منتقى من أخبار الأصمعي للربعي

الرَّبَعي، أبو محمد

الجزء الأول من المنتقى من أخبار الأصمعي

الجزء الأول من المنتقى من أخبار الأصمعي وفيه من الجزء السابع وبعض الثامن تأليف أبي محمد عبد الله بن أحمد بن زبر الربعي القاضي عن شيوخه رواية أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان السلمي عنه رواية أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد. عن جده أبي بكر محمد (بن أحمد بن عثمان السلمي) رواية أبي الحسن علي بن أحمد بن منصور الغساني المالكي عنه رواية أبي عبد الله محمد بن حمزة بن محمد بن أبي جميل القرشي عنه.

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً. قرئ على أبي عبد الله محمد بن حمزة بن محمد القرشي يوم الخميس سابع شوال من سنة ثمان وسبعين وخمس مائة بدمشق، أخبركم أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور الغساني المالكي سنة أربع وعشرين وخمس مائة، أنبا الشيخ أبو الحسن -[92]- أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد قراءة عليه في شهر ربيع الأول سنة سبع وستين وأربع مائة في داره بدمشق، قال: أنبا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان السلمي قراءة عليه وأنا أسمع في شهور سنة إحدى وأربع مائة، قال: أنبا أبو محمد عبد الله ابن أحمد بن ربيعة بن زبر. 1- ثنا محمد بن شداد بن عيسى المسمعي، ثنا عبد الملك بن قريب الأصمعي قال: قال أعرابي لرجل: اشكر المنعم عليك، وأنعم على الشاكر لك تستوجب من ربك زيادته، ومن أخيك منا صحته.

2- حدثنا العباس بن محمد، ثنا الأصمعي، عن ابن عون، عن محمد: أن خالد بن الوليد دخل على عمر، وعلى قميص خالد حرير، فقال له عمر: ما هذا يا خالد؟ قال: وما بأسه يا أمير المؤمنين؟! أليس قد لبسه ابن عوف؟ فقال: وأنت مثل ابن عوف، ولك مثل ما لابن عوف؟! عزمت على من في البيت إلا أخذ كل واحدٍ منهم طائفةً منه مما يليه. قال: فمزقوه حتى لم يبق شيءٌ.

3- حدثنا محمد بن روح، قال: سمعت الأصمعي يقول: سمعت ابن أبي الزناد يحدث عن هشام بن عروة قال: -[94]- ما حدث ابن شهاب عن أبي بحديثٍ فيه طولٌ إلا زاد فيه ونقص.

4- حدثنا محمد بن روح، ثنا عبد الملك بن قريب الأصمعي قال: تقدم رجلان إلى عبيد الله بن الحسن العنبري، فشهدا عنده على إعدام رجل، فقال: تشهدان أنه معدم مفقع؟ فقالا أصلح الله القاضي، شهدنا بما علمنا، فما المفقع؟ فقال: المفقع أجير المعدوم، فقالا: نشهد أنه معدم مفقع مفاقيع متفقع.

5- حدثنا محمد بن القاسم، ثنا الأصمعي، عن عبد الله بن النعمان الحراني عن عكرمة: في قوله: {ذواتا أفنان} . قال: ظل الأغصان على الحيطان، أما سمعت قول الشاعر: ما هاج شوقك من هديل حمامةٍ ... تدعو على فنن الغصون حماما تدعو أبا فرخين صادف طاوياً ... ذا مخلبين من الصقور قطاما

6- حدثنا محمد بن القاسم، ثنا الأصمعي، عن عبد الله بن النعمان عن عكرمة: في قوله عز وجل: {يخرج من بين الصلب والترائب} . قال: صلب الرجل، وترائب المرأة. أما سمعت قول الشاعر: والزعفران على ترائبها ... شرقٌ به اللبات والنحر

7- حدثنا محمد بن القاسم، ثنا الأصمعي، عن عيسى ابن عمر قال: كان نابغة بني شيبان ينشد الشعر فيكثر، حتى إذا فرغ قبض على لسانه فقال: لأسلطن عليك ما يسوؤك: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

8- حدثنا محمد بن القاسم، ثنا الأصمعي، ثنا معاذ بن العلاء قال: رأيت غاراً باليمن في بعض جبالها، فقيل لي: إن فيه عجباً، فدخلته فرأيت فيه رجلاً من حجارة، أسفله أعلاه، فيأتي قومٌ فيطرحونه، ثم يأتون بعد وقد عاد، فحدثني أهل اليمن أن آباءهم حدثوهم عن آبائهم: أنه كان رجلاً غداراً.

9- حدثنا محمد بن القاسم، ثنا الأصمعي، عن صالح ابن أسلم قال: نظرت إلى امرأة مستترة بثوب، وهي تطوف بالبيت، فنظر إليها عمر بن أبي ربيعة من وراء الثوب ثم قالب: ألما بذات الخال واستطلعا لنا ... على العهد باقٍ ودها أم تصرما قال: فقلت له: امرأةٌ مسلمةٌ غافلةٌ محرمة قد سيرت فيها شعراً وهي لا تعلم. قال: إني قد أنشدت من الشعر ما بلغك، ورب هذه البنية ما حللت إزاري على فرجٍ حرام قط.

10- حدثنا محمد بن القاسم، ثنا الأصمعي قال: قيل لأعرابي: صلب الأمير زنديقاً، فقال: من طلق الدنيا فالآخرة صاحبته، ومن فارق الحق فالجذع راحلته.

11- حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح، ثنا الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء قال: أسلم أعرابي في أيام عمر بن الخطاب، فجعل عمر يعلمه الصلاة، فيقول: صل الظهر أربعاً، والعصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، والعشاء أربعاً، والصبح ركعتين، فلا يحفظ، ويعيد عليه فلا يحفظ، بل يجعل الأربع ثلاثاً، والثلاث أربعاً، فضجر عمر فقال: إن الأعراب أحفظ شيء للشعر فقال: إن الصلاة أربعٌ وأربع ... ثم ثلاثٌ بعدهن أربع ... ثم صلاة الفجر لا تضيع ... أحفظت؟ قال: نعم. قال: الحق بأهلك.

12- حدثنا أحمد بن عبيد، ثنا الهيثم بن عدي، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: إذا ظهرت بيوت مكة على أخشابها فخذ حذرك. قال أبو جعفر: سمعت الأصمعي وأبا زيد يقولان: الأخشب: الجبل.

13- حدثنا أحمد بن عبيد، قال: سمعت الأصمعي يقول: حاصبٌ من قطر، يشبه بوقع الحصى وأنشد: -[101]- فقد مسحت بحمد الله كعبته ... وقد حصبت نهاراً وسط من حصبا

14- حدثنا أحمد بن عبيد، قال: سمعت الأصمعي يقول: سحوت القرطاس أسحوه سحواً: إذا قشرته فأخذت منه سحاءةً. قال: والمسحاة التي تسحى بها الأرض تجوف بها، والساحية: المطر الشديد الواقع الذي يقشر الأرض. وسحت الشاة تسح سحوحاً: إذا سمنت.

15- حدثنا أحمد بن عبيد، قال: سمعت الأصمعي يقول: يقال الجرادة مذكرٌ والأنثى من الجراد. كما يقال: بطةٌ وحية، وجميعه جراد، والرجل من الجراد: قطعةٌ منه قدر -[102]- ما يكون مئة ذراع في مثلها. وإذا باض الجراد قيل: غرز فهو مغرز. ويقال أيضاً: قد رز الجراد فهو راز. قال: ويبقى في الأرض أربعين ليلةً ثم يثور مثل صغار الدود، فيقال: قد أدبى بيض الجراد إذا صار دبى.

16- حدثنا أحمد بن عبيد قال: سمعت الأصمعي يقول: جشر الصبح: انكشط عند الظلام. يقال: جشر يجشر جشوراً: انفلق. ويقال: أصبح بنو قالن جشراً: إذا أووا في الإبل ولم ينصرفوا إلى البيوت. ويقال: جشروا دوابهم إذا أخرجوها من القرية ترعى قريباً منها. قال: وإذا أخذ البعير سعالٌ في صدره قيل: قد جشر يجشر جشراً، والاسم منه الجشرة.

17- حدثنا أحمد بن عبيد، قال: سمعت الأصمعي يقول: رجلٌ أمرط وأمعط: إذا سقط شعر رأسه ولحيته، وهو من المرط والمعط. وسهم أمرط إذا سقط عنه قذذه، ونبل أمرط لا ريش عليها، واحدها: مرط، وأنشد: حتى رأى من خمر المحاط ... ذا أكلبٍ كالأقدح الأمرط معناه: أنه وصف ثوراً قد أحاطت به الكلاب، وقوله: من خمر. فالخمر: ما ستر ووارى، والمحاط: حيث أحيط به. وقوله: ذا أكلب: هو الصائد الذي معه كلاب. وقوله: كالأقدح: يعني النبل. والقداح: النبل. الأمرط: ليس عليها ريش شبهها بها، والمرط من الثياب: الإزار.

18- حدثنا أحمد بن عبيد قال: سمعت الأصمعي يقول: -[104]- اللطلط: الشاة الدرداء التي ليست له أسنان.

19- حدثنا أحمد بن عبيد قال: سمعت الأصمعي يقول: الوجا: مقصورةٌ، وهو أن يشتكي الفرس حافره، فإذا وطئ الأرض قيل هو يتوجى. قال: والحفى: أن ينهك الحافر وتأكله الأرض.

20- قال: وسمعت الأصمعي يقول: العقق: جمع العقوق، وهي الحامل إذا عظم بطنها، وهي عقوقٌ، ولا يقال: معق وأنشدنا لزهير: غزت سماناً فآبت ضمراً خدجاً ... من بعدما جنبوها بدناً عققا

21- حدثنا أحمد عبيد، قال: سمعت الأصمعي يقول: يقال للدابة إذا مر مراً سريعاً: مر وله أجيج ومر يؤج أجا

22- قال: وسمعت الأصمعي يقول: الريح اللجوج الدائمة الهبوب، تكون في كل زمانٍ، وأكثر ما تكون إذا ولى القيظ.

23- قال: وسمعت الأصمعي يقول: الإشعار إلزاقك الشيء بالشيء، وأنشدنا: نقلبهم جيلاً فجيلاً تراهم ... شعائر قربانٍ بها نتقرب -[106]- قال: والإشعار: أن تطعن البدنة حتى يسيل دمها، وأشعرها سناناً: أي ألزقه بها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطية: ((أشعرنها إياه)) : أي نشفنها به؛ الزقنه بجلدها. ومنه قوله للأنصار: ((أنتم الشعار)) ، وهو الثوب الذي يلبسه الرجل على جلده، فأراد أنهم في القرب منه بمنزلة الشعار، والناس بمنزلة الدثار، وهو ما لبس فوق الدثار.

24- قال: وسمعت الأصمعي يقول: القانع والمعتر. المعتر: الذي يعتر بك لتعطيه، يقال: -[107]- عره يعره عراً: إذا أطاف به. قال: ومثله: اعتراه يعتريه، وعراه يعروه، كل ذلك إذا أتاه وأطاف به.

25- حدثنا أحمد بن عبيد قال: سمعت الأصمعي يقول: حبل العاتق: موضع الرداء من العنق. وحبائل الشيطان: مصايده. والحبالة: المصيدة ما كانت. وحبائل الموت: أسبابه.

26- حدثنا أحمد بن عبيد قال: سمعت الأصمعي يقول: رمحٌ حليف الغرب أي: حديدٌ. وأنشد: حتى إذا ما تجلى ليلها فزعت ... من فارسٍ، وحليف الغرب ملتام -[108]- قال: يعني: الحمر لما أصبحت فزعت من الصايد ومعه رمحٌ حليف. وقوله: ملتام: يشبه بعضه بعضاً. يقال: رجل حليف اللسان أي حديد.

27- حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد، ثنا الأصمعي، عن العمري وغيره: أن عبد الله بن جعفر أسلف الزبير بن العوام ألف ألف درهم، فلما توفي الزبير. قال ابن الزبير لعبد الله بن جعفر: إني وجدت في كتب أبي: أن له عليك ألف ألف درهم. فقال: هو صادقٌ فاقبضها إذا شئت، ثم لقيه بعد فقال: يابن جعفر إنما وهمت، المال لك عليه. قال: فهو له. قال: لا أريد ذاك، قال: -[109]- فاختر، إن شئت فهو له، وإن كرهت ذلك فلك [فيه] نظرة ما شئت، فإن لم ترد ذلك فبعني من ماله ما شئت، قال: أبيعك، ولكني أقوم فقوم الأموال، ثم أتاه، فقال: أحب أن لا يحضرني وإياك أحد فقال له عبد الله: يحضرني وإياك الحسن والحسين فيشهدان لك. قال: ما أحب أن يحضرنا أحد، قال: انطلق فمضى معه فأعطاه خراباً وشيئا لا عمارة له، وقومه عليه، حتى إذا فرغ قال عبد الله لغلامه: ألق لي في هذا الموضع مصلى فألقى له في أغلظ موضع من تلك المواضع مصلى، -يعني-: فصلى ركعتين وسجد فأطال السجود يدعو، فلما قضى ما أراد من الدعاء قال لغلامه: احفر في موضع سجودي فحفر، فإذا عين قد أنبطها فقال له ابن الزبير: أقلني، قال: أما دعائي فأجابه الله تبارك وتعالى إياي فلا أقيلك، فصار ما أخذ منه أعمر مما في يدي ابن الزبير.

28- قال: واشترى بعض القرشيين جملاً بأربع مئة دينار، فوصفه فأطال الصفة فدفعه إلى الرائض، فمر بعبد الله بن جعفر، فقال: إني لأشتهي من كبد هذا الجمل وسنامه فادعوه لي فأتى، فقيل له: ابن جعفر يدعوك، وأمر خبازه إذا دخل الرجل أن ينحر الجمل، فلما دخل الرائض نحر الخباز الجمل، فأكل عبد الله من كبده وسنامه ومعه الرائض، فقال الرائض: ما أكلت طعاماً قط أطيب من طعامك هذا، قال: هو الجمل الذي كنت عليه، قال: إنا لله! قال: ما لك؟ قال: أخذ بأربع مئة دينار. قال: أعطوه إياها. ويقال: إنا الرجل القرشي كان عمر بن العاص.

29- حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح، ثنا الأصمعي، عن أبي بكر الهذلي، عن رجال من قومه: أن أصيل الهذلي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فقال -[111]- له: يا أصيل كيف تركت مكة: مطرها وخصبها؟ قال: يا رسول الله، تركتها قد ابيضت بطحاؤها، واخضرت مسلانها يعني: شعابها، وأمشر سلمها والأمشار ثمر له أحمر، يخرج في أطراف الورق. وأعذق إذ خرها، والإعذاق: اجتماع أصوله. وأحجن ثمامها، والإحجان يفقعه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أصيل، دع القلوب تقر. يعني: تقر بالمدينة لاتشوقهم إلى مكة.

30- حدثنا أحمد بن عبيد، ثنا الأصمعي، عن أبي عوانة، عن عبد الملك بن عمير قال: حدثني الشعبي، أن زياد بن النضر الحارثي حدثه قال: كنا على غديرٍ لنا في الجاهلية، ومعنا رجلٌ من الحي يقال له: عمرو بن مالك، معه بنيةٌ له شابةٌ على ظهرها ذؤابة، فقال لها أبوها: خذي هذه الصحفة، ثم إيتي الغدير، فجيئينا بشيءٍ من مائه، فانطلقت، فوافقها عليه جانٌ فاختطفها فذهب بها، فلما فقدناها نادى أبوها في الحي، فخرجنا على كل صعبٍ وذلول، وقصدنا كل شعب ونقب فلم نجد لها أثراً، ومضت على ذلك السنون، حتى كان زمن عمر بن الخطاب، فإذا هي قد جاءت، وقد عفا شعرها وأظفارها وتغيرت حالها، فقال لها أبوها: أي بنية -[113]- أنى كنت؟ وقام إليها يقبلها ويشم ريحها، فقالت: يا أبت أتذكر ليلة الغدير؟ قال: نعم، قالت: فإنه وافقني عليه جانٌ فاختطفني فذهب بي، فلم أزل فيهم حتى إذا كان الآن غزا هو وأهله قوماً مشركين، أو غزاهم قوم ٌمشركون، فجعل الله تبارك وتعالى عليه نذراً إن هم ظفروا بعدوهم أن يعتقني ويردني إلى أهلي، فظفروا، فحملني فأصبحت عندكم، وقد جعل بيني وبينه أمارة إن احتجت إليه أن أولول بصوتي فإنه يحضرني. قال: فأخذ أبوها من شعرها وأظفارها وأصلح من شأنها وزوجها رجلاً من أهله، فوقع بينها وبينه ذات يومٍ ما يقع بين المرأة وبعلها، فعيرها وقال: يا مجنونة، والله إن نشأت إلا في الجن، فصاحت وولولت بأعلى صوتها فإذا هاتفٌ يهتف: يا معشر بني الحارث اجتمعوا وكونوا حياً كراماً، فاجتمعنا فقلنا: ما أنت رحمك الله؟ فإنا نسمع صوتاً ولا نرى شخصاً، فقال: أنا راب فلانة، رعيتها في الجاهلية بحسبي، وصنتها في الإسلام بديني، والله إن نلت منها محرماً قط، واستغاثت في هذا الوقت فحضرت فسألتها عن أمرها فزعمت أن زوجها عيرها بأن كانت فينا، ووالله لو كنت تقدمت -[114]- إليه لفقأت عينه، قال: فقلنا: يا عبد الله لك الحباء والجزاء والمكافأة. فقال: ذاك إليه، يعني الزوج، قال: فقامت إليه عجوزٌ من الحي فقالت: أسألك عن شيء؟ فقال: سلي، قالت: أن لي بنية عريساً أصابتها حصبة فتمزق رأسها، وقد أخذتها حمى الربع فهل لها من دواء؟ قال: نعم، اعهدي إلى ذباب الماء الطويل القوائم الذي يكون على أفواه الأنهار، فخذي منها واحدة، فاجعليه في سبعة ألوان عهنٍ من أصفرها وأحمرها وأخضرها وأسودها وأبيضها وأكحلها وأزرقها ثم اقتلي ذلك الصوف بأطراف أصابعه ثم اعقديه على عضدها اليسرى، ففعلت أمها ذلك فكأنما نشطت من عقال.

31- حدثنا أحمد بن عبيد، ثنا الأصمعي: -[115]- أن أعرابياً مر بمجلس من مجالس بني حنيفة، فسلم عليهم وانطلق، ثم عاد والهم ظاهرٌ في وجهه فقال له: إني قد سئمت لتكرار الليالي والأيام، ودورها علي، فهل من شيءٍ يسلي عني بعض ما أجد لذلك؟ فقال له بعضهم: الصبر الجميل ومدافعة الأزمان، فولى غير بعيد ثم عاد فأقبل عليهم فقال: واهاً لقلوبٍ نقيةٍ من الآثام، واهاً لجوارح مسارعةٍ إلى طاعة الرحمن، واهاً لظهور خفيفةٍ من الأوزار، أولئك الذين لم يملوا الدنيا لتوسلهم فيها إلى ربهم بالطاعة، ولم يكرهوا الموت عند نزوله بهم لما يرجون في لقاء سيدهم من الزلفة، فكلا الحالتين لهم حالٌ حسنةٌ إن قدموا على الآخرة فازوا بما أسلفوا من الطاعة، وإن تطاولت أعمارهم تضاعف ما يقدمونه من الزاد ليوم الراحة، فرحم الله امرءاً أعتق نفسه ولم يوبقها، ثم انصرف. قال: ومر بهم يوماً آخر فقال: السلام عليكم أيها الإخوان ما بال القوم حطوا ركابهم في غير منهلهم! أترونهم يبلغون سفراً بعيداً يريدونه وهم مقيمون دونه مقصرون عن التأهب له! هيهات أنى لهم ذلك! -[116]- قال: ومر بهم يوماً فقال: أيها الإخوان ما ظنكم بمن لم يجعل هذه الدار له قراراً وهو عالمٌ بذلك، ثم يستقر فيها حتى كأنه واثقٌ بأنه غير راحلٍ عنها ولا زائل!؟ أو ليس قد قرأتم في القرآن: {أفرأيت إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} قال: ثم غاب عنا فما رأيناه حيناً. فسألنا عنه فقيل: قتله الخوف.

32- حدثنا أحمد بي عبيد، ثنا الأصمعي، عن سفيان بن عيينة قال: كان يأتينا أعرابيٌ من ناحية السروات متزراً بشملةٍ من شعر، وعلى عاتقه أخرى نحوها، فكنت ربما رأيته في شدة الحر قد التحف بها، فقيل له: لو لبست ما هو أخف من هذا إذا -[117]- قدمت هذه البلدة، فإن حرها شديد، فقال: حر جهنم أشد منها، وإنما أن عبد مملوك لملك الملوك، فإن يرض عني مولاي فسيكسوني حللاً خيراً من عصبكم ورياطكم، وإن تكن الأخرى فإن هذا لمن يغضب عليه مولاه لكثير. قال: وكان يدمن الصوم في الحر، ويفطر على ماء زمزم، ولا يأكل شيئاً إلى السحر، فإذا كان السحر أخرج قرصين له فأكلهما فكانت هذه حاله إلى أن مضى لسبيله.

33- حدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن منصور، ثنا الأصمعي قال: قال لي نافع بن أبي نعيم: جالست نافعاً مولى ابن عمر، وإن مالك بن أنسٍ صبي.

34- حدثنا عبد الرحمن، ثنا الأصمعي، أنبا أبي قال: رأيت في بيت ثابت البناني رجلاً أحمر طويل الذراع، غليظ الثياب يلوث عمامته لوثاً، ورأيته قد غلب على الكلام، فلا يتكلم أحد معه، وأردت أن أسأل عنه، حتى قال قائل: يا أبا واثلة، فعرفت أنه إياس، فقال: إن الرجل لتكون غلته ألفاً فينفق ألفاً فيصلح وتصلح الغلة، وتكون غلته ألفين فينفق ثلاثة ألاف، فيوشك أن يبيع العقار في فضل النفقة.

35- حدثنا عبد الرحمن [بن محمد بن منصور] ، ثنا الأصمعي، أنبا عيسى بن عمر، عن أبي إسحاق قال: -[119]- سألت أبا الزناد عن الهمز، فكأنما كان يقرأ من كتاب.

36- حدثنا عبد الرحمن، ثنا الأصمعي، أنبا حماد، عن حميد، قال: دخلنا على أبي نضرة مع الحسن، فحدث أبو نضرة بحديث، قال: فكان الحسن إذا حدث به بعد كان أحسن حديثاً به من أبي نضرة.

37- حدثنا عبد الرحمن، ثنا الأصمعي، أنبا نافع بن أبي نعيم قال: كان الزهري يحدث عن نافع فيقول: حدثني رجل من آل عمر.

38- حدثنا عبد الرحمن، ثنا الأصمعي، أنبا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: أدركت بالمدينة أكثر من مئة أو نحواً من مئة كلهم مأمون، لا يؤخذ عن رجلٍ منهم حرفٌ من الفقه، يقول: ليس من أهله. قال: وقال أبي: إني ما رأيت الفقهاء عن شيءٍ أنكل منهم عن تفسير القرآن.

39- حدثنا عبد الرحمن، ثنا الأصمعي، ثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن الزهري قال: دخلت على عبد الملك بن مروان فلم أحدثه إلا عن قرشي، فقال لي عبد الملك: ومالك وللأنصار! فإنك تجد عندهم علماً، قال: فأتيتهم فوجدت عندهم علماً، قال: وقال لي عبد الملك: من أنت؟ قلت: أنا ابن شهاب، قال: قد كان لك أبٌ نعارٌ في الفتن، فقلت: قد عفوت عن هذا وشبهه.

40- حدثنا عبد الرحمن، ثنا الأصمعي، أنبا عبد الله ابن نوح قال: سمعت خالد بن عبد الله القسري يقول: إني لأعشي كل ليلة تمراً وسويقاً ستة وثلاثين ألفاً.

41- حدثنا عبد الرحمن، ثنا الأصمعي قال: -[122]- احتبى إسحاق بن يحيى بن طلحة عند المهدي، فقال له المهدي: أما أنت فأجيزها لك، وأما هؤلاء فلا ولا كرامة.

42- حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، قال: حدثني الأصمعي: ثنا أبو هلال قال: رأيت محمد بن سيرين أحمر الرأس واللحية، ورأيت الحسن أحمر الرأس واللحية، ورأيت عبد الله بن بريدة أحمر الرأس واللحية.

43- حدثنا أبو قلابة قال: حدثني الأصمعي، عن سلام بن مسكين، عن عمران بن عبد الله قال: رأى الحسن بن علي أنه مكتوب بين عينيه: {قل هو الله أحد} ، ففرح بذلك قال: فبلغ سعيد بن المسيب فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقي من أجله. قال: فلم يلبث الحسن بعدها إلا أياماً حتى مات.

44- حدثنا أبو قلابة قال: سمعت الأصمعي يقول: مات حبيب بن الشهيد، وهو متواري، فصلى عليه -[124]- سوار بن عبد الله، وذلك في الأيام التي قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، وإنما توارى حبيب من أجل الفتنة. قال أبو قلابة؛ فحدثنا قريش بن أنس قال: مات حبيب بن الشهيد في اليوم الثاني من أيام التشريق سنة خمس وأربعين.

45- حدثنا أبو قلابة، ثنا أبو عاصم، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: -[125]- الجار أحق بسبقه. قال أبو قلابة: فسألت الأصمعي فقلت: يا أبا سعيد: ما قوله: أحق بسبقه فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن العرب تقول: السقب: اللزيق.

46- حدثنا أبو قلابة قال: حدثني نصر بن علي قال: سألت الأصمعي عن قول علي بن أبي طالب عليه السلام -[126]- لما مر طلحة وهو صريعٌ، فقال: إلى الله أشكو عجري وبجري. فقال الأصمعي: يعني همومي وحزني التي تردد في صدري.

47- حدثني محمد بن الحسين الحنيني وبشر بن موسى قالا: ثنا الأصمعي، ثنا العلاء بن أسلم، عن رؤبة بن العجاج قال: أتيت النساب البكري فقال: من أنت؟ قلت: ابن العجاج، قال: قصرت وعرفت، لعلك كقومٍ يأتوني، إن سكت عنهم لم يسألوني، وإن حدثتهم لم يعوا عني! قلت: أرجو أن لا أكون كذاك، قال: فما أعداء المروءة؟ قلت: تخبرني، قال: بنو عم سوءٍ إن رأوا صالحاً دفنوه، وإن رأوا شراً أذاعوه، قال: ثم قال: إن للعلم آفة ونكداً وهجنةً، فآفته: نسيانه، ونكده: الكذب فيه، وهجنته: نشره في غير أهله، قال: ثم وضع يده على -[127]- صدره، فقال: ترون تابوتي هذا ما جعلت فيه شيئاً قط إلا أداه إلي. وهذا لفظ محمد بن الحسين. وانتهى حديث بشر بن موسى إلى قوله: نشره في غير أهله. قال بشرٌ: وزادني أبي فيه عن الأصمعي، فذكر بقية الحديث.

48- حدثنا أحمد بن عبيد، ثنا الأصمعي، عن الذهلي، عن الشعبي قال: لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة تلقته رجالٌ من وجوه قريش فقالوا: الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلى أمرك، فما رد عليهم جواباً حتى دخل المدينة، فقصد المسجد وعلا المنبر فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أما بعد فإني والله ما وليت أمركم حين وليته وأنا أعلم أنكم [لا] تسرون بولايتي ولا تحبونها، وإني لعالم بما في نفوسكم، ولكني خالستكم بسيفي هذا مخالسةً، -[128]- ولقد رمت نفسي على عمل ابن أبي قحافة فلم أجدها تقوم بذلك، وأردتها على عمل ابن الخطاب فكانت منه أشد نفوراً، وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت علي، وأين مثل هؤلاء!؟ هيهات أن يدرك فضلهم أحدٌ ممن بعدهم، رحمة الله ورضوانه عليهم، غير أني قد سلكت بها طريقاً، لي فيه منفعةٌ ولكم فيه مثل ذلك، ولكلٍ فيه مواكلةٌ حسنةٌ ومشاربة جميلةٌ ما استقامت السيرة وحسنت الطاعة، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خيركم لكم، والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه، ومهما تقدم مما قد علمتموه فقد جعلته دبر أذني، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فارضوا مني ببعضه، فإنها ليست بقائبة قوبها، وإن السيل إذا جاء تترى، وإن قل أغثى، وإياكم والفتنة فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستئصال، واستغفروا الله لي ولكم ثم نزل. قال أبو جعفر: القائبة: البيضة. والقوب: الفرخ، يقال: قابت البيضة تقوب إذا انفلقت عن البيضة.

49- حدثنا أبو قلابة قال: حدثني أبو سعيد الأصمعي، عن المبارك بن فضالة قال: سمعت الحسن يقول: خرج علينا من قصره، يأمرنا بالمعروف ويتركه، وينهانا عن المنكر ويركبه، أهزل دينه وأسمن برذونه، يدعو بحارٍ بعد بارد، وبباردٍ بعد حار، يا جارية: هات حاطوماً، ويلك وهل تحطم إلا دينك. آخر المنتقى من السابع، ومن الثامن بعده.

50- حدثنا بشر بن موسى، ثنا الأصمعي، ثنا أبو المهدي قال: ربما أصابنا صناديد من البرد تقتل الظبا.

51- حدثنا بشر بن موسى قال: سمعت الأصمعي يقول: قال عمر: لا تعيش بعقل أحدٍ حتى تعيش بظنه.

52- حدثنا بشر بن موسى قال: سمعت الأصمعي يقول: لما دفن ابن عمر واقداً ضحك على قبره، فغضب أخوه لذلك، فقال: إني كايدت به الشيطان.

53- حدثنا العباس بن محمد بن حاتم الدوري، ثنا عبد الملك بن قريب، ثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، قال: حدثني أبي: أنه شهد عرفة مع ابن عمر فرأى رجلاً واقفاً على حدةٍ، فقال: من هذا؟ قالوا: نجدة. -[131]- قال: فمن هذا؟ قالوا: ابن الزبير. قال: فمن هذا الآخر: قالوا: فلان. قال الأصمعي: فقلت أنا: ابن الحنفية؟ قال: نعم. قال: فقال ابن عمر: لشد ما أكبر هؤلاء دنياهم.

54- حدثنا العباس بن محمد، ثنا الأصمعي، عن ابن عون قال: كان ابن سيرين يكره إذا اشترى شيئاً أن يستوضع من ثمنه بعد البيع، ويقول: هذا من المسألة.

55- حدثنا العباس بن محمد، ثنا الأصمعي، عن ابن عون قال: -[132]- كان محمد [بن سيرين] يذكر أن عبد الله بن عمر كره أن يقول الرجل: شيعت شهر رمضان، يعني إذا صام بعده أياماً.

56- حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح، ثنا الأصمعي قال: اجتمع عدةٌ من الشعراء، منهم: حميد بن ثور، ومزاحم بن مصرف العقيلي، والعجير السلولي فقالوا: ائتوا بنا -[133]- منزل يزيد بن الطثرية نتهكم به، فأتوه فلم يكن في منزله، فخرجت صبيةٌ له تدرج فقالت: ما أردتم؟ قالوا: أباك، قالت: وما تريدون منه؟ قالوا: أردنا أن نتهكمه. فنظرت في وجوههم ثم قالت: تجمعتم من كل أفقٍ وجانبٍ ... على واحدٍ لا زلتم قرن واحد قالوا: فغلبنا والله.

57- حدثنا محمد بن يونس، ثنا الأصمعي قال: حدثني أبي قال: رأى رجلٌ في المنام جرير بن الخطفي، فقال: ما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي. قال: بماذا؟ قال: بتكبيرةٍ كبرتها لله عز وجل على ظهر ماءٍ بالبادية، قال: فقلت: ما فعل أخوك الفرزدق؟ قال: ايهاه، أهلكه قذف المحصنات. -[134]- قال الأصمعي: لم يدعه في الحياة ولا في الممات.

58- حدثنا محمد بن يونس، ثنا الأصمعي، ثنا شبيب ابن شيبة الخطيب قال: كتب هشام بن عبد الملك بن مروان إلى أبيه عبد الملك: يا أمير المؤمنين إنه حدثت في ابنك خصالٌ ثلاثٌ: يصعد المنبر فلا يستطيع الخطبة، وتوضع المائدة بين يديه فلا ينال منها إلا اليسير، وفي قصره مئة جارية لا يكاد يصل إلى كبير شيء منهن، فكتب إليه عبد الملك: أما قولك: إنك تصعد المنبر فلا تستطيع الخطبة، فإذا صعدت فارم بطرفك إلى مواخير الناس، فإنه يهون عليك من بين يديك، وأما قولك في الطعام، فمر الخباز أن يستكثر من الألوان، فإنه لا يعدمك من كل لونٍ لقمة، وأما قولك في الجواري فعليك بكل بيضاء بضة وحسب.

59- حدثنا محمد بن يونس، ثنا الأصمعي، ثنا شبيب بن شبيبة قال: خطبت إلى بعض أحياء بني تميم بالبادية، فوافق ذلك مني نشاطاً، فقلت وأطنبت حتى ظننت أني قد أبلغت، فرد علي أعرابيٌ ملتحفٌ بعباءةٍله، فأخرج يده منها وقال: توصلت بحرمةٍ، واستقربت برحمٍ ماسة، وأدللت بحقٍ واجب، ودعوت إلى سنة، وأنت كفؤ كريم، فمرحباً بك وأهلاً، فرضك مقبول وحضضت على خيرٍ، والذي سألت مبذولٌ، وبالله التوفيق. قال شبيب: فلو كان قدم في صدر كلامه حمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكان قد فضحني.

60- حدثنا العباس بن محمد وأحمد بن أبي خيثمة قالا: ثنا يحيى بن معين، ثنا الأصمعي، عن شعبة -[136]- أن سماك بن حرب قال له: امض بنا إلى المشرق يعني المصلى

61- وبه ثنا إلى الأصمعي قال: أخبرني شعبة: أن سماك بن حرب قال: ما حسبوا ضيفهم: أي ما أكرموه

62- حدثنا العباس بن محمد قال: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت الأصمعي يقول: سمع مني مالك بن أنس

63- حدثنا العباس بن محمد قال: سمعت يحيى بن معين يقول -[137]- قد روى مالك بن أنس عن شيخٍ يقال له: عبد الملك بن قرير، وهو الأصمعي، ولكن في كتاب مالكٍ: عبد الملك بن قرير، وهو خطأ إنما هو الأصمعي.

64- حدثنا محمد بن يونس، ثنا الأصمعي قال: أخبرني أبو عمرو العدوي عثمان بن سليمان قال: خرجت في نفر من هذيل من أهل البصرة نريد باديةً لهم في أمرٍ طرقهم، وكان مسيرنا إليها ثلاثاً، قال: فنزلنا في الليلة الأولى على حيٍ من بني مازنٍ، فقصدنا بيتاً رحباً، فإذا ببابه رجلٌ وامرأةٌ وهما صاحبا البيت، فسلمنا فردت المرأة السلام وحيت وأظهرت بشراً وبشاشةً، وأعرض الرجل وأظهر تبرماً وتضجرا، فقالت لنا المرأة: انزلوا بالرحب والسعة فقال الرجل: ما عندنا موضعٌ لنزولكم، فقالت المرأة: سبحان الله تقول هذا لضيفانٍ قد حلوا بنا، ووجب حقهم علينا، انزلوا بارك الله فيكم، فظهر منا انقباضٌ ونفور لما سمعنا من بعلها، فقالت لا يحشمنكم ما سمعتم منها، فإن له فيما أبداه من ذلك عذراً، وأمرت أتباعها فأحدقوا بنا، وأنزلونا، وانطلق بعلها كالحاً وجهه كالمغضب، فكثر منه -[138]- تعجبنا إذ ليس نعرف ذلك من أخلاق العرب، وبتنا ليلتنا خير مبيت، ما تركت المرأة كرامةً إلا أكرمتنا بها، وأصبحنا فأخذنا الطريق حتى أمسينا في حيٍ آخر، فقصدنا بيتاً آخر ضخماً، فإذا ببابه رجلٌ وامرأةٌ، وهما صاحبا البيت، فسلمنا فرد الرجل السلام، وحيا وأظهر بشراً وبشاشةً، وأعرضت المرأة وأظهرت تبرما بنا وكراهة لمكاننا، فقال لنا الرجل: انزلوا بالرحب والسعة، فقالت المرأة: وكيف تنزلهم وما عندنا ما يصلحهم؟!، فقال الرجل: سبحان الله تقولين هذا لضيفانٍ قد حلوا بنا ووجب حقهم علينا! انزلوا بارك الله فيكم، فإنا عندنا كل الذي يصلحكم، فظهر منا انقباضٌ شديدٌ لما سمعنا من زوجته فقال: لا يحشمنكم ما سمعتم من هذه الحرمة، فإن لها فيما أبدته من ذلك عذراً، وأمر أتباعه فأحدقوا بنا فأنزلونا ودخلت المرأة البيت مغضبةً، فورد علينا من ذلك ما قدم وحدث، وأطلنا المناجاة فيما بيننا نعجب من الأول وزوجته، ومن هذا وزوجته ونقول: ما في جميع العرب لذلك البيت ولا لهذا البيت شبهٌ، ولو لم نفد في وجهنا هذا إلا ما شاهدناه من هذا الأمر لكان ذلك فائدة تؤثر وتذكر. قال: وصاحب البيت يتأملنا ويصغي إلينا ثم أقبل علينا فقال: من أين خرجتم؟ فقلنا: من البصرة. قال: ومتى فارقتموها؟ قلنا: غداة -[139]- أمس، قال: فبمن بتم البارحة؟ فقلنا: ببني فلان، فقال: وفي منزل من؟ فقلنا: في منزل رجل يقال له: فلان، قال: فإني رأيتكم تتحدثون بينكم حديثاً تكثرون منه التعجب فما ذاك؟ فقلنا: إذاً والله نخبرك أنه كان من الأمر كذا وكان كذا، فقال: قد ظننت ذاك، أفلا أخبركم بما هو أعجب مما تتعجبون منه؟ قلنا: بلى، قال: اعلموا حياكم الله أن تلك المرأة التي بتم بها أختي لأبي وأمي، وأن ذاك الرجل بعلها أخو زوجتي هذه لأبيها وأمها، والذي رأيتم من جماعتنا خلق جبلنا عليه لا تكلف فيه، فقلنا: الحمد لله الذي جبلك على أخلاق الكرماء من الرجال. قال: وما زال لنا صديقاً بعد ذلك. قال الأصمعي: وما سمعت بمثل هذا الاتفاق في شيء من أخلاق العرب.

65- حدثنا أحمد بن سعيد بن إبراهيم الزهري، ثنا محمد ابن أبي صفوان، ثنا الأصمعي، عن ابن أبي الزناد قال: كانت أسماء ابنة أبي بكر أكبر من عائشة بعشر سنين.

66- حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، ثنا داود بن رشيد، ثنا عبد الملك بن قريب الأصمعي، عن جرير بن عبيدة رجلٍ من بني عدي قال: قال لي أبي: أتيت العلاء بن زياد فذكرت له وسوسةً أجدها في صدري فقال: إنما مثل ذلك مثل البيت الذي تطرقه اللصوص، فإن كان فيه شيء عالجوه، وإلا مضوا وتركوه، فكذلك قلب المؤمن، إنما يعرض له الشيطان إذا كان فيه خيرٌ.

67- حدثنا إبراهيم ابن إسحاق، ثنا داود بن رشيد، ثنا الأصمعي، عن أبي جميع، عن أبي يزيد المدني قال: كان عكرمة إذا رأى السوال يوم الجمعة سبهم فقلت له: ما تريد منهم؟ فقال: كان ابن عباس يسبهم إذا رآهم، فقلت له كما قلت لي، فقال: إنهم لا يشهدون للمسلمين عيداً ولا جمعة إلا للمسألة والأذى، فإذا كانت رغبة الناس إلى الله كانت رغبتهم إلى الناس.

68- حدثنا إبراهيم بن إسحاق، ثنا داود بن رشيد، ثنا الأصمعي، عن بشير بن عقبة، عن مجاهد: في قوله تعالى: {بينهما برزخٌ لا يبغيان} . قال: لا يبغي المالح على العذب، ولا العذب على المالح.

69- حدثنا إبراهيم، ثنا داود، ثنا الأصمعي، عن أبي الأشهب، عن الحسن: أن رجلاً كان يغشى السلطان، ويأتيهم ويصيب منهم، فلما وقعت الفتن جلس في بيته فكلمه بنوه وقالوا: لو عاودتهم، قال: لا أفعل، ولأن ألقى الله عز وجل مؤمناً مهزولاً أحب إلي من أن ألقاه منافقاً سميناً.

70- حدثنا الحسن بن عليل العنبري، ثنا نصر بن علي، ثنا الأصمعي، عن معتمر بن سليمان قال: قال لي أبي: -[142]- يا بني ليس اللعنة بسوادٍ في الوجه، ولا بوسخٍ في الثوب، ولكن اللعنة ألا تفلت من ذنبٍ حتى تقع في آخر.

71- حدثنا الحسن بن عليل، ثنا نصر بن علي وعباس الرياشي قالا: ثنا الأصمعي، عن ابن أبي الزناد قال: اتكأ رجل من ولد عمر بن الخطاب على عضيد بالمدينة -قال الأصمعي: والعضيد: الدستياب، يعني: النخلة التي تنال الأيدي ثمرها- فجعل يتناول الرطب ويأكل، فأحصوا تحته ألف نواة، فإذا هو قد أكل في موضعه ألف رطبة. آخر الأول من انتخابي يتلوه في الذي بعده قول أبي عمرو ابن العلاء: إذا كنت في تيم ففاخر بدارم. قرأ علي جميعه الولد العزيز أبو حفص عمر بن أحمد بن أبي بكر المقدسي في صفر سنة إحدى وثلاثين وست مائة.

كتبه محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي. والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.

[الجزء الثاني]

[الجزء الثاني] 72- حدثنا عبد الله [بن عمرو بن أبي سعد] ، ثنا أحمد [بن معاوية] ثنا الأصمعي، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: كانت تماضر ابنة منظور بن زبان تحت عبد الله بن الزبير، فجعلت إليها خولة ابنة منظور بن زبان أختها أمرها في النكاح، فجعلت تماضر الأمر إلى عبد الله بن الزبير فزوجها الحسن بن علي رضي الله عنهما، فبلغ ذلك منظوراً فقدم المدينة مغضباً فأتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فركز رايته فيه، فاجتمعت قيس تحتها فقيل له: ما شأنك؟ فقال: لست بالرجل الذي يفتات عليه في -[146]- بناته، فأتى ابن الزبير الحسن فقال: اجعل أمر ابنته إليه ففعل، فأقرها عنده وانصرف.

73- حدثنا عبد الله، [بن عمرو بن أبي سعد] . ثنا أحمد [بن معاوية] قال: ثنا الأصمعي قال: ولي الحجاج العراق عشرين سنةً، صار إليها في سنة خمسٍ وسبعين، وكانت ولايته أيام عبد الملك إحدى عشرة سنة، وفي أيام الوليد تسع سنين، وبنى ((واسط)) في سنتين، وفرغ منها في السنة التي مات فيها عبد الملك سنة ستٍ وثمانين. وكان الحجاج لما احتضر استخلف يزيد بن أبي كبشة على الصلاة والحرب، ومات الوليد بعد الحجاج بتسعة أشهر.

74- حدثنا عبد الله، ثنا أحمد قال: ثنا الأصمعي قال: قال خالد بن صفوان: -[147]- ليس شيءٌ أحسن من المعروف إلا ثوابه، وليس كل من أمكنه أن يصنعه تكون له فيه نية، وليس كل من تكون له فيه نيةٌ يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت النية والإمكان والإذن فقد تمت السعادة.

75- حدثنا عبد الله، ثنا أحمد قال: ثنا الأصمعي، عن عيسى بن عمر قال: كان محمد بن مروان قوياً في بدنه شديد البأس، فكان عبد الملك يحسده على ذلك، وعلى أشياء كان لا يزال يراها منه، وكان يداريه ويساتره حتى قتل مصعب بن الزبير، وانتظمت له الأمور فجعل يبدي له الشيء بعد الشيء مما في نفسه، ويقابله بما يكره من القول، ويبلغه عنه أكثر من ذلك، فلما رأى محمدٌ -[148]- ما أظهره له عبد الملك تهيأ للرحيل إلى أرمينية وأصلح شأنه وجهازه ورحلت إبله، حتى إذا استقلت للمسير دخل على عبد الملك مودعاً فلما خاطبه قال عبد الملك: وما السبب في ذلك؟ وما الذي بعثك عليه، فأنشأ يقول: وإنك لا ترى طرداً لحرٍ ... كإلصاقٍ به بعض الهوان فلو كنا بمنزلةٍ جميعاً ... جريت وأنت مضطرب العنان فقال له عبد الملك: أقسمت عليك إلا ما أقمت، فوالله لا رأيت مكروهاً بعدها فأقام.

76- قال وحدثنا الأصمعي قال: حدثني عبد الرحمن ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: اختصم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حسان بن ثابت وخصمٌ له، فسمع منهما وقضى على حسان فخرج وهو -[149]- مهموم، فمر بابن عباس فأخبره بقصته، فقال له ابن عباس: لو كنت أنا الحاكم بينكما لحكمت لك، فرجع حسان إلى عمر وأخبره، فبعث عمر إلى ابن عباس فأتاه، فسأله عما قال حسان فصدقه، فسأله عن الحجة في ذلك فأخبره فرجع عمر إلى قول ابن عباس وحكم لحسان، فخرج وهو آخذٌ بيد ابن عباس وهو يقول: إذا ما بن عباسٍ بدا لك وجهه ... رأيت له في كل منزلةٍ فضلا قضى وشفى ما في النفوس فلم يدع ... لذي إربةٍ في القول جداً ولا هزلا

77- قال: وحدثنا الأصمعي، عن المعتمر بن سليمان، عن شعيب بن درهم قال: -[150]- كان هذا المكان -وأومأ إلى مجرى الدموع من خديه- من خدي ابن عباس مثل الشراك البالي، يعني من كثرة البكاء.

78- قال: وحدثنا الأصمعي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن أنا أفقه من بال، فقال ابن عباس: أجل في المباول، وعجب من قوله. قال: وقال الزهري: قال أبو سلمة: لو رفقت بابن عباس لأفدت منه علماً كثيراً، قال: وكان أبو سلمة ينازع ابن عباس في المسائل ويماريه، فبلغ ذلك عائشة فقالت: إنما مثلك يا أبا سلمة مثل الفروج سمع الديكة تصيح فصاح معها، يعني أنك لم تبلغ مبلغ ابن عباس وأنت تماريه، قال: وقدم أبو سلمة الكوفة، فجلس بين رجلين فقال له أحدهما: أي أهل المدينة أفقه؟ فقال: رجلٌ بينكما.

79- قال: وحدثني الأصمعي عن جويرية بن أسماء: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدم مكة فجعل يجتاز في سككها فيقول لأهل المنازل قموا أفنيتكم، فمر بأبي سفيان فقال: يا أبا سفيان قموا فناءكم، فقال: نعم يا أمير المؤمنين يجيء مهاننا، ثم إن عمر اجتاز بعد ذلك فرأى الفناء كما كان فقال: يا أبا سفيان ألم آمرك أن تقموا فناءكم؟! قال: بلى يا أمير المؤمنين ونحن نفعل إذا جاء مهاننا، قال: فعلاه بالدرة بين أذنيه فضربه، فسمعت هندٌ فقالت: أتضربه؟! أما والله لرب يومٍ لو ضربته لاقشعر بك بطن مكة فقال عمر: صدقت ولكن الله عز وجل رفع بالإسلام أقواماً ووضع به آخرين.

80- قال: وحدثنا الأصمعي عن جويرية بن أسماء قال: -[152]- مر حكيم بن حزام -وقد كبر- بشبابٍ من شباب قريش وهو يهدج على عصاه، فقال بعضهم: قوموا إلى هذا الشيخ الذي قد خرف، فقاموا إليه فقال له شابٌ منهم: يا عم، متى أبعد عقلك؟ قال: فنظر إليه حكيم وعلم ما أراد، فقال له ابن فلان؟ قال: نعم، قال: أبعد عقلي أني أعرف أباك قيناً قال: وكان حكيم غير متهم فإنهم ليعيرون بكلمة حكيم إلى يومهم هذا.

81- قال: وحدثنا الأصمعي، ثنا جرير بن حازم، عن الحسن أنه ذكر يوم الحرة فقال: والله ما كاد ينجو منهم أحدٌ، ولقد قتل ابنا زينب بنت أم سلمة، وهي ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت بهما فوضعا بين يديها فقالت: والله إن المصيبة علي فيكم لعظيمةٌ، وهي في هذا -وأومأت إلى إحدهما- أعظم منها في -[153]- هذا -وأشارت إلى الآخر- لأن هذا بسط يده، ولست آمن عليه، وأما هذا فقعد في بيته، فدخل عليه فقتل فأنا أرجو له.

82- حدثنا أحمد بن عثمان بن سعيد الخليلي الأنماطي، ثنا أبو عمرو بن خلاد الباهلي قال: سمعت الأصمعي يقول: كان عبد الله بن عكيم يحب عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يحب علياً رضي الله عنه، وكانا متواخيين، فما تذاكرا شيئاً قط إلا ابن عكيم قال يوماً لعبد الرحمن في كلام جرى لو أن صاحبك كان صبر لأتاه الناس قال: وكان زر بن حبيش يحب علياً، وكان شقيق بن سلمة -[154]- يحب عثمان وكانا متواخيين، فما تذاكرا قط شيئاً حتى ماتا.

83- حدثنا محمد بن القاسم قال: ثنا الأصمعي قال: وقف علينا أعرابيٌ من غني في عام الحطمة فقال: عجعجت الخيل ودبت وشاة غني، والله ما أصبحنا ننفخ في وضحٍ ولالنا في الديوان من وشمٍ، وإنا لعيال حزبة، وإنه لا قليل من الأجر، ولا غنى عن الله عز وجل. قال أبو عبد الله: الوشاة: السعاة الذين يسعون بين الناس بالنميمة، وننفخ في وضح: أي لا لبن لنا، وفي الديوان من وشمٍ: أي ليس لنا فيه اسم فنعطى. وعيال حزبة: أي كثير عددهم.

84- حدثنا محمد بن يونس، قال ثنا الأصمعي قال: كان أعرابيان متواخيين بالبادية، فاستوطن أحدهما الريف، واختلف إلى باب الحجاج بن يوسف فاستعمله على أصبهان، فسمع به أخوه الذي بالبادية، فضرب إليه فأقام ببابه حيناً لا يصل، ثم أذن له بالدخول، فأخذه الحاجب فمشى وجعل -[155]- يوصيه ويقول: سلم على الأمير فلم يلتفت إلى وصيته وأنشأ يقول: ولست مسلماً ما دمت حياً ... على زيدٍ بتسليم الأمير فقال زيد: إذاً ما أبالي، فقال الأعرابي: أتذكر [إذ] لحافك جلد شاةٍ ... وإذ نعلاك من جلد البعير فقال: نعم، وإني لأذكر ذلك، فقال الأعرابي: فسبحان الذي أعطاك ملكاً ... وعلمك الجلوس على السرير قال: فأدناه وساءله، وأمر له ببغلةٍ فركبها وانطلق فإذا هي نفرت وألقته صريعاً فأنشأ يقول: أقول للبغل لما كاد يقتلني ... لا بارك الله في زيد وما وهبا -[156]- إذ جاء بالبغل لما جئت سائله ... وأمسك الفضة البيضاء والذهبا

85- حدثنا محمد بن يونس، قال: حدثنا الأصمعي، عن ابن عيينة، عن محمد بن سوقة قال: كان رجلان متآخيين فسأل أحدهما الآخر من ماله فمنعه، فلم ير ذلك نقص مما كان له عليه من المودة شيئاً فقال له المانع: سألتني ممكناً فمنعتك، فلم أر ذلك نقص مما كنت لي عليه من المودة شيئاً، فقال: يا أخي، إنما آخيتك على أمر كنت عليه لم تزل عنه فأنا على ذلك، فقال: إنما منعتك لأختبرك فإذا قد رأيت ذاك منك فابسط يدك من مالي إلى ما شئت فأنت فيه بمنزلتي.

86- حدثني أبو بكر بن أبي الدنيا، قال: حدثني محمد ابن إبراهيم بن المسور القرشي، عن الأصمعي قال: قيل لأعرابي ما بلغ من حزمك قال: لا أتكلف ما كفيت ولا أضيع ما وليت.

87- وعن الأصمعي قال: كان سعيد بن جبير مولى لبني والبة، قتله الحجاج في سنة أربعٍ وتسعين، وهو ابن تسعٍ وأربعين سنة.

88- حدثني الحسن بن عليل العنزي قال: أخبرني أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الله بن قريب، ابن أخي الأصمعي قال: حدثني عمي قال: تزوج رجلٌ من الأعراب امرأةً من خزاعة، فأرسل إليها مع غلام له ثلاثين شاة وزقاً من شراب، فلما صار الغلام في بعض الطريق ذبح شاةً فأكلها، وشرب من الزق شيئاً، ثم أوصل إلى المرأة الوديعة، فلما أراد أن ينصرف إلى مولاه قال لها: يا مولاتي ألك حاجةٌ؟ قالت: نعم، إذا أتيت مولاك فأخبره أن الشهر كان محاقاً وأن سحيماً راعي شائنا أتاناً مرثوماً، قال: فلما صار -[158]- إليه قال: ما صنعت؟ قال: أوصلت إليها ما كان معي، قال: فهل أوصتك بشيء؟ قال: نعم، قالت: قل له كذا وكذا، فدعا بالهراوة فقال: والله لأضربنك حتى تصدق، فقال: إن صدقتك تعفو عني؟ قال: نعم، فصدقه فعفى عنه.

89- حدثنا أحمد بن الخليل بن سعد الدوري قال: سمعت الأصمعي يقول: إنما سمي عمرو بن عامر مزيقياء لأنه كان يلبس في كل يوم حلتين، فإذا أمسى مزقتا لئلا يلبسهما أحدٌ بعده ترفعاً، كأنه لا يرى أحداً من الناس أهلاً أن يعلوه ما علاه من الثياب. قال: وعاش عمرو بن عامر ثمان مئة سنة، منها أربع مئة كان فيها سوقة، وأربع مئة كان فيها ملكاً.

90- حدثنا أحمد بن الخليل قال: حدثنا الأصمعي، عن سلمة، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن العباس قال: ولد بقطر بن عابرٍ ثلاثة عشر ذكراً لصلبه، فبعث الله -[159]- عز وجل إليهم أنبياء، فكذب عشرةٌ منهم وأولادهم ومن كان من نسلهم أنبياءهم فهلكوا، وهم ممن قال الله عز وجل: {وقروناً بين ذلك كثيراً} ونجا الثلاثة الباقون، لأنهم صدقوا أنبياءهم، وهم: حضرموت بن بقطر، والسلف بن بقطر، والمودان. قال: وكان هؤلاء من أرض الحجاز إلى حدود الشام. وأما عمرو بن عامر فإنه كان بمأرب، وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. ومأرب هي أرض سبأ التي ذكر الله عز وجل في القرآن أنه أرسل عليهم سيل العرم.

91- حدثنا أبو عمران موسى بن سهل الجوي، قال: حدثنا ابن أخي الأصمعي، حدثني عمي قال: كنت عند أمير المؤمنين الرشيد ومعنا سعيد بن سلم، فلما كان نحو نصف النهار انصرفا، فإذا نحن بيهوديين ضريرين، أحدهما يقود صاحبه، وقال أحدهما للآخر -وليس يعلم أن أحداً يسمع كلامهما-: ويحك قد أقرح سنديٌ الحرسي قلوب الخلق، فقل معي: يا حليم ذو أناء، لا تعجل على الخطائين وإنما -[160]- تؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، لا طاقة لنا بسعة حلمك عن سندي الحرسي، وأنت العليم الحكيم. قال الأصمعي: فقلت لسعيد: هل سمعت؟ قال: قد سمعت. قال الأصمعي: فلما وصلت إلى منزلي رميت بثيابي لأستريح، فإذا رسول الخليفة يدعوني إليه فراعني ذلك، وصرت مع الرسول فإذا هو جالسٌ في مجلسه ذلك فقال لي: لا ترع، إنكم لما نهضتم غفوت فإذا قائلٌ يقول لي: اعزل سندي الحرسي عن رقاب الناس، وسل الأصمعي عما سمع. قال: فحدثته الحديث فظهر عليه من الخشوع والجزع شيءٌ عظيمٌ، وعلم أنها دعوةٌ استجيبت من وقتها، وبعث فأشخص الحرسي فضربه ألف سوطٍ، ثم أخذ صفة اليهوديين وأمر بطلبهما ببغداد كلها ومسألة اليهود عنهما فلم يعرفا. [قال الضياء المقدسي] : آخر ما انتقيت من أخبار الأصمعي، وكان بعد هذا حكاية واحدة. وقيل: آخر أخبار الأصمعي جمع القاضي أبي محمد عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر، عن شيوخه، والحمد لله -[161]- وحده وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً. عورض ولله الحمد والمنة.

[من مناقب] عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

[من مناقب] عبد الله بن جعفر بن أبي طالب 1- أخبرنا الإمام أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي بقراءتي عليه بحلب، قلت له: أخبركم أبو المظفر عبد الله بن طاهر بن فارس الخياط التاجر ببلخ بقراءة الإمام أبي سعد السمعاني في سنة ست وأربعين وخمس مائة، أنبا أبو البقاء المعمر بن محمد بن علي الحبال، أنبا الشريف أبو الطيب أحمد بن علي الطالبي، ثنا أبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي، أنبا أبو داود سليمان بن يزيد الفامي بقزوين، أنبا محمد بن زكريا، أنبا عبد الله بن سلمان المدني، عن أمه قالت: خرج عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما ذات يوم وقعد له ناسٌ يسألونه حوائجهم، فلم يسأله أحدٌ حاجةً -[163]- إلا أمر له بها وقضاها له، وأقبل نحوه نصيب الشاعر، فلما نظر إلى وجهه نزل وأخذ بيده فقبلها وقال: يا بن الطيار في الجنة: لزمت ((نعم)) حتى كأنك لم تكن ... عرفت من الأشياء شيئاً سوى ((نعم)) وعاديت ((لا)) حتى كأنك لم تكن ... سمعت ب ((لا)) في سالف الدهر والأمم قال عبد الله بن جعفر: حاجتك؟ قال: هذه رواحلي تميرني عليها، قال: أنخ أنخ، قال فخلى عليها من التمر والبر ما لم ير مثله قط، ونهض وما يطيق النهوض، وأمر له بعشرة آلاف درهم. قال: فلما ولى قال له قائل: يا بن الطيار، كل هذه للأسود؟ -[164]- فقال له: دعه، لا أبالك، فإنما هي رواحل تنضى، وثيابٌ تبلى، وطعامٌ يفنى، وثناء يبقى.

2- أخبرنا الشيخ الإمام الخطيب أبو الفضل عبد الله بن محمد بن عبد القاهر الطوسي كتابة، أن أبا الحسين أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف أخبرهم سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، أنبا أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد قراءة عليه قال: قرئ على أبي سهل أحمد بن عبد الله بن زياد القطان وأنا أسمع، قال: حدثنا إسحاق بن محمد بن أحمد النخعي، ثنا داود بن الهيثم، عن أبيه، عن إسحاق بن عبد الله بن جعفر قال: جاءت امرأةٌ إلى عبد الله بن جعفر فقالت له: يا سيدي وهب لي بعض جاراتي بيضةٌ، فحضنتها تحت يدي حتى خرجت فروجة، فغدوتها بأطيب الطعام حتى بلغت، وقد ذبحتها وشويتها وكفنتها برقاقتين، وجعلت لله علي نذرٌ أن أدفنها في -[165]- أكرم بقعة في الأرض، ولا والله ما أعلم بقعة أكرم من بطنك، كلها، قال: يا بديح خذها منها وامضه فانظر الدار التي فيها ألها هي؟ فإن كانت لها فاشتر لها ما حولها من الدور، وإن لم يكن لها فاشترها لها وما حواليها. فذهب ثم رجع فقال: قد اشتريت الدار لها وما حواليها، فقال: احمل لها على ثلاثين بعيراً حنطةً وشعيراً وأرزاً وزبيباً وتمراً ودراهم ودنانير وبزاً، قالت العجوز: يا سيدي لا تسرف، إن الله لا يحب المسرفين.

3- وبه حدثنا إسحاق بن محمد بن أحمد النحعي قال: وأخبرني الحسن بن سعيد الأصفهاني، عن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر ح قال وحدثني إسحاق قال: وأخبرني داود بن الهيثم، عن أبيه، عن جده إسحاق: أن أعرابياً أتى عبد الله بن جعفر وهو محمومٌ فأنشأ يقول: -[166]- كم لوعة للندى وكم قلقٍ ... للجود والمكرمات من قلقك ألبسك الله منه عافيةً ... في نومك المعتري وفي أرقك أخرج من جسمك السقام كما ... أخرج ذم الفعال من عنقك قال: فأمر له بألف دينار.

4- أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي بقراءتي عليه بمرو، قلت له: أخبركم أبو القاسم الجنيد بن محمد بن علي.. قراءة عليه، قال: أنبا الإمام أبو الفضل محمد بن أحمد بن جعفر الطبسي، أنبا أبو الحسن محمد ابن القاسم الفارسي، ثنا أبو بكر أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار القرشي، ثنا أحمد بن علي بن هارون المقدسي، ثنا سعيد بن هاشم ابن سعيد، ثنا أبي، سمعت عثمان بن أبي مسعود المسعودي -وكان أحد موالي عبد الله بن جعفر- قال: -[167]- أتت امرأةٌ عبد الله بن جعفر فسلمت ثم قالت: إني أتيتك من بلدةٍ شاسعة ترفعني رافعة وتهبطني هابطة بملحفاتٍ من الزمان، وملمات من الحدثان، برين عظمي وأذهبن بلحمي، وتركتني والهةً أمشي بالحريض قد ضاق في البلد العريض، فقدمت بلاداً ليس لي فيهم حميمٌ يعينني، ولا عشيرةٌ تحميني بعد عدةٍ من الولد ووفورٍ من العدد، فسألت عن المرجو نائله، المكفي سائله، فدللت عليك، وأنا امرأةٌ من هوازن قد مات عني الولد، ومثلك يسد الخلة ويفك الغلة، فاختر من إحدى ثلاث، إما أن تقيم أودي، أو تحسن صفدي، أو تردني إلى بلدي، فقال عبد الله بن جعفر: أجمعهن لك. فأمر لها بزادٍ وراحلةٍ وعشرة آلاف درهم.

§1/1