مناقب الشافعي للبيهقي

البيهقي، أبو بكر

مناقب الشافعي لأبي بكر أحمَد بْن الحُسَيْن البَيْهَقِي 384 - 458 تحقيق السيد أحمد صقر الجزء الأول مكتبة دار التراث 22 شارع الجمهورية - القاهرة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ • الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ • الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ • مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ • إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ • اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ • صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

مقدمة المحقق

بسم الله الرحمن الرحيم شغف البيهقي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنفق حياته في تحصيلها ودرسها وإيصالها نقية بيضاء إلى أبناء الإسلام الذين افترض عليهم ربهم أن يأخذوا ما آتاهم الرسول، وأن ينتهوا عما نهاهم عنه، والذين أمرهم رسولهم الكريم أن يبلغوا عنه مقالته إلى من بعدهم لتكون كلمة الله وكلمة رسوله باقية على وجه الزمان؛ تنير للمسلمين سبيلهم، وتدير على الحق أعمالهم وأقوالهم، وتجمع قلوبهم على عبادة من خلقهم ورضى لهم الاسلام دين عزة وسعادة في الدنيا والآخرة. * * * وقد دفعه هذا الشغف العظيم إلى العناية بآثار الشافعي: ناصر السنة، ومؤسس فقهها، وفاتح أقفالها، والذي شهد له أعلام العلماء بأنهم ما عرفوا فقه السنَّة إلا بعد أن استخرج مكنونها، واستنبط فنونها، وجلّى دقائقها ببيانه المشرق المتين، وأسلوبه الجزل الرصين. وما كانت عناية البيهقي بآثار الشافعي وليدة الخطرة العابرة، والفكرة السائرة، والنظرة الطائرة، بل كانت وليدة التأمل الوثيق، والتفكر العميق، والاعتبار الدقيق، والمقايسة بين ما كتبه أعلام الأئمة الذين قاموا بعلم الشريعة، وبنوا مذاهبهم على مبلغ علمهم من كتاب الله، وسنة رسول الله. وقد انتهت تلك المقايسة بالبيهقي إلى عرفانه أن الشافعي أكثر الأئمة اتباعا، وأقواهم احتجاجا، وأصحهم قياسا، وأبينهم بيانا، وأفصحهم لسانا،

وأوضحهم إرشادا فيما صنف من كتب في الأصول والفروع جميعا. ولما فرغ البيهقي من تصنيف مصنفاته في السنة ألَّف كتابا عن منشئ السنة وهو كتاب «دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم». ولما انتهى من ترتيب كتب الشافعي وتصنيفها وتخريج أحاديثها رأي كذلك أن يخص الشافعي بكتاب، وقوَّى من عزمه أن بعض أصحابه اقترح عليه تأليف هذا الكتاب، وفي ذلك يقول: «وقد سألني بعض أصحابنا من أهل العلم والبصيرة أن أجمع كتابا مشتملا على ذكر مولد الشافعي ونسبه، وتعلمه، وتعليمه، وتصرفه في العلم، وتصانيفه، واعتراف علماء دهره بفضله، وما يستدل به على كمال عقله، وزهده في الدنيا، وورعه، واشتهاره بخصال الخير ومكارم الأخلاق - في وقته وبعد وفاته - فأجبته إلى مسألته؛ اقتصاراً مني في ذكر معرفته بالفقه، وحسن مناظرته على تسمية تصانيفه، وطرف من حكاياته دون ذكر كيفية تصرفه؛ فإن العلم به إنما يقع بالنظر في كتبه المصنفة في أصول الفقه ثم في «المبسوط» المردود إلى ترتيب المختصر، ثم في «السنن» حتى خرجتها على مسائل «المبسوط» في مائتي جزء وأكثر، ثم بالنظر في كتاب «معرفة السنن والآثار» والذي أوردت فيه كلام الشافعي على الأخبار، بالجرح والتعديل، والتصحيح والتعليل في سبعين جزءا، ثم في كتاب «المدخل» المخرج على أصوله. فيستدل بذلك على صحة أصول الشافعي، وحسن بنائه الفروع عليها، موافقا لشريعة المصطفى في اتباع الكتاب، والسنة، والإجماع، وآثار

الصحابة، والقياس على ما ثبت بأحد هذه الأصول. وقد اعترف البيهقي بأنه قد سبق إلى التأليف في هذا الموضوع حيث يقول: «وقد صنف جماعة من أهل العلم في فضل الشافعي، ومناقبه كتبا مشتمله على ذكر ما نقل إليهم من أحواله الجميلة، وأقواله الحسنة، وأفعاله المحمودة، وما خص به من الجمع بين علم الأصول والفروع في أحكام الشريعة، ومشاركة غيره في سائر أنواع العلوم». ولم يكن البيهقي في حديثه هذا بسبيل ذكرها وذكر أصحابها، ولكنه كان يريد الاستشهاد بما ذكره على صحة جواز أن يكون الشافعي هو المراد بحديث عالم قريش؛ لأن الشافعي كما قال: «قد صنَّف الكتب، وفتق العلم، وشرح الأصول والفروع، وعلا في الذكر بما ألف وشرح، وفتح الله على لسانه العلم الكثير، ومر في آذان السامعين، ووعته القلوب، فازداد على مر الأيام حسنا وبيانا». ولكن البيهقي قد ذكر في ثنايا الكتاب: الكتب المصنفة في فضائل الشافعي التي روى عنها أو قرأها، وهي: (1) كتاب أبي سليمان: داود بن علي الأصفهاني، إمام أهل الظاهر (201 - 270) (2) كتاب أبي عبد الله: محمد بن إبراهيم البوشنجي، الملكي (204 - 290) (3) كتاب أبي يحيى: زكريا بن يحيى الساجي المتوفى سنة 307 (4) كتاب أبي محمد: عبد الرحمن بن أبي حاتم (240 - 327)

(5) كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين الآبري العاصمي المتوفى سنة 363 قال السبكي عنه: وهو كتاب حافل رتبه على أربعة وسبعين بابا. (6) كتاب الصاحب بن عباد (326 - 380) (7) كتاب أبي منصور: محمد بن عبد الله بن حمشاذ (316 - 388) (8) كتاب أبي بكر: محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني المتوفى سنة 388 (9) كتاب الحاكم النيسابوري أبي عبد الله محمد بن عبد الله، المعروف بابن البيِّع، قال عنه ابن السبكي: وهو مصنف جامع (321 - 405) (10) كتاب أبي القاسم: حمزة بن يوسف السهمي المتوفى سنة 427) (11) كتاب أبي نعيم: أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني المتوفى سنة 430 وقد ألّف في مناقب الشافعي قبل البيهقي أو في عصره كثير من العلماء - عدا هؤلاء، لكن لم يشر إليهم البيهقي في هذا الكتاب ومنهم: (1) أبو حاتم: محمد بن حبان البستي صاحب الصحيح (المتوفى سنة 354) (2) أبو علي: الحسن بن الحسين بن حمكان الأصبهاني (المتوفى سنة 450) (3) أبو عبد الله: محمد بن أحمد شاكر القطان (المتوفى سنة 407) (4) إسماعيل بن محمد السرخسي القراب (المتوفى سنة 414) (5) أبو منصور: عبد القاهر بن طاهر البغدادي (المتوفى سنة 428) (6) أبو عبد الله: محمد بن سلامة المصري (المتوفى سنة 454) وقد ألف أبو الحسين: محمد بن عبد الله الرازي (المتوفى سنة 347) والد تمام الرازي (330 - 414) كتابا مستقلا فيمن روى عن الشافعي،

ولكن البيهقي لم ينقل عنه، وإنما نقل عن كتاب «أسامي من روى عن الشافعي» للدارقطني. * * * بدأ البيهقي كتابه ببيان فضل أهل الحديث، وأنهم الطائفة القائمة على إحقاق الحق حتى تقوم الساعة، كما وعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم. ثم تحدث عن فضل قريش وما جاء في تخصيصها بالتقديم والاتباع، وأن الشافعي هو المشار إليه بحديث النبي، صلى الله عليه وسلم: أن عالم قريش يملأ طبق الأرض علما. ثم تحدث عما جاء في تخصيص بني هاشم بالاصطفاء وبني عبد المطلب الذين ينتمي إليهم الشافعي، وتفضيل أهل اليمن بالإيمان، والفقه، والحكمة. ثم فصل القول في حديث: «يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» وتأويل بعض العلماء لهذا الحديث بأن الذي جاء على رأس المائة الثانية هو الشافعي. ثم نقد البيهقي العلماء الذين ظفروا بالوجاهة والثروة عند الرؤساء، ونالوا من الشافعي، ورمَوْه بأنه كان قليل العلم بالكتاب، وأنه لم يكن من أهل الاجتهاد، وأعقبه بالحديث عمن آذى قرابة الرسول أو أراد هوانهم، ثم بين سبب تأليفه للكتاب. وتحدث بعد ذلك عن مولد الشافعي، ومكان ولادته ونسبه، وأفاض القول في ذلك إضافة شافية مقنعة. ثم تحدث عن تعليم الشافعي، وما روي في اشتغاله بتعلم الأدب والشعر وعن رحلته وهو ابن ثلاث عشرة سنة إلى مالك بن أنس بالمدينة. ثم بين خروج الشافعي إلى اليمن وولايته بعض أعمالها، ومقامه فيها حتى

اتهم بالاشتراك في مؤامرة بعض العلويين بها، وحمله إلى الرشيد وحبسه ببغداد، وما كان بينهما من محاورات ومراجعات انتهت بعفو الرشيد عنه، وإكرامه له. ثم أسهب في بيان المناظرات الرائعة، والمحاورات العلمية الشائقة، التي جرت بين الشافعي وبين محمد بن الحسن الحنفي في مجلس الرشيد، وفي غيره من المجالس بمدينة بغداد ومدينة الرقة، وأن الرشيد كُتِبَ له بخبر تلك المناظرات التي ظهر فيها الشافعي على محمد، وقطع حجته، وطبع على فمه بخاتم الصمت، فأعجب الرشيد بموقف الشافعي الهاشمي، وقال: «وما يُنكَر لرجل من عبد مناف أن يقطع محمد بن الحسن؟» وأمر له بجائزة، ورغب إليه في أن يلازمه كما رغب إليه المأمون في ذلك. ثم بين مكانة الشافعي عند الرشيد والمأمون، وعودة الصفاء والإخاء بين الشافعي ومحمد بن الحسن، وكتابة الشافعي لكتب محمد، وتأليف الكتاب البغدادي للرد على الأحناف، ورأى الشافعي وغيره في أبي حنيفة وأصحابه. ثم تحدث عن صحة نية الشافعي، وقصده الجميل في تأليفه لكتبه، وحسن مناظرته لمن خالفه، وغلبته كُلَّ من ناظرة بالعلم والبيان، وذكر نماذج رائعة من تلك المناظرات. وخلص من هذا إلى الحديث عن دخول الشافعي العراق أيام المأمون للتدريس والتعليم. ثم تحدث عن سبب تصنيف الشافعي لكتاب «الرسالة القديمة» ثم في ذهاب الشافعي إلى مصر، وتصنيفه بها الكتب المصرية الجديدة. وذكر البيهقي في صدر هذا أن الربيع بن سليمان لقيه بمدينة «نصيبين» قبل أن

يدخل مصر، وقال عنه: كان الشافعي يعمل الباب من العلم ثم يقول: يا جارية قومي إلى القَدّاح فتقوم، فتسرج له، فيكتب ما يحتاج أن يكتبه ويرسمه في موضعه، ثم يطفئ السراج ويستقي على ظهره فيعمل الباب من العلم. . . . وهكذا، فقلت له: يا أبا عبد الله، لو تركت السراج يَقِدُ؛ فإن هذه الجارية منك في جهد، فقال: إن السراج يشغل قلبي. وقال لي يوما: كيف تركت أهل مصر؟ فقلت: تركتهم على ضربين: فرقة منهم قد مالت إلى قول مالك، وأخذت به، واعتمدت عليه، وذبت عنه وناضلت. وفرقة قد مالت إلى قول أبي حنيفة، فأخذت به، وناضلت عنه. فقال الشافعي: أرجو أن أقدم مصر - إن شاء الله - وآتيهم بشيء وأشغلهم به عن القولين جميعا. قال الربيع: ففعل ذلك - والله - حين دخل مصر. ثم روى البيهقي عن بحر بن نصر الخولاني أنه قال: قدم الشافعي من الحجاز، فبقى بمصر أربع سنين، ووضع هذه الكتب في أربع سنين. . وكان يضع الكتب بين يديه ويصنّف، فإذا ارتفع له كتاب جاء صديق له يقال له: «ابن هرم» فيكتب، ويقرأ عليه «البويطي» وجميع من يحضر يسمع في «كتاب ابن هرم» ثم ينسخونه بعد. وكان «الربيع» على حوائج الناس فربما غاب في حاجة، فيعلّم له؛ فإذا رجع قرأ الربيع عليه ما فاته. ثم عقد بابا عظيما ذكر فيه عدد ما وصل إليه من مصنفات الشافعي؛ فذكر في الكتب التي تجمع الأصول وتدل على الفروع ثلاثة عشر كتابا، ثم قال:

«ومن الكتب التي هي مصنفة في الفروع وهي التي تعرف «بالأم» في الطهارات: كتاب الوضوء والتيمم. . إلخ وفي الصلوات والزكوات والصيام، والحج، والمعاملات، والإجارات، والعطايا، والوصايا، والفرائض وغيرها، والأنكحة، والجراح، والحدود، والسير والجهاد، والأطعمة والقضايا والعتق وغيره. وذكر تحت كل عنوان من هذه العناوين الكتب التي ألفها الشافعي فيها، ثم قال: «فذلك مائة ونيف وأربعون كتابا». وهذا الباب من أهم أبواب الكتاب؛ لأنه بين فيه الكتب الأخرى - عدا ما سبق - والتي أملاها على أصحابه ورواها عنه الربيع بن سليمان المرادي، وبين الكتب التي لم يسمعها الربيع من الشافعي، والتي يقول فيها: «قال الشافعي رحمه الله. كما بين فيه كتب الشافعي التي ألفها في القديم، ورواها عنه الحسن بن محمد الزعفراني، والكتب التي أعاد تصنيفها في الجديد، والكتب التي أمر بتمزيقها، لتغير اجتهاده فيها، والكتب الأخرى التي رواها عنه الحسين الكرابيسي، وأحمد بن يحيى الشافعي البغدادي: أبو ثور، وأحمد ابن حنبل، والحميدي، ويونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وابن مقلاص، والربيع بن سليمان الجيزي - وهو غير المرادي - والحارث ابن سريج النقَّال، والحسين الفلاس، وبحر بن نصر، وغيرهم. ومن أجمل ما في هذا الباب قول الشافعي: «ألّفت هذه الكتب واستفرغت فيها مجهودي، ووددت أن يتعلّمها الناس ولا تُنْسَبَ إليّ».

ثم عقد بابا ذكر فيه ما يستدل به على رغبة العلماء في عصر الشافعي ومن بعد عصره في كتبه، والاقتباس من علمه، والانتفاع به، وحسن الثناء عليه. وصدره بقوله: «وذلك لانفراده من فقهاء الأمصار بحسن التأليف؛ فإن حسن التصنيف يكون بثلاثة أشياء: أحدها: حسن النظم والترتيب. والثاني: ذكر الحجج في المسائل مع مراعاة الأصول. والثالث: تحري الإيجاز والاختصار فيما يؤلفه. وكان قد خص بجميع ذلك، رحمة الله عليه ورضوانه» وذكر في هذا الباب قول الجاحظ: «نظرت في كتب هؤلاء النَّبَغَة الذين نبغوا، فلم أر أحسن تأليفا من المُطّلبي، كأَن فاه نظم دُرًّا إلى درّ». ثم ذكر ما يستدل به على حفظ الشافعي لكتاب الله، ومعرفته بالقراءات، وحسن صوته بالقراءة. وجعل الباب الذي يليه فيما يستدل به على معرفة الشافعي بتفسير القرآن، ومعانيه، وسبب نزوله. ثم أتبعه بباب ما يستدل به على معرفة الشافعي بمعاني أخبار رسول الله. وقد بدأه بقول أحمد بن حنبل: ما كان أصحاب الحديث يعرفون معاني حديث رسول الله حتى قدم الشافعي فبينها لهم. وهو باب عظيم أتى فيه البيهقي بمُثلٍ رائعة تدل على أن الشافعي كان - كما قال يونس بن عبد الأعلى - نسيج وحده في هذه المعاني. ثم أعقب ذلك بباب ما يستدل به على فقه الشافعي، وتقدمه فيه، وحسن

استنباطه. وقد أورد البيهقي في هذا الباب حديث النعمان بن بشير: أنه أتى رسول الله وقال له: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال صلى الله عليه وسلم: أكلَ ولدك نحلت مثل هذا؟ فقال: لا، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فارجعه». وقول الشافعي فيه: «حديث النعمان حديث ثابت، وبه نأخذ، وفيه دلالة على أمور. ومن هذه الدلالات التي ذكرها الشافعي قوله: «وفيه دلالة على أن نُحْل الوالد بعض ولده دون بعض جائز، من قِبَل أنه لو كان لا يجوز كان أن يقال: إعطاؤك إياه وتركه سواء؛ لأنه غير جائز، وهو على أصل ملكك الأول - أشبه من أن يقال: ارجعه. وقوله صلى الله عليه وسلم: «فارجعه» دليل على أن للوالد ردّ ما أعطى الولد، وأنه لا يَحْرجُ بارتجاعه. وقد رُوِي أن النبي قال: «أَشْهد غيري» وهذا يدل على أنه اختيار». وقد خالفت قول الشافعي هذا وعلقت عليه بقولي 1/ 347 كيف يكون هذا على الاختيار وقد عدّه صلى الله عليه وسلم جوراً؟ الخ ثم ذكر البيهقي بابا يستدل به على معرفة الشافعي لأصول الفقه، وهو باب عظيم؛ لأن الشافعي أول من صنّف في أصول الفقه. ويعجبني من نصوصه قول الشافعي: «وضع الله نبيه من دينه وأهل دينه موضع الإبانة عن كتاب الله - معنى ما أراد، وفرض طاعته. . . فَعِلْمُ الحق كتابُ الله، ثم سنَّة نبيه؛

فليس لمفْتٍ ولا لحاكم أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالما بهما، ولا أن يخالفهما ولا واحداً منهما بحال، فإذا خالفهما فهو عاص لله به، وحكمه مردود». ثم ذكر باب ما يستدل به على معرفة الشافعي لأصول الكلام وصحة اعتقاده فيها. فذكر ما يؤثر عنه في الإيمان، وفي دلائل التوحيد، وفي أسماء الله، وصفات ذاته، وأن القرآن كلام الله، وكلامه من صفات ذاته، وإثبات المشيئة لله، وإثبات القدر، وخلق الأفعال، وعذاب القبر، وإثبات رؤية الله في الدار الآخرة. ثم لم يؤثر عن الشافعي في تفضيل النبي على جميع الخلق، وإثبات الشفاعة له صلى الله عليه وسلم. وما يؤثر عنه في الذنوب التي هي دون الكفر، وما يلحق الميت من فعل غيره. وما يؤثر عنه في الخلفاء الأربعة، وفي جملة الصحابة، وفي قتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أهل القبلة. ثم ما جاء عن الشافعي في مجانبة أهل الأهواء وبغضه إياهم، وذم كلامهم، وإزرائه بهم ودَقِّه عليهم في مناظرته إياهم: وهو فصل بالغ الأهمية. ثم عقد البيهقي بابا في الاستدلال على حسن اعتقاد الشافعي في متابعة السنة، ومجانبة البدعة.

ومما رواه البيهقي فيه من كلام الشافعي: «ما من أحد إلا ويذهب عليه سنة لرسول الله، وتعزُبُ عنه، فمهما قلتُ من قول، أو أَصَّلتُ من أصل - فيه عن رسول الله خلاف ما قلتُ - فالقول ما قال رسول الله! وهو قولي!». ثم عقد بابا عنوانه: ما يستدل به على معرفة الشافعي برجال الحديث. ذكر فيه ما يستدل به على معرفة الشافعي بأسامي الرواة، وأنسابهم، وتواريخهم، وجرحهم وتعديلهم. وهو باب جم المنافع، عظيم الفائدة؛ دل على سعة أفق الشافعي في هذا المضمار، ومدى تمكُّنِه منه، واقتداره عليه. ومن الفوائد التي تُجْتنى من هذا الباب: أن الشافعي وضع كتابه على مالك ابن أنس؛ لأنه بلغه أن بالأندلس قلنسوة لمالك يستسقى بها! وأنه كان يقال للأندلسيين: قال رسول الله. فيقولون: قال مالك! ومن أجل ذلك قال الشافعي: إن مالكا آدمي يخطئ ويغلط. ويلي ذلك بابٌ جليل القدر، عظيم الخطر، وهو باب ما يستدل به على معرفة الشافعي بصحة الحديث وعلته. وباب آخر فيما يستدل به على إتقان الشافعي في الرواية، ومذهبه في قبول الأخبار، واحتياطه فيها. ثم عقد بابا فيما يستدل به على فصاحة الشافعي، ومعرفته باللغة والشعر الذي هو ديوان العرب. أورد فيه قول أحمد بن حنبل:

«الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه». وقول الربيع: أقام الشافعي على قراءة العربية وأيام الناس عشرين سنة، وقال: ما أردت بذلك إلا الاستعانة على الفقه. وقول أبي عثمان المازني: «الشافعي عندنا حجة في النحو». وقول الأصمعي: «صححت أشعار الهُذَليين على شاب من قريش بمكة يقال له: محمد بن إدريس الشافعي». وقول الربيع: «كان الشافعي عربي النفس، عربي اللسان، ولو رأيته وحسن بيانه وفصاحته لتعجبت منه، ولو أنه ألف هذه الكتب - على عربيته التي كان يتكلم بها - لم يُقدر على قراءة كتبه». ثم ذكر بابا للشعر الذي أثر عن الشافعي أنه أنشده لنفسه أو لغيره وأعقبه بباب ما يستدل به على معرفة الشافعي بالطب، أورد فيه قول حرملة ابن يحيى: كان الشافعي يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب، ويقول: ضيعوا ثلث العلم، ووكلوه إلى اليهود والنصارى!!! وتلاه باب ما يستدل به على معرفة الشافعي بالنجوم، وما يؤثر عنه في الفراسة، وإصابته فيها. ثم معرفته بالرمي والفروسية وذكر فيه قول الربيع: كان الشافعي أفرس خلق الله وأشجعه، وكان يأَخذ بأذنه وأذن الفرس، والفرس يعدو، فيثب على ظهره وهو يعدو. * * * ثم ذكر باب ما يؤثر عنه في فضل العلم والترغيب في تعلمه وتعليمه والعمل به. ومن ألطف ما جاء في هذا الباب قول الشافعي:

لو أن أهل كوْرَةٍ اجتمعوا على ترك طلب العلم، لرأيت للحاكم أن يجبرهم على طلب العلم. وقوله: ليس بعد أداء الفرائض شيء أفضل من طلب العلم. وقوله: من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم. وقوله: من تعلم علما فليدقِّق؛ لئلا يضيع دقيق العلم. وقد روى المزني أنه قيل للشافعي: كيف شهوتك للأدب؟ قال: أسمع بالحرف منه مما لم أسمعه فتود أعضائي أن لها أسماعاً تتنعم به مثلما تنعمت الأذنان! قيل: وكيف حرصك عليه؟ قال: حرص الجموع المنوع على بلوغ لذته في المال. وقيل: وكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلة ولدها وليس لها غيره. وقوله: مثل الذي يطلب العلم بلا حجة، كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري. وقوله: المراء في العلم يقسي القلب، ويورث الضغائن. وقوله: من إذَالّةِ العلم أن تناظر كل من ناظرك، وتقاوِلَ كلَّ من قاوَلَك. وقوله: كفى بالعلم فضيلة: أنه يدعيه من ليس فيه ويفرح إذا نسب إليه،. وكفى بالجهل شرا أنه يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه.

وقال الشافعي لأبي علي بن مقلاص: تريد أن تحفظ الحديث وتكون فقيها؟! وإنما قال الشافعي ذلك لأن ابن مقلاص كان كسائر الحفاظ الذين يشغلون أنفسهم بحفظ أبواب الحديث وسردها سرداً، ولا يعملون عقولهم في استنباط ما فيها. ولقد قال الشافعي لإسحاق بن إبراهيم الحنظلي أثناء مذاكرة جرت بينهما: لو كنت أحفظ كما تحفظ لغلبت أهل الدنيا. وقال أحمد بن حنبل: قال لنا الشافعي رحمه الله: أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا صح عندكم الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فقولوا لنا حتى نأخذ به. وقال الشافعي: ما رأيت أحفظ من الحميدي، كان يحفظ لسيان بن عيينة عشرة آلاف حديث. وقال الحميدي: صحبت الشافعي من مكة إلى مصر فكنت أستفيد منه «المسائل» وكان يستفيد مني «الحديث». ثم ذكر البيهقي ما يستدل به على اجتهاد الشافعي في طاعة ربه، وزهده في الدنيا، وحضه الناس على هذا الزهد. ومما جاء في ذلك قول الربيع: خرجت مع الشافعي من «الفسطاط» إلى «الإسكندرية» مرابطا، وكان يصلي الصلوات الخمس في المسجد الجامع، ثم يسير إلى المحرس فيستقبل البحر بوجهه جالساً يقرأ القرآن في الليل والنهار، حتى أحصيت عليه ستين ختمة في شهر رمضان. وحكى الربيع أن عبد الله بن عبد الحكم قال للشافعي: إن عزمت أن تسكن مصر فليكن لك قوت سنة، ومجلس من السلطان تتعزّز به. فقال له

الشافعي: يا أبا محمد، من لم تعزّه التقوى فلا عزّ له، ولقد ولدت بغزة، ورُبِّيتُ بالحجاز، وما عندنا قوت ليلة، وما بتنا جياعاً. وقال له المزني: مالك بد من إمساك العصا ولست بضعيف؟! فقال: لأذكر أني مسافر في الدنيا. وقال الشافعي: خير الدنيا والآخرة في خمس خصال: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، ولباس التقوى، والثقة بالله على كل حال. وقال للربيع: عليك بالزهد، فلَلزُّهد على الزاهد أحسن من الحلى على المرأة الناهد!. وذكر عند الشافعي فهم القلب فقال: من أحبّ أن يفتح الله له قلبه أو ينوِّره، فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه، وترك الذنوب، واجتناب المعاصي، ويكون له فيما بينه وبين الله خَبِيَّةُ من عمل؛ فإنه إذا فعل ذلك فتح الله عليه من العلم ما يشغله عن غيره، وإن في الموت وذكره لأكثر الشغل. وفي هذا المعنى يقول أيضاً: من أحبّ أن يفتح الله قلبه ويرزقه الحكمة - فعليه بالخلوة، وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء وبعض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب. وقال الشافعي للربيع: لا تتكلم فيما لا يعنيك؛ فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها. وقال ليونس بن عبد الأعلى: لو جهدت كل الجهد على أن ترضي الناس كلّهم فلا سبيل إليه، فإذا كان كذلك فأخلص عملك ونيتك لله عز وجل. * * * ثم ذكر البيهقي باب ما يستدل به على تمكن الشافعي من عقله، وما يؤثر عنه من الآداب. ذكر فيه من قول الشافعي هذه الكلمات:

• طبع ابن آدم على اللؤم: فمن شأنه أن يتقرب ممن يتباعد منه، ويتباعد ممن يتقرب منه. • سياسة الناس أشد من سياسة الدواب. • إن للعقل حدا ينتهى إليه، كما أن للبصر حداً ينتهى إليه. • جوهر المرء في خلال ثلاث: كتمان الفقر حتى يظن الناس من عفتك أنك غنى، وكتمان الغضب حتى يظن الناس أنك راض، وكتمان الشدة حتى يظن الناس أنك متنعم. • أظلم الظالمين لنفسه: من تواضع لمن لا يكرمه، ورغب في مودة من لا ينفعه، وقبل مدح من لا يعرفه. • إن الله خلقك حرا فكن كما خلقك. • من سمع بأذنه صار حاكيا، ومن أصغى بقلبه كان واعيا، ومن وَعَظ بقلبه كان هاديا. • الكيِّس العاقل هو الفطن المتغافل. • لو أن رجلا سوّى نفسه حتى صار مثل القدح، لكان له في الناس من يعانده. • الحرية: هي الكرم والتقوى، فإذا اجتمعا في شخص فهو حر. • لو أن رجلا تصوف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق. • لا يكون الصوفي صوفيا حتى يكون فيه خصال أربع: كسول، أكول، نئوم، كثير الفضول. • ما دخل قوم بلد قوم إلا أخذ كل واحد منهم سُنَّة صاحبه، حتى إن العراقي ليأخذ من سنة الشامي، والشامي من سنة العراقي.

• إنك لا تقدر أن ترضي الناس كلهم، فأصلح ما بينك وبين الله، فإذا أصلحت ما بينك وبين الله، فلا تبال بالناس. • تفقه قبل أن ترأس، فإذا ترأست لا سبيل إلى التفقه. • أصحاب المروءات في جهد. • التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام. • من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضى فلم يرض فهو شيطان. • التطلف في الحيلة أجدى من الوسيلة. • ليس بعاقل من لم يأكل مع عدوه في غضارة ثلاثين سنة. • الشفاعات زكاة المروءات. • ترك العادة ذنب مستحدث. • لا تشاور من ليس في بيته دقيق، فإنه مدله العقل. • الانبساط إلى الناس مجلبة لقرناء السوء، والانقباض عنهم مكسبة للعداوة، فكن بين المنقبض والمنبسط. • ما أكرمت أحداً فوق مقداره إلا اتضع من قدري عنده بمقدار ما أكرمته به. • عاشر كرام الناس تعش كريما، ولا تعاشر اللئام فتنسب إلى اللؤم. • أقمت أربعين سنة أسأل إخواني الذين تزوجوا: عن أحوالهم في تزويجهم؟ فما منهم أحد قال: إنه رأى خيراً! وقال سمعت بعض أصحابنا ممن أثق به قال: «تزوجت لأصون ديني فذهب ديني ودين أمي وديني جيراني!!!».

ثم ذكر البيهقي بابا فيما يستدل به على سخاوة الشافعي. ومما أورده فيه قول أبي ثور: كان الشافعي من أجود الناس وأسخاهم كفا: كان يشتري الجارية الصَّنَاع التي تطبخ وتعمل الحلوى، ويشترط عليها أن لا يقربها؛ لأنه كان عليلا لم يمكنه أن يقرب النساء في وقته ذلك، لباصور كان به. وكان يقول لنا: تشهوا، ما أحْبَبْتُم؛ فقد اشتريت جارية تحسن أن تعمل ما تريدون. فيقول لها بعض أصحابنا: اعملي اليوم كذا وكذا، فكنا نحن الذين نأمرها، وهو مسرور بذلك. وأورد البيهقي قول الربيع: قد سمعنا بالأسخياء، قد كان عندنا قوم من الأسخياء بمصر وأهل الفضل رأيناهم، ما رأينا مثل الشافعي. وكان الشافعي يقول: أهل اليمن فيهم السخاء، وقال الحميدي: فأين سخاء أهل اليمن من سخاء الشافعي؟ أولئك سخاؤهم من فَضْل معهم، والشافعي يسخو بكل ماله. وقول البويطي: قدم علينا الشافعي مصر، وكانت «زبيدة» ترسل إليه برزم الوشى والثياب؛ فيقسمها الشافعي بين الناس. ثم ذكر بابا في شهادة الأئمة للشافعي بالتقدم في العلم وثنائهم عليه، ودعائهم له. ومن الأقوال التي رواها في ذلك قول أحمد بن حنبل: ما أعلم أحداً أعظم منَّةً على الإسلام، في زمن الشافعي، من الشافعي. وما أحد مسّ بيده محبرة وقلما إلا وللشافعي في عنقه منّة. وما رأيت أحداً أفقه في كتاب الله من الشافعي. وكان الفقه قفلا على أهله حتى فتحه الله بالشافعي وقيل لأحمد: إن «يحيى بن معين» و «أبا عبيد» لا يرضيان الشافعي وينسبانه إلى التشيع! فقال: والله ما رأينا معه إلا خيرا، ولا سمعنا إلا خيراً. واعلموا أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئا من العلم وحُرِمَه قرناؤه وأشكاله

- حسدوه فرموه بما ليس فيه. وبئست الخصلة في أهل العلم! وقال أبو ثور: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى الشافعي مثل نفسه. وقال الزعفراني: ما رأيت مثل الشافعي أفضل ولا أكرم ولا أسخى ولا أتقى ولا أعلم منه، وما رأيته لحن قط. وكان يُقْرَأ عليه من كل الشعر فيعرفه. وقال الحميدي: كان الشافعي سيد علماء أهل زمانه، وربما ألقى علي وعلى ابنه «أبي عتمان» المسألة فيقول: أيكما أصاب فله دينار! وقال سعيد بن عمرو البرذعي: سمعت «محمد بن عبد الله بن عبد الحكم» يقول: ليس «أبو عبيد» عندنا بفقيه. فقلت له: ولم؟ قال: لأنه يجمع أقاويل الناس ويختار لنفسه منها قولا. قلت: فمن الفقيه؟ قال: الذي يستنبط أصلا من كتاب أو سنة لم يسبق إليه، ثم يُشَعِّبُ من ذلك الأصل مائة شعبة. قلت: ومن يقوى على هذا؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي. ثم روى البيهقي ما أثر عن الشافعي من لباسه وهيئته وخضابه ونقش خاتمه ومما جاء في ذلك هذا النص الذي نقله من كتاب العاصمي عن الربيع قال: كان الشافعي يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا، واستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية، والعروض، والنحو، والشعر، فلا يزالون إلى أن يقرب انتصاف النهار، ثم ينصرف. وكان يجدر بالبيهقي أن لا يذكر هذا النص في هذا الباب، وإنما يذكره في باب آخر هو ألصق به كباب فضل العلم والترغيب في تعلمه وتعليمه.

وروى قول الربيع: كان الشافعي حسن الوجه، وحسن الخلْق، محبباً إلى من كان بمصر - في وقته - من الفقهاء، والأمراء والنبلاء؛ كلُّهم يجئ إلى الشافعي ويعظمه ويجله. ولو رأيته وحسن ثيابه، ونظافته، وفصاحته، أعجبت منه. وبعد أن ذكر وصية الشافعي ذكر مرضه، ووفاته، وتربته، ومقدار سِنّه، وأهله وأولاده، ومن روى عنه من علماء الحجاز، واليمن، ومصر، والعراق، وخراسان. ثم ذكر أصحابه الذين حملوا عنه علما، أو رَوَوْا عنه حديثا، أو حكوْا عنه حكاية. وجعل البيهقي «الباب الأخير» من كتابه في ذكر من قعد في مجلس الشافعي بعد وفاته، ومن قام من أصحابه بنشر علمه. ومن أهم الحقائق التي يحتويها هذا الباب، ما جاء فيه عن أبي عبد الله الهروى أنه قال: سمعت أبا زرعة الدمشقي، وقلت له: ما أكثر حمل «المزني» على الشافعي؟! فقال: لا تقل هكذا، ولكن قل: ما أكثر ظلمه للشافعي؟! وقد روى البيهقي هذا النص عن أستاذه: أبي عبد الرحمن السًّلَمى، ووثقه بأنه قال: وهكذا قرأته في كتاب العاصمي. ثم عقب عليه البيهقي بقوله: وما أحسن ما قال أبو زرعة. وظلم «المزني» للشافعي يتجلى في شيئين: أحدهما: أنه كان صبيا ضعيفا، فربما وجد في كتاب الشافعي مسألة قد سقط منها بعض شرائطها - وهي في رواية حرملة والربيع صحيحة - فنقلها على ما في كتابه، ثم أخذ في الطعن على الشافعي. وكان من سبيله أن ينظر كتب أصحاب الشافعي حتى يتبين له خطؤه في الكتابة، أو خطأ من كَتَب كتابه فيستغنى عن الاعتراض.

والآخر أنه وجد الشافعي ذكر مسألة في موضعين، اختصرها في أحدهما، وذكرها مستوفاة شرائطها في الموضع الآخر - فنقلها المزني مختصرة، ثم اشتغل بالاعتراض عليها، ولو نقلها من الموضع الآخر مقيدة بشرائطها استغنى عن الاعتراض. ومثال كل واحد من هذين النوعين عندي فيما رددته من كلام الشافعي إلى ترتيب المختصر، وإيراده هنا مما يطول به الكتاب. وعمل شيئا آخر وهو أن كل كتاب صنفه الشافعي ورتب له ترتيبا حسنا ترك «المزني» ترتيبه، وقدم وأخر، كالجمعة والجنائز وغيرهما. وقد يذكر الشافعي مسألة في موضعين بعبارتين، فينقل «المزني» تلك المسألة بعضها بعبارته في أحد الموضعين، والثاني بعبارته في الموضع الآخر؛ كيلا يهتدى إلى كيفية نقله! ولو نقلها - على ترتيبه فيما رتبه - وعلى عبارته في أحد الموضعين كان أحسن وأبين. فهذا وجه جواب أبي زرعة. والذي راعى «المزني» من حق الشافعي في جمع ما تفرق من كلامه، واختصاره ما بسط من قوله، وتقريبه على من أراده، وتسهيله على من قصده من أهل الشرق والغرب - أكثر، وفائدته أعم وأظهر، فلا أعلم كتابا صنف في الإسلام أعظم بركة، وأعم نفعا، وأكثر ثمرة من كتابه». والذي يلوح لي أن عذر «المزني» فيما كان منه من وهم في اختصاره لعلم الشافعي: أنه لم يكن من قوة الفهم، وسرعة الإدراك بحيث يدرك منازع الشافعي في كلامه

وقد اعترف «المزني» بذلك حيث يقول: «لو كنا نفهم عن الشافعي كل ما يقول لأتيناكم عنه بصنوف العلم، ولكن لم نكن نفهم، فقصرنا، وعاجله الموت». وقد مكث المزني - في تأليف مختصره هذا - عشرين سنة، وألفه ثلاث مرات، يغير فيه ويبدل. * * * وإن كتاب المناقب هذا يعد من أعظم كتب التراجم، وأحفلها بالفائدة، وأقربها سبيلا إلى الغاية من الترجمة، يقرؤه القارئ الواعي، فيخرج منه بصورة متكاملة للشافعي العالم المفسر، الفقيه المحدث، الأديب الشاعر، والإنسان العربي الأبي الذي يحرص على الكرامة والحرية والمروءة ومكارم الأخلاق، والجواد السخي الذي يبذل ماله، طيب النفس ببذله، والعالم الكريم الذي كان يود من سويداء قلبه أن يتعلم الخلق علمه، وأن لا ينسبوا إليه شيئا منه! وتلك مكانة سامية لا يرقى إليها إلا أفذاذ العلماء الذين قهروا أهواءهم، وقدعوا نفوسهم عن حب الشهرة، وآمنوا بأن نشرهم لعلمهم إنما هو الشكر لربهم الذي علمهم ما لم يكونوا يعملون. وما أريد أن أسترسل في ذكر ألوان عظمة الشافعي التي تجتلى من هذا الكتاب فإن فيما رواه البيهقي عن «داود بن علي الظاهري» غنية عن ذلك وأقوال داود - تلك - من أهم ما اشتمل عليه كتاب المناقب. قال داود: «اجتمع للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره:

فأول ذلك: شرف نسبه ومنصبه، وأنه من رهط النبي، صلى الله عليه وسلم. ومنها: صحة الدين، وسلامة الاعتقاد من الأهواء والبدع. ومنها: حفظه لكتاب ربه معرفته به، وجمعه لسنن النبي، ومعرفته بالواجب منها من الندب، ومعرفته بناسخ القرآن من منسوخه، والعام منه والخاص، ثم معرفته بسيرة هدى نبيه، صلى الله عليه وسلم، وأئمة الهدى بعده، ومغازي رسول الله أو خلفائه، وتركه تقليد أهل بلده، وإيثاره ما دل عليه كتاب ربه، وثبت عن نبيه. ثم ما كشف من تمويه المخالفين، وما أبطل من زخرفهم، بالحق الذي قذف به على باطلهم فيدمغه. ثم ما بين من الحق الذي سهل - بتوفيق خالقه - معرفته، حتى استطال به من لم يكن يميز بين ظلام وضياء، وألقوا الكتب، وناظروا المخالفين. ومنها: ما من الله عليه من منطقه الذي طبع عليه، وكان يعترف له بكل من شاهده ويقر بتقصيره عن بلوغ أدنى ما منَّ الله به عليه منه. ومنها: ما وقاه الله من شح النفس الموجب له الفلاح. وما علمت أحدا في عصره كان أَمَنَّ على أهل الإسلام منه، لما نشر من الحق، وقمع من الباطل وأظهر من الحجج، وعلّم من الخير». وقد تكفل كتاب المناقب - هذا - بتفصيل هذه الأوصاف الجليلة

المستطابة، التي تدل على إدراك حقيقي لفضائل الشافعي، وبصر دقيق بجوانبها الكثيرة. * * * وهناك أمر آخر تفرد به كتاب المناقب لا مناص من ذكره والإفاضة في تبيينه، لأهميته القصوى في دفع فرية افتريت على الشافعي قديما وحديثا، وهي أن الشافعي لم يؤلف كتاب الأم. وقد ألف الدكتور زكي مبارك كتابا في ذلك جعل عنوانه: «إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي: كتاب الأم لم يؤلفه الشافعي وإنما ألفه البويطي وتصرف فيه الربيع بن سليمان». وكان الذي هداه إلى تصحيح هذه الغلطة - كما يقول - كلمة قرأها في كتاب «الإحياء» للغزالي يقول فيها: «وآثر البويطي الزهد والخمول، ولم يعجبه الجمع والجلوس في الحلقة، فاشتغل بالعبادة، وصنف كتاب الأم الذي ينسب الآن إلى الربيع بن سليمان ويعرف به، وإنما صنفه البويطي، ولكن لم يذكر نفسه فيه، ولم ينسبه إلى نفسه فزاد الربيع فيه وتصرف» اهـ. وكلمة الغزالي - هذه - ليست من بنات فكره، ولا من ثمرات بحثه، وإنما نقلها نقلا عن كتاب «قوت القلوب» لأبي طالب المكي المتوفى سنة 386 فقد جاء في هذا الكتاب 4/ 135: «وأخمل البويطي نفسه، واعتزل عن الناس بالبويطة، من سواد مصر

وصنف كتاب الأم الذي ينسب الآن إلى الربيع بن سليمان، ويعرف به، وإنما هو جمع البويطي، لم يذكر نفسه فيه، وأخرجه إلى الربيع فزاد فيه، وأظهره وسمعه منه» اهـ وقد رجح الدكتور زكي مبارك أن الأم وضع بعد وفاة الشافعي، لأنه ليس له مقدمة (!!!). ولأنه لا تمضي فصوله على وتيرة واحدة، ففي أحيان كثيرة تجري عبارة: «قال الشافعي». وفي بعض الأحيان، حدثنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي - إملاء - وفي بعضها: سألت الشافعي فقال. وتجئ في الأم أحيانا عبارة: قال الشافعي كذا، فقلت له كذا (!). وللربيع تعليقات كثيرة في التعقيب على كلام الشافعي (!). ويتفق المؤلف أحيانا أن يذكر المصدر الذي نقل عنه فيقول - مثلا (7/ 146): «هذا مكتوب في كتاب الإيلاء» (!). وعرض المؤلف في باب الوصايا لوصية الشافعي فقال: هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس الشافعي في شعبان سنة ثلاث ومائتين، وعنونه بعبارة: الوصية التي صدرت من الشافعي. وإذا تذكرنا أن الشافعي مات سنة أربع ومائتين، عرفنا أن كتاب وصيته أثبت في الكتاب بعد وفاته (!). وجاء في كتاب الأم (2/ 93) ما نصه: «أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي بمصر سنة سبع ومائتين، قال: أخبرنا الشافعي»

«وكلمة «مصر» تدل على أن المؤلف كان مشغولا بجمع مواد الكتاب في مكان غير مصر - أعني غير العاصمة - وكلمة المكي والغزالي تعين أنه كان في بويط» (!!!). وقد وقع الدكتور هنا في خطأ طريف، غير الخطأ الأساسي في نفي الأم عن الشافعي، فكلمة «مصر» لا يراد بها العاصمة في هذا النص، لأن ذلك خطأ محض، وعاصمة مصر في تلك الحقبة من الزمان كانت «الفسطاط» ثم هي لا تدل على أن المؤلف كان مشغولا بجمع مواد كتابه في غير العاصمة، والمضحك حقا أن يقول الدكتور: وكلمة المكي والغزالي تعين أنه كان في بويط!! والعبارة - كما جاءت في الأم - لا تدل على أكثر من أن راوي الكتاب عن الربيع يقول: إن الربيع حدثه بمصر في تلك السنة، ولا مدخل للبويطي، ولا لجمعه مواد الكتاب، في هذا النص على الإطلاق. ورحم الله الشافعي إذ يقول: «وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه، لكان الإمساك أولى به، وأقرب إلى السلامة له». * * * وأما استدلاله بوجود وصية الشافعي في الأم على أنها أثبتت فيه بعد وفاة الشافعي - فغير مسلم له. ولست أدري كيف قال هذا وليس في النص ما يشير إليه من قريب أو بعيد. جاء في الأم 4/ 48 تحت عنوان: الوصية التي صدرت من الشافعي: «قال الربيع بن سليمان: هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس الشافعي، في شعبان سنة ثلاث ومائتين، وأشهد الله عالم خائنة الأعين وما تخفي

الصدور - وكفى بالله ثناؤه شهيداً - ثم من سمعه: أنه شهد أن لا إله إلا الله. . إلى آخر الوصية. وأكبر ظني أن أصل الكلام: قال الربيع بن سليمان: قال الشافعي: هذا كتاب كتبه الخ لأن أول وصية للشافعي كلمة «هذا» ويؤيد ذلك ما رواه البيهقي في المناقب عن الربيع أنه قال: قرئ على محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله، وأنا حاضر: هذا كتاب. . الخ. وهذا النص يدل على أن كتاب وصية الشافعي هو الذي قرئ عليه بحضور الربيع. ومعلوم أن كتاب «الوصايا» الذي سجل الشافعي فيه وصيته لم يسمعه الربيع ولا غيره من الشافعي، في حين أنه كان مكتوبا كله بخط الشافعي. وآية ذلك قول الربيع، كما جاء في الأم 4/ 18 «كتبنا هذا الكتاب من نسخة الشافعي - من خطه بيده، ولم نسمعه منه» وقول المزني في مختصره بهامش الأم 3/ 159 «كتاب الوصايا مما وضعه الشافعي بخطه، لا أعلمه سمع منه». وكتاب الوصايا قد ألفه الشافعي في العام الذي توفى فيه، لأنه كتب وصيته في شعبان سنة 203 ومات في شعبان 204. وما الذي يمنع عقلا من أن يكتب الشافعي وصيته في كتابه، حتى يقول الدكتور زكي مبارك: إنها أثبتت فيه بعد وفاة الشافعي، ليثبت بذلك أنه ليس من تأليف الشافعي؟! ولقد كتب الشافعي كتاب صدقته كذلك في العام التي توفى فيه. جاء في الأم 6/ 179 تحت عنوان: «صدقة الشافعي»: هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس الشافعي في صحة منه وجواز من أمره، وذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين. . .»

أما قول الدكتور: «إن المؤلف يذكر أحيانا المصدر الذي نقل عنه، فيقول مثلا 7/ 146: وهذا مكتوب في كتاب الإيلاء» فإنه خطأ محض من جهتين: الأولى: أن هذا القول المذكور في هذا الجزء وفي هذه الصفحة ليس من كتاب الأم وإنما هو من كتاب مستقل ألفه الشافعي، وهو «كتاب اختلاف العراقيين» فالاستشهاد بهذا النص لا يصح. والجهة الثانية: أن المؤلف المزعوم أو الحقيقي لم يقصد من هذه العبارة وأمثالها ذكر المصدر الذي نقل عنه، وإنما قصد بيان الكتاب الذي فصل فيه القول في الموضوع الذي أجمل ذكره قبل هذه العبارة. ولننظر كيف قال المؤلف العبارة التي مثل بها الدكتور: جاء في الأم 7/ 146 «قال الشافعي، رحمه الله: وإذا حلف الرجل لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو أقل - لم يقم عليه حكم الإيلاء يكون الزوج لا يمين عليه. وإذا لم يكن عليه يمين فليس عليه حكم الإيلاء. وهذا مكتوب في كتاب الإيلاء». ويريد الشافعي بالعبارة الأخيرة أن يرشد قارئ كتابه اختلاف العراقيين إلى الكتاب الذي فصل فيه القول من كتب الأم، وهو كتاب الإيلاء الذي يقع في الجزء الخامس، والمسألة التي يعنيها فيه ص 254. وجاء في صفحة 146 أيضا هذا النص من كتاب اختلاف العرقيين. «قال الشافعي، رحمه الله: وإذا ارتد الرجل عن الإسلام، فنكاح امرأته موقوف. فإن رجع إلى الإسلام قبل أن تنقضي عدتها - فهما على النكاح

الأول. وإن انقضت عدتها قبل رجوعه إلى الإسلام - فقد بانت منه. والبينونة فسخ لا طلاق. وإن رجع إلى الإسلام فخطبها - لم يكن هذا طلاقا. وهذا مكتوب في كتاب المرتد». وكتاب المرتد من كتب الأم، والمشار إليه في 6/ 149 - 150. وقد أشار الشافعي في كتاب «اختلاف العراقيين» هذا إلى تسعة كتب من كتب الأم نجتزئ منها بهاتين الإشارتين: قال في ص 116: «وقد كتبنا هذا في كتاب الأقضية». وقال في ص 123: «وهذا مكتوب في كتاب العتق بحججه، إلا أنا وجدنا في هذا الكتاب زيادة حرف لم نسمع به في حججهم. .» * * * ونذر الدكتور «زكي مبارك» ونأتي إلى الدكتور «أحمد أمين» الذي قال في كتابه ضحى الإسلام 2/ 230: «وقد ثار الخلاف حديثا في مصر: هل الأم كتاب ألفه الشافعي، أو ألفه البويطي؟ وأظن أنه لو حدد موضع النزاع في دقة، لكان الأمر أسهل حلا؛ فليس يستطيع أحد أن يقول: إن ما بين دفتي الكتاب الذي بين أيدينا هو من تأليف الشافعي، وأنه عكف على كتابته وتأليفه في هذا الموضع النهائي (!!!) وأهم دليل على ذلك أن مطلع كثير من الفصول: العبارة الآتية: «أخبرنا الربيع، قال: قال الشافعي» وهي عبارة لا يمكن أن يكتبها الشافعي وهو يؤلف الكتاب (!!!)

وفي ثنايا الكتاب نجد أخباراً بعدول الشافعي عن هذا الرأي. كأن يجى في سير الكلام 3/ 23 «قال الربيع: قد رجع الشافعي عن خيار الرؤية، وقال: لا يجوز خيار الرؤية» ومحال أن تصدر من الشافعي هذه العبارة وأمثالها. كما لا يستطيع أحد أن ينكر أن في الأم مذهب الشافعي بقوله وعبارته، فالظاهر أنها أمال أملاها الشافعي في حلقته، كتبها عنه تلاميذه، وأدخلوا عليها تعليقات من عندهم، واختلفت روايتهم بعض الاختلاف. والذي بين أيدينا منها رواية الربيع المرادي عن الشافعي». * * * ماذا أقول في نقض هذا الكلام المدخول، الذي تزورّ عنه العقول؟ ولست أدري كيف طوعت للدكتور نفسه أن يقول: إنه لا يستطيع أحد أن يقول إن «الأم» من تأليف الشافعي؛ لأن في مطالع فصوله عبارة لا يمكن أن تخطها يمين الشافعي أثناء تأليفه له، وهي عبارة: «أخبرنا الربيع، قال: قال الشافعي» ولأنه تتردد في ثناياه عبارة أخرى، محال أن تصدر من الشافعي وهي عبارة: «قال الربيع»!!! ولست أرتاب في أن «أهم دليل» لدى الدكتور لا يقبله من له أدني إلمام بالكتب القديمة، وطريقة الأقدمين في روايتها، وكل من قرأ فيها يعلم علم اليقين أن وجود عبارة «أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي» في أول الكتاب أو في داخله مرة أو مرات - دليل ناصع على أنه من تأليف الشافعي، وأن هذه النسبة قد ازدادت وثاقة ومتانة برواية الربيع عن الشافعي، ثم برواية تلميذ الربيع عن الربيع. ثم برواية تلميذ التلميذ. إن وجدت، وهكذا إلى آخر سلسلة رواة الكتاب

عن مؤلفه. وهي أوثق طرق التوثيق والتأكد من نسبة الكتاب المروى إلى من وضعه. وهذه من الحقائق الأولية والمسائل البسيطة التي لا تخفى على أبسط القراء، فمن العجب العجاب أن تكون سببا للارتياب في الكتاب، ودليلاها على نفيه عن مؤلفه؛ لأنه «لا يمكن أن يكتبها الشافعي وهو يؤلف الكتاب»!!! ولو اتخذنا هذا الدليل الهام عند الدكتورين: زكي مبارك وأحمد أمين، وجعلناه معياراً في نظرنا إلى الكتب العربية في القرون الأولى لنفينا أكثرها عن أصحابها. ولو نظرنا كذلك في ضوء هذا الدليل إلى سائر كتب الشافعي التي أفردها عن مجموعة «الأم» لقلنا: إنها ليست من مؤلفات الشافعي» ولنأخذ منها مثالاً واحداً وهو كتاب «اختلاف الحديث» وهو كتاب كتبه الشافعي، وجعل له مقدمة طويلة، وقد سجل فيه أنه من تأليفه وكتابه، ومما قاله: «وقد وصفت في كتابي هذا - المواضع التي غلط فيها بعض من عجل بالكلام في العلم قبل خبرته» ومنها: «فحكيت ما كتبت في صدر كتابي هذا ...» ومنها: «وقد اختصرت من تمثيل ما يدل الكتاب على أنه نزل من الأحكام عاماً أريد به العام. وكتبته في كتاب غير هذا. . وكتبت في هذا الكتاب مما نزل عام الظاهر، ما دل الكتاب على أن الله أراد به الخاص. .» وإذا نظرنا في أوائل أبواب «اختلاف الحديث» رأينا أكثرها قد بدئ بعبارة: «حدثنا الربيع. . .» وباقيها القليل قد بدئ بعبارة «حدثنا الشافعي»

أو «قال الشافعي» فهل ننفي هذا الكتاب عن الشافعي، أو نتبع سبيل العلم ونقول: إنه من تأليفه ومن رواية الربيع عنه، ونبحث عن الراوي الأول الذي قال: حدثنا الربيع»؟ لنعلم أنه «أبو بكر: أحمد بن عبد الله السجستاني» تلميذ الربيع. وما أكثر تلاميذ الربيع من أهل المشرق والمغرب الذين شدوا رحالهم إلى مصر - وليست العاصمة - ليرووا عنه كتب الشافعي الذي قال له: «أنت راوية كتبي» وقد لبث الربيع بعد موت الشافعي ستا وستين سنة يدرس كتب الشافعي، ويمليها على تلاميذه، ويعقب على بعض أقوال الشافعي بما يعن له أثناء الإملاء. والطلاب من حوله يكتبون كل ما يقول من قول الشافعي ومن قول نفسه في التعقيب على بعض قول الشافعي. وهذا هو التفسير الصحيح لوجود: «قال الربيع» في ثنايا كتب الشافعي. ومنها عبارة «قال الربيع: قد رجع الشافعي عن خيار الرؤية، وقال لا يجوز خيار الرؤية» التي نقلها الدكتور أحمد أمين وعقب عليها بقوله: «ومحال أن تصدر من الشافعي هذه العبارة وأمثالها». وهل قال أحد ممن يثبتون الكتاب للشافعي: إن «حدثنا الربيع» في مطالع فصوله، و «قال الربيع» في ثناياه مما خطته يد الشافعي في الأم حتى يقول الدكتور: إنه من غير الممكن أن يكتب الجملة الأولى وهو يؤلف الكتاب، ومن المحال أن تصدر عنه كذلك الجملة الثانية، ثم يتخذ من هذه وتلك دليلا بالغ الأهمية على أن الشافعي لم يؤلف كتاب الأم؟! ومن قبل ذلك يقول في ثقة مطلقة وجرأة بالغة: ليس يستطيع أحد أن

يقول إن الشافعي قد عكف على كتابة الأم، وألفه في هذا الوضع النهائي لا لشيء إلا لأن في أوائل الكلام: «حدثنا الربيع» وفي خلاله: «قال الربيع»!! ولو قد قرأ الدكتور كتاب الأم حقا لألفى في أطوائه كثيراً من الأدلة على أنه له ومن وضعه، ولمنعته تلك الأدلة من تقليد الدكتور زكي مبارك، الذي تلقف كلمة الغزالي التي نقلها - دون تعقل أو إدراك - عن أبي طالب المكي، ذلك الصوفي السالمي الذي شطح ونطح وأخرج تلك الكلمة الخبيثة الخاملة التي قالها عن خمول البويطي وتأليفه للأم ومنحه للربيع الذي سارع إلى نسبته له دون أن يردعه عن ذلك الفعل الشائن رادع من حياء أو زاجر من ورع. وحاشا للربيع الثقة الأمين، ذي الدين الثخين والورع المكين - أن يقدم على ارتكاب تلك الحماقة التي تلوث شرفه، وتسمه بمسيم الضعة والهوان. ومن الجدير بالذكر أن قول أبي طالب المكي وقول الغزالي - إن صح تسميته قولا - قد ظل رهين كتابيهما، لم ينقله أحد ولم يعرض له عالم بتقريظ أو توهين إلى أن جاء الدكتور زكي مبارك فنفخ فيه من تمويهه وتلبيسه حتى غرّ به أقواماً فتبعوه وتقلدوه وفي مقدمتهم الدكتور أحمد أمين والمستشرق بروكلمان. وكان من قدر الله لإظهار الحق المبين في هذه المسألة: أن البيهقي قد نقل في مناقب الشافعي عن الربيع أنه قال: إن الشافعي قد ألف بمصر كتاب الأم في ألفي ورقة: وهو قول عظيم يلقف ما صنع المنكرون، ويدحض اقوالهم ويمحق باطلهم الذي جاؤا به من عند أنفسهم بغيا بغير الحق، أو تقليداً دون حجة قاطعة، أو برهان ناهض.

وإني مورد نص البيهقي بسنده؛ ليكون القارئ على بينة من أمره. قال البيهقي 3/ 291: «قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، رحمه الله، عن الزبير بن عبد الواحد، قال: حدثني محمد بن سعيد، قال: حدثنا الفريابي - يعني أبا سعيد - قال: قال الربيع بن سليمان: أقام الشافعي ها هنا أربع سنين، فأملى ألفا وخمسمائة ورقة. وخرج كتاب «الأم» ألفي ورقة. وكتاب السنن، وأشياء كثيرة، كلها في أربع سنين». وما أظن المنكرين وتابعيهم بغير إحسان يجادلون البيهقي فيما قرأ وروى أو يمارون الربيع فيما شهد ورأى. وأي شهادة أكبر عند العقلاء من شهادة الربيع بأن الشافعي هو الذي ألف كتاب الأم كله، وأنه سطره في ألفي ورقة؟ ولقد أحسن البيهقي صنعا في سرده لأسماء الكتب التي اشتمل عليها «الأم» 1/ 547 - 254 وصدر سرده بقوله: «ومن الكتب التي هي مصنفة في الفروع، وهي التي تعرف بالأم. . . .» وتسمية البيهقي لأسماء «كتب الأم» لها خطرها وقدرها، ولا مناص من تصديقه فيما قال؛ لأنه رجل جمع كتب الشافعي وأنفق حياته في درسها وترتيبها وتصنيفها، والانتصار لحديثها، ونشرها بين الناس، واتخاذها أساسا لمصنفاته حتى بالغ إمام الحرمين في قوله عنه: «ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه منة

إلا البيهقي؛ فإن له على الشافعي منة لتصانيفه في نصرة مذهبه وأقاويله». ولو لم يكن فينشر كتاب «مناقب الشافعي» إلا هذه الفائدة الخاصة بكتاب الأم - لكان ذلك مغنما عظيما يضع الصواب في نصابه، ويرد الحق لصحابه، فكيف وقد اشتمل على فوائد لا تحصى تتعلق بحياة الشافعي الخاصة والعامة، وحياة أهله وصحبه وتلاميذه، وتضمن فوق ذلك دقائق علم الشافعي في التفسير والحديث والفقه، واللغة والأدب، وغير ذلك. * * * ولقد كان «مناقب الشافعي» للبيهقي المصدر الأول لكل من أتى بعده، وترجم للشافعي بترجمة مفردة أو غير مفردة. وممن اعتمد عليه، وأكثر من النقل عنه: ياقوت الرومي في معجم الأدباء، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن كثير في كتابيه: طبقات الشافعيين، والبداية والنهاية، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات، وفخر الدين الرازي في مناقب الشافعي، والسبكي في طبقات الشافعي. وغيرهم كثير. وقد لخص ابن حجر أكثر فصوله في كتابه «توالي التأسيس، بمعالي ابن إدريس» وقال في مقدمة هذا الكتاب: «إن البيهقي صنع لكتاب المناقب ذيلا». ولم أر من ذكر ذيل المناقب هذا بأي لون من ألوان الذكر. ولا يتخالجني ريب في أن ابن حجر يقصد بهذا الذيل كتاب «نوادر الحكايات عن الشافعي» الذي ذكره البيهقي في المناقب حيث يقول 1/ 142 «. . . وقد أخرجته في «نوادر الحكايات» في آخر الكتاب».

وذكره أيضا بقوله 2/ 368 «وله حكايات لم يتفق إخراجها في كتاب «المناقب» وأخرجتها في جزء». و «نوادر الحكايات» هذا هو التالي في النشر لكتاب المناقب، إن شاء الله ذلك وقدّره. * * * وقد اعتمدت في نشر المناقب على ثلاث نسخ: النسخة الأولى ورمزها (ا) كتبها «أحمد بن عبد الخالق بن محمد بن عبد الله بن أبي هشام، القرشي، الشافعي، الدمشقي» وكان فراغه من كتابتها في اليوم الثامن والعشرين من شهر جمادى الأول، سنة أربع وتسعين وخمسمائة. وهي نسخة كبيرة الخط، حسنة النص، وعدد أوراقها 234 ورقة. والنسخة الثانية، ورمزها (ح) كتبها «معمر بن يحي بن أبي الخير بن عبد الغني، المكي، المالكي» وقد أنهى كتابتها في عصر الجمعة الثالث من شهر ربيع الآخر، من شهور سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة. وقد قوبلت في تسعة وعشرين مجلسا. وجاء في هامش الورقة الأخيرة: «بلغ مقابلة في المجلس التاسع والعشرين، في شعبان عام ثلاثة وسبعين وثمانمائة، بالمسجد الحرام، على غير أصل» وعدد أوراقها 176 ورقة، وخطها دقيق، ولكنها في جملتها أصح من النسخة الأولى. والنسخة الثالثة، ورمزها (هـ) وليس فيها ما يدل على اسم ناسخها ولا على تاريخ ناسخها، بيد أنه جاء على الصفحة الأولى منها عبارتان: الأولى

فوق العنوان، والثانية تحته، ونص الأولى: «من كتب حجى الحسبانى» ونص الثانية: «من كتب يحيى بن حجي الشافعي». والأول هو: حجي بن موسى بن أحمد السعدي، الحسباني، الشافعي، فقيه الشام ومحدثها. ولد سنة 721 وتوفي سنة 782 والثاني هو: يحيى بن محمد بن عمر بن حجي بن موسى بن أحمد السعدي الحسباني، الدمشقي، المعروف بابن حجي. ولد بدمشق سنة 838 وتوفي بالقاهرة سنة 888 وصلى عليه بالأزهر ودفن بالقرب من ضريح الشافعي. وهذه النسخة جميلة الخط، حسنة التنسيق، ولكنها أقل النسخ شأنا، وأخفها وزنا؛ لكثرة ما فيها من تصحيف وتحريف، ولذلك لم أثبت فروقها، لأنه لا جدوى من إثباتها الا بزيادة حجم الكتاب وهذه النسخ الثلاث مصورة عن أصولها المحفوظة في مكتبة أحمد الثالث بتركيا. وأرقامها حسب توالي ذكرها 270 حديث، 819، 718. وإنه ليطيب لي بهذه المناسبة أن أتوجه بالشكر الجزيل لجميع القائمين على شئون المكتبات في تركيا؛ لحسن عنايتهم بما أطلب تصويره. وأرجو أن تظل معونتهم شاملة لجميع الباحثين، وأن لا يصرفهم عنها ما يفعله بعض السفهاء هنا أو هناك، كما حدث أخيراً؛ فإن وضع العوائق أمام الراغبين في تصوير لكتب أمر يجافي سنن العلم، وينافي مواجب الأخوة، ولا ينبغي لكرامة الدولة. وما إخالهم إلا عادلين إلى ما كانوا عليه من معونة العلماء وتلبية طلباتهم

أنَّى كانوا من أرض الله. وفقنا الله جميعا لما فيه رضاه، وجمع قلوبنا على حب تراثنا والتعاون على نشره على أساس علمي قويم. * * * ولعل من طرائف الموافقات: أن أكتب مقدمة مناقب الشافعي في آخر شهر رجب من سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة وألف من هجرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وقد كانت وفاة الشافعي في آخر يوم من شهر رجب سنة أربع ومائتين. فليكن عملي في هذا الكتاب تحية متواضعة للشافعي، في ذكرى مرور ألف ومائة وسبع وثمانين سنة على وفاته. طيب الله ثراه، وتقبل عنه أحسن ما عمل، كفاء ما بذل من وقت وجهد في فقه الكتاب، ونصر السنة، وتجليتهما للناس في أسلوب بارع، وحوار رائع، يبهر العقول، ويسحر النفوس، ويهدي إلى سواء الصراط. السيد أحمد صقر القاهرة في يوم الاثنين 30 من رجب 1391 هـ 20 من سبتمبر 1971 م

البيهقي في سطور

البيهقي في سطور • هو أبو بكر: أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي (¬1). • ولد في شعبان سنة 384 في «خُسْرَوْجِرْد» إحدى قرى «بَيهَق» بنواحي «نَيْسَابُور». • مات في جمادى الأولى سنة 458. • أول سماعه للعلم سنة 399. • رحل إلى العراق والجبال والحجاز. • كان ورعا زاهداً تقيا، تابع الصيام مدة ثلاثين سنة. • تتلمذ على طائفة من العلماء من أشهرهم الحاكم (321 - 405) مؤلف المستدرك على الصححين. وابن فورك الأصبهاني، المتوفى سنة 406 وأبو عبد الرحمن السلمي (303 - 412) وأبو منصور البغدادي المتوفى سنة 429 وأبو محمد الجويني، المتوفى سنة 438. • تتلمذ عليه جماعة من أشهرهم: أبو عبد الله الفراوي (441 - 530)، وقد روى عنه كثيرا من كتبه ومنها «مناقب الشافعي» ومنهم ابنه: إسماعيل بن أحمد البيهقي، المتوفى سنة 507. وحفيده: عبيد الله بن محمد بن أحمد البيهقي، المتوفى سنة 523. وأبو المظفر القشيري (445 - 532) وهو من رواة كتاب المناقب. • ألف كتبا كثيرة، طبع منها: السنن الكبرى، وأحكام القرآن، والأسماء ¬

_ (¬1) ترجمت له في مقدمة كتاب معرفة السنن والآثار.

والصفات، والاعتقاد، والقراءة خلف الإمام، وحياة الأنبياء في قبورهم، ودلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، صلى الله عليه وسلم، ومعرفة السنن والآثار. • قال عنه الذهبي (673 - 748): «قَلّ من جود تواليفه مثل الإمام أبي بكر البيهقي، فتصانيفه عظيمة القدر، فينبغي للعالم أن يعتني بها» • قال النووي: (631 - 676): «المصنفات في مناقب البيهقي كثيرة، ومن أحسنها وأثبتها كتاب البيهقي، وهو مجلدان ضخمان، مشتملان على نفائس من كل فن، استوعب فيهما معظم أحواله ومناقبه، بالأسانيد الصحيحة، والدلائل الصريحة»

مناقب الشافعي للبيهقي 384 - 458 تحقيق السيد أحمد صقر

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم ربّ يسّر وأعن ووفِّق أخبرنا الإمامان: أبو عبد الله: محمد بن الفضل الْفُرَاوِيّ (¬1)، وأبو المُظَفّر: عبد المنعم بن عبد الكريم القُشَيْرِي (¬2)، في كتابيهما، قالا: أنبأنا الإمام أبو بكر: أحمد بن الحسين البَيْهَقِيّ، قراءة عليه، قال: الحمد لله [الأول] (¬3) القديم، الربّ الرحيم، الذي ليس له في ذاته وصفاته نَظِيرٌ أو شَبِيه، ولا في ملكه وتدبيره عَدِيلٌ أو شريك، فهو الله الأَحَد الصَّمَد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كُفْوَاً أَحد. والحمد لله الذي أنشأ الخلق بقدرته، وكرّم بني آدم بما شاء من نعمته، وبعث فيهم النّبيين والمرسلين، مبِّشرين بالجنة من أطاعه، ومُنْذِرين بالنّار من عصاه. وخصّنا بالنبي الأمي العربي، القرشي الهاشمي المكي، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. أرسله إلى كافة الخلق بين يَدَي السّاعة بشيراً ونذيراً، ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله: محمد بن الفضل الفراوي، نسبة إلى فراوة، بلدة قرب خوارزم. تفرد برواية صحيح مسلم، وكان يعرف بفقيه الحرم؛ لأنه أقام بالحرمين مدة طويلة ينشر العلم ويسمع الحديث ويذكر الناس. ومن أشهر أساتذته إمام الحرمين. ولد سنة 441 ومات سنة 530 وترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 4/ 92 - 94 وشذرات الذهب 4/ 96 ومعجم البلدان 6/ 352. (¬2) ولد في سنة 445 وتوفي سنة 532 وترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 4/ 264 والمنتظم 10/ 75 وشذرات الذهب 4/ 99. (¬3) الزيادة من هـ، ح

وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. صلى الله عليه وعلى آله، كلّما ذكرَهُ الذاكرون وغفَل عن ذكره الغافلون. وأنزل معه الكتاب المُسْتَبين، وبين على لسانه الدينَ القويم، ودعا إليه مَنْ جعله من أهل التكليف أجمعين، وهدى من أنعم عليه بالتّوفيق الصراطَ المستقيم، فقال فيما أنزل عليه (¬1): {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (¬2)} فتركه، صلى الله عليه وسلم، في أمّته حتى بلّغ الرسالة، وأدّى النصيحة، وعلّمهم الكتابَ والحكمة. ثم قبضه (¬3) إلى رحمته، وقد ضَمِنَ فيما أنزل عليه حِفْظَ كتابه، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (¬4)} وقال على لسان رسوله، صلى الله عليه وسلم: ما أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله، الحافظ، رحمه الله، أنبأنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الصفّار، حدثنا أحمد بن مِهْران (¬5)، قال: أنبأنا عبيد الله (¬6) بن موسى، حدثنا إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة ¬

_ (¬1) في هـ «إليه». (¬2) سورة يونس 25. (¬3) في هـ «وقبضه». (¬4) سورة الحجر 9. (¬5) في ا «هارون» وهو خطأ. وترجمة أحمد بن مهران في تاريخ أصبهان 1/ 95 وكانت وفاته سنة 284. (¬6) في اوهـ: «عبد الله» وهو خطأ. ترجم له ابن حبان في كتاب أتباع التابعين من الثقات لوحة 77 - ب فقال: عبيد الله بن موسى العبسي، مولى لهم، كنيته أبو محمد، من أهل الكوفة، يروى عن إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش. روى عنه أهل العراق والغرباء. مات سنة ثنتي عشرة ومائتين. وكان يتشيع. وترجم له في مشاهير علماء الأمصار ص 174، والبخاري في الكبير 3/ 1/401 وابن =

ابن شُعْبَةَ، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يزال رجالٌ من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أَمْرُ الله وهم ظاهرون (¬1)» وأخبرنا أبو الحسن: علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، ببغداد، قال: أنبأنا أبو جعفر: محمد بن عمْرو الرَّزَّاز، أنبأنا أحمد بن عبد الجبّار العُطَارِدِيّ، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس (¬2)، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال (¬3) طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الدّين عزيزة إلى يوم القيامة». أخبرنا أبو الحسن: علي بن عمر بن حَفْص المقرئ، ببغداد، أنبأنا أحمد بن سليمان الفقيه، حدثنا عبد الملك بن محمد، حدثنا سعيد بن عامر، حدثنا شعبة، عن معاوية بن قُرَّة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

_ = أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/ 2/334 والذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 353 - 354 وابن حجر في تهذيب التهذيب 6/ 50 - 53. (¬1) أخرجه البخاري 6/ 464 و 13/ 249، 372 من الفتح، ومسلم 3/ 1523 وأحمد في المسند 4/ 248. (¬2) هو قيس بن عباد - بضم العين وتخفيف الباء - القيسي البصري. تابعي ثقة. قدم المدينة في خلافه عمر وسمع منه ومن علي وسعد. وروى عنه ابنه عبد الله، وابن ابنه النضر بن عبد الله. وترجمته في طبقات ابن سعد 7/ 1 / 95 ل، 7/ 131 ب وتهذيب التهذيب 8/ 400 (¬3) في هـ «لا يزال». ولسعد في مسلم 3/ 1525 حديث: لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة

«لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرّهم من خذلهم حتى تقوم الساعة (¬1)». ورواه أيضاً معاوية بن سفيان، وثَوْبَان، مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وغيرهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم. سمعت أبا عبد الله: محمد بن عبد الله، الحافظ، يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن علي بن عبد الحميد الأَدَمِي بمكة، يقول: سمعت موسى بن هارون، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، وسُئِلَ عن معنى هذا الحديث، فقال: إن لم تكن هذه الطائفةُ المنصورةُ أصحاب الحديث فما (¬2) أدرى من هِم (¬3)؟! أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل [القارئ (¬4)] حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا أبو الربيع: سليمان بن داود العَتَكِي، ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند 3/ 426 والترمذي في سننه، أبواب الفتن: باب ما جاء في الشام 20/ 30 وابن حبان في صحيحه، في أول كتاب العلم: باب ذكر النصرة لأصحاب الحديث إلى أن تقوم الساعة 1/ 18، وابن ماجه في مقدمة السنن: باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم /4 - 5، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص 2، والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث لوحه 10 - ز، وابن عساكر في تاريخ دمشق 1/ 292 وما بعدها. (¬2) في هـ وح: «فلا». (¬3) راجع معرفة علوم الحديث، وشرف أصحاب الحديث في الموضعين السابقين، والإلماع القاضي عياض ص 25 - 27، وفتح الباري 3/ 249، وتحفة الأحوذي 3/ 219. والمحدث الفاصل لوحه 7 (¬4) الزيادة من هـ وح.

حدثنا حمّاد بن زيد، حدثنا بَقِيَّة بن الوليد، حدثنا مُعَان (¬1) بن رِفَاعَةَ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العُذْرِي، عن أبيه - كذا في كتابي - قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «يَرِثُ هذا العلمَ من كل خلَفٍ عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المُبْطِلين، وتأويل الجاهلين (¬2)». ورواه أبو القاسم البَغَوِي، عن أبي الرّبيع، دون ذكر أبيه فيه. وكذلك رواه إسماعيل بن عيّاش، عن مُعَان بن رفاعة السّلامي. ¬

_ (¬1) في هـ وح: «معاذ» وهو خطأ. راجع ترجمة معان بن رفاعة في المجروحين لابن حبان لوحة 453 وميزان الاعتدال 4/ 134، وتهذيب التهذيب 10/ 201 - 202، والكامل لابن عدي لوحة 430 - ب. وقد قال ابن حبان: منكر الحديث، يروي مراسيل كثيرة، ويحدث عن أقوام مجاهيل، لا يشبه حديثه حديث الأثبات؛ فلما صار الغالب في روايته ما ينكره القلب، استحق الترك. (¬2) أورد ابن عدي الحديث في الموطن السابق من طريق اسماعيل بن عياش الذي أشار إليه البيهقي، ثم قال: لا يعرف إلا به، وقد رواه قوم من جهة مرفوعا، ونفى ثبوته. وأورده ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه الجرح والتعديل 1/ 1/ 17 دون تعقيب، وقال في ترجمته له في 4/ 1/421 - 422: يكتب حديثه ولا يحتج به!؟ وأورده البغدادي في شرف أصحاب الحديث لوحة 35 - ب و 36 - امن حديث معان بن رفاعة، ثم أورد سؤال مهنا ابن يحي لأحمد عن الحديث وقوله له: كأنه كلام موضوع؟ فقال أحمد: لا، هو صحيح. وأورد الخطيب درقا أخرى للحديث قبل هذا الموضع وبعده عن أبي هريرة وابن مسعود وغيرهما. وذكره ابن حجر في الاصابة 1/ 121 من رواية الحسن بن عرفة عن اسماعيل بن عياش من الطريق الذي أورده البيهقي، ثم ذكر رواية أبي نعيم له من حديث أبي أسامة وأنه لا يثبت من هذا الطريق، وأن البغدادي وصله في شرف أصحاب الحديث، وأن ابن عدي أورده في بعض المواطن من طرق كثيرة كلها ضعيفة، وقال في بعض المواضع: رواه الثقات عن الوليد، عن معان عن ابراهيم قال: حدثنا الثقة من أصحابنا. . فذكره.

ورواه الوليد بن مسلم، عن إبراهيم بن عبد الرحمن: كما أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد بن الخليل المَالِينِي، حدثنا أبو أحمد ابن عبد الله بن عَدِي الحافظ، أنبأنا الحسن بن سفيان، حدثنا إبراهيم - يعني ابن أيوب الحُورَانِي الدمشقي - حدثنا الوليد، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن، حدثنا الثقة من أشياخنا قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. نحوه. وبمعناه رواه أبو عمير، عن الوليد بن مسلم. ففي وعد الله، جل وعز، حفظ كتابه العزيز عن الزيادة فيه، والنقصان عنه، والإتيان بمثله، ووَعْدُه حق. وفي وعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قَائِمُونَ بكتاب الله، عز وجل، ثم بسنته، صلى الله عليه وسلم، ظاهرون، ينفون عنها تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويلَ الجاهلين، ووعدُه صدق. وقد وجدنا بحمد لله ومَنِّه كتابه العزيز الذي أنزله على عبده قَيِّماً لم يجعل له عِوَجاً، ولا إلى الزيادة فيه أو النقصان عنه أو الإتيان (¬1) بمثله - لأحدٍ من خلقه سبيلا. ووجدنا عالمين بكتاب الله، عز وجل، وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، عارفين بمعانيهما، مستنبطين عنهما ما فيهما، من بيان الشريعة نصًّا أو دلالةً، قائمين بالحق ظاهرين، مِنْ عَصْرِ نبينا، صلى الله عليه وسلم، إلى يومنا ¬

_ (¬1) في ح «والإتيان».

هذا، يتبع بعضهم بعضًا، إليهم رُجوعُ الخلقِ في تعلم الحق، في الشرق والغرب، أصولهم في دينهم (¬1) واحدة، وفروعهم على اختلاف اجتهادهم بالأصول مُلحقه (¬2)، وأحكامهم - على ما يؤدي إليه اجتهادهم - ماضية. وهم في أداء (¬3) كل واحد منهم في الظاهر ما كلّف - مجتمعون، وإن كانوا في الصورة مختلفين؛ ولذلك قال سيدنا المصطفى، صلى الله عليه وسلم: ما أخبرنا أبو الحسن: محمد بن الحسين بن داود العلوي، رحمه الله، قال (¬4): حدثنا أبو حامد بن الشَّرْقِي، حدثنا محمد بن يحيى، وأبو الأزهر، وعبد الرحمن بن بشر، وأحمد بن يوسف؛ قالوا: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حوم، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد (¬5) فأصاب كان له أَجْرَان، فإن اجتهد وأخطأ (¬6) كان له أجر (¬7)». ¬

_ (¬1) في هـ «حديثهم». (¬2) في ا «لحقه» وملحقه بمعنى لاحقة وتابعة، أي أن فروعهم تتبع أصولهم. (¬3) في هـ «من أدار». (¬4) ليست في ا. (¬5) في هـ «واجتهد». (¬6) في ح. «وأخطأ». (¬7) أخرجه البخاري 13/ 268 ومسلم 3/ 1342. والترمذي 1/ 249 وقال: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب من ذا الوجه، لا نعرفه من حديث سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، إلا من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن سفيان الثوري. والنسائي 2/ 304.

ورواه أيضًا يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهَادِ، عن أبي بكر ابن محمد (¬1). فجعل النبي، صلى الله عليه وسلم، للمصيب من المجتهدين أجرين: أحدهما على ما تكلّف (¬2) من الاجتهاد، والآخر على ما أصاب من الحق. وجعل للمخطئ منهما أجراً على اجتهاده، وجعل خطأه مرفوعاً عنه، عَفْواً من الله عنه [سبحانه] بفضله وجوده، حتى أصبحنا بحمد الله ونعمته على بَيِّنة من ربنا، وبصيرة من ديننا، ليس لنا في كتاب الله شك، ولا في شريعة نبينا، صلى الله عليه وسلم، إشكال لا مخرج لنا منه. وقد حذرنا نبينا، صلى الله عليه وسلم، ما كان بعده من الاختلاف والفرقة، ودلّنا على ما وجب علينا من التمسك به، فقال في حديث العِرْبَاضِ بن سارية: ما أخبرنا أبو الحسن: علي بن أحمد بن الحَمَّامِي، أنبأنا أحمد بن سَلْمَان (¬3)، حدثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي، حدثنا أبو عاصم. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدُّورِي، حدثنا أبو عاصم (¬4)، حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن مَعْدَان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، عن العِرْباض بن سَارِية، قال: ¬

_ (¬1) راجع صحيح مسلم /1342 وابن ماجه 2/ 776. (¬2) في هـ و «مكلف». (¬3) في هـ. ح «سلمان» وهو خطأ وفي هـ «أخبرنا أبو الحسن: علي بن أحمد بن سليمان، قال حدثنا عبد الملك» وفيه نقص واضح. (¬4) في «عاصم»

صلّى بنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلاة الصبح، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجِلَت منها القلوب، وذَرَفَتْ منها العيون. فقلنا: يا رسول الله، [صلى الله عليك (¬1)] كأنها موعظة مُودِّع، فأوصنا. فقال: «أوصيكم بتقوى الله تعالى، والسمع والطاعة (¬2) وإن أُمِّر عَليكم عَبْدٌ؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين (¬3) المهديين، عضُّوا عليها بالنَوَاجِذِ. وإياكم ومُحْدثَات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة (¬4)» لفظ حديث الدّوري (¬5)، وفي رواية الرقاشي (¬6): «فإن كل مُحدَثةٍ بدعة، وكلّ بدعة ضلالة». ورواه أيضاً حُجْر بن حجر (¬7)، ويحيى بن أبي المُطَاع (¬8)، عن العرباض ابن سارية، عن النبي، صلى الله عليه وسلم. ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من ح. (¬2) في هـ «بتقوى الله في السر والعلانية، والسمع والطاعة». (¬3) ليست في هـ. (¬4) راجع ما أخرجه الدارمي في سننه، باب اتباع السنة 1/ 44 - 45، وابن ماجه في مقدمة سننه: باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين 1/ 16، 17، والترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع 2/ 112 - 113، والحاكم في المستدرك 1/ 95 - 96. (¬5) راجع المستدرك في الموضع السابق. (¬6) هو عبد الملك بن محمد، المعروف بأبي قلابة الضرير. وترجمته في الجرح 2/ 2/369 وتاريخ بغداد 10/ 425 وتذكرة الحفاظ 2/ 580 وتهذيب التهذيب 6/ 419. (¬7) راجع في هذا مسند أحمد 4/ 126 - 127، وسنن أبي داود، كتاب السنة: باب لزوم السنة 4/ 280 - 281، وصحيح ابن حبان في ذكر وصف الفرقة الناجية 1/ 139 - 140، وسنن الترمذي في أبواب العلم: باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة 2/ 113 والمستدرك 1/ 97. (¬8) راجع المستدرك 1/ 97، وسنن ابن ماجه 1/ 15 - 16.

فاستمسك بها من كان في وَعْدِ نبينا، صلى الله عليه وسلم، من القائمين بسنته في الصدر الأول، ثم الذي يلونهم، (12 ثم الذين يلونهم (¬1) لا يبالي أحدهم (¬2) بأن يتبع الحق حيث وجده، ولا يَرغَب عن قبوله ممن سمعه؛ وذلك لتقواهم الله تعالى وخشيتهم إياه. ولذلك ولغيره من المعاني قال النبي، صلى الله عليه وسلم: ما في حديث عبد الله (¬3) بن مسعود وغيره: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، حدثنا إسماعيل بن محمد الصفّار، قال حدثنا محمد بن أبي داود، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، عن عَبِيدَةَ، عن عبد الله، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يخلف قوم تسبق شهادتُهم أيمانَهم، وأيمانُهم شهادتَهم (¬4)». قال أحمد (5 البيهقي، رحمه الله تعالى ¬5): ثم اختلفت (¬6) الأهواء، وكثرت الآراء، حتى ذهب بعضهم إلى ترك القول بالسنة، وتمسك كثير من أتباع من مضى من العلماء بما بلغهم من أقوالهم، ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين سقط من هـ. (¬2) في هـ «أحد». (¬3) ليست في هـ. (¬4) أخرجه البخاري 3/ 151، 5/ 191 من الفتح، ومسلم 4/ 1963 وأحمد في المسند 6/ 86 (معارف) (¬5) ما بين الرقمين ليس في اولا في هـ. (¬6) في هـ «اختلف».

وقد كانت من بعضهم الزلة فيما لم يبلغه من السنة، أو غفل عن موضع الحجة، فلم يرجعوا عنها حين (¬1) بلغهم؛ ولذلك (¬2) قال عبد الله بن عباس، رضي الله عنه: ما أخبرنا أبو محمد: عبد الله بن يحيى بن عبد الجبّار السّكري، ببغداد، حدثنا أبو بكر: محمد بن عبد الله الشافعي: حدثنا جعفر بن محمد الأزهر، حدثنا الفضل (¬3) بن غَسَّان، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن المثني ابن سعيد، عن أبي تميمة، عن أبي العالية (¬4) قال: قال ابن عباس: ويل للأتباع من زلات العالم. قال: قيل: وكيف ذلك؟ قال: يقول العالم الشيء برأيه فيلقى من هو أعلم منه برسول الله، فيخبره فيرجع، وتقضي الأتباع بما حملت. قال أحمد: فإذا (¬5) عُورِضوا بالسنة، أو عُورِضَ بها من ذهب إلى رد الأخبار الصحيحة، قالوا: ما أخبرنا أبو محمد: عبد الله (¬6) بن يحيى السكري، حدثنا إسماعيل بن محمد ¬

_ (¬1) في ح «حتى». (¬2) في هـ «وكذلك». (¬3) في ا «المفضل». (¬4) في جـ «أبي الغالية». وفي ح عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال»: (¬5) في هـ «وإذا». (¬6) في هـ وح «أبو عبد الله بن يحيى»

الصفّار، حدثنا عباس بن عبد الله التَّرْقُفي (¬1)، حدثنا محمد بن المبارك (¬2)، حدثني يحيى بن حمزة، حدثني محمد بن الوليد الزُّبيدي، عن مروان بن رُؤْبة (¬3) أنه حدثه عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجُرَشِي (¬4)، عن الْمِقدَام بن مَعْدِي كَرِبٍ الكِنْدِيّ، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «أُوتيت الكتابَ وما يعدله - يعني مثله - يوشك شَبْعَان على أريكته يقول: بيننا وبينكم هذا الكتاب: فما كان فيه من حلال أحللناه، وما كان من حرام حرمناه، ألا وإنه ليس كذلك. ألا لا يحل ذو ناب من السباع، ولا (¬5) الحمار الأهلي» وذكر الحديث (¬6). ¬

_ (¬1) في هـ «العباس بن عبد الله البرقعي» والترقفي هو أبو محمد: العباس بن عبد الله بن أبي عيسى الترقفي الباكساني. قال في الأنساب 3/ 37: هذه النسبة إلى ترقف، وظني أنها من أعمال واسط. وقد مات سنة 267 وله ترجمة في تاريخ بغداد 12/ 143 - 144 (¬2) في ا «المنكدر» وهو خطأ. ومحمد بن المبارك الذي روى عن يحيى بن حمزة توفي سنة 215 وترجمته في تهذيب التهذيب 9/ 423. (¬3) في هـ «بدنة» وهو خطأ. وترجمة مروان بن رؤبة في الكبير 4/ 1/ 371 وتهذيب التهذيب 10/ 92. (¬4) في النسخ. «الحرسي» وقد أكدها كاتب «ح» بكتابة حاء صغيرة تحت الحاء، وهو خطأ، وقد ضبطها ابن حجر في تقريب التهذيب ص 124 «الجرشي» بضم الجيم وفتح الراء بعدها، وذكر أنه كان قاضياً من حمص، وثقة، يعد من الطبقة الثانية، ويقال: انه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. (¬5) في اوهـ «الا» وهو خطأ واضح. (¬6) الذي عند أحمد وأبي داود في تمام الحديث: «ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لقطة معاهد الا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه». وطريق مروان بن أبي رؤبة أخرجه ابن حبان في صحيحه 1/ 147.

ورواه أيضاً حريز (¬1) بن عثمان، عن ابن أبي عوف (¬2). ورواه الحسن (¬3) ابن جابر (¬4) عن المقدام. وربما يعتل بعض أتباع من معنى بأن ما عورض (¬5) به من السنة، لو كان صحيحاً لم يتركه صاحبه. فيعتمد رواة (¬6) قول صاحبه، ولا يعتمد على رواة قول نبيه، صلى الله عليه وسلم. ويقلد قول صاحبه، وربما لم تبلغه تلك السنة، أو غفل عن موضع الحجة، ولا يرى أن يقلد [قول] (¬7) نبيه، صلى الله عليه وسلم. والمذهب الصحيح في هذا مذهب السلف ومن ذهب مذهبهم من الخلف في ملازمة (¬8) السنة (9 وترك الميل عنها إلى البدعة. وليس كل أحد يعرف مذهب السلف أو من تبعهم من الخلف في متابعة السنة ¬9) ومفارقة البدعة. فلو ترك من ليس له آلة الاجتهاد (¬10) في طلب الأصح أو الأرجح (¬11) في الأقاويل المختلفة ¬

_ (¬1) في هـ «جرير» وهو خطأ. (¬2) طريق حريز بن عثمان أخرجه أحمد في المسند 4/ 130 - 131، وأبو داود في سننه: باب لزوم السنة 4/ 279. (¬3) في هـ: «الحسين» وهو خطأ. (¬4) طريق الحسن بن جابر أخرجه الدارمي في سننه: باب السنة 1/ 140 والترمذي في كتاب العلم: باب ما نهى أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 110 - 111. وابن ماجه في مقدمة السنن، باب تعظيم حديث رسول الله والتغليظ على من عارضه 1/ 6. والحاكم في المستدرك 1/ 109. (¬5) في ا: «بما عورض من السنة ولو كان. .». (¬6) في ا: «فيعتمد على رواة». (¬7) ما بين القوسين من هـ وح. (¬8) في ا «ومتابعة». (¬9) ما بين الرقمين سقط من ا. (¬10) في هـ: «الاختيار». (¬11) في ا: «والأرجح».

دون الدلالة على من (¬1) هو أولى المتابعة - لبقى متحيراً لا يهتدي ولا يعلم من يهدي (¬2) فوجدنا في سنة النبي، صلى الله عليه وسلم، أوضح العلامة، وأبين (¬3) الدلالة على من هو أحق بالاتباع من علماء الأمة بعد ظهور البدعة وغلبة أهلها، ومن أولاهم بأن يُقدَّم (¬4) ويؤخذ منه العلم، حتى تكون (¬5) الطائفة المنصورة الموعودة، متصلة بأمثالها في القيام بالحق، قبل ظهور الفرقة وبعدها إلى يوم القيامة. ونحن نذكر بمشيئة الله تعالى من أسانيد تلك السنة ما حضرنا في (¬6) أبواب مترجمة، وبالله التوفيق والعصمة. ¬

_ (¬1) في ح: «ما». (¬2) في هـ «تهتدي». (¬3) في هـ وح «وأسنى». (¬4) في هـ «بمن يقوم». (¬5) في هـ وح «يكون». (¬6) في هـ «من».

1 - باب: ما جاء في تخصيص قريش بالتقديم والاتباع والتعلم منهم؛ لكثرة علمهم ورجحان عقلهم وقوة رأيهم، وما في بعضه من الإشارة إلى الشافعي رحمه الله، لزيادة علمه من بين قريش بعد الصحابة رضي الله عنهم، وانتشاره في مشارق الأرض ومغاربها وانتفاع المسلمين به

باب ما جاء في تخصيص قريش بالتقديم والاتباع، والتعلم منهم؛ لكثرة علمهم، ورجحان عقلهم، وقوة رأيهم، وما في بعضه (¬1) من الإشارة إلى الشافعي، رحمه الله، لزيادة علمه من بين قريش بعد الصحابة، رضي الله عنهم، وانتشاره في مشارق الأرض ومغاربها، وانتفاع المسلمين به. أخبرنا أبو طاهر: محمد بن محمد بن مَحْمِش الفقيه، رحمه الله، أنبأنا أبو بكر: محمد بن الحسين القطان، حدثنا أحمد بن يوسف السُّلَمي، حدثنا عبد الرازق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة. فذكر أحاديث (¬2). قال: وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم (¬3)». أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو النضر: محمد بن محمد ابن يوسف الفقيه، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي (¬4)، حدثنا أبو الوليد، ¬

_ (¬1) في هـ: «بعضهم». (¬2) سقطت من هـ. (¬3) هذا جزء من حديث أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء: باب المناقب 6/ 385، ومسلم في كتاب الإمارة: باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش 3/ 1451، والمصنف في السنن الكبرى 8/ 141. (¬4) في ا: «الرازي» وهو خطأ. [م - 2] مناقب

حدثنا عاصم بن محمد، سمعت أبي يحدث عن ابن عمر، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان» (¬1). أخبرنا أبو الحسين: محمد بن الحسين (¬2) بن الفضل القطان، أنبأنا عبد الله ابن جعفر بن دَرَسْتَويه، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا عبيد الله (¬3) - هو ابن موسى - عن شَيْبان، عن الأعْمش، عن سَهل - يُكنى أبا أسد - عن بُكَير الجزري (¬4)، عن أنس، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «الأئمة من قريش (¬5)». وأخبرنا أبو الحسن: علي بن عبد الله بن علي الْخُسْرَوْجِرْدِي، أنبأنا أبو بكر: أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، أنبأنا أبو إسحاق: إبراهيم بن هاشم ابن الحسن البَغَوِيّ، حدثنا الحسين (¬6) بن إبراهيم الكلبي، حدثنا إبراهيم ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند 7/ 35 (المعارف) والبخاري في كتاب المناقب: باب مناقب قريش 6/ 389 وفي كتاب الأحكام: باب الأمراء من قريش 13/ 104، ومسلم في كتاب الامارة: باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش 3/ 1452. (¬2) في هـ: «الحسنين» وهو خطأ. (¬3) في ا: «عبد الله» وهو خطأ. (¬4) في هـ: «الخدري» وهو خطأ. وبكير هو ابن وهب الجزري. قال الأزدي: ليس بالقوى وذكره ابن حبان في الثقات في التابعين لوحة 9 - ب وترجم له ابن حجر في التهذيب 1/ 496. (¬5) أخرجه أحمد في المسند 3/ 129، 183. والنسائي في الكبرى في القضاء، كما ذكر صاحب تحفة الأشراف 1/ 102، وابن حجر في التهذيب في الموضع السابق. وراجع أيضاً السنن الكبرى 8/ 144. (¬6) في ا: «الحسن».

ابن سعد، عن أبيه، عن أنس بن مالك: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «الأئمة من قريش ..» وذكر باقي (¬1) الحديث. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عبد الله: محمد بن علي بن عبد الحميد الأدمي بمكة، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن زيد بن أَسلَم (¬2)، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «صُلْبُ الناس قريش، وهل يمشي الرجل بغير صلب» (¬3)؟. أخبرنا أبو عبد الله، قال: أخبرنيه (¬4) أبو الحسن: محمد بن عبد الله بن محمد بن صبيح، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري، حدثنا عبيد بن عبد الرحمن، حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد، حدثني سعيد بن عمرو، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. نحوه. وبهذا الإسناد قال: قال جابر بن عبد الله: سمعت (¬5) رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول ¬

_ (¬1) في هـ: «ما في». (¬2) هو أبو أسامة أو أبو عبد الله: زيد بن أسلم العدوي المدني الفقيه، مولى عمر. روى عن أبيه وابن عمر وأبي هريرة وعائشة، قال يعقوب بن شيبة: ثقة من أهل الفقه والعلم وكان عالما بتفسير القرآن. مات سنة 136 وترجمته في الكبير 2/ 1/354 وتهذيب التهذيب 3/ 395 وانظر المراسيل لابن أبي حاتم ص 23. (¬3) راجع مجمع الزوائد 10/ 28. (¬4) في هـ وح: «أخبرنا». (¬5) في ح: «وبهذا الاسناد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: سمعت».

«خيار قريش خيار الناس، وقريش كالملح، وهل (¬1) يطيب طعام إلا به؟ ولولا أن تَطْغَى قريش لأخبرتها بما لها عند الله، عز وجل (¬2)». أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا (¬3) أبو الفضل: الحسن بن يعقوب العَدْل، حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا يزيد بن الحُبَاب، أنبأنا ابن أبي ذِئب، عن سعيد بن سعيد المقبري (¬4)، عن كعب قال: «نجد في الكتاب أنّ قريشاً هي الكَتَبةُ الحَسَبَةُ، ملح هذه الأمة». أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنبأنا أبو بكر: محمد بن الحسين القطان، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن مالك بن مِفْوَل، عن الشعبي، عن عامر بن شهر (¬5)، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «انظروا قول قريش، واسمعوا قولهم، ولا تعملوا بأعمالهم (¬6)». أخبرنا أبو نصر: عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة، أنبأنا أبو محمد: ¬

_ (¬1) في ح: «فهل». (¬2) راجع في معنى أنهم كالملح من الطعام ما أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 18 من حديثي أنس وسمرة وتعقيبه عليهما. (¬3) في هـ وح: «أخبرنا». (¬4) في هـ: «المقري». (¬5) ليست في هـ. وعامر بن شهر هو أبو الكنود الهمداني، ويقال أبو شهر الناعظي نسبة إلى ناعظ من أعمال همدان. له صحبة وكان من عمال النبي صلى الله عليه وسلم باليمن، وكان أول من اعترض على الأسود العنسي لما ادعى النبوة، وله ترجمة في تهذيب التهذيب 5/ 69 - 70، وأسد الغابة 3/ 83، والإصابة 4/ 9 - 10 (¬6) راجع ما أورده ابن أبي حاتم في العلل 2/ 362 فقد صحح هذا الطريق.

أحمد بن إسحاق بن البغدادي الهَروِيّ، أنبأنا علي بن محمد بن عيسى، حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرني شُعَيْب بن أبي حمزة، عن الزّهري، قال: كان أبو بكر بن سليمان بن أبي حَثْمَةَ - وكان من علماء قريش - يقول: بلغنا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تُعلِّموا قريشا وتعلَّموا منها، ولا تقدَّموها ولا تأخَّروا عنها، فإن للقرشي مِثلي قوة الرجل من غير قريش». هكذا رواه شعيب بن أبي حمزة. ورواه محمد بن الوليد الزّبيدي، عن الزهري، عن عبد الله بن وَاقِد، عن أبي بكر بن سليمان، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: وهو مرسل (¬1) جيد. وقد روى موصولا ومرسلا من أوجه أخر: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو طاهر: محمد بن محمد بن مَحْمِش الفقيه، وأبو زكريا: يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، وأبو سعيد: محمد بن موسى؛ قالوا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، أنبأنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنبأنا (¬2) ابن أبي فديك، قال: حدثني بن أبي ذِئْب، عن ابن ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حجر في توالي التأسيس ص 45 وقال: هذا مرسل قوي الإسناد، وله طرق أخرى استوعبتها في كتاب «لذة العيش: في طرق حديث الأئمة من قريش». ثم قال: والغرض من الاشارة إليه أن الشافعي إمام قرشي فيدخل في عموم الأمر بتقديم قريش على غيرهم مع ما اختص به من نسبته إلى بني المطلب. (¬2) في: ح «أخبرنا».

شهاب، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن عبد الرحمن بن أزهر، عن جُبَيْر بن مُطْعِم؛ أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «للقرشيّ مثل قوة الرجلين من غير قريش» (¬1). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأنا عمر بن حفص السَّدوسي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا ابن أبي ذئب بهذا، وقال: قال الزهري: وما (¬2) أريد بذلك إلا نبل (¬3) الرأي. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو الحسن: علي بن محمد بن محمد ابن عقبة الشّيباني، بالكوفة، حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المَرْوَزِي الحافظ، حدثنا يعقوب بن حميد (¬4)، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت (¬5)، حدثنا عمرو بن أبي عمرو - مولى المطلب - عن المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب، عن جُبَيْر بن مُطْعِم، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند 4/ 81، 83. وأخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 72 وصححه على شرط البخاري ومسلم، وأقره الذهبي، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 26 عن أحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني. ثم قال: ورجال أحمد رجال الصحيح. ورواية الحاكم: «للرجل من قريش من القوة ما للرجلين من غير قريش» ورواية أحمد: «أن للقرشي مثلي قوة الرجل من غير قريش». وقد أخرجه أبو نعيم في الحلية 9/ 64 بلفظ: «للقرشي مثلا قوة الرجلين». (¬2) في ح. «ما». (¬3) في هـ: «مثلي». (¬4) في ا: «حمد». (¬5) في هـ، ح: «بن حميد، قال: حدثنا ثابت».

«يا أيها (¬1) الناس، لا تقدَّموا قريشا تهلكوا (¬2)، ولا تخلَّفوا عنها فتضِّلوا (¬3)، لا (¬4) تُعلِّموها وتعلَّموا منها (¬5)؛ فإنهم أعلم منكم. لولا أن تبطر قريش أخبرتها بالذي لها عند الله تعالى (¬6)» أخبرنا أبو الحسن: علي بن أحمد بن عبدان الكاتب، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفّار، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن مِلْحَان، حدثنا ابن بُكَيْر، حدثنا اللّيث، عن ابن الهاد، عن إبراهيم بن سعد (¬7)، عن محمد بن عكرمة، عن عبد الله بن أبي مُلَيْكَةَ، أن أبا قتادة السّلمي، قال لخالد بن الوليد يوم الفتح: هذا يوم يذل الله عز وجل فيه قريشاً. فقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تسمع ما يقول أبو قتادة؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «مهلا يا أبا قتادة، فإنّك لو وَزَنْت رأيك برأيهم لحَقَرْتَ رأيك مع رأيهم، ولو وَزَنْتَ حلمك مع أحلامهم لحَقَرْتَ حلمك مع أحلامهم. ولا تعلِّموا قريشا وتعلَّموا منها؛ فلولا أن تبطر قريش لأخبرتهم بما لهم عندَ رب العالمين (¬8). ¬

_ (¬1) في ا: «أيها». (¬2) في هـ وح: «فتهلكوا». (¬3) في هـ: «فتغلبوا». (¬4) في هـ وح: «ولا». (¬5) في هـ: «ولا تعلموا وتعلموا منها». (¬6) راجع في هذا مسند الشافعي ص 94، ومناقب الشافعي للرازي ص 135. (¬7) في ا: «سعيد». (¬8) راجع مسند الشافعي 94.

وكذلك رواه أبو صالح (¬1) كاتب الليث، عن الليث. ثم قال أبو صالح: وقد سمعت من (¬2) إبراهيم بن سعد. ورواه المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب، ومحمد بن إبراهيم التَّيْمِي، ببعض معناه، وقالا: «قتادة بن النعمان» بدل «أبي قتادة». وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو بكر: محمد بن أحمد بن بَالَويْه (¬3)، حدثنا محمد بن يوسف القرشي، حدثنا محمد بن خالد ابن عثمة (¬4) حدثنا عدي بن الفضل، أخبرني أبو بكر بن أبي حثمة، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال لي علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يوم (¬5) حروراء (¬6): اخرج إلى هؤلاء القوم فقل لهم: يقول لكم علي: أتتهموني (¬7) على رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فأَشْهَدْ (¬8): لَسَمِعْتُ رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا تؤمّوا قريشاً وائتموا بها، ولا تقدّموا على قريش وقدِّموها، ولا تعلِّموا قريشاً وتعلَّموا منها؛ فإن أمانة الأمين من قريش تعدل أمانة ¬

_ (¬1) في ح: «صالح». (¬2) في هـ وح: «عن». (¬3) في هـ: «بالونة». وهو تصحيف (¬4) في ح: «علقمة». (¬5) سقطت من هـ. (¬6) حروراء قرية كانت بظاهر الكوفة، أو موضع على مباين منها، نزل بها الخوارج الذين خالفوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فنسبوا إليها. راجع معجم البلدان 3/ 256. (¬7) في ح وهـ: «أتتهمونني». (¬8) في هـ: «وأشهد».

اثنين (¬1) من غيرهم، وإن علم عالم من (¬2) قريش طِبَاقَ الأرض. ولولا أن تبطَر قريش لأخبرتها بما لها عند الله عز وجل (¬3)». قال أحمد: وقد روى آخرَ هذا الحديث أيضا إسماعيلُ بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، مرفوعاً. أخبرنا أبو سعيد (¬4): أحمد بن محمد الهَروِيّ، أنبأنا أبو أحمد: عبد الله بن عدي الحافظ، حدثنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن مسلم، عن، عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهد قريشا؛ فإن علم العالم منهم يَسَعُ طِبَاقَ الأرض. اللهم أَذَقْتَ أوّلَها نَكَالا فأَذِقْ آخرها نَوَالاً» (¬5). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أحمد بن محمد السَّمَرقنديّ، ¬

_ (¬1) في ح: الاثنين». (¬2) ليست في «هـ» ولا «ح». (¬3) أخرجه ابن حجر في توالي التأسيس ص 46 - 47 عن الآبري والحاكم في المناقب. ثم قال: أخرج بعض هذا الحديث أبو بكر البزار في مسنده، وأبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه من طريق عدي بن الفضل، قال البزار: لا نعلم لأبي بكر ولا لأبيه غيره. وعقب ابن حجر على هذا بقوله: وهما مجهولان، وفي عدي بن الفضل مقال. وأخرجه الرازي أيضا في مناقب الشافعي ص 135. (¬4) في ح: «أبي سعد». (¬5) أخرج أحمد في المسند 4/ 28 (المعارف) شطره الأخير، وأبو نعيم في الحلية 9/ 65، وابن حجر في توالي التأسيس ص 47 وعقب عليه بقوله: وهذا رجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل، ففيه مقال وأشار إلى رواية أحمد التي ذكرناها بقوله: وأخرج بعضه بسند جيد من طريق سعيد بن جبير.

حدثنا محمد بن نَصْر المَرْوَزِي، حدثنا محمد بن عبد الملك القرشي. وأخبرنا أبو عبد الله، حدثنا أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدثنا أبو عثمان: سعيد بن محمد البغدادي، حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل؛ قالا: حدثنا جعفر (¬1) بن سليمان، حدثنا النضر بن حميد (¬2) الأسدي، حدثنا أبو الجَارُود (¬3)، عن أبي (¬4) الأحوص، عن عبد الله، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا تسّبوا قريشاً؛ فإن عالمها (¬5) يملأ الأرض علماً. اللهم أذقت أوّلها نكالا، فأذِقْ آخرها نوالا (¬6)». هذا لفظ حديث (¬7) ابن أبي إسرائيل. وفي حديث محمد بن عبد الملك القرشي، عن ابن مسعود. يرفع الحديث (¬8) ¬

_ (¬1) في ا «حفص» وهو خطأ. (¬2) في هـ: «جميل» وفي المطبوع من مسند الطيالسي ص 39 «معبد» كما في توالي التأسيس ص 46 وهذا كله خطأ، وهو النضر بن حميد الكندي، يروى عن أبي الجارود وثابت. قال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث. ترجم له العقيلي في الضعفاء لوحة 435، والذهبي في الميزان 4/ 256 وابن حجر في لسان الميزان 6/ 159 - 160. (¬3) في النسخ الخطية «حدثنا الجارود» والصواب أنه أبو الجارود. راجع مصادر الترجمة السابقة. (¬4) في هـ «ابن الأحوص» وهو خطأ. (¬5) في ا: «عالما». (¬6) راجع مسند أبي داود الطيالسي ص 39 - 40، وميزان الاعتدال 4/ 256 ولسان الميزان 6/ 160، وتوالي التأسيس ص 46، وقد قال العقيلي عنه في الموضع السابق: إن النضر منكر الحديث. وهذا من أحاديثه، ولا يتابع عليه إلا من طريق يقاربه. وقد أخرجه أبو نعيم في الحلية 6/ 295، 9/ 65 (¬7) سقطت من هـ (¬8) ليست في هـ.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن إبراهيم المؤذِّن، حدثنا أبو نعيم: عبد الملك بن محمد الفقيه، حدثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي (¬1)، حدثنا أبو اليمان: الحكم بن نافع، حدثنا ابن عيّاش، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن وهب بن كيْسَان، عن أبي هريرة، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «اللهم اهد قريشاً، فإنّ عالمها يملأ طَبقَ الأرض علما. اللهم كما أذقتهم عذابا فأذقهم نوالا» دعا بها ثلاث مرات (¬2). أسانيد هذا الحديث إذا ضُمَّ بعضُها إلى بعض مع (3 ما تقدم ¬3) صارت قوية. وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم المؤذن، عن أبي نعيم الفقيه، قال: قد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الأئمة من قريش (¬4)». وقد يقع اسم الإمامة على من ولى من الخلافة، وعلى من يؤتم (¬5) به في الدين والعلم وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «للقرشي قوة الرجلين من غير قريش». ¬

_ (¬1) في هـ: «القاري». (¬2) أخرجه ابن حجر في توالي التأسيس ص 46 وعقب عليه بقوله: في إسناده عبد العزيز [يعني ابن عبد الله] وهو ضعيف، ورواية إسماعيل [يعني ابن عياش] عن غير الشاميين فيها ضعف. والحديث أيضاً في مناقب الشافعي للرازي ص 135. (¬3) ما بين الرقمين ليس في هـ. (¬4) مضى الكلام على الحديث ص 18. (¬5) في هـ: «يؤثر».

قال: وقد احتج هارون الرشيد حين (¬1) ذكر الشافعي، رحمه الله، بهذه (¬2) الرواية، فقال: ما يُنكَرُ لرجلٍ من بني عبد مناف أن يَقْطَعَ محمد بن الحسن (3 أما علم ¬3) محمد بن الحسن أنّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن عَقْلَ الرجل من قريش عقلُ رجلين من غيرهم». وكذلك حين دخل على هارون مَنْ رفع إليه خبر الشافعي واحتجاجَهُ على محمد بن الحسن - وكان متكئا فاستوى جالسا - وقال: اقرأه عليّ ثانياً، فأنشأ هارون يقول: صدق الله ورسوله - قالها ثلاثاً - قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «تعلّموا من قريش ولا تعلِّموها، قدِّموا قريشاً ولا تَقَدَّموها». ما أنْكر أن يكون محمد بن إدريس أعلمَ من محمد بن الحسن (¬4). قال: وقد احتج الشافعي في «كتاب الصلاة» في باب الأذان بهذه الرواية عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «تعلّموا من قريش، وقوة القرشي قوّة الرجلين من غير قريش، في نبل الرأي (¬5). ¬

_ (¬1) في هـ: «حتى». (¬2) في ا: «هذه». (¬3) ما بين الرقمين سقط في هـ. (¬4) راجع ما أورده ابن حجر في توالي التأسيس ص 47 والرازي في مناقب الشافعي ص 136 وقد عقب الرازي عليه بقوله: وهذا يدل على أن هارون الرشيد حمل هذه الأخبار على الشافعي. (¬5) راجع ما أورده البيهقي في السنن الكبرى: باب ما يستدل به على ترجيح قول أهل الحجاز وعملهم 1/ 385 - 386 وقال عقب الترجمة: وإنما أوردته ها هنا لأن الشافعي أشار إليه في مسألة الأذان، وهو بتمامه مخرج في كتاب المدخل.

قال: وقال أبو نعيم: وفي قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا تسّبوا قريشاً؛ فإنّ عالمها ملأ الأرض علماً، ويملأ طبق الأرض علماً» - علامةٌ بَيِّنةٌ، إذا تأملها الناظر الفائق المُميِّزُ علم (¬1) أنّ المراد بذلك رجل من علماء هذه الأمة من قريش، قد ظهر علمُه فانتشر في البلاد، وكتب كتبه وتآليفه كما تكتب المصاحف، ودَرَسَتْها المشايخ، والشبان، والأحداث، في مجالسهم وكتاتيبهم، وصيروها كالإمام، واستظهروا أقاويله، وأجْرَوْها في مجالس الحكّام، والأمراء، والقراء، وأهل الآثار، وغيرهم. وهذه صفةٌ لا نعلمها قد أحاطت بأحدٍ إلا بالشافعي (2 رحمه الله ¬2): محمد بن إدريس، القرشي؛ إذ (¬3) كان كلُّ واحدٍ من قريش من علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم وإن كان علمه (¬4) قد ظهر وانتشر - فإنه لم يبلغ مبلغاً يقع تأويل هذه الرواية عليه، إذ كان لكل واحد منهم نُتفٌ وقطع من العلم وَمَسْألات (¬5) في الجزء منه: خمس أو عشر أو واحد (¬6)، وسائر ذلك لغيره من الصحابة والتابعين، فهم قد اشتركوا (¬7) في الفتيا اشتراكا لا يبين أن أحدا منهم (¬8) قد ملأ الأرض بعلمه، ولا له فضل علم على علم غيره من أشكاله حتى يظهر هذا التأويل عليه، ولا يتبَيّن في شيء من علومهم أنّ واحداً (¬9) منهم (¬10) قد مَلأ الأرضَ علماً وملأَ طبَقَ الأرض بعلمه. ¬

_ (¬1) سقطت من ا، وهـ. (¬2) ما بين الرقمين ليس في هـ. (¬3) في ا: «إذا». (¬4) ليست في ا. (¬5) في هـ «سبيلا ينافي». (¬6) في ا: «واحداً». (¬7) في ا: «أشركوا». (¬8) ليست في ا. (¬9) في هـ وح: «أحداً». (¬10) ليست في هـ.

فأما الشافعي، رحمه الله (¬1)، القرشي (¬2)، فقد صنَّف الكتب وفتَقَ العِلْمَ، وشرح الأصول والفروع، وعلا في الذكر بما ألفّ وشرح، وفتح الله، عز وجل، على لسانه العلم الكثير، ومَرَّ في آذان السامعين، ووعته القلوب، فازداد على مَرّ الأيام حسناً وبيانا، وبلغ الحدّ الذي جاز لتأول أن يَتأوَّلَ في هذه الرواية عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ذكر قريش: أنَّ الشافعي هو المراد بذلك. قال (¬3) أحمد: وإلى مثل هذا ذهب أحمد بن حنبل، رحمه الله (¬4)، في تأويل هذا الخبر، ونحن نذكر إسناده بعد هذا، إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) في ح: «رضي الله عنه». (¬2) ليست في هـ ولا ح. (¬3) في هـ «قال الإمام أحمد» (¬4) راجع ما أورده الرازي في مناقب الشافعي ص 136 وابن حجر في توالي التأسيس ص 47.

2 - باب: ما جاء في قول الله عز وجل: {وإنه لذكر لك ولقومك} وما للعرب ثم لقريش فيه من الشرف، وما وجب بذلك على المسلمين من حبهم، والشافعي من جملتهم رحمه الله

باب ما جاء في قول الله، عز وجل: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (¬1)} وما للعرب ثم لقريش فيه من الشرف، وما وجب بذلك على المسلمين من حبهم، والشافعي من جملتهم (¬2)، (3 رحمه الله ¬3). * * * أخبرنا أبو طاهر: محمد بن محمد الفقيه، حدثنا أبو بكر: محمد بن عمر بن حفص الزاهد، حدثنا حَمْدُون السِّمْسَار، حدثنا الأزْرَق بن علي، حدثنا حسان بن إبراهيم الكِرْمَاني، حدثنا سفيان الثوري، عن موسى (¬4) بن أبي عائشة، عن سليمان بن قَتَّة (¬5) عن ابن عباس في قوله، عز وجل {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}. قال: شرف لك ولقومك {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ (¬6)} قال: فيه شرفكم (¬7). ¬

_ (¬1) سورة الزخرف: 44. (¬2) في ح «رضي الله عنه من حملتهم». (¬3) ما بين الرقمين ليس في هـ. (¬4) ليست في هـ. (¬5) في هـ «ينه» وفي ح «قنة». (¬6) سورة الأنبياء: 10. (¬7) راجع تفسير ابن جرير 25/ 46، وابن كثير 7/ 400، وقد أورده السيوطي في الدر المنثور 6/ 18 عن ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب أيضاً.

أخبرنا أبو محمد: عبد الله (¬1) بن يحيى بن عبد الجبار السكّري - ببغداد - أنبأنا أبو بكر الشافعي، حدثنا جعفر بن محمد بن الأزهر، حدثنا الغِلاَبي، حدثنا يحيى بن معين، عن هشام بن يوسف، عن عبد الله بن سليمان النَّوْفَلي، عن الزّهري، عن عُرْوَة، عن عائشة {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ (¬2)} قالت: هذه للعرب خاصة (¬3). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا الشافعي، أنبأنا سفيان بن عُيَيْنَةَ، عن ابن (¬4) أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} قال: يقال: ممن الرجل؟ فيقال: من العرب، فيقال: من أيّ العرب؟ فيقال: من قريش (¬5). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثني أبو عبد الله: الحسن بن علي (¬6) القاضي، حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان، حدثنا العلاء بن عمرو الحنَفِي (¬7)، ¬

_ (¬1) في هـ «الحافظ». (¬2) سورة آل عمران: 164. (¬3) أخرجه السيوطي في الدر المنثور 2/ 93 عن ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب من حديث عائشة. (¬4) ليست في ا. (¬5) أخرجه الشافعي في الرسالة ص 12 وابن جرير في التفسير 25/ 46، وأبو نعيم في الحلية 9/ 65، والسيوطي في الدر المنثور 6/ 18 عن عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم أيضاً. (¬6) في ح: «محمد بن الحسين القاضي». (¬7) أحد الكذابين المتروكين، قال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به بحال، ولهذا ضعف الحديث به كما سيأتي.

حدثنا يحيى بن يزيد الشعري، حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أحّبوا العرَب لثلاث: أني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي (¬1)». أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفّار، حدثنا عباس بن الفضل، حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزّبير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير (¬2)، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فضَّل الله، عز وجل، قريشاً لسبع خصال: أنهم عبدوا الله، عز وجل، عشر سنين لا يعبده إلا قرشي، وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون، وفضّلهم بأنه نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل معهم غيرهم {لِإِيلَافِ ¬

_ (¬1) أورد العقيلي الحديث في الضعفاء لوحة 326 - ثم قال: منكر لا أصل له، وأخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 87 وصححه وأورد له رواية تابع فيها يحيى بن يزيد محمد الفضل عن ابن جريج عن ابن عباس، ولكن تعقبه الذهبي في مختصره بقوله: «بل يحيي ضعفه أحمد وغيره، وهو من رواية العلاء بن عمرو الحنفي، وليس بعمدة، وأما أبو الفضل فمتهم، وأظن الحديث موضوعا». وأورده الذهبي في الميزان 3/ 103 في ترجمة العلاء بن عمرو، ثم قال: هذا موضوع، وروى قول أبي حاتم: هذا كذب. والحديث وترجمة أبي العلاء في المجروحين لابن حبان لوحة 359، ولسان الميزان 4/ 185، واللآلي المصنوعة 1/ 230، والجرح والتعديل 3/ 1/359، وتنزيه الشريعة 2/ 30 - 31 ومجمع الزوائد 10/ 52 وقد أورده الهيثمي فيه عن الطبراني في الكبير والأوسط ثم قال: فيه عمرو بن العلاء وهو مجمع على ضعفه. (¬2) في ح: «رضي الله عنه». [م - 3] مناقب

قُرَيْشٍ (¬1)}. وفضّلهم بأن فيهم النبوة والخلافة والحِجَابَةَ والسِّقاية (¬2). أخبرنا أبو الحسين (¬3) بن الفضل القطان، أنبأنا أبو عمرو بن السّماك، حدثنا هَيذّام بن قُتَيْبَة، حدثنا هارون بن عمر: أبو عمرو المَخْزُومي الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص، عن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله (¬4) بن الزّبير. فذكره بإسناده نحوه. وروى ذلك عن أمّ هانئ بنت أبي طالب، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: حدثنا أبو محمد: عبد الله بن يوسف الأصبهاني، حدثنا أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد الدَّيْبُلِي، بمكة، حدثنا عامر بن محمد بن عبد الرحمن، حدثنا أبو مصعب. وأخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد بن (¬5) الخليل الصوفي، أنبأنا أبو أحمد ابن عدي الحافظ، حدثنا عبد الله بن صالح البخاري، حدثنا أبو مصعب الزهري، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت، حدثني عثمان بن عبد الله بن أبي عتيق، عن سعيد (¬6) بن عمرو بن جَعْدَة بن هُبَيْرَة، عن أبيه، عن ¬

_ (¬1) السورة السادسة بعد المائة من القرآن الكريم. (¬2) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 24 - 25 ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط وفي رجاله من ضعف ووثقهم ابن حبان. (¬3) في هـ: «الحسن». (¬4) ليست في هـ ولا ح. (¬5) ليست في «هـ» ولا في «ح». (¬6) في هـ: «سعد».

جدتّه أمّ هانئ بنت أبي طالب، قالت: إنّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله فضل قريشاً بست خصال - (1 وفي رواية الأصبهاني بسبع خصال ¬1) - لم يعطها أحد (¬2) قبلهم، ولا يعطاها (¬3) أحد بعدهم: فضّل الله تعالى قريشاً أني منهم، وأن النبوة فيهم، وأن الحجابة فيهم، وأن السقاية فيهم، ونصروا على الفيل - وفي رواية الأصبهاني: ونصرهم على الفيل - وعبدوا الله تعالى عشر سنين لا يعبده أحد غيرهم، وأنزل الله تعالى فيهم سورة لم يشرك فيها أحداً غيرهم - لم (4 يذكر الأصبهاني قوله: «ولا يعطيها أحداً بعدهم ¬4) - زاد الصوفي: قال أبو مصعب يعني {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (¬5)}. أخبرنا أبو علي (6 الحسن بن محمد بن علي الرُّوذَبارِي، وأبو ¬6) الحسين بن بشران، قالا: حدثنا (¬7) إسماعيل بن محمد الصفار، قال: حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا أبو بدر، عن قابوس بن أبي ظبيان (¬8)، عن أبيه، عن سلمان، قال: ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في ح. (¬2) في هـ، ح «أحداً». (¬3) [كما في مجمع الزوائد 2480]. في هـ، ح: «يعطيها». (¬4) ما بين الرقمين ليس في هـ. (¬5) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 24 عن الطبراني في الكبير ثم قال: وفيه من لم أعرفه. (¬6) ما بين الرقمين ليس في هـ. (¬7) في ح: «أخبرنا». (¬8) قابوس بن أبي ظبيان أحد الضعفاء الذين تكلم فيهم الثقات قال عنه ابن حبان في المجروحين لوحة 377: يروى عن أبيه وأبوه ثقة، روى عنه الثوري وأهل الكوفة، كان ردئ الحفيظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، ربما رفع المرسل وأسند الموقوف =

قال لي (¬1) رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «يا سلمان، لا تبغضني فتفارق دينك. قال: قلت يا رسول الله، وكيف أبغضك وقد هدانا الله تعالى بك؟ قال: لا تبغض العرب فتبغضني (¬2)». أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل ابن محمد الشَّعْرَاني، حدثنا جدّي، حدثنا إبراهيم بن حمزة الزّبيدي، حدثنا عبد العزيز بن محمد، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذِئْب، عن جُبَيْر ابن أبي صالح، عن ابن شهاب، عن سعد بن أبي وقاص، أنه قيل: يا رسول الله، قُتل فلان - لرجل من ثقيف - قال: أبعده الله، إنه كان يبغض قريشاً. هكذا جاء مرسلا عن ابن شهاب، عن سعد (¬3). قال أبو عبد الله الحافظ: فليحذر امرؤ معاندة الإمام الشافعي وبُغضَه وإهانته ومعاداته؛ فإن الدّعوة من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مجابة. وقد قال: ¬

_ = كان يحيي بن معين شديد الحمل عليه، مات سنة 127. وترجم له البخاري في الكبير 4/ 1/193، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 3/ 2/145، والعقيلي في الضعفاء لوحة 365، والذهبي في الميزان 3/ 367، وابن حجر في التهذيب 8/ 305 - 306، كما ذكر في سؤلات البرقاني للدار قطني لوحة 9 - ا، وفي العلل ومعرفة الرجال لأحمد ص 125، 128. ولهذا رد الحفاظ مروياته. (¬1) ليست في هـ. (¬2) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 86 وصححه على شرطهما، وتعقبه الذهبي بان قابوساً تكلم فيه. (¬3) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 27 عن البزار وعقب عليه بقوله: «فيه من لم أعرفه».

«من يرد هوان قريش يهنه (¬1) الله (¬2)». أخبرنا أبو علي: الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان (¬3) البغدادي بها، أنبأنا عبد الله بن جعفر بن دَرَسْتَوَيْه، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله (¬4) بن معمر التَّيْمِي، قال: سمعت أبي: محمد بن حفص يحدث يقول: سمعت (¬5) عمي عُبيد الله بن عمر ابن موسى يقول: حدثنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سعيد بن المُسَيّب، عن عمرو بن عثمان بن عفان (¬6)، قال: قال لي أبي: يا بني، إن وَلِيت من أمر الناس شيئاً (¬7) فأكرم قريشاً، فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «من أهان قريشاً أهانه الله عز وجل (¬8)». ¬

_ (¬1) في هـ وح: «أهانه». (¬2) راجع في مسند الشافعي ص 94، والحاكم في المستدرك 4/ 74 وقد صححه. وأقره الذهبي، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 27 من طريق الثقات عن أحمد وأبي يعلى والبزار. (¬3) في هـ «شاكان». (¬4) في ا «عبد الله» وهو خطأ. (¬5) ليست في ا. (¬6) في ح «رضي الله عنهما». (¬7) ليست في هـ. (¬8) أخرجه أحمد في المسند 1/ 359 - 360 (المعارف) بسياقه مطولا، والحاكم في المستدرك 4/ 74 مختصرا وصححه وأقره الذهبي، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 27 بسياقه عن أحمد وأبي يعلى في الكبير باختصار، والبزار بنحوه، ثم قال: «ورجالهم ثقات». وانظر أيضاً طبقات الشافعية 1/ 191 ومناقب الشافعي للرازي ص 126.

3 - باب: ما جاء في تخصيص بني هاشم بالاصطفاء، وفي تخصيصهم تخصيص بني المطلب الذين ينتمي إليهم الشافعي رحمه الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد»

باب ما جاء في تخصيص بني هاشم بالاصطفاء، وفي تخصيصهم تخصيصُ بني المطّلب الذين (¬1) يَنْتَمِي إليهم الشافعي، رحمه الله، لقول النبي (2 صلى الله عليه وسلم: «بنو هاشم وبنو ¬2) المطلب شيء واحد». * * * أخبرنا أبو الحسين: علي (¬3) بن محمد بن بشران، ببغداد، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المصري (¬4) حدثنا سليمان بن شُعَيْب الكَيْسَانِي (¬5)، حدثنا بشر بن بكر، قال: سمعت الأوزاعي، حدثني أبو عمار، عن وَاثِلَةَ بن الأسْقَع، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله عز وجل، اصطفى بني كِنَانَة من بني إسماعيل، واصطفى من ¬

_ (¬1) في هـ: «الذي». (¬2) ما بين الرقمين ليس في هـ. (¬3) في هـ وح: «أبو الحسن بن علي» وهو خطا. (¬4) في ا: «المصيصي» وهو خطا. (¬5) في ا «الكسائي» وهو خطا، والكيساني هو أبو محمد: سليمان بن شعيب بن سليمان مصري يروي عن أبيه وأسد بن موسى وغيرهما. ولد سنة 185 وتوفى سنة 293 وترجمته في اللباب 3/ 64.

بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم (¬1)». أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا محمد (¬2) بن إسحاق الصَّغَاني، حدثنا عبد الله (¬3) بن بكر السَّهْمي (¬4). وأخبرنا علي بن أحمد بن عَبْدَان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصّفّار، حدثنا محمد بن الفرج الَزْرَق، حدثنا السَّهْمِي: عبد الله بن بكر، حدثنا يزيد بن عوانة، عن محمد بن ذَكْرَان - قال أبو وهب: ولا أحسب محمد بن ذكران إلا قد كان حدثني به - عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عمر، قال: كنا جلوساً ذات يوم بفناء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ مرّت امرأة من بنات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من القوم: هذه بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال «أبو سفيان (¬5)»: مَا مَثَلُ محمد في بني هاشم إلا كمثل الريحانة في وسط النَّتْن. فسمعته تلك المرأة (¬6)، فأبلغت رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، فخرج - قال أبو وهب: احتسبه قال مغضبا - فصعد المنبر، فقال: ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند 4/ 107، ومسلم في كتائب الفضائل: باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة 4/ 1782. وابن كثير في التفسير 3/ 393. (¬2) ليست في هـ. (¬3) في ا «عبيد» وهو خطا، وعبد الله بن بكر بن حبيب السهمي الباهلي، أبو وهب البصري. كان ثقة صدوقا. نزل بغداد وتوفى بها سنة 88 وترجمته في تهذيب التهذيب 5/ 162 - 163. (¬4) نسبة إلى سهم بن عمرو بن ثعلبة بن غنم بن قتيبة بن معن. بطن من باهلة. راجع الأنساب 1/ 581 والتهذيب في الموضع السابق. (¬5) ليست في هـ. (¬6) في هـ وح: «فسمعت ذلك المرأة».

«ما بال أقوال تبلغني عن أقوام؟ إنّ الله تعالى خلق السموات سبعاً فاختار (¬1) العليا - فذكر كلمة (¬2) - ثم قال: وأسكن سماواته مَنْ شاء من خلقه، وخلق الأرضين سبعاً فاختار العليا فأسكنها من شاء من خلقه، ثم اختار من (¬3) خلقه، فاختار بني آدم (¬4)، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم. فلم أزل خِيَاراً من خيار، فمن أحبَّ العرب فَبِحُبِّي أَحبهم. ومن أبغض العرب فبِبُغْضِي أبغضهم (¬5). معناها واحد. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، أخبرني الزّهري، عن سعيد بن المسيب، عن جُبَيْر بن مُطعِم، قال: لما قسمَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سهمَ ذوي القربى من خَيْبَر، على بني هاشم وبني المطلب - مشيت أنا وعثمان بن عفان، فقلت: يا رسول الله، هؤلاء إخوتكم بنو (¬6) هاشم، لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم. أَرَأَيْتَ إخْوَتَنَا من بني المطَّلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك ¬

_ (¬1) ليست في هـ. (¬2) ليست في هـ. (¬3) ليست في ا. (¬4) في هـ: «فاختار من خلقه بني آدم». (¬5) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 73، 86 - 87 مطولا ومختصراً والرازي في مناقب الشافعي ص 137 وأخرجه ابن أبي حاتم في العلل 2/ 367 - 368 وعقب عليه بقوله: قال أبي: هذا حديث منكر. (¬6) في ا: «بني».

بمنزلة واحدة (¬1). فقال: «إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد». ثم شبّك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يديه إحديهما (¬2) في الأخرى (¬3)». قال أحمد البيهقي (¬4): وإنما تكلّم به (¬5) عثمان بن عفان، وجُبَيرُ بن مُطْعِم (6 رضي الله عنهما ¬6) لأن عبد مناف كان له (¬7): هاشم والمطلب وعبد شمس ونَوْفل. فأعطى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سَهم (¬8) ذي القربى من الخُمْسِ بني هاشم وبني المطلب، ولم يعط بني عبد شمس الذين (¬9) كان منهم ¬

_ (¬1) في ا: «بمنزل واحد». (¬2) في هـ: «احداهما». (¬3) أخرجه الشافعي في الأم 4/ 71، وأحمد في المسند 4/ 81، 83، 85، والبخاري في كتاب المناقب: باب مناقب قريش 6/ 389، وفي كتاب المغازي: باب غزوة خيبر 17/ 371 من الفتح، وأبو داود في كتاب الخراج: باب بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى 3/ 200، والنسائي في أول كتاب قسم الفئ 2/ 178، وابن ماجه في آخر كتاب الجهاد: باب قسمة الفئ 2/ 961 كما أخرجه الطبري في التفسير 13/ 556 (معارف) والرازي في مناقب الشافعي ص 137 وابن حجر في توالي التأسيس ص 45، والمصنف في السنن الكبرى 6/ 340، 341 وأبو عبيد في الأموال ص 331، وراجع الدر المنثور 3/ 186. وطبقات الشافعية 1/ 192 ومناقب الشافعي للرازي ص 7، 137. (¬4) ليست في ا، ولا هـ. (¬5) في ب «بذلك». (¬6) ما بين الرقمين من ح. (¬7) في ا: «لهم». (¬8) في ا: «منهم». (¬9) في هـ: «الذي».

عثمان بن عفان (¬1)، ولا بني نَوْفَل الذين (¬2) كان (¬3) منهم جُبَير بن مُطْعِم شيئاً. واعتذر بأنّ بني هاشم وبني المطلب شيء واحد، لم يفارق أحدهما الآخر في جاهلية ولا إسلام (¬4). وإنما قال (¬5) ذلك - والله أعلم - لأن هاشم بن عبد مناف أبو جَد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تزوّج امرأة من بني النّجّار بالمدينة، فولدت له شَيْبَةَ الحمْد، جد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم توفى هاشم وهو مع أمه، فلما ترَعْرَعَ خرج إليه عمّه (¬6) المطلب بن عبد مناف، فأخذه (¬7) من أمّه وقَدِمَ به مكّة وهو مُرْدِفُهُ على راحلته، فقيل: عبْدٌ مَلَكَه المُطَّلبُ. فغلب عليه ذلك الاسم، فقيل: عبد المطلب. وحين بُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬8) بالرسالة آذاه قومه وهَمُّوا به، فقامت بنو هاشم وبنو المطلب مُسْلِمِهُم وكافرهم دُوْنَه، فأَبَوْا (¬9) أن يُسْلِمُوه. فلما عرفت سائر قريش أن لا سبيل إليه معهم اجتمعوا (¬10) على (¬11) أن يكتبوا فيما بينهم كتاباً على بني هاشم وبني المطلب: أن لا يُنَاكِحُوهُم ولا يبايعوهم. وعمد أبو طالب (¬12) ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في هـ: «الذي». (¬3) ليست في هـ. (¬4) في ا: «في الجاهلية ولا الإسلام». (¬5) في هـ: «قال وإنما قال. .». (¬6) في هـ: «عم». (¬7) في هـ: «أخذه». (¬8) ما بين القوسين ليس في هـ. (¬9) في هـ: «أبوا»، وفي حـ «وأبوا». (¬10) في ا: «اجتمعوا له». (¬11) سقطت من هـ. (¬12) في هـ: «أبو المطلب».

فأدخلهم الِّعْبَ في ناحيةٍ من مكة، وجَهِدُوا فيه جهداً كبيراً (¬1) سنتين (¬2) أو ثلاثاً، حتى جاءهم الله، عز وجل، بالفرج بإرسال الأَرَضَةِ على صحيفتهم، حتى أكلت ما فيها من [غير] (¬3) أسماء الله تعالى (¬4). وأخبر بذلك رسولَ الله (¬5)، صلى الله عليه وسلم، وأخبر به (¬6) رسوله أبا طالب، واستنصر به أبو طالب على قومه حتى نقضوا أمْرَ الصحيفة. والشافعي، رحمه الله، من صَلِيبة بني عبد المُطلب (¬7) بن عبد مناف من قِبَلِ (¬8) آبائه، وهو من بني هاشم بن عبد مناف من جهة جداته (¬9) اللّاتي كن لآبائه، على ما نذكره في بيان نسبه (¬10). وهو (¬11) داخل في الاصطفاء الذي أخبر عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبَانَ به شرفَهم وفضلَهم على غيرهم من وجهين، رحمة الله ورضوانه عليه. (¬12) ¬

_ (¬1) في ا. «كَثِيراً». (¬2) في هـ: «ليلتين». (¬3) الزيادة متعينة. (¬4) ليست في هـ. (¬5) في ح: «رسوله». (¬6) في هـ: «بذلك». (¬7) في هـ وح: «بني المطلب». (¬8) في هـ «مثل». (¬9) في ا: «من جهة جد أمه». (¬10) في ح: «نسبته». (¬11) في هـ وح: «فهو». (¬12) في هـ: «من».

قال الإمام (¬1) أحمد: وفي تخصيص النبي، صلى الله عليه وسلم، وآله بني هاشم وبني المطلب بإعطائهم سَهْمَ ذي القربى، وقوله: «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» - فضيلةٌ أخرى، وهي: أنه حرّم الله عليهم الصدّقة وعَوَّضَهم منها هذا السَّهْم من الخُمس، وقال (¬2): «إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل (¬3) محمد» فدلّ بذلك (¬4) على أنّ آله الذين أمر بالصلاة عليهم معه، هم الذين حرم الله عليهم الصدقة وعَوَّضَهم منها هذا السهمَ من الخُمْسِ. فالمسلمون من بني هاشم وبني المطلب يكونون داخلين في صَلَواتِنَا على آل نبينا، صلى الله عليه وسلم (¬5)، في فَرَائِضنَا ونوافلنا، والشافعي المِّطلبي من جُمْلَتِهم، ومن جملة مَنْ أمَرَ المصطفى، صلى الله عليه وسلم، بمحبّتهم من أهل بيته لِحُبِّه (¬6). وذلك فيما: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا (¬7) أحمد بن عبيد الصّفّار، حدثنا (¬8) محمد بن عثمان بن أبي شَيْبَة، وأحمد بن يحيى الحلواني، قالا: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا هشام بن يوسف، حدثنا عبد الله بن سليمان النَّوْفَلِي، عن محمد بن علي بن (¬9) عبد الله بن عبّاس، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال: ¬

_ (¬1) ليست في اولا ح. (¬2) في هـ وح: «فقال». (¬3) راجع في هذا ما أخرجه مسلم في كتاب الزكاة: باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة 2/ 752 - 753. (¬4) في هـ، ح: «فذلك يدلك». (¬5) في ابعد هذا: «وآله». (¬6) في اوهـ: «بحبه». (¬7) في ح: «قال: أخبرنا». (¬8) في هـ «قال: أخبرنا». (¬9) في هـ: «عن».

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أَحِبُّوا الله لما يَغْدُوكُمْ مِنْ (¬1) نِعِمه، وأحبوني بحب الله (¬2) وأحبوا أهل بيتي لحبي (¬3)». ¬

_ (¬1) في ح: «به من نعمه». (¬2) في ح: «لمحبة»، وفي ا: «لحب». (¬3) أخرجه الترمذي في أبواب المناقب: باب مناقب أهل البيت 2/ 308، قال: «هذا حديث غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه» كما أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 150 وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي. وهو عند ابن الأثير في أسد الغابة 2/ 13 وفي الدر 6/ 7

4 - باب: ما جاء في تخيير القبائل، وأن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وفي ذلك إشارة إلى الشافعي، رحمه الله، لكونه من خيار القبائل، ثم ما ظهر من فقهه في دين الله، تبارك وتعالى، وتفقهه

باب ما جاء في تخيير القبائل، وأن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وفي (¬1) ذلك إشارة إلى الشافعي، رحمه الله، لكونه من خيار القبائل، ثم ما ظهر من فقهه في دين الله، تبارك وتعالى، وتفقهه (¬2). * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني، حدثنا أحمد بن مهران الأصبهاني، حدثنا عبيد الله بن موسى (¬3)، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن العباس، قال: قلت: يا رسول الله، إن قريشاً جلسوا فتذكروا أحْسَابَهُمْ (¬4)، فجعلوا مَثَلَك مَثَلَ نخلةٍ في كَبْوَةٍ من الأرض. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم حين فرقهم جعلني في خير الفرقتين (¬5)، ثم حين جعل قبائل العرب (¬6) جعلني في خير قبيلة، ثم حين ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) في ا «وتفقيهه». (¬3) في ا: «عبد الله بن موسى» وهو خطا. (¬4) في ا: «أنسابهم» وما أثبتناه عن النسخ الأخرى موافق لما في الترمذي. (¬5) في ا: «الفرقتين» وما أثبتناه عن النسخ الأخرى موافق لما في الترمذي. (¬6) ليست في ا.

جعل البيوت جعلني في خير بيوتهم؛ فأنا خيرهم نفساً، وخيرهم (¬1) بيتاً (¬2)». أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا دَعْلَج بن أحمد السّجِسْتَاني، حدثنا محمد بن علي بن يزيد، حدثنا القَعْنَبِي، حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، حدثنا أبو الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «الناس مَعادِن، خيَارُهم في الجاهلية خِيَارُهم في الإسلام إذا فقهوا (¬3)». ¬

_ (¬1) في ح، هـ: «وأنا خيرهم»، وفي هـ: «خيرهم نبتا». (¬2) حديث العباس بن عبد المطلب أخرجه الترمذي في أبواب المناقب: باب فضل النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 281 وقال: هذا حديث حسن. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} 6/ 298 من الفتح. ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب: باب الأرواح جنود مجندة 4/ 2031 - 2032.

5 - باب: ما جاء في تفضيل أهل اليمن بالإيمان والفقه والحكمة. ومكة والمدينة يمانيتان. ثم الإشارة إلى عالم أهل المدينة، ومولد الشافعي بغزة، وهي من الأرض المقدسة، وعداد أهلها في اليمن ومنشؤه بمكة والمدينة، وأكثر علمه مأخوذ من أهل مكة والمدينة

باب ما جاء في تفضيل أهل اليمن بالإيمان والفقه والحكمة. ومكة والمدينة يمانيتان. ثم الإشارة إلى عالم (¬1) أهل (¬2) المدينة، ومولد الشافعي بغزّة، وهي من الأرض المقدسة، وعِدَادُ (¬3) أهلها في اليمن ومِنْشَؤه بمكة والمدينة، وأكْثَرُ علمه مأخوذٌ من أهل مكة والمدينة. * * * أخبرنا أبو الحسن بن بشران، حدثنا إسماعيل بن محمد الصّفّار، حدثنا عبد الكريم بن الهَيْثَم، حدثنا أبو اليَمَان، قال: أخبرني شُعَيْب، عن الزهري، قال: حدثني ابن الْمَسّيب: أنَّ أبا هريرة قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول (¬4): «جاءكم (¬5) أهل اليمن، هم أرَقُّ أفئدة، وأضعف قلوباً. الإيمان يمان ¬

_ (¬1) في ا: «عامل» وهو خطأ. (¬2) ليست في ا. (¬3) في هـ: «بعدة». (¬4) ليست في «ح». (¬5) في هـ، ح: «جاء».

والحكمة يمانية. السكينة في أهل الغَنَم (¬1)، والفخر والخيلاء في (¬2) الفدَّادِين أهل الوبر (¬3) قِبَلَ مطلع الشمس (¬4)». أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى، قالا: حدثنا أبو العباس (¬5) – هو (¬6) الأصم – حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أتاكم (¬7) أهل اليمن، هم ألين قلوباً، وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يَمَانِيَّة». قال أبو معاوية: وأراه قال: «والإيمان (¬8). رأس الكفر قِبَلَ ¬

_ (¬1) ليست في اوفي هـ: «العلم». (¬2) ليست في هـ. (¬3) ليست في ا. (¬4) أخرجه أحمد في المسند 12/ 191 – 192 و 13/ 172، 246 – 247 و 14/ 149، والبخاري في المغازي: باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن 8/ 77، ومسلم في كتاب الإيمان: باب تفاضل أهل الإيمان فيه 1/ 71، 72، 73، وابن كثير في جامع المسانيد 7/ 371 – 372، والسيوطي في الدر المنثور 4/ 408. والفدادون: هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم، واحدهم فداد، يقال فد الرجل يفد فديدا: إذا اشتد صوته، وقيل: هم المكثرون من الابل. راجع النهاية 3/ 187. (¬5) في هـ: «القُباس» وعلى القاف ضمة وهو خطأ. (¬6) في هـ: «هم». (¬7) في هـ: «إيّاكم». (¬8) في ح: «وأنا يمان» وفي هـ: «وإنما يمان» وكلاهما خطأ. [م – 4] مناقب

المشرق (¬1)» أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله: محمد بن يعقوب، حدثنا يحيى بن محمد [بن يحيى (¬2)] ومحمد بن رجاء، قالا: حدثنا أبو الرّبيع، حدثنا حماد بن زيد (¬3)، حدثنا أيوب، عن محمد بن سِيْرِين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «جاء أهل اليمن، هم أرّق أفئدة. الإيمان (¬4) يمان [والفقه يمان (¬5)] والحكمة يمانية (¬6)». قال الشافعي: رحمة الله عليه: ومكة والمدينة يمانيتان، مع ما دلّ به على فضلهم وعلمهم (¬7). ثم ذكر الحديث الذي أخبرنا به (¬8) أبو الحسن: محمد بن الحسين ابن داود العلوى، إملاء وقراءة، قال (¬9): أنبأنا أبو حامد بن الشرقي، حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، حدثنا سفيان، عن ابن جُرَيج، عن أبي (¬10) الزّبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: ¬

_ (¬1) في هـ: «الشرف». (¬2) ما بين القوسين من ح، هـ. (¬3) في هـ «يزيد». (¬4) في هـ: «والإيمان». (¬5) ما بين القوسين ليس في ا. (¬6) راجع في هذا وفيما قبله تخريج الحديث في روايته الأولى ص 49. (¬7) في اوح: «في علمهم». (¬8) ليست في ا، ولا هـ. (¬9) ليست في ا، ولا هـ. (¬10) في هـ: «ابن الزبير» وهو خطأ.

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تضربوا أكْبَادَ، الإبل فلا تجدون عالماً أعْلَمَ من عالم المدينة (¬1)». قال أحمد: وهذا مع ما روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، من دعائه لأهل اليمن ومكة والمدينة، وذمه العراق: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب (¬2)، أنبأنا العباس بن الوليد بن مزيد (¬3)، أخبرني أبي، حدثني عبد الله بن شَوْدَب (¬4)، حدثني عبد الله بن القاسم، ومطر، وكثير أبو سهل، عن تَوْبَة العَنبَرِي، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه (¬5): أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «اللهم بارك لنا في مكتنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا. اللهم بارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدِّنا» فقال رجل: يا رسول الله، وفي عراقنا، فأعرض عنه، فرددها ثلاثاً، كل ذلك يقول الرجل: وفي عراقنا، فيعرض عنه، فقال: «بها الزلال والفتن، ومنها يطلع قرنا ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند 2/ 299 (معارف) والترمذي في سننه كتاب العلم: باب ما جاء في عالم المدينة 2/ 113 – 114 وقال: هذا حديث حسن. والحاكم في المستدرك 1/ 90 – 91 وصححه على شرط مسلم، وأقره الذهبي، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 5/ 306 – 307 و 6/ 377 و 13/ 17 وعياض في ترتيب المدارك 1/ 68 – 69. (¬2) في هـ: «العباس بن يعقوب». (¬3) في هـ: «يزيد» وهو خطأ. (¬4) في هـ: «سُودَب». (¬5) ح في «رضي الله عنه».

الشيطان (¬1)». قال ابن شَوْذَب. إلا أن كثيراً - (2 يعني بعض الرواة ¬2) - لم يذكر (¬3) مكة. وقال: مكة يمانية (¬4). قال أحمد: هذه أحاديث ذكرها المتقدمون في ترجيح روايات أهل الحجاز، وعلمهم على علم (¬5) أهل العراق، وقد ذكرنا في معنى ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين في «كتاب المدخل إلى كتاب السنن» فمن (¬6) أراد الوقوف على ذلك رجع إليه، إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند 8/ 44 (معارف) والترمذي في أبواب المناقب: باب فضل الشام واليمن 2/ 33. وابن عساكر في تاريخ دمشق 1/ 120 - 128 من هذا الطريق ومن غيره، والهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 57 عن الطبراني في الأوسط وعن أحمد، وقال رجال أحمد رجال الصحيح. أحمد، وقال رجال أحمد رجال الصحيح. (¬2) ما بين الرقمين من ح. (¬3) في هـ: «يدخل». (¬4) راجع تاريخ دمشق 1/ 120 وفيه بعد هذا: زاد ابن صاعد: أي قد دخلت جملة اليمن. (¬5) ليست في ا، ولا في ح. (¬6) في اوهـ: «من».

6 - باب: ما جاء في إخبار المصطفى، صلى الله عليه وسلم، بأنه يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، وتأويل من تأوله على رأس المائتين بالشافعي، رحمه الله

باب ما جاء في إخبار المصطفى، صلى الله عليه وسلم، بأنّه يُبْعَثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة (¬1) مَنْ يجدِّد لها دينها، وتأويل من تأوَّله على رأس المائتين بالشافعي، رحمه الله. * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو بكر: محمد بن عبد الله الوراق، أنبأنا الحسن (¬2) بن سفيان، حدثنا عمرو بن سَوَاد السَّرْحِي وحَرْمَلةُ ابن يحيى، قالا: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شَرَاحِيل بن يزيد المُعَافِرِي، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة - فيما أعلم - عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة (¬3) سنة مَنْ يُجَدِّد لها أمْرَ (¬4) دينها (¬5)». ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ح، هـ: «الحسين» وهو خطأ. (¬3) ليست في هـ. (¬4) ليست في ح، ولا في هـ. (¬5) أخرجه أبو داود في أول كتاب الملاحم: باب ما يذكر في قرن المائة 4/ 156 والحاكم في المستدرك 4/ 522، والسخاوي في المقاصد الحسنة ص 121 - 122 عن أبي داود والطبراني في الأوسط بسند صحيح رجاله ثقات، وعن الحاكم وغيره. كما =

أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السّلَمي، رحمه الله، أنبأنا أبو عبد الله: محمد بن العباس العُصْمِي، حدثنا أبو اسحاق: أحمد بن محمد (¬1) ياسين الهَرَوِيّ، قال: سمعت إبراهيم بن إسحاق الأنصاري، يقول: سمعت المَرْوَرُذِيّ: صاحب أحمد بن حنبل، يقول: قال أحمد: «إذا سئلت عن مسألة لا أعْرِفُ فيها خيراً، قلت فيها بقول الشافعي، لأنه إمام عالم من قريش (¬2). ورُوَى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «عالم قريش يملأ الأرض علما (¬3)». ¬

_ = أخرجه العجلوني في كشف الخفاء 1/ 243 - 244 وزاد أن الأئمة اعتمدوا هذا الحديث. وأورده ابن حجر في توالي التأسيس ص 47 - 48. والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 61 - 62. وابن كثير في البداية والنهاية 10/ 253. (¬1) «ليست في ا. (¬2) توالي التأسيس ص 48 والمقاصد الحسنة ص 281. (¬3) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ص 29 - 40 من طريق الجارود عن أبي الأحوص عن ابن مسعود، وأبو نعيم في الحلية 9/ 65، والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 60 - 61 والرازي في المناقب ص 126، وأورده السخاوي في المقاصد الحسنة ص 281 - 282 عن الطيالسي، وضعف روايته من طريقه، فقال: الجارود مجهول، والراوي عنه مختلف فيه، ثم ذكر أن له شواهد عند الخطيب من رواية أبي هريرة. لكن راويه عن وهب في هذا الطريق ضعيف، وأن له شواهد أخرى عنده عن علي وابن عباس. ثم علق على قول أحمد المذكور بقوله. فما كان الإمام أحمد ليذكر حديثاً موضوعاً يحتج به أو يستأنس به للأخذ في الحكام بقول شيخه الشافعي، وإنما أورده بصيغة - التمريض، احتياطا للشك في ضعفه، فإن إسناده لا يخلو من ضعف، قاله العراقي ردا على الصغاني في زعمه أنه موضوع، بل قد جمع شيخنا [ابن حجر] طرقه في كتاب سماه «لذة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش». وانظر أيضاً توالي التأسيس 46 - 48. وقد أورده ابن كثير في البداية والنهاية 10/ 253 عن أبي داود الطيالسي، وقال: غريب من هذا الوجه ثم أشار إلى إخراج الحاكم له.

وذُكِرَ في الخبر: «أنّ الله تعالى، يُقَيِّضُ في رأس كل مائة سنة رجلا (¬1) يعلِّم الناس دينهم». ورَوَى أحمد ذلك عن النبي، صلى الله عليه وسلم. قال أحمد بن حنبل: فكان في المائة الأولى: عمر بن عبد العزيز، وفي المائة الثانية: الشافعي. قال (¬2) أبو عبد الله: وإني لأدْعُو للشافعي منذ أربعين (¬3) سنة في صلاتي». أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، العدل، أنبأنا أبو الحسن: محمد بن أيوب بن يحيى بن حبيب، بمصر، قال: سمعت أحمد بن عمرو بن الخالق البزار، يقول: سمعت عبد الملك المَيْمُونِي، يقول: كنت عند أحمد بن حنبل، وجرى ذكر الشافعي، فرأيت أحمد (4 بن حنبل ¬4) يرفعه. وقال: روى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنّ الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يقوم لها دينها، فكان عمر بن عبد العزيز على رأس المائة، وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الأخرى. ورواه أيضاً أحمد بن زَنْجَوَيْه، عن أحمد بن حنبل. وأخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد المالِيني، أنبأنا أبو أحمد بن عَدِيّ الحافظ، أنبأنا محمد بن علي بن الحسين، قال: ¬

_ (¬1) في ا: «رجل». (¬2) في هـ: «وقال». (¬3) في الحلية 9/ 98 كما في تاريخ بغداد 2/ 60. «منذ ثلاثين سنة» وراجع أيضاً توالي التأسيس ص 57 وهو في البداية والنهاية 10/ 253 كما هنا. (¬4) ما بين الرقمين ليس في ا.

سمعت أصحابنا يقولون: كان في المائة الأولى: عمر بن عبد العزيز، وفي المائة الثانية: محمد بن إدريس الشافعي (¬1). قلت: وقد ذكرنا الحكاية التي وردت فيهما (¬2)، ثم في أبي العباس بن سريج على رأس الثلثمائة في «كتاب المعرفة» و «المدخل». * * * قال الإمام (¬3) أحمد البيهقي: وقد صنف (¬4) جماعة من أهل العلم في (¬5) فضائل الشافعي ومناقبه (¬6) كتباً مشتملة على ذكر ما نقل إليهم من أحواله الجميلة، وأقواله الحسنة، وأفعاله المحمودة، وما خُصَّ به من (¬7) الجمع بين علم الأصول وعلم الفروع في أحكام الشريعة، ومشاركة (¬8) غيره في سائر (¬9) أنواع العلوم - يشهد لمن جعل تأويل ما روينا [هـ] (¬10) من السنّة في عالم قريش، وفيمن يُبْعثُ لهذه الأمة لتقرير دينها وتجديده - في الشافعي بالإصابة. والله أعلم. ¬

_ (¬1) راجع في هذا وفيم قبله ما أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 522 - 523 وأبو نعيم في الحلية 9/ 97 - 98، والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 62، والسخاوي في المقاصد الحسنة، والعجلوني في كشف الخفاء في الموضعين السابقين، وابن حجر في توالي التأسيس ص 48، وابن كثير في البداية والنهاية 10/ 253. (¬2) ليست في هـ. (¬3) ليست في ا. (¬4) في ا: «صنفه». (¬5) ليست في هـ. (¬6) في ا: «وما فيه». (¬7) في هـ، ح: «من العلوم يشهد لمن جعل تأويل ما رويناه الجمع». (¬8) في ح، هـ: «ومشاركته». (¬9) ليست في هـ. (¬10) ليست في ا، ولا في هـ.

وكان بلغني عن كثير من أكابر أهل العلم الذين تَرَأسُوا (¬1)، فتوصلوا (¬2) إلى ما طلبوا من العزّ والثروة والوجاهة عند السلطان والرغبة - أنّه (¬3) تكلَّم في الشافعي، رحمه الله، بما لو سكت عنه كان أوْلَى به. ورماه مع ذلك بقلة (¬4) العلم بالكتاب، وأنّه لم يكن من أهل الاجتهاد. ولم يفكر (5 يعني هذا الفاضل ¬5) في قول الله، عز وجل: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (¬6)} ولم يعلم أنّه يوم القيامة مَسْؤول عن قِيْلِه، كما هو مسؤول عن فعله؛ فقال ما لم يحط به علماً، ونار مِنْ عِرْضِ مَنْ جعلَه الله تعالى للحق علما (¬7)، ورضى بأن يكون مثله (¬8) له يوم القيامة خَصْماً. وكأنّه لم يَعُدَّ ما قال فيه ونال منه جرما، وسيعلمه غداً - إذا وَافَى القيامة وهو يحسب أنه يُحْسِنُ صُنعاً - أيّهما أولَى بأن يكون لدينه مُضَيِّعاً، ولنفسه ظالماً. ولو تباعد عن الميل والهوى، وساعده التوفيق والتقوى (¬9) لم يَجْسُر على الشروع فيما لا يعنيه، ولم يأكل من لحم أخيه مَيْتًا بالوقوع فيه، من غير معرفة منه به ولا بأحواله. وعندي أنه كان قد (¬10) سمع بقرابته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكونه من نسل المطّلب بن عبد مناف، الذي قال ¬

_ (¬1) في هـ: «تزاينوا». (¬2) في هـ وح: «ووصلوا». (¬3) في ح: «وأنه». (¬4) في ا: «نقلة». (¬5) ما بين الرقمين من ح. (¬6) سورة الاسراء: 36. (¬7) في ا: «من جعله الله عالما». (¬8) ليست في ا. (¬9) ليست في ا. (¬10) ليست في ا.

رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد (¬1)» وأنه يروى (2 عنه أنه قال ¬2): «من آذى قرابتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، عز وجل (¬3)». وأنه قال: «من يرد هوان قريش أهانه الله، عز وجل (¬4)» إلى سائر ما روى في هذا الباب. فكان ينبغي له أن يَحْتشم من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلا يؤذيه في قرابته، أو يخاف نقمته ودعوته، فلا يجترئ على الوقوع في ابن عمّه (¬5) وطلب عثراتِه. وإن كان ينكر نسبه، فتواريخ المسلمين في الأنساب وشهادتهم له بصحة نسبه، تُغنِينا عن الجواب، والله حسبه (¬6) ومكافيه يوم الحساب. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو الطيب (¬7): عبد الله بن محمد الفقيه، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأصفهاني (¬8)، قال: سمعت أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل (¬9)، يقول: ¬

_ (¬1) مضى تخريج الحديث ص 41. (¬2) ما بين الرقمين من ح. (¬3) أورد السيوطي في الفتح الكبير 3/ 144 نحوه عن ابن عساكر من حديث علي بلفظ «من آذى شعرة مني فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله». وقد أخرجه ابن حجر في الإصابة 8/ 76 من حديث سبيعة بنت أبي لهب، وضعفه كما سيأتي. (¬4) مضى تخريج الحديث ص 37. (¬5) في ا «بني عمه». (¬6) في هـ «حسيبه». (¬7) في ا: «أبو المطلب». (¬8) في ح وهـ «الأصبهاني». (¬9) في ا (النبيلي».

لا أحب أن يحضر (¬1) مجلسي مبتدعٌ، ولا طعّان، ولا لعّان، ولا فاحش، ولا بذئ (¬2)، ولا منحرف (¬3) عن الشافعي، ولا عن أصحاب الحديث. والشافعي قد انتحله من الناس وتولاّه أصناف ثلاثة: أهل الشرف، وأَهل الحديث، والمتصوفة يقولون بفضله وينتحلون مذهبه والذَّبَّ عنه. ومن ذكر الشافعي بسوء فقد استوجب الأدب. قال النبي، صلى الله عليه وسلم. «بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، لم (¬4) يفارقونا في جاهلية ولا إسلام» فمن سبّ رجلا من بني المطلب فقد سبّ النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن آذى رجلا – يعني من بني المطلب – فقد آذى النبي، صلى الله عليه وسلم؛ إذ جعل النبي، صلى الله عليه وسلم، حكمهما (¬5) واحداً. والطاعن على الأئمة طَعَّان فأحش بَذِئ، لأن الواجب أن يتولاّهم ويقول بفضلهم، ويدعو الله تعالى لهم. ¬

_ (¬1) في ح: «أحضر». (¬2) في ح: «بذاء». (¬3) في هـ: «متحرف». (¬4) في ح: «ولم». (¬5) في ح: «كليهما».

7 - باب: ما حضرني فيمن آذى قرابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو أراد هوانهم، أو بغاهم العواثر، مع ما فيه من البيان: أن قريشا أهل أمانة، وأن رحم النبي، صلى الله عليه وسلم، موصولة في الدنيا والآخرة، وأن سببه ونسبه لا ينقطعان

باب ما حضرني فيمن آذى قرابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو أراد هوانهم، أو بغاهم العَوَاثِرَ، مع ما فيه من البيان: أن قريشاً أهل أمانة (¬1)، وأن رحم النبي، صلى الله عليه وسلم، مَوْصُولة في الدنيا والآخرة، وأن سبَبَهُ ونَسَبَهُ لا ينقطعان. * * * أخبرنا أبو الحسن: علي بن محمد بن علي المقري، حدثنا الحسن بن محمد بن إسحاق الإسفرايني، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي، حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا بشر بن المفضل (¬2)، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم (¬3)، حدثني إسماعيل بن عبيد (¬4) بن رفَاعَة بن رافع عن أبيه، عن جده: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «يا أيها الناس، إن قريشاً أهل أمانة، فمن بَغَاهم العَوَاثِر أكَبَّهُ اللهُ، عز وجل، لمنخريه (¬5)» مرتين (¬6). ¬

_ (¬1) في هـ «إمامة». (¬2) في هـ وح: بشر بن الفضل» وهو خطا. (¬3) في اوهـ: «خيثم» وهو خطأ. (¬4) في هـ وح: «عدي» وهو خطأ. (¬5) راجع الحديث في مسند لشافعي ص 94. والمستدرك 4/ 73 وقد صححه الحاكم وأقره الذهبي. (¬6) في المسند والمستدرك أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك ثلاث مرات.

ورواه سفيان الثوري عن ابن خيثم بإسناده، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن قريشاً أهل صبر وأمانة، من بَغَاهُم العَوَاثِرَ كَبَّهُ الله، عز وجل، لوجهه يوم القيامة». أخبرناه (¬1) علي بن أحمد بن عبدان، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا عبيد ابن غنام (¬2) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن سفيان، فذكره. أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا أبو الحسن: علي بن محمد المصري، حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي، حدثنا أبو صالح، حدثني الليث، حدثني ابن الهَادِ، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن محمد ابن أبي سفيان، عن يوسف بن أبي عقيل، عن سعد (¬3) بن أبي وقاص: قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «من يرد هوان قريش أهانه الله، عز وجل (¬4)». قال أبو صالح: وهذا سمعته من إبراهيم بن سعد [عن أبيه (¬5)]. ¬

_ (¬1) في ا: «أخبرنا». (¬2) في ا: «عثام» وهو خطأ. راجع تبصير المنتبه 3/ 1048. (¬3) في البخاري والترمذي والمستدرك: عن يوسف بن الحكم، عن محمد بن سعد، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فزادوا في السند: محمد بن سعد، وهو الطريق الذي سيشير إليه البيهقي عقب الحديث. (¬4) رواه أحمد في المسند 3/ 42، 89 – 90 (معارف) والبخاري في التاريخ الكبير 1/ 1/103 والترمذي في جامعه: باب فضل الأنصار وقريش 2/ 325 وقال: حديث غريب من هذا الوجه: وراجع أيضاً مسند الشافعي ص 94 والمستدرك 4/ 74 وقد صححه وأقره الذهبي. (¬5) ما بين القوسين من ح.

قلت: وقد رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، وقال في إسناده: عن محمد بن أبي سفيان بن العلاء بن حارثة الثقفي، عن يوسف بن الحكم: أبي الحجاج بن يوسف، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. أخبرناه محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو محمد: الحسن (¬1) بن محمد المِهْرَجَانِي، حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، حدثنا علي بن المديني، حدثنا يعقوب. فذكره. أخبرنا أبو زكريا بن أبي اسحاق المُزَكِّي، حدثنا أبو سهل بن زياد القطان، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا جعفر بن محمد المدائني. وأخبرنا أبو الحسن: علي بن أحمد الأهْوَازيّ، أنبأنا أحمد بن عبيد، حدثنا محمد بن غالب بن حرب: تَمْتَام (¬2)، حدثنا جعفر بن محمد بن جعفر بن خيرة (¬3) المدائني، حدثنا عباد بن العوام، عن محمد بن اسحاق، عن مكحول، عن محمد بن سعد، عن سعد [بن أبي وقاص (¬4)]، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من أراد هوان قريش أهانه الله». ¬

_ (¬1) في ا «الحسين» وهو خطأ. (¬2) في ا: حدثنا محمد بن غالب بن حرب، حدثنا تمتام، وهو خطأ؛ فإن تمتام لقب محمد بن غالب المتوفى سنة 283 راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 2/ 615. (¬3) في ا: «ابن خير». (¬4) ما بين القوسين من ا.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الحسن: أحمد بن عثمان بن يحيى الأَدَمِي، حدثنا أبو الأحوص: محمد بن الهيثم القاضي، حدثنا عبد العزيز ابن عبد الله الأوَيْسِي، حدثنا يزيد بن عبد الملك النَّوْفلِّي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن سُبَيْعَة بنت أبي لهب جاءت إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن الناس يصيحون بي، يقولون: إني ابنة حطب النار. فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو مغضب شديد الغضب، فقال: «ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي؟ ألا من آذى قربتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، عز وجل (¬1)». حدثنا أبو محمد: عبد الله بن يوسف الأصبهاني، أنبأنا أبو بكر: محمد بن الحسين القطان، حدثنا إبراهيم بن الحارث البغدادي، حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل (¬2)، عن حمزة ¬

_ (¬1) أخرجه ابن الأثير في أسد الغابة 5/ 473 في ترجمة سبيعة بنت أبي لهب، وقال عن أبي نعيم: صوابه درة بين أبي لهب، وأشار إلى أنه قد سبقت ترجمتها وذلك في صفحتي 449 – 450 من الجزء نفسه. وأخرجه ابن حجر في الإصابة 8/ 76 عن ابن منده من طريق يزيد بن عبد الملك النوفلي – وذكر أنه واه – عن سعيد المقبري عن أبي هريرة. وبذلك يكون ابن حجر قد ضعف الحديث. ثم قال ردا على ما أورده ابن الأثير عن أبي نعيم في تصويب اسم سبيعة: يحتمل أن يكون لها اسمان، أو أحدهما لقب، أو تعددت القصة لامرأتين. وانظره في طبقات الشافعية 1/ 192، ومناقب الشافعي للرازي ص 126 (¬2) في ا: «ابن أبي عقيل».

ابن أبي سعيد الخُدْرِي، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول على المنبر: «ما بال أقوام (¬1) يقولون: إن رحم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا تنفع يوم القيامة قومه (¬2)؟ بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، وإني أيها الناس فَرَطٌ لكم على الحوض (¬3)». وحدثنا محمد بن يوسف، أنبأنا أبو القاسم: جعفر بن محمد المُوسوِيّ، بمكة، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب خطب أم كلثوم إلى علي بن أبي طالب، فذكر القصة إلى أن قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «إنّ كلّ سبب ونسب ينقطع يوم القيامة، إلا ما كان من سببي ونسبي (¬4)». ¬

_ (¬1) في ح: «ما بال رجال» وما هنا موافق لما في المستدرك. (¬2) في ح: «لا تنفع قومه». (¬3) الحديث في المستدرك 4/ 74 – 75 وفيه بعد هذا: «فإذا جئت قام رجال فقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، فأقول: قد عرفتكم ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقري». وقد صححه الحاكم وأقره الذهبي. (¬4) راجع في هذا طبقات ابن سعد 8/ 339 ط. ل و 8/ 463 ط. ب وأسد الغابة 5/ 614 – 615، والاستيعاب 2/ 795، والإصابة 8/ 276، وطبقات الشافعية 1/ 192.

ورواه محمد بن سحاق بن يسار، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين. وروى عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن الحسن (¬1) بن الحسن، عن أبيه، عن عمر، عن النبي، صلى الله عليه وسلم. وروى عن عُقبْةَ بن عامر، عن عمر بن الخطاب، عن النبي، صلى الله عليه وسلم. وروى عن ابن عباس، وعن المِسْوَر بن مَخْرَمَة، وعن ابن عمر، عن النبي، صلى الله عليه وسلم. * * * قال أحمد: وكنت حين بلغني وُقُوع من وَقَعَ في الشافعي، وطَعْنُه (¬2) فيه بقلة العلم بالكتاب (¬3)، وأنه لم يكن من أهل الاجتهاد - جمعتُ ما وصلت إليه يدي من كتب الشافعي، رحمه الله، ورددت مسائله إلى ترتيب (¬4) مختصر أبي إبراهيم المزني، رحمه الله. ثم نسخها بعض أصحابي بخط دقيق، فوقعت في قريب من عشر مجلدات، كلّها من كلام الشافعي، رحمه الله، سوى ما وضع (¬5) في أصول الفقه في كتاب «الرسالة القديمة» ثم «الجديدة»، وفي «كتاب جماع العلم» و «كتاب إبطال الاستحسان» و «كتاب اختلاف الأحاديث» ¬

_ (¬1) في ا: «الحسين» وهو خطأ. راجع تهذيب التهذيب 2/ 295 في ترجمة الحسن بن علي، وفيه: يروى عنه ابنه الحسن. (¬2) في ح: «بطعنه». (¬3) في ا: «علم الكتاب». (¬4) ليست في ا. (¬5) في ح: «ما وصفه من» وفي هـ: «ما وضعه في». [م - 5] مناقب

و «كتاب اختلافه ومالك» و «كتاب صفة الأمر والنهي» وغير ذلك مِمَا (¬1) صنّفه في الأصول، فإنّي لم أنقل كلامه في هذه الكتب إلى كتابي على الوجه، وإنما نقلت إليه ما احتجت إليه من مسائل الفروع. وله كتب رواها عنه الحسين بن علي الكَرابِيسِي، وحسين الفلاّسي، وأحمد بن يحيى بن عبد العزيز، المعروف بأبي عبد الرحمن الشافعي - لم تقع إلى ديارنا «إلا كتاب السير» رواية أبي عبد الرحمن. وله كتب وأمَالٍ رواها عنه حَرْمَلَة بن يحيى وغيره من المصريين - لم يقع منها إلى ديارنا إلا القليل، وفيما وقع إلى ديارنا - من رواية الحين بن محمد الزَّعْفَرَاني، والرّبيع بن سليمان المُرَادِي، وأبي إبراهيم المُزَني (¬2) وحَرْمَلَةَ ابن يحيى وغيرهم، ورَدَدْتُهُ الى ترتيب المختصر وجمعته - كفايةٌ تامة. وفيه بيان خطأ من نسبه الى قلة العلم - أو (¬3) قلّة الكتاب. ومن نظر في كتبه المصنَّفة في الأصول، وكان من أهل الاجتهاد - علم أنّه كان من أهل (¬4) الاجتهاد. ومن وقف على الحكايات التي وردت عن علماء عصره، وفقهاء دهره، الذين مات بعضهم قبله، وبعضهم بعده - عرف اعترافهم له بالعلم والتقدّم، وأنّه لم يُسبَق إلى التصنيف في الأصول، وأنهم عنه أخذوا هذا النوع من العلم. ¬

_ (¬1) في ا: «فيما». (¬2) في هـ: «المزي» وهو خطأ، وأبو إبراهيم المزني هو إسماعيل بن يحيى المزني المصري صاحب الشافعي. راجع اللباب 3/ 133. (¬3) ليست في ا. (¬4) سقطت من ح

وظاهر بيِّنٌ في كتب من صنّف في أصول الفقه بعده - أنهم عنه اقتبسوا علمها، وعلى تأسيسه (¬1) وضعوها. وفي انتفاع من انتفع بعلمه في وقته، وينتفعون به بعده - دليلٌ واضح على صحة عزمه، وجميل عَقْدِه، وأنّه أراد الله سبحانه بما كان من جهده واجتهاده في تصنيف الكتب، وتقريب ما أَوْدَعَها على من (¬2) أراده، بإيجاز لفظه (¬3)، والإشارة إلى معانيه التي تهديه إلى أشباه (¬4) ما أوْرَدَه، مع عَجَلَةِ موته، وقصر مدته، رحمة الله عليه ورضوانه، فلم يدع لعائب فيما قدّمه مَغْمَزا، ولا لحاسد (¬5) فيما رسمه مَرْتَعاً (¬6). وقد أحسن أبو الحسين: مسلم بن الحجَّاج النَّيْسَابُورِي فيما ذَبَّ عن الشافعي، رحمه الله، فيما عيب (¬7) به في مسألة ذكرها، وحكى قوله فيها، ثم قال: فقد أعطى الحق مِنْ نفسه، ولم يترك للعائب فيه قولا، ولا لُعيَّا به موضعاً. وقد أحسن الشاعر في وصف الرجل العَيَّابَةِ للأقوام، حيث يقول: رُبّ عَيّابٍ لهُ مَنْظرٌ ... مُشْتَمِلُ الثّوبِ عَلَى العيْبِ (¬8) وقال غيره (¬9): ¬

_ (¬1) في ا: «تأسيسها». (¬2) في ا: «ما أراده». (¬3) في ح وهـ: «ألفاظه». (¬4) في ا: «اشتباه». (¬5) في ا: «لحامد». (¬6) في ا: «مرفعا». (¬7) في ا: «عتب». (¬8) راجع عيون الأخبار 2/ 15، والبيان والتبيين 1/ 58. (¬9) في ح: «وقال آخر».

شَرُّ الرّجَالِ يُريدُ عَيْبَ خِيَارِهِم ... وكذاك كُلُّ مُلَطَّخٍ بعيوب واذا (¬1) اشتغل الإنسان بما (¬2) فيه من العيب لم يتفرغ إلى عيب غيره. ولذلك (¬3) قال عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، [فيما (¬4)] أخبرنا أبو زكريا (¬5): يحيى بن إبراهيم، أخبرنا أحمد بن سليمان الفقيه، حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد (¬6): أنهم ذكروا رجلا، فقال ابن عباس: إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوب نفسك. وقال (¬7) الحسن البصري، رحمه الله، في هذا المعنى [ما (¬8)] أخبرنا أبو علي: الحسين بن محمد بن محمد بن علي الرُّوذَبَارِيّ، أخبرنا أبو عبد الله: الحسن ابن الحسين بن أيوب الطُّوْسِيّ، حدثنا أبو خالد: يزيد بن محمد بن حمّاد المكي، حدثنا المِنْهَالُ بن بحر، حدثنا أبو عبيدة النَّاحِي (¬9) قال: ¬

_ (¬1) قبل هذا في هـ: «وقال غيره». (¬2) في هـ: «باصلاح ما فيه». (¬3) في ا: «وكذلك». (¬4) ما بين القوسين من «ح». (¬5) في ا: «أبو بكر حدثنا يحيى بن إبراهيم». (¬6) في ا: «عن مجاهد عن ابن عباس». (¬7) في ا: «فقال». (¬8) ما بين القوسين من «ح». (¬9) في ح: «الباجي» وهو خطأ. فأبو عبيدة الناجي هو الذي يروى عن الحسن كما في تبصير المنتبه 1/ 117.

قال الحسن: ابن آدم، كيف تكون مؤمناً ولا يأمنك جارك؟ ابن آدم، كيف تكون مسلما ولا يسلم الناس منك؟ ابن آدم إنك لن تصيب حقيقة الإيمان في قلبك حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بإصلاح ذلك العيب، فإذا فعلت ذلك لم تصلح عيباً إلا وجدت آخر، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصَّة بدنك. وخَيْرُ عبادِ الله تعالى، من كان كذلك. * * * وقد سألني بعض أصحابنا (¬1) من أهل العلم والبصيرة أن أجمع كتاباً مشتملا على: ذكر مولد الشافعي، رحمه الله، ونسبه، وتعلمه وتعليمه، وتصرفه في العلم، وتصانيفه، واعتراف علماء دهره بفضله، وما يستدل به على كمال عقله، وزهده في الدنيا، وورعه، واشتهاره بخصال الخير، ومكارم الأخلاق في وقته، وبعد وفاته – فأجبته إلى مسألته اقتصاراً مني في ذكر معرفته بالفقه، وحسن مناظرته على تسمية تصانيفه، وطرف من حكاياته، دون ذكر كيفية تصرفه؛ فإن العلم به إنما يقع بالنظر في كتبه المصنَّفة في أصول الفقه. ثم في «المبسوط» المَرْدُوْدِ إلى ترتيب المختصر. ثم في «السنن» التي خرّجتُها على مسائل المبسوط في مائتي جزء وأكثر. ثم بالنظر (¬2) في كتاب «معرفة السنن والآثار» والذي أوردت فيه كلام ¬

_ (¬1) في ح: «أصحابي». (¬2) في ح، ا: «ثم في النظر».

الشافعي على الأخبار بالجرح والتعديل، والتصحيح والتعليل (¬1)، في سبعين جزءا. ثم في «كتاب المدخل» المخرّج على أصوله. فيستدل بذلك على صحة أصوله، وحسن بنائه الفروع عليها، موافقاً لشريعة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، في اتباع الكتاب، والسنّة، والإجماع، وآثار الصحابة، والقياس على ما ثبت بأحد هذه الأصول. وهذا بعد أن استعنت بالله، عز وجل، في إتمامه، وسألته، عزّ اسمه، أن ينفعني والناظرين فيه، وبرئت إليه من حَوْلِي وقوَّتي (¬2). ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. و (3 صلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ¬3). ¬

_ (¬1) في ا «والصحيح والعليل». (¬2) في ح: «من الحيل والقوة». (¬3) ما بين الرقمين ليس في ح، ولا هـ. وفي هـ عقب هذا: «آخر الجزء الأول»:

8 - باب: ما جاء في مولد الشافعي المطلبي، رحمه الله

باب ما جاء في مولد الشافعي المطلبي، رحمه الله * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: مولد الشافعي [رضي الله عنه (¬1)] بغزّة أو عَسْقَلان (¬2). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا بكر: محمد بن جعفر المُزَكِّي، يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق، يقول: سمعت محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم، يقول: سمعت الشافعي، يقول: ولدت بغزة، وحملتني أمي إلى عسقلان (¬3). قال أبو عبد الله الحافظ: ولا أعلم خلافاً بين أصحابه أنه ولد سنة خمسين ومائة، في السنة التي مات فيها أبو حنيفة، رحمهما الله (¬4). (5 قال البيهقي ¬5): وهذا الذي ذكره شيخنا أبو عبد الله في كتاب أبي الحسن ¬

_ (¬1) ما بين القوسين ليس في ا. (¬2) الخبر في حلية الأولياء 9/ 67 وتوالي التأسيس ص 49. (¬3) حلية الأولياء، وتوالي التأسيس في الموضعين السابقين. وسيأتي التوفيق بين هذا وبين ما روى أنه حمل إلى مكة. (¬4) توالي التأسيس ص 49. (¬5) ما بين القوسين من ح.

العَاصِمِيّ، بإسناده عن موسى بن أيوب النَّصِيْبِي. ثم قال أبو الحسن: وحكى لنا عن (¬1) الربيع بن سليمان، أنه قال: ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة. ثم رواه عن الزبير الهمذاني، عن علي ابن محمد بن عيسى، عن الربيع. قال أحمد البيهقي: وهذا التقييد باليوم لم أجده في سائر الروايات، فأما بالعام فإنه عام واحد فيما بَيَّنَ أهلُ التواريخ (¬2). والذي يدل (¬3) عليه ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الصفَّار، حدثنا أبو إسماعيل: محمد بن إسماعيل السُّلَمِي، قال: سمعت أبا نعيم الفضل بين دُكَيْن، يقول: مات أبو حنيفة سنة خمسين ومائة، وولد سنة ثمانين، وكان له يوم مات سبعون سنة، رحمه الله تعالى. وأخبرنا أبو عبد الله، الحافظ قال: أخبرني أحمد بن محمد بن مهدي ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في توالي التأسيس ص 49 – 50 ذكر ابن حجر أن هذا الخبر قد زيفه الرواة، وليس بواه، فقد أخرجه أبو الحسن: محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري في مناقب الشافعي بسند جيد إلى الربيع بن سليمان، قال: ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة. وعقب ابن حجر على هذا بقوله: لكن هذا اللفظ يقبل التأويل فإنهم يطلقون اليوم، ويريدون مطلق الزمان. وانظر مناقب الشافعي والرازي ص 8. (¬3) في ح: «دل».

الطُّوْسِيّ، حدثنا محمد بن المنذر، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: ولدت بغزة سنة خمسين ومائة (¬1) وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين. كذا قال: «وحملت إلى مكة» ولعله أراد إلى عَسْقَلان. ثم منها إلى مكة بعد ذلك بزمان، جَمْعاً بين (¬2) الروايتين عن ابن عبد الحكم. وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السُّلَمي، حدثنا محمد بن محمد بن داود، حدثنا ابن أبي حاتم، حدثنا ابن أخي: ابن وهب، قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: ولدت باليمن، فخافت أمي عليّ الضَّيْعَةَ، فقالت: الحق بأهلك فتكون مثلهم (¬3). فجهّزتني إلى مكة وأنا يومئذ ابن عشر سنين (¬4). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسين، حدثنا عبد الرحمن، فذكر (¬5) بإسناده نحوه -[وزاد] (¬6): فإني أخاف أن تُغْلَبَ ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ا: «فهاتين» والخبر في تاريخ بغداد 2/ 59، ومناقب الشافعي للرازي ص 8. (¬3) في ا «فيهم» وما هنا موافق لما في تاريخ بغداد. (¬4) انظر في هذا وفيما يليه تاريخ بغداد 2/ 59، وتوالي التأسيس ص 49، 50، وآداب الشافعي ومناقبه للرازي ص 21، 23 وما جاء عن هذا بهامشه. (¬5) في ح: «فذكره». (¬6) ما بين القوسين من ح.

على نَسَبِكَ (¬1). فجهزّتني إلى مكة فَقَدِمْتُها (¬2) وأنا يومئذ ابن عشر (¬3) أو شبيه بذلك، فصرت إلى نسيبٍ لي، فجعلتُ أطلب العلم، فيقول لي: لا تشتغل بهذا، وأقبل على ما ينفعك. فجعلتُ هِمَّتِي في هذا العلم، فطلبته (¬4) حتى رزقني الله منه ما رَزَقَ. كذا ورد في هذه الرواية باليمن، والأول أصح. ويحتمل أن يكون أراد (¬5) موضعاً يسكنه بعض بطون اليمن «وغَزَّة (¬6)» من ذلك. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي، حدثنا محمد بن محمد بن داود، حدثنا ابن أبي حاتم، حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن سَوَاد، قال: قال لي الشافعي: ولدت بعسقلان، فلما أتت على سنتان حملتني أمي إلى مكة. وكانت نهمَتِي (¬7) في شيئين: الرمي، وطلبُ العلم. فنلت من الرّمي حتى إني لَأَصِيبُ من عشرةٍ، عشرة. وسكت عن العلم، فقلت: أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي (¬8). ¬

_ (¬1) في ا: «نفسك». (¬2) في ا: «فقدمتها يومئذ». (¬3) في ا: «عشرة». (¬4) في ح: «وطلبته». (¬5) ليست في ا. (¬6) في ا: «وغيره» وفي هـ: «وعده» (¬7) في ا: «همتي». (¬8) حلية الأولياء 9/ 77 وتاريخ بغداد 2/ 59 - 60.

وكذا جاء في هذه الرواية: ولدت بعسقلان. والذي يدل على سائر الروايات من ولادته بغزّة، ثم حمله منها إلى عسقلان، ثم إلى مكة - أشهر، والله أعلم. وغزّة من بيت المقدس على مرحلتين أو أقل، وهي من الأرض المباركة التي بارك الله فيها. وعَسْقَلان من غزّة على ستة أميال.

9 - باب: ما جاء في نسب الشافعي، رضي الله عنه

باب ما جاء في نسب الشافعي، رضي الله عنه * * * أخبرنا محمد عبد الله الحافظ، ويحيى بن إبراهيم، ومحمد بن الحسين، وأحمد بن الحسن (¬1)؛ قالوا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن الهَمَيْسَع، ابن عمّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قال أبو عبد الله الحافظ: فحدثني أبو الفضل بن أبي نصر، أنه قرأ هذا النسب بعينه بمصر في مقابر بني عبد الحكم، في الحجر منقوراً مكتوباً على قبر الشافعي. وزاد فيه: ابن عدنان بن أُدّ بن أدد بن الهَمَيْسَع بن بنت بن إسماعيل ابن إبراهيم خليل الرحمن. كنيته أبو عبد الله. وأخبرنا أحمد بن محمد (¬2) بن الخليل المَالِينِي، حدثنا أبو أحمد: ¬

_ (¬1) في ا: «الحسين». (¬2) في ا: «محمد بن أحمد».

عبد الله بن أحمد (¬1) بن عَدِي الحافظ، قال: قرأت على قبر محمد بن إدريس الشافعي، بمصر، على لوحين (¬2) [من] حجارة: أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، نسبه إلى إبراهيم الخليل، عليه السلام (¬3). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الطيب: عبد الله بن محمد القاضي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثنا أحمد بن روح، حدثنا الحسن بن محمد الزَّعْفَراني، حدثنا محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف (¬4). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني [محمد بن] أحمد بن محمد المُسافِرِي (¬5)، حدثنا محمد بن المنذر، حدثنا المَيْمُوني، قال: سمعت أحمد بن حنبل، يقول لأبي عثمان بن الشافعي: إني لَأُحِبُّك لثلاث خلال: أنك رجل من قريش، وأنك ابن أبي عبد الله، وأنك من أهل السنة (¬6). ¬

_ (¬1) ليست في ح، ولا في هـ. (¬2) في ا: «الوجهين». (¬3) راجع تاريخ بغداد 2/ 70. (¬4) انظر آداب الشافعي وهامشه ص 38. (¬5) في ح: «محمد بن محمد السامري» وهو خطأ. والمسافري نسبة إلى مسافر وهو جد أبي بكر: محمد بن أبي تراب: أحمد بن محمد بن الحسين بن مهدي بن مسافر الطوسي النوقاني المسافري، سمع منه الحاكم أبو عبد الله، واصطحبا كثيراً. وتوفى سنة 375 وترجمته في اللباب 3/ 134. وما بين القوسين زدناه منه لتصحيح اسم شيخ الحاكم. (¬6) توالي التأسيس من 45.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو أحمد الحافظ، أخبرنا أحمد بن سليمان، عن محمد بن إسماعيل البخاري، عند ذكر الشافعي: «محمد بن إدريس ابن العباس: أبو عبد الله الشافعي القرشي. سكن مصر. مات سنة أربع ومائتين. حجازي، سمع مالك بن أنس» هكذا ذكره في التاريخ الكبير (¬1)، وكذلك منسوباً إلى قريش في التاريخ الصغير، دون ذكر العباس (¬2). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الفضل: محمد بن إبراهيم الهاشمي، حدثنا أحمد بن سَلَمَة، قال: سمعت مسلم بن الحَجَّاج، يقول: عبد الله ابن السائب والى مكة صحابي. الصحيح حديثه. وهو أخو الشافع بن السائب: جدّ محمد بن إدريس (¬3). قال أحمد: هذا الحديث الذي أشار إليه مسلم بن الحجاج، رحمه الله، هو حديث رواه ابن جُرَيج، عن محمد بن عبّاد بن جعفر، عن أبي سلمة (¬4) بن (¬5) سفيان، وعبد الله بن عمرو (¬6) بن العاص، وعبد الله بن المسيّب العَابِدِي، عن عبد الله بن السائب، قال: ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير 1/ 1/42، وليس في المطبوعة ذكر العباس. (¬2) التاريخ الصغير ص 226. (¬3) راجع أسد الغابة 3/ 170. والإصابة 4/ 74 وتوالي التأسيس ص 45. (¬4) في أسد الغابة: حدثنا محمد بن عباد بن جعفر، قال: حدثني حديثا رفعه إلى أبي سلمة ابن سفيان. (¬5) في ا «عن سفيان» وهو خطأ. (¬6) ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص في سند هذا الحديث وهم. وكذلك وقع في صحيح مسلم 1/ 336 في بعض طرقه، وفي البعض الآخر بدون ذكر ابن العاص. كما جاء في مسند أحمد 3/ 411 منسوبا إلى العاص في طرقه كلها. وقد قال النووي في شرحه على مسلم 4/ 177: قال الحفاظ: قوله: ابن العاص =

صلّى النبي، صلى الله عليه وسلم، بمكة الصبح، فاستفتح بسورة (¬1) المؤمنين، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى - محمد بن عيادشك - أخذت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، سَعْلَةٌ. قال: فركع، وابن السائب حاضر لذلك (¬2). أخبرنا أبو الحسين بن بشران، حدثنا أبو بكر الشافعي، حدثنا محمد بن الفرج، حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج (¬3) فذكره. والسائب بن عبيد (¬4) بن عبد يزيد: أبو عبد الله والشافع - أُسِرَ ¬

_ = غلط؛ والصواب حذفه، وليس هذا عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي، بل هو عبد الله بن عمرو الحجازي، كذا ذكره البخاري في تاريخه، وابن أبي حاتم، وخلائق من الحفاظ المتقدمين والمتأخرين. راجع في ترجمة عبد الله بن عمرو هذا، وفي الحديث الذي رواه عن عبد الله بن السائب: التاريخ الكبير للبخاري 3/ 1/152، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/ 2/117، والعلل له 1/ 87، وأسد الغابة 3/ 170، وتهذيب التهذيب 5/ 342، والجمع بين رجال الصحيحين 1/ 276. (¬1) في ح وهـ. «سورة». (¬2) أخرج الحديث - عدا من تقدم: البخاري تعليقاً في كتاب الصلاة، باب الجمع بين السورتين في ركعة 2/ 11 من الفتح. وقد ذكر ابن حجر تعليلا لهذا التعليق في هذا الموضع غير ما ذكره في المقدمة؛ فهو هنا يقول: واختلف في إسناد الحديث على ابن جريج، وكان البخاري علقه لهذا الاختلاف، مع أن إسناده مما تقوم به الحجة. أما في المقدمة فيقول ص 15: إن البخاري غلق هذا الحديث لكونه لم يخرج لبعض رواته. (¬3) في ابعد هذا: «سمعت فذكره». (¬4) في ا: «عبد» وهو خطأ.

يوم بدر، وكان شبيها (¬1) بالنبي، صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا عبد الله بن محمد القاضي، حدثنا أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن، حدثنا أبو محمد: أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس (¬3) بن عثمان بن شافع، الشافعي، قال: سمعت أبي يقول: اشتكى السائب بن عبيد بن عبد يزيد، قال: فقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: اذهبوا بنا إلى السائب نعوده؛ فإنه من مُصَاصَةِ قريش. قال النبي، صلى الله عليه وسلم، حيث أُتِيَ به وبعمه العباس بن عبد المطلب: «هذا أخي وأنا أخوه» يعني السائب بن عبيد (¬4). فالسائب بن عبيد بن عبد يزيد جدّ الشافعي، رضي الله عنه: صحابي، وعبد الله بن السائب أخو شافع بن السائب: صحابي، وركانة بن عبد يزيد أخو عبيد بن عبد يزيد – الذي طلق (¬5) امرأته أَلبَتَّةَ – صحابي (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في ا: «يشبه» (¬2) «راجع أسد الغابة 2/ 225 وتاريخ بغداد 2/ 58، والإصابة 2/ 60 – 61، وتوالي التأسيس ص 45. (¬3) في ا: «عبد الله». (¬4) الإصابة 3/ 61، وتوالي التأسيس ص 45. (¬5) يعني ركانة، راجع ترجمته في أسد الغابة 2/ 187 – 188، والإصابة 2/ 12 م – 213. (¬6) الذي في الإصابة عقب الحديث. قال البيهقي. فالسائب ابن عبيد صحابي. وابنه شافع: صحابي وأخوه عبد الله بن السائب: صحابي.

ومن رهط الشافعي جماعة من التابعين وأتباعهم إلى عصره، كانوا علماء يروى عنهم: منهم: نافع بن عجير (¬1) بن عبد يزيد، وعبد الله بن علي بن السائب، وطلحة بن رُكَانَة، ويزيد بن طلحة، والسائب بن يزيد بن ركانة، وعلي بن السائب، ومحمد بن علي بن يزيد بن ركانة، وأخوه عبد الله بن علي، والعباس ابن عثمان بن شافع، ومحمد بن علي بن شافع، ومحمد بن العباس، وعبد الله بن إدريس بن العباس، وإبراهيم بن محمد بن العباس، وأخوه عبد الله بن محمد بن العباس؛ وغيرهم، رحمهم الله. وقد ذكرنا (¬2) عن شيخنا أبي عبد الله الحافظ وغيره، الرِّوَاية عن كلِّ واحدٍ منهم فتركتها (¬3) هنا طلباً للاختصار. ثم بعد هؤلاء آخرون من رَهْطِه سمعوا وحدثوا. فنسبُ الشافعي في قريش، واشتهارُه بالمطلبي عند الخلفاء والعلماء والشعراء – أشهر من ضوء النهار عند المبصر (¬4). ¬

_ (¬1) في ح وا: «عمير» وهو خطأ. وسيأتي للبيهقي ما يشير إلى هذا التصحيح. وراجع أيضاً توالي التأسيس ص 44 – 45، وتهذيب التهذيب 10/ 408. (¬2) في ا: «ذكر». (¬3) في ا: «فنذكرها هاهنا». (¬4) راجع حلية الأولياء 9/ 63 وما بعدها، وطبقات الشافعية 1/ 190 وما بعدها، وانظر آداب الشافعي وهامشه ص 28. [م – 6] مناقب

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا عبد الله بن محمد بن حيان، حدثنا أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الشافعي، حدثنا أبي، قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: دخلت على بعض ولد الخلافة وابن دَأبٍ عنده، فسلمت عليه، فقال: ممن أنت؟ فقلت له، من ولد المطلب. فأعجلني، وقال: المطلب بن أبي وَدَاعَة؟ قلت: لا. قال: المطلب بن حَنْطَب؟ قلت؟ لا. قال: فضرب ابن دأب يده على فخذه، وقال: أصلح الله الأمير، هذا والله ابن المطلب بن عبد مناف الذي كان أبواه أبويك، وأخواه: هاشم وعبد شمس، يتوسطانه لشرفه في الجاهلية، يضع له هذا رداءه فيتكئ عليه، فإذا أَعْيَاهُ وضع له الآخر رداءه فاتَّكَأَ عليه. كان في كتابي: «الذي كان أخواه أخويك (¬1)، وعماه هاشم وعبد شمس» وهو خطأ فأصلحته. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا الحسن بن رَشِيق، إجازة، قال: حدثنا (¬2) زكريا السَّاجِي، قال: حدثني ابن بنت الشافعي، قال: لما دخل الشافعي على هارون الرشيد، فسمع كلامه، قال: أكثر الله في أهلي مثلك. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو تراب المُذَكِّر بالنُّوقَان (¬3)، ¬

_ (¬1) في ح: «أبويك». (¬2) في ح: «ذكر زكريا». (¬3) النوقان: مدينة بطوس. راجع معجم البلدان 8/ 327

حدثنا أبو عبد الرحمن: محمد بن المنذر، قال: قال لي (¬1) داود ابن علي: وهذا قول مطّلِبِّينا الشافعي، الذي علاهم بنُكَتِهِ، وقهرهم بأدلَّته، وباينهم بشهامته، وظهر عليهم بحَمَازَتِهِ (¬2)، التَّقِيُّ في دينه، النَّقِيُّ في حَسَبِه، الفاضِلُ في نفسه، المتَمَسِّكُ بكتاب ربه، عز وجل، المقتدي بسنَّة (¬3) رسوله، الماحي لآثار أهل البدع، الذَّاهِب بخَبَرِهم، الطَّامِس لسيرهم، فأصبحوا كما قال الله، عز وجل: {هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (¬4)}. أخبرنا أبو عبد الله، قال: وفيما أخبرونا (¬5): أنَّ أبا عبد الله: محمد بن إبراهيم البُوشَنْحِي، أمْلَى عليهم بنَيْسابُورَ في نَسب الشافعي، رحمه الله: هُوَ الشَافِعِيُّ الهَاشِمِيُّ مُحمّد ... ووالدُهُ إدْرِيس حَمّالُ فَادِحِ (¬6) وعبّاسُ يَنْمِيهِ (¬7) (أبو الأب رُتْبةً (¬8) ... ومِنْ بَعْدِهِ عُثْمانُ عَوْن المَنَادِحِ (¬9) ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) بحمازته: بشدته وصلابته. راجع اللسان 7/ 204 - 205. (¬3) في ا: «قدوة». (¬4) سورة الكهف: 45. (¬5) في ح: «أخبرنا». (¬6) الفادح: الأمر العظيم. (¬7) ينميه: يرفعه. (¬8) في ا، ح: «دينه». (¬9) المنادح: المفاوز.

إلى شافع بن السائب بن عُبَيْدِها ... بني الغُرِّ والشُّمِّ الأُنُوفِ الجَحَاجِحِ (¬1) وَعَبْدُ يزِيدٍ بَعْدَهُ ثُمَّ هاشِمٌ ... نَماءٌ لأعْرَاقٍ كِرَامِ المنَاكِح ومطَّلِبٌ مِنْ بَعْده هَاشِم قد نَمَا ... لعبْدِ مَنَافٍ سِرُّ نَصْرِ المَنَاحِح والأشعار والأخبار في أمثال ما ذكرنا كثيرة، وفيما ذكرنا (¬2) كفاية. * * * وأما انتسابه إلى جدّ أبي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هاشم بن عبد مناف: أخي المطلب بن عبد مَنَاف - فإني قرأتُ فِي كتاب أبي يَحْيَى: زكريا بن يحيى السَّاجِي، الذي رواه أبو الفضل: محمد بن أحمد الجَارُودِي الحافظ، عن أبي إسحاق: إبراهيم بن محمد بن سهل القرَّاب (¬3)، عن زكريا، قال: سمعت أحمد بن حميد العَدَوِي النَّسّابَة، يقول: هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد ابن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. وقد ولده هاشم بن عبد مناف ثلاث مرات (¬4): أم السائب: الشفاء بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف، ¬

_ (¬1) الجحاجح: جمع جحجاح وهو السيد الكريم. (¬2) في ح: «ذكرناه». (¬3) في ا: «العراف» وهو خطأ، راجع تبصير المنتبه 3/ 1068. (¬4) في ح: «مرار».

أُسِر السَّائِبُ يَوْمَ بَدْرٍ كافراً، وكان يُشَبَّه بالنبي صلى الله عليه وسلم. وأمُّ الشفَّاء بِنتُ الأَرْقَم: خَلْدةُ بِنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وأم عبد يزيد الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي، كان يقال لعبد يزيد: مَحْض لا قَذَى فيه (¬1). وأما الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا نصر: أحمد بن الحسين. ح وأخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمِي، قال: سمعت أبا نصر: أحمد بن الحسين ابن أبي مروان، يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيْمَةَ، يقول: كان يونس ابن عبد الأعلى، يقول: لا أعلم هاشمياً والدته (¬2) - في رواية أبي عبد الله ولدته - هاشمية إلا علي بن أبي طالب، ثم الشافعي، رضي الله عنه، فأم علي، رضي الله عنه: فاطمة بنت أسد بن هاشم، وجدة الشافعي: الشفاء بنت أسد بن هاشم. وأم الشافعي: فاطمة ابنة عُبَيْدِ الله (¬3) بن الحسَنَ بن الحُسَين (¬4) بن علي ابن أبي طالب (¬5). زاد أبو عبد الله في روايته: وهي التي حملت الشافعي، رضي الله عنه، إلى اليمن، وأدبته. ¬

_ (¬1) راجع تاريخ بغداد 2/ 57 - 58، ومناقب الشافعي للفخر الرازي ص 5 (¬2) في ا: «ولدته». (¬3) في ا: «عبد الله» وهو خطأ. [في فهرس تصويبات الكتاب ص 466: ابنة عبد الله بن الحسن بن الحسن]. (¬4) في ا: «بن الحسن بن الحسن» وهو خطأ. (¬5) راجع طبقات الشافعية 1/ 193.

فهذه رواية لا أعلمها إلا من جهة أبي نصر هذا، وسائر الروايات تخالفها (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا الحسن بن رشيق (¬2) إجازَةَ، قال: ذكر زكريا بن يحي السَّاجِي، قال: حدثني أحمد بن محمد بن بنت الشافعي، رضي الله عنه، قال: مات جدّي محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله، بمصر المحروسة (¬3) وهو ابن نيّف وخمسين (¬4) سنة. وكانت أمه أزْديّة، من الأَزْد، وكان منزله بمكة [في] الثنية بأسفل مكة. وكانت امرأته أم ولده: حمدة بنت نافع بن عنبسة ابن عمرو بن عثمان بن عفان، رضي الله عنه. وكانت أمه امرأة خيرة، ذكرنا من حكاياتها ما يدل على كمال عقلها ودينها (¬5). ¬

_ (¬1) رد ابن السبكي في طبقات الشافعية 1/ 194 على هذا، فقال: تضعيف البيهقي صادر من لين أحمد بن الحسين عنده. وإذا ضعف الرجل في السند ضعف الحديث من أجله، ولم يكن في ذلك دلالة على بطلانه، بل قد يصح من طريق أخرى، وقد يكون هذا الضعيف صادقاً ثبتاً في هذه الرواية؛ فلا يدل مجرد تضعيفه والحمل عليه على بطلان ما جاء به. (¬2) في هامش ا: قال الذهبي في المغني: الحسن بن رشيق العسكري تكلم فيه عبد الغني. وفي ميزان الاعتدال 1/ 490. الحسن بن رشيق العسكري، مصري مشهور، عالي السند، لينه الحافظ عبد الغني بن سعيد قليلا، ووثقه جماعة، وأنكر عليه الدارقطني أنه كان يصلح في أصله ويغير. (¬3) ليست في ا. (¬4) في ا: «خمسة وستين». (¬5) في هامش ا: «خبر أحمد متقطع».

وهكذا قرأته (¬1) في كتاب زكريا بن يحيى الساجي، رواية الجارودي، عن أبي إسحاق القراب (¬2) عنه. وكذلك هو في حكاية نزول الشافعي بمصر، على أخواله الأزد، وهي مذكورة في مواضعها (¬3). وأما الذي أخبرناه شيخنا أبو عبد الله الحافظ، فيما بلغه عن إبراهيم بن محمود المالكي، قال: حدثني داود بن علي، حدثنا الحارث بن سُرَيج، قال: سمعت الشافعي، يقول: عليّ ابن عمي وابن خالي (¬4). وكذلك رواه شيخنا بإسناد آخر عن داود، عن الحارث في قصة الحجبي. وكذلك أخبرناه السلمي، عن أبي الوليد، عن إبراهيم بن محمود. فَكَوْنُه ابن عمه واضح معروف. وأما كونه ابن خاله (¬5) فأنا أحسبه ابن خالته، وذلك لأنا قد كتبنا في حكاية زكريا بن يحيى السَّاجِي أن أمّ السائب بن عبيد جد الشافعي: هي الشفاء بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف [(6 وأم الشفاء بنت الأرقم: هي خَلْدة بنت أسد عن هاشم بن عبد مناف ¬6)] وأما أم علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: فهي فاطمة بنت أسد ¬

_ (¬1) في ا «امرأته» وهو خطأ. (¬2) في ا: «العراف» وهو خطأ كما مضى. (¬3) في توالي التأسيس ص 46 أورد ابن حجر هذا الخبر عن زكريا بن يحيى الساجي، إلا أنه ذكر فيه 0 بعد قوله - وكانت أمه أزدية: «وكانت امرأته عثمانية من ولد عنبسة ابن عمرو بن عثمان» ثم قال ابن حجر: فهذا هو الصحيح. (¬4) في هـ، ح «ابن خالتي» (¬5) في هـ، ح «ابن خالته» (¬6) ما بين الرقمين من ح وهـ.

ابن هاشم بن عبد مناف. فأمه خالة أمّ السّائب (¬1) بن عبيد بن عبد يزيد، جد الشافعي، فيكون أمير المؤمنين علي، رضوان الله عليه، ابن خالته: يعني ابن خالة أم جده. والله أعلم. (2 قال البيهقي، رحمه الله ¬2) وقد نظرت في كتاب زكريا الساجي، وجدت فيه حكاية الحَجَبِيّ، وقال فيها: «فقال له الشافعي: عَلِيُّ: ابنُ عمي وابنُ خَالَتي» فَصَحَّ ما توهَّمْتُه (¬3). وقد روى في فضيلة قبيلة الأزد التي منها الشافعي من جهة أمه: ما أخبرنا أبو علي: الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، البغدادي بها، حدثنا عبد الله بن جعفر بن دَرَسْتَوَيه، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا عبد القدوس بن محمد بن عبد الكبير، حدثني عمي: صالح بن عبد الكبير بن شعيب بن الحَبْحَاب، قال: حدثني عمي: عبد السلام بن شعيب، عن أبيه، عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الأزد أزد الله (¬4)، عز وجل، في الأرض، يريد الناس أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم (¬5)». ¬

_ (¬1) في ح: «خالة ابن السائب» وهو خطأ. (¬2) ما بين الرقمين من ح. (¬3) راجع تاريخ بغداد 2/ 58 وطبقات الشافعية 1/ 195، وتوالي التأسيس ص 46. (¬4) في الترمذي: الأزد أسد الله، وهما واحد كما بينه البيهقي في الصفحة التالية. (¬5) أخرجه الترمذي من طريق عبد القدوس بن محمد عن عمه بهذا الإسناد في كتاب المناقب =

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، رحمه الله، حدثنا أبو عبد الله: محمد ابن عبد الله الصفّار، حدثنا أحمد بن مهدي (¬1) بن رُسْتُم، حدثنا وهب بن جرير. ح وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، قال: سمعت عبد الله بن خَلاَّد [الأشعري يحدث (¬2)] عن نمير بن أوس، عن مالك بن مَسْرُوح، عن عامر [بن أبي عامر (¬3)] الأشعري، عن أبيه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «نعم الحيُّ الأزْد والأشْعَريُّون، لا يَفِرُّون في القتال ولا يغلُّون، هم مني وأنا منهم» (¬4). قال عامر. فحدثت به معاوية،، فقال: ليس هكذا قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إنما قال «مني وإلي (¬5)». ¬

_ = باب فضل اليمن 2/ 329 بزيادة: «وليأتين على الناس زمان يقول الرجل: يا ليت أبي كان أزديا، يا ليت أمي كانتّ أزدية» ثم قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وروى هذا الحديث بهذا الإسناد، عن أنس موقوفاً. وهو عندنا أصح». (¬1) في ا «هدى». (¬2) ما بين القوسين ليس في ا. (¬3) ما بين القوسين من ح. (¬4) أخرجه أحمد في المسند 4/ 129 والترمذي في المناقب: باب مناقب ثقيف وبني حنيفة 2/ 330 وقال: «حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث وهب بن جرير» وأشار إليه ابن حجر في الإصابة 7/ 120 - 121. (¬5) في ح: «وإني منهم» وما هنا موافق لما في الترمذي.

فقلت: ليس هكذا حدثني أبي [ولكن حدثني أبي (¬1)] عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «هم مني وأنا منهم». قال: فأنت إذاً (¬2) أعلم بحديث أبيك (¬3). وفي حديث أبي عبد الله: «نعم الحي الأسد» والأسد والأزد واحد، وهما عبارتان عن قبيلة واحدة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا علي: الحسن بن علي السَّاوِي، المجاور بمكة، يقول: سمعت أبا الحسن: علي بن أحمد الدّينوري، الزاهد بمكة، يقول: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في النوم، فقلت: يا رسول الله، بِقَوْل مَنْ آخُذ؟ فأشار إليَّ أميرُ المؤمنين علي، رضي الله عنه، قال: خذ بيد هذا؛ فإنه ابن عمنا الشافعي، لتعمل بمذهبه فترشد وتبلغ باب الجنة. ثم قال: الشافعي بين العلماء كالبدر بين الكواكب. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أنبأني أبو القاسم الأسدي شِفَاهاً. أن زكريا بن يحيى السَّاجِي، حدثهم (¬4)، قال: حدثني أحمد بن عمرو (¬5) بن أبي عاصم النَّبِيل، قال: سمعت رجلا من بني هَاشم من آل نَوْفل من «رَامَهُرْمُز» ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من ح. (¬2) ليست في ا. (¬3) راجع في هذا سنن الترمذي في الموضع الذي ذكرناه. (¬4) ليست في ا. (¬5) في ا. «عمر» وهو خطأ. وقد توفى أحمد بن عمرو سنة 287، راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 2/ 640 – 641.

يقول: رأيت النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، في منامي وهو يقول: قال الشافعيُّ، قال المطلبيّ. وكان خِصِيٌّ إلى جنب النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو مُسْتَنِدٌ إلَى جَبَل حُنَيْن، فأقبل الخَصِيُّ عَلَى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: إنّه تَرك شيئاً مِن حَدِيثنا، وجَعل النَّبي، صلى الله عليه وسلم، يَقُول: قال الشَّافِعِيّ، قال المطلبي، ولم يلتفت إلى كلام الخَصيّ. قال النَّوفلي: وَعَلْمت أنّ الشافعي من بَنِي المُطَّلِب حَتَّى سَمِعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَقُول فِي مَنَامه. قال أبو يَحْيَى: زَكريَّا بن يَحْيى؛ وحدثني جماعة من أهل «رَامَهُرْمُز» عنِ النَّوْفِليّ، بذلك.

10 - باب: ما جاء في تسليمه إلى المعلم

باب ما جاء في تسليمه إلى المعلم * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الوليد الفقيه، حدثنا أبو إسحاق: إبراهيم بن محمود، حدثنا محمد بن إدريس، وَرَّاق الحُمَيدي، قال: سمعت الحُمَيْدي، يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه: كنت يتيما في حِجْرِ أمي، فدفعتني (¬1) إلى الكتاب، ولم يكن عندها تُعْطِي المعلمَ، وكان المعلمُ قد رضى مني أن أَخلُفَهُ إذا قام. فلما جَمَعْتُ القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء. وكنت أسمع الحديث والمسألة فأحفظها (¬2). فلم يكن عند أمي ما تعطيني أشتري (¬3) به القراطيس، فكنت أنظر إلى العظم فآخذه فأكتب فيه، فإذا امتلأ طَرحْتُه في جَرَّة، فاجتمع عندي حُبَّان (¬4). وذكر باقي الحديث (¬5). ¬

_ (¬1) في ح: «فدعتني». (¬2) في ح: «وأحفظها ولم». (¬3) في ح: «فاشتري». (¬4) الحبان: تثنية حُبّ، وهو الجرة الضخمة، والجمع أحباب، وحِبَيبَة وحِباب. راجع اللسان 1/ 287. (¬5) راجع حلية الأولياء 9/ 73، وآداب الشافعي وهاشمه ص 23 - 24.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو الوليد، حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: سمعت الربيع يحدث (¬1): أن الشافعي، رضي الله عنه، قال: لم يكن لي مال، فكنت أطلب الحديث في الحداثة، فكنت أذهب إلى الدِّيوان أَسْتَوْهِبُ الظُّهُورَ فأكتب فيها (¬2). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن حيان، حدثنا أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن، قال: سمعت الحسن – يعني ابن الأشعث – يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول: كان حَظَارُنا (¬3) يسمَى كرانيفَ (¬4) النَّخَل. يعني أنا كنا نعطي معلمنا كَرَانِيفَ النخل. أخبرنا أبو عبد الرحمن (¬5) السلمي، حدثنا محمد بن علي بن طلحة المرْوَرُذي (¬6) حدثنا أبو سعيد: أحمد بن علي الأصبهاني، حدثنا زكريا بنُ يَحْيى الساجي، قال: حدثني ابن بنت الشافعي، رحمه الله، قال: ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) راجع حلية الأولياء 9/ 77، وتاريخ بغداد 2/ 59، وتوالي التأسيس ص 50. (¬3) الحظار. حائط النخل. (¬4) الكرانيف. جمع كرناف أو كرنوفة، وهي أصل السعفة الغليظ الملتزق بجذع النخلة. وقيل. الكرانيف أصول السعف الغلاظ العارض التي إذا يبست صارت مثل الأكتاف راجع اللسان 11/ 207. (¬5) في ا: «أبو عبد الله». (¬6) في ا: «المروذي».

مات أبو الشافعي عنه وهو صغير خارج عن مكة، وكان قليل ذات اليد، فخرج جدي إليه أبو أبي (¬1)، فحمله وحمل أمه إلى مكة من عسقلان. زاد فيه غيره (¬2): قال أبو يحي، وقال أبو العلاء: حُدِّثت أنّه لما أُسْلِمَ الى الكتّاب جعل يتعلم، فإذا فرغ من درسه علَّم صبيان الكتاب (¬3)، فنظر المعلم فإذا (¬4) ما يكفيه من (¬5) أمر الصبيان وينفعه أكثر من أجرته، فلم يأخذ من أمه أجراً. فلم يزل على ذلك حتى حَذقَ. وقرأت في كتاب أبي الحسن (¬6): محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري العاصمي، سماعه (¬7) من أبي إسحاق: ابراهيم بن محمد الرَّقِّي، يحكى عن زكريا ابن يحيى البصري، ويحيى بن زكريا بن حيويه (¬8) النيسابوري، كلاهما عن الربيع بن سليمان، وأحدهما يزيد على الآخر. قال الربيع: سمعت الشافعي، يقول: كنت وأنا في الكتاب أسمع المعلم يلقِّن الصبيَّ الآية فأحفظها أنا. ولقد كان الصبيان يكتبون إملاءهم (¬9)، فإلى أن يَفْرغَ المعلم من الإملاء عليهم كنت قد حفظت جميع ما أملى. فقال لي ذات يوم: ما يحل لي أن آخذ منك شيئاً. قال: ¬

_ (¬1) في هـ. «أبو أمي». (¬2) راجع توالي التأسيس ص 50. (¬3) ليست في ا. (¬4) في ح وهـ: «وإذا». (¬5) ليست في ا. (¬6) في ا: «الحسين» وهو خطأ؛ راجع الأنساب للسمعاني 1/ 63. (¬7) في ح: «بسماعة». (¬8) في ا: «حسربة» وهو خطأ. (¬9) في ا: «آيتهم» وفي ح. «أمليتهم».

ثم لما أن (¬1) خرجت من الكتاب كنت ألتقط الخَزَفَ، والرُّقُوق (¬2)، وَكَرَبَ (¬3) النَّخْل، وأكْتَاف الجمال، أكتب فيها الحديث، وأجئ إلى الدَّواوين، وأَسْتَوْهِبُ (¬4) منها الظُّهُورَ، فأكتب فيها، حتى كان (¬5) لأُمي حُبّان (¬6)، فملأتهما أكتافاً، وخَزَفاً، وكَرَباً، مملوءةً حديثاً. ثم ذكر خروجه إلى البادية، وتعلمه كلام هذيل. ثم ذكر ما قال له الزُّبَيْرِيّ في الاشتغال بالفقه، ثم ذكر خروجه إلى مالك، ثم خروجه إلى اليمن؛ على ما نذكره، إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) الرقوق. جمع رَقّ وهو جلد رقيق يكتب فيه. راجع اللسان 11/ 414. (¬3) قال الأصمعي: أصول السعف الغلاظ: هي الكرانيف، والعريضة التي تيبس فتصير مثل الكنف: هي الكَرَبة، وفي المحكم: الكَرَب: أصول السعف الغلاظ العراض التي تيبس فتصير مثل الكنف، واحدتها كرَبة. راجع اللسان 2/ 208. (¬4) في ا: «فأستوهب». (¬5) في ح: «كانت». (¬6) في ح: «حباب».

11 - باب: ما جاء في اشتغاله بتعلم الأدب والشعر، وسبب أخذه في تعلم العلم

باب ما جاء في اشتغاله بتعلم الأدب والشعر، وسبب أخذه في تعلم العلم * * * أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الوليد: حسّان بن محمد الفقيه، حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: حدثني أبو سليمان - يعني داود الأصبهاني - حدثني مصعب بن عبد الله الزُّبَيْرِي، قال: كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأَيَّام الناس والأدب، ثم أخذ في الفقه بَعْد. قال: وكان سبب أخذه في الفقه (¬1) أنّه كان يوما يسير على دابة له وخلفه كاتب لأبي، فتمثل الشافعي ببيت شعر، فقرعه كاتب أبي بسوط (¬2)، ثم قال له: مثلك تذهب مروءته (¬3) في مثل هذا؟ أين أنت عن الفقه؟ قال: فهزه ذلك، فقصد مجالسة الزّنْجِيَ بن خالد - وكان مُفتِي مكة. ثم قدم علينا فلزم مَالكَ ابنَ أنس (¬4). أخبرنا محمد بن الحسين (¬5) السلمي، حدثنا محمد بن علي بن طلحة، حدثنا ¬

_ (¬1) في ح: «العلم». (¬2) في ح: «بسوطه». (¬3) في ح: يذهب بمروته. (¬4) انظر في هذا وفيما بعده حلية الأولياء 9/ 70 - 71 وتوالي التأسيس ص 50، 51. (¬5) في ح. «محمد بن عبد الرحمن» وهو خطأ إنما هو أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي. راجع اللباب 2/ 55.

أحمد بن علي الأصْبِهاني، حدثنا زكريا السَّاجِي، قال: قال داودُ بنُ علي: سمعت مُصْعَبَ - يعني ابن عبد الله - الزُّبَيْري، يقول: كان الشافعي، رضي الله عنه، ينظر في الشعر، فقال له كاتبٌ لأبي: إنّما الشِّعرُ مروءةُ الفِتْيان. عليك بالفِقْه. فَترَكه وأخذ في الفقه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأني أبو القاسم بن عُبَيْد (¬1) القاضي: أنّ زكريا ابن يحيى السَّاجِي حدّثَهُم، قال: حدثني أحمد بن محمد بن بنت الشافعي، قال: حُدِّثتُ عن الشافعي أنه قال: كنت أنظر في الشعر، فارتقيت عَقَبةً، فإذا صَوْتٌ من خلفي: عليك بالفقه. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا محمد بن علي بن طلحة المَرْوَرُذِي، حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى السَّاجِي. فذكره بمثله، غير أنه قال عَقَبَةَ [مِنَى (¬2)]. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد، حدثنا أبو جعفر: محمد ابن علي العُمَري، حدثنا إبراهيم بن غَسَّانَ الدَّقَاق، حدثنا أبو بكر الحُمَيْدي، قال: قال الشافعي: خرجت أطلب النحوَ والأدبَ، فلقيني مُسلمُ بْنُ خالد، فقال: يا فتى! مِنْ أينَ أَنْتَ؟ قلت: مِنْ أَهْلِ مَكَّة. قال: وأيْنَ مَنْزِلك بها؟ قلت: بشِعْبِ الخَيْف. قال: من أي قبيلة أنت؟ قلت: من ولد عبد مناف. قال: بخ بخ!! لَقَدْ شَرَّفَكَ الله في الدُّنْيا والآخِرة، أَلاَ جَعَلت فهمَك هذا في الفِقْهِ، فكانَ أحسنَ بك؟ ¬

_ (¬1) في ا: «عبد». (¬2) ما بين القوسين ليس في ا. وراجع الخبر في حلية الأولياء 9/ 74 - 75 من وجه آخر. [م - 7] مناقب

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الفضل: محمد بن إبراهيمَ المُزَكِّي، حدَّثَنا محمد بن رَوْح الأُسْتَوائي (¬1)، حدثنا الزبير بن أحمد الزُّبَيْرِي عن أصحاب الشافعي، رضي الله عنهم، قال: قال الشافعي: قال لي مُسْلم بن خالد الزِّنجي: ألا جعلت فهمك هذا في الفقه (¬2) فكان أحسنَ بك؟ فنمت تلك الليلة وأنا مفكر في ذلك، فأتاني آتٍ في منامي، فقال لي: يا أبا عبد الله، تَرى أن الشعر مُروءة؟ نعم، ولكن إذا تَكَهَّلَ الرجلُ فالفقه. فأقبلت أكْتُب الحديث. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، أخبرنا أبو سعيد: أحمد ابن محمد بن رَميح الحافظ، حدثنا علي بن أحمد (¬3) الحافظ، سمعت علي بن محمد ابن عبد الله القرشي، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فيما يرى النائم [قبل حُلُمِي (¬4)] فقال لي: يا غلام، قلت: لبيك يا رسول الله. قال: ممن أنت؟ قلت: من رهطك يا رسول الله. قال: ادنُ مني. فدنوت منه، فأخذ من ريقه، ففتحت فمي، فَأَمَرَّ من ريقِه على لساني وفمي وشفتي، وقال: امض، بارك الله فيك. فما أذكر أني لحنت في حديث بعد ذلك ولا شعر (¬5). ¬

_ (¬1) نسبة إلى «استوا». ناحية بنيسابور كثيرة القرى. راجع الأنساب للسمعاني 1/ 207 - 208. (¬2) في ا: «فهمك في هذا الفقه». (¬3) في ح: علي بن أحمد بن علي. (¬4) ما بين القوسين ليس في ح. (¬5) توالي التأسيس ص 52.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ - قال في موضع: قال أبو الوليد فيما أخبرت عنه: وفيما حدثني الحسن بن سفيان. وقال في موضع آخر: أخبرنا أبو الوليد الفقيه - قال: وفيما حدث الحسن بن سفيان (¬1)، عن حرملة، قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: كنت صَبيًّا بمكة، فرأيت في المنام رجلاً ذَا هَيْبة يَؤُم النَّاس في المَسْجِد الحَرَامِ، فلما فرغ من صلاته أقبل على الناس يُعَلِّمهم. قال: فدنوت منه، فقلت: علمِّني. فأخرج ميزاناً من كُمَّه، فأعطاني، فقال: هذا (¬2) لك. قال الشافعي: وكان ثَمَّ مُعَبِّر فَعَرضْتُ عليه، فقال: إنك تَبْلُغ وتصير إماماً في العلم، وتكون على السَّبيل والسُّنَّة؛ لأن إمام المسجد (¬3) الحرام أفضل الأئمة كُلِّهم وفَوْقَهُم. وأمَّا الميزانُ فإنك تَعْلَمُ حقيقة الشَّيْءِ في نفسه. وقال في الموضع الأول: المسجد الجامع بمكان مسجد الحرام. وكأنه وجد سماعه فأعاده في الموضع الآخر باللفظ المسموع. والله أعلم وأحكم. ¬

_ (¬1) في ا: «قال في موضع قال: حدثنا أبو الوليد فيما أخبرت عنه، وفيما حدثني الحسن بن سفيان، وقال: حدثنا موضع آخر وفيما حدثني الحسن بن سفيان». (¬2) في ح: «فخذ». (¬3) في ا: «مسجد الحرام».

12 - باب: ما جاء في رحلته إلى أبي عبد الله: مالك بن انس، الإمام رحمه الله، في تعلم العلم

باب ما جاء في رحلته إلى أبي عبد الله: مالك بن انس، الإمام رحمه الله، في تعلم العلم * * * سمعت أبا عبد الله الحافظ، يقول: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: قال الشافعي، رضي الله عنه: جئت مالك بن أنس وقد حفظت المُوَطَّأَ ظاهراً، فقال لي: اطْلُب من يقرأ لك. فقلت: لا عليك أن تسمَعَ قِراءتي، فإن خَفَّت عليك قَرأتُ لنفسي. قال: فلما سمع قراءتي قرأت لنفسي (¬1). وسمعت أبا عبد الرحمن السُّلَمي، يقول: سمعت محمد بن أحمد ابن حمدان (¬2)، يقول: سمعت محمد بن إسحاق، يقول: سمعت محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم، يقول: سمعت الشافعي، يقول: حفظت الموطَّأ قبل أن آتيَ مالكَ بن أنس، فلما ¬

_ (¬1) راجع في هذا وفيما بعده حلية الأولياء 9/ 69، وتوالي التأسيس ص 51، وآداب الشافعي وهامشه ص 27 - 28. (¬2) في ح: «حمران».

أتيته قال لي: اطلب مَنْ يقرأ لك. فقلت: لا عليك أن تسمع قراءتي، فإن أعجبتك قراءتي، وإلا طَلَبْتُ مَنْ يَقْرأ لي. فقال لي: هات، فلما قرأت أعْجَبَتْه قراءتي، فقرأتُ عليه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا بكر: محمد بن أحمد ابن بَالَوْيه، يقول: سمعت عبد الملك بن محمد الفقيه، يقول: حدثني علاّن ابن المغيرة. وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي، حدثنا أبو الحسن: أحمد بن محمد بن الحسن ابن قَحْطَبَة المَرْوَزِيّ، أنبأنا عبد الملك بن محمد بن عدي، قال: سمعت علي بن عبد الرحمن بن المغيرة: علان (¬1) المصري، قال: سمعت حرملة، يقول: سمعت الشافعي، يقول: أتيت مالك بن أنس وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، وكان ابن عم لي والي المدينة، فكلَّم لي مالكا، فأتيته لأقرأ عليه، فقال: اطلب من يقرأ لك. فقلت أنا أقرأ. قال: فقرأت عليه، وكان ربما قال لي لشيء قد مر: أعد حديث كذا. فأعيد حفظاً، فكأنه أعجبه، ثم سألته عن مسألة، فأجابني، ثم أخرى، ثم أخرى، فقال: أنت يجب أن تكون قاضياً. أخبرنا أبو عبد الله بن أبي الحسن الصوفي، أخبرنا عبد الله بن على السَّرَّاج ¬

_ (¬1) في ا: «ابن علان» وهو خطأ. فإن علي بن عبد الرحمن بن المغيرة هو المعروف بعلان، كما صرح به ابن حجر في توالي التأسيس، حيث أورد الخبر في ص 50.

الطوسي، قال: سمعت أبا نصر العَطَّار، يقول: قال لي الساجي، عن الربيع ابن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: خرجت من مكة، فلزمت هُذَيْلا في البادية، أتعلم كلامها وآخذ بِلُغَتها (¬1)، وكانت أفصح العرب، فأقمت معهم مدة أرجل برحيلهم، وأنزل بنزولهم، فلما أن رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار، واذكر أيام الناس، فمر بي رجل من الزُّبيريّين (¬2)، فقال لي: يا أبا عبد الله، عَزَّ عليَّ أن لا تكون (¬3) في العلم والفقه، هذه الفصاحة والبلاغة. قلت: من بقى ممن يُقْصَدُ؟ فقال: مالك بن أنس، سيد المسلمين. قال: فوقع ذلك في قلبي، وعمدت إلى الموُطّأ فاسْتَعْرته من رجل بمكة وحفظته، ثم دخلت على والي مكة، فأخذت كتابه إلى والي المدينة، وإلى مالك بن أنس. فقدمت المدينة، فبلغت الكتاب، فلما قرأ والي المدينة الكتابَ، قال: يا بني (¬4)، إن مشي من جَوْفِ المدينة إلى جوف مكة حافياً راجلاً أهون عليَّ من المشي إلى باب مالك، فإني لست أرى الذلَّ حتى أقفَ على بابه. فقلت: إن رأى الأمير أن يوجه إليه ليحضر، فقال: هيهات، ليت أني إن ركبت أنا ومن معي وأصابنا ترابُ العقيق يَقْضِي حاجتنا. فواعدته العَصْر، وقصدنا، فتقدّم رجلٌ وقَرَعَ الباب، فخرجت إلينا جارية سوداء، فقال لها الأمير: قولي لمولاك إنَّنِي بالباب. فدخلت فأبطأت ثم خرجت، فقالت: إنّ مولاي يقول: إن كانت مسألة فارفعها إليّ في رقعة حتى يَخْرُجَ إليكَ الجوابُ، وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس (¬5) ¬

_ (¬1) في ا: «طبعها». (¬2) في ح: «الزبيريين». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «الزُّهْرِيين»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 466 إلى: «الزبيريين» كما في ح] (¬3) في ا، ح «أن لا يكون هذا في العلم». (¬4) في ح: «يا فتى». (¬5) في ا: «الخميس».

فانصرف. فقال لها: قولي له: إن معي كتاب والي مكة في مُهمًّ. فدخلت، ثم خرجت وفي يدها كرسي، فوضعته، فإذا بمالكٍ رجل شيخ طُوَالٌ، قد خرج وعليه المهابة وهو مُتَطَيْلِسٌ. فدفع إليه الوالي الكتاب، فبلغ إلى قوله: إنّ هذا رجل شريفٌ مِنْ أمْرِه وحاله، فتحدِّثه وتفعل وتصنع. فرمى بالكتاب من يده، وقال: يا سبحان الله، قد صار عِلْمُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يؤخذ بالوسائل! قال: فرأيت الوالي - وهو يَهَابُه أن يُكلمَه - فَتَقَدَّمت إليه، فقلت: أصلحك الله، إني رجل مُطَّلِبيّ، من حالي وقِصَّتي. فلما أن سَمِعَ كلامي نظر إليَّ ساعة، وكانت لمالك فِراسة، فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: محمد. قال: يا محمد، اتَّقِ الله، واجْتَنِبِ المعاصي؛ فإنه سيكون لك شأن من الشَّان. فقلت: نعم وكرامة. فقال: إذَا كان غدٌ تَجِيء ويجيءُ من يقرأ لك الموطأ. فقلت: إني أقرأ ظاهراً. قال: فغدوت إليه وابتدأت، فَكُلَّمَا تهيبت مالكا وأردتُ أن أقطع، أعْجَبَه حُسْنُ قراءتي وإعْرَابِي، يقول: يا فَتى زِدْ. حتى قرأته عليه في أيام يسيرة. ثم أقمت بالمدينة إلى أن تَوفَى مالِكُ بن أنس، رضي الله عنه (¬1). ثم ذكر خُروجَه إلى اليمن. وقرأت في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحُسَين العاصمي بسَمَاعِهِ من أبي إسحاق: إبراهيم بن مُحَمّد بن المولد الرَّقِّي، يحكى عن زكريا بن يَحْيى ¬

_ (¬1) راجع القصة في المناقب للفخر ص 9 - 10، وهي مختصرة في الحلية 9/ 69 وتوالي التأسيس ص 51، وآداب الشافعي وهامشه ص 27 - 28.

البصري، يَحْيى بن زكريا حيَّويه النَّيْسَابُوري – كلاهما عن الربيع بن سليمان – هذه الحكاية. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم المؤذّن، قال: سمعت أبا حاتم: الحسن بن أحمد الفقيه، يقول: قال مالك بن أنس للشافعي، رضي الله عنهما: إن الله، عز وجل، قد أَلْقَى على قلبك نوراً فلا تطفئه بالمعصية.

13 - باب: ما جاء في خروجه إلى اليمن ومقامه بها، ثم في حمله من اليمن إلى هارون، وما جرى بينه وبين محمد بن الحسن من المناظرة

باب ما جاء في خروجه إلى اليمن ومقامه بها، ثم في حمله من اليمن إلى هارون، وما جرى بينه وبين محمد بن الحسن من المناظرة، رحمهما الله. * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو حامد: أحمد بن محمد البيهقي الخطيب - بخُسرَوجِرْد (¬1) - قال: حدثنا عبدان بن عبد الحكم البيهقي، قال: حدثني مسلم بن حَجّاج، حدثني محمد بن إدريس - ورَّاق الحُمَيدي - قال: حدثني عبد الله بن الزبير الحُمَيْدِي، قال: قال محمد بن إدْرِيس الشافعي: كنتُ في حِجْر أُمّي، وأنا غلام، فدفعتني أمّي إلى الكُتّاب، ولم يكن عندها ما تُعْطِي المعَلِّم، فكان المعَلِّم قد رضي مني أنْ أخْلُفَه إذَا قام. فلما ختمت القرآن دخلت المسجد (¬2)، فكنت أجالس العلماء، وكنت أسمع الحديث أو المسألة فأحفظها، ولم يكن عند أمي ما تعطيني أشتري به قراطيس، وكان ¬

_ (¬1) خسروجرد بضم أوله وكسر الجيم. مدينة كانت قصبة بيهق، من أعمال نيسابور. (¬2) في ا: «المجلس».

مَنْزِلنا في شِعْب الخَيْفِ: فكنت أنظرُ إلى العظم يَلوح فآخذه فأكتب فيه، فإذا امتلأ طرحْتُه في جَرّة كانت (¬1) لنا قديمة. قال: ثم قدم والٍ على اليمن، فكلمه بعضُ القُرشيين أَنْ أَصْحبه، ولم يكن عند أمي ما تعطيني أتَحَمَّلُ (¬2) به، فَرَهَنَتْ داراً (¬3) بستة عشر ديناراً، وأَعْطتْني، فتحمَّلْتُ بها معه، فلما قدمنا اليمن استعملني على عمل، فحُمدت فيه، فزادَ عَمِلي. وقدم العمال مكة (¬4) في رجب، فأثنوا عَلَيِّ، وطار لي بذلك ذكر. فَقَدِمت من اليمن، فَلَقيتُ ابنَ أبي يحيى، وقد كنت أجالسه، فسلّمت عليه (¬5) فَوَبَّخَنِي، وقال: تجالسوننا وتصنعون، فإذا شَرَعَ لأحدكم شيءٌ دخل فيه. أو نحو هذا من الكلام، قال: فتركته. ثم لقيتُ سفيانَ بن عيينة، فسلّمت عليه، فرحّب بي، وقال: قد بلغني ولايتك، فما أحسن ما انتشر عنك!! وما أديتَ كل الذي لله تعالى عليكَ ولا تَعُدْ. قال: فجاءت موعظة سفيان إياي أبلغ مما صنع ابن أبي يحيى. ثم قدمت (¬6) بعد ذلك «نَجْران» وبها بَنُو الحارث وموالي ثَقِيف. وكان الوالي إذا أتاهم صَانَعُوه، فقدِمتُ فأرادوني على نحو ذلك، فَلَمْ يَجِدوا عندي. وتظلّم عندي ناسٌ كثير، فجمعتهم، وقلت: اجتمعوا على سبعة منكم رجال عدول، من عَدَّلُوه كان عدلا، ومن جَرَّحوه كان مجروحاً. فاجتمعوا على سبعة منهم. فجلست، وقلت للخصوم: تقدموا، وأجلست السبعة حولي، فإذا شهد شاهد التفتُّ إلى السبعة، فقلت: ما تقولون في شهادته؟ فإن ¬

_ (¬1) ليست في ح ولا في هـ (¬2) في ا: «أنجمل». (¬3) في ح وهـ: «دارها». (¬4) ليست في ا. (¬5) ليست في ا. (¬6) في ا: «وليت».

عدّلوه كان عدلا، وإن جرّحوه قلت: زدني شهوداً. فلم أزل أفعل حتى أتيت على جميع من تظلّم عندي. فلما صَحَّحْتُ وَضعْتُ أحْكُمُ وأُسَجَّل. فنظروا إلى حكم حاد أو قال: جارٍ. فقالوا: هذه الضِّياع التي تحكم علينا فيها ليست لنا، إنما هي بأيدينا لمنصور بن المهدي. فقلت للكاتب: اكتب: أقر فلان بن فلان الذي وقع عليه حكمي في هذا الكتاب أن الضيعة التي حكمت عليه فيها ليست له، إنما هي لمنصور بن المهدي، ومنصور بن المهدي قائم على حجته متى ما قام (¬1). قال: فخرجوا إلى مكة، وعملوا في أمري حتى رفعت إلى العراق، فقيل لي: الزم الباب. فنظرت، فإذا أنا لا بُدّ لِي مِنْ أَنْ أكونَ أخْتَلِف إلى بعض مَنْ هُنَاك (¬2)، وكان محمد بن الحَسَن جيد المنزِلة، فاخْتَلَفْتُ إليه، وقلت: هذا أشبه (¬3) عَلى من طريق الفِقْه، فلزمته، وكتبت كُتُبه، وعرفت أقاويلهم. وكان إذا قام ناظرت أصحابه. فقال لي ذات يوم (¬4): بلغني أنك تخالفنا في الغَصْبِ. فقلت: أصلحك الله، إنما هو شيء أتكلم به على المناظرة. فقال: [لقد (5 بلغني غير هذا، فناظرني أو كلمني فيها. فقلت: إني أجِلُّكَ عن المناظرة، فقال ¬5):] لا بد من ذلك. فقال: ما تقول في رجلٍ اغتصب من رجل سَاجَةً، فبنى عليها جداراً، وأنفق عليه ألف دينار، فجاء صاحب الساجة، فأثبت بشاهدين ¬

_ (¬1) في ح: «ما أقام». (¬2) راجع الحلية 9/ 76 - 77، وتوالي التأسيس ص 69، وآداب الشافعي وهامشه ص 31 - 33. (¬3) في ا: «تيسر لي». (¬4) هذا وما يليه من تتمة الخبر السابق. (¬5) ما بين الرقمين ليس في ا.

عدلين. أن هذه السَّاجة ساجته، وأنّ هذا اغتصبه عليها، وبنى عليها هذا البناء. قال: فقلت: أقول لصاحب الساجة: ترضى أن تأخذ قيمتها؟ فإن رضى، وإلا قلعت البناء، ودفعت إليه سَاجَتَهُ. قال: أليس قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ [في الإسلام (¬1)]؟ ¬

_ (¬1) ما بين القوسين ليس في ح. والحديث أخرجه مالك في الموطأ، في كتاب الأقضية: باب القضاء في المرفق 2/ 745 مرسلا من طريق عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه. وأخرجه معلقاً في كتاب المكاتب: باب ما لا يجوز من عتق المكاتب 2/ 805. وأخرجه أحمد في المسند 4/ 310 (معارف) من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف، ومن حديث عبادة بن الصامت 5/ 326 - 327 بإسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع؛ فإنه من طريق إسحاق بن يحيى عن عبادة. وإسحاق لم يلق عبادة. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الأحكام: باب من بنى في حقه ما يضر بجاره 2/ 784 من حديثي ابن عباس وعبادة اللذين أخرجهما أحمد، وبالدرجة نفسها. وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 57 - 58 من حديث أبي سعيد الخدري وصححه على شرط مسلم، وأقره الذهبي. وأخرجه الدارقطني في كتاب الأقضية من حديث عائشة وابن عباس وأبي هريرة 2/ 522 بأسانيد ضعيفة. وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري أيضاً في الموضع نفسه من طريق إسماعيل بن محمد الصفار، عن عباس بن محمد، عن عثمان بن محمد بإسناد المصنف. وابن عبد البر في التقصي ص 110. وذكر النووي في الأربعين أنه حديث حسن، وأن طرقه يقوي بعضها بعضا. وأخرجه ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص 219 - 221 تخريجا وافياً. ونقل عن أبي عمرو بن الصلاح أن هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه، ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم واحتجوا به. =

قلت: ومن ضره؟ وهو ضَرَّ نفسه!؟ فقال: ما تقول في رجل اغتصب من رجل خيطا [منِ أَبْرَيْسَمُ (¬1)] فخاط به بطنه، فأثبت صاحبُ الخيط شاهدين عدلين: أنَّ هذا اغتصب هذا الخيط، أكنت تنزع الخيط من بطنه؟ فقلت: لا. فقال: قد تركتَ قولك! فقال أصحابه: قد تركت قولك! فقلت: لا تعجلوا. قال لي: فما تقول في رجل اغتصب من رجل لَوْحاً (¬2)، فأدخله في سفينة في لُجِّ (¬3) البحر، فأثبت صاحب اللوح شاهدين عدلين، أكنت تَنْزِعُ اللوحَ من السفينة؟ قلت: لا. قال: الله أكبر، قد تركت قولك. فقلت له: أرأيت لو كان الخيط خَيْطَ نَفْسه، أراد أن ينزعه مِنْ بطنه ويقتل نفسه، أمباحٌ له ذلك أمْ مُحرمٌ عليه؟ قال: بل مُحَرَّم عليه. قلت: أفرأيت [لو كان اللوحُ لوحَ نفسه، أراد أن ينزعه في البحر، أمباح له ذلك أم محرم عليه؟ قال: بل محرم عليه ¬

_ = ونقل الزرقاني في شرحه على الموطأ 3/ 212 عن العلائي: أن للحديث شواهد وطرقا يرتقي بمجموعها إلى درجة الصحة. (¬1) فارسي معرب، وهو الحرير. راجع المعرب للجواليقي وهامشه ص 27. يجوز فيه فتح الألف وكسرها، وفتح السين وضمها. (¬2) في ح: «لوح ساج»، والساج: جمع ساجة، وهي نوع من الشجر يجلب من الهند، يستعمل في البناء، وصنع السفن. (¬3) في ح: «لجج».

قلت: أفرأيت (¬1)] الساجة لو كانت ساجة نفسه، أراد أن ينزعها فيهدم البناء عليها] (¬2)، أمحرم عليه أو مباح له؟ قال: بل مباح له. فقلت له: يرحمك الله، تقيس مباحاً بمحرَّم؟ قال: وكيف تصنع بصاحب السفينة؟ قلت له: آمره أن يقْرُب إلى أقرب المراسي التي لا يهلك هو فيها وأصحابُه، وأقولُ له: انْزِع اللوحَ فادفعه إلى هذا، وأصلح أنت سفينتك واذهب. قال: ثم قلت له: ما تقول في رجل من بني فلان – ذكر أقْواماً أشرافاً – اغتصب (¬3) رجلا من الزِّنْج على جارية، فأولدها عشرة، كلهم قد قرءوا القرآن، وقضوا بَيْن المسلمين أشرافاً، وخطبوا على المنابر، وأثبت صاحب الجارية شاهدين عدلين، أن هذه الجارية له، غَلَبُه عليها وأولدَها الأولادَ، بم كنت تَحكُم؟ قال: أردُّ الجارية عليه، وأحكم بأولادها رَقِيقاً له؟ فقلت: مالك لم تقل هذا في الخشبة؟! وقلت له. أنشدك الله! أيتهما أعظم ضرراً أنْ قلعتُ الساجة؟ أو حكمت بولدها رقيقاً؟ قال: فترك محمدُ بن الحسن قوله، ورجع إلى قول الشافعي، ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من ح. (¬2) في ح: «عنها». (¬3) في ا، ح «اغتصبوا».

رضي الله عنهما (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الفضل: الحسن بن يعقوب بن يوسف العدل، وأبو الفضل: محمد بن إبراهيم المزكي، فرقهما؛ قالا: حدثنا أبو أحمد: محمد ابن رَوح الأُستوائي، قال: سمعت الزُّبَيْر بن أحمدَ بن سليمان بن عاصم بنِ المنذر بن الزبير بن العوام، يقول: سمعت جماعةً من أصْحابِنَا يَقُصُّون هذا الخبر من أمر الشافعي، رضي الله عنه. ويزيد فيه بعضهم على بعض، ويحكى فيه بعضهم غيرَ ما يحكي بعض، وسمعت أشياء منهم على غير اقتصاصٍ من الخبر، إلا أنها تآلفت مع (¬2) الخبر، فجمعت ذلك، ولم أخرج من معانيهم في كل ذلك ذكروا أن الشافعي، رحمه الله، قال. طلبت هذا الأمر على ضيق من ذات اليد، كنت أجالس أهل العلم والحفظ ثم اشتهيت أن أُدَوِّن بعض ما أسمع، وكنا ننزل بالقرب من شعب الخَيْفِ بمكة، وكنت أتبع العظام والأكتاف (¬3) وأكتب فيها، حتى جمعت من ذلك في دارنا حُبَّين. ثم عن رجلا من المُطَّلبيين ولى بعض ناحية اليمن، فمشت أمي إلى بني أعمامي، وسألتهم أن يمشوا إليه، ويسألوه استصحابي، ففعل ذلك، فصحبته إلى ناحية اليمن، وكان بها من قُوَّاد هارون رجل يقال له: حماد البربري ¬

_ (¬1) راجع في هذا وفيما قبله حلية الأولياء 9/ 74 - 77، ومناقب الشافعي للفخر ص 105 - 106، وآداب الشافعي وهامشه ص 160 - 163. (¬2) ليست في ا. (¬3) في الأصل. «والكتاف» وهو خطأ؛ فالأكتاف جمع كتف وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب، كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم. أما الكتاف فهو الحبل الذي يوثق به. ولا محل له هنا. راجع اللسان 11/ 202 - 204.

فكتب إليه يخوفه شأن العَلويين، ويذكر له شأني، ويقول: إنَّ معه رجلا يقال له: محمد بن إدريس، يعمَل بلسانه ما لا يعمل المقاتل بسيفه، فإن كانت لك بالحجاز حاجةٌ فاحملهم منها. فورد الكتابُ فحملت أنا والطالبي وجماعة معنا، فأُدخِلنا على هارون عشرة عشرة، وقد مضى أكثر الليل، فجعل يقيم منا واحداً واحداً، فيتكلم من وراء الستر، فيأمر بضرب عنقه حتى انتهى ذلك إلى، فقلت. يا أمير المؤمنين، عبدك وخادمك: محمد بن إدريس الشافعي. فقال: اضرب عنقه. فقلت: يا أمير المؤمنين، أقول وتسمع، ويدك الباَسِطَةُ، وسلطانك المنيع، ولا يفوتك مني ما تريد. قال: قل. قلت: يا أمير المؤمنين، كأنك اتهمتني بالانحراف عنك والميل إلى هؤلاء القوم (¬1)؟ وسأضرب لك مثلك ومثلهم معي: ما يقول أمير المؤمنين في رجلٍ له ابنا عمِّ، أحدهما خَلطهُ بنفسه [وأشركه في نسبه، وزعم أنه مثله، وأنَّ ماله حرامٌ عليه إلا بإذنه، وأن ابنته حرام عليه إلا بتزويجه، وأنه يرى له عليه كما يرى له عليه لنفسه] (¬2). والآخر زعم أنه دونه، وأنه في النسب أعلى منه، وأنهُ عبده، وأن ابنته أمته، وأنها تحلُّ له بغير إذنه، وأنَّ مالَه فئ له. فَلِمَنْ تراه يتولى [يا (¬3)] أمير المؤمنين؟ فهذا أنت وهؤلاء. ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) ما بين القوسين ليس في ا. (¬3) ليست في ا.

قال: واستعادني القول ثلاث مرات، كل (¬1) ذلك أردّ عليه بمعنى واحد بألفاظ مختلفة. قال: احبسوه. فحبست في دار العامّة، وكنت لا أدْري أحداً آنَسُ به إلا محمد بن الحسن، وكُنْت أَميلُ إليه؛ للفقه، وآمُلُ أن يشفع لي عند السلطان. فحضر يوماً، فأقبل يذم المدينة ويضع من أهلها، ويذكر أصحابه ويرفع من أقدارهم، ويذكر أنه وضع على أهل المدينة كتاباً، يقول: إنِّي لو وجدت أحداً ينقُض من كتابي حَرْفاً تَنْقُلُني (¬2) إليه أَكْبَادُ الإبلِ لَضَرَبْتُ إليه. فرأيت وجوه المهاجرين والأنصار، وإنها لتَسْوادُّ مما يسمعون في المدينة وأهلِها، ورأيت أصحابَ محمدِ بن الحسن، وإنَّ وجوههم لَتُشْرِقُ وتَبْيَاضُّ مما يسمعون من مَدح أصحابهم، فتمَثَّلْتُ بين أمرين: بين أن يزداد السلطان عليَّ غضباً، وأُبَيِّضُ وجوه المهاجرين والأنصار، وبين أن أسكت عن ذلك رجاء أن يكون محمد بن الحسن يشفع لي عند السلطان، فاخترت رضا الله، عز وجل، في ذلك الموضع، فَجثَوْتُ بين يديه، ثم قلت: أبا عبد الله، أراك أصبحت تهجو المدينة وتذُمُّ أهلها؟! فإن كنت أردتَها، فإنها حرمُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأمْنُه، ودارُ الهجرة: بها نزلَ الوحي، ومنها خُلِقَ النبي، صلى الله عليه وسلم، وبها قبره. وسماها رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم: طَابَة، فيها روضةٌ من رياض الجنَّة. ولئن كنت أردتَ أهلها فهم أصحابُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ح: «تبلغني». [م - 8 مناقب]

وأصهاره، وأنصاره الذين مَهَّدُوا الإيمان، وحفظوا الوحي، وجمعوا السُّنَن. ولئن كنت أردت مَنْ بَعْدَهُم، فأبناؤهم والتابعون بعدهم، والأخْيارُ مِنْ هذه الأمة. ولئن كنتَ أردْتَ من القوم رجلا واحداً وهو مالك بن أنس، رضي الله عنه، فما عليك لو سَمَّيْتَ مَنْ أردتَ، ولم تذكر المدينة بما ذكرتَ؟! فقال: ما أردت إلا مالكَ بن أنس. قلت: وقد قرأتُ كتابَك الذي وضعته عليهم، فوجدت ما بين قولك: «بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد» خطأ. ووجدتك تردُّ فيه من كتاب الله، عزّ وجلّ، مائةً وثلاثين موضعاً: فقلت في رجلين تداعيا جداراً ولا بينة بينهما: إنّ الجدارَ لمن تليه أنصاف اللَّبِن، ومعاقد القُمُط (¬1). وقلتَ في متاع البيت يدَّعيه الزوجان: ما كان يصلح للرجال فهو للرجل، وما كان يصلح للنساء فهو للمرأة؟! وقلت في الرجل يجحد ولداً جاءت به امرأته ويقول: استعرتيه ولم تلديه - إنه تُقَبُل فيه (¬2) شهادة القابلة. ¬

_ (¬1) القمط. ما تشد به الأخصاص، راجع اللسان 9/ 261. (¬2) ليست في ا.

وقلت في الرِّفَافِ يدَّعيها الساكن وربُّ الحانوت: [أن كانت مُلْزَقَةً فهي للساكن، وإن كانت مبنية فهي لِرَبّ الحانوت (¬1)] فقلت في هذا وأمثاله - وذكرت له الأحكام كلها - بغير بينة ولا يمين، وقد قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنّ البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. وأنكرت علينا الشاهد واليمينَ، وهي سنةُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقولُ علي بن أبي طالب، وقول الحكام عندنا بالحجاز. وأنت تقول هذا برأيك وتردُّ علينا بالسنة؟ وذكرت له أشياء مما خالفنا وترك السنن. وكان على الدار يومئذ هَرْثَمَةُ، فكتب الخبر. وأبيضت وجوه المهاجرين والأنصار لما سمعوا في دار الهجرة من نُصْرَةِ الحق، وعلت محمد [بن الحسن (¬2)] وأصحابه (¬3) القَتَرَة (¬4). فلما دخل هَرْثَمَةُ على أمير المؤمنين سأله عن خبر الدار، فقرأ عليه الخبر، فقال هارون: وما أنكر محمد بن الحسن أن يَقْطَعَهُ رجلٌ من بني عبد مناف؟ اخرج إلى الشافعي وابْداهُ برضائي عنه قبل السلام، واقرأ عليه مني السلام، وأخبره أني قد أمرت له بخمسة آلاف دينار، وعَجِّلْها له من بيت مال الحضرة (¬5). فخرج هَرْثَمَةُ [فأخبر الشافعي (¬6)] برضاء أمير المؤمنين عنه، فأقرأه منه ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من ح. (¬2) ما بين القوسين من ح. (¬3) ليست في ح. (¬4) القترة: الكآبة والغبرة. (¬5) الخبر في آداب الشافعي ومناقبه ص 164 - 166 وانظر هامشه. (¬6) ما بين القوسين من ح، هـ.

السلام، وأخبره أنه قد أمر له لخمسة آلاف دينار. فقال هَرْثَمَةُ: لولا أن الخليفة لا يساوى (¬1) لأمرتُ لك (¬2) بمثلها، وقد أمرت لك بأَرْبعة آلاف دينار، فالق غلامي. قال الشافعي: جزاك الله عنا خيراً، لولا أني لا أقبل جائزةً إلا ممن (¬3) هو فوقي لقَبِلت جائزتك، فَعَجِّل ما أمر به أمير المؤمنين. فأعطاه هَرْثَمَةُ المال (¬4)، فأخذه ودعا بالحجام فأخذه من شعره وأعطاه خمسين ديناراً، وأخذ ما بقى فجعل يَصرُّه صُرَّةً صُرَّةً ويكتب [به (¬5)] رقاعاً فيقسِّمه في أهل مكة والقرشيِّين الذين بالحضرة. فما انصرف إلى منزله إلا بأقل من مائة دينار (¬6). وأمره هرثمة بالتأهُّب (¬7) للدخول على أمير المؤمنين، فأصلح من شأنه. فدخل ومحمد بن الحسن عند (¬8) أمير المؤمنين، فتكلما بين يديه: فقال له الشافعي: ما تقول في القَسَامَة (¬9)؟ فقال: استفهام. فقال: كفر والله يا أمير المؤمنين، يزعم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يحتاج أن يستفهم يهود (¬10). ¬

_ (¬1) في ا: «لا يسوى» وهي ساقطة من هـ. (¬2) في الأصول: «له» والتصويب من آداب الشافعي ص 166. (¬3) في الأصول «لمن» والتصويب من آداب الشافعي ص 167. (¬4) الخبر في آداب الشافعي ص 167 وانظر هامشه. (¬5) ليست في ا. (¬6) الخبر في آداب الشافعي ص 128. (¬7) ليست في هـ. (¬8) في ا: «على». (¬9) قال ابن حجر في الفتح 12/ 202: القسامة: مصدر قسم قسما وقسامة وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم أو على المدعي عليهم الدم. (¬10) هذه إشارة إلى حديث سهل بن أبي حثمة وفيه أن نفراً من المسلمين انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها، فوجدوا أحدهم قتيلا. وفيه: فقال صلى الله عليه وسلم: تأتوني بالبينة على من قتله، قالوا: ما لنا بينة. قال: فيحلفون؟ قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يبطل دمه، فرداه بمائة من إبل الصدقة»، =

فقال هارون: الشيفَ والنِّطْعَ. فلما أمَرَ (¬1) بهما هَالَني، فقلت: يا أمير المؤمنين، لئن جحدها في هذا الموضع فلقد (¬2) قال بها في غيره، ولكن المتناظران (¬3) إذا تناظرا كاد كل واحد منهما أن يدفع عن نفسه ما تقوم به الحجة لصاحبه. فكأنما سُرِّي عن أمير المؤمنين، فصفح عنه. فلما خرجنا من عنده قال: يا أبا عبد الله أشَطْت (¬4) بدمي. فقلت: لئن فعلنا لقد خلصناك (¬5). * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الطيب: عبد الله بن محمد الفقيه، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن زياد، حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا محمد بن خالد الكرماني، قال: سمعت المقدمي، يقول: قال الشافعي: لم يزل محمد بن الحسن عندي عظيما جليلا (¬6)، أنفقت (¬7) على كتبه ستين ديناراً حتى جمعنى وإياه مجلس عند هارون الرشيد، فابتدأ محمد بن الحسن، فقال: يا أمير المؤمنين، إن أهل المدينة (¬8) خالفوا كتاب الله نصاً، ¬

_ = فاستفهام النبي، صلى الله عليه وسلم؛ لم يكن ليهود وإنما كان للمسلمين كما سيصرح بذلك البيهقي في ص 120. راجع في حديث سهل بن أبي حثمة الأم 6/ 78، والسنن الكبرى 8/ 117 وما بعدها، وصحيح البخاري 12/ 203 - 206 من الفتح، وآداب الشافعي ص 167 وهامشه. (¬1) في ا: «أمره». (¬2) في ا: «لقد». (¬3) في ا: «المناظرين». (¬4) شاط دم فلان أي ذهب، ومنه أشطت بدمه. راجع اللسان 9/ 211. (¬5) في هـ: «خلفناك». (¬6) ليست في هـ. (¬7) في ا: «نفقت». (¬8) في ا: «إن أهل هذه المدينة».

وأحكام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإجماعَ المسلمين، وقَضَوْا بشاهد ويمين. قال الشافعي: فأخذني ما قَرُبَ وما بَعُدَ (¬1)، فقلت: إني أراك قد قصدت لبيت النبوة ومن أُنزل القرآن فيهم وأُحْكِمت الأحكامُ فيهم، وقبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين أظْهُرِهم، ثم عمدت تَهْجُوهُم، أرأيت أنت بأي شيء قبلت شهادة القابلة وحدها حتى وَرثْتَ (¬2) من خليفةٍ مُلْكَ الدنيا ومالا عظيما؟ فقال بعلي (¬3) بن أبي طالب! قلت (¬4): فعلي إنما رواه عنه (¬5) رجل مجهول يقال له: عبد الله بن نُجَى (¬6)، ورواه (¬7) عن عبد الله بن [نجى] جابر الجعفي (¬8) ¬

_ (¬1) في ا: «وبعد». (¬2) في ا «وريت». (¬3) في ا: «لعلي». (¬4) في ا: «فقلت». (¬5) في ا: «عن». (¬6) في ا: «ابن يحيى» وهو خطأ. وهو عبد الله بن نجى بن سلمة بن جثم الكوفي الحضرمي. روى عن أبيه، وعمار، وحذيفة، والحسين بن علي وغيرهم. روى عنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير وجابر الجعفي وغيرهما. قال البخاري وابن عدي: فيه نظر. ووثقه النسائي وقال ابن معين: لم يسمع من علي، بينه وبينه أبوه، وقال الدارقطني: ليس بقوى في الحديث. وله ترجمة في الجرح والتعديل 2/ 2/184، والضعفاء للعقيلي لوحة 224 - 225 وميزان الاعتدال 2/ 514، والسنن الكبرى 10/ 51، وانظر أيضاً التاريخ الكبير 4/ 2/121. وخبر الشاهد واليمين وشهادة القابلة والمناظرة في توالي التأسيس ص 71. (¬7) في ا: «وروى» وسقطت كلمة «نجى» من الأصول، وهي في توالي التأسيس ص 71. (¬8) هو جابر بن يزيد الجعفي، من أهل الكوفة، يكنى أبا يزيد، وقيل: أبا محمد. يروى عن عطاء والشعبي. روى عنه الثوري وشعبة. قال عنه ابن حبان: =

وكان (¬1) يُتَّهم بالرَّجْعَة. وقال سفيان (¬2) ابن عيينة: دخلت على جابر فسألني عن شيء من أمر الكهنة. ونحن معنا قضاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم - يعني بشاهد ويمين - مع قضاء علي بن أبي طالب بالكوفة (¬3)، أرأيت أنت أي شيء تقول في القسامة؟ فقال: استفهام. قال: قلت: وتزعم (¬4) أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يحكم في أمته بالاستفهام، يسألهم (¬5) ثم (¬6) لا يحكم لهم (¬7). قال: فسمعها هارون فدعا بالسيف والنِّطْع. قال الشافعي: فقلت: يا أمير المؤمنين، ما هذا قولُه، وإنَّه ليحكم بخلاف هذا. أعني أنهم يحلفون ويغرمون الدية، ولكن المتناظران (¬8) إذا تناظرا أحبَّ كل ¬

_ = كان سبئيا من أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان يقول: إن عليا، عليه السلام، يرجع إلى الدنيا. كان يحيى بن معين يقول: جابر الجعفي لا يكتب حديثه ولا كرامة، وكان أبو حنيفة يقول: ما رأيت فيمن لقيت أفضل من عطاء، ولا لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي. وله ترجمة في التاريخ الكبير 1/ 2/210، والجرح والتعديل 1/ 1/497، والضعفاء الصغير ص 7، والضعفاء المتروكين ص 40، والضعفاء للعقيلي لوحة 68، والطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 345 ط. ب وعلل أحمد 1/ 355، 392، والمجروحين لابن حبان لوحة 140، وميزان الاعتدال 1/ 379، وتهذيب التهذيب. (¬1) هنا أول النقص في نسخة أحمد الثالث المرموز إليها بالرمز [هـ] وسنشير إلى انتهائه في موضعه. (¬2) ليست في ا. (¬3) في ح بعد هذا: «وفي رواية وكان يؤمن بالرجعة». (¬4) في ا: «وزعم». (¬5) في ا: «سألهم». (¬6) في ا «بما». (¬7) في ابعد هذا: «به». (¬8) في ح: «المناظران».

واحد منهما أن يُدْخِلَ على صاحبه حجة يكيده بها. قال: فَسُرِّي عن هارون فلما خرجنا قال لي: كنت قد أشَطْت بدمي. فقلت: قد خلقك (¬1) الله الآن. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ [في موضع آخر (¬2)] قال [حدثني أبو أحمد: محمد بن محمد الحافظ، قال (¬3)] حدثني أبو عبد الله: محمد بن أحمد بن بطَّة، قال: حدثنا أبو حامد: أحمد بن جعفر بن محمد بن سعيد الأشعري الأصبهاني، حدثنا محمد بن خالد (¬4) الكِرْمَاني الملقب بمردويه، قال: سمعت محمد بن أبي بكر المقدمي يقول: قال الشافعي: فذكره (¬5) بمعناه وقال حجة يكبته بها. وقال في حديث (¬6) جابر الجعفي: وكان يؤمن (¬7) بالرجعة. قال البيهقي: قوله في الاستفهام في هذه الرواية أصح مما نقل في الإسناد الذي مضى (¬8)؛ لأنه إنما استفهم المسلمين. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن الدارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي (¬9) قال: أخبرني عبد الله بن أحمد في كتابه، قال: سمعت أبي يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي: وذكر محمد بن الحسن صاحب ¬

_ (¬1) في ح: «خلصك» والخبر في تاريخ بغداد 2/ 178 – 179 (¬2) ما بين القوسين ليس في ح. (¬3) ما بين القوسين ليس في ح. (¬4) في ا: «خليد» وهو خطأ. (¬5) في ا: «فذكر». (¬6) ليست في ا. (¬7) في ا «يرمي». (¬8) في ح «الرواية التي مضت». (¬9) في ح: «الحبلى».

الرأي – فقال (¬1). قد وضعت كتاباً على أهل المدينة تنظر فيه. فنظرت في أوله ثم وضعته، أو رميت به. فقال: مالك؟ فقلت: أوله خطأ. على من وضعت هذا الكتاب؟ قال: على أهل المدينة. قلت: مَنْ أهلُ المدينة؟ قال: مالك. قلت: مالك رجل واحد، قد كان بالمدينة فقهاء غير مالك: ابن أبي ذئب والمَاجشُون وفلان وفلان، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «المدينة لا يدخلها الدجال والطاعون، والمدينة على كُلِّ نَقَبٍ من أنْقَابها ملك شاهر سيفه (¬2)». أخبرنا محد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه، قال: حدثنا إبراهيم بن محمود (¬3)، قال: وحدثني (¬4) أبو سليمان، قال: حدثني أبو ثَوْر، قال: سمعت الشافعي يقول: حضرت مجلساً، ومحمد بن الحسن بالرّقّة، وفيه (¬5) جماعة من بني هاشم وقريش وغيرهم ممن ينظر في العلم؛ فقال محمد بن الحسن: قد ¬

_ (¬1) الخبر في آداب الشافعي ص 111 – 112 (¬2) الحديث أخرجه أحمد في المسند 12/ 224 (معارف) ومالك في الموطأ 2/ 892 ومسلم 2/ 1005 والبخاري في صحيحه في كتاب الحج: باب لا يدخل الدجال المدينة 4/ 82 بلفظ: «على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال» من حديث أبي هريرة. وانظره بنحوه من حديث أبي هريرة وأبي بكرة في مسند أحمد 5/ 43 وصحيح البخاري في الموضع السابق، ومستدرك الحاكم 4/ 542. (¬3) في ح: «محمد». (¬4) في ا: «حدثني». (¬5) ليست في ا.

وضعتُ كتاباً لو علمت أن أحداً يردُّ (¬1) عليَّ منه شيئاً تبلغنيه الإبل لأتيته. قال: فقلت له: قد نظرت في كتابك هذا، فإذا بعد بسم الله الرحمن الرحيم خطأ كله. قال: وما ذاك؟ قلت له: قلت: قال (¬2) أهل المدينة، وليس تخلو في (¬3) قولك: قال أهلُ المدينة: مِنْ أن تكونَ أردتَ جميعَ أهل المدينة، أو تكونَ أردتَ بقولك: قال أهل المدينة: مالك بن أنس على انفراده. فإن كنت أردت بقولك: قال أهل المدينة جميع أهل المدينة فقد أخطأت؛ لأن علماء أهل المدينة لم يتفقوا على ما حكيت عنهم. وإن كنت أردت بقولك مالك بن أنس على انفراده، وجعلته أهلَ المدينة فقد أخطأت؛ لأن بالمدينة [من علمائها (¬4)] مَنْ يرى استتابة مالك فيما خالفه فيه، فأي الأمرين قد قصدت له فقد أخطأت. قال: فتبين لأهل المجلس ذلك وسُرّ به أكثر من حضر من أهل الحجاز. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد، حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: حدثنا أبو سليمان، حدثنا أبو ثور، قال: ¬

_ (¬1) في: ا «رد». (¬2) ليست في ا. (¬3) في ح: «من». (¬4) ليست في ا

سمعت الشافعي يقول، فذكر هذه الحكاية، يزيد وينقص، ومما زاد: قال الشافعي: أراك تذم أهل (¬1) المدينة، وقد علمت ما قال فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما خبّر به لما فضّلها به على غيرها؛ فإن كنت أَردتَ بكلامك ذمها، فهي البقعةُ التي اختارها الله عز وجل لرسوله، صلى الله عليه وسلم، وشرّفها وفضّلها على غيرها. وإن كنتَ أردت ذم أهلها، فأهلها أصحابُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبناء أصحابه، فمن قصدتَ بالذم إليها (¬2)؟ أم إلى أهلها؟ قال: قصدت إلى ذم القائلين بالشاهد مع اليمين؛ لأنهم قالوا بخلاف كتاب الله (¬3). قال: فقلت له: وأين خالفوا الكتاب؟ فقال: قال الله تبارك وتعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ (¬4)} وقال: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (¬5)} وقالوا: شاهدا واحدا. قال: فقلت له: أخبرني عن قول الله عز وجل {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ا: «ألها». (¬3) في ا: «الكتاب» وانظر الخبر في مناقب الشافعي للرازي ص 31 - 32، وتوالي التأسيس ص 69 - 70. (¬4) سورة البقرة من الآية: 282. (¬5) سورة الطلاق: 2.

مِنْ رِجَالِكُمْ} أحتم ولا يجوز أقل من شاهدين؟ (1 أم ليس ذلك بحتم؟ قال: بل هو حتم، ولا يجوز أقل من شاهدين ¬1). فقلت: الآن إن كان ما قلت كما قلت إنه حتم ولا يجوز أقل من شاهدين - فقد خالفت [أنت] وصاحبك الكتاب. قال: فأين خالفنا الكتاب؟ قلت له: ما تقول في شهادة القابلة وحدها على انفراد على الولادة؟ فقال: شهادتها وحدها جائزة. فقلت له: قد أجزت شهادة امرأة واحدة ولا شاهد معها، فقد خالفت الكتاب. فقال: قد أجاز «عليُّ بن أبي طالب» شهادة القابلة. فقلت: هذا لا يصح عن «علي». وقد خالفت ما صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وعن «علي» من القضاء بالشاهد ويمينِ الطالب. قال: فسر أصحابنا بذلك، فكان ذلك اليوم أول يوم أظهرت له الخلاف والمنازعة، ثم ابتدأت في نقض كتابه على أهل المدينة. زاد في هذه الحكاية زكريا بن يحيى الساجي فيما (¬2) قرأت من كتابه وأثبته (¬3) ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين من ح. (¬2) في ا: «مما». (¬3) في ح: «روايته».

عن جعفر بن أحمد بن عبد الله، عن أبي سليمان - وهو داود بن علي - عن أبي ثَوْر. قال: قلت في أول كتابك «من قضى باليمين مع الشاهد فقد خالف كتاب الله نصاً» وقد خالفت أنت في كتابك هذا في سبعين موضعاً كتاب الله (1 عز وجل، على قولك ¬1) ثم حكاها قولاً قولاً. منها: أنت قضيت بشهادة القابلة، وهي خلاف لكتاب الله، عز وجل، ومنها كذا ومنها وكذا. فتغير وجه محمد بن الحسن وانقطع. قال: وكتب بالخبر إلى هارون الرشيد وتوقَّعت البلاء. فلما قُرِئَ على هارون الخبر قال: وما يُنكَر لرجل من بني عبد مناف أن يَقْطَعَ محمد ابن الحسن. قال: فبعث إليّ بألف دينار، وقال: قد رضيت عنك. وبعث إليّ المأمون بخمسمائة دينار، وقال: أُحِبًّ أن تَجْعلَ انقطاعك إلى (¬2). وفي رواية الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي أنه قال في «القديم»: قد استخرجت مائة وثلاثين حكماً من القرآن يخالفون ظاهرها. فمنها: ما يستدلون عليه بالسنة، ومنها: ما يستدلون عليه بالأثر، ومنها: ما يستدلون عليه بقول الرجل من التابعين. ومنها: ما يخالفونه لا حُجَّةَ في خِلاَفه، ثم يدعون قضية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، باليمين مع الشاهد، وهي لا تخالف ظاهر القرآن. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في ا. (¬2) راجع الحلية 9/ 71 - 73.

قال: ولو كان قولهم - قد يحل الله تعالى الشيء ويسكت عن غيره غير مُحَرِّمِ لِمَا سكت عَنْه - حُجَّةً، كانت عليهم في أن أمر الله تعالى بشاهدين غير محرِّم لأن يجوز أقلُّ منه. وقد ذكر الشافعي هذه الأحكام في «الجديد» في رواية الربيع وغيره. وهي مقولة في «المبسوط المردود إلى ترتيب المختصر» بتمامها. واحتج بالحديث الصحيح: عن عبد الله بن الحارث، عن سيف بن سليمان، عن قيس بن سعد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قضى باليمين مع الشاهد. قال عمرو: في الأموال (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، في آخرين؛ (2 قالوا أنبأَنا أبو العباس - هو الأصم - قال: أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، فذكره وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ¬2) قال: أخبرني أبو تراب المُذَكِّر، حدثنا محد بن المنذر الهَرَوي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول: قال لي (¬3) محمد بن الحسن: لو علمت أن «سيف ¬

_ (¬1) راجع الأم 6/ 273، 7/ 78، وصحيح مسلم: كتاب الأقضية: باب القضاء باليمين والشاهد 3/ 1337، وسنن أبي داود: كتاب الأقضية: باب القضاء باليمين والشاهد 3/ 419 وسنن ابن ماجه، كتاب الأحكام: باب القضاء بالشاهد واليمين 2/ 793، والسنن الكبرى 10/ 167. (¬2) ما بين الرقمين ليس في ا. (¬3) ليست في ا.

ابن سليمان» يروى (¬1) حديث اليمين مع الشاهد لأفسدته عند الناس. قال: قلت: يا أبا عبد الله، إذا أفسدته فسد (¬2). واحتج الشافعي مع حديث ابن عباس بأَخبار وآثار كثيرة؛ هي مذكورة بتمامها في «كتاب المعرفة». وقرأت في «كتاب زكريا بن يحيى الساجي» فيما حدثهم عن (¬3) محمد بن إسماعيل، عن مصعب بن عبد الله الزُّبَيْرِي، في قصة قدوم الشافعي المدينة، واختلافه إلى مالك، ثم رجوعه إلى مكة، وخروجه إلى اليمن، وسعاية مَنْ سعى به حتى حُمل ولم يُترك أن يأخذ من شعره وأظفاره، فلما وافى الرَّقَّة (¬4) لقى محمد بن الحسن فاتصل به، وكان معه ستون ديناراً، فأعطى (¬5) ورَّاقاً فكتب له كتبه، فجلس محمد بن الحسن يوماً في مسجد الرَّقَّة وجعل يُزْري بأهل الحجاز، فيقول: إيْش يحسنون؟ وهل فيهم أحد يحسن مسألة؟ - والشافعي في ناحية – فبلغه، فجاء وسلم عليه، وإنَّ شاربه ليدخل في فيه. وذلك بحضرة الفضل بن الرّبيع. فقال الشافعي: ¬

_ (¬1) في ا: «روى». (¬2) راجع السنن الكبرى 10/ 167. (¬3) ليست في ا. (¬4) الرقة بفتح الراء والقاف وتشديدهما، وهي مدينة مشهورة على الفرات. راجع معجم البلدان 4/ 172. (¬5) في ا: «وأعطى».

أما صاحبكم (¬1) فأعلم الناس (¬2) بما لم يَكُنْ ولا يكون أبدًا، وأجهلهم بالسنن. فناظره في مسائل. فقال له: قد أكثرت - والفضلُ يكتب ما جرى بينهما - وكان فيما جرى بينهما يومئذ أن قال له الشافعي: ما تقول في صلاة الخوف، كيف يصليها الرجل؟ فقال محمد بن الحسن: منسوخة (¬3)؛ قال الله عز وجل: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ (¬4)} فلما خرج رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، مِنْ بَيْنِ أَظْهُرهم، لم تَجِب عليهم صلاةُ الخوف. فقال له الشافعي: قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا (¬5)} فلما خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مِنْ بَيْن أظْهُرِهِمْ لم تجب عليهم. زاد فيه غيره: قال ابن الحسن كلا بل تجب عليهم. فقال الشافعي: كلا بل تجب عليهم، ثم قال الشافعي: لا يمكن أحداً من الخلق يكلم أحداً وإن كان نبياً مرسلا حتى يذهب لسان الآخر، ولكن بحسبك أن يستبين عند ذوي الأقدار أنه قد قام بالحجة. (6 ألا ترى أن صاحب إبراهيم حيث قال له: أنا أحيي وأميت. قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. قال الله: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}؟ قال الشافعي رضي الله عنه»: ¬6) وكذلك بهت الذي ظلم؟! ¬

_ (¬1) في ا: «صاحبك». (¬2) ليست في ا. (¬3) في ا: «منسوخ». (¬4) سورة النساء 102. (¬5) سورة التوبة 103. (¬6) ما بين الرقمين ليس في ا.

ودخل الفضل بن الربيع إلى الرشيد فقال، يا أمير المؤمنين، ألا أبشرك؟ ألا أقول لك شيئا تقربه عينك يا أمير المؤمنين (¬1)؟ قال: وما هو؟ قال: رجل من آل شَافِعٍ يحسن كذا، وكان من مجلس قوم كذا، قرأ عليه ما جرى بينهم. فسر بذلك هارون، فقال: اخرج إليه فأعلمه أني قد رضيت عنه، وأَعْلِمْهُ بالرِّضا قبل الصِّلة، ثم صِلْه. قال: ثم خرج فأخبره. قال: فخر الشافعي لله تعالى ساجداً. ثم قال: وقد وصَلَك أميرُ المؤمنين بمالٍ، وقد وصلتك بمثل ذلك. قال: فدعا الشافعي بالحجَّام، فأخذ شعر رأسه، فأعطاه خمسين ديناراً. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال. سمعت محمد بن إبراهيم بن عمران الفارسيّ يقول: سمعت الدُّرَيْدِيَّ، يقول: بلغني (¬2) أنه لما أشخص الشافعي إلى «سُرَّ مَنْ رَأَى» دخلها وعليه دَرَنُ الطريق؛ فتقدّم إلى حجَّامٍ ليأخذ من شعره، فقدّم الحجامُ عليه أنظفَ ثوباً منه، ثم دعا بالشافعي، فلما فرغ من أمره أَمَر له بعشرين ديناراً. فعدا الحجام في طلبه معتذرا إليه، فقال له الشافعي: ارجع؛ أنت أجير استأجرناك ووفَّيْنَاك أجْرَك، ثم جعل يقول: عليَّ ثيابٌ لو تُبَاعُ جميعُها ... بِفَلْسٍ لكَان الفَلْسُ مِنْهُنَّ أكْثَرَا وفيهنّ نَفْسٌ لو يُقَاسُ بِبَعْضِها ... جَمِيعُ الوَرَى كَانت أجلَّ وأخْطَرَا ¬

_ (¬1) في ح: «يقر عين أمير المؤمنين». (¬2) في ح: «بلغنا». [م - 9] مناقب

وما ضَرَّ نَصْلَ السَّيفِ إخلاقُ غِمْدِه ... إذا كان عَضْباً حيث وجهته بَرَى وزاد فيه غيره: فإِن تكنِ الأيّام أَزْرَتْ بِبِزَّتي ... فَكَمْ مِنْ حُسَامٍ في غلاف تَكَّسرا (¬1) أخبرنا أبو بكر: أحمد بن الحسن بن أحمد القاضي، رحمه الله - قراءة عليه - قال: سمعت أبا يعلى: حمزة بن أحمد بن محمد (¬2) بن جعفر بن محمد بن زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: حدثنا أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد العبَّاسي الأزْدي، وأبو جعفر السَّامري، وأبو محمد: عبد الله بن عبد الملك الأزدي؛ قالوا: حدثنا أبو بكر: محمد بن أبي يعقوب بن سهم الجَوَّال الدِّينَوَري، قال: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي (¬3)، قال: حدثني خالي: عمارة بن زيد (¬4)، قال: ¬

_ (¬1) الأبيات في الحلية 9/ 131 وقد رواها أبو نعيم جميعا من قول الشافعي، والخبر في الموضع نفسه بنحو ما هنا. (¬2) في ا «محمد بن أحمد» والصواب ما أثبتناه عن ح. راجع جمهرة أنساب العرب ص 58. (¬3) في ح: «البلدي» وهو خطأ. وعبد الله بن محمد البلوي قال عنه الدارقطني: يضع الحديث. وذكر ابن حجر: أن أبا عوانة روى عنه في الاستسقاء خبرا موضوعا، وأنه واضع خبر رحلة الشافعي الذي أورده البيهقي هنا عن عمارة بن زيد، والذي ساقه الرازي في المناقب بدون إسناد معتمداً عليها، راجع ميزان الاعتدال 2/ 491، ولسان الميزان 3/ 338، وتوالي التأسيس ص 71. (¬4) في ا: «بن يزيد وهو خطأ. راجع لسان الميزان في الموضع المذكور.

كنت صديقاً لمحمد بن الحسن، فدخلت معه يوماً على هارون الرشيد فسأله. ثم إني سمعت محمدَ بن الحسن يُسِرُّ إليه - وهو يقول -: إن محمد بن إدريس يزعم أنه للخلافة أهل (¬1). قال: فاستشاط هارون من قوله ذلك غضباً. ثم قال: عليَّ به. فلما مثل بين يديه أطرق ساعة، ثم رفع إليه رأسه فقال: إيْهاً. قال الشافعي: وما إيْهاً يا أمير المؤمنين؟ أنت الداعي وأنا المدْعُوّ، وأنت السائلُ وأنا المجيب. قال: ما هذا الذي بَلَغني عنك؟ قال: وَمَا ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: بلغني أنك تقول: إنك للخلافة أهل؟ فقال: حاشا لله، لقد أفِكَ المبلِّغ وَفَسَق وأثم، إنّ لي يا أمير المؤمنين حرمة الإسلام، وذمَّةَ النسب، وكفى بهما وسيلة، وأحقُّ مَنْ أخذ بأدب الله، تعالى، ابنُ عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذابّ عن دينه، والمُحَامي عن أمته (¬2). قال: فتهال وجه هارون ثم قال: ليُفْرِخْ (¬3) رَوْعُك، فإنا نَرْعَى حقَّ قرابتك وعِلْمِك. وأَمَرَه بالقعود واستدناه، ثم قال له: كيف عِلْمك بكتاب الله عز وجل؛ فإنه أَوْلى الأشياء أن يُبْتَدَأَ به؟ ¬

_ (¬1) في الأصل «أهلا» وإذا صحت الرواية تحمل على لغة من ينصب بإن: الاسم والخبر جميعاً. (¬2) في ا: «على أئمته». (¬3) قال في اللسان 4/ 12: فرخ الروع وأفرخ ذهب الفزع، يقال ليفرخ روعك. أي ليخرج عنك فزعك؛ كما يخرج الفرخ عن البيضة، وأفرخ روعك يا فلان أي سكن جأشك.

قال: جمعه الله، في صدري وجعل رُوعي دَفْتيه. قال: كيف علمك به؟ قال: وعن أي علم تسأَل يا أمير المؤمنين؟ أعلم تنزيله أم عِلْم تأويله؟ أم عِلْم مُحْكمه أم عِلْم متشابهَه؟ أم ناسخه أم منسوخه؟ أم أخباره أم أحكامه؟ أم مكيه أم مدنيه؟ أم ليليه أم نهاريه؟ أم سفريّه أم حضريه؟ أم تبيين (¬1) وصفه؟ أم تسوية صُوره؟ أم نظائره؟ أم إعرابه؟ أم وجوه قراءته؟ أم حروفه؟ أم معاني لغاته أم حدوده، أم عدد آياته؟! قال هارون: لقد ادَّعيت من القرآن علماً عظيماً؟! قال: المِحْنَةُ يا أمير المؤمنين تنبئ عن دعواي. قال: فكيف علمُك بالأحكام؟ قال: في العتاق أم في المناكحات؟ أم في السير والمحاربات؟ أم في العقول والدِّيَات - أو قال في الحدود والدّيات - أم في الأشربة والبياعات، أم في الأطعمة والأشربة (¬2)؟ وحلال ذلك من (¬3) حرامه، والحكم فيه؟! قال: كيف عِلْمك بالنجوم؟ قال: أعرف الفَلكَ الدائر، والنَّجم السَّائر، والقطب الثابت، والمائي، والنَّاري، وما كانت العرب تسميه الأنْواء، ومنازل النَّيِّريْن: الشمس والقمر، والاستقامة ¬

_ (¬1) في ح: «تنسيق». (¬2) في الأصل الإشرابات. وما أثبتناه موافق لما في المناقب للرازي ص 25. (¬3) في ح: «أم».

والرجوع، والنُّحوس، والسعود، وهيئاتها، وطبائعها، وما أهتدى (¬1) به في بري وبحري وما (¬2) أستدل به على أوقات صلواتي، وأعرف ما مضى من الأوقات في كل مَمْسى ومَصْبح، وظعني في أسفاري. قال: فكيف علمك بالطب؟ قال: أعرف ما قالت الروم مثل أرسطاطاليس، ومنهواريس، وقرقوريس وجالينوس، وبقراط، وأنبدقيليس، بلغاتها، وما نقلت أطباء العرب وما فتقته فلاسفة الهند، ونمقه علماء الفرس، مثل خاماشف وشاهم دويهم، وبُزُرْجَمْهر. قال: كيف علمك بالشعّر؟ قال: أعرف الجاهليَّ، والمخضرم، والمُحْدَث. قال: فكيف معرفتك به؟ قال أعرف: مَعَاريضه، وأوزانه، وبحوره، وفنونه. قال: كيف حفظك له؟ قال: أَروى الشاهد الشَّاذ، وما نَبَّه (¬3) للمكارم، وشَحَذ بصيرةَ الصَّارم. قال: فكيف عِلْمُك بالأنساب؟ قال: يا أمير المؤمنين، ذَلك عِلْمٌ لم يَسعْنا جَهْلُه في الجاهلية مع ¬

_ (¬1) في ا: «أقتدي». (¬2) ليست في ا. (¬3) في ح: «فيه».

تمحط (¬1) الكفر وتغمط (¬2) الحق؛ ليكون عوناً على التعارف، وبصيرة (¬3) بالأكفاء فأَلَفَيْتُ أوائِلَنَا أفخاذا وعَمائرَ وفصائلَ، وجملته قبائلَ وعَشَائر، حتى ورثه الأصاغر عن الأكابر، وعمل به الخَلَف اقتداء بالسلف. وإني لأعرف (¬4) جماهير (¬5) الأقوام، ونسب الكرام، ومآثر الأيام، وفيها نسبة أمير المؤمنين ونسبتي (6 ومآثر أمير المؤمنين ¬6) ومآثر آبائه وآبائي. قال: وكان هارون متكئاً فاستوى جالساً ثم قال: يا ابن إدريس، لقد ملأت صدري، وعظمْتَ في عيني، فعظني موعظة أعْرفُ فيها مقدارَ علمك، وكنه فهمك. فقال الشافعي: على شريطة يا أمير المؤمنين. قال: هي لك، فما هي؟ قال: طَرْحُ الحشمة ورفع الهيبة، وإلقاء رداء الكبر عن منكبيك، وقبول النصيحة، وإعظام حقِّ الموعظة، والإصاخة (¬7) لها (¬8). قال: وجَثَا الشافعي، رحمه الله، على ركبتيه، ومدّ يدَه غير مكترثٍ ولا مُحتشم، ثم أشار إليه بيده، فقال: يا ذا الرجل، إنه مَنْ أطال عِنَانَ الأَمْن في الغِرَّة، طوى (¬9) عِذَار (¬10) الحَذَر في المُهْلة، ومن لم يُعوّل على طُرُف النجاة ¬

_ (¬1) في ا: «تعميط وتمحط الكفر: يراد به ظهوره، من قولهم امتحط سيفه: سله. راجع اللسان 9/ 274. (¬2) في ا: «تخميط» وتغمط الحق: جحده. (¬3) في ا: «ونصرة». (¬4) في ا: «أعرف». (¬5) في ا: «جماهر». (¬6) ما بين الرقمين ليس في ا. (¬7) في هامش ا: «أصاخ له أي استمع. (¬8) ليست في ا. (¬9) في ا: «يطوى». (¬10) العذار هنا كالعنان واللجام وزنا ومعنى راجع اللسان 6/ 224.

كان بمنزلة قلة الاكتراث من الله مقيتا (¬1)، وصار في أمْنِه المَحْذُورِ (¬2)، مثل نسج العنكبوت، لا يأمن عليها نَفْسه، ولا يُضئ له ما أظلم عليه من نَسَبه. أما لو اعتبرت بما سلف، واستقبلت الحَسَن المُؤْتَنف، فنظرتَ ليومك وقدَّمت لغَدِك، وقصرْت أمَلك، وصورت بين عينيك اقترابَ أجَلِكَ، واستقصرت مدةَ الدنيا، ولم تغتر بالمهلة - لَمَا امتدت اليك يد الندامة، ولا ابْتَدَرتْك الحَسَراتُ غداً في القيامة، ولكنْ ضرب عليك الهوى رُواقَ الحَيْرة فتركك، واذا بَدَتْ لك يَدُ موعظة لم تكد تراها {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (¬3)}. قال: فبكى هارون حتى بلّ منديلا كان بين يديه، وعلا شهيقُه وانتحابه فقالت الخاصة، ومَنْ يقف على (¬4) رأسه للشافعي: اسكت يا هذا؛ فقد أبكيت عيني أمير المؤمنين؟! فنظر الشافعي إليهم، مُغْضَباً وزجرهم مُنْتَهِراً، وقال: يا عبيد الرّفْعة (¬5): وأعوانَ الظلمة، وعُدَّة الأئمة، والذين باعوا أنفسهم بمحبوب الدنيا الفَانية، واشتروا عذابَ الآخرة الباقية، أما رأيتم مَنْ كان قبلكم كيف استُدْرجوا بالإملاء، ورُفهُوا بتواتر النعماء، ثم أُخِذُوا أخذ عزيز مُقْتَدِر؟ أما رأيتم الله كيف فضَحَ مستورهم، وأمطر بواكر الهَوَان عليهم، فأَصبحوا بعد سُكْنى القصور والنعمة والحبور (¬6) بين الجنَادل والصُّخور، وأثناء القُبور، عَرَضاً للدثور (¬7)؟ ومن وراء ذلك وقوفٌ بين يدي الله، عز وجل، ومُساءلته ¬

_ (¬1) في ا: «مقيماً». (¬2) في ا: «المحدود». (¬3) سورة النور 40. (¬4) في ا: «فوق». (¬5) في ا: «الرجعة». (¬6) ليست في ا. (¬7) في ا «للنشور».

عن الخطرة، وما هو أخفُّ من الذَّرَّة: حصائد النقم، ومدارج المَثُلاث، ونُهْبة الخوف والرَّوعات. قال هارون: فذاك يا ابن إدريس، فقد سللت علينا لسانَك وهو أمضى من سيفك. قال: هو لك يا أمير المؤمنين، إن قبلت، ولا عليك. قال: فكيف السبيل إلى الخلاص من ذلك؟ قال: أما ثانية بعد أولى لا أستطيع (¬1) قولها: أن تتفقد حَرَم الله، تعالى، وحَرَم رسوله، صلى الله عليه وسلم، بالعمارة، وتُؤمِّن السُّبُل (¬2) وَتَنْظُرَ في أمر الأمة. قال: وكيف ذاك؟ قال: أن تُعْطى أولاد المهاجرين والأنصار حقَّهم من الفَئ؛ لئلا تُزْعجهم الحاجَة عن أوطانهم، وتنظر في أمر العامَّة والثّغور، وتبذل العدل والنصفة، وأن لا تجعل دونها سترا، وتتخذ أهْلَ العلم والورع شعارا، وتشاورهم فيما يَنُوب، وتَعْصى أهل الرِّيب ومن يُزَيِّن لك قطْعَ ما أمر الله به أن يوصل. قال عمارة: فنظرت (¬3) الى محمد بن الحسن وقد تغير لونه. قال هارون: ومن يطيق (¬4) ذلك؟ قال: من تسمى باسمك، وقعد مِثْلَ مقعدك. قال هارون: فهل من حاجة خاصة بعد العامة فتُقْضَى، أو مسألة فتمضي (¬5)؟ ¬

_ (¬1) في ا: «لا يستطيع». (¬2) في ا: «فتومن السبيل». (¬3) في ا: «فتنظر». (¬4) في ح: «ومن يطق». (¬5) في ا: فتخطى.

قال الشافعي: أتأمرني بعد بذل مكنون (¬1) النصيحة، وتقديم (¬2) الموعظة - أن أسود وجهي بالمسألة وأذلّ للحاجة؟! فأطرق هارون ثم رفع رأسه، فقال: يا محمد بن الحسن، سله عن مسألة. قال محمد بن الحسن: يا ابن إدريس، ما تقول في رجل عنده أربع نسوة، فأصاب الأولى عمة الثانية، وأصاب الثالثة خالة الرابعة. فقال: ينزل عن الثانية والرابعة. قال محمد بن الحسن: ما الحجة في ذلك؟ قال الشافعي: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها (¬3)». ما تقول أنت يا محمد بن الحسن؟ كيف استقبل رسول الله، صلى الله عليه وسلم القبلة يوم النحر وكبر؟ فتتعتع محمد بن الحسن ولم يحر جواباً، فالتفت الشافعي إلى هارون، فقال: يا أمير المؤمنين، يسألني عن الحلال والحرام فأجيبه، وأسأله عن سُنَّة من سُنَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيتتعتع. والله (¬4) لو سألته: كيف فعل ¬

_ (¬1) ليست في ح. (¬2) في ا «وقدم». (¬3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح: باب لا تنكح المرأة على عمتها 9/ 138 - 139 ومسلم في النكاح: باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها 2/ 1028، وهو في السنن الكبرى 7/ 165. (¬4) ليست في ا.

أبو حنيفة؟ لأجابني. فأومأ هارون إلى الحاجب، فأقام محمد بن الحسن. قال عمارة: فكرهت القيام معه. ثم استدنى الشافعي وقربه، وأمر له بمال (¬1) (2 عظيم. وفي رواية بخمسين ألفاً ¬2)، وأمره بملازمته. فلما نهض قمت معه، فحمل المال بين يديه، فلما صار في دار العامة فرقه ولم يعد منه بشيء (¬3) إلى منزله، وانصرف مكرَّماً، فكان بعد ذلك يُقدَّم ويُبجَّل ويُعظَّم. قال القاضي، رحمه الله تعالى: أملى السيد هذه الحكاية من حفظه وقال: هؤلاء المشايخ يزيد لفظ بعضهم على بعض، فأمليت لفظ أحدهم، وقد أدّيت معناه. قال أحمد: وقد روى شجاع بن الهيثم بن موسى هذه الحكاية، عن عبد الله بن محمد البلوي (¬4). وروى زكريا بن يحيى البصري، ويحيى بن زكريا بن حيوة (¬5)، عن الربيع بن سليمان، عن الشافعي: خروجه إلى اليمن، وسعاية الساعي به (¬6) حتى حمل مع العلوية إلى هارون الرشيد، فأمر (¬7) هارون بضرب رقابهم، وقول محمد بن الحسن: يا أمير المؤمنين، هذا المطلبي (¬8) لا يغلبك بفصاحته ولسانه؛ فإنه رجل لَسِنٌ، وما قال الشافعي لهارون، ثم سؤاله عن علم القرآن، والنجوم، والأنساب، ثم أمره له بخمسين ألفاً، وتفريق الشافعي إياها، ثم مناظرته ¬

_ (¬1) في ا. «بمال جزيل». (¬2) ما بين الرقمين ليس في ا. (¬3) في ح: «لم يعد بشيء منه». (¬4) في ا «البلدي» وهو خطأ كما تقدم. (¬5) في ا: «حيوية». (¬6) ليست في ح. (¬7) في ا: «وأمر». (¬8) ليست في ح.

محمداً في ذم أهل المدينة على باب الرشيد. بمعنى ما مضى في أسانيدنا (¬1) دون ذكر الموعظة وما بعدها. وقد روى في أخبار دخول الشافعي على الرشيد: أنه دعا عند دخوله عليه بدعاء سأله (¬2) عنه الفضل بن الربيع، فعلمه إيّاه وهو أنه قرأ أولا (¬3): {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (¬4)} ثم قال: وأنا أشهد بما شهد الله به (¬5)، واستودع الله هذه الشهادة، وهذه الشهادة وديعة لي عند الله يؤديها اليّ يوم القيامة، اللهم اني أعوز بنور قُدْسِكَ وعظمة طهارتك، وبركة جلالك، من كل آفة وعاهة، ومن طوارق الليل والنهار - وفي بعض الروايات: طارق الجن والإنس - إلا طارقاً يطرق بخير، اللهم أنت غِيَاثِي فَبِكَ أغُوث - وفي بعض الروايات: بك أستغيث - وأنت مَلاَذِي، فبك (¬6) أَلُوذُ، وأنت عِيَاذِي فَبِكَ أعوذ، يا من ذلَّت له رقاب الجبابرة، وخضعت له أعناق الفراعنة، أعوذ بك من خِزْيك، ومن كشف سترك، ومن نسيان ذكرك، والإنصراف عن شكرك، أنا في حرزك - وقال بعضهم: في كَنِفكَ وكلاءتك (¬7) - في ليلي ونهاري، ونومي وقراري، وظَعْنِي (¬8) وأسفاري، وحياتي ومماتي. ذِكْرُكَ شِعَارِي، وثناؤك دثَارِي، لا إله إلا أنت، سبحانك ¬

_ (¬1) في ا: «ما دون». (¬2) في ا: «سألت» (¬3) في ا: «أنه قال». (¬4) سورة آل عمران: 18. (¬5) في ا: «ما شهدوا به». (¬6) في ا: «بك». (¬7) في هامش ا: «كلاءتك أي حفظك». (¬8) في هامش ا: «ظعني أي سيرى».

وبحمدك، تشريفاً لعظمتك، وتكريما لِسُبَحَاتِ وجهك، أجرني من خزيك، ومن شر عبادك، واضرب عليّ سرادقات حفظك، وأدخلني في حفظ عنايتك، وجُد عليّ بخير يا أرحم الراحمين - وفي بعض الروايات: وعدني بخير منك يا أرحم الراحمين. وفي بعض الروايات: وقني روعتي بخير من كل جن وإنس يا أرحم الراحمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الكريم، والصلاة على النبي المرتضى محمد وآله وسلم كثيرا. وهذا الدعاء ببعض معناه مذكور في قصة دخوله عليه. أخبرنا بهذا أبو عبد الله الحافظ (¬1)، وأبو عبد الرحمن السلمي، قال أبو عبد الله: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، وقال السلمي: حدثنا نصر (¬2) بن محمد بن أحمد ابن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن يعقوب بن عبد الله بن عبد الجبار القرشي، حدثنا أحمد بن خالد بن يزيد، قال: حدثني رجل من ولد الفضل بن ربيع، عن أبيه. فذكر القصة، وذكر هذا الدعاء، دون الشهادة في أوله، ببعض معناه مركبا على إسناد معروف إلى النبي، صلى الله عليه وسلم. وكذلك رواه أبو نعيم: أحمد بن عبد الله بن الأحمد الأصبهاني في كتابه، عن أبي بكر، وأحمد بن محمد بن موسى، عن محمد بن الحسين بن مكرم، عن عبد الأعلى بن حماد النرسي، قال: قال الرشيد يوماً للفضل بن الربيع. ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ا: «وقال السلمي: محمد بن نصر» وهو خطأ.

فذكره بمعناه (¬1). وذكر الشهادة في أوله، وأسنده أيضاً. وسند هذا الحديث ورفعه إلى النبي، صلى الله عليه وسلم - باطل لا أصل له ألبتة. والحمل فيه على بعض هؤلاء الرواة. وقد رواه أبو نعيم الأصبهاني (¬2)، عن أبي بكر: محمد بن جعفر (¬3) البغدادي: غندر، عن ابن أبي بكر: محمد بن عبيد، عن أبي نصر المخزومي الكوفي، عن الفضل بن الربيع، موقوفا على (¬4) الشافعي. وقرأته (¬5) في كتاب (¬6) أبي الحسن العاصمي (¬7) سماعه من أبي محمد: جعفر بن حمد بن إبراهيم، يحكى عن بعض أصحاب الشافعي: أن الشافعي، رضي الله عنه، حين أدخل على هارون دعا بهذا الدعاء، ثم لم يسنده، ولم يرفعه، وهذا أمْثَلُ. وقرأتُ في «كتاب حمزة بن يوسف السهمي» رحمه الله، بإسناد له، عن عبد الله بن محمد البلوي، في قصة المجيء بالشافعي إلى العراق وفي رجليه حديد: أنه كان ليلة الاثنين لعشر خلون من شعبان سنة أربع وثمانين ومائة، وأن أبا يوسف كان قاضي القضاة، وأن محمد بن الحسن كان على المظالم، وأنهما قالا في أمره ¬

_ (¬1) في ا: «فذكر معناه». (¬2) في الحلية 9/ 78 - 79 بنحوه. كما أورده الرازي في المناقب ص 33 موقوفا على الشافعي، وعقب عليه بقوله: ومن الناس من روى هذا الدعاء عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولكن ضعيف الإسناد. (¬3) في ا: «محمد نصر». (¬4) في ا: «عن». (¬5) في ا: «رواية». (¬6) في ا: «رواية في كتابه». (¬7) في ا: «القاضي».

ما قالا من الانتماء الى العلويين، وأنه زعم (¬1) أنه بهذا الأمر أحقّ منك، وأنه يدّعي من العلم ما لم تبلغه سِنُّهُ، وله لسان ومنطق ورُوَاء (¬2). ثم كان ما روينا (¬3) فيما تقدم. والله أعلم. وقد أخرجته في «نوادر الحكايات» في آخر الكتاب، كما وقع لي، وهو أصح. وقرأت في كتاب أبي بكر: محمد بن عبد الله [بن محمد (¬4)] بن زكريا الشيباني، رحمه الله، حكاية عبد الله بن محمد البلوي، عن عمارة بن زيد، وفيها من الزيادة: أن الرشيد بعد ما عفا عن الشافعي في الكرَّة الأولى، طلب رجلا يقوم بصدقات اليمن، فأشار عليه محمد بن الحسن بالشافعي، وقال (¬5): هو رجل فقيه عالم، ويجمعه وأمير (¬6) المؤمنين عبد مناف بن قصي. فقال الرشيد: عليَّ به. فلما دخل عليه سأله: كيف علمك بكتاب الله، عز وجل؟ فذكر القصة، ثم ذكر خروجه إلى اليمن وإقامته بها حَوْلاً. واتصل الخبر بالرشيد أن الشافعي يريد أن يخرج بأرض اليمن عَلوِياً (¬7) – وكان الخبر باطلا – فغضب الرشيد، ثم أرسل إليه فحمله وحمل معه بضعة عشر رجلا، وذكر الحديث في إظهار محمد بن الحسن العناية في شأنه (¬8) وأنه لم ينفعه ذلك. وقتل منهم تسعة (¬9)، ثم أدخل الشافعي، ¬

_ (¬1) في ا: «فإنه يزعم». (¬2) في ح: «ورواه». (¬3) في ح: «رويناه». (¬4) سقطت من ا. (¬5) في ا: «فقال». (¬6) في ا: «يا أمير». (¬7) في ا: «غادرا». (¬8) في ا: «بابه». (¬9) في ح «سبعة».

فلما واجه الرشيد قال: بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (¬1)}. فقال الرشيد: أوليس الأمر كما قيل فيك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، وهل في الأرض علوي إلا وهو (¬2) يظن أن الناس عبيد له؟ فكيف أخرج رجلا يريد أن يجعلني له عبداً، وأغدر بسادات بني عبد مناف وأنا منهم وهم مني؟! فسكن غضب الرشيد. ثم ذكر الحديث في دخول محمد بن الحسن ومناظرتهما، وما أعطى هارون الرشيد للشافعي من الصلة. غير أنه قال في مسألة محمد بن الحسن إياه: تزوج بامرأة (¬3) ودخل بها، وتزوج أخرى ولم يدخل بها، ثم أصاب الثانية أمَّ (¬4) الأولى. فقال: ينزل عن الثانية لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ (¬5)} الآية. وذكر ما مضى في الثالثة (¬6) ولرابعة. وقد قيل: «إن أبا يوسف» هو الذي حضرهما (¬7) في هذه الكرّة. ¬

_ (¬1) سورة الحجرات: 6. (¬2) سقطت من ا. (¬3) في ا: «امرأة». (¬4) في ا: «أمر». (¬5) سورة النساء: 23. (¬6) في ح: «الثانية». (¬7) في ا: «حضرها».

والله تعالى أعلم. وأنّ الغاية به وبأصحابه كانت لأجل المال (¬1) أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: وقال عبد الله بن بسر الطالقاني، فيما رواه محمد بن سليمان بن فارس عنه: سمعت أبا بكر الطويل: يقول بمصر (¬2)، قال الشافعي، رحمه الله: أراد هارون أمير المؤمنين أن يوجِّه جُباةً أمناء إلى اليمن، فجعلوا يطلبون (¬3) ¬

_ (¬1) يقول ابن حجر في توالي التأسيس ص 71: عن رحلة الشافعي إلى الرشيد المروية من طريق عبد الله بن محمد البلوي؛ وعن لقاء محمد بن الحسن وأبي يوسف للشافعي وسعيهما به عند الرشيد. أخرجها الآبري والبيهقي وغيرهما مطولة ومختصرة، وساقها الفخر الرازي في مناقب الشافعي بغير إسناد – معتمداً عليها – وهي مكذوبة، وغالب ما فيها موضوع، وبعضها ملفق من روايات ملفقة، وأوضح ما فيها من الكذب قوله فيها: إن أبا يوسف ومحمد بن الحسن حرضا الرشيد على قتل الشافعي. وهذا باطل من وجهين: أحدهما: أن أبا يوسف لما دخل الشافعي بغداد كان [قد] مات ولم يجتمع به الشافعي. والثاني: أنهما كانا أتقى لله من أن يسعيا في قتل رجل مسلم، لا سيما وقد اشتهر بالعلم، وليس له إليهما ذنب إلا الحسد له على ما أتاه الله من العلم. هذا ما لا يظن بهما، وإن منصبهما وجلالتهما وما اشتهر من دينهما ليصد عن ذلك. والذي تحرر لنا بالطرق الصحيحة: أن قدوم الشافعي بغداد أول ما قدم كان سنة أربع وثمانين، وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنتين، وأنه لقى محمد بن الحسن في تلك المقدمة، وكان يعرفه قبل ذلك من الحجاز، وأخذ عنه ولازمه. ثم ساق ابن حجر مناظرة الشافعي لمحمد بن الحسن في الشاه واليمين، عن كتاب الألقاب للشيرازي من طريق عبد الله بن نجى وجابر الجعفي، على ما ذكرناه من قبل. والرحلة أوردها الرازي في المناقب ص 23 وما بعدها. (¬2) ليست في ح. (¬3) في ا: «أن يطلبون».

أمناء صالحين (¬1). فجمع ستة أنفس، وضمت إليهم، وأنا أصغرهم سناً، فوجهنا إلى اليمن في جِبَايَةِ خراجها، فجعلنا نأخذ من أغنيائها فنردّ على فقرائها استعمال حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، حين بعث معاذاً إلى اليمن. فقيل لأمير المؤمنين: إن الجُبَاةَ الذين بعثتهم لا يوجهون إلى بيت المال شيئاً. قال: قاغتاظ (¬2) لذلك، فقال: يَشخصون إلينا. فردُّونا. فلما رجعنا أحسست (¬3) بالقتل، أو بأمر عظيم، فَتَنَوَّرْتُ وتكفَّنْت وأصبحت صائماً. وأُدخلنا عليه، وأُجلسنا من بعيد. ثم جعل يقدم منا واحداً واحداً إليه. فيقام بين يديه، فيقول له: أين كنت؟ فيقول: بعثني أمير المؤمنين في جباية خراج اليمن. فيقول: أين ما جئتم به؟ فيقول: فعلنا ما أمر الله ورسوله. فيقول له (¬4) الخليفة: فنحن لسنا بشيء، ادخل ذلك البيت – لِبَيْتٍ أُراه من (¬5) لُبود – فيدخل فأحس بوقع (¬6) رأسه، حتى جاءتني النوبة، فأُقمت إقامة هالتني حتى نصبوني بين يديه. فقال لي: أين كنت؟ فقلت: باليمن. فقال: فماذا فعلت في جبابة خراجها؟ فتكلمت بما حضرني من الكلام. فأَخذ قضيباً من خيزران بيده وأخذ ينكت به في الأرض إذ دخل أبو يوسف، فقال: الشابُّ الشافعي جاءك (¬7) يا أمير المؤمنين، هذا ابن عمك، هذا (¬8) الشاب الذي كنت أصفه لك. قال: ولم يدع شيئاً من نشر الجميل وحسن الثناء. ¬

_ (¬1) في ا: «أمينا صالحا». (¬2) في ح: «فاغتاص». (¬3) في ا: «حسست». (¬4) ليست في ا. (¬5) في ا: «في». (¬6) في ا: «موقع». (¬7) في ح: «حياك الله». (¬8) ليست في ا. [م – 10] مناقب

فيقول له أمير المؤمنين: اسكت، فوالله ما رأيت عربية قط أعذب مما رأيتها مِنُ (¬1) هذا الرجل. ثم أعاد عليه المسألة فقال: أين كنت؟ فتكلمت: فقدمت وأخرت، وجئته (¬2) بلغات، والمعنى ما كنت قلته (¬3) في المرة الأولى. فلما فرغت أخذ أبو يوسف أيضاً يمدحني ويثني علي، فقال له أمير المؤمنين: فإنا قد عفونا عنه. فأُقمت، فأُخرجت. فلما بلغنا موضع كذا وكذا من القصر إذا برسل قد جاءوني، فلما رأيتهم قلت: إنا لله، قد بدا له، أو لأبي يوسف. فسلَّموا عليَّ. وقالوا: قد عفا عنك أمير المؤمنين، وأمر لك بمال، فحمدت الله حتى بلغت الباب، إذا برسل آخرين، فلما رأيتهم اغتممت حتى دنوا، فسلموا عليَّ (¬4) وقالوا: اقصد قصر كذا وكذا؛ فإنه أَمَرَ لك بمال (¬5)، وأمرك أن تنزل القصر (¬6)، وأبو يوسف يقرأ عليك السلام ويقول: صنف الكتبَ فإنك أولى (¬7) من صنف في زمانك، وإياك أن تتكلم في مسألتين أعرفهما من قولك، فإنهما هكذا. وأشار إلى حلقه – يعني الذبح – فأما الواحدة منها فأُمُّهات الأولاد، وأما الأخرى فإيمان المكره. قال (¬8): فتكلمت فيهما. وحين أُقمت من بين يديه لم (¬9) تكن لي (¬10) همة إلا أن يكون آخر كلامي: لا إله الا الله. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مهدي المسافري، قال: حدثنا محمد بن المنذر (¬11)، قال: حدثني عبيد بن محمد الصنعاني، قال: حدثني ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ا: «فجئته». (¬3) في ا: «قلت». (¬4) ليست في ح. (¬5) ليست في ا. (¬6) في ا: «تنزل في القصر». (¬7) في ا: «أول». (¬8) ليست في ا. (¬9) في ا: «ولم». (¬10) في ح: «له». (¬11) في ح: «المنكدر» وهو خطأ.

ميمون بن الحكم الصنعاني، قال: سمعت محمد بن عبد الرحيم بن شروس، قال: تكلم (¬1) مالك وأبو يوسف عند هارون الرشيد في الرجل يتزوج المرأة فيهجرها ويتسرى، ثم يطلِّقها قبل أن يدخل بها. فقال مالك: ترد عليه نصف ما أخذت (¬2). فلما كلمه أبو يوسف أخذ بيد الذي كان معه وقام. [فلما خرج (¬3)] قال للفضل (¬4) ابن الربيع: لو أرسلتم إلى هذا الغلام الشافعي فناظره (¬5) – يعني ناظر أبا يوسف. وهذه الحكاية إن صحت فتحتمل أن يكون هارون بلغه خبر الشافعي في حياة مالك حتى قال ما قال. والله أعلم. ¬

_ (¬1) في ا: «تلمم» ولا معنى لها. (¬2) في ح: «اشترته». (¬3) ليست في ح. (¬4) في ح: «الفضل». (¬5) في ح: «فناظره».

14 - باب: ما جاء في رؤيا الشافعي وهو في الحبس، وتصديق الله سبحانه رؤياه فيما عبر به

باب ما جاء في رؤيا الشافعي وهو في الحبس، وتصديق الله سبحانه رؤياه فيما عبر به * * * أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو عبد الله الزبيري بن (¬1) عبد الواحد الحافظ، بأَسَدَاباذ (¬2)، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن علي الأنصاري، بمصر، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعيَ، يقول: كنت في الحبس ببغداد، فرأيت في المنام كأَنّ علي ابن أبي طالب، رضي الله عنه، دخل علي فقعد عندي ونزع خاتمه من يده وجعله في يدي، فبعثت إلى محمد بن الحسن: إني قد رأيت مناماً، فابعث إلى مُعَبِّراً (¬3) أُعَبِّرُها عليه. فبعث إليّ (¬4) بجعْد المُعَبِّر، فدخل على الحبس، فقال: ما الذي رأيت؟ فقلت له: رأيت علي بن أبي طالب دخل علي فنزع خاتمه من يده وجعله في يدي، فقال لي (¬5): إن صدقت رؤياك لم يبق موضع في الشرق ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) «أسداباز» بفتح أوله وثانيه - بلدة عمرها أسد بن ذي السرد الحميري في اجتيازه مع تبع. وهي مدينة بينها وبين همذان مرحلة واحدة نحو العراق. راجع معجم البلدان 1/ 226. (¬3) في ح: «بمعبر». (¬4) ليست في ا. (¬5) ليست في ا.

ولا في الغرب يذكر فيه إلا ذكرت فيه، وعمل بقولك. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، في التاريخ، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي العمري، يقول: سمعت أبا محمد: [من] حفدة الشافعي، بمكة، يقول: حدثني عمي إبراهيم بن محمد، قال: قال الشافعي: أول ما أخذت في طلب هذا الأمر نمت ليلة، فرأيت (¬1) علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في منامي، فسلم عليّ ثم نزع خاتمه من يده فألبسني. قال الشافعي: فلما أصبحت دعوت المُعَبِّرَ فعبرت عليه الرؤيا، فقال: يا أبا عبد الله، لئن صدقت رؤياك لا تبقى كُوْرَةٌ من الكُور ولا مدينة من المدن إلا علا فيها ذكرك واسمك. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد ابن الحسين السلمي، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن القيسي (¬2)، أبو محمد، بهمذان، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، حدثنا محمد بن يوسف بن بشر، عن أبي محمد ابن بنت الشافعي، قال: سمعت عمي إبراهيم بن محمد الشافعي، يقول (¬3): سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، يقول: رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني قاعد في سوق (¬4) الطواف، فإذا بعلي بن أبي طالب قد أقبل. قال: فقمت إليه فعانقته وعانقني، وصافحته وصافحني، وخلع خاتمه من إصبعه ¬

_ (¬1) في ا: «رأيت». (¬2) في ا: «السبتي». (¬3) في ا: «قال». (¬4) في ح: «شق».

وجعله في إصبعي، فعبرت على المعبر (¬1)، فالتفت إلي، فقال: أما المعانقة لعلي: فهي النجاة من النار، وأما المصافحة: فهي الأمان يوم الحساب، وأما الخاتم الذي جعله في إصبعك: فإن صحت رؤياك فسيبلغ (¬2) اسمك كلَّ موضع بلغ اسم علي بن أبي طالب. فما لبث إلا يسيراً حتى وضع الكتب فبلغ اسمه. هكذا روياه (¬3) عنه، ورواه ابن أبي محمد عنه (¬4). كما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا جعفر: محمد بن عبد العزيز الأنصاري - بنسا - يقول: سمعت أبا بكر الفقيه الشافعي المكي (¬5) - يعني محمد بن أحمد ابن بنت الشافعي، بمكة، يقول: سمعت أبي يقول: سمعت زينب بنت محمد بن إدريس الشافعي، تقول: سمعت أبي يقول: رأيت في المنام كأني في الطواف استقبلني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فأخرج خاتمه وجعله في إصبعي، فلما انتبهت دعوت بجَعْد المُعَبِّر، فقال: لئن صدقت رؤياك لا يبقى مصر من أمصار (¬6) الإسلام إلا دخل ذكرك فيه. ورُوي عنه (¬7) عن إبراهيم بن محمد الشافعي رؤيا أخرى: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنبأنا أبو الحسن: علي بن محمد بن ¬

_ (¬1) في ا: «عليه». (¬2) في ا: «سيبلغ». (¬3) في ا: «رواه». (¬4) ليست في ح (¬5) ليست في ا. (¬6) في ا: «الأمصار». (¬7) في ا: «عنه». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «وروى غيره»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 466 إلى: «ورُوي عنه» كما في ا]

الفقيه، بالري (¬1)، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن عثمان النحوي النسوي، قال: سمعت أبا محمد قريب الشافعي، يقول: سمعت إبراهيم بن محمد الشافعي، يقول: حبس الشافعي مع قوم من الشيعة بسبب من التشيع، فوجه إلي يوماً، وقال: ادع لي فلانا المعبر: فدعوته له، فقال: رأيت البارحة كأني مصلوب على قناة مع علي بن أبي طالب، فقال له: إن صدقت رؤياك شهرت وذكرت وانتشر أمرك. قال: ثم حمل إلى الرشيد معهم، فكلمه ببعض ما كلمه به، فخلى سبيله. قلت (¬2): وهذا حين ذكر للرشيد ميله إلى العلويين باليمن، حتى حمله إلى حضرته. وقد ذكرنا القصة فيه، ويحتمل أن يكون قد رأى جميع ما نقلناه (¬3) في هذه الحكايات. وهو أحد البراهين. وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1) الري: مدينة مشهورة بينها وبين نيسابور 160 فرسخاً. راجع عنها معجم البلدان 4/ 355. (¬2) في ا: «فقلت». (¬3) في ا: «نقلنا».

15 - باب: ما يستدل به على كبير محل الشافعي عند هارون الرشيد بعد ما جرى مما قدمنا ذكره، ثم عند المأمون

باب ما يستدل به على كبير (¬1) محل الشافعي عند هارون الرشيد بعد ما جرى مما قدمنا ذكره (¬2)، ثم عند المأمون * * * قرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي، حدثني إبراهيم بن زياد (¬3)، قال: سمعت البويطي، يقول: كان الشافعي يناظر محمد بن الحسن في اليمين مع الشاهد، فأقام عليه الشافعي الحجة في أنه خالف كتاب الله، عز وجل، في سبعين موضعاً - يعني في زعمه - فرفع ذلك صاحب الخبر إلى هارون الرشيد. فقال هارون: أما علم محمد بن الحسن أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن عقل الرجل من قريش عقل رجلين؟». وأرسل إليه بأنه قد رضي عنه. وسأله أن يوليه على القضاء. فقال الشافعي: لا حاجة لي فيه. فقال: سل حاجتك. قال: حاجتي أن أعطى من سهم ذي القربى بمصر، وأخرج إليها. ففعل ذلك، وكتب له إليها. ¬

_ (¬1) في ح: «كبر». (¬2) في ا: «حده». (¬3) في ا: «ابن أبي الزناد»

قال زكريا: حدثني ابن بنت الشافعي، قال: لما أدخل الشافعي على هارون الرشيد فسمع كلامه، قال: أكثر الله في أهلي مثلك. وهذه الحكاية الأخيرة فيما أخبرنا أصحابنا عن أبي نعيم الفقيه، قال: وذكر أحمد بن محمد ابن بنت الشافعي، أن الشافعي لما ادخل على الرشيد. فذكرها (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت محمد بن أحمد بن عبد الأعلى المغربي، يقول: سمعت أحمد بن عبد الرحمن، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: ناظر الشافعي محمد بن الحسن، بالرقة، حين (¬2) جيء به إلى هارون، فقطعه الشافعي. فقال هارون: أما علم محمد بن الحسن إذا ناظر رجلا من قريش أن يقطعه (¬3)؟ سائلا ومجيباً، والنبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: قدموا قريشاً ولا تقدموها، وتعلموا منها ولا تعلموها، فإن علم العالم منهم يسع طباق الأرض (¬4). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عثمان: سعيد بن محمد بن محمد بن عبدان، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو بكر القاضي، قالوا: سمعنا (¬5) أبا العباس محمد بن ¬

_ (¬1) في ا: «فذكرهما». (¬2) في ا: «حتى». (¬3) في ا: «يعطه». (¬4) تقدم الكلام عن الحديث. وانظر الخبر أيضاً في توالي التأسيس ص 70. (¬5) في ح: «قال: سمعت».

يعقوب، يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول: سمعت الشافعي، يقول: بعث إلى السلطان بالعراق ينهاني عن الكلام في مسألتين: تحريم المسكر، والطلاق قبل النكاح. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني نصر بن محمد بن أحمد، قال: أخبرني محمد بن عمرو البصري، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن عاصم السجستاني، قال: أخبرني أبو بكر: محمد بن يحيى خادم المزني، قال: حدثنا أبو إبراهيم المزني، قال: قال الشافعي: لما دخلت على هارون الرشيد، فقلت بعد المخاطبة: إني خلَّفت اليمن ضائعة تحتاج إلى حاكم. قال. فانظر رجلا ممن يَجْلس (¬1) إليك حتى تُولِّيه (¬2) قضاها. فلما رجع الشافعي إلى مجلسه ورأى أحمد بن حنبل من أمثلهم أقبل عليه، فقال: إني كلمت (¬3) أمير المؤمنين أن يُوَلّىَ قاضياً باليمن، وإنه أمرني أن أختار رجلا ممن يختلف إليّ، وإني قد اخترتك، فتهيأ حتى أدخلك على أمير المؤمنين يولِّيك قضاء اليمن. فأقبل عليه أحمد بن حنبل، فقال: إنما جئت (¬4) إليك أقتبس (¬5) منك العلمَ، أتأمرني (¬6) أن أَدْخُل لهم في القضاء؟! ووبَّخَه، فاستحيا الشافعي. وقرأت (¬7) هذه الحكاية في كتاب زكريا بن يحيى الساجي فيما بلغه (¬8)، ¬

_ (¬1) في ا: «جلس». (¬2) في ا: «توله». (¬3) في ا: «كلفت». (¬4) في ا: «جئنا». (¬5) في ا: «لنقتبس». (¬6) في ا: «تأمرني». (¬7) في ا: «وقلت». (¬8) في ا: «بلغ).

وزاد فيها، قال (¬1): وكتب الشافعي إلى المأمون يسأله قاضياً بمكة، فقال له: اختر. فاختار لها (¬2) يوسف بن يعقوب الشافعي ابن عمه، فوُلِّى مكة (¬3). وروينا فيما تقدم في قصة مناظرة الشافعي مع محمد بن الحسن: أنْ المأمون بعث إلى الشافعي بخمسمائة دينار، وقال: أحبُّ أن تَجْعل انقطاعك إليّ. وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى (¬4) الساجي: حدثني جعفر بن أحمد بن عبد الله، عن الوليد (¬5) بن أبي الجارود، قال: وجَّه المأمون بعد ذلك بحَمْل الشافعي؛ ليصيره على قضاء القضاة (¬6)، فوجّه إليه (¬7) بالكتاب - والشافعيُّ عليل، شديد العلة - فقال الشافعي: ويحكم؛ جاء الكتاب؟! قال: فجاء الكتاب وقد مات الشافعي، رحمه الله! وفي حكاية بعض أصحابنا عن الأستاذ أبي القاسم بن حبيب المفسر: أنه سمع أبا العباس بن عبد الله بن محمد - ببُو شَنْجَ - يقول: سمعت أبا نُعيم: عبد الملك ابن محمد، يقول: سمعت الربيع، يقول: ¬

_ (¬1) ليست في ح. (¬2) في ا: «فاختار أبا يوسف». (¬3) في ح: «بمكة». (¬4) في ا: «يحيى بن زكريا الساجي». (¬5) في ا: «أبي الوليد» وهو خطأ. (¬6) في ا: «القضاء». (¬7) ليست في ح.

قدِم رسول الخليفة على الشافعي، يدعوه للقضاء (¬1)، فقال الشافعي: اللهم إن كان هذا خيراً لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري فأمضه، وإن لم يكن خيراً لي فاقبضني إليك. قال: فتُوفِّى بعد هذه الدعوة بثلاثة أيام، وَرَسول الخليفة على بابه! وقد أجاز لي الأستاذ أبو القاسم بن حبيب، رحمه الله، رواية أخباره عنه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي، قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم ابن جعفر، المعروف بالزينبي - ببغداد (¬2) - قال: حدثنا محمدُ بن سهل ابن الحسن البزّار (¬3)، قال: حدثنا وبرة (¬4) بن محمد الغساني، قال: حدثنا معمر بن شيب، قال: سمعت المأمون يقول لمحمد بن إدريس الشافعي: يا محمد، لأي علة خلق الله الذُّبابَ؟ قال: فأطرق، ثم قال: مَذَلةً للملوك يا أمير المؤمنين. قال: فضحك المأمون، وقال: يا محمد، رأيت الذباب يسقط (¬5) على خدي؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين، ولقد (¬6) سألتني وما عندي جواب، وأخذني من ذلك الزمَع (¬7)، فلما رأيت الذباب (¬8) قد ¬

_ (¬1) في ح: «إلى القضاء». (¬2) ليست في ا. (¬3) في ا: «البزاز». (¬4) في ا: «وزيرة» وهو خطأ. (¬5) في ح: «سقط». (¬6) في ا: «فلقد». (¬7) الزمع رعدة: تعتري الإنسان إذا هم بأمر. (¬8) في ا: «الذباب». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «الذبابة»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 466 إلى: «الذباب» كما في ا]

سقط (¬1) منك بموضع لا يناله من معه عشرة آلاف سيف وعشرة آلاف رُمْح فانفتح لي فيها الجواب! فقال: لله درك يا محمد!! أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم المؤذِّن. قال: سمعت أبا محمد بن عدي الفقيه، يقول: رَوَيْنا أن الرشيد لما نَدَب الناسَ الى البيعة للأمين والمأمون، صَعِد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، فكان أول من صعد اليه في ذلك اليوم محمد بن ادريس الشافعي، فوضع يده على رأس الأمين والمأمون، ثم قال: لا قَصَّرا عنها ولاَ بَلَغَتْهُمَا ... حتى يطول بها لديك طُوَالُها ثم بكى وأبكى الناس. قال: فساد الشافعي الناس في ذلك اليوم. وقد روينا من وجه آخر، وفيه: أن ذلك كان بمكة [فقال الناس (¬2)]: مَنْ هذا الشاب الذي جمع التهنئة والتعزية في بيت واحد؟ فقيل: هذا فتى [من (¬3)] قريش (¬4)، يقال له: محمد بن إدريس الشافعي. ¬

_ (¬1) في ا: «سقط». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «سقطت»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 466 إلى: «سقط» كما في ا] (¬2) ما بين القوسين من ح. (¬3) ليست في ا. (¬4) في ا: «هذا الفتى فتى قريش».

16 - باب: ما يستدل به على عود الحال فيما بين الشافعي وبين محمد ابن الحسن، رحمهما الله، إلى الجميل، وتعظيم كل واحد منهما صاحبه وتوقيره

باب ما يستدل به على عود الحال فيما بين الشافعي وبين محمد ابن الحسن، رحمهما الله، إلى الجميل، وتعظيم كل واحد منهما صاحبَه وتوقيره * * * أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا عبد الله (¬1): محمد بن العباس [رحمة الله تعالى عليه] (¬2) يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن حمدان الطرائفي، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: ما كلمت أَسْوَدَ الرأس أعقل من محمد بن الحسن. وإنما أراد من أصحاب الرأي. أخبرنا عبد الخالق بن الحسن، المؤذن، قال: حدثنا أبو علي محمد بن محمد المحمودي البخاري، بها، قال: حدثنا عبد الله بن يحيى السرخَسِي [رحمه الله تعالى (¬3)] قال: سمعت محمد بن عبد الحكم، يقول: سمعت الشافعي، يقول: ما رأيت سميناً عاقلا غير محمد بن الحسن ¬

_ (¬1) في ح: «أبا عبد الرحمن». (¬2) ما بين القوسين من ح. (¬3) ما بين القوسين من ح.

وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن حامد السَّلمَاني (¬1)، قال: سمعت عبد الله بن محمد السرخَسِي - كذا في كتابي - يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: ما رأيت سميناً عاقلا إلا محمد بن الحسن. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد الدارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الحنظلي (¬2) - قال: حدثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: ما رأيت أحداً يسأل عن مسألة فيها نظر إلا رأيتُ الكراهية فيوجهه، إلا محمد بن الحسن. أخبرني محمد بن عبد الله الحافظ (¬3)، قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، قال: أخبرني محمد بن عمرو البصري، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن عاصم (¬4)، عن محمد بن عبد الله القَزْويني، الشافعي، قاضي أهل مصر، قال: سمعت أبا جعفر بن الفَرَجِي (¬5)، يقول: ¬

_ (¬1) في ا: «الشاماني» وهو تصحيف. (¬2) في ا: «المطلبي» وهو خطأ. راجع الأنساب 4/ 285 - 286، وتهذيب التهذيب 3/ 245 - 246. (¬3) في ح: «وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ». (¬4) في ا: «إبراهيم بن محمد بن عاصم». (¬5) هذه النسبة إلى الفرج، وهو اسم رجل ينسب إليه أبو جعفر هذا، وهو محمد بن يعقوب ابن الفرج الصوفي المعروف بالفرجي، وهو من أهل سر من رأى. سمع الحديث من علي ابن المديني وأبي نور، وتوفى بعد سنة 270.

سمعت أبا حسان الزيادي، يقول: ما رأيت محمد بن الحسن يعظم من أهل العلم إعظامه (¬1) للشافعي، ولقد جاء الشافعي، رحمه الله، يوماً وقد ركب محمد ابن الحسن، فلقيه على باب داره، فرجع محمد بن الحسن إلى منزله، وخلا به يومه (¬2) الى الليل، ولم يأذن لأحد. كذا وجدته، وانما رواه محمد بن الحسين (¬3) بن ابراهيم بن عاصم، أبو الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، عن محمد بن عبد الله (¬4) القزويني هذا. ورواه أيضاً عن أبي عبد الله محمد بن يوسف بن النضر، عن محمد بن يعقوب ابن الفَرَجي هذا، عن أبي حسّان: الحسن بن عمار الرمادي. هذا بمعناه، قال: وقال أبو حسان: فاختار محمد (¬5) مجالسة الشافعي، رحمة الله عليه، على مَرْتَبَتِهِ في الدار - يعني في (¬6) دار الخلافة. أخبرنا محمد بن الحسين السُّلَمي، قال: حدثنا محمد بن علي بن طلحة المروروذي، حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى السّاجي، قال: حدثني محمد بن اسماعيل، قال (¬7): سمعت مصْعَباً يقول: قال محمد بن الحسن: ان كان أحد يخالفنا ويثبت خِلافُه علينا، فالشافعي. فقيل له: لم؟ فقال: لِتَأَتِّيه وتَنَبهُّهِ في المسائل. ¬

_ (¬1) في ا: «من إعظامه». (¬2) في ا: «يوما». (¬3) في ح: «الحسن». (¬4) في ا: «عبد الواحد». (¬5) ليست في ح. (¬6) ليست في ح. (¬7) في ح: «يقول».

أخبرنا أبو جعفر: محمد بن أحمد بن جعفر الخطيب القِرْمِيسيني (¬1)، قال: حدثنا أبو القاسم: علي بن أحمد بن راشد الدّبْنَوَرَى، حدثنا عبد الله بن حَمْدَان الحافظ، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: ما رأت عيناي (¬2) مثل محمد بن الحسن، ولم تلد النساء في زمانه مثله. قال أصحابنا (¬3): وإنما أراد بَصَرَه بالرأي وفصاحته، وقدرته على المناظرة. ¬

_ (¬1) في ح: «الفرنيسي» وهو تصحيف. (¬2) في ا: «ما رأيت عار» وهو تصحيف، والخبر في الحلية 9/ 96. (¬3) في ا: «أصحابه». [م – 11] مناقب

17 - باب: ما جاء في كتبة الشافعي كتب محمد بن الحسن؛ ليعلم أقاويل أهل العراق فيمكنه أن يناظرهم، ويناقضهم بما يخالف منها أصولهم

باب ما جاء في كِتْبَةِ الشافعي كُتُبَ محمد بن الحسن؛ ليعلم أقاويل أهل العراق فيمكنه أن يناظرهم، ويناقضهم بما يخالف منها أصولهم * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: كتبت عن محمد بن الحسن ما يحمل حِمْل بُخْتِيٍّ. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا منصور بن أبي محمد [الفقيه (¬1)] يقول: سمعت أبا الحسن: أحمد بن الخضر الشافعي، يحكى عن إبراهيم بن محمود بن حمزة: حدثنا محفوظ بن أبي توبة، قال: سمعت أبا ثور، يقول: سمعت الشافعي، يقول: حملت عن محمد بن الحسن حمل جَمَلٍ بُخْتيّ، فلما تدبرته وجدته كالذي ينادي على الزِّئْبق ويبيع الحرشان (¬2). وقال غيره: ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) كذا.

ويبيع فرشان (¬1). أخبرنا محمد بن الحسين السُّلَمي، أخبرنا علي بن عمر الفقيه، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد [بن إدريس. ح. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال (¬2)] حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي سُريح (¬3)، قال: سمعت الشافعي، يقول: أنفقت على كتب محمد بن الحسن ستين ديناراً، ثم تدبرتها، فوضعت إلى جنب كل مسأَلة حديثاً. يعني رداً عليه. وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السَّاجي روايتَهُ (¬4) عن إبراهيم بن زياد، قال: سمعت البويطي، يقول: قال الشافعي: كتب حماد (¬5) البربري إلى هارون الرشيد: إن كانت لك حاجة قِبَلَنَا فاحذر محمد بن إدريس (¬6) الشافعي؛ فإنه قد غلب على (¬7) ما قِبَلِي. فحملتُ إليه فأُلزمت الباب، فاجتمع أصحاب الحديث على أن أضع على أبي حنيفة كتاباً، فقلت: لا أعرف قولهم، ولا يمكنني حتى أنظر في كتبهم. فأمرتُ فكتبت لي كتب محمد بن الحسن، فنظرت [فيها سنة (¬8)]. فحفظتها، ¬

_ (¬1) كذا (¬2) ما بين القوسين من ح. (¬3) في ا: «شريح». (¬4) في ا: «رواية». (¬5) في ا: «هارون». (¬6) ليست في ا. (¬7) ليست في ا. (¬8) ليست في ا.

ثم (¬1) وضعت عليهم «الكتاب البغدادي». أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي، أخبرني علي بن محمد ابن عمر، الفقيه بالرّيّ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا أبي، حدثنا هارون بن سعيد الأَيْلِي، قال: سمعت الشافعي، يقول: ما أعلم أحداً وضع الكتب أدلّ على عَوَارِ قوله من «أبي فلان (¬2)». أنبأني أبو نعيم: عبد الملك بن الحسن، إجازة، أن موسى بن العباس أخبرهم، قال: سمعت أبا العباس – ورّاق (¬3) علي بن حرب – يقول: سمعت أحمد بن سنان الواسطي، يقول: ح. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا محمد: جعفر بن محمد بن الحارث، يقول (¬4): سمعت أبا القاسم بن مُغَلِّس، يقول: سمعت أحمد بن سنان القطان الواسطي، يقول: سمعت الشافعي، يقول: ما أُشبّه رأَي «أبي فلان» إلا بَخَيْطِ ¬

_ (¬1) في ا: «ووضعت». (¬2) الخبر في آداب الشافعي ص 172، وتاريخ بغداد 13/ 410. (¬3) في ا: «وراد» وهو تصحيف. (¬4) في ا: «جعفر بن محمد بن الحسن، قال».

السِّحَّارة (¬1): مرة أصفر، ومرة أبيض (¬2) ومرة أحمر [وفي رواية أبي نعيم: مرة يخرجه أصفر، ومرة أخضر، ومرة أحمر (¬3)]. ورواه زكريا بن يحيى السَّاجي، عن أحمد بن سنان، عن الشافعي، بمعناه. وكذلك رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬4)، عن أحمد بن سنان، عن الشافعي، بمعناه. ورواه إبراهيم بن متّويه، عن أحمد بن سنان، قال: سمعت عبد الرحمن (¬5) ابن مهدي، يقول: ما أشبّه رأي أبي (¬6) فلان إلا بخيط السَّحَّارة تمدُّه فيجيء أصفر [ثم (¬7)] تمده فيجيء أخضر. وهذا فيما أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الطيب: عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني، حدثنا إبراهيم بن متوية (¬8). فذكره. وهذا لأنه، رحمنا الله وإياه، كان يقول بالاستحسان مرة، وبالقياس مرة (¬9) أخرى، وكان لا تستمر فروعه (¬10) على قياس واحد. * * * ¬

_ (¬1) في ح: «السجادة» وهو تصحيف. وفي الحلية 9/ 117: «سحاب» وهو تصحيف أيضاً. والسحارة شيء يلعب به الصبيان، إذا مد من جانب خرج على لون، وإذا مد من جانب آخر خرج على لون آخر مخالف للأول، وكل ما أشبه ذلك سحارة. راجع تاج العروس 3/ 259، والخبر في الحلية 9/ 116 – 117، وآداب الشافعي ومناقبه ص 172، وتاريخ بغداد 13/ 410 – 411. (¬2) في ا: «أخضر». (¬3) ما بين القوسين من ح. (¬4) في ح: «إبراهيم». (¬5) في ا: «إبراهيم» وهو خطأ. (¬6) ليست في ا. (¬7) ليست في ا. (¬8) في ح: «سعد». (¬9) ليست في ح. (¬10) في ا: «وكان الاسم فرق عنه».

أخبرنا أبو الحسن: علي بن أبي علي المِهْرَجَانِي، حدثنا أبو بكر: محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، قال (¬1): سمعت إبراهيم الحَرْبي (¬2) يقول: سئل «أحمد بن حنبل» عن «مالك بن أنس» فقال: حديث صحيح ورأي ضعيف. وسئل عن «الأَوْزَاعِي» فقال: حديث ضعيف ورأي ضعيف. وسئل عن «الشافعي» فقال: حديث صحيح ورأي صحيح. وسئل عن «أبي فلان» فقال: لا رأي ولا حديث (¬3). قلت: إنما قال ذلك «أحمد بن حنبل» في «مالك»، رحمهما الله؛ لأنه كان يترك حديثه الصحيح، ويعمل (¬4) بعمل أهل المدينة في بعض المسائل. وقال ذلك في «الأوزاعي» رحمه الله؛ لأنه كان يحتج بالمقاطيع والمراسيل في بعض المسائل، ثم يقيس عليها. وقال ذلك في «الشافعي» رحمه الله؛ لأنه كان لا يرى الاحتجاج إلا بالحديث الصحيح المعروف، ثم يقيس الفروع على ما ثبت أصلها بالكتاب، والسنة الصحيحة، والإجماع. وقال ذلك في «غيرهم»، رحمهم الله (*)؛ لأنه كان يقول بالحديث الضعيف ¬

_ (¬1) في ا: «يقول». (¬2) ليست في ا. (¬3) تاريخ بغداد 13/ 416 وفيه التصريح بذكر أبي حنيفة. (¬4) ليست في ا. (¬*) كذا في الأصول، ولعل الصواب: «في غيره رحمه الله». [فهرس التصويبات 2/ 467]

دون القياس مرة، ويترك الصحيح المعروف بالقياس أخرى، فيقول بالقياس مرة، ويتركه بالاستحسان أخرى؛ وهذا (¬1) لأنه كان يرى الحجة تقوم بخبر المجهول، وبالحديث المنقطع؛ فما وقع إليه من ذلك من حديث بلده قال به وترك القياس لأجله، وما لم يقع إليه من صحيح حديث بلده، أو وقع إليه فلم يثق، قال فيه بالقياس، أو الاستحسان. وقوله بالحديث المنقطع، ورواية المجهول ما لم يعلم جَرْحه، وتقليده الصحابي الواحد بخلاف القياس فيما بلغه من حديث بلده - يدل على صحة أصل اعتقاده في متابعة الأخبار والآثار. غير أن هذا القول عند غيره خطأ؛ لِعَوَارِ المنقطع، وضَعْفِ رواية المجهول. وإِنا أُمِرْنا بالعدل والتثبُّتِ فيما طريقه طريق (¬2) الأخبار، ولم نُؤمر بأخذها - عَمّن لا يُعْرف، ولم يُرَخَّص لنا في تركها على من يعرف إلا بمثلها، بأن يكون ناسخاً لها أو مخصِّصاً. ولم يَجْر على هذا الأصل الصحيح إلا المُطَّلبي، رحمه الله، فلذلك قال أحمد بن حنبل ما قال. والذي يوضح ما أشرنا اليه ويؤيده (¬3): حكاية عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، عن أبيه، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى (¬4)، قال: ¬

_ (¬1) في ا: «وهذه». (¬2) ليست في ا. (¬3) في ا: «ويؤكده». (¬4) في ح: «يونس بن عبد الله بن الأعلى». راجع طبقات الشافعية للعبادي ص 18

قال الشافعي: وكُلاًّ (¬1) قد رأيته استعمل الحديث المنفرد: استعمل (¬2) «أهل المدينة» حديث التفليس (¬3) في (¬4) قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «اذا أدرك الرجلُ مالَه بعينه فهو أحقّ به من غيره (¬5)». واستعمل «أهل العراق» حديث العُمْرَى (¬6). فكل قد استعمل الحديث ¬

_ (¬1) في ا: «وكذا» وهو تصحيف. (¬2) في ا: «استعمال». (¬3) في الحلية 9/ 105: «التغليس» وهو تصحيف. (¬4) ليست في ا. (¬5) راجع في هذا ما أخرجه مالك في الموطأ، كتاب البيوع: باب ما جاء في إفلاس الغريم 2/ 678، والشافعي في الأم 3/ 176 - 177، والبخاري في كتاب الاستقراض: باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة 5/ 47، ومسلم في كتاب المساقاة: باب من أدرك ما باعه عند المشترى وقد أفلس فله الرجوع فيه 3/ 1193 - 1194، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب التفليس: باب المشترى يفلس بالثمن 6/ 46 - 47. (¬6) قال أبو عبيد: العمري أن يقول الرجل للرجل: داري لك عمرك. أو يقول: داري هذه لك عمري. فاذا قال ذلك وسلمها إليه كانت للمعمر ولم ترجع إلى المعمر المعطى إذا مات من أعطيت له. ومثل الدار في ذلك الأرض ونحوها. وأصل العمري مأخوذ من العمر، لأن واهب العقار يهبه مدة عمر الموهوب له. والعمدة فيه حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل أعمر عمري له ولعقبه قائما هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطى؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث». قال الشافعي في الأم 7/ 201 عقب إيراد الحديث: وبها نأخذ ويأخذ عامة أهل العلم في جميع الأمصار - بغير المدينة - وأكابر أهل العلم. فاذا ما اشترط الواهب أن تكون العمري مدة حياته أو حياة الموهوب له ففي صحة العقد قولان، أصحهما عند الشافعي صحة العقد وإلغاء الشرط لمنافاته ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

المنفرد: هؤلاء أخذوا بهذا وتركوا الآخر، وهؤلاء أخذوا بهذا وتركوا الآخر. قلت: والشافعي المطّلِبي، رحمنا الله وإياه، أخذ بهما (¬1) جميعاً (¬2). ولهذا نظائر كثيرة (¬3) نكتفي بما ذكرنا. وبالله التوفيق. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس (¬4)، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: كان «أبو فلان» يضع أول المسألة خطأ، ثم يقيس الكتاب كلّه عليه (¬5). وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرني علي بن محمد بن عمر، الفقيه بالري، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم. حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: ¬

_ (¬1) في ا: «أخذهما». (¬2) راجع تفصيل القول في التفليس والعمري في شرح الزرقاني على الموطأ 3/ 146 - 148، 224 - 225، والأم 3/ 176 - 177، 189 - 191 و 7/ 201 - 202، وفتح الباري 5/ 44 - 48. وانظر الحلية 9/ 105. (¬3) من ح. (¬4) في ح: «الرئيس» وهو تصحيف. (¬5) راجع تاريخ بغداد 13/ 410 وفيه تصريح بذكر أبي حنيفة وأنه المراد من أبي فلان.

نظرت في كتب أصحاب (¬1) «أبي فلان» فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة، فعددت فيها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسّنّة (¬2). قال عبد الرحمن: لأن الأصل كان خطأ، فصارت الفروع ماضية على الخطأ. قلت: وهذا (¬3) فيما لم يبلغه من السنة، أو غفل عن موضع الحجة. وقد أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا محمد بن علي بن طلحة المروروذي، حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني، قال: حدثنا زكريا بن يحيى السّاجي، قال: حدثنا ابن بنت الشافعي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: [إن أردت الصلاة ففي أهل المدينة، و (¬4)] إن أردت المناسك فعليك بأهل مكة، وإن اردت المَلاَحِمَ فعليك بأهل الشام، والرأي عن أهل الكوفة. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا أحمد الحافظ، قال: حدثنا أبو محمد: عبد الله بن جامع الحُلْواني، قال: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري، قال: سمعت حرملة بن يحيى، يقول: سمعت الشافعي، يقول: من أراد الجدل فعليه بأبي حنيفة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا أحمد: محمد بن أحمد بن هارون ¬

_ (¬1) في ح: «لأصحاب». (¬2) الحلية 9/ 103، وتاريخ بغداد 13/ 410، وآداب الشافعي ومناقبه ص 172. (¬3) في ح: «هذا». (¬4) ما بين القوسين من ح.

الفقيه، يقول: حدثنا أبو الحسين صالح بن محمد البغدادي، قال: حدثني محمد بن خالد الخلال، قال: سمعت الشافعي، يقول: سئل «مالك بن أنس» عن «أبي حنيفة» فقال: لو جاء إلى أساطينكم هذه لَقَايَسَكم عليها حتى يجعلها ذهبا. أخبرنا محمد بن الحسين السّلمي، حدثنا علي بن عمر الحافظ، ببغداد، حدثنا أبو طالب الحافظ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، قال: حدثنا عبد الغني بن عبد العزيز العَسّال، قال: سمعت الشافعي، يقول: لو أن «أبا حنيفة» بنى على أصول أهل المدينة لكان الناس عليه عيالا في الفقه، ولكنه بنى على أصول هي في (¬1) بعض الأحوال أضعف من الفروع. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الفقيه، حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: حدثني أبو سليمان، قال: حدثني محفوظ بن أبي توبة، قال: سمعت الشافعي، يقول: يقولون: إني إنما أخالف «أبا فلان» رحمه الله، للدنيا، وكيف يكون ذلك والدنيا معهم؟ وإنما يريد الإنسان الدنيا لبطنه وفرجه، وقد مُنِعْتُ [ما أَلَذُّ من (¬2)] المطاعم، ولا سبيل إلى النكاح – يعني ¬

_ (¬1) ليست في ح. (¬2) في ا: «قد منعت من الدنيا المطاعم».

لما كان (¬1) به من عِلّة البَوَاسِير – ولكن لست أخالفه الا لخِلافِهِ سنن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. [قال البيهقي: وهذا الخلاف إنما هو لِقُرْبه من عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم (¬2)] قبل انتشار السنن في البلدان، ووقوع جميعها أو أكثرها إليه بُلُوغاً ظاهراً يقع له بها (¬3) هذا الإتقان، وحين (¬4) بلغت أتباعه [وجب عليهم] (¬5) الرُّجوع إليها، ولا (¬6) عُذْر لهم في تركها، وقد رجع أبو يوسف ومحمد إلى السُّنَّة في مسائل معدودة: منها مسألة الوقف، والتكبير في العيدين، ونصاب الحبوب والثمار (¬7)، وسَهْم الفارس، وغير ذلك. ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) ما بين القوسين من ح (¬3) في ا: «فيها». (¬4) في ا «وحتى». (¬5) في ا: «فوجب الرجوع». (¬6) في ا: «فلا». (¬7) في ا: «ونصاب الحبوب في الثمار».

18 - باب: ما جاء في صحة نية الشافعي، وجميل قصده في وضع الكتب ومناظرة من خالفه

باب ما جاء في صحة نية الشافعي، وجميل قصده في وضع الكُتُب ومناظرة من خالفه * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الرحمن السُّلَمي؛ قالا: سمعنا أبا محمد ابن يعقوب، يقول: سمعت الربيعَ بن سليمان المرادي، يقول: سمعت الشافعي، يقول: ما ناظرت أحداً قطّ على الغَلَبة؛ وبِوُدِّي أنّ جَميع الخَلْق تعلّمُوا هذا الكتاب - يعني كتبه - ولا يُنسب إليّ شيءٌ منه (¬1). وأخبرنا أبو عبد الله، قال: سمعت أبا العباس، يقول: سمعت الربيع [بن سليمان (¬2)] وسأله أبي: أسمعت (¬3) الشافعي، يقول: ما ناظرت أحداً على الغلبة إلا على الحق عندي؟ قال: نعم! وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر بن عثمان (¬4) البغدادي، قال: سمعت أبا عمر: محمد بن يوسف القاضي، يقول: سمعت أبا علي: الحسن ¬

_ (¬1) راجع آداب الشافعي ومناقبه 91 - 92. (¬2) ما بين القوسين من ح. (¬3) في ا: «سمعت». (¬4) في ح: «يحيى».

ابن محمد بن (¬1) الصباح، يقول: قال الشافعي: ما ناظرت أحداً قط إلاّ على النصيحة (¬2). وأخبرنا محمد بن عبد الله، قال: أخبرني الحسين بن علي، قال: حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم، قال: قال الحسن بن عبد العزيز الجَرَوي (¬3) المصري: قال الشافعي: ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ، وما في قلبي من (¬4) علم إلا وودت أن يتعلَّمه كل أحد ولا ينسب إليّ (¬5). أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي (¬6)، قال: حدثنا أبو نصر: محمد بن علي بن طلحة المرْوَرُوذِي، قال: حدثنا أبو سعيد: أحمد ابن علي الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى السَّاجي، قال: حدثني محمد ابن إسماعيل، قال حدثنا حسين الكَرَابيسِي، قال: قال الشافعي: ما كلَّمت أحداً قطّ إلا ولم أبال بَيَّنَ اللهُ الحقَّ ¬

_ (¬1) ليست في ح. (¬2) توالي التأسيس ص 65. (¬3) بفتح الجيم والراء، هذه النسبة إلى جرى بن عوف بن مالك، وقد حمل الحسن ابن عبد العزيز من مصر إلى العراق بعد مقتل أخيه علي، في ذي القعدة سنة 215، ولم يزل بها حتى توفى سنة 257، وكان فقيها ورعا؛ كما في اللباب 1/ 223. وانظر آداب الشافعي وهامشه ص 91. (¬4) ليست في ا. (¬5) الحلية 9/ 118، وتوالي التأسيس ص 65. (¬6) في ا: «أبو عبد الرحمن السلمي: محمد بن الحسين».

على لساني أو لسانِه (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت علي بن عمر (¬2) الحافظ الدارقطني، يقول: سمعت علي بن عبد الله بن الفضل بن عباس البزاز البغدادي، بمصر، حدثنا القاسم بن سعيد الفقيه، في الرّصافة، حدثنا أحمد بن خالد الخلال، يقول: سمعت الشافعي، يقول: ما ناظرت أحداً علمت أنه مقيم (¬3) على بدعة. قلت: وهذا (¬4) لأن المقيم على البدعة قلّما يرجع بالمناظرة عن بدعته، وإنما كان يُنَاظِر من يرجو رجوعَه إلى الحقِّ إذا بَيَّنَه له. وبالله التوفيق. أخبرنا (¬5) أبو عبد الرحمن السُّلَمي، أخبرنا عبد الله بن عَدِيّ الحافظ، إجازةً، قال: سمعت أبا بكر بن أبي حامد - صاحب بيت المال بمصر، يقول (¬6): كنا في مجلس ابن الفُرَات [وفي المجلس أبو موسى الضرير (¬7)، وهو ¬

_ (¬1) توالي التأسيس ص 65 (¬2) في ح: «بن عبد الحافظ». (¬3) في ا: «يقيم» (¬4) في ا: «هذا». (¬5) في ا: «وأخبرنا». (¬6) في ا: «قال». (¬7) روى الخطيب في ترجمة ابنه محمد 2/ 403 عن علي بن المحسن، عن طلحة بن محمد بن جعفر، قال: أبو عبد الله: محمد بن عيسى، المعروف بابن أبي موسى. من أهل العلم بمذهب أهل العراق. وأبوه كان أحد المتقدمين في هذا المذهب. وتلاه أبو عبد الله في التمسك به، والذب عنه، والكلام للمخالفين له. وقد نقل صاحب الجواهر المضية كلمة الخطيب =

شيخ أصحاب الرأي، فقال ابن الفرات (¬1)] أسألك عن رجلين تُجِيبُنِي عنهما؟ قال: يقول الوزير (¬2). فقال: هذا «يحيى بن أكثم» ولا ينكر علمه ومَحَلُّه من السلطان ما قد علمت حتى يُدْخله المأمون معه في دُوَّاجِ (¬3) نَفْسِه؛ صنَّفَ الكُتُب، ولا ينكر علمه وفصاحته ومعرفته؛ لا أرى يجتمع على قوله نفسان! وهذا «الشافعي» وَافَى العراق متعلقاً ببركات (¬4) وما له عند السلطان محل، وصنّف الكتب، وأرى ذكره كل يوم أعلى، والإجماع على قوله أكثر؟! قال: فأطرق «أبو موسى» ساعة، ثم قال: أقول: إن «الشافعيَّ» أراد الله تعالى بعلمه فرفعه الله، و «يحيى بنُ أكثم» لم يرد الله بِعِلمه، فلم يرفعه الله تعالى. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، قال: سمعت عبد الله بن عديّ الحافظ، يقول: فذكر (¬5) بإسناده مثله. زاد في آخره، قال: قال لنا «ابن أبي حامد»: هذا من «أبي موسى» ¬

_ = عن عيسى 1/ 403 وترجمة ابنه محمد في الجواهر 2/ 106 ونكت الهميان 265 والوافي بالوفيات 4/ 296. (¬1) ما بين القوسين من ح. (¬2) في ا: «يقول أبو زيد» وهو تصحيف. (¬3) في القاموس المحيط: «الدواج، كرمان وغراب: اللحاف الذي يلبس. (¬4) في ح: «ببركان». (¬5) في ا: «فذكره».

عجب (¬1). يعني تعصبه على الشافعي. أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي، قال: سمعت محمدَ بن عبد الله بن شاذان، يقول: سمعت جعفرَ بن محمد الخلاَّطي، يقول: سمعت المزني، يقول: دخلت يوماً على الشافعي، وكان يصنّف كتاباً، فقلت له: رحمك الله! إن أصحاب مالك وأصحاب أبي حنيفة صنَّفوا الكتب الكثيرة، ويجتهدون في العلم أكثر من اجتهادك! فقال لي: يا إبراهيم، أليس (¬2) ترى ما نحن فيه؟! – وكان يتأذى بالبواسير – ثم قال: نُصَنِّف (¬3) ويُصَنِّفُون، وما كان لله تعالى يبقى إلى الدهر. ¬

_ (¬1) في: ا: «هذا ابن أبي موسى عجب». (¬2) في ا: «ليس». (¬3) في ا: «صنف». [م – 12] مناقب

19 - باب: ما جاء في حسن مناظرة الشافعي، رحمه الله، وغلبته بالعلم، والبيان كل من ناظره

باب ما جاء في حسن مناظرة الشافعي، رحمه الله، وغلبته بالعلم، والبيان كُلَّ مَنْ ناظره * * * وهذا باب كبير لو نقلت فيه ما ورد في معناه لطال به (¬1) الكتاب. وقد نقلت من مناظراته ما أودعه كتبه إلى «المَبْسُوط المَرْدُودِ إلى ترتيب المختصر» واقتصرت هاهنا على أطراف منها، وعلى ما حضرني من أقاويل أهل العلم في الإعجاب بها. وبالله التوفيق. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: قال أبو الوليد (¬2): حدثنا أبو بكر بن أبي داود السّجستاني، قال: سمعت هارون بن سعيد الأيلي (¬3) يقول: سمعت الشافعي يقول: لولا أن يطول على الناس لوضعت في كل مسألة جُزْءَ حُجَجٍ وبيان. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم، عن محمد بن إسحاق، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى - وذكر الشافعي، رحمه الله - فقال: كان ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ا: «أبو أسيد». (¬3) طبقات العبادي 39.

من أعقل الناس، لو أن الناس (¬1) أُلْقُوا في عَقْله لغرقوا في عَقْله. وكان لا يأخذ في شيء إلا تقول: هذه صناعَتُه. إذا أخذ في الشعر والعربية تقول: هذه صناعته،، وإذا أخذ في أيام العرب تقول: هذه صناعته. كان يناظر الرجل فلا يزال يناظره حتى يقطعه، ثم يقول لمناظره: تقلَّد أنت الآن قولي، وأتقلَّدُ قولك. فيتقلّد المناظرُ قولَه، ويتقلد الشافعي قولَ المناظر، فلا يزال يناظره حتى يقطَعه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني عبد الله بن أحمد البُسْتي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسحاق بن أبي عمران، قال: سمعت قُتَيْبَةَ بن سعيد يقول: حدثنا الحُمَيْدِي، قال: اجتمع الشافعي ومحمد بن الحسن بمكة، فناظر محمد الشافعي، فقال محمد بن الحسن: إن تابعتك لا أَقْوَى بك، وإن خالفتك لا أَقْوَى بك. قال قتيبة: ورأيت الشافعي وهو شاب آدَمُ. ورواه أبو الحسن العاصمي، عن أبي نعيم بإسناده، وزاد فيه: وكان الشافعي يدخل على محمد بن الحسن حتى أفحمه. ثم قال محمد ما قال. ورواه أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم البُوْشَنْجِي، عن قتيبة بن سعيد، عن الحميدي، قال: رأيت الشافعي ومحمد بن الحسن تناظرا، فألقى عليه الشافعي مسألة، فأجابه، ¬

_ (¬1) في ح: «الخلق».

فأَدْخَل عليه الشافعي حتى انقطع، فَتَفَاحَشَ عليه القول، فقال له الشافعي: تقلّد قولي وأتقلّد قولك. ففعل، ثم أَدْخَل عليه الشافعي حتى انقطع محمد أيضاً، ثم قال: ما أدري ما أصنع: إذا خالفتك لم أقْو عليك، وإذا تابعتك لم أَقْوَ عليك. وهذا فيما قرأته من كتاب أبي الحسن العاصمي (¬1)، عمن حدثه، عن البُوْشَنْجِي. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد الحافظ، قال: سمعت عبدانَ الأهوازيَّ، يقول: سمعت أبا بكر بن زَنْجويه، يقول: سمعت قتيبةَ، يقول: رأيت محمد بن الحسن بين يدي الشافعي، بمكة، وهو يسأله، وهو يقول (2 بين يدي الشافعي ¬2): يا أبا عبد الله، إن ناظرتني بقولك خصمتني، وإن ناظرتني بقولي خصمتني (¬3). وروى ذلك أيضاً عن أبي داود السجستاني، عن قتيبة. أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي، أخبرنا محمد بن عبد العزيز الدّعُوري، إجازة، حدثنا الزبير بن عبد الواحد، عن أحمد بن مروان المالكي، حدثنا إبراهيم بن حيدرة (¬4)، قال: ¬

_ (¬1) في ا: «العليمي» وهو خطأ. (¬2) ما بين الرقمين ليس في ح. (¬3) في ا: «إن ناظرتني بقول خصمتني». (¬4) في ا: «حيدر».

سمعت قتيبة بن سعيد، يقول (¬1): رأيت الشافعي يناظر محمد بن الحسن، فكان محمد بن الحسن في يده كالكرة يُدِيرُها كيف شاء. ورواه أيضاً أبو الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، هذا، عن أبي بكر: أحمد بن مروان (¬2) بن محمد المالكي. بإسناده مثله. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الوليد: حسّان بن محمد الفقيه، قال: قال أبو نعيم: حدثني إسحاق بن أبي عمران. حدثنا قتيبة، قال: رأيت عبد الرحمن بن مهدي، وهو شاب، يختلف إلى حمّاد بن زيد. ورأيت الشافعي بمكة، وكانوا يجتمعون في المسجد الحرام للمذاكرة مع عبد الكريم الجُرْجَانِي (¬3)، وكان قاضيها، وسليمان بن داود العطَّار. وقَدِمَ محمد بن الحسن، وكان يجالسهم ويناظرهم. أنبأني أبو نعيم بن الحسن، إجازة، أخبرنا موسى بن العباس، قال: سمعت يونُس بن عبد الأعلى، يقول: سمعت الشافعي، يقول: ناظرت محمد بن الحسن، فاشتدت مناظرتي إيّاه، ¬

_ (¬1) في ا: «قال». (¬2) ليست في ح. (¬3) هو أبو سهل عبد الكريم بن محمد الجرجاني، كان قاضي جرجان، انتقل إلى مكة، ومات بها، وكان قد فر من القضاء. روى عنه الشافعي وأبو يوسف وسفيان ابن عيينة. وترجمته في تاريخ جرجان لحمزة السهمي ص 196 - 198.

فجعلت أَزْرَارُه تَتَقَطَّع زرًّا زرًّا، وأَوْدَاجُه تَنْتَفِخُ (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال [سمعت عبد الله بن محمد بن علي ابن زياد، يقول (¬2)] سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيْمَة (¬3)، يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: قال لي الشافعي: ناظرت محمد بن الحسن، وكان عليه ثياب رقاق، وكان يناظرني فتنتفخ أَوْدَاجُه وينقطع [زرّه وتنتفخ أوداجه وينقطع زره] (¬4) حتى بقى بلا زر، فقال: لم يَحِلّ لصاحبكم أن يفتي - يعني (¬5) برأيه؛ لأنه لم يكن له عقل. فقلت له: نشدتك بالله، أكان صاحبُنا عالماً بكتاب الله عز وجل؟ قال: نعم. قلت: عالماً بحديثِ رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قلت: عالماً باختلاف أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قلت: فنشدتك بالله، أكان صاحبك عالماً بكتاب الله؟ قال: لا. قلت: عالماً بحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. قلت: كان عالماً باختلاف أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، ولكن كان عاقلا. قلت: فكان في صاحبنا ثلاثة أشياء لا تجوز الفتيا إلا بهن. وإن لم يكن له عقل لم يجز له أن يفتي. ولم يكن في صاحبكم (¬6) ثلاثة أشياء لا تجوز الفتيا إلا بهن، وإن كان أعقل الناس [لكن لا] تجوز له الفتيا. ¬

_ (¬1) الحلية 9/ 104 وآداب الشافعي ومناقبه 160 (¬2) ما بين القوسين من ح (¬3) في ح: «محمد بن الحسن بن قزعة». (¬4) ما بين القوسين من ح (¬5) ليست في ح. (¬6) في ح: «لصاحبكم. يريد مالك بن أنس رحمه الله ثلاثة» وهذا خطأ: فالمراد أبو حنيفة لا مالك.

قلت: قوله: «لم يكن له عقل» أراد به الرأي الذي هو اجتهاد وقياس. وقد روينا عن عبد الرحمن بن مهدي، أنه قال: ما رأيت أعقل من مالك ابن أنس. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو تراب المُذَكِّر، حدثنا محمد بن المنذر بن سَعِيد (¬1)، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول: سمعت الشافعي، يقول: قال لي محمد بن الحسن: أقمت عند (¬2) باب مالك ثلاث سنين وكسْراً (¬3)، وكان يقول: إنه سمع من مالك بن أنس لفظاً أكثر من سبعمائة حديث (¬4). قال: وكان إذا حدثهم عن مالك امتلأ منزله، وكثر الناس عليه حتى يضيق عليهم الموضع. وإذا حدث عن غير مالك لم يجيئه إلا اليسير من الناس. وكان يقول: ما أعلم أحدا أسْوأ ثناء (¬5) على أصحابه منكم إذا حدثتكم عن مالك ملأَتم عليّ الموضع، وإذا حدثتكم عن أصحابي لم تأتوني متكارهين. قال: وقال لي محمد بن الحسن: صاحبنا (¬6) أعلم من صاحبكم. قلت له: تريد المكابرة أو الإنصاف؟ ¬

_ (¬1) في ا: «بن سويد». (¬2) في ح: «علي». (¬3) في اوح: «وكثير» وهو خطأ، والخبر في تاريخ بغداد 2/ 173. (¬4) راجع تاريخ بغداد 2/ 173، والجواهر المضية 2/ 42. (¬5) في تاريخ بغداد 2/ 173 «أسوأ نَثَّا» ثم قال معلقه: «نث الخبر: أفشاه» (¬6) في ح: «صاحبي».

قال: بل الإنصاف. قلت: فما الحجة عندكم؟ قال: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس. قلت: أنشدك الله، أصحابنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم؟ فقال: إذ نشدتني بالله فصاحبكم. قلت: صاحبنا أعلم بسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم. قلت: فصاحبنا أعلم بأَقاويل أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم. قلت: فبقى شيء سوى القياس؟ قال: لا. قلت: فنحن ندّعي القياس أكثر مما تدّعونه، وإنما يقاس على الأصول، فمن لا يعرف الأصول يعرف القياس. قال: فيريد (¬1) «بالصاحب» مالك بن أنس، رحمه الله. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا [محمد (¬2)] عبد الله ¬

_ (¬1) في ح: «ويريد». (¬2) من ح.

ابن محمد بن علي بن زياد العدل، يقول: سمعت أبا بكر: محمد (¬1) بن إسحاق. يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول: سمعت الشافعي، يقول: قال لي محمد بن الحسن: أنتم أصحاب الثلث. فقلت أنتم أصحاب العشرات. ثم ذكر تفسير الثلث وتفسير العشرات. يريد «بالثلث» أنكم تقولون: جرح المرأة مثل جرح الرجل حتى تبلغ الثلث، وغير ذلك. وتفسير «العشرات» أنهم يقولون: لا تقطع اليد إلا في عشرة، والحيض أكثره عشرة، ونَحْوُ ذَا. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الوليد الفقيه، حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: سمعت ابن عبد الحكم، يقول: سمعت الشافعي، يقول: قال [لي] (¬2) محمد بن الحسن، وذكر العاريَّة، فقال: أنتم لستم تعرفون معنى الحديث، يعني حدوث صفوان (¬3)، إنما ¬

_ (¬1) في ح: «أبا بكر بن محمد بن إسحاق». (¬2) من ح. (¬3) أخرج البيهقي حديث صفوان في السنن الكبرى 6/ 89 - 90 من طرق عن جابر بن عبد الله وغيره، وفيها أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سار إلى حنين ثم بعث إلى صفوان بن أمية فساله أدراعا عنده، مائة درع وما يصلحها من عدتها، فقال أغضبا يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة حتى نؤديها عليك. ثم خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم: سائرا. وفيها أيضاً أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غزا حنينا، فلما هزم الله المشركين قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اجمعوا أدراع صفوان؛ ففقدوا من دروعه أدرعا. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن شئت غرمناها لك؟ فقال: يا رسول الله، إن في قلبي اليوم من الإيمان ما لم يكن يومئذ.

يضمن (¬1) العارية؛ لأنه قال: أنا ضامن. فضمن بالشرط. فقلت له: من استعار عارية عندك الساعة على أنّه ضامن قال: لا يضمن. قلت (¬2): فإنما تسخر بهؤلاء الذين عندك. أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى بن الفضل، حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، فيما ردَّ على محمد بن الحسن، في ردّه على أهل المدينة: قولهم في الدية: إنها على [أهل] (¬3) الورِق إثنا عشر ألف درهم، وقول محمد بن الحسن: نحن فيما نظن أعلم بفريضة عمر بن الخطاب حين فرض الدّية دراهم - من أهل المدينة؛ لأن الدراهم على أهل العراق. وقد صدق أهل المدينة أنّ عمر بن الخطاب فرض الدية اثنى عشر ألف (¬4) درهم، ولكنه فرضها اثنى عشر ألف درهم وزن ستة. ورواه بإسناد عن إبراهيم. قال الشافعي: فقلت لمحمد بن الحسن: أفتقول: إن الدية اثنا عشر ألف درهم وزن ستة؟ فقال: لا. فقلت: فَمن (¬5) أين زعمت إذ كنتَ أعلمَ بالدية مما زعمت من أهل الحجاز؛ لأنك من أهل العراق (¬6)، وأنك عن عمر قبلتها. أن عمر قضى فيها ¬

_ (¬1) في ح: «إنما ضمن». (¬2) في ا: «قال». (¬3) من ح. (¬4) ليست في ح. (¬5) في ح: «من». (¬6) في ح: «الورق».

بشيء (¬1) ولا تقضي به. قال: ألم يكونوا يَحْسِبُون؟! قلت (¬2): أفتروي شيئاً تجعله أصلاً (¬3) في الحكم وأنت تزعم أن من روى عنه لا يعرف ما قضى به. ثم ساق الكلام في الردّ عليه إلى أن قال: فادّعى محمد على أهل الحجاز أنّه أعلم بالدية منهم، وإنما عن عمر قَبِلَ الدِّيةَ من الورِق، ولم يجعل لهم أنهم أعلم بالديّة منه [(¬4) إذ كان عمر، رضي الله عنه، منهم. فَمَن الحاكم منهم أولى بالمعرفة بِمَن الدارهُم منه، إذ كان الحكم إنما وقع بالحاكم. وأطال الكلام في الرد. وهذا بتمامه في كتاب «المبسوط» مسطور. ورواه ابن عبد الحكم، عن الشافعي، رضي الله عنه، وقال فيه: قلت: فإذا كان على وزن ستة فهذه عشرة آلاف ونَيّف. وأنت تقول: عشرة آلاف. قال: لم يكونوا يُحْسِنون يَحْسِبون. قلت: فيحكم عمر بما يؤخذ من أموال الناس بما لم يتيقن حسابه ولا معرفته. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي. فذكر مناظرة طويلة ¬

_ (¬1) في ح: «شيء». (¬2) ليست في ح وفيها: «أفترى». (¬3) ليست في ح. (¬4) ما بين القوسين ساقط من ا.

حدثت بينه وبين محمد بن الحسن، وغيرِه في باب الماء، وما ذهبوا إليه من مَسْحِ البئر، وخروجهم بذلك من أقاويل الناس، مع خلاف السنة. قال الشافِعِيّ: قلت له: ما علمتكم تبعتم في الماء سنة ولا إجماعاً ولا قياساً. ولقد قلتم فيه أقاويل لعله إن قيل لعاقل: تخطأ، فقال ما قلتم – لكان قد أحسن التخاطؤ (¬1). ثم ساق الكلام إلى أن قال: وزعمتم أن فأرة لو وقعت في بئر فماتت، نزح منها عشرون دلواً أو ثلاثون دلواً، ثم طهرت البئر، فإن طرحت العشرون أو الثلاثون الدلو في بئر أخرى لم ينزح منها الا العشرون أو الثلاثون دلواً. وإن كانت مَيْتَةً أكثر من ذلك نزح منها أربعون أو ستون دلواً. فمن وقَّت لك هذا في الماء الذي لم يتغيَّر؟ أفرأيت شيئاً قط ينجس كله فيخرج بعضه فتذهب النجاسة من الباقي منه؟ ثم ساق الكلام إلى أن قال: وزعمت أنك إن أدخلت يدك في بئر تنوي بها أن تتوضأ نجست البئر كلها؛ لأنها ما توضئ به، ولا تَطْهُر حتى تُنْزَح كلها. وإن سقطت فيها ميتة طهرت بعشرين دلواً أو ثلاثين. فزعمت أن البئر بدخول اليد التي لا نجاسة فيها تنجس كلها فلا تطهر أبداً، وأنها تطهر من الميْتَةِ بعشرين دلواً، أو ثلاثين دلواً، هل رأيت أحداً قط يزعم أن يد مسلم تًنَجِّسُ ماء أكثر مما تنجسه الميتة؟ وزعمت أنه لو أدخل يده ولا ينوي وضوءا طهرت يده للوضوء ولا تنجس البئر. أو رأيت إن ألقى فيها جيفة لا تنوي تنجيسها أو تنويه، أذلك سواء؟ قال: نعم. ¬

_ (¬1) في الأصل «التخاطي».

قلت: فلم زعمت أن نيته في الوضوء تنجس الماء؟ إني لأحسبكم لو قال هذا غيركم لبلغتم به أن تقولوا: القلم عنه مرفوع. فقال: لقد سمعت أبا يوسف يقول: قولُ الحجازيين في الماء أحسنُ من قولنا. وقولنا فيه خطأ. وأقام عليه وهو يقول هذا فيه. قال: قد رجع أبو يوسف فيه إلى قولكم نحواً من شهرين، ثم رجع عن قولكم. قلت: ما زاد رجوعه إلى قولنا قوة، ولا وَهَنه رجوعه عنه. وساق الحديث. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو الوليد: حسَّان بن محمد الفقيه، قال: قال جعفر بن محمد السَّلماني، عن الربيع، عن الشافعي: قال محمد بن الحسن: من دعا في الصلاة بغير ما في القرآن تفسد صلاته، وإن دعا بما في القرآن لا تَفْسُد. قال الشافعي: قلت له: أرأيتَ إن قال: أطعمنا بقْلاً وقثَّاءً وفُوماً وعدساً وبَصَلاً؟ قال: تفسد صلاته. قلت: أنت الذي أفسدتَها بأن قلت: يجوز أن تَدْعُوَ بما في القرآن. قال: فما تقول أنت؟ قلت: ما يجوز أن يدعو به المرء في غير الصلاة جاز أن يَدْعوَ به في الصلاة؛ لأن المخاطبة في ذلك ليست الى الآدميِّين، وإنما الخبر أنه لا يصلح في الصلاة شيء من كلام الناس أن يكلم بعضهم

بعضاً (¬1). وقد دعا النبي، صلى الله عليه وسلم، لقوم وسماهم بأسمائهم ونسبهم إلى قبائلهم. وهذا كله يدل على أن المحرَّم من الكلام إنما هو كلام الناس بعضهم بعضاً في حوائجهم. فأما ما دعا به المرء ربه، تعالى، وسأله إيّاه فهذا لا أعلم أحداً من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اختلف فيه. والصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء؛ فإنه قَمِنٌ أن يستجاب لكم (¬2)». ولم يخصّ النبي، صلى الله عليه وسلم، دعاء دون دعاء. وكل ما كان يجوز أن يسأل الرجل ربه في غير الصلاة – فهو جائز في الصلاة. وقرأت في كتاب عبد الرحمن بن أبي حاتم: أخبرني أبي، قال: حدثنا ¬

_ (¬1) يدل على هذا سياق الحديث. فقد روى مسلم في صحيحه 1/ 381 حديث عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه [أمي] ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني. قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن. (¬2) في سنن أبي داود 1/ 321 عن ابن عباس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: «أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له، وإني نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً. فأما الركوع فعظموا الرب فيه، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم». وانظر ترتيب مسند الشافعي 1/ 90، والأم 1/ 96.

يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول في الرجل يكون في الصلاة فيعطس رجل؟ فقال: لا بأس أن يقول له المصلى: رحمك الله. قلت: ولم؟ قال: لأنه دعا، وقد دعا النبي، صلى الله عليه وسلم، لقوم في الصلاة، ودعا على آخرين. وهذا الكتاب، فيما أجاز لي أبو عبد الله الحافظ روايته عنه، عن أبي أحمد: الحسين بن علي الدارمي، عن عبد الرحمن بن أبي حاتم. وقرأته في كتاب أبي الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد بن عبد الرحمن ابن معمر. وعن محمد بن عبد الله الرازي، عن إبراهيم بن محمد الصفّار، كلاهما عن يونس بن عبد الأعلى، عن الشافعي، رضي الله عنه، بنحوه. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي، قال: أخبرني أبو الحسن: علي بن محمد بن عمر الفقيه، بالري، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا علي بن الحسن، قال: سمعت أخي، أو غيره، يحكى عن الشافعي، قال: كنت مع «محمد بن الحسن» بالرقّة، فمرضت مرضة فعادني في العوّاد، فلما نقهت من مرضى مددت يدي إلى كتبٍ عند رأسي، فوقع في يدي «كتاب الصلاة لمالك» فنظرت في باب الكسوف. فقال: قد عرفت قولنا فيه. فقلت: جئت أناظرك على النظر والخبر. فقال: هات. قلت: أشترط ألا تحتدّ عليّ ولا تقلق – وكان محمد رجلا قلقاً حديداً –

فقال: أما أن لا أحتد فلا أشترط ذلك. ولكن لا يضرك ذاك عندي. فناظرته، فلما ضَاغَطْتُهُ فكأنه وجد من ذلك. فقلت: هذا هشام بن عروة عن أبيه، عن «عائشة». وزيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن «ابن عباس». واجتمع عليّ وعليه الناس. فقال: وهل زدتني على أن جئتني بصبي وامرأة؟! فقلت: لو غيري جالسك! وقمت عنه بالغضب. فَرُفِع الخبر إلى هارون الرشيد أمير المؤمنين، فقال: قد علمتُ أن الله، عز وجل، لا يدع هذه الأمة حتى يبعث عليهم قرشياً فلقا يردّ عليهم ما هم فيه من الضّلالة. ثم رجعت إلى بيتي، فقلت لغلامي: اشدد عَلَى رواحِلِكَ. واجعل الليل جَمَلاً. قال: فقدمت مصر. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن حسان، قال: حدثنا محمد – يعني ابن عبد الرحمن – قال: حدثنا علي بن الحسن السّنجانِي (¬1). قال: سمعت من يحكى عن الشافعي، إما أخي أو غيره. فذكر معناه. غير أنه قال: «واجتمع عليّ وعائشة». * * * ¬

_ (¬1) السّنجاني نسبة إلى سَنِجان بفتح السين وكسرها، وسكون النون: قرية على باب مدينة مرو، يقال لها دَرسَنكان، وهو أبو الحسن: علي بن الحسن بن محمد بن حمدويه السنجاني الشافعي. تفقه على القاضي أبي العباس بن سريج ببغداد وولي قضاء نيسابور، وكان ورعاً، سمع بمرو أبا الموجه: محمد بن عمر الفزاري، وببغداد يوسف ابن يعقوب القاضي وغيرهما. روى عنه أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه، وأبو الحسن: علي بن محمد العروضي. راجع معجم البلدان 5/ 146، واللباب في تهذيب الأنساب 2/ 569، وطبقات 3/ 444 ط. ح.

أخبرَنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، وهو يحتج في ذكر المسكر. وكان كلاماً قد تقدم لا أحفظه. قال: أرأيت إن شرب (¬1) عشرة ولم يسكر؟ فإن قال: حلال. قيل: أفرأيت إن خرج فأصابته الريح فسكر (¬2): فإن قال: حرام. قيل له: أفرأيت شيئاً قط [شربه (¬3) رجل] وصار إلى جوفه حلالا، ثم صيرته الريح حراماً؟ قال الربيع: قال الشافعي: ما أسكر كثيرة فقليله حرام (¬4). أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي. وذكر حديث أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، نصا فيه عنه: في قطع اليسرى من السارق. وكان أقطع اليد والرجل. واحتج في رواية الزعفراني بالحديث المرفوع، في قطع الأطراف. ثم ذكر في روايته عن الربيع قول من قال: إذا قطعت يده ورجله، ثم سرق وحبس وعُزِّ ولم يُقطع – فلا يقدر على أن يمشي. قال الشافعي، رضي الله عنه: قد روينا هذا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ¬

_ (¬1) في الأصل: «يشرب» وما أثبتناه موافق لما في الأم. (¬2) في الأصل بعد هذا: «فقال» وليست في الأم. (¬3) في الأصل: «يشرب وصار» وما بين القوسين من الأم. (¬4) الأم 6/ 177. [م – 13] مناقب

وأبي بكر، رضي الله عنه، في دار الهجرة، وعمر، رضي الله عنه، يراه ويشير به على أبي بكر، رضي الله عنه (¬1). وروى عنه أنه قطع أيضاً، فكيف خالفتموه؟ قال: قاله علي بن أبي طالب. قلنا: فقد رويتم عن «علي» رضي الله عنه، في القطع أشياء مستنكرة تركتموها عليه، منها: أنه قطع بطون أنامل صبي. ومنها: أنه قطع القدم من نصف القدم. وكل ما رويتم عن «علي» في القطع غير ثابت عنه عندنا، فكيف تركتموها عليه لا مخالف له فيها، واحتججتم به على سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، التي لا حجة لأحد معها، وعلى أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، في دار الهجرة، وعلى ما يعرفه أهل العلم (¬2) [به (¬3)؟]. ثم ذكر باقي الحكاية في مناقضتهم بإعادة الحدود ما عاد وقطع الأطراف في القصاص. ومن وجب عليه القتل بالقتل. وهذا أقصى غاية الاستهلاك، ودَرْءُ الحد هاهنا بعلة الاستهلاك، مع خلاف السنة والأثر (¬4). أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي فيما رد على محمد بن الحسين، في مسألة قتل المؤمن بالكافر. قال: أخبرنا سفيان، عن مطرف، عن الشعبي، عن أبي جُحَيْفَة، قال: ¬

_ (¬1) مسند الشافعي ص 111، والأم 6/ 117. (¬2) الأم 6/ 117. (¬3) ما بين القوسين ليس في الأم. (¬4) راجع الأم في الموضع المذكور.

سألت علياً، فقلت: هل عندكم من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سوى القرآن؟ قال: لا، والذي فَلَقَ الحبّة، وبَرأَ النَّسَمَة، إلا أن يؤتي الله عبداً فهما في القرآن، وما في الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفكك الأسير. وأن لا يقتل مؤمن بكافر (¬1). قال: فقال: هذا ثابت معروف عندنا، غير أنا تأولناه: فذهبنا إلى أنه إنما عنى الكفار من أهل الحرب. فقد قال فيه: «ولا ذو عهد في عهده (¬2)». قال الشافعي (¬3): إن كان قال: «ولا ذو عهد في عهده» فإنما قال تعليما للناس، إذ سقط القود بين المؤمن والكافر إنه لا يحل له قتل من له عهد من الكافرين. واستشهد في حمل قوله: لا يقتل مؤمن بكافر على الظاهر؛ لقوله: «لا يرث المسلم الكافر». ثم ناقضه بالمسلم يقتل المستأمن وله عهد، ثم لا يقتله به (¬4). قال: فقد روينا من حديث ابن البَيْلَمَانِي (¬5): أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قتل مؤمناً بكافر. قال الشافعي: حديثنا متصل، وحديث ابن البَيْلَمَانِي منقطع وخطأ، إنما ¬

_ (¬1) الأم 6/ 33 و 7/ 292، ومسند الشافعي ص 66. (¬2) راجع سنن الدارقطني ص 343، والسنن الكبرى 8/ 30، ونصب الراية 4/ 330. (¬3) في الأم 7/ 292. (¬4) راجع أيضاً مسند الشافعي ص 66، والأم 6/ 33، 162 – 164. (¬5) في الأصل «السلماني» وهو تصحيف وكذا في الموضعين التاليين.

روى ابن البَيْلَمَانِي فيما بلغني: أن عمرو بن أمية قتل كافراً كان له عهد إلى مدَّة، وكان المقتول رسولا، فقتله (¬1) به. فلو كان ثابتاً كنت أنت قد خالفت الحديثين [معاً (¬2)]. قال الشافعي: والذي قتله عمرو بن أمية قبل بني النضير، وقبل الفتح بزمان. وخطبة النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل مسلم بكافر» عام الفتح. ولو كان كما تقول كان منسوخاً. قال: فلم لم تقل: هو منسوخ. وقلت: هو خطأ؟ قال الشافعي: قلت: عاش عمرو بن أمية بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، دهراً. وأنت إنما تأخذ العلم من بعده، ليس لك به مثل معرفة أصحابنا. وعمرو قتل اثنين وَدَاهُمَا النبي، صلى الله عليه وسلم. ولم يزد [النبي صلى الله عليه وسلم (¬3)] عَمْراً على أَنْ قال: قتلت رجلين لهما مني عهد؛ لَأَدِيَنَّهُمَا. وذكر ما في الحكاية (¬4) وهذه المسألة وقعت في أوراق، فلفَّقت هذا المقدار منها، والله أعلم. قال الإمام البيهقي: قرأت في كتاب أبي الحسين العاصمي، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، بحمص، قال: حدثني الحسن بن حبيب – يعني الدمشقي – عن الربيع بن سليمان، رحمه الله تعالى، قال: ¬

_ (¬1) في الأم: «فقتله النبي صلى الله عليه وسلم به» (¬2) ما بين القوسين من الأم. وراجع الخبر في الأم 7/ 290 – 291، 293، والسنن الكبرى 8/ 30، ونصب الراية 4/ 337 (¬3) ما بين القوسين من الأم. (¬4) راجع الأم 7/ 293.

جاء «أصْبَغ بن الفرج (¬1)» يناظر الشافعي في مسألة، فلما أضْغَطَهُ فيها قال له أَصْبغ: الموت يعمل عمله. فقال له الشافعي: وإيش هذا مما نحن فيه؟ ومتى شككنا (¬2) أن الموت يعمل عمله (¬3)؟ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أنبأني أبو أحمد: بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي، بمرو، شفاها، وأكثر ظني أن صالح بن محمد الحافظ جزرة، حدثهم قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: كان الشافعي يقول: إذا ناظره إنسان في مسألة عَدا منها إلى غيرها: نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد. فإذا أكثر عليه قال: مثلك مثل معلم كان بالمدينة يعلم الصبيان القرآن من كراسة، فأملى على صبي: {بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} (¬4) فقال: بسؤال. ثم لم يدر ما بعده، فمر رجل فقام إليه فقال: أصلحك الله بسؤال نعجتك أو بعجتك؟ فقال له الرجل: يا أبا عبد الله، افرغ من سؤال ثم سل ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله: أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع المصري الإمام الثقة الفقيه المحدث. كان وراق ابن وهب؛ فروة عنه وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعبد العزيز الدراوردي وغيرهم، وروى عنه الذهلي والبخاري ويعقوب بن سفيان ومحمد ابن أسد الخشني وغيرهم، وتفقه به الكثيرون كابن المواز وابن حبيب وغيرهم. قال عنه ابن الماجشون: ما أخرجت مصر مثل أصبغ، وقال ابن معين: كان من أعلم خلق الله كلهم برأي مالك توفى سنة 225. وله ترجمة في ترتيب المدارك 2/ 561 - 567 ط. ب، والديباج لوحة 95 - 96 (خط)، وشجرة النور الزكية 1/ 66، وتهذيب التهذيب 3/ 361 - 362، ووفيات الأعيان 1/ 217، والبداية والنهاية 10/ 293، والعبر 1/ 393، وشذرات الذهب 2/ 56. (¬2) في الأصل: شككت. وما أثبتناه موافق لما في توالي التأسيس. (¬3) الخبر في توالي التأسيس ص 65. (¬4) سورة ص 24.

عما بعده، إنما هو - ويحك - بسؤال نعجتك (¬1). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو عبد الله المُسَافري، قال: حدثنا محمد بن المنذر، رحمة الله تعالى عليه، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: كنت أرى إذا تناظر اثنان في مسألة، وكان أحدهما يُنَاظر ويضحك، ظنت العامة أنه هو المصيب، فقضوا له على صاحبه (¬2). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثني العنبري، قال: حدثنا أبو صالح: شعيب بن إبراهيم - يعني البيهقي - قال: حدثنا ابن أبي رافع، قال: حدثنا أحمد بن آدم، قال: حدثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: قال أبو حنيفة لأصحابه: إذا ناظرتم فأظهروا الضحك، يَقْضِ عليكم الجمهورُ بالغلبة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه، قال: حدثنا إبراهيم بن مسلم بن محمود، قال: حدثني أبو سليمان - يعني داود الأصبهاني - قال: حدثني سفيان بن محمد المصيصي الفزاري، قال: ¬

_ (¬1) الخبر في الحلية 9/ 138 بسياق آخر وفيه تصحيف ظاهر. (¬2) راجع الحلية 9/ 138

قال الشافعي، رضي الله عنه: قال لي بشر المَرِيسي (¬1): إذا رأيتني أناظرُ إنساناً وقد علا صوتي عليه فاعلم أني ظالم، وإنما أرفع صوتي عليه لذلك. وبإسناده قال: حدثنا سليمان، قال: حدثني أبو عبد الرحمن، المعروف بالشافعي، قال: دخل بشر المريسي يوماً على الشافعي، وعند الشافعي رجل من أهل المدينة، وكان الشافعي، رضي الله عنه، عليلا متكئاً. فناظر بشر المَرِيسي المديني في إفراد الإقامة، فاحتج بشر على المدني، قال له: قد اجتمعنا جميعاً على أن المقيم للصلاة إذا ثَنَّى الإقامة فإنه قد أتى بالإقامة. واختلفنا (¬2) فيه إذا أفرد، فالواجب أن يتجوز ما اتفقنا عليه، ويبطل ما اختلفنا فيه. قال: فلم يكن عند المدني جواب. فاستوى الشافعي جالساً مع علته، فقال: إن كان ما قلت يلزم صاحبنا فقد لزمك أن تقول بالترجيع في الأذان من قبل: إنا قد اتفقنا جميعاً على أن المؤذن إذا رحّع في أذانه كان قد أتى بالأذان، واختلفنا فيه إذا لم يرجّع. قال: فأسكت بشر. وعلم الجميع أن ما اعتل به على المديني ليس بعلة. وعاد الشافعي إلى اضطجاعه. قرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي، فيما حدثهم أحمد بن محمد بن بنت الشافعي، عن أبيه، قال: رأينا الشافعي يناظر محمد بن الحسن، بمنى في مسجد ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الرحمن: بشر بن غياث المريسي، مولى زيد بن الخطاب. أخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي، وينسب إلى مريس، وهي قرية بمصر. روى عن حماد بن سلمة وابن عيينة. وتوفى سنة 218 كما في الأنساب 3/ 128. (¬2) في الأصل: «واختلفا».

الخيف، ومعهم يومئذ بشر المرِيسي، فأقبل محمد بن الحسن علي الشافعي، رحمهما الله، فقال: يا أبا عبد الله، بلغني أنك قد وضعت على أصحابنا كتاباً، ونحن نحب أن نناظرك عليه. فقال له الشافعي: لا نُريد ذلك؛ فإن المناظرة تنكت في القلب، ولك صداقة. فأبى إلا أن يناظر، فتناظر يومئذ. فقطعه الشافعي في مسائل شتى، فأقبل «الأَزْرَقِي (¬1)» فقيه أهل مكة، فقال لبشر: «كيف رأيت صاحبنا وصاحبكم»؟ قال، «رأيت صاحبكم على ثَبَجِ البحر، ورأيت صاحبنا يتمضمض من ثمادها». الثماد: الماء القليل. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السُّلَمي، قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ، ببغْدَاد، قال: ذكر أبو القاسم: علي بن محمد بن نواس النخعي، القاضي: أن محمد بن علي بن عفان، حدّثه عن الرازي، قال: حج بشر المَرِيسي فلما قدم قيل له: من لقيت بمكة؟ قال: رأيت رجلا إن كان منكم لم تغلبوا، وإن كان عليكم فتأهبوا، وخذوا حذركم، وهو: محمد بن إدريس الشافعي. ورواه زكريا الساجي، فيما قرأت من كتابه، عن عمرو بن سفيان ¬

_ (¬1) هو أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق بن عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني، أبو الوليد، ويقال: أبو عبد الله، جد أبي الوليد: محمد بن عبد الله الأزرقي صاحب تاريخ مكة. روى عن مالك وابن عيينة والشافعي وغيرهم، روى عنه البخاري وأبو حاتم وعبد الله بن أحمد وغيرهم. قيل إنه توفى سنة 212، وقيل سنة 222. وله ترجمة في طبقات ابن سعد 5/ 508 ط. ب، والعقد الثمين 3/ 176 – 178، وتهذيب التهذيب 1/ 9 8

الشعرى، قال: سمعت علياً الرازي، قال سمعت بشر المريسي، يقول: لقد رأيت بالحجاز رجلا إن قدم أتعبكم. قال: فقدم الشافعي فأتيناه مع بشر المريسي، فناظره في مسألة، فقال له بشر: يا أبا عبد الله، وما كنت أحسبك على هذا، قد تغيرت. قال له الشافعي: وأنا يا أبا عبد الرحمن، ما كنت عهدتك على هذا. قال: فلما خرجنا من عند الشافعي أقبل علينا بشر، فقال: ما رأيت حجازياً أفقه منه. قال زكريا الساجي: بلغني أن المسألة التي دارت بينهم في الماء. احتج الشافعي على بشر إلى أن ألجأه إلى أن قال: يغسل آخر البئر وينزح جميع ما فيها، إلى أن قال: تُطَمّ. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: أخبرني أبو عبد الله الزبير بن عبد الواحد، بالشام، قال: سمعت أحمد بن عيسى يحدّث عن الحسن بن محمد الزعفراني، قال: كنا نحضر مجلس بشر المريسي وهناك نقدر على مناظرته، فمشينا إلى أحمد بن حنبل، فقلنا له: ائذن لنا في أن نحفظ «جامع الصغير» الذي لأبي حنيفة؛ نخوض معهم إذا خاضوا. فقال: اصبروا، فالآن يقدم عليكم المطلبي، الذي رأيته بمكة. قال: فقدم علينا الشافعي، فمشينا إليه وسألناه شيئاً من كتبه، فأعطانا كتاب «اليمين مع الشاهد» فدرسته في ليلتين، ثم غدوت على بشر المَرِيسي، وتخطيت إليه. فلما رآني قال: ما جاء بك؟ لسنا بأصحاب حديث. قال: قلت: ذرني من هذا، إيش الدليل على إبطال اليمين مع الشاهد. فناظرته فقطعته، فقال: ليس هذا من كلامكم، هذا كلام رجل رأيته بمكة، معه نصف عقل أهل الدنيا.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثني أبو عبد الرحمن: محمد بن إبراهيم المؤذن، عن أبي نعيم، عن الزعفراني، قال: حج بشر المريسي، ثم قدم فقال: لقد رأيت بالحجاز رجلا ما رأيت رجلا مثله: سائلا ولا مجيباً. يعني الشافعي. قال: فقدم الشافعي علينا بعد ذلك بغداد، واجتمع الناس إليه فخفّوا عن بشر، قال: فجئت بشراً يوماً، فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم، قدم. قال: إنه قد تغير عما كان عليه. فقال الزعفراني: ما كان مثله الآن إلا كمثل اليهود في أمر عبد الله بن سلام، حيث قالوا: سيدنا وابن سيدنا. فقال لهم: فإني قد أسلمت. قالوا: شرنا وابن شرنا. قال بشر: وما رأيت أعقل من الشافعي. وفي كتاب زكريا الساجي، رحمه الله: حدثني سليمان بن الأسعد، قال: حدثني أبو ثور، عن ابن البنا، قال: سمعت بشرا المَرِيسي، يقول: لقد رأيت بالحجاز فتى لئن بقى ليكونن رجل الدنيا. فلما كان بعد ذلك، قال لي بشر: شعرت أن الفتى الذي قلت لك، قد قدِم، اذهب بنا إليه. قال: فذهبنا إلى ناحية من بغداد، فسلّمنا عليه، ثم تساءلا، فجعل الشافعي يصيب وبشر يخطئ. فلما خرجنا، قال: كيف رأيته؟ قال: قلت: كنت تخطئ وكان يصيب. قال: ما رأيت أفهم (¬1) منه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن حنان، قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن زياد، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن متّويه، (¬2) ¬

_ (¬1) في الحلية: «أفقه». (¬2) الخبر في الحلية 9/ 95.

قال: حدثنا عبيد بن محمد بن هارون المقدسي، قال: سمعت «عمرو بن أبي سلمة»، قال: قلت للشافعي: لقد أعجبني ردّك على المريسي، قال: ولم يعجبك مني إلا في ردّي عليه؟ لا كلمتك شهرين. ورواه أبو الحسن العاصمي، عن محمد بن يوسف بن النضر، عن عبد الله ابن محمد بن إسحاق المقدسي، عن عبيد الله بن محمد الفريابي، عن عمرو بن أبي أسامة، هكذا. و «عمرو بن أبي سلمة التنيسي» من أكابر علماء أهل الشام (¬1). وقد روى عنه الشافعي، رضى الله تعالى عنه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو الوليد: حسان ابن محمد، الفقيه، قال: سمعت أبا العباس بن سريج، يقول عن بعض مشايخه، قال: رجع بشر المريسي من مكة إلى بغداد، فقال: رأيت شاباً بمكة من قريش، ما أخاف على مذهبنا إلا منه. وشهدت أم الشافعي وأم بشر المريسي بمكة عند القاضي. قال: وأراد أن يفرق بينهما. فقالت أم الشافعي: ليس لك ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى (¬2)} فلم يُفَرِّقْ بينهما (¬3). ¬

_ (¬1) الانساب 3/ 98. (¬2) سورة البقرة: 282. (¬3) الخبر في طبقات الشافعية 2/ 179.

قلت: وأم بشر المريسي جاءت إلى الشافعي، فقالت: يا أبا عبد الله، أرى ابني يهابك ويحبك، وإذا ذكرت عنده أجلّك، فلو ذكَّرته حتى ينتهي عن هذا الرأي الذي هو فيه. فقد عاداه الناس عليه؟ فقال: أفعل. فلما دخل عليه بشر، قال له الشافعي: أخبرني عما تدعو إليه: أكتاب ناطق، وفرض مُفْتَرضٌ، وسنة قائمة، ووجدت عن السلف البحث عنه والسؤال؟ فقال بشر: لا، إلا أنه لا يسعنا خلافه. فقال الشافعي: أقررت بنفسك على الخطأ. فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار، يُواليك الناس عليه، وتترك هذا؟ قال: لنا نَهْمَةٌ فيه. فلما خرج بشر قال الشافعي: لا يُفلح. وهذا فيما قرأت في كتاب زكريا الساجي: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: سمعت الحسن بن علي الكرابيسي، قال: جاءت أم بشر المريسي إلى الشافعي، رضي الله عنه. فذكره. قلت: كلّم أم الشافعي، رضي الله عنهما، فقد قال زكريا بن يحيى الساجي: كانت أم الشافعي معه، يحملها إلى كل موضع. فرأت فيه السرور. قال: وحدثني أبو محمد الخراساني، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: قالت لي أم الشافعي: إنْهَ ابني أن يجالسه حفص الفرد.

قال زكريا: فقال الشافعي لأمه: يا أمه، ألا ترين حماداً البربري قد علا أمره فأخافه. قال: فقالت: يا بني، إن الطير إذا علا وسما ثم وقع كان أشد لحموته، أو قالت: لوقعته. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثني أبو الحسن بن أبي عبد الله المزني، قال: حكى عن أبي ثور، قال: سمعت الشافعي، يقول: ناظرت بشر بن غياث المريسي، في المقتول له ورثة صغار وكبار يقتل القاتل دون بلوغ الصغار؟ قال: لا. قلت له: فإن الحسن بن علي، رضي الله عنهما، قتل ابن ملجم، وفي الورثة صغار لم يبلغوا. فقال: أخطأ الحسن. فقلت: أما كان عندك جواب أحسن من هذا؟ وهجرته من يومئذ (¬1). قلت: وكان الشافعي أيضاً يذهب إلى أنه لا يقتل قصاصاً قبل بلوغ الصغار. ويشبه أن يكون حمل قتل الحسن بن عليّ بنَ مُلْجَم، على أنه رآه من الساعين في الأرض بالفساد، فرأى قتله به بالولاية العامة، دون ولاية القصاص. والله تعالى أعلم. وأخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال: أخبرنا أبو جعفر: محمد بن عمرو البزار، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: سمعت. ¬

_ (¬1) راجع الأم 6/ 10 - 11، وآداب الشافعي ومناقبه ص 175، وتاريخ بغداد 7/ 60؛ والسنن الكبرى 8/ 58.

وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي، قال: أخبرنا أبو الحسن: محمد بن محمد ابن يعقوب الحَجَّاجِي (¬1)، الحافظ، قال: حدثنا عمرو بن محمد بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: سمعت البويطي: يوسف ابن يحيى، يقول: سمعت الشافعي، يقول: ذاكرت بشر المريسي بحديث عمران بن حصين: أن رجلا من الأنصار مات وترك ستة أعبد أعتقهم ولا مال له غيرهم، فَأَفْرَغَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بينهم، وردّ أربعة في الرق. فقال المريسي: هذا قمار. فأخبرت أبا البختري (¬2)، فقال: يا أبا عبد الله، شاهد آخر معك، وأرفعه على خشبة أصلبه. قلت: وكان «أبو البختري» حينئذ قاضي بغداد. وفي رواية البزار: ناظرت المريسي في القرعة، فذكرت له حديث عمران ابن حصين، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا عبد الله، هذا قمار. فأتيت أبا البختري، فقلت له: سمعت المريسي، يقول: القرعة قمار!! فقال: يا أبا عبد الله، شاهد آخر، وأصلبه. ¬

_ (¬1) هو أبو الحسين: محمد بن محمد الحجاجي، حافظ نيسابور في عصره، حدث عنه الحاكم وأثنى عليه كما في الأنساب للسمعاني 4/ 63، واللباب 1/ 178. (¬2) هو أبو البختري: وهب بن وهب، المتوفى سنة 200 هـ وقال عنه ابن حبان في المجروحين 468 «كان ممن يضع الحديث على الثقات. كان إذا جنه الليل سهر عامة ليله يتذاكر الحديث ويضع ثم يكتبه ويحدث به. لا تجوز الرواية عنه، ولا يحل كتبة حديثه إلا على التعجب» وترجمته في الضعفاء للعقيلي 444 والكامل لابن عدي 159 وتاريخ بغداد 13/ 451 - 457 وميزان الاعتدال 4/ 353 ولسان الميزان 6/ 231 وأخبار القضاة لوكيع 1/ 243 - 254.

أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه، قال: سمعت أبا عبد الله العدوي، يحكى عن ابن أبي داود، عن هارون بن سعيد، قال: وكنا عنده في المسجد، فجرى ذكر الشافعي، فنظر إلى إسطوانة في المسجد، فقال: كان الشافعي يبني المسألة حتى لو نظر إلى إسطوانة، فقال: هذا من ذهب، فلا يزال يحتج حتى تقوله. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: قال الشافعي، رضي الله عنه: ناظرت بعض أهل العراق، فلما فرغت قال: زَلَفْتَ يا موسى. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: بعض أهل العربية: يعني قَرُبْت من أفهامهم. لفصاحته (¬1). أخبرنا أبو عبد الله: الحسن بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن فنجويه، الدينوري، الدامغاني، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن شبيب، قال: أخبرنا أبو الحسن: أحمد بن علي بن حمدويه المروزي، قال: حدثنا أحمد بن سلمة، قال: حدثنا ابن بنت الشافعي، قال: سمعت أبا الوليد بن أبي الجارود، يقول: التقى الشافعي وعبد الملك: الماجشون، بمكة. فتناظرا، فلما قطعه الشافعي أخذ في اللغة، فأخذ الشافعي معه في ذلك. فانصرف الناس وما درى أحد ما قالا، من الفصاحة والبيان. ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ص 214.

وقرأته أيضاً في كتاب زكريا بن يحيى الساجي، عن ابن ابنة الشافعي، مثله. أخبرنا محمد بن عبد الله، الحافظ، قال: أخبرنا الزبير بن عبد الواحد، الحافظ، قال: حدثنا الحسن بن علي بن الأشعث، بمصر، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن الحكم، يقول: ما رأت عيني قط مثل الشافعي، لقد قدمت المدينة فرأيت أصحاب عبد الملك الماجشون يعلون بصاحبهم، يقولون صاحبنا الذي قطع الشافعي. فقلت: إني لأحب أن أنظر إلى رجل قطع الشافعي. قال: فلقيت عبد الملك، فسألته عن مسألة فأجابني، فقلت: أي شيء الحجة؟ قال: لأن مالكا قال كذا وكذا. فقلت في نفسي: هيهات، أسألك عن الحجة فتقول: قال مُعَلِّمِي، وإنما الحجة عليك وعلى مُعَلِّمك. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا الحسن بن علي الأشعث، بمصر، قال: سمعت ابن عبد الحكم، يقول: ما علَّم الناس الحجاج إلا الشافعي، ولا رأت عيناي قط مثل الشافعي. ثم ذكر هذه الحكاية. أخبرنا عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا أبو الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن آدم، قال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم، قال: لو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو الطيب: عبد ربه بن محمد، الفقيه، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: سمعت الحسن بن علي الأشعث، يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول لإنسان: لو رأيت الشافعي لقلت: هذا أسد يريد أن يفترسني. وأخبرني (¬1) أبو بكر بن أبي إسحاق، قال: سمعت الزبير بن عبد الواحد، يقول: سمعت أبا العباس: أحمد بن يحيى بن دكين، يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول: كنت إذا رأيت من يناظر الشافعي، رضي الله عنه – رحمتُه (¬2). وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا محمد بن رمضان بن شاكر، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ما رأيت أحداً يناظر الشافعي إلا رحمته مع الشافعي. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت عبد الله بن محمد بن علي ابن زياد، يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق، يقول: سمعت الربيع، وذكر الشافعي، فقال: لو رأيتموه لقلتم: إن هذه ليست كُتبه، كان (¬3) والله لسانه أكبر من كتبه. ¬

_ (¬1) أول 34 – امن الناقصة. (¬2) في هـ: «يناظر الشافعي رحمه الله». (¬3) ليست في هـ. [م – 14] مناقب

أخبرنا أبو عبد الله السلمي، قال: أخبرنا عباس بن الحسن، ببغداد، قال: حدثنا أبو الحسين بن سعيد، قال: حدثنا زكريا الساجي، قال: حدثني محمد ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن سوار العنبري، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سوار، قال: خرجنا حجاجاً إلى مكة ومعنا «هلال بن يحيى (¬1)»، فرأينا «الشافعي» في المسجد الحرام يفتي، فقال لي هلال: ترى لي أن أمضي وأناظر (¬2) الشافعي؟ قلت: لا، هو رجل عارف يعرف عيوب أقاويلكم، وأحفظ للحديث منك، لا تقوى عليه، دعه فإنه خير لك. قال: وأسأله عن الشروط. قلت: في هذا الموسم تسأله عن الشروط، وتدع المناسك والصلاة؟! أخاف عليك العامة أن يَحْصِبُوكَ. فتركه ولم يناظره. أخبرنا محمد بن حسين السلمي، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: ذكر زكريا بن يحيى [حدثنا (¬3)] ابن بنت الشافعي، قال: سمعت أبي يقول: ¬

_ (¬1) هو هلال بن يحيى بن مسلم الرأي البصري. أخذ العلم عن أبي يوسف وزفر. وروى الحديث عن أبي عوانة وابن مهدي. ولقب بالرأي لسعة علمه. وكثرة فقهه. كما لقب بذلك ربيعة شيخ مالك. توفى هلال بن يحيى سنة 245 كما في الجواهر المضية 2/ 207. (¬2) في ح: «فأنظر». (¬3) ليست في ح.

جلس الشافعي في حلقة، فجاءه غلام حدث، فسأله عن مسائل، فأجابه الشافعي، ثم سأله مسألة فأجابه، فقال: أخطأت يا أبا عبد الله. فأطرق الشافعي طويلا، ثم [رفع رأسه إليه] فقال (¬1): أخطأتَ يا ابن أخي (¬2) ما في كتابك، فأما الذي أردتُ فلم أُخْطِئ. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه، قال: حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: حدثني أبو سليمان: داود بن علي الأصبهاني، قال: حدثني الحارث بن سريج النقال، قال: دخلت على الشافعي يوماً وعنده أحمد بن حنبل والحسين القلاس (¬3) – وكان الحسين أحد تلاميذ الشافعي المقدمين في حفظ الحديث – وعنده جماعة من أهل الحديث، والبيت غاص بالناس، وبين يديه «إبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيّة»، وهو يكلمه في خبر الواحد. قال: فقلت للشافعي: يا أبا عبد الله، عندك وجوه الناس وقد أقبلت إلى هذا المبتدع تكلمه؟! فقال لي وهو يبتسم: كلامي لهذا بحضرتهم أنفع من كلامي لهم. قال: فقالوا: صدق. قال: فأقبل عليه الشافعي، فقال له: ألست تزعم أن الحجة: الإجماع؟ فقال: نعم. فقال له الشافعي: خبرني عن خبر الواحد العدل، بإجماع ¬

_ (¬1) في هـ: «ثم قال». (¬2) في هـ: «أخطأت ابن أخي». (¬3) في ح: «القلانسي» وهو خصأ. راجع طبقات الشافعية للعبادي ص 34.

دفعته (¬1) أم بغير اجماع؟ قال: فانقطع إبراهيم ولم يجب، وسر القوم بذلك. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الفقيه، قال: حدثنا أبو جعفر بن عبد الرحمن الحافظ، قال: حدثنا خيثمة بن أبي خيثمة بن (¬2) عمرو بن خالد، بمصر، قال: سمعت أبي، رحمه الله تعالى، قال: قال لي عمرو بن خالد: كنا عند حفص الفرد، ومعنا الشافعي، فقال حفص: ما غلبني أحد إلا سيدي، ألقى عليّ مسألة، فقال: أخبرني، الفانيد (¬3) أحلى. أم النخل أطول؟ فقلت: الفانيد أحلى. فقال: أنت لا تُحسن شيئاً. قال حفص: وكان ينبغي أن أقول: هذا محال، ليس يشبه بعضه بعضاً. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا الفضل: الحسن بن يعقوب ¬

_ (¬1) في هـ: «رفضته». (¬2) في ح: «بن عمرو». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «عن عمرو»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 467 إلى «ابن عمرو» كما في ح] (¬3) الفانيد ذكره الزبيدي في تاج العروس 2/ 455 بالدال المهملة، وقال: هو نوع من الحلواء يعمل بالنشا، وكأنها أعجمية؛ لفقد فاعيل من الكلام العربي، ولهذا لم يذكرها أكثر أهل اللغة. وأشار إلى أن بعضهم يقوله بالذال المعجمة، وإلى أن المهملة أرجح، ولهذا ذكره في ص 574 من الجزء نفسه بالذال المعجمة، وقال: أهمله الجوهري. وقال الأزهري: هو ضرب من الحلواء معروف، معرب بانيد بالدال المهملة وقد مر أنهم يقولون: فانيد بالدال المهملة. وللسيوطي كتاب اسمه «الفانيد في حلاوة الأسانيد» مخطوط بدار الكتب وفي ح: «الفانيد ج».

يقول: سمعت أبا أحمد: محمد بن رَوْح، يقول: سمعت أبا إسماعيل الترمذي، يقول: سمعت «إسحاق بن إبراهيم» يقول: كنا بمكة، والشافعي، بها، وأحمد بن حنبل. قال: وكان أحمد يجالس الشافعي، وكنت لا أجالسه، فقال لي أحمد: يا أبا يعقوب، مُرَّ، جالس هذا الرجل. فقلت له: ما أصنع به؟ سنه قريب من سننا، أترك ابن عيينة والمَقبُرِيّ وهؤلاء المشايخ؟! فقال أحمد: ويحك، إن هذا يفوت، وذاك لا يفوت. قال: فجالسته فتناظرنا في كراء بيوت مكة، وكان الشافعي يُسَاهِلُ فيه، وكنت لا أساهل فيه. فذكر حديثاً، وأخذت أنا في الباب أسرد عليه وهو ساكت. فلما أن فرغت، وكان معي رجل من أهل «مرو» فالتفت إليه فقلت: «مردك لا كمالا نيست (¬1)» فعلم أني راطنت صاحبي بشيء هجنَّتْه فيه، فقال: تناظر؟ فقلت: لمناظرة جئت. قال: قال الله، عز وجل: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ (¬2)} نسب الديار إلى مالكيها أو إلى غير مالكيها؟ قال: وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة: «من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن (¬3)» فنسب الديار إلى ¬

_ (¬1) في طبقات الشافعية 2/ 89 «فقلت: مَردَك هكذا مر داك واكمالي نيست» ثم فسرها بقوله: يقول بالفارسية: هذا الرجل ليس له كمال. وفي معجم الأدباء 17/ 296 «مردك كما لي نيست» وعقب عليها بقوله: قرية عندهم بمرو يدعون العلم وليس لهم علم واسع. راجع أيضاً آداب الشافعي ومناقبه ص 42، 43، 180 وهوامشها. (¬2) سورة الحج: 40. (¬3) صحيح مسلم 3/ 1406، 1408 والسنن الكبرى للبهقي 6/ 34

أربابها أم إلى غير أربابها؟ قال: فقلت: إلى أربابها. قال: واشترى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه «دار السجن (¬1)» من مالك غير مالك؟ قال: قلت: [من (¬2)] مالك. قال: فلما عرفت أني قد أُفْحِمْتُ قُمْتُ. قال: وقال غير أبي إسماعيل في هذه الحكاية: فقال له الشافعي: لو قلتُ قولَك احتجتُ أن أُسَلْسَل. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد ابن هارون الشافعي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: حدثنا محمد ابن إسماعيل الزُّبَيْرِي (¬3)، قال: سمعت «إسحاق بن إبراهيم الحَنْظَلِي». وذكره بنحوه، وقال في آخره: فلما علمت أني قد أفحمت قمت من عنده وتركته. قال البيهقي: وقد ذكرنا حكاية مناظرتهما في كتاب «المعرفة» أتم من هذا، وفيها من الزيادة: احتجاج الشافعي بقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «وهل ترك لنا عَقِيلٌ من دار؟ (¬4)» ثم معارضة إسحاق إياه بقول التابعين. فقال الشافعي: من هذا؟ قيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. فقال له الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟ قال إسحاق: هكذا يزعمون. ¬

_ (¬1) راجع السنن الكبرى 6/ 34 (¬2) في السنن الكبرى 6/ 34 (¬3) ليست في ح. (¬4) في هـ: «الزبيدي».

قال الشافعي: ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك، فكنت آمر بِعَرْك أذنيه. أنا أقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: عطاء وطاوس وإبراهيم والحسن؟ هؤلاء لا يرون ذلك. وهل لأحد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حجة؟ وفيها من الزيادة: قال له إسحاق: اقرأ {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}. فقال الشافعي، رضي الله عنه: اقرأ أول الآية: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ (¬1)} وهذا في المسجد خاصة (¬2). أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه، قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن علي العمروي (¬3)، قال: حدثنا أبو إسماعيل: محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي، قال: رأيت الشافعي، رضي الله عنه، بمكة، فذكره. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، فيما بلغه عن «داود الأصبهاني»، أنه قال: لم يفهم «إسحاق» في ذلك الوقت إيش يحتج به الشافعي، وأراد الشافعي: ¬

_ (¬1) سورة الحج: 25. (¬2) المعرفة: النصف الثاني لوحة 31. (¬3) في هـ: «العمري».

أن الدور لو كانت مباحة للناس – كان جواب النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يقول: أي موضع أدركنا في دار من كان نزلنا فإن ذلك مباح لنا. بل أشار إلى دورهم التي كانت لآبائهم باعها عقيل بن أبي طالب، رضي الله عنه، قبل أن يسلم، فلم يطالب بشيء منها، ولم يؤاخذ [به أحداً (¬1)] وقال: لم يترك لنا عقيل مسكناً. فدل ذلك على أن كل من ملك فيها شيئاً فهو مالك، له مَنْعُه عن غيره. قال أبو الحسن: وقرأت في بعض ما حكى عن «إسحاق» أنه كان يأخذ لحيته بيده ويقول: واحَيَائي من محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه. يعني في هذه المسألة. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن مسافر (¬2) البغدادي، قال. قال لي «إسحاق بن راهويه»: كلمت الشافعي يوماً فأغلظت له فيه، فقال الشافعي: لو كنت أنا المتكلم بهذا لاستوجبت الأدب. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، عن أبي القاسم القزويني، عن أبي حفص، عن أبي عثمان بن الشافعي، أنه قال: ¬

_ (¬1) ما بين القوسين ليس في هـ. (¬2) في هـ: «سازي».

ما سمعت أبي يناظر أحداً قط فرفع صوته (¬1). قال أبو الحسن: وقرأت على أبي عبيد: محمد بن الربيع الجيزي، رحمه الله، بمصر (¬2)، أنه سمع ابن عبد الحكم، وسأله أبو سعيد الفريابي (¬3). هل كان يناظر الشافعي؟ قال: نعم، كان يناظر حتى إن كان صياحه ليسمع من خارج المسجد في الحذَّائِين، ولكنه كان منصفاً. قلت: وكأنه كان صَيِّتاً، فقول أبي (¬4) عثمان: «ما سمعته رفع صوته» أراد – والله أعلم – فوق عادته. يعني أنه كان يتكلم بكلام قوي على عادته في رفع الصوت، ولا يزيد عليها بضجر أو ضيق قلب. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو الوليد: حسان بن محمد، الفقيه، قال: حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: حدثني أبو سليمان، قال: حدثني أبو ثور، قال: قال لي الشافعي: قال لي الفضل بن الربيع: أحب أن أسمع مناظرتك للحسن بن زياد اللُّؤْلُؤِيّ (¬5): قال الشافعي: فقلت له: ليس اللؤلؤي في هذا الحد، ولكن أحضر بعض أصحابي حتى يكلمه بحضرتك. ¬

_ (¬1) أخرجه في توالي التأسيس ص 64 عن الآبري. (¬2) ليست في ح. (¬3) في هـ: «القرباني» وهو تحريف. (¬4) في هـ: «فيقول بن عثمان». (¬5) الحسن بن زياد اللؤلؤي، مولى الأنصار. أحد أصحاب أبي حنيفة. كان ضعيفاً في الحديث. ولى قضاء الكوفة بعد حفص بن غياث سنة 194. وتوفى سنة 204. وترجمته في تاريخ بغداد 7/ 314 – 317 والجواهر المضية 1/ 193 – 194.

قال: فقال: وذاك (¬1). قال أبو ثور: فحضر الشافعي وأحضر رجلا من أصحابنا كوفياً كان يَنْتَحِلُ مذهب أبي حنيفة فصار من أصحابنا. قال: فلما دخل اللؤلؤي أقبل الكوفي عليه والشافعي حاضر بحضرة الفضل بن الربيع، فقال له: إن أهل المدينة ينكرون على أصحابنا بعض قولهم، وأريد أن أسأل عن مسألة من ذلك. قال: فقال له اللؤلؤي: سل. فقال له: ما تقول في رجل قذف محصنة وهو في الصلاة؟ فقال: صلاته فاسدة. قال: فقال له: فما حال طهارته؟ قال: طهارته بحالها ولا ينقض قَذْفه طهارتَه. قال: فقال له: فما تقول إن ضحك في صلاته؟ قال: يعيد طهارته والصلاة. فقال له: وقَذْفُ المحصنات في الصلاة أيسر من الضحك فيها؟ قال له: وقعنا في هذا. ثم وثب فمضى. واستضحك الفضل بن الربيع، فقال له الشافعي: ألم أقل لك: إنه ليس في هذا الحد (¬2). أخبرنا أبو سعيد: أحمد بن محمد بن الجليلِ الهروي، قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، قال: سمعت أبا جعفر النسائي، بمصر، يقول: سمعت فهر (¬3) بن سليمان، يقول: سمعت البويطي يقول: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: قال لي الفضل بن الربيع: أنا أشتهي ¬

_ (¬1) في هـ: «فقال في ذلك». (¬2) آداب الشافعي 170 – 171 (¬3) في هـ: «قمر بن سليمان».

أن أسمع مناظرتك واللؤلؤي. قال: فقلت له: ليس هناك. فقال: أنا أشتهي ذلك. قال: فقلت له: حين شئت قال: فأرسل إليّ، فحضرني رجل ممن كان يقول بقولهم، ثم رجع إلى قولي، فاستتبعته، وأرسل إلى اللؤلؤي فجاء، فأتينا بطعام فأكلنا، ولم يأكل اللؤلؤي. وغسلنا أيدينا. فقال له الرجل الذي كان معي: ما تقول في رجل قذف محصنة في الصلاة؟ قال: بطرت صلاته، فقال له الرجل: فما حال الطهارة؟ قال: بحالها. قال: فما تقول إن ضحك في صلاته؟ قال: بطلت صلاته وطهارته. قال: فقال له: فقذف المحصنات في الصلاة أيسر من الضحك في الصلاة؟ قال: فأَخذ اللؤلؤي نعله وقام. قال: فقلت للفضل قد قلت: لك إنه ليس هناك.

20 - باب: ما جاء في قدوم الشافعي، رضي الله عنه، العراق، أيام المأمون للتدريس والتعليم، وانتفاع المسلمين بعلمه

باب ما جاء في قدوم الشافعي، رضي الله عنه، العراق، أيام المأمون للتدريس والتعليم، وانتفاع المسلمين بعلمه * * * سمعت أبا عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، يقول: سمعت أبا الوليد: حسان بن محمد، الفقيه، يقول: سمعت إبراهيم بن محمود، يقول: سمعت الزعفراني، يقول: قدم الشافعي؛ رضي الله عنه، سنة خمس وتسعين إلى بغداد، وخرج بعد ذلك إلى مكة، ثم رجع فأَقام أشهراً، ثم خرج إلى مصر، فمات بها سنة أربع ومائتين. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو الطيب: عبد الله بن محمد القاضي، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أحمد بن روح، قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: قدم علينا الشافعي - يعني بغداد - سنة خمس وتسعين ومائة، فأَقام عندنا سنتين، ثم خرج إلى مكة، ثم قدم علينا سنة ثمان وتسعين، فأقام عندنا أشهراً، ثم خرج. وكان يخضب بالحناء. وكان خفيف العارضين. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو الطيب عبد الله بن محمد، القاضي، قال: حدثنا أبو جعفر - يعني ابن عبد الرحمن الحافظ، قال: سمعت

أبا العباس - يعني المَسْرُوقِي - يقول: سمعت أبا ثور يقول (1: قدم علينا الشافعي، فذهبت إليه أنا وحسين الكَرَابِيسِي، فألقى عليه حسين: ما تقول ¬1) في رجل اشترى بيضاً فخرج في أحدها فروجة؟ فنظر إلينا فقال: لا تخلطوا السلام بغيره. قال أبو ثور: فأراد منا أن نعرف موضعه. فنظرنا من الغد إليه بحال هِبْنَاهُ منه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسين (¬2) قال: أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الحنظلي - قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي في كتابه، قال: حدثنا أبو عبد الله النَّسَوِيّ، عن أبي ثور، قال: لما ورد الشافعي، رضي الله عنه، العراق، جاءني حسين الكرابيسي، وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي، فقال: قد ورد رجل من أصحاب الحديث يَتَفَقَّه، فقم بنا نسخر به. فقام وذهبنا حتى دخلنا عليه، فسأله الحسين عن مسألة، فلم يزل الشافعي يقول: قال الله عز وجل، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى أظلم علينا البيت. فتركنا بدعتنا واتبعناه (¬3). أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله، قال: أخبرني محمد بن يوسف الدَّقيقي، قال: حدثنا علي بن الحسين بن عثمان الورّاق، قال: حدثنا محمد بن علي العمري، قال: حدثنا أبو بكر بن الجُنَيْد، قال: سمعت «أبا ثور: إبراهيم بن خالد» يقول: لولا أن الله، عز وجل، مَنَّ ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ساقط من هـ. (¬2) في هـ: «أبي الحسن». (¬3) حلية الأولياء 9/ 103.

عليّ بالشافعي للقيت الله وأنا ضال. قدم علينا، رضي الله عنه، وأنا أظن أن الله تعالى، لم يعبده أحد بغير مذهب الرأي. قيل لي: يا أبا ثور، قد قدم مدينة السلام (¬1) رجل قرشي من ولد عبد مناف، ينصر مذهب أهل المدينة، فقلت: ولأهل المدينة مذهب ينصر؟ قوموا بنا اذهبوا بنا إليه نسمع ما يقول. فقمت مع أصحابي، فنظرت إليه فإذا هو شاب (¬2) وإذا له لسان لَدَّاغ، فسمعته يقول: قال الله، عز وجل، في خبر خاص يريد به عاماً. وقال في خبر عام يريد به خاصاً. قلت: رحمك الله، وما الخاص الذي يريد به العام؟ وما العام الذي يريد به الخاص؟ [(3 وكنا لا نعرف الخاص من العام، ولا العام من الخاص ¬3)] فقال ببيانه (¬4) قوله جل وعلا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ (¬5)} إنما أراد به أبا سفيان. وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ (¬6)} فهذا خاص يريد به العام. قال أبو ثور: وأورد على مثل هذا. فقلت لأصحابي: إن نقض عليكم أحد أمرنا فهذا ينقضه بلسانه وبيانه. ثم قلت لأصحابي أرْبَعُوا حتى أسأله عن مسألة ما أتوهم أنه يجيبني عنها. قالوا: سله. قلت له: رحمك الله، مسألة واقعة. قال: هات. قلت: رجل اشترى من رجل بيضتين إحداهما بدانق، والأخرى ¬

_ (¬1) في هـ: «مدينة الإسلام». (¬2) في ا: «فاذا هو سناط» وفي هـ «فاذا هو شاباً». (¬3) ما بين الرقمين ساقط من هـ. (¬4) في هـ: «بلسانه» (¬5) سورة آل عمران 173 (¬6) سورة الطلاق: 1

بنصف دانق. انكسرت إحداهما في يده فإذا هي فاسدة، لا بدرى التي انكسرت هي التي بدانق، أو التي بنصف دانق، ما الحكم فيه. فقال له الشافعي: تأمره (¬1) أن يدعى. قال أبو ثور: فلما سمعت منه هذا قلت: لمن كان بجنبي من أصحابي: هذا رجل ينقض هذا الكتاب بعينه بلا شك. فقلت: رحمك الله، إنه لا يدري. قال: فدعه حتى يدري. نحن حكام أو معلِّمون؟! أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: أخبرنا زكريا بن يحيى. قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: سمعت «الحسين بن علي» يقول: قدم علينا الشافعي، رضي الله عنه، ونحن ثيران، فما مرت علينا سنة إلا وكل واحد منا يحتاج إلى زاوية يُجَالَسُ فيها وأخبرنا أبو عبد الرحمن، قال: أخبرنا الحسن، إجازة، قال: ذكر زكريا بن يحيى، قال: قال أبو ثور: قلت للشافعي، رضي الله تعالى عنه: إني ناظرت رجلا من أصحاب «أبي فلان» فقطعته، فقال: وتفرح أن قطعت رجلا من أصحاب «أبي فلان» إنما تجتري (¬2) على الجَرْحَي. كذا في كتابي. ¬

_ (¬1) سقطت من هـ. (¬2) في هـ: «إنما نجير» وفي هـ «وإنما تجير».

وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي، قال: حدثنا أبو القاسم: عثمان ابن سعيد الأحول، قال: سمعت أبا ثور. فذكره. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد - قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي، نزيل مكة، فيما كتب إليّ قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الدينوري، قال: سمعت أحمد بن حنبل، رحمه الله، يقول: كانت أَقْفِيَتُنَا أصحابَ الحديث في أيدي أصحاب أبي حنيفة، ما تنزع، حتى رأينا الشافعي، وكان أفقه الناس في كتاب الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما كان يكفيه (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن السّبْتِي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، قال: حدثنا محمد بن زفر (¬2)، عن علي ابن حسان، عن الحُمَيْدِي، قال: أخبرني رجل من إخواننا، من أهل بغداد، قال: قال أحمد بن حنبل: قدم علينا «نعيم بن حماد» فحضّنا على طلب المسند، فلما قدم «الشافعي» وضعنا على المَحَجَّة البيضاء (¬3) ¬

_ (¬1) في حلية الأولياء 9/ 98: «ما كان يكفيه قليل الطلب في الحديث». (¬2) سقطت من هـ. (¬3) حلية الأولياء 9/ 101.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: وفيما كتب إليّ أبو سعيد الأعرابي، يذكر أنه سمع «الحسن بن محمد الزعفراني» يقول: كان أصحاب الحديث رقوداً حتى أيقظهم الشافعي، رضي الله عنه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، فيما بلغه عن محمد بن عبد الله، قال: قال «إبراهيم الحَرْبِي» رحمه الله تعالى: قدم الشافعي بغداد، وفي المسجد الجامع الغربي عشرون حلقة لأصحاب الرأي، فلما كان في الجمعة الثانية لم يثبت منها إلا ثلاث حلق أو أربع حلق (¬1). أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، قال: أخبرنا محمد بن علي بن طلحة المروروذي (¬2)، قال: حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، قال. سمعت «الزعفراني» يقول: قدم الشافعي، رضي الله عنه، فاجتمعنا، فقال: التمسوا من يقرأ لكم، فلم يختر غيري. وما كان في وجهي شعرة، وإني لأتعجب من انطلاق لساني وجَسَارَتي بين يديه. فقرأت الكتب كلّها إلا كتابين قرأهما هو: «المناسك» و «الصلاة». ولقد كتبناها وإنّا نحسب أنا في العبث وما يحصل في أيدينا منها شيء. ولا نصدِّق بأنه يكون آخر أمرها إلى (¬3) هذا؛ لأنه قد كان غلب علينا قول الكوفيين. ¬

_ (¬1) راجع قول أبي الفضل الزجاج في ذلك، في تاريخ بغداد 2/ 68 (¬2) في هـ: «الروزوذي». (¬3) في هـ: «إلا هذا». [م - 15] مناقب

قال: وسمعت الزعفراني، يقول: إني لأقرأ كتب الشافعي وتُقْرَأُ عليّ منذ خمسين سنة. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، عن أبي عثمان: سعيد بن عبد الله البغدادي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبي: لما قدم الشافعي علينا أخذت بيد «إسحاق بن راهويه»، فصرنا إلى «الزَّعْفَرَانِي» فقلنا: قد قدم هذا الرجل، ونحتاج أن نسمع منه هذه الكتب، وأنت أفصح بها منا، فتقرأها لنا عليه. قال: فقرأتها، وكانت للزعفراني «قراءةً» ولنا «عَرْضاً». وبلغني عن أبي حامد المروروذي: أن «أبا علي الزعفراني» كان من أهل (¬1) اللغة. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: ذكر زكريا بن يحيى الساجي، قال: قال «حسين بن علي»: ما رأيت مجلساً قط أنبل من مجلس الشافعي، كان يحضره أهل الحديث، وأهل الفقه، وأهل (¬2) الشعر. وكان يأتيه كبراء أهل الفقه والشعر (¬3) فكلٌّ يتعلّم منه ويستفيد. أخبرنا محمد بن الحسين، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: ¬

_ (¬1) سقطت من هـ. (¬2) آخر الزيادة من ح. (¬3) في ح «وأهل الشعر».

حدثنا محمد بن إبراهيم الأَنْمَاطِي، قال: حدثنا «الحسن بن محمد الزَّعْفَرَانِي»، قال: ما ذهبت إلى الشافعي إلا وجدت «أحمد بن حنبل» في مجلسه. وكان أحمد ألزم للشافعي منا. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا محمد بن علي بن طلحة، قال: حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني، قال: حدثنا زكريا السَّاجي، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: سمعت الحسين بن علي، يقول: رأيت «أحمد بن حنبل» مُغَطَّى الرأس عند الشافعي. زاد فيه غيره: قال (¬1): وكذلك كان أحمد بن حنبل يدور على الفقهاء مُغَطَّى الرأس. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، قال: حدثنا إبراهيم ابن يوسف، قال: سمعت الحسن بن محمد (¬2) بن الصبّاح، يقول: قال لي «أحمد بن حنبل»: إذا رأيت الشافعي قد خلا فأَعْلِمْني. فكان يجيئُه ارتفاعَ النهار فيبقى معه. قال أبو محمد: للأُنس بينهما (¬3). وبلغني عن أبي حامد المروروذي من أصحابنا أنه ذكر بإسناد له: أن الشافعي لما قدم بغداد نزل درب الزّعفراني على الحسن بن محمد بن الصباح ¬

_ (¬1) ليست في هـ. (¬2) ليست في هـ. (¬3) آداب الشافعي 80 - 81

الزعفراني، وكان فتى أديباً متصلا بالسلطان. وكان درب الزعفراني له، ودروب كثيرة. وكان الشافعي (¬1) يُعَرِّفه عورات مذهب الكوفيين، حتى استجاب له، وسمع منه كتبه، وصار داعية للشافعي، رحمة الله عليه. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي، قال: أخبرنا عبد الله السبتي، قال: حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الرازي، بدمشق، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي حسّان الزيادي، قال: حدثنا أبي، قال: لما قدم [علينا (¬2)] الشافعي العراق قال: على من أَنْزِل؟ قيل له: انزل على أبي حسّان الزِّيَادِي. قال: فنزل على أبي (¬3)، فأقام عنده سنة في أَنْعَمِ حال، فلما كان بعد سنة استأذنه في الخروج إلى المدينة. فوجه أبي: أبو حسان إلى ستة من إخوانه: ست رِقَاع، فما رجعت (¬4) له رقعة (¬5) مع خادم لنا يقال له مارد صقلبي (¬6) - إلا ومع كل رقعة ألف دينار، فتركها بين يدي الشافعي. قال: فبكى أبي. فقال له الشافعي: فما (¬7) يبكيك يا أبا حسان، أصلحك الله؟ فقال: ما كنت أقدر أن أكتب إلى أخ من إخواني في أخ مثلك ينزل عليّ في شرفك ومَنْصِبِكَ فيوجِّه إليّ بألف دينار. ثم قال: لا يزال الناس في تناقص من إخوانِهم (¬8) وأفعالهم. ثم قال: إذا شئت يا أبا عبد الله. قال: فأخذ الدنانير وخرج من عنده إلى المدينة. ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ومناقبه 80 - 81 (¬2) من ح. (¬3) في هـ: «فنزل عليه». (¬4) في ا: «وقعت». (¬5) سقطت من هـ. (¬6) في هـ: «صقلي» وليست في ا. (¬7) في هـ: «ما يبكيك». (¬8) في ا: «من أحوالهم».

وفيما روى حمزة بن يوسف الجُرْجَاني، عن أبيه، عن أبي نعيم، عن محمد ابن عبد الله بن سليمان بن أبي بكر، عن الربيع بن سليمان: عن الشافعي، قال: لما قدمتُ بغداد نزلت على «بشر المريسي» فأنزلني في العلو وهو في السفل إكراماً منه لي، فكنت (¬1) عنده مدّة، فقالت أمه لي (¬2) ذات يوم: إيش تصنع عند هذا (¬3) الزّنديق؟ فخرجتُ من عنده وتركتُه. وكانت له قَدَمَات، ولا أدري في أي قَدْمَةٍ كان نزوله على هذا، وعلى أبي حسّان، وعلى الزّعفراني. ¬

_ (¬1) في ا: «فمكثت». (¬2) ليست في ا. (¬3) ليست في هـ.

21 - باب: ما جاء في سبب تصنيف الشافعي، رحمه الله، كتاب الرسالة القديمة

باب ما جاء في سبب تصنيف الشافعي، رحمه الله، كتاب الرسالة القديمة * * * أخبرنا أبو الحسين: علي بن محمد بن عبد الله بن بِشْرَان العدل، ببغداد، قال: أخبرنا أبو محمد (¬1): دَعْلج بن أحمد بن دعلج، قال: سمعت جعفر ابن أحمد السَّلمَاني، يقول: سمعت جعفر بن أخي أبي ثور، يقول: سمعت عمي، يقول: كتب «عبد الرحمن بن مهدي» إلى «الشافعي» وهو شاب أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة. فوضع له «كتاب الرسالة». قال «عبد الرحمن بن مهدي»: ما أصَلِّي صلاة إلا وأدعو للشافعي فيها. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الطيب، قال: حدثنا أبو جعفر الأصبهاني، قال: حدثنا أحمد بن روح، قال: حدثنا محمد ¬

_ (¬1) في هـ: «محمود».

ابن إسماعيل (¬1) ح. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أنبأنا عباس بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد الزعفراني، قال: حدثنا زكريا بن يحيى السّاجي، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثني «موسى بن عبد الرحمن بن مهدي» قال: أول من أظهر رأي مالك، رحمه الله، بالبصرة «أبي» أحْتَجَمَ ومسحَ الحِجَامَةَ، ودخل المسجد فصلى ولم يتوضأ. فاشتد ذلك على الناس. وثبت «أبي» على أمره. وبلغه خبر الشافعي ببغداد، فكتب إليه يشكو ما هو فيه، فوضع له «كتاب الرسالة» وبعث به إلى «أبي» فسرّ به سروراً شديداً. قال موسى: فإني لأعرف ذلك الكتاب بذلك الخط عندنا. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد الحافظ، قال: حدثني الحسن بن سفيان النَّسَوي، قال: حدثنا «الحارث بن سريج النَّقَّال» قال: أنا حملت «كتاب الرسالة» للشافعي، إلى «عبد الرحمن بن مهدي» فأعجب به، فجعل يقول: لو كان أقلّ أُمِّيٍّ ليفهم. أخبرنا محمد بن الحسين (¬2) السلمي، قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ، قال: ¬

_ (¬1) في هـ: «إبراهيم». (¬2) في هـ: «الحسن».

حدثنا القاضي عمر بن الحسين (¬1) بن مالك، قال: حدثنا يعقوب بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن خلاد الذهلي، قال: سمعت «عبد الرحمن بن مهدي» وقرأ كتاب الرسالة للشافعي، فقال: هذا م كلا رجل مُفَهِّم. وقرأت في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين (¬2) العاصمي، فيما حُكي له عن الزعفراني، قال: كتب «عبد الرحمن بن مهدي» إلى «الشافعي» رحمه الله: أن اكتب إليَّ ببيان مِنْ عِلْمٍ. فكتب إليه بالرسالة. فلما قرأها «عبد الرحمن» قال: ما ظننت أنه يكون في هذه الأمة اليوم مثل هذا الرجل، أو أنَّ الله، عز وجل، خلق مثل هذا الرجل. قلت: وعبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد البصري: أحد أركان أهل العلم بالحديث: روينا عن علي بن عبد الله بن المَدِينِي أنه قال: والله لو أُخِذت وحلِّفت بين الرُّكْنِ (¬3) والمقام لحلَفت بالله أني لم أر قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي. وعبد الرحمن بن مهدي مات قبل الشافعي بسنين (¬4)، مات سنة ثمان وتسعين ومائة. وفيها مات أيضاً يحيى بن سعيد بن فَرُّوْخ: أبو سعيد القطّان، ¬

_ (¬1) في ا: «الحسن». (¬2) في ح، هـ: «الحسن». (¬3) ليست في ح. (¬4) في ح، هـ: «بسنتين» وهو خطأ واضح.

أخد أئمة هذا الشأن. وكان من المستفيدين من كتاب الشافعي والمُتَبَجِحِين به. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت الزبير بن عبد الواحد الحافظ، يقول: سمعت عبدان الأهوازي، يقول: حدثني محمد بن الفضل، قال: حدثنا هارون، قال: ذكر «يحيى بن سعيد» الشافعيَّ فقال: ما رأيت أعقل - أو أفقه - منه قال: و «عَرَضَ عليه» كتاب الرسالة له. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن الصبّاح، قال: أُخْبِرت عن «يحيى بن سعيد القطان» أنه قال: إني لَأَدْعُو الله تعالى للشافعيِّ في كلِّ صلاة (1 أو في كل ليلة ¬1) أو في كل يوم. يعني لما فتح الله عليه من العلم ووفقّه للسّداد فيه. وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجي: عن عبد الله بن داود: أبي عبد الرحمن الطُّوسي، قال: حدثني الزعفراني، قال: سمعت يحيى بن معين، أو غيره، يقول. سمعت «يحيى بن سعيد» يقول: أنا أدعو الله للشافعي في صلاتي منذ ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في هـ ولا في ح.

أربعين سنة. وقد رويناه من وجه آخر، عن يحيى بن معين، عن يحيى ابن سعيد. قال أحمد: ثم إنّ الشافعي، رحمه الله، حين خرج إلى «مصر» وصنف الكتب المصرية - أعاد تصنيف «كتاب الرسالة». وفي كل واحد منهما من بيان أصول الفقه ما لا يستغنى عنه أهل العلم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، قال: حدثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله، قال: حدثني «إسحاق بن راهويه» قال: كتبت إلى «أحمد بن حنبل»: أن أَنْفِذ إليَّ مِنْ كتب الشافعي ما تعلمه أحتاج إليه منها. فكتب إليَّ: لم أعلم ما تحتاج إليه منها فأُنْفِذَه، لكن (¬1) قد أنفذت إليك من كتبه كتاباً يدلك على عَوَامِّ أصول العلم - أو قال: على عوام أصول علمه - وأنفذ إليَّ كتابَ الرسالة (¬2). فرأيت إسحاق كالمُؤَنِّبِ لأحمدَ يقول: لكنه لو كان هو الكاتب إليّ بمثل ما كتبتُ إليه، ثم كانت كتب الشافعي، رضي الله عنه، عندي لدريت ما يحتاج هو إليه منها فأنفذه. وهذا يدل على أنه كان ينتظر أن يبعث إليه أحمدُ مع كتاب الرسالة غيرَه. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني محمد بن محمد المسَافِرِي، قال: حدثنا محمد بن المُنْذِر، قال: ¬

_ (¬1) ليست في ح، ولا في هـ. (¬2) راجع آداب الشافعي 62 - 63

سمعت «عبد الملك بن عبد الحميد» يقول: قال لي «أحمد بن حنبل»: لم لا تنظر في كتب الشافعي؟ فقلت له: يا أبا عبد الله، نحن مشاغيل، قال: فكِتاب (¬1) الرسالة فانظر فيها فإنها من أحسن كتبه. * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن حيّان، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: حدثنا أبو علي: أحمد بن محمد بن مصقله، قال: سمعت فوران يقول: قسَّمتُ كتبَ أبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - بين ولديه: صالح وعبد الله، فوجدت فيها رسالتي الشافعي العراقي والمصري. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو أحمد: محمد بن أحمد الكَرَابِيسِي (¬2)، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، قال: حدثني «محمد بن محمد بن إدريس الشافعي «قال: قال لي» أبو عبد الله (¬3): أحمد بن حنبل»: إني أدعو الله في الليل أو في السحر لإخواني - أو أصحابي - أبوك خامسهم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا الوليد يحكي عن بعض شيوخه عن المُزَنِيّ أنه قال: ¬

_ (¬1) في ا: «فقال. كتاب» (¬2) في ح: «محمد بن أحمد بن محمد الكرابيسي. (¬3) في ح: «أبو عبد الرحمن».

قرأت «كتاب الرسالة» للشافعي خمسمائة مرة، ما من مرة منها إلا واستفدت [منها] (¬1) فائدة جديدة لم أستفدها في الأخرى (¬2). وفي كتاب أبي الحسن العاصمي عن أبي نعيم: عبد الملك بن محمد بن عدي، قال: قال أبو القاسم الأَنْمَاطِيّ: قال المُزَني: أنا أنظر في «كتاب الرسالة» عن الشافعي منذ خمسين سنة، ما أعلم أني نظرت فيه من مرة إلا وأنا أستفيد شيئاً لم أكن عرفته (¬2). ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) نقلهما النووي في تهذيب الأسماء واللغات 1/ 47

22 - باب: ما جاء في قدوم الشافعي، رحمه الله، مصر وتصنيفه بها الكتب المصرية [الجديدة] وانتفاع المسلمين بها

باب ما جاء في قدوم الشافعي، رحمه الله، مصر وتصنيفه بها الكتب المصرية [الجديدة (¬1)] وانتفاع المسلمين بها * * * أخبرنا أبو سعد: أحمد المَالِينِي، قال: حدثنا أبو أحمد: عبد الله بن عدي، قال: سمعت أحمد بن علي المدائني، يقول: حدثنا يحيى (¬2) بن عثمان، قال: سمعت «حَرْمَلَة» يقول: قدم علينا «الشافعي» سنة تسع وتسعين ومائة، ومات سنة أربع ومائتين عندنا بمصر. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: قال: أنبأني أبو عمرو بن السَّمَّاك، شِفَاهاً (¬3): أن أبا سعيد الجصَّاص حدثني، قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الزّجّاج - وكان يجالس الربيع بن سليمان -[عن الربيع بن سليمان (¬4)] قال: رأيت (¬5) «الشافعي» رحمه الله، بنصيبين، قبل أن يدخل مصر، فلم أره آكِلاً بنهارٍ، ولا نائماً بليل، وكانت له جارية سوداء تخدمه، وكان يعمل الباب (¬6) من العلم، ثم يقول: يا جارية قومي إلى القَدَّاح، فتقوم فَتُسْرِجُ له، فيكتب ما يحتاج أن يكتبه ويرسمه في موضعه، ثم يطفئ ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) في ح: «علي». (¬3) ليست في ح. (¬4) ما بين القوسين سقط من ا. (¬5) في ح، هـ «لزمت». (¬6) في هـ «الكتاب».

السراج ويستلقي على ظهره، فيعمل الباب من العلم، ثم يقول: يا جارية قومي إلى القَدّاح، فتقوم وتسرج له، فيكتب الباب من العلم ويرسمه في موضعه، ثم يطفئ السراج، فكان على هذا منه (¬1). فقلت: يا أبا عبد الله، لو تركت السِّرَاج يَقِد؛ فإن هذه الجارية منك في جهد؟ قال: إنّ السراج يشغل قلبي. قال: وقال لي يوماً: كيف تركت أهل مصر؟ فقلت: تركتهم على ضربين: فرقة منهم قد مالت إلى قول «مالك» وأخذت به، واعتمدت عليه، وذبَّت عنه وناضلت عنه. وفرقة [قد (¬2)] مالت إلى قول «أبي حنيفة» فأخذت به، وناضلت عنه. فقال: أرجو أن أقدم (¬3) مصر، إن شاء الله، وآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعاً. قال الربيع: ففعل ذلك - والله - حين دخل مصر. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا إبراهيم ابن محمود بن حمزة، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: قدم الشافعي محمد بن إدريس المطلبي مصر (¬4) سنة مائتين، وابتدأ في هذا الكتاب، ومات سنة أربع ومائتين، وسنه (¬5) خمس أو أربع وخمسون. ¬

_ (¬1) في هـ «سنة». (¬2) من ح. (¬3) في هـ «أعبر». (¬4) في ا «بمصر». (¬5) في ح، هـ «وله».

أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسن السلمي قال: أنبأنا عبّاس بن محمد، حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد الزّعْفَراني، حدثنا زكريا بن يحيى السّاجي، قال: حدثني ياسين بن عبد الواحد (¬1) قال: لما قدم علينا الشافعي مصر، أتاه جَدِّي، وأنا معه، فسأله أن ينزل عليه فأبى وقال: إني أريد أن أنزل على أخْوالِي (¬2) الأَزْد. فنزل عليهم. قال أحمد: وهذا الذي فعله الشافعي، رحمه الله، من النزول على أخواله، فإنه (¬3) قصد به متابعة السُّنَّة فيما فعل النبي، صلى الله عليه وسلم، حين قدم المدينة من النزول على أخواله. وهو فيما أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، قال: حدثنا عبد الله ابن جعفر، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، وعبد الله بن رجاء، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البَرَاء، رضي الله عنه، عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، قال: ومضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنا معه، حتى قدمنا المدينة لَيْلاً: فَتَنَازَعَهُ القومُ أيهم ينزل عليه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إني أنزل الليلة على بني النَّجَّار، أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك (¬4)». أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، قال: أنبأنا محمد بن علي بن طلحة، قال: ¬

_ (¬1) في ح، هـ: «عبد الأحد». (¬2) في ا: «إخواني». (¬3) ليست في ح. (¬4) أخرجه مسلم في كتاب الزهد: باب حديث الهجرة، ويقال له: حديث الرحل 4/ 2310 وأحمد في المسند 1/ 154 - 156 وهو الحديث الثالث فيه. ورواه المؤلف أيضاً في دلائل النبوة من هذا الطريق حـ 3 لوحة 11.

حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني، قال: حدثنا زكريا السّاجي، قال: سمعت هارون بن سعيد الأَيْلي، يقول: ما رأيت مثل الشافعي: قدم علينا مصر، فقالوا: قدم رجل من قريش، فجئْناه وهو يصلّي، فما رأيتُ أحسن صلاة منه، ولا أحسن وجها منه، فلما قضى صلاته تكلّم، فما رأينا أحسن كلاماً منه، فافْتَتَنَّا به. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حيان، قال: أنبأنا محمد بن عبد الرحمن بن زياد، قال: حدثنا أحمد بن طاهر، قال: حدثنا جدي، قال: كان الشافعي يجلس إلى هذه الإِسْطِوَانَة في المسجد - وأرانا الشيخ الإسطوانة - فُتُلْقَى له طُنفُسة فيجلس عليها، وينْحنِي لوجهه؛ لأنه كام مِسْقاماً، فيصنف. وصنّف هذه الكتب في أربع سنين. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني [ابن (¬1)] محمد بن إدريس - قال: حدثنا بَحْر بن نصر الخَولاَنِي، بمصر، قال: قدم الشافعي من الحجاز فبقى بمصر أربع سنين، ووضع هذه الكتب في أربع سنين، ثم مات. وكان أقدم معه من الحجاز «كتبَ ابن عيينة»، وخرج إلى يحيى بن حسّان فكتب عنه، وأخذ كتاباً من [كتب (¬2)] أَشْهَب بن عبد العزيز فيه آثار وكلام من كلام أشهب. وكان يضع الكتب ¬

_ (¬1) سقطت من ا (¬2) من ح. وفي الأصل: كتب.

بين يديه ويصنف الكتب، فإذا ارتفع له كتاب جاءه صديق له يقال له «ابن هرم (¬1)» فيكتب ويقرأ عليه البويطي، وجميع من يحضر يسمع في كتاب ابن هرم ثم ينسخونه [بعد (¬2)]، وكان الربيع على حوائج الناس فربما غاب في حاجة فيعلِّم له (¬3)، فإذا رجع قرأ الربيع عليه ما فاته (¬4). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد الفقيه، قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن الحافظ، قال: حدثنا خَيْثَمَة بن أبي خَيْثَمَة بن عمرو بن خالد، بمصر، قال: سمعت أبي قال: قال أبي: عمرو بن خالد (¬5): جاءني الشافعي وأخذ مني كتاب موسى بن أعين: «كتاب اختلاف الأوزاعي وأبي حنيفة». قال أحمد: هذا «كتاب في السِّيَر»، صنفه أبو حنيفة فرد عليه الأوزاعي ما خالفه فيه، ثم رد أبو يوسف على الأوزاعي ردَّه على أبي حنيفة، فأخذه الشافعي وردَّ على أبي يوسف ردَّه على الأوزاعي، ونصر الأوزاعي. وهو (¬6) الكتاب الذي يعرف بِسِيَر الأوزاعي. رواه الربيع بن سليمان المرادي عن الشافعي. وفيه من أحكام ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن محمد بن هرم، قال ابن حجر في توالي التأسيس ص 79: إنه روى عن الشافعي ومات قبله، وترجم له السبكي في طبقات الشافعية 2/ 81 وذكر العبادي في طبقاته ص 28 - 29 أن المزني روى عنه عن الشافعي في تفسير قوله تعالى {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ولكن ورد اسمه فيها محرفا: عبد الله بن هرم. (¬2) ليست في ا. (¬3) في ح: «لهم». (¬4) آداب الشافعي وهامشه ص 70 - 71. (¬5) في ح: «سمعت أبي يقول: إن ابن عمرو بن خالد». (¬6) في ح: «هذا». [م - 16] مناقب

السِّير (¬1) شيء كثير. وأما «كتاب أَشْهَب» فإنما أخذه ليعرف [منه (¬2)] ما شذّ عنه من أقاويل مالك بن أنس وأصحابه؛ فيمكنه الردّ عليهم فيما خالفهم فيه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أنبأنا الحسين بن أحمد الهَرَوِي (¬3) قال: حدثنا محمد بن بشر العلوي، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: كان الشافعي جزَّأ الليل ثلاثة أجزاء: الأول يَكْتب، والثاني يُصَلِّي، والثالث ينام. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الوليد: حسّان بن محمد، الفقيه، قال: حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: سمعت الربيع يقول: ألّف الشافعي هذا الكتاب - يعني «المَبْسُوط» - حِفْظاً لم يكن معه كتب. قال إبراهيم: فأخبرت يونس (¬4) بن عبد الأعلى بهذا، قال: قد قيل هذا. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو تراب (¬5) المُذَكِّر، قال: حدثنا محمد بن المُنْذِر، قال: حدثنا الربيع، قال: بِتُّ عند الشافعي ما لا أُحْصِي، فكان إذا انصرف اتَّشَحَ برداء، ووضعت له منارة قصيرة، واتكأ على وسادة ¬

_ (¬1) في ح، هـ «السنة». (¬2) من ح. (¬3) في ح «القروي». (¬4) سقطت من ح (¬5) في ح «أبو ثور».

وتحته مُضَرَّبَتَان، ويأخذ القلم فلا يزال يكتب. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد - قال: حدثنا أبو بشر بن أحمد (¬1) بن حماد، قال: حدثنا أبو بكر بن إدريس، قال: سمعت الحميدي يقول: خرجت مع الشافعي إلى مصر، فكان هو ساكناً في العلو ونحن في الأوساط، فربما خرجت في بعض الليل فأرى المصباح، فأصيح بالغلام، فيسمع صوتي، فيقول: بِحَقِّي عليك أرْقَ، فأَرْقَى فإذا قرطاس وجُزء، فأقول: مه يا أبا عبد الله، فيقول: تفكرت في معنى حديث، أو في مسألة، فخفت أن يَذْهَبَ عَلَيًّ (¬2)، فأمرت بالمصباح، فكتبته (¬3). وقرأت في كتاب زكريا السّاجي، عن أحمد بن محمد بن أبي العباس، عن محمد بن عبد الملك المصري، قال: دخل رجل على الشافعي قبل طلوع الفجر، فوجده ينظر في المصحف، فقاله له: في هذا الوقت يا أبا عبد الله؟ قال: إني لعلى هذا منذ صلّيت ¬

_ (¬1) في ح؛ «حدثنا يونس بن أحمد» وهو خطأ. أما أبو بشر: فهو محمد بن أحمد بن حماد، الأنصاري الرازي الراق، المعروف بالدولابي. صاحب كتاب الكنى والأسماء. ولد سنة 224 وتوفى سنة 310 هـ. وترجمته في تذكرة الحفاظ 2/ 759 - 760 (¬2) في حـ: «تذهب عني» وفي هـ: «يذهب عني»، (¬3) آداب الشافعي ومناقبه 44 - 45 وعنه في حلية الأولياء 9/ 96.

العَتَمَةَ (¬1) أنظر في «أحكام القرآن». وقرأت في كتاب العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، عن محمد بن عبد الله القزويني، قاضي مصر، قال: سمعت الربيع يقول: لما أراد الشافعي أن يصنف «أحكام القرآن» قرأ القرآن مائة مرة. قال القزويني: أظنه غيرَ دَرْسه الذي كان يدرسه. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو بكر: أحمد بن العباس ابن الإمام المقري (¬2)، قال: سمعت أبا بكر بن زياد، الفقيه النيسابوري، يقول عن المزني حكاية أو سماعاً، قال: كان الشافعي إذا دخل شهر رمضان يقوم الليل يصلي، فإذا مرت به آية تصلح لباب من أبواب الفقه يرجع ويسلم، ويُسْرِجُ السّراج ويثبتها، ثم يطفئ السراج، ويعود إلى الصلاة، ثم يفعل ذلك في الليل (¬3) مراراً كثيرة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ، بأَسَدَابَاد، قال: حدثني إسماعيل بن داود البزاز، بمصر، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول: الشافعي (¬4) علّم أهل مصر بالاحتجاج. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أنبأني أبو عمرو: عثمان بن أحمد بن السَّمَّاك شِفَاهاً، أنّ أبا محمد (¬5) الشافعي أخبرهم في كتابه، قال: سمعت ¬

_ (¬1) العتمة: صلاة العشاء. (¬2) في ح: المغربي. (¬3) في ح: «في الليلة». (¬4) في ا: يقول «حدثني الشافعي» (¬5) [«ابن»] سقطت من ح. [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «أبا محمد بن الشافعي»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 467]

أبي: محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع، يقول: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: لا يَنْبُلُ قرشي بمكة ولا يظهر ذكره حتى يخرج منها؛ وذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يظهر أمره حتى خرج من مكة. ولا يكاد يجود شعر القرشي؛ وذلك أن الله، جل ذكره، قال لنبيه، صلى الله عليه وسلم: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ (¬1)}. ولا يكاد يجود خط القرشي؛ وذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان أمياً (¬2). ¬

_ (¬1) سورة يس: 69 (¬2) في ا: بعد هذا: آخر الجزء الرابع من أصل المصنف.

23 - باب: ذكر عدد ما وصل إلينا من مصنفات الشافعي، رحمه الله

باب ذكر عدد ما وصل إلينا من مصنفات الشافعي، رحمه الله * * * وله كتب مصنفة في «أصول الفقه» ثم في فروعه (¬1). فمن الكتب التي تجمع الأصول وتدل على الفروع: 1 - كتاب الرسالة القديمة. 2 - كتاب الرسالة الجديدة. 3 - كتاب اختلاف الأحاديث. 4 - كتاب جماع العلم. 5 - كتاب إبطال الاستحسان. 6 - كتاب أحكام القرآن. 7 - كتاب بيان فرض الله، عز وجل. 8 - كتاب صفة الأمر والنهي. 9 - كتاب اختلاف مالك والشافعي. 10 - كتاب اختلاف العراقيِّين. 11 - كتاب الردّ على محمد بن الحسن. ¬

_ (¬1) في ا: «فروعها».

12 - كتاب عليّ وعبد الله. 13 - كتاب فضائل قريش. * * * ومن الكتب التي هي مصنفة في الفروع، وهي التي تعرف بالأم: في الطهارات 1 - كتاب الوضوء. 2 - والتيمم. 3 - والطهارة. 4 - ومسألة المني. 5 - وكتاب الحيض. وفي الصلوات 6 - كتاب استقبال القبلة. 7 - كتاب الإمامة. 8 - كتاب الجمعة. 9 - كتاب صلاة الخوف. 10 - كتاب صلاة العيدين. 11 - كتاب الخسوف. 12 - كتاب الاستسقاء. 13 - كتاب صلاة التطوع. 14 - الحكم في تارك الصلاة. 15 - كتاب الجنائز. 16 - كتاب غسل الميت

في الزكوات 17 - كتاب الزكاة. 18 - كتاب [زكاة (¬1)] مال اليتيم. 19 - كتاب زكاة الفطر. 20 - كتاب فرض الزكاة. 21 - كتاب قسم الصدقات. وفي الصيام 22 - كتاب الصيام الكبير. 23 - كتاب صوم التطوع. 24 - كتاب الاعتكاف. وفي الحج 25 - كتاب المناسك الكبير. 26 - مختصر الحج الأوسط. 27 - مختصر الحج الصغير (¬2). وفي المعاملات 28 - كتاب البيوع. 29 - كتاب الصَّرْف. 30 - كتاب السَّلَم. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) في ح: الأصغر.

31 - كتاب الرهن الكبير. 32 - كتاب الرهن الصغير. 33 - كتاب التَّفْلِيس. 34 - كتاب الحجر وبلوغ الرشد. 35 - كتاب الصلح. 36 - كتاب الاستحقاق. 37 - كتاب الحمالة والكفالة. 38 - والحوالة والوكالة والشركة 39 - كتاب الإقرار والمواهب 40 - كتاب الإقرار بالحكم الظاهر 41 - كتاب إقرار الأخ بأخيه 42 - كتاب العارية. 43 - كتاب الغضب. 44 - كتاب الشفعة وفي الإجارات 45 - كتاب الإجارة 46 - الأوسط في الإجارة. 47 - كتاب الكراء والإجارات. 48 - اختلاف الأجير والمستأجر. 49 - كتاب كراء الأرض. 50 - كراء الدواب.

51 - كتاب المزارعة. 52 - كتاب المساقاة. 53 - كتاب القراض. 54 - كتاب عمارة الأرضين وإحياء الموات. وفي العطايا 55 - كتاب المواهب. 56 - كتاب الأحباس. 57 - كتاب العُمْرَى والرُّقْبَى. وفي الوصايا 58 - كتاب الوصية للوارث. 59 - والوصايا في العتق. 60 - كتاب تغيير (¬1) الوصية. 61 - صدقة الحي عن الميت. 62 - وصية الحامل. وفي الفرائض وغيرها 63 - كتاب المواريث. 64 - كتاب الوديعة. 65 - كتاب اللقطة. 66 - كتاب اللقيط. ¬

_ (¬1) في ح «تعيين». وما أثبته هو الموافق لما في كتاب الأم 4/ 45

وفي الأنكحة 67 - كتاب التعريض بالخطبة. 68 - كتاب تحريم الجمع. 69 - كتاب الشغار. 70 - كتاب الصداق. 71 - كتاب الوليمة. 72 - كتاب القسم. 73 - كتاب إباحة الطلاق. 74 - كتاب الرَّجْعَة. 75 - كتاب الخلع والنّشُوز. 76 - كتاب الإيلاء. 77 - كتاب الظِّهار. 78 - كتاب اللعان. 79 - كتاب العدد. 80 - كتاب الاسْتِبْرَاء. 81 - كتاب الرضاع. 82 - كتاب النفقات. وفي الجراح 83 - كتاب جراح العمد. 84 - كتاب جراح الخطأ والديات. 85 - [اصطدام السفينتين] (¬1) ¬

_ (¬1) من حـ، هـ.

86 - الجناية على أم الولد. 87 - الجناية على الجنين. 88 - خطأ الطبيب. 89 - جناية المعلم. 90 - [جناية] البَيْطَار والحجَّام. 91 - كتاب القَسَامَة. 92 - صَوْل الفحل. وفي الحدود 93 - كتاب الحدود. 94 - كتاب القطع في السرقة 95 - قطّاع الطريق. 96 - صفة النفي. 97 - كتاب المرتد الكبير. 98 - كتاب المرتد الصغير. 99 - الحكم في السّاحر. 100 - كتاب قتال أهل البغي. وفي السير والجهاد 101 - كتاب الجزية. 102 - كتاب (¬1) على سِيَر الأوزاعي. 103 - كتاب على سِيَرَ الواقدي. ¬

_ (¬1) في ح: «كتابه»

104 - كتاب قتال المشركين. 105 - كتاب الأُسَارَى والغُلُول. 106 - كتاب السَّبْق والرّمي. 107 - كتاب قسم الفيء والغنيمة. وفي الأطعمة 108 - كتاب الطعام والشراب. 109 - كتاب الضحايا الكبير. 110 - كتاب الضحايا الصغير. 111 - كتاب الصيد والذبائح. 112 - كتاب ذبائح بني إسرائيل. 113 - كتاب الأشربة. وفي القضايا 114 - كتاب آداب القاضي. 115 - كتاب الشهادات. 116 - كتاب القضاء باليمين مع الشاهد. 117 - كتاب الدّعوى والبينات. 118 - كتاب الأقضية. 119 - كتاب الإيمان والنذور. وفي العتق وغيره 120 - كتاب العتق.

121 - كتاب القُرْعَة. 122 - كتاب البَحِيرَة والسَّائبَة. 123 - كتاب الولاء والحلف. 124 - كتاب الولاء الصغير. 125 - كتال المُدَبَّر. 126 - كتاب المُكاتَب. 127 - كتاب عتق أمهات الأولاد. 128 - كتاب الشروط. فذلك مائة ونيف وأربعون كتابا * * * وله كتاب في الطهارة، وكتاب في الصلاة، وكتاب في الزكاة، وكتاب في الحج، وكتاب في النكاح وما في معناه، وكتاب في الطلاق وما في معناه، وفي الإيلاء، والظهار، واللعان، والنفقات: أملاها على أصحابه، ورواها عنه الربيع بن سليمان المرادي، رحمه الله، مع ما تقدم ذكرنا له من الكتب المصنفة. غير أنه لم يَسْمَع منه من الكتب التي صَنَّفَها عِدَّةَ كُتُبٍ فيقول فيها: قال الشافعي، رحمه الله، منها: كتاب الوصايا الكبير، وكتاب علي وعبد الله، رضي الله عنهما، وكتاب إحياء الموات، وكتاب الطعام والشراب، وكتاب ذبائح بني إسرائيل، وكتاب غسل الميت.

ولأبي يعقوب: يوسف بن يحيى البويطي، والربيع بن سليمان المرادي، عن الشافعي مختصرات تشتمل على هذه الكتب، وفيها زيادات كثيرة. * * * وللشافعي كتاب يسمى «كتاب السنن (¬1)» يشتمل على هذه الكتب، وفيه زيادات كثيرة من الأخبار والآثار والمسائل، رواه عنه حَرْمَلةُ بن يحيى المصري، وأبو إبراهيم: إسماعيل بن يحيى المزني، رحمهم الله. وروى أيضاً حرملة بن يحيى من الكتب المصنفة التي رواها الربيع عدة كتب، وفي روايته زيادات. وفيما حكى أبو الحسن العاصمي بإسناده عن «حرملة» أنه قال: عندي قِمَطْرٌ من مسائل الشافعي مَنْثورَة * * * وقد صنف الشافعي، رحمه الله، في القديم أكثر هذه الكتب التي رواها (¬2) عنه الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، رحمه الله، منها: كتاب السنن، وكتاب الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والاعتكاف، والبيوع، والرهن، والإجارة، والنكاح (¬3)، والطلاق، والصداق، والظهار، والايلاء، واللعان، والجراحات، والحدود، والسَّيَر، والقضايا، وقتال أهل البغي [والعتق (¬4)]، وغير ذلك. ثم أعاد تصنيف هذه الكتب في الجديد غير (¬5) كتب معدودة منها: ¬

_ (¬1) في ا: «السير». (¬2) في حـ: «الكتب ورواها». (¬3) سقطت من هـ. (¬4) من حـ، هـ. (¬5) في ا: «عن».

كتاب الصيام، وكتاب الصداق، وكتاب الحدود، وكتاب الرهن الصغير، وكتاب الإجازة، وكتاب الجنائز. فكان يأمر بقراءة هذه الكتب عليه في الجديد، ثم يأمر بتخريق ما تغير اجتهاده فيه، وربما يدعه إكتفاء بما ذكر في موضع آخر. وله كتب صنفها في القديم، وحملها عنه الحسين بن علي الكَرَابِيسي، وأبو عبد الرحمن: أحمد بن يحيى بن عبد العزيز البغدادي، الذي يعرف بالشافعي، غير أن روايتهما سقطت، وتلك الكتب عدمت في زماننا هذا إلا القليل منها. وقد وقع بيدي منها «كتاب السير» رواية أبي عبد الرحمن، وفيه زيادات كثيرة. * * * ولأبي ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي أيضاً روايات، وفيها زيادات ولأبي عبد الله: أحمد بن حنبل الإمام أيضاً روايات في المسائل المَنثُورَة، ثم في أنساب قريش، وغيرها، مما أخذه عن الشافعي، سوى ما روى عنه من الأخبار المسندة. ثم لأبي إبراهيم المزني، رحمه الله، رواية بزيادات (¬1) أورد بعضها في «المختصر الكبير»، ثم في «المختصر الصغير»، ثم في «المنثورات». ¬

_ (¬1) في حـ: في روايته زيادات.

ولأبي الوليد: موسى بن أبي الجَارُود «مختصر» كمختصر البُوَيْطِي يرويه عن الشافعي، وفي روايته زيادات. ثم لسائر (¬1) أصحابه: كعبد الله بن الزبير الحُمَيْدِي، ويونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وعبد العزيز بن عِمْرَان بن مِقْلاَص، والربيع بن سليمان الجِيْزِي - وهو غير المرادي - والحارث بن سُرَيج النَّقَّال، والحسين (¬2) القَلاَّس، وبحر بن نصر الخُوْلاَنِي؛ وغيرهم - روايات في مسائل معدودة، ينفرد كل واحد منهم بما لا يشاركه فيه [غيره (¬3)]. وذلك يدل على «كتب» أملاها أو قرأها عليهم غير ما سمينا. والله يرحمنا وإياهم. * * * ثم له في سائر أنواع العلوم حظّ وافر، ونحن نشير - إن شاء الله تعالى - في كلّ نوع منها إلى طَرَفٍ منه، دون الإطناب فيه مخافة تطويل الكتاب وبالله التوفيق. * * * قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي فيما كتب (¬4) إليه مكحول البيروتي يذكر عن الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي يقول: ¬

_ (¬1) في ا «ثم اثار أصحابه» (¬2) في ا: «والحسين بن الفلاس». (¬3) من ح. (¬4) في ح: «كتبه». [م - 17] مناقب

«ألفت هذه الكتب» واستفرغت مجهودي فيها، ووددت أن يتعلمها الناس ولا تنسب إلى. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي يقول: وَدْدِتُ أن الناس، أو الخلق، تعلّموا هذا - يعني كتبه - على أن لا ينسب إلي منه شيء. أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد ابن عبد الرحمن البستي (¬1)، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الرّازي (¬2)، قال: حدثنا إسحاق بن محمد الأنصاري، بِصيْدَا: عن محمد بن إسحاق بن راهويه، قال: سمعت أبي وسُئلَ: كيف وضع الشافعي هذه الكتب كلها ولم يكن بكبير السن؟ فقال: عجَّل الله له عقله لقلّة عمره. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: قال العباس بن أحمد بن الطيب الشافعي، شيخ عصره، بمصر: حدثنا عبد الواحد بن أحمد بن الخصيب، بتنّيس، قال: حدثنا أبو بكر: أحمد بن مروان، قال: حدثنا جعفر بن محمد النَّيْسَابُورِي، قال: ¬

_ (¬1) من ا. (¬2) في ح «محمد بن عبد الرحمن الدارمي»

سمعت إسحاق بن راهويه وسئل فقيل له: كيف وضع الشافعي هذه الكتب وكان عمره يسيراً؟ فقال إسحاق: جَمَعَ اللهُ عقلَه لقلَّة عمره. أخبرنا محمد بن الحسين السّلمي، قال: حدثنا أبو بكر: محمد بن أحمد بن المفيد الجَرْجَرَائي (¬1)، إجازة، قال: حدثنا زكريا بن يحيى السّاجي، ومحمد بن علي ابن حبيب الطَّرَائِفِي؛ قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي يقول: أريت في المنام كأنّ آتٍ أتاني فحمل كتبي وبَثَّهَا في الهواء فتطايرت. فاسْتَعْبَرْتُ بعض المُعَبِّرِينَ فقال: إن صدقت رؤياك لم يبق بلد من بلدان (¬2) الإسلام إلا ودخله علمُك. ¬

_ (¬1) في ح «الجرجاني» وفي الأنساب 3/ 240 «وأبو بكر: محمد بن أحمد بن يعقوب، المفيد، الجرجرائي، كان رحل وجمع، ولكن كانوا لا يحتجون به، مات قبل سنة أربعمائة» وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 3/ 460 - 461 «روى مناكير عن مجاهيل ومات سنة 378، وله 94 سنة. وهو متهم» (¬2) في ح «بلاد»

24 - باب: ما يستدل به على رغبة علماء عصر الشافعي ومن بعدهم في كتبه، والاقتباس من علمه، والانتفاع به، وحسن الثناء عليه

باب ما يستدل به على رغبة علماء عصر الشافعيِّ ومَنْ بَعْدهم في كُتُبِه، والاقْتبَاس من عِلْمه، والانتفاع به، وحسن الثناء عليه * * * وذلك لانفراده من بين فُقَهاء الأمصار بحسن التأليف؛ فإن حسن التصنيف يكون بثلاثة أشياء: أحدها: حسن النظم والترتيب. والثاني: ذكر الحجج في المسائل، مع مراعاة الأصول. والثالث: تَحَرِّي الإيجاز والاختصار فيما يؤلِّفه. وكان قد خُصّ بجميع ذلك، رحمة الله عليه ورضوانه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا محمد: الحسن بن محمد بن إسحاق الإسفراييني، يقول: سمعت العُمَرِيّ، يقول: سمعت «الجاحظ» يقول: نظرت في كتب هؤلاء النَّابِغَة فلم أر أحسن تأليفاً من المُطَّلبي، كان فوه ينظم دُرًّا إلى دُرّ، ونظرت في كتب فلان فما شبهته إلا بكلام الرَّقَّائين (¬1) وأصحاب الحَيَّات. ¬

_ (¬1) في ا: «الرقويين».

وأخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِيني، قال: أخبرنا أبو أحمد: عبد الله بن عدي الحافظ، قال: حدثني محمد بن القاسم بن سريج (¬1)، قال: سمعت محمد بن عبد العزيز (¬2) العمري، يقول: سمعت «الجاحظ» يقول: نظرت في كتب هؤلاء النَّبَغَة الذين نبغوا فلم أر أحسن تأليفاً من المُطَّلِبِي، كأن فاه نظم درًّا إلى درّ. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أحمد بن الحسين بن محمد الدّارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: حدثنا عبد الملك – يعني ابن عبد الحميد المَيْمُونِي (¬3) – قال: قال لي أحمد بن حنبل: مالك لا تنظر في كتب الشافعي؟ فما من أحد وضع الكتب حتى ظهرت (¬4) أتبعُ للسنّة من الشافعي. أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي، قال: حدثنا عياش بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: سمعت محمد بن زَنْجَوَيْه، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: ما سبق أحد الشافعيّ إلى «كتاب الجزية». أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو محمد: الحسن ¬

_ (¬1) في هـ: «شريح». (¬2) في ا: «عبد الله». (¬3) سقطت من ح. (¬4) في هـ، ح: «حتى ظهرت كتب الشافعي، رضي الله عنه، ولا أحد أتبع للسنة ..» وهو في آداب الشافعي 61.

ابن محمد بن إسحاق الإسفرابيني. قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ابن هانئ، قال: سألت أحمد بن حنبل عن كتب مالك والشافعي، هي أحب إليك أم كتب أبي حنيفة وأبي يوسف؟ فقال: الشافعيّ أحبّ إليّ. هو وإن وضع كتاباً فهو يفتي بالحديث. وهؤلاء يفتون بالرأي. فكيف بين هذين؟! أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثني عبد العزيز بن عبد الملك ابن نصر الأموي، قال: حدثنا أبو بكر بن العطار (¬1) النحوي. قال: حدثنا عبد الله بن محمد: مولى بني هاشم، قال: حدثني محمد بن مسلم بن وَارَةَ الرّازِي، قال: قدمت من مصر، فدخلت على أحمد بن حنبل، فقال لي: من أين جئت؟ قلت: جئت من مصر. قال: أكتبت كُتُبَ الشافعي؟ قلت: لا. قال: فلم؟ ما عرفنا نَاسِخَ سُنَنِ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من مَنْسُوخِها. ولا خاصَّها من عامِّها ولا مَجْمَلَها من مُفَسَّرِها حتى جَالَسْنَا الشافعي. قال ابن وَارَة (¬2): فحملني ذلك على أن رجعت إلى مصر فكتبتها (¬3). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن أحمد الدارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن – يعني ابن محمد الحنْظَلِيّ – قال: حدثنا محمد بن مسلم بن وَارَة، قال: ¬

_ (¬1) في ا: «القطان». (¬2) في هـ: «وابرة» وهو تصحيف. (¬3) راجع آداب الشافعي 60.

سألت أحمد بن حنبل، قلت: ما ترى لي من الكتب أنْ أنظر فيه لتفتح لي الآثار: رأى مالك؟ أو الثوري؟ أو الأوزاعي؟ فقال لي قولا أُجِلُّهم أنْ أَذْكُرَ لك (¬1). وقال: عليك بالشافعي؛ فإنه أكثرهم صواباً أو أتبعُهم للآثار - الشكُّ (¬2) مني. قلت لأحمد بن حنبل: فما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين، أحب إليك؟ أم (¬3) التي عندهم بمصر؟ قال: عليك بالكتب التي (¬4) وضعها بمصر؛ فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يُحْكِمْهَا. ثم رجع إلى مصر فَأحْكَمَ ذلك (¬5). فلما سمعت ذلك من أحمد، وكنت قبل ذلك عزمت على الرجوع إلى البلد، وتحدّث بذلك الناس - تركت ذلك، وعزمت على الرجوع إلى مصر (¬6). أخبرنا محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه، قال: حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: حدثنا أبو سليمان، قال: حدثنا أحمد بن القاسم: صاحب أبي عُبَيْد، قال: أردت الخروج إلى مصر، فأتيت أحمد بن حنبل، فقلت: يا أبا عبد الله، إني أريد الخروج إلى مصر فما تأمرني أن أكتب؟ قال: اكتب كتب الشافعي. ¬

_ (¬1) في ح: «ذان» وفي هـ: «ذلك». (¬2) آداب الشافعي 59 - 60. (¬3) في ا: «أو». (¬4) في ا: «الذي». (¬5) في ا: «ذاك». (¬6) آداب الشافعي 60.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: وقال أبو نعيم فيما بلغني عنه: سمعت إسحاق بن أبي عمران، يقول: سمعت أبا بكر الصيرفيّ (¬1)، يقول: سمعت «أحمد بن حنبل» يقول: صاحب حديث لا يشبع – أو قال: لا يستغنى – عن كتب الشافعي. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن – يعني بن أبي حاتم الرازي – قال: سمعت «أبي»، يقول: قال لي «أحمد بن صالح»: تريد أن نكتب كتب الشافعي؟ قلت: نعم، لا بد من أن أكتبها (¬2). أخبرنا محمد بن عبد الله، قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: سمعت أبا زرعة، يقول: سمعت كتب الشافعي أيام يحيى بن عبد الله بن بكير، سنة ثمان وعشرين ومائتين، وعندما عزمت على سماع كتب الشافعي بِعْتُ ثوبين رقيقين كنت حملتهما (¬3) لأُقَطِّعَهُمَا، فبعتها وأعطيت الوَرَّاق (¬4). وبهذا الإسناد قال: حدثنا أبو زرعة، قال: بلغني أن «إسحاق بن راهويه» كتب له كتب الشافعي فتبين (¬5) في كتبه أشياء قد أخذها ¬

_ (¬1) في ا: «الصومعي» وفي هـ: «الصوفي». (¬2) راجع آداب الشافعي وهامشه 75 – 76. (¬3) في هـ: «عملتهما». (¬4) آداب الشافعي ومناقبه 75. (¬5) في هـ «فنسى».

عن الشافعي جعلها لنفسه (¬1)! وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، فيما بلغه، عن أبي علي: محمد بن إبراهيم القُهُسْتَانِي (¬2)، قال: كتبت عن «إسحاق بن راهويه» في حياة «يحيى بن يحيى)، وكان ربما يملي علينا الباب، فيتبعه كلام الشافعي، فيجعله من كلامه، فربما تَنَحْنَحْتُ، فإذا فرغ من المجلس التفت وقال: نعم، هذا كلام الرجل. وحكى مناظرته مع الشافعي، وقال: ثم نظرنا بَعْدُ في كتبه، فوجدنا الرجل من علماء هذه الأمة (¬3). وهذا فيما رواه العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، مُنَاولَةً، عن أبي القاسم: محمد بن عبد الله القَزْوِينِي، قاضي مصر، عن القُهُسْتَانِي، فذكر الحكايتين. وبهذا الإسناد عن أبي علي القُهُسْتَاني، قال: دخلت يوماً على «إسحاق بن إبراهيم» فأذن لي وليس عنده أحد، فوجدت كتب الشافعي حواليه، فقلت: {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَاخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ (¬4)} فقال لي: والله ما كنت أعلم أن «محمد ابن إدريس» في هذا المحل الذي هو محله، ولو علمت لم أفارقه. ¬

_ (¬1) آداب الشافعي 63. (¬2) في هـ: «القهماني» وهو خطأ، فهو نسبة إلى قهستان، وهي ناحية بخراسان، كما في اللباب 3/ 12. (¬3) نقلها ابن حجر في توالي التأسيس 58 عن الآبري (¬4) سورة يوسف 79.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا الحسن: علي بن بندار الصيرفي، يقول: سمعت عمر بن محمد بن يحيى، يقول: سمعت «داود بن علي الأصبهاني» الفقيه، يقول: دخلت على إسحاق بن راهويه وهو يَحْتَجِمُ، فأشار إليَّ فجلست، فرأيت كتب الشافعي، فتناولتها، فجعلت أنظر فيها، فصاح بي إسحاق إيش تنظر؟ فقلت: {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَاخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ}. وقد مضى كتاب إسحاق إلى أحمد بن حنبل في إنفاذ ما يعلمه يحتاج إليه من كتب الشافعي إليه، فبعث إليه بكتاب «الرسالة (¬1)». أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن – يعني ابن أبي حاتم. وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين (¬2) السلمي، قال: حدثنا علي بن محمد بن عمر، الفقيه، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، قال: حدثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله النيسابوري، قال: تزوج إسحاق بن راهويه، بِمرو، بامرأة كان عند زوجها كتب الشافعي، فتوفى، ولم يتزوج بها إلا لحال كتب الشافعي، فوضع جامعه الكبير على كتاب الشافعي، ووضع جامعه الصغير على «جامع الثوري» الصغير (¬3). ¬

_ (¬1) في ح: «من كتب الشافعي رضي الله عنه فبعث إليه الرسالة» وانظر ما مضى ص 234 (¬2) في هـ: «الحسن». (¬3) آداب الشافعي 64

[قال الإمام البيهقي رحمه الله (¬1)] وقدم أبو إسماعيل الترمذي بنيسابور (¬2) وكان عنده كتب الشافعي عن البُوَيْطِي، فقال له إسحاق بن راهوية: لي إليك حاجة: ألاّ تحدث بكتب الشافعي ما دمت بنيسابور. فأجابه إلى ذلك، ولم يحدّث حتى خرج (¬3). قلت: أراد إسحاق – مع عظم محله من العلم – أن يرتفع اسمه فيما وضع من الكتب في (¬4) الفقه دون الشافعي، وأراد الله تعالى أن ترتفع (¬5) كتب من كان يقول: «ما أبالي لو أن الناس كتبوا كتبي هذه ونظروا فيها وتفقهوا ثم لم ينسبوها إلي أبداً» فكان ما أراد الله، عز وجل، دون ما أراد غيره. وهذه الحكاية عن الشافعي [قد تقدمت (¬6)] فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الطيب: عبد الله بن محمد الفقيه، قال: حدثنا محمد ابن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: حدثنا أبو جعفر: أحمد بن علي بن عيسى الرازي، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول. فذكرها. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني نصر بن محمد بن أحمد العطار، قال: أخبرني محمد بن عمرو، قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد، قال: ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من ح. (¬2) كذا في الأصول وفي أصل آداب الشافعي 64 والصواب «نيسابور». (¬3) آداب الشافعي ومناقبه 64 – 65. (¬4) في هـ: «من». (¬5) في هـ: «يرفع». (¬6) من ح.

أخبرني أبو القاسم القزويني. وقرأت في كتاب (1 أبي الحسن ¬1) العاصمي: أخبرني الزبير بن عبد الواحد بالشام، قال: حدثني أبو القاسم محمد بن عبد الله القزويني، قال: سمعت «داود بن علي» وذكر عنده «أبو عبيد القاسم بن سلام» فقال: هو رجل له عناية، يصنّف من العلم، وكان ينحو نحو المعلمين. قال: فبلغني أنه كان يحضر مجلس المُطّلبي، رحمه الله، فيجلس من وراء الناس قريباً، فربما يسأل الحرف بعد الحرف فيستفهم من الشافعي. قال: وكان الشافعي مكرماً لجلسائه، فكان إذا حضر ربما أَوْمَاَ (¬2) إليه وكان أبو عبيد يحب أن يسمع من وراء. قال: فسأل يوماً بعضَ من هو أمامه فقال: سل أبا عبد الله عن كذا وكذا يُخْفيه عن (¬3) الشافعي. فقال له الشافعي: «ادن يا أبا تراب». يعني أن الناس يقعدون على الثياب ويستفتونه (¬4) وهو يقعد على التراب. وفي رواية العاصمي: لأن الناس كانوا يستفتونه فيجلسون على الثياب فيجيء هو فيجلس على التراب. وسقط قوله «وكان الشافعي مكرماً لجلسائه» من رواية شيخنا أبي عبد الله. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في ح، ولا في هـ. (¬2) في هـ: «أوصى» وهو خطأ. (¬3) في ا: «يجيبه الشافعي» وهو تحريف. (¬4) في ا: «ويستفيق به» وهو تحريف.

قال أبو الحسن: قال (¬1): أخبرني الزبير بن عبد الواحد، عن القزويني: قال: قال رجل لمحمد بن إسحاق الصاغاني: يا أبا بكر، بلغنا أن «أبا عبيد» كتب كتب الشافعي بمصر، فقال: قد رأيت بعضها معه بمصر. قال أبو الحسن: سمعت ابن نافع يقول: سمعت محمد بن إبراهيم، يقول: سمعت «الربيع بن سليمان» يقول: جاءني «القاسم بن سلام» فأخذ مني كتب الشافعي فنسخها. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: قرأت في كتاب بعض فقهائنا يحكي، عن «أبي بكر الصيرفي» في ر [ده على ابن أبي طالب (¬2)] قال: قال الربيع ابن سليمان: جاءني «أبو عبيد» إلى مصر، فكتب كتب الشافعي. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: ذكر زكريا بن يحيى، عن جعفر بن أحمد، قال: لما وضع «أبو عبيد» كتب الفقه والرد بلغ «الحسين بن علي الكرابيسي» أنه يذكر في كتبه الفقهاء ويمسك عن ذكر الشافعي، فأخذ بعض كتبه فنظر فيها، فإذا هو يحتج عليهم بحجج الشافعي ولفظه قد انتزعه من كتابه، فغضب الحسين، فلقيه، فقال: يا أبا عبد الله، تقول في كتابك: قال ابن الحسن، وقال فلان، ¬

_ (¬1) ليست في ح، ولا في هـ. (¬2) ما بين القوسين بياض في ا.

وتدع ذكر الشافعي، وقد سرقت (¬1) من كتبه احتجاجاً به، إنما أنت راوية لا تحسن شيئاً. ثم سأله عن رجل ضرب صدر رجل فكسر ضلعاً من أضلاعه؟ فأجابه بالخطأ، فقال: أنت لا تحسن مسألة، تضع الكتب؟ فلم يقم حتى بيّن (¬2) عليه. قلت: أبو عبد الله كان كبيراً في صنعته، غير أنّ الحسد من جِبِلَّة بعض الناس، وربما يكون (¬3) غالباً فيمنعه من الإنصاف بالاعتراف لذي الفضل بفضله (¬4). والله يعصمنا من أمثاله. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا أبو محمد: عبد الله بن سعيد ابن عبد الرحمن البُسْتِي، بهمذان، قال. حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو الحسين: محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، بدمشق، قال: حدثنا أبو عبد الله: محمد بن يوسف الهروي، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الفَرَجِي. قال: سمعت «محمد بن علي المديني» قال: قال «أبي»: إني لا أترك للشافعي (¬5) حرفاً واحداً إلا كتبته، فإن فيه معرفة. ¬

_ (¬1) في ا: «توفرت» وفي هـ: «شرفت». (¬2) في ا: «تبين». (¬3) في ح: «كان». (¬4) في هـ، ا: «لفضله». (¬5) في ا: «لا يترك الشافعي» وفي ح: «لا نترك للشافعي» وفي تهذيب الأسماء 1/ 60 «لا تترك حرفاً للشافعي إلا كتبته» وفي تهذيب التهذيب 9/ 30: «قال علي بن المديني لابنه: لا تدع للشافعي حرفاً إلا كتبته فان فيه معرفة».

ورواه أيضاً أبو الحسن العاصمي، عن أبي عبد الله: محمد بن يوسف ابن النضر. قال أبو الحسن: وأخبرنا أبو عبد الله بن محمد يوسف، بالشام، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الفَرَجِي (¬1)، قال: سمعت عبدوس العطار، قال: سمعت «علي بن المديني» يقول للشافعي في غرفتي هذه: اكتب (¬2) كتاب خبر (¬3) الواحد إلى عبد الرحمن بن مهدي فإنه يسر بذلك. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد القاضي، قال: حدثنا محمد – يعني [ابن (¬4)] عبد الرحمن بن زياد – قال: أنبأنا أبو يحيى السّاجي – أو فيما (¬5) أجازه لي مشافهة – قال: حدثنا حَوْثَرَةُ بن محمد، قال: تتبين السنة في الرجل بشيئين: حبّ (¬6) أحمد ابن حنبل، وكَتْبُ كُتبِ الشافعي. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا الوليد: حسان بن محمد الفقيه، يقول: سمعت القاضي أبا العباس بن سريج (¬7) يقول: سمعت «زياد بن الخليل ¬

_ (¬1) في هـ: «أبن الفرج». (¬2) في هـ: سمعت علي بن المديني يقول: «عرفني هذه الكتب». (¬3) في هـ: «غير» وهو تصحيف. (¬4) من هـ، ح. (¬5) في ح: «مما». (¬6) في هـ: حرب وهو تحريف (¬7) في هـ: «شريح».

التستري (¬1)» يقول: كنت بمصر، فكنت أرى كل ليلة في المنام تُدْفَعُ إليّ درّة، وكنت أكتب كتب الشافعي، رحمه الله، حتى فرغت من كتابته فنقص ذلك. قرأت في كتاب أبي يحيى: زكريا بن يحيى السّاجي: أنّ عيسى بن إبراهيم حدثهم، قال: سمعت «محمد بن نصر الترمذي (¬2)» يقول: كتبت الحديث سبعاً وعشرين سنة. وسمعت قول مالك ومسائله، ولم يكن لي حُسْنُ رَايٍ في الشافعي، فبينا أنا قاعد في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالمدينة [فأغفيت إغفاءة (¬3)] فرأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في المنام، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأي «أبي فلان» قال: لا. قلت: رأي مالك؟ قال: اكتب منه ما وافق حديثي. قلت له: أكتب رأي الشافعي؟ فطأطأ رأسه شبيهاً بالغضبان، ثم رفع رأسه إليّ فقال: هذا رأي؟ ليس هذا بالرأي، هذا رَدٌّ على من خالف سنتي. قال: فخرجت في اثر هذه الرؤيا إلى مصر فكتبت كتب الشافعي. ¬

_ (¬1) في هـ «النضري» وهو خطأ. وزياد بن الخليلي التستري، يكنى أبا سهل، قدم بغداد، وحدث بها عن إبراهيم بن المنذر الحزامي ومسددين بن مسرهد وهارون الأيلي، وذكره الدارقطني فقال: لا بأس به، ومات بعسقلان في طريق المدينة قبل أن يدخل مكة في سنة 290 كما في الأنساب للسمعاني 3/ 53. (¬2) في ا: «الدهري» وهو تحريف. فهو محمد بن أحمد بن نصر الترمذي، يكنى أبا جعفر روى ببغداد عن يحيى بن بكير المصري وغيره، روى عنه عبد الباقي بن قانع، وكان ثقة زاهدا. ومات في المحرم سنة خمسين ومائتين، ومولده سنة مائتين، كما في اللباب /174. (¬3) من هـ، ح.

وقد أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، فيما أخبرهم الحسن بن رشيق، إجازة، أظنه عن زكريا، وزاد في آخره: وكنت قبل ذلك دخلت مصر ثلاث دخلات، ولم أكن كتبت كتب الشافعي. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: سمعت أبا العباس بن سريح وأبا علي الثقفي يقولان: سمعنا «أبا جعفر محمد بن نصر الترمذي (¬1)» يقول: كنت بالمدينة - مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم - وكنت مغموماً لضيق الحال، فرقدت بين العمودين، فرأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فيما يرى النائم، فقمت إليه أشكو إليه بعض ما بي، فكأنّي دخلت معه بيت أُمّ سَلَمَة، وأومأ إلى ما في البيت، كأنه يريني أنّ بيتي هكذا ليس فيه شيء، وكأنه عرف حالي، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأي «أبي فلان» فقال: لا. فقلت (¬2): فرأي «مالك»؟ فقال: [لا (¬3)]: إلا ما وافق حديثي. قلت: فرأي الشافعي؟ قال: ذاك ليس برأي، ولكنه رّدٌّ على من خالفني - أو كما (¬4) قال - وألفاظها متقاربة. هذه رواية قد رواها جماعة عن أبي جعفر الترمذي «وأبو جعفر» كان من أكابر أهل العلم ومن ثقاتهم. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي، نزيل مكة ¬

_ (¬1) في حـ، هـ: «الزبيدي» وهو خطأ. (¬2) في هـ، ح: فقلت: رأي مالك. (¬3) من هـ. (¬4) في ا: «وكما». [م - 18] مناقب

فيما كتب إليَّ، قال: حدثنا محمد بن رشيق (¬*)، قال: حدثني محمد بن الحسن البَلْخِي، قال: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في النوم، فقلت: يا رسول الله، ما تقول في قول مالك وأهل العراق؟ قال: ليس قَوْلٌ إلا قولي. قلت: ما تقول في قول أبي حنيفة وأصحابه؟ قال: ليس قول إلا قولي. قلت: ما تقول في قول الشافعي؟ قال: ليس قول إلا قولي، ولكنّ قولَه ضدُّ قولِ أهل البدع. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، قال: وجدت في كتابي: عن أبي القاسم القَزْوِيني، قال: كان معنا ببغداد رجل من أهل المغرب كان يطعن على الشافعي ويميل إلى قول مالك. قال: فأصبحنا ذات يوم، فقال لنا: إنا على الرحيل إلى مصر. فقلنا له: وما شأنك؟ قال: أريد أن أكتب كتب الشافعي. قال: فقلنا له: إنك كنت تطعن على الشافعي. فقال: إني رأيت في المنام البارحة. كأنّ طيراً أخضر يطير وقوم يأخذون منها ما شاءوا، فذهبت لآخذ منها، فَمُنِعت، فقلت لهم: ما بالي (¬1) أمنع من بين الناس؟ فقيل لي: أنت تطعن على الشافعي. قال: فقلت له: فلست أطعن عليه. قال: فجئت وأخذت فلم أمنع. فخروجي لأجل هذا. وقرأت في كتاب العاصمي، عن أبي يحيى: زكريا بن يحيى البلخي، عن عثمان بن سعيد، عن أبي القاسم القزويني، قال: كنا في سفر معنا رجل. فذكر معناه ¬

_ (¬*) صواب ما في الأصول: «أبو محمد بن رشيق»، كما في الأنساب ورقة 191 - ا. [فهرس التصويبات 2/ 467] (¬1) في هـ: «مالي».

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الجنيد - وكان رفيق أبي في الرحلة - قال: سمعت «عمرو بن سَوَّاد السَّرْحي (¬1)» يقول: قال لي الشافعي: مالك لا تكتب كتبي؟ فسكت. فقال له رجل: إنه يزعم أنَّكَ كتبتَ ثم غيرَّت ثم كتبتَ، ثم غيرت. فقال الشافعي: الآن حَمِيَ الوَطِيسُ. والوطيس: التَّنُّور (¬2). ¬

_ (¬1) هو عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري السرحي، أبو محمد المصري. روي عن ابن وهب والشافعي وأشهب وغيرهم، وروى عنه مسلم والنسائي وابن ماجه وأبو حاتم وبقى بن مخلد وغيرهم. قال عنه أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: لا بأس به، وقال الحاكم: ثقة مأمون. توفي سنة 245. وترجمته في تهذيب التهذيب 8/ 45 - 46. (¬2) آداب الشافعي ومناقبه 66

25 - باب: ما يستدل به على حفظ الشافعي، رحمه الله تعالى، لكتاب الله، عز وجل، ومعرفته بالقراءات، وحسن صوته بالقراءة

باب ما يستدل به على حفظ الشافعي، رحمه الله تعالى، لكتاب الله، عز وجل، ومعرفته بالقراءات، وحسن صوته بالقراءة * * * أخبرنا أبو طاهر: محمد بن محمد بن مَحْمش الفقيه، وأبو عبد الله الحافظ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق، وأبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، وأبو سعيد: محمد بن موسى؛ قالوا (¬1): حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إسماعيل بن قُسْطَنْطِين، قال: قرأت على شِبْل، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وأخبر عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أُبَيّ، وقال ابن عباس: وقرأ أبي على النبي: صلى الله عليه وسلم (¬2). ¬

_ (¬1) في ا: «قال». (¬2) في ا: «وأخبر مجاهد أنه قرأ على أبي وقال ابن عباس: قرأ أبي على النبي صلى الله عليه وسلم» وهو خلط. والخبر ذكره البيهقي في الأسماء والصفات 272 ونقله فيهما عن آداب الشافعي ومناقبه ص 141 - 142 وانظر هامشه. وفي تاريخ بغداد 2/ 62، ومناقب الشافعي للرازي 70.

قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: قال الشافعي: وقرأت على إسماعيل بن قُسْطَنْطِين. وكان يقول: القرآن اسم، وليس بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت. ولو أخذ من قرأت لكان كلُّ ما قرئ قرآنا، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل يهمز قرأت، ولا يهمز القرآن. وكان يقول: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرَانَ} الآية تَهْمُز قرأت (¬1)، ولا يهمز القرآن (¬2). وفي رواية السلمي: إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين. وكذلك رواه أبو الإخريط: وهب بن وَاضِح (¬3)، عن إسماعيل بن عبد الله بن قُسْطَنْطِين (¬4) فيما قرأ عليه: وأخبرنا إسماعيل: أنه قرأ على شبل بن عباد (¬5)، ومعروف بن مشكان (¬6)، وأخبراه أنهما قرآ على عبد الله بن كثير (¬7). ورواه أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة، عن عكرمة بن سليمان، عن إسماعيل، عن ابن كثير، وأسقط من إسناده شبلا. والصحيح ما رواه الشافعي. ومتابعة أبي (¬8) الأخريط المقري إياه أكدت (¬9) روايته. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أبو العباس: ¬

_ (¬1) في ا: وكان يقرأ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرَانَ} يهمز قرأت ولا يهمز القرآن. (¬2) الأسماء والصفات للبيهقي 272 (¬3) مات سنة 190 كما في غاية النهاية في طبقات القراء 2/ 361. (¬4) ولد سنة 100 ومات سنة 170 كما في غاية النهاية 1/ 166. (¬5) مات سنة 148 كما في غاية النهاية 1/ 324. (¬6) ولد سنة 100 ومات سنة 165 كما في غاية النهاية 2/ 304. (¬7) مات سنة 120 كما في غاية النهاية 1/ 443 - 445. (¬8) في ح، هـ: «ابن» وهو تحريف. (¬9) في ا: «أكذب» وهو تصحيف.

محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي: قال الله، تبارك وتعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}. ونحن نقرؤها وأرجُلَكم (¬1) على معنى فاغسلوا (¬2) وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برءوسكم (¬3). وأخبرنا محمد بن عبد الله، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن الدارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الحنظلي - قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قُرِئَ على الشافعي: {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ (¬4)} فقال: ليس هكذا، اقرأ إقراءً {أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ} {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ (¬5)}. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: قرأت في كتاب من أثق به من أصحابنا، عن عبد الله بن مسلم، قال: سمعت صالح بن أحمد ابن حنبل يقول: سمعت أبي - وذكر الشافعي - فقال: كان إذا جاءه الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه، لم يلتفت إلى غيره. وكان رجلا جمع الله فيه العلم، والفقه، وقراءة القرآن، والخضوع. ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 78. (¬2) في ح: «غسلوا». (¬3) الأم 1/ 23 وفي ح بعد هذا: «زاد فيه في الباب الذي بعد هذا بنصب أرجلكم وعلى ذلك عزونا دلالة السنة». وهذا القول ليس من صلب الكتاب، وإنما هو تعليق قارئ أدرج في النسحة. (¬4) سورة النور: 7. (¬5) سورة النور: 9.

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت الحسين بن أحمد بن موسى، يقول: سمعت محمد بن يحيى الصوفي (¬1)، يقول: قال «المُبَرِّد»: رحم الله الشافعي؛ فإنه كان من أشعر الناس، وآدب الناس، وأعرفهم بالقراءات. أخبرنا أبو عبد الحافظ، قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم المؤذن (¬2)، عن أبي عبد الله: محمد بن عبد الله الصفّار، قال سمعت أبا طاهر: سهل بن عبد الله بن الفرحان، يقول: سمعت «حَرْمَلَة بن يحيى» يقول: رأيت الشافعي يقرئ الناس في المسجد الحرام وهو ابن ثلاث عشرة (¬3) سنة. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت علي بن عمر الحافظ، يقول: سمعت أبا بكر النيسابوري، قال: سمعت الربيع بن سليمان: قال: كان الشافعي يختم في كل شهر ثلاثين ختمة، وكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة (¬4)، سوى ما يقرأ في الصلاة. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال. حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ بأسَدَآباد، قال: سمعت أبا الحسين [أحمد] بن محمد بن جعفر الحداد يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: ¬

_ (¬1) في ا: «الصولي». (¬2) في ا: «المؤدب». (¬3) مناقب الشافعي للرازي 70. (¬4) في ح: وفي رمضان.

كان الشافعي يختم ستين ختمة في شهر رمضان: ختمة بالنهار، وختمة بالليل (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد، قال: سمعت أبا المؤمل: عباس بن الحسين، بأرسوف، يقول: سمعت بحر بن نصر، يقول: كنا إذا أردنا أن نبكي قلنا بعضنا لبعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبي يقرأ القرآن، فإذا أتيناه استفتح القرآن حتى نتساقط بين يديه ويكثر عجيجهم بالبكاء، فإذا ارأى ذلك أمسك عن القراءة من حسن صوته (¬2). * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي: ولا بأس بالقراءة بالألحان، وتحسين الصوت بها بأيّ وجه ما كان، وأحبّ ما يُقْرَأُ إليَّ حَدْراً وتَحْزِيناً (¬3). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا الحسن بن رشيق المصري، إجازة، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن آدم، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ¬

_ (¬1) راجع تاريخ بغداد 2/ 63 ومناقب الشافعي للرازي 70. (¬2) تاريخ بغداد 2/ 64 ومناقب الشافعي 70. (¬3) في اللسان 5/ 244 «حدر في قراءته وفي آذانه حدراً، أي أسرع».

رأيت أبي، ويوسف بن عمرو الشافعي، يسمعون القرآن بالألحان، فقال بعض من حضر: إقرأ لنا لَحْنَ (¬1) الراهب. قال أبي: وإيْش تصنع بالراهب؟ فقال له يوسف: إن كان مما يُقْرأ فاقرأ. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا أبو عبد الله: محمد بن الربيع بن سليمان الجِيْزِي، قال: حدثنا هارون ابن سعيد بن الهيثم الأَيْلِي، قال: دخل بعض فقهاء مصر على الشافعي في السَّحَر (¬2) وبين يديه المصحف، فقال: شغلكم الفقه عن القرآن، إني لأصلي العَتَمَةَ، وأضع المصحف بين يدي فما أُطْبِقُه حتى أُصبح. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله الصوفي (¬3) الصفار، ببخاري، قال: سمعت. وأخبرنا أبو عبد الرحمن (¬4) السلمي، قال: سمعت محمد بن عبد الله ابن شاذان، قال: حدثنا جعفر بن أحمد الخلاطي، قال: سمعت [المزني (¬5)]. ¬

_ (¬1) في اللسان 17/ 267 «وفي الحديث: اقرءوا القرآن بلحون العرب، وأصواتها، وإياكم ولحون أهل العشق. اللحن: التطريب وترجيع الصوت وتحسين القراءة والشعر والغناء قال: ويشبه أن يكون أراد هذا الذي يفعله قراء الزمان من اللحون التي يقرءون بها النظائر في المحافل، فان اليهود والنصارى يقرءون كتبهم نحوا من ذلك». (¬2) في ا، هـ: «السجن». (¬3) ليست في ا. (¬4) في ح، هـ «أبو عبد الله». (¬5) ليست في ا.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا بكر: أحمد بن محمد بن يحيى الأشقر، يحكى عن جعفر بن أحمد السّاماني، قال: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول. ح. وأخبرنا أبو حازم: عمر بن أحمد الحافظ، قال: سمعت إسماعيل بن إبراهيم الفرضي، ببغداد، يقول: سمعت أحمد بن محمد المقري، يقول: حدثني أبو الفضل: غانم بن محمد القَوَارِيرِي، يقول: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، وفي رواية جعفر: نبل مقداره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جَزُل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت محمد بن أحمد بن عبد الأعلى المقري يقول، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، عن المزني، قال: سمعت الشافعي يقول: إعراب القرآن أحب إلى من حفظ بعض حروفه. وعنه قال: وسمعت الشافعي يقول: تعلموا العربية، فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة. ¬

_ (¬1) في طبقات الشافعية للعبادي 42. ومناقب الشافعي للرازي 70.

قال: وقرأ رجل على الشافعي فلحن، فقال: أضْرَسْتَنِي. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم (¬1) - قال: حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجَرَوِي (¬2)، قال: سمعت الشافعي يقول: خلّفت في العراق شيئاً يسمى «التغْبِير (¬3)» وضعته الزنادقة، يشتغلون به عن القرآن (¬4). وقال غيره فيه عن الجَرَوِي: زِناً. وقال بعضهم فيه: تركت بالعراق شيئاً وضعته الزنادقة. هذه الألحان. أو كما قال. ¬

_ (¬1) في هـ، ح «ابن أبي حازم» وهو خطأ. (¬2) هو أبو علي: الحسن بن عبد العزيز بن الوزير الجذامي، المعروف بالجروي، من أهل مصر. وثقة أبو حاتم، وقال الدارقطني: لم ير مثله فضلا وزهدا حمل من مصر إلى العراق بعد قتل أخيه على في سنة 215 فلم يزل بها إلى أن توفي في رجب سنة 257. وترجمته في تاريخ بغداد 7/ 337 - 339، والجرح والتعديل 2/ 1/24، والأنساب 3/ 257 - 259، وتهذيب التهذيب 2/ 291 - 292، وفي هـ: «الخزوي» وهو تحريف. (¬3) في اللسان 6/ 107 «التهذيب: والمغبرة: قوم يغبرون بذكر الله تعالى بدعاء وتضرع، كما قال: عبادك المغبرة ... رُشّ علينا المغفرة قال الأزهري: وقد سموا ما يطربون فيه من الشعر في ذكر الله تغبيرا، كأنهم إذا تناشدوها بالألحان طرّبوا فرقّصوا وأرهجوا، فسموا مغبرة لهذا المعنى. قال الأزهري وروينا عن الشافعي أنه قال: أرى الزنادقة وضعوا هذا التغبير ليصدوا عن ذكر الله وقراءة القرآن. وقال الزجاج. سموا مغبرين لتزهيدهم الناس في الفانية، وهي الدنيا وترغيبهم في الآخرة الباقية». (¬4) آداب الشافعي ومناقبه 309 - 310 وحلية الأولياء 9/ 146 وفي تلبيس إبليس 230 «ويشغلون به الناس عن القرآن».

26 - باب: ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بتفسير القرآن ومعانيه، وسبب نزوله

باب ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بتفسير القرآن ومعانيه، وسبب نزوله * * * وهذا باب كبير، لو نقلت فيه جميع ما نقل إلينا من كلامه فيه - لطال به الكتاب، فاقتصرت على نقل ما تيسّر منه. وبالله التوفيق. أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي، قال. سمعت أبا عمرو بن مطر، يقول: سمعت محمد بن أحمد بن عبيدة (¬1) الوَبَرِي، يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول، كان الشافعي إذا أخذ في التفسير كأنّه شَهِدَ التنزيل. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب الأصم، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا الشافعي، قال: قال الله تبارك وتعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ¬

_ (¬1) في هـ «ابن عبيد» وهو تحريف. وفي أحكام القرآن للبيهقي 1/ 19 عن أحمد بن محمد ابن عبيدة: قال: كنا نسمع من يونس بن عبد الأعلى تفسير زيد بن أسلم، عن ابن وهب، فقال لنا يونس: كنت أولا أجالس أصحاب التفسير وأناظر عليه. وكان الشافعي. . والخبر في مناقب الشافعي للرازي 70، ونقله ابن حجر في توالي التأسيس 58 عن البيهقي.

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (¬1)} الآية. فكان ظاهر الآية: أنّ من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ. وكانت مُحْتَمِلَةً أن تكون نزلت في خاص، فسمعت بعض من أرضى علمه بالقرآن يزعم: أنها نزلت في القائمين من النوم. وأحسب ما قال كما قال؛ لأن في السنة دليلا على أن يتوضأ من قام من نومه (¬2). زاد فيه في رواية الزعفراني: فقال: وبلغنا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلّى الصلوات بوضوء واحد. يعني يوم الفتح. فأكد (¬3) بهذا أنّ الآية نزلت في خاصّ. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، قال: حدثنا الشافعي، قال: نحن نقرأ آية الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} ونَنْصِبُ «أرجلَكم» على معنى: اغسلوا وجوهَكم وأيديَكم وأرجلكم، وامسحوا برؤوسكم. وعلى ذلك عندنا دلالة السنة. والله أعلم. قال الشافعي: والكَعْبَان اللذان أمر الله بغسلهما: ما اَشْرَفَ واجتمع: كَعْباً حتى ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 6. (¬2) أحكام القرآن للبيهقي 1/ 45. (¬3) في ح: «فيتأكد».

تقول: كعب سمن (¬1). قال: وذهب عَوَامُّ أهل العلم أنّ قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} كقوله: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} وأن المرافق والكعبين فيما يغسل (¬2). وقرأت في «كتاب السنن» رواية حَرْمَلة بن يحيى، عن الشافعي، في قول الله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (¬3)} قال: فاختلف فيها أهل التفسير: فقال بعضهم: فرض لا يمسّه إلا مطهر. يعني متطهر تجوز له الصلاة. وهذا المعنى تحتمله الآية. وذكر ما يشهد له من السنة. قال: وقد ذهب بعض أهل التفسير في قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} يعني لا يمسّه في اللوح المحفوظ إلا المطهرون من الذنوب. يعني الملائكة (¬4). أخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد الدّينوري، قال: حدثنا ظفْران ابن الحسين قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: قال الربيع ابن سليمان: سئل الشافعي - يعني عن الملامسة - فقال: هو اللمس باليد. ألا ترى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن الملامسة؟ ¬

_ (¬1) أحكام القرآن 1/ 44. (¬2) أحكام القرآن 1/ 43. (¬3) سورة الواقعة 79. (¬4) من القائلين بذلك ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد، كما في تفسير الطبري 27/ 118.

والملامسة: أن يلبس الثوب بيده، يشتريه ولا يُقَلِّبُه. قال الشافعي: قال الشاعر: وأَلْمَسْت كَفِّي كَفَّه أَبتغِي الغِنَى ... ولم أَدْرِ أَنَّ الجودَ مِنْ كفِّه يُعْدِي فلا أنا منه ما أَفَادَ ذَوُو الغنى ... أَفَدْتُ، وأَعْدَانِي فَبَدَّدْتُ ما عِنْدِي (¬1) وأخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى بن الفضل، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال: حدثنا الشافعي، قال: قال الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية. قال (¬2): فذكر اللهُ الوضوءَ على من قام إلى الصّلاة. وأَشْبَهَ أن يكون مَن قام من مَضْجَعِ النّوم. وذكَر طهارة الجنب: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فَأشْبَه أن (¬3) يكون أَوْجَبَ الوضوءَ من الغائط [وأوجبه (¬4)] من الملامسة، وإنما ذكرها ¬

_ (¬1) الخبر في آداب الشافعي ومناقبه 140 - 141 ونقله عنه في حلية الأولياء 9/ 149 ومناقب الشافعي للرازي 74 - 75. والبيتان من غير نسبة في الأم 1/ 13 وأحكام القرآن للبيهقي 1/ 46 وهما لبشار ابن برد، كما في الشعراء 2/ 733. (¬2) في أحكام القرآن للبيهقي 1/ 46. (¬3) في ا: «بأن». (¬4) في ا: «من الغائط من الملامسة» وهـ: «من الغائط الملامسة».

مَوْصُولَةً بالغَائِطِ بعد ذكر الجنابة، فأَشْبَهَت الملامسة أن تكون اللّمسَ باليد والقُبَل، وغير الجنابة. وبهذا الإسناد [عن الربيع (¬1)] قال: قال الشافعي: قال الله عز وجل: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ولا يقع اسم صَعِيدٍ إلا على تراب ذي غبار (¬2). وبهذا الإسناد [عن الربيع (¬3)] قال: قال الشافعي: قال الله تبارك وتعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا (¬4)} فأوجب الله، جل ثناؤه، الغسلَ من الجنابة. وكان معروفاً في لسان العرب أنّ الجنابة: الجماع، وإن لم يكن مع الجماع ماء دافق. وكذلك ذلك في حدّ الزنا، وإيجاب المهر، وغيره. فكل من خوطب بأن فلانا أَجْنَبَ من فلانة عَقَلَ أنه أصابها، وإن لم يكن مُقْتَرِفاً. يعني (¬5) أنه لم ينزل (¬6). أخبرني الثقة من أصحابنا، عن أبي نعيم الأصبهاني، قال: حدثنا أبو محمد ابن حيان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن داود، قال: حدثنا أبو زكريا النَّيْسَابًورِي، قال: حدثنا محمد بن عبد الحَكَم، قال: ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) الأم 1/ 43 وأحكام القرآن 1/ 47. (¬3) الزيادة من ح. (¬4) سورة النساء 43 (¬5) هذا التفسير من قول الربيع، كما في الأم 1/ 31. (¬6) أحكام القرآن 1/ 46 - 47.

سمعت الشافعي يقول: في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (¬1)} قال: في العِبْرة عندكم، إنما كان يقول لشيء لم يكن: كن: فيخرج مُفَصَّلاً بعينيه وأذنيه وأنفه وسمعه ومفاصله، وما خلق الله فيه من العروق. فهذا في العبرة أشدّ من أن يقول لشيء كان: عُدْ إلى ما كنت فهو (¬2) إنما أهون عليه في العبرة عندكم، ليس أنّ شيئاً يعظم على الله، عز وجل (¬3). أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال: حدثنا الشافعي، قال: سمعت من أثق بخبره وعلمه يذكر: أنّ الله أنزل فَرْضاً في الصلاة، ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس. قال الشافعي: كأنه يعني قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ • قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا • نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا • أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (¬4)} ثم نسخه في السورة معه بقوله جل ثناؤه: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (¬5)} فنسخ قيام الليل أو نصفه أو أقل أو أكثر بما تيسر [عليه (¬6)]. قال الشافعي: وما أشبه ما قال بما قال، وإن كنت أحبّ أن لا يدع أن ¬

_ (¬1) سورة الروم 27 (¬2) في هـ: «فهذا أهون» وفي ح: «فهو أهون». (¬3) أحكام القرآن 1/ 41. (¬4) سورة المزمل 1 - 4 (¬5) سورة المزمل 20. (¬6) الزيادة من ح. [م - 19] مناقب

يقرأ بما تيَّسر عليه من لَيْلِه (¬1). قال الشافعي: ويقال: نسخ ما وصفت في المزمل. بقول الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} ودُلُوكُ الشمس: زوالها {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}: العَتمة {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} وقرآن الفجر: الصبح {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا • وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ (¬2)} فأعْلَمَهُ أنَّ صلاة الليل نافلةٌ لا فريضةٌ، وأنَّ الفرائض فيما ذكر من ليل أو نهار. [قال الشافعي (¬3)] ويقال في قول الله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} المغرب والعشاء {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الصبح {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا}: العصر {وَحِينَ تُظْهِرُونَ (¬4)} الظهر. قال الشافعي: وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل. والله أعلم (¬5). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي: قال الله تعالى لنبيه، صلى الله عليه وسلم: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ ¬

_ (¬1) الأم 1/ 59. (¬2) سورة الإسراء: 78 - 79 (¬3) الزيادة من ح. (¬4) سورة الروم 17 - 18 (¬5) الأم 1/ 59 وأحكام القرآن 1/ 57.

تَرْتِيلًا (¬1)} وأقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإنابة (¬2). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، قال: قال الشافعي: قال بعض أهل العلم بالتفسير: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} بما في القلوب؛ فإن الله تعالى تجاوز للعباد عما في القلوب {فَلَا تَمِيلُوا} فتتبعوا أهواءكم {كُلَّ الْمَيْلِ (¬3)} بالفعل مع الهوى. وهذا يشبه ما قال. والله أعلم (¬4). ودلت سُنَّةُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما عليه عَوَامُّ (¬5) علماء المسلمين مِنْ أنّ على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي، وأن عليه أن يعدل في ذلك، لا أنه مُرَخَّصٌ له أن يجوز فيه. فَدَلَّ ذلك على أنه إنما أريد بما في القلوب مما قد تجاوز الله للعباد عنه فيما هو أعظم من الميل إلى النساء. والله أعلم (¬6). وبهذا الإسناد قال: حدثنا الشافعي، قال: قال الله، عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (¬7)} قال: ¬

_ (¬1) سورة المزمل: 4 (¬2) الأم 1/ 95 وأحكام القرآن 1/ 64. (¬3) سورة النساء 129 (¬4) الأم 5/ 98، وانظر أحكام القرآن 1/ 205 - 207، والسنن الكبرى 7/ 297 - 298 (¬5) في ا «عوام أهل علماء» (¬6) من الأم 5/ 98. (¬7) سورة البقرة: 228

وجماع (¬1) المعروف: (2 إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه، وكفُّ المكروه. وقال في موضع: وجماع المعروف ¬2) إعْفَاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه، وأداؤه إليه بطيب النفس، لا بضرورته (¬3) إلى طلبه، ولا تأديته بإظهار الكراهية لتأديته. وأيهما ترك فظلم، لأنّ «مَطْلَ الغني ظُلْمٌ (¬4)». ومطله: تأخيره الحق (¬5). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس بن يعقوب، قال: أنبأنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (¬6)} فإنما يعني: أحل الله البيع إذا كان على غير ما نهى الله عنه في كتابه أو على لسان نبيه [صلى الله] عليه وسلم. وكذلك قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ (¬7)} بما أحلّه به من النكاح ومِلْكِ اليَمِين في كتابه، لاَ أَنَّهُ أباحَهُ بكلِّ وجه. هذا كلام عربي (¬8). ¬

_ (¬1) في الأم 5/ 95 قبل ذلك: «وأقل ما يجب في أمره بالعشرة بالمعروف: أن يؤدي الزوج إلى زوجته ما فرض الله لها عليه من نفقة وكسوة وترك ميل ظاهر؛ فإنه يقول جل وعز {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} وجماع المعروف. الخ». (¬2) ما بين الرقمين ساقط من هـ، ح. (¬3) في ا: «لا تضرونه». (¬4) رواه مسلم عن أبي هريرة 3/ 1197 (¬5) الأم 5/ 77 وأحكام القرآن 1/ 204. (¬6) سورة البقرة 275. (¬7) سورة النساء 24. (¬8) من الرسالة ص 232.

وقال في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ (¬1)}: معناه: قل: لا أجد فيما أوحى إلى مُحَرَّماً مما كنتم تأكلون، إلا أن يكون مَيْتَةً، وما ذُكِرَ بَعْدَها (¬2)، فلم يُحرّم عليكم مما كنتم تستحلون، إلا ما سَمَّى. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، أنبأنا الشافعي، قال: قال الله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً (¬3)} الآية. قال: اختلف في تفسير هذه الآية: فقيل: نزلت في بغايا كانت لهن رايات، وكن غير محصنات، فأراد بعض المسلمين نكاحهن، فنزلت هذه الآية بتحريم أن ينكحهن إلا من أعلن بمثل ما أعلن به، أو مشرك (¬4). وقيل: كن زواني مشركات، فنزل أن لا ينكحهن إلا زان مثلهن أو مشرك، وإن لم (¬5) يكن زانياً، وحرّم ذلك على المؤمنين. ¬

_ (¬1) سورة الأنعام 145. (¬2) في الرسالة 231 بعد ذلك: «فأما ما تركتم أنكم لم تعوه من الطيبات فلم يحرم عليكم مما كنتم تستحلون إلا ما سمى الله، ودلت السنة على أنه حرم عليكم منه ما كنتم تحرمون؛ لقول الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}». (¬3) سورة النور: 3 (¬4) في الأم «أن ينكحن ... أو مشركا». (¬5) في ا: «إلا زان مشرك مثلهن فان لم».

وقيل: غير هذا (1 يعني قول: عكرمة: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة. يذهب إلى أن قوله ينكح يصيب ¬1) وقيل: هي عامة ولكنها نسخت. وذكر في موضع آخر أسامي هؤلاء القائلين، فاختار قول «ابن المسيب» حيث قال: إنها منسوخة، نسخها قول الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ} فهي من أَيَامَى المسلمين (¬2). أخبرنا محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال: أنبأنا الشافعي في مسائل الرضاع (¬3)، قال: فإن قال قائل. إنما قال الله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ (¬4)} فكيف حرّمت حليلة الابن من الرضاعة؟ قيل: بما وصفت ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين تفسير لقول الشافعي، ولكنه من كلامه أيضاً. فقد جاء في الأم 5/ 132 «قال الشافعي: وروى من وجه آخر غير هذا عن عكرمة: أنه قال: لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك. قال أبو عبد الله: يذهب إلى قوله: ينكح أي يصيب». (¬2) في الأم 5/ 131 بعد ذلك: «فهذا كما قال ابن المسيب، إن شاء الله، وعليه دلائل من الكتاب والسنة ...». (¬3) يشير الربيع إلى ما ذكره الشافعي في الأم 5/ 21 «فأي امرأة نكحها رجل حرمت على ولده، دخل بها الأب أو لم يدخل بها. وكذلك ولد ولده من قبل الرجال والنساء، وإن سفلوا؛ لأن الأبوة تجمعهم معا. وكل امرأة أب، أو ابن حرّمتها على ابنه، أو أبيه، بنسب، فكذلك أحرّمها إذا كانت امرأة أب أو من الرضاع. فان قال قائل ...». (¬4) سورة النساء: 23

مِنْ جَمْعِ الله بين الأمّ والأخت من الرّضاعة، والأمّ والأخت من النسب في التحريم. ثم بأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (¬1). فإن قال (¬2) فهل تعلم فيما أنزلت {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}؟ قيل - الله أعلم - فيما أنزلها. فأما معنى ما سمعت متفرقاً (¬3) فجمعته، فإنَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أراد نكاح ابنة جَحْشٍ، وكانت عند زيد ابن حَارِثَة، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتبناه، فأمر الله أن يُدْعَى الأَدْعِياءُ لآبائهم، فقال: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} إلى قوله: {وَمَوَالِيكُمْ (¬4)} وقال الله تعالى لنبيه: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ (¬5)} الآية. فأَشْبَهَ - والله أعلم - أن يكون قوله: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ (¬6)} دون أدعيائكم الذين تُسَمّونهم أبناءكم، (7 ولا يكون الرضاع من هذا في شيء ¬7). أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال: ¬

_ (¬1) راجع الأم 5/ 20 - 21 (¬2) في ح «قال قائل». (¬3) في ا: «مفترقا». (¬4) سورة الأحزاب: 4 - 5 (¬5) سورة الأحزاب: 37 (¬6) ما بين كلمتي أصلابكم التي مرت آنفا وهذه - سقط من أحكام القرآن 1/ 181. (¬7) ما بين الرقمين ساقط أيضاً من أحكام القرآن.

حدثنا الشافعي في قوله عز وجل: {مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (¬1)} قال: فزعم أهل العلم بالتفسير: أن محلّها: الحرم كأنهم ذهبوا إلى أن الأرض حِلّ، وحرم، فموضع البيت في الحرم. وأن قول الله: {إِلَى الْبَيْتِ} إلى موضع البيت الذي تبين من البلدان، لا إلى البيت نفسه، ولا إلى موضعه من المسجد؛ لأن الدم لا يصلح هناك. وعَقَلوا عن الله أنّه إنما أراد حَاضِرِي البيتِ العتيقِ من الهَدْى. فإن أجمع (¬2) أن يذبح في الحرم فيأكله حاضره من أهل الحاجة غير متغير – فقد جاء بالذي عليه. أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي: قال الله، جل ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} إلى قوله: {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ (¬3)}. قال: فلما أمر الله، جل ثناؤه، بالكتاب، ثم رخص في ترك الإشهاد إن كانوا على سفر ولم يجدوا كتاباً – احتمل أن يكون [فرضاً، واحتمل أن يكون (¬4)] دلالة، فلما قال جل ثناؤه: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} والرهن غير الكتاب والشهادة، ثم قال: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ ¬

_ (¬1) سورة الحج 33، وانظر الأم 2/ 135، وتفسير الطبري 17/ 116، وتفسير القرطبي 12/ 57. (¬2) في ح: «فاذا جمع». (¬3) سورة البقرة: 282 (¬4) الزيادة من ح.

أَمَانَتَهُ} دَلّ كتابُ الله، جل ثناؤه، على أنَّ أمْرَه بالكتاب، ثم الشهود، ثم الرهن – إرشاد لا فَرْضٌ عليهم؛ لأن قوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} إباحة لأن يأمن بعضكم بعضاً، فيدع الكتاب والشهود والرهن (¬1). قال الشافعي: وأُحِبُّ الكتابَ والشُّهودَ؛ لأنه إرشاد من الله، ونظر للبائع والمشتري، وذلك أنهما إن كانا أمينين فقد يموتان أو أحدهما فلا يعرف حق البائع على المشتري، فيتلف عن البائع أو ورثته حقّه، وتكون التِّبَاعَة على المشتري في أمر لم يُرِدْه. وقد يتغير عقل المشتري فيكون هذا والبائع. وقد يغلط المشتري فلا (¬2) يقر فيدخل في الظلم من حيث لا يعلم. ويصيب ذلك البائع فيدّعي ما ليس له، فيكون الكتاب والشهادة قاطعاً هذا عنهما وعن ورثتهما. ولو لم يكن يدخله مَا وصَفْتُ لا نبْغَى (¬3) لأهل دين الله اختيار ما نَدَبَهُم الله، عزّ وجلّ، إليه إرشاداً. ومَنْ تركه فقد ترك حَزْماً وأَمْراً لم أحبّ تركه، من غير أن أَزْعُمَ أنَّه محرَّمٌ عليه، لما وصفت من الآية بعدها. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أنبأنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الحجاج، قال: حدثنا أحمد ابن عبد الرحمن بن أخي ابن وهب، قال: ¬

_ (¬1) راجع الأم 3/ 122. (¬2) في ح: «ولا يقر وحيث لا يعلم». (¬3) في ح: «انبغي».

سمعت الشافعي، يقول: الأمة على ثلاثة وجوه: قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ (¬1)} قال: على دين. وقوله: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (¬2)} أي بعد حين. وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً (¬3)} أي معلِّما (¬4). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع، قال: قال الشافعي: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا (¬5)} يعني أسلمنا بالقول والإيمان مخافة السبي والقتل، ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله. يعني إن أحدثوا إطاعة الله تعالى ورسوله. أخبرنا محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع، قال: قال الشافعي: قال الله، جل ثناؤه: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (¬6)} قيل: صلِّ في ثياب طاهرة. وقيل غير ذلك (¬7). ¬

_ (¬1) سورة الزخرف 22 (¬2) سورة يوسف: 45 (¬3) سورة النحل 120 (¬4) أحكام القرآن 1/ 42، وتأويل مشكل القرآن. ص 345 – 346 (¬5) سورة الحجرات 14 (¬6) سورة المدثر: 4 (¬7) الأم 1/ 47، وأحكام القرآن 1/ 80 – 81.

أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال: حدثنا أبو عمر: محمد بن عبد الواحد، قال: قال ثعلب في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}: اختلف الناس: فقالت طائفة: الثياب هاهنا: الثياب. وقالت طائفة: الثياب هاهنا: القلب (¬1). أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو عباس، قال: حدثنا الربيع. قال: حدثنا الشافعي، قال: قال الله، تبارك وتعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (¬2)} فقيل – والله أعلم – قانتين: مطيعين (¬3). وبهذا الإسناد في قوله عز وجل: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا (¬4)} قال الشافعي: فقال بعض أهل العلم بالقرآن في قول الله: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} إلى قوله: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} ولا تقربوا موضع الصلاة. قال (¬5): وما أشبه ما قال بما قال؛ لأنّه لا يكون في الصلاة عُبورُ سبيل، إنما عبور السبيل في في مَوْضِعِها، وهو في المسجد، فلا بأس أن يَمُرَّ الجُنُبُ في المسجد ماراً ولا يقيم فيه؛ لقول الله، عزّ وجلّ: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}. ¬

_ (¬1) أحكام القرآن 1/ 81. (¬2) سورة البقرة 238. (¬3) الأم 1/ 69، وأحكام القرآن 1/ 80. تأويل مشكل القرآن 350 (¬4) سورة النساء 43. (¬5) الأم 1/ 46، وأحكام القرآن 1/ 83.

وبهذا الإسناد في قوله: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ (¬1)}. قال الشافعي: نزلت في أمراء السرايا. وأُمرُوا إذا تنازعوا (¬2) في شيء – وذلك اختلافهم فيه – أن يردّوه إلى حكم الله، تعالى، وحكم الرسول، صلى الله عليه وسلم، [تسليما (¬3)]. ¬

_ (¬1) سورة النساء 59. (¬2) في ح «إذا تنازعتم». (¬3) الزيادة من ح. وانظر الرسالة 79 – 80، وأحكام القرآن 1/ 29.

27 - باب: ما يستدل به على معرفة الشافعي بمعاني أخبار رسول الله، صلى الله عليه وسلم

باب ما يستدل به على معرفة الشافعي بمعاني أخبار رسول الله، صلى الله عليه وسلم (¬1) * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد الحافظ، بِأَسَدَابَاد، قال: أخبرني محمد بن مخلد، قال: حدثنا أبو بكر: أحمد بن عثمان ابن سعيد الأَحْوَل، قال: سمعت «أحمد بن حنبل» يقول: ما كان أصحاب الحديث (¬2)، يعرفون معاني حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى قدم الشافعي فبيَّنَها لهم. وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي، قال: حدثنا الحسن ابن رشيق المصري، إجازة، قال: قال الحسين (¬3) «بن علي الكَرَابِيسِي»: رحمة الله على «الشافعي» ما فهمنا استنباط أكثر السّنن إلا بتعليم الشافعي «أبي عبد الله» إيَّانَا. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا عمرو (¬4): أحمد بن الحسن ¬

_ (¬1) في ا: «أول السادس من أصل المصنف». (¬2) في ا: «أصحاب حديث رسول الله». (¬3) في هـ: «أبو الحسن علي» عن الشافعي. (¬4) في هـ: «أبا عمر».

ابن علي بن منْدَه الأصبهاني، يقول: سمعت سفيان بن هارون بن سفيان العاصمي، يقول: سمعت أحمد بن منصور الزِّيادِي يقول: سمعت البُوَيْطِي، يقول: سمع الشافعي، رضي الله عنه، يقول: يدخل في «حديث الأعمال بالنيات» ثلث العلم. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى؛ قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب؛ قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا «الشافعي» قال: حدثنا مالك، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَةَ ابن مسعود. عن «زيد بن خالد الجُهَنِي» قال: صلى بنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلاة الصبح بالحُدَيْبِيَةِ في إثْرِ سَمَاءِ كانت من الليل، فلما انصرف أقبل علي الناس، فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأما من قال: مُطِرْنَا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب (¬1). قال الشافعي، رحمه الله: ورسول الله، صلى الله عليه وسلم - بأبي وأمي - عربِيّ اللسان، يحتمل قوله هذا معاني (¬2)، وإنما مُطِرَ بين ظَهْرَانَيْ قومٍ ¬

_ (¬1) مسند أحمد 4/ 117، والأم 1/ 223، وسنن أبي داود: كتاب الطب: باب في النجوم 4/ 21 - 22. (¬2) في ح: «معان».

مشركين؛ لأن هذا في غزوة الحُدَيْبِيَةِ. فأرى معنى قوله - والله أعلم - أن من قال: «مُطِرْنا بفضل الله ورحمته» فذلك إيمان بالله، عز وجل؛ لأنه يعلم أنه لا يُمطِر ولا يُعطِي إلا الله. وأما من قال: «مُطِرْنا بِنَوْءِ كذا» - على ما كان بعض أهل الشرك يَعْنُونَ من إضافة المطر إلى أنّه أَمْطرَه نوءُ كذا - فذلك كفر، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم؛ لأن النَّوْء: وقت، والوقت مَخْلُوقٌ لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً، ولا يُمْطِرُ ولا يصنع شيئاً. فأما من قال: «مُطِرْنا بنوء كذا» على معنى مطرنا في نَوْء وقت (¬1) كذا - فإنما ذلك كقوله: مطرنا في شهر كذا، فلا يكون هذا كفراً. وغيره من الكلام أحبُّ إليَّ منه، أُحِبُّ أن يقول: مطرنا في وقت (¬2) كذا. قال: وبلغني أن بعض (¬3) أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان إذا أصبح وقد مطر الناس قال: مطرنا بنوء الفتح، ثم يقرأ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا (¬4)}. قال الشافعي: وقد روى عن «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه، أنه قال يوم جمعة وهو على المنبر: كم بقي من نَوْء الثُّرَيَّا؟ فقام العباس فقال: لم يبق منه شيء إلا العَوَّا (¬5) فدعا، ودعا الناس حتى نزل عن المنبر فَمُطِرَ مَطراً أَحْيَا ¬

_ (¬1) في ا: «في وقت بنوء». (¬2) في ا: «في شهر كذا، فلا يكون هذا كفرا وغيره من الكلام وبلغني أن بعض» وهو خطأ. (¬3) هو أبو هريرة، جاء في الدر المنثور 5/ 244 «أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب قال: سمعت مالكا يحدث أن أبا هريرة كان إذا أصبح ... الخ». (¬4) سورة فاطر 2. (¬5) الأزمنة والأمكنة للمرزوقي 1/ 191، والأنواء لابن قتيبة 14.

الناسُ منه (¬1). قال الشافعي: وقول عمر هذا يُبَيِّنُ ما وصفت؛ لأنه إنما أراد: كم من بقى من وقت الثريا؟ لمعرفتهم بأن الله تعالى، قدَّر الأمطار في أوقات فيما جَرَّبُوا، كما عَلِمُوا أنّه قدّر الحرّ والبرد فيما جرّبوا في أوقات. قال: وبلغني أن «عمر بن الخطاب» أُتِيَ (¬2) بشيخ من بني تميم غداً مُتَّكئاً على عكّاز، وقد مُطِرَ الناس، فقال: أجاد ما أَقْرَى (¬3) المُجَيْدِح (¬4) البارحة. فأنكر عمر قوله: أجاد ما أقرى المجيدح لإضافته المطر إلى المجيدح. ومن قوله: «وبلغني أن عمر بن الخطاب» إلى آخره - لم يذكره أبو عبد الله، وذكره ابن موسى. وفيما كتب إليّ أبو نعيم: عبد الملك بن الحسن الإسفراييني، إجازة، أن أبا عوانة أخبرهم، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول في «حديث المِقْدَاد» في الرجل الذي ضرب إحدى ¬

_ (¬1) الام 1/ 223. (¬2) كذا في ح، في ا: «أوحد» وعليها علامة الغلط، وفي هـ: «أوجر» وفي الام «أوجف». (¬3) كذا في الام، وفي هـ: «ما أقرأ» وفي ا: «ما أمر» وفي ح: «ما أمري» والصواب ما في الام (¬4) في الام: «المجدح» وفي هـ: «المجندح» وهو تحريف. وفي اللسان 3/ 245 «والمجاديح: واحدهما مجدح، وهو نجم من النجوم كانت العرب تزعم أنها تمطر به، كقولهم: الانواء».

يديه بالسيف ثم لاذ منه بشجرة (¬1)، فقال: أسلمت لله. أَفَأَقْتُلُهُ يا رسولَ الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تقتله؛ فإنْ قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال: معناه: أنه يصير مباح الدم، لا أَنَّه يصير مشركا، كما أنه كان مباح الدم قبل أن يقول شهادة أن لا إله إلا الله. * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه، قال: حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: سأل إنسان «يونس بن عبد الأَعْلَى» عن معنى قول النبي، صلى الله ¬

_ (¬1) الدي في الأم 6/ 3 عن الربيع قال: «أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا يحيى بن حسان، عن الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبد الله بن عدي ابن الخيار. عن المقداد: أنه أخبره أنه قال: يا رسول الله، أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة. فقال: أسلمت لله. أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تقتله. فقلت: يا رسول الله. إنه قطع يدي. ثم قال بعد أن قطعها. أفأقتله؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. لا تقتله؛ فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله. وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال. قال الربيع: معنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم، «فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك» يريد أنه حرام الدم قبل أن تقتله. وإنك بمنزلته مباح الدم. يريد بقتله قبل أن يقول كلمته التي قال، إذ كان مباح الدم قبل أن يقولها، لا أن يكون كافراً مثله». [م - 20] مناقب

عليه وسلم: «أقرُّوا الطير على مَكِنَاتِها (¬1)» فقال: إن الله تعالى يحب الحقَّ، إن الشافعي كان صاحب ذا، سمعته يقول في تفسير قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «أقرّوا الطير على مَكِنَاتِها» فقال: كان الرجل في الجاهلية إذا أتى الحاجة، أتى الطير في وَكْرِه فَنَفّرَهُ، فإن أخذ ذات اليمين مضى لحاجته، وإن أخذ ذات الشمال رجع. فنهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك. قال: وكان «الشافعي» نَسِيجَ وَحْدِهِ في هذه المعاني (¬2). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثني أبو عمرو: محمد بن إسماعيل المُرَادِي، قال: حدثني أبو محمد: عبد الرحمن بن أحمد بن سليمان البَرَقي (¬3)، ¬

_ (¬1) الحديث عن أم كرز الكعبية في السنن الكبرى، باب أقروا الطير على مكاناتها 9/ 311 وفي سنن أبي داود، في العقيقه 3/ 138 - 139؛ وفي المستدرك، كتاب الذبائح 4/ 237 - 238، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. ولكنه قال ميزان الاعتدال 2/ 115 عن روايه عن أم كرز: سباع بن ثابت القرشي: إنه لا يعرف. وذكر له هذا الحديث. والحديث من رواية سباع عنها في مسند الحميدي 1/ 167، ومسند الطيالسي 227، ومسند أحمد 6/ 381، وحلية الأولياء 9/ 95. وترجمة سباع الصحابي أو التابعي في طبقات ابن سعد 5/ 243 ل، 464 ب والجرح والتعديل 2/ 1/312 والثقات لابن حبان كتاب التابعين 43 - 1، وتهذيب التهذيب 3/ 452 والإصابة 3/ 63، وأسد الغابة 2/ 259 (¬2) في السنن الكبرى 9/ 311. وانظر غريب الحديث لأبي عبيد 2/ 135 - 138، ومشكل الآثار للطحاوي 1/ 342 - 343. (¬3) في ا: «البوقي».

قال: سمعت أحمد (¬1) بن جعفر القُوْمَسِي، يقول: سمعت علي بن أحمد البَرْذعِي يقول: دخل إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، مَكَّةَ، وأَرادُوا عبد الرَّزاق، فدخلوا مسجد الحرام، فرأوا رجلا شابا على كرسي، وحوله الناس وهو يقول: يا أهل الشام، ويا أهل العراق، سلوني عن سنن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فقلنا لرجل: مَنْ هذا الجالس؟ فقال المُطَّلِبيّ الشافعي. قال إسحاق: فقلت لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله مُرّ بنا إليه نجعل طريقنا عليه. قال: فلما قمنا عليه قلنا: يا أبا عبد الله، سله عن حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: «أمْكِنُوا الطير في أَوْكارِها» فقال: وما تصنع بهذا؟ هذا مُفَسَّرٌ: دعوا الطير في ظلمة الليل في أوكارها. فقال إسحاق: والله لأسألنه: يا مُطَّلبي، ما تفسير قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «أمكنوا الطير في أوكارها»؟ قال: نعم يا فارسيّ، هذا [أحمد (¬2)] ابن حنبل، بلغني أنه يفتي بالعراق في هذا الحديث: دعوا الطير في ظلمة الليل في أوكارها. قال إسحاق: يا مطلبي، ما تفسير هذا الحديث؟ قال: نعم، حدثنا بهذا الحديث سفيان ابن عيينة، فسألته عن تفسيره، فقال: لا أدري، فقلت: بارك الله عليك أبا محمد. فأخذ بيدي وقال لي: يا شافعي، ما تفسير هذا الحديث؟ فقلت: كان أهل الجاهلية إذا أرادوا سفراً عَمَدُوا إلى الطير فَسَرَّحُوها، فإن أخذت يميناً خرجوا في ذلك الفأل، وإن أخذت يساراً، أو رجعت إلى ¬

_ (¬1) كذلك في ح، هـ. وفي ا: «محمد». (¬2) الزيادة من ح.

خلفها - تَطَيَّرُوا ورجعوا. فلما أن بُعِثَ النبي، صلى الله عليه وسلم، قدم مكة فنادى في الناس: «أمكنوا الطير في أوكارها، وبَكِّرُوا على اسم الله». قال إسحاق لأحمد: يا أبا عبد الله، لو لم نرحل من العراق إلى الحجاز إلا في تفسير هذا الحديث لكانت لنا غنيمة. قال أحمد بن حنبل: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (¬1)}. قلت: وقد رَوَى عبدان بن محمد بن عيسى الحافظ، عن محمد بن مُهَاجِر البغدادي، أخي حنيف، عن سفيان بن عيينه: أنه حدَّث بهذا الحديث، وكان الشافعي إلى جنب ابن عيينه، فالتفت إليه سفيان. فقال: يا أبا عبد الله، ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقروا الطير في مكانتها»؟ فقال (¬2) الشافعي لابن عيينة: الرجل من العرب كان إذا أراد سفراً خرج من البيت فمرّ على الطير في مكانته يُطَيِّرُهُ، فإن أخذ يميناً مَرَّ في حاجته، وإن أخذ يساراً رجع. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «أَقِرّوا الطيرَ على مكانتها». قال ابن مهاجر: فسمعت ابن عيينة بعد ذلك يسْأَلُ عن تفسيره، فكان يُفسِّره على نحو ما قال الشافعي. ¬

_ (¬1) سورة يوسف 76. (¬2) ح «قال».

[(1 قال ابن مهاجر: فسألت «الأصمعي» عن تفسيره، فذكر بنحو من قول الشافعي ¬1) فسألت عنه «وكيع بن الجَراح» فقال: إنما هو عندنا على صيد الليل. فذكرت له قول الشافعي فاستحسنه، وقال: ما ظنناه إلا على صيد الليل (¬2). وهذا فيما أخبرناه شيخنا أبو عبد الله الحافظ، قال: وفيما ذكر أبو العباس السّيّاري، عن عبدان. فذكر بتمامه. * * * أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن حيّان، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن زياد، قال: قُرِئ على أبي بكر بن أحمد ابن عمرو بن أبي عاصم النَّبِيل، وأنا حاضر، قال: حدثنا الشافعي - يعني إبراهيم ابن محمد، قال: سمعت «محمد بن إدريس الشافعي» في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: أنه كان معتكفاً في المسجد، فأتته صفية، ثم رجعها فمشى معها، فإذا رجلان من الأنصار، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «إنها صفيّة، وإنّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم»: يقول: إنما هذا من النبي: صلى الله عليه وسلم، على التعليم، ليس هذا من النبي، صلى الله عليه وسلم، على التهمة، لو اتهماه لكفرا. هذا من النبي، صلى الله عليه وسلم، على الأدب. يقول: إذا مَرَّ أحدكم ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ساقط من ا. (¬2) حلية الأولياء 9/ 95.

على رجل يكلِّم امرأةً وهي منه بسبب فليقل: إنها فلانة، وهي منا بسبب. فقال: «ابن عيينة: جزاك الله عنا خيراً يا أبا عبد الله (¬1). وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا علي بن محمد بن عمر الرازي الفقيه، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، عمن حدثه، قال: كنا في مجلس ابن عيينه، والشافعي حاضر، فحدّث ابن عيينة عن الزهري، عن علي بن الحسين: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مر به رجل وهو مع امرأته صفية. فقال: تعال، هذه امرأتي صفية. فقال: سبحان الله يا رسول الله! فقال: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم (¬2)». فقال ابن عيينة: ما فقه هذا الحديث يا أبا عبد الله؟ فقال: إن كان القوم اتهموا النبي، صلى الله عليه وسلم، كانوا بتهمتهم إياه كفاراً، لكن النبي، صلى الله عليه وسلم، أدّب مَنْ بَعْدَه، فقال: إذا كنتم هكذا [فافعلوا هكذا (¬3)] حتى لا يظن بكم ظن السوء، لا أَنَّ النبي، صلى الله عليه وسلم – وهو أمين الله في أرضه – اتهم. فقال ابن عُيَيْنَة: جزاك الله خيراً يا أبا عبد الله، فما يجيئنا منك إلا كل ما نحبّه. ¬

_ (¬1) حلية الأولياء 9/ 92. (¬2) السنن الكبرى 4/ 2221 – 2222 وصحيح مسلم 4/ 1712 (¬3) الزيادة من ح.

ورواه «عبد الرحمن في كتابه (¬1)» عن محمد بن روح، عن إبراهيم بن محمد الشافعي، قال: كنا جلوساً في مجلس ابن عيينة. فذكره. * * * أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى؛ قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا الشافعي. فذكر بإسناده حديث النبي، صلى الله عليه وسلم «تجافوا لذوي الهيئآت عن عثراتهم (¬2)» ثم قال: سمعت من أهل العلم مَن يعرف هذا الحديث ويقول: نتجافى (¬3) للرجل ذي الهيئة عن عثرته ما لم يكن حدًّا. قال: وذوو الهيئات (¬4) الذين يقالون عثراتهم: الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزِلّ أحدهم الزّلّة (¬5). وفي رواية الزعفراني عن الشافعي: الذين ليسوا يعرفون بالشر قبل إحْدَاثِهم الزّلّة التي (¬6) أخذوا عليها (¬7). وأخبرنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال: ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ومناقبه 68 – 70. (¬2) الحديث من رواية عمرة عن عائشة، كما في الأدب المفرد للبخاري 123، ومسند أحمد 6/ 181، وحلية الاولياء 9/ 43، والسنن الكبرى 8/ 334، وسنن أبي داود 4/ 189. (¬3) في الام: «يجافي». (¬4) في ح: «قال كيف ذوو الهيئات، الذين تقال عثراتهم قال الذين ليسوا». (¬5) الام 6/ 334. (¬6) في ا «الذي». (¬7) الام 2/ 132.

أنبأنا الشافعي. فذكر بإسناده مرسلا: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لعن المُخْتَفِي والمُختَفِيَةَ (¬1). قال الشافعي: المختفي: النّباش. وبهذا الإسناد قال: أنبأنا الشافعي في معنى قوله، صلى الله عليه وسلم: «لا تُخَالِطُ الصّدقَةُ مالاً إلّا أَهلَكَتْهُ» قال: يعني (¬2) - والله أعلم - أن خيانة الصدقة تُتْلِفُ المال المخلوطَ بالخيانة من الصّدقة (¬3). وبهذا الإسناد قال: حدثنا الشافعي في قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم المُصَدِّقُ فلا يفارقكم إلا عن رضا» (¬4) قال: يعني - والله أعلم - أن يُوفّوه طائعين، ولا يَلْوُوه، لا أَنْ يُعْطُوه من أموالهم ما ليس عليهم. فبهذا نأمرهم ونأمر المُصَدِّق (¬5). وبهذا الإسناد قال: قال الشافعي: روى ابن أبي مُلَيْكَةَ مُرْسَلاً: أن النبي، صلى الله عليه وسلم ¬

_ (¬1) في مسند الشافعي 35 «أخبرنا محمد بن عثمان بن صفوان الجمحي، عن هشام بن عروة، عن عائشة». (¬2) في ح «معنى هذا». (¬3) الام 2/ 50. (¬4) في مسند الشافعي 35 «أخبرنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جرير ابن عبد الله، قال: قال رسول الله. . .». (¬5) الأم 2/ 49 - 5.

قال: «من أَسْلَم على شيء فهو له (¬1)». ومعنى ذلك: من أسلم على شيء يجوز له مِلْكُه فهو له. * * * أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع، قال: قال الشافعي: روى أن أبا بَكْرَةَ ركع وحده، وخاف أن تفوته الركعة (¬2)، فذكر ذلك للنبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: «زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ» [قال الشافعي: فلما لم يأمره بإعادة – دل ذلك على أنه يجزي عنه. وقوله: «لا تعد» (¬3)] يشبه قوله: «لا تأتوا الصلاة وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فاقضوا (¬4)» يعني – ¬

_ (¬1) قال الشافعي في الام 4/ 172 «هذا منقطع» ورواه البيهقي في السنن الكبرى 9/ 113 عن أبي سعد الماليني، أنبأنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا محمد بن خريم، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا مروان بن معاوية، حدثنا ياسين بن معاذ الزيات، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. ثم قال: ياسين بن معاذ الزيات كوفي ضعيف، جرحه يحيى بن معين والبخاري، وغيرهما من الحفاظ. وهذا الحديث إنما يروى عن ابن أبي مليكة عن النبي مرسلا، وعن عروة عن النبي مرسلا. (¬2) في صحيح البخاري 1/ 156، باب إذا ركع دون الصف: «حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا همام، عن الاعلم – وهو زياد – عن الحسن، عن أبي بكرة: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف. فذكر الخ» ونقله البيهقي عنه في السنن الكبرى 2/ 90. (¬3) الزيادة من ح وهي ثابتة في السنن الكبرى. (¬4) السنن الكبرى 2/ 297 – 298، 3/ 228.

والله أعلم - ليس عليك أن تركع حتى تصل إلى موقفك؛ لما في ذلك من التعب، كما ليس عليك أن تسعى إذا سمعت الإقامة. وعَبَّرَ عنه في القديم، في رواية الزعفراني، فقال: وقد يجوز في قوله: «لا تعد» على حب (¬1) أن لا تصلي إلا في الصف. ويجوز على إرادة التخفيف، كما أمر الناس أن لا يسعوا إلى الصلاة تخفيفاً. والله أعلم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن علي، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني بن محمد - قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: قال الشافعي: معنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «حدِّثُوا عن بني إسرائيل ولا حَرَج» أي لا بأس أن تحدِّثوا عنهم مما (¬2) سمعتهم، وإن استحال أن يكون في هذه الأمة مثل ما رُوِي: من النّار التي تنزل من السماء فتأكل القُرْبَان، ليس أَنْ يُحَدِّث عنهم بالكذب وما لم يُرْوَ (¬3). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال: قال الشافعي في قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «وفي نَزْعِه ضَعْف» (¬4) يعني ¬

_ (¬1) كذا في ا، هـ: وفي ح «على حث». (¬2) في ح «بما». (¬3) آداب الشافعي ومناقبه 156 وحلية الأولياء 9/ 125. (¬4) في مسند الشافعي 95 «أخبرنا الدراوردي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: بينما أنا أنزع على بئر أستسقي =

أبا بكر الصديق: قِصَر مدته، وعجلة موته، وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والتَّزَيُّد الذي بلغه عمر في طول مدته (¬1). وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن أبي عبد الله: محمد ابن يوسف بن النضر الشافعي، فيما قرأ عليه بالشام، عن الربيع ابن سليمان: عن الشافعي في تفسير هذا الحديث، زاد: قال: وقوله في عمر ابن الخطاب «فاستحالت في يده غَرْباً» والغَرْبُ: الدلو العظيم الذي إنما تنزعه الدابة والزَّرْنُوقُ (¬2)، ولا يَنْزِعُه الرجلُ بيده؛ لطول مدته وتزيّده في الإسلام، لم يزل يَعْظُم أمرُه ومَتَاحَتُهُ للمسلمين كَمَتْحِ الدّلْو العظيم (¬3). أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال: ¬

_ = قال الشافعي: يعين في النوم، ورؤيا الأنبياء - قال رسول الله: فجاء ابن أبي قحافة فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفيه ضعف، والله يغفر له. ثم جاء عمر بن الخطاب فنزع حتى استحالت في يده غربا. فضرب الناس بعطن. فلم أر عبقرياً يفري فريه». (¬1) آداب الشافعي 149. (¬2) في تاج العروس 6/ 370 «الزرنوقان - بالضم ويفتح - منارتان تبنيان على جانبي رأس البئر. فتوضع عليها النعامة - وهي الخشبة المعترضة عليها - ثم تعلق منها القامة - وهي البكرة فيستقى بها». (¬3) الأم 1/ 144، وآداب الشافعي 149.

قال الشافعي، رضي الله عنه، في ذكر الرّمّة (¬1) يقول الشاعر: [بها جِيَفُ الحَسْرَى] أمّا عِظَامُها ... فَرَمٌّ وأما لَحْمُهَا فَصَلِيبُ (¬2) قال الشافعي؛ الرّمة: العظم (¬3). أخبرنا أبو عبد الله، وأبو سعيد؛ قالا: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال: قلت للشافعي: فما معنى رفع اليدين عند الركوع؟ فقال: مثل معنى رفعهما عند الافتتاح، تعظيما لله، وسُنَّة مُتَّبَعَة يرجى فيها ثواب الله، عز وجل. ومثل رفع اليدين على الصّفا والمَرْوَة، وغيرهما. وأخبرنا أبو عبد الله، قال: أخبرني نصر بن محمد بن أحمد المعدل، قال: حدثني محمد بن عمرو البصري، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن عاصم، قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن يوسف البغدادي، بالرَّمْلَة، قال: سمعت بعض أصحابنا يحكي عن «الشافعي» قال: صليت بجنب محمد ¬

_ (¬1) في آداب الشافعي 138 «سمعت الشافعي وذكر حديث الاستنجاء بالرمة. يعني حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن الروث والرمة أن يستنجى بهما. .» والحديث رواه الشافعي في الام 1/ 18 عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع ابن حكيم، عن أبي هريرة ...» وهو في السنن الكبرى 1/ 102. (¬2) في الأصول: «أما عظمها فرم وأما لحمها فصليب» وتكملة البيت من المفضليات 394 وفيها: «فأما عظامها» وهو لعلقمة الفحل. والحسرى: التي هلكت من التعب والإعياء. (¬3) حلية الاولياء 9/ 49.

ابن الحسن، فرفعت يدي عند الركوع وبعد الركوع، فلما سلَّمنا، قال لي محمد ابن الحسن: لم رفعت يديك؟ قلت: إعْظَاماً لجلال الله، عز وجل، واتباعاً لسنة رسولنا، صلى الله عليه وسلم، ورجاء لثواب الله. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد - قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا حَرْمَلَة، قال: سمعت الشافعي يقول في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، حيث قال لها: «اشْتَرِطِي لهم الوَلاَءَ (¬1)»: معناه: اشترطي عليهم الولاء، قال الله: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ (¬2)} يعني عليهم اللعنة (¬3). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع، قال: قال الشافعي (¬4): حديث يحيى بن سعيد، عن عَمْرةَ، عن عائشة - أثْبَتُ من حديث هشام. وأحسبه غلط في قوله: «واشترطي لهم الولاء» وأحسب حديث عَمْرة (¬5) أنَّ عائشة كانت شرطت ذلك لهم بغير أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، وهي ترى ذلك يجوز، فأَعْلَمَها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنها إن أعْتقَتْها فالولاء لها. وقال: لا يمنعك منها ما تقدّم من شَرْطِكِ، ¬

_ (¬1) الأم 4/ 52، والسنن الكبرى 10/ 259، 336. (¬2) سورة الرعد 25. (¬3) آداب الشافعي 158 والسنن الكبرى 10/ 340. (¬4) في اختلاف الحديث بهامش الأم 7/ 196 - 197. (¬5) في ح: «عمر» وهو تحريف.

ولا أرى (¬1) أَمَرَها تشترط لهم ما لا يجوز. * * * وبهذا الإسناد قال: قال الشافعي (¬2)، في معنى إبطال النبي، صلى الله عليه وسلم، شَرْطَ عائشة لأهل بَرِيْرَةَ أن بَيِّناً - والله أعلم - في الحديث نفسه (¬3) أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد أعلمهم أنّ الله تعالى قد قضى أنّ الولا، لمن أَعْتَقَ، ونهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الربيع الوَلاَء، وعن هبته (¬4). فلما بلغهم هذا كان من اشترطَ خلافَ ما قَضَى الله ورسولُه، صلى الله عليه وسلم - عاصياً، وكانت في المعاصي حدود وآداب، فكان من أدب العاصين أن يعطل عليهم شروطهم لِيَنْتَكِلوا عن مِثْلِهِ أو يَنْتَكِل بها غيرهم. وكان هذا من أَسْنَى (¬5) الأدب. * * * ¬

_ (¬1) في ح: «أنه أمرها». (¬2) في السنن الكبرى 10/ 339 «قال الشافعي: فقال لي بعض الناس: فما معنى إبطال النبي، صلى الله عليه وسلم شرط عائشة لأهل بريرة؟ «قلت؛ إن بينا - والله أعلم - في الحديث نفسه: أن رسول الله ...». (¬3) في ا، هـ: «في الحديث بعد». (¬4) في السنن بعد ذلك: «وروى عنه أنه قال: الولاء لحمة كلحمة النسب. النسب لا يباع ولا يوهب. فلما ...». (¬5) كذلك في السنن. وفي ح: «من سيء» وفي ا: «من سنن» وفي هـ: «من مسيء».

أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، قال: حدثنا أبو العباس بن يعقوب، قال: أنبأنا الربيع بن سليمان، قال: أنبأنا الشافعي في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم «لا يَغْلَقُ الرهن [الرهن (¬1)] من صاحبه الذي رهنه، له غُنْمُه وعليه غُرْمُه (¬2)» قال: بهذا نأخذ. وفيه دليل على أن جميع ما كان رَهْناً غير مضمون على المُرْتَهِنِ؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، إذْ (¬3) قال: الرهن من صاحبه الذي رهنه، فمن كان منه شيء فضمانه منه لا من غيره، ثم زاد فأَكد (¬4) له فقال: «له غنمه وعليه غرمه» وغنمه: سلامته وزيادته. وغرمه: عَطَبُه (¬5) ونقصه (¬6). وقوله - والله أعلم -؛ «لا يَغْلقُ الرهن» لا يستحقه المرتهن بأَن يدع الراهن قضاء حقّه عند محلّه، ولا يستحق مرتهنه خدمته، ولا منفعة (¬7) فيه بارتهانه إياه، ومنفعته لراهنه؛ لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ¬

_ (¬1) الزيادة من ح والأم. (¬2) الحديث في الأم 3/ 147، والسنن الكبرى 6/ 39 - 40، ومسند الشافعي 51. (¬3) في ح: «إذا أقال». (¬4) في ح: «فأكده». (¬5) في هـ: «وغرم غبطه ونقضه»! (¬6) في الأم بعد ذلك: «فلا يجوز فيه إلا أن يكون ضمانه من مالكه، لا من مرتهنه. ألا ترى أن رجلا لو ارتهن من رجل خاتما بدرهم يسوي درهما فهلك الخاتم، فمن قال: يذهب درهم المرتهن بالخاتم كان قد زعم أن غرمه على المرتهن، لأن درهمه ذهب به وكان الراهن بريئا من غرمه؛ لأنه قد أخذ ثمنه من المرتهن، ثم لم يغرم له شيئا، وأحال ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم». (¬7) في ح: «منفعته».

«هو من صاحبه الذي رهنه له غنمه» ومنافعه من غنمه (¬1). [قال (¬2)]: وإذا لم يخص رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رهنا دون رهن - فلا يجوز أن يكون من الرّهن مَضْمون، ومنه غير مضمون (¬3). وبسط الكلام فيه. وقال في «كتاب الرهن [الصغير»: معنى (¬4) قول النبي، صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - لا يغلق الرهن [الرهن (¬5)]» لا يغلق بشيء. أي إن ذهب لم يذهب بشيء، وإن أراد صاحبه افتكاكه فلا يغلق في يدي الذي هو في يديه، بأن يقول المرتهن: قد أوصلته إليّ فهو لي بما أعطيتك فيه (¬6)، ولا يغير ذلك مِنْ شرطِ تَشَارَطَاه فيه ولا غيره. والرهن للراهن أبداً حتى يخرجه من ملكه بوجه يصح إخراجه له. وبسط الكلام فيه. واحتج بآخر الخبر كما مضى (¬7). * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: ¬

_ (¬1) الأم 3/ 147. (¬2) الزيادة من ح. (¬3) الأم 3/ 148. (¬4) الزيادة من ح، هـ. (¬5) الزيادة من ح. (¬6) في السنن لكبرى 6/ 40 «عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يغلق الرهن. قلت له: أرأيتك قولك لا يغلق الرهن؛ أهو الرجل يقول إن لم آتك بمالك فهذا الرهن لك؟ قال: نعم. قال: وبلغني عنه بعد ذلك أنه قال: إن هلك لم يذهب حق هذا، إنما هلك من رب الرهن، له غنمه وعليه غرمه». (¬7) الأم 3/ 164 وما بعدها.

سمعت الشافعي يقول في قوله: «ليس منا من لم يَتّغَنَّ بالقرآن (¬1)» فقال له رجل: يَسْتَغْنِي به؟ فقال: لا، ليس هذا معناه. معناه: أن يقرأ حَدْراً وتَحْزِيناً (¬2). أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، قال: حدثنا أبو علي بن أبي الصغير، قال: سمعت المُزَني، يقول (¬3): سمعت الشافعي، يقول في قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» معناه: تحسين الصوت، لا يعني يستغنى به؛ لأنها لو كانت في معنى يستغنى به لكان يَتغَانَى، ويتغنّى من الغناء (¬4). وقرأت في كتاب زكريا (¬5) الساجي، حدثنا جعفر بن أحمد، عن (¬6) أبي ثور، قال: سمعت الشافعي، يقول: قال ابن عيينة في حديث (¬7) النبي، صلى الله عليه وسلم، «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» هو يستغنى به. قال الشافعي: تَجرّأ عليه ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في سننه 2/ 100 عن سعد بن أبي وقاص، وأحمد في المسند 3/ 43 - 44 وابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان 1/ 284 وقال بعقبه: «معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا» في هذه الأخبار: يريد به: ليس مثلنا في استعمال هذا الفعل: لأنا لا نفعله، فمن فعل ذلك فليس مثلنا». (¬2) آداب الشافعي 157. (¬3) قوله في مختصره بهامش الأم 5/ 257. (¬4) في ح: «من القرآء». (¬5) في ح: «يحيى». (¬6) في هـ: «أحمد بن أبي ثور». (¬7) ح: «في قوله». [م - 21] مناقب

ابن عُيَيْنَة (¬1). لو أراد النبي، صلى الله عليه وسلم، الاستغناء به لقال: ليس منا من لم يستغن بالقرآن، فلما قال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن - علمنا أنه التَّغَنِّي به (¬2). أخبرنا الشريف أبو الفتح العُمَرِي، رحمه الله، قال: أنبأنا أبو العباس: أحمد بن محمد بن أبي سعيد الكَرْخِي، بمكة، قال: حدثنا أبو الحسن: على ابن أبي غسّان، بالبصرة، قال: حدثنا زكريا. فذكره. * * * أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال: أنبأنا الشافعي في «كتاب الشِّغَار» قال: فإذا أنْكَحَ ابنتَه للرجل، أو المرأةَ بلى أمرها، مَنْ كانت، على أنْ ينكحَهُ ابنتَه أو المرأةَ بلى أمرها، مَنْ كانت، عَلَى أنّ صدَاقَ كلِّ واحدِةٍ منهما بُضْعُ الأخرى، أو على أن ينكحه الأخرى، ولم يسم لواحدة منهما صداقاً - فهذا الشِّغَار الذي نهى عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلا يحلّ النكاح، وهو مَفْسُوخ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في ح: «نحن أعلم بهذا من ابن عيينه». (¬2) راجع آداب الشافعي ص 156 - 157 وهامشه. (¬3) الأم 5/ 68.

أخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن الحسين الدّينوري، قال: حدثنا ظفران بن الحسين بن جعفر بن هاشم، قال: حدثنا «عبد الرحمن بن أبي حاتم» قال: قال أبي. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثني الحسين بن محمد الدَّارِمِي، قال: حدثنا «عبد الرحمن»، قال: حدثنا أبي، حدثنا حَرْمَلَة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي يفسر حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء (¬1)». قال: لأن صوت المرأة يفتن في غير صلاة، فكره أن يكون في الصلاة [لئلا (¬2)] تفتن الناس بصوتها (¬3). * * * قالا (¬4): وأخبرنا «أبو عبد الرحمن بن أبي حاتم» (¬5) قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: الرَّوْع: الفزع. والرُّوْع: القلب. يعني تفسير حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إن الرُّوحَ الأمينَ نَفَثَ في رُوْعي أن حراناً على نفسٍ أنْ تخرج من ¬

_ (¬1) الحديث عن أبي هريرة في السنن الكبرى 2/ 246 - 247 وفي معرفة علوم الحديث للحاكم ص 201. (¬2) الزيادة من ح. (¬3) آداب الشافعي 141. (¬4) في ا، هـ: «قال». (¬5) آداب الشافعي ومناقبه 157 - 158.

الدنيا حتى تستوفي رِزْقَها، فأَجْمِلُوا في الطلب (¬1)». قالا (¬2): وأخبرنا «عبد الرحمن» قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول في قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مكة: «لا يُخْتَلَى خَلاَها (¬3)» قال: الاختلاء: الاحْتِشَاشُ قطعاً [ونتفاً (¬4)]: * * * قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، فيما أملاه عليه إبراهيم بن محمد بن المولد الرّقي، عن الحسين بن الضحاك، عن الربيع، قال (¬5): جاء «حفص الفرد» إلى «الشافعي» وكان يبطل أخبار الآحاد، فقال ¬

_ (¬1) أخرج الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه ل 55 ب عن أبي بكر الحيرى: «حدثنا محمد بن يعقوب الأصم، أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبد العزيز ابن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، مولى المطلب، عن المطلب بن حنطب: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ما تركت شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئاً مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه. وإن الروح الأمين ... في الطلب» والحديث كما رواه الخطيب، في مسند الشافعي ص 80، ولكن الشافعي قد قسم الحديث إلى قسمين في كتاب الرسالة، فذكر القسم الأول بسنده المذكور هنا ص 87 إلى قوله: «إلا وقد نهيتكم عنه» وذكر القسم الثاني بنفس السند ص 93 وأوله: «وإن الروح» مع إسقاطه حرف العطف كعادته فيما يستشهد به. (¬2) في ا: «قال». (¬3) السنن الكبرى 5/ 195 - 196. (¬4) الزيادة من ح وآداب الشافعي 139. (¬5) مناقب الشافعي للرازي 126.

للشافعي (¬1): يا أبا عبد الله، يقولون: إنه لم يُرْوَ للنبي، صلى الله عليه وسلم، حديث إلا وفيه فائدة، فأي فائدة فيما روى عنه: «أنه أتى سبَاطَةَ قوم فبال قائماً (¬2)»؟ [قال:] فقال الشافعي: يا حفص، في هذا أكبر (¬3) الفوائد، أما تعلم أن العرب تقول: إذا كان بالرجل وجع الظهر شفاه البول قائماً. وإنما بال النبي، صلى الله عليه وسلم، قائماً يطلب الشفاء به، ثم تَرَكَ (¬4). * * * أخبى، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال: قال الشافعي: «نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن المَصْبُورَةِ، فالمصبورة: الشاة تُرْبطُ ثم تُرْمَى بالنَّبْل (¬5). أخبرنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال: ¬

_ (¬1) في ا، ح: «الشافعي». (¬2) السنن الكبرى 1/ 101 من رواية المغيرة بن شعبة، وفي المستدرك 1/ 181 عن حذيفة. (¬3) في هـ، ا: «أكثر». (¬4) قال البيهقي في السنن الكبرى «وقد قيل: كانت العرب تستشفى لوجع الصلب بالبول قائما، فلعله كان به إذ ذاك وجع الصلب. وقد ذكره الشافعي بمعناه. وقيل: إنما فعل ذلك لأنه لم يجد للقعود مكاناً أو موضعاً». (¬5) الأم 2/ 197، والسنن الكبرى 9/ 234.

قال الشافعي: «نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن كَسْب الحَجَّام وإرْخَاصُهُ في أن يطعمه النَّاضِحَ والرَّقِيق. قال (¬1): لا معنى [له] إلا واحد: وهو أنّ من المكاسب دَنِيَّا وحسناً (¬2)، وكان كسب الحجام دنيا، فأحبّ له تنزيه نفسه عن الدناءة؛ لكثرة المكاسب التي هي أجمل منه، فلما رَادَّه (¬3) فيه أمره أن يُعْلفه نَاضِحَه ويطعمه رقيقه تنزيهاً له، لا تحريماً عليه. قال (¬4): و [لو] كان حراماً لم يجز لِمُحَيّصَة (¬5) أن يملك حراماً، ولا يعلفه ¬

_ (¬1) كذا بالأصول وهو غير مستقيم: والصواب ما جاء في اختلاف الحديث بهامش الأم 7/ 344 «قال [الشافعي]: فان قال قائل: فما معنى نهى رسول الله، وإرخاصه في أن يطعمه الناضج والرقيق؟ قيل له: لا معنى له إلا واحد ... الخ. وانظر الأحاديث التي رواها الشافعي في كسب الحجام في اختلاف الحديث بهامش الأم 7/ 343 - 344 وترتيب مسند الشافعي 2/ 166. (¬2) في ح: «وخبيثا». (¬3) في اختلاف الحديث ص 344 «هي أجمل فلما زاده فيه» وقد روى الشافعي في اختلاف الحديث عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن حرام بن سعد بن محيصة: أن محيصة سأل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن كسب الحجام، فنهاه عنه، فلم يزل يكلمه حتى قال له: أطعمه رقيقك، وأعلفه ناضحك». (¬4) في اختلاف الحديث ص 344 بعد أن أورد عدة أحاديث: «ليس في شيء من هذه الأحاديث مختلف ولا ناسخ ولا منسوخ. فهم قد أخبرونا أنه قد أرخص لمحيصة أن يعلفه ناضحه ويطعمه رقيقه. ولو كان حراناً لم يجز رسول الله - والله أعلم - لمحيصة أن يملك حراماً ...». (¬5) في ا: «لمريضه» وفي هـ: «لمرتقيه» وفي ح: «لمحصه» وعليها علامة الخطأ. وفي هامشها «طريعه» وكتب فوقها «ح». وهو محيصة بن مسعود بن كعب الأنصاري الحارثي، يكنى أبا سعد. أسلم قبل الهجرة، وبعثه رسول الله إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام. وشهد أحداً والخندق وما بعدهما من المشاهد كلها، وعلى يده أسلم أخوه الأكبر حويصة. وسبب ذلك: أن الرسول لما أمر يقتل اليهود وثب محيصة على ابن سبينة اليهودي - وكان يلابسهم =

ناضحه، ولا يطعمه رقيقه، ورقيقُه مِمَّنْ عليه فرض الحلال والحرام. ولم يعط [رسول الله] حجَّاماً على الحِجَامَةِ [أجراً إلا (¬1)] لأنه لا يُعْطِي إلا ما يَحِلُّ له أن يُعْطِيَه. وما حلَّ لِمَالِكِه مِلْكُهُ حَلَّ له ولمن أَطْعَمَهُ إيّاه - أَكْلُه. * * * وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن على الدارمي، قال: أنبأنا «عبد الرحمن بن محمد (¬2)» قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي، رضي الله عنه: «بَيْدَ أنهم (¬3)» قال: مِنْ أَجْلِ أنّهم (¬4). * * * ¬

_ = ويبايعهم - فقتله. فجعل أخوه حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله قتلته، أما والله لرب شحم في بطنك من ماله! فقال له محيصة: أما والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك. فقال حويصة: والله إن ديناً بلغ بك هذا لعجب. ثم أسلم. راجع أسد الغابة 4/ 334 - 335. (¬1) الزيادة من اختلاف الحديث. (¬2) هذا الخبر ساقط من آداب الشافعي المطبوع. وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري 2/ 293 أن ابن أبي حاتم رواه في مناقب الشافعي. (¬3) قال الشافعي في إيجاب الجمعة من كتاب الأم 1/ 167 «أخبرنا ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون ونحن السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم. فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدا، والنصارى بعد غد». قال الشافعي: أخبرنا سفيان ابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مثله، إلا أنه قال: «بايد أنهم». ورواهما الحميدي في مسنده 2/ 424 - 425 وفيه: «إلا أنه قال: «بايد أنهم» تفسيرها: من أجل أنهم» فان كان التفسير من قول سفيان فالشافعي متابع له فيه. وإن كان من قول الحميدي فهو متابع فيه للشافعي. (¬4) استبعد القاضي عياض تفسير الشافعي هذا في مشارق الأنوار 1/ 57 فقال: «وقد قيل =

وبإسناده قال: سمعت الشافعي يقول: «يجملون الوَدَكَ» أراد: يذيبون. يعني في تفسير حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: «لعن اليهود حرِّمت عليهم الشحومُ فَجَمَلُوها (¬1)». * * * ¬

_ = هي هاهنا بمعنى من أجل. وهو بعيد. وإنما يصح هذا في الحديث الآخر: بيد أني من قريش. وقد بيناه في الهمزة والنون» وهو يشير إلى ما ذكره في ص 106 وهو قوله: «معناها هنا: غير. وقيل: إلا. وقيل: على. وتأتي بمعنى من أجل، ومنه قوله في الحديث الآخر: بيد أني من قريش. وقد قيل ذلك في الحديث الأول وهو بعيد. وقد تقدم الكلام عليه» ولم يبين عياض وجه البعد. وقد قال ابن حجر في فتح الباري 2/ 293 «وقد استبعده عياض ولا بعد فيه. بل معناه. انا سبقنا بالفضل، إذ هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم. ويشهد له ما وقع في «فوائد بن المقري» من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة، بلفظ: نحن الآخرون في الدنيا. ونحن السابقون: أول من يدخل الجنة؛ لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا. وفي «موطأ سعيد بن عفير» عن مالك؛ عن أبي الزناد. بلفظ: ذلك بأنهم أوتوا الكتاب. وقال الداودي: هي بمعنى على أو مع». وقال أبو عبيد في غريب الحديث 1/ 140 «وأخبرني بعض الشاميين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد بن بكر. وفسره: أي من أجل. قال أبو عبيد: وهذه الأقوال كلها قريب من بعض في المعنى مثل غير وعلى. وبعض المحدثين يحدثه: بأيد أنا أعطيناهم الكتاب من بعدهم. يذهب به إلى القوة. وليس له ها هنا معنى نعرفه». وقال ابن الأثير في النهاية 1/ 103: «وقد جاء في بعض الروايات: «بايدانهم» ولم أره في اللغة». وقال صاحب القاموس: «بيد وبايد بمعنى غير، وعلى، ومن أجل». (¬1) في صحيح البخاري بهامش فتح الباري 4/ 344 باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار. قال أخبرني طاوس: أنه سمع ابن عباس =

وبإسناده قال (¬1): قال الشافعي في حديث الأنف: «إذا أُوْعِيَ جَدْعاً (¬2): الجَدْعُ: القَطْع (¬3). وبإسناده قال: قال الشافعي في قول عثمان في أمّ حُبَين: (¬4) «حلاَّن» قال: الحُلاَّن: الحَمَل (¬5). يعني إذا أصاب المحرم «أمّ حُبَيْن» فقضى فيه عثمان بذلك (¬6). ¬

_ = يقول: بلغ عمر أن فلانا باع خمراً، فقال: قاتل الله فلاناً. ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل الله اليهود. حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها» ورواه الشافعي عن سفيان كما في ترتيب مسنده 2/ 141، والسنن الكبرى 6/ 12، وهو في مسند أحمد 1/ 277 - 227، وصحيح مسلم 3/ 12027، وقال ابن حجر: «فجملوها - بفتح الجيم والميم - أي أذابوها، يقال: جمله: إذا أذابه. والجميل: الشحم المذاب» وقوله: حرمت عليهم الشحوم: أي أكلها، وإلا فلو حرم عليهم بيعها لم يكن لهم حيلة فيما صنعوه من إذابتها» وانظر النهاية 1/ 177. (¬1) آداب الشافعي 158. (¬2) في الأم 6/ 103 «قال الشافعي: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه: أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعمرو بن حزم: «وفي الأنف إذا أوعى جدعا: مائة من الإبل» وهو في الأم 8/ 87. (¬3) في ح: «قال الشافعي: قوله في حديث الأنف إذا أوعى جدعا. إن الجدع ..». (¬4) قال الدميري في حياة الحيوان 1/ 359 «دويبة مثل ابن عرس وابن آوى وسام أبرص. وهي على خلقة الحرباء. وقيل: هي أنثى الحرابى ..». (¬5) الحمل: الصغير من ولد المعزى والغنم. (¬6) في الأم 2/ 65 «أخبرنا سفيان، عن مطرف، عن أبي السفر: أن عثمان بن عفان قضى في أم حبين بحملان من الغنم. يعني حملا. قال الشافعي: إن كانت العرب تأكلها =

وبإسناده قال: سمعت الشافعي يقول: الأريكة: السرير (¬1). وأخبرنا بتفسير الأريكة أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، عن الشافعي عقيب حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمرى» الحديث (¬2). قال الشافعي: الأَرِيكَةُ: السّرير (¬3). أخبرنا يحيى بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال: قال الشافعي - يعني في تفسير ما ورد في حديث المُعْتَدَّة (¬4): الحفش: البيت ¬

_ = فهي كما روى عن عثمان، يقضي فيها بولد شاة حمل، أو مثله من المعزى مما لا يفوته». وانظر ترتيب مسند الشافعي 1/ 331، والسنن الكبرى 5/ 185. (¬1) في ح: «السرير تفسير الأريكة». (¬2) ذكره الشافعي في الرسالة ص 89 - 91. (¬3) وضع الشيخ أحمد محمد شاكر هذا القول بين علامتي الزيادة في الرسالة ص 91 وعلق عليه بقوله: «هذه الجملة موجودة في النسخ المطبوعة، ولم تكن في الأصل، ولكنها مكتوبة بحاشيته بخط قديم فيه شيء من الشبه بخط الأصل، ولكني أرجح أنه غيره» والقول من أصل الربيع لا محالة، نسيه فألحقه بالهامش، وليس أدل على ذلك من قول الربيع هنا: «عن الشافعي عقيب الحديث: الأريكة: السرير». (¬4) في الأم 5212 - 213 «أخبرنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم، عن حميد بن نافع، عن زينب بنت أبي سلمة: أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة ... قالت زينب: وسمعت أم: أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفى عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا - مرتين أو ثلاثاً، =

الصغير الذليل من الشعر والبناء وغيره. والقَبْضُ: أن تأخذ من الدابة موضعاً بأطراف أصابعها (¬1). والقَبْضُ: الأخذ بالكف كلّها (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو؛ قالا (¬3): حدثنا أبو العباس، محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا الشافعي فذكر الأحاديث التي وردت في سَلاَم من سلَّم على النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو يبول (¬4)، فلم يرد عليه حتى تَيَمَّمَ، ثم رَدَّ عليه. ¬

_ = كل ذلك يقول: لا - ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشرا. وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول. قال حميد، فقلت لزينب: وما ترمي البعرة على رأس الحول؟ قالت زينب: كانت المرأة إذا توفى عنها زوجها دخلت حفشا، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبا ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة: حمار، أو شاة، أو طير، فتقبص به، فقلما تقبص بشيء إلا مات. ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره. قال الشافعي: الحفش ..». والحديث في صحيح البخاري بهامش الفتح 9/ 429 - 432، ومسلم 2/ 1124 - 1126، وشرح النووي 10/ 115، وترتيب مسند الشافعي 2/ 62، والسنن الكبرى 7/ 437. (¬1) في النهاية 3/ 224، «قال الأزهري: رواه الشافعي بالقاف والباء الموحدة والصاد المهملة - أي تعدو مسرعة نحو منزل أبويها، لأنها كالمستحيية من قبح منظرها. والمشهور في الرواية بالفاء والتاء المثناة والضاد المعجمة»! وانظر مشارق الأنوار 1/ 208. (¬2) قال الشافعي في الأم بعد ذلك: «وترمى بالبعرة من ورائها: على معنى أنها قد بلغت الغاية التي لها أن تكون ناسية ذمام الزوج بطول ما حدث عليه؛ كما تركت البعرة وراء ظهرها». (¬3) في ا: «قال». (¬4) قال الشافعي في الأم 1/ 44: «أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: أخبرني أبو بكر بن عمر ابن عبد الرحمن، عن نافع، عن ابن عمر: أن رجلا مر على النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو يبول، فسلم عليه الرجل، فرد عليه النبي: فلما جاوزه ناداه، فقال: إنما =

وفي رواية أخرى: فرد عليه، ولم يذكر التيمم. وقال: فإذا رأيتني على هذه الحال فلا تسلم عليّ. ثم قال: وفيهما (¬1) وفي الحديث بعدهما دلائل: منها: أنّ السّلام اسم من أسماء الله تعالى، فإذا ردّه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبل التيمم، وبعد التيمم في الحضر، والتيمم لا يجزي المرء وهو صحيح في الوقت الذي لا يكون التيمم فيه طهارة للصلاة - دلّ ذلك على أنّ ذكر الله تعالى يجوز والمَرْءُ غير طاهر للصلاة. ويشبه - والله أعلم - أن تكون (¬2) القراءة غير طاهر كذلك؛ لأنها من ذكر الله. قال: ودليل على أنه ينبغي لمن مَرّ على مَنْ يبول ويتغوّط أنْ يكُفَّ عن السلام [عليه (¬3)] في حالة تلك. ¬

_ = حملني على الرد عليك خشية أن تذهب فتقول: إني سلمت على النبي فلم يرد علي. فإذا رأيتني على هذه الحال فلا تسلم عليّ، فإنك إن تفعل لا أرد عليك. أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن أبي الحويرث، عن الأعرج، عن ابن الصمة، قال: مررت على النبي، صلى الله عليه وسلم: وهو يبول. فسلمت عليه، فلم يرد علي حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه، ثم مسح يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه. ثم رد علي. أخبرنا إبراهيم بن يحيى، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار: أن النبي صلى الله عليه وسلم، ذهب إلى بئر جمل لحاجته. ثم أقبل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى تمسح بجدار. ثم رد عليه السلام. قال الشافعي: والحديثان الأولان ثابتان، وبهما نأخذ. وفيهما وفي الحديث بعد دلائل. .». (¬1) في ا: «وفيها .. بعدها». (¬2) في هـ: «يلقن القراء» وهو تحريف. (¬3) الزيادة من ح، وهي ثابتة في الأم.

ودليل على أن ردّ السلام في تلك الحال مباح؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، رَدَّ في تلك الحال - يعني في إحدى هذه الروايات. قال: وعلى أن ترك الرد [حتى يفارق تلك الحال ويتيمم - مباح، ثم يرد، وليس ترك الرد معطلا (¬1)] لوجوبه، ولكن تأخيره إلى التيمم. وترك ردّ السلام إلى التيمم يدل على أن الذكر بعد التيمم اختياراً على (¬2) الذكر قبله، وإن كان مباحين؛ لرد النبي، صلى الله عليه وسلم، قبل التيمم وبعده. فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول: لما تيمَّمَ النبي، صلى الله عليه وسلم، لرد (¬3) السلام، جاز له التيمم للجنازة والعيدين إذا أراد الرجل ذلك وخاف فَوْتَهَا. قلنا: الجنازة والعيد (¬4) صلاة، والتيمم لا يجوز للصحيح (¬5) في المصر (¬6) لصلاة، فإن زعمت أنه ذكرٌ جازَ [العيد (¬7)] بغير تيمم، كما جاز في السلام بغير تيمم (¬8). ¬

_ (¬1) الزيادة من ح والأم. ولكن جاء في ح: «وليس الرد تعطيل» وفي هـ: «وعلى أن ترك وليس الرد»! (¬2) في ا: «اختيار لأهل الذكر قبله وإن كان مباحا» والتصويب من الأم. (¬3) في الأم: «رد السلام لأنه قد جاز له قلنا بالتيمم». (¬4) في ح: «والعيدان» وفي هـ: «والعيدين». (¬5) ليست في الأم. (¬6) في ح، هـ: «في الحضر». (¬7) الزيادة من الأم. (¬8) انتهى النص في الأم. فما بعده من تفسير البيهقي.

يعني وجب أن يجوز بغير تيمم، كما يجوز السلام بغير تيمم. والله أعلم. أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، قال: أنبأنا أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع، قال: قال الشافعي: الشَّفَقُ: الحُمْرة التي في المغرب، ليس البياض. رأيت العرب تسمى الشفق: الحمرة. والدين عربي. فكان هذا من أدَلِّ معانيه. زاد فيه غيره عن الربيع، قال: قال لي الشافعي [ذات (¬1)] ليلة: أَسْرَجْ البغلةَ فأَسْرَجْتُها، فدخل المفَازَة، وتبعته، فلم يزل يسير حتى أمسى، فقال: أمسك البغلة، فأمسكتها عليه، فلم يزل قائماً حتى نمت، ثم جاء وركب البغلة، وتبعته. فلما أن دخل منزله سألته [عن ذلك؟ فقال: ناظرت محمد بن الحسن في الشفق، فقال البياض، قلت: الحمرة (¬2)] فلم أرض حتى نظرت فإذا هو الحمرة. وهذا فيما أخبرناه السلمي، فيما بلغه عن الربيع. وقرأته في كتاب العاصمي (¬3) فيما قرأه في أخبار الشافعي. بنحوه. * * * أخبرنا محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال: ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) الزيادة من ح، هـ. ومكانتها في ا: «سألته فقلت البياض. وقال: البياض. وقال الحمرة»!! (¬3) في ا «العاصم»!

قال الشافعي – يعني حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، في المملوك: «لا يكلَّف من العمل ما لا يطيق (¬1): يعني – والله أعلم – إلا ما يطيق الدَّوَامَ عليه، ليس ما تطيقه يوماً أو يومين أو ثلاثة ونحو ذلك، ثم يعجز فيما بقي عليه؛ وذلك أن العبد الجَلْدَ، والأمة الجَلْدَةَ، قد يَقْوَيَان أنْ يمشيا ليلةً حتى يُصْبِحَا (¬2)، وعامَّةَ يوم ثم يعجزان عن ذلك، ويَقْوَيَان على أن يعملا يوماً وليلةً ولا ينامان فيهما، ثم يعجزان عن ذلك فيما يستقبلان. والذي يلزم المملوك لسيده ما وصفناه من العمل الذي يقدر على الدوام عليه (¬3). وبسط الكلام فيه. وقد أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس. فذكره بإسناده مثله. * * * قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: أخبرني الزبير بن عبد الواحد، بحمص، قال: أخبرني محمد بن عبد الله بن جعفر القزويني، قال: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم،: «أنه أَعْتَقَ ¬

_ (¬1) قال الشافعي في الأم 5/ 90 «أخبرنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن بكير ابن عبد الله، عن عجلان: أبي محمد، عن أبي هريرة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق». والحديث في مسند الشافعي وترتيبه 2/ 66 والموطأ 980. (¬2) في هـ: «حتى يضحيا». (¬3) الأم 5/ 91.

صفية وجعل عِتقَها صداقَها (¬1): ليس النبي في هذا كغيره؛ لأنه هو الذي يَلِي عُقْدَةَ النِّكاح. وقرأت في كتاب أبي منصور الحَمْشَاذِي: أنبأنا أبو علي الماسَرْجِسِي، قال: أخبرنا أبو بكر: أحمد بن مسعود، قال: حدثنا يحيى بن أحمد بن أخي حَرْمَلَة، قال: حدثنا عمي، قال: قال الشافعي: يقول الله، عز وجل: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (¬2)}. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا تسبّوا الدهرَ فان الله هو الدهر (¬3)» قال الشافعي: إنما تأويله – والله أعلم – أن العرب كان من شأنها أن تذم الدهر وتسبّه عند المصائب التي تنزل بهم: من موت أو هَدْم أو تلف مال أو غير ذلك، وتسبّ الليل والنهار – وهما الجَدِيدان، والفَتَيَان – ويقولون: أصابتهم قَوَارِعُ الدهر، وأبادهم الدهر، وأتى عليهم؛ فيجعلون الليل والنهار اللذين يفعلان ذلك؛ فقال رسول الله، ¬

_ (¬1) في صحيح البخاري باب من جعل عتق الأمة صداقها 7/ 6 «حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حماد، عن ثابت وشعيب بن الحبحاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعتق صفية وجعل عتقها صداقها». وهو في السنن الكبرى 7/ 58. (¬2) سورة الجاثية 24. (¬3) في صحيح مسلم 4/ 1863 «حدثني زهير بن حرب، حدثنا جرير، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تسبوا الدهر؛ فان الدهر هو الله».

صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الدهر» على أنه [الذي (¬1)] يفعل بكم هذه الأشياء؛ فإنكم إذا سببتم فاعل هذه الأشياء فإنما تسبّون الله، عز وجل، فإنّ الله، تعالى، فاعل هذه الأشياء. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب؛ قال: حدثنا العباس بن يوسف الشِّكْلِي (¬2)، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول في معنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم، لعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه: «من كنت مولاه فعلى مولاه (¬3)» يعني بذلك وَلاَءَ الإِسلام. وذلك قول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (¬4)} وأما قول عمر بن الخطاب لعلي: «أصبحت مولى كل مؤمن» يقول: ولى كل مسلم. [وعن الربيع قال: قال الشافعي: الإبار: التَّلْقِيح، وهو أن يؤخذ شيء من طلع الفحل فيدخل بين ظَهْرَانَيْ طلع الإناث من النخل، فيكون له بإذن الله تعالى صلاحاً (¬5)]. ¬

_ (¬1) الزيادة من ح، هـ. (¬2) في هـ، ح «الكلبي» وهو خطأ. راجع اللباب 2/ 26. (¬3) راجع روايات هذا الحديث وما قيل حوله في مشكل الآثار للطحاوي 2/ 307 – 309. (¬4) سورة محمد 11. (¬5) الزيادة من ح. [م – 22] مناقب

28 - باب: ما يستدل به على فقه الشافعي، وتقدمه فيه، وحسن استنباطه

باب ما يستدل به على فقه الشافعي، وتقدمه فيه، وحسن استنباطه * * * أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، قال: حدثنا عباس بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد الزعفراني، قال: حدثنا زكريا ابن يحيى الساجي، قال: حدثني ابن بنت الشافعي، قال: سمعت أبي وعمي يقولان: كنا عند «ابن عُيَيْنَةَ» وكان إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا يسأل عنه، التفت إلى الشافعي، فقال: سلوا هذا (¬1). أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الوليد: حسان ابن محمد، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الحميدي، يقول عن «مسلم بن خالد الزنجي» أنه قال للشافعي: أفت يا أبا عبد الله، فقد - والله - آن لك أن تفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة (¬2). أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، قال: سمعت الحسين بن علي التميمي، يقول: ¬

_ (¬1) معرفة السنن والآثار 1/ 123، وحلية الأولياء 9/ 92. (¬2) الجرح والتعديل 3/ 2/202، وحلية الأولياء 9/ 93، ومناقب الشافعي للرازي 18.

سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي، نزيل مكة، فيما كتب إليّ، قال: سمعت محمد بن الفضل البزار، قال: سمعت أبي يقول (¬1): حججت مع «أحمد بن حنبل» ونزلنا بمكان واحد – يعني مكة – وخرج أبو عبد الله – يعني أحمد – باكراَ، وخرجت أنا معه: فلما صلينا الصبح دُرْتُ المسجد، فجئت مجلس «سفيان بن عيينه» وكنت أدور مجلساً مجلساً طالباً لأحمد ابن حنبل حتى وجدته عند شاب أعرابي، وعليه ثياب مصبوغة وعلى رأسه جُمَّةٌ، فزاحمت (¬2) حتى قعدت عند أحمد بن حنبل، فقلت: يا أبا عبد الله، تركت ابن عيينة وعنده الزهري، وعمرو بن دينار، وزيادة بن علاقة، والتابعون – ما الله به عليم؟! فقال لي: اسكت؛ فإن فاتك (¬3) حديث بعلو تجده بنزول، ولا يضرك في دينك، ولا في عقلك، ولا في فهمك. وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف ألا تجده إلى يوم القيامة. ما رأيت أحداً أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القرشي. قلت من هذا؟ قال: محمد بن إدريس. أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، وأبو عثمان: سعيد بن محمد بن محمد ابن عبدان؛ قالا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب، يقول: سمعت «عبد الله بن أحمد بن حنبل» يقول: سئل أبي عن طلاق السكران ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ومناقبه 58 – 59، والجرح والتعديل 3/ 2/203 – 204، وحلية الأولياء 9/ 98 – 99، ومناقب الشافعي للرازي 18 – 19. (¬2) في ا: «فزاحمته». (¬3) في ا: «فاتكم. . . بعلو فخذه بنزول».

فقال: كنت أَجْتَرِئ قبل، فأما الآن فلا أجترئ؛ لأن الشافعي قال: ليس القلم بمرفوع (¬1) عن السكران. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا نصر: فتح السندي (¬2) يقول: سمعت الحسن بن سفيان، يقول: سمعت حَرْمَلة بن يحيى، يقول: سمعت الشافعي، يقول في رجل قال لامرأته وفي فيها تمرة: إن أكلتيها فأنت طالق، وإن طرحتيها فأنت طالق – قال: تأكل نصفها وتطرح نصفها (¬3). * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: أنبأنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي: خالفنا بعض الناس في المُخْتَلِعَة. فقال: إذا طُلّقتْ في العِدَّة لحقها الطلاق. وقال: فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها (¬4)؟ قلت: حجتي فيه من القرآن، والأثر، والإجماع، على ما يدل أنّ (¬5) الطلاق لا يلزمها. قال: فأين الحجة من القرآن؟ ¬

_ (¬1) في ح: «مرفوعا» وانظر الأم 5/ 235. (¬2) في ح: «السدى». (¬3) حلية الأولياء 9/ 143. (¬4) راجع الأم 5/ 181. (¬5) في ح: «على أن».

قلت: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ • وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (¬1)} وقال تبارك وتعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (¬2)} وقال: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ (¬3)} وقال: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ (¬4)}. أرأيت إن قذفها أَيُلاَعِنُها؟ وآلي منها أيلزمه الإيلاء؟ أو ظاهر يلزمه الظهار؟ أو ماتت أيرثها؟ أو مات أترثه؟ قال: لا. قلت: الآن أحكام الله هذه الخمسة تدل على أنها ليست بزوجة. قال: نعم. قلت: وحكم الله، تعالى، أنه إنما تطلق الزوجة؛ لأن الله، جل ثناؤه، قال: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ (¬5)} قال: نعم. قلت: كتاب الله، جل ثناؤه، إذا كان كما زعمنا وزعمت - يدلّ على أنها ليست بزوجة، وهو خلاف قولك. قال الشافعي: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، ¬

_ (¬1) سورة النور 6، 7. (¬2) سورة البقرة 226. (¬3) سورة النساء من الآية 12. (¬4) سورة النساء من الآية 12. (¬5) سورة الأحزاب 49.

وابن الزبير: أنهما قالا في المختلعة يطلقها زوجها، قالا: لا يلزمها طلاق؛ لأنه (¬1) طلق ما لا يملك. قال الشافعي: وأنت تزعم أنك لا تخالف واحداً من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، إلا إلى قول مثله. فخالفت ابن عباس وابن الزبير معاً، وآيات من كتاب الله، تعالى، ما أدرى لعل أحداً لو قال مثل قولك هذا لقلت له: ما يحل لك أن تكلم في العلم وأنت تجهل أحكام الله، جل وعز. ثم قلت فيها قولا لو تَخَاطَات فقلت (¬2) كنت قد أحسنت الخطأ، وأنت تنسب نفسك إلى النظر. قال: وما هذا القول؟ قلت: زعمت أنه إن قال للمختلعة (¬3) أنت بَتَّة وبَرِيَّة وخَلِيّة ينوي الطلاق - لم يلزمها الطلاق. وهذا يلزم الزوجة. وأنه إن آلى منها، أو تظاهر، أو قذفها، لم يلزمها ما لزم الزوجة. وأنه إن قال: كل امرأة لي طالق لا ينويها ولا غيرها - طلق نساءه، ولم تطلق؛ لأنها ليست بامرأة له. ثم قلت: وإن قال لها: أنت طالق - طلقت. فكيف يطلق غير امرأته؟ وألزمهم في موضع آخر: أن الله تعالى، فرض العدة على الزوجة في الوفاة، ¬

_ (¬1) في ا: «ولأنه». (¬2) في ح: «فقلته». (¬3) في ا: «المختلعة».

فقال: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (¬1)} والمُخْتَلِعَةُ لا تنتقل إلى عدة الوفاة. وبسط الكلام في المسألة. * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو؛ قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: أنبأنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي: قال «أبو حنيفة»: إذا كان العبد يقاتل مع مولاه جاز أمانه، وإذا كان لا يقاتل وإنما (¬2) هو خادم فأمانه باطل. وقال الأوزاعي: أمَانُه جائز، أجازه عمر بن الخطاب، ولم ينظر كان يقاتل أم لا؟ وقال أبو يوسف في العبد: القول ما قال أبو حنيفة، ليس لعبد (¬3) أمان. وأخذ في الرد على الأوزاعي. قال الشافعي: القول ما قال الأوزاعي، وهو معنى سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والأثر عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وما قال أبو يوسف بإبطال أمان العبد ولا إجازته. يعني حين فرق بين العبد يقاتل ولا يقاتل، أرأيت حجته في أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «المسلمون يَدٌ على مَنْ سِوَاهُم، تكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم ¬

_ (¬1) سورة البقرة 234. (¬2) في ح: «فإنما». (¬3) في ا: «بعبد».

أدناءهم (¬1)» أليس العبد من المؤمنين ومن أدنى المؤمنين؟ أو رأيت عمر ابن الخطاب حين أَجاز أمان العبد ولم يسأل أيقاتل أو لا يقاتل (¬2) أليس ذلك دليلا على أنه إنما أجازه على أنه من المؤمنين؟ أو رأيت حجته بأن دمه لا يكافئ دم الحر وهو يُقْتَل الحُرُّ به (¬3) فكيف يزعم أنه لا يكافئ دمه؟ فإن كان إنما عني: إنما معنى الحديث أن مكافأة الدم بالدية، فالعبد الذي يقاتل عنده لا يبلغ هو بديته دية حر، وهو يجيز أمانه ولو كان ثمنه (¬4) خمسين درهما، ويردّ أمان العبد يجعل في ديته دية حر إلا عشرة دراهم، ويجعله أكثر دية من المرأة. فإن كان الأمان (¬5) يجوز على الحرية والإسلام فالعبد - يقاتل - خارج من الحرية، وإن كان يجيزه على الإسلام فالعبد - لا يقاتل - داخل في الإسلام. وإن كان يجيزه (¬6) على القتال فهو يجيز أمان المرأة وهي لا تقاتل، وأمان الرجل المريض والحجبان وهو لا يقاتل. وإن كان يجيز الأمان على الديات انبغى (¬7) أن لا يجيز أمان المرأة؛ لأن ديتها نصف دية الرجل، والعبد لا يقاتل قد (¬8) يكون أكثر دية عنده وعندنا من الحرة أضعافاً. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند 11/ 61 (المعارف) من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الديات: باب المسلمون نتكافأ دماؤهم 2/ 895 من أحاديث ابن عباس، ومعقل بن يسار، وعبد الله بن عمرو. وأخرجه أبو داود في كتاب الديات: باب أيقاد المسلم بالكافر؟ 4/ 252 من حديثي علي وعبد الله بن عمرو. (¬2) في ا: «يقاتل ولا يقاتل». (¬3) في ح: «يقبل الحرية». (¬4) في ا: «ثمن». (¬5) في ا: «للأمان». (¬6) سقطت من ا. (¬7) في ا: «أيبغي». (¬8) ليست في ا.

فإن قال: هذا (¬1) للمرأة دية فكذلك ثمن العبد للعبد دية، وإن (¬2) أراد مساواتها بثمن الحر والعبد يقاتل يسوى خمسين درهما عنده جائز الأمان، والعبد لا يقاتل ثمن عشرة آلاف درهم، فجعل ديته عشرة آلاف إلا عشرة وهو أقرب من دية الحر من المرأة. * * * أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أنبأنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال: أنبأنا الشافعي، قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، وعن محمد بن النعمان بن بشير، يحدثانه: عن النعمان بن بشير، أن أباه أتى به إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نَحَلْتُ ابني هذا غلاماً كان لي. فقال، صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلت مثل هذا؟ فقال: لا، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فارجعه. قال الشافعي: وقد سمعت في هذا الحديث أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: أليس يسرك أن يكونوا في البر إليك سواء؟ قال: بلى قال: فارجعه. قال الشافعي: حديث النعمان حديث ثابت، وبه نأخذ، وفيه دلالة على أمور: ¬

_ (¬1) في ا: «هذه» (¬2) في ا: «ولو»

منها حسن الأدب في أن لا يفضِّل رجل أحداً من ولده [على بعض (¬1)] في نُحْل (¬2) فيعرض في قلب المفضل عليه شيء يمنعه من بره؛ لأن كثيراً من قلوب الآدميين جُبِلَ على الاقتصار (¬3) عن بعض البر إذا أُوثِرَ عليه. ودلالة على أن نُحْلَ الوالد بعضَ ولده دون بعض جائز من قِبَلِ أنه لو كان لا يجوز كان (¬4) أن يقال: إعطاؤك إياه وتركه سواء؛ لأنه غير جائز، وهو على أصل ملكك الأول أشبه من أن يقال: ارجعه. وقوله صلى الله عليه وسلم: فارجعه دليل على أن للوالد رد ما أعطى الولد وأنه لا يَحْرَج بارتجاعه. وقد روى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «أشهد غيري (¬5)». وهذا ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من ا. (¬2) النحل: العطية والهبة. (¬3) في ح: «الإقصار». (¬4) في ح: «وكان». (¬5) حديث النعمان بن بشير أخرجه مالك في الموطأ. كتاب الأقضية: باب ما لا يجوز من النحل 2/ 751 - 752 من وجه واحد، وأحمد في المسند 4/ 268، 269، 270، 271، 273، 275، 276، 278 من وجوه عدة والبخاري في كتاب الهبة: باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئاً لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخر مثله ولا يشهد عليه 5/ 154 - 157 وباب الإشهاد في الهبة 5/ 157. ومسلم في كتاب الهبات: باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة 3/ 1241 - 1244 من وجوه أيضاً. وأبو داود في كتاب البيوع والإجارات: باب في الرجل يفضل بعض ولده في النحل 3/ 395 - 397 وذكر وجوهه. وابن ماجه في كتاب الهبات: باب الرجل ينحل ولده 2/ 795 من وجهين. والترمذي في الأحكام: باب ما جاء في النحل والتسوية بين الولد 6/ 251 وفيه =

يدل على أنه اختيار (¬1). قال: وإذا كان هذا (¬2) هكذا فسواء ادّان الولد أو تزوج رغبَةَ فيما أعطاه أبوه، أو لم يدَّنْ (¬3) ولم يتزوج. وله أن يرجع في هبته له متى شاء. وقد حمد الله، جل ثناؤه، على إعطاء المال والطعام في وجوه الخير، وأمر بها، فقال: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى ¬

_ = أكل ولدك قد نحلته مثل ما نحلت هذا؟ قال: لا. قال: فاردده. ثم عقب عليه أبو عيسى بقوله: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى من غير وجه عن النعمان بن بشير. وفي هذه المصادر وردت الروايات التي أشار إليها الشافعي وغيرها. (¬1) كيف يكون هذا على الاختيار وقد عده صلى الله عليه وسلم جوراً؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: أشهد على هذا غيري إنما سيق مساق التوبيخ على هذا الصنيع، وليس مراداً به التجويز أو الإباحة. وإلا لما أمره برده، ولما قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. ثم إنه صلى الله عليه وسلم أتبع قوله: أشهد على هذا غيري قوله: «أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذاً». وفي بعض روايات الحديث. أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا. قال: فليس يصلح إذاً وإني لا أشهد إلا على حق. وقد أورد ابن حجر في الفتح عن الطحاوي وابن القصار أن قوله صلى الله عليه وسلم: «أشهد على هذا غيري» إذن بالاشهاد على ذلك، وإنما امتنع من ذلك لكونه الإمام .. الخ. ثم ذكر أن ذلك تعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه، وكون «أشهد» صيغة إذن ليس كذلك بل هو للتوبيخ، لما تدل عليه بقية ألفاظ الحديث. وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع. ثم أورد قول ابن حبان أن «أشهد» صيغة أمر والمراد به نفي الجواز الخ. راجع فتح الباري 5/ 157 - 158. (¬2) سقطت من ا. (¬3) في ح: «يأذن».

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَاسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَاسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (¬1)} وقال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (¬2)} وقال: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ (¬3)} وقال: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ (¬4)} وقال: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (¬5)}. فإذا جاز هذا للأجنبي (¬6) وذوي القرب فلا أقرب من الولد، وذلك أن الرجل إذا أعطى ماله ذا قرابته غير ولده أو أجنبيا - فقد منع (¬7) ولده وقطع ملكه عن نفسه، فإذا كان محموداً على هذا كان محموداً على أن يعطيه بعض ولده دون بعض. ومَنْعُ بعضهم ما أخرج من ماله أقل من منعهم كلهم قال: ويستحب أن يسوي بينهم؛ لئلا يقّصر أحد منهم عن بره، فإن القرابة ينفس (¬8) بعضهم بعضاً مالا ينفسون العِدَا. وقد فضل «أبو بكر» عائشة بنُحْل وفضل «عمر» عاصم بن عمر بشيء أعطاه إياه. وفضل «عبد الرحمن بن عوف» ولد أم كلثوم. * * * أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع بن سليمان، قال: ¬

_ (¬1) سورة البقرة 177 (¬2) سورة الانسان 8 (¬3) سورة التوبة 121 (¬4) سورة البقرة 271 (¬5) سورة آل عمران 92 (¬6) في ح: «للأجنبيين» (¬7) في ح: «منعه» (¬8) في ح: «تنفس»

قال الشافعي (¬1): قصر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سفره إلى مكة (¬2) وهي تسع أو عشر. فَدَلَّ قَصْرُه، عليه السلام، على أن يُقْصَرَ في مثل ما قصر فيه، ومِنْ أكثر منه. ولم يجز القياسُ على قصره إلا بواحد من اثنين: أن لا يقصر إلا في مثل ما قصر فيه، وفوقه. فلما لم (¬3) أعلم مخالفاً في أن يقصر في أقلّ مِنْ سفر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي قصر فيه - لم يجز أن يقاس على هذا الوجه. وكان الوجه (¬4) الثاني: أن يكون إذا قصر في سفره ولم يحفظ (¬5) عنه أن لا يقصر فيما دونه أن يقصر فيما يقع عليه اسم سفر، ولم يمنعنا أن (¬6) نقصر فيما دون يومين، إلا أن عامة من حفظنا عنه لا يختلف في أن لا يقصر فيما دونهما. قال الشافعي: فللمرء (¬7) عندي أن يقصر فيما كان مسيرة ليلتين قاصدتين (¬8) وروى الشافعي في ذلك عن ابن عباس وابن عمر، وهو مذكور في «كتاب المعرفة» وغيره (¬9). قال الشافعي: فأما أنا فأحب أن لا أقصر في أقل من ثلاث احتياطاً على ¬

_ (¬1) في الأم 1/ 162. (¬2) في ا: «في سفره وهي». (¬3) في ا: «ولم أعلم». (¬4) في ا: «بالوجه». (¬5) في ا: «ولم يخفض». (¬6) في الأم: «ولم يبلغنا أن يقصر». (¬7) في ا: «فلكم عندي». (¬8) يقال: بيننا وبين الماء ليلة قاصدة، أي هينة السير، لا تعب ولا بطء. (¬9) وهو في الأم 1/ 162، 7/ 173، والسنن الكبرى 3/ 126

نفسي، وإن ترك القصر مباح (¬1). * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: أنبأنا الشافعي. يعني في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الوَرِق بالوَرِق، ولا البُرّ بالبُرّ، ولا الشّعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح - إلا سَوَاءً بِسَواءِ: عيناً بعين يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد (¬2)». قال الشافعي: فلما حرم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في هذه الأصناف (¬3) المأكولة التي شح الناس عليها حتى باعوها كيلا لمعنيين (¬4): أحدهما: أن يباع منها شيء بمثله، أحدهما نقد والآخر دين. والثاني: أن يزداد في واحد منهما شيء [على مثله (¬5)] يداً بيد - كان [ما كان (¬6)] في معناهما (¬7) محرَّماً قياساً ¬

_ (¬1) في الأم «مباح لي». (¬2) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة. باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا 3/ 1211 والبيهقي في السنن الكبرى كتاب البيوع: باب الأجناس التي ورد النص بجريان الربا فيها 5/ 277 - 278، وفي باب جواز التفاضل في الجنسين 5/ 282، وفي باب التقابض في المجلس في الصرف وما في معناه 5/ 284. كلاهما من حديث عبادة بن الصامت، وهو في الأم 3/ 12، وترتيب مسند الشافعي 2/ 157 - 158. (¬3) في ا: «الأوصاف». (¬4) في ح: «بمعنيين». (¬5) ما بين القوسين سقط من ح. (¬6) ما بين القوسين سقط من ح وهـ. (¬7) في ا: «في معناها».

عليها؛ وذلك (¬1) ما أكل مما بيع موزونا؛ لأني وجدتها مجتمعة المعاني في أنها (¬2) مأكولة ومشروبة، والمشروب في معنى المأكول؛ لأنه كلّه للناس: إما قوت، وإما غذاء، وإما هما. ووجدت الناس شَحُّوا عليها حتى باعوها وزناً (¬3)، والوزن أقرب من الإحاطة من الكيل وفي معنى الكيل (¬4). قال: والذي منعنا من القياس الوزن بالوَزن من الذهب والورِق أن صحيح القياس إذا قست الشيء بالشيء أن تحكم له بحكمه، فلو قست يعني الطعام الموزون بالدنانير والدراهم كان حكمه حكمها، فلم يحلَّ أن يتبايع إلا يداً بيد. كما لا تحل الدنانير بالدراهم إلا يداً بيد، فلما أجاز المسلمون أن يشتري (¬5) بالدنانير والدراهم نقداً عسلا وسمناً إلى أجل فإجَازة المسلمين دلتني على أنه غير قياس عليه، فالدنانير والدراهم محرمان في أنفسهما لا يقاس شيء عليهما. وقال في الفرق بينهما وبين غيرهما أيضاً: إني لم أعلم مخالفاً من أهل العلم في أني لو عملت معدنا فأديت الحق فيما خرج منه ثم أقامت فضته أو ذهبه عندي دهري كان عليّ في كل سنة أداء زكاتها. ولو حصدت طعاماً من أرض (¬6) فأخرجت ¬

_ (¬1) في ا: «وكذلك» (¬2) في ح وهـ: «وأنها» (¬3) في ح وهـ وجدت الناس يبيحوا عليها ما في نحوها وزناً». (¬4) في الرسالة ص 524 بعد ذلك «وذلك مثل العسل والسمن والزيت والسكر وغيره مما يؤكل ويشرب ويباع موزونا. فإن قال قائل. أفيحتمل ما بيع موزونا أن يقاس على الوزن من الذهب والورق فيكون الوزن بالوزن أولى بأن يقاس عليه من الوزن بالكيل؟ قيل له إن شاء الله إن الذي منعنا مما وصفته من قياس الوزن بالوزن أن صحيح القياس إذا قست الشيء بالشيء أن تحكم له بحكمه، فلو قست العسل والسمن بالدنانير والدراهم. الخ (¬5) في ا: «إن أسلم». (¬6) في ا: «طعام أرضي».

عُشْرَهُ ثم أقام عندي دهراً – لم يكن عليّ فيه زكاة. وفي أني لو استهلكت لرجل شيئاً قُوِّم عليَّ دنانير أو دراهم؛ لأنها الأثمان في كل مال المسلم (¬1) إلا الديات (¬2). وجرى في كلامه أنه حين قاس المأكول الموزون، على المأكول المكيل – حكم له حكمه حتى لا يجوز أن يشتري بمد حنطة نقداً ثلاثة أرطال زيت إلى أجل (¬3). وقال في «كتاب البيوع»: المسموع من (¬4) أبي سعيد بن عمرو، عن أبي العباس، عن الربيع، عن الشافعي: وما (¬5) بيع جزافاً أو عدداً فهو في الكيل والوزن من المأكول أو المشروب (¬6) عندنا؛ لأنا وجدنا كثيراً منها يوزن ببلد ولا يوزن بآخر. وبسط الكلام فيه (¬7). وناقضهم في «كتاب القديم» في رواية الزعفراني عنه، بالمعمول من النحاس والجديد وقد يقدرون على وزنه كيف لم يردوه إلى أصله فلا (¬8) يجوز بشيء من صنفه إلا وزناً بوزن كما لو عمل الذهب والورق فيه كثيره يكون وزنها أشد على من أراده من وزن إناء نحاس أو درع حديد أو سيف فلا يجوز إثنان منهما بواحد لأن أصلها الوزن فلا تخرج من أصلها بعمل الآدميين. وبسط الكلام فيه. * * * ¬

_ (¬1) ليست في ا (¬2) راجع الرسالة ص 527، 528 (¬3) الرسالة ص 526. (¬4) في ح «عن». (¬5) في ا «فيما». (¬6) في ا «والمشروب». (¬7) راجع الأم 3/ 13 – 14. (¬8) في ح «قلنا».

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: أخبرني الصعب بن جثامة أنه سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، يسأل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: هم منهم. وزاد عمرو بن دينار عن الزهري: هم من آبائهم (¬1). وعن سفيان، عن الزهري، عن أبيّ (¬2) ابن كعب بن مالك، عن عمه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما بَعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والولدان. قال: فكان سفيان يذهب إلى أن قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «هم منهم» ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في الأم 4/ 156 بروايتيه. والرسالة ص 297، وأحمد في المسند 4/ 38، 71، 72، 73 (حلبي) والبخاري في كتاب الجهاد: باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري 6/ 102، ومسلم في كتاب الجهاد والسير: باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد 3/ 1364 - 1365. وابن ماجه في كتاب الجهاد: باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان 2/ 947. والترمذي في السير: باب ما جاء في النهي عن قتل النساء والولدان 1/ 298، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن حبان في صحيحه 1/ 303 - 304. وأبو داود في سننه في كتاب الجهاد: باب قتل النساء 3/ 73 - 74 وعقب عليه بقول الزهري: ثم نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك عن قتل النساء والولدان. وهو في السنن الكبرى 9/ 78. وترجمة الصعب بن جثامة في الإصابة 3/ 243 - 244. (¬2) سقطت من ا. [م - 23] مناقب

إباحة لقتلهم، وأن حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، في ابن أبي الحقيق، ناسخ (¬1) له. قال: وكان الزهري إذا حدث بحديث الصّعب بن جثامة، أتبعه حديث ابن كعب بن مالك. قال الشافعي: وحديث الصّعب كان في عمرة النبي، صلى الله عليه وسلم، فإن كان في عمرته الأولى فقد قتل ابن أبي الحقيق قبلها، وقيل في سنتها، وإن كان في عُمرته الآخرة فهي بعد ابن أبي الحقيق غير شك. والله أعلم (¬2). قال الشافعي: [ولم نعلمه (¬3)] رخص في قتل النساء والولدان ثم نهى عنه، ومعنى نهيه عندنا - والله أعلم - عن قتل النساء والولدان: أن يقصد قصدهم بقتل، وهم يُعرفون متميزين عمن (¬4) أمر بقتلهم منهم (¬5). ومعنى قوله: هم منهم، أنهم يجمعون خصلتين: أن ليس لهم حكم الإيمان الذي يمنع به الدّم، ولا حكم دار الإيمان الذي يمنع به الغارة على الدار. وإذ أباح (¬6) رسول الله، صلى الله عليه وسلم، البيات والغارة على الدار، وأغار على ¬

_ (¬1) في السنن الكبرى 9/ 78 - 79 أن سفيان بن عيينة كان إذا حدث بحديث الصعب قال: وأخبرني أبي بن كعب بن مالك عن عمه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان. وانظر الرسالة ص 298. (¬2) الرسالة ص 299. (¬3) سقطت من ا. (¬4) في ا: «ممن». (¬5) الرسالة ص 299 - 300. (¬6) في ح: «وإذا».

بني المصطلق غارّين - العلم يحيط أن البيات من الغارة إذا حل (¬1) بإحلال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يُمنع أحد بيَّت أو أغار من أن يُصيب النساء والولدان؛ فَيَسْقط (¬2) المأثم فيهم، والكفارة والعقل والقود عمن أصابهم؛ إذ أبيح له (¬3) أن يُبَيِّت ويغير، وليست لهم حرمة الإسلام، ولا يكون له قتلهم عامداً لهم متميزين عارفاً بهم (¬4). وإنما نهى عن قتل الولدان؛ لأنهم لم يبلغوا كفرا فيعملوا به، وعن قتل النساء؛ لأنه لا معنى فيهن لقتال، وإنهن والولدان يتخولون فيكونون قوة لأهل دين الله، عز وجل. واستشهد (¬5) الشافعي بقول الله، عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ (¬6)} الآية. فأوجب الله، سبحانه، بقتل المؤمن خطأَ، الدِّيةَ وتحرير رقبة، وفي قتل ذي الميثاق، الدية وتحرير رقبة، إذا كانا ممنوعي الدم بالإيمان والعهد والدار معاً، وكان المؤمن في الدار الممنوعة، وهو ممنوع بالإيمان، فجعل فيه الكفارة بإتلافه، ولم يجعل فيه الدية وهو ممنوع الدم بالإيمان، فلما (¬7) كان الولدان والنساء من المشركين لا ممنوعين بإيمان ولا دار، لم يكن فيهم عقل ولا قَوَد ولا مأثم، إن شاء الله تعالى، ولا كفارة. ¬

_ (¬1) في ح: «إذا يحل». (¬2) في ا: «فسقط». (¬3) في ا، ح: لهم والتصويب من الرسالة. (¬4) الرسالة ص 300. (¬5) الرسالة ص 301. (¬6) سورة النساء: 92. (¬7) في ح: «ولما».

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس، قال: أخبرنا الربيع، قال: قال الشافعي في ذكر مناهي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما استدل به على أنه أراد ببعض ما نَهى عنه في حالة دون حالة، كما ذكرنا مثاله فيما تقدم، ثم ذكر النهي (¬1) عن الجمع في النكاح بين المرأة وأختها، وبينها وبين عمتها وبين خالتها، وعن الجمع بين أكثر من أربع نسوة، وعن النكاح في الهدة، وعن نكاح الشغار والمتعة والمحرم، والنهي عن بيوع الغَرر، وبيع الرُّطَب بالتمر إلا في العرايا وغير ذلك، وذكر أنه يفسخ النكاح والبيع في جميع ذلك. ثم ذكر نهي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يشتمل الرجل الصَّمّاء (¬2) وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد مفضياً بفرجه إلى السماء، وأنه أمر غلاما أن يأكل مما بين يديه، ونهى أن يأكل من أعلى الصحفة، ونهى عن أن يقرن الرجل، إذا أكل، بين التمرتين، أو يكشف الثمرة عما في جوفها، وأن يغرس على ظهر الطريق. قال الشافعي (¬3): فلما كان الثوب مباحاً للابسه، والعام مباحاً لآكله حتى يأتي عليه كله إن شاء الله، والأرض مباحة له إذا كانت لله لا لآدمي، وكان الناس فيها شرعا، فهو منهي فيها عن شيء أن يفعله، وقد أمر فيها بأن يفعل شيئا غير الذي نهي عنه، والنهي يدل على أنه إنما نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء مفضيا بفرجه غير مستتر: - أن في ذلك كشف عورته، قيل له: استرها بثوبك، فلم يكن ¬

_ (¬1) الرسالة ص 346 (¬2) الرسالة ص 349. (¬3) الرسالة ص 351.

نهيه عن كشف عورته نهيه عن لبس ثوبه، فيحرم عليه لبسه، بل أمره بلبسه (¬1) كما يستر عورته (¬2)، ولم يكن أمره أن يأكل من بين يديه، ولا يأكل من رأس الطعام إذا كان مباحاً له أن يأكل ما بين يديه وجميع الطعام، إلا أدباً في الأكل من بين يديه؛ لأنه أجمل عند المؤاكلة (¬3)، وأبعد له من قبح الطعمة والنهمة (¬4) وأمره أن لا يأكل من رأس الطعام؛ لأن البركة تنزل منه على النظر له في أن يبارك بركة دائمة (¬5) بدوام نزولها، وهو يبيح له إذا أكل ما حول رأس الطعام أن يأكل رأسه، وإذا أباح (¬6) له الممر على ظهر الطريق فالممر عليه إذا كان مباحا؛ لأنه لا مالك له يمنع الممر عليه فيحرم منعه (¬7). فإنما نهاه لمعنى ثبت نظراً له فإنه؛ قال: فإنها مأوى الهوامّ، وطرق الحيات، على النظر له لا على أن التَّعْريسَ مُحَرَّم، وقد ينهى عنه إذا كان الطريق متضايقا مسلوكا؛ لأن إذا عرس عليه في ذلك الوقت منع غيره حقه في الممر. قال الشافعي: ومن فعل ما نهى عنه وهو عالم بنهيه، فهو عاص بفعله فليستغفر الله ولا يعود. فإن قال قائل (¬8): فهذا عاص والذي ذكرت في الكتاب قبله في النكاح والبيوع عاص، فكيف فرقت بين حالهما؟ فقلت: أما في المعصية فلم أفرق بينهما؛ لأني قد جعلتهما عاصيين، وبعض المعاصي أعظم من بعض. ¬

_ (¬1) في ح: «أن يلبسه». (¬2) الرسالة ص 352. (¬3) في ا: «أجمل به عند مؤاكله». (¬4) في ح: «والنهم». (¬5) في ا «على أن النظر له أن يبارك له بركة دائمة». (¬6) الرسالة ص 352. (¬7) في ا: «بمنعه». (¬8) الرسالة ص 353.

فإن قال قائل (¬1): فكيف لم يحرم على هذا لبسه وأكله وممره على الأرض بمعصيته؟ قيل له: هذا أمر بأمر في مباح حلال له، فأحللت له ما حل له وحرمت عليه ما حرم، ومعصيته في الشيء المباح له لا تحرمه عليه بكل حال، ولكن يحرم عليه أن يفعل فيه المعصية، وجعل نظير ذلك الرجل يطأ امرأته أو جاريته حائضتين أو صائمتين، لم يحل له ذلك الوطء في حاله تلك، ولم تحرم واحدة منهما عليه في تلك الحال إذا كان أصلها مباحا حلالا. قال: وأصل (¬2) مال الرجل محرم على غيره إلا بما أبيح له مما يحل (¬3) وفروج النساء محرمات إلا بما أبيحت به (¬4) من النكاح والملك، فإذا عقد عقدة البيع أو النكاح منهيا عنهما (¬5) على محرم لا يحل إلا بما أحل به (¬6)، لم يحل المحرم بمحرم (¬7)، وكان على أصل تحريمه حتى يؤتى بالوجه الذي أحله الله به في كتابه، أو على لسان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو إجماع المسلمين، أو ما هو في مثل معناه. * * * حدثنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أخبرنا الربيع، قال: حدثنا الشافعي (¬8)، قال: لا تجوز إمامة المرأة الرجال ¬

_ (¬1) الرسالة ص 354. (¬2) الرسالة ص 355. (¬3) في ح: «أبيح له من مأكل». (¬4) في ح: «له». (¬5) في ح: «عنها». (¬6) في ح: «له». (¬7) في ح: «لمحرم». (¬8) راجع الأم 1/ 145.

لما قصر بهن فيه عن الرجال؛ فإن الله، جل ثناؤه، يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (¬1)} وقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (¬2)} فلما كانت الصلاة مما يقوم به (¬3) الإمام على المأموم، لم يجز أن تكون المرأة التي عليها القيِّمُ قيِّمة على قيِّمها. ولما كانت الإمامة درجة فضل؛ لم يجز أن يكون لها درجة الفضل على من جعل الله له عليها درجة. ولما كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم الإسلام أن (¬4) تكون متأخرة خلف الرجال؛ لم يجز أن تكون متقدمة بين أيديهم. فإن قال قائل: فالعبد (¬5) مفضول؟ قيل (¬6): وكذلك الحر يكون مفضولا، ثم يتقدم من هو أفضل منه فيجوز. وقد يكون العبد خيرا من الحر، وقد تأتي عليه حال يعتق فيها فيصير حرا، وهو في كل حال من الرجال. والمرأة لا تصير بكل (¬7) حال من أن تكون امرأة عليها قيِّم من الرجال في عامة أمرها * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي، قال: أخبرنا عبد الرحمن – يعني محمد – قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتابه، قال: سمعت أبي، يقول: ¬

_ (¬1) سورة النساء 34. (¬2) سورة البقرة 228. (¬3) في ح: «بها». (¬4) في ا: «ثم». (¬5) في ا: «للعبد». (¬6) في ا: «فقيل». (¬7) في ا: «في كل».

الشافعي أَدْخَلَ عليهم – يعني أصحاب أبي حنيفة – إذا بدأ المتوضئ بعضو دون عضو، فقال: قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (¬1)} فقالوا – يعني أصحاب أبي حنيفة – إذا بدأ بالمروة قبل الصفا يعيد ذلك الشوط (¬2). وقرأت في «كتاب عبد الرحمن بن أبي حاتم» عن أبيه، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: قال لي الشافعي (¬3) في حلف الرجل بطلاق المرأة قبل أن ينكحها: لا شيء عليه. قال: لأني رأيت الله ذكر الطلاق بعد النكاح، وقرأ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ (¬4)}. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا بكر: محمد بن عبد الله بن شاذان الرازي، يقول: سمعت أبا الفضل بن مهاجر يقول: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول وسئل من العدل؟ قال: ما أحد يطيع الله حتى لا يعصيه، وما أحد يعصي الله حتى لا يطيعه، ولكن إذا كان أكثر عمله الطاعة (¬5) ولا يقدم على كبيرة، فهو عدل (¬6). قال: سمعت أبا عمرو بن مطر، يقول: سمعت موسى بن عبد المؤمن، يقول: سمعت ابن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي، يقول مثله. * * * ¬

_ (¬1) سورة البقرة 158. (¬2) آداب الشافعي ص 112 – 113. (¬3) آداب الشافعي 295. (¬4) سورة الأحزاب 49. (¬5) في ا: «إلى طاعة». (¬6) الرسالة ص 493، وجماع العلم ص 40.

ورواه البويطي عن الشافعي، وزاد فيه (¬1) عند قوله: حتى لم يخلطها بمعصية إلا يحيى بن زكريا. أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أبو العباس: عبد الله بن محمد ابن عمرو المقرئ قال: سمعت البويطي يقول: قال الشافعي، رضي الله عنه، فذكر معناه. وذكره الشافعي في «كتاب الشهادات» رواية الربيع أتم منه (¬2)، فقال: ليس من الناس أحد نعلمه إلا أن يكون قليلا يَمْحَضُ الطاعةَ والمروءة حتى لا يخلطها بمعصية، وترك (¬3) المروءة ولا يمحض المعصية، وترك (¬4) المروءة حتى لا يخلطها (¬5) بشيء من الطاعة والمروءة، فإن كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة – قبلت شهادته. وإذا كان الأغلب الظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة – ردّت شهادته، وكل من كان مقيما على معصية فيها حد [وأخذ (¬6)] فلا تجوز (¬7) شهادته، وكل من كان منكشف الحال في الكذب مُظهرَه غير مستتر به – لم تجز شهادته، وكذلك كل من جرّب بشهادة زور (¬8) وهذا فيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ، إجازة، قال: حدثنا أبو العباس – هو الأصم – قال: أخبرنا الربيع عن الشافعي فذكره. * * * ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) الأم 7/ 48. (¬3) في الأم: «ولا ترك» (¬4) في: الأم «ويترك» (¬5) في الأم: «يخلطه» (¬6) من الأم. (¬7) في الأم: «فلا نجيز» (¬8) في ح: «جرت عادته شهادة زور»

أخبرنا محمد بن الحسن السلمي، قال: سمعت أحمد بن الحسن الأصبهاني، يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن بشر الحافظ، يقول: سمعت عبد الله (¬1) بن محمد ابن هارون، يقول: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول بمكة: سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: أصلحك الله، ما تقول في المحرم قتل زُنْبورا؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ (¬2)} حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعى بن حراش، عن حذيفة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذَينِ من بَعْدِي: أبي بكر وعمر (¬3). وحدثنا سفيان، عن مسعر، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر، أنه أمر بقتل الزنبور. ورأيته في «كتاب أبي نعيم الأصبهاني» بإسناد له عن أبي بكر بن محمد ابن يزيد بن حكيم المستملى، عن الشافعي. غير أنه جعل السؤال عن أكل فرخ الزنبور، وقال في الإسناد: حدثنا سفيان، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعى، عن ربعى، عن حذيفة، وقال في إسناد حديث عمر: حدثونا عن إسرائيل، قال المستملى: حدثنا أبو أحمد، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، ¬

_ (¬1) في ح: «عبيد الله» (¬2) سورة الحشر 7 (¬3) أخرجه أحمد في المسند 5/ 385 (حلبي) وابن ماجة في مقدمة السنن 1/ 37، والترمذي في المناقب 2/ 290 وعقب عليه بقوله: هذا حديث حسن، والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 296، 342، 344، والرازي في المناقب ص 126.

عن سويد بن غفلة، أن عمر بن الخطاب أمر بقتل الزنبور (¬1). قال الشافعي: وفي المعقول أن ما أُمِرَ بقتله فحرام أكله. * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا محمد: أحمد بن عبد الله المزني، يقول: حدثنا محمد بن سهل بن الحسن البغدادي، قال: حدثنا وبرة (¬2) بن محمد الغساني، قال: سمعت معمر بن شبيب، يقول: سمعت المأمون، يقو لمحمد بن إدريس الشافعي: يا محمد، لأي علة خلق الله الذباب؟ قال: فأطرق، ثم قال له: مذلة للملوك يا أمير المؤمنين. قال: فضحك المأمون وقال: يا محمد، رأيت الذبابة قد سقطت على خدّي؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، ولقد سألتني وما عندي جواب، فأخذني من ذلك الزَّمَعُ، فلما رأيتُ الذبابة (¬3) قد سقطت بموضع لا يناله أحدٌ؛ انفتح فيه الجواب. فقال: لله دَرّك يا محمد. * * * أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو بكر بن عثمان البغدادي، قال: سمعت من يحكي عن محمد بن إسحاق عن المزني، قال: سئِل الشافعي عن نعامة ابتلعت جوهرة لرجل آخر؟ فقال: لست آمره بشيء، ولكن إن كان صاحب الجوهرة كيِّساً غدا على النعامة ¬

_ (¬1) مناقب الرازي ص 126. (¬2) في ا: «وريزة» وهو تحريف. (¬3) حياة الحيوان الكبرى 1/ 440.

فذبحها واستخرج جوهرته ثم ضمن لصاحب النعامة ما بين قيمتها حية ومذبوحة (¬1). * * * أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثني أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الرّعيني المعدل بمصر، قال: حدثنا أبو الحسن: أحمد بن محمد بن الحارث بن القباب، قال: حدثنا إسحاق بن صُغَير العطار، قال: سألت أبا عبد الله الشافعي، قلت له: ما تقول في رجل احتلب عنزا (¬2) من الظباء وهو مُحْرِم؟ قال: فقال: تقوّم العنز باللبن، وتقوّم بلا لبن، فينظر نقص ما بينهما فليتصدق به. فقلت له: من أين وما الحجة على مخالفنا؟ فقال: أصاب إنسان (¬3) ملكا ضائعاً، قال إسحاق: معناه مثلك يناظرني؟ * * * أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ ببغداد، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا عبد الله بن الحسين المصعبي، قال: حدثنا عمارة بن وثيمة، قال: حدثنا داود بن أبي صالح، قال: قلت للشافعي: يا أبا عبد الله، أنت تقول: ¬

_ (¬1) نقلها الدميري في حياة الحيوان 2/ 422 عن كتاب مناقب الشافعي للحاكم. (¬2) العنز: أنثى الظباء. (¬3) في ا: «شيبان».

لا تجوز الصلاة وفي ثوب المصلي من شعره شيء، وهذا ما لا ينضبط ولا يقدر على التحرز منه، نشدتك بالله إلا ما نظرت في هذا قبل أن تموت، فقال: أشهد على أني رجعت عن هذا قبل أن أموت. وقد نقلت سائر أقواله فيه في «المبسوط (¬1)». وقرأت في كتاب الشيخ أبي بكر بن زكريا الساجي (¬2) سمعت أبا الوليد: حسان بن محمد، يقول: سمعت أبا العباس بن سُريج القاضي، يقول: سمعت إبراهيم البلدي، يقول: سمعت المزني، يقول: رجع الشافعي عن قوله بنجاسة شعر بني آدم. قال: وسمعت أبا الوليد، يقول: سمعت أبا العباس بن سُريج يقول: لا أعلم للشافعي في ذلك نصاً ولا رجوعاً إلا أنه قال في المرأة: إذا وصلت شعرها بشعر إنسان، قد قيل: تعيد الصلاة وقيل: لا تعيد. قلت: كذا (¬3) قاله القاضي أبو العباس بن سُريج، رحمه الله، في هذه الحكاية عنه. وقد أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي (¬4)، رحمه الله: لا يصلي الرجل والمرأة واصلين شعورهما بشعر ¬

_ (¬1) في ح: «إلى المبسوط» (¬2) في ا: «الشيباني» (¬3) ليست في ح. (¬4) الأم 1/ 46

ما لا يؤكل لحمه، ولا بشعر ما يؤكل لحمه، إلا أن يؤخذ منه (¬1) شعره وهو حي، فيكون في معنى المذكي، كاللبن، ويؤخذ [بعد (¬2)] ما يذكّي ما يؤكل لحمه، فيقع الذكاة (¬3) على [كل (¬4)] حي [منه (¬5)] وميت. قال: وإن سقط من شعورهما شيء فوصلاه بشعر إنسان أو بشعورهما – لم يصليا فيه، فإن فعلا فقد قيل: يعيدان. ولا يجوز أن يستمتع من الآدميين بما يستمتع به من البهائم بحال؛ لأنها مخالفة شعور ما يؤكل لحمه ذكيا وحيا (¬6). فقول الشافعي: فقد قيل: يعيدان، يتضمن قوله: وقيل: لا يعيد. غير أنه لم ينقل فيما نقل لينا من كتاب. والله أعلم. أخبرنا أبو زكريا: يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو عبد الله الزبير بن عبد الواحد، قال: حدثني أبو عبد الله: محمد بن أحمد بن أخي عيسى عن زغبَة (¬7). قال: حدثنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: إذا ضاقت الأشياء اتسعت وإذا اتسعت ضاقت. ¬

_ (¬1) في ح: «من» (¬2) من الأم. (¬3) في ا: «الدبورة» (¬4) من الأم. (¬5) من الأم. (¬6) الأم 1/ 46 وفيه «ذكيا أو حيا». (¬7) في ح: «بن حماد زغبة»

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: أنبأنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي: لا يكون لك أن تقول إلا عن أصل، أو قياس على أصل. والأصل: كتاب أو سنة، أو قول بعض أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو إجماع الناس (¬1). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثني أبو بكر: محمد بن علي الفقيه للقفال، قال: حدثنا عمر بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: لا يقال للأصل: لم ولا كيف. وقد ذكر الشافعي، رحمه الله، في مسألة المنيّ فصلا، بين فيه المعنى فيما أمر به تعبدا، فقال (¬2): ولو كان كثرة الماء إنما يجب لقِذَر ما يخرج، كان هذان – يعني الخلا والبول – اقذر، وأولى أن يكون على صاحبهما الغسل مرات، وكان مخرجهما أولى بالغسل من الوجه الذي لم يخرجا منه، ولكن إنما أمر الله تعالى بالوضوء لمعنى تعبدا ابتلى الله به طاعة العباد؛ لينظر من يطيعه منهم، ومن يعصيه، لا على قذر، ولا على نظافة ما يخرج. وهذا فيما أخبرناه أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أخبرنا الربيع، قال: حدثنا الشافعي رحمه الله: فذكره. ¬

_ (¬1) في ح: «المسلمين». (¬2) الأم 1/ 48.

29 - باب: ما يستدل به على معرفة الشافعي بأصول الفقه

باب ما يستدل به على معرفة الشافعي بأصول الفقه * * * وهذا الباب كبير (¬1). والشافعي، رحمه الله، أوّل من صنف في أصول الفقه. وقد نقلت إلى أول «كتاب المبسوط»، «وكتاب المعرفة» ثم إلى «كتاب المدخل إلى السنن» ما يُستدل به على معرفته بذلك. وإيرادُ جميعه ها هنا مما يطول به الكتاب، فاقتصرت على إيراد شيء منه يسير، وبالله التوفيق والتيسير. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن محمد بن يحيى الدارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي، قال: أخبرني أبو عثمان: نزيل مكة، قال: سمعت دبيس، يقول: كنت مع أحمد بن حنبل في المسجد الجامع فمر حسين - يعني الكرابيسي - فقال: هذا - يعني الشافعي - رحمة من الله لأمة محمد، صلى الله عليه وسلم، ومر حسين. ثم جئت إلى حسين، فقلت: ما تقول في الشافعي رحمه الله؟ قال: ما أقول في رجل ابتدأ في أفواه الناس الكتاب والسنة والاتفاق، وما كنا ندري ما الكتاب ولا السنة نحن والأولون حتى سمعنا من الشافعي الكتاب والسنة والإجماع. ¬

_ (¬1) في ح: «وهذا باب كبير»

قلت: ولهذا قال: لا يقال للأصل: لم وكيف؟ وبالله التوفيق. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي: قال الله جل ثناؤه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (¬1)} وقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (¬2)} وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (¬3)}. قال الشافعي: فجماع (¬4) ما أبان الله، عز وجل، لخلقه في كتابه مما تعبدهم به لما مضى في حكمه، جلّ ثناؤه، من وجوه. فمنها: ما أبانه لخلقه نصا، مثل جُمَل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجاً وصوماً، وأنه حرّم (¬5) الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونص على الزنا والخمر وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وبيّن لهم كيف فَرْض (¬6) الوضوء، مع غير ذلك مما بيّن نصّا. ومنه (¬7) ما أَحْكَم فرضه بكتابه، وبيّن كيف هو على لسان نبيه، ¬

_ (¬1) سورة النحل 89. (¬2) سورة إبراهيم 1. (¬3) سورة النحل 44. (¬4) في ح: «فجميع» وما أثبتناه موافق لما في الرسالة ص 21. (¬5) في ا: «وتحريم» وما أثبتناه كما في الرسالة. (¬6) من الرسالة. (¬7) الرسالة ص 22. [م – 24] مناقب

صلى الله عليه وسلم، مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها، وغير ذلك من فرائضه التي أنزل في كتابه. ومنه: ما سَنَّ (¬1) رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، مما ليس لله فيه نص حكم. وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله، صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى حكمه. قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (¬2)} وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (¬3)} وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (¬4)} فأعلمهم أن بيعتهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم بيعته، وكذلك أعلمهم أن طاعته طاعته، وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (¬5)} مع سائر ما ورد في معنى هذه الآيات. قال الشافعي (¬6): فَمَن قَبِل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبفرض الله قَبِل. ثم قال: ومنه ما فرض على خلقه الاجتهاد في طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض الله عليهم؛ فإنه يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (¬7)}. ¬

_ (¬1) في ح: «بيّن». (¬2) سورة النساء 59. (¬3) سورة النساء 80. (¬4) سورة الفتح 10. (¬5) سورة النساء 65. (¬6) الرسالة ص 22 – 23 (¬7) سورة محمد 31.

وقال: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ (¬1)} وقال: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (¬2)} قال الشافعي (¬3): فليس لأحد أبداً أن يقول في شيء حل ولا حرم إلا من جهة العلم. وجهة العلم الخبر: في الكتاب، والسنة، أو الإجماع، أو القياس. والقياس: ما طلب بالدلائل على موافقة الخبر المتقدم من الكتاب أو السنة، لأنهما علم الحق المفترض طلبه. وموافقته تكون من وجهين: أحدهما: أن يكون الله أو رسوله حرّم الشيء منصوصاً أو أحله لمعنى، فإذا وجدنا ما في مثل ذلك المعنى فيما لم ينص فيه بعينه كتاب ولا سنة أحللناه أو حرمناه؛ لأنه في معنى الحلال أو الحرام. ونجد الشيء يشبه الشيء منه والشيء من غيره، ولا نجد شيئاً أقرب به شبهاً من أحدهما فنُلحقه بأولى الأشياء شبهاً به. وذكر مثال ذلك من جزاء الصيد وغيره. * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، قال: ¬

_ (¬1) سورة آل عمران 154. (¬2) الأعراف 129. (¬3) الرسالة ص 39، 40.

قال الشافعي: قال الله، تبارك وتعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (¬1)} الآية. وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم في أهل الكتاب: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (¬2)} وقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ (¬3)} وقال: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (¬4)}. قال الشافعي (¬5): فأعلم الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، أنّ فرضاً عليه وعلى مَنْ قِبَله والناس إذا حكموا أن يحكموا بالعدل، «والعدل» اتباع حكمه المنزَّل؛ قال الله، جل ثناؤه، لنبيه صلى الله عليه وسلم حين أمره بالحكم بين أهل الكتاب: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}. ووضع الله جل ثناؤه نبيَّه، صلى الله عليه وسلم، مِنْ دينِه مَوْضِعَ الإبانة عن كتاب الله معنى ما أراد، وفرض طاعته، فقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (¬6)} وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (¬7)} وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ ¬

_ (¬1) سورة ص 26. (¬2) سورة المائدة 42. (¬3) سورة المائدة: 49 (¬4) سورة النساء 58 (¬5) الرسالة ص 73 (¬6) سورة النساء 80 (¬7) سورة النساء: 65

عَذَابٌ أَلِيمٌ (¬1)}. قال الشافعي (¬2): فعِلْمُ الحق كتابُ الله تعالى، ثم سنةُ نبيه، صلى الله عليه وسلم، فليس لمفتي ولا لحاكم أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالماً بهما، ولا أن يخالفهما، ولا واحداً منهما بحال. فإذا خالفهما فهو عاص لله به، وحكمه مردود. فإذا لم يوجد المنصوص (¬3) فالاجتهاد بأن يُطْلَبا: كما يطلب الاجتهاد بأن يتوجه إلى البيت. وليس لأحد أن يقول مستحسناً على غير الاجتهاد (¬4). كما ليس لأحد إذا غاب البيت عنه أن يصلّي حيث أحبّ، ولكنه يجتهد في التوجه إلى البيت. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، قال: قال الشافعي (¬5): «والاجتهاد» لا يكون إلا على مطلوب، والمطلوب لا يكون أبداً إلا على عين قائمة تطلب بدلالة يقصد بها إليها أو بينة (¬6) على عين ¬

_ (¬1) سورة النور 63. (¬2) راجع كتاب أبطال الاستحسان 7/ 270 - 271 من الأم وفيه: وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق إلا وقد علم الحق، ولا يكون الحق معلوما إلا عن الله نصاً، أو دلالة من الله، فقد جعل الله الحق في كتابه، ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. (¬3) في ح: «لم يوجدا منصوصين». (¬4) في ح: «على غير اجتهاد». (¬5) الرسالة ص 503 - 504. (¬6) في ا: «ولشبيه».

قائمة. وهذا يبين أَن حَرَاماً على أحدٍ أن يقول بالاستحسان إذا خالف الاستحسان الخبر، والخبر من الكتاب والسنة عين يتأخى (¬1) معناه المجتهد ليصيبه كما البيت يتأخَّاه من غاب عنه ليصيبه أو (¬2) قصده بالقياس. ثم ساق الكلام إلى أن قال (¬3): وإذا (¬4) كان هذا هكذا. كان على العالِم أن لا يقول إلا من جهة العلم. وجهة العلم: الخبر اللازم والقياس بالدلائل على الصّواب؛ حتى يكون صاحب العلم أبداً متّبعا خبراً، وطالب الخبر بالقياس كما يكون متبع البيت بالعيان، وطالبا قصده بالاستدلال بالإعلام مجتهداً. ولو قال (¬5) بلا خبر لازم ولا قياس كان أقرب من الإثم (¬6) من الذي قال وهو غير عالم، ولكان القول بغير أهل العلم جائزاً. ولم يجعل الله لأحد بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقول إلا من جهة العلم: عِلْمِ ما (¬7) مضى قبله، وجهة العلم بعد الكتاب والسنة والإجماع والآثار: ما وصفت من القياس عليها فلا يقيس إلا من جمع (¬8) الآلة التي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله: فرضه وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وخاصِّهِ وعامه وإرشاده. ويستدل على ما احتمل التأويل منه بسنن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يجد سنة ¬

_ (¬1) يتحرى ويقصد. قال في النهاية 1/ 20 في حديث عمر: يتأخى متأخ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يتحرى ويقصد، ويقال فيه بالواو أيضا، وهو الأكثر. (¬2) في ا: «لو». (¬3) الرسالة 507. (¬4) في ا: «فإذا». (¬5) الرسالة 508. (¬6) وفي ا: «الأئمة» وهو تحريف. (¬7) في ا: «علم على ما» وهو خطأ. (¬8) في ح: «أجمع».

فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس (¬1). ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن (¬2) وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلافهم ولسان العرب، ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل وحتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول به دون التثبت، ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه؛ لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة ويزداد به تثبتا (¬3) فيما اعتقد من الصَّواب. وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده والإنصاف من نفسه؛ حتى يعرف من أين قال ما يقول وترك ما يترك [ولا يكون بما قال، أعنى منه، بما خالفه حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما يترك] (¬4) إن شاء الله تعالى. وذكر فيما (¬5) يمتنع القياس عليه أن يكون أحلّ الله لهم شيئا جملة، وحرم منه شيئا بعينه، فيحلون الحلال بالجملة ويحرمون الشيء بعينه، ولا يقيسون على الأول الحرام؛ لأن الأكثر منه حلال، والقياس على الأكثر أولى. وكذلك إن حرم جملة وأحل بعضها، وكذلك إن فرض شيئا وخص النبي، صلى الله عليه وسلم، بالتخفيف في بعضه. وذكر في سبب ما يحسبه الإنسان مختلفا من الكتاب والسنة وليس بمختلف - ما أخبرنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أنبأنا الربيع، قال: ¬

_ (¬1) الرسالة ص 509 - 510 وفي ح «فالقياس». (¬2) في ا: «السنين» (¬3) في ح: «تبينا» (¬4) الرسالة 510 - 511 وما بين القوسين سقط من ا. (¬5) في ا: «فيها».

قال الشافعي: وإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها [وكان مما تعرف من معانيها (¬1)] اتساع لسانها، وأن فطرتها أن تخاطب بالشيء منه عامًّا ظاهراً يراد به العام الظاهر، ويستغنى بأول هذا منه (¬2) عن آخره، وعامًّا ظاهراً يراد به العام ويدخله الخاص، فيُستدل (¬3) على هذا ببعض ما خوطب به (¬4)، وعاماً ظاهراً يراد به الخاص، وظاهراً يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره، وكل هذا موجود في علمه في القرآن (¬5) في أول الكلام أو وسطه أو آخره. وتبتدئ الشيء من كلامها يُبِينُ أولُ لفظها فيه عن آخره ويَبتدئ بالشيء من كلامها يُبِينُ آخر لفظها فيه عن أوله. وتكلم بالشيء تعرفه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ كما تعرف الإشارة، ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها، لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها، وتُسمّى الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، وتُسمِّي بالاسم الواحد المعاني الكثيرة (¬6). ثم ذكر الشافعي، رحمه الله، مثالَ كلِّ نوع مما أشار إليه من الكتاب. وذكر فيما نُسِخ من الكتاب: أنّ الله تعالى فرض فرائض أثْبَتَها، وأخرى نسخها، رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم، وبالتوسعة عليهم زيادة فيما ابتدأهم به من ¬

_ (¬1) ما بين القوسين سقط من ا (¬2) في ا: «فيه» (¬3) في ا: «فيستدل» (¬4) في ا: «فيه» (¬5) في ا: «موجود عليه في أول الكلام». (¬6) الرسالة ص 52

نعمة، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أَثْبَت عليهم (¬1) جنتَه والنجاةَ من عذابه، فعمتهم رحمته فيما اُثبت ونسخ. فله الحمد على نعمه (¬2). ثم ذكر فصلا في نسخ الكتاب بالكتاب دون السنة، ونسخ السنة بالسنة دون الكتاب، وأن كلَّ واحد منهما كان حقًّا في وقته. وأنه إنما يعرف الناسخ والمنسوخ (¬3) بالآخِر من الأمرين. وأنَّ أكثر الناسخ في كتاب الله إنما عرف بدلالة سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر مثال ذلك، وذكر مثال الفرائض المنصوصة التي سنَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معها، ومثال الفرائض الجُمْل التي أبان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الله سبحانه وتعالى كيف هي ومواقيتها، ومثال العام من أمر الله تعالى الذي أراد به العامّ، والعامّ الذي أراد به الخاصّ. ثم ذكر سنته فيما ليس فيه نصّ كتاب. * * * قال الشافعي بعد فصل طويل في وجوه السنن (¬4): وسنَّتُه، صلى الله عليه وسلم، لا تَعْدوا واحداً من الوجوه التي ذهب إليها أهل العلم أنها تُبَيِّن عن كتاب الله، عز وجل، إما برسالة من الله، أو إلهام له ¬

_ (¬1) في ا: «وأبادهم. . . ما أثيب عليهم» (¬2) الرسالة ص 106 (¬3) سقطت من ا (¬4) راجع الأم 5/ 113 – 114.

وإلهام الأنبياء، صلوات الله عليهم، وحي، وإما بأمر جعله الله إليه (¬1) لموضعه الذي وضعه به من دينه. * * * وذكر الشافعي، رحمه الله، فصلا في «علل الأحاديث التي توهم الاختلاف» وهو فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، قال: قال الشافعي (¬2): وكلُّ ما سنَّ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، مع كتاب الله من سنة فهي موافقة كتاب الله في النص بمثله، وفي الجملة بالتبيين عن الله. والتبيين يكون أكثر تفسيراً من الجملة. وما سنَّ مما ليس فيه نصّ كتاب، فَبِفَرْضِ الله طاعتَه عامَّة في أمره، تَبِعْناه. وأما «الناسخ والمنسوخ من حديثه» فهو كما نسخ الله الحكم من كتابه بالحكم غيره من كتابه. وكذلك سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تنسخ سنته. وأما (¬3) المختلفة التي لا دلالة على أنها ناسخ ولا أنها منسوخ، فكل أمره مُوتَفِقٌ صحيح لا اختلاف فيه. ورسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، عربيُّ اللسان والدار، فقد يقولُ القولَ عامًّا يريد به العام، وعامًّا يريد به الخاصّ، كما وصفتُ في كتاب الله، جل وعز. ويُسْأل عن الشيء فيجيب على قَدْرِ المسألة، ويُؤَدِّي المجيبُ عنه الخبرَ ¬

_ (¬1) في ح: «يجعله الله للنبي» (¬2) الرسالة ص 212 (¬3) الرسالة ص 213

مُتقَصَّى، والخبرَ مختصراً، فيأتي ببعض معانيه دون بعض. ويُحدِّثُ عنه الرجلَ الحديثَ قد أَدْرَكَ جوابَه ولم يدرك المسألةَ، فيدله على حقيقة الجواب بمعرفته السبب الذي يخرج عليه الجواب. ويسنُّ في الشيء سنّةً وفيما يخالفه أخرى، فلا يخلِّص بعض السامعين بين اختلاف الحالتين اللتين سَنَّ فيهما. ويَسُنُّ (¬1) سنة في بعض معنى (¬2) فيحفظُها حَافِظٌ. ويسنُّ في معنى يخالفه في مَعْنَى ويجامِعُه في معنَى سُنَّةً غيرها، لاختلاف الحالتين (¬3) فيحفظُ غيرُه تلك السنَّة، فإذا أَدَّى كلٌّ مَا حَفِظ رآه بعضُ السامعين اختلافاً، وليس منه شيء بمختلف. ويُسنّ بلفظٍ مَخْرجه عامّ جملة بتحريم شيء أو تحليله. ويسنُّ في غيره خلاف الجملة، فيستدل على أنه لم يرد بما حرّم ما أَحَلّ، ولا بما أحلّ ما حرّم. ولكُلِّ هذا نظيرٌ فيما كتبناه من جُمَل أحكام الله، عز وجل. قال: وكلّ ما كان كما وصفتُ أُمْضِيَ على ما سنَّه عليه وفرّق بيْن ما (¬4) فُرّق بينه منه، ولم يُقَل ما فَرْقُ بيْن كذا وكذا؛ لأن قول (¬5) ما فَرْق بين كذا وكذا فيما فرّق بيْنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا يعدو أن يكون جهلا ممن قاله، أو ارتياباً شراً من الجهل. وليس فيه إلا طاعةُ ¬

_ (¬1) الرسالة ص 214، وفي ح: «وليس بسنة». (¬2) في ح: «معناها». (¬3) بعد هذا في ا: «فيها». (¬4) في ا: «وفرق ما بين». (¬5) في ا: «قوله».

الله باتباعه (¬1). وما لم يوجد فيه إلا الاختلاف فَنَصيرُ إلى الأثْبَت من الحديثين. وقال في موضع آخر: فلا نذهب إلى واحد منهما دون غيره إلا بسبب يدل على أن الذي ذهبنا إليه أقوى. وذلك أن يكون أحدهما أثبت من الآخر، أو يكون أشبه بكتاب الله، أو سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيما سوى ما اختَلف فيه الحديثان من سنته، أو أولى بما يعرف أهل العلم، أو أصحَّ في القياس، أَو الذي عليه الأكثر من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم (¬2). قال: ولم تجد عنه، صلى الله عليه وسلم، حديثين مختلفين إلا ولهما مَخْرَجٌ، أو على أحدهما دلالة بأَحد ما وصفتُ (¬3). وقد ذكر الشافعي مثال كل نوع من الأنواعِ التي أشار إليها، فاقتصرت هاهنا على إيراد هذه الجملة، فقال في أقاويل أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا (¬4) تفرقوا فيها: نصير إلى ما وافق الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو كان أصح في القياس. ورجح في القديم، وفي كتاب اختلافه ومالك، قول الأئمة من الصحابة على قول غيرهم. ¬

_ (¬1) الرسالة 216 (¬2) الرسالة ص 216 (¬3) الرسالة ص 216 (¬4) الرسالة 597

ورجح في القديم أقوال غيرهم من الصحابة بالكثرة، فإن تكافئوا فبأَحسنها مخرجاً. قال الشافعي (¬1): والأمر في الكتاب والسنة وكلام الناس يحتمل معاني: أحدها: أن يكون الله، عز وجل، حرم شيئاً ثم أباحه فكان أمره إحلال ما حرم، كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا (¬2)} وكقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (¬3)} وكقوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (¬4)} وكقوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (¬5)} وأشباه لهذا كثيرة (¬6). ليس حتما أن يصطادوا إذا أحلوا، ولا ينتشروا للطلب للتجارة إذا صلّوا، ولا ياكل من صداق امرأته إذا طابت منه نفسا، ولا يأكل من بُدْنته إذا نحرها. قال (¬7): ويحتمل أن يكون دلّهم على ما فيه رشدهم، ويحتمل أن يكون حتما، وفي كل الحتم من الله الرشد، فقال بعض أهل العلم: الأمْرُ كلّه على الإباحة والدلالة على الرشد، حتى توجد الدلالة من الكتاب، أو السنة، أو الاجماع، على ¬

_ (¬1) في الأم 5/ 127 في باب ما جاء في أمر النكاح: قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} والأمر. . الخ. (¬2) سورة المائدة 2 (¬3) سورة الجمعة 10 (¬4) سورة النساء 4 (¬5) سورة الحج 36 (¬6) في الأم بعد هذا: «في كتاب الله وسنة نبيه وليس حتما». (¬7) الأم 5/ 127.

أنه أريد بالأمر: الحتم، فيكون فرضا لا يحل تركه (¬1). وما نهى الله عنه فهو محرم حتى توجد الدلالة عليه بأَن النهي عنه على غير التحريم، وإنما أريد به: إرشاد (¬2)، أو تنزيه، أو أدب، أو أراد نهيا عن بعض الأمور دون بعض. قال (¬3): وقد يحتمل أن يكون الأمر في معنى النهي فيكونان لازمين (¬4) إلا بدلالة أنهما غير لازمين. قال (¬5): وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب ومعرفة السنة طلب الدلائل؛ ليفرقوا بين الحتم، والمباح والإرشاد الذي ليس بحتم في الأمر والنهي معا. * * * وقال الشافعي: والأحكام في القرآن على ظاهرها وعمومها، وكذلك الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على عمومه وظهوره حتى يأتي دلالة بأَنه أراد به خاصا دون عام. أخبرنا محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أنبأنا الربيع، قال: أنبأنا الشافعي، قال: أَنبأَنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ¬

_ (¬1) في الأم 5/ 127 كقول الله عز وجل {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} فدل على أنهما حتم. وكقوله {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وقوله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وقوله {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} فذكر الحج والعمرة معا في الأمر وأفرد الحج في الفرض فلم يقل أكثر أهل العلم. العمرة على الحتم، وإن كنا نحب ألا يدعها مسلم. وأشباه هذا في كتاب الله عز وجل كثير. (¬2) في ح: «إرسال» (¬3) الأم 5/ 127 (¬4) في ح، هـ: «فيكون لازم إلا بدلالة اتباعه لازم». (¬5) الأم 5/ 127.

من باع نخلا قد أُبِّرَت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع (¬1)». قال الشافعي: وهذا الحديث ثابت عندنا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم (¬2)، وفيه دلالة على أن الحائط إذا بيع ولم يُؤَبَّر نخلُه، فثمرته للمشتري؛ لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا خبّر فقال: «[إذا أُبِّر (¬3)] فثمرته للبائع» فقد أخبر أن حكمه إذا لم يؤبَّر غير حكمه إذا أُبِّر، ولا يكون ما فيه (¬4) إلا للبائع أو للمشتري، لا لغيرهما ولا موقوفا، فمن باع حائطا لم يؤبر فالثمرة للمشتري بغير شرط استدلالا موجوداً بالسُّنّة. قال الشافعي (¬5): والإبار: التلقيح، وهو أن يؤخذ شيء من طلع الفحل منه فيدخل بين ظهراني طلع الإناث من النخل فيكون ثمراً بإذن الله (¬6). * * * أخبرنا محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، قال: قال الشافعي: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} إلى قوله: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا (¬7)} فقلنا: لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة، ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين مسكينا، والإطعام قبل أن يتماسا. وإذا ذكر الله الكفارة في العتق في موضع، فقال: {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ثم ذكر كفارة مثلها، فقال: {رَقَبَةٍ} نعلم أن ¬

_ (¬1) الأم 3/ 35 وفي ا: «فثمرها يشترطه» وفي ح: «يشترطها». (¬2) في الأم بعد ذلك «وبه نأخذ». (¬3) ما بين القوسين ليس من ا. (¬4) في ا: «صافيه». (¬5) الأم 3/ 35. (¬6) في ا: «فيكون له بإذن الله» وفي الأم «فيكون له – بإذن الله – صلاحا». (¬7) سورة المجادلة 3، 4.

الكفارة لا تكون إلا مؤمنة (¬1). ثم ساق الكلام إلى أن قال: لأنهما مجتمعتان في أنهما كفارتان، كما ذكر الشهود في البيع والزنا ولم يذكر عدلا. وقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (¬2)} وقال حين الوصية {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ (¬3)} وشرط العدل واجتماعهما في أنهما شهادة يدل على أن لا تقبل فيها (¬4) إلا العدول وبسط الكلام فيه. ¬

_ (¬1) الأم 5/ 266 (¬2) سورة الطلاق 2 (¬3) سورة المائدة 106 (¬4) في ا: «فشرط .. فدل .. فيهما».

30 - باب: ما يستدل به على معرفة الشافعي بأصول الكلام، وصحة اعتقاده فيها

باب ما يستدل به على معرفة الشافعي، بأصول الكلام، وصحة اعتقاده فيها * * * وهذا الباب يشتمل على أبواب. منها: باب ما يؤثر عنه في الإيمان أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثني الزبير بن عبد الواحد الحافظ، بأَسَدَابَاذ، قال: حدثني يوسف بن عبد الأحد، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال: حدثنا الشافعي - يعني في مسألة ذكرها في كتاب السِّيَر (¬1) -: وهكذا إن صلى فالصلاة من الإيمان. وأخبرنا أبو سعيد، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا الربيع، قال: ¬

_ (¬1) في ا: «السنن». [م - 25] مناقب

قال الشافعي (¬1) - يعني في «كتاب الذّبائح» في مسألة ذكرها -: وأُحبّ أن يكثر الصلاة عليه. يعني على النبي، صلى الله عليه وسلم. قال الشافعي: فصلّى الله عليه في كل الحالات؛ لأن ذكر الله والصلاة عليه إيمان بالله، وعبادة له يؤجر عليها، إن شاء الله، من قالها. ثم ساق (¬2) الكلام إلى أن قال (¬3): وما يصلِّي عليه أحد إلا إيماناً بالله، وإعظاماً له، وتقرباً إليه، وقُرْبةً بالصلاة منه وزُلْفَى. * * * أخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد الدينوري، بالدَّامَغَان، قال: حدثنا ظفران بن الحسين، قال: حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم الرازي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد المَيْمُوني، قال: حدثني أبو عثمان: محمد بن محمد الشافعي، قال: سمعت أبي: محمد بن إدريس الشافعي، يقول ليلة للحميدي: ما يحتج عليهم - يعني على أهل الإرجاء - أَحَجَّ من قوله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا ¬

_ (¬1) في الأم 2/ 204. (¬2) في هـ، ح: «وساق». (¬3) يشير إلى قول الشافعي: «ولسنا نعلم مسلما، ولا نخاف عليه أن تكون صلاته عليه، صلى الله عليه وسلم، إلا الإيمان بالله، ولقد خشيت أن يكون الشيطان أدخل، على بعض أهل الجهالة، النهي عن ذكر اسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عند الذبيحة؛ ليمنعهم الصلاة عليه في حال لمعنى يعرض في قلوب أهل الغفلة، وما يصلى. . الخ». راجع الأم 2/ 205.

اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (¬1)}. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: سمعت أبي يقول: سمعت حرملة يقول: اجتمع حفص الفرد ومِصلان الأنماطي (¬2) عند الشافعي بمصر فتكلما في الإيمان، فاحتج مصلان في الزيادة والنقصان، واحتج الفرد في الإيمان قولا، فَعَلا حفص الفرد على مصلان، وقوى عليه وضعف مصلان، فشق على الشافعي؛ فأخذ المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فطحن حفص الفرد وقطعه (¬3). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم المؤذن، عن عبد الواحد بن محمد الأرغياني، عن أبي محمد الزّبيري، قال: قال رجل للشافعي: أي الأعمال عند الله أفضل؟ قال الشافعي: ما لا يقبل عملا إلا به. قال: وما ذاك؟ قال: الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو، أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حظًّا. قال الرجل: ألا تخبرني عن الإيمان: قول وعمل، أو قول بلا عمل؟ ¬

_ (¬1) سورة البينة: 5 وراجع الخبر في طبقات السبكي 1/ 227، وتوالي التأسيس ص 64، والحلية 9/ 115، وأحكام القرآن 1/ 40 وآداب الشافعي ص 191، وهامشه. (¬2) ليست في ح. (¬3) راجع الحلية 9/ 115 وآداب الشافعي ص 192، وهامشه.

قال الشافعي: الإيمان عمل لله، والقول بعض ذلك العمل. قال الرجل: صف لي ذلك؛ حتى أفهمه. قال الشافعي: إن للإيمان حالات ودرجاتٍ وطبقاتٍ، فمنها التام المُنْتَهِي تمامه، والناقص البيِّن نقصانه، والراجح الزائد رجحانه. قال الرجل: وإن الإيمان ليتمّ وينقص، ويزيد؟ قال الشافعي: نعم. قال: وما الدليل على ذلك؟ قال الشافعي: إن الله، جل ذكره، فرض الإيمان على جوارح بني آدم، فقسمه فيها، وفرقه عليها، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها، بفرض من الله تعالى: فمنها: «قلبه» الذي يعقل به، ويفقه، ويفهم، وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح، ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره. ومنها: «عيناه» اللتان ينظر بهما، و «أذناه» اللتان يسمع بهما، و «يداه» اللتان يبطش بهما، و «رجلاه» اللتان يمشي بهما و «فرجه» الذي البَاهُ من قِبَلِه (¬1)، و «لسانه» الذي ينطق به، و «رأسه» الذي فيه وجهه. فرض على «القلب» غير ما فرض على «اللسان»، وفرض على «السمع» غير ما فرض على «العينين»، وفرض على «اليدين» غير ما فرض على «الرجلين»، وفرض على «الفرج» غير ما فرض على «الوجه». ¬

_ (¬1) في ا: «قلبه».

فأما «فرض الله على القلب من الإيمان»: فالإقرار والمعرفة والعَقْد، والرضا والتسليم بأنّ الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً، صلى الله عليه وسلم، عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند الله من نَبِيّ أو كتاب. فذلك ما فرض الله، جل ثناؤه، على القلب، وهو عمله (¬1): {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا (¬2)} وقال: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (¬3)} وقال: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ (¬4)} وقال: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ (¬5)} فذلك ما فرضَ الله على القلب من الإيمان، وهو عمله، وهو رأس الإيمان. «وفرض [الله (¬6)] على اللسان»: القولَ والتعبيرَ عن القلب بما (¬7) عَقَد (¬8) وأَقرَّ به، فقال في ذلك: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ (¬9)} وقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا (¬10)} فذلك ما فرض الله على اللسان من القول، والتعبير عن القلب، وهو عمله، والفرض عليه من الإيمان. ¬

_ (¬1) في ح: «علمه». (¬2) سورة النحل: 106. (¬3) سورة الرعد: 28. (¬4) سورة المائدة: 41. (¬5) سورة البقرة: 284. (¬6) ليست في اولا في هـ. (¬7) في ا: «ثم» وهو تحريف. (¬8) في هـ: «عقل» وهو تصحيف. (¬9) سورة البقرة: 136. (¬10) سورة البقرة: 83.

وفرض الله (¬1) على «السمع»: أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرّم الله، وأن يُغْضى (¬2) عما نهى الله عنه، فقال في ذلك: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ (¬3)} ثم استثنى موضع النسيان، فقال جل وعز: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ} أي: فقعدت معهم: {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (¬4)} وقال: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (¬5)} وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} إلى قوله: {لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (¬6)} وقال: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ (¬7)} وقال: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (¬8)} فذلك ما فرض الله، جلّ ذكره، على السمع من التّنْزِيه عما لا يحلّ له، وهو عمله، وهو من الإيمان. و «فرض على العينين»: أن لا ينظر بهما إلى ما حرّم الله، وأن يغضيهما عما نهاه عنه، فقال، تبارك وتعالى، في ذلك: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ (¬9)} الآيتين: أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه. وقال: كلّ شيء من حفظ الفرج، في كتاب الله، فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر. ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ح، هـ: «يغض». (¬3) سورة النساء: 140. (¬4) سورة الأنعام 68. (¬5) سورة الزمر: 18. (¬6) سورة المؤمنون: 1 – 4. (¬7) سورة القصص: 55. (¬8) سورة الفرقان: 72. (¬9) سورة النور: 30، 31.

فذلك ما فرض الله على العينين من غَضِّ البصر، وهو عملها، وهو من الإيمان. ثم أخبر عما فرض على القلب والسمع والبصر، في آية واحدة، فقال: سبحانه وتعالى، في ذلك {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (¬1)} وقال: يعني وفَرَضَ على الفرج: أن لا يهتكه (¬2) بما حرّم الله عليه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (¬3)} وقال: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ (¬4)} الآية. يعني بالجلود: الفروج (¬5) والأفخاذ. فذلك (¬6) ما فرض الله على الفروج من حفظها عما لا يحل له، وهو عملها. «وفرض على اليدين»: أن لا يبطش بهما [إلى ما حرم الله تعالى، وأن يبطش بهما (¬7)] إلى (¬8) ما أمر الله من الصدقة وصلة الرحم، والجهاد في سبيل الله، والطهور للصلوات، فقال في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ (¬9)} إلى آخر الآية. وقال: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً (¬10)} لأن الضرب، والحرب، وصلة الرحم، والصدقة، من علاجها. ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 36. (¬2) في ا: «أن لا يهتك ما حرم ...» (¬3) سورة المؤمنون: 5. (¬4) سورة فصلت: 22. (¬5) في ا: «الفروج» وهو خطأ. (¬6) في ح: «وذلك». (¬7) ما بين القوسين ليس في ا. (¬8) في ا: «ولا يبطش بهما إلا إلى ...» (¬9) سورة المائدة: 6. (¬10) سورة محمد: 4.

«وفرض على الرجلين»: أن لا يمشي بهما إلى ما حرّم الله، جل ذكره، فقال في ذلك: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (¬1). «وفرض على الوجه»: السجودَ لله بالليل والنهار، ومواقيت الصلاة، فقال في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (¬2)} وقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (¬3)} يعني بالمساجد: ما يسجد عليه ابن آدم في صلاته، من الجبهة وغيرها. قال: فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح. وسمى الطهورَ والصلواتِ إيماناً في كتابه، وذلك حين صَرفَ اللهُ، تعالى، وجهَ نبيه، صلى الله عليه وسلم، من الصلاة إلى بيت المقدس، وأمره بالصّلاة إلى الكعبة. وأن المسلمون قد صّلوا إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، فقالوا: يا رسول الله، أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها إلى بيت المقدس، ما حالها وحالنا؟ فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (¬4)} فسمّى الصلاَة إيماناً، فمن لقى الله حافظاً لصلواته، حافظاً لجوارحه، مؤدياً بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليها – لقى اللهَ مستكملَ الإيمان من أهل الجنة، ومن كان لشيء منها تاركا مُتعمِّداً مما أمر الله به – لقى اللهَ ناقصَ الإيمان. قال: وقد عرفت نقصانه وإتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟ ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 37. (¬2) سورة الحج: 77. (¬3) سورة الجن: 18. (¬4) سورة البقرة: 143.

قال الشافعي: قال الله، جل ذكره: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ • وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (¬1)} وقال: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (¬2)}. قال الشافعي: ولو كان هذا الإيمان كله واحداً لا نقصان فيه ولا زيادة - لم يكن لأحد فيه فضل، واستوى الناس، وبطل التفضيل. ولكن بتمام الإيمان دَخل (¬3) المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله [في الجنة (¬4)]، وبالنقصان من الإيمان دخل المُفَرِّطون النار. قال الشافعي: إن الله، عز وجل، سَابَق بين عباده كما سُوبِقَ بين الخليل يوم الرهان. ثم إنهم على درجاتهم من سبق عليه، فجعل كل أمْرِئ على درجة سَبْقِه، لا ينقصه فيها حقَّه، ولا يُقدَّم مَسْبُوقٌ على سابِق، ولا مَفْضُولٌ على فاضل. وبذلك فضّل أول هذه الأمة على آخرها. ولو لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه - للحق آخر هذه الأمة بأوّلها. قال أحمد: قد رأيت هذا الجواب عن الإيمان «لأبي عُبَيْد» أبسط من هذا، فإن صحّت الحكايتان فيحتمل أن يكون «أبو عُبَيْدٍ» أخذه عن الشافعي، ثم زاد في البيان. ويحتمل أن يوافق قولٌ قولا. والله أعلم. ¬

_ (¬1) سورة التوبة: 124، 125. (¬2) سورة الكهف: 13. (¬3) في ا: «حل». (¬4) ليست في ا.

وقوله: «دخل المفرطون النار» مُطْلَقٌ في هذه الحكاية، وقد قَيَّده الشافعي، رحمه الله، في مواضع من كتبه: قال الشافعي – فيمن تولّى عن الزّحف غير مُتَحرِّفٍ لقتال لا مُتَحِّيزاً إلى فئة: خِفْت عليه – إلا أن يعفوَ الله – أن يكون قد بَاءَ بِسَخَطٍ من الله. قلت: هذا الذي نقلناه عن الشافعي، رحمه الله، في الإيمان: إنما هو في كماله، فأما قدر ما يأتي به الكافر؛ حتى يُحْكَمَ له بحكم الإيمان، فقد أخبرنا أبو سعيد ابن أبي عمرو [رحمة الله عليه] قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أخبرنا الربيع، قال: أنبأنا الشافعي في مسأَلة إعْتاقِ الرقبة المؤمنة في الكفارة، قال (¬1): إذا وصَفَت – يعني الرقبة – الإسلامَ فأعتقها بكمالها (¬2) – أَجْزَأَتْ عنه. قال: ووصفها الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتَبْرَأَ مما خالف الإسلام من دِين، فإذا فَعَلَتْ فهذا كمالُ وصْفِ الإسلام. قال: وأَحبُّ إليّ لو امتحنها بالإقرار بالبعث بعد الموت وما أشبهه. وذكر حديث معاوية بن الحَكَم: أنه قال لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الجارية التي لطم وجهها: عَلَيَّ رقبة، أفأَعتقها؟ فقال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ قالت: في السماء. فقال: من أنا؟ فقالت: أنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قال: فأعتقها. زاد فيه غير الشافعي: «أعتقها؛ ¬

_ (¬1) في الأم 5/ 266 – 267. (¬2) سقطت من ا.

فإنها مؤمنة (¬1)». وذكر في رواية الزّعفراني عنه في «الكتاب القديم»: حديث عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة مرْسَلاً: أنّ رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بجارية له سوداء، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم. قال: أتشهدين أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. قال: أتوقنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أعتقها (¬2). قال الزعفراني: قال أبو عبد الله الشافعي: وفي هذا الحديث، والذي قبله الدلالة على أن وَصْفَ الإسلام إسلامٌ يوجب لصاحبه اسم الإسلام، والإسلام: الإيمان. ¬

_ (¬1) راجع الحديث في الموطأ 2/ 776 – 777، والأم 5/ 266، وصحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته: 1/ 382، والتوحيد وصفات الرب لابن خزيمة ص 80، 81، والعلو للذهبي ص 92، والسنن الكبرى للبيهقي 7/ 388، وأسد الغابة 4/ 52، وسنن أبي داود: كتاب الصلاة: باب تشميت العاطس في الصلاة 1/ 336 – 338. وقد وهم مالك، فروى الحديث عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن عمر بن الحكم، وجاءت الرواية هكذا في الأم، وهذا مما استدركه العلماء، كعلي بن المديني، والبخاري، وغيرهما على مالك. وذكروا أن الصواب معاوية بن الحكم. (¬2) راجع الموطأ 2/ 777، والسنن الكبرى 7/ 388، والتوحيد وصفات الرب ص 82، والعلو للذهبي ص 92 – 93 وتفسير ابن كثير 2/ 534 – 535 وذكر فيه أن إسناده صحيح، وأن جهالة الصحابي لا تضره.

قلت: وفي هذا إشارة من الشافعي، إلى أن الإيمان والإسلام اسمان (¬1) لمسمى واحد، إذا كانا حقيقة، أو كانا باللسان دون العقيدة في حقن الدم، وإنما يفترقان إذا كان أحدهما حقيقة، والآخر بمعنى الاستسلام خوفاً من السيف. قال الشافعي – في رواية الربيع: أخبر الله تعالى عن قوم من الأعراب، فقال: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (¬2)} فأَعْلَمُه أنّه لم يدخل الإيمان قلوبهم، وأنهم أظهروه وحَقَن به دماءهم. قال الشافعي: قال «مجاهد» في قوله: {أَسْلَمْنَا} قال: استسلمنا مخافة القتل والسَّبْي. قلت: وأما حديث «معاوية بن الحكم» فقد خالفه «عبيد الله» في لفظ الحديث، وهو، وإن كان مُرْسَلا، فرواته أفقه. ووافقه «الشريد بن سويد الثقفي» مرسلا (¬3). وروى عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه، واختلف عليه في إسناده، ¬

_ (¬1) في ح: «اسم». (¬2) سورة الحجرات: 14. (¬3) في السنن الكبرى 7/ 388 – 389 عن الشريد بن سويد الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله، إن أمي أوصت إلي أن أعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية سوداء، نوبية، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ادع بها، فقال: من ربك؟ قالت: الله. قال: فمن أنا؟ قالت: رسول الله. قال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة.

ومتنه (¬1)، وهو إن صح فكأن النبي، صلى الله عليه وسلم، خاطبها على قدر معرفتها؛ فإنها وأمثالها قبل الإسلام (¬2) كانوا يعتقدون في الأوثان أنها آلهة في الأرض، فأراد أن (¬3) يعرف إيمانها، فقال لها: أين الله؟ حتى إذا أشارت إلى الأصنام – عرف أنها غير مؤمنة، فلما قالت: في السماء، عرف أنها برئت من الأوثان، وأنها مؤمنة بالله الذي في السماء إله وفي الأرض إله، أو أشار، وأشارت، إلى ظاهر ما ورد به الكتاب. ثم معنى قوله في الكتاب: {مَنْ فِي السَّمَاءِ} (¬4): «مَن فوق السماء» على العرش [كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (¬5)} وكل ما علا فهو سماء، ¬

_ (¬1) حديث عون بن عبد الله عن عبد الله بن عتبة رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/ 388 من حديث أبي هريرة: أن رجلا أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، بجارية سوداء، فقال: يا رسول الله، إن علي عتق رقبة مؤمنة. فقال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء بإصبعها، فقال لها: فمن أنا؟ فأشارت إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وإلى السماء. تعني: أنت رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتقها؛ فإنها مؤمنة. ورواه من حديث عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن جده، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقالت: يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة أفتجزئ عني هذه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ربك؟ قالت: الله ربي. قال: فما دينك؟ قالت: الإسلام. قال: فمن أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أفتصلين الخمس وتقرين بما جئت به من عند الله؟ قالت: نعم، فضرب صلى الله عليه وسلم على صدرها، وقال: أعتقها. وانظر أيضاً التوحيد لابن خزيمة ص 81، 82؛ وطريق أبي هريرة أخرجه أحمد في المسند 15/ 31 – 32 (المعارف) والهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 23 – 24 وذكر أن رجاله موثقون. (¬2) في ا: «قبل الاستسلام». (¬3) ليست في ا. (¬4) سورة الملك: 16. (¬5) سورة طه: 5.

والعرش أعلى (¬1)] السموات، فهو على العرش (¬2) كما أخبر بلا كيف، بائِنُ من خلقه، غير مُمَاسّ من خلقه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬3). ¬

_ (¬1) ما بين القوسين سقط من ا. (¬2) في ا: «على العرش على السموات فهو على العرش. .» وفي هـ: «على العرش أعلى السموات فهو على العرش» وفي كلتيهما خطأ ظاهر. وراجع الخبر في الاعتقاد للبيهقي ص 42. (¬3) سورة الشورى: 11.

31 - باب: ما يؤثر عنه، رحمه الله، في دلائل التوحيد

باب ما يؤثر عنه، رحمه الله، في دلائل التوحيد * * * قرأت في كتاب أبي نعيم الأَصبِهاني سماعَه من محمد بن إبراهيم بن أحمد، قال: حدثنا زاهر بن محمد بن الفيض: أبو الصقر الحِمْيري (¬1) الشّيزري، بها، إملاءً، من أصله، قال: حدثنا منصور بن عبد العزيز الثعلبي - بمصر - قال: حدثنا محمد ابن إسماعيل بن الحبَّال الحِمْيَري، عن أبيه، قال: كان محمد بن إدريس الشافعي رجلا شريفاً. فذكر الحكاية في ابتداء تعلّمه، ورحلته إلى مالك بن أنس، ثم خروجه إلى اليمن، ثم حمله إلى العراق، ثم رجوعه، ثم حمله إلى العراق مرة أخرى، مقيداً، واجتماعه مع محمد بن الحسن، وبِشر المريسي، في مجلس هارون الرشيد. قال: فقال له بشر: أخبرني ما الدليل على أن الله تعالى واحد؟ فقال الشافعي: يا بشر، ما تردك من لسان الخواص فأكلمك على لسانهم، إلا أنه لا بدّ لي من أن أجيبك على مقدارك من حيث أنت الدليل عليه به، ومنه وإليه، واختلاف الأصوات من المصوّت إذا كان المحرّك واحداً: دليل على أنه واحد، وعدم الضد في الكلام (¬2) على الدوام: دليل على أن الله واحد، ¬

_ (¬1) في ح، هـ: «أبو الصقر بن محمد الشيرزي». (¬2) في ا: «الكمال».

وأربع نيرات (¬1) مختلفات، في جسد واحد، متفقات الدوام (¬2) على تركيبه (¬3) في استقامة الشكل: دليل على أن الله واحد. وأربع طبائع مختلفات في الخافقين، أضداد غير أشكال، مؤلفات على إصلاح الأحوال: دليلٌ على أن الله واحد: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (¬4)} كل ذلك: دليل على أن الله واحد لا شريك له. فقال له بشر: وما الدليل على أن محمداً رسول الله؟ قَال: القرآن المنزل، وإجماع المسلمين عليه، والآيات التي لا تليق بأحد غيره – يعني المعجزات التي ظهرت عليه دون غيره – وتقرير المعلوم (¬5) في كون الإيمان بدليل واضح: دليل على أنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا بعده مُرْسَلٌ نُقِرُّ له. ¬

_ (¬1) وتفسيره: أن في للبدن نيراناً أربعة: «أحدها»: نار الشهوة، وهي الحرارة التي تثور في بدن الإنسان عند قضاء شهوة الجماع. «وثانيها»: حرارة الغضب، وهي الحرارة التي تثور عند استيلاء الغضب. «وثالثها»: الحرارة القائمة بأعضاء الغذاء، وهي الحرارة المؤثرة في هضم الأغذية. «ورابعها»: الحرارة الغويزية المتولدة في قلب الحيوان، وهي الحرارة التي بها يتم أمر الحياة، فهذه الأنواع الأربعة من الحرارة نيران مختلفة بالماهية، ثم إنها اجتمعت في بدن الإنسان، وبقى كل واحد منها على صفتها المخصوصة، وطبيعتها المخصوصة، وهي كامنة في بدن الإنسان، لا تظهر إلا عند وقت الحاجة إليها، ثم إنها، مع اختلافها وتباينها، متوافقة متعاونة، على تحصيل مصلحة الإنسان، وموجبة لاستقامة ذلك الجسد. (¬2) ليست في ح ولا في هـ. (¬3) في ح: «رتبته». (¬4) سورة البقرة: 164. (¬5) في ح: «تقدير المعلوم» وفي هـ: «وتقرير العلوم».

وذِكر باقي الحكاية وفيها: فقال له بشر: ادعيت الإجماع، فهل تعرف شيئاً أجمع الناس عليه؟ قال: نعم أجمعوا على أن هذا الحاضر أمير المؤمنين، فمن خالفه قتل. فضحك الرشيد وأمر بأخذ القيد عن رجله وخلع عليه وأمر له بخمسين ألف درهم (¬1). وقد أخبرني به الثقة من أصحابنا أن أبا نعيم أنبأه إجازة. فذكره. * * * وقال الشافعي في تحميد ربه عز وجل: قال الله تبارك وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (¬2)}. قال الشافعي: والحمد لله الذي لا يؤدَّى شكرُ نعمة من نعمه إلا بنعمة منه توجب على مُؤَدِّى ماضي (¬3) نِعَمِه بأدائها: نِعْمةً حادثةً يجب عليه شكرُه بها (¬4)، ولا يبلغ الواصفون كُنْهَ عظمته الذي هو كما وصف نفسه، وفوق ما يصفه به (¬5) خلقه وأحمد حمداً كما ينبغي لِكَرم وجهه وعِزِّ جلاله. ولأستعينه استعانةَ مَنْ لا حول له ولا قوة إلا به. وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه. وأستغفره لما أزلفت وأخرت استغفارَ من يُقرُّ بعبوديته، ويعلم أنه لا يغفر ذنبه ولا ينجيه منه إلا هو. ¬

_ (¬1) راجع القصة في الحلية 9/ 80 – 84. (¬2) سورة الأنعام: 1. (¬3) في ا: «ما مضى». وما أثبتناه موافق لما في الرسالة ص 8. (¬4) من الرسالة. (¬5) سقطت من ا. [م – 26] مناقب

وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. ثم ساق الكلام إلى آخره (¬1). وهو فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيعُ بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي. فذكره. وقال في كتاب «الرسالة القديمة»: وأنا أسأل اللهَ المبتدئَ لنا بنعمه قبل استحقاقها، المُديمَها (¬2) علينا بإفضاله مع تقصيرِنَا، الْجَاعِلَنا في خير أمة أُخْرجت للناس: أمة خيرِ خَلْقه: محمدٍ عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم – أن يأخذ بأسماعنا وقلوبنا وألسنتنا إلى طاعته، وأن يَمْلِك لنا أنفُسَنا وألسنتنا وجميعَ جوارحنا عما يُخالف طاعته وأن لا يكلنا إلى أنفسنا؛ فإنه إن وَكَلَنا إليها وكَلَنا إلى غير كافٍ، وأن يُحْضِرنا العصمةَ والتوفيق، ويُنْطق ألسنتنا بالحق الذي لا تَخْلِطُه الشُّبَه ولا تَمِيلُ به الأهْواء ولا تَخُونه (¬3) الغَفَلات. وله دعوات حسان قد نَقلْت أكثرَها إلى كتاب الصلاة والحج من كتاب «المعرفة». وبالله التوفيق والعصمة. ¬

_ (¬1) الرسالة ص 8 وما بعدها. (¬2) في ا: «المديمة». (¬3) في ا: «تحويه».

32 - باب: ما يؤثر عن الشافعي، رحمه الله، في أسماء الله، وصفات ذاته، وأن القرآن كلام الله وكلامه من صفات ذاته

باب ما يؤثر عن الشافعي، رحمه الله، في أسماء الله، وصفات ذاته وأن القرآن كلام الله، وكلامه من صفات ذاته * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد: محمد بن موسى بن الفضل؛ قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي، قال: مَنْ حلف بالله أو باسم من أسماء الله فحنَث، فعليه الكفارة. ومَن حلف بشيء غيرِ الله مثل أن يقول الرجل: والكعبةِ، وأبي، وكذا وكذا ما كان، فحنث فلا كفارة عليه. ومثل ذلك قوله: لَعمْري. لا كفارة عليه، وكلُّ يمين بغير الله فهي مكروهة منهيٌّ عنها من قِبَل قولِ رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل ينهاكم أن تَحْلِفُوا بآبائكم، فَمَن كان حالفاً فَلْيحلِفْ بالله أو لِيَسْكت (¬1)». ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ: كتاب النذور والأيمان: باب جامع الأيمان 2/ 480 والبخاري في كتاب الأيمان والنذور: باب لا تحلفوا بآبائكم 11/ 461 - 462. ومسلم في كتاب الأيمان: باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى 3/ 1266. وأبو داود في السنن: كتاب الأيمان والنذور: باب كراهية الحلف بالآباء 3/ 303. والترمذي في جامعه: أبواب النذور والأيمان. باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله 2/ 289 كلهم من حديث عمر. وروى عن غير عمر بنحوه.

فجعل اليمين باسم من أسماء الله كاليمين بالله، ثم قال: ومن حلف بشيء غير الله فلا كفارة عليه، فبيّن بذلك أنه لا يقال في أسماء الله وصفاته: إنها أغيار، وإنما يقال: أغيارٌ، لما يكون مخلوقاً. قال الشافعي: في روايتنا عن أبي سعيد وحده: فإن (¬1) قال: وحقِّ الله وعظمةِ الله وجلالِ الله وقدرةِ الله، يريد بهذا كله اليمين أو لا نِيّة له – فَهي يمين. وإن لم يرد به اليمين فليس بيمين؛ لأنه يحتمل أن يكون: وحق الله واجب على كل مسلم، وقدرة الله ماضية عليه لا أنه يَمين. وإنما يكون يَميناً بأن لا ينوىَ شيئاً، أو بأن ينوى يميناً. فجعل الشافعي بعض هذه الألفاظ للذات، وبعضَها لصفة الذات، حتى جعل الحلف بها يميناً عند إرادة اليمين بها وعند الإطلاق. وهو صحيح؛ لأن الحق هو المتحقق وجوده، والعظمة والجلال يَرْجع معناها إلى استحقاق الذات إعظامَه وإجلالَه، والقدرةُ من صفات الذات. فإن أراد بالحق: الحقوق التي هي واجبةٌ لله على كل مسلم فهي أغْيار، وهي العبادات التي أمره بها، واجتناب الفَواحش التي نهى عنها، وهي مِن اكتساب العباد، وهي مخلوقة. ¬

_ (¬1) في ا: «فإذا».

وإن (¬1) أراد بالقدرة أيضاً ما (¬2) قدّره على عباده بقدرته فذلك خلقُه وهو غيرٌ. وإن (¬3) أراد بالعظمة والجلال ما في ملكوت السموات والأرض مِن آياته فهو مخلوق، فالحِلفُ بذلك يكون حَلِفاً بغير الله، فلا يكون يميناً. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السُّلَمي، قال: سمعت أبا الوليد: حسان بن محمد الفقيه يقول: سمعت مكي بن عبدان يقول: سمعت جعفر بن محمد ابن موسى يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: مَنْ حلف باسم من أسماء الله فعليه الكفارة؛ لأن أسماءه غير مخلوقة. ومَن حلف بالبيت والكعبة فلا كفارة عليه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق إجازة قال: حدثنا سعيد بن أحمد بن زكريا اللخمي قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول: إذا سمعتَ الرجل يقول: الاسم غير المسمى – فاشهد عليه بالزَّنْدقة. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال: قال الشافعي: وإن قال: لعمر الله، فإن أراد اليمين فهي يمين، وإن لم ¬

_ (¬1) في ح: «أو أراد». (¬2) ليست في ا. (¬3) في ح: «أو. . .».

يُرد اليمين فليست بيمين؛ لأنها تحتمل غير اليمين؛ لأن قوله: لعمري إنما هي لحقي. (¬1) قال: وإذا قال: عليَّ عهدُ الله وميثاقه وكفالته ثم حنث - فليست بيمين إلا أن ينوي بها يميناً. وكذلك ليست بيمين لو تكلم بها وهُوَ لا ينوي شيئاً من قِبَل أن لِله عليه عهداً أن يؤدي فرائضه، وكذلك لله عليه ميثاق بذلك، وأمانة بذلك، وكذلك الذّمة، والكفالة. (1) قلت: قوله: لعمر: الله يحتمل وحياة الله فيكون حَلِفاً بصفة الحياة، وهي من صفات الذات فتكون يميناً، فإن لم يُرِد يمينا فتحتمل وحقّ الله على عباده، من العبادات واجتناب المحرمات؛ فتكون أغياراً؛ فلا يكون يمينا. وقوله: على عهد الله، وميثاقه، وكفالته: يحتمل استحقاقَ الله ما تعبَّدَنا به، ويحتمل أمرَ الله الذي هو قولُه وكلامه، فيكون من صفات ذاته، فيكون يمينا. فإن لم يُرد يمينا فيحتمل ما ذكره الشافعي من الواجبات التي هي عليه (¬2)؛ فتكون أغيارا، ولا تكون يمينا. وفيما حكى المُزَنى عن الشافعي أنه قال: قوله عز وجل: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ (¬3)} وعِلم الله كان، قبل اتباعهم وبعده، سواء. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني عبد الله بن محمد الفقيه، قال: أخبرنا أبو جعفر الأصبهاني، قال: أخبرنا أبو يحيى الساجي، إجازة، قال: سمعت ¬

_ (¬1) الأم 7/ 56 (¬2) في ا: «من التي عليه». (¬3) سورة البقرة: 143.

أبا شعيب (¬1) المصري يقول: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: القرآن - كلام الله تعالى - غير مخلوق. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت عبد الله بن محمد بن علي بن زياد يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت الربيع يقول: لما كلّم الشافعي رحمه الله حفص الفرد، فقال حفص: القرآن مخلوق. قال الشافعي: كفرتَ بالله العظيم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم المؤذِّن، عن عبد الواحد بن محمد الأرغياني. عن أبي محمد الزبيري، قال: قال رجل للشافعي: أخبرني عن القرآن، خالق هو؟ قال الشافعي: اللهم لا. قال: فمخلوق؟ قال الشافعي: اللهم لا. قال: فغير مخلوق؟ قال الشافعي: اللهم نعم. قال: فما الدليل على أنه غير مخلوق؟ فرفع الشافعي رأسه وقال: تقرّ بأن القرآن كلام الله؟ قال: نعم. قال الشافعي: سبقْت في هذه الكلمة؛ قال الله تعالى ذِكره: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ (¬2)} وقال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (¬3)}. ¬

_ (¬1) في ا: «شعيب». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «أبا سعيد»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 468 إلى: «أبا شعيب المصري» كما في ا] (¬2) سورة التوبة: 6. (¬3) سورة النساء: 164.

قال الشافعي: فَتُقِرُّ بأن الله كان وكان كلامه، أو كان الله ولم يكن كلامه؟ فقال الرجل: بل كان الله، وكان كلامه. قال: فتبسّم الشافعي وقال: يا كوفيون، إنكم لتأتوني بعظيم من القول. إذا كنتم تُقِرُّون بأن الله كان قبل القَبْل، وكان كلامه فمن أين لكم الكلام: إن الكلام الله، أو سوى الله، أو غير الله. أو دون الله؟ قال: فسكت الرجل وخرج. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال: قال الشافعي - يعني في مسألة ذكرها فيمن حلف لا يكلِّم رجلا فأرسل إليه رسولا -: من قال: يخنّث ذهب إلى أن الله تعالى قال: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ (¬1)} وقال إن الله تعالى يقول للمؤمنين في المنافقين: {قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ (¬2)} وإنما نبّأهم من أخبارهم بالوحي الذي ينزل به جبريل عليه السلام، على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخبرهم النبي، صلى الله عليه وسلم، بوحي الله. ومن قال: لا يحنَث قال: إن كلام الآدميين لا يشبه كلامَ الله عز وجل: ¬

_ (¬1) سورة الشورى: 51. (¬2) سورة التوبة: 94.

كلامُ الآدميين بالمواجهة. ألا ترى أنه لو هَجَر رجل رجلا كانت الهجرة محرَّمةً عليه فوق ثلاث ليال، وكتب إليه أو أرسل إليه، وهو يقدر على كلامه - لم يخرجه هذا من هجرته التي يأثم بها (¬1)؟ فسمى الشافعي، رحمه الله، على القولين جميعاً، إخبارَ الله عز وجل بالوحي الذي نزل به جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر به النبي، صلى الله عليه وسلم بوحي من الله - تكليمَ الله عباده المؤمنين، فالمؤمن يسمع كلامَ الله عز وجل من صاحب الرسالة، ويحفظه ويتلوه ويكتبه، ويكون المسموع والمحفوظ والمتلو والمكتوب - كلامَ الله عز وجل. أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي، قال: حدثنا الحسن بن رشيق المصري، إجازة، قال: حدثنا محمد بن سفيان بن سعيد الخياط، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الأصبهاني بمكة، قال: سمعت الجارودي يقول: ذكر الشافعي إبراهيم بن إسماعيل ابن علَية، فقال: أنا مُخالف له في كل شيء (¬2)، وفي قوله: لا إله إلا الله، لست أقول كما يقول: أنا أقول: لا إله إلا الله الذي كلّم موسى مِن وراء حجاب، وذاك يقول: الذي خلق كلاماً أسمَعَه موسى من وراء حجاب. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة. وأخبرنا أبو عبد الرحمن، قال: أنبأنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثنا الحسن ابن رشيق، قال: حدثنا علي بن السّري بن الصقر (¬3)، قال: حدثنا حبيش (¬4) ¬

_ (¬1) في ح: «به». (¬2) ليست في ا. (¬3) في ح: «المظفر». (¬4) في ح: «حلبس».

ابن موسى، قال: حدثنا الحسن بن عثمان، قال: حدثنا إبراهيم بن الوليد، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: سمعت الشافعي يقول: رأيت سفيان بن عيينة - قائما على باب كُتَّاب - فقلت: يا أبا محمد، ما تعمل هاهنا؟ قال لي: إليك عنّي ويحَك، فإني أحب أن أسمع كلامَ ربّي مِن هذا الغلام. قرأت في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحُسَين العاصمي، قال: قرأت على محمد بن يحيى: خادم المُزَني بالفسطاط، أن أبا زيد: عبد الرحمن ابن محمد بن طريف حدّثه قال: حدثنا أبو حاتم يحيى بن زكريا الأموي، قال: حدثنا محمد بن إدريس - يعني الشافعي، قال: حدثني بعض أصحابنا قال: اختصم رجلان: مسلم ويهودي إلى عيسى بن أبان، وكان قاضي البصرة - وكان يرى رأيَ القوم - فصارت اليمين على المسلم، فقال له اليهودي: حَلِّفه، فقال: أحلف بالله الذي لا إله إلا هو. قال اليهودي للقاضي: إنك تزعم أن القرآن مخلوق، والله الذي لا إله إلا هو في القرآن، فحلِّفه لي بالخالق لا بالمخلوق. فتحير عيسى عند ذلك وقال: قُوما حتى انظر في أمركما. ومما أنبأني أبو عبد الله الحافظ رحمه الله في «كتاب المناسك للشافعي» قال: حدثنا أبو العباس - هو الأصم - قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال:

قال الشافعي رحمه الله: «أستحب القراءة في الطواف، والقراءة أفضل ما تكلّم به المرء». قلت: فجعل الشافعي القراءةَ مِن كَسْب القارئ حين أضافها إلى تكلُّمه بها. وفيه ثم فيما مضى من قوله: القرآن كلام الله - دلالةٌ على أنه كان يُفَرّق بين القراءة والمقروء، فيجعل القراءة من كسب القارئ، ويعتقد في المقروء (¬1) أنه كلامُ الله، تعالى، غيرَ مخلوق. ¬

_ (¬1) في ح: «المعنى».

33 - باب: ما يؤثر عنه في إثبات المشيئة لله عز وجل وهي من صفات الذات، وفي إثبات القدر وخلق الأفعال، وعذاب القبر

باب ما يؤثر عنه في إثبات المشيئة لله عز وجل وهي من صفات الذات، وفي إثبات القدر وخلق الأفعال وعذاب القبر * * * أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا الشافعي - يعني في «كتاب صلاة الجمعة» - قال: قال الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (¬1)} فأعلم الله خلقه أنّ المشيئة له دون خلقه، وأنّ مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء الله، والمشيئة إرادة الله عز وجل. أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا الزبير ابن عبد الواحد، قال: حدثني حمزة بن علي العطار، قال: حدثنا الربيع، قال: سئل الشافعي عن القدر، فقال: وما (¬*) شئتَ كان وإن لم أشأ ... وما شئتُ إن لم تشأْ لم يكن ¬

_ (¬1) سورة الإنسان: 30. (¬*) أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «ما» دون الواو، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 468 إلى: «وما» كما في معرفة السنن والآثار 1/ 113.

خلقتَ العباد على ما علمتَ ... ففي العلم يَمْضي (¬1) الفتى والمُسِن على ذا مَنَنْتَ وهذا خذلْتَ ... وهذا أعنتَ وذا لم تُعن فمنهم شقيٌّ ومنهم سعيدٌ ... ومنهم قَبيحٌ ومنهم حَسَن أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا محمد بن علي بن طلحة، قال: حدثنا أحمد بن علي الأصبِهاني قال: حدثنا الساجي قال: حدثنا أحمد بن عبد الله، عن الربيع بن سليمان، عن الشافعي: أنه كان يكره الصلاة خلف القَدَري. وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي أن جعفر بن أحمد حدّثه، قال: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: القدرية: الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم مجوسُ هذه الأمة (¬2)» الذين يقولون: إن الله لا يَعلم المعاصيَ حتى تكون. كذا وجدتُه في كتابه. ¬

_ (¬1) في ح: «يجري». (¬2) أخرجه أحمد في المسند 8/ 4 - 6 من حديث ابن عمر بلفظ: «لكل أمة مجوس، ومجوس أمتي الذين يقولون: لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم». لكن إسناده ضعيف لانقطاعه. وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 85، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم ابن عمر. وأقره الذهبي على هذا. وأخرجه أبو داود في كتاب السنة: باب القدر 4/ 307 وذكر صاحب عون المعبود في تعليقه على الحديث 4/ 357، 358 - قول المنذري: هذا منقطع؛ أبو حازم - لم يسمع من ابن عمر. وقد روى هذا الحديث من طريق ابن عمر، ليس منها شيء =

وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي سماعه من أبي بكر: محمد بن يحيى ابن آدم خادم المزني، قال: سمعت المزني يقول: قال لي الشافعي: تدري مَن القدري؟ القدري (¬1) الذي يقول: إن الله عز وجل لم يخلق الشر حتى عُمِل به. وفي هذا دليل على أنه كان يرى الشر خلقاً من خلق الله عز وجل وكسباً من كسب مَنْ عمل به. وكان يرى الاستطاعة مع العمل؛ فقد قال في أول «كتاب الرسالة»: «الحمد لله الذي لا يُؤدَّى شكرُ نعمة [(2 من نعمِه إلا بنعمة منه توجب على مؤدِّي ماضي ¬2)] نعمه بأدائها نِعمةً حادثة يَجِبُ عليه شكرُه بها». وقال بعد ذلك: «وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه». وهو فيما أخبرنا (¬3) أبو عبد الله عن أبي العباس، عن الربيع عن الشافعي. وإنما أراد بالنعمة الحادثة: توفيق الله عز وجل عبده لشكره (¬4) على ماضي. ¬

_ = يثبت. وقال السيوطي في مرقاة الصعود: هذا أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني لى المصابيح، وزعم أنه موضوع. ثم أورد قول ابن حجر (في رد قول من زعم أنه موضوع، وفي رد القول الانقطاع) بأن أبا حازم كان معاصراً لابن عمر ولا يلزم من عدم سماعه من ابن عمر أن لا يكون الحديث صحيحا؛ فإن «مسلماً» كان يكتفي في الاتصال بالمعاصرة وعلى هذا فيكون الحديث على شرط «مسلم». (¬1) ليست في ا. (¬2) ما بين الرقمين ليس في ح. (¬3) في ا: «أخبرناه». (¬4) في ا: «بتوفيق الله. . . لشكره. . .». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «ليشكره»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 468 إلى: «لشكره» كما في ا]

نعمه، وأراد بهداه الذي لا يضل مَنْ أنعم به عليه: تخصيصَه مَن أسعده بإعانته على اكتساب الخير. وقال في كتاب آخر: «فهدى بكتابه ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، مَن أنعم عليه. يعني مَن أنعم عليه بالسعادة والتوفيق للطاعة دون من حرمها، فبيّن بهذا أن الدعوة عامة، والهداية - التي هي التوفيق للطاعة والعصمة عن المعصية - خاصة، كما قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (¬1)}. وقرأت في كتاب أبي منصور الحمشاذي فيما سمع - يعني: أبا الحسن محمد ابن إسحاق يقول: سمعت أبا موسى - يعني عمران بن موسى للُجَاشعي - يقول: قال أبو نعيم: حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: إن مشيئة العِباد هي إلى الله تعالى ولا يشاءون إلا أن يشاء الله ربُّ العالمين؛ فإنّ الناس لم يخلقوا أعمالهم، وهي خلق من خلق (¬2) الله تعالى أفعالَ العباد، وإن القدر خيرَه وشرَّه من الله عز وجل، وإن عذاب القبر حق، ومساءلة أهل القبور حق، والبعث حق (¬3)، والحساب حق (¬4)، والجنة والنار، وغير ذلك مما جاءت به السنن فظهرت على ألسنة العلماء وأتباعهم من بلاد المسلمين - حق. ¬

_ (¬1) سورة يونس: 25 (¬2) ليست في ا. (¬3) ليست في ا. (¬4) ليست في ا.

قلت: وفي دعاء الشافعي رحمه الله في الصلاة على الجنازة دلالة على مذهبه في فتنة القبر وعذابه؛ فإنه قال «في كتاب الجنائز» في دعائه للميت: وقِهِ عذابَ القبر وكلّ هول دون القيامة. وقال في موضع آخر: وقه فتنة القبر وعذابه [(1 وأفسح له في قبره ¬1)]. قرأت في كتاب أبي نعيم الأصبهاني، وأخبرني به الثقة عنه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد، قال: حدثنا أبو علي: محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري، بدمشق، قال: حدثنا: محمد بن هارون بن حسان، قال: حدثنا أحمد ابن يحيى بن الوزير، قال: حدثنا أبو عبد الله: محمد بن إدريس الشافعي عن يحيى بن سليم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، عن علي ابن أبي طالب: أنه خطب الناس يوماً، فقال في خطبته: وأعجب ما في الإنسان قلبه: فيه مواد من الحكمة وأضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أولهه الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن أسعد بالرضا نَسِي التحفُّظ، وإن ناله الخوف شَغَله الحزن، وإن أصابته مصيبة قَصَمه الجزع، وإن أفاد مالاً أطغاه الغِنى، وإن عضّته فاقة شغله البلاء، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف. فكل نقص (¬2) به مُضِرّ، وكل إفراط له مُفسد. قال: فقام إليه رجل ممن كان شهد معه الجمل، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر؟ فقال: بحر عميق فلا تلجه. فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر؟ ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في ا. (¬2) في ح: «تقصير».

فقال: بيت مظلم فلا تدخله. قال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر؟ قال: سرُّ الله لا تبحث عنه. قال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر؟ قال: أما إذا أبيت فإنه أمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض، فقال: يا أمير المؤمنين إن فلاناً يقول بالاستطاعة وهو حاضرك فقال: عليّ به فأقاموه فلما رآه سلّ من سيفه قدر أربع أصابع فقال: الاستطاعة تملكها مع الله أو من دون الله؟ وإياك أن تقول أحدهما فترتد فأضرب عنقك. قال: فما أقول يا أمير المؤمنين؟ قال: قل أملكها بالله الذي إن شاء مَلَّكَنِيها. وفي إسناد هذا إلى ابن الوزير نظر. والله أعلم. وللشافعي رحمه الله كلام كثير في مجاري كلامه يوافق ما أمر به أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فيما رُوي عنه في آخر هذا الحديث. من ذلك أني قرأت في «كتاب السنن» الذي رواه عنه حرملة بن يحيى وغيره في مسألة الأذان: قال الشافعي: وقول المؤذن: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح دعاءٌ منه إلى الصلاة ثم دعاء منه يعُلمه فيه أن دعاءه إلى الصلاة دعاء إلى الفلاح، وينبغي لمن دعا إلى الفلاح بالصلاة، وعلِم أنه لا يأتي الفلاح بطاعة الله في الصلاة ولا غيرها إلا بعون الله أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأنه لا حول له يصل إلى طاعة الله إلا بالله عز وجل. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: أنشدني محمد بن حاضر، قال: أنشدني أبو علي الهمداني (¬1) ¬

_ (¬1) في ح: «الهواري». [م - 27] مناقب

قال: أنشدنا أبو يعلى الموصلي قال: أنشدونا للشافعي: قدر الله واقع ... حين يقضى (¬1) ورودُهُ قد مضى فيك حكمه ... وانقضى ما يريدُهُ فأرِدْ ما يكونَ إن ... لم يكن ما تريدُهُ * * * ونقل إلينا من كلامه في الرد على القدرية فصول قد كتبناها في «جزء» من آخر هذا الكتاب. ¬

_ (¬1) في ح: «فيقضى».

34 - باب: ما يؤثر عنه في إثبات الرؤية

باب ما يؤثر عنه في إثبات الرؤية * * * أنبأني أبو القاسم: الحسن بن محمد بن حبيب المُفَسِّر، رحمه الله، إجازة، قال: سمعت أبا علي: الحسن (¬1) بن أحمد الخياط النَّسوِي، بها، يقول: سمعت أبا نعيم: عبد الملك بن محمد بن عدي الجُرْجَاني، يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كنت ذات يوم عند الشافعي، رحمه الله، وجاءه كتاب من الصَّعِيد - وهو اسم موضع - يسألونه عن قول الله جل ذكره: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (¬2)} فكتب فيه: لَمَّا حجب الله قوماً بالسخط دلّ على أن قوماً يرونه بالرّضا [قال الربيع (¬3)]. قلت له: أَوَتَدِينُ بهذا يا سيدي؟ فقال: والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده في الدنيا. ¬

_ (¬1) في ا: «الحسين». (¬2) سورة المطففين: 15. (¬3) من ح.

أخبرنا أبو زكريا (¬1) بن أبي إسحاق، قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد الأَسَدَابَاذِي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن عقيل الفِرْيَابِي، قال: حدثنا المزني، قال: سمعت ابن هرم القرشي، يقول: سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} قال: هذا دليل على أن أولياءه يرونه يوم القيامة. وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السُّلمي، قال: سمعت جعفر بن محمد بن الحارث المراغي، يقول: سمعت الحسين بن محمد بن بحر، يقول: سمعت إسماعيل بن يحيى المزني يقول: سمعت ابن هرم القرشي، يقول: سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} قال: فلما حجبهم في السخط كان هذا دليلا على أنهم يرونه في الرضا. قال: فقال أبو النجم القَزْويني: يا أبا إبراهيم، به تقول؟ قال: نعم، وبه أَدِينُ اللهَ عز وجل. قال: فقام إليه عصام وقبَّل رأسه، وقال: يا سيد الشافعييّن، اليوم بَيَّضت وجوهنا. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا علي بن عمر الدَّارَقُطْنِي ¬

_ (¬1) في ح، هـ: «أبو بكر».

الحافظ، قال: ذكر إسحاق الطحّان المصري، قال: حدثنا سعيد بن أسد، قال: قلت للشافعي: ما تقول في حديث الرؤية؟ فقال لي: يا بن أسد، إقض عليَّ، حييتُ أو متّ: إن كلّ حديث يصحّ عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإني أقول به وإن لم يبلغني.

35 - باب: ما يؤثر عنه في تفضيل النبي، صلى الله عليه وسلم، على جميع الخلق، وإثبات الشفاعة له

باب ما يؤثر عنه في تفضيل النبي، صلى الله عليه وسلم، على جميع الخلق وإثبات الشفاعة له (¬1) * * * أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد النسائي، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: أخبرنا أبو يحيى السّاجي، فيما أجاز لي مشافهة، قال: سمعت (¬2) الربيع، يقول: قال الشافعي، رحمه الله: محمد رسول الله، خير خلق رب العالمين. واختلف الناس: فطائفة تقول الأنبياء، وطائفة تقول الملائكة. واختلفوا في آدم ومحمد، عليهما السلام: أيهما أفضل؟ واختلفوا في مكة والمدينة: أيهما أفضل؟ قال الشافعي: مكة خير البقاع. وقال في «كتاب الرسالة (¬3)» في ذكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فكان خيرتُه المصطفى لوحيه، المُنْتخَبُ لرسالته، المفضَّلُ على جميع خلقه ¬

_ (¬1) ليست في ح. (¬2) في ا: «مشافهة سمع الربيع». (¬3) الرسالة ص 12.

لفتح (¬1) رحمته، وختم نبوته، وأعلم ما أَرسَل به مرسلا قبله، المرفوع ذكره مع ذكره في الأولى، والشافع المشفّعُ في الأخرى، أفضل خلقه نفساً، وأجمعُهم لكل خلق رضية في دين ودنيا، وخيرهم نسباً وداراً: محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم. ثم ساق الكلام إلى أن قال: أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن «مجاهد» في قوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (¬2)} قال: لا أُذْكَرُ إلا ذُكِرْت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. قال الشافعي (¬3): يعني - والله أعلم - ذكره عند الإيمان بالله والأذان. ويحتمل ذكره عند تلاوة القرآن، وعند العمل بالطاعة والوقوف عن المعصية، فصلّى الله على نبينا كلّما ذكرهُ الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون. وصلى الله عليه في الأوَّلين والآخرين، أفضل وأكثر وأزكى ما صلَّى على أحدٍ من خلقه، وزكَّانا وإيّاكم بالصّلاة عليه أفضل ما زكّى أحداً من أمته بصلاته عليه. والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. وجزاه الله عنا أفضل ما جزى مُرْسلاً عمّن أرسل إليه؛ فإنه أنقذنا به من الهلَكة وجعلنا في خير أمة أُخرجت للناس، دائنين بدينه الذي ارتضى واصطفى به ملائكته ومن أنعم عليه من خلقه، فلم تمس بنا نِعْمَةٌ ظهرت ولا بَطَنت نِلْنا بها حظاً في دين ودنيا، ودفع بها عنا مكروه فيهما أو في واحد منهما - إلا ومحمد صلى الله عليه وسلم سَبَبُها، القائد إلى خيرها، الهادي إلى رشدها، الذائد عن الهلكة وموارد السوء في خلاف ¬

_ (¬1) في ا: «يفتح». (¬2) سورة الانشراح: 4. (¬3) الرسالة ص 16.

الرشد، المنبه للأسباب التي تورد الهلَكة، القائم بالنصيحة في الإرشاد والإنذار فيها. فصلّى الله على محمد وعلى آل محمد، كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّه حميد مجيد. وهذا كله فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس، قال: أخبرنا الربيع عن الشافعي. فذكره. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي، رحمه الله، قال: قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ (¬1)} ثم أنزل الله عز وجل على نبيه، صلى الله عليه وسلم، أن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر - يعني قول الله عز وجل: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (¬2)} يعني - والله أعلم - ما تقدم من ذنبه قبل الوحي، وما تأخر: أن يعصمه فلا يذنب، فعلم ما يفعل به من رضاه عنه، وأنه أول شافع، وأول مشَفَّع يوم القيامة، وسيد الخلائق. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة. قال: ذكر زكريا السّاجي قال: إن الحسين بن علي - يعني الكرابيسي، قال: ¬

_ (¬1) سورة الأحقاف: 9. (¬2) سورة الفتح: 1،2.

سمعت (¬1) الشافعي يقول: يكره للرجل أن يقول: قال (¬2) الرسول، ولكن يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تعظيما له. وذكر الشافعي رحمه الله في «كتاب إحياء الموات (¬3)» في حِمَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمى غيره، فصلا، فقال: ورسوله إن شاء الله إنما كان يحمي لصلاح عامة المسلمين لا لما يحمي له غيره من خاصّة نفسه، وذلك أنه، صلى الله عليه وسلم، لم يملك مالاً إلا مالا غنى به (¬4) وبعياله عنه ومصلحتهم حتى صير ما مَلَّكَه الله من خمس الخمس مَرْدُوداً في مصلحتهم، وكذلك ماله إذا حَبَسَ قوت سنته مَرْدُوداً في (¬5) مصلحتهم: في الكُرَاع والسلاح عُدّة في سبيل الله، وأن ماله في نفسه كان مفرغاً لطاعة الله. فصلى الله عليه وسلم، وجزاه الله خير ما جزى نبيًّا عن أمته. وهذا فيما أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أخبرنا الربيع، قال: قال الشافعي. فذكره. قال المزني، فيما بلغني عنه عقيب هذا: ما رأيت من العلماء من يوجب للنبي صلى الله عليه وسلم في كتبه ما يوجبه الشافعي؛ لحسن ذكره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ورحمة الله عليه ورضي الله عنه (¬6). وقرأت في «كتاب القديم للشافعي» رحمة الله عليه في فضل ما ذكره، وأن الدعاء يتم بالصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم؛ فيتممه بها: ¬

_ (¬1) في ا: «الساجي، قال: قال الحسين بن علي: أسمعت الشافعي. . .». (¬2) ليست في ا. (¬3) الأم 3/ 270. (¬4) في ا: «إلا ما عنى به». (¬5) في ا: «إلى». (¬6) في ح: «فرحمة الله عليه ورضوانه». [فهرس التصويبات 2/ 468]

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثنا إبراهيم بن رشيق العَسال، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال: حدثنا علي بن محمد بن حيُّون قال: حدثنا عمرو بن سواد السّرحي، قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: ما أعطى الله تعالى نبيا قط شيئاً إلا وقد (¬1) أعطى محمداً، صلى الله عليه وسلم، أكثر. قال عمرو: فقلت له: قد أعطى الله عيسى عليه السلام أكثر منه: أن يحيى الموتى. قال الشافعي: فالجذع الذي كان يخطب إلى جنبه قبل أن يُجْعل له المنبر حين حنَّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ يعني: فهو (¬2) أكثر من ذلك. ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ا: «وهذا».

36 - باب: ما يؤثر عنه في الذنوب التي هي دون الكفر بالله عز وجل

باب ما يؤثر عنه في الذنوب التي هي دون الكفر بالله عز وجل * * * أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى في آخرين، قالوا: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن عبادة بن الصامت، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مجلس فقال: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا. وقرأ عليهم الآية (¬1)، وقال: فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً [(2 فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ¬2)] فستره الله عليه فهو إلى الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عذَّبه (¬3)». ¬

_ (¬1) يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَاتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الممتحنة: 12. (¬2) ما بين الرقمين من ا. (¬3) الحديث من هذا الوجه في ترتيب مسند الشافعي 1/ 15 - 16، وقد رواه البخاري بنحوه من حديث عبادة في كتاب الإيمان 1/ 60 - 61، وفي كتاب المغازى 7/ 243 - 244 وباب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة 7/ 174، وكتاب الحدود: باب الحدود كفارة 12/ 74.

قال الشافعي: لم أسمع في الحدود حديثاً أبين من هذا. وقد روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «وما يُدْريك لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب». وهو يشبه هذا، وهذا أبين منه. قال: وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث معروف عندنا، وهو غير متصل الإسناد فيما أعرفه وهو أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «من أصاب منكم من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله؛ فإنه من يُبْدِ لنا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عليه كتابَ الله عز وجل (¬1)». وروى أن أبا بكر على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمر رجلا أصاب حدًّا بالاستتار، وأن عمر أمره به (¬2). وهذا حديث صحيح عنهما. ونحن نحب لمن أصاب الحد أن يستتر وأن يتقي الله ولا يعود لمعصية الله؛ فإن الله يقبل التوبة عن عباده. وقال الشافعي رحمه الله: من تولى عن الزَّحْف لا مُتَحَرِّفاً لقتالٍ ولا مُتَحَيِّزاً إلى فئة خِفْتُ عليه – إلا أن يعفو الله – أن يكون قد باء بسخط من الله. ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 383 من حديث ابن عمر بلفظ: «اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها فمن ألم فليستتر. . الحديث». وقد ذكر الذهبي أن الحديث صحيح على شرط البخاري ومسلم. (¬2) ذكر هذا الترمذي في كتاب الحدود: باب ما جاء أن الحدود كفارة لأهلها 2/ 271 عقب حديث عبادة بن الصامت.

وقال فيمن نظر إلى فرج حرام لتلذذ أو غير شهادة عامداً: كان حرِجاً إلا أن يعفو الله عز وجل عنه. وقال في وصيته: «وجعل الآخرة دار قرار وجزاء بما عمل في الدنيا من خير أو شر إن لم يُعفه جل ثناؤه». وقال في الفرق بين النكاح الذي تثبت به حرمة المصاهرة وبين الزنا [الذي (¬1)] لا تثبت به تلك الحرمة: «وذلك أن (¬2) الله رضى النكاح وأمر به وندب إليه؛ فلا يجوز أن تكون الحرمة التي أنعم الله بها على من أتى ما دعاه الله إليه كالزاني العاصي لله الذي حدَّه الله وأوجب له النار، إلا أن يعفو عنه. وبسط الكلام فيه. ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ا: «أنه».

37 - باب: ما يؤثر عنه فيما يلحق الميت من فعل غيره

باب ما يؤثر عنه فيما يلحق الميت من فعل (¬1) غيره * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى بن الفضل قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع، قال: حدثنا الشافعي، قال: ويلحق الميت من فعل غيره وعمله ثلاث: حج يؤدى عنه ومال يتصدق به عنه أو يقضى، ودعاء. وإنما قلنا بهذا استدلالاً بالسنة في الحج خاصة والعمرة مثله قياساً. فأما (¬2) المال: فإن الرجل يجب عليه فيما لله الحق من الزكاة وغيرها فيجزيه أن يؤدي غيره بأمره؛ لأنه إنما أريد بالفرض فيه تأديته إلى أهله لا عمل على البدن، وإذا (¬3) عمل بأمري على ما فرض الله في (¬4) مالي، فقد أدى الفرض عني. وأما الدعاء: فإن الله ندب العباد إليه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم به فإذ أجاز أن يدعى للأخ حياً جاز أن يدعى له ميتاً ولحقه إن شاء الله بركة ذلك مع أن الله واسع لأن يوفى الحي أجره ويدخل على الميت منفعته، وكذلك كلما تطوع رجل عن رجل صدقة تطوع. ¬

_ (¬1) في ح: «بفعل». (¬2) في ح: «وأما». (¬3) في ح: «فاذا». (¬4) في ا: «فرض من».

وذكره في «القديم» واحتج بالأخبار التي وردت في الصدقة عن الميت. وذكره في كتاب حرملة أبسط من ذلك، وهو منقول في المبسوط بتمامه. وذكر في دعائه للميت في صلاة الجنازة: وقد جئناك شفعاء له ورجونا له رحمتك وأنت أرأف به، اللهم ارحمه بفضل رحمتك؛ فإنه فقير إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه (¬1). وقال في موضع آخر: وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له (¬2). وفي هذا جواز شفاعة المسلمين بعضهم لبعض كما وردت به الأخبار. ¬

_ (¬1) الأُم باب الصلاة على الجنازة والتكبير فيها، وما يفعل بعد كل تكبيرة 1/ 240 (¬2) الأم في باب التكبير على الجنائز 1/ 251.

38 - باب: ما يؤثر عنه في الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم

باب ما يؤثر عنه في الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت الزبير بن عبد الواحد الحافظ بأسداباد يقول: سمعت أبا الطيب علي بن أحمد بن سليمان الصوري يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول في التفضيل: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا إدريس بن علي بن إسحاق المؤذن قال: سمعت أبا بكر عبد الله بن محمد بن زياد قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول في الخلافة: التفضيل يبدأ بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: حدثنا محمد بن علي بن طلحة المروروذي قال: حدثنا محمد، يعني: ابن خالد قال: حدثنا الساجي قال: حكى الترمذي (¬1) ¬

_ (¬1) في ح: «الزبيدي» وهو تحريف؛ فهو محمد بن أحمد بن نصر الترمذي أبو جعفر وينسب إلى جده أيضاً، من ترمذ، كان فقيهاً فاضلا، سديد السيرة، سكن بغداد =

عن الربيع عن الشافعي أنه قال: أفضل الناس بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضوان الله عليهم. وقرأت هذه الحكاية في كتاب زكريا بن يحيى الساجي فيما حدثه عيسى بن إبراهيم البغدادي، عن محمد بن نصر التِّرمذي، عن الربيع، عن الشافعي مثلها. أخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سمرة البغوي (¬1) قال: حدثنا أبو طلحة: أحمد بن محمد ابن عبد الكريم الفزاري، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: أفضل الناس بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم. أخبرنا الحسين، قال: حدثنا ظفران بن الحسين، قال: حدثنا محمد ابن إبراهيم بن زياد، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي يقول مثل ذلك. ¬

_ = وحدث بها عن يحيى بن بكير المصري، ويوسف بن عدي، وكثير بن يحيى، وإبراهيم ابن المنذر الحزامي، ويعقوب بن حميد بن كلب، روى عنه أحمد بن كامل القاضي وهو من المعمرين. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 1/ 365 - 366، والأنساب 3/ 43. (¬1) في ح: «البغدادي». [م - 28] مناقب

وأخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن فنجويه، قال: حدثنا الفضل بن الفضل الكِنْدي، قال: حدثنا زكريا بن يحيى السَّاجي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا الحسين بن علي، قال: سمعت الشافعي يقول: اضطر الناس بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أبي بكر، فلم يجدوا تحت أَدِيم السماء خيراً من أبي بكر، من أجل ذلك استعملوه على رقاب الناس. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت علي بن أحمد بن إبراهيم الفارسي يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن حفص، قال: سمعت عبيد الله ابن أحمد، بالرَّمْلَة، قال: سمعت داود بن علي الأصبهاني يقول: سمعت أبا ثَوْر يقول: سمعت الشافعي يقول: ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر، وتقديمهما على جميع الصحابة. وإنما اختلف من اختلف منهم في علي وعثمان: منهم من قدَّم عليًّا على عثمان، ومنهم من قدم عثمان على عليّ. ونحن لا نخطئ أحداً من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيما فعلوا. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنبأنا أبو الطيب الفقيه، قال: أخبرنا محمد ابن عبد الرحمن الأصبهاني عن أبي يحيى الساجي، قال: سمعت الحسن بن محمد الزعفراني يقول: سمعت الشافعي يقول: أجمع الناس على خلافة أبي بكر، واستخلف

أبو بكر عمر، ثم جعل عمر الشورى إلى ستة، على أن يُولُّوها واحداً، فولَّوْها عثمان. رضي الله عنهم أجمعين. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي (¬1) رحمه الله «في مسألة الحُجَّة في تثبيت خبر الواحد» ولم تزل كتب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهي. ولم يكن لأحد من ولاته ترك إنفاذ أمره. ثم ساق الكلام إلى أن قال: وهكذا كانت كتب خلفائه من بعده وعمالهم. وما أجمع المسلمون عليه من كون (¬2) الخليفة واحداً، والقاضي واحداً، والأمير واحداً، والإمام واحداً. فاستخلفوا أبا بكر، واستخلف أبا بكر عمر، ثم [أمر (¬3)] عمر أهل الشورى ليختاروا واحداً، فاختاروا عبدُ الرحمن عثمانَ بن عفان. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصمّ، قال أخبرنا الربيع، قال: ¬

_ (¬1) في الرسالة ص 419 – 420. (¬2) في ا: «وما أجمع من المسلمين على أنه يكون» وما أثبتناه عن ح، هو الموافق لما في الرسالة. (¬3) ليست في ا.

قال الشافعي - يعني في خلال مسألة ذكرها -: كان أبو بكر خليفة النبي، صلى الله عليه وسلم، والعاملَ بعده. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في «المحرم» قال: حدثنا أبو العباس: محمد ابن يعقوب قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد [(1 وأخبرنا أبو إسحاق الأموي، قال: أنبأنا شافع بن محمد، قال: أنبأنا الطحاوي، قال: حدثنا المزني، قال: حدثنا الشافعي عن إبراهيم بن سعد ¬1)] عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه: أن امرأة أتت النبي، صلى الله عليه وسلم، فسألته عن شيء فأمرها أن ترجع. فقالت: يا رسول الله، إن رجعتُ فلم أجدك؟ كأنها تعني الموت. قال: فَاتِي أبا بكر (¬2). أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، قال: حدثنا أحمد بن عبيد الصفّار، قال: أخبرنا زياد بن الخليل، قال: حدثنا مُسَدّد، قال: حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن رِبْعِيّ بن حِرَاش، عن حُذَيْفَة: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: اقتدوا باللَّذَيْن من بعدي: أبي بكر وعمر (¬3). ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في ح، ولا في هـ. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه 4/ 1856 - 1857. (¬3) أخرجه الترمذي في أبواب المناقب: باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما =

وهكذا رواه عبيد الله بن محمد بن هارون، عن الشافعي، عن سفيان ابن عيينة. وأخبرنا أبو سعيد: يحيى بن محمد بن يحيى الإسفرايني، قال: حدثنا أبو بكر الديناري (¬1)، قال: حدثنا بشر (¬2) بن موسى، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا زائدة بن قدامة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان: أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم، قال: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر (¬3). ¬

_ = كليهما 2/ 290 عن سفيان بن عيينة، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير بهذا الإسناد وعن سفيان بن عيينة، عن عبد الملك، به نحوه، ثم قال: وكان سفيان بن عيينة يدلس في هذا الحديث؛ فربما ذكره عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، وربما لم يذكر فيه عن زائدة، ثم عقب أبو عيسى بعد هذا فقال: هذا حديث حسن، وفيه عن ابن مسعود، وروى سفيان الثوري هذا الحديث، عن عبد الملك ابن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه أيضاً عن ربعي، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الروايات هي التي أوردها البيهقي هنا عن الشافعي. (¬1) في ا: «بحر البربهاري» وفي مستدرك الحاكم: «أبو بكر بن إسحاق». (¬2) في ا: «كثير بن موسى» وهو تحريف، وترجمة بشر بن موسى (190 - 288) في تذكرة الحفاظ 2/ 611. (¬3) مسند الحميدي 1/ 214. ومستدرك الحاكم 3/ 75 من طرق وقد عقب أبو عبد الله على الحديث بقوله: هذا حديث من أجل ما روى في فضائل الشيخين، وقد أقام هذا الإسناد عن الثوري ومسعر: يحيى الحماني. وأقامه أيضاً عن مسعر: وكيع وحفص بن عمر الإيلي، ثم قصر =

وهكذا روى عن أبي بكر: محمد بن يزيد بن حكيم المستملي، عن الشافعي، عن سفيان بن عيينة، غير أنه زاد في إسناده فقال: عن مولى (¬1) لربعي، عن ربعي. وكذلك قال (¬2) محمد بن كثير عن سفيان، غير أنه لم يذكر زائدة. ورواه إسحاق بن عيسى، عن سفيان، عن مِسْعَر، عن عبد الملك ابن عمير، عن هلال - مولى ربعي عن ربعي - عن حذيفة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم. وعن عمرو بن هرم، عن ربعي، عن حذيفة، وعن سلمة بن كهيل عن أبي الزَّعْرَاء، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي، صلى الله عليه وسلم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو عبد الله: محمد بن العباس الضّبي، قال: أنبأنا أبو أحمد النسائي (¬3)، قال: حدثنا محمد بن محمد بن عبد العزيز المروزي، قال: سمعت داود بن علي بن خلف يقول: سمعت الحارث بن سُريج يقول: سمعت إبراهيم بن عبيد الحَجَبي. وقال [غيره (¬4)]: إبراهيم بن عبد الله الحجبي. يقول للشافعي (¬5): ما رأيت هاشمياً قطّ قدّم أبا بكر وعمر على عليّ غيرك؟ ¬

_ = بروايته عن ابن عيينة الحميدي وغيره. وأقام الإسناد عن ابن عيينة إسحاق بن عيسى ابن الطباع؛ فثبت بما ذكرنا صحة هذا الحديث وإن لم يخرجاه. وقد أقر الذهبي الحاكم في تصحيحه للحديث. (¬1) في ح، هـ: «مولى ابن ربعي». (¬2) سقطت من ح وهـ. (¬3) في ا: «السلمي». (¬4) سقطت من ا. (¬5) في ا: «الشافعي».

قال: فقال له الشافعي: عليّ: ابن عمِّي وابن خالي - كذا قال، والصواب ابن خالتي - وأنا رجل من بني عبد مناف، وأنت رجل من بني عبد الدار، ولو كانت هذه مكرمة كنتُ أولى بها منك، ولكن ليس الأمر على ما تحسب (¬1). قلت: وقوله: «ما رأيت هاشميًّا غيرك» صحيح؛ فإن الشافعي وإن كان من صليبة المطلب بن عبد مناف، فقد ذكرنا في نسبه أن أم عبد يزيد جدّ الشافعي: الشِّفَاءُ بنت هاشم بن عبد مناف. وأم السائب بن عبيد جدّ الشافعي: الشِّفَاء بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف. وأم الشفاء: خلدة بنت أسد ابن هاشم بن عبد مناف، أخت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب. فهو هاشمي من هذه الوجوه التي ذكرناها. وعلي بن أبي طالب ابن خالة جدّه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: كتب إليّ محمد بن علي بن الحسين البلخي (¬2) بخطه يذكر أنه سمع أبا محرز: يحيى (¬3) بن يعقوب بن إبراهيم يقول: سمعت محمد بن عبد الأعلى الغسال يقول: سمعت أبي يقول: ذُكِر عليّ بن أبي طالب عند الشافعي، فقال: رجل من القوم: ما نَفَرَ الناسَ من علي بن أبي طالب إلا أنه كان لا يبالي بأحد. فقال الشافعي: مهلا؛ لأنه كان فيه أربع خصال لا تكون خصلة واحدة منها في أحد إلا حقَّ له أن ¬

_ (¬1) في تاريخ دمشق 10/ 191 - ا «على ما تمنيت». (¬2) ليست في ا. (¬3) في ا: «أبا محمد بن محمد بن يعقوب».

لا يبالي بأحد: إن علي بن أبي طالب كان زاهداً، والزاهد لا يبالي بالدنيا ولا بأهلها. وكان عالماً، والعالم لا يبالي بأحد. وكان شجاعاً، والشجاع لا يبالي بأحد. وكان شريفا، والشريف لا يبالي بأحد. كذا قال شيخنا رحمه الله: محمدَ ابن عبد الأعلى. وقال غيره: محمد بن عبد الغني. وهو الصحيح. وقد ذكر الدارقطني - في أسامي من روى عن الشافعي - عبد الغني بن عبد العزيز المصري. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، قال: أخبرنا أبو محمد: عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن البستي، بهمذان، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن يوسف، قال: حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، قال: حدثنا محمد بن الحسين السجستاني، عن أحمد بن محمد الجوال قال: سمعت الربيع ابن سليمان يقول: سمعت الشافعي ينشد: شهدتُ بأن الله لا شيء غيره ... وأشهد أن البعث حقٌّ وأخلصُ وأنّ عُرَى الإيمان قولٌ محسَّنٌ ... وفعلٌ زكِيٌّ قد يزيد وينقصُ (¬1) وأن أبا بكر خليفة أحمدٍ ... وكان أبو حفص على الخير يحرصُ (¬2) وأشهد ربي أن عثمان فاضلٌ ... وأن عليًّا فضله متخصّصُ أئمة قومٍ يقتدي بفعالهمُ ... لحَا الله من إيّاهُم يتنقّصُ (¬3) ¬

_ (¬1) في ح ومناقب الرازي: «... قول مبين». (¬2) في المناقب: «على الحق يحرص». (¬3) في المناقب: «أئمة دين ...».

فما لِغُوَاةٍ يشتمون سفاهة ... وما لِسفيهٍ لا يجاب فيَحرصُ (¬1) وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي فيما حدثه أبو بكر: أحمد بن محمد [بن محمد (¬2)] المراغي، بدمشق، عن أبي بكر بن أخت الجوال الدينوري (¬3) عن خاله أحمد بن الجوال. بإسناده، فذكر هذه الأبيات غير أنه قال: «خليفة ربه» وقال: «يقتدي بهداهم». وقال أبو الحسن: عبد الرحمن بن أحمد الشافعي - فيما (¬4) قرأت عليه بمصر - قال: سمعت يحيى بن زكريا النيسابوري - يعني الأعرج - يحدث عن ابن عبد الحكم (¬5)، قال: سمعت الشافعي يقول: ما أرى أنّ الناس ابتلوا بشتم أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا ليزيدهم الله بذلك ثواباً عند انقطاع عملهم (¬6). ورواه الربيع عن الشافعي بمعناه، وقال: إلا ليجري الله، عز وجل، لهم الحسنات وهم أموات. ¬

_ (¬1) الأبيات في مناقب الشافعي للرازي ص 48 - 49. وتاريخ. دمشق. 10/ 190 - ب (¬2) ما بين القوسين من ح. (¬3) في ح، هـ: «الزبيري». (¬4) سقطت من ا. (¬5) في ا، هـ «الأعرج عن عبد الحكم» (¬6) راجع مناقب الشافعي للرازي ص 49. وتاريخ. دمشق 10/ 191 - ا

39 - باب: ما يؤثر عنه في جملة الصحابة، رضي الله عنهم وعنه

باب ما يؤثر عنه في جملة الصحابة، رضي الله عنهم وعنه * * * قرأت في كتاب الرسالة القديمة، رواية الحسن بن محمد الزعفراني، عن الشافعي، رحمه الله، أنه قال (¬1): وقد أثنى الله، تبارك وتعالى، على أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهنَّاهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصدِّيقين والشهداء والصالحين، هم (¬2) أدَّوْا إلينا سنن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عامًّا وخاصًّا، وعَزْماً وإرشاداً. وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمرٍ استدرك به علم واستنبط به. وآراؤهم لنا أَحْمَدُ وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا (¬3). والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر مناقب الرازي في الموضع السابق. (¬2) في ا: «ثم». (¬3) في ا: «من أنفسنا».

ومن أدركْنا ممن نرضى، أو حُكِي لنا عنه ببلدنا - صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيه سنّة إلى قولِهِم إن اجتمعوا، وقول بعضهم إن تفرقوا. فهكذا نقول، ولم نخرج من أقاويلهم. وإن قال واحدهم، ولا (¬1) يخالفه غيره، أخذنا بقوله. ثم ذكر فصلا في ترجيح قول الأئمة منهم. قال: فإن اختلفت الحكام اسْتَدْلَلْنَا بالكتاب والسنة في اختلافهم. وإن اختلف المُفْتُون بعد الأئمة بلا دلالة فيما اختلفوا فيه - نظرنا إلى الأكثر. فإن تكافئوا نظرنا أحسن أقاويلهم مَخْرَجاً عندنا. وقد نقلت كلامه مبسوطاً في أول «كتاب المبسوط» المردود إلى ترتيب المختصر. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا محمد بن علي بن طلحة المروروزي، قال: حدثني محمد بن خالد، قال: سمعت حسين بن علي يقول - كذا في كتابي. وقرأت في كتاب زكريا ابن يحيى الساجي قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: سمعت الحسين بن علي يقول: سمعت الشافعي يقوب: العشرة (¬2) أشكال، لهم أن يغير بعضهم على بعض. والمهاجرون ¬

_ (¬1) في ا: «ولم». (¬2) يريد العشرة المبشرين بالجنة.

الأولون والأنصار لهم أن يغيروا بعضهم على بعض. والمسلمة من بعدُ – يريد مسلمة الفتح – أشكال، لهم أن يغير بعضهم على بعض. فإذا ذهب أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، فحرام على تابعي الاتباع لهم بإحسان. زاد فيما قرأت من كتابه: قد وجد (¬1). ¬

_ (¬1) في ح: «وحدوه» كذا بالأصول.

40 - باب: ما يؤثر عنه في قتال أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب أهل القبلة

باب ما يؤثر عنه في قتال أمير المؤمنين: عليّ بن أبي طالب أهلَ القبلة * * * وله في «القديم» كتاب في قتال أهل البغي، وفي «الجديد» كتاب آخر في قتالهم، بناهُ على قتال عليّ، رضوان الله عليه، من قاتله من المسلمين وتبع سيرته في قتالهم بعد الاحتجاج في قتال الفئة (¬1) الباغية حتى تفيءَ إلى أمر الله تعالى بقول الله عز وجل {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إلى قوله: {بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (¬2)}. قال الشافعي (¬3): فذكر الله تعالى اقتتال الطائفتين. والطائفتان المُمْتَنِعَتَان: الجماعتان، كل واحدة تمتنع أشدّ الامتناع أو أضعف، إذا لزمها اسم الامتناع. وسماهم الله عز وجل «المؤمنين» وأمر بالإصلاح بينهم. ثم ساق الكلام إلى أن قال: فلا تقاتلوا حتى تدعوا إلى الصلح؛ لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) سورة الحجرات: 9. (¬3) الأم 4/ 133.

تعالى قبل القتال. وأمر الله تعالى بقتال الباغية، وهي مسماة باسم الإيمان حتى تَفِئَ إلى أمر الله، فإذا فاءت لم يكن لأحد قتالها. ثم بسط الكلام في شرح ذلك. واحتج في «باب السيرة في أهل البغي (¬1)» بحديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده: علي بن الحسين، قال: دخلت على مروان بن الحكم، فقال: ما رأيت أحداً أكرم غَلَبَةَ من أبيك: ما هو إلا أن ولَّيْنا يوم الجمل فنادى مناديه: لا يقتل مدبر، ولا يُذَفَّفُ على جريح. وقال الشافعي: (¬2) قال الدراوردي: حدثنا جعفر، عن أبيه: أن علياً كان لا يأخذ سلَباً، ولا يذفِّف على جريح، ولا يقتل مدبراً. وقال الشافعي عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي فاخته: أن عليًّا اتي بأسير يوم صفّين فقال: لا تقتلني صبراً، فقال عليّ: لا أقتلك صبراً؛ إني أخاف الله رب العالمين. فخلّى سبيله (¬3). قال الشافعي (¬4): والحرب «يوم صفّين» قائمة، ومعاوية يقاتل جادًّا في أيامه كلها مُنْتَصِفاً أو مُسْتَعَلِياً، وعليّ يقول لأسير من أصحاب معاوية: ¬

_ (¬1) الأم 4/ 135 – 136. (¬2) الأم 4/ 136 وفيه بعد «سلبا»: «وأنه كان يباشِر القتال بنفسه». (¬3) الأم 4/ 143. (¬4) الأم 4/ 143.

لا أقتلك صبراً؛ إني أخاف الله رب العالمين. وإنما أراد به بعض العراقيين حيث يزعم أن الأسير من أهل البغي يقتل إذا كانت له فئة يرجع إليها (¬1) يقاتل جادًّا في أيامه كلها منتصفاً أو مستعلياً – يعني يساويه مرة في الغلبة في الحرب ويعلوه أخرى، وعليّ يقول لأسير من أصحابه: لا أقتلك صبراً؛ إني أخاف الله رب العالمين. قال الشافعي في خلال كلامه: وقلت له: علي بن أبي طالب ولِّي قتال المتأولين فلم يُقْصِصْ من دم ولا مال أصيب في التأويل. وفي كل هذا دلالة على أن الشافعي رحمه الله كان يعتقد في «عليّ» رضي الله عنه أنه كان محقًّا في قتاله مَنْ خرج عليه، وأن «معاوية» ومن قاتله لم يخرجوا بالبغي من الإيمان؛ لأن الله تعالى سمى الطائفتين جميعاً: مؤمنين، والآية عامّة. وجرى علي، رضي الله عنه، في قتالهم مجرى قتال (¬2) الإمام العادل من خرج من طاعته من المؤمنين، وسار بسيرته في قتالهم، وقصد به حملهم على الرجوع إلى الطاعة، كما قال الله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ (¬3)}. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا الزبير بن عبد الواحد، قال: سمعت أبا العباس: أحمد بن يحيى بن زكريا يقول: سمعت الربيع يقول: ¬

_ (¬1) راجع نص محاورة الشافعي في الأم 4/ 143 وبعد هذا في ح: «فيقول الشافعي: لم يقتله علي ومعاوية، لذلك الأسير فئة يرجع إليها، يقاتل ...». (¬2) في ح: «قتل». (¬3) سورة الحجرات: 9.

سمعت الشافعي يقول: الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وعمر بن عبد العزيز، رضوان الله عليهم (¬1). وإنما قال هذا لِما ظهر من عدله وحسن سيرته. ثم إنه كان يرى وجوب طاعة مَنْ غلب بالسيف من المسلمين في غير معصية الله. أخبرنا أبو عبد الله، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي يقول: كان من غلب على الخلافة بالسيف حتى يسمى خليفة ويجمع الناس عليه – فهو خليفة. قال حرملة: يعني إذا كان من قريش يُغْزَى معه وتُصلَّى خلفه الجمعة. ومن لم يفعل فهو صاحب بدعة. وقد روينا في «كتاب فضائل الصحابة» توبة من قاتل عليًّا من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم الجمل، وروينا اعتراف معاوية بذنوبه في قصة المِسْوَر بن مَخْرَمّةَ، وأنه يرجو النجاة بكلمة الشهادة، وما يقيمه من الحدود، وقتال المشركين مع صحبة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه، قال: حدثنا أبو بكر بن عبيدة الوبري (¬2)، عن يونس بن عبد الأعلى، قال: ¬

_ (¬1) تاريخ دمشق 10/ 191 – ا. (¬2) في ا: «الدبري» وهو تصحيف، وهو أحمد بن محمد بن عبيدة بن زياد بن عبد الخالق الثعالبي الوبري. كما في الأنساب 578.

سمعت الشافعي يقول: سئل عمرُ بن عبد العزيز عن أهل صفّين؟ فقال: تلك دماء طهَّر الله منها يدي فلا أحِبُّ أن أخْضِب لساني بها. قلت: وهذا رأي حسن جميل من عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، في السكوت عما لا يعنيه إذا لم يحتج إلى القول فيه. فأما إذا احتاج إلى تعلّم السيرة في قتال الفئة الباغية، فلا بد له من متابعة علي بن أبي طالب في سيرته في قتالهم. ثم ولا بد من أن يعتقد كونه محقًّا في قتالهم. وإذا كان هو محقًّا في قتالهم كان خصمه مخطئاً في قتاله والخروج عليه، غير أنه لم يخرج ببغيه عن الإسلام، كما حكينا عن الشافعي، رحمة الله عليه، في متابعته عليًّا في سيرته في قتالهم، وتسمية الطائفتين جميعاً مسلمتين. وفي قتال علي ومعاوية وخروج مارقة من بينهما، وهم أهل البهروان – ورد الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «تكون أمتي فرقتين فتخرج من بينهما خارجة مارقة يلى قتلها أولاهما بالحق (¬1)». وفي رواية أخرى: «تقتلها أولى الطائفتين بالحق». ¬

_ (¬1) حديث أبي سعيد في مسند أحمد 3/ 64، 65، 82، 97 (ط الحلبي). [م – 29] مناقب

فجعل النبي، صلى الله عليه وسلم، الفرقتين جميعاً من أمته، وجعل الذي قتلها أولاهما بالحق، فوليها علي. وروينا عن أبي بَكْرَةَ عن النبي، صلى الله عليه وسلم: أنه سماها مسلمين في قصة الحسن بن علي (¬1) رضي الله عنهم. وروينا عن (¬2) على أنه سئل عن أهل الجمل؟ فقال: إخواننا بَغَوْا علينا فقاتلناهم، وقد فاءوا وقد قبلنا منهم. وكان عبد الله بن عمر إذا ذكر أهل صفّين قال: قوم أصابتهم فتنة، يغفر الله لنا ولهم. فنقول ما قال سلفنا، رضي الله عنهم، في كل واحدة من الطائفتين عند الحاجة إليه. ونسكت عما [سكتوا عنه] عند الاستغناء به عنه. وبالله التوفيق. ومما (¬3) حكى عن أبي داود السجستاني أن «أحمد بن حنبل» أُخبِر أن ¬

_ (¬1) يشير إلى ما رواه في كتاب الاعتقاد ص 198 بسنده عن الحميدي، عن سفيان. عن إسرائيل، عن أبي موسى قال: سمعت الحسن قال: سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المنبر، والحسن بن علي معه إلى جنبه، وهو يلتفت إلى الناس مرة وإليه مرة، ويقول: إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين. قال سفيان: قوله: «فئتين من المسلمين» يعجبنا جداً وعقب عليه البيهقي بقوله: «وإنما أعجبهم؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، سماهما جميعاً مسلمين». (¬2) في ا: «عنه». (¬3) في ا: «وفيما».

«يحيى بن معين» ينسب «الشافعي» إلى التشيع، فقال له أحمد: تقول هذا لإمام من أئمة المسلمين؟ فقال يحيى: إني نظرت في «كتابه (¬1) في قتال أهل البغي» فإذا قد احتج من أوله إلى آخره بعلي بن أبي طالب. فقال أحمد بن حنبل: عجباً لك! فبمن كان يحتج الشافعي في قتال أهل البغي، وأول من ابتلي من هذه الأمة بقتال أهل البغي علي بن أبي طالب؟ وهو الذي سنَّ (¬2) قتالهم وأحكامهم. ليس عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ولا عن الخلفاء وغيره – فيه سنة، فبمن كان يَسْتَنُّ؟ فخجل يحيى من ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) في ا: «في كتاب قتال». (¬2) في ا: «بين». (¬3) مناقب الشافعي للرازي 52.

41 - باب: ما جاء عن الشافعي، رحمه الله، في مجانبة أهل الأهواء، وبغضه إياهم، وذمه كلامهم، وإزرائه بهم، ودقه عليهم، ومناظرته إياهم

باب (¬1) ما جاء عن الشافعي، رحمه الله، في مجانبة أهل الأهواء وبغضه إياهم، وذمه كلامهم، وإزْرَائه بهم، ودقه عليهم ومناظرته إياهم * * * أخبرنا أبو عثمان: سعيد بن محمد بن عبدان قال: سمعت أبا العباس: محمد ابن يعقوب الأصم يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول (¬2) لأن يلقى الله العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك بالله (¬3) خير من أن يلقاه بشيء من الهوى. وفي رواية: بشيء من الأهواء. زاد فيه غير الربيع: وذلك أنه رأى قوماً يتجادلون في القدر بين يديه فقال الشافعي: في كتاب الله المشيئة له دون خلقه. والمشيئة [إثبات] إرادة الله، يقول الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (¬4)} فأَعْلَمَ خَلْقَه أنّ المشيئة له. ¬

_ (¬1) في هامش ا: «أول الجزء الثامن من أصل المصنف. سمعناه على القاضي أبي عبد الله: الحسين بن أحمد بن علي البيهقي بسماعه من المصنف رحمه الله». (¬2) راجع آداب الشافعي 182 و 187. (¬3) ليست في ا. (¬4) سورة الإنسان:. 30

وكان يثبت القدر. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد القاضي، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن زياد، قال: حدثنا أبو يحيى السّاجِي – أو فيما أجاز لي مُشَافَهَةً – قال: أخبرنا الربيع. فذكره وقال: بشيء من هذه الأهواء. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا أبو الوليد يقول: سمعت إبراهيم بن محمد يقول. ح. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قلت لمحمد بن إدريس الشافعي: قال صاحبنا الليث بن سعد: لو رأيتُ صاحب هوى يمشي على الماء ما قبلته (¬1). فقال الشافعي: أما إنه قصَّر، لو رأيتُه يمشي في الهواء ما قبلتُه (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو الحسن: محمد بن عبد الله ابن محمد العمري، قال: حدثنا أبو بكر: محمد بن إسحاق قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: أتيت الشافعي بعد ما كلم حفص الفرد فقال: غبت عنا يا أبا موسى، لقد اطلعت من أهل الكلام (¬3) على شيء ¬

_ (¬1) في ا: «ما قبلت» (¬2) آداب الشافعي ومناقبه: 184 (¬3) في ح: «أهل الإسلام».

والله ما توهمته قط، ولأن يُبْتَلَى المرءُ بجميع ما نهى الله عنه خلا الشرك بالله، خير من أن يبتليه الله بالكلام (¬1). قلت: إنما أراد الشافعي، رحمه الله، بهذا الكلام حفصاً وأمثاله من أهل البدع (¬2). وهذا مراده بكل ما حكى عنه في ذمّ الكلام وذم أهله، غير أن بعض الرواة أطلقه، وبعضهم قيده، وفي تقييد من قيده دليل على مراده: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حبان، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن زياد، قال: سمعت أبا الوليد بن الجارود يقول: دخل «حفص الفرد» على «الشافعي» فكلمه، ثم خرج إلينا الشافعي (¬3) فقال لنا: لأن يلقى اللهَ العبدُ بذنوب مثل جبال تِهَامَة خير له من أن يلقاه باعتقاد حرف مما عليه هذا الرجل وأصحابه. وكان يقول بخلق القرآن. وهذه الروايات تدل على مراده بما أطلق عنه فيما تقدم [(4 وفيما لم يذكر هاهنا ¬4)]. وكيف يكون كلام أهل السنة والجماعة مذموماً عنده وقد تكلم فيه، ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ومناقبه: 182. (¬2) في ح: «الأهواء». (¬3) في ا: «... على الشافعي. فقال له ...». (¬4) ما بين الرقمين ساقط من ح.

وناظر من ناظره فيه، وكشف عن تمويه من ألقى إلى سمع بعض أصحابه من أهل الأهواء شيئاً مما هم فيه؟ أخبرنا بصحة ذلك أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد ابن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن – يعني ابن محمد – قال في كتابي عن الربيع بن سليمان قال: حضرت الشافعي – أو حدثني أبو شعيب (¬1) إلا أني أعلم أنه حضر عبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو بن يزيد وحفص الفرد – وكان الشافعي يسميه المنفرد – فسأل حفص عبد الله بن عبد الحكم فقال: ما تقول في القرآن؟ فأبى أن يجيبه، فسأل يوسف بن عمرو فلم يجبه. وكلاهما أشار إلى الشافعي. فسأل الشافعيَّ، فاحتج الشافعيَّ، وطالت المناظرة، وغلب الشافعي بالحجة عليه: بأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، وكفّر حفصاً الفرد. قال الربيع: فلقيت حفصاً الفرد فقال: أراد الشافعي قتلي (¬2). وقرأت في كتاب أبي يحيى: زكريا بن يحيى الساجي، فيما رواه الشيخ أبو الفضل الجارودي الحافظ، عن أبي إسحاق القزّاز (¬3)، قال: حدثنا زكريا، قال: سمعت أبا شعيب المصري – شيخ من أصحاب الحديث – يقول: ¬

_ (¬1) في ا: «أبو سعيد» وهو تصحيف. (¬2) آداب الشافعي ومناقبه 194 – 195. (¬3) في ح: «القرار».

حضرت الشافعي: محمد بن إدريس، وعنده يوسف بن عمرو بن يزيد، وعبد الله بن عبد الحكم، في منزله فدخل عليهم حفصٌ الفرد، وكان متكلماً مناظراً، فقال ليوسف: ما تقول في القرآن؟ فقال (¬1): كلام الله، ليس عندي غير هذا. وجعلوا يحيلون على الشافعي فأقبل حفص الفرد على الشافعي فقال: إنهم يحيلون عليك. فقال له الشافعي: [(2 دع هذا عنك. فلم يزل به، فقال له الشافعي: ¬2)] ما تقول أنت في القرآن؟ قال: أقول: إنه مخلوق. قال: من أين قُلْتَ؟ قال: فلم يزل يحتج عليه حفصٌ الفرد بأنه مخلوق، ويحتج الشافعي، رضي الله عنه، بأنه كلام الله غير مخلوق، حتى كَفَّره الشافعي وقطعه. قال أبو شعيب: وحججهما عندي في كتاب (¬3). قال أبو شعيب: فلما كان من الغد لقيني حفصٌ الفرد في سوق الزّجاج فقال: أما رأيت ما صنع بي الشافعي؟ أحب أن يريهم أنه عالم. ثم أقبل عليَّ فقال: مع أنه ما تكلم أحد في هذا مثله ولا أقدر منه على هذا. وقد ذكرنا قبل هذا مناظرته مع حفص في زيادة الإيمان ونقصانه، وذكر ¬

_ (¬1) في ح: «فقال] أبو يوسف». (¬2) ما بين الرقمين ساقط من ح. (¬3) في ا: «وحجتهما عندي في شيء في كتاب» وفي ح: «وحجبهما عندي مرسم في كتاب».

للحميدي أحسن ما يحتج به على أهل الأرجاء، وذكر (¬1) لابن هَرِم ما يحتج على من أنكر الرؤية. وقرأت في كتاب الساجي عن أحمد بن مدرك الرازي قال: سمعت عبد الله بن صالح: كاتب الليث يقول: كنا عند الشافعي في مجلسه فجعل يتكلم في «تثبيت خبر الواحد» عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكتبناه، وذهبنا به إلى إبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيَّة، وكان من غلمان أبي بكر الأصم، وكان مجلسه بمصر عند باب الضَّوالّ، فلما قرأناه عليه جعل يحتج بإبطاله، فكتبنا ما قال ابن عُلَيَّة، وذهبنا به إلى الشافعي، فنقضه الشافعي، وتكلم بإبطال ما قاله ابن علية، وقال: ابن عُلية ضالّ قد جلس عند باب الضَّوالّ، يضل الناس. وبلغني عن يعقوب بن سفيان أنه حكى عن إبراهيم بن عُلَيّة هذا أنه تكلم في القرآن بما لا أستجيز حكايته. وقرأت في كتاب أبي نعيم الأصبهاني حكاية عن «الصاحب بن عباد» أنه ذكر في كتابه بإسناده عن إسحاق أنه قال: قال لي أبي: كلّم الشافعي يوماً بعض الفقهاء؛ فدقَّق عليه وحقَّق، وطالب وضيَّق، فقلت له: يا أبا عبد الله. هذا لأهل الكلام، لا لأهل الحلال والحرام. فقال: أحكمنا ذاك قبل هذا. ¬

_ (¬1) في ح: «وذكر». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «فذكر»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 468 إلى: «وذكره» كما في ح]

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني نصر بن محمد الصوفي قال: سمعت عبد الرحمن (¬1) بن حفص الصوفي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: سمعت ابن بحر يقول: سمعت المزني يقول: دار بيني وبين رجل مناظرة فسألني عن كلام كاد أن يشكِّكَني في ديني؛ فجئت إلى الشافعي، فقلت له: كان من الأمر كيت وكيت. قال: فقال لي: أين أنت؟ فقلت: أنا في المسجد، فقال لي: أنت في مثل «تاران (¬2)» تلطمك أمواجه. هذه مسألة الملحدين والجواب فيها كيت وكيت، ولَأَن يبتلي العبد بكل ما خلق الله من مضارّه (¬3) خير له من أن يبتلى بالكلام. قلت: «تاران» في بحر القلزم يقال: فيها غرق فرعون وقومه، فشبه الشافعي المزني فيما أورد عليه بعضُ أهل الإلحاد ولم يكن عنده جواب، بمن ركب البحر في الموضع الذي أغرق الله فيه فرعونَ وقومه وأشرف على الهلاك، ثم علّمه جواب ما أُورد عليه حتى زالت عنه تلك الشبهة، وفي تلك دلالة على حسن معرفته بذلك، وأنه يجب الكشف عن تمويهات أهل الإلحاد عند الحاجة إليه، وأراد بالكلام: ما وقع فيه أهل الإلحاد من الإلحاد، وأهل البدع من البدع. والله أعلم. ¬

_ (¬1) في ا: «سمعت قسم عبد الرحمن». (¬2) «تاران» جزيرة في بحر القلزم بين القلزم وأيلة وهو أخبث مكان في هذا البحر. فيه دوران ماء في سفح جبل إذا وقع الريح على ذروته انقطع الريح قسمين فيلقي المركب بين شعبتين من هذا الجبل متقابلتين. فتخرج الريح من كليهما فيثور البحر على كل سفينة تقع في ذلك الدوران. راجع معجم البلدان 2/ 352 – 353. (¬3) في ا: «من مضرّه».

فأما استحبابه ترك الخوض فيه، والإعراض عن المناظرة فيه [(1 عند الاستغناء عنها فقد كان رحمه الله يميل إليه ¬1)] مع معرفته به. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد. أخبرنا الربيع قال: رأيت الشافعي وهو نازل من الدرجة وقوم في المجلس يتكلمون في شيء من الكلام فصاح وقال: إما أن تجاورونا بخير وإما أن تقوموا عنا (¬2). وأخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت أبا الفضل: الحسن بن يعقوب العدل يقول: سمعت أبا أحمد: محمد بن رَوْح يقول: [سمعت المزني يقول (¬3):] كنا على باب الشافعي نتناظر في الكلام، فخرج إلينا الشافعي وسمع بعض ما كنا فيه، فرجع عنا فما خرج إلينا إلا بعد سبعة أيام، ثم خرج فقال: ما منعني من الخروج إليكم علة عرضت، ولكن لما سمعتكم تتناظرون فيه أتظنون أني لا أحسنه؟ لقد دخلت فيه حتى بلغت منه مبلغاً وما تعاطيت شيئاً إلا وبلغت فيه مبلغاً حتى الرّمي: كنت أرمي بين الغرضين فأصيب من العشرة تسعة ولكن الكلام لا غاية له؛ تناظَرُوا في شيء إن أخطأتم فيه يقال لكم: أخطأتم. ولا تناظروا في شيء إن أخطأتم فيه يقال لكم: كفرتم. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين سقط من ا. (¬2) آداب الشافعي ومناقبه 184 (¬3) ما بين القوسين سقط من ا.

أخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المؤذن، عن أبي العباس: محمد بن عبد الرحمن يعني الدغولي قال: سمعت زكريا بن يحيى يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: قال الشافعي: يا محمد، إن سألك رجل عن شيء من الكلام، فلا تجبه، فإنه إن سألك عن دية فقلت (¬1): درهما أو دانقاً قال لك: أخطأت، وإن سألك عن شيء من الكلام فزللت قال: كفرت. وفي حكاية المزني عن الشافعي، رحمه الله، دلالة على أنه كان قد تعلم الكلام وبالغ فيه ثم استحب ترك المناظرة فيه عند الاستغناء عنها. وفي رواية زكريا بن يحيى الساجي عن الربيع في هذه الحكاية بعينها قال: انحدر علينا الشافعي من درجته يوماً وهم يتجادلون في القدر، فقال: إما أن تقوموا عنا أو تجاورونا بخير؛ فلأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يلقاه بشيء من هذه الأهواء. فإنما أراد (¬2) ذمّ مذهب القدرية؛ ألا تراه قال بشيء من هذه الأهواء واستحب ترك الجدال فيه. ¬

_ (¬1) في ا: «فقلت». (¬2) ليست في ا.

وكأنه تبع فيه ما رويناه عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم الحديث (¬1)» وغير ذلك من الأخبار الواردة في معناه. وعلى مثل هذا جرى أئمتنا في قديم الدهر عند (¬2) الاستغناء عن الكلام فيه، فإذا احتاجوا إليه أجابوا بما في كتاب الله عز وجل، ثم في سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الدلالة على إثبات القدر لله عز وجل، وأنه لا يجري في ملكوت السموات والأرض شيء إلا بحكم الله وتقديره وإرادته. وكذلك في سائر مسائل الكلام اكتفوا بما فيها من الدلالة على صحة قولهم، حتى حدثت «طائفة» سمّوا ما في كتاب الله عز وجل من الحجة عليهم متشابها، وقالوا بترك القول بالأخبار أصلا، وزعموا أن الأخبار التي حملت إليهم (¬3) لا تصح في عقولهم فقام جماعة من أئمتنا، رحمهم الله، بهذا العلم وبَيَّنُوا لمن وُفِّق للصواب، ورزق الفهم، أَنَّ جميع ما ورد في تلك الأخبار صحيح في العقول، وما ادعوه في الكتاب من التَّشابه باطل في المعقول. وحين أظهروا بدعهم، وذكروا ما اغتر به أهل الضّعف من شبههم – ¬

_ (¬1) حديث عمر رواه الحاكم في المستدرك 1/ 85 والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 204 وأحمد بن حنبل في مسنده 1/ 243 – 244 وأبو داود في سننه 4/ 315 و 318. (¬2) في ا: «عنه». (¬3) في ا: «عليهم».

أجابوهم وكشفوا عنها بما هو حجة [عليهم (¬1)] عندهم، كما فعل الشافعي فيما حكينا عنه؛ لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما في ترك إنكار المنكر والسكوت عليه من الفساد والتعدي. وكانوا في القديم إنما يعرفون بالكلام أهل الأهواء. فأما أهل السنة والجماعة فمعولهم فيما يعتقدون الكتاب والسنة، فكانوا لا يتسمون (¬2) بتسميتهم. ولهذا قال الشافعي ما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا أبو نصر: محمد بن علي بن طلحة المروروذي قال: حدثنا أبو سعيد: أحمد بن علي الأصبهاني قال: حدثنا زكريا بن يحيى السّاجِي قال: حدثني محمد بن إسماعيل قال: سمعت أبا ثور [وحسينا يقولان: سمعنا (¬3)] الشافعي يقول: حكى في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد (¬4)، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، وينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام. وأخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن الحسين الدّينوري قال: حدثنا الفضل بن الفضل الكندي قال: حدثنا زكريا بن يحيى السَّاجِي. ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) في ا: «لا يسمون». (¬3) في ا: «حدثني محمد بن إسماعيل أبا ثور وحدثنا أنه سمع الشافعي يقول»! (¬4) في ا: «بالحديد».

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الطيب الفقيه قال: حدثنا أبو جعفر الأصبهاني قال: حدثنا أبو يحيى: زكريا بن يحيى قال: حدثنا أبو داود - يعني السِّجْستاني - قال: حدثنا أبو ثور قال: سمعت الشافعي يقول: من ارتدى بالكلام لم يفلح (¬1). وإنما يعني - والله أعلم - كلام أهل الأهواء الذين تركوا الكتاب والسنة، وجعلوا مُعَوَّلهم عقولهم، وأخذوا في تَسْوِيَة الكتاب عليها. وحين حُمِلت إليهم (¬2) السنة بزيادة بيان لنقض أقاويلهم - اتهموا رواتها، وأعرضوا عنها. فأما أهل السنة فمذهبهم في الأصول مبني على الكتاب والسنة. وإنما أخذ من أخذ منهم في العقل إبطالا لمذهب من زعم أنه غير مستقيم على العقل. وبالله التوفيق. ولاستحباب الشافعي ومن كان في عصره من أئمتنا تَرْكَ الخوض في الكلام، وترك الاشتهار به عند الاستغناء عنه - معنى آخر، وهو: أن الشافعي حين قدم العراق في خلافة «الرشيد» كان قد دخل على المأمون باستدعائه دخوله عليه، ورأى تقريبه (¬3) بشر المريسي وأمثاله من أهل البدع. وحين عاد إلى العراق في خلافة «المأمون» شاهد غلبة أهل الأهواء على مجلسه، وأحس ¬

_ (¬1) راجع آداب الشافعي ومناقبه 186. (¬2) في ا: «عليهم». (¬3) في ح: «بقربه».

ببعض ما رأى أهل السنة من غلبة أهل الأهواء في عصره، ثم بما أصابهم من المحنة في أيام «المعتصم» و «الواثق». وجرى بينه وبين بشر في مجلس «المأمون» أظنه قبل خلافته: ما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا أبو سهل الإسفراييني قال: حدثنا داود ابن الحسين: أبو سليمان قال: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: دخل الشافعي يوماً على أمير المؤمنين المأمون. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني محمد بن صالح بن هانئ قال: حدثنا أبو سليمان دواد بن الحسن البيهقي قال: حدثنا قتيبة ابن سعيد قال: دخل الشافعي على أمير المؤمنين – يعني المأمون – وعنده بشر المريسي فقال أمير المؤمنين للشافعي: أتدري من هذا؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. قال: هذا بشر المريسي قال: فقال الشافعي لبشر: أدخلك الله أسفل السافلين مع فرعون وهارون وقارون. قال: فقال له بشر: أدخلك الله الجنة أعلى عليين مع محمد وإبراهيم وموسى. فقال أمير المؤمنين للشافعي هذا أحسن جواباً منك. قال أبو سليمان [الراوي عن قتيبة (¬1)]: فذكرت هذا عند أصحاب الحديث وعندهم رجل من أهل بغداد يقال له: أبو جعفر، متكلم يرد عليهم أبداً فقال: يا أبا سليمان أتدري ما جوابه؟ طَنَزَ (¬2) فيه بشر المريسي. أي ليس ثَمَّةَ ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) في اللسان 7/ 236: «طنز يَطْنُزُ طنْزاً. كلمة استهزاء؛ فهو طنَّاز. قال الجوهري. أظنه مولداً أو معرباً. والطنزُ: السخرية».

جنة ولا نار. لفظ حديث أبي عبد الله ورواه أبو سعيد محمد بن شاذان النيسابوري عن قتيبة، وزعم أن ذلك كان في مجلس «هارون الرشيد». وأيّهما كان، فحين كان شاهد الشافعي هذا وأمثال ذلك، وأحس ببعض ما كان وراء ذلك، مع كراهيته (¬1) وكراهية أمثاله من أهل الورع الدخولَ على السلاطين والاختلاط بهم – استحب لأصحابه تَرْكَ الخوض فيه؛ لئلا يُدْعَوْا إلى مجالسهم للمناظرة فيه، ولكيلا يكون ذلك سبباً لمحبتهم؛ ولهذا قال لأبي يعقوب البويطي رحمه الله: «أما أنت يا أبا يعقوب فستموت في حديدك» فكان كما تفرّس؛ وذاك لأنه كان شديداً على أهل البدع، ذابًّا بالكلام عن أهل السنة، فدعى في أيام «الواثق» إلى القول بخلق القرآن» فامتنع منه، فحمل من مصر إلى العراق حتى مات في أَقْيَادِه محبوساً، ثابتاً على دينه، صابراً على ما أصابه من الأذى. رحمة الله ورضوانه عليه. ومشهور عند أهل العلم ما أصاب «أحمد بن حنبل» في أيام «المعتصم» من الحبس والضرب، وما أصاب «أحمد بن نصر الخُزَاعي» في أيام «الواثق» من القتل والصلب، وما أصاب غيرهما من المحنة العظيمة حتى أجاب بعضهم إلى ما دُعِيَ إليه؛ خوفاً على نفسه. أعاذنا الله من أمثالها. والذي بين هذا: ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت عبد الله ¬

_ (¬1) في ح: «مع كراهة وكراهة؟؟؟ [م 30] مناقب

ابن محمد الخواري يقول: سمعت أبا نعيم يقول: سمعت أبا القاسم الأَنْمَاطِي يقول: جالست «المزني» عشر سنين فلما كان بأخرة اجتمعنا في جنازة بعض أصحابه فقلت (¬1): إن الناس يتحدثون بمذهب المزني فينسبونه إلى أنه يتكلم في القرآن ويقول بالمخلوق، فلو سألناه؟ قال: فتقدمنا إليه فقلنا: يا أبا إبراهيم، إنما (¬2) نسمع منك هذا العلم، ونحب أن يؤخذ عنا ما نسمع منك، والناس يذكرون (¬3) أنك سألت عن القول بما يقول أهل الحديث في القرآن، ونحن نعلم أنك تقول بالسنة وعلى مذهب أهل الحديث، فلو أظهرت لنا ما نعتقده؟ فأجابنا فقال: أنا لم أعتقد قطّ إلا أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولكني كرهت الخوض في هذا مخافة أن يكثر عليّ، وأطالب بالنظر في هذا، وأشتغل عن الفقه. فلما كان من الغد بعث إليه رئيس من رؤساء الجهمية بمصر يقال له ابن الأصبغ رسولا فقال: يا أبا إبراهيم، بعثني إليك فلان وهو يقول: لم تزل تُمْسِكُ عن الخوض في القرآن والكلام فيه، فما الذي بدا لك الآن؟ وقد بلغني أنك أجبت بكذا وكذا فما حجتك فيما أجبت: أن القرآن غير مخلوق؟ فنظر إلينا فقال: ألم أقل لكم: إني كنت أمتنع من أجل أني أطالب بمثل هذا؟! قال أبو القاسم: فقلت أنا أتولّى عنك جوابه. قال: شأنك. فمضيت إليه فقلت له: إن رسولك جاء إلى أبي إبراهيم بكذا وكذا، فجئت لأتولى عنه الجواب وأنا أحد من يحمل عنه العلم. فقال: ما حجتك؟ ¬

_ (¬1) في ا «فقلت: أتتحدثون بمذهب المزني وتنسبونه». (¬2) في ح: «إنا». (¬3) في ا: «يذكرونك أنك».

فقلت له: أقول: القرآن غير مخلوق، وأدلّ عليه بكتاب الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإجماع أمته، ومن حجج العقول التي ركَّبها الله في عباده قال: فأوردت عليه ذلك فبقى متحيِّراً. فالمزني، رحمه الله، كان رجلا ورعاً وزاهداً يتجنّب السلاطين، فامتنع من الكلام؛ مخافة أن يبتلى بالدخول عليهم، مع ما شاهد من محنة البويطي وأمثاله من أهل السنة في أيام المعتصم والواثق. وفي كل ذلك دلالة على أن استحباب من استحب أئمتنا ترك الخوض في الكلام - إنما هو للمعنى الذي أشرنا إليه، وأن الكلام المذموم إنما هو كلام أهل البدع الذي يخالف الكتاب والسنة. فأما الكلام الذي يوافق الكتاب والسنة، وبُيِّنَ بالعقل والعبرة - فإنه محمود مرغوب فيه عند الحاجة، تكلم فيه الشافعي وغيره من أئمتنا، رضي الله عنهم، عند الحاجة، كما سبق ذكرنا له. وحدثنا أحمد بن عبد الملك الحافظ قال: حدثنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن فنجويه (¬1) الدينوري قال: حدثنا ظفران بن الحسين، قال حدثنا أبو محمد: بن أبي حاتم الرازي قال: حدثنا أبي قال: حدثني أحمد بن خالد الخلال قال: سمعت الشافعي يقول: ما كلمت رجلا في بدعة قطّ إلا كان يتشيع (¬2) وهذا ¬

_ (¬1) في ح: «ابن فتحون». (¬2) آداب الشافعي ومناقبه 186.

يدل على كثرة مناظرته أهل البدع حتى عرف عادتهم في إظهار مذهب الشيعة، وإضمار ما وراءه من البدعة التي هي أقبح منه. ثم ذكر من مذهب من يتشيع: ما أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه فيما قرأت عليه قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن شيبة قال: حدثنا أبو بكر: محمد بن أحمد ابن إبراهيم الكرابيسي، قال: حدثنا أبو بكر: محمد بن أحمد بن إبراهيم الكرابيسي قال: حدثنا أبو حاتم الرازي قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: أُجيز شهادة أهل الأهواء كلّهم إلا الرَّافِضة؛ فإنهم يشهد بعضهم لبعض (¬1). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا تراب يقول: سمعت محمد بن المنذر يقول: سمعت أبا حاتم الرازي يقول: سمعت حرملة يقول: سمعت الشافعي يقول: لم أر أحداً أشهَد بالزور من الرافضة (¬2). وأخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد قال: حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان بدمشق قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي إذا ذكر الرافضة عابهم أشدّ العيب فيقول: شر عصابة. قلت: والمحدثات من الأمور، على ما أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ومناقبه 189 والسنن الكبرى 10/ 209. (¬2) السنن الكبرى 10/ 208 وآداب الشافعي ومناقبه 187.

حدثنا الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان. أحدهما: ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً. فهذه البدعة الضلالة. والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا. وهذه محدثة غير مذمومة. [وقد] قال عمر، رضي الله عنه، في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها ردّ لما مضى. قلت: فكذا مناظرة أهل البدع إذا أظهروها، وذكروا شبههم منها، وجوابهم عنها، وبيان بطلانهم فيها. وإن كانت من المحدثات فهي محمودة ليس فيها ردَّ ما مضى. وقد سئل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن القدر، [فأجاب عنه (¬1)] وسئل عنه بعض الصحابة فأجابوا عنه بما روينا عنهم، غير أنهم (¬2) إذ ذاك كانوا يكتفون بقول النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم بَعده بالخبر عنه. وأهل البدع في زماننا لا يكتفون بالخبر ولا يقبلونه، فلا بدّ من ردّ شبهِهم إذا أظهروها بما هو حجة عندهم. وبالله التوفيق. وكان الشافعي، رضي الله عنه، شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع، مجاهراً ببغضهم وهجرتهم. قرأت في كتاب العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، عن يوسف بن عبد الأحد، عمن حدثه، قال: ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) في ا: «غير أنه».

جاء رجل إلى الشافعي يملي عليه كتاب وصيته، فأراد الشافعي أن يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: ليس هكذا أريد ولكن اكتب: إن أتى عليّ ريب من الزمان. فلما (¬1) ابتدأ بالكلام رفسه الشافعي برجله فألقاه على ظهره ثم قال: قم يا زنديق. قرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي: حدثني محمد بن إسماعيل قال: سمعت أبا الوليد بن أبي الجارود يقول: لما حضرت الشافعي الوفاة: فأغنى عليه ثم أفاق، فجعل يسأله رَجلٌ رَجلٌ فيقول: من أنا؟ فيقول: أنت فلان بن فلان. فقال له حفص الفرد: من أنا؟ فقال: أنت حفص، لا حفظك الله إلا أن تتوب. قال: حدثني محمد بن إسماعيل قال: سمعت الحسين بن علي يقول: قال الشافعي: كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الحَدّ الذي يجب، وكل متكلم على غير أصل كتاب ولا سنة فهو هَذَيَان. وفي هذه الحكاية كالدّالِّ على أنه إنما كره من الكلام ما ليس له أصل في الكتاب أو السنة. وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1) في ا: «فكما ابتدأ».

42 - باب: ما يستدل به على حسن اعتقاد الشافعي في متابعة السنة، ومجانبة البدعة

باب ما يستدل به على حسن اعتقاد الشافعي في متابعة السنة، ومجانبة البدعة. وذلك بيِّن في كتبه ومسائله. ونحن نقتصر هاهنا على حكايات وردت في معناه. وبالله التوفيق * * * أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق إجازة قال: [ذكر (¬1)] زكريا بن يحيى قال: قال أبو طالب: سمعت «أحمد بن حنبل» يقول: ما رأيت أتبع للأثر من الشافعي (¬2). وقرأته في كتاب زكريا الساجي عن إسماعيل بن شجاع البغدادي قال: حدثنا الفضل بن زياد، عن أبي طالب. فذكره. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ قال: حدثني محمد بن حفص الدوري، قال: حدثني أبو إسماعيل الترمذي قال: سمعت «أحمد بن حنبل» وذكر الشافعي فقال: لقد كان يذبّ عن الآثار (¬3). ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) راجع الحلية 9/ 202. (¬3) تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر 10/ 196 - اوتوالي التأسيس 57.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني نصر بن محمد قال: حدثنا أبو طالب بن الربيع بن سليمان قال: حدثنا علي بن محمد الأنصاري قال: سمعت حرملة بن يحيى يقول: سمعت الشافعي يقول: سُمِّيتُ ببغداد: «ناصر الحديث (¬1)» أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: قد أعطيتك جملة تغنيك إن شاء الله: لا تدع لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديثاً أبداً، إلا أن يأتي عن (¬2) رسول الله، صلى الله عليه وسلم خلافه، فتعمل بما قلت لك في الأحاديث إذا اختلفت (¬3). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو سعيد بن أبي عمرو؛ قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان المُرَادِي يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقولوا بسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودعوا ما قلت (¬4). وأخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: حدثنا دعلج بن أحمد بن دعلج قال: ¬

_ (¬1) تاريخ دمشق 10/ 195 – ب وحلية الأولياء 9/ 107. (¬2) في ا: «علي». (¬3) توالي التأسيس 63. (¬4) توالي التأسيس 63.

سمعت أبا محمد الجارودي يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم سنة [من (¬1)] رسول الله: صلى الله عليه وسلم، خلاف قولي فخذوا بالسنة (¬2) ودعوا قولي؛ فإني أقول بها. أخبرنا أبو حازم: عمر بن أحمد العبدوني الحافظ قال: سمعت أبا عمرو بن مطر يقول: سمعت أبا جعفر الأرغياني يقول: سمعت أحمد بن علي بن عيسى ابن مَاهَان الرّازي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: كل مسألة تكلمت فيها صح الخبر فيها عن النبي، صلى الله عليه وسلم، عند أهل النقل بخلاف ما قلت – فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي (¬3). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: قال الشافعي: كل ما قلت، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، خلاف قولي مما يصح – فحديث النبي، صلى الله عليه وسلم، أولى ولا تقلِّدوني (¬4). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو؛ قالا: سمعنا [أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) في ا: «السنة». (¬3) الأم 7/ 184 وخطاب الشافعي فيه للربيع. وهو في توالي التأسيس 93. (¬4) آداب الشافعي 67، 68، 93 وحلية الأولياء 9/ 106 – 107.

سمعت الشافعي يقول. وروى حديثاً، فقال له الرجل: تأخذ بهذا يا أبا عبد الله؟ فقال: متى رويتُ عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديثاً صحيحاً فلم آخذ به والجماعة - فأُشهدكم أنّ عقلي قد ذهب. وأشار بيده عن رءوسهم (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عليُ بن عمر الحافظ ببغداد يقول: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: سمعت بشر بن موسى قال: سمعت الحميدي يقول: سأل رجل الشافعي بمصر عن مسألة فأفتاه وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا. فقال الرجل: أتقول بهذا؟. قال: أرأيت في وسطي زِنَّاراً؟ أتراني خرجت من الكنيسة؟ أقول: قال النبي، صلى الله عليه وسلم، وتقول لي: أتقول بهذا؟ أروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به (¬2)؟! وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي فيما أخبره أبو العباس الأزهري قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: سمعت الحميدي يقول: كنا عند الشافعي فأتاه رجل. فذكر معنى هذه الحكاية. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أنبأني أبو عمرو بن السّمّاك ¬

_ (¬1) المعرفة 1/ 145 وحلية الأولياء 9/ 106. (¬2) حلية الأولياء 9/ 106 وتوالي التأسيس 63 ومفتاح الجنة 54.

مشافهة أنّ أبا سعيد الجصّاص حدثهم قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول سأله رجل عن مسألة فقال: روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، [أنه قال (¬1)] كذا وكذا. فقال له السائل: يا أبا عبد الله، أتقول بهذا؟ فارتعد الشافعي واصفَرّ لَوْنُه وقال: ويحك. أيّ أرض تقلّني؟ وأي سماء تظلّني؟ إذا رويت عن رسول، لله صلى الله عليه وسلم، شيئاً فلم أقل به. نعم على الرأس والعينين، على الرأس والعينين (¬2) قال: وسمعت الشافعي يقول: ما من أحد إلا ويَذهب عليه سنّة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتعزب عنه. فمهما قلتُ من قولٍ أو أصَّلْتُ من أصْلٍ فيه عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلاف ما قلتُ – فالقول ما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو قولي. قال: وجعل يردد هذا الكلام. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد: محمد بن موسى، قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال: لم أسمع أحداً نسبته عامة (¬3)، أو نسب نفس إلى علم – يُخالِفُ في أنّ فرضَ الله: إتباعُ أمرِ رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه؛ فإن الله لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قولٌ بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) حلية الأولياء 9/ 106. (¬3) في جماع العلم 11 «نسبه الناس».

وأن ما سواهما تبع لهما. وأن فَرْضَ الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم – واحدٌ لا يختلف (¬1) فيه أنه الفَرْض وواجب قبول الخبر عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا فرقةٌ سأصف قولها، إن شاء الله. فذكر تفرق أهل الكلام في تثبيت خبر الواحد، ثم ذكر الحجة في تثبيته في «كتاب جماع العلم». أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد العبدوي الحافظ، قال: سمعت أبا عمرو بن مطر يقول: سمعت أبا جعفر: محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: قال أبي: قال لنا الشافعي: إذا صح عندكم الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فقولوا حتى اذهب إليه (¬2). أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد الحافظ قال: أخبرني أبو بكر: محمد بن مخلد الدّوري، قال: حدثنا أحمد بن أبي عثمان قال: سمعت «أحمد بن حنبل» يقول: كان أحسن أمر الشافعي أنه كان إذا سمع الخبر لم يكن عنده – قال به وترك قوله (¬3). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الحسين: محمد بن محمد بن يعقوب ¬

_ (¬1) كذا في ا، ح وفي جماع العلم: «لا يختلف أن الفرض والواجب قبول الخبر ...». (¬2) في الحلية 9/ 106 بعد ذلك: «في أي بلد كان». (¬3) توالي التأسيس 63.

الحجاجي يقول: سمعت يحيى بن منصور القاضي يقول: سمعت «أبا بكر محمد بن إسحاق بن خُزَيْمَةَ» وقلت له: هل تعرف سنّة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتابه؟ قال: لا (¬1). وأخبرنا عمر بن أحمد العبدوي الحافظ قال: حدثنا أبو بكر: محمد بن جعفر البغدادي الحافظ قال: سمعت محمد بن الربيع بن سليمان الجيزي قال: سمعت سعد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: كلما رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأنما رأيتُ رجلا من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم (¬2). ورواه أيضاً يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي. أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد بن موسى، قال: سمعت الحسين بن علي ابن محمد بن يحيى يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت الربيع ابن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: لولا أصحاب الحديث لكنا بيَّاع القُول. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الضّبي قال: حدثنا أبو بكر: محمد بن علي الفقيه الشاشي، إن شاء الله، أو الثقة قال: حدثنا عبد الله بن إسحاق المدائني قال: حدثنا الميموني قال: ¬

_ (¬1) تاريخ دمشق 10/ 200 – ا، وتوالي التأسيس 61. (¬2) حلية الأولياء 9/ 109.

سمعت «أحمد بن حنبل» يقول: سألت الشافعي عن القياس فقال: ضرورة (¬1). كذا أخبرناه في «كتاب المناقب» وأخبرنا في «التاريخ» عن أبي بكر قطعاً. وكأنّه أخرجه في «المناقب» من حفظه فشك (¬2) فيه. وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد قال: سمعت أبا بكر بن زياد الفقيه يقول: سمعنا «أحمد بن حنبل» يقول: سألت الشافعي عن القياس، فقال: ضرورة. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمْرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: لا نترك الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأن يدخله القياس، ولا يوضع (¬3) القياس مع السنة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ [رحمة الله تعالى عليه (¬4)] قال: أخبرنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعي قال (¬5): وقد روى عن النبي، صلى الله عليه وسلم – بأبي هو وأمي – أنه قضى في بَرْوَع بنت وَاشِق (¬6) – ونكحت بغير مهر، فمات ¬

_ (¬1) في ح: «ضرورة الضرورات» وانظر معرفة السنن والآثار للبيهقي 1/ 111 طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. (¬2) في ح: «فسكت»! (¬3) في ا: «ولا موضع». (¬4) الزيادة من ح. (¬5) في الأم 5/ 61. (¬6) أسد الغابة 5/ 408.

زوجها – فقضى لها بمهر نسائها (¬1)، وقضى لها بالميراث. فإن كان يثبت (¬2) عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فهو أولى الأمور بنا، ولا حجّة في قول أحدٍ دون النبي، صلى الله عليه وسلم (¬3)، ولا في قياس، ولا (¬4) شيء في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له. وإن كان لا يثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يكن لأحد أن يثبت عنه ما لم يثبت. ولم أحفظه من وجه يثبت مثله. هو مرة يقال: عن مَعْقِل بن يَسَار، ومرة عن معقل بن سنان، ومرة عن بعض أشجع، ولا يسمَّى. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الرحمن السّلمي؛ قالا: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: لا يحل لأحد أن يكَتنى بأبي القاسم، كان اسمه محمداً أو غيره (¬5). قلت: وإنما قال ذلك؛ لأن الاخبار الصحيحة مطلقة في النهي عن ذلك. والذي روى في النهي عن الجمع بينهما لم يثبت إسناده ثبوت أسانيد النهي المطلق. وقد ذكرنا ذلك بشرحه في كتاب «السنن» و «المعرفة». ¬

_ (¬1) مسند أحمد 4/ 279 – 280. (¬2) في الأم «ثبت». (¬3) في الأم بعد ذلك: «وإن كثروا». (¬4) في ا: «ولا في شيء» وفي الأم: «فلا شيء». (¬5) السنن الكبرى 9/ 309 والآداب للبيهقي ل 223 – ب وحلية الأولياء 9/ 127 وآداب الشافعي 309.

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: اسقني قائماً؛ فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، شرب قائماً (¬1). قلت: وقد روينا شربه قائماً، واستدللنا به وبغيره على نسخ ما ورد فيه من النهي. والله أعلم. * * * أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: قال الربيع (¬2): قلت للشافعي: إن علي بن مَعْبِد أخبرنا بإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أجاز بيع القمح في سنبله إذا ابيض. قال: أما هو فَغَرّر؛ ¬

_ (¬1) قال البيهقي في كتاب الآداب ل 251 - ب «وقد وردت الرخصة في الشرب قائماً بما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا إبراهيم ابن مرزوق، حدثنا وهيب بن جرير، حدثنا شعبة، عن عاصم، عن الشعبي، عن ابن عباس، قال: «مر النبي، صلى الله عليه وسلم بزمزم، فاستسقى، فأتيته بدلو من ماء زمزم، فشرب وهو قائم». (¬2) قول الربيع في السنن الكبرى 5/ 302 كما هنا. وكذلك في آداب الشافعي ومناقبه 87 ولكن ورد في الأم 3/ 59 «قلت للشافعي: إن علي بن معبد روى لنا حديثاً عن أنس: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجاز بيع القمح في سنبله إذا ابيض. فقال الشافعي: إن ثبت الحديث قلنا به، فكان الخاص مستخرجاً من العام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع الغرر. . وبيع القمح في سنبله غرر؛ لأنه لا يرى. وكذلك =

لأنه محول (¬1) دونه لا يرى. فإن ثبت الخبر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قلنا به، وكان هذا خاصًّا مُسْتَخْرَجاً من عام؛ لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع الغرر. وأجاز هذا. وكذلك أجاز بيع الشِّقْص (¬2) من الدار، فجعل فيه الشّفعة لصاحب الشفعة، وإن كان فيه غرر، وكان خاصًّا مخرجاً من عام. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: قال الربيع بن سليمان المصري: قلت للشافعي. فذكر هذه الحكاية وزاد فيها: كما أجزنا بيع الصُّبْرَة، بعضها فوق بعض؛ لأنها غرر. فلما أجازها النبي، صلى الله عليه وسلم، أجزناها كما أجازها، وكان خاصًّا مستخرجا من عام (¬3). وكذلك أجاز بيع الشّقْص من الدار، وجعل لصاحبها الشفعة وإن كان الأساس مُغَيَّباً لا يرى، وخشبا في الحائط لا يرى. فلما أجاز ذلك أجزناه كما أجازه، وإن كان فيه غرر، وكان خاصًّا مستخرجًا من عام (¬4). * * * ¬

_ = بيع الدار والأساس لا يرى. وكذلك بيع الصبرة بعضها فوق بعض. أجزنا ذلك كما أجازه النبي. فكان هذا خاصاً مستخرجاً من عام. وكذلك نجيز بيع القمح في سنبله إذا ابيض، إن ثبت الحديث، كما أجزنا بيع الدار والصبرة». (¬1) كذلك في السنن الكبرى، وفي ح: «يحول». (¬2) في لسان العرب 8/ 314: قال الشافعي في باب الشفعة: «فإن اشترى شقصاً من ذلك» أراد بالشقص: «نصيباً معلوماً غير مفروز». (¬3) آداب الشافعي 88 والسنن الكبرى 5/ 338. (¬4) الأم 3/ 45 - 46 وآداب الشافعي 88. [م - 31] مناقب

أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمْرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: (¬1) سألت الشافعي عن رفع الأيدي في الصلاة؟ فقال: يرفع المصلي يديه إذا افتتح الصلاة حَذْوَ منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، ولا يفعل ذلك في السجود. فقلت للشافعي: فما الحجة في ذلك؟ فقال: حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، مثل قولنا. قال الربيع: فقلت: فإنا نقول: يرفع في الابتداء ثم لا يعود. قال الشافعي: أخبرنا مالك، عن نافع: أنّ «ابن عمر» كان إذا ابتدأ الصلاة يرفع يديه حَذْوَ منكبيه، وإذا رفع من الركوع رفعهما كذلك (¬2). قال الشافعي وهو – يَرْوِي عن النبي، صلى الله عليه وسلم: أنّه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حَذْوَ منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك. ثم خالفتم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وابن عمر، فقلتم: لا يرفع يديه إلا في ابتداء الصلاة، وقد رويتم عنهما: أنهما رفعا في الابتداء، وعند الرفع من الركوع. أفيجوز لعالم أن يترك (¬3) على النبي، صلى الله عليه وسلم وابن عمر لرأي نفسه؟ أو على النبي، صلى الله عليه وسلم، لرأي ابن عمر؟ ثم القياس على قول ابن ¬

_ (¬1) الأم 7/ 232. (¬2) الموطأ 1/ 75 والسنن الكبرى 2/ 23 – 24 والأم 7/ 186. (¬3) في ا: «ينزل» وما أثبتناه موافق لما في الأم 7/ 233.

عمر؟ ثم يأتي موضع آخر يصيب فيه، فيترك (¬1) على ابن عمر لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فكيف لم ينهه بعض هذا عن بعض؟ أرأيت إن جاز له أن يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه رفع يديه في الصلاة مرتين أو ثلاثا، وعن ابن عمر فيه اثنتين، ويأخذ بواحدة ويترك واحدة يُجَوِّزُ (¬2) لغيره ترك الذي أخذ به وأخذ الذي ترك؟ أو يُجَوِّزُ لغيره [تركه عليه. قال الشافعي: لا يجوز له ولا لغيره ترك] (¬3) ما روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم. فقلت للشافعي: [فإن صاحبنا قال: ما معنى رفع الأيدي؟ قال الشافعي:] (¬4) هذه الحجة غاية من الجهالة (¬5) معناه تعظيم الله واتباعٌ لسنة، النبي صلى الله عليه وسلم (¬6)، معنى الرفع في الأوّل (¬7) معنى الرفع الذي خالف (¬8) فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، عند الركوع، وعند (¬9) رفع الرأس من الركوع. ثم خالفتم فيه روايتكم (¬10) عن النبي، صلى الله عليه وسلم وابن عمر معاً لغير قول واحد روى (¬11) عنه رفع الأيدي في الصلاة تثبت (¬12) روايته. يروى ذلك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم – ثلاثة عشر رجلا أو أربعة عشر رجلا، ويروى عن أصحاب ¬

_ (¬1) في الأم: «يترك». (¬2) في الأم: «أيجوز». (¬3) ما بين القوسين من الأم. (¬4) ما بين القوسين من الأم. (¬5) في الأم: «من الجهل» (¬6) في الأم: «واتباع السنة». (¬7) في ا: «الأولى». (¬8) في ح: «خالفه». (¬9) في الأم: «وبعد». (¬10) في ا: «لم خالفتهم فيه من روايتكم». (¬11) في ا: «أحد رواة عنه». (¬12) في ا: «تثبيت».

رسول الله، صلى الله عليه وسلم من غير وجه فقد ترك السنة (¬1). * * * وأخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع قال (¬2): سألت الشافعي عن الطيب قبل الإحرام بما يبقى ريحه بعد الإحرام، وبعد رمي الجمر والحلاق، وَقبل الإفاضَة؟ فقال: جائز وأًحِبُّه ولا أكرهه؛ لثبوت السنة فيه عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والأخبار عن غير واحد من الصحابة. فقلت: وما حجتك فيه؟ فذكر فيه الأخبار والآثار (¬3) ثم قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم، قال: قال عمر (¬4): مَنْ رمى الجمرة فقد حلّ له ما حرم عليه إلا الطيب والنساء. قال سالم (¬5): وقالت عائشة: طيَّبت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيدي. وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أحقَّ أن تُتَّبع. قال الشافعي: وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون [من] (¬6) أهل العلم. فأمّا ما تذهبون إليه من ترك السنة لغيرها، وترك ذلك الغير لرأي أنفسكم – فالعلم إذاً إليكم تأتون منه ما شئتم، وتدعون [منه (¬7)] ما شئتم. وبسط الكلام فيه (¬8). ¬

_ (¬1) الأم 7/ 233، واختلاف الحديث بهامش الأم 7/ 213 – 214. (¬2) الأم 7/ 199 – 200. (¬3) راجع الأم 7/ 200. (¬4) الأم 7/ 200. (¬5) اختلاف الحديث 7/ 288، 290. (¬6) من الأم. (¬7) من الأم. (¬8) في الأم (7/ 200) بعد هذا: «تأخذون بلا تبصر لما تقولون، ولا حسن روية فيه. . .».

وألزم الشافعي (¬1)، رحمه الله، أهل العراق: أخذهم بحديث حج رجل عن غيره وبحديث العُمْرَي، وتركهم حديث التّفْلِيس، و [حديث] القضاء باليمين مع الشاهد. وتركهم حديث حج الرجل عن غيره، وحديث العُمْرَى. وأن كل واحد من الفريقين عاب صاحبه فيما ترك. فإن كانت له حجة فيما أخذ به وتركه غيره، فلغيره حجة فيما أخذ به وتركه. فالحجة إذاً لازمة لهما. والحق مع من أخذ بالجميع. هذا معنى كلامه فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي العباس، عن الربيع، عن الشافعي في «كتاب اختلاف الأحاديث». وقرأت في كتاب «القديم» رواية الزعفراني عن الشافعي في مسألة بيع المدبر، وقول من قال له: فإن بعض أصحابك قد قال [خلاف (¬2)] هذا. قال الشافعي: قلت له: من تبع سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم وافقته، ومن غلط فتركه (¬3) خالفته. صاحبي الذي لا أُفارِقه اللازمُ الثابتُ عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم وإن بعد، والذي أُفارِق من لم يقبل سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإن قرب. قلت: وللشافعي في هذا الجنس كلام كثير تركته لكثرته، وهو منقول في «المبسوط المردود إلى ترتيب المختصر» وبعضه في كتاب «المعرفة». والله يغفر لنا وله برحمته. ¬

_ (¬1) الأم 2/ 98 – 99، 7/ 202، واختلاف الحديث 7/ 6، 7/ 207 – 211. (¬2) من ح. (¬3) في ح: «فتركها».

43 - باب: ما يستدل به على معرفة الشافعي رضي الله عنه بالحديث

باب ما يستدل به على معرفة الشافعي رضي الله عنه بالحديث * * * وهذا الباب يشتمل على أبواب منها: باب ما يستدل به على معرفته بالأسامي (¬1) والأنساب والتواريخ * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، رحمه الله، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - قال: حدثنا علي بن الحسن قال: سمعت «أحمد بن حنبل» [يحدث (¬2)] عن الشافعي، قال (¬3): أبو طالب: اسمه عبد مناف بن عبد المطلب. وعبد المطلب: اسمه شَيْبة بن هاشم. وهاشم: اسمه عمرو بن عبد مناف. واسم عبد مناف: المغيرة بن قُصَيّ. ¬

_ (¬1) في ا: «معرفة الأسامي». (¬2) من ح. (¬3) آداب الشافعي ص 246.

واسم قُصَيّ: زيد بن كِلاَب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. وأم هانئ بنت أبي طالب: اسمها هند. وأم حكيم: بنت الزبير بن عبد المطلب: هي ضُبَاعة. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد بن يحيى الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الحنظلي - قال: أخبرني عبد الله بن أحمد ابن حنبل فيما كتب إليّ، قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، قال (¬1). أوّل الناس يلقى النبي، صلى الله عليه وسلم، بالنسب: بنو عبد المطلب. فذكرهم، وذكر بطون قريش وقبائلهم. ونقل ذلك هاهنا مما يطول به الكتاب فتركته (¬2). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو عمر بن السّمّاك، شِفَاهاً، أن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدّثهم [عن أبيه (¬3)] قال: إني كنت أجالس محمد بن إدريس الشافعي بمكة، فكنت أذاكره بأسماء الرجال، فقال: روينا عن عمر بن الخطاب عن (¬4) أهل المدينة، عن فلان بن فلان، وفلان بن فلان، فلا يزال يسمي رجلا، رجلا، وأسمى له جماعة، ثم يذكر هو عدداً من أهل مكة، فأذكر له أنا جماعة منهم. فقال لنا عبد الله: ¬

_ (¬1) آداب الشافعي 252. (¬2) راجع آداب الشافعي 252 - 270 (¬3) من ح. (¬4) في ا: «من».

وكان أبي يصف الشافعي فَيُطْنِبُ في وصفه. وقد كتب عنه أبي حديثاً صالحاً. وكتبتُ من كتبه بخطه، بعد موته، أحاديث عدّة مما سمعه من الشافعي، رحمة الله عليهما (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: حدثني أبو سليمان، قال: حدثني مصعب بن عبد الله الزّبيري، قال: ما رأيت أحداً أعلم بأيام الناس من الشافعي، رحمة الله عليه. أخبرنا محمد بن الحسين السّلمي، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا أحمد بن علي المدائني، قال: قال المزني: قدم علينا الشافعي، رحمه الله، فأتاه «ابن هشام» صاحب المغازي، فذاكره أنساب الرجال فقال له الشافعي بعد ان تذاكرا: دع عنك أنساب الرجال؛ فإنها لا تذهب عنا وعنك، وخذ بنا في أنساب النساء. فلما أخذوا فيما بَقِيَ ابن هشام [أي انقطع (¬2)]. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه قال: سمعت أبا العباس بن سريج يحكي عن بعض من يذكر بمعرفة الأنساب قال: ¬

_ (¬1) توالي التأسيس ص 57. (¬2) من ح، والخبر في توالي التأسيس ص 60.

كان الشافعي من أعلم الناس بالأنساب؛ لقد اجتمعوا معه ليلة فذاكرهم بأنساب النساء وإلى الصباح، وقال: أنساب الرجال يعرفها كل أحد. أخبرنا أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد الفقيه قال: أخبرنا شافع بن محمد، حدثنا أبو جعفر بن سلامة، حدثنا المزني، حدثنا الشافعي، حدثنا مالك، عن «عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صَعْصَعَة» عن أبيه: أنّ أبا سعيد الخدري قال له (¬1): إني أراك تحبّ الغنم والبادية. فذكر الحديث. قال الشافعي: وأخبرنا سفيان بن عيينة، قال: سمعت «عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة» قال: سمعت أبي - وكان يتيما في حجر أبي سعيد الخدري - قال: قال لي أبو سعيد الخدري: أي بني، إذا كنت في هذه البوادي فارفع صوتك بالآذان؛ فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا يسمعه إنس ولا جن ولا حجر ولا شجر، إلا شهد له (¬2)» هذا لفظ حديث سفيان. قال الشافعي: يشبه أن يكون مالك أصاب اسم الرجل (¬3). قلت: هو كما قال الشافعي، وهو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة المازني الأنصاري المديني. سمع أباه وعطاء بن يسار. روى ¬

_ (¬1) في ح: «قال له: أبي إني أراك». (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان: باب رفع الصوت بالنداء 2/ 72 والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 397، وه في الأم 1/ 75. (¬3) قال ابن المديني: وهم ابن عيينة في نسبه حيث قال: عبد الله بن عبد الرحمن. وقد وردت رواية سفيان هذه في مسند أحمد 3/ 6 وعقب عليها عبد الله بن أحمد، قال: قال أبي: وسفيان مخطئ في اسمه، والصواب: عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة.

عنه يزيد بن خصيفة ومالك (¬1) وأبو عبد الله (¬2). سمع منه ابناه: محمد، وعبد الرحمن (¬3). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الحسن (¬4): محمد بن موسى الصيدلاني يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: وهم مالك، رحمه الله، فقال: عباد بن زياد، من ولد المغيرة بن شعبة. وإنما هو مولى المغيرة بن شعبة (¬5). وقال: عبد الملك بن قرير. وإنما هو عبد الملك بن قريب الأصمعي. وقال: عن عمر بن عثمان. وإنما هو عمرو بن عثمان. كذا وقع في هذه الرواية 0 (¬6): عبد الملك بن قريب. كذلك قاله يحيى بن معين. فالصحيح عن الشافعي أنه قال: إنما هو عبد العزيز بن قريب. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر محمد بن جعفر المزكّي، ¬

_ (¬1) راجع ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله في التهذيب 6/ 209. (¬2) في ح: «عبد الرحمن» وهو خطأ. (¬3) راجع ترجمته في التهذيب 5/ 294. (¬4) في ا: «الحسين» وهو خطأ؛ راجع معرفة علوم الحديث للحاكم ص 150. (¬5) الرسالة 169، والأم 1/ 272، 4/ 402، 6/ 162. (¬6) في ا: «كذا في هذه اللغة».

الثقة المأمون، من أصل كتابه يقول: سمعت محمد بن إسحاق يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: وهم مالك في ثلاثة أسامي: قال: عمر بن عثمان، وإنما هو عمرو بن عثمان. وقال: عمر بن عبد الحكم، وإنما هو معاوية بن عبد الحكم السلمي. وقال: عبد الملك بن قرير، وإنما هو عبد العزيز بن قرير. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، رحمة الله تعالى عليه، قال: أخبرنا الحسين بن محمد الدارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي قال: قال إسماعيل بن يحيى المزني: سمعت الشافعي يقول (¬1): صحّف مالك في عمر ابن عثمان، وإنما هو عمرو بن عثمان. وفي جابر بن عتيك، وإنما هو جبر بن عتيك. وفي عبد الملك بن قرير، وإنما هو عبد العزيز بن قرير. قال عبد الرحمن: فذكرت ذلك لأبي فقال: صدق الشافعي، هو كما قال. قال أبي: قال يحيى بن معين في عبد العزيز بن قرير: هذا ليس عبد العزيز ابن قرير، وإنما هو عبد الملك بن قُريب الأصمعي (¬2). قال: قدم المدينة فجالس ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ص 224 (¬2) آداب الشافعي ص 225

مالكا فحدث عنه مالك. ولعله حدث عن شيخ عن ثابت، فأسقط مالك الشيخ وقال عن ثابت نفسه. قال عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: غلط يحيى بن معين، وما يقوله الشافعي أشبه؛ فإنّ عبد العزيز بن قرير شيخ بصري ليس بالقوي عندهم، قدم عليهم بالمدينة فحدثهم عن ثابت. وكذلك رواه محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة عن جده، عن المزني، عن الشافعي في هؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم عبد الرحمن بن أبي حاتم. أخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرني محمد بن الفضل. فذكره. وفي كل واحدة من هذه الحكايات الثلاثة زيادة مستفادة [و (¬1)] مثل ما ذهب الشافعي، رحمه الله، في هذه الأسامي ذهب جماعة من الحفاظ. والله أعلم. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي قال (¬2): وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثني محمد بن إدريس الشافعي قال: قال لي - يعني محمد بن الحسن - يا محمد بن إدريس، قد روى شريك حديث مجاهد، عن أيمن بن أم أيمن، أخي أسامة بن زيد لأمه. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) هذا الخبر من العلل ومعرفة الرجال لأحمد 1/ 392.

فقلت: لا علم لك بأصحابنا: أيمن أخو أسامة قتل مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم حنين قبل أن يولد مجاهد. ولم يبق بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، فيحدث عنه (¬1). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي (¬2): قلت لبعض الناس: هذه سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقطع في ربع دينار فصاعداً، فكيف قلت: لا تقطع اليد إلا في عشر دراهم فصاعداً؟ قال: قد روينا عن شريك، عن منصور، عن مجاهد، عن أيمن، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، شبيهاً بقولنا. قلت: أو تعرف أيمن (¬3)؟ أما أيمن الذي روى عنه عطاء فرجل حَدَثٌ لعله أصغر من عطاء. روى عنه عطاء حديثا عن تُبَيْع (¬4) بن امرأة كعب، عن كعب، فهذا منقطع، والحديث المنقطع لا يكون حجة. قال: فقد روى عن شريك بن عبد الله، عن مجاهد، عن أيمن بن أم أيمن أخي أسامة لأمه. ¬

_ (¬1) آداب الشافعي 114، والأم 6/ 115. (¬2) الأم 6/ 115، والسنن الكبرى 8/ 257. (¬3) ترجمته في التهذيب 1/ 394 - 395، والجرح والتعديل 1/ 1/318، والتاريخ الكبير 1/ 2/26. (¬4) في الأم 6/ 115 «ربيع بن امرأة كعب» وهو تحريف؛ راجع ترجمة تبيع في التهذيب 1/ 508.

قلت: لا علم لك بأصحابنا: أيمن أخو أسامة قتل مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم حنين قبل (أن) (¬1) يولد مجاهد، ولم يبق بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، فيحدث عنه. وذكر باقي المناظرة. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حيان قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن - يعني ابن عبد الله بن عبد الحكم - يقول: اختلفت أنا وأخي عبد الحكم فقال أحدنا: مات النبي، صلى الله عليه وسلم، وعلى مُلْك الروم «قيصر». وقال الآخر: بل مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى مُلْك الروم «هرقل». فتراضينا (¬2) جميعا بالشافعي، فأتيناه فذكرنا له القضية (¬3) فقال: أصبتما واتفقتما (¬4): إن قيصر إنما هو لقب ملك مثل ما يقال: أمير المؤمنين، وهرقل اسم ملك مثل ما يقال: هارون. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قلت للشافعي، رحمه الله: أسمع ابن الزبير من النبي، صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، وحفظ عنه، فكان يوم توفى، صلى الله عليه وسلم، ابن تسع سنين. ¬

_ (¬1) من الأم. (¬2) في ا: «وتواطينا». (¬3) في ا: «القصة». (¬4) ا: أو اتفقتما».

وأخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس قال: حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي في مسألة ذكرها: قد كان «سعيد بن العاص» من صالحي ولاة أهل المدينة (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا محمد بن رمضان الزيات قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: ولد مالك سنة ثلاث وتسعين، أو أربع وتسعين. ومات سنة تسع وسبعين ومائة. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا علي بن يعقوب قال: حدثنا عبد الله بن محمد البردي قال: قال ابن أبي دُكين (¬2): سمعت الشافعي يقول: قالت لي عمتي ونحن بمكة: يا بني، رأيت في هذه الليلة عجباً. قلت: وما هو؟ قالت: رأيت كأن فلانا يقول لي: مات الليلة أعلم أهل الأرض. قال الشافعي: فحسبنا ذلك، فإذا هو يوم مات مالك ابن أنس. ¬

_ (¬1) توفى سنة 59. راجع ترجمته في التحفة اللطيفة 2/ 180 - 183 والإصابة 3/ 98 - 99، والطبقات الكبرى 5/ 19 ط. ل، 30 ط. ب. (¬2) في ا: «زكير».

قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: أخبرني ابن عبد الواحد، بحمص، قال: أخبرني علي بن محمد قال: حدثني إسماعيل بن يحيى المزني قال: قال الشافعي، رحمه الله: مات «شعبة» سنة ستين ومائة. ومات «الثوري» سنة إحدى وستين ومائة. ومات «مالك بن أنس» سنة تسع وسبعين ومائة. ومات «هشيم» (¬1) سنة ثلاث وثمانين ومائة. ومات «خالد بن عبد الله» سنة ثلاث وثمانين ومائة. ومات «ابن المبارك» سنة إحدى وثمانين ومائة. ومات «سفيان بن عيينة» سنة ثمان وتسعين ومائة. ومات «عبد الرحمن بن مهدي» سنة ثمان وتسعين ومائة. ومات «يحيى بن سعيد القطان» سنة ثمان وتسعين ومائة. ومات «حسين الجعفي» سنة ثلاث ومائتين. ومات «وكيع بن الجراح» سنة ست وتسعين ومائة. * * * قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي عن الزبير بن عبد الواحد، قال: حدثنا سهل بن محمد بن عيسى قال: حدثنا أحمد بن الوزير (¬2) التجيبي قال: ¬

_ (¬1) في ح: «هشام» وهو خطأ. فهو هشيم بن بشير، كما في العبر 1/ 286. (¬2) في ا: «بن يحيى الوزير».

سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: إنما وُرِّخَ التاريخ من مقدم النبي، صلى الله عليه وسلم، المدينة، ليس من موته. وفيه عن محمد بن رمضان، عن محمد بن عبد الله بن الحكم قال: حدثنا الشافعي قال: قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والمسلمون ثلاثون ألفاً بالمدينة، وثلاثون ألفا في قبائل العرب، وغير ذلك. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: [(1 أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ¬1)] أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إليّ قال: وجدت في كتاب أبي: حدثني محمد بن إدريس الشافعي قال (¬2): لما أراد عمر بن الخطاب أن يُدَوِّن الدَّوَاوِين ويَضَعَ (¬3) الناسَ على قبائلهم، ولم يكب قِبَله ديوان، استشار الناس فقال: بمن ترون أن أبدأ؟ فقال قائل: تبدأ بقرابتك. فقال: بل أبدأ بالأقرب (¬4) فالأقرب من رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فبدأ ببني هاشم وبني المطلب وقال: حضرتُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام خيبر (¬5). حين أعطاهم الخمس معاً دون بني عبد مناف. فكانت السن ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ساقط من ح. (¬2) آداب الشافعي ص 115، والأم 4/ 82، والسنن الكبرى 6/ 364. (¬3) في ا: «وضع». (¬4) في ا: «أبدا لما». (¬5) في ا: «حنين». [م - 32] مناقب

إذا كانت في بني هاشم قدّمها، وإذا كانت في نبي المطلب قدَّمها، وكذلك كان يصنع في جميع القبائل: يدعوهم على الأسنان (¬1). ثم نظر فاستوت (¬2) قرابة بني عبد شمس وبني نوفل النبي، صلى الله عليه وسلم، فرأى أنّ عبد شمس أخا هاشم لأمه دون نوفل فرآه بهذا أقرب، ورأى فيهم سابقةً وصهراً للنبي، صلى الله عليه وسلم، دون بني نوفل فقدَّم دعوتهم على دعوة بني نوفل. ثم جعل بني نوفل بعدهم. ثم استوت قرابة بني أسد بن عبد العُزَّي وبني عبد الدار فرأى أنّ في بني أسد سابقة وصهراً، وأنهم من المطيبين، ومِنْ حلف الفُضُول، وأنهم كانوا أَذَبَّ عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم فقدَّمهم على بني عبد الدار. ثم جعل بني عبد الدار بعدهم ثم رأى بني زهرة وهُم لا ينازعهم أحد. ثم استوت له قرابة بني تيم بن مرة وبني مخزوم بن يقظة بن مرة، فرأى أن لبني تيم سابقة وصهراً للنبي، صلى الله عليه وسلم، وأن بني تيم من المطيبين ومن حلف الفضول - فقدَّمهم على بني مخزوم. ثم وضع بني مخزوم بعدهم. ثم استوت قرابة بني جمح وسهم وعدي بن كعب: رهطه فقال: أما بنو عدي بن كعب وسهم فمعا؛ وذلك أنّ الإسلام دخل عليهم وهم كذلك. لكن بمن ترون أن أبدأ: بسهم أم بجمح؟ ثم رأى أن يبدأ بجمح. فلا أدرى، ألسِنِّ جمح أو لغير ذلك؟ ثم وضع بني سهم وبني عدي بعدهم. ثم وضع بني عامر بن لؤي. ثم بني فهر. وقد زعموا أن «أبا عبيدة بن الجراح» لما رأى من تقدم بين يديه قال: أيدعى هؤلاء كلّهم قبلي؟ فقال: أنت حيث ¬

_ (¬1) في ا: «الأنساب». (¬2) في ح: «فاستوت عنده».

وضعك الله. فلما رأى جزعه قال: أما على نفسي وأهل بيتي فأنا طيب النفس بأن أقدمك. وكلم قومك فإن هم طابوا بذلك أنفساً لم أمنعكه (¬1). وقد ادعو بنو الحارث بن فهر: أن عمر قدمهم فجعلهم بعد بني عبد مناف أو بعد بني قصيّ. فسألت عن ذلك أهل العلم من أصحابه فأنكروه وقالوا: أبو عبيدة من بني محارب بن فِهْرٍ لا من بني الحارث. وهذه الدعوة المتقدمة (¬2) في غير موضعها لنبي الحارث لا لبني محارب. وإنما قدمهم معاوية بن أبي سفيان لخؤولة كانت له فيهم (¬3). ساق شيخنا أبو عبد الله بهذا الإسناد بعض (¬4) هذا المتن، والباقي كتبته من كتاب عبد الرحمن بن أبي حاتم. أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري قال: حدثنا الفضل بن الفضل الكندي قال: حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا ابن بنت الشافعي قال: سمعت أبي يقول: أقام الشافعي على العربية وأيام الناس عشرين سنة، فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما أردت بهذا إلا الاستعانة للفقه (¬5). ¬

_ (¬1) في ح: «لم أمنعكم». (¬2) في ا: «المقدمة». (¬3) آداب الشافعي ص 120. (¬4) في ا: «بغير». (¬5) في هامش ح: «بلغ مقابلة في المجلس الثاني عشر».

44 - باب: ما يستدل به على معرفة الشافعي رحمه الله بالجرح والتعديل

باب ما يستدل به على معرفة الشافعي رحمه الله بالجرح والتعديل * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول (¬1): «الشّعبي» في كثرة الرواية مثل عروة بن الزبير. أخبرنا محمد بن الحسن السلمي قال: حدثنا علي بن محمد بن عمر الدارمي قال: حدثنا ابن أبي حاتم. وأخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا محمد بن مسلم بن وارة قال: سمعت بعض أصحاب الشافعي يروي عن الشافعي قال (¬2): ليس من التابعين أحد أكثر اتباعاً للحديث من «عطاء». أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ص 208. (¬2) آداب الشافعي ص 206.

سمعت الشافعي وسأله رجل عن المشي فحنث بالمشي إلى الكعبة فأفتاه بكفارة يمين فقال له الرجل: بهذا (¬1) تقول يا أبا عبد الله؟ فقال: هذا قول من هو خير مني. قال: من هو؟ قال: «عطاء بن أبي رباح». قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: حدثنا الزبير بن عبد الواحد بالشام قال: أخبرني علي بن محمد بن عيسى قال: حدثنا محمد (¬2) بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثني محمد بن إدريس قال: حدثنا سفيان، عن معمر، عن الزهري، قال: حدثني «طاوس» ولو رأيت طاوسا لعلمت أنه لا يكذب. قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي فيما أخبرهم محمد بن يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن عبد الحكم قال: أخبرني الشافعي أو غيره. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قال أحمد بن طاهر صديقنا: حدثنا محمد ابن يحيى بن آدم المصري قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: ذكر «الزهري» عند «عمرو بن دينار» فقال عمرو: أي شيء عند الزهري؟ أنا لقيتُ جابراً، ولم يلقه، ولقيتُ ابن عُمَر، ولم يلقهن ولقيت ابن عباس ولم يلقه. قال: فقدم الزهري مكة فقيل لعمرو: جاء ¬

_ (¬1) في الأم 7/ 61: قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام لزمه أن يمشي إن قدر على المشي ... قال الربيع: وللشافعي، رحمه الله تعالى قول آخر: أنه إذا حلف أن يمشي إلى بيت الله الحرام فحنث، فكفارة يمين تجزيه من ذلك إن أراد بذلك اليمين. وهو أيضا في الأم 2/ 228. (¬2) في ا: «أحمد» وهو تحريف.

الزهري. فقال عمرو: احملوني إليه - وكان عمرو قد أقعد - فَحُمِل إليه فلم يأت إلى أصحابه إلا بعد ليل، فقيل له: كيف رأيت؟ فقال: والله ما رأيت مثل هذا القرشي قط. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي قال: حدثني ابن سعد بن إبراهيم قال: سألت «الزهري» عن شيء من أمر الخُلع فقال: إن عندي فيه ثلاثين حديثا ما سألني عنها أحد قط. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا إبراهيم بن إبراهيم النسائي قال: حدثنا أبو الحديد: عبد الوهاب بن سعد قال: حدثنا محمد بن نصر الخواص قال: حدثنا عمرو بن سواد (¬1) قال: قال الشافعي: لولا «الزهري» ذهبت السنن من المدينة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الرحمن السلمي قالا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول (¬2): لولا «مالك» و «سفيان» لذهب علم أهل الحجاز. ¬

_ (¬1) في ا: «عمر بن سوار» وهو خطأ. (¬2) الحلية 9/ 70، ومقدمة الجرح والتعديل ص 42 ومسند الشافعي ص 112 - 113 وفي ح: حدثنا عمرو بن سواد قال: قال الشافعي: لولا الزهري ذهبت السنن من المدينة، وعن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: لولا مالك ...».

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، ومحمد بن الحسين السلمي قالا: سمعنا أبا العباس الأصم يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدت «لمالك) حديثا صحيحا فشدّ يدك به؛ فإنه حجة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول (¬1): إذا ذُكر العلماء «فمالك» النجم. أخبرنا محمد بن الحسين السُّلمي قال: سمعت أبا محمد: عبد الله بن محمد بن علي يقول: سمعت محمد بن إسحاق يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا جاء الأثر «فمالك» النجم. أخبرنا أبو علي: الحسين بن محمد الروذبادي قال: سمعت محمد بن يعقوب الأصم. وأخبرنا أبو عبد الرحمن الصيرفي قال: سمعت أبا العباس - هو الأصم - يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: كان «مالك» إذا شك في شيء من الحديث تركه كله (¬2). ¬

_ (¬1) مقدمة الجرح والتعديل ص 14. (¬2) مقدمة الجرح والتعديل ص 14. والحلية 9/ 70.

أخبرنا محمد بن عبد الله الضبي قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن العباس يقول حدثنا أحمد بن محمد بن عمر القرشي قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا شك الناس في الشيء تقدموا، وإذا شك «مالك» في الشيء تأخر. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد: عبد الله بن محمد بن زياد يقول: سمعت محمد بن إسحاق: أبا بكر يقول: سمعت ابن عبد الحكم يقول: قيل للشافعي: من نَسَج البِساطَ «لمالك»؟ فقال الشافعي: «عمر بن الخطاب» قيل له: أين؟ قال: قال «عمر بن الخطاب»: من وهب هبة يرى أنه يريد ثوابها فهو أحق بها ما لم يثب منها. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا عمر بن أحمد بن شاهين قال: حدثنا أحمد بن نصر قال: حدثنا محمد بم عقيل الفريابي قال: حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمرو قال: سمعت الشافعي يقول: «مالك» أستاذي. * * * أخبرنا أبو طاهر الفقيه وأبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول:

سمعت الشافعي يقول: قال «مالك»: الحبس الذي جاء محمد، صلى الله عليه وسلم، بإطلاقه هو الذي في كتاب الله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ (¬1)} قال محمد بن عبد الله: كلم به مالك أبا يوسف عند أمير المؤمنين (¬2): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن علي التميمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: اجتمع «مالك» و «أبو يوسف» عند أمير المؤمنين فتكلما في الوقوف وما يحبسه الناس، فقال يعقوب: هذا باطل. قال شريح: جاء محمد، صلى الله عليه وسلم، بإطلاق الحبس. فقال مالك: إنما جاء محمد بإطلاق ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البَحيرة والسائبة. فأما الوقوف فهذا «وقف عمر بن الخطاب» حيث استأذن النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: حبِّس أصلها وسبِّل ثمرتها. وهذا «وقف الزبير» فأعجَب الخليفةَ ذلك منه. وبقى يعقوب (¬3). وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي حدثني عبد الرحمن بن عبد الله قال: سمعت الحسين بن علي يقول: سمعت الشافعي يقول: ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 103. (¬2) السنن الكبرى 6/ 163 والأم 3/ 275، 280. (¬3) السنن الكبرى 6/ 163.

حج هارون الرشيد فقال له جعفر: يا أمير المؤمنين قد اجتمع عندكم عالم العراق وعالم الحجاز: «مالك» و «أبو يوسف» فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بهما، يتناظران. فقال هارون لمالك: يا أبا عبد الله، ناظر أبا يوسف قال: فأمسك، فأعاد عليه فأمسك قال: فقال مالك: يا أمير المؤمنين، إنما يناظِر العالِمُ العالِمَ ليتعلم الناس فيما بينهم، أو عالمُ يتعلم منه. فأما هذا فقد باعده الله من ذلك. قال: فاشتد ذلك على هارون فقال له «مالك»: يا أمير المؤمنين، نشدتك بالله، هل تعلم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صدَّق ماله؟ وأبو بكر صدَّق ماله؟ وعمر كذلك؟ فقال: اللهم نعم. قال: فهذا يزعم أن فعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والأئمة الراشدين باطل. قال: فقال هارون: يا أبا يوسف، ما تقول في الوقف؟ قال: كان أبو حنيفة لا يراها، وأنا فقد رأيت أن أخرجها إذا كان من الثلث قال: فأعرض هارون عنه. * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين (¬1) بن أبي الحسن الدارمي، ¬

_ (¬1) في ا: «الحسن».

قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: لم يكن الشافعي يقدِّم على «مالك» في الحديث أحداً. أخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت علي بن عيسى بن إبراهيم الحيرى يقول: سمعت أحمد بن خالد الدامغاني يقول: سمعت أبا الطاهر يقول: سمعت الشافعي يقول: ما أعلم شيئا بعد كتاب الله أصح من «موطأ مالك». وأخبرنا أبو عبد الله قال: حدثنا دعلج بن أحمد قال: حدثني أحمد بن علي الأبار قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من «كتاب مالك». وأخبرنا أبو عبد الله قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي قال: حدثنا يحيى بن عثمان (¬1) بن صالح قال: حدثنا هارون بن سعيد الأَيْلي قال: سمعت الشافعي يقول: ما كتاب، بعد كتاب الله عز وجل، أنفع للمسلمين من «موطأ مالك (¬2)». ¬

_ (¬1) في ح: «يحي بن يحي». (¬2) الحلية 9/ 70.

أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: حدثنا الحسن بن رشيق - إجازة - قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن سليمان (¬1) المقدس قال: حدثنا محمد بن أبي عمر العبدي (¬2) قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: «مالك بن أنس» معلمي، وعنه أخذنا العلم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو تراب المذكر قال: حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: لم يزل الشافعي يقول بقول «مالك» ولا يخالفه إلا كما يخالف بعض أصحابه، حتى أكثر فتيان على الشافعي من خَلْفه الألفاظَ التي لا تجوز؛ فحمله ذلك على أن (¬3) وضع على «مالك». وإلا فالدهر إذا سئل عن الشيء قال: هذا قول الأستاذ «مالك». قلت: هذا الذي ذكره ابن عبد الحكم في عذر الشافعي فيما وضع من الكتاب على مالك فإنه يحتمل بعض الاحتمال. وقد قرأت في كتاب أبي يحيى زكريا بن يحيى الساجي فيما حدثه المصريون: أن الشافعي إنما وضع الكتاب على «مالك» أنه بلغه أن بأندلس كُمَّةً لمالك - يعني قلنسوة - يُستسقى بها. وكان يقال لهم: قال رسول الله، صلى الله ¬

_ (¬1) في ا: «مسلم». (¬2) في ا: «العدني». (¬3) في ا: «ما».

عليه وسلم فيقولون: قال مالك: فقال الشافعي: إن مالكا آدمي قد يخطئ ويغلط. فالذي دعاه إلى أن وضع عليه هذا الكتاب: ذلك. وكان يقول: كرهت أن أفعل ذلك، ولكني استخرت الله في ذلك سنة كذا. حكاه الساجي. وأبين من هذا ما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الحسن بن رشيق المصري، إجازة، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن آدم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: قدمت مصر ولا أعرف أن «مالكا» يخالف من الأحاديث (¬1) إلا ستة عشر حديثا، فنظرت فإذا هو يقول بالأصل ويدع الفرع، ويقول بالفرع ويدع الأصل. وهذا الذي حكاه عنه الربيع هو الأصل في وضعه عليه. وذلك بَيِّنٌ في كتابه الذي وضعه عليه، وهو أنه بدأ الكتاب بما (¬2) أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال (¬3): قال الشافعي رحمه الله: إذا (¬4) حدث الثقة عن الثقة حتى ينتهي إلى رسول ¬

_ (¬1) في ح: (من حديثه». (¬2) في ا: «ما». (¬3) الأم 7/ 177. (¬4) الذي في اختلاف مالك والشافعي: سألت الشافعي: بأي شيء تثبت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: قد كتبت هذه الحجة في كتاب «جماع العلم». ... فقلت: أعد من هذا مذهبك ولا تبال أن يكون فيه في هذا الموضع. فقال الشافعي: إذا حدث الثقة ... الخ.

الله، صلى الله عليه وسلم. [فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] (¬1). ولا يُترك لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديثٌ أبداً إلا حديث وجد عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديث يخالفه. فإذا اختلفت الأحاديث عنه فالاختلاف فيها وجهان: أحدهما: أن يكون أحدهما بها ناسخ ومنسوخ فنعمل بالناسخ ونترك (¬2) المنسوخ. والآخر: أن تختلف ولا دلالة على أيّها (¬3) الناسخ فنذهب إلى أثبت الروايتين. فإن تكافأتا ذهبتُ إلى أشبه الحديثين بكتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، فيما سوى ما اختلف فيه الحديثان من سنته. ولا يعدو حديثان اختلفا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يوجد فيهما (¬4) هذا أو غيره مما يدل على الأثبت (¬5) من الرواية عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وإذا كان الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا مخالف له عنه، وكان يروى عمن دون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديث يوافقه لم يزده قوة، وحديث النبي، صلى الله عليه وسلم، مستغن بنفسه. ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من ح ومن الأم. (¬2) في ا: أن يكون لها ناسخ ومنسوخ فعمل بالناسخ وترك المنسوخ». (¬3) ليست في ح. (¬4) في ا. «فيها». (¬5) في ا: «ألا يثبت».

وإن كان يروى عمن دون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديث يخالفه لم ألتفت إلى ما خالفه، وحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم. أولى أن يؤخذ به. ولو علم من روي عنه خلاف (¬1) سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سنته اتبعها إن شاء الله. قال الربيع: قلت للشافعي: أفيذهب صاحبنا هذا المذهب؟ قال: نعم، ذهبه في بعض العلم، وتركه في بعضه. ثم ذكر ما ذهب فيه هذا المذهب (¬2). ثم ذكر ما تركه لقول واحد من الصحابة أو لقول بعض التابعين أو لرأي نفسه. ثم ذكر ما ترك من أقاويل الصحابة، لرأي بعض التابعين، أو لرأي نفسه. وذكره مع هذا قوله في بعض ما ذهب إليه: الأمر المجتمعَ عليه عندنا وهو مختَلفٌ فيه. ولا يجوز ادعاء الإجماع بالمدينة أو في غيرها، وفي القول الذي ادعى فيه الإجماع اختلاف. وذكر مثال (¬3) ذلك في قوله: «اجتمع الناس على أن سجود القرآن إحدى عشرة وليس في المُفَصَّل منها شيء (¬4)». ¬

_ (¬1) في ا: «بخلاف». (¬2) في ا: «ما ذهب به المذهب». (¬3) ليست في ا. (¬4) راجع تفصيل مناظرة الربيع للشافعي في الأم 7/ 248.

وقد روى «هو» (¬1) عن أبي هريرة أنه سجد في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}. وأخبرهم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سجد فيها، وأن (¬2) عمر بن عبد العزيز أمر محمداً - يعني ابن قيس - أن يأمر القراء أن يسجدوا في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، وأن عمر بن الخطاب سجد في «النجم» (¬3) وأن عمر وابن عمر سجدا في سورة الحج سجدتين (¬4). فقد روى السجود في المفصّل عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وأبي هريرة، وعمر بن عبد العزيز (¬5) فمَن الناس الذين اجتمعوا (¬6) على أن لا سجود في المفصل. ثم بسط الكلام إلى أن قال: أكثر الفقهاء على أن في المُفَصَّل سجوداً، وأكثر أصحابنا على أن في سورة الحج سجدتين، و «هو (¬7)» لا يعد في الحج إلا سجدة، ويزعم أن الناس اجتمعوا (¬8) على ذلك: وأي ناس يجتمعون وهو يروى عن عمر وابن عمر ¬

_ (¬1) أي مالك في الموطأ كتاب القرآن: باب ما جاء في سجود القرآن 1/ 205 والسنن الكبرى 2/ 315. (¬2) لم ترد رواية عمر بن عبد العزيز في الموطأ من رواية يحيى بن يحيى. (¬3) السنن الكبرى 2/ 314، 323، والموطأ 1/ 206 (¬4) السنن الكبرى 2/ 317 والموطأ 1/ 205 - 206. (¬5) الأم 7/ 248 وفيها أن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن سلمة. (¬6) في ح: «اجتمعوا له». (¬7) أي مالك. (¬8) في ا: «اجتمعوا له».

أنهما سجدا في الحج سجدتين؟!. وذكر من أمثال هذا ما يطول الكتاب بنقله. وقال في هذا الكتاب في بعض ما قال مالك: الأمر المجتمع عليه كذا. وليس فيه إجماع: فياليت شعري (¬1)، من هؤلاء المجتمعون الذين لا يسمَّوْن فإنا لا نعرفهم؟ والله المستعان، ولم يكلِّف الله أحداً أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه (¬2). وهذا فيما أخبرناه أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي. فذكره. * * * وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعي قال: حدثنا مالك، عن أبي الزبير، عن عطاء بن أبي رباح، عن «ابن عباس»: أنه سئل عن رجل وقع على أهله وهو محرم بمنى قبل أن يُفيض؟ فأمره أن ينحر بَدَنَة (¬3). قال الشافعي: وبهذا نأخذ. وقال «مالك»: عليه عمرة وبدنة وحجّه تام (¬4) ورواه عن «ربيعة». فترك قول ابن عباس لرأي ربيعة (¬5). ¬

_ (¬1) عن الأم 3/ 194، وانظر الأم 2/ 216. (¬2) في الأم بعد هذا: «ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف؟ إن هذه لغفلة طويلة. ولا أعرف أحداً يؤخذ عنه العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله». (¬3) الموطأ، كتاب الحج: باب من أصاب أهله قبل أن يفيض 1/ 384. (¬4) الموطأ في الموضع السابق. (¬5) في الموطأ، وقال بعقبه: وذلك أحب ما سمعت إلى في ذلك. [م - 33] مناقب

ورواه عن ثور بن زيد عن «عكرمة» يظنه عن ابن عباس (¬1)، وهو سيء القول في «عكرمة» لا يرى لأحد أن يقبل حديثه (¬2)، وهو يروى بيقين عن عطاء عن ابن عباس خلافه، وعطاء الثقة عنده وعند الناس. والعجب له أن يقول في «عكرمة» ما يقول، ثم يحتاج إلى شيء من علمه يوافق قوله فيسميه مرة ويروى عنه ظنا ويسكت عنه أخرى. ويروى عن ثور بن زيد عن ابن عباس في «الرضاع (¬3)» و «ذبائح نصارى العرب (¬4)» وغيره، ويسكت عن «عكرمة»، وإنما يحدِّثه ثور عن «عكرمة». ¬

_ (¬1) في الموطأ عن ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض: يعتمر ويهدي. (¬2) في التهذيب 7/ 268: وقال إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى وغيره: كان مالك لا يرى عكرمة ثقة ويأمر أن لا يؤخذ عنه، وقال الدوري عن ابن معين: كان يكره عكرمة، قلت: فقد روى عن رجل عنه؟ قال: نعم. شيء يسير، ثم نقل قول الشافعي المذكور هنا. (¬3) في الموطأ 2/ 602 عن ثور بن زيد الديلي، عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول: «ما كان في الحولين، وإن كان مصة واحدة فهو يحرم». وهو في تفسير ابن كثير 1/ 855 من رواية الدراوردي، عن ثور، عن عكرمة. وكانت وفاة ثور بن زيد الديلي سنة 135 وترجمته في تهذيب التهذيب 2/ 31 - 32 وميزان الاعتدال 1/ 373 وفيه: قال البيهقي: «مجهول»!. (¬4) حيث روى في الموطأ 2/ 489: عن ثور بن زيد الديلي، عن عبد الله، أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب؟ فقال: لا بأس بها. وتلا هذه الآية: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}. وفي الأم 2/ 196. ولم يدرك ثور ابن عباس.

وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا منها فيأخذ بقول ابن عباس: «مَنْ نَسِى من نُسْكه شيئا أو تركه فليُهْرق دما» فيقيس عليه ما شاء الله من الكثرة، ويترك قوله في غير هذا منصوصا لغير معنى!. هل رأى أحداً قطّ تم (¬1) حجُّه فعمل في الحج شيئاً لا ينبغي له - فقضاه بعمرة؟!. وكيف يَعْتَمِرُ عنده وهو في (¬2) بقية مِنْ حِجِّه؟ فإن قلتم: يعتمر بعد الحج، فكيف يكون حجٌّ قد خرج منه كله وقضى عنه حجة الإسلام وخرج من إحرامه بالحج، ثم يقول: عليه إحرام بعمرة، عن حج؟ ما علمت أحداً من مفتي الأمصار قال هذا قبل «ربيعة» إلا ما روى عن «عكرمة». وهذا من قول «ربيعة» عفا الله عنا وعنه، من ضرب: «من أفطر يوما من شهر رمضان قضى باثني عشر يوما»، ومن قبّل امرأته (¬3) وهو صائم اعتكف ثلاثة أيام». وما أشبه هذا من أقاويل كان يقولها!!. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: سمعت الربيع يقول: قال الشافعي: قال «ربيعة»: من أفطر من رمضان يوما قضى اثني عشر يوما؛ لأن الله تعالى اختار شهراً من اثني عشر شهراً، فعليه أن يقضي بدلا من يوم اثني عشر يوماً. ¬

_ (¬1) ليست في ح. (¬2) ليست في ا. (¬3) في ح: «امرأة».

فقال الشافعي: يلزمه أن يقول: من ترك الصلاة [ليلة القدر لزمه ألف يوم لأن (¬1)] ليلة القدر خير من ألف شهر. قلت: وإنما حملني على بيان ما حمل الشافعي، رضي الله عنه، على خلاف مالك في بعض المسائل إبلاء (¬2) عذره في ذلك. ومع خلافه إياه هو قائل بفضله وتقدُّمه فيما هو مقدّم فيه من الحديث وغيره. رحمنا الله وإياه. وقد ذكرنا في هذا الكتاب مناظرة الشافعي لمحمد بن الحسن في تقديم مالك. وحين وضع ذلك الكتاب لم يقصد به الردّ على مالك، ولم يصرح به. وحين قال له الربيع - وكان يذهب في الابتداء مذهب مالك: فاذكر مما روينا شيئا (¬3) - يعني فخالفناه - فقال الشافعي: لا أرب لي في ذكره وإن سألتني عن قولي لأُوَضّح لك الحجة فيه. قال الربيع: فقلت للشافعي: لست أريد مسألتك ما كرهت من ذكر أحد، ولكني أسألك في أمر أحبّ أن توضّح لي فيه الحجة. قال: فسل. فجعل الربيع يسأله وهو يجيب. وجملة الكتاب فيما قرأته على أبي سعيد بن أبي عمرو أن أبا العباس الأصم حدثهم قال: حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي. فذكره. ¬

_ (¬1) زيادة واجبة. (¬2) في ح: «إبداء». (¬3) في الأم 7/ 184: «فقلت للشافعي: فاذكر مما روى شيئا، فقال: لا أرب».

أخبرنا أحمد بن منصور التاجر قال: حدثنا أبو علي: الحسن بن حفص ابن الحسن القضاعي ثم الأندلسي قال: حدثنا أبو الحسين: علي بن الحسن القطان البلخي قال: حدثنا عبد العزيز (¬1) بن جعفر قال: حدثنا محمد بن عبد الغني قال: حدثنا أبي قال: قلت للشافعي: يا أبا عبد الله، رأيت أحدا ممن أدركت مثل مالك بن أنس؟ فقال أبو عبد الله الشافعي: سمعت مَنْ تقدَّمَنا في السن والعلم يقولون: لم نَرَ مثل مالك فكيف نرى مثله؟ ثم قال الشافعي: إن مالكا كان مقدَّماً عند أهل العلم، قديما بالمدينة والحجاز والعراق، قديم الفضل معروفا عندهم بالإتقان في الحديث ومجالسة العلماء. وكان ابن عيينة إذا ذكره رفع بذكره ويحدث عنه، وكان مسلم بن خالد الزِّنْجي - وهو مفتي أهل مكة وفقيهُها في زمانه - يقول: جالست مالك بن أنس في حياة جماعة من التابعين منهم: زيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد، وهشام بن عروة. وقال الشافعي: كان «مسلم بن خالد» حين أردتُ الخروج إلى «مالك» كتب لي إليه كتابا فأخذ كتابه مني وقرأه (¬2). سمعت الحكاية من أحمد بن منصور بقراءة شيخي عليه وصح ذلك. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا زكريا: يحيى بن محمد العنبري ¬

_ (¬1) في ا: «عبد الله». (¬2) توالي التأسيس 50.

يقول: سمعت أبا العباس الأزهري يقول: سمعت النوفلي يقول: سمعت الشافعي يقول: ما أعلم على وجه الأرض كتابا أنفع للمسلمين من «موطأ مالك». ثم قال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة مَنْ كان يحفظ أحاديث أهل الحجاز؟ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا دعلج بن أحمد قال: حدثنا أحمد ابن علي الأبَّار قال: حدثنا أحمد بن خالد - يعني الخلال قال: قال الشافعي: قيل لمالك بن أنس: عند ابن عيينة أحاديث عن الزهري (1 ليست عندك، قال: وأنا أحدث عن الزهري ¬1) بكل ما سمعت؟ إذا أريد أن أضلّهم (¬2). وقرأت في كتاب العاصمي عن الزبير بن عبد الواحد، عن أحمد بن يحيى قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: سمعت «مالك بن أنس» يقول (¬3) ليس يَسْلَم رجلٌ يحدِّث بكُل ما سمع. أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد الماليني قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا الحسن بن إسحاق الخولاني، والحسين بن محمد بن الضحاك قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ساقط من ا. والخبر في الحلية 6/ 321 - 322. (¬2) آداب الشافعي 199. (¬3) سقطت من ا.

قال لي الشافعي: إذا جاء الحديث فمالكٌ النَّجم (¬1). قال: وسمعته يقول: مالك وابن عيينة القَرِينَان (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حيان قال: حدثنا محمد - يعني ابن عبد الرحمن بن زياد قال: حدثنا الحسن بن علي الطوسي قال: حدثنا أبو إسماعيل: محمد بن إسماعيل السُّلَمي قال؟ سمعت البُوَيْطي يقول: سئل الشافعي فقيل له: كم أصول الأحكام؟ فقال: خمسمائة. قيل له: فكم أصول السُّنن؟ قال: خمسمائة. فقيل له: كم منها عند مالك؟ قال: كلها إلا خمسةً وثلاثين. قيل له: كم عند ابن عيينة؟ قال: كلها إلا خمسة. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس قال: حدثني أبي قال: حدثنا حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: كان على المدينة «الهاشمي» فأرسل إلى «مالك» فقال: أنت الذي تفتي في الإكراه وإبطال البيعة؟ فضربه مُجَرِّداً ثيابه حتى أصاب كتفه خلع، فكان لا يزر أزراره بيده. قال حرملة: «الهاشمي» هو جد جعفر الهاشمي. قال حرملة: قال ابن وهب: مكث مالك بن أنس حتى مات لا يقدر أن يزر زره بيده اليسرى من شدة ما مُدَّ حيث ضُرب. ¬

_ (¬1) ترتيب المدارك 2/ 70، والحلية 6/ 318، والانتقاء 23. (¬2) مقدمة الجرح والتعديل ص 33، والحلية 6/ 318، وآداب الشافعي 204، 205.

قلت: وزعم الواقدي أن الذي ضربه «جعفر بن سليمان بن علي». وكذلك قاله أبو داود السجستاني. وقال غيرهما: «سليمان بن جعفر بن سليمان». وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التاريخ قال: سمعت أبا زكريا العنبري يقول: سمعت أبا عبد الله البوشنجي يقول: سمعت أبا عبد الرحمن الشافعي يقول: سمعت الشافعي يقول: أنا أعلم الناس فيم ضُرب مالك: كان بالمدينة والٍ زبيري، أراه قال: «بَكار الزبيري» فبلغه أن مالكا سُئل عن عثمان وعلي فقال: لست أجعل مَنْ خاض الدماء كمَنْ لم يخضها. قال: فاعتل عليه بأيمان البيعة فضربه، فبلغ الرشيد فأنكره وعزل العامل (¬1). * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو محمد: دعلج بن أحمد السجزي قرأته عليه في كتابه قال: حدثنا علي بن أحمد الأبّار قال: حدثنا أحمد ابن خالد قال: حدثنا الشافعي قال: قلت الزنجي بن خالد: عند سفيان بن عيينة عن الزهري أحاديث ليس عندك؟ فقال: أنا إنما سمعت قبل ابن عيينة: جئت فجلست إلى الزهري فقال لي: أي شيء اسم هذا الجبل؟ وأي شيء كذا؟ وأي شيء كذا؟ فجاءه ابن عيينة فسأله عن هذه الأحاديث. ¬

_ (¬1) ترتيب المدارك 2/ 130 - 131، والتحفة اللطيفة 1/ 405، 406، والعقد الثمين 2/ 419، وآداب الشافعي 203، 204.

أخبرنا أبو سعد الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا الحسن بن إسحاق الخولاني قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا سَهْل: محمد بن سليمان الفقيه إمام الشافعيين في عصره يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: سمعت: وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت الشيخ أبا سهل: محمد ابن سليمان يقول: أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثني يونس ابن عبد الأعلى قال: قال الشافعي: لم أر أحداً جمع الله فيه من آلة الفتوى (¬1) ما جمع في «ابن عيينة» أمسك عنه منه. وفي رواية الماليني: ما رأيت وقال: أَوْقَف أو أَجْبن عن الفتيا منه (¬2). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو أحمد الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الحنظلي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي يقول: ما أدركت أحداً من الناس فيه من آلة الفُتْيا ما في «سفيان بن عيينة» وما رأيت أحداً أكفّ عن الفُتْيَا منه، وما رأيت أحداً أحسن تفسيراً للحديث منه (¬3). * * * أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني محمد بن يوسف الدقيقي ¬

_ (¬1) في ا: «الفنون» وهو خطأ. (¬2) آداب الشافعي 205 - 206، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص 65. (¬3) آداب الشافعي ص 206، ومقدمة الجرح والتعديل ص 32 - 33.

قال: سمعت حامد بن الشرقي الحافظ يقول: سمعت محمد بن إسحاق يذكر عن الربيع بن أبا سليمان: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت رجلا أشبه فقهه بحديثه من «الأوزاعي». أخبرنا أبو سعد الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا محمد ابن يحيى بن آدم، ويحيى بن زكريا بن حَيْوةَ (¬1) قالا: حدثنا محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أحمد بن محمد المسافري (¬2) قال: حدثنا محمد بن المنذر الهروي قال: حدثنا ابن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: قال «الزهري»: لا يزال بهذه الخَرَّة علم ما دام بها ذاك الأحول. يريد محمد بن إسحاق. لفظهما سواء. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني نصر بن محمد بن أحمد الصوفي قال: حدثنا أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن أحمد البخاري (¬3) ببغداد، وقد كتبت أنا عن الشيخ بنيسابور قال: حدثنا العباس بن عمر (¬4) بن القطان المروزي قال: حدثنا حرملة بن يحيى التُّجيبي قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: الناس عيال على هؤلاء: من أراد أن يتبحَّر في المغازي فهو عيال على «محمد بن إسحاق بن يسار». ¬

_ (¬1) في ا: «حيوية». (¬2) في ح: «المسامري». (¬3) في ح: «النماري». (¬4) في ح: «ابن عزير».

ومن أراد أن يتبحر في الشعر فهو عيال على «زُهير بن أبي سُلْمى». ومن أراد أن يتبحر في تفسير القرآن فهو عيال على «مقاتل بن سليمان». وأخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت أبا أحمد الحافظ قال: حدثنا أبو محمد: عبد الله بن جامع الحُلْواني (¬1) قال: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري قال: سمعت حرملة بن يحيى يقول: سمعت الشافعي يقول: من أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك. ومن أراد الجدل فعليه بأبي حنيفة. ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان. أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله قال: أخبرنا دعلج بن أحمد بن دعلج السجزي ببغداد قال: حدثنا أحمد بن علي الأبّار قال: حدثنا أحمد بن يحيى ابن وزير قال: سمعت الشافعي، وذكر داود بن قيس الفرّاء، وأفلح بن حميد الأنصاري فرفع بهما في الثقة والأمانة والإتقان لما رَوَوْا. أخبرنا محمد بن عبد الله قال: أنبأنا أبو زكريا العنبري قال: حدثنا أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم البوشنجي قال: قال إسحاق بن إبراهيم: قلت للشافعي: ما حال «جعفر بن محمد» عندكم؟ فقال: ثقة كتبنا عن إبراهيم (¬2) بن أبي يحيى عنه أربعمائة. أخبرنا أبو الحسن: محمد بن يعقوب الفقيه قال: حدثنا أبو أحمد ¬

_ (¬1) في ح: «الخولاني». (¬2) في ا: يعد كتبا عن إبراهيم بن أبي يحيى ...».

ابن عدي قال: حدثنا إبراهيم بن السمرقندي بمصر قال: سمعت أبا عبد الله ابن أحمد بن [أخي بن وهب (¬1)] قال: سمعت الشافعي يقول: «الليث» أفقه من «مالك» إلا أن أصحابه لم يقوموا به (¬2). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي يقول: سمعت محمد بن المسيّب يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: ما فاتني أحد فأسفت عليه ما أسفت على الليث وابن أبي ذئب (¬3). وكذلك رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم عن يونس. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي: ما اشتد عليّ فوت (¬4) أحد من العلماء مثل فوت «ابن أبي ذئب» و «الليث بن سعد» فذكرت ذلك لأبي فقال: ما ظننت أنه أدركهما حتى تأسف عليهما (¬5). ¬

_ (¬1) ما بين القوسين سقط من ا. (¬2) الرحمة الغيثية لابن حجر ص 6. (¬3) توالي التأسيس 51، وحلية الأولياء 9/ 74، 109، وتاريخ بغداد 2/ 300 - 301. (¬4) في ا: «موت» وهو خطأ. (¬5) آداب الشافعي ص 29، ونقلها ابن حجر في توالي التأسيس 51. وعقب عليها بقوله: قلت: أما الليث فادركه؛ فإنه حين اجتمع بمالك وقرأ عليه في الموطأ كان موجودا لكن بمصر. وأسف أن لا يكون له إذ ذاك - معرفة بقدر الليث فكان يرحل إليه. أو كان يعرف لكن لم يكن له قدرة على الرحلة إليه، فأسف على فوته، وأما ابن أبي ذئب =

وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت الحسين بن محمد الدارمي يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: قال الشافعي رضي الله عنه: ما فاتني أحد فيمن أدركت زمانه كان أشدَّ علي من «الليث بن سعد» و «ابن أبي الزناد (¬1)» كذا قال، ولعله قالهما مع الليث فحفظ أحدهما يونس، والآخر ابن عبد الحكم. والله أعلم. * * * أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد بن الخليل الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا أحمد بن علي قال: حدثنا بحر بن نصر عن الشافعي قال: كان «المنصور بن المعتمر» حافظاً عندهم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي وسأله يونس بن عبد الأعلى: إذا روى الحديث: «منصور»، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، أتقوم به حجة؟ قال: لا حتى يروى بالحجاز وإن كان منقطعا مع ذلك. وإنّ بالعراق قوما صالحين ما يُستظهر عليهم بأحد. ¬

_ = فمات والشافعي ابن تسع سنين بالمدينة، والشافعي إذ ذاك صغير. ولا يلزم من ذلك أن لا يصح منه الأسف على فوت لقيه. بمعنى أنه أسف أن لا يكون له إدراك زمانه. (¬1) في ا: «ابن أبي زياد».

وبهذا الإسناد قال إبراهيم بن محمود: وقلت للربيع: سمعتَ الشافعي يقول: إذا جاوز الحديث الحرمين ضعف نُخُاعُه؟ قال: نعم (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني دعلج بن أحمد السجزي قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشافعي رضي الله عنه في شيء ناظرته فيه: والله ما أقول لك إلا نُصْحاً: إذا وجدت أهل المدينة على شيء فلا يدخلن قلبَك شكٌّ أنه الحق. وكل ما جاءك وإن صح وقوى كلّ القوة ولم تجد له بالمدينة أصلا وإن ضعف - فلا تعبا به ولا تلفتْ إليه. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا أبو الحسن: علي بن محمد ابن عمر الرازي الفقيه قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: والله لو صح الإسناد من أصحاب أهل العراق غاية ما يكون من الصحة ثم لم أجد له أصلاً - يعني بالمدينة ومكة - على أي وجه كان، مرسلا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أو متصلاً، أو قال به واحد من علماء الحجاز، أو على أي وجه كان - لم أكن أعبأ بذلك الحديث على أي صِحَّة كان. هكذا كان يقول الشافعي، رضي الله عنه، وكذلك كان يقول مالك ابن أنس والمتقدمون من أهل الحجاز؛ لما ظهر من تدليسات - يعني أهل العراق، ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ص 200.

والزيادات التي وقعت في رواياتهم. وقد ذكرنا قول السلف في ذلك في «كتاب المدخل» فطَلَبُوا فيما رُوي من روايات أهل الحجاز ما يؤكده. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم. وأخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد بن محمد بن الهروي قال: حدثنا أبو أحمد ابن عدي قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن حَيّوية قال: قرئ على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: حدث شعبة عن حماد عن إبراهيم بحديث. قال شعبة: فلقيت حمادا فقلت له: أما سمعتَ من إبراهيم؟ قال: لا، ولكن حدثني مغيرة. قال: فذهبت إلى مغيرة فقلت له: إن حمادا أخبرني عنك بكذا وكذا. فقال: صدق. قلت: سمعتَ من إبراهيم؟ قال: لا، ولكن حدثني منصور. فلقيت منصورا فقلت: حدثني عنك مغيرة بكذا وكذا. فقال: صدق. فقلت سمعتَ من إبراهيم؟ قال: لا، ولك حدثني الحكم. فجهدت أن أعرف من طريقه فلم أعرفه ولم يمكني (¬1). قال عبد الرحمن: فذكرته لأبي فقال: هذا حديث إبراهيم في الضحك في الصلاة. قلت: ثم قام بهذا العلم جماعة من أهل العراق وغيرهم فميزوا صحيح رواياتهم من سقيمها، ومن دلَّس منهم ومن لم يُدلّس، فقامت الحجة بما صح منها. ¬

_ (¬1) معرفة السنن والآثار للبيهقي 1/ 72.

وعاد إلى القول به الشافعيُّ رحمه الله أيضا. والله أعلم. وذلك فيما أخبرنا أحمد بن أحمد بن محمد بن الخليل الصوفي قال: أخبرنا عبد الله بن عدي قال: حدثنا علي بن أحمد المدائني قال: حدثنا بحر بن نصر، قال: أملى علينا الشافعي، رحمه الله، قال: مَنْ عُرِفَ من أهل العراق ومن أهل بلدنا بالصدق والحفظ - قبلنا حديثه. ومن عرف منهم ومن أهل بلدنا بالغلط رددنا حديثه. وما حَابَيْنَا أحداً، ولا حملنا عليه. وأخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرني نصر (2 بن محمد بن أحمد العدل (¬1) قال: حدثنا عمر بن الربيع بن سليمان، بمصر، قال: حدثنا الحضرمي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: قال لنا الشافعي: أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني، إن شاء، يكون كوفيا أو بصريا أو شاميا؛ حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا (¬2). وهذا لأن أحمد بن حنبل كان من أهل العراق، فكان أعلم برجالها من الذي لم يكن من أهلها، وكان أحمد عند الشافعي من أهلها، وكان أحمد عند الشافعي من أهل العلم بمعرفة الرجال فكان يرجع إلى قوله فيهم (¬3). أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي، وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي، ¬

_ (¬1) في ح: «منصور. . . بن العدل» وهو خطأ. (¬2) الحلية 9/ 170، وتاريخ دمشق لوحة 202 - ا. (¬3) تاريخ دمشق: الموضع السابق.

وأبو أحمد: عبد الله بن محمد بن الحسن المهرجاني، وأبو عثمان بن عبدان في آخرين قالوا: أخبرنا أبو العباس: محمد بن يعقوب الأصم قال: حدثنا يوسف بن عبد الله الخوارزمي قال: سمعت حرملة يقول: سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد وما خلّفت بها أحداً أتقى ولا أورع ولا أعلم - وأظنه قال: ولا أفقه - من «أحمد بن حنبل (¬1)». * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا الحسن ابن سفيان (¬2) قال: حدثنا حرملة بن يحيى. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن رُمَيح قال: حدثنا الحسن بن صاحب الشلشي (¬3) قال: حدثنا أبو حاتم قال: سمعت حرملة يقول: قال الشافعي: لولا «شعبة» ما (¬4) عرف الحديث بالعراق. وكان يجئ إلى الرجل فيقول: لا تحدث وإلا استعديت عليك بالسلطان (¬5). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا أبو عوانة: يعقوب بن إسحاق عن الربيع قال: كان الشافعي إذا قاس إنسان فأخطأ القياس قال: هذا قياس «شعبة» (¬6). ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للعبادي ص 14. (¬2) في ح: «رشيق». (¬3) في ح: «الحارث صاحب الشاشي». (¬4) في أ: «لما) 9. (¬5) آداب الشافعي 209، ومقدمة الجرح والتعديل ص 127، والتذكرة 1/ 193. (¬6) آداب الشافعي 209. [م - 34] مناقب

قال الشافعي: وكان «شعبة» - إذا أتاه الرجل يسأله عن مسألة - يسأل عن اسمه وموضوعه وصناعته، ثم يجيب في مسألته، ويجئ أصحابه فيلقيها على أصحابه، فإن أصاب فذلك، وإن أخطأ ذهب إليه وقال: يا هذا، ليس كما أفتيتك: الأمر كذا وكذا (¬1). ورواه عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه عن الربيع بأشبع (¬2) من هذا الكلام قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: كان الرجل - إذا سأل «شعبة» عن مسألة - سأله عن اسمه واسم أبيه وصناعته ومنزله، ثم يفتيه في ذلك، ثم يجئ إلى أصحابه فيذاكرهم بالمسألة (¬3)، فيقولون: هو كذا وكذا خلاف ما أفتى فيقول: نعم. فيأخذ بيد أصحابه ويذهب إلى الرجل فيقول: ليس هو كما أفتيتك: هو كذا وكذا. قال: ثم لا يمنعه بعد ذلك أن يستفتي في ذلك فيفتي فيه بذلك (¬4). أخبرنا أبو سعيد: أحمد بن محمد الماليني قال: حدثنا عبد الله بن عدي الحافظ قال: حدثنا الحسين بن محمد الضحاك، ويحيى بن زكريا بن حيوية وإسماعيل بن داود بن وردان - كلهم بمصر - قالوا: حدثنا محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: قال لي محمد بن الحسن: لو علمتُ أن «سيف بن سليمان» يروي حديث اليمين مع الشاهد أفسدتُه. قال: فقلت يا أبا عبد الله، إذا أفسدتَه فسدَ (¬5). ¬

_ (¬1) آداب الشافعي: الموضع السابق. (¬2) في أ: «ما شبع» وهو تصحيف. (¬3) ليست في أ. (¬4) في أ: «كذلك». (¬5) السنن الكبرى 10/ 167، والحلية 9/ 108.

قلت: قد روينا عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: كان «سيف بن سليمان» عندنا ثقةً ممن يحفظ ويصدق (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم الرازي - قال: أخبرني أبي قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: قال الشافعي: أنا استأذنت لابن وهب على إبراهيم بن سعد. قال أبو محمد - يعني ابن أبي حاتم - هذا يدل أنه كان حظيًّا عنده مستمكنا (¬2) منه حتى استأذن لابن وهب عليه (¬3). أخبرنا محمد بن الحسين قال: حدثنا علي بن محمد بن عمر الفقيه قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سمعت أبي يقول: حدثنا أحمد بن أبي سريح قال: سمعت الشافعي يقول: يقولون يحابي! ولو حابينا حابينا «الزهري (¬4)». وإرسال «الزهري» ليس بشيء. وذاك أنك تجده يروي عن «سليمان بن أَرْقَم (¬5)». أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو ترب المذكر قال: حدثنا ¬

_ (¬1) الكلمة في ترجمته. تهذيب التهذيب 4/ 294. وكانت وفاته سنة 156، وله ترجمة في الميزان 2/ 255. (¬2) في أ: «متمكنا». (¬3) آداب الشافعي ص 29 - 30. (¬4) آداب الشافعي ص 82، ومعرفة السنن والآثار 1/ 82، والفقيه والمتفقه لوحة 122، والكفاية 386، والرسالة 469. (¬5) قال ابن حبان في ترجمته في كتاب المجروحين لوحة 218: كان ممن يقلب الأخبار، ويروى عن الثقات الموضوعات، وقال عنه يحيى بن معين: ليس بشيء. وله ترجمة في التاريخ الكبير 2/ 2/3، والضعفاء للعقيلي لوحة 156، وميزان الاعتدال 2/ 196.

شكر الهروي قال: حدثني يحيى بن عثمان بن صالح قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: كان في «إبراهيم بن أبي يحيى» حمق، وكان يدلس في الحديث. قال الشافعي: قال إبراهيم: وصف لي أن أخرج هراوة لإنسان من فأسه (¬1) ثم أبول فيه فيولد لي فقلت له: لم يولد لك وأنت شاب؛ فلما كبرت وضعفت يولد لك؟! أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: [(2 سمعت أبا بكر: محمد بن جعفر بن أحمد بن موسى المزكي يقول: ¬2)] سمعت أبا بكر: محمد بن خزيمة يقول. ح. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي قال: سمعت محمد بن أحمد بن حمدان يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: كان «ابن أبي يحيى» أحمق قال: وكان لا يمكنه جماع النساء. فأخبرني رجل أنه رآه ومعه فأس فقلت له: ما تريد أن تصنع؟ قال: بلغني أنه من بال في ثقب فأس أمكنه جماع النساء. فدخل خربة فوضع الفأس فجعل يبول في ثقبه. لفظ حديث السلمي. وفي رواية أبي عبد الله: رأيته، وهو معه فأس. أخبرنا أبو سعد الماليني قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: سمعت أحمد ابن علي المدائني يقول: سمعت الربيع يقول: ¬

_ (¬1) في الأصول: «هراوة الإنسان من رأسه». (¬2) ما بين الرقمين ليس في ح.

سمعت الشافعي يقول: كان «إبراهيم بن أبي يحيى» قدريًّا. وأخبرنا أحمد بن محمد الصوفي قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن حيوية قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: كان «إبراهيم بن يحيى» قدريًّا. قلت للربيع: فما حَمَل الشافعي على أن يروي عنه؟ قال: كان يقول: لأن يخرّ إبراهيم من بُعْدٍ أحبّ إليه من أن يكذب. وكان ثقة في الحديث (¬1). * * * أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: سمعت الربيع يقول: كان الشافعي إذا قال: أخبرنا الثقة فإنه يريد [به (¬2)] يحيى بن حسان، وإذا قال: أخبرنا من لا أتهم، يريد به إبراهيم بن أبي يحيى، وإذا قال: بعض الناس يريد به أهل العراق. وإذا قال: بعض أصحابنا يريد به أهل الحجاز. ¬

_ (¬1) راجع التاريخ الكبير 1/ 1/323، والصغير ص 213، والضعفاء للبخاري ص 3، والضعفاء للنسائي ص 3، وتذكره الحفاظ 1/ 246 – 247، وتهذيب التهذيب 1/ 158 – 161، ومناقب الشافعي للفخر الرازي ص 50. والضعفاء للعقيلي لوحة 21، والطبقات الكبرى لابن سعد 5/ 425 ط. ب والكامل لابن عدي 2/ 23 – أ، والمجروحين لابن حبان لوحة 67 – 68 وفيه يقول: وأما الشافعي فإنه كان يجالسه في حدانته، ويحفظ عنه حفظ الصبي، والحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، فلما دخل مصر في آخر عمره، وأخذ يصنف الكتب المبسوطة احتاج إلى الأخبار، ولم يكن معه كتاب، فأكثر ما أودع الكتب من حفظه فمن أجله ما روى عنه، وربما كنى عنه، ولا يسميه في كتبه». ونقل ابن حبان عن يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين: أن إبراهيم كان يكذب». (¬2) الزيادة من ح.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الحسن: أحمد بن محمد بن عبدوس العنبري قال: حدثنا أبو سعد (¬1): يحيى بن منصور قال: حدثنا إبراهيم ابن محمد الشافعي يقول: حدثنا داود العطّار، قال إبراهيم: وسمعت الشافعي يقول: لم أر مثله ولم يروا مثله. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر: محمد بن جعفر المُزَكِّي قال: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: سمعت عمرو بن سواد السَّرْحِي يقول: سمعت الشافعي يقول: ما أخرجت مصر مثل «أَشْهَبْ بن عبد العزيز» لولا طيش فيه (¬2). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال. أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: وقف أعرابي على «ربيعة بن أبي عبد الرحمن» فجعل يسجع في كلامه. ثم نظر إلى الأعرابي فقال: يا أعرابي، ما البلاغة فيكم؟ قال: خلاف ما كنتَ فيه منذ اليوم (¬3). أخبرنا أبو عبد الله قال أخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن الحسن بن أيوب ¬

_ (¬1) في ح: «أبو يوسف». (¬2) قول الشافعي في تهذيب التهذيب 1/ 360 وفيه: «قال ابن عبد الحكم: سمعته يدعو في سجوده على الشافعي بالموت، فمات الشافعي ومات أشهب بعده بثمانيةَ عشر يوما. وقال ابن يونس: ولد أشهب سنة 145، ومات يوم السبت لثمان بقين من شعبان سنة 204». (¬3) آداب الشافعي 316 – 317.

الطوسي قال: حدثنا أبو حاتم: محمد بن إدريس الرازي قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، وسئل عن «أبي الزبير (¬1)» فقال: أبو الزبير يحتاج إلى دِعَامَة. ورواه محمد بن المنذر عن أبي حاتم قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي. فذكره. أخبرناه أبو عبد الله قال: أخبرني أبو تراب قال: حدثنا محمد بن المنذر. فذكره. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا أحمد: محمد بن أحمد بن هارون الفقيه يقول: حدثنا أبو الحسين [بن صالح (¬2)] بن محمد البغدادي قال: حدثني أحمد بن خالد الخلال (¬3) قال: سمعت الشافعي (¬4): قيل لمالك بن أنس، وسئل عن «ابن شبرمة» فقال: كان مقاربا (¬*). ¬

_ (¬1) هو محمد بن مسلم بن تدرس، الأسدي المكي، قال محمد بن جعفر المدائني، عن ورقاء: قلت لشعبة: مالك تركت حديث أبي الزبير؟ قال: رأيته يزن ويسترجح في الميزان. وقال ابن حبان في الثقات: كتاب التابعين ل 95 - ب: لم ينصف من قدح فيه؛ لأن من استرجح في الوزن لنفسه لم يستحق الترك لأجله» وترجمته في الكبير 1/ 1/221 - 222 والجرح والتعديل 4/ 1/74 - 76 وطبقات ابن سعد 5/ 354 ل وميزان الاعتدال 4/ 38 وهدى الساري مقدمة فتح الباري 464 وتهذيب التهذيب 9/ 440 - 443. (¬2) ليست في ح. (¬3) في ح: «الجلاد». (¬4) آداب الشافعي ص 211. (¬*) أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «مماريًا»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 469 إلى: «كان مقاربًا» كما في تقدمة الجرح والتعديل.

وسئل عن «عثمان البَتِّي (¬1)» فقال: كان مُقَارِبا (¬2). وسئل عن «أبي حنيفة» فقال: لو جاء إلى أساطينكم هذه لقايَسَكم عليها، حتى يجعلها ذهبا. كذا وجدته في نسختين. وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن خالد الخلال قال: سمعت الشافعي يقول (¬3): سئل مالك بن أنس عن «ابن شبرمة» فقال: كان مقلوبا. وسئل عن البَتِّي فقال: كان مقاربا. فقيل له: «فأبو حنيفة» فقال: لو جاء إلى أساطينكم هذه لقايسكم حتى يجعلها من خشب. يعني: وإن كانت من حجارة. وأخبرنا أبو عبد الله قال: حدثنا مخلد بن جعفر البَاقَرْحِي (¬4) قال: حدثنا محمد بن جرير قال: حدثنا أحمد بن خالد الخلال قال: سمعت الشافعي يقول: سئل مالك عن «ابن شبرمة» فقال: كان رجلا مقاربا. ¬

_ (¬1) في ح: «التيمي» وهو خطأ. (¬2) في ح: «معاديا». (¬3) آداب الشافعي ص 211. (¬4) في أ: «الباقرجي» وهو تصحيف؛ فهو منسوب إلى باقرح، بالهاء المهملة: قرية من نواحي بغداد، وهو أبو علي: مخلد بن جعفر بن مخلد بن سهل الدقاق الفارسي الباقرحي، سمع جعفر بن محمد الفريابي، ومحمد بن جرير الطبري، وروى عنه أبو نعيم الحافظ، وكانت وفاته في ذي الحجة سنة 370. وترجمته في الأنساب 2/ 51 - 52، وتاريخ بغداد 13/ 176 - 177.

قيل: فأبو حنيفة قال: لو جاء إلى أساطينكم هذه فقايسكم لجعلها من ذهب. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا هارون بن سعيد الأَيْلي قال: سمعت الشافعي يقول: ما أعلم أحداً أدلَّ على عوار (¬1) قوله من «أبي فلان». أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: سمعت موسى بن العباس يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: سأل رجل «عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (¬2)»: حدّثك أبوك، عن أبيه، عن جده: أن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت ركعتين؟ قال: نعم (¬3). وأخبرنا أبو سعد الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا الحسين ابن محمد الضحاك ومحمد بن أحمد بن حماد، وإسماعيل بن داود بن وردان، ويحيى بن زكريا بن حيوية؛ قالوا: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: ذكر «لمالك بن أنس» رجل حديثا فقال له: ¬

_ (¬1) في ح: «عور». (¬2) قال ابن حبان: مات سنة ثنتين وثمانين [ومائة، كما في الأصول]. كان ممن يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك، وقال ابن خزيمة: ليس هو ممن يحتج أهل العلم بحديثه لسوء حفظه، هو رجل صناعته العبادة والتقشف، ليس من أحلاس الحديث. وترجمته في الكبير 3/ 1/284، والجرح والتعديل 2/ 2/233، وطبقات ابن سعد 5/ 306 ط. ل و 5/ 413 ط. ب، وميزان الاعتدال 2/ 564 - 566 وتهذيب التهذيب 6/ 177 - 179، والمجروحين لابن حبان لوحة 286. (¬3) الخبر في الميزان 2/ 565، والتهذيب 6/ 179.

من حدثك؟ فذكر إسناداً فقال له مالك: اذهب إلى «عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم» يحدثك عن أبيه عن نوح (¬1). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله: أحمد بن محمد الطُّوسي قال: حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: ذكر رجل «لمالك» حديثا. فذكره بمثله غير أنه زاد فقال: إسناداً منقطعا. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله. أحمد بن محمد بن مهدي قال: حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعت من جابر الجعفي (¬2) كلاما بادرت، خفت أن يقع علينا السقف. وأخبرنا أبو سعيد الماليني قال: أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا ¬

_ (¬1) الخبر في المجروحين في الموضع السابق، والتهذيب 6/ 178، والميزان في الموضع السابق. (¬2) قال ابن حبان: مات سنة ثمان وعشرين ومائة، وكان سبئيا: من أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان يقول: إن عليا يرجع إلى الدنيا، ونقل عن يحيى بن معين أنه قال عنه: لا يكتب حديثه ولا كرامة، ونقل عن أبي حنيفة قوله: ما لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي: ما أتيته بشيء قط من رأي إلا جاء فيه بحديث. وترجمة جابر في التاريخ الكبير 1/ 2/210، والمجروحين لابن حبان لوحة 140، والضعفاء للبخاري ص 7، والضعفاء للنسائي ص 40، والجرح والتعديل 1/ 1/497، والضعفاء للعقيلي ص 68، وطبقات ابن سعد 6/ 345 ط. ب وميزان الاعتدال 1/ 379، وتهذيب التهذيب 2/ 46 – 51، وانظر علل احمد 1/ 355/392.

الحسين بن محمد الضحاك، ويحيى بن زكريا بن حيوية، ومحمد بن يحيى بن آدم، وإسماعيل بن وَرْدان – كلهم بمصر – قالوا: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت ابن عيينة يقول: سمعت من «جابر الجعفي» كلاما بادرت خفت أن يقع علينا السقف. وأخبرنا أبو سعد قال: حدثنا أبو أحمد قال: أخبرنا الشافعي قال: حدثنا محمد بن خالد [قال: حدثنا المقدمي (¬1)] عن الشافعي قال: قال لي ابن عُيَينة: حدثني «جابر الجعفي» عن عبد الله بن نُجَيّ (¬2) وكان جابر يؤمن بالرجعة. قلت: اختصر أبو أحمد هذه الحكاية مع معرفته فوهم فيها: وقد قرأتها في كتاب زكريا بن يحيى الساجي، حدثني محمد بن خالد قال: سمعت المقدمي يحدث عن الشافعي، فذكر مناظرته مع محمد بن الحسن واحتجاج محمد بعلي (¬3) بن أبي طالب في جواز شهادة القابلة. قال الشافعي: فقلت له: إنما رواه عن (¬4) رجل مجهول يُقَال له: عبد الله بن يحيى: رواه عنه جابر الجعفي، ¬

_ (¬1) ما بين القوسين سقط من أ. (¬2) في أ: «بن يحي» وفي ح: «بن بحر» وكلاهما خطأ؛ فهو عبد الله بن نجي – بضم النون، وفتح الجيم مصغرا. روى عن عمار، وحذيفة، والحسين بن علي وغيرهم، وروى عنه أبو زرعة وشرحبيل بن مدرك وجابر الجعفي وغيرهم، قال الدارقطني: ليس بقوي في الحديث، وقال الشافعي: مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات. راجع ترجمته في التاريخ الكبير 4/ 2/121، والجرح والتعديل 2/ 2/184، والضعفاء للعقيلي 224 – 225، وميزان الاعتدال 2/ 514 وذكر أن النكارة في حديثه من جابر. (¬3) في أ: «لعلي». (¬4) في ح، أ: «عنه»

وكان جابر يؤمن بالرَّجْعة، قال لي ابن عيينة: دخلت على جابر الجُعفي فسأل عن شيء من أمر الكهنة. وقد مضت هذه الحكاية بتمامها في هذا الكتاب (¬1). والذي ذكره الشافعي من إيمان جابر بالرجعة يحتمل أن يكون قد أخذه (¬2) عن ابن عيينة، فقد رواه غيره أيضاً عن ابن عيينة. أخبرنا أبو الحسين: محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان قال: حدثنا عبد الله بن جعفر النحوي قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو بكر الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: سمعت رجلا سأل جابرا عن قوله: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَاذَنَ لِي أبي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (¬3)} فقال جابر: لم يجئ تأويل هذه (الآية) (¬4) بعد. قال سفيان: وكذب (¬5). فقلنا لسفيان: وما أراد بهذا؟ فقال: إنّ الرَّافِضَةَ تقول: إن عليًّا في السحاب فلا نخرج مع مَنْ خرج (¬6) مِنْ ولده حتى ينادي منادٍ من السماء: نريد عليًّا، إنه ينادي اخرجوا مع فلان. يقول جابر: هذا تأويل هذه الآية. وكذب؛ كانت في إخوة يوسف (¬7). قال سفيان: كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يُظهر ما أظهر، فلما أَظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه، وتركه بعض الناس. فقيل له: وما أظهر؟ قال: الإيمانَ بالرجعة. ¬

_ (¬1) راجع ص. (¬2) في ح: «اخذها». (¬3) سورة يوسف: 80. (¬4) الزيادة من ح. (¬5) في ح: «وكذا»، وهو تحريف. (¬6) في ح: «يخرج». (¬7) ميزان الاعتدال 1/ 381 – 382.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله: أحمد بن محمد الطوسي قال: حدثنا محمد بن المنذر [قال: حدثنا (¬1)] ابن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: أرسل «الثوري» إلى «شعبة»: لئن تكلمت في «جابر الجعفي» لأتكلَّمن فيك. وأخبرنا أبو سعد الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا الحسين ابن محمد الضحاك ويحيى بن زكريا بن حيوية، وإسماعيل بن وردان قالوا: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: قال سفيان لشعبة: فإن تكلمت في جابر الجعفي. قلت: يحتمل أن يكون سفيان الثوري قال هذا على طريق المطايبة (¬2) ولم يبلغه من حال جابر ما بلغ غيره والله أعلم. وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي في حديث ذكروه له: إنما رواه الشعبي، عن الحارث، عن الأعور. والحارث مجهول. قال الربيع: أخبرني بعض أهل العلم عن جرير، عن مغيرة، عن الشعبي قال: الحارث الأعور كان كذابا. أخبرنا أبو سعد الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا أحمد ابن علي قال: حدثنا بحر بن نصر قال: ¬

_ (¬1) ما بين القوسين سقط من أ. (¬2) لا مطايبة في دين الله!

أملى علينا الشافعي قال: «هانئ بن هانئ» لا يعرف، و «أبو قلابة» لم ير بلالا قط، ولا نعلم «عبد الرحمن بن أبي ليلى» رأى بلالا قط: عبد الرحمن بالكوفة وبلال بالشام. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن ابن أيوب الطوسي قال: حدثنا أبو حاتم الرازي قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي يقول: الرواية عن «حَرَام بن عثمان» حَرَامٌ (¬1). وسئل عن الربيع بن صبيح فقال: كان غَزَّاءً (¬2). أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: سمعت حرملة بن يحيى يقول: قال الشافعي: الرواية عن حَرَامٍ حَرَامٌ. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا نصر: فتح بن عبد الله الفقيه يقول: سمعت الحسن بن سفيان يقول: سمعت حرملة بن يحيى يقول. سمعت الشافعي يقول: حديث «أبي العالية الرياحي» رياحٌ (¬3). وحديث مُجالد يُجْلَد وحديث حَرامٍ حرامٌ. ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ص 218. (¬2) في تهذيب التهذيب 3/ 247 تعقيبا على ذلك: وإذا مدح الرجل بغير صناعته فقد وهص: أي دق عنقه. (¬3) آداب الشافعي 222.

قال أبو عبد الله: إنما أراد الشافعي بقوله: حديث أبي العالية الرياحي رياح: حديثه في القهقهة وحده (¬1). قرأت في كتاب الغريبين في قول الشافعي: مجالد يُجْلَد (¬2) أي يكذب. قال: وقال أبو زيد الأنصاري: فلان يجلد بكل خير: أي يظن به. قال أبو حمزة: يقول الشافعي: ينبغي أن يكون يُتَّهم. والله أعلم. وضعه موضع الشّرَ. أخبرنا أبو سعيد الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: سمعت إسماعيل بن داود، والحسين بن محمد بن الضحاك، ويحيى بن زكريا بن حيوية، ومحمد ابن أحمد بن حماد - كلهم بمصر - يقول: سمعنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في مناقب الشافعي وآدابه ص 222: يعني الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضحك في الصلاة: أن على الضاحك الوضوء، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 1/ 146 بسنده عن «أبي العالية»: أن رجلا أعمى جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فتروى في بئر فضحك طوائف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة. ثم قال: وهذا حديث مرسل ومراسيل أبي العالية ليست شيء. كان لا يبالي عمن أخذ حديثه. ثم نقل البيهقي عن أبي أحمد بن عدي أنه قال: وأكثر ما نقم على أبي العالية هذا الحديث، وكل من رواه غيره فإنما مدارهم ورجوعهم إلى أبي العالية، والحديث له وبه يعرف؛ ومن أجل هذا الحديث تكلموا في أبي العالية، وسائر أحاديثه مستقيمة صالحة. (¬2) في اللسان 4/ 101 وفي حديث الشافعي: كان مجالد يُجلد: أي كان يُتهم ويُرمى بالكذب: أي يُظن به.

سمعت الشافعي يقول: الحديث عن حرام بن عثمان حرامٌ (¬1). وبهذا الإسناد قال: سمعت الشافعي يقول: من حدث عن «أبي جابر البيّاضي» بيّض الله عَيْنيه (¬2). أخبرنا أبو سعد الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا محمد ابن خالد بن يزيد قال: حدثنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: من حدث عن «أبي جابر البيّاضي» بَيَّضَ الله عينيه. أخبرنا أبو سعد الماليني قال: أنبأنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا يحيى ابن زكريا بن حيوية قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سألت الشافعي عن «مجالد» فقال: هو يُجالد. كذا وجدته. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنبأنا أبو عمرو بن السماك - شفاها - أن أبا سعيد الجصّاص حدثهم قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: ¬

_ (¬1) قال ابن حبان: كان غاليا في التشيع، منكر الحديث فيما يرويه، يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، مات سنة تسع وأربعين ومائة. راجع ترجمته في المجروحين ل 183، وميزان الاعتدال 1/ 468، ولسان الميزان 2/ 182، وتاريخ بغداد 8/ 277 - 280، وتهذيب التهذيب: 2/ 1/94، والجرح والتعديل 1/ 2/282 والضعفاء للعقيلي ل 114. (¬2) أبو جابر البياضي: هو محمد بن عبد الرحمن من أهل المدينة. قال عنه ابن حبان: كان ممن يروي ما لا يشبه حديث الأثبات. ونقل عن مالك قوله فيه: «لم يكن بثقة» وعن ابن معين: كان أبو جابر البياضي كذابا». راجع ترجمته في المجروحين ل 400 والضعفاء للعقيلي لوحة 389، وميزان الاعتدال 3/ 617، ولسان الميزان 5/ 244. وانظر الخبر أيضاً في آداب الشافعي ص 218، ومناقب الفخر: ص 83.

سمعت الشافعي يقول: الرواية عن «حرام بن عثمان» حرام، ومن روى عن أبي جابر البيّاضي بيّض الله عينيه، وكان ابن جريج يستحقن بالشيوخ لأجل الوطء. أخبرنا أبو سعيد: أحمد بن محمد الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا إسماعيل بن داود بن وَرْدان، ويحيى بن زكريا قالا: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: «عمرو بن عبيد» سمع الحسن. وأنا أستغفر الله إن كان سمع الحسن. وأخبرنا أبو سعد الصوفي قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا إسماعيل بن داود بن وردان، ويحيى بن زكريا قالا: أخبرنا محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول عن سفيان بن عيينة: إن «عمرو بن عبيد» سئل عن مسألة فأجاب فيها وقال: هذا من رأي الحسن فقال له رجل: إنهم يروون عن الحسن خلاف هذا فقال: إنما قلت هذا من رأي الحسن. يريد نفسه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو عبد الله: الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي قال: حدثنا أبو حاتم الرازي قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي، وسئل عن «أبي عبد الله الجدلي (¬1)» فقال: كان جيد الضرب بالسيف. ¬

_ (¬1) قيل: اسمه عبد بن عبد، وقيل: عبد الرحمن. روى عن خزيمة بن ثابت، وسلمان الفارسي، ومعاوية، وأبي مسعود الأنصاري. وثقة أحمد، وابن معين، والعجلي، وابن حبان. وقال ابن سعد: «يستضعف في حديثه، وكان شديد التشيع، ويزعمون أنه كان على شرطة المختار بن أبي عبيد. = [م - 35] مناقب

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أحمد بن محمد المسافري بالنوقان (¬1) قال حدثنا محمد بن المنذر قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: كان «أبو عبد الله الجدلي» على راية المختار. * * * قال: وسمعت الشافعي يقول: لم يكن «شريح» قاضياً لعمر. قلت: قد اختلفوا فيه. وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم. وذكر الشافعي رحمه الله في «كتاب الدعوى» عن عمر بن الخطاب أنه أخذ فرسا من صاحبها (¬2) على طريق السَّوْم فسار بها لينظر (¬3) إلى مشيها فكُسِرت فحاكم فيها عمرَ صاحبُها إلى رجل فحكم عليه أنها مضمونة (¬4) عليه حتى يردها كما أخذها، سالمة، فأعجب ذلك عمر فأنفذ قضاءه واستقضاه. وقد روينا عن الشعبي في هذه القصة أن ذلك الرجل كان شُريحا القاضي (¬5). وروينا من وجه آخر عن الشعبي أن عمر بن الخطاب بعث شريحا على قضاء الكوفة (¬6). والله أعلم * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني دعلج بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن وزير قال: ¬

_ = راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 12/ 148، وميزان الاعتدال 4/ 544 والكنى للدولابي 2/ 54 وفيه عن ابن معين أنه ليس بمتروك. (¬1) في ح: «بالبرقان». (¬2) في ح: «بأمر صاحبها». (¬3) في الأم 6/ 268: «فشار إليها بنظر». قال مصححه: لعله فشارها، في اللسان: شار الدابة يشورها: إذا بلاها ينظر ما عندها. (¬4) في أ: «ضامنة». (¬5) راجع ترجمته في قضاة وكيع 2/ 189. (¬6) راجع كتب عمر إليه في قضاة وكيع 2/ 189 - 194.

سمعت الشافعي، وسئل عن «زعمة بن صالح (¬1)» فذكر منه فضلا. وسئل عن «أسامة بن زيد الليثي (¬2)» و «محمد بن أبي حميد (¬3)» فقال: لا بأس بهما، وغَمَّضَ على «ليث بن أبي سُلَيم (¬4)». أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أحمد بن مهدي الطوسي قال: حدثنا محمد بن المنذر قال: حدثنا أبو داود السجتاني قال: حدثنا محمد بن الوزير المصري قال: سمعت الشافعي يقول: «كثير بن عبد الله المزني (¬5)» ذاك ركن من أركان ¬

_ (¬1) في ح: «ربيعة» بالراء المهملة، وهو خطأ. ترجمة زمعة في الميزان 2/ 81 والتهذيب 3/ 338، والتاريخ الكبير 2/ 1/413، والجرح والتعديل 1/ 2/624، والضعفاء للنسائي ص 13. (¬2) وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي، ليس به بأس، وقال أحمد: ليس بشيء، فراجعه ابنه عبد الله فيه، فقال: إذا ما تدبرت حديثه تعرف فيه النكرة. مات سنة 153. وترجمته في التاريخ الكبير 1/ 2/23، والجرح والتعديل 1/ 1/284 - 285، وتهذيب التهذيب 1/ 208 - 210، والأحكام لابن حزم 5/ 136، وميزان الاعتدال 1/ 174. (¬3) قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. راجع ترجمته في التاريخ الكبير 1/ 1/70، والجرح والتعديل 3/ 2/233 - 234، وميزان الاعتدال 3/ 531 وتهذيب التهذيب 9/ 132 - 134. (¬4) قال أبو زرعة: لين الحديث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث وقال أبو حاتم وأبو زرعة: «ليث» لا يشتغل به؛ هو مضطرب الحديث. مات سنة 148 على خلاف. وترجمته في التاريخ الكبير 4/ 1/246، والجرح والتعديل 3/ 2/177 - 179، وميزان الاعتدال 3/ 420 - 423، والضعفاء للعقيلي لوحة 368، والمجروحين لوحة 384، وتهذيب التهذيب 8/ 465 - 468 (¬5) ترجم له ابن حبان في المجروحين لوحة 380 باسم كثير بن سليم ثم قال: وهو الذي يقال له: كثير بن عبد الله. كان يروي عن أنس ما ليس من حديثه - من غير روايته - ويضع عليه =

الكذب، أو يشد أركان الكذب (¬1) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرني أبي قال: حدثنا أحمد بن أبي شريح قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: الواقدي وَصَل حديثين. يعني: لا يُوصَلان (¬2). قال: وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد الحَنْظَلي، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي «كُتُب الواقدي كذب (¬3)». أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي، رحمه الله: قال لي ابن عيينة (¬4): «الجلد بن أيوب (¬5)» أعرابي لا يعرف الحديث. ¬

_ = ثم يحدث به، لا يحل كتبة حديثه، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاختبار. راجع ترجمته كذلك في ميزان الاعتدال 3/ 455، 406 وتهذيب التهذيب 8/ 416، 417 والجرح والتعديل 3/ 2/152، 154، والضعفاء للعقيلي لوحة 366 وفي كل منها ترجمتان: إحداهما باسم كثير بن سليم والأخرى باسم كثير بن عبد الله. وانظر الكامل لابن عدي 244 - أ، وتاريخ بغداد 2/ 480. (¬1) ميزان الاعتدال 3/ 407. (¬2) الخبر في تاريخ بغداد 3/ 14 بسنده عن ابن أبي حاتم ولكنه ليس في آداب الشافعي. (¬3) آداب الشافعي 220، وتاريخ بغداد 3/ 14. (¬4) في ح: «ابن علية» وهو تحريف. (¬5) ضعفه ابن راهويه، وكان ابن المبارك يقول: أهل البصرة يضعفونه، وقال الدارقطني: متروك. راجع ترجمته في التاريخ الكبير 1/ 2/256، وعلل أحمد 125، وميزان الاعتدال 1/ 420 - 421 ولسان الميزان 2/ 133، والجرح والتعديل 1/ 1/548.

قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي فيما أخبره محمد بن يوسف بن النضر الشافعي قال: حدثني أحمد بن المعلي بن يزيد الأسدي قال: حدثنا سليمان بن الأشعث: أبو داود قال: حدثنا الحسن بن علي - يعني الحُلْواني - قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: «فضيل بن مرزوق (¬1)» ثقة. «عطية» ما أدرى ما «عطية (¬2)»؟ أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق السمرقندي - بمصر - قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول: قال «الحجاج بن أرطاة (¬3)» لا تتم مروءة الرجل حتى يترك الصلاة في الجماعة. وهذا إنما حكاه على وجه الذم لقوله. ¬

_ (¬1) قال عنه ابن حبان: منكر الحديث جدا، كان ممن يخطئ على الثقات، ويروى عن عطية الموضوعات، وعن الثقات الأشياء المستقيمة فاشتبه أمره، والذي عندي أن كل ما روى عن عطية من المناكير يلزق ذلك بعطية، ويبرأ فضيل منها، وفيما وافق الثقات من الروايات عن الأثبات يكون محتجا به. وفيما انفرد عن الثقات مما لم يتابع عليه يتنكب عنها في الاحتجاج. راجع ترجمته كذلك في ميزان الاعتدال 3/ 362 - 363، والتاريخ الكبير 4/ 1/122 والجرح والتعديل 3/ 2/75، وتهذيب التهذيب 8/ 298 - 300. (¬2) هل هو عطية بن سعد العوفي الكوفي، التابعي الضعيف، المترجم في التهذيب 3/ 79 - 80 أ؟ أو عطية بن عارض الذي لا يدري من هو؟ وهو المترجم في الميزان 3/ 80. (¬3) ترجم له ابن حبان في المجروحين لوحة 150 وقال: تركه ابن المبارك، ويحيى القطان، وابن مهدي، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، ثم حكى قول ابن معين في الحجاج ابن أرطاة. أنه ضعيف ضعيف. وساق عنه خبر صلاة الجماعة وغيره. راجع ترجمته كذلك في التاريخ الكبير 1/ 2/375 والجرح والتعديل 1/ 2/154، وطبقات ابن سعد 6/ 359 ط. ب، وتاريخ بغداد 8/ 230 - 236، وميزان الاعتدال 1/ 458 - 460.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو الحسن: محمد بن عبد الله الشريف الأديب قال: حكى لنا عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: ناظرت رجلا بالعراق قطعته فروى حديثا فقلت له: من روى هذا؟ فقال لي: أمسك: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، حتى عد العشرة، فأسكتني وتفرقنا، فلما كان بعد ذلك رأيته فقلت له: يا أبا فلان، من روى ذلك الحديث فقال: ما رواه أحد ولا رويته عن أحد، إنما قلت لك: أمسك: أبو بكر وعمر (¬1). ¬

_ (¬1) في هامش ح: - ل 93 - أ: بلغ مقابلة في المجلس الثالث عشر.

مناقب الشافعي للبيهقي 384 - 458 تحقِيق السيد أحمد صقر الجزء الثاني دار التراث ص. ب 1185 - القاهرة

الطبعة الأولى 1390 هـ - 1970 م دار النصر للطباعة 13 شارع سعد الله بالدرب الأحمر 936145

بسم الله الرحمن الرحيم

45 - باب ما يستدل به على معرفة الشافعي رضي الله عنه بصحة الحديث وعلته

باب ما يستدل به على معرفة الشافعي رضي الله عنه بصحة الحديث وعِلَّته * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى - قراءة - قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاريِّ قال: صلى عمر الصبح بمكة، ثم طاف بالبيت سبعاً، ثم خرج وهو يريد المدينة، فلما كان بذي طُوى وطلعت الشمس صلّى ركعتين (¬1). قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي في هذا الحديث: اتبع سفيان ابن عيينة - في قوله الزهري عن عروة عن عبد الرحمن - المجرّة: يريد لزم الطريق (¬2). قال عبد الرحمن بن محمد: وذلك أن مالك بن أنس ويونس وغيرهما رَوَوْا عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن [عن عبد الرحمن (¬3)] بن عبد القاريّ عن عمر. وزاد الشافعي: أن سفيان وهم، وأن الصحيح ما رواه مالك (¬4). * * * ¬

_ (¬1) أشار إليه الشافعي في الرسالة ص 326. وهو في الموطأ 1/ 368، وآداب الشافعي ص 227، والسنن الكبرى 2/ 463 - 464، واختلاف الحديث 33، والأم 1/ 137. (¬2) السنن الكبرى 2/ 474. (¬3) من ح. (¬4) آداب الشافعي 228.

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنبأنا الحسن بن رشيق - إجازة - قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا الشافعي قال: كل ما قال فيه سفيان: حدثنيه معمر، فإنما هو عن معمر، عن الزهري. * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي (¬1)، رضي الله عنه - يعني في «مسألة المفطر في صوم التطوع» - لا قضاء عليه. قال: وخالفنا بعض الناس وأخذ في هذا وقال: حدثنا الثقة، عن ابن جريج، عن ابن شهاب: أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين فأُهدي لهما شيء فأفطرتا فذكرتا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: صوما يوما مكانه (¬2). قال الشافعي: فقلت: فهل عندك حجة من رواية أو أثر لازم غير هذا؟ فقال: ما يحضرني الآن شيء غيره، والذي كنا نبني عليه من الأخبار في هذا. فقلت له: فهل تقبل مني أن أحدثك مرسلاً كثيراً عن ابن شهاب وابن المنكدر ونظرائهما ومن (¬3) هو أمن منهما: عمرو بن دينار وعطاء وابن (¬4) المسيب وعروة؟ قال: لا. ¬

_ (¬1) الأم 2/ 88. (¬2) الأم 2/ 88. (¬3) في ا: «من». (¬4) ليست في ا.

قلت: فكيف قبلت عن ابن شهاب مرسلاً في شيء ولا تقبله عنه ولا عن مثله ولا أكبر منه في شيء غيره؟ فقال: فلعله لم يحمله إلا عن ثقة. قلت: وهكذا يقول لك من أخذ بمرسله في غير هذا أو مرسل من هو أكبر منه، فيقول: كل ما غاب عني مما يمكن فيه أن يحمله عن ثقة وعن مجهول لم تقم عليّ به حجة حتى أعرف من حمله عنه بالثقة؛ فأقبله، أو أجهله فلا أقبله. قلت: ولم؟ لأنك إنما أنزلته منزلة الشهادات فلا تقبل أن يشهد لك شاهدان على ما لم يريا، ولم يسميا من شهدا على شهادته؟ قال: أجل. وهكذا يقول في حديث ابن شهاب كلام مَن كأنه يعلم وَهاء حديث ابن شهاب: هذا عند ابن شهاب، ولم يَعرف معه شيئاً يخالفه هو أولى أن يصير إليه منه. فقال: أو كان واهياً عن ابن شهاب؟ قلت: نعم. فذكر الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله، وأبو زكريا بن إسحاق قالا: حدثنا أبو العباس قال: حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي قال: حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب: الحديث الذي رويت عن حفصة وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن جريج فقلت له: أسمعته من عروة بن الزبير؟ فقال: لا، إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان أو رجل من جلساء عبد الملك بن مروان، قال الشافعي - في روايتنا عن أبي عبد الله: فقلت له: أرأيت لو كنت ترى الحجة تقوم بالحديث المرسل ثم علمتَ أن ابن شهاب قال في هذا الحديث ما حكيت لك، أتقبله؟ قال: لا، هذا

يوهنه بأن تخبر أنه قبله عن رجل لا يسميه ولو عرفه لسمّاه أو وثّقه. أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي (¬1) رضي الله عنه في «مسألة زكاة مال اليتيم» فقال (¬2): قد روينا عن ابن مسعود أنه قال: أَحْصُر مالَ اليتيم فإذا بلغ فأُعْلِمه ما مر عليه من السنين. قال الشافعي: قلنا وهذا حجة عليك (¬3): كان ابن مسعود أمر والي اليتيم أن لا يؤدي عنه الزكاة حتى يكون هو يتولى أداءها بنفسه؛ لأنه لا يأمر بإحصاء ما مر عليه من السنين وعدد ماله إلا ليؤدي عن نفسه ما وجب عليه من الزكاة. مع أنك تزعم أن هذا ليس بثابت عن ابن مسعود من وجهين أحدهما: أنه منقطع، وأن الذي رواه ليس بحافظ (¬4). وقال في القديم رواية الزعفراني عنه: إنما روى هذا ليث - يعني ابن أبي سليم - عن مجاهد مرسلا. وليس مثل هذا ثابتاً. * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا الحسين بن محمد الدارمي قال: أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد - قال: حدثني أبي قال: حدثني محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم قال: ¬

_ (¬1) الأم 2/ 25. (¬2) في ا: «قال». (¬3) في الأم بعد هذا: «لو لم يكن لنا حجة غير هذا. هذا لو كان ثابتا عن ابن مسعود كان ابن مسعود ...». (¬4) راجع بقية المحاورة في الأم.

سمعت الشافعي يقول (¬1): لا تثبت الرواية عن بشير بن نَهيك. قلت: وإنما أراد حديث ابن أبي عروبة وغيره، عن قتادة، عن النضر ابن أنس، عن بَشير بن نُهيك، عن أبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في العتق والاسْتِسْعَاء (¬2). وذلك لأن شعبة بن الحجاج وهشام الدّستواتي روياه عن قتادة دون ذكر الاستسعاء فيه (¬3). ورواه همام بن يحيى عن قتادة، وفصل حديث الاستسعاء من الحديث فجعله من قول قتادة (¬4)، ولأن حديث «ابن عمر» و «عمران بن حصين» عن النبي، صلى الله عليه وسلم، يدلان على إبطال الاسْتِسْعَاء (¬5). ¬

_ (¬1) آداب الشافعي 220. (¬2) ونصه كما رواه البخاري في كتاب العتق: باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل 5/ 94 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق شقيصا من مملوكه فعليه خلاصه في ماله، فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل، ثم استسعي غير مشقوق عليه. وقد رواه مسلم في كتاب العتق: باب ذكر سعاية العبد 2/ 1140 وأبو داود 4/ 32، وهو عند المؤلف في السنن الكبرى 10/ 281. (¬3) في السنن الكبرى بعد هذا: وهما أحفظ. (¬4) راجع سنن الدارقطني 2/ 476 - 479، والسنن الكبرى 10/ 281 - 282. (¬5) سنن الدارقطني 2/ 476 والسنن الكبرى 10/ 283 - 284 وفي لسان العرب: استسعي العبد: كلفه من العمل ما يؤدي به عن نفسه إذا عتق بعضه ورق بعضه هو أن يسعى في فكاك ما بقي من رقه فيعمل ويكسب ويصرف ثمنه إلى مولاه، فسمى تصرفه في كسبه سعاية. و «غير مشقوق عليه» أي لا يكلفه فوق طاقته. وفي معالم السنن 4/ 69: قال الخطابي في قوله: استسعى غير مشقوق عليه: هذا الكلام لا يثنيه أكثر أهل النقل مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنه من كلام قتادة.

قال الشافعي: قيل لمن حضر من أهل الحديث: لو اختلف نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحده، وهذا (¬1) الإسناد - يعني حديث بشير في الاستسعاء - أيهما كان أثبت؟ قال: نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشافعي: وقلت: وعلينا أن نصير إلى الأثبت من الحديثين؟ قال: نعم. قلت (¬2): فمع نافع حديث عمران بن حصين بإبطال الاستسعاء. * * * أخبرنا أبو طاهر الفقيه وأبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو سعيد بن أبي عمرو وقالوا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: ليس فيه (¬3) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحريم والتحليل حديث ثابت، والقياس أنه حلال (¬4). وقد غلط سفيان في إسناد هذا الحديث (¬5): حديث ابن الهاد. ¬

_ (¬1) في ا: «وبهذا». (¬2) القائل هو البيهقي كما في السنن الكبرى 10/ 283. (¬3) أي في إتيان النساء في الدبر. (¬4) آداب الشافعي 217، وقال الذهبي في الميزان 3/ 612 تعليقا على هذا: هذا منكر من القول بل القياس التحريم - يعني الوطء في دبر المرأة. وقد صح الحديث فيه. وقال الشافعي: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط. وقال الربيع: والله لقد كذب على الشافعي؛ فإن الشافعي ذكر تحريم هذا في ستة من كتبه. وقد حكى الطحاوي هذه الحكاية عن ابن عبد الحكم، عن الشافعي؛ فقد أخطأ في نقله ذلك عن الشافعي، وحاشاه من تعمد الكذب. اهـ. وانظر في المسألة الأم 5/ 84، 156، وشرح معاني الآثار 2/ 23 - 26 ومسند الشافعي 93، وتهذيب التهذيب 9/ 261 - 262، والتلخيص الحبير 2/ 305 وما بعدها، والسنن الكبرى 7/ 196 وما بعدها. (¬5) بعد هذا في ح: بياض إلى الكلمة التالية.

قلت: أما قوله: «غلط سفيان في إسناد حديث ابن الهاد» فهو كما قال؛ وذلك لأن سفيان بن عيينة رواه عن يزيد بن الهاد، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يستحي من الحق: لا تأتوا النساء في أدبارهن». وخالفه عبد العزيز بن محمد، فرواه عن يزيد بن الهاد، عن عبيد الله بن عبد الله بن الحصين، عن هرمي بن عبد الله الواقفي، عن خزيمة بن ثابت (¬1). ورواه الوليد بن كثير عن عبيد الله الخَطْمي (¬2)، عن عبد الملك بن عمرو ابن قيس الخطمي، عن هرمي بن عبد الله عن خزيمة بن ثابت. ورواه الوليد بن كثير، عن عبيد الله الخطمي، عن عبد الملك بن عمرو ابن قيس الخطمي، عن هرمي بن عبد الله، عن خزيمة، وقيل عن حميد بن قيس عن هرمي، وقيل عن عمرو بن شعيب عن هرمي. وقيل عنه عن عبد الله بن هرمي. فمداره على «هرمي» وليس بالمعروف. وأما قوله: «ليس فيه حديث ثابت» فقد رواه في رواية الربيع من حديث عمرو بن أحيحة، عن خزيمة. ووثق جميع رواته. قال: فلست أرخص فيه بل أنهي عنه (¬3). ¬

_ (¬1) آداب الشافعي 215 - 216. (¬2) في ح: «الخطي» وهو تحريف. راجع الأنساب 5/ 164. (¬3) الأم 6/ 211، والسنن الكبرى 7/ 196.

واستدل في «كتاب عشرة النساء (¬1)» في تحريم إتيان النساء في أدبارهن بالآية، وبحديث عمرو بن أحيحة، عن خزيمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: والإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرّم بدلالة الكتاب والسنة. أخبرنا بذلك أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي. فذكره. وأخبرنا أبو عبد الله أخبرني الحسين بن محمد الدارمي أخبرنا قال: حدثنا عبد الرحمن بن إدريس قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي يحرم إتيان النساء في أدبارهن. وأما قوله: «والقياس أنه حلال» فإني قرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كذب - يعني ابن عبد الحكم - على الشافعي. قال الربيع: قال الشافعي: إتيان النساء في أدبارهن حرام بالكتاب والسنة. قلت: يحتمل أن يكون صادقا في هذه الحكاية، وهذا مختصر من حكاية ابن عبد الحكم عن الشافعي في مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن في عيبِهِ أهلَ المدينة بذلك وذَبّ الشافعي عنهم على طريق الجدل. فأما المذهب فما وضعه في كتبه المصنفة من تحريمه. والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) الأم 5/ 156 وانظر ص 84 منه، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص 65، وأحكام القرآن 1/ 193 - 194.

أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي رحمه الله في حديث عبد العزيز بن عمر، عن ابن موهب، عن تميم الداري أن رجلا أسلم على يدي رجل فقال [له (¬1)] النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت أحق الناس بحياته وموته»: لا يثبت، وابن موهب ليس بالمعروف عندنا، ولا نعلم لقى تميما (¬2)، ومثل هذا لا يثبت عندنا ولا عندكم من قبل أنه مجهول، ولا أعلمه متصلا. قلت: فقد ذكر فيه بعض الرواة سماعه منه. وضعفه البخاري رحمه الله. وأدخل بعضهم بينه وبين تميم قبيصة. وهو أيضا ضعيف لا يثبت. وقد شرحناه في «كتاب المعرفة» و «كتاب السنن». * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسين (¬3) قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد - قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: اختلفوا في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصح ذلك حديث عمرة عن عائشة قالت: خرجنا لخمس ليالٍ بقين من ذي القعدة ولا نُرى إلا الحج، وإنما أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر القضاء: أي ما يؤمر به (¬4). ¬

_ (¬1) من الأم. (¬2) الأم 6/ 177 والسنن الكبرى 10/ 297. (¬3) في ا: «الحسن». (¬4) الأم 2/ 108.

وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس - هو الأصم - قال: حدثنا الربيع قال: قال الشافعي رضي الله عنه: وأشبه الرواية أن يكون محفوظا رواية جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لا يسمي حجًّا ولا عمرة وطاوس: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج محرما ينتظر القضاء؛ لأن رواية يحيى بن سعيد عن القاسم، وعمرة عن عائشة توافق روايته. وبسط الكلام في بيان ذلك وتأويل قول من خالف هذه الرواية. وهو منقول في «كتاب المعرفة». * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: ومن باع سلعةً من السلع إلى أجل من الآجال وقبضها المشتري فلا بأس أن يبيعها الذي اشتراها بأقل من الثمن أو أكثر أو دين أو نقد (¬1) لأنها بيعة غير البيعة الأولى. وقال «بعض الناس»: لا يشتريها البائع بأقل من الثمن، وزعم أن القياس أن ذلك جائز، ولكنه زعم يتَّبع الأثر، ومحمود منه أن يتَّبع الأثر الصحيح، فلما سُئِل عن الأثر إذا هو أبو إسحاق عن امرأته عالية بنت أنفع: أنها دخلت مع امرأة أبي السفر على عائشة فذكرت لعائشة حديثا: أن زيد بن أرقم باع شيئاً إلى العطاء ثم اشتراه بأقل مما باعه فقالت عائشة: أخْبِري زيد بن أرقم ¬

_ (¬1) في ح: «وأكثر ودين ونقد».

أن الله قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب (¬1). قال الشافعي: قيل له: أثبت هذا الحديث عن عائشة؟ فقال: أبو إسحاق رواه عن امرأته. قيل: فتعرف امرأته بشيء يثبت به حديثها؟ فما علمته قال شيئاً. فقلت له: تردّ حديث بُسْرَةَ بنت صفوان: مهاجرة معروفة بالفضل بأن تقول حديث امرأة وتحتج بحديث امرأة ليست عندك منها معرفة أكثر من أن زوجها روى عنها؟ وقال في «مسألة بيع المدبر» وقد باعت عائشة مدبرة لها فكيف خالفتها مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأنتم تروون عن أبي إسحاق، عن امرأته، عن عائشة شيئاً في البيوع تزعم أنت وأصحابك أن القياس غيره، وتقول: لا أخالف عائشة، ثم خالفتها (¬2) ومعها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقياس والمعقول. وقال في حديث أبي جعفر: محمد بن علي: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، باع خدمة مدبر (¬3). ما روى هذا عن أبي جعفر فيما علمت أحدٌ يثبت حديثه (¬4). وإنما قال ذلك؛ لأن راويه فيما وقع إلى الشافعي عن أبي جعفر: الحجاج بن أرطأة والحجاج لا يحتج به. ثم قال: ولو رواه من يثبت حديثه ما كان فيه لك حجة من وجوه. فذكر منها: أنه منقطع، وأنت لا تثبت المنقطع لو لم يخالفه غيره، فكيف تثبت المنقطع ¬

_ (¬1) الأم 3/ 68. (¬2) في ح: «مخالفها». (¬3) سقطت من ح. (¬4) راجع تفصيل ذلك في السنن الكبرى 10/ 312.

يخالفه المتصل، ولو ثبت كان يجوز أن أقول: باع رقبة مُدبَّر كما حدّث جابر، وخدمة مدَّبر، كما حدث محمد بن علي. وبسط الكلام فيه إلى أن قال: روى أبو جعفر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قضى باليمين مع الشاهد فقلت: مرسل. وقد رواه معه عددٌ فطرحتَه، وروايته يوافقه عليها عددٌ منها حديثان متصلان أو ثلاثة صحيحة ثابتة وهو لا يخالفه فيه أحد برواية غيره. وأردت تثبيت حديث رويته عن أبي جعفر ويخالفه فيه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما أبعد ما بين أقاويلك!! أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب حدثنا الربيع بن سليمان: حدثنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، وعن (¬1) أبي الزبير، سمعنا «جابر بن عبد الله» يقول: دَبَّرَ رجلٌ منا غلاماً له ليس له مال غيره، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن النحام (¬2). قال عمرو: سمعت جابراً يقول: عبداً قبطيًّا مات عام أول في إمارة ابن الزبير. زاد أبو الزبير: يقال له يعقوب. قال الشافعي (¬3): هكذا سمعته منه عامة دهري، ثم وجدت في كتابي: «دبّر رجل منا غلاماً له فمات» فإما أن يكون خطأً من كتابي، أو خطأً ¬

_ (¬1) في ا. «عن». (¬2) الأم 7/ 348، والسنن الكبرى 10/ 308. (¬3) الأم والكبرى في الموضعين السابقين.

من سفيان: [فإن كان من سفيان (¬1)] فابن جريج أحفظ لحديث أبي الزبير من سفيان، ومع ابن جريج حديث الليث وغيره. وأبو الزبير يحد الحديث تحديدا يخبر (¬2) فيه حياة الذي دبّره، وحماد بن زيد مع حماد بن سلمة وغيره أَحْفَظُ لحديث عمرو من سفيان وحده. وقد يستدل على حفظ الحديث من خَطَائه بأقل مما وجدت في حديث ابن جريج والليث عن أبي الزبير، وفي حديث حماد بن [زيد عن] (¬3) عمرو [بن دينار] (¬4) وغير حماد بن زيد عن عمرو كما رواه حماد. وقد أخبرني غير واحد ممن لقى سفيان بن عيينة قديماً أنه لم يكن يُدخل في حديثه: «مات». وعجب بعضهم حين أخبرته أني وجدت في كتابي: «مات» وقال: لعل هذا خطأ عنه، وزلة منه حفظتها عنه. قلت: قد ذكرنا في «كتاب السنن» و «كتاب المعرفة» ما يشهد لقول الشافعي بالصحة في تعليل رواية سفيان، وقد وقعت هذه اللفظة أيضاً في رواية شريك، عن سلمة بن كهيل، عن عطاء وأبي الزبير، عن جابر. وخالفه إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش عن سلمة، عن عطاء، فقالا: «ودفع ثمنه إلى مولاه» وبمعناه قاله حسين المعلم وعبد الحميد بن سهل وغيرهما، عن عطاء (¬5). ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) في ا، ح: «عني) والتصويب من الأم. (¬3) من الأم. (¬4) من الأم. (¬5) السنن الكبرى 10/ 311. (م 2 - مناقب جـ 2)

وإنما وقع هذا الخطأ له ولغيره لما رويناه في إسناد صحيح (¬1) عن مطر، عن عطاء، وعمرو، وأبي الزبير، عن جابر: أن رجلا من الأنصار أعتق مملوكه إنْ حَدَثَ به حدَثٌ فمات فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فباعه من نعيم بن عبد الله. فقوله: «إن حدث به حدث فمات» من قول المعتق في شرط العتق؛ لأنه إخبار عن موته يوم البيع، فتوهم بعض الرواة أنه خبر موته، وإنما هو من قول المعتق في شرط العتق. والله أعلم (¬2)، * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان: أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين. قال الشافعي (¬3): فخالفنا «بعض الناس» في رفع اليدين في الصلاة فقال: إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي أذنيه ثم لا يعود لرفعهما في شيء من الصلاة. ¬

_ (¬1) في السنن الكبرى 10/ 311: «أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر: أحمد ابن سليمان بن الحسن الفقيه، حدثنا محمد بن غالب بن حرب، حدثنا أبو غسان السمعي، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، عن مطر، عن عطاء بن أبي رباح، وأبي الزبير، وعمرو بن دينار أن جابر بن عبد الله حدثهم أن رجلا من الأنصار. . .». (¬2) في هامش لزيازاء هذا: «آخر التاسع وأول العاشر من اصل المصنف. (¬3) الأم 1/ 90 - 92، واختلاف مالك 7/ 186، 232 - 233.

واحتج بحديث يزيد بن أبي زياد: أخبرناه سفيان، عن يزيد (¬1) بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا افتتح الصلاة رفع يديه. قال سفيان: ثم قدمت الكوفة فلقيت يزيد فسمعته يحدث بهذا وزاد فيه: «ثم لا يعود». وظننت أنهم لقنوه. قال سفيان: هكذا سمعت يزيد يحدث به. سمعته بعد ذلك يحدث به هكذا ويزيد فيه: «ثم لا يعود». قال الشافعي: وذهب سفيان إلى أن يغلط يزيد في هذا الحديث ويقول: كأنه لُقِّن هذا الحرف فتلقنَّه، ولم يكن سفيان يرى يزيد بالحفظ. قال الشافعي: فقلت لبعض من يقول هذا القول: حديث الزهري عن سالم عن أبيه، أثبت عند أهل العلم بالحديث أم حديث يزيد؟ قال: بل حديث الزهري وحده. فقلت: فمع الزهري أحد عشر رجلا من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو حُمَيْد السّاعِدِي، وحديث وائل بن حجر. كلها عن النبي، صلى الله عليه وسلم، بما وصفت. وثلاثة عشر حديثاً أولى أن تثبت من حديث واحد. ومن أصل قولنا وقولك: أنه لو لم يكن معنا إلا حديث واحد ومعك حديث يكافئه في الصحة، وكان في حديثك أن لا يعود لرفع اليدين - كان حديثنا أولى أن يؤخذ به؛ لأن فيه زيادة حفظ ما لم يحفظ صاحب حديثك. فكيف صرت إلى حديثك وتركت حديثنا والحجة لنا فيه عليك (¬2) بهذا، وبأن (¬3) إسناد حديثك ليس كإسناد حديثنا، ¬

_ (¬1) في ا: «زيد» وهو خطأ. (¬2) في الأم: «والحجة ما فيه علمك» وهو تحريف. (¬3) في ا: «وكان» وهو تحريف.

وبأن أهل الحفظ يرون أن يزيد لقن: «ثم لا يعود» (¬1). قال: فإن إبراهيم النخعي أنكر حديث وائل بن حجر وقال (¬2): أرى (¬3) وائل بن حُجْر أعلم من علي وعبد الله. قلت: وروى إبراهيم عن علي وعبد الله: أنهما رويا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، خلاف ما روى وائلُ بن حُجْر؟ قال: لا، ولكن ذهب إلى أن ذلك لو كان روياه أو فعلاه. قلت: وروى إبراهيم هذا عن علي وعبد الله نصًّا؟ قال: لا. قلت: فخفى عن إبراهيم شيء رواه علي وعبد الله أو فعلاه؟ قال: ما أشك في ذلك (¬4). قلت: فلم احتججت بأنه ذكر عليا وعبد الله وقد يأخذ هو وغيره عن غيرهما ما لم يأت عن واحد منهما؟ ومن قولنا وقولك أنَّ «وائل بن حجر» إذ كان ثقة لو روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، شيئاً فقال عدد من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم لم يكن ما روى - كان الذي قال كان أولى أن يؤخذ بقوله من الذي قال لم يكن. وأصل قولنا: إن إبراهيم لو روى عن علي وعبد الله لم يقبل منه لأنه لم يلق واحداً منهما إلا أن يسمي بينه وبينهما ويكون ثقة لِلُقِيِّهِما. ثم أردت إبطال ما روى وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم ¬

_ (¬1) في الأم: «أن يريد أمرهم أن لا يعودوا» وهو خطأ. (¬2) في ا، ح: «قال». (¬3) في الأم: «أروى» وهو خطأ. (¬4) راجع المحاورة في الأم 1/ 91.

فإن لم يعلم (¬1) إبراهيم فيه قول علي وعبد الله؟ قال: لعله علمه. قلت: ولو علمه لم يكن عندي فيه حجة بأن رواه. وإن كنت تريد أن توهم أنه سمعه أنه رواه بلا أن يقول هو: رويته - جاز لنا أن نتوهم في كل ما لم يروه أنه علم فيه ما لم يقل: لنا علمناه. ولو روى عنهما خلافه لم يكن فيه عندك حجة. فقال: وائل أعرابي. قلت: أفرأيت قَرْثَع الضبي (¬2) وقزعة (¬3) وسهم بن منجاب (¬4) حين روى ¬

_ (¬1) في ا: «بأن لم يعلم». (¬2) في ح: «قريع» وهو تصحيف. راجع المشتبه للذهبي 2/ 528 وهو قرثع الضبي الكوفي. روى عن سلمان الفارسي، وأبي أيوب الأنصاري وأبي موسى الأشعري وغيرهم. روى عنه علقمة بن قيس والمسيب بن رافع، وقزعة بن يحيى، وسهم بن منجاب. كان من القراء الأولين، قال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: أردت أن أجمع مسانيد قرثع الضبي؛ فإنه من زهاد التابعين فوجدته لم يسند تمام العشرة، وقال الخطيب: كان مخضرما، وقتل في خلافة عثمان شهيداً. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 8/ 367، وميزان الاعتدال 3/ 387 والجرح والتعديل 3/ 2/147، والتاريخ الكبير 4/ 1/199. (¬3) هو قزعة بن يحيى ويقال: ابن الأسود. أبو الغادية البصري مولى زياد بن أبي سفيان. روى عن ابن عمر وابن عمرو وأبي سعيد الخدري وقرثع الضبي وجماعة. وروى عنه عبد الملك بن عمير وسهم بن منجاب وعاصم الأحول وغيرهم. وثقة العجبلي وابن حبان. وترجمته في التهذيب 8/ 377. (¬4) هو سهم بن منجاب بن راشد الضبي الكوفي. روى عن أبيه والعلاء بن الحضرمي وقرثع الضبي وقزعة بن يحيى. وثقة النسائي وابن حبان. وترجمته في التهذيب 4/ 260.

إبراهيم عنهم، وروى عن عبيد بن نَضْلة (¬1) أهم أولى أن يروى عنهم أو وائل بن حجر وهو معروف عندكم بالصحابة وليس واحد من هؤلاء فيما زعمت معروفا عندكم بحديث ولا شيء؟ قال: لا، بل وائل بن حجر. ثم قلت: كيف ترد حديث رجل من الصحابة وتروى عمن دونه ونحن إنما قلنا برفع اليدين عن عدد لعله لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً قط أكثر منهم غير وائل، ووائل أهل أن نقبل منه. * * * أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الحسين: محمد بن يعقوب قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال: حدثنا أبو إبراهيم المزني ومحمد بن عبد الله ابن عبد الحكم قال: حدثنا الشافعي، عن مالك، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب عُجرة أنه كان مع رسول الله صلى الله، عليه وسلم فآذاه القمل في رأسه فأمره رسول الله صلى عليه وسلم أن يحلق رأسه (¬2). الحديث. قال الطحاوي: سمعت المزني وابن عبد الحكم، يقولان: قال محمد بن إدريس: ¬

_ (¬1) في ا: «نضيلة» وهو تحريف. وفي ح: «عبيد». وهو عبيد بن نضلة الخزاعي: أبو معاوية الكوفي المقرئ روى عن ابن مسعود والمغيرة بن شعبة، وروى عنه إبراهيم النخعي، وهو ثقة قليل الحديث. مات سنة 74. وترجمته في تهذيب التهذيب 7/ 75. (¬2) السنن الكبرى 5/ 55.

غلط مالك بن أنس في هذا الحديث؛ الحفاظ حفظوه عن عبد الكريم عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. قال أبو جعفر الطحاوي: ولم يغلط «مالك» في هذا الحديث، إنما غلط فيه «الشافعي»؛ لأن ابن وهب والقَعْنَبي قد روياه عن مالك، عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد. قلت: لم يغلط الشافعي فيما قال، وإنما غلط «الطحاوي» لأن مالك ابن أنس، رحمنا الله وإياه، كان يقرأ عليه الموطأ بعد ما صنفه إلى آخر عمره مرة بعد أخرى. ففي العرضة التي حضرها الشافعي لم يذكر في إسناده مجاهدا. قال: والشافعي إنما تكلم على ما رواه له دون ما رواه لغيره، ولم يكن قد وقعت إليه رواية ابن وهب حتى يعلم بها، إنه إنما ترك ذكره في سماعه، وقد رواه يحيى بن عبد الله بن بكير، وهو أحد حفاظ المصريين، عن مالك بن أنس عن عبد الكريم، عن ابن أبي ليلى (¬1) كما رواه الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه. * * * أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا محمد بن رمضان بن شاكر قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث. ¬

_ (¬1) في ح: «عبد الكريم بن أبي ليلى» وهو خطأ.

وأخبرنا أبو عبد الرحمن قال: أخبرنا الحسن بن رشيق - إجازة - قال: حدثنا محمد بن يحيى الفارسي قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: سمعت الشافعي يقول: لم يضبط أحمد من أهل البلدان فتوح بلادهم إلا أهل الحجاز. أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد بن موسى قال: حدثنا محمد بن المظفر قال: حدثنا أبو الفضل: جعفر بن أحمد بن محمد السلمي الأنطاكي بمصر قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: إذا وجدت متقدمي أهل المدينة على شيء فلا يَدْخُل قلبَك شكٌّ أنه حق (¬1). ¬

_ (¬1) في هامش ح: بلغ مقابلة في المجلس الرابع عشر.

46 - باب ما يستدل به على إتقان الشافعي رحمه الله في الرواية، ومذهبه في قبول الأخبار، واحتياطه فيها

باب ما يستدل به على إتقان الشافعي رحمه الله في الرواية ومذهبه في قبول الأخبار واحتياطه فيها * * * أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد الماليني قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن حيوية قال: وجدت في كتاب لأبي سعيد الفريابي (¬1) رحمة الله عليه أن المزني قال: قال الشافعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حدثوا عن نبي إسرائيل ولا حرجَ وحدِّثوا عني ولا تكذِبُوا عليّ» (¬2). قال: معناه أن الحديث إذا حدثت به وأدّيته على ما سمعت حقًّا كان أو غير حق لم يكن عليك حرج، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يُحدث به إلا عن ثقة. وقد قيل (¬3): «من حدَّث حديثاً وهو يَرَى أنه كذبٌ فهو أحدُ الكاذِبَيْن» (¬4). ¬

_ (¬1) في ا: «الفريابي قال: قال «المزني». (¬2) أخرجه الشافعي في الرسالة ص 397 من حديث أبي هريرة، والبغدادي في شرف أصحاب الحديث ل 31 - ب، والحميدي في مسنده 3/ 491 - 492 وأحمد في المسند 2/ 474، 502. وأخرجه البيهقي في المعرفة من حديث أبي هريرة وغيره 1/ 48 - 49. (¬3) القائل: رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬4) أخرجه الشافعي في الرسالة ص 399، والبيهقي في المعرفة 1/ 50، وفي المدخل إلى دلائل النبوة لوحة 5 - ب، ومسلم في مقدمة صحيحه 1/ 9 وابن ماجه في مقدمة السنن 1/ 14، 15 وأبو داود الطيالسي في مسنده ص 121 وابن حبان في صحيحه 1/ 166.

قال: إذا حدثت بالحديث فيكون عندك كذباً ثم تحدثه فأنت أحد الكاذبين في المأثم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباسي: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي بعد فصل ذكره: وجماع هذا أنه لا يقبل إلا حديث ثابت كما لا يقبل من الشهود إلا من عرف عدله (¬1). وإذا كان الحديث مجهولا أو مرغوبا عمن حمله كان كما لم يأت لأنه ليس بثابت. وذكر بهذا الإسناد شرائط من يقبل خبره فقال: ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أموراً منها: أن يكون من حدّث به ثقةً في دينه، معروفاً بالصدق في حديثه، عاقلاً لما يحدث به، عالماً بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدِّي الحديث بحروفه كما سمعه، ولا يحدِّث به على المعنى؛ لأنه إذا حدَّث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه - لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام. وإذا أدى بحروفه لم يبق وجه يخاف فيه إحالة الحديث. حافظاً إن حدّث من حفظه. حافظاً لكتابه إن حدّث من كتابه. إذا شرك (¬2) أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم. بريئاً من أن يكون مدلِّساً، ¬

_ (¬1) في ح: «عدالته». (¬2) في ح: «إذا ترك شرك» وهو خطأ.

يحدث عمن لقى ما لم يسمع منه أو يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يحدث الثقات خلافه. ويكون هكذا مَنْ فوقه ممن حدثه ينتهي بالحديث موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى من انتهى به إليه دونه؛ لأن كل واحد منهم مُثْبِتٌ لِمَنْ حدَّثه ومثبتٌ على من (¬1) حدَّث عنه (¬2). قال في القديم في رواية الزعفراني عنه: فإن جُهِل منهم واحد وقف عن روايته حتى يعرف بما وصفت فيقبل خبره أو بخلافه فيردَّ خبره، كما يقف الحاكم عمن شهد عنده حتى يتبيّن عدله فيقبل شهادته أو جرحه فيردَّ شهادته. وقال في الجديد في روايتنا: ومن كثر (¬3) غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح - لم يقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادات لم تقبل شهادته. قال: وأقبل الحديث: حدثني فلان عن فلان، إذا لم يكن مدلِّساً. ومن عرفناه دلّس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته وليست تلك العورة بِكَذبٍ فيردّ بها حديثُه، ولا على النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق، فقلنا: لا نَقْبل من مدلِّسٍ حديثاً حتى يقول: حدثني أو سمعت. ¬

_ (¬1) في ا: «لمن». (¬2) معرفة السنن والآثار 1/ 41 - 42. (¬3) المعرفة 1 - 42.

قال الشافعي: ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث، وذلك بأن يحدِّث المحدِّث بما لا يجوز أن يكون مثله، أو يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه. وقال بهذا الإسناد في الفرق بين الشهادة والخبر: إني أقبل في الحديث الرجلَ الواحدَ والمرأة، ولا أقبل واحداً منهما في الشهادات وحده. وأقبل الحديث: حدثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلِّسا، ولا أقبل في الشهادات إلا سمعت أو رأيت أو أشهدني. وتختلف الأحاديث: فنأخذ ببعضها استدلالاً بكتاب الله أو سنة أو إجماع أو قياس. وهذا لا يؤخذ به في الشهادات. ثم يكون بشر كلّهم تجوز شهادته، ولا أقبل حديثه من قبل ما يدخل في الحديث من كثرة الإحالة وإزالة بعض الألفاظ والمعاني. وبسط الكلام فيه إلى أن قال في شرح ذلك: وتكون اللفظة تُتْرك من الحديث فتُحيل معناه، أو ينطق بها بغير لفظ المحدث والناطق بها غير عامد لإحالة الحديث فتحيل معناه. فإذا كان الذي يحمل الحديث يجهل هذا المعنى وكان غير عاقل للحديث فلم يقبل حديثه إذا كان ممن لا يؤدي الحديث بحروفه وكان يلتمس تأديته على معانيه وهو لا يعقل المعنى. وقال في الفرق بينهما: حيث قبل خبر الواحد ولم تقبل شهادة الواحد وحده أن يكون العدل يكون جائزَ الشهادة في أمور مردوداً في أمور: إذا

شهد في موضع يَجُرُّ به إلى نفسه زيادة، أو يدفع بها عن نفسه غرماً، أو إلى والده وولده، أو يدفع بها عنهما، ومواضع الظن سواها. والشاهد إنما يشهد على واحد ليلزمه غرما أو عقوبة وللرجل ليُؤْخذ له غرم أو عقوبة وهو خلى مما لزم غيره. وبسط الكلام فيه إلى أن قال: والمحدِّث بما يحل ويحرم لا يجر إلى نفسه ولا إلى غيره ولا يدفع عنها ولا عن غيره شيئا مما يَتَموَّلُ الناسُ، ولا بما فيه عقوبة عليهم ولا [لهم، (¬1) و] هو ومن حدثه ذلك الحديث من المسلمين سواء. وبسط الكلام فيه إلى أن قال: ولأنهم - يعني (¬2) المحدثين من أهل العلم - وُضِعُوا موضع الأمانة ونُصِبُوا أعلاماً للذين كانوا عالمين بما ألزمهم الله من الصدق في كل أمر، وإن الحديث في الحلال والحرام أعلى الأمور وأبعدها من أن يكون فيه موضع ظنة، وقد قدم إليهم في الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشيء لم يتقدم إليهم في غيره: فوعد على الكذب عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، النار. وذكر الأحاديث التي وردت في هذا الباب، وهي مذكورة في غير هذا الكتاب. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، عن القزويني - قاضي مصر - عن الربيع، قال: سمعت الشافعي يقول: ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) في ح: «بمعنى».

لا يجوز لأحد أن يختصر حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيأتي ببعض الحديث ويترك بعضه، يحدث بالحديث كما روى عنه بألفاظه؛ ليدرك كلٌّ مما سمع منها ما فهَّمَه الله تبارك وتعالى. أخبرنا أبو عبد الرحمن بن الحسين السُّلمي قال: حدثنا الحسين بن محمد الماسرجَسِي الحافظ قال: حدثنا محمد بن سفيان - بمصر - قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشافعي رحمه الله: الأصل قرآن أو سنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصح الإسناد منه فهو سنة، والإجماع أكثر من الخبر الواحد المنفرد، والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث المعاني فما أشبه منها ظاهره أولاها به، وإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسناداً أولاها، وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيب، ولا يقاس أصل على أصل، ولا يقال لأصل: لم ولا: كيف؟ وإنما يقال للفرع: لم، فإذا صح قياسه على الأصل صح وقامت الحجة به، فإذا روى الثقة حديثا ولم يروِه غيره لا يقال شاذا؛ إنما الشاذ أن يروى الثقات حديثا على نصٍّ - أو قال على نسق - ثم يرويه بعضهم مخالفاً لهم يقال: شذ عنهم (¬1). هكذا رواه أبو موسى: يونس بن عبد الأعلى، عن الشافعي في المنقطع. وشرط الشافعي في المنقطع في «كتاب الرسالة» ما نقلناه في «كتاب المدخل» و «كتاب المعرفة (¬2)» وغيرهما وهو: أن لا يقبل المراسيل من بعد كبار التابعين. قال الشافعي: لأمور: ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ص 231 - 234. (¬2) معرفة السنن والآثار 1/ 79 - 84.

أحدها: أنهم أشدُّ تحرُّزاً فيمن يرْوُون عنه. والآخر: أنهم تؤخذ عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه. والآخر: كثرة الإحالة في الأخبار، فإذا كثرت الإحالة كان أمكن لسهوهم وضعف (¬1) من يقبل عنه، فأما كبار التابعين الذين أرسلوا الحديث فشركهم الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشافعي: فإن انفرد - يعني الواحد منهم - بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قُبل ما ينفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مُرْسَلُ غيره ممن قَبِل العلم من غير رجاله الذين قبل عنهم، فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوى له مُرْسَله، وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم قولا له فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله، وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم بمن يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا، ولا مرغوبا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه، ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ في حديث لم يخالفه. وبسط الكلام فيه وهو فيما أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس قال: حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي. فذكره. ¬

_ (¬1) في ح: «للوهم والضعف».

قلت: فالشافعي رحمه الله، يقبل مراسيل كبار التابعين إذا انضم إليها ما يؤكدها، وقد ذكرنا في «كتاب المدخل» من أمثلتها بعضها، وإذا لم ينضم إليها ما يؤكدها [لم يقبله] سواء كان مرسل ابن المسيَّب أو غيره. وقد ذكرنا في غير هذا الموضع مراسيل لابن المسيب لم يقل بها الشافعي حين لم ينضم إليها ما يؤكدها، ومراسيل لغيره قد قال بها حين انضم إليها ما يؤكدها، وزيادة ابن المسيب على غيره في هذا: أنه أصح التابعين إرسالا فيما زعم الحفاظ والله أعلم * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس قال: حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد قال: سألت ابناً لعبد الله بن عمر عن مسألة فلم يقل فيها شيئا فقيل له: إنا لنعظم أن يكون مثلك ابن إمامَيْ هُدًى (¬1) تُسأل عن أمر ليس عندك فيه علم؟ فقال: أعظمُ والله من ذلك عند الله، وعند مَن عرف الله، وعند مَنْ عقل عن الله أن أقول ما ليس لي به علم أو أخبر عن غير ثقة (¬2). وبإسناده قال: حدثنا الشافعي قال: أخبرني عمي: محمد بن علي بن شافع عن هشام، عن عروة، عن أبيه قال: إني لأسمع الحديث أستحسنه فما يمنعني ¬

_ (¬1) في مقدمة صحيح مسلم. يعني عمر وابن عمر. (¬2) مقدمة صحيح مسلم 1/ 16، والكفاية 33، والأم 6/ 91، والمعرفة 1/ 52.

من ذكره إلا كراهيةُ أن يسمعه سامعٌ فيقتدي به. أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدثه عمن أثق به، وأسمعه (¬1) من الرجل أثق به قد حدثه عمن لا أثق به. قال الشافعي: وقال سعد بن إبراهيم: لا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا الثقات (¬2). أخبرنا أبو الحسين: علي بن محمد بن عبد الله بن بشران قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن عمرو الرزاز قال: حدثنا محمد بن إسماعيل السُّلمي قال: سمعت الحميدي يقول: سمعت ابن عيينة يقول: سمعت مِسْعر بن كدام يقول: سمعت سعد بن إبراهيم يقول: لا يحدِّثُ عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا الثقات. * * * أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي وسأله رجل عن شيء من أمر نوح فقال الشافعي: ليتنا نجد بيننا وبين نبينا صلى الله عليه وسلم أي شيء يصح فكيف بيننا وبين نوح؟! أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الحسن: محمد بن عبد الله الجوهري يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري يقول: ¬

_ (¬1) في ح: «إسمعه» وهو خطأ. والخبر في المعرفة 1/ 52، والأم 6/ 91، والكفاية ص 32. (¬2) أخرجه الشافعي في الأم 6/ 91، ومسلم في مقدمة الصحيح 1/ 15، والخطيب في الكفاية ص 32، والبيهقي في معرفة السنن والآثار 1/ 52، وعلي بن الجعد في مسنده لوحة 189. (م - 3 مناقب جـ 2)

كان الشافعي رحمه الله إذا سئل عمّن لا يعرفه: أثقة هو؟ فيقول: والله لا أشهد أنه مسلم. أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلمي قال: حدثنا محمد بن العباس الضَّبِّي قال: أنبأنا عيسى بن عبد الله. ح. وأخبرنا أبو عبد الرحمن قال: حدثنا أبو محمد بن أبي حامد قال: حدثنا عيسى بن عبد الله العُثماني قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: قال سفيان بن عيينة: حدث الزهري يوما بحديث فقلت: هاته بلا إسناد فقال لي الزهري: أترقى السطح بلا سلم؟ وفي روايته عن الضبي: أترقى السطح بلا سُلَّم؟ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا سهل محمد: بن سليمان الفقيه إمام الشافعيين في عصره يقول: [سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول (¬1):] سمعت الشافعي يقول: إذا قرأت على المحدث فقل: أخبرنا، وإذا قرأ عليك المحدث فقل: حدثنا (¬2). وكذلك حكاه زكريا الساجي وغيره، عن الربيع، عن الشافعي، قال: زكريا: سمعت الحسن بن محمد الزعفراني يقول: كان الشافعي إذا حدثنا عن مالك يقول: حدثنا، وربما (¬3) يقول: أنبأنا، كأنه واحد. ¬

_ (¬1) ما بين القوسين سقط من ا. (¬2) آداب الشافعي 99، والكفاية 303، والمعرفة 1/ 87. (¬3) في ا: «وإنما».

قلت: الذي رجع إليه الشافعي في الجديد قول أحمد بن حنبل وأكثر أهل الحديث. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي (¬1) قال: أخبرنا عبد الرحمن - يعني محمد بن إدريس - قال: أخبرني أبي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: همّ الشافعي بالخروج - يعني من مصر - وكان قد بقي عليّ من كتاب البيوع شيء، فقلت للشافعي: أجزه لي فقال: ما قرئ عليّ فكما قرئ عليّ فأعدت عليه بعد ذلك، فأعاد مثل ما قال أولاً وما زادني على ذلك، ثم منَّ الله علينا به فأقام عندنا بعد ذلك مدة، فسمعنا بعد ذلك وتوفى عندنا. يعني أنه كره الإجازة (¬2). قلت: وقد كرهها أيضا مالك بن أنس وجماعة من الحفاظ، ورخص فيها جماعة منهم، ومن رخص فيها ميزها من السماع وبيّنها للفرق بينهما، وترجيح (¬3) السماع عليها لما يخشى فيما أجيز له ووصل إليه كتابه من الإحالة والتحريف. وبالله التوفيق. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا يونس (¬4) بن عمر الزاهد قال: قرئ على أبي الحسن المصري وأنا أسمع: حدثكم عمر بن عبد العزيز بن مقلاض قال: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: قال شعبة بن الحجاج: التدليس أخو الكذب. ¬

_ (¬1) في ح: «الحسن بن محمد الرازي». (¬2) معرفة السنن والآثار 1/ 87، والكفاية 317، وآداب الشافعي 98. (¬3) في ا: «فترجيح». (¬4) في ا: «يوسف».

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، ابن أخي عبد الله بن وهب قال: سمعت الشافعي يقول: إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح فاشهد له بالصحة. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا الحسن القصار الفقيه يقول: سمعت ابن أبي حاتم يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: قرأت «كتاب الرسالة المصرية» على الشافعي نيفا وثلاثين مرة فما من مرة إلا كان يصححه. ثم قال الشافعي في آخره: أبى الله (¬1) أن يكون كتاب صحيح غير كتابه. قال الشافعي: يدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (¬2)}. قلت: ومما يذكر في إتقان الشافعي رحمه الله روايةَ الحديث أنه كان سمع من مالك بن أنس الكثير، ثم روى حديثا لم يسمعه منه عن الثقة عنده، عن عبد الله بن الحارث عن مالك. وكان قد سمعه من عبد الله بن الحارث فشك فيه فتركه، ورواه عن الثقة عبد الله بن الحارث، ورواه أيضاً عن مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج، عن سفيان الثوري، عن مالك، عن رجل، عن عبد الله بن نافع، عن مالك، مع سماعه الكثير من عبد الله بن نافع. ¬

_ (¬1) في ا: «والله». (¬2) سورة النساء: 82.

وكان قد سمع الحديث الكثير من «عبد العزيز بن محمد الدراوَرْدي، وروى ما لم يسمعه منه عن عمرو بن سلمة وغيره عن عبد العزيز. وله من هذا الجنس روايات كثيرة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال: كتب الشافعي حديث ابن عجلان، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه رأى رجلا يصلي في ناحية المسجد فقال له: ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ (¬1)» كتب الشافعي هذا الحديث عن حسين الألثغ عن يحيى بن سعيد. قال: [أَبو محمد - يعني (¬2)] ابن أبي حاتم -: ولعل يحيى بن سعيد كان حيا في ذلك الوقت. قلت: وهذا لأن هذا الحديث كان عند الشافعي عن إبراهيم بن محمد، وكان إبراهيم قد خلَط في إسناده، فأحبَّ أن يسمعه من طريق صحيح فسمعه ممن هو أصغر سنا منه لحاجته إليه، ولم يستنكف من ذلك لتقواه الله تعالى (¬3)، ولأن قصده من العلم كان الإرشاد والنصيحة، لا الشرف (¬4) به وبالعالي من الإسناد. وبالله التوفيق. وقوله في بعض رواياته: «أخبرنا الثقة» لا لأنه كان يأنف من ذكر اسمه، ¬

_ (¬1) راجع الحديث من رواية أبي هريرة في صحيح مسلم 1/ 298، والسنن الكبرى 2/ 37. (¬2) ما بين القوسين ليس في ح. (¬3) في ا: «لقوله تعالى». (¬4) في ا: «التسوق» وهو تحريف.

ولكن لمعنى آخر ذكرناه في رواية محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي، في شيء حكاه ابن عبد الحكم عن الشافعي، فلم يذكره الشافعي، فجعل ابن عبد الحكم يذكره حتى ذكره، فقال: يا محمد، لا تحدث عن حيّ؛ فإن الحي لا يُؤمن عليه النسيان. فكأنه، رحمه الله، حين وضع الكتاب الذي روى فيه عن الثقة عنده لم تبلغه وفاة (¬1) المروي عنه فاستعمل ما قاله لابن عبد الحكم. والله أعلم. ومما يعد [في إتقانه: أنه كان يجد (¬2)] الحديث في كتابه في موضعين: أحدهما موصولا والآخر منقطعاً فيرويه منقطعا. ومما يعد في إتقانه: أنه كان يروي له بعض شيوخه حديثاً مرفوعاً فيجده في رواية الحفاظ موقوفاً فيقفه ويبيِّنه. وكذلك يروي له بعض شيوخه حديثا متصلا فيجده في رواية الحفاظ منقطعا فيرسله ويبينه. ومما يعد في احتياطه لنفسه ونظره في كتبه لدينه أنه كان لا يرى الاحتجاج برواية المجهولين ولا بما كان ضعيفا عنده بانقطاع أو ضعف راوٍ، وإن رواه في جملة ما روى من الأحاديث بيَّن ضعف، وأخبر أن اعتماده فيما اختار على غيره. ومثال ذلك فيما أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله في أثرين ذكرهما في مسألة من «كتاب الحدود»: ¬

_ (¬1) في ا: «وقاله». (¬2) ما بين القوسين سقط من ا.

وهاتان الروايتان وإن لم تُخالفهما (¬1) غير معروفتين عندنا، ونحن نرجو أن لا يكون ممن تدعوه الحجة على من خالفه إلى قبول خبر من لا يَثبت خبره بمعرفته عنده. وله من أمثال هذا كلام كثير نقله إلى «كتاب المعرفة». ومما يعد في إتقانه واحتياطه: أنه كان يروي حديثا بإسناد صحيح وآخر بإسناد أضعف منه فيميز بينهما فيما يدبر من الكلام بالعبارة. ومثال ذلك أنه روى حديث مالك وسفيان عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الأرنب بعَناق (¬2)، وحديثه عن سعيد عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الضحاك عن ابن عباس في معناه. ثم قال فيما يريد من الكلام: وقلنا قول عمر بن الخطاب وما روى عن ابن عباس أن فيها عَناقا دون المسِنَّة، وذكر حجته. فميز بينها في اللفظ؛ لأن الرواية فيه عن عمر رضي الله تعالى عنه موصولة صحيحة من ابن عباس فقال: وما روى ابن عباس لم يقل قول ابن عباس. ¬

_ (¬1) في ح: «يخالفانا». (¬2) في الأم 2/ 164 - 165: أخبرنا مالك وسفيان، عن أبي الزبير، عن جابر أن عمر ابن الخطاب قضى في الأرنب بعناق. أخبرنا سعيد بن سالم، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس: أنه قال: في الأرنب شاة. أخبرنا سعيد، عن ابن جريج أن مجاهدا قال: في الأرنب شاة. قال الشافعي: الصغيرة والكبيرة من الغنم يقع عليها اسم شاة، فان كان عطاء ومجاهد أرادا صغيرة فكذلك نقول، ولو كانا أرادا مسنة خالفناهما، وقلنا قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وما روى عن ابن عباس من أن فيها عناقا دون المسنة، وكان أشبه بمعنى كتاب الله تعالى، وقد روى عن عطاء ما يشبه قولهما: أخبرنا سعيد بن سالم، عن الربيع بن صبيح، عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: في الأرنب عناق أو حمل.

وله من أمثال ذلك كلام كثير يطول ذكره. والله يوفقنا لما وفقه له بفضله ورحمته. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: الحسين بن الحسن الفقيه ببخاري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: هذه الأحاديث التي في كتب الشافعي رحمه الله وهو يرويها عني يجب أن تأخذها لفظا بعد لفظ. وقد حدثني رفيقنا أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم بن عبدان الكرماني بهذه الرؤيا أشبع من هذا قال: سمعت أبا عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ببخاري كأنه في صحراء على ربوة من الأرض، وبين يديه الأئمة الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم أجمعين، وكلّ واحد منهم على يسار صاحبه دونه، وأنا دونهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه الأحاديث التي في كتاب الشافعي وهو يرويها عني يجب أن تأخذها لفظا بعد لفظ.

47 - باب ما يستدل به على فصاحة الشافعي، ومعرفته باللغة وديوان العرب

باب ما يستدل به على فصاحة الشافعي ومعرفته (¬1) باللغة وديوان العرب. * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن علي بن محمد، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس (¬2) - قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل، فيما كتب إليّ، قال: قال الشافعي (¬3) رضي الله عنه: أنا قرأت على «مالك» وكان يعجبه قراءتي. قال: لأنه كان فصيحا. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني الزبير بن عبد الواحد، قال: حدثني أبو المؤمل: عباس (¬4) بن الفضل، بأُرْسُوف (¬5)، قال: سمعت محمد بن عوف يقول: سمعت «أحمد بن حنبل» يقول: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه (¬6). ¬

_ (¬1) في ا: «في معرفته». (¬2) في ح: «بن الزبير» وهو تحريف. (¬3) آداب الشافعي ص 28، 136، وتاريخ دمشق 10/ 196 - ب. (¬4) في ح: «عثمان» وهو تحريف. (¬5) مدينة على ساحل بحر الشام بين قيسرية ويافا. وهي بفتح الهمز كما في معجم البلدان 1/ 192 أو بضمها كما في الأنساب 1/ 166. (¬6) تاريخ دمشق: الموضع السابق.

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا الحسن بن رشيق - إجازة - قال: ذكر زكريا السّاجي، أخبرني جعفر بن محمد، قال: قال «أحمد بن حنبل (¬1)»: كلام الشافعي في اللغة حجة. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو القاسم بن عبيد: أن زكريا بن يحيى الساجي حدثهم قال: أخبرنا أحمد بن محمد ابن بنت الشافعي، قال: سمعت أبي يقول: أقام الشافعي على قراءة العربية وأيام الناس عشرين سنة، وقال: ما أردت بهذا إلا الاستعانة على الفقه. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، أخبرنا الحسن بن رشيق - إجازة - حدثنا أحمد بن علي المدائني، قال: قال المزني: قدم علينا الشافعي وكان بمصر «ابن هشام» صاحب المغازي، وكان علامة أهل مصر في الغريب والشعر، فقيل له: تأتى الشافعي، فأبى. فلما كان بعد ذلك قيل له: إنّه وإنّه، فأتاه فذاكره أنساب الرجال، فقال الشافعي، رضي الله عنه، له بعد أن تذاكرا: دع عنك أنساب الرجال فإنها لا تذهب عنا وعنك، وخذ بنا في أنساب النساء. فلما أخذوا فيها بَقِيَ ابنُ هشام (¬2). وكان بعد ذلك يقول: ما ظننت أن الله خلق مثل هذا. وكان يقول: قول الشافعي رضي الله عنه في اللغة حجة. ¬

_ (¬1) في ح: «قال: إن أحمد بن حنبل قال». (¬2) سبق ص 488. وانظر توالي التأسيس ص 60.

وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، ببغداد، حدثنا إبراهيم بن علي النَّسائي، حدثنا محمد بن رمضان، قال: سمعت محمود النحوي، يقول: كان «عبد الملك بن هشام» النحوي إذا شك في شيء من اللغة بعث إلى الشافعي فسأله عنه. أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد الماليني، أخبرنا أبو أحمد: عبد الله بن عديّ الحافظ، قال: حدثنا يحيى بن حيوية، قال: سمعت أبا سعيد الفريابي، يقول: سمعت محمد النحوي، يقول: سمعت ابن هشام النحوي يقول: طالت مجالستنا محمد بن إدريس الشافعي فما سمعت منه لحنة قطّ، ولا كلمة غيرها أحسن منها (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الفقيه، قال: سمعت محمد ابن المسيب، وأبا نعيم، يحكيان عن الربيع أنه قال: قال ابن هشام صاحب المغازي: الشافعي ممن يؤخذ عنه اللغة (¬2). وقال الربيع: وكان ابن هشام بمصر (¬3) كالأصمعي بالعراق. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، حدثنا علي بن عيسى المدائني، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: ¬

_ (¬1) تاريخ دمشق 10/ 0 2 - ا، وتوالي التأسيس ص 6. (¬2) تاريخ دمشق: الموضع السابق، وتوالي التأسيس في الموضع السابق، ومناقب الشافعي ص 136. (¬3) توفى ابن هشام: عبد الملك بن هشام المعافري بمصر سنة 213.

سمعت أيوب بن سويد يقول: خذوا عن الشافعي اللغة. أَخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن الحسين الدِّينوري، حدثنا ظَفْران بن الحسين، حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم، قال: حدثت عن «أبي عبيد: القاسم بن سلام» قال: كان الشافعي ممن يؤخذ عنه اللغة، أو من أهل اللغة. قال أبو محمد: الشك مني (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قال أبو العلاء الأصبهاني: أخبرنا أبو بكر الأنباري، حدثني أبي، عن أبي عبيدة قال: قال أبو عثمان المازني: الشافعي عندنا حجة في النحو. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، ببغداد، حدثنا عمر بن الحسن بن علي القَرَاطِيسي، حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال: قلت لعمي يا عمَّاه، على من قرأت شعر هُذَيل؟ فقال: على رجل من آل المطلب يقال له: محمد بن إدريس (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الفقيه، قال، سمعت شيخا يحدث أبا العباس بن سريج يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الأصمعي يقول: صَحَّحْتُ أشعار الهُذَلِيِّين على شاب من قريش بمكة يقال له: محمد بن إدريس الشافعي. ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ومناقبه ص 136 - 137. (¬2) تاريخ دمشق 10/ 200 - ا، ومناقب الفخر ص 87.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، قال: سمعت منصور بن محمد بن الحنفي يقول: سمعت أبا عمر الزَّاهِد يقول: سمعت «أبا موسى الحامض (¬1)» يقول: قال الأصمعي: قرأت على الشافعي الشعر. أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، أخبرنا الفضل بن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، قال: سمعت جعفر بن محمد الخُوَارَزْمي يحدث عن أبي عثمان المازني، قال: سمعت الأصمعي فقال: أنشدنيها رجل. أخبرنا أبو عبد الله قال: قال أبو العلاء الأصبهاني الأديب: حدثنا الوليد بن أبان الأصبهاني حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال: سمعت الأصمعي يقول: قرأت شعر الشَّنْفَري على علّامة (¬2) بمكة يقال له: محمد بن إدريس الشافعي. فأنشدني لثلاثين شاعراً أساميهم: عَمْرو. أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا ابن بنت الشافعي، قال: سمعت «الزبير بن بكار» قال: أخذت شعر هذيل ووقائعها عن عمي «مُصْعَب» فسألته عمن أخذها؟ فقال: أخذتها من محمد بن إدريس الشافعي حفظا. ¬

_ (¬1) في ح: «الحافظ» وهو تحريف. وكانت وفاة أبي موسى الحامض: سليمان بن محمد سنة 305. (¬2) في ح: «غلام» والخبر في تاريخ دمشق 10/ 200 - ب.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه، أخبرنا إبراهيم بن محمود، وحدثني أبو سليمان - يعني داود الأصبهاني - حدثني مصعب ابن عبد الله الزبيري، قال: قرأ على محمد بن إدريس الشافعي أشعار هذيل حفظا، ثم قال لي: لا تخبر بهذا أهل الحديث فإنهم لا يحتملون هذا (¬1). قال مصعب: وكان الشافعي يَسْمُر مع أبي من أول الليل حتى الصباح لا ينامان. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا محمد بن علي بن طلحة المروروذي، حدثنا أحمد بن على الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا ابن بنت الشافعي قال: سمعت الزبير بن بكار يقول: أخذت شعر هذيل ووقائعها وأيامها من عمّي مُصْعَب، فسألته عمن أخذها فقال: من شاب من قريش لم أر مثله فصاحة، يقال له: محمد بن إدريس الشافعي، حفظا. قال: وسمعت زكريا الساجي يقول: حدثني جعفر بن عبد الله، عن «مصعب الزبيري» قال: كان أبي والشافعي يتسامران، فأملى علي الشافعي شعر هذيل حفظا. قال: حدثنا زكريا الساجي، قال: سمعت جعفر بن محمد الخوارزمي يحدث، عن أبي عثمان المازني قال: ¬

_ (¬1) تاريخ دمشق: الموضع السابق.

سمعت الأصمعي يقول: قرأت شعر الشَّنْفَري على الشافعي بمكة. قال زكريا: فذكرت ذلك للرياشي (¬1) فقال: ما أنكره، قرأتها على الأصمعي قال: أنشدنيها رجل من قريش بمكة (¬2) قال: والشنفري رفيق «تأبط شرا» جاء ورأسه (¬3) تحت إبطه فقالوا (¬4): تأبط شرا (¬5). أخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن الحسين بن فنجويه الدينوري، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدثنا زكريا الساجي، حدثنا عصام بن محمد قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال: سمعت الشافعي يقول: أَرْوِي لثلاثمائة شاعر مجنون. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا عبد الله بن الحسين البُسْتِي (¬6)، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف الهِيتي (¬7)، حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله الرازي بدمشق حدثنا ¬

_ (¬1) في ح: «الرقاشي» وهو خطأ، وكانت وفاة الرياشي: العباس بن الفرج سنة 257. (¬2) معجم الأدباء 17/ 311. (¬3) في ا: يرفبق «تأبط شرا» ... وأرسان». (¬4) في ح: «فقال». (¬5) كذا في الأصول، وقال ابن الأعرابي: إنما لقب تابط شرا لأن أمه رأته قد وضع جفير سهامه تحت إبطه، وأخذ القوس، فقالت: لقد تابط شرا، كما في سمط اللالي 1/ 158 - 159. وذكر البغدادي في خزانة الادب 1/ 66 أقوالا في سبب تلقيبه بهذا اللقب وانظر الاغاني 18/ 209. (¬6) في ح: «السبتي». (¬7) نسبة إلى هيث - بكسر الهاء وسكون الياء - مدينة على الفرات فوق الانبار، بها قبر عبد الله بن المبارك. راجع الأنساب ل 593 ب، واللباب 3/ 297.

أبو بكر: محمد بن أحمد - بدمشق - قال: قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: ولدت في ذي القعدة لأربع عشرة بقيت من سنة ست (¬1) وثمانين ومائة. ولو أدركت الشافعي وأنا رجل لاستخرجت من بين جنبيه علوماً جمّة، ما كان أتمه في كل فن (¬2)! لقد قرأت عليه من أشعار هذيل فما أذكر له قصيدة إلا أنشدنها من أولها إلى آخرها. على أنه مات وله أربع وخمسون سنة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد بن أحمد العدل، أخبرني جعفر بن محمد الدُوْلابي الرازي، أخبرني أحمد بن محمد بن حرزاذ الرازي، عن محمد بن عبد الله بن إسحاق قال: سمعت «المُبَرِّد» يقول: رحم الله «الشافعي» كان من أشعر الناس، وآدب الناس، وأعرفهم بالقراءات (¬3). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، حدثنا أبو بكر: محمد بن إبراهيم البغدادي، حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني. ح (¬4): وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا محمد بن علي بن طلحة المروروذي (¬5)، حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، قال: ¬

_ (¬1) في ح: «اثنين». (¬2) في ح: «شيء». (¬3) تاريخ دمشق 10/ 200 - ا. وعجم الادباء 17/ 312. (¬4) من ح. (¬5) في ح: «المروزي».

سمعت «الزعفراني» يقول: ما رأيت أحداً قطّ أفصح ولا أعلم من الشافعي. كان أعلم الناس، وأفصح الناس، وكان يقرأ عليه من كل الشعر فيعرفه. أخبرنا أبو عبد الله بن فنحويه الدينوري، حدثنا ظفران بن الحسين، حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم، سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان الشافعي عَرَبِيَّ النفس، عَرَبِيَّ اللسان (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم، عن محمد بن إسحاق قال: سمعت «الربيع بن سليمان» يقول: لو رأيتَ الشافعي وحُسنَ بيانه وفصاحته لتعجبت منه، ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته التي [كان] (¬2) يتكلم بها، لم يُقْدَر على قراءة كتبه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عمرو السماك، شِفَاهاً: أن أبا محمد الشافعي: أحمد بن محمد بن عبد الله، أخبرهم في كتابه، قال: سمعت «أبا الوليد بن الجارود» يقول: كان يقال: إن محمد بن إدريس الشافعي لغة وحده، يحتج به كما يُحتج بالبَطْنِ من العرب. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، أخبرنا محمد بن علي بن طلحة، حدثنا أحمد ابن علي الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا ابن بنت الشافعي، سمعت ابن أبي الجارود - وهو أبو الوليد - يقول: ما رأيت أحداً إلا وكتبه أكبر من مشاهدته إلا الشافعي فإنّ لسانه ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ص 137، وتوالي التأسيس ص 60. (¬2) من ح. (م 4 - مناقب جـ 2)

أكبر من كتبه (¬1). أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي، حدثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، حدثنا يحيى بن زكريا، حيويه، قال: سمعت يونس بن عبد الأَعْلى يقول: كانت ألفاظ الشافعي كأنها سُكّر (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني الحسين بن محمد الدارمي، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - قال: قال أبي: حدثني «أحمد بن أبي سُريج» قال: ما رأيت أحداً أَفْوَهَ ولا أنطق من الشافعي (¬3). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا محمد بن علي بن طلحة، حدثنا أحمد ابن علي، حدثنا زكريا الساجي، حدثني ابن بنت الشافعي، حدثني ابن بنت عفر المكي قال: كانت بمكة جنازة قد شهدها مشايخ قريش، فجعلنا نمشي وراء الجنازة، والشافعي متوسط القوم يتحدّث ويتكلّم، فما سمعت غناء ولا لهواً ولا متكلما أحسن من لفظه وحديثه، حتى تمنيت أن يطوِّل الله علينا الطريق لئلا يسكت. وأخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا الحسن بن إسماعيل النقار، حدثنا محمد بن سهل، حدثني «أحمد بن صالح» قال: ¬

_ (¬1) تاريخ دمشق 10/ 200 - ا، وتوالي التأسيس ص 60. (¬2) تاريخ دمشق وتوالي التأسيس في الموضعين السابقين. (¬3) آداب الشافعي ص 137.

كان الشافعي إذا تكلم كأن صوته صَنْجٌ أو جَرَسٌ من حسن صوته (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول: سمعت «الجاحظ» يقول: نظرت في كتب الشافعي فإذا هو درّ منظوم إلى درّ، فنظرت في كتب «فلان» فإذا هو كلام الأطباء. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا علي الزعفراني، بِسَاوَة (¬2)، حدثنا أبو عمر: غلام ثعلب: ح (¬3). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد بن أحمد العدل، أخبرني منصور بن محمد الأديب، قال: سمعت أبا عمر: غلام ثعلب يقول: سمعت «ثعلبا» يقول: إنما تَوَحَّدَ (¬4) «الشافعي» باللغة؛ لأنه من أهلها. فأما «أبو حنيفة» فإنه منها على بعد. لفظ حديث السلمي، وفي رواية أبي عبد الله: إنما تَوَحَّدَ الشافعي باللغة؛ لأنه كان حاذقا بها، فأما «أبو حنيفة» فلو عمل كل شيء ما عوتب؛ لأنه كان خارجاً من اللغة. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، سمعت محمد بن عبد الله الفقيه يقول: سألت «أبا عمر غلام ثعلب» - الذي لم تر عيناي مثله - عن حروف أخذت على الشافعي مثل قوله: ماء مالح، ومثل قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} (¬5) أي لا يكثر من تعولون، وقوله: أينبغي أن يكون كذا وكذا؟ ¬

_ (¬1) تاريخ دمشق 10 - 200 - ب، وتوالي التأسيس ص 60. (¬2) في ح: «بسارة». (¬3) من ح. (¬4) في ا: «يؤخذ». (¬5) سورة النساء: 223.

فقال لي: كلام الشافعي صحيح. سمعت «أبا العباس ثعلبا» يقول: يأخذون على الشافعي وهو من بيت اللغة، يجب أن يؤخذ عنه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو النضر: محمد بن محمد بن يوسف الفقيه الطوسي، أخبرنا أبو محمد: جعفر بن أحمد السَّاماني، سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال الشافعي: إذا وجدتم في كتابي الخطأ فأصلحوا فإني لا أخطئ. يعني في العربية. وأخبرنا محمد بن عبد الله، أنبأنا أبو الوليد، سمعت إبراهيم بن محمود يقول: سمعت «الربيع بن سليمان» يقول: أعربوا (¬1) هذا الكتاب؛ فإن الشافعي لم يلحن. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر: محمد بن عثمان النحوي، حدثنا أبو رَوْق العمراني، حدثنا أبو حاتم: سهل بن محمد السجستاني قال: قال «الشافعي»: ما بلغني أن أحداً أفهم لهذا الشأن مني، وقد كنت أحب أن أرى «الخليل» بن أحمد. وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا محمد بن أبي يوسف، سمعت أبا حاتم السجستاني يقول. فذكره. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرني أبو الحسين: علي بن محمد بن عمر الفقيه الرازي، بها، أنبأنا ابن أبي حاتم، حدثنا حرملة بن يحيى، قال: ¬

_ (¬1) في ا: «عربوا»

سمعت «الشافعي» يقول: أصحاب العربية جن الإنس، يبصرون مالا يبصر غيرهم (¬1). وبهذا الإسناد قال: حدثنا «الشافعي» قال: إذا أردت أن تعرف الرجل: أكاتب هو أم لا؟ فانظر أين يضع دواته، فإن وضعها عن شماله أو بين يديه فاعلم أنه ليس بكاتب (¬2). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، حدثنا محمد بن رمضان، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: رآني الشافعي وأنا أستمد من دواة من ناحية اليسار، فقال: أشعرت أنه من الحراضة أن يضع الرجل دواته من ناحية اليسار. قال محمد: فالحراضة: الحمق. حدثنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرني أبي، حدثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي يقول: بذلة كلامنا صون كلام غيرنا. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو محمد: جعفر بن محمد بن الحارث. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا جعفر المراغي، قال: سمعت أبا يحيى بن زكريا بن محمد النيسابوري، بمصر، يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ص 150، ومناقب الفخر ص 89. (¬2) آداب الشافعي ص 135.

سمعت الشافعي يقول: شِعْرُ ذي الرُّمَّة بَعْرُ غزال، ونَقْطُ عروس. حدثنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو تراب المذكر، حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد، حدثنا محمد بن عبد الحكم، قال: قال الشافعي: ليس يقدّم أهل البادية على شعر «ذي الرمة» أحداً. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد، أخبرني أبو الحسن: أحمد بن محمد المقري بأبيورد، حدثنا أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن الحافظ، حدثنا الحسن ابن علي بن الأشعث، قال: سمعت «محمد بن عبد الله بن عبد الحكم» وسأله رجل فقال له: أصلحك الله، أكان الشافعي حجة في اللغة؟ فقال: إن كان أحد من أهل العلم حجة فالشافعي حجة في كل شيء. قال: وقال محمد بن المنذر الهروي: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان «ابن هشام» صاحب المغازي يقول: الشافعي ممن يؤخذ عنه اللغة. قال الربيع: وكان بمصر رجل يقال له: «سرح الغول» كان إذا قال إنسان قصيدة عرضها عليه ليصلحها له. قال: وكان الشافعي يقول: ادعوا لي سرحا ولا يقول الغول. فناظره الشافعي فأسمعه يقول - يعني سرحا -: نحن والله نحتاج نستقبل طلب العلم من اليوم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: قال «الشافعي»: المقاريف: الهُجْن. والهجين: أن يكون أبوه بِرْذَوْناً وأمّه عربية.

وبإسناده: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، حدثنا أبي، حدثنا حرملة، قال: سمعت «الشافعي» يقول: لا أقول الحُليّ؛ إنما هو الحَلْي. يعني في الزكاة نصابا. وبإسناده قال: سمعت «الشافعي» يقول: العميق: الفجاج، والغميق: ما في جوف الأرض. أخبرنا أبو عبد الله، أخبرنا الحسين بن محمد الدارمي، وهو أبو أحمد، أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا الربيع، قال: سمعت «الشافعي» يقول: المعقول: هو الذي إذا تكلم به علم أنه كما قال. * * * حدثنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: قال «الشافعي»: [وقد كان من العرب من يقول] (¬1): حمام الطائر (¬2): ناس الطائر. أي يعقل عقل الناس. وذكرت (¬3) العرب الحمام في (¬4) أشعارِها. [فقال الهذلي] (¬5): ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من الأم. (¬2) في ح، ا: «الطير» وما أثبتناه موافق لما في الأم. (¬3) في ا: «قد كان من العرب». (¬4) في الأصول: «في الحمام». (¬5) ما بين القوسين من الأم.

وذكّرني بكايَ على تليدٍ ... حمامة «مرَّ» جاوبت الحماما (¬1) وقال الشاعر (¬2): أحسن إذا حمامة «بطن وجٍّ» ... تغنّت فوق مرقاة حنينا وقال جرير (¬3): إني تذكرني الزُّبَير حمامة ... تدعو بمجمع نخلتين هديلا قال الشافعي: مع شعر كثير قالوه فيما ذهبوا فيه إلى ما وصفت من أن أصواتها غناء وبكاء معقول عندهم، وليس ذلك في شيء من الطائر غير ما (¬4) وقع عليه اسم الحمام. قال الشافعي - فيما لم أسمعه -: فيقال فيما وقع عليه اسم حمام من الطائر: فيه شاة لهذا الفرق واتباع (¬5) الخبر عمن سميت (¬6) في حمام مكة. وبسط الكلام فيه (¬7). * * * ¬

_ (¬1) البيت لصخر الغي، يرثي ابنه تليدا. و «مر» هو مر الظهران: واد قرب مكة. وفي ا: «حمامة إذ تجاوبك الحماما» وفي ح: «جماعة إذ تجاوبت الحماما» وهو تحريف. راجع ديوان الهذليين 2/ 66 وفي الأم 2/ 167 «حمامة إن تجاوبت الحماما». (¬2) في ح، ا: قال الشافعي: وقال جرير، وهذا خطأ. وما أثبتناه موافق لما في الأم. (¬3) في ح، اقال الشافعي: وقيل. وفي الأم 2/ 167: «وقال جرير» وهذا هو الصواب. راجع ديوان جرير 454 والبيت من قصيدة له يهجو فيها الفرزدق، والزبير: هو الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة قتله ابن جرموز غيلة يوم الجمل سنة 36. (¬4) في الأصول: «غيرها» والتصويب من الأم. (¬5) في الأم «باتباع». (¬6) في ح: «يتحدث». (¬7) راجع الأم 2/ 176.

أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال: قال «الشافعي»: كمال الذكاة بأربع: الحُلْقُوم والمَرِيء والودَجَيْن (¬1). وأقل ما يكفي من الذكاة اثنان: الحلقوم والمَرِيء (¬2). والودجان: عرقان قد يسلان الإنسان ثم يحيا. والمريء: هو الموضع الذي يدخل منه طعام كل خلق يأكل من بشر أو بهيمة. والحلقوم: موضع النفس وإذا بانا فلا حياة تجاوز طرفة عين (¬3). قال: ونهى عمر بن الخطاب عن النخع، وأن تعجل الأنفس أن تزهق. قال «الشافعي»: والنخع: أن تذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع المذبح (¬4) لنخعه ولمكان الكسر فيه، أو تضرب ليعجل قطع حركتها (¬5). أخبرنا أبو سعيد: محمد بن موسى، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا الربيع قال: قال «الشافعي» رضي الله عنه، قال الله سبحانه: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (¬6)} ¬

_ (¬1) في ح: «والودجان». (¬2) في الأم بعد ذلك: «وإنما أحببنا أن يؤتى بالزكاة على الودجين من قبل أنه إذا أتى على الودجين فقد استوظف قطع الحلقوم والمريء حتى أبانهما، وفيهما موضع الذكاة لا في الودجين، لأن الودجين عرقان. . . الخ. (¬3) الأم 2/ 200. (¬4) في الأم: «الذبح». (¬5) الأم 2/ 204. (¬6) سورة المائدة: 6.

فكان معقولا أن الوجه: ما دون منابت شعر الرأس إلى (¬1) الأذنيين واللحيين والذَّقَن، وليس ما جاوز منابت شعر الرأس الأعم من النزعتين من الوجه (¬2) قال الربيع: وقد قال الشاعر: فلا تنكحي إن فَرَّقَ الدهرُ بينا ... أغَمَّ القَفَا والوجه ليس بأنْزَعَا (¬3) ورواه غيره عن الربيع عن الشافعي أنه قال: الأَثّطُّ: الكَوْسَجُ (¬4) والأغَمُّ: الذي على قفاه شعر: ثم أنشد الربيع. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد الرازي (¬5)، حدثنا عبد الرحمن بن محمد، حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن سواد السّرحي، قال: اختلف «ابن وهب» و «الشافعي» في الحديبية، فقال ابن وهب: الحديبية بالتثقيل. وقال الشافعي: بالتخفيف. قال أبي: التخفيف أشبه. قال وقال أبي: قال عمرو بن سواد السرحي: كان «الشافعي» يقول: غزوة مُؤْتة بالرفع. وقرأت في كتاب العاصمي عن بعض أصحابنا عن أبي بكر بن زياد النيسابوري، عن ابن عبد الحكم، قال: سمعت «الشافعي» يقول: لا تقل جِعِرَّانة، ولكن الجعرانة بالتخفيف. حدثنا أبو سعيد بن أبي عمرو، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا الربيع ¬

_ (¬1) في ا: «إلا» وهو تحريف. (¬2) الأم 1/ 21. (¬3) البيت لهدبة بن خشرم كما في الأغاني 21/ 283، والشعر والشعراء 2/ 676: ولسان العرب 10/ 230، وحماسة البحتري 126. (¬4) وهو الذي لا شعر على عارضيه. (¬5) في ا: «الداري».

حدثنا «الشافعي» قال: فإن كان من أصابعه شيء خلق ملتصقا قلقل (¬1) الماء على غضونه حتى يصل الماء إلى ما ظهر من جلده لا يجزيه غير ذلك وليس عليه أن يفْتُقِ ما خلق مُرْنَتَقًا منها. وبهذا الإسناد قال: فإذا أتى المرء على أمر الله به من غسل ومسح فقد أدّى ما عليه، قلَّ الماء أو كثر. وقد يرفقُ بالماء القليل فيكفي ويُخرق بالكثير فلا يكفي. وبهذا الإسناد قال «الشافعي»: وإن كان الرجل من أهل البادية فداره حيث أراد المقام. فإن كان ممن لا مال له ولا دار يصير إليها، وكان سيَّارة يتبع أبداً مواقع القطر، فحل بموضع ثم تشامَّ (¬2) برقاً فانتجعه. فإن استيقن (¬3) أنه ببلد تقصر إلى مثله الصلاة قصر وإن شك لم يقصُر. قال بعض أهل اللغة: قوله تشامَّ برقا: معناه: دنا منه أي من صوبه ومطره، يقال: دار فلان تُشَامّ دارَ فلان أي قريبة منها (¬4). ¬

_ (¬1) في ح: «عاجل». (¬2) في الأم 1/ 167: ثم شام برقا. (¬3) في ح: «فإن استقر». (¬4) في هامش ح: بلغ مقابلة في المجلس الخامس عشر.

48 - باب ذكر أبيات تؤثر مما أنشد الشافعي لنفسه أو أنشد لغيره

باب ذكر أبيات تؤثر مما أنشد (¬1) الشافعي لنفسه أو أنشد لغيره * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال «الشافعي»: الشعر كلام حَسَنُه كحسَن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام، غير أنه كلام باق سائر، فذلك فضله على سائر (¬2) الكلام، فمن كان من الشعراء (¬3) لا يُعرف بنقص المسلمين وأذاهم والإكثار من ذلك ولا بأن يمدح فيكثر الكذب - لم تُردَّ شهادته. وبسط الكلام فيه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا علي التَّرْقُفي (¬4) يقول: سمعت ابن الأنباري يُنشد للشافعي. ح. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد، حدثني أبو القاسم: الحسن بن محمد بن الحسن، قال: وجدت في كتابي: عن محمد بن القاسم العمري، حدثني الربيع بن سليمان قال: جاء رجل إلى الشافعي فسأله عن مسألة فأجاب، فقال له الرجل: جزاك الله خيراً. فأنشأ الشافعي يقول: ¬

_ (¬1) في ح: أنشأه.». (¬2) ليست في ا. (¬3) في ا: «الشعر». (¬4) في ا: «البيهقي».

إذا المُشْكِلاتُ تَصدَّين لي ... كشفتُ حقائقَها بالنظرْ وإن برقَت في مَخِيل السّحاب ... عَمْياء لا تَجْتلِيها الفِكرْ مُقنَّعة بغيوب الغيوم ... وضعتُ عليها حُسام البصرْ (¬1) لساني كشِقْشِقَة الأرْحَبِيِّ ... أو كالحُسَام اليماني الذّكرْ ولَستُ بإمّعَةٍ في الرجال ... أسائل هذا وذا: ما الخبرْ؟ ولكنني مِدْرَهُ الأصغَرَينِ ... أقيسُ بما قد مضى ما غَبَرْ (¬2) وسبَّاق قومي إلى المكرُمات ... وجَلاَّب خير ودفَّاع شر لفظ حديث أبي عبد الله إلا أنه قال: «تصدَّيْنني». وفي رواية السلمي: «في مخيل الصواب عمياء». وقال: مقنعة بغيوب الأمور ... وضعت عليها لسان البصر وقال: ولكنني مِدْرَهُ الأصغرين ... طَلاّب خير وفَرَّاج شرّ (¬3) وحدثنا أبو عبد الله الحافظ قال: وقال أبو عبد الله: محمد بن محمد بن عبيد الله الواعظ: سمعت أبا عمرو العثماني يحكي عن الربيع بن سليمان قال: كنت يوماً عند الشافعي فجاءه رجل فقال: أيها العالم، ما تقول في حالف حلف إن كان في كمي دراهم أكثر من ثلاثة فعبدي حر؟ وكان في كمه أربعة ¬

_ (¬1) في ح: «. . . بعيون»، وفي تاريخ دمشق: «مبرقعة في عيون الأمور». (¬2) في ح، ومناقب الفخر: «ولكنني مدرب ...». (¬3) الأبيات في مناقب الشافعي للفخر الرازي ص 111، وتاريخ دمشق 10/ 200 - ب، والأول والثالث والرابع والخامس في معجم الأدباء 17/ 309، وفي التوالي 74 ستة منها باختلاف يسير عما هنا.

دراهمْ (¬1) فقال: لم يعتق عبده. قال: لم؟ قال: لأنه استثنى ما في كمه دراهم، والدرهم لا يكون دراهم. فقال آمنت بالذي فَوَّهَكَ هذا العلم (¬2). فأنشأ الشافعي يقول. قال. فذكر هذه الأبيات. * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو سهل: محمد بن أحمد الفقيه، قال: سمعت الحسين بن الحسن يقول: سمعت سعداً الكاتب يقول: سمعت «المُبرّد» يقول: دخل رجل على «الشافعي» رضي الله عنه وهو مستلق على ظهره فقال: إن أصحاب أبي حنيفة الفُصّحاء. قال: فاستوى الشافعي جالساً وأنشأ يقول: فلولا الشّعْرُ بالعلماء يزْرِي ... لكنتُ اليوم أَشْعَرَ من لَبِيد وأشجعَ في الوغي من كلّ لَيْثٍ ... وآلِ مُهلّب وأبي يزيد ولولا خشيةُ الرحمن ربي ... حَشَرْتُ الناس كلَّهم عَبِيدي (¬3) * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا عبد الله: لزبير بن عبد الواحد الحافظ، يقول: سمعت أحمد بن محمد بن يحيى بن جرير المصري (¬4) يقول: حدثني أبو عبيد الله بن أبي وهب قال: سمعت الشافعي يقول: ¬

_ (¬1) بعد هذا في ا: «والدرهم لا يكون دراهم». (¬2) في ا: «العالم» وهو خطأ. (¬3) مناقب الشافعي للرازي 119، وفيها: «وآل مهلب بني يزيد»، «جعلت الناس كلهم عبيدي». (¬4) سقطت من ح.

وأَنَطَقتِ الدَّراهم بعد صَمْت ... أناساً بعدما كانوا سُكُوتا فما عطَفُوا على أحد بفضل ... ولا عرفوا لِمَكْرُمةٍ بيوتا وأخبرنا أبو زكريا (¬1) بن أبي إسحاق، حدثنا الزبير، حدثني أبو علي: أحمد ابن محمد بن جرير، بمصر، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب قال: سمعت الشافعي يقول. فذكر البيتين غير أنه قال: «أنطقت» لو يذكر الواو. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت الحسين بن أحمد بن موسى البيهقي، أخبرنا محمد بن القاسم الأسدي. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ، حدثني أبو بكر: محمد بن القاسم بن مطر، بمصر، حدثنا الربيع بن سليمان. وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي، قال: سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن القاسم، حدثنا الربيع قال (¬2): أنشدنا الشافعي: لَيْتَ الكلابَ لنا كانت مُجَاورةً ... وليتنا لم نر مِمّن نرى أحداً إنّ الكلابَ لتَهْدَى في مَوَاطِنِها ... والناسُ ليس بهادٍ شرّهم أبدا فانجُ بنفسك واستأنس بوحدتها ... تُلفَى سعيداً إذا ما كنت منفردا (¬3) لم يذكر السلمي البيت الثالث: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد، حدثنا الحسن بن سفيان، عن حرملة. ¬

_ (¬1) في ح: «أبو بكر». (¬2) ما بين القوسين سقط من ح. (¬3) المناقب للرازي ص 114، والعزلة للخطابي ص 65.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الرازي - حدثنا أبي، حدثنا حرملة قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: ودع الذين إذا أَتَوْكَ تنَسَّكُوا ... وإذا خَلَوْا فهُمُ ذِئابُ حِقَافِ (¬1) أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أنشدني أبو عثمان: سعيد بن أبي سعيد قال: أنشدني أبو علي الحليمي الشَّاشِي، ببخاري، للشافعي رضي الله عنه. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد، قال: أنشدني منصور ابن يحيى (¬2) الحنفي قال: أنشدني عبد الله بن إبراهيم الحميري (¬3)، باليمن، للشافعي رضي الله عنه: أصبحت مُطَّرحاً في مَعْشرٍ جَهِلُوا ... حقَّ الأديب فباعوا الرأس بالذنبِ والنّاسُ يجمعهم شَمْلُ وبينهم ... في العقل فَرْقٌ وفي الآداب والحسبِ (¬4) والعُوْدُ لو لم تَطبْ منه روائحه ... لم يفْرق الناسُ بين العود والحطَبِ (¬5) أنشدنا أبو القاسم: الحسن بن محمد بن حبيب المفسّر، قال: أنشدنا أبو عبد الله الصغّار، قال: أنشدنا ابن الأنباري، قال: أنشدني الحسين بن عبد الرحمن للشافعي، رضي الله عنه: ¬

_ (¬1) الحقاف: جمع حِقف، وهو ما اعوج من الرمل واستطال، والبيت في آداب الشافعي ص 272. (¬2) في ا: «محمد». (¬3) في ح: «الحسري». (¬4) في ا: «كالذهب». (¬5) المناقب للرازي ص 113.

أقسم بالله لرَضْخُ النَّوَى ... وشُرْبُ ماء القُلُبِ المَالِحهْ أحْسنُ بالإنسان من حِرصه ... ومن سؤَال الأَوْجهِ الكالِحَهْ (¬1) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني نصر بن محمد، قال: أنشدني ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمد، قال: أنشدني أبو محمد الشاشي للشافعي رضي الله عنه: لَذلّ السّؤالِ وهَوْل الممات ... كُلاّ وجدناه طَعْماً وَبِيلا فإن كان لا بد إحداهما ... فمَشْياً إلى الموت مَشْياً جميلا (¬2) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، قال: سمعت سعيد بن أحمد بن سلمة الهمذاني، يقول: أنشدني محمد بن الحسن الحنفي قال: أنشدنا خيثمة بن سليمان، عن الربيع بن سليمان، قال: أنشدني الشافعي رضي الله عنه: تَدَرّعتُ ثوباً للقنوع حَصِينةً ... أصُون بها عرضي وأجعلها ذُخْرا ولم أحذر الدهر الخَؤون فإنما ... قُصَارَاهُ أن يرمي بي الموت والفقرا فأعددت للموت الإلهَ وعَفْوَه ... أعددت للفقر التجلّدَ والصبرا (¬3) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، قال: أنشدني محمد بن حاضر، قال: أنشدني بعض أصحابنا، عن محمد بن ¬

_ (¬1) المناقب للرازي ص 113. (¬2) المناقب للرازي ص 114. (¬3) المناقب للرازي ص 112. (م 5 - مناقب جـ 2)

عبد الرحيم (¬1) الجرجاني، قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: حسبي بقُلِّى إن نفعْ ... ما الذّلّ إلا في الطمعْ من راقب الله رجعْ ... عن سوء ما كان صنعْ (¬2) ما طار طَيرٌ وَارْتفعْ ... إلا كما طار وقعْ (¬3) أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا العلاء: الحسن ابن كوشاد الأديب يقول: أنشدنا الربيع بن سليمان للشافعي رضي الله عنه: لا تاسَ في الدنيا على فائتٍ ... وعندك الإسلامُ والعافيهْ إن فات أمر كنت تسعى له ... ففيهما من فائتٍ حافيهْ (¬4) أخبرني (¬5) أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنشدني أبو عبد الله: محمد بن شاذان قال: ¬

_ (¬1) في ح: عبد الرحمن». (¬2) في ح: «من شر ما كان ...». (¬3) المناقب للرازي ص 112. (¬4) المناقب للرازي ص 112، وتاريخ دمشق 10/ 207 - اوفيه: «إن فات شيء وكنت تدعى له». (¬5) وفي ح بعد ذلك: أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، قال: سمعت أحمد ابن الحسن موسى الترقفي، قال: أخبرنا محمد بن القاسم الأسدي. ح، وأخبرنا محمد ابن عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ قال: حدثني أبو بكر: محمد ابن القاسم بن مطر - بمصر - قال: حدثنا الربيع بن سليمان. ح وأخبرنا أبو زكريا ابن أبي إسحاق المزكي، قال: سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت أبا بكر: محمد ابن القاسم يقول: حدثنا الربيع قال: أنشدني الشافعي: وأحييت القنوع وكان ميتاً ... وفي إحيائه عرضي مصون وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ... الخ.

أنشدنا أحمد بن محمد الصابوني قال: قال حرملة: قال الشافعي: أمَتُّ مطامعي وأرحتُ نفسي ... فإنّ النفسَ ما طِمَعت تهونُ وأحييت القُنُوعَ وكان ميْتا ... ففي إحيائه عرض مَصُونُ (¬1) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني نصر بن محمد، قال: أنشدني علي بن محمد القَصْري، قال: أنشدني عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أنشدونا للشافعي رحمه الله: أزلتُ مطامعي وأرحتُ نفسي ... لأنّ النفسَ ما طمِعَت تهونُ وأحييت الرجاءَ وكان ميْتا ... وفي إحيائه عرضي مصونُ (¬2) إذا طَعٌ ألمَّ بنفس عبدِ ... عَلَته مذَلةٌ وعلاه هُونُ (¬3) أنشدنا أبو عبد الرحمن قال: أنشدنا طاهر بن عبد الله قال: أنشدنا أبو الحسن: محمد بن الحسين الفياضي، قال: أنشدني أبي للشافعي: كُلْ بملح الجريش خُبزَ الشّعيرِ ... واعْتَقِب للنجاةِ ظَهْرَ البعير وجُبِ المهْمهَ المخوفَ إلى طَنْجَةٍ ... أو خلفها إلى الدُّرْدُرُورِ (¬4) وصُنِ الوجهَ أن يذلَّ وأن يَخْضَعَ إلاَّ إلى اللطيفِ الخبير ¬

_ (¬1) تاريخ دمشق 10/ 207 - ا. (¬2) في ا: «... عرض مصون». (¬3) في تاريخ دمشق: إذا طمع يحل بقلب عبد .. علته مهانة ... (¬4) في معجم البلدان لياقوت 4/ 52: دردرور: موضع في ساحل بحر عمان: مضيق بين جبلين يسلكه الصغار من السفن.

أخبرنا (¬1) أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله: الزبير ابن عبد الواحد الحافظ، بأسداباذ، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن محمد: أبو بكر القطان، قال: حدثني أبو عيسى: محمد بن عياض بن أبي شحمة الضبعي، قال: حدثنا محمد بن راشد، حدثنا (¬2) أبو بكر الأصبهاني، قال: سمعت أبا إبراهيم المزني يقول: أنشدني الشافعي من قِيله: شهدتُ بأن الله لا شيء غيرهُ ... وأشهد أنّ البعثَ حقٌّ وأخلصُ وأنّ عُرَى الإيمان قولٌ مبيَّنُ ... وفعلٌ زكيٌّ قد يزيد وينقصُ وأنّ أبا بكر خليفةُ ربِّه ... وكان أبو حفْصٍ على الخير يحرصٌ (¬3) وأشهِدُ ربي أنّ عثمان فاضلٌ ... وأنّ عليًّا فَضْلهُ مُتخَصِّصُ (¬4) أئمةُ قومٍ يُقْتدى بِهُداهُمُ ... لَحَا الله مَنْ إبّاهم يَتَنَقَّصُ (¬5) فما لِغواةٍ يَشْتُمُونَ سفاهةً ... وما لسفيهٍ لا يحيصُ ويخرصُ (¬6) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: قرأت في كتاب بعض فقهائنا: سمعت ¬

_ (¬1) في هامش ا: أول الجزء الحادي عشر من أصل المصنف بخطه. (¬2) ليست في ح. (¬3) في ح: «أخرس». (¬4) في تاريخ دمشق: «يتخصص». (¬5) في ا: «... يهتدي بهداهم» وفي المناقب للرازي: «... بفعالهم». (¬6) في ا «فما لفتاة يشهدون ...» وفي ح: فما لغباة ...» وفي تاريخ دمشق: «وما لسفيه لا يحيس» وفي المناقب: «... لا يجاب فيخرص». والأبيات في المناقب للفخر ص 48 - 49، وتاريخ دمشق 10/ 190 - ب، وطبقات الشافعية: 1/ 296.

أبا الحسن: محمد بن شعيب الترقفي (¬1) الفقيه ينشد للشافعي رضي الله عنه: آلُ النبيّ ذَرِيعَتِي ... وهُمُ إليه وسيلتي أرجو بأنْ أُعطي غداً ... بيدي اليمين صحيفَتِي (¬2) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في «كتاب المعجم» حدثنا أبو الحسين: علي ابن عبد العزيز البغدادي، حدثنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله بن وافد الكوفي قال: حدثني أبي قال: حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني (¬3) عن محمد بن إدريس الشافعي قال: لما قَتل عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن عبدودٍّ (¬4) العامري بكته أخته عمرة بنت عبدودّ فقالت: لو كان قاتلُ عَمْرو غير قاتله ... بكَيتُه ما أقام الرّوحُ في جسدي لكنّ قاتلَهُ من لا يعاب به ... وكان يدعى قديماً بيضةَ البَلد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في: «كتاب التاريخ» قال: حدثني علي بن الحسين بن علي الطوسي التاجر، حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد حدثنا الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي وقيل له: إنا نرى قريشا يُظهرُون من محبة أهل البيت ما تخفيه ولا تظهره، فأنشأ الشافعي يقول: وما زال كِتمانِيكَ حتى كأنّما ... برَجْع سؤال السائلي عنك لأعجَمُ (¬5) ¬

_ (¬1) في ا: «البيهقي). (¬2) المناقب للرازي ص 51. (¬3) في ح: «الرازي» وهو خطأ. (¬4) هو من فرسان الجاهلية، أدرك الإسلام ولم يسلم، قتله علي يوم الخندق سنة خمس من الهجرة. (¬5) المناقب للرازي ص 50 وفيه: «يرد سؤال السائلين لأعجم».

لأسلمَ من قول الوشاة وتَسْلمي ... سلمت وهلْ حيٌ من الناس يَسلم (¬1) وبلغني أنه قيل لأبي نعيم: الفضل بن دكين في معنى هذا فأنشد البيتين، كما أخبرنا أبو الفتح: محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ، ببغداد، قال: سمعت أحمد بن يعقوب يقول: سمعت عبد الله بن الصّلت يقول: كنت عند أبي نعيم: الفضل بن دكين فجاءه ابنه يبكي فقال له: مالك؟ فقال: الناس يقولون: إنك تتشيع، فأنشأ يقول: وما زال كِتْمَانِيكَ حتّى كأنما ... بردّ جواب السائلي عنك أعجمُ وأكتم ودى مع صفاء مودتي ... لتسلمَ من قول الوشاة وأسلمُ وقرأت بخط رفيقنا أبي عبد الله الكِرْماني فيما سمعه من أبي عبد الله: محمد بن عبد الله بن عبيد الشيرازي: أن أبا العباس الضرير أنشده قال: أنشدني عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: أنشدني المزني قال: سمعت الشافعي رضي الله عنه ينشد: إذا نحن فضّلنا عَلِيًّا فإننا ... رَوَافضُ بالتفضيل عند ذوي الجهل وفَضلُ أبي بكر إذا ما ذكرتْهُ ... رُمِيتُ بِنَصْبٍ عند ذكريَ للفضل فلا زِلْتُ ذا رفضٍ ونصبٍ كلاهما ... بحُبَّيهما حتى أُوَسَّدَ في الرمل (¬2) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ في «التاريخ» قال: سمعت عبد الله (¬3) بن حامد ¬

_ (¬1) في المناقب: وأكتم ودي في صفاء مودتي ... فلم من قول الوشاة أسلم (¬2) توالي التأسيس 74. (¬3) في ح: «عبيد الله».

يقول: حدثونا عن مشايخنا أن الشافعي قال: فذكر هذه الأبيات الثلاثة غير أنه قال: «حتى أغيَّب في الرمل». أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزّكِّي حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ أخبرني محمد بن محمد بن الأشعث، حدثنا الربيع قال: أنشدنا الشافعي رضي الله عنه: يا راكباً قِف بالمُحَصَّبِ من مِنى ... واهتف بقاعد خِيفها والناهِض سَحَراً إذا فاض الحجيجُ إلى مِنى ... فَيضاً كمُلْتَطم الفُرَاتِ الفائض إن كان رَفْضاً حبُّ آلِ محمدٍ ... فَلْيَشْهَدِ الثقلانِ أني رافضي (¬1) وإنما قال هذه الأبيات حين نسبته الخوارج إلى الرفض حسداً وبَغْياً. وقد روينا عن يونس بن عبد الأعلى: أن الشافعي كان إذا ذكر «الرافضة» عابهم أشد العيب ويقول: شر عصابة. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني الزبير بن عبد الواحد، حدثني أبو القاسم بن سلامة المصري، حدثني الحسن بن محمد بن الضحاك (¬2) قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر العدل، قال: وجدت في كتابي: عن أحمد بن يوسف ابن تميم، حدثنا الربيع قال: أنشدنا الشافعي: لم يبرح الناس حتى أحدثوا بدعا ... في الدين بالرأي لم تُبعث بها الرّسُلُ حتى استخفّ بحق الله أكثرْهم ... وفي الذي حُمِّلوا من حقه شُغُلُ (¬3) ¬

_ (¬1) المناقب للفخر ص 51، وتاريخ دمشق 10/ 191 - ب، وطبقات الشافعية: 1/ 299. (¬2) في هامش ا: كتب الناسخ بعد هذا: سقط وبعده أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، قال: (¬3) تاريخ دمشق 10/ 190 - اوفيها: «قد نفر الناس حتى ..»

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أنشدنا الحسين بن أحمد بن موسى القاضي، قال: أنشدني ابن الأنباري، عن أبيه، للشافعي: ح. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر الخوارزمي، ببغداد، قال: حدثني أحمد بن علي البخاري، قال: حدثني بعض أصحابنا عن الخوارزمي لأنه أنشد للفقيه الشافعي: أأنثر دُرًّا بين سَارِحَة النّعمْ ... أأنظم منثوراً لراعية الغنمْ؟ لعمري لئن ضُيِّعت في شَرّ بلدةٍ ... فلست مُضِيعاً بينهم غررَ الكلمْ فإن فرّج الله اللطيفُ بلطفه ... وصادفتُ أهلاً للعلوم وللحِكمْ بَثَثْتُ مفيداً واستفدتُ وِدادَهم ... وإلاّ فَمَحْزونٌ لدَيَّ ومكْتَتَمْ ومن مَنحَ الجهّالَ علماً أضلعَه ... ومن منع المُسْتوجِبِين فقد ظَلَمْ لفظ حديث أبي عبد الله، وفي رواية السلمي: أأنثر درًّا بين سارحة النعم ... وأنشر مَكْنوناً لدى سائر الغنم؟ فإن قدّر اللهُ المفيد إفادة ... وصادفتُ أهْلا للعلوم وللحِكمَ ثم ذكر البيتين بعده وقال: «فمكنون» (¬1) بدل «محزون» (¬2). قلت: بلغني أن الشافعي لما دخل مصر أتاه جلّة أصحاب مالك وأقبلوا فابتدأ في مخالفة أصحاب مالك في بعض المسائل؛ فتنكروا له فأنشأ يقول. فذكر هذه الأبيات. ¬

_ (¬1) في ح «فيحنون» والأبيات في طبقات الشافعية: 1/ 294. (¬2) المناقب للرازي ص 111

أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد الماليني (¬1)، حدثنا أبو أحمد بن عدي، قال: سمعت الحسن بن سفيان يقول: سمعت حَرْمَلة يقول: كان الشافعي كثيراً ما يتمثل بهذين البيتين. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا الزبير (¬2) بن عبد الواحد الحافظ، بأسداباذ، وأبو عبد الله: محمد بن عبيد الله الواعظ، قال: حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا حرملة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي يقول: ح. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمِي، حدثنا محمد بن يزيد العدل، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا حَرْمَلة بن يحيى، قال: كان الشافعي يتمثل بهذين البيتين: تمنى رجالٌ أن أموتَ وإنْ أَمُتْ ... فتلك سبيلٌ لست فيها بأَوحَد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأُخرَى مِثْلِها فَكأن قدِ (¬3) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: وقال الحسين بن محمد الماسرجسي، حدثنا أبو الحسين: محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، حدثنا إبراهيم بن يوسف الهِسِنْجَاني (¬4)، قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: ¬

_ (¬1) في ح: «أبو سعيد: محمد بن محمد الماليني» وفي ا: «أبو سعد: محمد بن أحمد الماليني» والصواب ما أثبتناه. (¬2) في ح: «الربيع». (¬3) المناقب للرازي ص 115، وتاريخ دمشق 10/ 209 - ب، والتوالي 83 ونوادر القالي 218/ 3، وعيون الأخبار 3/ 114. (¬4) نسبة إلى قرية من قرى الري يقال لها: هسنكان، فعرّب، فقيل: هسنجان. روى إبراهيم بن يوسف عن أبي بكر الاسماعيلي وتوفى سنة 301. راجع اللباب 3/ 290 - 291، والأنساب 39 - ب، ومعجم البلدان 8/ 465.

رأيت أشهب بن عبد العزيز ساجداً وهو يقول في سجوده: للهم أمت الشافعي وإلا ذهب علم مالك بن أنس فبلغ الشافعي ذلك فتبسم وأنشأ يقول. فذكر البيتين وزاد بيتا ثالثاً: وقد علموا لو ينفع العلمُ عندهم ... لئن مِتُّ ما الداعي عليَّ بمُخْلَد (¬1) حدثنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت أبا عبد الله: محمد بن أحمد بن بطة الأصبهاني يقول: سمعت الحسين بن محمد بن سلم الأصبهاني يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مئوية (¬2) الأصبهاني يقول: سمعت المزني يقول: حضرت الشافعي وقيل له: إن فلاناً يقول: الشافعي ليس بفقيه. فضحك وأنشأ يقول: إنِّي نشأتُ وحسّادي ذَوُو عددٍ ... ربَّ المَعَارِج لا تُفْنِي لهم عدداً (¬3) أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن البستي (¬4)، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف الهيتي، حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله ابن جعفر، حدثنا أحمد بن سعيد بن غرير قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي ينشد: كلّ العداوة قد تُرْجَى إماتتها ... إلا عداوة من عاداك بالحسدِ (¬5) ¬

_ (¬1) المناقب للرازي ص 115. (¬2) في ح: «إبراهيم بن موسى». (¬3) البيت بن سيار. وفي العقد الفريد 2/ 324: «يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا» كما في الموشى ص 6. (¬4) في ح: «السبتي». (¬5) البيت في الموشى 6، وعيون الأخبار 2/ 10، وهو في العقد الفريد 2/ 321 مع أبيات كتب بها ابن المبارك إلى علي بن بشر المروزي.

قال: وسمعت الشافعي يقول: يحسدني من هو مني إذ ليس مثلي، ويحسدني من هو مثلي إذ ليس مني. وبهذا الإسناد: أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي قال: أنشدنا الإمام أبو الطيب: سهل بن محمد بن سليمان للشافعي رضي الله عنه: وذي حسدٍ يَغْتَابُنِي حيثُ لا يَرَى ... مكاني ويثني صالحا حيث أسمعُ (¬1) تورَعتُ أن أغتابه مِن ورائه ... وما هو إذ يغتابني مُتَورِّعُ (¬2) وأنشدنا أبو عبد الله الحافظ، أنشدنا الأستاذ أبو الحسين: علي بن أحمد ابن أسد الأديب، أنشدني أبو عبد الله: محمد بن عبد الله بن واقد الكوفي، أنشدني علي بن محمد العلوي الحِمَّانِي (¬3) للشافعي. فذكر هذين البيتين. أخبرنا محمد بن الحسين الأزدي، حدثنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن البستي (¬4)، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف الْهِيتِي، حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، حدثنا محمد بن زفر، حدثني المزني قال: سمعت الشافعي يقول: كان لرجل جليس فبلغه أنه يذكره من خلفه ويطعن عليه، فكتب إليه بهذه الأبيات: سأصبر فأصْبِر واقطع الوَصْلَ بيننا ... ولا تذكرني واسلُ بالله عن ذكري فقد عشتَ دهراً لسْتَ تعرف من أنا ... وعشتُ ولم أعرفك دهراً من الدّهرِ ¬

_ (¬1) في تاريخ دمشق: «... حين أسمع». (¬2) المناقب للرازي 115، وتاريخ دمشق 10/ 208 - ب. (¬3) ليست في ح. (¬4) في ح: «السبتي».

سلام فراقٍ لا مودّة بيننا ... ولا ملتقى حتى القيامة والحشرِ (¬1) سمعت حرملة يقول: سمعت الشافعي يتمثل بهذا البيت: اسقِهم السُّمَّ إنْ ظفرتَ بهم ... وامزج لهم من لسانك العَسَلا أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت ابن أبي حازم (¬2) يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي وكتب إلى رجل كتاباً يراسله: «إن الأفئدة مزارعُ الألسن؛ فازرع الكلمة الكريمة فإنها إن لم تنبت كلها (¬3) نبت (¬4) بعضها، وإنّ من النطق ما هو أشدّ من الصخر وأنفذ من لإبر، وأمرَّ من الصبر، وأدْور (¬5) من الرّحا، وأحدُّ من الأسنَّة، وربما اغتفرتُ حَرًّا (¬6) على حرارته مخافةَ أن يكون أحرّ وأمرّ وأنكر منه، ولذلك أقول: لقد أسمع القول الذي كان كلّما ... تُذَكّرينه النفسُ قلبي يُصْدَعُ فأُبدي لمن أبداه مني بشاشةً ... كأني مسْرُورٌ بما منه أسمعُ ¬

_ (¬1) المناقب للرازي 115. (¬2) في ا: «حاتم». (¬3) ليست في ا. (¬4) في ح: «أنبت». (¬5) في ا: «واحذر». (¬6) في ح: «كبيراً».

وما ذاك من عجب به غير أنني ... أرى ترك بعض الشر للشر أقطعُ (¬1) أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنشدني أبو سهل الفقيه، أنشدني أبو الحسين بن اللبان الفَرَضي للشافعي رحمه الله: مَا حكَّ جلدَك مثلُ ظُفْرِك ... فتولَّ أنت جميعَ أمرِكْ وإذا قصدت لحاجةٍ ... فاقصِد لِمعْتَرِفٍ بقدركْ (¬2) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو عمرو: محمد بن أحمد الجوادي (¬3) حدثنا أبو العباس: محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن عمران ابن عبد الله قال: سمعت عبد الرحمن بن إبراهيم الزهري يقول: وفد محمد بن إدريس الشافعي على رجل من قومه باليمن، كان بها أميراً فأقام عنده أياماً ثم سأله الرجوع إلى بلده فكتب إليه يعتذر وعرض عليه شيئاً يسيراً فكتب الشافعي رضي الله عنه بأبيات في ظهر رُقعته: أتاني عذر منك في غير كُنْههِ ... كأنّك عن بِرِّي بِذَاكَ تحِيدُ (¬4) لسانُكَ هَشٌّ بالنَّوالِ ولا أرَى ... يمينك إن جاد اللِّسَانُ تجودُ فإن قلت: لي بيتٌ وسِيطٌ وبَسْطَةٌ ... وأسلافُ صِدْقٍ قد مَضَوْا وجُدودُ صَدَقْتَ ولكن أنتَ خرَّبتَ ما بَنَوْا ... بكفّيك عَمْداً والبنَاءُ جديدُ (¬5) ¬

_ (¬1) المناقب للرازي 115. (¬2) المناقب للرازي 115 - 116، وتاريخ دمشق 10/ 207 - ب. (¬3) في ا: «المجرادي». (¬4) في ا: «كأنك برى من نداك يحيد» وفي المناقب: «... في غير وقته» وفي تاريخ دمشق: «أتاني بر منك ..» وفي ح: «... يداك تحيد». (¬5) هذا البيت والذي قبله ليس في تاريخ دمشق. وفي المناقب: «صدقت ولكن ما بنوا أنت هادم».

إذا كان ذو القربى لديك مبعَّدًا ... ونال الذي يهوى لديك بعيدُ (¬1) تفرّق عنكَ الأقربون لشأنهم ... وأشفقت أن تبقى وأنت وحيدُ واصبحت بين الحمد والذمِّ واقفاً ... فياليت شعري أيّ ذاك تريدُ؟ (¬2) قال: فكتب إليه: بل أريد الحمد منك بأبي أنت وأمي قد وجهت إليك بخمسمائة دينار لمهماتك وخمسمائة دينار لنفقتك، وعشرة أثواب [من] (¬3) حبر اليمن، ونجيباً لمطيتك. وأخبرنا القاضي الإمام أبو عمر (¬4): محمد بن الحسن بن محمد، حدثنا أحمد ابن محمود بن خرزاذ الكازروني، حدثنا أبو إسماعيل: إبراهيم بن محمد الأصبهاني حدثنا أبو العباس الأَبيوَرْدِيِ قال: خرج الشافعي رضي الله عنه إلى اليمن إلى ابن عم له فبرّه (¬5) ببرّ غير طائل، فكتب إليه الشافعي، فذكر هذه الأبيات دون الثالث والرابع، وقال في ابتدائه: «أتاني بر منك في غير كنهه» وقال في الثالث: «ونال الندى من كان منك بعيد». قال: فكتب إليه ابن عمه أن خذ (¬6) هذه خمسمائة دينار، وخمسمائة درهم، فاصرفها في نفقتك، وخمسة أثواب من عصب اليمن؛ فاجعلها في عَيْبتك، وهذا نجيبٌ فاركبه. ¬

_ (¬1) في ا: «وباب الذي تهوى إليك بعيد» وفي المناقب كالرواية الآتية: «ونال الندى من كان منك بعيد». (¬2) تاريخ دمشق 10/ 207 - ب، ومناقب الرازي 116. (¬3) من المناقب للرازي. (¬4) في ح: «أبو عمرو». (¬5) في ح: «برا». (¬6) من ح.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن يوسف الدقيقي قال: سمعت أبا العباس الأصم يقول: سمعت أبا الحسن الكرماني ينشد للشافعي. ح (¬1). وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن محمد - يعني أبا بكر الشيباني يقول: سمعت الحسن بن شهمردان يقول: سمعت أبا إسحاق المروزي يقول: ذكر المزني أن الشافعي أخذ بيده فقال: أُحِبُّ من الإخوان كُلَّ مُوَاتِي ... وكلَّ غَضِيضِ الطّرْفِ عن عَثَراتي (¬2) يصاحبني في كلّ أمرٍ أحبُّه ... ويحفظني حيًّا وبعد وفاتي فَمنْ لي بهذا ليت أني أصبْتُه ... فقاسمته مالي مع الحسناتِ (¬3) زاد أبو عبد الله في روايته: زادني (¬4) فيه غيره: تَصفَّحتُ إخواني فكان أقلّهم ... على كثرة الإخوان أهل ثقاتي (¬5) وقال: «يساعدني» مكان «يُصاحبني» وقال: «وجدته» بدل «أصبته» وقال: «أقاسمه مالي ومن حسناتي». وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي روايته عن الزبير بن عبد الواحد، عن أبي عبد الله: محمد بن جعفر أحمد الفارسي، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصبهاني، عن المزني، قال: ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) المناقب ص 116، وتاريخ دمشق 10/ 207 - ا. (¬3) في المناقب للرازي: «... ليت أني أصيبه». (¬4) في ا: «زاد». (¬5) في تاريخ دمشق: «.. غير ثقاتي».

أخذ الشافعي بيدي ثم قال. فذكر هذه الأبيات الثلاثة يغير بعض الألفاظ. قال أبو الحسن: وأنشدونا (¬1) لأبي العتاهية. فذكر هذه الأبيات غير أنه قال: «وكلّ عفيف الطرف (¬2)»، وذكر البيت الذي زاد أبو عبد الله. وعن أبي إسحاق المروزي، أنه أملى على أصحابه، قال: قال الشافعي لصديق جفاه: لستُ مَنْ جفاه أخوه ... أَظْهرَ الذّمّ أو تناول عِرْضا بلْ إذا صاحبي بدا لي جَفَاهُ ... عُدْتُ بالودِّ والوِصال ليرضى كنْ كما شئتَ لي فإني حمولٌ ... أنا أوْلى مَنْ عَنْ مساويك أغْضَى (¬3) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو بكر: محمد بن محمد المقري، حدثنا أبو بكر: عبد الله بن محمد بن زياد الفقيه النيسابوري عن المصريين قال: أنشد الشافعي لنفسه: يا لهَفَ نَفْسِي على مالٍ أُفَرِّقُهُ ... على المُقِلِّين من أهل المروءات إنَّ اعتذاري إلى من جاء يسألني ... ما ليس عندي من إحْدى المصيباتِ (¬4) أخبرنا محمد بن الحسين السُّلمي قال: سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت علي بن أحمد المقدسي يقول: أنشدنا أصحابنا للشافعي: ¬

_ (¬1) في ح: «وأنشدوا». (¬2) الأبيات الأربعة في ديوان أبي العتاهية ص 59 وفيه: «وفيّ يغض الطرف ...» والثلاثة في غرر الخصائص ص 427، وهي «في الصداقة والصديق» غير منسوبة. وانظرها في التوالي ص 74. (¬3) ما بين القوسين ساقط من ا. والأبيات في المناقب للرازي 114. (¬4) المناقب للرازي 116، وطبقات الشافعية 1/ 301. وتاريخ دمشق 10/ 205 - اوفيه: «ما لست تملكه».

أَرَى نَفْسي تكلّفني أُموراً ... يُقَصّرُ دون مَبْلَغِهِنَّ مَالِي فلا نَفْسي تُطاوعني لِشُحٍّ ... ولا مَالِي يُبلِّغُني فِعَالي] (¬1) أخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت محمد بن الحسين بن أحمد بن موسى الترقفيَّ (¬2) يقول: سمعت محمد بن يحيى الصولي ينشد للشافعي: وأَنْزَلني طُولُ النّوى دَارَ غُرْبَةٍ ... إذا شئتُ لاقيتُ امرءا لا أُشَاكِلُهْ (¬3) فحَامَقْتُهُ حَتَّى يقالَ: سَجِيَّةٌ ... ولو كان ذا عَقْلٍ لكنتُ أُعَاقِلُهْ (¬4) ورأيت في كتاب أبي نعيم الأصبهاني بإسناد له عن المزني قال: قدم الشافعي في بعض قَدَماتِه من «مكة» فخرج إخوان له يتلقونه فإذا هو قد نزل منزلا، وإلى جانبه رجل جالس وفي حجره عود، فلما فرغوا من السلام عليه قالوا: يا أبا عبد الله، أنت في مثل هذا المكان؟ فأنشأ يقول: فذكر هذين البيتين. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد: حسّان بن محمد الفقيه قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: سافر الشافعي مرة فصحبه في سفره من لا يداينه في نسبه وعقله، فأنشأ الشافعي يقول: وأنزلني طولُ النَّوَى دارَ غُرْبةٍ ... مجاورتي من ليس مثلي يُشَاكِلُهْ ¬

_ (¬1) ما بين القوسين سقط من ح، والبيتان في المناقب للرازي 116، وعيون الأخبار 1/ 340، والحماسة 3/ 102. (¬2) في ا: «البيهقي». (¬3) طبقات الشافعية 1/ 306. (¬4) البيتان في عيون الأخبار 3/ 24، والبيان والتبيين 1/ 245 غير منسوبين. (م 6 - مناقب جـ 2)

ثم ذكر البيت الثاني. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التاريخ، سمعت أبا محمد: عبد الله بن علي القاضي المنجنيقي يقول: سمعت أبا نعيم يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: وأنزلني طولُ النَّوى دارَ غربةٍ ... يقاومني من ليس مثلي يشاكلهْ فحامَقْته حتى يقال: سجيَّةٌ ... ولو كان ذا عقلٍ لكنت أعاقلُهْ وأنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنشدني أبو الحسن: أحمد بن علي المصري، بمكة، أنشدني أبو بكر بن البغدادي القاضي للشافعي: إنَّ الغريبَ له مَخَافةُ سارقٍ ... وخضوعُ مَدْيونٍ وذلّةُ وَامِق وإذا تذكَّر أهلّه وبلادَهُ ... ففؤادُه كجَناح طيرٍ خافقِ (¬1) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر المعدِّل، أنشدني عدي بن عبد الله الأديب عن بعضهم للشافعي: أَكْثَرَ الناسُ في النساءِ وقالُوا ... إنّ حبَّ النساء جهدُ البلاء ليس حبُّ النساء جهداً ولكنْ ... قُرْب من لا تحبّ جهد البلاء أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن يوسف الدقيقي، سمعت عبد الله بن محمد بن عدي الفقيه يقول: أنشدني أحمد بن زريق قال: قال الشافعي: أجارتَنا إنَّ الخُطُوبَ تَنُوبُ ... إني مقيمٌ ما أقام عَسِيبُ (¬2) ¬

_ (¬1) المناقب للرازي 114. (¬2) الأبيات لامرئ القيس، وعسيب: جبل بعالية نجد، كما في ديوانه 357، 454، واللسان 2/ 89، ومعجم البلدان 6/ 178.

أجارتَنا إنا غريبان ها هنا ... وكلُّ غريبٍ للغريب نسيبُ فإنْ تَصِلِينَا تَسْعدِي بمودَّتي ... وإنْ تَقْطعِينا فالغريبُ غريبُ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، سمعت محمد ابن يعقوب بن الحجاج الأديب يقول: وجدت في كتابي، عن المزني: أن الشافعي أملى عليه: وأَكثِرَ من الإخوان ما اسْطَعْتَ إنهمْ ... بُطُونٌ إذا اسْتَنْجَدْتَهُمْ وظُهُورُ وليسَ كثيراً ألفُ خِلٍّ لعاقلٍ ... وإنَّ عدوًّا واحداً لَكَثيرُ (¬1) وأخبرنا أبو عبد الله، أخبرني أبو الفضل، أنشدني عبد الله بن أحمد بن خزيمة، أنشدني محمد بن الحسن للشافعي رحمه الله: عواقبُ مكروهِ الأمورِ خيارُ ... وأيامُ شَرٍّ لا تدومُ قِصارُ وليس بباقٍ بُؤْسُها ونَعِيمُها ... إذا كَرٍّ ليلٌ ثم كَرَّ نهارُ قال: وقال الشافعي رحمه الله: إذا شئتَ أنْ تَحْيَا فلا تكنْ ... على حالةٍ إلا رضيتَ بِدُونها (¬2) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل، سمعت تمام بن عبد الله ¬

_ (¬1) من غير نسبة في «الصداقة والصديق» وفي محاضرات الأدباء 2/ 2 لمحمود الوراق، وفيها: «فما بكثير ألف خل وصاحب» وفي المناقب للرازي 114: «وليس كثيراً ....» كما في الموشي ص 16/ 17 وهما منسوبان لعلي رضي الله عنه، وفي روضة العقلاء ص 99 غير منسوبين. وانظرهما في التوالي 74. (¬2) المناقب للرازي في الموضع السابق.

الطرسوسي يقول: سمعت نصر بن عصام الأردبيلي يقول: سمعت عبد الرحمن ابن محمد يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: نَعِيبُ زمانَنا والعيبُ فينا ... وما لِزَمَانِنا عيبٌ سِوَانا وقد نَهْجُوا الزمانَ بغير جُرْمٍ ... ولو نَطَق الزمان به هَجانا ديانتنا التّصنّعُ والتَّرَائِي ... فنحنُ به نُخادِعُ مَنْ يرانا وليس الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ ... ويأكلُ بعضُنا بَعْضاً عِيانا لَبِسْنَا لِلتّخَادُعِ مَسْكَ ضَأنٍ (¬*) ... فَوَيْلٌ للمُغيرِ إذا أتانا (¬1) أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنشدني سعيد بن أحمد بن محمد، أنشدني أبو علي: أحمد بن علي المالكي للشافعي رحمه الله: إذا رافقتَ في الأسفار قوماً ... فَكُنْ لهم كذي الرَّحِم الشّفيقِ بعيبِ النفسِ ذَا بصرٍ وعلمٍ ... وأَعْمَى العين عن عيبِ الرّفيقِ (¬2) ولا تأخذْ بعثْرةِ كلّ قومٍ ... ولكن قل: هَلُمّ إلى الطريقِ فإن تأخذْ بعثرتهم يَقِلُّوا ... وتبقى في الزمانِ بلا صديقِ أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا أبو القاسم: عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم الحلواني (¬3) ببغداد، حدثنا أبو محمد: إسماعيل بن علي بن إسماعيل، حدثنا إسماعيل بن أحمد الرفاء، سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: ¬

_ (¬*) أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «مُسُوكَ ضَانٍ»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 470 إلى: «مَسْك ضأن» كما في ا، ح، وفي هامش ح: (للخداع مسوك). (¬1) الأبيات الأربعة السابقة كتبها بعض النساخ لعيون الأخبار 2/ 260 منسوبة للشافعي عقب فراغه من كتاب العلم. (¬2) في مناقب الرازي: «لعيب النفس ...». (¬3) ليست في ح.

سمعت الشافعي ينشد هذه الأبيات: سأضرِبُ في الآفاقِ شَرْقاً ومَغْرِباً ... وأكسب مالاً أو أموت غريب (¬*) لئن تَلِفْتْ نفسي فلله درُّها ... وإن سلِمَتْ كان الرجوع قريب (¬*) * * * سقى اللهُ أرضَ العامريِّ غمامةً ... وردّ إلى الأوطان كلَّ غريب وأعطى ذوي الحاجات فوق مناهُمُ ... وأمتع محبوبا بقرب حبيب أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد العطار، أنشدني أبو القاسم: الطيب بن محمد الأنصاري الفقيه، أنشدني إبراهيم بن عرفة، نفطويه، لمحمد ابن إدريس الشافعي في وصف القلم: هل تذكرين إذا الرسائل بيننا ... يَجْرين في الشجر الذي لم يُغْرَسِ أيّامَ سِرُّك في يدي ومثاله ... لي في يديك من الضَّمير الأخرسِ قرأت في كتاب أبي بكر: محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا، روايته عن أحمد بن محمد بن إسماعيل، الإسماعيلي الفقيه، عن محمد بن أحمد الهروي، عن أبي عبد الله بن المهتدي الهاشمي، عن علي بن سهل الرملي، عن رجل نَسى ابن المهتدي اسمه، قال: لما قرأ هارون الرشيد كتاب الولاية للأمين والمأمون بمكة، قام فتى شاب فقال: يا أمير المؤمنين: لا قَصَّرا عنها ولا بُلّغْنها ... حتى يطول بها لديك طوالها قال: فقاتل الناس: من هذا الشاب الذي جمع التهنئة والتعزية في بيت ¬

_ (¬*) كذا في الأصول، والصواب: غريبا .. قريبا. [فهرس التصويبات 2/ 470]

واحد؟ فقيل: هذا فتى من قريش يقال له: محمد بن إدريس الشافعي. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد العطار، أخبرني محمد ابن عمر (¬1) البصري، حدثني محمد بن أحمد بن عاصم، حدثني محمد بن عبد الله ابن جعفر الرازي، حدثنا الحسن بن علي بن مروان، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال لي الشافعي: سألت محمد بن الحسن أن يعيرني كتاباً فكتبت إليه هذه الأبيات: قل لمن لم تَرَ عيـ ... ـنُ من رآه مثلَهُ (¬2) ومن كأن من رآ ... هـ قد رأى من قبلَهُ (¬3) العلم ينهى أهلَه ... أن يمنعوه أهلَهُ لعله يَبْذُلُهُ ... لأهله لعلَّهُ (¬4) قال: فحمل محمد بن الحسن الكتاب في كمّه وجاءني معتذراً عن حبسه. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر: محمد بن إبراهيم الشافعي، حدثني محمد بن أحمد البرقي الزاهد، حدثني أصحاب الشافعي: إن الشافعي كتب إلى محمد بن الحسن بهذين البيتين - يعني: حين حبس بالعراق: لستُ أدري ما حيلتي غير أني ... أرتجي من جَميل جاهِك صُنْعَا والفتى إن أراد نفعَ صديقٍ ... فهْو يدري في أمره كيف يَسْعَى ¬

_ (¬1) في ا: «عمرو». (¬2) في ا: «. . . عينا من يراه. . .». (¬3) في طبقات الحنفية: «ولمن كان رآه قد رأى. . .». (¬4) المناقب للفخر 111، وتاريخ دمشق 10/ 187، وطبقات الحنفية 2/ 43 وتوالي التأسيس 55.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت أبا بكر: هبة الله بن الحسن، الأديب الفقيه، ببخاري، يقول: سمعت همام بن عبد ينشد هذه الأبيات، عن المزني والربيع، عن الشافعي: لما عفوتُ ولم أحقد على أحدٍ ... أرحتُ نفسيَ من غمّ العداواتِ (¬1) إني أُحَيِّي عدُوِّي عند رؤيته ... لأدفعَ الشرَّ عني بالتحيّاتِ وأُحسن البِشْرَ للإنسانِ أبغضُه ... كأنه قد حشا قلبي محبّاتِ (¬2) ولست أسلم من خلٍّ يخالطني ... فكيف أسلم من أهل العداواتِ؟ [وقال في غيره (¬3)]: ولست أسلم ممن ليس يعرفُني ... فكيف أسلم من أهل العداواتِ؟ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، أخبرني محمد بن عمرو البصري، حدثنا أبو العلاء: أحمد بن محمود الأهوازي، حدثنا يوسف القُمِّي، حدثنا المزني، قال: سمعت الشافعي يقول: كنت باليمن فقرأت على باب صنعاء أو عدن [مكتوبا (¬4)]: احفظ لسانَك أيها الإنسانُ ... لا يَلْدَغنَّك إنه ثعبانُ كم في المقابر مِن قتيلِ لسانِه ... قد كان هاب لقاءَهُ الأقرانُ ¬

_ (¬1) في «الصداقة والصديق»: «وأنشد هلال بن العلاء الرقي». (¬2) في «الصداقة والصديق»: «وأظهر البشر. . . كأنه قد ملا قلبي. . .» وبعده: والناس داء وداء الناس قربهم ... وفي الجفاء لهم قطع الأخوات ولست أسلم ممن لست أعرفه ... . . . . . . . . . . . . . . . وأجزم الناس من يلقى أعاديه ... في جسم حقد وثوب من مودات (¬3) ما بين القوسين من ح. (¬4) من ح.

أخبرنا أبو عبد الله قال: وقال الحسين بن محمد الماسرجسي، أخبرنا أبو الحسين: محمد بن جعفر الرازي، حدثنا محمد بن عبد الصمد الصّدفي (¬1)، قال: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا لم تَصُنْ عِرضاً ولم تخْشَ خالقاً ... وتستحْيِ مخلوقا فما شئتَ فاصنع أخبرني أبو عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن إبراهيم المؤذن، أنشدنا عبد الله بن محمد بن عدي، للفقيه الشافعي: والمرء إن كان عاقلا ورعا ... يشغله عن عيوبهم ورعُه كما العليلُ السقيم يشغله ... عن وجع الناس كلِّهم وجعُه (¬2) أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنشدني منصور بن عبد الله الهروي قال: أنشدنا إبراهيم بن المولد (¬3)، للشافعي: لا خير في حشو الكلا ... مِ إذا اهتديت إلى عيونهْ والصمت أجمل بالفتى ... من منطق في غير حينهْ (¬4) وعلى الفتي بطباعه ... سمة تلوح على جبينهْ من ذا الذي يخفى عليـ ... ك إذا نظرت إلى قرينهْ (¬5) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني لؤلؤ بن عبد الله المقتدري، على باب ¬

_ (¬1) في ح: «الصوفي». (¬2) البيتان في التوالي ص 75. (¬3) في ح: «إبراهيم الموحد». (¬4) البيتان في الموشي ص 8 منسوبين لأبي العتاهية وكذلك في لباب الآداب 276، وهما في حماسة البحتري 229 لصالح عبد القدوس. ونقل ابن حجر عن البيهقي الأبيات الثلاثة الأول في توالي التأسيس 73. (¬5) البيتان في الموشي ص 14 بتقديم الثاني على الأول منسوبين لأبي العتاهية.

الخليفة قال: أنشدنا أبو القاسم: يوسف بن عبد الله المصري، عن بعض أصحاب الشافعي، للشافعي: إني بليت بأربع يرمينني ... بالنيل عن قوس لهن صريرُ إبليس والدنيا ونفسي والهوى ... أنَّى يَفِرُّ من الهوى نِحْرِيرُ أنشدنا محمد بن الحسين السلمي، أنشدني محمد بن طاهر الوزيري، أنشدني المطرفي، للشافعي رحمه الله: يا من تعزّزَ بالدنيا وزينتِها ... الدهرُ يأتي على المبْنِيِّ والباني (¬1) ومن يكون عِزُّهُ الدنيا وزينتها ... فعزّه عن قليل زائلٌ فاني واعلم بأن كنوزَ الأرض من ذهبٍ ... فاجعل كنوزَك من بِرٍّ وإيمان أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد العطار، أنشدني سعيد بن أحمد الهمذاني، عن أبي نصر: أحمد بن سهل، أنشدني صالح جزرة، للشافعي: مَن طلب العلمَ للمعاد ... فاز بفضلٍ من الرشاد فنار حسنا لطالبيه ... بفضل نيل من العباد قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، حدثني يوسف بن الماجد، أخبرني المزني، قال: سمعت الشافعي يتمثل بهذا البيت. عندما غاب ابنه: وما الدهر إلا هكذا فاصطبرله ... رزيّةُ مالٍ أو فراقُ حبيب قال أبو الحسن: سقط على بعض الرواة «فاصطبرله» فأثبته فيه من عندي. ¬

_ (¬1) في ا: «والدهر يأتي. . .».

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم المؤذن، سمعت محمد بن عيسى الزاهد يقول: فيما بلغنا: إن «عبد الرحمن بن مهدي» مات له ابن، فجزع عليه جزعاً شديداً حتى امتنع من الطعام والشراب، فبلغ ذلك «محمد بن إدريس الشافعي» فكتب إليه: أما بعد، فعّزَّ نفسك بما تعزي غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أمضَّ المصائب فَقْدُ سرورٍ مع حرمانِ أجر، فكيف إذا اجتمعا على اكتساب وزر؟ وأقول: إني معزِّيك لا أني على طمعٍ ... من الخلود ولكنْ سنّة الدين فما المعزَّى بباق بعد صاحبه ... ولا المعزِّي ولو عاشا إلى حينِ (¬1) قال: فكانوا يتهادونه بينهم بالبصرة. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت الحسين بن أحمد بن موسى يقول: سمعت محمد بن يحيى الصُّولي يقول: قال المبرد: رحم الله الشافعي، وإنه كان من أشعر الناس، وآدب الناس، وأعرفهم بالقراءات، ولقد أخبرني بعض أصحابي أنه مات لعبد الرحمن بن مهدي ولد فكتب إليه الشافعي: يا أخي، عَزّ نفسك بما تعزِّي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل (¬2) غيرك، واعلم أنّ أمضّ المصائب فَقْدُ سرور، وحرمانُ أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وِزْر؟ فتناول حظّك يا أخي إذا قرب منك، قبل أن تطلبه، وقد نأى عنك. ألهمك الله عند المصائب صبراً، وأجزل (¬3) لنا ولك بالصبر أجرا. وكتب إليه: ¬

_ (¬1) معجم الأدباء 17/ 308، وتاريخ دمشق 10/ 206 - ب. (¬2) ليست في ا. (¬3) في ا: (وأحرز».

إني مُعَزِّيك لا أنى على ثقةِ ... من الخلود ولكنْ سنّة الدينِ (¬1) فما المعزَّى بباق بعد ميِّته ... ولا المعزِّي وإن عاشا إلى حينِ (¬2) أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، سمعت عبد الرحمن بن محمد الهاشمي يقول: سمعت محمد بن الفضل العدني (¬3) يقول: سمعت محمد بن خلف بن الْمَرْزُبان يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت «محمد بن سلام الجمحي» ينشد للشافعي: مِحَنُ الزمانِ كثيرةٌ لا تنقضي ... وسُرورُه يَأتيك كالأعياد مَلَكَ الأكابِرَ فاسترقّ رقابَهم ... وتراه رِقًّا في يد الأَوْغاد وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي فيما أسندوه عن محمد بن عبد الله عن عبد العزيز بن يحيى الكناني قال: أنشد الشافعي لسفيان بن عُيَيْنَة: كم من قويّ قويٍّ في تقلُّبه ... مهذّب الرأي عَنْهُ الرزقُ مًنْحَرِفُ ومن ضعيفٍ ضعيف العقل مختلط ... كأنّه من خليج البحرِ يغترفُ هذا دليل على أن الإله له ... سرٌ خفيٌّ علينا ليس ينكشفُ (¬4) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر: محمد بن عثمان المقري، أنشدنا أبو روق الهِزَّاني بالبصرة، أنشدنا العباس بن الفرج الرِّيَاشي، قال: أنشدني الشافعي لنفسه (¬5): المرءُ يحظى ثم يعلو ذكره ... حتى يُزَيَّنَ بالذي لم يعملِ (¬6) ¬

_ (¬1) في تاريخ دمشق: «... لا أني على طمع ... من الخلود ...». (¬2) في تاريخ دمشق: «... بباق بعد صاحبه. . . ولو عاشا. . .». (¬3) في ح: «العذري». (¬4) هذا البيت ليس في ا. والأبيات الثلاثة في ح والمناقب للرازي 113. (¬5) ليست في ح. (¬6) البيتان في توالي التأسيس ص 73 نقلا عن البيهقي.

وترى الشقيَّ إذا تكامل غَيُّهُ ... يشقى ويُنْحَلُ بالذي لم يفعل قال الرياشي: وكنت مع الأصمعي حيث قرأ على الشافعي شعر الشنفري بمكة. كذا قال أبو بكر المقري (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنشدني محمد بن الحسن الرازي، أنشدنا ابن أبي حاتم للشافعي: مَا هِمَّتي إلا مُطالبةُ العُلا ... خَلق الزمانُ وهمَّتي لم تَخلق الجِدّ يدني كُلَّ أمرٍ شاسعٍ ... والجَدُّ يفتح كلَّ باب مغلقِ (¬2) وإذا سمعت بأن مَجْدُوداً حَوَى ... عوداً فأَثمر في يديه فَصَدِّق وإذا سمعت بأن محروماً أتى ... ماءً ليشربَه فغَاض فَحقِّقِ (¬3) ومن الدليل على القضاء وكونِه ... بؤسُ اللبيبِ وطِيْبُ عيشِ الأحْمَقِ (¬4) قلت: زاد في أوله غيره: إنّ الذي رُزِقَ اليَسارَ فلم يُصِبْ ... حَمْداً ولا أجراً لَغَيْرُ مُوَفَّق وأحقُّ خلقِ اللهِ بالهمِّ امرؤٌ ... ذو همَّةٍ يُبْلىَ بِعيشٍ ضيِّقِ (¬5) ¬

_ (¬1) في ح: «المزني» وهو خطأ. (¬2) في تاريخ دمشق: «فالجد يبني» والأبيات في العمدة 1/ 40 ما عدا الأول والأخير. (¬3) في تاريخ دمشق: مجدوداً أتى ...». (¬4) الأبيات في طبقات الشافعية 1/ 304. (¬5) الأبيات في تاريخ دمشق 10/ 207 - ب، والمناقب للرازي 113، وبعده فيه: ولربما عرضت لنفسي فكرة ... فأود منها أنني لم أخلق لو كان بالحيل الغنى لوجدتني ... بأجل أسباب السماء معلق لكن من رزق الحجا حرم الغني ... ضدان مفترقان أي تفرق ومن الدليل. .. الخ. وانظرها في التوالي 75، وطبقات الشافعية 1/ 304.

قال: «والجدُّ يدني كل أمر شاسع» وزاد أيضاً: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت عبد الواحد بن عبد الله البغدادي يقول: سمعت يوسف بن عبد الأحد القُمِّي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كنت مع الشافعي في بعض أسفاره فسمعته ينشد: يقولون: لا تنظر وتلك بليَّةٌ ... ألاَ كُلُّ ذي عينين لا بد ناظرُ وليس اكتحال العين بالعين ريبةً ... إذا عفّ فيما بين ذاك الضمائرُ (¬1) أخبرنا أبو بكر: محمد بن إبراهيم بن أحمد الفارسي، أخبرنا أبو الحسن: محمد بن إسماعيل العلوي، سمعت محمد بن نوح العسكري يقول: سمعت محمد ابن عبد الله يقول: لقيت الشافعي فتنفس وأنشأ يقول. وأنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنشدني ناصر بن محمد، أنشدني عبد الله بن محمد بن سعيد الأندلسي، سمعت البويطي يقول: أنشدني الشافعي، رحمه الله، لنفسه: مَرِضَ الحبيبُ فعُدْتُه ... فمرضتُ من حذري عليهِ فأتى الحبيب يعودني ... فبرأْتُ من نظري إليهِ لفظهما واحد. ¬

_ (¬1) أوردهما ابن قيم الجوزية في روضة المحبين ص 112 نقلا عن الحاكم في مناقب الشافعي على أنهما من شعر الشافعي، وهما لجميل بن معمر كما في ذيل الأمالي ص 103.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر بن عثمان البغدادي، حدثنا أبو رَوْق الهِزَّاني، حدثنا الرياشي: أنّ رجلا كتب رقعة يستفتي بها الشافعي: ماذا تقول هداك الله في رَجل ... أمسى يحبّ عجوزاً بنت تسعين؟ فأحابه الشافعي رضي الله عنه: نبكي عليه فقد حقّ البكاء له ... حبّ العجوز بترك الخُرّدِ العِيْنِ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو سهل: محمد بن أحمد الفرائِضي، حدثني أبو يعلى العلوي، سمعت عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفراييني يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كنت يوما عند الشافعي فجاءه أعرابي بيده رقعة، فتخطى رقاب الناس وناوله الرقعة، فنظر فيها الشافعي رضي الله عنه، فدعا بالدواة ووقع فيها بخطه. فتبعت الأعرابي وسألته النظر فيها فإذا فيها: سَلِ المفتَى المكيَّ هل في تزاورٍ ... وضَمّةِ مُشْتَاقِ الفؤادِ جُنَاحُ وإذا (¬1) فيها جواب الشافعي: أقول معاذ الله أن يذهب التقَى ... تلاصُقُ أكبادٍ بِهِنَّ جِرَاحُ (¬2) ¬

_ (¬1) في ا: «فإذا فيها». (¬2) الكامل للمبرد 1/ 249، وتزيين الأسواق ص 7، وطبقات الشافعية 1/ 303، والمختار من شعر بشار ص 48 وفيه أن السائل للشافعي امرأة، ويقول مؤلفه أبو الطاهر: إسماعيل بن أحمد التجيبي: «وأنا أرتاب بهذه الحكاية عن الشافعي، على كثرة إسنادها إليه، وتعليقها به. على أنه قد وجه لها وجيه فقيل: المعنى: معاذ الله أن يفعل هذا تقي فيذهب تقاه فعله إياه، كقولك: معاذ الله أن تفعل فيسقط جاهك شرب وما أشبهه: أي معاذ الله أن تفعل فيسقط جاهك. وفي هذا بعض الغموض فتنبه له. اهـ. وفي روضة المحبين ص 112 حكاية عن السمعاني: أن السؤال كان للشافعي، وقال: وذكر الخرائطي هذا السؤال والجواب عن عطاء بن أبي رباح، وأوله: سألت عطاء المكي. . .».

ورواه أبو زرارة الحرّاني، عن الربيع، وزاد فيها (¬1): قال الربيع: فأنكرت على الشافعي أن يفتي لحدث بمثل هذا، فقال لي: يا أبا محمد، هذا رجل هاشمي قد عرس في هذا الشهر - يعني شهر رمضان - وهو حدث السن، فسأل: عليه جناح أن يقبل أو يضم من غير وطء؟ فأفتيته بهذا. قال الربيع: فتَبعت الشاب فسألته عن حاله، فذكر لي أنه مثلما قال الشافعي. قال: فما رأيت فراسة أحسن منها. وهذا فيما ذكره أبو نعيم الأصبهاني، عن الحسن بن سعيد بن جعفر، عن أبي زرارة. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت يحيى بن هارون (¬2) الأيلي، الصوفي، يقول: سمعت ابن درستويه يقول: بلغني عن حرملة أنه قال: رفع رجل رقعة إلى الشافعي مكتوبا فيها: رجل مات وخلّى رجلا (¬3) ... ابن عم ابن أخي عم أبيه قال: فأجاب الشافعي في أسفل الرقعة: صار مال المتوفى كاملا ... باحتمال القول لا مِرْيَةَ فيهِ للذي خَبَّرْتَ عنه أنه ... ابن عم ابن أخي عم أبيهِ (¬4) أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، حدثنا علي بن الحسن بن حبيب الدمشقي، سمعت الفاقوسي - وكان من أهل القرآن والعلم - يقول (¬5): سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: ¬

_ (¬1) في ا: «فيه». (¬2) في ا: «يحيى بن أحمد بن علي الإيلي». (¬3) في ح، ا: «وخلى» و «رجلا» في المناقب، وهي ساقطة من الأصلين. [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «مات وخلّف»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 470 إلى: «مات وخلّى»] (¬4) الأبيات والقصة في المناقب 116 - 117 وفيها: «للذي أخبرت»، وفي ا: «الذي أخبرت». (¬5) ليست في ا.

سمعت الشافعي يقول: كان لي صديق يقال له: حُصَين، وكان يبرّني ويصلني، فولاه أمير المؤمنين السِّيبين (¬1) قال: فكتبتُ إليه: خُذْها إليكَ فإن وُدَّك طالقٌ ... منّي وليس طلاق ذات البينِ فإن ارعويتَ فإنها تطليقةٌ ... ويدوم ودُّك لي على ثِنْتَينِ وإن التويتَ شفعتها بمثالها ... وتكون تطليقين في حيضين فإذا الثلاث أتتكَ مني طائِعا ... لم تغن عنك ولاية السِّيبينِ لم أرض أن أهجُو حصينا وحده ... حتى أُسَوِّد وجهَ كلِّ حصينِ (¬2) وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن البستي، بهمذان، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف الهيتي (¬3)، حدثنا أبو الحسين: محمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر، حدثنا الحسن بن حبيب عن محمد ابن عبد الحكم المصري قال: وحدثني محمد بن إدريس قال: كان لي صديق يسمى حصين، وكان يبرّني ويودّني، فولى قضاء السِّيبين، فجفاني ونسيني، فكتبت إليه بأبيات من الشعر، فذكرهن. قال: فلما قرأها رجع إلى مودتي واعتذر، غير أنه قال: فإنِ الثلاث أتتك مني بتة ... لم تغن عنك ولاية السِّيبين (¬4) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، حدثنا يحيى ابن محمد بن إبراهيم الخطيب، حدثنا أبو بكر: محمد بن إبراهيم المقري قال: ¬

_ (¬1) السيب - بكسر أوله وسكون ثانيه - كورة من سواد الكوفة، وهما سيبان: الأعلى والأسفل، كما في معجم البلدان 5/ 190. (¬2) المناقب للرازي 117. (¬3) في ح: «حدثنا محمد بن يوسف الهيتي». (¬4) في ا: «... أتتك مني بيّفا».

سمعت محمد بن أبي عدي، قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي، رضي الله عنه يقول: اعرف الحق لذي الحق إذا حقّ له الحق لا خير فيمن ينكر الحق لذي الحق إذا حق له الحق أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو علي: محمد بن علي الإسفراييني ببخاري، قال: أملى علينا أبو سعيد: أحمد بن سعيد بن عتيب الصّوري - بِصُور - حدثنا الربيع بن سليمان، سمعت الشافعي يقول: ومنزلةُ السّفيهِ مِن الفقيهِ ... كمنزلةِ الفقيهِ من السفيهِ فهذا زاهدٌ في علم هذا ... وهذا فيه أزهد منه فيهِ إذا غلب الشقاء على السّفيهِ ... تنطَّع في مخالفة الفقيهِ (¬1) أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد (¬2) بن إدريس - حدثنا أبي، حدثنا حرملة ابن يحيى، سمعت الشافعي، رضي الله عنه يقول: ولا تظهرنّ الرأي من لا يريدهُ ... فلا أنت محمودٌ ولا الرأيُ نافعهْ (¬3) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت أبا الحسن: علي بن بندار الصرفي يقول: سمعت الشافعي يقول: جنونك مجنون فلست بواجدٍ ... طبيباً يداوي من جنون جنون (¬4) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأني أبو جعفر: محمد بن صالح بن هانئ ¬

_ (¬1) الأبيات في توالي التأسيس ص 75، وطبقات الشافعية 1/ 298. (¬2) في ح: «عمر». (¬3) آداب الشافعي 276. (¬4) طبقات الشافعية 1/ 307. (م 7 - مناقب جـ 2)

ابن محمد بن سهل (¬1) الطوسي، حدثه قال: أنشدنا يونس بن عبد الأعلى، وقال لي: اكتبه فإن ابن خزيمة لم يكتبه عني قال: أنشدنا الشافعي: قليل المال لا ولد يموت ... ولا همٌّ يبادر ما يفوتُ خفيف الظهر ليس له عيال ... خليٌّ من حُرِمت ومن دُهيتُ (¬2) قضى وطر الصّبا وأفاد علماً ... فهمَّته التعبدُ والسكوتُ قال أبو تراب: محمد بن سهل: سألني أبو بكر: محمد بن إسحاق عن هذه الأبيات. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد - قال: قال الربيع والمزني: كُلّم الشافعي في بعض ما يراد به - يعني فأبى، وأنشأ يقول: ولقد بلوتك وابتليت خليقتي ... ولقد كفاك معلمي تعليمي (¬3) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد، أخبرني علي بن محمد ابن أحمد الفقيه، قال: حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سألت يونس ابن عبد الأعلى عن حديث فقال: خذي العفوَ مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سَورتي حين أغضبُ فإني وجدت الحب في القلب والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهبُ (¬4) ¬

_ (¬1) في ح: «نهيك». (¬2) في هامش ح: «خلى من خرجت ومن ذهبت». (¬3) آداب الشافعي 273. (¬4) البيتان في مناقب الرازي ص 117، والثاني في ديوان المعاني 2/ 171.

ثم قال يونس: كان الشافعي معجبا بهذه الأبيات (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرني الربيع البلخي قال: حدثني أحمد بن علي الرستمي، حدثني أبو النضر بن سالم، حدثني أبي قال: بينا (¬2) الشافعي في مجلسه، ببغداد، في مسجد المنصور إذ سقطت بين يديه رقعة فيها مكتوب: عفا الله عن عبدٍ أعان بدعوةٍ ... خليلين كانا دائبين على الودِّ (¬3) إلى أن وشا واشٍ بقول نميمة ... إلى ذاك من هذا فحالا عن العهدِ قال: فمد الشافعي يده ودعا وانصرف بلا مناظرة ولا مذاكرة. وقرأت في كتاب أبي نعيم الأصبهاني، أخبرنا محمد بن عمر بن غالب، حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان - بمكة - حدثنا أبي قال: قال لي يعقوب البويطي: قلت للشافعي: قد قلت في الزهد فهل لك في الغزل شيء (¬4)؟ قال: فأنشد: يا كاحلَ العينِ بعد النومِ بالسهرِ ... ما كان كحلك بالمنعوت للبصرِ لو أنَّ عيني إليك الدهر ناظرة ... جاءت وفاتي ولم أشبع من النظرِ سقيا لدهر مضى ما كان أطيبه! ... لولا التفرُّق والتنغيص بالسفرِ (¬5) إن الرسولَ الذي يأتي بلا عِدَةٍ ... مثلُ السحاب الذي يأتي بلا مطرِ (¬6) أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، سمعت أبا منصور بن أبي محمد الفقيه ¬

_ (¬1) البيتان في عيون الأخبار 3/ 11 منسوبين لشريح. (¬2) في ا: «كان». (¬3) في ا: «دائمين». (¬4) ليست في ا. (¬5) في ا: «لأيام مضت ما كان أطيبها» وعلى قوله: «أيام» علامة التضبيب. (¬6) الأبيات في طبقات الشافعية 1/ 305.

يقول: سمعت بعض فقهائنا يقول: بلغني أن الشافعي سئل: أيجوز أن يتزوج الرجل على بيت شعر؟ قال: إذا كان البيت مثل هذا فنعم: يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا وقال غيره: أن يلقى مناه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني عبد الواحد بن محمد المذكر قال: أنشدني الشافعي رضي الله عنه: إذا كنت لا تدري ولا أنت بالذي ... يُسائل من يدري فكيف إذاً تدري فلو كنت تدري أو تدرّيت لم تكن ... تخالف من يدري على علم ما يدري (¬1) وأخبرنا أبو عبد الله: أخبرني نصر بن محمد، حدثني محمد بن يعقوب ابن يوسف بن الحجاج الأديب قال: وجدت في كتابي عن الشافعي أنه قال: العلم حر وطالب العلم عبد، فأنْ خدم العلمَ ملك العلم وإن تجبّر عليه فالعلم أشد تجبُّراً من أن يخضع لمن لا يخضع له وقال: ما تمَّ حلم ولا علم بلا أدبٍ ... ولا تجاهل في قوم حليمانِ وما التجاهل إلا ثوب ذي دنس ... وليس يلبسه إلا سفيهانِ (¬2) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو محمد بن يوسف الأصبهاني، قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع ابن سليمان يقول: كتب إليّ أبو يعقوب البويطي من الحبس: أن اصبر نفسك للغرباء، ¬

_ (¬1) المناقب للرازي 111. (¬2) المناقب للرازي 118.

وأحسن خلقك لأهل حَلْقَتك؛ فإني لم أزل أسمع الشافعي يكثر أن يتمثل بهذا البيت: أهين لهم نفسي لكي يكرمونها ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها (¬1) أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت محمد بن عبد الله الشيباني يقول: سمعت موسى بن محمد بن هاشم يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: سئل بعض السلف: ما بلغ من اشتغالك بالعلم؟ فقال: هو سلوتي إذا اهتممت، ولذّتي إذا سلوت (¬2). قال: وأنشدني الشافعي، رضي الله عنه، لنفسه (¬3): وما أنا بالغيران من دون أهله ... وإذا أنا لم أضحى غيورا على علمي طبيب فؤادي مذ ثلاثون حجَّةً ... وصيقل ذهني والمفرج عن هَمِّي أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو تراب المذكر، حدثنا محمد ابن المنذر، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: إذا قال الرجل لامرأته: اشربي أو كلي أو ذوقي وقال: أردت الطلاق فهو طلاق، والعرب تقول: اشرب الشيء: تريد به المكروه؛ ألا تسمع قول الشاعر: اشرب بكأس كنت تسقي بها ... أمرّ في فيك من العلقَم أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الفقيه، حدثنا المؤمل ابن الحسن بن عيسى، سمعت الزعفراني يقول: ¬

_ (¬1) البيت لأعرابي حجب عن باب السلطان كما في البيان والتبيين 2/ 189. وأمالى المرتضى 1/ 205، والصناعتين ص 240، وإعجاز القرآن للبافلاني ص 124. (¬2) بعد هذا في ح: «لا أضجر». (¬3) ليست في ح.

سمعت الشافعي يقول: كانت أمي تطعمني الزيت وأنا صبي فقلت: يا أماه قد أحرق الزيت كبدي فقالت: كُلْه يا بني فإنه مبارك فقلت: تأدَّمُنى بالزيت قالت: مباركٌ ... وقد أحرق الأكبادَ هذا المباركُ أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو صالح بن الجوهري، ببغداد، حدثنا أبو بكر: أحمد بن محمد الواسطي (¬1) قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت أبا عثمان: محمد بن محمد بن إدريس الشافعي يقول - يعني سمع أباه ينشد (¬*): على كل حال أنت بالفضل أجدر (¬2) ... وما الفضل إلا للّذي يتفضل أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن البستي (¬3)، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله ابن جعفر الرازي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن صالح - بدمشق - حدثنا أبو معاوية: عبيد الله بن محمد بن عبد الحكم الدمشقي، حدثنا الربيع ابن سليمان قال: قال رجل للشافعي: مات فلان، فقال: وهب الله لك الحسنات [ومحا عنك السيئات (¬4)] فقد دللتنا على مكرمة، وحططت عنا ثقل الاعتذار، انهضوا بنا إلى فلان حتى نعزيه، فقيل له: إن الموضع بعيد، فأنشأ يقول: لئن مدت دار المعزَّى ونابَه ... من الدهر يوم والخطوب تنوبُ (¬5) ¬

_ (¬1) في ا: «ابن الواسطي». (¬*) هذا نص ح. وفي ا: «الشافعي يقول ينشد يعني سمع أباه ينشد». [فهرس التصويبات 2/ 470] (¬2) في ا: «آخذ». (¬3) في ح: «لسبتي». (¬4) ما بين القوسين ليس في ا. (¬5) في ح: «يوما».

لَمَشْيي على بعد على علة الوجا ... أدِبّ ومن يقضي الحقوق دَبُوبُ (¬1) ألَذُّ وأحلى من مقال وخلفه ... يقال إذا ما قمت أنت كذوبُ وهل أحد يصغي إلى عذرِ كاذبٍ ... إذا قال لم تأْبَ المقالَ قلوبُ (¬2) وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي، سمعت محمد بن طاهر الوزيري يقول: سمعت المطرفي (¬3) الهروي يقول: بلغني عن الربيع بن سليمان أنه قال: جاء رجل إلى محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، فقال له: إن فلانا صديقك لعليل (¬4)، فقال له الشافعي: لقد اتخذت عندي يدا، وأحسنت إليّ حيث أيقظتني لمكرمة (¬5)، ودللتني على إفضال، ودفعت عني اعتذاراً يشوبه بعض الكذب، ثم قال: يا غلام، نعلي؛ فالمشي على الحفا، على علة الوجا، في حرّ الرمضا إلى ذي طوى - أيسر من اعتذار إلى صديقك ربما لا يعذرك فيه، وربما يشوبه شيء من الكذب وإن قلّ، ثم أنشأ يقول: ح. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: أنشدني أبو عبد الله: محمد بن الحسن الفارسي: أنشدني أبو العباس: محمد ابن نصر الفقيه، أنشدني بعض أصحابنا للشافعي، رضي الله عنه، في قضاء الحق في السرعة والإبطاء: أرى (¬6) راحةً في الحق عند قضائه ... ويثقل يوما إن تركت على عمدِ وفي رواية السلمي: «أرى (6) راحة للحق عند قضائه». ¬

_ (¬1) في ا: «تمشي». والوجا: وجع في لقدم. (¬2) في ح: «يصفو له عذر كاذب». والأبيات في تاريخ دمشق 10/ 207 - ب. وكتب هنا في هامش «ح»: بلغ مقابلة في المجلس السابع عشر. (¬3) في ح: «الطبري». (¬4) في ا: «إن صديقك عليل». (¬5) في ا: «للمكرمة». (¬6) في ا: «أرى». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «رأى»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 470 إلى: «أرى»]

وحسبك عاراً أن تقُل عذر كاذب ... وقولك لم أعلم وذاك من الجهدِ [وفي رواية أبي عبد الله: «وحسبك خِطْئًا أن تدع عذر كاذب»] (¬1). ومن يَقْضِ حق الناس ثم ابن عمه ... وصاحبه الأدنى على القرب والبعدِ وفي رواية السلمي: «ومن يقض حق الجار ثم ابن عمه». يَعِشْ سيداً يستعذب الناس ذِكرهُ ... وإن نابه خطب أتَوه على قصدِ أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، سمعت منصور بن عبد الله الهروي يقول: سمعت إبراهيم بن محمد الرقّي (¬2) يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: كنت يوما عند الشافعي، فتذاكروا ما قيل في حسن القِرى، ومحبة الضيافة والأضياف، فذكروا أبياتا للشعراء فقال الشافعي: وأين أنتم عن قول بعضهم: ويدل ضيفي في الظلام على القِرى ... إشراقُ ناري أو نباحُ كلابي حتى إذا واجَهْنَه فلقينه ... حَيّيْنَه ببصابِصِ الأذنابِ وتكاد من عرفان ما قد عُلِّمَتْ ... من ذاك أن تفصحن بالتَّرحابِ وقول بعض الأعراب من الهذليين حيث يقول: وإذا تأمل شخصَ ضيفٍ مقبلٍ ... متسربلٍ سربال ليلٍ أغبرِ أوْما إلى الكوماء هذا طارقي ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري (¬3) ¬

_ (¬1) ما بين القوسين ليس في ا. (¬2) في ح: «المزني». (¬3) البيتان من غير نسبة في أمالى القالي 1/ 43 ونسبهما البكري إلى ابن المولى، وانظر تخريج الميمني لهما في السمط 1/ 278.

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، حدثني بعض أهل العلم أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، قال: ما وجدت لي ولهذا الحي من الأنصار مثلا إلا ما قال الطفيل الغنوي: أبوا أن يملونا ولو أن أمنا ... تلاقي الذي يلقون منا لَنلَّت هم خلطونا بالنفوس وألجثوا ... إلى حجراتٍ أدْفأت وأظلَّت جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلَّتِ (¬1) قرأت بخط رفيقنا أبي عبد الله الكرماني، فيما سمع أبا عبد الله الشيرازي: أن أبا العباس الضرير أنشده قال: أنشدني عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: أنشدني المزني قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، ينشد: إذا هبَّت رياحُك فاغتنمها ... فإن لكل عاصفةِ سكونُ ولا تغفل عن الإحسانِ فيها ... فما تدري السكون متى يكونُ أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت منصور بن عبد الله بن الفضل الأصبهاني يقول: سمعت أبا الحسن الدمياطي يقول: قال حرملة: كثيرا ما سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يتمثل بهذين البيتين: لعمرك ما الرزيَّة هدمُ دارٍ ... ولا شاة تموت ولا بعيرُ ولكن الرزية فقْدُ قِرْمٍ ... يموت بموته بشرٌ كثيرُ (¬2) ¬

_ (¬1) الأبيات في مجموعة المعاني 98 وفيها: «... جعفرا حسين أشرفت» وفي آداب الشافعي 277، والأغاني 15/ 368 ط. دار الكتب، ومجالس ثعلب 461، وحلية الأولياء 153، والانتفاء لابن عبد البر 87. (¬2) المناقب للرازي 118، وأمالى القالي 1/ 272.

أنشدنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي قال: أنشدني علي بن محمد ابن جعفر البخاري الأديب، للشافعي رضي الله عنه: ومتعَب العيش مرتاح إلى بلد ... والموت يطلبه في ذلك البلد وضاحك المنايا فوق هامته ... لو كان يعلم وجداً فاض من كمد آماله فوق ظهر النجم سابحةُ ... والموت منتظر منه على الرصدِ (¬1) من كان لم يعط علما في بقاء غد ... ماذا تفكُّره في رزق بعد غدِ؟ (¬2) أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، أخبرنا علي بن جندل القزويني، على باب الأصم، حدثنا أبو محمد: عبد الله بن عبد الرحمن الهمذاني - بجرجان - قال: وجدت في بعض كتب أصحابنا سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي ينشد: صُن النفسَ واحملها على ما يزينها ... تعششْ سالما والقول فيك جميلُ ولا تُوْلِيَنَّ الناسَ إلا تجملا ... نيابك دهر أو جفاك خليلُ وإن ضاق رزقُ اليوم فاصبر إلى غدٍ ... عسى نكبات الدهر عنك تحولُ فيغْنَى غَنِيّ النفس إن قلَّ ماله ... ويغني فقير النفس وهو ذليلَ ولا خير في ودّ امرئ متلون ... إذا الريح مالت مال حيث تميلُ وما أكثر الإخوان حين تعدَّهُمْ ... ولكنهم في النائِبات قليلُ (¬3) ¬

_ (¬1) في ا: شامخة. وفي ا، ح: «والموت تحت إطليه على الرصد». (¬2) المناقب للرازي 118. (¬3) المناقب للرازي 118.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو علي: محمد بن علي بن الحسين قال: حدثنا الحسن بن عبد الله الأذني بأَذنة (¬1)، حدثنا عبد العزيز بن قرة، سمعت أحمد بن حنبل يقول: لقيت الشافعي فقلت: يا أبا عبد الله، أين تريد؟ فأنشأ يقول: أرى النفس مني قد تتوق إلى مصرٍ ... ومن دونها أرض المفازة والقفرِ فو الله ما أدري أللخفضِ والغنى ... أساق إليها أم أساق إلى قبري؟ (¬2) وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت أبا طاهر بن محمد البزاز يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن محمد بن أبي الفضل العسكري يقول: سمعت أبي يقول: سمعت ابن أبي هاشم الفرضي (¬3) يقول: كتب محمد بن إدريس على حائط يوما: أرى نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها أرض المفاوز والقفرِ فو الله ما أدري أللخفضِ والغنى ... أساق إليها أم اساق إلى قبري؟ فكتب بعض المجتازين بها تحته: رحم الله من دعا لأناسٍ ... نزلوا هاهنا يريدون مصرا فرقت بينهم صروف الليالي ... فتناءَوا عن الأحبة قسرا وقرأت في كتاب أبي نعيم الأصبهاني [من] (¬4) روايته عن محمد بن ¬

_ (¬1) في ح: «الأدمى بأدم». (¬2) المناقب للرازي 118 - 119، وتاريخ دمشق 10/ 209 - ب. (¬3) في ح: «العربي». (¬4) من ح.

إبراهيم عن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن يحكى عن الربيع، سمعت الشافعي يقول في قصة ذكرها: لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصرٍ ... ومن دونها أرض المهامِهِ والقفرِ فو الله ما أَدري أللفوزِ والغِنى ... أساق إليها أم أساق إلى قبري (¬1)؟ فو الله ما كان إلا بعد قليل حتى سيق إليهما جميعاً (¬2). وأخبرني به الثقة من أصحابنا عن أبي نعيم، بالإجازة، أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنشدني أبو بكر: محمد بن عبد الأعلى الفقيه، أنشدني أبو الطيب المعروفي للشافعي، رضي الله عنه وأرضاه: الهم فضل والقضاء غالب ... وكائنٌ ما خطّ في اللوحِ انتظر الرَّوحَ وأسبابه ... آيَس ما كنتَ من الرَّوْحِ أخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد الله بن فنجويه الدينوري، بالدامغان، حدثنا عبيد الله بن محمد بن شيبة، حدثنا محمد بن إبراهيم الأصبهاني، حدثنا عمر بن عبد العزيز الحدادي (¬3)، أخبرني محمد بن سهل، حدثني الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي: رضي الله عنه، ينشد: إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ ولا تحسبنَّ الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تُخفي عليه يغيبُ غفلنا لعَمْر الله حتى تداركت ... علينا ذنوب بعدهن ذنوبُ ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية 1/ 305، ومناقب الشافعي للرازي 118 - 119. (¬2) تاريخ دمشق. الموضع السابق، وتاريخ بغداد 2/ 70، وانظر توالي التأسيس 75، 82 - 83. (¬3) في ح: «الجرادي».

فياليت أن الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توباتنا فنتوبُ (¬1) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يوسف الدقيقي قال: وجدت في كتاب الشافعي (¬2) رحمه الله: فيا عجبي كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحدُ؟! ولله في كل تحريكة ... وتسكينة أبدا شاهد وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد (¬3) وهذه الأبيات كأنه أنشدها لغيره (¬4). وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قَال: سمعت أحمد بن محمد مقسم يقول: أخبرني بعض أصحابنا قال: أخبرني المزني قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فأنشدني لنفسه: ما شئتَ - كان وإن لم أَشأ ... وما شئتُ إن لم تشأ لم يكنْ خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسِنْ فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسنْ على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تُعِنْ (¬5) ¬

_ (¬1) المناقب للرازي 111 - 112، وتاريخ دمشق 206 - ب. (¬2) في ا: «الشافعي». (¬3) في ا: «الواحد». (¬4) الأبيات لأبي العتاهية كما في الأغاني 4/ 35 ط. دار الكتب، وديوانه ص 104. (¬5) الأبيات في تاريخ دمشق 10/ 191 - ا، وطبقات الشافعية 1/ 295، وتوالي التأسيس 75 باختلاف الترتيب وسبقت ص 412، 413.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت أبا عمرو: إسماعيل بن نجيد (¬1) بن أحمد بن يوسف السلمي ينشد للشافعي، رضي الله عنه: كساني ربي إذا عريت عمامة ... جديدا وكان الله يختارها ليا وقيدني ربي بقْيدٍ مُداخَلٍ ... فأعيت يميني حلَّهُ وشماليا أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت علي بن الحسن بن محمد الأنصاري الشاعر يقول: سمعت بعض أصحابنا يحكي عن المزني أنه قال: مرض الشافعي، رضي الله عنه، فدخلنا عليه نعوده فقال له بعض من حضر: ألا نأتيك بطبيب؟ قال: بلى [قال:] (¬2) فأتيناه بطبيب، فأخذ يجس الشافعي فوجد الشافعي العلة في جسم الطبيب (¬3) والطبيب لا يعلم، فأطرق الشافعي وأنشد: جاء الطبيب يجسُّني فجسسته ... فإذا الطبيب لما به من حالي (¬4) وغدا يعالجني بطول سقامه ... ومن العجائب أعمشٌ كحَّالي وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو منصور بن أبي محمد الأديب، سمعت أبا الفضل: جعفر (¬5) بن محمد الشاعر الأديب، أخبرنا أبو بكر: محمد بن محمد البصري، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، سمعت الربيع بن سليمان يقول: جاء رجل إلى الشافعي فسأله عن مسألة فوجده لا شيء عنده فأنشأ يقول: فذكر هذين البيتين، غير أنه قال في البيت الأول: «فإذا الطبيب كما يجس كحالي» (¬6) ¬

_ (¬1) في ح: «محمد». (¬2) من ح. (¬3) في ا: «المتطبب». (¬4) في ح: «كما به من حال». (¬5) في ح: «حفص». (¬6) في ا: «لما يجس بحال».

سمعت أبا الوليد: حسان بن محمد يقول: سمعت جعفر بن أحمد الساماني يقول: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت المزني يقول: دخلت على الشافعي، وهو عليل فقلت: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلا، وللإخوان مفارقا، ولسوء أفعالي ملاقيا، وعلى الله وارادا، وبكأس المنية شاربا، ولا والله ما أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها؟ ثم أنشأ يقول: فلما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلّما (¬1) تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما وأيقنت أن العفو منك سجية ... تجود وتعفو منَّة وتكرُّما (¬2) فلولاك لا يغوى بإبليس عالم ... فكيف وقد أغوى صفيَّك آدما (¬3) وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: سمعت جعفر بن أحمد الساماني يحكي عن المزني، وأخبرنا أبو عبد الرحمن قال: وسمعت أبا العباس: محمد بن الحسن يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري يقول: سمعت المزني يقول: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت له: يا أبا عبد الله، كيف أصبحت؟ فذكر الحديث غير أنه قدم قوله: «وبكأس المنية شارباً» على قوله: «وعلى الله واردا، ولسوء فعالي ملاقياً» وقال في البيت الأول: ¬

_ (¬1) في تاريخ دمشق: «من نحو عفوك» وفيه وفي المناقب قبل هذا: إليك إله الخلق أرفع رغبتي ... وإن كنتُ ياذا الجود والمن مجرما (¬2) في تاريخ دمشق: ومازلت ذا عفو على الذنب لم تزل ... تجود. . .» وانظر التوالي ص 83. (¬3) في تاريخ دمشق: «بإبليس عابد». والأبيات في المناقب للرازي 112، وفي تاريخ دمشق 10/ 210 - ا، وطبقات الشافعية 1/ 296.

فلما قسا قلبي وضاقت مسالكي ... جعلت رجائي نحو عفوك سلّما وقال في البيت الثالث: ومازلتَ ذا عفوٍ عن الذنب لم تزلْ ... تجود وتعفو منَّةً وتكرُّما [وقال في البيت الرابع: ولولاك لم يغوى بإبليس عابد ... فكيف وقد أغوى صفيَّك آدما] (¬1) وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، حدثنا علي بن يعقوب، حدثنا الحسن بن الحنظلي، حدثني أحمد بن محمد الأموي، عن محمد بن إدريس الشافعي قال: دخلنا على الحسن بن هانئ: أبي نواس، وهو يجود بنفسه فقلنا له: ما أعددت لهذا اليوم؟ فأنشأ يقول: فذكر الأبيات الثلاثة الأواخر على لفظ حديثنا عن السلمي قبله، ولم يذكر البيت الأول. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عبد الله: أحمد بن محمد المذكر بالنوقان، حدثنا محمد بن المنذر الهروي، حدثني بعض أصحابنا، عن الربيع عن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول، دخلنا على أبي نواس وهو يجود بنفسه فقلنا له: ما أعددت لهذا اليوم؟ فأنشأ يقول. فذكر الأبيات الثلاثة. وفي هذين الإسنادين ضعف. وقد روى في هذه زيادات أبيات نذكرها عند ذكر مرض الشافعي، رحمه الله، إن شاء الله. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الحافظ - ببغداد - حدثني إبراهيم بن محمد المعدل، حدثنا عبد الوهاب بن سعد، حدثنا ¬

_ (¬1) ما بين القوسين سقط من ح.

علي بن الحسن بن خلف، حدثنا أبو نصر: أحمد بن علي، حدثنا علي بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن سعيد بن أبي مريم قال: سمعت الشافعي يقول: ليس لقريش كلها شعر جديد - أو قال جيد - وأشعرها ابن هرمة (¬1)، ثم مروان بن أبي حفصة. وقد مضى عن الشافعي أنه قال: لا يكاد يجود شعر القرشي؛ وذلك أن الله جل ذكره، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} (¬2) ولا يكاد يجود خط القرشي؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمِّيًّا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنبأني عمرو بن السماك: أن أبا محمد بن الشافعي أخبرهم في كتابه قال: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول. فذكره (¬3) ¬

_ (¬1) في ح: «محزمة». (¬2) سورة يس: 69. (¬3) في هامش ح كتب هنا: بلغ مقابلة في المجلس الثامن عشر. (م - 8 مناقب جـ 2)

49 - باب ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بالطب

باب ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بالطب * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، وأبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطّوسي الفقيه، قالا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول (¬1): العلم علمان: علم فقد الأديان، وعلم طب الأبدان. لفظ حديث أبي عبد الله. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي، قال: سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيمة يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحَكم يحكي عن الشافعي، رحمه الله، أنه قال: علم الفقه للأديان، وعلم الطّب للأبدان، وما سوى ذلك فَبُلْغَة مجلس. رواه محمد بن يحي بن حسّان، عن الشافعي قال: وما سوى ذلك من الشعر ونحوه فهو عَنَاء وعبث (¬2). أخبرنا أبو عبد الرحمن، سمعت عبد الله بن الحسين السّلامي البغدادي يقول: ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ومناقبه 321 ومناقب الشافعي للرازي 119، وتوالي التأسيس 66. (¬2) آداب الشافعي 322.

سئل أبو بكر بن طاهر عن قول الشافعي: «العلم علمان» فقال: عند العوام: أنّ علم الأديان هو ظاهر الفقه، وعلم الأبدان هو ظاهر الطب. وعند الحكماء: أنّ علم الأديان هو علم مشاهدة القلوب بالمعاملات في صنع الله وتدبيره، وهو الفقه النافع. وعلم الأبدان فهو ظاهر أوامر الله - تعالى ذكره - ونواهيه في الحلال والحرام، وهو حجة الله على خلقه، وهو الطب النافع. فعلم القلوب عين الإسلام وحقائقه، وعلم الأبدان هو آداب الإسلام وشرائعه. وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن إدريس يقول: حدثنا أبو الحسن العسكري قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال الشافعي: إذا دخلت بلدة ولا تجد فيها حاكماً عدلاً، ولا ماء جارياً، وطبيباً رفيقا - فلا تسكنها. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني الحسين بن محمد الدارمي، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس: حدثنا بعض شيوخنا عن الشافعي أنه قال: لا تسكن بلدة لا يكون فيها عالم يُنْبِئُكَ عن دينك، ولا طبيب ينبئك عن أمر بدنك. ورواه عبد الرحمن في كتابه، عن محمد بن هارون بن منصور، عن بعضهم، عن الشافعي (¬1). ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ومناقبه 321، ومناقب الشافعي للرازي 119.

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرنا عبد الله بن محمد القاضي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن علي (¬1)، حدثنا عثمان بن صالح، سمعت حرملة يقول: سمعت الشافعي يقول: اثنان أَغْفَلَهما الناسُ: الطب والعربية. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت محمد بن عبد الله بن محمد بن قريش يقول: سمعت الحسن بن سفيان يقول: قال حرملة بن يحيى: كان الشافعي يتلهّف على ما ضيّع المسلمون من الطب، ويقول: ضيَّعوا ثلث العلم ووكلوه إلى اليهود والنصارى. وكذلك رواه أبو عبد الله الجرجاني، عن الحسن بن سفيان. ورواه أبو محمد (¬2) الأنْماطِي، عن الحسن، قال: نصف العلم. أخبرنا أبو عبد الله (¬3)، سمعت أبا عمرو: محمد بن محمد بن عبدوس الأنماطي الزاهد يقول: سمعت الحسن بن سفيان يقول. فذكره بمعناه، وقال: وهو نصف العلم. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد، قال: أنبأني أبو عمرو السّمّاك: أن أبا سعيد الجَصّاص حدّثهم قال: سمعت الربيع يقول (¬4): دخلت على الشافعي يوماً، وهو عليل، فقلت: ¬

_ (¬1) في ا: «ابن أبي علي». (¬2) في ا: «أبو عمرو». (¬3) في ا: «أخبرنا أبو عبد الرحمن، سمعت ...». (¬4) آداب الشافعي ومناقبه 274.

كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: أصبحت والله ضعيفاً. قال: فقلت: قَوَّى الله ضَعْفَك، فقال: ويحك يا ربيع، إنْ قَوَّى الضَعْفَ مني قتلني. فقلت: والله - جعلت فداك - ما أردتُ إلا الخير، فكيف أقول؟ قال: قل: قَوَّى الله قُوَّتك، وأَضْعَفَ ضعْفَك. قال: ثم قال: يا ربيع، أما علمت أن الله، جل ذكره، ركّب في العبد أعضاء ساكنة فإذا تحركت آذته، وركّب فيه أعضاء متحركة فإذا سكنت آذته. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، أنبأنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - حدثني أبي، حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: احذر أن تشرب لهؤلاء الأطباء إلا دواء تعرفه (¬1) أخبرنا أبو عبد الله، أخبرنا أبو الوليد قال: سمعت أبا بكر (¬2) البغدادي يحدث عن يونس بن عبد الأعلى. فذكره. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الزبير بن عبد الواحد، حدثنا الحسن (¬3) بن سفيان. حدثنا حرملة، عن الشافعي، عن «سفيان بن عيينة» قال: نظر إليّ ابن أبجر وبي صُفْرَةٌ فقال: عليك بالحلبة بالعسل. ¬

_ (¬1) آداب الشافعي 323 وتوالي التأسيس 66. (¬2) في ا: «أبا بكر الثعالبي عن يونس». (¬3) في ح: «الحسين» وهو تحريف.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى؛ قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول (¬1): الفول يزيد في الدّماغ، والدّماغ يزيد في العقل (¬2). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الوليد الفقيه، حدثنا أبو بكر: أحمد بن محمد بن عبيدة، عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشافعي: لم أر شيئا أنفع للوباء من [دهن] (¬3) البنفسج يدهن به ويشرب. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني نصر بن محمد بن أحمد العطار، حدثنا سليمان بن أبي سلمة الفقيه، حدثنا محمد بن أحمد الهمذاني، حدثنا يحيى بن زكريا النيسابوري، عن الربيع بن سليمان، قال: قال أبو عثمان: محمد بن محمد بن إدريس الشافعي: كان أبي إذا أخذته الحمى طلب أتْرُجَة يعصر ماءها ويشربه خوفا على لسانه. أخبرنا أبو سعيد: أحمد بن محمد المَالينِي، حدثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، قال: سمعت الحسن بن رشيق (¬4) يقول: سمعت حَرْمَلَة يقول: سمعت الشافعي يقول: لا تأكلن بيضاً مسلوقاً بليلٍ أبداً، فقلّ من أكله (¬5) بليل فلم ¬

_ (¬1) آداب الشافعي 322 - 323. (¬2) راجع ألف باء 2/ 159 - 160. (¬3) الزيادة من ح. والخبر في آداب الشافعي 323 - 324. (¬4) في أ: «الحسن بن سفيان». (¬5) في ح: «أكله أحد».

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر: أحمد بن محمد الجرجاني، حدثني أبو بكر: محمد بن حمدون المُسْتَمْلِي، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الكريم، قال: سمعت أحمد بن آدم بن غندر الجرجاني يقول: سمعت حرملة يقول: رأيت الشافعي ينهي عن أكل الباذنجان بالليل. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو تراب المُذَكّر، حدثنا محمد بن المنذر، شكر، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول: عجبا لمن يخرج من الحمام ثم لا يأكل: كيف يعيش؟ وعجباً لمن يَحْتَجِم ثم يأكل - يعني من ساعته - كيف يعيش؟ وبهذا الإسناد قال: سمعت الشافعي يقول: الناس يقولون: ما في العراق (¬1)، وما في الدنيا مثل مصر للرجال، لقد قدمت مصر وأنا مثل الخصيّ ما أتحرك، فما برحت من مصر حتى ولد لي من جاريتي «دنانير» أبو الحسن. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: سمعت أبا عبد الله العَبْدَوِي يحكي عن ابن أبي داود. عن هارون سعيد قال: قال لنا الشافعي: أخذت اللّبان سنة فأعقبني صّب الدم سنة (¬2). ورواه أيضاً ابن عبد الحكم، عن الشافعي، غير أنه قال: دمت على أكل اللبان - وهو الكُنْدُرُ - فأعقبني صبّ الدم سنة. ¬

_ (¬1) في أ: «ماء الفرات». (¬2) آداب الشافعي 35، 323.

أخبرنا محمد بن الحسين السَّلمي، أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، حدثنا محمد بن أحمد بن زكريا، قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: أكل اللحم يزيد في العقل. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا الفضل: عبد الله بن عبد المطلب الشيباني، بالكوفة، يقول: سمعت أحمد بن عبد الله بن سيف يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال الشافعي: لا يسكن العقل في الجسم الغليظ. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أنبأني أبو القاسم بن عبيد القاضي: أن زكريا بن يحيى الساجي حدثهم قال: حدثني الحسن بن محمد البَجَلي - من ولد جرير بن عبد الله - حدثني الحسن بن إدريس الخولاني قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: ما أفلح سمين قط، إلا أن يكون محمد بن الحسن. فقيل له: فلم؟ قال: لأنه لا يعدو العاقل من إحدى حالتين (¬1): إمّا أن يهتم لآخرته ومعاده، أو لدنياه ومعاشه. والشحم مع الهم لا ينعقد، فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم لِعَقْد الشحم. ثم قال الشافعي: كان ملك في الزمان الأول، وكان مثقلا (¬2) كثير اللحم لا ينتفع بنفسه، فجمع المُتطبّبين وقال: احتالوا لي حيلة يخفّ عني لحمي هذا قليلا. فما قدروا له على صفة. قال: فُنُعِتَ (¬3) له رجل عاقل أديب متطبّب، ¬

_ (¬1) في ا: «من أحد رجلين». (¬2) في ا: «مثقل». (¬3) في ا: «فبعث».

فبعث إليه فأُشْخِصَ فقال: تعالجني ولك الغنى؟ قال: أصلح الله الأمير، أنا رجل مُتطبِّب ومنجّم، دعني أنظر الليلة في طالعك أي دواء يوافق طالعك فأسقيك. قال: فغدا عليه. فقال: أيها الملك، الأمانَ. قال: لك الأمان. قال: رأيت طالعك يدل على أن عمرك شهر، فإن أحببت حتى أعالجك فإن أردتَ بيان ذلك فاحبسني عندك، فإن كان لقولي حقيقة فحلّ عني، وإلا فاستقص عليَّ. قال: فحبسه. ثم رفع الملك الملاهي واحتجب عن الناس وخلا وحده مغتمًّا، ما يرفع رأسه يعدّ أيامه، كلما انسلخ يوم ازداد غما حتى هزل وجفّ لحمه، ومضى لذلك ثمانية (¬1) وعشرون يوماً، فبعث إليه فأخرجه فقال: ما ترى؟ قال: أعزّ الله الملك، أنا أهون على الله من أن أعلم الغيب، والله ما أعرف عمري، فكيف أعرف عمرك؟ إنه لم يكن عندي دواء إلا الغم فلم أقدر أن أَجْلبَ إليك الغم إلا بهذه العلّة فأذابت (¬2) شحم الكلى. قال: فأجازه وأحسن إليه. أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن الصوفي، أخبرنا الحسن بن رشيق إجازة، حدثنا علي بن يعقوب بن سالم، سمعت ابن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء ليس فيها حيلة: الحماقة، والطاعون، والهرم. أخبرنا محمد بن الحسين السّلمي (¬3)، أخبرنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن البُسْتِي، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله الرازي، حدثنا الحسن بن علي بن مروان: أبو عبد الله المصري، بحلب، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ¬

_ (¬1) في ا: «ثمان». (¬2) في ا: «فأذاب». (¬3) ليست في ح.

سمعت الشافعي يقول: قال لي الرشيد: يا محمد، بلغني أنك تُبَاكِرُ الغداء، قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: ولم ذاك؟ قلت: يا أمير المؤمنين؛ لأربع خصال. قال: وما هي؟ قلت برد الماء، وطيب الهواء، وقلّة الذباب، ثم أحسم طمعي (¬1) عن موائد غيري. قال الرشيد: هذا بيت القصيد (¬2)، ورواه أبو الحسن العاصمي، عن محمد بن عبد الله الرازي، عن الحسن وقال: فقال الرشيد: هذا بيت القصيدة. وقرأت في كتاب أبي الحسن روايته عن الزبير بن عبد الواحد، عن علي ابن محمد، عن ابن عبد الحكم، عن الشافعي قال: رأيت في كتاب الطب: «عجباً لمن يدخل الحمام قبل أن يأكل، ثم يؤخر الأكل بعد ما يخرج كيف لا يموت، عجباً لمن احتجم ثم يبادر الأكل. وقرأت في كتابه روايته عن أبي أحمد: حامد بن محمد المروزي الحافظ، عن أبي يحيى بن زكريا بن أحمد البَلْخِي، عن محمد بن عصمة الجوزجاني، عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء دواء الذي لا دواء له وأعيا الأطباء أن تداويه: العنب، ولبن اللّقاح، وقصب السكر. وقال الشافعي: لولا قصب السكر ما أقمتم ببلادكم. وقرأت في كتابه روايته عن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن العباس، عن يحيى بن زكريا، عن الربيع، عن الشافعي قال (¬3): كان [لي] غلام أعشى لم يكن يبصر باب الدار فأخذت له زيادة الكبد فكحلته بها فأبصر. ¬

_ (¬1) في ح: «أحسم نفسي». (¬2) في ا: «بيت البصيرة». (¬3) في ا: «الشافعي فقال: كان غلامي».

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان الجيزي، حدثنا (1 يونس بن عبد الأعلى ¬1)، قال: قال لي الشافعي: ما اغتسلت، في شتاء قط ولا صيف، من حنابة إلا بالماء الحار. أخبرنا محمد بن عبد الله، سمعت الزبير بن عبد الواحد الحافظ. وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ، حدثني عبد الله بن محمد الحجاج المصري، بمصر، حدثنا يحيى بن أيوب العَلاَّف، سمعت حرملة بن يحيى يقول: سمعت الشافعي يقول: الوَرَّاق إنما يأكل من دية عينيه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني الحسين بن علي، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - حدثني أبي، حدثني ابن أبي شريح. سمعت الشافعي يقول (¬2): ما تخلَّل الإنسان بالخلال (¬3) من بين أسنانه فليقذفه، وما أخرجه بأصابعه فليأكله. أورده شيخنا أبو عبد الله في هذا الباب. وقد روينا عن أبي سعيد (¬4) الخير عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في ح. (¬2) آداب الشافعي 272. (¬3) سقطت من ح. (¬4) في ا: «عن أبي سعد» وكلاهما صحيح. وهو صحابي له ترجمة في أسد الغابة 5/ 209 والإصابة 7/ 82 - 83.

وسلم، قال: من أكل طعاما فما تخلله (¬1) فليلفظ، ومالاك بلسانه فليبلع. من فعل [هذا] (¬2) فقد أحسن، ومن لا فلا حرج (¬3). وفي كتاب أبي نعيم الأصبهاني بإسناده، عن أبي حصين المصري أنه قال: سمعت طبيباً بمصر محدقا، فقال: ورد الشافعي مصر وقعد إليّ فما زال يذاكرني بالطب، حتى ظننت أن طبيب العراق ورد علينا - فقلت: أقرأ عليك شيئاً من كتب بقراط؟ فأشار إلي الجامع وقال: إن هؤلاء لا يتركونني لك. ¬

_ (¬1) في ح: «فما تخلل فليلفظه». (¬2) الزيادة من ح. (¬3) في المستدرك للحاكم 4/ 137: «أخبرنا محمد بن أحمد بن تميم القنطري، حدثنا أبو قلابة، حدثنا أبو عاصم، عن ثور بن يزيد، عن حصين الحميري، عن أبي سعيد الخير، عن أبي هريرة: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: من أكل فما لاك بلسانه فليبلع، وما تخلل فليلفظ. من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» وأقره على ذلك الذهبي.

50 - باب ما يستدل به على معرفة الشافعي بالنجوم

باب ما يستدل به على معرفة الشافعي بالنجوم * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي: قال الله جل ثناؤه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (¬1) وقال: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (¬2). قال الشافعي: فكانت العلامات: جبالا (¬3)، وليلا ونهاراً، فيها أَرْوَاحٌ (¬4) معروفة بالأسماء، وإن كانت مختلفة المَهَابِّ، شمساً وقمراً ونجوماً، معروفة المطالع والمغارب والمواضع من الفلك، فعرض عليهم الاجتهاد في التوجه شَطْرَ المسجد الحرام بما دلَّهم عليه مما وصفت (¬5). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأني عبد الرحمن بن الحسن القاضي: أن زكريا بن يحيى السَّاجِي حدّثهم. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا محمد بن علي بن طلحة، حدثني ¬

_ (¬1) سورة الأنعام 97. (¬2) سورة النحل 16. (¬3) في ح: «خيالا» وهو تحريف. (¬4) أرواح: جمع ريح. (¬5) من كتاب الرسالة ص 24.

أحمد بن علي (¬1)، حدثنا ابن زكريا الساجي، أخبرني ابن بنت الشافعي. وفي رواية أبي عبد الله: أخبرني أحمد بن محمد بن بنت الشافعي، سمعت أبي يقول: كان الشافعي وهو حَدَثٌ ينظر في النجوم، وما ينظر في شيء إلا حفظه وفهمه، فجلس يوماً وامرأة رجل تَطْلُق، فحسب فقال: تلد جارية عوراء، على فرجها خال أسود، وتموت إلى كذا. فولدت فكان ما قال، فجعل على نفسه أن لا ينظر فيه أبداً، ودفن الكتب التي كانت عنده من النجوم (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الوليد: حسَّان بن محمد الفقيه، قال: وحدّثت عن الحسن بن سفيان، عن حرملة قال: كان الشافعي يديم النظر في كتب النجوم، وكان له صديق وعنده جارية قد حبلت فقال له: إنها تلد إلى سبعة (¬3) وعشرين يوماً بولد يكون في فخذه الأيسر خال أسود، ويعيش أربعة وعشرين يوما، ثم يموت. فجاءت به على النعت الذي وَصَفَ، وانقضت مدته فمات. فأحرق الشافعي بعد ذلك الكتب، وما عَاوَدَ النظر في شيء منها. ¬

_ (¬1) في أ: «علي بن أحمد بن زكريا». (¬2) مناقب الشافعي للرازي. ص. 120 (¬3) في ا: «تسعة».

51 - باب ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بالرمي والفروسية

باب ما يستدل به على معرفة الشافعي، رحمه الله، بالرَّمْي والفروسية * * * أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه، حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي (¬1): قال الله تبارك وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (¬2) فزعم أهل العلم أن القوة هي الرمي. وقال فيما رواه عن النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا سَبْقَ إلا في خُفٍّ أَو حَافِرٍ أو نَعْلٍ» (¬3) وبسط الكلام فيما يحلّ منه وما يحرم. أخبرنا محمد بن عبد الله، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم الحَنْظَلِي - حدثنا أبي، سمعت عمرو بن سَوَّاد قال: قال لي الشافعي: ولدت بعسقلان، فلما أتى عليّ سنتان حملتني أمي إلى مكة، وكانت نَهْمتي (¬4) في شيئين: في الرّمي، وطلب العلم، فنلت من الرمي ¬

_ (¬1) في الأم 4/ 148. (¬2) سورة الأنفال: 60. (¬3) الأم 4/ 148، ومسند الشافعي 2/ 128 - 129 ومسند أحمد 2/ 474 (الحلبي). (¬4) في ح: «همتي».

حتى كنت أصيب من عشَرة عشرة، وسكَت عن العلم فقلت له: أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا أبو الحسن: علي بن محمد بن عمر الفقيه، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، حدثنا عبد الرحمن، حدثني أبو عبد الله: محمد بن الحسن بن الجنيد، سمعت عمرو بن سَوّاد السَّرْحِي يقول: سمعت الشافعي يقول: تمنيت من الدنيا شيئين: العلم والرمي. فأما الرّمي فإني كنت أصيب (¬2) من عشرة عشرة، والعلم فما ترون. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو تراب المذكّر، حدثنا محمد بن المنذر سعيد، سمعت الربيع بن سليمان، يقول: كنت ألزم الرّمي حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السّلَ من كثرة وقوفك في الحر. وروينا فيما مضى، عن المزني، عن الشافعي [قال]: كنت أرمي (¬3) بين الغرضين فأصيب من عشرة تسعة. وأخبرنا محمد بن عبد الله، أخبرني نصر بن محمد العطار، سمعت أبا حفص (¬4) ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ومناقبه 22 - 23. (¬2) ليست في ح. (¬3) ليست في ح. (¬4) في ا: «أبا جعفر».

محمد بن الحسن الكلابي، بدمشق، يقول: سمعت عبد الله بن محمد يقول: سمعت عصاماً يقول: سمعت المزني يقول: كان الشافعي يسميني القطامي (¬1) الرامي، ووضع «كتاب السبق والرمي» بسببي، وأملاه عليّ. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا الحسين (¬2) بن أحمد الصفّار الهروي، حدثنا محمد بن بشير العسكري، حدثنا الربيع بن سليمان قال: (¬3) كان الشافعي أفرس خلق الله وأشجعه، وكان يأخذ بأذنه وأذن الفرس، والفرس يعدو، فيثب على ظهره وهو يعدو. ¬

_ (¬1) في ح: «العصامي». (¬2) في ح: «الحسن». (¬3) في ا: «يقول». (م 9 - مناقب جـ 2)

52 - باب ما يؤثر عن الشافعي، رحمه الله، في فراسته وإصابته فيها

باب ما يؤثر عن الشافعي، رحمه الله، في فراسته وإصابته فيها * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله [الحافظ قال] (¬1): أنبأني أبو القاسم ابن عبيد القاضي، شفَاهاً، أنّ زكريا بن يحيى السَّاجِي حدّثهم. ح. وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، أنبأنا محمد بن علي ابن طلحة المروروذي، حدثنا أبو سعيد: أحمد بن علي الأصبهاني، حدثنا زكريا ابن يحيى، حدثني أبو داود: سليمان بن الأشعث السِّجِسْتَانِي، حدثنا قُتيبة ابن سعيد. حدثني الحُمَيْدي قال: خرجت أنا والشافعي من مكة فلقينا رجلا بالأبطح، فقلت للشافعي: ما صَنْعةُ الرجل؟ فقال: نجار أو خياط. فسألته فقال: كنت نجاراً وأنا اليوم خياط (¬2). وقرأت هذه الحكاية في كتاب زكريا بن يحيى السَّاجِي بإسناده هذا. قال (¬3): وقلت للشافعي: ازكن الرجل، فقال: خياط أو نجار. يعني فسألته فقال: كنت نجاراً وأنا اليوم خياط. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو نصر: أحمد بن سهل الفقيه، ببخاري، من أصل كتابه، حدثنا أبو عمرو: قيس بن أنيف البخاري، حدثنا أبو رجاء: قتيبة بن سعيد، قال: ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) مناقب الشافعي للرازي 120. (¬3) في ح: «فقلت».

رأيت محمد بن الحسن والشافعي قاعدين بفناء الكعبة، فمرّ رجلٌ، فقال أحدهما لصاحبه: تعالى حتى نزكن على هذا المارّ: أيّ حرفة معه؟ فقال أحدهما: هذا خياط. وقال الآخر: هذا نجار. فبعثا إليه فسألاه فقال: كنت خياطاً واليوم أَنْجُر. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو تراب الطّوسي قال: سمعت محمد ابن المنذر يقول: سمعت الربيع بن سليمان [يقول]: سمعت الشافعي، وقدم عليه رجل من أهل صنعاء، فلما رآه قال له: أنت من أهل صنعاء؟ قال: نعم. قال: فحدّادٌ أنت؟ قال: نعم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو محمد: جعفر بن محمد بن الحارث [قال]: سمعت أبا بكر (¬1) النيسابوري يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كنا عند الشافعي إذ مرّ به رجل فقال الشافعي: لا يخلو هذا الرجل من أين يكون حائكا أو نجاراً. قال: فدعوناه فقلنا: ما صنعتك؟ فقال: نجار. فقلنا: وغير ذلك، فقال: عندي غلمان يعملون. يعني في الحياكة. أخبرنا محمد بن عبد الله، أخبرنا أبو الوليد الفقيه، سمعت محمد بن إسحاق يحكي عن الربيع قال: مَرّ أخي في صحن الجامع فدعاني الشافعي فقال: يا ربيع، انظر إلى الذي يمشي، هذا أخوك؟ قلت: نعم أصلحك الله. قال: اذهب. ولم يكن رآه قبل ذلك. ¬

_ (¬1) في ح: «أبا زكريا».

وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي، عن ابن (¬1) مسكين المصري، عن الربيع بن سليمان قال: كان لي أخ يقال له: وكيع، وكنت يوماً عند الشافعي فرآه من بعيد فقال: يا ربيع، هذا أخوك؟ قلت: نعم. قال: ممن أنت؟ قلت: من مُرّاد، قال: اتّق لا تكن تبغض علي بن أبي طالب فقلت: لا والله أحبه، قال: هو خير لك. فأثْبَتني في المؤذنين وكلَّم الأمير فأجرى عليّ كل شهر ديناراً. أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول: احذر الأعور والأحْوَل والأعرج والأحْدَب والأشْقَر والكَوْسَجَ (¬2)، وكلّ من به عاهة في بدنه، وكلّ ناقص الخلق فاحذره؛ فإنه صاحب التواء، ومعاملته عسرة (¬3). قال مرة أخرى: فإنهم أصحاب خِبّ (¬4). وبهذا الإسناد قال: حضرت الشافعي، واشترى له طِيْبٌ، فأتى به فوقع فيه كلام بين يديه فقال: ¬

_ (¬1) في ا: «عن أبي». (¬2) الكوسج: الذي لا شعر على عارضيه. (¬3) عقب عليه الرازي في مناقب الشافعي ص 120 بقوله: «واعلم أن هذا الذي ذكره أمر عظيم في علم الفراسة؛ وذلك لأن حاصل هذا العلم يرجع إلى الاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن. ووجه الاستدلال به: لأن الأحوال الدينية تابعة لكيفية المزاج. والأخلاق الباطنة والصور الظاهرة كلاهما معلولان علة واحدة وهي المزاج. فنقصان الظاهر يدل على نقصان المزاج، ونقصان المزاج يوجب نقصان الباطن. فظهر أن الذي قال الشافعي أصل؟؟؟ في هذا العلم». (¬4) آداب الشافعي ومناقبه 132.

ممن اشترى هذا الطيب ما صفته؟ قال: أشقر. قال: اردده؛ فما جاءني خير قط من أَشْقَر (¬1). قلت: بلغني عن أبي محمد: عبد الرحمن بن أبي حاتم أنه قال عَقَيبه (¬2): إنما يعني: إذا كان وِلاَدُهُمْ بهذه الحالة. فأما من حدث فيه شيء من هذه العلل، وكان في الأصل صحيح التركيب - لم يضر (¬3). وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، أنبأنا محمد بن علي ابن طلحة المروروذي، حدثنا أبو سعيد: أحمد بن علي الأصبهاني، حدثنا زكريا بن يحيى السَّاجي، حدثنا أبو داود - هو السّجستاني - قال: سمعت الربيع يقول: وجّه الشافعي رجلا ليشتري له طِيْباً، فلما جاءه قال: اشتريته من أَشْقَرِ كَوْسَج؟ فقال: نعم. قال: عُدْ فَرُدَّهُ عليه. أخبرنا أبو عبد الله، أنبأني أبو عمر بن السماك، شِفَاهاً: أَنَّ أبا عبد الله: محمد بن حمدان بن سفيان حدّثه: سمعت الربيع بن سليمان يقول: اشتهى الشافعي يوماً عنباً أبيض، فأمرني فاشتريت له منه بدرهم، فلما رآه استجاده فقال لي: يا أبا محمد، ممّن اشتريت هذا؟ فسمَّيتُ له البائع، فَنَحَّى الطبقَ من بين يديه وقال لي: اردده عليه، واشترِ لي من غيره. ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 121 وآداب الشافعي 131. (¬2) الذي في آداب الشافعي 132 أنه قاله عقب قوله: «فإنهم أصحاب خب، وفي الأصول: «ألا يعني». (¬3) في آداب الشافعي: «لم تضر مخالطته».

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو جعفر: محمد بن صالح بن هانئ، حدثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله، قال: قال أبو بكر بن إدريس، وَرَّاق الحُمَيْدي: سمعت الحميدي يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي: خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها، ثم لما كان انصرافي مررت في طريقي برجل وهو محتبي بفناء داره، أزرق العين، ناتئ الجبهة، سِنَاطٌ (¬1) فقلت له (¬2): هل من منزل؟ قال: نعم - قال الشافعي: وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة - فأنزلني فرأيت أكرم رجل: بعث إلي بعشاء وطِيْب وعلَفٍ لدابتي وفراش ولحاف، وجعلت أتقلّب الليل أجمع، ما أصنع بهذه الكتب؟ فلما أصبحت قلت للغلام: أَسْرِجْ فأسْرَجَ، فركبت ومررت عليه وقلت له: إذا قدمت مكة ومررت بِذِي طُوًى فسل عن منزل محمد بن إدريس الشافعي. فقال لي الرجل: أَمَوْلًى لأبيكَ أنا؟ قلت: لا. قال: فهل كان لك نعمة عندي؟ قلت: لا. قال: فأين ما تكلّفتُ لك البارِحَةَ؟ قلت: وما هو؟ قال: اشتريتُ لك طعاماً بدرهمين وأَدَمًا بكذا، وعطراً بثلاثة دراهم، وعلفاً لدابتك بدرهمين، وكراء الفِرَاش واللحاف درهمان. قال: قلت: يا غلام، أعطه، فهل بقي من شيء؟ قال: كراء المنزل؛ فإني وسعت عليك وضيقت على نفسي. (3 فَغَبَطْتُ نفسي ¬3) بتلك الكتب. فقلت له بعد ذلك: هل بقى من شيء؟ قال: امض أخزاك الله تعالى، فما رأيت قط شرًّا منك. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت منصور بن عبد الله الهروي يقول: سمعت المغازلي بحلب يقول: ¬

_ (¬1) السناط: الذي لا لحية له، أو الذي لا شعر في وجهه ألبتة. (¬2) في ا: «فقال: هل». (¬3) ما بين الرقمين ساقط من ح.

سمعت المزني يقول: كنت مع الشافعي، رحمه الله، في المسجد الحرام إذ دخل رجل يدور بين الدّوّام، فقال الشافعي للربيع: قم فقل له: ذهب عنك عبد أسود مصاب بإحدى عينيه؟ قال الربيع: فقمت إليه فقلت له ما قال الشافعي فقال: هذا عبدي. فقلت له: تعال إلى الشافعي، فتقدم إلى الشافعي فقال: هذا عبدي. فقال له: مُرَّ فإنّه في الحَبش. فمرّ الرجل فوجده في الحَبَش. فقال المزني: فقلنا له: أخبرنا فقد حَيّرْتَنا. قال: نعم، رأيت رجلا دخل من باب المسجد يدور بين النّوّام فقلت: هارباً يطلبه، ورأيته يجيء إلى النّوّام السّودان فقلت: عبد أسود، ورأيته يجيء إلى ما يلي العين اليسرى فقلت: مصاب بإحدى عينيه. فقلنا: فالحبش، كيف علمته؟ فقال: تأولتُ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير في الحبش: إذا جاعوا سرقوا، وإذا شبعوا شربوا وزَنَوْا (¬1)» فتأولت أنه فعل إحداها، فكان كذلك. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو منصور: محمد بن عبد الله الفقيه، سمعت أبا الحسن: أحمد بن أبي الحسين السليطي المزَكِّي يقول: كان الشافعي يفتي في الجامع ببغداد فجاء «عمرو بن بَحر الجاحظ» فسأله فقال: يا أبا عبد الله، ما نقول في رجل خصى ديكا؟ فقال الشافعي: أرأيته؟ وأراك أبا عثمان. فَعَلِمَه بمسألته. وما كان يعرفه بعينه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر. ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني والبزار من حديث ابن عباس من طريق فيه عوسجة المكي، مولى ابن عباس. وقد اختلف في توثيقه. والجمهور على تضعيفه كما في تهذيب التهذيب 8/ 165 والكبير 4/ 1/76 والثقات لابن حبان: كتاب التابعين ل 86 - اوميزان الاعتدال ثانيهما أبو نعيم في الحلية من حديث أبي رافع، مرفوعا: «شر الرقيق الزنج: إذا شبعوا زنوا، وإذا جاعوا سرقوا» كما في تنزيه الشريعة 31 - 33. وانظر الفوائد المجموعة 415.

وأخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، أخبرني نصر بن أحمد ابن محمد، حدثني محمد بن عمرو البصري، حدثنا محمد بن الحسين ابن إبراهيم قال: قال الربيع: دخلنا على الشافعي عند وفاته أنا والبويطي والمزني ومحمد ابن عبد الله بن عبد الحكم. قال: فنظر إلينا الشافعي ساعة فأطال ثم التفت إلينا فقال: أمّا أنت يا أبا يعقوب فتموت في حديدك. وأما أنت يا مزني فستكون لك بمصر هَنَاتٌ وهَنَات، ولتدركن زماناً تكون أقيس أهل ذلك الزمان. وأما أنت يا محمد فسترجع إلى مذهبك أبيك. وأما أنت يا ربيع فأنت أنفعهم لي في نشر الكتب. قم يا أبا يعقوب فتسلم الحلقة. قال الربيع: فكان كما قال. وقرأته في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم هذا: حدثني إبراهيم بن محمد بن المولد الرقّى، بالرقّة، حدثنا عبد الواحد بن معبد، عن الربيع بن سليمان. فذكره. قال أبو الحسن: قوله لابن عبد الحكم: «أما أنت فسترجع إلى مذهب أبيك» يعني به مذهب مالك، رحمه الله. أخبرنا محمد بن عبد الله، أنبأني أبو عمرو بن السمّاك، شِفَاهاً، أنّ محمد بن حمدان الطرائفي، حدّثه قال: قال الربيع: ما رأيت أفطن من الشافعي: لقد سمى رجالا ممن يصحبه

فوصف كلَّ واحد منهم بصفة ما أخطأ فيها: فذكر المزني والبويطي وفلانا وفلانا، فقال: ليفعل فلان كذا، وفلان كذا، وليصحبن فلان السلطان وليقلدن القضاء. وقال لهم يوما وقد اجتمعوا: ما فيكم أنفع لي من هذا - وأومأ إليَّ - لأنه أسلمكم ناحية، وذكر صفات غير هذه. قال: فلما مات الشافعي، رحمه الله، صار كلّ واحد منهم إلى ما ذكر فيه، ما أخطأ في شيء من ذلك.

53 - باب ما يؤثر عن الشافعي، رحمه الله، في فضل العلم والترغيب في تعلمه وتعليمه والعمل به

باب ما يؤثر عن الشافعي، رحمه الله، في فضل العلم والترغيب في تعلمه وتعليمه والعمل به * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطوسي الفقيه، وأبو محمد: عبد الله بن يوسف الأصبهاني، وأبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي؛ قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة (¬1). وقال أبو إسحاق: حدثنا أبو العباس، أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الوليد الفقيه، حدثنا جعفر بن محمد السّاماني قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ليس بعد أداء الفرائض شيء أفضل من طلب العلم. قيل له: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد، قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن السّندي يقول: سمعت الربيع يقول: قال لي الشافعي: يا ربيع، اطلب العلم ولو بالصين. ¬

_ (¬1) الاتقاء لابن عبد البر ص 84 ومناقب الشافعي وآدابه 97.

وأخبرنا محمد بن عبد الله، حدثني صالح بن أحمد بن محمد بن صالح التميمي، بهمذان، حدثنا إبراهيم بن محمد الهمذاني، حدثنا أحمد بن سنان، سمعت الربيع ابن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: لو أنّ أهل كُوْرَةٍ اجتمعوا على ترك طلب العلم لرأَيتُ للحاكم أن يجبرهم على طلب العلم. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، أنبأنا أبو محمد بن أبي حامد، حدثنا عيسى بن عبد الله العثماني، قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: سمعت «ابن عيينة» يقول: لم يُعط أحد في الدنيا شيئاً أفضل من النّبوة، ولم يعط بعد النبوة شيء أفضل من طلب العلم والفقه، ولم يعط في الآخرة أفضل من الرحمة، فقيل له: يا أبا محمد، عمّن هذا؟ فقال: عن الفقهاء كلّهم. أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن الصوفي، سمعت أبا محمد بن أبي حامد يقول: سمعت أبا نعيم الجرجاني الفقيه يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم. أخبرنا أبو حازم العَبْدَوِي الحافظ، حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ، من كتابه، سمعت محمد بن عبدان التُّسْتَرِي، قال: سمعت الحسين بن علي النخعي، سمعت حَرْمَلَة بن يحيى يقول:

سمعت الشافعي يقول: ما تُقُرِّب إلى الله بشيء بعد أداء الفرائض أفضل من طلب العلم. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، أنبأنا الحسن بن رشيق، إجازة، سمعت علي بن يعقوب بن سويد يقول: حدثنا الربيع بن سليمان [قال]: سمعت الشافعي يقول (¬1) ليونس بن عبد الأعلى: يا أبا موسى، عليك بالفقه؛ فإنه كالتفاح الشامي يحمل من عامه (¬2). وأخبرنا محمد بن الحسين، حدثنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر، حدثنا أبو يعقوب: إسحاق بن محمد الأنصاري، بصيدا، عن الحسن بن محمد الزعفراني قال: سمعت الشافعي يقول: بقيت ست (¬3) عشرة سنة، ما كان طعامي إلا رَخْفاً وتمراً آكل منه بقدر ما يقوم به جسدي، فقيل له: ما الذي أردت به يا أبا عبد الله؟ قال: أردت الحفظ للعلم والفقه، تركته لله فرزقني بعد ذلك. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني الحسين بن محمد الدّارمي، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - حدثني أبو بشر بن أحمد الدُّولابي في طريق مصر، أخبرني أبو بكر بن إدريس وَرَّاق الحُمْيدي. أخبرني الحميدي، عن الشافعي قال: كنت يتيما في حجر أمي، ولم يكن معنا ما نعطي المعلم، وكان المعلم قد رضى مني أن أَخْلُفه إذا قام. فلما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء فأحفظ الحديث أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شِعْب الخَيْف، فكنت أنظر إلى العظم يلوح فأكتب فيه الحديث أو المسألة، وكانت لنا جَرَّة قديمة فإذا امتلأ العظم طرحتم في الجَرَّة (¬4). ¬

_ (¬1) في ا: «يقول: حدثنا الربيع بن سليمان، سمعت الشافعي يقول» وهو سهو من الناسخ. (¬2) الانتقاء 84. (¬3) في ا: «ستة». (¬4) آداب الشافعي ومناقبه 23 - 24.

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت عبد الرحمن بن محمد الإدريسي يقول: حدثني عمرو بن أحمد السوراني، حدثنا مقسم (¬1) قال: سمعت حرملة يقول: سمعت الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه، يقول: ما أفلح في العلم إلا من طَلَبه بالقلّة، ولقد كنتُ أطلب ثمن القرطاس فيعزُّ عليّ. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الرحمن السلمي قالا: سمعنا أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس. قال: وإن كان مَكْفِيًّا (¬2). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت الشيخ أبا سهل: محمد بن سليمان يقول: [سمعت أبا تراب: محمد بن سهل يقول: سمعت الربيع يقول (¬3)]: سمعت الشافعي يقول: لا يطلب هذا العلم أحد بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش، وخدمة العلم وتواضع النفس أفلح. وحدثنا أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم الكرماني، حدثنا أبو سعد: أسد ابن رستم، بهراة، حدثنا القاضي أبو نصر: منصور بن محمد بن مطرف، حدثنا محمد ابن سهل المعلم أبو تراب، حدثنا الربيع بن سليمان. فذكر هذه الحكاية والتي قبلها غير أنه قال في التي قبلها: إلا لفقير، قيل: ولا لغني مكفي؟ قال: ولا لغني مكفي. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عبد الرحمن: محمد بن إبراهيم المؤذن عن محمد بن إسحاق، سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: ¬

_ (¬1) في ا: «همتهم». (¬2) آداب الشافعي ومناقبه 134 (¬3) الزيادة من ح.

سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: لا يفلح الرجل في هذا الشأن - يعني في طلب العلم - حتى يكون له قميص ولا يكون له سراويل، ويكون له سراويل ولا يكون له قميص. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت محمد بن يعقوب الأصم يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: يحتاج طالب العلم إلى ثلاث خصال: أولها: طول العمر، والثاني: سعة ذات اليد، والثالث: الذكاء. وهذا لا يخالف ما مضى، وإنما أراد بما مضى حكاية عن غالب أحوال الناس في زهادة أهل الثروة في طلب العلم وقلة صبرهم عليه. وأراد بهذا أن يكون له سعة في المعيشة لا يشغله طلب القوت عن التعلم. والله أعلم. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، أنبأنا علي بن بندار، حدثنا محمد بن المنذر ابن سعيد، حدثنا الحسن بن عامر النصيبي، سمعت أحمد بن صالح يقول: سمعت الشافعي يقول: تفقَّه قبل أن تَرَأس فإذا تَرَأست فلا سبيل إلى التفقه. أخبرنا أبو سعد المَالِيني، أخبرنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا الحسين ابن إسماعيل النقار، حدثنا موسى بن سهل، حدثني أحمد بن صالح، قال: قال لي الشافعي: يا أبا جعفر، تَعَبّد من قبل أن تَرَأس، فإذا ترأست فلم تقدر تَعَبَّد. كذا وجدته وعليه: صح، والأول أصح. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، سمعت أبا بكر: أحمد بن العباس المقري يقول: سمعت أبا عبد الله: الحسين بن عبد الله المروزي الموصلي يقول: سمعت الزعفراني يقول: سمعت الشافعي يقول: من تعلم علما فَلْيَدقِّق فيه لئلا يضيع دَقِيقُ العلم.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - وقال وفي كتابه عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي، وذكر من يحمل العلم جُزَافاً فقال: هذا مثل حاطب ليل يَقْطَع حُزْمَةَ حطبه فيحملها ولعل فيها أَفْعَى تلدغه وهو لا يدري (¬1). أخبرنا أبو محمد بن يوسف قال: سمعت محمد بن علي الفقيه يقول: سمعت الحسين بن علي بن أنبار يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: قلت لمحمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله: كيف شهوتك للأدب؟ وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي، سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: سمعت المزني يقول: قيل لمحمد بن إدريس الشافعي: كيف شهوتك للأدب؟ قال: أسمع بالحرف منه مما لم أسمعه فتودّ أعضائي أنّ لها أسْماعاً تتنعم به مثل ما تَنَّعَمت الأذنان. ¬

_ (¬1) في آداب الشافعي 100 بعد ذلك: «قال الربيع: يعني الذين لا يسألون عن الحجة من أين هي؟. قلت: يعني من يكتب العلم على غير فهم، ويكتب عن الكذاب، وعن الصدوق وعن المبتدع وغيره، فيحمل عن الكذاب والمبتدع والأباطيل، فيصير ذلك نقصا لإيمانه وهو لا يدري».

قيل: وكيف حرصك عليه؟ قال: حرص الجَمُوع المَنُوع على بلوغ لذته (¬1) في المال. وقال: وكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المُضِلَّة وَلَدها وليس لها غيره. أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد الصوفي، سمعت محمد بن أحمد بن عبد الأعلى المقري يقول: سمعت أحمد بن عبد الرحمن يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: من لا يحبُّ العلم فلا خير فيه، ولا يكن بينك وبينه معرفة ولا صداقة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني الحسين بن محمد بن الحسين الحافظ، أخبرنا أبو الحسين: محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، بدمشق، حدثنا أبو بكر: أحمد بن هارون، حدثنا أحمد بن عبّاد التميمي، سمعت حرملة بن يحيى يقول: سمعت الشافعي، رضي الله عنه يقول - وذُكِرَ له أصحاب الحديث وما هم فيه من المَجَانَة والضّحك وأنهم لا يستعملون الأدب - فقال الشافعي: يا سبحان الله! لو استعمل أصحاب الحديث ما تقولون لكانوا علماء كلّهم. ثم التفت إلينا الشافعي فقال: ما أعلم أني أخذت (¬2) شيئاً من الحديث أو القرآن أو النحو أو العربية، أو شيئاً من الأشياء مما كنت أستفيده - إلا كنت أستعمل فيه اجتناب ما ذكرتم، وكنت (¬3) أفعل هذا قديماً، وكان ذلك طبعي إلى أن قدمت المدينة فرأيت من «مالك بن أنس) ما رأيت من هيبته وإجلاله للعلم، فازددت لذلك حتى ربما كنت أكون في مجلسه فأريد أن أَصْفَحَ الورقةَ فأصْفَحها صَفْحاً رقيقاً، هيبةً له؛ لئلا يسمع وَقْعَها. ¬

_ (¬1) في ح: «لذاته». (¬2) في ح: «أني وجدت». (¬3) في ح: «قال: فكنت».

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت الحسين بن علي يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: والله ما اجترأتُ أن أشرب الماء والشافعيّ ينظر إليَّ هيبةً له. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الطيَّب: عبد الله بن محمد القاضي، حدثنا أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن، حدثنا أحمد بن روح، حدثنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: كنت (¬1) آتي «سفيان بن عيينة» فلا أُسلِّم عليه حتى يكون هو الذي يبدأني فيلتفت إليّ فيقول: كيف أصبحت أصلحك الله؟ وذلك أنه كان إذا بدأه إنسان بالسلام ردّ عليه بضيق: كيف أصبحت؟! كيف أصبحت؟! أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي، حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، حدثنا محمد بن يحيى. حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال لي الشافعي: قيل لسفيان بن عيينة، وقد ضاق خلقه: يا محمد (¬2)، يأتيك قوم من أقطار الأرض فتضيق عليهم؟! يوشك أن يذهبوا ويتركوك. قال: هم إذاً حَمْقَى مثلك إن تركوا ما ينفعهم لسوء خلقي. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الفقيه، حدثنا أبو عوانة، حدثنا الربيع بن سليمان قال: ¬

_ (¬1) سقطت من ح. (¬2) في ح: «يا أبا محمد». (م 10 - مناقب جـ 2)

قال الشافعي: قيل لابن عيينة: إن قوما يأتونك (¬1) من أقطار الأرض فتغضب عليهم! يوشك أن يذهبوا أو يتركوك. قال: هم حمقى إذاً مثلك أن يتركوا ما ينفعهم لسوء خلقي (¬2). كذا في رواية الربيع. وأخبرنا أبو الفضل بن أبي سعد الهَرَوِي - قدم علينا حاجًّا - قال: حدثنا أبو أحمد: محمد بن الغطريف (¬3) الغطريفي، بجرجان، حدثنا أبو عوانة، سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: كان يختلف إلى «الأعمش» رجلان: أحدهما (¬4) كان الحديث من شأنه، والآخر (¬5) لم يكن الحديث من شأنه، فغضب الأعمش يوما على الذي من شأنه الحديث، فقال الآخر: لو غضب عليَّ كما غضبَ عليك لم أعد إليه: فقال الأعمش: إذاً هو أحمق مثلك، يترك ما ينفعه لسوء خلقي (¬6). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أحمد بن الحسين الصوفي، حدثنا أحمد ابن محمد بن الحسين المصري، سمعت الربيع بن سليمان يقول: ألحَّ على الشافعي، رحمه الله، قومٌ من أصحاب الحديث فقال: لا تكلّفوني أن أقول لكم ما قال «محمد بن سيرين» لرجل ألحّ عليه: إنَّك إن كلَّفتني ما لم أُطِقْ ... ساءَكَ ما سرَّكَ منّي من خُلُقْ ¬

_ (¬1) في ا: «يأتوك». (¬2) آداب الشافعي ومناقبه 206. (¬3) في ح: «محمد بن الطريفي بجرجان». (¬4) هو أبو بكر بن محمد بن سوقة الغنوي الكوفي، راجع تهذيب التهذيب 3/ 286، والجمع بين رجال الصحيحين 1/ 140. (¬5) هو أبو عبد الله: رقبة بن مصقلة العبدي الكوفي، المتوفى سنة 129. راجع تهذيب التهذيب 9/ 209 والجمع بين رجال الصحيحين 439. (¬6) آداب الشافعي ومناقبه 315 - 316.

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: وكنا يوما عنده، فقرأ لنا فاستزدناه فقال: سمعت الشافعي يقول: كلَّ يومٍ لا يُنِيلُ المَعْدِن. أخبرنا أبو محمد: عبد الله بن يوسف الأصفهاني، سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول (¬1): كتب إليَّ أبو يعقوب البويطي من الحبس: أن اصبر نفسك للغرباء، وأحسن خلقك لأهل خلقتك؛ فإني كنت أسمع الشافعي كثيراً يتمثل بهذا البيت: أُهينُ لهم نَفْسِي لكي يُكرمُونَها ... ولَنْ تُكْرَمَ النَّفْسُ التي لا تُهِينُها (¬2) أخبرنا محمد بن عبد الله، سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب (¬3) يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال لي الشافعي: لو أستطيع أن أطعمك العلم لَأَطْعَمْتُكَهُ. أخبرنا محمد بن عبد الله، سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب، سمعت الربيع بن سليمان يقول: (¬4) ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ومناقبه 127. (¬2) البيت غير منسوب في إعجاز القرآن 124، ولأعرابي حجب عن باب السلطان، كما في البيان والتبيين 2/ 189 والصناعتين 240 وأمالى المرتضي 1/ 205 (¬3) في ح بعد ذلك: «هو الأصم». (¬4) في ح: «يقول: سمعت الشافعي يقول».

قال لي الشافعي: الموعظة للعوَام، والنصيحة للإخوان، والتذكرة للخواص منهم - فَرْضٌ افترضه الله على عقلاء المؤمنين، ولولا ذاك لبطلت السنة وتعطّلت الفرائض (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت أحمد بن محمد بن رميح الحافظ يقول: سمعت أبا طلحة: أحمد بن محمد بن عبد الكريم، بالبصرة، يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: زينة العلماء التقوى، وحِلْيَتُهم حسن الخلق، وجمالُهم كرمُ النفس. قال: وسمعت الشافعي يقول: لا عيب بالعلماء أعظم من رغبتهم فيما زهَّدهم الله فيه، وزهدهم فيما رغّبهم الله فيه. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، سمعت أبا عمرو: محمد بن جعفر بن محمد ابن مطر يقول: سمعت إبراهيم بن محمود يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: زينة العلماء (¬2) الورع والحلم. وبإسناده قال: سمعت الشافعي يقول: لا يجمل العلم ولا يحسن إلا بثلاث خلال: تقوى الله، وإصابة السنة، والخشية. ¬

_ (¬1) في ح بعد ذلك بياض كتب فوقه: «كذا» وبعد البياض: «الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: أخشى على من طلب هذا العلم بغير نية ألا ينتفع به». (¬2) في ح: «العلم».

أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد، أخبرني نصر بن محمد بن أحمد الصوفي، سمعت أبا بشر: محمد بن أحمد يقول: سمعت الحسن بن سعيد المقري، حدثنا محمد بن زياد الحضرمي، حدثنا حرملة بن يحيى التّجيبي. سمعت الشافعي يقول: كتبَ حكيمٌ إلى حكيمٍ: يا أخي قد أوتيت علماً، فلا (¬1) تُدَنِّس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يومَ يسعى أهلُ العلم بنور علمهم (¬2). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم المقري، ببغداد، يقول: سمعت أبا بكر الخلاّل يقول: سمعت الشافعي يقول: ليس العلم ما حُفِظَ، العلم ما نَفَع. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين الصوفي قال: سمعت أبا علي: محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت يوسف ابن عبد الأحد يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي، رضي الله عنه: يا أبا موسى، قد أَنِسْتُ بالفقر حتى لا أستوحش منه. قال: وسمعت الشافعي يقول: يا أبا موسى، أَزْيَنُ شيء بالعلماء الفقرُ مع القناعة، والرضا بهما. قال: وسمعت الشافعي يقول: فقر العلماء فَقْرُ اختيار، وفَقْرُ الجهّال فقر اضطرار (¬3). ¬

_ (¬1) في ا: «لا تدنس» (¬2) حلية الأولياء 9/ 146، ومناقب الشافعي للرازي 124. (¬3) مناقب الشافعي للرازي 124.

قال: وقال الشافعي: يا أبا موسى، لقد (¬1) أفلستُ ثلاث مرات، ولقد رأيتني آكل السمك بالتمر لا أجد غيرهما. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن محمد الدّارمي قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: حدثني أبي قال: حدثني هارون بن سعيد الأَيْلِي قال: قال لنا الشافعي: أخذت اللبان سنة للحفظ فأعقبني صبَّ الدم سنة (¬2). أخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرني أبو تراب المُذَكِّر قال: حدثنا محمد بن المنذر قال: حدثنا ابن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: قال محمد بن الحسن (¬3): لا يصلح [في] (¬4) هذا الشأن إلا من أحرق قلبه البن. قلت: والبن فيما بلغني: كامخ (¬5) يصنع بالشّامات ومصر من عكر المرى يتأدم به الغرباء. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو زْرْعَة الرّازي، قال: حدثنا أحمد بن محمد الصابوني قال: سمعت الربيع بن سليمان. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنبأنا علي بن أبي عمر البَلْخِي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين قال: سمعت الربيع بن سليمان قال: ¬

_ (¬1) في ح: «قد». (¬2) آداب الشافعي ومناقبه 35، 323. (¬3) في ح، هـ: «الحسين». (¬4) الزيادة من ح. (¬5) المعرب للجواليقي 298.

سمعت الشافعي يقول: المراء في العلم يقسِّي القلب، ويورث (¬1) الضّغائن. أخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعت منصور بن عبد الله الأصبهاني يقول: سمعت الحسين بن يوسف الرَقَي يقول: سمعت ابن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: من إِذَالَةِ (¬2) العلم أن تناظر كلَّ من ناظرك وتُقاوِلَ كلَّ من قَاوَلَك. أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن قال: سمعت محمد بن علي الحافظ يقول: سمعت أبا بكر بن زياد يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: العلم جهل عند أهل الجهل، كما أن الجهل جهل عند أهل العلم (¬3)، ثم أنشأ يقول: ومنزلَةُ الفقيهِ من السّفيهِ ... كمنزلةِ السّفيهِ من الفقيه فهذا زاهدٌ في قرب هذا ... وهذا فيه أزهد منه فيه أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن عبد الله الصّفّار يقول: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: سمعت «محمد بن عجلان» يقول: إذا أَغْفَلَ العالم «لا أَدْرِي» أُصِيبت مقاتله. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله المسافري قال: حدثنا محمد بن المنذر قال: ¬

_ (¬1) في ا: «فيورث». (¬2) في مناقب الشافعي للرازي 124: «من إهانة». (¬3) في ا: «الجهل».

حدثنا محمد بن عبد الحكم قال: سألت الشافعي عن «المُتْعَةِ»: أكان يكون فيها طلاق أو ميراث أو نفقة تجب أو شهادة؟ قال: لا والله ما ندري. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: حدثني أبي قال: أخبرني يونس قال: كلّمني الشافعي مرة في مسألة وتَراجَعْنا فيها فقال: إني لأجد فُرْقانَهَا في قلبي وما أَقدِرُ أن أثبته بلساني. أخبرنا محمد (¬1) بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد: حسّان بن محمد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول لأبي علي بن مِقْلاَص (¬2): تريد تَحْفَظُ الحديثَ وتكون فقيها؟ هيهات ما أبعدك من ذلك (¬3). قلت: وإنما أراد به حِفْظَهُ على رَسْم أهل الحديث من حفظ الأبواب والمذاكرة بها، وذلك علم كثير إذا اشتغل به فربما لم يتفرّغ إلى الفقه. فأمّا الأحاديث التي يحتاج إليها في الفقه فلابد من حفظها معه، فعلى الكتاب والسنة بناء على أصول الفقه وبالله التوفيق. وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم المؤذّن قال: سمعت عبد الله بن محمد بن الحسن يقول: سمعت إبراهيم بن محمد الصَّيْدَلاَنِي يقول: ¬

_ (¬1) في ا: «أبو محمد». (¬2) في الانتقاء ص 111: «عبد العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص. مولى خزاعة. يكنى أبا علي. صحب الشافعي وروى عنه. وكانت وفاته بمصر سنة أربع وثلاثين ومائتين». (¬3) طبقات العبادي 25 وآداب الشافعي 135 وفيه: «يريد أن يحفظ الحديث ويكون فقيها».

سمعت إسحاق بن إبراهيم الحَنْظَلِيّ يقول: ذاكرت الشافعي فقال: لو كنت أحفظُ كما تحفظُ (¬1) لغلبت أهل الدنيا. وهذا لأن إسحاق الحنظلي كان يحفظه على رسم أهل الحديث، ويَسْرُدُ أبوابه سَرْداً، وكان لا يهتدي إلى ما كان يهتدي إليه الشافعي من الاستنباط والفقه. وكان الشافعي يحفظ من الحديث ما كان يحتاج إليه، وكان لا يستنكف من الرجوع إلى أهله فيما اشتبه عليه منه؛ وذلك لشدة اتقائه لله عز وجلّ، وخشيته منه، واحتياطه لدينه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو تراب المُذَكِّر، بالنّوقان، قال: حدثنا محمد بن المنذر قال: سمعت محمد بن أحمد بن الحسين (¬2) قال: سمعت «الحُمَيْدِيّ» يقول: صحبت «الشافعي» من مكة إلى مصر فكنت أستفيد منه «المسائل»، وكان يستفيد مني «الحديث». أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: سمعت أبا تراب: محمد بن أبي سهل الطّوسي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت صاحب بَلْغَمٍ أحفظ من «الحميدي» وكان (¬3) يحفظ لسفيان بن عيينة عشرة آلاف حديث. وأخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - قال: حدثنا أبو بكر بن إدريس وَرَّاق الحُمَيْدِي قال: ¬

_ (¬1) في ا: «كما يحفظ». (¬2) في ا: «الحسن». (¬3) في ا: «فكان».

قال الحميدي: كنا نريد أن (¬1) نردّ على «أصحاب الرأي» فلم نحسن (¬2) كيف نرد عليهم حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا. وأخبرنا محمد بن الحسين بن موسى قال: حدثنا يوسف بن عمر الزّاهد، ببغداد، قال: حدثنا أبو الفضل الطّوسي الفقيه قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: قال لنا الشافعي، رحمه الله: أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا صح عندكم الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فقولوا لنا حتى نأخذ (¬3) به. وأخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الحنظلي - قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي، نزيل مكة، فيما كتب إليَّ قال: حدثنا أبو تراب: حميد بن أحمد البصري قال: كنت عند أحمد بن حنبل، نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله. لا يصح فيه حديث. فقال: إن لم يصح فيه حديثٌ ففيه قول الشافعي، وحجته أثبت شيء فيه (¬4). ثم قال: قلت للشافعي: ما تقول في مسألة كذا وكذا؟ فأجاب فيها، فقلت: من أين قلت؟ هل فيه حديث أو كتاب؟ قال: بلى. فَنَزَعَ في ذلك حديثاً للنبي، صلى الله عليه وسلم، وهو حديث نصّ (¬5). ¬

_ (¬1) في ح: «على أن نرد على». (¬2) في ا: «فلم يحسن». (¬3) في ا: «آخذ». (¬4) آداب الشافعي ومناقبه 86. (¬5) آداب الشافعي ومناقبه 87.

فعلى هذا كان طريق أهل الورع من أهل العلم والفقه: لا يستنكفون من أخذ بعضهم عن بعض حتى يكونوا على خبرة من دينهم. وبالله التوفيق. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن زياد العدل يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: ما أحدٌ أَوْرَع لخالقه من الفقهاء. أخبرنا محمد بن أبي الحسن (¬1) الصوفي قال: سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت الحسين بن علي بن يزدانيار يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: إن لم يكن الفقهاء أولياء الله في الآخرة فما لِله وليَّ. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا علي الزَّعوري يقول: سمعت الزبير الأَسداباذِي يقول: سمعت أحمد بن يحيى بن بكير (¬2) المصري يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله، عز وجل، فما لله ولي. قرأت في كتاب أبي نعيم الأصبهاني. وأخبرني به الثقة من أصحابنا عنه: عن الحسن بن سعيد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن زغبة قال: سمعت يونس ابن عبد الأعلى يقول: ¬

_ (¬1) في ح: «محمد بن الحسن». (¬2) في ا: «بن زكير».

سمعت الشافعي يقول: كفى بالعلم فضيلة أنّه يدعيه من ليس فيه ويفرح إذا نسب إليه، وكفى بالجهل شرًّا أنه يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه. وقرأت فيه. وأخبرني به الثقة عنه: عن أحمد بن محمد بن مقسم قال: سمعت أبا بكر الخلال (¬1) يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: العلم مروءة من لا مروءة له (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في ا: «الخلافي». (¬2) في هامش ح بإزاء هذا: «بلغ مقابلة في المجلس العشرين».

54 - باب ما يستدل به على اجتهاد الشافعي، رحمه الله، في طاعة ربه، وزهده في الدنيا وحضه عليه

باب ما يستدل به على اجتهاد الشافعي، رحمه الله، في طاعة ربه وزهده في الدنيا وحضّه عليه * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو بكر: محمد بن محمد البغدادي قال: حدثنا أبو الحسن: علي بن قريش قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أثلاث: الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام (¬1). وأخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين الدّينوري، بالدّامعان، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن شيبة قال: حدثنا أحمد بن علي بن حمدويه المروزي قال: سمعت زكريا بن يحيى السّاجي، عن الربيع بن سليمان. فذكره (¬2). وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد قال: أخبرني القزويني (¬3) - قاضي مصر - قال: سمعت الربيع يقول: قد نمت (¬4) في منزل الشافعي ليالي كثيرة فلم يكن ينام [من الليل] (¬5) إلا أيسره. ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للفخر الرازي ص 127. (¬2) ليست في ح. (¬3) في ح: «العرردي». (¬4) في ح: «بت». (¬5) من ح.

وعن الزبير قال: حدثني العباس بن الفضل الأرسوفي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: خرجت مع محمد بن إدريس الشافعي من الفسطاط إلى الإسكندرية مرابطا (¬1)، وكان يصلي الصلوات الخمس في المسجد الجامع، ثم يسير إلى المَحْرَس فيستقبل البحر بوجهه جالساُ يقرأ القرآن في الليل والنهار حتى أُحصيت عليه ستين ختمة في شهر رمضان. وبهذا الإسناد عن الأرسوفي قال: سمعت بحر بن نصر يقول: ما رأيت ولا سمعت كان في عصر الشافعي أتقى لله ولا أورع من الشافعي، ولا أحسن صوتا منه بالقرآن. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي قال: أنبأنا أبو نصر: محمد بن علي بن طلحة المروروذي قال: حدثنا أبو سعيد: أحمد بن علي الأصبهاني قال: حدثنا زكريا بن يحيى السّاجي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا حسين الكرابيسي قال: بت مع الشافعي ثمانين ليلة، فكان يصلي نحو ثلث الليل، وما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكْثَرَ فمائة، وكان لا يمرْ بآيةِ رحمةٍ إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآيةِ عذابٍ إلا تعوذ بالله منها وسأل النجاة لنفسه ولجميع المؤمنين، فكأنما جمع له الرجاء والرّهبة معا (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أحمد بن محمد بن مهدي ¬

_ (¬1) في ح: «يرابط» وفي ا: «مرابط». (¬2) توالي التأسيس 68. والمناقب للرازي 127.

المُسَافِرشي، بالنّوقان، قال: حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الحديدي يقول: كان الشافعي يختم في كل شهر [رمضان ستين ختمة، لا يحسب شيئا من ذلك في الصلاة. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت علي بن عمر الحافظ يقول: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان الشافعي يختم في كل شهر] (¬1) ثلاثين ختمة وفي شهر رمضان (¬2) ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة. قال: وكان يحدث وطست بجنبه فقال يوما: اللهم إن كان لك فيه رضا فزد. قال: فبعث إليه «إدريس بن يحيى المُعَافِرِي»: لَسْتَ من رجال البلاء؛ فَسَل الله العافية (¬3). أخبرنا محمد بن الحسين الصّوفي قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ، ببغداد، قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو الحديد: عبد الوهاب ابن سعيد قال: حدثنا العباس بن محمد البصري قال: حدثني سليمان بن داود المهدي قال: كان الشافعي - رضي الله عنه - إذا حدث كأنه يقرأ سورة من القرآن، ومرض مرضة شديدة فقال: إن كان هذا لك رضا فزد. فبلغ ذلك «إدريس الخولاني» فبعث إليه: يا أبا عبد الله، لسنا وانت من ¬

_ (¬1) ما بين القوسين سقط من هـ. (¬2) في ا: «ثلاثين ختمة في رمضان ستين ختمة». والخبر في توالي التأسيس ص 60، ومناقب الشافعي للفخر الرازي ص 127. (¬3) مناقب الشافعي للرازي في الموضع المذكور، وتوالي التأسيس ص 60.

رجال البلاء. قال: فبعث إليه الشافعي، رضي الله عنه: ادع الله يا أبا عمرو. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن علي قال: أخبرنا عبد الرحمن قال: حدثني أبي قال: حدثنا حرملة قال: سمعت الشافعي، رحمه الله، يقول لي (¬1): اذهب إلى إدريس بن يحيى العابد وقل له يدعو الله لي. وبهذا الإسناد قال: حدثني حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي يقول: وددت أن كل علم أعلمه يعلمه الناس أُوجَر عليه ولا يحمدونني (¬2) أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو بكر: محمد بن محمد المقري قال: أخبرنا أبو القاسم: جعفر بن محمد قال: حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي قال: دخل بعض فقهاء أهل مصر على الشافعي في السحر (¬3) وبين يديه المصحف فقال: شغلكم الفقه عن القرآن، إني لأصلي العتمة وأضع المصحف بين يدي فما أطبقه حتى أصبح. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان (¬4) يقول: سمعت عبد الرحمن بن محمد الرازي يقول: سمعت محمد ابن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت «الحارث بن مسكين» يقول: مازال في نفسي من الشافعي حتى ¬

_ (¬1) في ح: «حدثنا حرملة، قال: قال لي الشافعي: اذهب ...». (¬2) توالي التأسيس 62، حلية الأولياء 9/ 119. (¬3) في ح: «المسجد». (¬4) في ا: «بن عبد بن شاذان».

بلغني أنه سئل عن الأكفاء فقال: الأكفاء في الدين ليس الأكفاء من الحسب (¬1) في شيء. فعلمت أنه لم يحوجه إلى هذا إلا الديانة وهو رجل من قريش. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله: أحمد بن محمد المسافري قال: حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد قال: أخبرنا محمد بن عبد الحكم قال: قال لي الحارث بن مسكين: لقد أحببت الشافعي وقرب من قلبي لما بلغني أنه يقول: الكفاءة [في الدين لا في النسب. قال البيهقي: وإنما أراد الكفاءة] (¬2) التي يفسخ بعدمها النكاح وهي إسلام الزوج، فأما عدم الكفاءة في النسب فإن الولي والرشيدة إذا رضيا به صح النكاح (¬3) قال الشافعي في «كتاب النكاح» (¬4): وليس نكاح غير الكفء محرما فأرده كل حال إنما هو نقص على المزوجة والولاة، فإذا رضيت المزوجة ومن له الأمر معها بالنقص لم أرده. أخبرنا به أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي فذكره. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا زُرْعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن الحسين المصري يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: لو كانت الكفاءة في النسب لم يكن أحد من خلق الله كفْئاً لبنات النبي، صلى الله عليه وسلم، وقد زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، ابنته أبا العاص بن الربيع. وأخبرنا أبو عبد الله قال: حدثنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: ¬

_ (¬1) في ح: «في النسب» وفي المناقب للفخر ص 127: «الكفاءة في الدين لا في الحسب». (¬2) سقط ما بين القوسين من ا. (¬3) مناقب الشافعي للفخر الرازي ص 127. (¬4) الأم 5/ 13. (م 11 - مناقب جـ 2)

سمعت الربيع يقول: سأل رجل الشافعي: أيتزوج الرجل بالعربية وهو ليس من العرب؟ فقال: سل المزني؛ فإني رجل من قريش. قلت: وإنما قال ذلك لأنه لا يجوز ذلك إلا برضا الولاة الذين إليهم أمرها وبرضاهم وهي رشيدة، فلم يرد تولي الجواب بنفسه وهو قرشي، ولم يحمله كونه قرشيا على أن يرد نكاح غير الكفء في النسب بكل حال؛ لأنه رأى الحق في غيره فتبع الحق دون الهوى. وهذا أشبه بما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: وأما قول أبي يوسف: لا تؤخذ الجزية من العرب. فنحن كنا على هذا أحرص لولا أن الحق في غيره. قال: فلم يكن لنا أن نقول إلا بالحق: لقد أخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الجزية من البدر الغساني ويروون أنه صالح رجالا من العرب على الجزية. فأما عمر ابن الخطاب ومن بعده من الخلفاء إلى اليوم فقد أخذوا الجزية من بني تعلب وتنوخ وبهراء وخلط من العرب، وهم إلى الساعة مقيمون على النصرانية يضاعف عليهم الصدقة وذلك جزية، وإنما الجزية على الأديان لا على الأنساب ولولا أن نأثم بتمنّي باطل وَدِدنا أن الذي قال أبو يوسف كما قال وأن لا يَجْري صَغار على عربي، ولكن الله أجلّ في أعيننا من أن نحب غير ما قضى به. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله الرّملي يقول: سمعت أبا علي: أحمد بن علي الدمشقي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي وسئل ما الظرف؟ قال: الوقوف مع الحق كما وقف.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن علي بن محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: أخبرني أبو محمد السجستاني - نزيل مكة - فيما كتب إليّ قال: قال الحارث بن مسكين: أراد الشافعي الخروج إلى مكة فأسلم إلى قَصَّار ثياباً بَغْدَاديّة (¬1) مرتفعة، فوقع الحريق فاحترق دكّان القصّار والثياب، فجاء القصار ومعه قوم فتحمّل بهم على الشافعي في تأخيره ليدفع إليه قيمة الثياب، فقال له الشافعي: قد اختلف أهل العلم في تضمين القصّار، ولم أتبين أن الضمان يجب، فلست أضمنك شيئا. كذا في كتاب شيخي الحارث بن مسكين، وحكاه داود بن علي بن الحارث بن سريج عن الشافعي بمعناه (¬2). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا أبو نصر: محمد بن علي بن طلحة المروروذي قال: حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني قال: حدثنا زكريا بن يحيى السّاجِي قال: حدثني ابن بنت الشافعي قال: ولى الشافعي اليمن وهو حَدَثٌ فحكم بأشياء وسَنَّها فإن أهل اليمن إلى يومنا يقولون في أشياء: سنة الشافعي، سنة الشافعي. أخبرنا أبو زكريا: يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: سمعت الزبير ابن عبد الواحد يقول: حدثنا أبو يحيى: زكريا بن يحيى الساجي بالبصرة قال: حدثنا أحمد بن مدرك (¬3) الرازي قال: ¬

_ (¬1) آداب الشافعي 102. (¬2) في ح: «فسمعناه». (¬3) في ا: «مرادك».

حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله قط صادقا ولا كاذبا. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى بن حرملة التجيبي قال: سمعت عمي حرملة يقول: سمعت الشافعي يقول: ما كذبت قط، ولو كذبت لما تَأَتَّى (¬1) لي شيء مما أمدح به، وما حلفت بالله لا صادقا ولا آثما. [وفي رواية: صادقا ولا كاذبا] (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قال أبو الوليد فيما بلغني عنه قال: حدثنا أبو جعفر الأَرْزُناني (¬3)، عن طاهر بن يحيى بن حرملة، عن عمه. عن الشافعي، رضي الله عنه، قال: ما تركته في شتاء ولا صيف. يعني غسل يوم الجمعة. وقرأت في «سنن حرملة» رواية أبي عبد الله: أحمد بن طاهر بن حرملة عن جدّه: ¬

_ (¬1) في ا: «كان». (¬2) ما بين القوسين من ح. (¬3) الأرزناني بفتح الألف، وسكون الراء، وضم الزاي نسبة إلى أرزنان: وهي من قرى أصبهان. وأبو جعفر الأرزناني: هو محمد بن عبد الرحمن الأرزناني الأصبهاني الحافظ، من الحفاظ الأثبات الجوالين في طلب الحديث إلى الشام ومصر وخراسان، وكان حافظا عالما متقنا حسن الحديث. توفى سنة 317 وهو ابن نيف وستين سنة. راجع الأنساب للسمعاني 1/ 163 - 164.

عن الشافعي قال: ما أحب لأحد ترك غسل يوم الجمعة، وما علمتني تركته قط في برد ولا في حر (¬1) ولا غيره، والله محمود، ولكن ليس له ما أحببت منه لنفسي يمنعني أن أؤدّي فيه علما، وأسأل الله فيه الأجر والتوفيق. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن (¬2) قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد ابن إدريس الرازي - قال: أخبرني أبو محمد السجستاني - نزيل مكة - في كتابه قال: إن الحارث بن سريج قال (¬3): دخلت مع الشافعي على خادم للرشيد وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما وضع الشافعي رجله على التعبة أبصره فرجع ولم يدخل، فقال له الخادم: ادخل. فقال: لا يحل افتراش هذا. فقام الخادم فتبسم حتى دخل بَيْتاً (¬4) قد فرش بالأرمني فدخل الشافعي، ثم أقبل عليه فقال: هذا حلال وذلك حرام، وهذا أحسن من ذاك وأكثر ثمنا. فتبسم الخادم وسكت (¬5). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني نصر بن محمد العطار قال: حدثنا أبو الحسين: أحمد بن عبد الله بن إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا القاسم بن محمد التّبوذكي قال: حدثنا محمد بن بشر قال: حدثنا الشافعي قال: حدثنا فُضَيل بن عِيَاض قال: حدثنا هشام بن حسّان قال: ¬

_ (¬1) في ح: «سفر». (¬2) في ح: «الحسين». (¬3) في ا: «قال الحارث بن سريج: دخلت. . .». (¬4) في ا: «نقبا». (¬5) آداب الشافعي ص 103 - 104، وتوالي التأسيس 66 - 67، والحلية 9/ 126 - 127.

مرَّ الحجاج بن يوسف بالحسن أو غيره فقال له: يا أبا سعيد، مالك لا تأتينا؟ فقال له: وما أصنع بك؟ إن أنا أتيتك فأدنيتني فَتَلْتَنَى (¬1)، وإن أنت أقصيتني غممتني، وما عندي من الدنيا شيء أخافك عليه، ولا عندك من الآخرة ما أطلب، فعلى أي حال أجيئك؟ أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: دخل سفيان الثوري على أمير المؤمنين فجعل يَتَجَانَنُ عليهم ويمسح البساط ويقول: ما أحسنه! ما أحسنه! بكم أخذتم هذا؟ ثم قال: البول البول حتى أخْرِج. يعني أنه احتال ليتباعد (¬2) منهم، ويسلم من أمرهم. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد قال: حدثنا أبو نعيم عن الربيع. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن أحمد بن حمدان يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيمة يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ربما أتى على ثنتا عشرة سنة لا أشبع فيها شبعة إلا شبعة ألقيتها على المكان. وفي رواية أبي عبد الله قال الشافعي: ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها من ساعتي (¬3). ¬

_ (¬1) في ا: «قتلتني». (¬2) في ا: «للتباعد» وفي ح: «احتال له ليتباعد عنهم». (¬3) آداب الشافعي وهامشه 103 - 104.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حسان (¬1) الفقيه قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني قال: حدثنا أبو العباس: أحمد ابن محمد البغدادي. سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذ عشرين سنة. ورواه أبو عوانة الإسفراييني، عن الربيع، وقال: منذ سبع عشرة سنة إلا شبعة ثم أدخلت يدي فتقايأته. قلت (¬2): وهذا لأن الشبع يقسي القلب، ويغطي بعض العقل، ويثقل البدن عن الاجتهاد في العبادة، وهو عند أهل الحقائق غير محمود، فكان يتنزه عن ذلك. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو القاسم: عبد الرحمن بن الحسن القاضي، شفاهاً: أن زكريا بن يحيى الساجي حدثهم قال: بلغني عن محمد بن الوزير أنه قال: ما شرب الشافعي من كوز مرتين، ولا عاود في جماع جارية مرتين. قلت: وهذا يدخل في اجتزائه بأقل الكفاية وترك التلذذ بالزيادة. أخبرنا أبو عبد الله: الحسين ين محمد بن الحسين بن عبد الله بن فنجويه الدينوري بالدامغان قال: حدثنا الفضل بن الفضل الكندي قال: حدثنا زكريا ابن يحيى الساجي قال: حدثنا ابن بنت الشافعي قال: سمعت أمي تقول: كان أبي لا يتطيّب ¬

_ (¬1) في ا: «حيان». (¬2) قال ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه ص 106: «لأن الشبع يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة».

بالماوَرْد لموضع نكهته وقال: إنه يشبه المسكر. وأخبرنا أبو عبد الله الدينوري قال: حدثنا الفضل بن الفضل الكندي قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: حدثني ابن بنت الشافعي قال: سمعت أمي تقول: دخلت علينا امرأة وأبي نائم ومعها صبي فجعلت تَحدَّث إلى أن بكى الصبي فوضعت يدها على في الصبي وخرجت خوفاً أن يستيقظ أبي ببكائه. قالت: وكانت لأبي هيبة منكرة فلما استيقظ أُخبر بذلك فخرج وآلى على نفسه ألا ينام أياماً إلا والرحا عند رأسه يُطحَن بها. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت الزبير بن عبد الواحد بن أحمد الحافظ بأسدَاباذ يقول: سمعت يوسف بن عبد الأحد يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي: يا أبا موسى، أَنِسْتُ بالفقر حتى صرتُ لا أستوحش منه. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت قعْنَبَ بن أحمد بن عمرو بن مُجَاشِع يقول: سمعت محمد بن أحمد ابن وَرْدَان يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال عبد الله بن عبد الحكم للشافعي: إن عزمت أن تسكن البلد - يعني مصر - فليكن لك قوت سنة، ومجلس من السلطان تَتَعَزَّزُ به. فقال له الشافعي: يا أبا محمد، من لم تعزَّه التقوى فلا عِزَّ له، ولقد ولدت بغزة، ورُبِّيت بالحجاز وما عندنا قوت ليلة، وما بتنا جياعاً. أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن قال: سمعت علي بن سعيد بن عثمان

الثغري (¬1) يقول: سمعت عبد السلام بن محمد المخزومي يقول: أخبرني الحسن ابن حبيب قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: ما فزعت من الفقر (¬2) قط، ولقد مر بي برهة من دهري آكل الرَّخْف (¬3) وأشرب عليها الماء. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني محمد بن يونس (¬4) الدقيقي قال: قال محمد بن إسحاق: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: لا يستوحش أحدكم من الإفلاس؛ فإني قد أفلست ثلاث مرات ثم أَيْسَرْت. أخبرنا محمد بن الحسين بن يحيى [قال: سمعت الحسين بن يحيى (¬5)] يقول: سمعت محمد بن أحمد الشافعي يقول: سمعت أبا العباس المروزي (¬6) يقول: قال الشافعي: طلبُ فُضول الدنيا عقوبةٌ عاقب الله بها أهل التوحيد. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا أبو بكر: محمد بن عبد الله بن شاذان الرازي قال: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: لو أن الدنيا عِلْقٌ (¬7) يباع في السوق لما اشتريته برغيف؛ لما أعلم فيه من الآفات. وأخبرنا أبو عبد الرحمن قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: ¬

_ (¬1) في ح: «المنقري». (¬2) في ا: «الفقه». (¬3) الرخف: المسترخي من العجين الكثير الماء. (¬4) في ا: «يوسف». (¬5) ما بين القوسين من ح. (¬6) في ا: «البروري». (¬7) في ا: «حلق».

سمعت المزني يقول: قلت للشافعي: مالك بدُّ من إمساك العصا ولست بضعيف؟ قال: لأذكر أنّي مسافر. يعني في (¬1) الدنيا. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا محمد بن يوسف الخياط قال: حدثنا الطَّحاوِي قال: قال البُوَيْطِي: سمعت الشافعي يقول: أَبْيَنُ ما في الإنسان ضعفُه، فمن شهد الضعف من نفسه نال الاستقامة مع الله تعالى. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا بكر بن شاذان يقول: سمعت أبا الفضل بن مهاجر يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: من غلبت عليه شدة الشهوة لحب الدنيا لزمته العُبُودِيّة لأهلها، ومن رضى بالقُنُوع زال عنه الخُضُوع. أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد قال: سمعت منصور بن عبد الله الهَروِيّ يقول: سمعت أبا علي الأستاذ، بالبصرة، يقول: سمعت زكريا بن يحيى السّاجِي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: خير الدنيا والآخرة في خمس خصال: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، ولباس التقوى، والثقة بالله عز وجل على كل حال (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا الزبير بن عبد الواحد بأسداباذ قال: أخبرني أبو بكر: محمد بن القاسم بن مطر قال: ¬

_ (¬1) في ح: «من». (¬2) المناقب للرازي 124.

سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال لي الشافعي: يا ربيع، عليك بالزهد فَللزُّهد على الزاهد أحسن من الحلى على المرأة الناهد. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم المقري (¬1) ببغداد يقول: سمعت أبا بكر الخلال يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: أنفع الذخائر التقوى، وأضرها العدوان. أخبرنا محمد بن أبي الحسين قال: حدثنا عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن البستي بهمذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن يوسف الهروي عن أحمد بن مدرك (¬2) الرازي قال: سمعت حرملة بن يحيى يقول: سمعت الشافعي يقول، وذكر عنده فهم القلب فقال: من أحب أن يفتح الله له قلبه أو ينوره فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه، وترك الذنوب، واجتناب المعاصي، ويكون له فيما بينه وبين الله خبيَّةٌ من عمل فإنه إذا فعل ذلك فتح الله عليه من العلم ما يشغله عن غيره وإن في الموت لأكثرَ الشُّغْل. وقال غيره فيه: وإن في الموت وذكره لأكثرَ الشغل. وأخبرنا محمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الله بن سعيد قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن عبد الله الرازي (¬3) قال: ذكر لي عبد الرحمن بن محمد بن مُسَبّح قال: سمعت أبي يقول: ¬

_ (¬1) في ح: «الهدمي». (¬2) في ا: «مردك». (¬3) في ا: «الرائحي».

قال الشافعي: من أحب أن يفتح الله قلبه ويرزقه الحكمة فعليه بالخلوة، وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء، وبغض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التاريخ قال: سمعت أبا بكر: محمد بن جعفر المفيد البغدادي يقول: سمعت أبا جعفر الطحاوي يقول: سمعت أبا إبراهيم المزني يقول: كان الشافعي رحمه الله ينهانا عن الكلام في الناس ويقول: المسلمون (¬1) شهداء الله بعضهم على بعض. قلت: وإنما أراد به النهي عن الكلام فيما لا يعنيه وهو الغيبة والبهتان، فأما إذا احتاج إلى ذكر بعضهم بما فيه عند الاستدعاء (¬2) في الشهادات والأخبار فقد (¬3) نص على جواز ذلك وهو منقول في «كتاب المدخل». أخبرنا محمد بن الحسين الصوفي قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين قال: سمعت الربيع يقول: قال الشافعي: يا ربيع لا تتكلم فيما لا يعنيك؛ فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها. قرأت في كتاب محمد بن الحسن بن إبراهيم العاصمي، حدثني محمد بن عبد الله الرازي قال: أخبرني محمد بن المدائني قال: حدثنا المزني قال: سمعت الشافعي يقول: ليس أحد إلا له مُحبُّ ومبغض فإذ لابد من ذلك فليكن المرجع أهل طاعة الله تعالى. ¬

_ (¬1) سقطت من ا. (¬2) في ا، ح: «الاسدكا». (¬3) في ا: «وقد».

وعن الرازي قال: حدثني أبو الفضل: جعفر بن أحمد الخولاني، عن أسد ابن سعيد بن (¬1) عفير قال: حدثنا الشافعي قال: حدثنا عمي محمد بن علي قال: قال عامر بن عبد الله ابن الزبير: أفضل الأعمال ثلاثة: ذكر الله عز وجل، ومواساة الأخ في المال، وإنصاف الناس من نفسك. وعن الزبير بن عبد الواحد قال: حدثنا أبو نصر (¬2): محمد بن أحمد الواقفي، حدثنا محمد بن حبيب، سمعت إبراهيم بن محمد الشافعي يقول: سمعت الشافعي يقول في معنى غنى النفس: إذا شئت أن تحيا غنِيًّا فلا تكن ... على حالة إلا رضيتَ بِدُونها أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد، حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال الشافعي: يا أبا موسى، لو جهدت (¬3) كل الجهد على أن ترضى الناس كلهم فلا سبيل إليه، فإذا كان كذلك فأخلص عملك ونيتك لله عز وجل. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت علي بن سعيد بن عثمان يقول: سمعت عبد السلام بن محمد يقول: أخبرني الحسن بن حبيب قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: لا يعرف الرياء إلا مخلص. ¬

_ (¬1) في ح، هـ: «عن». (¬2) في ح، هـ: «أبو بكر». (¬3) في ح: «اجتهدت».

أخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله الديباني يقول: سمعت أحمد بن محمد العسكري، بمصر، يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول، اعتلّ الشافعي، رحمه الله، فدخل عليه بعض رؤساء مصر فقال له: يا أبا عبد الله، أي راحة في المرض إلا كثرة العوّاد؟ فقال: يا أخي، أي راحة في المرض إلا رجاء ثوابه وإنه كفارة للذنوب؟ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد (¬1) بن أبي الحسن، أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي حاتم - أخبرنا أبي أخبرنا أحمد بن أبي الحواري عن محمد بن قطن. عن الشافعي قال: دخل سفيان على الفُضَيل يعوده فقال: يا أبا محمد، وأي نعمة في المرض لولا العوّاد؟ قال سفيان: وأي شيء تكره في العواد؟ قال: الشكاية. وبهذا الإسناد عن أحمد بن أبي الحواري عن محمد بن قطن. عن الشافعي عن فضيل قال: قال داود عليه السلام: إلهي، كن لابني سليمان من بعدي كما كنت لي قال: فأوحى الله إليه: يا داود، قل لابنك سليمان يكون لي كما كنتَ لي حتى أكونَ له كما كنتُ لك. وأخبرنا أبو عبد الله، أخبرني أبو أحمد، أخبرنا عبد الرحمن، حدثنا محمد بن خالد بن يزيد الشيباني، حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: ¬

_ (¬1) في ح: «أحمد».

سمعت محمد بن قطن يقول عن الشافعي، رضي الله عنه، قال: قال الفضيل ابن عياض: كم ممن يطوف بهذا البيت وآخر بعيد منه وأعظم أجراً منه (¬1). أخبرنا أبو زكريا (¬2) بن أبي إسحاق، حدثنا أبو عبد الله: الزبير بن عبد الواحد، أخبرني أحمد بن علي المدائني بمصر. سمعت إسماعيل بن يحيى المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: قيل لأبيّ ابن كعب: يا أبا المنذر، عظني. قال: واخِ الإخوان على قدر تقواهم، ولا تجعل لسانك بذِلة لمن لا يرغب فيه، ولا تغبط الحيّ إلا بما تَغْبطُ به الميّت. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: وقال أبو علي: الحسين بن أحمد الترفقي (¬3) الشافعي، حدثنا الحسين بن يزداد (¬4) البصري عن بعض شيوخه قال: كان الشافعي في مجلس سفيان بن عيينة يسمع منه الحديث إذ مر به حديث فيه رقائق فبكى الشافعي حتى أغمى عليه. قال: فقال الناس: قد مات محمد بن إدريس الشافعي قال: فقال سفيان بن عيينة: إن كان محمد بن إدريس قد مات فقد مات أفضل أهل (¬5) زمانه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ [(4 قال: وأخبرني أبو علي: محمد بن علي بن الحسين الحافظ وأخبرنا أبو عبد الرحمن (¬6)] السلمي، أخبرنا أبو علي: محمد بن علي الحافظ، الإسفراييني، حدثني عمر بن علان بن حمدون النَّهاوَنْدي بهمذان، أخبرني أحمد بن يِنال (¬7) بن بشر. ¬

_ (¬1) آداب الشافعي ص 207. (¬2) في ح: «أبو بكر». (¬3) في ا: «البيهقي». (¬4) في ح: «بهرزاد». (¬5) ليست في اوالخبر في الحلية 9/ 95. (¬6) ما بين القوسين ليس في ح. (¬7) في هـ: «مال».

أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: جلسنا يوماً نتذاكر الزهاد والعباد وما بلغ من فصاحتهم حتى ذكرنا ذا النون [(1 فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن نباتة فقال: فيم تشاجرون؟ قلنا: نتذاكر الزهاد والعباد وما بلغ من فصاحتهم حتى ذكرنا ذا النون ¬1)]. فقال: والله ما رأيت رجلا قط أفصح ولا أورع من محمد بن إدريس الشافعي، رحمة الله عليه. ثم قال: خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد لذات يوم إلى الصفا فافتتح الحارث وكان غلاما لصالح المرى فقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} (¬2) الآية، فرأيت الشافعي قد اضطرب، ثم بكى بكاء شديدا، ثم لم يتمالك أن قال: إلهي، أعوذ بك من مقال الكاذبين وإعراض الغافلين، إليه، لك خضعت قلوب العارفين، وذلَّت هيبة المشتاقين، إلهي، هب لي جودك، وجللني بسترك (¬3)، واعف عن (¬4) توبيخي بكرم (¬5) وجهك يا أرحم الراحمين. قال: فخرجت إليه وهو بالعراق لأسمع منه فبينا أنا قاعد على الشط أتهيأ للوضوء إذ مر بي رجل فقال: يا غلام، أحسن وضوءك أحسن الله إليك قال: فقفوت أثره فالتفت إلي فقال: يا غلام، ألك من حاجة؟ قلت: تعلمني شيئا لعل الله أن ينفعني به. قال: اعلم أن من صدَق الله نجا، ومن أشفق على دينه سَلِم من الرَّدَى، ومن زهد في الدنيا قرَّت عيناه بما (¬6) يرى من ثواب الله تعالى غدا. أفلا أزيدك؟ بلى قال: كن في الدنيا زاهدا (¬7)، وفي الآخرة راغبا، واصدق الله في جميع أمورك تنج بها مع الناجين غدا. قال: فسمعت منه هذه الكلمات. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ساقط من ح. (¬2) سورة المرسلات: 38. (¬3) في ا: «سترك». (¬4) في ا: «عني». (¬5) في ا: «بكرم». (¬6) في ا: «فيما». (¬7) في ا: «صادقا».

ورواه أيضا أبو يعقوب بن يوسف بن أحمد المكي بن الدجيل عن محمد ابن الربيع الجيزي، عن ابن عبد الحكم، وزاد الخصال الثلاث التي أمر بها وهي في الرواية التي بعد هذه وزاد في أوله: «إلهي لك خضعت الأصوات». أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: حدثنا علي بن أبي عمر (¬1) البلخي قال: حدثنا محمد بن أبي أحمد «القحطبي» (¬2) قال: حدثنا عيينة بن عبد العزيز اليماني قال: سمعت عبد الله بن محمد البلوي قال: جلسنا ذات يوم نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء وما بلغ من زهدهم وفصاحتهم وعلمهم، فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن نباتة فقال: فيماذا تتحاورون؟ قلنا: نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء وما بلغ من فصاحتهم فقال عمر والله ما رأيت رجلا قط أورع ولا أخشع ولا أفصح ولا أصبح ولا أسمح ولا أعلم ولا أكرم ولا أجمل ولا أنبل ولا أفضل من محمد بن إدريس الشافعي، خرجت أنا والحارث بن لبيد إلى الصفا. فذكر هذه الحكاية توافقها في المعنى غير أنه قال: «وولهت بك فُهوم المشتاقين» وقال: قال البلَوي: فخرجت إلى العراق. والأول لعله أصح وقال: يا هذا، أسبغ الوضوء؛ يسبغ الله عليك النعم (¬3)، ويقيك النقم، وزاد ألا أزيدك؟ قلت: نعم. فقال: من كان فيه ثلاث خصال فقد أكمل الإيمان: من أمر بالمعروف وائتمر به، ونهى عن المنكر وانتهى عنه، وحافظ على حدود الله تعالى، أفلا أزيدك؟ قلت: نعم. قال: كن في الدنيا زاهداً وفي الآخرة راغباً، واصدق الله في جميع المواطن تنج مع الناجين. قال: ثم مضى. فسألت عنه فقالوا: هذا محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله. ¬

_ (¬1) في ح: «عمرو». (¬2) في ح: «الحفطي». (¬3) في ح: «بالنعم». (م 2 - مناقب الشافعي جـ 2)

وذكر أبو نعيم الأصبهاني في كتابه أن الصاحب بن عباد ذكر في تصنيفه في مناقب الشافعي، رحمه الله، أنه سمع جعفر المتصوف يقول: سمعت الجنيد يقول: كان الشافعي من المريدين الناطقين بلسان الحق في الدين، وعظ أخاً له في الله، عز وجل، وخوّفه بأسه (¬1) فقال: يا أخي، إن الدنيا دحض مزلة، ودار مذلة، عُمرانها إلى الخراب صائر، وساكنها للقبور زائر، شملها على الفرقة موقوف، وغناها إلى الفقر مصروف، الإكثار فيها إعسار، والإعسار فيها يسار، فافزع إلى الله تعالى، وارض برزق الله، لا تستسلف (¬2) من دار بقائك (¬3) في دار فنائك؛ فإن عيشك فَيْءٌ زائل، وجدار مائل، أكثر (¬4) على عملك، وقصر من أملك. قال: وسمعت جعفر الخُلْدي الصوفي يقول: سمعت الجنيد يقول: قيل للشافعي: عظنا وأوجز فأنشد، رضي الله عنه, وقال: فإن لم تجد من دُونِ عدنانَ باقياً ... ودونَ معَدٍّ فلْتَزَعْكَ القبائلُ (¬5) ويروى: «العواذل» قال: فقيل له: زدنا. فأنشد تودّ ابنتاي أن أعيش مسلَّماً ... وهل أنا إلا من رَبيعةَ أو مُضَرْ؟ ¬

_ (¬1) في ح: «بالله». (¬2) في ا: «تستنكف». (¬3) في ا: «نقائك». (¬4) في ا: «أكبب». (¬5) البيت للبيد وهو في ديوانه ص 255 وفيه عقب البيت: تزعك: تكفك، قال أبو الحسن الطوسي في شرح ديوان لبيد: وزعه يزعه بالفتح، ويزعه بالكسر وزعا ووزوعا إذا كفه. وعدنان جده الأعلى؛ لأن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. يقول: لم يبق لك أب حي إلى عدنان فكف عن الطمع في الحياة. والعواذل هنا: حوادث الدهر وزواجره. وقال الطوسي: العواذل: النساء.

أخبرنا محمد بن الحسين الصوفي قال: سمعت علي بن محمد بن عمر الفقيه، بالري، يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: ما رأيت أحداً أقل صبًّا للماء في تمام التطهر من الشافعي، رضي الله عنه. قال محمد: لفقهه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق - إجازة - قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة، ومحمد بن الربيع بن سليمان قالا: قال لنا يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول - حين توفى ابن هرم ورآه مسجي: اللهم بغناك عنه وفقره إليك فارحمه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر: أحمد بن محمد بن يحيى المتكلم يقول: سمعت جعفر بن أحمد الساماني يقول: سمعت عبد الله (¬1) بن عبد الحكم يقول: سألت الشافعي عن أرجى حديث (¬2) في المؤمنين فقال: حديث أبي موسى: «إذا كان يوم القيامة يدفع إلى كل مسلم رجل من الكفار فيذهب به إلى النار» (¬3). قلت: قد روينا حديث أبي مسلم هذا في «كتاب البعث والنشور» وفي كتاب [الجامع] (¬4) وذكرنا ما قيل فيه، وهو حديث صحيح مرجو ¬

_ (¬1) في ا: «عبد الرحمن». (¬2) في ا: «حديثك». (¬3) أخرجه مسلم في كتاب التوبة: باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله 4/ 2119 من حديث أبي موسى مرفوعا بلفظ: «إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول: هذا فكاك من النار». (¬4) سقطت من ا. والحديث في الجامع لوحة 120 - ب.

استبشر به عمر بن عبد العزيز كما استبشر به الشافعي، رحمه الله. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: الزبير بن عبد الواحد الحافظ يقول: سمعت سعيد بن أحمد بن زكريا القضاعي يقول: سمعت إسماعيل بن يحيى المزني (¬1) يقول: سمعت الشافعي يقول: مات ابن الحسين بن علي رضوان الله عليهم، فلم يُرَ عليه كآبة، فعوتب على ذلك فقال: أنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا، فإذا أراد ما نكره فيما يحب رضينا. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: أخبرنا الحسن بن سفيان (¬2) عن حرملة قال: أخبرنا الشافعي قال: لما بنى هاشم بن عبد الملك الرَّصافَة قال: أحبّ أن أخلو يوما لا يأتيني فيه خبر غمّ. فما انتصف النهار حتى أتته ريشةُ دمٍ من بعض الثّغور فأوصلت (¬3). قال: ولا يوماً واحداً. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد: حسّان بن محمد قال: حدثنا محمد بن المسّيب قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثني الشافعي قال: قال هشام بن عبد الملك: لما مات رَوْح بن زنباع [قيل] لبعض (¬4) الناس: كيف كان روح بن زنباع؟ قال (¬5): قال روح: والله ما أردت باباً من أبواب الخير إلا تيسّر لي، ولا أردت باباً من أبواب الشر إلا لم يتيسر لي. ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ح: «رشيق». (¬3) في ح: «فأدخلت». (¬4) في ح: «ببعض». (¬5) في ا: «ثم قال».

أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي قال: سمعت محمد بن أحمد بن (¬1) عبد الأعلى المغربي قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن يروي عن المزني قال: سمعت الشافعي يقول: قال هشام بن عبد الملك لرجل: ارفع [إليّ] (¬2) حاجتك. فقال: قد رفعتها إلى الجواد الكريم. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حيّان قال: حدثنا أبو جعفر الأصبهاني قال: سمعت الحسن بن الأشعث يقول: سمعت محمد ابن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: خرج معاوية بن أبي سفيان حاجًّا فمرَّ بالأَبَوْاءِ (¬3) فاطلع في بئرها الغابة (¬4) فأصابته اللَّقْوةَ (¬5)، فرجع إلى موضع، وتعمَّمَ بعمامته، واجتمع إليه الناس فقال: أما بعد، أيها الناس، فإن المرء في الدنيا بعرض بلاء: إمّا معافى (¬6) لِيُعْتَب، وإمّا مبتلًى ليؤْجَر، وإما معاقب بذنب، فإن ابتليتُ فقد ابتلي الصالحون قَبْلِي، وإني لأرجو أن أكون منهم، ولئن عُوقبتُ لقد عوقب الخَطَّاءون قبلي، وما أرجو أن أكون منهم، وإن مرض عُضْوٌ منّي فما أُحصي صحيحي، ولو كان إلى نفسي ما كان لي (¬7) على ربي أكثر مما أعطاني، ¬

_ (¬1) في ح: «بن أحمد بن احمد». (¬2) الزيادة من ح. (¬3) الأبواء: قرية قرب المدينة، بها قبر آمنة بنت وهب أم النبي، صلى الله عليه وسلم، وإليها كانت أولى غزواته. راجع معجم البلدان 1/ 92 ومعجم ما استعجم، للبكري 1/ 102. (¬4) كذا في ا، ح، وفي هـ: «بئر ماء لغابه» وفي الحلية 9/ 154: «في بئرها العادية» وهو الصواب. وفي البصائر والذخائر 1/ 18: «في بئر عاجية» والعادية: القديمة. (¬5) اللقوة: داء يعرض للوجه فيميل إلى أحد جانبيه، كما في اللسان 20/ 119. (¬6) في ا: «يعاقب». (¬7) ليست في ح.

أنا اليوم ابن سبعين أو بضع وسبعين سنة، حين (¬1) كبرت سنّي، ووهن عظمي ابتليت في حسني (¬2) وفيما يبدو مني، ولولا هواي (¬3) في يزيد لأبْصَرْتُ بَصَرِي. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن حَمْدَوَيه الضّبَي قال: سمعت محمد بن الفضل ابن إسحاق، قال: سمعت جدي يقول: سمعت المزني يقول عند فراغه من قراءة المختصر يوم الأربعاء في ربيع الأول سنة تسع (¬4) وخمسين ومائتين قال: سمعت الشافعي يقول: دخل ابن عمَامَة على عمرو بن العاص فوجده صائما وأطْعَم أصحابه طعاماً، وقام إلى صلاته فحسّنها وأتقنها، وجاءه مال فقال: أعطوا فلاناً وفلانا حتى أتى عليه فقال [له] (¬5) ابن عمامة: يا أبا عبد الله، لقد رأيتُ صلاة حسنة، وأطعمتَ إخوانك طعاماً وأنت صائم، أو كما قال، وجاءك مال لست أولى به من غيرك فقلت: أعطوا فلاناً وفلاناً حتى أتيتَ عليه. فيم ذاك يا أبا عبد الله؟ فقال: يا ابن عمامة، والله ما هو بالإسلام الذي دخلنا فيه مَحْضاً، ولا بالشِّرك الذي خرجنا منه مَحْضاً، فلو كانت الدنيا مع الدين أخذناها وإيّاه، ولو كانت تنحاز عن الباطل لأخذناه وتركناه، فلما رأيتُ ذلك كذلك خَلْطنا عملاً صالحاً وآخر سيئًا فعسى (¬6) الله. ¬

_ (¬1) في ح: «حتى». (¬2) في ح: «في جسمي». (¬3) في ا: «هو أبي في زيد». وفي ح: «هو إلى يزيد». (¬4) في ح: «سنة أربع». (¬5) الزيادة من ح. (¬6) في ح: «عسى».

أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن محمد الحافظ قال: حدثني أبو زُرْعَة الرّازي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين، بمصر، قال: حدثنا ياسين بن عبد الأحد قال: سمعت حَرْمَلة بن يحيى التُّجِيبي يحدّث عن أبي عبد الله الشافعي، عن الوَاقِدِيّ أنّه حدّثه: أنّ ملك الروم أخرج الأسارى في إمارة عمر بن عبد العزيز، فدخلوا عليه فإذا [هو] (¬1) قد حطّ عن سرير ملكه وجلس على الأرض متكئا حزينا يَنْكُتُ الأرضَ بإصبعه فقال له الأسارى: ما حال الملك؟ وما هذا الذي نرى منه. فقال: أما علمتم يا معشر الأسارى، مات راهبكم عمر بن عبد العزيز، وما (¬2) الراهب من أهل ملّتنا أعجب بحبسه نفسه بصومعته، ولكن العجب من عمر بن عبد العزيز أتته الدنيا فجعلها تحت قدمه. قرأت في كتاب العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد قال: أخبرني علي ابن محمد قال: حدثني الربيع قال: حدثنا الشافعي قال: أبصر عمر بن عبد العزيز غلاماً قد تقدّم بين يدي أبيه فقال: يا غلام، لا تمشِ بين يدي سيّدك. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الله، ببغداد، يقول: سمعت إسماعيل بن علي بن إسماعيل يقول: سمعت إسماعيل ابن أحمد الرّفا يقول: سمعت ابن عبد الحكم يقول: بلغني أن الشافعي سئل عن رجل أَوْصَى لأعقل ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) في ح: «ومات الراهب».

أهل بلده، فقال: يُعْطَى ذلك أزهدهم في الدنيا؛ فإنّه لا عقل لمن أحبّ ما يبغضه الله وهي الدنيا. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت سعيد بن أحمد القُضَاعِي يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: قال لي بعض أهل العلم يوما: ليأتيَنَّ على الناس زمانٌ لو تُمْسيِ (¬1) الأرضُ مفروشة دنانير مكتوب على كل دينار: لا إله إلا الله، من أخذ هذا الدينار دخل النار - لأصبحت الأرضُ وما عليها دينار. ¬

_ (¬1) في ا: «لو تمشي».

55 - باب ما يستدل به على تمكن الشافعي، رحمه الله، من عقله، وما يؤثر عنه في الآداب

باب ما يستدل به على تمكن الشافعي، رحمه الله، من عقله، وما يؤثر عنه في الآداب * * * أخبرنا عبد الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي قال: حدثنا عباس بن الحسن قال: أنبأنا محمد بن الحسين بن سعيد، قال: حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثني أحمد بن العباس النّسائي قال: سمعت علي بن عثمان (¬1) وجعفر الوراق يقولان: سمعنا أبا عُبَيد: القاسم بن سلام يقول: ما رأيت رجلا قط أعقل من الشافعي (¬2) رحمه الله. وقرأته أيضا في كتاب زكريا السّاجِي بإسناده هذا، رواية أبي إسحاق: إبراهيم بن محمد القراب عنه. وقد مضى في حكاية (¬3) أحمد بن حنبل في ذكر الشافعي حين قال: فإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف أن لا تجده إلى يوم القيامة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: حدثنا أبي قال: ¬

_ (¬1) في ح: «بن يحي». (¬2) توالي التأسيس 55. (¬3) في ح: «في كتابه قول».

حدثنا حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: كلّ ما قلته (¬1) لكم ولم تشهد عليه عقولكم أو تقبله أو تراه حقاً - فلا تقبلوه؛ فإن (¬2) العقل مضطر إلى قبول الحق. أخبرنا محمد بن الحسين قال: حدثنا عبد الله بن سعيد البُسْتي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف العتبي (¬3) قال: حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله الرازي، بدمشق، قال: سمعت أبا القاسم: عبد الله بن محمد القزويني يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: لو أن عقول الناس كلّهم جُعلت في عقل الشافعي لغرقت عقولُهم في عقله. قال: وسمعت عبد الله بن محمد القزويني (¬4) يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: الكلام يقظةُ العقل، والسكوتُ نومه، فانظر كيف مراعاتك له في نومه ويقظته (¬5). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنبأني أبو عمر بن السّمّاك، شِفَاهاً، أنّ أبا موسى الذّرقي (¬6) حدثهم قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشافعي: الذي يحتاج إليه الناس من المرَمّة أكثر مما يحسب، وإن الدّوابّ لتُراضُ فتستقيم. ¬

_ (¬1) في ح: «قلت». (¬2) في ح: «وإن». (¬3) في ا: «الهيتي». (¬4) في ح: «الفقيه». (¬5) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬6) في ا: «الدرمي».

وأخبرنا أبو عبد الله قال: حدثنا أبو الوليد قال: سمعت محمد بن إسحاق يحكي عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: سياسة (¬1) الناس أشد من سياسة الدواب (¬2). أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: حدثنا الحسين بن علي التميمي، وأبو الحسن القصّاب، الفقيه الرازي، بالرّيّ، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن (¬3) الشافعي يقول: قال الشافعي: إنّ للعقل حدًّا ينتهي إليه كما أن للبصر حد ينتهي إليه (¬4) أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن الصوفي قال: سمعت أبا علي الزَّعُورِي يقول: سمعت الزّبير الأسَدَبَاذِي يقول: سمعت: أحمد بن يحيى بن زكريا المصري يقول: [سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول:] (¬5) العاقلُ من عَقَلَه عقْلُه عن كلّ مذموم (¬6). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد قال: حدثني أبو علي: الحسن بن حبيب، بدمشق، قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: والله الذي لا إله إلا هو، لو علمت أنّ شرب الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته، ولو كنت اليوم ممن يقول الشعر لرثيت المروءة (¬7). ¬

_ (¬1) في ا: «سبات. . . من سبات»! (¬2) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬3) ليست في ح. (¬4) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬5) الزيادة من ح وحدها. (¬6) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬7) مناقب الشافعي للرازي 222 وتوالي التأسيس 25.

أخبرنا أبو عبد الله قال: حدثني أبو عبد الله: محمد (¬1) بن محمد بن الحسين المذكر قال: حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله ابن بنت محمد بن إدريس الشافعي قال: حدثني أبي قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي وهو يعاتب أبا عثمان ابنه فقال: يا بني، والله لو علمت أنّ الماء البارد يثلم من مروءتي شيئاً ما شربت إلا حارّا. أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي قال: سمعت أبا منصور: محمد بن القاسم ابن عبد الرحمن يقول: سمعت إبراهيم بن محمود يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: المروءة أربعة أركان: حسن الخلق، والسخاء، والتواضع، والنّسك (¬2). وأخبرنا أبو عبد الرحمن قال: سمعت عبد الله بن الحسين السّلامي، سمعت علي بن أحمد الحَرّاني يقول: سمعت أيوب بن سليمان قال: قال (¬3) الشافعي: المروءة عفّة الجوارح عما لا يعنيها. قال: وقال محمد بن إدريس الشافعي: جوهر المرء في خلال ثلاث: كتمان الفقر حتى يظنّ الناس من عفّتك أنّك غني، وكتمان الغضب حتى يظنّ الناس أنك راضٍ، وكتمان الشّدّة حتى يظن الناس أنك متنعم. ¬

_ (¬1) في ا: «أحمد». (¬2) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬3) في ح: «قال لنا».

قال: وقال الشافعي: من أحب أن يقضى له بالحسنى (¬1) فليحسن بالناس الظن. أخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعت ناصر بن محمد يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن عبد الله بن سعيد بن سليمان الجوهري، المعروف بالأندلسي، يقول: سمعت البويطي يقول: سمعت الشافعي يقول: لا يكمل الرجل في الدنيا إلا بأربع: بالديانة، والأمانة، والصيانة، والرَّزَانة (¬2). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا عبد الله بن الحسين السّلامي، بمرو، قال: حدثنا أبو الحسن: علي بن محمد المصري بملاجرد (¬3) قال: حدثنا أبو أيوب بن سليمان الحَرْبِي قال: سمعت محمد بن محمد بن إدريس الشافعي يقول: رآني أبي (¬4) محمد بن إدريس وأنا أعجل في بعض الأمر فقال يا بني، رفقاً رفقاً؛ فإنّ العجلة تنقص الأعمال، وبالرفق تدرك الآمال (¬5). وقال: سمعت عبد الرحمن بن أبي بكر يقول: سمعت الزهري يقول: سمعت عروة بن الزبير يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله رفيق يحبّ الرفق ¬

_ (¬1) في ح: «بالخير». (¬2) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬3) في ا: «بميارجرد» وفي هـ: «بملارحرد». (¬4) في ا: «أبو محمد». (¬5) مناقب الشافعي للرازي 122.

ويعطى عليه مالا يعطى على العنف» (¬1). أخبرنا بهذا الحديث أبو بكر: أحمد بن الحسن القاضي قال: حدثنا أبو حفص: عمر بن محمد بن أحمد الجمحي، بمكة، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا القَعْنَبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر التيمي، عن ابن شهاب، عن عروة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحبّ الرفق ويعطى عليه ما لا يعطى على العنف». أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت عبد الله بن الحسين الصوفي يقول: سمعت محمد بن علي البلخي يقول: أنبأنا أبو عمر: بشران ابن يحيى الأصبهاني قال: سمعت علي بن إسماعيل بن طَبَاطِبَا العَلَوِي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: الانبساط إلى الناس مَجْلَبَةٌ لقرناء السوء، والانقباض عنهم مكسبة للعداوة، فكن بين المُنْقَبِض والمُنْبَسِط (¬2). وبهذا الإسناد قال: سمعت الشافعي يقول: ما أكرمت أحداً فوق مقداره إلا اتضع من قدري عنده بمقدار ما أكرمته به (¬3). ¬

_ (¬1) الحديث من رواية أبي هريرة في سنن ابن ماجه 2/ 1216، ومن رواية عائشة أيضا. ومن رواية علي بن أبي طالب في مسند أحمد 2/ 173 ومن رواية عبد الله بن مغفل في الأدب المفرد للبخاري 125 وفي سنن أبي داود 4/ 352. (¬2) حلية الأولياء 9/ 122 ومناقب الشافعي للرازي 122. (¬3) مناقب الشافعي للرازي 122.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا زرعة: أحمد بن الحسن (¬1) الصوفي الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن الحسين (¬2) المصري يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ثلاثة إن أهنتهم أكرموك، وإن أكرمتهم أهانوك: المرأة، والمملوك، والنَّبَطِيّ (¬3). وبهذا الإسناد قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: لا وفاء لعبد، ولا شكر للئيم، ولا صّنِعة عند نَذْل. وبهذا الإسناد قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه [يقول:] (¬4) أربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة تقوى جُنْدِي، وزهد خصى، وأمانة امرأة، وعبادة صَبِي (¬5). أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي قال: أنبأنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الجَلّاب قال: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: أقمت أربعين سنة أسأل إخواني الذين تزوجوا عن أحوالهم في تزويجهم، فما منهم أحد (¬6) قال: إنه رأى خيراً. ¬

_ (¬1) في ا: «الحسين». (¬2) في ا: «الحسن». (¬3) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬4) الزيادة من ح. (¬5) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬6) في ا: «أحد إلا قال».

قال: وسمعت الشافعي يقول: سمعت بعض أصحابنا ممن أثق به قال (¬1): تزوجت لأصون ديني فذهب ديني ودين أمي ودين جيراني! قال: وسمعت الشافعي يقول: ثلاثة إن أهنتهم أكرموك، وإن أكرمتهم أهانوك: المرأة، والمملوك، والنّبَطِيّ. قلت: وهذا الذي ذكره الشافعي في هذه الحكاية، خبر عن قوم لم يَرَوْا فيما جرَّبوا من النكاح غِبْطةً، فأما الاستحباب فقد قال «في كتاب أحكام القرآن»: أحببت له النكاح إذا كان ممن تَتُوقُ نفسه إليه؛ لأن الله أمر به ورضيه وندب إليه وجعل فيه أسباب منافع. وقرأ الآيات والأخبار التي وردت فيه وقال: ومن لم تتق نفسه إليه ولم يحتج إلى النكاح، فلا أرى بأساً أن يدع النكاح، بل أحبّ ذلك، وأن يتخلى لعبادة الله تعالى. وقال في القديم - رواية الحسن بن محمد الزّعْفَرَانِي عنه: فأحبّ أن لا ينكح، وليتفرغ لله تعالى، وخفّة المؤنة. ومن كانت تنازعه نفسه إليه فأُحبّ أن ينكح ويُحْرزَ دينه. قال: وأحبّ نكاح ذات الدِّين والعقل؛ فإن أهل العقل من كلّ صنف أقربهم من الدوام على الخير، والانتقال من الشر. أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي قال: سمعت أبا الحسن: أحمد بن محمد ابن مقسم، ببغداد، يقول: سمعت أبا بكر: أحمد بن عبد الله السجستاني يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 122.

سمعت الشافعي يقول: صحبة من لا يخاف العار عارٌ يوم القيامة (¬1). وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الحسن بن رشيق المصري، إجازة، قال: حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان ومحمد بن سفيان بن سعيد؛ قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي (¬2) الشافعي: عاشر كرَامَ الناس تعش كريما، ولا تعاشر اللئام فتنسب إلى اللؤم (¬3). أخبرنا محمد بن الحسين الصوفي قال: سمعت أبا بكر بن شَاذَان يقول: سمعت أبا الفضل بن مُهَاجِر يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: أظلم الظالمين لنفسه من تواضع لمن لا يكرمه، ورغب في مودّة من لا ينفعه، وقبل مدح من لا يعرفه (¬4). وأخبرنا أبو سعد (¬5) المَالِينِي قال: أنبأنا أبو الفتح: محمد بن أحمد بن علي ابن النعمان قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: إن أظلم الناس لنفسه من رغب في مودة من لا يراعى حقّه. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن العباس ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬2) سقطت من ح. (¬3) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬4) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬5) في ح: «أبو سعيد». (م 13 - مناقب جـ 2)

الضبي يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن حمدان الطرائفي يقول: سمعت الربيع ابن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ليس بأخيك من احتجت إلى مُدَارَاتِه (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي قال: سمعت علي بن أحمد بن إبراهيم الفارسي (¬2) يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن حفص يقول: سمعت عبيد الله بن أحمد يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: من صدَق في أخوة أخيه قَبِلَ عِلَلَه، وسدّ خَلَلَه، وعفا عن زَلَلِه (¬3). وبهذا الإسناد قال: سمعت الشافعي يقول: المعتذر من غير ذنب يوجب (¬4) على نفسه ذنبا (¬5). وبإسناده عن الشافعي قال: إني إذا أبغضت الرجل أبغضت شِقِّيَ الذي يليه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت عبد الصمد بن يعقوب البزاز: بمصر، يقول: سمعت المزني يقول: سألت الشافعي: من السّفلة؟ قال: من يكون إكرامه لمخالفيه أكثر من إكرامه لأهل مذهبه، وليس ذلك لقلّة فضله وعلمه، ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬2) سقطت من ح. (¬3) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬4) في ا: «موجب». (¬5) مناقب الشافعي للرازي 122.

يريد أن يستكثر بهم ومتى يوالي العدو؟ (¬1). حدثنا أبو محمد: عبد الله بن يوسف الأصبهاني قال: حدثنا أبو العباس: أحمد بن محمد بن يزيد اللبان، بهمذان، قال: حدثنا محمد بن حمدان الطرائفي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: طبع ابن آدم على اللؤم: فمن شأنه أن يتقرب ممن يتباعد منه، ويتباعد ممن يتقرّب منه (¬2). أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد قال: حدثني أحمد بن علي بن (¬3) المدائني قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الكناس قال: حدثنا أحمد بن علي قال: [حدثني أسد بن سعيد، قال: حدثني الشافعي، رضي الله عنه، قال: قال عمي: محمد بن علي قال] (¬4) شيخ لنا: من أظهر شكرك بما لم تأت إليه فاحذر أن يكفر نعمتك فيما أتيت إليه. وبهذا الإسناد قال: حدثني أسد بن سعيد قال: سمعت الشافعي يقول: ليس سُرُورٌ يَعْدِلُ صحبةُ الإخوان، ولا غمّ يعدل فراقهم (¬5). سقط من إسناده «أحمد بن علي» الثاني الذي رواه عن أيد بن سعيد بن عفير بن أبي زكريا، في أحد الموضعين، وذكره في موضع آخر. ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬2) هذا النص يصحح الخطأ الفاحش في حلية الأولياء 9/ 124. والخبر في مناقب الشافعي للرازي 122. (¬3) ليست في ح. (¬4) الزيادة من ح. (¬5) مناقب الشافعي للرازي 122.

وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا عبد الله بن سعيد البُسْتِي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن محمد بن يحيى الخولاني قال: حدثنا عمارة ابن وثيمة قال: حدثنا أحمد بن علي قال: حدثنا أسد بن سعيد بن عفير قال: سمعت الشافعي يقول: قال لي عمي محمد بن علي: من أظهر شكرك بما لم تأت إليه فاحذر أن يكفر نعمتك فيما أتيت إليه. وبإسناده قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الحسين بن علي النهاوندي (¬1)، بحمص، قال: سمعت عبد الله بن محمد القزويني يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: من أحسن ظنّه بلئيم كان أدنى عقوبته الحرمان. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن أحمد الفقيه يقول: سمعت أحمد بن محمد بن الفضل المعدل (¬2) يقول: سمعت محمد بن جعفر بن نصر يقول: سمعت محمد بن القاسم المصري يقول: سمعت أحمد بن علي بن صالح يقول: سمعت ابن عفير يقول: سمعت الشافعي يقول: من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا (¬3). وبهذا الإسناد عن ابن عفير قال: سمعت الشافعي يقول: ليس سُرُورٌ يَعْدِلُ صحبةَ الإخوان، ولا غمّ يعدل ¬

_ (¬1) كذا في هـ، ح، وفي ا: «التعاويذي». (¬2) في ح: «العدل». (¬3) مناقب الشافعي للرازي 123.

فراقهم (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن الصوفي قال: سمعت أبا الحسن: محمد بن محمد بن الحسن بن الحارث الكارزي يقول: سمعت أبا عبد الله: الحسين بن محمد بن بحر المصري يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: لا تقصر في حقّ أخيك اعتماداً على مودّته (¬2). قال: وقال الشافعي رضي الله عنه: لا تبذل وجهك لمن يهون عليه رَدُّك. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت أبي يقول: بلغني أن رجلا قال للشافعي، رضي الله عنه: أوصني فقال: إن الله خلقك حرّا فكن كما خلقك (¬3). قال: وبلغني عن الشافعي أنه قال: من بَرَّك فقد أوثقك، ومن جفاك فقد أطلقك. قال: وبلغني عن الشافعي، رضي الله عنه، أنه قال: من سمع بأذنه صار حاكياً، ومن أَصْغَى بقلبه كان واعياً، ومن وَعظَ بفعله كان هادياً (¬4). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا عبد الله بن سعيد، بهمذان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن محمد عن (¬5) عبد الله بن جعفر الرازي، بدمشق، قال: حدثنا الطحاوي قال: حدثنا ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 122. (¬2) «... «... «123. (¬3) «... «... «123. (¬4) «... «... «... 123. (¬5) في ا: «بن».

خير (¬1) بن سعيد الحضرمي الإسكندراني قال: حدثنا أبو حفص: صاحب البويطي، عن البويطي، عن الشافعي، رضي الله عنه، قال: من نَمَّ لك نَمَّ بك، ومن نقل إليك نقل عنك، ومن إذا أرضيته قال فيك ما ليس فيك - إذا أغضبته قال فيك ما ليس فيك (¬2). أخبرنا أبو جعفر: محمد بن أحمد (¬3) بن محمد بن جعفر القرميسيني الخطيب قال: حدثنا أبو بكر بن المقري قال: حدثنا محمد بن المعافي الصيداوي، بصيدا، قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: الكيس العاقل هو الفطن المتغافل (¬4). وقرأت في كتاب أبي نعيم الأصبهاني: عن أحمد بن محمد بن مقسم قال: سمعت أبا بكر الخَلَّال يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: من [وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه و] (¬5) من وعظه علانية فقد فضحه وشانَه. أخبرنا أبو الحسن (¬6): علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل، ببغداد: قال: أنبأنا دعلج بن أحمد بن دعلج قال: حدثنا أحمد بن عبد الله ابن يوسف (¬7) قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يحكي عن الشافعي: أنّ رجلين ¬

_ (¬1) كذا في ا، هـ، وفي ح: «حسين». (¬2) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬3) في ح: «محمد بن محمد». (¬4) حلية الأولياء 323. (¬5) الزيادة من ح. والخبر في مناقب الشافعي للرازي 123. (¬6) في ا: «أبو الحسين». (¬7) في ح: «ابن سيف».

كانا يتعاتبان والشافعي يسمع كلامهما، فقال لأحدهما: إنك لا تقدر [أن] (¬1) ترضي الناس كلّهم، فأصلح ما بينك وبين الله عز وجل، فإذا أصلحت ما بينك وبين الله فلا تُبالِ بالناس. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين قال: حدثنا أبو محمد: عبد الله ابن سعيد بن عبد الرحمن [بهمذان] (¬2) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف ابن عبد الله الهِيْتِي قال: حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي قال: حدثنا محمد بن الحسين (¬3) بن عاكويه قال: حدثنا أحمد بن سعيد بن عُتَيب الصُّوري (¬4) قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: لو أنّ رجلا سَوَّى نفسه حتى صار مثل القدح - لكان له في الناس من يعانده (¬5). وبإسناده قال: حدثنا محمد الرازي قال: حدثنا الحسن بن حبيب، عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: أصحاب المروءات في جهد. وبإسناده قال: حدثنا محمد قال: حدثنا يحيى (¬6) بن علي بن أبي مروان المصري قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: كنت مع الشافعي إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة فقال الشافعي: من سَلمَ نفْسَه فوق ما يساوي ردّه الله تعالى إلى قيمته. ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) الزيادة من ح. (¬3) في ا: «بن الحسن». (¬4) في ا: «المصري». (¬5) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬6) في ا: «حدثنا الحسن».

أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن الصوفي قال: حدثنا القاسم بن محمد ابن يحيى المصري، بمصر، يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: الحرية هي الكرم (¬1) والتقوى، فإذا اجتمعا في شخص فهو حر. قال: وسمعت الشافعي يقول: الفتوة حلى الأحرار (¬2). قال: وسمعت الشافعي يقول: من تزّين بباطل هتك ستره. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو عبد الله: الحسين بن الحسن ابن أيوب الطوسي قال: حدثنا أبو حاتم: محمد بن إدريس الرازي قال: سمعت حرملة بن يحيى يقول: قال (¬3) الشافعي: إذا ذكر الرجل بغير صناعته (¬4) فقد وُهِصَ (¬5): أي كسر (¬6). أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي يقول: سمعت محمد بن موسى بن النعمان، بمصر، يقول: سمعت يونس ابن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: التواضع من أخلاق الكرام، والتكّبُر من شيم اللئام (¬7). ¬

_ (¬1) في ح: «الكرم، والكرم التقوى». (¬2) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬3) في ح: «سمعت الشافعي». (¬4) في ا: «بغير صناعة». (¬5) في ا: «فقد وقص». (¬6) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬7) مناقب الشافعي للرازي 123.

قال: وسمعت الشافعي يقول: أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره، وأكثر الناس فضلا من لا يرى فضله (¬1). أخبرنا يحيى (¬2) بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو عبد الله: الزبير بن عبد الواحد قال: حدثنا أبو العباس: أحمد (¬3) بن يحيى بن زكريا قال: حدثنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: الكبر كلّ (¬4) عيب، وإذا رأيت الرجل بالنهار يكسر الحَطَب فلا تأمن عليه بالليل. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو تراب المذكر قال: سمعت محمداً - يعني شكر الدوري (¬5) - يقول: حدثني أبو بكر: محمد بن عبد الرحمن قال: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: أيّما قوم لم تخرج نساؤُهم إلى رجال غيرهم، ورجالهم إلى نساء غيرهم - إلا خرج أولادهم حَمْقَى. وأخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت أبا أحمد: الحسين بن علي التميمي يقول: سمعت أبا عوانة يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقوله أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ قال: حدثني أبو عبد الله القاضي قال: سمعت أحمد بن سنان يقول: ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬2) في ح: (أخبرنا محمد بن إبراهيم». (¬3) في ا، ح: «ابن أحمد». (¬4) في ا: «وكل». (¬5) في ا: «الهروي».

سمعت الشافعي يقول: ليس الخطأ أن يرمي الإنسان (¬1) الهدف؛ إنما الخطأ ما تعمده، أو كما قال. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن الحسين المصري يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: من استُغْضِب فلم يغضب فهو حمار، ومن استُرْضِي فلم يَرض فهو شيطان (¬2). أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت أحمد بن محمد بن مقسم يقول: سمعت أبا بكر الخلال يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: سمعت «الزهري» يقول: الذل في خمسة أشياء: حضور المجلس بلا نسخة، وعبور المَعْبر (¬3) بلا قطعة، ودخول الحمام بلا كرنيب، وتذلل الشريف للدنيء لينال منه شيئا، وتذلل الرجل للمرأة لينال من مالها شيئا. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر: محمد بن عبد الله العدل يقول: سمعت أبا سهل: حامد بن عبد الله الحلواني يقول: حدثنا محمد بن الحسين القاضي قال: سمعت أبا القاسم: ابن أخت المزني يقول: سمعت المزني يقول: سمعت عبد الله بن محمد البَلَوِي يقول: سمعت الشافعي يقول: من الذل أشياء: عبور الجسر بلا قطعة، وحضور ¬

_ (¬1) كذا في ا، وفي هـ، ح: «بالإنسان». (¬2) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬3) في ح: «الجسر».

مجلس العلم بلا نسخة، ودخول الحمام بلا سطل، وذل الشريف للوضيع يطلب نائلة، وذلّ رجل لامرأته يطلب رضاها، ومُدَارَاة الأحمق؛ فإن مداراة الأحمق غايةٌ لا تدرك (¬1). قال الشافعي: وأنشدني مالك بن أنس قال: أنشدني «الزهري» لنفسه: لا تأمنَنَّ امرءاً أَسْكَنْتَ مُهْجَتَهُ ... غَيْظاً وإن قلت: إنّ الغيظَ يَنْدَمِلُ (¬2) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عثمان: سعيد بن محمد بن عبدان، وأبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين؛ قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: لا يدخل في الوصية إلا أحمق أو لص. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر: محمد بن محمد بن أحمد ابن عثمان المصري يقول: وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن محمد بن عثمان المقري البغدادي يقول: سمعت المزني يقول: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: من ولى القضاء فلم يفتقر فهو لص (¬3). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله الديناري (¬4) يقول: سمعت أحمد بن محمد العكبري يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: التلطف في الحيلة أجدى من الوسيلة (¬5). ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬2) في ا: «الفيض مندمل». (¬3) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬4) في ح: «الدينابي» وفي هـ: «الرينابي». (¬5) مناقب الشافعي للرازي 123.

أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا الحسن بن رشيق المصري، إجازة، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الخولاني قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي: يا أبا موسى، إذا كثرت عليك الحوائج فابدأ بأهمتها (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن الحسن (¬2) المصري يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: من كتم سرّه كانت الخِيرَةُ في يده (¬3). وبهذا الإسناد قال: سمعت الشافعي يقول: وروى لنا [عن] (¬4) عمرو بن العاص أنه قال: ما أفشيت إلى أحدٍ سرًّا فأفشاه فَلُمْتُهُ؛ لأني كنت أضيق صدراً منه (¬5). أخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعت علي (¬6) بن عبد الله بن محمد بن الحسين الصوفي يقول: سمعت الحسن بن يوسف الزبيري (¬7) يقول: حدثنا أبو سعيد: الحسن بن عامر البَرْقَعِيدِي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ليس بعاقل من لم يأكل مع عدوه في غضارة ثلاثين سنة (¬8). ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬2) في ا: «الحسين». (¬3) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬4) الزيادة من ح، هـ. (¬5) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬6) في ا، هـ: «ثمل». (¬7) في ح: «البربري». (¬8) مناقب الشافعي للرازي 123، والغضارة: الصحفة المتخذة من الطين.

أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن الحسن (¬1) المصري يقول: سمعت المزني والربيع يقولان: سمعنا الشافعي، رضي الله عنه، يقول: لا بأس بالفقيه أن يكون معه سَفِيهٌ يُسَافِهُ به. قال: وأنشدنا المزني بعد هذه الحكاية: إنَّ مَنْ أَحْوَجَكَ الدَّهْرُ إليهِ ... فتعرّضْتَ له هُنْتَ عليه وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا علي بن مالك بن عبد الله البلخي قال: حدثنا أبو بكر: أحمد بن محمد (¬2) قال: سمعت أحمد بن محمد ابن عبد الوهاب المصري يقول: سمعت المزني والربيع يقولان فذكره بزيادة رجل في إسناده. أخبرنا محمد بن الحسين الصوفي قال: حدثنا علي بن عمر (¬3) الحافظ الدارقطني قال: حدثني إبراهيم بن محمد النسائي قال: أخبرني عبد الله بن وهبان قال: حدثنا محمد بن الربيع قال: حدثنا أحمد بن أبي بكر قال: سمعت الشافعي يقول: لقيت غلاما لي وقد أخذ من داري جبة (¬4) يريد بيعها، فلما رآني أصابته حيرة فقلت له: ما هذا؟ وما تريد أن تعمل؟ فالتفت إليّ وقال: يا مولاي ما أعجزك! تفتي بشيء ولا تأخذ به في نفسك، كلّ من ¬

_ (¬1) في ا: «الحسين». (¬2) في ا: «محمد بن قال» وفوقها: «سقط». (¬3) في هـ: «بن عمرو». (¬4) في ا: «دار لي» وفي هـ: «خشبة».

كان معه شيء فهو أحقُّ به، فإن كان لك على شيء (¬1) فثبِّت وخذ. قال: فضحكت في وجهه وتركته. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا يعلى الزّبيري يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: الشفاعات زكاة المروءات (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا أبو عبد الله: محمد بن المسيّب قال: حدثنا يونس قال: سمعت الشافعي يقول: اصطنع رجلٌ إلى رجلٍ من «العرب» صنيعةً فرجع إليه فقال له: أجرك الله من غير أن يبتليك. قال الشافعي: هُمْ أَحَدُّ النّاسِ عقولا. وفي كتاب العاصمي فيما قرأ مما حكى عن الربيع قال: قلت يوما للشافعي: خَارَ اللهُ لك. فقال: يا بني: قل فيما تحب؛ فإن الخبرة قد تكون من الكرْه. وعن الربيع قال: قال الشافعي: ليس في الطَّيْبِ سَرَفٌ. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين المُسَافِرِي - والد أبي بكر - قال: سمعت محمد بن المنذر يقول: سمعت الربيع ابن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ما نقص من أَثْمَان السّودان إلا لضعف عقولهم، ولولا ذلك لكان لَوْناً من الألوان مِنَ الناس مَنْ يشتهيه ويفضّله على غيره (¬3). ¬

_ (¬1) في ا: «على حق». (¬2) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬3) حلية الأولياء 9/ 219.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد: جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت أبا عبد الله: الحسين (¬1) بن محمد بن بحر يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: لو أن رجلا تصوّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت جعفر بن محمد المراغي (¬2) يقول: سمعت الحسين بن بحر يقول. فذكره. أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن السندي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت صوفيا قطّ إلا مسلم الخَوَّاص. قلت: وإنما أراد به من دخل في الصوفية واكتفى بالاسم عن (¬3) المعنى، وبالرسم عن الحقيقة، وقعد (¬4) عن الكسب، وألقى مؤنته على المسلمين، ولم يبال بهم، ولم يرع حقوقهم، ولم يشتغل بعلم ولا عبادة، كما وصفه في موضع آخر. وذلك فيما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول: سمعت إبراهيم بن المولد يحكي عن الشافعي أنه قال: لا يكون الصوفي صوفيا حتى يكون فيه أربع خصال: كَسُولٌ أكُول، نئوم، كثير الفضول. وإنما أراد به ذمّ من يكون منهم بهذه الصفة، فأمّا من صفا منهم ¬

_ (¬1) في ح: «الحسن». (¬2) في ح، هـ: «الراعي». (¬3) في ا: «على». (¬4) في ح: «فقعد».

في الصّوفية بصدق التوكل على الله عز وجل، واستعمال آداب الشريعة في معاملته مع الله عز وجل في العبادة، ومعاملته مع الناس في العشرة - فقد حُكِيَ عنه أنه عاشرهم وأخذ عنهم. وذلك فيما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن الحسين ابن موسى السلامي يقول: سمعت علي بن أحمد يقول: سمعت أيوب بن سليمان يقول: سمعت محمد بن محمد (¬1) بن إدريس الشافعي يقول: سمعت أبي يقول: صحبت الصوفية عشر سنين ما استفدت منهم إلا هذين الحرفين: الوقت سيف، ومن العصمة أن لا تقدر (¬2). وبلغني أنه رأى مِنْ بعض مَنْ تسمّى باسم الصّوفية ما كَرِه، فخرج قوله في ذمّ أمثاله. وذلك فيما قرأته من كتاب أبي الحسن العاصمي: أخبرني الزبير ابن عبد الواحد قال: حدثني سعيد بن عبد الله بن سهل أبو عثمان البغدادي، بمصر، قال سمعت علي بن بحر الورّاق يقول: كان الشافعي، رحمه الله، رجلا عَطِراً: وذلك أنه كان به بَاسُور، وكان يجيء غلامه كلَّ غداة بِغَالِيَةٍ فيمسح بها الاسطوانة التي يجلس عليها. وكان إلى جنبه إنسان من الصّوفية، وكان يسمى الشافعي «البَطَّال» يقول: هذا البطال وهذا البطال قال: فلما كان ذات يوم عمد إلى شاربه فوضع [فيه] (¬3) قَذَراً، ثم جاء إلى حلقة الشافعي، فلما شمّ الشافعي الرائحة أنكر فقال: فتشوا نعالكم، فقالوا: ما نرى شيئا يا أبا عبد الله. قال: فيشمّ بعضكم بعضا، فوجدوا ذلك الرجل، فقالوا: يا أبا عبد الله، هذا. فقال له: ما حملك على هذا؟ قال: ¬

_ (¬1) في ح: «بن أحمد»! (¬2) مناقب الشافعي للرازي 124. (¬3) الزيادة من ح.

رأيت تجبرك فأردت أن أتواضع لله. قال: خذوه فاذهبوا به إلى «عبد الواحد» - وكان على الشرطة - فقولوا له: يقول (¬1) لك أبو عبد الله: اعتقل هذا إلى أن ينصرف (¬2). قال: فلما خرج الشافعي دخل عليه فدعا به فضربه ثلاثين دِرَّة أو أربعين دِرَّة، فقال: هذا بما تخطّيت المسجد بالقَذَر، وصلّيت على غير الطهارة. * * * أما «السّماع» فأخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد بن علي بن زياد يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيْمَة يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى (¬3) يقول: سألت الشافعي عن إباحة أهل المدينة السماع؟ فقال الشافعي: لا أعلم أحداً من علماء الحجاز كره السماع، إلا ما كان منه في الأوصاف. وأما الحُدَاءُ وذِكْرُ الأطلال والمَرَابِع وتحسين الصوت بألحان (¬4) الأشعار - فمباح. قلت وقد نقلت إلى «كتاب المبسوط» ثم إلى «كتاب المعرفة» شرط الشافعي - رحمه الله - في السماع، من أراده رجع إليهما، إن شاء الله تعالى. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن العباس يقول: ¬

_ (¬1) في ا: «فقال له: قال». (¬2) في ح: «انصرف». (¬3) في ا: «بن عبد الله»! (¬4) في هـ: «الصوت بالأشعار الحسان». (م 14 - مناقب جـ 2)

سمعت سعيد بن محمد الديناري، حدثني إبراهيم بن عبد الله المُقْعَد - وكان الناس يتبركون بدعائه - قال: حدثني المزني قال: مررنا على الشافعي وإبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيّة على دار قوم وجاريةٌ تغنيهم: خليليّ ما بَالَ المَطَايَا كأنّها ... تراها على الأعقاب بالقوم تنكص (¬1) فقال الشافعي: ميلوا بنا نسمع. فلما فرغت قال الشافعي لإبراهيم بن عُلَيّة: أيطربك هذا؟ قال: لا، قال: فما لك حِسٌّ. وقد قال الشافعي في «كتاب أدب القاضي» (¬2) في الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين: «إن كان يَجْمَعُ عليهما ويغنيان (¬3) فهذا سَفَهٌ تُرَدُّ به شهادته. وهو في الجارية أكثر (¬4) من قِبَل أنّ فيه سفها وديَاثَةً. وإن كان لا يجمع عليهما (¬5) ولا يغشى لهما - كرهت ذلك له (¬6) ولم تردّ به شهادته (¬7). وهكذا الرجل يغشى بيوت الغناء ويغشاه المغنون: إن كان لذلك مُدْمِعاً وكان ذلك (8 مشهودا عليه فهو بمنزلة سفه ترد به شهادته ¬8). وإن كان ذلك يَقِلُّ منه لم تُرَدّ شهادته؛ بما وصفت من أن ذلك ليس بحرام بيّن. ¬

_ (¬1) كذا في ا: وفي هـ وح: «كأنا نراها ... تنكس». (¬2) الأم 6/ 215. (¬3) في الأم: «ويغشى لذلك فهذا. . .». (¬4) في ا: «أكبر». (¬5) في ح: «عليها ولا يغشى لها». (¬6) في ح، هـ: «لها». (¬7) في الأم: «وكان لذلك مسقطنا عليه مشهوداً ...». (¬8) ما بين الرقمين ساقط من ح، هـ.

فأما استماع الحُدَاء ونشيد الأعراب، فلا بأس به كثر (¬1) أو قَلَّ، وكذلك استماع الشعر. أخبرنا (¬2) سفيان، عن إبراهيم بن مَيْسرة [عن عمرو بن الشريد] (¬3) عن أبيه قال: أَرْدَفَنِي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: هل معك من شعر أُمَيَّةَ بن أبي الصَّلْت شيء؟ قلت: نعم. قال: هيه. قال: فأنشدته بيتا. قال: هيه، فأنشدته حتى بلغت مائة بيت. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: أنبأنا الشافعي قال: حدثنا سفيان. فذكره. قال الشافعي، رضي الله عنه: وسمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الحُدَاءَ والرَّجَزَ، وأمر ابن رَواحَةَ في سفره فقال: حَرَّك بالقوم. فاندفع برجزه (¬4). أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا الحسين بن رشيق المصري، إجازة، قال: حدثنا محمد بن رمضان قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت أبي يقول: كنت أنا والشافعي، وابن بكير، وجماعة من أصحابنا في منزل يوسف ابن عمر في صنيع لهم وهو عرس، فكان ثَمَّ لَهْوٌ ودُفُّ فما أنكره أحد منهم. وإنما أراد باللهو: ما ورد الخبر بجوازه في العرس: وهو ما لا ينكر من الشعر والرجز. ¬

_ (¬1) في ا: «كثيرا». (¬2) الأم 6/ 215. (¬3) الزيادة من الأم. (¬4) الأم 6/ 215.

وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا عبد الله بن سعيد البُسْتِي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله ابن جعفر الرازي قال: حدثنا محمد بن عبد الحارث الحِمْصِي قال: حدثنا الطَّحَاوِي قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: الوقار في النُّزْهَة سُخْف (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: لعب سعيد بن جُبَيْر بالشِّطْرَنج من وراء ظهره فيقول: بإيش دَفَعَ كذا؟ قال: بكذا، قال: ادفع بكذا. وإنما حكى الشافعي بهذا؛ ليبين بذلك سبب تركه ردّ الشهادة به، وهو اختلاف أهل العلم في جوازه. وأما الكراهية فقد أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي (¬2)، رضي الله عنه: يكره من وَجْه الخبر اللعب بالنّرْد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي. ولا نحبّ اللعب الشّطرنج وهو أخف من النَّرْد. ويكره اللعب بكل ما لعب به الناس؛ لأن اللعب ليس من صنيع (¬3) أهل الدين ولا المروءة. ومن لعب بشيء من هذا على الاستحلال [له] لم تردّ شهادته. ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬2) الأم 6/ 213. (¬3) في الأم: «صنعة».

ثم بسط الكلام فيمن غفل به عن الصلاة فأكثر حتى تفوته، ثم يعود له حتى تفوته، وردّ الشهادة. ثم استثنى ملاعبة الرجل أهلَه، وإجراءه الخيل، وتأديبَه فرسه، وتعليمَه الرّمي ورميه (¬1) وقال: ليس ذلك من اللعب - يعني المكروه - ولا (¬2) ينهى عنه. ثم قال (¬3): وينبغي للمرء أن لا يبلغ منه ولا من غيره من تلاوة قرآن ولا نظر في علم - ما يشغله عن الصلاة حتى يَخْرُجَ وقْتُها. وكذلك لا يتنَفَّلُ حتى يخرج من المَكْتُوبةِ؛ لأن المكتوبة أوجب عليه من جميع النَّوَافِل. وهذه الحكاية إلى قوله: «لم ترد شهادته» فيما قرأناه على أبي عبد الله الحافظ، وما بعده فيما أجاز لي روايته عنه وبالله التوفيق. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد قال: سمعت يوسف بن عبد الأحد القُمِّي يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: ترك العادة ذنب مُسْتَحْدَث. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازَةً، قال: حدثني أحمد بن علي المدائني قال: سمعت المزني والربيع يقولان: سمعنا الشافعي يقول: لا تشاور من ليس في بيته دقيق؛ فإنه مُدَلَّهُ العقل. أخبرنا أبو عبد الرحمن قال: حدثنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا محمد ابن رمضان الزيات، ومحمد بن يحيى قالا (¬4): حدثنا محمد بن عبد الله قال: ¬

_ (¬1) في الأصول: «ورمى». (¬2) في ا: «فلا». (¬3) الأم 5/ 213. (¬4) في ا: «قال».

قال الشافعي، رضي الله عنه: قال شريح القاضي لرجل: إني أظنك أحمق. فقال له الرجل: إنّ أَحْمَقَ ما يكون الشيخ إذا أعجب بظنّه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا أحمد: محمد بن علي الرازي يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيْمَة يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: ما ضُحِكَ من خطأ رجل إلا ثبت صوابُه في قلبه (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا بكر بن شاذان يقول: سمعت أبا الفضل بن مهاجر يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: كان لرجلٍ من أهل المدينة ابنٌ متخلّف، فبعثه يوماً ليشتري له حبلا طوله (¬2) ثلاثون ذراعا، فقال: في عَرْض كم؟ فقال: في عَرْضِ مصيبتي فيك! (¬3). أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد الصوفي قال: أخبرنا أبو أحمد بن عَدِيّ الحافظ قال: سمعت محمد بن نصر القاسم بن روح الخوَّاص يقول: سمعت حرملة يقول: سمعت الشافعي يقول: ما دخل قومٌ بَلَدَ قومٍ إلا أخذ كلّ واحد [منهم] (¬4) من سُنَّة صاحبه، حتى إن العراقي ليأخذ من سنّة الشّامي، والشّامي من سنَّة العراقي. قال: وسمعت حرملة يقول: ¬

_ (¬1) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬2) في ا: «طويلا». (¬3) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬4) الزيادة من ح.

سمعت الشافعي يقول: إذا رأيت الرجل فَضّة خاتمه كثيرة وفصُّه صغير، فذاك رجل عاقل، وإذا رأيت فضته قليلة وفصه كبير، فذاك رجل عاجز، وإذا رأيت [الكاتب دواته على يساره فليس بكاتب، وإذا رأيت دواته] (¬1) على يمينه وقلمه على أذنه، فذاك كاتب، أو نحوه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو سعيد: محمد بن الفضل المُذَكِّر قال: سمعت أبا الحسن: محمد بن أحمد بن أيوب البغدادي يقول: حدثنا جعفر بن أحمد الواسطي قال: حدثني أبو جعفر الترمذي، عن البويطي. عن الشافعي قال: ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه (¬2). وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت محمد بن محمد بن هارون يقول: سمعت أبا الحسن بن سليمان يقول: سمعت محمد بن إسماعيل السلمي يقول: سمعت البويطي يقول: سمعت الشافعي يقول: ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه. قال لنا (¬3) أبو عبد الله الحافظ، فيما قرئ عليه في قول الشافعي، رضي الله عنه: في (¬4) هذا صيانة كثيرة للمروءة، وهي أن المخبر بسنه لا بدّ من أن يكون بين مصدِّق ومكذِّب، فقائل يقول: نقص من سنه رغبة في الشباب، وآخر يقول: زاد على سنّه طلبا للتَّشَايُخ. ثم إن كان من أهل العلم قيل: متى لقى فلانا ولقى فلانا وهو صغير؟ ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) مناقب الشافعي للرازي 123. (¬3) في ا: «قال أخبرنا». (¬4) سقطت من ا.

قال أبو عبد الله: سألني أبو بكر بن جعفر المزكي (¬1)، وكان من عقلاء الرجال، عن سني فأحببته بقول الشافعي فقال: لقد أحببت بجواب شاف. قلت: وفي مثل هذا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنبأني أبو عمرو بن السّمّاك، شِفَاهاً، أنّ أبا سعيد الجصّاص حدّثه قال: سمعت محمد - يعني ابن عبد الله بن عبد الحكم - يقول: قال [لي] (¬2) الشافعي: يا محمد، لا تحدِّث عن حي؛ فإنّ الحي لا يؤمن عليه أن ينسى. قال محمد: وذلك أني سمعت من الشافعي، رضي الله عنه، حكاية فحكيتها عنه فَنُمِيَتْ إليه فأنكرها، فاغتم أبي لذلك غمًّا شديداً، وكنا نُجِلّه، فقال: يا بني، لقد حكيت عن الشافعي حكاية فنميت إليه فأنكرها. قال: فقلت له: يا أبه، أنا أذكّره لعله يذْكر. فمضيت إليه فقلت: يا أبا عبد الله، أليس تذكر يوم كذا وكذا وقد سألك سائل عن مسألة في الرضاع فأجبته فتكلمت بكذا وكذا في الإيلاء؟ فوقفته على الكلمة فذكرها. ثم قال لي: يا محمد، لا تحدّث عن حيّ، فإن الحيّ لا يؤمن عنه النسيان. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أنبأنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ، بأَسَدَاباذ، قال: سمعت أبا جعفر الطّحَاوي يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: من كذب على أخيه فقد عَضَهَه (¬3). أخبرنا محمد بن الحسين السّلمي قال: حدثنا علي بن عمر بن أحمد بن ¬

_ (¬1) في ح: «المذكر». (¬2) الزيادة من ح. (¬3) في ح: «فقد عظمه».

مهدي الحافظ، ببغداد، قال: قرأت في كتاب يحيى بن عثمان بن صالح، بمصر، حدثني عبد الله بن عبد الخالق المصري قال: سمعت الشافعي يقول لعبد الحميد بن الوليد بن المغيرة الأشجعي، وأتاه عائدا له في منزله، فقال له الشافعي: قوّى الله قُوَّتَكَ وأَضْعَفَ (¬1) ضَعْفَك. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في «التاريخ» قال: حدثنا طاهر بن محمد ابن عبد الله: أبو عبد الله البغدادي قال: حدثنا أبو بكر النيسابوري قال: قال لنا الربيع بن سليمان: دخلت يوما على الشافعي فقلت له: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحتُ ضعيفاً، فقلت: قَوَّى الله ضَعْفَك. فقال [لي:] (¬2) يا ربيع، أجاب الله قلبَك ولا أجاب لفظك؛ إنْ قوّى ضَعْفِي علَيَّ قتلني، ولكن قل: قَوَّاكَ اللهُ على ضَعْفِك [وفي رواية في غير هذا الموضع: قال الربيع: والله ما أردت إلا خيراً (¬3) فقال الشافعي: أجل، والله يا بني لو تشتمني صراحاً لعلمت أنك لم تُرِد إلا الخير]. قرأت في كتاب العاصمي: سمعت دعلج بن أحمد، بالعراق، يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيْمَة يقول: سمعت الربيع يحكي عن الشافعي: أنه كان يكره أن يقول: أعظم الله أجرك - يعني في المصائب - ويقول: إذا قال: أعظم الله أجرك معناه: أكثر الله مصائبك ليعظم أجرك. ¬

_ (¬1) في ح: «وضعف». (¬2) الزيادة من ح. (¬3) الزيادة من ح.

قال ابن خزيمة (¬1): حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا حماد، عن ثابت (¬2)، عن «مطرف» قال: لا تقل: أعظم الله أجرك ولكن قل: أجرك الله. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد: حسَّان بن محمد الفقيه قال: سمعت الحسن بن سفيان يقول: سمعت حَرْمَلَة بن يحيى يقول: سمعت الشافعي يقول: إن «ابن عجلان» أنكر علي والي المدينة إِسْبَال الإِزار يوم الجمعة على رؤوس الناس، فأمر بحبسه، فدخل «ابن أبي ذئب» على الولي فشفع له وقال: إنّ ابن عجلان أحمق، يراك تأكل الحرام وتلبس الحرام وتفعل كذا فلا ينكره (¬3) عليك، ثم ينكر عليك إسبال الإزرار؟! فَخَلَّى سبيلَه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا العباس المصري يقول: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: سمعت ابن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: رأيت من عجائب الدنيا ثلاثة: رجل يكتب بشماله فيسبق من يكتب بيمينه، ورجل حبسه القاضي في مُدَّي نوى، ورجل يدور على الجواري يعلِّمهن الغناء، فإذا جاء وقت الصلاة صلى قاعداً. وأخبرنا أبو سعد: سعيد بن محمد بن أحمد الشعيثي قال: حدثنا أبو محمد: جعفر بن محمد بن الحارث قال: أخبرني أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن بحر ¬

_ (¬1) في ح: «جرير». (¬2) في ح: «ابن». (¬3) في ح: «فلا ينكر».

المصري قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال (¬1) الشافعي، رضي الله عنه. فذكر هذه الحكاية، غير أنه قال في الثالث: ورأيت شيخا كبيراً يدور على الفتيان يعلمهن الغناء، فإِذا حضرت الصلاة صلّى قاعداً. ¬

_ (¬1) في ح: «سمعت الشافعي».

56 - باب ما يستدل به على سخاوة الشافعي، رحمه الله، وحسن جوده، وحسن عهده، وما يؤثر عنه في السخاء

باب ما يستدل به على سخاوة الشافعي، رحمه الله، وحسن جوده، وحسن عهده، وما يؤثر عنه في السخاء * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت «الحُمَيْدي» يقول: قدم الشافعي، رضي الله عنه، من «صنعاء» إلى «مكة» بعشرة آلاف دينار في منديل، فضرب خباءه في موضع خارجا من مكة، فكان الناس يأتونه فما برح حتى ذهبت كلها (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا محمد: عبد الله بن محمد ابن علي يقول: سمعت أبا نعيم الفقيه يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الحميدي يقول. فذكره بمثله. وبهذا الإسناد قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: أخذ رجل بركاب الشافعي فقال الشافعي: يا ربيع، أعطه الأربعة دنانير واعتذر لي منه (¬2). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو بكر: محمد بن أحمد بن بالويه الجلاب قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا الربيع. فذكره بمثله إلا أنه قال: واعذرني. ¬

_ (¬1) حلية الأولياء 9/ 130، والمناقب للرازي 128. (¬2) في ا: «أربعة. . . واعذرني. . .» والخبر في الحلية 9/ 130.

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني نصر بن محمد قال: حدثنا أبو علي: الحسن بن حبيب بن عبد الملك، بدمشق، قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان الشافعي راكبَ حمارٍ فمر على سوق الحذَّائين، فسقط سوطه من يده، فوثب غلام من الحذائين، فأخذ السوط ومسحه بكُمِّه وناوله إياه، فقال الشافعي لغلامه: ادفع تلك الدنانير التي معك إلى هذا الفتى. قال الربيع: فلست أدري كانت تسعة دنانير أو سبعة (¬1). أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت قَعْنَب بن أحمد بن عمرو (¬2) بن محمد بن مُجَاشِع يقول: سمعت محمد بن أحمد بن وَرْدَان يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كنا مع الشافعي، رضي الله عنه، وقد خرج من مسجد مصر فانقطع شِسْع نعله، فأصلح له رجل شِسْعَه (¬3) ودفعه إليه فقال: يا ربيع، معك من نفقتنا شيء؟ قلت: نعم. قال: كم؟ قلت: سبعة دنانير. قال: ادفعها إليه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنبأنا علي بن محمد بن عمر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عمرو بن سواد السرحِي قال: كان الشافعي، رحمه الله، أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام. فقال لي (¬4) الشافعي: أفلست من دهري ثلاث إفلاسات؛ فكنت أبيع قليلي ¬

_ (¬1) المناقب للرازي 128 وفيه: «سوق الحدادين». (¬2) في ا: «عمر». (¬3) في ا: شسعا. (¬4) من ح.

وكثيري حتى حليّ ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قط (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد ح وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمرّ بنا، فإن وجدني وإلا قال: قولوا لمحمد إذا جاء يأتي المنزل؛ فإني لست أتغدى حتى يجيء. فربما جئته فإذا قعدت معه على الغداء قال: يا جارية، اضربي لنا فالوذج. فلا تزال المائدة بين يديه حتى تفرغ منه ويتغدى (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: سمعت أبا العباس بن سريج يحكى عن أبي بكر بن الجنيد عن أبي ثور قال: كان الشافعي من أجود الناس وأسخاهم كفا: كان يشتري الجارية الصَنَاع (¬3) التي تطبخ وتعمل الحلوى، ويشترط عليها أن لا يقربها؛ لأنه كان عليلا لم يمكنه أن يقرب النساء في وقته ذلك؛ لباصور كان به، وكان يقول لنا: تشهَّوْا ما أحببتم؛ فقد اشتريت جارية تحسن أن تعمل ما تريدون. قال: فيقول لها بعض أصحابنا: اعملي اليوم كذا وكذا. فكنا نحن الذين نأمرها، وهو مسرور بذلك (¬4). أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: ¬

_ (¬1) الحلية 9/ 132 وآداب الشافعي ومناقبه 126. (¬2) الحلية 9/ 132 وآداب الشافعي ومناقبه 124. (¬3) في ا، ح: «الصناعة». (¬4) الحلية 9/ 133.

كان الشافعي، رحمه الله، من أسخى الناس. قال: وكنت آكل مع الشافعي تمراً مُلَوَّزاً من هذه الجِرَار، فجاء رجل فقعد وأكل، وكان يجلس إليه، فلما فرغ من الأكل قال الرجل للشافعي: ما تقول في أكل الفجاءة؟ قال: فلوى الشافعي عنقه إليّ وقال: هلا كان سؤاله قبل أن يأكل؟ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان قال: حدثنا أبو جعفر - يعني محمد بن عبد الرحمن - قال: حدثنا الحسن - يعني ابن الأشعث - قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: جاءنا الشافعي إلى منزلنا قال: فقال لي: اركب دابتي هذه قال: فركبتها قال: فقال لي: أقبل بها وأدبر، ففعلت فقال: إني أراك بها لَبِقاً فخذها فهي لك. قال: وكان من أسخى الناس. ثم ذكر قصة التمر (¬1). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد - قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: تزوجت، فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ قلت: ثلاثين (¬2) دينارا. فقال: كم أعطيتها؟ فقلت: ستة دنانير. فصعد داره وأرسل إلي صرة فيها أربعة وعشرون دينارا (¬3). أخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت أحمد بن علي بن سعيد البزاز يقول: سمعت إبراهيم بن خالد: أبا ثور يقول: أراد الشافعي الخروج إلى مكة. ح. وأخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرنا أبو الوليد: حسان بن محمد ¬

_ (¬1) المناقب للرازي 128. (¬2) في ح: «ثلاثون». (¬3) الحلية 9/ 132 وآداب الشافعي ومناقبه 125.

الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود، حدثني أبو سليمان (¬1)، حدثني أبو ثور قال: أراد الشافعي الرجوع إلى مكة ومعه مال قال: فقلت له: - وكان قلَّما يُمسك شيئا؛ من سماحته - ينبغي أن تشتري بهذا المال ضَيعة تكون لك ولولدك من بعدك. قال: فخرج ثم قدم علينا، فسأَلته عن ذلك المال فقال: ما وجدت بمكة ضيعة يمكنني أن أشتريها لمعرفتي بأصلها؛ أكثرها قد (¬2) وُقفت، ولكن قد بنيت بمنى مَضْرباً يكون لأصحابنا إذا حجّوا ينزلون فيه (¬3). [(4 لفظ حديث أبي عبد الله، وليس في رواية السلمي: وقد وُقفت ¬4)]. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت عبد الواحد بن بكر الورثاني (¬5) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي قال: سمعت محمد ابن أحمد بن بنت الشافعي يقول: سمعت عمي يقول: باع الشافعي ضيعة له بمائة ألف فقسمها بمكة فبينا هو كذلك إذ أقبل أعرابي من بني عذرة فسلم عليه فقال له: يا فتى، بيني وبينك حرمة متأكدة. فقال له الشافعي: وما ذاك؟ قال: رأيتك مع أبيك ولك ذؤابة تشتري أضحية يوم النحر. فالتفت إليّ البائع فقال (¬6): خاب الفتى. قال: فقال الشافعي: هذه حرمة متأكدة، وقال له: ادخل، وخذ النطع وما عليه. فدخل، فأخذ النطع وما عليه. ¬

_ (¬1) في ح: «ابن سليمان». (¬2) في ا: «فقد». (¬3) الحلية 9/ 127. (¬4) ما بين الرقمين في هـ، ولا في ح. (¬5) في ح: «الورباني» والورثاني بفتح الواو نسبة إلى ورثان من قرى شيراز، ينسب إليها أبو الفرج: عبد الواحد بن بكر الورثاني الصوفي. رحل في طلب الحديث وسمعه، وروى عن أبي بكر الإسماعيلي. وتوفى بالحجاز سنة 372 كما في اللباب 3/ 267. (¬6) في ح: «فقلت».

ورواه أبو الحسن العاصمي، عن محمد بن عبد الله الرازي، عن إسحاق بن محمد الأنصاري، عن أحمد بن محمد الشافعي، عن عمه ويحتمل أن تكون الحكاية عند هذا الرازي من الوجهين جميعا. أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد بن موسى قال: أخبرنا محمد بن علي بن طلحة قال: حدثنا أحمد بن علي الأصبهاني قال: حدثنا زكريا الساجي قال: حدثني عبد الله بن أحمد المروزي قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي وجاءه سائل فقال: إني رجل من أمري كيت وكيت فأمر لي بشيء، وما كان يملك يومئذ إلا ديناراً، فأعطاه إياه فقال له بعض جلسائه: هذا لو أعطيته درهما أو درهمين كان كثيرا، فقال: إني أستحي أن يطلب رجل مني شيئاً ومعي مقدرة فلا أعطيه. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني نصر بن محمد العدل قال: وجدت في كتابي عن إبراهيم بن محمد قال: كنت في مجلس أحمد بن يوسف التغلبي، صاحب أبي عبيد: القاسم بن سلام، فجرى ذكر الشافعي وأخلاقه وفقهه وسماحته فقالوا: ما شبهناه إلا بأبيات. أنشدها (¬1) حفص بن عمر الأزدي المقري لبعض الأعراب: إن زرت ساحته ترجو سماحته ... بلّتك راحته بالجود والديم أخلاقُه كرم وقوله نعم ... يقولها بفم بَحْبَحْت فاحِتَكمِ (¬2) ما ضرّ زائرَه يرجو أناملَه ... إن كان ذا رحمٍ أو غير ذي رحم ¬

_ (¬1) في ا: «بأثبات. أنشدنا ...» (¬2) بحبحت: تمكنت (م 15 مناقب جـ 2)

[الجود غرّتُه والمجد غايته ... يقولها بفم قد لج في نعمِ] (¬1) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، حدثنا محمد بن روح، حدثنا الزبير بن سليمان القرشي، عن الشافعي قال: خرج «هَرْثَمَة» فأقرأني سلام أمير المؤمنين: هارون. قال (¬2): وقد أمر لك بخمسة آلاف دينار. قال: فَحُمل إليه المال، فدعا بحجَّام فأخذ من شعره فأعطاه خمسين دينارا. ثم أخذ رقاعا وصر من تلك (¬3) الدنانير صُرَراً ففرقها في القرشيين الذين هم بالحضرة من أهل مكة حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مائة دينار (¬4). وقرأت في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين العاصمي، رحمه الله، المجموع لمناقب الشافعي، رضي الله عنه: سمعت أبا بكر: أحمد بن الحسن الفقيه الشافعي يحكي عن أبي القاسم الطالبي، عن الشافعي، رحمه الله، أنه أدخل إلى الرشيد (¬5) فقال له: يا أخا شافع، شَقَقْتَ العصا، وخرجت مع العلوية علينا؟ قال: يا أمير المؤمنين، أأدع ابن عمي من يقول إني ابن عمه، وأصير إلى قوم يقولون إني عبدهم. قال: فأطلق عنه ووصله بثمانين ألف درهم (¬6) قال: فخرج فرأى حجَّاما فطمَّ شعره فوصله بثمانين دينار فعاتبه على ذلك الرشيد، فأنشأ يقول: ¬

_ (¬1) هذا البيت ليس في ح، ولا في هـ. (¬2) ليست في ا. (¬3) في ح: «وصرر تلك». (¬4) الحلية 9/ 131. (¬5) في ح: «دخل علي الرشيد». (¬6) من ح.

موللو تنازعني كفى إلى خُلُق ... يرزى لقلت لها أَلْقيهِ أَوْ بِينِي خِيْمِي كريمٌ ونفسي لا تحدّثُني ... أنّ الإله بلا رزْقِ يُخَلِّيني هذا وما زال مالي من أذى طمعٍ ... ومن ملامة أهل اللَّوم يُغريني بل بما اشتريت بمالي قط محمدةً ... إلا تيقَّنْت أنِّي غيرُ مغْبون ولا دُعِيتُ إلى مجدٍ ومكْرُمةٍ ... إلا أجبتُ: أَلَا مَنْ ينَادِيني (¬1)؟! لبَّيك يا كرمي لبيكَ ثانيةً ... لبيكَ ثالثةً من حيثُ تَدْعوني وقرأت في موضع آخر البيت الأول والله لو كرهَت كَفِّي مُسَاعدتي ... لقُلْتُ لِلْكَفِّ بِينى إذْ كَرِهْتِيني (¬2) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في «التاريخ» قال: سمعت محمد بن عبد الأعلى يقول: سمعت أحمد بن عبد الرحمن الرَّقِّي يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: ح. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن أحمد بن عبد الأعلى المقري يقول: سمعت أحمد بن أحمد بن عبد الرحمن يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: السخاء والكرم يغطي عيوب الدنيا والآخرة بعد أن لا تلحقه بدعة (¬3). وقرأته في كتاب زكريا بن يحيى الساجي عن محمد بن إسماعيل قال: ¬

_ (¬1) في ح: «إلى من ذا يناجيني». (¬2) في ح: «إن كرهتيني». (¬3) الحلية 9/ 134.

سمعت الحسين بن علي يقول: سمعت الشافعي يقول: فذكره غير أنه قال: غطى عيوب الدنيا والآخرة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو تراب الطوسي قال: حدثنا محمد بن المنذر الهروي قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: السخاء في اليمن. ورواه أيضا ابن عبد الحكم عن الشافعي، رضي الله عنه. وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق - إجازة - قال: حدثنا محمد بن يحيى الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: قال لنا الشافعي: نزلنا بامرأة من اليمن فجعلت تخرج إلينا الشيء بعد الشيء «وقلَّله» (¬1) فقلنا لها: إن معنا أشياء. قالت: فما تريدون بهذا؟ أتنزلون عندنا وتأكلون طعامكم؟ والله لا كان هذا، والله لئن فعلتم هذا لترون متاعكم مطرحا في الصحراء. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا سعيد: أحمد بن محمد ابن رميح الحافظ يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: ح. وأخبرنا محمد بن الحسين الصوفي قال: سمعت جدي إسماعيل بن نجيد (¬2) يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت وفاء بن سهل الكندي يقول: سمعت الشافعي يقول: أمْلَقْتُ بمكة حتى لم يبق لي شيء، فقلت: إلى من ¬

_ (¬1) ليست في ح. (¬2) في ح: «محمد».

أصير؟ ففكّرت فيمن يقوم بي من قريش وغيرهم، ثم قلت: ما أجد لي خيرا من أن أصير إلى اليمن. قال: فتجهزت وخرجت إليها، فأتيت صنعاء فسألت عن رجل من أهل اليمن ممن يُؤْثَر، فوصف لي رجل وسمى لي موضعه، فخرجت نحوه حتى أتيت منزله، فإذا برجل قاعد وإذا بجماعة وإذا له دار ضيافة، فعدل بي إلى دار الضيافة فدخلت مع الضيفان، ثم أنه أقبل إلينا، فأرسل إليّ رسولا فسألني من أنا فأخبرته بنسبي، فحوّلني من ذلك الموضع إلى موضع وراءه فأقمت ثلاثة أيام لا يسألني عن شيء أكثر من أن يجيء (¬1) فيسلم، ثم ينصرف. قال: فلما كان اليوم الرابع سألني: أضيف أنا أم زائر؟ فقلت (¬2): زائر. فحوَّلني من ذلك المكان إلى مجلس وغيره، فكان يأتيني في كل وقت، ويؤانسنى وأؤانسه، فلما طال مكثي عنده أتاني، فقال لي: لعلك تريد الرجوع فقلت إلى أهلك؟: أي والله، لقد اشتقت إلى منزلي، فلم أعلم حتى أتاني بدنانير كثيرة وطرائف، وخرجت وخرج معي حتى جاز موضعا من مواضعهم فودّعني ثم رجع إلى منزله، فأقبلت إلى منزلي بما أجازني، وأعطاني، فأقمت دهرا أتمناه أن يوافيني بمكة فكنت أسأل عنه كل حين من يقدَمُ من تلك الناحية، حتى قدم رجل من مِخْلافِه (¬3) فسألته عنه، فأخبرني بقدومه، فأتيته وسلمت عليه، ثم إني صرت إلى منزلي فأمرتهم فأصلحوا لي المنزل وما يحتاج إليه وبحرت (¬4) بيتا واسطوانة، ثم أتيته فسألته أن يصير إلى منزلي، فكأنه تلكَّأَ، فلم أزل به (¬5) حتى صار معي إلى المنزل، فلما صرنا إلى المنزل جلس في الاسطوانة ولم يدخل البيت، فلم ¬

_ (¬1) في ا: «مما يجيء». (¬2) في ح: «فأخبرته أني زائر». (¬3) في اللسان 10/ 432: قال ابن بري: المخالف لأهل اليمن كالأجناد لأهل الشام، والكور لأهل العراق، والرساتيق لأهل الجبال، والطاسيج لأهل الأهواز. (¬4) في ا: «يحدث» وبجر البيت: وسعه. (¬5) من ح.

أزل به، وأطلب إليه حتى دخل المنزل، وأُتينا بطعام (¬1) فأكل وأكلنا معه، وكنا قد هيأنا طعاما كثيرا، فلما أكل وفرغ وتوضْأ التفت إليّ وقال لي: كأنك إنما أردت أن ترينا متاعك وطعامك وأثوابك يابن أخي، لو صيرت هذا في أعناق الرجال لكان أعظم لقدرك، وأسنى لذكرك. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، إجازة، قال: حدثنا علي بن عيسى المدائني قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: إني علي عيد وليس عندي نفقة، فقال لي أهلي: عودت قوما أن تصلهم فلو استسلفت شيئا؟ فاستسلفت سبعين دينارا، فتركت عشرين ديناراً للنفقة، وفرَّقت الباقي، فبينا أنا على ذلك إذ أتاني رجل من قريش يشتكي إليّ الحاجة، فأخبرته خبري. فقلت له: خذ ما تحب. فقال: ما حاجتي (¬2) إلا أكثر من هذه الدنانير. فقلت له: خذها، وبتُّ، وما معي دينار ولا درهم، فبينا أنا في منزلي إذ أتاني رسول البَرْمَكِي: جعفر بن يحيى، فقال: أجب. فأجبته فقال: ما شأنك في هذه الليلة؟ يهتف لي هاتف يقول: الشافعي، الشافعي، كلما دخلت في النوم. أخبرني بأمرك، فأخبرته فأعطاني خمسمائة دينار وقال: أزيدك؟ فأعطاني خمسمائة أخرى فلم يزل يزيدني حتى أعطاني ألفي دينار (¬3). ورواه أيضا زكريا الساجي عن ابن بنت الشافعي عن الأخضر بن عبد الله الصُّدَائي عن الربيع بن سليمان إلا أنه قال: قال رسول الفضل بن يحيى أو البرمكي: جعفر بن يحيى. أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي الحسن قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، ¬

_ (¬1) في ح: «بطعامنا». (¬2) في ا: «ما يقنعني إلا أكثر ...». (¬3) مناقب الشافعي للرازي ص 128 - 129.

إجازة، قال: حدثنا أحمد بن سلامة الطحاوي ومحمد بن الربيع قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: مرَّ رجل من النجار بالزُّهْري وهو في قريته، والرجل يريد الحج، فابتاع الزهري منه بزًّا بأربعمائة دينار إلى أن يرجع من حجَّه، فما برح الرجل حتى فرَّقه عن آخره، فرأى الزهري الكراهة في وجه الرجل لذلك، فلما فرغ الرجل (¬1) من حجه مرّ بالزهري يتقاضاه، فأمر له الزهري (¬2) بثلاثين ديناراً ينفقها في سفره، ودفع إليه الدنانير، ثم قال له الزهري: كأني رأيتك (¬3) قد ساء ظنك يومئذ. قال الرجل: أجل! قال الزهري: والله لم أفعل ذلك إلا للتجارة: أُعْطِي القليل فأُعْطَى الكثير. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو الحسن: علي بن محمد بن علي بن الحسين الهروي - قدم علينا حاجّاً - قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن عبد الله بن محمد ابن مخلد يقول: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثني محمد بن إدريس الشافعي أن رجاء بن حَيْوَة عاتب «ابن شهاب» في الإسراف وكان يدَّان فقال: لا آمن (¬4) أن يحبس هؤلاء القوم أيديهم عنك فتكون قد حملت على أمانتك قال: فوعده أن يقصر. فمرّ به بعد ذلك وقد وضع الطعام، ونصب موائد العسل، فوقف به رجاء وقال: يا أبا بكر، هذا الذي افترقنا عليه؟ فقال له ابن شهاب: اترك (¬5)؛ فإن السّخِيّ لا تؤدّبُه التجارب. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) من ح. (¬3) في ح: «قد رأيتك قد ..». (¬4) في ا: «لا أمر». (¬5) في ا: «انزل».

قال أبو عبد الله: محمد بن العباس: أنشدني الحسين بن أبي عبد الله الكاتب في هذا المعنى: له سَحَائِبُ جودٍ في أنامله ... أمطارها الفضة البيضاء والذهبُ يقول في العسر: إنْ أيْسَرْتُ ثانيةً ... أقصرت عن بعض ما أُعْطِي وما أهبُ حتى إذا عاد أيامُ اليسار له ... رأيت أمواله في الناس تُنْتَهَبُ لفظ حكاية الهروي. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني عبد الرحمن بن الحسن العاصمي - شفاها - أن زكريا بن يحيى حدثهم قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: سمعت الحسين بن علي يقول: قال الشافعي، رضي الله عنه: لا أزال أحب «حماد بن أبي سليمان» (¬1) لشيء بلغني عنه: بلغني أنه كان راكبا على حمار، فحرّكه الحمار فانقطع زره، فمر على خياط فأراد أن ينزل عليه ليسَوِّي (¬2) زره [فقال - يعني الخياط -: والله لا نزلت فقام الخياط إليه ليسوي زره] (¬3) فأدخل يده في جيبه فأخرج إليه صُرَّةً فيها دنانير فناولها الخياط، ثم اعتذر إليه من قلتها. ¬

_ (¬1) هو فقيه الكوفة أبو إسماعيل: حماد بن أبي سليمان الأشعري، مولاهم صاحب إبراهيم النخعي، وشيخ أبي حنيفة. روى عن أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وطائفة، وكان جوادا سريا محتشما يفطر كل ليلة من رمضان. خمسمائة إنسان. وقال شعبة: كان صدوق اللسان. كما في الشذرات 1/ 157. (¬2) في ا: «فيسوى». (¬3) ما بين القوسين سقط من ا.

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا الحسن بن رشيق - إجازة - قال: حدثنا سعيد بن أحمد القضاعي قال: سمعت إسماعيل بن يحيى المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: دخل رجل على أبي جعفر المنصور فقال له: يا أمير المؤمنين، تفضل عليّ تفضلا قرشيا ولا تصنعنّ صُنْعاً حجازيًّا (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر: أحمد بن الحسن القاضي، وغيرهما، قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: وقف أعرابي على عبد الملك بن مروان، فسلم عليه ثم قال: أي يرحمك الله، إنه قد مرت بنا سنون ثلاث: أما إحداها فأهلكت المواشي. وأما الثانية فَاَنْضَت اللحم. وأما الثالثة فخلصت إلى العظم. وعندك مال: فإن يكن لله فأعط عباد الله. وإن يكن لك فتصدق علينا، إنَّ اللهَ يَجْزِي المُتَصَدِّقِينَ. قال: فأعطاه عشرة آلاف درهم وقال: لو أن الناس يحسنون يسألون هكذا ما حرمنا أحدا (¬2). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر: أحمد بن الحسن القاضي، وأبو عبد الرحمن السلمي، قالوا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: وقف أعرابي على قوم فقال: أي يرحمكم الله، إني رجل من أبناء السبيل [وأَنْضَاء طريق وفُلَّال سنة] (¬3) فرحم الله أمرأً ¬

_ (¬1) في ح: «صناعا» وفي ا: فلا تضيفن صاعا». (¬2) المناقب للرازي 129، والعقد الفريد لابن عبد ربه 3/ 431 وفيه أن الأعرابي دخل على هشام بن عبد الملك ... : (¬3) في ح: «والضار» وفي الحلية: «وآيضا من سفر» والتصويب من العقد الفريد 3/ 428.

أَعْطَى من سَعَةٍ، وواسى من كَفَاف. قال: فأعطاه رجل ديناراً فقال: آجرك الله من غير أن يبْتليك. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه قال: سمعت محمد بن المسيّب الأَرْغيَاني يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: دفع إليَّ الشافعي دراهم لأشتري له (¬1) حَمَلاً، وأمرني أن أشوي ذلك قال: فنسيت واشتريت سمكتين وشويتهما، فأتيته بهما فنظر فقال: يا أبا محمد، كُلْهُماَ فقد اشتهيتَهما (¬2). ورواه أبو بشر الدُّولاَبِي، عن الربيع قال: فقلت: هكذا قضى فقال: يا ربيع، اليوم تأكل شهوتك، وغدا [تأكل شهوتنا] (¬3). أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله قال: أخبرني عبد الله بن محمد الحَيّاني قال: حدثنا محمد - يعني ابن عبد الرحمن الأصبهاني - قال: حدثنا إبراهيم بن مَتّوية قال: حدثنا أبو عبد الله،: أو عبيد الله: أحمد بن عبد الرحمن قال: خرج للشافعي يوما غلام أسود ومعه ساجة قد حملها للبيع فَبَصُر بِهِ، فأمر به، فدعى، فقال: إلى أين؟ ما هذا الذي معك؟ قال: فما تريد؟ فكرر عليه فقال: يا مولاي، لم تفتي الناس بشيء لا تأخذ به؟ أليس تزعم أن البينة على المدعي، واليمين ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) الحلية 9/ 130. (¬3) ما بين القوسين من الحلية 9/ 132 - 133.

على من أنكر؟ أعني المدعى عليه - فإن كان لك في الخشبة دعوى فثبِّت. فضحك الشافعي وقال: اذهب كيف شئت (¬1). أخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن العباس يقول: سمعت أبا عبد الله: محمد بن حمدان الطَّرَائفي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا أخطأتك الصنيعة إلى من يتقي الله تعالى فاصطنعها إلى من يتقي العار. قرأت في كتاب العاصمي عن الزبير بن عبد الواحد، عن القزويني، عن الربيع قال: كان الشافعي، رضي الله عنه، إذا سأله إنسان أن يصله بشيء يَحْمَارُّ وَجْهُهُ حياءً من السائل، ويبادر بإعطائه ما سأله. ولقد سأله إنسان يوما وهو راكب شيئا فتغيَّر لونه وقال: أين تكون حتى أبعث إليك بحاجتك؟ فلما رجع إلى منزله بعث إليه بما سأله. قال الربيع: قد سمعنا بالأسخياء. قد كان عندنا قوم من الأسخياء بمصر، وأهل الفضل رأيناهم ما رأينا مثل الشافعي، ولا سمعنا أحداً في زمانه كان مثلَه [(2 قال الربيع: وكان الشافعي يقول: أهل اليمن فيهم السخاء ¬2)]. قال الربيع: قال الحميدي: فأين سخاء أهل اليمن من سخاء الشافعي رضي الله عنه؟ أولئك سخاؤهم من فَضْلٍ معهم والشافعي يسخو (¬3) بكلِّ ماله. ¬

_ (¬1) راجع الحلية 9/ 133. (¬2) ما بين الرقمين سقط من ا. (¬3) من ح.

وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي، عن إبراهيم بن زياد، عن البويطي قال: قدم علينا الشافعي مصر، وكانت «زبيدة» ترسل إليه برزم الوشى والثياب فيقسمها الشافعي بين الناس (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: رأيت الشافعي يوم أضحى واقفا على درجة له (¬2) يأمر الذَّابِحَ بذبح أضحيته ويسمي الله ويكبّر (¬3). ¬

_ (¬1) الحلية 9/ 142. (¬2) في ح: «درجة بابه». (¬3) في ح: بلغ مقابلة في الثالث والعشرين.

57 - باب ما يستدل به على شهادة أئمة المسلمين وعلمائهم للشافعي، رضي الله عنه، بالتقدم في العلم، واعترافهم له به، وحسن ثنائهم عليه، وجميل دعائهم له

باب ما يستدل به على شهادة أئمة المسلمين وعلمائهم للشافعي، رضي الله عنه، بالتقدم في العلم، واعترافهم له به، وحسن ثنائهم عليه، وجميل دعائهم له * * * فمنهم: أبو عبد الله: مالك بن أنس الأصبحي: إمام أهل الحرمين، رحمة الله عليه. أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: محمد ابن يعقوب الأموي قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: قال الشافعي: أنا قرأتُ على مالك فكان يعجبه قراءتي. قال أبي: لأنه كان فصيحا. وذكرنا في باب رحلته إلى مالك: أنه لما سمع مالك كلام الشافعي نظر إليه ساعة - وكانت لمالك فراسة - فقال له: ما اسمك؟ قال: محمد. قال: يا محمد، اتق الله، واجتنب المعاصي؛ فإنه سيكون لك شأن. فقال: نعم وكرامة. وحين قرأ عليه «الموطأ» ظاهرا - كلما أراد أن يقطع أعجبه حُسن قراءته وإعرابه فيقول: يا فتى: زد. حتى قرأه عليه في أيام يسيرة. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: قرأت في كتاب بعض فقهائنا بنيسابور: حدثنا العباس بن عبد الله الحيري قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن جرير الطبري قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال:

كان الشافعي جالسا يوما بين يدي مالك بن أنس، فجاء رجل إلى مالك فقال: يا أبا عبد الله، إني رجل أبيع القُمْرِيّ، وإني بعت يومي هذا قُمْرِيًّا. فلما كان العشي أتاني صاحب القمري فقال: إن قمريّك لا يصيح، فتشاجرت أنا وهو إلى أن حلفت بالطلاق أن قمريّ ما يهدأ من الصياح. فقال مالك: طلقت امرأتك ولا سبيل لك عليها، فانصرف الرجل مغموما، فقام إليه الشافعي - وهو يومئذ ابن أربع عشرة سنة - فقال: أعد مسألتك - رحمك الله - فأعاد عليه فقال: أيّما أكثر: صياح قمريك أم سكوته؟ قال: فقال: صياحه. قال: امض فلا شيء عليك. ورجع الشافعي إلى الحلقة، ورجع (¬1) الرجل إلى مالك، لِصيته (¬2) في البلاد، وكبر اسمه فقال: يا أبا عبد الله، انظر لي في مسألتي يكن لك فيها أجزل الثواب. فقال: ما أعرف لمسألتك جوابا غير ما أخبرتك. قال: فإن في حلقتك من أفتاني (¬3) بأن لا شيء عليك. قال: مَنْ المفتي لك، رحمك الله؟ قال: هذا الغلام، وأومأ إلى الشافعي، فَزَبَرَهُ مالك وأخْجَله وقال: يا غلام:، بلغني عنك غير فتواي، فمن أين لك هذا؟ قال: لأني سألته (¬4): أيّما أكثر صياح قمريك أم سكوته؟ فأخبرني بصياحه. فقال مالك: وهذا أعظم، أيّ شيء في سكوته وصياحه مما يكون مخرجا للفتوى؟ قال: لأنك حدثتني - يعني عن عبد الله بن يزيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس: أنها أتت النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أبا جَهْم ومعاوية خطباني، فأيّهما أتزوج؟ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: أما «معاوية» فصعلوك لا مال له، واما «أبو جهم» فرجل لا يضع ¬

_ (¬1) في ا: «ودخل». (¬2) في ح: «لصوته». (¬3) في ا: «قد أفتاني». (¬4) في ا: «سألت ذا».

عصاه عن عاتقه. (¬1) وقد علم النبي، صلى الله عليه وسلم، أن أبا جَهْم يأكل وينام ويستريح، فقال لها: لا يضع سوطه على المجاز، والعرب تجعل أغلب الفعلين كمداومته. فلما أن سألتُه: أيّما أكثر: صياح قمريك أو سكوته؟ فأخبرني بصياحه. فقسته على قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا يضع سوطه» وعلمت أن النبي، صلى الله عليه وسلم، خاطب العرب على قدر عقولهم، وجعلوا أكثر الفعلين كمداومته. قال: فتعجب مالك بن أنس من قوله، ولم يقدح فيه بشيء فضرب مسلم بن خالد الزّنجي بين كَتِفي الشافعي وقال: أفتِ فقد والله آن لك أن تفتي. قلت: كان قد وقع غلط في هذه الحكاية في إسناد الحديث فقال: عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أم سلمة، في قصة فاطمة بنت قيس. والصحيح ما ذكرناه. ورواه الشافعي في مواضع من كتبه على الصحة (¬2). * * * ومنهم: أبو محمد: سفيان بن عُيَيْنَة الهِلَالي،، رحمة الله عليه. حدثنا أبو محمد: عبد الله بن يوسف بن أحمد الأصبهاني، قال: حدثنا أبو سعيد: أحمد بن محمد بن زياد قال: حدثنا تميم بن عبد الله: أبو محمد، قال: سمعت سويد (¬3) بن سعيد يقول: ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه مالك بسياقه في الموطأ: كتاب الطلاق: باب ما جاء في نفقة المطلقة 2/ 580 - 581. والشافعي في الرسالة ص 306، 310، ومسلم في كتاب الطلاق: باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها 2/ 1114. (¬2) راجع اختلاف الحديث 7/ 279 بهامش الأم. (¬3) في ا: «تزيد».

كنا عند سفيان بن عُيَيْنَة بمكة، فجاء الشافعي فسلّم وجلس، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا فغشى على الشافعي فقيل: يا أبا محمد، مات محمد بن إدريس وقال ابن عيينة: إن كان مات محمد فقد مات أفضل زمانه (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا عباس ابن الحسين (¬2) قال: حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد قال: حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا عمرو بن سفيان بن محمد الثّغري (¬3) قال: سمعت أبي يقول: رأيت محمد بن إدريس الشافعي جالسا عند ابن عُيَيْنَة، وكان إذا جلس عنده جلس متربعا كجلسة القضاة، فقال رجل لابن عيينة: إنّ هاهنا قوما (¬4) يرون كذا - - بُعَرِّضُ بالشافعي ومالك - فقال ابن عُيَيْنَةَ: ما أُحِبُّ أن يأتيني من يقول بهذا القول: فقال الشافعي لابن عيينة: يا أبا محمد، ليس هذا من صنعتك؛ إنما صنعتك الحديث، وإنما هذا لأهل النظر. فسكت سفيان، وطأطأ رأسه، فما رأيت ابن عيينة بعد ذلك إلا معظِّماً له ومكرما. وقرأت في كتاب أبي يحيى: زكريا بن يحيى الساجي روايته عن أحمد ابن محمد ابن بنت الشافعي قال: سمعت أبي وعمي يقولان: كان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفُتْيا يُسأَل عنها التفت إلى الشافعي فقال: سلوا هذا الفتى. ¬

_ (¬1) توالي التأسيس 54 والمناقب للرازي 17 - 18. (¬2) في ح: «الحسن». (¬3) في ا: «المسعدي». (¬4) في ا: «ههنا قوم».

أخبر أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد القاضي قال: حدثنا أبو جعفر - يعني الحافظ - قال: حدثنا أحمد بن روح قال: (¬1) حدثنا زكريا. فذكره مختصرا. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد قال: أخبرني القزويني: محمد بن عبد الله قال: سمعت محمد بن يعقوب بن الفرجي يقول: إن علي بن المديني قال (¬2): كان الشافعي لي صديقا، وكان سبب معرفتي إياه عند ابن عيينة، وكان ابن عيينة يجله ويعظمه. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الفضل: الحسن بن يعقوب العدل يقول: سمعت أبا أحمد: محمد بن روح الأُسْتواي يقول: سمعت عبدان الأهوازي الحافظ يذكر عن بعض شيوخه، عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: كنا في مجلس ابن عيينة وعنده الشافعي، فحدث ابن عيينة عن الزهري، عن علي بن الحسين: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مرَّ به رجل ومعه امرأته صفية فقال: تعال، هذه امرأتي صفية. الحديث (¬3) قال: قال ابن عيينة للشافعي: ما فقه هذا الحديث؟ فقال الشافعي: إن كان القوم اتهموا النبي، صلى الله عليه وسلم، كانوا بتهمتهم إياه كفارا لكن النبي، صلى الله عليه وسلم، أدب من بعده فقال: ¬

_ (¬1) في ح، هـ: «أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أحمد بن روح قال: حدثنا زكريا. فذكره مختصرا». (¬2) في ا: «... بن الفرجي قال: قال علي بن المديني. كان الشافعي ...». (¬3) تمامه: «فقالا: سبحان الله يا رسول الله. قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يلقي الشيطان في أنفسكما شيئا». والحديث أخرجه البخاري في أبواب الاعتكاف: باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه 4/ 243 وباب هل يدرأ المعتكف على نفسه 4/ 244. (م 16 - مناقب جـ 2)

إذا كنتم هكذا فافعلوا هكذا لكيلا يظن بكم الظن السوء فقال ابن عيينة: جزاك الله خيرا، ما يجيئنا منك إلا كلُّ ما نحب (¬1). ورواه زكريا بن يحي السّاجي، عن عبد الله بن أحمد الأهْوَازي، وهو عبدان، عن أحمد بن عمرو - يعني ابن أبي عاصم - قال: سمعت إبراهيم بن محمد الشافعي، وقد مضى رجوع سفيان إلى قوله في تفسير حديث أقروا الطير. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد، عن محمد بن عبد الله بن جعفر، عن أبي بكر: محمد بن إدريس كاتب الحميدي [قال: سمعت الحميدي] (¬2) يقول: مرض الشافعي فعاده ابن عيينة ثلاث مرات. * * * ومنهم مع ابن عيينة جماعة من فقهاء مكة: مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، وغيرهم، رحمهم الله. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا محمد بن عبد العزيز - إجازة - قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد قال: حدثنا محمد بن عبد الله القزويني - قاضي مصر - أظنه عن الربيع (بن خالد) (¬3) قال: أخبرني أبو يعقوب البويطي، عن الحميدي قال: كان سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وعبد المجيد ¬

_ (¬1) آداب الشافعي 68 - 70. وتوالي التأسيس 54. (¬2) ما بين القوسين من ا. (¬3) ليست في ح.

ابن عبد العزيز، وشيوخ أهل مكة يصفون الشافعي ويعرفونه من صغره مقدَّماً عندهم (¬1) بالذكاء والعقل والصيانة، ويقولون: لم نعرف له صبوة (¬2). وقرأته في كتاب العاصمي عن الزبير وقال في إسناده: حدثنا الربيع. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين الصوفي قال: سمعت أبا إسحاق: إبراهيم [(3 بن محمد بن يحيى يقول: سمعت أبا نعيم الفقيه يقول: سمعت الربيع ¬3)] بن سليمان يقول: سمعت الحميدي يقول: سمعت مسلم بن خالد يقول للشافعي: قد والله آن لك أن تفتي - وهو ابن خمس عشرة سنة (¬4). * * * ومنهم [أبو سعيد:] (¬5) يحيى بن سعيد بن فَرّوخ القطان: إمام أهل العلم بالحديث في زمانه، رحمه الله. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الزبير بن بعد الواحد قال: سمعت الحسن بن سفيان يقول: سمعت الحارث بن سريج النَّقَّال (¬6) يقول: [(5 سمعت يحيى بن سعيد يقول (¬7)]: أنا أدعو الله للشافعي أخصه (¬8) وحكاه أيضا داود بن علي الأصبهاني عن الحارث، وقد ذكرنا فيما تقدم قوله حين عرض عليه كتاب «الرسالة» للشافعي، رضي الله عنه: ما رأيت أعقل ¬

_ (¬1) في ا: «عليهم». (¬2) توالي التأسيس 54 - 55 والمناقب للرازي 20. (¬3) ما بين الرقمين ليس في ح. (¬4) توالي التأسيس 54. (¬5) من ح. (¬6) في ح: «البقال». (¬7) ما بين الرقمين سقط من ح. (¬8) ليست في ح.

أو أفقه منه (¬1). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو بكر: محمد بن المقري قال: أخبرنا أبو القاسم: جعفر بن الحسين الرندي (¬2) بأصبهان، حدثنا أبي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أنا أدعو الله للشافعي في صلاتي من أربعين سنة، وأخبرني الثقة من أصحابنا عن أبي النعيم الأصبهاني قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثني عمرو بن عثمان المكي، عن الزَّعْفَرَاني قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أنا أدعو الله للشافعي في صلاتي منذ أربع سنين. هذا هو الصحيح والأول وهم. * * * ومنهم أبو سعيد: عند الرحمن بن مَهْدِي بن حسّان العَنْبَرِي، المقدم في عصره في علم الحديث والفقه. كتب إلى الشافعي، رحمه الله، ليضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع فنون الأخبار فيه، وصحة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب «الرسالة» قال عبد الرحمن: ما أصلي صلاة إلا وأدعو للشافعي فيها (¬3). أخبرنا علي بن بشران قال: أخبرنا دعلج بن أحمد قال: سمعت جعفر بن أحمد السَّامَاني يقول: سمعت جعفر ابن أخي أبي ثَوْر يقول: سمعت عمي يقول: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي. فذكره غير أنه قال: قبول الأخبار. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: أخبرنا ¬

_ (¬1) توالي التاسيس 55. (¬2) في ح: «الديريني» وفي هـ: «الزندي». (¬3) توالي التأسيس 55.

إبراهيم بن محمود قال: حدثني أبو سليمان قال: حدثني الحارث بن سريج قال: أنا حملت كتاب الرسالة للشافعي إلى عبد الرحمن بن مهدي وجه بها معي إليه. قد ذكرنا فيما تقدم سائر الحكايات عنه وإعجابه (¬1) بكتاب الرسالة. وقرأت في كتاب زكريا الساجي: حدثني [بشر بن] (¬2) مجاهد: أبو العلاء عن أبي عبد الرحمن القطان قال: حضرت عبد الرحمن بن مهدي لما جاءته رسالة الشافعي فقرأها فقال: هذا كلام رجل فَهِم. وأخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي قال: أخبرنا أبو أحمد: عبد الله ابن عَدِي الحافظ قال: سمعت عبدان يقول: سمعت عمرو بن العباس قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: إن الشافعي لا يوّرث من المرتد؟ فقال عبد الرحمن: إن الشافعي شاب مفهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتوارث أهل ملتين (¬3). * * * ومنهم أبو عبد الله: محمد بن الحسن الشَّيْبَاني، رحمه الله. قرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي: حدثني محمد بن إسماعيل قال: سمعت مصعب الزبيري يقول: قال لي محمد بن الحسن: إن كان أحد يخالفنا ¬

_ (¬1) في ا: «في إعجابه». (¬2) ليست في ا. (¬3) أخرجه ابن ماجه في السنن: كتاب الفرائض: باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك 2/ 912 وانظر الخبر في التوالي 55.

يوماً فيثبت خلافه علينا فالشافعي. فقيل له: لم؟ قال: لتأتّيه ولتثبُّته في السؤال والاستماع (¬1). وقد ذكرنا قبل هذا تعظيم كل واحد منهما صاحبه وتوقيره إياه. وحكينا عن أبي يوسف القاضي، رحمه الله، حين خرج الشافعي من عند الرشيد بعث إليه يُقريه السلام ويقول: صنّف الكتب؛ فإنك أولى (¬2) من يصنّف الكتب في زمانك هذا. * * * ومنهم يحيى بن حسان التنيسي، وأيوب بن سُوَيد الرَّمْلِي، رحمهما الله. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: حدثنا أبو عبد الله بن مهدي قال: حدثنا محمد بن سعيد قال: سمعت الربيع ابن سليمان يقول: هيّأ ابن هرم للشافعي ولأيوب بن سويد المحدث، فانتخب الشافعي عليه أحاديث، قرأها عليه أيوب بن سويد المحدث وأنا أسمع، فسمعت أيوب بن سويد يقول: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل هذا الرجل - يعني الشافعي. وأما يحيى بن حسان فجاء إلى الشافعي بيته حتى قرأ عليه بحضرتي، وسمعت الذي انتخب عليه الشافعي. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن ¬

_ (¬1) المناقب للرازي 18 (¬2) في ا: «فيقول: صنف الكتاب فإن أول. . .».

يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت أيوب بن سويد يقول: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو العباس: الوليد بن بكر المالكي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن علي بن جابر التِّنِّيسي عن شيوخه: أنّ الشافعي لما رود تنِّيس نزل على ابن يحيى بن حسّان، وكان من المياسير، وكان طبّاخُه لا يعيد اللون في الأسبوع إلا مرة، فأمر الشافعي الطباخَ بإعادة لونٍ استطابه، فلما وُضِعَ على المائدة تغيَّرَ يحيى بن حسّان، فقال الشافعي: أنا أمرته بهذا، فَسُرِّي عنه، ثم قال للغلام الطباخ: أنت حر لوجه الله تعالى، شكراً لانبساط أبي عبد الله الشافعي في رحلنا. وفي حديث أبي الحسن العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد قال: أخبرني القزويني - وهو محمد بن عبد الله - قاضي أهل مصر، عن الربيع قال: أخبرني البويطي أن يحيى بن حسّان كان يقول: ما رأيت مثل الشافعي. وكان شديد المحبة للشافعي، قدم الفسطاط وقال: إنما جئت للسلام على الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه. * * * ومنهم أبو الحسن: علي بن عبد الله بن جعفر بن المديني، أحد أئمة أهل العلم بالحديث. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا نصر بن محمد بن أحمد (¬1) قال: ¬

_ (¬1) في ح: «نصر بن أحمد بن محمد».

حدثني محمد بن عمرو البصري قال: حدثنا محمد بن عاصم قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن يوسف بن النضر قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الفرجي قال: سمعت محمد بن علي بن المديني قال: قال أبي: لا تترك للشافعي حرفاً واحداً إلا كتبته؛ فإنّ فيه معرفة. ورواه أبو الحسن: محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم في كتابه، عن أبي عبد الله بن يوسف هكذا. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرني علي بن عمر الحافظ قال: حدثني أبو بكر: محمد بن أحمد بن سهل النابلسي الشهيد قال: سمعت أبا بكر: أحمد بن عمرو بن جابر يقول: سمعت محمد بن يعقوب بن الفرجي يقول: سمعت علي بن المديني يقول: كتبت عن الشافعي كتاب «الرسالة» وجئت بها إلى أبي، فقال لي أبي: لا تترك عند هذا الرجل شيئا من الأسْفَاط (¬1) إلا كتبته. ثم جئتُ بها عبد الرحمن بن مهدي فأعجب بها، ثم كتبها الشافعي وأهداها إلى عبد الرحمن بن مهدي. كذا وجدته وكأنه سقط من إسناده ذكر محمد بن علي المديني (¬2). * * * ومنهم أبو زكريا: يحيى بن معين البغدادي، إمام أهل العلم بالحديث، رحمه الله. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر ¬

_ (¬1) في ح، هـ: «الاستنباط». (¬2) في ح: «الترمذي».

المعدِّل قال: حدثني محمد بن عمرو البصري قال: حدثنا محمد بن عاصم قال: سمعت حامد بن محمد الحافظ، بمصر، يقول: سمعت أبا يحيى البلخي يقول: سمعت محمد بن إبراهيم البوشنجي يقول: سألت يحيى بن معين عمن أكتب كتب الشافعي؟ فقال: عن الربيع وذلك قبل خروجي إلى مصر. وهكذا قرأته في كتاب أبي الحسن العاصمي هذا عن أبي أحمد: حامد ابن محمد الحافظ. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت محمد بن موسى بمصر يقول: سمعت هاشم بن مرثد الطبراني يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: الشافعي صدوق. وكذلك حكاه محمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، عن أبي بكر: محمد بن موسى بن عيسى المصري. وكذلك حكاه يحيى بن زكريا المصري، عن هاشم بن مرثد. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا محمد بن علي [بن طلحة (¬1)] المروروذي قال: حدثنا محمد (¬2) بن علي الأصبهاني قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: حدثنا أحمد بن روح البغدادي قال: سمعت الزَّعْفَرَاني يقول: كنت مع يحيى بن معين في جنازة فقلت له: ¬

_ (¬1) ليست في ح. (¬2) في ا: «أحمد».

يا أبا زكريا، ما تقول في الشافعي؟ قال: دعنا لو كان الكذب له مطلقا لكانت مروءته تمنعه من الكذب. * * * ومنهم أبو رجاء: قتيبة بن سعيد البَغْلَاني، رحمه الله. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني القاسم بن غانم بن حمَّويه قال: سمعت أبا عبد الله البوشنجي قال: سمعت أبا رجاء: قتيبة بن سعيد يقول: الشافعي إمام. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: أخبرني أبو سعيد المكي - وهو ابن الأعرابي، إجازة - قال: حدثنا تميم بن عبد الله الرازي قال: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: مات الثوري ومات الورع، ومات الشافعي وماتت السنن! ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع. وقرأت في كتاب زكريا السّاجِي: حدثني أحمد بن مردك الرازي قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: رأيت الشافعي بمكة. فذكر قصة في مناظرته، ثم قال قتيبة: لو وصل إليّ كلامه (¬1) لكتبته: ما رأت عيناي أكيس منه. * * * ومنهم أبو عبيد: القاسم بن سلاَّم، إمام أهل اللغة مع معرفته بعلوم الشريعة، رضي الله عنه. أخبرنا القاضي الإمام أبو عمر: محمد بن الحسين بن محمد البسطامي قال: ¬

_ (¬1) في ا: «لو وصلت إلى كلامه».

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال: سمعت علي بن عبد العزيز البَغَوِي بمكة يقول: سمعت «أبا عبيد: القاسم بن سلام» يقول: ما رأيت رجلا قط أعقل (¬1) ولا أورع ولا أفصح ولا أنبل رأيا من الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه. وروينا عن علي بن عثمان وحفص الوراق عن أبي عبيد أنه قال: ما رأيت رجلا قطّ أعقل من الشافعي. ورواه زكريا الساجي في كتابه عن أحمد بن العباس (النسائي عنهما) (¬2) وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي، عن عبد الله بن أحمد الأهْوَازي قال حدثني الحسن بن أسد قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: جاءني «أبو عبيد: القاسم بن سلام» فأخذ مني كتب الشافعي، رضي الله عنه. * * * ومنهم أبو عبد الله: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشَّيْبَاني، الإمام المقدم، رضي الله عنه. أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد بن الخليل الماليني قال: أخبرنا أبو أحمد: عبد الله بن عدي الحافظ قال: حدثنا زكريا السّاجِي قال: حدثني داود الأصبهاني قال: سمعت إسحاق بن رَاهَوَيْه يقول: لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال: تعالى حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله. قال: فجاء، فأقامني على الشافعي. ¬

_ (¬1) في ا: «أفضل». (¬2) من ح. وموضع القوسين بياض في ا.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد: حسّان بن محمد الفقيه قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن علي العمري قال: حدثنا أبو إسماعيل: محمد بن إسماعيل قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي - وكان من الإسلام بمكان - قال: رأيت الشافعي بمكة يفتي الناس، ورأيت إسحاق بن إبراهيم الحَنْظَلي، وأحمد بن حنبل حاضرين. قال أحمد بن حنبل لإسحاق: يا أبا يعقوب، تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله. فقال له إسحاق: لم تر عيناي مثله؟ قال: نعم. فجاء به فأوقفه على الشافعي، رضي الله عنه، ثم قال: اسمع ما يقول، فلما تفرّق الناس عنه قال أحمد لإسحاق: كيف رأيت؟ قال: نعم هذا الرجل كما وصفت لكنه أخطأ في خمسة أحصيت عليه، وقد أفتى أكثر من مائتي مسألة أخطأ في خمس. فقال له أحمد بن حنبل: ألا تشكر الله؟ رجل يفتي فيما ذكرت يخطئ في خمس عندك، وهذا رجل حجازي لو أوردت عليه: سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله - لم يحتج به ما لم يكن عندهم بالحجاز له أصل. ثم ذكر الحكاية في مناظرة الشافعي وإسحاق في سكنى بيوت مكة. وقد ذكرناه في «كتاب المعرفة». وقرأت في كتاب زكريا السّاجِي: حدثني جعفر بن أحمد قال: سمعت محمد ابن جبريل يقول: إن يحيى بن معين قال: لما قدم الشافعي كان أحمد بن حنبل ينهى عنه قال: فاستقبله يوما والشافعي راكب بغلة وهو يمشي خلفه قال: فقلت له: يا أبا عبد الله، أنت تنهانا عنه فكيف تتبعه؟ فقال: اسكت، لو (¬1) لزمت البغلة انتفعت. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر المعدل ¬

_ (¬1) في ا: «إن»

قال: وجدت عن أبي القاسم بن منيع: قال لي صالح (¬1) بن أحمد بن حنبل: ركب الشافعي حماره فجعل أبي يَسارَه، يمشي والشافعي راكب وهو بذاكره، فبلغ ذلك يحيى بن معين فبعث إلى أبي في ذلك فبعث إليه: إنّك لو كنت في الجانب الآخر من الحمار كان خيراً لك. هذا أو معناه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال وذكر محمد بن عبيد الله بن صالح بن أحمد بن حنبل. ح. وقرأتُ في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن أبي إسحاق: إبراهيم ابن محمد الرقي قال: حدثنا عبد الواحد بن معبد، عن صالح بن أحمد قال: جاء الشافعي يوما إلى أبي يعوده، وكان عليلا، فوثب إليه أبي فقبّل ما بين عينيه، ثم أجلسه في مكان وجلس بين يديه، فجعل (¬2) يسائله ساعة. قال: فلما قام الشافعي ليركب وثب أبي فأخذ بركابه ومشى معه. فبلغ يحيى بن معين، فوجه إلى أبي: يا سبحان الله! اضطرك الأمر إلى أن تمشي إلى جانب بغلة الشافعي؟ فقال له أبي: وأنت لو مشيت من الجانب الآخر لانتفعت. ثم قال أبي: من أراد الفقه فليشم ذنب هذه البغلة. قال أبو الحسن: وسمعت دعلج بن أحمد يحكي، عن ابن منيع، عن صالح ابن أحمد، عن أبيه، بهذه الحكاية أو قريبا منها. قال أبو الحسن: حدثني محمد بن عبد الله الرازي قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان، عن صالح بن أحمد قال: سمعت أبي في مسألة ذكرها فقال: قد قال بهذه غير واحد من الأئمة منهم الشافعي، رحمه الله. ¬

_ (¬1) في ح: «أنت صالح. . . قال له». (¬2) في ا: «فقال فجعل».

وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا عباس بن الحسن قال: حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد الزَّعْفَرَانِي، قال: حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثني محمد بن مخلد، أو ابن خالد، البغدادي قال: حدثنا الفضل بن زياد قال: قال أحمد بن حنبل: هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي، ما بت منذ أربعين سنة - أو قال ثلاثين سنة - إلا وأنا أدعو الله للشافعي وأستغفر له. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد، بأسداباذ، قال: سمعت عبيد (¬1) الله بن محمد بن زياد يقول: سمعت الميموني - يعني عبد الملك ابن عبد الحميد - يقول: سمعت محمد بن محمد بن إدريس الشافعي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستة ممن أدعو الله لهم: أحدهم محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الحيَّانِي قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني قال: سمعت زكريا بن يحيى السّاجِي يقول: سمعت ابن مجاهد يقول: سمعت أحمد بن الليث يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إني لأدعو الله للشافعي في صلاتي منذ أربعين سنة، أقول (¬2): اللهم اغفر لي ولوالديّ ولمحمد بن إدريس الشافعي (¬3)؛ فما كان منهم أتبع لحديث (¬4) رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منه. ¬

_ (¬1) في ح: «عبد الله». (¬2) ليست في ا. (¬3) ليست في ا. (¬4) في ا: «أتبع منه لحديث».

ورأيت في كتاب زكريا: عن بدر بن مجاهد، عن محمد بن الليث. ورواه حميد بن الربيع، عن أحمد بن حنبل، وزاد فيه: ما أعلم أحداً أعظم منَّةً على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي. ثم ذكر دعاءه له في أدبار صلواته. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو الحسن: أحمد بن محمد المقري بأَبيوَرْد قال: حدثنا جعفر بن (¬1) محمد بن عبد الرحمن. ح. قال: وأخبرنا عبد الله بن محمد بن حيَّان قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن. ح. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أحمد بن محمد بن محمد بن العمركي السّرخسي - بها - قال: حدثنا أبو جعفر الأصبهاني قال: حدثنا أبو القاسم: عبد الله بن محمد الأشقر قال: سمعت الفضل بن زياد القطان يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أحد مس بيده محبرة وقلماً إلا وللشافعي في عنقه منة. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه، قال: حدثنا إبراهيم (بن محمود) (¬2) قال حدثني أبو سليمان: داود قال: حدثني أبو جعفر المعروف بخياط السنَّة قال: قال لي أحمد بن حنبل: جاءني الحميدي فقال لي: يا أبا عبد الله، تجالس الشافعي؟ فقلت له: وماله لا أجالسه؟ أجالسته؟ فقال: لا. قال: فقلت له: اذهب حتى تجالسه حتى إذا تكلمت تفهم. قال: فعاد إليّ بعد مجالسته فقال: يا أبا عبد الله، فرّطنا في هذا الرجل. ¬

_ (¬1) في ا: «أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن». (¬2) سقطت من ح.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: حدثني أبو سليمان قال: حدثني محفوظ بن أبي توبة قال: كنا بمكة وأحمد بن حنبل جالس عند الشافعي وحدّث ابن عيينة، فقلت لأحمد: يا أبا عبد الله، قد حدّث ابن عيينة. فقال لي أحمد: هذا يفوت وذاك لا يفوت، وجلس عند الشافعي. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي - نزيل مكة فيما كتب إليّ - قال: سمعت محمد بن الفضل البزاز يقول: سمعت أبي يقول: حججت مع أحمد بن حنبل، فنزلنا في مكان واحد (¬1)، أو في دار - يعني بمكة - وخرج أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - باكراً، وخرجت أنا معه، فلما صلينا (¬2) الصبح درت المجلس فجئت مجلس سفيان بن عيينة، وكنت أدور مجلساً مجلساً طلبا لأبي عبد الله حتى وجدته عند شاب أعرابي وعليه ثياب مصبوغة، وعلى رأسه جُمَّة، فزاحمته حتى قعدت عند أحمد بن حنبل فقلت: يا أبا عبد الله، تركتَ ابن عُيَيْنَة وعنده الزُّهْرِي، وعمرو بن دينار، وزياد بن علاقة ومن التابعين (¬3) ما الله به عليم؟ فقال: اسكت، فإن فاتك حديث بعلو تجده (¬4) بنزول، فلا يضرك في دينك ولا في عقلك أو في فقهك. وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف أن لا تجده إلى يوم القيامة، ما رأيت أحدا أفقه في كتاب الله تعالى من هذا الفتى القرشي. قلت: من هذا؟ قال: محمد بن إدريس ¬

_ (¬1) في ا: «واحد معه». (¬2) في ح: «صليت». (¬3) في ح، ا: «والتابعين» والتصويب في الحلية. (¬4) في ا: «فخذه».

الشافعي، رحمه الله (¬1). أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا أبو عبد الله: محمد (¬2) بن عبد الرحمن الرّازي الصّوفي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن ناجية قال: سمعت محمد بن مسلم بن وَارَة يقول: لما قدمت من مصر أتيت أبا عبد الله: أحمد بن حنبل لأسلم عليه فقال لي: كتبت كتب الشافعي؟ فقلت: لا، فقال لي: فرّطت. ما عرفنا العموم من الخصوص، وناسخ حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من المنسوخ حتى جالسنا الشافعي، رحمه الله. قال ابن وارة: فحملني ذلك أن رجعت إلى مصر وكتبتها. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت أبا القاسم بن مَنِيع يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان الفقه قفلا على أهله حتى فتحه الله بالشافعي. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو تراب: أحمد بن محمد المذكر قال: سمعت محمد بن المنذر يقول: سمعت الحسن بن عامر - وهو ابن (¬3) سفيان - يقول: سمعت حميد بن زنجويه يقول: قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في قول الشافعي، رضي الله عنه، ¬

_ (¬1) حلية الأولياء 9/ 98 - 99. (¬2) في ا: «أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ...». (¬3) في ح: «أبو سفيان». (م 17 - مناقب الشافعي جـ 2)

«في الرَّهن» (¬1)؟ فقال: إني لأعجب ممن يخالفه. وأخبرني أبو نعيم، إجازة، قال: أخبرنا موسى بن العباس قال: سمعت أبا العباس: محمد بن الحكم الرملي يقول: سمعت حميد بن زَنْجَوَيْه يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إني لعجب ممن يخالف قول الشافعي في الرهن. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: حكى لنا عن أبي بكر المروروذي قال: قال لي أحمد بن حنبل: إذا جاءت مسألة ليس فيها أثر فأفتِ فيها بقول الشافعي، رضي الله عنه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد الأسَدَابَاذِي قال: حدثني أبو عمران: موسى بن القاسم بن الأشيب قال: حدثنا إبراهيم ابن محمد: أبو إسحاق الشهرزوري قال: حدثني أبو صالح: [محمد بن صالح] (¬2) قال: سمعت أيوب بن إسحاق يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما تكلم في العلم رجل أقل خَطاءً، ولا آخَذَ بسنة النبي، صلى الله عليه وسلم، من الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه. وقرأت في كتاب أبي بكر: محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا: قرئ على مكي بن عبدان أنه سمع «مسلم بن الحجاج» يقول: قال أحمد بن حنبل: كان الشافعي، رحمه الله، من أفصح الناس. قلت له: كان له سنّ؟ قال: ¬

_ (¬1) راجع الأم 3/ 166. (¬2) ما بين القوسين من ح.

لم يكن بالكبير. قلت له: إن مصعب الزبيري قال: هو أسن مني بأربع أو خمس سنين (¬1) قال: كذا (¬2) كان. لم يكن بالكبير. قال أحمد: قال الشافعي، رضي الله عنه، أنا قرأت على مالك فكان يعجبه قراءتي. قال أحمد: لأنه كان فصيحا. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ «في الأمالي» قال: سمعت أبا أحمد: علي (¬3) بن عبد الله المروزي يقول: سمعت أبا غالب: علي بن أحمد بن النضر الأزدي يقول: سمعت أبا عبد الله: أحمد بن محمد بن حنبل، وسئل عن محمد بن إدريس الشافعي، قال أحمد: لقد مَنّ الله علينا به. لقد كنا تعلّمنا كلام القوم وكتبنا كتبهم حتى قدم علينا الشافعي، فلما سمعنا كلامه علمنا أنه أعلم من غيره، وقد جالسناه الأيام والليالي فما رأينا منه إلا كلَّ خير، رحمة الله عليه. قال أبو غالب: فقال له رجل: يا أبا عبد الله، فإن يحيى بن معين وأبا عبيد الله لا يرضيانه: يعني في نسبتهما إياه إلى التشيع. فقال أحمد: ما أدري ما يقولان؟ والله ما رأينا منه إلا خيرا ولا سمعنا منه إلا خيرا، ثم قال أحمد لمن حوله: اعلموا رحمكم الله، أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئا من العلم وحُرِمَه قرناؤه وأشكاله حسدوه فرموه بما ليس فيه. وبئست الخصلة في أهل العلم! قلت: قد ذكرنا فيما مضى مناظرة أحمد مع يحيى بن معين حين نسب ¬

_ (¬1) في ا: «وسنين». (¬2) ليست في ح. (¬3) في ا: «محمد».

الشافعي إلى التشيع باحتجاجه في قتال أهل البغي بفعل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وجواب أحمد عنه. وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي: سمعت الحسن بن محمد الزَّعْفَرَاني يقول: ما ذهبت إلى الشافعي مجلساً قط إلا وجدت أحمد بن حنبل فيه، ولقد كان أحمد بن حنبل ألزم للشافعي منك لي (¬1) فبم (¬2) أشبهك إلا بضبَّة الباب (¬3). * * * ومنهم أبو يعقوب: إسحاق بن إبراهيم الحَنْظَلي، أحد أئمة أهل الحديث في عصره، رحمه الله. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا علي بن محمد بن عمر الفقيه قال: حدثنا ابن أبي حاتم قال: حدثنا علي بن الحسن الهَسِنْجاني (¬4) قال: سمعت أبا إسماعيل الترمذي يقول: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: ما تكلم أحد بالرأي - وذكر الثوري والأوزاعي وأبا حنيفة ومالكا - إلا والشافعي أكثر اتباعاً وأقلُّ خطاءً منه (¬5). ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ا: «ما أشبهك». (¬3) بلغ مقابلة في الرابع والعشرين. (¬4) نسبة إلى قرية من قرى الري يقال لها هسنكان فعرب فقيل «هسنجان» وهو بكسر أوله وفتح السين المهملة ثم نون ساكنة بعدها جيم وآخره نون. وعلي بن الحسن الرازي الهسنجاني سمع هشام بن عمار، وسعيد بن أبي مريم، ونعيم بن حماد، وأحمد بن حنبل، ويحيى ابن معين وغيرهم. وروى عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره وتوفى سنة 275 كما في معجم البلدان 8/ 465 - 466. (¬5) آداب الشافعي ص 89 - 90.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد. فذكره، غير أنه لم يذكر الثوري. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو محمد الصيدلاني قال: سمعت أبا عبد الله البُوْشَنْجِي يقول: سمعت إسحاق بن رَاهَوَيْه يقول وقد ذاكرني قوله - يعني قول الشافعي - قال: هو متين القول. أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: سمعت منصور بن إسماعيل الفقيه، ويحيى بن زكريا يقولان: سمعنا أبا عبد الرحمن النّسائي يقول: سمعت عبيد الله بن فضالة النسائي الثقة المأمون يقول: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: الشافعي إمام. وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا أبو العباس: عبيد الله بن محمد المطلبي قال: حدثنا عمر بن الربيع أبو طالب قال: سمعت أبا عبد الرحمن النّسائي يقول: سمعت عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي الثقة. فذكره. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا علي قال: حدثنا عبيد الله ابن محمد الشافعي قال: سمعت أبا الحسن: علي بن زريق الآدمي قال: سمعت أبا عبد الرحمن النسائي يقول: قال إسحاق بن راهويه: الشافعي خطيب العلماء. فقلت: سمعتَه من

إسحاق؟ فقال: لا. عبيد الله بن فضالة عنه (¬1). * * * ومنهم يحيى بن أَكْثَم القاضي. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: حكى لنا عن يحيى بن أكثم أنه سئل. ح. وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجي قال: حدثني جعفر بن محمد قال: سأل «ابن إدريس»: «يحيى بن أكثم» عن «أبي بكر الأصم» قال: ذاك معلم كتَّاب: يقول الشيء ويرجع عنه. وسأله عن «بشر المريسي» قال: ذاك شَغّاب. وسأله عن «الشافعي» فقال: ما رأيت رجلا أعقل من الشافعي، كان كبير الدّماغ. * * * ومنهم أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد الشافعي، رحمة الله عليه. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني الحسين بن محمد الدّارمي، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الحَنْظلي - قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النَّبِيل قال: سمعت أبا إسحاق: إبراهيم بن محمد، وذكر «محمد بن إدريس الشافعي» فقال: هو ابن عمي فعظمه وذكر من قدره وجلاله (¬2) يعني في العلم. * * * ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ا: «وجلالته».

ومنهم سليمان بن داود الشَّاذكُوني. قرأت في كتاب زكريا السّاجي: سمعت بدر بن مجاهد يقول: قال لي سليمان الشَّاذَكُوني: اكتب رأي «الشافعي» واخرج إلى «أبي ثَوْر» فاكتب عنه؛ فإنه مذهب أصحابنا الذي نعرفه، وامِض إلى أبي ثور لا يفوتك بنفسه. * * * ومنهم: عبد الله بن عبد الحكم المصري. قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: أنبأنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام: مكحول ببيروت، قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، وذكر الشافعي فقال: قال أبي: عبد الله بن عبد الحكم: ما رأيت مثل هذا الرجل. وقرأت في كتابه: عن الزبير بن عبد الواحد، عن محمد بن أحمد بن موران، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: قدم (¬1) الشافعي مصر وكان صنَّف الكتب، فأعطاني أبي شيئا من الورَق فقال: مُرّ به إلى القرشيين، وسلهم أن يكتبوا لك شيئاً من كلامه في أحكام القرآن؛ فإني ما رأيت رجلا أحسن استنباطا منه. قال: فأعطيته الورق، فجعل يكتب فمات الشافعي فأوصى (¬2) أن يُرَدَّ الورق إلينا. قال: فَرُدَّ إلينا قال محمد: فإذا قد كتب بعضُه بخطه من أحكام القرآن، وهي عندنا إلى الآن. * * * ¬

_ (¬1) في ح: «لما قدم». (¬2) في ح: «وأوصى».

ومنهم من أصحابه العراقيين: أبو ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي، رضي الله عنه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد الحَنْظلي - قال: أخبرني أبو عثمان، نزيل مكة، من كتابه (¬1) قال: قال أبو ثور: كنت وإسحاق بن راهويه، وحسين الكرابيسي، وذكر جماعة من العراقيين، ما تركنا بِدْعَتَنَا حتى رأينا الشافعي (¬2)، رضي الله عنه. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد في «التاريخ» قال: سمعت إسحاق ابن سعد (¬3) بن الحسن بن سفيان يقول: سمعت جدي يقول: سمعت «أبا ثور» يقول: ما رأيت مثل الشافعي، رضي الله عنه، ولا (¬4) رأى الشافعي مثل نفسه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: سمعت أبا سعيد: محمد بن إبراهيم المذكّر يقول: قلت للحسن بن سفيان: سمعتَ «أبا ثور» يقول: كثيرا ما كان يمازحني الشافعي، رضي الله عنه: يا أبا البقر؟ فأقرَّ به وقال: (¬5) نعم. * * * ¬

_ (¬1) في ا: «مكة كتابة». (¬2) آداب الشافعي ومناقبه 65. (¬3) في ح: «ابن سعيد». (¬4) في ا: «فلا». (¬5) في ا: «ويقول».

ومنهم أبو علي: الحسن بن محمد الصباح الزَّعْفَرَاني، رحمه الله، راوي كتب الشافعي في القديم. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا أبو بكر: محمد بن أحمد بن هارون قال: سمعت إبراهيم بن محمود يقول (¬1): سمعت «الزعفراني» يقول: ما رأيتُ مثل الشافعي أفضل ولا أكرم ولا أسخى ولا أتقى ولا أعلم منه. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: وفيما كتب إليّ أبو سعيد بن الأعرابي: أنه سمع «الزعفراني» يقول: ما حمل أحد مِحْبَرَةً إلا وللشافعي (¬2) عليه مِنَّة. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان القاضي، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني قال: أنبأنا أحمد بن روح البغدادي قال: حدثنا «الزَّعْفَرَاني» قال: ما رأيت الشافعي لحن قط، وكان يُقْرَاَ عليه من كل الشعر فيعرفه. قلت: وكان الحسن بن محمد الزعفراني من أهل اللغة. وقرأت في كتاب زكريا السّاجِي، عن جعفر بن أحمد، عن الزعفراني قال: ¬

_ (¬1) في ا: «قال». (¬2) في ا: «والشافعي».

ما كان الشافعي إلا بحرا، (1 وكان يبتدئ فلو كان من يسائله لانفجر بحراً ¬1). * * * ومنهم أبو علي: الحسين بن علي الكَرَابيسي، رحمة الله عليه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أنبأني أبو القاسم الأسدي، شِفَاهاً: أنّ زكريا بن يحيى حدّثهم قال: حدثنا محمد بن هارون بن عبد الخالق قال: سمعت «الحسين بن علي الكرابيسي» يقول: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى الشافعي مثل نفسه. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا علي بن محمد بن عمر الفقيه قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: (¬2) سمعت دُبَيْساً يقول: كنت عند أحمد بن حنبل في الجامع فمر الحسين الكرابيسي فجئته فقلت: ما تقول في الشافعي؟ فقال: ما كنا ندري ما الكتاب ولا السنة والإجماع حتى سمعنا (¬3) من الشافعي. وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي: عن محمد بن إسماعيل قال: حدثنا حسين بن علي قال: جاء مصعب الزبيري إلى الشافعي فقال: أقرأ عليك «أشعار الهذليين»؟ فكلما (¬4) ذهب مصعب ينشده من عذوبة لسان الشافعي قال حسين: ما رأيت ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ساقط من ح. (¬2) آداب الشافعي ومناقبه 56 - 57. (¬3) في ا: «سمعناه». (¬4) في ح: «فلما ذهب مصعب ينشده مصعب».

أفصح من الشافعي ولا أعذب لسانا (¬1). وقال أهل الصناعة في النحو: ما رأينا الشافعي لحن قط. وقرأت في كتابه: حدثني محمد بن (¬2) إسماعيل قال: سمعت حسين بن علي [الكرابيسي] يقول: كنا نسأل الشافعي عن الشيء فيقول: لا أدري. الله أعلم، ثم يجيبنا وهو أعلم الناس به، واحتج لنفسه ولمخالفه ثم يقول: لا يسألكم أحد إلا أجبتموه على حسب ما أقول لكم. * * * ومن أصحابه المكيين والمصريين، منهم: أبو بكر: عند الله بن الزّبير القرشي الحُمَيْدي. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: حدثني أبو بشر بن أحمد الدُّولاَبِي، في طريق مكة، قال: حدثنا أبو بكر بن إدريس قال: سمعت الحميدي يقول: (¬3) كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بمكة على سفيان بن عُيَيْنَة فقال لي ذات يوم، أو ذات ليلة: هاهنا رجل من قريش له بيان ومعرفة. قلت: فمن هو؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي. وكان أحمد بن حنبل قد جالسه بالعراق. فلم يزل بي حتى أخذني إليه. وكان الشافعي يجلس قُبَالَة المِيْزَاب، فجلسنا إليه ودارت مسائل، فلما قمنا قال لي أحمد بن ¬

_ (¬1) في ا: «من لسانه». (¬2) ليست في ح وهـ. (¬3) آداب الشافعي ومناقبه 43 - 45.

حنبل: كيف رأيت؟ فجعلت أتتبع ما أخطأ فيه، وكان ذلك مني بالقُرَشِيَّة - يعني الحسد - فقال لي أحمد بن حنبل: فأنت لا ترضى أن يكون رجل من قريش تكون له هذه المعرفة وهذا البيان - أو (¬1) نحو هذا من القول - يخطئ خمساً أو عشْراً، اترك ما أخطأ وخذ ما أصاب. قال: فكأن كلامه وقع (¬2) في قلبي فجالسته فغلبتهم عليه، فلم يزل يقدم مجلس الشافعي. ورواه غيره عن ورّاق أبي بكر بن إدريس، عن الحميدي فزاد فيه: فلزمته حتى خرجت معه إلى مصر. وزاد غيره عنه فيه: قال أحمد: وإيش هو من الخطأ الذي تنكره؟ لعلّه لو سألته لخرج منها، الزمه. فلزمناه (¬3). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن حاتم - قال: حدثنا أبو بكر بن إدريس، وراق الحميدي قال: قال الحميدي: كنا نريد أن نَرُدَّ على أصحاب الرأي فلم نحسن كيف نرد عليهم حتى جاءنا الشافعي ففتح علينا (¬4). قال: وحدثنا عبد الرحمن قال: أخبرني أبو بشر بن أحمد بن حماد قال: حدثنا أبو بكر بن إدريس قال: سمعت الحميدي يقول: كان الشافعي ربما ألقى عليّ وعلى ابنه أبي عثمان المسألةَ فيقول: أيّكما أصاب فله دينار (¬5). ¬

_ (¬1) في ا: «ونحو». (¬2) في ا: «وجع». (¬3) في ح: «فلزمناه فلزمته حتى خرجت معه إلى مصر». (¬4) آداب الشافعي ومناقبه 41 - 42. (¬5) آداب الشافعي ومناقبه 97 وحلية الأولياء 9/ 119.

أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي، أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا علي بن أحمد بن علي بن عمران - يعني الجُرْجَانِي - عن أبيه: عن الحُمَيْدي قال: حدثنا سيّد علماءِ أهلِ زمانه: محمد بن إدريس الشافعي. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي، وأبو حازم (¬1): عمر بن أحمد العَبْدَوِي الحافظ. قال أبو عبد الرحمن: أخبرنا، وقال أبو حازم: سمعت أبا محمد بن أبي حامد الشيباني يقول: سمعت أبا العباس: الفضل بن محمد بن الفضل الحافظ يقول: سمعت أبا الحسن: علي بن أحمد بن الجُرْجَاني يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الحميدي يقول: سيد علماء أهل زمانه: محمد بن إدريس الشافعي. ورواه أيضا محمد بن داود، عن أحمد بن علي الجرجاني قال: كان الحميدي إذا جرى عنده ذكر الشافعي يقول (¬2): حدثنا سيد الفقهاء الشافعي. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني محمد بن يوسف الدَّقيقي قال: حدثنا أبو نعيم الفقيه قال: حدثنا محمد بن داود. فذكره. * * * ¬

_ (¬1) في ح: «أبو حاتم» وهو تحريف. وفي هـ: «العبدي» وهو أبو حازم: عمر بن أحمد ابن إبراهيم بن عبدويه العبدوي. كان إماما رحل في طلب الحديث، فسمع أبا بكر الإسماعيلي وخلقا كثيرا. وروى عنه الخطيب أبو بكر. وتوفى يوم عيد الفطر سنة 417 كما في اللباب 2/ 113. (¬2) سقطت من ح.

ومنهم أبو عبد الله: أحمد بن صالح المصري، رحمه الله. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، قال: أنبأنا علي ابن عمر الدَّارَقطْنِي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا موسى بن سهل الرَّمْلِي قال: قلت لأحمد بن صالح: جالستَ أبا عبد الله: محمد بن إدريس الشافعي؟ فقال: سبحان الله! مثله كنت أُقصِّر في مجالسته.؟! * * * ومنهم علي بن معبد (¬1) المصري، رحمه الله. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قال أبو الوليد الفقيه: سمعت مَكّي ابن عبدان يقول: سمعت جعفر بن محمد بن موسى يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت علي بن معبد (¬2) يقول: ما عرفنا الحديث حقا (¬3) حتى جاءنا الشافعي، رضي الله عنه. * * * ومنهم عبد الملك بن هشام النحوي، رحمة الله عليه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ، ببغداد، قال: حدثنا أبو العباس: عبيد الله بن محمد المطّلبي، عن يحيى بن زكريا ابن حيويه قال: سمعت المزني يقول: قدم علينا الشافعي، وكان بمصر عبد الملك بن هشام، ¬

_ (¬1) في ح: «بن سعيد» وهو تحريف. (¬2) في ح: «بن سعيد». (¬3) سقطت من ح.

صاحب المغازي، وكان علامة أهل مصر في العربية والشعر، فقيل له في المَصِيرِ إلى الشافعي، فَتَثَاقَلَ ثمّ ذهب إليه فقال: ما ظننتُ أنّ الله خلق مثل الشافعي. وكان ابن هشام بعد ذلك قد اتخذ قول الشافعي حجّة في اللغة. * * * ومنهم أبو يعقوب: يوسف بن يحيى البُوَيْطِي، رحمه الله. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنبأنا الحسن بن رشيق، إجَازَةَ، قال: حدثنا محمد بن سفيان قال: حدثنا الربيع قال: قال البويطي: الرَّادَّ على الشافعي مَتْعُوب. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد قال: حدثنا محمد بن عبد الله القَزْويني، قاضي أهل مصر، قال: حدثنا الربيع قال: قال أبو يعقوب: ما عرفنا نحن مقدار الشافعي [حتى رأيت أهل العراق يذكرون الشافعي] (¬1) ويصفونه بوصف ما نحسن نحن نصفه، فقد كان حُذَّاق العراق بالفقه والنّظر، وكلّ صنف أهل الحديث وأهل العربية والنُّظّار، يقولون إنهم لم يَرَوْا مثل الشافعي، رضي الله عنه. قال الربيع: وكان البُوَيْطي يقول: قد رأيت الناس، والله ما رأيت أحداً يشبه الشافعي، رضي الله عنه، ولا يقاربه في صِنْف من العلم، ووالله إنّ الشافعي كان أوْرَع عندي من كل من رأيتُه يُنْسَبُ إلى الورع. قال الربيع: ومن كثرة ما كنتُ أرى أبا يعقوب البويطي يتأسف على الشافعي وما فاته، قلت له: يا أبا يعقوب: قد كان الشافعي لك محبًّا يقدّمك على أصحابه، وكنت ¬

_ (¬1) الزيادة من ح.

أراك شديد الهيبة له، فما منعك أن تسأله عن كل ما كنت تريد؟ فقال لي: قد رأيت الشافعي ولينه وتواضعه، والله ما كلمته في شيء قطّ إلا وأنا كالمُقْشَعِرّ من هيبته. ثم قال: قد رأيت «ابن هرم» وكلَ من كان في زمان الشافعي كيف كانوا يهابونه، وقد رأيت هيبة السلاطين عند الشافعي، رضي الله عنه. * * * ومنهم أبو عبد الله: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، رحمه الله. أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت أبا القاسم: إبراهيم بن محمد (¬1) النَّصْرَابَاذِي يقول: حدثنا أبو بكر: محمد بن علي بن الحسين الفقيه المصري، بها: قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى الشافعي بعينه مثله. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن أبي الحسن: علي بن محمد ابن قدامة قال: سمعت سعيد بن عمرو البّرْذَعِي يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: ليس «أبو عُبَيْد» عندنا بفقيه. قلت: لم؟ قال: لأنه يجمع أقاويل الناس ويختار لنفسه منها قولا. قلت: فمن الفقيه؟ قال: الذي يستنبط أصلا من كتاب أو سنة لم يسبق إليه، ثم يُشَعِّبُ من ذلك الأصل مائة شعبة. قلت: ومن يقوى على هذا؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه. * * * ¬

_ (¬1) في ح: «بن محمد بن النصراباذي».

ومنهم أبو إبراهيم: إسماعيل بن يحيى المزني. وأبو محمد: الربيع بن سليمان بن كامل المُرَادِي، رضي الله عنهما. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: قال أبو أحمد الترمذي، عن زكريا ابن أحمد. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، سماعه من أبي يحيى: زكريا بن أحمد بن يحيى بن موسى البَلْخي، قال: سمعت عثمان بن سعيد يقول: سمعت المزني يقول: أَحْذَقُنا أحذقنا سرقة من الشافعي. وقرأت في كتابه: عن الزبير بن عبد الواحد قال: وحدثنا القزويني قال: سمعت أبا إبراهيم المزني يقول: لو كنا نفهم عن الشافعي كل ما يقول لأتيناكم عنه بِصنُوف العلم، ولكنا لم نكن نفهم. قال: وقال له رجل: يا أبا إبراهيم، أمْلَى عليك الشافعي «كتاب السبق والرمي»؟ أظنه قال: نعم، ولا نعلم أحداً سبقه [إليه] (¬1) قال المزني: وأيّ علم كان يذهب على الشافعي؟ [ولكن لم نكن نفهم فقصّرنا وعاجله الموت] (¬2) وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي الصّوفي قال: سمعت أبا الحسن: أحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة الطّرْسُوسِي يقول: سمعت أحمد بن عبد الرحمن يقول: قال المزني: لو وُزِنَ عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لَرَجَحَ بهم. ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) الزيادة من ح. (م 18 - مناقب جـ 2)

قال: وقال المزني. لو كان الشافعي في بني إسرائيل لاحتاجوا إليه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد بن علي بن زياد العدل يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:، وذكر الشافعي، فقال: لو رأيتموه لقلتم: إن هذه ليست كتبه كان والله لسانُه أكثر من كتبه. وقرأت في كتاب العاصمي بإسناده: عن حرملة بن يحيى قال: كان أبي يقول: كل ما تكلم به الشافعي فاكتبه. قال: وكان معي كاتب قد رَتَّبَهً أبي معي، فكان أبي يقول للكاتب: اكتب كل ما تكلم به. (1 قلت: وقد ذكرنا فيما تقدم من هذا الكتاب عن كل واحد ممن سمّينا هاهنا، أو عن أكثرهم، وعن غيرهم، ما بلغنا من أقَاوِيلهم في مدح الشافعي، رضي الله عنه، وحسن الثناء عليه، وإعادةُ ذلك هاهنا مما يطولُ به الكتاب، واقتصرنا على هذا، وبالله التوفيق ¬1). * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني محمد بن إبراهيم المؤذن، عن أبي نعيم الفقيه قال: وقال داود بن علي الأصبهاني: الرَّادُّ على الشافعي مَتْعُوب أبداً. قال أبو نعيم: لم يقصد داود بالردّ على الشافعي، إنما رَدَّ ابنُه على الشافعي فأخطأ. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا العباس بن الحسن قال: حدثنا ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في هـ.

محمد بن الحسين قال: حدثنا أبو يحيى السّاجِي قال: حدثنا أبو العباس: أحمد ابن الحسين قال: حدثنا «داود بن علي» قال: كنت يوماً أقلب كتب إسحاق بن إبراهيم الحَنْظَليّ، فرأيتُ من كُتبِ الشافعي، فجعل يخفيها عني فاجْتَذَبْتُها (¬1) فقلت: معاذ الله أَنْ نأخُذَ إلا مَنْ وَجَدْنا مَتَاعَنا عندَه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عمر بن أحمد بن شاهين يقول: سمعت عبد الله بن سليمان يقول: قال «داود بن علي الأصبهاني»: كان الشافعي سِرَاجاً منيراً لحملة الآثار ونقلة الأخبار، مَنْ تعلَّق بشيء من بيانه صار مِحْجَاجاً. قال: وسمعت عبد الله يقول: قال الحسن بن محمد الزَّعْفَرَانِي، وسئل في مجلسه عن مسألة فقال: معضِلَة (¬2) نبلغ بها إلى أبي سليمان - يعني داود - فنسأله فقال له بعض من في المجلس: لو أَفْتَيْتَهُ فقال: إني أعلم الظاهر من قول الشافعي، رضي الله عنه، وهو يعلم الظاهر والباطن. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنبأنا أبو الوليد قال: حدثنا إبراهيم ابن محمود بن حمزة قال: قال داود بن علي في ذكر صفة الشافعي، رحمه الله: شرفُه ومَنْصِبُه ونسبُه الذي لا يُجهل في عبد مناف، ومنها: ما مَنَّ الله عليه من دينه وجميل سَتْرِهِ وورعه. ¬

_ (¬1) في هـ: «فاخذتها». (¬2) في ا: «معظه» وفي ح: «مفصلة».

وأخبرنا أبو عبد الله قال: قال أبو الوليد فيما أخبرت (¬1) عنه: سمعت إبراهيم بن محمود يقول: سمعت «داود بن علي» يقول في ذكر الشافعي: ومن فضائله حفظُه لكتاب ربّه، ومعرفته به، وجمعه لسنن النبي، صلى الله عليه وسلم، ومعرفته بالواجب منها من النَّدْب، ومعرفته بناسخ القرآن من منسوخه، و (¬2) العامّ منه والخاصّ، ثم معرفته بسيرة هدى نبيه، صلى الله عليه وسلم، وأئمة الهدى بعده، ومغازي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وخلفائه بعده، وتركه تقليد أهل بلده، وإيثاره ما دلّ عليه كتابُ ربّه، وثبت عن نبيه، صلى الله عليه وسلم، ثم ما كشف من تَمْوِيه المخالفين، وما أبطل من زخْرفِتهم (¬3) بالحقّ الذي قَذَفَ به على باطلهم فَيْدْمَغُه، ثم ما بَيَّن من الحق الذي سهَّل - بتوفيق خالقه - مَعْرِفَته حتى استطال به من لم يكن يميز بين ظلام وضياء مثلا، وألفوا الكتب وناظروا المخالفين. قال: ومنها مَا مَنَّ الله عليه من مَنْطِقِه الذي طُبِعَ عليه وكان يعترف (¬4) له به كلّ من شاهده، ويقر بتقصيره عن بلوغ أدْنى ما مَنّ الله به عليه منه. قال: ومنها ما وقاه الله من شُحّ نفسه المُوجِب له للفلاح؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬5) و [ما] (¬6) من عليه به من سماحته وجوده. ¬

_ (¬1) في ح: «فيما أخبرني». (¬2) في ا: «أو». (¬3) في ا: «من خرفهم». (¬4) في ا: «يعرف به له». (¬5) سورة الحشر: 9. (¬6) الزيادة من ح.

ثم ساق الكلام إلى أن قال: وما علمت أحداً في عصره كان أمّنَّ على أهل الإسلام منه؛ لما نشر من الحق، وقَمَعَ من الباطل، وأظهر من الحجج، وعلم من الخير (¬1)، رحمة الله ورضوانه عليه، وعَرَفَ الله جل ثناؤه ذلك له، وجمع بيننا وبين نبينا، صلى الله عليه وسلم، والصالحين من عباده، وبينه في جنته مع جميع الأحبَّة؛ إنه لطيف خبير. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد: جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت أبا الحسن: علي بن أبان الطبري يقول: سمعت أبا عبيد بن حربويه يقول: سمعت «داود بن علي» يقول: كنت عند أبي ثَوْرٍ إذ دخل عليه رجل فقال: يا أبا ثور. أما ترى هذه المصيبة التي نزلت بالناس؟ قال: وما هي؟ قال: يقولون: إن «الثوري» أفقه من «الشافعي» فقال: يا سبحان الله، وقد قالوها! قال: نعم. قال: نحن نقول: إن الشافعي أفقه من إبراهيم النَّخَعِي وذَوِيه، وقد جاءنا هذا بالثوري (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت أبا زُرْعَة: أحمد بن موسى المكي يقول: سمعت هلال بن العلاء الرَّقي يقول: مَنَّ الله تبارك وتعالى على الناس بأربعة في زمانهم: الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد، ويحيى بن معين. فأما الشافعي، رضي الله عنه، فبفقه حديث النبي، صلى الله عليه وسلم. ¬

_ (¬1) في ح: «من الخير. ومنها: نسبه الذي لا يجهل في عبد مناف. ومنها: ما من الله عليه من دينه وجميل سيره وورعه. رحمة الله ...». (¬2) راجع توالي التأسيس 59.

وأما أحمد بن حنبل فجعله للناس إماماً في القرآن، ولولا ذلك لكفر الناس. وأما أبو عبيد ففسَّر لهم غريب الحديث، ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ. وأما يحيى بن معين فنفى الكذب عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا العباس: الوليد بن محمد الواعظ يقول: سمعت محمد بن مخلد يقول: قال «حجاج بن الشاعر»: مَنَّ الله على هذه الأمة بأربعة أئمة في وقتهم: بأحمد بن حنبل: ثبت في القرآن لولاه لهلك الناس. والشافعي بفقه حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو عبيد: فسّر غريب حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم. ويحيى بن معين: نفى الكذب عن حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: الزبير بن عبد الواحد الحافظ يقول: سمعت أبا محمد: جعفر بن محمد بن علي الهمذاني يقول: سمعت هلال بن العلاء يقول: الشافعيّ (¬1) أصحاب الحديث عيال عليه فتح لهم الأقْفَال. وفيما قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: سمعت أبا الحسن: علي بن محمد ابن قدامة الأرْدَبِيْلِي يقول: سمعت سعيد بن عمرو البرذعي يقول: وردت الرّيّ، فدخلت على أبي زُرْعَة فقلت (¬2): سمعت حميد بن الربيع يقول: ¬

_ (¬1) في ح: «للشافعي». (¬2) سقطت من ح.

سمعت أحمد بن حنبل يقول يعني (¬1) قوله: ما أعلم أحداَ أعظم مِنَّة على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي. فقال أبو زرعة: صدَقَ أحمد بن حنبل، ما أعلم أحداً أعظم مِنَّةً على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي، ولا أحد ذَبَّ عن سنن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مثل ما ذبّ الشافعي، ولا أحد كشف عن سَوْءَاتِ القوم مثل ما كشفه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني نصر بن محمد العطّار قال: أخبرني محمد بن عمرو البصري قال: حدثنا أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن الحسين الأسَدَابَذِي قال: حدثنا أبو نصر: محمد بن حَمْدَوَيه المرْوَزِي قال: سمعت أحمد بن سنان (¬2) يقول: لولا الشافعي لدرس الإسلام. أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي قال: أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: أنبأنا عبد الله بن العباس الطَّيَالِسي قال: سمعت هلال بن العَلاَء يقول: مَنَّ الله تعالى على هذه الأمة بأربعة لولاهم لهلك الناس. مَنَّ الله تعالى عليهم بالشافعي حتى بَيَّنَ المُجْمَلَ من المُفسَّر، والخاصّ من العام، والناسخ من المنسوخ، ولولاه لهلك الناس. ومَنَّ الله عليهم بأحمد بن حنبل حتى صبر في المحنة والضرب، فنظر غيره إليه فصبروا ولم يقولوا بخلق القرآن، ولولاه لهلك الناس. ¬

_ (¬1) في ح: «يقول في قوله». (¬2) في ا: «بن سيار» وهو تحريف.

ومَنَّ الله عليهم بيحيى بن معين حتى بيّن الضعفاء من الثقات، ولولاه لهلك الناس ومَنَّ الله عليهم بأبي عُبَيْد حتى فَسَّرَ غريب حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولولاه لهلك الناس. أخبرنا محمد بن عبد الله قال: حدثني أبو الفضل بن أبي نصر قال: سمعت قاسم بن أبي صالح يقول: سمعت أبا حاتم الرازي يقول: لولا الشافعي (¬1) سمى وأبو سمى: أي لكان أصحاب الحديث في عمي. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الوليد يقول: سمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: من أراد الظَّرْفَ فعليه بفقه الشافعي، وقراءة أبي عمرو بن العلاء، فإن كان له بيع فالبُرّ. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ (¬2) قال: سمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: من قرأ بقراءة أبي عَمْرو بن العلاء وبفقه الشافعي كَمُل ظَرْفُه. وقال فيه غيره عن ابن مجاهد: وتعلّم النحو فقد أكمل الظَّرْف. ورواه أبو الحسن العاصمي عن بعض أصحابه، عن ابن مجاهد قال: وكتب الحديث. ولم يذكر النحو. أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي قال: سمعت عبد الواحد بن محمد الأصبهاني ¬

_ (¬1) كذا في ا. وفي ح: «سمى ملعوه سمر» وفي هـ: «سمى فأبوه سمر»! (¬2) كتب فوقها في ا: «سقط».

يقول: سمعت محمد بن الحسين (¬1) بن منصور يقول: سمعت أبا العباس بن سريج يقول: من أراد أن يَتَظَرَّفَ فعليه بمذهب الشافعي، وقراءة أبي عمرو بن العلاء. وشعر ابن المعتز. فقيل له: قد عرفنا مذهب الشافعي، وقراءة أبي عمرو بن العلاء، فأنشدنا من شعر عبد الله بن المعتز ما يوجب الظرف فأنشد: كنتُ صبَاحي قريرَ عَيْنِي ... فصرت أمسي صريعَ بَيْنِي بعينِ نفْسي أصبتُ نَفْسِي ... فاللهُ بيني وبين عَيْنِي وقد ذكرنا فيما تقدم أقَاوِيلَ أهلِ اللغة في معرفة الشافعي، رضي الله عنه بها، فلا معنى للإعادة. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم المؤذّن قال: سمعت أبا بكر: محمد بن الحسن الهاوندي يقول: سمعت أبا عبد الله: إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي - يعني نفطويه - ينشد: مَثَلُ الشافعيّ في العلماءِ ... مَثَلُ البدر في نجوم السماء (¬2) كان والله معدِنا لعلومٍ ... سيّدَ الناس أفقهَ الفقهاءِ راجحاً عالماً كريمَ طباعٍ ... سيّد الناس أحلَم الحلماءِ (¬3) ¬

_ (¬1) في ح: «الحسن». (¬2) البيت الأول في تاريخ بغداد 2/ 69 لبعضهم، بعده: قل لمن قاسه بنعمان جهلا ... أيقاس الضياء بالظلماء والأول والثاني والرابع في مناقب الشافعي للرازي 22. (¬3) في ح: «.. أحكم الحكماء».

اقتدى بالنبي في حسن قول ... وأقام البَوَارَ للسفهاء وقرأتُ في كتاب بعض أصحابنا لبعضهم في الشافعي، رحمه الله: الفقه فيك طبيعةٌ مطبوعةٌ ... وَلِمَنْ سِواك تكلّفٌ وتَصنُّعُ * * *

58 - باب ما يؤثر من خضاب الشافعي، رحمه الله، ولباسه وهيئته، ونقش خاتمه

باب (¬1) ما يؤثر من خضاب الشافعي، رحمه الله، ولباسه وهيئته، ونقش خاتمه * * * أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سئل «بحر بن نصر» وأنا أسمع: هل كان يَخْضِب عبد الله بن وهب؟ فقال: كان يخضب، «والشافعي» كان يخضب. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس قال: حدثنا أحمد بن سنان القَطَّان الوَاسِطِي قال: رأيت الشافعي أحمر الرأس واللحية. يعني استعمل الخضاب اتباعاً للسنة (¬2) وأخبرنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو الطّيّب القاضي قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن قال: حدثنا أحمد بن روح قال: حدثنا الزعفراني، عن الشافعي، رضي الله عنه: أنّه كان يخضب بالحنّاء، وكان خَفِيفَ العَارِضَيْن. ¬

_ (¬1) في هامش ا: «أول السادس عشر من الأصل، سماع من القاضي أبي عبد الله، عنه. (¬2) آداب الشافعي ومناقبه 79.

وفيما يحكى عن أبي يزيد الطَّيَالِسِي القرَاطِيسِي أنه قال رأيت «الشافعي» وكان رجلا طوَالاً يُصَفرُ لحيته. وروينا فيما مضى عن هارون بن سعيد الأيْسلِي أنه قال: قدم علينا «الشافعي» فما رأيت أحسن صلاة منه، ولا أحسن وجها منه. فلما قضى صلاته تكلّم فما رأيت (¬1) أحسن كلاماً منه. وروينا فيما تقدم عن قُتَيْبَةَ بن سعيد قال: رأيت «الشافعي» رضي الله عنه - يعني بمكة - وهو شاب آدَم. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: أخبرنا الزبير بن عبد الواحد قال: حدثني القزويني، قاضي مصر، قال: قيل للربيع بن سليمان: كيف كان لباس الشافعي؟ قال: كان لباسه مقتصداً، ليس يلبس الثياب الرفيعة: يلبس الكتان والقطن البغدادي، وربما لبس قَلَنْسُوةَ، ليس بمشرفة (¬2) جدا، وكان يلبس كثيراً العمامةَ والخُفّ. قال الربيع: وما أَتَى (¬3) على الشافعي يومٌ لا يتصدق فيه، ويتصدق بالليل، وكان في شهر رمضان يكثر الصدقة بالثياب والدّراهم، ويطعم الفقراء والضعفاء ويتفقدهم، ويسأل عن كل من عرفه من الناس ويبرهم. قال الربيع: وكنت أتولّى من نفقات الشافعي شيئاً فأكتب ما أنفق، فرجعت إليه مرةً بالحساب فقال لي: يا بني، أنت تشغل هذه القراطيس باطلا، لا تَرْفَع إليَّ منها شيئاً. ¬

_ (¬1) في ا: «رأينا). (¬2) في ا: «بمسرفة». (¬3) في ح: «وما أرى أتى».

قال: وكانت نفقته على أهله بالسَّعَة. قال: وكان أكرم الناس مُجَالَسَةً، بكنّي الصغير والكبير إكراما منه لمن يجالس (¬1). قال الربيع: قال لي البُوَيْطِي: إن أهل مكة قبائل قريش وسائر قبائل العرب يتحدثون: إنّهم لم يروا رجلا أكمل مروءة من الشافعي. قال البويطي: والمروءة عند الشافعي أخلاق الذي (¬2) كان يتبع رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وقرأت في كتاب العاصمي فيما بلغه عن الربيع قال: كان الشافعي يجلس في حلقته إذا صلّى الصبح فيجيئه أهلُ القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه عن تفسيره ومعانيه. فإذا ارتفعت الشمس قاموا واستوت الحلقة للمُذَاكَرة والنّظر. فإذا ارتفع الضّحى تفرّقوا وجاء أهلُ العربية والعروض والنحو والشعر، فلا يزالون إلى أن يَقْرُبَ انتصافُ النهار. ثم ينصرف، رحمه الله. قال الربيع: ولو (¬3) رأيت الشافعي لاستحييت أن تنظر. يعني من هيئته وجلالته. وفي كتاب زكريا السّاجِي عن محمد بن هارون، عن داود بن علي قال: سمعت إسحاق بن رَاهَوَيْه يقول: لقيت الشافعي في المسجد الحرام قاعداً ¬

_ (¬1) في ح: «لمن يجالسه». (¬2) في هـ، ح: «الدين كان». (¬3) في ح: «لو».

على طنفسة، وكانت لا تلقى الطنفسة في المسجد الحرام إلا لرجل جليل. وعن محمد بن الحارث المخزومي قال: رأيت الشافعي: محمد بن إدريس بمكة في المسجد الحرام وهو شيخ [خاضب] (¬1) جليل. أحسبه قال: عظيم السن. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد، عن محمد بن عبد الله القزويني قال: حدثنا الربيع قال: كان الشافعي حسن الوجه. حسن الخلق، مُحَبَّباً [إلى] (¬2) من كان بمصر في وقت الشافعي من الفقهاء والأمراء والنّبلاء، كلّهم يجيء إلى الشافعي ويعظّمه ويجلّه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد بن علي بن زياد يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيْمَة يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول لرجل: لو رأيت الشافعي وحسن ثيابه ونظافته وفصاحته - لتعجبت منه. ولو أنّه أَلَّفَ هذه الكتب على عَرَبِيّتِهِ التي كان ينطق بها لم يقدر على قراءة كتبه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: حدثنا أحمد بن عمرو العدل قال: حدثنا محمد بن علي البَلْخِي قال: حدثنا نصر ابن موسى قال: حدثنا - قحزم - بالزاي هو قَحْزَم بن عبد الله - قال: ما رأيتُ من العلماء أهيبَ من الشافعي من بعيد، ولا أبرّ وأكرم منه ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) الزيادة من ح.

من قريب، وخاصة للغريب (¬1). * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: سمعت أبا نعيم: عبد الملك بن محمد بن عدي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: نقش خاتمي: «الله ثقة محمد بن إدريس» قال الربيع: فأرانا نقش خاتمه. قال الربيع: ونقش خاتمي: «الله ثقة الربيع بن سليمان». قال أبو نعيم: وأرانا نقش خاتمه. قال أبو نعيم: ونقش خاتمي: «الله ثقة عبد الملك بن محمد». قال أبو الوليد: فأرانا نقش خاتمه. قال أبو الوليد: ونقش خاتمي: «الله ثقة حسّان بن محمد» قال أبو عبد الله: وأرانا أبو الوليد نقش خاتمه. قال أبو عبد الله: ونقش خاتمي: «الله ثقة محمد بن عبد الله». وقرأته في كتاب أبي الحسن العاصمي، عن أبي نعيم. وفيه من الزيادة: قال أبو نعيم: سألت الربيع بن سليمان قلت له: رأيتَ الشافعيَّ يتختم في يمينه أو في يساره؟ فقال: في يساره. وقرأته في كتاب أبي بكر بن زكريا الشَّيْبَانِي، عن علي بن محمد المُطوعِي، عن أبي نعيم هكذا بزيادته. * * * ¬

_ (¬1) في هـ، ح: «للقريب».

59 - باب ذكر وصية الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه

باب ذكر وصية الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه * * * أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد: محمد بن موسى؛ قالا: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قُرِئَ على محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله، وأنا حاضر: هذا الكتاب (¬1) كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي، في شعبان سنة ثلاث ومائتين: وأَشْهَدَ اللهَ عَالمَ خائِنَةِ الأعْين وما تُخْفِي الصّدورُ، وكفى به، جل ثناؤه، شهيداً، ثمَّ مَنْ سمِعَه: أنّه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، لم يَزَلْ يَدِينُ بذلك، وبه يَدِين حتى يتوفَّاه الله تعالى ويبعثه [عليه] (¬2) إن شاء الله تعالى، وإنَّه يُوصِي نفسه وجماعةَ مَنْ سَمِعَ وصيَّتَه: بإحْلاَل ما أحَلَّ الله، تبارك وتعالى، في كتابه [ثم] (¬3) على لسان نبيه، صلى الله عليه وسلم، وتحريمِ ما حرَّمَ الله في الكتاب، قم في السّنة ولا (¬4) يجاوزون من ذلك إلى غيره؛ فإن مُجَاوَزَتَهَ تِرْكُ فَرْضِ (¬5) الله، وترك ما خالف (¬6) الكتاب والسنة (7 وهما من المحدثات ¬7) ¬

_ (¬1) راجع وصية الشافعي في الأم 4/ 48 - 51. (¬2) الزيادة من ح والأم. (¬3) الزيادة من هـ، ح، والأم. (¬4) في الأم: «وأن لا يجاوز من ذلك». (¬5) في الأم: «ترك رضا الله». (¬6) في ح: «يخالف». (¬7) ما بين الرقمين ساقط من ح.

والمحافظة على أداء فرائض الله في القول والعمل، والكفِّ عن مَحارِمه خوفاً (¬1) لله عز وجل، وكثرة ذكر الوقوف بين يدي (¬2) ربه {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} (¬3) وأن ينزل الدنيا حيثُ أَنْزَلَها اللهُ عز وجل؛ فإنّه لم يجعلها دار [مقام، إلا مقام مدة عاجلة الانقطاع، وإنما جعلها دار] (¬4) عمل وجعل الآخرة دار قرارٍ وجزاءٍ بما عمل في الدنيا من خير أو شر، إن لم يعف جلّ ثناؤه، وأن لا يُخَالَّ أحداً إلا أحداً (¬5) خاله لله ممن يعقل (¬6) الخَلَّة لله تبارك وتعالى، ويرجى منه إفادة (¬7) علم في دين وحسن أدب في دنيا، وأن (¬8) يعرف المرء زمانه، ويرغب إلى الله تعالى في الخلاص من شرّ نفسِه فيه، ويمسك عن الإسراف (¬9) بقول أو فعل في أمرٍ لا يلزمه، وأن يُخْلِصَ النيَّة لله فيما قالَ وعمِل؛ فإنّ (¬10) الله يَكْفِي مما سواه، ولا يكفي منه شيء غيره. وأَوْصَى متى حَدَثَ به حَدَثُ الموتِ الذي كتبَ (¬11) الله عز وجل على خلقه، الذي أسأل الله العَوْنَ عليه وعلى ما بَعْدَه، وكفاية (¬12) كلِّ هَوْلٍ دُونَ الجنّةِ برحمته. ولم يغير وصيَّتَهُ هذه. ¬

_ (¬1) في هـ، ح: «خوف الله». (¬2) في الأم: «بين يديه». (¬3) سورة آل عمران: 30. (¬4) الزيادة من ح والأم. (¬5) في ا: «أحد». (¬6) في الأم: «يفعل في الله». (¬7) في ا: «آفات». (¬8) في الأصول: «وإن لم يعرف». (¬9) في الأم: «من قول». (¬10) في الأم: «وإن». (¬11) في ح: «كتبه». (¬12) في الأصول: «وكفى به كل». (م 19 - مناقب الشافعي جـ 2)

فذكر الوصيَّةَ في أمور مماليكه وأولاده وصدقته وغيرها (¬1) وقال في آخرها (¬2): ومحمد بن إدريس يسأل الله القادر على ما يشاء أنْ يصلِّي على محمدٍ عبدِه ورسولِه، وأن يرحمه؛ فإنه فقير إلى رحمته، وأن يُجِيرَهُ من النار؛ فإنه (¬3) غَنِيٌّ عن عذابه، وأن يَخْلُفَه في جميع ما خلف (¬4) بأفْضَلِ ما خلف به أحداً من المؤمنين، وأن يكفيهم فقده، ويَجْبُرَ مصيبتهم [من] (¬5) بعده، وأن يقِيهُمْ مَعَاصِيَه وإتيان ما يقبح بهم (¬6)، والحاجة إلى أحدٍ من خلقه بقدرته (¬7). ¬

_ (¬1) راجع بقية الوصية في الأم 4/ 48 - 51. (¬2) الأم ص 51. (¬3) في الأم: «فإن الله». (¬4) في الأم «ما يخلف». (¬5) الزيادة من الأم. (¬6) في الأصول: «به». (¬7) راجع تمام الوصية في الأم 4/ 51.

60 - باب ذكر مرض الشافعي، رحمه الله، وأوجاعه، ووفاته، وتربته، ومقدار سنه، وغير ذلك

باب ذكر مرض الشافعي، رحمه الله، وأوجاعه، ووفاته، وتربته، ومقدار سنه، وغير ذلك * * * قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، رحمه الله: عن الزبير بن عبد الواحد قال: حدثني محمد بن سعيد قال: حدثنا الفِرْيَابي - يعني أبا سعيد - قال: قال الربيع بن سليمان: أقام الشافعي هاهنا أربع سنين، فأملى ألفاً وخمسمائة ورقة. وخَرَّجَ «كتاب الأمّ» ألفي ورقة. وكتاب «السنن»، وأشياء كثيرة، كلّها في أربع سنين. وكان عليلاً شديد العلّة، فكان ربما يخرج الدم منه وهو راكب حتى تمتلئ سراويله ومركبه وخفّه (¬1). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أحمد بن محمد بن الحسين بن مهدي المُذَكِّر، بالنّوْقان، قال: حدثنا محمد - يعني أبا عبد الرحمن شكر - قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: كنتُ القَيِّمَ بجميع مال الشافعي، ويدي فيه [حتى] (¬2) لقى الله، وجعلني في حلّ من جميع ماله ثلاث مرات، وقال ¬

_ (¬1) توالي التأسيس 83. (¬2) الزيادة من ح.

وهو مريض: يا بني، إن الغلمان جُفَاة: يأتي القومُ ليسلِّموا عليَّ فيقولون: ليس عليه إذْنٌ، ولا يعلمون علّتي، فإنْ خفَّ عليك أن تجلس في الغرفة التي على السّلّم، فإذا جاء القوم نزلتَ إليهم فأخبرتَهم بعلّتي. وكان يُثْقَبُ له الفِرَاش والسّدّة، والطّست تحتها. فكان إذا جاء القوم نزلتُ إليهم فأخبرتهم فيذهبون (¬1) متوجِّعين، فإذا صعدت إليه يقول: من جاء اليوم؟ فأقول: فلان وفلان. فيقول: جزاك الله عني خيراَ يا ربيع، ما صنعتُ بك شيئا، ولكن الله لئن عشت فعلت بك، رحمه الله. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو تراب النّوقاني قال: حدثنا محمد بن المنذر قال: حدثنا محمد بن عبد الحكم قال: (¬2) كان الشافعي قد مرض من هذا النَّاسُور مرضاً شديداً حتى ساء خلُقه، فسمعته يقول: إني لآتي الخطأ وأنا أعرفه. قلت: قد قيل: أراد به ترك (¬3) الحمية وتناول ما لا يصلحه. وقيل: أراد به فيما كان يتحفظه قبل ذلك من مكارم الأخلاق. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: حدثنا أبي قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: ما رأيت أحداً لقى من (¬4) السقم ما لقى ¬

_ (¬1) في ح: «فذهبوا». (¬2) توالي التأسيس 83. (¬3) في ا: «في ترك». (¬4) في ا: «في السقم».

الشافعي، فدخلت عليه يوما فقال لي: يا أبا موسى، اقرأ عليَّ ما بعد (¬1) العشرين والمائة من آل عمران، وأَخِفَّ القراءة ولا تثقل. فقرأت علَيه، فلما أردت القيام قال: لا تغفل عني فإني مَكْرُوبٌ. قال يونس: عَنَى الشافعيُّ، رضي الله عنه، بقراءتي بعد العشرين [والمائة] (¬2) ما لقى النبي (¬3)، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، أو نحوه (¬4). أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: حدثني أحمد بن الحسين الصّوفي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين العطار، بمصر، قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال (¬5): دخل المزني على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقال له: كيف أصبحت يا أستاذ؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مُفارقاً، ولكأس المنيّة شارباً، وعلى الله وارداً، ولسوء أعمالي ملاقياً. قال: ثم رمى بطرفه نحو السماء واستَعْبر، ثم أنشأ يقول: إليكَ إلهَ الخلْقِ أَرْفعُ رغبتي ... وإنْ كنتُ ياذَا المَنِّ والجودِ مُجْرِماَ (¬6) ¬

_ (¬1) في ح: «المائة والعشرين». (¬2) الزيادة من ح. (¬3) روى الواحدي في اسباب نزول القرآن 115 - 116 بسنده: «عن المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي خالي، أخبرني عن قصتكم يوم أحد. فقال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ}» إلى قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} (¬4) آداب الشافعي ومناقبه 76 - 77. (¬5) مناقب الشافعي للرازي 112. (¬6) الأول والثالث في توالي التأسيس 83.

ولما قسَى قلْبي وضاقت مذاهبي ... جعلتُ الرّجا منّي لعفوك سُلَّما تَعَاظَمَنِي ذنبي فلما قَرَنْتُه ... بعفوك ربّي كان عَفْوُكَ أَعْظَما ومازلتَ ذا عفوٍ عن الذنب لم تزل ... تجودُ وتعفو مِنّةً وتكرُّما ولولاك مَا يقوى بإبليسَ عابدٌ ... فكيف وقد أغوى صَفِيَّكَ آدَمَا (¬1) فإن تعْفُ عنّي تعْفُ عن مُتَمَرِّدٍ ... ظلومٍ غشوم ما يُزَايل مَاثَمَا وإن تنتقم منّي فلست بآيسٍ ... ولو أدخلت نفسي بجرمي جَهَنَّمَا فَجُرْمِي عظيمٌ من قديم وحادث ... وعفْوُكَ ياذا العَفْوِ أعْلَى وأجْسَما وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا أبو نصر: محمد بن محمد بن عيينة الشعراني (¬2)، بمرو، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أوس قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن محمد الموصلي، بِتِرْمِذ في الجامع، قال: حدثنا مكي بن هارون الزِّنْجَاني، بِزِنْجَان، عن أبي عبد الله بن شاكر. عن المزني قال: دخلت على محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، عند وفاته فقلت له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقا، وعلى الله وَارِداً، وبكأس المنية شاربا، ولسوء أعمالي ملاقيا، فلا أدري نفسي إلى الجنة تصير فأهنّيها، أو إلى النار فأعزيها. فقلت: يا أبا عبد الله، رحمك الله، عِظْنِي. ¬

_ (¬1) في ح: «لم يقو». (¬2) في ح: «السعداني» وهو تصحيف

فقال لي: اتق الله، ومَثِّل الآخرة في قلبك، واجعل الموت نُصْبَ عَيْنَيْكَ، ولا تنس موقفك بين يدي الله عز وجل، وكن من الله تعالى عَلى وَجَلٍ، واجتنب محارمَه، وأدِّ فرائضه، وكن مع الحقّ حيث كان، ولا تستصغرنّ نعم الله عليك وإن قَلَّت، وقَابِلْها بالشكر. وليكن صمتك تفكّرا، وكلامك ذكرا، ونظرك عبرة. اعف عمن ظلمك، وصل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك، واصبر على النائبات، واستعذ بالله من النار بالتقوى فقلت: ليكن الصدّق لِسَانَك، والوفاء عِمادَك، والرحمة ثمرتك، والشكر طهارتك، والحق تجارتك، والتودّد زينتك، والكتاب فطنتك، والطاعة معيشتك، والرضا أمانتك، والفهم بصيرتك، والرجاء اصطبارك، والخوف جِلْبَابك، والصدقة حِرْزك، والزكاة حصنك، والحياء أميرك، والحلم (¬1) وزيرك، والتوكلّ درعك، وتكون الدنيا سجنك، والفقر ضَجِيعك، والحقّ قائدك، والحجّ والجهاد بغيتك، والقرآن محدّثك، والله مؤنسك. فمن كانت هذه صفته كانت الجنة منزلته أخبرنا محمد بن عبد الله الضَّبِّي قال: أخبرني نصر بن محمد العطار قال: حدثني عمر بن عبد الله البغدادي قال: حدثني بعض أصحابنا قال: قال المزني: دخلت على الشافعي في بعض علله قلت له: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت بين أمر ونهي، أصبحت آكل رزقي وأنتظر أجلي. ¬

_ (¬1) في ح: «والحكم».

فقلت: ألا أُدْخِلُ عليك طبيباً؟ فقال: افعل. فأدخلت عليه طبيبا نصرانيا، فجسّ يده فحسّ الشافعي بالعلّة في يد الطبيب، فجعل الشافعي يقول: جاء الطبيب يجسّني فجسسته ... فإذا الطبيب لِمَا بِهِ من حالي وغَدَا يعالجني بطول سقامه ... ومن العجائب أعمش كَحَّالي قال المزني: فما مضت الأيام والليالي حتى مات المُتَطَبِّبُ، فقيل للشافعي: قد مات المتطبب، فجعل يقول: إنّ الطبيب بطبِّه ودوائِه ... لا يستطيع دفاع مقدور القضا (¬1) ما للطبيب يموت بالداء الذي ... قد كان يبرئ مثله فيما مضى هَلَكَ المدَاوِي والمُدَاوَى والذي ... جَلَبَ الدواء وباعَه ومن اشترى أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الحسين (¬2) بن محمد الدارمي قال: أنبأنا عبد الرحمن بن محمد قال: قال الربيع بن سليمان لما كان مع المغرب ليلة مات الشافعي قال له ابن عمه ابن (¬3) يعقوب: ننزل نصلّي؟ قال: تجلسون تنتظرون خروج نفسي؟ فنزلنا ثم صعدنا فقلنا: صلّينا أصلحك الله. قال: نعم فاستسقى - وكان شتاء - فقال له ابن عمه: أمزجه بالماء المُسَخَّن؟ فقال له الشافعي رحمه الله: لا، بل بِرُبِّ السَّفَرْجَل. وتوفي مع العشاء (¬4) الآخرة، رحمة الله عليه. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الرحمن السّلمي؛ قالا: سمعنا محمد بن يعقوب يقول: ¬

_ (¬1) في ا: «مقدور أني». (¬2) في ح: «الحسن». (¬3) في ح: «ابن عمه يعقوب». (¬4) في ا: «عشاء» والخبر في حلية الأولياء 9/ 68 وآداب الشافعي ومناقبه 79 - 80.

سئل بحر بن نصر الخولاني، وأنا أسمع، عن موت الشافعي فقال: مات سنة أربع ومائتين. أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله، وأبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين؛ قالا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان المُرَادِي يقول: دخلت على الشافعي وهو مريض، فسألني عن أصحابنا فقلت: إنهم يتكلمون، فقال لي الشافعي: ما ناظرت أحداً قطّ على الغَلَبَة، وبِوُدِّي أنّ جميع الخلق تعلّموا هذا الكتاب [- يعني كتابه - على أن لا ينسب إليّ منه شيء. قال هذا الكلام] (¬1) يوم الأحد، ومات هو (¬2) يوم الخميس، وانصرفنا من جنازته ليلة الجمعة، ورأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين. كذا في هذه الرواية. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو تراب المذكِّر قال: حدثنا محمد بن المنذر قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: توفى الشافعي، رحمه الله ورضي الله عنه، ليلة الجمعة [بعد المغرب وأنا عنده، ودفن يوم الجمعة] (¬3) بعد العصر آخر يوم من رجب، وانصرفنا من جنازته، ورأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين. وكذلك رواه يحيى بن زكريا عن الربيع. ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) ليست في ح. (¬3) الزيادة من ح.

وأخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد بن الخليل الصوفي قال: أنبأنا أبو أحمد: عبد الله بن عدي بن الحافظ قال: سمعت علي بن محمد بن سليمان يقول: سألت الربيع عن موت الشافعي فقال لي: (¬1) مات سنة أربع ومائتين في آخر يوم من رجب يوم الجمعة، وهم ابن نَيِّف وخمسين سنة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: مات الشافعي، رحمه الله، في آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين، وهو ابن نَيِّف وخمسين سنة. وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر: محمد بن جعفر المُزَكِّي يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: سمعت الربيع يقول: مات الشافعي سنة أربع ومائتين، وهو ابن أربع وخمسين سنة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن حيان، حدثنا محمد - يعني ابن عبد الرحمن بن زياد - قال: حدثنا أحمد بن روح قال: حدثنا الزعفراني قال: أخبرني أبو الوليد أبي الجارود قال: كان سِنُّ أبي وسنّ الشافعي واحداً، فنظرنا في سنه فإذا هو يوم مات ابن اثنتين وخمسين سنة. وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى السّاجِي، عن الحسن بن محمد الزعفراني هكذا. ¬

_ (¬1) في ح: «فقال لي: مات يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين. وهو ...»

وقرأت فيه أيضا عن الزعفراني قال: قال لي أبو عثمان بن الشافعي: مات أبي وهو ابن ثمان وخمسين سنة. قلت: وقد ذكرنا فيما تقدم عن ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: ولدت سنة خمسين [ومائة] (¬1). ولا خلاف في وفاته سنة أربع ومائتين فيكون سنه أربعا وخمسين. والله أعلم. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد، عن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم [وسئل] (¬2) عن القراءة عند رأس الميت؟ فقال: كان أصحابنا مجتمعين عند رأس الشافعي، ورجل يقرأ سورة يس فلم ينكر ذلك عليه أحد منهم، وحضروا غسله، فما زالوا وقوفاً على أرجلهم حتى فرغوا من غسله، ثم حضروا كفنه حتى فرغ منه. أخبرنا أبو سعد: أحمد بن محمد المَالِينِي قال: أنبأنا أبو أحمد: (¬3) عبد الله ابن عدي الحافظ قال: قرأت على قبر محمد بن إدريس الشافعي، بمصر، على لوحين من حجارة، أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الفضل بن أبي نصر يقول: قرأت على قبر الشافعي، بمصر، في مقابر بني عبد الحكم. ¬

_ (¬1) الزيادة من ح. (¬2) الزيادة من ح. (¬3) في ح: «بن عبد الله».

وقرأت في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين العاصمي قال (¬1): خرجت إلى زيارة قبر أبي عبد الله: محمد بن إدريس الشافعي، بمصر إلى مقبرتها، وتسمى «المقطم» في مقبرة القرشيين بين قبور بني عبد الله بن عبد الحكم. قال: و «المقطم» اسم جبل مطل على المقبرة. قال: فرأيت قبره مُسَنَّماً مرتفعا من الأرض مقدار شبرين أو أكثر قليلا، وعليه لوحان منصوبان من رخام: واحد عند رأسه، والآخر عند رجليه، فأما اللوح الذي عند رجليه فمكتوب فيه نسبته إلى إبراهيم خليل الرحمن، صلوات الله عليه وآله، وأما الذي عند رأسه فمكتوب فيه حَفْراَ (¬2) في الحجر: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما شهد به محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ويشهد أن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الموت حق، وأن الله يبعث من في القبور. على ذلك حيي وعليه مات وعليه يبعث حيًّا إن شاء الله تعالى. اللهم اغفر له ذنبه، ونورّ له (¬3) قبره، واحشره مع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، واجعله من رفقائه. توفى محمد بن إدريس، رحمه الله، في رجب من سنة أربع ومائتين. هذا لفظ حكاية العاصمي وبمعناه في حكاية أبي الفضل، غير أنه قال في آخره: آمين رب العالمين. ولم يذكر قوله: إن شاء الله تعالى. وفي حكاية ابن عدي: ¬

_ (¬1) في ا: «قوله». (¬2) في ح: «نقرا». (¬3) في ح: «ونور له في قبره».

هذا قبر محمد بن إدريس، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق. لم يذكر ما بينهما وزاد: وأن صلاته ونسكه ومَحْيَاهُ ومماته لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمر، وهو من المسلمين، عليه حيى، وعليه مات، وعليه يبعث حيا إن شاء الله. توفى أبو عبد الله ليوم بقى من رجب سنة أربع ومائتين. وكأنهم حفظوا ما رأوا عليه مكتوبا، ثم علقوه بعده فزلّ بعض ألفاظه عن الحفظ. والله أعلم. قرأت في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم: عن الزبير بن عبد الواحد قال: حدثني أبو عبد الله: محمد بن سعيد البسيري قال: سمعت أبا زكريا - يعني الأعرج - يقول: سمعت الربيع يقول: رأيت في المنام أنّ آدم مات، صلى الله عليه وسلم، ويريدون أن يخرجوا بجنازته فلما أصبحت سألت بعض أهل العلم عن ذلك فقال: هذا موت أعلم أهل الأرض: إن الله عز وجل علَّم آدم الأسماء كلّها. فما كان إلا يسيرا حتى مات الشافعي، رحمه الله. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو أحمد بن أبي الحسن قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس قال: حدثنا الربيع بن سليمان المصري قال: حدثني أبو الليث الخَفَّاف - وكان مُعَدِّلا [عند القضاة] (¬1) - قال: أخبرني العزيزي، وكان متعبدا، قال: رأيت ليلة مات الشافعي في المنام كأنّه يقال: مات النبي، صلى الله عليه وسلم، في هذه الليلة وكأني رأيته يغسَّل في مجلس عبد الرحمن الزّهري في المسجد الجامع، ¬

_ (¬1) الزيادة من ح وآداب الشافعي ومناقبه 73.

وكأنّه يقال لي: يخرج به بعد العصر فأصبحت فقيل لي: مات الشافعي، وقيل لي: نخرج به بعد الجمعة. فقلت: الذي رأيته في المنام. قيل لي: نخرج به بعد العصر. وكأني رأيت في المنام (¬1) حين أخرج به كان معه سرير امرأة رثّة السرير. فأرسل أمير مصر أن لا يُخرج به إلا بعد العصر، فحبس إلى بعد العصر. قال العزيزي (¬2): فشهدت جنازته، فلما صرت إلى الموضع الواسع رأيت سريراً مثل سرير تلك المرأة رثة السرير مع سريره. ورواه أيضا أبو الحسن العاصمي، عن الزبير بن عبد الواحد، عن محمد ابن سعيد بن عبد الله، عن أبي علي: الحسين بن حريث القصري، عن أبي عبد الرحمن العزيزي هذا، قال: رأيت ليلة مات الشافعي: أني بنعش وعليه قطيفة، وعليه رجل في أكفانه حتى وضع عند المقصورة، فسمعت قائلا يقول: الليلة مات، النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحنا أتى بالشافعي على مثل ذلك النعش، في مثل تلك القطيفة، وفي مثل ذلك الكفن. أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي قال: سمعت أبا العباس: الوليد بن محمد الواعظ الرازي يقول: سمعت ابن أبي حاتم يقول: سمعت محمد بن مسلم بن وارة يقول: لما مات أبو زرعة الرازي رأيته في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: قال لي الجبار [سبحانه] (¬3): ألحقوه بأبي عبد الله، وأبي عبد الله، وأبي عبد الله. ¬

_ (¬1) في ح: «في النوم حين خرج به». (¬2) ليست في ح. (¬3) الزيادة من ح.

الأول: مالك والثاني: الشافعي. والثالث: أحمد بن حنبل. قدس الله أرواحهم. وحكاه أيضا إسحاق بن محمد بن يزيد بن كيسان، عن محمد بن مسلم ابن وارة. وأخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت عبد الله بن الحسين الورّاق يقول: سمعت معبد (¬1) بن جمعة يقول: سمعت أبا زرعة المكي يقول: سمعت عثمان بن خرزاد، الأنطاكي يقول: رأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت، وكأن الله قد برز لِفَصْل القضاء، وكأن الخلائق قد حشروا، وكأن مناديا ينادي من بُطْنَان العَرْش: ألا أدخلوا أبا عبد الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله الجنة. فقلت لملك إلى جنبي: من هؤلاء؟ قال: أما أولهم فمالك بن أنس، وأما ثانيهم فسفيان الثوري، وثالثهم: الشافعي، ورابعهم: أحمد بن حنبل. رضي الله عنهم أجمعين. ورواه أيضا محمد بن أحمد بن زكريا، عن معبد بن جمعة. سمعت شيخنا وأستاذنا أبا عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، رحمه الله، يقول: رأيت أبا الحسن أحمد بن محمد بن عَبْدُوس الطَرَائفي المحدّث في المنام صبيحة يوم الثلاثاء العاشر من ربيع الآخر سنة خمسين وثلثمائة، وعليه أثواب بيض، وهو أبيض الرأس واللحية، يحدّث وبين يديه جماعة يكتبون عنه. فذكر قصة. قال: ثم قلت له: هاهنا مجالس في الحديث؟ قال: نعم. قلت: أرأيت أبا عبد الله الشافعي؟ فقال: نعم نحن لا ننزف عنده مجمع القول (¬2). قلت: ¬

_ (¬1) في ح: «سعيد» وهو تصحيف. (¬2) في ا: «القوم».

فمالك بن أنس؟ قال: فوقهم (¬1) [بدرجات]. قلت: فأبو عبد الله: أحمد ابن حنبل؟ فقال: أقربهم إلى الله وسيلة. قلت: فأبو بكرنا - يعني أبا بكر ابن إسحاق الضّبعي - فضحك ثم قال: حسن ظنِّه بالله نجّاه. وذكر الحكاية. أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر المعدل قال: حدثني محمد بن حَمْدَان الطَّرَائِفي: أبو عبد الله الدِّينوري قال: سمعت أبا الحسن الشافعي يقول: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في المنام فقلت: يا رسول الله، بم جُزِيَ الشافعيُّ عندك حيث يقول في كتاب الرسالة: «وصلى الله على محمد، كلّما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون» (¬2) قال: فقال: جُزِيَ عنّي أنه لا يوقف للحساب. وأخبرنا أبو عبد الله قال: أنبأنا أبو الطّيّب: عبد الله بن محمد القاضي، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أحمد بن جعفر الكِرْمَاني، قال: حدثنا محمد بن يحيى البَاهِلِيّ، قال: سمعت عبد الله بن محمد بن يعقوب الهاشمي - وكان صدوق اللسان - يقول: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في المنام فقال: الشافعي المُطَّلبي في الجنة، أو من أهل الجنة. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: استعار مني عبد الله بن صالح «كتاب اختلاف الحديث» للشافعي، فأعرته الجزء الأول، ثم غبت مدة ورجعت (¬3) وقد توفى عبد الله بن صالح فرأيته فيما يرى النائم وعليه أثواب بيض، فقال لي: استعرتُ منك «كتاب اختلاف ¬

_ (¬1) في ح: «فوقه» والزيادة من ح. (¬2) الرسالة 16. (¬3) في ح: «فرجعت».

الحديث» للشافعي، رضي الله عنه وأرضاه، فقلت له: قد أعرتك الجزء الأول فلم ترد علي. ثم قلت له في المنام: ما تصنع بكتاب الشافعي وليس هو على مذهبكم ولا أنتم على مذهبه؟ فأشار بإصبعه السَّبَّابة نحو السماء وقال: ليس ثَمَّ أكبر منه. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: حدثني أبو عبد الله: الحسين بن جعفر الورّاق، ببغداد، قال: رأيت (¬1) بمصر على حجر عند رأس قبر الشافعي، رحمه الله، محفوراً فيه هذين البيتين. وحدثونا أنه قول رجل من أهل العراق من أجِلَّة الفقهاء، نذر بالعراق أن يخرج إلى مصر ويختم عند قبر الشافعي أربعين ختمة ثم يرجع. فخرج إلى مصر مُنَاقَلَةً، وختم على قبر الشافعي أربعين ختمة، وحفر هذين البيتين في الحجر المنصوب على قبره: قد وَفْينا بنذرنا يا ابن إدريـ ... ـس وزرناك من بلاد العراقِ وقرأنا عليك ما قد حفظنا ... من كلام المُهَيْمِنِ الخلَّاقِ أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أنبأنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه، قال: سمعت أبا عمران الأشيب يحكي عن ابن أخْزَم عن المزني قال: ناحت الجِنُّ ليلة مات الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه. ¬

_ (¬1) في ح: «قرأت». (م 20 - مناقب الشافعي

61 - باب ذكر أهل الشافعي وأولاده، رحمهم الله

باب ذكر أهل الشافعي وأولاده، رحمهم الله * * * أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي، قال: حدثنا عباس بن الحسن قال: حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد الزَّعْفَرَانِي، قال: حدثنا زكريا بن يحيى السّاجي، قال: حدثني ابن بنت الشافعي قال: سمعت أبي يقول: وقع قحط بمكة فخرج الناس إلى البوادي (¬1) والمَخَالِيف والمدن، ثم قدموا وقد تزوّجوا فيهم، وقدم الشافعي وقد تزوّج العثمانية بصنعاء، فجعل الناس يقولون: قدم الناس بخيبة وقدم الشافعي بِدُرّة. وروينا فيما تقدم عن أحمد بن محمد عن ابنة الشافعي أنه قال: كانت امرأة الشافعي أم ولده: حَمْدة بنت نافع بن عَنْبَسَة بن عمرو بن عثمان. وهو فيما ذكره زكريا بن يحيى السّاجي، عن ابن ابنة الشافعي، رضي الله عنه. ومن أولاده (¬2) منها: أبو عثمان: محمد بن محمد بن إدريس. وهو الأكبر من ولده، وكان قاضي مدينة حلب بالشام. قاله أبو الحسن ¬

_ (¬1) في ح: «النوادي». (¬2) في ح: «ومن أولاد الشافعي».

العاصمي في كتابه، وهو الذي قال له أحمد بن حنبل ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثني أبو بكر التَفّال: محمد بن علي الفقيه، قال: حدثنا عبد الله ابن إسحاق المدائني، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، قال: قال لي أبو عثمان بن الشافعي: قال لي أحمد بن حنبل: إني لأدعو الله في الصلاة - أو في السحر - لإخواني، أبوك خامسهم. وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت علي بن عمر الحافظ يقول: سمعت أبا بكر النّيْسَابوري يقول: سمعت أبا الحسن المَيْمُوني - وهو عبد الملك ابن عبد الحميد - يقول: سمعت محمد بن محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، يقول: قال لي أحمد بن حنبل: أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم في كل سحر. وهاتان الحكايتان وغيرهما من الأخبار تدل على أن أبا عثمان هو: محمد بن محمد بن إدريس، وأنهما واحد. وبعض مشايخنا، رحمهم الله، جعلهم ثلاثة: أبو عثمان، ومحمد، وعثمان. فكأنه (¬1) سقط من كتابه «أبو» وبقى عثمان في بعض حكاياته. وقال الشافعي في كتاب وصيته: «وجعل محمد بن إدريس ولِيّ (¬2) ولده بمكة وحيث كانوا: أبا عثمان، وفاطمة، وزينب بنتي (¬3) محمد بن إدريس». وكان (¬4) قد وقع في كتاب أبي العباس الأصم: «أبي عثمان» بدل «أبا عثمان» ¬

_ (¬1) في ح: «وكأنه». (¬2) في الأم 4/ 51: «ولاء». (¬3) في الأم: «بني محمد» (¬4) في ح: «فكان»

فمن هاهنا وقع له الغلط في عثمان، ولا أدرى من أين وقع له الغلط في محمد، وكأنه رآه مذكوراً في بعض الحكايات بكنيته وفي بعضها باسمه، فظنهما اثنين وقد ذُكِرَ في بعضها (¬1) بهما جميعاً: قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، رحمه الله، فيما رواه بإسناده عن عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران، قال: سمعت محمد بن محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، أبا عثمان القاضي قال: قال [لي] أحمد بن حنبل: أبوك خامس من أدعو له في السَّحَر. ففي هذه الرواية جمع بين الاسم والكنية، فارتفع الإشكال. والله يعصمنا من الزلل والخطأ بِمَنِّه وكرمه. * * * وله (¬2) ابن آخر يقال له: أبو الحسن بن محمد بن إدريس. توفى الشافعي وهو طفل. وهو من سَرِيَّتِهِ المسماة «دنانير» المذكورة في «كتاب الوصية والصدقة». أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد، قال: أخبرني أحمد بن محمد [بن محمد] (¬3) بن مهدي النوقاني، قال: أنبأنا محمد بن المنذر، قال: أنبأنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: الناس يقولون: ماء الفراق، وما في الدنيا ¬

_ (¬1) في ح: «في بعضهما». (¬2) في ح: «وللشافعي». (¬3) الزيادة من ح.

مثل ماء مصر للرجال، قد قدمت مصر وأنا مثل الخصي، فما برحت من مصر حتى ولد لي من جاريتي دنانير «أبو الحسن». وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أنبأنا الحسن بن رشيق إجازة، قال: حدثنا محمد بن رمضان، ومحمد بن يحيى؛ قالا: حدثنا محمد بن عبد الله. فذكره. غير أنه زاد: ما أتحرك وقال: فما برح من مصر حتى ولد له من جاريته دنانير «أبو الحسن». * * * وللشافعي من امرأته العثمانية ابنتان: فاطمة وزينب. ابنتا محمد بن إدريس. وهما مذكورتان (¬1) في كتاب الوصية. و «زينب» مذكورة فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو تراب المُذَكِّر، قال: سمعت محمد بن المنذر يقول: سمعت أحمد بن محمد ابن بنت الشافعي يقول: سمعت أمي (¬2) «زينب بنت محمد بن إدريس» تقول: دخلتْ ظِئْرٌ (¬3) على أُمِّي، وأبي نائم، ومعها ابن لها، إذ بكى الصبي، وكان يُهاب أبي هيبة شديدة، فوضعت يدها على فيه (¬4) مخافة أن يستيقظ، وخرجت تُبادِرُ له الباب حتى كاد الصبي أن يتلف. قالت: فلما استيقظ أبي قالت له، وهي تمزح معه: يا ابن إدريس، كدت تقتل نفساً هذا اليوم. قال: وما ذاك؟ فأخبرته بالخبر فخاف - أو آلى - أن لا يقيل زماناً من زمانه أو تطحن الرحا عند رأسه وكان إذا قال أُحضرت ¬

_ (¬1) في ا: «مذكوران». (¬2) في ح: «سمعت ابن». (¬3) الظئر: المرضعة غير ولدها. (¬4) في ح: «على فمه».

الرحا وطحنت عند رأسه! ووراه عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن أبي محمد: ابن بنت (¬1) الشافعي، عن أمه بمعناه (¬2)، غير أنه قال: قالت: فجلست تتحدث مع أمّه العثمانية. وزاد: وكان الباب بعيداً. وقال: فلما استيقظ الشافعي قالت له أمّي العثمانية. وزاد: فاحْمَارَّ الشافعي وانتفخ وجعل يقول لها: وكيف كان ذلك (¬3)؟ ¬

_ (¬1) في ح: «أبي محمد قريب الشافعي». (¬2) آداب الشافعي ومناقبه 101 - 102. (¬3) في ح: «ذاك».

62 - باب ذكر من روى عنهم الشافعي من علماء الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان

باب ذكر من روى عنهم الشافعي من علماء الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان * * * أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السّلمي (¬1)، قال: سمعت أبا الحسن علي بن عمر الحافظ، ببغداد، يقول: ذكر الشيوخ الذين حدّث عنهم الإمام أبو عبد الله: محمد بن إدريس الشافعي، رحمة الله عليهم. فمنهم من أهل مكة: سفيان بن عُيَيْنَة بن عمران الهلالي. وعبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مُلَيْكَة. وعبد الله بن المؤمل المَخْزُومي المكي. وعبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزْرَقي الغَسّاني. وإبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي مَحْذُورة. وعثمان بن أبي الكِتَاب الخُزَاعي المكّي. ومحمد بن علي بن شَافِع. ومحمد بن أبي العباس بن عثمان بن شَافِع. ¬

_ (¬1) في ح: «أبو عبد الرحمن السلمي».

وإسماعيل بن عبد الله بن قُسْطَنْطِين للمُقْرِئ. ومسلم بن خالد الزّنْجِي. وعبد الله بن الحارث بن عبد الملك المَخْزُومي. وحَمَّاد بن طريف. والفُضَيل بن عياض. وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد. وأبو صَفْوَان: عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم. ومحمد بن عثمان بن صفوان الجُمَحِي. وسعيد بن سالم القدّاح المكّي. وداود بن عبد الرحمن (¬1) العطار. ويحيى بن سليم الطائفي. أهل المدينة: مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبَحِي. وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. وعبد العزيز بن محمد الدراوردي. وأبو إسماعيل: حاتم بن إسماعيل المزني. وأنس بن عِيَاض بن عبد الرحمن اللَّيْثِي. ¬

_ (¬1) في ح: «عبد الله»

ومحمد بن إسماعيل بن أبي فُدَيْك. وعبد الله بن نافع الصّائغ. وإبراهيم بن محمد بن أبي (¬1) يحيى الأسْلَمِي. والقاسم بن عبد الله بن عمر العُمَرِي. وعبد الرحمن بن زيد بن أَسْلم. وعطّاف بن خالد المَخْزُومي. ومحمد بن عبد الله بن دينار. ومحمد بن عمرو بن واقِد الأَسْلمي. وسليمان بن عمرو. ومن سائر البلدان: هشام بن يوسف الصنعاني. ومُطَرِّف بن مازن الصَّنْعَاني. وأبو حنيفة بن سِمَاك بن الفضل. ومحمد بن خالد الجندي. وأبو حفص: عمرو بن أبي سَلَمة. وأيوب بن سَوِيد الرَّمْلي. ويحيى بن حسان التّنّيسي. وأبو أسامة: حماد بن أسامة الكوفي. ومروان بن معاوية الفزاري. ¬

_ (¬1) ليست في ح.

وأبو معاوية الضّرير. ووَكيع بن الجراح. ومحمد بن الحسن الشَّيْبَاني الكوفي. وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثّقَفي. وإسماعيل بن إبراهيم بن عُليّة البصري. ويوسف بن خالد التيمي (¬1) البصري. وعمر بن جبير القاضي. وأبو قطن: عمرو بن الهيثم بن قطن القطني (¬2) البصري. وسعيد بن مَسلمة (¬3) بن هشام بن عبد الملك بن مروان. وسعيد بن سلمة الكَلْبي - إن كان محفوظا. قلت: هو سعيد بن سلمة (¬4) بن أبي الحسام، فيما ذكره أبو الحسين بن المظفر الحافظ، عن الطحاوي، عن المزني، عن الشافعي، في حكاية ذكرها عنه جعفر بن محمد. قال أبو الحسن الدارقطني: وأبو سعد: معاذ بن موسى الجعفري. خراساني. وعبد الكريم بن محمد الجُرْجَاني. قال أحمد: وقد روى الشافعي أيضًا عن علي بن ظبيان الجنبي. ¬

_ (¬1) في ا: «السمني». (¬2) في ح: «القطني». [أثبتت أولاً في المطبوع لفظة «القطعي»، ثم صححت في فهرس التصويبات 2/ 471 إلى: «القطني» كما في ح] (¬3) في ح: «سلمة». (¬4) في ح: «محفوظا ويحيى بن سعيد بن سلمة».

وروى عن محمد بن خالد. وعبد الله بن عمرو بن مسلم، في الجزية (¬1) وعن محمد بن الحسن بن الماجشون، وجماعة من فقهاء أهل المدينة، فيما ذكره شيخنا أبو عبد الله الحافظ قصه في المواريث. وروى عن عبد الله بن المبارك حديثاً في التعوذ من النحل. وروى عن رجل يقال له: أبو عبد الله الخراساني. وروى عن الثقة من أصحابه. يقال: هو أبو علي: الحسين بن علي الكَرَابِيسِي. وقد يروى عن الشقة فيريد به أحمد بن حنبل. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسين (¬2)، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي، وذكر الشافعي، فقال: ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه (¬3). قال عبد الله: كلّ شيء في كتاب الشافعي: حدثني الثقة عن هشيم وغيره - فهو أبي. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الرحمن السلمي؛ قالا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: ¬

_ (¬1) ذكرها البيهقي في السنن الكبرى 9/ 194 بسنده عن الشافعي قال: فسألت محمد ابن خالد، وعبد الله بن عمرو بن مسلم وعدداً من علماء أهل اليمن، فكلهم حكى لي عن عدد مضوا قبلهم - كلهم ثقة - أن صلح النبي صلى الله عليه وسلم لهم كان لأهل ذمة اليمن على دينار كل سنة ... الخ. (¬2) في ا: «الحسن». (¬3) آداب الشافعي 96.

سمعت الربيع بن سليمان يقول: إذا قال الشافعي: أخبرني الثقة. يريد به يحيى بن حسّان. وإذا قال: أخبرنا من لا أتّهم. يريد به إبراهيم بن أبي يحيى. وإذا قال: بعض الناس. يريد به أهل العراق. وإذا قال: بعض أصحابنا. يريد به أهل الحجاز. قلت: وقد قال الشافعي: أخبرنا الثقة عن معمر، والمراد به: «إسماعيل بن عُلَيّة» لتسميته إياه في موضع آخر وقال: أخبرنا الثقة، عن الوليد بن كثير، والمراد به: أبو اسامة، أو (¬1) من رواه له عن أبي أسامة. فالحديث ينفرد به أبو أسامة، «(2 عن الوليد ¬2)». وقال: أخبرنا الثقة، عن هشام بن عروة في حديث إفاضة أم سَلمَة ليلة المُزْدَلِفَة، والمراد به: أبو معاوية، أو من رواه له (¬3) عنه. فالحديث ينفرد بوصله أبو معاوية. وقال في هذا الحديث مرة أخرى: أخبرني من أثق به من المَشْرِقِيِّين (¬4) عن هشام بن عروة. وأهل الحجاز يسمون العراقيين المشرقيين. وقد قال في موضع آخر: أخبرنا الثقة. ولا يوقف على مراده به إلا بظن غير مقرون بعلم. ¬

_ (¬1) في ا: «ومن رواه». (¬2) ما بين الرقمين ليس في ح. (¬3) من ح. (¬4) في ترتيب مسند الشافعي 1/ 357 - 358: أخبرنا الشافعي، عن داود بن عبد الرحمن العطار، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: دار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة يوم النحر، فأمرها أن تعجل بالإفاضة من جمع حتى تأتي مكة فتصلي بها الصبح، وكان يومها، فأحب أن توافيه» ثم قال الشافعي: أخبرنا من أثق به من المشرقيين، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

وقد تكلم شيخنا أبو عبد الله الحافظ، رحمه الله، في تخريجه على ما أَدَّى إليه اجتهاده. ولم تبِن لي حقيقة ذلك فتركت نقله. وكان الشافعي، رحمه الله، يقول: لا تحدِّث عن حيّ؛ فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان. فيحتمل أنه كان يحتاط لنفسه فلا يسمّى من يحدّث عنه وهو حي؛ لهذا المعنى أو غيره. * * * والذي لا بد من معرفته أن تعلم أنه لم يحدث عن ثقة عنده لم يوجد ذلك الحديث عند ثقة معروف باسمه وحاله، فالحجة قائمة برواية المعروف الثقة ولذلك كان لا يُطَالِبُ بتسميته الثقة عنده، ويكتفي بشهرته فيما بين أهل العلم بالحديث. وكانوا في القديم يأخذون الحديث أكثره حفظاً ثم يُعلِّقونه (¬1). وحين صنّف الشافعي الكتب الجديدة بمصر لم يكن معه أكثر كتبه، كذلك حين صنّف الكتب القديمة بالعراق، لم يكن معه أكثر كتبه، فربما كان يشك فيمن حدّثه، ولا يشك في ثقته، فيقول: أخبرنا الثقة. ومثال ذلك أنه قال في «كتاب قسم الصدقات»: أخبرنا وكيع بن الجراح [(2 عن زكريا بن إسحاق. فذكر حديث معاذ بن جبل. وقال في «كتاب فرض الزكاة»: أخبرنا وكيع بن الجرّاح ¬2)]. أو ثقة غيره، أو هما عن زكريا ابن إسحاق. فحين صنّف «كتاب قسم الصدقات» لم يشك فرواه عن وكيع وحين صنف «كتاب فرض الزكاة» شك فيه فأخرجه مخرج الشك. ¬

_ (¬1) في ا: «يتلقونه». (¬2) ما بين الرقمين سقط من ا.

وقال في موضع آخر: أخبرنا الثقة. يريد به وكيعاً، أو ثقة غيره أو هما. والحديث مشهور عن وكيع وعن (¬1) غيره، عن زكريا بن إسحاق، فلا يضره شكه فيمن حدثه. والله اعلم. * * * قال أحمد: وللشافعي فيما صنع من ذلك سَلفُ صدْق وخلَف حق: هذا نجم العلماء «مالك بن أنس» رحمه الله، روى في «الموطأ» في كتاب الزكاة: عن الثقة عنده، عن سليمان بن يَسَار، وعن بسر بن سعيد: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «فيما سقت السماء والعيون والبعل (¬2) العشر، وفيما سقى بالنضْح نصف العشر» (¬3). وقال في كتاب البيوع: بلغني عن عمرو بن شعيب. وفي رواية أبي مصعب: عن مالك، عن الثقة [عنده] (¬4) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في النهي عن بيع العربان (¬5). ومن نظر في كتاب «الموطأ» وكتاب «ابن عيينة» وغيره من العلماء أبصر من ¬

_ (¬1) ليست في ا. (¬2) في ح: «والسبل». (¬3) الموطأ 1/ 270 والسنن الكبرى 4/ 130 عن الشافعي في كتاب القديم عن مالك، وذكر البيهقي عقب هذا أن الشافعي قال في الجديد يوصل هذا الحديث عن سليمان بن يسار وبسر بن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولا. (¬4) من الموطأ. (¬5) العربان: هو أن يشتري السلعة ويدفع إلى صاحبها شيئا على أنه إن أمضى البيع حسب من الثمن، وإن لم يمض البيع كان لصاحب السلعة ولم يرتجعه المشتري. وهو عربان وعربون. راجع النهاية 3/ 78. والحديث أخرجه مالك في الموطأ 2/ 609، وأحمد في المسند 11/ 13 - 15، وابن عبد البر في التقصي ص 242، وأبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب العربان 3/ 384 وابن ماجه في السنن: كتاب التجارات: باب العربان 2/ 738.

أمثال هذا ما يدلُه على أنّ الشافعيّ، رحمه الله، في كتابه عمن روى دون تسميته في بعض ما رواه - متبعٌ غير مبتدع. وهذان صاحبا الصحيح: محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجّاج رحمهما الله، صنّفا (¬1) أمثال ذلك مع اشتهارها بترك الاحتجاج بالمَرَاسيل. قال البخاري في مواضع من كتابه: «وقال الليث، وقال الأوزاعي، وقال فلان» لعالم سمَّاه دون ذِكْرِ مَن سمعه عنه ممن رواه عنه. وروى في موضع (¬2) من كتابه: «عن محمد» غير منسوب. وعن يزيد (¬3) غير منسوب. وعن عبد الله غير منسوب. وعن عبد الرحمن غير منسوب. [وعن أحمد غير منسوب، وعن إسحاق غير منسوب. وعن الحسن غير منسوب] (¬4) وعن يعقوب غير منسوب (¬5). وقال مسلم بن الحجاج في كتاب الطهارة: «وقال الليث بن سعد: حدثني جعفر بن ربيعة، عن الأعْرج، عن عُمَير (¬6)» فذكر حديث أبي الجَهْم في التيمم (¬7). وقال في كتاب الصلاة (¬8): «حدثْتُ عن يحيى بن حسان ويونس بن محمد، قالا: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن عُمارة بن القَعْقاع، عن أبي زُرْعة، عن ¬

_ (¬1) في ح: «صنعا». (¬2) في ح: «مواضع». (¬3) في ح: «زيد». (¬4) ما بين القوسين من ح. (¬5) راجع هدى الساري ص 236. (¬6) في ا: «عمر» وهو خطأ. (¬7) يعني بذلك ما رواه مسلم في صحيحه كتاب الحيض: باب التيمم 1/ 281 قال: وروى الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار - مولى ميمونة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري. فقال أبو الجهم: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، حتى أقبل على الجدار فمسح يديه ثم رد السلام. (¬8) في ا: «الطهارة».

أبي هريرة» في نهوض النبي، صلى الله عليه وسلم، من الركعة الثانية (¬1). وقال في كتاب المُزَارَعَة: «حدثني غير واحد من أصحابنا قالوا: حدثنا إسماعيل بن أبي أُوَيْس قال: حدثني أخي، عن سليمان، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الرجال، عن عَمْرة، عن عائشة: سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صوت خُصُومٍ بالباب (¬2). وقال في البيوع: «حدثني أصحابنا، عن عوف بن عون، عن خالد بن عبد الله، عن عمرو بن يحيى، عن محمد بن عمرو، عن سعيد بن المسيّب، عن معمر. في الاحْتِكَار (¬3). وقال في الفضائل: حُدِّثْتُ (¬4) عن أبي أسامة. وممن روى ذلك عنه إبراهيم ابن سعيد الجوهري، عن بريد بن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: أنّ الله إذا أراد رحمة أمّة من عباده قبض نبيها قبْلَها. الحديث (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم: 1/ 419 باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة. (¬2) مسلم في كتاب المساقاة: باب استحباب الوضع من الدين 3/ 1191 - 1192 من حديث عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتها، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول: والله لا أفعل. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما فقال: أين المتألى على الله لا يفعل المعروف؟ قال: أنا يا رسول الله! فله أي ذلك أحب». (¬3) حديث معمر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحتكر إلا خاطئ» أخرجه مسلم في كتاب المساقاة: باب تحريم الاحتكار في الأقوات 3/ 1237 - 1238 من طرق. (¬4) في ا: «حديث» وهو تصحيف. (¬5) تمامه: فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره». مسلم في كتاب الفضائل: باب إذا أراد الله تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها 4/ 1791 - 1792.

وإنما صنعا ذلك - والله أعلم - لعلمهما باشتهار الحديث برواية ثقة أو ثقات سوى من كتبا عنه بسبب من الأسباب: إما لأنه لم يكن من شرطهما، أو كان حيًّا في وقت روايتهما عنه؛ فلم يسمياه أو لم ينسباه، أو لغير ذلك من المعاني. واعتمدا على اشتهار الحديث برواية غير مَنْ كَتَبا عنه. كذلك الشافعي، رحمه الله، هكذا صنع. والله أعلم. ولهذا المعنى توسّع من توسّع في السماع عن بعض محدِّثي زماننا هذا، الذين لا يحفظون حديثهم، ولا يحسنون قراءته من كتبهم، ولا يعرفون ما يقرأ عليهم، بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم. وهو أنّ الأحاديث التي قد صحَّت أو وقعت (¬1) بين الصحة والسقم - وقد دُوِّنت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة أهل اعلم بالحديث، ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم، وإن جاز أن تذهب على بعضهم؛ لضمان صاحب الشريعة حِفْظَها، فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم، لم يقبل منه، ومن جاء بحديث هو معروف عندهم، فالذي يرويه اليوم لا ينفرد بروايته، والحجة قائمة بحديثه برواية غيره، والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مُسَلْسَلاً بحدّثنا أو بأخبرنا. وتبقى هذه الكرامة التي اختصت (¬2) بها هذه الأمة إلى يوم القيامة شَرَفاً لنبينا المصطفى، صلى الله عليه وسلم، كثيراً. * * * والذي ينبغي ذكره ها هنا: أن الحديث في الابتداء كانوا يأخذونه من لفظ المحدِّث حفظاً، ثم كتبه بعضهم احتياطاً، ثم قام بجمعه، ومعرفة رواته، والتمييز بين صحيحه وسقيمه - جماعةٌ لم يخفّ عليهم إتقان المتقنين من رواته ¬

_ (¬1) في ح: «وقفت». (¬2) في ا: «خصت». (م 21 - مناقب جـ 2)

ولا خطأ من أخطأ منهم في روايته، حتى لو زِيْدَ في حديث حرفٌ أو نقص منه شيء، أو غُير منه لفظ يغير المعنى - وقفوا عليه وتَبَيَّنُوه (¬1)، ودوَّنوه في تواريخهم؛ حتى تَرك أوائِلُ هذه الأمة أَواخرَها - بحمد الله - على الوَاضِحَة. فمن سلك في كلّ نوع من أنواع العلوم سبيلَهم، واقتدى بهم - صار على بَيِّنه من دينه. نسأل الله التوفيق والعصمة بفضله ومنّه. * * * واحتج بعض العراقيين على الشافعي بأن «مذهب أبي حنيفة» مبني على قول عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهما، فأخرج من كتب أهل الحديث من أقاويلهما ما يخالفه أبو حنيفة من غير سماع منه لبعض ما أخرجه. وكذلك في «كتاب السِّيَر» الذي رواه أبو عبد الرحمن البغدادي عنه، احتاج إلى أحاديث لم تكن في مسموعاته، أو وجدها في مسموع غيره أتمَّ مَتْنًا، أو بإسناد أقوى (¬2) مما كان عنده - فأوردها مستشهداً بها من غير سماع منه لما ذكره، ولا ذكر أخبرنا ولا حدثنا ولا أنبأنا ولا سمعت، في شيء من ذلك إلا أن يروِي خلال ذلك عن شيخ له ما سمعه منه، فحينئذ يذكر فيه سماعه. وربما يجمع في حديث سمعه من شيخ له بينه وبين شيخ لم يسمع منه، ولا يذكر فيه سماعه ألبتة لا من شيخه ولا من غيره. فنظر الشيخ «أبو الحسن: علي بن عمر الدارقطني الحافظ» رحمه الله في بعض هذه الكتب فتوهّم أن بعض أولئك الشيوخ من شيوخ الشافعي الذين سمع منهم فعدَّهم - في روايتنا عن شيخنا أبي عبد الرحمن السلمي عنه - في جملة شيوخ الشافعي، رحمه الله. وليس الأمر على ما توهَّم. وقد يقول في تلك الكتب: الأعمش عن إبراهيم، وإسماعيل عن الشعبي ¬

_ (¬1) في ح: «وبينوه». (¬2) في ا: «قوى».

وسعيد بن أبي معشر، وشعبة عن الأعمش وغيره، وسفيان - يعني الثوري - عن أبي إسحاق وغيره، وحماد بن سلمة عن سماك وغيره، والليث بن سعد عن عقيل. ومعلوم أنه لم يسمع من واحد منهم، وإنما هو «بلاغ» بلغه عنهم، فكذلك روايته في هذا الكتاب عن يحيى بن سعيد القطّان، وعبد الرحمن ابن مهدي، ومحمد بن عبيد، وعباد بن العوّام، ومحمد بن يزيد، ويزيد ابن هارون، وعبد الله بن إدريس، وهشيم بن بشير، وإسحاق بن يوسف الأزرق وغيرهم - «بلاغ» بلغه عنهم لا سماع. فإن ذكر فيه حديثا (¬1) عن شيخ له قد سمعه منه قال: أخبرنا مالك، أو أخبرنا سفيان، أو أخبرنا ابن علية أو أخبرنا سعيد بن سالم، أو أخبرنا الزنجي بن خالد، أو غيرهم. وإن ذكر فيه حديثا عن شيخ له لم يسمعه منه، أو سمعه منه بلفظ آخر لم يذكر فيه سماعه. وكلّ ذلك إتقان منه، واحتياط لدينه فيما رواه أو حكاه. والله يغفر لنا وله برحمته. ¬

_ (¬1) في ا: «ذكره فيه حدثنا».

63 - باب ذكر أصحاب الشافعي، رحمه الله، الذين حملوا عنه العلم أو رووا عنه حديثا، أو حكوا عنه حكاية

باب (¬1) ذكر أصحاب الشافعي، رحمه الله، الذين حملوا عنه العلم أو رووا عنه حديثاً، أو حكوا عنه حكاية * * * أخبرنا أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السلمي فيما قرأت عليه قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله الديبلي يقول: سمعت أبا المنذر (¬2) بن سهل بن عبد الصمد الرّقي يقول: سمعت داود بن علي يقول: اجتمع للشافعي، رحمه الله، من الفضائل ما لم تجتمع لغيره: فأول ذلك: شرف نسبه (¬3) ومنصبه، وأنه من رهط النبي، صلى الله عليه وسلم. ومنها: صحة الدين وسلامة الاعتقاد من الأهواء والبدع. ومنها: سخاوة النفس. ومنها: معرفته بصحة الحديث وسقمه. ومنها: معرفته بناسخ الحديث ومنسوخه. ¬

_ (¬1) في هامش ا: أول السابع عشر من أجزاء المصنف، سمع على القاضي أبي عبد الله عنه. (¬2) في ح: «أبا المنيرة سهل». (¬3) في ح: «نفسه».

ومنها: حفظه لكتاب الله، وحفظه لأخبار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعرفته بسير النبي، صلى الله عليه وسلم، وسير خلفائه. ومنها: كشفه لتمويه مخالفيه. ومنها: تأليفه الكتب القديمة والجديدة. ومنها: ما اتفق له من الأصحاب والتلامذة، مثل أبي عبد الله: أحمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه وإقامته على السنة، ومثل سليمان بن داود الهاشمي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، والحسين الفلاس، وأبي ثور: إبراهيم (¬1) بن خالد الكلبي، والحسن بن محمد الصباح الزعفراني، وأبي يعقوب: يوسف بن يحيى البويطي، وحرملة بن يحيى التجيبي، والربيع بن سليمان المرادي، وأبي الوليد: موسى بن أبي الجارود، والحارث بن سريج النقال، وأحمد بن خالد الخلال، والقائم بمذهبه، أبو إبراهيم: إسماعيل بن يحيى المزني. ولم يتفق لأحد من العلماء والفقهاء من الأصحاب ما اتفق له، رحمة الله عليه وعليهم أجمعين (¬2). أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت داود بن علي يقول: ومن الذين اتفق للشافعي من الأصحاب والذابّين عنه والمنتحلين بالانتساب إليه: سيد أهل الحديث في عصره، الذي لا يختلف في فضله وعلمه موافق ولا مخالف منصف: «أحمد بن حنبل» وكان ¬

_ (¬1) في ح: «وإبراهيم». (¬2) في ا: «أجمعين جميعا».

أجلّ (¬1) تلامذته (¬2)، وأكثر الناس ملازمة له، وأخصهم لمن استخصه على ملازمته، وكان يأمر أن تكتب كتبه، ويسرُّ بمجالسته، ويذبّ عنه، ويدعو إليه وإلى مجالسته إخوانَه، ويخبر أنه ما رأى مثله. وقد حكى عنه وروى عنه، رحمة الله ورضوانه عليهما (¬3). قال (¬4): ومنهم «سليمان بن داود الهاشمي» في الحضّ عليه، والدعاء إليه، وإلى مقالته، وأحد الحاكين عنه، والذابّين عن قوله. أخبرني بذلك أبو ثور عنه. قال داود: وكذلك «عبد الله بن الزبير الحميدي» بعد نفوره: كان يذبّ عنه، وينتحل مذهبه، وكتب أكثر كتبه. قال: ومن تلامذته (¬5) المنسوبين إليه: «الحسين بن الفلاس» (¬6) وكان من عِلْية (¬7) أهل الحديث وحفاظهم له ولمقالة الشافعي. أخبرني بذلك أبو ثور وأبو علي: الحسين بن محمد. قال داود: ومن المشهورين به الذي لا يجهل «أبو ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي» زاد في غير رواية شيخنا: والحسين بن علي والحسن بن محمد الزعفراني قال في رواية شيخنا: ومنهم «أحمد بن خالد الخلال» وكان من أهل الحديث. وممن يعرف ¬

_ (¬1) في ا: «أحد». (¬2) في ح: (تلاميذه». (¬3) في ا: «عليه». (¬4) من ح. (¬5) في ح: «تلاميذه». (¬6) في ح: «القلانسي». (¬7) في ح: «علماء».

بالدين والأمانة والورع وانتحال مذهب الشافعي. قال (¬1): ومنهم «أبو عبد الرحمن الشافعي» وكان في حال انتحاله لمذهبه وذبّه عن قوله - ريحانة أهل الحديث وأحد النُّسَّاك والحفّاظ للحديث وقبوله حتى صار إلى ما سبق من علم الله فيه. قال: ومنهم «حرملة بن يحيى التجيبي» وكان أحد المتقدمين من أصحاب الشافعي وممن (¬2) ينسب إلى الشافعي، منه سمع وعنه اقتبس. قال: ومنهم «أبو يعقوب: يوسف بن يحيى البويطي» ومكانه من العلم مكانه، وكان أحد من أريد على ترك دينه وأوذى (¬3) في الله، وحمل في الأقياد من مصر، واغترب عن أهله وطال في السجن حبسه، ممتنعاً مما أريد منه من القول بخلق القرآن، صابراً على الأذى في الله عز وجل، حتى مات في أقياده محبوساً ثابتاً على دينه، غير مجيب إلى ما أريد منه مما قد سارع إليه أكثر مخالفيه من متفقهة عصره، رحمة الله عليه ورضوانه. قال: ومنهم «الربيع بن سليمان المرادي» الذي لا تعلم الرحال تشد من شرق (¬4) إلى غرب في طلب العلم - يعني في عصره - إلا إليه، وإنما يقصد القاصدون إليه؛ ليعرفوا مقالة الشافعي، رضي الله عنه. قال: ومنهم «أبو الوليد: موسى ابن أبي الجارود المكي» وكان مفتي أهل مكة، وممن (¬5) يعترف له بالدين والأمانة والورع والحفظ لمقالة الشافعي، رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) في ا: «ومن». (¬3) في ح: «اوذى». (¬4) في ح: «الذي لا يعلم الرجال بشراً يقصد من شرق ...». (¬5) في ا: «ومن».

زاد في غير رواية شيخنا: ومنهم «أبو إبراهيم: إسماعيل بن يحيى المزني» أحد نظار أصحابه لا يدفعه عن ذلك منهم دافع مع اعتراف أكثر مخالفيه له بذلك. قال في رواية شيخنا: ومنهم «الحارث بن سريج النقال» وكان أحد المعدودين من طلبة الآثار. قال داود: وكان «القاسم بن سلام» أحد المقتبسين (¬1) من كتب الشافعي وقد كان ابتدأ في كتاب المناسك، فحكى فيه عن الشافعي، رضي الله عنه. رأيته في كتاب بخط يده. قال داود: وكان أحد أتباع الشافعي والمقتبسين منه والمعترفين بفضله: «عبد العزيز بن يحيى الكناني»: طالت صحبته واتباعه له وخرج معه إلى اليمن. وآثار الشافعي في كتاب عبد العزيز المكي بينة عن ذكره الخصوص والعموم والبيان. كل ذلك مأخوذ من كتب المُطَّلبي. رحمة الله عليه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت علي بن أحمد بن واصل يقول: سمعت محمد بن إبراهيم الشافعي يقول: سمعت إبراهيم بن إسحاق يقول: في مسألة: قال أستاذ الأستاذَين قالوا: ومن هو؟ قال: الشافعي. أليس هو أستاذ أحمد بن حنبل وأبو ثور؟! * * * أخبرنا أبو عبد الله: الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري قال: حدثنا الفضل ابن الفضل الكندي قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: قلت «لأبي داود السجستاني: سليمان بن الأشعث»: مَنْ أصحاب الشافعي؟ ¬

_ (¬1) في ا: «المنتقين».

قال: أولهم: عبد الله بن الزبير الحميْدي، وأحمد بن حنبل، ويوسف بن يحيى: أبو يعقوب البويطي، والربيع بن سليمان، وأبو ثور: إبراهيم بن خالد، وأبو الوليد بن أبي الجارود المكي، والحسن بن محمد الزعفراني، والحسين بن علي الكرابيسي، وإسماعيل بن يحيى المزني، وحرملة بن يحيى، ورجل ليس بالمحمود: أبو عبد الرحمن: أحمد بن يحيى الذي قال له الشافعي؛ وذلك أنه بَدَّل وقال بالاعتزال. هؤلاء ممن تكلم في العلم وعرفوا به من أصحابه. أخبرنا (¬1) أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت الإمام (¬2) «علي بن عمر الحافظ» الدارقطني (¬3) ببغداد، وذكر أسامي (¬4) من روى عن الشافعي فقال: روى عنه: أبو عبد الله: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد، وأحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، وأحمد بن محمد بن سعيد الصيرفي البغدادي، وأبو طاهر: أحمد بن عمرو بن السرح المصري، وأحمد بن سعيد بن بشر الهمذاني، وأحمد بن الصباح بن أبي سريج الرازي، وأحمد [بن محمد] (¬5) بن الحجاج المروروذي صاحب أحمد بن حنبل، وأحمد بن سنان بن أسد الواسطي، وأحمد بن عبد الله بن قنبل المكي، وأحمد بن خالد البغدادي ثقة، وأحمد بن يحيى بن الوزير المصري، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وأحمد بن صالح المصري، وأحمد بن محمد الأموي، وأحمد بن أبي بكر، وأبو ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي، وإبراهيم بن عيسى بن أبي أيوب المصري، وإبراهيم بن ¬

_ (¬1) في ح: كان بدء الباب بهذا. (¬2) من ح. (¬3) من ح. (¬4) في ا: «السلمي». (¬5) من ح.

هرم القرشي المصري، وإبراهيم بن عبيد الله (¬1) الحجبي، وإسماعيل بن يحيى المزني، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وأحمد بن أبي موسى، وإسحاق بن عيسى ابن الطباع، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وإسحاق بن بهلول الأنباري، وإسحاق بن صغير (¬2) العطار، وإدريس بن يوسف المخزومي، وأيوب بن سويد الرملي، وأبو عبد الرحمن: أحمد (¬3) بن يحيى الشافعي المتكلم البغدادي، وأسد بن سعيد بن كثير بن عفير، وبحر بن نصر بن سابق الخولاني، وبشر ابن غياث المريسي، والحسن بن محمد بن (¬4) الصباح الزعفراني، والحسن بن عبد العزيز الجروي، والحسن بن إدريس الخولاني (¬5)، والحسن بن عثمان: أبو حسان الزيادي البغدادي، والحسين بن علي الكرابيسي البغدادي، وحسين القلاس الفقيه، وحسين بن عبد السلام: الشاعر الملقب بالجمل، والحارث ابن سريج النقّال (¬6) وحامد بن يحيى البلخي، وحرملة بن يحيى بن الحارث ابن مسكين، وخالد بن نزار الأيلي، وداود بن أبي صالح مصري، والربيع ابن سليمان المؤذن المرادي، والحسن (¬7) بن أبي الربيع الجرجاني، وزينب بنت محمد بن إدريس، وزكريا بن يحيى الوقاد، وسفيان بن عيينة عنه، وسعيد بن كثير بن عفير، وسعيد بن موسى بن أسد السنة، وسعيد بن عيسى بن تليد (¬8) الرعيني المصري، وسليمان بن داود المهري، وسليمان بن عبد العزيز ابن أبي ثابت الزهري، وسليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس ¬

_ (¬1) في ا: «عبد الله». (¬2) في ا: «صعب». (¬3) في ح: «محمد» وهو خطأ. انظر التوالي 79. (¬4) من ح، والتوالي 80. (¬5) في ا: «الحلواني» وما أثبتناه عن ح في التوالي 80. (¬6) في ح: «الجمال» وفي هـ: «القفال» وانظر التوالي 80. (¬7) في ح: «الحسين» وهو خطأ. راجع التوالي 80. (¬8) في ح: «ابن خليل» وهو خطأ، وقد ضبطه صاحب التوالي بالتاء المثناة ص 80.

وسليمان (¬1) بن داود الشاذكوني (¬2)، وسفيان بن محمد المسعودي، وسهل بن محمد أبو حاتم السجستاني، وصالح بن أبي صالح كاتب الليث، وعبد الله بن عبد الحكم ابن أعين، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وعبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان ابن شافع ابن عمه، وعبد الله بن محمد البلوي، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرحمن ابن عبد الله بن سوار العنبري، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، وعبيد الله بن محمد بن هارون الفريابي، وعبيد الله أو عبد الله بن عبد الخالق المهري المصري وعبد الملك ابن قريب الأصمعي، وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشوني، وعبد الملك بن هشام المصري، وعبد الغني بن عبد العزيز المصري، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص وعبد العزيز ابن يحيى المكي، وعبد الحميد بن الوليد بن المغيرة: أبو زيد النحوي المصري، وعلي بن عبد الله بن جعفر المديني، وعلي بن معبد بن شداد العبدي، وعلي بن مسلم الثقفي (¬3)، وعلي بن سليمان الأخميمي، وعمرو بن خالد الحراني، وعمرو بن سواد السرجي، وقتيبة بن سعيد البلخي، والقاسم بن سلام، وأبو عبيد: قحزم بن عبد الله بن قحزم والليث بن عاصم القتباني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر، ومحمد بن سعيد بن غالب العطار البغدادي، ومحمد بن عبد الله المخزومي، ومحمد بن سعيد بن الحكم بن أبي مريم، ومحمد بن أبي بكر المصري، ومحمد ابن أحمد المصري، ومحمد بن خلف العسقلاني، ومحمد بن نافع مصري، ومحمد ابن الوزير المصري، ومحمد بن مهاجر أخو حنيف بغدادي، ومحمد بن محمد بن إدريس ابنه، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع ابن عمه، ومحمد بن عبد العزيز الواسطي، وموسى بن أبي الجارود المكي، ومسعود بن ¬

_ (¬1) في ا: «ابن سلمان» وهو خطأ. (¬2) قال في التوالي ص 80: «أحد الحفاظ وهو ممن ضعف». (¬3) في ا: «سالم الليثي» وفي ح: «ابن سلمة الثقفي».

سهل الأسود المصري، ومصعب بن عبد الله الزبيري (¬1)، ومحمد بن أبي يعقوب الدينوري، ومحفوظ بن أبي توبة، ومسلم بن خالد الزنجي، ونمير بن سعيد مصري ووهب الله بن رزق مصري، وهارون بن سعيد الأيلي وهارون بن محمد السعدي ويونس بن عبد الأعلى الصدفي، ويوسف بن عمرو بن يزيد المصري، ويوسف ابن يحيى البويطي، ويحيى بن سعيد القطان البصري، ويحيى بن عبد الله (¬2) الخثعمي. ويحيى بن معين البغدادي، ويحيى بن أكثم القاضي، وأبو شعيب المصري وأبو مروان بن أبي الخصيب رجل من أهل مصر يلقب بسرج الغول، وابن بنت عفراء المكي المقدمي غير مسمى. هذه جملة من روى عن الشافعي كلامه وحكاياته وأخباره وأحاديثه. قلت المقدمي: هو: محمد بن أبي بكر، حكى مناظرة الشافعي مع محمد ابن الحسن بالرقة. وإنما أراد برواية (¬3) ابن عيينة عن الشافعي - فيما أظن - معنى حديث رسول (¬4) الله صلى الله عليه وسلم «أقروا الطير في مكانتها» ففي حكاية محمد بن مهاجر: فسمعت سفيان بن عيينة بعد ذلك - أي بعدما سأل الشافعي عن معناه وجوابه (¬5) إياه - يسأل عن تفسيره، فكان تفسيره على نحو ما قال الشافعي وقد قدمنا ذكرها. * * * وذكر شيخنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، رحمه الله، أصحاب ¬

_ (¬1) في ح: «الزهري». (¬2) في ا: «عبيد الله». (¬3) في ا: «رواية». (¬4) في ا: «معنى الحديث للنبي». (¬5) في ح: «وجوابه إذا سئل عن تفسيره».

الشافعي، رحمه الله، والرواة عنه فنقص مما ذكره الدارقطني، رحمه الله، وزاد عليه قال (¬1): فوجدت فيمن زاد: «إسماعيل بن طباطبا العلوي». أخبرنا أبو عبد الله قال: كتب إلى أبو عبد الله: محمد بن علي بن الحسين الحافظ بخطه يذكر أن أبا عمرو: بشران بن يحيى الأصبهاني حدثهم بمكة قال: سمعت أبا الحسين: علي بن إسماعيل بن طباطبا العلوي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: الانبساط إلى الناس مجلبة لقرناء السوء والانقباض عنهم مكسبة للعداوة؛ فكن بين المنقبض والمنبسط. وفيمن زاد: «أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة المقرئ المكي» قارئ أهل الحجاز في وقته. أخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرنا أبو بكر: أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه قال: أخبرنا محمد بن يحيى بن ناصح العامري (¬2) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بزة قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي الأكبر وهو يكلم ابن عمة له: (¬3) وهو يقول: والله لو أني أعلم أن الماء يثلم مروءتي ما شربته قال: وهذا سمعته سنة أربع وتسعين ومائة وأنا ابن ثلاث عشرة سنة. وفيمن زاد: «أبو الحسن (¬4): علي بن سهل (¬5) بن المغيرة الرملي». أخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: حدثني ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) في ح: «العلوي». (¬3) في ا: «ابن عمران». (¬4) في ح: «الحسين». (¬5) في ا: «علي بن أبي سهل».

أحمد (¬1) بن عمرو قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن فورش عن علي بن سهل الرملي قال: سألت الشافعي عن القرآن فقال: كلام الله غير مخلوق. وفيمن زاد: «إبراهيم بن محمد بن أيوب المصري (¬2)» وذكر حديثا عنه عن الشافعي عن مالك في الركاز (¬3). وفيمن زاد: «سلمة بن شبيب المستملي» فذكر حديثا عنه عن الشافعي عن فضيل بن عياض قد قدمنا ذكرها. وفيمن زاد: «إبراهيم بن محمد الكوفي» وهو الذي حكى مناظرة الشافعي وإسحاق بن راهويه. وفيمن زاد: «عمار بن زيد» وهو الذي حكى قصة دخول الشافعي على هارون الرشيد وسؤاله عن علمه. وفيمن زاد: «عبد الله بن محمد بن عقيل» شيخ من أهل العراق. وأخبرنا أبو عبد الله في موضع آخر قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثني إبراهيم بن محمود قال: حدثنا أبو سليمان - وهو داود الأصبهاني - قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل قال: ما عرفت الشافعي إلا بأحمد بن حنبل، وهو ذهب بي إليه. وفيمن زاد: «ياسين بن عبد الأحد بن أبي زرارة» وأبو زرارة: هو الليث بن عاصم القتباني. ¬

_ (¬1) في ا: «حمد». (¬2) في التوالي: «البصري». (¬3) في ح: «الزكاة».

قال: وقد روى «ياسين» عن الشافعي وحكى عنه جده أبو زرارة، إلا أن جده مات قبل الشافعي وكان شيخ المالكيين. وفيمن زاد: «عبد الملك بن محمد الرقي» و «أبو محمد: الربيع بن سليمان الجيزي» والد أبي عبيد الله المصري. و «زيد بن بشر المصري»، و «يعقوب بن إبراهيم الدورقي» و «محمد ابن عبد الرحيم بن شروض الصنعاني». وذكر شيخنا أبو عبد الله في أصحاب الشافعي والرواة عنه «أبا أحمد: محمد بن عبد الله بن محمد المكي» ختن الشافعي على ابنته زينب. وأنا أظنه محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع الذي ذكره الدارقطني. رحمهم الله. وقد تمكن الزيادة عليهم بإخراج جماعة من نوادر الحكايات عنه. وبالله التوفيق. وقد أُخبرت عن أبي العباس السليطي أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الرعيني قال: حدثنا الطحاوي قال: حدثنا علي بن عمرو بن خالد قال: سمعت أبي يقول: قال لي الشافعي: يا أبا الحسن، انظر إلى هذا الباب - يعني الباب الأول من أبواب المسجد - فنظرت إليه فقال: ما يدخل من هذا الباب أحد أعقل من «يونس ابن عبد الأعلى». [وبإسناده عن سهل بن نعيم قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه: كل من تكلم بكلام في الدين، أو في شيء من هذه الأهواء ليس فيه إمام متقدم من النبي وأصحابه فقد

أحدث في الإسلام حدثًا. وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من أحدث حدثا أو آوى محدثاً في الإسلام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (¬1)». قال: فهل بن نعيم هذا أيضاً ممن روى عن الشافعي، رضي الله عنه (¬2)]. ¬

_ (¬1) مسند أحمد 2/ 198 - 199، 213، 226 - 227 من حديث على المكتوب في صحيفته المعلقة بقراب سيفه ولكن ليس فيه: «في الإسلام»، وفيه في مواضع أخر وفي غيره: «من أحدث في المدينة». (¬2) ما بين القوسين من ح. وبعدها: «بلغ مقابلة في المجلس الثامن والعشرين».

64 - باب ذكر من قعد في مجلس الشافعي بعد وفاته، ومن قام من أصحابه بنشر علمه

باب ذكر من قعد في مجلس الشافعي بعد وفاته، ومن قام من أصحابه بنشر علمه * * * أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن محمد بن حمدون يقول: سمعت إبراهيم بن جعفر يقول: سمعت الربيع يقول: وجه الشافعي الحميدي إلى الحلقة فقال: الحلقة لأبي يعقوب البويطي، من شاء فليجلس ومن شاء فليذهب. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا أحمد: الحسين بن علي التميمي يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: حدثني أبو جعفر السكري - صديق الربيع -[عن الربيع] (¬1) قال: لما مرض الشافعي مرضه الذي توفى فيه، جاء محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس الشافعي فقال البويطي: أنا أحق بمجلسه منك. وقال ابن عبد الحكم: أنا أحق بمجلسه منك، فجاء الحميدي - وكان تلك الأيام بمصر - فقال: ¬

_ (¬1) من ح. (م 22 - مناقب جـ 2)

قال الشافعي: [ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى] (¬1)، وليس أحد من اصحابي أعلم منه. فقال له ابن عبد الحكم: كذبت فقال له الحميدي: بل كذبت أنت، وكذب أبوك، وكذبت أمك (¬2). وغضب ابن عبد الحكم فترك مجلس الشافعي وتقدم مجلس الشافعي فجلس في الطاق الثالث، ترك طاقا بين مجلس الشافعي وبين مجلسه وجلس البويطي [في مجلس الشافعي (¬3)] في الطاق الذي كان يجلس. قال أبو بكر: [محمد بن إسحاق: (¬4)] وهو الطاق الذي (¬5) كان الربيع يجلس فيه أيامنا، إلا أن الشافعي كان يجلس مستقبل القبلة، وكان الربيع يجلس مستدير القبلة، لا يجلس في مجلس الشافعي، رحمه الله. وقرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي: سمعت إبراهيم بن زياد يقول: سمعت البويطي يقول: لما مات الشافعي اجتمعنا في موضعه جماعة من أصحابنا، فجعل أصحاب مالك يسعون علينا عند السلطان، حتى بقيت أنا ومولى الشافعي ثم نرجع بعد ذلك ونتألّف، ثم يسعون علينا عند السلطان حتى نتفرق، فلقد غرمت نحوا ألف دينار حتى رجع أصحابي وتألفنا. قلت: وكانوا قد سعوا بالشافعي حين وضع كتاب الرد عليهم، واجتمعوا ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من ح. (¬2) طبقات الشافعية 2/ 163. (¬3) من ح. (¬4) من ح. (¬5) من ح.

إلى السلطان وقالوا له: اخرج هذا عنّا. فأجابهم السلطان إلى ذلك، فذهب الشافعي ومعه الهاشميون والقرشيون إلى السلطان، وكلّموه فأبى عليهم وقال: إن هؤلاء قد كرهوه وأخاف أن تفتن البلد عليّ، فأجّله ثلاثة أيام على أن يخرج من البلد، فلما كانت الليلة الثالثة مات الوالي فجأة وكفى أمره وأقام الشافعي. وهذا فيما قرأته في كتاب أبي يحيى الساجي، عن عبد الله بن أحمد، عن أبي عبيد الله ابن أخي عبد الله بن وهب: أنه ذكر هذه القصة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر: محمد بن إبراهيم بن حسنويه العبد (¬1) الصالح، وأبا الطيب الكرابيسي يقولان: سمعنا أبا بكر: محمد ابن إسحاق يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: ما رأيت البويطي بعد ما فطنت له إلا رأيت شفته تتحرك: إما بذكر وإما بقراءة قرآن. وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتابه فقال في كتابي عن الربيع قال: كان لأبي يعقوب البويطي من الشافعي منزلة، وكان الرجل ربما يسأله عن المسألة فيقول: سل أبا يعقوب فإذا أجابه أخبره فيقول: هو كما قال (¬2). قال الربيع: ما رأيت أحداً أنزع لحجة من كتاب الله تعالى من أبي يعقوب البويطي (¬3). قال: وربما جاء إلى الشافعي رسول صاحب الشرط، فيوجه الشافعي أبا يعقوب ويقول: هذا لساني (¬4). وقد حكينا عن الشافعي أنه قال لأبي يعقوب البويطي: أما أنت يا أبا يعقوب فستموت في حديديك. فكان كما تفرس: دعى إلى القول بخلق ¬

_ (¬1) في ح: «حيويه العلا العبد» (¬2) آداب الشافعي ص 275. (¬3) آداب الشافعي ص 275. (¬4) آداب الشافعي في الموضع السابق.

القرآن فامتنع منه، فقيد وحمل في أقياده إلى العراق، وحبس حتى توفى في أقياده محبوسا، رحمه الله تعالى. قرأت في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم، عن أبي بكر: عبد الرحمن بن أحمد الشافعي قال: سمعت الربيع يقول: رأيت أبا يعقوب البويطي وفي رجله أربع حلق قيود، وفيها أربعون رطلَ حديد، وفي عنقه غلٌّ مشدود إلى يده وهو يقول: إنما خلق الله الخلق «بكن»، فإذا كان «كن» مخلوقا - فمخلوق خلَق مخلوقا (¬1). قال: وكان في السجن إذا سمع المؤذن قام ولبس ثيابه وتقدم إلى باب السجن فيقال له: إلى أين؟ فيقول: أجيب داعي الله، فيقال له: ارجع عافاك الله، فيقول: اللهم إنك تعلم أني قد أحببت. وقرأته في كتاب زكريا بن يحيى الساجي سماعه من الربيع قال: كان أبو يعقوب إذا سمع المؤذن يوم الجمعة اغتسل ولبس (¬2) ثيابه، ومشى حتى يبلغ باب الحبس فيقول له السجان: أين تريد؟ قال: أجيب داعي الله. قال: ارجع عافاك الله تعالى، فيقول أبو يعقوب: اللهم إنك تعلم أنا قد أجبنا داعيك فمنعونا. وقرأت في كتاب العاصمي: عن الزبير بن عبد الواحد، عن علي بن محمد قال: قال الربيع: وكتب إليّ البويطي من بعض الطريق: هذا آخر كتاب أكتبه ¬

_ (¬1) في ا: «مخلوق». (¬2) في ا: «إذا سمع المؤذن قام ولبس ثيابه».

إليك؛ وذلك أني إذا دخلت (¬1) على أمير المؤمنين صدَقْتُه فلا أدري ما يكون منه. قال الربيع: وكان البويطي طويل الصلاة وكان يختم القرآن في كل يوم. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قرأت بخط أبي عمرو المستملي في كتابه: حضرنا مجلس أبي عبد الله: محمد بن يحيى، فقرأ علينا كتاب أبي يعقوب البويطي إليه: والذي أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث بناحيتك لعل الله يخلصني بدعائهم؛ فإني في الحديد قد عجزت عن أداء الفرض في الطهارة والصلاة. قال أبو عمرو: فضجَّ الناس بالبكاء والدعاء. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب - غير مرة - يقول: رأيت أبي في المنام فقال لي: يا بني، عليك بكتاب البويطي؛ فليس في الكتب أقل خطأ منه. قلت: وحين تغيظ أبو عبد الله: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري مما جرى في مجلس الشافعي انتقل إلى مذهب أبيه - وهو مذهب مالك، وكان قبل قدوم الشافعي ينتحله - فاختلف إلى الشافعي وأخذ عنه، وكان أبوه يحثه عليه. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن حيان قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني قال: سمعت الحسين (¬2) بن علي ابن الأشعث يقول: ¬

_ (¬1) في ا: «إن دخلت». (¬2) في ا: «الحسن».

سمعت «محمد بن عبد الله بن عبد الحكم» يقول: كنت أتردد إلى الشافعي فاجتمع قوم من أصحابنا إلى أبي فقالوا: يا أبا محمد، إن محمداً انقطع إلى هذا الرجل ويتردد إليه فيرى الناس أن هذا رغبة عن مذهب أصحابه، فجعل أبي يلاطفهم فيقول: هو حدث، وهو يحب النظر في اختلاف أقاويل الناس ومعرفة ذلك، ويقول في السر: يا بني، الزم هذا الرجل؛ فإنه عسى أن يخرج يوما من هذا البلد فتقول. قال (¬1) ابن القاسم فيقال لك: مَن ابن القاسم؟ وذكر قصة في تصديق قول أبي. وفي كتاب العاصمي: عن محمد بن رمضان، عن ابن عبد الحكم. فذكر هذه القصة، وقال عن «ابن عبد الحكم» أيضا: قال لي (¬2) أبي حين قدم الشافعي: يا بني، عليك بالشافعي؛ فإِنك لو جاوزت هذا البلد فتكلمت في مسألة فقلت فيها: قال أشهب قيل لك: ومن أشهب؟ فلزمت الشافعي، وما زال كلام الشيخ في قلبي حتى خرجت إلى العراق، فكلّمني القاضي بحضرة جلسائه في مسألة فقلت فيها: قال أشهب عن مالك، [فقال: ومَن أشهب (¬3)؟] وأقبل على جلسائه فقال بعضهم كالمنكر: ما أعرف أشهب ولا أبْلَق. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا سعيد: عمرو بن محمد بن منصور العدل يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: ما رأيت أفقه في المسائل من «محمد بن عبد الله بن عبد الحكم». ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) من ح. (¬3) ما بين القوسين من ح.

وأخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت أبا أحمد: الحسين بن علي يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: «محمد بن عبد الله» أعلم من رأيت على أديم الأرض بمذهب مالك وأحفظهم له. قلت: ومع انتقاله إلى مذهب مالك كان (¬1) يقول بفضل الشافعي، رحمه الله، كما سبق ذكرنا له ويقرأ عليه كتب الشافعي. أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: أخبرني عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال: سمعت: «محمد بن عبد الله بن عبد الحكم» يقول: ما من أحد ممن خالفنا - يعني خالف مالكا - أحب إليّ من الشافعي. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن حيان قال: أخبرني أبو جعفر: محمد بن عبد الرحمن قال: أخبرني الحسن بن علي بن الأشعث قال: أخبرني أبو الليث بن الأيلي قال: سألْنا «محمد بن عبد الله بن عبد الحكم» أن نقرأ عليه كتب الشافعي فأجابنا إلى ذلك على أن تكون قراءتنا في منزله. قال: فجئنا فابتدأنا بالقراءة عليه، وكان رجل ممن يتفقه بقول المدنيين يقال له: محمد بن سعيد المقري له عنده مجلس. قال: فجاء فوجدنا ونحن نقرأ عليه فقال لنا: روحوا فإن لنا مجلسا، وأيّ شيء نصنع بهذه الكتب؟ قال: فقلت له أنا - ومحمد يَسْمع - ليس يمنعك أنت من هذه الكتب إلا أنك (¬2) لا تحسن تقرؤها. فقال: أنا لا أحسن ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) في ا: «ومحمد نسمع ليس نمنعك أنت من هذه الكتب إلا أنك لا تحسن».

أن أقرأها؟ أنا أقرأ كتب عبد الملك بن (¬1) الماجشون، أفلا (¬2) أحسن أن أقرأ كتب الشافعي؟! قال: وكان «محمد» متكئاً فجلس إنكاراً لقوله فقال: يا أبا عبد الله، والله ما عبد الملك بن (¬3) الماجشون عند محمد بن إدريس الشافعي إلا بمنزلة الفطيم عند الكبير. أخبرنا أبو عبد الله بن محمد قال: سمعت أبا الفضل بن أبي نصر يقول: قرأت على قبر «محمد بن عبد الحكم»: توفى محمد يوم الأربعاء النصف (¬4) من ذي القعدة، سنة ثمان وستين ومائتين. رحمه الله. * * * قلت: وحين وقع للبويطي ما (¬5) وقع كان القائم بالتدريس والتفقيه (¬6) على مذهب الشافعي رحمه الله: «أبو إبراهيم: إسماعيل بن يحيى المزني» رحمه الله، صنف من كتب الشافعي، ومما أخذه عنه «المختصر الكبير» ثم صنّف «المختصر الصغير» الذي سار في بلاد المسلمين وانتفعوا به. وفيما أنشدنا شيخنا أبو عبد الله قال: أنشدت لمنصور بن إسماعيل الفقيه: لم تر عيناي وتسمع أذني ... أحسن نظما من كتاب المزني وفيما أخبرنا أبو عبد الله قال: ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) في ا: «ولا». (¬3) من ح. (¬4) في ا: «المنتصف». (¬5) في ا: «البويطي فيما». (¬6) في ا: «للتفقه».

قال أبو الوليد فيما أخبرت عنه: بلغني عن «أبي العباس بن سريج» أنه قال: يخرج مختصر المزني من الدنيا عذراء لم تفتض. قال: وكان «أبو العباس بن سريج» إذا ذكر المختصر تمثل بهذا البيت عند ذكره: لصيق فؤادي مذ ثلاثون حجة ... وصَيقل ذهني والمفرِّج عن همِّي وأخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرني نصر بن محمد بن أحمد قال: أنشدني منصور بن محمد قال: أنشدني أبو عمران: موسى بن محمد المعافري لأبي العباس ابن سريج في المزني - يعني (¬1) في كتاب المزني -: حليف فؤادي مذ ثلاثون حجة ... وصَيْقَل ذهني والمفرِّج عن همِّي جَمُوعٌ لأنواع العلوم بأَسْرِها ... بمختصر ليسَت تفارقه كمِّي (¬2) عزيزٌ على مثلي إضاعة علمه ... لما فيه من نسجٍ بديعٍ ومن نظم أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا سهل: محمد بن سليمان - إمام الشافعيين في عصره بلا مدافعة من موافق ومخالف منصف - يقول: قال لي أبو إسحاق المروزي في شيء جرى بيني وبينه: لم لا تنظر في المختصر؟ فقلت: ما جئتك من خراسان حتى فرغت من نظري في المختصر. فقال: انظروا، يقول مثل هذا وأبو العباس بن سريج يقول: ما نظرت فيه من مرة إلا واستفدت فائدة جديدة. وأخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: سمعت ¬

_ (¬1) في ح: «أعني». (¬2) في ح: «لحمي».

عبد الله بن عدي الحافظ يقول: سمعت يوسف بن عبد الأحد القمي يقول: سمعت «المزني» يقول: لو أدركني الشافعي لسمع مني هذا المختصر. أنشدنا الشيخ أبو الفضل: مسعود بن سعيد بن عبد العزيز السلمي (¬1)، وكتب بخطه، قال: أنشدنا عمي: الأستاذ الإمام: أبو عبد الرحمن: محمد (¬2) بن عبد العزيز بن عبد الله السلمي: إنّ كتاب المزني ... لَسَلْوَتِي مِن حَزَني وعُدَّتي إن أحدٌ ... من العِدا بارزني وحلّتي إنْ فَاخِرٌ ... مِنْ كسوتي أَعْوَزَني وناصري إن جَدِلٌ ... بحجَّة أَعْجَزَني آليت لا يعدله ... ملك الفتى ذِي يَزَن ولا العراقيين ولا الشام وملك اليمن يا قرّة العين ويا ... زينة كل الزِّيَن ويا ملاذي إن دَهَتني فتنةٌ في الفِتن أنت ضجيعي ليلتي ... وفي نهاري سكَني وفي مسيري صاحبي ... وفي ضريحي كفَني أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرني عبد الله بن سعيد قال: حدثنا ¬

_ (¬1) في ا: «النيلي» وكذا ما بعده. (¬2) من ح.

أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي قال: حدثنا أبو عبد الله الهروي قال: سمعت «أبا زُرعة الدمشقي» وقلت له: ما أكثر حمل «المزني» على الشافعي. فقال: لا تقل هكذا ولكن قل: ما أكثر ظلمه للشافعي. وقرأت هذه الحكاية في كتاب العاصمي، عن أبي عبد الله: محمد بن يوسف ابن النضر البصري (¬1) الهروي، عن أبي زُرعة: محمد بن عثمان بن زرعة القاضي الدمشقي هكذا. وما أحسن ما قال. وظلمه إياه في شيئين: أحدهما أنه بلغني أن «البويطي» سئل عن سماع «المزني» من الشافعي فقال: كان صبيًّا ضعيفاً (¬2) قلت: فربما وجد في كتابه مسألة قد سقط منها بعض شرائطها وهي في رواية حرملة والربيع صحيحة فنقلها (¬3) على ما في كتابه ثم أخد في الطعن عليه. وكان من سبيله أن ينظر في كتب أصحابه حتي يتبين له خطؤه في الكتابة أو خطأ من كتب كتابه فيستغنى عن الاعتراض. والآخر: أنه وجد الشافعي ذكر مسألة في موضعين اختصرها في أحدهما (¬4) وذكرها مستوفاة شرائطها في الموضع الآخر فنقلها المزني مختصرة، ثم اشتغل بالاعتراض عليه، ولو نقلها من الموضع الآخر مقيدة بشرائطها استغنى عن الاعتراض. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) في ح: «صبيا صغيرا ضعيفا». (¬3) من ح. (¬4) في ا: «اختصرهما في أحديهما».

ومثال كل واحد من هذين النوعين (¬1) عندي فيما رددته من كلام الشافعي، رحمه الله، إلى ترتيب المختصر وإيراده هاهنا مما يطول به الكتاب. وعمل شيئا آخر: وهو أن كل كتاب صنفه «الشافعي» ورتب له ترتيبا حسنا ترك «المزني» ترتيبه وقدم وأخر: كالجمعة والجنائز وغيرهما. وقد يذكر الشافعي مسألة في موضعين بعبارتين، فيقل المزني تلك المسألة بعضها بعبارته في أحد الموضعين والثاني (¬2) بعبارته في الموضع الآخر كيلا يهتدي إلى كيفية نقله. ولو نقلها على ترتيبه فيما رتبه، وعلى عبارته في أحد الموضعين كان أحسن وأبين. فهذا وجه جواب أبي زرعة. والذي راعى المزني من حق الشافعي في جمع ما تفرق من كلامه واختصار ما بسط من قوله وتقريبه (¬3) على من أراده، وتسهيله على من قصده من أهل الشرق والغرب - أكثر، وفائدته أعم وأظهر، فلا أعلم (¬4) كتابا صنِّف في الإسلام أعظم نفعا وأعم بركة وأكثر ثمرة من كتابه، وكيف لا يكون كذلك واعتقاده في دين الله تعالى، ثم اجتهاده في عبادة الله تعالى، ثم (¬5) في جمع هذا الكتاب، ثم اعتقاد الشافعي في تصنيفه للكتب (¬6) على الجملة التي مضى ذكرها عن الشافعي، وسنذكرها عن المزني، رحمنا الله وإياهما، وجمع بيننا وبينهما في جنته بفضله ورحمته. ¬

_ (¬1) في ا: «الوجهين». (¬2) في ح: «والباقي». (¬3) في ا: «فيقربه». (¬4) في ح: «تعلم». (¬5) من ح. (¬6) في ح: «في تصنيف».

قرأت في كتاب أبي منصور الحمشاذي، رحمه الله، سمعت الإمام أبا الوليد يقول: سمعت محمد بن إسحاق يقول: سمعت «المزني» يقول: كنت في تأليف هذا الكتاب عشرين سنة، وألفته ثلاث (¬1) مرات، وغيرته، وكنت كلما أردت تأليفه أصوم قبله ثلاثة أيام وأصلي كذا كذا ركعة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد: أحمد بن عبد الله المزني يقول: سمعت يوسف بن عبد الأحد القمي يقول: صحبت «المزني» ليلة شاتية وبعينه رمد، فكان يجدد الوضوء ثم يدعو، ثم ينعس فيقوم ثانيا، فيجدد الوضوء حتى فعل ذلك سبع عشرة مرة. وأخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت أبا محمد المزني يقول: وقد كان «أبو إبراهيم المزني» فاق أقرانه في الزهد والورع. سمعت «القمي» يقول: كان «أبو إبراهيم» لا يتوضأ من جباب أحمد بن طولون. وكان يجدد الوضوء فيخرج من الجامع ويذهب إلى النيل - ومن الجامع إلى النيل مسافة - فيجدد وضوءه ثم يرجع. وكان إذا استقبله «ابن عبد الحكم» ومعه جماعة من القضاة والقلانس على رءوسهم - يقف ثم يقول: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} (¬2) ثم يرفع رأسه ويقول: بلى ربنا نصبر، بلى ربنا نصبر. وأخبرنا أبو عبد الله قال: وقال أبو محمد المزني فيما بلغني عنه، عن يوسف ¬

_ (¬1) في ا: «ثمان». (¬2) سورة الفرقان: 20.

ابن عبد الأحد القمي (¬1) قال: إن «أبا إبراهيم المزني» عَبَدَ الله كذا وكذا سنة عبادة منتظر قال: وكان «المزني» يصلي بحضرة أصحابه وهم يتناظرون، فإذا أشكل عليهم مسألة انتظروا سلامه، فإذا سلّم سألوه فقالوا: يا أبا إبراهيم، إن اشتغالك بتعليمنا أفضل لك من الصلاة يعنون (¬2) النافلة. قال: وكيف قالوا؟ لأنّ تعليمك العلم يَعدُوك وصلاتك لا تعدوك. فترك الصلاة وأقبل على تعليمهم. قال يوسف: وكان «أبو إبراهيم المزني» يشرب في الشتاء والصيف من كوزِ صُفْرٍ فقيل له في ذلك فقال: بلغني أنهم يستعملون السّرقين في هذه الكيزان والنار لا تطهره (¬3). وقرأت في كتاب الحمشاذي: وقيل إن «المزني» كان يصلي بمصر الصلوات جماعة، فربما يخرج للطهارة ويتباعد إلى النيل، فإذا رجع وجدهم قد فرغوا من الصلاة فيعيد تلك الصلاة خمسا وعشرين مرة. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت محمد بن علي الكتابي (¬4) يقول: سمعت عمرو بن عثمان المكي يقول: ما رأيت أحداً من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم بمكة ممن هو مقيم ومن قدم علينا في المواسم، ولا فيمن لقيت بالشام وسواحلها ورباطاتها والإسكندرية - أشد اجتهاداً من «المزني» ولا أدوم على العبادة منه، ولا رأيت ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) في ح: «يعني». (¬3) طبقات الشافعية 2/ 94. (¬4) في ح: «الكناني».

أحداً أشد تعظيما للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقا على نفسه في الورع وأوسعه في ذلك على الناس. وكان يقول: أنا خُلُقٌ من أخلاق الشافعي (¬1). رحمهم الله تعالى. أخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: سمعت عبد الرحمن بن غلام، الدقاق (¬2) بمصر، يقول: سمعت أبا سعيد بن السّكَري يقول: رأيت «المزني» وما رأيت أعبد لله منه، ولا أتقن للفقه (¬3) منه. أخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرني نصر (¬4) بن محمد قال: سمعت قسم (¬5) عبد الرحمن بن أحمد بن حفص يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: سمعت ابن بحر (¬6) يقول: سمعت «المزني» يقول: خرجت إلى الرامير فمررت بقوم يشربون النبيذ على شاطئ النهر والملاهي تخرج إليهم (¬7) من باب دار بحذائهم فهممت أن أعظمهم وأنكر عليهم، ثم خفت أن أضرّ بالمركب فمضيت، فلما قفلنا راجعين رأيت باب الدار مسودا فذكرت قول الشاعر: قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يَشِبِ ... إنّ الحريص على الدنيا لفي تَعَبِ ¬

_ (¬1) طبقاات الشافعية 2/ 94. (¬2) في ا: «عبد الرحمن غلام الزقاق». (¬3) في ا: «ألبق في الفقه». (¬4) من ح. (¬5) كذا في الأصول. (¬6) في ا: «أبحر». (¬7) من ح.

بالله ربِّك كم بيتٍ مررت به ... وكان يعمر باللذات والطربِ؟ دارت عُقَاب المنايا في جوانبه ... فصار من بعده للويل والحربِ قال: فقلت أُنشدك ما هو أحسن من هذا؟ فقال: هات يا بن بحر، فقلت: نُراعُ إذا الجنائز قابلتنا ... ونغفل حين تبدو ذاهباتِ (¬1) كَرَوعة ثَلَّةٍ لِمُغار سَبْعِ ... فلما مرَّ عادت رائعاتِ فلو أنا نُعانُ بفضل حزمٍ ... لَخِفنا الموتَ أيامَ الحياةِ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني الزبير بن عبد الواحد الحافظ قال: سمعت يوسف بن عبد الأحد يقول: سمعت «المزني» يقول: سبحان المحبِّ لمن أطاعه المنتقم ممن عصاه. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت جعفر بن محمد بن الحارث المراغي (¬2)، وأخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا محمد: جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت أبا زكريا: يحيى بن زكريا بن حيوية يقول: سمعت «المزني» يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. ¬

_ (¬1) الأول والثاني لعروة بن أذينة الكناني كما في البيان والتبيين 3/ 201، والحيوان 6/ 507، وأمالى المرتضى 1/ 415 وفيها: تروعنا الجنائز مقبلات ... ونلهو حين تخفى ذاهبات كروعة ثلة لمضار ذئب ... فلما غاب عادت رائعات والثالثة: القطعة من الضأن. وهما في عيون الأخبار 3/ 62 غير منسوبين (¬2) ليست في ا.

أخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرنا أبو الوليد: حسان بن محمد الفقيه قال: سمعت أبا عمران بن الأشيب يقول: سمعت أحمد بن أصرم يقول: سمعت «المزني» يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، وما دِنْت بغير هذا قطّ، ولكن الشافعي كان ينهانا عن الكلام. قال «المزني»: وقال ابن هرم: قال الشافعي: في قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (¬1) دليل على أن أولياء الله يرونه يوم القيامة (¬2). قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: عن أبي بكر: عبد الرحمن بن أحمد ابن العباس الفقيه فيما قرئ عليه بمصر، قال: سمعت يحيى بن زكربا النيسابوري يقول: سمعت أبا سعيد الفريابي يقول: سألت المزني في مرضه الذي توفى فيه عن الإيمان؟ فذكر فيه قصة، وفي آخرها: قال المزني: لا خلاف بين الناس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، طاف بالبيت فقال: «إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك» [ووفاءَ بعهدك] (¬3). هذا دليل على أن جميع الأعمال من الإيمان. وفيما روى عبد العزيز بن أبي الرجاء، عن المزني: أنّ الشافعي قال في الذبيحة: «ولا أكره الصلاة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ لأنها إيمان بالله». ¬

_ (¬1) سورة المطففين: 15. (¬2) راجع طبقات الشافعية 2/ 81. (¬3) من ح. (م 23 - مناقب جـ 2)

قال المزني: ففي هذا دليل واضح أنه كان يقول: الإيمان قول وعمل، جعل الصلاة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الإيمان. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني سعيد بن أحمد بن عبد الرحيم، إجازة، أنّ أبا يعقوب: يوسف بن أحمد بن يوسف المكيّ - من الرُّحَيل (¬1) - أخبرهم قال: سمعت جدّي عبد الله بن الحسين يقول: سمعت عبد العزيز بن أبي رجاء يقول: سمعت المزني يقول. فذكره بإسناده هذا قال: سألت الشافعي عن قول النبي، صلى الله عليه وسلم: ستة لعنهم الله. فذكر منهم: «المكذب بقدر الله» فقلت له: يا أبا عبد الله، مَن القدرية (¬2)؟ فقال: هم الذين زعموا أنّ الله لا يعلم المعاصي حتى تكون. قلت: وقد سمعت كثيراً من «علماء المعتزلة» زعم أن منهم (¬3) من أنكر علمه بها كما أنكر خلقه لها وقال لي في السر: لا يستقيم هذا المذهب إلا بأن ينكرهما جميعا، إلا أن مشايخنا لا يبوحون بذلك. ونعوذ بالله من مذهب يقيم صاحبه على مثل هذا القول. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عبد الله: محمد بن يعقوب ¬

_ (¬1) في ا: «أن الدحيل» وهو تحريف. والرحَيل، بضم الراء مصغرا: موضع بين مكة والبصرة. راجع معجم ما استعجم 2/ 645. (¬2) نص الحديث: «ستة لعنتهم لعنهم الله وكل نبي كان: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليعز بذلك من أذل الله، ويذل من أعز الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي». وهو من رواية عائشة كما في الترمذي: 2/ 22 - 23 والمستدرك للحاكم 1/ 36 و 4/ 90 وأخرجه السيوطي في مفتاح الجنة ص 8 عن الطبراني أيضا. (¬3) في ا: «أن فيهم».

الحافظ يقول: سمعت محمد بن إسحاق يقول: سمعت المزني وذكر عنده حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» (¬1) فقال المزني: لم يشك النبي ولا إبراهيم عليهما السلام في أن الله قادر على أن يحيى الموتى، وإنما شكا أن يجيبهما إلى ما سألا. وأخبرنا أبو عبد الله قال: سمعت أبا بكر: محمد بن جعفر المزكي يقول: سمعت الحسن بن محمد بن إبراهيم الجنابذي يقول: سمعت الحسن بن أحمد بن عبد الواحد يقول: سمعت الحسن بن أحمد بن عبد الواحد يقول: سمعت المزني يقول، وقال له رجل: يا أبا إبراهيم، إن فلانا يبغضك. قال: ليس في قربه أُنْسٌ ولا في بُعده وَحشة. وأخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا زكريا العنبري يقول: سمعت محمد بن داود الخصيب يقول: سمعت «المزني» يقول: لا مروءة لمن لا جهل له، ولا جهل لمن لا مروءة له، وأنشدنا: لا خيرَ في حلمٍ إذا لم يكن له ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أنْ يُكدَّرا ولا خيرَ في جهلٍ إذا لم يكن له ... حليمٌ إذا ما أوْرَدَ الأمر أَصْدَرا (¬2) أخبرنا أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد الفقيه قال: حدثنا أبو النضر السواني (¬3) قال: أخبرنا الطَّحَاوي قال: حدثنا «المزني» قال: أخبرني أبو بكر الحميدي، عن سفيان، عن خلف بن حوشب، قال: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان: باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة 1/ 133 وفي كتاب الفضائل: باب فضائل إبراهيم عليه السلام 4/ 1839 وأخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن: باب الصبر على البلاء 2/ 1335. (¬2) البيتان للنابغة الجعدي كما في ديوانه ص 69، وجمهرة أشعار العرب 148. (¬3) في ا: «الإسفراييني».

قال عيسى بن مريم، عليه السلام، للحواريين: كما ترك الملوك الحكمة فاتركوهم والدنيا. وكان خلف يقول: ينبغي للناس أن يتعلموا هذه الأبيات في الفتنة: الحربُ أوَّلَ ما تكون فُتَيَّةٌ ... تسعى بزينتها لكلِّ جهولِ (¬1) حتى إذا اشتعلت وشبَّ ضرامها ... ولَّت عجوزاً غيرَ ذاتِ حليلِ شَمْطَاءَ جَزَّتْ رأسَها وتنكَّرت ... مكروهةً للشَّمِّ والتَّقْبِيلِ أخبرنا محمد بن عبد الله، ومحمد بن الحسين السلمي قالا: سمعنا أبا محمد: جعفر بن محمد المراغي يقول: سمعت أبا زكريا النيسابوري يقول: سمعت محمد ابن عبد الله بن عبد الحكم يقول: قال الشافعي للمزني وأقبل يوما: هذا لو ناظر الشيطان لقطعه (¬2)! أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: سمعت أبا بكر: محمد بن جعفر المزكي يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن إسحاق يقول: سألت «المزني»: من أفقه أصحاب مالك؟ فقال: «أشهب بن عبد العزيز» أفقه الرجلين، و «عبد الرحمن ابن القاسم» أتبع الرجلين لصاحبه، و «ابن وهب» أعلم الثلاثة بقول المدنيين. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: سمعت علي بن أحمد بن حسن يقول: سمعت أبا الحديد الصوفي بمصر يقول: [سمعت ¬

_ (¬1) الأبيات لعمرو بن معد يكرب كما في اللسان 9/ 416 وفيه: «تسعى ببزتها» وانظر الشعر والشعراء 1/ 333. (¬2) طبقات الشافعية 2/ 93.

أبي يقول: (¬1)] سمعت أبا إبراهيم المزني يقول أحمد بن حنبل: أبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلى يوم صفين. ورأيت على ظهر جزء من أجزائي عن أبي عبد الله: محمد بن عبد الله بن عبيد الله العمري قال: سمعت أحمد بن صالح - وهو المصري - يقول: لو أن رجلا حلف أنّه لم يرَ كالمزني آخر - كان صادقا، فقال له أبو أفلح المصري: نكتب عنه؟ قال: إن حدثكم (¬2). «مرتين». أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر قال: سمعت أبا الطيب: علي بن محمد بن أبي سليمان المصري يقول: دخلت على المزني ورأيته. ومات سنة أربع وستين ومائتين. ويقال: كان ابن سبع وثمانين. وصلى عليه العباس بن أحمد بن طولون. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: سمعت أبا محمد: أحمد بن عبد الله المزني يقول: سمعت أبا بكر: محمد بن زياد (¬3) المصري يقول: رجع خالي من جنازة «المزني» فقال: يا بني، رأيت اليوم عجبا، رأيت طيرا أبيض جاءت فرفرفت على جنازة المزني فجعلت تلقي نفسها عليها وتتمسح به، فقال الربيع بن سليمان: لا تنفروها فإناما رأيناها (¬4) إلا في جنازة ذي النون المصري، فإنها فعلت به مثلما فعلت بالمزني، رحمه الله. * * * ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من ح. (¬2) في الأصول: «أحدثكم». (¬3) في ا: «ريان». (¬4) في ا: «رأيتها».

قلت: وأما أبو علي: الحسن بن محمد الصباح الزعفراني، فإنه يشارك الشافعي في كثير من شيوخه مثل سفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عُلَيّة، وعبد الوهاب بن عبد المجيد، وغيرهم. وحين قدم الشافعي العراق لزم الشافعي، واختاره أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وغيرهما لقراءة الكتب على الشافعي؛ فإنه كان بصيراً باللغة. ثم صار هو الراوي للكتب القديمة، وإليه يُرحل في سماعها. قرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي: سمعت «الحسن بن محمد» في سنة ست وخمسين ومائتين يقول: إني لأقرأ كتب الشافعي وتقرأ عليّ منذ خمسين سنة. قال: وقال الحسن: وما (¬1) أتيت الشافعي مجلسا قط إلا وجدت أحمد بن حنبل قد سبقني إليه. قال: وقال الحسن: كان أبو ثور يحضر معنا عند الشافعي، وقد سمعنا منه الكتب. قال زكريا فسألته عن الحسين بن علي الكرابيسي فقال: لم أره في القَدْمة الأولى، ولكنه لما قدم الشافعي قَدْمته الثانية لزمه حسين وسأله أن يعرض عليه الكتب، فأجاز له كتبي وسأله عن بعضها. * * * وأما أبو محمد: الربيع بن سليمان بن كامل - واسم كامل عبد الرحمن - المرادي، المؤذن، خادم الشافعي. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: كناه ونسبه لنا أبو العباس: محمد ¬

_ (¬1) في ا: «ما».

ابن يعقوب. والربيع هو الراوي للكتب الجديدة على الصدق والإتقان. وربما فاتته صفحات من كتاب فيقول فيها: قال الشافعي، أو يرويها البويطي عن الشافعي. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا محمد بن علي بن طلحة المروروذي قال: حدثنا أبو سعيد: أحمد بن علي الأصبهاني قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: سمعت عبد الرحمن بن الجارود - يعني أبا بشر - يقول: سمعت «البويطي» يقول: «الربيع» في الشافعي أثبتُ منّي. قلت: وصارت الرواحل تشد إليه من أقطار الأرض في سماع كتب الشافعي، رحمه الله. قرأت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي: سمعت «الربيع بن سليمان» سنة خمس ومائتين يقول: إني لأقرأ كتب الشافعي على الناس وأنا ابن خمس وثلاثين سنة ما كان في رأسي ولحيتي شعرة بيضاء. قال زكريا: وأنا أقول: إني قرأتها سنة إحدى وخمسين وما في رأسي ولحيتي شعرة بيضاء وهي السنة التي قدمت من مصر. قال زكريا: حدثني أبو بكر بن صدقة قال: سمعت الزعفراني يقول لداود - يعني الأصبهاني: إني لأقرأ كتب الشافعي وتقرأ علي منذ خمسين سنة، ما رأيت أقرأ لها من الفتى البصري الساجي. فقال

داود: (¬1) هذا بالبصرة يحدِّث بها عن «الربيع» عن الشافعي، وله مجلس كمالك فما ينكر. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي: أخبرني أبو عبد الله: محمد بن يوسف بن النضر - بالشام - قال: سمعت أبا الطاهر بن الربيع بن سليمان، أو غيره، يقول: حج الربيع بن سليمان في سنة أربعين ومائتين، والتقى مع أبي علي: الحسن ابن محمد الزعفراني بمكة، فسلَّم أحدهما على الآخر، فقال له الربيع: يا أبا علي، أنت بالمشرق وأنا بالمغرب فَبُثُّ هذا العلم - يعني علم الشافعي. وكان الشافعي يحب «الربيع» ويقرّبه، ويقوم الربيع بخدمته. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت «الربيع بن سليمان» يقول: قال لي الشافعي: لو أستطيع أن أطعمك العلم لأطعمتكه (¬2). أخبرنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو الوليد الفقيه قال: سمعت جعفر ابن محمد السّاماني يقول: سمعت «الربيع بن سليمان» يقول: سمعت الشافعي يقول لي: ما أَحبَّك إليَّ (¬3)! قال: وسمعت جعفر بن أحمد، وإبراهيم بن محود يحكيان عن يونس بن عبد الأعلى قال: ¬

_ (¬1) في ا: «ابن داود». (¬2) طبقات الشافعية 2/ 134. (¬3) طبقات الشافعية 2/ 134.

قال الشافعي: ما خدمني أحد خدمة «الربيع» (¬1) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو تراب المذكر قال: حدثنا محمد بن المنذر قال: سمعت الربيع يقول: قال الشافعي يوما: أنا والله ضعيف. قال: فقلت: قوَّى الله ضعفك. فقال: يا بني، إن قوى الضعف على القوى مني قتلني (¬2). فقلت: والله ما أردت إلا خيرا. قال: أجل، والله يا بني، لو شتمتني صراحا لعلمت أنك لم ترد إلا خيرا. وقرأت في كتاب زكريا الساجي حدثني أبو بكر بن سعدان قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: قال لي (¬3) الشافعي: أجب يا ربيع في المسائل؛ فإنه لا يُصيبُ أحدٌ حتى يخطئ. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: قيل للربيع بن سليمان وأنا أسمع: أليس تقول: القرآن كلام الله غير مخلوق؟ قال: نعم، سبحان الله، ومن يشك في هذا؟ وقيل له: أليس تقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص؟ قال: نعم، سبحان الله، ومن يَشكّ في هذا؟. قال: وسأله أبي: أليس تقول: إن الخير والشر من الله؟ قال: نعم. قال: وسمعت الربيع يقول: خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم: ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية 2/ 134. (¬2) في طبقات الشافعية 2/ 135: «لو قوى ضعفي قتلني». (¬3) من ح.

أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضوان الله عليهم أجمعين. أخبرنا محمد بن عبد الله ومحمد بن موسى قالا: سمعنا أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: صبر جميل ما اسرع الفرَجا ... مَن صَدَق الله في الأمور نجا من خشِيَ الله لم ينله أذى ... ومن رجا الله كان حيث رجا (¬1) أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا العباس: محمد بن يعقوب يقول: توفى الربيع بن سليمان في شوال سنة سبعين ومائتين. وقال أبو العباس: وسمعت منه الكتب سنة خمس (أو ست) (¬2) وستين ومائتين. * * * ومن الأشعار التي قيلت في الشافعي، رحمه الله: أنشدنا أبو عبد الله: محمد ابن عبد الله الحافظ قال: أنشدني بعض أئمة الحديث لأبي عبد الله البوشنجي في الشافعي، رحمه الله: ومن شعب الإيمان حب ابن شافعٍ ... وفرضٌ أكيدٌ حبّه لا تطوُّعُ وإن حياتي شافعي فإن أمت ... فتوصيتي بعدي بأن تتشفعوا * * * وأنشدنا أبو عبد الله قال: أنشدني أبو منصور: محمد بن عبد الله الفقيه لبعض أئمة الشافعيين في ذكر الشافعي ومناقبه: ألا أيها الساري وراحل ليلة ... ومعمل أنضاء النواجي الطلائح ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية 2/ 135. (¬2) من ح.

وطالب أحكام الكتاب وعلمه ... وحكم رسول الله أفضل فاتح عرفت صنوف العلم في كل مذهب ... وما قاله المفتون في المتنازح من الفقه والسهل القريب فنظموا ... من القول صفوه بتهذيب مانح (¬1) فلم أرَ مثل الشافعي وقوله ... لباغي صنوف العلم جمّ المفاتح أدل على حق وإزهاق باطل ... ونبذ مقال الزيغ أسوا المطارح (¬2) وأشفى وأكفى في بيان وحجة ... وأهدى إلى نهج من السُّبْل لائح (¬3) وأقوم منه مصدرا ومَواردا ... وألحق فرعا بالأصول اللوائح (¬4) فدونك قولَ الشافعي وعلمَه ... فأسر إليه بين غاد ورائح * * * أنشدنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: قرأت في كتاب أبي عبد الله: محمد ابن محمد بن عبيد الله المذكر (¬5) الجرجاني لعلي بن محمد بن النضر الجرشي في فضل الشافعي، رحمه الله: تيمَّمْت حوض الشافعي محمد ... فصادفته ملآن يطفح مفعما وذقت حياض العلم حين اقتربتها ... فيممت أهناهن فيمن تيمَّما (¬6) وصادفت مُرَّا حوض قوم فعفته ... وحق لعمري أن يعاف يوخما (¬7) ¬

_ (¬1) في ح: «نافح). (¬2) في ح: «... وأزهق باطل». (¬3) في ح: «... من بيان». (¬4) في ا: «وللحق ...». (¬5) في ح: «المزكي». (¬6) في ا: «أياهن». (¬7) في ا: «تعاف ويوجما».

به جدد الرحمن أحكام أحمد ... وقد كانت الأحكام في الدين طُسَّما (¬1) * * * أنشدنا أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم بن عبدان الرماني قال: أنشدنا أبو الفتح: علي بن محمد الكاتب البستي لنفسه: الشافعي أجَلُّ الناس منزلة ... وأعظم الناس في دين الهدى أثرا العدل سيرته والصدق شيمته ... والسحر منظومُه والدّرّ إن نثرا فقل لمن باعه وابتاع حاسده ... أراك بعت بخوص النخلة الكَثَرا وأنشدنا الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان، رحمه الله، قال: أنشدنا أبو الفتح. فذكر هذه الأبيات، غير أنه أتى في البيت الثالث بلفظ آخر والمعنى واحد. * * * أنشدنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنشدني بعض إخواني لبعض أئمتنا في نسب الشافعي، رحمه الله: محمد هاشميّ الأصل نَبْعته (¬2) ... من دوحة قصرت عن فروعها الشجرُ لها يمين بذي البطحاء مفرسها ... حيث الحجيج توفى نحوها زُمَرُ (¬3) في بلدة حول بيت الله سَاكَنها ... إلى الرسول كرامٌ أنْجمٌ زُهُرُ غصن تشعب من أفنان أيكنهم ... فليس في عودهم وصْم ولا خَوَرُ ¬

_ (¬1) في اللسان 15/ 355: طسم الشيءُ والطريقُ، وطمس: درس. (¬2) في ا: «مبعثه». (¬3) في ح: «العالمين بذي البطحاء ...» وفي ا: «... مغربها».

مفضلون بإنذار وتذكرةٍ ... لما استخصتهم الآيات والنذرُ (¬1) وذكرهم شرف بالذكر متصل ... بفضلهم نطق القرآن والسور والله في سهم ذي القربى تَخيّرهم ... فهم بذلك أنجابٌ وهم طُهُر مطهرون هُداةٌ سادة نُجُبُ ... تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا فكان منهم إذا عُدّت مَنَاسِبُهُ ... والأصل إن طاب طاب الفرع والثمر فخراً له إذ رسول الله جوهرة ... وجوهر الرسْل قِدْماً ليس يَنْستر * * * حدثنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو جعفر: محمد بن إبراهيم الفقيه الجرجاني - وكان من العلماء المبرزين - على باب أبي العباس الأصم، وأملاه علينا في سنة سبع (¬2) وثلاثين وثلثمائة قال: أنشدنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد لنفسه في مدح الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه: بمُلْتفَتَيْه للمشيب طوالع ... ذوائد عن ورد النَّصَابي روادعُ يُصرِّفْنَه طوع العنان وربما ... دعاه الصّبا فاقتاده وهو طائع ومن لم يزعْه لُبّه وحياؤه ... فليس له من شيب فَوْديه وازع هل النافر المدعوّ للحظ راجع ... أو النصح مقبول أو الوعظ نافع؟ أن الهَمِكُ المهموم بالجمع عالم ... بأن الذي يُوعَى من المال ضائع (¬3)؟ ¬

_ (¬1) في ا: «مفضلون بابدان. . .». (¬2) في ح: «تسع». (¬3) الهمك: المنهمك في الأمر الجاد فيه.

وإن قصاراه على فرط ظنه ... فرق الذي أضحى له وهو جامع ويخمل ذكر المرء ذي المال بعده ... ولكن جمع العلم للمرء رافع ألم تر آثار ابن إدريس بعده ... دَلائِلُها في المشكلات لوامع؟! معالم يفنى الدهر وهي خوالد ... وتنْخفض الأعلام وهي روافع مناهج فيها للهدى متصرَّفٌ ... موارد فيها للرشاد شرائع ظواهرها حكم ومستنبطاتها ... لما حكم التفريق فيه جوامع لرأي ابن إدريس ابن عم محمد ... ضياءٌ إذا ما أظلم الخطبُ صادع إذا المعضلات المشكلات تشابهت ... سما منه نور في دجاهن ساطع أبى الله إلا رفعه وعلوه ... وليس لما يُعليه ذُو العرش واضع توخّى الهدى واستنفذتْهُ يد التقى ... من الزيغ إنّ الزيغ للمرء صارع ولاذ بآثار النبي فحكمه ... كَحُكْم رسول الله في الناس شائع وعوَّل في أحكامه وقضائه ... على ما قضى التنزيل والحق ناصع بطئ عند الرأي المخوف التباسه ... إليه غذا لم يُخش لَبْسٌ مُسارع وأنشا له منشيه من خير معدن ... خلائقَ هن الزهرات البوارع (¬1) تسربل بالتقوى وأُيّد ناشئا ... وخُضّ بُلبّ الكَهْل مُذْ هُو يافع وهذّب حتى لم تُشِر بفضيلة ... إذا التُمِسَت إلا إليه الأصابعُ فمن يكُ علم الشافعي إمامَه ... فمرتعه في ساحة العلم واسع سلام على قبر تضمن جسمه ... وجادت عليه المدجنات الهوامع ¬

_ (¬1) في تاريخ بغداد: «الباهرات البوارع»

لئن فجعتني الحادثات بشخصه ... وهن بما حكمن فينا فواجع فأحكامه فينا بدور زواهر ... وآثاره فينا نجوم طوالع (¬1) * * * أنشدنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: أنشدنا عبد الله بن موسى البغدادي قال: أنشدني «منصور بن إسماعيل الفقيه» (¬2) لنفسه في الشافعي، رحمة الله عليه: إني أُمِرت بنصح المسلمين فمِن ... نُصْحي لهم واتباعي ما أمرت به أمري لهم باتباع الشافعيِّ فقد ... أتاهمُ ببيانُ غير مشتبه إياه فاتبعوا تتلون متبعا ... كفاكُمُ طلبا ما كان من طلبه مثل الرسالة لم يأتِ بها أحد ... إن الرسالة يا هذا لمن عجبه فذكر أبياتا ثم قال: أكرم به رجلا ما مثله رجل ... مشارك لرسول الله في نسبه أضحى بمصر دفينا في مقطَّمها ... نعم المقطَّم والمدفون في تربه صلى علبه إله الخلق كلهم ... والأكرمون ومن صلى النبيُّ به * * * ¬

_ (¬1) بعد هذا في هامش ا: «آخر الجزء السابع عشر من أصله». وراجع في الأبيات المذكورة تاريخ بغداد 2/ 70 - 71، وديوان ابن دريد الأزدي ص 77 - 78، وتوالي التأسيس 85. (¬2) أديب شاعر ضرير، فقيه شافعي، له في الفقه مصنفات، توفى سنة 306، وترجمته في طبقات العبادي 64، وطبقات الشيرازي 88، والمغرب في حلى المغرب لابن سعيد: القسم الخاص بمصر 1/ 262 - 263، ومعجم الأدباء 19/ 185 - 189، وطبقات الشافعية 3/ 478، وشذرات الذهب 2/ 249 - 250، والمنتظم 6/ 192، والبداية والنهاية 11/ 130.

قلت: وللعلماء والعقلاء والشعراء من أهل السنة والجماعة في مرثية الشافعي ومناقبه أبيات كثيرة، وأقاويل منثورة، لم يحتمل هذا الكتاب أكثر مما أوردته مخافة التطويل. وفيما ذكرته كفاية لمن رزق التوفيق. * * * والله نسأل وإليه نرغب في الحاقنا بمن مضى من أسلافنا من أئمة المسلمين، والجمع بيننا وبينهم في الجنة في ظل طوبى، ومستراح العابدين، بفضله ورحمته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. والحمد لله رب العالمين، والصلاة على رسوله محمد وآله أجمعين. وحسبنا الله ونعم الوكيل. (¬1) آخر المناقب. وقد جَمَعتُ أقاويلَ الشافعي، رحمه الله، في «أحكام القرآن وتفسيره» في جزءين (¬2). وبينت «خطأ من أخطأ على الشافعي في الحديث» في جزءين وذكرت الجواب عن قول من انتقد على الشافعي، رحمه الله. وله حكايات لم يتفق إخراجها في «كتاب المناقب» وأخرجتها في جزء. والله يغفر لنا وله بفضله وجُوده (¬3). والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد النبي، وعلى آله وسلم. * * * ¬

_ (¬1) هذا آخر نسخة هـ. (¬2) في ح: في جزء من أجزاء، وفي ا: في جزءين أجزاء. (¬3) في هامش ح: بلغ مقابلة في المجلس التاسع والعشرين في شعبان عام ثلاثة وسبعين وثمانمائة بالمسجد الحرام على غير أصل. وفي خاتمة ح ما يلي: تم الكتاب بعون الله الملك الوهاب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أبادا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين، وذلك عصر. الجمعة الثالث من شهر ربيع الآخر، أحد شهور سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة على يد العبد الفقي الحقير المعترف بكثرة الخطايا وشدة التقصير، الراجي عفو الله القوي: معمر بن يحيى بن أبي الخير بن عبد القوي المكي المالكي، لطف الله به وبالمسلمين. غفر الإله ذنوب هذا الساطر ... وذنوب قارئه معا والناظر

§1/1