منكرات الأفراح

غانم غالب غانم

المقدمة

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 102). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). (النساء: 1) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). (الأحزاب: 71،70) أما بعد: فان أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فإن مما لا شك فيه أن موضوع المنكر بشكل عام ينبغي أن يكون في اهتمامات كل مسلم غيور على دينه، لأن المسلم الحق إذا علم

المنكر ابتعد عنه خوفا من أن يغضب ربه، ويقع تحت طائلة العذاب «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)» (الشعراء: 89،88). والمشكلة الكبيرة أن يصبح المنكر أمرا طبيعيا عند المسلمين، وأن يقره العرف، بل يتعدى الأمر أكثر من ذلك، فإن الأعراف اليوم تستنكر الكثير من الأفراح التي تقل فيها المنكرات، بحجة أن الفرح لم يواكب التقدم الحاصل في الأفراح، دون النظر في كونه حلالا أم حراما. وقد كنت من سنوات أحب أن أجمع رسالة في منكرات الأفراح، لأن الزواج آية من آيات الله تعالى، التي تدل على كمال قدرته في التأليف بين القلوب، وتكثير الشعوب، وهو من نعم الله العظيمة، ولا يخلو بيت من بيوت المسلمين إلا وفيه في يوم من الأيام فرح. فلا بد أن يكون هذا الفرح نظيفا من المنكرات التي تغضب الله تعالى. ومن هنا جاءت هذه الرسالة لتوجه الناس نحو ما يحبه الله ويرضاه في أفراحنا التي ينعم الله بها علينا «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» (إبراهيم: 34). فكثير من الناس يطلب النعمة دائما فإذا حصل له ما يريد أدار ظهره لأوامر الله تعالى، ولم يحسن شكر هذه النعمة، عدا عن توظيفها فيما يحبه الله ويرضاه. وقد حاولت أن أجمع ما أستطيع من هذه المنكرات التي تفعل في أفراح المسلمين، سواء بالرجوع إلى الكتب الحديثة والقديمة، وشبكات المعلومات، أو ما نسمعه ونشاهده في حياتنا اليومية، أو ما يحدثنا الناس عما شاهدوه وسمعوه في أفراح المسلمين. ولا يمكن لي أن أدعي أني جمعت كل المنكرات في هذه الرسالة،

لأن الذي يحيط بكل شيء إنما هو الله تبارك وتعالى" وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ " (البقرة: 255)، سيما وأن هذه المنكرات تختلف من بلد لآخر، عدا عن كونها تختلف من دولة لأخرى. وقد حاولت أن يكون أسلوبي فيه سهلا، بعيدا عن التأصيل العلمي، وذكر الخلاف في المسائل الفقهية، وذلك لأمرين: الأول: الاختصار، وتوصيل المعلومة بأقصر الطرق مع الدلالة على المطلوب إن شاء الله. الثاني: إن الكتاب موجه لعامة الناس، وربما يمل بعض الناس من قراءة الآراء الفقهية وأدلة كل فريق في كل مسألة، ومناقشة الأدلة، ثم الترجيح، بل يحبون الوصول للمطلوب بشكل مباشر. ولكني كنت أرد أحيانا على بعض الشبهات التي يناقش بها الناس مما يسمعونه في بعض الفضائيات، التي تحاول أن تسهل المنكر في حياة الناس، فتعلقهم بشبهات واهية، أو تستضيف بعض الشخصيات المتأثرة بالفكر الغربي، والآراء الدخيلة على الإسلام، وغالب هذه الشخصيات هم من المفكرين الذين لا علاقة لهم بالعلم الشرعي، فيلبسون على الناس أمر دينهم. ورغم عدم وجود الكتب المتخصصة في هذا الموضوع فيما أعلم، إلا أن الكتابة فيه ليست صعبة لأن مفرداته موجودة في بطون الكتب الفقهية التي يعرفها طلاب العلم. وقد عثرت قبل الكتابة في الموضوع، على ثلاثة أبحاث في ذات الموضوع استفدت منها استفادة كبيرة: الأول: للشيخ عبد العزيز الغامدي. الثاني: للشيخ ندا أبو أحمد، وكلاهما على موقع صيد الفوائد الثالث: للطالبة نور كراجة، مقدم للدكتور موسى البسيط في كلية

الدعوة وأصول الدين. وقد حاولت في هذه الرسالة أن أستقصي المنكرات التي تحصل في كل مرحلة من مراحل العرس: فتحدثت عن المنكرات قبل العرس، وفي الخطبة، وعند العقد، وفي أثناء العرس (وهي أكثرها)، وختمت ببعض المنكرات التي تحصل بعد العرس. وقبل الختام فإني أتقدم بالشكر الجزيل لكل من قدم لي النصح في إخراج هذه الرسالة على أكمل وجه، وأخص بالذكر: أستاذي الفاضل: الدكتور محمد عساف. والأستاذ الفاضل عبد الله سلامة. وكلا من الأخوة: حسن مفارجة، محمد عليان، حسن معتوق، كنعان سحويل، تامر سحويل، فجزاهم الله عنا كل خير. وفي ختام هذه المقدمة أسأل الله سبحانه أن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمالنا، وأن يجعل عملنا وعلمنا خالصا لوجهه الكريم، لأن الكُتّاب في هذا العصر كثر، وقلة هم الذين يكتبون لله: وما من كاتب إلا سيفنى ... ويُبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه واسأله سبحانه أن يعصمنا من الزلل في القول والعمل، وأن ينفع بهذا الكتاب عباده، وإن أصبنا في هذا الكتاب فمن الله وحده لأنه صاحب الفضل دائما وأبدا، وإن وقع فيه زلل فمنا ومن الشيطان ونسأله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا.

وأقول لمن يقرأ هذا الكتاب: بالله يا ناظرا فيه ومنتفعا ... منه سل الله توفيقا لجامعه وقل أنله إله العرش مغفرة ... واقبل دعاه وجنب عن موانعه وخص نفسك من خير دعوت به ... ومن يقوم بما يكفي لطابعه والمسلمين جميعا ما بدا قمر ... وكوكب مستنير من مطالعه غانم غانم إمام مسجد ديرابزيع- رام الله 20/جمادى الأولى/1432هـ. 23/نيسان/2011م.

تمهيد

تمهيد: تعريفات: المنكر: ضد المعروف وكلُّ ما قبحه الشرع وحَرَّمَهُ وكرهه فهو منكر، وفي التنزيل: «لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا» (الكهف: 74) (¬1). والمنكر عند أهل الأصول هو الحرام، لذا فإني لم أجد من علماء الأصول من عرف المنكر تعريفا اصطلاحيا، لأنهم يكتفون بتعريف الحرام، على اعتبار أن كل منكر: حرام، وكذلك كل حرام: منكر. فالحرام عند علماء الأصول: ما لا يحل فعله ويكون تاركه مأجورا مطيعا، وفاعله آثما عاصيا (¬2). وأما الفرح: فهو نقيض الحزن، وهو أن يجد في قلبه خفة، والفرحة: المسرة. (¬3) ولا شك أننا عندما نتحدث عن منكرات الأفراح نقصد بذلك المعاصي والآثام التي يقترفها الناس في أفراحهم، والتركيز هنا على موضوع الأعراس على وجه الخصوص، وإن كانت الأفراح ¬

_ (¬1) لسان العرب: 2/ 541، مادة: نكر (¬2) الإحكام لابن حزم: ص 365. (¬3) لسان العرب: 14/ 282، مادة: فرح

ونبلوكم بالشر والخير فتنة

الأخرى يرتكب فيها من المعاصي ما يرتكب، إلا أن العرس هو المقصود في حديثنا هنا. «ونبلوكم بالشر والخير فتنة»: لقد خلق الله الإنسان في هذه الدنيا وجعله في اختبار دائم يستغرق وقته وحياته، حتى يميز الله الخبيث من الطيب، فيبتلى المسلم بالمصائب والمحن، ويبتلى بالفقر وقلة الرزق، ويبتلى بالشهوات وأعظم من ذلك الشبهات، وأكثر من ذلك أن يستهزأ به لأنه مؤمن، أو ملتزم بدينه وهو يرى أهل الباطل والفسق ينتفشون ويكبرون، ويتسابق الناس في صنع الأمجاد لهم. إلا أن الكثير من الناس يظنون أن الفتنة والاختبار الإلهي إنما يكون في المصائب فقط، وإن شئت فقل: في الشر، وقد وضح الحق سبحانه في كتابه أن الفتنة تعم الأمرين: الخير والشر، فقال سبحانه: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» (الأنبياء: 35). ومن ظن أن فتنة الشر أعظم وقعا على النفس من فتنة الخير فهو مخطئ، فالمصيبة تحتاج من الإنسان إلى الصبر، ولكن اختبار الخير يحتاج من المسلم إلى الشكر، وإلى توظيف هذه النعمة فيما أمر الله به، أو على الأقل فيما لا يسخط الله. ولعل الزواج واحد من هذا، فهو من النعم العظيمة بل هو من آيات الله تعالى التي تدل على قدرته، فيتزوج الإنسان ويفرح ويسكن لزوجته ويكون بينهما المودة والرحمة والأولاد وحسن العشرة. فهل يليق بكل هذه النعم التي ينتجها الزواج أن يقابل المنعم سبحانه بكفرانها، وأن تُشكر بمعصية الله تعالى؟ والله الحق سبحانه يقول: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ

أسباب منكرات الأفراح

عَذَابِي لَشَدِيدٌ» (إبراهيم: 7). ولا شك أن تهاون الناس في مثل هذه المنكرات جر على البيوت العديد من الويلات، ولعل هذا يكون واحدا من أسباب الفشل في الحياة الزوجية، لأنه لا يمكن للمعاصي أن تأتي بخير بل كل المصائب التي تصيب الإنسان والشرور التي تلحقه سببها المعاصي والآثام، قال تعالى: «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ» (الشورى: 30). أسباب منكرات الأفراح: لعل السبب الرئيس للمنكرات بشكل عام: هو ضعف الوازع الديني عند الناس، مما أدى إلى استهانتهم في الوقوع في سائر المحرمات، وما عاد الكثير من الناس يحركهم الدين في الحياة، فصار الكثير من الناس يأخذ من الدين ما شاء ويدع ما شاء، فصار الدين كالفاكهة، إن أحبها أكلها وإن كرهها تركها، أو يختار من أصنافها ما يشاء، حتى صدق عليهم قول الحق تبارك وتعالى: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ» (الجاثية: 23). فصحيح أنه يصلي، إلا أنه في عرسه فعل المنكرات، وشرب المسكرات، وأغضب رب الأرض والسموات، وما ردته صلاته عن المعصية والعياذ بالله. ولعل من أسباب منكرات الأفراح بشكل خاص (¬1): ¬

_ (¬1) بدع ومنكرات الأفراح للشيخ ندا أبو أحمد، بحث منشور على موقع صيد الفوائد: مقدمة البحث.

أن الناس يظنون أن يوم الفرح لا حساب عليه، ويردد الكثير منهم عبارة: هو يوم في العمر، حتى يتسابق العديد منهم أيهم يسبق ويزيد ولو بالمعاصي والآثام، بحجة المباهاة وأن فرح آل فلان ليس أفضل من فرحي فيحصل منهم الغيرة في الباطل فيتسابقون عليه، وقد بين الحق سبحانه أن الفرح الحقيقي إنما يكون بما عند الله، قال الله تبارك وتعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» (يونس: 58). ولقد غفل هؤلاء أن المسلم الحق هو الذي ينضبط في أفراحه وأحزانه بمنهج الله تعالى. وأن المؤمن الحق هو الذي يعرف بإيمانه في هذه الأوقات. ومن أسباب منكرات الأفراح أن الأمة الإسلامية اليوم أمة مقلدة تحب كل شيء مستورد من ركام الغرب وفضلاته، فما يأتي إلينا من تحلل وسفور، واختلاط ومجون، وشرب خمور نتسابق لتطبيقه دون النظر في حله وحرمته، ودون سؤال لأهل العلم عن حكمه. وقد صدق في العديد من الناس اليوم قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ» رواه البخاري: 3456. وليعلم هؤلاء خطورة التشبه بالكفار، لما يجره ذلك من ويلات على الأمة الإسلامية جمعاء في الدنيا والآخرة، «ومن تشبه بقوم فهو منهم» كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم» رواه أبو داود: 4031، وقال الألباني: حسن صحيح.

العزوف عن الزواج وأضراره

العزوف عن الزواج وأضراره. لقد حث الإسلام على الزواج ورغب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام في وصيته المشهورة للشباب: «يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رواه البخاري: 1905، ومسلم: 1400. وقد أمر الإسلام بتسهيل سبل الزواج حتى يكون في متناول كل محتاج، فحث على عدم المغالاة في المهور. كما شنع النبي صلى الله عليه وسلم على من أراد أن يتبتل بحجة الانقطاع لأعظم شيء في هذه الدنيا، للشيء الذي خلق الله العباد من أجله، ألا وهو العبادة. ويتضح ذلك جليا في قصة الثلاثة الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته كما يرويها الإمام البخاري في صحيحه (5063): من حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالُ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا، كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».

فترك الزواج مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه من المضار ما فيه خصوصا، ونحن نعيش في زمن كثرت فيه الفتن، وتبرجت النساء، وقل الحياء، فمن أراد أن يحصن نفسه فعليه بالزواج. والغريب أن الغرب يحذرون من خطورة الزواج المبكر، وينشرون الكتب، والمقالات عن ذلك، بل ويساعدون الجمعيات والمؤسسات المصطنعة التي تدعم موقفهم. نجدهم يجيزون في بلادهم الزواج المبكر، بل إن المفهوم من قوانينهم الحث عليه. فمثلا: سن الزواج للفتيات في كل من فرنسا ورومانيا وبلجيكا واليابان: هو سن الخامسة عشرة. وأما إيطاليا فتجيز المحكمة عقد الزواج على فتاة سنها الرابعة عشرة، بل إن بريطانيا وإسبانيا والأرجنتين حددت سن الزواج بالثانية عشرة للفتاة. (¬1) ويتبين من مخططاتهم أنهم يريدون بذلك هلاك المجتمع في بلادنا، لأن أفكارهم وتوجيهاتهم تحذر من الزواج المبكر، وتحث النساء على التبرج. فماذا يكون حال المجتمع إذا أصغى لمثل هذه الأفكار؟ إنه مجتمع تنتشر فيه الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وخاصة: جريمة الزنا وما تجره من نتائج على المجتمع، من: أولاد الحرام، وقلة الأسر وغير ذلك. فأنا أقول أنه ليس هناك حجة من ترك الزواج إلا الفقر وعدم ¬

_ (¬1) شرح قانون الأحوال الشخصية للأشقر: ص56.

الاستطاعة، وأما ما يمليه الناس من حجج فليس لها من الواقع رصيد: من إكمال الدراسة، أو لا يزوج الصغيرة قبل الكبيرة، أو المغالاة الكبيرة في المهور التي تبعد الرجال عن الزواج. فعلى الجميع أن يسهلوا أمور الزواج وييسروا سبله، حتى يعيش المجتمع براحة واستقرار.

المبحث الأول: منكرات قبل الزواج

المبحث الأول: منكرات قبل الزواج المطلب الأول: الرغبة عن ذوات الدين حث الإسلام أن يتزوج المسلم الزوجة ذات الدين، صاحبة الصلاح والتقوى، فهي خير متاع يتمتع به المسلم في دنياه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة» رواه مسلم: 2668. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حال الرجال، ورغبتهم في صفات الزوجة المستقبلية، فمنهم من يبحث عن نسب قد يكون تافها ليسد ما عنده من عجز في شخصيته. ومنهم من يبحث عن مال ما هو في الحياة إلا زينة وليس قيمة، ومنهم من يبحث عن جمال قد يتهاوى بعد فرحه بأيام عندما تكشف الحياة الزوجية عن طبيعتها، فهي ليست مجرد خيال وآمال، طموح وتطلعات، جنس وفراش. بل إن في الحياة الزوجية ما فيها من التعب والعناء والمشقة، وتربية الأولاد التربية الصالحة، والتنشئة الصحيحة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» رواه البخاري:4700، ومسلم:2518. وإذا كان ينبغي للرجل أن يبحث عن ذوات الدين، فينبغي أيضا للمسلمة أن تبحث عن الرجل الصالح، عن المسلم التقي النقي، صاحب الخلق، كما أمر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى، قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا

تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ» رواه الترمذي: 1084، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي. والرغبة عن ذوات الدين، ورغبة المسلمة عن المسلم الصالح يستحق بحق أن يكون من منكرات الأفراح، لما يجره على الأمة من الويلات الكثيرة، من حياة زوجية مليئة بالنكد والمشاكل، وأولاد سوء تربوا على أيدي والدَين منحرفين. ونحن نرى في هذا الزمن والله المستعان من يتساهل في هذا الأمر كثيرا، فيزوج الرجل ابنته من تارك الصلاة وهو يعلم أن أمره دائر بين الكفر والفسق والعياذ بالله، ومن شارب الخمر، كما نرى ونشاهد. وقد يصل الأمر إلى أبعد من هذا فيزوج ابنته من رجل يسب الذات الإلهية ويسب دين المسلمين والعياذ بالله، فعدا عن كون الزواج باطلا لأن الزوج كافر بمسبته هذه، فماذا سيكون مصير الأسرة إذا كان الرجل فيها يسب الذات الإلهية؟ وفي المقابل قد ينسى الرجل صفة الخلق والدين في المرأة التي يريد خطبتها، في مقابل الجمال، أو المال، أو غير ذلك، مما يؤدي إلى أسرة لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا. وكم ندم الرجل، وكم ندمت المرأة في مشاهد حية من المجتمع عندما لم يبحثوا عن هذا الأصل الأصيل.

المطلب الثاني: العلاقات المحرمة قبل الزواج

المطلب الثاني: العلاقات المحرمة قبل الزواج يبدو أن الكثير من المسلمين فقدوا الغيرة على أعراضهم، فسمحوا لبناتهم أن يخرجن متبرجات، وأن يكلمن الرجال، ويصافحنهم، وقد يقر البعض صداقة ابنته مع بعض الشباب، بحجة الانفتاح والاستفادة من الثقافات أحيانا، والحرية الشخصية أحيانا أخرى. وبذلك يكون حديث النبي صلى الله عليه وسلم له من الواقع الرصيد الكبير، عندما قال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث» (رواه النسائي: 2562، وصححه الألباني). والديوث: هو الذي يقر الخبث في أهله ولا يغار على عرضه (¬1) , فينبغي على كل مسلم غيور، وعلى كل شهم، أن يكون عرضه مصونا محفوظا، محل الثناء والتقدير، ولا يكون مرتعا لفساق الناس. بل لا يقف الأمر عند هذا، فإن المسلم الغيور ليخاطر بحياته، ويعرض نفسه للخطر إذا حاول أحدهم أن يعتدي على عرضه. وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم أمثال هذا عندما قال: «من قتل دون أهله فهو شهيد» رواه الترمذي:1421، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني. وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم غيرة سعد في أهله، فعَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: «لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ (أي بحد السيف لا بعرضه) فَبَلَغَ ذَلِكَ ¬

_ (¬1) فتح الباري: ج 17/ص97.

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» رواه البخاري: 6866. ومما يعين على ذهاب الغيرة من النفوس تلك الأقلام الساقطة، والأفلام الهابطة التي تدعمها ثلة مجرمة من الحاقدين على الإسلام وتعاليمه وأهله المخلصين. ونحن نعيش في زمن اختلطت فيه المرأة في معظم مجالات الحياة بالرجال: في المؤسسات، وفي الدوائر الرسمية وغير الرسمية، وأوسع من ذلك في دور العلم والجامعات. وتخطئ الكثير من الفتيات عندما يقرأن لكاتب غربي، أو لرجل مهووس من المسلمين ممن تأثروا بالثقافة المنحرفة (وهم في هذا الزمان كثير)، أن الزواج لا ينجح إلا إذا كان قبل ذلك علاقة مفتوحة بينها وبين ذلك الرجل الذي تريد أن تتزوج منه، حتى تدرس أفكاره، وتتعرف على شخصيته كما يزعمون. وقد بين القرآن أن الزواج الناجح هو الذي تنشأ العلاقات فيه بعد الزواج لا قبله، كما يفهم من قوله تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الروم:21). فبعد الزواج يكون السكن، وبعد الزواج تكون المودة والرحمة. وأما الحب المنشود الذي يبحث عنه الكثير من الشباب والفتيات فما هو إلا سراب، وقد سمعنا بعض هؤلاء الشباب الذين يبحثون عن مثل هذا الحب، يخالف قولهم فعلهم ولتبصر الفتيات شهاداتهم: هم يريدون علاقات محرمة، ولكن كلهم لا يقبل هذه العلاقة لأخته، أو أمه أو أي من أقاربه. وهو أيضا وإن كان يبحث عن مثل هذه العلاقات، إلا أنه لا يقبل

ما هو حكم الحب؟

هذه البنت زوجة له، لإيمانه: أن هذه التي تبني معه علاقة، فعندها الاستعداد أن تبني مع غيره فلا يؤمَن جانبها. وإتماما للفائدة لا بد من الإجابة على سؤال روتيني يسأله كل شاب وشابة: ما هو حكم الحب؟ بداية: يضيق الناس مفهوم الحب كثيرا، حتى إذا ذكرت هذه الكلمة انصرفت عند الغالبية العظمى من الناس إلى العلاقة بين الرجل والمرأة وضيقت في هذا المفهوم. والحق الذي ينبغي أن يعرفه الجميع أن الحب عقيدة مهمة من عقائد المسلمين. فلا يتم الإيمان إلا بحب الله ورسوله وكتابه والصحابة وجماعة المؤمنين، وهذا ما جاءت به الأدلة الكثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تدل على هذا الأصل العظيم. فقد بين الحق سبحانه أن حب الله لا يتم إلا باتباع أمر النبي صلى الله عليه وسلم: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (آل عمران:31). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:» لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» رواه مسلم: 62. وكثيرة هي أنواع الحب التي ينساها الناس، فإذا ذكر الحب انصرف إلى العلاقة بين الرجل والمرأة فحسب. وأما الحب بين الرجل والمرأة فنوعان: النوع الأول: ما لا يستطيع القلب رده وهذا يعرض على القلب، ولا دخل للإنسان فيه.

فمثلا: إذا ذكرت امرأة ومدحها الناس لجمالها أو لعلمها أو لدينها وأخلاقها أو لشيء تتميز به، فإن بعض قلوب السامعين يتعلق بها دون أن يكون له قصد أو دخل في هذا. وقد يرى الرجل المرأة بنظرة عابرة فيحصل هذا الذي يجده في قلبه من حبها، والتعلق بها، ويتمنى أن تكون زوجته. وقد يكون العكس فالمرأة قد يذكر أمامها رجل، بصفات مثالية من خلق ودين وعلم وغير ذلك، أو تراه وتعجب لشيء فيه فيدخل في قلبها وتتمنى أن يكون زوجا لها. وهذا النوع من الحب: لا يأثم به المسلم لأنه خارج عن إرادته. وهذا الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من ربه أن يسامحه عليه: ميل القلب الذي لا يملكه الإنسان. قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل، ويقول: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» رواه أبو داود: 2134. وقال الشوكاني: صححه ابن حبان والحاكم (¬1)، وضعفه الألباني. النوع الثاني: ما كان القلب فيه مختارا، وتسرح فيه الجوارح بما تشاء من كلام وغزل ومراسلات، وأحيانا اختلاط وخلوة، مما يدمر البيوت ويذر الديار بلاقع، ويسبب العداوة والبغضاء فيما بين الناس. ولعل هذا الذي يقصده أكثر الشباب في أسئلتهم. وإقامة هذا النوع من الحب كانت وسائله في القديم قليلة، لا بد فيها من اللقاء بين الرجل والمرأة، أو على الأقل وجود من يسوق مثل ¬

_ (¬1) نيل الأوطار: 6/ 252.

هذا الحب. وأما اليوم فوسائله كثيرة، وسبله سهلة خصوصا في عهد الاتصالات، والهواتف المحمولة، وأكثر من ذلك شبكات الانترنت. وحكم هذا الحب: حرام بالأدلة النقلية والعقلية: الأدلة على تحريمه: 1 - لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في الحج: « ...... اسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَم (¬1): فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، أَفَيُجْزِئُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْ أَبِيكِ. قَالَ: وَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ بن العباس، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا ........ » رواه الترمذي: 885، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وحسنه الألباني. فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وفي نظراته شيء، خشي عليه من الفتنة، فتخيل لو تطور الأمر إلى الكلام بينهما، والمغازلة فهل سيسكت النبي صلى الله عليه وسلم عنهما؟!! فدل على أن ذلك حرام بطريق الأولى. 2 - إذا كانت هناك علاقة بينهما فلا بد أن يكون هناك نظر، ونظر الرجل للمرأة حرام إذا لم يكن هناك حاجة. والأدلة على ذلك كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، ¬

_ (¬1) قبيلة من قبائل اليمن: تحفة الأحوذي: 3/ 362.

قوله تعالى: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ» (النور: 30). وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» رواه البخاري: 6122. 3 - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» رواه الترمذي: 1171، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني. فهذا الحديث وغيره من مثله الكثير يحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية، فإذا تطورت العلاقة بينهما فسيصبح هناك لقاءات وخلوات، وكل ذلك لا يقره ديننا، ولا الفِطَر السليمة. 4 - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله، فإن ذاك يرد ما في نفسه» رواه مسلم: 2491. فإذا كان لا أمان من مرور المرأة أمام الرجل فكيف بالحديث والجلوس معه ومراسلته، فدل ذلك من باب أولى على حرمته. 5 - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» رواه مسلم: 4632. فالإثم لا يتماشى مع النفس، بل النفس المؤمنة تنكره وتكرهه، ولو سألنا هؤلاء الناس الذين يقيمون العلاقات مع النساء: هل تحب أن يراك أحد وأنت مع هذه الفتاة؟ الجواب: لا. أتقبل أن يقيم أحد علاقة مع أختك؟

سيكون الجواب وبدون تفكير أو تردد: لا. فإذا كان لا يقبل هذا لنفسه فكيف يقبله لبنات المسلمين. فدل ذلك بما لا يدع مجالا للشك أن ذلك حرام، وأن المسلم ينبغي له أن يحافظ على عرض المسلمات كما يحافظ على عرضه، لأن المجتمع أمانة في أعناق الجميع.

المبحث الثاني: منكرات الخطبة

المبحث الثاني: منكرات الخطبة المطلب الأول: قراءة الفاتحة عند الاتفاق يقوم الناس اليوم بقراءة الفاتحة بعد الاتفاق، وبعد الموافقة على هذا الرجل أن يكون زوجا لهذه الفتاة، في جلسة تكون غالبا عائلية بين أهل العروسين، ثم تقرأ مرة أخرى في مراسم الخطبة الأساسية عند الناس اليوم. ويقوم غالبا رجل بطلب يد البنت صوريا لأن الاتفاق يكون مسبقا، ثم يقرأ الناس الفاتحة تبركا، أن يكون هذا العقد والزواج مباركا. حتى قال لي أحد المثقفين، (ولكنه من العوام في دين الله): لا يصح الزواج بدون قراءة الفاتحة. والحق أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعهد لأمته قراءة الفاتحة عند عقود الزواج أو عند أي عقد آخر، ولم يفعل ذلك واحد في القرون المفضلة. والأصل في مثل هذه الأمور أن تكون مشروعة بدليل، ولا دليل هنا، وقد نص على ذلك جمع من أهل العلم، منهم الشيخ ابن باز، وابن العثيمين وغيرهما الكثير. والأصل في إحداث مثل هذه الأمور أنها مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» رواه البخاري: 2499، ومسلم: 3242. وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك أن يقول الذي يطلب العروس: خطبة الحاجة، ثم يبارك للعروسين بما جاء في السنة المطهرة.

فعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ: «إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: (اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا». رواه أبو داود: 2118، وصححه الألباني. وأما الدعاء فيكون موافقا لما ورد في الحديث، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَّأَ (¬1) الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي الْخَيْرِ» رواه ابن ماجه: 1905، والترمذي: 1091، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني. قالت اللجنة الدائمة (¬2): قراءة الفاتحة قبل الزواج بدعة، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من صحابته، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد «رواه البخاري: 2499. ¬

_ (¬1) رفأ: الرفاء: الالتئام، وإذا رفأ: إذا أراد أن يدعو بالالتئام عند الزواج: حاشية السندي: 6/ 128. (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة: 2/ 538.

المطلب الثاني: لبس الذهب للرجال

المطلب الثاني: لبس الذهب للرجال وبعد الاتفاق، وفي مراسم الخطبة، تقوم العروس بوضع دبلة من الذهب (¬1) في يد العريس، أو خاتما من ذهب (¬2)، كما يقوم هو ¬

_ (¬1) اختلف العلماء في حكم لبس دبلة الفضة للرجال بين مجيز ومانع: يستدل المانعون: على أنها من عادات النصارى التي سرت إلى بلاد المسلمين، وأن النصارى كانوا ينقلونها بين أصابع العريس، قائلين بين كل أصبع وأصبع: بسم الأب، بسم الابن، بسم روح القدس، وهذه هي عقيدة التثليث التي حكم القرآن بكفر أهلها. ويستدل المجيزون: أن هذه من العادات التي سرت إلى بلاد المسلمين، وصارت عند المسلمين من الأمور المعروفة، ومن عاداتهم التي لا يقصد بها أي نوع من عبادات الكفار الباطلة. بدليل أنك لو سألت عريسا: هل تقصد بلبسك هذه الدبلة اتباع الكفار وتقليدهم؟ أجاب بدون تردد: أنه لا ينوي ذلك أبدا إلا اتباع أعراف البلد التي يعيش فيها، عدا عن كون أكثرهم لم يسمع بهذا أبدا. وصارت هذه عند المسلمين، كأنها من الشروط اللازمة للعرس، بحيث أن العريس إذا رفض أن يلبسها، غضبت عليه العروس، واتهمته أنه لا يحبها. ويستدل المجيزون أيضاً بأمثلة أخرى من الأشياء التي سرت إلى بلاد المسلمين وصارت عندهم عادة: مثل ربطة العنق (ما يسمى بالجرافة)، وحتى البنطال، ليس من عادات المسلمين، بل هو من العادات المستوردة إلينا من الغرب، ولكنه صار لباسا رسميا عند المسلمين. والحق في هذه المسألة أنه ليس هناك من الأدلة الشافية التي يستطيع من خلالها الجزم أنها من عادات النصارى، أو ربما تكون من العادات القديمة عندهم. مع النصيحة للشباب أن يتجنبوا مثل هذه الأمور، خصوصا وأن هناك ثلة من جهابذة العلماء الكبار قالوا بتحريمها.= = ولو استبدل مكانها خاتم الفضة لكان أفضل لأن ذلك من السنة التي جاءت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، قال ابن عمر: ...... اتَّخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ أَرِيسَ» رواه البخاري: 5417. (قلت: وفي الحديث خطأ ما يقال أن خاتم النبي صلى الله عليه وسلم موجود في متحف في تركيا، لأنه قد ضاع من عثمان رضي الله عنه في البئر). (¬2) خفت هذه العادة كثيرا (أقصد لبس الذهب)، والحمد لله لوعي الناس وتوجههم إلى اتباع الحق، ولكثرة الدعاة إلى الخير الذين يقومون بتوعية الناس في هذه الجوانب. وصارت محلات الذهب التي يشتري منها العريس ذهبا لزوجته تقدم دبلة فضة كهدية للعريس. عسى الله أن يمن علينا بأن تنتهي كل المنكرات من أفراح المسلمين.

بتلبيسها وتحليتها بالذهب. وقد يزداد المنكر ويعظم الإثم عندما يكون ذلك بحضرة النساء، والاختلاط بهن، وفي المكان تبرج وسفور، وسيأتي الكلام عن هذه المنكرات. وقد حرم الإسلام الذهب على الرجال، وجاءت النصوص الكثيرة في ذلك. منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم:» حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي: وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ» رواه الترمذي: 1720، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني. وقد «رأى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ

رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وَقَالَ: يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ. فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم» َرواه مسلم: 3897. وقد يضاف إلى هذا المنكر منكر عقدي آخر: وهو أن هذه الدبلة صارت شعارا للحب بين الزوجين، وعلامة من علامات المودة والتوفيق فيما بينهما، حتى صارت مظهرا من مظاهر السعادة. حتى إذا حدثت مشكلة بين الزوجين، ألقى العريس الدبلة في وجه العروس، أو على الأرض، علامة لتوتر العلاقة بينهما. وإذا صارت هذه من علامات النفع والضر فيما بين الزوجين، حرمت قولا واحدا، سواء من الذهب أو الفضة، حتى لو كانت خاتما. فالنفع والضر بيد الله وحده، وهذه التمائم لا تنفع ولا تضر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ» رواه أحمد: 16781، وصححه الألباني. (¬1) ¬

_ (¬1) قال الألباني في السلسلة الصحيحة، حديث: 492: فائدة: التميمة: خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام. قلت (أي: الألباني): ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو، والفلاحين، وبعض المدنيين، ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة! وبعضهم يعلق نعلا في مقدمة السيارة، أو في مؤخرتها! وغيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار، أو الدكان! كل ذلك لدفع العين زعموا، وغير ذلك مما عم وطم بسبب الجهل بالتوحيد، وما ينافيه من الشركيات، = =والوثنيات التي ما بعثت الرسل، وأنزلت الكتب إلا من أجل إبطالها، والقضاء عليها، فإلى الله المشتكى من جهل المسلمين اليوم، وبعدهم عن الدين.

المطلب الثالث: الخلوة بالمخطوبة

وقال عليه الصلاة والسلام:» من علق تميمة فلا أتم الله له» رواه الحاكم: 7501، وقال: صحيح الإسناد، وقال الهيثمي (¬1): رجاله ثقات. فالذي ينبغي على المسلمين أن يتحرروا من الأوهام والخرافات، وأن تكون ثقتهم بالله وحده لا شريك له، مالك الأرض والسموات، الذي يتصرف في ملكه كيفما شاء، فهو سبحانه الذي «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» (الأنبياء: 23)، فمن توكل على الله فهو حسبه. المطلب الثالث: الخلوة بالمخطوبة. ينبغي على الخاطب بداية أن يجمع كامل المعلومات عن البنت التي يريد الزواج منها، عن خلقها وخلق أمها، وعن أهلها جميعا لأن العرق دساس كما أرشد لذلك النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ» رواه ابن ماجه: 1968، وحسنه الألباني. وبعد جمع المعلومات ينبغي للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، وينبغي على أهلها أن يمكنوه من ذلك، والغرض من ذلك حتى تدوم الحياة بينهما بالوفاق، لأن كل رجل له في نظره حظ، وعنده في قلبه صفات يريدها أن تكون في زوجته، وهي كذلك. ¬

_ (¬1) مجمع الزوائد: 5/ 103.

ولو لزم الأمر أن ينظر إليها أكثر من مرة فلا بأس في ذلك. روى مسلم في صحيحه: 2552، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا». وخطب المغيرة بن شعبة امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» رواه الترمذي: 1087، وصححه الألباني. فإذا نظر إليها وأعجبته، وتقدم لخطبتها، وتمت الموافقة فلا بد من الحذر من كثرة جلوس الخاطب معها. والناس في ذلك على أصناف: فيعيش كثير من الناس في حياتهم بين إفراط وتفريط، فبعض الناس يتشددون، ولا يسمح للخاطب أن يجلس مع المخطوبة، أو يسمع لحديثها، حتى يتعرف كل منهما على الآخر أكثر. وبعضهم على النقيض تماما فيسمح بالجلوس متى وكيفما شاء الخاطب، في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما جلسا في غرفة مغلقة، أو خرجا إلى السوق، ويزيد البعض وربما يتهور بالسماح لهما بالسفر مع بعضهما البعض. والسبب في كل هذا أن البعض يتشدد عن عادة لا عن دين، والبعض يريد أن يعيش الحياة الغربية ولو للحظات من عمره، والبعض لا يعرف معنى الخطبة، فيظن أن الخاطب صار زوجا لابنته. فما هو معنى الخطبة؟

الخطبة: مأخوذة من المخاطبة، وهي: طلب المرأة للزواج، يقال: خطب فلان إلى فلان ابنته: أي طلب منه الزواج بها، قال تعالى: «وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ (البقرة: 235)» (¬1). ومن هذا التعريف يتبين أن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج وليست زواجا، فالمخطوبة لا زالت أجنبية عن الخاطب، لا تكشف شيئا من عورتها أمامه، ولا تخلو به، ولا تخرج معه، ولا تصافحه لأن مصافحة المرأة الأجنبية حرام كما سيأتي بيانه. وربما يترك الخاطب المخطوبة، فهناك أعراف لا ترحم الرحماء. فيقول الناس: كانت تخرج معه، وتخلو به، فتصبح في أعرافهم كأنها مطلقة بعد الدخول. ولذلك لا ينصح بإطالة فترة الخطوبة لأن في إطالتها مظنة الفساد، والفساد يأتي من كثرة زيارة الخاطب لربما اصطدم مع أهلها بكثرة طلباتهم، ولربما شعروا بثقل زياراته المتكررة، وكثيرة هي المشاكل التي تنشأ بين الخاطبين، فيكون مصير ذلك وأد الحياة الزوجية قبل بدايتها. وقد يصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، لأن النفس الإنسانية أمارة بالسوء، فقد يترك الخاطب مخطوبته وقد حملت منه، فماذا تفعل بالجنين بعد ذلك، أتمسكه على هون أم تدسه في التراب؟ وكيف تحل مشكلة كهذه بعد ذلك؟! لذلك جاء الإسلام بالتحذير الشديد من الخلوة بالنساء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما ¬

_ (¬1) شرح قانون الأحوال الشخصية للأشقر: ص35.

الشيطان» رواه الترمذي: 1171، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني. ومن هنا يجب على المرأة أن يكون عندها من العلم الكافي بحال الرجل، وصفاته وميوله ورغباته، حتى تكون على حذر، وعلى دراية في كيفية التعامل معه. فيختلف تفكير الرجل عن تفكير المرأة في الخطبة. فهي تحلم في بيت جميل، وحياة زوجية سعيدة، وتفكر في شكلها يوم عرسها وما سيقول الناس عنها، وعن جمالها. وأما الرجل فيكون غالبا تفكيره الجنسي هو الغالب على حياته قبل الزواج، فينظر للمخطوبة نظرة جنسية. ومن هنا جاء الإسلام ليبين: أن مجرد الدخول على النساء فيه من المضرة والفتن ما فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ» رواه البخاري: 4831. والحمو: قريب الزوج، من أخ وعم. ويأتي الموت من قبل هؤلاء لأنه يؤمن جانبهم، ويُطمأن من طرفهم، فيدخل على البيت دون شك أو شبهة، فتحصل عندها الفتنة، وما لا يحمد عقباه. والخاطب كذلك، فهو المحبوب إلى أهل البيت، سيما وهو الزوج المستقبلي للبنت، فهو حامي العورة وكافي المئونة، فيؤمن جانبه غالبا، فينبغي الحذر. وحتى بعد عقد الزواج وقبل الدخول: فالأولى أن لا يتوسع العاقد في علاقته مع المرأة التي عقد عليها، وإن كانت زوجته شرعا، أو في حكم الزوجة، إلا أن العرف يقضي بمراسم احتفالية لانتقال المرأة لزوجها، والإسلام يحترم أعراف الناس التي لا تخالف

المطلب الرابع: الإسراف في بطاقات الدعوة

نصوص الشريعة وأدلتها، فهذه الأعراف كانت موجودة عند سلفنا الصالح، وأقرها علماؤنا القدامى. والتحذير هنا وإن كان أقل من الناحية الشرعية إلا أن نسب الطلاق في المحاكم الشرعية قبل الدخول كثيرة، فالأولى أن يترك العاقد المرأة التي عقد عليها دون مسيس. لأن أعراف الناس تقضي أن المطلقة قبل الدخول لا زالت بكرا، فكيف إذا تبين غير ذلك؟ (¬1) المطلب الرابع: الإسراف في بطاقات الدعوة. يقوم الخاطب بعمل بطاقات دعوة، عند مراسم الخطبة، وأخرى عند الزواج، والغرض من هذه البطاقة دعوة الناس وإبلاغهم ¬

_ (¬1) مجتمعنا الذي نعيش فيه مجتمع يقوم على احترام الرجال دون النساء، فلا يرحم المجتمع المرأة أبدا، بل يتصيد الناس لها الأخطاء، وتحفظ أخطاؤها عشرات السنين دون نسيان، فيقول الناس بعد سنوات: ذهبت مع فلان، خلا بها فلان ......... ولو تابت ألف توبة. والمرأة كما وصفت كالجرة: إذا كسرت لا تعود كما كانت، فلتحافظ النساء على أنفسهن في مجتمع كهذا. وإني أتعجب كل العجب من مجتمع يعتبر الرجل لا يخطئ ولا يعاب، مهما فعل من المنكرات عند الكثير من الناس، فنرى تارك الصلاة يتزوج من خيرة النساء، وكذا شارب الخمر. بل إن بعض من يصلي ويصف في الصف الأول يزوج ابنته لرجل يسب الذات الإلهية ويسب دين المسلمين، من غير تردد عنده في ذلك، فالمهم عند الكثير منهم: كم يملك الرجل من المال؟ وما هو منصبه؟ ونوع السيارة التي يقودها، وشكل البيت الذي يسكنه .. فالله المستعان.

بموعد العرس ومكانه. وصارت هذه من العادات اللازمة للعرس، والتي تحتاج إلى مشاورة العروس في شكل البطاقة ولونها ومونتاجها. ويتفنن الناس في الإسراف في مثل هذه البطاقات، وتنفق عليها المبالغ الباهظة أحيانا (¬1). ويحصل فيها من التنافس ما لا يحصل في أمر من أمور الآخرة، فهذا يريد أن يعمل بطاقات أفضل من عرس فلان، وذاك يريد أن يعمل بطاقة رآها في عرس في بلد مجاور، وآخر يقلب صفحات على الانترنت عسى أن يجد شيئا مميزا في ذلك. وهكذا ..... وأكثر الناس المدعوين لهذه الأفراح يكون عندهم العلم والدراية المسبقة بموعد العرس، وتكون البطاقة بعد ذلك شكلية فقط. فلماذا الإسراف؟ وقد نهانا الله سبحانه جل جلاله عن الإسراف، فقال سبحانه: ¬

_ (¬1) وأكثر هؤلاء الناس لو طلبت منه المساعدة في أي أمر من أمور الخير: بناء مسجد، كفالة يتيم، مساعدة محتاج، طالب علم، لخلق لك ألف عذر بأنه لا يستطيع، ولا يملك. فسهل الشيطان لهم سبيله، وسبيل الله بينهم وبينه عائق، فالله المستعان مرة أخرى. ملاحظة: يكتب على بطاقات الدعوة آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، فلا يجوز رمي هذه الأوراق في سلات القمامة، لأن ذلك لا يليق بكلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. والأولى أن تحرق هذه الأوراق بعد قراءتها، أو توضع في مكان نظيف، أو تدفن في الأرض صيانة لكلام الله تعالى عن الامتهان.

«وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (الفرقان:67)». وقال سبحانه مخاطبا عباده «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف:31)». والأولى في أمثال هؤلاء أن يستبدلوا هذه البطاقات ببطاقات أقل تكلفة، وحتى لو عملت بطاقة على ورقة عادية مطبوعة، وموضوعة في ظرف، كما رأينا بعضهم يعمل ذلك، لكان ذلك كافيا موفيا بالغرض إن شاء الله. وفي بعض القرى الآن يتم دعوة الناس عبر مكبر صوت محمول على سيارة يدعو الناس من خلاله، ويكون ذلك كافيا.

المبحث الثالث: منكرات عند العقد

المبحث الثالث: منكرات عند العقد تمهيد: يقوم العريس بعمل الإجراءات اللازمة لعقد الزواج، من أوراق، وفحوصات طبية لازمة لإجراء العقد، وتسجيله بشكل رسمي في المحكمة الشرعية. أو يقوم بإحضار المأذون إلى بيت العروس في كثير من الأحيان، ويتولى المأذون (¬1) تسجيل عقد الزواج في البيت، ومن ثم في المحكمة الشرعية. ولم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تسجيل العقود وإنما كانت تدار بدون كتابة، وهذا وإن لم يكن موجودا في عهده عليه الصلاة والسلام، إلا أن فيه من المصالح ما فيه، وهو أحفظ للحقوق الزوجية، وأنفى للنزاع، خصوصا ونحن نعيش في عصر تشترط فيه المرأة شروطا لا بد من حفظها وتوثيقها. ¬

_ (¬1) هذا وإن كان التسجيل مستحبا لعموم الأدلة التي تحث على تسجيل العقود بشكل عام، إلا أنه لا ينبغي التوسع في أمور شكلية في عقد الزواج ليس لها أساس في الشرع، حتى ظنها الكثير منهم أنها من الأساسيات والشروط، منها: أولا: اشتراط العاقد (المأذون) أن يضع ولي الزوجة (والدها أو من يقوم مقامه) يده في يد الزوج (العريس). ثانيا: وضع المنديل على يد الولي والزوج. وإن من سيئات التوسع في أمور ليست من الدين، أن الناس صاروا يقدسونها أكثر من أمور العبادة، ولأن عقد الزواج له في النفوس قدسية، فيزداد الأمر تعظيما. فكنت مرة أحضر عقد زواج، فتكلم رجل كبير السن، وأمر الحضور أن لا يشبك الواحد منهم يديه: لأنهم يعتقدون أن ذلك يضر بالعقد.

المطلب الأول: التهنئة المخالفة للسنة

يقول عليه الصلاة والسلام: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» رواه البخاري: 2520. ولعل أكثر شروط النساء اليوم في موضوعي: العلم والعمل. فتشترط عليه أن تبقى في عملها، وكذا أن تبقى في دراستها إن كانت تدرس، أو تسكن في مكان معين، إلى غير ذلك من الشروط التي لا بد من كتابتها حتى ينتفي النزاع فيما بينهما. المطلب الأول: التهنئة المخالفة للسنة وبعد كتابة العقد، والاتفاق على الشروط، يصيح قائلهم: الفاتحة. ثم يقوم الناس بتهنئة العريس، وغالبا يقوم العريس ويصافح الناس، ويهنئونه، مرة بالرفاه (¬1) والبنين، ومرة مبروك، وكلاهما غلط. والتهنئة بصيغة: بالرفاء والبنين، من عادات الجاهلية التي ذمها الإسلام. روى ابن ماجة في سننه: 1906، وصححه الألباني من حديث عقيل بن أبي طالب، أنه تزوج امرأة من بني جشم، فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لهم وبارك عليهم»، والعلة في النهي عن هذه الصيغة من التهنئة: أنها من تهنئة أهل الجاهلية، ¬

_ (¬1) هكذا يقولها العوام، وربما يقصدون بها: الرفاهية. وأصلها: بالرفاء، والرِّفاءُ: الالتحام والاتفاق، وتأتي بمعنى: السكون والطمأْنينة. (لسان العرب: 14/ 330)

المطلب الثاني: فسق الشهود

كما جاءت بعض روايات الحديث، كما يقول الأمير الصنعاني (¬1)، والألباني (¬2). كما أن فيها: تخصيصا بذكر للبنين دون البنات، وهي خالية من الدعاء للعروسين، والأهم من ذلك أنها لا تحتوي على شكر أو ثناء لله تعالى المنعم والمتفضل بكل هذا. وأما كلمة مبروك: فمأخوذة من البروك، وأصله الثبات، بعكس كلمة مبارك: من البركة (¬3). والأصل فينا كمسلمين أن ندع كل هذا مهما كان معناه، وأن نلتزم بما جاءت به السنة عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي الْخَيْرِ» رواه الترمذي: 1091، وصححه الألباني. المطلب الثاني: فسق الشهود لا يصح عقد الزواج بدون شاهدي عدل في أصح قولي العلماء، وهو رأي الجمهور، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لاَ نِكَاحَ ¬

_ (¬1) سبل السلام: 3/ 182. (¬2) آداب الزفاف: ص 103. (¬3) بدع ومنكرات الأفراح، بحث منشور على موقع صيد الفوائد: ص 10.

إِلاَّ بِوَلِىٍّ وَشَاهِدَىْ عَدْلٍ» رواه الدارقطني في سننه:3567، وصححه الألباني بدون كلمة: عدل وقد ذهب قانون الأحوال الشخصية في بلادنا إلى اشتراط الشهادة على عقد الزواج، وهو الحق إن شاء الله. ومما يؤسف أن القانون لم يشترط العدالة في الشهود، وهذا أمر غريب خلاف ما قال به جمهور أهل العلم (¬1). وما يحدث اليوم: فإن الفاسق يشهد على عقد الزواج، والذي لا يصلي يشهد على عقد الزواج، وشارب الخمر كذلك يشهد، وربما الكافر الذي يسب الذات الإلهية يشهد على عقد الزواج. ولو ذهبت في جولة وتفحصت ما يجري في عقود الزواج في المحاكم الشرعية، لرأيت الأمور الغريبة في موضوع الشهادة: فأحيانا يأتي العريس بشهود من الشارع، لا يُدرى ما حالهم من الدين والعدالة والاستقامة. ثم إن هؤلاء الشهود لا يدرون على ماذا يشهدون، وإنما يكتفى بتوقيعهم وكتابة أرقام وثائقهم. وهنا ينبغي لمن أراد أن يعقد على امرأة أن يتنبه أن لا يشهد على عقده إلا صاحب الدين والتقوى، وأن لا يقبل رجلا لا يصلي مثلا ليشهد على عقده. ¬

_ (¬1) أخذ القانون في هذه المسألة برأي الأحناف، خلافا لما قاله جمهور أهل العلم في ذلك. شرح قانون الأحوال الشخصية للأشقر: ص115، وما بعدها.

المطلب الثالث: المغالاة في المهور

المطلب الثالث: المغالاة في المهور يختلف الناس في فهمهم للحياة بشكل عام، وللحياة الزوجية السعيدة بشكل خاص، حسب اختلافهم في منهجهم في الحياة الذي يسيرون عليه. فمتى كان الدين هو المحرك للناس في حياتهم، ومتى ساس الناس الدنيا بالدين متى استراحوا من عناء البحث عن القوانين المثالية، لأن الله الخالق العالم بما خلق، والأعلم بما صنع، أراح الناس من عناء وضع هذه القوانين، فسن لهم أفضل الشرائع، وأنزل إليهم أفضل الكتب. قال سبحانه: «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير (الملك:14)». فيرى كثير من الناس الزوج المثالي هو الذي يشغل منصبا راقيا، أو الذي يملك المال الكثير، ظنا منهم أن هذا هو سبب سعادة ابنتهم في الحياة. وهم يقتبسون ذلك من حياة غربية لا تمت لديننا وحياتنا وحتى عاداتنا بصلة، أو لأفلام ومسلسلات كاذبة تصور للناس أن الحياة ما هي إلا مال ومركب ونزهة، فيخترق عقل الفتيات ذاك الذي يعيش في برج، وتحته الخدم، وعنده المال أنه الرجل المثالي السعيد في حياته، فلا تقبل الفتاة عن مثله بديلا. ولربما عرفوا الخطأ في هذا الذي يبحثون عنه، عندما ذاقوا الويلات من أمثال هؤلاء، لأن صاحب المال الكثير الذي يعيش في الحياة بلا دين، ينظر إلى ابنتك على أنها متاع كأي متاع يُشترى بالمال. ونتيجة لهذه التراكمات الفكرية صار الناس يتفننون في تعقيد أمور

الزواج، حصولا منهم على الزواج المثالي كما يزعمون. فتفنن الناس أكثر ما تفننوا في مغالاتهم في المهور، وهم يظنون بذلك أن الزوجة كلما كان مهرها أكثر كانت غالية على زوجها. حتى صارت المرأة في الزواج كأنها سلعة تباع وتشترى، ونحن نسمع الناس ينفرون من فلان، لأنه يغالي في مهر بناته، بالفعل: عملية بيع وشراء. وربما يزيد الأمر سوءاً عندما يركن الناس في ذلك لرأي النساء، وعواطفهن دون التدخل في مثل هذه الأمور، لأنه يعتبر أن المرأة أكثر تقديرا منه حتى يكون عرس ابنته يتميز عن أعراس الناس أو على الأقل مثله. وكذا سكوت الدعاة عن مثل هذه الأمور أدى إلى تفشي مثل هذه الظاهرة بل تناميها، كيف إذا أضيف إلى ذلك أن العلماء أنفسهم لم يطبقوه على أنفسهم عند زواج بناتهم، فضلا عن عموم الملتزمين بالدين. وأحيانا يكون السبب في ذلك هم الأزواج الذين يريدون بذلك أن يثبتوا أمام أهل الزوجة قدرتهم على فعل الفرح المثالي الذي تطمح به البنت وأهلها، فيبذل الغالي والنفيس من أجل ذلك، ليس فقط في المهر بل هناك ما هو أدهى من ذلك وأمر. فمنهم من يبيع أرضه لأجل إحضار فرقة موسيقية، أو الذهاب إلى قاعة فاخرة. ونتيجة لمغالاة الناس في المهور نتج عندنا من المشاكل ما لا يحسد عليه المجتمع: منها عدم قدرة العديد من الرجال على الزواج، وبالتالي تأخر سن الزواج، وبالتالي العديد من النساء العوانس التي لا تريد أن تتزوج إلا بمبلغ كبير من المهر، حتى إذا ما طالت بها العنوسة قبلت بأي

زوج، وندمت يوم لا ينفع الندم. ولا شك أن تأخر سن الزواج لعدم القدرة يؤدي إلى لجوء العديد من الجنسين إلى المحرمات والفواحش، فلا شك أن البديل عن الزواج سيكون محرما: من أفلام خليعة، وصور هابطة، وعلاقات محرمة، وقد يصل الأمر إلى ما هو أبشع من ذلك أن ترتكب جريمة الزنا والعياذ بالله، خصوصا في جانب الرجال، وما ذلك من النساء ببعيد. وتأخر سن الزواج قد يؤدي إلى مشاكل نفسية كبيرة عند الجنسين، لأن كل واحد يحس بنقص في حياته عن غيره من الناس. وقد رأينا العديد ممن يتزوجون من الغربيات خصوصا من الطلاب الذين يدرسون في بلاد الغرب، بحجة عدم القدرة على أعباء الزواج بعد الخروج من التكاليف الدراسية الباهضة، وقد يكون في هذا الزواج من المفاسد ما فيه، ولو لم يكن فيه من المفاسد إلا أن الذي يتولى التربية في هذا البيت نساء بلا دين لكان ذلك كافيا. ومن المشاكل التي تنتج عن المغالاة في المهور: كراهية الزوج لأهل زوجته، لأن الموضوع من بدايته يبنى على جهالة، وكما قيل: كل شيء فيه جهالة يؤدي إلى منازعة، والمنازعة بين المسلمين حرام. فما الذي يحدث عند أكثر الناس؟ وكيف تكون الجهالة في المهور؟ الجهالة تكمن في عدم تسميتهم للمهر المعجل، ويكون ذلك إيقاعا منهم بالزوج، وإيهاما له أنهم يحسنون إليه، فماذا يقولون؟ مهر ابنتنا دينار واحد فقط، ثم يتحول الدينار إلى خمسة آلاف دينار وأكثر. فما الذي حوله إلى خمسة آلاف دينار؟

إنها الجهالة، فيذهب إلى محل الذهب فيصبح الدينار أربعة آلاف، وإلى الملابس خمسة، ومن هنا وهناك، حتى يتراكم على العريس أكوام من الدين، فيشعر أنه مرغم على كل هذا لفرحه بإتمام هذا العرس، فإذا ما تم عرسه وأخذ يقضي دينه، تذكر أن سبب مشاكله ومصائبه وتراكم ديونه أهل زوجته، فتسوء الحياة بينهم، مما قد ينعكس سلبا على الحياة الزوجية. ولو استطلعتَ آراء الناس تجد أن منهم من لا يقيمون العلاقات الطيبة مع أهالي زوجاتهم، وأكثر سوء العلاقات يكون قد نشب بينهم في فترة الإعداد للزواج، وكثرة طلبات الزوجة، وأكثر من ذلك أمها وأحيانا خالتها وعمتها. وصحيح أن الإسلام لم يحدد مهرا معينا للمرأة، ولكنه حث على التيسير في أمور الزواج ورغب في ذلك أشد الترغيب. فقال عليه الصلاة والسلام: «خير النكاح أيسره» رواه أبو داود: 2117، وصححه الألباني. وقال أيضا فيما روي عنه عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً» رواه أحمد: 24375. وضعفه الشوكاني (¬1). بل جاء الترغيب في أكثر من ذلك تسهيلا لأمر الزواج، حتى زوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة لرجل بما معه من القرآن: فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله أهب لك نفسي، فنظر إليها رسول صلى الله عليه وسلم، فصعد النظر فيها ¬

_ (¬1) نيل الأوطار: 6/ 197

وصوبه، ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست. فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها؟ فقال: فهل عندك من شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله. فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع، فقال: لا والله ما وجدت شيئاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر ولو خاتما من حديد، فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد. ولكن هذا إزاري، قال سهل: ما له رداء. فلها نصفه، فقال رسول الله ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء. فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً فأمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟ قال معي سورة كذا وكذا (عددها) فقال: تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم. قال: اذهب فقد مُلِّكْتَهَا بما معك من القرآن». رواه البخاري: 4641، ومسلم واللفظ له: 2554. وقد كان المهر أحيانا في عهده صلى الله عليه وسلم شيئا معنويا رائعا. فقد خطب أبو طلحة أم سليم فقالت: «والله ما مثلك يرد، ولكنك كافر وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، ولا أسألك غيره، فكان كذلك». ... رواه ابن حبان: 725، وصححه

الألباني. فما نحتاجه في هذا الزمن إلى أقوال رشيدة تتبعها أفعال ونحتاج إلى خطباء من أمثال عمر بن الخطاب، فقد خطب الناس فقال في خطبته: أَلَا لَا تُغَالُوا صَدُقَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ، لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً (¬1)». رواه الترمذي: 1114، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني. وهنا لا بد من دور للمصلحين والخطباء والدعاة، وأكثر من ذلك العلماء في هذا الجانب، لأن المشكلة الأساسية في الموضوع هي الممارسة والتطبيق. فمتى كان العلم حبرا على ورق، أو كلاما على المنابر، قلت فائدته، ومتى كان العلم يتبعه العمل، عاش الناس بفضل ذلك العلم. يقول الشيخ الفوزان: ومن معوقات الزواج رفع المهور: وجعلها محلا للمفاخرة والمتاجرة لا لشيء إلا لملء المجالس بالتحدث عن ضخامة هذا المهر، دون تفكير في عواقب ذلك، ولا يعلمون أنهم قد سنوا في الإسلام سنة سيئة، عليهم وزرها ووزر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، وأنهم حملوا الناس عنتا ومشقة يوجبان سخطهم عليهم، وسخريتهم منهم، وإن ضخامة المهر، ربما يسبب كراهة الزوج لزوجته وتبرمه منها عند أدنى سبب، ¬

_ (¬1) الأوقية: أربعون درهما. تحفة الأحوذي: 3/ 19.

وأن سهولة المهر مما يسبب الوفاق والمحبة بين الزوجين (¬1). ¬

_ (¬1) رسالة إلى العروسين: ص39.

المبحث الرابع: منكرات العرس

المبحث الرابع: منكرات العرس لعل أكثر المنكرات التي تحدث في الأفراح يكون أكثرها في يوم العرس، واليوم الذي قبله. في هذين اليومين يتحلل الكثير من المسلمين من التكاليف الشرعية ظنا منهم أن يوم العرس يوم مستثنى من الحساب، ويردد العديد منهم عبارة: هو مرة في العمر. والأجدر بهذه المرة أن تمر بسلام وبدون معصية، وبدون إغضاب لله، بل تمر بمرضاته سبحانه، وفق أوامره، حتى تكون البداية مباركة ويكون ما بعدها مباركا إن شاء الله. وإلا فأي صلاح نرجوه إذا كانت البداية مع المنكرات: وقد حاولت أن أستقصي معظم هذه المعاصي التي تفعل في أيام العرس، وكانت وفق المطالب الآتية: المطلب الأول: التبرج والسفور لقد أمر الله النساء بالستر والاحتشام، وحذر المرأة أن تتبرج كما تبرجت النساء في الجاهلية الأولى، فقال سبحانه: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى» (الأحزاب:33). فأمرها الإسلام حفاظا عليها أن تغطي جسمها كاملا: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» (الأحزاب:59). كما أمرها أن تغطي رأسها ورقبتها وصدرها: «وَلْيَضْرِبْنَ

بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ». (النور:31). وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مدى حرص الإسلام أن تكون المرأة مستورة مصونة، لأن ستر المرأة وأد للفتنة التي ربما تشتعل في قلوب الرجال. فشكل المرأة محبب للرجل، وأبعد من ذلك فهي فتنة كبيرة لربما تسيطر على عقله وتفكيره. وكلما كانت المرأة إلى الستر أقرب كلما قل تأثيرها على عقل الرجل وقلبه، وبالتالي قل الفساد في المجتمع. فالمرأة المتحجبة والمتسترة بستر الله لا تثير انتباه الرجال، بل تبقى في الشارع كريمة مصونة، لا تمتد إليها أعين الفساق من الرجال، ولا تفتن أهل الإيمان. وأما الغرب فإنه يريد للمرأة أن تخرج بزينتها حتى لا تكون مهملة في الشارع (كما زعموا)، فيحدث عندهم من المصائب ما يحدث، من أولاد غير شرعيين لا يعرفون آباءهم، وأحيانا لا يعرفون أمهاتهم، وأسر متفككة. ويريدون للمسلمين العناء والمشقة باتباع هذه القوانين، فيقومون بإغراء المسلمات من خلال إقناع المرأة المسلمة بالتحرر، وفتح الجمعيات النسوية، وإغداق المال الكثير عليها في سبيل تحرر المرأة من إسلامها كما يريدون. ومن خلال ما يبث على القنوات الفضائية التي صارت تخضع لما يملونه من باطل وفجور. ولعل أكثر من ساعدهم في ذلك فقد الكثير من المسلمين للغيرة على أعراضهم، وهوسهم بتلك الحضارة، ويا ليت المسلم يأخذ ما عندهم من صناعة وتطور وتقدم، ولكن الكثير لا ينظرون إلا لما يلقونه من نفايات، وللأسف.

وقد حذر الإسلام أشد التحذير من التبرج لما له من خطر على المجتمع كله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: 1 - قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ. 2 - وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» رواه مسلم: 3971. (¬1) ويعتبر العرس أكبر موسم من مواسم التبرج، من العروس إلى قريباتها، وأقارب زوجها من النساء، عدا عن النساء الحضور في الحفلة، كل تبدي زينتها ويتسابقن أيتهن أجمل من صاحبتها، فالثياب الرقيقة التي يرى ما ورائها، والثياب المزركشة، والأدهى من ذلك الثياب الضيقة التي صارت موضة العصر، وتظن أنها ¬

_ (¬1) قال النووي في شرح مسلم: 9/ 240 هَذَا الْحَدِيث مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة، فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا أَصْحَاب السِّيَاط فَهُمْ غِلْمَان وَالِي الشُّرْطَة. أَمَّا الْكَاسِيَات: ......... فهي التي تَكْشِف شَيْئًا مِنْ بَدَنهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا، فَهُنَّ كَاسِيَات عَارِيَات، أو يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِف مَا تَحْتهَا، كَاسِيَات عَارِيَات فِي الْمَعْنَى. وَأَمَّا مَائِلَات مُمِيلَات: ......... مَائِلَات مُتَبَخْتِرَات فِي مِشْيَتهنَّ، مُمِيلَات أَكْتَافهنَّ. وَقِيلَ: مَائِلَات يَتَمَشَّطْنَ الْمِشْطَة الْمَيْلَاء، وَهِيَ مِشْطَة الْبَغَايَا مَعْرُوفَة لَهُنَّ، مُمِيلَات يُمَشِّطْنَ غَيْرهنَّ تِلْك الْمِشْطَة، وَقِيلَ: مَائِلَات إِلَى الرِّجَال مُمِيلَات لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتهنَّ وَغَيْرهَا. رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت: يُعَظِّمْنَ رُءُوسهنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِم وَغَيْرهَا مِمَّا يُلَفّ عَلَى الرَّأْس، حَتَّى تُشْبِه أَسْنِمَة الْإِبِل الْبُخْت.

بذلك ساترة لبدنها، قد استوفت ما عليها من الستر والحشمة. وحدث عن الألوان والأصباغ والعطور التي تضعها النساء في ذلك اليوم، وكم يحصل من الفتن، وكم من لون للحرام ينتهك. فكيف إذا كان العرس بمحضر الرجال، ورؤيتهم، والبعض يزعم أنه ليس في القاعة إلا المصور، وكأن المصور قادم من عالم غير هذا العالم، أليس رجلا له شهوة؟ ويحدث هناك قصور من بعض النساء اللواتي يحافظن على أنفسهن، فتدعي أنها إنما تتبرج أمام النساء، ولكنها لا تراعي حد العورة للمرأة أمام المرأة، فتظهر ما استطاعت من فخذها بحجة الزينة وأنها أمام النساء فقط. وجمهور أهل العلم على أن عورة المرأة أمام المرأة إنما هي من السرة إلى الركبة، كعورة الرجل إلى الرجل (¬1). وإن كنت أميل إلى ما هو أحوط من هذا: ما قاله بعض العلماء أن عورة المرأة أمام المرأة ما لا يظهر عند الاشتغال غالبا، وما لا يظهر من الزينة الظاهرة (¬2). هدى الله النساء للستر والعفاف. ¬

_ (¬1) حاشية رد المحتار: 2/ 212، مواهب الجليل شرح مختصر خليل: 2/ 180. (¬2) الرد المفحم: ص74.

المطلب الثاني: الاختلاط المحرم

المطلب الثاني: الاختلاط المحرم الاختلاط المحرم: هو اجتماع النساء والرجال في مكان واحد لغير حاجة، أولحاجة يسيرة غير معتبرة (¬1) مع تبرج النساء (¬2). وهذه القضية من أخطر القضايا التي فرضها علينا الغرب بكافة الوسائل وشتى الأساليب، وراح يروج لها في الإعلام المسموم، والمؤسسات النسوية التي تدعو إلى تحرر المرأة وانخلاعها من دينها، على أن هذه القضية قمة التحرر للمرأة من عبودية الرجل. فهي تعمل وتلتقي به جنبا إلى جنب، فلا فرق بينها وبينه، بل هي زميلته كما يزعمون، والرجل ينظر إليها على أنها أخته. حتى صار الاختلاط في بلاد المسلمين في كل المجالات وفي كافة الأماكن: في المدارس، والجامعات، والمستشفيات، والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وفي أماكن العمل، حتى في معظم المحال التجارية، وأحيانا محلات الألبسة الرجالية، أو الأشياء الخاصة بالرجال لا يحلو لصاحبها أن تبيع عنده إلا امرأة. ومما لا شك فيه أن آثار الاختلاط وخيمة على جميع أفراد المجتمع، فهو يدمر العباد، ويذر الديار بلاقع، حتى صارت هذه الدول التي تدعي الرقي والحضارة تعمل المدارس غير المختلطة لما رأت من عواقب الاختلاط، ولما يكون في عدم الاختلاط من ¬

_ (¬1) ما لم يكن لضرورة كعلاج وغيره. (¬2) بدع ومنكرات الأفراح، بحث على موقع صيد الفوائد: ص11 بتصرف.

صفاء الذهن والاهتمام بالعلم، بعيدا عن التفكير بالنساء، والنظر إليهن. فالاختلاط سبب عظيم من أسباب الشرور في المجتمع، من جراء هذه العلاقات المحرمة بين الرجال والنساء، حتى نشأ في هذه المجتمعات الحيوانية الأسر المفككة، والأولاد غير الشرعيين، عدا عن الأمراض الفتاكة التي سرى الكثير منها إلى بلاد الإسلام، كالإيدز وغيره. ومن مضار الاختلاط أن من النساء من يقل حياؤها شيئا فشيئا، مما يؤدي إلى تجرئها على زوجها، لكثرة مخالطتها بالرجال، وقد يقل حبها وشوقها لزوجها، لأنها سترى من الرجال من هو أفضل منه وأحسن. وقد بين الإسلام بما لا يدع مجالا للشك أن التقاء الرجل مع المرأة فيه من الشرور ما فيه، ولا يستطيع عاقل أن ينكر هذا، لأن الشهوة الجامحة والفطرة التي فطر الله الناس عليها تنادي من داخل الإنسان بميول الرجل للمرأة وكذا المرأة للرجل (¬1). ¬

_ (¬1) العالم النصراني اليوم يصطلي بنار إنكار الفطرة التي فطر الله العباد عليها، فلا يتزوج الرهبان عندهم تقربا إلى الله كما زعموا، ويا ليتهم رعوا ما ألزموا أنفسهم به حق الرعاية، بل انفجرت شهواتهم فراحوا يدنسون الأخضر واليابس في بلاد الغرب خصوصا. فتارة يغتصبون النساء اللواتي يأتين إلى الكنيسة، وتارة يغتصبون الأولاد. وقد امتلأت شبكات الانترنت الموثوقة من مثل هذه الأخبار. وقد حدثنا من يطلع على ثقافة اليهود أن المتدينين من أكثر الزائرين لبيوت الدعارة، لأن الحياة الإباحية والاختلاط مشروع بأوسع أبوابه عندهم يسمح لهم بذلك، والدين الباطل لا يوقفهم عند معصية. فالله المستعان من التقليد الذي لا يأتي بخير.

فبدأ بالمرأة وحذرها من فتنة الرجل بها، كما حذر الرجل منها، وبين أن المرأة كلها فتنة من صوتها الذي أمر الله ألا تخضع فيه: «فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا» (الأحزاب: 32). إلى مشيتها التي أمر الله أن تكون باتزان بعيدة عن لفت الانتباه: «وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ» (النور: 31). إلى لباسها الذي لا يصف ولا يشف ولا يلفت أعين الناس إليه: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» (الأحزاب: 59). كما بين الإسلام أن المرأة عورة يزينها الشيطان عند خروجها في عين الرجل، فقال عليه الصلاة والسلام:» الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، وَإِنَّهَا إِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَإِنَّهَا أَقْرَبُ مَا يَكُونُ إِلَى اللَّهِ وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا.» رواه الترمذي: 1173، والطبراني واللفظ له: 9969، وصححه الألباني. وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بكل صراحة أن فتنة النساء ما بعدها فتنة، (وهذا ما نراه واقعا في حياتنا)، فقال عليه الصلاة والسلام: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» رواه مسلم: 4923. فلا بد لأهل الغيرة أن يتقوا الله في بناتهم وبنات المسلمين من هذا الاختلاط المحموم المسموم. فأي رجل صاحب غيرة يقبل لابنته أن تغلق الباب عليها وعلى رجل ليس بعمها ولا خالها ولا من محارمها؟ وما حجتهم في ذلك؟ أنها تعمل سكرتيرة عنده، أو خادمة في منزله.

شبهات وردود

وأي فتنة يقاسيها الرجل من موظفة تجلس بجانبه في اليوم أكثر من سبع أو ثمان ساعات، أكثر من زوجته، وكثيرا ما تكون متبرجة، كل ذلك بحجة الزمالة في العمل. فإذا كان الرجل لا يحتمل منظرا رآه في الطريق للحظات فكيف يحتمل مناظر كهذه؟ شبهات وردود: يخرج علينا رجال، أحيانا بصورة علماء ومرشدين لأمة الإسلام، وأحيانا يعلنوها جهارا نهارا أنهم من أعداء هذا الدين. والغريب أن القنوات الفضائية المسمومة والتافهة، وحتى تحوز على شعبية كبيرة تتسابق في استضافة أمثال هؤلاء المغرضين، وتبين أنهم أهل الفتوى في الإسلام: فماذا يقولون؟ يقولون بجواز الاختلاط بين الرجال والنساء، ويحتجون بما هو أوهى من بيت العنكبوت: وصار عدد من المثقفين (العوام في دين الله) يحاول مناقشتنا في الشُبه التي يلقيها هؤلاء، فنعرض أهم ما يحتج به هؤلاء: فيحتجون: بأن كلمة اختلاط دخيلة على الإسلام وليست منه، فمن أين لكم وجئتم بهذه الكلمة؟ رد: الحقيقة أنه من خلال النظر في النصوص يرى الإنسان أن هذه الكلمة مستقاة من عموم النصوص الشرعية التي تنهى عن الاختلاط وتفهم منه. كما يفهم حرمة ضرب الوالدين من باب أولى من قوله تعالى: «فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا» (الإسراء: 23). بل لقد جاءت هذه الكلمة صراحة في الحديث الذي رواه أبو داود:

5272، وحسنه الألباني من حديث حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه: «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ (¬1)، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ». ويحتجون: بأن النساء كن يصلين في عهده صلى الله عليه وسلم مع الرجال في مسجد واحد، ولم يكن هناك ما يفصل الرجال عن النساء؟ رد: نعم صحيح، ولكن المصطفى عليه الصلاة والسلام قد عمل ما يمنع هذا الاختلاط المزعوم، فكانت النساء يصلين خلف الرجال، وحثهن على التأخر في صفوف الصلاة، حتى لا يكون الاختلاط بينهن وبين الرجال. روى أبو داود في سننه: 876، وصححه الألباني من حديث أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ مَكَثَ قَلِيلًا وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ كَيْمَا يَنْفُذُ النِّسَاءُ قَبْلَ الرِّجَالِ». وقد قال عليه الصلاة والسلام: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» رواه مسلم: 664. كما أنه كان للنساء باب خاص يدخلن ويخرجن منه، روى الطيالسي في مسنده: 1929، من حديث ابن عمر:» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد جعل بابا للنساء، وقال: لا ¬

_ (¬1) تحققن الطريق: تمشين في وسطها، عون المعبود: 14/ 127.

يَلِجَنَّ (بمعنى: لا يدخل) من هذا الباب من الرجال أحد، قال نافع: فما رأيت ابن عمر داخلا من ذلك الباب ولا خارجا منه»، قال الألباني: منكر. ويحتجون: بأن المرأة لا بد لها من الاختلاط في أماكن، مثل: السوق، الطريق، فكيف ستستطيع الحياة إذا منعت من ذلك؟ رد: نقول للضرورات أحكامها: لا يمكن أن تمنع المرأة من المشي في السوق إذا كانت تلبس اللباس الشرعي، بعيدة عن الطيب والزينة المحرمة. وبذلك يتبين أن حجج هؤلاء التي يتعلقون بها واهية، لا يوافقها دين، ولا فطرة سوية. وإذا عدنا إلى موضوعنا: العرس، كأحد الأفراح التي يحدث فيها الاختلاط المحرم، نرى أن الاختلاط المحرم يحدث فيه في مواضع كثيرة، منها: الاختلاط الأكبر يحدث بين الرجال والنساء: في السهرة الليلية، وأحيانا في القاعة، وأحيانا في زفة العريس التي تكون غالبا في الشارع كما هو الحال في القرى. ويحدث الاختلاط بأشكال أخرى: كدخول أهل العروس ليعطوها هدية عرسها (وهو ما يعرف: بالنقوط)، أو يدخل عمها وخالها بين النساء في بيت العروس ليخرجوها من بيتها. ويحدث بشكل أضيق عندما يدخل المصور إلى القاعة ليصور العرس بين النساء، وكأنه ليس رجلا، ولا يوجد عنده شهوة، أو أن الإثم مرفوع عنه لأنه مصور، والضرورات تبيح المحظورات عند أهل العرس في مثل هذه الحالة. ويحدث الاختلاط عندما يدخل العريس ليجلس إلى جنب العروس بين النساء.

المطلب الثالث: ضوابط ذهاب العروس للكوافيرة

ويزداد الطين بلة عندما يرقص مع العروس والنساء يحطن به ويصفقن عن اليمين وعن الشمال، وحدث عما يراه من تبرج وسفور، ويستنشقه من روائح وعطور. وكيف إذا قام وقبل زوجته أمام الحضور، والكل يصفق لشجاعته المتناهية في ذلك، (كما يفعل البعض)، فكم يثير من الشهوات؟ وكم يدمر من القيم؟ وكم يعلم من رذائل الأخلاق؟ ولعل هذه المواطن التي تحضرني الآن، وإلا فإنه في بعض الأعراس يحدث بأشكال لا تخطر على بال بشر، مما يندى لها الجبين، وتشمئز منه القلوب والعقول، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. المطلب الثالث: ضوابط ذهاب العروس للكوافيرة تذهب العروس وبعض قريباتها إلى الصالون، أو ما يسمى "الكوافيرة". وغالبا لا يتذكر أحد أن هناك ضوابط مهمة لعمل هذه الكوافيرة، التي هي بدورها لا تسأل كثيرا عن الحكم الشرعي بحجة: جمع المال، والعروس كذلك لا تسأل بحجة: الظهور بمظهر جميل أمام النساء. والبعض يظن أنه مجرد كون الكوافيرة امرأة فليس هناك ضوابط، والبعض يهمه الحكم الشرعي ولكنه يجهل فلا بد من البيان: بداية: الطامة الكبرى إذا كان الذي يعمل ويقوم بهذا الدور رجل، لأن الحكم هنا هو: التحريم القاطع. ولا يمكن عندها البحث حتى عن ضوابط، لأن: نظر الرجل للمرأة

المسألة الأولى: النمص

حرام، وكذا مسها أشد حرمة، والجلوس معها في مكان خال مثل ذلك. ولعل البعض قد يستغرب عندما يسمع مثل هذا الكلام، وهل هناك رجل يقوم بهذا الدور؟ أنا أذكر من عشرين عاما ما كنا نسمع إلا بالرجال الذين يقومون بهذا الدور، وقليل من النساء يعملن عنده أحيانا، فكان الرجل هو الأصل في هذا الصالون. ولا زال البعض يزاول هذه المهنة، ولازال البعض يرضى لعروسه أن تذهب عند رجل، المهم أن تكون جميلة! وأما المسائل التي يمكن مناقشتها في عمل الكوافيرة، فيمكن تلخيصها فيما يأتي: المسألة الأولى: النمص النمص: هو إزالة شعر الحاجبين، وأطراف الوجه (¬1). ولا يحل للكوافيرة ولا لغيرها أن تفعل ذلك، ولا يحل كذلك للمرأة أن ترضى بذلك لنفسها عروسا كانت أم غيرها، لأنها بذلك تغضب رب العالمين. وما يؤسف أن النساء في هذا الزمن صرن يتفنن في الطريقة التي يغيرن فيها خلق الله تعالى عن طريق النمص. فتارة تعمل الحاجب قوسا وتارة تسويه تسوية، وتارة تزيله بالكلية لتضع مكانه خطا بالألوان، وكل ذلك محرم بل هو من كبائر الذنوب لأن التحذير الوارد فيه مقرون باللعن. ¬

_ (¬1) شرح النووي على مسلم: 14/ 106.

المسألة الثانية: وصل الشعر

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ (¬1)» رواه مسلم: 3966. ولو لاحظت نساء اليوم، لوجدت أن الكثير من النساء لا تراعي الجانب الشرعي في ذلك. فالنمص يحصل عند أكثر النساء في هذا الزمن، ولا ترى إلا القلة القليلة التي تخاف من ربها في هذا الجانب. المسألة الثانية: وصل الشعر ويحرم على الكوافيرة وغيرها أن تصل شعر العروس، أو غيرها من النساء لأن النهي الذي جاء في شأن النامصة جاء مثله في شأن ¬

_ (¬1) الْوَاشِمَة: وَهِيَ أَنْ تَغْرِز إِبْرَة فِي ظَهْر الْكَفّ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ بَدَن الْمَرْأَة حَتَّى يَسِيل الدَّم، ثُمَّ تَحْشُو ذَلِكَ الْمَوْضِع بِالْكُحْلِ. (قلت: وقد تعددت طرقه اليوم، حتى صار موضة العصر عند الكثير من الشباب، ويعمل أحيانا بطريقة طبية حتى لا يحصل الإيلام). وَفَاعِلَة هَذَا وَاشِمَة، وَالْمَفْعُول بِهَا مَوْشُومَة. فَإِنْ طَلَبَتْ فِعْل ذَلِكَ بِهَا فَهِيَ مُسْتَوْشِمَة. وَهُوَ حَرَام عَلَى الْفَاعِلَة وَالْمَفْعُول بِهَا بِاخْتِيَارِهَا، وَالطَّالِبَة لَهُ. وَقَدْ يُفْعَل بِالْبِنْتِ وَهِيَ طِفْلَة فَتَأْثَم الْفَاعِلَة، وَلَا تَأْثَم الْبِنْت لِعَدَمِ تَكْلِيفهَا حِينَئِذٍ. الْمُتَفَلِّجَات أو الواشرات: مُفَلِّجَات الْأَسْنَان بِأَنْ تَبْرُد مَا بَيْن أَسْنَانهَا بِالْمِبْرَدِ لِتَصِيرَ لَطِيفَة حَسَنَة الْمَنْظَر، وَتُوهِم كَوْنهَا صَغِيرَة، وَيُقَال لَهُ أَيْضًا الْوَشْر. وَهَذَا الْفِعْل حَرَام عَلَى الْفَاعِلَة وَالْمَفْعُول بِهَا لِهَذِهِ الْأَحَادِيث، وَلِأَنَّهُ تَغْيِير لِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ تَزْوِير وَلِأَنَّهُ تَدْلِيس. الْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ: يَفْعَلْنَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْحُسْنِ. ... شرح النووي على مسلم بتصرف: 14/ 106.

المسألة الثالثة: الصبغ بالسواد

الواصلة: فقال عليه الصلاة والسلام:» لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ» رواه البخاري: 5477. ومهما كانت حجة النساء في ذلك فهو محرم، ولا يجوز فعله، سواء لرضى الزوج أو للجمال، فكله محرم. والمسلم وقاف عند حدود الله تعالى: فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي ابْنَةً عُرَيِّسًا أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ (¬1) شَعْرُهَا، أَفَأَصِلُهُ؟ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» رواه مسلم: 3961. المسألة الثالثة: الصبغ بالسواد ومن التدليس الذي يفعله بعض الناس اليوم الصبغ بالسواد لتظهر العروس بمظهر جميل، فتقوم الكوافيرة بهذا العمل أحيانا، وقد تقوم به العروس نفسها. واللافت أن الصبغ بالسواد ظاهر في جانب الرجال ربما أكثر منه في جانب النساء، فيصبغون الشعر واللحية بالسواد، تدليسا على الناس، مما يوهم أن أعمار هؤلاء ليست كبيرة. ويقوم به كبار السن من الرجال أحيانا إذا أرادوا الزواج ليوهموا المخطوبة بصغر سنهم. ¬

_ (¬1) عُرَيِّسًا: تَصْغِير عَرُوس، وَالْعَرُوس يَقَع عَلَى الْمَرْأَة وَالرَّجُل عِنْد الدُّخُول بِهَا. الحصبة: بَثْرٌ تَخْرُج فِي الْجِلْد، يَقُول مِنْهُ: حَصِبَ جِلْده. تمرق شعرها: تساقط. ... شرح النووي على مسلم: 14/ 103.

وقد جاءت الأحاديث مبينة حرمة الصبغ بالسواد، منها: حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ (¬1) يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ (¬2) بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ» رواه مسلم: 3925. وعن ابن عباس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ (¬3) لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» رواه أبو داود: 4212، وصححه الألباني. ولا شك أن الذي يَصبغ، والذي يُصبغ له كلهم واقعون في هذا الإثم، لأن الذي يدل على الشر يكون له من الوزر مثل أوزار من دلهم دون أن ينقص من أوزارهم شيء (¬4). ¬

_ (¬1) والد أبي بكر الصديق (¬2) الثَّغَامَة: هُوَ نَبْت أَبْيَض الزَّهْر وَالثَّمَر، شَبَّهَ بَيَاض الشَّيْب بِهِ. شرح النووي على مسلم: 14/ 78. (¬3) كَحَوَاصِل الْحَمَام: أَيْ كَصُدُورِهَا فَإِنَّهَا سُود غَالِبًا. ... عون المعبود:11/ 178. (¬4) مصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:» مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». رواه مسلم: 1691.

المسألة الرابعة: الاطلاع على العورات

وقد أمرنا الله أن نتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون في الشر والحرام: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة: 2)». ولا بد من التنبيه أن الصبغ بغير السواد جائز ولا حرج فيه، بل ورد ما يدل على استحبابه. وهو ما يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر: «غيروا هذا بشيء». وأكثر منه صراحة قول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ» رواه البخاري: 5448، ومسلم: 3926. فلا بأس أن يصبغ الإنسان بالحناء وغيرها. (¬1). المسألة الرابعة: الاطلاع على العورات بينا أن المرأة لها عورة أمام النساء، فلا يجوز أن تكشف عورتها أمامهن، ولذا فإنه وكما سمعنا أن بعض الكوافيرات تقوم بنزع الشعر الذي يكون على فخذ العروس أحيانا (¬2). وهذا مما لا يحل، أو تقوم بتلبيسها البدلة فتطلع على العورة المخفية للعروس مما يزيد في الإثم. ¬

_ (¬1) اللافت أنهم صاروا يصنعون الحناء أحيانا باللون الأسود، فيكون حكمها التحريم. (¬2) وأكثر من ذلك فإني قرأت على بعض صفحات الانترنت: أن الكوافيرة في بعض البلاد تقوم بحلق العانة للعروس.

المسألة الخامسة: الإسراف

وأحيانا يزداد الأمر بشاعة عندما تقوم مجموعة من النساء بهذه المهمات، وأحيانا يغسلنها مما يزيد الأمر حرمة. المسألة الخامسة: الإسراف الكل يستغل مواطن الضعف عند أهل العرس بحجة: أنه مرة في العمر، فيضعون الأسعار الخيالية على الأشياء العادية. والعروس مستعدة لكافة التكاليف لأنها ليست هي التي تدفع، مقابل أن تظهر بمظهر جمالي تمدح عليه. والعريس كذلك سارح في بحر هواها، ولا يريد إزعاجها، فيلبي كل طلباتها مهما كان الثمن. والكوافيرة واحدة من هؤلاء الذين يستغلون مواطن الضعف عند أهل العرس فتطلب أحيانا على تسريحة شعر، وبعض الأصباغ والألوان التي تضعها على العروس المبالغ الكبيرة، التي قد تصل في بعض الصالونات إلى ما يقرب الألف دينار أردني. فكيف إذا كانت البدلة من نفس الصالون فلا بد من مضاعفة العدد، أو تكون الزيادة كبيرة (¬1). وقد سقنا الأدلة الشرعية التي تنهى عن الإسراف. المطلب الرابع: الزينة المحرمة تكثر الزينة في العرس، من العروس إلى معظم النساء، كل تريد أن تظهر بالمظهر اللائق بها، فالحلال والحرام ليس هو الذي ¬

_ (¬1) بعض بدلات العرس يكون ثمن استئجارها أكثر من ثمنها كاملة.

1 - العطور

يحكم، بقدر ما هو الجمال المصطنع. وكما هو معلوم أن المرأة لا يجوز لها أن تبدي من الزينة إلا ما استثني، على خلاف بين أهل العلم في ذلك (¬1). فالتبرج والنمص والوصل، كل ذلك من الزينة المحرمة، والتي سقنا الأدلة علىحرمتها. ولا تقتصر النساء على هذه الزينة، بل تضيف إليها ألوانا من الحرام، مثل: 1 - العطور: لا يحل للمرأة أن تضع العطور وتخرج ليجد الرجال ريحها، في عرس أم غير عرس، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي زَانِيَةً». رواه الترمذي: 2710، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وحسنه الألباني. قال المباركفوري: لأنها هيجت شهوة الرجال بعطرها، وحملتهم على النظر إليها، ومن نظر إليها فقد زنى بعينيه، فهي سبب زنا العين فهي آثمة» (¬2). ومما لا شك فيه أن العطر له بريد عظيم يصل مباشرة إلى القلب، ¬

_ (¬1) اختلفوا في نوع الزينة التي يجوز للمرأة أن تظهرها، فقيل: السواران، وقيل: القلائد، وقيل: زينة الثياب الظاهرة، وقيل: الكحل والخاتم، وقيل: الوجه والكفان، وهناك أقوال أخرى. تفسير الطبري: 10/ 142. (¬2) تحفة الأحوذي: 7/ 209.

2 - طلاء الأظافر

فعندما يستنشق الرجل رائحة العطر من المرأة يحصل عنده من النشوة الجنسية ما يحصل وتتحرك عنده الشهوة. فكيف إذا كانت الرائحة محصورة في مكان، كالسيارة، والمحال التجارية، وأضيق من ذلك مصعد العمارة. 2 - طلاء الأظافر: أو ما يعرف بالمانيكير. فهو من الزينة المحرمة إذا كان بحضرة الرجال، أما إذا كان أمام النساء فقط فهو جائز. ولكن يلحق به محذور خطير: ألا وهو وجوب إزالته لأداء الصلاة، لأن الوضوء مع وجوده لا يصح. وهذا ما يشق على الكثير من النساء، مما يؤدي إلى ضياع الصلاة، أو الوضوء مع وجوده وعدم المبالاة بأن الصلاة تصبح بذلك باطلة. ويضاف إلى كل هذا: أنه وإن كان يجوز للمرأة أن تتزين، فإنه لا يجوز لها أن تبدي هذه الزينة أمام الرجال: من الذهب وكافة أنواع الحلي، والألوان والأصباغ، وزينة الثياب التي قد تكون ساترة في الظاهر، إلا أنها لكثرة الزخرفة التي فيها تصبح ملفتة للنظر، وجالبة للشهوة. 3 - تحلي الرجال بالذهب: وقد سبق الكلام عن حرمة لبس الذهب للرجال. 4 - تحلي الرجال بحلق اللحية: فإعفاء اللحية فرض، وحلقها حرام، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاقها في أحاديث كثيرة، منها: قوله عليه الصلاة والسلام: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى

المطلب الخامس: مصافحة الرجال للنساء

وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ» رواه البخاري: 5442، ومسلم: 382. كما أن في حلقها تشبها بالنساء، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء» رواه البخاري: 5435. عدا عما في حلقها من تغيير لخلق الله ومخالفة لهدي الصالحين الذين أمروا بسنن الفطرة. قال عليه الصلاة والسلام: «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ (¬1) وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ (¬2) قَالَ زَكَرِيَّاءُ: قَالَ مُصْعَبٌ (من رواة الحديث): وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ: الْمَضْمَضَةَ» رواه مسلم: 384. فلا يجوز للرجال التحلي بحلق اللحية في العرس ولا في غيره. المطلب الخامس: مصافحة الرجال للنساء اتفقت المذاهب الفقهية وكلمة العلماء جميعا على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية الشابة (¬3). ¬

_ (¬1) الْبَرَاجِم: عَقْد الْأَصَابِع وَمَفَاصِلهَا كُلّهَا. (¬2) انتقاص الماء: الِاسْتِنْجَاء. ... شرح النووي على مسلم: 3/ 137. (¬3) الاختيار لتعليل المختار: 2/ 408، أحكام القرآن: 4/ 222، شرح النووي على مسلم: 13/ 12، كشاف القناع عن متن الإقناع: 2/ 179.

قال البهوتي (¬1):» ولا تجوز مصافحة المرأة الأجنبية الشابة، لأن ذلك شر من النظر». وقال النووي (¬2):» يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها، وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحو ذلك، ولا يجوز مسها في شيء من ذلك». واستدل العلماء على تحريم مصافحة المرأة الشابة بأدلة كثيرة منها (¬3): 1 - قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لا أصافح النساء» رواه ابن ماجة: 2874، وصححه الألباني في سلسة الأحاديث الصحيحة: 529. 2 - قالت عائشة رضي الله عنها: «كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى: «إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ» (الممتحنة: 7). ¬

_ (¬1) كشاف القناع: 2/ 179. (¬2) الأذكار: ص275. (¬3) الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية: ص 20. قلت: والغريب في كثير من الناس أنهم يرفضون مصافحة المرأة الأجنبية لا لأجل أنه محرم، وإنما لأنه ينقض الوضوء. ولو كان الأمر يقتصر على كونه ناقضا للوضوء فقط لكانت المسألة هينة، ولكن الأهم من ذلك أن الله حرمه. وإن كنا ندين إلى الله بقول من قال من أهل العلم أن مصافحة النساء لا تنقض الوضوء.

قالت: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات، فقد أقرت بالمحنة (¬1)، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن: انطلقن فقد بايعتكن. لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام» رواه البخاري: 5288، ومسلم: 1866. وفي رواية: «ولا مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا أخذن عليهن: قد بايعتكن كلاما». رواه ابن ماجه: 2875، وصححه الألباني. 3 - قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له». رواه الطبراني في المعجم الكبير: 486، وحسنه الألباني. ومن هذه الأدلة يتبين بما لا يدع مجالا للشك حرمة مصافحة الشابة من النساء (¬2). ¬

_ (¬1) ومعنى أقرت بالمحنة:» أن تحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها، ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا التماس دنيا، ولا عشقا لرجل، بل حبا لله ولرسوله» الجامع لأحكام القرآن: 9/ 46. (¬2) ذهب جمع من أهل العلم إلى حرمة مصافحة المرأة العجوز (كبيرة السن): سئل الشيخ ابن باز: ما حكم مصافحة المرأة الأجنبية إذا كانت عجوزا، وكذلك يسأل عن الحكم إذا كانت تضع على يدها حاجزا من ثوب ونحوه؟ الجواب: الحمد لله لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقا سواء كن شابات أم عجائز، وسواء كان المصافح شابا أم شيخا كبيرا لما في ذلك من خطر الفتنة لكل = =منهما، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:» إني لا أصافح النساء». وقالت عائشة رضي الله عنها:» ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام» ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة. والله ولي التوفيق. ... مجموع فتاوى ابن باز: 6/ 359.

المطلب السادس: الغناء والموسيقى

وتحدث المصافحة في العرس بشكل لافت، خصوصا وأن أقارب العريس يهنئون بعضهم بعضا، الرجال والنساء. وأكثر من ذلك عندما يدخل أهل العروس لإعطاء العروس هدية العرس وهو ما يسمى عند الناس: النقوط. فلا يتورع أكثر الناس في وضع أيديهم في يد العروس، ولا شك أن هذا من المنكرات. وصارت هذه الظاهرة ولله الحمد تتناقص شيئا فشيئا في المجتمع، لوعي الناس وتوجههم السليم نحو الحق، فصار العديد لا يقبل أن يدخل أحد عند ابنته. وكذلك العريس المتدين لا يقبل أن يدخل الرجال عند عروسه. وصاروا يضعون المبلغ في ظرف، مكتوب عليه اسم الواضع. المطلب السادس: الغناء والموسيقى. بدون أدنى شك أن من الآفات الكبيرة التي ابتلي بها الناس جميعا، وأهل الدين خاصة في هذا العصر، أكثر من غيره من العصور. هو ذاك الذي يفسد القلوب ويدمر القيم، ويشحذ الشهوات الكامنة

في النفوس، ويهيج الفتن ويتنافى مع روح الإسلام، وجدية أهله، وسكينة جوارحهم، ووقار قلوبهم ألا وهو: الغناء المحرم المصحوب بآلات اللهو والمعازف، الذي تخالطه الكلمات التافهة ذات المعاني الخبيثة، والذي ألفه كثير من الناس واعتادوه، بل وصار من ضرورات الأفراح (¬1) التي لا يكاد يخلو منه حتى فرح أهل الدين في هذا الزمن إلا من رحم الله تعالى. وصارت النفوس تراه وكأنه لا إثم فيه، عدا عن كونه من حاجات الحياة الأساسية كما يظن البعض (¬2). فكيف إذا صاحب الغناء الماجن، النظر إلى المغنيات العاريات، ¬

_ (¬1) تعدت مسألة الغناء الأعراس، وصارت في كل حفلة وفي كل فرح، صغير أو كبير. ففي نجاح الطالب في الثانوية العامة، أو عند نجاحه في الجامعة، فإن أكثر الطلاب يشكرون ربهم (إلا من رحم الله) بسماع الموسيقى وإحضار السماعات الضخمة (فيما يسمى ب: الدي جي) لإزعاج الناس وإسماعهم الكلمات التافهة. حتى حدثني من أثق به: أن رجلا في قريتهم أراد الذهاب للحج فعملوا له حفلة موسيقية صاخبة وداعا له. وأظن أنه ما بقي إلا الميت أن يعملوا له حفلة موسيقية قبل دفنه!! وليس هذا ببعيد لأنه يفعل في المراسم العسكرية عند دفن الجنود. (¬2) ينجر البعض كما سمعنا منهم وراء من يحاول أن يبين لهم أن الغناء وسماع الموسيقى سبب لراحة الأعصاب وهدوء البال، وحسن التفكير. حتى كادت هذه الموسيقى أن تسيطر على حياتهم، فلا يدرس الواحد منهم إلا على إيقاع الموسيقى، وآخر لا يستطيع العمل إلا بسماع الأغاني الصاخبة، ولا يحلو لسائق السيارة إلا سماع تلك المغنيات الفاجرات، فالله المستعان.

والراقصات الهابطات، عدا عن التمايل والتقصع في الكلام بما يثير الشهوات ويهيج النفوس، فما أعظمها من فتنة وما أشدها من بلية. والأدهى من ذلك أن أهل الغناء صاروا هم صانعوا الأمجاد لهذه الأمة، وتكتب الصحف اليومية عن أخبار هؤلاء، وتتسابق الفضائيات لاستضافتهم، ويحضر لقاءاتهم الملايين من الناس. حتى صاروا هم القدوة والأسوة الذين يحتذى بأفعالهم، ويسمع لأقوالهم، وتعلق صورهم في البيوت، بل وعلى الملابس، والبعض يضعه في محفظته الشخصية، حتى ينظر إليها كل ساعة، ويديم النظر لعله أن يصبح مثله. وقد يدفع البعض المبالغ الطائلة لرؤية هؤلاء، وطلب توقيعهم، وشراء الأشرطة الخاصة بهم. فيا لهم من رجال يريدون بناء مجد لأمتهم وهم معجبون بهؤلاء الفساق من الناس، الذين يدمرون أخلاق الشباب. وحدث عن الأموال التي تنفق في سبيل الشيطان عندما يقوم الناس بإحضار هذه الفرق الموسيقية. فبعض هذه الفرق تصل تكاليفها إلى ما يقارب ثلاثة آلاف دينار أردني وأكثر. ألم يجد هؤلاء من الفقراء من يعطوه شيئا من هذا المال؟ ولم يجدوا من المساجد ما ينفقونها عليها، أو حتى على أنفسهم وأهليهم بالحلال، ولكن كما قال سبحانه: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج: 46)». وأخشى عليهم أن يكونوا من: «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (الكهف: 104)». لأن هذا الغناء الفاحش يكون من أولى أولوياتهم، وكذا أولويات

العروس وأهلها، ويصل الأمر كما علمنا إلى المشاجرة بين العريس وأصهاره، على اسم الفرقة، أو المغني الذي يحضرونه في هذه الحفلة. ويصل الأمر في ذلك إلى التنافس فيما بين الناس، أيهم يُحضر المغني الأشهر، والأكثر تكلفة. وقد ورد في ديننا من الأدلة ما يقطع القول بحرمة الغناء وسماع الموسيقى، مما لا يجعل مجالا لأحد أن يتمسك بقول من قال بحله من العلماء (¬1). ¬

_ (¬1) ينبغي على الإنسان أن يكون الحق أحب إليه من الرجال، فإذا سمع ما يقتضي التحريم من قرآن، أو حديث أن يقول: سمعنا وأطعنا كما هو حال المؤمنين الذين مدحهم الله في كتابه، دون البحث عن فتوى توافق مزاجه وهواه، وتناسب ما سيقوم به في فرحه. وفي المقابل لا يجوز لنا أن نسب على هؤلاء العلماء، أو أن نتهمهم في دينهم، فلكل جواد كبوة، وقد أخطأ العلماء القدامى في مسائل كثيرة قد لا يقع في بعضها طالب علم مبتدئ، فلا شك أن كل ابن آدم خطاء. ولا بد من كلمة حق هنا: لأن الكثير من طلاب العلم نراهم والأمر يصل بهم إلى مسبة هؤلاء العلماء الذين أباحوا سماع الموسيقى، فأنا أقول: هل لهؤلاء العلماء من أغراض دنيوية يجنوها من هذه الفتاوى؟ الجواب: قطعا لا. وليست هذه بالفتوى السياسية التي تخدم هوى الحاكم، حتى يتهموا بذلك. فبقي الأمر أن هؤلاء العلماء يبحثون عن الحق، فهم معذورون. والمشكلة في أهل الهوى من الناس أنهم لا يأخذون الفتوى كما تخرج من العالم، بل ويكذبون عليها ألف كذبة كحال الشيطان عندما يسترق السمع من السماء. فإذا سمع الناس بفتوى تبيح الغناء أخذوها على إطلاقها، ولا يكلف الواحد منهم نفسه بالنظر إلى الفتوى، فإنهم يأخذون طرف الفتوى ويزيدون عليها= = التبرج والاختلاط وربما شربوا الخمور في هذه الحفلة كل ذلك لأن الفتوى تبيح لهم سماع الموسيقى. فأي غناء أباحته الفتوى؟ أهو الغناء الذي يهدم الأخلاق ويزعزع القيم؟ أم هو الغناء الذي يحتوي على كلمات كفرية هدامة؟ ويا ليت طلاب العلم الصغار أمثالنا أن يتنبهوا من هفوات العلماء، ولا يقولوا بقول من أخطأ منهم. فقبل أن يصدر الإنسان الفتوى فعليه أن يعلم أنه قد يكون الحظر أولى من الإباحة، وإن كان ترجح لديك الإباحة بالأدلة لأن الإباحة قد تجر ما هو محظور. ملاحظة: كتبت الصحافة وتناقلت وسائل الإعلام أنه بعد فتوى الطنطاوي بإباحة فوائد البنوك قد سكبت مئات الملايين من الأموال في البنوك. فكثير من الناس يريدون طرف خيط ليقعوا في الحرام بفتوى يتعلقون بها توافق أهواءهم ورغباتهم. وأنا أرى أن القول بحل الغناء: يجلب على الشباب الدمار الذي ما بعده عمار، لما نراه من تعلقهم به تعلقا كبيرا حتى أفقدهم كثيرا من أمور حياتهم المهمة. حدثني شاب: أنه لم يصبر بعد وفاة والده إلا ثلاثة أيام (أيام العزاء): وفي اليوم الرابع كان يسمع الأغاني. فهل يكون حاله إلا كحال مدمن الخمر؟ ولكنه مدمن: غناء. فكيف لو قلنا لهذا: إن الغناء حلال، بل وينعش القلب، ماذا سيكون حاله؟

الأدلة على تحريم سماع الأغاني والموسيقى

الأدلة على تحريم سماع الأغاني والموسيقى: 1 - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

تفسير كلمات في الحديث (¬1): يستحلون: قد يكون المعنى يعتقدون ذلك حلالا، والأرجح أنهم يسترسلون في شربه كالاسترسال في الحلال، لأنهم لو اعتقدوا حل هذه الأمور لكفروا ولما كانوا من أمته صلى الله عليه وسلم الحر: الزنا. والمعازف: آلات اللهو. جنب علم: بجانب جبل. يروح عليهم: أي الراعي، لأن السارحة تحتاج إلى راعي. يأتيهم لحاجة: الراعي، أو الفقير. فيبيتهم الله: أي يهلكهم ليلا، ويضع العلم: أي يوقع الجبل عليهم. وأما الذي لم يهلك في البيات يمسخه الله تعالى قردة وخنازير. قال الألباني في تخريجه للحديث (¬2): علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم، وصححه من العلماء: شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهم، ورد على ابن حزم في تضعيفه للحديث. والحديث كما هو واضح فيه من الوعيد ما فيه على هؤلاء الذين يفعلون هذه الأمور ومن بينها الاسترسال في سماع الموسيقى وآلات المعازف. 2 - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صوتان ملعونان في الدنيا ¬

_ (¬1) فتح الباري: 11/ 180. (¬2) تحريم آلات الطرب: ص 38 وما بعدها.

والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة». قال الألباني (¬1): أخرجه البزار (1/ 377/795 - كشف الأستار)، وساق بقية تخريجه وصححه. والحديث واضح الدلالة في تحريم صوت المزمار، فكيف إذا كان عند نعمة؟ فإنه ملعون. 3 - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يكون في أمتي: قذف، ومسخ، وخسف، قيل يا رسول الله، ومتى ذاك؟ قال: إذا ظهرت المعازف، وكثرت القينات، وشربت الخمور». رواه الترمذي: 2212، وصححه الألباني في الصحيحة: 1604. الخسف: الذهاب في الأرض. المسخ: تغيير الصورة. القذف: الرمي بالحجارة. القيان: المغنيات (¬2). وفي الحديث من الوعيد ما فيه إذا ظهرت في الأمة هذه الأمور. 4 - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ» رواه ¬

_ (¬1) تحريم آلات الطرب: ص 51 وما بعدها. (¬2) تحفة الأحوذي: 5/ 178.

مسلم: 4802. وما لا شك فيه أن صوت المغنية يكون وقعه على القلب كبيرا (¬1). روى البيهقي في شعب الإيمان:4898، وصية يزيد بن الوليد لبني أمية وهو يحذرهم من الغناء وشروره: يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم لا بد فاعلين، فجنبوه النساء إن الغناء داعية الزنا». واللافت في أمر الغناء أنه لا يقتصر على مجرد الألحان الموسيقية المحرمة، ولا أصوات المغنيات الفاجرات، بل يتعدى ذلك ليصرح أحيانا بالكفر الصراح في بعض كلمات الأغاني. لذا رأيت أنه من تمام الفائدة أن أجمع بعض كلمات الأغاني التي تحتوي على الكفر الصراح، والتي يتلذذ بسماعها ذاك الذي يصلي، وتلك التي تلبس الجلباب. ولأن اللوم يقع على هؤلاء أكثر مما يقع على غيرهم، لأنهم الذين يتلبسون بثوب الدين، وهم الذين يصفون في الصف الأول في المسجد. ونحن نراهم بأعيننا وهم يتعجلون في صلاة العشاء، فلا يكاد الواحد منهم يدرك التسبيح بعد الصلاة لسرعة استجابته لتلك السهرة، أو ذاك المغني في العرس الفلاني، فليسمع هؤلاء بعض الكلمات التي يرددها المغنون، والتي تحتوي على الكفر الصريح ¬

_ (¬1) هذه أبرز الأدلة على حرمة الغناء، وقد استوفى الشيخ الألباني الكلام والأدلة على حرمته في كتابه القيم: تحريم آلات الطرب.

الذي لا ينفع معه التأويل (¬1): 1 - يقول أحدهم وهو يصف شدة حبه للمحبوبة: أود أن أبكي وثغرك يبسم ... فيلذ لي دمعي ولا أتظلم وأود مودتي والحياة عزيزة ... إن كنتُ بعد الموت منك أرحم سميت نفسي بغرامك يوسفا ... مذ قيل لي بالحب أنك مريم إن كنت من دين المسيح كذا أنا ... أو كنت مسلمة فإني مسلم وإذا قصدت الحج سنة مسلم ... لوجدتني في قلب مكة متعمم وإذا صعدت إلى السماء فإلى السماء ... وإذا نزلت جهنما فجهنم فهذا يريد أن يكون معها مسلمة أم غير مسلمة، في جهنم أم في الجنة، عدا عن الوقاحة بوصف يوسف عليه الصلاة والسلام بأنه من أهل الهوى والغرام. وكلماتها معبرة عما فيها من الكفر الصراح، وهي دارجة على ألسنة الشباب ويحبون سماعها كما سمعت منهم. وحال هذا المغني كحال آخر يقول لمحبوبته: ¬

_ (¬1) جمعت هذه الكلمات من تساؤلات لبعض الناس عن كلمات في أغاني سمعوها واستنكروها، ومن بعض الخطب على شبكة الانترنت.

يا تعيش وإياي في الجنة، يا أعيش وإياك في النار، بطلت أصوم وأصلي، بدي أعبد سماك، لجهنم ماني رايح إلا أنا وإياك. 2 - ويقول آخر: أنا قدري بإيدك: فالقدر الذي هو من صفات الخالق، جعله هذا الفاجر من صفات الحبيبة وبيدها. 3 - ويقول آخر: خلقك الله وكسر القالب. إشارة منه أن الله لا يستطيع أن يخلق مثل حبيبته، ولا أدري إن لم يكن هذا كفرا فما هو الكفر؟ وليرقص الناس على كفره، ولتقر أعين من يدعي الالتزام وهو يسمع بهذه الكلمات الخبيثة الكفرية، ويجلس في مجلس يدار فيه مثل هذه الكلمات الكفرية. 4 - وآخر وبكل وقاحة يصرح أنه يعبد المحبوبة: أعشق حبيبي وأعبد حبيبي. 5 - وهذا وقح آخر: يتهم الله جل في علاه وعظم في عالي سماه، أنه أمر بالسهر مع الحبيبة: فيقول الخبيث: الله أمر لعيونك أسهر. «قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (الأعراف: 28)». 6 - وهذا خبيث آخر يتهم الله تعالى بالظلم، فيقول: ليه القسوة؟ ليه الظلم؟ له يا رب ليه؟ وغير هذا الكثير ما يحدث في أغاني هؤلاء من الحلف بغير الله: وحياة عينيك. والذي يدعي أنه يموت شهيدا من مات في هوى المحبوبة: يا ولدي قد مات شهيدا من مات فداء للمحبوب. وبعد كل هذا العرض الذي قد يصفه البعض أنه لا يليق أن يذكر،

ما هو حكم الزغاريد؟

ولكني أرى أن ذكره ضروري، لتقوم الحجة على هؤلاء الذين يذهبون لهذه الحفلات، وأقول لهم: ألم تسمعوا قول الله تبارك وتعالى: «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (النساء: 140)». أضف إلى هذه المنكرات الشنيعة أن الكثير (وأقول الكثير) من هذه الحفلات والسهرات الليلية يدار فيها الخمر، لأن هناك نسبة ليست بالقليلة من المسلمين الذين يشربون الخمر، وإن كان لا يدار علنا إلا أنه يدار في غرف مغلقة، أو في موضع قريب من العرس. فهل بقي حجة لمن أراد أن يجلس في هذه السهرات؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ» رواه الترمذي: 2801، وحسنه الألباني. ما هو حكم الزغاريد (¬1)؟ ومما لا بد من ذكره وهو مرتبط بموضوع الغناء لأنه يكون على إثره، ما يعرف بالزغاريد، فما هو حكمها؟ قال علماء اللجنة: إعلان النكاح مطلوب شرعا، والزغاريد في حكم الغناء». فتاوى اللجنة الدائمة: 19/ 116. وبناء على ذلك: فإن كانت هذه الزغاريد بمحضر من الرجال، أو ¬

_ (¬1) من موقع الإسلام سؤال وجواب: http://www.islam-qa.com

حكم الزفة

كانت بصوت مرتفع، بحيث يصل إلى مكان الرجال، فلا تجوز، لما يحصل فيها من تمطيط الصوت، والخضوع به على وجه يحصل التلذذ بسماعه، والفتنة به، لا سيما إن عرف صاحبه. وسئل ابن جبرين رحمه الله تعالى: في الأفراح والمناسبات السعيدة اعتادت النساء على إطلاق الصيحات التي تسمى: بالزغاريد، فما حكم الشرع في هذا؟ فأجاب: لا تجوز هذه الصيحات، فالمرأة لا ترفع صوتها، فهو عورة عند الرجال، بدليل منعها من الأذان، ومن رفع الصوت بالتلبية، فعلى هذا يجوز لهن عند قدوم العروس التهنئة لها، والسلام عليها، والتبريك، والدعاء للزوجين بالخير والسرور، والسعادة الدائمة، بدون رفع صوت، وبدون زغاريد. حكم الزفة: ويقوم الناس في بعض الأعراس بعمل زفة للعروسين في الشارع العام قبل غروب الشمس عادة، كما هو الحال عندنا في القرى. كانت هذه الزفة في القديم تأخذ مناحي الحياة القديمة من الأغاني التقليدية الشعبية، التي لا تخلو في كثير من الأحيان من وصف النساء. وكذلك الأغاني الوطنية بأصوات الرجال بعيدا عن الموسيقى. وتكون النساء عادة في طابور آخر خلف الرجال ويكون بينهما فاصل من المسافة غالبا. إلا أن هذه الزفة صارت اليوم في كثير من البلاد لا تخلو من المعازف والموسيقى، والأغاني الماجنة التي تكون بالسماعات المحمولة على السيارات.

ما يجوز من الغناء؟

فيكون حكمها وحكم حضورها التحريم الذي لا يشك فيه. وأما الزفة القديمة فهي لا تخلو من محاذير، منها أن الاختلاط قد يحدث في ثناياها، وتكون النساء عادة متبرجات، أو متزينات بالزينة التي لا تجوز إلا أمام الزوج أو المحارم. ولا تخلو كذلك من الأغاني التي تصف النساء وتذهب الحياء، فالأولى في المسلم ترك مثل هذه الزفات حتى لا يقع في الحرام، لأن الحرام يحيط بكل جنباتها. ما يجوز من الغناء؟ ما أراد الإسلام أن يكون حال العرس كحال الحزن، وإنما شرع لكل ما يناسبه. وقد أمر عليه الصلاة والسلام بإعلان النكاح حتى يتميز عن السفاح الذي يكون خلسة. فقال عليه الصلاة والسلام: «أعلنوا النكاح». رواه أحمد: 15545، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1072. بل جعل الفاصل بين الزواج الحلال، وبين الزنا الحرام الضرب بالدف، قال عليه الصلاة والسلام: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الصَّوْتُ وَضَرْبُ الدُّفِّ» رواه أحمد: 17563، وصححه الألباني في آداب الزفاف: ص 111. تقول عائشة رضي الله عنها: «زَفَّتْ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَائِشَةُ! مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ» رواه البخاري: 4765. وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما يقال في العرس من الكلام الطيب الذي ليس فيه فسوق، ولا مجون:

فعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما فعلت فلانة؟ ليتيمة كانت عندها. فقلت: أهديناها إلى زوجها، قال: فهل بعثتم معها بجارية تضرب بالدف، وتغني؟ قالت: تقول ماذا؟ قال: تقول: أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم لولا الذهب الأحمر ... ما حلت بواديكم ولولا الحبة السمراء (¬1) ... ما سمنت عذاريكم رواه الطبراني في الأوسط: 3393، وصححه الألباني في آداب الزفاف: ص 109. وهناك اليوم ما يعرف: (بالحداية)، ولعله إن التزم بالضوابط الشرعية أحسن ما يكون في الأعراس، وأفضل ما يحضر اليوم. لأنه إن ضبط وتم الاتفاق مع الرجل المنشد أن لا يقول إلا الخير، فإنه يكون بذلك قد فعل ما أمر الله به من إعلان النكاح، وابتعد عما نهى الله عنه من الموسيقى والأغاني المنكرة. ولو كان الناس عندهم من الوعي الديني والإيمان الكافي لقلنا لهم: لماذا صار مفهوم العرس عندكم: غناء ورقصا ومنكرات؟ ونزيد في سؤالكم: لماذا لا يكون في الفرح موعظة دينية تبصر الناس بكيفية الفرح الإسلامي؟ لماذا لا يكون في الفرح كلمة تبين للناس كيفية التعامل الإسلامي ¬

_ (¬1) حبة البركة

المطلب السابع: السهر الطويل وضياع الصلوات

الذي ينبغي للرجل أن يتحلى به مع زوجته؟ ونزيد: لماذا صارت السنة غريبة بين أهلها، فلو أراد رجل أن يبارك للعروسين بالذي أحبه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته: «بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير»، لاستغرب جمهور الحاضرين. وقد رأينا على شاشة بعض القنوات الفضائية الإسلامية أمثال هذا، مثل: قناة الرحمة، فنرى الشيخ الذي يزوج ابنه، أو ابنته، يحضر المشايخ وعامة الناس بعد صلاة الجماعة ويلقون الكلمات الدينية الرائعة، التي يستفيد منها الناس. فنرجو من الله سبحانه أن تعود السنة فيما بين الناس، يحيونها في كافة حياتهم. المطلب السابع: السهر الطويل وضياع الصلوات لا شك أن السهر الطويل في الأفراح يعد من منكراته، لا لأنه سهر (¬1)، وإنما لما ينطوي عنه من أمور تضر بمن يسهر ومن حوله. والسهر يكون غالبا في العرس في الليلة التي تسبق العرس، ويكون في ليال أخرى، ولكن يكون في هذه الليلة أكثر من غيرها. ¬

_ (¬1) مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها كما صح الخبر عنه» رواه البخاري: 512.

وما ينطوي عن السهر مما يعد من المنكرات: 1 - الإزعاج: فيتأخر أصحاب العرس في الطبل والزمر والرقص إلى ساعات متأخرة من الليل، قد يصل أحيانا إلى الساعة الواحدة والثانية بعد منتصف الليل، وربما يكون حولهم من الجيران: المريض الذي يريد النوم، والطالب الذي يريد الدراسة، والعامل الذي يريد الراحة. فيُقلِق كل هؤلاء ويؤذيهم، ومعلوم أن إيذاء الناس محرم، وهو من الاعتداء على حقوقهم. ويزداد الإزعاج إذا أضيف على ذلك تلك المفرقعات والقنابل الصوتية، التي ينفق عليها الآلاف في كثير من الأعراس، والتي تكون أحيانا في آخر الليل. وصار لهذه المفرقعات من يتخصص في بيعها، وتنفيذها في الأعراس حتى تنافس الناس فيها أيضا، كما نراه ونشاهده، فلا يخلو منها فرح من أفراح المسلمين. والأخطر من ذلك فيما يتعلق بالسهر: 2 - ضياع الصلوات: ولا أقول هذا من منكرات العرس فحسب، بل من كوارثه. فالذي يسهر لساعات متأخرة لا يستطيع القيام على صلاة الفجر، ويكون الأمر مشاهدا لدى أهل المسجد في الليلة التي يكون فيها عرس، يكون عدد المصلين في صلاة الفجر أقل من غيرها من الليالي. ولا يقتصر ضياع الصلوات على موضوع السهر بل يحدث هناك تساهل عام من الناس في يوم العرس في موضوع أداء الصلاة، خصوصا في جانب النساء أكثر منه في جانب الرجال. فمن العروس التي لا تريد أن تتوضأ لخشيتها ضياع الأصباغ

المطلب الثامن: خطورة التصوير في العرس

والألوان التي على وجهها أكثر من خشيتها من ربها، فتترك صلاة ذلك اليوم لأجل ذلك. ومن نساء لربما انشغلن في سماع الغناء والرقص أفضل لهن من الصلاة، ولربما خجل بعضهن أن يصلي في مكان تدار فيه الموسيقى، أو خجل من أهل العرس أن يطلب منهم مكانا يصلي فيه، كما حُدِثتُ عن بعض النساء. ومما لا شك فيه أن تهاون هؤلاء في أداء الصلاة يدل على قلة دينهم، أو جهلهم بإثم من ترك ولو صلاة واحدة، ظنا منهم أن ترك صلاة أو صلاتين إنما هو من صغائر الذنوب التي تغفر بين الصلوات، ومن الجمعة إلى الجمعة. وليسمعوا إلى قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّه «رواه أحمد: 22128، وحسنه الألباني. فهذا الوعيد لمن ترك صلاة واحدة فما بالك بصلوات، وكيف إذا كانت الصلاة المتروكة هي العصر، التي قال في حق من تركها النبي صلى الله عليه وسلم:» مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» رواه البخاري: 520. ومما لا شك فيه أنه ينطبق على هؤلاء الوعيد الذي جاء في قوله تعالى: «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ» (الماعون: 5). المطلب الثامن: خطورة التصوير في العرس نحن ندين إلى الله بقول من قال من أهل العلم بحل التصوير

الفوتوغرافي، أو تصوير الفيديو ما لم يشتمل على محرم، ونعتبر أن هذا هو القول الراجح من أقوال العلماء، وليس المقام مقام بسط لهذه المسألة الفقهية التي كثر فيها الجدل. ورغم أن القول بحل التصوير هو الأرجح، إلا أن التصوير في العرس يحدث فيه من المحاذير الخطيرة، والتي قد تقود إلى مشاكل فيما بين الناس أحيانا: تبدأ هذه المحاذير من زيارة العريس والعروس لاستوديو التصوير قبل الزفاف ليلتقطا الصور التذكارية، فإذا كان المصور رجلا فيكون الحكم هو التحريم قولا واحدا. وإذا كانت التي تصور العروس امرأة: فهل نضمن أن تكون امرأة التي تخرج لنا هذه الصور؟ لأن غالب من يشتغل بهذا العمل هم من الرجال، عدا عن كون الذين يعملون في هذه الاستوديوهات لا يكترثون لذلك. ومن المحاذير أيضا: أن الذي يستلم مهمة تصوير الفيديو في القاعة كثيرا ما يكون رجلا، ولا يسمح لأحد غيره بالدخول، كما يحلو للبعض أن يسمي عرسه بعد ذلك: بالإسلامي. فهذا الذي يسمح لنفسه بالدخول عند النساء، وينظر إليهن، ويصورهن، ولا يتورع من ذلك، فكيف يؤمن لهذا وأمثاله أن يذهبوا بالصور حيثما شاءوا. وحتى لو كانت التي تصور امرأة، فالمحذور موجود. وثمة مشكلة أخرى: أن شريط العرس لربما يطوف على أهل البلد، أو على الأصحاب غالبا، أو على الأقارب، كلهم ينظر إلى هذه الحفلة، فتكون هذه المرأة التي تلبس الجلباب أمام الناس، ولكنها تبرجت في عرس أخيها قد هتك سترها، وأصبحت أمام الناس دون الحاجة للنظر إليها وهي متبرجة.

وقد حدثني رجل عن امرأة في شريط عرسه تلبس فوق الركبة، وهي الآن متنقبة في الشارع أمام الناس. فلا أدري أي نقاب بقي بعد كل هذا؟! وعلى كل مؤمنة أن تحذر اليوم من وسائل الاتصال التي يستخدمها الناس اليوم، فإذا كان الكلام عن محذور من شريط قد يوزع على بعض البيوت، وإذا كان الكلام عن خطورة مصور قد تتلاشاه المرأة في الحفلة. فإن الحديث اليوم عن الهواتف النقالة التي أصبحت في متناول الجميع، وكلها مزودة بكاميرات فيديو. وحدث عما في العرس من النساء اللواتي لا يتقين الله في ذلك، ولا يتورعن عن تصوير النساء المتبرجات في العرس ونقل الصور بعد ذلك لمن شئن. والأدهى من ذلك اليوم: أن هذه الصور يستطيع ملتقطها أن يضعها على الانترنت، ينظر إليها من شاء من الناس، بل ينظر إليها العالم كله (¬1). وقد يكون الحل الأمثل إذا كان ولا بد عن التصوير، أن تكون الكاميرا من أهل العرس، وأن لا يذهبوا بالشريط يمينا ولا شمالا، لا من أجل دبلجة كما يحلو لهم، ولا من أجل غيرها. ¬

_ (¬1) والمتصفح لصفحات بعض المواقع الالكترونية، مثل: يوتيوب، فيس بوك يجد من حفلات الزواج الكم الذي لا يحصى، كما حدثنا. فهل أذن كل الحضور لهؤلاء أن ينشروا هذه الحفلات، وهل علمت المتبرجات في العرس أن صورهن وهن يرقصن متبرجات صارت في متناول الجميع، ولا يمكن أزالتها.

المطلب التاسع: توزيع الدخان في العرس

ويبقى الحذر من الهواتف النقالة لا حل له، إلا اللباس الساتر. المطلب التاسع: توزيع الدخان في العرس كادت كلمة العلماء اليوم أن تقطع بحرمة التدخين، ويكون الحكم بحرمته بما يشبه الإجماع على ذلك، لأمور كثيرة، منها (¬1): 1 - الأضرار التي يسببها التدخين، ومن بينها أمراض خطيرة، كالسرطان وأمراض الشريان التاجي، والذبحة الصدرية، وغير ذلك من الأمراض الفتاكة. وقد نهى الإسلام أن يضر الإنسان بنفسه أو بالآخرين، قال عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار» رواه الحاكم وصححه: 2345، وصححه الألباني. 2 - ولا يقتصر ضرر المدخن على نفسه، وإنما يضر بكل من يجلس بجانبه، وقد يتضايق بعض الناس جدا من الدخان فيكون المدخن سببا في إيذاء الناس، ومعلوم أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: 876. (¬2) ¬

_ (¬1) يسألونك: 2/ 155. (¬2) وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى من أكل البصل والثوم أن يقرب المسجد (رواه مسلم: 876)، لما يخرجه من روائح تؤذي المصلين. فإن المدخن تكون رائحة فمه أحيانا أسوأ حالا من رائحة البصل والثوم، خصوصا في صلاة الفجر، عند المهووسين بالدخان: الذين يستيقظون من النوم وهم يبحثون عن السيجارة قبل أن يقول الواحد منهم: لا إله إلا الله.

3 - الأموال الكثيرة التي تنفق في سبيله، والتي تضر باقتصاد الفرد والمجتمع (¬1). عدا عن كون الدخان من الخبائث التي أمرنا باجتنابها، فكيف إذا أضيف لهذا الخبيث أنه يستعبد النفس ويسلب إرادتها، ويجعلها أسيرة لهذه العادة السخيفة. فهذه بعض أضرار الدخان، وإلا فأضراره تتكشف يوما بعد يوم. فإذا علمت أضراره، وأن القول بحرمته هو الحق، فلا يجوز لأهل العرس أن يقوموا بتوزيعه على الحضور. وكما أذكر أن هذه العادة كانت في القديم أكثر منها في يومنا هذا، فكانوا يوزعون علبة دخان كاملة على كل رجل يحضر العرس، ¬

_ (¬1) أجريت عملية حسابية على مدخنين في قرية، سكانها: 2000 نسمة، فكان حجم المال الذي ينفق على الدخان في السنة يساوي تقريبا: 300000 (ثلاثمائة ألف دينار أردني). فلو وضعت هذه الأموال في مشاريع تطوير في هذه البلاد فكم يحصل من التقدم في سنوات قليلة؟ ولو أنفق شيء من هذه المبالغ في الدعوة إلى الله فكم يهتدي من الناس بسبب ذلك؟ ولو أنفق شيء على مراكز تحفيظ القرآن، فكم سيكون من الحفظة بسبب ذلك؟ فليعلم المدخن أنه بهذا المال قد يصنع الكثير من الخير لنفسه في الدنيا والآخرة. ويصل الأمر ببعضهم أنه يبخل على أسرته حتى يوفر لنفسه ثمن الدخان!! فالله المستعان.

المطلب العاشر: المنكرات في وليمة العرس

واقتصر الأمر كما هو مشاهد اليوم على توزيع السجائر على الحضور. فليحذر الناس من هذا المنكر!! المطلب العاشر: المنكرات في وليمة العرس وليمة العرس من السنن النبوية الباقية في أكثر أفراح المسلمين، رغم أن البعض يحاول إقصاءها واستبدالها بعادات مستوردة. فيكتفي البعض بالذهاب إلى القاعة، وتوزيع المشروبات وشيء من الحلوى، ظنا منه أنه بذلك يوفر شيئا من المال بإقصاء الوليمة، فيجد نفسه أنه قد أسرف أكثر من المال الذي سيضعه في الوليمة. ولو عرف هذا وأمثاله السنة وفهمها الفهم الحق لما تضايق منها. فالوليمة سنة (¬1) دل على سنيتها أحاديث كثيرة، منها: الحديث المشهور الذي رواه البخاري: 4769، ومسلم: 2556 من ¬

_ (¬1) ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها سنة، ونقل الشوكاني عن بعض العلماء القول بوجوبها، منهم: الإمام مالك. نيل الأوطار: 6/ 206. ثم وجدت الشيخ الألباني يقول بوجوبها، فإنه قال: وجوب الوليمة: ولا بد له من عمل وليمة بعد الدخول لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بها كما يأتي ولحديث بريدة ابن الحصيب قال: لما خطب علي فاطمة رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لا بد للعرس (وفي رواية للعروس) من وليمة». رواه أحمد والطبراني والطحاوي. وإسناده كما قال الحافظ في الفتح: «لا بأس به» آداب الزفاف: ص72.

حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ (¬1) مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». ويبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بذلك لأنه كان يعرف أن عبد الرحمن كان غنيا يستطيع أكثر من ذلك. وإلا فإن الوليمة تجوز باللحم وغيره من أنواع الطعام، لأن «النبي صلى الله عليه وسلم قد أولم على بعض نسائه بمدين من شعير» رواه البخاري: 4774. فالوليمة المراد بها شكر الله تعالى على نعمة الزواج، وإكرام المسلمين، وليس إرهاق العريس وأهله. وقد قيدت الوليمة اليوم بأمرين: أنها تكون في يوم العرس، أو قبله بيوم في معظم الأعراس. لا تصح الوليمة عند الناس إلا أن يشبعهم من اللحم وتوابعه. مما جعل الأمر مرهقا على العريس وأهله، وهذا قد يؤدي إلى كراهية السنة عند بعض الناس لسوء فهمهم لها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ¬

_ (¬1) أثر صفرة: أثر الطيب. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّوَاة اِسْم لِقَدْرٍ مَعْرُوف عِنْدهمْ فَسَّرُوهَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِم مِنْ ذَهَب. قَالَ الْقَاضِي: كَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَر الْعُلَمَاء. وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: هِيَ ثَلَاثَة دَرَاهِم وَثُلُث. وَقِيلَ: الْمُرَاد نَوَاة التَّمْر أَيْ وَزْنهَا مِنْ ذَهَب، وَالصَّحِيح الْأَوَّل. شرح النووي على مسلم: 9/ 214.

أضف إلى ذلك أنه يطعم الناس المدعوين للعرس جميعا، صغيرهم وكبيرهم (¬1)، وهذا قد يكون فيه من المشقة ما فيه أيضا. فالحل في ذلك لمن كان لا يقدر على ذلك: أن يطعم ما استطاع من أهله والفقراء أو حتى الأغنياء من الأتقياء، سواء قبل العرس أو بعده. وقد تكلم الشيخ الألباني (¬2) أن السنة في الوليمة أن تكون بعد العرس، وساق حديث أنس، قال: "بَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ فَأَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالًا إِلَى الطَّعَامِ" رواه البخاري: 4772. وبهذا يكون قد حلت عقدة: إلزام الإطعام بما قبل العرس، أو في يومه، والعدد الذي يحضر الوليمة دون الحديث عن إقصاء هذه السنة، أو حتى الخوض في ذلك. وإن كنا نتحدث عن ترتيب لهذه السنة لتثبيتها، إلا أن الواقع يشهد أن في هذه الولائم بعض المنكرات، منها: 1 - الإسراف الزائد في الولائم: ولا نقصد بالإسراف الزائد إطعام ¬

_ (¬1) عادة الناس اليوم إن كان العرس في قرية أطعم أهل القرية جميعا، أو أكثرهم، وإن كان في المدينة كان عنده العدد الذي لا يستهان به من المدعوين.= = مما قد يكلف أكثر من طبخ عجلين، وقد حدثنا عن بعض الأعراس أنهم طبخوا: 110 رؤوس من الغنم، ويحدث من أمثال هذا الكثير في أفراح البدو. (¬2) آداب الزفاف: ص73.

العدد الكبير من الناس، لأن الغني الموسر الأولى له أن يُطعِم، وإنما نقصد: ذاك الطعام الزائد الذي يكب في النفايات بعد العرس. وقد يحدث الخطأ في تقدير عدد الحضور فيزيد الطعام عند أهل العرس. فماذا ينبغي أن يفعلوا به؟. ينبغي أن يوزع على الفقراء، فليس هناك منطقة تخلو من الفقراء والمساكين. وعموما فقد نهانا الله عن الإسراف، فقال سبحانه: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف: 31)». وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" كلوا واشربوا وتصدقوا في غير سرف ولا مخيلة إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» رواه الحاكم: 7188، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. 2 - دعوة الأغنياء دون الفقراء: فيقوم أهل الفرح غالبا بالاهتمام بمن هو ليس بحاجة إلى ذلك الطعام من الأغنياء وأهل الجاه والسلطان، ويهملون الفقراء الذين لربما لا يعرفون هذا الطعام في بيوتهم إلا في الأعياد. وقد جاء التحذير من ذلك: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رواه البخاري: 4779. وفي صحيح مسلم: 2586، من حديث أبي هريرة: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ».

المطلب الحادي عشر: تعليق التمائم

3 - وجود المنكر في الوليمة: لربما تكون الوليمة هي الوصلة الوحيدة التي يمكن حضورها في العرس بدون منكر. ولكن يزين الشيطان للناس كل ما يغضب رب العالمين، فصارت الوليمة عند بعض الناس لا تتم إلا على أنغام الموسيقى الصاخبة، والأغاني الماجنة. ومما هو معلوم أن الإنسان لا يجوز له أن يحضر مجلسا فيه منكر، والأدلة على ذلك كثيرة، منها أن عليا بن أبي طالب قال: «صَنَعْتُ طَعَامًا فَدَعَوْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ» رواه ابن ماجه: 3359، وصححه الألباني. المطلب الحادي عشر: تعليق التمائم تقوم العروس عند دخولها البيت الجديد بتعليق تميمة، تكون عجينة غالبا على باب البيت، أو خرزة زرقاء، أو ما شابه ذلك. والعبرة في ذلك هو دفع الحسد عن البيت وأهله كما زعموا، وأن تدوم العلاقة بين الزوجين بأفضل حال. ومما لا شك فيه أن هذا من التمائم المحرمة التي نهى عنها الإسلام، لأن الذي يدفع الضر، ويجلب النفع إنما هو الله سبحانه وحده لا شريك له. وبذلك يكون فاعل ذلك قد وقع في الشرك والعياذ بالله وهو لا يعلم، وقد حذر الإسلام من التمائم، فقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ» رواه أحمد: 16781، وصححه الألباني.

المبحث الخامس: المنكرات بعد العرس

المبحث الخامس: المنكرات بعد العرس المطلب الأول: خروج المرأة بزينتها أمام المهنئين يعتاد الناس المجيء بعد العرس بأيام، خصوصا أهل العروسين وأقاربهم لتهنئتهم بالزواج. وغالبا ما تخرج العروس بزينتها أمام المهنئين، وكاشفة عن شعرها أو شيء من محاسنها، عدا العطور والروائح التي تخرج بها. وغالبا ما تصافح العروس أقاربها رجالا ونساء محارم وغير محارم، فيحدث المنكر بأشكال متعددة: من تبرج، واختلاط لا تراعى فيه الضوابط الشرعية، ومصافحة غير مشروعة. وقد تكلمنا عن حرمة كل هذا، ولكن كان لا بد من الإشارة إليه هنا لأنه يحدث في هذا الموطن أيضا. المطلب الثاني: شهر العسل يقوم أبناء الطبقة المرفهة غالبا من الأغنياء بالقيام برحلة بعد الزواج إلى خارج البلاد، وغالبا إلى بلاد الكفر، يسميها الناس: شهر العسل. حتى صار العديد من الفقراء، أو أصحاب الدخل المحدود والطبقة المتوسطة على الأقل يحاولون تقليد الأغنياء بالقيام بمثل هذه الرحلة، حتى لو اضطر الواحد منهم إلى استدانة المال فإنه يفعل، مقابل أن يذهب إلى شهر العسل.

المطلب الثالث: نشر أسرار الزواج

والسفر إلى بلاد الكفر فيه من المحاذير ما فيه، من خطورة الإقامة بين الكفار ورؤية المعاصي في كل دقيقة وفي كل مكان، والتبرج والاختلاط وشرب الخمور. كل ذلك مما يؤثر على دين الإنسان وخلقه، وقد يتأثر بعد عودته من السفر بما رأى وسمع، خصوصا وأن البعض مهووس في حياة هؤلاء. وما ينطوي على ذلك من تضييع للمال في غير فائدة، كان الأولى به أن ينفقه فيما أحل الله تعالى. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:» شهر العسل تقليد لغير المسلمين، وفيه إضاعة أموال كثيرة، وفيه أيضا تضييع لكثير من أمور الدين، خصوصا إذا كان يقضى في بلاد غير إسلامية» (¬1). وقد أعجبني ما يفعله بعض الأخوة الملتزمين بدينهم، من ذهابهم بدل ما يسمى شهر العسل، لرحلة إلى المسجد الحرام لأداء العمرة، فيكون الإنسان في هذه الرحلة المباركة قد جمع خيري الدنيا والآخرة، وأخذ فيها من الراحة وتغيير المكان بالقدر الكافي. المطلب الثالث: نشر أسرار الزواج يقوم بعض التافهين من الناس بنشر ما يجري بينه وبين زوجته، خصوصا العلاقة الجنسية التي هي من أخص أسرار الحياة الزوجية. فيتحدث الأصحاب مع صاحبهم ماذا فعل في ليلة عرسه وبعدها، ¬

_ (¬1) موقع صيد الفوائد: بدع ومنكرات الأفراح: ص13.

ويقوم هو بشرح مفصل عما جرى بينه وبين زوجته. وهذا الكلام الذي يكون باللسان ويظنه المتكلم أنه بسيط، فيكون في ذهن السامع غير ذلك، لأنه يتشكل في ذهنه الصورة الكافية عنه، علما أن بعض الناس يأخذ القدر الذي يريده من الجنس بمجرد السماع. ولا يقتصر الأمر على الرجال بل النساء تتحدث كما يتحدث الرجال، إن لم يكن وزيادة. وقد جاء التحذير من فعل ذلك بما يدل على أن الأمر من كبائر الذنوب، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك أنه من أشر الناس يوم القيامة. فقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» رواه مسلم: 2597. وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل بأنه من فعل الشياطين والعياذ بالله، فإنها هكذا تفعل. فعن أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «لَعَلَّ رَجُلًا يَقُولُ مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ، وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا، فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقُلْتُ: إِي وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُنَّ لَيَقُلْنَ، وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ الشَّيْطَانِ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي طَرِيقٍ فَغَشِيَهَا، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ» رواه أحمد: 27624، وحسنه الألباني. وقد سمعنا أنه كان في القديم عادات في غاية القبح والشناعة، منها: أن أهل العروس لا يفارقون باب غرفة نوم ابنتهم في ليلة عرسها إلا إذا أحضر لهم العريس قطعة قماش وعليها آثار الدماء

المطلب الرابع: وصف النساء للعروس

التي تدل على طهارة ابنتهم من فعل الفاحشة كما يظنون (¬1). المطلب الرابع: وصف النساء للعروس يأخذ العرس قسطا غير بسيط من اهتمامات الناس اليوم، والملاحظ أن خبر الزواج ينتشر أكثر من غيره من الأخبار، ويهتم الناس به كثيرا. فإذا اتفق رجل مع أهل امرأة على الزواج فإن الخبر يكون بعد ساعات قليلة قد انتشر عند الناس وتكلموا به، وحللوا محتويات هذا الخبر كما تحلل الأخبار السياسية وأكثر. ويقوم الناس غالبا بتفنيد ما يجرى في العرس، ويتفوق جانب النساء هنا على جانب الرجال، فتتفنن النساء في وصف العروس وصفا دقيقا ناقدا لكل شكلها الخَلقي، وأحيانا كثيرة يكون الاستهزاء بها هو سيد الحديث. ¬

_ (¬1) هناك العديد من العادات السيئة التي كانت متفشية في أعراس الناس قديما، ويبدو أنها كانت جزءاً من ثقافتهم وفيها خليط من المعتقدات الخرافية التي كانت سائدة عندهم.= = منها: دخول مجموعة من الرجال يغسلون العريس ولا يدخل العريس في الحمام وحده، فيغسلوه وهو متجرد من ثيابه تماما. ومنها: أن العريس قبل دخوله على العروس يقوم بعض الرجال بضربه ضربا شديدا بالعصي، كما حدثنا من رأى وشهد ذلك في القديم. والبعض كما حدثنا: أنه كان إذا دخل على زوجته في ليلة عرسه ضربها ضربا شديدا دون سابق إنذار، ظنا منه أنه بذلك يحكمها من البداية، وحتى تعرف أنه رجل شديد.

ناهيك عما في هذا الكلام من غيبة وإثم وهو الأهم في ذلك. ولا يقف الأمر عند وصف العروس وحدها وإنما يتعدى ذلك إلى وصف معظم النساء في العرس بما يلبسن، وبأشكالهن، وحركاتهن، كل تغتاب الأخرى. وقد حرم الله سبحانه وتعالى الغيبة وعدها من الأمور الشنيعة التي يستحق صاحبها أن يكون كأنه أكل من لحم أخيه وهو ميت، قال تعالى: «وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (الحجرات: 12)». وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» رواه مسلم: 4690. وهناك نساء من نوع آخر تظن أنها تمدح العروس بوصف محاسنها، أو وصف إحدى النساء التي رأتها في العرس. فتقوم بوصف هذه المرأة وصفا تاما أمام زوجها، فيأخذ الزوج الصورة الكافية عن تلك العروس، وربما يفكر فيها ويتمنى لو كانت زوجته، وغالبا ما يَضعُف حبه لزوجته بعد هذا الوصف ولو لفترة بسيطة، لأن النفوس تتأثر بما تسمع وترى (¬1). فتكون هذه ¬

_ (¬1) عد بعض أهل العلم: غض البصر من الأسباب التي تقلل من المشاكل الزوجية، لأن الرجل إذا أطلق العنان لبصره فإن زوجته ستصغر في عينه، وسيرى من هي أجمل منها مهما كان جمال زوجتة. وبالتالي سيتمنى أن لو كانت هذه التي رآها هي زوجته، وبالطبع لو كانت زوجته فإنه سيرى من هي أجمل منها وبالتالي سيصغر في عينه أي امرأة يتزوجها وهكذا، ولا حل لهذه المشكلة إلا: بتقوى الله وغض البصر.

المرأة قد أساءت إلى نفسها بتقليل شأنها أمام زوجها، وقد حذر الذي لا ينطق عن الهوى من هذا. فقال عليه الصلاة والسلام:» لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا» رواه البخاري: 4839.

الخاتمة

الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأحمده سبحانه أن وفقني في جمع هذه الرسالة وأسأله أن ينفع بها قارئها، وأن يكتب لها القبول. كما وأوصي نفسي وإخواني بتقوى الله تعالى والإخلاص له، وأن يعودوا للمنهج الحق المبني على القرآن والسنة، وأن يقيموا أفراحهم وفق ما يحبه الله ويرضاه، (ولو قال الناس ما قالوا)، فإنه كما قال عليه الصلاة والسلام: «من ترك شيئا لله عوضه الله شيئا» رواه أحمد: 19813، وصححه الألباني. ولا ينبغي للمسلم أن يخجل وهو يقاطع فرحا فيه منكرات، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فعلى المسلم أن يكون قويا في قول الحق وفعله. كما وأوصي الدعاة إلى الله أن يهتموا بهذا الموضوع ببيانه للناس بيانا شافيا، لأن بعض الناس يجهل الكثير من هذه المنكرات: فبعض النساء عندما تسمع عن حرمة النمص مثلا تستغرب جدا بأنها لم تكن تسمع بهذا من قبل. فلا بد من البيان، حتى لو كان الناس يعلمون كل شيء، لأن ذلك واجب الدعاة إلى الله أن يقيموا الحجة على العباد. وفي النهاية فإني أستغفر الله من كل زلل حصل مني، لأني لا زلت طويلب علم صغير: وإن وجدت العيب فسد الخللا ... جل من لا عيب فيه وعلا فاللهم اجعل عملنا كله صالحا، ولك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه جزءا.

المراجع

المراجع: 1 - آداب الزفاف في السنة المطهرة، الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1409. 2 - الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم الظاهري، دار الحديث، 1426. 3 - أحكام القرآن، ابن العربي، المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر. 4 - الاختيار لتعليل المختار، ابن مودود الموصلي، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، لبنان، ط1، 1420هـ. 5 - الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية، حسام الدين عفانة، مطبعة الإسراء، القدس، فلسطين، ط1. 6 - الأذكار، النووي، دار المنار، القاهرة، مصر، ط1، 1420هـ. 7 - تحريم آلات الطرب، الألباني، مكتبة الدليل، ط1، 1416هـ. 8 - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، المباركفوري، دار الحديث، القاهرة، مصر، ط1، 1421هـ. 9 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط1، 1421هـ. 10 - الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، الفكر، بيروت، لبنان، ط1، 1419هـ. 11 - حاشية السندي على النسائي، نور الدين بن عبد الهادي السندي، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ط2. 12 - رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، ابن عابدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1415هـ. 13 - الرد المفحم، الألباني، المكتبة الإسلامية، الأردن. ط1، 1421هـ. 14 - رسالة إلى العروسين، سيد عبد الرحمن الصبيحي،

1423هـ. 15 - سبل السلام شرح بلوغ المرام، محمد بن إسماعيل الصنعاني، مكتبة الإيمان، المنصورة، مصر. 16 - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، ط1، 1421هـ. 17 - سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، ط1، 1417هـ. 18 - سنن الترمذي، محمد بن عيسى، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، ط1، 1417هـ. 19 - سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، ط1، 1417هـ. 20 - شرح صحيح مسلم، يحيى بن شرف النووي، المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر. 21 - صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، مكتبة عباد الرحمن، القاهرة، مصر، ط1، 1430هـ. 22 - صحيح الترغيب والترهيب، الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، ط1، 1421هـ. 23 - صحيح الجامع الصغير وزيادته، الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط3، 1408هـ. 24 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، مؤسسة المختار، مكتبة ألفا، الجيزة، مصر، 1429هـ. 25 - ضعيف الترغيب والترهيب، الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، ط1، 1421هـ. 26 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، العظيم أبادي، دار الكتب

العلمية، بيروت. 27 - فتاوى ابن باز، ابن باز، دار أصداء المجتمع للنشر والتوزيع، القصيم، السعودية، ط3، 1421هـ. 28 - فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1416هـ. 29 - فتاوى اللجنة الدائمة، دار المؤيد، ط3، 1421هـ. 30 - كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1418هـ. 31 - لسان العرب، ابن منظور، دار إحياء التراث، بيروت، لبنان، ط3، 1419هـ. 32 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي، دار الكتاب العربي، القاهرة، مصر. 33 - المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1411هـ. 34 - المسند، أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة، مصر. 35 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، محمد بن علي الشوكاني، مكتبة الإيمان، المنصورة، مصر، ط1، 1420هـ. 36 - الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني، عمر سليمان الأشقر، دار النفائس، ط2، 1421هـ. 37 - يسألونك، حسام الدين عفانة، 1417هـ.

المواقع الالكترونية

المواقع الالكترونية: 1 - موقع الإسلام سؤال وجواب: Http://www.islam-qa.com 2- موقع صيد الفوائد: http://saaid.net/tabeeb/65.htm 3- الموسوعة الشاملة.

§1/1