؤلف كتاباً ويظل فيه أعواماً حتى يتمه إلا ويقول: نعتذر على التقصير، ونرجو من القارئ الكريم أن يغض الطرف عن الخلل، وإذا لاحظ شيئاً فعليه أن ينبهنا، فإن أحسنت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، هذا كله جهد البشر. أما كتاب الله فيقول الله فيه من أول آية من القرآن: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] ليس فيه شك، تحدٍ صارخ لا شك فيه أبداً، وهاهو القرآن منذ ألف وأربعمائة سنة إلى يومنا هذا، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يوجد فيه أبداً آية تعارض الأخرى، يقول الله عز وجل: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] . الآن الأمم والدول تشرع تضع أنظمة وقوانين على مستويات كثيرة، ولكن لا يمر على التطبيق سنة، إلا ويدخلون تحسينات، وتعديلات، وتفسيرات، والمقصود من المادة كذا وكذا، والمقصود من الباب كذا، لماذا؟ لأنه من خلال التطبيق يتضح الخطأ، لكن من تطبيق كلام الله في حياة البشر لم يتضح ولن يتضح، يقول الله عز وجل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29] كتاب {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] . ولهذا رب العالمين يقول للناس: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51] وهو دليل واضح على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتاب كريم، مائة وأربعة عشر سورة، اشتمل على جميع ما في الأرض (فيه خبر ما قبلكم، وحكم ما بينكم، ونبأ ما بعدكم، هو الفصل ليس بالهزل، ما تركه من جبار إلا قصمه الله) هذا واقع، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله (هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم) هذا الكتاب العظيم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول فيه الإمام الصنعاني في بائيته: أما آن عما أنت فيه متاب وهل لك من البعاد إياب تقضت بك الأعمار في غير طاعة سوى أمل ترضاه وهو وسراب ثم قال: ولم يبق للراجي سلامة دينه سوى عزلة فيها الجليس كتاب كتاب حوى كل العلوم وكل ما حواه من العلم الشريف صواب فإن رمت تاريخاً رأيت عجائبا ترى آدماً مذ كان وهو تراب وشاهدت قابيل قتيل شقيقه يواريه لما أن أراه غراب ثم قال بعدها: ففيه الدواء من كل داء فثق به فوالله ما عنه ينوب كتاب

جزاء الاعتصام بكتاب الله وعاقبة العمى عنه

جزاء الاعتصام بكتاب الله وعاقبة العمى عنه يقول الله: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101] هذه دلائل واضحة، لكن هذه الدلالات من يستفيد منها؟ أهل الأبصار والعيون، أما الأعمى يقول الله عز وجل فيه: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:124-125]-والعياذ بالله- {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ} [فصلت:44] أي: مخرقة لا يسمعون {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:44] نعوذ بالله أن يكون علينا القرآن عمى {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ} [الأنعام:104] الذي يفتح عينيه على الله، وعلى كتاب الله، وقلبه لدين الله، وتوجه إلى الله {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} [الأنعام:104] أنت لا تعمل للجماد ولا للقبيلة، وإنما تعمل لنفسك، وإذا عييت قال: {وَمَنْ عَمِيَ} [الأنعام:104] لم يبصر الطريق؛ لأنه كلما قيل له اسلك الطريق المستقيم قال: لا. لا يريد الله، لا يريد طريق الله عز وجل، قال: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام:104] دعه أعمى، ومن عاش في هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى، لا تتصور أنك تعيش هنا أعمى عن الدين وأن الله يفتح بصرك عليه يوم القيامة؟ لا. افتح بصرك وبصيرتك هنا على دين الله، يفتح الله بصرك وبصيرتك في الجنة إن شاء الله. أما أن تتعامى هنا عن الله، وتتجاهل دين الله، وتمشي على طريق الشيطان، تنظر وتسمع وتأكل وتسير في الحرام، وتبطش وتزني كل ذلك بالحرام، وتتقاعس عن الطاعات، وترفض دين الله، وبعد ذلك تريد من الله عز وجل أن يقول لك يوم القيامة: عفوت عنك، لا. كن كما يريد الله هنا يكون الله لك كما تريد هناك، كن كما لا يريد الله هنا يكون الله لك يوم القيامة كما لا تريد، والجزاء من جنس العمل، والله يكيل لك يوم القيامة بمكيالك هنا، إن وفيت يوفي لك، وإن طففت فما في الآخرة إلا ويل {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1] هذه الآية عامة، في المطففين في الماديات والمعنويات، الذي يطفف في المكيال مادياً -أيضاً- هذا يطفف عليه، والذي يطفف في مكياله في العمل الصالح -أيضاً- يطفف عليه، قال عز وجل: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [الأنعام:104] . الحافظ لأعمالكم المسجل لخطراتكم هو الله، لستم بمفلوتين، وإنما كل شيء يحصى عليكم ويسجل، حتى الخردلة من العمل {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] حتى مثاقيل الذر يجزي بها، يقول الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] . فلا تحسبن -يا أخي- أنك متروك، ولكنك محفوظ ومسجل، فإن حفظت حفظك الله، وإن ضيعت ضعت في الدنيا والآخرة، نعوذ بالله وإياكم من الضياع والضلال. ما زال الكلام متصلاً حول أسباب عذاب القبر، وقد ذكرنا في الماضي في عشر حلقات الأسباب التي ثبتت الأدلة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تسبب لصاحبها والواقعِ فيها عذابَ القبر، أي: الفترة البرزخية الواقعة ما بين الموت إلى البعث، هذه فترة لا يعلمها إلا الله، لا نستطيع أن نتحكم فيها، ولا يقدِّر عددها إلا الله عز وجل فهو يعلمها، والناس في قبورهم إما أن يعذبوا وإما أن ينعموا، فالذين يعذبون هم الذين وقعوا في شيء من هذه الكبائر التي ذكرناها، مثل: عدم التنزه من البول، والنميمة، والربا، والزنا، والكذب، وغيرها من الجرائم التي وردت الأدلة أنها تورد الإنسان العذاب ومثل: الذي ينام عن القرآن، والصلاة المكتوبة ويهجر القرآن، هؤلاء يعذبون في قبورهم إلى أن يقوموا من قبورهم، ويكمل لهم العذاب -أعاذنا الله وإياكم من ذلك- وأيضاً هناك أناس ينجيهم الله من العذاب بأسباب تنجي من عذاب القبر، بمجرد ما يتمسك بهذه الأسباب يأتي القبر آمناً، إذا اجتنب الأسباب المعذبة وأتى بالأسباب المنجية، فإنه في قبره في روضة من رياض الجنة. ولهذا مر علي رضي الله عنه على المقابر فقال: [إن ظاهرها تراب، وباطنها حسرات أو عذاب] وكان يقول: [يا أهل المقابر! السلام عليكم دار قوم مؤمنين -وبعدما يسلم يقول لهم:- أما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، وأما النساء فقد تزوجت، هذه أخبارنا فما أخباركم] يقول: ليس عندنا جديد، ماذا في الدنيا من جديد؟ إذا مات الشخص ماذا يحدث لماله؟ القسمة، ولبيته؟ السكن، وزوجته أن تتزوج، هذه الأخبار الجديدة، ليس هناك جديد عليها، يقول: هل عندكم من جديد؟ ثم يسكت ويجيب عليهم ويقول: [أما والله لو تركوا -يعني: لو أرادوا أن يتكلموا وتركت لهم فرصة للكلام- لقالوا: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197]] لا تتزودوا بالمال، فالمال إذا كان من الحرام كان زاداً إلى النار -والعياذ بالله- تزودوا من طاعة الله تبارك وتعالى، فإن خير الزاد التقوى.

خطر الدين

خطر الدَّين إن مما يحدث العذاب والحبس في القبر للميت: الدين، وهو يضر بالميت في قبره.

حرصه صلى الله عليه وسلم على قضاء دين الميت

حرصه صلى الله عليه وسلم على قضاء دين الميت عن سعد بن الأطول رضي الله عنه (أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهماً، وترك عيالاً - يعني: أبناء- قال: فأردت أن أنفقها على عياله، فقال لي نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن أخاك محبوس بدينه فاذهب فاقضِ عنه) لا تشتغل بالحي، الحي إذا جاع خرج إلى السوق وقال: أعطوني، لكن الميت من يمنعه هناك من العذاب، من يكشف قبره ويقول: خذ هذه الحسنة؟!! وبعد ذلك عذاب القبر لا أحداً يصبر عليه، لو حبسك إنسان في غرفة وأعطاك أكلاً وشراباً وطعاماً وغيرها وأنت محبوس في غرفة لضقت، فكيف بك وأنت محبوس في حفرة مظلمة محددة، أطوالها بحجمك تماماً، وإذا قيل: وسعوا له؟ قالوا: ليس معه إلا عمله، وصدقوا. والله لو وضعوه في غرفة لا يوسع عليك إلا عملك الصالح. وبعد ذلك فوق هذا عذاب، إذا كنت باراً بأبيك أو أخيك أو قريبك فأول شيء تفكر فيه بعد موته ديونه، اسأل، اعلن، اتصل بمن تعرف أنه يتعامل معهم، هل عليه لهم دين إما أن يسامحه، أو تتحمله، أو تقضيه إذا كان هناك شيء موجود، المهم أن تسارع في قضاء دينه. قال: (فاقض عنه، قال: فذهبت فقضيت عنه ثم جئت، وقلت: يا رسول الله! قد قضيت عنه إلا دينارين، ادعتهما امرأة) يقول: كل شيء قضيته إلا دينارين ادعت امرأة أن الدينارين عنده ديناً لها. قال: (وليست لها بينة) لم تأت بدليل ولا بينة من كتاب أو شهود، على أن لها هذين الدينارين. فقال صلى الله عليه وسلم: (أعطها فإنها صادقة) صلوات الله وسلامه عليه، تزكية الرسول لها بناء على الوحي، أوحي إليه بأنها صادقة في دعواها، ولهذا قال: أعطها. وروى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نفس المؤمن معلقة بدينه) . ولكن بم يفسر هذا الحبس؟ ما نوع الحبس في القبر؟ يفسره الحديث الآخر الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث رواه أبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وهو صحيح على شرط الشيخين، هذا الحديث يرويه سمرة بن جندب، قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على جنازة، فلما انصرف قال: أهاهنا من آل فلان أحد؟ فسكت القوم) ، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا، لم يكونوا مستعجلين، أن هذا رسول نبي، لا يتكلم الواحد منهم بكلمة إلا وقد وثق منها. (فسكت القوم، فقال ذلك ثلاث مرات، هل هنا من آل فلان أحد؟ -لم يتكلم أحد- فقام رجل فقال: هأنذا، فقام يجر إزاره من مؤخرة الناس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما منعك في المرتين الأوليين أن تكون أجبتني؟ -سألت مرتين ولم تجب، لماذا لم تجب إلا في الثالثة؟ - أما إني لم أنوه باسمك إلا لخير، ثم قال: إن فلاناً -وهو رجل من أقارب هذا الرجل، من الأسرة، من آل فلان- مأسور بدينه عن الجنة -محبوس عن النعيم في القبر وعن الجنة بسبب دينه- فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله) لأنه لا يوجد في القبر إلا نعيم أو عذاب، فهذا الدين حجبه وحجزه وحبسه عن نعيم الله والجنة، وبالتالي ماذا يصير له؟ لا يجلس بين الدارين، لا يوجد في الآخرة إلا دار في الجنة أو دار في النار، فأسلموه إلى عذاب الله، قال الرواي سمرة: (فلو رأيت أهله وهم يتحرون أمره؛ قاموا فقضوا عنه حتى لا يطلبه أحد بشيء) .

التوسع في الديون يرهق الورثة عند قضائها

التوسع في الديون يرهق الورثة عند قضائها مما ينبغي لك يا عبد الله! ألا تسبب لنفسك مشكلة بكثرة التوسع في الديون، على أمل أنك إذا مت يقضى عنك، إذا أنت لم تراع نفسك فلن يراعيك الناس؛ لأن من الناس من هو متهور في تصرفاته، يخبط باليمين وباليسار، ولا يدع مشكلة إلا ويدخل فيها ويتوسع على غير إمكانياته، حتى يوقع نفسه فيعيش طوال حياته مديوناً، ويوقع من بعده في قضاء الديون، ويوقع نفسه هو في الحبس في القبر عن النعيم، والعيش في العذاب بسبب الديون، وكان في إمكانه لو كان عاقلاً وحكيماً أن يعيش في اعتدال وتدبير بحيث يتوسع وفق الإمكانيات، لا يتوسع أكثر مما معه، إذا كان عنده إمكانيات والله وسع عليه، فلا مانع من التوسع في الحلال {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] . ليس من حقك أن تستدين على حساب غيرك، فهذا لا ينبغي، ولهذا جاء في الحديث أن من ضمن الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: (عائل مستكبر) . أي: فقير ويتكبر بحق الناس، ودائماً لا تراه إلا يتوسع في كل شيء، السيارات كل سنة يقوم بتغييرها، والبيت يغيره كل سنة، الموكيت من الدرج إلى الحمامات، وكذلك المجلس يغير فراشه الوثير، ويغير ذهب المرأة، يبيع الأول ويشتري بدلاً منه بزيادة أموال يدفعها من أجل أن تقول: الله يطيل في عمرك يا أبا فلان! وتظل تنفخه بهذه الدعاوي الكاذبة، من أجل أن توقعه في الديون، وإذا ذهب إلى القبر قالت: الله يلهب عظامك، من الذي قال لك تفعل كذا، وهو الذي كان يضعها في موكيتات وثلاجات وذهب وملابس، لكن لما مات ما اهتمت به؛ لأنه لم يرحم نفسه حتى ترحمه امرأته، وما رباها على الإيمان والدين، ولا ربها على الاقتصاد والتدبير، وإنما ربها على التصرف الغير لائق. وبعد ذلك ليس عنده شيء، ماذا يفعل يذهب ويستدين، إما أن يستقرض من البنوك بأرباح ربوية فيهلك نفسه في الدنيا والآخرة، وأما أن يذهب فيأخذ له ألف كيس أرز، سعر الكيس الأرز مائة وخمسون ريالاً، ويبيع الكيس بمائة ريال، يعني: اشترى ألفاً بمائة وخمسين ألفاً سجلت كديون عليه، وباعها بمائة ألف، وأخذ مائة ألف ريال في يده، وقال: يا شيخ! الآن نتصرف وكل شيء يهون والقضاء من الرواتب، وصار مديوناً بمائة وخمسين ألفاً، يرهن فيها بيته أو مزرعته وبعضهم -والعياذ بالله- لو جاز أن يرهن أولاده لرهنهم، ويأخذ المائة ويذهب يشتري بها سيارة، قال: والله أنا أريد (جمس) من أجل أن يوسع على عياله، يتوسعون لا مانع لو كان عندك شيء، لكن لماذا توسع على العيال وتصبح مديوناً، امش على رجلك، صبرك على نفسك ولا صبر الناس عليك. بعضهم يستدين ليأخذ أهله في عطلة الربيع، شخص قال لي: إنه ذهب في عطلة الربيع وخسر في جدة أكثر من خمسة وعشرين ألفاً، أخذ بيتاً لوحده، أجرته باليوم ألف ريال، استأجرها مدة أربعة عشر يوماً بأربعة عشر ألفاً، على شاطئ البحر يقول: من أجل الأولاد يفرحون، قلت: من أين الأموال؟ قال: والله دين أتينا بها من هنا ومن هنا ويفرجها ربك، أربعة عشر ألفاً، وأحد عشر ألفاً هذه قيمة الأكل، بعض الليالي لا يتعشى هو وعياله إلا بخمسمائة (طلب خاص) وهو جالس بالشقة، يتصل بأرقى المطاعم، يقول: هاتوا لنا عشاء، متى؟ الساعة الثانية عشر ليلاً، يتعشى وبعد العشاء ينامون إلى الظهر، فلا يصلون الفجر ولا الظهر ولا العصر، وليس معهم شيء. راتبه في المرتبة الثامنة، أظن راتبه ستة أو سبعة آلاف ريال، لا تعمل له شيئاً، وبعد ذلك البيت الذي يسكنه ليس له وإنما بالإيجار، والديون وراء ظهره. هذا -يا إخواني- سفيه، إي نعم. سفيه في تصرفه وفي طريقة حياته، لا توقع نفسك في الدين، مد أرجلك على قدر فراشك، إن كان فراشك طويلاً فتمدد، وإن كان فراشك قصيراً فتكفكف؛ لأنك إذا مددتها بردت، أو تأتي عقرب فتلسعها، أو يأتي ثعبان يلتقمها، فالإنسان يبقى مستوراً في دائرة دخله، وإذا منّ الله عليك بالرزق ووسع عليك تبني لعيالك بيتاً واسعاً، لا مانع من هذا، وتفرش فراشاً طيباً من الحلال لا مانع، بدون ديون، المهم الدين، نم وأنت ليس عليك دين، والله لو نمت في عريش، ولو لبست كيساً، وخرقت له من يدك ورجلك ورقبتك، والله لا أحد يقول لك شيئاً، وعلى ذلك تنام وأنت آمن قرير العين، ولو مشيت حافياً، لكن لو تمشي في سيارتك، وتسكن في فلة وملابس وأنت مديون ملاحق ما الفائدة؟ بعض الناس لا يفصل الثوب إلا بستمائة أو بسبعمائة، والحذاء يشتريه بثلاثمائة (إيطالي) بإمكانه أن يأخذ بالثلاثمائة عشرة أنواع من الأحذية تكفيه إلى أن يموت، لكن سوء التدبير -والعياذ بالله- يوقع الناس في مثل هذه المعضلات، فيهلكون أنفسهم في الدنيا، ويثقلون على أولادهم بعد موتهم، ويحرمون أنفسهم من نعيم الجنة، ويوقعون أنفسهم في عذاب النار بسبب هذه التصرفات الغير مسئولة، والغير معقولة ولا مقبولة.

وجوب الاحتراز من الوقوع في الدين

وجوب الاحتراز من الوقوع في الدين أنت الآن رجل، وكلكم بفضل الله شباب، ومن تجاوز مرحلة الشباب يجب أن يستفيد من هذه التجارب، ليس ضرورياً كلما استلمت راتبك ذهبت وقلت: سوف أتعشى هذه الليلة في أسفل العقبة، أريد أن أتعشى تيساً حنيذاً بأربعمائة أو خمسمائة، لماذا؟ لماذا تتعشى بثلاثمائة أو أربعمائة في المطعم؟ لماذا تتعشى أنت وزملاؤك بستمائة أو بسبعمائة؟ لماذا لا تأخذ التيس بثلاثمائة؟ من السوق وتذهب به إلى أهلك وتضعه في ثلاجتك يأكلون منه شهراً، ويدعون لك، أما أن تأكل أنت والناس وهي وجبة، وتضع فيها تيساً فلا. ولكن ضع علبة عصير وحلوى بنصف ريال وانتهى، والتيس الذي أكلته سيخرج، ولكن بصعوبة، كما يقول ابن القيم رحمه الله: كلما أكلت طعاماً بسعر مرتفع يكون الخراج خسيساً، لا. بل استفد من التجارب، وحاول أن تقتصد في إنفاقك، ولا تتصرف ولا تنفق ريالاً إلا في الوجه الشرعي. باختصار: وفر، وبعد ذلك إذا زاد شيء أنفقه في أمور الآخرة، بدلاً من أن تتعشى بثلاثمائة ريال، تعشى في بيتك والثلاثمائة هذه قم بإرسالها للإخوان المجاهدين، تطعم بها مائة مجاهد، هذا أفضل أم لا؟ والله أفضل، لكن ما أكرمنا على بطوننا وما أبخلنا في وجوه الخير، أما على البطون ما شاء الله، ترى بعض الناس يذبح ثلاثة أو أربعة كباش ويجمعها وبعد ذلك يرميها، وإذا قيل له: تبرع بعشرة من الريالات، وهذه الثلاثة أو الأربعة الخرفان ليست لله، يقول: الزاد للعيون، أي: للرياء والنفاق والكذب، لا. العيون لا تأكل، وإنما الزاد للبطون، ضع للضيف بقدر حاجته، لا تزد فوق حاجته، فإنك إن زدت فقد أسرفت، وإن أنقصت فقد بخلت، والإسراف والبخل ممقوت، وطريق الشرع الكرم وهو: إعطاء الضيف ما يكفيه، أما أن تعطيه أكثر مما يكفيه، فهذا إسراف، والله يقول: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء:29] . وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] فما يشهده الناس اليوم شيء -والله- يحزن، لا يوجد شخص مستريح، لماذا؟ لأن طموحات الناس وأهدافهم لم تتوقف عند حد، وإنما كل شخص يبحث عن الآخر، يعني: تطاحن وتسابق من أجل التوسع في الدنيا، حتى ولو عن طريق الحرام، تجد الموظف يؤخر المعاملات ويطلب إضافات لماذا؟ يريد أن يقابل زيادة المصاريف، تجده يتحايل على النظام ويريد أي مهمة، يترك المعاملات ويريد انتداباً، ولو كان إضافات في يوم قال: لا أستطيع أن أنتهي منه في يوم، هذه مهمة طويلة وعريضة تحتاج وتحتاج، ويأخذ عليها أسبوعاً، وبعد ذلك يقضيها في يوم ويذهب لينام مع امرأته ستة أيام، ويقدم بياناً بالانتداب ووثيقة المهمة، ويأخذ أجرة سبعة أيام حراماً، المهمة تحتاج إلى يوم إن كان صادقاً، لماذا تأخذ حراماً؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! فهذه -أيها الأخوة- أسباب توسع الناس في الدين، وينبغي أن نقابل هذه الأسباب بالرفق، وأن نتوسع في حاجياتنا وفي أمور معيشتنا على قدر إمكانياتنا، فمن وسع الله عليه فليوسع على نفسه وأطفاله في دائرة الحلال، وبغير إسراف ولا تبذير؛ لأن الإسراف والتبذير نهى عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كنت تتوضأ من البحر، البحر لا ينقص من وضوئك، لكن الإسلام يربي فينا الاقتصاد والتدبير، ولا يربي فينا الإسراف أبداً ولا التبذير؛ لأن الإسراف والتبذير من أخلاق الشياطين {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:27] أما المؤمن مقتصد، ينفق على قدر ما ينبغي، يلبس ثوباً لا مانع، لكن يلبس ثوباً بثلاثين، بأربعين، بستين، بمائة لا مانع، أما أن يلبس ثوباً بستمائة فلا، يلبس أحذية بعشرين بأربعين لا مانع، لكن لماذا بثلاثمائة؟ لا. عليك أن تقتصد في حدودٍ معينة، والباقي إذا كان عندك زيادة أنفقها لمن يحتاجها، وإذا لم يكن عندك شيء فتبقى في دائرة حاجتك، هذا هو الأمر الأول الذي يعذب الإنسان ويحبس عن الجنة بسببه وهو الدين. وبعد ذلك فالدين كما يقول العلماء: الدين هم بالليل ومذلة بالنهار، تلاحظ المدين يتقلب في الليل وهو يحسب الدين الذي عليه، وإذا خرج بالنهار تراه يتشرد كلما رأى صاحب الدين، أبعد السيارة منه، وهرب، لماذا؟ قال: والله لا أستطيع أن أخرج إلى السوق، لماذا؟ قال: والله كل واحد يطلبني، وإذا أمسكوا به أوصلوه إلى الحقوق المدنية وأتوا به إلى السجن وقالوا: هات الأموال أو اقعد في السجن، قال: من فضلكم أمهلوني أبحث لي عن كفيل مذلة. وأتوه بجندي يسحبه، ذهب إلى هذا قال: اكفلني. قال: والله لا أستطيع أن أكفلك أنا موظف والكفالة لا يقبلونها، ذهب إلى ذلك قال: والله لا أستطيع، صحيح إني أعرفك وبيني وبينك صداقة، لكن افرض أنك غداً لم تسدد فإنهم سيجعلونني في مكانك، لا والله أنت تبقى مكانك، لم يقل لك أحد أن توقع نفسك، وتريد أن تضعني مكانك، الكفالة ندامة الآن وفيما بعد، اتركني وإياك على ما كنا عليه، وإذا أنا غداً مكانك وإذا بك تكرهني وأكرهك، أنا الآن أحبك وتحبني لكن من بعيد! لماذا تورط الناس؟ لماذا تظل تحرج الناس؟ من أجل أغراض زوجتك ومطالب أبنائك وتوسعاتك على الديون؟ لا. لا تتوسع ولا تحاول أن تشتري شيئاً، إذا كنت تريد أن تشتري سيارة فاشتر سيارة بالأموال التي معك، معك ثمانية آلاف خذ موديل (81) ، أو (80) أو (79) ، أو أي (موديل) ، ما دام أنها صالحة فخذها، لكن بعض الناس يكون معه (8000) ريال وقال: والله أريد (89) ، وذهب ليشتريها وأتى بشخص يكفله في (40000) ريال، وظل يثقل كاهله هذا الدين سنوات طوال، وكلها سواء، (موديل تسعة وثمانين) (وموديل ثمانين) كلها صالحة للسير في الأرض، لكن ضحكوا علينا (بالموديلات) وإلا كلها سواء، بل القديم أحسن من الجديد، وإذا خربت في القديم قطعة بدل قطعة بقطعة، إذا كنت لا تريد أن تبدل السيارة كلها، إذا كانت (الفرامل) لا تمسك بدل لها (قماشاً) بثمانين ريالاً، إذا احترقت (طرنبة) البنزين بدل لها (طرنبة) بمائة ريال، إذا (المكينة) تلفت اعمل لها إصلاحات بألف وخمسمائة ريال، لماذا تغير الجرم والهيكل كله، قال: والله يا أخي (موديل 89) ممتازة جداً، ما هي علامة الجودة؟ قال: (الطيس تولع) ، وقال: وفيها مرايات في الجنب، (واصطبات) أمام السيارة فهذا شيء عظيم، ذهب يطمئن نفسه أنه سيجمع خمسين أو ستين ألفاً من أجل المرايات و (طيس) السيارة خطين، وبعد ذلك من أعلمهم بأن عقولنا خفيفة وطائشة، ليست ثابتة وقوية، سيضحكون علينا حتى بالألوان بالخطوط، أي: (موديل 88) وضعوا خطين أصفر وأحمر، جاءت (89) وضعوا خطوط جديدة، وهي هي نفس السيارة، فيذهب يبيع سيارته التي فيها خط أحمر وأصفر ويأخذ سيارة بخيط أخس لكن (89) ، إذا عندك استمارة لا تقرأها (88) ، اقرأها (90) ، إذا عندك استمارة سيارة وموديلها (85) اقرأها (90) والرقم واحد فقط لا تغير في الاستمارة من أجل لا تصير مخالفة مرورية، لكن إذا أتيت تقرأها اجعلها (1995) ، هذا السبب الأول.

حرمة النياحة على الميت

حرمة النياحة على الميت السبب الثاني في هذه الحلقة وقد سبقه أسباب: بكاء أهل الميت على الميت يعذبُ به في قبره، روى الإمام البخاري قال: عندما طعن عمر بن الخطاب دخل عليه صهيب يبكي، يقول: وآخاه واصاحباه. وكان مصاب المسلمين في عمر مصاب جلل؛ لأن عمر ليس ككل الرجال، عمر رضي الله عنه وأرضاه من طراز فريد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (إن يكن في أمتي محدثون فهو عمر) كان يقترح على الرسول الله صلى الله عليه وسلم الاقتراح فلا يوافقه الرسول وإنما يوافقه القرآن، الاقتراح يأتي من عمر والموافقة تأتي من الله. في غزوة بدر عندما الرسول صلى الله عليه وسلم استشار الصحابة في قضية الأسرى ماذا يفعل بهم؟ أبو بكر قال: [يا رسول الله! أبناؤك وأبناء عمك] إخوانك كيف نفتدي بهم؟ أسرى بدر من الكفار، وسأل عمر، فقال: [يا عمر! ما رأيك فيهم؟ قال: أعداؤك وأعداء دينك، أخرجوك وقاتلوك، اقطع رقابهم يا رسول الله!] فالرسول صلى الله عليه وسلم رحيم بالأمة، لم يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما وأسهلهما، فاختار رأي أبي بكر، وقبل منهم المنّ فمنهم من أعتقهم ومنهم من أخذ منه فدية، ومنهم من جعل فداءه تعليم القراءة والكتابة للصحابة، وبعد ذلك نزل قول الله عز وجل تأييداً لرأي عمر، وقال الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال:67] وبعد ذلك يقول: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:68] قال صلى الله عليه وسلم: (لو نزلت نار من السماء لأحرق الله أهل هذا الوادي إلا عمر) . هذا عمر فاروق الإسلام، كان إسلامه نصراً، وهجرته فتحاً، وإمارته رحمة، يقول: [والله لو عثرت شاة في العراق لكنت مسئولاً عنها يوم القيامة لما لم تمهد لها الطريق] . وكان يطوف في الليل، لم يكن عمر ينام في الليل أبداً حتى قالوا له -رضي الله عنه-: [نجعل لك فراشاًُ -وهو أمير المؤمنين- قال: لا. لا أريد فراشاً، قالوا: لتستريح فيه وتنام، قال: لا. إن نمت في الليل ضيعت نفسي، وإن نمت في النهار ضيعت رعيتي، ما لي وللنوم] يقول: ليس هناك نوم، فكان يجلس تحت ظل شجرة أو ظل جدار وهو أمير المؤمنين، وثيابه مرقعة ومعه ثوب فيه ثلاث عشرة رقعة، ولما خطب يوم الجمعة، صعد وهو يلبس ثوبين، وقال: [اسمعوا وأطيعوا، فقام أعرابي وقال: والله لا نسمعك ولا نطيعك، قال: لمَ؟ قال: عليك ثوبين، ونحن ليس لنا إلا ثوباً واحداً، قال: أين عبد الله بن عمر؟ قال: هأنا يا أمير المؤمنين، قال: الثوب الذي عليّ أليس هو ثوبك؟ قال: نعم. والله إنه ثوبي وأعطيتك إياه، قال الأعرابي: أما الآن سمعاً وطاعة، ما دام أنه ثوب ولدك، فثوب ولدك لك] وأين نحن من عمر -يا إخوان- أين هذا الطراز؟ لا إله إلا الله! كان يطوف في الليل ولما مر في الليل وهو يتفقد أحوال المسلمين، سمع طفلاً يبكي، فحنَّ قلبه ورق له، ذهب ورجع وإذا به يبكي، فدق الباب على أمه قال: أسكتي غلامك فإنك أم سوء -يقول: أسكتيه وأرضعيه- قالت: كيف أسكته وعمر يعطي خراجاً لمن يفطم، فأنا فطمته من أجل أن يعطينا خراجاً من بيت المسلمين، فرجع إلى البيت، يقول عبد الرحمن بن عبد الله: والله ما عرفنا قراءته في صلاة الفجر من كثرة البكاء والنحيب، وهو يقول: ماذا تقول لربك يا عمر غداً. قتلت أولاد المسلمين؟ فما الذي جعل قلب عمر يكون في هذه الدرجة من الرقة والرحمة رغم أنه في الجاهلية قتل ابنته وهي حية، وكان يعبد الحجر، إنه الإيمان والإسلام يكشف عن المواهب، يجعل الحياة تتغير في كل شيء، لماذا؟ آمنوا بالله {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23] آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، هذا عمر رضي الله عنه لما أصيب. وطعن، دخل عليه صهيب الرومي وهو يبكي ويقول: [واصاحباه وآخاه، فقال عمر: يا صهيب! أتبكي عليّ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه] فسكت صهيب ولم يبك.

أقوال أهل العلم في حقيقة تعذيب الميت ببكاء أهله

أقوال أهل العلم في حقيقة تعذيب الميت ببكاء أهله كيف يعذب الإنسان في قبره والله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] ؟ لِمَ يعذب الله الإنسان في قبره؟ وما نوع هذا العذاب والله عدل؟ وكيف يؤاخذ في قبره بأطفال آخرين بعده في الدنيا بكوا عليه وهو لا يدري وليس براضٍ، كيف يكون هذا؟ اختلف أهل العلم في الجواب على هذا السؤال على عدة أقوال: فبوب البخاري رحمه الله صاحب الصحيح وقال: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه) قال: إذا كان النوح من سنة الميت، وهديه، وطريقة تعايشه، عندما كان حياً كان يعلم أبناءه النوح، ويسن لهم هذا النوح، ويأمرهم بالنوح، ثم مات فإنه يعذب ببعض بكاء أهله؛ لأن بعض البكاء لا يعذب الله عليه، البكاء الذي يخرج عن طريق الرحمة البشرية، العين تدمع، والقلب يحزن، ولا يقول الإنسان إلا ما يرضي الله، هذا لا يعذب الله عليه، لكن البكاء الذي يعذب الله عليه الذي فيه نوح، والنوح مأخوذ من نوح الحمام، والحمام إذا ناحت تصدر لها صوتَ هديلٍ وأنين، فالنياحة هي: إطلاق الأصوات على سبيل التضجر والتبرم والتسخط، وعدم الرضا بقضاء الله وقدره، فيعذب الإنسان بمثل هذا. أما البكاء الآخر الذي مصدره الرحمة والعاطفة بدون تسخط -الإنسان بشر يتأثر بكل الأحداث التي تحيط به- فهذا قد أباحه الشرع وفعله النبي صلى الله عليه وسلم، حينما مات ابنه إبراهيم نزلت دمعتان من عينه وقال: (إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) فهنا قيد البخاري رحمه الله هذا الموضوع بكونه إذا كان النوح من سنته؛ لأن الله يقول: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] أي: علموا أنفسكم وأهليكم من بعدكم ألا ينوحوا عليكم، ولا يبكوا حتى لا يكونوا سبباً في عذابكم. وممن ذهب إلى هذا الرأي الإمام الترمذي رحمه الله، فإنه روى حديث عمر، هذا الحديث الذي في صحيح البخاري: (إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله) ثم قال: قال: أبو عيسى هذا حديث صحيح. وقد كره قوم من أهل العلم البكاء على الميت قالوا: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وذهبوا إلى هذا الحديث. وقال ابن المبارك: (أرجو إن كان ينهاهم عن البكاء عليه في حياته ألا يكون عليه من ذلك شيء) أي: قيدوا العذاب بمن رضي أو سن أو علم، أما من لم يرض ونبه على أهله، وقال لهم: لا تبكوا عليّ إذا مت ولا تنوحوا، فإنه إن شاء الله لا يعذب في قبره. وهذا الفقه للحديث هو مذهب الإمام القرطبي رحمه الله فإنه قال: قال بعض العلماء: إنما يعذب الميت ببعض البكاء إذا كان البكاء بتوصية الميت واختياره، كما كان يقول في الجاهلية: إذا أنا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي عليّ الجيب يا ابنة معبد يوصي زوجته، يقول: إذا أنا مت، فابكي عليّ بما أنا أهله، وأيضاً شقي عليّ الجيب يا ابنة فلان، ونسبها إلى أبيها من أجل أن تزداد بكاءً عليه، وكان هذا من شأنهم في الجاهلية. والنوح من عادات الجاهليين، من كان يحبه ولده أكثر ينوح عليه أكثر, وكانوا يستأجرون النائحات، وهن نساء عملهن النياحة ويسمونها نائحة. والنائحة تبعث يوم القيامة ولها سربال من جرب ودرع من قطران -والعياذ بالله- ما لم تتب، كانوا يعطون النائحة أموالاً، ويجعلونها تنوح من شروق الشمس إلى أن تغرب، وبعد ذلك ليست واحدة وإنما يأتون بعشر نسوة أو أكثر لغرض النياحة، كلما كان الرجل عظيماً جاءوا له بنائحات أكثر، وتستمر النياحة يومين وثلاثة وبعضهم شهراً, أو شهرين أو سنة تنوح -والعياذ بالله- بحسب منزلة الإنسان، ثم جاء الإسلام فألغى هذا كله، وبين أن هذا حرام؛ لأنه يتنافى مع مبدأ الرضا بالقضاء والقدر، والتسليم لأمر الله عز وجل، فإن الآمر بالموت هو الله، والذي ارتضى الموت هو الله، والعبد ينبغي له أن يسلم ويستسلم لأمر الله عز وجل وشرعه ودينه. إن النوح ولطم الخدود وشق الجيوب من عمل أهل الجاهلية، وكانوا يوصون أهاليهم بالبكاء عليهم، وإشاعة نعيهم في الأنحاء، وكان ذلك مشهوراً في أخلاقهم ومذاهبهم، وموجوداً في أشعارهم وقصصهم. ولكن العلامة ابن القيم رحمه الله تعرض لهذا الموضوع بشيء من التفصيل أكثر. أولاً: ضعف مذهب البخاري، والقرطبي والترمذي، ومن سلك في مسلكهم في فقه هذه الأحاديث، وقال: قد أنكر ذلك طوائف من السلف والخلف، واعتقدوا أن ذلك من باب تعذيب الإنسان بذنب غيره، وهو مخالف لقول الله عز وجل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] ثم تنوعت طرقهم في تأويل وشرح هذه الأحاديث الصحيحة، حديث البخاري صحيح ليس فيه كلام: (إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله) كيف؟ فمنهم من غلَّط الرواة، ومنهم من شكك في الرواية، وشكك في السند، وهذا مردود، ومنهم من حمل ذلك على ما إذا كان من عاداتهم وسنتهم ووصيتهم، فإنه يعذب على ترك نهيه لهم، وهو اختيار أبو البركات ابن تيمية جد شيخ الإسلام، وهذا الأقوال ضعيفة جداً. هذا كلام ابن تيمية، ولكن الصحيح أن يقال -اسمعوا التفصيل-: إن الميت يعذب ولم يقل بالحديث إن الميت يعاقب -انتبهوا في التفريق؛ لأن العقوبة ماذا تكون نتيجتها؟ نتيجتها سلوك ارتكبه الإنسان، فهو يعاقب جزاءً وفاقاً لما ارتكب، لكن الحديث لم يقل: إن الميت ليعاقب في قبره، قال الحديث: (إن الميت ليعذب) والعذاب أعم وأشمل من العقاب، فإن العذاب ألم، وليس كل من تألم بسبب كان ذلك عقاباً له، ليس بالضروري أنك إذا تألمت بشيء أن يكون عقاباً لك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السفر قطعة من العذاب) هل السفر عقوبة لك؟ عندما تسافر من هنا إلى مكة هل هو عقوبة لك؟ لا. أنت سافرت باختيارك، لكن نالك أثناء السفر راحة أو عذاب؟ عذاب كونك سافرت وركبت ووقفت وجئت، فالسفر قطعة من العذاب؛ لأنه يمنع الراحة والنوم والأكل والشرب، ويعرضك للموت، ويعرضك للحوادث، فهو عذاب، لكن هل هو عقوبة؟ لا. فليس كل عذاب عقوبة. والإنسان يعذب بأشياء مكروهة يشعر بها، وهي ليست عقوبة عليه، مثل: الأصوات الهائلة، عندما تنام في الليل وتسمع أصواتاً في الشوارع، أو في بيتك، ألست تتأذى بها؟ تتأذى وتتعذب، لكن هل هي عقوبة لك؛ لأنك فعلت شيئاً؟ لا. فأنت تأذيت وعذبت بشيء لم تكن سبباً فيه، وليس عقوبة عليك، أحياناً تصلي في المسجد بجانب شخص يصلي بجوارك وقد أكل ثوماً أو بصلاً أليس يؤذيك؟ يؤذيك لا شك؛ لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، آذى الملائكة بأكله للبصل والثوم ومجيئه للصلاة بجوارك، هذا آذاك وعذبك أثناء صلاتك بالروائح الكريهة، لكنه ليس بعقوبة، وما عملت شيئاً حتى يعاقبك بهذا الفعل، فليس كل عذاب يجب أن يكون عقوبة لسلوك معين، لا. فإن الميت ليعذب، أي: يتأذى ولا يعاقب، يتألم ويتأذى، غير راضٍ لما يصنع من بعده؛ لأن هذا يخالف دين الله عز وجل، والإنسان في قبره يعذب ببعض كلام الناس، ويتألم برؤية بعضهم وبسماع كلامهم. ولذا أفتى أبو يعلى: بأن الموتى إذا عمل عندهم المعاصي فإنهم يتألمون بها، كما جاءت بذلك الآثار، فتعذبهم بعمل المعاصي عند قبورهم، كما تعذبهم بنياحة من ينوح عليهم، رغم أنها ليست بعقوبة يستحقونها، وهذا الفقه هو الذي صار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجاءت به الأدلة، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: [أغمي على عبد الله بن رواحة إغماءة في موته، فجعلت أخته تبكي -أخته عمرة - تقول: وا جبلاه، وا أخاه، تعدد صفاته، فلما أفاق قال لها: يا أختي! ما قلت شيئاً إلا قيل لي: أأنت كذلك؟] كلما قالوا: واجبلاه، قالوا له وهو في الإغماء: أنت كذلك؟ قالوا: فلما مات لم تبك عليه أخته، خوفاً من أن يعاقب، أو يسأل، أو يعذب في قبره ببعض الذي تبكي به عليه. بل إن المعنى ورد صريحاً في الحديث الصحيح الذي يرويه أبو موسى الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ميت يموت فيقوم باكيه فيقول: واجبلاه واسيداه، إلا وكل به ملكان ينهزانه أهكذا كنت؟) رواه الترمذي والحاكم وصححه. وينبغي أن ينبه إلى أنه ليس كل من مات وبكي عليه يعذب، وإنما يعذب بالنياحة التي ورد النهي عنها في شرع الله، أما البكاء الذي يصدر من غير صياح ولا عويل ولا نياحة، فإن ذلك من شأن طبيعة البشر، ولا شيء فيه إن شاء الله. ونسأل الله الذي لا إله إلا هو! أن ينجينا وإياكم جميعاً من عذاب القبر والحشر والنار وأن يحفظنا وإياكم بطاعته في الدنيا والآخرة، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله صحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

بر الآباء بتلبية طلباتهم

بر الآباء بتلبية طلباتهم Q إذا كان والدي يصر على أن يعمل أعمالاً تسبب له التعب، مثل رعي الغنم، وهو ضعيف وغير قادر على ذلك، وأنا وإخوتي نحاول أن نجعله يرتاح ولكنه يرفض فهل نحن عاقون له؟ A إذا أرغمتموه على أن يجلس ويترك ما يريد هو ففي هذا عقوق، لا بد أن تعطوه ما يحب؛ لأنكم تريدون أن تطبعونه على عيشة ما عاشها. هو يحب أنه يخرج مع الغنم ويذهب في الجبال وفي الوديان، لا يريد العيشة في البيوت، بعض الآباء إذا أتيت به وجعلته في البيت وأتيت له بفراش كأنك حبسته أو سجنته، يقول: تريدني أن أقعد في البيت، آكل وأنام، دعني أسير في أرض الله، والآباء كانت طبيعة حياتهم هكذا، تركيبتهم أنهم يحبون الخلاء والذهاب والإياب، أما أن تريد الدار, تحسب أنت أن فيها راحة للناس، لا. راحة الناس في هواها، فإذا كان أبوك يريد أن يرعى أعطه الغنم ودعه يرعى، حتى يرتاح ويدعي لك، أما أن تسجنه، وتقول: الله يطول عمرك يا أبي تعال، وتجعل له الفراش قامة، وتغلق عليه لا، هذا سجن، دعه على ما يريد. بعض الآباء حتى مجرد قضاء الحاجة لا يريد أن يقضيها في البيوت، إذا جاء من القرية ودخل إلى ولده في المدينة، وأراد أن يتوضأ، قال: تعال هذا الحمام، قال: لا. أرني الخلاء أريد الوادي، فيمشي له كيلو أو اثنين كيلو من أجل أن يقضي حاجته فيه، ولا يرضى بالحمام، ويضحك من الناس، يقول: هكذا أهل المدن الواحد يرجع من الخلاء يضعها في بيته؛ لأنهم ما تعودوا على هذه الأمور، فأنت لا تستطيع أن تقصر أباك وتسجنه وإنما خيره، قل: يا أبي نحن نريد راحتك، إن راحتك معنا في البيت، فإن وسعتك الأرض وإلا عيوننا، كل شيء لك، وإن راحتك مع الغنم، نأتي لك بغنم، وإن راحتك بالمزرعة، جعلنا لك مزرعة ومعك عامل يعاونك، المهم ابحثوا عن رضاه، وبعد ذلك لاحظوا أن الحركة تولد النشاط، والشيبان الذي يجلسون في البيوت بدون عمل ينهدمون بسرعة، ويصابون بعدة أمراض، لكن الشيبة الذي يبقى في عمل ورعي والبلاد، يعمر بإذن الله ويعيش إلى أن يأتيه أجله وهو قوي؛ لأنه يستخدم هذه الأجهزة، وبالتالي الجهاز المستخدم يكون دائماً صالح، أما الجهاز المعطل يخرب، لو وقفت سيارتك سنة وجئت تشغلها لا تشتغل، (البطارية مخبطة) والكفرات مبنشرة، لماذا؟ لأنك وقفتها، لكن لو شغلتها طول السنة لا تخرب.

كيفية الالتزام بالحجاب في البيت مع وجود إخوة الزوج

كيفية الالتزام بالحجاب في البيت مع وجود إخوة الزوج Q عندي إخوة كبار، ونحن في بيت واحد، وأرغب في الزواج، وزوجتي لا يحل لها أن ترى إخواني، والبيت صغير، فكيف أوفق بين طاعة والدي، وبين أن أحجب زوجتي عن إخواني، دلوني على أن أسدد وأقارب بين طاعة والدي، وتحجيب زوجتي؟ A ليس هناك خيارات بين أن تحجب أو تطيع، لا بد أن تطيع والدك، ولا بد أن تحجب زوجتك. وأما كيف؟ فهذا من أبسط الأشياء، ولو كان البيت ضيقاً، فإن بيوت المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ليست كلها وسيعة ومع هذا ما وجدوا حرجاً ولا مشقة في تحجيبهم لنسائهم، ولكن الحرج يوجد حينما يخرب القلب، وتكون طاعة الله ثقيلة على النفس، وأمر الله عز وجل صعب التطبيق، أما المؤمنون فلا، لو كانوا كلهم أسرة وفي غرفة واحدة يستطيعوا أن يقيموا أمر الله عز وجل. فنقول لك: اتق الله في نفسك، وأيضاً أشعر والدك قبل أن تتزوج بأنه منهج ودين يفرض عليك أن تحجب أهلك، وبالتالي تعلم إخوانك وتأتي بامرأتك في بيتكم الصغير، وسيكون لك غرفة، ففي غرفتك لا تتحجب، إذا خرجت من غرفتك إلى المطبخ ويوجد أحد في الطريق تتحجب، وليس هناك إشكال؛ لأنه لا ضرورة أن يقعد إخوانك في البيت طول اليوم، إخوانك كلهم في عملهم، وبمجرد أن يدخلوا توجد إشارة أنه فلان دخل، من حين يدخل تغطي وجهها إلى أن يذهب إلى غرفته، أو يمر يريد يتوضأ، يتنحنح أو شيء ليس فيه كلفة يا إخوان! طاعة الله ليست كلفة، بل المعصية التي فيها الكلفة، وبعض الناس تضيق نفسه بهذا الأمر يقول: ماذا أصنع في الأكل؟ نضع هنا سفرة وهنا سفرة، ولا نسمر سوياً، نقول: نعم هذا دين الله إن أردت الجنة، أو تريد أن تكشف وتسمرون وتنبسطون لكن بعدها لذعة، والله لا تصبر في النار لحظة، لحظة واحدة على عذاب الله، فيا أخي! اصبر على طاعة الله قليلاً، يكون رضى الله عز وجل ثمرتك في الدنيا والآخرة.

حكم مداعبة الزوجة في نهار رمضان

حكم مداعبة الزوجة في نهار رمضان Q ما حكم من يعمل مع زوجته كل شيء إلا النكاح وهو صائم في نهار رمضان؟ A الصوم يمنع المسلم من الطعام والشراب والنكاح، وما أفضى إلى النكاح فهو ممنوع؛ لأن ما أفضى إلى الحرام فهو حرام، ويكره جميع دواعيه من المباشرة للصائم مثل: القبلة والمداعبة، سواء كان يخشى على نفسه أو لا يخشى؛ وليس من العقل أن تقرب النار من البارود وتقول: لا تشتعلي، إذا قربت النار من البارود اشتعلت، خاصة إذا كنت شاباً، فتقول: لا. أنا أسلم وأنا سوف أمسك نفسي، لا. كن بعيداً عن المرأة، ونهار رمضان اثنا عشر ساعة أو ثلاثة عشر ساعة، ومعك والحمد لله إمكانية إذا أفطرت الله يعينك إلى أن يؤذن الفجر، لماذا تظل تضايق نفسك في الصباح. لكن ما الحكم إذا عمل الإنسان شيئاً كأن قبل أو داعب فأمنى، أي: خرج منه المني وهو: سائل لزج يخرج من الرجل، دفقاً بلذة وهو سر تكوين الولد، فهذا إذا فعله دون جماع، بل مجرد ملاعبة أو تقبيل وأمنى، فهذا قد أفسد صومه، وأثم وعليه التوبة والقضاء، ويتوب توبة صحيحة. وأما إذا داعب ولم يمنِ وإنما أمذى والمذي هو: سائل لزج يخرج من الرجل عند التفكير، لكن بغير لذة وبغير دفق، هذا حكمه في الشرع حكم البول، يفسد الصلاة، وينقض الوضوء، ويجب غسله من الثوب، ولكن إذا خرج منك وأنت صائم، ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه: أنه يفسد الصوم وعليه القضاء، ولكن الذي قرأت في كتب أهل العلم أنه لا يفسد الصوم، وإنما يوجب الإثم وينبغي منه التوبة، ولكن الصوم صحيح، هذا الذي يقرره العلماء، أما رأي شيخ الإسلام فقد رأيته بعيني، وقرأته في المجلد الثاني والعشرين أو الحادي والعشرين من فتاواه، وقد سئل: عن رجل أمذى وهو صائم بعد تقبيل؟ قال: عليه القضاء، ولكن لم يورد دليلاً.

جواز طلب الدعاء من الصالحين

جواز طلب الدعاء من الصالحين Q نرجو منكم في هذا الوقت المبارك وفي هذا المسجد والمجلس المبارك أن تدعوا لزميل لنا من حفظة كتاب الله عز وجل، ومن الشباب المؤمن الملتزم حصل له حادث مروري وهو الآن في إغماء من يوم الجمعة الماضية، وهو في غرفة العناية المركزة، لعل الله أن ينفعه بدعائكم ودعاء الصالحين في هذا المسجد. رسالة من أخ له في الله؟ A جزاك الله خيراً، وهذه مقتضى الأخوة، أنك تعيش مع أخيك وزميلك، ولو كان في مثل هذا الأمر، فتعاني وتطلب له الدعاء ونحن نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يكتب له الشفاء العاجل، وجميع مرضى المسلمين، فإن الله كريم ونسأله أن يستجيب دعاءنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

حكم الأكل من الثمار دون رضا أصحابها

حكم الأكل من الثمار دون رضا أصحابها Q ما حكم من يذهب ليلاً إلى مزارع الناس ليأكل الثمار، مع العلم أن أصحاب المزارع يمنعون من هذا؟ A الله لا يهينك، هذا يريد أن يأكل فاكهة بدون مقابل، وقد علمنا أنه لا أحد يرضى أن تأكل من مزرعته، الناس يزرعون وأنت تدخل المزرعة في الليل لتأكل الفواكه. يعني: قصده أن يمارس عليهم عقوبة، ما دام أنهم لايتصدقون ولا يهدون إذن آكل ثمرتهم. لا يجوز لك يا أخي! إنه حرام، وأي لحم نبت من سحت أو حرام فالنار أولى به (إن الرجل ليرفع اللقمة من حرام لا تقبل له صلاة أربعين نهاراً) ولو مت في تلك الأيام في ليلٍ أو نهارٍ تموت على غير الإسلام، انتبه! كيف بالذي يشبع من الحرام، تذهب لتعتدي على مزارع المسلمين وبساتينهم، وتقطف من ثمارهم وتذهب لتأكل. لماذا، بأي حق؟ تعلم أن الشجرة هذه لم تطلع بدون تعب، سنوات وهو يسقيها، وينتظر هذه الثمرة سنة كاملة، وهناك عمال وماء ورش ومبيدات ومهندسون، وأنت تقطف بدون مقابل، وتقول: هل هناك إثم؟ نعم. هناك إثم ونار وشنار وعار -والعياذ بالله- لا يجوز لك -يا أخي المسلم- اتق الله. أما كونهم لا يتصدقون ولا يهدون، فليس لك أن تعاقبهم، وإنما تحثهم على ذلك؛ ولأن هذا حقهم إن أهدوا فجزاهم الله خيراً، وإن تصدقوا جزاهم الله خيراً، أما أن تلزمهم أن يهدوا ويتصدقوا، وإلا تقوم بأكلها عليهم غصباً، هذا لا يجوز؛ فإنه حرام، إذا ارتكبوا هم خطيئة فقد ارتكبت أنت محرماً، يعني: كونه لا يهدي فليس بحرام، الأفضل أنه يهدي، وكونه لا يتصدق فليس بحرام، الأفضل أنه يتصدق، لكن أنت وقعت في جريمة، وهي كبيرة من كبائر الذنوب وهي السرقة، وأكل الحرام -والعياذ بالله-.

حكم الكافر الأصلي وغيره إذا مات

حكم الكافر الأصلي وغيره إذا مات Q ما حكم الذين لا يكفنون ولا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين جزاك الله خيراً؟ A الكافر من عُلم موته على الكفر، فهذا لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يوجه إلى القبلة، سواء كان هذا الكفر كفر ردة، أو كفر أصلي. الكفر الأصلي: أن يكون يهودياً أو نصرانياً أو مشركاً أو ملحداً أو كفر ردة: من يقع في عمل من أعمال الكفر يخرجه عن دين الله، مثل: ترك الصلاة، فإن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، موجب لسخط الله، يترتب عليه -والعياذ بالله- خروجه من الدين ويقتل مرتداً، لا يقتل قتل حد؛ لأن الشخص إذا قُتل حداً أو رجماً، أو أقيم عليه حد فإنه يغسل، ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين؛ لأنه مسلم، لكن إذا قتل ردة عن دين الله، وقيل له: صلِّ لمدة ثلاثة أيام ورفض، يقتل مرتداً عن دين الله، ولا يدفن ولا يغسل ولا يكفن ولا شيء. وكذلك إذا مات ولو لم يقتل، لو أن ولدك لا سمح الله -نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الذرية الصالحة- في بيتك وأنت تعلم علم اليقين أنه لا يصلي، وتمر عليه الأقوات ولا يعرف الله، ولا يتجه إلى قبلة، ولا يعرف مسجداً، ونصحته وأمرته وضربته، ومع ذلك قال لك: لن أصلي أبداًَ، فما موقفك منه؟ لا يجوز لك أن يبقى في بيتك؛ لأنه كافر، ولا يجوز أن تآكله وتشاربه وتؤويه؛ لأنه محدث في دين الله، ولا يجب أن تنفق عليه، بل عليك أن تبلغ به ولي الأمر، تذهب إلى المحكمة وتقدم فيه عريضة، وتقول: ولدي فلان لا يصلي، يأتي به القاضي ويقرره إن قال: لا. أنا يا شيخ أصلي، فترجعه معك وتأخذ عليه شهوداً بأنه يصلي، وتراقب أداءه، وإن قال: لا. أنا لا أصلي، فهناك يقام عليه الحد بعد أن يستتاب ثلاث مرات، فإن تاب وإلا قتل، وأما إذا مات -مثلاً- افرض أنك لم تشتك به، أو اشتكيته ولم يهتد، أو هرب منك وشرد عندما أخرجته وبقي فترة من الزمان، وأخيراً جاءك خبر أنه مات، فما موقفك؟ موقفك منه ألا تذهب لتصلي عليه، ولا تدع الناس يغسلونه، ولا تكفنه، ولا تدفنه في مقابر المسلمين، خذه إلى أي أرض ليس فيها قبور، وانظر له أي حفرة، واحفر له حفرة وضعه على وجهه، لكن تأتي به إلى القبلة وتقول: صلوا عليه لا يجوز لأنه كافر. وإذا فعلت شيئاً من ذلك فقد خنت المسلمين، وطلبت من المسلمين أن يشفعوا في كافر، وأن يصلوا على كافر، وأن يدعوا لكافر، وأن يضعوه بين المسلمين وهو كافر، ويوجهوه إلى القبلة وهو ليس من أهل القبلة، فهذه الأحكام تندرج على تارك الصلاة والعياذ بالله.

حكم من ذهب إلى الجهاد بدون إذن والديه

حكم من ذهب إلى الجهاد بدون إذن والديه Q ما رأيكم فيمن يذهب إلى أفغانستان للجهاد بدون إذن من والده أو والديه، ثم يتصل بهم من هناك ويخبرهم أنه في الجهاد، وهم لا يرضون ولا يأذنون له، وهو متزوج، وإذا قتل هل هو شهيد؟ A اختلف أهل العلم في حكم الجهاد الآن القائم في أفغانستان: هل هو فرض عين، أم فرض كفاية؟ فذهب مجموعة من العلماء إلى أنه فرض عين؛ لأنه اعتدي على أرض مسلمة، واستبيحت أعراض ودماء المسلمين في أرض مسلمة، فوجب على كل مسلم أن يهب لنصرتهم، وهذه من الأسباب الأربعة التي توجب الجهاد على كل إنسان. وقال بعض أهل العلم: إنه ليس فرض عين، لكنه فرض كفاية على عموم المسلمين، وفرض عين على المجاورين والموالين للجهاد، من أهل الجهاد من أهل أفغانستان ومن الديار المقاربة، واستدلوا على أنه يلزم من إلزام الناس بفرضية الجهاد العيني عليهم: إخلاء جميع مواقعهم في بقاع الأرض، وبهذا يضيع الإسلام؛ لأن الإسلام له ثغور، فإذا هب الناس كلهم وتركوا هذه المواقع ترتب على ذهابهم وترك مواقعهم ضرر للدين. فالقضية قضية خلافية، فنقول لمن ذهب: الأولى له أن يستأذن والديه، فإن أذنا له فهو أفضل له، وإن ذهب بدون إذن فنرجو الله أن يتقبل جهاده، وأن يثيبه، وألا يجعل عليه إثماً بسبب عدم إذن والديه. أما إذا مات في سبيل الله، فإنه إن شاء الله شهيد تزوج أو لم يتزوج، لا علاقة للشهادة بالنسبة للزواج، إن تزوج ومات في سبيل الله فهو شهيد، بحسب نيته؛ لأنه ليس كل واحد يموت يكون شهيداً، القضية لا زال فيها اختبارات، أول ما يقضى يوم القيامة في ثلاثة يوردون إلى النار: شهيد وعالم وجواد، أعمال ليس هناك أفضل منها، الشهادة أرفع الدرجات، والعلم وتعليمه للناس أرفع شيء، والإنفاق في سبيل الله من أرفع الأشياء، ولكن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: شهيد وعالم وجواد، فيؤتى بهم، ويعرفون بنعم الله عليهم، فيقال للأول: ماذا صنعت بنعم الله؟ قال: قاتلت فيك حتى قتلت، قال الله: كذبت، إنما صنعت ليقال فلان جريء. أي: شجاع، الغرض أن يمدحوك، يقولون: والله فلان بطل، وقد قيل، إذن لقيت هدفك، هدفك أن يقال وقد قيل، لكن لم تكن تقصد بهذا العمل وجه الله، اذهبوا به فيسحب على وجهه إلى النار. ثم يؤتى بالعالم، فيعرف بنعم الله عليه، ونعم الله عليه كثيرة جداً منها: أن الله علمه كيف يعلم الناس؟ من الذي علمك حتى تقصد بعملك غير وجه الله؟ {عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5] . فيعلم بها فيعرفها، فيقال له: ماذا صنعت؟ قال: علمت دينك وبلغته إلى الناس، قال: إنما فعلت ليقال فلان عالم، وقد قيل. قد أثنى عليك الناس، ومدحوك، وتحدثوا بك، وهذا ما كنت تقصده أنت ولقيته، لكن لم تعمل هذا لوجه الله، اذهبوا به فيذهب به إلى النار. ثم يؤتى بالثالث فيقال له بعد أن يعرف بنعم الله عليه فيقال له: ماذا صنعت في الدنيا والمال؟ قال: ما من سبيل من سبل الخير إلا أنفقت فيه، فيقول الله له: كذبت. إنما فعلت ليقال فلان جواد -أي: الكريم- وقد قيل اذهبوا به إلى النار. فليس كل من مات في سبيل الله يعتبر شهيداً على الإطلاق، وإنما بعد معرفة نيته وهذا الشيء لله عز وجل، وكذلك ليس كل من علم الناس، واهتدى الناس على يديه يعتبر سعيداً، فإنه قد يهتدي آلاف على يد واحد وهو من أهل النار، أول رجل في النار يقال يوم القيامة -نعوذ بالله وإياكم- فهذا الحديث يقطع القلوب، (أنه يدور في النار كما يدور الحمار على الرحى، يجر اقتابه -أي: أمعاءه- فيرونه أهل الجنة، وهو في النار ماذا أتى بك إلى هنا؟ لم ندخل الجنة إلا بسببك، ما اهتدينا إلا بعلمك وتعليمك ووعظك وإرشادك، فيقال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وأقع فيه) ، كان يقول: الأغاني حرام وهو في الليل إذا جاء لينام قام ليغني، كان يقول: النظر حرام، وإذا رأى النساء نظر إليهن، كان يقول: الربا حرام، وأمواله في الربا، كان يقول: العقوق حرام وهو يعق، كان يقول: اعدلوا مع زوجاتكم وهو غير عادل، كان يقول: صلوا وهو لا يصلي، كان يقول: إن أعمال الناس ينتفعون بها، لكن هو لم ينتفع بها -والعياذ بالله- ولهذا عاب الله عز وجل على قوم قالوا هذا فقال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] أين عقولكم إن كانت لكم عقول؟ أتأمر الناس بالعمل للجنة وأنت تترك نفسك؟! لا حول ولا قوة إلا بالله!

حكم اللقطة في الشرع

حكم اللقطة في الشرع Q وجدت ابنتي قطعة من ذهب في طريق فأخذتها فماذا تفعل بها؟ A هذه القطعة التي أخذتها تسمى لقطة، واللقطة هذه لها حكم في الشرع، تُعرَّفُ سنة، ولا تحل إلا بعد سنة، وأنت لا تستطيع أن تعرفها فنقول لك: خذها وأوصلها إلى السوق وزنها، أو بعها وخذ ثمنها وتصدق بها على نية صاحبها، وأرسلها للمجاهدين الأفغان ليدافعوا بها إن شاء الله، ويقاتلوا أعداء الله عز وجل، ولك أجر وأيضاً لصاحبها الذي ضاعت منه أجر إن شاء الله.

حكم دخول المرأة على زوج أمها المطلقة منه

حكم دخول المرأة على زوج أمها المطلقة منه Q هل يجوز أن أكشف عن وجهي لزوج أمي سابقاً ولا أحتجب منه وذلك بعد أن طلقها؟ A نعم تكشفين عن وجهك؛ لأنه لا يجوز له أن يتزوج بك؛ لأن الله يقول: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] . فامرأة دخلت بأمها لا يجوز لك النكاح من جميع أولادها، أما إذا لم يدخل بها وإنما عقدت عليها فإنه يجوز، لأن البنات يحرمن بالدخول، أما الأمهات فيحرمن بالعقد، لو أنك الآن تزوجت بامرأة وعقدت عليها، ولكن لم تدخل بها حرمت عليك أمها، ولو طلقت هذه البنت قبل الدخول، فأمها حرام عليك، ولكن لو تزوجت بامرأة ولم تدخل بها وإنما عقدت ثم طلقتها قبل الدخول فإنه يجوز لك أن تتزوج ببنتها.

حكم جماع المرأة أثناء صيام التطوع

حكم جماع المرأة أثناء صيام التطوع Q أتيت زوجتي في بداية صيامها للست من شوال فهل عليَّ إثم؟ A لا. ليس عليك إثم؛ لأن المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر، ولكن كان الأفضل ألا تأتيها، ما دام أنها بدأت في الست، والست مطلوبة ومرغب فيها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (من صام رمضان وأتبعه ست من شوال فكأنما صام الدهر كله) والآن ليس عندنا فرصة.

حكم من نسي واجبا في الصلاة وهو مأموم

حكم من نسي واجباً في الصلاة وهو مأموم Q إذا نسيت واجباً في الصلاة فهل أسجد للسهو بعد أن يسلم الإمام، أم لا؟ A لا. إذا كنت مأموماً ونسيت واجباً، فإن الإمام يحمل عنك هذا الواجب، ولا يلزمك أن تسجد للسهو؛ لأنك مأموم (وإنما جعل الإمام ليؤتم به) . أما إذا نسي الإمام واجباً فإنه يسجد له، وماذا تفعل أنت؟ تسجد رغم أنك لم تنس؛ لأنك تابع، والتابع يتبع إمامه.

حسن معاملة الآباء والبر بهم والصبر عليهم

حسن معاملة الآباء والبر بهم والصبر عليهم Q كيف تكون معاملة الأب إذا كان بذيء اللسان؟ A الصبر، والمعاملة بالحسنى، وإذا كان بذيء اللسان فإنه ينبغي لك أن تكون باراً به، أما إذا كان طيباً لم يعد لك فضل عليه ولا منّة فهو أحسن منك. لكن متى يطلب منك البر مع الأب الذي هو بذيء اللسان، ولا يقنع بالمناصحة ولا بالكلام؟ عليك أن تصبر عليه، ولا تستثيره، لا تحاول أن تثير أباك بأي حال من الأحوال. شخص من الناس يحدثني بهذه القصة وهو ثقة، يقول: اختصم رجل وولده، والولد نجار وهو في صحة وعافية، ووالده أصبح ضعيفاً، يقول: فكان ذاك يهز ذراعه عليه، يقول: أنت وأنت ويأتي بيده يريد أن يفقأ عين أبيه، يقول: أنت تقول كذا وتقول كذا، ويقرب يده ووالده يبتعد عنه، ويوم أن انتهى قال: حسبي الله عليك، ويدخل الولد إلى مكان النجارة وهو نجار، يقول: والله ما مر نصف ساعة وإلا وقد بتر الله يده، قطع هذه اليد التي امتدت على الأب، بهذا الشكل، قطعها الله في الدنيا، ولا نعلم ما سيحدث له في الآخرة، لا حول ولا قوة إلا بالله!

الحجاب وضرورة المحافظة عليه

الحجاب وضرورة المحافظة عليه Q رجائي أن تجيب على هذا السؤال لأهميته، لأنني أريد أن أستخرج به شريطاً لحل مشكلتي: وهو أنني متزوج والحمد لله وزوجتي مطيعة وفقها الله، ولكن أنا ساكن في قرية يوجد فيها اختلاط، ولقد منعت أهلي جميعاً من ذلك الاختلاط، ولكن عمي -أي: والد زوجتي- يجبر زوجتي على ألا تحتجب من الرجال الأجانب، خصوصاً أبناء عمها، وهم يحلون لها، وقد منعتها وهي الآن محتارة بين أن تطيعني أو تطيع والدها، وهي تدعو على نفسها الآن بالموت؛ لتفر من هذا العذاب الذي يحيط بها، وكذلك أبي يريد أن أنفذ ما طلبه أبوها، فمنعتها من ذلك وهو الآن غضبان عليّ؟ A أولاً: لا يجوز لك يا أيها الأب! يا من رزقك الله عز وجل بنسيب صالح! يحفظ عرضك، ويحجب ابنتك، ويأمرها بطاعة الله، يجب أن تشد على يده وأن تعاونه وتقول: بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، أما أن تقف ضده وتقول: لا. لا تحجب المرأة، ودع الناس ينظرون إليها، هذا جزء من الدياثة -والعياذ بالله- حرام ولا يجوز لك، ما رأيك -والعياذ بالله- لو أن زوج ابنتك هذا فاجر، خبيث، أخذ ابنتك واستحلها بكلمة الله، وأمرها بالتبرج وارتكاب الحرام، بل ربما بعض الناس يرضى أن تحدث الدعارة في زوجته! ما رأيك، هل ترضى بهذا؟! لا ترضى إذا كان عندك إيمان ودين، فكيف وقد رزقك الله برجل صالح بار متدين يأمرها بالحجاب، يجب أن تعاونه، وأن تقول: بارك الله فيك، وكثر الله خيرك، وأنا معك. كذلك أنت يا والد الشاب! لا تطع الشيطان ولا تطع عم ولدك، بل اذهب إليه وكن أنت وولدك عوناً على والد الزوجة حتى تقنعوه؛ لأنه لا بد من الحجاب؛ لأن الحجاب وسيلة من وسائل حفظ الأعراض في الدنيا والآخرة.

نصيحة للآباء في العدل بين الأبناء

نصيحة للآباء في العدل بين الأبناء Q لي والد متزوج زوجة أخرى، وله منها أولاد، وفضلهم علينا كثيراً وظلمنا، وظلمه ظاهر لنا وظاهر للناس، ونحن نكرهه لهذا الظلم، فأرجو النصيحة للآباء بعدم الظلم؟ A أولاً: لا يجوز أن تفضل بعض أولادك على بعض، سواء كان أولادك من الزوجة الجديدة أو القديمة؛ لأن التفضيل هذا يوغر الصدور، ويسبب العقوق، ويوجب المشاكل، ويجعل الأولاد متناحرين متضاربين متخاصمين، وما أن تموت أنت حتى يتقاتلوا. لا يجوز، يا أخي! لا تسبب لنفسك مشكلة ولا لأولادك، عليك أن تكون كالميزان، والعدل حتى في كل شيء؛ لأن العدل مطلوب بين الزوجات، ومطلوب أيضاً بين أولاد الضرات؛ لأن المرأة تنظر إلى الولد بمثل ما تنظر إلى الزوجة الثانية، فإذا رأت الأب يعامل أولادها معاملة تختلف عن معاملة أولاده أولئك تأثرت هي وقالت: انظروا، وقامت تشكو الزوج وتغري أولادها، انظروا يحب تلك، ويعطي أولادها، ويكرهونه ويكرههم، وتصبح الحياة مشاكل. أما أنت إذا رأيت أباك ظالماً لك، فلا يجوز لك أن تكرهه، ولا أن تبغضه، ولا تعقه، حتى ولو كان ظالماً، فإن ظلمه لك لا يبرر لك معصيته، ظلمه لك الله يعاقبه عليه يوم القيامة، أما أنت ما هو واجبك؟ واجبك الطاعة، لا تتخذ من ظلمه لك أن تعاقبه بأن تعصيه، لا. أطعه؛ لأن الله يقول: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] والله أمر بمصاحبة الوالد الكافر بالمعروف، فكيف بالوالد المسلم ولو كان ظالماً، أو عاصياً، ومقصراً في حقوقكم؟ فإن الله عز وجل قال بعدها في الآية الكريمة قال: {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} [لقمان:15] أي: المرجع والحساب للمخطئ وللمصيب عندي، فلا تتخذ من خطئه مبرراً لكي تخطئ أنت.

حكم العيش بعيدا عن الوالدين لغير حاجة

حكم العيش بعيداً عن الوالدين لغير حاجة Q هل في دراستي في غير المكان الذي يسكن فيه والدي نوع من العقوق؟ A نعم. إذا كانت دراستك الجامعية متوفرة في البلد الذي يقيم فيه أهلك، واخترت أن تسافر إلى مكان ثان من أجل أن تفر من أبيك، فإن هذا عقوق، وعليك أن تدرس في المكان الذي فيه أبوك؛ لأن وجودك في المنطقة التي فيها أبوك ييسر له الإشراف عليك والطمأنينة عليك، وأيضاً يستفيد منك في خدمته وعمله، أما أن تشرد لتدرس من أجل أن تتخلص من رقابة أبيك، ومن قيوده وخدمته وتقول: أنا حر، وتأخذ هذه الدراسة ذريعة، فهذا عقوق ولا يجوز لك.

حكم استخدام الحناء للرجال

حكم استخدام الحناء للرجال Q ما حكم الحناء للرجال خصوصاً في القدمين من غير عذر؟ A الحناء مختص بالنساء؛ لأنه جزء من الزينة، والخضاب خاص بالمرأة، ولا يجوز للرجل أن يتخضب لا في اليدين ولا في القدمين؛ لأنه جزء من التشبه بالنساء، الذي يتشبه بالنساء هذا -والعياذ بالله- وردت فيه الأدلة بالتحريم، ولا يجوز لك أن تتشبه بالنساء، حتى ولو كانت الضرورة هذه قائمة، فبعضهم يقول: استخدمه للعلاج، يقول: في إصبعي هنا تشقق أو في رجلي، إذا كان للعلاج فليكن على قدر الحاجة، كأن يكون في يدك جرح، ضع حناء على الجرح، لكن إذا في رجلك جرح تضع على رجلك كلها، وبعضهم يعمل (قطاب) على رجله، أنا رأيت رجل (متقطب) مثل المرأة، وبعضهم يحني يديه كلها ماذا فيك؟ قال: والله في أصابعي تصلب، لا. وخاصة في زماننا هذا -والحمد لله- توفرت جميع وسائل العلاج، كان الحناء من قبل ولا توجد وسيلة إلا هو، والناس كانوا يتعبون ويعملون أعمال مهنية ويشقون على أنفسهم فتتقطع أيديهم، بالرغم من هذا لا يجوز لهم أن يتحنوا، الحناء للمرأة، لكن الآن يوجد (فازلين) ودهانات، وعدة وسائل لإبعاد الأذى دون الحاجة إلى الخضاب مطلقاً.

الدعاء والتصدق عن الوالدين من البر بهما

الدعاء والتصدق عن الوالدين من البر بهما Q إذا كان الابن عاقاً لوالديه عندما كانا على قيد الحياة، وبعد وفاتهما تاب إلى الله، فهل يعاقبه الله بسبب عقوقه لأبويه أثناء حياتهما؟ A نرجو الله ألا يعاقبه، عليه أن يتوب ويحسن التوبة، ويدعو لهم ويتصدق عليهم، وبعد ذلك بره بهما بعد موتهما أن يكون صالحاً، ويدعو لهما، حتى يعفو الله عز وجل عنه.

حكم شم البخور في نهار رمضان

حكم شمّ البخور في نهار رمضان Q حصل في يوم من رمضان أن دخلت البيت فوجدت البخور، أي: العود، بكثافة في المنزل، ثم قلت: إن البخور يفطر، ولا أدري هل هذا صحيح أم لا؟ علماً بأني طلعت من البيت مباشرة فهل يجب قضاء هذا اليوم؟ A يا أخي! لا يجب قضاء هذا اليوم، والبخور لا يفطر على الإطلاق، إذا كان موجوداً في البيت، إنما قال به بعض أهل العلم، وكرهوا أنه إذا أخذته أنت إلى أنفك وشممته، بحيث تصاعد أبخرته وأجزاؤه إلى داخل رأسك، أما إذا شميته في البيت أو أي مكان، أو المسجد أو الطريق، فهو عارض ولم تتعمد شمه بطريقة مباشرة من على المجمر فلا شيء عليك إن شاء الله.

حكم إغماض المصلي لعينيه، وحكم الصلاة إذا قطعها طفل

حكم إغماض المصلي لعينيه، وحكم الصلاة إذا قطعها طفل Q يقول: أشاهد كثيراً من الناس يصلون ويغمضون أعينهم، فهل يجوز لهم هذا؟ وهل إذا قطع صلاتي طفل يجب عليّ إعادتها؟ A أما قطع الصلاة فلا يجب عليك إعادتها، حتى لو قطع عليك شخص كبير، فإن الصلاة لا تبطل بمجرد قطعها، وإنما يأثم المار إذا كان هذا المار مكلف، أما الطفل الصغير فإنه لا يأثم ولا يقطع الصلاة، فإن الأطفال كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وإن الحسن والحسين كانا يرتحلان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولا يمنعه، وأطال مرة السجود صلى الله عليه وسلم وهو عليه، حتى كاد الصحابة يسبحون له، فلما انصرف من الصلاة قال: (إن ابني هذا ارتحلني وأنا ساجد فكرهت أن أضيق عليه) فاستمر صلى الله عليه وسلم حتى نزل الولد بنفسه، ما أعظم هذا الرسول صلى الله عليه وسلم! رحمة للعالمين، يقول: (ارتحلني) أي: ركب على ظهري، يقول: ما أحببت أن أنزله، لكن بعض الناس إذا جاء ولده وهو يصلي، صفعه، الله أكبر ما هذا الدين! فأغضب الولد وأيضاً تحرك في الصلاة، وفي نفس الوقت الولد يكره الصلاة، لأنها سببت له صفعة في وجهه، دع الولد يمشي -يا أخي- أو يطلع أو ينزل ليس هناك شيء إن شاء الله. أما تغميض العينين في الصلاة فكرهه بعض أهل العلم، ولكن الحديث الذي استند عليه في القراءة لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصواب أن يقول الإنسان كما قال ابن القيم رحمه الله: إن كان التفتيح لا يخل بالخشوع فالأولى ألا تغمض؛ لأن هذا من عمل اليهود، كانوا يغمضون في صلاتهم، وإن كان التغميض أنفع للخشوع كأن يكون أمامك شيء مزخرف، أو نافذة مفتوحة، أو جدار فيه لوحة إذا نظرت إليها ذهب الخشوع، فلا بأس إن شاء الله ولا يكره؛ لأنه يصبح ضرورة.

فتح باب قبول التوبة وإن عظمت المعصية

فتح باب قبول التوبة وإن عظمت المعصية Q ما رأيكم في شاب نشأ في معصية الله، وكان يأتي كل معصية -والعياذ بالله- ولكن حينما سمع الخطب والأحاديث والمواعظ تاب إلى الله توبة نصوحاً، وعمره الآن (19) سنة، فهل تقبل توبته أفيدوني جزاكم الله خيراً؟ A يا أخي الكريم! إذا تاب تاب الله عليه، مهما عمل من الذنوب والكبائر لو كانت مثل الأرض كلها، لو عمل أي ذنب فإن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً، وقد اتصل بي بعض الناس وسألني قال: إنه تجادل هو وإخوان له في الله قالوا: إن شخصاً فعل فاحشة كبيرة، وهو أنه زنى بأمه -والعياذ بالله- وكان الزنا بها؛ لأنها كانت كلما عملت الشاي وضع لها في الشاي المخدر، ثم تتخدر ويأتيها وهي لا تعلم بشيء، وبعد ذلك أحست بشيء في بطنها، فذهبت إلى الدكتور، تقول: يوجد شيء يضايقني، ولم تعلم أنها حاملة، قالوا لها: أنتِ حامل، قالت: أنا أرملة منذ (20) سنة، قالوا: من معك في البيت؟ قالت: ليس معي أحد، وبعد ذلك حُقِق في الموضوع واعترف هذا -والعياذ بالله- ولا أعلم أَقُتِلَ أم لم يقتل، لكن يقولون: إنه ليس له توبة، يقول: هذا الرجل ليس له توبة، قلت: لم؟ قال: لأنه عمل جريمة، قلت: مهما كان حتى هذا الذي فعل هذه الجريمة له توبة إذا تاب؛ لأن الله تبارك وتعالى قال في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الفرقان:68] والشرك أعظم من هذا {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] كل هذه جرائم لكن {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:68-70] . فمن تاب تاب الله عليه، وهناك شريط أدلكم عليه بعنوان: هل من توبة قبل الموت؟ موجود الآن في المحلات، وهو شريط قيم جداً، وهو يفتح الأمل بإذن الله لمن كان يفعل المعاصي بأن يتوب إلى الله، هذه محاضرة ألقيت في مثل هذا اليوم، في الأسبوع الماضي في الدمام، ألقيتها بعنوان: هل من توبة قبل الموت؟ أتيت فيها بجميع الآيات والأحاديث التي وردت في فضل التوبة، وإذا رأيت أي شخص عاصياً فأعطه هذا الشريط لكي يسمعه، فإنه بإذن الله يفتح قلبه ويتوب إلى الله عز وجل؛ لأن من الناس من يريد أن يتوب لكن يقول: كيف أتوب، أتوب وأنا قد عملت وعملت، فيأتي الشيطان فيقول: ليس لك توبة، فيحبسه عنها، لكن لو عرف أن التوبة واجبة وآتية إن شاء الله، فإن الله عز وجل يفتح له بابها بإذن الله عز وجل. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقني وإياكم توبة قبل الموت، ورحمة بعد الموت، وجنة في الآخرة، ونجاة من النار. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

§1/1