منهج الإمام تاج الدين السبكي في أصول الفقه

أحمد إبراهيم حسن الحسنات

المقدمة

المقدمة الحمد لله الذي رفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ما دامت الأرض والسماوات. وبعد: فإن علم أصول الفقه من أشرف العلوم وأعظمها وأكثرها فائدة ونفعا، فهو العلم الذي جمع بين المعقول والمنقول، وكيف لا يكون أنفعها وهو الذي يضع القواعد والضوابط التي بها يستنبط الفقيه الأحكام، وبها يرتفع العالم من حضيض التقليد إلى علياء الاجتهاد، وقد اهتم علماؤنا المتقدمون بالأصول اهتماما بالغا فأكثروا من التأليف والتدوين فيه، وكانت لهم مدارسهم ومناهجهم المتنوعة، فتنوعت طرائقهم في التأليف. وإن دراسة مناهج العلماء في تدوين أصول الفقه من أهم المواضيع الجديرة بالبحث والاهتمام لدى الدارسين لعلم أصول الفقه، ذلك أن مثل هذه الدراسات تعطي الباحث فكرة عن جهود علماء الأصول، مما يجعل عند الدارس خلفية عن الآراء الأصولية، فيوظفها في معرفة منشأ الخلاف الفقهي، وكذا في توجيه الآراء توجيهاً سليماً حسب قواعد أصول الفقه عند أصحاب المذاهب. ولعل من أبرز العلماء الذين اهتموا بأصول الفقه في القرن الثامن الهجري الإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، حيث كانت له عناية فائقة بتدوين أصول الفقه بشكل لافت للنظر لدى الدارسين لعلم الأصول. فابن السبكي عالم كبير في مختلف العلوم الفنون، وذلك لكونه قد عاش في بيئةٍ علميةٍ رصينة أثرت في تحصيله العلمي بشكل يدعو إلى الإعجاب، حيث أولى علم الأصول اهتماماً خاصاً وأكبر دليل على ذلك أنه قد أكثر من التصنيف في علم الأصول، إذ ترك للمكتبة الإسلامية ثمانية كتب في الأصول ما بين مختصر وشرح وتقرير، فكان لزاماً على الدارسين والباحثين أن يتناولوا هذه المؤلفات بالدراسة والتمحيص، للكشف عن شخصية هذا العالم الفذ الذي ترك لنا كل هذه الآثار العلمية الرصينة وقد جاءت هذه الدراسة بهدف التعرف على الجوانب المهمة في حياة ابن السبكي العلمية وكيف أثرت هذه الجوانب في فكر ابن السبكي الأصولي لتبين حقيقة اللجهود التي بذلها التاج السبكي في علم الاصول وتبن المنهج الذي سار عليه في تأليفه لعلم الاصول وذلك من خلال دراسة كتبه في الأصول دراسة استقرائية شاملة من حيث:- 1 - سبب تأليفها. 2 - منهجه في تأليفها. 3 - مصادره في التأليف. 4 - أهمية هذا التأليف. 5 - بعض النماذج المختارة التي تبين منهجه

إن ابن السبكي له أثر واضح في أصول الفقه من خلال عرضه لمسائله ومناقشته الآراء، والدارس له سيستفيد كثيراً في فهم وتصور مسائل هذا الفن وغاياته، خاصة وأن ابن السبكي له مجموعة من المؤلفات في أصول الفقه والتي عم نفعها الشرق والغرب فكان لزاماً علينا دراسة هذه المؤلفات وإبراز أهميتها ومنهجها للاستفادة منها في تطوير أصول الفقه والدراسات الأصولية الحديثة. ولعل من أهم الاهداف التي نسعى ايها من خلال دراسة كتب التراث الضخم لعلماء أمتنا المجيدة، والذي نحن بأمس الحاجة إلى فهمه وتطويره، وبيان الأثر الإيجابي فيه، وإلا ستبقى الفجوة عميقة بين الدراسات الأصولية المعاصرة والدراسات الأصولية المتقدمة والقديمة، ونحن في هذا الوقت بأمس الحاجة إلى دراسات أصولية توسع المدارك وتفتح الأذهان، للوصول إلى عقلية اجتهادية لوضع حد للفوضى الفكرية التي تعيشها أمتنا، وللبحث عن حكم للمسائل العصرية المستجدة، التي لا يمكن الاجتهاد في معرفة أحكامها إلا إذا تمكنا من فهم علم الأصول، للوصول إلى نهضة حضارية شاملة أساسها وقوامها معتمداً على أصول الفقه. هذا وليس الهدف من هذه الدراسة هو تناول آراء التاج السبكي بالنقد والتحليل بقدر ما هو محاولة إبراز حقيقة المنهج الذي سار عليه بغض النظر عن موافقته أو مخالفته لغيره، أو قوته وضعفه، ومن هنا فلم يكن لزاما علي عقد المقارنات بين التاج السبكي وبين غيره من العلماء ولا مناقشته للتاج في ما يذهب إليه. وقد حاولت جهدي في هذه الرسالة أن أتناول الآراء بكل موضوعية، وأن لا تظهر العاطفة تجاه التاج السبكي أو عليه، بل تناولت الآراء بطريقتي الخاصة محاولا إيصال المعلومة بصورة علمية سليمة. وبعد: فالله العظيم أسأل، أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به قارئه وسامعه، ويجعله في صحيفة أعمالي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فإن أصبت فبفضل الله ورحمته، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، ورحم الله من صوب خطأي بالحسنى، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أحمد ابراهيم الحسنات عمان/ الأردن 17 ربيع الأول 1423هـ الموافق 30 أيار 2002 م

الفصل الأول تاج الدين السبكي حياته - علومه - مؤلفاته

الفصل الأول تاج الدين السبكي حياته - علومه - مؤلفاته وفيه المباحث الآتية: المبحث الأول: عصر الإمام تاج الدين السبكي المبحث الثاني: اسمه، نسبه، أسرته المبحث الثالث: نشأته وطلبه للعلم المبحث الرابع: علومه المبحث الخامس: آثاره ومصنفاته المبحث السادس: مكانته العلمية والمناصب التي تولاها المبحث السابع: عقيدته وتصوفه المبحث الثامن: مظاهر من شخصيته المبحث التاسع: وفاته

المبحث الأول عصر الإمام تاج الدين السبكي

الفصل الأول تاج الدين السبكي حياته - علومه - مؤلفاته سأتناول في هذا الفصل حياة تاج الدين السبكي منذ ولادته وحتى وفاته، مستعرضا نشأته ... وحياته العلمية، حتى يتبين للقارئ الجوانب الفكرية والشخصية التي أثرت في تكوين شخصية التاج السبكي العلمية ومدى ارتباطها بسلوكه وإنتاجه العلمي، وحتى يتيسر لي ذلك لا بد أولا من إعطاء فكر ة عامة عن العصر الذي عاش فيه التاج السبكي ومعرفة مدى تأثره أو تأثيره به. المبحث الأول عصر الإمام تاج الدين السبكي تُعدُّ الفترة التي عاش فيها التاج السبكي من أهم مراحل الدولة المملوكية الأولى المسماة ((بالبحرية))، ذلك أنّ التاج قد عاش في الفترة الواقعة ما بين عامي 727هـ و 771هـ، لذا فلا بد أنّ نعطي صورة موجزة توضح لنا ماهية الوضع السياسي والعلمي والاجتماعي في مصر والشام في تلك الفترة، والتي تمثّل في مجملها القرن الثامن الهجري. المطلب الأول: الحياة السياسية تمكّن المماليك - بعد سلسلة من المؤامرات التي كانوا يُحِيكُونها ويُدبِّرونها للسلاطين - من استلام السلطنة في مصر، وذلك بعد مقتل السلطان تورانشاه (¬1) آخر ملوك بني أيوب سنة 648هـ (¬2)، ... وكانت بذلك بداية العهد المملوكي الذي استمر نحو قرنين من الزمان (¬3). ولم يكن عهد المماليك بأفضلَ حال من سابقه؛ ذلك أنّ هذا العهد كان يواجهه عدداً من المخاطر على الساحة الخارجية، فالخطر الصليبي ما زال يتهدد العالم الإسلامي، وذلك لوجود بعض القلاع والإمارات الصليبية على سواحل بلاد الشام؛ مما استدعى المماليك أن يأخذوا على عاتقهم عبء استرجاع وتحرير ما تبقى من هذه الإمارات استمراراً لجهود السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي المتوفى سنة 589هـ إثر هزيمته للصليبيين في موقعة حطين الشهيرة سنة 583هـ. ¬

_ (¬1) هو السلطان الملك المعظم تورانشاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، آخر ملوك بني أيوب في مصر، توفي مقتولا على يد أمراء المماليك سنة 648هـ. انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (6/ 322) (¬2) ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 210)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 648هـ ص388 - 390 (¬3) استمر حكم المماليك لمصر والشام منذ عام 648هـ وحتى عام 923هـ، حكم فيها المماليك البحرية من عام 648هـ وحتى عام 784هـ، في حين حكم الجراكسة من عام 784هـ وحتى عام 923هـ. انظر محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (7/ 35، 69)، طقوش، محمد سهيل، تاريخ المماليك في مصر والشام ص 35، 341

بالإضافة إلى الخطر الصليبي المتجذر، كان قد ظهر على الساحة خطر لا يقل خطورة - بل هو أشد خطراً - من الخطر الصليبي، ألا وهو غزو المغول لبلاد الإسلام، إذ بعد سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية على يد هولاكو عام 656هـ (¬1)، وزَحْف المغول باتجاه بلاد الشام واحتلالهم لدمشق عام 658هـ (¬2)، ومن ثَمَّ محاولة الزحف باتجاه مصر، حيث كان المماليك قد تنبّهوا لذلك، وخرجوا بجيوشهم لملاقاة المغول في موقعة عين جالوت سنة 658هـ (¬3)، بقيادة السلطان المملوكي المظفر قطز (¬4)، حيث حقق الله تعالى النصرَ على يديه، وبذلك استطاع المماليك من وقف الزحف المغولي، ومن ثَمَّ بدأوا باسترجاع المدن والإمارات الإسلامية من بين أيديهم حتى تمَّ تحرير سائر بلاد الشام من أيدي المغول (¬5) في عهد السلطان الظاهر بيبرس (¬6). وبعد ذلك التاريخ دانت بلاد الشام كلها لحكم المماليك، ومنذ ذلك الوقت ارتبط تاريخ الشام بتاريخ مصر، بحيث لا يمكن دراسة تاريخ الشام بمعزل عن تاريخ مصر؛ وذلك لقوّة الالتحام بين مصرَ والشام في هذا العصر في مختلف مظاهر الحياة العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ... والثقافية، وإنَّ ما يحدث في مصرَ من حالات ضعف وقوَّة كانت بدورها تَنْعكِس على الشام إيجاباً أو سلباً. ¬

_ (¬1) ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 235)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 656هـ ص 39 (¬2) ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 256)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 658هـ ص 51 (¬3) ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 258)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 658هـ ص 60 - 61 (¬4) هو السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي، صاحب موقعة عين جالوت الشهيرة التي رد فيها التتار، مات مقتولا سنة 658هـ، انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (7/ 67) (¬5) ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 261) (¬6) هو السلطان الملك ركن الدين أبو الفتوح الظاهر بيبرس بن عبد الله البندقداري، كان ملكا شجاعا مقداما غازيا، مات مقتولا بالسم سنة 676هـ. النجوم الزاهرة (7/ 158)

وأما بالنسبة للخطر الصليبي، فقد استمرت المناوشات بين المماليك والصليبيين وظلَّ المماليك يحقِّقون الانتصار تِلْوَ الانتصار، حتى كان تحقيق أعظمَ انتصار وأهمَّه وذلك بفتح عكا سنة 690هـ (¬1) في عهد السلطان الأشرف بن قلاوون (¬2)، وقد كانت تلك الضربة القاضية للصليبيين، إذ لم يَقُم لهم بعد ذلك قائمة، فما تَبقَّى لهم من مدن لم تَلْبَث أن شاركت عكا في مصيرها؛ وبذلك استطاع المماليك إنهاء التواجد الصليبي مُنهِيةً بذلك عهد الصليبيين في الشام (¬3). غير أنّ الصليبيين قد أعادوا الكرَّة، وذلك في الثلث الأخير من القرن الثامن الهجري وأغاروا على الإسكندرية واحتلوها سنة 767هـ (¬4)، ويصف لنا المؤرخ ابن كثير هذه الموقعة بقوله: ((وذلك أنّهم [الفرنج] وصلوا إليها [الإسكندرية]. . . فلم يجدوا بها نائباً ولا جيشاً ولا حافظاً للبحر ولا ناصراً، فدخلوها يوم الجمعة بُكْرة النهار بعد ما حرقوا أبواباً كثيرة منها، وعاثوا في أهلها فساداً، يقتّلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والأطفال)) (¬5). واستمرَّ الفرنج ينهبون الإسكندرية حتى وصل السلطان والجيش المصري إليها فهرب الفرنج منها آخذين معهم كثيراً من الأموال والخيرات والأسرى (¬6). هكذا كان حال الدولة المملوكية في الخارج، دولة قوية مَنِيعَة مُهابَة الجانب استطاعت وَقْف الزحف المغولي، وإخراج بقايا فُلول الصليبيين من بلاد الشام. أما في الداخل، فقد كان تاريخ المماليك متقلبا كثير الفوضى والاضطراب، حيث كانت الفتن ... والاضطرابات والصراع على السلطة هو المِيزة الرئيسة لعهد المماليك. ¬

_ (¬1) الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 690هـ ص 46، ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 369) (¬2) هو السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي، كان ملكا مهيبا عالي الهمة تام الشكل كامل الحسن وافر الكرم، توفي مقتولا سنة 693هـ. انظر: ابن حبيب، تذكرة النبيه (1/ 167) (¬3) الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 690هـ ص 50 - 51، ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 369)، ابن حبيب، تذكرة النبيه في أيام المنصور ... وبنيه (1/ 137)، ابن العماد، شذرات الذهب (6/ 76) (¬4) ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 745)، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 288) (¬5) البداية والنهاية (13/ 745) (¬6) انظر تفاصيل هذه الحملة وما جرى في تلك الحقبة في: ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 745)، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 288)، ابن القاضي شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 270)، السخاوي، وجيز الكلام (1/ 147)، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (11/ 24)، ابن إياس، بدائع الزهور (1/ 23)

لقد كان عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون (¬1) في ولايته الثالثة 709 - 741هـ (¬2) هو آخر عهد بالاستقرار السياسي في دولة المماليك، فبعد وفاته تولى السلطنة ثمانيةٌ من أولاده في السنوات 741هـ - 762هـ، ومن ثَمَّ في العشرين سنة التالية 762 - 784هـ، تولى السلطنة أربعةٌ من أحفاده (¬3)، ومعلوم أنّ هذا العدد من السلاطين دليل على عدم الاستقرار السياسي. وقد مرّ على هذه الفترة العديدُ من الأحداث الداخلية، إذ تقلَّد حكم مصرَ سلاطين ... أطفال (¬4)، لم يبلغوا سن الاحتلام، كانوا يُوَلَّون ويُعْزَلون طبقاً لأهواء أمراء المماليك الذين كان لهم النفوذ الأقوى في ذلك الوقت. وخير ما يصوِّر ذلك الوضع ما قاله أحد شعراء ذلك العصر (¬5): سلطانُنا اليومَ طفلٌ والأكابرُ في ... خُلْف بينهُم والشيطانُ قد نَزَغا فكيفَ يَطمَعُ من في نفسْهِ مَظْلمة ... أن يَبْلُغَ في السّؤْلِ والسلطانُ ما بَلَغا؟! ولم يكن للسلاطين في ذلك الوقت إلا مجرَّد الاسم فقط، وليس لهم من الأمر شيء؛ ذلك لصغر سِنِّهم، وضعف حيلتهم، فكان السلطان آلة في السلطنة والمتصرّف الحقيقي فيها هم الأمراء (¬6). وهكذا ظل حال هؤلاء السلاطين أُلعوبة في أيدي الأمراء، وإذا ما حاول أحدهم التَمرّدَ عليهم أو التخلص من نفوذهم كانوا لا يتوَرّعون عن عزله وقتله أحياناً، فقد قُتِل أربعةٌ من السلاطين أبناء قلاوون على أيدي أمراء مماليكهم (¬7). وأما بقية السلاطين فقلّما تجد واحداً منهم ترك الحكم بنتيجة طبيعية كالوفاة مثلاً، بل كانوا يُعزلون ويُولَّون تَبعاً لرغبات وأهواء الأمراء، دون النظر إلى أدنى مصلحة للبلاد أو العباد. ¬

_ (¬1) هو السلطان ناصر الدين أبو المعالي محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين أبي المظفر قلاوون الصالحي، كان ملكا جليلا مهيبا ذكيا عارفا بسياسة الملك عالي الهمة، تولى السلطنة ثلاث مرات وكانت مدته فيهن ثلاثاً وأربعين سنة وشهوراً، توفي سنة 741هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (2/ 326) (¬2) ابن حبيب، تذكرة النبيه (2/ 21) (¬3) محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (7/ 38) (¬4) ومن هؤلاء السلاطين الملك الأشرف علاء الدين كجك بن السلطان محمد بن قلاوون وقد تولى السلطنة وعمره لم يتجاوز الخمس سنوات سنة 742هـ، والملك الناصر حسن بن السلطان محمد بن قلاوون تولى السلطنة سنة 752هـ ولم يتجاوز عمره 11 سنة، والملك المنصور محمد حاجي حيث تولى السلطنة سنة 762هـ وكان عمره حينئذ 14 سنة. (¬5) أورد هذه الأبيات ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة (11/ 20) ولم ينسبها لأحد (¬6) ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (10/ 20، 40) (¬7) وهم: - ... السلطان الكامل شعبان حيث قتل سنة 747هـ بعد أن حكم سنة وشهر وثمانية وعشرين يوماً - ... السلطان الملك المظفر حاجي حيث قتل سنة 748هـ بعد أن حكم سنة وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوماً - ... السلطان الناصر حسن، قتل في ولايته الثانية سنة762هـ على يد أحد خواصه وأمرائه الأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي، بعد أن حكم ست سنوات وسبعة أشهر وسبعة أيام - ... السلطان الأشرف شعبان بن حسن، قتل سنة 778هـ بعد أن حكم ست سنوات

ولم يقف الحدُّ عند تآمر الأمراء على سلاطينهم، بل وجدتُ أنّ أبناء قلاوون أنفسهم يتآمرون على بعضهم ويَقتُل بعضهم بعضاً، فقد وجدت الملك الصالح إسماعيل (¬1) يأمر بحصار أخيه أحمد (¬2) في قلعة الكرك ورميه بالمنجنيق، وذلك خَشيةً من محاولته العودة إلى السلطنة، حيث وقعت عدّة معارك بين العسكر المصري وبين أهل الكرك، وفيها قُتِل عدد كبير من الطرفين، واستمر حصار الكرك مدة سنتين انتهت بدخول الكرك ومن ثَمّ قلعتها حيث قُبِض على السلطان أحمد وقُتِل وحُمِل رأسه إلى أخيه الملك الصالح فقابله بأشدّ الفرح ولا حول ولا قوّة إلا بالله (¬3). ولم يكن حال السلاطين أنفسهم بأفضل من مماليكهم، فقد عمَّ الفسق والفجور والظلم عند هؤلاء السلاطين، وفشى فيهم معاقرة الخمور وغشيان المنكرات وأكل أموال الناس بالباطل، حتى قال ابن شهبة في وصف خلاعة ومجون السلاطين وخاصة الملك المنصور سيف الدين أبو بكر (¬4) أنّه كان يتعاطى شرب الخمر: ((وغشيان المنكرات وتفريق الأموال على أهل الطرب، والتعاطي بما لا يليق به، ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم)) (¬5). هكذا كان حال هؤلاء السلاطين، وحَريٌّ بأمّة هكذا سلاطينها أن يذيقها الله تعالى وَبالَ أمرها، وما الفتن الداخلية والاضطرابات الكثيرة وعزل السلاطين ومقتلهم إلا نكالاً من الله تعالى بهم لفسقهم وتعدِّيهم على حرمات الله (¬6). ¬

_ (¬1) هو السلطان الصالح عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، كان ملكا جليلا مهيبا عفيفا مزيلا للمظالم التي يصل أمرها إليه محبا للإعمار، متمسكا بالأحكام الشرعية، توفي سنة 746هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 79) (¬2) هو السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، كان ملكا مهيبا شجاعا سخيا حسن المنظر، حكم مدة ثم اعتزل في قلعة الكرك وبقي فيها إلى أن قبض عليه وقتل سنة 745هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 65) (¬3) انظر تفاصيل هذه الحملة في: ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 628، 630، 632 - 637)، ابن شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 304، 307، 409)، السخاوي، وجيز الكلام (1/ 65) (¬4) هو الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن السلطان محمد بن قلاوون، كان شاب أسمر حلو الصورة سخياً إلى الغاية، خلع على يد خواص أمرائه ثم قتلوه سنة 742هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 24) (¬5) ابن شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 204) (¬6) هذه هي حالهم إلا أنهم لم يكونوا يعادون الإسلام ولا العلماء ولا الدعاة بل وجدناهم إذا هدد العالم الإسلامي خطر كانوا يكونون على رأس المدافعين عنه، ومع فسقهم وتعديهم على حرمات الله إلا أنهم كانوا يمتازون بالنخوة ولا يسكتون على ظلم أو عدوان يقع على شعوبهم فافهم ذلك

كل هذه الأمور مُجتَمعةً والمتمثّلة بضعف السلاطين، وتنافسهم على العرش، وإغراق بعضهم في المجون وانغماسهم في التَّرف، إضافة إلى ازدياد نفوذ أمراء المماليك، كل هذه العوامل أدت إلى انحلال أسرة قلاوون، وإنهاء حكم بني قلاوون الذي استمر حوالي 106 سنوات من سنة 678 - 784هـ، وبنهاية أسرة قلاوون ينتهي عهد المماليك البحرية ويبدأ عهد المماليك الجراكسة [البرجية] سنة 784هـ (¬1). هذه هي الأحوال العامّة في مصر، أما في الشام والتي عاش فيها التاج السبكي جُلّ حياته، فلم يكن الحال فيها بأحسن من حال مصر الأم، حيث كانت الشام تابعة للسلطنة في مصر في مختلف نواحي الحياة، ورَغمَ تبعية الشام المحضة لمركز السلطنة إلا أنّه وُجِدت بعض محاولات الانفصال عن مصر، غير أنّ التقسيم الإداري لبلاد الشام بحيث تكون كل نيابة شبه مستقلة، والسلطان يختار من يملأ المناصب الكبرى، ومن ثم حاجة الشام إلى العسكر المصري ضد الأخطار الخارجية حال دون نجاح أية حركة انفصالية رغم كثرة ثورات المماليك هناك (¬2). إلا أنّ هناك مِيزة لأهل الشام تَميَّزوا بها عن أهل مصر ذلك أنّ أهل الشام كانوا أسرع إلى مواجهة أوامر الدولة بالإنكار من أهل مصر، وكانوا يتعلقون بكل سبب لإظهار عدم رضاهم عن بعض تصرفات الموظفين والمباشرين (¬3). يمكن تلخيص الملامح العامّة للوضع السياسي في مصر والشام في القرن الثامن الهجري بما يأتي (¬4): 1 - صغر سن السلاطين الذين تعاقبوا على الحكم. 2 - ازدياد نفوذ الأمراء واشتداد سطوتهم وتَحَكُّمهم في مصالح البلاد وتلاعبهم بالسلاطين، بالتعيين والعزل والقتل وفقاً لأهوائهم. 3 - ازدياد نفوذ طائفة المماليك الجراكسة [البرجية] ازدياداً مضطرداً، فاستطاع أفرادها كسب الجولة الأخيرة من الصراع، وأسسوا دولة مملوكية ثانية على أنقاض الدولة المملوكية الأولى. 4 - اشتداد الانحلال الخلقي بشكل واضح، وكان السلاطين والأمراء هم مصدر هذا البلاء، فاشتهروا بالإدمان على الخمور ومعاشرة الجواري والخاصكية والمغنيات. ¬

_ (¬1) محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (7/ 38)، سرور، دولة بني قلاوون في مصر ص 55 - 66، علي حسن، تاريخ المماليك البحرية ص 135 (¬2) إحسان عباس، تاريخ بلاد الشام ص 76، وانظر بعض محاولات الانفصال عن مصر في: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (10/ 183)، ... (11/ 4) (¬3) إحسان عباس ص 80 (¬4) طقوش، تاريخ المماليك ص 300

موقف التاج السبكي من الوضع السياسي

موقف التاج السبكي من الوضع السياسي لم يكن التاج السبكي رجلاً منعزلاً عن أمّته، بل كان - رحمه الله تعالى - قريباً جداً منها، يلتمس همومها ويتأثر بما تتأثر به الأمّة، ولم يكن - رحمه الله تعالى - تأخذه في الله لومة لائم؛ لذا فقد وجدته كثير الانتقاد لأحوال الدولة السياسية العامّة، وكانت له مواقف كثيرة في هذا المجال لا يَقِفها إلا أمثاله من العلماء المخلصين الذين لا يداهنون في دين الله أحداً، ومن هنا جاء انتقاد التاج السبكي للسياسة التي اتبعها المماليك في ذلك العصر، واعتبر أنّ سياستهم لا تنفع أحداً، بل مَضرّتها أكثر من نَفْعِها، وأنّه لا بد من رفع الأمور إلى الشرع، فهو يقول في ذلك مُبيّنا ما على الحاجب من أمور: ((عليه رفع الأمور إلى الشرع، وأن يعتقد أنّ السياسة لا تنفع شيئا (¬1)، بل تَضرّ البلاد والرعايا، وتُوجبُ الهَرَج (¬2) والمَرَج (¬3)، ومصلحةُ الخلق فيما شرعه الخالق الذي هو أعلم بمصالحهم ومفاسدهم، وشريعةُ نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم متكفّلةٌ بجميع مصالح الخلق في معاشهم ومعادهم، ولا يأتي الفسادُ إلا من الخروج عنها، ومن لَزِمَها صَلُحَتْ أيامه واطمأنت)). ثم بيّن أنّه ما من سلطان ولا حاجب ولا صاحبُ شرطة يُعْمِلُ حُكمَ الله تعالى، ويُلقِي الأمور إلى الشرع إلا اطمأنت نفسه ونجا من المصائب والمحن، وكانت أيامه أصلح وأقل مفاسد. . . وقال: ... ((وكذلك اعتبرت فلم أرَ ولم أجد من يظن أنّه يُصْلح الدنيا بعقله، ويُدَبّر البلاد برأيه وسياسته، ... ويَتعدّى حدود الله تعالى وزواجره، إلا وكانت عاقبتُهُ وخيمةً وأيامُه منغصةً منكدة، وعيشُه قلقاً، ... وتُفتح عليه أبواب الشرور، ويتسع الخرق على الراقع، فلا يَسدُّ ثُلمة (¬4) إلا وتُفتَح ثُلمات، ولا تُرفَع فتنة إلا وينشأ بعدها فتن كثيرة)) (¬5). ¬

_ (¬1) قلت لم يقصد التاج السبكي بذاك مطلق السياسة بل قصده السياسة الظالمة القائمة على أساس العقل بعيدا عن الشرع، والتي تعتبر العقل أساس المصالح والمفاسد وإن خالفها الشرع في ذلك، وأما السياسة الشرعية القائمة على أن الحاكمية لله تعالى وأن لا مشرع إلا الله وحده فلا يقصدها التاج السبكي، كيف والنظام السياسي في الإسلام من أهم الأنظمة التي تقوم عليها الدولة في الإسلام (¬2) هرج الناس إذا وقعوا في فتنة واختلاط وقتل، طاهر الزاوي، ترتيب القاموس المحيط (4/ 448) مادة هرج (¬3) أي الفساد والقلق والاختلاط، المصدر السابق (4/ 198) مادة مرج (¬4) أي فرجة المكسور والمهدوم، طاهر الزاوي، ترتيب القاموس المحيط (1/ 394) مادة ثلم (¬5) التاج السبكي، معيد النعم ص 41

هذا هو موقف التاج السبكي من السياسة، وهذا رأيه فيها، ومع ذلك فلم يكن بعيداً عنها، وقد وجدته كثيراً ما ينتقد تصرفات الحكام والسلاطين، فمن ذلك ما دَوّنه في كتابه العظيم ((معيد النعم)) حيث قال مُوجّهاً خطابه إلى الخلفاء والسلاطين وولاة الأمور: ((إذا ولاك الله تعالى أمراً على الخلق فعليك البحثُ عن الرعية، والعدلُ بينهم في القضية، والحكمُ فيهم بالسوية، ومُجانَبة الهوى والميل، وعدمُ سماع بعضهم في بعض، إلا أن يأتيَ بحجة مبيّنة، وعدمُ الركون إلى الأسبق، فإن وجدت نفسك تُصغي إلى الأسبق وتميل إلى صدقه؛ فاعلم أنّك ظالم للخلق، وأنّ قلبك إلى الآن متقلّب مع الأغراض، يُميلُه الهوى كيف شاء [إلى أن قال]: وقد اعتبرتُ كثيراً من الأتراك فوجدتهم يميلون إلى أول شاك، وما ذاك إلا للغفلة المستولية على قلوبهم التي صيّرت قلوبهم كالأرض الترابية التي لم تُروَ بالماء)) (¬1). وقال مبيّناً للسلاطين حقيقة أمرهم وحقيقة الخلافة: ((وأن تعرف أنّك أنت والرعية سواء لم تَتَميّز عنهم بنفسك، بل بفعل الله تعالى الذي لو شاء لأعطاهم ومنعك، فإذا كان قد أعطاك الولاية عليهم ومنعهم فما ينبغي أن تتمرّدَ وتستعين بنعمته على معصيته وأذاهم، بل لا أقَلّ من أن تتجنّبَ أذاهم وتكُفَّ عنهم شَرَّك، وتُجانبَ الهوى والميلَ والغَرَض، فنعمة الولاية لا تتطلب منك غير ذلك)) (¬2). وقال أيضاً مبيّناً ما على السلطان من وظائف: ((فمن وظائف السلطان تجنيد الجنود، وإقامة فرض الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى، فإنّ الله تعالى لم يُوَلّه على المسلمين ليكون رئيساً آكلاً شارباً مستريحاً، بل لينصُرَ الدين وُيعلي الكلمة، فمن حقه ألا يدعَ الكفار يكفرون أَنعُم الله، ولا يؤمنون بالله ولا برسوله، فإذا رأينا ملكاً تقاعد عن هذا الأمر، وأخذ يظلم المسلمين، ويأكل أموالهم بغير حق ثم سلبه الله نعمته وجاء يعتب الزمان، ويشكو الدهر أفليس هو الظالم، وقد كان يمكنه بَدَل أَخْذ أموال المسلمين وظلمهم أن يُقيمَ جماعةً في البحر يتلصّصون أهل الحرب؟! فإن كان هذا الملك شجاعاً ناهضاً فَلْيُرِنا همته في أعداء الله الكفار، ويجاهدهم ويتلصّصهم، ويُعملَ الحيلة في أخذ أموالهم حِلاً وبِلاً (¬3) ويدعَ عنه أذية المسلمين)) (¬4). يالها من كلمات قاسية الوقع عظيمة الأثر، لا يفوه بها إلا من كان يتمتع بصفات عالية من الجرأة والشجاعة التي لا يتصف بها إلا من كان من أمثال التاج السبكي (¬5). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، معيد النعم ص 13 (¬2) التاج السبكي، معيد النعم ص 14 (¬3) أي مباحا، الرازي، مختار الصحاح ص 26 مادة بلل (¬4) التاج السبكي، معيد النعم ص 17 (¬5) انظر المزيد من هذه المواقف في أمر التاج السبكي بالمعروف ونهيه عن المنكر ص 54 من هذه الرسالة

المطلب الثاني: الحياة الاجتماعية

المطلب الثاني: الحياة الاجتماعية إنّ الحياة الاجتماعية في أي بلد إنّما هي الانعكاس الحقيقي، والتمثيل العملي للوضع السياسي في ذلك البلد، إذ كلما كانت الحياة السياسية طبيعية ومستقرة كانت الحياة الاجتماعية مستقرة مزدهرة والناس في رَغَدٍ وهناء، وكلما اضطربت الحياة السياسية تَبِع ذلك اضطراب في الحياة الاجتماعية؛ فتسود الفوضى، ويَعم الظلم والجور والانحلال والفساد، إذ أنّ قوّة البلد سياسياً تستلزم قوّة المجتمع وترابط أفراده واستقرار نظامِهِ، وكلما كانت البلد ضعيفة سياسياً انعكس ذلك سلبياً على الحياة الاجتماعية في ذلك البلد. وقد كان الوضع السياسي في القرن الثامن الهجري في مصر والشام وضعاً كثير الاضطراب والانقلاب؛ مما يعني ضعف المجتمع وضعف الحياة الاجتماعية في مصر والشام في تلك الفترة. لقد كان المجتمع المملوكي في تلك الفترة مجتمعاً طبقياً تَميَّز بكَثْرَة طبقاته، إذ أنّ طبيعةَ حكم المماليك الأغراب عن تلك البلاد، وانعزالهم عن أهل البلاد وعن انخراطهم في سلكهم، أدى إلى ظهور طبقة مُتمَيّزة في المجتمع، تمتلكُ زِمامَ الحكم فيه وهي طبقة المماليك أصحاب السيادة والنفوذ (¬1). بناءً على ذلك يمكن تقسيم المجتمع المملوكي في تلك الفترة إلى الطبقات الآتية (¬2): الطبقة الأولى: أهلُ الدولة من السلاطين والمماليك، وهؤلاء كانوا يعيشون حياة الترف واللهو، ... وكَثُرت الأموال في أيديهم، مما جعلهم طبقة مُتَميّزة منعزلة عن بقية الشعب (¬3). الطبقة الثانية: أهلُ اليَسار من التجار وأولي النِّعمة من ذوي الرفاهة، وكان هؤلاء من المقرّبين إلى السلاطين، ذلك أنّ السلاطين كانوا قد أحسّوا أنّ هذه الطبقة هي المصدر الأساسي الذي يَمُدُّ الدولة بالمال لا سيّما في ساعات الحرج والشدة (¬4). الطبقة الثالثة: المُعَمّمون، وهم أَرباب الوظائف الديوانية والفقهاء والعلماء والأدباء والكُتّاب، وهؤلاء كانوا موضعَ احترامٍ وتقدير من السلاطين؛ ذلك أنّ المماليك كانوا يَرغبون بالعلماء والفقهاء لأنّهم قوّةٌ لها وزنُها في اكتساب الرأي العام في البلاد، وبذلك يكون لهم دِعامة قوية يستندون إليها في حكمهم، ويستعينون بها على إرضاء عامّة الشعب (¬5). الطبقة الرابعة: طبقة الصناع والعمال وأصحاب المهن والأُجَراء، وهم ما يطلق عليهم بالاصطلاح المعاصر بطبقة (العامّة)، وهؤلاء كالعادة كانوا يعيشون حياة البؤس والفقر بالنسبة لطبقة المماليك وغيرهم من المُنَعّمين؛ لذا كانوا كثيراً ما يلجئون إلى السلب والنهب والتسول للحصول على ما يسد رَمَقَهُم في أوقات الفتن والاضطرابات (¬6). ¬

_ (¬1) عاشور، سعيد عبد الفتاح، المجتمع المصري، ص24، مصر في عصر دولة المماليك ص 175. (¬2) انظر: المقريزي، إغاثة الأمة بكشف الغمة ص98. عاشور، المجتمع المصري، ص11. (¬3) عاشور، المجتمع المصري، ص19. (¬4) عاشور، المجتمع المصري، ص34. (¬5) عاشور، المجتمع المصري، ص29. (¬6) عاشور، المجتمع المصري، ص38.

الطبقة الخامسة: الفلاحين وهم أهل الزراعات والحرث سكان القرى والريف (¬1) الذين يمثّلون السَّواد الأعظم من السكان، وهؤلاء لم يكن لهم نصيب في هذا العصر سوى الإهمال والاحتقار حتى أصبح لفظ فلاح في ذلك العصر مرادفاً للشخص المُستضعف المغلوب على أمره، وزاد من سوء حالهم كَثْرَة المغارم والمظالم التي حلّت بهم من الولاة والحكام (¬2). الطبقة السادسة: ذوي الحاجة والمسكنة، وهم الذين يتكفَّفون الناس ويعيشون منهم، وهؤلاء كما يقول المقريزي: ((فَنِي معظمهم جوعاً وبرداً ولم يَبقَ منهم إلا أقلَّ من القليل.)) (¬3) هذه هي تركيبة المجتمع في ذلك العصر، والملاحظ عليها أنّ أكثَرَ هذه الطبقات كانت تعيش حياة البؤس والظلم والفقر، ولم يقف الحد عند ذلك فحسب، بل وجدتُ أنّ هذه الفترة التاريخية قد ابْتُلِيَت بالعديد من الأمراض والأوبئة الفتاكة، فيَذْكُر المُؤَرّخون أنّ الأَوبئة كانت تجتاح أكثَرَ المدن ... والإمارات المملوكية، ولكنّ أخطر هذه الأوبئة والأمراض والتي أودت بحياة الآلاف من الناس ... والحيوانات، ثلاثة أوبئة اجتاحت الأمّة في تلك الفترة وهي:- 01 وباء سنة 748هـ (¬4): اجتاح هذا الوباء والذي ابتدأ في أواخر سنة 748هـ بلاد المسلمين قاطبة بما فيها مصر والشام، بل إنّ المؤرخين يَذْكُرون أنّ هذا الوباء قد عم الأرض كلها، وكان يَحصُدُ الآلاف من النفوس، واستمر هذا الوباء نحو سنتين حتى عام 750هـ، وفَنِيَ فيه من الناس نحو ثلثيهم تقريباً (¬5). 02 وباء سنة 761هـ (¬6): وقع هذا الوباء سنة 761هـ، واستمر إلى أوائل سنة 762هـ، ومات فيه جماعة كثيرة من الأعيان، وقد سماه المؤرخون ((الوباء الوَسَطيّ))، لكونه وقع بين وباءين. 03 وباء سنة 769 هـ (¬7): وقع هذا الوباء في القاهرة والديار المصرية واستمر أربعة شهور، انحصر بعدها بعد أن خلف عددا كبيرا من الموتى. ¬

_ (¬1) المقريزي، إغاثة الأمة، ص98. (¬2) عاشور، مصر في عصر المماليك، ص162. (¬3) المقريزي، إغاثة الأمة ص 102 (¬4) انظر تفاصيل هذا الوباء في: ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 110 – 113)، الحسيني، ذيل العبر (4/ 149). ابن كثير، البداية والنهاية، (14/ 650 – 654). المقريزي، السلوك (4/ 78 – 93)، ابن قاضي شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 541 – 552). ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (10/ 155 – 168)، وجميع كتب التاريخ التي أرخت لتلك الفترة تذكر هذا الوباء ويسميه المؤرخون " الفناء العظيم "؛ وذلك لكثرة ما أفنى من البشر والحيوانات والأسماك. (¬5) ابن حبيب، المرجع السابق، (3/ 111). (¬6) انظر عن هذا الوباء في: ابن كثير، البداية والنهاية، (14/ 704)، ابن قاضي شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 164). ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، (10/ 243). (¬7) انظر تفاصيل هذا الوباء في: ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 312)، المقريزي، السلوك (4/ 319)، ابن إياس، بدائع الزهور (1 قسم 2/ 65 – 66)، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (10/ 42).

موقف الإمام تاج الدين السبكي من الوضع الاجتماعي في عصره

ولم يقف الأمر عند الأمراض والأوبئة الفتاكة فحسب، بل فشت في أهل ذلك العصر العديد من الأمراض الاجتماعية والمتمثلة باشتداد الانحلال الخلقي الذي عم الكثير من طبقات ذلك المجتمع، وخاصة طبقة السلاطين، وأهل الدولة، فانتشر فيهم الزنا والبغاء وشرب الخمور والمخدرات التي كانت تفتك بالمجتمع ذلك العصر (¬1) وكان السلاطين كلما دَاهمَ البلاد وَباءٌ لجؤوا إلى الله تعالى، وحاربوا تلك المنكرات، وأغلقوا بيوت الخواطيء وحانات الخمر (¬2)، حتى يفرج الله تعالى عنهم؛ فإذا رفع الله تعالى البلاء عادوا إلى ما كانوا عليه سابقا ً، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم. إلا أنّه وفي ظل هذا الوضع السيء لا بُدّ أن نُسَجّل بعض الملاحظات الهامّة عليه: الأولى: الاهتمام بالعلم والعلماء، وانتشار العلم الذي أنتج العديد من العلماء الذين كان لهم دور بارز في ذلك العصر (¬3)، كما سيأتي بيانه في المبحث الثاني. الثانية: انتشار التصوف بشكل كبير ملحوظ في ذلك العصر، حتى غدا التصوف سِمة بارزة للحياة في مصر والشام في ذلك الوقت (¬4). هذه حال المجتمع في ذلك العصر، مجتمع غريب التكوين، يجمع بين طياته عدداً من المتناقضات؛ فهو مجتمع كَثُر فيه الانحلال الخلقي والاجتماعي، وبالمقابل كَثُر فيه العلم والعلماء، وانتشر فيه الزهد المتمثّل بالحركة الصوفية؛ مما أعطى له أهمية كبيرة في تاريخ العالم الإسلامي، ولولا وجود هذا الكم الهائل من العلماء وانتشار العلم مع التصوف لما كان لهذا العصر أيُّ مِيزة يُحمد عليها. موقف الإمام تاج الدين السبكي من الوضع الاجتماعي في عصره: ذَكَرتُ سابقا (¬5) أنّ الإمام تاج الدين السبكي لم يكن قَطُّ منعزلاً عن أمته؛ بل كان قريباً جداً منها، يتلمّسُ نواحيَ الضعف فيها، فيشخّصُ الداء، ويصفُ له أنجع دواء. ¬

_ (¬1) انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (9/ 39، 112)، الذهبي، العبر (4/ 56)، ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (2/ 204)، عاشور، المجتمع المصري ص 229 - 233 (¬2) مثل ما فعله السلطان محمد بن قلاوون، حيث أبطل العديد من هذه المنكرات في فترة حكمه، وكذلك كان يفعل بقية السلاطين إبان الأزمات، انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (9/ 39). السيوطي، حسن المحاضرة، (2/ 259). (¬3) انظر: سليم، عصر سلاطين المماليك، (3/ 16). عباس، تاريخ بلاد الشام ص161 - 162. عاشور، المجتمع المصري ص141. قلت: وانظر للمزيد من المعلومات عن علماء ذلك العصر كتاب الحافظ ابن حجر العسقلاني المعنون بـ " الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة " فقد استوعب فيه ذكر علماء ذلك العصر فأجاد وأفاد. (¬4) عباس، تاريخ بلاد الشام ص148 - 149. عاشور، مصر في عصر سلاطين المماليك ص186. (¬5) صفحة 7 من هذه الرسالة

ومر معنا كيف وصلت الحال بالمجتمع الإسلامي في ذلك الوقت، ومن هنا فقد كان الإمام تاج الدين السبكي صاحبُ دعوةٍ إصلاحيةٍ للمجتمع، فهو لم يرضَ أبداً عن حال الأمّة في ذك الوقت، ذلك أنّ التاج السبكي وكما وصفه الأستاذ محمد صادق حسين: ((من أولئكم الرجال ذوي الشخصيات الضخمة والنفوس القوية والأخلاق المتينة، أولئكم الذين يَسمُون بأنفسهم فوق منافعهم الخاصة، ويأبون - وإن تهيأت لهم كل أسباب الراحة - أن يصبروا على فساد بيئة أو طغيان قوّة أو موت حق وقيام باطل، فلم يكن من أولئكم الأنذال أشباه الرجال الذين يرحّبون بالفساد يستغلّونه لمآربهم ... ويُسَخّرونه لمنافعهم)) (¬1). هكذا كان تاج الدين السبكي، ومن هنا جاء تأليفه لكتابٍ يُعدّ من أعظم ما أُلِّف في بابه ألا وهو كتابه ((معيد النعم ومبيد النقم)) (¬2)، هذا الكتاب الذي حاول فيه التاج السبكي الدعوة إلى إصلاح المجتمع الإسلامي من أعلى طبقة فيه ألا وهو السلطان إلى أدنى طبقاته المتمثّلة بالشحاذين، فقد بيّن التاج في هذا الكتاب ما يجب على كل أحد من أفراد الأمّة - حكاماً كانوا أو محكومين - أن يفعله، وما يجب عليه أن يَجتَنبه، وبيّن الكثير من نواحي الضعف في هذه الأمّة مبيّناً سببها، وواصفاً لها علاجاً ناجعاً يقوم على أساس شكر النعمة، وقيام كُلٍّ بما يجب عليه (¬3). وبهذه التوجيهات التي ضمنها التاج السبكي كتابه ((معيد النعم)) يعدّ التاج مصلحاً اجتماعياً ومربياً فاضلاً قلّما تجد له نظيراً، وبذلك عدّه الأستاذ محمد الصادق مصلحاً لم تعرف مصر من أبنائها آخر من طرازه حتى ظهر الشيخ محمد عبده (¬4). قلت: وليس الأمر مقتصراً على مصر وحدها، بل توجيهات تاج الدين السبكي ودعوته الإصلاحية شاملة كل أنحاء البلاد الإسلامية، وأكثَرُها ينطبق على حال أمتنا اليوم، فلو أنّ علماءنا اتّخذوا من توجيهات التاج السبكي التربوية منهاجاً وساروا عليها ودعوا الناس إليها لانقلب حالنا إلى أحسن حال، وأصبحنا أمّة قوية منيعة مهابة الجانب بدلاً من الضعف والذل والخنوع الذي نعيشه اليوم صباح مساء (¬5). ¬

_ (¬1) محمد الصادق حسين، البيت السبكي ص 14 (¬2) طبع هذا الكتاب عدة طبعات منها طبعة بتحقيق محمد علي النجار وآخرون، وإني لأنصح كل واحد أن يقتني هذا الكتاب ويقرأه جيدا فإن فيه الكثير من التوجيهات التربوية التي نحن في أمس الحاجة إليها (¬3) أنظر أمثلة على ذلك في المبحث التاسع مظاهر من شخصية التاج السبكي من هذه الرسالة (¬4) محمد حسين، البيت السبكي ص 13 (¬5) قلت: قام الأستاذ عبد الرحمن النحلاوي بعمل دراسة عن المبادئ الإصلاحية عند التاج السبكي سماها ((الإصلاح التربوي والاجتماعي والسياسي من خلال المبادئ والاتجاهات التربوية عند التاج السبكي)) بين فيها قيمة هذه التوجيهات وأهميتها في عملية الإصلاح التربوي والاجتماعي، مبينا في الوقت ذاته قيمة التاج السبكي من حيث كونه مصلحا اجتماعيا وتربويا.

المطلب الثالث: الحياة العلمية

المطلب الثالث: الحياة العلمية لا غرابة ولا عجب إذا ما قلت أنّ القرن الثامن الهجري أو بالأحرى عصر المماليك، كان من أزهى العصور علمياً وثقافياً بعد القرن الثالث الهجري؛ ذلك أنّ هذا العصر قد امتاز بكَثرَة العلماء الذين أنتجتهم الأمّة في ذلك الوقت، تاركين للأجيال القادمة تراثاً ضخماً في شتى فنون المعرفة. ولم يكن سلاطين المماليك بمعزل عن هذا النشاط العلمي، فما كان لهذا النشاط الثقافي أن يزدهر لولا تشجيع المماليك للعلم وترحيبهم بالعلماء، لذا فقد أَكثَرَ المماليك من بناء المدارس والجوامع والرُّبَط (¬1) والخانقاوات (¬2) لتكون قبلة للعلماء وطلاب العلم ينهلون منها العلم في شتى ميادين المعرفة (¬3). ولعلَّ من أهم المدارس التي أنشئت في زمن المماليك وكان لها دور بارز في هذا التقدم العلمي المشهود:- 01 المدرسة الظاهرية (¬4): وهي المدرسة التي أنشأها السلطان الظاهر بيبرس سنة 662هـ، وفيها خِزانَةُ كُتُبٍ تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم، وكان يُدَرّس فيها الفقه الحنفي والشافعي والحديث والقراءات. 02 المدرسة المنصورية (¬5): أنشأها السلطان الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي (¬6)، ورتّبَ فيها درساً لطوائف الفقهاء الأربعة، ودرساً للطّب، ودرساً للحديث وآخر للتفسير. 03 المدرسة الناصرية (¬7): ابتدأ بناءها العادل كتبغا (¬8)، وأتمها الناصر محمد بن قلاوون، وإليه نُسبت، فُرِغَ من بنائها سنة 703هـ، ورُتّب فيها درساً للمذاهب الأربعة. 04 المدرسة الحجازية (¬9): أنشأتها الست الجليلة خوندتتر الحجازية، بنت السلطان محمد بن قلاوون وزوجة بكتمر الحجازي وإليه تُنسب، وقد رَتَّبتْ فيها درساً للفقهاء المالكية وآخر للشافعية، وجعلت فيها خزانة لأمهات الكتب. ¬

_ (¬1) جمع رباط وهو دار يسكنها أهل طريق الله من الصوفية. أنظر المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 302) (¬2) جمع خانقاه وهي كلمة فارسية معناها بيت وأصلها خونقاه أي الموضع الذي يأكل فيه الملك وهي أماكن للصوفية للتخلي فيها لعبادة الله. المصدر السابق (4/ 280) (¬3) سعيد عاشور، المجتمع المصري ص 141، مصر في عصر دولة المماليك ص 185 (¬4) المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 225)، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 228) (¬5) المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 226)، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 229) (¬6) هو السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي كان ملك مهيبا حليما قليل سفك الدماء كثير العفو، توفي سنة 689هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (1/ 135) (¬7) المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 229)، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 229) (¬8) هو الأمير زين الدين كتبغا المنصوري، تسلم الملك مدة يسيرة ولقب بالعادل ثم خلع وتقلبت به الأحوال حتى أصبح نائب السلطنة في حماة، كان من أكابر الدولة وفيه شجاعة وخيرة وحسن خلق، توفي سنة 702هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (1/ 254) (¬9) المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 230)

05 مدرسة السلطان حسن بن الناصر محمد (¬1): شرع في إنشائها سنة 758هـ، وهي من أعظم المدارس في ذلك العصر بناءً، وأحسنها هنداماً، وفيها أربع مدارس للمذاهب الأربعة. هذه أهم المدارس في ذلك الوقت، غير أنّه كانت هناك العديد من المدارس قد انتشرت في طول البلاد وعرضها، مثل: الخانقاه البيبرسية (¬2)، وخانقاه قوصون (¬3)، وخانقاه شيخو (¬4)، ومدرسة صرغتمش (¬5) والمدرسة الظاهرية الجوانية بدمشق (¬6)، والمدرسة القيمرية (¬7)، والمدرسة الناصرية الجوانية (¬8)، وغيرها الكثير. هذا بالإضافة إلى المدارس التي كانت منتشرة من قبل إبان عهد الدولة الأيوبية، والتي اهتمت اهتماماً بالغاً بإنشاء المدارس (¬9). وكان من نتاج هذه النهضة العلمية أن ظهر العديد من العلماء في مختلف العلوم والفنون، حيث كان لهم أثر بارز في مسيرة العلم ونشر الثقافة العربية والإسلامية، ومن هؤلاء العلماء على سبيل المثال (¬10): 01 ابن الرفعة: الإمام شيخ الإسلام، نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن الرفعة المتوفى سنة 710هـ إمام الشافعية في زمانه، قال عنه التاج السبكي: ((أُقسم بالله يميناً بَرَّةً لو رآه الشافعي لَتَبَجّح بمكانه، وترجَّح عنده على أَقرانه، وترشّح لأن يكون في طبقة مَن عاصَرَه وكان في زمانه.)) (¬11) ¬

_ (¬1) السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 332) والسلطان المذكور هو الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون الصالحي، كان ملكا عضيما عارفا شهما خبيرا بمصالح نفسه، طالت مدته واشتد بأسه، خلع من السلطنة وتوفي سنة 762هـ،، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 240) (¬2) من خوانق القاهرة، أنشأها بيبرس الجاشنكيري سنة 709هـ، انظر: السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 229) (¬3) من خوانق القاهرة، انشئت عام 736هـ، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 232) (¬4) من خوانق القاهرة، أنشأها الأمير سيف الدين شيخو سنة 757هـ، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 230) (¬5) بناها الأمير سيف الدين صرغمتش سنة 757هـ ورتب فيها درسا للحديث وآخر للفقه الحنفي، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 231) (¬6) من مدارس دمشق، أنشأها الظاهر بيبرس وأتم بناءها السلطان سيف الدين قلاوون وهي اليوم مقر دار الكتب الوطنية بدمشق كما أفاده محقق كتاب الدارس، انظر: النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس (1/ 348) (¬7) من مدارس دمشق، أنشئت سنة 665هـ، النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس (1/ 351) (¬8) من مدارس دمشق بناها الملك الناصر بن صلاح الدين 653هـ، النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس (1/ 241) (¬9) السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 224)، ومن هذه المدارس: المدرسة الصلاحية والمدرسة الكاملية والمدرسة الصالحية وغيرها (¬10) أضف إلى هؤلاء العلماء أسرة التاج السبكي وشيوخه وتلامذته؛ إذ كلهم علماء أفذاذ ونجباء، والذين آثرت ذكرهم في الموضع اللائق بهم هناك فانظره. (¬11) التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 25)

من مصنفاته: ((المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي))، ((كفاية النبيه في شرح التنبيه))، كتاب في هدم الكنائس سماه ((النفائس في هدم الكنائس)) وغيرها (¬1). 02 ابن الزملكاني: الإمام العلامة المناظر محمد بن علي بن عبد الواحد كمال الدين بن الزملكاني، شيخ الشافعية في زمانه، انتهت إليه رياسة المذهب تدريساً وإفتاء، ذَكَره الذهبي في المعجم المختص وقال: ((شيخنا قاضي القضاة عَلَمُ العصر ... كان من بقايا المجتهدين ومن أذكياء أهل زمانه، دَرَّس ... وأفتى وتَخَرّج به الأصحاب.)) (¬2) له تصانيف نافعة كثيرة، منها: ((شرح منهاج النووي))، ((كتاب في تفضيل البشر على المَلَك))، كتاب في ((الرد على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة))، وغيرها، توفي رحمة الله سنة 727هـ (¬3) 03 ابن تيمية: الإمام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي، العلامة الحنبلي المعروف، ذَكَره الذهبي في معجمه وقال عنه: ((برع في علوم الآثار والسنن ودرّس وأفتى وصنّف التصانيف البديعة، وانفرد بمسائل فَنِيلَ من عرضه لأجلها، وهو بشر له ذنوب وخطأ، ومع هذا فوالله ما قلّت عيني مثله، ولا رأى هو مثل نفسه ولا رأى.)) اهـ (¬4) وقال ابن كثير في حقه: ((وبالجملة كان رحمه الله من كبار العلماء ممن يخطئ ويصيب، ولكن خطؤه بالنسبة إلى صوابه كنقطة من بحر لُجِّي.)) (¬5) من مصنفاته: ((الفتاوى))، ((الصارم المسلول على شاتم الرسول))، ((اقتضاء الصراط ... المستقيم)) وغيرها، توفي رحمه الله بدمشق سنة 728هـ (¬6). 04 الإسنوي: الإمام الفهّامة الأصولي الناقد جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر الإسنوي، شيخ الشافعية في زمانه وفقيههم، وأَكثَرُ أهل زمانه اطلاعاً على كتب المذهب، قال عنه ابن شهبة: ((أَكثَرُ علماء الديار المصرية طَلَبتُه، وكان حَسَن الشكل، حَسَن التصنيف، ليِّنَ الجانب، كثيرَ الإحسان إلى طلبته، ملازماً للإفادة والتصنيف.)) (¬7) له المصنفات النافعة المفيدة منها: ((شرح منهاج الوصول للبيضاوي))، ((التنقيح على ... التصحيح))، ((المهمات))، ((التمهيد))، وغيرها، توفي رحمه الله تعالى سنة 772هـ (¬8). ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 471)، الإسنوي، طبقات الشافعية (1/ 601)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 273) (¬2) الذهبي، المعجم المختص ص 165 - 166 (¬3) انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 548)، التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 190) (¬4) الذهبي، المعجم المختص ص 26 (¬5) ابن كثير، البداية والنهابة (14/ 557) (¬6) انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 552 – 557)، الذهبي، المعجم المختص ص 25 - 26 (¬7) ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 134) (¬8) انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 132 – 135)، ابن هداية الله، طبقات الشافعية ص 236

المبحث الثاني اسمه، نسبه، أسرته

05 ابن كثير: الإمام الحافظ عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن كثير بن ضَوء بن كثير القرشي الدمشقي، المؤرخ المتفنن والمفسر النقاد، ذَكَره الذهبي في معجمه فقال: ((يدري الفقه، ويفهم العربية والأصول، ويحفظ جملة صالحة من المتون والتفسير والرجال وأحوالهم.)) (¬1) من مصنفاته المشهورة: ((البداية والنهاية)) وهو في التاريخ، ((التفسير))، ((طبقات ... الشافعية))، ((تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب))، توفي بدمشق سنة 774هـ (¬2). 06 التفتازاني: الإمام المحقق المتكلم الأصولي النظار سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، عالم النحو والبيان والأصلين والمنطق وغيرها. قال عنه ابن حجر (¬3): ((كان قد انتهت إليه معرفة علوم البلاغة والمعقول بالمشرق، بل بسائر الأمصار، لم يكن له نظير في معرفة هذه العلوم، مات ولم يخلف بعده مثله)). من مصنفاته: ((شرح العقائد النسفية))، ((المقاصد)) في أصول الدين، ((شرح الشمسية)) في المنطق، ((شرح تصريف الغزي)) في الصرف، ((التلويح)) في أصول الفقه، وغيرها الكثير. توفي رحمه الله تعالى سنة 792هـ (¬4). المبحث الثاني اسمه، نسبه، أسرته المطلب الأول: ذِكْر مصادر ترجمته: تعدّ شخصية التاج السبكي شخصية عبقرية فَذَّة، كانت ولا تزال مثار اهتمام العديد من المؤرخين والدارسين، لذا فليس من المستغرب أن تجد كتب التاريخ والطبقات حافلة بذِكْره وذِكْر أخباره وآثاره، وقد استقرأت كل ما وقع تحت يدي من كتب التاريخ والطبقات بحثاً عن التاج السبكي فوجدت له ذِكْراً عند كل من: ? الذهبي (ت 748هـ) في المعجم المختص ص 108. ? الصفدي (ت 764هـ) في ((الوافي بالوفيات)) (19/ 315) وفي ((أعيان العصر)) (3/ 132، 436، 437، 657 وغيرها). ? الحسيني (ت 765هـ) في ((ذيله على العبر)) (4/ 177، 200). ? ابن رافع (ت 772هـ) في ((الوفيات)) (2/ 364). ? ابن كثير (ت 774هـ) في ((البداية النهاية)) (14/ 688، 690، 726، 735، 746، 728). ? ابن حبيب (ت 779هـ) في ((تذكرة النبيه)) (3/ 218). ? ابن العراقي (ت 826هـ) في ((ذيله على العبر)) (2/ 303). ? ابن ناصر الدين الدمشقي (ت 842هـ) في ((مجالس في تفسير قوله تعالى:'' لقد منّ الله على ... المؤمنين ... '')) ص 49 - 50. ? المقريزي (ت 845هـ) في ((السلوك)) (4/ 337). ? ابن شهبة (ت 851هـ) في ((تاريخه)) (3/ 372) وفي ((طبقات الشافعية)) (3/ 140). ? ابن حجر (ت 852هـ) في ((الدرر الكامنة)) (2/ 425). ? ابن تغري بردي (ت 874هـ) في ((النجوم الزاهرة)) (11/ 86) وفي ((المنهل الصافي)) ... (7/ 385) وفي ((الدليل الشافي)) (1/ 433). ? السخاوي (ت 902هـ) في ((وجيز الكلام)) (1/ 122، 130، 162 - 163، 174، 177). ? السيوطي (ت 911هـ) في ((حسن المحاضرة)) (1/ 282). ? النعيمي (ت 927هـ) في ((الدارس في تاريخ المدارس)) (1/ 18، 37 - 38، 200، 216 ... وغيرها). ¬

_ (¬1) الذهبي، المعجم المختص ص 56 (¬2) ابن شهبة طبقات الشافعية (3/ 113 - 115)، الذهبي المعجم المختص ص 56 (¬3) ابن حجر، الدرر الكامنة (4/ 350) (¬4) انظر ترجمته في ابن حجر، الدرر الكامنة (4/ 350)، ابن العماد، شذرات الذهب (7/ 67)

المطلب الثاني: اسمه ونسبه

ابن طولون (ت 953هـ) في ((قضاة دمشق)) ص 105 وفي ((تاريخ الصالحية)) (2/ 371). ? ابن إياس الحنفي في ((بدائع الزهور)) (الجزء الأول، قسم 2، ص 98). ? طاش كبرى زاده (ت 968هـ) في ((مفتاح السعادة)) (1/ 285، 340). ? ابن هداية الله (ت 1014هـ) في ((طبقات الشافعية)) ص 234. ? حاجي خليفة (ت 1067) في ((كشف الظنون)) (1/ 467). ? البغدادي () في ((هداية العارفين)) (5/ 639). ? ابن العماد (ت 1089هـ) في ((شذرات الذهب)) (6/ 419). ? الغزي (ت 1167هـ) في ((ديوان الإسلام)) (3/ 45). ? الزبيدي (ت 1205هـ) في ((تاج العروس)) (7/ 141). ? الشوكاني (ت 1250هـ) في ((البدر الطالع)) ص 415. ? القنوجي (ت 1307هـ) في ((أبجد العلوم)) (2/ 301). ? الألوسي (ت 1317هـ) في ((محاكمة الأحمدين)) ص 24. ? الكتاني في ((الرسالة المستطرفة)) ص 105 وفي ((فهرس الفهارس)) (2/ 1037). ? الثعالبي (ت 1376هـ) في ((الفكر السامي)) (2/ 411 - 412). ? المراغي () في ((الفتح المبين)) (2/ 191 - 192). ? شعبان اسماعيل في ((أصول الفقه: تاريخه ورجاله)) ص 363 - 364. ? محمد الصادق حسين في ((البيت السبكي)) ص 1 - 22. ? الزركلي في ((الأعلام)) (4/ 184). ? كحالة في معجم المؤلفين (2/ 343) ? شاكر مصطفى في ((تاريخ العرب والمؤرخون)) (4/ 81 - 83). ? السيد عبد العزيز سالم في ((التاريخ والمؤرخون العرب)) ص 181. ? المنجد في ((معجم المؤرخين الدمشقيين)) ص 199 - 202. كما له ذِكْر في: موسوعة طبقات الفقهاء (8/ 124، الموسوعة العربية العالمية (12/ 136) والموسوعة العربية الميسرة والموسعة (1/ 79)، وفي دائرة معارف القرن الرابع عشر، القرن العشرين (5/ 28). المطلب الثاني: اسمه ونسبه. هو الإمام العلامّة قاضي القضاة شَيخُ الإسلامِ ومفتي الأنام، تاجُ الدِّين أبو نَصرٍ عَبدُ الوهّابِ ابن عليٍّ بن عَبد الكافي بن عليٍّ بن تمّام بن سَوّار بن سُلَيمٍ السُّبكيِّ الخَزْرَجيِّ الأنَصْاريِّ، الأشَعريُّ مُعتَقَداً، الشافعيُّ مذهباً، القاهريُّ مولداً، والدمشقيُّ مدفناً (¬1). فاسمه: عَبدُ الوهّاب. وكنيته: أبو نَصْر. ولقبه: تاجُ الدِّين. ونسبه: أـ السبكي: نسبة إلى قرية ((سُبك العبيد)) (¬2)، من قرى المنوفية بمصر، والتي تسمى اليوم بـ ((سبك الأحد)) أو ((سبك الحد)) عند العامّة (¬3). ¬

_ (¬1) انظر الصفدي، الوافي في الوفيات (19/ 315)، ابن رافع، الوفيات (2/ 362)، ابن تغري بردي، المنهل الصافي (7/ 385) (¬2) هناك قريتان في مصر تعرفان باسم سبك وكلاهما من أعمال المنوفية، الأولى تسمى سبك العبيد وسبك العويضات، والثانية تعرف باسم سبك الضحاك وعند العامة باسم سبك الثلاثاء، وتاج الدين مترجمنا من القرية الأولى، نص ذلك هو نفسه في ترجمته لجده عبد الكافي بن علي في الطبقات الوسطى، انظر طبقات الشافعية الكبرى (10/ 89)، كما أكد ذلك غير واحد من المحققين منهم: الصفدي في أعيان العصر ... (3/ 132) والفيروزابادي في القاموس المحيط، مادة سبك (3/ 306) والزبيدي في تاج العروس مادة سبك (3/ 140) (¬3) انظر محمد الصادق حسين، البيت السبكي ص 87، الزبيدي، تاج العروس (7/ 140)

المطلب الثالث: مولده

ب ـ الخزرجي الأنصاري: نسبة إلى قبيلة الخزرج من الأنصار، وهذه النسبة قد نقلها تاج الدين السبكي من خط جده عبد الكافي بن علي، وقال: إنّ النسابة شرف الدين الدمياطي (¬1) كان يكتبها بخطه للشيخ الوالد (¬2)، وكان الشعراء يمتدحونه بها، ولم يكن لينكر عليهم (¬3). إلا أنّه قد بيّن أنّ والده ما كان ليكتبها لنفسه، وذلك ورعاً منه واحتياطاً أن يكون قد دعا نفسه إلى قوم ليس منهم (¬4). مما سبق يتبيّن لي أنّ هذه النسبة صحيحة مقبولة ولو كانت خطأ محضاً لما أقرها تقي الدين السبكي ولا ابنه التاج ولأنكراها وبيّنا ذلك، وأما عدم كتابته لها فهي من باب الاحتياط والورع ليس إلا، وليس نفياً لها البتة. المطلب الثالث: مولده: اختلف المؤرخون والمترجمون للتاج السبكي في سنة مولده على ثلاثة أقوال: الأول: أنّه ولد سنة 727 هـ (¬5). الثاني: أنّ مولده سنة 728 هـ (¬6). الثالث: أنّ مولده سنة 729 هـ (¬7). والذي يترجّح لديّ من هذه الأقوال هو الثاني أنّ مولده سنة 728 هـ وذلك للأسباب الآتية: 01 أنّ الذهبي وهو شيخ التاج السبكي، وصديق والده، قد نص على أنّ مولده سنة 728 هـ، وكونه شيخه وصديق والده يقوي إمكانية سماع هذا التاريخ من التاج نفسه أو من والده، أضف إلى ذلك أنّ التاج السبكي قد ذَكَر ((المعجم المختص)) في مصنفات الذهبي مما يقوي احتمالية اطلاعه عليه، ولو كان الذهبي أخطأ في تاريخ مولده لتعقبه وبيّن أنّه أخطأ فيه. 02 أنّ ابن رافع وهو من معاصري التاج ومن تلامذة والده قد ذَكَر هذا التاريخ أيضاً، وقوله أقرب إلى الصحة لاحتمالية سماعه من شيخه أو من التاج نفسه. 03 إنّ الصلاح الصفدي (¬8) وهو من أعز أصدقاء التاج السبكي قد ذَكَر هذا التاريخ أيضاً، ومن الصعب أن يكون الصفدي قد أخطأ في تاريخ مولد صديقه وحميمه رغم ما بينهما من صداقة ومراسلات ومساجلات مشهورة. ¬

_ (¬1) هو الإمام العلامة الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى التوني الدمياطي، كان حافظ زمانه وأستاذ الأستاذين في معرفة الأنساب وإمام أهل الحديث المجمع على جلالته، توفي سنة 705هـ، من مصنفاته: جامع المسانيد، التلقيح، والمدهش، انظر: التاج السبكي، الطبقات الشافعية (10/ 102) (¬2) التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 91) (¬3) المرجع السابق (10/ 93) (¬4) المرجع السابق (¬5) ذكر هذا التاريخ ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 425)، ابن طولون في القلائد الجوهرية (2/ 371)، ابن العماد في شذرات الذهب ... (6/ 419) وقد ارتضى هذا التاريخ أغلب المترجمين له من المعاصرين وأكثر المتأخرين. (¬6) ذكر هذا التاريح الذهبي في المعجم المختص ص 108، الصفدي في الوافي (19/ 315)، ابن رافع في الوفيات (2/ 364)، ابن تغري بردي في المنهل الصافي (7/ 385) (¬7) ذكر هذا التاريخ الزبيدي في تاج العروس (7/ 141)، السيوطي في حسن المحاضرة (1/ 282) (¬8) هو العلامة الأديب صاحب أعيان العصر خليل بن أيبك بن عبد الله المعروف بصلاح الدين الصفدي، توفي سنة 764هـ، من مصنفاته: صرف العين، والوافي بالوفيات، انظر ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 733)، التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 6 - 32)

المطلب الرابع: أسرته

04 إنّ الذين ذَكَروا سنة 728هـ كما رأيت هم من المعاصرين للتاج السبكي ومنهم شيوخه وأقرانه، في حين الذين ذَكَروا سنة 727هـ أو سنة 729هـ كلهم متأخِّرون عن عصره وعهده ولم يُدرِك أيّ منهم التاج السبكي، مما يَعني تقديمَ قول المعاصرين عليهم؛ لأنّهم أعلمُ بحاله من غيرهم، كلُّ ذلك يؤكّدُ أنّ مولدَه سنة 728هـ، ما في ذلك شك. المطلب الرابع: أسرته تعدّ الأسرة التي منها التاج السبكي أسرةً عريقةً فريدةً من نوعها، إذ أنّ معظم أفراد هذه الأسرة ـ إن لم نقل كلهم ـ علماء أو قضاة أو خطباء أو مدرسون للعلم، قلّما تجد أسرة تمتاز بهذه المِيزة، وسأعرض هنا بصورة موجزة أبرز أفراد أسرة التاج السبكي، فأَذكُرُ منهم (¬1): والده: الإمام العلامة شيخ الإسلام أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي بن تمّام بن يوسف السبكي الخزرجي الأنصاري، الشيخ الإمام الفقيه المجتهد، المحدث الحافظ، المفسر المقريء، الأصولي المتكلم النحوي اللغوي الأديب، الحكيم المنطقي الجدلي الخلافي النظار. ذَكَره الذهبي في المعجم المختص وقال عنه: ((القاضي الإمام العلامة الفقيه المحدث الحافظ فخر العلماء ... كان صادقاً متثبتاً خيراً ديناً متواضعاً حَسَنَ السَّمتِ من أوعية العلم يدري الفقهَ ويقرّره، وعلمَ الحديث ويحرّره، والأصولَ ويُقْرِئها، والعربيةَ ويحقّقها ... ، وصنّف التصانيف المتقنة، وقد بقي في زمانه الملحوظَ إليه بالتحقيق والفضل، سمعت منه وسمع مني، وحكم بالشام وحُمِدَت أحكامه والله يُؤيّده ويُسدّده)) (¬2) اهـ. له تصانيف فائقة كثيرة تربو على 211 مصنفاً منها (¬3): ((الاعتبار ببقاء الجنة والنار))، ((النكت على صحيح البخاري))، ((الابتهاج في شرح المنهاج))، ((ورد العلل في فهم العلل))، ((أحكام كل وما تدل عليه))، وغيرها الكثير الكثير. توفي رحمه الله تعالى في القاهرة سنة 756 هـ (¬4). إخوته: 01 بهاء الدين: الإمام العلامة قاضي القضاة أبو حامد أحمد بن علي السبكي، فقيه أصولي، لغوي نحوي، صاحب فضائل جمة ومناقب كثيرة، قال عنه الذهبي: ((الإمام العلامة المدرس ... له فضائل وعلم جيد، وفيه أدب وتقوى، ساد وهو ابن عشرين سنة، ودرّس في مناصب أبيه وأثنى على دروسه)) (¬5) وقال عنه ابن شهبة: ((كان كثير الحج والمجاورة والتعبد والأوراد، كثير المروءة والإحسان)) (¬6). ¬

_ (¬1) لمعرفة المزيد عن هذه الأسرة انظر البيت السبكي لمحمد الصادق حسين، فقد جمع كل ما يمكن جمعه عن هذه الأسرة وترجم لثلاثة وخمسين شخصية منها، غير أنه أغفل ذكر بعض نساء هذه الأسرة كأمثال خديجة وست الخطباء ابنتي تقي الدين السبكي. (¬2) الذهبي، المعجم المختص ص 116 (¬3) انظر مقدمة السيف المسلول على من سب الرسول ص 78 (¬4) انظر ترجمته في التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 139 - 338)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 47 - 53) (¬5) الذهبي، المعجم المختص ص 28 (¬6) ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 105)

شقيقاته

من مصنفاته: ((شرح التلخيص))، ((المناقضات)) في الفقه، وشرح ((قطعة من الحاوي))، ((وقطعة أخرى من مختصر ابن الحاجب))، توفي رحمه الله تعالى بمكة مجاوراً سنة 773هـ (¬1). 02 جمال الدين: الإمام العلامة القاضي أبو الطيب الحسين بن علي بن عبد الكافي السبكي، النحوي الأديب الشاعر الفقيه الأصولي، صاحب عقل وفضل وفهم ونبل (¬2)، قال عنه ابن كثير عند ذِكْر وفاته: ((تأسف الناس عليه لسماحة أخلاقه وانجماعه على نفسه، ولا يتعدّى شره غيره، وكان يحكم جيداً، نظيف العرض في ذلك، ... أفتى وتصدر، وكانت لديه فضيلة جيدة بالنحو والفقه والفرائض)) (¬3). وقال عنه أخوه التاج السبكي: ((كان من أذكياء العالم، وكان عجباً في استحضار (التسهيل) في النحو، ودرس بالآخرة على (الحاوي الصغير)، وكان عجباً في استحضاره)) (¬4). من مصنفاته: جمع كتاباً في من اسمه الحسين بن علي. توفي رحمه الله سنة 755هـ في حياة والده، ودفن بتربة السبكية بسفح قاسيون (¬5). 03 أبو بكر: محمد بن علي السبكي، أكبر أولاد الشيخ تقي الدين السبكي، ولا يوجد بين أيدينا شيء من أخباره إلا ما ورد في طبقات أخيه التاج السبكي، حيث ذَكَره عرضاً في ترجمة والده، مبيّناً أنّ والده قد وجه إليه قصيدة يخاطبه بها ناصحاً له الاهتمام بالعلم ودروسه من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفقه الشافعي الإمام، وأصول الفقه، واتباع طريقة الجنيد في التصوف. وقد توفي قبل أن يُشتَهر ويُعرَف عن حاله شيء (¬6). شقيقاته: 01 أم محمد: خديجة بنت علي بن عبد الكافي، الشيخة الصالحة، توفيت رحمها الله في ذي القعدة من سنة 770هـ، ودفنت بقاسيون في مقبرة السبكية (¬7). 02 ست الخطباء: الشيخة الصالحة بنت القاضي علي بن عبد الكافي، حدَّثت بمصر وبحمص وغزة وغيرها، وأُضِرَّتْ في آخر عمرها، وثَقُلَ سمعها، وقد كانت خيِّرة ديِّنة، توفيت رحمها الله تعالى في جمادى الآخرة من سنة 773هـ بالقاهرة، ودفنت بمقابر باب النصر (¬8). 03 أم الخير: ستيتة بنت علي، محدثة فاضلة، ماتت بالقاهرة سنة 776هـ رحمها الله تعالى وأسكنها فسيح جناته (¬9). ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 103 - 106) (¬2) الذهبي، المعجم المختص ص 64 (¬3) ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 677) (¬4) التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 412) (¬5) انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 677)، التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 411 - 425)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 25 - 27) (¬6) التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 177) (¬7) انظر ترجمتها في ابن رافع، الوفيات (2/ 347)، ابن العراقي، الذيل على العبر (1/ 285) (¬8) انظر ترجمتها في ابن رافع، الوفيات (2/ 387)، ابن حجر، إنباء الغمر (1/ 26) (¬9) ابن حجر الدرر الكامنة (2/ 130)، كحالة، أعلام النساء (2/ 176)

المبحث الثالث نشأته وطلبه للعلم

04 سارة: بنت علي بن عبد الكافي، سمعت من أبيها ومن زينب بنت الكمال (¬1)، وتزوجها أبو البقاء السبكي (¬2)، ولما مات رجعت إلى القاهرة، ثم عادت إلى دمشق فالقدس فالقاهرة، وحدَّثت وسمع منها الكثير منهم ابن حجر العسقلاني، توفيت رحمها الله في القاهرة سنة 805هـ، وقد جاوزت التسعين (¬3). المبحث الثالث نشأته وطلبه للعلم في ظل هذه الأسرة وهذا البيت وُلِد ونَشَأ تاج الدين وتَرعرَعَ في كَنَف والده الذي رعاه رِعايةً خاصة منذ نعومة أظفاره، وقد كان لنشأة تاج الدين الأولى أكبرَ الأثر في صقل شخصيته العلمية وتوجيهها التوجيه العلمي الصحيح. حيث كان والده الشيخ تقي الدين أوّلَ مُرّبِ ومُعلّمٍ لولده تاج الدين، ولا غرابة في ذلك إذ كان والده قِبلةً للعلماء وطلاب العلم في ذلك الوقت؛ لذا فقد وجّه ولدَه تاج الدين التوجيهَ العلميَّ الرصين والسليم. فأقبل تاج الدين على العلم مبكراً؛ فحفظ القرآن صغيراً، وأخذ عن والده علوم العربية والعقيدة والفقه وأصوله، وغيرها من العلوم التي تَميَّز بها الشيخ تقي الدين (¬4). وقد كان لتوجيهات والده أكبر الأثر في تَميُّزه ونبوغه المبكر، فقد كان دائماً ما يُحرّضه على العلم وطلبه، ويُحذّره من الكسل أو التواني فيه، وها هو التاج يُحدّثُنا عن بعض هذه التوجيهات والنصائح فيقول: ((وكان ينهانا عن نوم النصف الثاني من الليل، ويقول لي: يا بني تعود السهر ولو أنّك تلعب، والويل كل الويل لمن يراه نائماً وقد انتصف الليل)) (¬5). وهكذا ظل التاج يَنهَلُ العِلمَ من والده ومن غيره من علماء عصره، وطلب بنفسه واشتغل وبَرعَ وحَدّث وأفتى ودرّس؛ حتى فاق كل أقرانه وبَزغَ نَجمُه في حياة والده (¬6). المطلب الأول: شيوخه لم يكن الشيخ تقي الدين هو المعلم الوحيد لولده بل قد زَجّ به والده مبكراً في أحضان العلماء ليَنْهلَ من علومهم ويكتسبَ من معارفهم ما يقوي به شخصيته ويُنمّي فكره وثقافته، حيث تتلمذ على مشايخ وجهابذة العلم في زمانه، ففي مصر حيث نشأة التاج الأولى وبدايته العلمية أخذ العلم على يحيى ¬

_ (¬1) ستأتي ترجمتها في شيوخ التاج السبكي ص 27 من هذه الرسالة (¬2) هو الإمام العلامة قاضي القضاة بقية الأعلام صدر مصر والشام بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام بن يوسف السبكي وهو ابن ابن عم تقي الدين السبكي، كان إماما نظارا جامعا لعلوم شتى، توفي سنة 777هـ، من مصنفاته: قطعة من اختصار المطلب وقطعة من شرح الحاوي. ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 171) (¬3) ترجمتها في ابن حجر، ذيل الدرر ص 129، السخاوي، الضوء اللامع (12/ 551)، ابن العماد، شذرات الذهب (7/ 175) (¬4) انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 199)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 140) (¬5) انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 203) (¬6) انظر ابن رافع، الوفيات (2/ 363)، ابن العراقي، الذيل على العبر (2/ 304)

ابن يوسف المصري (¬1)، وعبد المحسن بن الصابوني (¬2)، والحافظ أبي الفتح بن سيد الناس (¬3)، وغيرهم (¬4). ولما وَلِي أبوه قضاء الشام سنة 739 هـ (¬5)، قَدِم التاج دمشق مع والده، وهنالك سمع من جماعة من العلماء وأجازه العديد منهم وأذن له ابن النقيب بالإفتاء، ولما توفي ابن النقيب لم يكن عمر التاج إذ ذاك قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره (¬6). وسأعرض فيما يأتي لأهم شيوخه الذين تتلمذ عليهم (¬7): 01 الذهبي: الإمام الحافظ المؤرخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، المتوفى سنة 746 هـ (¬8). قال عنه تلميذه التاج السبكي: ((شيخنا وأستاذنا الإمام الحافظ، مُحدّث العصر ... بَصَرٌ لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظاً، وذَهَبُ العصر معنى ولفظاً، وشيخ الجرح والتعديل والحديث، ورجل الرجال في كل سبيل)) (¬9)، وقد أخذ عنه التاج علم التاريخ والجرح والتعديل والحديث ومعرفة أحوال الرجال. ويعدّ الذهبي أستاذه الأول في كل ذلك حيث يقول التاج: ((وهو الذي خَرّجَنا في هذه الصناعة وأدخلنا في عداد الجماعة)) (¬10) اهـ 02 المِزِّي: الإمام الحافظ أبو الحجاج يوسف بن الزَّكي بن عبد الرحمن القُضاعي الدمشقي جمال الدين المزي المتوفى سنة 742 هـ (¬11). ¬

_ (¬1) هو الإمام العلامة المسند شرف الدين يحيى بن يوسف بن أبي محمد بن أبي الفتوح المقدسي المعروف بابن المصري، توفي سنة 737هـ، انظر ترجمته في: ابن حبيب، تذكرة النبيه (2/ 287) (¬2) هو الإمام الحافظ المسند أمين الدين أبو الفضل عبد المحسن بن شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن الصابوني المصري، توفي سنة 736هـ، انظر: ابن حبيب، تذكرة النبيه، (2/ 275) (¬3) هو الإمام الحافظ الأديب فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن سيد الناس، توفي سنة 734هـ، من مصنفاته: عيون الأثر في المغازي والسير، شرح على الترمذي. انظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 368) (¬4) انظر ابن حجر، الدرر الكامنة (2/ 425)، ابن رافع، الوفيات (2/ 363)، ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (3/ 372) (¬5) ابن حجر، الدرر الكامنة (2/ 426)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 140) (¬6) انظر المصادر السابقة (¬7) المصادر السابقة، الصفدي، الوافي (19/ 315)، النعيمي، الدارس (1/ 37)، ابن تغري بردي، المنهل الصافي (7/ 385) (¬8) ترجمته في الصفدي، أعيان العصر (4/ 288 - 296)، الكتبي، فوات الوفيات (2/ 305 - 306)، التاج السبكي، طبقات الشافعية ... (9/ 100 - 123) (¬9) انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 100) (¬10) انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 101) (¬11) ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 614)، الحسيني، الذيل على العبر (4/ 126 - 127)، التاج السبكي، طبقات الشافعية ... (10/ 395 - 430)

المطلب الثاني: تلاميذه

ترجمه التاج فقال عنه: ((شيخنا وأستاذنا وقُدوتُنا ... حافظُ زماننا، وحاملُ راية السنة والجماعة، والقائم بأعباء هذه الصناعة، والمتدرّع بجلباب الطاعة، إمام الحفاظ ... واحد عصره بالإجماع، وشيخ زمانه الذي تُصغي لما يقول الأسماع)) (¬1)، وقد قرأ عليه التاج الحديثَ وسمع منه الكثير وبه تخرج في معرفة الرجال (¬2). 03 أبو حيان: الإمام النحوي الأديب المفسر، أثير الدين محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن ... حيان، المتوفى سنة 745 هـ (¬3). ذَكَره التاج في طبقاته فقال: ((شيخنا وأستاذنا ... شيخ النحاة، العَلَمُ الفَردُ والبحر الذي لم يعرف الجزر بل المد، سيبويه الزمان، والمبرد إذا حمى الوطيسُ بتشاجر الأقران، وإمام النحو الذي لقاصده منه ما يشاء، ولسان العرب الذي لكل سمع لديه إصغاء)) (¬4)، وقد أخذ عليه التاج علم النحو وعلوم اللغة وهو أستاذه في النحو بلا منازع. 04 ابن النقيب: الإمام الفقيه شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن النقيب المتوفى سنة 745 هـ (¬5). قال عنه التاج: ((شيخنا قاضي القضاة ... وصاحب النووي، وأَعظِم بتلك الصحبة رُتبةً عَليّةً، وله الديانة والفقه والورع الذي طَرَدَ به الشيطانَ وأَرغمَ أنفه، وكان من أساطين المذهب وجمرة نار وذكاء، إلا أنّها لا تتلهب)) (¬6)، وقد أخذ عنه التاج الفقه الشافعي، وهو الذي أجازه بالإفتاء ولم يكن سنه قد تجاوز الثامنة عشرة. 05 زينب بنت الكمال: السيدة العذراء مُسنِدة الشام زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقدسية، المتوفاة سنة 740 هـ (¬7). قال عنها الذهبي: ((تفرّدَت ورَوَتْ كتباً كباراً)) (¬8)، وقال ابن حجر في حقّها مادحاً: ((روت الكثير وتزاحم عليها الطلبة وقرأوا عليها الكتب الكبار)) (¬9)، وتاج الدين السبكي من المُكثِرِين بالرواية عنها وخاصة في كتابه الطبقات. المطلب الثاني: تلاميذه لقد أعطى التاج السبكي جُلّ حياته في التدريس والتصنيف والإفتاء، فكَثُرَ طلاب العلم على بابه، وتخرّج على يديه العديد من العلماء، ونظراً لكَثرَة تلاميذه الذين تتلمذوا عليه سأقتصر في هذا المبحث على ذكر الأبرز منهم: ¬

_ (¬1) انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 395) (¬2) المصدر السابق (10/ 401) (¬3) انظر ترجمته في الحسيني، الذيل على العبر (4/ 134)، التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 276 - 307) (¬4) انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 276) (¬5) ترجمته في الحسيني، الذيل على العبر (4/ 136 - 137)، التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 307 - 309). قلت: وهو غير ابن النقيب المصري الفقيه المصري الشافعي المشهور المتوفى سنة 769هـ، صاحب عمدة السالك وعدة الناسك، ومن هنا يعلم خطأ محقِّقَي كتاب رفع الحاجب حيث وهما فيه. (¬6) انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 307) (¬7) ترجمتها في الذهبي، الذيل على العبر (4/ 117)، الصفدي، أعيان العصر (2/ 390)، الوافي (15/ 8) (¬8) الذهبي، الذيل على العبر (4/ 117) (¬9) ابن حجر، الدرر الكامنة (2/ 210)

01 شمس الدين الغزي: الإمام العلامة القاضي أبو عبد الله محمد بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزي، المتوفى بدمشق سنة 770 هـ، والمدفون بتربة السبكيين (¬1). ذَكَره التاج في طبقاته وقال عنه: ((رفيقي في الطلب)) (¬2). وقال عن كتابه الذي جمع فيه مناقب الإمام الرافعي، والذي قد سماه التاج السبكي بـ ((ميدان الفرسان)) وذلك بناءً على طلب من تلميذه الغزي فقال: ((وكان يقرأ عليّ غالب ما يَكتُبُ فيه، ويسألني عما أُشكِلَ عليه، فلي في كتابه هذا كثير من العمل، وبالجملة لعلنا استفدنا منه أَكثَرَ مما استفاد منا.)) (¬3) وقال أيضاً: ((استنَبْتُه في الحكم بدمشق، ونزلت له عن تدريس التقويه، ثم تدريس الناصريه)) (¬4). وكان الغزي قد قام في محنة التاج السبكي (¬5) قياماً عظيماً وحاقَقَ عنه، فجزاه الله خير الجزاء (¬6). 02 ابن سند: الإمام العالم الحافظ شمس الدين أبو العباس محمد بن موسى بن محمد بن سند بن تميم اللّخمي، المتوفى سنة 790 هـ (¬7). صَحِبَ القاضي تاج الدين ولازمه وكان يقرأ عليه تصانيفه في الدروس، كما قرأ عليه السيرة النبوية، وولاه التاج السبكي بعض الوظائف (¬8). 03 زين الدين القرشي: الإمام العلامة الفقيه المفسر، زين الدين أبو حفص عمر بن مسلم بن سعيد ابن عمر بن بدر بن مسلم القرشي الملحي الدمشقي، المتوفى سنة 792 هـ (¬9). وكان القاضي تاج الدين هو الذي أدخله بين الفقهاء، فلما حصلت له المحنة كان ممن قام عليه (¬10). 04 ابن الشّريشي: الإمام العلامة شرف الدين أبو الثناء محمود بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد البكري الوائلي، المتوفى سنة 795 هـ (¬11). كان ممن لازم القاضي تاج الدين، وحضر حلقاته، وقد استَنابَهُ التاج في الحكم قبل موته بيسير (¬12). 05 شرف الدين الغزي: الإمام العلامة الفقيه، أبو الروح عيسى بن عثمان بن عيسى الغزي المتوفي سنة 799 هـ، وكان قد أخذ عن التاج الفقه وأصوله (¬13). 06 ابن الجباب: الإمام العلامة المفتي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحيم، المتوفى سنة 800 هـ (¬14). كان ممن صحب التاج أيام محنته، فقرّبه وأحسن إليه وأدخله بين الفقهاء (¬15). ¬

_ (¬1) ترجمته في التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 155)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 165)، ابن العراقي الذيل على العبر (2/ 283) (¬2) التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 155) (¬3) المصدر السابق (¬4) المصدر السابق (9/ 156) (¬5) انظر هذه المحنة ص 44 من هذه الرسالة (¬6) ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 165) (¬7) انظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 344) (¬8) المصدر السابق (¬9) انظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 214)، ابن حجر، إنباء الغمر (3/ 42) (¬10) ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 215) (¬11) انظر ترجمته في: المصدر السابق (3/ 248)، ابن حجر، إنباء الغمر (3/ 186) (¬12) ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 249) (¬13) انظر ترجمته في المصدر السابق (3/ 216)، ابن حجر، إنباء الغمر (3/ 355) (¬14) انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 197)، ابن حجر، إنباء الغمر (4/ 401) (¬15) ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 198)

المبحث الرابع علومه

07 العَيزري: الإمام العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن الخضر بن شمّري الزُّبَيري الأسدي العَيزري، المتوفى سنة 808 هـ (¬1). له شرح على ((جمع الجوامع)) سماه ((تشنيف المسامع في شرح جمع الجوامع)). كما له إيرادات على المتن سأل عنها التاج السبكي سماها ((البروق اللوامع فيما أورد على جمع الجوامع))، وقد أجابه التاج السبكي عليها في مؤلف سماه ((منع الموانع عن جمع الجوامع)) (¬2). 08 الحمَوي: الإمام الشيخ جلال الدين يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن بن مسعود بن علي بن عبد الله، خطيب المنصورية وشيخ البلاد الشمالية (¬3) وعالمها وفقيها، توفي بحماة سنة 809 هـ، وقد تخرج على التاج السبكي في الفقه (¬4). 09 ابن حَجّي: الإمام العلامة الحافظ المتقن، ذو الخصال الزكية والأخلاق المرضية، وشيخ الشافعية، أحمد بن حَجّي بن أحمد بن سعيد بن غشم بن غزوان، المتوفى سنة 816 هـ (¬5). 10 ـ الفيروز آبادي: الإمام العلامة مجد الدين أبو الطاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم الشيرازي الفيروز آبادي، إمام اللغة في عصره وصاحب ((القاموس المحيط)) توفي بزبيد سنة 817 هـ (¬6). المبحث الرابع علومه لم يُعمّر تاج الدين السبكي طويلاً، فقد عاش ثلاثة وأربعين سنة، ومع قصر مدة حياته إلا أنّه ترك لنا تراثاً ضخماً في كثير من العلوم والمعارف فتاج الدين يعدّ موسوعة علمية متكاملة - إذا ما جاز لي التعبير -، فهو لم يترك علماً من العلوم الشرعية وآلاتها إلا وله فيه يد طولى وسأعرض في هذا المبحث العلوم التي كان يتقنها هذا العالم الفذ، وهي: 01 علم الحديث: لقد عُنِيَ التاج بالحديث عناية فائقة سواء رواية أو دراية، فهو يروي لنا الحديث بالأسانيد المتصلة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويتحدث على رجالها بالنقد والتعديل، ويتحدث على ألفاظها بالإيضاح والبيان. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل وجدته يقرّر قواعدَ خاصةً في علم الجرح والتعديل ينتقد فيها سابقيه ويبيّن فيها قوله المعتمد في الجرح والتعديل (¬7). ومن يطالع مصنفات التاج وخاصة كتاب الطبقات يُدرِكُ بوضوح مكانته العَليّة في هذا العلم ... وحسبه بذلك شهادة شيخ حفاظ الإسلام ابن حجر العسقلاني حيث قال في حقه: ((ومن الطبقات تعرف منزلته في الحديث)) (¬8). ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 73)، ابن حجر، إنباء الغمر (5/ 344)، السخاوي، الضوء اللامع (9/ 218) (¬2) السخاوي، الضوء اللامع (9/ 218) (¬3) أي شمال بلاد الشام (¬4) انظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 87)، ابن حجر، إنباء الغمر (6/ 50)، العامري، بهجة الناظرين ص 251 (¬5) انظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 10)، ابن حجر، إنباء الغمر (7/ 121)، العامري، بهجة الناظرين ص114 (¬6) ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 79)، ابن حجر، إنباء الغمر (7/ 159)، العامري، بهجة الناظرين ص107 (¬7) انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (2/ 9) (¬8) تقل هذا القول عن ابن حجر من تذكرة الحفاظ، الكتاني في فهرس الفهارس (2/ 1037)، غير أني لم أجد هذا القول في أي من كتب ابن حجر: الدرر، والذيل على الدرر، وإنباء الغمر، والله تعالى أعلم.

02 علم الكلام: إنّ من يطالع مصنفات التاج السبكي، لَيَرى واضحاً اهتمامه بعلم الكلام، فهو مُتكلِّم على طريقة الأشاعرة من أهل السنة، وكتبه زاخِرةٌ بمسائل هذا الفن الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم الأصول الذي كان التاج فيه إمام زمانه، فهو يذَكْرُ المسألة الكلامية مبيّناً ما فيها من مذاهب معقّباً على كل مذهب بما يستحق مع بيان الحق في كل ذلك، وليس أدل على ذلك من أنّه قد ترك لنا مصنفات خاصة بعلم الكلام، وأما كتابه الطبقات فهو مليءٌ وغنيٌّ بمسائل هذا الفن (¬1). 03 علم المنطق: وأما المنطق فلم يُهمِلهُ التاج قَط، بل له فيه باعٌ طويل، يَظهَرٌ ذلك جليّاً من مطالعتي لشرحه على ((مختصر ابن الحاجب))، حيث ضمّن ابن الحاجب ((مختصره)) بمقدمة منطقية على طريقة الإمام الغزالي وبعض الأصوليين، وترى في شرح التاج له مَقدَرةً وبراعةً في هذا العلم مما يَعدُّه من كبار علماء المنطق (¬2). 04 أصول الفقه: وإذا ما جئنا إلى هذا العلم، فقد بلغ به التاج عَنانَ السماء، وخضعت له رقاب العلماء، وفاق كل أقرانه بل فاق أكثَر العلماء، لقد أعطى التاجُ الأصولَ جُلَّ عنايته وعظيم اهتمامه، فتارةً يُدرّسه وأخرى يُؤلّف فيه، ويَستدرِك على من سبقه، ويُناقش من عارضه، وتارةً يقرّر عبارة سابقيه، مقيداً ما أطلقوه ومفسراً لما أجملوه، ومكمّلاً لما قد أغفلوه، وله في هذا الفن قدم راسخة، فهو ينظر إلى الأصول بنظر الناقد البصير، يوضّح مشكلاته، ويحلّ غوامضه، ويجمع شتاته، حتى عُدّتْ مؤلفاته مائدة زاخرة بكل ما لذ وطاب من هذا الفن. وليس أدلُّ على اهتمامه بهذا العلم من تركه ثمانيةَ مصنفات في علم الأصول، قلّما تجد لعالمٍ في فنّ الأصول قد ترك لنا هذا القدر من المصنفات. 05 القواعد الفقهية: اهتم التاج بهذا العلم اهتماماً بالغاً، وله فيه مصنف زاخر يعدّ من أهم المصنفات في الأشباه والنظائر، فقد خرج فيه الفروع على الأصول وجمع شتات هذه الفروع في قواعد عامّة تنتظمها، فأجاد فيه وأجاد. 06 الفقه: يعدّ التاج السبكي فقيهاً متمكناً وناقداً بصيراً، ولا غرابة في ذلك، فقد تربّى في أحضان والده إمامِ الدنيا في عصره، فنهل من علمه واستقى من معارفه، وكتبُه مشحونةٌ بالفتاوى والمسائل المنقولة عنه، وقد جمع قتاوى والده، واختياراته الفقهية في مصنفات خاصّة. وفي كتابه الطبقات يُكثِر من ذِكْر المسائل الفقهية المروية عن الشخصية المترجَم لها وغالباً ما يعقّب عليها، ويختار ما يراه الأصوب منها. 07 التاريخ: وأما التاريخ فحدّث ولا حرج، لقد برع التاج فيه براعة لا مثيل لها، وكان ذو اطّلاع واسع على أخبار الماضين، وأحوال السابقين، وقد أسهم التاج في هذا المجال إسهاماً عظيماً، يُثبتُ أنّه مؤرخ لا نظير له، وتعدّ مؤلفاته في الطبقات من أعظم ما دوّن في هذا المجال، إذ يستوعب فيها جوانب الشخصية المترجَم لها، ويأتي بالعجب العجاب من قصص وغرائب لهذه الشخصيات، قلّما تجده عند غيره من كُتّاب الطبقات. ¬

_ (¬1) سيأتي الحديث عن مصنفات التاج في علم الكلام في المبحث القادم (¬2) انظر في ذلك شرح التاج السبكي على مختصر ابن الحاجب (1/ 256 - 349)

08 الأدب: إنّ مَن يستقرئ مصنفات التاج السبكي، لَيجدُ فيها رَصانةً في الأسلوب، ودقّةً في التعبير وذوقاً عالياً في انتقاء العبارة والكلمة فهو رجل أديب ذوّاق، وما ذلك إلا نتيجة لصحبته لأديب وفحل زمانه صلاح الدين الصفدي، حيث صحبه منذ صغره وجرت بينهما مراسلات ومساجلات أدبية وشعرية مشهورة، قال التاج السبكي: ((كنت أصحبه منذ كنت دون سن البلوغ، وكان يُكاتِبني وأكاتبه، وبه رَغِبتُ في الأدب)) (¬1). وقد أتقنَ التاجُ الأدبَ بقسميه: النّثر والشعر، أما النثر فيبرز في كتاباته وخاصة مقدماته في تلك الكتب، كما ويبرز فيما يصف به الشخصيات المترجَم لها في كتابه الطبقات؛ فمن ذلك ما صدّر به ترجمة إمام الحرمين الجويني بقوله: ((هو البحر وعلومه درره الفاخرة، والسماء وفوائده التي أنارت الوجود نجومها الزاهرة يَمَلّ الحديد من الحديد، وذهنه لا يَمَلّ من نصرة الدين فولاذه، وتَكِلّ الأنفس وقلمه يَسِحّ وابل دمعه ورذاذه، ويدجو الليل البهيم ولا ترى بدراً إلا وجهه في محرابه، ولا ناظراً إلا طرفه ناظراً في كتابه ... هذا إلى لفظ غُرَّه سحر، إلا أنّه حِلّ وبِل، ودرّه يتيم، إلا أنّه لا يَذِل، بفصيح كَلِمٍ، قالت النحاة: هذا ما عجز عنه زيد وعمرو وخالد، وبليغ قول قالت البُلَغاء: قصّر عن مداه طريق الفصاحة والتّالد (¬2))) (¬3) اهـ. وأما الشعر ففيه رقّةٌ وعذوبةٌ وروعةٌ قد لا تجدها عند كبار الشعراء، فمن ذلك ما كتبه إلى صديقه وحميمه الصلاح الصفدي: يا راحلاً بِحَشا الُمقيمِ على الوفا ... ما الطَّرفُ بَعدَكَ مُؤذِناً بِهُجُوعِهِ إن غِبتَ عَنهُ فَما تَغَيَّرَ مِنه إلا ... جِسمُهُ سَقَماً ولَونُ دُموعِهِ والقَلبُ بَيتُ هَواكَ رَاحَ كأنّهُ ... بَيتُ العَروضِيِّينَ مِن تِقطيعِهِ (¬4) وقوله أيضاً: ما غَيَّرَ البُعْدُ حالاً كُنتَ تَعرِفُهُ ... ولا تَبَدَّلْتُ بَعدَ الذِّكْرِ نِسيانا ولا ذَكَرْتُ جَليساً كُنتُ آلفُهُ ... إلا جَعَلتُكَ فَوقَ الكُلِّ عُنوانا (¬5) (¬6) 09 النحو: علم النحو من علوم الآلة التي لا يكون الفقيه فقيهاً ولا الأصولي أصولياً إلا إذا كان ذا قدم راسخة في النحو، والتاج السبكي لم يُهمِل النحو أبداً، فقد قرأ النحو على أبي حيان الأندلسي إمام النحو في عصره بلا منازع، ويكفيه فخراً أنّه تلميذ أبي حيان في ذلك، ومن هنا تُدرِك منزلة التاج في هذا الفن. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 6) (¬2) أي القديم الأصلي، الجوهري، الصحاح (2/ 21) مادة تلد (¬3) التاج السبكي، طبقات الشافعية (5/ 165 - 166) (¬4) المصدر السابق (10/ 7) (¬5) التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 12) (¬6) لمزيد من الإطلاع على منزلة التاج السبكي الأدبية انظر رسالة الدكتور عوض محمد أحمد كركي المعنونة بـ ((تاج الدين السبكي والقضايا الأدبية من خلال كتابه طبقات الشافعية الكبرى)) حيث عرض لشخصية التاج السبكي الأدبية من خلال كتابه الطبقات وبين قيمة ومنزلة التاج الأدبية من خلال أمثلة استخرجها من ثنايا تراجمه في الطبقات.

المبحث الخامس آثاره ومصنفاته

ويظهر تَبحُّر التاج في النحو من خلال مطالعتنا لما كتبه في طبقاته وبخاصة عندما ترجم لشيخه أبي حيان وما ذَكَر فيها من مسائل هامّة في النحو، كما أنّه عقد فصلاً خاصاً للنحو في كتابه ((الأشباه والنظائر)) (¬1) وسماه بـ: ((كلمات نحوية يترتب عليها مسائل فقهية))، وقد أطال النفس في هذا الفصل حيث شغل الصفحات من 202 - 254 من النسخة المطبوعة. المبحث الخامس آثاره ومصنفاته لقد ترك لنا التاج السبكي ثروة علمية قلّما تجد لها نظيراً؛ فهو - كما بيّنت في المبحث السابق - صاحب يد طولى في كثير من العلوم؛ فكان من الطبيعي أن يخلّف لنا في هذه العلوم مصنفات زاخرة تُنْبِئ عن علمه، وتَشهَد له بالمعرفة وسعة الإطلاع، وسأعرض لهذه المصنفات فيما يأتي: أولاً: مصنفاته في الحديث الشريف وعددها تسعة مصنفات [9] 1 - جزء على حديث المتبايعين بالخيار، ذَكَره التاج لنفسه في ((الطبقات)) (10/ 191) وما يزال هذا الجزء مخطوطاً. 2 - جزء في الطاعون، نسبه له الصفدي في ((الوافي)) (19/ 316). 3 - جزء في الأحاديث التي حدّثه بها عمر بن محمد بن عبد الحكم، ذَكَره التاج في ((الطبقات)) (10/ 373)، والصفدي في ((أعيان العصر)) (3/ 657). 4 - ذِكْر ما عَسُر استخراجه من أحاديث الشرح الكبير، توجد منه نسخة مخطوطة محفوظة بالمكتبة السليمانية في تركيا تحت رقم 9672. 5 - ذِكْر ما لم أَقِف على إسناده من أحاديث ((الإحياء))، أورده التاج بِرُمّته في ((الطبقات)) (6/ 287 - 389). 6 - رد على كتاب والده في حديث الاعتكاف، وردت نسبته له في دائرة المعارف للبستاني (9/ 464). 7 - قاعدة في الجرح والتعديل وقاعدة في المؤرخين، ذَكَره في ((الطبقات)) (2/ 9)، وهي مطبوعة وحدها بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبي غده رحمه الله سنة 1388هـ / 1968م بدار الوعي في حلب. 8 - كتاب الأربعين في الحديث، ذَكَره في ((الطبقات)) (9/ 171). 9 - أدعية مأثورة، ذَكَره له طاش كبرى زاده في ((مفتاح السعادة)) (3/ 135). ثانياً: مصنفاته في العقائد وعلم الكلام، وعددها أربعة [4]: 1 - السيف المشهور في شرح عقيدة أبي منصور، ذَكَره في ((الطبقات)) (3/ 384)، وفي ((منع الموانع)) ص 256، وقد طبع في تركيا بكلية الإلهيات بمرمره سنة 1989م. 2 - قصيدة نونية في العقائد، أورد فيها مسائل الخلاف في أصول الدين بين الأشاعرة والماتريدية، ذَكَرها في ((الطبقات)) (3/ 379). 3 - قواعد الدين وعمدة الموحدين، توجد منه نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم850. 4 - شرح عقيدة ابن الحاجب، ذَكَره له الزبيدي في ((إتحاف السادة المتقين)) (2/ 14) ونقل عنه بعض العبارات. ثالثاً: مصنفاته في أصول الفقه وعددها ثمانية مصنفات [8]: 1 - الإبهاج في شرح المنهاج، كمّل فيه ما بدأه والده، وهو مطبوع عدّة طبعات آخرها طبعة عن دار الكتب العلمية. 2 - رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، طبع مؤخراً بتحقيق الشيخين علي معوض، وعادل عبد الموجود، عن دار عالم الكتب سنة 1419هـ / 1999م. ¬

_ (¬1) هذا الكتاب مطبوع بتحقيق عادل عبد الموجود وعلى معوض بدار الكتب العلمية سنة 1991م

رابعا: مصنفاته في الأشباه والنظائر وعددها أربعة مصنفات [4]

3 - جمع الجوامع، مطبوع عدّة طبعات ضمن عدد من شروحه، ومطبوع لوحده ضمن ((مجموع مهمات أمهات المتون))، وطبع حديثاً بدار الكتب العلمية سنة. 4 - منع الموانع عن جمع الجوامع، حقق عدّة مرات كرسائل جامعية، وطبع قديماً في مصر، وطبع مؤخراً بتحقيق الدكتور سعيد الحميري بدار البشائر الإسلامية سنة 1420هـ / 1999م. 5 - التعليقة، ذَكَرها التاج في مقدمة ((رفع الحاجب)) (1/ 230) وأشاد بها، كما ذَكَرها في عدّة مواضع أخرى من ((رفع الحاجب)) منها (4/ 70، 167، 192، 209)، وكذا في ((منع الموانع)) ص 163، وهي شرح آخر أوسع وأشمل لمختصر ابن الحاجب، كما يظهر ذلك في مقدمة ((رفع الحاجب)) (¬1). 6 - الشرح الكبير، ذَكَره في ((رفع الحاجب)) (4/ 410، 417) وأحال عليه ولم يبيّن لنا ماهية هذا الشرح، ولعله هو نفسه ((التعليقة)) المذكورة آنفاً. 7 - همع الهوامع في منع الموانع، طبع ضمن مجموعة أخرى في مجلد بمصر، وتوجد منه نسخة محفوظة بالمكتبة الأزهرية تحت رقم [1452] 36075، انظر: فهرس المكتبة الأزهرية (2/ 87). 8 - أجوبة ابن السبكي على أسئلة السيد أحمد الخراساني، وهي الأسئلة التي أجاب عنها التاج السبكي في القسم الثاني من ((منع الموانع)) وتوجد منه نسخة محفوظة بالمكتبة الأزهرية تحت رقم ... [1451] 36074. رابعاً: مصنفاته في الأشباه والنظائر وعددها أربعة مصنفات [4]: 1 - الأشباه والنظائر في فروع الشافعية، طبع بتحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي معوض عن دار الكتب العلمية. 2 - قواعد السبكي، ذَكَره له ابن شهبة في طبقاته (3/ 43)، ولعله نفسه الأشباه والنظائر. 3 - تخريج الفروع على الأصول، نسبه له محققا كتاب ((رفع الحاجب)) (1/ 83). 4 - نواضر النظائر، نسبه له محقق كتاب ترشيح التوشيح ص 42. خامساً: مصنفاته في الفقه، وعددها أحد عشر مصنفاً [11]: 1 - أرجوزة في الفقه، ذَكَرها السيوطي في كتابه ((الرد على من أخلد إلى الأرض)) ص22. 2 - أوضح المسالك في المناسك، نسبه له محققا ((رفع الحاجب)) (1/ 85) ومحققا ((تشنيف المسامع)) (1/ 22). 3 - تبيين الأحكام في تحليل الحائض، نسبه له محققا ((رفع الحاجب)) (1/ 85) ومحققا ((تشنيف المسامع)) (1/ 22). 4 - ترجيح التصحيح، ذَكَره في كتابه ((ترشيح التوشيح)) ص 65، وذَكَر أنّه عبارة عن منظومة نظمها وهو في السجن، وقد أورد ابن طولون بعض أبياتها في ((القلائد الجوهرية)) (2/ 273). 5 - ترشيح التوشيح وتوضيح الترجيح، جمع فيه اختيارات والده، وذكره في ((الطبقات))، ... وحُقّق كرسالة جامعية في جامعة عين شمس، ولم يُطَبع بعد. 6 - التوشيح على التنبيه والمنهاج والتصحيح، ذكره في ((الطبقات)) (1/ 258). 7 - رسالة في حكم اللعب بالشطرنج، ذكرها في ((الطبقات)) (10/ 194). 8 - رفع المشاجرة في بيع العين المستأجرة، نسبه له محققا ((رفع الحاجب)) (1/ 86). 9 - شرح المنهاج للنووي، ذكره ابن تغري بردي في ((النجوم الزاهرة)) (11/ 86) وقد انفرد به، ولعله وَهِمَ فيه. 10 - فتاوى السبكي، جمع فيه فتاوى والده، ورتبها على الأبواب، ذكره الكتاني في ((فهرس الفهارس)) (2/ 1037) وهي مطبوعة. ¬

_ (¬1) انظر تحقيق ذلك في ص 85 من هذه الرسالة

سادسا: مصنفاته في التاريخ والتراجم، وعددها ستة مصنفات [6]

11 - فتاوى السبكي، غير الأول، ينسب له، ذكره كحالة في ((معجم المؤلفين)) (6/ 226). سادساً: مصنفاته في التاريخ والتراجم، وعددها ستة مصنفات [6]: 1 - ترجمة والده الشيخ تقي الدين، ذكرها له ابن حجر في ((الدرر الكامنة)) وتوجد منها نسخة خطية مخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم 1634. 2 - طبقات الشافعية الصغرى، ذكرها في ((الطبقات)) (7/ 177) وتوجد منها نسخة خطية محفوظة في مكتبة تشستربيتي تحت رقم 3780. 3 - طبقات الشافعية الكبرى، مطبوعة في عشر مجلدات كبار بتحقيق محمود الطناحي، وعبد الفتاح الحلو. 4 - طبقات الشافعية الوسطى، ذكرها في ((الطبقات)) (7/ 177)، (10/ 191، 192)، وتوجد منها نسخة خطية محفوظة في مكتبة تشستربيتي تحت رقم 4922. 5 - معجم شيوخ التاج السبكي، خرجه له ابن سعد، ومات ولم يتمه، ذكره ابن شهبة في ... ((طبقاته)) (3/ 143)، وابن رافع في ((وفياته)) (2/ 363). 6 - مناقب الشيخ أبي بكر بن قوّام، توجد منه نسخة مصورة في الجامعة الأردنية محفوظة تحت رقم 277. سابعاً: مصنفات في أمور مختلفة وعددها ثلاثة عشر مصنفا [13] 1. أرجوزة في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، ذكرها في ((الطبقات)) (9/ 205) 2. أرجوزة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ذكرها في ((الطبقات)) (1/ 181) 3. تشحيذ الأذهان على قدر الإمكان في الرد على البيضاوي، ذكره سيد كسروي حسن في ((أسماء كتب الأعلام)) (3/ 46) 4. جلب حلب، جواب أسئلة سأله عنها الأذرعي، ذكره ابن طولون في ((القلائد الجوهرية)) (2/ 372)، وابن شهبه في ((طبقاته)) (3/ 143) 5. خطابات موجهة، ورد نسبته في دائرة المعارف الإسلامية (11/ 263) 6. الدرر اللوامع، غير معروف موضوعه، ورد نسبته في دائرة المعارف الإسلامية (11/ 263) 7. رفع الحوبة بوضع التوبة، ذكره في ((الطبقات)) (2/ 327) 8. الروض البهيج، غير معروف، ورد نسبته في المكتبة السليمانية، وتوجد منه نسخة في المكتبة المذكورة مخطوطة محفوظة برقم 85177 9. فائدة في تفسير الكشاف، توجد منه نسخة خطية منسوبة للتاج في المكتبة القادرية ببغداد (25/ 1449) 10. معيد النعم ومبيد النقم، مطبوع عدة طبعات منها طبعة بتحقيق محمد علي النجار، وأبو زيد شلبي، ومحمد أبو العيون، من مكتبة الخانجي بالقاهرة ط 3 1414هـ 1996م 11. مصنف في محنته في القضاء، ذكره السخاوي في ((الضوء اللامع)) (1/ 178)، وذكر أنه اطلع عليه بخط التاج نفسه. 12. مصنف في المعاياة والألغاز، أورد بعضه في ((الطبقات)) (9/ 133 - 138)، وفي ((معيد النعم)) ص100، وللسيوطي شرح عليه سماه ((الأجوبة الذكية على الألغاز السبكية)) مطبوع ضمن الحاوي للسيوطي. 13. منظومة في الألفاظ الأعجمية في القرآن، ورد نسبته له في دائرة المعارف الإسلامية (11/ 263) ثامناً: كتب نسبت للتاج السبكي خطأً وعددها أربعة مصنفات [4]: 1. نَسَبَ له غير واحد من العلماء كتاب الحلبيات، وهذا الكتاب ذكره التاج السبكي في مصنفات والده في الطبقات (10/ 311) 2. نُسِبَ له كتاب ((أحاديث رفع اليدين))، ولكن التاج السبكي ذكر هذا الكتاب ضمن مؤلفات والده انظر الطبقات (10/ 311)

المبحث السادس مكانته العلمية والمناصب التي تولاها

3. نُسِب له كتاب ((الدلالة على عموم الرسالة))، وهذا الكتاب لوالده وهو مطبوع 4. نُسِب له كتاب ((كشف الغمة في ميراث أهل الذمة))، وهو لوالده وقد ذكره التاج في مصنفات والده في الطبقات (10/ 310) المبحث السادس مكانته العلمية والمناصب التي تولاها مما لا شك فيه أنّ المنزلة العلمية والمكانة الاجتماعية المرموقة التي تبوأها والده شيخ الإسلام تقي الدين السبكي، وتربيته لولده التاج التربية العلمية الرصينة، كل ذلك كان له الأثر البارز في تفوق تاج الدين السبكي ونبوغه المبكر، مما جعله يحتل مكانة رفيعة بين أقرانه ـ الذين فاقهم ـ وعلماء عصره ـ الذين نازعهم ـ فلقد رأينا التاج أُذِن له بالإفتاء ولم يتجاوز سنّه الثامنة عشرة من العمر، كما أنّه بدأ التصنيف وهو في حدود العشرين من عمره، وبزغ نجمه في حياة والده، وقرّت عينه به، ولو أطال الله تعالى له العمر لربما فاق منزلة والده. وليس غريباً أن تجد كتب الطبقات والتراجم مليئةً بالثناء عليه والإشادة بعلمه بنصوص كثيرة من أقوال رفاقه ومعاصريه وكبار أهل العلم في شتى العصور والأزمنة. فالسيوطي يعدّه من الأئمة المجتهدين، ويقول: ((كتب مرة إلى نائب الشام ورقة يقول فيها: وأنا اليوم مجتهد الدنيا على الإطلاق لا يَقدِرُ أحدٌ يردٌ هذه الكلمة)) وعقّب السيوطي على ذلك بقوله: ... ((وهو مقبول فيما قال عن نفسه)) (¬1). والشهاب أحمد بن قاسم البوني (¬2) يعدّه في منزلة الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة، ويقول في حقه: ((الإمام المجمع على جلالة قدره، وتمام بدره بل قيل لو قُدّر إمام خامس مع الأئمة الأربعة لكان ابن السبكي)) (¬3). وقال عنه رفيقه الصفدي: ((الإمام العالم الفقيه، المحدث النحوي الناظم ... أفتى ودرّس ونَظَمَ الشعر، وراسلني وراسلته وبالجملة فعلمه كثير على صغر سنّه)) (¬4). وقال أيضاً: ((وحصل بهذا الولد النجيب اليأس من القاضي إياس وكونه تقّدم في شبابه على كهول أصحابه، فهذا أصغرُ سنّاً وأكبُر منّا، وقد شهد له العقل والنّقل بأنّه فَتيُّ السنّ كَهْلُ العلم والحلم والعقل، والله يمتّعُ الزّمانَ بفوائده، ويرقّيه في الدين والدنيا إلى درجات والده بمنّه وكرمه)) (¬5). ويصفه ولي الدين العراقي بقوله: ((وكان ذكياً عالماً مستحضراً فصيحاً، طَلْقَ العِبارةِ كثيرَ الإحسان إلى الطلبة)) (¬6). ¬

_ (¬1) السيوطي، حسن المحاضرة (4/ 200) (¬2) هو الإمام العلامة المحدث شهاب الدين أبو العباس أحمد بن قاسم بن محمد البوني، توفي سنة 1139هـ، من مصنفاته: نظم الخصائص النبوية، والمستدرك على السيوطي، انظر: مخلوف، شجرة النور الزكية ص 330 (¬3) نقل هذا القول الكتاني في فهرس الفهارس (2/ 1038) (¬4) الصفدي، الوافي بالوفيات، (19/ 315) (¬5) الصفدي، الوافي بالوفيات (19/ 316) (¬6) ابن العراقي، الذيل على العبر (2/ 3005)

والحافظ ابن حجّي يقول فيه: ((حصّل فنوناً من العلم، من الفقه والأصول وكان ماهراً فيه والحديث والأدب، وبرعَ وشاركَ في العربية، وكان له يد في النظم والنثر، جيّدَ البديهةِ، ذا بلاغة وطلاقة لسان، وجرأة جنان، وذكاء مُفرِط، وذهن وقّاد، وكان له قدرةً على المناظرة، وصنف تصانيف عديدة في فنون على صغر سنه وكَثرَة أشغاله، قُرِئت عليه، وانتشرت في حياته وبعد موته)) (¬1). وقال عنه شيخ حفاظ الإسلام ابن حجر العسقلاني: ((أمعن في طلب الحديث، وكتب الأجزاء والطباق مع ملازمة الاشتغال في الفقه والأصول والعربية حتى مَهَرَ وهو شاب، وكان ذا بلاغة وطلاوة لسان، عارفاً بالأمور، وانتشرت تصانيفه في حياته، ورزق فيها السعد)) (¬2). وقال عنه ابن تغري بردي: ((قاضي قضاة دمشق وعالمها)) (¬3). وقال أيضاً: ((كان إماماً عالماً بارعاً فقيهاً نحوياً أصولياً ... وكان ذكياً صحيح الذهن، وبرع في الفقه وغيره، وأفتى ودرّس)) (¬4)، وقال في موضع آخر: ((كان إماماً بارعاً متفنناً في سائر العلوم)) (¬5). ووصفه ابن هداية الله بقوله: ((كان فاضل أهل زمانه وناطح أقرانه، شديد الرأي قوي البحث يجادل المخالف في تقرير المذهب ويمتحن الموافق في تحريره، وبرع حتى عُدِم مثله في عصره، يرتحل إليه الطلبة من الآفاق)) (¬6). وقد مدحه ابن حبيب بقصيدة بعثها إليه عند قدومه إلى دمشق قاضياً عليها سنة 760هـ، بعد أن أقام مدة في القاهرة معزولاً عن القضاء فقال: قَدِمَ الغَمامُ فَمَرْحَباً بِقُدومِهِ ... ومَسَرَّةٍ بِخُصوصِهِ وعُمومِهِ أَهَلاً بِغَيثٍ صَيِّبٍ أَثْرى الثَّرى ... بِنُزولِهِ واخْضَرَّ لَونُ هَشيمِهِ أَهلاً بِغَوثٍ عارِفٍ يَهدي الوَرى ... بِالنُّورِ مِن أَعلائِهِ وعُلْويِّهِ أَهلاً بِأَوْبَةِ حَاكِمِ مُتَثَبِّتٍ ... يَنْفِي عَنِ المَقْهُورِ ظُلْمَ خُصومِهِ ويُؤَيِّدُ الشَّرعَ الذي يَقولُهُ ... ويَكُفُّ عَن ذي الحَقَّ كَفَّ غَريمِهِ تاجُ العُلى مَعْنى الوُجودِ ولَفْظُهُ ... شَرَفُ الأُلى مَعْنى الزَّمانِ كَريمه يُبْدي بُرُودَ الزَّهْرِ مِن مَنْثُورِهِ ... يُسْدي عُقُودَ الدُّرِّ مِن مَنْظومِهِ يَسْمو بِبَيْتِ خَزْرَجيٍّ عامِرِ ... يُبْنَى الحَلالُ على قَواعِدِ خَيْمِهِ بِمَسيرِهِ عَذُبَتْ مِياهُ النِّيلِ مِن ... فُسْطاطِ مِصْرَ وطابَ عُرْْْْْفُ نَسيمِهِ والشّامُ لمّا شامَ بارِقَهُ غَدا ... يَخْتالُ في جَنَّاتِهِ ونَعِيمِهِ والكَونُ أَضْحَى ضَاحِكاً مُسْتَبْشِراً ... بِإيابِ فَيّاضِ النَّوالِ عَمِيمِهِ وبِزَعَفَرانِ الأُفْقِ راحَ مُخَلِّقاً ... والأُفْقُ زُيِّنَ فَرْحَةً بِنُجومِهِ ومنها: قَاضٍ لَهُ لَفْظٌ يَبِينُ الحَقَّ مِن ... مَنْطُوقِهِ الحالي ومِن مَفْهُومِهِ وله التَّصَانيفُ التَّي لِلْفَضْلِ مِن ... أَوراقِها ثَمَرٌ زَها بِكُرومِهِ ¬

_ (¬1) نقل هذا القول ابن قاضي شهبة في تاريخه (3/ 374)، وفي طبقات الشافعية (3/ 142) (¬2) ابن حجر، الدرر الكامنة (2/ 426) (¬3) ابن تغري بردي، الدليل الشافي (1/ 433) (¬4) ابن تغري بردي، المنهل الصافي (7/ 385) (¬5) ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (11/ 86) (¬6) ابن هداية الله، طبقات الشافعية ص 234

أولا المناصب التعليمية

وله طَرِيقٌ مُسْتَقيمٌ واضِحٌ ... خَجِلَتْ رِماحُ الخَطِّ مِن تَقْويمِهِ للسُّنَّةِ الغَرَّاءَ والقُصَّادِ ... في أَيّامِهِ عِزٌّ كَعِزِّ حَميمِهِ ولِمَجْلِسِ الحُكْمِ العَزِيزِ بِشَخْصِهِ ... شِمَمٌ تَغَارُ الشُّمُّ مِن تَفْخيمِهِ وفي آخرها: لا زِلْتَ تَعْلو في البَرِيّةِ ما عَلا ... قَدْرُ المَقامِ بِفَضْلِ إِبْراهِيمِهِ (¬1) وبالإضافة إلى سعة علم التاج الذي قد أثنى عليه وأشاد به علماء عصره ومن بعدهم، كان التاج ـ رحمه الله تعالى ـ متصفاً بالأخلاق الحميدة، فقد كان حسن السّمت، جواداً كريما مهيبا تخضع له رقاب القضاة ومن غيرهم ويخشون جانبه (¬2). المناصب التي تولاها: لقد تولى التاج السبكي مناصب عديدة قلّما جمعت مثل هذه المناصب لأحد سواه، قال ابن كثير في ذلك: ((حصل له من المناصب والرياسة ما لم يحصل لأحد قبله، وانتهت إليه الرياسة بالشام)) (¬3). ومن هذه المناصب التي تولاها: أولاً المناصب التعليمية: تولى التاج السبكي مشيخة العديد من المدارس الكبار، التي كانت مشهورة ويؤمها كبار العلماء والطلبة في عصره، فمن هذه المدارس التي تولاها (¬4): ¬

_ (¬1) ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 219) (¬2) ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (3/ 375)، ابن حجر، الدرر الكامنة (2/ 426) (¬3) أورد هذا القول عن ابن كثير غير واحد من العلماء كابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 428)، وابن شهبة في طبقاته (3/ 142) وابن العراقي في ذيله (2/ 305) وأكثر المترجمين له، غير أني لم أجد هذا القول في أي من نسخ البداية المطبوعة، ولعل ابن كثير ذكره في طبقات الشافعية أو في غيره من كتبه المخطوطة (¬4) انظر هذه المدارس في النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس (1/ 38، 200، 223، 240، 285، 367، 394، 424، 458، 463)

مدرسة الحديث الأشرفية (¬1)، والمدرسة الأمينية (¬2)، ومدرسة التقوية (¬3)، والدماغية (¬4)، والشامية البرانية (¬5)، والعادلية الكبرى (¬6)، والعذراوية (¬7)، والعزيزية (¬8)، والغزالية (¬9)، والمسرورية (¬10)، ... والناصرية الجوانية (¬11). ¬

_ (¬1) من مدارس دمشق، تقع جوار باب القلعة الشرقي، بناها الملك الأشرف بن مظفر الدين بن موسى العادل، وهي من أشرف المدارس الحديثية، وقد درس بها كبار العلماء من أمثال: ابن الصلاح والنووي رحمهما الله تعالى، انظر النعيمي، الدارس (1/ 19) (¬2) من مدارس الشافعية بدمشق، تقع قبالة باب الزيارة من أبواب الجامع الأموي، وهي أول مدرسة للشافعية، بناها أتابك العساكر بدمشق سنة 530هـ، انظر النعيمي، الدارس (1/ 77) (¬3) من أجل مدارس الشافعية بدمشق، تقع داخل باب الفراديس شمال الجامع الأموي، بناها الملك المظفر تقي الدين عمر بن أيوب سنة 574هـ، انظر: النعيمي، الدارس (1/ 216) (¬4) من المدارس المشتركة بين الحنفية والشافعية، تقع داخل باب الفرج الذي قبل باب الطاحون بدمشق، أنشأتها زوجة شجاع الدين الدماغ سنة 638هـ، النعيمي، الدارس (1/ 236) (¬5) من مدارس الشافعية في دمشق، أنشأتها ست الشام ابنة نجم الدين أيوب، وهي من أكبر المدارس وأعظمها وأكثرها فقهاءً وأوقافا، انظر: النعيمي، الدارس (1/ 277) (¬6) من مدارس الشافعية داخل دمشق، تقع شمال الجامع الأموي، أول من بناها نور الدين زنكي وتوفي ولم تتم، ثم بنى بعضها العادل سيف الدين ونسبت إليه النعيمي، الدارس (1/ 359) (¬7) تقع في دمشق بحارة الغرباء داخل باب دار السعادة وهي وقف على الشافعية والحنفية، أنشأتها الست عذراء بنت أخي صلاح الدين سنة 580هـ، النعيمي، الدارس (1/ 373) (¬8) من مدارس دمشق تقع شرقي التربة الصلاحية وغربي التربة الأشرفية بجانب الكلاسة، بناها الملك العزيز عثمان سنة 592هـ، النعيمي، الدارس (1/ 382) (¬9) تقع في الزاوية الشمالية الغربية شمالي مشهد النائب من الجامع الأموي بدمشق، وتنسب إلى الإمام الغزالي، النعيمي، الدارس (1/ 413) (¬10) من مدارس الشافعية بدمشق تقع بباب البريد، أنشأها الطواشي شمس الدين الخواص مسرور وإليه تنسب، انظر: النعيمي، الدارس (1/ 459) (¬11) من مدارس الشافعية بدمشق تقع داخل باب الفراديس، شمال الجامع الأموي، أنشأها الملك الناصر يوسف بن صلاح الدين سنة 653هـ، النعيمي، الدارس (1/ 459)

ثانيا المناصب الإدارية والقضائية

كما تولى التدريس في عدد من مدارس مصر في الشيخونية (¬1) وجامع ابن طولون (¬2) وجامع الشافعي، وقد كانت دروس التاج السبكي دروسا حافلة بالتحقيقات الرائعة والمسائل الفائقة التي تبهر جل الحاضرين، ويصف لنا ابن كثير صورة درس التاج السبكي الأول في الأمينية فيقول: ((كان درسا حافلا أخذ في تفسير قوله تعالى: '' أَمْ يَحْسُدونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِه '' (¬3) فاستنبط أشياء حسنة وذكر ضربا من العلوم بعبارة طلقة جارية معسولة، أخذ ذلك من غير تلعثم ولا تلجلج (¬4) ولا تنحنح ولا تكلف، فأجاد وأفاد، وشكره الخاصة والعامة من الحاضرين وغيرهم؛ حتى قال بعض الأكابر إنه لم يسمع درسا مثله قط.)) (¬5) هذا وبالإضافة إلى التدريس كان التاج السبكي قد تولى خطابة الجامع الأموي (¬6)، بعد وفاة ابن جملة سنة 764هـ (¬7). ثانياً المناصب الإدارية والقضائية: لم يقتصر عمل الإمام تاج الدين السبكي على التدريس وحسب، بل وجدته قد تولى بعض المناصب الإدارية الهامّة ومنها: 1 - تولية وظيفة موقع الدست (¬8) في دار العدل عن نائب الشام أمير علي المارديني سنة 754 هـ (¬9). 2 - ناب في الحكم عن أبيه عدّة مرات (¬10). 3 - تولى مشيخة قاضي قضاة الشام لأكثَر من مرة. ¬

_ (¬1) مر ذكر ها في ص 14 في الحياة العلمية من هذه الرسالة (¬2) يقع في موضع يعرف بجبل يشكر، بناه الأمير أبو العباس أحمد بن طولون سنة 263هـ، وهو مكان مشهور بإجابة الدعاء، انظر المقريزي، الخطط (4/ 38) (¬3) سورة النساء آية 54 (¬4) أي من غير تردد في الكلام، انظر الجوهري في الصحاح (1/ 499) مادة لجج (¬5) ابن كثير، البداية والنهاية، (14/ 720) (¬6) انظر ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 141) (¬7) هو الإمام العلامة جمال الدين أبو الثناء محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة خطيب الجامع الأموي بدمشق، كان إماما متعففا متصوفا دينا، له تعاليق في الفقه والحديث، توفي سنة 764هـ، انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 385)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 184) (¬8) هي وظيفة جليلة كان صاحبها يكتب على القصص في دار العدل وهي المعروضات أو العرائض التي كان يتقدم بها الناس وأصحاب الحقوق إلى نائب الشام أو اللوائح والاستحقاقات التي تصدر عنه وتوقيع هذه العرائض واللوائح كلها باسم نائب الشام. انظر القلقشندي، صبح الأعشى (11/ 327) (¬9) انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 194)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 47) (¬10) انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 194)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 373)

محنته التي واجهها في القضاء

محنته التي واجهها في القضاء: لا شك أنّ المكانة الاجتماعية والعلمية المرموقة التي حازها تاج الدين السبكي، وما تولاه من وظائف إدارية، ومناصب تدريسية عجز كثير من معاصريه عن نيلها أو تحقيق بعضها، كل ذلك أثار حفيظة الحساد والمناوئين له الذين ناصبوه العداوة والبغضاء، ولقد تجلّت هذه العداوة بوضوح عندما تولى التاج السبكي وظيفة القضاء في الشام سنة 756 هـ، فبدأ الحاقدون يدسون الدسائس، ويثيرون الشبهات حول الإمام، ويطعنون في تقواه وعدالته، بل تعدّى ذلك إلى الطعن في إسلامه ورميه بالكفر، وكان من نتيجة هذه المحاولات أن صرف التاج السبكي عن القضاء مراراً. الأولى: كانت سنة 759 هـ حيث عزل وتوجه إلى مصر ومكث فيها فترة قصيرة ثم أعيد إلى القضاء في نفس هذا العام (¬1). الثانية: كانت سنة 763 هـ حيث عزل مرة أخرى بأخيه بهاء الدين، وتوجه التاج إلى مصر وتولى وظائف أخيه البهاء، واستمر في ذلك حتى عام 764 هـ (¬2)، حيث روجع التاج في عودته إلى القضاء بالشام إلا أنّه رفض، فروجع في ذلك مراراً حتى وافق وهو كاره لذلك (¬3)، وطوال مدة إقامته في مصر تلك الفترة حظي من الإكرام والتعظيم والتبجيل الشيء الكثير، وفي ذلك يقول الحسيني: ((وقد كان أيده الله تعالى في مدة إقامته بمصر على حالة شهيرة من التعظيم والتبجيل، يعتقده الخاص والعامّ ويتبرك بمجالسته ذوو السيوف والأقلام، ويزدحم طلبة فنون العلم على أبوابه، وتمسح العامّة وجوهها بأهداب أثوابه، ويقتدي المتنسكون بما يرونه من آدابه، فالله يمتع ببقائه أهل المصرين، ويجمع له ولمواليه خير الدارين بمحمد وآله)) (¬4). وقد كان يوم دخوله دمشق كالعيد لأهلها حيث استقبلته دمشق بالسرور والبشر والفرح العظيم (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 688)، الحسيني، الذيل على العبر (4/ 177)، ابن شهبة في تاريخه (3/ 133) (¬2) انظر: ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 725)، ابن شهبة في تاريخه (3/ 202)، ابن العراقي، الذيل على العبر (1/ 82) (¬3) انظر: ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 727)، الحسيني، الذيل على العبر (4/ 200) (¬4) الحسيني، الذيل على العبر (4/ 200) (¬5) المصدر السابق

الثالثة: وهي الأخيرة وأشدها على التاج السبكي، فقد كانت سنة 769 هـ، حيث عزل التاج عن القضاء وعن التدريس وأمر بالقبض عليه، ومصادرة أمواله والختم على بيوته، وقد عقدت له عدّة مجالس بدار النائب في دمشق للكشف عليه بحجة ما رمي به من تهم باطلة، وقد دافع التاج عن نفسه، فأفحم خصومه، وظهر قوله عليهم (¬1)، غير أنّ الحساد الذين تولوا هذه التهم، وعلى رأسهم ابن الرُّهاوي (¬2) ما فتأ يُلحّ في ملاحقة التاج والتنقير عنه، حتى أمر القاضي ابن قاضي الجبل (¬3) بحبسه مدة سنة، وبالفعل سجن التاج في قلعة دمشق، واستمر فيها مدة ثمانين يوماً، ثم طُلِبَ إلى القاهرة وهناك عقد له مجلس حضره كبار العلماء، وبيّنوا أنّ ما اتهم به التاج لا يقتضي عزله ولا الحكم بسجنه، وبالفعل أبطل حكم ابن الجبل وأعيد التاج إلى وظائفه مكرماً مبجلاً معظماً وكان ذلك سنة 770هـ (¬4). هذا ولم يَذْكُر لنا التاج السبكي تفاصيل محنته هذه (¬5)، ولكني وجدت له إشارات تدلّ على ذلك فمنها: ما أشار إليه في مقدمة كتابه ((الترشيح))، من أنّه قد نظم أرجوزة في اختيارات والده وهو في السجن حيث قال: ((إنّي كنت قد نظمت وأنا في السجن أرجوزة، ثم قال: ولما كانت تلك الأرجوزة حيث أنا مسجون مهموم، قليل الكتب أو عديمها إنّما تُملى على حافظتي)) (¬6). وقد ذكر ابن طولون بعض أبيات هذه الأرجوزة فمنها: الحَمْدُ لله وقَدْ تَنَجَّزا ... نَظْمي هَذا واضِحاً مُرَجَّزا في السِّجْنِ والتَّضْييقِ والتَّرْسيمِ ... أَتْمَمْتُ ما حَرَّرْتُ مِن مَنْظومي ورُبْما أَهْمَلتُ أو غَفِلْتُ ... فالحَبْسُ قد يُنْسي الّذي عَلِمْتُه وليَس عِنْدي كُتُبُ أُطالِعُ ... والحِفْظُ يَألَمُ جُهْدَ ما يُراجِعُ أَسْأَلُ رَبَّ العالمَينَ فَرَجا ... مُعَجَّلاً فَهُو الكَريمُ المُرْتَجى ولَم أَزَل في حَبْسِ قَبْرٍ عُذْرا ... خَمْسينَ يَوماً لا عُدِمْتُ أَجْرا ثم قال: حَتّى نُقِلْتُ بَعْدَهُ لِلْقَلْعَه ... وحَبْسُها مُرُّ ولكن ذُو سَعَه ¬

_ (¬1) انظر هذه المحنة بتوسع في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 746 - 749)، ابن العراقي في الذيل على العبر (1/ 234 - 235)، ابن شهبة في تاريخه (3/ 313 - 320، 345 - 346)، ابن حجر، الدرر الكامنة (2/ 427)، السخاوي، وجيز الكلام (1/ 162 - 163) (¬2) هو الإمام العلامة أحمد بن محمد بن عمر القاضي جمال الدين الدمشقي، قال عنه ابن حجر: كان يرفع في المجالس ولم يزل في علو وارتفاع حتى دخل في قضية التاج السبكي وتولى مخالفة أمره، قبض عليه سنة 770هـ وحبس وأوذي وكما تدين تدان، توفي سنة 777هـ، انظر ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 108)، النعيمي، الدارس (1/ 286) (¬3) هو الإمام العلامة شيخ الحنابلة شرف الدين أحمد بن الحسين بن عبد الله بن قدامة، إمام كثير الفنون، ولي القضاء فلم تحمد سيرته، توفي سنة 771هـ، انظر: ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (3/ 365) (¬4) ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (3/ 347) (¬5) غير أن السخاوي ذكر في وجيز الكلام (1/ 178) أنه قرأ محنة التاج السبكي بخطه في مجلد، ولا نعرف أي شيء عن هذا المجلد الآن ولو وجد لربما أزال الكثير من الغموض حول هذه المحنة العجيبة. (¬6) التاج السبكي، ترشيح التوشيح ص 165

أسباب هذه المحنة

ومَكَرَ الأَعْداءُ مَكْراً ومَكَر ... رَبِّيَ لي مَكْراً عَزِيزاً ونَصَر (¬1) أسباب هذه المحنة: إنّ المصادر التاريخية التي ترجمت للتاج السبكي، لم تبيّن لنا بوضوح أسباب هذه المحنة، لذا فلا زال الكثير من الغموض يكتنف هذه الواقعة، وها أنا أذْكُر بعض ما قيل من هذه الأسباب: 01 ما ذكره ابن حجر وابن شهبة: أنّ سبب هذه المحنة هو وجود وصولات لدى الأوصياء صرفت بها أموال ولم يُعيَّن فيها اسم القابض، فحاول ابن الرهاوي إقناع ناظر الأيتام أن يعترف أنّها وصلت للقاضي تاج الدين فرفض ذلك، فآل الأمر إلى اتهام القاضي بها بسعي ابن الرهاوي (¬2). 02 أنّ القاضي تاج الدين لما عقدت له المجالس في دار السعادة، تعلق بحكم لنائبه شمس الدين الغزي في شيء ذكره، فَرُدّ عليه بإبطال حكم الغزي، فقال: إن كان حكم الغزي باطلاً فما بقي إسلام أو فبطل دين الإسلام، فتعلقوا بهذه الكلمة، وحكموا بكفره وفسقه (¬3). 03 يرى بعض المحققين أنّ سبب هذه المحنة هو إصرار تاج الدين على أحكام صدرت منه مخالفاً فيها لنائب الشام أمير علي المارديني (¬4). 04 ويرى بعضهم أنّ السبب إنّما هو: تأليف تاج الدين لكتاب ((معيد النعم)) الذي انتقد فيه السياسة العامّة والأحوال الاجتماعية في دولة المماليك، مما أثار عليه حفيظة أولي السلطة والمناصب (¬5). 05 أنّ سبب هذه المحنة هو مخالفة التاج السبكي لابن تيمية ونقده له في كثير من آرائه وأفكاره، وقد كان في دمشق الكثير من المحبين لابن تيمية والمتعصبين له، مما أثار حفيظة هؤلاء المتعصبين ضده، فحاولوا الإيقاع به بحجة تلك الوصولات، ومما يؤكد ذلك أنّ الذي حكم بسجنه هو ابن قاضي الجبل وهو من تلاميذ ابن تيمية ومن أشهر المتعصبين له (¬6). 06 الحسد الذي أعمى الكثير من القلوب وأوغرها ضد التاج السبكي، يؤيد ذلك ما ورد في رسالة التاج إلى رفيقه صلاح الدين الصفدي سنة 763 هـ إبّان عزله الثاني، حيث ذكر فيها مبلغ الحسد والمكائد التي كانت تُحاكُ ضده، وبيّن أنّ الله تعالى قد أبطل مكرهم ورفع بين الناس ذِكْره وأعلى منزلته وقدره (¬7). ¬

_ (¬1) ابن طولون، القلائد الجوهرية (2/ 372) (¬2) ابن حجر، الدرر الكامنة (2/ 462)، ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (3/ 313) (¬3) ابن العراقي، الذيل على العبر (1/ 234)، ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (3/ 316)، السخاوي، وجيز الكلام (1/ 162) (¬4) محمد الصادق حسين، البيت السبكي ص 17 محمد علي النجار وآخرون، مقدمة تحقيق معيد النعم ص (حـ) (¬5) انظر عبد الله ربيع وسيد عبد العزيز، مقدمة تشنيف المسامع ص 20 (¬6) عبد الستار أبو غدة، مقدمة عودة النعم بعد زوالها ص 8 (¬7) انظر ذلك في التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 13 - 19)

المبحث السابع عقيدته وتصوفه

ويؤيده أيضاً: ما جاء في رد الصفدي على رسالة التاج حيث قال: ((ولو لم يكن مولانا في هذا الكمال ما حُسِدَ على ما حازه من غنائم المعالي، ولا ودّتْ النفوس الظالمة أن تَسلُبه ما وهبه الله، وهو أبهى وأبهر من عقود اللآلي، ولا تمالئوا على اهتضام قدره، وكم هذا التمادي في التمالي ... فالحمد لله على النُّصرة ... وما يُغلَق باب إلا ويُفتَح دونه من الخيرات أبواب، وعلى كل حال: أبو نَصْرٍ أبو نَصْر، وعبدُ الوهاب عبدُ الوهاب)) (¬1) قلت: هذه أهم الأسباب التي ذُكِرت وقيلت حول هذه المحنة، وأرى أنّ الجمع بين هذه الأسباب أمر ممكن، وتكون كلها مجتمعة سبباً لهذه المحنة، بعضها بالمباشرة والأخرى بالتسبب، فأقول: إنّ هناك أسباباً حقيقية لهذه المحنة وأخرى مباشرة، فالسبب الحقيقي لها إنّما هو الحقد والحسد الذي كان بسبب المكانة العلية والمناصب الرفيعة للتاج السبكي، وأما الحقد فبسبب ما انتقده التاج السبكي من أحوال عصره مما يَمَسُّ الساسة والحكام وأصحاب النفوذ، إضافة إلى شدة التعصب المذهبي الذي كان يموج في ذلك العصر الذي دفع بهؤلاء المتعصبين إلى البحث عن قضايا وأسباب يجعلونها طريقاً للوصول إلى أهدافهم والإيقاع بالتاج السبكي، فوجدوا في قضية الوصولات دافعاً لهم لاتهامه والطعن في أمانته، مما دفع إلى عقد المجالس له، والتي أدت إلى مقولته ((فبطل دين الإسلام)) التي حكم بها عليه بالكفر والفسق ومن ثم بالسجن والله أعلم. المبحث السابع عقيدته وتصوفه لقد كان الإمام تاج الدين السبكي يدين الله تعالى بعقيدة أهل السنة والجماعة وعلى طريقة إمام أهل السنة أبي الحسن علي بن إسماعيل بن بشر الأشعري البصري (260هـ ـ 324هـ) (¬2) وعقيدة الشيخ أبي الحسن هي العقيدة التي تلقتها الأمّة سلفاً وخلفاً بالقبول وارتضوها لهم معتقداً، وفي ذلك يقول التاج السبكي: ((وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة، ولله الحمد في العقائد يد واحدة، كلهم على رأي أهل السنة والجماعة، يدينون الله تعالى بطريق الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله، لا يَحيد عنها إلا رِعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال، ورِعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبَرّأ الله المالكية فلم نَرَ مالكياً إلا أشعرياً عقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي، التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة)) (¬3). وعقيدة الأشاعرة قائمة على أساس التنزيه لله تعالى عن مشابهة الحوادث، والإيمان بكل ما وصف الله تعالى به نفسه من صفات الكمال، ونفي كل ما نفاه عن ذاته العلية من صفات الحوادث والنقص، فالأشاعرة يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه، وينفون عنه ما نفاه عن نفسه، ولهم موقف وسط في معمعة متشابه الصفات قائم على أمرين: ¬

_ (¬1) نقل ذلك التاج السبكي في طبقات الشافعية (10/ 32) (¬2) انظر ترجمة الإمام الأشعري وأخباره في كتاب الحافظ ابن عساكر تبيين كذب المفتري في ما نسب إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري، فقد جمع فيه ترجمة حافلة وافية لهذا الإمام العظيم تستحق القراءة، وانظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (3/ 347 - 445) (¬3) التاج السبكي، معيد النعم ص 75

أولاهما: أنّه لا يُتَكلّم في معناها؛ بل يقولون يجب علينا أن نُؤمنَ بها، ونَعتقدَ لها معنىً يَليقُ بجلال الله تعالى وعظمته، مع اعتقادنا الجازم أنّ الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنّه منزّه عن التجسيم والانتقال والتحيّز في جهة وعن سائر صفات المخلوق، وهذا هو قول أئمة السلف، وأكثر المتقدمين. ثانيهما: أنّها تُأول على ما يليق بها على حسب مواقعها، بما ويتفق مع مقتضى لغة العرب وينسجم مع سياقها في النص، وهو مذهب أكثر المتكلمين ومعظم المتاخرين (¬1). وقد نظم هذين المذهبين الشيخ إبراهيم اللقاني (¬2) في ((جوهرة التوحيد)) وهي من أشهر المتون المعتمدة لدى الأشاعرة فقال: وكُلُّ نَصٍّ أَوْهَمَ التَّشْبيها ... أَوِّلْهُ أو فَوِّضْ ورُمْ تَنْزِيها (¬3) ويرى الإمام تاج الدين السبكي: أنّ أبا الحسن الأشعري لم يُنْشئ مذهباً ولم يبتدع رأياً، وإنّما هو مقرر لمذاهب السلف مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّ الانتساب إلى الأشعري إنّما هو باعتبار أنّه عقد على طريق السلف نطاقاً وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه؛ فصار المقتدى به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعرياً (¬4). وعلى ذلك فلا يمكن أن يعد الأشاعرة ضمن المبتدعة، ولا يجوز ذمهم ولا الطعن عليهم، بل الابتداع كل الابتداع في مخالفة نهجهم وطريقتهم، يقول التاج السبكي مؤكداً على ذلك: ((وهذه المذاهب الأربعة ولله الحمد في العقائد يد واحدة إلا من لحق منها بأهل الاعتزال أو التجسيم، وإلا فجمهورها على الحق، يُقِرّون عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفاً وخلفاً بالقبول، ويدينون الله برأي شيخ السنة أبي الحسن الأشعري، الذي لم يعارضه إلا مبتدع)) (¬5). والإمام تاج الدين السبكي، يصرّح في أكثر من موضع في كتاباته بانتسابه إلى الأشعري عقيدة، وهو كثير الإجلال والتعظيم له، فمن الأدلة على ذلك قوله في حق الشيخ أبي الحسن في ترجمة حافلة له خَرّجَها التاج في الطبقات الكبرى: ((شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى، ... شيخ طريقة أهل السنة والجماعة، إمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين، والساعي في حفظ عقائد المسلمين، سعياً يَبْقى أَثَرهُ إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين)) (¬6). كما أنّه عقد فصلاً خاصاً في بداية كتابه الطبقات، بيّن فيه مسائل الإيمان والإسلام، وهل يزيد الإيمان وينقص أم لا، مقرراً في ذلك كله معتقد الأشاعرة (¬7). ¬

_ (¬1) انظر النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم (3/ 21)، اللقاني، شرح جوهرة التوحيد ص 99 (¬2) هو الشيخ أبو الأمداد برهان الدين إبراهيم بن حسن اللقاني المصري، أحد الأعلام وأئمة الإسلام المشار إليهم بسعة الإطلاع وطول الباع في علم الحديث والتوحيد، توفي سنة 1041هـ، من مصنفاته: ثلاثة شروح على جوهرة التوحيد، نصيحة الإخوان في شرب الدخان، انظر: مخلوف، شجرة النور الزكية ص 291 (¬3) اللقاني، جوهرة التوحيد ص 6 (¬4) انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (3/ 365) (¬5) التاج السبكي، معيد النعم ص 22 (¬6) التاج السبكي، طبقات الشافعية (3/ 347) (¬7) انظر المصدر السابق (1/ 42 - 151)

دفاعه عن أئمة الأشاعرة

وكذلك ختم مختصره ((جمع الجوامع)) بخاتمة ذَكَر فيها معتقده مبيّناً فيها عقيدة الأشاعرة. وافتتح كتابه ((ترشيح التوشيح)) بمقدمة ذَكَر فيها جملة معتقده، وها أنا أذْكُر لك بعضاً مما ورد فيها ليتبيّن لك صحة ما ادّعَيناهُ عنه، حيث قال: ((فالحمد لله عوداً على بدء، رب العالمين، قيوم السماوات والأرضين، الأول فليس قبله شيء، الباطن فليس دونه شيء، ... الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي ليس بجسم مصور، ولا جوهر محدد، من زعم أنّ إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود، ومن زعم أنّ الأماكن تحيط به فقد لزمته الحيرة والتخليط، بل هو المحيط بكل مكان مُقدَّس عن الجهات مُنزَّه عن المماسات، رفيع الدرجات ذو العرش، يُلقي الروحَ من أمره على من يشاء من عباده، استوى على العرش الذي قاله بالمعنى الذي قاله لا تُنقِص منه ولا تَزيدَه، لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بعظيم قدرته، ولطيف صنعته. القرآن كلامه غير مخلوق، كَلَّم موسى تكليماً بلا جوارح ولا أدوات ولا شفه ولا لَهَوات، سبحانه عن تكييف الصفات)) (¬1) إلى آخر تلك المقدمة الحافلة التي جمع فيها أهم مسائل الاعتقاد فانظرها. دفاعه عن أئمة الأشاعرة: يعدّ الإمام تاج الدين السبكي، حامل لواء الدفاع عن أهل السنة، وبخاصة الأشاعرة، فتراه يتحيّن الفرص للدفاع عنهم والذب عن أعراضهم فهو في كتابه ((طبقات الشافعية)) ـ والذي يعدّ بحق طبقات للأشاعرة أيضاً ـ بيّن حقيقة ما عليه هؤلاء العلماء، ورد كثيراً مما رُمِي به هؤلاء الأئمة الجِلّة الذين حملوا راية الإسلام، والدفاع عن عقائده تُجاه الملاحدة، وأتباع الفرق الضالة، وجماعة المبتدعة. وكثيراً ما كان التاج يَتعقّب شيخَه الذهبي، الذي يعدّه التاج السبكي كثيرَ الغضِّ من أئمة أهل السنة الأشاعرة، وكثير الوقيعة فيهم (¬2)، وقد تتبعه التاج في كثير من المواضع، وكان يردُّ دَعاويه وأقاويله التي فيها غضٌّ من هؤلاء الأعلام، ترى ذلك واضحاً في ترجمة التاج السبكي للإمام الأشعري، وإمام الحرمين الجويني، والإمام فخر الدين الرازي، حيث وجه في هذه التراجم نقداً لاذعاً قوياً لشيخه الذهبي، الذي اعتبره التاج لم يُوفِّ هؤلاء الجهابذة حقهم في تراجمه لهم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل وجدت أنّ التاج السبكي يقرّر أنّه لا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعتمدَ على أقوال الذهبي في الغضّ عن الأشاعرة فيقول: ((والذهبي أستاذنا، والحق أحق أن يُتّبعَ، لا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعتمدَ عليه في الضَّعة من الأشاعرة)) (¬3). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، ترشيح التوشيح ص 2 - 12 (¬2) التاج السبكي، طبقات الشافعية (2/ 13)، معيد النعم ص 87 (¬3) التاج السبكي، معيد النعم ص 74

تصوفه وموقفه من الصوفية

تصوفه وموقفه من الصوفية: لم تَذْكُر المصادر التاريخية عن تَصوّف السبكي شيئاً، وليس بين يدي شيء عن صحبته في التصوف أو على من تخرج فيه، غير أنّه من المقرّر المعلوم لديّ أنّ والده الشيخ تقي الدين كان قد صحب في التصوف الشيخ العارف بالله ابن عطاء الله السكندري (¬1) وعليه تخرج في هذا العلم (¬2). والشيخ تقي الدين كان من العلماء العارفين بالله تعالى وقد كان الشيخ تقي الدين أول مربٍّ موجِّه لولده، مما يقوي لديَّ احتمالية أنّ التاج قد أخذ التصوف عن والده وانتسب فيه إليه. وإنّ لدي من النصوص ما تثبت أنّ التاج السبكي كان ذا قدم راسخة في التصوف، فمن ذلك قوله في كتابه ((معيد النعم)) إبّان حديثه عن أسباب زوال النعم: ((وأنا أبحث عن هذه الأمور ... بحثاً مختصراً، لا أرخي فيه عنان الإطناب؛ فإنّه بحر لا ساحل له، لو ركبت فيه الصعب والذلول، وشمرت فيه مساق البيان، وخضت فيه لجج الدقائق، لذَكَرتُ ما يعسر فهمه على أكثر الخلائق، ... ولانتهينا إلى ما لم يُؤذَن لنا في إظهاره من الأسرار العلمية)) (¬3). ثم أخذ يتكلم عن الشكر بلسان العارف البصير، وبيّن ما على الإنسان فعله شكراً لربه تعالى، وذكر أسباب زوال النعم، فشخص الداء ووصف له العلاج الناجح، وما هذه العلوم إلا من لب علم التصوف. وقد كان تاج الدين السبكي كثير المحبة والإجلال والتعظيم للصوفية فهو لا يذكرهم إلا بألفاظ التبجيل والتفخيم، فهو يقول عنهم في كتابه: ((معيد النعم)): ((الصوفية: حَيّاهُم الله وبَيَاهُم وجمعنا في الجنة وإياهم)) (¬4). ويقول أيضا: ((والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين تُرتَجى الرحمةُ بذكرهم ويُستنزلُ الغيثُ بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم.)) (¬5) وقد حذّر التاج السبكي من الإنكار عليهم والوقوع في أعراضهم، فقال: ((وقد جرّبنا فلم نجد فقيهاً ينكر على الصوفية إلا ويهلكه الله تعالى وتكون عاقبته وخيمة ... إلى أن قال: لأنّ هؤلاء القوم لا يعاملون بالظواهر، ولا يفيد معهم إلا الباطن ومحض الصفاء، وهم أهل الله وخاصته نفعنا الله بهم، وأكثر من يقع فيهم لا يفلح)) (¬6). ¬

_ (¬1) هو الشيخ الإمام العارف بالله تعالى الصوفي الكبير أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم تاج الدين بن عطاء الله السكندري الشاذلي طريقة الإمام المتكلم الجامع لأنواع العلوم من تفسير وأصول وفقه وغيرها، توفي سنة 709هـ، من مصنفاته: الحكم العطائية المشهورة في التصوف، لطائف المنن في مناقب المرسي وأبو الحسن، انظر ترجمته في مخلوف، شجرة النور الزكية ص 204 (¬2) انظر ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 49) (¬3) التاج السبكي، معيد النعم ص 2 (¬4) المصدر السابق ص 119 (¬5) المصدر السابق 120 (¬6) التاج السبكي، معيد النعم ص 88

المبحث الثامن مظاهر من شخصيته

وأما موقفه مما يَصدُرُ عن الصوفية من ألفاظٍ مُوهمٌ ظاهرها الخروج عن رِبْقَةِ التوحيد فهو موقف معتدل وسط، فهو يرى أنّه ينبغي النظر أولاً إلى لزوم الشخص لأوامر الله تعالى، فإن كان كذلك وجب حسن الظن به ويقول: ((وتلك الأمور قَلَّ أن يفهما من يَعِيبُها، والواجب تسليم أحوال القوم ... إليهم، وإنا لا نؤاخذ أحداً إلا بجريمة ظاهرة ومتى أمكننا تأويل كلامهم وحمله على محمل حسن لا نعدل من ذلك لا سيّما من عرفناه منهم بالخير ولزوم الطريقة، ثم إن بَدَرتْ لفظة من غلطة أو سقطة فإنّها عندنا لا تهدم ما مضى)) (¬1). واعلم أنّ التصوف الذي يتحدث عنه التاج السبكي، هو التصوف الصافي النقي على طريقة إمام الطائفة الجنيد (¬2) رحمه الله تعالى، وأبو القاسم القشيري (¬3)، وليس كل من تزيّى بزي الصوفية ونسب نفسه إليهم ممن يسيئون إلى التصوف وأهله الذين يقول فيهم التاج: ((اعلم أنّهم [أي الصوفية] قد تشبه بهم أقوام ليسوا منهم، فأوجب تشبه أولاء بهم سوء الظن، ولعل ذلك من الله تعالى قصداً لخفاء هذه الطائفة التي تؤثر الخمول على الظهور)) (¬4). المبحث الثامن مظاهر من شخصيته إنّ من يطالع مصنفات التاج السبكي يرى واضحاً بروز شخصيته المميَّزة، ويستطيع أن يدركَ بعض الجوانب المهمة في شخصية هذا الرجل الفذ، وها أنا اذكر لك بعض هذه الجوانب ومنها: 1 - قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إنّ وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أَولى أولويات العلماء العاملين المخلصين، فالعالم الحق لا يسكت على منكر يراه بل تراه يُجنِّد كل طاقاته لمحاربته والكف عنه، ولا يخشى في ذلك لومة لائم. والإمام تاج الدين السبكي طرازٌ فريدٌ من نوعِهِ غير قابل لأن تلينه المؤثرات، وقد كان رحمه الله تعالى سَليطَ اللّسان والبنان في محاربة المنكرات أيا كان نوعها وأيا كان فاعلها، فهو دائماً ما يصحّح ويشدّد النكير إما على عامّي فاسق، أو حاكم مارق، أو عالمٍ أو قاضٍ أو مُفتٍ أو صوفي جاهل. ¬

_ (¬1) المصدر السابق (¬2) هو الإمام العلامة أبو القاسم النهاوندي الأصل، البغدادي القواريري، الخزاز، سيد الطائفة، مقدم الجماعة وإمام أهل الخرقة، وشيخ طريقة التصوف وعلم الأولياء في زمانه، اخذ الفقه على أبي ثور، وكان يفتي بحلقته وله من العمر عشرون سنة، توفي رحمه الله سنة 298هـ أنظر ترجمته في التاج السبكي، طبقات الشافعية (2/ 260) (¬3) هو الإمام الشيخ العارف أبو القاسم زين الدين عبد الكريم بن هوازن عبد الملك بن طلحة النيسابوري القشيري صاحب الرسالة التي سارت مغربا ومشرقا، أحد أئمة المسلمين علما وعملا، وأركان الملة فعلا وقولا إمام الأئمة، توفي سنة 465هـ، أنظر ترجمته في التاج السبكي، طبقات الشافعية (5/ 153) (¬4) التاج السبكي، معيد النعم ص 123

فمن ذلك نقده لحكام زمانه الذين يكثرون من بناء الجوامع بلا حاجة لها، مع العلم بأنّ تعدّد الجمعة فيها غير جائز عند أكثر العلماء فيقول التاج في حق هؤلاء: ((ولقد رأينا منهم من يَعمُرُ الجوامع ظانّاً أنّ ذلك من أعظم القرب ... فينبغي أن يُفهّمَ هذا الملك أنّ إقامة جمعتين في بلد لا تجوز عند الشافعي وأكثر العلماء؛ فإن قال: قد جوزها قوم منهم قلنا له: إذا فعلت ما هو واجب عليك عند الكل فذاك الوقت إفعل الجائز عند البعض، وأما أنّك ترتكب ما نهى الله عنه وتترك ما أمر به، ثم تريد أن تَعمُرَ الجوامع بأموال الرعايا ليقال: هذا جامع فلان، فلا والله لن يتقبله الله أبداً، وإنّ الله سبحانه طيّب لا يَقبلُ إلا طيباً)) (¬1). ويقول في موضع آخر منتقداً أحكام الولاة: ((وبعض من طبع الله على قلبه من الولاة يأمر الرجلَ أن يُجّرد، فإذا شرع الجلاد في ضربه قام الوالي للصلاة وأطال ـ سمعت ذلك عن بعض ولاة القاهرة ـ فيستمرُّ المضروب تحت العصي والمقارع ما دام الوالي في الصلاة فقبحه الله، آلله أمره بهذا، وأي صلاة هذه؟!)) (¬2). ويقول عن عوائد نظّار الجيش القبيحة: ((أنّهم يقولون هذا شرع الديوان، والديوان لا شرع له، بل الشرع لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا الكلام يُنهي إلى الكفر، وإن لم تنشرح النفس لتكفير قائله، فلا أقلَّ من ضربه بالسياط؛ ليكفَّ لسانه عن هذا التعظيم الذي هو في غنىً عنه)) (¬3). وبعد أن ذكر جملةً من القبائح والمنكرات التي ينغمس فيها أصحاب الساسة والأمراء قال: ... ((ولكنهم احجتروا (¬4) وفعلوا هذه القبائح، وطلبوا من الله تعالى أن ينصرَهم، ومنا أن ندعوَ لهم، ولو أنّهم اتقوا الله حقّ تقاته، لما افتقروا إلى دعائنا)) (¬5). هذا وقد استرسل الإمام تاج الدين السبكي في بيان قبائح الولاة والحكام، وبيّن ما يجب عليهم أن يفعلوه، ومن ثم تناول جميع فئات الشعب، مبيّناً لكل فئة ما يجب عليها فعله وما ينبغي عليها الكفَّ عنه، بأسلوب سهل مبسط مقبول، فهو يشدد حيث تعيَّنَ التشديد وبخاصة عند توجيه النقد للحكام والولاة، ويمارس الرفق واللين عند مخاطبته العامّة والدهماء من الناس (¬6). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، معيد النعم ص 20 (¬2) المصدر السابق ص 45 (¬3) التاج السبكي، معيد النعم ص 34 (¬4) أي التجئوا واستعاذوا، طاهر الزاوي، ترتيب القاموس المحيط (1/ 510) مادة حجر (¬5) انظر التاج السبكي، معيد النعم ص 50 (¬6) قلت وحري علماء زماننا أن يسلكوا سنن التاج السبكي رحمه الله تعالى وأن لا يداهنوا في دين الله أحدا وأن لا يزينوا لحكامهم الباطل في زينة شرعية، فكم عانت الأمة من جراء مجاملتهم لحكامهم، فالله تعالى وحده حسيبهم، وانظر للمزيد من هذه المواقف في مؤلف التاج السبكي العظيم القدر الكثير النفع معيد النعم ومبيد النقم.

2 - احترامه لأهل العلم

2 - احترامه لأهل العلم: الإمام تاج الدين السبكي كان كثير الاحترام والتقدير لأهل العلم قاطبة، فقد كان يعرف للعلماء أَقدارَهُم، وينزلهم منازلهم في أعلى المراتب، وكان التاج يرى أنّ منازل العلماء هي من أعلى المنازل، بل لقد وجدته عدّ العلماء أعلى وأرفع من الملوك والأمراء، فهو يقول في مقدمة طبقاته: ((الحمد لله الذي رفع طبقات العلماء على هام الملوك وتاجها، ودفع بألسنتهم من تُرَّهات المبطلين ما لم يدفعه مساجد التقى، ومشاهد الوغى عند عجاج ليلها، وليل عجاجها، وقمع بهم شبهات الملحدين، وما شبهة الملحدين إلا ليل غمة، وكلمة العالم صبح انفراجها)) (¬1). ولعل أكبر دليل على حب التاج للعلماء، هو إخراجه لكتاب جمع فيه طبقات العلماء الشافعية، فجمع فيه أشتات العلماء وبيّن مراتبهم، وكان رحمه الله تعالى لا يذكرهم إلا بصفات المدح والتبجيل والتفخيم والتعظيم، فهو لا يذكر إلا مناقبهم، ويدافع عنهم، ويَذبّ عن أعراضهم، وينتقد من ينتقدهم. وكان كثيراً ما يَغضّ الطرف عن مثالبهم، وإذا ما بَدَرتْ من أحدهم غلطة أو سقطة كان دائماً حَسَنَ الظَنِّ بهم يَلتمِسُ لهم الأعذار، ويُؤوّل لهم الأقوال، إلا إذا اقتضت الضرورة غير ذلك؛ فإنّه كان ينبّه على بعضها، وذلك لا يوجب نقصاً من أقدارهم، ولا طعناً فيهم؛ بل ليكون طلبة العلم على معرفة بها والحذر منها حتى لا يقعوا فيها. 3 - اتباعه للحق وإنصافه لخصومه: كان الإمام تاج الدين السبكي كثير التحرّي للحق، وهو يدور مع الحق حيث دار، ولا يمنعه من قبول الحق محاباة لأحد ولا مجاملة لأي كان حتى ولو كان والده، فهو لا يتحرّج من مخالفة والده في مسألة رأى أنّ والده قد جانب الصواب فيها، لذلك وجدته قد عقد فصلاً في آخر كتابه ((الترشيح)) للمسائل التي رجّح فيها خلاف والده ويقول في ذلك: ((وذكرت من معترضاتي على الوالد، وسأذكر في آخر الكتاب أيضاً منه، ليُعلَم أنا إن شاء الله لا نحابي في دين الله أحداً، ولو حابينا لحابينا الوالد)) (¬2). وبلغ من شدة تحرّيه الحق في المسائل رحمه الله تعالى، كان أحياناً ما يختلف قوله في المسألة الواحدة في كتبه المختلفة، فتراه في موضع ما يقرّر المسألة بوجه، ثم يرجع في كتاب آخر ويقرّرها بوجه آخر مغايراً له، بل إنّه قد يصرّح بخطئه ويرجع عن قوله ولا يرى في ذلك تحرّجاً، فمن ذلك أنّه صرّح في ((جمع الجوامع)) في مبحث (لو) اختيار كلام والده في عدم كونها امتناعية حيث قال هناك: ... ((والصحيح وفاقاً للشيخ الإمام امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه)) (¬3). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، الطبقات الشافعية (1/ 24) (¬2) التاج السبكي، ترشيح الوشيح ص 65 (¬3) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 141

4 - نبذه للتعصب المذهبي

ثم رجع عن هذا الرأي في ((منع الموانع)) واختار كونها امتناعية فقال: ((واعلم أنّا كتبنا هذا ونحن نوافق الوالد إذ ذاك على ما رآه، ولذلك عبّرنا عنه بلفظ الصحيح، وأما الذي أراه الآن، وأدعي ارتداد عبارة سيبويه إليه، وإطباق كلام العرب عليه، فهو قول المعرَّبين، وقول الوالد: (إنّه منقوض بما لا قبل له) مما لا يَظهَر لي، ... إلى أن قال: ولكنا هنا نَحيد عنه؛ فإن كان خطأً فمنّا ومن الشيطان، وإن كان صواباً فمن الله وببركته رحمه الله، فأقول: مدلول (لو) الشرطية: امتناع التالي لامتناع المقدم مطلقاً)) (¬1). هذا وقد امتاز التاج السبكي رحمه الله تعالى بمِيزة أخرى لا تقلّ أهمية عن كونه وقّافاً مع الحق حيث كان ومع أيّ كان، ألا وهي أنّه كان كثير الإنصاف لخصومه الذين يخالفهم في الرأي، ويوجّه النقدَ لاجتهادهم، فهو مع النقد العلمي الموجّه إليهم إلا أنّه لم يكن لينتقصَ من أقدارهم، أو يهتضم حقوقهم، بل كان ينزلهم منازلهم، ويحفظ لهم مكانتهم رغم مخالفته الشديدة لهم في كثير من أفكارهم. وليس أدل على ذلك من موقف التاج السبكي من شيخه الذهبي، فهو رغم شدة انتقاده له بسبب تحامله على الأشاعرة؛ إلا أنّه ما كان ليذكره إلا بصفات التبجيل والتفخيم والتعظيم. فهو يقول عنه، محدث العصر، ويقول: ((اشتمل عصرنا على أربعة حفاظ بينهم عموم وخصوص: المزي والبرزالي (¬2) والذهبي والشيخ الإمام)) (¬3). وقد رثاه بقصيدة طويلة أذكر منها: مَن لِلْحَديثِ ولِلسَّارينَ في الطَّلَبِ ... مِن بَعْدِ مَوتِ الإِمامِ الحافِظِ الذَّهَبي مَن لِلرِّوايةِ للأَخْبارِ يَنْشُرُها ... بَيْن البَريَّةِ مِن عُجْمٍ ومِن عَرَبِ مَن لِلدِّرايةِ والآثارِ يِحْفَظُها ... بِالنَّقْدِ مِن وَضْعِ أَهْلِ الغَيِّ والكَذِبِ إلى أن قال: هُو الإِمامُ الّذي رَوَّتْ رِوايَتَه ... وطَبَّقَ الأَرْضَ مِن طُلابِهِ النُّجُبِ مُُهَذَّبُ القَولِ لا عَيٌّ ولَجْلَجَةٌ ... مُثَبَّتُ النَّقْلِ سامي القَصْدِ والحَسَبِ ثَبْتٌ صَدُوقٌ خَبيرٌ حافِظٌ يَقِظٌ ... في النَّقْلِ أَصْدَقُ أَنْباءً مِن الكُتُبِ كَالزُّهْرِ في حَسَبٍ والزَّهر في نَسَبٍ ... والنَّهْرِ في حَدَبِ والدَّهْرِ في رُتَبِ (¬4) 4 - نبذه للتعصب المذهبي: رغم تمذهب التاج السبكي على فقه الإمام الشافعي ـ رضي الله عنه ـ، واعتباره مذهبه هو المذهب الحق، وأنّ من عانده فقد عاند الحق، ورغم عظيم حبه للإمام الشافعي، وأتباعه من السادة العلماء الذين دفعه حبه لهم إلى جمع أشتاتهم وتتبع أخبارهم في كتاب خاص بأئمة الفقهاء الشافعية. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، منع الموانع ص 155 - 156 (¬2) هو الإمام العلامة الحافظ الكبير المؤرخ أحد الأربعة الذين لا خامس لهم في هذه الصناعة علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي، توفي سنة 739هـ، انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 381) (¬3) المصدر السابق (9/ 100) (¬4) المصدر السابق (9/ 110)

رغم كل ذلك إلا أنّي وجدت التاج السبكي رحمه الله تعالى، كان ينبذ التعصب المذهبي والجمود على أقوال الأئمة، بحيث تُجعَل الفروع المروية عن الأئمة أصولاً، بحيث يعادي بعضهم بعضا لأجلها ويُبدّع بعضهم الآخر بسببها، ويرى التاج السبكي أنّ هذا التعصب الممقوت لا يرضى به أحد ولو كان الأئمة الفقهاء أحياء لشددوا النكير على أمثال هؤلاء، ويقول: ((ومنهم من تأخذه في الفروع الحمية لبعض المذاهب ويركب الصعب والذلول في العصبية، وهذا من أسوأ أخلاقه، ولقد رأيت في طوائف المذاهب من يبالغ في التعصب بحيث يمتنع بعضهم من الصلاة خلف بعض إلى غير ذلك مما يُستَقبح ذكره، ويا ويح هؤلاء! أين هم من الله تعالى! ولو كان الشافعي وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى حَيّين لشددوا النكير على هذه الطائفة)) (¬1). ويضيف التاج السبكي أنّ على العلماء أن يتجاوزوا هذه الفروع التي للخلاف فيها مدخل وللاجتهاد فيها باب واسع، وكل مجتهد مأجور وإن أخطأ، وعليهم أن يشتغلوا بما هو أهم من ذلك؛ كالرد على أهل البدع والأهواء الذين يُفسِدون على الناس دينهم وعقائدهم، ويقول: ((وليت شعري لم لا تركوا أمر هذه الفروع التي العلماء فيها على قولين، من قائل: كل مجتهد مصيب، وقائل: المصيب واحد، ولكن المخطئ يؤجر، واشتغلوا بالرد على أهل البدع والأهواء. . . ثم قال: فقل لهؤلاء المتعصبين في الفروع وَيْحكم: ذروا التعصب، ودعوا عنكم هذه الأَهْويَة، ودافعوا عن دين الإسلام، وشَمّروا عن ساق الاجتهاد في حَسْمِ مادة من يسبّ الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله ... عنهما)) (¬2). ويَعيبُ التاج على هؤلاء الفقهاء الذين شغلوا أنفسهم بالفروع ونسوا أنّ بين ظهرانيهم يعيش أهل الذمة، ولا تجد فقيها يجالس ذمياً يبيّن له هذا الدين ويدعوه إليه فيقول: ((بل هؤلاء أهل الذمة في البلاد الإسلامية تتركونهم هَمَلاً. . . ولا نرى منكم فقيهاً يجلس مع ذمي ساعة واحدة، يبحث معه في أصول الدين. . . إلى أن قال: فيا أيها العلماء في مثل هذا فاجتهدوا، وتعصبوا، وأما تعصبكم في فروع الدين، وحملكم الناس على مذهب واحد؛ فهو الذي لا يقبله الله منكم ولا يحملكم عليه إلا محض التعصب والتحاسد)) (¬3). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، معيد النعم ص 74 (¬2) التاج السبكي، معيد النعم ص 74 (¬3) المصدر السابق ص 75

5 - اعتداده بنفسه وبمؤلفاته

والمصيبة الكبرى التي يراها التاج السبكي، أن ترى من الفقهاء من يُشدّد النّكير على المسائل الفرعية، ويترك الإنكار على المسائل الأصلية القطعية، فلا تجدهم ينكرون على تارك الصلاة، ولا على كثير من المحرمات المجمع عليها ويضيف: ((فَلَعَمْرُ الله لا أحصي من رأيته يُشمّر عن ساعد الاجتهاد في الإنكار على شافعي يذبح ولا يسمي. . . وهو يرى من العوام ما لا يُحصي عدده إلا الله تعالى يتركون الصلاة التي جزاء من تركها عند الشافعي ومالك وأحمد ضرب العنق، ولا ينكرون عليه، بل لو دخل الواحد منهم بيته لرأى كثيراً من نسائه يتركن الصلاة، وهو ساكت عنهن، فيالله وللمسلمين! أهذا فقيه على الحقيقة! قبح الله مثل هذا الفقيه، ثم ما بالكم تنكرون مثل هذه الفروع، ولا تنكرون المكوس والمحرمات المجمع عليها، ولا تأخذكم الغيرة لله تعالى فيها! وإنّما تأخذكم الغيرة للشافعي، وأبي حنيفة، والمدارس المزخرفة)) (¬1). وقد كان رحمه الله تعالى، ذا بعد نظر، وفكر ثاقب؛ فهو يريد أن يجتمع العلماء على كلمة واحدة، ولا يريد للأمّة أن تفترق فيما بينها وتذهب هيبتها، فقد كان يدعو العلماء إلى توحيد الكلمة ورصّ الصفوف ويرى أنّ افتراق العلماء هو سبب هلاك الأمّة فيقول: ((فيؤدي ذلك إلى افتراق كلمتكم وتَسلّط الجهال عليكم، وسقوط هيبتكم عند العامّة، وقول السفهاء في أعراضكم ما لا ينبغي، فتهلكون السفهاء بكلامهم فيكم؛ لأنّ لحومكم مسمومة على كل حال، لأنّكم علماء، وتهلكون أنفسكم بما ترتكبونه من العظائم)) (¬2). رحم الله التاج السبكي؛ فقد وضع يده على الجرح النازف في جسم أمّتنا اليوم، وحريّ بعلماء هذا الزمان - الذين مزقتهم الخلافات كل ممزق - أن يجعلوا من توجيهات التاج السبكي، دستوراً ونبراساً يهتدون به؛ لعلهم يعيدون للأمّة قوتها ومجدها، فقد آن لعلمائنا أن يقفوا صفاً واحداً في مواجهة التحديات الكبرى التي تعصف بالأمّة، ولا تجد منهم من يحرك ساكناً، ألا فهبّوا أيها العلماء، وكونوا كما أرادكم الله تعالى ورثة للأنبياء. 5 - اعتداده بنفسه وبمؤلفاته: كان التاج السبكي - رحمه الله تعالى - كثير الاعتزاز بنفسه، فهو يقول عن نفسه: ((وأنا اليوم مجتهد الدنيا على الإطلاق لا يقدر أحد يرد عليّ هذه الكلمة)) فانظر إلى مدى هذا الاعتزاز وهذه الثقة بالنفس والتي جعلته يتفوه بمثل هذه الكلمة، في زمن كان العلماء يقفون فيه سداً منيعاً أمام من يدعى الاجتهاد ولم يكن قد تأهل له بعد. ¬

_ (¬1) المصدر السابق ص 76 (¬2) التاج السبكي، معيد النعم ص 77

6 - صبره وتحمله الأذى

ولا يرى التاج السبكي حرجاً بالتحدث عن مؤلفاته ومزاياها، فهو لا يترك فرصة إلا ويشيد بمؤلفاته ويرفع منها، بعبارات تفوح منها رائحة العزّة والأنَفَة فهو يقول عن كتابه الطبقات: ((ومن نظر كتابي هذا علم كيف كان البدر يغيب وأنا شاهد، وتيقن أنّه وظيفة عمر رجل ناقد؛ فلقد اشتمل على بحر زاخر من غرائب المسائل، وقدر وافر من عجائب الأقوال والأوجه والدلائل وغيث هامع من العلم تتقاصر عنه الأنوا (¬1)، وغدير جامع تلقى عنده الدلا (¬2))) (¬3) ويضيف: ((إنّ هذا المجموع شمس عوارف المعارف، وقمر لطائف الظرائف، ونجم سماء العلم، والناس تِلقاءَ حرمه بين عاكف وطائف، من شاهده قال: هكذا هكذا، وإلا فلا لا، ومن أنفق من خزانة علمه لم يخش من ذي العرش إقلالاً، ومن تأمله منصفاَ جبن عن معارضته وأنشد: . .أهابك إجلالا. . .)) (¬4) هكذا كان هو التاج، وحُقَّ له أن يعتز بنفسه. ولا ينبغي لمنصف أن يرى في ذلك نقيصة منه، ذلك أنّ التاج بنفسه يؤكد أنّ إشادته بمصنفاته ليس للسمعة والفخر، وإنّما من باب ''وأما بنعمة ربك فحدث'' ويهدف من ذلك إلى تشويق القارئ وحضه على مطالعته. ومع ذلك كان يرجع ويتواضع، فهو فيه عزة وتواضع معاً، فبعد أن يمدح ويستطرد في المدح يقول: ((وأنا مع وصفي هذا الكتاب، ما أبرئ كتابي ولا نفسي من شك ولا ريب، ولا أبيعه بشرط البراءة من كل عيب، ولا أدعي فيه كمال الاستقامّة، ولا أقول: بأنّ الطبقات جمع سلامّة، بل إذا دار في خلدي ذكر هذه الطبقات اعترفت بالقصور، وسألت الله الصفح الجميل عما جرى به القلم، فكم جرى بهذه السطور، وقلم اللوح المحفوظ والكتاب المسطور، ورجوت مسامحة ناظريه، فهم أهلوها، وأملت جميلهم فهم أحسن الناس وجوهاً وأنضرهموها)) (¬5). 6 - صبره وتحمله الأذى: لقد كان للتاج السبكي، الكثير من الحساد والمناوئين الذين يَحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، وكان هؤلاء الحسّاد يَحيكون المؤامرات ضدّه للنيل من عرضه، وقد نجحوا في ذلك، فاضطهد التاج وعزل عن القضاء واتهم بالكفر وسجن (¬6). وقد تجلّى صبر التاج السبكي في هذه المحنة في أبهى صورة فقد ظل رحمه الله تعالى، قوياً ثابتاً صابراً محتسباً، فهو لم يَجزَع ولم يتألّم، ولم تَفُتّ هذه المحنة من عزمه، بل ظل على ثقة مطلقة بربّه وأنّ الله سبحانه لن يتركه، ولا بد أنّ فرجه قريب، وظل كذلك حتى فرج الله تعالى عنه، وكشف عنه الغمة، وعاد التاج إلى منصبه معززاً مكرماً. ¬

_ (¬1) أي جمع نوء وهو النجم المنازل في الغرب وكانت العرب تضيف إليه المطر والرياح، الجوهري الصحاح (1/ 119) مادة نوء (¬2) أي جمع دلو وهو ما يستقى به الماء المرجع السابق (6/ 286) مادة دلو (¬3) التاج السبكي، طبقات الشافعية (1/ 209) (¬4) المصدر السابق (1/ 214) (¬5) التاج السبكي، طبقات الشافعية (1/ 215) (¬6) انظر ما قلناه عن محنة التاج السبكي صفحة 44 من هذه الرسالة

المبحث التاسع وفاته

ولما عاد إلى منصبه؛ عفا وصفح عن كل من أساء إليه؛ فلم يعاقب أحداً بجريرة، ولم يراجع أيّاً منهم في شيء ذكره في حقه إبّان محنته، يقول ابن كثير في ذلك: ((جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله. . . وأبان في أيام محنته عن شجاعة، وقوّة على المناظرة، حتى أفحم خصومه مع كثرتهم ثم لما عاد عفا وصفح عمّن قام عليه)) (¬1)، ويقول ابن حجر: ((حصل له بسبب القضاء محنة شديدة مرة بعد مرة، وهو مع ذلك في غاية الثبات، ولما عاد إلى منصبه صفح عن كل من أساء إليه)) (¬2). المبحث التاسع وفاته لم يُعمّر شيخنا تاج الدين السبكي طويلاً، فقد وافاه القدر مبكراً، ولم يُمهله كثيراً، إذ توفي رحمه الله تعالى شهيداً بالطاعون عن ثلاثة وأربعين سنة في سابع ذي الحجة من عام 771هـ (¬3). فقد خطب يوم الجمعة ثالث ذي الحجة، ثم طعن يوم السبت واستمر يعاني المرض حتى مساء يوم الثلاثاء السابع من ذي الحجة حيث اختاره الله تعالى إلى جواره شهيداً. وقد كانت جنازته جنازة حافلة حيث صُلّي عليه أكثر من مرة، وحضر نائب السلطنة، وحمل نعشه الأمراء الكبار، وقد شيعه خلائق كثر، ودفن رحمه الله تعالى بمقبرة السبكيين بسفح قاسيون، وقد تأسف الناس لموته كثيراً. وهكذا رحل تاج الدين السبكي، بعد حياة حافلة بالعطاء والصبر والجهاد، وبعد أن خلّف وراءه تراثاً ضخماً كان كفيلاً بأن يُبقي ذِكْره واسمه حياً في نفوس العلماء وطلاب العلم وأهله، فرحم الله التاج السبكي وجزاه الله عن هذه الأمّة خير الجزاء، وجمعنا الله وإياه في دار المقامة مع السعداء، آمين. ويعجبني أن أختم هذا الترجمة ببعض أبيات كان قد راسله بها صديقه الصفدي والتي يقول فيها:- لَكِنْ جَعَلْتَ الشَّامَ بَعْـ ... ـــدَكَ كَالجَحيمِ وَكَانَ جَنَّه ودِمَشْقُ بَعْدَكَ قَدْ تَرَدَّ ... تْ ثَوبَ حُزْنٍ فِيهِ دُكْنَه لَم يُسْقَ مَن يَرِدُ البَريـ ... ـصَ (¬4) وَلو أَتى أَولادَ جَفْنَه (¬5) وكَذاكَ ثَورا (¬6) بَعْدَ بُعْـ ... ــدِكَ ما تَسَنّى بَل تَسَنَّه (¬7) والجَامِعُ المَعْمورُ كَا ... دَ تُزَعْزِعُ الأَشْواقُ رُكْنَه والقُبَّةُ الشَّمَّاءُ لَيـ ... ــسَ بِجَوِّها لِلنَّسْرِ قُنَّه كانَتْ بِهِ الأَعْطافُ وهِـ ... ــــــيَ مَوائِدٌ يَمْلأْنَ صَحْنَه والآنَ أَقْفَرَ وَحْشَةً ... وأَسالَ مِنْهُ السَّقْفُ دُهْنَه ودُموعُهُ فَوّارَةٌ ... قَدْ قَرَّحَتْ بِالفَيضِ جَفْنَه ¬

_ (¬1) نقل هذا القول عن ابن كثير ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 428) (¬2) المصدر السابق (2/ 426) (¬3) انظر ابن رافع، الوفيات (2/ 362)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 140)، ابن حجر، الدرر الكامنة (2/ 429)، قلت وفي القلائد الجوهرية (2/ 372) أن وفاته سنة 761هـ وهو وهم ظاهر، وقد أخطأ ابن هداية الله أيضا في تحديد سنة وفاته فذكرها في سنة 769هـ وهو خطأ محض (¬4) عين ماء في دمشق، طاهر الزاوي، ترتيب القاموس المحيط (1/ 201) مادة برص (¬5) أي الكريم المضياف، المصدر السابق (1/ 432) مادة جفن (¬6) اسم نهر في دمشق، المصدر السابق (1/ 359) مادة ثور (¬7) أي فسد واختلط

وغَدَتْ قِسِيَّ قَناطِرٍ ... فيهِ مِن البَرْحاءِ (¬1) مُزْنَه ولَكَمْ نُفُوسٍ مِن نُفُو ... سٍ مِتْنَ حِينَ أَكَلَّ مَتْنَه لَمْ يَبْقَ إِلا زَورَةٌ ... لِتُزيلَ لَمَّا غِبْتَ غَبْنَه مَولايَ يا قاضي القُضا ... ةِ ومَن عَوارِفُهُ شَهَرْنَه ومُقيلَ عَثْرَةِ كُلِّ مَن ... قَلَبَ الزَّمانُ لَهُ مِجَنَّه (¬2) ومُبَلِّغَ الآمالِ ظَمْآنا ... تَشَوَّقَ ما مَجَنَّه (¬3) أنا عِنْدَ غَيرِكَ في الوَرَى ... مِمَّنْ عَوارِفُهُ أَضَعْنَه إنَّ الشُّجاعَ بِلَحْمِهِ ... سَمْحٌ إذا لَمْ يَرْضَ جُبْنَه فَاسْلَمْ ودُمْ في نِعْمَةٍ ... ما زَانَ زَهْرُ الرَّوضِ حَزْنَه (¬4) (¬5) وقال أيضاً: تَغايَرَتْ الأَقْطارُ فيكَ فَواحِدٌ ... لِفَقْدِكَ يَبْكي إذْ لِقُرْبِكَ يَبْسُمُ وكُلُّ مَكانٍ أَنْتَ فيهِ مُبارَكٌ ... وفي كُلَّ يَومٍ فِيهِ عيدٌ ومَوسِمُ ولا شَكَّ في أنَّ الدِّيارَ كأَهْلِها ... كَما قِيلَ تَشْقَى بِالزَّمانِ وتَنّعَمُ (¬6) ¬

_ (¬1) أي شدة الأذى، طاهر الزاوي، ترتيب القاموس المحيط (1/ 192) مادة برح (¬2) أي الترس، المصدر السابق (1/ 185) مادة مجن (¬3) أي ماء مجنه وهي عين ماء في الرقة، المصدر السابق (1/ 185) مادة مجن (¬4) ما غلظ من الأرض، المصدر السابق (1/ 549) مادة حزن (¬5) أورد هذه الأبيات التاج السبكي في طبقات الشافعية (10/ 23 - 25) (¬6) التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 31)

الفصل الثاني مؤلفاته في أصول الفقه

الفصل الثاني مؤلفاته في أصول الفقه وفيه المباحث الآتية: المبحث الأول: الإبهاج في شرح المنهاج المبحث الثاني: رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب المبحث الثالث: جمع الجوامع المبحث الرابع: منع الموانع عن جمع الجوامع

المبحث الأول الإبهاج في شرح المنهاج

الفصل الثاني مؤلفاته في أصول الفقه لقد اهتمّ تاج الدين السبكي بعلم الأصول اهتماماً بالغاً؛ لذلك فقد تنوّعت أشكال تصنيفه فيه، فوُجدت له مجموعةٌ من المصنّفات الأصولية منها ما هو شَرْحٌ وتقريرٌ لكلام السّابقين، حيث تجلّى ذلك بوضوح في تَصدِّيه لشَرْح أهم متْنين في أصول المتكلمين هما: ((منهاج الوصول)) للقاضي البيضاوي، و ((مختصر المنتهى)) لابن الحاجب. كما أنّه وضعَ لنفسه مَتْناً خاصّاً في علم الأصول أَوْدعَ فيه زُبدة ما في شرحَيه وخُلاصة فِكْره ونَظَره وأسماه: ((جمع الجوامع)) ومن ثمّ وضع عليه مصنفاً ردّ فيه ما وُجّه إليه من اعتراضات وانتقادات ووسمه بـ: ((منع الموانع عن جمع الجوامع)). وسأعرض في هذا الفصل لهذه المصنفات مبيّناً أهميتها ومصادر كل مصّنف منها. المبحث الأول الإبهاج في شرح المنهاج ((الإبهاج في شرح المنهاج)) هو أقدم المصنفات الأصولية للتاج السبكي، وقد وَضعه التاجُ أيامَ شبابه وهو في حدود الخامسة والعشرين من العمر، وكان والده الشيخ تقي الدين قد ابتدأ هذا الشرح لما وَجد ولده أبا حامد بهاء الدين قد شَرعَ في قراءة ((منهاج البيضاوي))، فأحبّ أن يَضع له شرحاً لينتفع به ولده وغيره من المشتغلين بأصول الفقه، وقد أخذ تسميته من قول الشاعر ذي الرِّمَّة (¬1): تَزدادُ للعَيْنِ إبهاجاً إذا سَفَرتْ ... ومَخْدَجُ العَين فيها يَلْتَفِتُ (¬2) ووَجْهُ تسميته بذلك أنّه شبّه ((المنهاج)) بالحسناء إذا رفعت النقّاب عن وجهها، فإنّها تَزدادُ جمالاً ورونقاً وتَبْهرُ العيونَ بها، فكذلك ((المنهاج)) فإن حلّ ألفاظه وغوامضه يزيد الناظر فيه نفعاً ومعرفة. وقد شرع الشيخُ تقي الدين في شرح ((المنهاج)) من بدايته حتى وصل إلى قول البيضاوي: ((المسألة الرابعة: وجوب الشيء مطلقاً يوجب وجوب ما لا يتمُّ إلا به وكان مقدوراً))، فوضع عليه قِطعةً من الشرح ثمّ أعرض عنه صَفْحاً (¬3)؛ فشرع التاج السبكي في وضع شرح عليه يتمم ما بدأه والده فبدأ بشرحه من مقدمة الواجب حيث انتهى والده حتى أتمّه كله في حياة والده وذلك سنة 752 هـ (¬4)، في حين توفي والده سنة 756 هـ. ومن هنا يُعلَمُ خطأُ من ظنّ أنّ الشيخَ تقي الدين لم يُتمّ شرح ((المنهاج)) بسبب الوفاة، كصاحب كتاب البيضاوي وأثره في أصول الفقه، حيث ذكر أنّ التَّقي السبكي قد عاجلته المنيّة قبل إتمام الشرح وهذا خلاف ما صرّح به التاج السبكي نفسه وما دوّنه من تاريخ الانتهاء من تصنيفه، وأزيد على ذلك أنّ الكاتب المذكور قد ناقض نفسه حيث ذكر أنّ التاج انتهى من تصنيفه سنة 752 هـ، وذكر وفاة والده سنة 756 هـ (¬5). هذا وقد امتاز شرح الشيخ تقي الدين بالإسهاب والتطويل في كثير من المباحث، كما امتاز بدقة العبارة والتدقيق في كثير من المباحث الكلامية مما جعل هذا الشرح صعباً ومغلقاً على كثير من طلبة العلم. ¬

_ (¬1) هو أبو الحارث غيلان بن عقبة بن مسعود، الشاعر المعروف بذي الرمة، أحد فحولة الشعراء وأحد عشاق العرب المعروفين بذلك، توفي سنة 117هـ، وله ديوان شعر مطبوع. انظر ترجمته في: ابن خلكان، وفيات الأعيان (2/ 246 - 248)، ابن قتيبة، الشعر والشعراء ص 326 (¬2) تقي الدين السبكي، الإبهاج (1/ 6) (¬3) صرّح التاج السبكي بذلك في مقدمته على الإبهاج (1/ 107)، وكذا في الطبقات في ترجمة والده (10/ 307) (¬4) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 275) (¬5) انظر: جلال الدين عبد الرحمن، القاضي ناصر الدين البيضاوي وأثره في أصول الفقه ص 345

المطلب الأول: التعريف بمنهاج الوصول

المطلب الأول: التعريف بمنهاج الوصول. من المعلوم المقرَّر أنّ المتأخرين من العلماء عامّةً والأصوليين خاصّةً قد اهتمّوا بالمتون والمختصرات اهتماماً بالغاً، وقد مالوا إلى الإكثار منها، حيث وجدنا أكثر أولئك العلماء وضع لنفسه متْناً خاصاً أو اختصر كتاباً كانت له المكانةُ الرفيعة، والقيمةُ العلمية الرَّصينة، حيث جُمِع في هذه المختصرات زُبدة طريقة المتكلمين، ومن ثمّ اقتصر الدور على من بعدَهم على حلّ ألفاظ هذه المتون ... وبيان معانيها ومراميها. هذا ويُعَدّ كتاب ((منهاج الوصول إلى علم الأصول)) لمؤلفه القاضي ناصر الدين البيضاوي المتوفى سنة685 هـ من أحد أهم المختصرات والمتون في هذا العلم على طريقة المتكلمين؛ وذلك لأنّه قد جمع زُبدة هذا الفن في مختصر دقيق العبارة كثير النفع والفائدة. يَتّضح ذلك من خلال إلقاء نظرة سريعة على تاريخ هذه الطريقة وأهم المصنفات فيها لتَعرف منزلة ((المنهاج)) من بينها فأقول: إنّ أهمّ ما صُنّف على طريقة المتكلمين ـ والتي تعدّ أركان هذه الطريقة ـ أربع مصنفات كان مدار جميع الأصوليين فيما بعد عليها ألا وهي (¬1): 1 - كتاب العُمَد أو العهد للقاضي عبد الجبار المعتزلي المتوفى سنة 415 هـ (¬2). 2 - المعتمد شرح العُمَد لأبي الحسين البصري المعتزلي المتوفى سنة 463 هـ (¬3). 3 - البرهان لإمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني الأشعري المتوفى سنة 478 هـ. 4 - المستصفى لحجّة الإسلام الغزالي، الأشعري، تلميذ الجويني، المتوفى سنة 505 هـ. ثُمّ جاء بعد ذلك الإمام المحقق الكبير فخر الدين محمد بن عمر الرازي المتوفى سنة 606 هـ؛ فجمع ما في هذه المصنفات الأربعة مع بعض زيادات وتحقيقات وتدقيقات وتنقيحات في كتابه العظيم ... ((المحصول في علم أصول الفقه)) (¬4). فجاء شاملاً لكل ما قيل في هذا الفن مع ما تميّز به الإمام الرازي من حُسْن سَبكٍ للعبارة والإكثار من إيراد الأدلة والاحتجاج، ولم يكن الإمام الرازي مجرّد ناقل فقط بل كان ناقداً بصيراً ومدققاً فاحصاً، وله مؤاخذاتٌ وملاحظاتٌ على كتب سابقيه مما يدلّ على تَبَحُّره في هذا العلم وإحاطته بمسائله، وبذلك استحقّ الإمام الرازي أن يكون إمامَ الأصوليين بلا منازع، وكتابه ((المحصول)) الممثل الحقيقي والنهج الواضح لطريقة المتكلمين (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: ابن خلدون، مقدمة تاريخ ابن خلدون (2/ 817)، الإسنوي، نهاية السول (1/ 5) (¬2) هو أبو الحسن قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني، كان في بداية حاله يذهب في الأصول مذهب الأشعرية وفي الفروع مذهب الشافعي ثم تحول وعظم قدره وانتهت إليه الرئاسة في المعتزلة حتى صار شيخها وعالمها توفي سنة 415هـ، من مصنفاته: كتاب المغني في التوحيد، شرح الأصول، المبسوط، وغيرها. أنظر ترجمته في المرتضى، طبقات المعتزلة ص 112 (¬3) هو محمد بن علي أبو الحسين البصري من كبار علماء المعتزلة توفي سنة 463هـ، انظر ترجمته في المرتضى، طبقات المعتزلة ص 118 (¬4) انظر: ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون (2/ 817)، الإسنوي، نهاية السول (1/ 5)، طه العلواني، مقدمة المحصول (1/ 51 وما بعدها) (¬5) انظر: ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون (2/ 817)، طه العلواني، مقدمة المحصول (1/ 51 وما بعدها)، جلال الدين عبد الرحمن، القاضي ناصر الدين البيضاوي ص 320 - 321

وقد تَلقّى العلماء فيما بعد كتاب ((المحصول)) بالقبول واشتهر أمره وارتفع بين الناس ذِكْره، فأكبَّ العلماءُ عليه إما شرحاً أو تعليقاً أو اختصاراً؛ فكان ممن اختصره الإمام تاج الدين الأرْموي (¬1) في كتابه ((الحاصل)) وكذلك فعل سراج الدين الأرْموي (¬2) في كتابه ((التحصيل)) (¬3). وظَلّ هذان الكتابان مدار الأصوليين حتى جاء القاضي ناصر الدين البيضاوي؛ فأخذ زُبدة ما في هذين الكتابين مع بعض زيادات عليهما من أصلهما ((المحصول)) – وإن كان أكثر اعتماده في الأخذ على كتاب الحاصل – في كتابه ((منهاج الوصول إلى علم الأصول)) (¬4). وبذلك يكون ((منهاج الوصول)) جامعاً بحقٍّ لزُبدة فنّ الأصول وهو الكتاب الذي به اكتمل عِقدُ مدرسة الإمام الرازي، وقد لَقي ((المنهاج)) القبول لدى علماء الأصول المتأخرين وجعلوه أساس اعتمادهم، وبقي ((المنهاج)) من أوائل الكتب المعتمدة في الأصول حتى عصرنا الحاضر. ومما يدل على اهتمام العلماء به كثرة الشروح والحواشي عليه فقد تصدّى لشرح ((المنهاج)) أكابر الأصوليين من العلماء المحققين، حيث بلغت الشروح عليه حوالي أربعة وثلاثين شرحاً، وعليه ست حواش، ونظمه خمسة من العلماء، هذا كله بالإضافة إلى كثرة العلماء الذين اهتمّوا بتخريج أحاديثه (¬5)، وإليك أهم هذه الشروح: 1 - شرح القاضي البيضاوي، فقد وضع البيضاوي شرحاً على ((منهاجه))، وهو أول شرح ((للمنهاج))، وللأسف فهو من الشروح المفقودة (¬6). 2 - شرح مجد الدين الأيكي الشيرازي (¬7)، وهو أول شرح بعد شرح البيضاوي، وقد حُقّق هذا الشرح كرسالة علمية في الأزهر سنة 1979 هـ (¬8). ¬

_ (¬1) هو محمد بن الحسين بن عبد الله العلامة تاج الدين أبو الفضائل الأرموي من أكبر تلامذة الإمام فخر الدين الرازي كان إمام بارع في العقليات، توفي سنة 653هـ، من أهم مصنفاته الحاصل في اختصار المحصول. انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 152) (¬2) هو العلامة أبو الثناء سراج الدين محمود بن أبي بكر بن أحمد الأرموي، المتكلم الأصولي النظار، توفي سنة 682هـ، من مصنفاته مختصر الأربعين في أصول الدين، المطالع في المنطق. انظر ترجمته في: التاج السبكي، طبقات الشافعية (8/ 371) (¬3) انظر: ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون (2/ 817)، الإسنوي، نهاية السول (1/ 5) (¬4) انظر: ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون (2/ 817)، الإسنوي، نهاية السول (1/ 5) (¬5) انظر: جلال الدين عبد الرحمن، القاضي ناصر الدين البيضاوي ص 333 (¬6) المصدر السابق 214 (¬7) هو محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي الشيخ شمس الدين أبو المعالي الأيكي الفقيه الصوفي المتكلم الأصولي، توفي سنة 697هـ، من مصنفاته شرح منطق مختصر ابن الحاجب، انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 246) (¬8) انظر: جلال الدين عبد الرحمن، القاضي ناصر الدين البيضاوي ص 335

المطلب الثاني: أهمية شرح ابن السبكي للمنهاج ومميزاته

3 - شرح الجَزَري (¬1) المسمى بـ: ((معراج المنهاج))، وهو مطبوع بتحقيق الدكتور شعبان إسماعيل. 4 - شرح العَبْري (¬2): حَقّق هذا الشرح كلٌّ من الدكتور حمد حمدي الصاعدي من أوله إلى آخر باب الأوامر والنواهي وحصل به على درجة الدكتوراه سنة 1406هـ من الجامعة الإسلامية، وحَقّق القسم الباقي منه الدكتور سلامه ضويعن الأحمدي وحصل به على درجة الدكتوراه سنة 1407هـ من الجامعة الإسلامية أيضاً (¬3). 5 - شرح الجارَبَرْدي (¬4) المسمى بـ: ((السراج الوهاج))، حَقّق هذا الشرح الدكتور أكرم أوزيقان كرسالة جامعية للحصول على درجة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية سنة 1409هـ، وطبع الكتاب سنة 1418هـ 1998م 6 - شرح الأصْفَهاني (¬5)، وهو مطبوع بتحقيق الدكتور عبد الكريم النملة. 7 - شرح الإسنَوي المسمى بـ: ((نهاية السول)) مطبوع بتحقيق شعبان إسماعيل. ولمزيد من المعلومات عن هذه الشروح انظر رسالة الدكتور جلال الدين عبد الرحمن المعنونة بـ: ((القاضي ناصر الدين البيضاوي وأثره في أصول الفقه)) فقد استوعب ذكر هذه الشروح مع بيان المطبوع منها والمخطوط. المطلب الثاني: أهمية شرح ابن السبكي للمنهاج ومميزاته. يعدّ ((الإبهاج في شرح المنهاج))، من أوسع الشروح التي وضعت على ((المنهاج)) ـ في حدود علمي واطلاعي ـ حيث تجد في ((الإبهاج)) نوعاً من الإسهاب والإطالة في كثير من المواضع - مقارنة بغيره من الشروح ـ وبخاصة المواضعَ التي لم يتعرّض لها غيره، وقد وضّح لنا التاج منهجه في ذلك فقال: ((وأنا من عادتي في هذا الشرح الإطناب فيما لا يوجد في غيره، ولا يُتَلقّى إلا منه بَحْثٌ مُختَرع أو نقل غريب أو غير ذلك، والاختصارُ في المشهور في الكتب إذ لا فائدة في التطويل فيما سبقنا مَن هم سادتنا وكبراؤنا إلى جمعه، وهل ذلك إلا مجرُّد جَمعٍ من كتب متفرقة لا يَصدُق اسم المصنِّف على فاعله)) (¬6). هذا ويعدّ ((الإبهاج)) من أهم شروح ((المنهاج)) وذلك للأسباب الآتية: ¬

_ (¬1) هو الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمود الجزري المصري الشافعي، كان فقيها عارفا بالأصلين والنحو البيان والمنطق، توفي سنة 711هـ من مصنفاته شرح التحصيل، أجوبة عن أسئلة المحصول. انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 307) (¬2) هو الإمام العلامة المحقق، عبد الله بن محمد الشريف الحسيني الفرغاني الشافعي، توفي سنة 743هـ، من مصنفاته: شرح الطوالع، وشرح الغاية القصوى. انظر: الغزي، ديوان الإسلام (3/ 325) (¬3) انظر أكرم أوزيقان، مقدمة تحقيق السراج الوهاج (1/ 52) (¬4) هو الإمام العلامة فخر الدين أحمد بن الحسن بن يوسف الجاربردي توفي سنة 764هـ، من مصنفاته شرح الحاوي الصغير، شرح تصريف ابن الحاجب، وله حواشي على الكشاف. انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 9) (¬5) هو الإمام الكبير شمس الدين محمود بن أبي القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الأصفهاني، إمام في العقليات والأصول والفقه، توفي سنة 749هـ، من مصنفاته: شرح طوالع البيضاوي، شرح مختصر ابن الحاجب. انظر ترجمته في التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 383) (¬6) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 137)

1 - لقد أخذ ((الإبهاج)) أهميته من أهمية أصله: ((المنهاج))، ((فالمنهاج)) كما بيَّنتُ هو من أهم المتون الأصولية المعتمدة، وهذه الأهمية بذاتها انعكست على شروح ((المنهاج)) ومن بينها شرح ابن السبكي. 2 - إنّ ابن السبكي كان ضليعاً في علمَي المنطق والكلام؛ مما أعطاه مقدرةً واسعةً على تحليل كلام البيضاوي، وذِكر ما وُجّه إليه من اعتراضات وردِّها بالطرق المنطقية والكلامية. 3 - إنّ ابن السبكي كان مطلعاً على شروح ((المنهاج)) السابقة، ولهذا كان يُكثِر من تعقُّبها والنّقل عنها مما جعل كتابه هذا شاملاً وجامعاً لكل ما قيل عن ((المنهاج)) قبله. 4 - إنّ ابن السبكي كان ذا اطلاع واسع على كتب الأصوليين وعلى أقوالهم؛ لهذا وجدناه يُكثر من النقل عنهم والاحتجاج بهم، ومنها مصنفات مفقودة لم يُعثر عليها، وبذلك فقد حَفظ لنا التاج السبكي كثيراً من الآراء الأصولية التي قد لا تجدها عند أحد سواه. وبالإضافة إلى ذلك فقد امتاز ((الإبهاج)) بعدّة مميزات، أذكر منها: 1 - استخدام أسلوب المحاورة في الشرح: لقد نهج التاج السبكي في شرحه هذا منهج المحاورة (فإن قلتَ ... قلتُ أو قلنا ... )، فهو يذكر المسألة بشكل حِواريّ، ويذكر الاعتراضات ويردها بهذا النهج أيضا، وهذا الأسلوب يُعطي القارئَ قُدرةً على المضيّ قُدُماً في توضيح المسألة شيئاً فشيئاً، إضافة إلى ما يمتاز به هذا الأسلوب من التشويق وعدم الملل منه، وهذا المنهج واضح جَليٌّ في أغلب مباحث الكتاب. 2 - المقارنة بين نسخ ((المنهاج)) وإثبات ما بينها من اختلافات: لقد كان الإمام تاج الدين مطلعاً على أكثر من نسخة ((للمنهاج))، لذا تجده يُثبِت ما بين هذه النسخ من اختلافات، فمن ذلك قوله عند قول البيضاوي في بيان أدلة حجية الإجماع: ((الثالث: قال عليه الصلاة والسلام لا تجتمع أمتي على خطأ ... )) (¬1)، قال التاج السبكي معقِّباً: ((هذا الدليل ساقط في كثير من النسخ؛ ولذلك لا تجده مشروحاً في بعض الشروح)) (¬2). 3 - المقارنة بين ((المنهاج)) وأصوله: لقد امتاز التاج السبكي في هذا الشرح بعقد المقارنات بين عبارة ((المنهاج)) وأصوله المأخوذ منها: ((المحصول)) و ((الحاصل))، فهو في كثير من الأحيان يذكر إمّا موافقة البيضاوي لأصوله أو مخالفته لهم، فمن ذلك قوله عند الحديث على تخصيص مفهوم المخالفة: ((وقد شَرَطَ المصنف تَبَعاً لصاحب ((الحاصل)) في هذا القسم أن يكون المخصِّص راجحاً، وهو شرطٌ لم يذكره الإمام)) (¬3)، فبيَّن التاج هنا موافقة البيضاوي لصاحب الحاصل ومخالفته للإمام الرازي. ومنه قوله في باب التعادل والتراجيح في الباب الثاني: ((عرّف الترجيحَ بأنّه تقويةُ إحدى الأمارتين على الأخرى ليُعمل بها أي: بالأمارة التي قَويت، وهو مأخوذ من الإمام إلا أنّ الإمام أبدل الأمارتين بالطريقتين، وما فعله المصنف أصرّح بالمقصود، إذ يمتنع الترجيح في غير الأمارتين والإمام قال: ليُعلم الأقوى فيُعمل به، وحذف المصنف لفظة العلم وهو حسن، إذ يُكتفى بالظن ... بالترجيح)) (¬4). ¬

_ (¬1) البيضاوي، منهاج الوصول ص 81 (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 360) (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 123) (¬4) المصدر السابق (3/ 209)

4 - الاهتمام بتحرير مواضع النزاع: أكثرَ التاج السبكي في شرح ((المنهاج)) من توضيح محل النزاع في المسائل الأصولية المختلف فيها، فهو لا يمرُّ بمسألة فيها خلاف إلا بيّنه وبين النقطة التي وقع فيها الخلاف تحديداً وذلك ببيان مواضع الاتفاق والاختلاف، ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله في مباحث الحكم في مسألة التكليف بالمحال: ((ما لا يَقْدرُ العبدُ عليه قد يكون معجوزاً عنه متعذِّراً عادةً لا عقلاُ كالطيران في الهواء، وقد يكون متعذِّراً عقلاً ممكناً عادةً كمن علِم اللهُ تعالى أنّه لا يؤمن؛ فإنّ إيمانه مستحيل والحالة هذه عقلاً؛ لتعلُّق علْم الله به، وإذا سُئل ذوو العوائد عنه حكموا بأنّ الإيمان في إمكانه، وهكذا كل طاعة قُدّر في الأزل عدمها، وقد يكون متعذِّراً عادةً وعقلاً كالجمع بين السواد والبياض، إذا عرفت هذا فمحل النزاع في التكليف بالمستحيل إنّما هو المتعذِّر عادةً سواءً أكان معه التعذّر العقلي أم لا، أما المتعذر عقلاً فقط لتعلُّق علم الله به فأطبق العلماء عليه، وقد ... كلّف الله الثقلين أجمعين بالإيمان مع قوله: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ ولَو حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين) (¬1))) (¬2) 5 - استيعاب المسألة وجمع كل ما قيل فيها: امتاز التاج السبكي في هذا الشرح أنّه كان يُلمّ بالمسألة من كل جوانبها؛ فيُورد كل ما ذكر فيها من الأقوال، ويذكر الأدلة والاعتراضات عليها وردِّها إن اقتضى الأمر. فمن ذلك ما دوّنه التاج السبكي شارحاً به قول البيضاوي: ((وجوب الشيء يستلزم حرمة ... نقيضه ... )) (¬3). قال التاج السبكي: ((هذه هي المسألة المعروفة بأنّ الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده؟)) (¬4)، ثمّ حرر موضع النزاع فيها، وذكر ما ورد فيها من أقوال، ثمّ عقب ذلك بأدلة كل فريق ومن ثمّ قال: ((واعلم أنّه قد تردد كلام الأصوليين في المراد من الأمر المذكور في هذه المسألة، هل هو النفساني؟ فيكون الأمر النفساني نهياً عن الضد نهياً نفسانياً، أو اللساني فيكون النهي عن الأضداد بطريق الالتزام)) (¬5)، ثمّ تكلم في الأمر النفسي وبين ما فيه من أقوال، وبعدها تكلم في اللساني كذلك، ثمّ قال: ((هذا خلاصة ما يجده الناظر في كتب الأصول من المنقول في هذه المسألة، وهو هنا على أحسن تهذيب وأوضحه)) (¬6). ثم ختم المسألة بذكر فوائد خمسة (¬7) ليكون بذلك قد أتى بالمسألة على أتمّ وجه، فلم يدع شاردة ولا واردة إلا وأتى بها. 6 - كثرة استدراكه على البيضاوي وذِكرُ أقوالٍ أخرى غير التي في المتن: لم يكن التاج السبكي مقرراً لما في متن ((المنهاج)) فحسب، بل وجدتُه كثيرَ الاستدراك على البيضاوي في المسائل التي أغفلها، فكان يُنَبّه عليها ويذكر أقوالاً أخرى غير التي أوردها البيضاوي، ومن ذلك: ¬

_ (¬1) سورة يوسف آية 103 (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 171) (¬3) البيضاوي، منهاج الوصول ص 25 (¬4) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 120) (¬5) المصدر السابق (1/ 121) (¬6) المصدر السابق (1/ 123) (¬7) المصدر السابق

قوله بعد شرح تنقيح المناط عند البيضاوي: ((فائدة: قد اقتصر المصنف على ذكر تنقيح المناط دون تحقيق المناط وتخريج المناط، ونحن لا نَطيب قلباً بإخلاء هذا الشرح عن الكلام فيهما ليَحصُل التفرقة بينهما وبين تنقيح المناط)) (¬1). ومنها قوله بعد أن ذكر شروط الفرع في القياس: ((وقد أهمل المصنف من شروط الفرع كون حكمه مماثلاً لحكم الأصل)) (¬2). ومن المواضع التي ذكر فيها أقوال أخرى غير التي في المتن، قوله بعد شرح قول البيضاوي في المخصَّص: ((المخصَّص بمعيّن حجة، ومنعها عيسى بن أبان، وأبو ثور وفَصَّل الكرخي)) (¬3)، قال التاج معقّباً: ((واقتصر ـ المصنف ـ على حكاية هذه الثلاثة)) (¬4). ثمّ أضاف إليها ثلاثة أقوال أخرى، فقال: ((والرابع: إنّ التخصيصَ إن كان قد منع تعلُّق الحكم بالاسم وأوجب تعلُّقه بشرط لا يُنْبئ عنه الظاهر لم يجز التعلُّق به ... والخامس: أنّ العام المخصوص إن كان بحيث لو تركناه وظاهره من غير بيان التخصيص؛ لكنّا نمتثل ما أريد هنا، ونضم إليه شيئاً آخر لم يرد هنا ... وإن كان العام بحيث لو تركناه وظاهره من غير بيان التخصيص؛ لم يمكننا أن نمتثل ما أريد منا لم يجز التمسك به ... والسادس: أنّه يجوز التمسك به في أقل الجمع ولا يجوز فيما زاد عليه.)) (¬5) 7 - إيراد المناقشات على المتن وتوجيه النقد إلى البيضاوي: مما امتاز به التاج السبكي في هذا الشرح هو كثرة مناقشاته لمتن ((المنهاج))، وكان كثير النقد للبيضاوي، مما يبين أنّ له شخصيته الأصولية المستقلة، والتي لم تمنعه من نقد البيضاوي، ومن ذلك: قوله بعد شرح قول البيضاوي في باب تقسيم الألفاظ: ((عَلَم إن استقلَّ، ومُضْمر إن لم يستقل)) (¬6). قال التاج معقّباً: ((هذا شرح ما أورده، وفيه مناقشات من وجوه: أحدها: أنّ هذا التقسيم كلّه في الاسم، وقد قَدّم أنّ الاسم هو الذي يستقل، فكيف يٌقَسِّم ما يستقل إلى ما لا يستقل؟!. الثاني: أنّ عدم الاستقلال موجود في أسماء الإشارة، والأسماء الموصولة وغيرها، وليست مضمرات. الثالث: أنّ عدم الاستقلال قد جعله أولا رسماً للحرف، فإن أراد بالاستقلال ذلك فالاعتراض لائح، وإن أراد غيره فليُبَيِّنَه. الرابع: أنّه أهمل في تقسيم الكلي إلى اسم جنس ومُشتَقٍّ ذِكْر عَلَم الجنس. الخامس: أنّه جعل المضمر من أقسام الجزئي.)) (¬7) ¬

_ (¬1) المصدر السابق (3/ 82) (¬2) المصدر السابق (3/ 163) (¬3) البيضاوي، منهاج الوصول ص 91 (¬4) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 139) (¬5) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 139 وما بعدها) (¬6) البيضاوي، منهاج الوصول ص 44 (¬7) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 212)

وقوله معقِّباً على قول البيضاوي في تعريف الأمر: ((أنّه حقيقة في القول الطالب للفعل)) (¬1)، قال: ((قوله الطالب فصل يخرج به الخبر وشبهه، وقوله للفعل فصل ثان يخرج به النهي، إذ هو طالب للترك، وهذا مدخول من جهة أنّ النهي طلب فعل أيضاً، ولكن فعلٌ هو كفٌّ، فلو قال: فعلُ غير كف كما فعل ابن الحاجب لسلم من هذا الاعتراض، ويعترض عليه أيضاً بقول القائل: أوجبت عليك كذا وأنا طالب منك كذا، فإنّه يصدق عليه التعريف مع كونه خبراً، فكان ينبغي أن يقول بالذات كما فعل في تقسيم الألفاظ)) (¬2) غير أن ّالتاج السبكي كان في ذلك كله موضوعياً ومنصفاً، فلم يمنعه نقده للبيضاوي من إبداء محاسنه في هذا المصنف، فكان يبين وجه حسن قوله في المواضع التي ارتآه فيها محسناً، فمن ذلك: قوله مادحاً له في اختياره تعريف الشرط بأنّه ما يتوقف عليه تأثير المؤثر لا وجوده، قال: ((وإنّما قال وجوده ولم يقل ذاته كما فعل الإمام لئلا يرد على طرده العلّة التامة. . . إلى أن قال: فافهم ذلك فهو من محاسن المصنف.)) (¬3) 8 - ختمه المسائل بذكر فوائد عامة ويكثر من إيراد الفروع الفقهية المبنية على المسألة الأصولية: امتاز التاج السبكي في شرحه هذا بأنّه كان كثيراً ما يختم المسألة بذكر بعض الفوائد العامة التي يَحسُن التنبيه عليها مما له علاقة بموضوع المسألة المطروحة، كما أنّه يعقب المسألة بذكر بعض الفروع الفقهية المبنية عليها مقرراً فيها مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، فمن النوع الأول: قوله بعد شرح مسألة وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه ونختم الكلام في المسألة بفوائد ... وذكر خمسة فوائد منها قوله: ((الثانية: قال النقشواني: لو كان الأمر بالشيء نهياً عن ضده للزم أن يكون الأمر للتكرار وللفور، لأنّ النهي كذلك، وأجاب القرافي: بأنّ القاعدة أنّ أحكام الحقائق التي تثبت لها حالة الاستقلال لا يلزم أن تثبت لها حالة التبعية)) (¬4). وأما الفروع الفقهية فكثيرة جداً، وقد أسهب التاج السبكي فيها في كثير من المواضع، منها: قوله في باب المشترك: ((يضاهي الخلاف الأصولي في حمل المشترك على معنييه في الفقه أمور منها: لو وقف على مواليه وله مَوال من أعلى ومَوال من أسفل، فأوجهٌ: أرجحها عند الغزالي بطلانه، وهو منقدح على رأي من يمنع استعمال المشترك في معنييه. الثاني: يصح، ويصرف إلى الموالي من أعلى. والثالث: يصح، ويقسم بينهم، وهو الأصح عند الشيخ أبي اسحق وشيخه القاضي أبي الطيب وفقاً لقاعدة الشافعي. والرابع: يصرف إلى الموالي من أسفل لاطراد العادة بالإحسان إلى العتقاء. والخامس: الوقف إلى حين يصطلحوا، وهو متجه على رأي من يُجوِّز الاستعمال ويمنع الحمل، قال: ووجه مضاهاة هذا الفرع للمسألة التي انتهينا منها: أنّ لفظ الموالي مشترك بين الموالي من أعلى والموالي من أسفل)) (¬5) ¬

_ (¬1) البيضاوي، منهاج الوصول ص 64 (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 4 وما بعدها) (¬3) المصدر السابق (2/ 157 وما بعدها) (¬4) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 124) (¬5) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 267)

ملاحظات على ((الإبهاج))

9 - التنبيه على فوائد الخلاف: الخلاف الأصولي إما أن يكون لفظياً بحيث لا يترتب عليه شيء، وإنّما هو من باب زيادة التدقيق والتحقيق، وهذا من تأثير علم الكلام، وإما أن يكون أصلياً متجذراً بحيث يكون له أثر عملي، والإمام تاج الدين كان يوضح في أكثر المسائل الأصولية فائدة الخلاف فيها إن كان الخلاف حقيقياً وليس لفظياً، فمن ذلك: قوله في مسألة إذا نسخ الوجوب بقي الجواز بعد أن ذكر خلاف الغزالي فيها: ((ويظهر فائدة الخلاف فيما إذا كان الحال قبل الوجوب تحريماً، فعند الغزالي الفعل الآن يعود محرماً كما كان، وعند القوم أنّ مطلق الجواز الذي كان داخلاً في ضمن الوجوب باق يصادم ما دل على التحريم، فَوَضُح أنّ الخلاف معنوي.)) (¬1) هذه أهم الميزات التي امتاز بها شرح التاج السبكي ((للمنهاج)) والتي جعلت ((الإبهاج)) في مقدمة شروح ((المنهاج)) التي عليها الاعتماد وإن كان ((الإبهاج)) لم يَلقَ من الشهرة ما لقيه شرح معاصره الإسنوي، فذلك لأنّ شرح الإسنوي كان مقرراً لطلاب الدراسات الشرعية في الأزهر بخلاف ((الإبهاج))، هذا بالإضافة إلى طول شرح التاج وغزارة مسائله في الكتاب، بخلاف شرح الإسنوي فهو أولاً شرح مختصر وثانياً كان أكثر تركيزه على بيان المسألة المطروحة دون الزيادة عليها والله تعالى أعلم. ملاحظات على ((الإبهاج)) رغم كثرة الميزات التي امتاز بها شرح التاج السبكي ((للمنهاج)) إلا أنّه ـ شأنه شأن كل ما يصدر من البشر ـ توجد عليه بعض الملاحظات التي لا تقلل من أهميته شيئاً، ومنها: 1 - أنّه لم يلتزم منهجاً واحداً في عرض المسائل المطروحة؛ إذ وجدته مرة يبدأ ببيان المسألة وتفصيلها ومن ثمّ يُعرّج على شرح كلام صاحب المتن، وأحياناً أخرى يعكس الأمر فيشرح المتن ثمّ يعرّج ويزيد المسألة توضيحاً وبياناً، انظر على سبيل المثال الصفحات التالية (3/ 26، 91، 116). 2 - ذكره مسائل لا علاقة لها بالشرح؛ فكثيراً ما كان التاج السبكي يذكر فوائد وغرائب في نهاية المسألة مع أنّها لا علاقة لها بموضوع الشرح، انظر مثال ذلك في الصفحات التالية (2/ 173، 222، 237، 353). 3 - مما يؤخذ عليه أيضاً كثرة إيراد الاعتراضات ومناقشتها، وأحياناً يذكر بعض الاعتراضات ولا يردُّها؛ مما جعل في هذا الشرح صعوبة يحتاج الناظر فيه إلى مزيد نظر وتدبر لتفهمه وحل ألفاظه. 4 - إنّ التاج السبكي لم يُبَيّن لنا في كثير من المواضع رأيه في المسائل المختلف فيها في هذا الشرح؛ وإن كان قد نبه على بعضها، غير أنّ السمة البارزة عليه هي أنّه كان شارحاً ولم يكن ذابّاً عن آرائه وأفكاره، لذلك لا يستطيع الباحث معرفة رأي ابن السبكي من خلال هذا الشرح إلا بعد التأمل فيه جيداً. المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في كتابه ((الإبهاج)). من المعلوم المقرَّر أنّ قيمة أيِّ مصنَّفٍ ما إنّما تنبعُ من غنى هذا المصنَّف بالمصادر التي اعتمد عليها، ومن قيمة هذه المصادر العلمية إذ كلما كانت المصادر وفيرةً وذات قيمة علمية بحيث تكون من المصادر الأصيلة في ذلك الفن انعكس ذلك على قيمة هذا التصنيف. ¬

_ (¬1) المصدر السابق (1/ 127)

أولا: المصادر الأصولية

والإمامُ تاج الدين السبكي؛ كان ذا اطلاع واسع على كل ما كتب في الأصول ممن سبقوه، لذلك وجدت مصنفه ((الإبهاج)) غنياً بأقوال العلماء والنقل عنهم من مصنفاتهم الأصليَّة، وبذلك فقد حفظ لنا التاج السبكي كثيراً من الآراء والنقول التي قد لا تجدها عند أحد سواه، حيث نقل لنا عن كتب ومؤلفات لا زالت مخطوطة حتى اليوم، ومنها ما هو مفقود لم يُعثَر عليه بعد. وسأعرض في هذا المبحث لأهم المصادر التي اعتمد عليها التاج السبكي في كتابه ((الإبهاج)) ... وذلك من خلال ذكر العلماء الذين تأثر بهم ونقل عنهم وأهم مصادرهم في ذلك مرتبةً ترتيباً تنازلياً بحسب كثرة النقول عنها: أولاً: المصادر الأصولية: كانت المصادر الأصولية هي المقدَّمة في النقل عنها، ولا غرابة في ذلك؛ ((فالإبهاج)) هو كتاب أصولي بالدرجة الأولى، وأهم هذه المصادر: 1 - الإمام فخر الدين الرازي: يعدّ الإمامُ فخرُ الدين الرازي في مقدمة العلماء الذين نقل عنهم التاج السبكي في كتابه ((الإبهاج))، فقد أكثرَ التاجُ السبكي من ذكر الإمام والنقل عنه، حتى لا تكاد تخلو صفحةٌ واحدةٌ من ذكرٍ للإمام الرازي، والذي غالباً ما يذكره التاجُ السبكي بلفظ (الإمام)، فحيثما أَطلق لفظَ الإمام انصرف إلى الرازي، وقد بلغ عدد المواضع التي ذكر فيها الإمامَ الرازي مصرّحاً به حوالي أربعمئة وخمس عشرة مرة (415)، وخاصةً في النقل من كتابه ((المحصول)) و ((المنتخب)) ... و ((المعالم)) وغيرها من مصنفات الإمام. وإنّ هذا العدد الكبير في النقل عن الإمام ليجعلنا نقفُ وَقْفةً لنبحثَ عن السبب في ذلك، ولا يَلُوحُ لديَّ في الإجابة عن هذا التساؤل إلا أمران: الأول: أنّ ((المنهاج)) هو أحد مختصرات ((المحصول)) للرازي، وقد سار به مصنفه على طريقة الرازي في التصنيف، ومن الطبيعيّ أن يَلجأ شرّاحُ ((المنهاج)) ـ ومن بينهم التاج السبكي ـ إلى الإمام الرازي لحلِّ عبارات ((المنهاج))، إذ هو الأقدَرُ على ذلك؛ لأنّه هو الأصل له. الثاني: هذا يدلُّنا دلالةً واضحةً على أنّ التاج السبكي متأثرٌ جداً بالإمام الرازي، وأنّ السبكي إنّما هو تلميذٌ منْتَمٍ ومخلصٌ لمدرسة الإمام الرازي الأصولية. 2 - القاضي أبو بكر الباقلاني المتوفى سنة 403هـ: يأتي القاضي أبو بكر الباقلاني في المرتبة الثانية من مصادر ((الإبهاج))، فقد تكرر ذكر القاضي الباقلاني والنقل عنه في ((الإبهاج)) حوالي مئة وتسع وثمانين مرة (189)، وغالباً ما يشير إليه بلفظ (القاضي)، فحيثما أطلق القاضي انصرف إلى الباقلاني. 3 - إمام الحرمين الجويني: الإمام تاج الدين السبكي كان كثيرَ الإجلال والاحترام بل والتعظيم لإمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني، لذلك وجدته كثير النقل عنه وبخاصة من كتاب ((البرهان)) و ((التلخيص)) و ((الأساليب))، حيث تكرر النقلُ عن إمام الحرمين في حوالي مئة وخمسين موضعاً ... (150) في أكثر هذه المواضع كان التاج السبكيُّ فيها موافقاً، وليس ذلك بمستغرب، فإمام الحرمين يعدّ من أساطين الأصوليين، وكتابه ((البرهان)) من أركان طريقة المتكلمين، ولا يمكن لأي أصولي الاستغناء عن أفكاره وآرائه.

4 - الإمام سيف الدين الآمدي المتوفى سنة 631هـ: بالرغم من أنّ التاج السبكي من المنتمين لمدرسة الإمام الرازي ومن العلماء الذين انتهجوا طريقته في التصنيف، إلا أنّه لم يُغفِل ذِكْر آراء الإمام سيف الدين الآمدي الذي انتهج طريقة مغايرة نوعاً ما لطريقة الإمام الرازي، حيث يعتبر الإمام الآمدي صاحب مدرسة أصولية مستقلة ولها أتباع ينتهجونها (¬1)، وقد كان الآمدي من مصادر شرح ((الإبهاج)) الشهيرة وخاصة في كتابه ((الإحكام في أصول الأحكام))، فقد تكرر النقلُ عن الآمدي وذِكْره في حوالي مئة ... وثمانية وثلاثين موضعاً (138). 5 - الإمام الغزالي: لا يكاد يخلو أي كتاب أصولي من ذكر للإمام الغزالي وذكر آرائه الأصولية وبخاصة في كتابه ((المستصفى)) الذي يعدّ من أعظم ما أُلّف في أصول الفقه، لذا فقد أكثر التاجُ السبكي من النقل عنه وذكر آرائه حيث بلغت المواضع التي صرّح باسمه فيها حوالي مئة وأحد عشر موضعاً ... (111)، أكثرها في النقل عنه من كتاب ((المستصفى))، ومنها ما هو نقلٌ عن كتبه الأخرى ... كـ ((المنخول)) و ((أساس القياس)). 6 - صفي الدين الهندي (¬2): لقد صرّح التاج السبكي بالنقل عن الشيخ صفي الدين الهندي في حوالي اثنين وتسعين موضعاً (92) وذلك بالنقل من كتابيه ((النهاية)) و ((الفائق))، وأغلب هذه المواضع التي تمّ ذكره فيها كان يذكره التاج في رد الاعتراضات والإيرادات التي تُوجَّه على المسألة أو الدليل المطروح، ذلك أنّ الشيخ صفي الدين كان محققاً بارعاً في حل الإشكالات ورد الاعتراضات. 7 - الإمام الشافعي: التاج السبكي أصوليٌّ على طريقة المتكلمين والتي تسمى بطريقة الشافعية أيضاً، وكان التاج السبكي يهتمُّ بإبراز حقيقة المذهب الشافعي على وجه الخصوص في المسائل الأصولية؛ لذا فقد كان الإمام الشافعي من مصادر التاج الأصلية والغنية في ذلك، فكان ينقل عن الإمام الشافعي ويصرّح باسمه في كثير من المواضع حتى بلغت حوالي ثمانية وسبعين موضعاً (78)، أكثرُها من كتاب ((الرسالة)) التي تُعدّ أول مؤلَّف في أصول الفقه. 8 - الشيخ أبو اسحق الشيرازي (¬3): صرّح التاج السبكي بالنقل عن الشيخ أبي اسحق الشيرازي في حوالي اثنين وسبعين موضعاً (72)، وأكثرَ التاج النقل عنه من كتابه ((اللمع)) وشرحه أيضاً. 9 - ابن الحاجب: نقل التاج السبكي عن ابن الحاجب وذَكَر آراءَه في حوالي تسعة وستين موضعاً ... (69)، وبخاصة النقل عن ((مختصره))، والذي تصدّى التاج ((لشرحه)) بعدما أتمّ شرح ... ((المنهاج)). ¬

_ (¬1) سيأتي الحديث عن طريقة الآمدي في المبحث التالي (¬2) هو محمد بن عبد الرحيم بن محمد الهندي الأرموي، كان من أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري متضلعا بالأصلين، توفي سنة 715هـ، من تصانيفه في علم الكلام الزبدة والفائق وفي أصول الفقه النهاية. انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 296) (¬3) هو الشيخ الإمام أبو اسحق ابراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي، صاحب التصانيف التي سارت مسير الشمس، توفي سنة 476هـ، من مصنفاته: التنبيه والمهذب واللمع والتبصرة. انظر ترجمته في: التاج السبكي، طبقات الشافعية (4/ 215)

10 - القرافي (¬1): لقد أكثر التاج السبكي من النقل عن الإمام الرازي صاحب ((المحصول))، فكان من المنطقي أن يرجع أيضاً لشروح ((المحصول)) ومن بينها ((شرح القرافي))، لذا فقد نقل من هذا الشرح وكان من المصادر الأصيلة، حيث بلغ عدد المواضع التي صرّح فيها التاج بالنقل عن القرافي حوالي سبعة وستين موضعاً (67)، أَكْثَرُها كان من شرح ((المحصول))، وبعضها من ((الفروق)). 11 - تقي الدين السبكي: إنّ من المصادر الهامة في شرح التاج السبكي والدُه الشيخ تقي الدين، حيث كان والدُه أستاذَه الأول في الأصول، لذا فقد اهتمّ التاج بنقل آراء والده في كثير من المواضع بلغت حوالي ثلاثة وستين موضعاً (63)، منها ما كان يسأله التاج لوالده أثناء شرحه ((للمنهاج))، وأخرى ما كان يسمعه منه شخصياً، والنوع الثالث ما كان ينقله من خَطِّه مثل كتاب ((ورد العلل في فهم العلل)) وغيره. وغالباً ما يذكره بلقب الشيخ الإمام، فحيثما أطلق الشيخ الإمام انصرف إلى والده. 12 - أبو الحسين البصري: صرّح التاج السبكي بالنقل عن أبي الحسين البصري في حوالي ثلاثة ... وأربعين موضعاً (43)، وأكثر النقل كان من كتابه ((المعتمد)) الذي دوّن فيه أصول المعتزلة، ويعدُّ هذا الكتاب من أركان طريقة المتكلمين كما مرّ معنا، لذا فقد أُثبِتَت آراء المعتزلة الأصولية في كتب الأصوليين المخالفين لهم مع نقد ما يحتاج إلى نقد منها. 13 - الأستاذ أبو اسحق الإسفرايني (¬2): صرّح التاج السبكي بالنقل عن الأستاذ أبي اسحق الإسفراييني في حوالي تسعة وعشرين موضعاً (29)، ويطلق التاج السبكي عليه لقب الأستاذ، فحيثما ذكر الأستاذ انصرف إلى الإسفرايني. 14 - أبو الحسن الأشعري: نقل التاج السبكي عن الإمام الأشعري في حوالي سبعة وعشرين موضعاً ... (27)، وأكثر هذه المواضع كان يدور حول المسائل الأصولية التي لها جذور كلامية كمسألة الأمر النفسي ونحوها، ويطلق التاج السبكي على الأشعري لقب الشيخ، فحيثما أطلق الشيخ انصرف إلى الإمام الأشعري. 15 - أبو الفتح بن برهان (¬3): صرّح التاج السبكي بالنقل عن أبي الفتح بن برهان في حوالي خمسة ... وعشرين (25) موضعاً، أكثرها عن كتابه ((الوجيز)). ¬

_ (¬1) هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي الصنهاجي المصري المالكي، الإمام العلامة الأصولي الحافظ الفهامة، توفي سنة 684هـ، من مصنفاته: التنقيح في أصول الفقه، العقد المنظوم في الخصوص والعموم. أنظر ترجمته في: محمد مخلوف، شجرة النور الزكية ص 189 (¬2) هو الإمام إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهارن الإسفرايني، أحد أئمة الدين كلاما وأصولا وفروعا، توفي سنة 418هـ، ومن مصنفاته تعليقة في أصول الفقه والجامع في أصول الدين. انظر ترجمته في: التاج السبكي، طبقات الشافعية (4/ 256)، ابن شهبة، طبقات الشافعية ... (1/ 158) (¬3) هو الإمام أحمد بن علي بن محمد بن برهان، كان أول أمره حنبليا ثم تحول إلى الشافعي، برع في الفقه والأصول، توفي سنة 518هـ، من مصنفاته في الأصول: البسيط والوسيط والوجيز. انظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (1/ 307)

16 - الأصفهاني (¬1): يعدّ الأصفهاني من أكابر العلماء الذين تصدوا لشرح ((محصول)) الرازي، ويمتاز شرح الأصفهاني بتحقيق المسائل الأصولية ورد ما يوجَّه إليها من اعتراضات، لذلك فقد اعتمد عليه التاج السبكي في كتابه هذا، وصرّح بالنقل عنه في حوالي أربعة وعشرين موضعاً (24). 17 - النقشواني (¬2): يعدّ النقشواني من العلماء الذين تتبعوا الإمام الرازي في ((المحصول))، لذا فقد وضع على ((المحصول)) كتاباً سماه ((المؤاخذات))، ذكر فيه ما يوجَّه من اعتراضات على محصول الرازي، والتاج السبكي صرّح بالنقل عن النقشواني وخاصة في ذكره الاعتراضات الموجهة على الإمام، حيث صرّح بالنقل عنه في حوالي أربعة وعشرين موضعاً (24). هؤلاء هم أهم العلماء الذين نقل عنهم التاج السبكي في شرحه ((للمنهاج))، وهناك العديد من العلماء الأخرين الذين نقل عنهم التاج السبكي، ويأتي هؤلاء في الدرجة الثانية، أكتفي بذكرهم سرداً وهم: ¬

_ (¬1) هو محمد بن محمود بن عباد أبو عبد الله القاضي شمس الدين الأصفهاني، شارح المحصول، كان إماماً في المنطق والكلام والأصول والجدل توفي سنة 688هـ، من مصنفاته: القواعد في أصول الفقه والدين وغاية المطلب في المنطق. انظر: ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 258) (¬2) لم أجد له ترجمة

تاج الدين الأرموي في كتابه ((الحاصل))، سراج الدين الأرموي في ((التحصيل))، ابن دقيق العيد (¬1) في ((شرح العمدة)) و ((شرح الإمام))، والمازري (¬2) في ((شرح البرهان))، والأبياري (¬3) في ((شرح البرهان))، والقاضي عبد الوهاب (¬4) في ((الملخص))، وشمس الدين الجزري، ومجد الدين الشيرازي، والعَبري في شروحهم على ((المنهاج))، وابن التلمساني (¬5) في ((شرح المعالم))، وعلاء الدين الباجي (¬6)، كما اهتمّ التاج السبكي بإثبات آراء الأصوليين المخالفين كالحنفية والمعتزلة وغيرهم، ومن مصادرهم كان ينقل، ومنهم: الأئمة أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل، وأبو بكر الرازي (¬7) ¬

_ (¬1) هو الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري، كان أول أمره مالكيا ثم تحول إلى المذهب الشافعي وهو مجدد القرن السابع، توفي سنة 702هـ، من مصنفاته: شرح العنوان في أصول الفقه، وشرح مختصر ابن الحاجب. انظر ترجمته في: ابن شهبه، طبقات الشافعية (2/ 299) (¬2) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري المعروف بالإمام، خاتمة العلماء المحققين والأئمة المجتهدين الحافظ النظار، توفي سنة 536هـ، من مصنفاته: شرح التلقين وشرح صحيح مسلم. انظر ترجمته في: محمد مخلوف، شجرة النور الزكية ص 127 (¬3) هو الإمام شمس الدين أبو الحسن علي بن اسماعيل بن علي بن عطية الصنهاجي الأبياري، أحد أئمة الإسلام المحققين، الفقية الأصولي المحدث المجاب الدعوة، وبعض العلماء يفضله على الفخر الرازي في الأصول، توفي سنة 618هـ من مصنفاته سفينة: النجاة على طريق الإحياء، التعليقة للتونسي. محمد مخلوف، شجرة النور الزكية ص 166. (¬4) هو القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي الفقيه الحافظ الحجة، النظار العالم الماهر، الأديب الشاعر، توفي سنة 421هـ من مصنفاته: الأدلة في مسائل الخلاف، الإفادة في أصول الفقه. محمد مخلوف، شجرة النور الزكية ص 103. (¬5) هو الإمام عبد الله بن محمد بن علي شرف الدين أبو محمد الفهري المصري الشافعي إمام في الفقه والأصلين، توفي سنة 658هـ، من مصنفاته: شرح المعالم في أصول الدين، وشرح التنبيه في الفقه. انظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 134) (¬6) هو الإمام علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الشيخ الإمام العلامة علاء الدين أبو الحسن الباجي المصري الشافعي، كان من أعلم أهل الأرض بمذهب الأشعري، توفي سنة 714هـ، من مصنفاته مختصر المحصول في الأصول، مختصر المحرر في الفقه. انظر ترجمته في: ابن شهبه، طبقات الشافعية (2/ 291) (¬7) هو أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص، إمام الحنفية في عصره، توفي سنة 370هـ، من مصنفاته: شرح مختصر الكرخي وشرح مختصر الصحاوي .. انظر ترجمته في: اللكنوي، الفوائد البهية ص 53

ثانيا: المصادر الفقهية

وأبو عبد الله البصري (¬1) وأبو الحسن الكرخي (¬2) وعيسى بن أبان (¬3) وغيرهم كثير مما تراه مبثوثاً في ثنايا ((الإبهاج))، ولولا الإطالة لاستوعبتُ الجميع، ولكن فيما ذُكِر كفاية ودلالة على عِظَم هذه المصادر. ثانياً: المصادر الفقهية قلنا إنّ التاج السبكي كان يُكثر من إيراد الفروع الفقهية للمسائل الأصولية، وأنّ التاج السبكي كان مهتمَّاً ببيان مذهب الإمام الشافعي على وجه الخصوص، لذا فقد أكثر من النقل عن الفقهاء الشافعية ومن مصادرهم الأصلية، ومن أهم هؤلاء: ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله الحسين بن علي البصري، صنف كتاب التفضيل وأحسن فيه غاية الإحسان، ولي القضاء فانقطعت كتبه، توفي ... سنة 367هـ، انظر ترجمته في: المرتضى، طبقات المعتزلة ص 106 (¬2) هو عبد الله بن الحسين أبو الحسن الكرخي الأصولي وشيخ الحنفية في العراق وإليه انتهت رئاسة المذهب، توفي سنة 340هـ، من مصنفاته: المختصر، شرح الجامع الصغير. انظر ترجمته في: اللكنوي، الفوائد البهية ص 183 (¬3) هو الإمام القاضي أبو موسى عيسى بن أبان بن صدقة فقيه أصولي على طريقة الحنفية وتلميذ محمد بن حسن الشيباني، توفي سنة 221هـ، من مصنفاته كتاب في الحج. انظر ترجمته في: اللكنوي، الفوائد البهية ص 246

إماما المذهب الرافعي المتوفى سنة 623هـ والنووي المتوفى سنة 677هـ، والماوردي (¬1) وابن الصباغ (¬2) والقفال (¬3) والقاضي حسين (¬4) والمحاملي (¬5) والمتولي (¬6) وأبو الطيب الطبري (¬7) والروياني (¬8) ¬

_ (¬1) هو الإمام الجليل القدر الرفيع الشأن أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي، أحد أئمة أصحاب الوجوه، توفي سنة 450هـ، من مصنفاته: الأحكام السلطانية وقانون الوزارة وسياسة الملك. انظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (5/ 267)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (1/ 240) (¬2) هو الأمام العلامة أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن الصباغ الشافعي، كان إمام مقدما وفارسا لا يجارى توفي سنة 477هـ، من مصنفاته: العمدة في أصول الفقه، والشامل في الفقه. أنظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (5/ 122)، ابن شهبة، طبقات الشافعية ... (1/ 269) (¬3) هو الإمام الجليل أحد أئمة الدهر ذو الباع الواسع في العلوم واليد الباسطة والجلالة التامة والعظمة الوافرة محمد بن علي بن اسماعيل القفال الكبير الشاشي الشافعي، كان إماما في التفسير والحديث والكلام والأصول واللغة والشعر، توفي سنة 365هـ من مصنفاته: كتاب في أصول الفقه، وشرح الرسالة. أنظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (3/ 200) (¬4) هو الإمام الجليل أبو علي القاضي الحسين بن محمد بن أحمد المروذي الشافعي، أحد رفعاء الأصحاب ومن له الصيت في آفاق الأراضين، توفي سنة 462هـ، من مصنفاته: التعليقة المشهورة والفتاوى المشهورة. أنظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (4/ 356)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (1/ 259) (¬5) هو الإمام الجليل أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن اسماعيل المحاملي الضبي الشافعي، من رفعاء أصحاب الشيخ أبي حامد الإسفرايني، برع في الفقه والحديث، توفي سنة 415هـ، من مصنفاته: المجموع والمقنع واللباب. أنظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية ... (4/ 48) (¬6) هو الشيخ الإمام العلامة أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي بن ابراهيم المتولي الشافعي، أحد أصحاب الوجوه، توفي سنة 478هـ، من مصنفاته: التتمة، مختصر في الفرائض. أنظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (5/ 106) (¬7) هو الإمام الجليل القاضي أبو الطيب طاهر أبو عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري الشافعي، أحد حملة المذهب المشهورين، تفرد في زمانه واشتهر اسمه وشاع ذكره، توفي سنة 450هـ، من مصنفاته: التعليق والمجرد. أنظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (5/ 12)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (1/ 236) (¬8) هو الإمام قاضي القضاة فخر الإسلام أبو المحاسن عبد الواحد بن اسماعيل بن أحمد بن محمد بن أحمد الروياني الطيري الشافعي، كانت له الوجاهة والرئاسة والقبول التام عند الملوك فمن دونها، مات شهيدا على يد الباطنية سنة 502هـ، من مصنفاته: البحر والكافي .. أنظر: ابن شهبة، طبقات الشافعية (1/ 318)

ثالثا: المصادر الحديثية

والعز ابن عبد السلام المتوفى سنة 660هـ وأبو حامد الإسفرايني (¬1) وأبو اسحق المروزي (¬2) وابن الرفعة وابن الصلاح (¬3) وغيرهم. ثالثاً: المصادر الحديثية لم يُغفِل التاج السبكي المصنفات الحديثية، فقد كان ينقل الحديثَ من مصادره الأصلية كالكتب الستة ومسند أحمد والشافعي، كما أنّه كان يعتمد على كتب الرجال في تخريجه لهم، فكان كثير الاعتماد على شيخه الذهبي حيث أكثرَ من النقل عنه في تلك المواضيع، وأما فيما يتعلَّق بمباحث المصطلح فأكثرَ النقل عن الخطيب البغدادي وابن الصلاح وغيرهم. رابعاً: المصادر اللغوية تشمل المصادر اللغوية ما يتعلَّق بالمسائل النحوية والصرفية وكتب المعاجم، والتاج السبكي كان يردّ الأقوال إلى أهلها فهو لم يعتمد على المصادر الأصولية في نقل اللغات ـ وإن كان الأصوليون يتعرّضون لمباحثَ لغوية لم يتعرّض لذكرها أهل اللغة ـ حيث كان ينقل المسائل اللغوية من أهل اللغة مباشرة إلا إن لم يذكروها، وهذه المصادر التي اعتمد عليها التاج السبكي تعدّ في المراتب الأولى عند اللغويين، ويمكن معرفة هذه المصادر من خلال العلماء اللغويين الذين كان ينقل عنهم ومنهم: ¬

_ (¬1) هو الإمام العلامة الشيخ أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفرايني الشافعي، شيخ طريقة العراق حافظ المذهب وإمامه، جبل من جبال العلم وحبر من أحبار الأمة رفيع ومجدد المئة الرابعة، توفي سنة 406هـ، من مصنفاته: له كتاب في أصول الفقه وتعليق على مختصر المزني. أنظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (4/ 61)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (1/ 161) (¬2) هو الإمام العلامة أبو اسحق ابراهيم بن أحمد المروزي الشافعي، أحد أئمة المذهب وانتهت إليه رئاسته في زمانه توفي سنة 340هـ، من مصنفاته: شرح المختصر وكتاب التوسط بين الشافعي والمزني. أنظر: ابن شهبة، طبقات الشافعية (1/ 70) (¬3) هو الإمام العلامة أبو القاسم عثمان بن عبد الرحمن بن موسى بن أبي نصر المعروف بابن الصلاح، كان أحد علماء عصر هـ في الفقه والتفسيرو الحديث، توفي سنة 643هـ، من مصنفاته: مشكل الوسيط وعلوم الحديث. أنظر: ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 142)

ابن مالك (¬1) في ألفيته، والجوهري (¬2) في الصحاح، والمبرد (¬3) وابن دريد (¬4) وسيبويه (¬5) وابن جني (¬6) وابن عصفور (¬7) وابن فارس (¬8) والسهيلي (¬9) وأبو علي الفارسي (¬10) وغيرهم. ¬

_ (¬1) هو الإمام محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك العلامة جمال الدين أبو عبد الله الشافعي، إمام النحاة وحافظ اللغة والقراءات وعللها، توفي سنة 672هـ، من مصنفاته: شرح كافية ابن الحاجب، وشرح التسهيل. انظر ترجمته في: السيوطي، بغية الوعاة (1/ 130) (¬2) هو العلامة اسماعيل بن حماد الجوهري أبو نصر الفارابي، كان من أعاجيب الزمان ذكاءً وفطنة وعلما، وكان إماما في اللغة والأدب وخطه يضرب فيه المثل، توفي سنة 393هـ، من تصانيفه: كتاب في العروض، مقدمة في النحو. انظر ترجمته في السيوطي، بغية الوعاة (1/ 446) (¬3) هو العلامة أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي البصري، إمام العربية ببغداد في زمانه، توفي سنة 285هـ من مصنفاته: الكامل والمقتضب في اللغة، انظر ترجمته في السيوطي، بغية الوعاة (1/ 269) (¬4) هو العلامة أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي الشافعي، الإمام اللغوي النحوي الذي انتهت إليه لغة البصريين، توفي سنة 321هـ، من مصنفاته: جمهرة اللغة، الأمالي، انظر السيوطي، بغية الوعاة (1/ 76) (¬5) هو العلامة أبو بشر عمر بن عثمان بن قنبر سيبويه إمام البصريين النحوي المشهور، توفي سنة 180هـ من مصنفاته كتاب في علم الخليل. انظر ترجمته في: السيوطي، بغية الوعاة (2/ 229) (¬6) هو العلامة أبو الفتح عثمان ابن جني من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف وعلمه بالتصريف أقوى وأكمل من النحو، توفي سنة 392هـ، من مصنفاته الخصائص في النحو وشرح تصريف المازني، انظر السيوطي، بغية الوعاة (2/ 132) (¬7) هو الإمام العلامة علي بن مؤمن بن محمد بن علي أبو الحسن بن عصفور النحوي الحضرمي الإشبيلي، حامل لواء العربية في زمانه في الأندلس، توفي سنة 663هـ، من مصنفاته: الممتع في التصريف، وشرح الجزولية. انظر السيوطي، بغية الوعاة (2/ 210) (¬8) هو الإمام العلامة أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب اللغوي القزويني، كان نحويا على طريقة الكوفيين وكان شافعيا في الفقه ثم تحول مالكيا، توفي سنة 395هـ، من مصنفاته: المجمل في اللغة ومقدمة في النحو. انظر السيوطي، بغية الوعاة (1/ 352) (¬9) هو الإمام العلامة أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السيهلي الخثعمي الأندلسي اللغوي الحافظ، كان عالما بالعربية واللغة والقراءات جامعا بين الرواية والدراية، توفي سنة 581هـ، من مصنفاته: الروض الأنف في السيرة وشرح الجمل. انظر السيوطي، بغية الوعاة ... (2/ 81) (¬10) هو العلامة الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان، واحد زمانه في علم العربية ويقال إنه أعلم من المبرد، وكان مهتما بالاعتزال، توفي سنة 377هـ، من مصنفاته: الإيضاح في النحو، الحجة، انظر السيوطي، بغية الوعاة (1/ 496)

المطلب الرابع: مقارنة بين شرح ابن السبكي وشرح الجزري للمنهاج

هذه هي أهم المصادر التي اعتمد عليها التاج السبكي في شرحه ((للمنهاج))، وبذلك ترى غنى هذا الشرح بالمعلومات الفائقة، مع ما امتاز به التاج السبكي من التصريح بأصحاب الأقوال الذين ينقل عنهم، وبذلك يمكن أن يعدّ ((الإبهاج)) موسوعةً أصوليةً غنيةً بالأقوال والمسائل، يستطيع الباحث خلاله الاطلاع على أكبر قدْرٍ ممكن من أقوال العلماء وآرائهم في المسائل الأصولية، بحيث توفّر له الجهد والوقت. المطلب الرابع: مقارنة بين شرح ابن السبكي وشرح الجزري للمنهاج حتى تتبين أهمية ومميزات شرح التاج السبكي ((للمنهاج)) لا بدَّ من بيان أوجه الاتفاق ... والاختلاف بين ((شرح التاج السبكي)) وشروح غيره ((للمنهاج))، وقد اخترتُ لعقد هذه المقارنة شرح الجزري ((للمنهاج)) المسمى بـ ((معراج المنهاج))، ومن خلال النظر في الشرحين تبيَّن لي بعض الفوارق بين هذين الشرحين، ومن هذه الفوراق: 1 - الجزري لم يخرج في شرحه عن عبارات الإمام الرازي حيث كانت هذه العبارات مُوْفيةً بالغرض إلا نادراً، بخلاف التاج السبكي فمع اعتماده على عبارات الرازي؛ إلا أنّه كثيراً ما كان يخرجُ عنها ويأتي بغيرها، بل وكان يناقش الرازي في كثير من العبارات. 2 - الجزري اقتصر في شرحه على شرح عبارة ((المنهاج))، بأسلوب واضح سَلِس غير متكلف فيه، ... ولا يَحيدُ عن الشرح إلا نادراً، بخلاف التاج السبكي فقد امتاز شرحه بالإسهاب والتطويل وذِكْر كثير من المسائل والفروع المتمِّمة لشرح المسألة. 3 - الجزري أَعْرَضَ عن شرح بعض عبارات ((المنهاج)) التي رأى أنّها واضحة لا تحتاج إلى بيان، بخلاف التاج السبكي فقد شرح كلّ ما ورد في المتن مع بعض زيادات أخرى عليه. 4 - الجزري لم يتعرّض لذِكر الآراء والأقوال الأخرى في المسائل المطروحة بخلاف التاج السبكي فقد كان يستوعب الأقوال والآراء في كثير من المسائل. 5 - الجزري لا يتعرّض لذِكر الاعتراضات والإيرادات كثيراً، بل كان يُعرِض عن ذكر هذه الاعتراضات إلا فيما دَعَت إليه الحاجة الماسّة مما لا يُستغنى عنه في الفهم، بخلاف التاج السبكي، فقد كان مُولعاً بذِكر هذه الاعتراضات والإيرادات في كثير من المباحث. 6 - لم يكثر الجزري من مناقشة البيضاوي أو مخالفته، بخلاف التاج السبكي الذي كان ينتقد البيضاوي ويناقش عباراته وآراءه وقد خالفه في عدد لا بأس به من المسائل. 7 - لم يتعرّض الجزري لذِكر فروع فقهية مبنيّة على المسائل الأصولية كما أنّه لم يكن مهتمّاً بتخريج الأحاديث التي يذكرها أو يستدل بها، بخلاف التاج السبكي في كل ذلك. هذه أهم الفوارق بين شرحي التاج السبكي والجزري ((للمنهاج))، وهذا لا يعني عدم وجود نقاط اتفاق وتوافق بينهما بل هناك بعض نقاط التوافق بينهما من أهمها: 1 - أنّ كلاهما شافعي المذهب وكلاهما كان مُهتمّاً بإبراز حقيقة المذهب الشافعي في المسائل المطروحة. 2 - أنّ كلاهما كان يهتمّ بتحرير محل النّزاع في المسائل المدروسة، ولم يكن أي منهما يُطْلق النِّزاع دون تحديد لمحلِّه.

كلمة أخيرة

كلمة أخيرة بعد استعراضنا لكتاب ((الإبهاج)) وتِجْوالنا بين حدائقه العطرة واطِّلاعنا على شخصية أصولية فذَّة قلَّما يجود الزمان بمثلها أقول: بالرغم من كل ما استعرضناه من مميزات ((للإبهاج)) وصفات تجعله في مقدمة شروح ((المنهاج)) إلا أنّ ((الإبهاج)) لا زال بحاجة ماسّة إلى مزيد من العناية لإبراز رونقه ووجهه الوضّاء، فقد طُبع ((الإبهاج)) عدّة طبعات إلا أنّه ومع الأسف الشديد لم تحظَ هذه الطبعات بالعناية الكافية، فتجد فيها الكثير من الأخطاء والسَّقْط الذي يُخلّ بالمعنى مما جعل أهل العلم يَنْفِرون منه ويبتعدون عنه لعدم فَهْم كثير من عباراته بسبب سوء الترقيم والتشكيل مع الأخطاء الكثيرة والسَّقطات الفاضحة، لذا فهذه دعوةٌ إلى المشتغلين بأصول الفقه أن يَلْتَفِتوا إلى ((الإبهاج)) ويعطوه بعض جُهدهم لإخراجه إلى النور بتحقيقٍ عِلميٍّ رصين يَسدُّ كل الثغرات السابقة في مثل تلك الطبعات، يسّرَ الله تعالى ذلك ليعود ((الإبهاج)) ويحتل مكانته التي يستحقُّها. المبحث الثاني رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب يعدّ ((رفعُ الحاجب عن مختصر ابن الحاجب)) المصنَّف الرابع للتاج السبكي في أصول الفقه، حيث انتهى التاج السبكي من تصنيفه سنة 759 هـ (¬1)، في حين انتهى من ((الإبهاج)) الكتاب الأول له سنة 752 هـ، ويصرّح التاج السبكي في هذا الشرح بالنقل عن كتابين آخرين له في أصول الفقه الأول أسماه ((التعليقة)) والثاني أطلق عليه اسم ((الشرح الكبير)) فيكون ((رفع الحاجب)) هو الكتاب الرابع له في هذا الفن. و ((لرفع الحاجب)) هذا عند التاج السبكي قصة، وذلك أنّه قد وَعَدَ بهذا الشرح في نهاية شرحه ((للمنهاج)) حين قال: ((وفي عزمي والله الميسِّر أن أضعَ شرحاً على ((مختصر ابن الحاجب)) بسيطا؛ لا عُذر لي إذا لم آت فيه بالعجب العجاب، محيطاً بهذا العلم على أتمّ وجه، لا أميط عنه إلا القشر عن اللباب.)) (¬2) وكان والده الشيخ تقي الدين قد شرع في وضع شرح على ((المختصر))، فبدأ فيه فعمل منه نحو كراسة واحدة، وقد وَسَمه باسم ((رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب)) غير أنّه لم يتمّه، ولم يطّلع عليه التاج السبكي، لذا وضع هذا الشرح وسمّاه باسم ((رفع الحاجب)) تبرُّكاً بصنيع والده. (¬3) ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 649) (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 275) (¬3) التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 307 وما بعدها) قلت: ذكر التاج السبكي شرح المختصر لوالده في منع الموانع ونقل عنه أيضاً، مع أنه قد ذكر في الطبقات وفي رفع الحاجب أنه لم يطلع عليه، ولعله قد وجد هذه الكراسة بعدما أتم شرحه على المختصر والطبقات، وأما ما قاله محقق منع الموانع من أنه ربما سمعه سماعا؛ فإنه مستبعد ولا وجه له عندي، كيف وقد نص التاج على أنه نقل من نص القطعة، ولو كان ذلك سماعا لما جاز له ذلك. انظر: منع الموانع ص 492، 495

المطلب الأول: التعريف ((بمختصر ابن الحاجب))

والذي يظهر لي أنّ ((رفع الحاجب)) هو الشرح الثاني للتاج السبكي على ((مختصر ابن الحاجب))، حيث كان التاج السبكي قد وضع تعليقاً على ((مختصر ابن الحاجب)) وصفه التاج بقوله: ((فإنّ لنا تعليقاً على مختصر الإمام أبي عمرو بن الحاجب مبسوطاً ومجموعاً، يصبح قَدْرُ الأقران - وإن تعالى عنه - محطوطاً، وكتاباً لم يغادر لمتعنِّت مطلباً، وعجبا عجاباً، وردَّ مناهل الأصول، وصدَّر بهذا النبأ، وفِهْرستاً فجمع فأوعى، وفاق كتب هذا الفن جنساً ونوعاً، جمعنا فيه أكثر ما حوته كتب هذا الفن، وأودعناه مباحث كنا نستعمل الفكر فيها إذا ما الليل جن، وذكرنا آرائنا، وناضلنا عليها، ... وأوضحنا اختياراتنا.)) (¬1) وبهذا ترى أنّ ((التعليقة)) إنّما هي شرح أخر أوسع من ((رفع الحاجب))، وأما ... ((رفع الحاجب)) هذا فهو الشرح الثاني للمختصر، وهو أخصر من الأول وفي ذلك يقول التاج: ... ((بَيْدَ أنّا لم نستوعب فيه [أي ((التعليقة))] ما في ((المختصر))، وإن كنا لم نَدَع إلا واضحاً لا يَفتقر إلى النظر، فبدأنا في شرحٍ غاية في الاختصار، آية في جمع الشوارد والإكثار، يأتي على تقرير ما في الكتاب كلّه مع مباحث مِن قِبَلنا.)) (¬2) وقال أيضاً في وصفه صنيعه في هذا الشرح: ((وهو شرحٌ إذا رآه المنصف عرف أنّا أتينا فيه بالعجب العجاب ودعونا قصي الإجادة فأجاب، ورُضْنا عصيّ المراد، فزال شماسه وانجاب، ودرى أهو الجدير أن يبيدَ بالقِرى وهَجَر هجْر واصل الكرام، أم الحقيق بأن يَضرب له آباط المطي أهل الآراء، فإنّا وفّينا بحق مختصر حَلّت فيه العقد، وقام مصنفه - يرحمه الله - بوظيفة الإيجاز التي قصّر دونها كل بليغ، وقعّد ورمى المعاني من أمد بعيد، ... صَدَح على غصون البلاغة ذوات الأفنان، ومنح الطالبين جنَّةً قطوفها دانية لكل قاصٍ ودان ... [إلى أن قال]: فقمنا حقّ القيام، ورُضْنا مصاعب النظر بالجدِّ ... والاهتمام، وتَرقَّينا فجر الحقائق حتى تبلج صبحه والناس نيام، وأعملنا الأفكار، واستخرجنا من الخبايا الأبكار، واستنزلنا المعاني الطائرة من الأوكار.)) (¬3) قلت: وقد تكون ((التعليقة)) هي ذاتُها ((الشرح الكبير)) الذي عزا إليه التاج السبكي في غير موضع من كتابه هذا، فإذا ثبت ذلك؛ يكون ((رفع الحاجب)) هو الكتاب الثالث للتاج في علم الأصول وليس الرابع على اعتبار أنّ ((التعليقة)) والشرح الكبير اسمان لمسمّىً واحد، والله تعالى أعلم. المطلب الأول: التعريف ((بمختصر ابن الحاجب)): إنّ مختصر الإمام جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الإسنائي المعروف بابن الحاجب، والمتوفى سنة 646 هـ، هو من المختصرات ذات الشأن العظيم والأهمية الكبرى في علم الأصول على طريقة المتكلمين، حيث أَوْدع فيه ابن الحاجب زُبدة أفكاره وآرائه الأصولية والمنطقية ... والجدلية، المتأثِّر في أكثرها بطريقة شيخه وأستاذه الإمام سيف الدين الآمدي المتوفى سنة 631 هـ. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 230) (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 230) (¬3) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 647 - 648) بتصرف.

هذا ويُعدّ الإمام الآمدي صاحب مدرسة أصولية مستقلة ومتميزة، وأهم ما يميزها هو الميل إلى تحقيق المذاهب، والإكثار من تفريع المسائل، وكان الآمدي قد فعل مثل معاصره الإمام فخر الدين الرازي؛ حيث جمع الكتب الأربعة التي عليها المدار عند الأصوليين (¬1) في كتابه الضخم ((الإحكام في أصول الأحكام)) إلا أنّه امتاز عن الرازي بأنّه أكثرُ تحقيقاً للمذاهب والمسائل (¬2). ثم إنّ الآمدي قام باختصار كتابه ((الإحكام)) إلى ((منتهى السول في علم الأصول)) (¬3)، وجاء من بعده تلميذه الإمام ابن الحاجب فاختصر كتابيّ شيخه ((المنتهى في الأصول))، و ((غاية الأمل في علم الجدل)) وجمعهما في كتاب واحد أسماه ((منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل)) (¬4). ولكنّ ابن الحاجب لما رأى ضعف الهمم وقصور الفهم؛ قام باختصار ((المنتهى)) إلى ((مختصر المنتهى)) وإلى ذلك يشير ابن الحاجب في مقدمة ((المختصر)) حيث يقول: ((فإنّي لما رأيت قصور الهمم عن الإكثار وميلها إلى الإيجاز والاختصار؛ صنَّفتُ مختصراً في أصول الفقه، ثم اختصرته على وجه بديع، وسبيل منيع، لا يَصدُّ اللبيب عن تعلمه صادٌّ ولا يَردُّ الأريب عن تفهُّمه رادّ.)) (¬5) ¬

_ (¬1) راجع ما ذكرناه عن هذه المصنفات عند الحديث عن منهاج البيضاوي. (¬2) انظر: مقدمة ابن خلدون (2/ 817) (¬3) هذا ما تذكره أكثر المراجع، وقد حقق الدكتور حسن الشافعي ذلك وقام بإجراء مقارنة بين الإحكام والمنتهى توصل من خلالها إلى أن المنتهى مختصر فعلا للإحكام. انظر حسن الشافعي، الآمدي وآراؤه الكلامية ص 70. (¬4) انظر: مقدمة ابن خلدون (2/ 817) وحسن الشافعي، الآمدي وآراؤه الكلامية ص 65. هذا وقد اختلفت المصادر في اسم هذا المختصر فبعضهم يسميه منتهى السول بدل منتهى الوصول، غير أن الذي وجدته في النسخة المطبوعة أن اسمه منتهى الوصول كذا ذكره ابن الحاجب نفسه في مقدمته وقد سماه بذلك أيضا الدكتور حسن الشافعي. انظر: منتهى الوصول ص3، حسن الشافعي ص 70. قلت: لعل تسميته منتهى الوصول أوجه، وذلك للتفرقة بينه وبين منتهى الآمدي وهو الذي نص عليه ابن الحاجب نفسه في مقدمة كتابه المطبوع، والله أعلم. (¬5) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (1/ 29)

وبذلك يكون ((مختصر المنتهى الأصولي)) المشهور باسم ((مختصر ابن الحاجب)) قد جمع فيه ابن الحاجب زُبدة مدرسة الآمدي، فجاء مختصراً بديعاً، وامتاز بما امتاز به الآمدي إلا أنه جاء أكثر تحقيقاً وأدقّ عبارة، مما جعله في مقدمة المتون المعتمدة في هذا الفن، وقد وصفه المحقق عضد الدين الإيجي المتوفى سنة 756هـ بقوله: ((إنّ مختصر الإمام العلامة قُدوة المحقِّقين جمال الملة والدين أبي عمرو عثمان ابن الحاجب المالكي تغمَّده الله بغفرانه يجري منها [أي من المختصرات] مجرى الغُرَّة من الكُمْت ... والقرحة (¬1) من الدهم والواسطة من العقد، وقد رُزق حظاً وافياً من الاشتهار، فاشْتُهر به الأذكياء في جميع الأمصار أي اشتهار، وذلك لصغر حجمه، وكثرة علمه، ولطافة نظمه، ولكنّه مستعصي على الفهم لا يُذلُّ صعابه ولا تسمح قرونته لكل ذي علم.)) (¬2) ووصفه الشمس الأصفهاني قائلاً عنه أنّه: ((كتابٌ صغير الحجم، وجيز النظم، غزير العلم، كبير الاسم، مُشتَمِلٌ على محض المهم.)) (¬3) وقد رُزق ((مختصر ابن الحاجب)) من الشهرة ما لم يٌرزق أيّ متن أخر سواه (¬4)، فاهتمّ به العلماء شرقاً وغرباً، وتناولوه بالتدريس والشرح والتقرير، وتصدّى لشرحه عدد كبير من أكابر الأصوليين حيث وُضع عليه ما يزيد على ستةٍ وسبعين مصنفاً (76) (¬5) منها ما هو شرح له وتعليق عليه وأخرى تخريج لأحاديثه أو حاشية عليه أو على أحد شروحه، كما نظمه عدد من العلماء واختصره عدد آخر. ومن أهم هذه الشروح: - الشروح المعروفة بالسبع السيارة وذلك لشهرتها واهتمام العلماء بها والنقل عنها وهي:- 1. شرح قطب الدين الشيرازي (¬6). 2. شرح بدر الدين التستري (¬7). 3. شرح شمس الدين الأصفهاني، المسمى ((بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب)). وهو شرح مطبوع في ثلاثة أجزاء كبار بتحقيق الدكتور محمد مظهر بقا. ¬

_ (¬1) هي بياض في وجه الفرس دون الغرة. انظر: طاهر بن أحمد، تهذيب القاموس المحيط (3/ 515) (¬2) الإيجي، عضد الدين، شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 5) (¬3) الأصفهاني، محمود بن عبد الرحمن، بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 5) (¬4) اللهم إلا أن يكون جمع الجوامع قد فاقه في ذلك. (¬5) انظر في ذلك: حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله، كشف الظنون (2/ 1853 – 1857) ومقدمة تحقيق رفع الحاجب، علي محمد معوض وعادل عبد الموجود (1/ 191 – 225)، كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي (5/ 335 – 340) (¬6) هو العلامة قطب الدين أبو الثناء محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي الشيرازي، كان غاية في الذكاء وإمام عصره في المعقولات، توفي سنة 710هـ، من مصنفاته: شرح الكليات، شرح مفتاح السكاكي. انظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 311) (¬7) هو الإمام العلامة بدر الدين محمد بن أسعد التستري، كان فقيها ضليعا وإمام زمانه في الأصلين والمنطق والحكمة، توفي سنة 733هـ، من مصنفاته: شرح طوالع البيضاوي، شرح الغاية القصوى. انظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 374)

المطلب الثاني: أهمية شرح ابن السبكي للمختصر ومميزاته

4. شرح ركن الدين الموصلي (¬1). 5. شرح جمال الدين الحلي (¬2) ((غاية الوصول وإيضاح السُّبل في شرح مختصر منتهى السول والأمل)). يأتي في مجلدين على طريقة ((المحصول)) و ((الإحكام)). 6. شرح زين الدين العجمي (¬3). 7. شرح شمس الدين الخطيبي (¬4). هذه هي الشروح السبعة المشهورة ((لمختصر ابن الحاجب)) غير أنّ هناك شرحاً ثامناً الذي يبدو لي أنّه فاق هذه الشروح السبعة ألا وهو شرح العلامة القاضي عضد الملة والدين الإيجي المتوفى سنة 756هـ، الذي يعدّ أشهر شروحه على الإطلاق وأتقنها وأكثرها تحقيقاً (¬5)، وقد اهتمّ به العلماء اهتماماً بالغاً فوضعوا عليه الحواشي الكثيرة والمشهورة ومن أهمها حاشيتا السعد التفتازاني، والسيد الشريف الجرجاني المتوفى سنة 816هـ، وقد بلغ عدد الحواشي عليه ما يزيد على إحدى عشرة حاشية (¬6) مما جعله في مقدمة شروح ((مختصر ابن الحاجب)) والله تعالى اعلم. المطلب الثاني: أهمية شرح ابن السبكي للمختصر ومميزاته: تكمن أهمية شرح التاج السبكي ((لمختصر ابن الحاجب)) في النواحي الآتية: 1 - أنّه من أحد أهم الشروح القليلة التي طبعت حتى الآن؛ ((فمختصر ابن الحاجب)) رغم أهميته وكثرة شروحه، إلا أنّه لم يُطبع منها إلا العدد القليل، ومن بينها شرح التاج السبكي الذي طبع مؤخرا (¬7). 2 - أنّ التاج السبكي وضع هذا الشرح بعد أن اكتملت شخصيَّته الأصولية، وذلك بعد شرحه ... ((لمنهاج)) البيضاوي، وشرحه الأول للمختصر؛ مما أعطاه دُرْبة وخبرة أصولية، أكسبته مقدرة للتعامل مع أمثال هذه المختصرات التي تكون شبه مغلقة لدقتها وصعوبة مراميها وخفاء معانيها. ¬

_ (¬1) هو الإمام العلامة المتكلم النحوي الفقيه الشافعي السيد ركن الدين أبو محمد الحسن بن محمد بن شرف شاه الحسيني الاسترابادي، توفي سنة 715هـ، من مصنفاته: شرح الحاجبية، شرح الحاوي. انظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 277) (¬2) هو جمال الدين أبو منصور الحسن بن سديد الدين بن يوسف بن المطهر الحلي الرافضي المعتزلي، من كبار علماء الشيعة المحققين، توفي سنة 726، من مصنفاته: مبادئ الوصول إلى علم الأصول، نهاية الوصول إلى علم الوصول. انظر: الأمين، أعيان الشيعة (24/ 222) (¬3) هو العلامة القاضي زين الدين العجمي الحنفي، كان من أئمة الحنفية المتبحرين في الفقه والأصول، وقد تولى القضاء من أبي سعيد ملك التنارت سنة 753هـ انظر الفوائد البهية ص 134 (¬4) هو الإمام العلامة شمس الدين محمد بن مظفر الدين الخلخالي المعروف بالخطيبي الشافعي، كان إماما بارعا في العلوم العقلية والنقلية، توفي سنة 745هـ، من مصنفاته: شرح المصابيح وشرح المفتاح. انظر: ابن العماد، شذرات الذهب (6/ 324) (¬5) وشرحه هذا مطبوع مع حاشيتا السعد التفتازاني والشريف الجرجاني. وهو شرح مشهور ومتداول بين أهل العلم وطلبته. (¬6) انظر هذه الحواشي في حاجي خليفة، كشف الظنون (2/ 1853، 1856 - 1857) (¬7) طبع بتحقيق الشيخين علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود سنة 1999.

مميزات رفع الحاجب

3 - أنّ التاج السبكي من الشراح القلائل الذين يمتازون بطول النفس في الشرح والتقرير؛ لذا فإنّ شرحه هذا يعدّ فيما أعلم من أوسع الشروح التي وُضعت على ((المختصر))، كما أنّه كان مطّلعاً على شروح ((المختصر)) السابقة، وبخاصة شرحي العضد الإيجي، والقطب الشيرازي، حيث صرّح بالنقل عنهما، وتَعَقَّبهما في عدد لا بأس به من المواضع. 4 - أنّه من الشروح التي اعتمد عليها شرّاح ((المختصر)) فيما بعد، فكانوا يكثرون من النقل منه والاعتماد عليه، ولعلّ من أهمهم في ذلك شرح محمد بن الحسن الواسطي (¬1)، حيث يصرّح بالنقل عنه والعزو إليه؛ بل إنّه قد جمع شرحه كله من شرحيّ الشمس الأصفهاني والتاج السبكي (¬2). كما وضع عليه الإمام عز الدين بن جماعة (¬3) حاشية قيمة (¬4). مميزات رفع الحاجب: لقد امتاز ((رفع الحاجب)) بميّزات عديدة جعلته في مقدمة شروح ((المختصر)) التي عليها الاعتماد، ومن أهم هذه الميزات: 1 - اعتماده على نسخة للمختصر بخط ابن الحاجب نفسه: اعتمد التاج السبكي في هذا الشرح على نسخة ابن الحاجب نفسه، وهذه ميّزة قلَّما تجدها عند غيره من الشراح، وبذلك يكون التاج قد حفظ لنا عبارة ابن الحاجب بنصِّها دون تحريف لها، أو نقص منها أو زيادة عليها، وكثيراً ما كان التاج السبكي يبيّن ذلك في شرحه، ويثبت الخلافات بينها وبين النسخ الأخرى، مبيّناً في ذلك الراجح عنده من العبارات سواء أكانت نسخة ابن الحاجب أو غيرها من النسخ. فمن النوع الأول قوله: في مسألة العام إذا ورد على سبب خاص: ((والثاني ألا يكون ثمّ قرينة، كما لو روي أنّه - عليه السلام - مَرّ بشاةِ ميمونة فقال {أيما إهابٌ دُبِغَ فقد طَهُر} (¬5)، فإنّه على تقدير وقوعه لفظ عامٌّ ورد على سبب خاص بغير سؤال ... )) ثمّ قال: ((وإنّما قلنا على تقدير وقوعه، وكذا أثبت المصنِّف لفظة لو بخطه لأنّ ذلك لم يقع ... وفي بعض نسخ ((المختصر)) حذفُ لفظة لو، وليس بجيّد، فأثباتها حقٌّ كما عرفتَ وإياه فعل المصنف)) (¬6). ¬

_ (¬1) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن حسن بن عبد الله السيد الشريف الحسيني الواسطي الشافعي، توفي سنة 776هـ، من مصنفاته: كتاب في أصول الدين وكتاب في الرد على الإسنوي. انظر ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 160) (¬2) انظر ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 161)، المراغي، الفتح المبين (2/ 204) (¬3) هو الإمام أبو عبد الله عز الدين محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن سعد الله بن جماعة المصري الشافعي العالم العلامة الحبر المفنن صاحب المؤلفات الكثيرة والمشهورة منها: شرح جمع الجوامع وشرح الأربعين النووية، توفي سنة 819هـ. انظر: ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 60) الغزي، ديوان الإسلام (2/ 106)، (¬4) انظر حاجي خليفة، كشف الظنون (2/ 1855) (¬5) رواه الترمذي في كتاب اللباس برقم 1650، والنسائي في كتاب الفرع والعتيرة برقم 4168، وابن ماجة في كتاب الفرع والعتيرة برقم 3599 (¬6) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 121) بتصرف.

ومن النوع الثاني قوله معقّباً على قول ابن الحاجب: ((لو نَدَرَ المخالف مع كثرة ... المجمعين ... )) إلى قوله ((لم يكن إجماعاً قطعاً)) (¬1)، قال التاج السبكي: ((كذا بخط المصنف، وفي بعض النسخ قطعيا.)) ثمّ قال بعد شرح المسألة: ((إذا عرفت هذا فنقول: قول المصنف لم يكن إجماعاً قطعاً أي: لا نقطع بكونه إجماعاً، ومن كتب قطعياً أراد أنّا نجزم بنفي (¬2) كونه إجماعاً قطعياً.)) (¬3) ثم قال التاج مرجحّاً هذه النسخة: ((وهذه النسخة عندي أولى مما كتبه المصنِّف بيده، ولعلها أُصلِحت؛ لأنّ فيها فائدة التنبيه على أنّ من قال بأنّه إجماع؛ فإنّما يجعله ظنياً لا قطعياً، وهو الظاهر، ... وبه يُشعر إيراد الآمدي، وأما قطعاً (¬4) فليس فيها كثير فائدة؛ لأنّ كلّ ذي نظر يعرف أنّه إذا وقع الخلاف في أنه هل هو إجماع؛ لم يقع القطع بأنّه إجماع)) (¬5). 2 - اعتماده في الشرح على نقل عبارات ابن الحاجب نفسه من مختصره الكبير الذي هو الأصل بالنسبة لهذا ((المختصر)): من السِّمات البارزة في هذا الشرح أنّ التاج السبكي كثيراً ما كان يُورِد عبارات ابن الحاجب نفسه من مختصره الكبير ((المنتهى))، ليُفصِّل بها ما أجمله ابن الحاجب في مختصره هذا. وحيثما كانت عبارة ابن الحاجب – في هذا ((المختصر)) – غير وافية بالغرض كان يتمِّمها التاج من ((المختصر الكبير)). ومن الشواهد الدالة على ذلك: قول التاج السبكي في مسألة الإجزاء هل يستلزم القضاء أو لا – بعد شرحه لقول ابن الحاجب: وقال عبد الجبار لا يستلزمه (¬6) – ((وقد قال المصنف في ((المختصر الكبير)): إن أراد – يعني عبد الجبار – أنّه لا يمتنع أن يُراد أمرٌ بعده بمثله فمسلّم، ويرجعُ النزاع في تسميته قضاء، وإن أراد أنّه لا يدلّ على سقوطه فساقط)) (¬7). ومنها قول التاج السبكي شارحاً قول ابن الحاجب في باب الترجيح: ((والإجماع على ما بعده في الظني)) (¬8) قال: ((قوله في الظّن أي: ذلك متصوَّر في الإجماع الظني دون القطعي؛ فإنّه يُظنُّ فيه التعارض، وإلا لَزِم تَعَارُض الإجماعين في نفس الأمر، وهو محال، هذا تقرير كلامه فاعتمده، وبه صرّح في ((المنتهى)) إذ قال: وإجماع الصحابة على من بعدهم ثمّ على الترتيب وذلك إنّما يكون في الظني، لأنّهم أعلى رتبة)) (¬9) ¬

_ (¬1) المصدر السابق (2/ 182) (¬2) كذا هو الصواب، غير أن ما في أصل الكتاب " نجزم بكونه إجماعا" وهو وهم ظاهر، وقد أشار المحقق الفاضل إلى وجود الصواب في نسخة أخرى أثبتها في الهامش وكان حقه أن يثبت الصواب في الأصل وينبه عليه في الهامش لا العكس. (¬3) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 187) (¬4) هذا هو الصواب، وقد ورد في أصل الكتاب "قطعيا"، وهو خطأ ظاهر إذ لا يستقيم الكلام بها. أنظر رفع الحاجب (2/ 187) (¬5) المصدر السابق (¬6) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (2/ 544) (¬7) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 546) (¬8) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (4/ 626) (¬9) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 626)

3 - المقارنة بين ((مختصر ابن الحاجب)) وأصوله وبخاصة الآمدي: التاج السبكي في هذا الشرح – شأنه شأن شرحه السابق على ((منهاج البيضاوي)) – كان يُثبت في ثنايا شرحه مقارنات بين متن ابن الحاجب وأصوله المأخوذ منها: ((المختصر الكبير)) له و ((المنتهى)) و ((الإحكام)) للآمدي، وهو بذلك يُبَيِّنُ لنا موافقة ابن الحاجب لأصوله أو مخالفته لها. ومن الشواهد الدالة على ذلك: قول التاج السبكي معقّباً على قول ابن الحاجب في المنع: ... ((والصحيحُ منع السائل من تقريره؛ لأنّ المستدلَّ مُدَّعٍ فعليه إثباته لئلا ينتشر)) (¬1)، قال التاج السبكي: ((كذا بخط المصنف، وظاهره أنّها علّة واحدة لوجوب الإثبات، وفي ((المنتهى)) لأنّ المستدل مُدَّعٍ فعليه إثباته، ولأنّه ينتشر، والذي يظهرُ أنّ علّة وجوب إثباته على المستدل ادعاؤه، وعلّية منع المعترض من إثباته الانتشار فهما علّتان لحكمين مختلفين)) (¬2). ومنها ما قاله التاج السبكي معقّباً على تعريف ابن الحاجب للقرآن بأنه: هو الكلامُ المنزَّل للإعجاز بسورة منه (¬3) حيث قال التاج: ((وهذا الحدُّ من صنيع المصنف، والآمدي عرَّفه بأنّه: القرآن المنزل (¬4)، وقد أخذ هو والمصنف المنزَّل قَيْداً في التعريف؛ لأنّ الحدّ للفظ، فأراد إخراج النفساني بذلك (¬5))). ففي هذا النص ترى أنّ التاج السبكي يُبَيّن لنا مخالفة ابن الحاجب في صيغة التعريف للآمدي، وإن اتفقا في قيد المنزَّل. 4 - كثرة الإحالات على مصنفاته الأصولية الأخرى: التاج السبكي يجعل مجموعة مصنّفاته كالمنظومة الواحدة؛ فما يُجْمله في موضع يفصِّله في موضع آخر من كتاباته، وكثيراً ما كان يُحيل القارئ إلى مصنفاته الأخرى التي أسهب فيها الحديث حول المسألة المحالة. وهذه ميزةٌ له في كتاباته عامة، وفي شرح ابن الحاجب خاصَّة، فقد وجدته في هذا الشرح يُكثِر من الإحالات على كُتُبه الأخرى، وبخاصّة على كتابه ((التعليقة)) شرحه الأول والأوسع ((لمختصر ابن الحاجب))، إلا أنّه في بعض المواضع التي رأى التاج أنّه من الأهمية بمكان إعادة ما دوَّنه سابقا، وجدته مع إحالته إلى تلك المواضع كان يُلخِّص ما ذكره هناك في شرحه هذا تتميماً للفائدة المرجوّة. ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله في مبحث النقض من قوادح العلّة – بعد شرحه للمذاهب التي أوردها ابن الحاجب في كونه قادحاً – قال: ((ولإمام الحرمين مذهب ثامن، وللغزالي مذهب تاسع، حكيناهما في ((التعليقة)) وتكلَّمنا عليهما بما فيه الكفاية، وحذفناهما هنا اختصاراً)) (¬6) ¬

_ (¬1) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (4/ 455) (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 455) (¬3) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (2/ 82) (¬4) انظر الأمدي، الإحكام في أصول الأحكام (1/ 137) (¬5) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 83) (¬6) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 192)

ومن النوع الثاني قوله في مبحث الإجماع السكوتي: ((وهنا أمورٌ مهمَّة لا يليق إهمالها، وإن كنّا بذكرها نخرج عن أسلوب الاختصار فإنّ مسألة الإجماع السكوتي من قواعد الأمهات، وإلى الشافعية مَرجِعها، وقد ذكرنا في ((التعليقة)) أوراقاً تَعْسُر على أبناء الزمان فليقع تلخيصها هنا)) (¬1). ثمّ أخذ يتحدَّث عمّا ذكره هناك من مباحث تتعلَّق بالإجماع السكوتي فأخذت ثمان صفحات من الشرح (¬2). 5 - التصريح بآرائه واختياراته في أكثر المسائل المطروحة: امتاز التاج السبكي في هذا الشرح بأنّه كان شديد الوضوح والصراحة تُجاه المسائل والأدلة الأصولية المختلف فيها؛ فلا يمرُّ على مسألة فيها خلاف إلا بيَّنه، ومن ثمّ صرّح برأيه هو واختار الراجح عنده فيها (¬3)، وحيثما لم يُعجِبه دليل في مسألة ما ردّه واختار ما هو الأوضح والأقوى عنده في ذلك. ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله في مدلول صيغة الأمر – بعد ذكر المذاهب فيها -: ... ((وقال الشيخ أبو حامد الإسفرايني وإمام الحرمين: إنّ موضوعها الطلب الجازم، وحَضِّ (¬4) المأمور على الفعل، وأما ثبوت الوجوب فيقع بواسطة صدور هذا الطلب من الشارع، فُيستَفادُ الوجوب بهذا التركيب بين اللغة والشرع. [قال التاج معقّباً على ذلك:] وهذا ما نختاره، ولا يَبْعُد أن يكون هو رأي الشافعيّ رضي الله عنه، وليس هذا مذهب القائلين بأنّ الصيغة للوجوب بالشرع، بل غيره لأنّ ذلك يَجعَل جزم الطلب شرعا، ونحن نقول: جزم الطلب لغوي، ثمّ هو إن ورد على لسان من له الإيجاب وهو الشارع أفاد الوجوب بهذه الضَّميمة)) (¬5). ومن اختياراته في الأدلة، ما استدلَّ به التاج السبكي في مسألة تكليف الكفار حيث قال – بعد ذكر الأدلة التي ساقها ابن الحاجب-: ((وأوضحُ من هاتين الآيتين (¬6) عندي في الدلالة على تكليفهم قوله تعالى: {والذين كفروا وصَدُّوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون} (¬7). إذ لا رَيب أنّ زيادة العذاب إنّما هو بالإفساد الذي هو من وراء الكفر.)) (¬8) 6 - استدراكه على ابن الحاجب، وكثرة مناقشاته وتوجيه النقد للمتن (¬9): أكثرَ التاج السبكي في هذا الشرح من مناقشة ابن الحاجب فيما يطرحه ويختار من المسائل، كما أنّه كان يستدرك عليه في بعض المواضع التي أغفلها وكان حقَّه أن يذكرها. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 204) (¬2) حيث أخذت الصفحات 204 – 212 من الجزء الثاني (¬3) بخلاف شرحه على المنهاج فلم يكن تصريحه بآرائه بمثل هذا الوضوح. (¬4) وردت في أصل الكتاب حصر ولعل الصواب ما أثبته (¬5) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 502) (¬6) يشير إلى قوله تعالى: ’’ والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق ... أثاما ‘‘ (سورة الفرقان آية 68) وقوله تعالى: ’’ قالوا لم نك من المصلين ‘‘ (سورة المدثر آية 43) (¬7) سورة النحل آية 88 (¬8) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 50) (¬9) هذه الميزات من ميزة رقم 6 إلى ميزة رقم 12 من الميزات المشتركة بين شرح المنهاج وشرح المختصر

ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله مستدركاً على ابن الحاجب في مسالك العلّة بعد ذكر ابن الحاجب مراتب النص الدال على العلّة: ((وأهمل المصنف ذكر ((إن)) وهي أيضاً للتعليل، نحو: {إنّك إن تذرهم يضلوا عبادك} (¬1)، وقوله عليه الصلاة السلام: {الثلث والثلث كثير، إنّك إن تذر ورثتك أغنياء خير. . .} (¬2) الحديث.)) (¬3) ومنها مناقشته لابن الحاجب في كون البسملة من القرآن أو لا؛ فبعد ذكره كلام ابن الحاجب في ذلك عقب عليه قائلا: ((وهذا ما يتعلَّق بالأصول، ثمّ دخل المصنِّف في ما لا يعنيه وألقى بنفسه في لُجَّة لا تُنْجيه؛ فأخذ يتعصَّب لقومه، ويُقيم على أنّ البسملة ليست من القرآن دليلاً بزعمه، فورَّط نفسه في عظيم، وفوَّت نحوها سهامَ راسفين يبلغون الصَّميم.)) (¬4) ثم أخذ يناقش ابن الحاجب فيما ادّعاه، وانتهى إلى أنّ الحقَّ في جانب الإمام الشافعي رضي الله عنه، هذا وقد أخذت هذه المناقشة ثمان صفحات سطَّرها التاج السبكي في كتابه هذا (¬5). وكان من الطبيعيِّ جدّاً أن يُكثر التاج السبكي من هذه المناقشات، وذلك لأنّ التاج السبكي يخالف ابن الحاجب في أمرين كانا السبب الرئيسي في هذه المناقشات: الأمر الأول: مخالفة التاج السبكي لابن الحاجب في المدرسة الأصولية، فالتاج السبكي كما بيّنت مُنتَمٍ إلى مدرسة الإمام الرازي، في حين أنّ ابن الحاجب سائر على طريقة الإمام الآمدي ومعلوم ما بين هاتين المدرستين من فروقات واختلافات. الأمر الثاني: مخالفة التاج السبكي لابن الحاجب في الاتجاه الفقهي الفروعي فالتاج شافعي المذهب في حين كان ابن الحاجب مالكيا. وبالرغم من مخالفة التاج السبكي لابن الحاجب في كثير من المسائل وتوجيهه النقد اللاذع له في ذلك، إلا أنّه كان يُجلُّ ابن الحاجب كثيراً ويعرفُ له قَدْره ويَرْفعه إلى أعلى المنازل فهو يَصِفه في ((منع الموانع)) بقوله: ((وقد كان ابن الحاجب رحمه الله إماماً مقدماً في الأصول والفقه، والنحو ... والتصريف، أمسكته البلاغة زمامها، وألقت إليه الفصاحة مقاليدها، وأعطاه الإيجاز كله، ومن بحر علمه اغترفنا، وبكثير علمه اعترفنا، فلا يُظننَّ أنّا أردنا في هذا الكتاب (¬6) مطاولته، فأين الثُّريَّا من يد المتطاول، وإنّما أردنا الاقتداء به، والسير على سُننه رحمه الله ورضي عنه، ما أكثرَ فائدته، وأجزلَ عائدته.)) (¬7) 7 - تحرير مواضع النزاع: التاج السبكي وكعادته في شروحه يهتمّ كثيراً بتحرير محل النزاع في المسائل المختلف فيها، وذلك بذكر مواضع الاتفاق وبيان نقطة الخلاف، وقد أكثر في ((رفع الحاجب)) من بيان هذه المواضع. ¬

_ (¬1) سورة نوح آية 27 (¬2) رواه البخاري في كتاب الجنائز باب رثاء النبي سعد برقم 1213، ومسلم في كتاب الوصية باب الوصية بالثلث حديث رقم 4185 (¬3) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 315) (¬4) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 84) (¬5) انظر التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 84 – 91) (¬6) يقصد كتابه جمع الجوامع (¬7) التاج السبكي، منع الموانع ص 126

ومن ذلك: قوله في مسألة عموم المقتضى: ((واعلم أنّ التقديرات الصالح أحدها للإضمار قد يعمُّها لفظ، وقد لا يعمَّ متعدّداً منها لفظ، بل تكون أموراً متباينة، وهو الغالب. . .، وحينئذ فقد يكون بينها جميعا أو بينها وبين بعضها تناف، وقد لا يكون؛ فهذه أقسام كثيرة لن يُقَدِّم المتأمِّل لكلامنا في هذه المسألة أمثلها، ويجب عندي انتفاء الخلاف عن قسمين منها: أحدهما: ما إذا كان اللفظ عامّاً لجميع تلك الأمور؛ فإنّ الواجب تقدير ذلك العام. . . والثاني: أن يتنافيا، فالواجب عدم تقديرهما. . . فنخص محل الخلاف بما وراء هذين القسمين، وإذا عرفت محلّه فنقول. . .)) (¬1) ثمّ ذكر الخلاف الوارد في هذه المسألة. 8 - التنبيه على فوائد الخلاف: المسائل الأصولية المختلف فيها، إما أن يكون الخلاف فيها لفظياً بحيث لا يترتب عليه أثر عملي أو يكون معنوياً بحيث يترتب عليه آثار عملية، والتاج السبكي في هذا الشرح كان ينصُّ صراحة على ذلك إن كان لفظيا، ويبيِّن آثاره إن كان معنويا. فمن النوع الأول: قوله في مسألة الإباحة هل هي حكم شرعي أم لا – بعد شرح المسألة -: ((قلنا: كلامنا في التخيير بخطاب الشارع، لا بالبراءة الأصلية، والخلاف لفظي، ناشئ عن تفسير الإباحة.)) (¬2) ومن النوع الثاني: قوله في مسألة حكم الأصل ثابتٌ بالعلّة أم بالنص، بعد شرح المسألة: ((فإن قلت: فهل الخلاف لفظي كما في الكتاب؟ قلت: لا، بل يترتب عليه فوائد كثيرة، لولا طلبي الاختصار في هذا الشرح لأوقفتكَ منها على العجب العجاب. ومن أدناها: التعليل بالقاصرة. . . ومنها: أنّه هل من شروط العلّة ألا يكون ثبوتها متأخراً عن ثبوت حكم الأصل؟)) (¬3) 9 - التنبيه على المسائل التي لا جدوى منها والدخيلة على علم الأصول: إنّ بعضَ المسائل التي يطرحها الأصوليون لا علاقة لها بعلم الأصول إذ هي قليلة الجدوى والفائدة في هذا العلم، ومن ثَمّ فإنّ التاج السبكي كان يُنبِّه القارئ إلى هذه المسائل ويبين عدم جدواها في هذا المحل. ومن الشواهد الدالة على ذلك قوله في مسألة توقيفية الألفاظ: ((الصحيح عندي أنّه لا فائدة لهذه المسألة، وهو ما صححه ابن الأبياري وغيره، ولذلك قيل: ذكرها في الأصول فُضول.)) (¬4) ومنها: قوله في مسألة هل ينقطعُ التكليفُ بالفعل حال حدوثه: ((واعلم أنّ المسألة من عظائم الكلام، ودقائق أحكام القَدَر، وهي قليلةُ الجَدْوى في الفقه.)) (¬5) 10 - الإكثار من ذكر الفروع الفقهية: إنّ الفائدة المرجوَّة من علم الأصول هي كيفية استثماره في استنباط الأحكام الفقهية، لذا فقد وجدتُ التاج السبكي يُكثرُ من إيراد الفروع الفقهية المبنية على المسألة الأصولية؛ ليُعطيَ للقارئ بذلك منهجية واضحة في كيفية بناء الفروع على الأصول. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 154) بتصرف (¬2) المصدر السابق (2/ 6) (¬3) المصدر السابق (4/ 306) بتصرف (¬4) رفع الحاجب (1/ 444) (¬5) المصدر السابق (2/ 57)

المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في شرح المختصر

ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله في مقدمة الواجب من الفروع المبنية عليها: ((إذا ترك واحدة من الخمس وجهل عينها وجب الخمس. . . [وقال أيضا] ومن مقدمة الواجب مؤنةُ الكيل الذي يُفتَقر إليه القبض، وهو على البائع كمؤنة إحضار المبيع الغائب. . . وإذا خَفِي عليه موضع النجاسة من الثوب أو البدن غَسَله كلّه، وإذا اكترى دابَّة للركوب أطلق الأكثرون أنّ على المكتري الإكافَ والبردعة والحزام، وما ناسب ذلك؛ لأنّه لا يتمكن من الركوب دونها)) (¬1). 11 - الاهتمام بتخريج الأحاديث: لم يكن التاج السبكي أصولياً فحسب؛ بل لقد بَرَعَ في عدد من العلوم بالإضافة إلى علم الأصول، ومن أهمِّها علم الحديث، لذا وجدتُه في كتاباته عامّة إذا مرّ معه حديث تكلّم عليه بما يناسبه من تخريج له ونقد لسنده أو متنه، وكان مكثراً لذلك في كتابه هذا. ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله على حديث {لا تجتمع أُمّتي على ضلالة}: ((روى أبو مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنّ الله أجاركم من ثلاث خصال. . .} وفيها {وألاّ تجتمعوا على ضلالة}. رواه أبو داود (¬2)، وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عباس عن أبيه، وهو على ضعفه؛ قال أبو حاتم: لم يسمع من أبيه شيئا (¬3). وروي من طريق أخرى منقطعة، وروى الدارقطني معنى الحديث بسند ضعيف. وعن ابن عمر، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إنّ الله لا يَجمَعُ أُمّتي}، أو قال: {أمة محمد على ضلالة، ويَدُ الله مع الجماعة، من شذَّ شذَّ إلى النار} رواه الترمذي ... واستغربه (¬4)، وفي سنده سليمان بن سفيان المدني ضعيف (¬5)، ورواه الحاكم وفي سنده خالد بن يزيد ثمّ علله. . .)) (¬6) هذه أهم الميزات التي امتاز بها ((رفع الحاجب)) والتي تجعله في مقدمة الشروح المعتمدة ... ((لمختصر ابن الحاجب))، ومن هنا فإنّي ألْفِتُ نظرَ المشتغلين بأصول الفقه أن يتناولوا ((رفع الحاجب)) بالتدريس ويعطوه جانباً من اهتمامهم ليستخرجوا من بين ثناياه الكثير من المعاني والفوائد التي قد لا توجد عند احد سواه، لا سيَّما وأنّ ((رفع الحاجب)) قد طُبع حديثاً ولم يَلْقَ من الاهتمام ... والشهرة بعد ما لقيه غيره من المصنفات الأصولية. المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في شرح المختصر لقد سطر لنا التاج السبكي في مقدمة شرحه ((لمختصر ابن الحاجب)) أسماء العلماء ... والمصنفات التي اعتمد عليها في هذا الشرح، وهذه بادرة حميدة ابتدأها التاج السبكي، وقد لا تجدها عند غيره من المصنفين. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 535 - 537 بتصرف) (¬2) رواه في كتاب الفتن والملاحم باب ذكر الفتن ودلائلها برقم 3117 (¬3) انظر المزي، تهذيب الكمال (24/ 483) (¬4) رواه في كتاب الفتن باب ما جاء في لزوم الجماعة برقم 2093 (¬5) انظر المزي، تهذيب الكمال (11/ 436) (¬6) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 157 - 159)

أولا: المصادر الأصولية

لذا سأكتفي في هذا المطلب بذكر أهم هذه المصادر ببيان العلماء الذين نقل عنهم في ذلك مرتبين ترتيباً تنازليا ً، ومن ثمّ أعرض لبعض المصادر الأخرى التي لم يذكرها التاج وأكتفي بسردها فقط، وأحيل القارئ الكريم إلى بقية تلك المصادر التي دونها التاج بنفسه. (¬1) أولاً: المصادر الأصولية: من أهم العلماء الذين اعتمد عليهم التاج السبكي ما يأتي: 1. إمام الحرمين الجويني: يأتي إمام الحرمين الجويني على رأس العلماء الذين نقل عنهم التاج السبكي في هذا الشرح؛ فقد بلغ عدد المواضع التي صرّح فيها باسمه حوالي مائتين وثلاثة وستين موضعاً (263) ... وأكثر هذه النقول من كتابه ((البرهان)) والذي يعدّه التاج مفخرة للشافعية (¬2)، وكتاب ((التلخيص)) الذي اختصر فيه ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني، وكتاب ((الأساليب)) في الجدل، كما أنّه كان يذكر آراءه في بعض المسائل الفقهية وينسبها إلى مظانّها. هذا وقد أطلق التاج السبكي على إمام الحرمين لقب ((الإمام)) وذلك على خلاف عادة الأصوليين الذين يطلقون هذا اللقب على الإمام الرازي، ففي أغلب المواضع التي أطلق فيها التاج السبكي لقب الإمام كان المقصود منه إمام الحرمين الجويني، وقد بلغ عدد هذه المواضع حوالي مئة وستة مواضع (106) (¬3)، وبقية المواضع التي أطلق فيها ((الإمام)) المقصود منها الإمام الرازي، لذا فعلى القارئ الكريم إذا وجد لفظ الإمام أن ينظر في سياق الكلام ليجد قرينة دالة على من هو المقصود بهذا اللقب، ومن هذه القرائن: أ) أن يذكر اللقب في سياق مسألة فقهية فتنصرف إلى إمام الحرمين، لأنّه الملقب بهذا اللقب عند الفقهاء الشافعية. ب) أن يذكر اسم الكتاب المنقول عنه قول ((الإمام)) فيعرف أهو من كتب الرازي أم إمام الحرمين. ج) أن يحاكي به عبارة ابن الحاجب، فإذا كان اللقب محاكاة لابن الحاجب فهو في الغالب للجويني لأنّ ابن الحاجب كان يذكر الجويني بهذا اللقب. هذه أهم القرائن التي يستعين بها القارئ في معرفة من هو صاحب هذا اللقب، ومن ثمّ فإنّ من كانت له دُرْبَة في قراءة أمثال كتب الجويني وكتب الرازي ليستطيع بحسه وبنمط العبارات أن يعرف من هو المقصود. 2. القاضي أبو بكر الباقلاني: يأتي القاضي أبو بكر الباقلاني في المرتبة الثانية في هذا الشرح؛ حيث بلغ عدد المواضع التي ذكر فيها الباقلاني حوالي مائتين واربعين موضعاً (242). وأكثر هذه النقول من كتابه ((التقريب والإرشاد في ترتيب طرق الاجتهاد)) الذي قال عنه التاج السبكي أنّه من أجلّ كتب الأصول. (¬4) ¬

_ (¬1) انظر مقدمة التاج السبكي لرفع الحاجب (1/ 231 - 238) (¬2) انظر مقدمة التاج السبكي لرفع الحاجب (1/ 234) (¬3) سأعرض لهذه المواضع في ملحق خاص آخر هذه الرسالة فانظره هناك. (¬4) انظر: التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 231)

3. الإمام سيف الدين الآمدي: ذكرنا سابقاً أنّ ((مختصر ابن الحاجب)) من مختصرات مدرسة الآمدي، وأنّه لا يخلو أي شرح له من ذكر الآمدي والاعتماد عليه، لذا كان من الطبيعي جداً أن يكثر التاج السبكي في شرحه من ذكر الآمدي حيث بلغت هذه المواضع التي صرّح فيها باسمه حوالي مئة وستة ... وتسعين موضعاً (196) معتمداً فيها على كتابي ((الإحكام)) و ((المنتهى)). 4. الإمام الشافعي: بلغ عدد المواضع التي ذكر فيها الإمام الشافعي حوالي مئة وثمانية وثمانين موضعاً (188) وأكثر هذه النقول من كتابه ((الرسالة)). 5. ابن السمعاني (¬1): صرّح التاج السبكي بالنقل عن ابن السمعاني في حوالي مئة وسبعة وثمانين موضعاً (187) وذلك من خلال كتابه ((قواطع الأدلة)) والذي يقول عنه التاج السبكي أنّه: أنفع كتاب للشافعية في الأصول وأجلّه. (¬2) 6. الإمام فخر الدين الرازي: صرّح التاج السبكي بالنقل عن مصنفات الرازي في حوالي مئة وخمسة ... وخمسين موضعاً (155). 7. الإمام الغزالي: ذكره التاج السبكي في حوالي مئة وواحد وخمسين موضعاً (151). 8. الإمام تقي الدين السبكي: ذكره التاج السبكي في حوالي ثمانية وتسعين موضعاً (98) وكان يطلق عليه لقب: الشيخ الإمام. 9. الأستاذ أبو اسحق الإسفرايني: صرّح التاج السبكي بذكره في حوالي اثنين وخمسين موضعاً (52). 10. الشيخ أبو الحسن الأشعري: ذكره التاج السبكي في حوالي واحد وخمسين موضعاً (51) وكان يطلق عليه لقب الشيخ، فحيثما أطلق لقب الشيخ انصرف إلى الأشعري. 11. الشيخ أبو حامد الإسفرايني: ذكره التاج السبكي في حوالي ثمانية وثلاثين موضعاً (38) معتمداً على ((تعليقته)) في الأصول. 12. الإمام المازري: نقل التاج السبكي عن ((شرح المازري للبرهان)) وكذا ((كلام على مشكل البرهان)) في حوالي سبعة وثلاثين موضعاً (37). 13. الشيخ أبو اسحق الشيرازي: صرّح التاج السبكي بالنقل عن كتب السيخ أبي اسحق ((اللمع)) و ((شرح اللمع)) و ((الملخص)) و ((المعرفة)) في حوالي اثنين وثلاثين موضعاً (32). 14. أبو الحسن الأبياري: ذكره التاج السبكي ونقل عنه من ((شرح البرهان)) في حوالي تسعة ... وعشرين موضعاً (29). 15. صفي الدين الهندي: صرّح التاج باسمه ونقل عنه في حوالي تسعة وعشرين موضعاً (29) معتمداً في ذلك على كتابيه ((النهاية)) و ((الفائق)). 16. القفال الشاشي: ذكره التاج السبكي ونقل عنه من ((شرح الرسالة)) في حوالي خمسة وعشرين موضعاً (25). ¬

_ (¬1) هو الإمام الجليل العالم الزاهد الورع أحد أئمة الدنيا أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد السمعاني الأصولي الفقيه الحنفي ثم الشافعي أحد من طبق الأرض ذكره وعبق الكون نشره، توفي سنة 489هـ، من مصنفاته: كتاب البرهان في الخلاف وكتاب الانتصار في الرد على المخالفين. انظر ترجمته: التاج السبكي، طبقات الشافعية (5/ 335)، ابن شهبه، طبقات الشافعية (1/ 299) (¬2) انظر: التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 234)

ثانيا: المصادر الفقهية

هؤلاء هم الأصوليون الذين أكثر التاج السبكي من النقل عنهم والاعتماد عليهم، وهناك عدد آخر من الأصوليين كانوا في الدرجة الثانية في هذا الشرح، وعدد من أصوليي المذاهب الأخرى كالمعتزلة والحنفية والمالكية ومنهم: الأئمة الثلاثة (أبو حنيفة، ومالك، وأحمد)، وأبو بكر الصيرفي (¬1) شارح ((الرسالة))، وسُلَيم الرازي (¬2) صاحب ((التقريب))، وأبو الحسين البصري صاحب ((المعتمد))، وأبو هاشم (¬3) وأبو ... عبد الله البصري المعتزليان، والشيخ أبو محمد الجويني (¬4) شارح ((الرسالة))، وأبو بكر الجصاص صاحب ((أصول الجصاص)) الحنفي، وأبو زيد الدبوسي (¬5) صاحب ((التقويم)) الحنفي، والكرخي وعيسى ابن أبان الحنفيان، والنقشواني صاحب ((المؤاخذات))، والأصفهاني والقرافي شارحا ((المحصول))، والقطب الشيرازي والعضد الإيجي شارحا ((المختصر))، وعبد الوهاب المالكي صاحب ((الملخص))، وابن الحاجب صاحب ((المختصر)). وغيرهم كثير. ثانياً: المصادر الفقهية: تأتي المصادر الفقهية في المرتبة الثانية بعد المصادر الأصولية التي اعتمد عليها التاج السبكي، وكلها من كتب فقه السادة الشافعية. وأهم هذه المصادر: الرافعي في ((الشرح الكبير)) وغيره من مصنفاته، والنووي في ((الروضة)) و ((المنهاج)) ... و ((المجموع)) وغيرها، والقاضي أبو الطيب الطبري، والإمام الماوردي في ((الحاوي))، وابن الصباغ، والروياني صاحب ((البحر))، وابن الصلاح، والقاضي حسين، وأبو اسحق المروزي، والمحاملي، وتقي الدين بن دقيق العيد، وابن الرفعة وغيرهم. ¬

_ (¬1) هو الإمام الجليل الأصولي المتكلم محمد بن عبد الله أبو بكر الصيرفي، أحد أصحاب الوجوه المسفرة عن فضله والمقالات الدالة على جلالة قدره وكان يقال أنه أعلم أهل الأرض بالأصول بعد الشافعي، توفي سنة 330هـ، من مصنفاته: كتاب في الإجماع وكتاب في الشروط، انظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (3/ 186) (¬2) هو الشيخ الإمام أبو الفتح سليمان بن أيوب بن سليم الرازي، فقيه أصولي مفسر ومحدث، توفي سنة 447هـ، من مصنفاته: كتاب رؤوس المسائل في الخلاف وكتاب الكافي في الفقه. انظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (4/ 388)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (1/ 233) (¬3) هو أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي من كبار متكلمي المعتزلة، لم يبلغ غيره مبلغه في علم الكلام، توفي سنة 321هـ، انظر ترجمته في: المرتضى، طبقات المعتزلة ص 94 (¬4) هو الإمام ركن الإسلام أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني والد إمام الحرمين، أوحد زمانه علما ودينا، له المعرفة التامة بالفقه والأصول والنحو التفسير والأدب، توفي سنة 438هـ، من مصنفاته: الفروق، السلسلة. انظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (5/ 73) (¬5) هو الإمام العلامة القاضي أبو زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي، كان من أكابر علماء الحنفية في الفقه والأصول، ومن يضرب به المثل، وأول من وضع علم الخلاف وأبرزه إلى الوجود، توفي سنة 430هـ، من مصنفاته: تأسيس النظر، والأسرار. انظر ترجمته في اللكنوي، الفوائد البهية ص 184

ثالثا: المصادر الحديثية

ثالثاً: المصادر الحديثية: من أهم المصادر الحديثية التي كان التاج السبكي معتمداً عليها في هذا الشرح إضافة إلى كتب السنة كان يرجع إلى: الحاكم في ((المستدرك))، وابن حبان في صحيحه، والدارقطني، والبيهقي، والطبراني وغيرهم. رابعاً: المصادر اللغوية: ومن هذه المصادر: ابن مالك، وأبو عبيد القاسم بن سلام (¬1)، وأبو عبد الله السهيلي، وأبو عبيدة (¬2)، وابن فارس، وسيبويه، والخليل بن أحمد الفراهيدي (¬3)، وابن جني، والأصمعي (¬4)، ... وابن عصفور، والمبرد، وأبو علي الفارسي، وأبو حيان وغيرهم. المطلب الرابع: مقارنة بين شرح التاج السبكي لمختصر ابن الحاجب وشرح العضد الإيجي: بما أنه لا يوجد لدينا من الشروح المطبوعة لمختصر ابن الحاجب سوى شرحي العضد الإيجي ... والشمس الأصفهاني، ولما كان الشرحان المذكوران متفقين في كثير من النواحي، أكتفي فقط بالمقارنة بين شرح واحد منها ألا وهو شرح العضد الإيجي وبين شرح التاج السبكي، وأشير بداية أن الشروح الثلاثة المذكورة قد اتفقت في أمرين: أولهما: أن مصنفوها جميعا من العلماء الشافعية. ثانيهما: أنهم جميعا يُحَرِّرون مواضع النزاع في المسائل المختلف فيها. أما نقاط الاختلاف بين شرح العضد الإيجي وشرح التاج السبكي فتتمثل أهمها في: 1. شرح التاج السبكي هو شرح ممزوج بالمتن بحيث يمتزج الشرح بالمتن دون فصل بينهما، بخلاف شرح العضد حيث كان يبدأ بذكر قول ابن الحاجب في المسألة، ثم يعقب عليه بالشرح دون مزج بينهما. 2. العضد كان يركز في شرحه على تحقيق المسألة كما أوردها ابن الحاجب، لهذا لم يكثر العضد من إيراد الأقوال الأخرى أو الاعتراضات والإيرادات بخلاف التاج السبكي فقد أكثر من كل ذلك. 3. لم يكثر العضد من انتقاد ابن الحاجب أو الرد عليه، بخلاف التاج السبكي. 4. التاج السبكي يصرح في أكثر المسائل المطروحة برأيه ويبين مختاره وتجده يقيم الأدلة تأييدا لما اختاره، بخلاف العضد فهو كما ذكرنا لم يكن يهدف إلا إلى تَجْلِية المعاني وفوائد هذا المختصر فحسب. ¬

_ (¬1) هو الإمام العلامة أبو عبيد القاسم بن سلام، كان إمام عصره في كل فنون العلم توفي سنة 224هـ، من تصانيفه: غريب القرآن وغريب الحديث. انظر: السيوطي، بغية الوعاة (2/ 253) (¬2) هو الإمام العلامة أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي البصري، توفي سنة 209هـ، من مصنفاته: المجاز في غريب القرآن، والأمثال. انظر: السيوطي، بغية الوعاة (2/ 294) (¬3) هو الإمام العلامة أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري، إمام العربية والعروض توفي سنة 175هـ، من مصنفاته: قاموس العين، والعروض. انظر: السيوطي، بغية الوعاة (1/ 557) (¬4) هو العلامة عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن مظهر البالهي أبو سعيد ألأصمعي البصري اللغوي، أحد أئمة اللغة والغريب والأخبار وكان من أهل السنة ولا يفتي إلا فيما أجمع عليه أهل اللغة، توفي سنة 216هـ، من مصنفاته: غريب القرآن، وكتاب أصول الكلام. انظر: السيوطي، بغية الوعاة (2/ 112)

المبحث الثالث جمع الجوامع

5. التاج السبكي وكعادته - في شروحه - يكثر من ذكر الفروع الفقهية المبنية على المسألة، كما يتحدث على الأحاديث بنسبتها إلى مواضعها وبيان الصحيح من الضعيف منها، بخلاف العضد فلم يتعرض لشيء من ذلك. 6. شرح التاج السبكي أوسع وأطول وأشمل من شرح العضد. المبحث الثالث جمع الجوامع ((جمع الجوامع)) هو المصنف الرابع للتاج السبكي في علم الأصول (¬1)، وقد وضعه التاج السبكي في مرحلة متقدمة من عمره (¬2)، وذلك بعد اكتمال شخصيته الأصولية التي برزت ونبغت في شرحيه ((المنهاج)) و ((المختصر)). و ((جمع الجوامع)) هذا عبارة عن متن مختصر في أصول الفقه والدين؛ أراد التاج السبكي أن يجمع فيه خلاصة ما توصلت إليه قريحته من آراء ومسائل أصولية، والتي كان قد استمد أكثرها من شرحيه على ((الإبهاج)) و ((رفع الحاجب)). سبب تسميته: وقد وسمه التاج السبكي بـ ((جمع الجوامع)) ذلك لأنّه قد جمع فيه زُبدة مسائل علميّ أصول الفقه والدين، إضافة إلى خاتمة هامة في السلوك والتصوف؛ فجاء شاملاً وجامعاً لعلوم ثلاثة في مختصر واحد، صغير الحجم غزير العلم. هذا بالإضافة إلى أنّه قد جمع هذا المصنف من كل مصنف وكل متن جامع (¬3)؛ فكان بحق ((جمع الجوامع))، وانطبق الاسم على المسمى. وقد وصف التاج السبكي صنيعه في هذا ((المختصر)) قائلاً أنّه: ((الآتي من فنَّي الأصول بالقواعد القواطع، البالغ من الإحاطة بالأصلين مبلغ ذوي الجد والتشمير، الوارد من زُهاء مئة مصنف منهلاً يروي ويَمِير (¬4)؛ المحيط بُزبدة ما في شرحيَّ على ((المختصر)) و ((المنهاج))، مع مزيد كثير)) (¬5). وقال في خاتمة الكتاب: ((وقد تمّ ((جمع الجوامع)) علما، المسمع كلامه آذاناً صماً، الآتي من أحاسن المحاسن بما ينظره الأعمى مجموعاً جموعاً، وموضوعاً لا مقطوعاً فضله ولا ممنوعاً، ومرفوعاً عن همم الزمان مدفوعاً، فعليك بحفظ عباراته، لا سيما ما خالف فيها غيره، وإياك أن تبادر بإنكار شيء قبل التأمل والفكرة، وأن تظن إمكان اختصاره ففي كل ذَرّة دُرّة. . . [إلى أن قال] فدونك مختصراً بأنواع المحامد حقيقا، وأصناف المحاسن خليقا، جعلنا الله به مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا)) (¬6). وكان التاج السبكي كثيراً ما يُشِيد بهذا ((المختصر))، ويُحَبِّب الناس إلى قراءته ودراسته، ويُبيّن كثيراً من مزاياه وفوائده التي انفرد بها. ¬

_ (¬1) راجع ما ذكرناه عن مصنفات التاج الأصولية في مبحث رفع الحاجب ص 86 من هذه الرسالة (¬2) انتهى التاج السبكي من تصنيف ((جمع الجوامع)) في أواخر سنة 760هـ حيث كان قد بلغ من العمر الثانية والثلاثين انظر جمع ... الجوامع ص 204 (¬3) انظر: المحلي، شرح جمع الجوامع (1/ 30) (¬4) أي يجلب الطعام. انظر: تهذيب القاموس المحيط، مادة مير (4/ 269) (¬5) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 124. (¬6) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 203

المطلب الأول: مناقشة الفكرة القائلة بأن ((جمع الجوامع)) من الكتب التي جمعت بين طريقتي الحنفية والمتكلمين

فمن ذلك قوله في الطبقات: ((هو مختصر جمعناه في الأصلين؛ جمع فأوعى. . . فيه زيادة على ما في مختصرات أصول الفقه. . . وهذا شأن كتابنا ((جمع الجوامع)) نفع الله به، غالب ظننا أنّ في كل مسألة فيه زيادات لا توجد مجموعة في غيره مع البلاغة في الاختصار)) (¬1). وأما في ((منع الموانع)) فقد أشاد به في أكثر من موضع مبيناً في ذلك الجهد الذي استفرغه في هذا المتن فقال في ذلك: ((وكان مما دعوت له الجفلى (¬2)، ولم أُلْفِ غير ملبٍّ يبادر ويسارع، ورقيت به إلى سماء التحقيق فأنشد '' لنا قمراها والنجوم الطوالع'' وحشدت فيه فكري حتى فاض على الإناء، وناداه لسان الفكر ((جمع الجوامع)). طويت فكري فيه على همةٍ سائراً في نشر العلم سيراً حثيثاً، وملأت داري منه بمُسوَّدات أرى قديمها لكثرة ما أعاوده حديثا، وشغلته أو شغلت نفسي فيه بما تنوع كلاماً وأصولاً وفقهاً وحديثاً، ... وأيم الله لقد استوعب مني كثيراً من أوقات الفراغ، وأخذ من أقلامي وأفكاري ما كاد يستفرغ مدد المداد والدماغ ومُسمِع مِن كلمي وحِكَمي ما ليس عند ذوي البلاغ بلاغ. فلو كان ذا لسان لادّعى أنّه نفيس عمري ونخبة فكري، والذي شمرت فيه عن ساق الجد، وقد عُدِمت في الديجور (¬3) أعواناً على سهري)) (¬4). المطلب الأول: مناقشة الفكرة القائلة بأنّ ((جمع الجوامع)) من الكتب التي جمعت بين طريقتي الحنفية والمتكلمين: لقد شاع بين أهل العلم، أنّ ((جمع الجوامع)) من المتون التي جمعت بين طريقتي الحنفية ... والمتكلمين، وهي الطريقة التي سار عليها أكثر العلماء المتأخرين وبخاصة الحنفية منهم. وقد بحثت عن مصدر هذه المقولة؛ فلم أهتد إلى أول من فاه بها وعلى ماذا اعتمد في ذلك؛ غير أنّه من المقرر لدي ما يأتي: أولا: أنّ من ذكر هذه المقولة هم من العلماء المُحْدَثين والمعاصرين. ثانيا: أنّ ابن خلدون - المؤرخ المشهور - الذي دوّن تاريخ أصول الفقه، لم يذكر ((جمع الجوامع)) ضمن الكتب التي جمعت بين الطريقتين، مع شهرة ((جمع الجوامع)) في ذلك الوقت وانتشاره بين الكثير من العلماء (¬5). ثالثا: أنّي لم أجد أحداً من الذين ترجموا للتاج السبكي سواء من الذين عاصروه أو من بعدهم - اللهم إلا المعاصرين - قد ذكر أنّ ((جمع الجوامع)) من الكتب الجامعة بين الطريقتين. وبناءً على ما سبق فإنّه يترجَّح لدي أنّ هذه المقولة إنّما هي من صنيع العلماء المُحدثين فقط؛ وممن صرّح منهم بذلك: الشيخ محمد الخضري بيك (¬6)، والشيخ عبد الوهاب خلاف (¬7)، والشيخ محمد أبو زهرة (¬8)، والدكتور زكي الدين شعبان (¬9) وغيرهم. ولعل مبنى هذه الدعوى يعود إلى ما يأتي:- ¬

_ (¬1) التاج السبكي، طبقات الشافعية (2/ 21) بتصرف. (¬2) دعاهم الجفلى أي دعاهم بجماعتهم وعامتهم. انظر: تهذيب القاموس المحيط، مادة جفل (1/ 432) (¬3) أي الظلام. انظر: الجوهري، الصحاح (2/ 319) مادة دجر (¬4) التاج السبكي، منع الموانع ص 84 - 85. (¬5) انظر ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون (2/ 818) (¬6) في كتابه أصول الفقه ص 11. (¬7) علم أصول الفقه ص 19. (¬8) أصول الفقه ص 21. (¬9) أصول الفقه الإسلامي ص 23.

أولاً: ما صرّح به التاج السبكي من أنّه قد جمع كتابه هذا من زُهاء مئة مصنف فظنوا من ذلك أنّه قد جمع فيها طريقة الحنفية. ثانياً: أنّه قد ذكر بعض آراء الحنفية في عدد من مسائل هذا الكتاب. ثالثاً: أنّه قد ذكر بعض الفروع الفقهية التي استدل بها على القاعدة الأصولية كما هو في طريقة الحنفية. رابعاً: الترتيب الذي اتبعه التاج السبكي، والنسق الذي صنف عليه كتابه ظنوا أنّه ليس على طريقة المتكلمين ولا على طريقة الحنفية فهو إذاً جامع بينهما. وعندي في ذلك كله وجهة نظر حاصلها ما يأتي:- أولها: أنّ التاج السبكي قد صرّح نفسه أنّ كتابه هذا [أي ((جمع الجوامع))] قد أودع فيه زُبدة ما في شَرْحَيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)) (¬1)، ومعلوم أنّ كلاً من ((المنهاج)) و ((المختصر)) من الكتب التي سار بها مصنفوها على طريقة المتكلمين وأنّ التاج السبكي قد اتبع في شرحه لهما الطريقة نفسها، مع ما امتاز به المتأخرون من الشرّاح – ومن بينهم التاج السبكي – من ذكر الفروع الفقهية المبنية على المسائل الأصولية، ومع ذلك فلا يصح القول بأنّها كتبٌ جامعةٌ. ثانيها: أنّ المصادر المئة التي استمد التاج السبكي منها كتابه هذا، إنّما هي مصادره التي اعتمد عليها في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)) بدليل قوله: ((المحيط بزُبدة ما في شرحي على ((المختصر)) ... و ((المنهاج)).)) ثالثها: وأما إيراده لبعض آراء الحنفية وذكره لعدد من الفروع الفقهية؛ فأقول: أنّ ذكره لها قليل أولا، وثانيا: أنّ أمثال ((منهاج)) البيضاوي، و ((مختصر)) ابن الحاجب؛ وهما من كتب المتكلمين اتفاقا، قد ذكر فيهما مثل ذلك، فإن كان ذكر آراء الحنفية والفروع الفقهية ذريعة لاعتباره من الكتب الجامعة، فلمَ لم يقولوا عن ((المنهاج)) و ((المختصر)) نحو ذلك، بجامع ذكر الفروع الفقهية وآراء الحنفية. وبالمقارنة بين ((جمع الجوامع)) و ((التوضيح)) لصدر الشريعة (¬2)، المتفق على كونه من الكتب الجامعة، تجد بوناً واسعاً جداً في هذا المجال. فصدر الشريعة أولاً: لا تكاد تخلو مسألة إلا ويذكر فيها رأيَي الحنفية والشافعية، مع اعتباره مذهب الحنفية في ذلك، انظر على سبيل المثال الصفحات: 1/ 63، 66، 67، 114، 115) وهذا بخلاف التاج السبكي فهو لا يذكر آراء الحنفية في كل مسألة بل في المسائل المهمة التي للحنفية رأي مخالف له أثر فيها، وهي المسائل التي يذكرها المتكلمون غالبا. ¬

_ (¬1) انظر: التاج السبكي، جمع الجوامع ص 124. (¬2) هو الإمام العلامة الأصولي الفقيه الحنفي صاحب شرح الوقاية عبيد الله بن مسعود بن تاج الدين محمود بن صدر الشريعة أحمد بن جمال الدين المشهور بصدر الشريعة، توفي سنة 747هـ، من مصنفاته: النقاية، المقدمات الأربعة. انظر ترجمته في اللكنوي، الفوائد البهية ص 183

وبالنسبة للفروع الفقهية فإنّ صدر الشريعة كان يكثر من ذكر هذه الفروع مستدلا بها على القاعدة الأصولية، بل لقد وجدته يسهب في شرح وبيان هذه الفروع مبيّناً ما فيها من اختلافات بين علماء مذهبه، وكيفية انطباقها على القاعدة الأصولية، بحيث يعدّ كتابه غزيراً بالمسائل الفقهية، وهذا أقرب إلى طريقة الحنفية، انظر على سبيل المثال الصفحات (181 - 253) فلا تكاد تخلو صفحة من بيان هذه الفروع. رابعها: وأما بالنسبة لنسق كتابه: فأقول: أولاً: إنّ التاج السبكي ملتزم بالإطار العام لنسق المتكلمين، وإنّما الخلاف فقط في ترتيب المسائل ... وتقديم بعضها على بعض، وهذا يعود إلى نظر كل مؤلِّف الخاص وطريقته في التأليف وبحسب ما يراه مقدماً في الأهمية، وغيرها من الظروف التي تمليها حالة التأليف. فالتاج السبكي مقارنة ((بمنهاج البيضاوي)) تجد أنّ كلاً منهما افتتح كتابه بعد تعريف أصول الفقه، بمباحث الحكم، ومن ثمّ مباحث الكتاب وما يتعلَّق بالألفاظ من الوضع والاشتقاق والحقيقة والمجاز. . .، وبعدها ذَكَر مباحث السنة وما فيها من أبحاث، ومن ثمّ الإجماع ومباحثه، فالقياس ... والأدلة الأخرى منها ما هو مقبول ومنها ما هو مردود، إلا أنّ البيضاوي قد ذكر أولا الأدلة المقبولة في باب خاص، ومن ثمّ المردودة منها في باب آخر، بخلاف التاج السبكي، فقد ذكر كلا النوعين تحت باب الاستدلال، وبعدها ذكر باب التعادل والتراجيح وأخيراً الاجتهاد والتقليد. والتاج السبكي قد التزم بذلك كله، وذكر أغلب مسائل ((المنهاج))، وخالفه فقط في ترتيب المسائل وتقديم بعضها على الآخر داخل الباب الواحد. وأما أسلوبه فبالمقارنة بين أسلوب التاج السبكي وأسلوب المتكلمين؛ تجد أنّ التاج السبكي يتكلم بنفَسِ المتكلمين، وأستطيع القول أنّ أغلب عبارات التاج السبكي في ((جمع الجوامع)) هي: إما ذاتها عبارات البيضاوي وابن الحاجب، وإما أنّه قد غير فيها لفظة أو زاد عليها قيداً أو أنقص مثل ذلك (¬1). وبعد: فإنّي أقول: إنّ هذه الدعوى لا تسلم من الانتقاد، ولا تخلو من الاعتراض؛ ومع ذلك فإنّي أزعم أنّ هذه القضية لا زالت بحاجة إلى دراسة خاصة ومستفيضة، تُدرس فيها معالم الطريقة الجامعة، وتُدرس مؤلفاتها كل مؤلف على حدة مع بيان منهجها في ذلك، ومن ثمّ يُدرس ((جمع الجوامع)) بناءً على ما توصلت إليه تلك الدراسة من نتائج؛ وبعدها تستطيع الحكم عليه؛ وحتى ظهور مثل تلك الدراسة؛ فإنّي أميل إلى القول: بأنّ ((جمع الجوامع)) إنّما هو متن من متون المتكلمين، ولا علاقة له لا بطريقة الحنفية، ولا بالطريقة الجامعة؛ والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) قارن بين المسائل التالية في جمع الجوامع ونظائرها في المنهاج والمختصر: تأخير العبادة عن أول الوقت مع ظن الموت جمع (128) والمنهاج (22)، والأصح أن المباح ليس بجنس للواجب جمع (127)، المختصر (2/ 5 - 11)، ولا تكليف إلا بفعل جمع (130) والمختصر (2/ 54).

المطلب الثاني: أهمية ((جمع الجوامع)) ومميزاته

المطلب الثاني: أهمية ((جمع الجوامع)) ومميزاته: تكمن أهمية ((جمع الجوامع)) في النواحي الآتية: 1. أنّه المتن الذي استَقَرَّت فيه أهم الآراء الأصولية حتى عصر التاج السبكي، وقد تدارك فيه التاج السبكي ما في مَتْني ((المنهاج)) و ((المختصر)) من نقص وخلل، وذلك لأنّه تولى شرحهما قبل هذا المتن. 2. أنّه الكتاب الذي استَقَرَّت فيه آراء التاج السبكي الأصولية المُحَرَّرة، فهذا المتن يُوضِّح لنا فعلاً آراءه الأصولية بشكل واضح لا لُبْس فيه. 3. أنّه قد دون فيه أراء والده - الشيخ تقي الدين - الأصولية والتي قد لا تجدها عند أحد سواه. 4. أنّه قد جمع فيه إضافة إلى علم الأصول أهم مسائل الاعتقاد والتصوف، في بادرة حميدة لم يُسبق إليها. 5. أنّه المتن الذي اعتمد عليه أكثر العلماء المتأخرين منذ ظهوره وحتى العصر الحاضر، لذا كثرت عليه الشروح والحواشي والتعليقات، كما أنّه كان مُقرّراً لطلاب الدراسات الشرعية في الأزهر حتى وقت ليس بالبعيد. مميزات ((جمع الجوامع)): 1. اختصار المسائل واختزال الأقوال: أهم ما يميز ((جمع الجوامع)) هو الاختصار الشديد للمسائل الأصولية المطروحة، فهو في هذا ((المختصر)) لم يُسهِب ولم يُطِل العبارات؛ بل كان يختزل كثيراً من المسائل والأقوال في مسألة واحدة بليغة العبارة دالّةٍ على المقصود بأقل الكلمات. فمن ذلك قوله: ((والأصح أنّ المباح ليس بجنس للواجب، وأنّه غير مأمور به من حيث هو، والخُلْف لفظي، وأنّ الإباحة حكم شرعي وأنّ الواجب إذا نُسِخ بقي الجواز)) (¬1). فها هنا ترى أنّ التاج السبكي قد دمج أربعة مسائل في مسألة واحدة بعبارات قليلة دالة على الغرض؛ بخلاف غيره كابن الحاجب الذي جعل كل واحدة منها مسألة مستقلة برأسها (¬2). ومنها قوله في باب النسخ في مسألة ما يجوز أن يكون ناسخاً: ((وبالقياس، وثالثها: إن كان جليا، والرابع: إن كان في زمنه عليه الصلاة السلام والعلّة منصوصة)) (¬3). ففي هذا المثال ترى أنّ التاج السبكي قد صرّح بذكر قولين وترك آخرين وهما جواز النسخ بالقياس القول الأول، والثاني: منع النسخ بالقياس. 2. دقة العبارة وحسن السبك: مما يميز ((جمع الجوامع)) هو دِقَّةُ عباراته وحُسْنُ سَبكها، بحيث أنّه يفوق على عبارات غيره. فمن ذلك: قوله في تعريف الصحابي أنّه: ((من اجتمع مؤمناً بمحمد صلى الله عليه وسلم وإن لم يروِ ولم يُطل)) (¬4). قال التاج السبكي في ((منع الموانع)) مبيناً دقة هذا التعريف: ((وإنّما غيرنا لفظ رأى الواقع في ((مختصر)) ابن الحاجب وغيره، لأنّك إن نصبت النبي صلى الله عليه وسلم في قولك: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأظهر لم يطّرد لورود ابن أم مكتوم وأبيّ وغيرهما من عميان الصحابة؛ فإنّهم لم يروه، ولم ينعكس لأنّ من رآه في النوم فقد رآه حقاً وليس بصحابي، وإن رفعت لزم أن يكون من وقع بصر محمد صلى الله عليه وسلم صحابيا، وإن لم يقع بصره هو على محمد صلى الله عليه وسلم. . .)) (¬5). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 127 - 128 (¬2) انظر ابن الحاجب، مختصر المنتهى (1/ 5 - 11) (¬3) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 154 (¬4) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 163 (¬5) التاج السبكي، منع الموانع ص 194 - 195

3. خلوّه من الخلاف الجدلي والمنطقي الذي اتبعه الكثير من الأصوليين وبخاصة ابن الحاجب ... والبيضاوي: فالتاج السبكي أراد إخراج المسائل الأصلية في المنطق من كتابه هذا، وأبدله بعلم الكلام وأما المباحث الجدلية؛ فكان كتابه هذا شبه خال منها، ذلك لأنّه أراد وضع متن مختصر مشتمل على محض المهم من علمي الأصول، وأما التقرير والدفاع عن هذه المسائل فهو من وظيفة الشّراح لا من وظيفة الماتن. بخلاف ابن الحاجب الذي افتتح كتابه أولا بمقدمة في علم المنطق، ومن ثمّ اتبع الطريقة الجدلية في أغلب مباحث كتابه، فهو يورد المسائل وما فيها من خلاف، مستدلاً على مختاره ودافعاً ما يَرِد على مختاره من نقوض وإيرادات. إلا أنّ التاج السبكي قد ضَمَّن بعض المباحث الجدلية في مسالك العلل وقوادحها، ذلك لأنّ أكثر هذه المباحث - والقوادح خاصة - إنّما هي من علم الجدل وآداب البحث والمناظرة، كالنقض والمنع وغيرها. 4. أنّه مشتمل على آراءٍ تَميَّز وتَفرَّد بها بحيث لا تجدها عند أحد غيره من السابقين له: ذكرنا سابقاً أنّ التاج السبكي قد أودع زُبدة آرائه واختياراته في هذا ((المختصر))، ومنها آراء كانت مثار الأصوليين فيما بعد بحيث انفرد بها التاج السبكي عن غيره، فمن ذلك قوله في تعريف الأصولي: ((العارف بها [أي دلائل الفقه الإجمالية] وبطرق استفادتها ومستفيدها)) (¬1). فهو بذلك جعل المعرفة بطرق الاستفادة جزءاً من مدلول الأصولي ولم يجعلها من مدلول الأصول، وهذا أمر لم يُسبَق إليه فهو من انفراداته (¬2). واعلم أنّ هذا التعريف قد أثار الكثير من النقاش والجدل ما بين موافق له وناقد معترض عليه (¬3)، بل لقد وضعت مؤلفات خاصة على هذا التعريف، منها: ((الكلم الجوامع في بيان مسألة الأصولي بجمع الجوامع)) للجوهري إسماعيل بن غنيم (¬4) و ((تقيدات على مسألة الأصولي)) لعبد الله بن حجازي الشرقاوي (¬5). 5. الاهتمام ببيان الخلاف اللفظي: التاج السبكي – وكعادته – ينبّه القارئ إلى حقيقة الخلاف سواءً أكان معنوياً أو لفظياً، وهذه مِيزة قلّما تجدها عند غيره، فمن ذلك قوله: ((والفرض والواجب مترادفان، خلافاً لأبي حنيفة وهو لفظي)) (¬6). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 124 (¬2) انظر: المحلي، شرح جمع الجوامع (1/ 54) (¬3) لقد تعرض لهذه المسألة كل من تصدى لجمع الجوامع فانظر منهم: المحلي، شرح جمع الجوامع (1/ 54)، الزركشي، تشنيف المسامع (1/ 128 - 130)، العطار، حاشية العطار (1/ 55) (¬4) هو العلامة اسماعيل بن غنيم الجوهري عالم مشارك في بعض العلوم له مصنفات كثيرة منها: بلوغ المرام في شرح ديباجة شرح القطر، وإعراب كلمة التوحيد، كان حيا ُ 1165هـ. انظر: كحالة، معجم المؤلفين (1/ 374) (¬5) هو العلامة شيخ الأزهر عبد الله بن حجازي بن إبراهيم الشرقاوي الأزهري الشافعي، توفي سنة 1227هـ، من مصنفاته التحفة البهية في طبقات الشافعية، وحاشية على التحرير وغيرها. انظر ترجمته في المراغي، الفتح المبين (3/ 139) (¬6) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 125

هذه أهم الميزات التي امتاز بها ((جمع الجوامع))، ومع ذلك فقد وُجِّه إليه الكثير من النقد ... والاعتراض عليه؛ قديماً وحديثاً، حتى في عصر المؤلف نفسه، حيث وُجِّهت إليه بعض الإيرادات مما دعاه إلى الإجابة عليها في مصنف خاص سماه ((منع الموانع عن جمع الجوامع))، حل فيه كثيراً من الإشكالات التي وُجِّهت إليه، وأزال الغموض عن كثير من العبارات التي خفي معناها على البعض، ومن هنا فإنّي أقول: إنّه لا بد من الاستعانة ((بمنع الموانع)) في قراءة وفهم ((جمع الجوامع)) إذ هو كالمكمّل والتتمّة له. وأقول بالنسبة لما وُجِّه إلى ((جمع الجوامع)) من اعتراضات؛ أنّ التاج السبكي لم يجزم بنفي الخطأ والوهم عن كتابه هذا فهو يقول عنه: ((وقد دار على ألسنة الناس، وصار في كل محفل كمضغة تلوكها الأشداق، وتَتَردَّدُ تَرَدُّدَ الأنفاس، وطار بناؤه، وأنا أنادي ’’ما في وقوفك ساعة من باس‘‘، ولست أدعي أنّه جمع سلامة، ولا أُبَرِّيه كلما تَوجَّهت نحوه الملاءه، ولا أتعصَّبُ له، فبئست الخصلة إذا قُلتُ لكلّ من اعترضه في الملامة كَلا. ولا أبيعهُ بشرط البراءة من كل عيب؛ بل أقول: يؤخذ من قوله ويترك، والله العليم بالغيب، ويُنظَر فيه مع تجويز اعتراض الشك له والريب)) (¬1). وقد تصدّى غير واحد من العلماء للدفاع عن ((جمع الجوامع)) ورد الاعتراضات والإشكالات الواردة عليه، ومن أبرزهم في ذلك الإمام العلامة ابن قاسم العبادي (¬2)، الذي ألف كتاباً ضخماَ أسماه ((الآيات البينات على اندفاع أو فساد ما وَقفتُ عليه مما أُورِد على جمع الجوامع وشرحه للمحقق المحلي من اعتراضات)) (¬3). وبيّن ابن قاسم الدافع لهذا المصنَّف قائلا: ((حملني عليه أنّي لما رأيت جمعاً من شيوخنا ... وغيرهم قد ألِفوا التحامل عليهما [أي التاج السبكي والجلال المحلي]، وإضافة ما لا يليق ببعض الطلاب إليهما، وأوردوا أنواع الاعتراضات، وبالغوا بصنوف التشنيعات مما هو في الأغلب كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً)) (¬4) هذا وقد وضّح ابن قاسم أنّ المعترضين على ((جمع الجوامع)) وشرحه للمحلي لا يَخرُج الدافع لهم عن ثلاثة أسباب هي (¬5):- الأول: ما يرجع حاصله إلى مجرد المناقشات اللفظية التي اشتُهِر أنّها ليست من دأب المحصلين. ثانيها: ما لا منشأ له إلا الأغلاط الفاحشة والأوهام الساقطة. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، منع الموانع ص 85 - 87 (¬2) هو الإمام العلامة الحبر الفهامة صاحب الحواشي المشهورة شهاب الدين احمد بن قاسم العبادي القاهري المصري، أوحد زمانه وفاق جميع أقرانه وساد عليهم، توفي سنة 994هـ، من مصنفاته: حاشية على شرح الورقات، وحاشية على مختصر في المعاني والبيان. انظر ترجمته في: ابن العماد، شذرات الذهب (8/ 550) (¬3) والكتاب مطبوع في أربعة مجلدات ضخام (¬4) ابن قاسم، الآيات البينات (1/ 5) (¬5) المصدر السابق (1/ 6)

مناقشة دراز والخضري في دعواهما

ثالثها: ما لا سبب له إلا مجرد مخالفتهما لما قاله ابن الحاجب والعضد، أو أحدهما، قال ابن قاسم: ... ((وهذا القسم كما لا يخفى على إنسان من البطلان بمكان؛ إذ مخالفة ما قاله ابن الحاجب والعضد؛ لم يرد نقل بامتناعها، ولا قام عقل مستقيم على منعها أو عدم استحسانها؛ فإن ادعوا امتناعها لذاتها فهو هذيان غني عن البيان، أو لأنّهما أعلم؛ منعناه بالنسبة للمصنف في هذا الفن)) (¬1). وبمثل ما قال ابن قاسم يُردّ على الشيخ عبد الله درّاز، والشيخ محمد الخضري، حيث ادّعى الأول أنّ ((جمع الجوامع)) بالمقارنة مع غيره من متون الأصول فهو أقلها غناءً وأكثرها عناءً فقال في معرض بيان سبب عدم انتشار كتاب الموافقات للشاطبي فترة طويلة من الزمن: ((إنّه لا يلزم من الشهرة وعدمها فضلٌ ولا نقص، فالكتب عندنا كالرجال فكم من فاضلٍ اسْتَتر، وعاطل ظَهَر، ويكفيك تنبيهاً على فساد هذه النظرية ما هو مشاهد؛ فهذا كتاب ((جمع الجوامع)) بشرح المحلي بَقِيَ قروناً طويلة هو كتاب الأصول الوحيد الذي يُدرَّس في الأزهر، ومعاهد العلم بالديار المصرية مع وجود مثل ((الإحكام)) للآمدي، وكتابَيْ ((المنتهى)) و ((المختصر)) لابن الحاجب، و ((التحرير)) ... و ((المنهاج))، و ((مسلّم الثبوت))، وغيرها من الكتب المؤلفة في نفس القسم الذي اشتمل عليه ((جمع الجوامع)). . . [إلى أن قال] ولا يختلف اثنان في أنّ ((جمع الجوامع)) أقلها غناءً وأكثرها عناءً)) (¬2) في حين ادّعى الثاني - محمد الخضري -: أنّ ((جمع الجوامع)) لا يُفيدُ قارئاً ولا سامعاً فقال في عبارة قاسية: ((أما ((جمع الجوامع)) فهو عبارة عن جمع الأقاويل المختلفة بعبارة لا تفيد قارئاً ولا سامعاً، وهو مع ذلك خُلْوٌ من الاستدلال على ما يُقرِّره من القواعد)) (¬3). مناقشة درّاز والخضري في دعواهما: قلت: هذه دعوى مجردة عن الدليل والبرهان ولي عليها بعض الملاحظات: الأولى: أنّ عدداً كبيراً من العلماء الأجلاء قد أثنوا على ((جمع الجوامع)) واعتبروه من أهم المتون في أصول الفقه، ومنهم الإمام السيوطي حيث يقول موضحاً سبب نظمه ((لجمع الجوامع)): ((والباعث على ذلك أنّي لم أجد من سبقني إلى نظمه مع نظمهم ((مختصر)) ابن الحاجب و ((منهاج)) البيضاوي، وهذا الكتاب أولى بذلك إذ لم يؤلف قبله ولا بعده مثله، لما انطوى عليه من العلم الكثير، واللفظ الوجيز، والتحقيقات البديعة، والنكت المنيعة)) (¬4). فإذا كان الإمام السيوطي - وهو من هو - يرى ذلك في ((جمع الجوامع)) فهل يحق للشيخ درّاز والخضري - مع كل التقدير والاحترام لهما - أن يقولا ما قالاه. ¬

_ (¬1) المصدر السابق (¬2) عبد الله دراز، مقدمة كتاب الموافقات للشاطبي (1/ 9) (¬3) محمد الخضري، أصول الفقه ص 12 (¬4) السيوطي، شرح الكوكب الساطع (1/ 36)

ويقول الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن صاحب كتاب ((الترياق النافع بإيضاح وتكميل جمع الجوامع)): ((كتاب ((جمع الجوامع)) للعلامة تاج الدين السبكي رحمه الله في أصول الفقه والدين؛ كتاب أجمع فحول صيارفة التحقيق على بلوغه في الاختصار الدرجة التي لا ترام، واتفق عدول سماسرة التدقيق على أنّه من الجمع والتهذيب بأرفع مقام)) (¬1). وأضيف قائلاً: إن كان ((جمع الجوامع)) قليل الفائدة فهل يعقل أنّ أمثال الجلال المحلي (¬2)، ... والزركشي (¬3)، والعراقي (¬4)، وابن جماعة، وشيخ الإسلام زكريا المتوفى سنة 926هـ، وعدد كبير من فحول العلماء (¬5) يُضيّعون أوقاتهم بشرح متن لا فائدة منه؟! الثانية: أنّ الشيخ درّاز قد اعترف أنّ ((جمع الجوامع)) كان هو الكتاب المعتمد للتدريس لعدّة قرون خلت، وأنّه الكتاب المقرّر للدراسة في الأزهر، ومعلوم أنّ كبار العلماء قد تخرّجوا من الأزهر، ... والقائمين عليه هم من أكابر العلماء، فهل يُعقل أن يُقرّروا كتاباً للتدريس قليل الفائدة عديمَ الجدوى؟! لا أظن أنّ هذا مما يختلف عليه اثنان! الثالثة: أنّ ((جمع الجوامع)) منذ ظهوره قد أكبَّ العلماء على درسه وتدريسه، بل وحتى حفظه فلم يتخرج أي عالم إلا بعد قراءته ((جمع الجوامع))، وكان العلماء يوصون تلامذتهم بقراءة ((جمع الجوامع)) في بداية تحصيلهم، فهل هم من السذاجة بمكان حتى يوصوا بقراءة كتاب لا يفيد سامعاً ولا قارئاَ؟! ¬

_ (¬1) نقلاً عن مقدمة الكوكب الساطع للدكتور محمد إبراهيم الحفناوي (1/ 13) (¬2) هو الإمام العلامة جلال الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم المحلي الشافعي، تفتازاني العرب، الفقيه الأصولي المشهور، توفي سنة 864هـ، من مصنفاته: شرح الورقات، شرح المنهاج. انظر: ابن العماد، شذرات الذهب (7/ 442) (¬3) هو الإمام العالم العلامة المصنف المحرر أبو عبد الله بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي، توفي سنة 794هـ، من مصنفاته: البحر المحيط في أصول الفقه، وتكملة شرح المنهاج للإسنوي. انظر: ابن شهبه، طبقات الشافعية (3/ 227) (¬4) هو الإمام العلامة الحافظ الفقيه المصنف قاضي القضاة ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي المصري الشافعي، توفي سنة 826هـ، من مصنفاته: شرح البهجة، والتوشيح. أنظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 103) (¬5) انظر العلماء الذين شرحوا ((جمع الجوامع)) واهتموا به في المبحث القادم

الرابعة: ما قاله الشيخ الخضري من أنّ ((جمع الجوامع)) عبارة عن جمع الأقوال المختلفة بعبارة لا تفيد قارئاً ولا سامعاً؛ منقوضة بأنّ التاج السبكي قد وضّح أنّه أراد جمع الأقوال في كتاب واحد وقد رتبها ترتيباً علمياً لبيان تطور الأقوال أولاً أو غرابة قول ثانياً، أو مخالفة قول ثالثا ً، أو وقوع غلط فيه رابعا، ومن يُنعِم النظر في ترتيب التاج السبكي للأقوال يقضي بأنّ جمعه الأقوال وترتيبها لم يأتي عبثاً وإنّما كان لغاية وهدف كما بيّنتُهُ، وفي ذلك يقول التاج السبكي: ((ولو أنّ الفَطِنَ تأمَّل صنيعي في هذا المجموع الصغير الذي سميته ((جمع الجوامع)) وجعلت اسمه عنواناً على معناه، وترتيبي الأقوال وقائليها والمسائل وفروعها والقائلين وتعديدَهم، واطَّلع على مغزايَ في ذلك لقضى العجب العجاب وعلم كيف أَمَطْنا القشر عن اللباب)) (¬1). الخامسة: وأما الاعتراض بكون ((جمع الجوامع)) يخلو من الأدلة؛ فأمر عجيب ذلك أنّ هذا المتن شأنه الاختصار، فلو أكثر فيه من ذكر الأدلة لخرج عن حد الاختصار، ثمّ إنّ التاج السبكي إنّما أراد في هذا المتن وضع زُبدة علم الأصول بعد ما تقرّرت لديه، وأما الأدلة فقد ذكر التاج أدلة هذه المسائل كلها في كتبه الأخرى وبخاصة ((رفع الحاجب))، ولم يُرِد إعادتها في هذا المتن، ثمّ إنّ التاج قد بيّن لنا منهجه في ذلك واضحاً حيث يقول: ((فربما ذكرنا الأدلة في بعض الأحايين، إما لكونها مقرّرة في مشاهير الكتب على وجه لا يَبين أو لغرابة أو غير ذلك مما يستخرجه النظر المتين)) (¬2). ومن ثمّ فإنّي أقول: إنّ أمثال هذه المتون لا يعيبها عدم ذكر الأدلة، إذ أنّ ذكر الدليل إنّما هو لوظيفة الشارح ألصَقُ منه للماتن. وبعد: فقد لاحَ بما ذكرتُهُ وَجهُ سقوط الدعوى المذكورة، وبقيَ ((جمع الجوامع)) سليماً عن هذه الاعتراضات، غنياً بالمعلومات يوفّر لطالب العلم الكثير من الوقت والجهد، وأما سبب صعوبته على الكثيرين فهو بسبب ضعف الهمم وقصور الفهم والابتعاد عن العلوم التي من شأنها أن تذلِّلَ هذه الصعاب، وعلى رأسها علم الكلام والمنطق اللذان يعينان كثيراً على عملية الفهم وكيفية التفكير السليم، وكذا علوم العربية وعلى رأسها علم البلاغة والنحو، فمن كانت لديه معرفة بهذه العلوم لا أظنه يَستصعبُ شيئاً من المتون العلمية المتقدمة من أمثال ((جمع الجوامع)) والله الموفق للصواب. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، منع الموانع ص 369، وسيأتي مزيد بحث لهذه القضية في المنهج العام فانظره هناك (¬2) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 203

المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في ((جمع الجوامع))

المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في ((جمع الجوامع)): لقد ذكر لنا التاج السبكي أنّه جمع مصنفه هذا من زهاء مئة مصنَّف، وبيّن لنا أنّه لم يقتصر على الموجود في كتب الأصوليين فحسب، بل ضَمّهُ شيئاً كثيراً من كتب الفقهاء والمحدثين والمفسرين ... وغيرهم، فهو يقول في ذلك: ((واعلم أنّي لم أقتصر في هذا الكتاب على الموجود في كتب الأصول، بل ضَمَمتُ إليه شيئاً كثيراً من كتب المتكلمين، وكثيراً من كتب المحدثين وكثيراً من كتب الخلافيين، وكثيراً من كتب الفقهاء، وكثيراً من كتب المفسرين، وشيئاً مُجاوِزاً للحد مما سمح به الفكر ... واستخرجه النظر ووضعه الفهم مما لم أُسبق إليه)) (¬1). فهو بذلك قد بيّن لنا مصادره في هذا الكتاب، وإن لم يذكرها تفصيلا كما فعل في ((رفع الحاجب))، ولم يذكر في هذا المتن أسماء المصنفات التي استمدّ منها، إلا أنّه كان يذكر العلماء الذين استفاد منهم، ومن هؤلاء العلماء تَعرِفُ مصادِرَهم، وإليك فيما يأتي أهم العلماء الذين نقل التاج السبكي عنهم وهم:- 1. الإمام الرازي: حيث صرّح بالنقل عنه في حوالي خمسة وأربعين موضعاً (45). 2. إمام الحرمين الجويني: حيث بلغ عدد النقول عنه حوالي تسعة وثلاثين موضعاً (39). 3. القاضي أبو بكر الباقلاني: وكان عدد النقول عنه حوالي خمسة وعشرين موضعاً (25). 4. الإمام الآمدي: ذكره في حوالي أربعة وعشرين موضعاً (24). 5. والده الشيخ تقي الدين: بلغ عدد المواضع التي ذكره فيها حوالي اثنان وعشرون موضعاً (22). 6. الإمام الغزالي: ذكره في حوالي ثمانية عشر موضعاً (18). 7. الإمام الشافعي: تعرّض لذكره في حوالي خمسة عشر موضعاً (15). 8. الأستاذ أبو اسحق الإسفرايني: ذكره التاج في حوالي اثنا عشر موضعاً (12). 9. الشيخ أبو اسحق الشيرازي: بلغ عدد النقول عنه حوالي تسعة مواضع (9). 10. ابن السمعاني: حيث ذكره في حوالي تسعة مواضع أيضاً (9). هؤلاء هم أشهر الذين صرّح بأسمائهم في هذا ((المختصر))، وهناك طائفة أخرى ذكرهم في أماكن أقل ومنهم:- الإمام أبو حنيفة، وابن الحاجب، وابن فورك (¬2)، وأبو الحسن الكرخي، وأبو الحسن الأشعري، وأبو بكر الصيرفي، والإمام أحمد، والإمام مالك، وأبو الحسين وأبو عبد الله البصريان، وابن سريج (¬3). هذا بالإضافة إلى عدد آخر من النقول التي لم يصرّح التاج بقائليها. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، منع الموانع ص 369 - 370 (¬2) هو الإمام الجليل والحبر الذي لا يجارى فقها وأصولا وكلاما ووعظا ونحوا، الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الأصبهاني الشافعي الأشعري، توفي مسموما سنة 406هـ. انظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (4/ 127) (¬3) هو الإمام العلامة أبو العباس القاضي أحمد بن عمر بن سريج البغدادي الشافعي مجدد المئة الثالثة، الباز الأشهب والأسد الضاري على خصوم المذهب، شيخ المذهب وحامل لوائه، ليس من الأصحاب أحد إلا وهو حائم على معينه توفي سنة 306هـ، من مصنفاته: الرد على ابن داود في القياس، والرد على ابن داود في مسائل اعترض بها على الشافعي. انظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (3/ 21)

المطلب الرابع: المصنفات التي وضعت على ((جمع الجوامع))

المطلب الرابع: المصنفات التي وضعت على ((جمع الجوامع)): لقد شغل ((جمع الجوامع)) اهتمام العلماء ردحاً من الزمن؛ فأكبّوا عليه شرحاً واختصاراً ... ونظماً وتعليقاً، كما اهتمّوا بشروحه فوضعوا عليها الحواشي والتقريرات، وسأذكر في هذا المطلب ما وقفتُ عليه من هذه المصنفات مبيناً المطبوع منها ومن ذَكَرَ المخطوط منها، وأحياناً أذكر مكان وجود بعض هذه المخطوطات حيث تيسر ذلك. أولاً: شروح ((جمع الجوامع)) وحواشيه: 1 - شرح عمر بن اسحق بن أحمد الهندي الغزنوي (¬1) المسمى بـ ((اللوامع في شرح جمع الجوامع))، ذكره المراغي في طبقات الأصوليين (2/ 195). 2 - شرح الإمام بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي المتوفى سنة 794هـ، وشرحه مسمى بـ ((تشنيف المسامع بجمع الجوامع))، وقد طبع هذا الكتاب بتحقيقين الأول: بتحقيق كل من الدكتور عبد الله ربيع والدكتور سيد عبد العزيز، ويأتي في أربعة مجلدات كبار (¬2). والثاني: بتحقيق أبي عمرو الحسيني بن عمر بن عبد الرحيم، ويأتي في مجلدين (¬3) ويعدّ هذا الكتاب من أوائل شروح ((جمع الجوامع))؛ لذا فقد اعتمد عليه العديد من شراح ((جمع الجوامع)) (¬4). 3 - شرح شمس الدين محمد بن محمد الأسدي الغزي الشافعي - تلميذ التاج السبكي - المتوفى سنة 808هـ، وسماه بـ ((تشنيف المسامع)) أيضاً، ذكره ابن شهبة في طبقاته (4/ 74)، وابن القاضي في ذيل وفيات الأعيان (2/ 312). 4 - وله أيضاً مناقشات على المتن أرسل بها للتاج السبكي سماها ((البروق اللوامع فيما أورد على جمع الجوامع))، ولما رآها التاج السبكي أثنى عليه، وأجابه عنها بمؤلفه ((منع الموانع))، ذكر ذلك السخاوي في الضوء اللامع (9/ 218)، والعامري في بهجة الناظرين ص 100، والشوكاني في البدر الطالع ص 772، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 467). 5 - شرح الإمام عز الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن جماعة الكناني المتوفى سنة 819هـ، نسبه له ابن شهبة في طبقاته (4/ 62)، توجد منه نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 237. 6 - وله أيضاً نكت على ((جمع الجوامع))، نسبها له: ابن شهبة في طبقاته (4/ 62) والشوكاني في البدر الطالع ص 664، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 467). 7 - شرح الإمام شهاب الدين أحمد بن عبد الله الغزي الشافعي (¬5) نسبه له: ابن شهبة في طبقاته (4/ 100)، والشوكاني في البدر الطالع ص 92، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 468). ¬

_ (¬1) هو العلامة النظار سراج الدين أبو حفص عمر بن إسحق بن أحمد الغزنوي الهندي قاضي الحنفية بالقاهرة، كان فارسا في البحث، مفرط الذكاء عديم النظر، توفي سنة 793هـ، من مصنفاته: شرح المنار في أصول الفقه، شرح عقيدة الطحاوي، انظر: اللكنوي، الفوائد البهية ص 241 (¬2) طبع هذا الكتاب مؤسسة قرطبة والمكتبة المكية. (¬3) طبع هذا الكتاب دار الكتب العلمية سنة 1420هـ 2000م (¬4) ومن أهمهم في ذلك ابن العراقي الذي اختصر هذا الشرح في شرحه الغيث الهامع الآتي. (¬5) هو الإمام العلامة شهاب الدين أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرج بن بدر بن فضل بن ضوء العامري الشافعي، توفي سنة 822هـ، من مصنفاته: اختصار المهمات، وقطعة على منهاج البيضاوي. انظر: ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 100)

8 - شرح الإمام أبو زرعة ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم العراقي المتوفى سنة 826هـ والمسمى بـ ((الغيث الهامع شرح جمع الجوامع)) والمستمد أكثره من شرح الزركشي ((تشنيف المسامع)) (¬1).وهذا الشرح مطبوع في ثلاثة مجلدات بتحقيق مكتبة قرطبة (¬2). 9 - شرح الإمام برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي (¬3)، نسبه له ابن تغري بردي في المنهل الصافي (1/ 153). 10 - شرح الإمام شهاب الدين أحمد بن الحسين بن رسلان الرملي الشافعي (¬4) وشرحه مسمىً بـ ((لمع اللوامع في توضيح جمع الجوامع)) (¬5)، نسبه له الغزي في ديوان الإسلام (1/ 183)، والشوكاني في البدر الطالع ص 70، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 467)، وتوجد منه نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية برقم 2315. 11 - شرح الإمام محمد بن عمار بن محمد القاهري المصري المالكي المعروف بابن عمار (¬6)، وشرحه المسمى بـ ((زوال المانع من شرح جمع الجوامع))، ذكره السخاوي في الضوء اللامع (8/ 233). 12 - شرح الإمام برهان الدين إبراهيم بن محمد القباقيبي (¬7)، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 468). 13 - النكت على جمع الجوامع للحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ، سماه ((التعليق النافع في النكت على جمع الجوامع))، ذكره له السيوطي في نظم العقيان ص 49 والسخاوي في الجواهر والدرر (2/ 693). ¬

_ (¬1) انظر: العراقي، ولي الدين، الغيث الهامع (1/ 3) (¬2) طبع عن دار الفاروق الحديثة للطباعة والنشر سنة 1420هـ 2000م (¬3) هو الإمام العلامة الحافظ المحدث الرحالة أبو الوفاء برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي المعروف بسبط ابن العجمي وبالقوف، توفي سنة 841هـ، من مصنفاته: شرح على البخاري، وشرح على الشفاء، انظر: الغزي، ديوان الإسلام (1/ 221) (¬4) هو الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن رسلان بن صالح الشافعي المعروف بالعجمي، كان فقيها عالما فاضلا ولي نيابة الحكم بالمحلة، توفي سنة 844هـ، من مصنفاته: شرح منهاج البيضاوي، وشرح مختصر ابن الحاجب انظر: ابن العماد، شذرات الذهب (7/ 384)، الشوكاني، البدرالطالع ص 770 (¬5) هكذا سماه الدكتور عبد الكريم النملة في مقدمة تحقيقه لكتاب ((الضياء اللامع))، (1/ 29) وهكذا ورد اسمه في دار الكتب المصرية. (¬6) هو الإمام العلامة أبو باس شمس الدين محمد بن عمار بن محمد المعروف بابن عمار المصري الفقيه المالكي الفهامة العمدة المحقق المؤلف المدقق، توفي سنة 844هـ، من مصنفاته: شرح ألفية العراقي، وشرح عمدة الحكام. انظر: مخلوف، شجرة النور الزكية ص 242 (¬7) هو الشيخ الإمام إبراهيم بن محمد بن خليل القباقيبي، من علماء وأدباء ومحدثي بيت المقدس الشريف، توفي سنة 850هـ، من مصنفاته: شرح الإرشاد في الفقه وشرح التقريب والتيسير في علوم الحديث، انظر: كحالة، معجم المؤلفين (1/ 62)

14 - شرح الإمام شمس الدين علي بن يوسف الغزولي (¬1)، ذكره له الغزي في ديوان الإسلام (3/ 392). 15 - تعليق الشيخ محمد بن محمد بن ظهيرة المخزومي الشافعي (¬2)، ذكره السيوطي في نظم العقيان صفحة 167. 16 - شرح الإمام المحقق جلال الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي المتوفى سنة 864هـ، وشرحه مسمىً بـ ((البدر الطالع بشرح جمع الجوامع))، وهو من أحسن الشروح وأتقنها وأكثرها شهرةً وتداولاً، وعليه عدد كبير من الحواشي والتقريرات، أذكرها فيما بعد إن شاء الله، وهذا الشرح مطبوع عدة طبعات مع عدد من حواشيه كحاشية العطار والبناني وغيرها. 17 - شرح الإمام برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي (¬3)، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (8/ 468). 18 - شرح الإمام محمد بن خليل بن يوسف الرملي المقدسي الشافعي (¬4)، ذكره الشوكاني في البدر الطالع ص686. 19 - شرح الإمام عبد البر بن محمد بن الشحنة الحلبي الحنفي (¬5)، ذكره ابن العماد في شذرات الذهب (8/ 113)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 468). 20 - شرح المولى شهاب الدين أحمد بن إسماعيل الكوراني (¬6) والمسمى بـ ((الدرر اللوامع شرح جمع الجوامع))، وقد أكثر في هذا الشرح من تعقب المحلي وتعسَّفَ في كثير من التعقُّبات (¬7)، حُقّق هذا الشرح كرسالة دكتوراه مقدمة من الباحث سعيد غالب للجامعة الإسلامية (¬8). ¬

_ (¬1) هو الشيخ العلامة نور الدين علي بن يوسف بن أحمد اليمني الشافعي الغزولي، توفي سنة 860هـ، من مصنفاته: شرح الغاية والتقريب، شرح الرحبية، انظر: الغزي، ديوان الإسلام (3/ 391) (¬2) هو الإمام العلامة الحافظ جمال الدين أبو حامد محمد بن عبد الله بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي، توفي سنة 861، من مصنفاته: ذيل على طبقات السبكي، وشرح قطعة من الحاوي، انظر: السيوطي، نظم العقيان ص 167 (¬3) هو الإمام العلامة المحدث المفسر المؤرخ برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي الشافعي، توفي سنة 885هـ، من مصنفاته: المناسبات القرآنية، وعنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران. انظر: الغزي، ديوان الإسلام (1/ 253) (¬4) هو الإمام العلامة الحافظ الفقيه محب الدين أبو حامد محمد بن خليل بن يوسف المقدسي القاهري الشافعي، توفي سنة 888هـ، من مصنفاته: شرح على المنهاج في الفقه، وشرح البهجة، انظر: الغزي، ديوان الإسلام (2/ 337) (¬5) هو الإمام العلامة محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن الشهاب المازني بن حسام الدين محمود بن الشحنة، المحب أبو الفضل الحلبي الحنفي المعروف بابن الشحنة، توفي سنة 890هـ، من مصنفاته: شرح الهداية، اختصار المنار، انظر: الشوكاني، البدر الطالع ص 980 (¬6) هو الإمام العلامة أحمد بن اسماعيل بن عثمان بن أحمد بن رشيد الكوراني القاهري الرومي الشافعي، عالم بلاد الروم توفي سنة 893هـ، أنظر: الشوكاني، البدر الطالع ص 58 (¬7) انظر: الشوكاني، البدر الطالع ص 60 (¬8) انظر: اليوبي، مقاصد الشريعة الإسلامية ص 678

21 - و 22 - شرحيّ الإمام أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن الزليطني القروي المالكي، المعروف بحلولو (¬1)، الأول منهما مسمى بـ ((الضياء اللامع شرح جمع الجوامع))، وقد طبع منه مجلدين بتحقيق الدكتور عبد الكريم النملة (¬2). والثاني: مخطوط واسمه ((البدر الطالع في حل ألفاظ جمع الجوامع)) (¬3)، ذكره له المراغي في طبقات الإصوليين (3/ 44). 23 - شرح الإمام نجم الدين أبو البقاء محمد بن برهان الدين جمال الدين عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن جماعة الكناني (¬4)، وشرحه المسمى بـ ((النجم اللامع شرح جمع الجوامع)) نسبه له ابن العماد في شذرات الذهب (8/ 40)، توجد منه نسخة بخط المؤلف نفسه في ثلاث مجلدات محفوظة في المكتبة التيمورية تحت رقم 120. 24 - شرح الشيخ خالد بن عبد الله بن أبي بكر الأزهري (¬5)، وشرحه مسمىًّ بـ ((الثمار اليوانع على أصول جمع الجوامع)) (¬6) توجد منه نسخة خطية بمركز مخطوطات مراكش تحت رقم 242/ 1 (¬7)، وله نسخة أخرى بدار الكتب المصرية تحت رقم 222 (¬8). 25 - شرح الشيخ محمد بن أبي اللطف الخصفكي المقدسي الشافعي (¬9)، ذكره البغدادي في إيضاح المكنون (1/ 366). 26 - شرح الإمام عبد الوهاب الشعراني (¬10)، ذكره عمر كحالة في معجم المؤلفين (6/ 218)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 468) ¬

_ (¬1) هو الإمام العلامة أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن اليزليطيني القروي المالكي المعروف بحلولو، توفي سنة 895هـ، الإمام العمدة المحقق المؤلف الفقيه الأصولي أحد أعلام المالكية الحافظين لفروع المذهب، من مصنفاته: شرح التنقيح، شرح الإشارات للباجي. انظر: مخلوف، شجرة النور الزكية ص 259 (¬2) طبع هذا الكتاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1414هـ 1994م (¬3) هكذا أورده الدكتور النملة في تحقيقه على ((الضياء اللامع)) (1/ 29) (¬4) هو الإمام شيخ الإسلام قاضي القضاة نجم الدين أبو البقاء محمد بن برهان الدين إبراهيم بن جمال الدين بن سعد الله بن علي بن جماعة الكناني المقدسي الشافعي، توفي سنة 901هـ، من مصنفاته: تعليق على الروضة، انظر: ابن العماد، شذرات الذهب (8/ 40) (¬5) هو الإمام العلامة زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر المصري الأزهري النحوي، توفي سنة 905، من مصنفاته: شرح على التوضيح، وشرح على الآجرومية، انظر: ابن العماد، شذرات الذهب (8/ 59) (¬6) هكذا أورده النملة في تحقيقه على الضياء اللامع (1/ 30) (¬7) انظر: مخطوطات مراكش ص 195 (¬8) انظر: فهرس دار الكتب المصرية (¬9) هو الإمام العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الخصكفي المقدسي الشافعي عالم بلاد القدس الشريف وابن عالمها وأحد الخطباء بالمسجد الأقصى، توفي سنة 971هـ، انظر: ابن العماد، شذرات الذهب (8/ 430) (¬10) هو الإمام العارف بالله تعالى شيخ الإسلام عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني الصوفي الشافعي، توفي سنة 973هـ، من مصنفاته: الميزان، طبقات الأولياء، انظر: الغزي، ديوان الإسلام (3/ 167)

27 - شرح الإمام شهاب الدين أحمد بن محمد الحلبي الشافعي، والمسمى بـ ((تفيهم السامع جمع الجوامع))، ذكره محققا كتاب تشنيف المسامع (1/ 39)، وتوجد منه نسخة في المكتبة الأزهرية تحت رقم 1786 إمبابي 48245 (¬1) 28 - شرح الإمام محمد بن علي بن أحمد المحلي أبو الطيب المصري، المسمى بـ ((البرق اللامع في ضبط ألفاظ جمع الجوامع))، ذكره البغدادي في إيضاح المكنون (1/ 176) والدكتور النملة في مقدمة تحقيق الضياء اللامع (1/ 33). 29 - شرح الشيخ إبراهيم اللقاني المصري المتوفى سنة 1041هـ، المسمى بـ ((البدور الطوالع من خدور جمع الجوامع))، ذكره البغدادي في إيضاح المكنون (1/ 171). 30 - شرح الشيخ الحسن بن مسعود اليوسي (¬2)، المسمى بـ ((الكوكب الساطع في شرح جمع الجوامع))، ذكره المراغي في طبقات الأصوليين (3/ 118). 31 - حاشية الشيخ محمد بن علي الصبان الشافعي (¬3) توجد منها نسخة في مصر في المكتبة الأزهرية رقم 1029 رافعي 27012. 32 - شرح الشيخ أحمد بن مبارك السجلماسي (¬4)، ذكره المراغي في طبقات الأصوليين (3/ 118). 33 - حاشية الشيخ حسن بن علي بن أحمد بن عبد الله الشافعي (¬5)، ذكرها الجبرتي في عجائب الآثار (1/ 350). 34 - حاشية الشيخ محمد بن عبادة بن بري العدوي (¬6)، ذكرها الجبرتي في عجائب الآثار (2/ 82)، ... والمراغي في طبقات الأصوليين (3/ 129)، توجد منها نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية تحت ... رقم 75. ¬

_ (¬1) فهرس المكتبة الأزهرية (2/ 19) (¬2) هو العلامة الشيخ نور الدين أبو علي الحسن بن مسعود بن محمد بن علي بن يوسف داود اليوسي المراكشي، توفي سنة 1102هـ، من مصنفاته: نيل الأماني في شرح التهاني، نقاش الدرر في حواشي شرح المختصر في المنطق، انظر: كحالة، معجم المؤلفين (1/ 593) (¬3) هو العلامة الشيخ أبو العرفان محمد بن علي الصبان المصري عالم أديب مشارك في اللغة والنحو، توفي سنة 1206، من مصنفاته: شرح على منظومته المسماة بالكافية، حاشية على شرح الأشموني في النحو، كحالة، معجم المؤلفين (3/ 516) (¬4) هو العلامة أحمد بن مبارك بن محمد بن علي السجلماسي اللمطي البكري الصديقي المالكي، عالم في البيان والفقه والأصول والحديث ... والقراءات والتفسير، توفي سنة 1155هـ، من مصنفاته: الإفهام بسماع ما قيل في دلالة العام، التشديد في مسألة التقليد، أنظر: كحالة، معجم المؤلفين (1/ 235) (¬5) هو العلامة الشيخ حسن بن علي بن أحمد بن عبد الله الشافعي الأزهري الشهير بالمدابغي، توفي سنة 1170هـ، من مصنفاته: حاشية على شرح الأربعين، وشرح قصيدة المقرئ، انظر: الجبرتي، عجائب الآثار (1/ 349) (¬6) هو العلامة الشيخ محمد بن عبادة بن بري العدوي المالكي الفقيه الصوفي النحوي، توفي سنة 1193هـ، من مصنفاته: حاشية على شذور الذهب لابن هشام، له كتابة محررة على الورقات، وحاشية على مولد النبي للهيتمي، انظر: الجبرتي، عجائب الآثار (2/ 82)

ثانيا: المصنفات التي وضعت على بعض مباحث أو مسائل ((جمع الجوامع))

35 - حاشية الشيخ محمد بن حسين الإمبابي (¬1)، توجد منها نسخة خطية في المكتبة الأزهرية رقم 1787 امبابي 48246 (¬2). 36 - شرح الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الشربيني المصري الشافعي (¬3)، والمسمى بـ ((البدر الطالع في حل ألفاظ جمع الجوامع))، ذكره الدكتور النملة وذكر أنّ له نسخة خطية في جامعة الملك سعود برقم 1893/ 1 (¬4). 37 - كما له أيضاً تقريرات على ((جمع الجوامع)) وقد طبعت هذه التقريرات بهامش حاشية العطار، وكذا بهامش حاشية البناني. 38 - شرح الإمام أبو بكر بن شهاب الدين العلوي الحسيني الشافعي (¬5) المسمى بـ ((الترياق النافع في إيضاح وتكميل جمع الجوامع))، ذكره محقق كتاب تشنيف المسامع د. عبد الله ربيع ود. سيد عبد العزيز وقالا: أنّه مطبوع في مجلدين بحيدرآباد الهند سنة 1317هـ (¬6)، وتوجد منه نسخة في المكتبة الأزهرية محفوظة برقم (402) 11134 39 - حاشية الشيخ محمد حسنين مخلوف (¬7) المسماة ((القول الجامع في الكشف عن مقدمة جمع الجوامع للمحلي))، ذكرها المراغي في طبقات الأصوليين (3/ 191)، توجد منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية محفوظة تحت رقم 584 وهي مطبوعة بمطبعة السعادة سنة 1341هـ (¬8). ثانياً: المصنفات التي وضعت على بعض مباحث أو مسائل ((جمع الجوامع)): 1 - للإمام جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 910هـ كتاب تحدَّثَ فيه عن ((جمع الجوامع)) إضافةً إلى كتب أخرى أسماه ((النكت اللوامع على المختصر والمنهاج وجمع الجوامع))، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (5/ 543). ¬

_ (¬1) هو العلامة الفقيه شيخ الأزهر شمس الدين محمد الإمبابي المصري الشافعي، عالم فقيه، توفي 1313هـ. انظر: كحالة، معجم المؤلفين ... (3/ 138) (¬2) انظر: فهرس المكتبة الأزهرية (2/ 19) (¬3) هو الإمام العلامة شيخ الأزهر عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الشربيني المصري الشافعي الفقيه الأصولي البياني، توفي سنة 1326هـ، من مصنفاته: حاشية على البهجة في الفقه، فيض الفتاح على حواشي تلخيص المفتاح، انظر: كحالة، معجم المؤلفين (2/ 107) (¬4) انظر: مقدمة تحقيق ((الضياء اللامع)) (1/ 31) (¬5) هو الإمام العلامة شهاب الدين أبو بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الله بن عيدروس العلوي الحسيني الحضرمي الشافعي، إمام فقيه وشاعر، توفي سنة 1341هـ، من مصنفاته: منظومة حدائق ذريعة الناهض إلى تعلم أحكام الفرائض، وله ديوان شعر. انظر: كحالة، معجم المؤلفين (1/ 439) (¬6) انظر: مقدمة تحقيق تشنيف المسامع (1/ 39)، فهرس المكتبة الأزهرية (2/ 17) (¬7) هو الشيخ العلامة محمد بن حسنين مخلوف العدوي المصري، عالم مشارك في أنواع من العلوم، توفي سنة 1356هـ، من مصنفاته: شجرة النور الزكية، الحاشية الكبرى على شرح المقولات، انظر: المراغي، طبقات الأصوليين (3/ 188) (¬8) انظر فهرس دار الكتب المصرية (2/ 52)

ثالثا: الحواشي والتقريرات الموضوعة على بعض شروح ((جمع الجوامع))

2 - للشيخ الإمام عبد الله باكثير الحضرمي (¬1)، نظم عقيدة ((جمع الجوامع)) سماها ((تتمّة التمام وسفك المدام في عقائد الإسلام))، ذكرها ابن العماد في شذرات الذهب (8/ 176)، وزين الدين الحلبي في القبس الحاوي (1/ 440)، وذكر أن ولده البدر حسن قد شرح هذه العقيدة 3 - للإمام محمد بن محمد الغزي (¬2)، ((شرح عقيدة جمع الجوامع)) شرح فيه قسم العقيدة من ((جمع الجوامع))، ذكره الغزي في الكواكب السائرة (2/ 5). 4 - ((الكلم الجوامع في بيان مسألة الأصولي بجمع الجوامع)) للعلامة الشيخ إسماعيل بن غنيم ... الجوهري، توجد منه نسخة خطية بمكتبة الرباط مسجلة تحت رقم 3179: 1884/ 10د (¬3)، ونسخة أخرى بدار الكتب المصرية تحت رقم 404 (¬4). 5 - تقيدات على مسألة الأصولي، للعلامة الشيخ عبد الله بن حجازي الشرقاوي المصري المتوفى سنة 1227هـ، توجد منه نسخة خطية بمكتبة الرباط مسجلة تحت رقم 3182: 1184/ 80د (¬5) وأخرى في المكتبة الأزهرية تحت رقم 1359 حليم 33099 (¬6) 6 - للشيخ محمد بن بخيت المطيعي (¬7) حاشية على مقدمة ((جمع الجوامع)) سماها ((البدر الساطع على مقدمة جمع الجوامع))، ذكرها المراغي في طبقات الأصوليين (3/ 186) طبع ضمن مجموعة شروح لجمع الجوامع تشمل تشنيف المسامع للزركشي ومنع الموانع للتاج السبكي والبدر الساطع بمطبعة التمدن سنة 1332هـ، ولها نسخ خطية بدار الكتب المصرية تحت رقم 480، 481 (¬8) ثالثاً: الحواشي والتقريرات الموضوعة على بعض شروح ((جمع الجوامع)): لما كانت الحواشي الموضوعة على شروح ((جمع الجوامع))؛ تتعرّض بالضرورة ((لجمع الجوامع)) استحسنتُ إيرادها في هذا المطلب لما لها من علاقة وطيدة ((بجمع الجوامع)). وقد ذكرت سابقاً أنّ شرح الجلال المحلي من أكثر الشروح تداولاً وشهرةً، وقد وَضَعَ عليه العديد من العلماء الحواشي والتقريرات لذا سأذكر في ما يأتي أهم الحواشي على شرح المحلي وبعض الشروح الأخرى ومنها: ¬

_ (¬1) هو الشيخ الإمام العلامة الصوفي العابد الزاهد عبد الله بن أحمد بن باكثير الحضرمي المكي الشافعي، توفي سنة 925هـ. أنظر: ابن العماد، شذرات الذهب (8/ 176) (¬2) هو الإمام العلامة القاضي رضي الدين محمد بن محمد بن أحمد عبد الله بن بدر بن مفرج بن شداد الغزي الدمشقي، توفي سنة 935هـ، من مصنفاته: الدرر اللوامع نظم جمع الجوامع، ألفية في التصوف سماها الجوهر الفريد في آداب الصوفي والمريد. أنظر: الغزي، الكواكب السائرة ... (2/ 3) (¬3) انظر: فهرس المخطوطات العربية المحفوظة في الخزانة العامة للكتب والوثائق بالمغرب القسم الثالث (1954 - 1956) (1/ 142) (¬4) فهرس دار الكتب المصرية (1/ 392) (¬5) انظر: فهرس المخطوطات العربية بالمغرب (1/ 144) (¬6) فهرس المكتبة الأزهرية (2/ 21) (¬7) هو الإمام الفقيه الحنفي ومفتي الديار المصرية محمد بخيت بن حسين المطيعي، توفي سنة 1354هـ، من مصنفاته: حقيقة الإسلام وأصول الحكم، القول الجامع في الطلاق البدعي المتتابع، انظر: كحالة، معجم المؤلفين (3/ 159)، المراغي، الفتح المبين (3/ 181) (¬8) انظر: فهرس دار الكتب المصرية (1/ 389)

1 - حاشية الإمام بدر الدين محمد بن محمد بن خطيب الفخرية تلميذ الشارح المحلي (¬1)، أكثر فيها من الرد على انتقادات الكمال محمد بن محمد بن أبي شريف، في حاشيته عليه، ذكر ذلك السخاوي في الضوء اللامع (9/ 25)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 467) والشوكاني في البدر الطالع ص758. 2 - حاشية الكمال محمد بن محمد بن أبي شريف المقدسي (¬2)، والمسماة بـ ((الدرر اللوامع بتحرير جمع الجوامع))، والتي أكثر فيها من انتقاد الشارح، واستمد شرحه في أكثر الإيرادات من الكوراني، ... وتبعه في تعسفه غالباً، كما ذكر ذلك السخاوي في الضوء اللامع (9/ 66)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 467)، وهذه الحاشية مطبوعة. 3 - حاشية الشيخ محمد بن داود البازلي الحموي (¬3)، ذكر ذلك ابن العماد في شذرات الذهب (8/ 178)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 467). 4 - حاشية شيخ الإسلام أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري المتوفى سنة 926هـ، ذكرها الغزي في ديوان الإسلام (2/ 366)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 467)، توجد منها ست نسخ محفوظة بدار الكتب المصرية تحت الأرقام 72، 73، 74، 152، 427، 467 (¬4). 5 - حاشية الشيخ محمد بن إبراهيم التتائي المالكي (¬5)، ذكرها الغزي في ديوان الإسلام (2/ 17)، ... والمراغي في طبقات الأصوليين (3/ 73). 6 - حاشية الشيخ عيسى بن محمد بن عبد الله الصفوي الإيجي (¬6)، ذكرها سيد كسروي حسن في أسماء كتب المؤلفين (3/ 262)، ومحققا تشنيف المسامع (1/ 41). ¬

_ (¬1) هو الإمام العلامة محمد بن أحمد بن عبد النور بن أحمد الأنصاري القاهري الشافعي المعروف بابن خطيب الفخرية، توفي سنة 893هـ، من مصنفاته: حاشية على المختصر، وحاشية شرح العقائد النسفية. أنظر: السخاوي، الضوي اللامع (9/ 25) (¬2) هو الإمام العلامة محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن مسعود بن رضوان الكمال المري القدسي الشافعي المعروف بابن أبي شريف، توفي سنة 906هـ، من مصنفاته: حاشية على تفسير البيضاوي، وشرح على الإرشاد لابن المقري، انظر: الشوكاني، البدر الطالع ص 759 (¬3) هو الإمام العلامة مفتي الأنام وشيخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن داود البازلي الكردي الحموي الشافعي، توفي سنة 925هـ، من مصنفاته: شرح الحاوي الصغير، وشرح العقائد النسفية. انظر ابن العماد، شذرات الذهب (8/ 178) (¬4) انظر فهرس دار الكتب المصرية (1/ 383) (¬5) هو الشيخ الإمام العالم العلامة القاضي الفقيه شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم القاهري المالكي، توفي سنة 937هـ، من مصنفاته: شرح رسالة أبي زيد، انظر: الغزي، ديوان الإسلام (2/ 17) (¬6) هو السيد العلامة المحقق قطب الدين أبو الخير عيسى الصفوي بن محمد بن عبيد الله الإيجي الشافعي، توفي سنة 953هـ، من مصنفاته: شرح الكافية، أنظر: الغزي، ديوان الإسلام (3/ 261)

7 - حاشية الشيخ عميرة شهاب الدين أحمد البرلسي الشافعي (¬1) من علماء القرن العاشر الهجري، توجد منها نسخة خطية في المكتبة الأزهرية محفوظة برقم 1563 جوهري 41842. 8 - حاشية الشيخ ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن حسن اللقاني المالكي (¬2)، ذكرها المراغي في طبقات الأصوليين (3/ 77)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 467)، توجد منها نسخة خطية في مخطوطات المسجد الأقصى تحت رقم 96 وتقع في 222 ورقة، مطبوعة بمطبعة التمدن سنة 1332هـ (¬3) وتوجد منها نسختين في دار الكتب المصرية تحت الأرقام 137، 202. 9 - حاشية الشيخ علي بن أحمد البخاري الشعراني (¬4)، توجد منها نسخة خطية في الرباط مسجلة تحت رقم 3175: 2229 د (¬5). 10 - حاشية العلامة أحمد بن قاسم العبادي المتوفى سنة 994هـ، انتدب فيها لرد الاعتراضات ... والإيرادات الواردة على ((جمع الجوامع)) وشرحه للمحلي، وسماها ((الآيات البينات على اندفاع أو فساد ما وَقَفت ُعليه مما أُورِد على جمع الجوامع وشرحه للمحقق المحلي من الاعتراضات)) (¬6)، وهذه الحاشية العظيمة مطبوعة عدّة طبعات منها طبعة في أربعة مجلدات بدار الكتب العلمية سنة 1417هـ 1996م. 11 - حاشية الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن يوسف الفاسي (¬7). ذكرها المراغي في طبقات الأصوليين (3/ 92). 12 - حاشية الشيخ أحمد بن محمد بن محمد بن يعقوب الولالي (¬8)، ذكرها المراغي في طبقات الأصوليين (3/ 123). ¬

_ (¬1) هو الإمام العلامة شهاب الدين أحمد البرلسي المصري الشافعي الملقب بعميرة، من انتهت إليه الرئاسة في تحقيق المذهب الشافعي، توفي سنة 957هـ، انظر: الغزي، الكواكب السائرة (2/ 120) (¬2) هو الإمام العلامة المحقق النظار الفهامة الأصولي الفقيه أبو عبد الله محمد بن حسن اللقاني المالكي الشهير بناصر الدين، توفي سنة 958هـ، من مصنفاته: طرر على التوضيح، وحاشية على شرح السعد للعقائد. انظر: مخلوف، شجرة النور الزكية ص 272 (¬3) انظر: فهرس المكتبة الأزهرية (2/ 13) (¬4) هو علي بن أحمد البخاري الشعراني الشافعي الفقيه الأصولي كان حيا سنة 970هـ، انظر كحالة، معجم المؤلفين (2/ 403) (¬5) انظر: فهرس المخطوطات المحفوظة في المغرب (1/ 141) (¬6) انظر: ابن قاسم العبادي، الآيات البينات (1/ 5) (¬7) هو الإمام العلامة العارف بالله تعالى الفقيه المحدث الصوفي أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الفاسي، توفي سنة 1036هـ، من مصنفاته: حاشيتان على شرح الصغرى في العقائد، حاشية على دلائل الخيرات، انظر: مخلوف، شجرة النور الزكية ص 299 (¬8) هو الشيخ الإمام أبو العباس أحمد بن محمد بن يعقوب الولالي المالكي، العلامة النسابة الفهامة المدقق، توفي سنة 1129هـ، من مصنفاته: شرح التلخيص، وشرح مختصر السوسي في المنطق، انظر: مخلوف، شجرة النور الزكية ص 313

13 - حاشية الشيخ عبد الرحمن بن جاد الله البناني المغربي (¬1). اختصر فيها سياق ابن قاسم العبادي (¬2)، وقد طبعت هذه الحاشية عدّة طبعات منها طبعة في مجلدين كبار بدار الكتب العلمية سنة 1418هـ 1998م. 14 - حاشية الشيخ محمد بن محمد الشفشاوني (¬3)، ذكرها المراغي في طبقات الأصوليين (3/ 142). 15 - حاشية الشيخ حسن بن محمد العطار (¬4)، وهي من أهم الحواشي على شرح الجلال المحلي، وتأتي في مجلدين كبار مطبوعة مع شرح المحلي عدّة طبعات منها طبعة بدار الكتب العلمية سنة 1420هـ 1999م. 16 - حاشية الشيخ محمد المهدي بن الطالب بن سودة المتوفى (¬5)، ذكرها المراغي في طبقات الأصوليين (3/ 157). 17 - حاشية الشيخ محمد الصفتي من علماء القرن الثالث عشر (¬6)، وخادم مقام السيدة زينب، توجد منها نسخة خطية محفوظة في المكتبة الأزهرية تحت رقم (88) 6436. 18 - حاشية الشيخ محمد بن عثمان النجار (¬7)، ذكرها المراغي في طبقات الأصوليين (3/ 165). 19 - تقريرات العلامة محمد علي بن حسين المالكي (¬8)، وقد طبعت هذه التقريرات بهامش حاشية العطار. ¬

_ (¬1) هو الإمام العلامة الشيخ عبد الرحمن بن جاد الله البناني المغربي، توفي سنة 1198هـ. انظر: الجبرتي، عجائب الآثار (2/ 122) (¬2) انظر: الجبرتي، عجائب الآثار (2/ 122) (¬3) هو الإمام الفقيه الأصولي المتفنن في المعقول والمنقول أبو عبد الله محمد بن محمد الشفشاوني، توفي سنة 1232هـ، من مصنفاته: حاشية على التصريح في النحو وحاشية على شرحي البناني على جمع الجوامع. المراغي، الفتح المبين (3/ 142) (¬4) هو الإمام الشيخ العلامة أبو السعادات حسن بن محمد العطار الشافعي الأزهري، صاحب الحواشي المشهورة، عالم أديب مشارك في الأصول والنحو والبيان، توفي سنة 1250هـ، من مصنفاته: حاشية على شرح إيساغوجي في المنطق، وحاشية على شرح الأزهري في النحو، انظر: كحالة، معجم المؤلفين (2/ 587) (¬5) هو الإمام العلامة محمد المهدي بن الطالب بن سودة الفقيه المالكي الأصولي المنطقي المغربي، توفي سنة 1294هـ، من مصنفاته: حاشية على مختصر السعد في البلاغة وحاشية على السلم في المنطق. المراغي، الفتح المبين (3/ 157) (¬6) هو الشيخ محمد بن أحمد الصفتي المالكي الأشعري، محدث نحوي منطقي، توفي سنة 1292هـ، من مصنفاته: رسالة في ضبط أحاديث نبوية ... ومسائل نحوية ومنطقية، انظر: كحالة، معجم المؤلفين (3/ 70) (¬7) هو الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن عثمان بن محمد النجار، الفقيه المالكي الأصولي المنطقي المحدث المفسر، توفي سنة 1331هـ، من مصنفاته: مجموعة إملاءات على أمهات أحاديث صحيح البخاري، مصنف في رؤية الهلال. انظر: المراغي، الفتح المبين (3/ 164) (¬8) هو العلامة محمد بن علي بن حسين بن إبراهيم المالكي، فقيه حجازي مغربي الأصل، توفي سنة 1367هـ، من مصنفاته: تهذيب الفروق في أصول الفقه، تدريب الطلاب في النحو، أنظر: كحالة، معجم المؤلفين (3/ 504)

رابعا: مختصرات ((جمع الجوامع))

رابعاً: مختصرات ((جمع الجوامع)): رغم أن التاج السبكي قد حذر من اختصار ((جمع الجوامع)) وبيّن أن مَن يُقدِم على اختصاره فهو يَروم النقصان منه، حيث يقول: ((وبهذا تعلم أن من وقع في وهمه أن يختصر هذا الكتاب بحذف القائلين وأسمائهم، والاقتصار على ذكر أهل الخلاف، فقد فوَّت من أغراض الكتاب غرضاً عظيماً ولم يكن مختصرا، بل مقتصراً مبتّراً مبذّرا)) (¬1) ومع ذلك، فقد اختصر ((جمع الجوامع)) عدد لا بأس به من العلماء منهم: - 1 - الإمام جلال الدين محمد بن عمر بن هبة الله الشعيبي (¬2)، ذكره ابن العماد في شذرات الذهب (8/ 13). 2 - شيخ الإسلام زكريا الأنصاري اختصره في ((لب الأصول)) (¬3) ثمّ شرحه في ((غاية الوصول إلى شرح لب الأصول))، وقد طبع المتن مع الشرح بمطبعة مصطفى البابي الحلبي عدّة طبعات منها الطبعة الأخيرة سنة 1360هـ 1941م. 3 - الشيخ محمود أفندي عمر الباجوري من علماء القرن الرابع عشر (¬4) اختصره في كتاب سماه ((الفصول البديعة في أصول الشريعة))، وهذا الشرح مطبوع بمطبعة التمدن سنة 1323هـ (¬5). خامساً: منظومات ((جمع الجوامع)): 1 - منظومة شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن الطوحي المتوفى سنة 893هـ، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 468). 2 - نظم الإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة 911هـ المسمى بـ ((الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع))، وقام بشرحه أيضاً في ((شرح الكوكب الساطع))، والشرح مع النظم مطبوع عدّة طبعات منها طبعة بمكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية سنة 1420هـ 2000م. 3 - نظم الشيخ عبد الله بن أحمد بن باكثير الحضرمي المتوفى 925هـ، المسمى بـ ((الدرر اللوامع نظم جمع الجوامع))، ذكره ابن العماد في شذرات الذهب (8/ 176). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، منع الموانع ص 471 (¬2) هو العلامة القاضي جلال الدين محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن هبة الله النصيبي الحلبي الشافعي سبط المحب أبو الفضل بن الشحنة، توفي سنة 916هـ، من مصنفاته: التعليق على المنهاج سماه الابتهاج، وكتاب في النوادر والأشعار، ابن العماد، شذرات الذهب (8/ 113) (¬3) انظر: شيخ الإسلام زكريا، غاية الوصول ص2 (¬4) هو الاستاذ الشيخ محمود بن عمر بن أحمد بن عمر بن عمر بن شاهين بن عمر الباجوري، من أرباب التربية والتعليم بمصر، درس البلاغة والتوحيد والفقه الحنفي، توفي سنة 1323هـ، من مصنفاته: أمثال المتكلمين من عوام المصريين، أدب الناشئ. انظر: كحالة، معجم المؤلفين ... (3/ 821) (¬5) انظر: فهرس دار الكتب المصرية (1/ 391)

المطلب الخامس: مقارنة بين جمع الجوامع ومتن التنقيح في أصول الفقه لصدر الشريعة

4 - نظم الشيخ نور الدين أبو الحسن على الأشموني (¬1)، والمسمى بـ ((البدر اللامع في نظم جمع الجوامع)) (¬2)، وقد قام بشرحه أيضاً، نسبه له الغزي في ((الكواكب السائرة)) (1/ 285)، وابن العماد في شذرات الذهب (8/ 207)، وقد طبع هذا النظم بمصر سنة 1332هـ (¬3). 5 - نظم الإمام رضي الدين محمد بن محمد الغزي المتوفى سنة 935هـ، والمسمى ((بالدرر اللوامع نظم جمع الجوامع))، ذكره نجم الدين الغزي في ((الكواكب السائرة)) (2/ 5)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 468)، وقد قام بشرحه ولده الإمام بدر الدين أبو البركات محمد المتوفى سنة 984هـ وسماه ... ((العقد الجامع في شرح الدرر اللوامع نظم جمع الجوامع))، ذكر ذلك ابن العماد في شذرات الذهب (8/ 474) وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 468). 6 - نظم السلطان أبو المكارم عبد الحفيظ (¬4) سلطان المغرب، المسمى ((الجواهر اللوامع في نظم جمع الجوامع))، وهذا النظم مطبوع بالمطبعة المولوية في فاس العليا سنة 1327هـ. المطلب الخامس: مقارنة بين جمع الجوامع ومتن التنقيح في أصول الفقه لصدر الشريعة: من خلال النظر في ((جمع الجوامع))، ومتن ((التنقيح)) لصدر الشريعة يمكن إجراء المقارنات الآتية: 1 - ((التنقيح)) عبارة عن متن لخص فيه - مؤلفه - أصول البزدوي وهذّبه ونقّحه وأَورَدَ فيه زُبدة مباحث ((المحصول)) وأصول ابن الحاجب، لذا يمكن عد كتابه جامع بين طريقتي الحنفية والمتكلمين، بخلاف ((جمع الجوامع)) فهو وإن جمعه مؤلفه من مئة مصنف إلا أنه ليس اختصارا لمصنف بعينه، وقد سار به التاج - كما وضحتُ - على طريقة المتكلمين فحسب. 2 - ((التنقيح)) بيّن فيه مؤلفه مذهب الحنفية على وجه الخصوص ويذكر في كل مسألة تقريباً رأي الشافعية، وغالبا ما يذكره إما بصيغة التضعيف أو ناصّاً على خلافه أو للرد عليه، بخلاف ((جمع الجوامع)) فقد بيّن فيه مؤلفه مذهب الشافعية على وجه الخصوص، ولم يتعرض لذكر الحنفية إلا في مسائل معدودة. 3 - ((التنقيح)) اكتفى فيه مؤلفه بذكر قولي الحنفية والشافعية ولم يعرّج على ذكر أقوال أخرى أو استيعاب مذاهب المتكلمين، بخلاف التاج السبكي، فكان يّكثِر من ذكر الأقوال ويستوعب آراء المتكلمين في كثير من المسائل. 4 - ((النتقيح)) أكثر فيه مؤلفه من ذكر الأدلة وتوجيهها وبيان الاعتراضات عليها وردها، بخلاف ((جمع الجوامع)) فلم يذكر فيه مؤلفه الأدلة إلا في بعض المسائل، وكان ذكره لها لفائدة أو ضرورة اقتضت ذلك. ¬

_ (¬1) هو الإمام العلامة الصدر الكامل أبو الحسن نور الدين علي الأشموني الفقيه الشافعي المقرئ الأصولي، توفي ما بين سنة 920 و930، من مصنفاته: نظم المنهاج في الفقه وشرحه أيضا، شرح ألفية ابن مالك. انظر: الغزي، الكواكب السائرة (1/ 285) (¬2) هكذا أورد اسمه محققا تشنيف المسامع (1/ 40) (¬3) انظر فهرس دار الكتب المصرية (1/ 379) (¬4) لم أعثر له على ترجمة

المبحث الرابع منع الموانع عن جمع الجوامع

5 - ((التنقيح)) أكثر فيه مؤلفه من ذكر الفروع الفقهية مستدلاً بها على القاعدة الأصولية، وموجّهاً لها مبيّنا رأي الحنفية فيها ويتعرّض لذكر الخلاف بين علماء الحنفية أنفسهم وخاصة بين أبي حنيفة ... والصاحبين وزفر، بخلاف ((جمع الجوامع)) فلم يتعرّض لذكر هذه الفروع إلا نادراً، ولم يكن ذكره لها استدلالاً على القاعدة الأصولية بل بناءً عليها واستئناساً بها. 6 - ((التنقيح)) في المسائل الأصولية التي لها جذور كلامية كان يتبنّى مؤلفه فيها مذهب الماتريدية مثل: مسألة الحُسْن والقُبح، والتكليف بما لا يطاق، بخلاف ((جمع الجوامع))، فقد كان مؤلفه يتبنّى رأي الأشاعرة في هذه المسائل. 7 - تعرض ((التنقيح)) لبعض المباحث التي لم يذكرها التاج في ((جمع الجوامع)) وهذه المباحث أكثرها مما له علاقة وطيدة بمذهب الحنفية خاصة، ومنها مسألة العمل بالحديث فيما تعم به البلوى، ... ومسائل الأهلية وما يتعلق بها من شروط ومن عوارض، ومسائل الحقوق حق الله وحق العبد ... وغيرها، وكذا تعرّض ((جمع الجوامع)) لبعض المباحث التي لم يذكرها ((التنقيح)) كمسائل الاعتقاد والتصوف التي ختم بها التاج السبكي مصنفه. المبحث الرابع منع الموانع عن جمع الجوامع المطلب الأول: التعريف بالكتاب ((منع الموانع عن جمع الجوامع))، هو الكتاب الذي وضعه التاج السبكي ليُبيّن فيه ما أُغلِق أو استُشكِل من عبارات كتابه ((جمع الجوامع)) فهو قد وضع هذا الكتاب ليكون كالشرح والتقرير ... والدفاع عما أورده في ((جمع الجوامع)). سبب تأليف الكتاب: هذا ويعود السبب في تأليف الكتاب إلى ما أُورِد على ((جمع الجوامع)) من أسئلة ... واعتراضات، وجهت إليه، أجاب عنها التاج في هذا الكتاب، وتشير بعض المصادر التاريخية أنّ ((منع الموانع)) هذا؛ إنّما جاء ردا على الإشكالات التي أوردها تلميذ التاج السبكي شمس الدين العيزري في كتابه ((البروق اللوامع)) (¬1)، غير أنّ التاج السبكي لم يصرّح بذكره في ثنايا الكتاب المطبوع بين يدي الآن، ولعل هذه الأسئلة هي التي أجاب عنها التاج السبكي في القسم الأول من الكتاب، والتي بلغ عددها ثلاثة وثلاثون سؤالاً (33)، والتي لم يسمِّ المرسِل بها، والظاهر أنّها من تلميذه العيزري يدل على ذلك الخطبة الواردة في بداية الأسئلة والتي فيها: ((المسئول من إحسان سيدنا ومولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام والمسلمين، بقية المجتهدين، مُوضِّح المشكلات بالدلائل الواضحات، بلّغه الله تعالى أعلى المقامات وفتح أعماله بالصالحات، وأدام أيامه، وأنفذ أحكامه، وجدَّدَ على يديه دين هذه الأمة، وكشف به عنها كل غمة؛ أنّ يوضّح لنا ما أُشكِل علينا، ودَقَّ فهمه من ألفاظه الشريفة العزيزة، وما عزب عنا علمه في كتابه: ((جمع الجوامع))، العديم المثال، المحتوي على فوائد جمة لم تخطر لغيره ببال. فلقد عم النفع به ولله الحمد، وشدت في طلبه الرحال، وكررت عليه الطلبة، وأعرضت عن كل مختصر، وأمعنت فيه الأكابر النظر، وشُبّهت المختصرات بالكواكب، وشُبّه هو بالقمر.)) (¬2) ¬

_ (¬1) انظر: السخاوي، الضوء اللامع (9/ 218) (¬2) انظر: التاج السبكي، منع الموانع ص 73

ترتيب الكتاب

قلت: مثل هذه العبارات لا تَصدُرُ إلا عن تلميذ مُحبٍّ مُنتَمٍ لشيخه أيما انتماء، وقد ثبت أنّ العيزري - وهو من تلامذة التاج السبكي - قد أرسل لشيخه إيرادات على ((جمع الجوامع)) فربما تكون هذه الأسئلة هي ذاتها التي أرسلها العيزري والله تعالى أعلم. ترتيب الكتاب: لقد جاء الكتاب على ثلاثة أقسام من الأسئلة: القسم الأول منها: عبارة عن ثلاثة وثلاثين سؤالاًَ وردت إليه ولم يبيّن فيها اسم المرسل، وقد مِلْتُ إلى كونها من شمس الدين العيزري، وقد أجاب عنها التاج السبكي سنة اثنتين وستين وسبعمائة للهجرة 762 هـ (¬1). القسم الثاني من الأسئلة: عبارة عن أسئلة أرسل بها السيد جمال الدين حمد الخراساني. قال التاج السبكي: ((وهذه أسئلة أخرى على ((جمع الجوامع))، بعث بها إليّ الشيخ الإمام العلامة السيد الشريف جمال الدين، حمد بن عبد الله الخراساني، نفع الله به حين ورد علينا من مدينة حلب، ... وأَرسَلتُ له جوابها، ثمّ أرسل إليّ جواب الجواب معترفاً بصحة بعضه منازعاً في بعضه الآخر، وإن حَكَيتُ المراسلات الثلاث بلفظها طال، ولكنّي أختصر مستوعبا)) (¬2). وأما القسم الثالث: فهي الأسئلة التي وردت عليه أثناء التدريس، قال التاج السبكي: ((وهذه سؤالات وقعت في الدرس مفرقة)) (¬3). وبهذا ترى أنّ هذا الكتاب إنّما جاء رداً على أسئلة محددة وردت على ((جمع الجوامع)) وبعض مسائل أصول الفقه عامة، وقد صرّح التاج السبكي باسم أحد مرسلي هذه الإيرادات، وذكر أنّ بعضها وقع عليه أثناء الدرس، ولم يصرّح باسم مرسل القسم الأول. وأما بالنسبة لترتيب الكتاب فظاهر أنّ التاج السبكي قد رتبه بحسب ترتيب المرسل في الأسئلة الأولى والثانية، وبحسب ترتيب وقوعها عليه أثناء التدريس في الثالثة. قال التاج السبكي مبيناً ذلك في القسم الثالث من الأسئلة: ((فأنا أذكرها على ترتيب وقوعها عليَّ لا على ترتيب الكتاب فإذا انضمت إلى ما تقدم من الأسئلة والأجوبة، هي وأجوبتها كان المجموع كتاباً مستقلاً مسمى ((بمنع الموانع عن جمع الجوامع))، ينتفع به حافظ ((جمع الجوامع)) فإنّ ذلك كالشرح لمشكل الكتاب)) (¬4). وقال بعد ذكره سؤالات القسم الأول: ((وقد وَرَدتْ عليّ هذه الأسولة، وكثير منها لا يختص به [أي ((جمع الجوامع))]؛ فأَخذَتُ في جوابها جميعاً، حُبّاً للعلم وطلبه، ورغبةً في إزالة مُشتَبِكٍ ومُشتَبِهٍ، وضَممْتُ إليها بعد ذلك سؤالات أُخَر وردت من جنسها؛ فأجبت عنها بما أرجو أن يطمئن به القلب ويَقِرَّ البصر)) (¬5). وقال بعد الإجابة على القسم الأول: ((هذه أجوبة هذه الأسئلة، وأنت ترى أكثرها لا اختصاص له بكتابنا ((جمع الجوامع))، بل هي أسئلة تتعلَّق بالفن من حيث هو، ونحن أجبنا عنها، وكنا قادرين على دفع ما لا يتعلَّق منها بخصوص الكتاب، وذلك حباً للفائدة من حيث هي)) (¬6). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، منع الموانع ص 279 (¬2) المصدر السابق ص 280 (¬3) المصدر السابق ص 293 (¬4) المصدر السابق (¬5) التاج السبكي، منع الموانع ص 87 (¬6) المصدر السابق ص 279

المطلب الثاني: أهمية ((منع الموانع)) ومميزاته

قلت: ولعل هذا الكتاب كان مقدمةً لكتاب آخر أجمع وأشمل يكون شرحاً واسعاً ((لجمع الجوامع))، إلا أنّه لم يسعف الوقتُ التاج السبكي في ذلك، وإليه أشار التاج بقوله: ((ولو وسع وقتي لكتابة شرح عليه واف بالغرض منبه على ما رمزت إليه على وجه الاستقصاء؛ لدخل في أسفار كثيرة)) (¬1). المطلب الثاني: أهمية ((منع الموانع)) ومميزاته: تكمن أهمية ((منع الموانع)) في النواحي الآتية: 1. أنّه من أهم كتب التاج السبكي الأصولية، وذلك لما يأتي: أ) لأنّه آخر مصنفاته الأصولية وذلك لأنّه قد وضعه بعد شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)) وبعد ((جمع الجوامع)). ب) لأنّه الكتاب الذي عليه التعويل في معرفة آراء التاج السبكي الأصولية؛ وذلك لأنّه قد دافع فيه عما اختاره في ((جمع الجوامع))، مبيناً سبب اختياره في ذلك. ج) لأنّه جاء كالشرح والتقرير والدفاع عما أورده في ((جمع الجوامع)) لذا يمكن عدّ كتابه هذا من أهم شروح ((جمع الجوامع))؛ لأنّ التاج السبكي هو الأقدر على حل كلامه وبيان معانيه ومراميه من أي شخص آخر غيره. 2. أنّ هذا الكتاب قد اعتمد عليه غالب شراح ((جمع الجوامع))، حيث كانوا يرجعون إليه وينقلون العديد من عباراته، ومنهم البدر الزركشي، وابن العراقي، والجلال المحلي، ومن أصحاب الحواشي، ابن قاسم، والعطّار، وغيرهم. مميزاته: امتاز ((منع الموانع)) بعدد من المميزات أذكر منها: 1 - التنبيه على دقة عباراته في ((جمع الجوامع)): من أهم ما تميز به التاج السبكي في هذا الكتاب هو أنّه كان لا يمر بعبارة من عبارات ((جمع الجوامع)) إلا وبين دقة هذه العبارة وبيان حسن اختصارها. فمن ذلك قوله في بيان سبب عدوله في التعادل والتراجيح عن قولهم: فإن ظن التعادل إلى قوله: فإن توهَّمَ (¬2)، قال: ((وأما عدولنا عن لفظ الظن إلى لفظ التَّوهُم في التعادل؛ فلأن الظن ما يكون الطرف فيه راجحاً، ولا ريب في أنّه لا يترجح التعارض في حديثين، لأنّا على قطع بأنّه لم يقع منه صلى الله عليه وسلم حديثان متعارضان معاذ الله،. . .، إذا عرفت ذلك فالمجتهد إذا اشتبه عنده أمر حديثين فهو يحسبهما متعارضين، ويعلم أنّه لا تعارض في نفس الأمر، وإنّ حسبانه ناشئ إما عن اختلال فهمه، أو اختلال السند، أو غير ذلك، ولا يهتدي إلى تعيين تلك الجهة التي أوتي منها، ولو اهتدى إليها لم يَتَوهَّم التعارض. وإذا وَضُح لك هذا؛ لاحَ أنّ استعمال لفظ التَّوهُم، وهو ما يكون الجانب المتوهَّم فيه مرجوحاً خير من لفظ الظن)) (¬3). ¬

_ (¬1) المصدر السابق ص 370 (¬2) انظر: التاج السبكي، منع الموانع ص 77، جمع الجوامع ص 188 (¬3) انظر: التاج السبكي، منع الموانع ص 216 - 217 بتصرف

المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في ((منع الموانع))

ومنها قوله في مسألة المخطئ في الاجتهاد بياناً لقوله في ((جمع الجوامع)) ((وحيث قصَّر يأثم وفاقاً)) (¬1) قال: ((فإشارة إلى أنّ من قصّر يأثم سواء في ذات القطع أو غيرها، وعبارة ابن الحاجب مخطئ آثم (¬2)، ونحن حذفنا لفظ مخطئ لأنّه إن أراد مخطئ في الحكم، فلسنا على يقين من ذلك؛ إذ يحتمل أنّه أخطأ وأنّه أصاب، ولكنّه يأثم لتقصيره، وقد يكون مع ذلك أصاب كواجد دفينٍ، وإن أراد مخطئ في نفس الاجتهاد، فهذا لا حديث فيه، فقد لاح بشرح هذه المسئلة وجه عدولنا عن ألفاظ غيرنا)) (¬3). 2 - بيان منهجه في ((جمع الجوامع)): بيّنَ التاج السبكي في ثنايا هذا الكتاب المنهج الذي اتبعه في تصنيفه ((لجمع الجوامع)). فمن ذلك قوله: ((ونحن أبداً نشير بلفظ لو إلى خلاف؛ فإن قوي أو تحقق صرّحنا به؛ وإلا اكتفينا بهذه الإشارة فاعرف ذلك)) (¬4). 3 - ذكره أموراً لم يذكرها في كتبه الأخرى: مما تميز به التاج السبكي أنّه كان يضيف في هذا الكتاب أموراً ومباحث لم يتعرّض لها في كتبه الأخرى. فمن ذلك قوله - بعد بيان أنّ انتفاء المعارضة في الفرع لا يقدح في العلّة -: ((وأنا أرى أن أذكر أمثلة ما يقتضي نقيض الحكم، وضده، وخلافه؛ فإنّي لم أذكر ذلك في ((شرح المختصر)))) (¬5)، ثمّ ذكر أمثلة على النقيض والضد والخلاف فجاءت في أربع صفحات من الكتاب من صفحة 385 - 389. 4 - التنبيه على مسائل لم يذكرها غيره: إنّ التاج السبكي ذو شخصية أصولية مستقلة، لذا وجدته كثير الاستدراك على السابقين، وله اجتهادات يخالف فيها غيره مما انفرد هو به، وقد كان في مصنفاته عامة يبين ذلك، ومن هذه المصنفات ((منع الموانع))؛ فقد بين في غير موضع بعض المسائل التي انفرد بها. ومن ذلك قوله في بيان معنى المعارضة: ((وهو تَحقِيقٌ وفَهْمٌ حَسَنٌ عن الأولين، لم يذكره غيري، وقد حَرّرته في شرح ((المختصر))، وبيّنتُ أنّ المعارضة تُطلَق ويُراد بها معنيان: مُعارِض منافٍ، ومُعارِض لا ينافي)) (¬6). هذه أهم الميزات التي امتاز بها التاج السبكي في ((منع الموانع))، وأنت ترى أنّ أكثرها له تعلُّق ((بجمع الجوامع))، وذلك لأنّ هذا الكتاب يعدّ كالشرح له. لذا فإنّه لا بد لدارس كتاب ((جمع الجوامع)) أن يستعين ((بمنع الموانع)) إذ هو كالمكمل له ... والمبين لكثير من مجمله وما أُشكل فهمه، فلا يُقرأ ((جمع الجوامع)) إلا مع ((منع الموانع))؛ وبذلك تحصل الفائدة المرجوة، والله تعالى أعلم. المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في ((منع الموانع)): لم يكثر التاج السبكي في هذا الكتاب من النقول عن الآخرين والعلماء السابقين، فكانت مصادره في هذا الكتاب قليلة نسبياً بالمقارنة مع كتبه الأخرى. ¬

_ (¬1) المصدر السابق ص 490، وهكذا وردت العبارة في منع الموانع، وأما في جمع الجوامع ص 194 فهي ((ومتى قصر مجتهد أثم وفاقا)) ولعلها من اختلاف النساخ (¬2) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (4/ 546) (¬3) انظر: التاج السبكي، منع الموانع ص 491 (¬4) المصدر السابق ص 92 (¬5) انظر: التاج السبكي، منع الموانع ص 384 (¬6) المصدر السابق ص 381

وهذا أمر طبيعي جداً؛ ذلك أنّ هذا الكتاب إنّما هو لبيان وردّ الإشكالات الواردة على ((جمع الجوامع)) والتي جاءت بسبب المنهج الخاص الذي اتبعه التاج في هذا ((المختصر))، وبسبب اختياراته التي انفرد بها فيه، فالاعتراضات إنّما جاءت على ذلك فلا بد أن يردّها بكلامه هو لبيان وجهة نظره هو، وهذا يستدعي عدم الإكثار من النقول. وسأعرض فيما يأتي إلى أهم مصادره مرتبة ترتيباً تنازلياً بحسب عدد النقول: 1 - والده الشيخ تقي الدين: يأتي والده الشيخ تقي الدين في المرتبة الأولى في النقل في هذا الكتاب، حيث بلغ عدد النقول عنه حوالي اثنان وعشرون مرة (22). والسبب في ذلك يعود إلى أنّ التاج السبكي قد أودع في ((جمع الجوامع)) العديد من آراء والده التي لا تجدها عند غيره، لذا كان لا بد من الرجوع إليه لبيان هذه الآراء من كلامه نفسه، كما أنّ التاج السبكي قد استفاد كثيراً من اختياراته وأسلوبه من والده؛ ذلك أنّه كان كثيراً ما يسأل والده عن بعض العبارات الأصولية والإشكالات التي كان يوردها التاج السبكي على والده، وللشيخ تقي الدين مصنف في الأصول أجاب به عن أسئلة ولده التاج فكان التاج ينقل من هذا المصنف الكثير. والله أعلم. 2 - الشافعي: حيث ذكره في حوالي إثنا عشر موضعاً (12). 3 - ابن الحاجب: بلغ عدد النقول عن ابن الحاجب حوالي اثنا عشر موضعاً (12)، وقد بينت سابقاً أنّ التاج السبكي متأثر بابن الحاجب في كتابه ((جمع الجوامع)) وأنّ كثيراً من عبارات ((جمع الجوامع)) هي ذاتها عبارات ابن الحاجب، أو فيها تغيير يسير، لذا أكثر التاج السبكي من النقل عن ابن الحاجب في هذا الكتاب لأمرين: الأول:- بسبب تأثره به في العبارات. الثاني:- لعقد المقارنات بين عباراته وعبارات ابن الحاجب والله أعلم. 4 - الإمام الرازي: بلغ عدد النقول عن الرازي حوالي تسعة مواضع (9). 5 - إمام الحرمين: حيث نقل عنه في حوالي تسعة مواضع أيضاً (9). 6 - الغزالي: وقد صرّح باسمه في حوالي ستة مواضع (6). 7 - الباقلاني: وقد نقل عنه في حوالي أربعة مواضع أيضاً (4). 8 - أبو اسحق الشيرازي: وقد صرّح بالنقل عنه في حوالي ثلاثة مواضع (3). 9 - الآمدي: وقد صرّح بالنقل عنه في حوالي ثلاثة مواضع أيضاً (3). 10 - ابن مالك: وقد صرّح بالنقل عنه في حوالي ثلاثة مواضع أيضاً (3). هذه أهم المصادر التي اعتمد عليها التاج السبكي، ولا يَضِير هذا الكتاب قَلّة المصادر المصرّح بها لما بيّنته سابقاً، ولأنّه ينبغي أن يُضاف إليها المصادر التي استمد منها كتابه ((جمع الجوامع)) والمصادر التي تَكوّنَتْ بها شخصيته الأصولية المستقلة.

الفصل الثالث منهج الإمام تاج الدين السبكي الأصولي

الفصل الثالث منهج الإمام تاج الدين السبكي الأصولي وفيه المباحث الآتية: المبحث الأول: منهجه في إيراد التعاريف المبحث الثاني: منهجه في تحرير محل النزاع المبحث الثالث: منهجه في عرض الأقوال المبحث الرابع: منهجه في مناقشة الأقوال والردود على المخالفين المبحث الخامس: منهجه في النقل عن غيره من العلماء المبحث السادس: منهجه في ذكر الأدلة والشواهد المبحث السابع: منهجه في ذكر الفروع الفقهية المبحث الثامن: منهجه في تخريج الأحاديث المبحث التاسع: منهجه في التعامل مع العلماء الذين تأثر بهم المبحث العاشر: تكاملية مصنفاته

المبحث الأول منهجه في إيراد التعاريف

الفصل الثالث منهج الإمام تاج الدين السبكي الأصولي سأتحدث في هذا الفصل عن أهم القضايا الأساسية التي بنى ابن السبكي منهجه الأصولي عليها، ومن الصعوبة بمكان أن تتلمَّحَ منهجاً عاماً واحداً يَنْتظمُ مجموعة من المؤلفات المختلفة؛ فللتاج السبكي مؤلفات أصولية متنوعة؛ منها الشروح ومنها المتن المختصر، ومنها ما هو رَدٌّ لاعتراضات وجواب عن إيرادات، ومن هنا جاءت الصعوبة كيف تجمع بين هذه المصنفات في منهج واحد، وهذا ما حاولت جهدي واستطاعتي أن أقوم به في هذا الفصل. ولهذا لم أتعرض للقضايا التفصيلية المتعلقة بكل كتاب وإنما سأعرض للملامح العامة لمنهج التاج السبكي الأصولي فقط، مُشيراً بإشارات ولَمَحات سريعة إلى أهم ما ينتظمُ هذه الملامح، مبيِّناً في الوقت ذاته على أيٍّ من المصنفات ينطبق هذا المنهج. المبحث الأول منهجه في إيراد التعاريف من المعلوم أن الأصوليين قد اهتموا بالتعاريف اهتماما بالغا، فتراهم كثيرا ما يدققون ويبحثون في التعاريف، فيضعون فيها قيودا ويحذفون أخرى وما ذلك إلا لأن دقة التعريف فيها تحديد للمفاهيم والمصطلحات والمسائل التي تبنى على التعريف، لذا تنوعت أساليب الأصوليين في عرضهم للتعاريف، وقد اتبع التاج السبكي في كتاباته مناهج متعددة في إيراده للتعاريف؛ وذلك نظرا لطبيعة مؤلفاته وخصائص كل منها، وسيكون حديثي عن هذه النقطة ضمن محورين: المحور الأول: إيراده التعاريف في شرحيه ((الإبهاج ورفع الحاجب)): اتبع التاج السبكي في شرحيه مناهج متعددة في إيراد التعاريف مخالفا لما كان عليه في ((جمع الجوامع))، ومن هذه المناهج: أولاً: إيراده للتعاريف اللغوية لبيان وجه المناسبة بينها وبين التعاريف الاصطلاحية: خلاصة هذا المنهج أن التاج السبكي كان يبدأُ المسألة المطروحة ببيان معناها اللغوي، ومن ثَمَّ يُعرِّجُ على المعنى الاصطلاحي؛ ليتبين وجه العلاقة بين المعنيين، وهذا المنهج سار عليه التاج السبكي في أغلب مباحث ((شرح المنهاج)) في حين كان مقلّاً منه في ((شرح المختصر)). ومن الشواهد الدالة على اتباعه هذه المنهج: 1 - قوله في بيان المراد بالمجمل في كتابه ((الإبهاج)): ((المجمل: مأخوذ من الجَمْل، بفتح الجيم وإسكان الميم، وهو: الخلط، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: {لعن الله اليهود؛ حرم الله عليهم شحوم الميتة فجملوها - أي خلطوها - وباعوها فأكلوا ثمنها} (¬1) [قال التاج السبكي معقباً]: فسمي اللفظ مجملاُ لاختلاط المراد بغيره)) (¬2). 2 - وقوله في بيان سبب إطلاق النص على اللفظ الذي لا يحتمل إلا معنىً واحداً: ((نصت الظبية جيدها إذا رفعته، ومنه منصة العروس)) (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم في كتاب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام برقم 4026 وأحمد في المسند 2809 (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 206) (¬3) انظر الرازي، مختار الصحاح ص 276 مادة نصص (¬4) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 215)

ثانيا: إيراده لتعاريف المتن كما هي دون زيادة عليها وذلك لظهورها

3 - وقوله في بيان الاستدلال في ((رفع الحاجب)): ((والاستدلال: استفعال من الدليل واستفعل ترد في لغة العرب للطلب، وللتحرك، وللإيجاد (¬1)، ولإلغاء الشيء: بمعنى ما صيغ منه، أو لعده كذلك، ولمطاوعة أفْعَلْ ولموافقته وموافقة تفعَّل وافتعل والمجرد، والإغناء عنه وعن فعل ... [إلى أن قال]: إذا عرفت هذا، فالاستدلال في الاصطلاح مشترك؛ فإنه يطلق على ذكر الدليل سواء أكان نصاً أم إجماعاً أم غيرهما، ويطلق على نوع خاص من أنواع الأدلة وهو المقصود ببيانه هنا، وله عقد الباب ... [ثم قال]: وقد علمت توارد استفعل اللغة، وعندي: أن المقصود منها في مصطلح الأصوليين الاتخاذ، والمعنى: أن هذا باب ما اتخذوه دليلاً، والسر في جعل هذا الباب متخذا دون الكتاب والسنة والإجماع والقياس؛ لأن تلك الأدلة قام القاطع عليها، ولم يتنازع المعتبرون في شيء منها، وكأن قياسها لم ينشأ عن صنيعهم واجتهادهم، بل أمر ظاهر)) (¬2). ثانياً: إيراده لتعاريف المتن كما هي دون زيادة عليها وذلك لظهورها: وجدت أن التاج السبكي يذكر تعاريف المتن كما هي دون زيادة عليها وذلك لكون هذه التعاريف ظاهرة جلية ولا تحتاج إلى بيان، وهذا المنهج اتبعه التاج السبكي في ((رفع الحاجب)) خاصةً ومن الشواهد الدالة على ذلك: 1 - قوله في تعريف الظاهر والمؤول بأن الظاهر هو: ((ما دل دلالة ظنية)) (¬3)، والمؤول: ((حمل الظاهر على المحتمل المرجوح)) (¬4)، وهما نفس ما أورده ابن الحاجب (¬5) أوردهما مكتفياً بهما دون أي زيادة أو توضيح، قلت: وقد اختار التاج السبكي هذين التعريفين في كتابه ((جمع الجوامع)) مما يؤكد ما قرَّرته سابقاً وهو مدى تأثر التاج السبكي بابن الحاجب في كتابه هذا [أي ((جمع الجوامع))] (¬6). 2 - وقوله في مبحث المنطوق والمفهوم حاكياً تعريفَ ابن الحاجب بأن: ((المنطوق هو: ما دل عليه اللفظ في محل النطق)) (¬7) دون أي زيادة عليها. 3 - وقوله في تعريف فساد الاعتبار مكتفيا بالتعريف الذي أورده ابن الحاجب وهو: ((مخالفة القياس للنص)) (¬8). ثالثاً: بيانه لتعاريف المتن دون زيادة عليها سوى توضيح المراد منها مع بيان محترزات بعض قيودها: وهذا منهج ثالث اتبعه التاج في بيان تعاريف المتن الذي يتولى شرحه، إذ كان يقتصرُ فقط على توضيح التعريف كما أورده الماتن دون زيادة سوى توضيح المراد وبيان محترزات بعض القيود. ومن الشواهد الدالة على ذلك: ¬

_ (¬1) هكذا وردت في الأصل؛ ولعل الصواب الاتخاذ، بدليل ذكره بعد ذلك أمثلة: استعبد عبدا واستأجر أجيرا، وهي بمعنى الاتخاذ (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 480 - 482 بتصرف) (¬3) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 448) (¬4) المصدر السابق (3/ 451) (¬5) انظر تعريف ابن الحاجب في نفس المصدر مختصر ابن الحاجب المطبوع مع رفع الحاجب (3/ 448، 3/ 451) (¬6) انظر التاج السبكي، جمع الجوامع ص 151 (¬7) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 484) (¬8) المصدر السابق (4/ 420)

رابعا: الإشارة إلى التطور التاريخي للتعاريف

1 - قوله في بيان تعريف الاشتقاق الذي أورده البيضاوي بأنه: ((رد لفظ إلى لفظ آخر لموافقته له في حروفه الأصلية ومناسبته في المعنى)) (¬1)، قال التاج السبكي مقرِّراً هذا التعريف: ((قوله ''رد لفظ'' جنسٌ، وقوله '' لموافقته في حروفه الأصلية'' فصلٌ احترز به عن الألفاظ المترادفة: كالإنسان ... والبشر، إذ لا اشتراك فيها في الحروف ... وقوله ''الأصلية'' إشارة إلى أن الاعتبار في موافقة الحروف إنما هو بالحروف الأصلية فقط، ولا عبرة بالحروف الزائدة، وقوله ''ومناسبته في المعنى'' احترازٌ عن المعدول؛ لأن المناسبة تقتضي المغايرة، ولا مغايرة بين المعدول والمعدول عنه في المعنى)) (¬2). وبذلك ترى أن التاج السبكي قد اكتفى بتوضيح التعريف فقط ببيان معناه ومحترزاته. 2 - وقوله في تعريف العلم الذي أورده ابن الحاجب أنه: ((صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض)) (¬3) قال التاج السبكي شارحاً هذا التعريف: ((فالصفة وهي ما لا يقوم بنفسه: جنسٌ يشمل العلم ... وغيره، وقولنا:'' توجب لمحلها تمييزاً'' فصلٌ يُحترزُ به عن الحياة والقدرة والإرادة وغيرها من الصفات المشروطة بالحياة وغير المشروطة بها و ''لا يحتمل النقيض'': احترازاً عن الظن، وهذا يشمل التصور إذ لا نقيض له، والتصديق النفسي إذ له نقيض ولا يحتمله)) (¬4). رابعاً: الإشارة إلى التطور التاريخي للتعاريف: كان التاج السبكي يشير أحياناً إلى التطور التاريخي لبعض التعاريف مبيناً القائل بها ومن أين استمدَّ هذا التعريف وماذا حصل به من حذف أو زيادة لبعض القيود. ومن الشواهد الدالة على ذلك: 1 - قوله شارحا قول البيضاوي ((التخصيصُ: إخراج بعض ما يتناوله اللفظ)) (¬5) قال: ((بدأ في هذا الفصل في تعريف التخصيص والمخصص، وأما التخصيص: فقد قال أبو الحسين (¬6) والإمام (¬7) إنه: إخراج بعض ما يتناوله الخطاب، وتبعهما المصنف لكنه أبدل الخطاب باللفظ)) (¬8). ففي هذا المثال تجد أن التاج السبكي قد بين لنا أن أبا الحسين البصري قد عرف التخصيص بأنه: إخراج بعض ما يتناوله الخطاب، ثم بين أن الإمام الرازي قد تابع البصري في هذا التعريف وتأثر به، ثم أشار إلى التطور الذي أتى به البيضاوي وهو إبداله الخطاب باللفظ، فهو [أي البيضاوي] قد أخذ تعريف البصري والإمام إلا أنه أبدل الخطاب منه إلى اللفظ. ¬

_ (¬1) البيضاوي، منهاج الوصول ص 45 (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 222 بتصرف) (¬3) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (1/ 265) (¬4) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 266) (¬5) البيضاوي، منهاج الوصول ص 87 (¬6) انظر أبو الحسين البصري، المعتمد (1/ 234) (¬7) انظر فخر الدين الرازي، المحصول (3/ 7) (¬8) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 119)

خامسا: ذكره لتعاريف لم يذكرها الماتن

2 - وقوله في شرح قول ابن الحاجب في تعريف البيان: ((قال الصيرفي: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي والوضوح)) (¬1) قال: ((قال الصيرفي ناظراً إلى أنّ البيان فعل المبيِّن إنه: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي، كذا أورده ابن السمعاني (¬2) وغيره، وزاد إمام الحرمين (¬3)، فتبعه الآمدي (¬4) والمصنف: الوضوح؛ فقالوا إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي والوضوح)) (¬5). في هذا المثال بين التاج السبكي أن الآمدي وابن الحاجب قد أخذا تعريف الصيرفي للبيان إلا أنهما أضافا إليه الوضوح. خامساً: ذكره لتعاريف لم يذكرها الماتن: أورد التاج السبكي تعاريفاً لبعض المسائل التي أغفلها الماتن وذلك تتميماً للفائدة، ... ومن الشواهد الدالة على ذلك: 1 - قوله في كتابه الإبهاج في مباحث الكتاب: ((الكتاب هو القرآن: وهو الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه، وقد خرج بقولنا ''المنزل'' الكلام النفسي، وكلام البشر، ''بالإعجاز'' الأخبار الربانية وسائر الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل والزبور؛ إن لم يُقل أنها مُعْجِزة، وقولنا ''بسورة منه'' أي ببعضٍ ولو ساوى أقصر سورة منه كالكوثر، وخرج بذلك سائر الكتب المنزلة إن قيل بإعجازها، فإنها حينئذٍ وإن أُنزلت للإعجاز لكن لم يكن الإعجاز بسورة منها، وهذا التعريف صادق على الآية وعلى بعضها أيضاً، لأنه يصدق عليها أنّ قَدْر سورةٍ من نوعه معجزة)) (¬6)، فها هنا ترى أن التاج السبكي قد ذكر تعريف القرآن وبينه في حين لم يتعرض البيضاوي لتعريف القرآن في ((منهاجه)) (¬7). 2 - وقوله في كتابه ((رفع الحاجب)): ((الدوران: وهو أن يوجدَ الحكمُ عند وجود وصف، وينعدمَ عند عدمه)) (¬8)، فقد ذكر لنا التاج السبكي تعريفَ الدوران والذي سماه ابن الحاجب بالطرد والعكس في حين لم يتعرَّض لذكره ابن الحاجب بل بدأ المسألة ببيان رأيه المختار في حجية الدوران فقال: ((الطرد والعكس: ثالثها لا يفيد بمجرده قطعاً ولا ظناً)) (¬9). ¬

_ (¬1) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (3/ 411) (¬2) انظر ابن السمعاني، قواطع الأدلة (1/ 258) (¬3) انظر الجويني، البرهان (1/ 139) (¬4) انظر الآمدي، الإحكام (3/ 24) (¬5) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 412) (¬6) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 190) (¬7) انظر البيضاوي، منهاج الوصول ص 43 (¬8) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 350) (¬9) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (4/ 350)

سادسا: مناقشته للتعاريف

سادساً: مناقشته للتعاريف: لم يكن التاج السبكي يقرِّرُ التعاريفَ كما هي فحسب، بل وجدتُه حيث لا يرتضي تعريفاً ما فإنّه يناقش المصنف فيه ويذكر ما عليه من مؤاخذات؛ منها ما يأخذه من غيره من العلماء، ومنها ما يستقلُّ بمناقشته هو بنفسه، وقد أكثرَ التاج السبكي من إيراد هذه المناقشات في ((الإبهاج)) في حين كان مقلّاً لها في كتابه ((رفع الحاجب)) ولعلَّ ذلك لأنَّ التاج السبكي والبيضاوي كلاهما من مدرسة واحدة ألا وهي مدرسة الإمام الرازي؛ لذا فكان يُوردُ على تعاريفه ما يراه لا ينسجمُ مع معطيات هذه المدرسة، في حين كان ابن الحاجب من مدرسة مخالفة لهما وهي مدرسة الإمام الآمدي، ومعلوم أن التعريف إنما يُبْنى على القواعد والأصول التي ينتهجها المؤلف أو المصنف، فلو ناقش التاج السبكي كلَّ تعاريف ابن الحاجب لانْهَدمَ بذلك ما انْبَنى عليها من مسائلَ وفروع، ولم يكن هدفُ التاج السبكي أن يَردَّ على ابن الحاجب أو يقوض أركان مدرسته، لذا كان يكتفي بتقرير تعريفاته كما هي، ولا يناقشها إلا إذا بان ضعفها أو كانت فيها مخالفةٌ لمدرسته [أي ابن الحاجب] الأصولية، والله أعلم. ومن الشواهد الدالة على مناقشته للتعاريف: 1 - قوله في الإبهاج بعد شرح تعريف البيضاوي في الترادف: ((توالي الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد)) (¬1) قال: ((هذا شرح التعريف، وفيه نظر: فإنه أتى بالمفردة ليحترز عما أشرنا إليه [وهو: احترازٌ عن المركبة كالحد مع المحدود، والرسم مع المرسوم، فإن الحدَّ والمحدود غير مترادفين على المختار ... ]، وهو غير مضرور إلى ذلك؛ فإنّ ذلك خرج بقوله ''باعتبارٍ واحد'' إذ الحدُّ والمحدود يدلان على معنىً واحد ولكن باعتبارين كما عرفت. ثم إنّ هذه اللفظة أعني المفردة تُصيِّرُ الحدَّ غير جامع؛ إذ يَخرجُ بها بعضُ المترادفات مثل: خمسة، ونصف العشرة، وأيضاً: قوله ''الألفاظ'' جمعٌ وأقلُّه على رأيه ثلاثة، وقد يكون الترادف من لفظين، ثم إنها جنسٌ بعيد، فلو أتى بالقول وقال: توالي كلمتين فصاعداً لَسَلِمَ من هذين الإيرادين)) (¬2). فأنت ترى أن التاج السبكي قد ناقش تعريف البيضاوي من ثلاثة وجوه:- الأول: إتيانُه بالمفردة إحترازاً عن الحد مع المحدود، وبيّن التاج السبكي أنّ هذه اللفظة لا داعيَ لها؛ لأن الحد مع المحدود قد خرجا بقوله [أي البيضاوي] باعتبارٍ واحد، إذ الحد والمحدود وإن كانا يدلان على معنىً واحد إلا أنّه باعتباريَن مختلفيَن. الثاني: أنّ وجودَ المفردة في الحد تُصيِّرُ الحدَّ غير جامع وذلك لأنّه يَخرجُ منه بعض المترادفات، فإنّ الخمسةَ تُرادِفُ قولنا نِصفُ العشرة وكلاهما دالٌّ على شيء واحد، لكن الخمسة لفظٌ مفرد بِخِلافِ نصف العشرة، فهو ليس مفرداً إلا أنّه مرادفٌ للخمسة، وبقوله [أي البيضاوي] المفردة لا يكون نصف العشرة مرادفاً للخمسة وهو باطل كما رأيت. الثالث: في قوله الألفاظ، هذا جمعٌ وأقلّ الجمع على رأي البيضاوي ثلاثة، وهذا يعني أن الترادفَ لا يكون بين لفظين وهو باطل لوقوع الترادف بين لفظين فأكثر. ¬

_ (¬1) البيضاوي، منهاج الوصول ص 46 (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 238 - 239)

المحور الثاني: منهجه في إيراد التعاريف في ((جمع الجوامع))

الرابع: قوله الألفاظ، جنسٌ بعيدٌ لأنّها تشمل اللفظ المستعمل والمهمل ومن عيوب الحدود أن يُؤتى في الحد بالجنس البعيد. 2 - وقوله بعد شرح تعريف المناسب الذي أورده ابن الحاجب بأنه: ((وصفٌ ظاهرٌ منضبط يَحْصلُ عقلاً من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصوداً من حصول مصلحة أو دفع مفسدة)) (¬1) قال: ((واعترض الشيخ الهندي، بأنه إن عنى بقوله ''يحصل من ترتيب الحكم'' علَّته، أنّه يلزمُ من ترتيب ما يقتضيه الوصفُ من الحكم بحسب مناسبته له، فيلزم تعريف الشيء بنفسه؛ لأنّ التعريفَ المناسب إنّما هو باعتبار مناسبته فتعريفه بالمناسبة تعريف للشيء بنفسه، وإنْ عنى به غيره فليبيِّنه، سلَّمنا، ... ولكن لا حاجة إلى هذا القيد، بل يكفي أن يُقال: يلزم من حصوله حصولُ الحكم المستلزم لحصول ما يصلح أن يكون مقصوداً للشارع؛ لأنّا إذا علمنا الوصفَ وحده، والحكمَ وحده، وما يصلح أن يكون مقصوداً وحده، علمنا من وجود الوصف مقارنهً الحكم له، وحصول ما يصلح أن يكون مقصودا، ... والمقارنة إنما تراد باعتبار المناسبة، لا لتحقيق ماهيتها. وأما أنه يلزم من ترتيب الحكم على وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودا للشارع فذلك زائد على ماهية المناسبة. وأيضا فإنه غير جامع؛ لأن التعليل بالحكمة الظاهرة المنضبطة جائزٌ على المختار عند المصنف، والوصفية غير متحقِّقة فيها مع تحقُّق المناسبة)) (¬2). في هذا المثال ذكر لنا التاج السبكي مناقشةً على تعريف ابن الحاجب للمناسبة وحاصل هذه المناقشة: أولا: أنّ المرادَ من قوله [أي ابن الحاجب] يَحصُلُ من ترتيب الحكم عليه، إما أن يكون علَّتَه وبذلك لا يستقيم التعريف؛ لأن العلَّةَ لا تكون علَّةً إلا إذا لوحِظَ فيها المناسبة، والمطلوب تعريف المناسبة فيتوقف معرفة المناسبة على معرفة العلّة، فتتوقف معرفة المناسبة على نفسها وهذا دور قادح في الحدود، وإن عنى بها أمر آخر غير العلّة فلا بد من بيانه حتى يُنظَرَ فيه. ثانيا: أنه لا حاجة إلى قيد (يحصل من ترتيب الحكم عليه) لأنه إذا علمنا الوصفَ وحدَه ... والحكمَ وحدَه وما يَصلُحُ أن يكون مقصوداً وحده، بمجموع هذه الأمور وربط الذهن بينها يُعلَمُ من وجود الوصف مقارنَةَ الحكم له، وهذا الحكم يستلزم حصول ما هو مقصود من تشريعه ابتداء. ثالثا: أن هذا التعريف ليس بجامع؛ لأنه يخرج منه التعليل بالحكمة المنضبطة مع أنها يُعلَّل بها عند ابن الحاجب لأن المناسبة مُتحقِّقةٌ فيها ولكن مع عدم وجود الوصفيّة. المحور الثاني: منهجه في إيراد التعاريف في ((جمع الجوامع)): كما هو معلوم فإنّ ((جمع الجوامع)) عبارةٌ عن متنٍ مختصر في أصول الفقه، لذا فإن طبيعةَ المتن تقتضي منهجاً خاصاً في عرض التعاريف، ومن هنا جاء تقسيمي لمنهجه في إيراد التعاريف إلى قسم الشروح، وقسم ((جمع الجوامع))، لأن التعريف في المتن يختلف عن تناول التعريف في ضمن الشرح، وقد اتبع التاج السبكي مناهج متعددة في إيراده للتعاريف في كتابه ((جمع الجوامع)) ومن هذه المناهج:- ¬

_ (¬1) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (4/ 330) (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 331)

أولا: تعريف الشيء بذكر حده المنطقي

أولاً: تعريف الشيء بذكر حده المنطقي: المقصود بالحد المنطقي هو: القولُ الدالُّ على ماهية الشيء (¬1)، بمعنى أنه لا يذكر في تعريفه إلا ما يدلُّ على حقيقته بذكر مقوِّماته الأساسية، وصفاته الذاتية دون غيرها. وقد اتبع التاج السبكي في تعريفاته هذا النمط من التعاريف، ومن الشواهد الدالة على ذلك:- 1 - قوله في تعريف النظر أنه: ((الفكرُ المؤدي إلى علم أو ظن)) (¬2) فقوله ''الفكر'': جنسٌ يشمل حركة التخيلات وغيرها، وقوله ''المؤدي'' فصلٌ خرج به ما لا يؤدي كذلك كالحدس، ويدخل فيه الفكر الذي يُطلبُ به التصور والذي يُطلبُ به التصديق؛ ... وأطلق العلم ليشمل العقلي وغيره تصوراً وتصديقاً بخلاف الظن؛ فإن المراد به التصديق (¬3). 2 - وقوله في تعريف فرض الكفاية بأنه: ((مُهمٌّ يُقصَدُ حصوله من غير نظرٍ بالذات إلى فاعله)) (¬4) فقوله ''مهمٌّ يُقصَدُ حصوله'' جنسٌ يشملُ فرضَ العين وفرض الكفاية والمندوب، ... وقوله ''من غير نظر إلى فاعله'' فصلٌ يُخْرجُ فرضَ العين؛ لأن فرضَ العين يُنْظَرُ فيه إلى الفاعل فهو مطلوبٌ من كل مكلَّف فِعْلُه ولا يُجزئُ غيره القيام به، وقوله ''بالذات إلى فاعله'' لبيان أن المقصود وقوعَ الفعل بغض النظر عن فاعله لأنه هو المقصود [أي الفعل] وليس الفاعل، وإنما الفاعل مقصودٌ بالعَرَض؛ لأنه لا بد لكل فعل من فاعل، إذ الفعل من غير فاعل محال (¬5). ثانياً: التعريف عن طريق إيراد التقسيمات: انتهج التاج السبكي هذا المنهج المتمثِّل بذكر الأقسام التي من خلالها يُتَعرَّفُ على حدود المقسَّمات دون إيراد التعريفات الحدِّية لها، ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله في بيان تقسيمات اللفظ: ((اللفظُ والمعنى إن اتحدا، فإن منعَ تَصوُّر معناه الشركة فجزئي، وإلا فكليٌّ، متواطئٌ إن استوى، مشكّكٌ إن تفاوت، وإن تعدَّد فمتباين، وإن اتحد المعنى دون اللفظ فمترادف وعكسه إن كان حقيقة فيهما فمشترك، وإلا فحقيقة ومجاز)) (¬6). فأنت ترى أن التاج السبكي قد ذكر مجموعةً من الأمور ولم يعرِّف أيّاً منها تعريفاً حديا، إلا أنه يُمكنُ معرفةُ حدودها من خلال التقسيم الذي وضعه. فالجزئي: ما يمنع تصوُّرُ معناه الشركة فيه. ومن خلال المقابلة بين الجزئي والكلي يمكن حدُّ الكلي بأنه: ما لا يمنع تصوُّرُ معناه من وقوع الشركة فيه. ثم إنّ الكليَّ ينقسم إلى قسمين:- الأول المتواطئ: وهو ما كان حصوله على أفراده بالتساوي، والثاني المشكَّك: وهو ما لا يكون حصوله على أفراده بالتساوي، بمعنى أنه الذي يتفاوت في مفهومه شدةً وضعفا (¬7). ثم تحدَّث عن القسمة الثانية للفظ والمعنى وهي: أن يتعدد اللفظ والمعنى فهو المتباين، ثم بين الترادف وهو: أن يكون اللفظ متعدداً والمعنى واحد. ¬

_ (¬1) انظر الغزالي، معيار العلم ص 255 (¬2) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 127 (¬3) انظر شرح التعريف في الزركشي، تشنيف المسامع (1/ 94) (¬4) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 128 (¬5) انظر التاج السبكي، منع الموانع ص 130، الزركشي، تشنيف المسامع (1/ 112) (¬6) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 135 (¬7) انظر: الزركشي، تشنيف المسامع (1/ 200)

ثالثا: تعريف الشيء عن طريق تعريف ما يقابله

وقوله ''وعكسه'' أي عكس الترادف وهو أن يتحدَ اللفظُ ويتكثَّرَ المعنى، ثم بيَّن أقسامه فقال: ((إن كان حقيقة فيهما فمشترك)) فهذا يعني أن المشترك: اللفظ الموضوع على أكثر من معنىً حقيقة، وأما إن كان اللفظ حقيقة في أحدهما فالأول حقيقة والثاني مجاز. وبهذا يكون التاج السبكي قد بيَّن لنا معاني هذه الأمور ولكن لا بطريق التعاريف الحدية ... وإنما بطريق التقسيمات العقلية. ثالثاً: تعريف الشيء عن طريق تعريف ما يقابله: أحيانا ترى التاج السبكي يذكرُ تعريف أحد الأمرين المتقابلين، ولا يتعرَّضُ لتعريف الآخر مكتفياً بتعريفه من خلال تعريف مقابله فقط. فمن ذلك قوله في تعريف الصحة والبطلان: ((والصحة موافقة ذي الوجهين الشرع ... [ثم قال] ويقابلها البطلان وهو الفساد)) (¬1). فهاهنا بيَّن لنا التاج السبكي أولاً معنى الصحة وهو كون الشيء مما يمكن وقوعه تارةً موافقاً للشرع وتارةً لا يوافق الشرع. ثم بيَّن أنّ المقابل للصحة هو البطلان والفساد، ولم يتعرَّض لتعريفه مكتفياً بتعريف الصحة، ولما كانت الصحة ضدُّ البطلان يمكن حدُّه بأنه: مخالفة ذي الوجهين الشرع، وهذا عُلِمَ من خلال المقابلة بين الصحة والفساد. رابعاً: بدء المسألة بذكر التعريف وبناء المسألة على التعريف: كان التاج السبكي مُهتمّاً بإبراز حقيقة التعاريف فهو لا يَذكرُ في التعريف إلا ما يؤدي إلى تصوُّره تصوُّراً صحيحا، لذا فقد وجدته يضعُ من القيود أو يحذفُ أخرى من التعاريف، بحيث أنَّ القارئَ يمكن أن يَسْتخلصَ المسألةَ من خلال التعريف، وقد نصّ التاج السبكي على أنه يبني المسألة على التعاريف - وخاصة في ((جمع الجوامع)) - وذلك في كتابه ((منع الموانع)) حيث قال هناك: ((وقد نثرنا مسائلَ الإجماع على الحد أحسنَ نثر واستخرجناها كلَّها من التعريف، على عادتنا في هذا الكتاب التي لم نُسْبَقْ إليها، وهي البَداءَةُ بالتعريف، ثم استخراجُ مسائل الباب منه؛ بحيث يَلُوحُ لذي الفِطْنة اكتفاؤُه بالتعريف عن النظر في تلك المسائل، لإمكانه فهمه إياها منه، ولا يبقى في إعادة ذكرها إلا فائدةُ التنصيص عليها، وحكاية الخلاف فيها والتنبيه على قيودٍ قد تَعْتَوِرها) (¬2). ومن الشواهد الدالة على ذلك: 1 - قوله في تعريف الإجماع أنه: ((اتفاق مجتهدي (¬3) الأمة بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر على أي أمر كان)) (¬4) ¬

_ (¬1) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 126 (¬2) التاج السبكي، منع الموانع ص 331 - 332 (¬3) هكذا وردت في جمع الجوامع غير أنه قد نص في منع الموانع أنها تكتب مجتهد بحذف الياء، فهو مفرد مضاف فهو عام يدخل فيه الاثنان فأكثر انظر منع الموانع ص 326 (¬4) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 165

المبحث الثاني منهجه في تحرير محل النزاع

فإن الناظر في هذا التعريف قد يتلَمَّحُ مسائلَ الباب وأحكامه منه فمن ذلك قوله ''اتفاق'' يدل على أنه لا عبرة بانفراد الواحد بقولٍ لا يوجد غيره، كما يدل على خروج الإجماع السكوتي لأنه ليس اتفاق بهذا المعنى، وقوله ''مجتهدي الأمة'' لبيان أن الإجماع مقتصرٌ في المجتهدين فقط ولإخراج عوام الأمة وإخراج إجماع أهل المدينة وأهل البيت والخلفاء الأربعة والشيخين وأهل الحرمين والمصرين ونحوها، وقوله ''بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم'' لبيان أنه لا يكون الإجماع في عهده صلى الله عليه وسلم إذ العبرة بقوله أو تقريره، وقوله ''في عصر'' فهو للقّدْر المشترك بين الأعصار كلها، ... ونكَّرَها لأنه لا يظهر فرقٌ بين عصر وعصر، وفيه إشارة إلى أنه غير مختص بعصر الصحابة، ... وقوله ''على أي أمر كان'' بيانا أن الإجماع ينعقدُ على أيِّ أمرٍ سواء أكان في العقليات أو اللغويات أو ما أصله أمارة ونحوها (¬1). فهذه الأمور كلُّها قد عُلِمت من التعريف فلو أنه اكتفى به دون ذكرها لكان في ذكر هذا الحد على هذه الصورة غنىً عنها، وقد وجدت التاج السبكي قد صرَّح بكل هذه المسائل بعد ذكر التعريف (¬2)، فكان كما قال من أنه قد بنى المسائل على التعريف واستخرجها منه. المبحث الثاني منهجه في تحرير محل النزاع المقصود بتحرير محل النزاع هو: تعيين نقطة الخلاف بالتحديد وبيان مقصود المتخالفين حتى يظهر منذ البداية إذا كان مقصودهما متحدا، أو أن أحدهما يقصد خلاف ما يقصده الآخر، ومن فوائد تحرير محل النزاع حصر محل النزاع في صور محدودة أو توسيعه بناءً على إدخال صُور أخرى فيه (¬3). لقد اهتمَّ التاج السبكي بتحرير محل النزاع ولم يكن يُطلق الخلاف في مسألة ما، بل كان يَعْمَدُ إلى تحرير محل الخلاف فيها، مبيِّنا المحل الذي وقع فيه النزاعُ تحديدا، وإخراج ما عداه من الصور التي لا خلاف فيها. وهذا المنهج اتبعه التاج السبكي في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)) لأن هذه الأماكن هي محلها، أما في ((جمع الجوامع)) و ((منع الموانع)) فلم يتعرَّض له، وذلك نظراً لطبيعة الكتابين الأول: متنٌ لا يُتعرَّضُ فيه عادةً إلى تبيين محل النزاع، والثاني: جاء رداً وبياناً لما وُجِّه إلى ((جمع الجوامع)) من انتقادات واستفسارات. وقد اتبع التاج السبكي عدة طرائق في تحرير محل النزاع أذكر منها: أولاً: تحرير محل النزاع بنقله عن غيره من العلماء الذين حرروه سابقا: من الطرائق التي اتبعها التاج السبكي في تحرير محل النزاع هو أنه كان يأتي بتحرير محل النزاع نقلا عمن قام بتحريره من العلماء مكتفيا بما أوردوه. ومن الشواهد الدالة على ذلك: 1 - قوله في بيان مسألة الأمر المعلَّق بشرط أو بصفة هل يفيد تكرار المأمور به أو لا في كتابه ((الإبهاج)): ((ولا بد من تحرير محل النزاع قبل الكلام فيها، فنقول: ¬

_ (¬1) انظر: التاج السبكي، منع الموانع ص 326 - 330 (¬2) انظر: التاج السبكي، جمع الجوامع ص 165 - 167 (¬3) عبد الوهاب أبو سليمان، منهج البحث في الفقه الإسلامي ص 181

ثانيا: تحرير محل النزاع أول المسألة

قال الآمدي ومن تبعه: ما عُلِّقَ المأمورُ به من الشرط أو الصفة إما أن يكون ثبت كونه علَّةً لوجوب الفعل مثل {الزانيةُ والزاني فاجلدوا} (¬1)، وقولنا: إن كان هذا المائع خمراً فهو حرام؛ فإنّ الحكمَ يتكرَّر بتكرره اتفاقا، وإن لم يثبت كونه علَّةً بل توقَّفَ الحكمُ عليه من غير تأثير له كالإحصان الذي يتوقف عليه الرجم، فهو محل الخلاف، انتهى)) (¬2) (¬3). 2 - وقوله في مسألة عمل الصحابي بخلاف ما روى في ((رفع الحاجب)): ((وقد جعل المصنف - تبعا للآمدي (¬4) - موضوع المسألة في الصحابي يَعملُ بخلاف ما رواه، لا في راوي الخبر مطلقا ... وأما الإمام الرازي (¬5) وغيره، فذكروا أنّ الخلافَ في المسألة واقعٌ على الراوي يعمل بخلاف خبره، سواء كان صحابيا، أم لا إذا كان من الأئمة، وهو الصحيح، وبه صرَّح إمام الحرمين)) (¬6) ففي هذا المثال ترى أن التاج السبكي نقل عن الآمدي وابن الحاجب تخصيصهم محل النزاع في عمل الصحابي فقط، ولكنه لم يرْتَضِ ذلك، بل نقل عن الإمام الرازي أنه عمَّم النزاع في كلِّ راوٍ يعمل بخلاف ما روى، فعند الآمدي ومن تبعه محلُّ النزاع محصورٌ في صورة الصحابي فقط، في حين وسَّع الإمام الرازي وأتباعه محلَّ النزاع في كلِّ راوٍ. ثانياً: تحرير محل النزاع أول المسألة: وجدت التاج السبكي يتَّبع منهجاً في إيراد محل النزاع في أول المسألة بحيث يبدأُ بتحرير محل النزاع ومن ثم يُعرِّجُ إلى شرح المسألة وبيان ما فيها من أقوال وحُجَج. ومن الشواهد الدالة على ذلك:- 1 - قوله في مسألة أقل الجمع في كتابه ((الإبهاج)): ((اختلفوا في أقل الجمع على مذاهب، وليس محل الخلاف فيما هو المفهوم من لفظ الجمع لغة، وهو ضَمُّ شيء إلى شيء؛ فإن ذلك في الاثنين ... والثلاثة، وما زاد بلا خلاف، وقد أفهمَ كلامُ ابنُ برهان في ((الوجيز)) خلاف ذلك، وليس كما أفهم، وإنما محل الخلاف في اللفظ المسمَّى بالجمع في اللغة مثل: مسلمين وغيره من جموع القلة لا جموع الكثرة فإنّ أقلَّها أحدَ عشر بإجماع النحاة)) (¬7). ثم عرض بعد ذلك للمذاهب الواردة في أقل الجمع وحججهم وما يرد عليها. 2 - قوله في مسألة عموم المقتضى في كتابه رفع الحاجب: ((اعلم أنّ التقديرات الصالح أحدها للإضمار قد يعمُّها لفظ، وقد لا يعَمُّ متعدّداً منها لفظ، بل تكون أموراً متباينة، وهو الغالب ... ، وحينئذٍ فقد يكون بينها جميعا أو بينها وبين بعضها تناف، وقد لا يكون، فهذه أقسامٌ كثيرة لن يُقدِّمَ المتأملُ كلامنا في هذه المسألة أمثلها. [ثم قال:] ويجب عندي انتفاء الخلاف عن قسمين منها: أحدهما: ما إذا كان اللفظ عامّاً لجميع تلك الأمور فأنّ الواجبَ تقديرُ ذلك العام، لأنه أقرب إلى الحقيقة. ¬

_ (¬1) سورة النور آية 2 (¬2) انظر: الآمدي، الإحكام (2/ 384) (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 55) (¬4) انظر: الآمدي، الإحكام (2/ 342) (¬5) انظر: الرازي، المحصول (4/ 439) (¬6) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 450) (¬7) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 126)

ثالثا: تحرير محل النزاع في نهاية المسألة

والثاني: أن يتنافيا، فالواجب عدم تقديرهما ... فنخصُّ محلَّ الخلاف بما وراء هذين القسمين [ثم قال:] وإذا عرفت محله فنقول)) (¬1) ثم ذكر المذاهب والحجج على ذلك. ثالثاً: تحرير محل النزاع في نهاية المسألة: وهذه طريقة أخرى اتبعها التاج السبكي في بيانه لمحل النزاع مُلَخَّصها: أنّ التاج السبكي يبدأُ بشرح المسألة وما فيها من أقوال وحجج ومن ثَمَّ يختمُ المسالة ببيان محل النزاع، وأحيانا كان يجعل تحرير محل النزاع فائدةً من الفوائد التي يختم بها المسائل وإليك الأمثلة على ذلك:- 1 - قوله في مسألة غلبةَ المجاز على الحقيقة بعد شرح المسألة: ((واعلم أنّ التمثيل بالطلاق من أصله فيه نظر متوقف على تحرير محل النزاع في المسألة، وهو مهم وقد حرَّره المتأخرون من كتب الحنفية، [ثم حرر المسألة فقال:] المجاز أقسام: الأول: أن يكون مرجوحاً. والثاني: أن يساوي الحقيقة في الاستعمال، فلا ريبَ في تقديم الحقيقة في هذين القسمين. والثالث: أن تُهْجَرَ الحقيقةُ بالكلية بحيث لا تُرادُ في العُرْف فقد اتفقا [أبو حنيفة وأبو يوسف] على تقديم المجاز ... الرابع: أن يكون المجاز راجحا، والحقيقة تتعاهد في بعض الأوقات ... فهذا هو محل النزاع)) (¬2). 2 - وقوله في مبحث الاستصحاب في رفع الحاجب بعد شرح كلام ابن الحاجب: ((ونحن نقول: للاستصحاب صور: إحداها: ما ذكرناه من استصحاب العدم الأصلي، وهذا إن ثَبتَ فيه خلاف، فَلغير أصحابنا، وأما أصحابنا فمُطبقون على أنه حُجَّة. والثانية: استصحابُ مقتضى العموم، أو النص إلى أن يَرِدَ المخصِّصُ والناسخ، ولم يختلف أصحابنا في أنه حُجَّة أيضا ... والثالثة: استصحاب حال الإجماع في محل الخلاف ... [قال:] هذا محل الخلاف بين أصحابنا)) (¬3) 3 - ومن المسائل التي جعل تحريرَ محل النزاع فيها فائدةً مستقلة قوله بعد الحديث على حمل اللفظ على الحقيقة والمجاز في رفع الحاجب حيث ذكر فوائد منها الثانية قوله: ((الخلاف في الحمل على الحقيقة ... والمجاز إنما هو فيما إذا ظهر قَصْدُ المجاز بقرينة مع السكوت عن الحقيقة، أو قصدهما معا، أما إذا قَصدَ الحقيقةَ فقط، فالحمل عليها فقط بلا نزاع، أو المجاز فقط اختصَّ به بلا نزاع ... [إلى أن قال:] فإذن الصور أربع: إحداها: أن تدلَّ القرينةُ على إرادة المجاز مع السكوت عن الحقيقة، وهي من محل الخلاف. والثانية: أن تدلَّ على إرادتهما جميعا، وهي أيضا من محل الخلاف ... والثالثة: ألا تكون قرينة، ولكن للمجاز شُهْرةٌ وازى بها الحقيقة، وهي من محل الخلاف أيضا ... والرابعة: حالةُ الإطلاق مع عدم شُهْرة المجاز، ولا خلاف أنه لا يحمل فيها على المجاز ... وإن أوهمَ كلامُ بعضهم أنه من محل الخلاف فلا تعتبره، وهذا فصلٌ نفيسٌ فاحفظه)) (¬4). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 154) (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 316 وما بعدها بتصرف) (¬3) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 492) (¬4) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 143 - 144) وكان التاج السبكي قد ذكر هذه الفائدة بعينها في كتابه الإبهاج (1/ 266) فانظرها.

المبحث الثالث منهجه في عرض الأقوال

المبحث الثالث منهجه في عرض الأقوال إن مسائل علم الأصول منها ما هو متفق عليه ومنها ما هو محل خلاف، وكتب الأصوليين منها ما يعرض للخلاف في هذه المسائل وبذلك بذكر كل الأقوال الواردة فيها أو بعضها، ومنها ما لا يتعرض لذلك بل يكتفي بذكر القول الراجح أو الصحيح فقط دون التعرض للخلاف، ومن هنا فمن يعرض للأقوال لا بد أن يعرضها وفق منهجية معينة، والتاج السبكي اتبع في طريقة عرضه للأقوال مناهج متعددة، وهذه المناهج أَمْلَتها عليه ظروف التأليف الخاصة، إذ أنه عرض للأقوال ضمن شرحيه على المختصرات [((المنهاج)) و ((مختصر ابن الحاجب))] كما أنه عرض لها في كتابيه ((جمع الجوامع)) و ((منع الموانع))، لذا فإني سأعرض للمنهج في هذا المبحث ضمن محورين:- المحور الأول: منهجه في شروح ((المنهاج)) و (المختصر)):- لقد التزمَ التاج السبكي في طريقة عرضه للأقوال، في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)) نفس طريقة أصحابها إلا أنه أضاف إليها بعض الأمور مما له علاقة بوظيفة الشراح، ومن هذه الأمور: أولاً: التصريح بأصحاب الأقوال التي وردت في المتن مطلقة: من المعلوم أن أصحاب المتون عندما يضعون متونهم فإنهم لا يهتمون بذكر أصحاب الأقوال كثيراً، بقَدْر اهتمامهم بعرض هذه الأقوال كما توصلوا إليها، وأحياناً يُشيرون إلى أصحابها وأخرى يشيرون إلى أشهر من عرف بها وهو الغالب، وأحياناً أخرى لا يشيرون أصلا، ويأتي الشراح فيحقِّقون نسبةَ الأقوال إلى أصحابها، ويضيفون أقوالاً أخرى، وقائلين آخرين بالإضافة إلى رد الأقوال المطلقة إلى أصحابها وقد اتبع التاج السبكي في شرحيه كل ذلك (¬1). ومن الشواهد الدالة على تصريحه بأصحاب الأقوال: 1 - قوله في شرح قول البيضاوي: ((الأمرُ بعد التحريم للوجوب، وقيل للإباحة)) (¬2) ناسباً هذه الأقوال إلى أصحابها: ((الأول: أنها على حالها في اقتضاء الوجوب [صيغة الأمر]، وهو اختيار الإمام وأتباعه، وبه قالت المعتزلة، وصحَّحه الشيخ أبو اسحق الشيرازي في ((شرح اللمع))، والإمام أبو المظفر بن السمعاني في ((القواطع)) ... والثاني: أنها تكون للإباحة، ورجَّحه ابن الحاجب، ونقَله ابنُ برهان في ((وجيزه)) عن أكثر الفقهاء والمتكلمين، وابن التلمساني في ((شرح المعالم)) عن نصَّ الشافعي ... )) (¬3) وبذلك ترى كيف رد التاج السبكي الأقوال التي أطلقها البيضاوي إلى أصحابها. ¬

_ (¬1) إضافته لأقوال أخرى مرت أمثلة عليها في مباحث سابقة من هذه الرسالة، وأما تحقيق نسبة القول فسيأتي في النقطة الثالثة من هذا المبحث. (¬2) البيضاوي، منهاج الوصول ص 71 (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 43 - 44)

ثانيا: التنبيه على التطور التاريخي للآراء والأقوال

2 - قوله في شرح قول ابن الحاجب: ((لا تثبت اللغة قياسا خلافا للقاضي وابن سريج)) (¬1) مبيِّناً أصحاب هذا القول: ((لا تثبت اللغة قياساً عند إمام الحرمين، والغزالي، وابن القُشيري، ... والآمدي، وطائفةٌ من أصحابنا، ومن الحنفية وابن خويزمنداد من المالكية، خلافا للقاضي، وابن سريج، وابن أبي هريرة، وأبي اسحق الشيرازي، والإمام وكثير من أصحابنا، وابن القصار وابن التمار من المالكية، وأهل العربية، كالفارسي، وابن جني، والمازري)) (¬2). ففي هذا المثال ترى أن التاج السبكي قد رد القول الأول إلى أصحابه المصرحين به، وأضاف إلى القول الثاني عددا من القائلين به سوى الذين اشْتُهرَ عنهم. ثانياً: التنبيه على التطور التاريخي للآراء والأقوال: ذكرت سابقا أن المقصود من بيان التطور التاريخي هو بيان المتقدم في القول من المتأخر ومن الذي تأثر بالآخر وكيفية هذا التأثير، والتاج السبكي في شرحيه يهتمُّ بإبراز ذلك وينصُّ عليه في كثير من الأحيان. ومن الشواهد الدالة على ذلك:- 1 - قوله معقّباً على تعريف الدوران الذي أورده البيضاوي وهو: ((أن يَحدثَ الحكمُ بحدوث الوصف وينعدم بعدمه)) (¬3) قال: ((وقد سبقَ الغزاليُّ إلى هذه العبارة)) (¬4). فهو بذلك قد بيَّن لنا أنْ الغزاليَّ هو من عرَّفه بهذه الصورة وأن من بعده معتمداً عليه في هذا التعريف والبيضاوي من بينهم. 2 - قوله معقِّباً على قول ابن الحاجب في مباحث العموم: ((نحو قول الصحابي: {نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر} (¬5)، و {قضى بالشفعة للجار} (¬6) يَعُمُّ الغررَ والجار)) (¬7) قال التاج السبكي ((وقال المصنف: يعمُّ الغررَ والجار مطلقاً، وهو شيءٌ ذكره ابن الأبياري شيخ المصنف في ((شرح البرهان)) سؤالا ودفعه، وذكره الآمدي بحثا؛ فارتضاه المصنف وأقامه مذهباً لنفسه، واحتج له بالبحث الذي أبداه الآمدي)) (¬8). فها هنا أشار التاج السبكي إلى أنّ كون هذه الصيغة دالة على العموم، هو أمر رده ابن الأبياري كسؤال أورده وذكره الآمدي في موضع البحث، فجاء ابن الحاجب وأخذه وجعله مذهبا له. ثالثاً: الدقة في نسبة الآراء والأقوال: وهذا أهم ما يميز التاج السبكي في شروحه، وهو أنّه لم يكن متسرِّعا في نسبة الأقوال إلى العلماء بل كان يحقِّقُها، ويَسْتدرِك على الذين نسبوا أقوالا وجدها غير محقَّقَة النِّسبة إلى قائليها. ومن الشواهد الدالة على ذلك: ¬

_ (¬1) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (1/ 425) (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 425 - 426) (¬3) البيضاوي، منهاج الوصول ص 224 (¬4) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 72) (¬5) رواه مسلم في كتاب البيوع باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر برقم 3787 والترمذي في الجامع في كتاب البيوع باب ما جاء في كراهية بيع الغرر برقم 1151 (¬6) لم أجده حديثا بهذا اللفظ (¬7) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (3/ 172) (¬8) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 172)

المحور الثاني: منهجه في ((جمع الجوامع))

1 - قوله تعقيباً على قول البيضاوي في مسألة تأخير البيان: ((وجوَّز البصريُّ ومِنّا القفالُ والدَّقاق ... وأبو اسحق بالبيان الإجمالي فيما عدا المشترك)) قال التاج السبكي: ((وقد نقلَ المصنف تبعاً للإمام هذا المذهب عن أبي الحسين البصري من المعتزلة، والدقاق والقفال وأبي اسحق؛ فأما أبو الحسين فالنقل عنه صحيح، وأما الدقاق فقد نقلَ عنه الأستاذ أبو اسحق في ((أصوله)) موافقة المعتزلة، وأما القفال فالظاهر أنّ المراد الشاشي، وفي النقل عنه نظر؛ فقد نقل عنه القاضي في ((مختصر التقريب))، والشيخ أبو اسحق في ((شرح اللمع)) وغيرهما موافقة سائر الأصحاب على المذهب المختار، وأما أبو اسحق فإن كان هو المروزي كما صرح به الإمام ففي النقل نظر؛ إذ نقل عنه القاضي في ((مختصر التقريب)) والشيخ أبو اسحق، والغزالي، والآمدي: القول بمذهب المعتزلة، وإن كان مراد المصنف الشيرازي؛ فالنقل أيضاً ليس بجيِّد لأنّه قد صرَّح في ((شرح اللمع)) بالجواز مطلقا، وكذلك الأستاذ لا يصح أن يكون هو المراد لتصريحه في كتابه بموافقة الأصحاب)) (¬1). فانظر إلى هذه الدقة، وكيف أن التاج السبكي لم يأخذ هذه النسبة مسلَّمة، وهذا يدلُّنا على أمرين: الأول: سِعةُ إطلاع التاج السبكي على المؤلفات الأصولية. الثاني: دقَّتهُ المتناهية في نسبة الأقوال. 2 - وقوله معقِّباً على قول ابن الحاجب في مسألة حكم اتفاق العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول من كتاب الإجماع: ((الأشعري: العادة تقتضي بامتناعه)) (¬2) قال التاج: ((ولا نعرف هذا من كلام الأشعري نفسه، وإنما هو من كلام إمام الحرمين سيد الأشاعرة)) (¬3). المحور الثاني: منهجه في ((جمع الجوامع)): إنَّ للمختصرات طريقة في عرض الأقوال تخالف نوعا ما طريقة العرض في الشروح، وقد اتبع التاج السبكي في ((جمع الجوامع)) عددا من الطرائق في عرضه للأقوال تتناسب وطبيعةُ كتابه ومن هذه الطرائق: أولاً: أنه غالبا ما يبدأ المسألة بذكر الرأي الراجح لديه إن لم يصرح بخلافه: من خلال استعراضي ((لجمع الجوامع))، وكيفية ترتيب التاج السبكي للأقوال وجدته في الغالب يبدأ المسألة بذكر القول الذي يرتضيه إلا إذا صرَّح في أثناء عرض الأقوال بخلافه، ومن الأمثلة على ذلك:- 1 - قوله في دلالة الأمر على المرة أو التكرار: ((الأمر لطلب الماهية لا لتكرارٍ ولا مرَّة، والمرَّةُ ضرورية، وقيل: المرَّةُ مدلوله، وقال الأستاذ والقزويني: للتكرار مطلقا، وقيل: بالوقف)) (¬4). فلو دقَّق الناظرُ في هذا الترتيب لقضى بأنَّ التاجَ السبكي معتمده القول الأول وهو: أنَّ الأمر لطلب الماهية فقط أي: طلَبُ إيقاع ماهية المأمور به، وليس الأمر دالّاً على الوَحْدة أو التكرار وإنما المرَّة ضرورية، ذلك أنها من ضروريات الإتيان بالمأمور به، ومن ثمَّ ترى أن التاج السبكي قد ضعَّف قولين بصيغة التضعيف بقوله قيل وهما:- القول الأول: أن الأمر يدل على المرة. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 217) (¬2) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (2/ 251) (¬3) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 251) (¬4) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 143

ثانيا: التصريح بذكر أرباب الأقوال وعدمه

القول الثاني: القول بالوقف، وهو يحتمل أمرين: إما أن يكون مشتركا بين المرة والتكرار فيتوقف إعماله في أحدهما على قرينة، وإما: أنه لأحدهما ولا نعرفه فنتوقف لجهلنا بالواقع (¬1). وهكذا شأن أغلب مباحث ((جمع الجوامع))، فإذا ما وجدته قد ابتدأ قولا ولم يصرِّح باختيارٍ يخالفه فاعلم أنّ هذا القول هو المعتمد لديه، والله تعالى أعلم. ومن النوع الثاني: الذي يصرِّح باختيارٍ يخالف فيه ما ذكره أولاً قوله في حُجِّية الحديث المرسل: ((واحتج به أبو حنيفة ومالك والآمدي مطلقا، وقوم إن كان المرسل من أئمة النقل، [إلى أن قال:] والصحيح رده وعليه الأكثر منهم الشافعي والقاضي)) (¬2). ففي هذا المثال ترى أن التاج السبكي قد صرح باختياره في المسألة وهو مخالف لما بدأ به المسألة. ثانياً: التصريح بذكر أرباب الأقوال وعدمه: لقد بين لنا التاج السبكي في ختام ((جمع الجوامع)) منهجه في التصريح بأصحاب الأقوال ... وعدمه فقال: ((ولربما أفصحنا بذكر أرباب الأقوال فحسبه الغبي تطويلا يؤدي إلى الملال، وما درى أنّا إنّما فعلنا ذلك لغَرضٍ تُحرَّك له الهمم العوال، فربما لم يكن القولُ مشهوراً عمن ذكرناه، أو كان قد عزيَ إليه على الوهم سواه، أو غير ذلك مما يُظْهره التأمل لمن استعمل قواه)) (¬3). فمن هذا النص يُعلَم أن التاج السبكي يصرِّح بأصحاب الأقوال لفوائد منها: 1 - عدم شُهرة القول عن المصرِّح به. 2 - أن يعزى إليه قولُ لا يقول به والتحقيق خلافه. 3 - تقوية القول الغريب. ومن الشواهد الدالة على ذلك: 1 - قوله في فرض الكفاية: ((وزَعمه الأستاذ وإمام الحرمين وأبوه أفضل من العين)) (¬4). فها هنا قد صرَّح التاج السبكي بالقائلين وهم الأستاذ أبو اسحق الإسفراييني، وإمام الحرمين الجويني وأبوه وقد بيَّن في ((منع الموانع)) السرَّ في ذلك فقال: ((له [التصريح بأسماء القائلين] فائدتان: أحدهما: غرابةُ القول في نفسه، والغريبُ يتقوَّى بعزوه إلى قائله لا سيَّما إذا كان قائله إماماً معتبراً ككل أحد من هؤلاء. والثانية: أنّه مشهور عن إمام الحرمين فقط، قال النووي في الروضة: ((والأكثر إنما عزوه إليه))، [قال التاج السبكي معقِّبا]: فأخذنا أنّ له سَلَفاً عظيماً وهو والده الشيخ أبو محمد والأستاذ أبو اسحق)) (¬5). 2 - قوله في مسألة التكليف بالمحال: ((ومنع أكثر المعتزلة والشيخ أبو حامد , الغزالي، وابن دقيق العيد ما ليس ممتنعاً لتعلُّق العلم بعدم وقوعه)) (¬6) ¬

_ (¬1) انظر: الزركشي، تشنيف المسامع (1/ 307) (¬2) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 163 (¬3) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 203 (¬4) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 128 (¬5) التاج السبكي، منع الموانع ص 465 وما بعدها (¬6) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 130

ثالثا: ترتيب أصحاب الأقوال - حيث صرح بهم - حسب الأقدمية لبيان التطور التاريخي لها

قال التاج السبكي - مبيّناً سببَ التصريح بهؤلاء العلماء - في كتابه ((منع الموانع)): ... ((وصرَّحنا بهم لأنّهم من أئمة أهل السنة، فتُسْتغرَبُ موافقتهم للمعتزلة، وأبو حامدٍ هو الإسفراييني شيخ العراقيين من متقدميهم، والغزاليُّ من متوسطيهم، وابنُ دقيق العيد من متأخريهم؛ فكان في التصريح بهم أيضاً فائدةٌ في أنّ في كل قرن منَّا من يوافقهم)) (¬1). وبهذا ترى الفوائد والأسرار في التصريح بأسماء القائلين، وقد أسهب التاج السبكي في بيان عدد من هذه الفوائد كمنهج تطبيقي في كتابه ((منع الموانع)) فانظره هناك (¬2). ومن المواضع التي لم يصرح فيها بأصحاب الأقوال: وهو الأغلب في ((جمع الجوامع)) قوله في مسألة الأمر بواحد مبهم: ((الأمرُ بواحد من أشياءَ يوجبُ واحداُ لا بعينه، وقيل الكل، ويسقط بواحد، وقيل الواجب معين فإن فعل غيره سقط، وقيل هو ما يختاره المكلف ... )) (¬3) ففي هذا المثال ذكر لنا التاج في المسألة أربعة أقوال ولم يصرِّح بأصحاب هذه الأقوال: القول الأول: أنَّ الواجبَ واحدٌ لا بعينه، وهذا القول هو الذي ارتضاه التاج السبكي ونقل القاضي إجماع سلف الأمة والفقهاء عليه (¬4). القول الثاني: أنَّ الكلَّ واجبٌ ويسقط الطلب بفعل واحد منها، قال الزركشي: ((نقله القاضي عن أبي هاشم وابنه من المعتزلة وبعض الفقهاء)) (¬5). القول الثالث: أنَّ الواجب معيَّنٌ عند الله تعالى مبهمٌ عندنا، ويسقط الطلب بفعل شيء من الأمور المذكورة، وهذا القول لم يَقُل به أحدٌ من العلماء على ما قاله التقي السبكي (¬6) والد التاج، وسمِّيَ بقول التراجم؛ لأن الأشاعرة ينسبونه إلى المعتزلة والمعتزلة تنسبه إلى الأشاعرة، واتفق الفريقان على ... فساده (¬7). القول الرابع: أنَّ الواجب واحد وهو ما يفعله المكلف ونُسبَ إلى ابن الحاجب (¬8). ثالثاً: ترتيب أصحاب الأقوال - حيث صرَّح بهم - حسب الأقدمية لبيان التطور التاريخي لها: عندما كان يُصرِّح التاج السبكي بأصحاب الأقوال؛ فإنّه كان يأتي بهم مرتبين بحسب الأقدمية بحيث يَلُوح للناظر معرفةُ المتقدم في القول وأنَّ الآخرين قد أخذوه منه. ومن الشواهد الدالة على ذلك:- قوله في مسألة الأمر النفسي بشيء معيَّن هل هو نهي عن ضده أم لا: ((قال الشيخ ... والقاضي: الأمرُ النفسي بشيءٍ معيَّن نهيٌ عن ضده الوجودي، وعن القاضي يتضمنه وعليه عبد الجبار وأبو الحسين والإمام والآمدي، وقال إمام الحرمين والغزالي: لا عينه ولا يتضمنه)) (¬9). فمن خلال النظر في ترتيب القائلين يمكن معرفة المتقدم منهم في القول من المتأخر، وإن المتأخر تابع للمتقدم، ففي هذا المثال تجد: ¬

_ (¬1) التاج السبكي، منع الموانع ص 468 (¬2) انظر ذلك في منع الموانع ص 464 - 471 (¬3) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 128 (¬4) نقل ذلك الزركشي في تشنيف المسامع (1/ 107) (¬5) الزركشي، تشنيف المسامع (1/ 107) (¬6) نقل ذلك عنه ولده التاج السبكي في رفع الحاجب (1/ 508) (¬7) انظر: المصدر السابق الزركشي، تشنيف المسامع (1/ 107) (¬8) انظر المصدر السابق (¬9) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 144

رابعا: الإشارة إلى وجود الخلاف، وإلى ضعف بعض الأقوال

1 - أن الشيخ أبا الحسن الأشعري والقاضي الباقلاني يعتبران الأمر النفسي بشيء معين نهياً عن ضده، وفي ذكره للقاضي بعد الأشعري لأنّ الأشعري متقدم عليه، وإشارةٌ إلى أنَّ القاضي متابع للأشعري في ذلك. 2 - وكذلك في تقديمه للقاضي في القول الثاني المروي عنه وهو: أن الأمر بشيء معين متضمّنٌ النهيَ عن ضده، فقدم القاضي ثم ذكر أسماء العلماء الآخرين الذين تأثروا به في ذلك وذكرهم مرتبين زمنياً عبد الجبار يليه أبو الحسين البصري ثم الإمام الرازي فالآمدي، ومعلوم أن ترتيبهم هكذا هو الموافق لترتيبهم التاريخي. رابعاً: الإشارة إلى وجود الخلاف، وإلى ضعف بعض الأقوال: من عادة التاج السبكي في هذا المختصر الإشارة إلى وجود الخلاف في بعض المسائل أثناء عرضه للأقوال بحيث يمكن للمتأمل فيه أن يُدْرك ذلك، وقد أشار التاج السبكي في كتابه ((منع الموانع)) إلى أنه يشير بلفظ ولو إلى خلاف ضعيف فإن قويَ الخلافُ فإنه يصرّحُ به وقال: ((ونحن أبدا نشير بلفظ ولو إلى خلاف فإن قَويَ أو تحقَّق صرَّحنا به، وإلا اكتفينا بهذه الإشارة، فاعرف ذلك)) (¬1) وقال في موضع آخر: ((قد أشرت إليهما بقولي ولو ومن عادتي الإشارة به إلى خلاف ضعيف لا ينتهض بحيث يصرَّح بحكايته، أو احتمال خلاف وإن لم يوجد)) (¬2). ومن الشواهد الدالة على ذلك:- 1 - قوله: في مسألة التخصيص بمذهب الراوي: ((ومذهب الراوي ولو صحابيا ... لا يخصِّص)) (¬3) ففي هذا النص أمران: الأول: أنّ المعتمدَ عند التاج السبكي أنَّ مذهب الراوي سواء أكان من الصحابة أو غيرهم لا يخصِّصُ العموم. والثاني: أشارَ التاج السبكي إلى وجود خلاف في المسألة وهو خلافُ الحنفية في عمل الصحابي بخلاف ما روى، بقوله: ''ولو صحابيا '' وفي قوله ولو دلالةٌ عنده على ضعفِ هذا القول وسقوطه. 2 - قوله في بيان عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: ((الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون لا يَصْدُرُ عنهم ذنبٌ ولو صغيرةً سهوا)) (¬4). ففي قوله '' ولو صغيرة '' إشارةٌ إلى وجود خلاف ضعيف بين العلماء في جواز الصغائر على الأنبياء (¬5)، والمعتمد خلافه. وأما إشارته إلى ضعف بعض الأقوال: فذلك يكون إذا عبر عنه بلفظ قيل فإن اشتد ضعفه عبر عنه بقوله زعم. فمن النوع الأول قوله في حُجِّية الدوران في إفادته العلة: ((قيلَ لا يفيد، وقيل قطعي، ... والمختار وفاقا للأكثر ظني)) (¬6) فها هنا أشار التاج السبكي إلى ضعف قولين هما:- الأول: عدم إفادة الدوران للعلِّيَّة مطلقا. والثاني: أنّه يفيد العلَّة قطعا. وصرَّح باختيار الثالث وهو: كون إفادته للعلَّة ظنا. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، منع الموانع ص 291 وما بعدها (¬2) المصدر السابق ص 369 (¬3) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 150 (¬4) المصدر السابق ص 155 (¬5) صرح بجواز الصغائر على الأنبياء سهوا، البيضاوي في المنهاج حيث قال:" الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون لا يصدر عنهم ذنب إلا الصغائر سهوا " انظر: البيضاوي، منهاج الوصول ص 151، وانظر الأقوال في ذلك في الآمدي، الإحكام (1/ 145 - 146) (¬6) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 176

خامسا: اختزال الأقوال

ومن النوع الثاني قوله في تعريف المطلق: ((المطلق الدال على الماهية بلا قيد، وزعم الأمدي (¬1) وابن الحاجب (¬2) دلالته على الوحدة الشائعة توهّماه النكرة)) (¬3) ففي هذا النص صرَّح التاج السبكي بتضعيف قول الآمدي وابن الحاجب في تعريف المطلق ... وذلك بقوله وزعم الدالة على شدة ضعفه (¬4). خامساً: اختزال الأقوال: المقصود باختزال الأقوال: هو جمع مجموعة من الأقوال في قول واحد يدلُّ عليها بحيثُ يُصرَّحُ بقولٍ ما ويطوى ذكرَ بقية الأقوال لإمكان فهمها واستخراجها من القول المصرَّح به، وقد نصَّ التاج السبكي على اتباعه هذا المنهج من الاختصار في ((جمع الجوامع)) بقوله: ((واعلم أنّا وغيرنا كثيراً ما نطوي في حكاية المسألة المشتملة على مذاهب ذكر ثانيها، وكذا ذكر الأول إذا لم يكن المختار، لدلالة لفظ الثالث عليهما)) (¬5). ومن الشواهد الدالة على ذلك:- 1 - قوله في حجية الإجماع السكوتي: ((أما السكوتي فثالثها حُجَّةٌ لا إجماع ورابعها: بشرط الانقراض)) (¬6). فالناظر في هذا النص يمكنه بأدنى نظر أن يستخرجَ الأقوال في هذه المسألة على النحو الآتي:- القول الأول: أن الإجماع السكوتي ليس بحجَّة مطلقا ولا إجماع. القول الثاني: أن السكوتي إجماع وحُجَّة. وهذان القولان لم يتعرَّض لذكرهما في المتن مكتفيا بقوله ((فثالثها: حجة لا إجماع))، فقوله ''حجة '' يُفهمُ منه القول بأنَّه ليس حجَّةً مطلقا، وقوله '' ولا إجماع '' يُفهمُ منه القول بأنّه إجماع. 2 - وقوله في تعارض المجاز الراجح والحقيقة المرجوحة: ((أقوال: ثالثها المختار مجمل)) (¬7) فتكون الأقوال كالتالي: الأول: تقديم المجاز لكونه راجحا. الثاني: تقديم الحقيقة. الثالث: أنها مجمل فلا يُعملُ بأحدهما إلا بعد البيان. ففي قوله '' مجمل '' أي: مُجمل بين الحقيقة والمجاز بمعنى أنه لا يُعرف أنه حقيقة أو مجاز إلا بعد البيان، وهذا فيه دلالة على القولين الآخرين لأنه إذا كان متردّداً بينهما فهذا بمعنى وجود من يقول بكل منهما على انفراده، والله أعلم. ¬

_ (¬1) لقد عرف الآمدي المطلق بأنه:" النكرة في سياق الإثبات " انظر: الآمدي، الإحكام (3/ 5) (¬2) عرف ابن الحاجب المطلق بأنه:" ما دل على شائع في جنسه " انظر: مختصر المنتهى (3/ 366) (¬3) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 151 (¬4) وقد بين التاج ضعف هذا القول ورده في رفع الحاجب (3/ 366 - 367) فانظره هناك (¬5) التاج السبكي، منع الموانع ص 400 (¬6) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 166 (¬7) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 138

سادسا: الاقتصار على ذكر الأقوال الصحيحة فقط دون الضعيفة

وقد سار التاج السبكي في أغلب مباحث ((جمع الجوامع)) على هذا النمط من الاختصار، إلا أني وجدته في بعض المسائل يخرج عن هذا الاختصار ويأتي بكل الأقوال الواردة في المسألة، فمن ذلك قوله في دلالة صيغة الأمر: ((والجمهور حقيقةٌ في الوجوب ... ، وقيل في الندب، وقال الماتريدي: للقدر المشترك بينهما، وقيل مشتركة فيهما وفي الإباحة، وقيل في الثلاثة والتهديد، وقال عبد الجبار: لإرادة الامتثال، وقال أبو بكر الأبهري: أمر الله تعالى للوجوب، وأمر النبي صلى الله عليه ... وسلم المبتدأ للندب، وقيل مشتركة بين الخمسة الأُوَل، وقيل بين الأحكام الخمسة، والمختار وفاقا للشيخ أبي حامد وإمام الحرمين: حقيقة في الطلب الجازم، فإن صَدَرَ من الشارع أوجب الفعل)) (¬1). فأنت ترى أن التاج السبكي قد خرج في هذه المسألة عن الاختصار وذكر كل ما ورد فيها من الأقوال على النحو التالي:- الأول: أنه حقيقة في الوجوب فقط وهو رأي الجمهور. الثاني: أنه حقيقة في الندب. الثالث: أنه للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب وهذا رأي الماتريدي. الرابع: أنها مشتركة اشتراكا لفظيا بين الوجوب والندب. الخامس: الوقف بمعنى أنه لا يُدرى أهي حقيقة في الوجوب أو الندب أم فيهما (¬2)، وهو قول القاضي الباقلاني والغزالي والآمدي. السادس: أنها مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة. السابع: أنها مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة والتهديد. الثامن: أنها حقيقة في إرادة الامتثال فقط وهو قول القاضي عبد الجبار من المعتزلة. التاسع: التفصيل بين أمر الله تعالى فيكون للوجوب، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو للندب، وهذا رأي أبو بكر الأبهري. العاشر: أنها مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة والتهديد والإرشاد (¬3). الحادي عشر: أنها مشتركة بين الأحكام الخمسة وهي الوجوب والندب والإباحة والكراهة والتحريم. الثاني عشر: أنها حقيقة في الطلب الجازم والوجوب مستفاد من خارج الصيغة. وبهذا ترى أن التاج السبكي قد استوعب ذكر كل ما ورد في حقيقة صيغة '' إفعل '' ولعل مراده في ذلك التنبيه على تضعيف بعضها وتقوية الأخرى بنسبتها إلى قائليها وأنه لا مانع من الأخذ بها والله تعالى أعلم. سادساً: الاقتصار على ذكر الأقوال الصحيحة فقط دون الضعيفة: اتبع التاج السبكي في بعض الأحيان منهجا يتلخَّص في عرضه للأقوال الصحيحة فقط مُعْرضاً عن ذكر الأقوال الضعيفة، ومن ذلك قوله في البيان: ((وإنما يجب لمن أريد فهمه اتفاقا، والأصح أنه قد يكون بالفعل وأن المظنونَ يبين المعلوم، وأنَّ المتقدمَ وإن جهلنا عينه من القول أو الفعل هو ... البيان)) (¬4). ففي هذا النص عرضَ التاج السبكي للأقوال التي رآها صحيحة وأعرضَ عن ذكره لمقابلها من الأقوال لضعفها. فقوله: '' أنه قد يكون بالفعل '' هذا هو الصحيح وفي المسألة قول مفاده أنَّ البيان لا يكون إلا بالقول ولا يصح بالفعل (¬5). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 142 - -143 (¬2) انظر: الجلال المحلي، شرح جمع الجوامع (1/ 475) (¬3) انظر: المصدر السابق (1/ 476) (¬4) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 153 (¬5) انظر: الزركشي، تشنيف المسامع (1/ 422)

المبحث الرابع منهجه في مناقشة الأقوال والردود على المخالفين

وقوله: '' أن المظنون يبين المعلوم '' هو القول الصحيح في المسألة ولم يذكر الأقوال الأخرى في المسألة لضعفها (¬1). المبحث الرابع منهجه في مناقشة الأقوال والردود على المخالفين لم يكن التاج السبكي في عرضه للأقوال والآراء بل والأدلة مجَّرد ناقل لها فقط بل كان يناقش ما يحتاج منها إلى مناقشة ويَردُّ ما كان منها مردوداً، ويرى أنه ليس من الموضوعية التمحُّل بتأويل الأقوال والتعسُّف لها، ويقول في ذلك: ((وأنا أبدي ما عندي ثم أتكلَّم عليها وأعرضها على الحق فإن وافقته، وإلا طرحتها، فالحق: عرضُ الأقوال على الحق، لا عَرضُ الحق على الأقوال، والتمحُّل لها بغاية التعسف، ونهاية الفساد)) (¬2)، وهذا منهج اتبعه التاج السبكي في أغلب مباحث شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر))، كما اتبع ذلك في كتابه ((منع الموانع))، إلا أنه قد اتبع في ((منع الموانع)) منهجا مغايرا نوعا ما لمنهجه في الشروح وذلك نظرا لطبيعة كتابه ((منع الموانع)) الذي هو عبارة عن ردَّ وإيضاح لبعض الإيرادات التي وجِّهت على كتابه ((جمع الجوامع)) ومن هنا يأتي تقسيمي لهذا المبحث ضمن محورين كالآتي: المحور الأول: منهجه في مناقشة الأقوال والردود على المخالفين في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)): لقد اتبع التاج السبكي عدة طرائق في كيفية مناقشته للآخرين سواءً كانت المناقشة على القول أو الرأي أو الدليل أو التوجيه لدليل ما، ومن هذه الطرائق:- أولاً: الإشارة إلى وجود مناقشة أو اعتراض على القول أو الدليل المذكورين: من منهج التاج السبكي أنه في كثير من الأحيان يشير إلى وجود مناقشة أو اعتراض على ما يذكره ويقرره من الأقوال أو الأدلة، وتتمثل هذه الإشارة بقوله - عقب القول أو الدليل - هذا ما قاله هكذا ذكره أو نحوها من الصيغ التي تبدأ بعبارة هذا أو هكذا أو كذا، فحيثما أعقب الشرح بمثل هذه العبارات، فهي دلالة على وجود مناقشة تأتي بعد ذلك، ومن الشواهد الدالة على ذلك:- 1 - قوله بعد شرح قول البيضاوي في مباحث المجاز: ((المجاز إما في المفرد مثل: الأسد للشجاع ... )) (¬3) قال التاج بعد الشرح: ((هذا شرح ما في الكتاب [ثم قال:] ولك هنا مناقشات: أحدها: على التمثيل بالبيت الذي ذكره (¬4) من جهته أنه إنما يصلح مثالا للقسم الثالث لأن المراد بالصغير من تقدم له الصغر ... )) إلى آخر تلك المناقشات (¬5). فأنت ترى هنا أن التاج السبكي قد مهَّد لهذه المناقشات بقوله: هذا شرح ما في الكتاب؛ لينبِّه القارئَ إلى وجود مناقشات تأتي فيما بعد. ¬

_ (¬1) وهي: القول بأن المبين لا بد أن يكون أقوى، والقول بكونه مساويا والتفصيل بين ما يعلم بالضرورة وما تعم به البلوى فيجب فيه التواتر، وبين غيره مما لا يعلم ضرورة فيجوز بخبر الواحد. انظر: الزركشي، تشنيف المسامع (1/ 423) (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 267) (¬3) البيضاوي، منهاج الوصول ص 52 (¬4) يشير بذلك إلى قول الشاعر: أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كرّ الغداة ومر العشي (¬5) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 295 وما بعدها)

ثانيا: ذكر ردود ومناقشات منقولة عن غيره

2 - قوله بعد شرح قول ابن الحاجب: ((وأما الصحة والبطلان أو الحكم بهما فأمر عقلي)) (¬1). قال التاج بعد ذلك: ((كذا قال [ثم قال:] وفيه نظر، والصواب عندنا أن الصحة والبطلان والحكم بهما أمور شرعية)) (¬2) ثم بيَّن التاج السبكي تقريرَ كلامه ووَجْهَ الرد على كلام ابن الحاجب. ثانياً: ذكر ردود ومناقشات منقولة عن غيره: اتبع التاج السبكي في بعض الأحيان طريقةً في المناقشات حاصلها أنه يأتي بردود ومناقشات ذكرها غيره من العلماء، وهذه الردود إما أن يقرِّرها أو أن يَرُدها ويأتي بغيرها أو يَرُدها فقط مبيِّناً عدم وجاهتها في هذا المقام، وإليك الأمثلة لتوضيح كل ذلك:- 1 - قوله في مسألة المجاز بالذات هل يكون في الحرف أم لا، قال بعد نقل كلام للإمام الرازي مفاده أن الحرف إذا انضم إليه غيره مما ينبغي ضمه إليه كان حقيقة وإلا فهو مجاز في التركيب لا في المفرد، قال التاج السبكي معقبا على ذلك: ((وقد اعترضَ عليه النقشواني بأنَّ الحرفَ له مسمَّىً في الجملة إذ ما ليس له مسمَّىً فهو مُهْمل، والكلامُ في اللفظ الموضوع ... [إلى آخر اعتراض النقشواني ثم عقَّب عليه التاج السبكي قائلا:] هذا آخر كلام النقشواني وكلُّه منقدح حسن)) (¬3). ففي هذا المثال اعترض التاج السبكي على قول الإمام عن طريق نقله كلام النقشواني، ونص التاج السبكي على صحة اعتراض النقشواني فيكون موافقا له. هذا فيما إذا كان التاج السبكي موافقا للمعترض في اعتراضه، أما إذا لم يعجبه رَدُّ ما أو اعتراض، فإنه كان يرده ويبين فساده. ومن الشواهد الدالة على ذلك:- 1 - قوله بعد تقرير جواب البيضاوي في الرد على القائلين بأنَّ الذم في أمثال قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} (¬4) على التكذيب لا على مجرد ترك الأمر. قال التاج السبكي بعد تقرير الجواب: ((هذا تقرير الجواب، واعترض النقشواني على الاستدلال بالآية من وجه آخر فقال: لا نُسلِّم أنه ذمهم على ترك الركوع فقط، بل ذمهم على كونهم بحيث لو قيل لهم اركعوا لا يركعون، والمراد أنَّهم غير قابلين للإنذار ونُصْح الأنبياء [إلى آخر الاعتراض، ثم عقَّب عليه التاج قائلا:] هذا اعتراضه وهو ضعيف، وجوابه ما ذكرناه من أن الظاهر أن الذم على ترك مدلول قوله: اركعوا، وما ذكره خروج عن حقيقة اللفظ من غير دليل)) (¬5). ففي هذا المثال ذكر لنا التاج السبكي اعتراض النقشواني، ثم ضعَّفه وبيّن جواب هذا الاعتراض بما يرده ويبين فساده. 2 - وقوله بعد تقرير قول ابن الحاجب: ((قيل إنما هو نقضٌ لما توهَّمه عمر رضي الله عنه من إفساد مقدمة الإفساد ... )) (¬6) ¬

_ (¬1) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (2/ 18) (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 18) (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 312) (¬4) سورة المرسلات آية 48 (¬5) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 29) (¬6) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (4/ 320)

ثالثا: بيان ردوده رأسا

قال: ((وهذا كلام موجَّهٌ قاله الآمدي [ثم قال:] وقد ردَّ الهنديُّ كلامَ الآمدي فقال: في قوله عليه الصلاة والسلام: {أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته} تنبيه على الوصف المشترك بين المضمضة والقُبلة، وهو عدم حصول المقصود منهما، وذلك صالح للعلية، وإن لم يكن مناسبا لعدم اشتراط المناسبة في الوصف المومئ إليه [ثم قال التاج السبكي رادا على الهندي]: وعندي في هذا نظر، فإنّ هذا لو تَمَّ لَزِم أن يحال عدم الإفطار على [عدم] (¬1) وجود القُبلة والمضمضة، وليس كذلك؛ بل إنما هو محال على عدم المفطر من جماع وغيره)) (¬2). ثالثاً: بيان ردوده رأسا: وهذا منهج ثالث اتبعه التاج السبكي في بيان ردوده ومناقشاته، حيث كان يَستقلُّ بإيراد هذه المناقشات دون نقل لها عن غيره كما فعل في المنهج السابق، ومن الشواهد الدالة على ذلك: 1 - قوله معقّبا على قول الآمدي والهندي أن دلالة التنبيه والإيماء على العلية بطريق الالتزام (¬3) قال: ((هذا الذي قالاه فيه نظر سنذكره ... [ثم قال:] والحق عندي في هذا أن يُقالَ ترتيبُ الحكم على الوصف يُفيد العلِّية بوضع اللغة، ولم تَضَع العربُ ذلك دالا على مدلوله بالقطع والصراحة بل بالإيماء والتنبيه، ولا بِدَعَ في مثل هذا الوضع ... وإذا وَضُحَ هذا عَلِمتَ أنَّ دلالته ليست التزامية كما زَعم الآمدي والهندي)) (¬4). 2 - وقوله في شرح قول ابن الحاجب في إفادة خبر الآحاد العلم: ((وقيل وبغير قرينة)) (¬5). قال التاج السبكي: ((أي: قد يحصلُ العلمُ بخبر العدل وإن لم يكن ثَمَّ قرينة، ولكنَّ هذا لا يطَّرد، بل يكون في وقتٍ دون وقتٍ ما، ونقله الآمديُّ عن بعض أصحاب الحديث (¬6) [ثم عقَّبَ التاج السبكي قائلا:] وهو ساقط؛ فإنَّ ذلك الوقت الذي يحصلُ فيه العلم إما أن يكونَ فيه زيادةٌ على الوقت الذي لم تحصل فيه، فالزيادة قرينة، فلا وجه لقوله: بغير قرينة، أو لا يكون فيه زيادة، فيكون ترجيحاً من غير مرجح، وإنه محال)) (¬7). رابعاً: إيراده للأسئلة المقدرة والمفترضة والإجابة عليها: لم يكن التاج السبكي يكتفي برد الاعتراضات أو توجيه الاعتراضات الصحيحة فقط والتي وجِّهت فعلاً إلى الأقوال أو الأدلة، بل كان يقدِّرُ اعتراضات وأسئلة ويجيب عليها، وهذا المنهج قد اتبعه التاج السبكي في كثير من المباحث وخاصة في كتابه ((الإبهاج))، ويتمثَّل هذا الأسلوب بعبارات (فإن قلتَ، قلتُ) أي: إن قدَّرت سؤالاً أو اعتراضاً فجوابه كما يأتي. ومن الشواهد الدالة على اتباعه هذا الأسلوب:- ¬

_ (¬1) هكذا هو الصواب، وقد وردت في الأصل بحذف كلمة [عدم] وهو خطأ إذ لا يستقيم المعنى إلا بوجود لفظة [عدم] (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 321 - 322) (¬3) انظر: الآمدي، الإحكام (3/ 224)، التاج السبكي، الإبهاج (3/ 45) (¬4) المصدر السابق (3/ 45 - 47) بتصرف (¬5) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (3/ 310) (¬6) نص عبارة الآمدي في الإحكام:" ومنهم من قال أنه يفيد العلم اليقيني من غير قرينة ... ، ومنهم من قال إنما يوجد ذلك في بعض أخبار الآحاد لا في الكل، وإليه ذهب بعض أصحاب الحديث." انظر الإحكام (2/ 274) (¬7) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 310)

خامسا: ذكره لمباحثات لا زالت في محل البحث

1 - قوله في مباحث الاستحسان في كتابه ((الإبهاج)) بعد رده على القائلين بحجِّيته وبيان سقوط الاحتجاج به: ((فإن قلتَ: قد وقع في كلام الشافعي رضي الله عنه: أستَحسِنُ في المتعة أن تكون ثلاثين درهما [ثم ساق عددا من الفروع المروية عن الشافعي وأصحابه مفادها أنهم أخذوا بالاستحسان ومن ثم أجاب عن ذلك قائلا]: قلتُ: قد عرفتَ أنه لا نزاع في ورود هذه اللفظة على الألسنة استعمالا ... ثم نقول: في هذه الصورة الدليل على أنه ليس فيها إلا استعمال اللفظ أنَّ أحداً من الأصحاب لمْ يقَدِّر المتعة بثلاثين درهما، بل منهم من استحسن هذا القدر لأجل ذهاب ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما إليه ... ، ولم يَقُل الشافعيُّ ولا أحد من الأصحاب أنَّ دليل ذلك الاستحسان ... وكل مستحب مستحسن قال الشافعي: استحسن أن يُتركَ شيء للمكاتب من نجوم الكتابة، ولم يقل أن مستنده الاستحسان)) (¬1). بهذا ترى أنَّ التاج السبكي قد ذكر سؤالاً مقدراً تقديره: كيف تدَّعي إبطال الاستحسان وقد وردت فروع فقهية عن الشافعي نفسه وكثير من الأصحاب بنوها على الاستحسان؟ ورأيت كيف رد عليه وبيّن أن استحسانهم المذكور ليس من قبيل الاستحسان المتنازع فيه، بل هو من باب إطلاق اللفظ الذي يراد به المستحب. 2 - وقوله بعد تبنِّيه أنَّ أحكام الله تعالى غير معللة: ((فإن قلت: قد اشْتُهِرَ قول الفقهاء: علَّةُ الحكم الفلاني كذا، أو الباعثُ على كذا وكذا، فما الجامع بينه وبين قول المتكلمين بعدم التعليل؟ قلتُ: لم يَعْنِ الفقهاءُ بالعلَّة المؤثر، كما عناه المعتزلة، ولا الباعثُ على التشريع كما عناه الآمدي، وإنما عَنوا أنَّ العلَّة باعثةٌ للمكلف على الامتثال، فحفظُ النفوس يبعثُ المكلَّفَ على فعل القصاص الذي حكم به الله تعالى لباعثٍ بعثَه فيه)) (¬2). فها هنا ترى أنَّ التاجَ السبكي قد ردَّ سؤالاً مقدَّراً تقديره: إذا كنت ترى أنَّ أفعال الله غير معلَّلة فكيف تجمع بين قولك هذا وما اشْتُهرَ على ألسنة الفقهاء أنَّ الأحكام معللة؟ خامساً: ذكره لمباحثات لا زالت في محل البحث: شاع عند الشراح وكبار المصنفين أن يذكروا في مؤلفاتهم بعض القضايا مما لم يتوصلوا إلى نتائج لها، فيُبْدونَ ما عندهم ويتركون للآخرين المجالَ للبحث والنقاش حول هذه القضايا، وقد اتبع التاج السبكي هذا النمط من المباحثات في كتاباته المتمثلة بقوله: لقائل أن يقول أو لك أن تقول. ومن الشواهد الدالة على ذلك:- قوله في مباحث حمل المطلق على المقيد بعد ذكره للقسم الثاني وهو كون المطلق والمقيد نهيا، وقوله: ((أن من يقول بمفهوم الخطاب يلزمه أن يخصص النهي العام ... [قال عقب ذلك]: ولقائل أن يقول: وجود المطلق والمقيد في جانب النهي والنفي يُصيِّرُ المطلقَ عاماً والمقيَّدَ خاصّا، لأن ذلك نَكِرةٌ في سياق النفي فلا يُتصوَّران في هذين الجانبين)) (¬3). ¬

_ (¬1) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 191 - 192) بتصرف (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 177) (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 201)

سادسا: رد دعاوى الإجماع والاتفاق

1 - وقوله في مباحث الإجماع في كتابه ((رفع الحاجب)) تعقيباً على قول ابن الحاجب في تعريف الإجماع: ((ويَرِدُ عليه [إي على تعريف الغزالي للإجماع بأنَّه: اتفاقُ أمة محمد على أمر من الأمور الدينية] أنه لا يوجد، ولا يطرد ... ولا ينعكس)) (¬1). قال التاج السبكي بعد شرح ذلك: ((ولقائل أن يقول: على الأول: أنَّ الأمة مختصة بالموجودين. وعلى الثاني: أنه غير متصوَّر، لأنَّ إجماع العدد العظيم على شيء واحد لا أصل له يعود إليه، مستحيلٌ عادةً كاتفاقهم على مأكولٍ واحد في وقتٍ واحد وأنظاره ... وعلى الثالث: أنَّه ساقطٌ بالكلية لأنه لا يُحتجُّ بالإجماع إلا في الشرعيات)) (¬2). سادساً: ردُّ دعاوى الإجماع والاتفاق: لم يكن التاج السبكي، مغرما بادعاء الإجماع أو الاتفاق على المسائل المعروضة، بل وجدته كثير التحفُّظ على دعاوى الإجماع والاتفاق، حيث كان يقفُ عند هذه الدعاوى ويردُّ كثيراً منها، وفي هذا دلالة واضحة على منهجية التاج السبكي في التعامل مع قضايا الإجماع وأنه يرى صعوبةَ انعقاد الإجماع ولهذا كان يردُّ كثيراً من هذه الدعاوى، كما فيه دلالة واضحة على سعة إطلاع التاج السبكي على الأقوال والآراء. ومن الشواهد الدالة على ذلك:- 1 - قوله ردَّاً على البيضاوي حيث ادَّعى أنَّ الإجماع منعقد على أن من قال عليّ عشرة إلا تسعة فإنه يلزمه واحد (¬3)، قال التاج السبكي ردّاً عليه: ((ونَقْلُ الإجماع مردود فقد حكاه أحمد بن حنبل، وبعض المالكية)) (¬4). 2 - وقوله ردّاً على ادِّعاء الباقلاني الإجماع على عدم تأثيم من أخّر الفرض إلى آخر الوقت: ((وهو نقل مدفوع؛ فإنَّ الشافعيَّ رضي الله عنه نقل في ((الأم)) في كتاب الحج عن بعضهم التأثيم وهو أثبت)) (¬5). سابعاً: التنبيه على خطأ أو وهم وقع فيه السابقون: كان التاج السبكي في أثناء مناقشاته يُنبِّه على بعض الأخطاء والأوهام التي وقع فيها من سبقه من العلماء، وذلك حتى لا يغترَّ الطالب بهذه الأوهام والأخطاء. ومن الشواهد الدالة على ذلك:- 1 - قوله في باب المبيّن في كتابه ((الإبهاج)) بعد ذكر قول البيضاوي: ((المبيَّن: وهو الواضح بنفسه أو بغيره مثل {والله بكلِّ شيءٍ عليم} (¬6) و {واسأل القرية} (¬7) ... )) (¬8): ((جعلَ العَبريُّ ... والجاربرديُّ والإسفراييني وغيرهم من الشارحين قوله: {واسأل القرية} مثالاً للواضح بغيره، ... وهو وَهْمٌ؛ لأنه قسَّم ذلك الغير في المسألة الآتية إلى القول والفعل، وظاهرُ كلامه حَصْرُه فيهما؛ فلو كان هذا من أقسامه لم ينحصر في ذينك القسمين، إذ المبيِّن فيه ليس إلا العقل، وهو غير القول ... والفعل، والذي حملهم على ذلك أنهم لما رأوه قد مر قوله وبغيره، فوهموا أنه من باب اللف والنشر كذلك.)) (¬9) ¬

_ (¬1) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (2/ 138) (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 139) (¬3) انظر: البيضاوي، منهاج الوصول ص 92 (¬4) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 148) (¬5) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 521) (¬6) سورة البقرة آية 282 (¬7) سورة يوسف آية 82 (¬8) البيضاوي، منهاج الوصول ص 131 (¬9) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 213)

ثامنا: تنوع أساليب المناقشات والردود

2 - وقوله في ((رفع الحاجب)) في الواجب الموسع: ((وقوله فيعصي بالتأخير معطوف على اعتقد، أصله: لو اعتقد فعصى، وقد توهَّم الشيرازي أن لفظ المصنف فيعصي فعل مضارع، ثم توهم ثانيا أن ذلك جواب لو، ثم اعتقد ثالثا: أن عدم العصيان في هذه الصورة مفروغ منه.)) (¬1) ثامناً: تنوع أساليب المناقشات والردود: لم يتبع التاج السبكي أسلوبا واحدا في مناقشاته وردوده، بل وجدته ينوع هذه الأساليب قوَّة ... وضعفاً بحسب أهمية القول أو الدليل المذكور. وفيما يأتي أذكر هذه الأنواع مرتَّبة ترتيباً تنازلياً بحسب قوتها مكتفياً بذكرها فقط وأما الأمثلة عليها فقد مر بعضها في الأمثلة السابقة، ويستطيع الناظر في مؤلفات التاج السبكي معرفة بقية أمثلتها. ومن هذه الأنواع:- 1 - التصريحُ ببطلان القول أو الدليل أو سقوطه وهذه أقوى الأساليب. 2 - التصريح بكونه ضعيفا. 3 - قوله ليس بجيد. 4 - قوله: إنه مدخول. 5 - قوله: إنه غير مرضي. 6 - قوله: إنه فيه نظر. 7 - قوله: إنه في النفس منه شيء. 8 - وأخفها الإتيان بالرد أو المناقشة بصيغة المباحثة فإن قال قائل أو لقائل أن يقول. هذه أهم الإشارات التي تدلُّ على قُوَّة الرد أو المناقشة وقد ذكرتها لك مرتبة ترتيباً تنازلياً من الأقوى إلى الأضعف والأخف. المحور الثاني: منهجه في المناقشات والردود في ((منع الموانع)): ذكرتُ غير مرَّةٍ أنّ ((منع الموانع)) هو الكتاب الذي رد فيه التاج السبكي الإيرادات والاستفسارات التي وجِّهت على كتابه ((جمع الجوامع))، ولأنَّ هذه الإيرادات وجِّهت إلى آراءه هو وأفكاره واختياراته كان من الطبيعي أن تختلف منهجية الرد عليها، عن منهجيته في رد الأقوال ومناقشاتها في الشروح، وقد اتبع التاج السبكي عدَّة طرائق لرد الإيرادات في ((منع الموانع))، ومن أهم هذه الطرائق:- أولاً: إذا كان الإيراد يحتاج إلى رد غير مذكور في مصنَّفاته الأخرى فإنه يرده بتوسع: من منهج التاج السبكي في ((منع الموانع)) أن الإيراد الموجَّه إليه إن لم يتعرَّض له في مصنفاته الأخرى فإنه يردُّه ويتوسَّع ويُسْهبُ في بيان سقوطه وعدمِ صحَّته. ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله ردّاً على إيراد مفاده ((لمَ زدتم على ابن الحاجب: قيل المتقتضبة لاختياركم أن ما هو من قبيل الأداء كالمد والإمالة إلى آخره متواتر.)) (¬2) ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 526) (¬2) التاج السبكي، منع الموانع ص 336

ثانيا: إذا كان الإيراد قد تعرض له في مصنفاته الأخرى فإنه يرده إجمالا ويحيل القارئ إلى مصنفه الذي بينه فيه بتوسع

أجاب التاج السبكي على ذلك قائلا: ((اعلم أنّ السبع متواترة، والمد متواتر والإمالة متواترة، كل هذا بيِّنٌ لا شك فيه، وقول ابن الحاجب: '' فيما ليس من قبيل الأداء'' (¬1) صحيح لو تجرَّد عن قوله: ''كالمد والإمالة''، لكنَّ تمثيله بهما أوجبَ فساده، كما سنوضحه من بعد، فلذلك قلنا: قيل؛ لنبين أن القولَ بأنَّ المدَّ والإمالة غير متواترين ضعيفٌ عندنا، بل هما متواتران [ثم قال]: ... وليقع الكلام على المد والإمالة وتخفيف الهمزة، ثم على ما استدركه أبو شامة (¬2)، فإنّا لم نتكلَّم عليهما في ((شرح المختصر)) [ثم قال]: أما المد والإمالة فلا شك في تواتر القدر المشترك بينهما، وهو المد من حيثُ هو مدّ، والإمالة من حيث إنها إمالة)) (¬3) ثم أسهب التاج في توضيح ذلك وذكر الأدلة ... والشواهد حتى استغرقت هذه المناقشة حوالي الاثنتا عشرة صفحة من صفحة 338 - 349 فانظرها هناك. فأنت ترى هنا أن التاج السبكي قد أسهب في هذا الموضوع وما ذاك إلا لأنه لم يتعرَّض له في مصنفاته الأخرى. ثانياً: إذا كان الإيراد قد تعرض له في مصنفاته الأخرى فإنه يرده إجمالا ويحيل القارئ إلى مصنفه الذي بينه فيه بتوسع: إذا كان الإيراد المطروح قد تناوله التاج السبكي في مصنَّف آخر، فإنه لا يُطيلُ الردَّ هنا بل كان يكتفي برده إجمالا ومن ثَمَّ يُحيلُ القارئَ إلى مصنَّفه الذي ردَّه فيه بتوسع، وذلك خشيةً من الإطالة ... والتكرار في غير فائدة، ومن الشواهد الدالة على ذلك:- قوله في جواب سؤال حاصله ما معنى قولكم في اللفظ أنه محمول على عرف المخاطب أبدا؟ قال التاج السبكي: ((قلت: تقريره مستوفًا في ((شرح المختصر))، وحاصله أني أدعي أنّ كلام كل أحد يحمل على عرفه وفاقا، وإنما قُدِّمَ الشرعيُّ لأنه عرف الشارع [إلى أن قال]: وقد أطلنا القول في تحقيق هذا الموضوع في كتابنا ((الأشباه والنظائر))، وهو الكتاب الذي لا يليق بالمجدِّ في طلب العلم إهماله، ولا يسَعُ طالب التحقيق إغفاله.)) (¬4) بهذا ترى أن التاج السبكي قد قرر الجواب مجملا وأحال القارئ الذي يطلب تحقيقه إلى بقية مصنفاته التي أسهب فيها حول هذا الموضوع وهي ((شرح المختصر)) و ((الأشباه والنظائر)). غير أني وجدته في بعض الأحيان لا يقوم برد إجمالي، بل يُحيل الجوابَ على مصنفاته الأخرى فإنه يكون مقرَّراً هناك وينبّه القارئ إلى ضرورة مراجعة المحل الذي أحال عليه ومن الشواهد الدالة على ذلك:- قوله في جواب تقرير عبارة ((النكرة في سياق النفي للعموم وضعا ... )) قال ما نصه: ((هو مقرر في ((شرح المختصر)) فلينظر هناك.)) (¬5) وكذلك قوله: ((وأما قولنا ''والمختار قبول ... الترجيح ''فمقرر في ((شرح المختصر)) وكذلك قولنا: ''وأنه لا يجب الإيماء إليه'' والضمير في إليه عائد على الترجيح.)) (¬6) ¬

_ (¬1) انظر: ابن الحاجب، مختصر المنتهى (2/ 91) (¬2) يشير إلى قوله: ولا يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، انظر التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 93) (¬3) التاج السبكي، منع الموانع ص 338 (¬4) التاج السبكي، منع الموانع ص 477 - -478 بتصرف (¬5) التاج السبكي، منع الموانع ص 177 (¬6) المصدر السابق ص 389

ثالثا: الرد بتوضيح المسألة وتوجيهها على وجه لا اعتراض عليه

ثالثاً: الرد بتوضيح المسألة وتوجيهها على وجه لا اعتراض عليه: أحيانا كان التاج السبكي لا يرد الاعتراض ويبين فساده بل وجدته يقرِّر المسألة ويزيدها وضوحاً بحيث يزول الإشكال عنها. ومن الشواهد الدالة على ذلك قوله في بيان سبب إطلاق لفظة الأصح في مسألة التخصيص بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم: ((قيل: من نازع أنّ فعله صلى الله عليه وسلم تخصيص؟ حتى تشيروا إلى الخلاف بقولكم في الأصح فقلت: الكرخي، وأبو الحسن من الحنفية ... قيل فمسألة التقرير المذكورة هنا معادة في أول كتاب السنة حيث قلتم: ((وسكوته الصلاة عليه والسلام بلا سبب إلى آخره)) فقلت: اعلم أنّ التقرير تفعيل من الإقرار، تقول: أقرّ يقرّ تقريرا، ولا خفاء في أن التقرير فعل، فمن أقرّ غيره فقد فعل التقرير، وهل السكوت عند فعل الغير تقرير أولا؟ هذا محل نظر المسألة المذكورة في باب السنة فالبحث هناك عن أن السكوت هل هو تقرير؟ وهنا عن أن التقرير هل هو تخصيص؟ فهما مسألتان.)) (¬1) ففي هذا المثال اكتفى التاج السبكي بتوضيح المسألة وأنّ ذِكْره للتقرير في باب التخصيص ... وباب السنة، ليس من باب التكرار وإنما هو لأجل اختلاف المسألتين كما رأيت. وفي أحيان أخرى وجدته يكتفي في الرد بإعادة نص ((جمع الجوامع)) كما هو لبيان سقوط لفظة منه، بها يستقيم الكلام، ويبطل الإيراد، فمن ذلك قوله: ((وقولكم: هل يلحق بولد دون والد ما يماثله، [أي: هل يمنع من ظهورها كرامة لولي الولد دون الوالد وما يماثله أم لا؟] قال التاج السبكي عن ذلك إنه: ((عجيب، مع أنّ عبارتنا ((قال القشيري: ولا ينتهون إلى نحو ولد دون والد))، ولعلَّ لفظةَ نحو ساقطة من نسختكم، وإلا فليس له قلب جماد بهيمة ونحوه.)) (¬2) المبحث الخامس منهجه في النقل عن غيره من العلماء من خلال مطالعاتي في مؤلفات التاج السبكي توصَّلت إلى نتيجة حتمية مفادها أنّ التاج السبكي يُعدُّ من أكثر علماء الأصول إطلاعا على الكتب والمؤلفات الأصولية وأقوال العلماء ... وآرائهم، يظهر ذلك من خلال غزارة مصادره في التأليف، والتي مرَّ معظمها في الفصل السابق، كما يظهر ذلك من غزارة النقول المبثوثة بين ثنايا مؤلفاته، وكان للتاج السبكي أساليبُ متعدِّدة في نقل هذه الأقوال والآراء عن غيره - وإن كانت هذه الأساليب لا تخصُّه وحده، - ومن هذه الأساليب: - ¬

_ (¬1) المصدر السابق ص 364 (¬2) المصدر السابق ص 245

أولا: النقل الصريح عن المصدر الأصلي

أولاً: النقل الصريح عن المصدر الأصلي: أول هذه الأساليب التي اتبعها العلماء عامة ومن بينهم التاج السبكي هو النقل عن المصادر الأصلية في ذلك، وذلك حيثما توفَّر المصدر، أو النقل عن العلماء مباشرة بطريق الرواية والمشافهة، وعلى كلٍّ فإنّ هذا النقل قد يكون بالنص بمعنى أن تُنْقلَ العبارة بحرفيتها دون تصرُّف فيها، وإما أن يكون بالمعنى وذلك بالتصرُّف فيها بالزيادة والنقصان حسبَ ما تقتضيه طبيعة الشرح، ويمكن معرفة ذلك من خلال مراجعة المصادر التي نصَّ عليها ومقارنتها بالمنقول عنها، وكذا إذا عبرَّ التاج السبكي بعبارة بنصِّه، أو هذا نصُّه، أو انتهى بنصِّه؛ فإنَّ ذلك يُعين على معرفة كيفية النقل، وقد اتبع التاج السبكي ذلك كله، ومن الشواهد الدالة على ذلك: - 1 - قوله في نُصْرة القول بعدمِ وقوع المعرب في القرآن الكريم ناقلاً لقول الشافعي رضي الله عنه في ذلك حيث قال: ((ونصَّ عليه الشافعيُّ في ((الرسالة)) في باب البيان الخامس فقال ما نصُّه: ((وقد تكلَّم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلَّم فيه منه لكان الإمساك أولى وأقرب إلى السلامة، فقال منهم قائل: إنّ في القرآن عربياً وأعجميا، والقرآنُ يدلُّ على أنّه ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، ووجدنا قائل هذا القول، ومَنْ قَبِلَ ذلك منه تقليداً له، وتركاً للمسألة له عن حجَّته ومسألة غيره ممن خالفه، وبالتقليد أغفل من أغفل منهم والله يغفر لنا ولهم (¬1)))، هذا نصُّه)) (¬2) وقد راجعت هذا النص في ((الرسالة)) للإمام الشافعي فوجدته في نفس الموضع الذي ذكره التاج، ووجدت النقلَ كما نصَّ عليه التاج السبكي إلا في عدد يسير من الكلمات وهي: ••مكان قوله وأقرب إلى السلامة قوله وأقرب من السلامة له إن شاء الله بتغيير إلى إلى من وإضافة له إن شاء الله. ••مكان وقد وجدنا قائل هذا القول ومَنْ قَبِلَ قوله ووجد ... مَنْ قَبِلَ، وذلك بصيغة الإفراد في وجدنا وحذف الواو في ومن. ولم أجد أيَّ تغيير آخر في العبارات أبدا، وهذا يدلُّنا على أمانة التاج السبكي ودقته في النقل، وأما التغييرات اليسيرة فالذي أكاد أجزم به أن ذلك من اختلاف النُّسَخ المختلفة باختلاف النساخ ولا يضيرُ ذلك هنا أبدا. 2 - وقوله نقلا عن الآمدي في حكم منكر الإجماع قال: ((فقال [أي الآمدي]: ((اختلفوا في تكفير جاحد الحكم المجمع عليه، فأثبته بعض الفقهاء، وأنكره الباقون، مع اتفاقهم على أن إنكار حكم الإجماع الظني غير موجب للتكفير. والمختار [عند الآمدي] إنما هو التفصيل، وهو أن اعتقاد الإجماع إما أنّ يكون داخلا في مفهوم اسم الإسلام كالعبادات الخمس ووجوب اعتقاد التوحيد والرسالة، أو لا يكون كذلك، كالحكم بحل البيع وصحة الإجارة ونحوه، فإن كان الأول؛ فجاحده كافر، لمزايلة حقيقة الإسلام له، وإن كان الثاني فلا)) (¬3) انتهى.)) (¬4) وعند رجوعي إلى ((الإحكام)) وجدتُ هذا النص بحرفيته اللهم إلا بعض التغييرات اليسيرة التي هي من قبيل اختلاف النسخ والنساخ، وهذه التغييرات تنحصر في أمرين: ¬

_ (¬1) الشافعي، الرسالة ص 41 - 42، الفقرات 132 - 136 (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 281) (¬3) الآمدي، الإحكام (1/ 239) (¬4) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 274)

••الأول: بدل قوله غير موجب للتكفير قال الآمدي غير موجب كفرا فجعل التاج للتكفير مكان كفرا. ••الثاني: بدل قوله اعتقاد الإجماع قال الآمدي حكم الإجماع فجعل التاج اعتقاد مكان حكم. وهو كما قلت بسبب اختلاف النسخ وليس تصرُّفا من التاج نفسه والله تعالى أعلم. 3 - وقوله في بيان معنى المعلوم في حد القياس في كتابه ((منع الموانع)) ناقلا تفسير الإمام في ذلك حيث قال: ((قال الإمام في ((المحصول)) (¬1): ((أما المعلوم فليس نعني به مطلق تعلق العلم فقط، بل متعلق الاعتقاد والظن)).)) (¬2) وعند مراجعة ذلك في ((المحصول)) وجدته كما ذكره التاج السبكي إلا في أمرين: ••الأول: نقل التاج السبكي قوله فليس وفي ((المحصول)) فلسنا. ••الثاني: نقل التاج السبكي قوله تعلق وفي ((المحصول)) متعلق. وهذه كما ترى تغييرات طفيفة لا تخل بالمعنى مما يؤكد أنها من اختلاف النساخ. ومثل هذه النقول التي ذكرتها هي التي أكثر منها التاج السبكي في كتاباته، وفي بعض الأحيان كان يتصرف بالنقل بحيث أنه لا ينقل عين العبارة، وإنما ينقل معناها والمقصود منها فقط. ومن ذلك:- 1 - قوله في مسألة تقديم القول على الفعل في البيان قال: ((وقال أبو الحسين المتقدم هو البيان)) (¬3) ففي هذا النص نقل لنا التاج السبكي المقصود فقط من عبارة أبي الحسين ولم ينقل كل العبارة كما هي عند أبي الحسين. وبالرجوع إلى ((المعتمد)) تجد أن العبارة الكاملة تعطي معنى ما قاله التاج السبكي تماما ... وهي: ((فيكون المتقدم هو الذي قصد به البيان المبتدأ.)) (¬4) 2 - وقوله في معنى كون الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري ناقلا ذلك عن الغزالي حيث قال: ... ((وقال الغزالي: إنه ضروري بمعنى أنه لا يُحتاجُ في حصوله إلى التصوُّر بتوسط واسطة مفضية إليه، مع أن الواسطة حاضرة في الذهن، وليس ضروريا بمعنى أنه حاصل من غير واسطة.)) (¬5) هذا ما نقله التاج السبكي عن الغزالي، وعند الرجوع إلى ((المستصفى)) لم أجد هذا القول بحرفيته، بل وجدت كلاما طويلا مفاده ما ذكره التاج السبكي حيث قال الغزالي: ((وتحقيق القول فيه أن الضروري إن كان عبارة عما يحصل بغير واسطة كقولنا القديم لا يكون محدثا والموجود لا يكون معدوما، فهذا ليس بضروري فإنه حصل بواسطة المقدمتين المذكورتين، وإن كان عبارة عما يحصل بدون تشكل الواسطة في الذهن فهذا ضروري، ورب واسطة حاضرة في الذهن لا يشعر الإنسان بوجه توسُّطها ... )) (¬6) 3 - قوله في قوادح العلة في النقض من كتابه ((جمع الجوامع)) ناقلا قول الآمدي حيث قال: ((وقال الآمدي: إن كان التخلف لمانع أو فقد شرط أو في معرض الاستثناء أو كانت منصوصة بما لا يقبل التأويل لم يقدح.)) (¬7) ¬

_ (¬1) الرازي، المحصول (5/ 12) (¬2) التاج السبكي، منع الموانع ص 210 (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 214) (¬4) أبو الحسين البصري، المعتمد (1/ 312) (¬5) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 299) (¬6) الغزالي، المستصفى (1/ 133 – 134) (¬7) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 177

ثانيا: النقل غير المباشر [عن غير القائل الأصلي]

قلت: وليس هذا نصُّ الآمدي وإنما هو مضمون كلامه، حيث لم ينقل التاج السبكي نصَّ عبارة الآمدي وإنما نقل مضمونها والمقصود منها فقط فقد قال الآمدي في ((الإحكام)): ((وأما إن كان تخلُّف الحكم عنها لا بطريق الاستثناء فلا يخلو أما أن تكون العلة منصوصة أو مستنبطة)) (¬1) [ثم تكلَّم على تفاصيلها وبين أنه إن لم يمكن تأويل النص لا يكون قادحا] ثم قال: ((وإن كانت العلة مستنبطة فتخلف الحكم عنها إما أن يكون لمانع أو فوات شرط أو لا يكون ... فإن كان الأول ... فلا يكون ذلك مبطلا للعلية ... )) (¬2) وبهذا ترى أنَّ التاج السبكي لم يتقيَّد بعبارة الآمدي بحرفيَّتها بل أخذ مضمونها ودوَّنه في كتابه، وهذا شأن المختصرات غالب مؤلفيها لا ينقلون فيها أقوالاً كثيرة بحرفيَّتها بل يضعون فيها خلاصة الأقوال ومضامينها دون نصوصها. ثانياً: النقل غير المباشر [عن غير القائل الأصلي]: الأصل في النقل أن يكون عن المصادر الأصلية، وعن القائل الأصلي ومن المآخذ التي يقع فيها بعض المؤلفين والمصنِّفين هو أنهم لا يلتزمون النقلَ عن المصادر الأصلية، بل ينقلون الأقوال عن غير قائليها ومن غير مصنفاتهم. وهذا يُعدُّ نقصاً في البحث إلا إذا دَعَت ضرورةٌ لذلك كأن لم يوجد المصدر الأصلي لكونه مفقودا أو مخطوطا لا يعلم مكان وجوده أو لأسباب أخرى قد تدعو الباحث إلى ذلك. والتاج السبكي كان لا يأخذ النقل إلا من المصدر الأصلي ولا ينسبه إلا لقائله، غير أنه في بعض الأحيان قد وقع في عملية النقل عن غير المصادر الأصلية، وأحيانا كنت أجده مع نقله عن هذه المصادر إلا أنه يرجع ويؤكد عدم رؤية هذا النقل في المصدر المنقول عنه. وإليك أمثلة تدل على ذلك: - 1 - لقد بيَّن لنا التاجُ السبكي منهجه في النقل عن القاضي الباقلاني ونسبةِ الأقوال له، فالتاج السبكي كان مطَّلعاً على كتاب ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني، كما أنه كان مطلعا على ((مختصر التقريب والإرشاد)) لإمام الحرمين الذي سماه بـ ((التلخيص))، وأحياناً كنتُ أجده ينسبُ القولَ إلى ((التلخيص)) وأخرى إلى ((مختصر التقريب)) وقد بيَّن التاج السبب في ذلك بقوله: ((واعلم أنّ هذا الكتاب قد أكثرنا النقل عنه في هذا الشرح [أي ألإبهاج]، وهو كتابُ ((التلخيص)) لإمام الحرمين، اختصره من كتاب ((التقريب والإرشاد)) للقاضي، فلذلك أعزو النقلَ تارةً إلى ((التلخيص)) لإمام الحرمين، وذلك حيث يظهرُ لي أنّ الكلامَ من إمام الحرمين؛ فإنّه زاد من قَبِل نفسه أشياءَ على طريقة المتقدمين في الاختصار، وتارةً أعزوه إلى ((مختصر التقريب)) وهو حيث لا يَظْهر لي ذلك.)) (¬3) ¬

_ (¬1) الآمدي، الإحكام (3/ 195) (¬2) الآمدي، الإحكام (3/ 195 - 196) (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 109)

ثالثا: توجيه كلام العلماء وحمله على محمل حسن

ومن ذلك قوله في بيان أن الوجوب مستفاد من وضع اللغة أم لا قال: ((وهو بعيد وممن ذكره الشيخ أبو اسحق والقاضي أبو بكر في ((مختصر التقريب)) لإمام الحرمين وقال: إن الأكثرين من القائلين بأن الصيغة تقتضي الوجوب عليه، وأنه كذلك بأصل الوضع، لأنه قد ثبت في إطلاق أهل اللغة تسمية من خالف مطلق الأمر عاصيا ... (¬1))) (¬2) فأنت ترى هنا أن التاج السبكي قد نقل مقالة القاضي أبي بكر من كتاب ((مختصر التقريب)) لإمام الحرمين، ولم ينقله من ((التقريب والإرشاد)) نفسه، وقد علمت منهجه في نسبته القول إلى ((مختصر التقريب)) أو إلى ((التلخيص)). 2 - من المواضع التي نقل فيها عن غير القائل الأصلي مع توفر المصدر الأصلي عنده قوله في مبحث النهي هل يقتضي التكرار أم لا، بعد ذكره قول الآمدي: اتفاق العقلاء على أن النهي يقتضي الانتهاء عن المنهي عنه قال: ((وزعمَ ابن برهان كما نقله عنه الأصفهاني انعقاد الإجماع عليه.)) (¬3) ففي هذا المثال نقلَ التاج السبكي مقالة ابن برهان من الأصفهاني، مع العلم بأنّ التاج السبكي كان مطلعا على ((الوجيز)) لابن برهان، وقد نقل عنه غير مرة في هذا الشرح. 3 - ومنها قوله في بيان مسألة الزيادة على النص هل هي نسخ أم لا حيث نقل قول القاضي عبد الجبار فقال: ((وقال القاضي عبد الجبار: إن كانت الزيادة قد غيَّرت المزيدَ عليه تغييرا شرعيا بحيث صار المزيد عليه لو فُعلَ بعد الزيادة كما كان يُفعلُ قبلها كان وجوده كعدمه، ووجب استئنافه كزيادة ركعة على ركعتي الفجر، كان ذلك نسخاً أو كان قد خُيِّر بين فعلين، فزيد فعل ثالث، فإنه يكون نسخا، فتحريم ترك الفعلين السابقين وإلا فلا، كزيادة التغريب على الجلد، وزيادة عشرين جلدة على حد القاذف، وزيادة شرط منفصل في شرائط الصلاة كاشتراط الوضوء [ثم قال]: هذا مذهبه ذكرناه بعبارة الآمدي (¬4) من نسخةٍ صحيحة مقروءة على الآمدي، وعليها خطه.)) (¬5) فأنت ترى هنا أن التاج السبكي قد نقل مقالة القاضي عبد الجبار بعبارة الآمدي، ولم ينقلها من مصدر عبد الجبار نفسه مع العلم بوجود كتابه ((العمد)) وتوفره بين يدي التاج السبكي والله تعالى أعلم. ثالثاً: توجيه كلام العلماء وحمله على محمل حسن: لم يكن التاج السبكي مُغرماً بتضعيف الأقوال وبيان سقوطها، بل كان رحمه الله تعالى، لا يألُ جهداً في تأويل كلام العلماء ومحاولة حمله على محمل حسن لا طعن فيه، وكان يحاول التوفيق بين النقول المتعارضة، ويوجِّه أقوالَ العلماء توجيهاً صحيحاً لا غبار ولا اعتراض عليه (¬6)، ومن الشواهد الدالة على ذلك: - ¬

_ (¬1) انظر الجويني، التلخيص (1/ 269) (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 25) (¬3) المصدر السابق (2/ 68) (¬4) انظر: الآمدي، الإحكام (3/ 155) (¬5) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 121) (¬6) قلت وهذا لا يتعارض مع ما قررته سابقا من أن التاج السبكي كان يناقش العلماء ويرد عليهم ويعيب على من يتمحل في تأويل كلامهم، وذلك لأن مراده هناك التأويل البعيد الذي لا يستقيم ولا يصح، أما هنا فمراده التأويل الذي يرتضيه العلماء بلا تمحل ولا تعسف الذي هو من باب حسن الظن والله تعالى أعلم

1 - قوله في حجية الحديث المرسل في كتابه ((الإبهاج)): ((قال إمام الحرمين في ((البرهان)) إن الشافعي لا يقول بشيء من المراسيل (¬1)، وقال القاضي في ((مختصر التقريب)) إنه قبل المرسل في بعض الأماكن، [قال التاج السبكي بعد ذلك موضِّحاً الجمعَ بين هذين النقلين]: والحاصل أن قاعدة الشافعي رد المراسيل، والمواضع المستثناة لم يقبلها لكونها مراسيل، بل لظنٍّ عضَدَها، وقَضى بكونها مُسْندة، فكلام إمام الحرمين صحيح، وما ذكره القاضي أيضا صحيح والمواضع المستثناة منها.)) (¬2) ففي هذا المثال ترى أن التاج السبكي لم يَردَّ أيٍّ من القولين ولم يُسارِع في تضعيف أحدها أو بيان سقوطه، بل جمع بينهما بحيث انتفى التعارض بينهما. 2 - وقوفه في باب إبطال الحسن والقبح العقليين بعد بيان بطلانه: ((واعلم أيضا أنه يأتي في عبارات بعض الأصحاب ما يؤخذ منه قاعد التحسين والتقبيح، أو يستلزم قاعدة التحسين والتقبيح، كقول أبي العباس بن سريج وأبي علي بن أبي هريرة، والقاضي أبو حامد المروزي (¬3): إنّ شكرَ المنعم واجبٌ عقلا، وقول القفال: إنّ القياس يجبُ العملُ به عقلا، وقوله: إنّ خبر الواحد يجبُ العمل به عقلا إلى غير ذلك من المسائل)) ثم بيَّن التاج السبكي عُذْرَ هؤلاء وأحسنَ الظن بهم فقال: ((وسببه كما قال الأستاذ أبو اسحق في كتابه في أصول الفقه في مسألة شكر المنعم: هذه الطائفة من أصحابنا إنما ذهبت إلى هذه الآراء لأنهم كانوا يطالعون كتب المعتزلة لشغَفِهم بمسائل هذا العلم، فربما عثروا على هذه العبارة وهي شكر المنعم على النعمة قبل ورود السمع فاستحسنوها فذهبوا إليها ولم يقفوا على القبائح والفضائح التي تحتها، هذا كلام الأستاذ، وكذلك ذكر القاضي أبو بكر في ((التلخيص)) الذي اختصره إمام الحرمين في كتابه ((التقريب)) في مسألة حكم الأفعال قبل ورود الشرع، فإنّه قال: مال بعض الفقهاء إلى الحظر وبعضهم إلى الإباحة، وهذا لغفلتهم عن تشعُّب ذلك عن أصول المعتزلة مع علمنا بأنهم ما استحسنوا مسالكهم، وما اتبعوا مقاصدهم، [قال التاج السبكي معلقا على ذلك:] وهذه فائدة عظيمة جليلة.)) (¬4) 3 - وقوله في مسألة التكليف بالمحال في كتابه ((رفع الحاجب)) بعد ذكره منعَ إمام الحرمين والغزالي وابن دقيق العيد من التكليف بالمحال قال: ((فإن قلت: كيف حاد إمام الحرمين، وكذلك الشيخ أبو حامد الغزالي ومن معهم عن قول الشيخ، ووافقوا المعتزلة، ومَنْعُ التكليف بالمحال لا يمشي على قاعدة أهل السنة؟ ¬

_ (¬1) انظر: الجويني، البرهان (1/ 243 – 244) (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 341) (¬3) هو الإمام القاضي أحمد بن بشر بن عامر العامري الفقيه الأصولي أحد أعيان المذهب الشافعي وعظمائه له المؤلفات المشهورة مثل شرح مختصر في الفقه، والجامع في أصول الفقه وغيرها، توفي رحمه الله سنة 362هـ. أنظر ترجمته في التاج السبكي، طبقات الشافعية (3/ 12 – 13) (¬4) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 138)

المبحث السادس ذكر الأدلة والشواهد

قلت: هم وإن وافقوهم في الحكم، فالمأخذ مختلف، وذلك أنّ مأخذَ القدرية أن الآمر يريدُ وقوع المأمور به، والجمعُ بين علمه تعالى بأنه لا يقع وإرادته وقوعه تناقض، والإمام بريء من هذا المأخذ، وإنما تصوُّر أنّ الطلبَ في نفسه لا يتحقَّق مع علم الطالب أنّ المطلوبَ بأمره مستحيل.)) (¬1) المبحث السادس ذكر الأدلة والشواهد التاج السبكي في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)) كان مقرِّرا وشارحا للأدلة التي ذكرها البيضاوي وابن الحاجب، فهو كان يُبيِّنُ وجه الدلالة من الأدلة المذكورة وكيفية الاستدلال بها، ومن ثم يعقِّب عليها إما بذكر إيرادات عليها وردها، أو التسليم بها دون رد أو تعقيب، وقد مر معنا في المطالب السابقة أمثلة على ذلك، وشروحه مشحونة بأمثلتها، وما يهمُّنا هنا هو الأدلة التي كان يعرضها التاج السبكي نفسه والتي لم يتعرض لها البيضاوي وابن الحاجب. أولاً: ذكر الأدلة والشواهد من القرآن ثم السنة ثم كلام العرب في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)): كان التاج السبكي إذا ذكر دليلا فإما أن يكون هذا الدليل من القرآن فقط أو من السُنَّة أو من كلام العرب وشعرهم، وإما أن يجمعها كلها. فمن المواضع التي جمعها كلها قوله مستدلاً على مجيء في للسببية في كتابه ((الإبهاج)): ... ((والثاني: أن ذلك شائع ذائع في لسان العرب وفي القرآن والسنة وشعر العرب، أما القرآن ففي قوله تعالى: {لمسَّكُم فيما أفَضْتُم} (¬2) [أي: بسبب ما أفضتم]، و {لمَسَّكم فيما أخَذْتم} (¬3)، وأما السنة فالحديث الذي أورده [أي الإمام الرازي وهو: {في النفس المؤمنة مئة من الإبل} (¬4)]، وما رويَ أيضا من قوله صلى الله عليه وسلم {دخلت امرأة النار في هرة} (¬5)، وأما العرب فقال الشاعر: بكرّتُ باللوم تلحانا ... في بعير ضل أوجانا)) (¬6) فكل هذه الأدلة ساقها التاج السبكي لبيان ورود في للسببية، والتمثيل بها واضح. ومن المواضع التي استدل بها بالقرآن قوله استدلالا على تكليف الكفار بالفروع: ((ومن الدلائل الواضحة على أن الكافر مكلف بالفروع مطلقا، ولم أر من ذكره، قوله تعالى: {الذين كَفرُوا وصَدُّوا عن سبيلِ الله زِدْناهُم عَذاباً فوقَ العذابِ بِما كانوا يُفْسِدون} (¬7) إذ لا يَمْتري الفهم في أنّ زيادةَ هذا العذاب إنما هو بالإفساد الذي هو قَدْرٌ زائدٌ على الكفر.)) (¬8) ومنها قوله مستدلا على كون النقض قادحٌ مطلقاً في كتابه ((رفع الحاجب)): ((وسابعها: قوله تعالى: {وَلَوْ كان مِنْ عند غَيرِ الله لَوجدوا فيه اختلافاً كثيرا} (¬9) قال علماؤُنا: والنقضُ من الاختلاف، فدلَّت المناقضة على أنّ الدليلَ ليس من عند الله، وما لا يكون من عند الله لا يحتج به. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 34) (¬2) سورة النور آية 14 (¬3) سورة الأنفال آية 68 (¬4) رواه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 100) (¬5) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق باب خمس من الدواب يقتلن في الحرم رقم 3071 ومسلم في كتاب التوبة برقم 6915 (¬6) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 248 - 294) (¬7) سورة النحل آية 88 (¬8) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 185) (¬9) سورة النساء آية 82

ثانيا: ذكر الأدلة والشواهد في ((جمع الجوامع))

وثامنها: قوله تعالى: {إذْ قالوا ما أنزَلَ اللهُ على بَشَرٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الكتابَ الذي جاءَ به ... موسى} (¬1) فقد نَقضَ الربُّ تعالى عليهم في دعواهم عموم عدم الإنزال بصورةٍ خاصة، وهي الإنزال على موسى، فلو لم يكن قادحاً لم تَبْطل دعواهم.)) (¬2) وأما ذكره للشواهد، فالمراد بالشاهد ما يُستأنَسُ به ويدلُّ على استعمال المراد التدليل عليه عند العرب أو في كلام الشارع ومن هذه الشواهد التي ذكرها التاج السبكي:- قوله مستشهدا على صحة إطلاق ما يدور في النفس كلاما قال: ((قال الأخطل: إنّ الكلامَ لفي الفؤاد وإنَّما ... جُعِلَ اللِّسانُ على الفؤاد دليلا)) (¬3) وقوله مستشهدا على وجود علاقة المآل في المجاز: ((أو آيلٌ ... باعتبار ما سيؤول إليه، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: {إقرءوا على موتاكم يس} (¬4).)) (¬5) ومنها: قوله في بيان صحة مجيء لو للتمني: ((وأما قولنا وتَرِدُ للتمني فشاهده ... قوله تعالى: {فلو أنّ لنا كرّة} (¬6) أي فليت لنا كرّة.)) (¬7) ثانياً: ذكر الأدلة والشواهد في ((جمع الجوامع)): لم يُكْثر التاج السبكي من ذكر الأدلة والشواهد في ((جمع الجوامع)) وذلك لأنّ غرضه كما بينّا سابقا هو جمع الأقوال في المسائل الأصولية بطريقةٍ يَسْهُلُ على الباحث معرفة كل ما قيل فيها من آراء، وأما الأدلة فلم يكن يذكرها إلا في مواقع قليلة لأسباب بيَّنها التاج السبكي حيث قال: ((فربما ذكرنا الأدلة في بعض الأحايين إما لكونها مقرَّرة في مشاهير الكتب على وجهٍ لا يبين أو لغرابة، أو غير ذلك مما يستخرجه النظر المتين.)) (¬8) كما بيَّن التاج السبكي منهجه في ذكره هذه الأدلة والأمثلة فقال: ((ومن عادتي أنّ ما أضربه مثلا إن كان موجوداً في الكتاب أو السنة أو كلام العرب أو حملة الشريعة أُطلقه، وإن كان غيرَ موجودٍ أقول كقولك أو كما قيل ونحوه.)) (¬9) ومن الشواهد الدالة على ذلك:- 1 - قوله في مسألة التكليف بالمحال: ((ومنع أكثر المعتزلة والشيخ أبو حامد، والغزالي وابن دقيق العيد، ما ليس ممتنعا لتعلُّق العلم بعدم وقوعه.)) (¬10) قلت: لقد ذكر التاج السبكي هنا دليل أبي حامد ... والغزالي ومن معهم في هذه المسألة وذلك لبيان أنَّهم وإن وافقوا المعتزلة في الحكم إلا أنَّ مأخذهم مختلف، فالمعتزلة ينبني منعهم على قاعدة الحسن والقبح العقليين، في حين من ذكرهم لا يقولون بذلك وإنما يمنعون التكليف بالمحال لتعلق علم الله تعالى بكونه لا يقع والله تعالى أعلم. ¬

_ (¬1) سورة الأنعام آية 91 (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 200 - 201) (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 4) (¬4) رواه أبو داود في كتاب الجنائز باب القراءة عند الميت رقم 2714 وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز بات فيما بقال عند المريض إذا حضر رقم 1438 وأحمد في المسند برقم 19416 (¬5) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 375) (¬6) سورة الشعراء آية 102 (¬7) التاج السبكي، منع الموانع ص 168 (¬8) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 203 (¬9) التاج السبكي، منع الموانع ص 154 (¬10) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 130

المبحث السابع منهجه في ذكر الفروع الفقهية

2 - من المواضع التي استشهد فيها بكلام الله وأطلقه وكلام غيره مما ليس معروفا عند العرب أو حملة الشريعة وقيده كقوله في مسألة دلالة لو: ((والصحيح وفاقا للشيخ الإمام: امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه ... كـ {لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لَفَسَدَتا} (¬1) ولا إن خَلَفه كقولك: لو كان إنسانا لكان حيوانا.)) (¬2) ففي هذا المثال: ذكر لنا التاج السبكي شاهدين على قوله الأول من كلام الله تعالى لذا أطلقه، والثاني من كلام غيره مما هو ليس من حملة الشريعة وإنما هو من كلام المناطقة لذا قيده بقوله كقولك. المبحث السابع منهجه في ذكر الفروع الفقهية لقد أكثرَ التاج السبكي من ذكر الفروع الفقهية المبنية على المسائل الأصولية التي كان يطرحها، وهذا منهجٌ واضح جَليٌّ في أغلب مباحث شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر))، وهذه الناحية هي التي تميَّز بها التاج السبكي عن غيره من الشراح، ذلك أن الشراح الآخرين لم يكن أيٌّ منهم يأتي بمثل هذه الغزارة من الفروع، وأما التاج السبكي فلا يمرُّ بمسألة أصولية ينبني عليها فروع فقهية إلا ذكرها وبيَّنها، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الفروع معظمها - إن لم تكن كلُّها - من فروع الفقه الشافعي، وأحيانا كنتُ أراه يأتي بفروعٍ لبيان ضعفها وردِّها وذلك تعريضاً بالفقهاء المخالفين للشافعي، سواء أكان ذلك في الأصول أم بالفروع، لذا كنت أجده يعقِّب المسألة بذكر بعض الفروع الفقهية المبنية عليها. ومن الشواهد الدالة على ذلك: 1 - قوله بعد بيان الخلاف الوارد في مسألة الوجوب إذا نسخ بقي الجواز: ((واعلم أنّ خلاف الأصوليين في هذه يناظره اختلاف الفقهاء في أنه إذا بطل الخصوص هل يبقى العموم، وذلك فيمن صلى الظهرَ قبل الزوال، فإنها لا تنعقد ظهرا، وفي انعقادها نقلاً هذا الخلاف، ويضاهيه مسائل: منها: إذا أحال المشتري البائع بالثمن على رجل ثم وجد بالمبيع عيبا، فالأصح أن الحوالة تبطل، وهل للمحتال قبضه للمالك بعموم الإذن الذي تضمنه خصوص الحوالة فيه هذا الخلاف.)) ثم أضاف فروعا أخرى يتجه بناؤها على الأصل المذكور فقال: ((ويتجه بناء فروع على هذا الأصل لم أرَ من بناها: ... ومنها: إذا باع بلفظ السَّلَم، فإنه ليس بسَلَمٍ قطعاً وفي انعقاده بيعاً قولان أظهرهما لا، ... وبناهما الأصحاب على أنّ الاعتبار باللفظ، أو بالمعنى، ويتجه بناؤهما على هذا الأصل أيضا.)) (¬3) ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء آية 22 (¬2) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 141 (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 128 - 129)

2 - وقوله في مسألة مَنْ هل يدخل فيها الإناث أم لا: ((فرع: لو نظرت الأجنبية في بيت الأجنبي جاز رميها على أصح الوجهين، ويمكن أن يبنى الخلاف على شمول من المؤنث، والأصل فيه ما في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: {من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حلَّ لهم أن يفقئوا عينه.} (¬1) وتستحق المرأة سَلَبَ المقتول على المذهب، لقوله صلى الله عليه وسلم: {من قتل قتيلا فله سلبه} (¬2).)) (¬3) 3 - وقوله في مسألة امتناع تكليف الغافل: ((ونظيره ميت انتفخ فانكسر بسبب انتفاخه قارورة، أو راكب مات فسقط على شيء لا يضمنان، لأنهما لا فعل لهما.)) (¬4) 4 - وقوله في مسألة وقوع أكثر من حكم بعلّة واحدة: ((والمختار وقوع حكمين بعلة إثباتا، كالسرقة للقطع والغُرم، ونفياً كالحيض للصوم والصلاة وغيرهما.)) (¬5) فأنت ترى من خلال هذه الأمثلة أن التاج السبكي قد ذكر أمثلةً فقهيةً تنطبق على القواعد الأصولية التي كان قد قررها، ووَجْهُ بنائها ظاهر لا يحتاج إلى بيان لذا اكتفيت بسردها سردا. وأحيانا أخرى كنت أجده يذكر فروعا فقيهة لبيان كونها مستثناة من القاعدة الأصولية التي قررها من ذلك: قوله في مسألة الإكراه الملجئ يمنع التكليف: ((على أنّ الفقهاءَ استثنوا مسائل من هذه القاعدة منها: الإكراه على القتل في أصح القولين، ومنها الإكراه على الكلام في الصلاة على الأصح، ومنها الرضاع، ومنها الحدث: وقد حكى الرافعي عن الحناطي وجهين في انتقاض الوضوء بمس الذكر ناسيا فلا يبعد أن يقال بجريانهما في حالة الإكراه، ومنها الإكراه على الزنا إن قلنا يُتصوَّر الإكراه عليه ... )) (¬6) ففي هذه الأمثلة ذكر لنا التاج السبكي فروعا ليس لبنائها على القاعدة المذكورة والتي مفادها منع التكليف بالإكراه، وإنما لبيان خروجها استثناءً من القاعدة. ففي الإكراه على القتل الأصح أنّ القاتل آثمٌ وعليه عقوبةُ القصاص، والإكراه على الكلام في الصلاة يبطلها، والإكراه على الرضاع يُثبتُ أثره من حرمةٍ للنكاح، والإكراه على مس الذكر قد يبطل الوضوء، والإكراه على الزنا يوجبُ الحد، وبذلك وجدنا أن هذه الفروع جميعها قد ترتب عليها التكليف مع وجود الإكراه. وأحيانا أخرى كان يذكر فروعا فقهية ترد نقضا على القاعدة الأصولية: وهذه الفروع إما أن يوردها لنقض قواعد المخالف، وإما أن يوردها لبيان كونها ناقضة لقاعدته ظاهريا ويُبيِّنُ عدمَ نقضها حقيقة ومن الشواهد الدالة على ذلك:- ¬

_ (¬1) رواه مسلم في كتاب الآداب باب تحريم النظر في بيت غيره برقم 5607 والنسائي في كتاب القسامة باب من اقتص واخذ حقه دون السلطان برقم 4777 (¬2) رواه مسلم في كتاب الجهاد رقم 4543 وأبو داود في باب في السلب يعطى القاتل برقم 2718 وأحمد في المسند برقم 12156 (¬3) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 210 - 211) (¬4) التاج السبكي، منع الموانع ص 109 (¬5) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 171 (¬6) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 163)

1 - قوله بعد بيان عدم صحة تصرُّفات الصبي مطلقا: ((وفي المذهب فروعٌ تَرِدُ نقضاً على ذلك وكلُّها مختلف فيها، ومنها ما هو على وجه ضعيف، فمنها: قبول قوله في رواية هلال رمضان، ومنها: إذا أخبر الصبي المميز بنجاسة أحد الإنائين، فأصح الوجهين لا يقبل خبره، منها: إذا شهد صبيَّان بأنّ فلاناً قتل فلانا فهل يكون ذلك لوثا، فيه وجهان ... ومنها: صحَّةُ بيع الاختيار على وجه، ومنها وصيته ... وفيها قولان، ومنها تدبيره وفيه قولان، ومنها أمانه وفيه طريقان ... )) (¬1) فكل هذه الفروع أتى بها التاج السبكي لبيان أن القول بأن تصرفات الصبي كلها باطلة منقوضة بمثل هذه الفروع، ففي هذه الأمثلة التي ذكرها كلها قولان: أحدهما يقضي بصحة هذه التصرفات وهو النقض على القاعدة والآخر يقضي ببطلان تصرفاته وهو مستقيم مع القاعدة. 2 - وقوله في مسألة التفريق بين الفساد والبطلان بعد تبنِّيه عدم الفرق بينهما: ((وإنَّما يُعطى الخطبُ عند متفقهة الشافعية إذا مرَّت بهم فروع فرَّق فيها الأصحاب بين الباطل والفاسد، حيثُ يظنون بها مناقضتهم لأصلهم فلنسردها ثم نفصح عن سردها، فمنها: الخلع والكتابة، الباطل فيهما ما كان على غير عوض مقصود كالميتة، أو رجع إلى خلل كالصغر والسفه، والفاسد خلافه، وحكمٌ الباطل أنه لا يترتب عليه شيء، والفاسد يترتب عليه العتق ... والطلاق ويرجع الزوج بالمهر والسيد بالقيمة ... ومنها: الإجارة الفاسدة يجب بها أجرة المثل، وأما إذا استأجر – مثلا – صبيٌّ رجلاً بالغاً فعمل عملا لم يستحق شيئا لأنه هو الذي فوَّت على نفسه عمله، وتكون باطلة ... [ثم بيَّن عدمَ مناقضة هذه الفروع لقواعد الشافعية أصلا فقال]: واعلم أنَّا فرقنا في هذه الفروع – كما علمت – بيدَ أنا لم نَرُم مرام الحنفية، ولم نَنْحُ طريقتهم، لأنهم يُثبتون بيعاً فاسداً يترتب عليه مع القبض أحكام شرعية، ونحن لا نفعل (¬2) ذلك، وإنما العقود لها صورةٌ لغةً وعرفاً من عاقد ومعقود عليه وصيغة ولها شروط شرعية، فإن وُجدت كلُّها فهو صحيح، وإن فُقد العاقد أو المعقود عليه أو الصيغة وما يقوم مقامها، فلا عقدَ البتة، وتسميتُه باطلاً مجاز، وإن وُجدت وقارنَها مفسدٌ من عدم شرط أو نحوه فهو فاسد، وعندنا هو باطل أيضا، ولكن يطلق عليه الفاسد لمشابهته للصحيح من جهة ترتُّب أثرٍ ما عليه من أجرةِ مثلٍ ... وغير ذلك، ولم نَنْفِ عنه الإبطال، وإنما سمَّيناه بالفاسد وسكتنا عن ذكر الباطل تَفْرِقةً بين ما يترتب عليه أثرٌ ما وما لا يترتب.)) (¬3) فهذه الأمثلة التي أوردها التاج السبكي تدلُّ ظاهراً على عدم التزام الشافعية بأصول مذهبهم، ذكرها التاج السبكي ليبيِّن عدمَ مناقضتها لأصول الشافعية وبيَّن مرادَهم فيها بالفاسد والباطل وأنه غير مقصود الحنفية في ذلك. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 312) (¬2) هذا هو الصواب، غير أن ما في أصل الكتاب نغفل، وقد أشار المحققان إلى وجود الصواب في نسخة أخرى، وهذا دأبهما في مثل هذه الأخطاء (¬3) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 19 – 25)

المبحث الثامن منهجه في تخريج الأحاديث

3 - وقوله في مسألة خبر الواحد مقبول في الحدود خلافا للكرخي والبصري: ((ومما يُردّ به عليهم القصاص، وهو مما يُدرأُ بالشبهات ومع هذا استدلوا عليه بخبر الواحد، كما استدلوا بخبرٍ مرسل في قتل المسلم بالذمي، واستدلوا بأثر عمر في قتل الجماعة بالواحد، واستدلوا في القصاص بالأقيسة، ... وهي أضعف من خبر الواحد.)) (¬1) ففي هذا المثال ذكر لنا التاج السبكي فروعاً فقهيةً لينقض بها مُدّعا الخصم في عدم حجية خبر الواحد في الحدود حيث جاء بفروع فقهية قبلوا فيها خبر الواحد وما هو أقلَّ منه كالمرسل والقياس ... واستدلوا بها على أحكام شرعية من باب الحدود. 4 - قوله في مسألة النفل لا يلزم بالشروع: ((ووجوبُ إتمام الحج لأن نفله كفرضه نيةً وكفارةً ... وغيرهما.)) (¬2) ذكر التاج السبكي هنا فرعا فقهيا جوابا لسؤال مقدرَّ تقديره: كيف تزعم أن النفل لا يلزم بالشروع مع أنكم تقولون بوجوب إتمام نفل الحج؟ فأجاب عنه التاج بقوله ووجوب إتمام الحج لأن نفله كفرضه، بمعنى أنه لا فارق بين الحج المفروض والحج النافلة ولا بأي وجه من الوجوه فالنية في كليهما واحدة والأركان واحدة، ومحرمات الإحرام واحدة، والكفارات المترتبة على ارتكاب المحظورات فيهما واحدة، بخلاف غيره كالصوم مثلا فإنّ النّية في فرضه تخالف النية في نفله، ففي الفرض يجبُ التبييتُ بخلاف النفل، ولا يترتب على إبطال صوم النافلة قضاءٌ ولا كفارة، بخلاف صوم الفريضة ونحوها، فظهرَ بذلك اختصاصَ الحج ببعض الأحكام دون غيره من النوافل والله تعالى أعلم. وأحيانا أخرى وجدت التاج السبكي يذكر بعض الفروع لا لبنائها على الأصول، وإنما لبيان فسادها وعدم صحتها: ويدخل في ضمنها التعريض بالفقهاء المخالفين، ومن ذلك: قوله في مبحث التأويل من ((جمع الجوامع)): ((ومن البعيد تأويلُ أمسك على ابتدئ، وستين مسكيناً على ستين مُدّاً، وأيَّما امرأةٌ نكَحت نفسها على الصغيرة والأمة والمكاتبة، ولا صيامَ لمن لم يبيت على القضاء ... والنذر، وذكاة الجنين ذكاة أمه على التشبيه، وإنما الصدقات على بيان المصرف، ومن ملك ذا رحم على الأصول والفروع ... )) (¬3) فهذه الفروع ذكرها التاج السبكي لبيان فساد التأويل فيها وأنه لا يصح تأويلها على الوجه المذكور. المبحث الثامن منهجه في تخريج الأحاديث لم يكن التاج السبكي مجرَّد أصوليٍّ فحسب، بل لقد كان ذا علوم كثيرة ومتنوعة، ومن بينها علمُ الحديث، فهو إلى جانب كونه أصولياً كان محدثاً ناقدا، ويظهر ذلك من خلال نظرته للأحاديث التي يذكرها، فهو لا يكاد يَمرُّ بحديث إلا وخرَّجه مبيِّناً مخرجيه ومتحدِّثاً عليه صِحَّةً وضعفاً بما تقتضيه صناعة الحديث، وأحيانا كنت أراه يتكلَّمُ أيضاً على بعض رجاله مبيِّناً مدى وَثاقتهم أو ضعفهم على قواعد الجرح والتعديل. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 448) (¬2) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 125 (¬3) جمع الجوامع ص 151 - 152

أولا: من الشواهد الدالة على اكتفائه بنسبة الحديث إلى مخرجيه

وقد اتبع التاج السبكي ذلك في كتاباته كلِّها ومن بينها كتاباته في أصول الفقه، ومن هنا تميَّز التاج على غيره من الشراح، فالشراح لا يتعرَّضون غالباً لصناعة الحديث في مؤلفاتهم الأصولية، بخلاف التاج السبكي ففي شرحيه لا تكاد تجده يمرُّ بحديثٍ إلا وتكلَّم عليه، وقد صرَّح التاج باتباعه هذا المنهج في مقدمة كتابه ((رفع الحاجب)) فقال: ((ومع الكلام على أحاديثه [أي مختصر ابن الحاجب] مما تقتضيه صناعة الحديث.)) (¬1) ومن الشواهد الدالة على ذلك:- أولاً: من الشواهد الدالة على اكتفائه بنسبة الحديث إلى مخرجيه: 1 - قوله في مبحث الإيماء في مسالك العلة بعد ذكر أمثلة على الإيماء: ((الأول: أن يدفع السؤال في صورة الإشكال بذكر الوصف كما روي أن عليه السلام امتنع من الدخول على قوم عندهم كلب فقيل إنك تدخل على بني فلان وعندهم هرة فقال عليه السلام: {إنها ليست بنجسة، إنها من الطوافين عليكم والطوافات} [قال التاج السبكي معقبا:] رواه الأربعة أصحاب السنن)) (¬2) 2 - قوله في مسألة وقوع المترادف رادا على من زعم عدم الوقوع: ((وذلك الردُّ عليهما أيضاً بما في سنن أبي داود (¬3) والترمذي (¬4) وابن ماجة (¬5) من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: {كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء، فمرت سحابة فقال رسول الله صلى الله عليه ... وسلم:" أتدرون ما هذا؟ " فقلنا: السحاب، قال:" والمزن "، قلنا: والمزن، قال:" والعنان، ... } الحديث)) (¬6) ففي هذه الأمثلة اكتفى التاج السبكي ببيان رواة هذه الأحاديث ولم يبين لنا مدى صحتها أو ضعفها لديه. ثانياً: من الشواهد الدالة على كلامه على الأحاديث صحة وضعفا: 1 - قوله في حُجَّة الإجماع ردَّاً على من زَعم عدمَ حجيته بسبب اختلاف الصحابة: ((وروى نعيم بن حماد الخزاعي عن عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر ... مرفوعا: {سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضها أضوأ من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه على اختلافهم عندي فهو على هدى} (¬7) [قال التاج السبكي معقِّبا على هذا الحديث]:وهذا حديث قال فيه أحمد لا يصح، ثم إنه منقطع فابن المسيب لم يسمع من عمر شيئا.)) (¬8) ففي هذا المثال بيَّن لنا التاج السبكي عدم صحة الحديث بقول الإمام أحمد ولكونه منقطعا بسبب الانقطاع بين ابن المسيب وعمر رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 238) (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 50) (¬3) رواه في كتاب السنة برقم 4100 (¬4) رواه في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله 3242 (¬5) رواه في كتاب المقدمة برقم 189 (¬6) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 365 وما بعدها) (¬7) حديث قدسي رواه الديلمي في الفردوس (2/ 310)، (4/ 460) وقال عنه المناوي في فيض القدير (4/ 76) أن إسناده واه (¬8) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 378)

ثالثا: من الشواهد الدالة على كلامه على رجال بعض الأحاديث

2 - وقوله في مبحث الإيماء من مسالك العلل بعد ذكره أمثلة على الإيماء قال: ((وقيل إن قوله عليه الصلاة والسلام لما سأله عمر عن قبلة الصائم {أرأيتَ لو تمضمضت أكان ذلك مفسدا. فقال: ... لا} من ذلك، [ثم قال]: والحديث رواه أبو داود (¬1) والنسائي وضعَّفه أحمد، وقال النسائي: أنه منكر.)) (¬2) هذا وقد بلغ من دقة التاج السبكي في هذا المجال أنه إذا روي حديث ولم يكن يعرفه بعد البحث فإنه ينص على ذلك، فمن ذلك:- قوله معقِّبا على حديث {اختلاف أمتي رحمة} (¬3): ((واعلم أن الحديث المشار إليه غير معروف، ولم أقف له على سند، ولا رأيت أحدا من الحفاظ ذكره إلا البيهقي في رسالته إلى الشيخ العميد عميد الملك بسبب الأشعري وقد ساقها الحافظ ابن عساكر في ((التبيين)) (¬4)، إلا أنّ البيهقي لم يذكر له إسنادا، بل قال روى النبي صلى الله عليه وسلم كذا.)) (¬5) وقوله على حديث: {خذوا شطر دينكم عن الحميراء} (¬6): ((وهذا الحديث لا يعرف، وكان شيخنا أبو الحجاج المزي رحمه الله يقول: كل حديث فيه لفظ الحميراء لا أصل له إلا حديثا واحدا في النسائي.)) (¬7) ومن دقته أيضا أنه كان يستدرك على الأصوليين في تصحيحهم لبعض الأحاديث: فمنها قوله معقبا على قول الإمام الجويني في ((البرهان)) بأنّ حديث معاذ في الاجتهاد بالرأي مدوَّن في الصحاح متفق على صحته (¬8): ((قلت [أي التاج]: وهذا عجيب من إمام الحرمين، فقد قال إمام الصناعة أبو عبد الله البخاري لا يصح هذا الحديث، وقال الترمذي: ليس إسناده عندي بمتصل.)) (¬9) ثالثاً: من الشواهد الدالة على كلامه على رجال بعض الأحاديث:- فمنها قوله في مبحث رد رواية المجهول: ((فإن قيل: قد قبلتم المجهول، وذلك أن عبد الرحمن ابن وعلة المصري، رجل مجهول، وقد روى عن ابن عباس أن النبي على الله عليه وسلم قال: {أيما إهاب دبغ فقد طهر} (¬10)، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه ذكر له حديثه هذا فقال: ومن ابن وعلة؟! قلنا: ليس ابن وعلة مجهولا، بل هو ثقة. روى عنه زيد بن أسلم ويحيى بن سعيد وغيرهما، ووثقه ابن معين والعجلي والنسائي، وروى له مسلم والأربعة (¬11).)) (¬12) ¬

_ (¬1) رواه في باب القبلة للصائم برقم 2385 (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 321) (¬3) لم أجد حديثا بهذا النص (¬4) انظر، ابن عساكر، تبيين كذب المفتري، ص 106 (¬5) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 18) (¬6) لم أجده حديثا بهذا النص (¬7) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 201) (¬8) الجويني، البرهان (2/ 17) (¬9) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 12) (¬10) رواه مسلم في كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ بلفظ إذا برقم 810، ورواه الترمذي في كتاب اللباس برقم 1650 بلفظ أيما، والنسائي في كتاب الفرع والعتيرة بلفظ أيما أيضا برقم 4168، وابن ماجه بنفس اللفظ في كتاب الفرع والعتيرة برقم 3599 (¬11) انظر: الذهبي، ميزان الإعتدال في نقد الرجال (4/ 325) (¬12) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 320)

المبحث التاسع منهجه في التعامل مع العلماء الذين تأثر بهم

وقوله على حديث {الأئمة من قريش}: ((رواه أحمد (¬1) والنسائي من رواية بكير بن وهب الجزري عن أنس، وبكير مجهول (¬2)، فإنه لم يرو عنه غير أبي الأسود علي، وقال فيه الأزدي: غير قوي، ولكن روى له النسائي، وأهل المعرفة بالحديث يرون مجرد رواية النسائي له أرجح من تضعيف الأزدي إياه. ورواه الهيثم بن كليب الشاشي والطبراني من رواية أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ - بالنون والجيم والذال المعجمة - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا، وتكلم عليه الدارقطني في ((العلل)) ... قلت [أي: التاج السبكي]: وربيعة بن ناجذ مجهول (¬3)، لأنه لم يرو عنه غير أبي صادق، وقد روى له ابن ماجة.)) (¬4) هذه أهم الملامح لتخريجه للأحاديث، غير أنه مما ينبغي لفت النظر إليه أن التاج السبكي لم يلتزم ذلك المنهج في كل الأحاديث التي يوردها، بل لقد وجدته ترك عددا لا بأس به من الأحاديث، ذكرها ... ولم يتكلم عليها بأي شيء سواء بنسبتها إلى مخرجيها أو نحو ذلك، وأكثر من ذلك في كتابه ((منع الموانع)) حيث كان الغالب عليه عدم تخريج الأحاديث الواردة، ومن الأحاديث التي ذكرها دون تخريج بتاتا:- حديث: {أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل} ذكره التاج السبكي في ((الإبهاج)) (¬5)، ولم يتكلّم عليه بشيء. قلت: والحديث رواه أبو داود في سننه في كتاب النكاح باب في الولي برقم 2082 ورواه أحمد في المسند برقم 25840 وحديث: {لا عدوى ولا طيرة} حيث ذكره التاج السبكي في ((رفع الحاجب)) (¬6) هكذا ولم يعلق عليه بأي شيء، وهو مخرج في البخاري في كتاب الطب باب الطيرة حديث رقم 5312 ومسلم في كتاب السلام رقم 5766 وحديث: {لو يعطى الناس بدعواهم، لادّعى رجال دماء قوم وأموالهم لكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر} أورده التاج السبكي في ((منع الموانع)) (¬7) ولم يعقب عليه بشيء. قلت: وهو مخرج في الصحيحين، فقد رواه البخاري في تفسير القرآن، باب إنّ الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلا برقم 4187، ورواه مسلم في كتاب الأقضية برقم 4445. المبحث التاسع منهجه في التعامل مع العلماء الذين تأثر بهم مما لا شك فيه أن أي عالم أو باحث ما، لا بد وأنه قد تأثر بغيره من العلماء، ويظهر هذا التأثر من خلال موافقته له في آرائه ونقله لها، كما ويبرز في عدد النقول التي كان يعتمد عليها عن العلماء الذين تأثر بهم، والتاج السبكي كان من هؤلاء العلماء الذين تأثروا بغيرهم، وسأعرض في هذا المبحث لأربعة من العلماء الذين كان لهم عظيم الأثر في شخصية التاج السبكي مع بيان موقفه منهم. وهؤلاء العلماء هم:- ¬

_ (¬1) رواه في المسند برقم 11859 (¬2) انظر المزي، تهذيب الكمال (4/ 255) (¬3) انظر: المزي، تهذيب الكمال (3/ 228) (¬4) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 75 - 77) (¬5) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 231) (¬6) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 159) (¬7) التاج السبكي، منع الموانع ص 158

أولا: الإمام الشافعي

أولاً: الإمام الشافعي: كما ذكرت غير مرَّة فإن التاج السبكي كان يدين الله تعالى على مذهب الإمام الشافعي، فهو شافعي جَلْد، ومن أكثر الناس حُبَّاً للشافعي وإجلالاً وتعظيماً له، وكان يَرى أنَّ الإمام الشافعي هو أفضل الأئمة وأنَّ مذهبه هو المذهب الذي ينبغي على كل أحد أن ينتحله ويقول في ذلك في كلام طويل أنقل لك أكثره: ((إن قصر نظر بعض المصنفين (¬1) عن فهم مراتب المجتهدين فلا عليه لو اقتدى بقوله صلى الله عليه وسلم: {الأئمة من قريش} (¬2)، وقوله صلى الله عليه وسلم: {قدموا قريشاً ولا تذموها} (¬3)، ولم يكن أحد من أصحاب المذاهب معزياً إلى صليبة قريش بالمسلك الواضح إلا الشافعي، ولا خلاف في اختصاصه بذلك، وأنه المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: {عالم قريش يملأ طباق الأرض علما} (¬4) لأنه الذي طبَّق طباق الأرض، وتخلَّق بالطيب، ورد ليلها المسود، وجبين نهارها المبيض، وصار اسمه في مشارقها ومغاربها، وعلا على أنجم السماء طوالعها وغواربها. وقد قام إمام الحرمين مناديا بما لَوَّحَ به جماعةٌ من الأصحاب من وجوب تقليد الشافعي في كتابه: الترجيح بين المذهبين (¬5) أنه يدعي أنه يجب على كافة المسلمين وعامة المؤمنين شرقا وغربا بُعداً وقُرباً انتحالَ مذهب الشافعي، وبحيث لا يبغون عنه حولا ولا يريدون به بدلا، والذي نقوله نحن [أي التاج السبكي] إن كتابنا هذا شارح لمختصر أصول لا نرى أن نخرج عنه إلى ما لا يتعلق به من الترجيح بين المذاهب، ولكن الذي نفوه به هو أنه يتعين على المقلد النظر بعين التعظيم إلى قدوته، والإيماء بطرف التقديم نحو إمامه، ونحن نراعي ذلك في حق إمامنا رضوان الله عليه ونقول بجمع الكلام فيما نحاوله أمور ثلاثة)) ثم ذكرها بتفصيل ومنها أنه لا يرى أنّ أحداً قد بلغ رتبة الاجتهاد المطلق بعد الشافعي حيث قال: ((ولكنّا لسنا نرى أحداً من الأئمة بعد بلغ هذا المحل، كذا أجاب إمام الحرمين، وتغالى غيره وقال: لم يبلغ أحدٌ بعد الشافعي منصب الاجتهاد المطلق فضلا عن الوصول إلى ما وصل إليه الشافعي.)) وبعد ذلك ذكر [التاج السبكي] منزلة الإمام الشافعي في الأصول فقال: ((ولا يخفى على الساري في الظُّلَم رُجحانَ نظر الشافعي في الأصول التي هي أهمُّ ما ينبغي للمجتهد، وأنه أوَّلُ من أبدعَ ترتيبها ومهَّد قوانينها، وألَّف فيها رسالته، ولم لا يكون ذلك وأعظمُ ما يُستمدُّ منه أصول الفقه، اللغة، والشافعي كان من صميم العرب العرباء ممن تفقأت عينه بيضة بني مضر.)) ¬

_ (¬1) هكذا وردت في الأصل ولا أرى لها وجها، وقد وجدتها في البرهان الذي هذا الكلام مستمد منه المستفتين وهو أوجه والله أعلم. أنظر: البرهان (2/ 179) (¬2) مضى تخريجه ص 188 (¬3) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 25) وقال رجاله رجال الصحيح (¬4) رواه الطيالسي في مسنده (1/ 93) وابن أبي عاصم في السنة (2/ 638) (¬5) أي كتاب الترجيح بين المذهبين وهو في كتابه البرهان، أنظر: الجويني، البرهان (2/ 177 - 181)

ثم أسهب في بيان قَدْر الشافعي في شتى العلوم فأخذ ببيانها علماً علما فقال: ((فأما الكتاب فهو عربيٌّ مبين، والشافعي إذا أنصف الناظر عَرَفَ أنه المميَّزُ عن غيره فيما يحاوله منه، لأنه القرشي البليغ ذو اللغة التي يَحتجُّ بها الواصل إلى الذروة في معرفة الناسخ والمنسوخ ومعرفة الروايات.)) ثم تكلَّم عن الحديث فقال: ((وأما الحديث فلا ينكرُ منصفٌ مقامَه في الأخبار، وإلقاءَه الأحاديث من حفظه ... حتى قال أبو زُرعة: ما عند الشافعي حديثٌ غَلط فيه، وقال أبو داود: ما أعلمُ للشافعي حديثاً خطأ، وهو في معرفة الرجال وغير ذلك من فنون الحديث الواصل الليل بالنهار يُنزِّلُ الأحاديثَ منازلها ويَقْبلُ كلَّ ما صح منها ويجعله مذهبه لا يفرِّقُ بين كوفيٍّ ومدني، [ثم قال] وأما فِقْهُ الحديث فهو سيِّدُ الناس في ذلك.)) هذا ويرى التاج السبكي أنّ الشافعيَّ أعلمُ بالحديث من الإمام أحمد ويقول في تأويل عبارة الشافعي لأحمد أنتم أعلم منا بالحديث فقل لي كوفية وبصرية: ((يعني أنكم أهل العراق أعلم منا معشر الحجازيين بأحاديث الكوفة والبصرة ... ولم يُرِد الشافعي أنّ ابن حنبلٍ أعلم منه بالحديث كما ظن بعض الأغبياء حاش الله، وإنما أراد ما ذكرناه ... ولو أرادَ الشافعي ما زَعمه بعض الأغبياء جَبْراً لأحمد وتأدُّباً معه وتعظيما لجانب تلميذه لجاز ذلك، ولا لَومَ عليه.)) ومن ثَمَّ بيَّن التاج السبكي أرجحية نظر الشافعي في الفقه وكيفية ترتيبه لأدلة الفقه ورده للأدلة المختلف فيها كالاستحسان وغيره ثم قال: ((وآخر ما نذكره دليلا لم يُرَ من سبقنا باستنباطه يدلُّ على ما نحاوله، وهو حديث {يبعث الله على رأس كل مئة من يجدد لها أمر دينها} واتفق الناس على أنّ المبعوث على رأس الأولى عمر بن عبد العزيز، وعلى الثانية الشافعي، ويأبى الله أن يبعثَ مخطئاً في اجتهاده أو يختصَّ ناقصَ المرتبة بهذه المزية، بل هذا صريح في أنّ ما يأتي به المبعوث فهو دين الله الذي شرعه لعباده، ومن الغرائب الواقعة في هذا الأمر المؤيدة لما ذكرناه وما حاولناه تأييدا يَنْثلجُ به الصدر أن الله تعالى خصَّ أصحابَ الشافعي بهذه الفضيلة فكان على رأس الثلاثمئة ابن سريج، وهو من أكبر أصحابه، وعلى رأس الأربعمئة الشيخ أبو حامد إمام العراقيين من أصحابه، وعلى رأس الخمسمئة الغزالي القائمُ بالذبِّ عن مذهبه، والداعي إليه بكل طريق، وعلى السادسة الإمام فخر الدين الرازي أحد المقلدين له والمنتحلين مذهبه والذابين عنه، وعلى السابعة الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد الذي رجعَ إلى مذهبه وانتحله وتولىَّ القضاء وحكمَ به بعد أن كان في أول نشأته مالكيا.)) (¬1) انتهى. وقد أردت ذكر هذه النصوص وذلك لأنَّ فيها بياناً لمدى حُبِّ التاج للشافعي وكيف يرى وجوبَ تقديمه على غيره وبالتالي وجوبَ تقليده، واعلم أنّ أكثر هذه الاستدلالات التي أوردها التاج السبكي مأخوذةٌ من قُدوته في ذلك وسلفه العظيم الإمام الجويني، حيث ذكر هذه الاستدلالات في أواخر كتابه ((البرهان)) (¬2) فانظرها هناك إن شئت. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 205 - 208) بتصرف (¬2) انظر: الجويني، البرهان (2/ 177 - 181)

1 - كثرة النقول التي يصرح بها باسمه

وقال التاج السبكي مقرِّرا لذلك أيضا: ((إني اعتبرتُ أقوالَ غير المقلدين لواحدٍ من الأربعة في الأربعة: فوجدت الكل مطبقين على أنه إن كان تقليدٌ لأحد فليكن للشافعي، وهم مجمعون على أنه متوسط بين الرأي والأثر، آخذٌ بمجامع الأمرين، من غير إفراط ولا تفريط في واحد من الجانبين، ... وعلى ذلك جميع المحدثين إلا من شذ ممن لا يُعبأُ به من متأخري حنابلتهم، ثم وجدت طوائف الأئمة الثلاثة الحنفية والمالكية والحنابلة، متفقين على أنّه إن كان تقليدٌ لغير أئمتهم فليكن الشافعي ... فلا تجد حنفياً إلا ويقول: إن كان لا بدَّ من الخروج عن مذهب أبي حنيفة فليكن الشافعي، كذلك المالكي، وكذلك الحنبلي.)) (¬1) إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الإمام تاج الدين السبكي قد تأثر بالشافعي كثيراً في كتاباته الأصولية ويظهر ذلك من خلال ما يأتي:- 1 - كثرة النقول التي يصرح بها باسمه والتي يأتي بها التاج السبكي ليشرح بها ويؤكد المسائل الأصولية المطروحة، وقد بلغ عدد النقول التي أحصيتها عن الشافعي في كتابات التاج السبكي موضع الدراسة حوالي مئتين وثلاثة وتسعين موضعا (293). 2 - اعلم أني لم أطلع على أيَّةِ مسألةٍ أصولية أو غير أصولية قد خالفَ فيها التاج السبكي الشافعي مخالفةً صريحة، بل حتى ولا ضمنية، لذا سوف تجد أن التاج السبكي في كتاباته دائما وأبدا ما يوافق الشافعي في ما يذهب إليه، وأحيانا كنت أراه يؤول كلام الشافعي ليتناسب مع ما اختاره التاج ولم يكن للشافعي فيه كلاما صريحا، ومن ذلك قوله في بيان أن صيغة الأمر لا تقتضي لذاتها الوجوب بل الوجوب مأخوذ من خارجها: ((وهذا الذي اختاره الشيخ أبو حامد وإمام الحرمين هو المختار عندنا، فإن الوعيد لا يُستفادُ من اللفظ، بل هو أمرٌ خارجي عنه، ولكنا نقول: المنقول عن الشافعي أن الصيغة تقتضي الوجوب، ومراده الصيغة الواردة في الشرع؛ إذ لا غرض له في الكلام في شيء غيرها، ولم يصرِّح الشافعي بأن مقتضاها للوجوب مستفاد منها، فلعلَّه يرتضي هذا التركيب ويقول به، ويكون ما ذهب إليه الشيخ أبو حامد وإمام الحرمين هو الذي ذهب إليه إمامهما.)) (¬2) ففي هذا المثال ترى كيف أنَ التاجَ السبكي قد حاول فهمَ كلام الشافعي بناءً على ما رجَّحه في صيغة الأمر وذلك خوفا من مخالفته في ذلك. 3 - الدفاع عن الإمام الشافعي وتأويلُ كلامه وحمله على محمل حسن: حيث كان التاج السبكي يحاول جهده في تقرير كلام الشافعي بحيث لا يعترض عليه أحد، بل لقد وجدته يوجِّه النقدَ اللاذع والمرَّ لكل من يتجَّرأُ ويخالف الشافعي ويَردُّ عليه، ومن الشواهد الدالة على ذلك: - ¬

_ (¬1) التاج السبكي، منع الموانع ص 449 (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 25)

قوله في بيان أقوال الشافعي وأنّ تعدد الأقوال عنه علامةً على علو شأنه في العلم والدين قال بعد ذلك: ((وقد عاب القولين على الشافعي من لا خَلاق له، وأتى بزخرف من القول زكاة ونمَّقه، واللهِ لا سوَّاه ولا عدَّله، وذلك لنقصانٍ وقصورٍ وحَسدٍ كامن في الصدور، وقال في العلماء قولاً كبيراً وفاه بألسنةٍ حداد سيصلى سعيرا ... ونحن لا نَحْفَلُ بكلمه، ولا نقول بكلامه، ولا نرى أن يشتمل مثل هذا الشرح على مثل ذلك الهذيان الذي هو خيال، طَرَق ذا الخيال في منامه، ويُكتَفى بما صنَّفه أصحابنا قديماً وحديثاً في نُصْرة القولين، ويخيل العطن على ذهنه، والبليد على الوقوف عليها)) ثم بيَّن بعض الأدلة على كون القولين لا تُنْقِص من قدر العالم بل فيها مِزْيةٌ وتنبيه على غزارة العلم والمنتهى في الديانة، وختمها بقوله: ((وقد سئل بعضهم ما السبب في قِصَرِ عمر الشافعي، فقال حتى لا يزالون مختلفين، ولو طال عمره لرُفِع الخلاف.)) (¬1) فانظر إلى هذه الشدة وهذه القسوة التي ردَّ بها التاج السبكي على من عاب على الشافعي ومن انتقص من قدره وظنَّ أن اختلاف الأقوال فيه نقيصة منه. وقوله في مسألة جواز النسخ بغير بدل: ((ونُقلَ عن الشافعي رضي الله عنه خلافه وعبارته كرم الله وجهه في ((الرسالة)): ((وليس يُنْسخُ فرضٌ أبداً إلا أُثبتَ مكانه فرض، وكما نسخت قبلة بيت المقدس فأثبت مكانها الكعبة ... )) (¬2) انتهى. وظاهرها: أنَّه لا يُنْسخُ الفرضُ إلا ببدل هو فرضٌ أيضاً، وإنما أرادَ الشافعي بهذه العبارة كما نبّه عليه أبو بكرٍ الصيرفي في ((شرح الرسالة)) أنه يُنْقلُ من حظر إلى إباحة، أو إباحة إلى حظر، أو تخيير على حسب أحوال الفروض ... فهذا معنى قول الشافعي رضي الله عنه فرضٌ مكان فرضٍ فافهمه ... فقد وضّح أنّ مراد الشافعي بالبدل الذي ذكر أنه لا يقع النسخ إلا به: انتقالهم من حكم شرعي إلى حكم شرعي، وذلك أعمُّ من أن يعادوا إلى ما كانوا عليه ... والمقصود أنهم ينقلون من حكم شرعي إلى مثله ولا يتركون غير محكوم عليهم بشيء.)) (¬3) فأنت ترى هنا كيف أن التاج السبكي قد أوَّلَ كلامَ الإمام الشافعي بحيث يستقيم ولا يُعترَضُ عليه، وهذا هو شأن التاج السبكي دائماً لا يرى أنّ الشافعي قد أخطأ وإن أوهمَ ظاهر كلامه غير ذلك، ذلك أنّ التاج السبكي كان يرى أنّ مخالفة الشافعي في الأصول أمرٌ عظيم وهو غير مقبول. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 203 - 204) (¬2) الشافعي، الرسالة ص 109 (¬3) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 63)

ثانيا: إمام الحرمين الجويني

ثانياً: إمام الحرمين الجويني: يعد إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني من أركان طريقة المتكلمين الأصولية، ولا يكاد يخلو أيُّ كتاب أصولي من ذكره وذكر آرائه، وتعد مؤلفاته من أعظم ما ألف في هذا الفن، حيث يقول التاج السبكي عن ((البرهان)) إنه من مفتخرات الشافعيين (¬1)، وأما كتابه ((التلخيص)) فيقول عنه: ((إني على كثرة مطالعتي في الكتب الأصولية للمتقدمين والمتأخرين، ... وتنقيبي عنها على ثقة بأني لم أر كتابا أجلَّ من هذا التلخيص، لا لمتقدم ولا لمتأخر، ومن طالعه مع نظره إلى ما عداه من المصنفات، عَلِمَ قدر هذا الكتاب.)) (¬2) إذا عرفت ذلك فلا تستغرب إذا ما قلت لك أن التاج السبكي كان من أكثر العلماء الذين تأثروا بإمام الحرمين وتبنوا آراءه وناضلوا عنها، وكان يقف سداً منيعاً في وجه كل من يخالف الإمام الجويني أو ينتقص من قدره، ويظهر تأثير إمام الحرمين في التاج السبكي في النواحي الآتية:- 1 - كثرة النقول التي يوردها التاج السبكي عن إمام الحرمين: وهذه النقول تمتاز بالإطالة حيث وجدته ينقل عن إمام الحرمين النصوص الطويلة الحرفية والتي قد تتعدى الصفحة والصفحتين، وقد بلغ عدد النقول التي أوردها التاج السبكي في كتاباته حوالي أربعمئة وواحد وستين موضعا (461). 2 - أن التاج السبكي في كثير من اختياراته الأصولية وترجيحاته إنما يكون فيها موافقا لإمام الحرمين، ... ولا أبالغ إذا ما قلت أنه من أكثر العلماء الذين تأثروا بالإمام الجويني ومن الشواهد الدالة على موافقته لإمام الحرمين في الاختيارات:- قوله في مسلك السبر والتقسيم: ((وقد صرّح إمام الحرمين في كتاب ((الأساليب)) بأنّ السبر والتقسيم لا يُحتجُّ به إلا إن قام الدليل على أنّ الحكم معلّلٌ وأنّ العلة منحصرة في أحد أوصاف معينة ومتحدة، ثم يبطل ما عدا الوصف المدَّعى علةً فيثبت حينئذ علِّيَّة ذلك الوصف [قال التاج السبكي معلقا]: وهو المختار.)) (¬3) وقوله في مسألة العام إذا خُصَّ كان مجازاً في الباقي بعد ذكره الأقوال الواردة في المسألة: ... ((واعلم أنّ رأي إمام الحرمين هو المختار عندي وأنا أبسطه ليتضح ... اختار الإمام أنه مشترك بين الحقيقة والمجاز ... )) (¬4) وقوله في ((منع الموانع)) في الحديث على الإكراه: ((إن التكليف في حقه مستصحب لا واقع وقوعاً مبتدأً كما حققناه في الخارج من المغصوب نحن وإمام الحرمين، حين قلنا: إنه مرتبك في المعصية، وهذا وإن رده رادّون على إمام الحرمين فهو عندنا الحق الذي لا مرية فيه.)) (¬5) ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 234) (¬2) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 109) (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 78) (¬4) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 108) (¬5) التاج السبكي، منع الموانع ص 114

3 - تأويل كلامه وحمله على محمل حسن والاعتذار له عن بعض الأخطاء

3 - تأويل كلامه وحمله على محمل حسن والاعتذار له عن بعض الأخطاء: لم يكن التاج السبكي ليتجرأ ويخالف الإمام الجويني، بل لقد وجدته حيث وجد له كلاماً يراه باطلاً يحاول قدر الإمكان تأويله ... والاعتذار له عنه، فمن ذلك قوله في مسألة خصوص السبب هل يخصص العموم: ((وخالف في ذلك مالك والمزني، وأبو ثور فقالوا: إنّ خصوص السبب يكون مخصِّصاً لعموم اللفظ، قال إمام الحرمين: وهو الذي صح عندنا من مذهب الشافعي)) قال التاج السبكي بعد بيان حقيقة مذهب الشافعي: ... ((وأما ما ذكره إمام الحرمين فلعلّه اطلع على نصٍّ مرجوح عنه أو غير ذلك، فإن الخلاف فيه غير بعيد عن المذهب.)) (¬1) فأنت ترى أنه في هذا المثال حاول التاج السبكي التماس العذر لإمام الحرمين، وذلك خشية من مخالفته. وقوله في مسألة التعليل بعلّتين: ((وأما تعليل الحكم الواحد في شخص واحد بعلل مختلفة نحو تحريم وطء المعتدة المحرمة الحائض، وزاد إمام الحرمين الصائمة، وهو سهو لأنّ الصوم يستحيل أن يجامعَ الحيض شرعا.)) (¬2) هذا ما قاله التاج السبكي في ((الإبهاج)) حيث جعل الصائمة من باب السهو، غير أنه في ((رفع الحاجب)) ردَّ ذلك وأوَّلَ كلام إمام الحرمين بحيث لا يُعترَضُ عليه فقال: ((وزاد إمام الحرمين في كل من ((مختصر التقريب)) و ((البرهان)) و ((التدريس)) الصائمة وعبارته في ((مختصر التقريب)): وذلك كمثل المرأة يجتمع فيها الإحرام والحيض والصوم، [قال التاج السبكي]: وقيل إن ذلك سهو، لاستحالة مجامعة الصوم شرعا للحيض، ويُحتمل أن يُريد أنّ المرأة قد يجتمع فيها وصفان، وتَعْتَوِرُها حالتان مقتضيتان للتحريم، إما إحرام وحيض، وإما إحرام وصوم. ولذلك قال في ((البرهان)): مثل تحريم المرأة الواحدة بعلة الحيض والإحرام والصيام والصلاة. فمراده اجتماع وصفين، وذلك كالصيام والصلاة، أو الإحرام مع الحيض، ونحو ذلك، لا أنّ الأربعة تجتمع.)) (¬3) 4 - الدفاع عنه ورد كل ما يوجه إليه من انتقادات: كان التاج السبكي شديد اللهجة على كل من يعارض الإمام الجويني أو ينتقده في شيء ما، وردوده في ذلك قاسية شأنها شأن ردوده على معارضي الشافعي، فمن ذلك: قوله في أدلة حجية الإجماع بعد ذكر دليل إمام الحرمين: ((هذا دليل إمام الحرمين، وهو الذي ذكره المصنف آخرا، وقد اعترضه الإمام بأنا لا نسلِّم انحصار التقسيم ... [إلى أن قال] هذا اعتراض الإمام، وزاد الشيخ الهندي اعتراضين آخرين، فقال: هذه الدلالة لو صحت لاقتضت أن يكون إجماع الخلق العظيم من كل أمة حجة ... [ثم قال التاج السبكي]: فهذه جملة الاعتراضات على إمام الحرمين، وأنا أقول: أن الأول وهو منع الحصر بالاتفاق على الشبهة - وهو أقواها - فقد يقال فيه: إنّ كلَّ اتفاق وقع عن شبهة فهناك قاطع يصادمه، وإنما تَسْكنُ النفس للإجماع إذا لم يكن ثَمَّ قاطعٌ معارض، فحيث وجدنا إجماعاً ولا قاطع يصادمه وهو الذي إما أن يكون لدليل أو أمارة فاتَّجه الحصر في القسمين وخرج إجماع المبطلين، فإنه أبداً مستصحب لقاطع مصادم. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 186) (¬2) المصدر السابق (3/ 155) (¬3) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 219)

5 - في ردوده على إمام الحرمين يأتي بعبارات لطيفة لا قسوة فيها

وأما الثاني: فساقط؛ لأن من استقرأ أحوال الصحابة كاد علمه باتفاقهم على المنع من مخالفته يكون ضروريا. وأما الثالث: فجوابه أن المعلوم من عادتهم أنهم ما كانوا يقطعون بالمنع من مخالفة الحكم الصادر عن الأمارة إذا لم يعضدهم إجماع. وأما الرابع والخامس: فساقطان لأن إمام الحرمين لم يلتزمهما وصرَّح بذلك من بعد. وقد بان بهذا حسن طريقة إمام الحرمين في الاستدلال على الإجماع.)) (¬1) وقوله في مسألة خصوص السبب بعد ذكر كلام إمام الحرمين في نقله عن الشافعي أنه يخصص العموم: ((ورد عليه المازري ثم ابن الأبياري بما لا يرضاه لنفسه محقق، وهما شيخان قد بالغا في مخاطبة الإمام، ولو تتبع المتتبع كلماتهما لألفاها منقوضة العُرى منبوذةً بالقرى، ومما يدل على تعصبهما ما ذكراه في مسألة علم الله سبحانه بالجزئيات، وما نسباه إلى إمام الحرمين مما هو بريء منه من غير تأمل كلامه.)) (¬2) 5 - في ردوده على إمام الحرمين يأتي بعبارات لطيفة لا قَسوة فيها: أحيانا قد يضطر التاج السبكي للرد على إمام الحرمين، ولكنه في هذه الحالة يأتي بردود بسيطة ويحاول جهده أن لا تخرج إلى حد الانتقاد الحقيقي الصريح، فمن ذلك قوله في مسألة النقض بعد ذكر كلام لإمام الحرمين مفاده أن الصورة المستثناة لا تكون معقولة المعنى، وأن ما يعقل معناه لا يستثنى، وذكر أمثلة لذلك تحمل العاقلة ومسألة المصراة قال التاج السبكي بعد ذلك: ((وإمام الحرمين أجلّ من أن يصادم كلامه بكلمات أمثالنا، ولكنا نقول على جهة الاستشكال دون المناظرة: مسألة العاقلة معقولة المعنى واتفاق الجاهلية على ذلك قبل ورود الشرع يرشد إلى ذلك، لأن التعبدي لا تهتدي إليه العقول، وإنما يتلقى من الشرع [وبعد أن انتهى من المناقشة قال]: وقد تعرض ابن الأبياري شارح ((البرهان)) لما أوردناه في مسألة العاقلة، والذي نقول أخيرا أن الظاهر أن الحق في جانب إمام الحرمين، ولو عقل في العاقلة معنى المعاونة لعُدّي إلى الجيران ولكان أبعاض الجاني من آبائه وبنيه أولى من بقية العصبات في تحملها مع كونهم لا يتحملونها.)) (¬3) فأنت ترى هنا كيف أن التاج السبكي مع أنه قرر أن كلام إمام الحرمين مشكل إلا أنه لم يرد عليه مباشرة بل ذكر إشكالاً ومع ذلك قرر أخيرا أن الحق في جانب الإمام، وأن أمثاله لا يقدرون على مواجهة الإمام. ثالثاً: الإمام الرازي: ذكرت أكثر من مرة أن التاج السبكي أصولي على طريقة الإمام الرازي في الغالب، ويعد هذا أكبر أثر للإمام الرازي في شخصية التاج السبكي، ولو لم يكن له أثر غيره لكفى، لذا كان التاج السبكي يقرر المسائل ويدافع عنها بناء على أدلة وأصول مدرسة الإمام الرازي. ¬

_ (¬1) المصدر السابق (2/ 168) (¬2) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 132)، قلت: وقد رد عليهما التاج السبكي في مسألة الاسترسال في كتابه طبقات الشافعية (5/ 192) فانظرها. (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (3/ 97 - 98)

رابعا: والده الشيخ تقي الدين السبكي

وكان التاج السبكي حريصا كل الحرص على أن يثبت آراء الإمام الرازي في كل مسألة تقريبا، فلا تكاد تخلو مسألة ما إلا ويبين رأي الإمام الرازي فيها، هذا بالإضافة إلى اعتماده عليه كثيرا في شرح وتقرير عبارات المصنفين، وبخاصة في شرحه على ((منهاج)) البيضاوي، حيث أكثر من النقل عنه في كتاباته حيث بلغ عدد هذه النقول حوالي ستمئة وأربعة وعشرين موضعا (624) وأظن أن هذا العدد الضخم من النقل أكبر دليل على الأثر الذي تركه الإمام الرازي في التاج السبكي. غير أنه من السمات البارزة للتاج السبكي في هذا المجال أنه لم يكن يأخذ آراء الإمام الرازي كمسلمات، ولا يرى حرجا في انتقاده والرد عليه، ومن هنا فقد حوت مؤلفاته العديد من المناقشات والردود على الإمام الرازي، فمن ذلك:- قوله في بيان رد البيضاوي على دليل المانع من جواز تخصيص المتواتر بالآحاد: ((أنه لو جاز تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد لجاز نسخهما به، واللازم منتف بالاتفاق على أنه لا يجوز نسخ المتواترة بخبر الواحد، ... وأجاب [أي البيضاوي] بأن التخصيص أهون من النسخ، لأن النسخ يرفع الحكم بالكلية، بخلاف التخصيص ولا يلزم من تأثير الشيء في الأضعف أن يكون مؤثرا في الأقوى [قال التاج السبكي معقبا]: وهذا الدليل وجوابه يمشيان على طريقة المصنف فإنه قال لا ينسخ المتواتر بالآحاد، وهي طريقة فيها كلام، لأن جماعة نقلوا الاتفاق على الجواز وجعلوا محل الخلاف في الوقوع وجماعة جزموا بالجواز من غير حكاية خلاف كالإمام وغيره ... فالعجب ليس من المصنف لأنه مشى على طريقته وهي صحيحة ... بل من الإمام حيث لم ينبه على ذلك إذ ذكر الدليل والجواب.)) (¬1) كما أنه كان يصرح في عدد لا بأس به من المسائل باختيار يخالف فيه الإمام فمن ذلك: قوله: ((المناسبة تنخرم بمفسدة تلزم راجحة أو مساوية خلافا للإمام.)) (¬2) رابعاً: والده الشيخ تقي الدين السبكي: اهتم التاج السبكي بتضمين آراء والده واختياراته الأصولية في مصنفاته؛ لذا وجدته يذكر في عدد لا بأس به من المسائل آراء والده وخاصة في كتابه ((جمع الجوامع)) الذي كان من أهداف وضعه إبراز جهود والده واختياراته في هذا العلم. وكان التاج السبكي كثيراً ما يباحث والده في بعض المسائل الأصولية ويسأله عنها، كما كان يعرض عليه ما يصنفه ويخطه في مصنفاته ويستفيد من توجيهاته في ذلك، ويثبتها في ثنايا مصنفاته. وأهم ميزة له في هذا المجال هو الإطالة في النقول التي كان ينقلها التاج عن والده حيث كان يتجاوز النقل عنه في بعض الأحيان الصفحة وأكثر، ومن ذلك ما نقله عنه في مسألة النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، حيث نقل جواب والده على سؤال أورده له في ذلك وأخذ هذا الجواب حوالي خمس صفحات من صفحة (75 - 80) من كتابه ((الإبهاج)) في الجزء الثاني، وقد بلغ عدد النقول التي سطرها التاج السبكي عن والده حوالي مئتين وخمسة مواضع (205) أكثر هذه النقول كان موافقا له فيها. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، الإبهاج (2/ 175) (¬2) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 176

1 - في كثرة النقل عنه والإطالة فيها

هذا ويبرز موقف التاج السبكي من والده في النواحي الآتية:- 1 - في كثرة النقل عنه والإطالة فيها كما ذكرت آنفا. 2 - في موافقته له في أغلب آرائه واختياراته ومن ذلك قوله في مقدمة الواجب: ((والحق عندنا وهو اختيار الشيخ الإمام وعليه الأكثر وجوبه مطلقا شرطا وغير شرط مما يلزم فعله عقلا كترك الأضداد في الواجب وفعل ضد في المحرم، وعادة نحو غسل جزء من الرأس لتحقق غسل الوجه كله.)) (¬1) وقوله في مسألة التكليف: ((لا تكليف إلا بفعل، فالمكلف به في النهي الكف، أي الانتهاء وفاقا للشيخ الإمام.)) (¬2) وقوله في بيان القراءة الشاذة: ((والصحيح أنه ما وراء العشرة وفاقا للبغوي والشيخ الإمام.)) (¬3) 3 - ذكره لآراء والده لتقوية آراء الآخرين بها وقد نص التاج السبكي على ذلك فقال: ((فائدة التصريح بالوالد وإن خالفناه، تقوية مذهب الجمهور به، فلا يخفى أنه إمام المتأخرين عرباً وعجماً نقلاً وبحثاً حفظاً وفهما، في كل علم.)) (¬4) وقال بعد نقله كلاما لوالده مفاده أن الحصر ليس هو التخصيص: ((هذا مختصر من كلام الشيخ الإمام رحمه الله، وحاصله: منع أن التخصيص الحصر، والقول بأن الحصر إنما يكون في بعض المواضع، وقد قدمت نحوه اختيارا لي، وإنما أردت الاعتضاد بكلام شيخ الإسلام في زمانه رحمه الله.)) (¬5) 4 - مناقشته لوالده في بعض القضايا واختيار ما يخالفه: رغم أن التاج السبكي كان يوافق والده في أكثر المسائل إلا أنه في بعض الأحيان كان يخرج عن ذلك ويناقش والده ويرد عليه، ولكن في الأغلب كانت مناقشاته له هادئة جدا لا تشعر فيها بالقسوة الني كان يناقش فيها من كان يخالف الشافعي أو إمام الحرمين مثلا، وما هذا إلا لحق الأبوة التي بينهما ومن باب البر المأمور به، وهذه المناقشات فيها دلالة واضحة على موضوعية التاج السبكي، والتزامه بالحق وإن كان فيه خلاف لوالده. ومن الشواهد الدالة على ذلك:- قوله في مسألة الاستثناء بعد الجمل المتعاطفة بالواو: ((وقال أبي تغمده الله برحمته: نعم ذكر البيانيون أن ترك العطف قد يكون لكمال الارتباط، فإذا كان في مثل ذلك فلا يبعد مجيء الخلاف فيه [قال التاج السبكي]: قلت: بل قد يقال: العود فيه إلى الجميع أولى لأنه إنما ترك العطف لكمال الارتباط فليقع الاشتراك في الحكم كذلك والكلام فيما وراء هذه الحالة لندورها.)) (¬6) فانظر كيف رد قول والده هنا ولكنه أتى بالرد بصيغة التضعيف المنسوبة للمجهول وذلك تأدبا منه رحمه الله تعالى. ¬

_ (¬1) التاج السبكي، رفع الحاجب (1/ 531) (¬2) التاج السبكي، جمع الجوامع ص 130 (¬3) المصدر السابق ص 131 (¬4) التاج السبكي، منع الموانع ص 467 (¬5) التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 26) (¬6) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 279)

وقوله في بيان أن الهم وحديث النفس لا يؤاخذ به إلا إذا اتصل به عمل فإنه يؤاخذ على الأمرين الهم والعمل: ((قال الشيخ [أي تقي الدين السبكي] في ((شرح المنهاج)) [أي منهاج النووي] في كتاب إحياء الموات: أنه ظهر له المؤاخذة من إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم العمل، ... وكونه لم يقل أو يعمله، قال: فيؤخذ منه تحريم المشي إلى معصية، وإن كان المشي في نفسه مباحا لكن صار حراما، لانضمام قصد الحرام إليه، فكل واحد من المشي والقصد لا يحرم عند انفراده، أما إذا اجتمعا فإن كان مع الهم عملاً لما هو من أسباب المهموم به، فاقتضى إطلاق أو يعمل المؤاخذة به، كذا ذكر في ((شرح المنهاج)) ثم قال: فاشدد بهذه الفائدة يديك، واتخذها أصلا يعود نفعه عليك. وذكر [أي التقي السبكي] في كتاب ((الحلبيات)): أن قوله صلى الله عليه وسلم: '' أو يعمل '' ليس له مفهوم حتى يقال: إنها إذا تكلمت أو عملت، يكتب عليها حديث النفس لأنه إذا كان الهم لا يكتب فحديث النفس أولى. [قال التاج السبكي معقبا على كلام والد]: وهذا خلاف ظاهر الحديث، وخلاف ما ذكرناه في ((جمع الجوامع)) ويلزم أن لا يؤاخذ عند انضمام عمل من مقدمات المهموم به بطريق أولى، لآنا إذا لم نؤاخذه بحديث النفس وإن انضم إليه عمل المهموم به، فلأنْ لا نؤاخذه وما انضم إليه إلا مقدمة من مقدماته أولى وأحرى. [ثم قال التاج السبكي] وقد يقول الشيخ الإمام: أنا لا أؤاخذه بحديث النفس رأسا، إنما أؤاخذه بالعمل سواء أكان عملا لمقدمة من مقدمات المهموم به أو للمهموم به نفسه. [قال التاج السبكي] ولكنا نقول له: تلك المقدمة لم تكن معصية لولا حديث النفس كما ذكرت، فلا نقطع النظر عنها، فالأرجح عندي المؤاخذة بحديث النفس عند انضمام العمل بالمهموم به نفسه. وقول الشيخ الإمام: إذا كان الهم لا يكتب فحديث النفس أولى، ممنوع: فلسنا نسلم له أن الهم لا يكتب له مطلقا وإنما لا يكتب عند عدم انضمام العمل إليه. وأما ما ذكره في شرح ((المنهاج)) من المؤاخذة بالمقدمة إذا انضمت إلى حديث النفس لإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام أو يعمل، فحسن، لو لم يقيد في حديث آخر، لكن جاء في رواية أخرى في الصحيحين '' أو يعمل به ''، ويظهر عندي أن يقال إن رجع عن عمل السيئة بعد فعل مقدمتها لله تعالى لم يؤاخذ بما فعله لما في صحيح مسلم: {قالت الملائكة ربِّ ذلك عبدك يريد أن يعمل سيئة - وهو أبصر به - فقال: أرقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها حسنة، إنما تركها من جراي} (¬1) أي: من أجلي، وفي لفظ رواية أبي حاتم: {وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة} [ثم قال التاج السبكي]: دل الحديثان، والثاني منهما صريح على أن الترك لله يوجب كتب المعصية المهموم بفعلها حسنة، فما ظنك بمقدمتها؟! [ثم قال التاج السبكي]: وقد يقول الشيخ الإمام: المقدمة قد عملت، ولا كذلك نفس المعصية المقصودة. [ثم أجاب عن ذلك بقوله]: أن المقدمة لم تُعمل لنفسها بل للوسيلة وهي بنفسها غير حرام. ¬

_ (¬1) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس (2/ 331) حديث رقم 333

المبحث العاشر تكاملية مصنفاته

[ثم ختم التاج السبكي المناقشة بقوله]: وإن كان رجوعه عن فعل السيئة بعد فعل مقدمتها لا لله، بل لعائق أو نحوه - وكثيرا ما يتفق ذلك - كتبت المقدمة عليه، كما يقول الشيخ الإمام والله أعلم، وهو المسئول أن يوفقنا لما يحب ويرضى.)) (¬1) فهذه المناقشة ذكرتها مع طولها لترى كيف أن التاج السبكي لم يكن يأخذ كل كلام والده مسلمات، بل كان يناقش منه ما يحتاج إلى نقاش ويرد ما لا يراه قويا، وانظر ما ذكرته سابقا حول مناقشة التاج السبكي لوالده في دلالة حرف لو (¬2) واستذكرها هنا ليتأكد بها ما قررناه. المبحث العاشر تكاملية مصنفاته التاج السبكي - كما ذكرت سابقا - كثيرا ما يشيد بمصنفاته المختلفة ويحبب القارئ إلى قراءتها ومطالعتها، وحتى يستقيم له ذلك كان رحمه الله تعالى كثيرا ما يحيل القارئ إلى مصنفاته الأخرى في بعض المسائل فحيث كان قد ذكرها وتوسع فيها في مكان ما من مصنفاته، فإنه لا يذكرها كلها في موضع آخر من كتاباته وإنما يذكرها مختصرة ويحيل القارئ إلى ذلك المصنف الذي أسهب فيه بها. وهذا المنهج يدلنا على أن التاج السبكي يجعل مصنفاته كالمنظومة الواحدة، بمعنى أن مصنفاته متكاملة مع بعضها البعض، وكل منها يكمل الآخر، فما يفصله في موقع ما يجمله في مكان آخر، وما يجمله في هذا الموضع يفصله في الآخر وهكذا. ومن الشواهد الدالة على ذلك:- قوله بعد ذكره أمثلة على تنزيل اللفظ على المعنى الشرعي قبل العرفي: ((وأما الرجوع إلى العرف ففي مسائل تخرج عن حد الحصر وقد أتينا في كتابنا ((الأشباه والنظائر)) منها بالعد الكثير. (((¬3) وقوله في مسألة الإباحة هل تستفاد من فعل النبي المجرد بعد ذكر الاستدلال بقوله تعالى: {لقد كانَ لكم في رَسُول الله أُسْوةٌ حسنة} (¬4) ((والحق عندي أن هذه الآية لا تدل لوجوب ولا ندب ولا إباحة كما قررته في ((شرح المنهاج)).)) (¬5) وقوله في مسألة الإجماع السكوتي: ((ولقد أطلنا في ((التعليقة)) في مسألة السكوتي، ... وذكرنا ما لو رحل ذو الهمة لسماعه من بلد إلى بلد يحمد مسعاه وقد أوردنا هنا طرفا صالحا منه.)) (¬6) وقوله معقبا على رأي القاضي الباقلاني بتردده في إفادة الخمسة للتواتر: ((وقد تكلمنا معه في ((التعليقة)) بما لا نطيل بإعادته.)) (¬7) ومنها قوله في ((منع الموانع)) في مسألة نفي الحكم قبل ورود الشرع: ((ووقع في عبارات كثير من أئمتنا اختيار الوقف في هذه المسألة ... فهم يعنون في الوقف غير ما تعنيه المعتزلة من عدم الدراية ونحوها، وهذا قد قررناه في ((شرح المختصر)) فلا حاجة إلى الإعادة هنا.)) (¬8) وقوله في ((منع الموانع)) عند الكلام على أن حقيقة الإكراه لا تنافي التكليف بعد بيانه لذلك: ((وهذا يزداد تحقيقا بعد تأمل ما سطرناه في ((شرح المختصر)) في النقض.)) (¬9) ¬

_ (¬1) التاج السبكي، منع الموانع ص 275 - 279 بتصرف (¬2) انظر صفحة 56 من هذه الرسالة (¬3) التاج السبكي، الإبهاج (1/ 366) (¬4) سورة الأحزاب آية 21 (¬5) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 120) (¬6) المرجع السابق (2/ 217) (¬7) المرجع السابق (2/ 303) (¬8) التاج السبكي، منع الموانع ص 98 (¬9) التاج السبكي، منع الموانع ص 104

الخاتمة

الخاتمة بهذا أكون قد انتهيت من عرض مادة البحث، ذلك بعد أن عشت ردحاً من الزمان مع شخصية عبقرية فذة، شخصية تمتاز بالجرأة والشجاعة في قول الحق، وبعد أن عرضت للإمام تاج الدين السبكي، وما قدمه من جهود خدمةً لدين الله تعالى وإثراءً لمكتبة أصول الفقه، فإني أسجل هنا أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة: أولا: إن مصنفات التاج السبكي، هي مصنفات متكاملة تكمِّل بعضها بعضا، ومن هنا فلا بد على طالبي علم الأصول من الاستعانة بهذه الكتب لفهم وتحليل ما دونه التاج في مؤلفاته، وبخاصة في جمع الجوامع، ومنع الموانع. ثانيا: إن مصنفات التاج السبكي الأصولية، كفيلة بإعطاء الفكرة المطلوبة عن أصول الفقه بحيث يمكن لطالبي أصول الفقه الاستغناء بها عن كثير من المصنفات الأصولية الأخرى. ثالثا: إن التاج السبكي، يعد من أكثر الأصوليين إطلاعا على الكتب والمؤلفات الأصولية السابقة، لهذا وجدته كثير النقل عنها، والتي كثير منها لا زال مخطوطا حيث حفظ لنا التاج السبكي هذه الأقوال في ثنايا كتاباته. رابعا: إن التاج السبكي أصولي على طريقة الإمام الرازي، وإن كانت له شخصيته الأصولية المستقلة التي لم تمنعه من الخروج عن هذه المدرسة في بعض الأحيان. وبعد فإن الباحث ليوصي بما يأتي: أولا: إعطاء مصنفات التاج السبكي الأصولية المزيد من العناية والاهتمام وذلك من خلال: أإعادة طباعة هذه المصنفات طباعة علمية محققة تتلاشى فيها الأخطاء في الطبعات السابقة. ب تناول مصنفات التاج السبكي الأصولية بالتدريس واعتمادها لدى طلاب أصول الفقه. ت دراسة مصنفات التاج السبكي الأصولية دراسة تحليلية مفصلة لتجلية المنهج التفصيلي لها ... ولإخراج الفوائد والغرر من بين ثناياها. ثانيا: الاهتمام بشخصية التاج السبكي الأصولية بدراسة أثره في أصول الفقه، من خلال تناول آرائه واختياراته الأصولية، ودراستها دراسة شاملة لمعرفة موقف التاج السبكي منها والجديد الذي أضافه إليها. والحمد لله تعالى أولا وآخرا، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. عمان - الأردن 12 صفر 1423 هـ 25 نيسان 2002م

ملحق رقم (1) أهم اصطلاحات التاج السبكي في كتاباته

ملحق رقم (1) أهم اصطلاحات التاج السبكي في كتاباته سأعرض في هذا الملحق لأهم المصطلحات التي يطلقها التاج السبكي في كتاباته الأصولية، ... وهذه وإن كانت لا تخصه وحده ولكن في ذكرها فائدة للقارئ ومن يطالع كتب التاج السبكي: - 1 - الأستاذ: المراد به الأمام أبو اسحق الأسفرايني. 2 - الإمام: المراد به الإمام فخر الدين الرازي إلا في مواضع تأتي في ملحق خاص. 3 - الشيخ: المراد به الإمام أبو الحسن الأشعري. 4 - الشيخ الإمام: المراد به والده الشيخ تقي الدين السبكي. 5 - القاضي: المراد به الإمام أبو بكر الباقلاني. 6 - أصحابنا: علماء الشافعية. 7 - الأصح: تعني ترجيح أحد القولين أو الأقوال ويكون مقابله صحيحا. 8 - الصحيح: ما يكون مقابله ضعيفا. 9 - أهل الحق: الأشاعرة. 10 - عندنا: في الفقه أو الأصول تعني الشافعية، وفي المسائل الكلامية أو الأصولية التي لها جذور كلامية تعني الأشاعرة. 11 - مذهبنا: كما في عندنا.

ملحق رقم (2) المواضع التي أطلق فيها التاج السبكي لقب ((الإمام)) وأراد به إمام الحرمين الجويني

ملحق رقم (2) المواضع التي أطلق فيها التاج السبكي لقب ((الإمام)) وأراد به إمام الحرمين الجويني * الإبهاج (1/ 267) * رفع الحاجب (1/ 260، 546، 550، 551، 556، 557)، (2/ 27، 49، 57، 58، 59، 60، 71، 106، 108، 125، 130، 165، 215، 220، 286، 386، 387، 390، 490، 491، 510، 515، 527، 531، 532، 543)، (3/ 9، 49، 80، 85، 92، 93، 96، 97، 104، 107، 108، 109، 132، 144، 146، 156، 157، 208، 258، 279، 280، 283، 284، 286، 325، 326، 329، 330، 473، 475، 504، 505، 516، 533، 534، 536)، (4/ 33، 109، 170، 218، 242، 244، 252، 253، 261، 264، 266، 267، 268، 269، 271، 272، 273، 274، 275، 276، 277، 279، 281، 283، 284، 285، 286، 287، 302، 342، 459، 460، 461، 463، 464، 465، 508)

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر والمراجع 1 - القرآن الكريم 2 - الألوسي، نعمان خير الدين، جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، مطبعة المدني، القاهرة 3 - الآمدي، سيف الدين علي بن أبي علي، الإحكام في أصول الأحكام، ضبطه: إبراهيم العجوز، دار الكتب العلمية، بيروت 4 - إسماعيل، شعبان محمد، أصول الفقه تاريخه ورجاله، دار المريخ، الرياض، ط 1، ... 1401 هـ، 1981 م 5 - الإسنوي، جمال الدين عبد الرحيم، طبقات الشافعية، تحقيق: عبد الله الجبور، مطبعة الإرشاد، بغداد، ط 1، 1390 هـ، 1970 م 6 - الإسنوي، جمال الدين عبد الرحيم، نهاية السول شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول، تحقيق: شعبان اسماعيل، دار ابن حزم،، ط 1، 1420 هـ، 1999م 7 - الأصفهاني، شمس الدين محمود بن عبد الرحمن، بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب، تحقيق: محمد مظهر بقا، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط 1، 1406هـ، 1986م 8 - الأمين، السيد محسن، أعيان الشيعة، مطبعة الإنصاف، بيروت، ط 2، 1381هـ، 1961م 9 - الأنصاري، شيخ الإسلام أبي يحيى زكريا بن محمد، غاية الوصول شرح لب الأصول، مكتبة ... ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1360هـ، 1941م 10 - ابن إياس، محمد بن أحمد، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق: محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1403هـ، 1983م 11 - الإيجي، القاضي عضد الدين، شرح مختصر المنتهى، تحقيق: د. شعبان إسماعيل، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1403هـ، 1985م 12 - البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، دار القلم، بيروت، 1987م 13 - البخيت، محمد عدنان ونوفان رجا الحمود وفالح صالح حسين، فهرس المخطوطات العربية المصورة، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، 1406هـ، 1986 م 14 - بروكلمان، كارل، تاريخ الأدب العربي، نقله إلى العربية: رمضان عبد التواب وسيد يعقوب، دار المعارف، بيروت، ط 3، 1983م 15 - البستاني، بطرس، دائرة المعارف، مؤسسة مطبوعات إسماعيليان، طهران 16 - البصري، أبو الحسين محمد بن علي، المعتمد في أصول الفقه، دار الكتب العلمية 17 - البغدادي، إسماعيل باشا، إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الفنون، تصحيح: محمد شرف الدين بالتقايا، وكالة المعارف الجلية، 1364هـ، 1945م 18 - البغدادي، إسماعيل باشا، هدية العارفين وأسماء المؤلفين والمصنفين من كشف الظنون، دار الفكر، 1402هـ، 1982م 19 - البيضاوي، عبد الله بن عمر، منهاج الوصول في معرفة علم الأصول، عالم الكتب، ط 1، 1405هـ، 1985م 20 - البيهقي، أحمد بن الحسين، السنن الكبرى، دار الباز، مكة،، 1414هـ 21 - الترمذي، محمد بن عيسى، جامع الترمذي، دار إحياء التراث العربي

22 - ابن تغري بردي، جمال الدين أبو المحاسن يوسف، الدليل الشافي على المنهل الصافي، تحقيق: فهيم محمد علوي، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ط، 2، 1998م 23 - ابن تغري بردي، جمال الدين أبو المحاسن يوسف، المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، تحقيق: محمد محمد أمين، مركز تحقيق التراث، 1992م 24 - ابن تغري بردي، جمال الدين أبو المحاسن يوسف، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1412هـ، 1992م 25 - الثعالبي، محمد بن الحسن الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، المكتبة العلمية، المدينة المنورة، 1977م 26 - الجاربردي، فخر الدين أحمد بن حسن السراج الوهاج في شرح المنهاج، تحقيق: أكرم أوزيقان، دار المعراج الدولية، الرياض ط 2، 1418هـ، 1998 م 27 - الجبرتي، عبد الرحمن بن حسن، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: عبد الرحيم عبد الرحمن عن طبعة بولاق، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1998م 28 - الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: إميل يعقوب ... وعمر طريف، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999م 29 - الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله، البرهان في أصول الفقه، علق عليه: صلاح محمد عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1418هـ، 1997م 30 - الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله، التلخيص في أصول الفقه، تحقيق: عبد الله النيبالي وشبير العمري، دار البشائر الإسلامية، بيروت، مكتبة دار الباز، مكة ط1، 1417هـ، 1996م 31 - ابن الحاجب، جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عمر، مختصر المنتهى، مطبوع مع شرحه رفع الحاجب، تحقيق: علي معوض، عادل عبد الموجود، عالم الكتب، بيروت، ط 1، 1419هـ، 1999م 32 - ابن الحاجب، جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عمر، منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1405هـ، 1985م 33 - حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، دار الفكر، 1414هـ، 1994م 34 - ابن حبيب، الحسن بن عمر، تذكرة النبيه في أيام المنصور وبنيه، تحقيق: محمد أمين، مطبعة دار الكتب، 1976م 35 - ابن حجر، أحمد بن علي، إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ، دار الكتب العملية، بيروت، ط 2، 1406هـ، 1986م 36 - ابن حجر، أحمد بن علي، الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، دار الجيل، بيروت، 1414هـ، 1993م 37 - ابن حجر، أحمد بن علي، ذيل الدرر، تحقيق: عدنان درويش، معهد المخطوطات العربية (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)، القاهرة، 1412هـ، 1992م 38 - حسن، سيد كسروي، أسماء كتب الأعلام، مطبوع بحاشية ديوان الإسلام للغزي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1411هـ، 1990م 39 - حسن، علي إبراهيم، تاريخ المماليك البحرية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط 3، 1967م 40 - حسين، محمد الصادق، البيت السبكي بيت علم في دولتي المماليك، دار الكاتب المصري، القاهرة، 1948م 41 - الحسيني، محمد بن علي، الذيل على العبر، تحقيق: محمد رشاد عبد المعطي، وزارة الإرشاد والإنباء، الكويت

42 - الحلبي، زين الدين عمر بن أحمد، القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي، تحقيق: حسن مروه، خلدون مروه، دار صادر، بيروت، ط 1، 1998م 43 - حلولو، أحمد بن عبد الرحمن، الضياء اللامع شرح جمع الجوامع، تحقيق: عبد الكريم النملة، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، ط 1، 1414هـ، 1994م 44 - ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد بن حنبل، تحقيق: أبو المعاطي النوري وآخرون، عالم الكتب، بيروت، ط 1، 1419هـ، 1998م 45 - الحنبلي، مجير الدين عبد الرحمن بن محمد، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، تحقيق: عدنان يونس عبد الحميد، مكتبة دنديس، عمان، 1999م 46 - الخضري، محمد الخضري بيك، أصول الفقه، المطبعة الرحمانية، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط 2، 1352هـ، 1933م 47 - خلاف، عبد الوهاب، علم أصول الفقه، دار القلم، الكويت، ط 14، 1401هـ، 1981م 48 - ابن خلدون، عبد الرحمن، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم ... والبربر من ذوي السلطان الأكبر، دار الكتاب المصري: القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1420هـ، 1999م 49 - ابن خلكان، أحمد بن محمد، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، 1419هـ، 1998م 50 - أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، دار إحياء التراث العربي 51 - الدمشقي، ابن ناصر الدين، مجالس في تفسير قوله تعالى: ((لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم))، تحقيق: محمد عوامه 52 - الديلمي، أبو شجاع شيراويه، مسند الفردوس، تحقيق: سعيد زغلول، دار الكتب العلمية، 1986م 53 - الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1، 1419هـ، 1999م 54 - الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد، الذيل على العبر، تحقيق: محمد زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت 55 - الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد، معجم محدثي الذهبي (المعجم المختص)، تحقيق: روحية عبد الرحمن السويفي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1413هـ، 1993م 56 - الذهبي، محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: محمد علي معوض، عادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995م 57 - الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، المحصول في علم أصول الفقه، تحقيق: طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1412هـ، 2000م 58 - الرازي، محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح، مكتبة لبنان، بيروت، 1987م 59 - ابن رافع، تقي الدين بن محمد، الوفيات، تحقيق: صالح مهدي عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1402هـ، 1982م 60 - الزاوي، طاهر أحمد، ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة، مطبعة الرسالة، القاهرة، ط 1، 1959م 61 - الزبيدي، محمد بن حسن الحسيني الزبيدي، إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، دار الفكر 62 - الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، دار ليبيا للنشر والتوزيع، بنغازي 63 - الزركشي، محمد بن بهادر، تشنيف المسامع بجمع الجوامع، تحقيق: عبد الله بن ربيع، سيد عبد العزيز، مؤسسة قرطبة، المكتبة المكية

64 - الزركشي، محمد بن بهادر، تشنيف المسامع بجمع الجوامع، تحقيق: أبي عمرو الحسين بن عمر بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1420هـ، 2000م 65 - الزركلي، خير الدين، الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب ... والمستعربين والمستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، ط 9، 1990م 66 - أبو زهرة، محمد، أصول الفقه، دار الفكر العربي، القاهرة 67 - سالم، سيد عبد العزيز، تاريخ والمؤرخون العرب، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية 68 - السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، الإبهاج في شرح المنهاج، دار الكتب العلمية، بيروت، 1986م 69 - السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، الأشباه والنظائر، تحقيق: عادل عبد الموجود، علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1411هـ، 1991 م 70 - السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، ترشيح التوشيح وترجيح التصحيح، رسالة جامعية بحقيق: شوقي عبد المهدي، جامعة عين شمس 71 - السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، جمع الجوامع، مطبوع ضمن مجموع مهمات أمهات المتون 72 - السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، تحقيق: عادل عبد الموجود، علي معوض، عالم الكتب، ط 1، 1421هـ، 2000م 73 - السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: محمود الطناحي، عبد الفتاح الحلو 74 - السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، عودة النعم بعد زوالها، تحقيق: عبد الستار أبو غدة، دار الأقصى، القاهرة، ط 1، 1413هـ، 1993م 75 - السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، قاعدة في الجرح والتعديل وقاعدة في المؤرخين، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، 1388هـ، 1968م 76 - السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، معيد النعم ومبيد النقم، تحقيق: محمد علي النجار وآخرون، دار الكتاب العربي، القاهرة، ط 1، 1367هـ، 1948م 77 - السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، منع الموانع عن جمع الجوامع، تحقيق: سعيد بن علي الحميري، دار البشائر الإسلامية، ط 1، 1420هـ، 1999م 78 - السبكي، تقي الدين علي بن عبد الكافي، الإبهاج في شرح المنهاج، دار الكتب العلمية، بيروت، 1986م 79 - السبكي، تقي الدين علي بن عبد الكافي، السيف المسلول على من سب الرسول، تحقيق: إياد الغوج، دار الفتح، عمان، ط 1، 1421هـ، 2000م 80 - السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، دار مكتبة الحياة، بيروت 81 - السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن، وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام، تحقيق: بشار معروف وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1416هـ، 1995م 82 - السخاوي، محمد بن عبد الرحمن، الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، تحقيق: إبراهيم باحسن عبد الحميد، دار ابن حزم، ط 1، 1419هـ، 1999م 83 - سرور، محمد جمال الدين، دولة بني قلاوون في مصر، الحالة السياسية والاقتصادية في عهدها بوجه خاص، دار الفكر العربي، 1947م 84 - أبو سليمان، عبد الوهاب إبراهيم، منهج البحث في الفقه الإسلامي وأصوله خصائصه ونقائصه، المكتبة المكية، مكة المكرمة، دار ابن حزم، بيروت، ط 2، 1421 هـ، 2000م

85 - السمعاني، منصور بن محمد، قواطع الأدلة في الأصول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1418هـ، 1997م 86 - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، بغية الوعاة في تراجم اللغويين والنحاة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي، 1384هـ 87 - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن محمد، الحاوي في الفتاوي، دار الكتاب العربي، بيروت 88 - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن محمد، حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، وضع حواشيه خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1418هـ، 1997م 89 - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن محمد، الرد على من أخلد إلى الأرض، تحقيق: فؤاد عبد المنعم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1403هـ، 1983م 90 - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن محمد، شرح الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع، مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية، 1420هـ، 2000م 91 - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن محمد، نظم العقيان في أعيان الأعيان، حرره: فيليب حتي، المطبعة السورية الأمريكية، نيويورك، 1927م 92 - الشاطبي، إبراهيم بن موسى اللخمي، الموافقات في أصول الشريعة، شرح عبد الله دراز، دار الكتب العلمية، بيروت 93 - الشافعي، حسن، الآمدي وآراؤه الكلامية، دار السلام، القاهرة، ط 1، 1418هـ، 1998م 94 - الشافعي، محمد بن إدريس، الرسالة، تحقيق: أحمد شاكر، 1309هـ 95 - شاكر، محمود، التاريخ الإسلامي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1405هـ، 1985م 96 - شعبان، زكي الدين، أصول الفقه الإسلامي، دار التأليف، مصر، 1965م 97 - ابن شهبة، أحمد بن محمد، تاريخ ابن قاضي شهبة، المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية، دمشق، 1994م 98 - ابن شهبة، أحمد بن محمد، طبقات الشافعية، علق عليه: الحافظ عبد العليم خان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الدكن، الهند، ط 1، 1399هـ، 1979م 99 - الشوكاني، محمد بن علي، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، دار الفكر، دمشق وبيروت، ط 1، 1419هـ، 1998م 100 - صدر الشريعة، عبيد الله بن مسعود، النتقيح في أصول الفقه، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416هـ، 1996 م 101 - الصفدي، صلاح الدين، أعيان العصر وأعوان النصر، تحقيق: علي أبو زيد وآخرون، دار الفكر، بيروت، دمشق، ط 1، 1419هـ، 1998م 102 - الصفدي، صلاح الدين، الوافي بالوفيات، باعتناء رضوان السيد 103 - طاش كبرى زاده، أحمد بن مصطفى، مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، تحقيق: كامل بكري، عبد الوهاب أبو النور، دار الكتب الحديثة 104 - طقوش، محمد سهيل، تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام، دار النفائس، بيروت، ط 1، 1418هـ، 1997م 105 - ابن طولون، محمد بن علي، الثغر البسام في ذكر من ولي قضاء الشام (قضاة دمشق)، تحقيق: صلاح الدين المنجد، المجمع العلمي العربي، دمشق، 1956م 106 - ابن طولون، محمد بن علي، القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية، تحقيق: محمد بن دهمان، مكتب الدراسات الإسلامية، دمشق، 1375هـ، 1956م 107 - الطيالسي، سليمان بن داود، مسند الطيالسي، دار المعرفة، بيروت

108 - عاشور، سعيد عبد الفتاح، المجتمع المصري في عهد سلاطين المماليك، دار النهضة العربية، القاهرة، ط 1، 1962م 109 - عاشور، سعيد عبد الفتاح، مصر في عصر دولة المماليك، مكتبة النهضة العربية 110 - ابن أبي عاصم، عمرو بن أبي عاصم الضحاك، السنة، تحقيق: ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، 1400هـ 111 - العامري، محمد بن أحمد، بهجة الناظرين إلى تراجم المتأخرين من الشافعية البارعين 112 - العبادي، أحمد بن قاسم، الآيات البينات، تحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، ط 1، 1417هـ، 1996م 113 - عباس، إحسان، تاريخ بلاد الشام في عصر المماليك، مطبعة الجامعة الأردنية، عمان، 1419هـ، 1998م 114 - عبد الحفيظ، أبو المكارم، الجواهر اللوامع في نظم جمع الجوامع، المطبعة المولوية، فاس، 1327هـ 115 - عبد الرحمن، جلال الدين، القاضي ناصر الدين البيضاوي وأثره في أصول الفقه، مطبعة السعادة، ط 1، 1401هـ، 1981م 116 - العدوي، القاضي محمود، الزيارات بدمشق، تحقيق: صلاح الدين المنجد، المجمع ... العلمي، دمشق، 1956م 117 - العراقي، أحمد بن إبراهيم، الغيث الهامع شرح جمع الجوامع، تحقيق: مؤسسة قرطبة، الفاروق المدنية للطباعة والنشر، ط 1، 1420هـ، 2000م 118 - العراقي، أحمد بن عبد الرحيم، الذيل على العبر في خبر من عبر، تحقيق: صالح مهدي عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1409هـ، 1989م 119 - ابن عساكر، علي بن الحسن بن هبة الله، تبيين كذب المفتري في ما نسب إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري، دار الفكر، دمشق، ط 2، 1399هـ 120 - العطار، حسن، حاشية العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع، دار الكتب العلمية، ط 1، 1420هـ، 1999م 121 - ابن العماد، عبد الحي بن أحمد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1419هـ، 1998م 122 - الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، معيار العلم في المنطق، شرحه أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1410هـ، 1990م 123 - الغزي، محمد بن عبد الرحمن، ديوان الإسلام، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1411هـ، 1990م 124 - الغزي، نجم الدين محمد بن محمد، الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، تحقيق: ... د. جبرائيل سليمان جبور، دار الأمانة الجديد، بيروت، ط 2، 1979م 125 - الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، دار الفكر، بيروت، 1403هـ، 1983م 126 - ابن القاضي، أحمد بن محمد، ذيل وفيات الأعيان المسمى درة الحجال في أسماء الرجال، تحقيق: محمد أبو النور، دار التراث، القاهرة، ط 1، 1391هـ، 1971م 127 - ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، الشعر والشعراء، تحقيق: مفيد قحيمة ومحمد الضناوي، دار الكتب العلمية، ط 1، 1421هـ، 2000م 128 - القلقشندي، أحمد بن علي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، تحقيق: محمد حسن شمس الدين، دار الكتب العامية، بيروت، ط 1، 1407هـ، 1987م 129 - القنوجي، صديق حسن خان، أبجد العلوم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1420هـ، 1999م

130 - الكتاني، عبد الحي بن عبد الكبير، فهرس الفهارس والإثبات ومعجم المعاجم ... والمشيخات والمسلسلات، باعتناء: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، ط 2، 1402هـ، 1982م 131 - الكتبي، محمد بن شاكر، فوات الوفيات، تحقيق: علي معوض، عادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1421هـ، 2000م 132 - ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل، البداية والنهاية، دار المعرفة، بيروت، ط 3، 1418هـ، 1998م 133 - كحالة، عمر رضا، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، مؤسسة الرسالة، ط 5، 1404هـ، 1984م 134 - كحالة، عمر رضا، معجم المؤلفين، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1414هـ، 1993م 135 - كركي، عوض محمد أحمد، تاج الدين السبكي والقضايا الأدبية من خلال كتابه طبقات الشافعية الكبرى، مكتبة دار الفتح، الدوحة، مؤسسة الريان: بيروت، ط 1، 1419هـ، 1998م 136 - اللقاني، عبد السلام بن إبراهيم، إتحاف المريد بجوهرة التوحيد، مطبوع بهامش حاشية محمد الأمير، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1368هـ، 1948م 137 - اللقاني، إبراهيم بن هارون، جوهرة التوحيد، مطبوعة ضمن مجموعة من المتون، دار خدمات القرآن، دمشق 138 - اللكنوي، محمد بن عبد الحي، الفوائد البهية في تراجم الحنفية، اعتنى به: أحمد الزعبي، دار الأرقم، بيروت، ط 1، 1418هـ، 1998م 139 - ابن ماجه، محمد بن يزيد، سنن ابن ماجه، شركة الطباعة العربية، 1984م 140 - المحلي، جلال الدين محمد بن أحمد، شرح جمع الجوامع، مطبوع بحاشية العطار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1420هـ، 1999م 141 - مخلوف، محمد بن محمد، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1، 1349هـ 142 - المراغي، عبد الله مصطفى، الفتح المبين في طبقات الأصوليين، المكتبة الأزهرية للتراث، 1419هـ، 1999م 143 - المرتضى، أحمد بن يحيى، طبقات المعتزلة، تحقيق: سوسنة ديفلد فلزر، بيروت، 1380هـ، 1961م 144 - المزي، يوسف بن الزكي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، مؤسسة الرسالة، 1400هـ 145 - مصطفى، شاكر، التاريخ العربي والمؤرخون، دار العلم للملايين، ط 1، 1993م 146 - المقريزي، أحمد بن علي، إغاثة الأمة بكشف الغمة، تحقيق: جمال الدين الشبال، مكتبة الثقافة الدينية، بورسعيد، ط 1، 1420هـ، 2000م 147 - المقريزي، أحمد بن علي، السلوك في معرفة دول الملوك، دار الكتب العلمية، بيروت، ... ط 1، 1418هـ، 1998م 148 - المقريزي، أحمد بن علي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية، وضع حواشيه: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1418هـ، 1998م 149 - المناوي، عبد الرءوف، فيض القدير، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1356هـ 150 - المنجد، صلاح الدين، معجم المؤرخين الدمشقيين وآثارهم المخطوطة والمطبوعة، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط 1، 1398هـ، 1978م 151 - النحلاوي، عبد الرحمن، الإصلاح التربوي والاجتماعي والسياسي من خلال المبادئ ... والاتجاهات التربوية عند التاج السبكي دراسة تربوية تحليلية، المكتب الإسلامي 152 - النسائي، عبد الرحمن بن شعيب، سنن النسائي، دار البشائر، 1986م

153 - النعيمي، عبد القادر بن محمد، الدارس في تاريخ المدارس، تحقيق: جعفر الحسيني، مطبعة الترقي، دمشق، 1367هـ، 1948م 154 - النووي، محي الدين، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، تحقيق: خليل شيحا، دار المعرفة، بيروت، ط 7، 1421هـ، 2000م 155 - النيسابوري، مسلم بن حجاج، صحيح مسلم، تحقيق: خليل شيحا، دار المعرفة، ط 7، 1421هـ، 2000م 156 - ابن هداية الله، أبو بكر الحسيني، طبقات الشافعية، تحقيق: عادل أنور، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط 1، 1971م 157 - الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الريان، القاهرة، 1407هـ 158 - وجدي، محمد فريد، دائرة معارف القرن الرابع عشر القرن العشرين 159 - اليوبي، محمد سعيد، مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 1418هـ، 1998م 160 - دائرة المعارف الإسلامية، انتشارات جيهان، طهران 161 - دائرة معارف القرن العشرين، ط 2، 1342هـ، 1924م 162 - فهرس الخزانة التيمورية، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1947م 163 - فهرس مخطوطات دار الكتب المصرية، فؤاد سيد، مطبعة دار الكتب، القاهرة، 1382 هـ، 1961 م 164 - فهرس المخطوطات العربية المحفوظة في الخزانة العامة للكتب والوثائق بالمغرب، القسم الثالث (1954 - 1956)، مطبعة القومي، الرباط، 1973 م 165 - فهرس المخطوطات العربية في مكتبة تشستربيتي، أعده: آرثر ج آربرت، ترجمة: محمود بشار سعيد، المجمع الملكي لبحوث الحضارة العربية الإسلامية، مؤسسة آل البيت، 1993 م 166 - فهرس مخطوطات المسجد الأقصى، خضر إبراهيم سلامة، دار الأيتام الإسلامية، القدس، 1980 م 167 - موسوعة طبقات الفقهاء، إشراف: جعفر السبحاني، دار الأضواء، بيروت، ط 1، 1420هـ، 1999م 168 - الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1 169 - الموسوعة العربية الميسرة والموسعة، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط 1، 1422 هـ، 2001 م Abstract Imam Taj Al-Din As-Subki and His Approach to the Fundamentals of Fiqh Made by Ahmad Ibraheem Hassan Al-Hassanat Supervision of Ph.D. Abdul-Muiz Abdul-Azeez Huraiz This study aims to indicate the achievements of Imam Taj Al-din As-Subki in the Fundamentals of Fiqh, and to establish his approach of presenting and handling the Fundamentals of Fiqh topics. To accomplish this goal, a thorough research was done for the life of Imam Taj Al-din As-Subki, highlighting the intellectual and personal factors that influenced his scientific personality. The time Imam Taj Al-din As-subki lived in was scanned for political, social, and cultural aspects. Next Imam's development and scientific life were exposed through studying his fields of knowledge and his compilations in these fields. Then some of the important issues emphasizing the prominence of Imam's personality were discussed.

Then the works of Imam Taj Al-din As-Subki in the Fundamentals of Fiqh were studied, stating the importance of each work, Imam's sources in each book, and his approach of tackling Fundamentals of Fiqh propositions. This approach is made most evident to enable the reader of Imam's works to use them in the ever possible useful way.

§1/1