مناقب الإمام أحمد

ابن الجوزي

مناقب الإمام أحمد بن حنبل للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي "510 - 597هـ" تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف قال الشيخ الإمام العالم الأوحد الصدر الكبير جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي رحمة الله عليه: الحمد لله الذي أنشأ فأحسن الإنشاء، ثم قدَّم وأَخر كما شاءَ، اختار من العالم الإنسي المرسلين والأنبياء، ثم ورثتهم الصالحين العلماء، ثم أَجزل لبعضهم من الفضل العطاء، وصلى الله على محمد أشرف راكب نزل البيداء، وعلى أصحابه الذين نالوا بصحبته العلاء، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى أَن يعيد الناقض البناء، وسلم تسليماً كثيراً. اعلموا إخواني- وفقكم الله- أن الله عز وجل فضل محمداً- صلى الله عليه وسلم- على سائر الخلق، وقدم أُمته على جميع الأمم، وجعل سبب التفضيل العلم والعمل به، فمن سير حال نبينا عليه السلام علم فضله على جميع الأنبياء في العلم

والعمل، ومن نظر في علوم أئمتنا رأي من علوم علمائهم ما يعجز عنه الأَحبار، ومن عبادة متعبديهم ما يقصر عنه الرهبان، ولا نظر إلى صورة الترهبن، فإن التعبد بموافقة المشروع ومخالفة الهوى أَشد وأَعظم. فالعلم والعمل بحمد الله في أُمتنا فاش كثير غير أَني بحثت عن نائلي مرتبة الكمال في الأَمرين- أَعني العلم والعمل- من التابعين ومن بعدهم، فلم أَجد من ثمَّ له الأَمران على الغاية التي لا يخدش وجه كمالها نَوع نقص، سوى ثلاثة أَشخاص: الحسن البصري، وسُفيان الثوري، وأحمد بن حنبل. وقد جمعتُ كتاباً يحوي مناقب الحسن، وكتاباً يجمع فضائل سفيان، ثم رأَيت أَحمد بن حنبل أَولى بذلك منهما لأنه جمع من العلوم ما لم يجمعا، وحمل من الصبر على إقامة الحق ما لم يحملا، وإني رأَيت جماعة قد جمعوا مناقبه؛ فمنهم من قصر فيما نقل، ومنهم من لم يرتب ما حَصّل، فرأَيت أَن أصرف بعض زمني إلى تهذيب كتاب يشتمل على مناقبه وآدابه، ليعرف المقتدي قدر من اقتدى به، والله الموفق.

تراجم الأبواب

فصل وقد جعلت هذا الكتاب مئة باب وهذه تراجم الأبواب والله مُلهِم الصواب: الباب الأول: في ذكر مولده وأصله. الباب الثاني: في ذكر نَسبه. الباب الثالث: في ذكر مَنشئه في صباه. الباب الرابع: في ذكر ابتدائه في طَلب العلم ورحلته فيه. الباب الخامس: في تَسمية من لقي من كبار العلماءِ وروى عنهم. الباب السادس: في ذكر تأَدبه عند مشايخه احتراماً للعلم. الباب السابع: في ذكر إقباله على العلم واشتغاله به. الباب الثامن: في ذكر حِفظه وقَدر ما كان يحفظ. الباب التاسع: في بَيان غزارة علمه وقوة فهمه وفقهه. الباب العاشر: في ذكر ثَناء مشايخه عليه. الباب الحادي عشر: في ذكر من حدَّث عنه من مشايخه ومن الأكابر. الباب الثاني عشر: في ذكر من حدَّث عن أَحمد على الإطلاق من الشيوخ والأَصحاب.

الباب الثالث عشر: في ذكر ثناء نُظرائه وأَقرانه ومقاربيه في السن عليه. الباب الرابع عشر: في ذكر ثناءِ كبار أَتباعه عليه بما عرفوه منه. الباب الخامس عشر: فيما يذكر من إنفاذ إلياس إليه السلام. الباب السادس عشر: فيما يذكر من ثناءِ الخضر عليه. الباب السابع عشر: في ذكر ثناءِ غرباءِ العبّاد والأَولياءِ عليه. الباب الثامن عشر: في ذكر تبرك الأَولياءِ به وزيارتهم له. الباب التاسع عشر: في ذكر تنويه ذكر. الباب العشرون: في ذكر اعتقاده في الأُصول. الباب الحادي والعشرون: في ذكر تمسكه بالسنة والأثر. الباب الثاني والعشرون: في ذكر تعظيمه لأهل السنة والنقل. الباب الثالث والعشرون: في ذكر إعراضه عن أهل البدع ونهيه عن كلامهم وقدحه فيهم. الباب الرابع والعشرون: في ذكر تبركه واستشفائه بالقرآن وماءِ زمزم وشعر الرسول وقصعته. الباب الخامس والعشرون: في ذكر الوقت الذي ابتدأَ فيه بالتحديث والفتوى.

الباب السادس والعشرون: في ذكر بذله للعلم واحتسابه في ذلك. الباب السابع والعشرون: في ذكر مصنفاته. الباب الثامن والعشرون: في ذكر كراهيته وضع الكتب المشتملة على الرأي ليتوفر الالتفات إلى النقل. الباب التاسع والعشرون: في ذكر نهيه أَن يكتب كلامه أَو أني روي. الباب الثلاثون: في ذكر كلامه في الإخلاص والرياءِ وستر التعبد. الباب الحادي والثلاثون: في ذكر كلامه في الزهد والرقائق. الباب الثاني والثلاثون: في ذكر كلامه في فنون مختلفة. الباب الثالث والثلاثون: في ذكر ما أَنشده من الشعر أو نُسب إليه. الباب الرابع والثلاثون: في ذكر مكاتباته. الباب الخامس والثلاثون: في ذكر صفته وهيئته وسمته. الباب السادس والثلاثون: في ذكر هيبته. الباب السابع والثلاثون: في ذكر نظافته وطهارته. الباب الثامن والثلاثون: في ذكر سهولة أَخلاقه وحسن معاشرته. الباب التاسع والثلاثون: في ذكر حلمه وعفوه. الباب الأربعون: في ذكر ماله ومعاشه. الباب الحادي والأربعون: في ذكر تعففه عن أموال الناس وظلف نفسه عنها وقطع طمعه منها.

الباب الثاني والأَربعون: في ذكر كرمه وجوده. الباب الثالث والأَربعون: في ذكر قبوله الهدية ومكافأته عليها. الباب الرابع والأَربعون: في ذكر زهده. الباب الخامس والأربعون: في ذكر صفة بيته وآلاته. الباب السادس والأَربعون: في ذكر مطعمه. الباب السابع والأَربعون: في ذكر رفقه بنفسه. الباب الثامن والأَربعون: في ذكر ملبسه. الباب التاسع والأَربعون: في ذكر وَرعه. الباب الخمسون: في ذكر إعراضه عن الولايات. الباب الحادي والخمسون: في ذكر حُبه للفقر والفقراءِ. الباب الثاني والخمسون: في ذكر تواضعه. الباب الثالث والخمسون: في ذكر إجابته الدعوة وخروجه لرؤية المنكر. الباب الرابع والخمسون: في ذكر إيثاره العُزلة والوحدة. الباب الخامس والخمسون: في ذكر إيثاره خمول الذكر واجتهاده في ستر الحال. الباب السادس والخمسون: في ذكر خوفه من الله عز وجل. الباب السابع والخمسون: في ذكر غَلبة الفكر والهم على قلبه.

الباب الثامن والخمسون: في ذكر تَعبده. الباب التاسع والخمسون: في ذكر عدد حجاته. الباب الستون: في ذكر دُعائه ومُناجاته. الباب الحادي والستون: في ذكر كراماته وإجابة سؤاله. الباب الثاني والستون: في ذكر عدد زوجاته. الباب الثالث والستون: في ذكر سراريه. الباب الرابع والستون: في ذكر عدد أَولاده. الباب الخامس والستون: في ذكر أخبار أَولاده وعقبه. الباب السادس والستون: في ذكر ابتداء المحنة وسببها. الباب السابع والستون: في ذكر قصته مع المأمون. الباب الثامن والستون: في ذكر ما جَرى له بعد موت المأمون. الباب التاسع والستون: في ذكر قصته مع المعتصم. الباب السبعون: في ذكر تَلقي المشايخ إياه بعد انقضاءِ المحنة ودعائهم له. الباب الحادي والسبعون: في ذكر تحديثه بعد المعتصم. الباب الثاني والسبعون: في ذكر قصته مع الواثق. الباب الثالث والسبعون: في ذكر قصته مع المتوكل. الباب الرابع والسبعون: في ذكر ما جرى له مع ابن طاهر من طلب استزارته وامتناعه عليه.

الباب الخامس والسبعون: في ذكر ما جرى له مع ولديه وعمه حين قبلوا صلة السلطان. الباب السادس والسبعون: في ذكر جماعة من كبار الذين أَجابوا في المحنة. الباب السابع والسبعون: في ذكر كلامه فيمن أَجاب في المحنة. الباب الثامن والسبعون: في ذكر جماعة ممن لم يجب في المحنة. الباب التاسع والسبعون: في ذكر مرضه الذي مات فيه. الباب الثمانون: في ذكر تاريخ موته ومَبلغ سنه. الباب الحادي والثمانون: في ذكر غَسله وكفنه. الباب الثاني والثمانون: في ذكر المتقدم للصلاة عليه. الباب الثالث والثمانون: في ذكر كثرة الجمع الذين صلوا عليه. الباب الرابع والثمانون: في ذكر ما جرى عند حمل جنازته من مَدح السنة وذم البِدعة. الباب الخامس والثمانون: في ذكر ازدحام الناس على قبره بعد دفنه. الباب السادس والثمانون: في ذكر ما خلَّف من التركة. الباب السابع والثمانون: في ذكر تأثير موته عند جميع الناس. الباب الثامن والثمانون: في ذكر تأثير موته عند الجن.

الباب التاسع والثمانون: في ذكر التعازي به. الباب التسعون: في ذكر المنتخب من الأشعار التي مُدح بها في حياته ورثي بها بعد وفاته. الباب الحادي والتسعون: في ذكر المنامات التي رآها أحمد. الباب الثاني والتسعون: في ذكر المنامات التي رئي فيها أحمد. الباب الثالث والتسعون: في ذكر المنامات التي رئيت له. الباب الرابع والتسعون: في فَضيلة زيارة قبره. الباب الخامس والتسعون: في فضيلة مجاورته. الباب السادس والتسعون: في ذكر عقوبة من آذاه. الباب السابع والتسعون: في ذكر ما قيل فيمن يتنقَّصه. الباب الثامن والتسعون: في سبب اختيارنا لمذهبه على مذهب غيره. الباب التاسع والتسعون: في فَضل أَصحابه وأَتباعه. الباب المئة: في ذكر أعيان أصحابه وأَتباعه من زمانه إلى زماننا.

الباب الأول في ذكر مولده وأصله

الباب الأول في ذكر مولده وأصله أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكَرُوخِي، قال: أخبرنا عبدُ الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب الحافظ، قال: أخبرنا أَبو بكر بن أبي الفضل المُعدَّل، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الصرَّام (ح) وأخبرنا عبدُ الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الهَرَوي قال: حدثنا محمد بن محمد بن يعقوب العَدْل. البُوشَنْجيُّ قال: حَدثنا محمد بن الطَّيِّب بن العباس، قالا: أخبرنا إبراهيم بن إسحاق الغَسِيلي قال: سمعت صالح بن أحمد يقول: وُلِد- يعني أَباه- في سنة أَربعٍ

وستين ومئة في ربيع الأول وجيءَ به من مَرو حملاً. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد الحريري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حَيُّويَه، قال: أخبرنا أبو مُزاحم الخاقاني، قال: حدثني عبد الله بن أحمد، قال: سمعتُ أبي يقول: ولدتُ في شهر ربيع الأَول سنة أَربع وستين ومئة. أخبرنا إسماعيل بن أحمد السَّمَرْقَنْدي، قال: أخبرنا عمر بن عبيد الله البَقّال، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بِشْران، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقّاق، قال: حدثنا حنبلُ بن إسحاق، قال: سمعتُ أَبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: ولدتُ سنة أَربع وستين ومئة. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزَّاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق، قال: حدثنا الوليد بن بكر الأندلسي، قال: حدثنا علي بن أحمد الهاشمي، قال: حدثنا أبو مسلم صالح ابن أحمد بن عبد الله بن صالح العِجْلي، قال: حدثني أبي، قال: وأحمد بن محمد بن حنبل يُكنى أبا عبد الله، سَدوسي من أنفسهم، بَصري من أهل خُراسان، ولد ببغداد ونشأ بها، ثقة ثَبْت في الحديث، فقيه في الحديث، مُتبع للآثار، صاحبُ سنة وخير، نَزِهُ النفس. أنبانا محمد بن أبي مَنصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال:

أخبرنا عُبيد الله بن عمر بن شاهين، قال: حدثني أبي، قال: سمعتُ محمد بن العباس النحوي يقول: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: قَدِمَتْ بي أُمي حاملاً من خراسان، وولدت سنة أَربع وستين ومئة. أَخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيمُ بن عمر البَرْمَكي، وأَخبرنا عبد الله بن علي المقرئ، قال: أخبرنا عبد الملك بن أَحمد السُّيُوري، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل، قالا: حدثنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا أبو زُرْعَة قال: أحمد بن حنبل أصله بَصري، وخِطته بمرو. قال ابن أبي حاتم: وحدثنا صالح بن أحمد، قال: سمعت أبي يقول: ولدت في سنة أَربع وستين في أَولها في ربيع الأول. قال صالح: وجيء به حملاً من مَرْوَ، وتوفي أَبو أَحمد بن حنبل وله ثلاثون سنة فوليته أُمه- أراد كان عمر أبي أحمد ثلاثين سنة ثم مات وأحمد طفل- يدل عليه ما أَخبرنا به محمد بن أَبي

منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَبو بكر الخلال، قال: حدثنا أَبو بكر المرُّوذي: أَن أَبا عبد الله قال له: قُدم بي من خُراسان وأَنا حَملٌ، وولدت هاهنا، ولم أَرَ جدي ولا أبي. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أَخبرني عبد الغفار بن محمد بن جَعفر المؤدِّب، قال: حدثنا عثمان بن أحمد بن عثمان الواعظ، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن عصمة الخُراساني، قال: حدثنا أحمد بن الخَضِر، قال: سمعتُ محمد بن حاتم يقول: أَحمد بن محمد بن حنبل أصله من مَرْوَ، حُمل من مَرْوَ وأُمه به حامل، وجدُّه حنبل بن هلال ولي سَرخس، وكان من أَبناءِ الدعوة. أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحُصين، قال: أخبرنا أَبو علي الحسن بن علي بن المُذْهِب، قال: أخبرنا أَحمد بن جعفر بن حمدان، قال: أخبرنا عبد الله ابن أَحمد بن حنبل، قال: حدثني أَبي، قال: حدثني الحسن بن يحيى من أهل مَرْوَ، قال: حدثنا أَوس بن عبد الله بن بُرَيْدة، قال: أَخبرني أَخي سهل بن عبد الله بن بُرَيْدة عن أبيه عن جده بُريدة، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سَيكونُ بَعدي بُعوثٌ كَثيرةٌ، فكونوا في بَعثِ خُراسان، ثم انزِلُوا مدينة مَرْوَ، فإنه بَناها ذو القَرنين، ودَعا لها بالبركَة، ولا يَضُرُّ أَهْلَها سوءٌ".

الباب الثاني في ذكر نسبه

الباب الثاني في ذكر نَسَبه أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزَّاز، قال: أخبرنا أبو بكر أَحمد بن علي بن ثابت. وأَخبرنا إسماعيل بن أحمد السَّمَرْقَنْدي، ومحمد بن أبي القاسم البغدادي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قالا: أخبرنا أبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حَمدان، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا أبي أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال ابن أسد بن إدريس بن عَبد الله بن حَيّان بن عَبد الله بن أنس بن عوف بن قاسِط ابن مازِن بن شَيْبان بن ذُهْل بن ثَعلبة بن عُكَابَةَ بن صَعْب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هِنْب بن أَفْصى بن دُعْمِيّ بن جَدِيلة بن أَسَد بن رَبيعة بن نزار بن مَعدٌ بن عَدنان بن أُد بن أُدَد بن الهَمَيْسع بن حمل بن النَّبْت بن قَيْذار ابن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام. أَنبأَنا محمد بن أبي طاهر، عن أبي إسحاق إبراهيم بن عمر البَرْمَكي عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن هارون الخلال،

قال: حدثنا عصمة بن عصام العُكْبَري، قال: حدثنا حنبل، قال: سمعتُ أَبا عبد الله وجاءَه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، أَمِلَّ عَليّ نسبك. قال: قُم إلى عمي حتى يملي عليك نسبي، قال عِصمة: أَملى علينا حنبل فقال: أحمدُ ابن محمد بن حَنبل بن هِلال بن أَسد بن إدريس بن عبد الله بن حَيّان بن عبد الله ابن أَنس بن عَوف بن قاسِط بن مازن بن شَيبان بن ذُهْل بن ثَعلبة بن عُكَابةَ بن صَعْب بن عَليّ بن بَكر بن وائل بن قاسِط بن هِنْب بن أَفْصى بن دُعْمِيّ بن جَدِيلة بن أَسَد بن رَبيعة بن نزار. قال الخلال: وحدثنا الحسن بن عبد الوهَّاب، قال: حدثنا الفضل بن زياد، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن حنبل، فذكره إلى آخره. وزاد: فقال: نزار بن مَعَدّ بن عَدنان بن أُد بن أُدَد بن الهَمَيْسع بن مليح بن النَّبْت بن قَيْذار بن إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام. فقد وقعت الموافقة في هاتين الروايتين، إلا أَن في هذه الرواية "مليح" مكان "حمل". وأَنبأَنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا عُبيد الله بن عمر بن شاهين، قال: حدثني أَبي قال: هو أَحمد بن محمد ابن حَنبل بن هِلال، فذكر مثل ما ذكرنا في الروايتين إلى الهَمَيْسع. وقد بان بهذه الروايات أن أحمد- رضي الله عنه- من ولد شَيبان بن ذُهل بن ثَعلبة، لا من ولد ذُهل بن شَيبان. وذُهل بن ثعلبة؛ هو عَم ذُهل بن شيبان. وقد غَلط أَقوام، فجعلوه من ولد ذهل بن شيبان، فأَخبرنا عبد الرحمن بن محمد

القزَّاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن موسى الصَّيرفي، قال: حدثنا أَبو العباس الأصم، قال: سمعت العباس بن محمد الدُّوري، قال: كان أحمد رجلاً من العَرب من بني ذُهل بن شَيبان. وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا عبيد الله بن أبي الفَتح، قال: أخبرنا علي بن أحمد الوَرّاق، قال: أخبرنا عبد الله بن أبي داود قال: أَحمد بن حنبل من بني مازن بن ذُهل بن شيبان بن ثعلبة. وأخبرنا عبد الله بن علي المقرئ، قال: أخبرنا عبد الملك بن أحمد السيوري، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أحمد. وأخبرنا محمد بن أبي منصور قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، قالا: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدك البَرْذَعي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: وَجدتُ في بعض كتب أبي نسبه: أحمد بن محمد بن حنبل بن هِلال بن أَسد بن إدريس بن عبد الله بن حَيان بن أسير بن عَوف بن قاسِط بن مازن بن ذُهل بن شَيبان بن ثَعلبة، فذكره. وهذا فيه غلط، فإن حيان هو ابن عبد الله، وما ذكره. وأُسير ليس في الأسماء، وإنما هو أنس، فقد وقع فيه تَصحيف وغلط، وقد انقلب الاسم، فإنه شيبان بن ذُهل بن ثَعلبة. فقالوا: ذُهل بن شَيبان بن ثعلبة، ولا أحسب هذا إلا أن بعض الرواة لم يضبِط، وسمع الناس يقولون ذُهل

ابن شيبان فقاله، كما قال الشاعر: لَوْ كُنْتُ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إِبلي بَنُوا اللَّقِيطَة من ذُهْلِ بنِ شَيْبَانا ولا يكاد يذكر شَيبان بن ذهل. ويدل على أنه من بَعض الرواة أَن هذه الرواية عن صالح رُوِيَتْ لنا على الصحة؛ فأخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي، قال: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: حدثنا أبو نُعَيْم أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن يوسف، والحسن بن محمد بن علي، وعلي بن أحمد بن يزداد، قالوا: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد المديني، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: وجدت في بعض كتب أبي رحمه الله نسبه وهو: أحمد بن محمد بن حَنبل، فذكره إلى أن قال: ابن مازن بن شيبان بن ذُهل بن ثَعلبة. وكذلك روي لنا عن أبي الحُسين أحمد بن جَعفر بن المنادي فيما نقله عن صالح قال فيه: ابنُ شَيبان بن ذهل، فهذا يدل على أن تلك الرواية عن صالح غلط من الناقل عنه. وقد اجتمع فيما نصرناه ضبطُ هذا الراوي عن صالح بما يوافق الناس، وضبط عبد الله بن أحمد، وهو متقن، وضبط أَبي بكر الخَلّال وهو أَعلم الناس بما يتعلق بأحمد- رضي الله عنه- وضبط أَبي الحُسين بن المنادي، وأبي بكر عبد العزيز، وابن شاهين، وأبي نُعيم، وأَبي بَكر الخطيب. فدل على أنه الصحيح. أخبرنا أَبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:

حدثني من أثق به من العلماءِ بالنسب، قال: مازِن بن ذُهْل بن ثَعلبة- هو ابن عُكَابةَ بن صَعب- وهي قبيلة أبي عبد الله، أحمد بن حنبل، وهذا هو ذُهل الذي منه دَغْفَل بن حَنْظلَة، والقَعْقَاع بن شَوْر، ومُحارب بن دِثار، وعِمران ابن حِطَّان. وهو بَطن كثيرُ العلماءِ والخُطباءِ والشعراءِ والنسّابين. قال: وذهل الأكبر هو ابن أخي هذا، وسمي الأكبر، لأن العدد في ولده، وهو ذهل بن شيبان بن ثعلبة. ومنه المُثنّى بن حارثة، وفي ولده العدد والشرف والفخر. قلت: كذا حكى الخطيب، والصواب ذهل الأصغر هو ابن أَخي ذهل الأكبر، وقد ذكره على الصحة فقال: ذهل بن ثعلبة هو عم ذهل بن شيبان. أنبأَنا محمد بن عُبيد الله البغدادي، قال: أخبرنا عبد الله بن عطاء، قال: قد اجتمع أحمد بن حنبل والنبي صلى الله عليه وسلم في نِزار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مُضَري، من وَلد مُضَر بن نزار، وكل قُريش من مُضر. وأَحمد بن حنبل رَبعي من ولد ربيعة بن نِزار، وهو أخو مُضر بن نزار، وولد نزار أربعة: مضر بن نزار، وربيعة بن نزار، وإياد بن نزار، وأنمار بن نِزار. ومن هؤلاءِ الأربعة تَشعبت بطونُ العرب كلها. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا أَبو إسحاق البَرْمَكي، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جَعفر، قال: حدثنا أَبو بكر الخلال، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الناقد، قال: سمعتُ أَبا بكر

الأعين، قال: سمعتُ الأَصمعي يقول: أبو عبد الله أحمد بن حنبل من ذُهل، وكان أبوه قائداً. قال الخلال: وحدثنا علي بن عبد الله بالبصرة، قال: حدثني إبراهيم بن فهر، قال: حدثنا عبد الله بن الرومي، قال: كنت كثيراً ما أرى أبا عبد الله أحمد بن حنبل وهو بالبصرة يأتي مسجد بني مازن فيصلي فيه، فقلت له: يا أبا عبد الله، إني أراك كثيراً ما تصلي في هذا المسجد! فقال: إنه مسجد آبائي. أنبأَنا علي بن عبيد الله، عن أبي القاسم بن البُسري، عن أبي عبد الله بن بَطَّة قال: كانت أم أَبي عبد الله أَحمد شَيبانية، واسمها صفية بنت مَيمونة بنت عبد الملك الشيباني من بني عامر، كان أَبوه نزل بهم وتزوج بها، وكان جدها عبد الملك بن سوادة بن هند الشيباني من وجوه بني شيبان، وكان ينزل عليه قبائل العرب فيضيفهم.

الباب الثالث في ذكر منشئه في صباه

الباب الثالِث في ذكر مَنْشئه في صباه قد ذكرنا أن الإِمام أَحمد- رضي الله عنه- ولد ببغداد، وبها نشأَ، وطلب العلم والحديث بها من شيوخها، ثم رَحل بعد ذلك في طلب العلم إلى البلاد. قرأتُ على محمد بن أَبي مَنصور، عن أبي القاسم بن البُسْري، عن أَبي عبد الله بن بَطَّة، قال: أخبرنا أَبو بكر الآجُري، قال: أخبرنا أبو نصر بن كُردي، قال: دِجلة العَوْراء خلف مَنزل أحمد بن حنبل. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عُمر البَرْمَكي، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أبو بكر الخلّال، قال: أخبرني محمد بن الحسين قال: حدثنا أَبو بكر المروذي، قال: قال لي أَبو عفيف- وذكر أَبا عبد الله أحمد بن حنبل- فقال: كان في الكتّاب معنا وهو غَلَيّم نَعرف فضله، وكان الخليفة بالرقة، فيكتب الناس إلى منازلهم الكتب، فيبعث نساؤهم إلى المعلم: ابعث إلينا بأحمد بن حنبل، ليكتب لهم جواب كتبهم، فيبعثه فكان يجيء إليهن

مطأطئ الرأس، فيكتب جواب كتبهم، فربما أَملين عليه الشيءَ من المنكر، فلا يكتبه لهن. قال المرُّوذي: قال لي أبو سِراج بن خُزيمة: كنا مع أبي عبد الله في الكتّاب، فكان النساء يبعثن إلى المعلم: ابعث إلينا بابن حنبل ليكتب جوابَ كتبهم، فكان إذا دخل إليهن لا يرفع رأسه ينظر إليهن. قال أبو سراج: فقال أبي- وذكره- فجعل يعجب من أدبه، وحسن طريقته. فقال لنا ذات يوم: أنا أُنفق على ولدي وأجيئُهم بالمؤدبين على أن يتأَدبوا فما أراهم يُفلِحون، وهذا أَحمد بن حنبل غلام يتيم، انظر كيف يخرج!! وجعل يعجب. قال أبو بكر المرُّوذي: وقال لي أبو عبد الله: كنتُ وأنا غُليم أختلف إلى الكتّاب، ثم اختلفت إلى الديوان وأَنا ابن أَربع عشرة سنة. قال الخلال: وحدثنا محمد بن علي، قال: حدثني أبو المُنَبِّه جارنا: قال: أول شيءٍ عُرف من أحمد بن حنبل، أن عمه كتب جواب كتاب بعث به السلطان، فدفعه إلى أحمد بن حنبل يدفعه إلى الرسول، فلم يدفعه أَحمد

إليه، ووضعه في طاقٍ في منزلهم، وطلب الرسول الجواب. فقال عمه: قد وجهت به إليك. ثم قال لأَحمد: أَين الكتاب الذي أَمرتك أن تدفعه إلى الرسول على الباب؟ فقال له: كان عليه قَباء، وهو ذا الكتاب في الطاق. قال الخلال: وحدثنا أَبو بكر المَرُّوذي، قال: أُخبرت عن العباس بن عبيد الله قال: قال لي داود بن بسطام: أَبطأتْ عليَّ أخبار بغداد، فوجهت إلى عم أبي عبد الله بن حنبل: لم تصل إلينا الأخبار اليوم! وكنت أُريد أَن أحرِّرها وأوصِلها إلى الخليفة. فقال لي: قد بعثت بها مع أحمد ابن أخي. قال: فبعث عمه، فأحضر أبا عبد الله وهو غلام. فقال: أَليسَ بعثتُ معك الأَخبار؟ قال: نعم، قال: فلأَي شيءٍ لم توصلها؟ قال: أنا كنتُ أَرفع تلك الأخبار! رميتُ بها في الماءِ. قال: فجعل ابن بسطام يسترجع ويقول: هذا غلام يتورَّع، فكيف نحن. قال المرُّوذي: وحدثني حَرَمِي بن يونس المؤدّب، قال: سمعتُ أَبي يقول: رأيت أَحمد بن حنبل في أيام هُشَيم وله قدر. قال المَرُّوذي: وسمعت أَبا عَبد الله يقول: ماتَ هُشَيم ولي عشرون سنة. أَخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر، قال: أَنبأَنا عُبيد الله بن أحمد بن عثمان، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الورّاق؛ أن يحيى بن صاعد حدثهم، قال: حدثنا أبو بكر الأَثرم، قال:

أخبرني بعض من كان يَطلب الحديث مع أبي عبد الله أحمد بن حنبل، قال: ما زال أَبو عبد الله بائناً من أصحابه، قال: ولقد فَقدته يوماً عند إسماعيل ابن عُلَيّة، فدخل وهو ابنُ أَقل من ثلاثين سنة، فما بقي في البيت أحدإلا وسَّع له، وقال: ها هنا ها هنا.

الباب الرابع في ذكر ابتدائه في طلب العلم ورحلته فيه

الباب الرابع في ذكر ابتدائه في طلب العلم ورحلته فيه ابتدأ أحمد- رضي الله عنه- في طلب العلم من شيوخ بغداد، ثم رحل إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة، وكتب عن علماءِ كل بلد. أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزَّاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد ابن علي بن ثابت: أخبرنا الأزهري، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمر، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: حدثنا جدي، قال: سمعتُ أَحمد بن حنبل يقول: أول من كتبتُ عنه الحديث أبو يوسف. وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد ابن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبي: طلبتُ الحديثَ وأنا ابن ستّ عشرةَ سنة، ومات هُشيم وأنا ابنُ عشرين سنة، وأول سماعي من هُشيم سنة تسع وسَبعين ومئة. أخبرنا إسماعيل بن أحمد السَّمَرْقَنْدي، قال: أخبرنا عمر بن عبيد الله البقَّال، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بِشْران، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدَّقاق، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: قال أبو عبد الله- يعني أحمد

ابن حنبل-: طلبتُ الحديث في سنة تسع وسبعين وأنا ابن ستَّ عشرة سنة، وهي أَول سنة طلبتُ الحديث، فجاءَنا رجل فقال: مات حماد بن زيد. ومات مالك بن أَنس في تلك السنة. وكنا عند عبد الرزاق باليمن، فجاءَنا موت سفيان بن عُيَيْنَة، وعبد الرحمن بن مَهدي، ويحيى بن سعيد سنة ثمان وتسعين ومئة. قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: سمعت من سليمان بن حرب بالبصرة سنة أَربع وتسعين، ومن أَبي النُّعمان عارِم في تلك السنة، ومن أَبي عُمر الحَوْضي أَيضاً. أَخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: قرأت في كتاب أبي الحسن بن الفرات بخطه، أخبرنا أبو مُسلم عبد الرحمن بن مِهْران، قال: أخبرنا محمد بن قارن، حدثنا علي بن الحسن الهِسِنْجانِي قال: قال أحمد بن حنبل: طلبتُ الحديث سَنة تسعٍ وسَبعين. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد ابن عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق، قال: حدثنا محمد ابن إسحاق الثَّقفي، قال: سمعت زياد بن أيوب يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: طلبتُ الحديث سنة تسع وسَبعين، وأتيتُ مجلس ابن المبارك وقَد قام، وقدم علينا سنة تسع وسبعين.

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزَّاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: اخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخُطَبِي، وأَبو علي بن الصواف، وأحمد بن جعفر بن حَمدان، قالوا: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبي: سمعتُ من علي بن هاشم ابن البَرِيد سنة تسع وسبعين في أول سنة طلبت الحديث، ثم عدت إليه في المجلس الآخر وقد مات، وهي السنة التي مات فيها مالك بن أَنس. أَخبرنا ابن الحُصَين، قال: أخبرنا ابن المُذْهِب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا أَبي، قال: مات خالد بن عبد الله- يعني الطحان- وأبو الأحوص، ومالك بن أَنس، وحماد ابن زيد، في سنة تسع وسَبعين، إلا أَن مالكاً مات قبل حماد بقليل، وفي تلك السنة طلبتُ الحديث. كنا على باب هُشيم وهو يُملي علينا إما قال: الجنائز، أَو: المناسك. فجاءَ رجل بصري، فقال: مات حماد بن زيد. أَخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي. وأخبرنا عبد الله بن علي المقرئ، قال: أخبرنا عبد الملك بن أحمد السيوري، قال: حدثنا عبد العزيز

ابن علي بن أَحمد قالا: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال: حدثنا صالح بن أَحمد بن حنبل، قال: سمعت أَبي يقول: طلبتُ العلم وأَنا ابن ستَّ عشرة سنة، وأَول سَماعي من هُشَيْم سنة تسع وسبعين، وكان ابنُ المبارك قدم في هذه السنة، وهي آخر قَدْمةٍ قدمها. وذهبت إلى مجلسه، فقال: قد خرج إلى طَرَسوس وتوفي سنة إحدى وثمانين، وكتبت عن هُشيم سنة تسع وسبعين، ولزمناه سنة ثمانين وإحدى وثمانين وثنتين وثلاث، ومات في سنة ثلاث وثمانين، كتبنا عنه كتاب "الحج" نحواً من ألف حديث، وبعض التفسير، وكتاب "القضاء" وكتباً صغاراً. قلت: تكون ثلاثة آلاف؟ قال: أكثر، وجاءَنا موتُ حماد بن زيد ونحن على باب هشيم، وهشيم يملي علينا "الجنائز" فقالوا: ماتَ حماد بن زيد. وسمعت من عبد المؤمن بن عبد الله بن خالد أبي الحسن العبسي سنة ثنتين وثمانين قَبل موت هُشيم، وحدثنا علي بن مجاهد الكابُلي في سنة ثنتين وثمانين- من أهل الري أَبو مجاهد- وهي أول سنة سافرت فيها، وقدم عيسى بن يونس الكوفة بعدي بأيام، وأول خَرجةٍ خرجت إلى البصرة سنة ست وثمانين، وخرجت إلى سُفيان بن عُيَيْنَة في سنة سبع وثمانين. قدمنا وقد مات فُضَيل بن عياض، وهي أَول سنة حججتُ، وكتبت عن إبراهيم بن سَعد وصليت خلفه غيرَ مرة، وكان يُسلم واحدةً. ولو كانَ عندي خمسون درهماً كنت قد خرجت إلى الرَّي إلى جَرير بن عبد الحميد، فخرج بعضُ أصحابنا ولم يمكني الخروج. قال: وخرجت إلى الكوفة فكنت في بيت وتحت رأسي لبنة، فحُمِمت، فرجعت إلى أُمي رحمها الله.

وأخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السَّمَرْقَنْدِي، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أحمد بن أَبي جعفر القَطيعي، وعلي بن أَبي علي البَصري، قالا: أخبرنا علي بن عبد العزيز البَرْذَعي، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: أخبرني صالح بن أحمد بن حنبل، قال: قال أَبي: لو كان عندي خمسون درهماً كنت قد خرجت إلى الرَّي، إلى جَرير بن عبد الحميد، فخرج بعض أَصحابنا ولم يمكني الخروج، لأنه لم يكن عندي شيء. أخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا أبو إسحاق البَرْمَكي، قال: أَنبأَنا عبدُ العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أبو بَكر الخلّال، قال: حدثنا زُهير بن صالح بن أَحمد بن حنبل، قال: سمعتُ أَبي يَقول: قال أَبي: خرجتُ إلى الكوفة فكنت في بيت تحت رأسي لَبِنة فحممتُ، فرجعت إلى أُمي ولم أَكن استأذنتها. أخبرنا عبد الله بن علي، قال: أخبرنا عبد الملك السُّيُوري، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي، قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أَبي حاتم، قال: حدثنا عبد الصمد بن محمد العَبّاداني، قال: سمعتُ أَحمد بن حنبل يقول: دخلتُ عَبّادان سنة ست وثمانين في العشر الأواخر من رجب، وكنت رحلت إلى المُعْتَمِرِ تلك السنة، وكان بها رجل يتكلم، قلت له: هَدَّاب.

قال: نعم، وكان بها أبو الربيع وكتبتُ عنه. أخبرنا المبارك بن أحمد الأَنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أَحمد السَّمَرْقَنْدي، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن أَحمد ابن عمر المقرئ، قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخُطَبِي، قال: حدثنا عبد الله ابن أَحمد بن حنبل قال: سمعتُ أَبي يقول: كنتُ ربما أَردتُ البكور في الحديث فتأخذ أُمي بثيابي وتقول: حتى يؤذن الناس، أو حتى يُصبحوا. وكنت ربما بَكرت إلى مجلس أبي بكر بن عياش وغيره. أَخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أَبي القاسم قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: كنتُ مقيماً على يَحيى بن سعيد القَطّان، ثم خرجت إلى واسط، فسأَل يحيى بن سعيد عني، فقالوا: خرج إلى واسط. فقال: أَي شيء يصنع بواسط؟ قالوا: مقيم على يزيد بن هارون. قال: وأَي شيءٍ يصنع عند يزيد بن هارون؟! قال أَبو عبد الرحمن: أَي هو أَعلمُ منه. بلغني عن أَبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي، قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: دخلتُ البصرة خمس دَخلات، دخلتها في أَول رجب سنة ست وثمانين ومئة سمعت من المعتمر بن سليمان، ودخلت الثانية في سنة تسعين، ودخلت الثالثة في سنة أَربع وتسعين، وقد مات غُنْدَر، [وخرجتُ في سنة خمس وتسعين] فأقمت على يحيى بن سعيد

ستة أشهر، ودخلتُ سنة مئتين. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني. أَبو القاسم الأَزهري، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الخلَّال قال: حدثنا محمد بن أَحمد بن يعقوب بن شَيبة، حدثنا جدي، قال: سمعت إبراهيم ابن هاشم يقول: لما قَدم جريرُ بن عبد الحميد- يعني بغداد- نَزل على بني المُسيّب، فلما عبر إلى الجانب الشرقي جاءَ المد، فقلت لأحمد بن حنبل: تعبُر؟ فقال: أُمي لا تدعني، فعبرت أَنا فلزمته. قلت: قد سمع أَحمد بن حنبل من جَرير إِلا أَنه لم يتفق له الإِكثارُ عنه، وهذا المدُّ كان في سنة ستٍ وثمانين ومئة في أيام الرشيد زادت دجلة زيادة بَينة لم يُرَ قبلها مثلها، ونزل الرشيد بأَهله وحرمه وأَمواله إلى السفن، قال أَبو علي البَرَداني: وكان السندي ابن شاهك- وشاهك هي أُمه- يلي إمارة بغداد فمنع الناس من العبور إشفاقاً عليهم. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزَّاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن أَحمد بن رزق، قال: أخبرنا محمد بن أحمد الصواف، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أَبي يقول: كتبنا عن سليمان بن حَرب وابن عُيَيْنة حي. أخبرنا ابن ناصر، قال: أَنبأَنا الحسن بن أَحمد، قال: أَنبأَنا الأَزهري، قال: أخبرنا القَطيعي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: خرج

أَبي إلى طَرَسُوس ماشياً على قدميه. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن الحسن بن محمد بن أَبي عثمان الدقَّاق قال: أخبرنا أَحمد بن إبراهيم ابن الحسن، قال: حدثنا عمر بن محمد بن شعيب الصابوني، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: قدم علينا عبد الرحمن بن مهدي سنة ثمانين وأبو بكر هاهنا- يعني ابن عياش- وقد خضب، وهو ابنُ خمس وأَربعين سنة، وكنت أَراه في المسجد الجامع، ثم قدم بغداد، فأتيناه ولزمناه، وكتبت عنه هاهنا نحواً من ستّ مئة سبع مئة، وكان في سنَة ثمانين يختلِف إلى أَبي بكر بن عياش. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا جدي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن ياسين، قال: سمعتُ ابن مَنيع يقول: سمعت جدي يقول: مَرّ أحمد بن حنبل جائياً من الكوفة، وبيده خريطة فيها كتب؛ فأَخذتُ بيده فقلت: مرة إلى الكوفة، ومرة إلى البصرة، إلى متى؟! إذا كتب الرجلُ ثلاثين أَلف حديث لم يكفه؟ فسكت، ثم قلت: ستين أَلف؟ فسكت. فقلت: مئة أَلف؟ فقال: حينئذ يعرف شيئاً. قال أحمد بن منيع: فنظرنا فإذا أَحمد كتب ثلاث مئة ألف عن بَهز بن أَسد وعفان، وأَظنه قال: وروح بن عُبادة. أخبرنا ابن الحُصَين قال: أخبرنا ابن المُذْهب، قال: أخبرنا أحمد بن

جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أَبي: ذهبت إلى إبراهيم بن عَقيل وكان عَسراً لا يُوصَل إليه، فأقمت على بابه باليمن يوماً أو يومين حتى وصلت إليه، فحدثني بحديثين وكان عنده أحاديث وهب عن جابر، فلم أَقدِرْ أَن أَسمعها من عُسره، ولم يُحدثنا بها إسماعيلُ بن عبد الكريم، لأنه كان حياً، فلم أسمعها من أَحد. أخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: حدثني أبو بكر بن حَمدان النَّيسابوري، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أَبي إسرائيل، قال: خَرج أَبي وأَحمد بن حنبل في البحر في طلب العلم فكُسِر بهما [المركب] فَوقعا في جَزيرة فقرأا على صخرة مكتوباً: غداً يبين الغِنى والفقر إذا انصرف المنصرفون من بين يدي الله عز وجل إما إلى جَنةٍ وإما إِلى نار. أَخبرنا المبارك بن أَحمد الأَنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السَّمَرْقَنْدي قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن أحمد ابن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن نُعيم الضبي، قال: سمعتُ بشر بن أَحمد بن بشر المِهْرَجاني، يقول: سمعت خُشْنَام بن سَعد يقول: قلت لأَحمد ابن حنبل: أَكان يَحيى بن يحيى إماماً؟ قال: كان يحيى بن يحيى عندي إماماً، ولو كانت عندي نَفقة، لرحلتُ إلى يحيى بن يحيى.

أَخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أَبو سعد محمد بن عبد الملك الأَسدي، قال: أَنبأَنا عُبيد الله بن أحمد بن عثمان الصَّيرفي، قال: حدثنا محمد بن أَحمد البزَّار، قال: سمعت محمد بن عَمْرُويَه، يقول: سمعتُ صالح بن أَحمد يقول: عزم أَبي على الخروج إلى مكة يقضي حجة الإسلام، ورافق يحيى ابن مَعين، وقال له: نمضي إن شاءَ الله فنقضي حجنا، ثم نمضي إلى عبد الرزاق إلى صنعاء نسمع منه. قال أَبي: فدخلنا مكة وقمنا نطوف طواف الورود، فإذا عبد الرزاق في الطواف يطوف، وكان يحيى بن مَعِين قد رآه وعرفه، فخرج عبد الرزاق لما قضى طوافه، فصلى خلفَ المقام ركعتين ثم جلس، فقضينا طوافنا وجئنا فصلينا خلف المقام ركعتين، فقام يحيى بن معين، فجاءً إلى عبد الرزاق فسلم عليه، وقال له: هذا أَحمد بن حنبل أَخوك، فقال: حياه الله وثبته، فإنه يبلّغني عنه كُلُّ جميل. قال له يحيى: تجيء إليك غداً إن شاءَ الله حتى نسمع ونكتب. قال: وقام عبد الرزاق فانصرف فقال أبي ليحيى بن مَعِين: لم أَخذت على الشيخ موعداً؟ قال: لنسمع منه، قد أربحك الله مسيرةَ شهر ورجوع شهر والنفقة. فقال أَبي: ما كان الله يراني وقد نويتُ نيةً لي أفسدها بما تقول، نمضي فنسمع منه. فمضى حتى سمع منه بصنعاء. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا البَرْقاني، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الخلّال، قال: سمعت أَبا بكر بن أَبي شيبة، يقول: سمعت عبد الله بن أَحمد بن حنبل يقول:

سمعتُ أَبي يقول: فاتني مالك، فأَخلف الله عَلَيَّ سفيان بن عُيَينة، وفاتني حماد ابن زيد، فأَخلف الله عَلَيَّ إِسماعيل ابن عُلَيَّة. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المُعَدَّل، قال: أخبرنا زاهر بن أَحمد قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن مبشر، قال: سمعتُ أَحمد بن سنان، قال: قدم علينا أَحمد ابن حنبل مع جماعة من البغداديين إلى يزيد بن هارون، واستقرضوني كلهم وردوا، إِلا أَحمد بن حنبل لم يستقرضني، أَعطاني فروة له، فبعتُها بسبعة دراهم. أَخبرنا أَبو بكر محمد بن الحُسين الحاجي، قال: أخبرنا أَبو الحسين بن المهتدي، قال: أخبرنا أبو أَحمد محمد بن عبد الله بن جامع، قال: حدثنا أبو علي محمد بن سعيد الحَرّاني، قال: سمعت محمد بن علي المُرّي، يقول: سمعتُ عبد الله بن الوليد الحَرّاني، يقول: سمعتُ أَحمد بن حنبل، يقول: ما رأَيتُ بالرَّقة أَفضل من فياض بن محمد بن سِنان مولى قُريش، ومنزله ملاصق مسجد الجامع، مات بالرَّقة بعد المئتين. أخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: حدثني عمار بن محمد بن مَخلد، قال: حدثنا أَبو عمرو محمد بن أحمد الدقاق، قال: حدثنا صالح بن

أحمد بن حنبل، قال: رأى رجل مع أَبي مِحْبَرَة، فقال له: يا أَبا عبد الله، أَنت قد بلغت هذا المبلغ، وأَنت إِمامُ المسلمين. فقال: مع المِحبرة إلى المَقْبرة. أَنبانا محمد بن عبد الملك، قال: أنبأَنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثنا أَبو الحسن محمد بن أَحمد الصابوني، قال: سمعتُ أَبا بكر بن خَزَّامَ يقول: سمعتُ عبد الله بن محمد البَغَوي، يقول: سمعت أَبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: أَنا أَطلب العلم إلى أَن أَدخل القبر. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا البَرْقاني، قال: رأَيت في كتاب أَحمد بن محمد بن الخلّال، حدثنا عبد الرحمن بن قريش الهروي، قال: حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ، قال: كنت أَصوغ مع أَبي ببغداد فمر بنا أَحمد بن حنبل وهو يعدو ونعلاه في يده، فأَخذ أَبي هكذا بمجامع ثوبه، فقال: يا أَبا عبد الله، أَلا تستحي، إلى متى تعدو مع هؤلاء الصبيان؟ قال: إلى الموت. أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أَنبأَنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا أَحمد ابن محمد بن عمر، قال: أملى عليَّ عبد الله بن أحمد من حفظه، قال: نَزلنا بمكة داراً وكان فيها شيخ يكني بأَبي بكر بن سَماعة- وكان من أهل مكة-

قال: نزل علينا أَبو عبد الله في هذه الدار وأَنا غلام، فقال لي أُمي: الزم هذا الرجل فاخدمه فإنه رجل صالح، فكنت أَخدمه. وكان يخرج يطلب الحديث، فَسُرق متاعُه وقماشه، فجاءَ، فقالت له أُمي: دخل عليك السُّرّاق، فسرقوا قماشك. فقال: ما فعلتِ الأَلواح؟ فقالت له أُمي: في الطاق. وما سأل عن شيءٍ غيرها. قال أَحمد بن محمد، وحدثنا عبد الله بن أَحمد قال: خرج أَبي إلى طَرَسُوس ماشياً، وخرج إلى اليمن ماشياً. قال عبد الله: وقال أُبي: ما كتبنا عن عبد الرزاق من حفظه شيئاً إلا المجلسَ الأَول، وذلك أَنا دخلنا بالليل، فوجدناه في موضع جالساً، فأَملى علينا سبعين حديثاً، ثم التفت إلى القوم، فقال: لولا هذا ما حدَّثْتكم- يعني أبي-. أخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْدُ بن أَحمد، قال: حدثنا أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن أَحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد بن حنبل، قال: حدثني أَحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقي، قال: لما قدم أَحمد بن حنبل مكة من عند عبد الرزاق، رأيتُ به شُحوباً، وقد تبيَّن عليه أَثر النَّصَبِ والتعب، فقلت: يا أَبا عبد الله، لقد شققتَ على نفسك في خروجك إلى عبد الرزاق، فقال: ما أَهون المشقةَ فيما استفدنا من عبد الرزاق، كتبنا عنه حديث الزُّهْري عن سالم بن عبد الله عن أَبيه، وحديثَ الزهري عن سعيد بن المسيّب عن أَبي هريرة.

أَنبانا ابن ناصر، قال: أخبرنا يحيى بن عبد الوهَّاب بن مَنْدَه، قال: أخبرنا عبد الكريم المليحي الهروي في كتابه، أن إسحاق بن إبراهيم الحافظ حدثهم قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين قال: أخبرنا أبو أَحمد الشامي، قال: أخبرنا أَبو بكر بن الخلال، قال: سمعت أَحمد بن حنبل، يقول: كنتُ أحفظ القرآن، فلما طلبت الحديث اشتغلتُ- فقلت: متى- فسأَلت الله عز وجل أَن يمنَّ عليّ بحفظه ولم أقل: في عافية، فما حفظته إلا في السجن والقيود، فإذا سأَلت الله حاجة فتقول: في عافية.

الباب الخامس في تسمية من لقي من كبار العلماء وروى عنهم

الباب الخامِس في تسمية من لقي من كبار العلماء وروى عنهم ذكرتهم على الحروف: حرف الألف ذكر من اسمه أحمد أحمد بن إبراهيم بن خالد. أحمد بن إبراهيم بن كثير الدَّوْرَقي يكنى أَبا عبد الله. أَحمد بن جميل يُكنى أَبا يوسف من أَهل مَرْوَ، سكن مدينة السلام وكان يبيع البُرّ في قَطيعة الربيع. أَحمد بن جَنَاب بن المغيرة يكنى أَبا الوليد الحَدَثي المِصيِّصي. أَحمد بن جَناح يُكنى أَبا صالح. أَحمد بن حاتم بن يَزيد الطويل يكنى أَبا جعفر الخياط. أحمد بن الحجاج يكنى أَبا العباس الذهلي من أَهل مرو. أَحمد بن داود يكنى أَبا سعيد الحداد الواسطي. أَحمد

ابن أَبي شُعيب- واسمه عبد الله بن مسلم- أَبو الحسن الحراني، مولى عمر بن عبد العزيز. أحمد بن عبد الملك بن واقد، يكنى أَبا يحيى الجزري الحراني، وربما نسب إلى جده فقيل: أحمد بن واقد. أَحمد بن صالح، أَبو جعفر المصري. أَحمد بن محمد بن أَيوب الوراق، يكنى أَبا جعفر. من اسمه إبراهيم إبراهيم بن إسحاق بن عيسى، أَبو إِسحاق الطالقاني. إبراهيم بن بَكار، أَبو مِرْداس الأَسدي. إِبراهيم بن الحكم بن أَبان، أَبو إِسحاق العَدَنِيِّ. إبراهيم ابن حبيب بن الشهيد، أَبو إسحاق الأزدي. إِبراهيم بن خالد بن عُبيد، أَبو محمد القُرشي الصَّنعاني. إبراهيم بن زياد، أَبو إسحاق البغدادي، ويُلقب سَبَلان. إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، أَبو إسحاق الزهري. إبراهيم بن شَماس، أَبو إسحاق الغازي. إِبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه اليماني. إبراهيم بن مَهدي المِصِّيصي. إِبراهيم بن مرزوق البصري. إِبراهيم بن أَبي العباس- وقيل: ابن العباس- أَبو إسحاق السَّامَرّي. إبراهيم بن أَبي الليث، أَبو إسحاق الترمذي، واسم أَبي الليث نَصر. إبراهيم بن يوسف بن خالد.

من اسمه إسماعيل إسماعيل بن أبان، أبو إسحاق الورَّاق الأَزْدي. إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم، أَبو بِشر الأَسَدي، وهو ابنُ عُلَيَّة. إِسماعيل بن إِبراهيم بن مَعْمَر، أَبو مَعْمَر الْهُذَلِي. إِسماعيل بن إِسحاق، أَبو إِسرائيل الْمُلَائي. إِسماعيل بن عبد الكريم بن مَعْقِل، أَبو هشام الصَّنْعاني. إسماعيل بن عمر، أَبو المنذر الواسطي. إِسماعيل بن محمد بن جَبلة، أَبو إبراهيم السَّرَّاج. إِسماعيل بن محمد ابن جُحادة، أَبو محمد العَطار الكوفي. إسماعيل بن المغيرة. إسماعيل بن يَزيد الرَّقي. من اسمه إسحاق إسحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد، أَبو يعقوب الحَنظلي، ويعرف بابن رَاهوَيه. إسحاق بن إبراهيم الرازي خَتَن سلمة بن الفضل. إسحاق بن سليمان الرازي العَبْدي. إسحاق بن عيسى ابن بنت داود بن أَبي هِند، ويكنى أَبا هاشم. إسحاق بن عيسى بن نَجيح، أَبو يعقوب الطبَّاع. إسحاق بن

منصور بن حيان، أَبو عبد الرحمن السَّلُولي. إسحاق بن مِرَار، أَبو عمرو الشيباني. إسحاق بن يوسف بن يعقوب، أَبو محمد الأزرق. إِسحاق بن الطالقاني صاحب ابن المبارك. مثاني الأسماء ومفاريدها أحوص بن جَوّاب، أبو الجَوّاب الضَّبي. أزهر بن سَعد، أَبو بكر السمان. أَزهر بن القاسم، أَبو بكر الراسِبي. أسْباط بن محمد، أبو محمد مولى السائب بن يزيد. أسد بن عمرو بن عامر، أَبو المنذر الكوفي. أَسود ابن عامر، أبو عبد الرحمن ويُلقب بشاذان. أَصْرم بن غياث، أَبو غياث النَّيسابوري. أُمية بن خالد بن الأَسود بن هُدْبة الأَزدي. أَنس بن عياض، أبو ضمرة الليثي المديني. أَيوب بن النجار، أَبو إِسماعيل الحنفي اليماني. حرف الباء من اسمه بِشر بشر بن السَّري، أَبو عمرو البصري. بشر بن شُعَيب بن أَبي حمزة، أبو القاسم الحمصي، واسم أَبي حَمزة دينار. بشر بن المفضَّل بن لاحق، أبو إسماعيل الرّقاشي.

من اسمه بَكر بكر بن عيسى، أَبو بشر الراسِبيّ. بكر بن يزيد الطويل الحمصي. مفاريد الأسماء بشار بن موسى، أبو عثمان العِجْلي الخَفَّاف. بَهْز بن أَسد، أبو الأسود العَمّي. بهلول بن حكيم القَرْقيسي الشامي. حرف التاء تَلِيد بن سليمان، أَبو إِدريس المحاربي. حرف الثاء ثابت بن الوليد بن عبد الله بن جُمَيْع، أَبو جَبلة الزهري. حرف الجيم جابر بن سليم- وقيل: ابن سُليمان- الأنصاري المدني. جَرير بن عبد الحميد، أَبو عبد الله الرازي. جَعفر بن عون بن جعفر، أَبو عَون المخزومي. حرف الحاء من اسمه الحارث الحارث بن سليمان الفزاري. الحارث بن مُرة بن مُجَاعة، أَبو مُرَّة

الحنفي. الحارث بن النعمان بن سالم، أَبو النضر الطوسي الأَكفْاني. من اسمه حَجاج حجاج بن محمد، أَبو محمد الأَعور المصّيصي. حجاج بن محمد الترمذي. حجّاج بن نصير، أبو محمد الفُسطاطي. من اسمه الحَسن الحسن بن الربيع بن سليمان، أبو علي الخَشّاب البوراني. الحسن بن سَوّار، أَبو العلاء الخَراساني البَغَوي. الحسن بن علي بن عاصم، أَبو محمد. الحسن بن عيسى بن ما سَرْجِس النَّيسابوري. الحسن بن موسى، أَبو علي الأَشيب. الحسن بن يحيى المروزي. من اسمه الحسين الحسين بن الحسن أخو بشر. الحسين بن الحسن، أَبو عبد الله الأَشقر الفَزاري. الحسين بن علي بن نَجيح الجعفي مولاهم، أَبو عبد الله. الحسين بن علي بن عاصم. الحسين بن محمد بن بهرام، أَبو محمد التميمي. الحسين بن

محمد المروَزي. الحسين بن موسى الأشيب. الحسين بن الوليد، أَبو علي القُرَشي. من اسمه حَفص حفص بن جابان، أَبو طالب القارئ. حفص بن عمر بن الحارث، أبو عمر الحَوضي الضرير. حفص بن عمر، أبو عبد الصمد البصري. حفص بن غياث بن طَلق، أبو عمر النَّخعي. من اسمه الحَكَم الحكم بن موسى بن أَبي زُهير، أَبو صالح القَنْطَري. الحَكَم بن مروان، أَبو مُحمد الضرير. الحكم بن نافع، أَبو اليمان البَهْرَاني. من اسمه حَمّاد حماد بن أُسامة بن زيد، أَبو أُسامة القُرَشي مولى بني هاشم. حماد بن خالد، أَبو عبد الله الخياط البصري. حماد بن مَسْعَدَة، أَبو سعيد التميمي. مفاريد الأسماء حامد بن يحيى بن هانئ، أبو عبد الله البَلْخي. حُجَيْن بن المُثنّى، أَبو عمر اليمامي. حُذيفة بن حكيم أَبو عبد الرحمن المَذْحِجي الرقي. حَرَميّ بن عُمارة بن أَبي حَفصة، أَبو رَوْح الأَزْدي. حَريش بن القاسم المدايني. حَكَّام

ابن سَلْم، أَبو عَبد الرحمن الكناني الرازي. حُميد بن عبد الرحمن بن عوف الرُّؤاسي. حَيْوة بن شُريح بن يزيد، أَبو العباس الحَضرمي الحِمصي. حرف الخاء من اسمه خالد خالد بن حَيّان، أبو يزيد الرَّقي. خالد بن خِدَاش بن عَجلان، أَبو الهيثم المهلّبي. خالد بن مَخْلَد، أَبو الهيثم القَطَوَاني. خالد بن نافع الأَشعري مولاهم من أهل الكوفة. من اسمه خَلَف خلف بن أَيوب العامري. خلف بن الوليد، أَبو الوليد الجوهري. خلف بن هشام، أبو محمد البزار. حرف الدال داود بن عمرو، أَبو سليمان الضَّبّي. داود بن مِهران، أَبو سليمان الدَّباغ. حرف الراء الربيع بن نافع، أَبو تَوبة الحلبي. رِبْعي بن إبراهيم وهو ابن عُلَيّة أَخو

إسماعيل. رباح بن خالد. رزق بن رزق بن منذر، أَبو سعيد. روح بن عبادة بن العلاء، أَبو محمد البصري. حرف الزاي من اسمه زيد زَيد بن الحُباب بن الريّان، أَبو الحُسين العُكْلي التيمي مولاهم. زيد بن يحيى بن عبيد، أَبو عبد الله الخزاعي الدمشقي. من اسمه زياد زياد بن أَيوب بن زياد، أَبو هاشم الطوسي، ويعرف بدَلُّويه. زياد بن الربيع، أَبو خداش اليحمدي الأَزدي. زياد بن عبد الله بن الطفيل، أَبو محمد العامري البكَّائي. من اسمه زكريا زكريا بن عدي بن الصَّلت. زكريا بن أَبي زكريا البزاز، واسم أَبي زكريا يحيى. حرف السين من اسمه سُريج سُرَيج بن النعمان بن مروان، أَبو الحسين الجَوهري. سُرَيج بن يونس الجَرْمي؛ وليس بالبغدادي.

من اسمه سعيد سعيد بن خُثيم، أَبو مَعْمر الهِلالي. سعيد بن زكريا، أَبو عَمرو القُرشي. سعيد بن عامر، أَبو محمد العجيفي. سعيد بن منصور، أَبو عثمان البزاز الخراساني. سعيد بن محمد، أَبو الحسن الوراق الثقفي. من اسمه سُفيان سفيان بن عُيَيْنة، أَبو محمد الهلالي. سفيان بن وَكيع بن الجراح، أَبو محمد الرُّوّاسي. من اسمه سُليمان سليمان بن الأَشعث، أَبو داود السِّجِسْتاني، روى عنه أَحمد حديثاً واحداً، أَخبرنا به أبو منصور القَزاز، قال: أخبرنا أَبو بكر بن ثابت، قال: أخبرنا أَبو الفَرج لاطناجيري، قال: حدثنا عمر بن أَحمد الواعظ، قال: حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأَشعث، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا محمد بن عمرو الرازي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن قيس، عن حماد بن سلمة، عن أَبي العُشَراءِ الدارمي، عن أبيه: أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل عن العَتِيرة. فحسنها،

قال: قال ابن أَبي داود: قال أَبي: فذكرته لأحمد بن حنبل فاستحسنه وقال: هذا حديث غريب، وقال لي: اقعد، فدخل فأخرج مِحبرة وقلماً وورقة، وقال: أَمِلَّه علي، فكتبه عني، ثم شهدته يوماً آخر وجاءَه أَبو جعفر بن أَبي سَمينة، فقال أحمد بن حنبل: يا أبا جعفر عند أبي داود حديث غريب اكتبه عنه، فسألني، فأَمليته عليه. سليمان بن أحمد بن محمد، أَبو محمد الشامي. سليمان بن حرب، أَبو أيوب الواشِحي الأَزدي. سليمان بن حيان، أَبو خالد الأَحمر الأَزدي. سليمان بن داود بن علي، أَبو أَيوب الهاشمي. سليمان بن داود بن الجارود، أَبو داود الطيالسي. سليمان بن داود، أَبو الربيع الزَّهراني.

من اسمه سَهل سَهل بن حسان، أَبو يحيى البصري. سَهل بن يوسف، أَبو عبد الله المِسْمَعي الأَنماطي. الأسماء المفردة سَعد بن إبراهيم بن سعد، أَبو إسحاق الزهري. السَّكَن بن نافع، أَبو الحسن الباهلي. سلام بن مُسلم، أَبو سَلمة الأَيلي. سَلْم بن قُتيبة، أَبو قتيبة الأَزدي الخُراساني. سُويد بن عمرو، أَبو الوليد الكَلْبي. سَيّار بن حاتم، أَبو سلمة العَنزي. حرف الشين شَبَابَةُ بن سَوّار، أَبو عمرو الفَزَاري. شُجاع بن مَخلد، أَبو الفضل. شجاع بن الوليد، أَبو بدر السَّكوني. شُعيب بن حرب، أَبو صالح المدائني. وقد سبق ذكر شاذان في حرف الأَلف. حرف الصاد صَدقة بن سابق. صفوان بن عيسى، أَبو محمد الزهري. الصَّلت بن مسعود الجَحْدَرِي.

حرف الضاد الضَّحاك بن مَخلد، أَبو عاصم النبيل الشيباني. حرف الطاء طَلق بن غَنّام بن طَلق، أَبو محمد النَّخَعي. حرف العين من اسمه عاصم عاصم بن زكريا، أَبو المثنّى الكِندي. عاصم بن علي بن عاصم، أَبو الحسين الواسطي. من اسمه عبد الله عبد الله بن إدريس بن يزيد، أَبو محمد الكوفي. عبد الله بن إبراهيم بن عمر، أَبو محمد الصَّنعاني. عبد الله بن بَكر بن حبيب، أَبو وهب السَّهمي الباهلي. عبد الله بن الحارث بن عبد الملك، أَبو محمد المخزومي. عبد الله بن حجر القاضي العَسقلاني. عبد الله بن حمران، أَبو عبد الرحمن البصري. عبد الله ابن داود، أَبو عبد الرحمن الحُرَيْبِي. عبد الله بن رجاء، أَبو عِمران البصري. عبد الله بن عيسى، أَبو خَلف الخزاز. عبد الله بن عثمان بن جَبلة، أَبو عبد الرحمن العَتَكي مولاهم. عبد الله بن عصمة النصيبي. عبد الله

ابن محمد بن أبي شَيْبة- واسمه إبراهيم-، أبو بكر العبسي الكوفي. عبد الله بن محمد بن علي، أبو جعفر النُّفيلي. عبد الله بن معاوية بن عاصم، أَبو معاوية الزُّبيري. عبد الله بن ميمون، أبو عبد الرحمن الرَّقي. عبد الله بن نمير، أَبو هاشم الهمْداني. عبد الله بن الوليد، أبو محمد العَدَني. عبد الله بن واقد، أَبو قَتادة الحراني. عبد الله بن يزيد، أَبو عبد الرحمن المقرئ. من اسمه عُبيد الله عُبيد الله بن ثور بن عون بن أَبي الحَلال العَتَكي. عُبيد الله بن زياد، أَبو عبد الرحمن الهَرَوي. عُبيد الله بن عمر القَوَاريري. عُبيد الله بن محمد بن حفص التيمي، ويعرف بابن عائشة. عُبيد الله بن موسى، أَبو محمد العَبْسِي مولاهم. من اسمه عبد الرحمن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ولقبه دُحَيْم. عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري. عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد، أَبو سعيد مولى بني هاشم. عبد الرحمن بن عَلقمة، أَبو يزيد السغدي المروَزي. عبد الرحمن بن غزوان، يُلقب قُراداً، ويكني أَبا نوح. عبد الرحمن بن محمد، أَبو محمد المحاربي. عبد الرحمن بن مهدي، أَبو سعيد الأزدي. من اسمه عبد الملك عبد الملك بن إبراهيم، أَبو عبد الله الجُدِّي. عبد الملك بن عبد الرحمن،

أَبو هشام الذِّمَاري. عبد الملك بن عمرو بن قيس، أَبو عامر العَقَدي. من اسمه عبد العزيز عبد العزيز بن أَبان، أَبو خالد الأموي. عبد العزيز بن عبد الصمد، أَبو عبد الصمد العَمِّيّ. من اسمه عبد الوهَّاب عبد الوهَّاب بن عبد المجيد، أَبو محمد الثقفي. عبد الوهَّاب بن عطاء، أَبو نصر الخَفّاف. عبد الوهَّاب بن همام بن نافع، أَبو إسماعيل، أخو عبد الرزاق. من اسمه عبد الصمد عبد الصمد بن حسان، أَبو يحيى المروزي. عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد، أَبو سهل التَّنُّورِي. عبد الصمد الرقي. من اسمه عبد الأعلى عبد الأعلى بن سليمان، أَبو عبد الرحمن الزَّرّاد. عبد الأعلى بن عبد الأعلى، أبو محمد السامي، من سامة بن لؤي. عبد الأعلى بن مُسْهِر الدمشقي.

من اسمه عبد القدوس عبد القدوس بن بَكر بن خُنَيس، أَبو الجَهم. عبد القدوس بن الحجاج، أَبو الغيرة الخَولاني. من اسمه عَبّاد عَباد بن عَباد بن حَبيب بن المهلّب بن أَبي صُفْرة، أَبو معاوية الأَزدي. عباد ابن العَوام ابن عُمر بن عبد الله، أَبو سَهل الكلابي. من اسمه عُمر عُمر بن أَيوب، أَبو حَفص العَبدي، عُمر بن حفص، أَبو حفص المُعيطي. عُمر بن سعد، أَبو داود الحَفَري. عمر بن عبيد بن أَبي أُمية الحنفي. عمر بن علي بن عطاء، أَبو حفص المُقَدَّمي. عمر بن هارون بن يزيد، أَبو حَفص البَلْخي. من اسمه عُثمان عثمان بن عمر بن فارس، أَبو محمد البصري. عثمان بن عثمان، أبو عمرو القُرشي. عثمان بن محمد بن أَبي شيبة- واسمه إِبراهيم- أبو الحسن العَبسي.

من اسمه علي علي بن إبراهيم البُنَاني المروَزي. علي بن إسحاق السلَمي مولاهم، أَبو الحسن المروزي، مولى بني سُلَيم. علي بن بَحر بن بَرِّي، أَبو الحسن القطان. علي بن ثابت، مولى العباس بن محمد الهاشمي، يكنى أبا أحمد ويقال: أبا الحسن الجَزَري. علي بن الجَعْد، كتب عنه أَحمد. علي بن الحسن بن شَقِيق، أَبو عبد الرحمن المروزي. علي بن حَفص، أَبو الحسن المدائني. علي ابن حُجْر، أَبو الحسن السَّعدي. علي بن عاصم بن صُهيب، أبو الحسن الواسطي. علي بن عيّاش، أبو الحسن الأَلْهاني. علي بن عبد الله بن جعفر، أَبو الحسن بن المديني. علي بن مُجاهد بن مسلم، أَبو مجاهد الكَابُلي، مولى حكيم بن جَبلة العبدي. علي بن هاشم بن البَريد، أَبو الحسن الخَزاز العابدي مولاهم. علي بن أَبي إِسرائيل البغدادي. من اسمه عمرو عمرو بن أَيوب العابد. عمرو بن سليمان، أَبو الربيع الواسطي. عمرو بن

عاصم بن عُبيد الله بن الوازع، أَبو عثمان الكلابي. عمرو بن محمد، أَبو سعيد العَنْقَزِي- والعَنْقَز: المرزَنجوش-. عمرو بن مجمع بن سلميان، أَبو المنذر السَّكُوني. عمرو بن الهيثم بن قَطن بن كعب، أَبو قطن الزبيدي. من اسمه عِصام عصام بن خالد، أَبو إسحاق الحَضرمي. عصام بن عمرو، أَبو حُميد الطائي. الأسماء المفردة عبد الرَّزاق بن همَّام، أَبو بكر الحِميري الصَّنعاني. عبد الواحد بن واصل، أَبو عُبيدة الحداد السَّدوسي. عبد الحميد بن عبد الرحمن، أَبو يحيى الحِمَّاني، ويُلقب عبد الرحمن: بَشْمين. عبد المجيد بن عبد العزيز بن أَبي رَوَّاد، أَبو عبد الحميد الأَزدي. عبد الجبار بن محمد بن عبد الحميد، أَبو عبد الرحمن الخَطابي، من ولد زيد بن الخطاب. عبد السلام بن حَرب، أَبو بكر المُلائي. عبد الكبير بن عبد المجيد بن عبيد الله بن شَريك، أَبو بكر البصري. عبد المؤمن بن عبد الله بن خالد، أبو الحسن العَبْسي. عبد المتعال بن عبد الوهَّاب. عبيد بن أَبي قُرّة البغدادي. عَبْدة بن سُليمان بن حاجب، أَبو

محمد الكلابي. عَبِيدَة بن حُميد بن صُهيب، أَبو عبد الرحمن التيمي. عامر ابن صالح بن عبد الله، أَبو الحارث الزبيري الأَسدي. عارِم بن الفضل، أَبو النعمان- سيأتي في المحمّدين وإِنما عارم لقب-. عائذ بن حبيب، أَبو أَحمد العبسي. عَتّاب بن زياد المروزي. عثَّام بن علي، أَبو علي الكلابي. عمار بن محمد، أَخو سيف بن محمد، أَبو اليقظان الكوفي. عَفان بن مسلم، أَبو عثمان الصفّار. عُقبة بن خالد، أَبو مسعود الكوفي. حرف الغين غَسان بن الربيع بن منصور، أَبو محمد الأَزدي. غسان بن مُضر، أَبو مضر الأَزدي. غسان بن المفضل، أَبو معاوية الغَلابي. غَوث بن جابر بن إَيلان، أبو محمد. حرف الفاء الفَضل بن دُكَيْن، أَبو نُعيم الكوفي. الفضل بن العلاء، أبو العباس العجلي. فَزارة بن عمر، أَبو الفضل. فَياض بن محمد بن سنان، أَبو محمد الرقي. حرف القاف قُريش بن إبراهيم الصيدلاني. قُريش بن أنس، أَبو أنس الأنصاري. قَبيصة ابن عُقبة بن محمد، أَبو عامر السُّوَائي. قُتيبة بن سعيد، أَبو رجاء البَغْلاني.

قُرّان بن تَمام، أبو تمام الأَسدي. قُرط بن حُريث، أَبو سَهل الباهلي مولاهم. قُرّاد- قد سبَق فيمن اسمه عبد الرحمن-. القاسم بن مالك، أَبو جعفر المزني. حرف الكاف كثير من مروان بن محمد، أَبو محمد الشامي. كثير بن هشام، أَبو سهل الكلابي. وليس في حرف اللام أَحد. حرف الميم من اسمه محمد محمد بن أَبي عدي، واسم أَبي عدي إبراهيم، مولى لبني سليم يكنى أَبا عمرو البصري. محمد بن إبراهيم العطار البَلخي. محمد بن إسماعيل بن مسلم، أَبو إسماعيل المديني. محمد بن إدريس، أَبو عبد الله الشافعي. محمد ابن بشر بن الفُرافصة، أَبو عبد الله العَبدي. محمد بن بشار، أبو بَكر البَصري ويُلقب بُنْداراً. محمد بن بكر بن عثمان، أبو عبد الله الأزدي البُرْساني، وبُرْسان من الأَزد. محمد بن جعفر الهذلي مولاهم، أَبو عبد الله البصري، يُلقب غُنْدَراً. محمد بن جعفر، أَبو جعفر المدائني. محمد بن جعفر بن زياد، أَبو عِمران الوَرْكاني. محمد بن الحسن بن عمران، أَبو الحسن المزني الواسِطي. محمد بن الحسن بن هلال، أَبو جعفر البصري. محمد بن الحسن بن أَنس، أبو

عبد الله اليماني. محمد بن حميد، أَبو سفيان البصري اليَشْكري ويقال له: المَعْمَري لأَنه رحل إِلى مَعْمر. محمد بن حميد بن حيان، أَبو عبد الله الرازي. محمد بن حماد بن بكر، أَبو بكر المقرئ. محمد بن حيان، أَبو الأَحوص البَغوي. محمد بن خازم، أَبو معاوية الضرير. محمد بن رافع، أَبو عبد الله النيسابوري. محمد بن ربيعة بن سُمَير بن الحارث، أَبو عبد الله الكلابي. محمد بن سَلمة بن عبيد الله، أَبو عبد الله الباهلي الحراني. محمد بن سواء بن عنبر، أَبو الخطاب السدوسي البصري. محمد بن سابق، أَبو جعفر البزاز. محمد بن صَبيح، أَبو العباس بن السماك. محمد بن صَبيح، أَبو عبد الله ويعرف بالأغَر الموصلي. محمد بن الصباح، أَبو جعفر البزاز. محمد بن عبد الله ابن الزبير، أَبو أَحمد الزبيري. محمد بن عبد الله بن عبد الأَعلى، أَبو يحيى الأَسدي. محمد بن عبد الله بن المثنى، أَبو عبد الله الأَنصاري. محمد بن عبد الله، أَبو جعفر الحَذّاء الأنباري. محمد بن عبد الله بن نُمير، أَبو عبد الرحمن الكوفي. محمد بن عبد الرحمن، أَبو المنذر الطُّفَاوي. محمد بن عُبيد بن أَبي أُمية، واسم أبي أُمية عبد الرحمن، أَبو عبد الله الطنافسي. محمد بن عثمان بن صفوان الجُمحي. محمد بن فُضَيل بن غزوان، أَبو عبد الرحمن الضبي مولاهم. محمد بن الفَضل، أَبو النعمان السَّدوسي، مولاهم من أهل البصرة. محمد بن القاسم، أَبو إبراهيم الأَسدي. محمد بن كثير القصاب السلّمي. محمد بن

كثير، أَبو عبد الله العبدي. محمد بن مصعب بن صَدقة، أَبو عبد الله القَرْقَساني. محمد بن ميمون، أَبو النضر الزعفراني. محمد بن مُيَسَّر، أَبو سعد الصاغاني الضرير. محمد بن مقاتل، أَبو الحسن المروزي. محمد بن موسى، أبو طليق. محمد بن النوشجان، أَبو جعفر السُّويدي. وإنما قيل له: السويدي، لأَنه رحل إلى سويد بن عبد العزيز. محمد بن وَهب، أبو يوسف الأنباري. محمد بن يزيد، أَبو سعيد الكَلاعي. محمد بن يوسف، أَبو عبد الله الفِرْيابي. محمد بن يوسف، أَبو يوسف الأَنباري. من اسمه موسى موسى بن داود، أَبو عبد الله الضَّبِّي. موسى بن طارق، أَبو قرة اليماني. موسى بن عبد الحميد، أَبو عِمران. موسى بن مسعود، أَبو حُذيفة النَّهدي. موسى بن هلال، أَبو عِمران العبدي. من اسمه مُعاذ مُعاذ بن أَسَد، أَبو عبد الله المروزي. مُعاذ بن معاذ بن نصر، أَبو المثني العنبري. مُعاذ بن هشام، أَبو عَبد الله البصري. من اسمه مَنصور منصور بن سَلمة بن عبد العزيز، أَبو سَلمة الخُزاعي. منصور بن وَرْدان،

أبو عبد الله العطار الأَسدي. منصور بن أَبي مُزاحم، أَبو نَصر التركي الكاتب، كان من سَبي الترك. من اسمه مُعاوية معاوية بن عَمرو بن المهلّب، أَبو عمرو الأَزدي. معاوية بن هشام، أَبو الحسن القصار الأَسدي. من اسمه مروان مروان بن سَوّار، لقبه: شَبَابَةُ- وقد سبق-. مروان بن شُجاع، أَبو عمرو الجزري. مروان بن معاوية، أَبو عبد الله الفَزاري. من اسمه مُصعب مُصعب بن سلام التميمي. مُصعب بن المِقدام، أَبو عبد الله الخَثْعَمي. الأسماء المفردة مالك بن إسماعيل، أَبو غسان النهدي. مُبَشِّر بن إسماعيل، أَبو إسماعيل الحلبي. مُحاضِر بن المُورِّع، أَبو المُوَرِّع الهمداني. محبوب بن الحسن اسمه محمد، ولقبه محبوب- وقد سبق-. مخلد بن يزيد أَبو خِداش الحَرّاني الجزري. مرحوم بن عبد العزيز بن مهران، أَبو عبد الله العطار. مسكين بن بُكير، أَبو عبد الرحمن الحَذّاء. مَسْلَمَة بن الصَّلت الشيباني.

المطلب بن زياد بن أبي زهير، أَبو محمد الثقفي. المظفر بن مُدرك، أَبو كامل الخراساني. مُعان بن حمضة، أَبو محفوظ البصري. المعتمر بن سُليمان، أَبو محمد التيمي. المعلّى بن أسد، أَبو الهيثم البصري. مَعمر بن سليمان، أَبو عبد الله النَّخعي الرقي. مكي بن إبراهيم بن بشير، أَبو السَّكَن التميمي البلخي. مهدي بن حَفص، أَبو محمد الرملي. مُهَنَّأ بن عبد الحميد، أبو شبل البصري. المؤمَّل بن إسماعيل، أَبو عبد الرحمن البصري. حرف النون من اسمه نوح نوح بن مَيمون بن عَبد الحميد، أَبو سعيد العِجلي. نوح بن يزيد بن سِنان، أَبو محمد المؤدّب. من اسمه النَّضر النَّضر بن إسماعيل بن حازم، أَبو المغيرة القاص البَجَلي. النضر بن يَحيى بن أَسلم الصَّدفي. الأسماء المفردة نَصر بن باب، أَبو سَهل الخُراساني. نُعيم بن حماد المروزي. نوفل، أبو مَسعود الضَّبِّيّ.

حرف الواو الوليد بن القاسم بن الوليد الهمداني الكوفي. الوليد بن مسلم، أَبو العباس الدمشقي. وَهب بن إسماعيل، أَبو مُحمد الأسدي. وهب بن جَرير بن حازم، أَبو العَباس الأَزدي. وكيع بن الجَراح، أَبو سُفيان الرُّؤاسي. حرف الهاء من اسمه هارون هارون بن إسماعيل؛ أبو موسى الأنصاري. هارون بن مَعروف، أبو علي المروزي. من اسمه هشام هشام بن سعيد، أَبو أَحمد البزاز. هشام بن عبد الملك، أَبو الوليد الطيالسي. هشام بن لاحق، أَبو عثمان المدايني. هشام بن يوسف الصنعاني. من اسمه هُشَيم هُشَيم بن بَشِير، أَبو معاوية الواسطي. هُشيم بن أَبي سَاسان- اسم أَبي ساسان هاشم- أَبو علي الصيرفي الضرير.

من اسمه الهَيثم الهيثم بن جَميل، أَبو سَهل البغدادي. الهيثم بن خارِجة، أَبو أحمد الخُراساني. الهيثم بن عُبيد بن عَبد الرحمن البصري. الأسماء المفردة هاشم بن القاسم، أَبو النضر الكِنَاني. هُرَيْم بن عبد الأَعلى، أَبو حمزة البصري. الهذيل بن ميمون الجعفي. هَوذة بن خليفة، أَبو الأَشهب البَكراوي. حرف الياء من اسمه يعقوب يعقوب بن إبراهيم بن سَعد، أبو يوسف الزهري. يعقوب بن إبراهيم أَبو يوسف القاضي. يعقوب بن عيسى بن ماهان، أَبو يوسف المؤدّب. من اسمه يَحيى يحيى بن آدم بن سليمان، أبو زكريا الكوفي. يحيى بن إسحاق، أَبو زكريا السَّيْلَحِيني. يحيى بن إسماعيل الواسطي. يحيى بن أَيوب، أَبو زكريا العابد المقابري. يحيى بن أيوب البلخي. يحيى بن حَماد، أَبو بكر الشيباني. يحيى ابن راشد البصري. يحيى بن زكريا بن أَبي زائدة، أَبو سَعيد الوادعي الهمداني. يحيى بن سعيد بن أَبان، أَبو أيوب القُرشي. يحيى بن سعيد بن فَرّوخ، أَبو

سَعيد القَطان. يحيى بن سعيد ولقبه قُتيبة- وقد سبق-. يحيى بن السكن، أَبو محمد البصري. يحيى بن سليم الطائفي. يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أَبي غنيَّة، أَبو زكريا الكوفي. يحيى بن عبد الله بن يزيد، أَبو زكريا الأنيسي. يحيى ابن عباد، أَبو عباد الضُّبعي. يحيى بن عَبدويه، أَبو محمد مولى عبيد الله بن المهدي. يحيى بن غَيلان بن عبد الله بن أَسماء بن جارية، أبو الفضل الأَزدي الأَسلمي. يحيى بن مَعين بن عون، أَبو زكريا البغدادي. يحيى بن واضح، أَبو تُميلة الأَزدي. يحيى بن اليمان، أَبو زكريا العجلي. يحيى بن يزيد بن عبد الملك الهاشمي. يحيى بن أبي بُكير، أَبو زكريا الكوفي. من اسمه يونس يونس بن عبد الصمد بن مَعْقل بن مُنَبِّه الصنعاني. يونس بن محمد بن مُسلم، أَبو محمد المؤدِّب. من اسمه يَزيد يَزيد بن عبد ربِّه، أَبو الفضل الزُّبيدي الحمصي. يزيد بن مسلم الهمذاني. يزيد بنهارون، أَبو خالد الواسطي. يزيد بن أَبي حكيم، أَبو عبد الله العَدني.

الأسماء المفردة يوسف بن يَعقوب بن عبد الله بن أَبي سَلَمةَ الماجِشُون، يكنى أَبا سلمة المديني. يَعْلى بن عُبيد بن أَبي أُميةَ، أَبو يوسف الطنافسي. يعمر بن بشر، أَبو عمرو المروزي. ذكر من روى عنه أحمد ممن عُرف بكنيته ولم يتحقق اسمه أبو بَكر بن عياش، قيل: إن اسمه شعبة، وقيل: سالم، وقيل: محمد، وقيل غير ذلك. أَبو حجر القاص. أَبو عبد الله الحلبي. أبو القاسم بن أَبي الزناد، واسم أَبي الزناد عبد الله بن ذكوان المديني. أَبو يعقوب مولى أَبي عبيد الله، وزير المهدي، ابن الأُشجعي. ذكر من حدث عنه أحمد من النساء أم عمر بنت حسان بن زيد الثقفي. فصل وقد رأى أحمد خلقاً كثيراً لم يكتب عنهم، منهم: عبد الله بن معاذ الصنعاني، والمبارك بن سعيد أخو سفيان. وعِمران بن عُيينة. ونهشل بن

حُريث العدوي. ومحمد بن مَروان العقيلي. والأَشجعي. وخَلف بن خليفة. وأَحمد بن إسحاق الحَضرمي. ويوسف بن الغَرِق. فصل وقد خَرَّق أَحاديث خلق من الضعفاءِ ولم يرو عنهم، منهم: أَيوب التمار. وإسماعيل بن أَبان الغَنَوي. وخالد بن القاسم المدايني. وعمر بن سعيد الدمشقي. ومحمد بن حَجاج المصفّر. ومَسْعدة بن اليَسع. وأَبو صَيفي المديني. في خلق يطول ذكرهم. فصل وقد لقي أحمد خلقاً من الصالحين الزهاد، وقد ذكرنا بعضهم فيمن سمع منه، وبعضهم لم يسمع منه، وفيهم من كان مشغولاً بالتعبد عن رواية الحديث، وسيأتي ذكر جماعة ممن لقيه من الزهاد في غضون هذا الكتاب إن شاءَ الله تعالى. وقد أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أَنبأَنا الحسن بن أَحمد بن البَنّا، قال: أخبرنا أَبو محمد الحسن بن مُحمد الخَلال، قال: حدثنا أَبو بكر أَحمد بن محمد بن غالب، قال: قرأت على أَبي بكر محمد بن أحمد بن جعفر بن يزيد بن خالد الفامي، حدثنا محمد بن العباس المُسُتَمْلي، قال: حدثنا أَبو بكر المَرُّوذي، قال: سمعت أَحمد بن حنبل، يقول: ما أَعدِلُ بالفقر شيئاً، أَتدري الصبر على الفقر أيّ شيءٍ هو؟ قد رأَيتُ قوماً صالحين؛

لقد رأَيتُ عبد الله بن إِدريس وعليه جُبة لبود، وقد أتى عليه السِّنون والدهور، ولقد رأَيت أَبا داود الحَفَري وعليه جُبة مُخرقة، قد خرج القطن منها، يصلي بين المغرب والعشاءِ وهو يترجَّح من الجوع، ورأَيت أَيوب بن النجار بمكة وقد خَرج مما كان فيه ومعه رشاء يَستقي به بمكة، وقد خرج من كل ما يملِكُه وكان من العابدين، وكان في دنيا فتركها في يدي يحيى القَطان، وقد رأَيتُ ابنَ بَجالة العابد وكنتُ أَسمع صوت خُفه في الطواف بالليل، ولقد كان في المسجد رجلٌ يُقال له العرفي، يقوم من أَول الليل إلى الصباح يبكي، قال: فاشتهيتُ النظر إليه، فإِذا هو شاب مُصفَرٌّ، ولقد رأَيت حسيناً الجُعْفيّ، وكان يُشَبَّه بالراهب، ما رأَيتُ بالكوفة أَفضل من حُسيْن الجُعْفي، وسعيد بن عامر بالبصرة.

الباب السادس في ذكر تأدبه عند مشايخه احتراما للعلم

الباب السّادس في ذكر تأدبه عند مشايخه احترامًا للعلم أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: حدثنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أَبو بكر الخَلال، قال: أخبرني محمد بن العباس، قال: حدثني الحسن بن عبد الوهَّاب، قال: حدثني إِسماعيل الديلمي، عن عمرو الناقد، قال: كنا عند وكيع، وجاءَ أَحمد بن حنبل فقعد- وجعل يصِف من تواضعه بين يديه- قال عمرو: فقلت: يا أبا عبد الله، إن الشيخ يُكرِمك فمالك لا تتكلم؟ قال: وإن كان يكرمني! فينبغي لي أَن أُجِلَّه. قال الخلال: وحدثنا عبدُ الله بن أَحمد، قال: حدثني مُهَنَّأ بن يحيى الشامي، قال: رأَيت أَحمد بن حنبل قُدام سفيان وقُدامه عبدُ الرزاق، فقلتُ: تُراهم يدرون من عندهم؟ أَي: مِن فَضله. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا إسحاق بن إِبراهيم المعدَّل، قال: أخبرنا خالي أَحمد ابن إِبراهيم، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق، قال: سمعت أَبا ذر أَحمد بن

عبد الله بن مالك الترمذي، قال: سمعتُ أَحمد بن الأَزهر البلخي، قال: سمعت قُتيبة بن سعيد، يقول: قدمت بغداد وما كانت لي هِمَّة إِلا أَن أَلقى أَحمد بن حنبل، فإِذا هو قد جاءَني مع يحيى بن معين، فتذاكرنا، فقام أَحمد بن حنبل وجلس بين يديّ، وقال: أَمْلِ عليَّ هذا، ثم تذاكرنا، فقام أَيضاً وجلس بين يدي، فقلت: يا أَبا عبد الله، اجلس مكانك، فقال: لا تشتغل بي، إنما أُريد أَن آخذ العلم على وجهه. أَخبرنا المبارك بن أَحمد الأَنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أَحمد السَّمَرْقَنْدي، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجَوهري، وأَخبرنا محمد بن أَبي طاهر، قال: أَنبأَنا الجَوهري، قال: حدثنا محمد بن العباس الخَزّاز، قال: حدثنا أَبو بكر الصولي، قال: حدثنا إِسحاق بن إِبراهيم القَزّاز، قال: حدثنا إِسحاق الشهيدي، قال: كنت أَرى يحيى القطان يُصلي العصر، ثم يستند إِلى أَصل منارة مسجده، فيقف بين يديه علي بن المديني، والشاذَكوني، وعمرو بن علي، وأَحمد بن حَنبل، ويحيى ابن معين، وغيرهم، يسألونه عن الحديث وهم قيام على أَرجلهم، إِلى أَن تحين صلاةُ المغرب، لا يقول لأحد منهم: اجلس، ولا يجلسون هَيبة وإِعظاماً. أخبرنا المبارك بن أحمد، قال: أخبرنا عبد الله بن أَحمد السمرقندي، قال: أخبرنا أَحمد بن علي، قال: أخبرنا محمد بن أَحمد بن رزق، قال: حدثنا محمد ابن محسن بن زياد، قال: حدثنا إِدريس بنُ عبد الكريم، قال: قال خلف: جاءَني أَحمد بن حنبل يسمع حديث أَبي عَوانَة، فاجتهدت أَن أَرفعه فأَبى، وقال: لا أَجلس إلا بين يديك، أُمِرْنا أَن نَتواضع لمن نتعلم منه.

الباب السابع في ذكر إقباله على العلم واشتغاله به

الباب السّابع في ذكر إقباله على العلم واشتغاله به كان رضي الله عنه شديدَ الإِقبال على العلم، سافر في طلبه السفر البعيد، وَوَفر على تحصيله الزمانَ الطويل، ولم يتشاغل بكسب ولا نكاح حتى بلغ منه ما أَراد. أَخبرنا ابن أَبي منصور، قال: أَخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إِبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أَبو بكر الخلّال، قال: حدثنا أَبو بكر المرُّوذي أَن أَبا عبد الله قال له: ما تزوجتُ إِلا بعد الأَربعين. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا أَبو عمر بن حَيّويه، أَن أَبا مُزَاحم الخاقاني أَخبرهم، قال: حدثني أَبو بكر أَخو خَطاب، قال: حدثني أَبو سَيّار صاحبنا، قال: سمعت أَحمد الدَّوْرَقي، يقول: سمعت أَحمد بن حنبل، يقول: نحن كتبنا الحديثَ من ستة وجوه وسبعة وجوه، لم نَضبطه، كيف يضبطه من كتبه من وجه واحد؟! أَو نحو هذا الكلام. وقد روى صالح بن أَحمد، قال: سمعتُ أَبي يقول: كتبت بخطى أَلف أَلف حديث، سوى ما كُتب لي.

الباب الثامن في ذكر حفظه وقدر ما كان يحفظ

الباب الثامِن في ذكر حفظه وقدر ما كان يحفظ أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، وأَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قالا: أخبرنا إِبراهيم ابن عمر الفقيه، قال: حدثنا عُبيد الله بن محمد بن محمد بن حَمدان، قال: حدثنا أَبو حَفصِ عمر بن محمد بن رجاء، قال: سمعت عبد الله بن أَحمد ابن حنبل، يقول: سمعتُ أَبا زُرْعَة يقول: كان أَحمد بن حنبَل يَحفظ أَلف أَلف حَديث، فقيل له: وما يُدريك؟ قال: ذاكرتُه فأَخذتُ عليه الأَبواب. أَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن إِسماعيل بن أَحمد، قال: حدثنا صالح بن أَحمد بن حنبل، قال: قال أَبي: جاءَ إِنسان إلى باب ابن عُلَيّة ومعه كتب هُشيم، فجعل يُلقيها عليَّ وأَنا أَقول: هذا إسناده كذا، فجاءَ المُعَيطي وكان يحفظ، فقلت له: أَجبه فيها، فبقي. قال أَبي: وأَعرف من حديثه ما لم أَسمع. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت،

قال: أَخبرني علي بن الحسن بن محمد الدقاق، قال: أخبرنا أَحمد بن إبراهيم، قال: حدَّثنا عمر بن محمد بن شعيب الصابوني، (ح) وأخبرنا إِسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا عبد الله ابن محمد بن عبد الكريم، قالا: حدثنا حنبل بن إِسحاق، قال: سمعتُ أَبا عبد الله أَحمد بن حنبل، يقول: حفظتُ كلّ شيءِ سمعته من هُشيم، وهُشيم حي قَبل موته. أَخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: حدثنا أَبو محمد بن أَبي حاتم، قال: قال يوماً سعيد بن عمرو البَرذعي لأَبي زُرْعة: يا أَبا زُرعة، أَنت أَحفظُ أَم أَحمد بن حنبل؟ قال: بل أَحمد بن حنبل، قال: وكيف علمتَ ذلك؟ قال: وجدت كتبَ أَحمد بن حنبل ليسَ في أَوائل الأَجزاء تَرجمة أَسماء المحدثين الذين سَمع منهم، فكان يحفظ كل جزء ممن سمعه، وأَنا لا أَقدر على هذا. أَخبرنا المبارك بن أَحمد الأَنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أَحمد السَّمَرْقَنْدي، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: كتب إِليّ أَبو حاتم أَحمد بن الحسن الواعظ بخطه، قال: سمعتُ أَحمد بن الحسن بن محمد العطار،

يذكر عن محمد بن أَحمد بن جعفر الصَّيرفي، قال: حدثنا أَبو جعفر أَحمد بن محمد بن سُليمان التُّسْتَري، قال: قيل لأَبي زُرْعَة: من رأَيتَ من المشايخ المحدثين أحفظ؟ فقال: أَحمد بن حنبل، حُزِرَت كتبه في اليوم الذي مات فيه فبلغت اثني عشر حِملاً وعِدلاً، ما كان على ظهر كتاب منها "حديث فلان"، ولا في بطنه "حدثنا فلان" وكل ذلك كان يحفظه من ظهر قلبه. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا أَبو إِسحاق البَرْمَكي، قال: أَنبأَنا أَبو بكر عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أَبو بكر الخَلال، قال: حدثنا الحسن بن مُنَبه، قال: سمعت أَبا زُرعة، يقول: أَتيت أَحمد بن حنبل فقلت: أخرِج إِليّ حديثَ سفيان، فأخرج إِليّ أَجزاء كلها "سُفيان" "سُفيان"، ليسَ على حديث منها: حدثنا فلان، فظننت أَنها عن رَجل واحد، فجعلت أنتَخِبُ، فلما قرأَ عليَّ جعل يقول في الأَحاديث: حدثنا وكيع ويحيى، وحدثنا فلان. قال: فعجبتُ من ذلك. قال أَبو زُرعة: فَجَهَدْتُ في عمري أَن أَقدر على شيءٍ من هذا فلم أَقدِرْ. قال الخلال: وحدثنا أَبو بكر المرُّوذي، قال: سمعتُ أَبا عبد الله يقول: كنت أذاكر وكيعاً بحديث الثوري، فكان إِذا صلى عشاءَ الآخرة خرج من المسجد إلى منزله، فكنتُ أُذاكره، فربما ذكر تسعة أَحاديث أَو العشرة فاحْفظها، فإِذا دخل قال لي أَصحاب الحديث: أَمِلَّ علينا، فأمِلُّها عَليهم، فيكتبونها. قال الخلال: وحدثنا أَبو إِسماعيل محمد بن إِسماعيل الترمذي، قال:

سمعتُ قُتَيبة بن سَعيد، يقول: كان وكيع إِذا صلى العَتَمَة ينصرف معه أَحمد بن حنبل، فيقف على الباب، فيُذاكره وكيع، فأَخذ وكيع ليلة بعِضَادَتي الباب، ثم قال: يا أَبا عبد الله، أُريد أَن أُلقي عليك حديث سفيان، قال: هات، فقال: تحفظ عن سفيان عن سَلَمة بن كُهَيل كذا وكذا؟ فيقول أَحمد: نعم، حدثنا يحيى، فيقول: سلمة كذا وكذا؟ فيقول: حدثنا عبد الرحمن، فيقول: سفيان عن سلمة كذا وكذا؟ فيقول: أنت حدثتنا، حتى يَفرغ من سلمة. ثم يقول أحمد: فتحفظ عن سَلمة كذا وكذا؟ فيقول وكيع: لا، فلا يزال يُلقي عليه ويقول وكيع: لا؛ ثم يأخذ في حديث شيخ شيخ، قال: فلم يزل قائماً حتى جاءَت الجارية، فقالت: قد طلع الكوكبُ، أَو قالت: الزُّهرة. قال الخلال: وحدثنا عصمة بن عصمة بن عصام، قال: حدثنا حنبل، قال: سمعت أَبا عبد الله يقول: كان وكيع يحدث بأَحاديث بإِسناد واحد كأَنه قد حفظها، فكنت أَتَحَفَّظُ منها عشرة خمسة عشر، أَتحفظها بالليل. قال الخلال: وسمعت عبد الله بن أَحمد بن حنبل يقول: قال لي أَبي: خذ أَي كتاب شئتَ من كتب وكيع من المصنف، فإن شئت أَن تسأَلني عن الكلام حتى أَخبرك بالإسناد، وإِن شئت بالإِسناد حتى أَخبرك أَنا بالكلام.

الباب التاسع في بيان غزارة علمه وقوة فهمه وفقهه

الباب التاسِع في بيان غَزارة علمه وقوة فَهمه وفقهه أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أَنبأَنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَحمد بن محمد الخلال، قال: سمعت أَبا القاسم بن الجُبُّلي- وكفاك به- يقول: أكثرُ الناس يظنون أَن أَحمد بن حنبل إِنما كان أَكثر ذكره لموضع المِحنة، وليس هو كذاك، كان أَحمد بن حنبل إِذا سُئِلَ عن المسأَلة كأَن علم الدنيا بين عَينيه. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أَبو عقيل أَحمد بن عيسى القَزاز، قال: حدثنا عبد العزيز بن الحارث التميمي، قال: حدثنا إبراهيم بن عمر بن محمد النَّساج، قال: سمعت إبراهيم الحربي، يقول: أَدركت ثلاثة لن يُرى مثلهم، تَعْجِزُ النساءُ أَن يلِدان مثلهم، رأَيت أَبا عُبيد القاسم بن سَلّام ما مثَّلتُه إِلا بجبل نُفخ فيه روح، ورأَيتُ بشر بن الحارث فما شَبهته إلا برجل عُجِنَ من قَرنه إِلى قَدمه عقلاً، ورأَيت أَحمد بن حنبل فرأَيت كأنَّ الله جَمع له علم الأَولين والآخرين من كل صنف، يقول ما شاءَ ويُمسك ما شاءَ.

أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أَخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن أَحمد بن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن نُعيم الضَّبي، قال: سمعت أَبا الفضل محمد بن إِبراهيم بن الفضل، يقول: سمعتُ أَحمد بن سَلمة، يقول: سمعت أَحمد بن سَعيد الدارمي يقول: ما رأَيتُ أَسوَد الرأس أَحفظَ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أَعلَم بفقهه ومَعانيه، من أَبي عبد الله أَحمد ابن حنبل. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، وأخبرنا عبد الرحمن بن أَبي غالب، قال: أخبرنا أَبو بكر بن ثابت، قالا: حدثنا أَبو إِسحاق البَرْمَكي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: حدثنا أَحمد بن سَلَمة النَّيسابوري، قال: سمعتُ إِسحاق بن راهويه، يقول: كنت أُجالس بالعراق أَحمد بن حنبل، ويَحيى بن مَعِين، وأَصحابنا، فكنا نتذاكر الحديث من طريق وطريقين وثَلاثة، فيقول يَحيى بن معين من بينهم: وَطريق كذا، فأَقول: أَليس قد صَحَّ هذا بإِجماع منا؟ فيقولون: نعم. فأَقول: ما مرادُه؟ ما تَفسيره؟ ما فقهه؟ فيبقون كلهم إِلا أَحمدَ بن حنبل. أَخبرنا عبد الرحمن بن أبي غالب القَزَّاز، قال: أخبرنا أَبو بكر أَحمد بن علي الحافظ. وأَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد ومحمد بن عبد الباقي قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد الحداد، قال: أخبرنا أَبو نُعيم الحافظ، قال: حدثنا إِبراهيم بن عبد الله

المعدَّل، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعتُ محمد بن يونس، يقول: سمعتُ أَبا عاصم- وذكر الفقه- فقال: ليس ثَمة- يعني ببغداد- إِلا ذلك الرجل- يعني أحمد بن حنبل- ما جاءَنا من ثَمّ أَحدٌ مثله يُحسِن الفقه، فَذُكر له علي بن المديني، فقال بيده ونفضها. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إِبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَحمد بن محمد الخَلّال، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن عبد الحميد الكوفي، قال: سمعت يحيى بن مَعين وسأَله رجل عن مسأَلة سكنى في دكان، فقال: ليس هذا بابتنا، هذا بابَةُ أَحمد بن حنبل. قال الخلال: وكان أَحمد قد كتبَ كتب الرأي وحفظها، ثم لم يلتفت إِليها، وكان إذا تكلم في الفقه تكلم كلام رجل قد انتقد العلوم، فتكلم عن معرفة. قال حُبيش بن مُبَشر وعدة من الفقهاءِ: نحن نُناظر ونَعترض في مناظرتنا على الناس كلهم، فإِذا جاءَ أَحمد فليس لنا إِلا السكوت. أَخبرنا ابن ناصر، قال: أَنبأَنا أَبو طالب بن يوسف، قال: أخبرنا البَرْمكي، قال: أخبرنا ابن بَطّة، قال: حدثنا محمد بن أَيوب، قال: حدثنا إِبراهيم الحَربي، قال: سُئل أَحمد عن الرجل المسلم يقول للرجل النَّصراني: أَكرمكَ الله، قال: نعم، يقول: أكرمك الله، ويَنوي: بالإِسلام. قال: وسُئل أَحمد عن رجل حَلف بالطلاق ثلاثاً أَنه لابد أَن يطأَ امرأَته الليلة، فوجدها حائضاً، قال: تَطلق منه امرأَته، ولا يطأها، قد أباحَ الله

الطلاقَ، وحَرَّم وطءَ الحائض. قال أَبو الوفاء علي بن عقيل رضي الله عنه: ومن عجيب ما تسمعه عن هؤلاءِ الأَحداث الجُهال أَنهم يقولون: أَحمد ليس بفقيه، لكنه مُحدِّث. وهذا غاية الجهل؛ لأَنه قد خرج عنه اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أَكثرهم، وخرج عنه من دقيق الفقه ما ليس نراه لأَحد منهم، وانفرد بما سلموه له من الحفظ، وشاركهم وربما زاد على كبارهم، ومِن دقيق ما خرج عنه أَنه اختلفت الرواية عنه في قِسمة الدَّين إِذا كان في ذمة اثنين، ولم تختلف في نفي صحة القسمة إِذا كان في ذمة واحد، وكأَنَّ المعنى فيه إذا كان في ذمةٍ أنه لا تتأَتى قِسمته؛ لأَن الملتزم له واحد، وليس لمن له الدَّين من الشريكين إلا حقّ المطالبة له بحقه مع الاشتراك، ولا يكون له إِلا ذلك فكيف يتأَتى الانقسام؟ وليس كذلك إِذا كان على اثنين؛ لأَنه يمكن أَن ينفرد أَحد الشريكين المستحقين للدّين بما في ذمة أَحد الاثنين المستحق عليهما الدّين، فتصح القسمة، لامتياز أَحد المحلين عن الآخر. وعلى الرواية التي منع من القسمة وإِن كان الدين على اثنين إنما منع لأَن الذمم تختلف ولا تتكافأُ غالباً. قال: ومما وجدنا من فقه أَحمد ودِقة علمه أَنه سُئِلَ عن رجل نذر أَن يطوف بالبيت على أَربع، فقالَ: يطوف طوافين، ولا يطوف على أَربع. فانظر إلى هذا الفِقه كأَنه نظر إلى الانكباب، فَرآه مُثْلَة وخروجاً عن صورة الحيوان

الناطق إِلى التشبيه بالبهيم، فصانه وصان البيت والمسجد عن الشهرة، ولم يُبطل حكم لفظه بالمشي على اليدين، فأَبدلها بالرجلين التي هي آلة المشي. قال ابن عقيل: وقد سئل أَحمد عن رجل ماتَ وخلَّف ولداً وجارية مُغَنية. فاحتاج الصبي إِلى بيعها. فقال: لا تباع إِلا على أَنها ساذجة، فقيل له: تساوي مُغنية ثلاثين ألفاً، وساذجة عشرين ديناراً. فقال: لا تباع إِلا على أَنها ساذجة. قال: وهذا فقه حسن من أَحمد، لأَن الغناء في الجارية كالتأليف في آلة اللهو، وذلك لا يقوم في الغصب، فلو غصب جارية مغنية، فنسيت الغناء لم يغرم. قال: وسئل أَحمد عن سِمْسِم مبلول ماتت فيه فأرة. قال: يُعلف النواضِح. فقيل له: يُغسل مراراً حتى يذهب الماء عنه، فقال: أَليس قد ابتل؟! وذا فقه دقيق من أحمد، لأَن البللَ الذي حصل فيه لا يُدخِل عليه الماء الذي يُفاض عليه، لأَن الماءَ لا يُخْرج الماءَ، فانظروا فقه هذا الرجل ودقته. قال: وسُئل أَحمد عن تَشميس دود القَزِّ ليموتَ في ذلك المنسوج عليه كيلا يعود فَيقرض ما عليه من القَز، فقال: إِذا لم يجدوا منه بُدّاً، ولم يريدوا بذلك أَن يُعذبوه بالشمس، فليس به بأس. وهذا من أَحمد فِقه كبير، حيث اعتبر في جواز التعذيب عدم قصدهم نفس التعذيب. قال ابن عقيل: ولقد كانت نوادرُ أَحمد نوادرَ بالغٍ في الفَهم إِلى أَقصى طَبقة، فمِن ذلك أَن أَبا عُبيد قَصده، فقام من مَجلسه، فقال: يا أَبا عبد الله، أَليسَ قد رُوي: "المرءُ أَحقُّ بمجلسِه"؟ فقال: بلى، يَجلِسُ ويُجْلِسُ

فيه مَن أَحب، فما يكون على هذا الفهم مزيدٌ مع سُرعة التأويل. قال: ومَن هذا فقهه واختياراتُه يَحسن بالمنصف أَن يغض منه في هذا العلم؟! وما يقصد هذا إِلا مُبتدع، قد تمزق فؤاده من خمول كلمته، وانتشار علم أَحمد، حتى إن أَكثر العلماء يقولون: أَصْلي أَصلُ أَحمد، وفَرعي فرعُ فلان. فحسبك بمن يُرضى به في الأُصول قُدوة.

الباب العاشر في ذكر ثناء مشايخه عليه

الباب العاشر في ذكر ثَناء مشايخه عليه اعلم أَن مخايل الإِنسان تَبِينُ في صباه، ويُتلمح في بدء أَمره منتهاه، وقد كانت مخايل العلم والتقى تَظهر على أَحمد في بدايته، ولذلك أَثنى عليه مشايخه وقدّموه. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إِبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أَبو بكر الخَلّال، قال: حدثنا محمد بن أَحمد الصائغ، قال: سمعت أَبا العباس النسائي، يقول: كان أَحمد بن حَنبل إِذا جاءَ إِلى المحدِّث استأذن لأَصحاب الحديث حتى يَسمعوا بسببه. وممن أَثنى على أَحمد من مشايخه: يزيد بن هارون أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن أَحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد بن حنبل، قال: حدثني محمد بن عبد الملك بن زَنجويه، قال: رأَيتُ يزيد بن هارون يصلي، فجاءَ إِليه أَبو عبد الله أَحمد بن

حنبل، فلما سلَّم يزيد من الصلاة، التفت إِلى أَحمد بن حنبل، فقال: يا أَبا عبد الله، ما تَقول في العارِية؟ قال: مُؤدّاة. فقال له يزيد: أخبرنا حَجاج عن الحكم قال: ليست مَضمونة. فقال له أَحمد: قد استعارَ النبي صلى الله عليه وسلم من صَفوان بن أُمية أَدراعاً، فقال له: عارية مؤداة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "العارية مُؤداة". فسكت يزيد، وصار إلى قولِ أَحمد بن حنبل. قال سليمان بن أَحمد: وحدثنا الحسن بن علي المعمَري، قال: سمعت خَلف بن سالم يقول: كنا في مجلس يزيد بن هارون؛ فمزح يزيد مع مُستَمليه،

فتنحنَح أَحمد بن حنبل، فَضرب يزيد بيده على جَبينه وقال: أَلا أَعلمتموني أَن أَحمد ها هنا حتى لا أَمزح. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إِبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: حدثنا أَبو الحسن بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: حدثنا أَحمد بن سِنان، قال: ما رأَيتُ يزيد بن هارون لأَحدٍ أَشد تعظيماً منه لأَحمد بن حنبل، ولا رأَيته أَكرم أَحداً إِكرامه لأَحمد بن حنبل، وكان يُقعده إِلى جَنبه إِذا حدثنا، وكان يوقِّر أَحمد ابن حنبل ولا يُمازحه، ومَرض أَحمد بن حنبل، فَركب إِليه يزيد بن هارون وعاده. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إِبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أَحمد بن محمد الخَلال، قال: أَخبرنا أَبو بكر المرُّوذي، قال: قلتُ لأَبي عبد الله: أَي شيءٍ كان سبب يزيد بن هارون حين عادك؟ قال: كنت بواسط، وكنت أَجلس بالقرب منه إِذا حدث، فكان يعرفني، فقال يوماً: حدثنا يحيى ابن سَعيد، قال: سمعت سالم بن عبد الله يقول. فقلتُ له: ليسَ في هذا "سمعتُ" وإِنما هو "إِن سالماً"، فدخل فأَخرجَ الكتاب، فإِذا هو "إِنَّ سالماً"، فقال: من رَدَّ عليّ؟ فقالوا: أَحمد بن حنبل، فقال: صيِّروه كما

قال. فكان إذا جلس يقول: يا ابن حنبل ادنُ ها هنا. قال وجاءَني فعادني، وكان بي عرق مديني، ولم أَكن في دارنا هذه، كان فيها أَعمامي؛ فخرجت عنهم وتركتُ الدار، وكانت دارنا خارج. ومنهم: إسماعيل بن عُلية أخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أَخبرنا أَبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أَبو بكر محمد بن عبد الملك بن بِشْران، قال: أخبرنا علي بن عمر الدَّارَقُطْنِي، قال: حدثنا محمد بن مَخْلد، قال: حدثنا أَبو بكر المرّوذي، قال: حدثني أَبو بكر بن أبي عَون ومحمد بن هشام، قالا: رأَينا إِسماعيل ابن عُلية إِذا أُقيمت الصلاة، قال: ها هنا أَحمد بن حنبل؟ قولو له يتقدم. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أَبو محمد الحسن بن محمد الخَلال، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الورَّاق قال: حدثنا ابنُ صاعد، قال: قال أَبو بكر الأثرم أَخبرني عبد الله ابن المبارك- شيخ سُمِعَ منه قديماً، وليس بالخراساني- قال: كنت عند إسماعيل ابن عُلَيّة، فتكلم إنسان فَضحك بعضنا، وثَمَّ أَحمد بن حنبل، قال: فأتينا إِسماعيل فَوجدناه غضبان، فقال: أَتضحكون وعندي أَحمد بن حنبل؟!

عبد الرزاق بن هَمّام أَخبرنا أَبو منصور القَزَّاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أَخبرني عبد الملك بن عمر الرزَّاز، قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثنا محمد بن مَخلد، قال: حدثنا يزيد بن الهَيْثَم بن طُهْمان، قال: حدثنا محمد بن سَهل بن عَسكر، قال: قال عبد الرزاق: ما رأَيتُ أَفقه من أَحمد بن حنبل ولا أَروع. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن جعفر البابوني، قال: أخبرنا المنذر بن محمد، قال: حدثنا محمد بن علي بن رافع، قال: قال أَبو بكر محمد بن أَبان: كنت وأَحمد وإِسحاق عند عبد الرزاق، فكان إِذا استفهمه واحد منا، قال: أنا لا أحدثكم، إِنما أُحَدِّث هؤلاءِ الثلاثة، أَحمد وإِسحاق وابن أَبان. أَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا عبد الصمد بن محمد، قال: أخبرنا أَبي، قال: حدثنا محمد بن حيان، قال: حدثني محمد بن اللَّيث الوراق، قال: سمعتُ محمد بن مُشْكان قال: قال عبد الرزاق: ما قَدم علينا أَحد كان يُشبه أَحمد بن حنبل. أَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن العباس العُصْمِي، قال: أخبرني

الدَّغوْلي قال: حدثنا محمد بن مُشْكان، قال: سمعت عبد الرزاق يقول: ما قَدم علينا مثل أَحمد بن حنبل. قال أَبو يعقوب: وأخبرنا الحسن بن أَحمد بن محمد بن بشر، قال: حدثنا محمد بن أَحمد بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم القِرْمِيسيني، قال: سمعتُ الحسن بن محمد الخَلال، قال: قال عبد الرزاق: رحَل إِلينا من العراق أَربعةٌ من رؤساءِ الحديث، الشَّاذَكُوني وكانَ أَحفظهم للحديث، وابنُ المديني وكانَ أَعرفهم باختلافه، ويَحيى بن مَعِين وكان أَعلمَهم بالرجال، وأَحمد ابن حنبل وكان أَجمعهم لذلك كلّه. قال أبو يعقوب: ما رُحل إلى أَحد بعدَ رسول الله ما رُحل إلى عبد الرزاق. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أَبو يعقوب الحافظ، قال: أخبرنا أَبو سَعد الماليني، قال: حدثنا أَبو الحسن أَحمد بن عبد الله بن رُزَيق، قال: حدثنا عبد الله بن الحسين بن جمعة، قال: حدثنا الحسن بن جَرير، قال: حدثنا علي بن هاشم، قال: قال عبد الرزاق: كتبَ عني ثلاثة ما أُبالي أَن لا يكتب عني غيرهم، ابن الشَّاذَكُوني من أَحفظ الناس، ويحيى بن مَعِين من أَعرف الناس بالرجال، وأَحمد ابن حنبل من أَزهد الناس.

أَخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إِبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا إِبراهيم أَبو بكر أَحمد بن محمد بن هارون الخَلال، قال: حدثنا أَبو بكر المَرُّوذي، قال: حدثني ابن عَسكر، قال: سمعت عبد الرزاق يقول: إِن يَعِشْ هذا الرجل يَكُنْ خَلفاً من العلماءِ- يعني أَبا عبد الله-. قال الخلال: وحدثني محمد بن يَحيى بن خالد، قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز البَاوَرْدي، قال: سمعت عبد الرزاق، يقول: ما رأَيْتُ مثل أَحمد بن حنبل. قال الخلال: وأَخبرنا محمد بن موسى، قال: سمعتُ أَبا بكر بن زَنجويه، قال: قلت لعبد الرزاق: أَنا جار لأَحمد بن حنبل، فقال: إِذن أَزورك. أَخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحَريري، قال: أخبرنا أَبو عمر بن حيّويه، أَن أَبا مُزاحم الخاقاني أَخبرهم، قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني أَبي، قال: حدثنا عبد الرزاق بأَحاديث في المهدي، فلما فرغ منها التفت إِليّ فقال: لولا هذا- أَو لولاه، يَعنيني- ما حدثتكم بها.

وَكيع بن الجَراح أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن صالح، قال: أخبرنا أَبي، قال: أخبرنا محمد بن حيان، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن الحسن البَلخي، قال: حدثنا العباس بن محمد الخلال، قال: حدثنا إِبراهيم ابن شماس، قال: سَمعت وكيعاً يقول: ما قَدم الكوفة مثل ذلك الفتى- يعين: أَحمد بن حنبل-. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إِبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا المرُّوذي، قال: حدثني الأَعين، قال: سمعت إِبراهيم بن شماس يقول: سأَلت وكيعاً عن خارجة بن مُصعب يُحدثنا عنه، فقال: لست أُحدث عنه، نهاني أَحمد بن حنبل أَن أُحدث عنه. حَفص بن غياث النَّخعي أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أَبي الحسن بن أَبي حاتم، قال: أخبنرا أَبي، قال: أخبرنا أَبو حاتم التميمي، قال: أخبرنا أَحمد بن محمد بن الحسن البلخي، قال: حدثنا العباس بن محمد الخلال، قال: حدثنا إِبراهيم بن شماس، قال: سمعت حفص بن غياث يقول: ما قدم الكوفة مثل ذلك الفتى- يعني: أَحمد بن حنبل-.

أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطَّيالسي أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم الكَرُوخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: أخبرنا أَحمد بن إِسماعيل بن إِبراهيم، قال: حدثنا محمد بن أَحمد بن زهير، قال: حدثنا البخاري، قال: ضُرِبَ أَحمد بن حنبل وكنتُ بالبصرة فجاءَ الخبر، فقال أَبو الوليد: لو كانَ هذا في بني إِسرائيل، لكان أُحدوثة. أَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أَحمد، قال: حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل، قال: حدثني شُجاع بن مَخلد، قال: كنتُ عند أَبي الوليد الطَّيالِسي فورد عليه كتابُ أَحمد بن حنبل، فسمعته يقول: ما بالمصرين- يعني البصرة والكوفة- أَحدٌ أَحب إِليّ من أَحمد بن حنبل، ولا أَرفع قدراً في نفسي منه. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أَنبأَنا إِبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أَبو بكر الخلّال، قال: حدثني محمد بن موسى أن حَمدان بن

علي، قال: بلغني عن أَبي العوام البزاز، قال: كنا عند أَبي الوليد، وأَبو الوليد مُنبسط، فقالوا: قد جاءَ أَحمد بن حنبل، فتحرك له أَبو الوليد، وسكت حتى جلس، فسأَله أَحمد فحدثه- أراه قال: وأَقبل عليه- فلما قام، قال أَبو العوام: قلت- يعني في نفسه-: نحن شيوخ، فلما جاءَ هذا تحرك له أَبو الوليد! حسين الجُعْفي أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا أَبو إِسحاق البَرمكي، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَبو بكر الخلّال، قال: حدثني محمد بن عبيد الرَّحْبي، قال: سمعت أبا بكر بن سَماعة، قال: كنا عند ابن أَبي عمر العَدَنيّ بمكة، فجعلنا نذكر أَحمد بن حنبل وهو ساكت، فلما أَكثرنا قال ابن أَبي عمر: من مضى من الناس كانوا أَعرفَ بحق أَحمد بن حنبل منكم، جاءَ أَحمد إِلى حُسَيْن الجُعْفي ومعه كتاب- كأَنه يقول: شفاعة- ليحدثه، فقال له: يا أَحمد، لا تجعل فيما بيني وبينك منعماً، فليس تحمل عليَّ بأَحد إِلا وأَنت أَكبر منه. عبد الرحمن بن مهدي أَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد. وأَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال:

أخبرنا إِبراهيم بن عمر البرمكي قال: حدثنا علي بن مَرْدَك، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: حدثنا أَحمد بن سِنان القَطان، عن عبد الرحمن بن مهدي، أَنه رأَى أَحمد بن حنبل أَقبل إليه- أَو قام من عنده- فقال: هذا أَعلم الناس بحديث سُفيان الثوري. أَخبرنا إِسماعيل، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد، قال: أخبرنا أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن أَبان، قال: حدثني محمد بن يونس، قال: حدثني حميد بن يزيد الطَّحان، قال: قال عبد الرحمن بن مهدي: ما نظرت إِلى أَحمد بن حنبل إِلا تذكرت به سفيان الثوري. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا أَبو إسحاق البرمكي، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أَبو بكر الخلّال، قال: حدثنا أَبو بكر المرُّوذي، قال: سمعت بعض المشيخة يقول: سمعت إِبراهيم بن شماس يقول: كنا عند عبد الرحمن بن مهدي فإِذا أَحمد ابن حنبل قد قام- أَو أَقبل- فقال عبد الرحمن: من أَراد أَن ينظر إِلى ما بين كتفي الثوري، فلينظر إلى هذا. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: سمعتُ الفضل بن محمد، يقول: رأَيت بخط خالي محمد بن يعقوب بن إِسحاق، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا أَبو صالح بلال بن إسماعيل السَّمَرْقَنْدي، قال: بلغني عن عبد الرحمن بن مهدي، قال: كاد هذا الغلام أَن يكون إِماماً في بطنِ أُمه- يعني أَحمد بن حنبل-.

يَحيى بن سعيد القَطان أَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد بن حنبل، قال: حدثني عُبيد الله بن عمر الجُشَمي قال: قال لي يحيى بن سعيد القطان: ما قدم عليَّ مثل أَحمد بن حنبل. قال أَبو نُعيم: وحدثنا سليمان بن أَحمد، قال: حدثنا محمد بن علي بن شُعيب السِّمسار، قال: حدثني عبيد الله بن عمر القواريري، قال: قال لي يحيى بن سَعيد القطان: ما قَدِمَ عليّ مثل هذين الرجلين، أَحمد بن حنبل، ويحيى بن مَعِين. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا إِسحاق بن إبراهيم المعدّل، قال: أخبرنا حمدان بن أَحمد بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن محمد بن ياسين، قال: سمعتُ عبد الله بن أَحمد ابن حنبل، يقول: سمعتُ عُبيد الله بن عمر، يقول: قال لي يحيى بن سعيد- يعني القطان-: ما قَدم علينا مثل أَحمد بن حنبل، ويَحيى بن مَعِين. أَنبأَنا إِسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا عمر بن أَبي الحسن القاضي، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكَرَابِيسي

قال: لما قدم أَحمد بن حنبل البصرة، ساء ابن الشَّاذَكُوني مكانه، فكأَنه ذكره عند يحيى بن سعيد القطان، فقال له يحيى بن سعيد: حتى أَراه، فلما رأَى أَحمد بن حنبل، قال له: وَيْلَكَ يا سُليمان، أَما اتقيت الله! تَذكر حَبْراً من أَحبار هذه الأُمة؟!. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إِبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَبو بكر الخَلال، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القَواريري، قال: سمعتُ يَحيى بن سعيد، يقول: ما قدم عليّ من بغداد أَحبّ إِليّ من أَحمد بن حنبل. قال الخلال: وحدثنا محمد بن علي، قال: حدثني أَبو محمد بن عبيدة، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: جاءَ يحيى، وأَحمد، وخلف إِلى يحيى ابن سعيد القطان، فقال: يا علي، من هذا؟ قلت: يحيى بن مَعين. قال: فمن هذا؟ قلت: خَلف. قال: فمن هذا؟ قلت: أَحمد بن حنبل. قال: إِن كان منهم أَحدٌ، فهذا. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا عبد الجبار بن الجَراح، قال: أخبرنا محمد بن أَحمد ابن مَحبوب، قال: حدثنا أَبو عيسى، قال: سمعتُ أَحمد بن الحسن الترمذي، قال: سمعتُ أَحمد بن حنبل، يقول: ما رأَيت بعيني مثل يحيى بن سعيد.

أبو عاصم النَّبيل، واسمه الضحاك بن مَخْلَد أَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: سمعت عبد الله بن أَحمد، قال: حضر قوم من أَصحاب الحديث في مجلس أَبي عاصم الضحك بن مخلد، فقال لهم: ألا تتفقهون؟ وليس فيكم فقيه، وجعل يذمُّهم. فقالوا: فينا رجل، فقال: من هو؟ فقالوا: الساعة يجيءُ، فلما جاءَ أَبي، قالوا: قد جاءَ، فنظر إِليه فقال له: تقدم، فقال: أكره أَن أَتخطى الناس، فقال أَبو عاصم: هذا من فقهه، وسّعُوا له؛ فوسعوا فدخل، فأَجلسه بين يديه، فأَلقى عليه مسأَلة فأَجاب، فأَلقى ثانيةً فأَجاب، وثالثةً فأَجاب، ومسائل فأَجاب؛ فقال أبو عاصم: هذا من دَواب البحر؛ ليسَ هذا من دواب البر- أَو من دواب البر، ليس من دَواب البحر-. أَنبأَنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا عُبيد الله بن عمر بن شاهين، قال: حدثني أَبي، قال: حدثنا أَحمد بن محمد الباغَنْدي، قال: حدثنا العباس بن محمد، قال: سمعت أَبا عاصم النَّبيل، يقول: جاءَ أَحمد بن حنبل إِلينا، فسمعتُ الناس يقولون: جاءَ ابنُ حنبل، جاءَ ابنُ حنبل، فقلت: أَروني ابنَ حنبل هذا، فقالوا: هوَ ذاك، فقلتُ له: يا هذا، ما أنصفَتنا، قدمتَ بلدنا فلم تُعرفنا نَفسكَ فنكرمك

ونَأتي من حقك ما أَنت له أَهل. فقال: يا أَبا عاصم، إِنك لَتفعل، وإِنك لَتحمل على نفسك وتُحدث. قال: فرأَيتُ له حياءً وصدقاً ما أَخلقه، سيبلغ ما بلغ رجل. أَخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر، قال: أَنبأَنا عُبيد الله بن أَحمد بن عثمان، قال: أخبرنا أَبو عمر بن حيّويه، أَن العباس بن العباس بن المغيرة أَخبرهم، قال: سمعت عباساً يقول: سمعتُ أَبا عاصم النَّبيل يقول- وذُكر عنده أَحمد بن حنبل- فقال: قد رأَيتُه، ثم التفت، فقال: من تَعدون اليوم في الحديث ببغداد؟ فقالوا له: يَحيى بن مَعين، وأَحمد بن حنبل، وأَبو خَيثمة، والمُعَيطي، والسُّويدي، ونحوهم من أَصحاب الحديث، فقال: فَمن تعدون بالبَصرة عندنا؟ قلنا: علي بن المديني، وابن الشاذَكوني، وابن عَرْعَرة، وابن أَبي خَدُّويه، ونحوهم، قال: فمن تعدون بالكوفة؟ قلنا: ابنا أَبي شيبة، وابن نُمير، ونحوهم. فقال أَبو عاصم وتنفَّس: هاه هاه هاه، ما من هؤلاءِ أَحد إِلا وقد جاءَنا وقد رأَيناه، فما رأَينا في القوم مثل ذلك الفتى، أَحمد بن حنبل. قال: قال عباس: يقول لنا هذا الكلام قبل أَن يُمتحن أَحمد بن حنبل. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا الحسن بن أَبي الحسن (ح)، وأَخبرنا إِسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا:

أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قالا: حدثنا عمر بن الحسن بن علي بن الجعد، قال: حدثنا أَحمد بن منصور، قال: قال لي أَبو عاصم النَّبيل لما ودعته: أَقْرِئ الرجل الصالح أَحمد ابن حنبل السلام. أبو اليَمان الحكم بن نافع أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: حدثنا علي بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: حدثنا إِبراهيم بن يعقوب الجُوزجاني فيما كتب إلي، قال سمعتُ أَبا اليمان، يقول: كنت أُشبه أَحمد بن حنبل بأَرطاة بن المنذر. يحيى بن آدم أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني أَبو القاسم الأَزهري، قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثنا محمد بن مَخْلد، قال: حدثنا أَبو بكر المرُّوذي، قال: سمعتُ خضراً بِطَرَسُوس، يقول: سمعتُ إِسحاق بن راهويه، يقول: سمعتُ يحيى بن آدم يقول: أحمد بن حنبل إِمامُنا. سُليمان بن حَرب أَخبرنا ابن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا

إِبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَبو بَكر الخَلّال، قال: أَخبرني محمد بن موسى، قال: حدثني محمد بن أَبي حماد، قال: سمعتُ رجلاً يقول لمحمد بن الهَيثم: قال لي سليمان بن حرب: سَل أحمد ابن حنبل ما يقول في هذه المسأَلة، فإِنه عندنا إِمام. عَفّان بن مُسلم الصَّفّار أنبأنا ابن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر، قال: أَنبأَنا إِبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز، قال: حدثنا الخَلال، قال: حدثنا يوسف بن الضحاك المُخَرّمي، قال: سمعت عيسى بن عفان، يقول: كانوا يجيؤون يسمعون من أَبي؛ يحيى بن مَعِين، وأَبو خَيثمة، ومن ذكر معهم، وجاءَ أَحمد ابن حنبل فسمع من أَبي ثم خرج، فقال لي أَبي: هذا سوى أُولئك- يعني من فضله-. الهَيثم بن جَميل أبو سَهل البغدادي أخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر، قال: أخبرنا أَبو إِسحاق البَرْمَكي، قال: أنبأَنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أَبي حاتم، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا أَحمد بن أَبي الحَواري، قال: حدثنا أَبو عثمان الرَّقي، قال: سمعتُ الهيثم بن جميل يقول: إِن عاشَ هذا الفتى سيكون حجةٌ على أَهل زمانه- يعني أَحمد بن حنبل-.

أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمَد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أَحمد، قال: حدثنا أَحمد بن المعلّى الدمشقي، قال: حدثنا أَحمد بن أَبي الحواري، قال: سمعتُ الهيثم بن جميل، يقول: إِن لكلِّ زمان رجلاً يكون حُجةً على الخلق، وإِن فُضيل بن عياض حُجة على أَهل زمانه. وأَظن إِن عاشَ هذا الفتى- أَحمد بن حنبل- سَيكون حجةً على أَهل زمانه. أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد، قال: حدثنا أَحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا أَحمد ابن محمد بن عمر، قال: حدثني نَصر بن خُزيمة، قال: حدثنا محمد بن مَخْلد، قال: حدثنا أَبو بكر محمد بن أَحمد بن داود بن سيار، قال: حدثني يوسف بن مُسلم، قال: حدث هَيثم بن جميل بحديث عن هُشيم فَوَهم فيه، فقيل له: خالفوك في هذا. فقال: من خالفني؟ قالوا: أحمد بن حنبل، قال: وددت أَنه نقص من عمري فزاد في عمر أَحمد بن حنبل. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرتا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا أَبو إِسحاق البَرْمَكي، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَبو بكر الخَلّال، قال: حدثنا أَبو بَكر المرُّوذي، قال: سمعت أسداً الخَشّاب يقول: سمعتُ الهيثم بن جَميل، يقول: أَسأَل الله أَن يزيد في عمر أَحمد بن حنبل وأَن ينقص من عمري. ثم قال لرجل: قل لي: لم قلتَ: هذا خليق أَن يَنتفع به المسلمون؟. أبو نُعيم الفَضل بن دُكَين أَخبرنا عبد الملك الكُرُوخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري،

قال: أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن صالح، قال: أخبرنا أَبي، قال: حدثنا محمد بن حيان، قال: سمعت هارون بن السَّكن، قال: سمعتُ الرمادي، يقول: كنا عند أَبي نُعَيْم نسمع مع أحمد بن حنبل، ويَحيى بن مَعِين، وكان أَبو نُعَيْم إِذا قعد في تلك الأَيام للحديث، كان أَحمد عن يمينه، ويحيى على يساره، فجاءَني يحيى يوماً ومعه ورقة قد كتب فيها أَحاديث من أَحاديث أَبي نُعيم، وأَدخل في خَلِلها ما ليس من حديثه، فقال: أَعطه بحضرتنا حتى يقرأ، فلما خفَّ المجلسُ ناوله الورقة فنظر فيها كلها، ثم تأملني، ونظر غليهما، ثم قال- وأَشار إِلى أَحمد-: أَما هذا فأَدْيَن من أَن يفعل هذا، وأَما أَنت فلا تفعل، وليس هذا إِلَّا من عمل هذا، ثم رَفس يحيى رفسةً رماه إِلى أَسفل السرير. وقال: عليَّ تعمل؟! فقام يحيى وقَبّله؛ وقال: جزاك الله عن الإِسلام خيراً، مثلك من يحدث، إِنما أَردت أَن أُجرّبك. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: قرأت على علي بن أَبي علي البصري، عن علي بن الحسن الجراحي، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن الجراح أَبو عَبد الله، قال: سمعت أَحمد بن منصور، يقول: خرجتُ مع أَحمد بن حنبل ويَحيى بن مَعِين لأَحمد بن حنبل: أُريد أَختبر أَبا نُعَيْم. فقال له أحمد بن حنبل: لا ترد، الرجل ثقة. فقال يَحيى: لابدَّ لي. فأَخذ ورقةً وكتب فيها ثلاثين حديثاً من حديث أَبي نُعَيْم؛ وجعل على رأس كل عشرة منها حديثاً ليس من حديثه. ثم جاءوا إِلى أَبي نُعيم، فدقوا عليه الباب،

فخرج، فجلس على دكان طين حذاءَ بابه. فأَخذ أَحمد بن حنبل، فأَجلسَه عن يمينه، وأَخذ يحيى بن مَعِين، فأَجلسه عن يساره. ثم جلستُ أَسفل الدكان، فأَخرج يحيى بن مَعِين الطبق فقرأ عليه عشرة أَحاديث، وأَبو نُعَيْم ساكت، ثم قرأَ الحادي عشر، فقال له أَبو نعيم: ليس من حديثي، اضرب عليه؛ ثم قرأَ العشر الثاني، وأَبو نُعَيم ساكت، فقرأَ الحديث الثاني، فقال أبو نُعَيم: ليس من حديثي، فاضرب عليه. ثم قرأَ العشر الثالث وقرأَ الحديث الثالث، فتغير أَبو نعيم، وانقلبت عيناه، وأَقبل على يحيى بن مَعِين، فقال له: أَما هذا- وذراع أَحمد في يده- فأَورعُ من أَن يمل هذا، وأَما هذا- يُريدني- فأَقل من أَن يفعل مثل هذا، ولكن هذا من فعلك يا فاعل. ثم أخرج رجلَه فرفس يحيى بن معين فَرمى به من الدكان وقام فدخل داره؛ فقال أحمد ليحيى: ألم أمنعكَ من الرجل وأَقل لك: إِنه ثَبَتٌ؟ فقال: والله لرفسته لي أَحب إِليَّ من سفري. قُتيبة بن سَعيد أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا محمد بن أحمد الجارودي، قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الله بن منصور المَرْوَزِيّ، قال: سمعتُ قُتيبة بن سعيد، يقول: خَير أهل زماننا ابن المبارك، ثم هذا الشاب. فقال له أَبو بكر الرازي: ومن الشاب يا أَبا رجاء؟ قال: ابن حنبل، قال: تقول شاب وهو شيخ أَهل العراق! قال: لقيته وهو شاب. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال:

أخبرنا أَبو إِسحاق البَرْمَكي، قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: أخبرنا ابن أَبي حاتم، قال: حدثنا أَحمد بن سَلَمة النَّيسابوري، قال: سمعتُ قُتيبة، يقول: أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إِماماً الدنيا. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا غالب بن علي، قال: أخبرنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن علي القَفّال، قال: سمعتُ عبد الله بن سليمان بن الأَشعث، يقول: سمعت أَبي، يقول: سمعتُ قتيبة، يقول: إِذا رأيتَ الرجل يُحب أَحمد بن حَنبل، فاعلم أَنه صاحبُ سُنَّة. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا أَبو إِسحاق البَرْمَكي، قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: أخبرنا ابن أَبي حاتم، قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، قال: سمعت عبد الله بن أَحمد ابن شَبُّويَه، قال: سمعت قتيبة، يقول: إِذا رأَيتَ الرجل يجب أَحمد بن حنبل، فاعلم أَنه صاحب سُنة وجماعة. قال ابن أَبي حاتم، وحدثنا محمد بن علي بن سعيد النَّسائي، قال: سمعتُ قتيبة يقول: إِذا رأَيتَ الرجل يحب أَحمدَ بن حنبل، فاعلم أَنه على الطريق. أَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: حدثنا حَمْد بن أحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا أَبو جعفر محمد بن عبد الله ابن سَلم، قال: سمعت عبد الله بن أحمد الزَّوْزني، يقول: سمعت محمد بن

الفضل بن العباس البَلخي، يقول سمعت قُتيبة بن سعيد، يقول: لو أَدرك أَحمد ابن حنبل عَصر الثوري، ومالك، والأوزاعي، والليث بن سَعد، لكانَ هو المقدَّم. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا علي بن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أَبي حاتم، قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن عَطية الرازي، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد بن شَبُّويَه، قال: سمعتُ قتيبة، يقول: لو أَدركَ أَحمدُ بن حنبل عَصر الثوري، ومالك، والأوزاعي، والليث بن سَعد، لكان هو المقدَّم، قلت لقتيبة: تضم أَحمد إلى التابعين؟ قال: إلى كبار التابعين. قال ابن أَبي حاتم، وحدثنا أَحمد بن سَلَمة النَّيسابوري، قال: ذكرت لقتيبة ابن سعيد، يَحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه، وأَحمد بن حنبل، فقال: أَحمدُ بن حنبل أَكبر ممن سَمَّيتهم كلهم. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أَبو عبد الله الحسين بن شُجاع بن الحَسن الصوفي، قال: أخبرنا عمر ابن جعفر بن سَلْم الخُتَّلي، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان المُطوَّعي، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد بن شَبُّويَه، قال: سمعتُ قتيبة، يقول: لولا الثوري، لماتَ الورع، ولولا أَحمد بن حنبل، لأحدثوا في الدين. قلت لقتيبة: تَضم

أَحمد بن حنبل إِلى أَحد التابعين؟ فقال: إِلى كبار التابعين. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن عبد الله، قال: أخبرنا محمد بن أحمد الجارودِي، قال: أخبرنا محمد بن علي الحافظ، قال: حدثنا محمد بن علي بن طَرْخان، قال: سمعتُ قتيبة، يقول: لولا سفيان الثوري، لماتَ الورع، ولولا أَحمد بن حنبل، لأَحْدَثُوا في الدين ما شاءوا. فقيل له: يا أَبا رجاء، تعده مع التابعين؟ قال: نعم، مع كبارهم. أَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عبد الوهَّاب الرازي، قال: أخبرنا أَبو الحسن الشَّعْراني، قال: حدثنا إبراهيم بن المولد، قال: أخبرنا تَميم بن عبد الله الرازي عن قُتيبة. وأَخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا أَبو بكر أَحمد بن محمد ابن علي السِّيِبي، قال: سمعت أَحمد بن محمد بن زياد، يقول: سمعتُ تميم ابن عبد الله الرازي، يقول: سمعت قتيبة، يقول: يموتُ أَحمد بن حنبل وتَظهر البِدع.

فصل وقد أثنى على أَحمد بن حنبل جماعة ممن هم في مراتب شيوخه ولم يسمع منهم؛ مثل أَبي مُسْهِر الدِّمشقي. أَخبرنا ابن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا علي بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: حدثنا العباس بن الوليد بن مَزْيَد البَيْروتي، قال: حدثنا الحارث ابن العباس، قال: قلتُ لأَبي مسهر: هل تَعرف أَحداً يحفظ على هذه الأُمة أَمر دينها؟ قال: لا أعلمه إلا شاباً في ناحية المشرق- يعني أَحمد بن حنبل-. وسيأتي في غضون هذا الكتاب من هذا الجنس ما يقدّر إن شاءَ الله تعالى.

الباب الحادي عشر في ذكر ما حدث عنه من مشايخه ومن الأكابر

الباب الحادي عشر في ذكر ما حَدث عنه من مشايخه ومن الأكابر فمنهم عَبد الرزاق بن هَمّام الصَّنْعاني أخبرنا محمد بن عبد الملك بن خَيرون، قال: أخبرنا أَبو بكر أَحمد بن علي ابن ثابت، قال: حدثنا أَبو طالب يحيى بن علي بن الطيب العِجْلي، قال: حدثنا أَبو يعقوب يوسف بن إبراهيم بن موسى السَّهمي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم، قال: حدثنا مَهدي بن الحارث، قال: حدثنا أَبو عبد الله القَصار، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا أَحْمد بن حنبل، عن الوليد- يعني ابن مسلم- عن زيد بن واقد، قال: سمعتُ نافعاً مولى ابن عمر، أَن ابن عمر كان إِذا رأَى مُصَلياً لا يَرفع يَديه في الصلاة حَصبَه وأَمره أَن يرفع. ومنهم: إسماعيل ابن عُلَيَّة. ذكر أَبو بكر الخَلّال، أَنه روى عن أَحمد. ومنهم: وَكيع بن الجراح. وقد ذكرنا عنه أَنه قال: نَهاني أَحمد أَن أَحدِّث عن فُلان.

ومنهم: عبد الرحمن بن مَهْدي أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: أخبرنا أَبو محمد بن أَبي حاتم، قال: حدثنا أَحمد بن سِنان الواسطي، قال: سمعت عبد الرحمن بن مَهدي، يقول: كان أَحمد بن حنبل عندي، فقال: نظرنا فيما كان يخالفكم فيه وكيع، أَو فيما يخالف وكيع الناس، فإِذا هي نيف وستون حرفاً. ومنهم: محمد بن إدريس الشافعي أنبأَنا محمد بن أَبي طاهر البزاز، قال: أنبأَنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أَخبرنا أَبو سَعد إِسماعيل بن علي بن الحسن بن بُنْدار الإِستراباذي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أَبو العباس محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا الثقة- وهو أَحمد بن حنبل- عن عبد الله بن الحارث، عن مالك بن أنس، عن يَزيد بن قُسَيط، عن سَعيد بن المُسيّب: أَن عُمر وعثمان قَضيا في المِلْطَاة بنِصف دِيَةِ المُوضِحَة. أَنبأَنا محمد بن عبد الملك بن خَيرون، قال: أَنبأَنا أَحمد بن علي بن ثابت،

قال: أخبرنا أَبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان، قال: أخبرنا أَبو العباس محمد بن يَعقوب الأَصم، قال: أخبرنا الربيع بن سُليمان، قال: أخبرنا الشافعي، قال: حدثنا الثقة من أَصحابنا، عن يَحيى بن سَعيد القطان، عن شُعبة بن الحجاج، عن قيس بن مُسلم، عن طارق بن شِهاب، أَن عُمر بن الخطاب قال: إِنّما الغَنيمةُ لمن شَهِدَ الوَقْعَة. قال الخطيب: قال لي أَبو الفَضل علي بن الحسين الفَلَكي الحافظ: الرجل الذي لم يُسمه الشافعي، هو أحمد بن حَنبل. ومنهم: مَعروف الكَرْخي أنبأَنا يحيى بن الحسن بن البَنّا، قال: أَنبأَنا أَبو يَعلي محمد بن الحسين، عن أبي الفَرج محمد بن فارس الغُوري، قال: حدثنا أَحمد بن المنادي، قال: حدثنا أَبو بَكر عمر بن إِبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن أَكثم القاضي، قال: سمعت مَعروفاً- وذُكر عنده أَحمد بن حنبل- قال: رأَيتُ أَحمدَ بن حنبل فتى عليه آثار النُّسك، فسمعته يقول كلاماً جَمع فيه الخير؛ سمعته يقول: مَن عَلم أَنه إِذا ماتَ نُسي، أَحسنَ ولم يُسي. ومنهم: أسود بن عامر المعروف بشاذان أَنبأَنا يحيى بن علي المُدِير، قال: أَنبأَنا أَبو بكر أَحمد بن علي الحافظ،

قال: حدثني أَبو القاسم الأَزهري، قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثنا محمد بن مَخْلد، قال: حدثنا أَبو بكر المَرُّوذِي، قال: حدثني عبد الصمد بن يحيى، قال: سمعتُ شاذان يقول: أَرسلتُ إِلى أَبي عبد الله- يعني أَحمد بن حنبل- أَستأذِنُه أَن أُحَدِّث بحديث حَمّاد عن قَتَادَة عن عِكْرِمة عن ابنِ عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "رَأَيتُ رَبّي عَزَّ وجلَّ .... " فقالَ: قُل له: قد حَدَّثَ به العلماء، حَدِّثْ به. ومنهم: الحَسن بن موسى الأَشْيَب أَنبأَنا محمد بن عبد الملك بن خَيرون، قال: أَنبأَنا أَحمد بن علي الحافظ، قال: أَخبرني عُبيد الله بن أَبي الفتح الفارسي، قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا الفَضل بن

سَهل الأَعرج، قال: حدثنا الحسن الأَشيب، قال: حدثنا شَيبان، عن ليث، عن عطاء، عن عائشة، قالت: "أَفْطَرَ الحاجمُ والمَحْجُومُ".

قال الحسن الأَشيب: وحدثني أَحمد بن حنبل، عن هاشم أَبي النضر، عن شيبان ... عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا. ومنهم: داود بن عَمرو الضبي أَنبأَنا يحيى بن علي المُديِر، قال: أَنبأَنا أَحمد بن علي الحافظ، قال: أَخبرنا أَبو الفتح عبد الملك بن عُمر بن خَلف الرزّاز، قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثنا محمد بن مَخلد، قال: حدثنا محمد بن علي بن مَعْدان، قال: سمعت داود بن عَمْرو، يقول: سمعت أَحمد بن حنبل، يقول: سمعتُ سفيان بن عُيَيْنَة، يقول: وأَنعما. قال: وأهلاً. قلت: الإشارة إِلى الحديث المعروف "وإِن أَبا بكر وعمر منهم وأَنْعَمَا". ومنهم: أبو زكريا يحيى بن عبد الحميد الحِمّاني أَنبأَنا محمد بن عبد الملك، قال: أَنبأَنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: قرأتُ على محمد بن أَحمد بن يعقوب المعدَّل، عن محمد بن عبد الله بن نُعيم النيسابوري، قال: حدثنا أَبو سعيد أَحمد بن سليمان بن نوح، قال: حدثنا

البُوشَنْجي محمد بن إِبراهيم، قال: حدثنا الحِمّاني، قال: حدثنا أَحمد بن حنبل، قال: حدثنا إسحاق الأَزرق، عن شَرِيكٍ، عن بَيَان، عن قَيسِ بن أَبي حازِم، عن المُغِيرَة بن شُعْبَة، قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالهاجرة، فقال لنا: "أَبْرِدُوا بالصلاة، فإِنَّ شِدَّةَ الحَر مِن فَيْحِ جَهنَّم". ومنهم: خَلف بن هِشام البَزَّار أَنبأَنا محمد بن أبي طاهر البزار، قال: أَنبأَنا أَحمد بن علي الحافظ، قال:

أَنبأَنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزق، قال: حدثني أَبو بكر محمد بن إسحاق المقرئ، قال: حدثني أَبو العباس أَحمد بن محمد بن يزيد البَراثي، قال: سمعت خلفاً البزار، يقول: سأَلت أَحمد: أَيُّ الأَسانيد أَثبت؟ قال: أَيوب عن نافع عن ابن عمر. وإن كان من حديث حماد بن زيد فيالك. ومنهم: قُتيبة بن سعيد أَنبأَنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا محمد بن علي بن مَيمون، قال: أخبرنا محمد بن علي بن عبد الرحمن الحَسني، قال: حدثنا محمد بن علي بن عبد الله الهمذاني، قال: حدثنا محمد بن عمار العطار، قال: حدثنا عبيد الله ابن أَحمد المروزي، قال: حدثنا عَبدان بن محمد، قال: حدثنا قُتيبة، قال: حدثنا أَحمد بن حنبل، قال: حدثنا محمد بن سَلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عُبيد الله بن طلحة، عن الحسن عن عثمان بن أَبي العاص، أَنه دُعِيَ إِلى خِتانٍ فأَبَى، وقال: كنا على عَهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نَأتي الخِتَانَ ولا نُدْعَى إِليه. ومنهم: علي بن المديني أَخبرنا يَحيى بن ثابت بن بُنْدار، قال: أخبرنا أَبي، قال: حدثنا أَبو بكر البَرْقاني، قال: أخبرنا أَحمد بن إبراهيم الإِسماعيلي، قال: حدثنا ابن عبد

الكريم الوراق، قال: حدثنا الحسن بن علي الأَزدي، قال: حدثنا علي بن المديني، قال: حدثني أَحمد بن حنبل، قال: حدثنا علي بن عَياش الحِمصي، قال: حدثنا شُعيب بن أَبي حمزة، عن مُحمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رَسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قالَ حينَ يسمعُ النداءَ: اللهمَّ ربَّ هذه الدَّعوةِ التامةِ والصَّلاةِ القائِمة، آتِ مُحمداً الوَسيلةَ والفَضيلةَ، وابعثهُ مَقاماً مَحموداً الذي وَعدتَه؛ حَلَّتْ له الشَّفاعة". أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: حدثنا محمد بن أَحمد بن الجارودي، قال: سمعتُ محمد بن مالك السَّعدي، قال: سمعتُ صَعْصَعَة بن الحسين الرقي، قال: سمعت أَبا شُعيب الحراني، يقول: سَمعت علي بن المديني، يقول: قال لي سَيدي أَحمد بن حنبل: لا تُحدِّث إِلا من كتاب. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: أخبرنا أَبو بكر بن أَبي الفَضل، قال: أخبرنا أَبو إسحاق البزاز، قال: حدثنا عثمان بن سَعيد الدَّارمي، قال: سمعتُ علي بن المديني، يقول: صَحَّ في "أَفطَر الحاجِم والمحجوم" حديث شداد

وثَوبان. وأَقول: أَفطر الحاجم والمحجوم. قيل: فما عليه؟ قال: يقول أَبو عبد الله- يعني أَحمد بن حنبل-: عليه قضاء يوم. قال عثمان: وسمعت أَحمد يقول: عليه قَضاء يوم، قد صح عندنا فيه حَديث ثوبان وشداد. ومنهم: الحارث بن سُرَيج النَّقال أَنبأَنا ابن خَيرون، قال: أَنبأَنا أَبو بكر أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أَنبأَنا أَبو طاهر محمد بن الحسين بن سَعدون المَوْصِلي، قال: أخبرنا علي بن عمر الحَوضي، قال: حدثنا أَحمد بن الحسين بن عبد الجبار الصوفي، قال: حدثنا الحارث بن سُرَيْج، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن حنبل، قال: أَخبرني صاحب لي- قد سماه- قال: كنتُ عند ابن المبارك وهو بالرقة مريض، فدخل عليه أَبو المليح يَعُوده. فقال له: يا أَبا عبد الرحمن، إِني دخلت أَنا وصالح ابن مِسمار على مريض نعوده، فسمعتُ صالحاً يقول: يا هذا، إِن ربك يَستعتِبُكَ فأَعتِبْه. ومنهم: أبو جعفر محمد بن الحسين البُرْجُلاني أَنبأَنا يحيى بن علي المُدِير، قال: أَنبأَنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال:

أخبرنا أَبو الحسين بن بِشْران، قال: أخبرنا أَبو علي الحسين بن صفوان، قال: حدثنا أَبو بكر بن أَبي الدنيا، قال: حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أَحمد بن حنبل، قال: حدثنا إِبراهيم بن خالد، قال: حدثنا رباح بن زيد: أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: "لم تَأتِني إِلا وأَنتَ صارٌّ بينَ عَينيك"! قال: إِني لم أَضحك منذ خُلِقَت النار. ومنهم: محمد بن يحيى بن أبي سَمينَة أَنبأَنا أَبو بكر بن أَبي طاهر البزاز، قال: أَنبأَنا أَبو محمد الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أَبو حفص عمر بن محمد بن علي الناقد، قال: حدثنا محمد بن علي الحَفار، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن أَبي سَمينة، قال: حدثنا أَحمد بن حنبل، قال: حدثنا الوليد عن زَيد بن واقد عن نافع، أن ابن عُمر كان إِذا رأَى رَجلاً لا يرفع يَديه في الصَّلاة حَصبه. ومنهم: أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر ابن مُحمد بن أَبان القُرشي الكوفي أَنبأَنا محمد بن عبد الملك، قال: أَنبأَنا أَبو بكر بن ثابت، قال: أخبرنا أَبو الحسن محمد بن عمر بن عيسى البَلدي، قال: حدثنا الحسن ابن سَعيد بن الفَضل الأَدَمي قال: حدثنا أَحمد بن يحيى بن

المُهَنّا، قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن أَبان، قال: حدثنا أَحمد بن حنبل، قال: حدثنا عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير، قال: حدثنا هشام بن عُروة عن أَبيه عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أَنه أَمر ببناءِ المساجد في الدور، وأَمر بها أَن تُنظف وتُطَيَّب. ومنهم: مُحمد بن المُصَفّى أَخبرنا عبد الله بن علي المقرئ، قال: أخبرنا عبد الملك بن أَحمد، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أَحمد، قال: أنبأنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أَبي حاتم، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا محمد بن مُصَفَّى، قال: حدثنا أَحمد بن حنبل، قال: حدثنا رَوح بن عُبادة، عَن شُعبة، عن سَيَّار، عن الشَّعبي، عن أَبي هُريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَناجَشوا ولا تُصَرُّوا الإِبلَ والبقرَ".

ومنهم: أحمد بن أبي الحَواري أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا ابن مَرْدَك، قال: أخبرنا أَبو محمد بن أَبي حاتم، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا أحمد بن الحواري، قال: أَشهد على أَحمد بن حنبل أَنه قال: الثبت عِندنا بالعراق وَكيع ويَحيى بن سعيد. أَنبأَنا ابن خيرون، قال: أَنبأَنا أَحمد بن علي الحافظ، قال: كتب إِليّ عبد الرحمن بن عثمان الدمشقي. وحدثنا عبد العزيز بن أَبي طاهر عنه، قال: أخبرنا أَبو الميمون البَجلي، قال: حدثنا أَبو زُرْعة، قال: حدثني أَحمد بن أَبي الحَواري، قال: قال لي أَحمد بن حنبل: متى مولدك؟ قلت: سَنة أَربع وستين. قال: وهي مولدي.

ومنهم: أبو سَعيد عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي المعروف بدُحَيم أَنبأَنا محمد بن عبد الملك، قال: أَنبأَنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: كتب إِليّ أَبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم الدمشقي. وحدثني عنه عبد العزيز بن أَبي طاهر الصوفي، قال: أخبرنا أَبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عُمر بن راشد البَجلي، قال: حدثنا أبو زُرْعَة عبد الرحمن بن عمرو النَّضْري، قال: حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم، عن أَحمد بن حنبل. قال: لما مات الحسن جلس قَتادة بعده، فأَقام ثمان سنين، فمات سنة ثمان عشرة ومئة، ثم جلس بعده مَطَر، ثم جلس بعده سعيد بن أَبي عَرُوبَة، قلت لعبد الرحمن: أَحمد حكاه لك؟ قال: نعم. وقد روى يحيى بن مَعِين أيضاً عن أَحمد بن حنبل. وروى عنه أَبو بكر بن أَبي الدنيا. وروى البخاري عن رجل عنه. وقد أَخبرنا ابن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قالك أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: أخبرنا أَبو محمد بن أَبي حاتم، قال: سمعت أَبي يقول: رأَيت في كتب إِبراهيم بن موسى إِلى أَحمد بن حنبل يسأَله عن مسأَلة.

الباب الثاني عشر في ذكر من حدث عن أحمد على الإطلاق من الشيوخ والأصحاب

الباب الثاني عشر في ذكر من حَدَّث عن أَحمد على الإِطلاق من الشيوخ والأصحاب رَتَّبتهم على الحروف ثم رَتَّبتهم على أسماءِ الآباءِ ليكون أسهل لطلبهم: حرف الألف ذكر من اسمه أحمد أحمد بن إبراهيم بن كَثير الدَّورقي. أَحمد بن إبراهيم الكوفي. أَحمد بن أَصرم ابن خُزيمة المزني. أَحمد بن بشر بن سَعد، أَبو أَيوب الطَّيالسي. أَحمد بن بشر ابن سَعيد الكِندي. أَحمد بن بَكر. أَحمد بن ثابت، أَبو يَحيى. أَحمد بن جعفر، أَبو عبد الرحمن الوكيعي. أَحمد بن جعفر بن يعقوب، أَبو العباس الفارسي الإِصْطَخري. أَحمد بن الحسن عبد الجبار، أبو عبد الله الصوفي. أَحمد بن الحسن، أَبو الحسن التّرمذي. أَحمد بن الحسين بن حسان السامري. أَحمد بن حُميد، أَبو طالب المُشْكاني. أَحمد بن حفص السعدي. أَحمد بن حرب بن مسمع. أَحمد بن الحكم، أَبو بكر الأَحول. أَحمد بن حيان، أَبو جعفر القطيعي. أَحمد بن خالد الخلال. أَحمد بن الخصيب بن عبد الرحمن. أَحمد بن الخليل القومسي. أَحمد بن داود أَبو سَعيد الواسطي. أَحمد بن الربيع بن

دينار. أَحمد بن أَبي خَيثمة زُهير بن حرب، أَبو بكر النّسائي. أَحمد بن زُرارة، أَبو العباس المقرئ. أَحمد بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزّهري. أَحمد بن سعيد، أَبو العباس اللّحْياني. أَحمد بن سعيد بن إبراهيم، أَبو عبد الله الرّباطي. أَحمد بن سعيد، أَبو جعفر الدَّارمي. أَحمد بن سعيد الترمذي. أَحمد ابن سَهل، أَبو حامد. أَحمد بن شاذان بن خالد الهمداني. أَحمد بن شاكر. أَحمد بن شَبُّويَه. أَحمد بن الشهيد. أَحمد بن صالح، أَبو جعفر المصري. أَحمد ابن صالح بن أَحمد بن حنبل. أَحمد بن الصباح الكندي. أَحمد بن عبد الله بن حنبل بن هلال ابن عم أحمد بن حنبل. أَحمد بن عبيد الله النَّرْسِي. أَحمد بن عبد الرحمن بن مرزوق بن عطية، أَبو عبد الله بن أَبي عوف البُزُورِي. أَحمد ابن عمر بن هارون، أبو سعيد البخاري. أحمد بن عثمان بن سعيد بن أَبي يحيى، أبو بكر الأحول. أَحمد بن علي بن سعيد القاضي. أَحمد بن علي بن المثنى، أَبو يَعلى الموصلي. أَحمد بن علي بن مسلم، أَبو العباس الأَبار النَّخْشبي. أَحمد ابن العباس بن أشرس. أحمد بن الفُرات بن خالد، أَبو مسعود الرازي الأَصبهاني. أَحمد بن القاسم الطوسي. أَحمد بن القاسم صاحب أَبي عبيد. أَحمد بن محمد بن الحجاج، أَبو بكر المرُّوذي. أَحمد بن محمد بن خالد، أَبو بكر القاضي. أَحمد بن محمد بن خالد، أَبو العباس البَراثي. أَحمد بن محمد بن عبد الله بن صَدقة أَبو بكر. أَحمد بن محمد بن عبد الله بن صالح بن شيخ بن عميرة، أَبو الحسن الأَسدي. أَحمد بن محمد بن عبد الحميد الكوفي، أَبو عبد الله.

أَحمد بن محمد بن عيسى بن الأَزهر، أَبو العباس البِرْتي. أَحمد بن محمد بن هانئ، أَبو بكر الأَثرم الطائي. أَحمد بن محمد المزني. أَحمد بن محمد، أبو الحارث الصائغ. أَحمد بن محمد بن نَصر اللَّباد. أَحمد بن محمد بن مَطر، أَبو العباس. أَحمد بن محمد بن واصل، أَبو العباس المقرئ. أَحمد بن محمد بن يَزيد الوَراق المعروف بالإِيتاخي، أحمد بن محمد أَبو الحارث المروزي، أَحمد ابن محمد بن يحيى الكحال. أَحمد بن منيع بن عبد الرحمن البغَوي. أَحمد بن المُسْتَنير. أَحمد بن منصور الرمادي. أَحمد بن محمد الساوي. أَحمد بن المغيرة الطائي. أَحمد بن أَبي بدر المنذر بن بدر، أَبو بكر المغازلي، والغالب عليه بدر فهو لقبه. أَحمد بن أَبي الحَواري واسمه ميمون، أَبو الحسن الدمشقي. أَحمد بن المكين الأَنطاكي. أحمد بن مُلاعب بن حيان المخرمي. أَحمد بن نَصر بن مالك الخزاعي. أَحمد بن نصر، أَبو حامد الخَفاف. أَحمد بن هشام. أحمد بن هاشم بن الحكم الأنطاكي. أَحمد بن يحيى الحلواني. أَحمد بن يحيى بن زيد، أَبو العباس ثَعلب. أَحمد بن أَبي عَبدة، أَبو جعفر الهمداني. أَمد ابن أَبي بكر بن حماد المقرئ. أحمد بن أبي يحيى البغدادي.

من اسمه إبراهيم إِبراهيم بن أبان الْمَوصِلي. إبراهيم بن إسحاق، أَبو إسحاق الحربي. إبراهيم بن إسحاق، أَبو إسحاق الثقفي السراج. إبراهيم بن جابر المروزي. إبراهيم بن جعفر. إبراهيم بن الحكم القصار. إبراهيم بن الحارث بن مصعب، أَبو إسحاق الطَّرسوسي. إبراهيم بن زياد الصائغ. إبراهيم بن سعيد الجوهري. إبراهيم بن سعيد الأُطْرُوش. إبراهيم بن سُويد. إبراهيم بن شداد. إبراهيم بن عبد الله بن الجُنيد الخُتَّلي السامَرّي. إبراهيم بن عبد الله بن مِهران الدينوري. إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أَبي شَيْبَة، أَبو شَيبة الكوفي. إبراهيم ابن محمد بن الحارث الأَصبهاني. إبراهيم بن موسى بن آزر الفَقيه. إبراهيم بن نصر الحذاء الكندي. إبراهيم بن هانئ، أَبو إسحاق النيسابوري. إبراهيم بن هاشم بن الحسين، أَبو إسحاق البغوي. إبراهيم بن يعقوب، أَبو إسحاق الجوزجَاني. من اسمه إسماعيل إسماعيل بن إبراهيم، أَبو بشر الأسدي- وهو ابن عُلَية- إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم، أَبو بكر السراج النيسابوري. إسماعيل بن إسحاق بن

الحُصين، أَبو محمد الرقي. إسماعيل بن بكر السُّكري. إِسماعيل بن الحارث. إسماعيل بن سعيد، أَبو إسحاق الشَّالَنْجي. إسماعيل بن عبد الله بن ميمون، أَبو النَّضر العِجلي. إسماعيل بن عمر، أَبو إِسحاق السِّجْزي. إسماعيل ابن العلاءِ. إسماعيل بن قُتيبة. إسماعيل بن يوسف، أبو علي الدَّيلمي. من اسمه إسحاق إسحاق بن إبراهيم، أبو يعقوب الحَنظلي- وهو ابن راهويه- إسحاق بن إبراهيم بن هانئ، أَبو يَعقوب النَّيسابوري. إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن، أَبو يَعقوب البَغَوي. إسحاق بن إبراهيم الفارسي. إسحاق بن إبراهيم الخُتَّلي. إسحاق بن بُنان، إسحاق بن بهلول الأنباري. إسحاق بن حَنبل، أَبو يَعقوب الشيباني- عم أَحمد بن حنبل- إِسحاق بن الجراح الأَذَني. إسحاق بن الحسن بن ميمون بن سعد، أبو يعقوب الحربي. إِسحاق بن حَيّة، أَبو يعقوب الأَعمش. إسحاق بن منصور بن بهرام، أَبو يعقوب الكَوْسَج المروزي. مثاني الأسماء ومفاريدها في حرف الألف إدريس بن جعفر بن يزيد، أَبو محمد العطار. إدريس بن عبد الكريم، أَبو الحسن الحداد. أَيوب بن إسحاق بن إبراهيم بن سافري، أَبو سليمان. أَسود ابن عامر، أَبو عبد الرحمن المعروف بشاذان. أَعين بن زَيد.

حرف الباء بدر بن أَبي بدر المغازلي- قد سبق فيمن اسمه أَحمد- بشر بن موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة، أبو علي الأَسدي. بَقِيّ بن مَخْلَد، أَبو عبد الرحمن الأَندلسي. بَكر بن محمد النسائي. بُنان بن أَحمد بن خُفاف. حرف التاء تَميم بن محمد، أَبو عبد الرحمن الطوسي. وليس في حرف الثاءِ أَحد. حرف الجيم من اسمه جَعفر جعفر بن أحمد الأّذني. جعفر بن أَحمد بن مَعبد المؤدّب. جعفر بن أَحمد بن أَبي قيماز الضرر. جعفر بن شاكر. جعفر بن عامر. جعفر بن عبد الواحد. جعفر بن كُزال الشقراني. جعفر بن محمد بن هاشم، أَبو الفضل. جعفر بن محمد بن أَبي عثمان، أَبو الفَضل الطيالسي. جعفر بن محمد، أَبو محمد النسائي. جعفر بن محمد الشاشي. جعفر بن محمد بن شاكر، أَبو مُحمد الصائغ. جعفر بن محمد بن عبيد الله بن يزيد المنادي. جعفر بن محمد بن علي، أَبو القاسم الوراق البلخي. جعفر بن محمد بن معبد. جعفر بن محمد بن هُذَيل، أَبو عبد الله الكوفي. جعفر بن مكرم. جعفر الأنماطي.

مفاريد الأسماء الجُنيد بن محمد الصوفي. جَهم العُكْبَرِي. حرف الحاء من اسمه الحَسن الحسن بن أحمد الإسفراييني. الحسن بن إسماعيل الرَّبَعي. الحسن بن أَيوب البغدادي. الحسن بن ثواب، أَبو علي التَّغلبي. الحسن بن الحسين. الحسن ابن زياد. الحسن بن الصَّبّاح بن محمد، أَبو علي البَزّار. الحسن بن عبد العزيز، أَبو علي الجَروي. الحسن بن عَرفة. الحسن بن علي الحلواني. الحسن ابن علي، أَبو علي الإسكاف. الحسن بن علي بن محمد بن بَحْر بن بَرِّي القطان. الحسن بن علي الأُشناني. الحسن بن القاسم، جار أَحمد. الحسن بن الليث الرازي. الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني. الحسن بن محمد الأَنماطي. الحسن بن محمد بن الحارث السِّجِسْتاني. الحسن بن موسى، أَبو علي الأَشْيَب. الحسن بن مَنصور الجَصّاص. الحسن بن مَخلد بن الحارث. الحسن بن الوَضّاح، أَبو محمد المؤدِّب. الحسن بن الهيثم البزار. الحسن المرّوذي.

من اسمه الحُسَين الحسين بن إسحاق الخِرقي. الحسين بن إسحاق التُّسْتَريّ. الحسين بن الحسن المروَزي. الحسين بن بشار المخَرّمي. الحسين بن علي، أَبو علي. الحسين بن مِهران. حُسين الصائغ. من اسمه حُميد حميد بن الربيع، أَبو الحسن اللَّخْمِيّ الخزَّاز. حُميد بن زَنْجُويه، أَبو أَحمد الأَزدي. حميد بن الصَّبّاح، مولى المنصور. مثاني الأسماء ومفاريدها حُبَيش بن سندي. حُبيش بن مُبَشر الثقفي. حُرَيث بن عبد الرحمن، أَبو عمرو. حُرَيث، أَبو عمار. حاتم بن الليث، أَبو الفضل الجوهري. حارث بن سُرَيْج، أَبو عمرو النَّقال. حَجَّاج بن يوسف بن حَجاج، أَبو محمد الثقفي- وهو ابن الشاعر-. حرب بن إِسماعيل الكِرْماني. حَرَمِيّ بن يونس. الحكم ابن نافع، أَبو اليمان. حَمدويه بن شداد. حنبل بن إِسحاق بن حنبل، أَبو علي ابن عم أَحمد بن حنبل. حمدان بن حمدان بن ذي النون. حرف الخاء خالد بن خِداش المُهَلَّبي. خَشْنَام بن سعد. خَطاب بن بشر بن مطر، أَبو عمر البغدادي. خَلف بن هشام البَزَّار.

حرف الدال داود بن عمرو الضَّبي. دلان أَبو الفضل البخاري. وليس في حرف الذال أَحد. حرف الراء الرَّبيع بن نافع، أَبو تَوبة. رَجاء بن أَبي رَجاء، أَبو محمد المروَزي- واسم أَبي رجاء: حي بن رافع-. حرف الزاي زُهير بن صالح بن أَحمد بن حَنبل. زُهير بن محمد بن قمير. زهير بن أَبي زُهير. زَكريا بن يحيى، أَبو يحيى الناقد. زياد بن أَيوب، أَبو هاشم الطّوسي. حرف السين من اسمه سُليمان سليمان بن الأَشعث، أَبو داود السِّجِسْتاني. سليمان بن داود الشَّاذَكُوني. سليمان بن عبد الله السِّجْزي. سليمان بن عبد الله، أَبو مقاتل. سليمان بن المعافى بن سليمان الحَرّاني. سليمان القصير.

من اسمه سَعيد سعيد بن سَافري الواسطي، سعيد بن محمد الرَّفّاء. سعيد بن نوح العِجْلي. سعيد بن يَعقوب. سعيد بن أَبي سعيد، أبو نَصر الأراطي. مفاريد الأسماء سَعدان بن يزيد. سَلمة بن شَبيب. سُفيان بن وَكيع. سندي، أَبو بَكر الخَوَاتِيمي. حرف الشين شاهين بن السَّمَيذَع، أَبو سلمة العبدي. شُجاع بن مخلد، أبو الفضل البَغَوي. حرف الصاد من اسمه صالح صالح بن أَحمد بن حنبل. صالح بن أَحمد الحلبي. صالح بن إِسماعيل. صالح ابن زياد السوسي. صالح بن علي الهاشمي. صالح بن علي النَّوفلي. صالح بن عمران، أَبو شعيب. صالح بن موسى، أبو الوجيه. الأسماء المفردة صَدقة بن موسى بن تميم. صفدي بن الموفّق السراج. وليس في حرف الضاد شيء.

حرف الطاء طاهر بن محمد بن نزار. طاهر بن محمد الحلبي. طالب بن حرة الأَذَني. طَلحة بن عُبيد الله البغدادي. حرف الظاء ظُلَيم بن حُطَيط. حرف العين من اسمه عبد الله عبد الله بن أحمد بن حنبل، عبد الله بن بشر الطالقاني. عبد الله بن جَعفر، أَبو بكر التاجر. عبد الله بن حاضر الرازي. عبد الله بن شَبّويه. عبد الله بن العباس الطيالسي. عبد الله بن عبد الرحمن السَّمَرْقَنْدِي. عبد الله بن عمر بن أَبان القُرشي- يُعرف بمُشْكُدانة- عبد الله بن محمد بن سَلام. عبد الله بن محمد بن شاكر، أَبو البَختري العنبري. عبد الله بن محمد بن صالح بن شيخ بن عميرة الأَسدي. عبد الله بن محمد البَغَوي. عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا. عبد الله بن محمد بن المهاجر، أبو محمد- المعروف بفُوران- عبد الله ابن محمد بن الفَضل الصيداوي. عبد الله بن محمد، أَبو محمد اليمامي. عبد الله ابن يزيد العُكْبَرِي. عبد الله بن أَبي عَوانة الشاشي.

من اسمه عُبيد الله عبيد الله بن أَحمد بن عُبيد الله، أَبو عبد الرحمن. عبيد الله بن سَعيد الزهري. عبيد الله بن سَعيد، أَبو قُدامة السَّرخسي. عبيد الله بن عبد الله، أَبو عبد الرحمن النَّيْسابُوري. عبيد الله بن عبد الكريم، أَبو زُرْعة الرازي. عبيد الله بن محمد المَرْوَزي. عبيد الله بن يَحيى بن خاقان. من اسمه عبد الرحمن عبد الرحمن بن إبراهيم، أَبو سَعيد الدمشقي- المعروف بدُحَيْم- عبد الرحمن بن زاذان، أَبو عيسى الرَّزاز. عبد الرحمن بن عمر بن صفوان، أَبو زُرْعة النَّصْري الدِّمشقي. عبد الرحمن بن مهدي. عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان. عبد الرحمن، أَبو الفضل المُتَطبِّب. من اسمه عبد الصمد عبد الصمد بن سُليمان بن أَبي مطر. عبد الصمد بن الفضل. عبد الصمد بن محمد العَبّاداني. عبد الصمد بن يحيى. من اسمه عبد الملك عبد الملك بن عبد الحميد الميموني. عبد الملك بن محمد، أبو قلابة الرَّقَاشِي.

مَفاريد العبادلة عبد الخالق بن منصور. عبد الرزاق بن هَمام. عبد الوهَّاب الوراق. عبد الكريم بن الهيثم، أَبو يحيى القَطان. عبد الكريم- غير منسوب-. من اسمه عُمر عمر بن بكار القافلاني. عمر بن حَفص السَّدوسي. عمر بن صالح بن عبد الله. عمر بن سليمان، أَبو حفص المؤدّب. عمر بن عبد العزيز، جليس بشر الحافي. عُمر بن مدرك، أَبو حفص القاص. عمر الناقد. من اسمه عُثمان عثمان بن أحمد الموصلي. عثمان بن سَعيد بن خالد، أَبو سعيد السِّجِستاني. عثمان بن صالح الأَنطاكي. عثمان الحارِثي. من اسمه علي علي بن أَحمد الأَنطاكي. علي بن أَحمد ابن بنت مُعاوية بن عمرو البغدادي. علي بن أَحمد الأَنماطي. علي بن أَحمد بن النضر، أَبو غالب الأَزدي. علي بن الجَهم. علي بن الحَسَن الهِسِنْجاني. علي بن الحسن المصري. علي بن الحسن

ابن زياد. علي بن حجر. علي بن حَرب الطائي. علي بن زيد. علي بن سعيد ابن جَرير النسائي. علي بن سَهل بن المغيرة البَزّاز. علي بن شوكر. علي بن عبد الله بن المديني. علي بن عبد الصمد الطَّيالسي. علي بن عبد الصمد البغدادي. علي بن عبد الصمد المكي. علي بن عثمان بن سعيد الحراني. علي ابن الفُرات الأَصبهاني. علي بن محمد المصري. علي بن محمد القُرشي. علي بن الموفق العابد. علي الخَوّاص. علي بن أَبي خالد. من اسمه العَباس العباس بن أَحمد اليماني. العباس بن عبد الله النَّخْشبي. العباس بن عبد العظيم العنبري. العباس بن علي بن الحسن بن بَسام. العباس بن محمد بن حاتم الدُّوري. عباس بن محمد الجوهري. عباس بن محمد بن موسى الخَلّال. عباس بن مَشْكويه الهمداني. من اسمه عَمرو عمرو بن الأَشعث الكندي. عمرو بن تَميم. عمرو بن مَعْمر، أَبو عثمان. مثاني الأسماء ومَفاريدها عبدوس بن عبد الواحد، أَبو السرَّي. عبدوس بن مالك، أَبو محمد العطار. عَثَّام بن علي. عصمة بن أَبي عصام، أَبو طالب العُكْبَري. عصمة بن عصام. عارم أَبو النعمان البصري. عمار بن رجاء. عَلّان بن

عبد الصمد. عيسى بن جعفر، أَبو موسى الورّاق. عيسى بن فَيروز الأَنباري. عسكر بن الحصين، أَبو تراب النَّخْشَبي. عُقبة بن مكرم. حرف الفاء من اسمه الفضل الفَضل بن أَحمد بن منصور المقرئ. الفضل بن أَحمد الدَّينَوري. الفَضْل بن الحُبَاب، أَبو خَليفة الجُمَحِي. الفضل بن زياد، أَبو العباس القطان. فَضل بن سهل الأَعرج. الفضْل بن عبد الله الحِمْيَري. الفضل بن عبد الصمد الأَصفَهاني. الفضل بن محمد النحوي. الفضل بن مُضر. الفضل بن مِهران. الفضل بن نوح. مفاريد الأسماء الفَرج بن الصباح البرْزاطي. الفَتح بن شخرف. حرف القاف من اسمه القاسم القاسم بن الحارث المروَزي. القاسم بن سَلّام، أَبو عُبيد. القاسم بن عبد الله البغدادي. القاسم بن مُحمد المروَزي. القاسم بن نَصر المخرمي. القاسم ابن نصر البصري. القاسم بن يونس لاحمصي. قاسم الفَرْغاني.

مفاريد الأسماء قُتَيبة بن سَعيد. وليس في حرف الكاف أَحد، ولا في حرف اللام. حرف الميم من اسمه مُحمد محمد بن أحمد بن الجراح الجوزجاني. محمد بن أَحمد بن المثنّى، أَبو جَعفر. محمد بن أَحمد بن أَبي العوام الرياحي. محمد بن أَحمد المَرُّوذي. محمد بن إِبراهيم بن زياد. محمد بن إبراهيم بن سَعيد البُوشَنْجي. محمد بن إبراهيم ابن الفَضل السَّمرقندي. محمد بن إبراهيم بن مُسلم الطَّرسوسي. محمد بن إِبراهيم بن يَعقوب. محمد بن إبراهيم، أَبو جَعفر الأَنماطي، مُرَبَّع، محمد ابن إبراهيم، أَبو حَمزة الصوفي. محمد بن إبراهيم المساتوي. محمد بن إبراهيم الأشناني. محمد بن إبراهيم القيسي. محمد بن إسحاق بن راهويه. محمد بن إسحاق الصَّغَاني. محمد بن إسحاق، أَبو الفتح المؤدب. محمد بن إسماعيل البخاري. محمد بن إسماعيل التّرمذي. محمد بن إسماعيل الصايَغ. محمد بن إدريس الشافعي. محمد بن إدريس بن المنذر، أَبو حاتم الرازي. محمد بن أَشْرس الحَربي. محمد بن أَبان، أَبو بكر. محمد بن بشر بن مَطر. محمد بن بُنْدار الجُرجاني. محمد بن جَعفر الوَرْكاني. محمد بن جعفر القَطِيعي. محمد بن الجُنيد الدَّقاق. محمد بن الحسن بن بَدينا، أَبو جعفر. محمد بن الحسين

البُرْجُلاني. محمد بن حَمْدان العَطَّار. محمد بن حماد بن بكر، أَبو بكر المقرئ. محمد بن حبيب البزاز. محمد بن الحكم، أَبو بكر الأَحول. محمد بن حَسنويه الأَدمي. محمد بن حُميد الأَندَرابي. محمد بن خالد الشيباني. محمد ابن داود بن صبيح المِصِّيصي. محمد بن رجاء. محمد بن رافع. محمد بن رَوح. محمد بن زَنجويه. محمد بن زهير. محمد بن سَهل بن عَسكر. محمد ابن سَعيد بن صبيح. محمد بن سُليمان الباوزي. محمد بن شداد الصغدي. محمد بن طَريف الأَعين. محمد بن طارق البغدادي. محمد بن عبد الله بن ثابت. محمد بن عبد الله بن جعفر الزُّهيري. محمد بن عبد الله بن سليمان، أبو جعفر الحضرمي، مُطَيّن. محمد بن عبد الله بن مِهران الدِّينوري. محمد بن عبد الله بن عتاب، أَبو بكر الأنماطي. محمد بن عبد الله، أَبو جعفر الدينوري. محمد بن عبيد الله بن يزيد، أَبو جعفر المنادي. محمد بن عبد العزيز أَبيوردي. محمد بن عبد الرحمن الشامي. محمد بن عبد الرحمن الصيرفي. محمد بن عبد الرحمن الدّينوري. محمد بن عبد الرحيم، أَبو يحيى البزاز- يُعرف بصاعِقه- محمد بن عبد الملك الدقيقي. محمد بن عبد الملك بن زَنجويه. محمد بن عبد الوهَّاب، أَبو أَحمد. محمد بن عبد الجبار. محمد بن عَبْدَك القزاز. محمد بن عبدوس بن كامل السراج. محمد بن علي بن الحسن بن شقيق. محمد بن علي بن داود، أَبو بكر الحافظ- يعرف بابن أُخت غزال- محمد بن علي بن عبد الله، أَبو جعفر الوَرّاق الجُرجاني- يعرف بحمدان- محمد بن علي، أَبو جعفر الجوزجاني. محمد بن علي بن داود، أَبو بكر

الحافظ. محمد بن عِمران الخياط. محمد بن عوف بن سُفيان الطائي. محمد بن عيسى الجَصّاص. محمد بن العباس النَّسائي. محمد بن عَتّاب، أَبو بَكر الأَعين. محمد بن غسان الغَلابي. محمد بن الفضل العَتَّابي. محمد بن قُدامة الجَوهري. محمد بن محمد بن إدريس الشافعي. محمد بن مُحمد بن أَبي الوَرد. محمد بن منصور الطوسي. محمد بن مُصعب، أَبو جعفر الدَّعّاء. محمد بن ماهان النَّيسابوري. محمد بن المسيّب. محمد بن موسى بن مُشَيْش. محمد بن موسى النَّهْرتِيري. محمد بن مُسلم بن وَارَة. محمد بن المصفّى. محمد بن مُطهر المصّيصي. محمد بن مُقاتل العَبّاداني. محمد بن نصر بن مَنصور الصايغ. محمد بن النَّقيب بن أَبي حرب الجَرْجَرائي. محمد بن الوليد بن أَبان. محمد بن الهيثم المقري. محمد بن هبيرة البَغوي. محمد بن هارون الحَمّال. محمد بن ياسين البلدي. محمد بن يحيى الذُّهلي. محمد بن يحيى ابن أَبي سَمينة. محمد بن يَحيى الكَحّال. محمد بن يوسف البيكَنْدي. محمد ابن يوسف بن الطَّباع. محمد بن يونس الكُدَيمي. محمد بن يونس السَّرخسي. محمد بن أَبي حرب الجَرْجَرائي. محمد بن أَبي السَّري، أَبو جعفر البغدادي. محمد بن أَبي صالح المكي. محمد بن أَبي عبد الله الهمداني، يعرف بمَتُّويَه. محمد بن أَبي عَبدة الهمذاني. من اسمه موسى موسى بن إسحاق بن موسى الخَطْمي. موسى بن الحسن أَبو عمران.

موسى بن سعيد الدَّنداني. موسى بن عُبيد الله بن يحيى بن خاقان، أَبو مُزاحِم. موسى بن عيسى الجَصّاص. موسى بن هارون الحَمّال. مثاني هذا الحرف ومفاريده مُبارك بن سليمان. مُثَنى بن جامع الأنباري. مُجاهد بن موسى. محمود بن خِداش. محمود بن خالد. محمود بن غَيلان. مذكور. مرار بن أَحمد. مُسلم بن الحجاج. مُسَدَّد بن مُسَرْهَد. مُضر بن محمد الأسدي. معاذ بن المثنى العنبري. معاوية بن صالح. مَعروف الكَرخي. المفضَّل بن غسان البصري. مُقاتل بن صالح الأَنماطي. منصور بن إبراهيم القَزويني. منصور بن محمد بن خالد الأَسدي. المنذر بن شاذان. مُهَنَّا بن يحيى الشامي. ميمون بن الأَصبغ. حرف النون نَصر بن عمار الحَواجبي. نُعيم بن ناعم. نعيم بن طريف. نوح بن حَبيب القُومِسي. حرف الواو وَكيع بن الجَراح. وُرَيْزَة بن محمد الحمصي.

حرف الهاء من اسمه هارون هارون بن سُفيان المستملى. هارون بن عَبد الله الحَمّال. هارون بن عبد الرحمن العُكْبَرِي. هارون بن عيسى، أَبو حامد الخياط. هارون بن يَعقوب الهاشمي. هارون الأَنطاكي. من اسمه هِشام هشام بن عبد الملك، أَبو الوليد الطيالسي. هشام بن منصور، أَبو سعيد. مفاريد الأسماء هِلال بن العَلاء الرَّقي. الهيثم بن خَارِجَة. هَيْذَام بن قُتَيبة المروَزي. حرف الياء من اسمه يحيى يحيى بن أَيوب العابد. يحيى بن آدم، أَبو زكريا. يَحيى بن خاقان. يحيى ابن زكريا المروَزي. يحيى بن زَكريا، أَبو زكريا الأَحول. يحيى بن سعيد القَطان. يحيى بن صالح الوُحَاظي. يحيى بن عبد الحميد الحِمّاني. يحيى بن المختار النَّيسابوري. يحيى بن مَعِين. يحيى بن منصور بن الحسن الهروي. يحيى بن نُعيم. يحيى بن هِلال الوَرّاق. يحيى بن يَزْداد، أَبو الصقر. من اسمه يَعقوب يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدَّوْرَقي. يعقوب بن إسحاق بن بُخْتان أَبو

يوسف. يعقوب بن إسحاق الحَلبي. يعقوب بن سفيان النَّسوي. يعقوب بن شيبة. يعقوب بن العباس الهاشمي. يعقوب بن يوسف، أَبو بكر المُطوَّعي. يعقوب بن يوسف الحربي. يعقوب ابن أَخي مَعروف الكَرْخِي. من اسمه يوسف يوسف بن بحر. يوسف بن الحُسين الرازي. يوسف بن موسى العَطار. يوسف بن موسى القَطان. يوسف بن موسى بن راشد الكوفي. من اسمه يَزيد يزيد بن جَهْور، أَبو الليث. يزيد بن خالد بن طُهْمان. يزيد بن هارون. المفاريد ياسين بن سَهل القَلّاس. ذكر من رَوى عنه ممن يُعرف بكنيته أَبو بكر بن عنبر الخراساني. أَبو بكر الطبراني. أَبو داود الكاذِي. أَبو داود الخَفّاف. أَبو السَّري. أَبو عبد الله السُّلمي. أَبو عبد الله النَّوفلي. أَبو عبد الله بن أَبي هشام. أَبو عُبيد الله. أَبو عِمران الصوفي. أَبو غالب ابن بنت مُعاوية. أَبو قِلابة الرّقاشي. أَبو محمد ابن أَخي عُبيد بن شريك. أَبو المثنى العَنبري.

ذكر من رَوى عنه من النساء حُسْن جارية أَحمد بن حنبل. خَديجة أُم محمد. رَيْحانة بنت عَمّ أَحمد بن حنبل، وهي زَوجته أُم عبد الله. عَباسة بنت الفضل زوجة أَحمد بن حنبل، وهي أُم صالح. مَخَّة أُخت بشر الحافي.

الباب الثالث عشر في ذكر ثناء نظرائه وأقرانه ومقاربيه في السن عليه

الباب الثالِث عشر في ذكر ثناء نُظرائِه وأقرانه ومقاربيه في السن عليه فمنهم أكبر منه ومنهم أصغر منه محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه أخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أَخبرني محمد بن محمد بن محمود، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل الزاهد. وأخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن محمد بن خُزيمة، قال: حدثنا محمد بن الحسين. وأَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا علي بن عبد الله، قال: أخبرنا أَحمد بن الحسن المعدَّل. وأَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أَبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السرّاج، قالوا: حدثنا الأَصم، قال: سمعتُ أَبا يَعقوب الخُوارِزمي، يقول: سمعتُ حَرْمَلة بن يحيى، يقول: سمعتُ الشافعي، يقول: خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أَحداً أَورعَ ولا أَتقى ولا أَفقه- وأظنه قال- ولا أعلمَ من أَحمد بن حنبل.

أَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرني جعفر بن محمد، قال: أخبرنا محمد بن محمد الفَقيه، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن أحمد بن فراشة، قال: سمعت طلحة بن عمر الحَذَّاء يقول: سمعتُ محمد بن سيف، قال: سمعت المزني، قال: سمعت الشافعي يقول لي: ثلاثة من العلماءِ من عجائب الزمان: عربي لا يُعرب كَلمة؛ وهو أَبو ثَور، وأَعجمي لا يخطئ في كلمة؛ وهو الحسن الزَّعفراني، وصَغير كلما قال شيئاً صدقه الكبار؛ وهو أَحمد بن حَنبل. أَنبأَنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا عُبيد الله بن عُمر بن شاهين، قال: حدثني أَبي، قال: حدثنا محمد بن العباس بن الوليد النَّحوي، قال: سمعتُ محمد بن هارون الأَنصاري، يقول: سمعتُ حَرْملة بن عِمران، يقول: سمعت الشافعي يقول- عند قدومه إلى مصر من العراق-: ما خَلَّفت بالعراق أحداً يشبه أَحمد بن حنبل. أَخبرنا عبد الله بن علي، قال: أخبرنا عبد الملك بن أَحمد السُّيوري، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي بن الفضل. وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد القَزَّاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا إِبراهيم بن عمر البَرْمَكِي، قالا: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أَبو محمد بن أَبي حاتم، قال: حدثنا إِبراهيم بن خالد الرازي، قال: سمعتُ محمد بن مُسلم، يقول: سمعتُ الحسن بن محمد بن الصباح، يقول: قال الشافعي: ما رأَيتُ أعقل من رَجلين: أَحمد بن حنبل، وسُليمان ابن داود الهاشمي.

أبو بكر عبد الله بن الزبير الحُمَيدي أخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: حدثنا أبو يعقوب، قال: أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، قال: حدثنا أَبو جعفر الشامي، قال: سمعتُ علي بن خَلف يقول: سمعت الحُميدي يقول: ما دمتُ بالحجاز، وأَحمد بالعراق، وإسحاق بخُراسان، لا يغلبنا أَحد. ابن أبي أُويس أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عُمر البَرْمكي، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر: حدثنا أَبو بكر الخَلّال، قال: حدثنا محمد بن ياسين البَلدي، قال: سمعت ابن أَبي أُويس- وقد قال عنده بعض أَصحاب الحديث: ذهب أَصحاب الحديث- فقال ابن أَبي أُويس: ما أبقى الله أحمد بن حنبل، فلم يذهب أَصحاب الحديث. علي بن المديني أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا محمد بن العباس، قال: أخبرنا محمد بن أَحمد بن موسى الشَّيباني، قال: أخبرنا أَحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الشامي، قال:

حدثنا محمد بن نَصر الفراء، قال: قال لي علي بن المديني: اتخذت أَحمد بن حنبل إماماً فيما بيني وبين الله، ومن يَقْوَى على ما يقوى عليه أَبو عبد الله؟ أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت. وأَخبرنا إسماعيل بن أَحمد ومحمد بن عبد الباقي قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَبو نُعَيم الحافظ، قال: حدثنا سليمان الطبراني، قال: حدثنا محمد بن أَحمد بن البراء، قال: سمعتُ علي بن المَدِيني يقول: أحمد بن حنبل سَيدنا. أَنبأَنا علي بن عُبيد الله، قال: سمعت أَبا محمد بن عطاء قال: سمعتُ يعقوب بن أَحمد الصيرفي، يقول: سمعتُ أَبا عَمرو البَحيري يقول: سمعت أَحمد بن نصر، يقول: سمعت أَحمد بن حاتم، يقول: سمعت إبراهيم بن إسماعيل، يقول: قدم علينا علي بن المدِيني، فاجتمعنا عنده فسألناه الحديث. فقال: إن سيدي أَحمد بن حنبل، أَمرني أَن لا أُحدِّث إِلا من كتاب. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحريري، قال: أخبرنا أَبو عمر بن حَيّويه، قال: حدثنا أَبو القاسم عبد الله بن محمد المروَزي، قال: سمعت محمد بن عبدويه، يقول: سمعت علي بن المديني- وذكر أَحمد بن حنبل- فقال: هو أفضل عندي من سَعيد بن جُبير في زمانه، لأَن سعيداً كان له نُظراء،

وإن هذا ليس له نظير، أَو كما قال. أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد. وأَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قالا: حدثنا أَبو محمد بن أَبي حاتم، قال: حدثنا الحسين بن الحسن الرازي، قال: سمعت علي بن المديني يقول: ليس في أصحابنا أَحفظ من أَبي عبد الله أَحمد بن حنبل؛ وبلغني أَنه لا يحدث إِلا من كتاب ولنا فيه أُسوة حسنة. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الملك بن محمد، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: حدثني أَبو سعيد محمد بن أَحمد بن بشر، قال: حدثنا أَبو زُرْعَة أَحمد بن الحسين الرازي، قال: حدثنا عبد الله بن أَبي سعيد البزاز، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: لأَن أَسأَل أَحمد بن حنبل عن مسألة، أَحب إليّ من أَن أَسأَل أَبا عاصم وعبد الله بن داود، العلم ليس هو بالسن. أَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: حدثنا أَبو حامد الأَزهري أَحمد بن محمد، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن عبد الله القَيسي، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن الوليد الأَصبهاني، قال: حدثني محمد بن العباس بن خالد، قال: سمعت علي بن

المديني- وذُكر عنده أحمد بن حنبل- فقال: حفظ الله أَبا عبد الله؛ أَبو عبد الله اليوم حجة الله على خَلقه. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أَخبرنا أَحمد بن علي، قال: أخبرنا أَبو بكر محمد بن الحسين بن إبراهيم الخَفّاف، قال: حدثنا أَبو الحسن علي بن أَحمد الصوفي، قال: حدث أَبو يَعْلى المَوْصِلي وأَنا أَسمع، قال: سمعتُ علي ابن المَديني، يقول: إِن الله عز وجل أعزَّ هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث؛ أَبو بكر الصدّيق يوم الرِّدة، وأَحمد بن حنبل يوم المِحنة. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي، قال: حُدِّثت عن عبد العزيز بن جعفر، قال: سمعتُ أَبا بكر الخلّال، يقول: حدثني الميموني، قال: سمعتُ علي بن المديني، يقول: ما قام أَحد بأَمر الإسلام بعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قامَ أَحمد بن حنبل. قلت: يا أَبا الحسن، ولا أَبو بكر الصديق؟ قال: ولا أَبو بكر الصديق: إنَّ أَبا بكر الصديق كان له أَعوانٌ وأَصحاب؛ وأَحمد بن حنبل لم يكن له أَعوانٌ ولا أَصحاب. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا أَبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي، قال: أخبرنا يوسف بن عمر، قال: حدثنا علي بن أَحمد الواسطي، قال: سمعت أَبا يَعلى المَوْصِلي، يقول: سمعت علي بن المديني، يقول: إن الله أَعزَّ هذا الدين برجلين، ليس لهما ثالث إلى يوم القيامة، بأَبي بكر الصديق يوم الردَّة. وأَحمد بن حنبل يوم المِحنة- وفي لفظ آخر-: وقد كان لأبي بكر الصديق أعوانٌ وأَصحاب، وأَحمد ليس له أَعوانٌ ولا أَصحاب.

أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر الخَلّال، قال: حدثني محمد بن أَبي هارون الوَرّاق، قال: سمعت علي بن عبد الله بن جَعفر، يقول: أَعرف أَبا عبد الله منذ خمسين سنة يَزداد خيراً. أَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن صالح، قال: أخبرنا أَبي، قال: أخبرنا أَبو حاتم ابن حبّان، قال: حدثنا الضَّحاك بن هارون، قال: حدثنا أحمد بن محمد الأصْفري، قال: حدثنا القَواريري، قال: سمعتُ يَحيى بن سعيد، يقول: تَلومونني على حب علي بن المديني وأنا أَتعلم منه! أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثنا الأَزهري، قال: حدثنا محمد بن المظفَّر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَحمد بن الحَجّاج، قال: حدثنا محمد بن علي بن داود، قال: سمعتُ علي بن داود، قال: سمعتُ عُبيد الله بن علي القَواريري، يقول: سمعت يَحيى بن سعيد، يقول: الناسُ يلومونني في قعودي مع علي، وأَنا أَتعلم من علي أَكثر مما يتعلم مني. أبو عُبيد القاسم بن سَلّام أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الملك بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن

محمد الجَوْزقي، قال: سمعت أَبا حامد الشَّرْقي، قال: سمعت أَحمد بن سَلمة يقول: سمعت أَحمد بن عاصم، يقول: سمعتُ أَبا عُبيد القاسم بن سَلّام يقول: انتهى العلم إِلى أَربعة؛ إِلى أَحمد بن حنبل وهو أَفقَهُهم فيه، وإِلى ابن أَبي شَيْبَة وهو أَحفَظُهم له، وإِلى علي بن المَدِيني وهو أَعلَمُهم به، وإِلى يَحيى بن مَعِين وهو أَكْتَبُهم له. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إِبراهيم بن مر البَرْمَكي، قال: حدثنا علي بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: حدثنا أَحمد بن سَلمَة النيسابوري، قال: قال عبد الله بن أَبي زياد. وأَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أَخبرني البرقاني، قال: حدثني محمد بن أحمد بن محمد الأَدمي، قال: حدثنا محمد بن علي الإِيادي، قال: حدثنا أَبو يَحيى السّاجي، قال حدثني: أَبو أُسامة عبد الله بن أُسامة الكَلبي، قال: حدثني عبد الله بن أَبي زياد القَطَواني، قال: سمعت أَبا عُبيد القاسم بن سَلّام يقول: انتهى العِلم إِلى أَربعة؛ أَحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويَحيى بن مَعِين، وأَبي بكر بن أَبي شيبة، وكان أحمد أَفقههم فيه. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال:

أخبرنا محمد بن العباس الكاتب، قال: أخبرنا محمد بن أَحمد بن موسى الشيباني، قال: حدثنا أَبو جعفر أَحمد بن محمد الشامي، قال: حدثنا محمد ابن نصر الفَراء، قال: سمعت أَبا عُبيد يقول: أَحمد بن حنبل إِمامنا، إِني لأَتزيَّن بذِكره. أَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي المرْوَرّوذِي قال: حدثنا محمد بن الحسن بن موسى، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا محمد بن موسى الحلواني، قال: حدثنا أَبو بكر الأَثْرَم، قال: كنا عند أَبي عُبيد وأَنا أُناظر رجلاً عنده، فقال لي الرجل: من قال بهذه المسأَلة؟ فقلتُ: مَن ليس في شرقٍ ولا غربٍ مثله قال: من؟ قلت: أَحمد بن حنبل، قال أَبو عبيد: صدق، من ليس في شرقٍ ولا غربٍ مثله؛ ما رأَيت رجلاً أَعلم بالسنّة منه. أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن سُفيان الرَّقي، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الحَميد الميموني، قال: قال أَبو عُبيد القاسم بن سَلّام: جالستُ أَبا يوسف القاضي ومحمد بن الحسن- وأَكثر علمي أَنه قال: ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن ابن مهدي- فما هِبْتُ أَحدأً في مسأَلة ما هِبْتُ أَبا عبد الله أَحمد بن حنبل.

أخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أَنبأَنا أَبو علي الحسن بن أَحمد، قال: أخبرنا أَبو الفتح محمد بن أَحمد بن أَبي الفَوارس، قال: أَخبرنا أَحمد بن جعفر ابن سَلْم الخُتَّلي، قال: أخبرنا أَبو بكر محمد بن يحيى بن سليمان المروَزي، قال: قال أَبو عُبيد القاسم بن سلام: زُرت أَحمد بن حنبل يوماً في بيته فأَجلسني في صَدْرِ دَارِهِ وجلس دوني. فقلتُ: يا أَبا عبد الله، أَليسَ يُقال: صاحب البيت أَحق بصدر بيته؟ فقالَ: نعم، يَقعد ويُقْعِد مَن يريد. قال: فقلتُ في نفسي: خُذْ إِليكَ يا أَبا عُبيد فائدة، قال: ثم قلت له: يا أَبا عبد الله، لو كنتُ آتيك على نحو ما تَستحق لأَتيتك كل يوم، فقال: لا تقل، إِنّ لي إِخواناً لا أَلقاهم إِلا في كلّ سنة مرةً، أَنا أَوثق بمودتهم ممن أَلقى كلَّ يوم. قال: قلت: هذه أُخرى يا أَبا عبيد. فلما أَردتُ القيام قام معي، فقلت: لا تفعل يا أَبا عبد الله. فقال: قال الشعبي: مِن تمام زِيارة الزائر أَن تَمشي معه إِلى باب الدار وتأَخذ بركابه. قال: قلت: يا أَبا عُبيد، هذه ثالثة. قال: فمشى معي إلى باب الدار وأَخذ برِكابي. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أَنبأَنا إِبراهيم بن سعيد بن عبد الله الحبال، قال: أخبرنا يحيى بن علي بن محمد الحَضرمي، قال: حدثنا الحسن ابن رشيق، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، قال: حدثنا القاسم بن محمد المؤدّب، عن محمد بن أَبي بشر، قال: أَتيتُ أَحمد بن حنبل في

مسأَلة، فقال: ائتِ أَبا عُبيد فإِنّ له بياناً لا تسمعه من غيره، فأَتيتُ أَبا عُبيد، فسأَلته فَشفاني جوابه، وأَخبرته بقول أَحمد، فَقال: يا ابن أَخي، ذاكَ رجل من عمال الله، نَشر الله رداءَ عمله في الدنيا، وذَخر له عنده الزُّلفى، أَما تراه مُحَبباً أَلوفاً مألوفاً، ما رأت عَيناي بأرضِ العراق رجلاً اجتمعت فيه خِصالٌ هي فيه؛ فبارك الله له فيما أعطاه من الحِلم والعلم والفَهم، ثم قال: وإنه لكَما قال مُطريه: يَزينُك إِمّا غابَ عنكَ فإِن دَنا ... رأيتَ له وَجهاً يَسُرُّكَ مُقبِلاً يُعلِّم هذا الخَلقَ ما شَذَّ عنهُمُ ... مِن الأَدبِ المجهولِ كَهفاً ومَعْقِلاً ويَجْسُر في ذاتِ الإِله إِذا رَأَى ... مَضيماً لأَهل الحقِّ لا يَسأَم البَلا وإخوانه الأَدْنَون كلُّ موفَّقٍ ... بَصيرٍ بأَمرِ الله يَسمو إِلى العُلا يحيى بن مَعين أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: أخبرنا حَمدان بن أَحمد، ومحمد ابن أَحمد العَدل، قالا: أخبرنا أَحمد بن محمد بن ياسين، قال: سمعت إِبراهيم الحربي يقول: قال يحيى بن مَعِين: ما رأَيتُ أَحداً يُحدّث لله إِلا ثَلاثة: يَعلى بن عُبيد، والقَعْنَبي، وأَحمدُ بن حَنبل. أَخبرنا أَبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أَبو بكر أَحمد بن علي بن ثابت، قال: اخبرني الأَزهري، قال: ذكر القاضي أَبو الحسن علي بن الحسن الجراحي أَن أَحمد بن محمد بن سَعيد حدثهم قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قُتيبة،

قال: سمعتُ يَحيى بن مَعِين، يقول: ثقات الناس أَو أَصحاب الحَديث أَربعة: وَكيع، ويَعلى بن عُبيد، والقَعْنَبي، وأَحمد بن حَنبل. أَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا أَبو ذَر أَحمد بن محمد، قال: سمعتُ عَباس بن محمد، يقول: سمعت يَحيى بن مَعِين يقول- وذكروا أَحمد بن حنبل-: والله ما نَقْوى على ما يَقوى عليه أَحمد ولا على طَريقة أَحمد. أَخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عُمر البَرْمَكي، قال: حدثنا علي بن مَرْدَك قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: حدثنا العباس بن محمد الدُّورِي، قال: سمعتُ يحيى بن مَعِين، يقول: أراد الناس أَن أَكون مثل أَحمد بن حنبل، لا والله! لا أَكون مثل أَحمد أَبداً. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، وأخبرنا إسماعيل بن أَحمد ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أَحمد الطبراني، قال: حدثنا محمد بن الحُسين الأَنماطي، قال: كُنا في مجلس فيه يَحيى بن مَعِين وأَبو خَيثمة زُهير بن حَرب وجَماعة من كبار العلماءِ، فَجعلوا

يثنون على أَحمد بن حنبل ويَذكرون فَضائِله، فقال رَجل: لا تُكثروا، بعضَ هذا القول، فقال يحيى بن مَعِين: وكَثرة الثناءِ على أَحمد بن حَنبل تُسْتَكثر! لو جلسنا مَجلسنا بالثناءِ عليه ما ذكرنا فَضائله بكمالها. أبو خَيثمة زُهير بن حَرب أَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد قال: حدثنا أَبو نُعَيْم أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا عبد الله بن محمد ابن جعفر، قال: حدثنا إسحاق بن أَحمد، قال: سمعتُ أَبا زُرْعة، يقول: سمعتُ زهير بن حَرب، يقول: ما رأَيتُ مثل أَحمد بن حنبل أشدّ قَلباً منه أَن يكون قام ذلك المقام؛ ويرى ما يَمرُّ به من الضرب والقَتل، قال: وما قامَ أَحد مثل ما قام أَحمد امتُحن كذا سنة وطُلب، فما ثبت أَحد على ما ثبت عليه. إسحاق بن راهَويه أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن محمود، قال: أخبرنا محمد بن أَحمد بن محمد بن سُليمان الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن العباس العُصْمي، قال: أخبرنا أَحمد بن محمد بن ياسين، قال: سمعتُ محمد بن عبد الرحيم يذكر أَنه سَمع إِسحاق بن إِبراهيم الحَنْظلي- وذكر أَحمد بن حنبل- فقال: لا يُدْرَك فَضله.

أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن أَحمد بن يَعقوب، قال: أخبرنا محمد بن نُعَيْم الضَّبي، قال: سمعت أَبا سَعيد عمرو بن مُحمد بن منصور، يقول: سمعت محمد بن إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي يقول: سمعت أبي يقول: أحمد بن حَنبل حجةٌ بَين الله وبَين عبيده في أَرضِه. أخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن أَحمد، قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن راهَوَيْه، قال: سمعتُ أَبي، يقول: لولا أَحمدُ بن حنبل وبَذْلُ نفسهِ لِما بَذلها له، لَذَهب الإِسلامُ. بشر بن الحارِث الحافي أخبرنا علي بن عبد الواحد، قال: أخبرنا علي بن عمر القَزْويني، قال: قرأتُ على يوسف بن عُمر قلت له: حدَّثكم أَبو الفَضل النيسابوري الصَّيرفي إملاءً من لفظه، قال: حدثنا أَحمد بن عبد الرحمن النَّسائي، قال: حدثنا علي ابن خَشْرَم، قال: سمعتُ بشر بن الحارث- وسُئِل عن أَحمد بن حَنبل فقال-: أَنا أَسأَل عن أحمد! إن ابن حنبل أُدْخِل الكِير فخرج ذهباً أَحمر. أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن

أَحمد، قال: أخبرنا أبو نَعيم الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا قيس بن مُسلم البخاري، قال: سمعتُ علي بن خَشرَم يقول: سمعتُ بشر ابن الحارث يقول: أثدخِلَ أَحمدُ بن حنبل الكير، فَخرج ذهبةً حَمراء. قال أَبو نُعَيْم: وحدثنا أَبو بكر بن مالك، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد بن حنبل، قال: سمعتُ موسى الطوسي، يقول: سمعتُ علي بن خَشْرَم، يقول: سمعتُ بشر بن الحارث، يقول: أُدخل أَحمد الكير فخرج ذَهباً أحمر. قال علي: فَبلغ ذلك أَحمد، فقال: الحمدُ لله الذي رَضَّى بِشْراً بما صَنعنا. أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: حدثنا إِبراهيم بن إسماعيل، قال: حدثنا أَبو أَحمد بن أَبي أُسامة، قال: حدثنا أَبو العَباس الصَّفار، قال: سمعت أَبا نَصر التَّمار، يقول: لما ضُرِب أَحمدُ بن حنبل أَيام المحنة دخلَ عليَّ بِشْر، فقال: يا أَبا نَصر، إِنَّ هذا الرجل قامَ اليومَ بأَمرٍ عجز عنه الخلق، وأَرجو أَن يكونَ ممن نفعه الله بِالعلم. أَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أَنبأَنا أَبو يعقوب، قال: سمعتُ محمد بن الشاه، قال: سُئِل بِشْرُ بن الحارث عن أَحمد ابن حنبل بَعد المحنة. فقال: إمامٌ من أَئمة المسلمين. أَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أنبأنا أَبو يعقوب، قال: أنبأنا أَحمد بن محمد بن شاذان، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن بَدر الشامي، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد

ابن شَبُّويَه قال: سمعتُ إبراهيم بن الحارث، قال: قال أصحابُ بِشْر بن الحارث حين ضُرِب أَحمد بن حنبل: يا أَبا نصر، لو أَنك خرجتَ فقلت: إني على قول أَحمد بن حنبل. فقال بشر: أَتريدون أَن أَقومَ مقام الأَنبياء؟ إِن أَحمدَ بن حنبل قام مَقام الأَنبياء. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عُمر، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن فَضل الأَسدي، قال: لما حُمِلَ أَحمد بن حَنبل ليُضْرَب، جاءوا إلى بشر بن الحارث، فقالوا له: قد حُمل أَحمد وحُملت السياط، وقد وجب عليك أَن تَتكلم. فقال: تُريدون مني مَقام الأَنبياء؟ ليسَ ذا عندي، حفظ الله أَحمد بن حنبل من بَين يديه ومن خَلفه. أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَبو نُعَيْم أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن أَحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد بن حنبل، قال: قيل لبشر بن الحارث: لو تكلمت- أَيام ضُرب أَحمد بن حنبل- فقال بشر: تَأمروني أَن أَقوم مقام الأَنبياء، إِن أَحمد بن حنبل قامَ مقام الأَنبياء. أَنبأَنا أَبو بكر بن أَبي طاهر، قال: أنبأنا الجَوهري، قال: أخبرنا الدّارَقُطْني، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن الحُسين العَلاف، قال: حدثنا أَبو بكر محمد بن يوسف الطباع، قال: سمعتُ أَبا عبد الله البَيْنُوني- وكان

يتعبد- يقول: قلتُ لبشر بن الحارث: أَلا صنعتَ كما صنع أَحمد بن حنبل! فقال: تُريد مني مرتبة الأَنبياء- أَو مرتبة النبوة! - لا يقوى بَدني على هذا، حفظ الله أَحمد من بين يديه ومن خلفه، ومن فوقه ومن تحته، وعن يَمينه وعن شماله. أَنبأَنا أَبو بكر محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا هَنّاد بن إبراهيم، قال: أخبرنا علي بن محمد، قال: أخبرنا عثمان بن أَحمد، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، عن أَبي الهيثم العابد، قال: كنت عند بشر بن الحارث فجاءَه رجل فقال: قد ضُرب أَحمدُ بن حنبل إِلى الساعة سبعةَ عشر سوطاً. قال: فمد بشر رِجله وجعل ينظر إلى ساقه ويقول: ما أَقبح هذا الساق أَن لا يكون القيد فيه نُصرةً لهذا الرجل. قال حنبل: وحدثني بعض مشيختنا- وكان من العابدين- قال: أَتيت بشر بن الحارث لما أَخذوا أَحمد بن حنبل، فقلت: قُم بنا نَنصر هذا الرجل، فقال لي: هذا مقام النبيين لا أَستطيع أن أَقومَهُ. أَخبرنا محمد بن ناصر، قال: أَنبأَنا أَبو علي الحسن بن أَحمد الفقيه، قال: أخبرنا هلال بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن سلمان النجاد، قال: حُدِّثت عن إبراهيم بن هانئ النَّيْسابوري، قال: صليت مع بشر بن الحارث فجعلت أَرفع للصلاة، قال: فلما سلم الإِمام قال: يا أَبا إسحاق، العجب منك ومن صاحبك أَبي عبد الله أحمد بن حنبل، تَرفعون في الصلاة، حدثنا هُشيم عن مُغيرة عن إبراهيم: أَنه كان يأمر بإِرسال اليدين في الصلاة، قال: فرجعت إِلى أَحمد فقلت له: يا أَبا عبد الله، أَبو نَصر يقول- وذكر ما حدثه به- فقال أَبو

عبد الله: سبعة عشر من أَصحاب رسول الله رَفعوا، ثم قرأَ: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ثم قال: الرفع زَينُ الصلاة. قال: فرجعت إِلى بشر فأَخبرته، فقال: ومَن أَنا من أَبي عبد الله، ومن أَنا من أَبي عبد الله، ذلك أَعلم مني، ذلك أَعلم مني. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا أَبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحَريري، قال: أخبرنا أَبو عُمر بن حَيّويه، أَن أَبا مُزَاحِم الخاقاني أَخبرهم قال: حَدثني أَحمد بن إِبراهيم البَزَّاز، قال: حدثني محمد بن جعفر، قال: حدثني إبراهيم ابن أَخي الجَهم العُكبري، عن عمه جَهم- وكان جَهم هذا يغشى أَبا عبد الله وبشر بن الحارث- قال: أَتيتُ يوماً أَحمد بن حنبل فدخلت عليه وهو مُتَّشح، فوقع أَحد عطفي إِزاره عن منكبه، فنظرت إِلى موضع الضرب- أَحسبه قال-: فدمعت عيني، ففطن فرد الثوب إلى منكبه. قال: ثم صرتُ إِلى بشر بن الحارث فحدثته الحديث. قال: فقال لي: وَيحك! إِن أَحمد بن حنبل طار بحظها وغنائها في الإسلام. قال محمد بن جَعفر: فحدثتُ به أَبا بكر المرّوذيّ فاستحسَنه وكتبه عني. أخبرنا عُمر بن ظَفر، قال: أخبرنا جعفر بن أَحمد السرّاج، قال: أخبرنا عبد العزيزب ن علي الأَزَجي، قال: أخبرنا أَبو الحسن بن جَهم، قال: حدثنا أَبو بكر النَّقاش، قال: سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي، يقول: سمعت بشر ابن الحارث، يقول: سمعت المعافى بن عمران يقول: سُئل سفيان الثوري عن الفُتوّة، فقال: الفتوة العقل والحياءُ، ورأسُها الحفاظ، وزينتُها الحلم

والأَدبُ، وشَرفها العلم والورع، وحليتها المحافَظُة على الصلوات، وبرُّ الوالدين، وصِلةُ الرحم، وبَذلُ المعروفِ، وحفظُ الجار، وتركُ التكبُّر، ولزومُ الجماعة والوقار، وغَضُّ الطرف عن المحارمِ، ولينُ الكلام، وبذلُ السلام، وبرّ الفتيان العقلاء الذين عَقلوا عن الله تعالى أَمرَه ونهيَه، وصدقُ الحديث، واجتنابُ الحَلف والأَيمان، وإِظهارُ المودّة، وإِطلاقُ الوجه، وإِكرامُ الجَليس، والإِنصاتُ للحديث، وكتمانُ السِّر، وسَترُ العيوب، وأَداءُ الأَمانة، وتَركُ الخيانة، والوفاءُ بالعهد، والصمتُ في المجالس من غَير عِيّ، والتواضُعُ من غَير حاجة، وإِجلالُ الكبير، والرفقُ بالصغير، والرأفةُ والرحمةُ للمسلمين، والصبرُ عند البلاءِ، والشكرُ عند الرخاءِ، وكمالُ الفُتوَّةِ؛ الخَشيةُ لله عز وجل، فينبغي للفتى أَن تَكون فيه هذه الخصال، فإِذا كان كذلك كان فتى بحقّه. قال بشر بن الحارث: وكَذلك كان أَحمد بن حنبل فَتى، لأَنه قد جَمع هذه الخصال كلّها، وكانَ يلبس إزاراً مفتولاً. الحارث المحاسبي أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أَحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد بن حنبل، قال: كَتب إِليّ الفتح بن شُخْرُف بخَط يده، قال: ذُكِرَ أَبو عبد الله أَحمد بن حنبل عند الحارث بن أَسد، قال الفتح: فقلت للحارث: سمعتُ عبد الرزاق يقول: سمعت سفيان بن عُيينة يقول: عُلماء الأَزمنة ثلاثة: ابن عباس في زَمانه، والشَّعْبي في زَمانه؛ والثوري في زَمانه. قال الفتح: فقلتُ أَنا للحارث: وأَحمد بن حنبل في زمانه، فقال لي الحارث: أَحمد بن حنبل نزل به ما لم يَنزل بسفيان الثَّوري والأَوزاعي.

ذو النّون المصري أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر، قال: أَنبأَنا عبيد الله بن أَحمد بن عثمان، قال: أخبرنا الدَّارَقُطْني: أن أَبا طالب علي بن محمد الكاتب، قال: حدثني أَبو محمد الصايغ القاسم بن محمد، قال: سمعت أَبا بكر المرُّوذِيّ، يقول: دخلت على ذي النون السجن ونحن بالعسكر. فقال لي: أَي شيء حال سيدنا؟ - يعني أَحمد بن حنبل-. أبو زُرعة الرازي أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: أخبرنا جدي، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق القرشي، قال: حدثنا الحسن بن أَحمد بن الليث، قال: سمعت أَحمد بن حنبل يقول- وذكر له إِنسان فقال: بالري رجل يحدث يقال له: أَبو زُرْعة، نكتب عنه؟ فقال له أَحمد مجيباً له كالمنكر عليه-: أبو زُرعة، أَبو زرعة أستودعه الله، حَفظه الله، أَعلى الله كعبه؛ نصره الله على أَعدائه. مع دعاءٍ كثير دعا له، فذكرت ذلك لأَبي زرعة بعد قدومي عليه، فقال: ما وقعت بعد في بَلية إِلا ذكرت هذا الدعاء فقلت: يُخلصني الله ويُسلمني منهم وأَنجو بعد دعاءِ أَحمد لي. أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن

أَحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: حدثنا إسحاق بن أَحمد، قال: سمعتُ أَبا زرعة، يقول: ما رأَيتُ مثل أَحمد بن حنبل في فنون العلم، وما قام أَحد مثل ما قام أَحمد به. أَخبرنا إسماعيل، ومحمد، قالا: أخبرنا حَمْد، قال: أخبرنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا أَبو بكر محمد بن أَحمد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد ابن عَبد الكريم، قال: سمعتُ أَبا زُرعة، يقول: ما رأَت عيني مثل أَحمد بن حنبل. فقلتُ له: في العلم؟ فقال: في العلم والزهد والفِقه والمعرفة وكلِّ خَير، ما رأَت عيناي مثله. أَخبرنا ابن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: سمعت أَبا زُرْعَة، يقول: لم أَزل أَسمع الناس يذكرون أَحمد بن حنبل، ويقدمونه على يحيى بن مَعِين، وعلي بن المدِيني، وأَبي خيثمة. وما أَعلم في أَصحابنا أَسود الرأس أَفقه من أَحمد بن حنبل، وما رأَيتُ أَحداً أَجمع منه. فقيل له: إسحاق بن رَاهَوَيْه؟ فقال: أَحمد بن حنبل أَكثر من إسحاق وأَفقه، وقد رأَيتُ الشيوخ فما رأَيتُ أَحداً أَكمل منه، اجتَمع فيه زُهدٌ وفَضل وفقه وأَشياء كثيرة. أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أَخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: حدثنا علي بن

عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم الرازي، قال: سألتُ أَبي عن علي بن المَدِيني وأَحمد بن حنبل، أَيهما كان أَحفظ؟ قال: كانا في الحفظ متقاربَيْن، وكان أَحمد أفقه. قال: وسمعت أَبي يقول: إِذا رأَيتُم الرجل يحب أَحمد بن حنبل، فاعلم أَنه صاحب سُنَّة. وسمعت أَبي يقول: رأَيتُ قُتيبة بن سَعيد بمكة يجيءُ ويذهب ولا يُكتَب عنه، فقلتُ لأَصحاب الحديث: كيف تَغْفلون عن قُتيبة وقد رأَيتُ أَحمد بن حنبل في مجلسه! فلما سمعوا مني أَخذوا نحوه وكتبوا عنه. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أَنبأَنا الحسن بن أَحمد، قال: أخبرنا عبيد الله بن أَحمد، قال: أخبرنا أَبو عبد الله بن بَطَّة، قال: حدثنا أَبو طالب محمد ابن أَحمد بن إسحاق بن بهلول، قال: حدثنا أَبو العباس أَحمد بن أَصْرم، قال: سمعتُ أَبا حاتم الرازي، يقول: إِذا رأَيتَ الرجل يحب أَحمد بن حنبل، فاعلم أَنه صاحب سُنّة. وهو المحنة بيننا وبين أَهل البدع. أبو إبراهيم إسماعيل بن يَحيى المزني صاحب الشافعي أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم الكَرُوخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد

الأَنصاري، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: أخبرنا نَصر بن أَبي نصر الطوسي، قال: سمعت علي بن أَحمد بن خُشَيْش، يقول: سمعتُ أَبا الحديد الصوفي بمصر، يقول: سمعت أَبي يقول: سمعت المزني يقول: أَحمد بن حنبل يوم المحنة: أَبو بكر يوم الرِّدّة، وعُمر يوم السَّقيفة، وعُثمان يوم الدار، وعلي يوم صِفين. أبو يَعقوب البُويطي أخبرنا محمد بن أَبي منصور، عن الحسن بن أَحمد، عن أَبي الفتح بن أَبي الفَوارس، قال: حدثنا أَحمد بن جَعفر بن سَلْم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة، قال: حدثنا أَبو عثمان الطائي، قال: سمعتُ الربيع بن سُليمان، يقول: كتب إِليَّ البُوَيْطي من بغداد من السجن: إِني لأرجو أن يُجري الله عز وجل أَجر كلّ ممتنع في هذه المسأَلة لسيدنا الذي ببغداد، أَحمد ابن حنبل. أبو ثَور أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: حُدِّثت عن عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَبو بكر الخَلّال، قال: حدثنا المَرُّوذِيّ قال: حضرتُ أَبا ثور- وقد سُئل عن مسأَلة- فقال: قال أَبو عبد الله أَحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها كذا وكذا.

أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: قال أَبو عبد الله محمد بن حماد الطِّهراني: سمعتُ أَبا ثور إبراهيم بن خالد يقول: أَحمد بن حنبل أَعلم- أَو أَفقه- من الثَّوري. أَخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أَبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن جعفر الحَريري، قال: أخبرنا أَبو عمر بن حَيّويه: أن مُزَاحم الخاقاني أَخبرهم قال: حدثني أَبو القاسم الصايغ، قال: حدثني محمد بن بَحر، قال: سمعتُ أَبا عبد الرحمن بن محمد بن الصباح، يقول: سمعتُ أَبا ثور، يقول: لو أَن رجلاً قال: إنَّ أَحمد بن حنبل من أَهل الجنة. ما عُنّف على ذلك. وذاك أَنه لو قَصد رجل خراسان ونَواحيها لقالوا: أَحمد بن حنبل رجل صالح. وكذلك لو قصد الشام ونواحيها لقالوا: أَحمد بن حنبل رجل صالح. وكذلك لو قَصد العراق ونواحيها لقالوا: أَحمد بن حنبل رجل صالح. وفهذا إِجماعٌ، ولو عُنّف هذا على قوله بَطل الإِجماع. وفي رواية عن أَبي ثور أَنه قال: كنتَ إذا رأَيت أَحمدَ بن حنبل خُيّل إِليكَ أَن الشريعة لَوحٌ بين عينيه. أبو عبد الله محمد بن يَحيى الذُّهلي أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد بن حاتم،

قال: حدثنا زَنْجُويه بن محمد اللّباد، قال: سمعت أَبا عَمرو- أحمد بن المبارك، يقول: قال محمد بن يحيى الذُّهْلي: قد جعلت أَحمد بن حنبل إماماً فيما بيني وبين الله تعالى. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهمي بن عمر البَرْمَكي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال: سمعتُ محمد بن يحيى النَّيسابوري، يقول: إِمامنا أَحمد بن حنبل رضي الله عنه. سُفيان بن وَكيع أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أَنبأَنا أَبو علي الحسن بن أَحمد، قال: أخبرنا محمد بن أحمد الحافظ، قال: حدثنا عمر بن جعفر بن سَلْم، قال: حدثنا أَحمد بن علي الأَبار، قال: سمعتُ سفيان بن وَكيع، يقول: أَحمد بن حَنبل محنة؛ من عابَ عندنا أَحمد بن حنبل فهو فاسق. أحمد بن صالح المصري أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبيد الله بن أَبي الفضل البقال، قال: أخبرنا أَبو محمد الحسن بن محمد الخَلّال، قال: حدثنا يحيى بن علي بن يحيى القَصْرِي، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي، قال:

أخبرنا أَحمد بن محمد بن رشدين، قال: سمعت أَحمد بن صالح المصري، يقول: ما رأَيتُ بالعراق مثل هذين الرجلين: أَحمد بن حنبل ببغداد، ومحمد ابن عبد الله بن نُمير بالكوفة؛ رجلين جامعين لم أر مثلهما بالعراق. أَخبرنا أَبو منصور القَزاز، قال: أَخبرنا أَبو بَكر أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني أَحمد بن سليمان المقرئ، قال: أخبرنا أَحمد بن محمد بن الخَليل، قال: حدثنا أَبو أَحمد بن عدي، قال: سمعتُ عبد الله بن محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت أَبا بكر بن زَنْجُويه، يقول: قدمتُ مصر، فأَتيتُ أَحمد بن صالح، فسأَلني: من أَينَ أَنت؟ قلت: من بغداد. قال: أَينَ منزلك من مَنزل أَحمد بن حنبل؟ قلت: أَنا من أَصحابه، قال: تكتب لي موضع منزلك، فإِني أُريد أَن أوافي العراق حتى تجمع بَيني وبين أَحمد بن حنبل. فكتبتُ له فوافي إِلى عَفّان فجمعت بينه وبين أَحمد. فتذاكرا، فَذكر أَحمد بن حنبل حديثاً، فقال له: سأَلتك بالله إِلا أَمليته عليَّ فقال أحمد: من الكتاب. فدخل فأخرج الكتاب وأملاه عليه فقال أَحمد بن صالح: لو لم أستفد بالعراق إلا هذا الحديث كان كثيراً، ثمّ ودّعه وخرج. أبو عُمر هِلال بن العَلاء الرقي أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري قال: أَخبرنا غالب بن علي، قال: أخبرنا محمد بن الحسين، قال: سمعتُ

محمد بن عبد الله بن شاذان، قال: سمعت أَبا سعيد إسماعيل بن أَبي حرب الترمذي. وأخبرنا عبد الملك قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: أخبرنا الخليل بن أَحمد، قال: أخبرنا محمود بن محمد بن الصباح (ح) وأخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن أَبي الحسين، قال: حدثنا أحمد بن نُعَيْم، قال: سمعتُ أَبا الحسن أَحمد بن محمد البُوشَنْجِي، وأَبا منصور منذر بن محمد، يقولان: سمعنا عبد الله بن عروة، يقول: سمعتُ إسماعيل بن العباس البغدادي، قالوا: سَمعنا هلال بن العلاءِ الرقي، يقول: مَنَّ الله على هذه الأُمة بأَربعة: بأبي عُبيد؛ فسر غريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالشافعي؛ تفقه على حديث رسول الله، ويحيى بن مَعِين؛ نفى الكذب عن حديث رسول الله، وأحمد بن حنبل ثبت في المحنة. لولا أَحمد لكفر الناس- لفظ إسماعيل بن العباس-. أبو عبد الرحمن أحمد بن شُعيب النَّسائي أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري قال: أخبرنا محمد بن أَحمد الجارودي، قال: سمعت الحسين بن علي بن جعفر البغدادي، يقول: سمعت علي بن رُزَيق الأَدمي بمصر يقول: سمعت أَحمد بن شعيب النَّسائي، يقول: لم يكن في عصر أَحمد بن حنبل مثل هؤلاءِ الأَربعة: علي بن المَدِيني، ويحيى بن مَعِين، وأَحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وأَعلم هؤلاءِ الأَربعة بالحديث وعلله علي بن المَدِيني، وأعلمهم

بالرجال وأكثرهم حديثاً يحيى بن مَعِين، وأَحفظهم للحديث والفقه إسحاق بن راهَويه، إِلا أَن أَحمد بن حنبل كان عندي أَعلم بعلل الحديث من إسحاق، وجمع أَحمد المعرفة بالحديث والفقه والوَرع والزهد والصبر. نَصر بن علي أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت. وأخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم، قال: حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد بن حنبل، قال: حدثني يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زَيد، قال: قال لي نصر بن علي: كان أَحمد بن حنبل أَفضل أَهل زمانه. أبو مَعمر إسماعيل بن إبراهيم الهُذَلي القَطيعي أَخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أَبو بكر الخَلال، قال: حدثنا أَبو الأَزهر الرَّقي بكر بن محمد، قال: سمعت أَبا مَعْمَر منذ أَربع وثلاثين سنة- أَو أَكثر- يقول: ما رأيت منذ خمسين سنة مثل أَحمد ابن حنبل مُذ كان غلاماً إِنما كان يتزيد. عمرو بن محمد الناقد أَخبرنا عبد الله بن علي المقرئ، قال: أخبرنا عبد الملك بن أَحمد السُّيوري، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أَحمد بن الفَضل، قال: حدثنا علي بن

عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: حدثنا أَبو محمد بن أَبي حاتم، قال: حدثنا الحسن الرازي، قال: سمعتُ عمرو بن محمد الناقد يقول: إِذا وافَقني أَحمد بن حنبل على حديث فلا أُبالي من خالفني. أحمد بن الحَجاج أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أَحمد بن محمد الخَلال، قال: حدثنا أَحمد بن الحسن بن حسّان قال: أَخبرني الأَحنف ابن عبد الله، قال: سمعت أَحمد بن الحجاج يقول: لم تَرَ عيني مثل أَحمد بن حنبل قط، ولو كان في زمن ابن المبارك كنا نؤثره عليه. محمد بن مِهْران الجَمال أَخبرنا ابن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأَنا البَرْمَكي، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا الخلال، قال: حدثنا محمد بن موسى، قال: حدثنا أَبو نَصر، قال: حدثنا الفَضل بن زياد، قال: سمعتُ محمد بن مِهْران الجَمّال- وذكر أَحمد بن حنبل- فقال: ما بَقي غيره، إِني لأُدِيرُ قلبي نَحو مكة والمدينة فيرجع إِليه، وأُديره نَحو البصرة والكوفة فيرجع إِليه، وأُديره نحو الشام والجزيرة فيرجع إِليه، وأديره نحو خراسان فيرجع إِليه. محمد بن مُسلم بن وَارة القومسي أخبرنا أَبو منصور القَزاز، قال: أخبرنا أَبو بَكر الخطيب، قال: أَنبأَنا

أَحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب، قال: أخبرنا الحسن بن أَحمد الهَروي، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق بن محمود الفقيه، قال: سمعت أَحمد بن سَلَمة النَّيسابوري يحكي عن محمد بن مسلم بن وَارَة، قال: أَحمد بن صالح بمصر، وأَحمد بن حَنبل ببغداد، والنُّفَيْلي بِحَرَّان، ومحمد بن عبد الله بن نُمير بالكوفة، هؤلاء أركان الدين. أَخبرنا محمد بن أَبي مَنصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَخبرنا إِبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: حدثنا علي بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: سمعتُ محمد بن مُسلم بن وارة-: وسُئل عن علي بن المَدِيني ويحيى بن مَعِين- أيهما كان أَحفظ؟ قال: كانَ علي أُسرد وأُتقن، ويَحيى أَفهم بصحيح الحديث وسَقيمه، وأجمعهما أَبو عَبد الله أَحمد بن حنبل، كان صاحبَ فِقه، وصاحب حِفظ، وصاحب مَعرفة. أَبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن نُفيل النُّفيلي أَخبرنا إسماعيل بن أَبي بكر، ومحمد بن أَبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد ابن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد. وأَخبرنا محمد بن أَبي منصور قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: حَدثنا علي بن مَرْدَك، قالا: أخبرنا ابن أَبي حاتم، قال: حدثنا علي بن الحسين بن الجُنيد، قال: سمعتُ أَبا

جعفر النُّفيلي يقول: كان أَحمد بن حنبل من أَعلام الدين. محمد بن مُصعب أخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثني أَبي، قال: حدثنا أَبو الحسن بن أَبان، قال: سمعتُ مقاتل بن صالح. وأَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الواحد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب المقرئ، قال: حدثنا أَبو الحسن أَحمد بن محمد بن عمر، قالا: سمعنا محمد بن مصعب العابد، يقول: لَسوطٌ ضُرب أَحمد بن حنبل في الله أَكبر من أَيام بشر بن الحارث. الحسن بن محمد بن الصَّباح البزَّار أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا أَبو إسحاق البَرْمَكي قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا أَبو محمد بن أَبي حاتم، قال: سمعتُ أَبي يقول: كان الحَسن بن محمد بن الصَّباح إِذا بَلغه أن إنساناً ذكر أَحمدَ بن حنبل جَمع المشايخ وأَتاه وقال: أستَعدي عليه. أَخبرنا المبارك بن أَحمد الأنصاري، قال: أنبأنا عبد الله بن أحمد

السَّمَرْقَنْدي، قال: أنبأنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني علي بن أَحمد الرزَّاز، قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن الهيثم الأَنباري، قال: حدثنا أَبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي، قال: حدثنا الحسن بن الصباح البزّار، قال: أحمدُ بن حنبل شَيخنا وسَيدنا. يعقوب بن سفيان أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزَّاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أَبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز، قال: حدثنا صالح ابن أَحمد بن محمد الحافظ، قال: سمعتُ أَبا عبد الرحمن عبد الله بن إسحاق النُّهاوَندي يقول: سمعت يعقوب بن سفيان يقول: كتبتُ عن أَلف شيخ، حُجّتي فيما بيني وبين الله تعالى رجلان. قلت له: يا أَبا سفيان، مَن حُجتك؟ وقد كتبت عن الأَنصاري وحَبّان بن هلال والأَجلَّة. قال: حُجتي أَحمد بن حنبل، وأَحمد بن صالح المصري. محمد بن يحيى الأَزْدي البصري أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَحمد بن روزبه السِّيرافي، قال: حدثنا علي بن هارون ابن عبد الله، قال: حدثنا جعفر بن أَيوب الدُّوْرِي، قال: حدثنا أَبو عثمان

سعيد بن جعفر التُّسْتَرِي، قال: سمعت عبد الله بن هاشم، قال: سمعت محمد بن يحيى الأَزدي، يقول: إِنا نقول بقول أَبي عبد الله أَحمد بن حنبل، وإِنه إِمامنا وهو بقية المؤمنين، ولا نُخالفه وقد رضينا به إِماماً؛ فيه خلف من العلماء، ونتبرأ ممن خالفه، فليس يُخالفه إِلا مخذول مبتدع. أبو هَمّام الوَليد بن شُجاع السَّكوني أَخبرنا ابن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَبو بكر الخَلال، قال: حدثنا صالح بن علي الحلبي، قال: سمعت أَبا هَمام يقول: ما رأَيتُ مثل أَحمد بن حنبل، ولا رأَى أحمدُ مثلَه. أبو عُمير بن النَّحاس الرملي الفلسطيني أَخبرنا ابن الحُصين، قال: أنبأنا ابن إَيلان، قال: أنبأنا إبراهيم بن محمد المُزَكِّي، قال: سمعتُ محمد بن إبراهيم بن عبد الله مُستَملي محمد بن إسحاق ابن خُزيمة، يقول: سمعتُ محمد بن إسحاق، يقول: سمعتُ محمد بن سَخْتُويه البَرْذَعي، يقول: سمعتُ أبا عُمَير عيسى بن محمد- وذكر أَحمد بن حنبل- يقول: رَحِمه الله، عن الدنيا ما كان أَصبَره، وبالماضين ما كان أشبَهه، وبالصالحينَ ما كان ألحقه، عَرضتْ له الدنيا فأباها، والبدعُ فنفاها.

أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إِبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: سمعتُ أَبي يقول: كانَ أَبو عُمَير بن النَّحّاس الرَّمْلي من عُبّاد المسلمين، فدَخلت يوماً عليه فقال لي: كتبتَ عن أَحمد بن حنبل شيئاً؟ قلتُ: نعم، قال: فَأَمْلِ عَليَّ. فأَمليت عليه ما حفظت من حديث أَحمد بن حنبل، ثم سَأَلني فقرأتُ عليه. محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَحمد بن محمد بن إسماعيل الشَيرجاني، قال: أخبرنا أَحمد بن علي السليماني، قال: سمعتُ الحسن بن إسماعيل الفارسي، قال: سمعتُ محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي، يقول: ما رأَيتُ أَجمع في كل شيءٍ من أَحمد بن حنبل ولا أَعقل. أَخبرنا عبد الملك، قال: حدثنا الأَنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: أخبرنا منصور بن عبد الله بن خالد، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن علي البخاري، قال: سمعتُ محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي- وذكر أَحمد بن حنبل- فقال: هو عندي أَفضل وأَفقه من سفيان الثوري، وذلك أَن سفيان لم يُمتحن من الشدة والبلوى بمثل ما امتُحن به أَحمد، ولا عِلْمُ سفيان ومن تَقدم

من فقهاءِ الأَمصار كعِلْم أَحمد بن حنبل، لأَنه كان أَجمع لها وأَبصر بمتقنيهم وغالطيهم وصدوقهم وكذوبهم منه. ولقد بلغني عن بشر بن الحارث أَنه قال: قامَ أَحمدُ مقام الأَنبياءِ، وأَحمد عندنا امتُحن بالسرّاءِ والضرَّاء، وتَداوله أَربعة خلفاء، بعضهم بالضراءِ، وبعضهم بالسراءِ، فكان فيها مستعصماً بالله عز وجل. تداوله المأمون والمعتصم والواثق، بَعضهم بالضرب والحبس، وبعضهم بالإِخافة والتَّرهيب، فما كان في هذه الحال إِلَّا سليم الدين غير تارك له من أَجل ضَربٍ ولا حبسٍ. ثم امتحن أَيام المتوكل بالتكريم والتَّعظيم، وبُسطت الدنيا عليه فما رَكن إِليها، ولا انتقل عن حالته الأُولى رغبةً في الدنيا ولا رغبةً في الذكر، فهذه الحالات لم يمتحن بمثلها سُفيان. ولقد حُكي لنا عن المتوكل أَنه قال: إِنَّ أَحمد ليمنعنا من برِّ ولده. حَجّاج بن الشاعر أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا أَبي. وأَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: أخبرنا أَحمد بن عبد الواحد الشيرازي، قال: حدثنا أَبو عمر عبد الله بن محمد ابن عبد الوهاب المقرئ، قال: حدثنا أَبو الحسن أَحمد بن محمد بن عمر، قال: حدثنا أَبو عُمارة، قال: حدثنا أَبو يحيى النّاقد، قال: سمعتُ حجاج بن الشاعر، يقول: ما كنتُ أحب أَن أُقتل في سَبيل الله ولم أُصلِّ على أَحمد بن حنبل.

أَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا غالب بن علي، قال: أخبرنا محمد بن الحسين، قال: سمعتُ الوليد بن محمد، قال: سمعت محمد بن مَخْلد، قال: قال حجاج بن الشاعر: مَنَّ الله على هذه الأمة بأَحمد بن حنبل، ثَبت في القرآن، ولولاه لهلك الناس. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أَخبرنا عبد القادر بن محمد قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أَحمد بن محمد الخَلال، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن عبد الله بن صَدقة، قال: حدثني أَبو يحيى الناقد، قال: قال لي حَجاج بن الشاعر: قَبَّلت يوماً بين عَيني أَحمد بن حنبل، وقلتُ: يا أَبا عبد الله، بَلَّغك الله مَبلغ سُفيان ومالك، ولم أظنَّ في نَفسي أنِّي بقَّيتُ غايةً؛ فبلغَ واللهِ في الإِمامة أَكثر من مبلغهما. أَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا أَبو الحسن بن أَبان، قال: حدثنا أَبو عمارة، حدثنا القاسم بن نصر، قال: مَرَّ المُّروذِيّ بحَجاج بن الشاعر فقام إِليه، وقال: سَلام عليكَ يا خادم الصدّيقين. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد القَزاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: سمعت أَبا الحسن محمد بن أَحمد بن رزق، يقول: سمعت القاضي أَبا بكر ابن كامل، يقول: سمعتُ أَبا العباس بن الشاه، يقول: سمعُ حَجاج بن

الشاعر، يقول: ما رأَت عَيناي روحاً في جسد أَفضل من أحمد بن حنبل. أَخبرنا محمد بن ناصر، قال: أَخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحريري، قال: أخبرنا أَبو عمر بن حَيُّويه أَن أَبا مُزَاحم أَخبهم، قال: حدثني أَبو بكر بن المُطَّوعي، قال: سمعت حجاج بن الشاعر، يقول: كنتُ أَكون عند أَحمد بن حنبل فأَنصرفُ بالليل، فأَذكره في الطريق فأَبكي- أو قال-: فَيَجيئني البكاء شَوقاً إِليه. إبراهيم بن عَرْعَرة أَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد ومحمد بن عبد الباقي، قالا: حدثنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا عمر بن الحسن القاضي، قال: سمعتُ أَبا يَحيى الناقد يقول: كنا عند إِبراهيم بن عَرْعَرَة فذكروا علي بن عاصم، فقال رجل: أَحمد بن حنبل يُضعِّفه. فقال رجل: وما يضره من ذلك إِذا كان ثقة؟ فقال إبراهيم بن عَرْعَرَة: والله لو تَكلم أَحمد بن حنبل في عَلقمة والأسود لضرَّهما. إسماعيل بن خَليل أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثنا علي بن محمد بن الحسن المالكي، قال: حدثنا عمر بن أَحمد بن هارون المقرئ، قال: حدثنا أَبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد، قال: حدثنا محمد ابن الحسين بن أَبي الحُنَيْن، قال: سمعتُ إِسماعيل بن خَليل يقول: لو كانَ

أَحمدُ بن حنبل في بَني إِسرائيل، لكانَ آيةً. علي بن شُعيب الطوسي أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد القَزاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي الخطيب، قال: أَخبرني عبد الغفار المؤدّب، قال: حدثنا عمر بن أَحمد الواعظ، قال: حدثني محمد بن إبراهيم الحربي. وأَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا أَبو يعقوب، قال: أَخبرني جدّي، قال: أخبرني يعقوب بن إِسحاق، قالا: حدثنا أَبو بكر محمد بن علي بن شُعيب الطوسي، قال: سمعتُ أَبي يقول: كان أَحمد بن حنبل عندنا المَثَل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كائنٌ في أُمّتي ما كانَ في بَني إِسْرائيلَ حتى إِنَّ المِنْشار لَيُوضَعُ على مَفْرِقِ رَأسِه ما يَصْرِفُه ذلك عَن دينِه"، ولولا أَن أَبا عبد الله أَحمد بن حنبل قامَ بهذا الشأن لكان عاراً علينا إِلى يوم القيامة، أَن قوماً سُبِكوا فلم يَخرج منهم أَحد.

محمد بن نَصر المروَزي أَنبأَنا محمد بن عبد الملك، قال: أَنبأَنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثنا أَبو عبد الله الحسين. بن محمد المؤدّب، يقول: سمعتُ أَبا العباس محمد بن عثمان بن سَلم، يقول: سمعت أَبا عبد الله محمد بن نَصر المروَزي- وقلت له-: لقيتَ أَبا عَبد الله أَحمد بن حنبل؟ فقال: صرتُ إِلى داره مِراراً واجتمعتُ معه، وسأَلته عن مسائل، فقيل له: كان أَحمد أكثر حديثاً أم إسحاق بن راهَوَيْه؟ فقال: أَحمد، فقلت له: فأَحمد كان أَضبط أم إسحاق؟ فقال: أَحمد، فقيل: أَكانَ أَحمد أَفقه أم إسحاق؟ فقال: أَحمد، فقيل له: كان أَحمد أَورع أم إسحاق؟ فقال: أَي شيءٍ تقول؟! أحمد فاقَ أَهلَ زمانِه. أبو عُمير الطّالقاني عن مشايخه أَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري قال: أَخبرنا أَبو يعقوب، قال: أخبرنا حَمدان بن أَحمد، قال: أخبرنا أَبو إِسحاق بن ياسين، قال: حدثنا محمد بن عُمر الجَحاف، قال: سمعتُ أَبا عُمير الطّالقاني، يقول: سمعتُهم يقولون: أَحمد بن حنبل قُرَّة عين المسلمين والإسلام. فصل وقد رُوي عن جَماعة المشايخ والنظراءِ والمقارنين والأَتباع مدحُ الإِمام أَحمد.

فالرجل- بحمدِ الله- مسألة إجماع أقرَّ له الكل حتى الخصوم. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت. وأَخبرنا إِسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: حدثنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أَحمد الطبراني، قال: حدثنا إِدريس بن عبد الكريم المقرئ، قال: رأَيتُ علماءنا مثل الهيثم بن خارِجة، ومُصعب الزُّبَيري، ويَحيى بن مَعِين، وأَبي بكر بن أَبي شَيْبَة، وعُثمان ابن أَبي شَيْبة، وعبد الأَعلى بن حَمّاد النَّرْسِي، ومحمد بن عبد الملك بن أَبي الشَّوارب، وعلي بن المديني، وعُبيد الله بن عمر القَواريري، وأَبي خَثيمة زُهير بن حَرب، وأَبي مَعْمَر القَطيعي، ومُحمد بن جَعفر الوَرْكَاني، وأَحمد بن محمد بن أَيوب صاحب المغازي، ومحمد بن بَكار بن الرَّيان، وعمرو بن محمد الناقد، ويحيى بن أَيوب المَقَابرِي العابد، وشُريح بن يونس، وخَلَف بن هشام البزّار، وأَبي الرَّبيع الزهراني، فيمن لا أحصيهم من أهل العلم والفِقه يُعظِّمون أَحمد بن حنبل ويُجلّونه ويوَقِّرونه ويُبَجِّلونه، ويَقصدونه للسلام عليه. أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن أَحمد بن حنبل، قال: قال أَبو نَصر: سمعتُ عَبْد بن حميد، يقول: كنا في مسجدٍ وأَصحاب الحديث يَتذاكرون وأَحمد يومَئذٍ شاب إِلا أَنه المنظورُ إِليه من بَينهم. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أَخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا أَبو إِسحاق البَرْمَكي، قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: أخبرنا أَبو محمد

ابن أَبي حاتم، قال: حدثنا محمد بن مُسلم، قال: انصرفتُ من عند الهيثم بن جَميل أُريد محمد بن المبارك الصُّوْري، فأَتاني نعي أَبي المغيرة عبد القدوس بن الحَجاج، وقيل لي: صَلّى عليه أَحمد بن حنبل. قال أَبو محمد: كانَ علماء حمص متوافري في ذلك الزمان، فَقدَّموا أَحمد بن حنبل وهو شابٌّ لجَلالته عندهم. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا أَبو إِسحاق إِبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَبو بكر الخَلّال، قال: حدثنا أَبو بكر المَرُّوذِيّ قال: سمعتُ محمد بن شَدّاد يقول: كُنا على باب إِسماعيل ابن عُلَيّة جماعةً، منهم: أَسود بن سَالم وجماعة من أَصحاب الثَّوري، إِذ طَلع أَحمد بن حنبل فَجاءَ وسلم، فسألوه عن مَسأَلة فأَجاب، فلما ولَى، أَجمع القومُ أَنه ما يأتي بابَ إِسماعيل ابن عُلَيّة رجل أَفضل منه.

الباب الرابع عشر في ذكر ثناء كبار أتباعه عليه بما عرفوه منه في صحبته

البابُ الرابع عشر في ذكر ثَناء كبار أتباعه عليه بما عَرفوه منه في صُحبته أبو داود السِّجِستاني أَخبرنا أَبو الفتح عبد الملك بن أَبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن عمر، قال: حدثنا عمر بن أَحمد الحافظ، قال: حدثنا محمد بن علي القَفّال، قال: سمعتُ عبد الله بن أَبي داود، قال: سمعتُ أَبي يقول: إِذا رأَيتَ الرجل يُحب أَحمد بن حنبل، فاعلم أَنه صاحب سُنّة. أَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أَحمد، قال: حدثنا أَحمد بن محمد القاضي، قال: سمعتُ أَبا داود السجستاني، يقول: لقيتُ مئتين من مشايخ العلم، فما رأَيتُ مثل أَحمد بن حنبل. وقد رُويت لنا هذه الحكاية من طريق آخر، وفيها زيادة: قال أَبو داود: لقيتُ مئتين من مَشايخ العلم، فما رأَيت مثل أَحمد بن حنبل، لم يكن يخوضُ في شيءٍ مما يخوضُ فيه الناس، فإِذا ذُكِرَ العِلْمُ، تكلَّم. إبراهيم الحَربي أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال:

أَخبرني البرقاني، قال: أخبرنا محمد بن العباس الخَزّاز. وأَخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أَحمد، قال: أخبرنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا محمد بن الفَتح وعمر بن أَحمد، قالوا: حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد النَّيسابوري، قال: سمعتُ إِبراهيم الحَربي، يقول: أنا أَقول: سعيد بن المسيّب في زَمانه، وسُفيان الثوري في زَمانه، وأَحمد بن حنبل في زَمانه. أَنبأَنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا عُبيد الله بن عمر بن شاهين، قال: حَدثني أَبي قال: حدثنا محمد بن العباس بن الوليد النَّحوي، قال: سمعتُ إبراهيم الحَربي يقول: انتهى علم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ما رواه أَهلُ المدينة وأَهلُ المدينة وأهلُ الكوفة وأَهلُ البَصرة وأَهلُ الشام إِلى أَربعة؛ انتهى إِلى أَحمد بن حنبل، ويَحيى بن مَعِين، وزُهير بن حَرب، وأَبي بَكر بن أَبي شَيْبةَ، قال إبراهيم: وكانَ أَحمد أَفقهَ القوم. أَخبرنا أَبو منصور القزّاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا الحسن بن أَحمد بن شاذان، قال: قال لنا محمد بن عبد الله الشافعي: لما ماتَ سعيد بن أَحمد بن حنبل، جاءَ إِبراهيم الحربي إِلى عبد الله بن أَحمد، فقام إِليه عبد الله فقال: تَقوم إِليَّ، فقال: لم لا أَقوم إِليك، والله لو رآك أَبي لقامَ إليكَ. فقال إِبراهيم: واللهِ لو رَأَى ابن عيينةَ أَباكَ لقامَ إِليه. أَنبأَنا علي بن عبيد الله، عن أَبي القاسم بن البُسْري، عن أَبي عبد الله بن بَطَّة، قال: سمعتُ شيخنا أَبا حَفص يقول: سمعتُ إِبراهيم الحربي يقول:

يقولُ الناس: أَحمد بن حنبل بالتَّوهم، والله ما أَجد لأَحد من التابعين عليه مَزية ولا أَعرف أَحدأً يَقدر قَدره، ولا يعرف مِنَ الإِسلام مَحله. ولقد صحبتُه عشرين سنةً صيفاً وشتاءً، وحرّاً وبرداً، وليلاً ونهاراً، فما لقيته لقاةً في يوم إِلا وهو زائدٌ عليه بالأَمس، ولقد كان يَقْدَمُ أَئمة الإِسلام والعلماء من كل بلد، وإِمام كل مصر، فهُم بجلالتهم ما دامَ الرجل منهم خارجاً من المسجد، فإِذا دخلَ المسجد صارَ غلاماً متعلماً. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا عُبيد الله بن محمد بن بَطَّة، قال: حدثنا أَبو بكر محمد بن أَيوب العُكْبَرِي، قال: سمعتُ إِبراهيم الحربي يقول: التابعون كلُّهم عندي واحد، وآخرهم أَحمد بن حنبل- وهو عندي أَجلُّهم- يقولون: مَن حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئاً ثم فَعله وهو ناسٍ، كلّهم يُلزمونه الطَّلاق. وسُئل إِبراهيم عن القوم يُصلون عُراة إِذا انكسرت بهم السَّفينة، فقال: أَما التابعون يقولون- وأَحمد وهو سَيدهم يقول معهم-: يُصلّون وإِمامهم وَسطهم يومِئون إِيماءً لا يركعون ولا يَسجدون، وأَنا لا أَعبأُ بمن خالفَ التابعين وأَحمد معهم. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أَخبرني الأَزهري، قال: أخبرنا عمر بن أَحمد بن هارون المقرئ؛ أَن أَبا

الحسن بن دُلَيْل حَدَّثه قال: سمعتُ إِبراهيم الحَربي يقول: قد رأَيتُ رجالات الدُّنيا لم أَرَ مثل ثَلاثة؛ أَحمد بن حنبل- وتعجِز النساء أَن تلد مثله- ورأَيتُ بشر بن الحارث من قَرنِه إِلى قَدمه مملوءاً عقلاً، ورأَيتُ أَبا عُبيد القاسم بن سَلّام كأَنه جَبلٌ نُفخَ فيه علم. قال عمر بن أَحمد: رأَى الثلاثة ولم يُحدِّث إِلا عَن أَحمد. أبو بكر الأَثْرم أَخبرنا أَبو الفتح الكَرُوخِي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا محمد بن أَحمد بن علي المَرْوَرُّوذِي قال: حدثنا محمد بن الحسين بن موسى، قال: حدثنا جَدّي، قال: حدثنا محمد بن موسى الحلواني، قال: حدثنا أبو بكر الأَثْرَم، قال: ناظرت رجلاً فقال لي: من قال بهذه المسألة؟ فقلت: مَن ليس في شرق ولا غرب مثله. قال: مَن؟ قلتُ: أَحمد بن حنبل. عبد الوهَّاب الوَرَّاق أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا البَرْقاني، قال: أخبرنا محمد بن العباس الخزَّاز، قال: حدثنا جعفر ابن محمد الصَّنْدلي، قال: سمعتُ خطاب بن بشر يذكر عن عبد الوهَّاب- يَعني الورّاق- قال: لما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "فَرُدّوهُ إِلى عَالِمه" رَددناه

إِلى أحمد بن حنبل وكان أَعلم أَهلِ زمانه. أَنبأَنا محمد بن أَبي طاهر، قال: أَنبأَنا إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَحمد بن محمد الخَلال، قال: حدثنا المرُّوذيّ قال: سمعتُ عبد الوهاب الورّاق، يقول: أَبو عَبد الله إمامنا وهو من الراسخين في العلم، إِذا وَقفت غداً بين يدي الله عزَّ وجل فسألني: بمن اقتَديت؟ أَقول: بأَحمد. وأَي شيءٍ ذهبَ على أَبي عبد الله من أَمرِ الإِسلام وقد بُلي عشرين سنةً في هذا الأَمر. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا أَبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أَبو عبد الله محمد بن عليّ الصُّوري، قال: أخبرنا السَّكن بن محمد الغساني، قال: أخبرنا أَبو محمد أَحمد بن محمد المَرْعَشي، قال: حدثنا محمد بن منصور الحَربي قال: حدثنا محمد بن جَعفر الراشدي، قال: سمعتُ عبد الوهَّاب الوراق يقول: ما رأَيتُ مثل أَحمد بن حنبل. قالوا له: وأَيّ شيءٍ بان لك من فضله وعلمه على سائرِ مَن رأيت؟ قال: رجل سُئل عن ستينَ أَلفَ

مسأَلة فأَجاب فيها بأَن قال: حدثنا وأَخبرنا. مُهَنّأ بن يَحيى الشامي أخبرنا إسماعيل بن أَحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد، قال: أخبرنا أَبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا سُليمان بن أَحمد قال: حدثنا الحسين بن محمد بن حاتم، قال: حَدثني مُهَنَّأ بن يحيى الشامي، قال: ما رأَيتُ أَحداً أَجمع لكلِّ خير من أَحمد بن حنبل، وقد رأَيتُ سفيانَ بن عُيَيْنةَ، ووكيعاً، وعبد الرزاق، وبَقيةَ بن الوليد، وضَمرة بن رَبيعة، وكثيراً من العلماءِ؛ فما رأَيتُ مثل أَحمد بن حنبل في علمه وفِقهه وزُهده وَوَرعه. قلتُ: اقتصرنا على هؤلاء لقلة ما يروون عنه من زهده وتعبده وتركنا من يروي الكثير كالمُّروذِي لأَن ما يرويه يأتي في غضون الكتاب إِن شاءَ الله تعالى.

الباب الخامس عشر فيما يذكر من إنفاذ إلياس إليه السلام

الباب الخامِس عشر فيما يذكر من إنفاذ إلياس إليه السلامَ أَنبأَنا يَحيى بن الحَسن بن البنّا، قال: أَنبأَنا القاضي أَبو يَعْلى محمد بن الحسين، قال: أَخبرني أَبو الحَسن علي بن محمد الحِنَّائي بدمشق، قال: أخبرنا أَبو محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل، قال: أخبرنا أَبو بكر محمد بن عيسى الطَّرسوسي، وأَبو العباس أَحمد بن محمد البَرْذَعي، قالا: أخبرنا أحمد بن طاهر، قال: حدثنا العباس، قال: حدثني أَبي، قال: حدثنا أَبو حَفص القاضي، قال: قَدم عَلَى أَبي عبد الله أَحمد بن حنبل رَجلٌ من بَحر الهِند، فقال: إِني رجل من بَحر الهند، خرجتُ أُريد الصين، فأُصيبَ مركبنا،

فأتاني راكبان على مَوجةٍ من أَمواج البحر، فقال لي أحدهما: أَتُحبُّ أَن يُخلِّصك الله على أن تُقْرئ أَحمد بن حنبل منَّا السلام؟ قلتُ: ومَن أَحمد؟ ومن أَنتما يرحمكما الله؟ قال: أنا إِلياس، وهذا الملك الموكَّل بجزائر البَحر، وأَحمدُ بن حنبل بالعراق. قلتُ: نَعم، فَنفضني البحر نَفضةً فإِذا أَنا بساحل الأُبلَّة، فقد جِئتك أُبلغك منهما السلام.

الباب السادس عشر فيما يذكر من ثناء الخضر عليه

البابُ السّادس عشر فيما يُذكر من ثناء الخَضِر عليه أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أخبرنا غالب بن علي، قال: أخبرنا محمد بن الحسين. (ح) وأخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أَنبأَنا رزق الله بن عبد الوهاب، قال: أَنبأَنا محمد بن الحسين. (ح) وسمعتُ إِسماعيل بن أَحمد السَّمَرْقَنْدِي يقول: سمعت عبد الله بن عطاء يقول: سمعت علي بن الحسين الحسيني يقول: سمعتُ عبد الكريم بن محمد الشيرازي، يقول: سمعتُ محمد بن علي الصوفي، قالا: سمعنا محمد بن عبد الله الرازي، قال: سمعتُ بلالاً الخَوّاص يقول: كنت في تِيهِ بَني إسرائيل، فإِذا رجلٌ يُماشيني فعجبت منه ثم ألهمت أَنه الخضر، فقلت له: بحقِّ الحق مَن أَنت؟ قال: أَخوك الخضر، قلتُ له: أُريدُ أن أسأَلك مسأَلة: قال: سَل، قلتُ: ما تقول في الشافعي؟ قال: من الأوتاد، قلت: فأحمد بن حنبل؟ قال: صدِّيق، قلت: فبشر بن الحارث؟ قال: لم يخلف بعده مثله، قلت: بأي وسيلة رأيتك؟ قال: ببرّك أمك. أَخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري، قال: أَخبرني محمد بن محمود، قال: أَخبرنا محمد بن أَحمد بن محمد، قال: حدثنا الحسين بن أَحمد، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن إِبراهيم الدِّينَوَرِي، قال:

سمعتُ إِسحاق بن إِبراهيم البُستي، يقول: سمعت أَبي يقول: قال رجل من أَهل بغداد: ركبتُ سفينةً في البحر، فَخرجنا إِلى جزيرة، فرأَيت شيخاً قاعداً أَبيضَ الرأس واللحية، فسلمتُ عليه، فقال لي: من أَين أَنتَ؟ فقلتُ: من أَهل بَغداد، فقال: إِذا أَتيتَ بغداد فأقرئ أَحمد بن حنبل السلام وقل له: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} قال: ثم غابَ الشيخُ فعلمنا أَنه الخَضر.

الباب السابع عشر في ثناء غرباء العباد والأولياء عليه

البابُ السّابع عشر في ثناء غُرباء العُبّاد والأَولياء عليه أَخبرنا أَبو منصور القَزاز، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا إِسماعيل بن أَحمد الحِيري، قال: أخبرنا أَبو عبد الرحمن السُّلَمي. وأَخبرنا عبد الملك بن أَبي القاسم الكَرُوخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأَنصاري قال: أخبرنا أَبو يعقوب الحافظ، قال: سمعتُ علي بن محمد بن إسحاق الهّمذاني، قال: سمعنا أَبا بكر الرازي، يقول: سمعتُ عبد الله بن موسى الطَّلْحِي، يقول: سمعتُ أَحمد بن العباس الشامي، يقول: خرجتُ من بَغداد أَريد الحج، فاستقبلني رجل عليه أَثر العبادة، فقال لي: مِن أَينَ خرجتَ؟ قلت: من بغداد، هربتُ منها لما رأَيت فيها من الفساد، فَخفت أَن يُخسَف بأهلها. قال: ارجع ولا تَخف، فإن فيها قبور أَربعةٍ من أَولياءِ الله هم حِصنٌ لهم من جَميع البلايا. قلتُ: من هم؟ قال: الإِمام أَحمد بن

حنبل، ومعروف الكرخي، وبِشْر بن الحارث، ومنصور بن عمار. فرجعت وزرت القبور. معنى الروايتين واحد. زاد أَبو يعقوب: فقلت له: فأَنت إِلى أَين تمضي؟ قال: إِلى زيارتها. قلت: من أَين أَنت؟ قال: انظر خلفك، فنظرتُ فلم أَرَ شيئاً، ثم عدت ببصري فلم أَره.

الباب الثامن عشر في ذكر تبرك الأولياء به وزيارتهم له

البابُ الثامِن عشر في ذكر تَبرك الأولياء به وزيارتهم له أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إِبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا علي بن مَرْدَك قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أَحمد، قال: جِئت يوماً إِلى المنزل فقيل لي: قد وجه أَبوكَ أَمس في طلبك، فجئت فقال: جاءَني رجل أَمس كنتُ أُحب أَن تَراه، بينا أَنا قاعد في نَحر الظَّهيرة إِذ أَنا برجل يُسلّم بالباب، فكأن قلبي ارتاحَ، فقمت ففتحت الباب، فإِذا برجل عليه فَروة، وعلى أُم رأسه خِرقة ما تَحت فَروته قميص ولا معه ركوة ولا جِراب ولا عُكّازة، قَد لوّحته الشمس، فقلت

له: ادخل، فدخل الدّهليز، فقلتُ: مِن أَين أَقبلتَ؟ قال: من ناحية المشرق، أُريد بعضَ هذه السواحل، ولولا مكانك ما دخلتُ هذا البلد إِلا أَني نَويت السلام عليك. قال: قلت: على هذه الحال؟ قال: نعم، ما الزهد في الدنيا؟ قلت: قصر الأمل، وجعلتُ أَتعجب منه. فقلت في نفسي: ما عندي ذهبٌ ولا فِضة. فدخلت البيت فأَخذت أَربعة أَرغفة فخرجتُ إِليه فقلتُ: ما عندي ذهبٌ ولا فِضة، وإِنما هذا من قوتي فقال: أَو يَسرك أَن أَقبل ذلك يا أبا عبد الله؟ قلت: نعم، قال: فأَخذها فَوضعها تحتَ حضنه وقال: أَرجو أَن تَكفيني هذه زادي إِلى الرقة، أستودعك الله. قال: فلم أَزل أَنظر إِليه إِلى أَن خرج- وكان يدكره كثيراً-. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أَخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا البَرْمَكي، قال: أخبرنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أَبو بكر الخَلال، قال: حدثنا عبد الله بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن أَحمد السِّمسار، قال: حدثنا أَبو عبد الله بن سافري- وَرّاق الحسن البزاز وكان ثقة- قال: كنا نتعبد في مَسجد العطار ونحنُ أَحداثٌ، بعضنا يعمل خوصاً؛ وبعضنا مغازل وغير ذلك، وكان فِينا شاب ذو هيئة، فحدثنا الشاب قال: كنا نَصيد السمك بناحية الدُّجيل، فانقلبتُ عشيةً، فإِذا رجل عليه أَطمار رَثَّة يمشي وأَنا أَحضّ فلا أَلحقه، فاستقبلته فقلتُ له: يا هذا، أَنتَ من

الأَبدال؟ قال: نعم، قلتُ: أَينَ تريد؟ قال: الشام، قلت: من أَين جئتَ؟ قال: من عند أَحمد بن حنبل، قلت: أَيَّ شيء تعمل عنده؟ قال: أَسأَله عن مسأَلة، أَحمد منا وهو أَفضل منا، ثم جاءَ وقتُ المغرب فصلّينا، ثم العشاء، ثم انفتل فقلت له: إِنّ هذا السمك نَصيده. فقال: إِنا لا نأكل، ثم كأَن الأَرض ابتلعته. قال الخلال: وحدثنا أَبو بكر المَرُّوذِي، قال: قدم رجل من الزهاد، فأَدخلته على أَبي عبد الله وعليه فَروٌ خَلقٌ، وخُريقة على رأسه، وهو حافٍ في بردٍ شديد، فسلَّم عليه، فقال له: يا أَبا عبد الله، قد جئتُ من موضع بعيد، وما أَردتُ إِلا السلامَ عليك. وأريدُ عَبّادَانَ؛ وأُريد إِنْ أَنا رجعتُ أَن أَمُرّ بكَ وأُسلمَ عليك. فقال له أَبو عبد الله: إِن قُدِّر، فقام الرجل فَسلم وأَبو

عبد الله قاعد، قال المَرُّوذِي: ما رأَيتُ أَحداً قط قام من عند أَبي عبد الله حتى يقومَ أَبو عبد الله إِلا هذا الرجل، فقال لي أَبو عبد الله: ما ترى؟ ما أَشْبَهه بالأَبدال! أَو قال: إِني لأَذكر به الأَبدال! فأَخرج إِليه أَبو عبد الله أَربعة أَرغفة مَشطورة بكامَخ وقال: لو كانَ عندنا لواسيناك. أَخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أَخبرني عُبيد الله بن أَبي الفَتح والحسن بن أَبي طالب قالا: حدثنا علي بن محمد ابن إِبراهيم الجَوهري، قال: حدثنا طَلحة بن حفص الصفّار، قال: حدثنا عباس الشِّكْلي، قالا: حدثنا إسماعيل الدَّيلمي، قال: كنتُ في البيت عند أَحمد بن حنبل، فإِذا نحن بداق يدق الباب فخرجت إِليه، فإِذا أَنا بفتىً عليه أَطمارُ شَعر، قال: فقلتُ: ما حاجتك؟ قال: أُريدُ أَحمد بن حنبل، قال: فدخلتُ إِليه فقلت: يا أَبا عبد الله، بالباب شاب عليه أَطمارُ شعر يَطلبك، قال: فخرج إِليه فسلم عليه، فقال له الفتى: يا أَبا عبد الله، أخبرني ما الزُّهد في الدنيا؟ فقال له أَحمد: حدثنا سفيان عن الزُّهري: أن الزُّهد في الدنيا قِصر الأَمل، فقال له: يا أَبا عبد الله، صِفه لي، قال- وكان الفتى قائماً في الشمس والفيءُ بين يديه- فقال: هو أَن لا تَبلغ من الشمس إِلى الفيء، قال: ثم ذهب ليولي، فقال له أَحمد: قِفْ، قال: فدخل فأَخرج له صُرة فدفعها إِليه، فقال: يا أَبا عبد الله، من لا يبلغ من الشمس إِلى الفَيء أَي شيءٍ يعمل بهذه؟ ثم تَركه وولّى. أَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أَنبأَنا أَبو الحسين بن عبد الجبار، قال:

أخبرنا أَبو إِسحاق إِبراهيم بن فارس، قال: حدثنا محمد بن عمر الشَّهْرُزُورِي قال: حدثنا أَبو الحسن عبد الله بن صالح الخطيب، قال: سمعتُ أَبا الحسين يعقوب بن موسى، قال: سمعت عبد الصمد بن علي، يقول: سمعت محمد بن فَنْجُويَه، يقول: سمعت أَبا يعلي الموصلي يقول: سمعتُ أَحمد بن حنبل، يقول: خرجتُ في وجه الصبح فإِذا أَنا برجل مُسيل منديله على وَجهه، فناولني رُقعة، فلما أَضاءَ الصبح قَرأتها فإِذا فيها مكتوب: عِش موسِراً إِن شئتَ أَو مُعْسِراً ... لابُدَّ في الدُّنيا من الغَمِّ وكُلَّما زادَك مِن نِعْمَةٍ ... زادَ الذي زادَك في الهَمِّ إِني رأَيتُ الناسَ في دَهرنا ... لا يطلُبون العِلمَ للعِلمِ إِلا مُباهاةً لأصحابِهم ... وعُدَّةً للخَصم والظُّلْم قال: فظننتُ أَن محمد بن يحيى الذُّهلي ناولني، فَلقيتُه فقلتُ له: الرقعة التي ناولتني؟ فقال لي: ما رأَيتك وما ناولتك رُقعة، فعلمت أَنها عظةٌ لي.

الباب التاسع عشر في ذكر تنويه ذكره

البابُ التاسِع عشر في ذكر تَنويه ذكره قد ذكرنا في مَنْشَئه أَنه كان مرتفع الذكر من زمن الصِّبا. وأَخبرنا محمد بن أَبي منصور، قال: أنبأنا عبد القادر بن محمد، قال: أَنبأَنا إِبراهيم بن عمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أَبو بكر أَحمد بن محمد بن هارون الخَلّال، قال: أخبرنا أَبو بَكر المَرُّوذِي، قال: قلتُ لأَبي عبد الله: ما أَكثر الداعي لك! قال: أَخافُ أَن يكون هذا استدراجاً، بأَي شيءٍ هذا؟ وقلتُ لأَبي عبد الله: إِنَّ رجلاً قدم من طَرَسُوس فقال لي: إِنا كنَّا في بلاد الروم في الغزو إِذا هَدأَ الليلُ رَفعوا أَصواتهم بالدعاءِ: ادعوا الله لأَبي عَبد الله، وكنا نمد المِنجَنيق ونَرمي عنه، ولقد رُمي عنه بحجر والعِلْج على الحِصن مُتترس بدَرقة، فذهب براسه وبالدَّرَقة، فتغيَّر وَجهه، وقال: ليتَه لا يكون استدراجاً؛ ثم قال: تَرى هذا استدراجاً؟ قلت له: كَلا. قال الخلال: وحدثنا أَحمد بن علي الأَبّار، قال: سرنا في نهر بَلْخ أَياماً وفَني زادنا، فخرجت إِلى نحو بُخَارَى أَشتري طعاماً، فإِذا رجل أَشقر أَحمر فقال: يا فتيان، من أَين أَنتم؟ قلنا: من أَهل بغداد، قال: فما فعل أَحمد بن حنبل؟ قلنا: تَركناه في الحياة، فرفع رأسه يقول: اللهم- يدعو له- فقلت

لرفيقي: بقي لك شيء؟ هذا أَقصى عمل الإِسلام، هذا موضع التُّرك. قال الخَلال: وحدثنا أَبو بكر المَرُّوذِي قال: قلت لأَبي عبد الله: إِن رجلاً قال لي: إِنه من بلاد التُّرك إِلى ها هنا يَدعونَ لك، فكيف تؤدي شكر ما أَنعم الله عليك وما بث لك في الناس؟ فقال: أَسأَل الله أَن لا يَجعلنا مُرائين. قال الخَلال: وأَخبرني عبد الله بن أَحمد بن حنبل، قال: مضيتُ أَنا وبلال إِلى مُحمد بن سَعيد التّرمذي فقال: كنا عند وَهب بن جَرير وثَمّ أَبو عبد الله، فقال لي: اقرأ، فلم أقرأ، فقيل له: ولم؟ قال: كَرهتُ أَن أَقرأَ، فيقول شيئاً، أو يظهر منه شيء يُتحدَّث به. قال الخلال: وأَخبرني أَحمد بن الحسين بن حسان قال: سمعت رجلاً من خُراسان، يقول: عِندنا بخراسان يَرَوْن أَن أَحمد بن حنبل لا يُشبه البَشَر يظنون أَنه من الملائكة. قال أحمد بن الحسين: وقال لي رجل كان في ثَغر: نحنُ نقول: نَظرة من أَحمد بن حنبل خير- أَو قال-: تَعدل عندنا بعبادة سَنة. قال الخلال: وحدثنا أَبو بكر المَرُّوذِي، قال: سمعت علي بن الجَهم يقول: كنتُ ناشئاً شابّاً، فرأَيتُ الناس يمرون أفواجاً، فسأَلت، فقالوا: ها هنا رجلٌ رأَى أَحمد بن حنبل، فقلتُ له: أَرأَيت أَحمد بن حنبل؟ فقال: صليتُ في مَسجده. قال المروذي: وسمعتُ نوح بن حَبيب القومُسي يقول: إِن امرأَتين مَجوسيَّتَيْن وَقع بينهما اختلاف في ميراث، فاحتكمتا إِلى عالم، فقضى على إِحداهن، فقالت: إِن كنتَ قضيتَ بقضاءِ أَحمد بن حنبل قبلت؛ وإِلا لم أَرض، فقال:

نعم بقضاءِ أَحمد بن حنبل؛ فقبلَت. قال المَرُّوذي: رأَيتُ بعض النَّصارى المتطببين قَد خرج من عند أَبي عبد الله ومعه بعضُ القِسّيسين- أَو الرهبان- فسمعتُ المتطبب يقول: إِنه سَأَلني أَن يجيءَ معي حتى يَنظُر إِلى أَبي عبد الله. قال المُّروذي: وأَدخلتُ نصرانيّاً على أَبي عبد الله يُعالِجه، فقال: يا أَبا عبد الله، إِني أَشتهي أَن أَراك مُنذ سنين، وليس بقاؤك صلاحَ أَهل الإِسلام وحدَهم، بل هو للخلق جميعاً، وليس من أَصحابنا أَحد إِلا وقد رضي بك. قال المُّروذي: فقلت لأَبي عبد الله: إني لأَرجو أَن يكون يُدعَى لك في جميع الأَمصار، فقال: يا أَبا بكر؛ إِذا عَرَف الرجل نفسَه فما ينفعُه كلام الناس. أَخبرنا أَبو منصور القَزاز قال: أخبرنا أَحمد بن علي بن ثابت، قال: أَخبرني أَحمد بن سليمان المقرئ قال: حدثنا أَحمد بن محمد بن أحمد الهروي قال: أخبرنا: عبد الله بن عَدي الحافظ، قال: سمعت محمد بن عبد الله الصَّيرفي يخاطب المتعلمين لمذهب الشافعي، يقول لهم: اعتبروا بهذين: حُسين الكَرابيسي، وأَبي ثور؛ والحسين في علمه وحِفظه، وأَبو ثور لا يَعشره في علمه، فتكلم فيه أَحمد بن حنبل في باب اللفظ فَسقط، وأَثنى على أَبي ثور فارتفع للزومه السنة.

أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار:, قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحريري, قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه, قال: أخبرنا أبو مُزاحم الخاقاني, قال: حدثني عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري, قال: سمعت أبي يقول: سمعت إسحاق - يعني ابن راهويه - يقول: دخلت على عبد الله بن طاهر, فقال لي: ما رأيت أعجب من هؤلاء المُرجئة؛ يقول أحدهم: إيماني كإيمان جبريل, والله ما أستجيز أن أقول: إيماني كإيمان يحيى بن يحيى, ولا كإيمان أحمد بن حنبل. قال الخاقاني: وحدثني أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو موسى الطوسى قال: سمعت محمد بن يحيى, يقول: ما رأيت برًّا أنفق من بر أحمد بن حنبل, كنت أسمع منه بالغداة وأُملي بالعشي. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا محمد بن عبد الملك الأسدي قال: أنبأنا عُبيد الله بن أحمد بن عثمان, قال: حدثنا عُبيد الله بن أبي مُسلم قال: أخبرني بكران بن أحمد قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل, قال: سمعت أبي يقول: لما قدمت صنعاء اليمن أنا ويحيى بن معين في وقت صلاة العصر, فسألنا عن منزل عبد الرازق, فقيل: إنه بقرية يقال لها: الرمادة, فمضيت لشهوتي للقائه, وتخلف يحيى بن معين؛ وبينها وبين صنعاء قريبٌ,

حتى إذا سألت عن منزله قيل: هذا منزله, فلما ذهبت أدُق الباب, قال لي بقّال تجاه داره: لا تدق فإن الشيخ مهوب؛ فجلست حتى إذا كان قبل صلاة المغرب خرج لصلاة المغرب؛ فوثبت إليه وفي يدي أحاديث قد انتقيتها, فقلت له: سلام عليكم, تُحدثني بهذه رحمك الله؟ فإني رجل غريب. فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا أحمد بن حنبل, قال: فتقاصر ورجع وضمني إليه, وقال: يالله أنت أبو عبد الله؟ ثم أخذ الأحاديث, فلم يزل يقرؤها حتى أشكل عليه الظلام؛ فقال للبقال: هلم المصباح, حتى خرج وقت المغرب - وكان يؤخرها - قال عبد الله: فكان أبي إذا ذكر أنه نوه باسمه عند عبد الرزّاق بكى. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكي, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلال, قال: حدثنا أبو بكر المروذي. قال: سمعت أبا العباس الحطاب يقول: كتبت رقاعًا والناس يومئذٍ متوافرون؛ أسود بن سالم, وبشر بن الحارث, وأحمد بن حنبل - وذكر جماعة - وكتبت اسم كل رجل في رقعة, وصليت ركعتين ودعوت الله عز وجل أن يخرج لي رجلًا أقتدي به وخلطت الرقاع وجعلتها تحت شيءٍ؛ ثم ضربت بيدي, فخرج أحمد بن حنبل, فبقيت أعجب. ثم صليت ركعتين وذكرت الله, وخلطت الرقاع, فخرج أحمد بن حنبل حتى فعلت الثالثة كذلك.

الباب العشرون في ذكر اعتقاده في الأصول

الباب العشرون في ذكر اعتقاده في الأصول سياق مذهبه في الإيمان: أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن محمد الشيرازي, قال: حدثنا محمد بن بكر بن محمد, قال: حدثنا سليمان بن الأشعث, قال: سمعت أحمد بن حنبل, يقول: الإيمان قولٌ وعملٌ, ويزيد وينقص, البر كله من الإيمان, والمعاصي تنقص من الإيمان. سياق قوله في القرآن: أخبرنا أبو بركات بن علي البزاز, قال: أخبرنا أحمد بن علي الطريثيثي قال: أخبرنا هبة الله بن الحسن الطبري, قال: حدثنا محمد بن عمر بن حميد, قال: حدثنا محمد بن مخلد, قال: حدثنا إسحاق - يعني ابن إبراهيم - قال: سمعت أحمد بن حنبل - وسئل عمن يقول: إن القرآن مخلوق - فقال: كافر. أخبرنا يحيى بن علي, قال: أخبرنا جابر بن ياسين وعبد العزيز بن علي السكري, قالا: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلّص, قال: حدثنا ابن

منيع, قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم اليغوي, قال: سمعت أحمد بن حنبل - وسُئل عمن قال: إن القرآن مخلوق - فقال: كفر. وفتح الكاف. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: أخبرنا جدي, قال: أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن الفضل, قال: سمعت سلمة بن شبيب يقول: سمعت أحمد بن حنبل, يقول: من قال: القرآن مخلوق, فهو كافر. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد, قال: أخبرنا علي بن عبد الله البلخي, قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي الفضل, قال: حدثنا أبو أحمد بن أبي أسامة, قال: حدثنا إسماعيل بن الحسن السراج قال: سألت أحمد بن حنبل عمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: كافر. وعمن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟ فقال: جهمي. أخبرنا عبد الله بن علي المقرئ, قال: أخبرنا عبد الملك بن أحمد السيوري, قال: أخبرنا الحسن بن محمد الخلال, قال: حدثنا أبو حفص بن شاهين, قال: حدثنا الحسن بن صالح بن شيخ بن عميرة, قال: سمعت

إسحاق بن منصور الكوسج, يقول: سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يقول: القرآن مخلوق, ما هو عندك؟ فقال: ك ف ر – مقطع -. أخبرنا عبد الله بن علي, قال: أخبرنا عبد الملك بن أحمد, قال: حدثنا أبو محمد الخلال, قال: حدثنا علي بن العباس البرداني, قال: حدثنا يحيى بن محمد بن سهل, قال: حدثنا هارون بن عبد الرحمن العُكبري, قال: سألت أحمد بن حنبل قلت: يا أبا عبد الله, القرآن كلام الله غير مخلوق, منه بدأ, وإليه يعود؟ فقال: منه بدأ علمه, وإليه يعود حُكمه. أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن الحاسب, قال: أخبرنا الحسن ابن أحمد بن البنا, قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن سلم, قال: حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن عيسى الجوهري, قال: حدثنا صالح بن أحمد, قال: تناهى إلي أن أبا طالب يحكي عن أبي أنه يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق, فأخبرت أبي بذلك فقال: من أخبرك؟ فقلت: فلان, فقال: ابعث إلى أبي طالب, فوجهت إليه, فجاء وجاء فوران, فقال له أبي: أنا قلت لك: لفظي بالقرآن غير مخلوق؟! وغضب, وجعل يرعد, فقال: قرأت عليك: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فقلت لي: ليس هذا بمخلوق, فقال له: فلم حكيت عني

أني قلت لك: لفظي بالقرآن غير مخلوق؟ وبلغني أنك وضعت ذلك في كتاب وكتبت به إلى قوم, فإن كان في كتابك فامحه أشد المحو, واكتب إلى القوم الذين كتبت لهم أني لم أقل ذلك. فجعل فوران يعتذر له, وانصرف من عنده وهو مرعوب, فعاد أبو طالب, فذكر أنه قد كان حك ذلك من كتابه, وأنه كتب إلى القوم يخبرهم أنه وهم على أبي في الحكاية. سياق مذهبه في أخبار الصفات: أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكُروخي, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسين, قال: أخبرنا جدي أبو النضر, قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن خالد, قال: حدثنا عبد الله بن أحمد, قال: قال أبي: هذه الأحاديث نرويها كما جاءت. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا أبو يعقوب وأحمد بن محمد بن خزيمة وغيرهما, أن أحمد بن عيسى أخبرهم, قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق بن محمود, قال: حدثني سعيد بن خُشنام السمرقندي, قال: حدثنا محمد بن يونس السرخسي, قال: حدثنا محمد بن حُميد الأندراني, قال: قال أحمد بن حنبل, من صفة المؤمن من أهل السنة والجماعة, إرجاء ما غاب عنه من الأمور إلى الله, كما جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة يرون ربهم"

فيصدقها ولا يضرب لها الأمثال, هذا ما اجتمع عليه العلماء في الآفاق. سياق مذهبه في ذم الكلام وأهله: اخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن سليمان, قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن خالد, قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, قال: كتب أبي إلى عُبيد الله بن يحيى بن خاقان: لست بصاحب كلام, ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلا ما كان في كتاب أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو عن أصحابه, فأما غير ذلك, فإن الكلام فيه غير محمود. أخبرنا عبد الملك, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد, قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم, قال: أخبرنا جدي, قال: أخبرنا يعقوب بن إسحاق, قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الوليد الأصبهاني, قال: سمعت أبا عمران موسى بن عبد الله الطرسوسي, قال: سمعت أحمد بن حنبل, يقول: لا تجالسوا أهل الكلام وإن ذبّوا عن السنة.

سياق مذهبه في اهل البدع من الجهمية واللفظية والواقفة والقدرية: أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا الحسن بن العباس الحارثي, قال: أخبرنا أحمد بن حسنويه, قال: حدثنا الفضل بن محمود, قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الليث, قال: سمعت أحمد بن زنجويه, يقول: سمعت أحمد بن حنبل, يقول: اللفظية شر من الجهمية. قال ابن الليث: وسئل أحمد بن حنبل – وأنا حاضر – عن الواقفة, فقال: الواقفة والجهمية واللفظية عندنا سواء. أخبرنا عبد الملك, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد, قال: اخبرنا محمد بن المنتصر, قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي الفضل, قال: قال محمد بن إبراهيم الصرّام: سمعت أبا بكر البلخي, يقول: سمعتُ أحمد بن حنبل, يقول: إذا صليت وبجنبك جهميّ فأعد. أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي, قال: أخبرنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي وأبو الحُسين بن الطيوري, قالوا: أخبرنا أبو علي بن شاذان, قال: أخبرنا أحمد بن سليمان العباداني, قال: حدثنا محمد بن عبد الملك

الدقيقي قال: سمعت سلمة بن شبيب يقول: دخلت على أحمد بن حنبل, فقلت: ما تقول فيمن يقول: القرآن كلام الله؟ فقال أحمد: من لم يقل: القرآن كلام الله غير مخلوق, فهو كافر. ثم قال: لا تشكن في كفرهم, فإن من لم يقل: القرآن كلام الله غير مخلوق, فهو يقول: مخلوق, ومن قال: هو مخلوق, فهو كافر بالله عز وجل. قال سلمة: وقلت لأحمد: الواقفة كفار؟ فقال: كفار. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد النصاري, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: حدثنا جدي. وأخبرنا عبد الملك ابن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا يحيى ابن الفضل, قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن, قالا: أخبرنا يعقوب ابن إسحاق, قال: حدثنا شَكر, قال: سمعت محمد بن مسلم بن وارة يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق, فهو جهمي. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: أخبرنا جدي, قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق, قال: حدثني عبد الله بن أحمد, قال: قلت لأحمد: إن الكرابيسي يقول: لفظي بالقرآن مخلوق. قال: كذب الخبيث هتكه الله, قد خلف هذا بشرًا المريسي. أخبرنا عبد الله بن علي المقرئ, قال: أخبرنا عبد الملك بن أحمد السيوري,

قال: أخبرنا أبو محمد الخلال, قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عروة, قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا, قال: سمعت سلمة بن شبيب يقول: سمعت أحمد بن حنبل, يقول: الواقفي لا تشكن في كفره. أخبرنا عبد الله, قال: أخبرنا عبد الملك, قال أخبرنا الخلال, قال: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ, قال: حدثنا أحمد بن سليمان, عن إسحاق بن إبراهيم بن هانئ, قال: سُئل أحمد بن حنبل عمن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق, أيُصلَّى خلفه؟ قال: لا يُصلّى خلفه, ولا يُجالس ولا يُكلم ولا يُصلى عليه. أنبأنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا عُبيد الله بن عمر بن شاهين, قال: سمعت أبا الفتح محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز البغوي يقول: سمعت جدي يقول: سمعت ابن زنجويه, يقول: سمعت أحمد بن حنبل, يقول: علماء المعتزلة زنادقة. أخبرنا هبة الله بن الحسين بن الحاسب, قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن البنا, قال: أخبرنا أبو الفتح بن أبي الفوارس, قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن سلم, قال: حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن عيسى الجوهري, قال: حدثنا صالح بن أحمد, قال: سُئل أبي: يصلي الرجل خلف القدري؟ فقال: إذ قال: إن الله لا يعلم ما يعمل العباد حتى يعملوا, فلا يُصلي خلفه, ولا يُصلي خلف الرافضي؛ إذا كان يتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسمعت أبي يقول: افترقت الجهمية على ثلاث فرق: فرقة قالوا: القرآن

مخلوق, وفرقة قالوا: كلام الله, وسكتوا, وفرقة قالوا: لفظنا بالقرآن مخلوق. قلت لأبي: فلا يُكلم من وقف؟ قال: لا يُكلم. قلت: فإن كلمه رجل؟ قال: تأمره, فإن ترك كلامه كلمته, وإن لم يترك كلامه, فلا تكلمه. وقال أبي: لا يصلّى خلف من قال: القرآن مخلوق؛ فإن صلّى رجلٌ أعاد, ولا خلف واقفي, ولا خلف لفظي. أنبأنا زاهر بن طاهر, قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي, قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم, قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن أمية القرشي, يقول: سمعت أبا علي الحسين بن أحمد بن الفضل البلخي, يقول: دخلت على أحمد بن حنبل, فجاء رسول الخليفة يسأله عن الاستعانة بأصحاب الأهواء؟ فقال أحمد: لا يستعان بهم. قال: فيستعان باليهود والنصارى ولا يستعان بهم؟! قال: لا, لأن اليهود والنصارى لا يدعون إلى أديانهم, وأصحاب الأهواء داعية. سياق كلامه في تفضيل الصحابة: أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرني أبو يعقوب, قال: أخبرني جدي, قال: حدثني يعقوب بن إسحاق قال: حدثنا أبو بكر المُطوعي – يعقوب بن إسحاق البغدادي – قال: سمعت أحمد بن حنبل – وسُئل عن التفضيل – فقال: على حديث ابن عمر:

والخلافة على حديث سفينة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. فقال له من سأله: هذا حشرج؟ فقال: لا, حماد بن سلمة. يعني أن حماد بن سلمة, وحشرج بن نُباتة, رويا هذا الحديث – حديث سفينة – وفي حشرج غمص, وحماد بن سلمة إمام. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي الحربي, قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن المخلص, قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد, قالا: حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن الشهادة لأبي بكر وعمر أنهما في الجنة؟ قال: نعم؛ أذهب إلى حديث سعيد بن زيد, قال: أشهد أن النبي في الجنة, وكذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التسعة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنة عشرون ومئة صف, ثمانون منها أمتي" فإذا لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فمن يكون؟! قال عبد الله بن محمد, وسمعت عبد الملك بن عبد الحميد الميموني, يقول: قال أحمد بن حنبل: يا أبا الحسن, إذا رأيت رجلًا يذكر أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا الحسن بن أحمد – إذنًا – قال: حدثنا محمد بن أحمد الحافظ, قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم, أن أبا بكر المروذي قال: قال أحمد بن حنبل: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر ليُصلي بالناس؛ وقد كان في القوم من هو أقرأ منه, وإنما أراد الخلافة. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه, قال: حدثنا علي بن محمد المعدّل, قال: أخبرنا ابن السماك, قال: حدثنا الحسن ابن عبد الوهاب, قال: حدثنا محمد بن سليمان, قال: حدثني عبدوس بن مالك العطار, قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: خير هذه الأمة

بعد نبيها, أبو بكر الصديق؛ ثم عمر بن الخطاب؛ ثم عثمان بن عفان, نُقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله لم يختلفوا في ذلك, ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة: علي, والزبير, وطلحة, وعبد الرحمن بن عوف؛ وسعد, وكلهم يصلح للخلافة؛ وكلهم إمام. نذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر: "كنا نعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي, وأصحابه متوافرون: أبو بكر, ثم عمر, ثم عثمان, ثم نسكت". ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر من المهاجرين, ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله على قدر الهجرة والسابقة أولًا فأولًا, ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله القرن الذين بُعث فيهم, كل من صحبه سنةً, أو شهرًا, أو يومًا, أو ساعة, أو رآه فهو من أصحابه, له من الصُّحبة على قدر ما صحبه؛ وكانت سابقته معه, وسمع منه, ونظر إليه نظرة, فأدناهم صُحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه, لو لقوا الله بجميع الأعمال, كان هؤلاء الذين صحبوا النبي ورأوه وسمعوا منه أفضل – لصُحبتهم – من التابعين, ولو عملوا كل أعمال الخير؛ ومن انتقص أحدًا من اصحاب رسول الله, أو أبغضه لحدثٍ كان منه, أو ذكر مساويه, كان مبتدعًا حتى يترحّم عليهم جميعًا, ويكون قلبه لهم سليمًا. سياق مذهبه في تقديم عثمان على علي عليهما السلام أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحُسين الحاسب, قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن البنا, قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس, قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم, قال: حدثنا عمر بن محمد بن

عيسى الجوهري, قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال: سُئل أبي – وأنا شاهد – عمن يُقدم عليًّا على عثمان يُبدع؟ فقال: هذا أهل أن يبدع, أصحاب رسول الله قدَّموا عُثمان رضي الله عنه. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: أخبرنا محمد بن محمد الصَّفّار الصّدوق, قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن نافع, قال: حدثنا داود بن الحسين البيهقي, قال: حدثنا عمرو بن عثمان الحِمصي, قال: لما حُمل أحمد ابن حنبل من العسكر إلى الروم, نزل هاهنا حِمص, قال: فدخلت عليه فقلت: يا أبا عبد الله, ما تقول في علي وعثمان؟ فقال: عثمان, ثم علي. ثم قال: يا أبا حفص, من فضّل عليّا على عثمان, فقد أزرى بأصحاب الشورى. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه, قال: حدثنا محمد بن أحمد الحافظ, قال: حدثنا محمد بن مظفر, قال: حدثنا محمد بن محمد بن سليمان, قال: حدثنا محمد بن عوف, قال: سألت أحمد ابن حنبل: ما تقول في التفضيل؟ فقال: من فضّل عليّا على أبي بكر, فقد طعن على رسول الله, ومن قدم عليّا على عُمر, فقد طعن على رسول الله وعلى أبي بكر, ومن قدم عليّا على عثمان, فقد طعن على رسول الله وأبي بكر وعمر وعلى المهاجرين, ولا أحسب يصلح له عمل.

سياق كلامه في علي عليه السلام وأهل البيت أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا أبو بكر أحمد ابن علي بن ثابت, قال: أخبرنا علي بن محمد القُرشي, قال: حدثنا أبو عمر الزاهد, قال: أخبرني السياري, قال: أخبرني أبو العباس بن مسروق, قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل, قال: كنت بين يدي أبي جالسًا ذات يوم, فجاءت طائفة من الكرخية فذكروا خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان فأكثروا, وذكروا خلافة علي بن أبي طالب فزاوا وأطالوا, فرفع أبي رأسه إليهم فقال: يا هؤلاء, قد اكثرتم القول في علي والخلافة, إن الخلافة لم تزين عليّا بل علي زينها. قال السياري: فحدثت بهذا بعض الشيعة, فقال لي: قد أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البُغض. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا محمد بن علي بن ميمون قال: أخبرنا محمد بن علي بن عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري, قال: سمعت أبا الحسن أحمد بن القاسم بن الريان قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل, يقول: حدث أبي بحديث سفينة فقلت: يا أبة, ما تقول في التفضيل؟ قال: في الخلافة أبو بكر وعمر وعثمان. فقلت: فعلي بن أبي طالب؟ قال: يا بني, علي بن أبي طالب من أهل بيتٍ لا يقاس بهم أحد. اخبرنا محمد بن ابي منصور, قال: أنبأنا المؤتمن بن أحمد, قال: أخبرنا

محمد بن الحسن الوراق, قال: أخبرنا محمد بن الحسين الصنعاني, قال: أخبرنا سعيد بن محمد بن بلبل قال: سمعت أبا الفضل الطوسي, يقول: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: ما لأحدٍ من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعلي رضي الله عنه. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: حدثنا بن أحمد بن بشر الحافظ, قال: حدثنا أحمد بن الحسين الرازي, قال: حدثنا محمد بن مخلد, قال: سمعت أبا سعيد هشام بن منصور البخاري, يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: من لم يُثبت الإمامة لعلي, فهو أضل من حمار أهله. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا الحسن بن أحمد إذنًا, قال: أخبرنا هلال بن محمد, قال: أخبرنا عثمان, قال: أخبرنا حنبل, قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: خلافة علي عليه السلام هل هي ثابتة؟ فقال: سبحان الله! يقيم علي الحدود, ويقطع, ويأخذ الصدقة ويقسمها بلا حق وجب عليه! أعوذ بالله من هذه المقالة؛ نعم خليفة رضيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصلّوا خلفه, وغزوا معه, وجاهدوا, وحجوا, وكانوا يسمونه أمير المؤمنين, راضين بذلك غير منكرين, فنحن تبع لهم. سياق قوله فيما شجر بين الصحابة: اخبرنا محمد بن ناصر, قال: أنبأنا بن أحمد الفقيه, قال: أخبرنا محمد بن أحمد, قال: حدثنا ابن سلم, قال: أخبرنا أحمد بن

عبد الخالق, قال: حدثنا أبو بكر المروذي, قال: قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل ونحن بالعسكر, وقد جاء بعض رُسل الخليقة فقال: يا أبا عبد الله, ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية؟ فقال أبو عبد الله: ما أقول فيهم إلا الحُسنى. قال المروذي: وسمعت أبا عبد الله وذُكر له أصحاب رسول الله, فقال: رحمهم الله اجمعين, ومعاوية وعمرو وأبو موسى الأشعري والمغيرة كلهم وصفهم الله تعالى في كتابه فقال: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ). اخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد, قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت, قال: أخبرني الحسن بن محمد الخلّال, قال: حدثنا عبد الله بن عثمان الصّفّار, قال: حدثنا أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن آزر الفقيه, قال: حدثني أبي, قال: حضرت أحمد بن حنبل وسأله رجلٌ عما جرى بين علي ومعاوية؟ فأعرض عنه, فقيل له: يا أبا عبد الله, هو رجلٌ من بني هاشم. فأقبل عليه فقال: اقرأ: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ). سياق كلامه في الرافضة: أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه, قال: حدثنا محمد بن أحمد الحافظ, قال: أخبرنا ابن الصوّاف, قال: حدثنا عبد الله قال: قلتُ لأبي: من الرافضي؟ قال: الذي يشتم ويسب أبا بكر وعمر. ...

قال: وسألت أبي عن رجلًا شتم من أصحاب رسول الله, قال: ما أراه على الإسلام. سياق جمل من اعتقاده: أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا أبو يعقوب, وأحمد بن حمزة, وغيرهما, قالوا: اخبرنا احمد بن محمد بن عيسى, قال: حدثنا بن إسحاق, قال: حدثني سعيد بن خُشنام مولى بني هاشم, قال: أخبرنا محمد بن يونس السرخسي, قال: حدثنا محمد بن حميد الأندرابي, قال: قال أحمد بن حنبل: صفة المؤمن من أهل السنة والجماعة من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمدًا عبده ورسوله, وأقر بجميع ما أتت به الأنبياء والرسل, وعقد قلبه على ما ظهر من لسانه, ولم يشك في إيمانه, ولم يكفر أحدًا من أهل التوحيد بذنبٍ, وأرجأ ما غاب عنه من الأمور إلى الله, وفوض أمره إلى الله, ولم يقطع بالذنوب العِصمة من عند الله, وعلم أن كل شيءٍ بقضاء الله وقدره الخير والشر جميعًا, ورجا لمحسن أمة محمد, وتخوف على مسيئهم, ولم ينزل أحدًا من أمة محمد الجنة بالإحسان, ولا النار بذنب اكتسبه, حتى يكون الله الذي يُنزل خلقه حيث يشاء, وعرف حقَّ السلف الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم, وقدّم أبا بكر وعمر, وعثمان, وعرف حقَّ علي بن أبي طالب, وطلحة,

والزبير, وعبد الرحمن بن عوف, وسعد بن أبي وقاص, وسعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل, على سائر الصحابة, فإن هؤلاء التسعة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على جبل حِراء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اسكن حراء فما عليك إلا نبيٌّ أو صدّيقٌ أو شهيد" والنبي عاشرهم. وترحم على جميع أصحاب محمد صغيرهم وكبيرهم, وحدث بفضائلهم, وأمسك عما شجر بينهم, وصلاة العيدين والخوف والجمعة والجماعات مع كل أمير, بر أو فاجرٍ, والمسح على الخُفين في السفر والحضر, والتقصير في السفر, والقرآن كلام الله وتنزيله وليس بمخلوق, والإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص, والجهاد ماضٍ منذ بعث الله محمدًا إلى آخر عصابة يقاتلون الدجال, لا يضرهم جور جائر, والشراء والبيع حلالٌ إلى يوم القيامة على حكم الكتاب والسنة, والتكبير على الجنائز أربعًا, والدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح, ولا تخرج عليهم بسيفك, ولا تقاتل في فتنة وتلزم بيتك, والإيمان بعذاب القبر, والإيمان بمنكرٍ ونكير؛ والإيمان بالحوض والشفاعة, والإيمان أن أهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى, وأن الموحدين يخرجون من النار بعد ما امتحشوا, كما جاءت الأحاديث في هذه الأشياء عن

النبي صلى الله عليه وسلم, نصدقها ولا نضرب لها الأمثال. هذا ما اجتمع عليه السلف من العلماء في الآفاق. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا أبو يعقوب الحافظ, قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن الفضل قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن بشر بن بكر, قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد البرذعي التميمي, قال: لما أشكل على مسدد بن مسرهد أمر الفتنة وما وقع فيه الناس من الاختلاف في القدر والرفض والاعتزال وخلق القرآن والإرجاء, كتب إلى أحمد بن حنبل: اكتب إلي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم. فلما ورد الكتاب على أحمد بكى وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون, يزعم هذا البصري أنه أنفق في العلم مالًا عظيمًا وهو لا يهتدي إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى, وينهون عن الردى, يحيون بكتاب الله الموتى, وبسنة النبي أهل الجهالة والردى, فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه, وكم من ضال تائهٍ قد هدوه, فما أحسن أثرهم على الناس, ينفون عن دين الله تحريف الغالين, وانتحال المبطلين الذين عقدوا ألوية البدع, وأطلقوا أعنة الفتنة, مختلفين في الكتاب, يقولون على الله وفي الله - تعالى الله عما يقول الظالمون عُلوًّا كبيرًا – وفي كتابه بغير علم, فنعوذ بالله من كل فتنة مضلة, وصلى الله على

محمد النبي وآله وسلم تسليمًا. أما بعد: وفقنا الله وإياكم لكل ما فيه رضاه؛ وجنبنا وإياكم كل ما فيه سخطه, واستعملنا وإياكم عمل الخاشعين له, العارفين به, فإنه المسؤول ذلك, وأوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم ولزوم السنة والجماعة؛ فقد علمتم ما حل بمن خالفها, وما جاء فيمن اتبعها, فإنه بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ليدخل العبد الجنة بالسنة يتمسك بها" وأمركم أن لا تؤثروا على القرآن شيئًا, فإنه كلام الله, وما تكلم الله به فليس بمخلوق, وما أخبر به عن القرون الماضية فغير مخلوق, وما في اللوح المحفوظ فغير مخلوق, ومن قال: مخلوق, فهو كافر بالله, ومن لم يكفرهم فهو كافر. ثم من بعد كتاب الله سنة النبي صلى الله عليه وسلم, والحديث عنه وعن المهديين من صحابة النبي, والتابعين من بعدهم, والتصديق بما جاءت به الرسل, واتباع السنة نجاةٌ, وهي التي نقلها أهل العلم كابرًا عن كابر, واحذروا رأي جهم فإنه صاحب رأي وخصومات. وأما الجهمية؛ فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم أنهم قالوا: افترقت الجهمية على ثلاث فرق: فقال بعضهم: القرآن كلام الله وهو مخلوق, وقال

بعضهم: القرآن كلام الله، وسكتَ وهم الواقفة، وقال بعضهم: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة. فهؤلاءِ كلهم جهمية. وأجمعوا على أن من كان هذا قوله، فحكمه إن لم يَتب، لم تَحلّ ذَبيحته ولا تجوز قَضاياه، والإيمان قولٌ وعَمل يزيد وينقص، زيادته إذا أحسنتَ، ونُقصانه إذا أَساتَ، ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، فإن تاب رجع إلى الإيمان، ولا يُخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله العَظيم، أو يردّ فريضة، من فرائض الله جاحداً لها، فإن تَركها تهاوناً بها وكَسلاً، كان في مشيئة الله، إن شاء عذّبه، وإِن شاءَ عفا عنه. وأما المعتزلة؛ فقد أجمع مَن أدكرنا من أهل العلم أنهم يُكَفِّرُونَ بالذنب؛ فمن كان منهم كذلك، فقد زَعم أن آدم كافر، وأن إِخوة يوسف حينَ كذبوا أباهم كُفار. وأجمعت المعتزلة أن من سَرق حَبَّةٌ فهو كافر، تَبين منه امرأتُه، ويستأنف الحج إن كان حج. فهؤلاءِ الذين يقولون هذه المقالة كفار، وحُكمهم أَن لا يُكلّموا ولا تُؤكل ذَبائحهم حتى يَتوبوا. وأما الرافضة، فَقد أجمع من أدركنا من أهل العلم أنهم قالوا: إن عليًّا أَفضلُ من أبي بكر، وإن إسلام عليّ أَقدمُ من إِسلام أبي بكر، فمن زَعم أَن عليًّا أفضل من أبي بكر، فقد رَدَّ الكتاب والسنة، لقوله عز وجل: {مُحَمَّدٌ

رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} فقَدم أبا بكر بعد النبي، ولم يقدم عليًّا. وقال صلى الله عليه وسلم:"لو كنتُ مُتخذاً خَليلاً لاتَّخذتُ أبا بكر خَليلاً، ولكنَّ الله قد اتَّخذ صاحبكم خَليلاً" - يعني نفسه - ومن زعم أن إسلام علي كان أقدم من إسلام أبي بكر فقد أخطأ، لأنه أسلم أبو بكر وهو يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة، وعلي يومئذ ابن سبع سنين لم تجرِ عليه الأحكام والحدود والفَرائض. ونؤمن بالقضاءِ والقدر خيره وشره، وحُلوه ومُره من الله، وأن الله خلق الجنةَ قبل خلق الخَلق، وخلق للجنة أهلاً، ونَعيمها دائم، فمن زعم انه يَبيدُ من الجنة شيء فهو كافر؛ وخلق النار وخَلق للنار أهلاً، وعذابها دائم؛ وأن الله يُخرج قوماً من النار بشفاعةِ رسول الله، وأن أهلَ الجنة يَرون ربهم بأبصارِهم لا محالة، وان الله كلم موسى تَكليماً، واتخذ إبراهيم خَليلاً، والميزان حقن والصراط حق، والأنبياء حق، وعيسى ابن مريم عَبد الله ورسوله، والإيمان بالحوض والشفاعة، والإيمان بالعَرش والكُرسي، والإيمان بملك الموتِ أنه يقبض الأرواح بالنَّفخ في الصُّور، والصور قَرْن يَنفخُ فيه إسرافيل، وأن القَبر الذي هو بالمدينة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم معه أبو بكر وعُمر، وقلوب العباد بين أصْبُعَين من

أصابع الله، والدَّجال خارج في هذه الأمة لا محالة، وينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض فَيقتله بباب لُد. وما أنكرته العلماء من أهل السنة فهو منكر، واحذروا البدع كلها، ولا عين تَطْرِف بعد النبي أفضل من أبي بكر، ولا بعد أبي بكر عين تطرف أفضل من عمر، ولا بعد عمر عين تطرف أفضل من عثمان. قال أحمد: كُنا نَقول أبو بكر وعُمر وعثمان ونَسكت عن عليّ حينَ صح لنا حديثُ ابن عمر بالتَّفضيل. قال أحمد: هم والله الخلفاء الراشدون المهديون. وأن نَشهد للعشرة أنهم في الجنة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسَعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح. فمن شَهد له النبي صلى الله عليه وسلم شَهدنا له بالجنة، ورَفع اليدين في الصلاة زيادة في الحسنات. والجَهر بآمين عندَ قول الإمام: ولا الضالين. والدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح، ولا تخرج عليهم بالسيف، ولا تقاتل في الفتنة، ولا تَتأَلَّى على أحد من المسلمين أن تقول: فُلان في الجنة وفلان في النار، إلا العَشرة الذين شهد لهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالجنة، وصِفُوا الله بما وَصَفَ به نفسه، وانفوا عن الله ما نَفاه عن نفسه، واحذروا الجدال مع أصحاب الأهواء، والكف عن مساوئ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتَّحدُ بفضائلهم، والإمساك عما شَجر بينهم، ولا تشاور أهل البدع في دينك، ولا ترافقهم في سفرك؛ ولا نكاح إلا بوليّ وخاطب وشاهدي عَدل؛

والمتعة حرام إلى يوم القيامة، والصلاة خَلف كل بَرٍ وفاجر. وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين، والصلاة على من مات من أهل القِبلة وحسابهم على الله، والخروج مع كل إمام خرج في غزوة أو حجة، والتكبير على الجنازة أربع، فإن كبر الإمام خمساً فكبر معه كفعل علي بن أبي طالب. قال عبد الله بن مسعود: كَبِّر ما كَبَّر إمامك، قال أحمد: خالفني الشافعي فقال: إن زاد على أربع تكبيرات تعاد الصلاة. واحتج عليَّ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صَلّى على جنازة فكبَّر أربعاً، والمسح على الخُفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، وصلاة الليل والنهار مَثنى مَثنى، ولا صلاة قبل العيد، وإذا دخلتَ المسجد، فلا تَجلس حتى تُصلي ركعتين تحيةَ المسجد؛ والوِتر رَكعة، والإقامة فَرداً. أحب أهل السنة على ما كان منهم، أماتنا الله وإياكم على الإسلام والسنة، ورَزقنا وإياكم العلم، ووَفقنا وإياكم لما يُحب ويَرضى. أخبرنا أبو البركات بن علي البزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي الطّريثيني،

قال: أخبرنا هبة الله بن الحسن الطبري. وأخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه، قالا: حدثنا علي بن أحمد المعدّل، قال: حدثنا عثمان بن أحمد، قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن عبد الوهاب، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن سليمان المِنْقَري، قال: حدثنا عبدوس بن مالك العطار، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: أصول السنة عِندنا التمسكُ بما كان عليه أصحاب رَسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداءُ بهم، وتَركُ البدع؛ وكل بدعة فهي ضَلالة، وتَرك المِراءِ والجِدال والخُصومات في الدين، والسنَّة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة تُفَسِّر القرآن، وهي دلائل القرآن، وليس في السنة قياس، ولا تُضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول والأهواءِ، إنما هو الاتباع وترك الهوى. ومن السنة اللازمة التي من تَرك منها خصلةً ولم يقبلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشره، والتصديقُ بالأحاديثِ فيه والإيمان بها، لا يقال: لم؟ ولا: كيفَ؟ إنما هو التصديق والإيمان بها، ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عَقْله فقد كُفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به والتسليم له، مثل حديث الصادق المصدوق؛ ومثل ما كان

مثله في القدر، ومثل أحاديث الرؤية كلها، وإن نَبتْ عن الأسماع، واستوحش منها المستمع، فإنما عليه الإيمان بها، وأن لا يَردّ منها حَرفاً واحداً، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات، وأن لا يخاصم أحداً ولا يناظره، ولا يتعلم الجدال فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه مَنهيٌّ عنه لا يكون صاحبه – وإن أصاب بكلام السنَّة – من أهل السنة، حتى يَدعَ الجِدال ويُسلم ويؤمن بالآثار، والقُرآن كلام الله وليس بمخلوق، ولا يضعف أن يقول: وليس بمخلوق، فإن كلام الله ليس ببائن منه، وليس منه شيء مخلوقاً؛ وإياك ومناظرة من أحدَث فيه، ومن قال باللفظ وغيره، ومن وقف فيه فقال: لا ادري مخلوق أو ليس بمخلوق، وإنما هو كلام الله، فهذا صاحب بدعة مثل من قال: هو مخلوق، وإنما هو كلام الله وليس بمخلوق. والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه، فإنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح، رواه قتادة عن عِكْرِمة عن ابن عباس. ورواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس. ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مِهران عن ابن عباس والحديث عندنا على ظاهره كما جاءَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، والكلام فيه بدعة؛ ولكن نُؤمن به على ظاهره ولا نُناظر فيه أحداً. والإيمان بالميزان يوم القيامة كما جاءَك يُوزَن العبدُ يوم القيامة فلا يَزِنُ جَناح بَعوضة وتُوزن أعمالُ العِباد كما جاءَ في الأثر، والتصديق به، والإعراض عمن

ردَّ ذلك وترك مجادلته، وأن الله تعالى يُكلِّم العباد يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمان، والإيمان به والتصديق. والإيمان بالحوض وأن لرسول الله حوضاً يوم القيامة ترد عليه أُمته، عرضه مثل طوله مَسيرة شهر؛ آنيته كعددِ نجومِ السماءِ على ما صحَّت به الأخبار من غير وجه. والإيمان بعذاب القبر وأنَّ هذه الأمة تُفتن في قبورها؛ وتُسأَل عن الإيمان والإسلام، ومن ربه؟ ومن نبيه؟ ويأتيه مُنكر ونَكير كيف شاءَ الله وكيف أراد، والإيمان به والتصديق به.

والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وبقومٍ يخرجون من النار بعد ما احترقوا وصاروا فَحماً، فيؤمَر بهم إلى نَهر على باب الجنة كما جاءَ الأثر، كيف شاءَ وكما شاءَ؛ إنما هو الإيمان به والتصديق به. والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه كافر، والأحاديث

التي جاءَت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل فَيقتله بباب لُدّ، والإيمان قول وعمل يزيد وينقص، كما جاء في الخبر: "أكمَلُ المؤمنينَ إيماناً أَحسَنُهم خُلقاً" ومن تَرك الصلاة فقد كَفر، وليس من الأعمال شيء تركهُ كُفرٌ إلا الصلاة؛ مَن تركها فهو كافر وقد أحلَّ الله قتله،

والنفاق هو الكُفر، أن يَكفر بالله ويَعبد غيره ويُظهر الإسلام في العَلانية؛ مثل المنافقين الذين كانوا على عَهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ فَهو مُنافِق" هذا على التغليظ، نرويها كما جاءَت ولا نفسرها، وقوله: "لا تَرجعوا بَعدي كُفاراً ضُلاّلاً يَضرِبُ بعضُكم رِقابَ بَعض"، ومثل: "إذا التَقى المسِلمان بسَيْفَيهِما فالقاتِلُ

والمقْتولُ في النارِ"، ومثل: "سِبَابُ المسلم فُسوقٌ وقِتالُه كُفْرق"، ومثل: "مَن قالَ لأخيه: يا كافِر، فَقد باءَ بها أَحدُهما"، ومثل: "كُفْرٌ باللهِ تَبَرؤق مِن نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ" ونحو هذه الأحاديث مما قد صَحَّ وحُفظ. فإنا نُسلم له

وإن لم نعلم تفسيرها، ولا نتكلم فيه ولا نُجادل، ولا نُفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت، لا نَردها إلا بأحق منها. والرجم حَق على من زَنى وقد أحصن، إذا اعترف أو قامت عليه بينة، وقد رجَم رسول الله، ورجمت الأئمة الراشدون. ولا نشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار، نرجو للصالح، ونَخاف على المسيء المذنب ونرجو له رَحمة الله. ومن لقي الله بذنب تَجب له به النار تائباً غَير مُصِرٍّ عليه فإنّ الله يتوب عليه، ويقبل التوبةَ عن عباده وَيعفو عن السيئات. ومن لقيه وقَد أُقيم عليه حد ذلك [الذنب] في الدنيا [فهو كفارته. كما جاءَ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لقيه مصراًّ غير تائب] من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة فأمْرُه إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له.

ومن لقيه من كافر عذبه، ولم يَغفر له. قال: ومن الإيمان الاعتقاد أن الجنة والنار مَخلوقتان كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَخلتُ الجنةَ فرأيتُ قَصراً"، و"دَخلتُ فَرأَيتُ فيها الكوثر"، و"اطَّلعتُ في الجَنةِ فرأَيتُ أكثرَ أهلها" كذا، "واطَّلعتُ في النار فرأيتُ"

والمسحُ على الخفين، والجهادُ مع كل خليفةٍ بَر وفاجرٍ، والصلاةُ على من ماتَ من أهل القبلة، والإيمانُ قولٌ وعمل يَزيد بالطاعة ويَنْقُصُ بالمعصية، والقرآن كلامُ الله منزل على قلبِ نبيه صلى الله عليه وسلم غير مخلوق من حيث ما تُلي، والصبرُ تحت لواءِ السلطان على ما كان منه من عدلٍ أو جورٍ، ولا نَخرج على الأمراءِ بالسيف وإن جاروا، ولا نُكفر أحداً من أهل التوحيد وإن عَملوا الكبائر، والكفُّ عما شَجر بين أصحاب رسول الله، وأفضلُ الناس بعدَ رسول الله أبو بكر وعُمر وعثمان وعَلي ابن عم رسول الله، والتَّرحم على جَميع أزواجِ رسول الله وأولاده وأصهاره رضوان الله عليهم أجمعين. فهذه السنة الزموها تَسلموا، أخذُوها بركة، وتَركها ضَلالة.

ومن خَرج على إمام من أئمة المسلمين، وقد كان الناس اجتمعوا عليه، وأقروا له بالخِلافة، بأي وَجه كان، بالرّضا أو بالغَلَبة، فقد شَقَّ هذا الخارجُ عصا المسلمين، وخالفَ الآثار عن رسول الله، فإن مات الخارج عليه ماتَ ميتةً جاهلية. ولا يَحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحدٍ من الناس، فمن فَعل ذلك، فهو مبتدع على غَير السنة والطريق. أخبرنا المحمدان؛ ابن عبد الملك وابن ناصر، قالا: أخبرنا أحمد بن الحسن المعدّل، قال ابن ناصر: وأخبرنا المبارك بن عبد الجبار، وأحمد بن المُظَفّر التّمّار، قالوا: أخبرنا عبد العزيز بن علي القِرْمِيسيني، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد الحافظ، قال: حدثنا الحسن بن إسماعيل الرَّبعي، قال: قال لي أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، والصابر لله عز وجل تحت المِحنة: أجمع سبعون رجلاً من التابعين وأئمة المسلمين وفُقهاءِ الأمصار على أنَّ السنة التي تُوفي عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أولها الرِّضا بقَضاءِ الله والتسليمُ لأمره، والصبرُ تَحت حكمه، والأخذُ بما أمر الله به، والنَّهي عما نهى عنه؛ وإخلاصُ العمل لله، والإيمانُ بالقدر خَيره وشره، وتَرك المِراءِ والجَدل والخصومات في الدين،

وجميع الآثار في هذا: إنما أمر بقتاله، ولم يؤمر بقتله، ولا اتباعه، ولا يجهز عليه إن صرع، وإن كان جريحاً، وإن أخذه أسيراً؛ فليس له أن يقتله ولا يقيم عليه الحد، ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله فيحكم فيه. والسمع والطاعة للأئمة، وأمير المؤمنين، البَرّ والفاجر، ومن ولي الخلافة، فاجتمع الناسُ عليه ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمي أمير المؤمنين. والغزو ماضٍ مع الأمراءِ إلى يوم القيامة، والبَرّ والفاجر لا يُترك، وقسمة الفيءِ، وإقامة الحدود إلى الأئمة ماضٍ، ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم، ودَفع الصدقات إليهم جائزة نافذة، من دفعها إليهم أجزأت عنه بَرًّا كان أو فاجراً. وصلاةُ الجمعة خَلفه وخلفَ كل من وَلي جائزة تامة ركعتين، من أعادهما، فهو مبتدع تارك للآثار، مُخالف للسنة، ليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم يَرَ الصلاة خَلف الأئمة، من كانوا: بَرّهم وفاجِرهم، فالسنة أن تُصلي معهم ركعتين، وتدين بأنها تامةٌ، لا يكون في صدرك شَك.

كَذا، فمن زعم أنهما لم تُخلقا، فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله؛ ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار. ومن مات من أهل القبلة موحداً نصلي عليه، ونستغفر له، ولا نحجب عنه الاستغفار؛ ولا نترك الصلاة عليه لذنب أذنبه، صغيراً كان أو كبيراً، أمره على الله عز وجل. وقتال اللصوص والخوارج جائز، إذا عَرضوا للرجل في نفسه وماله؛ فله أن يقاتل عن نفسه وماله، ويدفع عنهما بكل ما يقدر، وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم أو يتبع آثارهم، ليس لأحد إلا للإمام أو وُلاة المسلمين، إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك، وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً؛ فإن أتى على بدنه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول، وإن قُتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نَفسه وماله رَجوت له الشهادة، كما جاءَ في الأحاديث.

الباب الحادي والعشرون في ذكر تمسكه بالسنة والأثر

البابُ الحادِي وَالعشرون في ذكر تَمسكه بالسنة والأثر كان رضي الله عنه شديدَ الاتباع للآثار؛ حتى إنه بَلغنا عن أبي الحُسين بن المُنادي أنه قال: استأذنَ أحمد زَوجته في أن يَتسرَّى طلباً للاتباع فأذِنت له، فاشترى جاريةً بثمن يسير وسَمَّاها رَيحانة، استِناناً بَرسول الله صلى الله عليه وسلم. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القَزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن نُعيم الضبي، قال: حدثني أبو بكر مُحمد بن جعفر البُستي، قال: أخبرني الحسن بن علي ابن نصر، قال: حدثنا الحسن بن أيوب البغدادي قال: قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أحياك الله يا أبا عبد الله على الإسلام. قال: والسنّة. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحريري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حَيويه، أن أبا محمد المدّائني حدثهم، قال: سمعتُ عبد الملك الميموني يقول: ما رأت عيني أفضل من أحمد بن حنبل، وما رأيتُ أحداً من المحدثين أشد تعظيماً لحرمات الله عز وجل وسنُة نبيه صلى الله عليه وسلم إذا صَحَّت عنده ولا أشد اتباعاً منه.

أخبرنا أبو الحُسين عبد الحق بن يوسف، أخبرنا محمد بن مرزوق، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، أخبرنا محمد بن عُبيد الله بن خلف، حدثنا عمر بن محمد بن الجوهري، حدثنا أبو بكر الأثرم قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: إنما هو السنة والاتباع، وإنما القياس أن تَقيس على أصل، أمَّا أن تجيء إلى الأصل فتهدمه ثم تقول: هذا قياس، فعلى أي شَيءٍ كان هذا القياس؟ قيل لأبي عبد الله: لاينبغي أن يقيس إلا رجلٌ عالم كبير يعرف كيف يشبه الشيء بالشيءِ، قال: أجل، لا ينبغي. ورأيت أبا عبد الله فيما سَمعنا منه من المسائل، إذا كان في المسألة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث لم يأخذ فيها بقول أحدٍ من الصحابة ولا من بعده خلافه. وإذا كان في المسالة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول مختلف، تخيّر من أقاويلهم، ولم يخرج من أقاويلهم إلى قول مَن بعدهم. وإذا لم يكن فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه قول، تَخيّر من أقوال التابعين، وربما كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده شيء فيأخذ به إذا لم يجيء خلافه أثبت منه، مثل حديث عمرو بن شعيب ومثل حَديث إبراهيم الهَجَري، وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجيء خِلافه. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال:

أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكي، أخبرنا أبو عبد الله بن بطة، قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن داود قال: قال لنا أبو بكر المرُّوذي: خرجتُ مع أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل إلى المسجد، فلما دخل قام ليركع؛ فرأيته وقد أخرج يده من كمه وقال هكذا - وأومأ بأصبعيه يحركهما - فلما قضى الصلاة قلت: يا أبا عبد الله، رأيتك تومئ بأصبعيك وأنت تصلي؟ قال: إنَّ الشيطان أتاني فقال: ما غسلتَ رجليك، قلت: بشاهدين عَدلين. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أنبأنا علي بن أحمد البُسْري، عن أبي عبد الله بن بطة، قال: حدثنا النَّيسابوري، قال: حدثنا الميموني، قال: قال لي أحمد بن حنبل: يا أبا الحسن، إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام. أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد ابن علي بن ثابت، قال: أخبرني أبو الفضل عبد الصمد بن محمد الخطيب، قال: حدثنا الحسن بن الحسين الهمذاني، قال: حدثني أبو محمد الحسن بن عثمان بن عبدويه، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت عبد الرحمن الطبيب، قال: اعتلَّ أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث، فكنت أدخل على بشر فأقول: كيف تَجدك؟ فيحمد الله ثم يخبرني فيقول: أحمد الله إليك أجد كذا وكذا. وأدخل على أبي عبد الله أحمد بن حنبل فأقول: كيف تجدك يا أبا عبد الله؟ فيقول: بخير، فقلت له يوما، إن أخاك بشراً عليلٌ وأسأله عن حاله فيبدأ بحمد الله ثم يخبرني، فقال لي: سَله عمن أخذ هذا؟ فقلت له: إني أهاب أن أسأله. فقال: قل له: قال لك أخوك أبو عبد الله: عمن أخذت هذا؟ قال: فدخلتُ إليه فَعرَّفته ما قال، فقال لي: أبو عبد الله لا يريد الشيء إلا بإسناده؛ عن ابن عَون، عن ابن سيرين: إذا حمد الله العبدُ قبلَ الشكوى لم تكن شكوى، وإنما أقول لك: أجد كذا أعرِّف قدرة الله فيّ. قال: فخرجت من

عنده فمضيت على أبي عبد الله فَعرَّفته ما قال؛ فكنت بعد ذلك إذا دخلت إليه يقول: أحمد الله إليك، ثم يذكر ما يجده. أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السَّمَرْقندي، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حُدِّثت عن عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر الخَلاّل: قال: حدثنا المرُّوذي قال: قال لي أحمد: ما كتبتُ حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وَقد عملتُ به؛ حتى مَرَّ بي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وَقد عملتُ به؛ حتى مَرَّ بي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجمَ وأعطى أبا طَيبة ديناراً؛ فأعطيتُ الحجام ديناراً حين احتجمتُ. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو طالب بن يوسف، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حَيّويه، قال: حدثنا عبد الرحمن ابن محمد الزهري، قال: حدثني أبو يعقوب إسحاق بن حبَّة الأعمش، قال: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الوساوس والخَطرات فقال: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون.

الباب الثاني والعشرون في ذكر تعظيمه لأهل السنة والنقل

الباب الثاني والعشرون في ذكر تعظيمه لأهل السنة والنَّقل أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الواحد بن أحمد، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله، قال: سمعت أبا الحسين أحمد بن محمد الحَنظلي، قال: سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل يقول: كنتُ أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أحمد ابن حنبل؛ فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله، ذكرُوا لابن أبي قُتَيْلة بمكة أصحابَ الحديثِ فقال: قومُ سوء. فقام أحمد وهو ينفض ثوبه فقال: زنديق، زنديق، زنديق. ودَخل بيته. سمعت المبارك بن علي، يقول: سمعت سعد الله بن علي بن أيوب يقول: سمعت هناد بن إبراهيم يقول: سمعت رضوان بن محمد، يقول: سمعتُ عبد الواحد بن عبد الله بن الحارث يقول: سمعت أبا الحسين بن مَخزوم يقول: سمعتُ زهير بن صالح يقول: سمعت صالح بن أحمد بن حنبل يقول: سمعتُ أبي يقول: مَن عَظّم أصحاب الحديث، تعظم في عين رسول الله، ومن حقرهم، سقط من عين رسول الله، لان أصحابَ الحديث أحبارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط، قال: أخبرنا محمد بن أبي الفَوارس،

قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سَلْم قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، قال: حدثنا أبو بكر المَرُّوذِي، قال: قلت لأبي عبد الله: من ماتَ على الإسلام والسُّنَّة مات على خير؟ فقال لي: اسكت، من مات على الإسلام والسُّنَّة قد مات على الخير كلّه. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أنبانا أحمد بن علي بن خلف، قال: أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن محمد السيَّاري، يقول: حدثنا موسى بن هارون البزَّاز، قال: سُئل أحمد بن حنبل فقيل له: يا أبا عبدالله، أين نطلب البُدَلاء؟ قال: فسكت ساعة حتى ظَننا أنه لا يثجيب؛ ثم قال: إن لم يكن في أصحاب الحديث فلا أدري. أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السَّمَرْقَنْدي، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القَطيعي، قال: سمعتُ محمد بن عبد الله بن المطلب، يقول: سمعت الفضل بن أحمد الزبيدي، يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول- وقد أقبل أصحاب الحديث بأيديهم المحابر فأومأ إليها وقال -: هذه سُرج الإسلام. أنبأنا محمد بن عبد الملك، قال: أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني عُبيد الله بن أبي الفتح، قال: حدثنا محمد بن يزد بن مروان الكوفي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي دارم، قال: حدثني محمد بن الحسن بن محمد بن الصباح، قال: حدثني أبو عمران المكي قال: رأى أحمد بن حنبل أصحابَ الحديث وقد خرجوا من عند محدث والمحابر بأيديهم، فقال أحمد: إن لم يكونوا هؤلاء الناس، فلاَ أدري من الناس!.

أنبأنا محمد بن عبد الملك، قالك أنبأنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا محمد ابن عيسى بن عبد العزيز، قال: حدثنا صالح بن أحمد الحافظ قال: حدثنا محمد بن معاذ، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم، قال: سمعتُ عمر بن بَكار القافلاني يقول: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: إن لم يكن أصحاب الحديث الأبدال فمن يكون؟ أنبأنا محمد بن عبد الملك، قال: أنبأنا أحمد بن علي، قال: أخبرني عبد الغفار بن أبي الطَّيب المؤدب، قال: أخبرنا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قال: حدثني جدي، قال: سألتُ أحمد ابن حنبل قلتُ له: يا أبا عبد الله، أيهما أحب إليك، الرجل يكتب الحديث، أو يصوم ويصلي؟ قال: يكتب الحديث. قلت: فمِن أينَ فضَّلت كتاب الحديث على الصوم والصلاة؟ قال: لئلا يقول قائل: إني رأيتُ قوماً على شيءٍ فتبعتهم. أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق، أخبرنا محمد بن مرزوق، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي الوراق، قال: أخبرنا عمر بن أحمد الواعظ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا الفضل بن زياد، قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: مَن رَدَّ حديثَ رسول الله فهو على شَفا هَلَكة.

الباب الثالث والعشرون في ذكر إعراضه عن أهل البدع ونهيه عن كلامهم وقدحه فيهم

الباب الثالث والعشرون في ذكر إعراضه عن أهل البِدع ونهيه عن كلامهم وقَدحه فيهم أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن المنتصر، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي الفضل، قال: حدثنا أبو إسحاق الأنصاري، قال: حدثنا صالح بن أحمد قال: جاءَ الحِزامي إلى أبي وقد كانَ ذهب إلى ابن أبي دؤاد، فلما خَرج إليه ورآه، أغلقَ الباب في وَجهه ودخل. أخبرنا محمد بن عمر الفقيه، والحسين بن علي الخياط، قالا: أخبرنا عبد الصمد بن المأمون، قال: أخبرنا علي بن عمر الدَّارَقُطْني، قال: حدثنا عثمان ابن إسماعيل بن بكر السكري، قال: سمعت أبا داود السّجستاني يقول: قلتُ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من أهل البدع، أتركُ كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه وألا فألحِقه به، قال ابنُ مسعود: المرءُ بخِدْنِه.

أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو سهل بن سعدويه، قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن الفضل القرشي، قال: أخبرنا أبو بكر بن مردويه، قال: حدثنا عثمان بن محمد البصري، قال: حدثنا أحمد بن محمد الجواربي، قال: حدثنا الحسن بن ثواب، قال: قال لي أحمد بن حنبل: ما أعلمُ الناسَ في زمانٍ أحوج منهم إلى طلبِ الحديث من هذا الزمان، قلتُ: ولم؟ قال: ظَهرت بدع، فمن لم يكن عنده حديث وَقع فيها. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن علي البيضاوي، قال: أخبرنا أبو عُمر بن حيّويه، قال: حدثنا أبو مُزَاحِم موسى بن عُبيد الله بن يحيى بن خاقان، قال: قال لي عمي أبو علي عبَد الرحمن بن يُحيى بن خاقان: أمر المتوكل بمسألة أحمد بن حنبل عمن يتقلّد القضاء؟ فسألته. قال أبو مزاحم: فسالت عمي أن يُخرج إليَّ جوابَه، فوجّه إليَّ بنسخة فكتبتها، ثم عدت إلى عمي فأقرّ لي بصحة ما بعث به. وهذا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، نسخة الرقعة التي عرضتها على أحمد بن محمد بن حنبل بعد أن سألته عما فيها فأجابني عن ذلك بما قد كتبتُه، وأمر ابنَه عبد الله أن يوقع بأسفلها بأمره، ما سألته أن يوقع فيها، سألت أحمد بن حنبل، عن أحمد بن رباح، فقال فيه: إنه جَهمي معروف بذلك، وإنه إن قُلّد شيئاً من

أُمور المسلمين كان فيه ضَرر على المسلمين لما هو عليه من مذهبه وبدعته. وسألته عن ابن الخلَنْجي، فقال فيه أيضاً مثل ما قال في أحمد بن رباح، وذكر أنه جَهمي معروف بذلك، وأنه كان من شرهم وأعظمهم ضرراً على الناس، وسألته عن شُعيب بن سهل فقال فيه: جَهمي معروف بذلك. وسألته عن عُبيد الله بن أحمد فقال: جهمي معروف بذلك، وسألته عن المعروف بأبي شُعيب فقال فيه: إنه جهمي معروف بذلك. وسألته عن محمد ابن مَنصور قاضي الأهواز، فقال فيه: إنه كان مع أبي دُؤاد وفي ناحيته وأعماله، إلا أنه كان من أمثلهم، ولا أعرف رأيه، وسألته عن ابن علي بن الجعد فقال: كان معروفاً عند الناس بأنه جَهمي مشهور بذلك، ثم بلغني عنه الآن أنه رجع عن ذلك. وسألته عن الفَتح بن سَهل صاحب مظالم محمد بن عبد الله ببغداد، فقال: جَهمي معروف بذلك، من أصحاب بشر المريسي، وليس ينبغي أن يقلّد مثله شيئاً من أمور المسلمين لما في ذلك من الضرر. وسألته عن ابن الثَّلجي، فقال: مبتدع صاحب هوى. وسألته عن إبراهيم بن عَتاب فقال: لا أعرفه، إلا أنه كان من أصحاب بشر المريسي، فينبغي أن يحذر ولا يقرب، ولا يقلّد شيئاً من أمور الناس. وفي الجملة: إن أهل البدع والأهواء لا ينبغي ان يُستعان بهم في شيءٍ من أمور المسلمين، فإن في ذلك أعظم الضرر على الدين، مع ما عليه رأي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه من التمسك بالسنة والمخالفة لأهل البدع. ويقول أحمد بن محمد بن حنبل: وقد سألني عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان عن جميع ما في هذا القرطاس وأجبته بما كتب به، وكنت عليلَ العين ضعيفاً في بدني، فلم أقدر أن أكتب بخطي، فوقع هذا التوقيع في أسفل هذا القرطاس عبد الله ابني بأمري وبين يدي، وأسأل الله أن يطيل بقاءَ أمير المؤمنين، وان يديم عافيته، ويحسن له المعونة والتوفيق بمنِّه وقُدرته.

أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر البَرمكي، عن أبي بكر أحمد بن جعفر الفَقيه، قال: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد سِبط أبي إبراهيم المُذَكِّر يقول: سمعتُ الطبراني يقول: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبي قال: قُبور أهل السنة من الفُساق روضة من رياض الجنة، وقبور أهل البدع من الزهاد حفرة من حُفر النَّار. فصل وقد كان الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل لشدة تَمسكه بالسنة ونَهيه عن البدعة يتكلم في جَماعةٍ من الأخيار إذا صَدر منهم ما يخالف السنة، وكلامه ذلك محمول على النصيحة للدين. أخبرنا أبو مَنصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن نعيم الضَّبي، قال: سمعتُ أبا بكر أحمد بن إسحاق الصبغِي يقول: سمعت إسماعيل بن إسحاق السّراج يقول: قال لي أحمد بن حنبل يوماً: بلغني أن الحارث هذا - يعني المحاسبي - يكثر الكون عندك؛ فلو أحضرتَه منزلك وأجلستني من حيثُ لا يراني فأسمع كلامه؟ فقلت: السمع والطاعة لك يا أبا عبد الله، وسَرَّني هذا الابتداء من أبي عبد الله، فقصدت الحارث وسألته أن يَحضُرنا تلك الليلة، فقلت: وتسأل أصحابك أن يحضروا معك، فقال: يا إسماعيل، فيهم كَثْرة فلا تَزِدْهم على الكُسْب والتمر وأكثر منهما ما استطعت، ففعلتُ ما أمرني به،

وانصرفت إلى أبي عبد الله وأخبرته، فحضر بعد المغرب وصَعِدَ غُرْفَةً في الدار، واجتهد في وِرْدِه إلى أن فرغ، وحضر الحارث وأصحابه فأكلوا، ثم قاموا لصلاة العتمة ولم يصلوا بعدها، وقعدوا بين يدي الحارث وهم سكوت لا ينطق واحد منهم إلى قريب من نصف الليل، وابتدأ واحد منهم وسأل الحارث عن مسألة فأخذ في الكلام وأصحابه يستمعون كأن على رءوسهم الطير، فمنهم من يبكي، ومنهم من يحن، ومنهم من يزعق، وهو في كلامه، فصعدت الغرفة لأتَعرَّف حال أبي عبد الله، فوجدته قد بكى حتى غُشي عليه، فانصرفت إليهم، ولم تزل تلك حالهم حتى أصبحوا، فقاموا، وتفرقوا، فصعدت إلى أبي عبد الله، وهو متغير الحال، فقلت: كيف رأيتَ هؤلاءِ يا أبا عبد الله؟ فقال: ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاءِ القوم، ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل، وعلى ما وصفت من أحوالهم فلا أرى لك صحبتهم. ثم قام وخرج. أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي، قال: سمعتُ أبا القاسم النَّصْراباذي، يقول: بلغني أن الحارث المحاسبي تكلم في شيءٍ من الكلام، فهجَره أحمد بن حنبل فاختفى في دار ببغداد ومات فيها، ولم يُصَلّ عليه إلا أربعة نفر.

الباب الرابع والعشرون في ذكر تبركه واستشفائه بالقرآن وماء زمزم وشعر الرسول صلى الله عليه وسلم وقصعته

الباب الرابع والعشرون في ذكر تبركه واستشفائه بالقرآن وماء زَمزم وشعَر الرسول صلى الله عليه وسلم وقصعته أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي قال: حدثنا ابن مردك قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح قال: كنتُ ربما اعتللتُ فيأخذ أبي قدحاً فيه ماء فيقرأ فيه ثم يقول: اشرب منه واغسِل وجهك ويَديك. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: رأيتُ أبي يأخذ شَعرة من شَعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه ويُقبلها، وأحسب أني رأيتُه يضعها على عينه، ويغمِسها في الماء، ثم يشربه يَستشفي به، ورأيته قد أخذ قَصْعة النبي صلى الله علي وسلم فغسلها في حُبِّ الماءِ، ثم شرب فيها. ورأيته غير مرة يشرب ماءَ زَمزم يستشفي به، ويمسحُ به يديه ووجهه.

الباب الخامس والعشرون في ذكر الوقت الذي ابتدأ فيه بالتحديث والفتوى

الباب الخامِس والعشرون في ذكر الوقت الذي ابتدأ فيه بالتَّحديث والفَتوى اعلم أن أحمد رضي الله عنه كان يفتي في شَبابه في بعض الأوقات؛ ويحدث إذا سُئل، ولا يعتبر سن نفسه كما أخبرنا إسماعيل بن أحمد ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا نوح بن حبيب القومسي، قال: رأيتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل في مَسجد الخَيْف في سنة ثمانٍ وتسعين ومئة مستنداً إلى المنارة، وجاءَه أصحابُ الحديث، فجعل يُعلمهم الفقه والحديث، ويُفتي الناس في المناسك. وأخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبانا إبراهيم بن عمر، قال: أنبانا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخلال، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: سمعت نوح بن حبيب القومسي يقول: رأيت أحمد بن حنبل في مسجد الخَيْف سنة ثمان وتسعين وابن عُيَينة حي وهو يفتي فتيا واسعة، فوقفت عليه ولم أكن عَرفته قبل ذلك، فقلت لرجل: من هذا؟ قال: أنت غريب؟ قلت: نعم، قال: هذا أحمد بن

حنبل. فانتظرته حتى تفرَّق الناس، ثم أخذتُ بيده فسلمت عليه؛ فجرت بيني وبينه المعرفة من ذلك الوقت. قلتُ: إلا أن الإمام أحمد - رضي الله عنه - لم يتصدر للحديث والفتوى؛ ولم ينصب نفسه لهما حتى ثمَّ له أربعون سنة. فأنبأنا محمد بن أبي منصور، عن الحسن بن أحمد الفقيه، عن أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفَوارس، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حَيّويه، قال: حدثنا موسى بن عبيد الله الخاقاني، قال: حدثني أبو بكر المطوّعي، قال: سمعتُ حجاجاً - يعني ابن الشاعر - يقول: جئتُ إلى أحمد ابن حنبل فسألتُه أن يحدثني- في سنة ثلاث ومئتين- فأبي أن يحدثني؛ فخرجت إلى عبد الرزاق ثم رجعت في سنة أربع وقد حدث أحمد واستوى الناس عليه، وكان لأحمد في هذا اليوم أربعون سنة. قال الخاقاني: وأخبرني جعفر الرازي، قال: حدثنا ابن صَدقة، قال: سمعتُ محمد بن عبد الرحمن الصيرفي، يقول: كنت مع أحمد بن حنبل على بابه فذكر حديثاً لعبد الرزاق فقلت: يا أبا عبد الله، أمِلَّه علي، فقال لي: يا أبا جعفر، أيّ شيءٍ تصنع به؟ عبد الرزاق حي. فقلت: أتصدقني؟ قال: نعم، فقلت: أنا أحلف لك مع قولي إن حدثتني به، ثم خرجتُ من بابك، فرأيت عبد الرزاق على باب زُقاقك لم أسأله عنه. قلتُ: وقد كان أحمد مع تحديثه يحثّ على من بقي من المشايخ؛ فأخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السَّمَرْقَنْدِي، قال:

أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سليمان المؤدّب، قال: أخبرنا أبو بكر بن المقرئ، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن التمار، قال: حدثنا حمدان بن علي الوراق قال: ذَهبنا إلى أحمد بن حنبل سنة ثلاث عشرة فسألناه أن يحدثنا فقال: تَسمعون مني ومثل أبي عاصم في الحَياة! أخرجوا إليه.

الباب السادس والعشرون في ذكر بذله للعلم واحتسابه في ذلك

الباب السّادِس والعشرون في ذكر بذله للعلم واحتسابه في ذلك أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: حدثنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: حدثنا أبو يعقوب الحافظ، قال: حدثنا أبو علي بن أبي بكر المروذي، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن الحسن بن علي البخاري، قال: سمعتُ محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي، قال: رأيتُ أحمد بن حنبل وهو يملي علينا، فسأله رجل من أهل مَرْوَ - يكنى أبا يعقوب - عن حديث، فأمر ابنه عبد الله وقال له: أخرج إليّ كتاب الفوائد، فأخرجه؛ فجعل يطلبه فلم يجد الحديث؛ فقام بنفسه ونزل عن ظهر مسجده، ودخل منزله فلم يلبث كثير لبث حتى عاد إلينا وعلى يده عدد أجزاء من الكتب، فقعد يطلب فيها الحديث فطال عليه، فقال له السائل: قد تعبت يا أبا عبد الله، فدعه، فقال: لا، الحاجة لنا. فرأينا أنه دخل البيت فنظر إلى كل جزءٍ يتوهم ذلك الحديث فيه، فأخرج تلك الأجزاء لئلا يرى أنه قد استثقله وكره أن يحتبس في المنزل لطلب ذلك الحديث. وبِحَسبك هذا كَرم مُجالسة. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم الرازي، قال: سمعتُ أبي يقول: أتيتُ أحمد بن حنبل في أول ما التقيت به في سنة ثلاث عشرة ومئتين، وإذا قد أخرج معه إلى الصلاة كتاب "الأشربة" وكتاب "الإيمان" فصلى فلم يسأله أحد، فرده إلى بيته، واتيته يوماً آخر فإذا قد أخرج الكتأبين، فظننت

أنه يَحتَسب في إخراج ذلك، لأن كتاب "الإيمان" أصل الدين، وكتاب "الأشربة" صرف الناس عن الشر، فإن أصل كل شرَ من المُسْكِر. قرأت على أبي الفضل بن أبي منصور، عن أبي القاسم بن البُسْري، عن أبي عبد الله بن بطة، قال: أخبرنا أبو بكر الآجري قال: أخبرنا محمد بن كردي، قال: حدثنا أبو بكر المَرُّوذِي قال: رأيتُ أبا العلاء الخادم قد جاءَ إلى أبي عبد الله، وكان شيخاً مُشمّراً يشبه القراء متواضعاً، فاستأذن علي أبي عبد الله، فخرج إليه وإذا في المسجد رجلٌ غريب عليه أطمار ومعه محبرَة، فلما قَعد أبو عبد الله حانت منه التفاتة فرأى الرجل، فقال لأبي العلاء: لا يشتد عليكَ الحر، فقام. ثم جعل أبو عبد الله يلاحظ الرجل، فلما لم يسأله قال له أبو عبد الله: ألك حاجة؟ فقال: تعُلمني مما عَلّمك الله، فقال فدخل إلى منزله فأخرج كتباً وقال له: ادنُه، فَجعل يُملى عليه ثم يقول للرجل: اقرأ ما كتبتَ.

الباب السابع والعشرون في ذكر مصنفاته

الباب السّابع وَالعشرون في ذكر مُصنفاته كان الإمام أحمد رضي الله عنه لا يرى وضع الكتاب، وينهي أن يُكتب عنه كلامه ومسائله، ولو رأى ذلك لكانت له تصانيف كثيرة ولنقلت عنه كتب، فكانت تصانيفه المنقولات؛ فصنف "المسنَد" وهو ثلاثون ألف حديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند فإنه سَيكون للناس إماماً، و"التفسير" وهو مئة ألف وعشرون ألفاً، و"الناسخ والمنسوخ"، و"التاريخ"، و"حديث شعبة"، و"المقدَّم والمؤخَّر في القُرآن"، و"جَوابات القرآن"، و"المناسِك الكبير"، و"الصغير"، وأشياءَ أخر. وكان ينهي الناس عن كتابة كلامه، فنظر الله تعالى إلى حسن قصده فنقلت ألفاظه وحفظت، فقل أن تقع مسألة إلا وله فيها نص من الفروع والأصول، وربما عدمت في تلك المسألة نصوص الفقهاء الذين صنفوا وجمعوا. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه، قال:

أخبرنا هلال بن محمد، قال: أخبرنا ابن السّماك، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق قال: جَمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله وقرا علينا "المسند" وما سمعه منه غيرنا، وقال لنا: هذا كتاب قد جَمعته وانتقيته من أكثر من سبع مئة ألف وخمسين ألفاً. فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة.

الباب الثامن والعشرون في ذكر كراهيته وضع الكتب المشتملة على الرأي ليتوافر الالتفات إلى النقل

الباب الثامِن وَالعشرون في ذكر كراهيته وضع الكتب المشتملة على الرأي ليتوافر الالتفات إلى النَّقل كان رضي الله عنه يكره وَضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي ويُحب التمسك بالأثر. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرني أحمد بن محمد بن سليمان العَبدُوسي، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس، قال: حدثنا عمي إبراهيم بن عبدوس، قال: سمعتُ عثمان بن سعيد، يقول: قال لي أحمد بن حنبل: لا تنظر في كتب أبي عُبيد، ولا فيما وَضع إسحاق، ولا سُفيان، ولا الشافعي، ولا مالِك، وعَليك بالأصل. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن العباس، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن نعيم، قال: سمعت أبا الطيب محمد بن أحمد بن حمدون قال: سمعت إبراهيم بن أبي طالب، قال: سمعت سَلَمة بن شَبيب سأل أحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله، إن أصحاب الحديث يكتبون كتب الشافعي؟ قال: لا أرى لهم ذلك. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا إسماعيل

ابن إبراهيم، قال: حدثنا أبو عبد الله البَيّع، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن إسحاق الإسْفَرَاييني، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن هانئ، قال: سألتُ أحمد بن حنبل عن كتبِ أبي ثور، فقال: كتاب ابتدع فهو بدعة. ولم يُعجبه وضع الكتب، وقال: عليكم بالحديث. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبدالجبار، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن علي بن البيضاوي، قال: أخبرنا أبو عمر بن حَيّويه، قال: حدثنا أبو مُزاحم الخاقاني، قال: حدثني عمي أبو علي عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان أنه بلغه عن أحمد بن حنبل أنه يأمر بكتاب الموطأ - موطأ مالك - ويرخص فيه، أو نحو هذا، وينهي عن "جامع سفيان"، فذكر لي عمي أنه سأل أحمد بن حنبل عنهما أيهما أحب إليه؟ فقال: لا ذا ولا ذا، عليكَ بالأثر. وفي رواية أخرى أن رجلاً سال أحمد بن حنبل: أكتب كتب الرأي؟ قال: لا. قال: فابنُ المبارك قد كتبها! قال: ابن المبارك لم ينزل من السماءِ، إنما امرنا أن نأخذ العلم من فوق.

الباب التاسع والعشرون في ذكر نهيه أن يكتب كلامه أو يروى وكراهته لذلك

الباب التاسِع وَالعشرون في ذكر نَهيه أن يُكتب كلامه أو يُروى وكراهته لذلك أخبرنا إسماعيل بن أحمد السَّمَرْقَنْدِي، قال: أخبرنا عمر بن عبيد الله البقال، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بِشْران، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: رأيتُ أَبا عبد الله يكره أن يُكتب شيءٌ من رَأيه فتواه. أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت، قال: أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسين بن رامين الإستراباذي، قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن جعفر الجْرجاني، قال: حدثنا عبد الملك بن محمد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: سمعتُ أحمد بن الربيع بن دينار قال: قال أحمد بن حنبل: بلغني أن إسحاق الكَوْسَج يَروي عني مسائل بخُراسان، اشهدوا أني قد رَجعت عن ذلك كلّه. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أنبانا علي بن أحمد البسري، عن أبي عبد الله بن بَطّة، قال: أخبرنا أبو بكر الآجري، قال: أخبرنا أبو نصر بن كُردي، قال: حدثنا أبو بكر المَرُّوذِي، قال: رأيتُ رجلاً خرسانيًّا قد جاءَ إلى أبي عبد الله فأعطاه جزءاً، فنظر فيه أبو عبد الله، فإذا فيه كلام لأبي

عبد الله، فغَضب فرمى الكتابَ من يده. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن أبو الأشعث، قال: سمعتُ نصر بن أبي نصر العطار، يقول: سمعتُ أبا محمد البُرْجِي بالإسكندرية يقول: قال أحمد ابن حنبل: القَلانس من السماءِ تنزِل على رؤوس قَوم يقولون برؤوسهم هكذا وهكذا- المعنى: لا يريدها - وقوله: هكذا وهكذا، أي: يميلون رؤوسهم عن أن تتمكن منها، ومعنى الكلام، أنهم لا يريدون الرئاسة وهي تقع عليهم، ويحتمل أنه يريد أنهم يُطأطِئون رؤوسهم تَواضعاً. وكذلك كان أحمد رضي الله عنه، ينهى عن كتب كلامه تواضعاً، وقدَّر الله أن دُوِّن ورُتِّب وشاع.

الباب الثلاثون في ذكر كلامه في الإخلاص والرياء وستر التعبد

الباب الثلاثون في ذكر كلامه في الإخلاص والرياء وسَتر التعبد أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا محمد بن محمد بن عبد الله، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد قال: حدثنا علي بن الحسن بن أحْيد البلخي، قال: سمعت علي بن الفَضل يقول: سمعت أبا سعيد البَردعي، يقول: سمعتُ ابن السماك، يقول: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: إظهار المِحْبَرة من الرياء. قال الأنصاري: ابن السماك هذا هو عندي محمد بن بُندار السماك الجَرْجائي، صحب أحمد. أنبأنا محمد بن أبي منصور، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، أخبرنا عبد الله ابن عمر بن شاهين، حدثني أبي، حدثنا أحمد بن زكريا بن يحيى، قال: سمعت أبا بكر المروذي يقول: سمعت أحمد بن حنبل -وسُئل: بمَ بلغ القوم حتى مُدحوا؟ - قال: بالصدق. قرأتُ على أبي الفضل بن أبي منصور، عن أبي القاسم بن البُسْري، عن أبي عبد الله بن بَطّة، قال: أخبرنا أبو بكر الآجري، قال: أخبرنا أبو نصر بن كردي، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: سمعتُ رجلاً يقول لأبي عبد الله -وذكر له الصدق والإخلاص - فقال أبو عبدالله: بهذا ارتفع القوم.

أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد الخَلاّل، قال: أخبرنا أبو بكر المرُّوذي، قال: كنتُ مع أبي عبد الله نَحواً من أربعة أشهر بالعَسكر، ولا يَدع قِيام الليل وقراءة النهار، فما علمتُ بختمةٍ خَتمها، وكان يُسِرُّ ذلك. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الواحد الحَريري، قال: أخبرنا أبو عُمر بن حَيّويه، قال: أخبرنا أبو مُزاحم الخاقاني، قال: حدثني أبو محمد القاسم بن محمد، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد الله - ولقيه رَجلٍ كان داهنه في شيءٍ - فقال له أبو عبد الله: لو صَححتَ ما خفت أحداً. قال: وسمعتُ أبا عبد الله وسُئِل عن الحب في الله فقال: أن لا تحبه لطمع دنيا.

الباب الحادي والثلاثون في ذكر كلامه في الزهد والرقائق

البابُ الحادِي وَالثلاثون في ذكر كلامه في الزُّهد والرقائق أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو عمر الحسن بن عثمان الواعظ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن حَمدان، قال: حدثنا العباس بن يوسف الشِّكْلِي قال: حدثني محمد بن نَصر العابد، قال: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: كل شيءٍ من الخَير بادر فيه. قال: وشاورته في الخروج إلى الثَّغر، فقال لي: بادِر بادِر. أخبرنا إسماعيل بن أحمد ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا أبي. وأخبرنا بد الملك بن أبي القاسم قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الواحد الشيرازي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب المقرئ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو حَفص عُمر بن صالح الطَّرسوسي، قال: ذهبتُ أنا ويَحيى الجَلاَّء - وكان يقال: إنه من الأبدال - إلى أبي عبد الله بن حنبل، فسألته وكان إلى جنبه فُوران وزُهير وهارون الحَمّال، فقلت: رَحمك الله يا أبا عبد الله، بمَ تَلين القلوب؟ فنظر إلى أصحابه فغمزهم بعينه، ثم اطرق ساعة ثم رفع رأسه، فقال: يا بُني، بأكل الحلال. فمررتُ كما أنا إلى أبي نَصر بشر بن الحارث فقلت له: يا أبا

نصر، بمَ تَلينُ القلوب؟ فقال: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} فقلت: إني جئتُ من عند أبي عبد الله، فقال: هيه أي شيءٍ قال لك أبو عبد الله؟ قلت: قال: باكلِ الحَلال. قال: جاءَ بالأصل، جاءَ بالأصل. فمررتُ إلى عبد الوهاب الورّاق، فقلت: يا أبا الحسن، بمَ تلين القلوب؟ قال: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} قلتُ: فإني جئتُ من عند أبي عبد الله، فاحمرّت وجنتاه من الفَرح وقال لي: أيّ شيءٍ قال أبو عبد الله؟ فقلت: قال: بأكلِ الحلال. فقال: جاءَك بالجَوهر، جاءَك بالجوهر، الأصل كما قال، الأصل كما قال. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عُمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر الخَلال، قال: قرات على الحسين بن عبد الله النعيمي، عن الحسين بن الحسن، قال: حدثنا أبو بكر المرّوذي، أنه سمع أبا عبد الله يقول: يا نَفسُ انْصَبي وإلا فَستَحزَني. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عُمر البَرْمَكي، قال: حدثنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتبَ إليّ قال: سمعتُ أبي يقول - وذكر الدنيا - فقال: قَليلها يُجزي، وكثيرها لا يجزي. وذُكر عنده الفقر، فقال: الفَقر مع الخير.

أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي، قال: أخبرنا هَنَاد بن إبراهيم، قال: سمعت الحسن بن شهاب يقول: سمعتُ أبا محمد بن أبي سمرة، يقول: سمعتُ محمد بن الحسن بن بَدينا، يقول: سمعتُ أبا بكر المرُّوذي يقول: سمعتُ أبا عبد الله أحمد ابن حنبل، يقول: ما أعِدل بفضل الفَقر شيئاً، تدري إذا سألك أهلك حاجة لا تَقدر عليها أي شيءٍ لك من الأجر؟ أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا أبو إسحاق قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد الخَلال، قال: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد أن أبا عبد الله قال له: يا أبا الحَسن، كم يعيش أحدنا؟ خمسينَ سنة، ستينَ سنة؛ كأنك بنا. قال الخلال: وأخبرنا أحمد بن محمد بن يزيد الوراق، قال: سمعتُ أحمد ابن حنبل، يقول: ما شَبَّهتُ الشبابَ إلا بشيءٍ. كانَ في كُمّي فسقط. قال الخلال: وأخبرنا المرّوذي، قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول: ما قلَّ من الدنيا كانَ أقلّ للحساب. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا غالب بن علي، قال: أخبرنا محمد بن الحُسين، قال: سمعتُ أبا العباس محمد بن الحسن البغدادي، قال: حدثني القاسم بن موسى، قال: حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق قال: سمعت أحمد بن حنبل - وسُئل عن التَّوكل - فقال: قَطعُ الاستشرافِ باليأسِ من الناس. قيل له: ما الحُجَّة فيه؟ قال: قول إبراهيم حين وُضع في المِنْجَنيق.

أخبرنا أبو بكر بن حبيب، قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي صادق قال: أخبرنا أبو عبد الله بن باكويه، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن الخَشّاب، قال: حدثنا أبو القاسم بن موسى، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق، قال: سمعتُ أحمد بن حنبل- وسُئِل عن التوكل - فقال: هو قَطع الاستشرافِ باليأس من الخلق. قيل له: فما الحُجة فيه؟ قال: قصة الخَليل لما وضع في المِنْجنيق مع جبريل حين قال له: أمّا إليك فلا. فقال له: فَسَل من لكَ إليه الحاجة. قال: أحب الأمرين إليّ أحبهما إليه. أخبرنا عبد الملك الكَرُوخي، قال: أخبرنا بعد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد المروزي، قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعتُ على بن عمر الدَّارَقُطْني، قال: سمعت أبا سهل بن زياد، قال: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سُئل أحمد عن الفُتوّة فقال: تَركُ ما تَهوى لما تخشى. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا هلال بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن مالك القَطِيعي، قال: حدثنا العباس ابن يوسف الشِّكْلِي، قال: حدثني محمد بن نصر قال: سمعتُ أحمد بن حنبل

يقول: كل شيءٍ من الخير تَهمّ به، فبادِرْ به قبل أن يُحَال بينك وبينه. أخبرنا محمد، قال: أنبانا أبو علي، قال: أخبرنا عبد الملك بن محمد، قال: أخبرنا دَعْلَج بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن نُعيم النيسابوري، قال: حدثنا عبد الصمد بن سليمان بن أبي مطر، قال: بِتُّ عند أحمد بن حنبل فوضع لي ماء، فلما أصبح وجدني لم أستعمله، فقال: صاحب حديث لا يكون له وِرْدٌ في الليل؟! قال: قلت: أنا مسافر. قال: وإن كنتَ مسافراً!! حَجَّ مسروق فما نام إلا ساجداً. أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السَّمَرْقَنْدِي، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن نُعيم، قال: سمعتُ أبا سَعيد أحمد بن محمد بن إبراهيم الفَقيه، يقول: سمعتُ إبراهيم بن محمد بن سفيان، يقول: سَمعت أبا عصمة بن عصام البيهقي، يقول: بتُّ ليلة عند أحمد بن حنبل فجاء بالماء فوضعه، فلما أصبح نظر إلى الماء فإذا هو كما كان، فقال: سُبحان الله!! رجلٌ يطلب العلم لا يكون له وِرْدٌ من الليل! أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الخَلال، قال: حدثنا علي بن محمد بن عَلّويَه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الفَرج، قال: حدثنا محمد بن يونس، قال: حدثنا سليمان بن داود، قال: حدثني علي بن المَدِيني قال: وَدَّعت أحمد بن حنبل فقلتُ له: توصيني بشيءٍ؟ قال: نَعم، اجعل التقوى زَادك،

وانصُب الآخِرة أمامَك. أخبرنا عمر بن ظَفر، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد، قال: أخبرنا عبد العزيز ابن علي، قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن جَهضم، قال: حدثنا محمد بن سعيد بن جرير، قال: حدثنا عيسى الوراق، قال: سمعتُ يَحيى الجَلاَّء يقول: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: عَزيز عليّ أن تُذِيب الدنيا أكبادَ رجالٍ وَعت صُدورُهم القُرآن. أخبرنا عمر بن ظفر، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد، قال: أخبرنا عبدالعزيز بن علي، قال: أخبرنا ابن جَهْضم، قال: حدثنا أبو بكر النَّقاش، قال: حدثنا عبدالله بن أحمد، قال: قلتُ لأبي يوماً: أوصني يا أية، فقال: يا بني، انْوِ الخَير، فإنك لا تزال بخيرٍ ما نَويتَ الخير. أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السَّمَرْقَنْدي قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني عبد الغفار بن محمد المؤدب، قال: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، قال: حدثنا أحمد بن زكريا ابن يَحيى الرَّءَّاس، قال: سمعتُ أبا بكر المرُّوذي، يقول: سمعتُ أحمد بن حنبل - وسُئل: بمَ بلغ القوم حتى مُدحوا؟ - قال: بالصدق. أخبرنا المبارك بن أحمد، قال: أخبرنا السمرقندي، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن القاسم بن الحسن الشاهد بالبصرة،

قال: حدثنا أبو الحسن المَادَرَائي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمدبن حنبل قال: سمعتُ أبي يقول: ليسَ يَتَّقي مَنْ لا يَدري ما يَتَّقي.

الباب الثاني والثلاثون في ذكر كلامه في فنون مختلفة

البابُ الثاني وَالثلاثون في ذكر كلامه في فنون مختلفة أخبرنا المُحَمدان: ابن عبد الملك، وابن ناصر، قالا: أخبرنا أحمد بن الحسن المعدّل، قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسن الأهوازي، قال: سمعتُ علي بن محمد البصري. وأخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبدالجبار، قال: أخبرنا إبراهيم ابن عمر، قال: حدثنا أبو عبدالله بن بطَّة، قال: حدثني عبدالله بن جعفر، قالا: سمعنا أبا يوسف يعقوب بن إسحاق، يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يُؤكل الطعام بثلاث: مع الإخوان بالسرور، ومع الفُقراءِ بالإيثار، ومع أبناءِ الدنيا بالمروءَة. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد إذناً، قال: حدثنا محمد ابن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا محمد بن حَفص، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: إنَّ لكل شيءٍ كرماً، وكرم القلب الرضا عن الله عز وجل. أخبرنا ابن ناصر، قال: سمعتُ أبا محمد التميمي، يقول: سمعتُ عمي أبا الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز، يقول: سمعت المطيع لله يقول - وهو على المنبر، وقد أحدق به كثير من الحنابلة حزروا ثلاثين ألف رجل، فأراد أن يتقرب

إليهم، فقال- سمعت شيخي ابن بنت ابن مَنيع يقول: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: إذا ماتَ أصدقاء الرجل ذلّ. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا هلال بن محمد الحفار، قال: حدثنا الخلدي. وأنبانا هبة الله بن أحمد الحريري، قال: أنبأنا محمد بن علي بن الفتح، قال: قُرئ على أبي الحسن الدارقطني: حدثنا جعفر بن نصير، حدثنا أبو الفضل بن العباس بن يوسف السائح، قال: حدثني عمي محمد بن إسماعيل ابن العلاء قال: حدثني أبي، قال: دعاني رزق الله الكَلْوَاذي، فقدّم إلينا طعاماً كثيراً، وكان في القوم أحمد بن حنبل، ويحيى بن مَعِين، وأبو خيثمة وجماعة، فقدَّم لَوْزِنَجَّا أنفق عليه ثمانين درهماً، فقال أبو خَيثمة: هذا إسراف. فقال: أحمد بن حنبل: لا، لو أن الدنيا [جُمعَت] حتى تكون في مقدار لُقمة، ثم أخذها امرؤ مسلمٍ، فَوضعها في فَم أخيه المسلم؛ لما كان مُسرفاً. فقال له يحيى: صَدقتَ يا أبا عبد الله. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار وأبو طالب بن يوسف، قالا: أنبأنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا أبو عبد الله بن بطَّة، قال: حدثني أبو بكر الآجري، قال: سمعتُ ابن أبي الطيب يقول: حدثنا جعفر الصايغ، قال: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن حنبل رَجل، وكانَ ممن يمارس المعاصي والقاذورات، جاءَ يوماً إلى مجلس أحمد بن حنبل

فسلّم عليه، فكأن أحمد لم يرد عليه ردًّا تاماًّ، وانقبض منه، فقال له: يا أبا عبد الله، لم تنقبض مني؟ فإن قد انتقلتُ عما كنتَ تعهده مني برؤيا رأيتُها، قال: وأيّ شيءٍ رأيتَ؟ تقدم، قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه على علو من الأرض، وناسٌ كثير أسفل جلوسٌ، قال: فيقوم رجلٌ رجلٌ منهم إليه، فيقول له: ادعُ لي. فيدعو له حتى لم يبقَ من القوم غيري، قال: فأردتُ أن أقوم فاستحييتُ من قبيح ما كنتُ عليه؛ فقال: يا فلان، لم لا تقوم إليّ تسألني أدعو لك؟ قال: قلتُ: يا رسولَ الله، يقطعني الحياء لقبيحٍ ما أنا عليه، فقال: إن كانَ يقطعك الحياء، فقم فسلني أَدعُ لك، فإنك لا تسبُ أحداً من أصحأبي. قال: فقمتُ فدعا لي. قال: فانتبهت وقد بَغَّض الله إليَّ ما كنتُ عليه، قال: فقال لنا أبو عبد الله: يا جَعفر، يا فلان، يا فلان، حدَّثوا بهذا واحفظوه فإنه ينفع. أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السَّمَرْقَنْدي، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني عُبيد الله بن أبي الفتح، قال: سمعتُ عبدالرحمن بن محمد الإدريسي، يقول: سمعتُ أبا أحمد بن عَدي، يقول: حدثنا عبد المؤمن بن أحمد الجُرجاني، قال: سمعتُ عمار بن رَجاء يقول: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: طلبُ إسناد العلو من السُّنَّة. قلتُ: وقد روى أبو بكر الخَلال، عن حرب بن إسماعيل، قال: سُئل أحمد عن الرجل يَطلب الإسناد العالي، فقال: طلبُ الإسناد العالي سُنة عَمَّن

سَلف، لأن أصحاب عَبدالله كانوا يَرحلون من الكوفة إلى المدينة فيتعلمون من عُمر ويَسمعون منه. أخبرنا المبارك بن أحمدن قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد ابن علي، قال: أخبرني علي بن أحمد بن أبي حامد الأصبهاني في كتابه إليّ، قال: حدثنا محمد بن الحسين الآجري، قال: حدثنا محمد بن مخلد، قال: سمعتُ حنبل بن إسحاق يقول: رآني أحمد بن حنبل وأنا أكتب خطًّا دقيقاً فقال: لا تفعل، أحوج ما تكون إليه يخونك. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أنبأنا عبد الرحمن بن حَمد الدُّوني، قال: أنبأنا أبو نَصر أحمد بن الحسين الكسّار، قال: أخبرنا الحسين بن محمد ابن حبش، قال: أخبرنا موسى بن جرير الرقي، قال: حدثني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أي القراءات تختار لي فأقرأ بها؟ فقال: قراءَة أبي عمرو بن العلاء، لغة قريش والفُصحاء من الصحابة. وقال إسحاق بن حسان: كتبتُ إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل أشاوره في التزويج، فكتب إليّك تزوج ببكر واحرص أن لا يكون لها أم. وذكر أبو بكر عبد العزيز بن جعفر، أن أحمد بن حنبل قال لولديه: اكتبا مَنْ سَلّم علينا ممن حَج، فإذا قدم سَلمنا عليه. قال ابن عقيل: هذا محمول منه على صيانةِ العلم لا على الكِبر.

الباب الثالث والثلاثون في ذكر ما أنشده من الشعر أو نسب إليه

الباب الثالث وَالثلاثون في ذكر ما أنشده من الشعر أو نُسب إليه أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو نُعَيم الحافظ، قال: حدثنا أبو علي عيسى بن محمد الجُرَيْجِي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب، قال: كنت أحب أن أرى أحمد بن حنبل، فصرتُ إليه، فلما دخلتُ عليه، قال لي: فيمَ تنظر؟ فقلت: في النحو والعربية، فأنشدني أحمد بن حنبل: إذا ما خلوتَ الدهَر يوماً فلا تَقل: خَلَوْتُ، ولكن قل: عَلَّي رقيبُ ولا تَحْسنَّ الله يَغفلُ ساعةً ولا أنَّ ما نُخفي عليه يَغيبُ لَهَوْنَا عن الأيامِ حتى تَتَابعتْ ذُنوبٌ على آثارِهنَّ ذُنوبٌ فياليتَ أنَّ الله يَغْفِر ما مَضى ويَأذنُ في تَوباتِنا فَنتوبُ أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن منصور الشيرازي، قال: سمعتُ صالح بن أحمد بن مكرم، قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن الوليد التميمي، قال: سمعتُ ثعلباً

يقول: دخلتُ على أحمد بن حنبل فرأيتُ رجلاً كأنَّ النار توقد بين عينيه، فسلمتُ عليه فردّ وقال: من الرجل؟ فقلت: ثَعلب، فقال: ما الذي تطلب من العلم؟ قلت: القَوافي والشعر- ووددت أني قلت له غير ذلك - فقال: اكتب، ثم أملى عليَّ: إذا ما خلوتَ الدهَر يوماً فلا تَقل: خَلَوْتُ، ولكن قل: عَلَّي رقيبُ ولا تَحْسنَّ الله يَغفلُ ساعةً ولا أنَّ ما نُخفي عليه يَغيبُ لَهَوْنَا عن الأيامِ حتى تَتَابعتْ ذُنوبٌ على آثارِهنَّ ذُنوبٌ فياليتَ أنَّ الله يَغْفِر ما مَضى ويَأذنُ في تَوباتِنا فَنتوبُ إذا ما مَضَى القَرْنُ الذي أنتم فيه وخُلِّقْتَ في قرنٍ فانت غريبُ وبلغني عن علي بن خَشْرَم أنه سمع أحمد بن حنبل يقول: تَفْنَى اللَّذَاذَةُ ممن نالَ صَفْوَتَهَا مِن الحرامِ، ويَبْقَى الإثمُ والعارُ تَبقى عَواقِبُ سوءٍ من مَغَبَّتِهَا لاَ خَيْرَ في لَذَّةٍ من بَعدِها النَّارُ أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أنشدنا أبو الحسن بن محمد بن الحب، قال: أنشدني أبو عبد الله الخَياط، قال: أنشدتُ لأحمد بن حنبل من قوله في علي بن المديني: يا ابْنَ المدينيِّ الذي عَرَضَتْ له دُنْيَا، فجادَ بدينهِ لينالَهَا مَاذَا دَعَاكَ إلى انتِحالِ مَقالة قَدْ كُنتَ تَزْعُمُ كافراً مَنْ قَالَهَا؟

أمْرٌ بَدَا رُشْدهُ فَتبعتَهُ أمْ زَهرةُ الدُّنيا أَردْتَ نَوالَهَا؟ ولقد عَهِدتُكَ مَرَّةً مُتَشدِّداً صَعْبَ المقالة للتي تُدْعَى لها إن المرزَّأ مَنْ يُصاب بدينِه لا مَنْ يُرزَّأ ناقَةً وفِصَالَهَا

الباب الرابع والثلاثون في ذكر مكاتباته

البابُ الرابع وَالثلاثون في ذِكر مُكاتباته أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن محمد المُعَدَّل، قال: أخبرنا دَعْلَج قال: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن الحسين، قال: سمعتُ أبا جعفر أحمد بن سَعيد الدارمي، يقول: كتب إليَّ أبو عبد الله أحمد بن حنبل: لأبي جعفر، أكرمه الله من أحمد ابن حنبل. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أنبأنا أبو القاسم بن البُسري، عن أبي عبد الله بن بَطَّة، قال: أخبرنا أبو بكر الآجُري، قال: أخبرنا أبو نَصر بن كردي، قال: أخبرنا أبو بكر المروذي، قال: كان أبو عبد الله يكتب عنوان الكِتاب: إلى أبي فُلان، وقال: هو أصوب من أن يكتب: لأبي فلان. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا محمد بن أحمد الحافظ، قال: حدثنا القاسم بن محمد ابن محمود، قال: حدثنا أبو غياث الطالقاني، قال: سمعتُ سعيد بن يعقوب، يقول: كتبَ إليَّ أحمد بن حنبل: بسم الله الرحمن الرحيم، من أحمد ابن محمد، إلى سَعيد بن يَعقوب، أما بعد: فإنّ الدنيا داءٌ، والسلطان داءٌ، والعالم طَبيبٌ؛ فإذا رأيتَ الطبيبَ يَجُرُّ الداء إلى نفسه فاحذَره، والسلامُ عليك.

أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا عمر بن عُبيد الله البقال، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بِشْران، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، قال: حدثنا حنبل، قال: كانت كتب أبي عبد الله أحمد بن حنبل التي يكتب بها: إلى فُلان من فلان، فسألته عن ذلك فقال: النبي صلى الله عليه وسلم كتبَ إلى كِسرى وقَيصر، وكتب كلَّ ما كتب على ذلك، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعُمر رضي الله عنه كتبَ إلى عُتبة بن فَرقَد، وهذا الذي يكتب اليوم لفلان مُحدث لا أعرفه، قلت: فالرجل يبدأ بنفسه؟ قال: أما الأب، فلا أحبُّ إلا أن نُقدمه باسمه، ولا يَبدأ ولد باسمه على والد، والكبير السن كَذلك نُوفره به، وغير ذلك فلا بأس. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا محمد بن عبد الملك الأسدي، قال: أنبأنا عُبيد الله بن أحمد بن عثمان، قال: أخبرنا محمد بن أحمد. وأخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد

السمرقَنْدِي، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أنبأنا محمد بن أحمد - وهو ابن رزق - قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن يوسف الهمداني، قال: سمعتُ أبا القاسم بن مَنيع يقول: أَردتُ الخروج إلى سُويد بن سَعيد، فقلتُ لأحمد بن حنبل: تَكتب لي إليه؟ فكتبَ: وهذا رجلُ يكتبُ الحديث. فقلتُ: يا أبا عبد الله، خِدمتي لكَ ولزومي، لو كتبتَ: هذا رجلٌ من أصحاب الحديث؟ فقال: صاحبُ الحديث عِندنا من يَستعمل الحديث.

الباب الخامس والثلاثون في ذكر صفته وهيئته وسمته

البابُ الخامِس والثلاثون في ذكر صفته وهَيئته وسَمْته أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني عبد الغفار بن محمد المؤدّب، قال: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، قال: سمعتُ أحمد بن العباس بن الوليد النحوي، يقول: سمعتُ أبي يقول: رأيتُ أحمد بن حنبل رَجلاً حسن الوجه؛ ربعةً من الرجال، يخضِب بالحناءِ خضاباً ليس بالقاني، في لحيته شَعرات سود، ورأيتُ ثيابه غِلاظاً إلا أنها بيض، ورأيته مُعتماًّ وعليه إزار. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيْم أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: خَضَب أبي رأسه ولحيته بالحِناءِ وهو ابن ثلاث وستين سنة. قال سليمان: وحدثنا أحمد بن محمد القاضي، قال: سمعتُ أبا داود السِّجستاني، يقول: لم يكن أحمد بن حنبل يَخوض في شيءٍ مما يَخوض فيه الناس من أمر الدنيا، فإذا ذُكر العلم تَكلّم. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد،

قال: أخبرنا أبو نُعَيْم، قال: حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: حدثنا أبو جعفر بن ذَرِيح العُكْبَري، قال: رأيتُ أحمد بن حنبل وكان شيخاً مخضوباً طُوالاً أسمر شديد السُّمرة. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبانا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخلال، قال: أخبرنا أبو بكر المَرُّوذي، قال: رأيت أبا عبد الله إذا كان في البيت كان عامة جلوسه متربعاً خاشعاً، فإذا كان بَرّا لم يكن يتبين منه شدة خشوع كما كان داخلاً، وكنت أدخل عليه والجزءُ في يده يقرأ، فإذا قعدت، أطبقه ووضعه بين يديه. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا علي بن عُمر القزويني، قال: أخبرنا أبو عُمر بن حَيّويه، قال: حدثنا أبو الفضل جَعفر بن محمد الصَّندلي، قال: حدثنا خطاب بن بشر، قال: كنتُ قاعداً في مسجد أبي عبد الله مع أبي بكر المَرُّوذِي نتذاكر، فسمع أبو بكر صوتَ الباب قد فُتح، فوثب فإذا أبو عبد الله قد فَتح الباب وأخرج رأسه، فقال لأبي بكر: أنظر حسناً إلى أين دخل؟ - بُني له صغير - فقلت في نفسي: أقلق الشيخ حتى أزعجه، وذلك نصف النهار في الصيف، فدخل أبو بكر في بعض دور الحاكة، فأخرجه، وأخبره بمكاني فقال لي: ادخل، فدخلت إلى الدّهليز، وهو جالس على التراب وخضابه قد نصل، وأصول الشعر تبين بياضه، وعليه إزار كرأبيس صَغير وسخ، وقميص غليظ قد أصاب عاتقه التراب، والعرق قد بان على مُستدير عاتقه، فسألته عن الوَرع والاكتساب، فرأيته قد أظهر الاغتمام وبانَ عليه في وجهه حينَ سألته عن ذلك، إزراء على نفسه،

واغتماماً بأمره، حتى شق عليَّ، فقلت لرجل كان معي حين خرجنا: ما أراه ينتفع بنفسه أياماً. أنبأنا يحيى بن الحسن بن البنّا، قال: أنبأنا أبو يعلي محمد بن الحسين، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحِنّائي، قال: أخبرنا أبو محمد الطرسوسي، قال: حدثنا أبو العباس البَردعي، قال: سمعتُ الحسن بن إسماعيل، يقول: سمعتُ أبي يقول: كان يجتمع في مجلس أحمد زُهاء خمسة آلاف أو يزيدون، أقل من خمس مئة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حُسن الأدب وحُسن السَّمْت. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، وأبو طالب بن يوسف، قالا: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا أبو عبد الله بن بَطَّة، قال: سمعتُ أبا بكر أحمد بن سليمنا النجّاد، يقول: سَمعت أبا بكر بن المطَّوعي، يقول: اختلفتُ إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ثِنتي عَشرة سنة وهو يَقرأ "المسند" على أولاده، ما كتبتُ منه حديثاً واحداً؛ إنما كنتُ أنظر إلى هَديه؛ وأخلاقِه، وآدابه. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر المروذي، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن الحسن بن علي البخاري، قال: سمعتُ محمد بن إبراهيم البُوشَنْجِي، يقول: ما رأيتُ أحمد بن حنبل جالساً إلا القُرْفُصاء إلا أن يكون في الصلاة، وهذه الجِلْسَة التي تحَكيها قَيْلَةُ في

حديثها: إني رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جالساً جِلْسة المُتَخشِّع القُرْفُصاء. فكانَ أحمد يتيمم في جلوسه هذه الجِلْسة وهي أولى الجِلسات بالخُشوع، والقرفصاء أن يجلس الرجل على أليَتيه رافعاً رُكبتيه إلى صَدره مُفْضياً بأخْمَص قدميه إلى الأرض - وربما احْتَبى بيده - ولا جِلسة أخشع منها. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الخلال، قال: حدثنا أبو سليمان الكَلْوَاذي، قال: حدثنا محمد بن يونس الحمّال، قال: حدثنا حُميد بن عبد الرحمن الرُّوَّاسِي، قال: كان يقال: لم يكن من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه هَدْياً، ولا سمتاً ودَلاَّ من عبد الله بن مسعود، وكان أشبه الناس بعبد الله ابن مسعود عَلقمة بن قيس، وكان أشبه الناس بعلقمة إبراهيم النَّخَعِي، وكان أشبه الناس بإبراهيم النخعي منصور بن المعتمر، وكان أشبه الناس بمنصور بن

المعتمر سفيان الثوري، وكان أشبه الناس بسفيان الثوري وَكيع بن الجَرّاح. قال محمد بن يونس: وكان أشبه الناس بوكيع بن الجراح أحمد بن حنبل. قال الخلاّل: وحدثنا محمد بن يحيى بن خالد، قال: حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: سمعتُ الحسن بن الربيع يقول: ما شَبَّهت أحمد بن حنبل غلا بابن المبارك في سمَته وهَديه.

الباب السادس والثلاثون في ذكر هيبته

الباب السَّادس والثلاثون في ذكر هَيبته أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: حدثنا علي بن مَرْدَك، قال: حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم، قال: سمعتُ محمد بن مُسلم، يقول: كنا نهاب أن نُرادَّ أحمد بن حنبل في الشيءِ أو نُحاجَه في شيءٍ من الأشياءِ. يعني لجلالته ولهيبةِ الإسلام الذي رُزقه. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا أبو إسحاق البَرْمَكي، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الخَلال، قال: أخبرني محمد بن الحُسين، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: قال الحسن بن أحمد - والي الجسر، وكان في جوارنا -: دخلتُ على إسحاق بن إبراهيم وفُلان وفلانَ - ذَكر السلاطين - ما رأيتُ أهيبَ من أحمد بن حنبل، صرت إليه أكلمه في شيءٍ فوقعت عَلَّي الرّعدة حينَ رأيته من هيبته. قال المروذي: ولقد طَرقه الكَلْبي صاحب خبر السِّرْ ليلاً فمن هَيبته لم يَقرعوا عليه بابه وَدقّوا عَمه. قال أبو عبد الله: سمعتُ الدقَّ فخرجتُ إليهم. قال الخلال: وأخبرني محمد بن موسى، قال: قال جعفر الوراق: قال لي عبدوس: رآني أبو عبد الله يوماً وأنا أضحك، فأنا أستحييه إلى اليوم.

أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الخضر، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن يعقوب الأصفهاني، قال: حدثنا أبو مُزَاحِم موسى بن يَحيى بن عُبيد الله بن خاقان، قال: حدثني ابن مكرم الصّفّار، قال: سمعتُ أبا عُبيد القاسم بن سَلام يقول: جالستُ أبا يوسف، ومُحمد بن الحسن، ويَحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مَهدي، فما هبتُ أحداً منهم ما هبتُ أحمد بن حنبل، ولقد دخلتُ عليه في السجن لأسلّم عليه، فسألني رجل عن مَسألة، فلم اجبه هيبةً له. قال ابن مكرم: فحدثتُ بهذا الحديث يَعقوب بن شيبة، فقال لي: لعله فَرِقَ أن يغلطَ بحضرته.

الباب السابع والثلاثون في ذكر نظافته وطهارته

الباب السّابع وَالثلاثون في ذكر نظافته وطهارته أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عُمر، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: ذكر عبد الله بن أبي عمر البكري، قال: سمعتُ عبد الملك بن عَبد الحميد الميموني قال: ما أعلم أني رأيتُ أحداً أنظفَ ثوباً ولا أشدَّ تَعاهداً لنفسه في شاربه وشَعر رأسه وشَعر بدنه، ولا أنفي ثَوباً وشِدةَ بياضِ، من أحمد بن حنبل. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا البَرْمَكي، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد الخَلال، قال: أخبرني محمد بن الجُنيد، أن أبا بكر المرُّوذي حدثهم، قال: كان أبو عبد الله لا يدخل الحمام، وكان إذا احتاج إلى النّورة تَنوَّر في البيت، وأصلحتُ له غيرَ مرةٍ النّورة، واشتريتُ له جلداً ليده، فكان يُدخل يده فيه ويُنوِّر نَفسه. قال الخلال: وأخبرني محمد بن أحمد الصايغ، قال: سمعتُ أبا العباس يقول: ضربت لأبي عبد الله نورةً ونَوَّرته، فلما بلغ عانته وليها هو. الباب الثامن والثلاثون في ذكر سُهولة اخلاقه وحُسن معاشرته

الباب الثامن والثلاثون في ذكر سهولة اخلاقه وحسن معاشرته

الباب الثامن والثلاثون في ذكر سُهولة اخلاقه وحُسن معاشرته أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب الحافظ، قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر المروذي، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن الحسن بن علي البخاري، قال: سمعتُ محمد بن إبراهيم البُوشَنْجِي، قال: ما رأيتُ أحداً في عصر أحمد ممن رأيت أجمع منه ديانةً وصيانةً وملكاً لنفسه، وطلقاً لها، وفقهاً وعلماً، وأدب نفس، وكَرم خُلق، وثبات قلب، وكرم مجالسة، وأبعد من التَّماوت. أخبرنا إسماعيل بن أحمدن ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد الحَداد، قال: أخبرنا أبو نُعَيْم أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو بكر ابن مالك، قال: حدثنا محمد بن يونس الكُدَيْمي. وأخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن أبو الأشعث، قال: حدثنا القاسم بن نَصر بن حسان، قال: حدثنا أبو داود سليمان بن يزيد الفامي، قال: حدثنا محمد بن موسى البصري، قال: حدثنا علي بن المَدِيني، قال: قال لي أحمد بن حنبل. إني لأحب أن أصحبك إلى مكة، وما يمنعني من ذاك إلا أني أخاف أن أمَلَّك أو تَملَّني. قال: فلما وَدّعته قلت له: يا أبا عبد الله، توصيني بشيءٍ؟ قال: نعمن الْزِمِ التقوى قلبكَن وانصب الآخرة أمامك.

أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا عمر بن عُبيد الله البقال، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بِشران، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد، قال: حدثنا حنبل قال: رأيتُ أبا بن حنبل إذا أراد القيام، قال لجلسائه: إذا شئتم. أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أنبأنا محمد بن أبي نصر، قال: أخبرنا أبو علي إسماعيل بن أحمد البيهقي، قال: حدثني أبي، قال: سمعت محمد بن العباس الشهيد، يقول: سمعتُ الحسن بن علي الأصبهاني يقول: سمعتُ أبا داود السِّجِسْتاني، يقول: كانت مُجالسة أحمد بن حنبل مجالسة أحمد بن حنبل مجالسة الآخرة، لا يُذكر فيها شيءٌ من أمر الدنيا، ما رأيتُ أحمد بن حنبل يَذكر الدنيا قط. بلغني عن أبي الحُسين بن المنادي، قال: سمعتُ جدي يقول: كان أحمد من أحيا الناس، وأكرمِهم نَفساً وأحسنِهم منه إلا المذاكرة بالحديث، وذِكر الصالحين والزُّهاد في وَقار وسكون ولفظٍ حسن؛ وإذا لقيه إنسان بَشَّ به وأقبل عليه، وكانَ يتواضع للشيوخ تَواضعاً شديداً، وكانوا يُكرمونه ويعظمونه، وكان يفعل بيَحيى بن مَعين ما لم أره يفعل بغيره من التواضع والتبجيل، وكان يَحيى أكبر منه بنحو من سبع سنين. أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المقرئ، قال: أخبرنا الخُطَبِي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: كان أبي إذا دخل من المسجد إلى البيت، يضرب برجله قبل أن يدخل الدار، حتى يُسمع ضرب نعله لدخوله إلى الدار، وربما تَنحنح ليَعلم من في الدار بدُخوله.

أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد الخَلال، قال: حدثنا محمد بن علي، قال: حدثني مُهَناً، قال: رأيتُ أبا عبد الله غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس؛ رأيتُه كثيراً يُقَبل وجهُه ورأسُه وخَدُّه ولا يقول شيئاً، ولا يمتنع من ذلك، ورأيتُ سليمان بن داود الهاشِمي يُقبل جَبهته ورأسَه؛ ورأيته لا يمتنع من ذلك ولا يكرهه، ورأيتُ يعقوب بن إبراهيم بن سَعد يُقبل جَبهته ووَجهه. قال الخَلاّل: وقلتُ لزُهير بن صالح بن أحمد: هل رأيتَ جدك؟ قال: نعم؛ وكنا لي نحواً من ثمان سنين؛ وماتَ وقد دخلتُ في عشر سنين. فقلتُ له: تَذكر من أخلاقه شيئاً؟ قال كُنا ندخل إليه في كل يوم جُمعة أنا وإخواني، وكان بيننا وبينه بابٌ مفتوح، فكان يكتبُ لكل واحد مِنَّا حَبَّتين حَبَّتين من فِضة في رُقعة إلى فَامِيّ يعامله، فنأخذ منه الحبتين وَنأخذ للأخوات، وكان ربما مررتُ به وهو قاعدٌ في الشمس وظهره مكشوف وأثر الضرب بَيِّنٌ في ظهره، وكان لي أخٌ أصغر مني اسمه عليّ ويُكنى أبا حَفص، فأراد أبي أن يختِنَه، فاتَّخذ له طعاماً كثيراً ودعا قوماً، فلما أراد أن يختنِه وجَّه إلى جدي فدعاه؛ قال أبي: قال لي: بلغني ما قد أحدثته لهذا الأمر، وقد بلغني أنك قد أسرفتَن فابدأ قال لي: بلغني ما قد أحدثته لهذا الأمر، وقد بلغني أنك قد أسرفتَ، فابدأ بالفقراءِ والضعفاءِ فأطعمهم؛ فلما أن كان من العدِ وحضَر الحجام وحضر أهلنا، دخل أبي على جدي فأعمله أن الحجام قد جاء، فجاء جدي معه حتى جلس في الموضع الذي فيه الصبين وخُتِن وهو جالس فأخرج صُرَيَرةً فدَفعها إلى

الحَجّام، وصُرَيْرَة إلى الصبي، وقام فدخل منزله، فنظر الحجامُ إلى الصريرة فإذا فيها درهم واحد، ونظرنا إلى صُرة الصبي فإذا فيها درهم، وكنا قد رفعنا كثيراً مما قد افتُرِش، وكان الصبي على منصة مرتَفعة على شيءٍ من الثياب المُصبَّغة، فلم يُنكر من ذلك شيئاً، قال: فقدم علينا من خُراسان ابنُ خالةِ جدّي، فنزل على أبي، وكانَ يُكنى بأبي أحمد، فلما كان يوم من الأيام وقد صلينا المغرب، قال لي أبي: خُذ بيد أبي أحمد فامضِ به إلى جدك، فدخلتُ على جدي وهو قائم يُصلي بعد المغرب فجلستن فلما فرغ من ركوعه قال لي: جاءَ أبو أحمد؟ قلت: نعم. قال: قل له يَدخل. فقمت إلى أبي أحمد فدخل معي فجلس، فصاح بامرأةٍ كانت تَخدمه مُسِنَّة من سَكَانه؛ فجاءَت بطبق خِلافٍ وعليه خُبز وبَقلٌ وخَلّ ومِلح، ثم جاءَت بغَضَارة من هذه الغِلاظ فوضعتها بين أيدينا، وإذا فيها مَصليَّة فيها لَحم وسِلقٌ كثير، فجعلنا نأكل وهو يأكل معنا، ويسأل أبا أحمد عَمّن بقي من أهلهم بخُراسان في خلال ما يأكل، وكان ربما استَعجم الشيء على أبي أحمد بالعَربية فيكلّمه جدي بالفارسية، وكان في خلال ذلك - ونحن نأكل - يضع القِطعة اللحم بين يدي أبي أحمد وبين يَدي، ثم رَفَع الغَضارة بيده فوضعها ناحية، ثم أخذ طبقاً إلى جنبه فوضعه بين أيدينا على الطبق، فإذا فيه تَمر بَرْني وجَوز مُكسَّر؛ وجعل يأكل ونأكل، وفي خلال ذلك يُناول أبا أحمد؛ ثم غَسلنا أَيدينا كلُّ واحد منا يغسل يَده لنفسه. قال الخلال: وحدثني محمد بن موسى، قال: حدثنا إبراهيم - يَعني الزُّهري- قال: حدثني عبدوس العَطار، قال: وجهتُ بابني مع الجارية يُسلم

علي أبي عبد الله، فرحَّب به وأجلسه في حجره وساءَله، وأرسل فاتخذ له خَبيصاً فجاءَ به فوضعه بين يديه وجعل يبسطه، وقال للجارية: كُلي معه. ثم قام إلى بعض الفامِيِّين فجاءَ وفي ثوبه لوز وسكر، وأخرج منديلاً فشدّه فيه، ثم دَفعه إلى الخادم، وقال للصبي: اقرأ على أبي مُحمد السلام. قال الخلال: وأخبرنا أبو بكر المَرُّوذي، قال: رأيتُ أبا عبد الله قد ألقى لخَتَّانٍ درهمين في الطَّسْت. قال الخلال: وأخبرني عبد الملك الميموني، قال: كثيراً ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشيءِ فيقول: لبيك. قال الخلال: وأخبرني محمد بن الحسين، أن أبا بكر المرُّوذي حدثهم قال: كان أبو عبد الله لا يجهل، وإن جُهِل عليه احتمل وحَلم، ويقول: يكفي الله. ولم يكن بالحَقود ولا العَجول، ولقد وقع بين عمه وجيرانه مُنازعة؛ فكانوا يَجيئون إلى أبي عبد الله، فلا يُظهر لهم ميله مع عمه، ولا يَغضب لعمه، ويتلقاهم بما يعرفون من الكَرامة، وكان كثير التواضع يُحب الفقراء، لم أر الفقير في مجلس أعزّ منه في مجلسه، مائلاً إليهم مُقصراً عن أهل الدنيا، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلّم حتى يُسأَل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدّر يقعد حيث انتهى به المجلس، وكان لا يمد قدمه في المجلس ويُكرم جليسه؛ وكان حسن الخلق دائم البشر ليّن الجانب ليس بفظ ولا غليظ؛ وكان يُحب في الله ويُبغض في الله، وكان إذا أحب رجلاً أحب له ما يحب لنفسه، وكره له ما يكره لنفسه، ولم يمنعه حبه إياه أن يأخذ على يديه ويكفه عن ظُلم أو إثم أو مكروه إن كان منه، وكان إذا بلغه عن رجل صلاحٌ أو زهد أو قيامٌ بحق

أو اتباع للأمر سأل عنه وأحبَّ أن يجري بينه وبينه معرفة، وأحب أن يعرف أحواله، وكان رَجلاً فطِناً إذا كان شيء لا يرضاه اضطرب لذلك، يغضب لله ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها؛ فإذا كان في أمر من الدين اشتد له غضبه حتى كأنه ليس هو، لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان حَسن الجوار يُؤذي فَيصبر ويحتمل الأذى من الجار؛ ولقد أخبرني بعض جيرانه، ممن بينه وبينه حائط قال: كان لي برج فيه حَمام، وكان يُشرف على أبي عبد الله، فكنت أصعد وأنا غُلام أشرف عليه، فمكث على ذلك صابراً لا ينهاني، فبينا أنا يوماً إذ صعد عمي فنظر إلى البُرج مُشرفاً على أبي عبد الله فقال: وَيحك، أما تَستحي تؤذي أبا عبد الله؟! قلت له: فإنه لم يَقل لي شيئاً. قال: فلستُ أبرحُ حتى تهب لي هذه الطيور، فما بَرح حتى وهبتُها له فذبَحها وهَدم البُرج. قال الخلال: وحدثنا إبراهيم بن جعفر بن جابر، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الجُنيد، عن هارون بن سُفيان المُسْتملي، قال: جئتُ إلى أحمد بن حنبل حين أراد أن يُفرق الدراهم التي جاءَته من المتوكِّل، قال: فأعطاني مئتي درهم؛ فقلت: لا تكفيني، قال: ليس هاهنا شيء غيرها، ولكني أعمل بك شيئاً، أعطيك ثلاثمئة درهم تُفرقها، قال: فلما أخذتُها قلت: يا أبا عبد الله، ليسَ والله اعطي أحداً منها شيئاً، فتبسم. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني الحسن بن أبي طالبن قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المطلب، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد، قال: حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي، قال: كنتُ عند أحمد بن حنبل وبين يَديه مِحبرة، فذكر أبو

عبد الله حَديثاً، فاستأذنته في أن أكتب من مِحبرته، فقال لي: اكتُب يا هذا، فهذا وَرع مُظلم. أنبأنا أبو القاسم الحريري، قال: أنبأنا أبو طالب العُشَارِي قال: سمعت أبا الحسين بن الجندي، يقول: سمعت علوان بن الحسين، يقول: سمعتُ عبد الله ابن أحمد بن حنبل، يقول: سُئل أبي: لمَ لا تصحب الناس؟ قال: لوَحشة الفِراق. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا إبراهيم ابن عمر، قال: أخبرنا أبو عبد الله بن حَمدان، قال: أخبرنا محمد بن أيوب، قال: حدثنا إبراهيم الحَربي قال: كان أحمد يأتي العُرسَ والإملاك والخِتان، يُجيب ويَأكل. قال إبراهيم: وسمعت أحمد بن حنبل، يقول لأحمد بن جَعفر الوكيعي: يا أبا عبد الرحمن، إني لأحبك؛ حدثنا يحيى، عن ثَوْر، عن خبيب بن عبيد، عن المقدام، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أحبَّ أحدُكم أخاهُ فَلْيُعلِمْه". أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: أخبرني عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدّب، قال: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الفضل أبو العباس المؤذن،

قال: سمعت هارون بن عبد الله الحمال يقول: جاءَني أحمد بن حنبل بالليل، فدقَّ الباب عليَّ، فقلتُ: من هذا؟ فقال: أنا أحمد، فبادرت إليه فمسّاني ومسَّيته، قلت: حاجةً يا أبا عبد الله؟ قال: نعم، شَغلتَ اليومَ قلبي، قلت: بماذا يا أبا عبد الله؟ قال: جزتُ عليك اليوم وأنت قاعدٌ تُحدث الناس في الفيء والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر، لا تفعل مَرة أخرى، إذا قَعدت فاقعد مع الناس. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو الفتح عبد الكريم بن محمد المحاملي، وأبو الحُسين بن محمد بن أحمد الآبنُوسي، قالا: أخبرنا أبو الحسن الدَّارقُطْنِي قال: حدثنا دَعْلَج بن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود، قال: حدثني أبو عامر النسائي، قال: سمعتُ محمد بن داود المِصيِّصي، يقول: كنا عند أحمد بن حنبل وهم يذكرون الحديث، فذكر محمد بن يحيى النَّيسابوري حديثاً فيه ضعف، فقال له أحمد ابن حنبل: لا تذكر مثل هذا الحديث. فكأن محمد بن يحيى دخَله خَجْلَة، فقال له أحمد: إنما قلتُ هذا إجلالاً لك يا أبا عبد الله. أنبأنا المبارك بن الحسن الشَّهْرُزُوري، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي ابن محمد الخياط عن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن الخضر قال: حدث

أبو طالب علي بن محمد بن أحمد بن الجهم الكاتب قال: حدثني أحمد بن هارون الدقاق، قال: حدثني أحمد بن الحكم قال: وافى أحمد بن حنبل الكوفة لطلب الحديث، فلَزمَ وكيع بن الجراح وسمع منه سماعاً كثيراً. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا ابن بطة، قال: حدثنا جعفر بن محمد القَافْلانِي، قال: حخدثنا إسحاق بن هانئ قال: كنا عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل في منزله ومعنا المرُّوذي، ومُهنَّأ بن يَحيى الشامي، فدق داقُّ الباب وقال: المرُّوذي هاهنا؟ وكان المرُّوذي كره أن يعلم موضعه؛ فوضع مُهَنَّأ بن يحيى أصبعه في راحته وقال: ليس المرُّوذي هاهنا، وما يَصنع المرُّوذي هاهنا؟ فضحك أحمد ولم يُنكر ذلك.

الباب التاسع والثلاثون في ذكر حلمه وعفوه

الباب التاسِع والثلاثون في ذكر حِلمه وعَفوه أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: حدثنا محمد بن أحمد الجارودي، قال: حدثنا الحسين بن علي بن جعفر، قال: حدثني أبين قال: حدثنا أبو علي الحسين بن عبد الله الخِرَقي، قال: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: أحللتُ المعتصم من ضَربي. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله اللآل، قال: أخبرنا محمد ابن إبراهيم الصرّام، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، أن المتوكل أخذ العَلوي الذي سَعى بأبي عبد الله إلى السلطان، وأرسله إلى أبي عبد الله ليقول فيه مَقالةً للسلطان، فعفا عنه، وقال: لعله يكون له صبيان يُحزِنهم قَتلُه، هذا معنى الحكاية. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد، قال: حدثنا ابن هانئ، قال: كنتُ عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، قد اعتبتُك فاجعلني في حِل،

قال: أنتَ في حل إن لم تَعُد. فقلتُ له: تَجعله في حل وقد اغتابك؟ قال: الم ترني اشترطتُ عليه؟! أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخَلال، قال: حدثنا عِصْمة بن عِصام، قال: حدثنا حنبل، قال: صليتُ بأبي عبد الله العَصر، فصلى معنا رجل يُقال له: محمد بن سَعيد الخُتَّلي؛ فقال أبو عبد الله: يا أبا عبد الله، نهيتَ عن زيد بن خلف أن يُكلَّم؟ فقال أبو عبد الله: كتب إليّ أهلُ الثغر يَسألوني عن أمره، فأخبرتُهم بمذهبه وبما أحدث، وأمرتهم أن لا يُجالسوه؛ فاندفع الخُتَّلى على أبي عبد الله فقال: والله لأرُدَنَّك إلى مَحبسك؛ ولأَدُقَّنَّ أضلاعَك ضِلعاً ضِلعاً - في كلامٍ كثير - فقال لي أبو عبد الله: لا تكلمه ولا تُجبه بشيءٍ، فما ردَّ عليه أحدٌ منا كلمة، فأخذ أبو عبد الله نَعليه وقام، فدخل، وقال: مر السكان أن لا يكلّموه ولا يردوا عليه شيئاً، فما زال يصيح، ثم خَرج فصار على حِسْبَة العسكر وماتَ بالعسكر. قال الخلال: وحدثني محمد بن الحُسين، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: سمعتُ أبا بكر بن حَماد المقرئ، قال: حدثني أبو ثابت الخَطاب، قال: حدثني بلال الآجري، قال: صحبت أبا عبد الله ونَحن راجعون من الجامع، فذكرتُ أبا حنيفة، فقال بيده: هكذا، ونفضها؛ فقلت: كان بول أبي حنيفة أكثر من ملء الأرض مثلك؛ فنظر إليّ ثم قال: سلامٌ عليكم، فلما كان في السحر بكَّرتُ إليه فقلتُ: يا أبا عبد الله، إن الذي كان مني كان علي

غير تعمّد، فأنا أحب أن تجعلني في حل. فقال: ما زالت قدماي من مكانهما حتى جعلتك في حل. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا أبو عبد الله بن بَطَّة، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أيوب العُكْبَرِي، قال: سمعتُ إبراهيم الحربي يقول: كان أحمد بن حنبل كأنه رجل قد وفِّق للأدب، وسُدِّد بالحلم، ومُلِيءَ بالعلم، أتاه رجل يوماً فقال له: عندك كتاب زندقة، فسكت ساعة ثم قال له: إنما يحرز المؤمن قبره. وقال له رجل: يقولون: إنك لم تسمع من إبراهيم بن سعد، فسكت. قال إبراهيم: وكنا يَوماً عند داود بن عمر، فقال له داود: يا أبا عبد الله كيف أكلُكَ؟ كيف نومُكَ؟ كيف جِماعُك؟ فقال له أحمد: ليسَ أنا بحَصورٍ ولا روحاني، ولم يزده على هذا.

الباب الأربعون في ذكر ماله ومعاشه

الباب الأربعون في ذكر ماله ومَعاشه كان أحمد رضي الله عنه قد خَلَّف له أبوه طُرُزاً وداراً يسكنها، وكان يَكْري تلك الطرز ويتعفف بكِرائها عن الناس. أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا محمد بن العباس، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن المنادى، قال: حدثني جدي محمد بن عُبيد الله، قال: قال لي أحمد بن حنبل: أنا أَذْرَعُ هذه الدار التي أسكنها وأخرج الزكاة عنها في كل سنة، أذهب في ذلك إلى قول عمر بن الخطاب في أرض السَّواد. قال أحمد بن جعفر: وسأل رجل أحمد بن حنبل عن العَقار الذي كان يستغله ويسكن في دار فيه كيف سبيله عنده؟ فقال له: هذا شيء قد وَرثته عن

أبي، فإن جاءَني أحد، فصحح أنه له، خرجتُ عنه ودفعته إليه. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط، قال: أخبرنا محمد بن أبي الفوارس، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سَلْم، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول: هذه الغَلّة ما تكون قوتنا، وإنما أذهب فيه إلى أن لنا فيه شيئاً. فقلت له: إن رجلاً قال: لوترك أبو عبد الله الغَلّة، وكان يبضع له صديق له، كان أعجب إليَّ، فقال أبو عبد الله: هذه طُعمة سوء. أو قال: رديئة، من تعوّد هذا لم يصبر عنه، ثم قال: هذا أعجب إليّ من غيره - يعني الغَلّة - ثم قال لي: أنت تعلم أن هذه الغَلة لا تُقيمنا، وإنما آخذها على الاضطرار. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا أبو إسحاق البَرْمَكي، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا الخلال، قال: حدثنا محمد بن ياسين البلدي، قال: كنت جالساً مع أبي عبد الله فجاءَه بعض سُكانه بِدرهم ونصف، فلما وَقع في يده تركني وقام فدخل إلى منزله؛ ورأيتُ السرور في وجهه، فظننتُ أنه كان قد أعده لحاجة مهمة. فصل وكان أحمد ربما احتاج فخرج إلى اللِّقاط أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال:

أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد الخَلاّل، قال: أخبرني محمد بن الحسين، أن أبا بكر المرُّوذي حدثهم، قال: حدثني أبو جعفر الطَّرسُوسي، قال: حدثني الذي نزل عليه أبو عبد الله، قال: لما نزل عليَّ خرج في اللِّقاط، فجاءَ وقد لقط شيئاً يسيراً، فقلت له: قد أكلتَ أكثر مما قد لقطتَ! فقال: رأيتُ أمراً استحييتُ منه، رأيتهم يلقطون فيقوم الرجل على أربع، وكنت أزحف إذا لقطت. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط، قال: أخبرنا محمد بن أبي الفوارس، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سَلْم، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، قال: أخبرنا أبو بكر المرّوذي، قال: قال لي أبو عبد الله: خرجتُ إلى الثَّغر على قَدمي فالتقطنا، وقد رأيتُ قوماً يُفسدون مزارع الناس، لا ينبغي لأحد أن يدخل مَزرعة رجل إلا بإذنه. وقال لي أبو عبد الله: قد خرجتُ إلى طَرسوس على قَدمي وقد كنا نخرج في اللِّقاط. فصل وكان أحمد ربما احتاج فنسخ بأجرة. وأعوزته النفقة في سفره فأكرى نفسه من الجمّالين وسيأتي هذا مشروحاً في الباب الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى.

الباب الحادي والأربعون في ذكر تعففه عن أموال الناس وظلف نفسه عنها وقطع طمعه منها

الباب الحادي والأربعون في ذكر تَعففه عن أموال الناس وظَلْفِ نفسه عنها وقَطع طمعه منها أخبرنا إسماعيل بن أحمد السَّمرْقَنْدي، ومحمد بن أبي القاسم البغدادي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد الأصبهاني، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا موسى بن هارون، قال: سمعتُ إسحاق بن راهويه يقول: لما خرج أحمد بن حنبل إلى عبد الرزاق انقطعت به النفقة؛ فأكرى نفسه من بعض الجَمّالين إلى أن وافى صَنعاءَ، وقد كان أصحابه عرضوا عليه المواساة، فلم يَقبل من أحد شيئاً. قال سليمان بن أحمد: وحدثنا عبد الله بن أحمدن قال: كتب إليّ الفتح ابن شُخْرُف بخط يده؛ أنه سمع عَبدَ بن حُميد يقول: سمعت عبد الرزاق يقول: قدم علينا أحمد بن حنبل هاهنا، فأقام سنتين إلا شيئاً، فقلت له: يا أبا عبد الله، خُذ هذا الشيء فانتفع به، فإن أرضنا ليست بأرض مَتجر ولا مكسب - وأرانا عبد الرزاق كفَّهُ ومَدَّها فيها دنانير - فقال أحمد: أنا بخير. ولم يَقبل مني شيئاً.

أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيم الحافظ، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله القايني، قال: سمعتُ أبا عبد الله الحسين بن محمد الجُنَابَذي، قال: سمعتُ عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، يقول: سمعتُ أحمد بن سِنان الواسطي، يقول: بَلغني أن أحمد بن حنبل رَهن نعله عند خَباز على طعام أخذه منه عند خروجه من اليمن، وأكرى نفسه من ناس من الجمالين عند خروجه، وعَرض عليه عبد الرزاق دراهم صالحة فلم يَقبلها. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن عبدالواحد الحريري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حَيّويه، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المرّوذي، قال: سمعت أحمد بن منصور الرَّمَادِي، يقول: سمعتُ بحراً البقال يقول- وكان عندنا في قرية عبد الرزاق - وذُكر أحمد بن حنبل، فقال: ما فعل؟ فقلت له: وما يُدريك مَن أحمد؟ فقال: كان عندنا هاهنا، فلما خرج أصحابه تَخلّف من بَعدهم فمرّ بي، فقال: يا بَحر، لك عندي درهم، خذ هذه النعل، فإن بعثتُ إليك من صنعاء بالدرهم، وألا فالنعل بالدرهم، أرضيت؟ قلت: نعم، ومَضى، فأخبرتُ همام ابن أخت عبد الرزاق، فقال: ويَحك! لأي شيء أخذتَ النعل منه؟ أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكَرُوخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد

الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: أخبرنا زاهر بن أحمد، قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن مبشر. وأخبرنا ابن ناصر، قال: المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد ابن عبدالواحد الحريري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حَيّويه، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المرّوذي، قالا: سمعنا الرَّمَادِيّ، يقول: سمعت عبد الرزاق- وذكر أحمد بن حنبل - فَدمعت عيناه وقال: قدم وبلغني أن نفقته نفدت، فأخذت عَشرة دنانير وأقمته خلف الباب وما معي ومعه أحد، وقلت: إنه لا يجتمع عندنا الدنانير، وقد وجدت عند النساءِ عَشرة دنانير فَخذها، فأرجو أن لا تُنفقها حتى يتهيأ عندنا شيء. فتبسم وقال لي: يا أبا بكر، لو قَبلت شيئاً من الناس، قبلتُ منك. ولم يَقبل. معنى الروايتين مُتقارب. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبين قال: حدثنا أبو الحسن بن أبان، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: عَرض عَلَّي يزيدُ بن هارون خمس مئة درهم - أو أكثر أو أقل - فلم أقبل منه، وأعطى يَحيى بن مَعين وأبا مُسلم المستَملي، فأخذا منه. أخبرنا إسماعيل ومحمد، قالا: أخبرنا حَمْد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا عمر بن الحسن القاضي، قال: حدثنا محمد بن حاتم بن أبي قماش، قال: قال حمدان بن سِنان الواسطي: قدم علينا أحمد بن حنبل معه جماعة، فَنِفدَت نفقاتهم فبررتهم فأخذوا،

وجاءَني أحمد بن حنبل بفَروةٍ فقال: قل لمن يبيع هذه ويجيئني بثمنها فأتسع به، قال: فأخذت صرة دراهم فمضيت بها إليه فَردها، فقالت امرأتي: هذا رجلٌ صالح لعله لم يرضها فأضعفها، فأضعفتها فلم يقبل، وأخذ الفروة مني وخرج. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الخلال، قال: أخبرني أحمد بن محمد البَراثي، قال: حدثني أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن حسان الفقيه، قال: حدثني رجل كان رفيقاً لأبي عبد الله أحمد بن حنبل بواسِط على باب يزيد بن هارون، فجاءه أبو عبد الله بجُبة يبيعها في شِدّة البرد، قال: فلم أزل به حتى صَرفتُه عن بيعها، ثم صرتُ إلى يزيد بن هارون فقلتُ: يا أبا خالد، إن أحمد بن حنبل جاءَني بجُبته لأبيعها له في هذا البرد، فقال لجاريته: زني مئة درهم وهاتيها، فدفعها إليّ وقال: ادفَعها إليه، فجئت بها إليه فقلت: هذه بعثها أبو خالد. فقال: إني لمحتاج إليها، وإني لابن سبيل، ولكن لا أحب أن أعود نفسي هذا؛ رُدّها عليه. فرددتها إليه، فدفع إليَّ جُبته، فبعتُها له. قال الخلال: وأخبرني أبو غالب علي بن أحمد، قال: حدثني صالح بن أحمد، قال: جاءَتني حُسن، فقالت: يا مولاي، قد جاءَ رجل بتِلِّيسَةٍ فيها فاكهة يابسة وهذا الكتاب؛ قال صالح: فقمت فقرأت الكتاب فإذا فيه: يا أبا عبدالله، أبضعتُ لك بضاعةً إلى سَمرقند فوقع فيها كذا وكذا، ورددتها فوقع فيها كذا وكذا، وقد بعثتُ بها إليك أربعة آلاف درهمن وفاكهة أنا لقطتها من

بستاني، ورثته عن أبي وأبي عن أبيه، قال: فجمعت الصبيان، فلما دخل دخلنا عليه، وقلت له: يا أبَة، ما ترِقُّ لي من أكل الزكاة؟ ثم كشفت عن رأس الصبية وبكيت فقال: من أين علمتَ؟ دعني حتى أستخير الله الليلة، قال: فلما كان من الغد، قال: يا صالح، صُنّي، فإني قد استخرت الله الليلة، فعزم لي أن لا آخذها، قال: وفتح التِّلِّيسة وفرقها على الصبيان؛ وكان عنده ثوب عُشاري فبعث به إليه ورد المال. قال صالح: فبلغني أن الرجل اتخذه كفناً. أخبرنا إسماعيل بن أبي بكر، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: حدثنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أحمد. وأخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا أبو القاسم الأزهري، قال: أخبرنا القَطِيعي، قالا: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني علي بن الجَهم بن بدر، قال: كان لنا جار، فأخرج لنا كتاباً، فقال: أتعرفون هذا الخط؟ قلنا: نعم، هذا خط أحمد بن حنبل، كيف كتب لك؟ قال: كنا بمكة مقيمين عند سفيان بن عُيَينة، فَفقدنا أحمد ابن حنبل أياماً لم نره، ثم جئنا إليه لنسأل عنه، فقال لنا أهل الدار التي هو فيها: هو في ذلك البيت، فجئنا إليه والباب مَردود عليه وإذا عليه خُلْقان؛ فقلنا له: يا أبا عبد الله، ما خبرك؟ لم نَرك منذ أيام؟ فقال: سُرقت ثيأبي. فقلت له: معي دنانير، فإن شئتَ خذ قرضاً وإن شئتَ صِلة، فأبي أن يفعل، فقلت: تكتب لي بأجرة؟ قال: نعم، فأخرجت ديناراً فأبى أن يأخذه وقال:

اشتر لي ثوباً واقطعه نصفين، فأومأ إلى أنه يأتزر بنصف ويرتدي بالنصف الآخر، وقال: جئني ببقيته، ففعلتُ وجئت بورق فكتب لي فهذا خطه. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخَلال، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن شاهين، قال: سمعتُ أبا الحسن أحمد بن محمد بن حماد المقرئ يذكر عن علي بن الجهم أنه رأى بيد رجل من أهل الرَّبض كتاباً بخط أبي عبد الله، قال: فقلت له: من أين لك دفتر أحمد بن حنبل؟ فقال لي: يا أبا الحسن، وتَعرف خطه؟ قلت: نعم. فقال: ليس هذا دفتر أحمد بن حنبل ولكنه دفتري بخطه. فقلت له: وكيف صار هذا هكذا؟ فقال لي: كنا عند ابن عُيينة سنةً من السنين، ولم يكن من أهل الربض تلك السنة مُقيماً على ابن عُيينة غيري وغيره، ففقدته أياماً فسألت عنه، فذُللت على موضعه، فجئت فإذا هو في شبيه بكهف في جياد على بابه قفص، فقلت: سلام عليكم. فقال لي: وعليكم السلام. فقلت: أدخل؟ فقال: لا. ثم قال: ادخل، فدخلت وإذا عليه قطعة لِبدٍ خَلق، فقلت: لم حَجبتني؟ قال لي: حتى استترتُ، فقلت له: ما شَأنك؟ فقال: سُرقَتْ ثيأبي، فبادرت إلى منزلي فجئتُ بصرّة فيها مئة درهم، فعرضتها عليه فامتنع، وسألته أن يقبلها قرضاً فأبى عليّ، حتى بلغت عشرين درهماً، كل ذلك يأبى عليّ، فقمت مولياً وقلت: ما يحل لك أن تقتل نفسك وأنا اعرض عليك فلا تقبل! فقال لي: ارجع، فرجعت، فقال لي: أليس قد سمعتَ معي من ابن

عُيينة سَماعاً كثيراً؟ فقلت: بلى، فقال: تُحب أن أنسخه لك؟ قلت: نعم؛ فقال لي: اشتر ورقاً وجئني به، فكتب بدراهم ذكر مبلغها، فاكتسى منها ثوبين باثني عشر درهماً، وأخذ الباقي نَفقة. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمدبن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمدم بن حنبل، قال: حدثني إسماعيل بن أبي الحارث، قال: كان عندنا شَيخ مَرْوزي، فجاءَ إليه أحمد بن حنبل ثم خرج، فقلت له: في أي شيءٍ جاءَك أبو عبد الله؟ فقال: هو لي صديق وبيني وبينه أنس، وتلكأ أن يُخبرنا فألححنا عليه فقال: كان استقرضَ مني مئتي درهم أو ثلاث مئة درهم، فجاءَني بها، فقلت: يا أبا عبد الله، ما دفعتها وأنا أنوي أن آخذها منك، فقال: وأنا ما أخذتها إلاَّ وأنا أنوي أن أردها إليك. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: دخلتُ على أبي في أيام الواثق- والله يعلم في أي حالة نحن - وقد خرج لصلاة العصر، وكان له لبد يجلس عليه قد أتت عليه سنون كثيرة حتى قد بَلي، فإذا تحته كتاب كاغد، وإذا فيه: بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق، وما عليك من الدين، وقد وجهتُ إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فُلان لتقضي بها دينك، وتوسع بها على عيالك، وما هي من صدقة ولا زكاة، وإنما هو شيء ورثته من أبي. فقرأت الكتاب، ووضعته، فلما

دخل قلت: يا أبَة، ما هذا الكتاب؟ فاحمرَّ وجهه وقال: رَفَعْتُهُ منكَ. ثم قال: تذهب بجوابه، فكتب إلى الرجل: وصلَ كتابك إليّ ونحن في عافية، فأما الدَّيْنُ فإنه لرجل لا يُرهقنا، وأما عيالنا فهم في نعمة الله والحمد لله. فذهبتُ بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل، فقال: وَيحك، لو أن أبا عبد الله قبل هذا الشيء، ورمى به مثلاً في دجلة كان مأجوراً، لأن هذا الرجل لا يعرف له معروف، فلما كان بعد حين ورد كتاب الرجل بمثل ذلك، فردَّ عليه الجواب بمثل ما ردن فلما مضت سنة أو أقل أو أكثر ذكرناها، فقال: لو كنا قبلناها كانت قد ذَهبت. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبدالرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، فذكر مثله سواء، إلا أنه لم يذكر: فقال: لو أن أبا عبد الله قبل هذا ورمى به في دجلة. وقد روى هذه الحكاية أبو بكر الخلال وذكر فيها أن الموجِّه إليه الحسن بن عيسى بن ماسَرْجِس مول ابن المبارك. أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو إسحاق البَرْمَكي، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق، قال: حدثني أبو بكر محمد بن يعقوب المُقْرئ، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن داود المصري، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن

الحجاج، قال: حدثني محمد بن سعيد الترمذي، قال: قدم صديق لنا من خُراسان فقال: إني أبضعتُ بضاعة ونَويت أن اجعل ربحها لأحمد بن حنبل، والربح عشرة ىلاف درهم، فاحملها إليه، قال: قلت: حتى أذهب إليه فانظر كيف الأمر عنده؛ فذهبت إليه فسلمت عليه وقلت له: فلان، فإذا هو عارف به؛ فقلت له: إنه أبضع بضاعة وجعل ربحها لك وهي عشرة آلاف درهم، فقال: جزاه الله عن العناءِ خيراً، نحن في غِنَّى وسعة. فأبى أن يأخذها رحمه الله. وقد حدثنا بهذه الحكاية من طريق أبي بكر الخلال عن المرُّوذي فسمى الرجل محمد بن سليمان السَّرخسي، وقال فيها: فراجعه فقال: دعنا نكن أعزاءَ. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيم الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا محمدبن موسى بن حماد البَربري، قال: حُمل إلى الحسن بن عبد العزيز الجَرَوي ميراثه من مصر مئة ألف دينار، فحَمل إلى أحمد بن حنبل ثلاثة أكياس، في كل كيس ألف دينار، فقال: يا أبا عبد الله، هذه من ميراثٍ حلال، خذها فاستعن بها على عائلتك، قال: لا حاجةَ لي فيها، أنا في كِفاية. فردها ولم يقبل منه شيئاً. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيم الحافظ، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل. (ح) وأخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي

ابن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قالا: حدثنا صالح بن أحمد، قال: شهدتُ ابن الجروي أخا الحسن وقد جاء إليه بعد المغرب فقال: أنا رجل مشهور، وقد أتيتك في هذا الوقت وعندي شيء قد أعددته لك، فأحب أن تقبله وهو ميراث، فلم يَزل به، فلما أكثر عليه قام ودخل. قال صالح: فأخبرت عن الحسن قال: قال لي أخي: لما رأيته كلما ألححتُ عليه ازداد بعداً، قلت: أخبره كم هي، قلت: يا أبا عبد الله، هي ثلاثة آلاف دينار. فقام وتركني، زاد أبو نعيم: قال صالح: وقال لي يوماً: أنَّا إذا لم يكن عندي قطعة أفرح. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا أبو إسحاق البَرْمَكي، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخَلال، قال: أخبرنا أبو بكر المَرُّوزذي، قال: سمعت أبا بكر ابن حماد المُقرئ، يقول: سمعت أبا ثابت الخطاب يقول: قال ابن الجَرَوي: ذهبتُ إلى أحمد بن حنبل فقلت: هذه ألف دينار اشترِ بها غَلّة للصبيان، فأبَى أن يقبلها، قال: وكان يُكرمني. فلما قلتُ له ذلك قال: أحب إذا كان لكَ حاجة لا تجيء، فإن أردت أن تسألني عن شيءٍ فأرسل إليّ. فحرمتُ نفسي. قال الخلال: وأخبرنا محمد بن الحسن بن هارون، قال: سمعت الفضل بن محمد، يقول: حدثنا إسماعيل بن حرب، قال: أحصي ماردَّ أبو عبد الله أحمد ابن حنبل حين جيءَ به إلى العسكر فإذا هو سبعون ألفاً.

قال الخلال: وأخبرني الحسن بن الهيثم، قال: سمعت أبا سعيد الأذْرمي. يقول: سمعتُ صالح بن أحمد يقول: كنتُ عند أبي يوماً فدعاني النساء، فقلن: قل لأبيك ليس عندنا دقيق - أو قال: خبز - فقلت له، فقال: الساعة، ثم أبطأ عليهن فعاودنني، فقلت له، فقال: الساعة، فبينا نحن كذلك إذا برجل يدق الباب، فخرجتُ إليه، فإذا رجل خُراساني يشبه الفَيْج على كتفه عصا فيها جراب؛ فقلت له: ما حاجتك؟ فقال: حاجتي إلى أحمد بن حنبل، فدخلت فأخبرته، فقال: عُدْ إليه فقل له: فيمَ قصدتَ؟ في مسألةٍ؟ في حديث؟ فقال: ما قصدتُ في مسألة ولا حديث. فقلت له؛ فقال: أدخله، فدخَل الرجل فَوضع العصا والجراب ثم قال له: أنت أحمد بن محمد بن حنبل؟ قال: نعم؛ قال: أنا رجل من أهل خُراسان، مرض جارٌ لي فعدتهن فقلت له: هل لك من حاجة؟ فقال: هذه خمسة آلاف درهم تأخذها وتوصلها إلى أحمد بن حنبل بعد وفاتي، فقد قصدتك بها من خُراسان. فقال له: بيننا وبين هذا الرجل قَرابة؟ قال: لا. قال: فبيننا وبينه رَحِم؟ قال: لا؛ قال: فبيننا وبينه نعمة يَرُبُّها؟ قال: لا؛ قال: ضُمَّها رَحمك الله. فرادَّه فَخَشَّنَ له أبي، فحمل المالَ وانصرف. فلما كان بعد مدة كان جالساً بين الكتب، فنظر فيها فرفع رأسه فقال: تَدري يا صالح مُنذ كم كان الخراساني عندنا؟ قلت: لا، قال: له اليوم احد وستون يوماً، هل جُعتم فيها أو فَقدتم شيئاً؟

قال الخلال: وحدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبلن قال: سمعت فُوران يقول: مرض أبو عبد الله فعاده الناس - يعني قبل المئتين - وعاده علي بن الجعد فجعل عند راس أبي عبد الله صُرّة. فقلت له: إن عليًّا قد جَعل عند رأسك هذه الصرّة، فقال: كما رأيتَه فاذهب فردها إليه. قال: فذهبتُ فرددتها. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: قال فُوران أبو محمد لأبي: عندي خُف سأبعث به إليك. فسكت؛ فلما عاد إليه أبو محمد قال: يا أبا محمد، لا تبعث بالخف، فقد شغل قلبي عليّ. قال صالح: ووجه رجل من الصين بكاغد صيني إلى جماعة من المحدثين فيهم يحيى وغيرهن ووجه بقِمطَر إلى أبي فردَّه. قال صالح: وقال لي أبي: جاءَني ابن يَحيى بن يحيي؛ وما خرج من خُراسان بعد ابن المبارك رجل يُشبه يحيى بن يحيى؛ فجاءَني ابنه فقال: إن أبي أوصى بمبطنة لك وقال: يذكرني بها. فقلت: جئني بها. فجاءَ برزمة ثياب، فقلت له: اذهب رَحمك الله، يعني ولم يَقبلها. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر

الخلال، قال: أخبرني محمد بن موسى، قال: سمعت ابن نَيْزَك يقول: كنت أتبع أحمد ويحيى يمضون إلى سَعدويه- أو قال غيره - فاتخذ لهم - أراه قال: سعدويه - قِدر طعام، فلما فطن أحمد لذلك قال: قد قَرُب وقت الصلاة، وخرج فما اجترأ واحد منهم أن يكلمه، فجاءَ إلى سقاية فيها حب ماء، فأخرج فتيتاً معه في خرقة، وأخذ كوزاً من الحب وجَعل يستفه ويشرب عليه الماء، وصلى الظهر، ثم جاءَ فاستأذن ودخل، وقد طَعموا وصلوا، فقعد يكتب. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الخلال، قال: أخبرني محمد بن الحسين، قال: حدثني المرُّوذي، قال: سمعتُ حُميد بن الربيع الكوفي، يقول: قال أبو عبد الله يوماً لأصحاب الحديث: من منكم منزله في الكَرخ؟ فقال له فتى: أنا يا أبا عبد الله، فقال له: تلبث فإن لنا حاجة؛ فأخرج أبو عبد الله دراهم وقال: اشترِ بهذه ورقاً حتى تَجيءَ به مَعك إذا جئت. قال: فاشترى الفتى ورقاً، وحشى في دُسوت الورق دنانير. وجاءَ به إلى أبي عبد الله فأعطاه، وانقطع الفتى من المجيء، ففتح أبو عبد الله الوَرق فجعلت الدنانير تتناثر، فجمعها وجعل يقول لأصحاب الحديث: من منكم يعرف الفتى الذي اشترى لي ورقاً؟ فقال له رجل: أنا أعرف منزله، قال: فتلبث هاهنا، فإن لي حاجةً، وحمل أبو عبد الله الدنانير ومضى معه، فلما صار إلى قطيعة الربيع إذا الفتى قاعدٌ، فقال له الرجل: هذا صاحبك يا أبا عبد الله؟ فقال له أبو عبد الله: انصرف أنتَ. ثم جاء فسلم ووضع الدنانير في حجره وانصرف. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حمْدُ بن

أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: سمعت شاكر بن جَعفر، يقول: سمعت أبا جعفر أحمد بن محمد التُّسْتَري، يقول: كانَ غلام يختلف إلى أحمد بن حنبل، فناوله يوماً درهمين، فقال: اشترِ به كاغَداً، فخرج الغلام فاشترى له وجَعل في جوف الكاغد خمس مئة دينار وشده وأوصله إلى بيت أحمد، فسأل أحمد أهل بيته: أحُمِل شيء من البياض؟ فقالوا: نعم، فَوُضع بين يديه، فلما أن فتحه تناثرت الدنانير، فردها في مكانها، وسأل عن الغلام حتى دُلَّ عليه، فوضعه بين يديه، فتبعه الغلام وهو يقول: الكاغد اشتريتُه بدراهمك خُذه، فأبى أن يأخذ الكاغَد أيضاً. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبانا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن هارون الخلال، قال: أخبرني محمد بن الحسين، قال: حدثنا المرُّوذي، قال: أخبرت أن أبا بكر المستملي لما قدم بأبي عبدالله من الثغر، خرج معه يخدمه، قال: فنزلنا في بعض المنازل، فإذا بعض إخوانه قد أرسل إليه بمئة دينار، وقال: تنفقها يا أبا عبد الله في سَفرك، فردها، فقال له: يا أبا عبد الله، أنا معيل ورجل من أهل الثغر، فدعني آخذها؛ قال: وَيحك؛ إن عطيتهم أول مرة ليست مثل الثانية، فدَعنا نكن في عِزٍّ. فردها ولم يقبلها. قال الخلال: وأخبرني عبد الله بن أحمد، قال: دُقَّ علينا الباب ليلة دقاًّ خفيفاً، ففتحت فإذا إنسان قد وضع خِواناً كبيراً عليه منديل أبيض وقال: خُذ هذا. ومَرّ مبادراً؛ وكانت مائدة كبيرة، فأدخلتها فوضعتها قدام أبي

فقال: أيّ شيءٍ هذا؟ من منزل أبي محمد؟ 0 يعني فُوران -، قلت: لا، قال: من أين؟ من جاءَ به؟ قلت: وضعه ومَرَّ، وإذا طعام سرى فيه جامات حلواء قد أنفق عليه دراهم كثيرة، فسكت ساعة يفكر ثم قال: ابعث منه إلى منزل عمكن وصبيان صالح - وأومأ إلى الجارية والصبيان - وخُذ أنت، قال: عبد الله: ثم علمتُ بعد من أين جاء. وكان قوم يُهدون إليه فلا يصيب منه شيئاً، وكان عبدوس العطار ربما وجه إلينا بالشيءِ فلا يذوق منه.

الباب الثاني والأربعون في ذكر كرمه وجوده

الباب الثاني والأربعون في ذكر كَرمه وجوده أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْدُ بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد ابن محمد، قال: حدثني أبو حَفص عمر بن صالح الطَّرَسوسي، قال: وقع من يد أبي عبد الله أحمد بن حنبل مِقراض في البئر، فجاءض ساكن له فأخرجه، فلما أن أخرجه ناوله أبو عبد الله مقدار نصف درهم أقلَّ أو أكثر، فقال: المِقراض يساوي قيراطاً، لا آخذ شيئاً فخرج، فلما أن كان بعد أيام قال له: كَم عليك من كِرى الحانوت؟ قال: كرى ثلاثة أشهر، وكراؤه في كل شهر ثلاثة دراهم، فضرب على حسابه وقال: أنت في حِل. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلال، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبو سَعيد ابن أبي حنيفة المؤدّب: كنت آتي أباك فربما أعطاني الشيء وقال: أعطيتك نصف ما عندنا؛ فجئت يوماً فأطلت القُعود؛ فخرج ومعه أربعة أرغفة فقال: يا أبا سعيد، هذا نصف ما عندنا. فقلت: يا أبا عبد الله، هذه الأربعة الأرغفة أحب إلى من أربعة آلاف من غيرك. قال الخلال: وحدثنا محمد بن أبي هارون، قال: حدثني أبو بكر بن أبي

موسى، قال: حدثني يحيى بن هلال الوراق، قال: جئت إلى محمد بن عبدالله بن نُمير فشكوت إليه، فأخرج إليّ أربعة دراهم أو خمسة دراهم، وقال: هذا نصف ما أملك، قال: وجئت مرة إلى أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فأخرج إلىَّ أربعة وقال: هذه جميع ما أملك. قال الخلال: وأخبرني عبد الله بن إسماعيل، قال: حدثني علي بن عبد الصمد الطيالسي، قال: قال لي هارون المستملي: لقيتُ أحمد فقلت: ما عندنا شيء، فأعطاني خمسة دراهم، وقال: ما عندنا غيرها. قال الخلال: وحدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: كان أبو عبد الله ربما واسى من قوته، وجاءَه أبو سعيد الضرير فشكى إليه، فقال له: يا أبا سعيد، ما عِندنا إلا هذا الجذع، فَجِيء بحَمّال يحمله، قال: فأخذتُ الجِذع فبعته بتسعة دراهم ودانقين. وكان أبو عبد الله شديد الحياءِ، كريم الأخلاق، يعجبه السخاء. قال الخلال: وحدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: حدثني أبو محمد النّسائي جعفر بن محمد قال: قال لي أبو عبدالله يوم عيد: ادخل، فدخلت، فإذا مائدة وقَصْعة على الخِوان وعليها عُراق وقِدْرٌ إلى جانبه، فقال لي: كُل، فلما رأى ما بي قال: إن الحَسن كان يقول: والله لتأكلنّ، وكان ابن سيرين يقول: إنما وَضع الطعام ليؤكل، وكان إبراهيم بن ادهم يبيع ثيابه ويُنفقها على أصحابه، وكانت الدنيا أهون عليه من ذاك - وأومأ إلى جذع مطروح - فانبسطتُ وأكلتُ. أنبانا يحيى بن الحسن، قال: أنبأنا محمد بن الحسين بن خلف، قال:

حدثنا عبيد الله بن أحمد الصيرفي، قال: حدثنا عيسى بن موسى بن خاقان، قال: سمعتُ أبا الموجّه محمد بن عمرو بن الموجّه، يقول: سمعتُ علي بن يحيى يقول: صليتُ الجمعة إلى جنب أحمد بن حنبل، فلما سلّم الإمام قام سائل يَسأل الناس، فأخرج أحمد قِطعة فدَفعها إليه، فقال له رجل: ناولني قِطعتك ولكَ بها درهم، فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهماً، فقال له السائل: لا أعطيك؛ إني لأرجو فيها ما ترجو. قرأت على محمد بن أبي منصور، عن أبي القاسم بن اليسري، عن أبي عبد الله بن بَطة، قال: أخبرني محمد بن الحسين الآجري، قال: أخبرني محمد ابن كُردي، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: كنتُ مع أبي عبد الله في طريق العَسكر، فنزلنا منزلاً، فأخرجتُ رغيفاً ووضعت بين يديه كوز ماء، فإذا بكلبٍ قد جاء فقام بحذائه، وجعل يُحرك ذنبه، فألقى إليه لقمة، وجعل يأكل ويلقي إليه لقمة، فخفت أن يضر بقوته فقمتُ فصحت به لأنحّيه من بين يديه، فنظرتُ إلى أبي عبد الله قد احمارًّ وتغير من الحياءِ وقال: دَعه، فإنَّ ابن عباس قال: لها أنفس سُوء.

الباب الثالث والأربعون في ذكر قبوله الهدية ومكافأته عليها

الباب الثالث والأربعون في ذكر قبوله الهدية ومكافأته عليها أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أنبأنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي, قال: حدثنا علي بن عبد العزيز, قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم, قال: حدثنا صالح, قال: أهدى إلى أبي رجلٌ ولد له مولود خوان فالوذج, مكافأه سكرًا بدراهم صالحة. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا أبو إسحاق البرمكي, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخلال, قال: أخبرني علي بن أحمد, قال: حدثني صالح بن أحمد: أن رجلًا أهدى إلى أبيه فاكهة, فبعث إليه ثوبًا. قال الخلال: وحدثنا أبو بكر المُّروذي, قال: رأيت أبا عبد الله وقد أهدى إليه إنسان ماء زمزم, فأرسل إليه سويقًا وسُكرًا؛ وأمرني أن أشتري لإنسان هدية بقريب من خمسة دراهم, وقال: اذهب إلى صبيانه فإنه قد وهب لسعيد شيئًا. قال الخلال: وأخبرني محمد بن علي, ومحمد بن أبي هارون, أن إسحاق بن إبراهيم حدثهم, قال: اهدى جوين - جار لأبي عبد الله - إلى أبي عبد الله شيئًا من جوز وزبيب وتين في قصعة ما يساوي ثلاثة دراهم أو أقل, فأعطاني

أبو عبد الله دينارًا وقال: اذهب فاشتر بعشرة دراهم سكرًا وبسبعة دراهم تمرًا, واذهب به إليه في الليل. ففعلت. قال: وأخبرني محمد بن علي, قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن هانئ, قال: قال أبي: قدم رجل من سمرقند وكتب له عبد الله بن عبد الرحمن إلى أبي عبد الله فجعل له مجلسًا؛ فأهدى يومًا إلى أبي عبد الله ثوبًا, فأعطاه أبو عبد الله لأبي فقال: اذهب به إلى السوق فقوِّمه, قال أبي: فذهبت إلى قطيعة الربيع فقومته نيفًا وعشرين درهمًا, فرجعت فقلت له, فحجبه أبو عبد الله حتى اشترى ثوبين ومقنعتين - أو ثوبًا ومقنعة - وبعث به إليه, ثم أذن له فحدثه. قال الخلال: وأخبرني عصمة بن عصام, قال: سمعت حنبل يقول: كان لأبي عبد الله صديق يقال له: محفوظ, خرج معه إلى عبد الرزاق, وكان بينهما مودة, فما شعرت يومًا إلا ورسوله قد جاء معه خلال برني, فدخلت إلى أبي عبد الله, فقلت له فقبله, وبعث إليه أبو عبد الله بثوب, فجاء فقال: يا أبا عبد الله, عممتني, فقال: وأنت عممتني أيضًا فيما بعثت به إلينا.

الباب الرابع والأربعون في ذكر زهده

الباب الرابع والأربعون في ذكر زهده أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المعدّل, قال: أخبرنا علي بن محمد الرزيني, قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن ياسين, قال: حدثنا محمد بن أحمد ابن العلاء الصرَّام, قال: سمعت سليمان بن الأشعث, يقول: ما رأيت أحمد ابن حنبل ذكر الدنيا قط. أخبرنا عبد الملك, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد, قال: أخبرنا أبو القاسم بن سعيد, قال: حدثنا عثمان بن أحمد بن جعفر, قال: حدثنا محمد ابن مخلد, قال: حدثني أبو حفص عُمر بن سليمان المؤدب, قال: صليت مع أحمد بن حنبل التراويح وكان يصلي به ابن عمير, فلما أوتر رفع يديه إلى ثدييه, وما سمعنا من دعائه شيئًا ولا من كان في المسجد, وكان فيه سراج على الدرجة لم يكن فيه قنديل ولا حصير ولا خلوق. أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن أبي القاسم, قالا: أخبرنا حمد بن أحمد, قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا أبو الحسن بن أبان, قال: حدثنا محمد بن أحمد المروزي, قال: سمعت إبراهيم بن مته السمرقندي, يقول: سألت أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن عن أحمد بن

حنبل, قلت: هو إمام؟ قال: إي والله, إن أحمد صبر على الفقر سبعين سنة. أخبرنا إسماعيل ومحمد, قالا: أخبرنا حمد, قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله, قال: حدثنا علي بن أحمد, والحسن بن محمد, قالا: حدثنا محمد ابن إسماعيل, قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل, قال: قلت لأبي: بلغني أن أحمد الدورقي أعطى ألف دينار, فقال: يا بني (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى). وذكرت له ابن أبي شيبة, وعبد الأعلى النرسي, ومن قدم به إلى العسكر من المحدثين, فقال: إنما كانت أيامًا قلائل, ثم تلاحقوا, وما نحلوا منها بكثير شيءٍ. وذُكر عنده يومًا رجل فقال: يا بني, الفائز من فاز غدًا ولم يكن لأحد عنده تبعة. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخلال, قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل, قال: حدثني أبو جعفر القطان - ويعرف بابن أبي القدور - قال: كان أيام الغلاء يجيئني أبو عبد الله بغزل ويستره أبيعه له, فكنت ربما بعته بدرهم ونصف, وربما بعته بدرهمين, فتخلف يومًا فلما جاء قلت: يا أبا عبد الله, لم تجئ الأمس, فقال: أم صالح اعتلّت. ودفع إليّ غزلًا بأربعة دراهم, فجئت بها, فأنكر ذلك, وقال: لعلك زدت فيه من عندك؟ قلت: لا, ما زدت فيه من عندي؛ كان غزلًا دقيقًا.

أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف, قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي, قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مردك, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد قال: قال أبي: كانت والدتك في الغلاء تغزل غزلًا دقيقًا, فتبيع الإستار بدرهمين - أقل أو أكثر - فكان ذلك قوتنا. قال صالح: ودخل أبي يومًا إلى منزلي, وقد غيرنا سقفًا لنا, فدعاني ثم أملى علي, فقال: حدثني سليمان بن حرب, قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن يونس, عن الحسن, قال: قدم الأحنف بن قيس من سفر وقد غيروا سقف بيته, حمّروا شقاشق وخضّروها قال: فقالوا له: أما ترى إلى سقف بيتك؟ فقال: معذرة إليكم إني لم أره, لا أدخله حتى تغيروه. قال صالح: واشتريت جارية, فشكت إليه أهلي, فقال: قد كنت أكره لهم الدنيا, وكان بلغني عنك الشيء, فقالت له: يا عم, ومن يكره الدنيا غيرك؟ قال لها: فشأنك إذن. قال صالح: وكنا ربما اشترينا الشيء فنستره عنه كي لا يراه فيوبّخنا على ذلك. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلال, قال: أخبرني أبو بكر المروذي, قال: رأيت أحمد بن عيسى

المصري ومعه قوم من المحدّثين دخلوا على أبي عبد الله ونحن بالعسكر, فقال له أحمد بن عيسى: ما هذا الغم يا أبا عبد الله؟ الإسلام حنيفية سمحة, بيتٌ واسع. فنظر إليهم وكان مُضطجعًا, فلما خرجوا قال لي: انظر إلى هؤلاء, ما أريد أن يدخل عليّ منهم أحد. قال الخلال: وأخبرنا محمد بن علي السمسار, قال: حدثني إسحاق بن هانئ النيسابوري, قال: قال لي أبو عبد الله: بكر يومًا حتى تعارضني بشيءٍ من "الزهد", فبكرت إليه, وقلت لأم ولده: أعطني حصيرًا ومخدة, فبسطته في الدهليز. فخرج أبو عبد الله ومعه الكتب والمحبرة, فنظر إلى الحصير والمخدة, فقال: ما هذا؟ فقلت: لتجلس عليه, فقال: ارفعه, الزهد لا يحسن إلا بالزهد, فرفعته وجلس على التراب. قال الخلال: وأخبرنا محمد بن علي السمسار, قال: سمعت السري بن محمد - خال ولد صالح - قال: جاء أحمد بن صالح يوضئ أبا عبد الله يومًا, وقد بلّ أبو عبد الله خرقة فألقاها على رأسه, فقال له أحمد بن صالح: يا جدي, أنت محموم؟ قال أبو عبد الله: وأنّى لي بالحمى. قال الخلال: وأخبرني يوسف بن الضحاك, قال: حدثني ابن جبلة, قال: كنت على باب أحمد بن حنبل والباب مجافٌ, وأم ولده تكلمه وتقول له: أنا معك في ضيق, منزل صالح يأكلون ويفعلون ويفعلون؛ وهو يقول: قولي خيرًا. وخرج الصبي معه فبكى, فقال له: أيّ شيء تريد؟ فقال: زبيب,

قال: اذهب فخذ من البقال بحبة. قال الخلال: وأخبرني محمد بن علي الورّاق, قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن هانئ, قال: سمعت أبي يقول: قال لي أبو عبد الله عند رجوعه من العسكر: تذهب إلى صاحب الحمّام فتقول له حتى يُخلي الحمام, فصرت إلى الحمامي, فقلت له, فأخلاه له, فأتيت أبا عبد الله فأخبرته بأنه قد أخلى الحمام, فقال أبو عبد الله: هذه خمسون سنة لم أدخل الحمام؛ يجوز أيضًا أن لا أدخل الساعة؛ قل له يطلقه للناس؛ فأتيت الحمامي فأطلقه للناس. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي, قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مردك, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد, قال: كان أبي يتنوّر في البيت, فقال لي في يوم شتوي: أريد أن أدخل الحمام بعد المغرب, فقل لصاحب الحمام, فلما كان المغرب, قال: ابعث إليه أني قد أضربت عن الدخول, وتنوّر في البيت. أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن عبد الباقي, قالا: أخبرنا حمد بن أحمد, قال: أخبرنا أحمد بن عبد الحافظ, قال: حدثنا سليمان بن أحمد. وأخبرنا ابن ناصر, قال: أنبأنا أبو علي بن البناء, قال: أخبرنا أبو القاسم الأزهري, قال: أخبرنا القطيعي, قالا: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, قال: كنت جالسًا عند أبي يومًا, فنظر إلى رجليّ وهما لينتان ليس فيهما

شقاق, فقال لي: ما هذه الرجلان؟ لم لا تمشي حافيًا حتى تصير رجلاك خشنتين؟ أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط, قال: أخبرنا محمد بن أبي الفوارس, قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم, قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق, قال: حدثنا أبو بكر المروذي, قال: سمعت أبا عبد الله يقول لشجاع ابن مخلد العطار: يا أبا الفضل, إنما هو طعامٌ دون طعام, ولباسٌ دون لباس, وإنها أيام قلائل. أخبرنا عمر بن ظفر, قال: أخبرنا جعفر بن أحمد, قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي الأزجي, قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن جهضم, قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى, قال: حدثنا محمد بن الحسن, قال: حدثني أبو بكر المروذي, قال: سمعت أبا عبد الله يقول: أسرُّ أيامي إليَّ يوم أصبح وليس عندي شيء.

الباب الخامس والأربعون في ذكر صفة بيته وآلاته

الباب الخامس والأربعون في ذكر صفة بيته وآلاته أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن عبد الباقي, قالا: أخبرنا حمد بن أحمد, قال: حدثنا أحمد بن عبد الله, قال: حدثنا سليمان بن أحمد. وأخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا محمد بن محمد بن محمود, قال: أخبرنا محمد بن أحمد الحافظ, قال: أخبرنا القطيعي, قالا: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أحمد بن محمد بن بلال, قال: سمعت علي بن المديني يقول: دخلت منزل أحمد بن حنبل, فما شبهت بيته إلا بما وُصف من بيت سويد بن غفلة, من زهده وتواضعه. قلت: سويد بن غفلة من كبار التابعين, وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قُبض, فصحب أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا, وكان من الزاهدين في الدنيا. أخبرنا محمد بن عبد الباقي, قال: أخبرنا حمد بن أحمد, قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ, قال: أخبرنا محمد بن أحمد في كتابه, قال: حدثنا موسى بن إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح, قال: حدثنا عبد الله بن حماد الجُهني, عن محمد بن أبان, عن عمران بن مسلم, قال: كان سويد بن

غفلة إذا قيل له: أُعطي فلان, وولي فلان, قال: حسبي كسرتي وملحي. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلال, قال: أخبرني عبد الملك الميموني, قال: كان منزل أبي عبد الله منزلًا ضيقًا صغيرًا, وكان ينام في الحر في أسفله, وقال له عمه: ربما قلت له, فلا يفعل ولا ينام فوق. وقد رأيت موضع مضجعه وفيه شاذوكة وبردعة قد غلب عليها الوسخ. قال الخلال: وحدثني محمد بن العباس, قال: حدثنا مظفر بن السري, قال: حدثني حسن بن سيار, قال: دخلت إلى أحمد بن حنبل وأنا صبي مع أستاذي نجصص له بيتًا, فقال له أحمد: جصصه باليد ولا تمسحه بالمالج؛ ثم فرشناه بالطوابيق, فلما فرغنا استحسنه وقال: هذا نظيف يصلي عليه الرجل, وليس فيه بارية ولا حصير, ودفع إليّ كفّ تمرٍ. قال الخلال: وأخبرني حامد بن أحمد, أنه سمع الحسن بن محمد بن الحارث, يقول: دخلتُ دار أحمد فرأيت في بهوه حصيرًا خلقًا ومسورة, وكتبه مطروحة حواليه, وحُبّ خزف. قال الخلال: وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد, قال: كان لأبي عبد الله طاقٌ في منزله, فرأيته قد علق عليه مسحًا.

قال الخلال: وقرأت على الحسين بن عبد الله النّعيمي, عن الحسين بن الحسن, قال: حدثنا أبو داود, قال: رأيت لباب دار أبي عبد الله سِترًا خلقًا مُلبدًا؛ ورأيت بقربه شيئًا نحوًا مما تعلق الأداوي في الأسفار, عليه عدة قلال. قال الخلال: وأخبرني محمد بن أبي هارون, قال: سمعت محمد بن موسى, يقول: كان باب أبي عبد الله بابًا كبيرًا من لبن؛ ثم جئت بعد وعلى الباب سِتر شعر. قال الخلال: وأخبرني محمد بن موسى, أنه سمع أبا إبراهيم الزُّهري يقول: إن أبا عبد الله قال له في كلام - قال: وجعل يعزيني, ويقول -: ترى بابنا هذا, إنما بنيته بالدين. قال الخلال: وأخبرنا أحمد بن الحسن, قال: دخلت على أبي عبد الله غير مرة وهو متربع بين يديه كانون من طين, وله ثلاث قوائم فيه جمر, وتحته لبد له.

الباب السادس والأربعون في ذكر مطعمه

الباب السادس والأربعون في ذكر مطعمه أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي, قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد, قال: ربما رأيت أبي يأخذ الكسر فينفض الغبار عنها ثم يُصيرها في قصعة, ويصب عليها ماء حتى تبتل, ثم يأكلها بالملح, وما رأيته قط اشترى رُمانًا ولا سفرجلًا ولا شيئًا من الفاكهة؛ إلا أن يكون يشتري بطيخة فيأكلها بخبز, أو عنبًا, أو تمرًا, فأما غير ذلك فما رأيته قط اشتراه, وربما خُبز له فيجعل في فخارة عدسًا وشحمًا وتمرات شهريز, فيخص الصبيان بقصعة, فيصوت ببعضهم, فيدفعه إليهم فيضحكون, ولا يأكلون؛ وكان كثيرًا ما يأتدم بالخلّ؛ وكان يُشترى له شحم بدرهم, فيأكل منه شهرًا, فلما قدم من عند المتوكل أدمن الصوم, وجعل لا يأكل الدسم؛ فتوهمت أنه كان جعل على نفسه إن سلم أن يفعل ذلك. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلال, قال: حدثنا أبو بكر المروذي, قال: قال لي النيسابوري

صاحب إسحاق بن إبراهيم: قال لي الأمير: إذا جاءوا بإفطاره فأرنيه, قال: فجاءوا برغيفين خبزًا وخيارة؛ فأريته الأمير فقال: هذا لا يُجيبنا إذا كان هذا يقنعه. قال الخلال: وحدثنا أبو بكر المروذي, قال: سمعت أبا عبد الله, يقول في أيام العيد: اشتروا لنا أمس باقلّاء, فأي شيءٍ كان به من الجودة؟ قال الخلال: وحدثني محمد بن أبي هارون, قال: سمعت حمدان بن علي, قال: قال أبو السري: كنا يومًا مع أبي عبد الله عند أبي بكر الحول في ختان ابنه, وكنت مع أبي عبد الله على المائدة, فأكل حتى جاءوا بالفالوذج فامتنع, فقال له أبو بكر: يا أبا عبد الله - كأنه يسأله أن يأكل - فقال: هو أرفع الطعام. ثم أكل لقمة لم يزد عليها. قال الخلال: وقرأت على الحسين بن عبد الله النعيمي, عن الحسين بن الحسن, قال: سمعت محمد بن داود, قال: كتب إليّ الحسن بن خلف الصايغ, قال: جاءني المروذي في علة أبي عبد الله, فقال: أبو عبد الله عليلٌ, فذهبت بالمتطبب فدخلنا عليه, فقال: ما حالك؟ قال: احتجمت أمس, قال: وما أكلت؟ قال: خبزًا وكامخًا, قال: يا أبا عبد الله, تحتجم وتأكل خبزًا وكامخًا؟! قال: فما آكل؟ قال الخلال: وقال حنبل بن إسحاق: لما مرض أبو عبد الله وصف له عبد الرحمن دُهن اللوز, فأبى أن يشربه, وقال: الشيرج. فلما اشتدت علته جُعل له اللوز, فلما علم به نحّاه ولم يشربه.

أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط, قال: أخبرنا محمد بن أبي الفوارس, قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم, قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق, قال: حدثنا أبو بكر المروذي, قال: سمعت أبا عبد الله يقول: قد وجدت البرد في أطرافي, ما أراه إلا من إدامي أكل الخل والملح. وقد روى إسحاق بن إبراهيم بن هانئ, قال: كان أبو عبد الله لا يطرح في قدر له فلفلًا ولا ثومًا. قال: وتعشيت مرةً أنا وهو وقرابة له, فجعلنا نتكلم وهو يأكل ويمسح يده عند كل لقمة بالمنديل, وجعل يقول عند كل لقمة: الحمد لله. ثم قال لي: أكلٌ وحمدٌ خيرٌ من أكلٍ وصمت.

الباب السابع والأربعون في ذكر رفقه بنفسه

الباب السابع والأربعون في ذكر رفقه بنفسه أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي, قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مردك, قال: حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل, قال: اعتل أبي فتعالج, وكان يُشترى له في الشتاء العروق - أصول الشوك - وتوقد له وتصير في كانون ضيق فيصطلي به. أنبأنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر بن شاهين, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا أحمد بن كامل القاضي, قال: حدثني يعقوب بن يوسف المطوعي, قال: كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل لا يأكل الخبيص بمعلقة, كان يضع الخبيص في كفه ويستفه سفًا, وكان يأكل خبز الرقاق, فقلت: كيف علمت؟ قال: كنت على بابه وقد خبز صالح ابنه في بيته, فجاء سائل, فوقف على الباب يسأل, فأخرجوا إليه كسرة رقاق, فعلمت أن أحمد كان يأكل الرقاق, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطعموهم مما لا تأكلون".

الباب الثامن والأربعون في ذكر لباسه

الباب الثامن والأربعون في ذكر لباسه أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا أبو إسحاق البرمكي, قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز, قال: أخبرنا ابن أبي حاتم, قال: ذكر عبد الله بن أبي عمر البكري, قال: سمعت عبد الملك بن عبد الحميد الميموني, قال: كانت ثياب أحمد بن حنبل بين الثوبين, تساوي ملحفته خمسة عشر درهمًا, وكان ثوب قميصه يؤخذ بالدينار ونحوه, لم تكن له رقّة تُنكر؛ ولا غلظ ينكر, وكانت ملحفته مهدّبة. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم ابن عمر, قال: أنبانا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الخلال, قال: حدثنا محمد بن موسى, أنه سمع حمدان بن علي يقول: إن أبا عبد الله لم يكن لباسه بذاك؛ إلا أنه قطن نظيف, وكان بأخرة في لباسه أجود لما كان يستعين بالغلة لما استغنى ولده عنها. قال الخلال: وحدثنا محمد بن الحسين: أن الفضل بن زياد حدثهم قال: رأيت على أبي عبد الله في الشتاء قميصين وجُبة ملونة بينهما؛ وربما لبس قميصًا وفروًا ثقيلًا, وربما رأيت عليه في البرد الشديد الفرو فوق الجبة, ورأيت عليه

عمامةً فوق القلنسوة وكساءً ثقيلًا, فسمعت أبا عمران الوركاني يقول له يومًا: هذا اللباس كله؟ فضحك ثم قال: يا أبا عمران, أنا رقيقٌ في البرد. وربما لبس القلنسوة بغير عمامة. قال الخلال: وأخبرني منصور بن الوليد, أن جعفر بن محمد حدثهم قال: رأيت على أبي عبد الله جبة برد معقدة, وقلنسوة وعمامة, وكان في الشتاء أحيانًا يلبس الفرو, وأحيانًا الجبة, وربما جمعهما. قال الخلال: وأخبرني جعفر بن محمد بن مغيرة, قال: رأيت على أبي عبد الله في الصيف قميصًا وسراويل ورداءً, وربما لبس قميصًا ورداءً, واتشح بالرداء, وكان كثيرًا ما يتشح فوق القميص. قال الخلال: وحدثنا موسى بن حمدون, أن حنبلًا حدّثهم قال: رأيت أبا عبد الله يلبس سراويل فيشده فوق السرة, ويرتدي بقميصه. قال الخلال: وحدثنا عبد الملك الميموني, قال: رأيت أبا عبد الله عليه إزار متشح به, وعليه إزار آخر ارتدى به, وعنده جماعة من المحدّثين وغيرهم, وما رأيت أبا عبد الله عليه طيلسان قط, ولا رداء, وإنما هو إزار صغير ظننته سداسيًا, وسألت ابن عمه فقال: سُداسي. قال الخلال: وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد, قال: رأيت أبا عبد الله يومًا صائفًا عليه قميص مشدود الإزار؛ وما رأيته مرخي الكُمين - يعني المشي -.

قال الخلال: وحدثنا سليمان بن الأشعث, قال: كنت أرى إزار أبي عبد الله محلولة. قال الخلال: وحدثنا زُهير بن صالح, قال: سمعت أبي يقول: كانت لأبي قلنسوة, وقد خاطها بيده فيها قطن, فإذا قام بالليل لبسها. قال الخلال: وأخبرنا أحمد بن الحسين بن حسان, قال: رأيت قلنسوة لأبي عبد الله مُرقعة فيها بُرد وبياض مروي. قال الخلال: وقرأت على الحسين بن عبد الله النعيمي, عن الحسين بن الحسن, عن حميد بن زنجويه قال: رأيت على أحمد بن حنبل جُبة خضراء فيها رقعة بيضاء من صوف. قال الخلال: وأخبرني محمد بن موسى, قال: سمعت حمدان بن علي, يقول: رأيت على أبي عبد الله جبة وعليها رقعة بغير لونها. قال الخلال: وحدثنا المروذي, قال: أراد أبو عبد الله أن يرقع قميصه فلم يكن عنده رقعة, فقال: أرقعه من إزاري, فقطعنا من إزاره فرقعناه, ولقد احتاج غير مرة إلى خرق فكان يقطع من إزاره, وأعطاني خفًا له لأرُمّه قد لبسه سبع عشر ةسنة؛ فإذا فيه خمسة مواضع - أو ستة مواضع - الخرز فيه من برّا. قال الخلال: وحدثني جعفر بن محمد بن معبد, قال: رأيت نعل أبي عبد الله صفراء.

أنبأنا ابن ناصر, قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار, قال: أخبرنا أبو بكر محمد علي الخياط, قال: أخبرنا محمد بن أبي الفوارس, قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم, قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق, قال: حدثنا أبو بكر المروذي, قال: استعمل لأبي عبد الله خُف, فجئته به, فبات عنده ليلة, فلما أصبح قال لي: تفكرت في أمر هذا الخف - أراه قال: عامة الليل - قد شغل عليّ قلبي قد عزم لي أن لا ألبسه, كم ترى بقي؟ الذي مضى أكثر مما بقى. فدفع إلي خفّا له خلقًا فقال: اضرب على هذا الموضع رقاعًا وسدّد خروقه. ثم قال: تدري منذ كم هذا الخف عندي؟ نحو من ستّ عشرة سنة, وإنما صار إليّ وهو لبيس, وهذا قد شغل عليّ قلبي - يعني الجديد -. قرأت على ابن ناصر, عن أبي القاسم بن البسري, عن ابن بطة, قال: أخبرنا أبو طالب بن البهلول, قال: حدثنا أحمد بن أصرم المُزني قال: رأيت سراويل أبي عبد الله فوق كعبيه. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أنبأنا أبو القاسم بن البُسري, عن أبي عبد الله بن بطة, قال: أخبرنا أبو بكر الآجرّي, قال: أخبرنا أبو نصر بن كردي, قال: أخبرنا أبو بكر المروذي, قال: رأيت على أبي عبد الله كساء مربعًا, فكان إذا أراد أن يصلي ربما وضع أطرافه تحت قدميه.

الباب التاسع والأربعون في ذكر ورعه

الباب التاسع والأربعون في ذكر ورعه أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: أخبرنا محمد بن أحمد الجارودي - أو محمد بن محمد عنه - قال: أخبرنا أبو زُرعة محمد بن محمد بن عبد الوهاب, قال: أخبرنا أبو ذر أحمد بن محمد الباغندي, قال: حدثنا الدّوري, قال: كتب لي أحمد بن حنبل إلى قوم من المحدثين بالبصرة, فكتب لي في كتابه: وهذا ممن يطلب الحديث. أخبرنا عبد الملك, قال: أخبرنا عبد الله, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: أخبرنا جدي, قال: أخبرنا أبو الفضل بن أبي جعفر المنذري, قال: سمعت محمد بن إبراهيم, يقول: بلغني أن أحمد بن حنبل حضره قوم من أهل الحديث من إخوانه, فاشترى لهم بما كان عنده, وأطعمهم, وأنه صبر على مقدار رُبع سويق - وهو الكيلجة - خمسة عشر يومًا بمعسكر المتوكل, يعتصم بذلك حتى أتته النفقة من بغداد, ولا يذوق من مائدة المتوكل. أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن عبد الباقي, قالا: أخبرنا حمد بن أحمد, قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ, قال: حدثنا أبو أحمد الغطريفي, قال:

حدثني زكريا بن يحيى الساجي, قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن صالح الأزدي, قال: حدثني إسحاق بن موسى الأنصاري, قال: دفع المأمون إليّ مالًا, وقال: اقسمه على أصحاب الحديث, فإن فيهم ضعفاء, فما بقى منهم أحدٌ إلا أخذ, إلا أحمد بن حنبل, فإنه أبى. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار, قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحريري, قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه, قال: أخبرنا أبو مزاحم الخاقاني, قال: حدثنا ابن المطّوعي, قال: حدثني فوران, قال: كُنا عند أحمد بن حنبل قبل أن يموت بليلتين, وكان ثم غلام أسود لأبي يوسف - يعني عمه - اشتراه من هذا المال, فذهب يروّح أحمد فنهاه. أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري, قال: أنبأنا محمد بن علي بن الفتح, قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن الصباح الكوفي, قال: حدثنا جعفر بن محمد ابن نصير, قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق, قال: قال لي عبد الله بن أحمد بن حنبل: دخل عليّ أبي رحمه الله في مرضي يعودني, فقلت: يا أبت, عندنا شيء قد بقى مما كان يبرّنا به المتوكل, أفأحج منه؟ قال: نعم, قلت: فإذا كان هذا عندك هكذا فلم لم تأخذ؟ قال: يا بني, ليس هو عندي حرام, ولكني تنزّهت عنه. أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد, قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت, قال: أخبرنا الجوهري, قال: أخبرنا محمد بن العباس, قال: أخبرنا

أحمد بن جعفر, قال: حدثني جدي محمد بن عبيد الله المنادي, قال: قال لي أحمد بن حنبل: أنا أذرع هذه الدار التي أسكنها وأخرج الزكاة عنها في كل سنة, أذهب في ذلك إلى قول عمر بن الخطاب في أرض السواد. أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن أبي القاسم, قالا: أخبرنا حمد بن أحمد, قال: حدثنا أحمد بن عبد الله, قال: حدثنا أبو بكر بن مالك, قال: حدثنا محمد بن يونس, قال: حدثني سليمان بن داود الشاذكوني, قال: عليّ بن المديني يتشبه بأحمد بن حنبل! أيهات, ما أشبه السُّك باللك, لقد حضرت من ورعه شيئًا بمكة؛ أنه رهن سطلًا عند فاميّ فأخذ منه شيئًا يتقوته, فجاء فأعطاه فكاكه, فأخرج إليه سطلين فقال: انظر أيهما سطلك فخذه, فقال: لا أدري, أنت في حل منه ومما أعطيتك في حل, ولم يأخذه, قال الفامي: والله إنه لسطله, وإنما أردت أن أمتحنه فيه. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا ابن عبد الجبار, قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحريري, قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه, أن أبا مزاحم أخبرهم قال: أخبرني أبو بكر بن مكرم الصفّار, قال: حدثني محمد القاسم الثغري, قال: سمعت أحمد بن القاسم الطوسي, يقول: كان أحمد بن حنبل إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه, فقيل له في ذلك, فقال: لا أقدر أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه.

أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن أبي القاسم, قالا: أخبرنا حمد بن أحمد, قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله, قال: سمعت محمد بن أحمد بن الحسن الصواف, يقول: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل, يقول: ما رأيت أبي في حفظه حدّث من غير كتاب إلا بأقل من مئة حديث. أخبرنا المبارك بن أحمد النصاري, قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السمرقندي, قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت, قال: حدثني عبد العزيز ابن علي الورّاق, قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز البردعي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم, قال: حدثنا الحسين بن الحسن الرازي, قال: سمعت علي بن المديني, يقول: ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل, وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب, ولنا فيه أسوة حسنة. أخبرنا المبارك, قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد, قال: أخبرنا أحمد بن علي, قال: حدثني أبو القاسم عبد الله بن أحمد السوذرجاني, قال: حدثنا علي بن محمد بن أحمد الفقيه, قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن أسد, قال: حدثنا علي بن روحان قال: حدثني إبراهيم بن جابر المروذي, قال: كنا نجالس أبا عبد الله أحمد بن حنبل فنذكر الحديث ونحفظه ونتقنه, فإذا أردنا أن نكتبه قال: الكتابُ أحفظ؛ قال: فيثب وثبةً ويجيء بالكتاب.

أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن على الخياط, قال: أخبرنا محمد بن أبى الفوارس, قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم, قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال: حدثنا أبو بكر المروذى, قال: سمعت أبا عبد الله - يعنى أحمد بن حنبل - يقول: قد أنفقت على هذا المخْرَج خمسة وستين درهماً بِدَين, وإنما لى فيه رُبع الكِراء. قلت: فلمَ لم تَدع عبد الله ينفق عليه؟ قال: كَرهت أن يُفسد علىَّ الدراهم. أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن عبد الباقى, قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد, قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله, قال: حدثنا الحسين بن محمد, قال: سمعت شاكر بن جعفر, يقول: سمعت أحمد بن محمد التُّسْتَرى يقول: ذكروا أن أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما كان طَعِم فيها, فبعث إلى صديق له فاستقرضَ شيئاً من الدقيق, فعرفوا فى البيت شِدّة حاجته إلى الطعام, فخّبزوا بالعَجلة, فلما وُضع بين يديه قال: كيف خبزتم هذا بسرعة؟ فقيل له: كان التنور فى دار صالح مسجوراً, فخبزنا بالعجلة, فقال: ارفعوا, ولم يأكل, وأمر بسد بابه إلى دار صالح. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن على الخياط, قال: أخبرنا محمد بن أبى الفوارس, قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سَلم, قال أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق, قال: حدثنا أبو بكر المُّروذى قال: سمعتُ أبا عبدالله يقول فى مرضه الذى

مات فيه لأُم وَلده: ومَن قال لك أن تخبزى ثَمّ شيئاً؟ وقد كانت خبزت مرة قبل تلك, فقال لها: ومن يأكله؟ فلم يأكل منه شيئاً - يعنى بيت صالح ولده -. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلال, قال: حدثنا أبو بكر المُّروذى, قال سمعتُ أبا عبدالله وقال لى ونحن فى مَوضع: (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) , ثم قال: قد سكنّا, أو قال: نحن فيها. قال الخلال: وأخبرنى محمد بن أبى هارون, قال: حدثنى إسحاق بن إبراهيم, قال: بَعثنى أبو عبد الله مرة بقطع ثلاثة, أو أربعة فقال: اشترِ بهذه أَبزاراً للقِدر؛ ودَفع إلى قطعة أُخرى على حِدَة فقال: اشترِ بهذه أبزاراً ولا تخلطه, فاختلط, فجئتُ به فأخبرته أنه اختلط, فقال لى: رُدّة وخُذ القِطع. فرددته وأخذتُ القطع, فطرحها فى دراهم الجارية لما اشتبه عليه. قال الخلال: وأخبرنى محمد بن على السّمسار, قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم بن هانىء, يقول: أعطانى أبو عبد الله يوماً قطعة فقال: اشتر لى بهذه القطعة باقِلاء وماءَه. وأعطتنى أَيضاً حُسن - أُم ولده - قطعةً فقالت: اشترِ لى بهذه القطعة أيضاً باقِلاء, فقال: اشترِ للصبيان زَيتاً وباقِلاء, ففضل حبة أو حبتان من قطع الطبيان, فقلت لصاحب الباقلاء: أعطنى به زيتاً, فصببته على الباقلاء الذى أخذته لأبى عبد الله؛ فلما جئت به وضعته بين يديه, فنظر

أثر الزيت, فقال لى: ما هذا؟ فقلت: فَضَل من قطع الصبيان حبة فصببت لك بها زيتاٍ, فقال: ارفع يا أحمق, ومن أمرك بهذا؟ متى تعقل؟ ولم يأكله. قال الخلال: وأخبرنا محمد بن على السِّمسار, قال: سمعت أبا عبد الله يقول لإسحاق بن إبراهيم النَّيسابورى: خُذ من أُم عَلى - يعنى ابنة أبى عبد الله - ما تُعطيك, فدخل وخرج ومعه دجاجة؛ فخرجنا جميعاً فقلت لإسحاق: ما قالت لك؟ قال: قالت: أَبى يريد أن يحتجم وليس معه شىء؛ فقال لى: أعطِ إسحاق الدَّجاجة يبيعها, فإنى محتاج إلى الحَجامة, فصرنا بها إلى السوق فأعطى بها درهماً ودانقين, فلم يبعها وردّها؛ فلما صرنا إلى القنطرة فإذا عبد الله جالس فى دكان ابن بُختان, فعا إسحاق وقال: أى شىء هذه؟ لمن هذه؟ فقلت: أعطتنى أُم على أبيعها. فقال: كم أُعطيت بها؟ قال: درهماً ودِانقين. فقال: بِعنيها بدرهم ونصف. فأعطاه درهماً ونصفاً وأَخذها منه, فلما صار إلى عبد الله, قالت أُم على: بكم بعتها؟ قال: بدرهم ونصف, فقالت: بَس؟! فقال لها: أعطونى فى السوق درهماً ودانقين؛ فقال أبو عبد الله: يا إسحاق, ممن بعتَها؟ قلت له: من عبد الله. فأخذ الثمن من أُم على وصاح علىَّ وقال: مُر, رُدَّها. فخرج إسحاق يعدو حتى جاء إلى عبدالله فقال له: رُدّها, فقد صاح علىَّ أبوك. قال: ولم قلت له؟ فردَّها. قال إسحاق: فقال لى أبو عبد الله: مُر بها إلى السوق ولا تَمُر على عبد الله, فبعتها من غريب بدرهم وثلث ثم جئت إلى أبى عبد الله, فقال: لعلك دفعتها إلى عبدالله؟ قلت: لا بعتُها إلى رجل غريب. قال الخلال: وأخبرنى محمد بن على السّمسار, قال: كانت لأُم عبد الله بن

أحمد دار معنا فى الدَّرب يأخذ منها درهماً بحق ميراثه, فاحتاجت إلى نَفقة فأصلحها عبد الله, فترك أَبو عبد الله الدرهم الذى كان يأخذه وقال: قد أفسده على. قال الخلال: وأخبرنى محمد بن على, قال: حدثنا صالح أن أَباه مرض, فوصف له عبد الرحمن المتطبب قرعة تُشْوَى ويُسقى ماءَها فقال لى: يا صالح, لا تُشوَ فى منزلك ولا منزل عبد الله, فسمعت أَبا بكر المُّروذى يقول: فمضيت بها وشويتها وجِئت بها إليه. قال الخلال: وأَخبرنى أَبو الحسن بن عبد الوهاب, قال: حدثنا محمد بن عَياش, قال: أَرسلنى أَبو عبد الله فاشتريتُ له سَمناً بقطعة؛ فجئتُ به على ورقة بَقل, فأخذ السمن وأعطانى الورقة وقال: رُدَّها. قال الخلال: وأخبرنى محمد بن عُبيد الله المنادى, قال: حدثنى الصحنائى, قال: أعطانى أحمد بن حنبل قطعة اشترى له بها باقلاء على خُبز مَثرود, فجئته بباقلاء كثيرة, فقال لى: هذا كثير؟ فقلت له: كان باقلانيان يَبيعان مُضارَّة رخيصاً, فقال لى: رُدَّه عليه, وادفع إليه الخُبز والاقلاء, ودّع القطعة عليه وتعال, ففعلت. قال الخلال: وحدثنا عبد الله بن إسماعيل, قال: حدثنى محمد بن أحمد السمسار, قال: سمعت عبد الله بن أيوب المُخّرمى, يقول: نَزل عندنا رَوحُ بن عُبادة, فجاء أحمد بن حنبل إليه وباتَ هاهنا, وخُبزه فى كُمه,

ويَشرب من ماءِ النهر, وينتظر رَوحاً حتى خرج, فجاء يحيى بن أكثم فى ضُبنةٍ فجلس بين يدى أحمد وجعل يُسائله, وأحمدُ مُطرِق, فلما رآه لا يُقبِل عليه قامَ وتركه. أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن عبد الله, قال: حدثنا الحسين بن محمد, قال: سمعتُ شاكر بن جعفر, قال: سمعتُ جعفر بن محمد بن يعقوب, يقول: جاءَ رسولٌ من دار أحمد بن حنبل إليه يذكر له أَن أَبا عبد الرحمن عليلٌ واشتهى الزُّبد, فناول رجلاً من أصحابه قطعة وقال: اشترِ له بها زُبداً, فجاءَ به على ورق سلقٍ, فلما أن نظر إليه قال: من أَين هذا الوَرق؟ فقال: أخذتُه من عند البقّال, فقال: استأذنته فى ذلك؟ قال: لا, قال: رُدَّه. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف, قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرمَكى, قال: أخبرنا ابن مَرْدَك, قال: حدثنا ابن أبى حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل, قال: وُلد لى مولود, فأهدى لى صديقٌ شَيئاً, ثم أتى على ذلك أشهر وأراد الخروج إلى البصرة, فقال لى: تُكلّم أَبا عبد الله يكتب لى إلى مشايخ بالبصرة؟ فكلمته, فقال: لولا أنه أَهدى إليك كنتُ أكتب له. أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصارى, قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد

السَّمَرقندى, قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت, قال: أخبرنا الحسن بن على التَّميمى, قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان, قال: حدثنا عبد الله ابن أحمد بن جنبل, قال: كان هاهنا شيخ, قال: رأَيتُ على أَبى عبد الله جَرَباً, فجئتُ بدواءٍ فقلت: ضَع هذا عليه, فأخذه ثم رَدّضه, فقلت له: لم ردَدته؟ فقال: أَنتم تسمعون منى. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا ابو بكر الخلال, قال: حدثنا على بن سَهل بن المغيرة البزاز, قال: سمعت غبراهيم الهَرَوى, قال: كُنا على باب هُشيم, فأتاه رجل بكتاب شَفاعة, فأذن له فدخلنا مع صاحب الشفاعة, وأحمد بن حنبل على الباب؛ وهو حَدثٌ له أَقلّ من عشرين سنة, فقلنا له: يا أبا عبد الله ادخل. قال: لم يُؤْذَن لى. أنبأنا على بن عبيد الله عن أَبى القاسم بن البصرى, قال: أنبأنا أبو عبد الله ابن بَطة, قال: سُقِف لأبى عبد الله سَطح الحاكة, وجُعل مَسيل الماء إلى الطريق, فباتَ تلك الليلة, فلما أصبح قال: ادعو لى النَّجار يُحول الميزاب إلى الدار, فدعوته له فَحوَّله. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا أَبو طالب بن يوسف, وأبو الحسين ابن عبد الجبار, قالا: أخبرنا إبراهيم بن عمر, قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد ابن حمدان, قال: حدثنا محمد بن أَيوب العُكْبّرى, قال: حدثنا إبراهيم الحَربى, قال: لزمتُ أحمد بن حنبل سنتين, فكان إذا خرج ليُحدّثنا يُخرج

معه مِحبرة مُجلدة بجلدٍ وقلماً, فإذا مرَّ به سَقط أو خَطأ فى كتابه أَصلحه بقلمه من مِحبرته, يتورَّع أن يأخذ من مِحبرة أحدنا شيئاً, وكنا نقول لأحمد فى الشىءِ: تحفظه؟ فيقول: لا, إلا من كتاب. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا أَبو الحسين بن عبد الجبار, قال: أخبرنا على بن عمر القزوينى, قال: أخبرنا أَبو عُمر بن حَيوُّيه, قال: أخبرنا أبو محمد الزهرى, قال: حدثنا إبراهيم الحربى, قال: ما خرج إلينا أحمد بن حنبل - رحمه الله - قط إلا ومعه مَحبرة مجلدة وقلم, يتوّرع أَن مُدَّة فيُصلح بها سيناً أو شكله. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن دَرسْنتَويه قال: أخبرنا يعقوب بن سفيان, قال: حدثنا سلمة - يعنى ابن شبيب - قال: سألتُ أحمد بن حنبل عن محمد بم معاوية النَّيسابورى, فقال لى: نِعم الرجل يحيى بن يحيى. قلت: إنما ورّى عن ذكر هذا المذموم بذاك الممدوح, فإن محمد بن معاوية معدود فى الكذابين, وقد قدح فيه فى رواية أُخرى عنه, لكنه كان يَجتنب القدح فى أوقات. أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصارى, قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السمرقندى, قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت, قال: أنبأنا أبو سعد المالِينى: قال: أخبرنا إسماعيل بن عمر بن الحسن المقرئ, قال: حدثنا محمد بن صالح بن محمد الخولانى, قال: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل, يقول:

سمعت أبى يقول ليحيى بن مَعين: يا أبا زكريا, بلغنى أَنك تقول: حدثنا إسماعيل ابن عُلضيّة, فقال يحيى: نعم, أقول هكذا, قال أحمد: فلا تقله, قُل: إسماعيل بن إبراهيم, فإنه بَلغنى أَنه يكره أَن يُنسب إلى أُمه. قال يحيى لأبى: قد قبلنا منك يا مُعلم الخير. قلت: وقد نُسب إلى أُمهاتهم, وغلب ذلك عليهم, كبلال ابن حَمامة, ومعاذ ابن عَفراء, وبشير ابن الخَصاصية, وابن بُحَينة, ويَعلى ابن مُنَّية؛ فى خلق كثير قد ذكرته فى كتاب "التلقيح" والورع ترك ما يكرهه المنسوب. أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطى, ومحمد أَبو منصور, قالا: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا أبو منصور أحمد بن الحسين بن على البَيِّع, قال: حدثنا أَبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق إملاءه, قال: حدثنا يحيى بن صاعد, قال: حدثنى أَبو فَروة يزيد بن محمد الرُّهاور - أملاه علىَّ بالرُّها - قال: لقيتُ أَبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ببغداد, فقال لى فيما يقول: ما فَعل الرجل الذى عندكم بَحرّان

الجوهرى عنده علم؟ فقلت له: ما أعرف بَحرّان جَوهريَّا يُكتب عنه, فقال: بَلى صاحب أبى مَعبد حَفص بن غّيْلان. قلت: ما أعرفه. قال: يَغفر الله لك, له بنون. قلت: لعلك تريد البومّة؟ قال: إياه أَعنى, اكتُب عنه فإنه ثِقة. قُلتُ: هذا الرجل اسمه محمد بن سُليمان بن أَبى داود ولُقّبَ بالبومة, فتورّع الإمام أحمد عن ذكر لقبه. أخبرنا عبد الملك الكَرُوخى, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصارى, قال: أخبرنى يَحيى بن عَمّار - إجازة - قال: أخبرنا أبو أحمد بن جناح, قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم, قال: سمعتُ أَبا داود السَّجستانى, يقول: سأَلتُ أحمد بن حنبل عن طَلاق السَّكران, فقال: سل غَيْرى. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكى, قال: أخبرنا أبو عبد الله بن بَطَّة, قال: حدثنا محمد بن أيوب العابد, قال سمعتُ إبراهيم الحَرى, يقول: أوصى أحمد أن يُكفَّر عنه يمين واحدة, وقال: أظن أنى حَنثْتُ فيها. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار, قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحَريرى, قال: أخبرنا أبو عُمر بن حَيَّويه, قال: أخبرنا أبو مُزاحم الخاقانى, قال: حدثنى القاسم بن أحمد الصايغ, قال: حدثنا أحمد بن محمد المُّروذى, قال: سأَلتُ أحمد بن حنبل مالا أحصى عن أشياء, فيقول فيها: لا أدرى.

قال الخاقانى: وحدثنا ابن المُطَّوعى, قال: سمعتُ محمد بن عُبيد اليمامى, يقول: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: رُبما مكثتُ فى المسألة ثلاث سنين قبل أن أعتقد منها شَيئاً. أخبرنا عبد الحق, قال: أخبرنا محمد بن مرزوق, قال: أخبرنا أحمد بن بُخيت, قال: حدثنا عمر بن محمد الجَوْهرى, قال: حدثنا أبو بكر الأثرم, قال: سمعت أحمد بن حنبل يُستفتى, فيكثر أن يقول لا أدرى, وذلك فيما قد عرف الأقاويل فيه, وذلك أنه يُسأل عن اختياره فيذكر الاختلاف, ومعنى قوله: لا أدرى, أى: ما أختارُ من ذلك, وربما سمعته يقول فى المسألة: لا أدرى, ثم يَذكر فيها أقاويل. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أنبأنا على بن أحمد البُسرى, عن أبى عبد الله بن بَطة, قال أخبرنا أبو بكر الآجُرِّى, قال: أخبرنا محمد بن كُردى, قال: أخبرنا أبو بكر المُّروذى, قال: كُنتُ مع أبى عبد الله بالعسكر فى قصر إيناخ, فأشرتُ إلى شَىءٍ على الجِدار قد نُصِب, فقال لى: لا تَنظر إليه. قلت: فقد نظرتُ إليه. قال: فلا تفعل, لا تَنظر إليه.

الباب الخمسون فى ذكر إعراضه عن الولايات

الباب الخمسُون فى ذكر إعراضه عن الولايات أخبرنا محمد بن عبد الباقى, قال: أنبأنا محمد بن أبى نَصر, قال: أخبرنا أبو على إسماعيل بن أحمد بن الحُسين, قال: حدثنا أبى, قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ, قال: أخبرنى نَصر بن محمد بن أحمد, قال: أخبرنى محمد بن عَمرو الَبصرى, قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن عاصم, قال: أخبرنى أبو بَكر محمد بن يحيى - خادم المُزَنى - قال: (حدثنا أبو إبراهيم المُزَنى) قال: قال الشافعى: لما دخلتُ على هارون الرشيد قلتُ بعد المُخاطبة: إنى خَلَّفت اليَمن ضائعةً تحتاج إلى حاكم, فقال: انظر رَجلاً ممن يجلس إليكَ حتى نولّيه قَضاءَها, فلما رَجع الشافعى إلى مجلسه, ورأى أحمد بن حنبل من أَمثّلهم أَقبل عليه فَقال: إنى كلَّمتُ أميرَ المؤمنين أن يُلى قاضياً باليمن, وإنه أمرنى أن اختارَ رجلاً ممن يَختلف إلىَّ, وإنى قد اخترتُك, فتهيَّأ حتى أُدخلك على أمير المؤمنين يُوليك قضاء اليمن, فاقبل عليه أحمد وقال: إنما جئتُ إليكَ لأقتبسَ منكَ العلم, تَأمرنى أن أدخلَ لهم فى القضاءِ!! ووبَّخه, فاستحيا الشافعى.

قلتُ: وقد رُوي لنا أنَّ هذا كان في زمان الأمين. وأخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عُمر، قال: أَنبأَنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخَلال، قال: أخبرني محمد بن أبي هارون، قال: حدثنا أبو بكر الأثرم، قال: أخبرتُ أن الشافعي قال لأبي عبد الله: يا أبا عبد الله، إن أمير المؤمنين - يعني محمداً - سألني أن ألتمس له قاضياً لليمن، وأنت تحب الخُروج إلى عَبد الرزاق، فقد نِلتَ حاجتك؛ تقضي بالحق، وتنالُ من عبد الرزاق ما تُريد، فقال أبو عبد الله للشافعي: يا أبا عبد الله، إن سمعتُ منك هذا ثانية لم تَرني عندك. فظننتُ أنه كان لأبي عبد الله في ذلك الوقتِ ثلاثونَ - أو سبع وعِشرون - سَنة. أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا محمد ابن أحمد الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن العباس، قال: حدثنا الصَّندلي، قال: سمعتُ أَبا جعفر الترمذي، يقول: أخبرنا عبد الله بن محمد البلخي، أن الشافعي - رحمه الله - كان كبيراً عند محمد بن زبيدة، فذكر له محمد يوماً اغتمامه برجل كامل أمين يصلح للقضاءِ، صاحب سُنة، فقال: قد وجدت رجلاً من حاله كذا وكذا صاحب سُنة، كامل، فقيه، صاحب

حَديث, فقال: من هو هذا؟ فذكر أحمد بن حنبل؛ قال: فَلقيه أحمد وبلغه ما قال, فقال للشافعى: (أخمِل هذا) واعفِنى, وإِلا خَرجتُ من البلد فذهبت. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر, قال: أخبرنا على بن عبد العزيز, قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبى حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال: كتَب إلىَّ إسحاق بن راهويه: إنَّ الأمير عبد الله بن طاهر وَجَّه إلىَّ, فدخلتُ إليه وفى يدى كتاب أبى عبد الله, فقال: ما هذا الكتاب؟ فقلتُ: كتابُ أحمد بن حنبل, فأخذه وقرأه وقال: إنى أُحبه وأُحبُّ حَمزة بن الهَيضَم البُشَنْجى, لأنهما لم يختلطا بأمر السلطان. قال صالح: وأمسَك أبى عن مُكاتبة إسحاق بن راهوية لما أدخل كَتابه إلى عبد الله بن طاهر وقرأه. أخبرنا أبو منصور القزاز, قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب, قال أخبرنى محمد بن أحمد بن يعقوب, قال: أخبرنا محمد بن عبد الله النَّيْسابورى, قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ قال: سمعتُ إبراهيم بن أبى طالب, يقول: سمعتُ أحمد بن سَعيد الرِّباطى, يقول: قدمتُ على احمد بن حنبل؛ فجعلَ لا يرفعُ رأسَه إلىَّ,

فقلتُ: يا أبا عَبد الله, إنه يُكتب عنى بخُرسان, وإن عامَلتنى بهذه المعاملة رَمَوا حَديثى. فقال لى: يا أحمد, هل بُدٌّ يوم القِيامة أن يُقال: أينَ عبد الله ابن طاهر وأتباعه؟ فانظر أين تكون أنتَ منه.

الباب الحادي والخمسون فى ذكر حبه للفقر والفقراء

الباب الحادِي وَالخمسون فى ذكر حبه للفقر والفقراء أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عُمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جَعفر, قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخَلال, قال: أخبرنى محمد بن الحسين, أن أبا بكر المُّروذى حَدثهم, قال: كان أبو عبد الله يُحب الفُقراء, لم أَر الفَقير فى مجلس أحدٍ أعزَّ منه فى مجلسه. قال الخّلال: وأخبرنا أبو بكر المُّروذى, قال: قال لى أبو عبد الله - وذكر رجلاً فقيراً مَريضاً - فقال لى: اذهب إليه, وقل له: أى شىءٍ تَشتهى حتى نَعمل لك؟ ودفع إلىَّ طِيباً, وقال لى: طَيِّبه. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن على الخياط, قال: أنبأنا أبن أبى الفَوارس, قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سّلْم, قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق, قال: أخبرنا أبو بكر المُّروذى, قال: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: ما أعدِل بالفَقر شيئاً, ما أعدلُ بالفَقر شيئاً, أنا أفرح إذا لم يكن عندى شَىء.

وذكرتُ له رجلاً صبوراً على الفقر فى أطمارٍ, فكان يَسألنى عنه ويقول: اذهب حتى تأتينى بخبره, سُبحان الله, الصبر على الفَقر؛ الصبر على الفَقر, ما أعدِل بالصبر على الفَقر شيئاٍ, تَدرى الصبر على الفقر أى شىءٍ هو؟ وقال: كَم بينَ من يُعطى من الدنيا ليفْتَتِن؛ إلى آخر تَزْوى عنه. وذكرتُلأبى عبد الله, الفُضيلَ وعُرْيَه, وفَتحا الموصلى وعُرْيه وصَبره؛ فتغَرْغرت عينه, وقال: رَحِمهم الله, كانَ يُقال: عند ذكر الصالحين تَنزِل الرَّحمة. وقال لى أبو عبد الله يوماً: إنى لأفرحُ إذا لم يكن عندى شىء, فجاءَه ابنه الصغير بعَقب هذا الكلام فَطلب منه, فقال: ليسَ عند أبيك قِطعة, ولا عِندى شىء.

الباب الثانى والخمسون فى ذكر تواضعه

الباب الثانى والخمسُون فى ذكر تَواضُعه أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد, قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت, قال: أخبرنى محمد بن أَحمد بن يَعقوب, قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حَمْدُويَه, قال: قرأتُ بخَط أبى عَمرو المُسْتَملى, سمعتُ عبد الله بن بَشر الطّالْقانى, يقول: سمعتُ محمد بن طارق البغدادى, يقول: كنتُ جالسْاً إلى جَنب أحمد بن حنبل, فقلتُ: يا أبا عبد الله, أستمدُّ من مِحبرتك؟ فنظر إلىَّ وقال: لم يَبلغ وَرعى وورعك هذا. وتَبسَّم. أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن عبد الباقى, قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد, قال: حدثنا أحمد بن عَبد الله, قال: حدثنا سليمان بن أحمد, قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حَنبل, قال: سمعتُ عباس بن محمد الدُّورى, يقول: سمعتُ يَحيى بن مَعِين, يقول: ما رأيتُ مثل أحمد بن حنبل؛ صَحِبناه خَمسين سَنة ما افْتَخر علينا بشىءٍ مما كان فيه من الصَّلاح والخَير. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن

يوسف, قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكى, قال: أخبرنا على بن مَرْدَك قال: حدثنا أبو محمد بن أبى حاتم, قال: حدثنا صالح, قال: كان أبى ربما أخذ القَدومَ وخرج إلى دار السكّان يَعمل الشىءَ بيده, وربما خَرج إلى البَقّال فيَشترى الجُرْزَة من الحطب, والشىء فيحمله بيده. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار, قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن جَعفر الحريرى, قال: أخبرنا أبو عُمر بن حيّويه, قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المَرْوزى, قال: حدثنا العباس بن محمد الدُّروى, قال: حدثنا عارِم بن الفَضل, قال: كان أحمد بن حنبل هاهنا عِندنا بالبَصرة فجاءنى بمعضدة له - أو قال: صرة فيها دراهم - فكان كلّ قليل يَجئُ فيأخذ منها, فقلت له: يا أبا عبد الله بَلغنى أنك رجلٌ من العرب, فمِن أىّ العرب أنتَ؟ فقال لى: يا أبا النُّعمان, نحنُ قوم مَساكين. فكانَ كلّما جاءَ أعدتُ عليه فيقول لى هذا الكلام؛ ولا يُخبرنى حتى خَرج من البصرة. قال الخلال: وأخبرنى إسماعيل بن إسحاق الثقفى, قال: قلتُ لأبى عبد الله أول ما رَأيتُه, يا أبا عبد الله, ائذَن لى أُقَبل رأسك؛ فقال: لم أبلغ أنا ذلك. قال الخلال: وأخبرنى أبو بكر المُّروذى, قال: قلتُ لأبى عبد الله: الرجل

يُقال له فى وجهه: أحيَيْت السُّنَّة؟ قال: هذا فسادٌ لقلب الرجل. قال الخلال: وأخبرنى مُحمد بن موسى بن أبى موسى, قال: رأيتُ أبا عبد الله وقد قال له خُراسانى: الحمدُلله الذى رأيْتُك. فقال له: اقعد, أى شىءٍ ذا؟ مَن أنا؟ قال الخلال: وأخبرنى أحمد بن الحُسين بن حَسان, قال: دخلنا على أبى عبد الله, فقال له شيخ من أهل خُراسان: يا أبا عبد الله, الله الله! فإن الناسَ يحتاجون إليك, قد ذَهب الناس, فإن كان الحديث لا يُمكن فمَسائل, فإن الناس مُضطرون إليكَ. فقال أبو عبد الله: إلىَّ أنا؟ واغتمَّ من قَوله وتنفَّس صُعداء, فرأيتُ فى وَجهه أثر الغَمّ. وقيل لأبى عبد الله: جزاك الله عن الإسلام خيرًا, فقال: لا, بل جزى الله الإسلامَ عنى خَيرًا. ثم قال: ومَن أنا؟ وما أنا؟ ودُفع إلى أبى عبد الله كتابٌ من رَجل يسأله أن يَدعو الله له, فقال: فإذا دعّونا لهذا؛ نحن مَن يدعو لنا؟ قال الخلال: وأخبرنى محمد بن أحمد بن واصل, قال: سمعتُ أبا عبد الله غير مرة يقول: مَن أنا حتى تَجيئون إلىَّ؟ من أنا حتى تجيئوا إلىَّ؟ اذهبوا اطلبوا الحَديث. قال الخلال: وأخبرنا على بن عبد الصمد الطَّيالسى, قال: مَسحتُ يدى على أحمد بن حنبل؛ ثم مسحتُ يدى على بَدنى وهو ينظر, فغضب غضبًا

شديدًا؛ وجعل يَنفُض يَده, ويقول: عَمَّن أخذتم هذا؟ وأنكره إنكارا شديدًا. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا على بن عُمر القَزوينى, قال: أخبرنا محمد بن العباس بن حَيّويه, قال: حَدثنا جعفر بن محمد الصَّنْدلى, قال: أخبرنى خَطّاب بن بِشر, قال: قال أبو عثمان الشافعى لأبى عبد الله أحمد بن حنبل: لا يزالُ الناس بخير ما منَّ الله عليهم ببقائك, وكلام من هذا النحو كثير. فقال: لا تَقُل هذا يا أبا عثمان؛ لا تَقُل هذا يا أبا عثمان, ومَن أنا فى الناس؟ قال خَطّاب: وسألتُه عن شىءٍ من الوَرع, فرأيتُه قد أظهر الاغتمام, وتَبين عليه فى وجهه, إزراءٌ على نفسه, واغتمامًا بأمره, حتى شَقَّ علىَّ, فقلت لرجل كان مَعى حين خرجنا: ما أراه يَنتفع بنَفسه أيامًا, جددنا عليه غمًا. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, والمبارك بن عبد الجبار, قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن على الخَياط, قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن أبى الفَوارس, قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سَلْم, قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق, قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد المُّروذى قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - وذكر أخلاق الوَرعين - فقال: أسأل الله أن لا يَمقُتنا, أينَ نحنُ مِن هؤلاءِ؟ وقلت لأبى عبد الله: ما أكثر الداعينَ لك؟ فتَغرغَرت عينه, وقال: أخافُ

أن يكون هذا استدراجًا, أسأل الله أن يَجعلنا خيرًا مما يظّنون, ويَغفر لنا ما لا يعلمون. قلت لأبى عبد الله: إن بعضّ المحدثين قال لى: أبو عبد الله لم يَزْهد فى الدراهم وَحدها؛ قد زَهِد فى الناس, فقال أبو عبد الله: ومَن أنا حتى أزهد فى الناس؟ الناسُ يريدون يَزهدون فىَّ. أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصارى, قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السَّمرْقَندى, قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت, قال: أخبرنا على بن أحمد ابن عمر المُقرىء, قال: أخبرنا إسماعيل بن على الخُطَبِى, قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: رأيت أبى إذا جاءَه الشيخُ والحَدث من قُريش, أو غيرهم من الأَشراف, لا يَخرج من باب المسجد حتى يُخرجَهم, فيكونوا هم يَتقدمونَه, ثم يَخْرج بَعدهم. وقد روى احمد بن على الأبار, قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل - وسأله رجل - حَلفتُ بيمين ما أدرى أىّ شىءٍ هى؟ فقال: ليتَ انك إذا دَريتَ دريتُ أنا.

الباب الثالث والخمسون فى إجابته الدعوة وخروجه لرؤية المنكر

الباب الثالث وَالخمسون فى إجابته الدَّعوة وخُروجه لرؤية المنكر أخبرنا محمد بن ناصر , قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا إبراهيم بن عُمر البَرْمَكى, قال: أخبرنا أبو عبد الله بن بَطَّة, قال: حدثنا محمد بن أيوب, قال: حدثنا إبراهيم الحَربى, قال: كان أحمد بن حَنبل يأتى العُرس, والإملاك, والخَتان يُجيب ويأكل. أخبرنا ابن ناصر, قال: أنبأنا أبو على الحسن بن أحمد, قال: أخبرنا أبو الفَتح بن أبى الفَوارس, قال: أخبرنا عثمان بن أحمد, قال: حدثنا أبو شُعيب صالح بن عِمْران الدَّعّاء, قال: دَعا رجلٌ أحمد بن حنبل, فقال له: ترى أن تُعفينى بعدَ الإجابة؟ فقال: لا, فذهبَ الرجل, فأقعدَ مع أحمد من لم يَشْتَهِ أحمدُ أن يقعد معه, فقال أحمد عند ذلك: رَحم الله ابنَ سيرين, فإنه قال: لا تُكرم أخاك بما يشُقُّ عليه, ولكن أخى هذا أكرمنى بما يشقّ علىَّ.

أخبرنا إسماعيل بن أحمد بن أبي القاسم, قالا: أخبرنا حمد بن أحمد, قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا محمد بن إسماعيل, قال: حدثنا صالح بن أحمد, قال: كان رجلٌ يختلفُ إلى عفان, يقال له: أحمد بن الحكم العطار, فختن بعض ولده, فدعا يحيى, وأبا خثيمة وجماعةً من أصحاب الحديث, وطلب إلى أبي يحضر, فمضوا, ومضى أبي بعدهم وأنا معه, فلما دخل أجلس في بيت, ومعه جماعة من أصحاب الحديث فقال له رجل: يا أبا عبد الله, هاهنا آنية من فضّة, فالتفت فإذا كُرسي, فقام فخرج, وتبعه من كان في البيت, وأخبر الرجل فخرج فلحق أبي, وحلف أنه ما علم بذلك ولا أمر به, وجعل يطلب إليه فأبى, وجاء عفّان, فقال له الرجل: يا أبا عثمان, اطلب إلى أبي عبد الله يرجع؛ فكلّمه عفّان فأبى أن يرجع, ونزل بالرجل أمرٌ عظيم. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا الحسين بن عبد الجبار, قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحريري, قال: أخبرنا أبو عمر بن حيّويه, أن أبا مُزاحم الخاقاني, أخبرهم, قال: حدثني أبو بكر بن مكرم الصفّار, قال: حدثني علي بن أبي صالح السّواق, قال: كنا في وليمة باب المقير قال: فجاء أحمد بن حنبل. فلما دخل نظر إلى كُرسي في الدار عليه فضة, فخرج, فلحقه صاحب المنزل, فنفض يده في وجهه, وقال: زيُّ المجوس, زيُّ المجوس, وخرج.

الباب الرابع والخمسون في ذكر إيثاره العزلة والوحدة

الباب الرابع والخمسون في ذكر إيثاره العزلة والوحدة أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن أبي القاسم, قالا: أخبرنا حمد بن أحمد, قال: حدثنا أبو نعيم الحافظ, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن عُمر, قال: حدثنا عيد الله بن أحمد بن حنبل قال: كان أبي أصبر الناس على الوحدة, وبشر رحمه الله فيما كان فيه لم يكن يصبر على الوحدة, فكان يخرج إلى ذا ساعةً, وإلى ذا ساعةً. قال أبو نعيم: وحدثنا سُليمان بن أحمد, قال: قال عبد الله: لم ير أحدٌ أبي إلا في مسجد, أو حضور جنازة, أو عيادة مريض, وكان يكره المشي في الأسواق. أخبرنا ابن ناصر, قال أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه, قال: أخبرنا أبو القاسم الأزهري, قال: أخبرنا القطيعي, قال: حدثنا عبد الله بن أحمد, قال: كان أبي أصبر الناس على الوحدة, لم ير أحدٌ إلا في مسجد, أو حضور جنازة, أو عيادة مريض, وكان يكره المشي في الأسواق.

أخبرنا محمد بن عبد الباقي, قال: أنبأنا محمد بن أبي نصر, قال: أخبرنا أبو علي إسماعيل بن أحمد بن الحُسين, قال: أخبرنا أبي, قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ, قال سمعت أبا الطيب محمد بن أحمد الذُهلي قال: سمعت أبا العباس محمد بن إسحاق, يقول: سمعت فتح بن نوح, يقول: سمعت أحمد بن حنبل, يقول: أشتهي ما لا يكون, أشتهي مكانًا لا يكون فيه أحدٌ من الناس. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عُمر البرمكي, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخلّال, قال: أخبرنا أبو بكر المرّوذي قال: قال لي أبو عبد الله: ما أبالي أن لا يراني أحدٌ ولا أراه, وإن كنتُ لأشتهي أن أرى عبد الوهاب. قال الخلّال: وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني, قال: قال ابن حنبل: رأيت الخلوة أروح لقلبي. قال الخلّال: وأخبرني عبد الرحمن بن داود الفارسي, أن الفضل بن عبد الصمد الأصبهاني حدّثهم, قال: حضرتُ باب أبي عبد الله, فاستأذنت عليه, فجاء ابنه عبد الله فدخل, فقال له رجل: تُعلم أبا عبد الله أن فلانًا

مات وجنازته تُحمل بعد العصر؟ فأخبره عبد الله, ثم خرج فقال الرجل: أخبرته وترحَّم عليه ودعا له, إنه يكره أن يعلم الناس بخروجه فيكثروا عليه. قال الخلّال: وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد المُسيّبي, قال: قلت لأبي عبد الله: إني أحب أن آتيك فأسلم عليك, ولكني أخاف أن تكره الرجل, فقال: إنا لنكره ذلك. قال الخلّال: وأخبرنا أبو بكر المرُّوذي, قال: ذكرت لأبي عبد الله عبد الوهاب على أن يلتقيا, فقال: أليس قد كره بعضهم اللقاء؟ وقال: يَتزيّن لي وأتزين له, كفى بالعزلة علمًا, والفقيه هو الذي يخاف الله. وسمعت أبا عبد الله يقول: أريدُ النزول بمكة, أُلقي نفسي في شعبٍ من تلك الشعاب حتى لا أُعرَف.

الباب الخامس والخمسون في ذكر إيثاره خمول الذكر واجتهاده في ستر الحال

الباب الخامس والخمسون في ذكر إيثاره خُمول الذّكر واجتهاده في ستر الحال أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي, قال: أخبرنا علي بن مردك, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري, قال: حدثني عُبيد القارئ, قال: دخل عَمُّ أحمد بن حنبل على أحمد بن حنبل ويده تحت خده, فقال له: با ابن أخي, أيّ شيءٍ هذا الغم؟ أيّ شيءٍ هذا الحزن؟ فرفع أحمد رأسه, فقال: يا عم, طُوبى لمن أخمل الله عزّ وجلّ ذِكره. قال ابن أبي حاتم, وسمعت أبي, يقول: كان أحمد بن حنبل إذا رأيته تعلم أنه لا يُظهر النسك, رأيت عليه نعلًا لا يشبه نعل القرّاء, له رأسٌ كبير مُعقفٌ, وشراكه مُسبل, كأنه اشترى له من السوق, ورأيتُ عليه إزارًا, وجُبة بُردٍ مُخطّطة أسمان جون, قال عبد الرحمن: أراد بهذا - والله أعلم - ترك التزّيي بزِيّ القرّاء, وإزالته عن نفسه ما يشتهر به.

أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أبو بكر الخلّال, قال: قال أبو بكر المروذي: قال لي أبو عبد الله: قل لعبد الوهاب أخمل ذكرك, فإني أنا قد بليت بالشهرة. وسمعته يقول: والله لو وجدت السبيل إلى الخروج لم أقم في هذه المدينة, ولخرجت منها, حتى لا أذكر عند هؤلاء, ولا يَذكروني. قال الخلّال: وأخبرنا محمد بن العباس بن إبراهيم, قال: حدثنا الحسن بن عبد الوهاب, قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن يونس, قال: رأيت أحمد ابن حنبل وقد صَلّى الغَداة, فدخل منزله, وقال: لا تتبعوني مرةً أخرى. قال الخلّال: وأخبرني محمد بن الحسن بن هارون, قال: رأيت أبا عبد الله إذا مَشى في الطريق يَكره أن يتبعه أحد. أخبرنا ابن ناصر, قال: أنبأنا الحسن بن أحمد, قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المقرئ, قال: أخبرنا الخُطبي, قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد, قال: كان أبي إذا خرج في يوم الجمعة لا يدع أحدًا يتبعه, وربما وَقف حتى ينصرف الذي يتبعه. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر, قال: أنبأنا عُبيد الله بن أحمد بن عثمان, قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد بن عثمان, قال: حدثنا عبيد الله بن عثمان, قال: حدثنا علي بن محمد المصري, قال: أخبرني أبو يعقوب إسحاق ابن إبراهيم قال: رأيتُ أحمد بن حنبل يمشي وحده متواضعًا.

الباب السادس والخمسون في ذكر خوفه من الله عز وجل

الباب السادس والخمسون في ذكر خوفه من الله عز وجلّ أخبرنا إسماعيل بن أحمد السَّمرقندي, ومحمد بن عبد الباقي, قالا: أخبرنا حمد بن أحمد, قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله, قال: حدثنا محمد ابن جعفر, قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد, قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل, قال: كان أبي إذا دعا له رجل, يقول: الأعمال بخواتيمها. وكنت أسمعه كثيرًا يقول: اللهم سلّم سلّم. وحدثني, قال: حدثنا يونس بن محمد, قال: حدثنا حمّاد بن زيد, قال: زعم يحيى بن سعيد, أن سعيد بن المسيّب كان يقول: اللهمّ سَلّم سلّم. وحدثني أيضَا, قال: حدثنا زيد بن الحُباب, قال: حدثني عيّاش بن عُقبة, قال: بَلغني أن عُمر بن عبد العزيز كان يُكثر أن يقول: اللهم سَلّم سلّم. أخبرنا إسماعيل, ومحمد, قالا: أخبرنا حمْد بن أحمد, قال: حدثنا أبو نُعيم قال: حدثنا أَبي, قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عُمر, قال: حدثنا

عبدُ الله بن أحمد بن حنبل, قال: سمعتُ أبي يقول: وَددت أني نجوتُ من هذا الأمر كَفافًا لا عليّ ولا لي. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخَلّال, قال: حدثنا محمد بن الحسين, أن أبا بكر المروذي حدّثهم, قال: أدخلت إبراهيم الحُصري على أبي عبد الله - وكان رَجلًا صالحًا - فقال: إن أمي رأتْ لك كذا وكذا, وذكرت الجنة, فقال: يا أخي, إن سَهل بن سَلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا, وخرج سَهل إلى سَفك الدماءِ, وقال: الرؤيا تَسُرُّ المؤمن ولا تغرّه. قال المروذي: وسمعت محمد بن حازم يقول: كنتُ عند أبي عبد الله, فأتاه رجل شيخ, فقال: يا أبا عبد الله, مررت بقومٍ فذكروك, فقالوا: أحمدُ ابن حنبل من خير الناس. فما اكترثَ لذلك. قال المروذي: وسمعت أبا عبد الله يقول: الخوفُ يمنعني من أكل الطعام والشراب فما أشتَهيه. قال المروذي: وأراد أبو عبد الله أن يبول في مرضه الذي ماتَ فيه, فدعا

بطَسْتٍ فجئتُ به, فبالَ دمًا عَبيطًا, فأريتُه عبد الرحمن المتطبّب, فقال: هذا رجلٌ قد فَتَّتَ الغمُّ - أو قال: الحزن - جَوفه. وبلغنا عن أبي بكر المرُّوذي, قال: دخلتُ على أحمد يومًا, فقلتُ: كيف أصبحت؟ فقال: كيف أصبح من رَبه يُطالبه بأداء الفرض, ونبيه يطالبه بأداء السنة, والملكان يُطالبانه بتصحيح العمل؛ ونفسه تُطالبه بهواها, وإبليس يُطالبه بالفحشاء, وملك الموتِ يُطالبه بقبض روحه, وعياله يطالبونه بالنَّفقة؟

الباب السابع والخمسون في ذكر غلبة الفكر والهم على قلبه

الباب السابع والخمسون في ذكر غلبة الفكر والهم على قلبه أخبرنا محمد بن أبي منصور أخبرنا عبد القادر بن محمد قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلّال, قال: حدثنا أبو بكر المروذي, قال: دخلتُ موضعًا وأبو عبد الله مُتوكئ علي يدي, فاستقبلنا امرأة بيدها طُنبور مكشوف, فتناولته منها, فكسرته, وجعلت أدوسه, وأبو عبد الله واقفٌ مُنكس الرأس إلى الأرض؛ فلم يقُل شيئًا؛ وانتشر أمر الطُّنبور, فقال أبو عبد الله: ما علمت بهذا, ولا علمتُ أنك كسرت طُنبورًا بحضرتي إلى الساعة.

الباب الثامن والخمسون في ذكر تعبده

الباب الثامن والخمسون في ذكر تعبده أخبرنا المحمدان: ابن عبد الملك, وابن ناصر, قالا: أخبرنا أحمد بن الحسن المعدّل, قال: أنبانا ابن شاذان, قال: أخبرنا ابن علم, قال: سمعتُ صالح بن أحمد, يقول: كان أبي لا يدع أحدًا يستقي له الماء لوضوئه إلا هو, وكان إذا خَرجت الدّلو ملأى, قال: الحمدُ لله. قلت: يا أبة, أيّ شيءٍ الفائدة في هذا؟ فقال: يا بُني, أما سمعت الله عز وجلّ يقول: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَاتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ). أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن عبد الباقي, قالا: أخبرنا حمد, قال: حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله, قال: حدثنا سُليمان بن أحمد, قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: كان أبي يُصلي في كلّ يوم وليلة ثلاث مئة رَكعة, فلما مَرض من تلك الأسواط أضعفته, فكان يُصلي كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة, وقد كان قُرب من الثمانين, وكان يقرأ في كلّ يوم سُبْعًا؛ يَختم في كل سبعة أيام, وكانت له ختمة في كلّ سبعَ ليالٍ سوى صلاة النهار, وكان ساعَة يصلي عشاء الآخرة ينام نومةً خفيفةً, ثم يقوم إلى الصباح يُصلي ويدعو.

أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد, قال: حدثنا أبو القاسم الأزهري, قال: حدثنا علي بن عُمر الدّارقُطني, قال: حدثنا أبو بكر النيسابوري, قال: حدثنا عبد الملك الميموني, قال: قال لي القاضي محمد بن محمد بن إدريس الشافعي: قال لي أحمد بن حنبل: أبوك أحد الستّة الذين أَدعو لهم سَحَرًا. أخبرنا محمد بن أبي القاسم, قال: أخبرنا حَمد بن أحمد, قال: حدثنا أبو نُعيم الحافظ, قال: حدثنا عثمان بن محمد, قال: حدثنا أبو الحسين مُحمد ابن عبد الله الرازي, قال: حدثني يوسف بن الحُسين, قال: سألني أحمد ابن حنبل عن شيوخ الرّي, وقال: أيّ شيءٍ خبرُ أبي زرعة حفظه الله؟ فقلت: خَير, فقال: خمسة أدعو لهم في دُبُر كل صلاة, أبواي, والشافعي, وأبو زرعة, وآخر ذَهب عني اسمه. أخبرنا ابن ناصر, قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه, قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد, قال: حدثنا يوسف بن عمر, قال: حدثنا أحمد بن جعفر, قال: حدثنا أبو محمد بن يونس بن عبد السميع, قال: سمعتُ هِلال ابن العلاء, يقول: خَرج الشافعي ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل إلى مكة؛ فلما أن صاروا بمكة نزلوا في موضع, فأما الشافعي, فإنه استلقى, ويحيى بن مَعين أيضًا استلقى, وأحمد بن حنبل قائم يُصلي, فلما أصبحوا قال

الشافعي: لقد عملتُ للمسلمين مئتي مسألة. وقيل ليحيى بن معين: أي شيءٍ عملت؟ قال: نَفيتُ عن النبي صلى الله عليه وسلم مِئتي كذاب. وقيل لأحمد بن حنبل: فأنت؟ قال: صليتُ ركعات ختمتُ فيها القُرآن. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا عبد الملك بن محمد البزوغائي, قال: أخبرنا علي بن عمر القزويني, قال: حدثنا يوسف بن عمر القوّاس, قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن القاسم, ابن بنت كَعب, قال: حدثنا جعفر بن أبي هاشم, قال: سمعتُ أحمد بن حنبل, يقول: ختمت القرآن في يوم؛ فعددت موضع الصبر؛ فإذا هو نيفٌ وتسعون. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف, قال: أخبرنا إبراهيم بن عُمر البرمكي, قال: حدثنا علي بن عبد العزيز بن مردك, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم, قال: حدثنا صالح, قال: كانت لأبي قلنسوة قد خاطها بيده فيها قُطن؛ فإذا قام من الليل لبسها, وكنت أسمع أبي كثيرًا يتلو سورة الكهف. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا أبو سعد محمد بن أحمد الأصبهاني, قال: وجدتُ بخط أبي بكر محمد بن عبيد الله, حدثنا محمد بن القاسم بن حسنويه, قال: قُرئ على أبي الحسن علي بن عُمر بن عبد العزيز, وأنا حاضر أسمع: حدثكم أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عمر البَزّاز, قال: حدثنا أحمد بن كثير, قال: حدثنا أبو بكر بن أبي عبد الله, قال: حدثنا إبراهيم بن هانئ - وكان أبو عبد الله حيث تَوارى من السلطان توارى

عنده - فَحَكى أنه لم يرَ أحدًا أقوى على الزهد, والعبادة, وجهد النفس, من أبي عبد الله أحمد بن حنبل, قال: كان يصوم النهار ويُعجل الإفطار, ثم يصلي بعدد العشاءِ الآخرة رَكعات, ثم ينام نومةً خفيفةً ثم يقوم فيتطهر ولا يزال يُصلي حتى يطلع الفجر, ثم يوتر بركعة. فكان هذا دأبه طول مقامه عندي, ما رأيته فَتَرَ ليلةً واحدة, وكنت لا أقوى معه على العبادة, وما رأيته مفطرًا إلا يومًا واحدًا أفطر واحتجم. أخبرنا محمد بن أب منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا أبو إسحاق البَرمكي, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلّال, قال: حدثنا محمد بن علي, قال: حدثنا العباس بن أبي طالب, قال: سمعتُ إبراهيم بن شماس, قال: كنتُ أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام, وهو يُحيى اللّيل. قال الخلّال: وأخبرنا عبد الله بن أحمد, قال: رأيتُ أبي لما كبر وأسنَّ اجتهد في قراءة القرآن, وكثرة الصلاة بين الظهر والعصر, فإذا دخلتُ عليه انفتل من الصلاة, وربما تكلّم وربما سَكت, فإذا رأيتُ ذلك خرجتُ, فيعود لصلاته, ورأيته وهو مُختفٍ أَكثر يقرأ القرآن. قال الخلّال: وأخبرني أبو النّضر إسماعيل بن عبد الله العِجلي, قال: أتيتُ أبا عبد الله آخر ما رأيته, فخرج فقعد في دهليز, فقلتُ: يا أبا عبد الله, كنتُ أراك تقف عن أشياء في الفقه بانَ لك فيها قولٌ؟ فقال: يا أبا النّضر, هذا زمان مُبادرة, هذا زمان عَمَل, وأخذ في نَحو هذا من الكلام إلى أن قُمنا.

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك, قال: أخبرنا عاصم بن الحسن, قال: حدثنا أبو عُمر بن مهدي, قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقّاق, قال: حدثنا جَعفر بن أحمد المؤدّب, قال: رأيتُ بشر بن الحارث يُصلي بعدد الجمعة أربعًا, لا يفصل بينهنَّ بسلامٍ, ورأيتُ أحمد بن حنبل يُصلي بعدَ الجمعة ستّ ركعات, ويفصل في كل ركعتين. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت, قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد, قال: حدثنا عُمر بن محمد بن علي الناقد, قال: حدثنا الحسن بن إبراهيم بن تَوبة الخلّال, قال: سمعتُ أبا بكر بن عَنبر الخُراساني, قال: تبعتُ أحمد بن حنبل يوم الجمعة إلى مسجدِ الجامع, فقامَ عند قُبة الشعراء يَركع, وكان يتطوع ركعتين ركعتين, فمرَّ بين يديه سائلٌ فمنعه منعًا شديدًا, فأراد السائل أن يمر بين يديه فقُمنا إلى السائل فَنَحيناه. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا إبراهيم ابن عُمر البرمكي, قال: أخبرنا ابن بَطّة, قال: حدثنا عمر بن محمد بن رجاء, قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل, يقول: لما قَدم أبو زوعة نزل عند أبي, فكان كثير المذاكرة له, فسمعتُ أبي يومًا يقول: ما صلّيتُ اليوم غير الفرض, استأثرت بمذاكرة أبي زوعة على نوافلي.

وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: خرجتُ مع أبي عبد الله إلى الجامع, فسمعته يَقرأ سورة الكهف,

الباب التاسع والخمسون في ذكر عدد حجاته

الباب التاسع والخمسون في ذكر عدد حجاته أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن أبي القاسم, قالا: أخبرنا حَمد بن أحمد, قال: حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله, قال: حدثنا سليمان بن أحمد, قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, قال: حجّ أبي خمس حَجات؛ ثلاث حِجج ماشيًا, اثنتين راكبًا, وأنفق في بعض حجاته عشرين درهمًا. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف, قال: أخبرنا أبو إسحاق بن عُمر البرمكي. وأخبرنا عبد الله بن علي المُقرئ, قال: أخبرنا عبد الملك بن أحمد السيوري, قال: حدثنا عبد العزيز بن علي بن الفضل, قالا: حدثنا علي بن عبد العزيز بن مردك, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل, قال: سمعتُ أبي, يقول: حَججت خَمس حِجَج منها ثلاث راجلًا, أنفقت في إحدى هذه الحِجج ثلاثين درهمًا. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط, قال: أخبرنا محمد بن أبي الفوارس, قال: أخبرنا

أحمد بن جعفر بن سَلْم, قال: أخبرنا أَحمد بن محمد بن عبد الخالق, قال: حدثنا أبو بكر المُّروذي, قال: قال لي أبو عبد الله: قد كفى بعض الناس من مكة إلى هاهنا أربعة عشر درهمًا. قلت: من يا أبا عبد الله؟ قال: أنا. أنبأنا يحيى بن الحسن, قال: أنبأنا القاضي أبو يَعلى محمد بن الحسين, قال: نقلتُ من خط أبي إسحاق بن شاقلا, أخبرني أبو حفص عُمر بن علي ابن جعفر الرزّاز - جارنا - قال: سمعتُ أبا جعفر محمد بن المولى, يقول: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل, يقول: كان في دِهْليزنا دُكان, وكان إذا جاءنا إنسان يريد أبي أن يخلو معه أجلسه على الدكان, وإذا لم يُرد أن يخلو معه أخذ بعضَادتي الباب وكلّمه, فلما كان ذات يوم جاءنا إنسان, فقال لي: قُل له: أبو إبراهيم السائح [فخرج إليه أبي] , فجلسا على الدكان, فقال لي أبي: سَلّم عليه فإنه من كبار المسلمين - أو من خيار المسلمين - فسلمت عليه, فقال له أبي: حدثني يا أبا إبراهيم, فقال: خرجتُ إلى الموضع الفُلاني بقُرب الدّير الفُلاني, فأصابتني عِلّة منعتني من الحركة, فقلتُ في نفسي: لو كنتُ بقرب الدّير لعل من فيه من الرُّهبان يُداويني, فإذا أنا بسَبع عَظيم يقصد نحوي, حتى جاءني, فاحتملني على ظهره حَملًا رفيقًا, حتى

ألقاني عند الدَّير, فنظر الرهبان إلى حالي مع السبع, فأسلموا كلُهم, وهم أربع مئة راهب, ثم قال أبو إبراهيم لأبي: حدّثني يا أبا عبد الله, فقال له: إني كنتُ قبل الحج بخَمس ليال - أو أربع ليال - فبينما أنا نائم, إذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم, فقال لي: يا أحمد, حُجّ, فانتبهتُ, وكان من شأني إذا أردتُ سفرًا جعلتُ في مِزْوَدٍ لي فتيتًا, ففعلت ذلك, فلما أصبحتُ قصدت نحو الكوفة, فلما تَقضّى بعض النهار, إذا أنا بالكوفة, فدخلتُ مسجد الجامع, فإذا أنا بشاب حَسن الوجه, طيب الريح, فقلتُ: سلامٌ عليكم, ثم كبَّرت أُصلي, فلما فَرغتُ من صَلاتي قلت له: رحمك الله. هل بَقي أَحدٌ يخرج إلى الحج؟ فقال: انتظر حتى يَجيئ أخ من إخواننا, فإذا أنا برجل في مثل حالي, فلم نَزل نسير, فقال له الذي معي: رحمك الله, إن رأيت أَن ترفق بنا؟ فقال له الشاب: إن كان معنا أحمد بن حنبل فسوف يُرفق بنا, قال أبو عبد الله: فَوقع في نفسي أنه الخَضر, فقلت للذي معي: هل لكَ في الطعام؟ فقال لي: كُل مما تَعرف, وآكل مما أعرف. وإذا أصبنا من الطعام غابَ الشاب من بين أيدينا, ثم يَرجع بعد فَراغنا, فلما كان بعد ثلاث إذا نحن بمكة.

...................................................................................................

الباب الستون في ذكر دعائه ومناجاته

الباب الستون في ذكر دعائه ومُناجاته أخبرنا المحمدان: ابن ناصر, وابن عبد الباقي, قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد, قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ, قال: حدثنا أبو علي عيسى بن محمد الجُريجي, قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, قال: كنتُ أسمع أبي كثيرًا يقول في دبر صلاته: اللهمَّ كما صنتَ وجهي عن السجود لغيرك, فصن وَجهي عن المسألة لغيرك. فقلتُ له: أسمعك تُكثر من هذا الدعاء, فعندك فيه أثر؟ قال: فقال لي: نَعم, كنتُ أسمع وَكيع بن الجراح كثيرًا يقول هذا في سُجوده, فسألته كما سألتني, فقال: كنتُ أسمع سفيان الثوري, يقول هذا كثيرًا في سجوده, فسألته, فقال: كنتُ أسمع منصور بن المُعتمِر يقوله. أخبرنا عبد الحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت, قال: أخبرني الأزهري, قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان, قال: حدثنا أبو عيسى عبد الرحمن بن زاذان الرزّاز, قال: صلّينا وأبو عبد الله أحمد بن حنبل حاضرٌ, فسمعته يقول: اللهمَّ من كان على هوًى أو على رأيٍ وهو يَظنُّ

أنه على الحقّ, وهو ليس على الحق, فرده إلى الحق, حتى لا يضلّ من هذه الأمة أحد, اللهمَّ لا تشغل قلوبنا بما تكفّلت لنا به, ولا تجعلنا في رزقك خوَلًا لغيرك, ولا تمنعنا خيرَ ما عندك بشرٍّ ما عندنا, ولا ترانا حيثُ نهيتنا, ولا تفقدنا من حيُ أمرتنا, أعزّنا ولا تُذلنا, أعزنا بالطاعة ولا تُذلنا بالمعاصي. وجاء إليه رجل فقال له شيئًا لم أفهمه, فقال له: اصبر فإن النَّصر مع الصبر. ثم قال: سمعتُ عَفّان بن مُسلم يقول: أخبرنا هَمام, عن ثابت, عن أنس, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "النّصر مع الصبر, والفرج مع الكرب, وإن مع العسر يسرًا, إن مع العسرِ يسرًا". أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك, قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار,

قال: أخبرنا إبراهيم بن عُمر البرمكي, قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الورّاق, قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق البَغوي, قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن يَعقوب الصفَّار, قال: كُنا عند أبي عبد الله أحمد بن حَنبل, فقلتُ: ادع الله لنا, فقال: اللهمَّ إنك تعلم أنا نعلم أنك لنا على أكثر مما نحبُّ, فاجعلنا لكَ على ما تحب. قال: ثم سكتَ ساعةً, فقيل: يا أبا عبد الله, زدنا. فقال: اللهمَّ إنا نسألك بالقدرة التي قُلت للسماوات والأرض: (اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) , اللهمَّ وفقنا لمرضاتكَ, اللهمَّ إنا نعوذ بك من الفقر إلّا إليك, ونعوذ بك من الذلّ إلا لك, اللهم لا تُكثر علينا فنطغى, ولا تُقلل علينا فننسى؛ وهب لنا من رحمتك وسعة من رزقك ما يكون بَلاغًا لنا, وغنى من فضلك. أنبأنا علي بن عبيد الله, قال: أنبأنا علي بن أحمد البُندار, عن أبي عبد الله بن بَطّة, قال: حدثنا أبو صالح محمد بن أحمد بن ثابت, قال: حدثني أبو نصر عِصمة بن أبي عِصمة, قال: سمعتُ سِندي الخواتيمي, يقول: خلتُ على أحمد بعد أن ضُرب وقد أُخرج من دار الخليفة, فرأيته مكبوبًا على وجهه في منزله وهو يدعو, فسمعته, يقول: يا شاكر ما يُصنع, اصنَع بي ما تَشكرني عليه.

وبلغني عن المروذي أنه قال: اجتمع جَماعة إلى أحمد, فقالوا ادعُ, فقال: اللهمَّ لا تطالبنا بوفاء الشكر فيما أنعمت به علينا. وبلغني عن محمد بن يعقوب الصفّار, قال: كان أحمد يدعو في دُبُر كل صلاة: اللهمَّ إني أسألك موجبات رحمتك, وعزائم مغفرتك, والغنيمة من كُل برٍّ, والسلامة من كُل إثمٍ, والفوز بالجنة, والنجاة من النار, ولا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته, ولا همًّا إلا فرجته, ولا حاجةً إلا قضيتها. أخبرنا محمد بن أبي منصور, قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد, قال: أخبرنا هلال بن محمد الحفّار, قال: حدثني أبو عمرو عثمان بن أحمد السمّاك, قال: حدثني أبو أحمد القزويني, قال: سمعتُ القاسم بن الحسين الورّاق, يقول: أراد رجلٌ الخروج إلى طَرسوس, فقال لأحمد: زوّدني دَعوةً فإني أريد الخروج, فقال له: قل: يا دليل الحَيارى, دُلني على طريق الصادقين, واجعلني من عبادك الصالحين. قال: فخرج الرجل, فأصابته شدة وانقطع عن أَصحابه, فدعا بهذا الدعاءِ فلحق أَصحابه, فجاء إلى أحمد

فأخبره بذلك, فقال له أحمد: اكتُمها علي. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد, قال: أخبرنا أحمد بن علي الأصبهاني, قال: حدثنا أبو بكر محمد ابن إبراهيم بن يعقوب البُخاري, قال: حدثنا أبو النّضر محمد بن إسحاق الرّشادي, قال: سمعتُ سعد بن مسعدة, يقول: سمعتُ طَلحة بن عُبيد الله البغدادي - وكان يسكن مصر - يقول: وافق رُكوبي أحمد بن حنبل في السفينة, فكان يُطيل السكوت, فإذا تكلم, قال: اللهمَّ أمِتنا على الإسلام والسُّنة.

الباب الحادي والستون في ذكر كراماته وإجابة سؤاله

الباب الحادي والستون في ذكر كراماته وإجابة سُؤاله أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن ابي القاسم, قالا: أخبرنا حمد بن احمد, قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا أحمد ابن محمد الخلّال, قال: حدثنا محمد بن علي السّمسار, قال: رأيت أبا عبد الله بالليل قد جاء إلى منزل صالح, وابن صالح تسيل الدماء من منخريه, وقد جُمع له الطب وهم يعالجونه بالفتل وغيرها والدم يغلبهم, فقال له أبو عبد الله: أيّ شيءٍ حالك بني؟ فقال: يا جدي هو ذا أموت, ادعُ الله لي, فقال له: ليس عليك بأس, ثم جعل يحرك يده كأنه يدعو له, فانقطع الدم وقد كانوا يئسوا منه, لأنه كان يَرْعف دائمًا. قال الخلال: وحدثنا أبو طالب علي بن أحمد, قال: دخلتُ يومًا على أبي عبد الله وهو يملي عليَّ, وأنا أكتب, فاندقّ قلمي, فأخذ قلمًا فأعطانيه, فجئت بالقلم إلى أبي علي الجعفري, فقلت: هذا قلم أبي عبد الله أعطانيه,

فقال لغلامه: خُذ القلم فَضعه فى النَّخلة عسى تَحمل, فوضعه فى النَّخلة فحملت النَّخلة. أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن أبى القاسم قالا: أخبرنا حَمد بن أحمد, قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ, قال: حدثنا سُليمان بن أحمد, قال: حدثنا الهيثم بن خلف الدورى قال: حدثنا العباس بن محمد الدورى, قال: حدثنى على بن أبى حرارة - جار لنا - كانت أمى مُقعدةٌ نحو عشرين سَنة, فقالت لى يومًا: اذهب إلى أحمد بن حنبل فَسلهُ أن يَدعو الله لى, فَسرت إليه فدققتُ عليه البابَ وهو فى دِهليزه, فلم يَفتح لى, وقال: مَن هذا؟ فقلت: أنا رجلٌ من أهل ذاك الجانب, سَألتنى أُمى - وهى زَمِنة مُقعَدة - أن أسألك أن تدعو الله لنا, فسمعتُ كلامه كلامَ رجلٍ مُغْضب. فقال: نحن أحوجُ إلى أن تدعو الله لنا, فوليت منصرفًا؛ فَخرجت عجوزٌ من داره, فقالت: أنتَ الذى كلَّمت أبا عبد الله؟ قلتُ: نعم, قالت: قَد تركتُه يدعو الله لها, قال: فجئت من فَورى إلى البيت,

فَدققتُ الباب, فَخرجت على رجليها تمشى, حتى فتحت الباب, فقالت: قد وهبَ الله لى العافية. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الخلال, قال: حدثنا محمد بن هارون بن مكرم الصفّار, قال: حدثنى إبراهيم بن هانئ, قال: حدثنى فلان النسَّاج - ساكنٌ لأبى عبد الله - قال: كنتُ اشتكى, فكنتُ أئنُّ بالليل, فخرج أبو عبد الله فى جوفِ الليل, فقال: مَن هذا عندكم يَشتكى؟ فقيل له: فُلان, فدعا له, وقال: اللهم اشفِه, ودَخل, فكأنه كان نارًا صُبَّ عليه ماءٌ. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفَقيه, قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن محمد, قال: حدثنا أبو بكر بن شاذان, قال: حدثنا أبو عيسى أحمد بن يعقوب, قال: حدثتنى فاطمة بنتُ أحمد بن حَنبل, قالت: وَقع الحريقُ فى بيت أخى صالح؛ وكان قد تزوَّج إلى قومٍ مياسير, فحملوا إليه جهازًا شَبيهًا بأربعة آلاف دينار, فأكلتهُ النار, فجعل صالح يَقول: ما غَمَّنى ما ذهبَ منى إلا ثوبٌ لأبى كان يُصلى فيه, أتبرّك

به وأصلى فيه, قالت: فَطفئ الحريق ودَخلوا, فوجدوا الثوبَ على سريرٍ قد أكلت النار ما حواليه والثوب سَليم. قلت: وهكذا بَلغني عن قاضى القُضاة على بن الحُسين الزَّينبي, أنه حكى أن الحريق وَقع فى دراهم, فاحترق ما فيها إلا كتابٌ كانَ فيه شيء بخطِّ أحمد. قلتُ: ولما وَقع الغَرق, ببَغداد في سنة أربعٍ وخَمسين وخمس مئة, وغرقت كتبى, سلم لى مُجلد فيه وَرقتان بخطِّ الإمام أحمد. أنبأنا يحيى بن الحسن, قال: أنبأنا محمد بن الحسين, قال أخبرنا أبو الحسن على بن محمد الحِنائى, قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد, قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عيسى, قال: حدثنا العباس, قال: وحدثنى اللَّكّاف, قال: حدثني عبد الله بن موسى - وكان من أهل السنة - قال: خرجتُ أنا وأبى فى لَيلة مُظلمة نزور أحمد, فاشتدَّت الظلمة, فقال أبى يا بُنى, تعال حتى نتوسَّل إلى الله تعالى بهذا العبد الصالح حَتى يُضئ لنا الطريق, فإنى مُنذ ثلاثين سَنة ما توسَّلتُ به إلا قُضيت حاجَتي, فدعا أبى وأمَّنْتُ أنا

على دُعائه, فأضاءّت السماء كأنها ليلة مُقمرة حتى وَصلنا إليه. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أنبأنا يحيى بن عبد الوهاب بن مَنْدَه, قال: أخبرنا محمد بن الخَطاب, قال: أخبرنا محمد بن على بن عمرو الحَمّامى, قال: أخبرنا أحمد بن بُنْدار بن إسحاق الرازى, قال: سمعتُ على بن سَعيد الرازى, قال: صِرنا مع أحمد بن حنبل إلى باب المتوكل, فلما أدخلوه من باب الخاصّة قال لنا أحمد: انصرفوا عافاكم الله, فَما مرض منا أحدٌ منذ ذلك اليوم.

الباب الثانى والستون فى ذكر عدد زوجاته

الباب الثانى والسّتون فى ذكر عَدد زَوجاته أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون, قال: سمعتُ أبا بكر المُّروذى, يقول سمعتُ أحمد ابن حنبل, يقول: ما تَزوجت إلا بَعد الأربعين. قلتُ: وأول زَوجاته عَباسة بنت الفَضل, أُمُّ صالح. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر, قال: أنبأنا أبو إسحاق البَرْمَكى, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أبو بكر الخلّال, قال: أملى عَلينا زُهير بن صالح بن أحمد بن حنبل, قال: تَزوج جَدى - رحمه الله - أم أبى عباسة بنت الفَضْل من العَرب من الرَّبَض, ولم يولد له منها غير أبى, ثم توفيت. أخبرنا أبو منصور القزاز, قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن على بن ثابت, قال: حدثنى الأزهرى, قال: حدثنا عُبيد الله بن محمد بن حمدان, قال: حدثنا ابن مخلد, قال: حدثنا المُّروذى, قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن

حنبل, يقول: أقامَت معى أم صالح ثلاثين سنة فما اختلفتُ أنا وهى فى كلمةٍ. الزوجة الثانية رَيحانة أُم عبد الله: أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا البَرْمَكى, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جَعفر, قال: حدثنا أحمد بن محمد الخَلال, قال: حدثنا زُهير, قال: لما ماتَت عباسة أم صالح, تَزوج جدى بَعدها امرأة من العَرب يُقال لها: رَيحانة, فَوَلدت له عمى عَبدَ الله, لم يولد له منها غيره. قال الخلّال: وَحدثنى محمد بن العباس, قال: حدثنى محمد بن بَحر, قال: حدثنى عمى, قال: لما اجتمعنا لتزويج أبى عبد الله بأُخت مُحمد بن رَيحان, قال له أبوها: يا أبا عبد الله, إنها - ووَضع أصبعه على عَينه يعنى أنها بفَرد عين - فقال له أبو عبد الله: قد عَلمتُ. قال الخلال: وحدثنا أحمد بن محمد بن خالد البَرَاثى, قال: أخبرنى أحمد ابن عَبْثَر, قال: لما ماتت أُم صالح, قال أحمد لامرأةٍ عندهم: اذهبى إلى فُلانة ابنة عمى, فاخطبيها لى من نفسها, قالت: فأتيتُها فأجابته, فلما رجعت إليه قال: كانت أُختها تسمع كلامك؟ - قال: وكانت بَعين واحدة - فقالت له: نعم. قال: فاذهبى فاخطُبى تلكَ التى بعَين واحدة,

فأتتها فأجابته, وهى أُم عبد الله ابنه, فأقام معها سَبعًا, ثم قالت له: كيف رأيت يا ابن عمى؟ أنكرتَ شيئًا؟ قال: لا, إلا أن نَعلك هذه تَصِرُّ. قال الخلال: وأحفظ أن خَطاب بن بشر, قال: قالت امرأة لأحمد بعد ما دخلت عليه بأيام: هل تُنكر منى شيئًا؟ قال: لا, إلا هذه النَّعل التى تَلبسينها ولم تكن على عهد رَسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فباعتها واشتَرت مَقطوعًا, فكانت تَلبسه. قال الخلال: وهى هذه المرأة. يعنى أُم عبد الله. قال الخلّال: وسمعتُ أبا بكر المُّروذى, يقول سمعتُ أبا عبد الله - وذكر أهله فترحَّم عليها - وقال: مَكثنا عِشرين سَنة ما اختَلفنا فى كلمة. قال الخلال: وهى هذه المرأة. يعنى: أُ/ عبد الله. قلت: قَد ذكرنا عنه أنه قال: أقامت مَعى أُم صالح ثلاثين سنة, وفى هذه الرواية: مكثنا عشرين سنة, وكلتا الروايتين عن المُّروذى, وإحدى الرِّوايتين غَلط بلا شك, لأن أحمد لم يتزوَّج إلا بعد الأربعين, ولم يتزوج بَعد أُم صالح حتى ماتَت, فلو أقام مَعها ثلاثين ومَع الأُخرى عِشرين, تَمَّ له تسعون سنة, وكلُّ ما عاشَ سَبعًا وسبعين, ثمّ كانَ يكون قد تزوَّج أُم عبد الله بعد السبعين, ومعلوم أنه لم يمت إلا وعبد الله يَروى عنه ويُسافر معه, وكان يقول:

ابنى عبد الله محظوظ من حفظ الحديث, وقد طَلب الحديث وسمع من العلماءِ فى حياة أبيه الكثير, والذى أراه أن الإشارة بقوله: مكثنا عِشرين سَنة, إلى أُم صالح, والله أعلم, وهاتان زوجتان وما عرفنا أنه تَزوج ثالثة.

الباب الثالث والستون فى ذكر سراريه

الباب الثالِث والسّتون فى ذكر سَراريه كان رضى الله عنه قد اشترى جاريةٌ اسمها حُسْن. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا البَرْمَكى, قال: أنبأنا عبد العزيز, قال: أنبأنا أبو بكر الخلّال, قال: حدثنى محمد بن العباس, حدثنا محمد بن على, حدثنى أبو بكر بن يحيى, قال: قال لى أبو يوسف بن بُختان: لما أمرنا أبو عبد الله أن نَشترى له الجارية, مضيتُ أنا وفُوران, فَتبعنى أبو عبد الله, فقال لى: يا أبا يوسف, يكون لها لَحم. قال الخلال: وحدثنا زُهير بن صالح, قال: لما توفيت أُم عبد الله اشترى حُسْن, فولدت منه أم على - واسمها زينب - ثم وَلدت الحسنَ والحُسينَ توأمًا, وماتا بالقُرب من ولادتهما, ثم ولدت الحَسن ومُحمدًا فعاشا حتى صارا من السنِّ إلى نحو الأربعين سَنة, ثم ولدت بَعدهما سعيدًا. قال الخلال: وحدثنا محمد بن على بن بَحر, قال: سمعتُ حُسْن أُم وَلد أبى عبد الله تقول: قلتُ لمولاى: يا مولاى, أصرفُ فرد خلخالى؟ قال:

وتَطيب نفسكِ؟ قلت: نَعم, قال: الحمدُلله الذى وَفقك لهذا. قالت: فأعطيته أبا الحسن بن صالح, فباعه بثمانية دنانير ونِصف, وفَّرقها وقتَ حملى, فلما ولدتُ حَسنًا أعطى مولاىَ كَرَّامة درهمًا - وهى امرأةٌ كبيرةٌ كانت تخدمهم - وقال: اذهبى إلى ابن شُجاع - جار لنا قصاب - يَشترى لك بهذا رَأسًا, فاشترى لنا رأسًا وجاءَت به فأكلنا, فقال لى: يا حُسْنُ, ما أملكُ غيرَ هذا الدرهم, وما لك عندى غير هذا اليوم. قالت: وكان إذا لم يكن عند مولاى شَىءٍ فَرحٍ يومَه ذلك. قالت: ودخل مَولاى يومًا, فقال لى: أُريد أحتجم اليوم, وليسِ معى شىء, فجئتُ إلى جَرَّة لى فيها قَريبٌ من نصف منٍّ غَزل, فأخرجته فبعثت به إلى بعض الحاكة, فباعه بأربعة دراهم, فاشتريتُ لحمًا بنصف درهم, وأعطى الحجام درهمًا, واشتريتُ طيبًا بدرهم. ولما خرج مَولاى إلى سُرَّ مَنْ رأى كنتُ قد غزلتُ غزلًا لينًا, وعملتُ ثوبًا حسنًا, فلما قدم أخرجتُ إليه ذلك الثوب الحسن, وكنت قد أعطيتُ كِراه خمسة عَشر درهمًا من الغلّة, فلما نظر إليه, قال: ما أُريده, قلت: يا مولاى, عندى غير هذا من قطن غيره, فدفعت الثوب إلى فُوران فَباعه باثنين وأربعين درهمًا, واشتريتُ منه قطنًا فغزلته ثوبًا كبيرًا, فلما أعلمته, قال: لا تَقطعيه دَعيه. فكان كفنَه, كُفِّن فيه, وأخرجتُ الغليظ فقطَعه. قالت: وخبزتُ يومًا لمولاى وهو فى مرضه الذى تُوفى فيه, فقال: أينَ

خَبزتيه؟ قلت: فى بيت عبد الله, قال: ارفَعيه. ولم يأكل منه. قلتُ ما عرفنا أن أحمد - رضى الله عنه - تَزوج سوى المرأتين اللتين ذَكرناهما: أُم صالح وأُم عبد الله, ولا تَسرى إلا بهذه الجارية التى ذكرنا أخبارها, واسمها حُسْن, وإلا أن أبا الحُسين أحمد بن جعفر بن المنادى ذكر فى كتاب (فضائل أحمد) أن أحمد استأذن أهله أن يتسرى طلبا للاتباع, فأذنت له, فاشترى جارية بثمن يسير وسمّاها رَيحانة استنانًا برسول الله صلى الله عليه وسلم. فعلى هذا يكونُ قد اشتَرى جاريتين, وتكون إحداهما فى حياة زَوجته, والله أعلم.

الباب الرابع والستون فى ذكر عدد أولاده

الباب الرابع وَالسّتون فى ذكر عَدد أولاده قد ذكرنا أن صالحًا من أُم, وعبد الله من أُم, وأن حُسْنًا الجارية وَلدت له الحَسْنَ والحُسين, ثم وَلدت ثالثًا يسمى بالحَسن أيضًا, ثم ولدت مُحمدًا, ووَلدَت سعيدًا, وزَينب - وتُكنى: أُم على -. أخبرنا ابن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا أبو إسحاق البَرْمَكى, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جَعفر, قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلّال, قال: أخبرنى أبو غالب على بن أحمد, قال: قال لى صالح: جَعل أبى يعتذر إلىَّ من حُسن وسعيدٍ, ويقول: كلُّ ما أخذ الله تعالى ميثاقه فلابد أن يخرج إلى الدنيا. قال الخلال: وأخبرنى ألخَضر بن أحمد بن المثنى الكِندى, قال: حدثنا عبد الله بن أحمد, قال: وُلد لأبى مَولود فأعطانى عَبدُ الأَعلى رُقعة يُهنّيه, فرمى بالرقعة أبى, وقال: ليسَ هذا كتاب عالم ولا مُحدِّث, هذا كتابُ كاتبِ. أنبأنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر بن شاهين, قال: حَدثنى أبى, قال: حدثنا أحمد بن

محمد بن الفَضل, قال: سمعتُ أبا محمد فُوران, يقول: كنتُ أصحبُ أحمد ابن حنبل ويَأنس إلى, ومنى يَستقرِض, فإذا جاءَ مولود بالليل وأنا لا أعلم يَجىءُ فى السحر, فيقعُد على باب دارى لا يدق البابَ, وأنا لا أعلم به حتى أخرج إلى الصلاة, فيقوم إلىَّ فيصحبنى, فأقول له: فى أىّ شىءٍ جئتَ يا أبا عبد الله الساعة؟ فيقول: قد جاءَنا مَولود, فيمضى هو, وأصلى أنا الغَداة وأخرج إلى القنطرة, أو باب التَّبن, فآخذ ما يَصلح للنساءِ وأبعث به إليه.

الباب الخامس والستون فى ذكر أخبار أولاده وعقبه

الباب الخامِس وَالسّتون فى ذكر أخبار أولاده وعَقِبه ذكر صالح بن أحمد بن حنبل وَأولاده وعَقبه: كان صالح يُكنى أبا الفَضل, وهو أكبر أولاد أحمد, وُلد سَنة ثلاثٍ ومئتين, وكان أحمد يُحبه ويُكرمه, وابتلى بالعِيال على حَداثة سَنِّه, فقلَّت روايته عن أبيه, على أنه قد رَوى عنه كثيرًا, وَروى عن أبى الوليد الطَّيالسى, وإبراهيم بن الفَضل الذراع, وعلى بن المَدينى, وروى عنه ابنُه زُهير, والبَغَوِى, ومحمد ابن مَخْلد فى آخرين. وولى قَضاءَ أصفهان, فخرج إليها فَمات بها. وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت, قال: حُدِّثت عن عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أبو بكر الخلّال, قال: كان صالح بن أحمد بن حنبل سَخيًّا جدًّا, أخبرنى الحَسن بن على الفَقيه بالمصَّيصة, قال: كان صالح قد افتصدَ, فدعا إخوانه, وأنفق فى ذلك اليوم نَحوًا من عشرين دينارًا فى طيبٍ وغيره, وأحسبُ أنه قال: كان فى الدعوة ابنُ أبى مَريم, وإذا أبو عبد الله قد دَقَّ الباب, فقال له ابنُ أبى مريم: أسبِل علينا

السِّتر لا نَفْتضِح ولا يَشمَ أبو عبد الله رائحةَ الطيب, فدخل أبو عبد الله, فقعد فى الدار, وسأله عن حاله, وقال له: خُذ هذين الدرهمين وأنفقهما اليوم, وقام فخرج, فقال ابنُ أبى مريم لصالح: فَعل الله بكَ وفَعل, لمَ أردتَ أن تأخذَ الدراهم منه؟! أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت, قال: حدثنى محمد بن الحُسين بن محمد, قال: ذكر أبو بكر الخَلال, قال: أخبرنى محمد بن العباس, قال: حَدثنى محمد بن على, قال: لما صارَ صالح إلى أصفهان وكنتُ معه, بَدأ بمسجد الجامع فدخله وصلى رَكعتين, واجتَمع الناسُ والشيوخُ وجلس وقُرئ عهدُه الذى كتبَ له الخليفة, فجعل يَبكى بُكاءً شديدًا حتى غلبه, فبكى الشيوخ الذين قربوا منه, فلما فُرغ من قِراءة العهد جَعل المشايخ يدعون له ويقولون: ما ببلدنا أحدٌ إلا ويُحب أبا عبد الله ويميلُ إليك. فقال لهم: تَدرون ما أبكانى؟ ذكرتُ أبى أن يَرانى فى مثل هذا الحال, وكان عليه السَّواد, وكانَ أبى يَبعث خَلفى إذا جاءَه رجلٌ زاهد, أو مُتقشف لأنظر إليه, يُحب أن أكون مثله, أو يَرانى مثله. ولكنَّ الله يعلم ما دخلتُ فى هذا الأمر إلا لدَين قد غَلبنى, وكثرة عيال, أحمدُ الله. وكان صالح غيرَ مرةٍ إذا انصرفَ من مجلس الحُكم ينزع سَواده ويقول لى: ترانى أموت وأنا على هذا؟

توفى صالح فى رَمضان سنة خمس وستين ومئتين بأصفهان. فأما زُهير بن صالح, فإنه حَدَّث عن أبيه, وروى عنه ابنُ أخيه محمد بن أحمد بن صالح, وأحمدُ بن سليمان النَّجاد. وقال الدارقطنى: زُهير ثِقة. قال أحمد بن كامل القاضى: تُوفى زُهير بن صالح فى رَبيع الأول سنة ثلاث وثلاث مئة. محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل يُكنى أبا جعفر, روى عن أبيه, وعن عَمه زُهير, وإبراهيم بن خالد الهِسِنْجَانِى فى جماعة, وروى عنه الدَّارَقُطْنى, وتُوفى سنة ثلاثين وثلاث مئة. ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل كان يُكنى أبا عبد الرحمن, وكان أروى الناس عن أبيه, وسَمع مُعظم تصانيفه وحديثه, وسَمع من عبد الأعلى بن حماد, وكامل بن طَلحة, ويحيى بن مَعيِن, وأبى بكر وعُثمان ابنى أبى شَيْبة, وشَيبان بن فَرّوخ فى خَلق كثير. وكان له جحظٌّ وافر من الحِفظ, وكان أحمد يقول: ابنى عبد الله مَحظوظ من علم الحديث - أو من حفظ الحديث -. ولما مرض قيل له: أينَ تحب أن تُدفن؟ فقال: صح عندى أن بالقَطيعة نبيًا مدفونًا, ولأن أكون فى جِوار نَبى أحب إلىَّ من أن أكون فى جِوار أبى.

وتوفى يوم الأحد لتسع بقين من جمادى الآخرة سنة تسعين ومئتين, ودُفن فى آخر النهار فى مقابر باب التِّبن, وصَلى عليه زُهير ابن أخيه, وكان له جَمع عظيم. ذكر سَعيد بن أحمد بن حنبل قال حنبل بن إسحاق: وُلد سعيد قبل موت أحمد بنحو خَمسين يومًا. وقال غيره: ولى سَعيد قضاءَ الكوفة وتوفى سنة ثلاث وثلاث مئة. قلتُ: وهذا لا يصح, فإن أبا منصور القزاز أخبرنا, قال: أخبرنا أحمد ابن على بن ثابت, قال: سعيدُ بن أحمد بن حنبل حَكى عن أبى حَكى عن أبى مُجالد أحمد ابن الحسين الضرير, رَوى عنه القاضى أبو عمران موسى بن القاسم الأشْيَب, ومات سعيد قَبل وفاة أخيه عبد الله بدهر طويل. قلت: وقد ذكرنا فى باب ثَناء العلماءِ على الإمام أحمد, أن إبراهيم الحَربى جاءَ إلى عبد الله يُعزيه بأخيه سَعيد. قلت: فأما الحَسن ومحمد, فلا نَعرف من أخبارهما شيئًا, وأما زَينب, فقد ذكرنا لها حديثًا فى باب وَرَعه, وأنها قالت لإسحاق بن إبراهيم: خُذ هذه الدجاجة فبعها, فإن أبى يَحتاج أن يَحتجم, وما عنده شىء. وقد قال إسحاق: رأيتُ أبا عبد الله يَضرب ابنَته على اللَّحن وَينتهرها.

وأخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن على الخياط, قال: أخبرنا أبو الفتح بن أبى الفَوارس, قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن محمد بن سَلْم الخُتَّلى, قال: حدثنا أبو بكر المُّروذى, قال: دخلتُ على أبى عبد الله فرأيتُ امرأةً تمشط صبيةً له, فقلتُ للماشِطة بعد: وصلتِ رأسَها بقَرامِل؟ فقالت: لم تَتركنى الصَّبية, قالت: إن أبى نَهانى. وقالت: يَغضبُ. وقد رُوى لنا أنه كانت له بنتٌ اسمُها فاطمة, والظاهر أنها غير زينب. إلا أنا قد ذكرنا عن زُهير عدد أولاده, ولم يذكرها فيهم, فيحتمل أن تكونَ هى زينب, لأن المرأة قد تسمى باسمين, ويحتمل أن تكون غيرها. وقد ذكرنا لفاطمة حديثًا فى باب كَراماته, وقد أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقى, قال: أنبأنا أبو إسحاق البَرْمَكى, قال: وجدتُ فى كتاب أبى: حدثنا أبو بكر بن شاذان, قال: حدثنا أبو عيسى أحمد بن يعقوب, قال: حدثتنى فاطمة بنت أحمد بن حنبل, قالت: وَقع الحريقُ فى بيت أخى صالح, فَدخلوا فإذا ثوبٌ كان لأبى قد أكلت النار ما حوله وهو سَليم.

الباب السادس والستون في ذكر ابتداء المحنة وسببها

الباب السّادس وَالستون في ذكر ابتداء المحنة وسبَبها لم يزل الناس على قانون السلف وقولهم: إن القرآن كلام الله غير مَخلوق, حتى نَبغت المعتزلة فقالت بخلق القرآن, وكانت تَستر ذلك, وكان القانون مَحفوظًا في زمن الرشيد, فأخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت, قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدّقّاق, قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن سُليمان النجّاد, قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدَّورقي, قال: حدثني محمد بن نوح, قال: سمعت هارون أمير المؤمنين يقول: بَلغني أن بشرًا المريسي زعم أن القرآن مخلوق, ولله عليّ إن أظفرني به لأقلنّه قِتلةً ما قتلتُها أحدًا قطّ. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري, قال: حدثنا يحيى بن عمّار بن يحيى, قال: حدثنا محمد بن إبراهيم ابن جناح الأصمّ, قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سهل, قال: حدثنا إبراهيم

ابن إسحاق الأنصارى, قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدَّورقى قال: سمعتُ محمد بن نوح يُحدِّث عن المسعودى قاضى بَغداد, قال: سمعتُ هارون الرشيد, يقول: بَلغنى أن بشر بن غِياث يقول: القُرآن مخلوق, وللهِ علىّ لئن أظفرنى به لأقتلنه قِتلة ما قَتلتُها أحدًا. قال أحمد: فكان بشرٌ متواريًا أيامَ هارون نحوًا من عِشرين سَنة حتى ماتَ هارون, فظهر ودَعا إلى الضَّلالة, وكانَ من المِحنة ما كان. قلت: فلما تُوفى الرشيدُ كان الأمر كذلك فى زمن الأمين, فلما ولى المأمون خالَطه قومٌ من المعتزلة فحسَّنوا له القولَ بخلق القرآن, وكان يتردّد فى حمل الناسِ على ذلك, ويراقب بقايا الأشياخ, ثم قَوى عزمه على ذلك فحَمل الناس عليه. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت, قال: أخبرنا القاضى أبو بكر أحمد بن الحسن الحِيرى, وأبو سَعيد محمد بن موسى الصَّيرفى, قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يَعقوب الأصم, قال: حدثنا يحيى بن أبى طالب, قال: أخبرنى الحسن بن شاذان الواسطى, قال: حدثنى ابن عَرْعَرة, قال: حدثنى ابن أكثم, قال: قال لنا المأمون: لولا مَكان يَزيد بن هارون, لأظهرتُ أن القرآن مَخلوق. فقال بعضُ جُلساته: يا أمير المؤمنين, ومَن يَزيد حتى يكون يُتَّقى؟ قال: فقال: وَيحك! إنى أخاف إن أظهرته فيردّ علىّ, فيختلف الناس وتَكون فِتنة, وأنا أكره الفِتنة, قال: فقال الرجل: فأنا أخبُرُ ذلك منه, فقال له: نعم. فخرج إلى واسط, فجاء إلى يزيد, فدخل عليه المسجد وجلس إليه, فقال له: يا أبا خالد, إن أمير

المؤمنين يُقرئك السلام, ويقول لك: إنى أُريدُ أن أظهر أن القرآن مخلوق, قال: فقال: كذبتَ على أمير المؤمنين, أمير المؤمنين لا يَحمل الناس على ما لا يعرفونه, فإن كنتُ صادقًا فاقعُد إلى المجلس, فإذا اجتَمع الناس فقُل. قال: فلما أن كان الغَد اجتمع الناس, فقام فقال: يا أبا خالد - رضى الله عنك - إن أمير المؤمنين يُقرئك السلام, ويقول لك: إنى أردتُ أن أظهر أن القرآن مخلوق, فما عندك فى ذلك؟ قال: كذبتَ على أمير المؤمنين, أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه, وما لم يَقل به أحد. قال: فقدم, فقال: يا أمير المؤمنين كُنتَ أعلم, كان من القِصة كيتَ وكيتَ, فقال له: وَيحكَ تَلعَّبَ بك!

الباب السابع والستون فى ذكر قصته مع المأمون

الباب السّابع والسّتون فى ذكر قِصته مع المأمون قال العُلماء بالسِّير: كَتب المأمون وهو بالرَّقة إلى إسحاق بن إبراهيم - وهو صاحب الشرطة ببغداد - بامتحانِ الناس فامتَحنَهم. أخبرنا المحمَّدان: ابن ناصر, وابن عبد الباقى, قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد, قال: أخبرنا أبو نُعَيم أحمد بن عبد الله, قال: حدثنا محمد بن جَعفر, وعلى بن أحمد, قالا: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد. وأخبرنا هِبة الله بن الحسين بن الحاسب, قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن البَنّا, قال: أخبرنا أبو الفتح بن أبى الفَوارس, قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سَلْم, قال: حدثنا عمر بن محمد بن عيسى الجَوهرى, قالا: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل, قال: سمعتُ أبى, يقول: لما أُدخلنا على إسحاق بن إبراهيم للمِحنة, قُرئ علينا كتابُ الذى صار إلى طَرَسوس - يعنى المأمون - فكانَ فيما قُرئ علينا: (ليسَ كمِثلهِ شَىء) , وهو خالق كل

شىء, فقلت: (وهو السميعُ البَصير). قال صالح: ثم امتحن القوم, فوجه بمن امتنع إلى الحبس, فأجاب القومُ جميعًا غير أربعة: أبى, ومحمد بن نوح, وعُبيد الله بن عمر القَواريرى, والحَسن بن حماد, سَجّادة. ثم أجاب عُبيد الله بن عمر, والحَسن بن حماد, وبَقى أبى ومُحمد بن نوح فى الحبس, فمَكثا أيامًا فى الحَبس, ثم ورد الكتاب من طَرسوس بحملهما, فحُملا مُقيدين زَميلين. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر, وابن عبد الباقى, قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد, قال: أخبرنا أبو نُعَيم الحافظ, قال: حدثنا سليمان بن أحمد. وأخبرنا ابن ناصر, قال: أنبأنا أبو على الحسن بن أحمد, قال: أخبرنا على بن أحمد بن عمر الحَمّامى قال: أخبرنا ابن الصواف, قالا: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, قال: حدثنى أبو مَعْمَر القَطيعى, قال: لما حَضرنا فى دار السلطان أيامَ المحنة, وكان أبو عبد الله أحمد بن حنبل قد أُحضِر, وكان رجلًا لَيّنًا, فلما رأى الناسَ يُجيبون انتفَخت أوداجُه, واحمَّرت عَيناه, وذهبَ ذلك اللِّينُ الذى كان فيه, فقلتُ: إنه قَد غضب لله. قال أبو مَعْمَر: فلما رأيتُ ما به, قلتُ: يا أبا عبد الله, أبشر؛ حدثنا محمد بن

فُضيل بن غزوان, عن الوليد بن عبد الله بن جُمَيع, عن أبى سَلَمَةَ بن عبد الرحمن بن عوف, قال: كان من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم: مَن إذا أريد على شىءٍ من دينهِ رأيتَ حَماليق عَينيه فى رأسه تَدور كأنه مَجنون. أخبرنا عبد الملك بن أبى القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصارى, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن سعيد الخَفّاف, قال: سمعتُ ابن أبى أسامة, يقول: حُكى لنا: أن أحمد بن حنبل قيل له أيام المحنة: يا أبا عبد الله, ألا ترى الحقَّ كيف ظَهر عليه الباطل؟ فقال: كَلّا, إن ظهور الباطل على الحق أن تَنتقل القلوب من الهُدى إلى الضَّلالة, وقلوبنا بَعد لازمةٌ للحق. أخبرنا هِبة الله بن الحُسين بن الحاسب, قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن البَنّا, قال: أخبرنا أبو الفتح بن أبى الفَوارس, قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن جَعفر بن سَلْم, قال: حدثنا عمر بن محمد بن عيسى الجَوهرى. وأخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا أبو إسحاق البَرْمَكى, قال: أخبرنا على بن مَرْدَك, قال: حدثنا ابن أبى حاتم قالا: حدثنا صالح ابن أحمد, قال: حُمِل أبى ومُحمد بن نوح مقَيَّدين, فصِرنا مَعهما إلى الأنبار, فسأل أبو بكر الأولُ أبى, فقال: يا أبا عبد الله, إن عُرضتَ على السيف تُجيب؟ قال: لا. ثم سُيِّرا, قال: فسمعتُ أبى يقول: لما صرنا إلى الرَّحبة ورحلنا منها - وذلك فى جَوف الليل - عَرض لنا رجل, فقال: أيَكم

أحمد بن حنبل؟ فقيل له: هذا, فقال للجمَّال: على رِسْلِك, ثم قال: يا هذا, ما عليكَ أن تُقتل ها هنا, وتَدخل الجنة ها هنا, ثم قال: أستودعك الله, ومَضى. قال أبى: فسألتُ عنه, فقيل لى: هذا رَجل من العرب من رَبيعة, يَعمل الِّعر فى البادية, يُقال له: جابر بن عامر, يُذْكَر بخير. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار, قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن جعفر, قال: أخبرنا أبو عُمر بن حَيّويه, قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المُّروذى, قال: حدثنا عبد الله بن سعيد المروّزى عن صالح بن أحمد فى حديث المحنة, قال: لما رّحلنا إلى طَرسوس للمحنة, قال أبى: لما نزلنا الرَّحبة ورحلنا منها فى جوف الليل, عَرض لى رجل, فقال: أيّكم أحمد بن حنبل؟ فقيل له: هذا, فسلَّم على, ثم قال: يا هذا, ما عليكَ أن تُقتل ها هنا وتَدخل الجنة, ثم سلّم وانصرف. فقلت: من هذا؟ فقيل لى: رجلٌ من العرب من رَبيعة, يقول الشِّعر بالبادية, يُقال له: جابر بن عامر. قال المروزى: وحدثنا المَعْمَرى, عن أحمد بن أبى الحَوارى, قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله, قال: قال أحمدُ بن حنبل: ما سمعتُ كلمة منذ وَقعتُ فى الأمر الذى وقعتُ فيه, أقوى من كلمةِ أعرابى كلَّمنى بها فى رَحبة طَوق, قال لى: يا أحمد, إن يَقتلك الحقُّ متَّ شهيدًا, وإن عشتَ عشتَ حميدًا, قال: فَقّوى قلبى.

أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا إبراهيم بن عُمر, قال: أخبرنا على بن عبد العزيز, قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبى حاتم, قال: حدثنا أبى, قال: أحدثنا أحمد بن أبى الحَوارى عن بعض أصحابه. قال: قال أحمد بن حنبل: ما سمعتُ كلمةً كانت أوقعَ فى قلبى من كلمةٍ سمعتها من أعرابى فى رَحبةِ طَوق, قال لى: يا أحمد, إن قَتلك الحقُّ متَّ شهيدًا, وإن عشتَ عشتَ حميدًا. قال ابن أبى حاتم: قال أبى: فكانَ كما قال؛ لقد رَفع الله عز وجل شأن أحمد بن حنبل بعد ما امتُحِن, وعَظُم عند الناس وارتَفع أمره جدَّا. قلتُ: وقد بلغنا عن الشافعى - رضى الله عنه - أنه رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم, فى المنام يُخبره بما سَيلقى أحمد من الامتحان فى خَلق القرآن, ويأمره أن يُعلم أحمد بذلك, وسيأتى هذا مُسندًا فى باب المنامات التى رئيت لأحمد بن حنبل. أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أنبأنا أحمد بن أبى سَعد النَّيسابورى, قال: سمعتُ عبد الله بن يوسف, يقول: سمعتُ أبا العباس الأصم, يقول: سمعتُ العباس بن مُحمد الدُّورى, يقول: سمعتُ أبا جعفر الأنبارى, يقول: لما حُمِل أحمد بن حنبل المأمون أخبِرت, فعبرتُ الفراتَ فإذا هو جالسٌ فى الخان, فسلمتُ عليه, فقال: يا أبا جَعفر, تعنَّيت. فقلتُ: ليسَ هذا عناء, وقلتُ له: أنت اليومَ رأسٌ والناسُ يقتدون بك, فوالله لَئِن أجيتَ إلى خلق القرآن, ليُجِبَينَّ بإجابتك خلقٌ كثير من خلق الله, وإن

أنتَ لم تُجِب؛ لَيمتنعنَّ خلق من الناس كثير, ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت, ولابد من الموت, فاتَّق الله ولا تُجبهم إلى شىءٍ, فَجعل أحمدُ يبكى ويقول: ما شاء الله, ما شاءَ الله, ثم قال لى أحمدُ: يا أبا جَعفر, أعِد علىَّ ما قلتَ. فأعدتُ عليه, فجعلَ يقول: ما شاءَ الله, ما شاءَ الله. أخبرنا المُحمدان: ابن أبى منصور, وابن أبى القاسم, قالا: أخبرنا أبو الفضل حَمد بن أحمد, قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله, قال: حدثنا محمد بن جَعفر, وعلى بن أحمد, قالا: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد. (ح) وأخبرنا هِبة الله بن الحسين بن الحاسب, قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن البَنّا, قال: أخبرنا أبو الفَتح بن أبى الفَوارس, قال: حدثنا أحمد بن جَعفر بن سَلْم, قال: حدثنا عمر بن عيسى الجَوهرى, قالا: حدثنا صالح بن أحمد, قال: قال أبى: لما صِرنا إلى أَذَنَة ورحلنا منها - وذلك فى جوف الليل - وفُتح لنا بابها, فإذا رجل قد دخل, وقال: البُشرى! قد ماتَ الرجل. قال أبى: وكنتُ أدعو الله أن لا أراه. أخبرنا عبد الملك الكَرُخى, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصارى, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: حدثنا أبو على بن أبى بكر المروزى, قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن الحسن بن على البُخارى, قال: سمعت محمد بن إبراهيم البُوشَنْجى, يقول: سمعتُ أحمد بن حنبل, يقول: دعوتُ ربى ثَلاث

دَعوات, فتبيَّنتُ الإجابة فى ثِنتين؛ دَعوته أن لا يجمع بينى وبين المأمون, ودَعوته أن لا أرى المتوكّل, فلم أر المأمون, مات بالبَذَنْدُون - وهو نهر الروم - وأحمد مَحبوس بالرَّقَّة, حتى بويع المعتصم بالروم ورجع, فرَّد أحمد إلى بغداد فى سَنة ثمان عشرة ومئتين, والمعتصم امتَحنه, فأما المتوكل, فإنه لما أحضر أحمد دارَ الخلافة ليحدّث ولدَه, قَعد له المتوكل فى خَوخة, حتى نَظر إلى أحمد ولم يَره أحمد. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر, قال: أخبرنا على بن عبد العزيز, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبى حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد, قال: لما صار أبى ومحمد بن نوح إلى طَرسوس, رُدَّا فى أقيادِهما, فلما صارا إلى الرقّة حُمِلا فى سَفينة, فلما وَصلا إلى عانات توفى مُحمد بن نوح؛ فأُطلق عنه قيدُه, وصَلّى عليه أبى. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت, قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق, قال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقّاق, قال: حدثنا حنبل بن إسحاق, قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل

يقول: ما رأيتُ أحدًا على حَداثةِ سنِّه, وقلّة عِلمه, أقومَ بأمر الله من مُحمد بن نوح, وإنى لأرجو أن يكون الله قد خَتم له بخير, قال لى ذات يوم وأنا مَعه خِلوَين: يا أبا عبد الله, الله الله, إنَّك لستَ مثلى, أنتَ رجلٌ يُقتَدَى بك, وقد مَدّ الخلقُ أعناقهم إليك لما يكون منك, فاتَّق الله واثُبت لأمر الله - أو نحو هذا من الكلام - فعجبتُ من تَقويته لى؛ ومَوعظته إياى؛ فانظر بما خُتم له, مَرض وصار إلى بعض الطريق فَمات, فصليتُ عليه ودَفنته - أظنه قال: بعانة - قال أحمد بن على بن ثابت: وكانت وفاته سَنة ثمان عشرة ومئتين.

الباب الثامن والستون فى ذكر ما جرى له بعد موت المأمون

الباب الثامِن والسّتون فى ذكر ما جرى له بعد موت المأمون قد ذكرنا أنه لما جاءَ الخبر بموت المأون, رُدَّ أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح فى أقيادهما, فماتَ محمد بن نوح فى الطريق, ورُدَّ أحمد إلى بغداد مقيدًا. أخبرنا عبد الملك بن أبى القاسم الكَرُوخى, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصارى, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: أخبرنى جدى, قال: أخبرنا محمد بن أبى جَعفر المنذرى, وأبو أحمد بن أبى أسامة, قالا: سمعنا محمد ابن إبراهيم البُوشَنْجى, يقول: أُخذ أحمد أيام المأمون ليُحمل إلى المأمون ببلاد الروم, فبلغ أحمد الرقَّة, ومات المأمون بالبَذَنْدون قبل أن يَلقاه أحمد, وذلك فى سنة ثمان عشرة ومئتين. فأخبرنى أبو العباس الرقى - وكان من حُفاظ أهل الحديث - أنهم دخلوا على أحمد بالرقة وهو مَحبوس, فجعلوا يذاكرونه ما يُروى فى التَّقِية من الأحاديث, فقال أحمد: وكَيف تصنعون بحديث خَبّاب: (إِنَّ مَنْ كانَ قَبْلكُم كانَ يُنْشَر أحدُهم بالمِنشارِ ثُمّ لا يَصده ذلكَ عن دينِه) قال: فيئسنا منه. فقال أحمد: لستُ أُبالى بالحَبس, ما هو ومنزلى إلا واحد, ولا قتلًا بالسيف, إنما

أخاف فِتنةً بالسوط, وأخاف أن لا أصبر. فسمعه بعض أهل الحبس وهو يقول ذلك, لا عليكَ يا أبا عبد الله, فما هو إلا سَوطان ثم لا تدرى أين يَقع الباقى, فكأنه سُرِّى عنه, ورُدّ من الرَّقة وحُبس. أخبرنا هِبة الله بن الحسين بن الحاسب, قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن البَنّا, قال: أخبرنا الفَتح بن أبى الفَوارس, قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن سَلْم, قال: حدثنا عمر بن محمد بن عيسى الجَوهرى, قال: حدثنا صالح بن أحمد, قال: لما جاءَ نَعِىُّ المأمون رُدّ أبى ومُحمد بن نوح فى أقيادهما إلى الرَّقة, وأخرجنا فى سفينة مع قوم مُحبسين, فلما صارا بعانات توفى محمد بن نوح ودُفن بها, ثم صارَ أبى إلى بغداد وهو مُقيد, فمَكث بالياسرية أيامًا, ثم صار إلى الحَبس فى دارٍ اكتُريت له عند دار عُمارة, ثم نُقل بعد ذلك إلى حَبس العامة فى دَرب الموصلى, وفى رواية فى دَرب يُعرف بالموصلية. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا أبو الفضل الحداد, قال: حدثنا أبو نُعَيم الحافظ, قال: حدثنا محمد بن جَعفر, قال: حدثنا محمد بن إسماعيل ابن أحمد, قال: حدثنا صالح بن أحمد, قال: قال أبى: كنتُ أُصلى بأَهلِ السجن وأنا مُقيد. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القَزاز, قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت, قال: أخبرنى الحسن بن على التَّميمى, قال: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ, قال:

حدثنا أحمد بن محمد بن مَسْعَدة الأصبهانى, قال: حدثنا أبو يحيى مَكى بن عبد الله بن يوسف الثَّقفى, قال: حدثنا أبو بكر الأعين, قال: قلتُ لآدم العَسقلانى: إنى أُريد أن أخرج إلى بغداد, أفلكَ حاجة؟ قال: نعم, إذا أتيتَ بغداد فأتِ أحمد بن حنبل فَأقرِئه مِنى السلامَ, وقل له: يا هذا, اتَّقِ الله وتقرب إليه بما أنت فيه, ولا يستفزنَّك أحد, فإنك إن شاء الله مُشرف على الجَنة, وقل له: حَدَّثنا الليثُ بن سَعد, عن مُحمد بن عَجلان, عن أبى الزِّناد, عن الأعرج, عن أبى هُريرة, قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أرادَكُم عَلى مَعصِيةِ الله فَلا تُطيعوه). فأتيتُ أحمد بن حنبل فى السِّجن فدخلتُ عليه, فسلَّمتُ عليه وأقْرَأته السلامَ, وقلتُ له هذا الكلامَ والحديث, فأطرقَ أحمد إطراقةً ثم رفع رأسه فَقال: رَحمه الله حيًا وميتًا, فلقد أحسنَ النصيحة. أخبرنا عبد الملك بن أبى القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد

الأنصارى, قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم السَّرخسى, قال: أخبرنا محمد بن عُبيد الله الَّلأَّل, حدثنا محمد بن إبراهيم الصرّام, قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الغَسيلى, قال: حدثنا أبو بكر محمد بن طَريف الأعين, قال: أتيتُ آدم بن أبى إياس, فقلت له: إن عبد الله بن صالح يُقرِئُك السلامَ, قال: لا تُقرِئْنى منه السلام, ولا تُقرِئه منى السلام. فقلت: ولِم. قال: لأنه قالَ: القرآن مخلوق, فقلت له: إنه قد اعتذر اليومَ وأخبر الناسَ برجوعه عن ذلك, إن كان كذلك فَأقرِئه منى السلام. فلما فرغتُ قلت له: إنى أُريد الخُروج إلى بغداد, فهل لك من حاجة؟ قال: نعم, ائتِ أحمدض بن حنبل فاقرأ عليه منى السلام, وقل له: يا هذا, اتق الله وتقرب إلى الله بما أنتَ عليه, ولا يستفزنَّك أحد عن دينك, فإنك إن شاء الله مشرفٌ على الجَنة. وقل له: حدَّثنا الليث بن سعد عن ابن عَجلان عن أبى الزَّناد عن الأعرج عن أبى هُريرة قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن أرادكم على مَعصية الله فلا تُطيعوه). فأتيته وهو فى السِّجن فأقرأته السلام وأخبرته بالكلام والحَديث, فأطرق مليًّا, ثم قال: يَرحمه الله حيًا وميتًا قد أحسن النصيحة.

الباب التاسع والستون فى ذكر قصته مع المعتصم

الباب التاسع وَالسّتون فى ذكر قِصته مع المعتصم لما مَات المأمون رَدَّ أحمد إلى بغداد, فسُجن إلى أن امتَحنه المعتصم, وكان أحمد بن أبى دُؤاد على قَضاءِ القُضاة, فحَمله على امتحان الناس بخَلق القرآن. قال أبو بكر المُّروذى: لما سُجن أحمد بن حنبل, جاءَ السجُان, فقال له: يا أبا عبد الله, الحديثُ الذى رُوى فى الظَّلَمة وأعوانهم صَحيحٌ؟ قال: نعم, قال السُجان: فأنا من أعوانِ الظَّلَمة؟ قال أحمد: فأعوان الظَّلَمة من يأخذ شَعرك, ويغسل ثَوبك, ويُصلح طعامك, ويَبيع ويشترى منك, فأما أنتَ فمِن أنفُسِهم.

أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا غبراهيم بن عمر, قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبى حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد, قال: قال أبى: لما كان فى شَهر رمضان سنة تسع عَشرة, حُوِّلتُ إلى دار إسحاق بن إبراهيم, يُوجّه إلىّ فى كل يومٍ برجلين؛ أحدهما يقال له: أحمد بن رَبَاح, والآخر: أبو شُعيب الحَجّام, فلا يَزالان يُناظرانى, حتى إذا أرادا الانصراف دُعى بقيد فزيد فى قيودى, فصار فى رجله أربعة أقياد, قال أبى: فلما كان فى اليوم الثالث دّخل علىّ أحد الرجلين فناظرنى, فقلت له: ما تَقول فى عِلم الله؟ قال: علم الله مَخلوق, فقلتُ له: كفرتَ, فقال الرسول الذى كانَ يَحضر من قِبل إسحاق بن إبراهيم: إن هذا رَسول أمير المؤمنين! فقلتُ له: إن هذا قد كفر, فلما كان فى الليلة الرابعة وَجّه - يعنى المعتصم - ببُغَا الذى كان يُقال له: الكبير, إلى إسحاق فأمره بحَملى إليه, فأدخلت إلى إسحاق, فقال: يا احمد, إنها والله نفسك, إنه لا يقتُلك بالسيف, إنه قد آلى إن لم تُجبه أن يَضربك ضَربًا بعد ضربٍ, وأن يُلقيك فى موضع لا تَرى فيه الشمس, أليس قد قال الله عز وجل: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) أفيكون مجعولًا إلا مخلوقًا؟ فقلت له: قَد قال الله عز وجل: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَاكُولٍ) أفَخَلَقهم؟ قال: فسكت, ثم قال: اذهبوا به. قال أبى: فلما صِرنا إلى الموضع المعروف بباب البُستان أُخرجت, وجئ بدابة فحُمِلت عليها وعلىَّ

الأقياد, ما معى أحد يُمسكنى, فكِدت غير مرة أن أخِرَّ على وجهى لثِقل القيود, فجىءَ بى - يعنى إلى دار المعتصم - فأُدخلت حُجرة وأُدخلت إلى بَيت, وأُقْفل الباب علىَّ, وذلك فى جوف الليل, وليسَ فى البيت سِراج, فأردتُ أن أتمسَّحَ للصلاة, فمَددت يدى, فإذا أنا بإناءٍ فيه ماء وطَسْتٌ موضوع, فَتوضأت للصلاة وصَليت, فلما كان من الغد أخرجت تِكتى من سَراويلى, وشدَدْتُ بها الأقياد أحملها, وعَطفت سَراويلى, فجاءَ رسول المعتصم, فقال: أجب, فأخذَ بيدى, فأدخلنى عليه والتكّةُ بيدى أحمل بها الأقياد, وإذا هو جالس وابنُ أبى دُؤادٍ حاضر, وقد جَمع خلقًا كثيرًا من أصحابه. أخبرنا إسماعيل بن أحمد, ومحمد بن أبى القاسم, قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد, قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ, قال: حدثنا الحسين بن محمد, قال: حدثنا عبد الرحمن بن الفيض, قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن الحسن, يقول: أُدخل أحمد بن حنبل على الخَليفة وعنده ابن أبى دُؤاد وأبو عَبد الرحمن الشافعى, فأُجلس بين يدى الخليفة, وكانوا هوَّلوا عليه, وقد كانوا ضَربوا عُنق رجلين؛ فَنظر أحمد إلى أبى عبد الرحمن الشافعى, فقال: أىّ شىءٍ تَحفظ عن الشافعى فى المسح؟ فقال ابن أبى دُؤاد: انظروا رجلًا هو ذا يُقدم به لضربِ العنق يُناظر فى الفِقه!

أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أخبرنا البَرْمَكى, قال: أخبرنا ابن مَرْدَك, قال: حدثنا ابن أبى حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد, قال: قال أبى: لما دخلتُ عليه قال لى - يعنى المعتصم -: ادْنُهْ, ادْنُهْ, فلم يَزل يُدنينى حتى قَربت منه. ثم قال: اجلس, فجلست وقد أتقلتنى الأقياد, فمكثتُ قليلًا ثم قلتُ: تَأذن فى الكَلام؟ فقال: تَكلّم. فقلتُ: إلى ما دعا الله ورسوله؟ فسكتَ هُنيهةً, ثم قال: إلى شَهادة أن لا إله إلا الله. فقلتُ: فأنا أشهد أن لا إله إلا الله, ثم قلتُ: إن جدكَ ابنَ عباس يقول: لما قَدِم وفدُ عبدِ القَيْس على النبى صلى الله عليه وسلم سألوه عن الإيمان, فقال: (أتدرونَ ما الإيمان؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ مُحمدّا رَسولُ الله, وإقامُ الصَّلاةِ, وإيتاءُ الزَّكاةِ, وأن تُعطُوا الخُمُسّ مِنَ المَغْنَم). فقال أبى: فقال - يعنى المعتصم -: لولا أنّى وجَدتك فى يَد مَن كانَ قبلى ما عَرضتُ لك.

ثم قال: يا عبد الرحمن بن إسحاق, ألم آمُرْك أن تَرفع المحنة؟ قال أبى: فقلتُ الله أكبر, إنَّ فى هذا لَفَرجًا للمسلمين, ثم قال لهم - يعنى المعتصم -: ناظروه, كَلّموه, ثم قال: يا عبد الرحمن, كلَّمه. فقال لى عبدُ الرحمن: ما تقولُ فى القُرآن؟ قلت له: ما تقولُ فى عِلم الله عز وجل؟ فسكتَ, فقال لى بعضهم: أليسَ قال الله عز وجل: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) والقرآن أليسَ هو شيئًا؟ قال أبى: فقلتُ: قال الله عز وجل: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) فدَّمرت إلا ما أراد الله عزّ وجل؟ وقال بعضهم: قال الله عز وجل: (مَا يَاتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ) أفيكونُ محدثٌ إلا مخلوقًا؟ قال أبى: فقلت له: قال الله عز وجل: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) والذِّكر هو القُرآن, وَتِلكَ ليس فيها ألفٌ ولا لام. قال أبى: وذُكر بعضهم حديث عِمران بن حُصين: إن الله عزَّ وجل خَلقَ الذِّكر, فقلتُ: هذا خَطأ؛ حدَّثنا غيرُ واحد: (إن الله عزَّ وجلَّ كَتبَ الذَّكر) , واحتجوا علىَّ بحديث ابن مسعود: (ما خَلق الله عزَّ وجلَّ من جَنةٍ

ولا نارٍ ولا سماءٍ ولا أرض أعظمَ من آيةِ الكُرسى). قال أبى: فقلتُ: إنما يوقع الخلق على الجنة, والنار والسماءِ والأرض, ولم يقع على القرآن. قال: فقال بعضهم: حَدثنا حديث خَبَّاب: (يا هَنَتَاه, تَقَّربْ إلى الله بما استطعتَ, فإنك لن تَتَقّرب إليه بشىءٍ أحبَّ إليه من كّلامه). قال أبى: هذا كذا هو, فجعل ابن أبى دُؤاد ينظر إليه كالمغضب قال: وكانَ يتكلم هذا فأردّ عليه, ويتكلم هذا فأردّ عليه, فإذا انقطعَ الرجل منهم اعترضَ ابن أبى دُؤاد, فيقول: يا أمير المؤمنين, هو والله ضالٌ مُضلٌ مُبتدع! قال أبى: فيقول: كَلِّموه, ناظروه, فَيكلمنى هذا فأرد عليه, ويُكلمنى هذا, فأرد عليه, فإذا انقَطعوا يقول لى: - يعنى المعتصم - وَيحك يا أحمد! ما تَقول؟ فأقول: يا أمير المؤمنين, أعطونى شَيئًا من كتاب الله عزَّ وجلّ, أو سُنة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حتى أولَ به, فيقول ابن أبى دُؤاد: وأنتَ لا تقول إلا ما فى كتاب الله, أو سُنة

رسول الله؟ فقلت له: تَأوَّلتَ تَأويلًا, فأنت أعلم, وما تأولتُ ما يُحبس عليه ويُقَيَّد عليه. أخبرنا عبد الملك بن أبى القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصارى, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: أخبرنى جَدى, قال: أخبرنا محمد بن أبى جَعفر المنذرى, وأبو أحمد بن أبى أُسامة, قالا: سمعنا محمد بن إبراهيم البُو شَنْجى, قال: حَدثنى بعض أصحابنا, أن ابن أبى دُؤاد أقبل على أحمد يُكلمه, فلم يلتفت إليه أحمد, حتى قال المعتصم لأحمد: ألا تُكلم أبا عبد الله؟ فقال أحمد: لستُ أعرفه من أهل العلم فأُكلمه!. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا ابن يوسف, قال: أخبرنا البَرْمَكى, قال: حدثنا ابن مَرْدَك, قال: حدثنا ابن أبى حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد قال: جَعل ابنُ أبى دُؤاد يقول: يا أمير المؤمنين, والله لئن أجابك لهو أحبُّ إلىَّ من مئة ألف دينار, ومئة ألف دينار - فيعدُّ من ذلك ما شاءَ الله - قال: فقال - يعنى المعتصم -: والله لئن أجابنى لأُطلقنَّ عنه بيدى, ولأركبنَّ إليه بجُندى, ولأطأن عَقِبَه. ثم قال: يا أحمد, والله إنى عليكَ لشفيق, وإنى لأشفق عليكَ كشفقتى على هارون ابنى, ما تقول؟ فأقول: أعطونى شيئًا من كتاب الله عزَّ وجلَّ, أو سُنة رسوله.

فلما طال المجلس ضَجِر, وقال: قوموا, وحبسنى, وعبد الرحمن بن إسحاق يُكلّمنى, وقال: وَيحك! أجبنى, وقال لى: ما أعرفك, ألم تكن تأتينا؟ فقال: له عبد الرحمن بن إسحاق: يا أمير المؤمنين, أعرفه منذ ثلاثين سنة يَرى طاعتك والجهاد والحَج معكم, قال: فيقول: واللهِ إنه لعالم, وإنه لفقيه. وما يَسوؤنى أن يكون مثله معى يردُّ عنى أهلَ المِلَلِ. ثم قال لى: مَا كنت تعرف صالحًا الرشيدى؟ قال: قلت: قد سمعت باسمه. قال: كان مؤدَّبى, وكان فى ذلك الموضع جالسًا - وأشار إلى ناحية من الدار - فسألتُه عن القرآن, فخالفنى, فأمرت به فوُطئ وسُحِب. ثم قال لى: يا أحمد, أجبنى إلى شىءٍ لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدى. قال: قلت: أعطونى شيئًا من كتاب الله عزَّ وجلَّ, أو سُنة رسوله, فطال المجلس, فقام فدخل, ورددت إلى الموضع الذى كنت فيه. فلما كانَ بعد المغرب وَجَّه إلىّ برجلين من أصحاب ابن أبى دُؤاد, يَبيتان عندى, ويناظرانى, ويقيمان معى, حتى إذا كان وقتُ الإفطار جىءَ بالطعام, ويَجتهدان بى أن أفطر فلا أفعل, قال أبى: ووجه إلىّ - يعنى المعتصم - ابنَ أبى دُؤاد فى بَعض الليل, فقال: يقول لك أمير المؤمنين: ما تقول؟ فأرد عليه نحوًا مما كنت أرد. فقال ابن أبى دُؤاد: والله لقد كتبَ اسمك فى السَّبعة, يحيى ابن مَعِين وغيره, فمحوته.

قلت: السبعة: يَحيى بن مَعِين, وأبو خَيْثمة, وأحمد الَّورقى, والقَواريرى وسَعدويه, وسَجادة, وأحمد بن حَنبل, وقيل: خَلَف المخزومى. ولقد ساءَنى أخذهم إياك, ثم يقول: إن أمير المؤمنين قد حلف أن يضربك ضربًا بعد ضرب, وأن يُلقيك فى موضع لا تَرى فيه الشمس, ويقول: إن أجابنى جئتُ إليه حتى أُطلق عنه بيدى, ثم انصرف. فلما أصبح - وذلك فى اليوم الثانى - جاءَ رسوله فأخذ بيدى حتى ذهب بى إليه, فقال لهم: ناظروه, كلموه. فجعلوا يناظرونى, ويتكلم هذا من ها هنا فأردّ عليه, ويَتكلم هذا من ها هنا فأردّ عليه, فإذا جاؤوا بشىءٍ من الكلام مما ليسَ فى كتاب الله عزَّ وجلَّ, ولا سُنة رسوله, ولا فيه خَبر. قلت: ما أدرى ما هذا؟ قال: يقولون: يا أمير المؤمنين, إذا توجَّهَتْ له الحُجة عَلينا ثبتَ, وإذا كلَّمناه بشىءٍ يقول: لا أدرى ما هذا, فيقول: ناظروه, فقال رجل: يا أحمد, أراك تذكُر الحديثَ وتَنْتَحِله. قلت: ما تقول فى (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)؟ فقال: خَصَّ الله عزَّ وجلَّ بها المؤمنين. فقلتُ: ما تقولُ إن كان قاتِلًا أو عَبدًا أو يَهوديًا؟ قال: فسكتَ, وإنما احتججتُ عليهم بهذا, لأنهم كانوا يَحتجّون بظاهر القرآن, وحيث قال

لى: أراكَ تنتَحِل الحديث. فلم يَزالوا كذلك إلى أن قَرُب الزوال, فلما ضَجر, قال لهم: قوموا, وخَلا بى وبعبد الرحمن بن إسحاق, فلم يزل يُكلمنى, ثم قامَ فدخل, ورُدَدْتُ إلى الموضع. أخبرنا المحمدان ابن ناصر, وابن عبد الباقى, قالا: أخبرنا حَمْد, قال: حدثنا أبو نُعَيم الحافظ, قال: حدثنا سليمان بن أحمد, قال: حدثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل, قال: كتب إلىّ الفَتح بن شُخْرُف بخَط يده قال: قال ابنُ حُطيط - رجل قد سماه من أهل الفَضل, من أهل خُراسان - حُبس أحمد بن حنبل وبَعض أصحابه فى المِحنة فى دارٍ قبل أن يُضرب. قال أحمد بن حنبل: فَلما كان الليلُ نامَ من كان معى من أصحابى, وأنا مُتفكر فى أمرى, قال: فإذا أنا برجل طويل يَتخطى الناس حتى دنا مِنى. فقال: أنتَ أحمدُ بن حنبل؟ فسكتُ, فقالها ثانية, فسكتُ, فقالها ثالثة: أنتَ أبو عبد الله أحمد بن حنبل؟ قلتُ: نعم, قال: اصبِر ولكَ الجنّة. قال أحمد: فلمّا مَسّنى حرُّ السَّوط ذكرتُ قولَ الرجُل. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا ابن يوسف, قال: أخبرنا البَرْمَكى, قال: حدثنا ابن مَرْدَك, قال: حدثنا ابن أبى حاتم, قال: حدثنا صالح بن أحمد, قال: قال أبى: فلما كانت الليلةُ الثالثةُ, قلت: خليق أن يحدث غدًا من أمرى شىء, فقلتُ لبعض من كان معى, الموكّل بى: ارتَدْ لى خيطًا,

فجاءنى بخيطٍ فشددتُ به الأقياد, ورددتُ التَّكةَ إلى سَراويلى, مخافَة أن يحدثَ من أمرى شىء فَأتعّرى, فلما كان من الغد فى اليوم الثالث وَجّه إلىّ, فأُدخلتُ, فإن الدار غاصَّة, فجعلت أدخل من مَوضع إلى موضع, وقومٌ معهم السيوف, وقومٌ معهم السِّياط, وغير ذلك. ولم يكن فى اليومين الماضيين كثير أحد من هؤلاء. فلما انتهيتُ إليه, قال: اقعُد. ثم قال: ناظروه, كلَّموه. قال: فَجعلوا يُناظرونى, ويَتكلم هذا فأردُّ عليه, ويتكلم هذا فأردُّ عليه, وجعل صوتى يعلو أصواتهم, فجعل بعض من على رأسه قائم يُومىْ إلىَّ بيده. فلما طال المجلس نَحانى ثم خلا بهم, ثم نَحّاهم ورَدّنى إليه, وقال: وَيحك يا أحمد! أجبنى حتى أطلق عنك بيدى, فرددت عليه نَحوًا مما كنتُ أردّ, فقال لى: عليكَ - وذكر اللَّعن - ثم قال: خُذوه واسحَبوه وخَلِّعوه. قال: فسُحبت, ثم خُلِعت. قال: وقد كان صار إلىَّ شَعرٌ من شَعر النبى صلى الله عليه وسلم, فَصررتُه فى كُم قَميصى, فوجَّه إلىَّ إسحاق بن إبراهيم: ما هذا المصرور فى كم قَميصك؟ فقلت: شعرٌ من شَعر النبى صلى الله عليه وسلم. قال: وسَعى بعضُ القوم إلى القميص ليَخرقه عَلىّض, فقال لهم: - يعنى المعتصم -: لا تخرقوه. فنُزع القميص عنى. قال: فظننتُ أنه إنما دُرى عن القميص الخَرق بسبب الشعر الذى كان فيه. قال أبى: وجلس على كُرسى - يعنى المعتصم - ثم قال: العُقابين والسِّياط, فجىء بالعُقابين, فمُدت يَداى, فقال بعض من حَضر خَلفى:

خُذ ناتئ الخشبتين بيديك وشُدَّ عليهما, فلم أفهم ما قال؛ فَتخلَّعت يَداى. أخبرنا عبد الملك بن أبى القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصارى, قال: أخبرنا أبو يَعقوب, قال: أخبرنا جدى, قال: أخبرنا محمد بن أبى جعفر المنذرى, وأبو أحمد بن أبى أُسامة, قالا: سَمعنا محمد بن إبراهيم البُوشَنْجى, يقول: ذَكروا أن المعتصم لانَ فى أمر أحمد لما عُلِّق فى العُقابين, ورأى ثبوته وتصميمه وصَلابته فى أمره, حتى أغراه ابنُ أبى دُؤاد, وقال له: إن تركته, قيل: إنك تركتَ مذهب المأمون وسَخِطتَ قوله, فهاجَه ذلك على ضربه. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا ابن يوسف, قال: أخبرنا البَرْمَكى, قال أخبرنا ابن مَرْدَك, قال: حدثنا ابن أبى حاتم, قال: حدثنا صالح, قال: قال أبى: لما جىءَ بالسياط نَظر إليها المعتصم, فقال: ائتونى بغيرها, فأتى بغيرها, ثم قال للجلادين: تقدموا. قال: فجعل يتقدم إلىَّ الرجلُ منهم فَيضربنى سَوطين, فيقول له: - يعنى المعتصم - شُدّ, قَطع الله يدك ثم يَتنحَّى, ثم يتقدم الآخر فيضربنى سوطين, وهو فى كل ذلك يقول لهم: شُدوا قَطع الله أيديكم. فلما ضُربت تِسعة عشر سوطا, قام إلىَّ - يعنى المعتصم - فقال: يا أحمد, علامَ تقتل نفسك؟ إنى والله عليك شفيق. قال:

فجعل عُجيْف يَنخسنى بقائم سيفه. وقال: تريد أن تغلبَ هؤلاء كلهم؟ وجعل بعضهم يقول: وَيلك! الخليفة على رأسك قائم! وقال بعضهم: يا أمير المؤمنين, دمهُ فى عنقى, اقتله. وجعلوا يقولون له: يا أمير المؤمنين, أنت صائم, وأنت فى الشمس قائم! فقال لي: وَيحك يا أحمد! ما تقول؟ فأقول: أعطونى شيئًا من كتاب الله عزَّ وجلَّ أو سُنة رسوله صلى الله عليه وسلم, أقول به. قال: ثم رجع فجلس, ثم قال للجلاد: تَقدم, أوجع قَطع الله يدَك ثم قام الثانية, فجعل يقول: ويحك يا أحمد! أجبنى, فجعلوا يُقبلون علىّ ويقولون: ويلك يا أحمد! إمامك على رأسك قائم! وجعل عبد الرحمن يقول: من صَنع من أصحابك فى هذا الأمر ما تَصنع؟ قال: وجَعل يقول - يعنى المعتصم -: وَيحك! أجبنى إلى شىء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين, أعطونى شيئًا من كتاب الله عزَّ وجلَّ أو سُنة رسوله حتى أقول به. قال: فرجع فَجلس, فقال للجلادين: تَقدموا, فجعل الجلاد يتقدَّم ويَضربني سوطين ويتنحى, وهو في خلال ذلك يقول: شُدَّ قطع الله يدك! قال أبي: فذهبَ عقلي, فأفقتُ بعد ذلك, فإذا الأقيادُ قد أُطلقت عني, فقال لي رجل ممن حضر: إنا كبَبْناك على وَجهك, وطَرحنا على ظهرك باريّةً ودُسْناكَ. قال أبي: فما شعرتُ بذلك, وأتونى بسَويق. فقالوا لى: اشرب وَتقيأ, فقلت: لست أفطر. ثم جيء بى إلى دار

إسحاق بن إبراهيم, فحضرت صَلاة الظهر, فتقدم ابنُ سَمَاعةَ فصَلّى, فلما انفتل من الصلاة, قال لى: صَليتَ والدمُ يسيل فى ثوبك؟! فقلت: قد صَلّى عُمر وجرحه يثعب دمًا. قال أبو الفضل: ثم خُلّي عنه, فصار إلى منزله, فمكث فى السَّجن منذ أُخذ وحُمل إلى أن ضُرب وخُلى عنه ثمانيةٌ وعِشرين شهرًا. قال صالح: ولقد أخبرنى أحدُ الرجلين اللَّذين كانا مع أبى - يعنى فى الحبس - وكانَ هذا الرجل قد سَمع ونَظر, ثم [جاءنى] بعد ذلك فقال لى: يا ابن أخى, رَحمة الله على أبى عبد الله, والله مارأيتُ أحًا يُشبهه, ولقد جعلتُ أقول له فى وقتِ ما يُوجَّهُ إلينا بالطعام: يا أبا عبد الله, أنْتَ صائم, وأنتَ فى موضع تَقِيَّةٍ, ولقد عطش فقال لصاحب الشراب: ناولنى, فناوله قَدحًا فيه ماء وثلج, فأخذه ونظر إليه هُنيّةً ثم ردَّه عليه ولم يشرب, فجعلتُ أعجب من صَبره على الجوع والعطش, وهو فيما هو فيه من الهول! قال صالح: وقد كنتُ ألتمسُ وأحتال أن أوصِل إليه طعامًا أو رغيفًا أو رغيفين فى تلك الأيام, فلم أقدر على ذلك. وأخبرنى رَجل حضره: أنه تَفقده فى هذه

الثلاثة الأيام وهم يُناظرونه ويُكلمونه, فما لَحن فى كلمة, قال: وما ظننتُ أن أحدًا يكونُ فى مثل شَجاعته وشِدَّة قَلبه. أخبرنا عبد الملك بن أبى القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصارى, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: أخبرنى جَدى, قال: أخبرنا محمد بن أبى جعفر المنذرى, وأبو أحمد بن أبى أُسامة, قالا: سَمعنا محمد بن إبراهيم البُوشَنْجى, قال: قَدم المعتصم من بلادِ الروم بَغداد فى شهر رَمضان سنة ثمان عشرة, فامتحن فيها أحمد, وضُرب بين يديه. فحدثنى من أثق به من أصحابنا عن محمد بن إبراهيم بن مُصعب - وهو يَومئذ على الشُّرط للمعتصم, خليفة إسحاق بن إبراهيم _ أنه قال: ما رأيتُ أحدًا لم يُداخل السلطان ولا خالَط الملوك أثبت قلبًا من أحمد يومئذ؛ ما نحنُ فى عينه إلا كأمثال الذُباب. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الخّلال, قال: حدثنا أبو الفضل عُبيد الله بن عبد الرحمن الزُّهرى, قال: قرأتُ فى كتابى: قال المُّروذى فى مِحنة أحمد بن حنبل وهو بَين الهُنْبَازَيْن: يا أستاذ, قال الله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) , فقال أحمد: يا مَروذى, اخرج انظر, أى شىءٍ تَرى. قال: فخرجتُ إلى رَحبة دار الخليفة, فرأيتُ خَلقًا من الناس لا يُحصى عَددهم إلا الله, والصحفُ فى أيديهم, والأقلام والمحابر فى أذرعتهم, فقال لهم

المُّروذى: أى شىءٍ تَعلمون؟ فقالوا: ننتظر أحمد فنكبته, فقال المروذى: مكانكم, فدخل إلى أحمد بن حنبل وهو قائم بين الهُنْبَازَين, فقال له: رأيتُ قومًا بأيديهم الصحف والأقلام يَنتظرون ما تقول فَيكتبونه. فقال: يا مروذى, أُضلُّ هؤلاء كلَّهم, أقتل نَفسى, ولا أضل هؤلاء كلهم. قلت: هذا رجلٌ هانَت عليه نفسه فى الله تعالى فَبذلها, كما هانت على بلال نفسه. وقد رَوينا عن سعيد بن المسَيّب: أنه كانت نفسه عليه فى الله تعالى, أهون من نَفس ذُباب. وإنما تهون أنفسهم عليهم لتلمّحهم العَواقب, فعيون البَصائر ناظرة إلى المال لا إلى الحال, وشدة ابتِلاء أحمد دليلٌ على قُوة دينه, لأنه صَحَّ عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يُبْتَلَى الرّجلُ على حَسَبِ دَيِنه) فَسبحان من أيّده وبَصَّره, وقَوّاه ونَصَره.

أخبرنا محمد بن ناصر, قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه, قال: أخبرنا عُبيد الله بن أحمد, قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبيد الله الكاتب, قال: حدثنا أبو على الحَسن بن مَحمد بن عثمان الفَسَوى, قال: حدثنى داود بن عَرفة, قال: حدثنا مَيمون بن الأصبغ, قال: كنتُ ببغداد, فسمعتُ ضَجّة, فقلتُ: ما هذا؟ فقالوا: أحمدُ بن حنبل يُمتَحن. فأتيتُ منزلى, فأخذتُ مالًا له خَطر, فذهبتُ به إلى من يُدخلنى إلى المجلس, فأدخلونى, فإذا بالسيوف قد جُرِّدت, وبالرّماح قد رُكزت, وبالتِّراس قد نُصبت, وبالسياط قد طُرحت, فألبسونى قَباءٍ أسود, ومِنْطَقَة وسَيفًا, ووقفونى حيثُ أسمع الكلام, فأتى أمير المؤمنين, فجلس على كرسى, وأتى بأحمد بن حنبل, فقال له: وقرابتى من رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأضربتّك بالسياط, أو تقولَ كما أقولُ, ثم التفت إلى جلاد, فقال: خُذه إليك, فأخذه. فلما ضُرب سوطًا قال: بسم الله, فلما ضُرب الثانى قال: لا حَول ولا قُوة إلا بالله, فلما ضُرب الثالث قال: القرآن كلامُ الله غير مَخلوق, فلما ضُرب الرابع قال: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا). فضربه تسعةَ وعشرين سوطًا, وكانت تِكّة أحمد حاشِية ثوب, فانقطعت, فَنزل السراويل إلى عانَته, فقلتُ: الساعةَ ينهتِك, فرمى أحمدُ طَرفه نَحو السماءِ وحرَّك شَفتيه, فما كان بأسرع من أن بَقى السراويل لم ينزل. قال ميمون: فَدخلت إليه بعد سَبعة أيام, فقلت: يا أبا عبد الله, رأيتُك يوم ضَربوك قد انحلَّ سراويلك, فرفعتَ طرفك نحو السماءِ,

ورأيتُك تُحرك شفَتيك, فأى شىءٍ قُلتَ؟ قال: قلتُ: اللهُم إنى أسألك باسمك الذى ملأتَ به العرشَ, إن كنتَ تعلمُ أ، ى على الصواب فلا تهتك لى سِتْرًا. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر, وابن عبد الباقى؛ قالا: أخبرنا حَمْد قال: أخبرنا أبو نُعَيم الحافظ, قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر, قال: حدثنا أبى, قال: حدثنا أحمد بن أبى عُبيد الله, قال: قال أحمد بن الفَرج: حضرتُ أحمد لما ضُرب, فتقدّم أبو الدَّنّ فَضربه بضعةَ عشر سوطًا, فأقبل الدمُ من أكتافِه, وكان عليه سَراويل فانقطع خَيطه, فنزل السراويل, فلحظتى وقد حَرّك شَفتيه, فعادَ السراويل كما كان, فسألتُه عن ذلك, فقال: قلتُ: إلهى وسَيدى, وقَفتنى هذا الموقف, فَتهتكنى على رؤوس الخَلائق, فعادَ السراويل كما كان. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر, وابن عبد الباقى, قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد, قال: حدثنا أبو نُعَيم الحافظ, قال: حدثنا الحسين بن محمد, قال: حدثنا إبراهيم بن محمد القاضى, قال: حدثنى أبو عبد الله الجَوهرى, قال: حدثنى يوسف بن يَعقوب بن الفَرج, قال: سمعت على بن محمد القُرشى, قال: لما قُدّم أحمد بن حنبل ليضرب وجُرّد, وبقى فى سَراويله, فبينا هو يُضرب انحلَّ السراويل, فجعلَ يُحرك شَفتيه بشىءٍ, فرأيتُ يَدين خَرجتا من تَحته وهو

يُضرب, فشدَّتا السراويل, فلما فَرغوا من الضَّرب, قلنا له: ما كنتَ تقول حيثُ انحلَّ السراويل؟ قال: قلتُ يا من لا يعلمُ العرشُ منه أينَ هو إلا هو, إن كنتُ على الحقُّ فلا تُبْدِ عَورتى, فهذا الذى قلتُ. أخبرنا ابن ناصر, قال: أخبرنا أبو على الحسن بن أحمد, قال: حدثنى القاضى أبو يَعلى محمد بن الحسين, قال: حدثنا أبو الحسن على بن محمد الحِنّائى, قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل الطَّرسوسى, قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عيسى, قال: حدثنا أحمد بن طاهر, قال: حدثنا العباس بن عبد الله, قال: سمعتُ جعفرًا الرازى يقول: كانَ إسحاق بن إبراهيم يقول: أنا والله! رأيتُ يوم ضرب أحمد سراويله وقد ارتَفع من بعد انخفاضه, وانعقدَ من بعد انحِلاله, ولم يفطن بذلك لذهول عقل من حَضره, وما رأيتُ يومًا كان أعظم على المعتصم من ذلك اليوم, والله لو لم يَرفع عنه الضرب لم يَبرح من مكانه إلا ميتًا. أخبرنا عبد الملك بن أبى القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصارى, قال: أخبرنا محمد بن المنتصر, قال: أخبرنا أبو بكر بن أبى الفَضل, قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الصّرام, قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الأنصارى, قال: سمعتُ بعضَ الجلادين, يقول: لقد بَطل أحمدُ بن حنبل الشُطّار, والله لقد ضَربتُه ضَربًا لو أبرك لى بعيرٌ فضربته ذلك الضرب, لنقبتُ عن جَوفه.

أخبرنا عبد الملك, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد, قال: أخبرنى أبو يعقوب إجازة, قال: حدثنا أبو على منصور بن عبد الله, قال: حدثنا بكر بن محمد بن حَمدان, قال: حدثنا جعفر بن كزال, قال: سمعتُ مُحمد بن إسماعيل بن أبى سَمينة, قال: سمعتُ شاباص التائب يقول: لقد ضربتُ أحمد بن حنبل ثمانين سوطًا, لو ضربتُه فيلًا لهدَّتْه. أنبأنا أبو عبد الله بن البَنّا, عن القاضى أبى يَعلى, قال: اخبرنى محمد بن جَعفر الراشدى, قال: حدثنى بعض أصحابنا, قال: لما أخذت أبا عبد الله السياط, قال: بكَ أستغيثُ يا جبارَ السماءِ ويا جبارَ الأرض. أخبرنا عبد الملك بن أبى القاسم, قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصارى, قال: أخبرنا أبو يعقوب, قال: سمعتُ إبراهيم بن إسماعيل الخَلّالى, قال: سمعتُ محمد بن عبد الله بن شاذان, يقول: سمعتُ أحمد بن الحسن بن عَبْدُوَيه, يقول: سمعتُ عبدالله بن أحمد بن حنبل, يقول: كنتُ كثيرًا أسمع والدى يقول: رحمَ الله أبا الهيثَم, عفا الله عن أبى الهيثم الحَداد, اليوم الذى أخرجتُ فيه للسياط, ومُدت يَداى للعُقابين, إذا أنا بإنسان يَجذب ثَوبى من وَرائى, ويقول لى: تَعرفنى. قلتُ: لا, قال: أنا أبو الهيثم العَيّار, اللِّصُّ الطَّرار, مكتوب فى ديوان أمير المؤمنين أنى ضُربت ثمانيةَ عشر ألف سوط بالتفاريق, وصَبرتُ فى ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا, فاصبر أنتَ فى طاعة الرحمن لأجل الدين. قال: فضُربت ثمانية عَشر سوطًا

بدل ما ضُرب ثمانية عشر ألفاً، وخرج الخادم، فقال: عَفا عنه أميرُ المؤمنين. وقد ذكر إبراهيم بن مُحمد بن عَرفة في "تاريخه" أن أحمد ضرب ستةُ وثلاثينَ سوطاً. أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو محمد الخَلال، قال: أخبرنا عمر بن شاهين، قال: حدثنا شُعيب ابن محمد الذارع، قال: حدثنا يحيى بن نُعيم، قال: لما أخرج أحمد بن حنبل إلى المعتصم يوم ضُرب، قال له العون الموكّل به: ادعُ على ظالمك. فقال: ليسَ بصابرٍ من دَعا على ظالمه. أخبرنا أبو المعمَّر الأنصاري، قال: أخبرنا محفوظ بن أحمد، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن غالب، قال: سمعتُ أبا الفَضل التميمي، يقول: قال أبو القاسم البَغَوي: رأيتُ أحمد بن حنبل داخلاً إلى جامع المدينة، وعليه كِساء أخضر، وبيده نَعلاه حاسر الرأس، فرأيتُ شَيخاً آدم طُوالاً أبيضً اللحية؛ وكان

على دَكّة المنارة قوم من أصحاب السلطان، فَنزلوا واستقبلوه وقَبلوا رأسه ويده، وقالوا له: ادعُ على من ظلمك. فقال: ليسَ بصابر من دَعا على ظالم. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرني أبو الحُسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي، قال: أخبرنا محمد بن أبي الفَوارس، قال: أخبرنا أحمد ابن جعفر بن سَلْم، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: سمعتُ أبا عبدالله يقول: لما حُملتُ إلى الدار مَكثت يومين لم أطعم، فلما ضُربت جاؤوني بسَويق، فلم أشرب وأتممتُ صومي. أخبرنا ابن ناصر: قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا أبو القاسم الأزهري، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس، قال: حدثني جعفر ابن أبي عمِران، قال: حدثنا صدقة، قال: حدثني أبو عُمر المَخْزومي، قال: كنتُ بمكة أطوفُ بالبيت مع سَعيد بن مَنصور، فإذا صوتٌ من ورائي: ضُرب أحمد بن حنبل اليوم. قال: فجاء الخبر أنه ضُرب في ذلك اليوم. وفي رواية أخرى: فقال لي سَعيد بن منصور: أتسمع ما أسمع؟ قلت: نعم، قال: فاعْرِفْ ذلك اليوم، قال: فجاءَ الخبر أنه ضُرِب في ذلك اليوم. أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ثابت،

قال: أخبرنا الأزهري، قال: أخبرنا علي بن محمد بن لولو، قال: حدثنا هيثم الدوري، قال: حدثنا محمد بن سُويد الطحان، قال: كنا عند عاصم ابن عَلي، ومعنا أبو عُبيد القاسم بن سَلام وإبراهيم بن أبي اللَّيث - وذكر جماعة - وأحمد بن حنبل يُضرب ذلكَ اليوم، فجعل عاصم يقول ألا رجل يقوم معي فتأتي هذا الرجل فَنكلمه؟ قال: فما يُجيبه أحد، فقال إبراهيم بن أبي الليث: يا أبا الحسين، أنا أبا الحسين، أنا أقومُ معك. فصاحَ: يا غُلام، خُفّي، فقالَ له إبراهيم: يا أبا الحسين، أبلغُ إلى بَناتي، فأوصيهن وأجدد بهن عهداً، قال: فظننا أنه هب يتكفن ويتحنَّط، ثم جاء فقال عاصم: يا غُلام، خُفّي، فقال: يا أبا الحُسين إني ذهبتُ إلى بَناتي فَبكين، قال: وجاء كِتاب ابنتَي عاصم من واسط: يا أبانا، إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل فضربه بالسوط على أن يَقول: القُرآن مخلوق، فاتَّقِ الله ولا تُجبه إن سَألك، فوالله لأن يأتينا نعِيُّكَ، أحبّ إلينا من أن يأتينا أنكَ قُلتَ. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا محمد بنعلي الخياط، قال: أخبرنا أمد بن عبد اله بن الخضر، قال: حدثنا أبو جَعفر أحمدبن يعقوب الأصفهاني قال: حدثنا عمر بن الحسن الشيباني، قال: أخبرني أبو شُعيب الحَرّاني قال: كنا مع أبي عُبيد القاسم بن سَلام بباب المعتصم وأحمد بن حنبل يُضرب، قال: فجعل أبو عُبيد يقول: أيُضرَب سَيدنا؟ لا صبرَ، أيضرب سَيدنا لا صبرَ، قال أبو شُعيب: فقلت أنا:

ضَرَبوا ابن حنبلَ بالسِّياطِ بظُلْمِهِمْ ... بَغيّاً فثَّبَّتَ بالثباتِ الأنوَرِ قالَ الموفَّقُ حينَ مُدَّدَ بَينَهُم ... مَدَّ الأديمِ على الصَّعيد القَرْقَرِ إني أموتُ ولا أبوءُ بفَجْرَةٍ ... تُصلي بَوائقَها مَحَلَّ المُفْتَري أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي بن البَنّا، قال: أخبرنا الحسن ابن أحمد، قال: أخبرنا ابن السمّاك في الإجازة، قال: حدثنا أبو جعفر محمد ابن أحمد، قال: سمعتُ أبا حاتم قول: لما كان اليومُ الذي ضُرب فيه أحمد، قلتُ: أمرُّ اليومَ فأعرف خَبر أحمد، فبَكَّرتُ فإذا أنا بشيخ قائم، وهو يضقول: اللهمَّ ثبته، اللهمَّ أعنه، ثم لم يَزل كالحَيران، ويقول: إن كان أجابَ حتى أدخل فأقوم مقامه، فخرج رجلٌ، فقال: لم يُجبهم، فقال: الحمدُ لله. فقلتُ: منهذا فقالوا: بِشر بن الحارث. قلت: وقد نُقِل إلينا حكايات في قصة ضرَبه لم يثبت عندنا صحتها فتنكبناها.

سياق بَيان فَضله في صَبره وما تَمَّ له أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكَرُوخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن حَسان، قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن شَارَك، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن السامي، قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا عمر بن شاكر، قال: حدثنا أنس بن مالك، قال: قالَ رسول الله صلى لله عليه وسلم:"يَأتي عَلى الناسِ زَمانٌ الصابرُ منهم على دينه لَه أجرُ خَمسينَ مِنْكُم".قالوا: منّا؟ قال: "منكم"، حتى أعادَها ثلاثَ مرات. أخبرنا يَحيى بن علي المُدِير، قال: أخبرنا أبو بكر الخَياط، قال: حدثنا أبو علي بن حَمَكان، قال: حدثنا أبو بَكر النَّقاش، قال: حدثنا أبو نُعيم الإستراباذي، قال: حدثنا الربيع بن سُليمان، قال: سمعتُ الشافعي

يقول: أَشَدُّ الأعمال ثلاثة، الجودُ من قِلَّة، والوَرع في خَلوة، وكَلمة الحَقّ عند من يُرجى ويُخاف. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أبو محمدبن أبي حاتم، قال: سمعتُ أبا زُرْعة يقول: لم أزل أسمع الناسَ يذكرون أحمد بن حنبل بخير ويُقدّمونه على يحيى بن مَعين، وأبي خَيثمة، غير أنه لم يكن من ذكره ما صار بعد أن امتُحن، فلما متحن، ارتَفع ذِكره في الآفاق. قال ابن أبي حاتم: وحدثنا عبد الملك بن أبي عبدالرحمن، قال: سمعتُ أحمد بن يونس، روى الحديث: "في الجَنة قُصورٌ لا يَدخُلها إلا نبي، أو صِدّيق، أو مُحَكَّم في نفسه". فقيل لأحمد بن يونس: من المحكم في نفسه؟ قال: أحمدُ بن حنبل المحكَّم في نفسه. قلت: هذا الحديثُ مروي عن كَعب الأحبار: أخبرنا محمد بن عبد الباقي ابن أحمد بن سلمان، قال: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصبهاني، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سَلْم، قال: حدثنا هَنّاد بن السَّرِي، قال: حدثنا محمد ابن عُبيد، عن سلمة بن نُبيْط، عن عبد الله بن أبي الجَعْد، عن كَعب الأحبارن قال:"إن لله عز وجل داراً دُرّة فوق دُرّة، أو لُؤلؤة فوق لُؤلؤة؛

فيها سبعون ألفَ قَصر، في كلِّ قَصر سَبعون ألفَ دار، في كلِّ دارٍ سَبعون ألفَ بيت، لا يسكنها إلا نَبِيٌّ أو صِديقٌ أو شهيدٌ أو إمامٌ عادِلٌ أو مُحَكّمٌ في نَفسِه". وقد روا المحدّثون بكسر الكاف ونصبها، فمن فتح الكاف أراد به: الرجل يُخير بين الكُفر والقَتل، ذكره أبو عُبيد الهروي، ومن كسر فالمرادُ به: المنتصف من نَفسه، قاله وكيع. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو محمد الخَلال، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزُّهري- من ولد عبد الرحمن بن عَوف -قال: سمعتُ أبين يقول: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: قاللي أبي: يا بُني لقد أعطيتُ المجهودَ من نفسي - يعني في المحنة-. قال: وكتب أهلُ المطامير إلى أحمد بن حنبل: إن رجعتَ عن مقالتك أرتَددنا عن الإسلام!! أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، قال: حدثنا أبو غالب ابن بنت معاوية قال: ضُرب أحمد ابن حنبل بالسيّاط في اله، فقامَ مقام الصديقين، في العشر الأواخر من

رَمضان سنة عشرين ومئتين. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد الملك بن محمد البُزُوغائي، قال: أخبرنا علي بن عمر القَزويني، قال: أخبرنا يوسف بن عمر القَوّاس، قال: حدثنا محمد بن القاسم ابن بنت كعب، قال: حدثنا جعفر بن أبي هاشم، قال: مكثَ أحمد بن حنبل في السن سنة سبع عشرة وثماني عشرة وتسع عشرة، وأخرج في رَمضان.

سياق كيفية خروجه من دار المعتصم أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا أبي، قال: قالَ إبراهيم بن الحارث - مِن ولد عُبادة بن الصّامِت- قال: قال أبو محمد الطُّفاوي لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله، أخبرني عما صنعوا بك؟ قال: لما ضُربت بالسياط جاءَ ذاك الطويلُ اللّحية - يعني عُجيفاً - فضربني بقائم السيف، فقلتُ: جاءَ الفرج، تُضرب عنقي وأستريح. فقال له ابن سَمَاعة: يا أميرَ المؤمنين، اضرب عُنقه ودَمه في رَقبتي. فقال له ابن أبي دُؤاد: لا يا أمير المؤمنين، لا تَفعل، فإنه إن قُتل أو ماتَ في دارك، قال الناسُ: صبر حتى قُتل، فاتَّخذه الناس إماماً وثبتوا على ما هُم عليه، لا ولن أطلقه الساعة، فن ماتَ خارجاً من منزلك شكَّ الناس في أمره [وقال بعضهم: أجاب]، وقال بعضُهم: لم يجبه، فيكونُ أناس في شك من أمره. وقال ابن أبي حاتم: وسمعت أبا زُرْعة، يقول: دعا المعتصم بعَمِّ أحمد بن حنبل، ثم قال للناس: تَعرفونه؟ قالوا: نعم، هو أحمد بن حنبل. قال: فانظروا إليه، أليسَ هو صحيح البدن؟ قالوا: نعم، ولولا أنه فعل ذلك لكنت أخافُ أن يقع شر لا يقامُ له، فلما قال: قد سلمته إليكم صحيح البدن، هدأ الناسُ وسكنوا.

أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه، قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبيد الله الكاتب، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان، قال: حدثني داود بن عَرفة، قال: حدثنا ميمون بن الأصبغ، قال: أخرج أحمد بن حنبل بعد أن اجتمع الناس على الباب وضَجّوا، حتى خاف السلطان فخرج.

الباب السبعون في ذكر تلقى المشايخ إياه بعد انقضاء المحنة ودعائهم له

الباب السَبعُون في ذكر تلقّى المشايخ إياه بعد انقضاء المحنة ودُعائهم له أخبرنا إسماعيل بن أحمد السَّمَرْقَنْدي، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: حدثنا أبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا مُهَنَّاً بن يحيى قال: رأيتُ يعقوبَ بن إبراهيم بن سَعد الزهري حينَ أخرج أحمدُ من الحبس، وهو يقبل جبهة أحمد وَوَجهه، ورأيتُ سليمان بن داود الهاشمي يُقبل جبهة أحمد ورأسه. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: حدثنا أبو يعقوب الحافظ، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الفضل، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الصرّام، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدثني الحسن بن عبد العزيز الجَروي. قال: قلت للحارث ابن مسكين: إن هذا الرجل- أعني أحمد بن حنبل - قد ضُرب، فاذهب بنا إليه، فذهبتُ أنا وهو، فدخلنا عليه حِدْثان ضربه. فقال لنا: ضُربت

فسقطتُ وسمعت ذاك - يعني ابن أبي دُؤاد - يقول يا أميرَ المؤمنين، هو والله ضالٌّ مضلٌّ. فقال له الحارث: أخبرني يوسف بن عمر بن يزيد، عن مالك ابن أنس: أن الزُّهري سُعيَ به حتى ضُرب بالسياط، فقيل لمالك بعد ذل: إنّ الزُّهري قد أقيم للناس وعُلّقت كتبه في عنقه، فقال مال: قد ضُرب سعيد ابن المسيّب بالسياط وحُلق رأسه ولحيته، وضُرب أبو الزِّناد بالسياط، وضرب محمد بن المنكدر وأصحاب له في حَمّام بالسياط، قال: وقال عُمر بن عبد العزيز: لا تَغبطوا أحداً لم يُصبه في هذا الأمر أذى، قال: وما كر مالك نفسه، قال: فأُعجب أحمدُ بقول الحارث. قلت: وما زال الناس يُبتَلون في الله تعالى ويَصبرون، وقد كانت الأنبياء تُقتل، وأهل الخير في الأمم السالفة يُتلون ويُحرقون، ويُنشر أحدهم بالمنشار وهو ثابتٌ على دينه، ولولا كراهية التطويل لذكرتُ من ذلك بأسانيده ما يطول، غير أني أوثر الاختصار. وقد سُمَّ نبينا صلى الله عليه وسلم، وسُمَّ أبو بكر، وقُتل عُمر وعثمان وعلي، وسُمَّ الحسن، وقُتل الحُسين، وابنُ الزبير، والضَّحاك بن قيس، والنُّعمان بن بشير، وصُلِب خُبَيب بن عَدي، وقَتل الحجاجُ عبدَ الرحمن بن أبي لَيلى، وعبدَ الله بن غالب الحُدّاني، وسَعيد بن جُبير، وأبا البَخْتَري الطائي، وكُمَيل بن زياد، وحُطَيْطاً الزيّات، وماهان الحَنَفي صَلبه، وصلب قبله ابنَ الزبير، وقَتل الواثقُ أحمدَ بن نصر الخُزاعي وصَلبه.

فأما من ضُرب من كِبار العلماءِ: فعبدُ الرحمن بن أبي ليلى، ضَربه الحجاج أربع مئة سَوط، ثم قتله. سَعيد بن المسيّب، ضربه عبد الملك بن مروان مئة سوط، لأنه بعث ببيعة الوليد إلى المدينة فلم يُبايع سعيد، فكَتب أن يُضرب مئة سوط ويصب عليه جرة ماء في يومٍ شاتٍ، ويُلبس جُبة صوف، فَفُعل به ذلك. خُبَيْب بن عبد الله بن الزبير، ضَربه عُمر بن عبد العزيز بأمر الوليد مئة سوط، ولك أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذا بَلغ بَنو أبي العاص ثَلاثين رَجُلاً اتخذوا عبادَ الله خَولاً، ومالَ الله دولاً". فكانَ عمر إذا قيل له: أبشر، قال: كيف بخبيب على الطريق؟ أبو الزِّناد، ضَربه بنو أمية. أبو عَمرو بن العَلاء، ضربه بنو أمية خمس مئة سوط. رَبيعة الرَّأي، ضربه بنو أمية. عَطية العَوْفي، ضَربه الححاج أربع مئة سوط. يزيد الضَّبّي، ضربه الحجاج أربع مئة سوط. ثابت البُنّاني، ضربه ابن الجارود خَليفة ابن زياد.

عبد الله بن عَون، ضربه بِلال بن أبي بُردة سبعين سوطاً. مالك بن أنس، ضربه المنصور سَبعين سوطاً في يَمين المكره، وكان مالك يقول: لا تُلزِمه اليَمين. أبو السوّار العَدَوي، وعُقبةُ بن عبد الغافر، ضُربا بالسياط. ولأحمد بن حنبل في هؤلاءِ الأئمة أسوة.

سياق ذكر جَعله المعتصم في حِلٍّ من ضَربه ومَن حَضر أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا أبو إسحاق البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أبي حاتم، قال: قال صالح بن أحمد: سمعتُ أبي يقول: لقد جَعلتُ الميّتَ في حِلٌّ من ضَربه إياي، ثم قال: مررتُ بهذه الآية {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، فنظرت في تفسيرها فإذا هو ما أخبرنا هاشم بن القاسم، قال: أخبرنا المبارك بن فَضَالة، قال: أخبرني مَن سمع الحسن يقول إذا كانَ يوم القيامة جَثت الأمم كلّها بين يدي الله عزَّ وجلَّن ثم نُودي أن لا يقوم لا من أجره على الله عزّ وجلّ، قال: فَلا يقوم إلا من عَفا في الدنيا. قال أبي: فجعلتُ الميّتَ في حلٌّ من ضَربه إياي، وجَعل يقول: وما عَلى رجل أن لا يعذِّبَ اللهُ بسببه أحداً؟ قال ابن أبي حاتم: وحدثنا أحمد بن سنان، قال: بلغني أن أحمد بن حنبل جعل المعتصم في حل في يوم فَتح [عاصمة] بابك، أو في يوم

فتح عَموريّة، فقال: هو في حل من ضربي أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو عبد اله الحسن بن عبد الله بن سقلاب، قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال لي أبي: وَجَّه إليّ الواثق أن أجعل المعتصم في حِل من ضَربه إياي، فقلت: ما خرجتُ من داره حتى جعلته في حل، وذكرتُ قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَقومُ يَوم القيامةِ إلا مَنْ عَفا" فعفوتُ عنه. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط، قال: أخبرنا محمد بن أبي الفوارس، قال: أخبرنا

أحمد بن جعفر بن سَلْم، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: قال لي أبو عبد الله: قد سألني إسحاق بن إبراهيم أن أجعلأبا إسحاق في حل، فقلت له: قد كنتُ جعلته في حل، ثم قال أبو عبد الله: تفكرتُ في الحديث: "إذا كان يوم القيامة نادى مُنادٍ: لا يقم إلا من عفا". وذكرتُ قول الشَّعْبي: إن تعف عنه مَرة يكن لك من الأجر مَرَّتين. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: حدثنا محمد بن أحمد الجارودي، قال: حدثنا الحسين بن علي بن جعفر، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو علي الحسين بن عبد الله الخِرَقِي- وقد رأى أحمد بن حنبل -قال: بت مع أحمد بن حنبل ليلةً؛ فلم أره ينام إلا يَبكي إلى أن أصبح، فقلت: أبا عبد الله، كثر بُكاؤك الليلة، فما السبب فقال لي: ذكرتُ ضرب المعتصم إياي ومرَّ بي في الدَّرس: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، فسجدت وأحللته من ضربي في السجود. أنبأنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا عُبيد الله بن عمر بن شاهين، قال: حدثني أبي، قال: سمعت عثمان بن عَبْدُويَه، يقول: سمعتُ إبراهيم الحربي، يقول: أحلَّ أحمد بن حنبل من حَضر ضربَه وكلَّ من شايع فيه والمعتصم، وقال: لولا أن ابن أبي دُؤاد داعية لأحللته. قال عمر بن شاهين: وحدثنا أحمد بن خالد المُكْتِب، قال: سمعت أبا

العباس بن واصل المقرئ يقول: قال لي فُوران: وجَّه إليّ أبو عبد الله أحمد بن حنبل في اللّيل فدعاني، فقال لي: كيف أخبرتني عن فَضْل الأنماطي قال: قلت: يا أبا عبد الله، قال لي فَضل: لا أجعل في حل من أمرَ بضربي حتى أقول: القرآن مخلوق، ولا من تولي الضرب، ولا من سَرَّه ممن حضر وغابَ من الجهميَّة، فقال لي أحمد بن حنبل: لكني جعلتُ المعتصم في حل ومن تَولّى ضربي ومن غابَ ومن حضر، وقلت: لا يُعذب فيَّ أحد. وذكرتُ حديثين يُرويان عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله عزَّ وجلَّ ينشئُ قصوراً، فيرفع الناسُ رءوسهم، فيقولون: لمن هذه القصور ما أحسنها؟ فيقال: لمن أعطى ثمنها، قيل: وما ثمنها؟ قال: من عَفا عن أخيه المسلم" و"يأمر الله عز وجل بعقد لواءٍ فينادي منادٍ: ليقم تَحتَ هذا اللواء إلى الجَنة من له عند الله عَهد. فقال: بيِّن بيِّن من هو؟ قال: مَن عَفا عن أخيه المسلم". أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر، قال: أنبأنا عُبيد الله بن أحمد بن عثمان الصَّيرفي، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد، أن أبا عَمرو بن السمّاك أخبرهم، قال: أخبرنا محمد بن سفيان بن هارون، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح، قال: سمعتُ عمي عبد الله بن أحمد، يقول: قرأت على أبي روح عن أشعث عن الحسن: "إن لله عز وجل باباً في الجنة لا يدخله إلا من عَفا عن مَظْلَمة". فقال لي: يا بُني، ما خرجتُ من دار أبي إسحاق حتى أحللته ومن معه إلا رجلين، ابن أبي دؤاد وعبد الرحمن بن إسحاق فإنهما طلبا دمي، وأنا أهونُ على الله عز وجل من أن يعذب فيَّ أحداً، أشهدك أنهما في حِل.

سياق ذكر بقاء أثر الضرب عليه أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال نظر إلى أبي رجلُ ممن يُبصر الضرب والعلاج. فقال: قد رأيتُ من ضُرب ألف سوط ما رأيتُ ضرباً مثل هذا، لقد جُرَّ عليه من خلفه ومن قُدّامه، ثم أخذ ميلاً فأدخله في بعض تلك الجراحات فنر إليه، فقال: لم تُنْقَبُ، وجعل يأتيه ويعالجه، وقد كان أصاب وجهه غيرُ ضربةٍ، ومكث مُتكئاً على وجهه ما شاءَ الله. ثم قال: إن هاهنا شيئاً أريد أن أقطعه، فجاءَ بجديدة فجعل يُعَلِّق اللحمَ بها ويقْطعه بسكين معه، وهو صابر لذلك يَحمد الله عز وجل في ذلك، فبرأ منه. ولم يزل يتوجع من مواضع منه، وكان أثر الضرب بيِّناً في ظهره إلى أن توفي رحمه الله. فسمعتُ أبي يقول: والله لقد أعطيتُ المجهودَ من نفسي، ولَوددتُ أن أنجو من هذا الأمر الذي أخاف كِفافاً لا علىَّ ولا لي. قال ابن أبي حاتم: وسمعتُ أبي يقول: أتيتُ أحمد بن حنبل بعدما ضُرب بثلاث سنين أو نحوها. فقلت له: ذهبَ عنك أثر الضرب فأخَرج يده

اليُسري على كوعه اليُمنى، وقال: هذا، كأنه يقول: خُلع، وأنه يجد منها ألَم ذلك. وبلغني عن أبي الحُسين بن المنادي، قال: حدثني جدي، قال: لقيتُ أبا عبد الله بعد ما انكشف ذلك البلاءُ، فرأيتُ بين يديه مِجْمَرة فيها جَمر، يضع خرقة مَلفوفة في يده فَيُسخنها بالنار، ثم يجعلها على جنبه من الضرَّب الذي كان ضُرب، فالتفتَ إليّ، فقال: يا أبا جعفر، ما كان في القوم أرأف بي من المعتصم.

الباب الحادي والسبعون في ذكر تحديثه بعد موت المعتصم

الباب الحادي والسّبعُون في ذكر تحديثه بعد موت المعتصم أخبرنا الكَرُوخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: أخبرنا جدي، قال: أخبرنا محمد بن أبي جعفر المنذري، قال: سمعتُ محمد بن إبراهيم البثوشَنْجي، يقول: في سنة سبع وعشرين حَدَّث أحمد بن حنبل ببغداد ظاهراً جهرة، وذلك حين ماتَ المعتصم، بلغنا انبساطه في الحديث ونحن بالكوفة، فرجعتُ إليه فأدركته في رَجب من هذه السنة وهو يُحدث، ثم قطع الحديث لثلاث بقين من شعبان من غير منع من السلطان، ولكن كتب الحسن بن علي بن الجَعد - وهو يومئذ قاضٍ ببغداد - إلى ابن أبي دُؤاد: إن أحمد قد انبسطَ في الحديث. فبلغ ذلك أحمد فأمسك عن الحديث من غير أن يُمنع، ولم يكن حَدَّث أيام المعتصم فيما بلغنا، وكانت ولايته ثمان سنين وثمانية أشهر، ثم لم يُحدث إلى أن توفي.

الباب الثاني والسبعون في ذكر قصته مع الواثق

الباب الثاني والسّبعُون في ذكر قصته مع الواثق ولي الواثق أبو جعفر هارون بن المعتصم في ربيع الأول سنة سَبع وعشرين ومئتين، وحسَّن له ابنُ أبي دُؤاد امتحانَ الناس بخلق القرآن، ففعل ذلك ولم يَعرض لأحمد، ما لما علم من صَبره، أو لما خاف من تأثير عُقوبته، لكنه أرسل إلى أحمد بن حنبل: لا تُساكنّي بأرض. فاختفى أحمد بقية حياة الواثق، فما زال يتنقل في الأماكن، ثم عاد إلى منزله بعد أشهر، فاختفى فيه إلى أن مات الواثق. أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أقام أحمدُ بن حنبل مدة اختفائه عند إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النَّيسابوري. قلت: وقد روي: عند إبراهيم بن هانئ وبيتُ الوالِد والوَلد واحدٌ. أخبرنا موهوب بن أحمد، قال: أخبرنا علي بن أحمدبن البُسْري، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن المُخَلِّص، قال: حدثنا البَغَوي، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل في سنة ثمان وعشرين في أولها، وقد حدث حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"لم يَبقَ من الدنيا إلا بَلاءٌ وفِتنةٌ، فأعدّوا

للبلاءِ صبراً". فَجعل يقول: اللهمَّ رضينا! اللهمَّ رضينا! أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله، قال: أخبرني جعفر بن محمد الخُلْدِي في كتابه، قال: حدثني أبو حامد- قَرابة أسد المعلم - قال: قال إبراهيم ابن هانئ: اختفى عندي أحمد بن حنبل ثلاثة أيام. ثم قال: اطلبْ لي مَوضعاً حتى أتحول إليه. قلت: لا آمَنُ عليك يا أبا عبد الله. فقال: افعلْ؛ فإذا فعلتَ أفدتُك، فطلبتُ له موضعاً، فلما خرج قال لي: اختفى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الغارِ ثلاثةَ أيام ثم تحوَّل، وليسَ ينبغي أن يُتبع رسول الله في الرخاءِ ويُترك في الشدة. أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، وعلي بن أبي عمر، قالا: أخبرنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن نُصير، قال: حدثنا أبو حامد أحمد بن مخلد بن ماهان الحَذّاء، قال حدثنا فَتْح بن شُخْرُف، قال: قال لي إبراهيم بن هانئ النَّيسابوري: اختفى عندي أحمد بن حنبل ثلاث ليال. ثم قال: اطلب لي

مَوضعاً حتى أدور إليه، فقلت: لا آمنُ عليكَ يا أبا عبد الله. فقال لي: النَّبي صلى الله عليه وسلم اختفى في الغار ثلاثةَ أيام ثم دار، وليس يَنبغي أن تُتبع سنة رسول الله في الرخاءِ وتُترك في الشدة. قال فتح: حدثت به صالحاً وعبد الله فقالا: لم نسمع هذه الحكاية إلا منك، وحدثت بها إسحاق بن إبراهيم بن هانئ فقال: ما حدثني أبي بها. أخبرنا عبد الملك الكَرُوخِي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم السرخسي، قال: أخبرنا أحمد بن أبي عمران، قال: أخبرنا أبو علي الحسين بن جعفر الخطيب، قال: سمعتُ هارون بن عبد الرحمن، يقول: سمعت تَميم بن بهلول الرازي، يقول: سمعتُ أبا زُرعة، يقول: قلت لأحمد بن حنبل: كيف تخلصتَ من سيفِ المعتصم وسَوطِ الواثق؟ فقال: لو وُضع الصدقُ على جُرح لَبرأ.

فصل وقد روي أن الواثق ترك امتحان الناس بسبب مُناظرة جرت بين يديه رأي بها أن الأولى ترك الامتحان. فأخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي ابن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن الفرج بن علي البزّاز، قال: حدثنا عبد الله ابن إبراهيم بن ماسي، قال: حدثنا جعفر بن شُعيب الشاشي، قال: حدثني محمد بن يوسف الشاشي، قال: حدثني إبراهيم بن مَتَّةَ، قال: سمعتُ طاهر بن خَلف، يقول: سمعتُ محمد بن الواثق - الذي كان يُقال له المهتدي بالله - يقول: كان أبي إذا أرادَ أن يَقتل رجلاً أحضرنا ذلك المجلس، فأتي بشيخ مخضوبٍ مُقيَّد. فقال أبي: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه - يعني ابن أبي دُؤاد - قال: فأدخل الشيخ. فقال: السلامُ عليك يا أمر المؤمنين، فقال: لا سلَّم الله عليك، فقال: يا أميرَ المؤمنين، بئسَ ما أدَّبك مؤدِّبك، قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}. والله ما حييتني بها، ولا بأحسن منها، فقال ابن أبي دُؤاد:

يا أمير المؤمنين، الرجل مُتكلم. فقال له: كَلَّمه، فقال: يا شَيخ، ما تَقول في القُرآن؟ قال الشيخ: لم تُنصِفني، وَلِّنِي السؤال، فقال له: سَل، فقال له الشيخ: ما تقول في القرآن؟ قال: مَخلوق، فقال: هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بَكر وعُمر وعُثمان وعَلي والخلفاء الراشدون، أم شيء لم يعلموه؟ فقال: شيء لم يعلموه. فقال: سبحان الله! شيء لم يَعلمه النبي صلى الله عليه، ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخُلفاء الراشدون علمته أنت! قال: فَخجل، فقال: أقِلْني، قال: والمسألة بحالها، قال: نعم. قال ما تقول في القرآن؟ قال: مَخلوق، فقال: هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بَكر وعُمر وعُثمان وعَلي والخُلفاء الراشدون أم لا يَعلموه فقال: عَلموه ولم يَدعوا الناسَ إليه، فقال: أفلا وَسِعكَ ما وَسعهم؟ قال: ثم قامَ أبي، فدخل مَجلس الخَلوة، واستلقى على قَفاه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، وهو يقول: هذا شيء لم يَعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عُمر وعُثمان وعلي والخُلفاء الراشدون، ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وَسعك ما وَسعهم؟! ثم دعا عَمّاراً الحاجب، فأمر أن يرفع عنه القيود ويُعطيه أربع مئة دينار، ويأذن له في الروع، وسَقط من عينه ابنُ أبي دُؤاد، ولم يمتحن بعد ذلك أحداً. وقد رُويت لنا هذه القصة على صِفة أخرى: فأخبرنا أبو منصور

عبد الرحمن بن محمد القزاز، وأبو السعود أحمد بن عي بن المُجلي، قالا: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: أخبرنا أحمد بن سِندي الحَدّاد، قال: قُرِئ على أحمد بن الممتَنع وأنا أسمع، قيل له: أخبركم صالح بن علي بن يعقوب الهاشمي، قال: حضرتُ المهتدي بالله أمير المؤمنين وقد جَلس للنظر في أمور المتظلّمين في دار العامة، فنظرتُ إلى قِصص الناس تُقرأ عليه من أولها إلى آخرها، فيأمر بالتوقيع فيها، ويُنشأ الكتابُ عليها، وتُحَرّر وتُختم وتُدفع إلى صاحبها بَين يديه، فَسرني ذلك واستحسنتُ ما رأيتُ، فجعلت أنظر إليه، ففطن ونظر إليَّ فَغضضتُ عنه، حتى كان ذلك منِّي، ومنه مِراراً ثلاثاً، إذا نَظَر غَضَتُ وإذا شُغل نظرتُ، فقال لي: يا صالح، قلتُ: لَبَّيك يا أمير المؤمنين، وقمت قائماً، فقال: في نَفسك منا شيء تُريد- أو قال: تحب - أن تَقوله؟ قلتُ: نَعم يا سيدي، فقال لي: عُد إلى مَوضعك، فعدت حتى إذا قام قال للحاجب: لا يبرح صالح، فانصرفَ الناس ثم أذن لي فَدخلت، فدعوتُ له، فقال لي: اجلس، فجلستُ، فقال: يا صالح، تقولُ لي ما دارً في نفسك أو أقول أنا ما دار في نفس أنه دار في نفسك؟ قلتُ: يا أمير المؤمنين، ما تعزم عليه وتَأمر به، فقال: أقولُ أنا إنه دار في نفسي أنك استحسنتَ ما رأيتَ منا، فقلتَ: أيّ خليفةٍ خَليفتنا إن لم يكن يقول: القرآن مخلوق. فورد على قلبي أمر عظيم، ثم قلت: يا نفسُ هل تموتينَ قبل أجلك؟ وهل تَموتين إلا مرة؟ وهل يجوزُ الكذب في جدّ أو هزل؟

فقلت: يا أمير المؤمنين، ما دار في نفسي إلا ما قلتَ، فأطرق مليًّا ثم قال: وَيحك! اسمع مني ما أقول، فوالله لتسمعنَّ الحق، فَسُرّي عني، فقلتُ: يا سيدي، ومن أولى بقول الحق منك وأنتَ خليفةُ رب العالمين، وابنُ عم سيد المرسَلين. فقال: ما زلتُ أَقول: إن القرآن مَخلوق صدراً من أيام الواثق، حتى أقدم أحمدُ بن أبي دُؤاد عَلينا شيخاً من أهلِ الشام من أهل أذَنه، فأُدخل الشيخ على الواثق مُقيداً، وهو جميل الوجه، تام القامة، حسن الشيبة، فرأيتُ الواثق قد استحيا منه ورقَّ له، فما زال يدنيه ويقربه حتى قرب منه، فسلم الشيخ فأحسن، ودعا فأبلغ، فقال له الواثق: اجلس، فَجلس. فقال له: يا شَيخ، ناِر ابنَ أبي دُؤاد على ما يُناظرك عليه، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، ابن أبي دُؤاد يصبو ويضعف عن المناظرة، فغضب الواثق وعاد مكان الرقّة له غَضباً عليه. وقال: أبو عبد الله بن أبي دؤاد يصبو ويضعف عن مناظرتك أنتّ؟ فقال الشيخ: هَوّن عليكَ يا أمير المؤمنين ما بك، فَائذَنْ في مُناظرته. فقال الواثق: ما دعوتُك إلا للمناظرة، فقال الشيخ: يا أميرَ المؤمنين، إن رأيتَ أن تحفظ عليَّ وعليه ما نقول، قال: أفعل، قال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه، هي مقالةٌ واجبة داخلة في عَقد الدين، فلا يكون الدين كاملاً حتى يقال فيه بما قلت؟ قال: نعم. قال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينَ بعثه الله تعالى إلى عباده هل سَترَ شيئاً مما أمره الله عز وجلّ به في

أمر دينهم؟ قال: لا. فقال الشيخ: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إلى مقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دؤاد، فقال الشيخ: تَكلم! فسكت، فالتفتَ الشيخ إلى الواثق فقال: يا أمير المؤمنين، واحدة. فقال الواثق: واحدة. فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن الله تعالى حين أنزل القرآن على رَسول الله، فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً}، هل كان الله تعالى الصادقُ في إكمال دينه، أو أنتَ الصادق في نُقصانه حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دؤاد، فقال الشيخ: أجب يا أحمد، فلم يجب، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، اثنتان، فقال الواثق: اثنتان، فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه، عَلمها رسول الله أم جَهلها؟ قال ابن أبي دُؤاد: علمها، قال: فدعا الناسَ إليها؟ فسكتَ. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، ثلاث؛ فقال الواثق: ثلاث، فقال الشيخ: يا أحمد، فاتَّسع لرسول الله أنعَلمها وأمسكَ عنها كما زعمتَ ولم يُطالب أمته بها؟ قال: نعم. قال الشيخ: واتَّسع لأبي بَكر الصدّيق، وعُمر ابن الخطاب، وعُثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رَضي الله عنهم؟ قال ابن أبي دُؤاد: نعم، فأعرض الشيخ عنه وأقبل على الواثق، فقال: يا أميرَ المؤمنين، قد قَدَّمت القول: إن أحمد يصبو ويضعف عن المنارة. يا أمير المؤمنين، إن لم يَتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة بما زعم هذا أنه اتسع لرسول الله ولأبي بَكر وعُمر وعُثمان وعَلي. فلا وَسَّعَ الله على مَن لم يتَّسع لهم. فقال

الواثق: نعم، إن لم يتَّسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بَكر وعُمر وعُثمان وعَلي، فلا وَسَّعَ الله علينا، اقطَعوا قيدَ الشيخ، فلما قَطعوا القيدَ ضرب الشيخُ بيده إلى القَيد حتى يَأخذه فجاذَبه الحدادُ عليه، فقال الواثق: دَع الشيخَ يأخذه، فأخذه فَوضه في كُمه، فقال له الواثق: يا شَيخ، لم جاذبتَ الحداد عليه؟ قال: لأني نويتُ أن أتقدمَ إلى من أوصي إليه إذا أنا متْ أن يَجعله بيني وبينَ كفني، حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة، وأقول: يا ربّ، سَلْ عبدَك هذا لِمَ قيَّدني وروّع أهلي وَولدي وإخواني بلا حق أوجبَ ذلك عليَّ وبَكى الشيخ، وبَكى الواثق وبكينا، ثم سأله الواثق أن يجعله في حِل وسَعةٍ مما ناله، فقال له الشيخ والله يا أمير المؤمنين، لقد جعلتُك في حِل وسَعة من أول يوم إكراماً لرسول الله، إذ كنتَ رجلاً من أهله، فقال الواثق: لي إليك حاجة. فقال الشيخ: إن كانت مُمكنة فعلتُ، فقال له الواثق: تُقِيم قِبَلَنا، فَنَنتفع بك ويَنتفع بك فتياننا. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن ردَّك إياي إلى الموضع الذي أخرجني عنه هذا الظالم، أنفع لك من مقامي عليك، وأخبرك بما في ذلك؛ أصير إلى أهلي وولدي فأكفّ دعاءَهم عليك، فقد خَلّفتهم على ذلك، فقال له الواثق: فتقبل منَّاصِلة تَستعين بها عَلَى دهْرك، فقال: يا أمير المؤمنين، لاتحلّ لي، أنا عنها غَني وذو مِرَّةٍ سَوي، فقال: سل حاجةً. فقال: أو تقضيها يا أمير المؤمنين قال: نَعم. قال: تأذن أن يُخلي لي السبيل الساعة إلى الثَّغر. قال: قد أذنتُ لك، فسلَّم وخرج. قال المهتدي بالله: فرجعتُ عن هذه المقالة، وأظن أن الواثق رَجع عنها منذ ذلك الوقت.

أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن علي بن حَمُّويَه، قال: سمعتُ أبا بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ، أخبرنا بحديث الشيخ الأذّني ومناظرته. فقال: الشيخُ هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الأُذْرَمِي. قلت: وقد روي أن الواثق رَجع عن القول بخلق القرآن قبل مَوته. أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بَكر الخطيب، قال: أخبرني عُبيد الله بن أبي الفتح، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عَرفة، قال: حدثني حامد بن العباس، عن رجل، عن المهتدي بالله، أن الواثق ماتَ وقد تابَ عن القولِ بخلق القرآن.

الباب الثالث والسبعون في ذكر قصته مع المتوكل

الباب الثالث والسّبعُون في ذكر قصته مع المتوكّل ولي المتوكل على الله بعد الواثق في يوم الأربعاءِ لستُّ بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، وسِنّه سنت وعشرون سنة يومئذ، فأظهر الله عز وجلَّ به السُّنَّة، وكشفَ تلك الغُمّة، فشكره الناس على ما فعل. أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن علي بن إسحاق الخازن، قال: أخبرنا أحمد بن بشر بن سعيد الخِرقي، قال: حدثنا أبو رَوق الهِزَّانيّ، قال: سمعتُ محمد ابن خَلف يقول: كان إبراهيم بن محمد التَّيمي قاضي البصرة يقول: الخُلفاء ثَلاثة؛ أبو بكر الصديق قاتل أهلَ الردّة حتى استجابوا له، وعُمر بن عبد العزيز ردَّ مظالم بني أمية، والمتوكّل محا البِدع وأظهرَ السُّنَّة. أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرني الحسن بن شهاب العُكْبَري في كتابه، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن أبي سمرة البُنْدار، قال: حدثنا مُعاوية بن عثمان، قال: حدثنا علي بن حاتم، حدثنا علي ابن الجهم، قال: وجَّه إليّ أمير المؤمنين المتوكّل، فأتيته فقال لي: يا عليّ،

رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقُمت إليه، فقال لي: تَقوم إليّ وأنتَ خليفة! فقلت له: أبشر يا أمير المؤمنين، أمّا قيامك إليه فقيامك بالسنّة، وقَد عَدَّك من الخُلفاءِ، فَسُرَّ بذلك. أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثنا الأزهري قال: حدثنا عبيد الله بن محمد العُكْبَري، قال: حدثنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن سَهل النَّيسابوري، قال: حدثنا سعيد بن عثمان الخياط، قال: حدثني علي بن إسماعيل، قال: رأيتُ جَعفراً المتوكل بطرسوس في النوم وهو في النّور جالس، قلتُ: المتوكل؟ قال: المتوكل، قلت: ما فَعل الله بك؟ قال: غَفر لي، قلتُ: بماذا؟ قال: بقليل من السنّة أحييتُها. قلت: أطفأ المتوكل نيران البدعة، وأوقد مَصابيح السنة. أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني الأزهري، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عَرفة، قال: في سَنة أربع وثلاثين ومئتين أشخص المتوكل الفُقهاء والمحدّثين، وكان فيهم مُصعب الزُّبيري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عَبد الله الهَرَوين وعبد الله وعثمان ابنا أبي شَيبة، فَقُسمت بينهم الجوائز، وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يَجلسوا للناس وأن يُحدثوا بالأحاديث التي فيها الردّ على المعتزلة والجَهمية، وأن يُحدثوا بالأحاديث في

الرّؤية، فجلس عُثمان بن أبي شَيبة في مَدينة المنصور، وَوُضع له مِنبر، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً من الناس، وجَلس أبو بَكر بن أبي شَيبة في مَسجد الرُّصافة واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً. أنبأنا أبو القاسم الحَريري، عن أبي إسحاق البَرْمَكي، قال: أخبرنا أبو الحسن بن الفُرات، قال: أنشدنا القاضي أبو بَكر بن كامل، قال: أنشدني بَكر الخليلي الزاهد، قال: أنشدني أبو عَبد الله غُلام خليل، قال: أنشدني أبو جَعفر الخَوّاص بعَبّادان بعدَ زوال المِحنة: ذَهَبتْ دَولةُ أصحابِ البِدَعْ وَوَهَي حَبْلُهُم ثمّ انقَطعْ وتداعي بانصرافٍ جمعُهمْ حِزبُ إِبليسَ الذي كانَ جَمعْ هَل لهم ياقَوم في بِدعَتهِمْ مِنْ فَقيهٍ أو إمامٍ يُتَّبَعْ مثل سُفيان أخي الثَّور الذي عَلَّم الناسَ دقيقاتِ الوَرَع أو سُليمان أخي التَّيم الذي تَرك النَومَ لهولِ المطَّلع أو فَقيه الحَرمين مالك ذلك البَحر الغزير المُنْتَجَع أو فَتى الإسلام أعني أحمداً ذاكَ لو قارعه القُرّا قَرَع لم يَخَفْ سَوطَهمُ إِذ خَوّفوا لا وَلا سَيفَهمُ لَمّا لَمَعْ

فصل ثم بعث المتوكل بعد مُضي خمس سنين من ولايته بتَسيير أحمد بن حنبل إليه، فأخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: وجِّه المتوكل إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بحمل أبي إليه، فوجَّه إسحاق إلى أبي، فقال له: إن أمير المؤمنين كتبَ إليَّ يأمرني بإشخاصِك إليه، فتأهَّبْ لذلك. قال أبي: وقال لي: اجعلني في حلٍّ من حُضوري ضَربك. قلتُ: قد جعلتُ كلّ من حضر في حِل. قال أبي: وقالَ أسألك عن القرآن مسألة مُستَرشدٍ لا مسألة امتحان، وليكن ذلك عندك مَستوراً، ما تقول في القرآن؟ فقلت: القرآن كلامُ الله غير مَخلوق، قال لي من أين قلتَ: غير مخلوق؟ فقلت: قال الله عز وجل: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}، ففرق بين الخَلق والأمر، فقال إسحاق: الأمر مَخلوق، فقلت: يا سبحان الله أمخلوق يخلق مخلوقاً!! فقال: وعمن تحكي أنه ليس بمخلوق؟ فقلت: جعفر من محمد، قال: ليس بخالق ولا مَخلوق، قال: فسكت. فلما كان في الليلة الثانية وجّه

إليّ، فقال: ما تَقول في الخُروج. فقلت: ذاك إليكم، وجاءَ إلى أبي جماعة من الأنصار والهاشميين عندما وجّه المتوكل في حَمله فقالوا: تُكلّمه؟ فقال: قد نويت أن أكلمه في أهله وفي الأنصار والمهاجرين وما فيه مَصلحة للمسلمين، وكان حمله إلى المتوكل في سنة سبع وثلاثين ومئتين، فأخرج حتى إذا صرنا في موضع يقال له: بُصْرَى، باتَ أبي في المسجد ونحن معه، فلما كان في جوف الليل جاء النَّيسابوري. فقال: يَقول لك ارجع، فقلت: يا أية، أرجو أن يكون خِيَرة، فقال: لم أزل أدعو الله عز وجل. سياق ما حدث بعد ذلك من تحريض الأعداءِ على أحمد أنه قد أخفى بعض العلويين عنده. لما أخرج أحمد رضي الله عنه إلى المتوكل، رُدَّ من بعض الطريق، ثم توفي إسحاق بن إبراهيم، وولي مكانه ابنه عبد الله بن إسحاق، فرفع الأعداء إلى المتوكل أن عندَ أحمد علوياًّ. أخبرنا المحمّدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر، والحسين ابن محمد، وعلي بن أحمد، قالوا: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد، قال: حدثنا صالح بن أحمدن قال: لما ولي عبد الله بن إسحاق كتب المتوكل إليه: أن وجه إلى أحمد بن حنبل أنَّ عِندك طَلِبَة أمير المؤمنين، فوجَّه بحاجبه مُظَفر،

وحضر معه صاحب البَريد- وكان يُعرف بابن الكلبي - وكان قد كتب إليه أيضاً، فقال له مُظفر: يقول لك الأمير: قد كتبَ إليَّ أمير المؤمنين أن عندك طَلِبته؟ وقال له ابنُ الكلبي مثل ذلك، وكان قد نام الناس. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: دقُوا الباب وأبي في إزاز فَفتح، فلما قُرئ عليه الكتاب وكأنهم أوَمؤوا إلى أن عنده عَلويًّا. قال لهم: ما أعرفُ من هذا شيئاً، وإني لأرى طاعَته في العُسْرِ واليُسرِ والمَنْشَط والمَكْرَه والأثَرة، وإني أتأسف على تَخلّفي عن الصلاة في جَماعة، وعن حُضور الجمعة ودعوة المسلمين، وقد كان إسحاق وَجّهَ إليه قبل موته: الزَم بيتَك ولا تخرج إلى جمعة ولا جَماعة، وألا نزل بك ما نزل بك في أيام أبي إسحاق. ثم قال له ابن الكَلبي: قد أمرني أمير المؤمنين أن أحلّفك أن ما عندك طَلِبَته فتحلف، قال: إن استَحلفتموني حلفتُ، فأحلَفَه بالله وبالطلاق، أن ما عنده طَلِبَة أمير المؤمنين، ثم قال له أريدُ أن أفتش منزلك، وكنت حاضراً، فقال ومنزل ابنك، فقام مُظفر وابن الكلبي وامرأتان معهما، فدخلا فَفتشا البيت، ثم فَتش الامرأتان النساءَ، ثم دخلوا منزلي ففتشوه، ودلّوا شمعة في البئر فنظروا، ووجهوا النِّسوة فَفتشوا الحرم ثم خرجوا، فلما كان بعد يومين، ورد تاب علي بن الجهم: إن أمير المؤمنين قد صَحَّ عنده براءَتك مما قُرفت به، وقد كان أهل البدع مَدوا أعينهم، فالحمدُ لله الذي لم يُشمتهم بك، قد وجه

إليك أمير المؤمنين يأمرك بالخروج، فالله الله أن تَستعفي أو تَرُدَّ المال. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: حدثنا أبو جعفر بن ذريح العُكْبَري، قال: طلبت أحمد بن حنبل في سَنة ست وثلاثين ومئتين لأسأله عن مَسألة، فَسأَلتُ عنه فَقالوا: خَرج يُصلي، فجلستُ حتى جاءَ، فسلَّمت عليه فرد عليّ السلام، فدخل الزُّقاق وأنا أماشيه، فلما بَلغنا آخر الدرب، إذا بابُ يفرج، فَدفعه وصار خَلفه، وقال: اذهَب عافاك الله. فثنيت عليه، فقال: اذهب عافاك الله، فَخرج رجل فسألته عن تَخلُّفه عن كلامي، فقال: ادُّعي عليه عند السلطان أن عِنده علويًّا، فجاءَ مُحمد بن نَصر، فأحاط بالمحلة فَفُتشت، فلم يوجد فيه شيء مما ذُكر، فَأحجم عن كَلام العامّة. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو الحُسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بنعلي الخياط، قال: أخبرنا محمد بن أبي الفَوارس، قال: أخبرنا أحمد بن جَعفر بن سَلْم، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول: قد جاءَني أبو علي يحيى بن خاقان، فقال لي: إن كتاباً جاءَه فيه: إن أمير المؤمنين يُقرِئك السلام، ويقول لك: لو سَلِمَ أحدٌ من الناس سَلمتَ أنت، هاهنا رجل قد رَفع عليك وهو في أيدينا محبوس، رَفع عليكَ أن عَلويًّا قد تَوجَّه

من قِبل خُراسان، وقد بعثتَ برجل من أصحابك يَتلقاه وهو ذا مُحبوس؛ فإن شئتَ ضربتُه، وإن شئت حبستُه، وإن شئتَ بعثتُ به إليك، قال: فقلت له: ما أعرف مما قال شيئاً، أرى أن تُطلقوه ولا تَعرضوا له، فقلت لأبي عبدالله: سفكَ الله دمه قَد أشاط بدمائكم، فقال: ما أراد إلا استئصالنا، ولكن قلتُ: لعلّ له والدة أو أخوات أو بنات، أرى أن تُخلوا سَبيله ولا تَعرضوا له. أخبرنا عبد الملك الكَرُوخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله اللأَّل، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الصرّام، قال: أخبرنا إبراهيم بن إسحاق قال: إنَّ المتوكل أخذَ العلوي الذي سَعى بأبي عبد الله إلى السلطان، وأرسله إلى أبي عبد الله ليقولَ فيه مقالة للسلطان، فعفا عنه، وقال: لعلّه يكون له صِبيان يُحزِنهم قَتله.

سياق قصة خُروجه إلى العَسْكر بعد انقضاء أمر هذه التُّهمة أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرن إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: وَرد كتابُ علي بن الجَهم: إنَّ أمير المؤمنين قد وجّه إليكَ يعقوب المعروف بقَوْصَرَّة ومعه جائزة ويأمرك بالخُروج، فالله الله أن تَستعفي أو تَردّ المال، فيتَّسع القول لمن يُبغضك، فلما كانَ الغد وَرد يعقوب فدخل إليه، فقال: يا أبا عبد الله، أميرُ المؤمنين يقرأ عليكَ السلام ويقول: قَد صحَّ عِندنا نقاءُ ساحَتك، وقد أحببتُ أن آنس بقُربك، وأن أتبرك بدُعائك، وقد وجَّهتُ إليك عشرة آلاف دِرهم مَعونةً على سفرك. وأخرج بَدْرةً فيها صُرّة نحو من مئتي دينار، والباقي دراهم صِحاح، فلم ينظر إليها، ثم شدّها يعقوب وقال له: أعودُ غداً حتى أنظر ما تَعزم عليه، وقال له: يا أبا عبد الله، الحمدُ لله الذي لم يُشمت بكَ أهل البِدع. وانصرف، فَجئتُ بإجَّانَة خَضراء فكَببتُها، على البَدرة، فلما كان عند المغرب، قال: يا صالح، خذ هذا صَيِّره عندك، فصيرتُها عند

رأسي فوق البيت، فلما كان السَّحر إذا ينادي: يا صالح، فقمتُ فصعدتُ إليه، فقال: ما نمتُ ليلتي هذه، فقلت: لمَ يا أبَة؟ فجعل يبكي، وقال: سلمتُ من هؤلاءِ حتى إذا اكن في آخر عُمري بُليتُ بهم، قد عزمتُ على أن أفرّق هذا الشيء إذا أصبحتُ، فقلت: ذلك إليكَ، فلما أصبحَ جاءَه الحسنُ البزّاز والمشايخ، فقال: جئني يا صالح بميزان؛ فقال: وجِّهوا إلى أبناءِ المهاجرين والأنصار، ثم قال: وَجِّه إلى فُلان حتى يُفرق في ناحيته، وإلى فلان. فلم يزل حتى فَرقها كلّها ونفضتُ الكيسَ، ونحنُ في حالة الله تعالى بها عليم. فجاءَ بُني لي فقال: أعطني يا أبة دِرهماً، فنظر إليَّ فأخرجتُ قِطعة أعطيته، وكتب صاحب البريد أنه قد تصدّق بالدراهم من يَومه حتى تَصدق بالكيس. قال علي بن الجَهم: فقلتُ له: يا أميرَ المؤمنين، قد [تصدق بها و] علم الناس أنه قد قبل منك، وما يَصنع أحمد بالمال؟ وإنما قُوته رغيفُ، قال: فقال لي: صَدقتَ يا علي. قال صالح: ثم أخرجنا ليلاً معنا حراس معهم النفَّاطات، فلما أضاءَ الفجر، قال لي: يا صالح، أمعك دراهم؟ قلت: نعم. قال: أعطهم، فأعطيتهم دِرهماً درهماً. فلما صرنا إلى الحنّاطين، قال يعَقوب:

قفوا هاهنا، ثم وجَّه إلى المتوكل يُعلمه بمصيرنا، فدخلنا العَسكر وأبي مُنكَّسُ الرأس، ثم جاءَ وَصيفٌ يُريدُ الدار، فلما نظر إلى الناس وجمعهم، قال: ما هؤلاء؟ قالوا: هذا أحمد بن حنبل، فوجه إليه بعد ما جاز بيَحيى بن هَرْثَمة، فقال: يُقرئك الأميرُ السلام، وقول: الحمدُ لله الذي لم يشمّتْ بكَ أهلَ البدع، قد علمتَ ما كان حال ابن أبي دُؤاد، فينبغي أن تتكلّم بما يحب الله عز وجل، ثم أنزل دار إيتاخ، فجاءَ علي بن الجَهم، فقال: قد أمر لكم أمير المؤمنين بعشرة آلافٍ مكانَ التي فرقها، وأمر أن لا يُعلم بذلك فَيغتمّ، ثم جاءَه أحمد بن مُعاوية، فقال: إن أمير المؤمنين يُكثر ذكرك، ويَشتهي قُربك، وتُقيم هاهنا تُحدِّث. فقال: أنا ضَعيف، ثم وضع أصبعه على بَعض أسنانه، فقال: إن بَعض أسناني يَتحرك، وما أخبرت بذلك ولدى، ثم وجَّه إليه: ما تَقول في بَهيمتين انتَطحتا فعقَرت أحداهما الأخرى، فسقطت فذُبحت؟ فقال: إن كانَ طرف بَعينه، ومَصع بذَنبه، وسال دمه؛ يؤكل. ثم صار إليه يحيى بن خاقان، فقال: يا أبا عبد الله، قد أمرني أمير المؤمنين أن أصير إليك لتركبَ إلى أبي عبد الله وَلده، وأمرني أن أقطع لكَ سواداً

وطَيلساناً وقَلَنْسوةً، فأي قَلَنسوةٍ تَلبس؟ فقلت: ما رأيته لبس قَلَنسوة قط، وقال: إن أمير المؤمنين قد أمر أن يصير لكَ مَرتبة في أعلى المراتب، ويصير أبوعبد الله في حجرك، ثم قال لي: قد أمر أمير المؤمنين أن يُجري عليكم وعلى قراباته أربعة آلاف درهم، ثم عادَ يحيى من الغد، فقال: يا أبا عبد الله تركب؟ قال: ذاك إليك، فقال: استَخر الله عزّ وجل، فلبس إزاره وخُفية، وقد كان خُفّه قد أتى عليه نحو من خَمس عشرة سنة مَرقوعاً برقاع عِدّة، فأشار يحيى إلى أن يَلبس قَلنسوة. فقلت مالَه قَلنسُوة، ولا رأيته يَلبس قَلنسوة، فقال: كيفَ يدخل حاسراً! وطلبنا له دابة يركبها، فقال يحيى: مُصَلِّي، فجلس على التراب، وقال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} ثم ركب بَغل بعض التجار. فمضينا معه حتى إذا دخل دار أبي عبدالله أجلس في بيتٍ في الدّهليز، ثم جاءَ يحيى فأخذ بيده حتى أدخله ورُفع لنا الستر ونحن نَنظره، فَقعد، فقال له: يا أبا عبد الله في حجرك، قال صالح: فأخبرني بعض الخدم، أن المتوكل كان قاعِداً وراءَ سِتْر، فلما دخل أبي الدارَ، قال لأمه: يا أماه، قد أنارت الدار، ثم جاءَ خادم بمنديل، فأخذ يحيى المنديل، وأخرج مُبطَّنة فيها قميص، فأدخل يَده في جيب القَميص والمُبَطنة، ثم أخذ بيده فأقامه حتى أدخل جيبَ

القميص والمبطنة في رَأسه، ثم أدخل يده فأخرج يده اليمنى، وكذلك اليسرى، وهو لا يُحرك يَده. ثم أخذ قلنسوة فوضعها على رأسه، وألبسه طيلساناً، ولم يَجيئوا بخُف فبقي الخف عليه، ثم انصرف فلما صار إلى الدار نَزع الثياب عنه، ثم جعل يبكي، ثم قال: سَلمتُ من هؤلاءِ منذ ستين سَنة، حتى إذا كان في آخر عُمري بُليت بهم! ما أحسبني سلمتُ من دخولي على هذا الغلام، فكيف بمن يجب عليَّ نصحُه من وقت أن تَقع عيني عليه إلى أن أخرج من عنده؟ ثم قال: يا صالح، وجّه هذه الثياب إلى بغداد تُباع ويُتصدق بثمنها، ولا يشتري منكم أحد شيئاً، فوجهت بها فبيعت وفرق ثمنها. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أنبأنا ابن البُسْري، عن أبي عبد الله ابن بَطَّة، قال: أخبرنا الآجُرّي، قال: أخبرنا أبو نصر بن كُردي، قال: حدثنا المُّروذي، قال: سمعتُ زُهير بن محمد، يقول: أنا أول من تَلقى أبا عبد الله قبل أن يَخرج من الحَرّاقة، قال: فخرج وعليه الكساء الذي خُلع عليه، قال: فسقط فَجعل يجره وما سَوّاه عليه. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن يوسف، قال: أخبرنا أبو إسحاق البَرْمَكي، قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: ثم أخبرناه أن الدار التي هو فيها لإيتاخ. فقال: اكتب رُقعةً إلى محمد بن الجَراح، استعِف لي من هذه الدار، فكتبنا

رُقعة، فأمر المتوكل أن يُعفى منها، ووجه إلى قوم يخرجوا عن منازلهم، فسأل أن يعُفي من ذلك، فاكتُرَيت لنا دارٌ بمئتي درهم فصار إليها، وأجري لنا مائدةٌ وثَلجٌ، وضُرب الخَيش وفُرِش الطَّبري، واشتكت عينه ثم بَرئت، فقال لي: ألا تعجب؟ كانت عيني تشتكي فتمكث حيناً حتى تبرأ، ثم قد بَرئت في سُرعة. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي الفضل، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الصرّام، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الغَسِيلي، قال: حدثني أبو بَكر المرُّوذي، قال: قال لي أحمد بن حنبل ونحن بالعَسكر: لي اليوم ثمان منذ لم آكل شيئاً، ولم أشرب إلا أقلّ من ربع سَويق. وكان يمكث ثلاثاً لا يطعم، فإذا كانت ليلة الرابعة أضعُ بين يَديه قدر نِصف ربع سَويق، فربما شربه، وربما ترك بَعضه، وكان إذا ورد عليه أمر يَغمّه لم يَطعم ولم يُفطر إلا على شَربِةِ ماء. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: جَعل أبي يُواصل في العسكر يُفطر في كل

ثلاث على تمرٍ شُهريز، فمكث بذلك خمسةَ عشر يوماً، يُفطر في كل ثلاث، ثم جعل بعد ذلك يُفطر ليلةً وليلة، لا يفطر إلا على رغيفٍ وكان إذا جيءَ بالمائدة تُوضع في الدهليز لكي لايراها، فيأكل مَن حَضر، وكان إذا أجهده الحرّ تُلقى له خِرقة فيضعها على صَدره، وفي كل يوم يوجه المتوكل بابن ماسَويه ينظر غليه ويقول: يا أبا عبد الله، أنا أميلُ إليك وإلى أصحابك، وما بكمن علة إلا الضَّعف وقلة الرِّزّ، وإن عبادنا ربما أمرناهم بأكل دُهن الخَلِّ فنه يلين، وجعل يَجيئه بالشيءِ ليشربه فيصبه، وجَعل يعقوب وعَتّاب يصيران إليه، فيقولان له: يقول ل أمير المؤمنين: ما تقول في ابن أبي دُؤاد، وفي ماله؟ فلا يُجيب في ذلك شيئاً، وجعلا يُخبرانه بما يحدث من أمر ابن أبي دؤاد في كل يوم، ثم أحدر ابنُ أبي دؤاد إلى بَغداد بعد ما أشهد عليه ببيع ضِيَاعه، وكان ربما صار إليه يَحيى وهو يُصلي، فيجلس في الدّهليز حتى يَفرغ، ويجيء علي بن الجَهم، فينزع سيفه وقلنسوته ويدخل عليه. وأمر المتوكل أن يُشترى لنا دار، فقال لي: يا صالح، قلت: لبيك، قال: لئن قررتَ لهم بشراءِ دار لتكونَنَّ القطيعةُ بيني وبينك، إنما يريدون أن يُصيّروا هذا البلدَ لي مأوى ومسكناً، فلم يزل يدفع شراء الدار حتى اندفع، وصار إليَّ صاحب النُّزل، فقال: أعطيك كل شهر ثلاثة آلاف درهم مكان المائدة؟ قلت: لا. وجَعلت رسُل المتوكل تأتيه يسألونه عن خبره، فيصيرون إليه،

فيقولون له: هو ضعيف، وفي خلال ذلك يقولون: يا أبا عبد الله، لابدّ له من أن يراك فيسكت، فإذا خرجوا، قال: أما تعجب من قولهم: لابدّ أن يراك، وما علمهم من أنه لابد أن راني؟ وجاءَ يعقوب، فقال: يا أبا عبد الله، أميرُ المؤمنين مُشتاق إليك، ويقول: انظر اليوم الذي تَصير إليه فيه أي يوم هو حتى أعرفه؟ فقال: ذاكَ إليكم، فقال: يوم الأربعاء يوم خالٍ، ثم خرج يعقوب، فلما كان من الغد جاء فقال: البشرى يا أبا عبدالله، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام، ويقول لك: قد أعفيتُك عن لبس السَّواد والركوب إلى وُلاة العهد وإلى الدار، فإن شئتَ فالبس القُطن، وإن شئتَ فالبس الصوف، فجعل يَحمد الله عزَّ وجلَّ على ذلك. ثم قال له يعقوب: إن لي ابناً وأنا به مُعْجَب، وله من قَلبي موقع، فأحب أن تُحدّثه بأحاديثَ، فسكت، فلما خَرج، قال: أتُراه ما يرى ما أنا فيه؟! أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا أبو القاسم بن البُسْري، عن أبي عبد الله بن بَطة، قال: أخبرنا الآجرِّي، قال: أخبرنا أبو نَصر بن كردي، قال: حدثنا المرُّوذي، قال: سمعتُ يعقوب- رسول الخَليفة - يقول لأبي عبد الله يَجيئك ابني بَين المغرب والعشاءِ، فتحدثه بحديث واحد أو حديثين؟ فقال: لا، لا يجيء، فلما خرج سمعته يقول: ترى لو بلغ أنفه طرف السماءِ حدثته؟ أنا أحدث حتى يوضع الحبل في عنقي؟!

أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا البَرْمَكي، قال: حدثنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: كانَ أبي يَختم من جُمعة إلى جُمعة، فإذا خَتم يدعو ونؤمّن، فلما فرغ جعل يقول: أستخيرُ الله عز وجل. مِراراً، فجعلتُ أقول: ما تريد؟ فقال: أعطي الله عهداً إنّ عهده كان مسؤولاً وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، أني لا أحدّث حديثاً تامًّا أبداً حتى ألقى الله عز وجل، ولا أستثني منكم أحداً، وجاءَ علي بن الجهم، فقلنا له، فقال: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} وأخبر المتوكل بذلك. وقال أبي: يُريدون أن أحدّث فيكون هذا البلد حَبْسي، وإنما كان سبب الذين أقاموا بهذا البلد أنهم أعطوا فَقبلوا، وأمروا فحدَّثوا. وكان يدخل عليه يَحيى ويعقوب وعَتّاب وغيرهم فيتكلمون وهو مغمض العَين يتعلل، وضعَف ضعفاً شديداً، فكانوا يُخبرون المتوكل بضعَفه فيتوجع لذلك، ويوجِّه غليه في كل وقت يسأله عن حاله، وكان في خلال ذلك يأمر لنا بالمال، فيقول: يُوصَل غليهم ولا يُعلم شَيخهم. ويقول: ما يُريد منهم؟ إن كان هو لا يريد الدُّنيا فلِمَ يمنعهم؟ وقالوا المتوكل: إنه لا يأكُل من طَعامك، ولا يجلس على فِراشك، ويُحرم هذا الشراب الذي تَشرب. فقال: لو نُشِر المعتصم، وقال لي فيه شيئاً لم أقبله. قرأتُ على أبي الفَضل بن أبي منصور، عن أبي القاسم بن البُسْري، عن

أبي عَبد الله بن بَطة، قال: أخبرنا أبو بكر الآجُرّي، قال: حدثنا محمد بن كُردين قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول: أنا مُنذ كذا وكذا أستخيرُ الله عز وجلَّ في أن أحلِفَ أن لا أحدّث، وقال: قد تركنا الحديث وليسَ يتركونا. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا ابن يوسف، قال: أخبرنا البَرْمَكي، قال: حدثنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح قال: ثم انحدرتُ إلى بغداد وخلَّفت عبد الله عنده، فإذا عبد الله قد قَدم، وجاءَ بثيابي التي كانت عنده. فقلت: ما حالك فقال: قال لي: انحدر وقل لصالح لا يخرج، فأنتم كُنتم آفتي، والله لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، ما أخرجتُ واحداً منكم معي، ولولا مكانكم لم كانت تُوضع هذه المائدة؟ ولمن كان يُفرش هذا الفرش، ويُجري هذا الشيء فكتبتُ أعلمه بما قال عبد الله، فكتب بخَطه: بسم الله الرحمن الرحيم، أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مَكروه ومحذور، الذي حَملني على الكتابة إليك، والذي قلتُ لعبد الله: لا يأتيني منكم أحد، رجاء أن ينقطع ذكري ويَخْمُد، فإنكم إذا كُنتم هاهنا فَشا ذكري، وكان يجتمع الناس إليكَ، قوم ينقلون أخبارنا، ولم يكن إلا خير، واعلم يا بني، أنك إن أقمتَ فلم تأتني أنتَ ولا أخوك فهو رضائي، فلا تَجعل في نَفسك إلا خيراً، والسلامُ عليك ورحمة الله وبركاته. قال أبو الفضل: ثم وَرد كتابٌ آخر بطه إليّ يذكر فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أحسنَ الله عاقبتك، ودفع عنك السّوء برحمته، كتابي إليك، وأنا

بأنعُم من الله عز وجل مُتظاهرة، أسأله تمامها والعون على أداءِ شُكرها، قد انفكَّت عنا عقد، إنما كان حبس من كان هاهنا لما أعطوا فَقبلوا، وأُجري عليهم فصاروا في الحَدّ الذي صاروا إليه، وحدَّثوا ودخلوا عليهم. فنسأل الله عز وجل أن يُعيذنا من شَرّهم وأن يُخلّصنا، فقد كان ينبغي لكم لو فديتموني بأموالكم وأهاليكم لهان ذلك عليكم للذي أنا فيه، ولايكبر عليكم ما أكتب به إليكم، فالزموا بُيوتكم لعل الله عزّ وجلّ أن يُخلّصنا، والسلام عليكم ورَحمة الله. ثم ورد عليّ غير كتاب بخطه بنحو من هذا. فلما خرجنا رُفِعَت المائدة والفُرش، وكلُّ ما كان أقيم لنا، وأوصى وصِيّة: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أحمد بن محمد بن حنبل؛ أوصى أنه يَشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كله ولو كَره المشركون، وأوصى من أطاعه من أهله وقَرابته أن يعبدوا الله في العابدين، وأن يَحمدوه في الحامدين، وأن ينصحوا لجماعة المسلمين، وأوصى أني رضيتُ بالله عز وجل ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، وأوصي أن لعبد الله بن محمد المعروف بفُوران عليَّ نحواً من خمسين ديناراً، وهو مصدَّق فيما قال، فيُقْضَى مالَه عليَّ من غلة الدار إن شاءَ الله، فإذا استوفى أعطى ولدُ صالحٍ [وعبد الله ابني أحمد بن محمد بن حنبل] كلّ ذكر وأنثى عشرة

دراهم، عشرة دراهم، بعد وفاء مال أبي محمد. شَهد أبو يوسف وصالح وعبد الله ابنا أحمد بن محمد بن حنبل. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا محمد بن المنتصر الباهِلي، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي الفضل، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الأنصاري، قال: حدثني أبو بكر المرُّوذي، قال: أنبَهني أبو عبد الله ذات ليلة، وقد كان واصَلَ، فإذا هو قاعد، فقال: هو ذا يُدَارُ بي من الجوع، فأطعِمْني شيئاً، فجئته بأقلَّ من رَغيف، فأكل، ثم قال: لولا أني أخاف العون على نفسي ما أكلتُ، وكان يقوم من فراشه إلى الخروج، فيقعد يَستريح من الضعف من الجوع، حتى إن كنت لأبلُّ له الخِرقة فيلقيها على وجهه ترجع إليه نَفسه، حتى أوصى وأشهدَ على وصيته من الضعف من غير مرض. فسمعته يقول عند وصيته ونحن بالعَسكر: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أحمدُ بن محمد؛ أوصى: أنه يَشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شَريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله، ولوكَره المشركون، وأوصَى من أطاعه من أهلهِ وقرابته أن يحمدوا الله في الحامِدين وأن يَنصحوا لجماعة المسلمين، وأوصى: إني رَضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيًّا، وأوصى أن عليه خمسينَ ديناراً تُؤدّى من الغَلة حتى تُستَوفي. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن

أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبي، والحسين بن محمد، قالا: حدثنا أحمد بن محمد بن عُمر، قال: سمعتُ عبد الله بن أحمد ابن حَنبل يقول: مكث أبي بالعَسكر عند الخليفة ستة عشر يوماً، ما ذاق شيئاً إلا مقدار رُبع سَويق، في كل ليلة يشرب شَربة ماء، وفي كل ثلاث ليال يستفُّ حَفنةً من السَّويق، فرجع إلى البيت ولم تَرجع إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر، ورأيتُ ماقضيّه قد دخلا في حَدَقتيه. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلال، أخبرني محمد بن الحسين، أن أبا بكر المرُّوذي حدثهم، قال: كان أبو عبد الله بالعَسكر، يقول: انظر هل تَجدي ماء الباقلاء؟ فكنت ربما بللتُ خُبزه بالماء فيأكله بالملح، ومنذ دخلنا العسكر إلى أن خرجنا ما ذاق طَبيخاً ولا دَسماً. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخَياط، قال: أخبرنا ابن أبي الفوارس، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سَلْم، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: قال أبو عبدالله أحمد بن حنبل: إني لأتمنى الموتَ صباحاً ومساءً أخاف أن أُفتنَ بالدنيا، لقد تفكرتُ البارحة، فقلت: هذه مِحنتان، امتحنتُ بالدين، وهذه محنة بالدنيا. وقال لي ونحن بالعسكر: ألا تَعجب! كان قُوتي فيما مَضى أرغفة؛ وقد ذهبت عني

شَهوة الطعام فما أشتهيه، قد كنت في السجن آكل وذلك عندي زيادة في إيماني وهذا نُقصان، وقال لنا يوماً ونحن بالعسكر: لي اليومَ ثمان لم آكل شيئاً ولم أشرب إلا أقل من ربع سَويق. وكان يمكث ثَلاثاً لايطعم، وأنا معه، فإذا كان الليلة الرابعة أضعُ بين يديه قَدر نصفِ رُبعِ سَويق، فربما شَربه وربما تَرك بعضه، فمكث نحواً من خَمسة عشر يوماً، أو أربعة عشر يوماً لم يطعم إلا أقل من ربُعين سَويقاً، وكان إذا ورد عليه أمر يَغمه لم يَطعم ولم يفطر، وواصل لا شربة ماء، وكُلّم في أمره وفي الحمل على نفسه، فقيل له: لو أمرت بقِدر تُطبخ لك لترجع إليك نفسك؟ فقال: الطبيخُ طعام المطمئنين، مَكث أبو ر ثلاثين يوماً مالهُ طعام إلا ماء زَمزم؛ وهذا إبراهيم التَّيمي كان يَمكث في السِّجن كذا وكذا لا يأكل، وهذا ابنُ الزُّبيرا، يمكث سَبعاً. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرني عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: حدثنا علي بن عَبد العزيز، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد: أن المتوكل كان قد اكترى لهم داراً قال: فسأل أبي أن يُحَوَّل من الدار التي اكتُريت له، فاكترى هو داراً وتحوَّل

إليها، فسأل عنه المتوكل فقيل له: إنه عَليل. فقال: كنتُ أحب أن يكون في قُربى وقد أذِنت له، يا عُبيد الله، احمل إليه ألف دينار يَقسمها، وقل لسعيد يُهييء له حَرّاقة يَنحدر فيها. فجاءَه عليّ بن الجَهم في جوف الليل، ثم جاءَ عُبيدالله ومعه ألف دينار. فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لكَ، وقد أمر بهذه الألف دينار. فقال: قد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره فردّها، وقال: أنا رقيقٌ على البَرد؛ والبَرُّ أرفق بي فكُتب له جواز، وكتب إلى محمد بن عبد الله في برّه وتَعاهده؛ فقدم علينا بين الظهر والعَصر. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: اخبرنا أحمد بن حَسْنُويَه، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن السامي، قال: سمعتُ سُليمان بن الأشعث يقول: كتبَ المتوكل على خَليفته أن يحمل أحمد إليه؛ فحُمل إليه، فلما قدم أحمد أمر أن يُفرغ له قصر ويُبسط له فيه، ويُجرى على مائدته كل يوم كذا وكذا، وأراد أن يُسمع ولده الحديثَ فأبى أحمد ولم يجلس على بساطه، ولم يَنظر إلى مائدته وكان صائماً، فإذا كان عند الإفطار أمرَ رفيقه الذي معه أن يَشتري له ماءَ الباقلاء فيُفطر عليه، فبقي أياماً على هذه الحال، وكان علي بن الجَهم من أهل السنّة حسنَ الرأي في أحمد، فكلّم أميرَ المؤمنين فيه، وقال: هذا رجلٌ زاهدٌ لا يُنتفع به؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذنَ له. ففعل، ورَجع أحمد إلى مَنزله. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أنبأنا علي بن البُسْري، عن أبي عبد الله

ابن بَطَّة، قال: حدثني أبو بكر الآجُرِّي، قال: حدثنا أبو نَصر بن كُردي، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: سمعتُ إسحاق بن حنبل ونحن بالعسكر يُناشد أبا عبد الله ويسأله الدخول على الخَليفة ليأمره ويَنهاه. وقال: إنه يَقبل منك، هذا إسحاق بن رَاهويه يدخل على ابن طاهر فيأمره وَينهاه، فقال أبو عبد الله: تَحتجُّ عليّ بإسحاق! فانا غير راضٍ بفعله، ما له في رُؤيتي خير، ولا لي في رُؤيته خير؛ يجب عليّ إذا رايتُه أن آمره وأنهاه، الدُنُو منهم فِتنة، والجُلوس معهم فتنة، ونَحن متباعدون منهم ما أرانا نَسْلَم، فكيف لو قربنا منهم؟ قال المرُّوذي: وسمعتُ إسماعيل ابن أخت ابن المبارك يُناظر أبا عبد الله ويُكلمه في الدخول على الخَليفة، فقال له أبو عبدالله: قد قال خالَكَ يعني ابن المبارك- لا تأتهم فإن أتينَهم فاصدُقهم، وأنا أخاف أن لا أصدُقهم. وسمعت أبا عبد الله، يقول: لو دخلتُ عليه ما ابتدأته إلا بأبناءِ المهاجرين والأنصار. وفي رواية أن عم أحمد قال له: لو دخلتَ على الخليفة فإنك تَكْرُم عليه، فقال: إنما غَمّي من كَرامتي عليه. وبلغني عن أبي الحُسين بن المُنادي، أنه قال: امتنع أحمد من الحديث قبل أن يموت بثمان سنين أقل أو أكثر، وذلك أن المتوكل وجَه إليه فيما بَلغنا يقرأ عليه السلام، ويسأله أن يجع المعتز ي حجره ويُعلمه العِلم، فقال للرسول: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وأعلمه أن عليَّ يميناً مُقفلة أني لا أتم حَديثاً حتى أموت. وقد كان أمير المؤمنين أعفاني مما أكره. فقامَ الرسول من عنده.

سياق ما جَرى بينه وبَين المتوكل بعد عَوده من العَسْكر أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: كان يأتيه رسول المتوكل يُبلغه السلام، ويسأله عن حاله فَنُسرُّ نحن بذلك، وتَأخذه نَفضةٌ حتى نُدثِّره، ثم يقول: والله لو أن نَفسي في يدي لأرسلتها، ويَضم أصابعه ثم يَفتحها. وقَدم المتوكل فنزل الشمّاسية يُريد المدائِن، فقال: يا صالحَ، أحب أن لا تذهب إليهم ولا تُنبههم. قلت: نعم. فلما أن بعد يوم وأنا قاعد خارجاً، وكان يوماً مطيراً، إذا يَحيى بن خاقان قد جاء والمطر عليه في مَوكب عظيم، فقال سُبحان الله! لم تَصر إلينا حتى تُبلغ أمير المؤمنين [السلام] عن شيخك حتى وجَّه بي. ثم نزل خارج الزقاق، فجهدت به أن يدخل على الدابة فلم يَفعل، فجعل يَخوض الطين. فلما صار إلى الباب نَزع جُرموقاً كان على خُفه، ودَخل البيت، وأبي في الزاوية قاعد عليه كِساء مُرقعٌ وعِمامة، والسِّتر الذي على باب البيت قِطعة خَيش، فسلّم عليه وقبَّل جبهته وسأله عن

حاله، وقال: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام، ويقول: كيفَ أنت في نفسك؟ وكيف حالك قد أنستُ بقربك، ويَسألك أن تدعو الله عزّ وجلَّ له. فقال: ما يأتي عليَّ يوم إلا وأنا أدعو الله عزّ وجلَّ له. ثم قال له: قد وَجَّه معي ألف دينار تُفرقها على أهل الحاجة، فقال: يا أبا زكريا، أنا في البيت مُنقطع عن الناس، وقد أعفاني مما أكره وهذا مما أكره، فقال: يا أبا عبد الله الخُلفاء لا يَحتملون هذا كله. فقال: يا أبا زكريا، تلطَّف في ذلك، فدعا له ثم قام، فلما صار إلى الدار رَجع، وقال: هكذا لو وجه إليك بعض إخوان كنتَ تفعل؟ قال: نعم. قال صالح: فلما صرنا إلى الدّهليز، قال: قَد أمرني أمير المؤمنين أن أدفعها إليكَ تفرقها في أهل بيتكم. فقلت: تكونُ عندك حتى تَمضي هذه الأيام. وقلَّ يومٌ يمضي إلا رسول المتوكل يأتيه. قال ابن أبي حاتم وأخبرنا عبد الله بن أحمد فيما كتب إليّ، قال: سمعتُ أبي يقول: لقد تمنيتُ الموتَ وهذا أمر أشدّ علي من ذلك، ذاك فِتنة الدين، الضَّرب والحَبس كنتُ أحتمله في نفسي، وهذه فتنة الدنيا. أو كما قال. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: حدثنا أبو نُعَيْم الحافظ، قال حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعتُ أبي يقول: هذا أمر أشد عليَّ من ذلك ذاك فتنة الدين، الضرب والحبس كنتُ احتمله في نفسي، وهذا فِتنة الدنيا.

أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبانا ابن البُسْري، عن أبي عبد الله بن بَطَّة قال: حدثنا الآجُرِّي، قال: حدثنا أبو نَصر بن كُردي، قال: حدثنا المرُّوذي، قال: قال لي أبو عبد الله: قد جاءَ يحيى بن خاقان ومعه شَوى، فجعل يقلله أبو عبد الله. قلت له: قالوا: إنها ألف دينار، قال: هكذا. قال: فَرددتُها عليه فبلغ الباب ثم رجع، فقال: إن جاءَك أحدٌ من أصحابك بشيءٍ تقبله؟ قلت: لا. قال: إنما أُريد أن أخبر الخَليفة بهذا. قلت لأبي عبد الله: أي شيءٍ كان عليكَ لو أخذتها فقَسمتَها؟ فكلَح وجهه، وقال: إذا أنا قسمتها أي شيءٍ كنتُ أريد؟ أكون له قَهْرَماناً؟! أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيْم أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا سليمان ابن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد. قال أبو نعيم: وحدثنا محمد وعلي والحُسين، قالوا: حَدثنا مُحمد بن إسماعيل، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: كَتب عُبيد الله بن يحيى إلى أبي يُخبره: إن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك أسألك عن أمر القرآن، لا مسألة امتحان، ولكن مسألة معرفة وبَصيرة. فأملي عليَّ أبي إلى عُبيد الله بن يحيى: بسم الله الرحمن الرحيم، أحسنَ الله عاقبت يا أبا الحسن في الأمور كُلها، ودَفع عنكَ مَكارِه الدنيا

والآخرة برحمته، قد كتبتُ إليكَ - رضي الله عنك- بالذي سأل عنه أمير المؤمنين بما حضرني، وإني أسأل الله أن يُديم توفيق أمير المؤمنين، فَقد كان الناس في خَوضٍ من الباطل واختلاف شَديد يَغتمِسون فيه، حتى أفضَت الخلافة إلى أمير المؤمنين، فنفى الله بأمير المؤمنين كُلّ بِدعة وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذلّ وضيق المحابِس، فصرف الله ل كله وذهب به بأمر المؤمنين، وقع ذلك من المسلمين موقعاً عظيماً، ودعوا الله لأمير المؤمنين، فأسأل الله أن يَستجيب في أمير المؤمنين صالحَ الدعاءِ، وأن يتمّ ذلك لأمير المؤمنين، وأن يزيد في نيته، ويُعينه على ما هو فيه، فقد ذُكر عن ابن عباس أنه قال: لا تَضرِبوا كتابَ الله بعضَه ببعضٍ، فإن ذلك يُوقع الشكَّ في قلوبكم. وذُكر عن عَبد الله بن عمرو، أن نفراً كانوا جُلوساً بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: ألم يَقل الله كذا؟ وقال بعضهم: ألم يَقل الله كذا؟ فسمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَخرج كأنما فقئ في وجهه حبُّ الرمان، فقال: "أبهذا أمِرتُم، أن تَضربوا كتابَ الله بعضَه ببعضٍ، إنما ضَلَّت الأمَم قَبلَكُم في مِثل هذا، إنكم لَستُم مما هاهُنا في شَيءٍ انظُروا الذي أُمِرتم بهِ فاعملوا به، وانظُروا الذي نُهيتُم عَنه فانتَهوا عَنه". وذكر أحاديث ثم قال: وقد قال الله تعالى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}. وقال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}. فأخبر

أن الأمر غير الخلق - وذكر آيات - وقال: لستُ بصاحب كلام، ولا أرى الكلامَ في شيءٍ من هذا إلا ما كان في كتابِ الله، أو في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه، أو عن التابعين.

الباب الرابع والسبعون في ذكر ما جرى له مع ابن طاهر من طلب استزارته وامتناعه عليه

الباب الرابع والسَّبعُون في ذكر ما جَرى له مع ابن طاهر من طَلب استزِارَته وامتناعه عليه أخبرنا عبد الله بن علي المقرئ، قال: أخبرنا عبد الملك بن أحمد السُّيوري، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفَضل، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز البَرْدَعي، قال: حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح ابن أحمد، قال: قَدم مُحمد بن عبد الله بن طاهر، فوجَّه إلى أبي: أحبُّ أن تَصير إليَّ، وتُعلمني اليوم الذي تَعزم عليه حتى لا يكون عندي أحد، فوجَّه إليه: أنا رجلٌ لم أخالط السلطان، وقد أعفاني أميرُ المؤمنين مما أكره؛ وها مما أكره، فجهد أن يصير إليه فأبى، فكتب إليَّ إسحاق بن راهويه: غني دخلتُ على طاهر بن عبد الله فقال: يا أبا يَعقوب، كتبَ إليَّ محمد أنه وجّه إلى أحمد ليَصير إليه فلم يأتِه، فقلتُ: أصلحَ الله الأمير، إنَّ أحمد قد حَلف أن لا يحدث، فلعله كَره أن يضير إليه فيَسأله أن يُحدثه، فقال: ما تقول؟ قال: فقلتُ: نعم. قال صالح: فأخبرتُ أبي بذلك فَسكت. قلتُ: وإنما امتنع أحمد من زيارة ابن طاهر لأنه كان سُلطاناً، وألا فقد كان يَزور أهلَ الدين والعِلم. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال:

أخبرنا أبو القاسم عُبيد الله بن محمد بن الحسين بن الفَرّاء، قال: أخبرنا القاضي أبو محمد هُمام بن محمد بن الحَسن الأيْلي، قال: حدثنا أبو بَكر أحمد ابن علي بن الحُسين بن قسانية الخَطيب، قال: حدثنا أبو عبد اله الحُسين ابن بَكر الوَرّاق، قال: حدثنا أبو الطَّيب مُحمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حَنبل، قال: لما أطلق أبي من المِحنة خَشي أن يَجيءَ إليه إسحاقُ بن راهَويه، فرحل أبي غليه، فلما بَلغ الرَّيّ، دخل إلى مَسجد فجاءَه مَطر أفواه القِرَب، فلما كانت العَتمة، قالوا له: اخرج من المسجد فإنا نُريد أن نُغلقه، فقال لهم: هذا مَسجد الله وأنا عَبد الله. فقيل له: أيما أحبّ غليك أن تخرج أو تُجرَّ برجْلك؟ قال أحمد: فقلت: سَلاماً. فخرجتُ من المسجد والمطر والرَّعد والبرق، فلا أدري أين أضع رجلي ولا أينَ أتوجه، فإذا رجلٌ قد خَرج من دارهن فقال لي: يا هذا، أينَ تمرُّ في هذا الوقت؟ فقلت: لا أدري أينَ أمر؟ فقال لي: داخل. فأدخلني داراً ونزع ثيابي وأعطوني ثياباً جافة وتَطهرت للصلاة، فدخلتُ إلى بيت فيه كانون فَحم ولبّود ومائِدة منصوبة، فقيل لي: كُل. فأكلتُ معهم، فقال لي: من أينَ أنت؟ قلتُ: أنا من بغداد، فقال لي: تَعرفُ رجلاً يقال له: أحمد بن حنبل؟ فقلتُ: أنا أحمدُ بن حنبل، فقال لي: وأنا إسحاق بن رَاهويه.

الباب الخامس والسبعون في ذكر ما جرى له مع ولديه وعمه حين قبلوا صلة السلطان

الباب الخامس والسَّبعُون في ذكر ما جرى له مع وَلديه وعَمه حين قَبلوا صِلة السُّلطان أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عُمر البَرْمَكي. وأخبرنا عبد الله بن علي المقرئ، قال: أخبرنا عبد الملك بن أحمد السُّيُوري، قال: أخبرنا عبد العزيز بن أحمد بن الفَضل، قالا: أخبرنا علي ابن عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: لما قَدم أبي من عند المتوكل مَكثَ قليلاً ثم قال: يا صالح، قلتُ: لَبَّيك، قال: أُحب أن تَدع هذا الرزق فلا تَأخذه ولا توكل فيه أحداً، قد علمتُ أنكم إنما تأخذون هذا بسببي، فإذا أنا متُّ فأنتم تعلمون. فسكتُّ، فقال: مالَك؟ فقلت: أكره أن أعطيك شَيئاً بلساني وأخالف إلى غَيره فأكون قد كذبتُكَ ونافَقتكَ، وليس في القَوم أكثر عِيالاً مني ولا أعذر، وقد كنتُ أشكو إليك، فتقول: أمرك مُنعقد بأمري، ولعل الله أن يحلّ عني هذه العُقدة، ثم قلتُ: وقد كنتَ تدعو لي وأرجو أن يكون الله عز وجل قد استجابَ لك: فقال لا تفعل فقلت: لا. فقال: قُم فَعل الله بك وفَعل، ثم أمرَ بسدِّ الباب بَيني وبينه، فتلقّاني عبد الله وسألني فأخبرتُه، فقال: ما أقول؟ فقلت: ذاك إليك، فقال له مثل ما قال لي، لا أفعل، فكان منه نحو مما كان

منه إليَّ، ولقينا عمّه، فقال: لِمَ أردتُم أن تقولوا له؟ وما كان علمه إذا أخذتم شيئاً؟ فدخل عليه، فقال: يا أبا عبد الله، لستُ آخذ شيئاً من هذا، فقال: الحمدُ لله، فهجَرنا وسدَّ الأبواب بيننا، وتحامى منازلنا أن يدخل منها إلى منزله شيءٌ، وقد كان قديماً قبل أن نأخذ من السلطان يأكل عندنا، وربما وَجَّهنا بالشيءِ فيأكل منه، فلما مَضى نحو من شَهرين، كتب لنا بشيء فجيء به إلينا، فأول من جاء عَمه فأخذ، فأخبر فجاء إلى الباب الذي كانَ سدَّه بيني وبينه وقد فَتح الصبيان كُوة، فقال: ادعوا إليَّ صالحاً، فجاءَني الرسولُ، فقلت له: لستُ أجيء، فوجَّه إليّ: لم لا تجيء؟ فقلتُ له: هذا ارزق يَرتزقه جماعة كثيرة، وإنما أنا واحد منهم، وليس فيهم أعذر مني، فإذا كان توبيخٌ خُصِصْتُ به أنا، فمضى، فلما نادى عَمّه بالأذان خَرج، فلما خرج، قيل له: إنه قد خَرج إلى المسجد، فجئتُ حتى صرت في الموضع الذي أسمع له: إنه قد خَرج إلى المسجد، فجئت حتى صرت في الموضع الذي أسمع كلامه، فلما فَرغ من الصلاة التفتَ إلى عمه، ثم قال له: يا عدو الله، نافَقتني وكَذبتني وان غيُرك أعذر مِنك! زعمتَ أنك لا تأخذ من هذا شيئاً ثم أخذتَ، فأنت تستغل مئتي درهم، وعمدتَ إلى طريق المسلمين تَستغله، إنما أشفق أن تُطوق يوم القيامة بسَبع أرضين. ثم هَجره وتركَ الصلاةَ في المسجد، وخَرج إلى مسجدٍ آخر يُصلي فيه. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو بَكر بن مالك، قال: حدثنا أبو جَعفر بن ريح العُكْبَري، قال: طلبتُ أحمد بن حنبل

في سَنة ست وثَلاثين ومئتين لأسأله عن مسألة، فَسألتُ عنه فقالوا: إنّه خَرج يُصلي خارجاً، فجلستُ له على باب الدَّرب حتى جاء، فقمتُ فسلّمتُ عليه فردَّ عليَّ السلام، فدخل الزُّقاق وأنا أماشيهن فلما بلغنا آخر الدَّرب، إذا باب يُفرج، فَدفعه وصار خَلفه، وقال: اذهب عافاك الله، فالتفتُّ فإذا مَسجد على الباب وشَيخٌ مخضوب قائم يُصلي بالناس، فجلستُ حتى سَلَّم الإمام، فخرجَ رجلٌ، فقتل: هذا الشيخ مَن هو؟ قال: إسحاق عمّ أحمد ابن حنبل، قلتُ: فلما له لا يُصلي خَلفه؟ فقال: ليسَ يُكلِّم ذا ولا ابنيهِ لأنهم أخذوا جائِزة السلطان. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا علي بن مَرْدَك، قال: حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: بَلغ أبي في زمان هَجرهِ لنا أنه قد كتبَ لنا بشيءٍ [فبلغه]؛ فجاءَ إلى الكُوّة التي في الباب، فقال: يا صالح، انظر ما كان للحَسن وأم علي، فاذهب به إلى فُوران حتى يَتصدَّق به في الموضع الذي أخذ منه. فقلت له: ما علم فوران من أي موضع أخذ، فقال: افعل ما أقول لكَ، فوجَّهت ما كان أضيف إليهما إلى فوران، وكان إذا بلغه أنا قد قَبلنا طَوى تلكَ اللَّيلة فلم يُفطر، ثم مَكث شهراً لا أدخل عليه، ثم فَتح الصبيان الباب، ودخلوا غير أنه لا يُدخل إليه شيء من مَنزلي. ثم وجَّهت

إليه: يا أبَة، قد طالَ هذا الأمر، وقد اشتقتُ إليك فدخلتُ عليه، فستَ، فأكببتُ عليه وقلتُ: يا أبَة، تُدخل على نفسك هذا الغَمّ؟ قال: يا بُني، مالا أملكه. ثم مكثنا مدة لم نَأخذ شيئاً، ثم كُتب لنا بشيءٍ فَقبضناه، فلما بَلغه هَجرنا أشهراً، فكلَّمه فُوران، ووجَّه إليَّ فوران فدخلت، فقال له: يا أبا عبد الله، صالح وحُبّكَ له، فقال: يا أبا محمد، لقد كان أعز الخَلق عليَّ، وأيّ شيءٍ أردته له إلا ما أردتُه لنفسي؟ فقلت له: يا أبَه، ومن رأيتَ أنت ممن قويتَ قويَ على ما قويتَ عليه أنت؟ قال: وتحتجُّ عليَّ؟ ثم كتبَ إلى يَحيى بن خاقان يَسأله ويعزم عليه أن لا يُعيننا على شيءٍ من أرزاقنا ولا يتكلّم فيها، فلم وصل رسوله بالكتاب إلى يحيى، أخذه صاحب الخبر، فأخذ نُسخته ووصلت إلى المتوكل. فقال لعُبيد الله: كم من شَهر لولد أحمد بن حنبل فقال: عَشرة أشهر. فقال: تحمل إليهم الساعة أربعينَ ألف درهم من بيتِ المال صِحاح ولا يُعلم بها، فقال يَحيى للقيّم: أنا أكتُب إلى صالح أُعلِمُهُ. فورد عليَّ كتابه، فوجهتُ إلى أبي أعلمته، فقال الذي أخبره: سكتَ قليلاً وضربَ بذقنه صَدره ثم رَفع رأسه، وقال: ما حيلتي إذا أردتُ أمراً، وأرادَ الله عزَّ وجل أمراً. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يَعقوب الحافظ، قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر المرْوَزي، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن الحَسن بن علي البخاري، قال:

سمعتُ محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي، يقول: حُكى لنا عن المتوكل، أنه قال: إن أحمد ليَمنعنا من برِّ وَلده. وذلك أنه كانَ وجه إلى ولده وإلى وَلد ولده وإلى عمّه بمال عظيم، فأخذوه دونَ علم أحمد، فلما بلغه ذلك، أنكر عليهم وتقدّم إليهم بردِّه، وقال لهم: لِمَ تأخذوه والثُّغور مُعطَّلة غير مَشحونة، والفَيءُ غير مَقسوم بينَ أهله؟ فاعتلّوا بخروج ذلك المال من أيديهم في ديونهم وما كانَ عليهم، ثم وجَّه المتوكل مالاّ آخر، وقال: لِيُعْط ولده من غَير علم أحمد، فأخذوه، فبلغ ذلك أحمد فجمعهم وقال لهم: احتجَجتم في المال الأول بذهابه عَنكم وبديونكم، فردوه، فأنا شهدت وقد سد باباً كان بينه وبين صالح ابنه، وترك مسجده ومُؤذنه عمّه وإمامه ابن عمير، وداره لَزيقة المسجد، وهَجرهم من أجل ذلك المال، وأنا رَأيتُه يَخرج من زقاقه ومن دربه إلى الشارع، ويدخل درباً آخر فيه مَسجد يقال له: مسجد سِدرة، يُصلي فيه الجماعة، ثم لما شخص إلى العَسكر والمؤيَّد، وهم وُلاة العهود، فجعل يَتمارض، وإذا سُئل قال: لا أحفظ، وكُتبي عني غائبة، حتى أعفي، ووقَّع المتوكل في بعض ما وقَّع: أعفَينا أحمد مما يَكره. ولقد جاءَته تُحفة رُطَب من قِبل المتوكل مَختومة فما طَعم منها، وبَلغني أنه احتج في ذلك اليوم فقال: إنَّ أمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره، فإذا جاءَه شيء، قال: هذا مما أكره، فَيُعفى، فكانَت هذه حاله. أخبرنا هِبة الله بن أحمد الحَريري، قال: أنبأنا مُحمد بن علي بن الفَتح، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن الصَّباح الكوفي، قال: حدثنا جَعفر بن محمد ابن نُصير، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مَسروق، قال: قال لي عبد الله بن

أحمد بن حنبل: دَخل عليَّ أبي رَحمه الله في مَرضي يَعودُني، فقلتُ: يا أبَة، عندنا شيء قد بَقى مما كان يَبرّنا به المتوكّل، أفأحجُّ منه؟ قال: نعم. قلتُ: فإذا كانَ هذا عندك هكذا فلم لم تأخُذ قال: يا بُني، ليسَ هو عندي بحَرام ولكني تَنزَّهتُ عَنه.

الباب السادس والسبعون في ذكر جماعة من كبار الذين أجابوا في المحنة

الباب السادس والسبعُون في ذكر جماعة من كبار الذين أجابوا في المحنة أجاب من كبار العلماءِ: علي بن الجَعد، وإسماعيل بن إبراهيم ابن عُلَيّة، وسَعيد بن سُليمان الواسطي المعروف بسَعدويه، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأبو حَسان الزيادي، وبِشر بن الوليد، وعبيد الله بن عمر القَواريري، وعلي بن أبي مُقاتل، والفَضل بن غانم، والحسن بن حَمّاد سَجّادة، وإسماعيل بن أبي مسعود، ومُحمد بن سعد كاتب الواقدي، وأحمد بن إبراهيم الدَّورقي، وإسماعيل ابن داود الجَوْزي ويحيى بن مَعين، وعلي بن المدِيني، وأبو خَيثمة زُهير بن حَرب، وأبو نَصر التَّمار، وأبو كُريب في آخرين. وما صَعبت إجابة أحد من هؤلاءِ على أحمد بن حنبل، كما شقَّت إجابة أبي نَصر التمار، ويحيى بن معين، وأبي خَيثمة، لأنهم كانوا عِنده في أعلى مَرتبة، ما ظنَّ بهم الإسراع في الإجابة، فأما أبو نَصر التَّمار، فإنه كان من العباد، وسَمع الحديث من مالك والحَمّادين وخَلقٍ كثير، إلا أنه لم يَصبر على الامتحان فأجابَ، فكان أحمد لا يرى الكتابة عنه، ولما ماتَ لم يصلِّ عليه. وقد أخبرنا علي بن عبد الواحد، قال: أخبرنا

علي بن عمر القزويني، قال: قرأتُ على يوسف بن عمر، قلت له: حدثكم أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد الموصلي؟ قال: حدثني محمد بن حرب، قال: سمعتُ عبد الصمد بن محمد بن مقاتل، يقول سمعت أبا حفص ابن أخت بشر بن الحارث، يقول قال لي بشر في اليوم الذي أحضر فيه أبو نصر التَّمار إلى دار إسحاق بن إبراهيم: تَعرَّف لي خبر أبي نَصر، قال: فقلت له إنَّه قد أجاب، فاسترجع مراراً، ثم قال: ما كانَ أحسن تلك اللِّحية لو كانت خُضِبت - يعني بالدَّم - ولم يُجب حتى يُقتل. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني عُبيد الله بن أبي الفَتح، قال: حدثنا عمر بن إبراهيم المقرئ، قال: سمعتُ أحمد بن علي الديباجي، يقول: سمعت عبيد الله بن شريك، يقول كان أبو مَعمر القَطيعي من شِدَّة إذلاَله بالسُّنّة، يقول: لو تكلَّمت بَغلتي، لقالت: إنها سُنّية، قال: فأخذ في المِحنة فأجاب، فلما خرج، قال: كفرنا وخَرجنا. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: قرأتُ على البرقاني، عن أبي إسحاق المُزَكّي، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السرّاج، قال: سمعتُ ابن عَسكر، يقول: لما دُعي سَعدويه للمحنة رأيتُه حين خَرج من دار الأمير فقال: يا غُلام، قَدِّم الحمار، فإن مَولاك قد كَفر.

قلت: سَعدويه، هو سعيد بن سُليمان أبو عُثمان الواسطي، يُعرف بسَعدويه، وقد حدَّث عن الليث بن سَعد وغيره، وحجَّ ستين حجة. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد، قال: أخبرنا الوليد بن بَكر، قال: حدثنا علي بن أحمد ابن زكريا، قال: حدثنا صالح بن أحمد العِجْلي، قال: حدثني أبي، قال: قيل لسَعدويه بعد ما انصرف من المحنة: ما فَعلتم؟ قال: كَفرنا ورَجعنا.

الباب السابع والسبعون في ذكر كلامه فيمن أجاب في المحنة

الباب السّابع والسّبعُون في ذكر كلامه فيمن أجابَ في المِحنة أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا البَرْقاني، قال: أخبرنا يعقوب بن موسى الأرْدُبيلي، قال: حدثنا أحمد بن طاهر بن النَّجم، قال: حدثنا سَعيد بن عمرو البَرْدعي، قال: سمعتُ أبا زُرْعة - وهو الرازي -يقول: كان أحمد بن حنبل لا يَرى الكِتابة عن أبي نَصر التَّمار، ولا يَحيى بن مَعين، ولا أحد ممن امتُحِن فأجاب، قال البَرْقاني: وأخبرنا الحُسين بن علي التميمي، قال: حدثنا أبوعَوَانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني، قال: سمعتُ الميموني، يقول: صَحَّ عندي أنه لم يَحضر أبا نَصر التمار حين ماتَ - يعني أحمد بن حنبل- فحسبتُ أن ذلك لما كان أجابَ في المِحنة. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرني محمد بن محمد بن محمود، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الغُنْجاري، قال: أخبرنا محمد بن العباس العُصْمِي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن ياسين، قال: أخبرنا أحمد بن محمود بن مُقاتل، قال: سمعت زكريا بن يحيى اسِّجْزي، يقول: سمعتُ حَجّاج بن الشاعر، يقول: سمعتُ أحمد بن حنبل،

يقول: لو حَدَّثت عن أحد ممن أجابَ لحدثتُ عن اثنين: أبي مَعْمَر وأبي كُرَيْب. قلت: أبو مَعمر اسمه إسماعيل بن إبراهيم الهُذَلي أجاب كرهاً. ثم نَدم وأخذ يذمّ نفسه على إجابته، ويمدح من لم يُجب ويَغبِطهم، وأما أبو كريب فاسمه محمد بن العلاء، وكانوا قد أجروا له بعد أن أجاب دينارين، فعلم أنهم إنما أجروها لإجابته، فتركهما وهو مُحتاج إليهما. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرني محمد بن المنتصر، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي الفَضل، قال: حدثنا أبو إسحاق الأنصاري، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: جاءَ الحِزامي إلى أبي - وقد كان ذهب إلى ابن أبي دُؤاد - فلما خرج إليه ورآه، أغلق الباب في وَجهه ودخل. قلت: وكذلك فَعل بأبي خَيْثمة، فإنه جاءَ فَطرق عليه الباب، فلما خرج فرآه، أغلق الباب، ورجع مغضباً يتكلم هو ونفسه بكلمات سمعها أبو خَيثمة فلم يعد إليه، وعاد يَحيى بن مَعين في مرضه، فولاّه هره، وأمسكَ عن كلامه حتى قامَ عنه وهو يتأفف، ويقول: بعد الصُّحبة الطويلة لا أكَلَّم. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: وجدتُ بخط أبي: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن أحمد بن يعقوب الحربي، قال: سمعت أبا الفَرج الهندبائي، يقول: سمعتُ أبا بكر المرُّوذي، يقول: جاءَ يَحيى بن مَعِين، فدخل على أحمد ابن حنبل وهو مَريض، فسلّم فلم يرد عليه السلام، وكان أحمد قد حَلف بالعهد

لا يكلّم أحداً ممن أجاب حتى يلقى الله عز وجل، فما زال يَحيى يعتذر، ويقول: حديث عمّار، وقال الله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}، فقلب أحمد وجهه إلى الجانب الآخر، فقال يحيى: أُف، وقام وقال: لايقبل لنا عذراً، فخرجتُ بعده وهو جالس على الباب، فقال: أيّ شيءٍ قال أحمدُ بعدي؟ قلتُ: يحتجُّ بحديث عمار! وحديث عمار: "مَررتُ وهم يَسبّونَك فَنهَيتُهم فَضَربوني" وأنتم قيلَ لكم: نُريد أن نَضربكم. فسمعت يحيى يقول: مُر يا أحمد، غَفر الله لكَ، فما رأيِتُ والله تحت أديم سماءِ الله أفقه في دين الله مِنك.

فصل فإن قال قائل: إذا ثبتَ أن القوم أجابوا مُكرهين فقد استعملوا الجائز، فلمَ هَجرهم أحمد؟ فالجوابُ من ثلاثة أوجه أحدها: أنَّ القوم تُوعِّدوا ولم يُضربوا فأجابوا، والتواعد ليس بإكراه، وقد بان هذا بما ذكرناه من حديث يَحيى بن مَعِين. والثاني: أنه هجرهم على وجه التأديب، ليعلم العوام تعظيم القول الذي أجابوا عليه، فيكون ذل حفظاً لهم من الزَّيغ. والثالث: أن مُعظم القوم لما أجابوا قَبلوا الأموال وترددوا إلى القوم وتقربوا إليهم، فَفعلوا ما لا يجوز، فلهذا استحقوا الذمَّ والهجر. أخبرنا محمدبن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بَكر أحمد بن محمد الخلاّل، قال: أخبرني محمد بن الحُسين، أن أبا بكر المرُّوذي حدثهم، قال: دخلنا العسكر إلى أن خرجنا ما ذاقَ أبو عبدالله طَبيخاً ولا دسماً، وقال: كم تَمتَّع أولئك - يعني ابن أبي شَيْبَة وابن المَدِيني وعَبد الأعلى - إني لأعجب من حِرصهم على الدنيا، فكيفَ يطوفون على أبوابهم؟ ومن أقبح ما نُقل عن ابن المديني، أنه روى لابن أبي دُؤاد حديثاً عن الوَليد ابن مسلم كان الوليد أخطأ في لفظةٍ منه، فذكره لهم على الخطأِ ليَقوى به احتجاجهم، فكان ذلك مما أنكره عليه أحمد.

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه، قال: أخبرنا عيسى بن حامد القاضي، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الصَّيْدلاني، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل، إن علي بن المَدِيني يُحدث عن الوَليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزُّهري، عن أنس عن عُمر: كِلُوه إلى خَالِقهِ. فقال أبو عبد الله: كذب. حدَّثنا الوليد بن مسلم ما هو هكذا، إنما هو: كِلُوهُ إلى عَالِمه. وقال أحمد: قد عَلم علي بن المديني أن الوليد أخطأَ فيه، فَلِمَ أراد أن يُحدثهم به يُعطيهم الخَطأَ؟ فكذَّبه أبو عبدالله. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القَزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني الحُسين بن علي الصَّيْمَري، قال: حدثنا محمد بن عمران المَرْزُبَاني، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا الحُسين بن قَهْم، قال: حدثنا أبي، قال: قال ابنُ أبي دُؤاد للمعتصم: يا أمير المؤمنين، هذا يَزعم - يعني أحمد بن حنبل- أن الله تعالى يُرى في الآخرة، والعَين لا تَقع إلا على محدود. فقال ل المعتصم: ما عندك في هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، عندي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما قال عليه السلام؟ قال: حدثنا محمد

ابن جَعفر غُنْدَر، قال: حدثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قَيس بن أبي حازم، عن جَرير بن عبد الله البَجَلي، قال: كُنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أربع عشرة من الشهر؛ فنظر إلى البدر فقال: "أما إنّكُم سَتَرونَ ربّكُم ما تَرَونَ هذا البَدْرَ لا تُضامونَ في رُؤيتِه". فقال لأحمد بن أبي دؤاد: ما عندك في هذا؟ فقال: أنظُر في إسناد هذا الحديث. وكان هذا في أول يوم، ثم انصرف فوجه ابنُ أبي دؤاد إلى علي بن المديني وهو ببغداد مُملِقٌ لا يقدر على درهم، فأحضره فما كلَّمه بشيءٍ حتى وصله بعشرة آلاف درهم، وقال له: هذه وَصَلك بها أمير المؤمنين، وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه، وكان له رزق سنتين، ثم قال له: يا أبا الحسن، حديث جَرير بن عبد الله في الرّؤية ما هو؟ قال: صَحيح، قال: فهل عندك فيه شيء؟ قال: يُعفيني القاضي من هذا، فقال: يا أبا الحسن، هو حاجة الدَّهر، ثم أمر له بثياب وطيب ومَركب بسَرجه ولِجامه، ولم يَزل حتى قال له: في هذا الإسناد من لا يُعتمد عليه، ولا على ما يَرويه، وهو قَيسُ بن أبي حازم، إنما كان أعرابيًّا، بَوّالاً على عَقبيه، فقام ابنُ أبي دُؤاد إلى علي بن المديني فاعتَنقه، فلما كان من الغد وحَضروا، قال ابنُ أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين، يَحتج في الرؤية بحديث جَرير، وإنما رواه عنه قيس ابن أبي حازم وهو أعرابي بَوّال على عَقبيه. قال: فقال أحمد بن حنبل: فعلمت أنه من عمل علي بن المديني.

قلت: وهذا إن صحَّ عن ابن المديني فهو أمر عظيم، لأنه إقدام منه على ما يعلم خلافه، فإن قَيس بن أبي حازم من كبار التابعين كلّهم من أدرك العشرة المقدمين وروى عنهم غيره، كذلك يقول أكثر أهل العلم، وقال أبوداود سُليمان بن الأشعث: رَوى عن تسعة من العَشرة ولم يَرو عن عبد الرحمن ابن عوف، وقد روى عن خَلق كثير من الصحابة، ولم يَعِبه أحدٌ بشيءٍ، ومَن فَعل مثل هذا يَستحق الهَجر. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أحمد بن علي الرزاز، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الشافعي، قال: قيل لإبراهيم الحربي: لم لا تُحدث عن علي بن المديني؟ فقال: لقيته يَوماً وبيده نَعله، وثيابه في فمه، فقلتُ: إلى أين؟ فقال: ألحقُ الصلاة خَلف أبي عبدالله، فظننتُ أنه يَعني أحمد بن حنبل، فقلت: من أبو عبد الله؟ فقال: أبو عبد الله بن أبي دُؤاد. فقلتُ: والله لا حدَّثتُ عنكَ بحرف. أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا العَتيقي، قال: حدثنا محمد بن العباس، قال: حدثنا سليمان بن إسحاق الجلاب،

قال: قال إبراهيم الحربي: كانَ علي بن المديني إذا رأى في كتاب حديثاً عن أحمد، قال: اضرب على ذا ليرضى به ابن أبي دُؤاد. أخبرنا المحمدان: ابن أبي منصور وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أحمد بن جعفر ابن سَلْم قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار، قال: حدثنا يحيى بن عثمان الحَربي، قال: سمعتُ بشر بن الحارث، يقول: وَددت أنّ رؤوسهم خُضبت بدِمائهم وأنهم لم يُجيبوا.

الباب الثامن والسبعون في ذكر جماعة ممن لم يجب في المحنة

الباب الثامِن والسبعُون في ذكر جَماعة ممن لم يُجب في المحنة أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن علي بن يَعقوب، قال: أخبرنا محمد بن نعيم الضَّبي، قال: سمعتُ أبا العباس السَّيَاري يقول: سمعت أبا العباس بن سعيد المرْوَزي يقول: لم يَصبر في المِحنة إلا أربعة، كلّهم من مَرو: أحمد بن حنبل، وأحمد ابن نَصر، ومُحمد بن نوح، ونُعَيم بن حَمّاد. قال أبو الحُسين بن المنادي: وممن لم يُجب: أبو نُعيم الفَضل بن دُكَيْن، وعَفّان، والبُوَيْطي، وإسماعيل بن أبي أويس، وأبو مُصعب المدنيان، ويَحيى الحِمّاني. سياق أخبار المشتَهرين بالذكر منهم عَفّان بن مُسلم أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقّاق،

قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: حضرتُ عند عَفان بعد ما دعاه إسحاق بن إبراهيم للمِحنة - وكان أول من امتُحن من الناس عَفّان - فسأله يَحيى بن مَعِين من الغد - بعد ما امتُحن - وأبو عبدالله أحمد بن حنبل حاضر ونحن مَعه، فقال له يحيى: يا أبا عُثمان، أخبرنا بما قال لك إسحاق بن إبراهيم، وما رددتَ عليه؟ فقال عفّان ليحيى: يا أبا زكريا، لم أسوّد وجهك ولا وجوه أصحابك - يعني بذلك: أني لم أجب - فقال له: فكيفَ كان؟ قال: دعاني إسحاق بن إبراهيم، فلما دخلت عليه، قرأ علي الكتاب الذي كتب به المأمون من أرض الجزيرة إلى الرقّة، فإذا فيه: امتَحِنْ عفان، وادعه إلى أن يقول: القرآن كذا وكذا، فإن قال ذلك فأقره على أمره، وإن لم يُجبك إلى ما كتبتُ به إليك فاقطع عنه الذي يجري عليه. وكان المأمون يُجري على عفّان خمس مئة درهم كل شهر، قال عفان: فلما قرأ على الكتاب، قال لي إسحاق بن إبراهيم: ما تقول؟ فقرأتُ عليه {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} حتى ختمتُها، فقلت: أمخلوق هذا؟ فقال لي إسحاق: يا شيخ، إن أمير المؤمنين يقول: إن لم تُجبه إلى الذي يدعوك إليه يَقطع عنك ما يجري عليك، وإن قطع عنك أمير المؤمنين قطعنا عنك نحن أيضاً، فقلت له: يقول الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}، فسكت عني إسحاق وانصرفت، فَسُرَّ بذلك أبو عبد الله ومن حَضر من أصحابنا.

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو منصور بن محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز، قال: حدثنا أبو الفضل صالح بن أحمد التميمي، قال: سمعتُ القاسم بن أبي صالح، قال: سمعت إبراهيم - يعني ابن الحسين بن دَيْزِيل - يقول لما دُعي عفان للمِحنة، كنت آخذ بلجان حماره، فلما حضر عرض عليه القَول، فامتنع أن يُجيب، فقيل له: يُحبس عطاؤك، قال: - وكان يُعطي في كل شهر ألف درهم - فقال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} قال: فلما رجع إلى داره عَذله نساؤه ومن في داره، قال: وكان في داره نحو أربعين إنساناً، قال: فدقَّ عليه داق البابَ، فدخل عليه رَجل شَبهتُه بسمّان أو زَيّات ومعه كيس فيه ألف درهم، فقال: يا أبا عثمان، ثَبَّتك الله ما ثبَّتَّ الدِّينَ، وهذا لك في كل شهر. أبو نُعيم الفَضل بن دُكَين أخبرنا أبو البَركات بن علي البزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي الطُّرْيثِيثي، قال: أخبرنا هِبَة الله بن الحسن الطبري، قال: ذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عمر بن عيسى، قال: سمعتُ أبي يقول: ما رأيتُ مَجلساً يجتمع فيه المشايخ أنبل من مشايخ اجتمعوا في مَسجد جامع الكوفة في وقت الامتحان، فقُرئ عليهم الكِتاب الذي فيه المحنة، فقال أبو نُعيم: أدركتُ ثمان مئة شَيخ ونيفاً وسبعين شيخاً، منهم الأعمش فمَن دونه، فما رأيتُ

خَلقاً يقول بهذه المقالة -يعني بخلق القرآن - ولا تكلم أحد بهذه المقالة إلا رُمي بالزَّندقة، فقام أحمد بن يونس فقبل رأسَ أبي نُعيم وقال: جزاكَ الله عن الإسلام خَيراً. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: قرأتُ على البَرْقاني، عن أبي إسحاق المُزَكّي، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعتُ محمدبن يونس، قال لما أدخل أبو نعيم على الوالي ليَمتحنه، قال: أدركتُ الكوفة وبها أكثر من سبع مئة شيخ، الأعمش فمَن دونه؛ يقولون: القُرآن كلام الله، وعُنقي أهون عندي من زِرّي هذا. فقام إليه أحمد بن يونس فَقبل رأسه، وكان بينهما شحناء؛ وقال: جَزاك الله من شيخ خيراً. أخبرنا عبدالرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو بَكر أحمد بن سليمان النَّجاد، قال: حدثنا محمدبن يونس الكُدَيْمي، قال: سمعت أبا بكر بن أبي شَيْبَة، يقول: لما أن جاءَت المِحنة إلى الكوفة، قال لي أحمد بن يونس: القَ أبا نعيم فقل له، فلقيتُ أبا نعيم، فقلت له، فقال: إنما هو ضَرب الأسياط، وأخذ زِرّه فقطعه، وقال: رأسي أهون عليَّ من زرّي. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا

ابن رزق، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: سمعتُ أبا عبد الله- يعني أحمد بن حنبل- يقول: شيخان قاما لله بأمر لم يقم به أحد - مثل ما قاما به: عَفان، وأبو نُعيم- يعني امتناعهما من الإجابة- نُعيم بن حماد أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني الأزهري، قال: حدثنا محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن معروف الخَشّاب، قال: حدثنا الحسين بن قَهم، قال: حدثنا محمد بن سَعد، قال: نُعيم بن حماد، كان من أهل مَرْوَ، طلبَ الحديث طلباً كثيراً بالعراق والحجاز، ثم نَزل مصر، فلم يزل بها حتى أشخص منها في خلافة أبي إسحاق بن هارون، وسُئل عن القرآن، فأبي أن يُجيب فيه بشيء مما أرادوه عليه، فحُبس بسامرّا، فلم يزل مَحبوساً بها حتى مات في السجن سنة ثمان وعشرين ومئتين. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني الأزهري، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: سنة تسع وعشرين ومئتين، فيها مات نُعيم بن حَمّاد، وكان مُقيداً مَحبوساً لامتناعه من القول بخلق القرآن، فجُرّ بأقياده فأُلقي في

حُفرة، ولم يُكفّن ولم يُصلّ عليه، فعل لك به صاحب ابن أبي دُؤاد. أبو يَعقوب يوسف بن يَحيى البُوَيْطي حُمِل في أيام المحنة، وأُريد على القول بخلق القرآن فامتنع، فحُبس ببغداد ولم يزل في الحبس إلى أن مات فيه، وكان فقيهاً زاهداً. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الأنماطي، قال: حدثنا محمد بن حَمدان الطَّرَائِفي، قال: حدثنا الربيع بن سُليمان، قال: رأيتُ البُوَيْط] على بَغل في عنقه غُلٌّ وفي رجليه قَيد، وبين الغُلّ والقَيد سلسلة حَديد فيها طوبَة زنها أربعون رطلاً وهو يقول: إنما خَلق اللهُ الخلقَ بكُنْ، فإذا كانت كُنْ مخلوقة، فكأنَّ مخلوقاً خَلق مَخلوقاً، والله لأموتنَّ في حديدي هذا حتى يأتي من بَعدي قوم يعلمون أنه قد ماتَ في هذا الشأن قوم في حَديدهم، وَلئن أُدخلتُ عليه لأصدُقنّه -يعني الواثق-. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أبو بَكر الخطيب، قال: أخبرنا العَتيِقي، قال: أخبرنا علي بن عبد الرحمن بن أحمد المصري، قال: حدثنا أبين قال: كان البُويْطِي، مُتقشفاً، حُمل من مصر أيام المحنة إلى العراق، وأرادوه على المِحنة فامتنع، فسُجن ببغداد وقُيّد، فتوفي في السجن والقيد سَنة اثنتين وثلاثين ومئتين.

أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخُزاعي، يُكنى أبا عبدالله وسويقة نَصر ببغداد منسوبة إلى أبيه، ومالك بن الهيثم جده كان أحد نُقباء بني العباس في ابتداءِ الدولة، وكان أحمد من أهل الدين والصلاح والأمّارين بالمعروف، وسَمع الحديث من مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وهُشيم في آخرين، وقد روى عنه يحيى بن مَعين وغيره، وكان قد اتُّهم بأنه يريد الخِلافة، فأخذ وحمل إلى الواثق، فقال له: دَعما أخذتَ له، ما تَقول في القرآن؟ قال: كلام الله، قال: أفمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله، قال: أفترى ربك في القِيامة؟ قال: كذا جاءَت الرواية، فقال: وَيحك يرى كما يُرى المحدود المجسَّم؟! ودعا بالسيف وأمر بالنِّطع، فأُجلس عليه وهو مقيد، وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه، ومشى إليه حتى ضَرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلى بَغداد، فنُصِب في الجانب الشرقي أياماً، وفي الجانب الغَربي أياماً. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله الحَذّاء، قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن سَلْم، قال: حدثنا أبو بَكر أحمد بن محمد بن عبد الخالق، قال: حدثنا أبو بَكر المرُّوذي، قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل - وذكر أحمد بن نَصر - فقال: رَحمه الله ما كان أسخاه، لقد جادَ بنفسه.

أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب، قال: حدثنا أبو نَصر إبراهيم بن هِبة الله الجَرْبَاذْقَاني، قال: حدثنا مَعمر بن أحمد الأصبهاني، قال: أخبرني أبو عَمرو عثمان بن محمد العثماني إجازةً، قال: حدثني علي بن محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن خَلف، قال: كان أحمد بن نَصر خِلِّي، فلما قُتل في المِحنة وصُلب رأسه، أخْبرت أن الرأس يَقرأ القرآن، فمضيت فبتُّ بقربٍ من الرأس مُشرفاً عليه، وكانَ عنده رجالة وفُرسان يحفظونه، فلما هدأت العيون سمعتُ الرأس يقرأ: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}. فاقشعرَّ جلدي، ثم رأيتُه بعد ذلك في المنام وعليه السندس والإستبرق، وعلى رأسه تاج، فقلت: ما فعل الله بكَ يا أخي؟ قال: غَفر لي وأدخلني الجنة، إلا أني كنت مَغموماً ثلاثة أيام، قلتُ: ولِمَ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بي، فلما بَلغ خشبتي حوَّل، وجهه، فقلت له بعد ذلك: يا رسول الله، قُتلت على الحق أو على الباطل؟ فقال لي: أنتَ على الحق، ولكن قتلك رَجل من أهل بيتي، فإذا بلغتُ إليكَ أستحيي منك. أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: قرأتُ على أبي بكر البرقاني عن أبي إسحاق إبراهيم بن مُحمد المُزَكِّي، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السرّاجن قال: سمعتُ عبد الله بن محمد، يقول: حدثنا إبراهيم بن الحسن، قال: رأى بعضُ أصحابنا أحمدَ بن نصر في النوم بعد ما قُتل، فقال

له: ما فَعل بكَ ربك؟ قال: ما كانت إلا غَفوة حتى لقيتُ الله فضحك إلي. قال الخطيب: لم يَزل رأسُ أحمد بن نصر منصوباً ببغداد، وجسده مصلوباً بسُرَّ مَنْ رَأي ست سنين على أن حُطَّ، وجُمع بين رأسه وبدنه ودُفن بالجانب الشرقي في المقبرة المعروفة بالمالِكية، ودفن في شوال سنة سبع وثلاثين. وممن أخذ في المحنة الحارث بن مسكين أبو عَمرو المصري وكان قد سمع من سُفْيان بن عُيَيْنَة وغيره، وكان فَقيهاً على مذهب مالك، ثَبتاً في الحديث، فحمله المأمون إلى بغداد في أيام المِحنة وسجنه لأنه لم يُجب على القَول بخلق القرآن، فلم يَزل محبوساً إلى أن ولي المتوكل فأطلقه، وأطلق جميع من كان في السجن. وممن امتُحن عبد الأعلى بن مُسهِر أبو مُسهر الدمشقي الغَساني أشخص إلى المأمون بالرّقّة، فأخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: أخبرني الأزهري، قال: حدثنا محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن معروف الخَشَاب، قال: حدثنا الحسين بن قهم، قال: حدثنا محمد بن سَعد، قال: أشخص أبو مُسهر الغساني من دمشق إلى عَبد الله بن هارون وهو بالرّقَة، فسأله عن القرآن، فقال: القُرآن كلام الله،

وأبى أن يقول: مَخلوق، فدعا له بالسيف والنّطع ليضرب عُنقه، فلما رأى ذلك، قال: مَخلوق. فتركه من القتل، وقال: أما إنك لو قلت ذلك قبل أن أدعو بالسيف لقبلتُ منك، ورددتك إلى بلادك وأهلك، ولكنك تَخرج الآن فتقول: قلتُ ذلك فَرقاً من القتل، أشخِصوه إلى بغداد فاحبسوه بها حتى يموت. فأشخص من الرّقَة إلى بغداد في شَهر ربيع الآخر من سنة ثمان عشرة ومئتين، فحُبس، فلم يلبث إلا يَسيراً حتى مات في الحبس في غُرة رجب سنة ثمان عشرة، فأخرج ليدفن فَشهده قوم كثير من أهل بغداد. قلت: وعُموم هؤلاءِ الذين لم يُجيبوا أهمل منهم قوم، وحُبس منهم قوم، فلم يلتفت إليهم، وإنما كانَ المقصود أحمد بن حنبل لجلالة قَدره وعِظَم موقعه.

الباب التاسع والسبعون في ذكر مرضه

الباب التاسع والسّبعُون في ذكر مَرضه أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يَعقوب، قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن ابن نَصر، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حَنبل، قال: سمعتُ أبي يقول استكملتُ سبعاً وسَبعين سنة، ودخلت في ثمان وسبعين، فحُمَّ من ليلِته ومات يَوم العاشر سنة إحدى وأربعين. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا ابن بَطَّة، قال: أخبرنا ابن مخلد، قال: حدثنا محمد بن يوسف الجَوهري، قال: دختُ على أبي عبد الله أحمد بن حَنبل في الحَبس، وعنده أبو سَعيد الحَداد، فقال له: كيفَ تَجدك يا أبا عبد الله؟ فقال: بخَير في عافية والحمد لله. فقال له أبو سعيد: حُممتَ البارحة؟ قال: إذا قلتُ لك أنا في عافية فَحسبك. لا تخرجني إلى ما أكره. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا أبو إسحاق البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: لما كان

في أول يوم من شهر ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ومئتين حُمَّ أبي ليلة الأربعاءِ، فدخلتُ عليه يوم الأربعاءِ وهو مَحموم يتنفَّس تَنفُّساً شديداً، وكنتُ قد عرفت عِلّته، وكنتُ أمَرّضه إذا اعتلَّ، فقلت له: يا أبَةِ، علامَ أفطرتَ البارحة؟ قال: على ماءِ باقِلاَّء، ثم أراد القيام، فقال: خُذ بيدين فأخذتُ بيده، فلما صار إلى الخلاءِ ضَعفت رجلاه حتى تَوكأَ عليَّ، وكان يختلف إليه غيرُ مُتطبّب، كلّهم مُسلمون، فوصف له مُتطبب - يقال له: عبد الرحمن - قَرعةً تُشوى ويُسقى ماءَها - وهذا يوم الثلاثاء وتُوفي يوم الجُمعة - فقال: يا صالح، قلتُ: لبيكَ، قال: لا تُشوى في مَنزلك ولا في منزل بعد الله أخيك، وصارَ الفتح بن سهل إلى الباب ليعوده، فحجبته، وأتى [ابن] علي بن الجَعد فحجبته، وكثُر الناس، فقلتُ: يا أبَة، قد كثُر الناس، قال: فأيّ شيءٍ ترى؟ قلتُ: تأذنُ لهم فيدعونَ لك، قال: أستخير الله، فجعلوا يدخلون عليه أفواجاً حتى تَمتلئ الدار، فيسألونه ويدعون له، ثم يَخرجون، ويدخل فَوج آخر، وكثر الناس، وامتلأ الشارع، وأغلقنا بابَ الزُّقاق، وجاءَ رجلُ من جيراننا قد خَضب، فدخل عليه، فقال: إني لأرى الرجل يُحيي شيئاً من السنّة فأَفْرَحُ به، فدخل فَجعل يدعو له، فجعل يقول: له ولجَميع المسلمين، وجاءَ رجل فقال: تَلطَّف لي بالإذن عليه، فإني قد حَضرتُ ضربه يوم الدار، وأريدُ أن أستحلَّه. فقلتُ له، فأمسكَ، فلم أزل به حتى قال: أدخِله، فأدخلته، فقام بين يَديه وجعل يبكي، وقال: يا أبا عبد الله، أنا كنتُ ممن حَضر ضربَك يوم الدار، وقد أتيتُك، فإن أحببتَ

القِصاص فأنا بينَ يديك، وإن رأيت أن تُحلّني فَعلتَ، فقال: على أن لا تعود لمثل ذلك. قال: نعم، قال: قَد جعلتك في حلٍّ، فخرج يبكي، وبَكى من حضر من الناس، وكانَ له في خُرَيقةٍ قَطيعاتٌ، فإذا أراد الشيء، أعطينا من يَشتري له، فقال لي يوم الثلاثاء وأنا عنده: انظر في خُرَيْقتي شيء؟ فنظرت فإذا فيها درهم، فقال: وجِّه فاقْتَضِ بعضَ السكان، فوجهتُ فأعطيت شيئاً. فقال: وجِّه فاشترِ تمراً وكفِّر عني كفارةَ يمين، فوجهتُ، فاشتريتُ وكفرتُ عنه كفارةَ يمين، وبقي ثلاثة دراهم، أو نَحو ذلك، فأخبرتُه، فقال: الحمدُ لله، وقال: اقرأ عليَّ الوصية، فقرأته عليه، فأقرَّها. قلتُ: قد ذكرنا وصيته في قصة المحنة فغنينا عن الإعادة. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا أبو إسحاق البَرْمَكي، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلاّل، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي. قال: مَرض أبو عبدالله ليلة الأربعاءِ لليلتين خَلتا من شهر ربيع الأول سَنة إحدى وأربعين ومئتين، ومَرض تسعة أيام، فلما اشتدت علته وتسامع الناس اقبلوا لعيادته، فكثروا، ولزموا الباب الليل والنهار يبيتون، وسمع السلطان بكثرة الناس، فوكّل السلطان ببابه وبباب الزُّقاق الرابطةَ وأصحاب الأحبار. وكان أبوعبد الله ربما أذن للناس فيدخلون عليه أفواجاً أفواجاً يُسلمون

عليه، فيرد عليهم بيده. فلما جاءَت الرابطةُ مُنع الناس مِن ذل، وأغلق باب الزقاق، فكان الناس في الشوارع والمساجد، حتى تعطل بعض الباع، وحيل بينهم وبين البيع والشراءِ، وكان الرجل إذا أراد أن يدخل عليه ربما أدخل من بعض الدور وطرزِ الحاكة، وربما تسلَّق، وجاءَ أصحاب الأخبار فقَعدوا على الباب من قِبل إبراهيم بن عطاء وكان ابن عطاء يتعاهده بالغداة والشعي، وربما لم يجتمعا، وأصحاب الأخبار من قِبَل ابن طاهر يسألون عن خبره. وقال أبوعبد الله: جاءَني حاجبُ ابن طاهر، فقال: إن الأمير يُقرئك السلام، وهو يشتهي أن يراك. قال: فقلتُ له: هذا مما أكرهُ، وأميرُ المؤمنين قد أعفاني مما أكره. وجاءَ حاجب ابن طاهر بالليل فسأل من يختلف إليه من المتطببين، وأصحاب الأخبار يكتبون بخبره على العسكر، والبُرُد تختلف كل يوم، وجاءَ بنو هاشم فدخلوا عليه، وجعلوا يبكون عليه، وجاءَ قوم من القُضاة وغيرهم فلم يؤذن لهم، وجاءَ غُلام لأبي يوسف عمه ليروحه فأشار إليه بيده أن لا يفعل لأنه كان اشتراه من الشيءِ الذي يكره، وقال: لا تبرح قد تغيرتُ. فقلت: لا أبرحن فكان إذا أراد الشيء مما يتعالج أخبرج خُريقة فيها قطيعات فيعطيني منها فأشتري له، وكان قد كَتب وصيته بالعسكر وأشهدَنا عليها، فبلغني أنه قال: اقرؤوها، فقُرئت عليه، ثم أمر بكفارة يمين، فاشترينا له تمراً، فبقي عليه منه دانق ونصف أو أرجح، فلما جئت، قال: ما صنَعتم؟ قلت:

أخذنا التمر وقد بَعثنا به، فأشار برأسه إلى السماءِ وجَعل يحمد الله. وجاءَ عبد الوهاب، فلما استأذنوا له، قال أبو عبد الله: عزَّ عليَّ بمجيئه في الحرّ، فلما دخل عليه أكب عليه فأخذ بيده، فلم تزل يده في يده حتى قام. ودخل عليه جماعة فيهم شيخٌ مخضوب، فنظر إليه، فقال: إني لأسر أن أرى الشيخ قد خَضب، أو نحو هذا من الكلام. وقال له رجل ممن دخل عليه: أعطاكَ الله ما كنت تريده لأهل الإسلام. فقال: استجابَ الله لك. وجعلوا يخصُّونه بالعداءِ فجعل يقول: قولوا: ولجميع المسلمين. وربما دخل عليه الرجل الذي في قلبه عليه الشيء، فإذا رآه غمض عينه كالمعرض، وربما سلم عليه الرجل منهم، لايرد عليه. ودخل عليه شيخ فكلَّمه، وقال: اذكر وقوفك بين يدي الله، فشهق أو عبد الله، وسالت الدموع على خَديه، فلما كان قبل وفاته بيوم أو يومين، قال: ادعوا الصبيان - بلسان ثقيل - يعني الصغار، فجعلوا ينضمون إليه، وجعل يشمهم ويَمسح بيده على رؤوسهم، وعينه تَدمع. فقال له رجل: لا تَغتَم لهم يا أبا عبد الله، فأشار بيده، فظننا أن معناه: إني لم أرد هذا المعنى، وكان يُصلي قاعداً، ويصلي وهو مُضطجع، ولا يكاد يفتر، ويرفع يديه في إيماء الركوع. وأدخلت الطّست تَحته فرأيتُ بوله دماً عبيطاً ليس فيه بول، فقلتُ للطبيب، فقال: هذا الرجل قد فَتَّت الحزنُ والغمُّ جَوفه، واشتدت به العِلة يوم

الخَميس وَوضَّأته، فقال: خَلِّل الأصابع، فلما كانَت ليلة الجمعة ثَقُل، فظننتُ أنه قد قُبض، وأردنا أن نمدده، فجعل يَقبض قدميه وهو موجّه، وجعلنا نلقِّنه، فنقول: لا إله إلا الله ونردد ذلك عليه، وهو يُهلّل، وتَوجه إلى القِبلة واستَقبلها بقدميه، فلما كان يوم الجمعة، اجتَمع الناس حتى مَلؤوا السِّكَك والشوارع، فلما كان صدر النهار قُبض رَحمه الله، فصاح الناس، وعَلت الأصوات بالبكاءِ، حتى كأنّ الدنيا قد ارتَجَّتْ، وقَعد الناس فخفنا أن ندع الجمعة، فأشرفتُ عليهم فأخبرتهم: إنا نُخرجه بعدَ صلاة الجُمعة. أخبرا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا أبو الغنائم محمد بن محمد بن المهتدي، قال: أنبأنا عبدالعزيز بن علي الأرَجي، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الخلاّل، قال: أخبرني عِصمة بن عِصام، قال: حدثنا حنبل، قال: أعطي بعض ولد الفَضل بن الربيع أبا عبد الله وهو في الحَبس ثلاث شَعرات، فقال: هذا من شَعر النبي صلى الله عليه وسلم. فأوصى أبو عبد الله عند موته أن يُجعل على كل عَين شعرة، وشَعرة على لسانه، فَفُعل به ذلك عند موته. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا أبو إسحاق البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: لم يزل أبي يُصلي في مَرضه قائماً أُمسكه فيركع ويَسجد، وأرفعه في ركوعه وسُجوده، ودخل عليه مُجاهد بن موسى، فقال: يا أبا عبد الله، قد جاءَتك البُشرى، هذا

الخَلق يَشهدون لك، ما تُبالي لو وردت على الله عز وجل الساعة، وجعل يُقبل يده ويَبكي، وجعل يقول: أوصني يا أبا عبد الله، فأشار إلى لسانه. ودخل سَوّار القاضي، فجعل يبشره ويُخبره بالرُّخص وذكر له عن مُعتمر، أنه قال: قال لي أبي عند موته: حدثني بالرخص. اجتمعت عليه أوجاع الحصر غير ذلك ولم يزل عَقله ثابتاً، وهو في خلال ذلك يقول: كم اليوم في الشهر؟ فأخبره. وكنتُ أنام بالليل إلى جنبه، فإذا أراد حاجة حركني فأناولُه، وقال لي: جئني بالكتاب الذي فيه حديث ابن إدريس، عن لَيث عن طاووس، أنه كان يَكره الأنين، فقرأتُه عليه، فلم يَئن إلا في اللَّيلة التي تُوفي فيها. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: حدثنا أبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عُمر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال لي أبي في مرضه الذي تُوفي فيه: أخرج كتاب عبد الله بن إدريس، فأخرجتُ الكتاب، فقال: أخرج أحاديث لَيث بن أبي سُليم، فأخرجتُ الكتاب، فقال: أخرج أحاديث لَيث بن أبي سُليم، فأخرجتُ أحاديث ليث، فقال: اقرأ عليَّ حديث لَيث، قال: قلت لطلحة: إن طاوساً كان يَكره الأنين في المرض، فما سُمع له أنين حتى ماتَ رحمه الله، فقرأتُ الحديث على أبي، فما سَمعتُ أبي يَئن في مرضه ذلك إلى أن توفى رَحمه الله. سياقُ ذكر حاله عند احتضاره أخبرنا المحمدان: ابن عبد الملك، وابن ناصر، قالا: أخبرنا أحمد بن

الحسن المعدّل، قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان. وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن عَمْرويه - ويُعرف بابن عَلَم -قال: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: لما حضَرت أبي الوفَاةُ جلستُ عنده وبيدي الخِرْقَة لأشُدَّ بها لَحييه، فجعل يغرق ثم يُفيق ثم يَفتح عينيه ويقول بيده هكذا، لابَعْدُ، لابَعْدُ، لابَعْدُ، ثلاث مرات، ففعل هذا مرة وثانية، فلما كانَ في الثالثة، قلت له: يا أبة أيّ شيءٍ؟ هذا قَد لهجتَ به في هذا الوقت تغرق حتى نقول: قد قَضَيْتَ، ثم تعود فتقول: لا بَعْدُ، فقال لي: يا بني ما تَدري؟ فقلت: لا، فقال: إبليسُ لعنه الله قائم حِذائي عاضٌّ على أنامله، يقول لي: يا أحمد، فُتَّنين وأنا أقول له: لا بَعْدُ، حتى أموت. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: سُئِل عبد الله بن أحمد: هل عَقل أبوك عند المعاينة؟ قال: نعم، كنا نُوضّيه فَجعل يُشير بيده فقال لي صالح: أيّ شيءٍ يَقول؟ فقلتُ: هو ذا يقول: خَلِّلوا أصابعي. فَخللنا أصابعه فترك الإشارة، فمات من ساعته.

أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم ابن عمر، قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: جَعل أبي يُحرك لسانه إلى أن تُوفي.

الباب الثمانون في تاريخ موته ومبلغ سنه

الباب الثّمانون في تاريخ مَوته ومبلغ سِنّه أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا ابن رزق، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: ماتَ أبو عبد الله في يوم الجمعة في شَهر ربيع الأول سَنة إحدى وأربعين ومئتين، وهو ابنُ سبعٍ وسَبعينَ سنة. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا عمر بن عبد الله ابَقّال، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بِشْران، قال: حدثنا عثمان بن أحمد، قال: حدثنا حنبل، قال: ماتَ أبو عبد الله أحمد بن حنبل في سَنة إحدى وأربعين ومئتين في يوم الجمعة في ربيع الأول وهو ابنُ سبعٍ وسبعين سَنة. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا محمد بن الحُسين بن الفضل القطان، قال: أخبرنا جعفر بن محمد الخُلْدِي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سُليمان الحَضرمي، قال: ماتَ أحمد بن حنبل لاثنتي عشرة خلت من شَهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومئتين.

أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: سمعتُ عبد الله بن أحمد يقول: توفي أبي في يوم الجمعة ضَحوة، ودفناه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة خَلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين. أخبرنا ابن ناصر، أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا البَرْمَكي، قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: لما كان يَوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول لساعتين من النهار - أو أكثر أو أقل -توفي أبي رحمه الله. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا البَرْمَكي، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جَعفر، قال: حدثنا الخلال، قال حدثنا المرُّوذي، قال: تُوفي أبو عبد الله يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومئتين - وأخرجت جنازته بعد مُنصرَف الناس من جُمعَتهم. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المعَدلَّلن قال: أخبرنا العباس بن

محمد القُرشي، قال: حدثنا محمد بن أبي جَعفر المنذري، عن أحمد بن داود الأحْمَسِي، قال: ماتَ أحمد بن حنبل في سَنة إحدى وأربعين ومئتين يوم الجمعة مع طُلوع الشمس، ورفعنا جنازته مع العصر، ودَفناه مع غروب الشمس. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل السِّيرْجاني، قال: أخبرنا أحمد بن علي السليماني الحافظ، قال: سمعتُ الحسن بن إسماعيل الفارسي، قال: سمعت محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي، يقول: ماتَ أحمد بن حنبل سنة إحدى وأربعين ومئتين. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أبو يعقوب، ومحمد بن المنتصر، قالا: أخبرنا أبو بكر بن أبي الفضل، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الصرّام، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الأنصاري، قال: سمعتُ صالح بن أحمد بن حنبل يقول: توفي أبي وله سَبع وسبعون سنة. فصل ومن فَضل الإمام أحمد موته في يَوم الجمعة فقد أخبرنا ابن الحُصين، قال: أخبرنا ابن المُذْهب، قال: أخبرنا أحمد ابن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا هشام - يعني ابن سعد- عن سعيد بن أبي هِلال، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عَمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ما مِن مُسلم يموتُ يومَ الجُمعة إلا وَقاه الله عزَّ وجلَّ فِتنة القَبر". وقد تُوفي يوم

الجمعة خَلقٌ كثير من السادات. فقُتل عثمان بن عَفان يوم الجمعة، وضُرب عَلي عليه السلام يوم الجمعة، إلا أنه ماتَ ليلة الأحد، وقُتل الحُسين بن علي يوم الجمعة، وتوفي العَباس بن عبد المطلب يوم الجمعة، وتُوفي الحَسن البصري وابن سيرين في يوم الجمعة، وخَلق كثير يطول ذِكرهم.

الباب الحادي والثمانون في ذكر غسله وكفنه

الباب الحادي والثمانون في ذكر غَسله وكَفَنه أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: لما توفي أبي واجتمع الناس في الشوارع، وَجَّهت إليهم أُعلمهم بوفاته، وأني أخرجه بعد العصر، ووجَّه ابن طاهر بحاجبه مُظفَّر معهم مَناديل فيه ثياب وطيب، فقالوا: الأمير يُقْرِئك السلام ويقول: قد فعلتُ ما لو كان أميرُ المؤمنين حاضرَه كان يفعل ذلك له، فقلت له: أقْرئِه السلام وقل له: إن أمير المؤمنين قد كان أعفاه في حياته مما كان يكره، ولا أحب أن أُتْبِعَه بعد موته بما أن يكرهه في حياته. فعاد وقال: يكون شِعارَه ولا يكون دِثاره، فأعدتُ عليه مثل ذلك، وقد كان غَزَلت له الجارية ثوباً عُشارياً قُوِّم بثمانية وعشرين درهماً ليَقْطع منه قميصين، فقطعنا له لُفافتين، وأخذنا من فوران لُفافة أخرى، فأدرجناه في ثلاث لَفائف، واشترينا له حَنُوطاً. وقد

كان بعض أصحابنا من العَطارين سألني أن يُوجه بِحَنوط فلم أفعل، وصُبَّ في حُبّ لنا ماء، فقلت: قولوا لأبي محمد يشتري راوية ويصب الماءَ في الحُبّ الذي كان يشرب منه، فإنه كان يكره أن يدخل من منازلنا إليه شيء، وفُرِغَ من غله، وكَفنَّاه، وحَضر نحو من مئة من بني هاشم ونحن نُكفّنه، وجعلوا يُقبلون جبهته حين رفعناه على السرير. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن يوسف، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال حدثنا أحمد بن محمد الخلاّل، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: لما أردتُ غسله جاء بنو هاشم فاجتمعوا في الدار خلقاً كثيراً، فأدخلناه البيت، وأرخينا السِّتر، وجلَّلته بثوب حتى فَرغنا من أمره، ولم يحضره أحد من الغُرباء ونحن نغسله. فلما فَرغنا من غسله، وأردنا أننُكفنه، غلبنا عليه بنو هاشم، وجَعلوا يبكون عليه ويَاتون بأولادهم فيكبونهم عليه ويُقبلونه. فوضَعناه على سريره وشَدَدناه بالعمائم. وأرسل ابن طاهر بأكفان فردَدتها، وقال عمّه للرسول: هو لم يَدع غُلامي يُروِّحه. وقال له رجل: قد أوصى أن يُكفن في ثيابه، فكفّناه في ثوب كان له مَرَويّ، أراد أن يقطعه فزِدنا فيه، وصيَّرناه ثلاث لفائف.

الباب الثاني والثمانون في ذكر المتقدم للصلاة عليه

الباب الثاني والثمانون في ذِكر المتقدم للصلاةِ عليه أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيْم أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: تُوفي أبي يوم الجُمعة ضحوة. وصلى عليه مُحمّد بن عبد الله بن طاهر، غلبَنا على الصلاة عليه، وقد كنا صلينا عليه نحن والهاشميون داخل الدار، ودَفناه بعد العصر. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا أبو إسحاق البَرْمَكي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: لما توفي أبي، وجَّه إليَّ ابن طاهر: مَن يُصلي عليه؟ قلتُ: أنا. فلما صِرنا إلى الصحراءِ إذا ابنُ طاهر واقف. فخَطا إلينا خطوات، وعزَّانا، ووُضع السَّرير. فلما انتظرتُ هُنَيَّةٌ، تقدمتُ وجعلتُ أسوِّي الناس، فجاءَني ابن طالوت ومحمد بن نصر فقبض هذا على يَدي وهذا على يدي، وقالوا: الأمير! فمانعتهم، فنَحّياني، فصلّى. ولم يعلم الناسُ بذلك، فلما كانَ من الغد علم الناسُ، فجعلوا يجيؤون ويصلون عليه على القَبر، ومَكث الناس ما شاءَ الله يأتون فيصلون على

القبر. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحريري، قال: أخبرنا أبو عُمر بن حَيّويه، قال: أخبرنا أبو مُزاحم الخَاقاني، قال: حدثني أبو يحيى بن أبي علي عمّي، قال سمعتُ أبي يقول: حدثني أخي عُبيد الله بن يحيى أبو الحسن، قال: سَمعتُ المتوكل يقول لمحمد بن عبد الله: طوبى لكَ يا مُحمد، صلَّيتَ على أحمد بن حنبل.

الباب الثالث والثمانون في ذكر كثرة الجمع الذين صلوا عليه

الباب الثالِث وَالثمانون في ذكر كَثرة الجَمع الذين صلّوا عليه أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكَرُوخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا محمد بن أحمد الجارودي -أو محمد بن محمد عنه - قال: حدثنا محمد بن جعفر بن مَطر، قال: حدثنا الهيثم بن خَلَف، قال دفنّا أحمدَ بن حنبل يوم الجُمعة بعد العَصر سنة إحدى وأربعين، وما رأيتُ جمعاً قط أكثر من ذلك. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أحمد ابن محمد الخَلاّل، قال: سمعتُ ابن أبي صالح القَنْطري، يقول: شهدتُ الموسم أربعينَ عاماً. ما رأيت جمعاً قط مثل هذا. قال الخلاّل: وسمعتُ عبد الوهاب الورّاق، يقول: ما بَلَغنا أن جمعاً كان في الجاهلية والإسلام مثله، حتى بلغنا أن الموضع مُسِح وحُزِر على التصحيح، فإذا هو نحو من ألف ألفٍ، وحزَرنا على السور نحواً من ستين ألف امرأة. وفَتح الناس أبوابَ المنازل في الشوارع والدروب، يُنادون من أرادَ الوضوء، وكثُر ما

اشترى الناس من الماءِ فَسقوه. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا الحسن بن أبي بكر، قال: ذكر عبد الله بن إسحاق البغوي، عن بُنّان بن أحمد القَصبَاني، اخبرهم: أنه حضر جنازة أحمد بن حَنبل مع من حضر. قال: فكانت الصفوف من الميدان إلى قَنطرة باب القَطيعة، وحُزِر من حَضرها من الرجال ثمان مئة ألف. ومن النساءِ ستون ألف امرأة. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال أخبرنا جدين قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن ياسين، قال: سمعتُ موسى بن هارون، يقول: يقال: إن أحمد بن حنبل لما ماتَ مُسِحَت الأمكنة المبسوطة التي وقف الناس عليها للصلاة عليه، فحُزِر مقادير الناس بالمساحة على التقدير ستّ مئة ألف وأكثر، سوى ما كان في الأطراف والحَوالي والسطوح والمواضع المتفرقة، أكثر من ألف ألف. أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز، وعلي بن أبي علي، قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عُبيد الله بن الشِّخِّير، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن النَّحاس، قال: سمعتُ عبد الوهاب الورّاق، يقول: ما بلغنا أنه كان للمسلمين جَمع أكثر منهم على جنازة أحمد بن حنبل إلا جنازة كانت في بني إسرائيل.

أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: اخبرنا أبو نُعَيْم الحافظ، قال: سمعت ظَفر بن أحمد، يقول: حدثنا أبو سَهل بشر بن أحمد الإسْفَرَاييني، قال: سمعت محمد بن خُشْنَام بن سَعد، يقول: أخبرني الفتح بن الحجاج - أو غيره - قال: بعث أمير المؤمنين عشرين حازراً ليحزروا كَمْ صلى على أحمد بن حنبل، فحَزروا ألف ألف وثلاث مئة ألف سوى من كان في السفن. أخبرنا ابن ناصر، قال: اخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا البَرْمَي، قال: أخبرنا ابن مَرْدَك، قال: حدثنا ابن أبي حاتم، قال: سمعتُ أبا زُرْعَة يقول: بَلغني أن المتوكل أمر أن يُمْسَح الموضعُ الذي وقف عليه الناس، حيث صُلِّي على أحمد بن حنبل، فبلغ مقام ألفي ألف وخمس مئة ألف. أنبأنا يحيى بن أبي علي بن البَنا، قال: أنبأنا محمد بن الحسين بن خَلف، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحِنّائي، قال: أخبرنا أبو محمد الطَّرَسُوسي، قال: حدثنا أبو العباس البَرْدَعي، قال: حدثني أحمد بن الحسن المَقَانِعي، قال: قال أبي: كنتُ ببغداد وأنا في بُستان لصديق لي - وأنا وَحدي- فإذا بشَيخ وشاب وعَليهما طِمْران من شَعر، فسلَّمت عليهما، وقلتُ لهما: أراكما من غير هذا البلد! قالا: نعم، نحن من جَبل اللّكام حَضرنا جِنازة

أحمد بن حنبل، وما بَقي أحد من الأولياء إلا شاهد هذا المكان. أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب، قال: أنبأنا أبو عبد الرحمن السُّلَمي، قال: حضرتُ جِنازة أبي الفَتح القَوّاس الزاهد مع أبي الحَسن الدَّارَقُطْني، فلما نَظر إلى الجمع، قال: سمعتُ أبا سَهل بن زياد القطان، يقول: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: سمعتُ أبي يقول: قولوا لأهلِ البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز.

الباب الرابع والثمانون في ذكر ما جرى عند حمل جنازته من مدح السنة وذم أهل البدعة

الباب الرابع والثمانون في ذكر ما جرى عند حمل جنازته من مدح السنة وذمّ أهل البدعة أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل السِّيرجاني، قال: أخبرنا أحمد بن علي السليماني، قال: سمعتُ الحسن بن إسماعيل الفارسي، قال: سمعتُ محمد بن إبراهيم البُوشَنْجِي، يقول: صلّوا على أحمد بنحنبل في المصلى، وظهر اللَّعن على الكَرَابيسي، فأخبر بذلك المتوكل فقال: مَن الكَرابيسي؟ فقيل: إنه رجل أحدث قولاً لم يتقدَّمه أحد، فأمره بلزوم بَيته حتى مات. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: أخبرنا جدي، قال: حدثنا يحيي بن عبد الله الهمذاني، قال: سمعتُ جعفر بن محمد النَّسَوي، يقول: شهدتُ جنازة أحمد بن حنبل وفيها بَشر كثير، والكرابيسي يُلعن لَعناً كثيراً بأصواتٍ عالية، والمريسي أيضاً.

أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد الخلال، قال: سمعتُ عبد الوهاب الورّاق، يقول: أظهرَ الناس في جِنازة أحمد بن حَنبل السنَّة والطَّعنَ على أهل البِدع، فَسرَّ الله المسلمين بذلك على ما عندهم من المصيبة، لما رأوا من العز وعُلوّ الإسلام، وكبَتَ الله أهلَ البِدع والزَّيغ والضَّلالة، ولزم بعض الناس القبر وباتوا عنده، وجعل النساء يأتين، فأرسل السلطان أصحاب المَسالح فلزموا ذلك الموضع حتى منعوهم مخافة الفتنة. قال الخلال: وحدثني أبو بكر المرُّوذين قال: سمعتُ علي بن مَهرويه، يقول: سمعتُ خالتي - وهي امرأة حارث المُحَاسِبي - قالت: ما صلّوا ببغداد في مَسجد العصر يومَ مات أحمد بن حنبل إلا في مَسجد حارث.

الباب الخامس والثمانون في ذكر ازدحام الناس على قبره بعد دفنه

الباب الخامس والثمانون في ذكر ازدحام الناس على قَبره بعد دفنه أنبأنا أحمد بن الحسن بن البَنّان قال: أخبرني أبي، قال: حدث أبو الحسن التممي، عن أبيه، عن جده، أنه حضر جنازة أحمد بن حنبل، قال: فمكثتُ طول الأسبوع رجاءَ أن أصلِ إلى قَبره فلم أصل من ازدِحام الناس عليه، فلما كان بعد أسبوع وصلتُ إلى القَبر.

الباب السادس والثمانون في ذكر ما خلف من التركة

الباب السادس والثمانون في ذكر ما خَلَّف من التَّرِكة أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخَلال، قال: أخبرني محمد بن أبي هارون، أن إسحاق حدَّثهم، قال: ماتَ أحمد بن حنبل رحمه الله وما خلَّف إلا ستّ قِطع، أو سَبع قطع كانت في خِرقته، خِرقة كان يَمسح بها وَجهه قدر دانقين.

الباب السابع والثمانون في ذكر تأثير موته عند جميع الناس

الباب السابع والثمانون في ذكر تأثير موته عند جميع الناس أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن مُحمد القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد ابن علي بن ثابت الخَطِيب. وأخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قالا: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي. وأخبرنا عبد الله بن علي المقرئ، قال: أخبرنا عبد الملك بن أحمد السُّيْوري، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل، قالا: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك. وأخبرنا إسماعيل بن أحمد ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ أبو نُعَيْم، قال: سمعتُ ظفر بن أحمد يقول: حدثني الحسين بن علي، قال: حدثني أحمد الورّاق، قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أبو بكر محمد بن عياش، قال: سمعتُ الوَرْكاني -جار أحمد بن حنبل -يقول: يومَ مات أحمد بن حنبل وقع المتم والنَّوح في أربعة أصناف من الناس: المسلمين، واليَهود، والنَّصارى، والمجوس، وألم يومَ مات عِشرون ألفاً من اليَهود والنَّصارى والمجوس. وفي رواية أبي نُعَيْم عَشرة آلاف.

أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخلال، قال: حدثنا محمد بن حمدان القاضي، قال: سمعتُ هارون بن عبدالله، يقول سمعتُ علي بن حُريث، يقول: ما مِن أهلِ بيتٍ لم يَدخل عليهم الحُزن يومَ موت أحمد بن حنبل إلا بَيت سوء.

الباب الثامن والثمانون في ذكر تأثير موته عند الجن

الباب الثامن والثمانون في ذكر تأثير موته عند الجن أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكَرُوخِي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله اللآل، قال: حدثنا محمدبن إبراهيم بن عبد الله المكّي، قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الأزْدي، قال: حدثنا أبو بَكر المرُّوذي قال: قال رَجلٌ بطَرَسوس: أنا مِنَ ايمن، وكانت لي بنتٌ مُصابة، فجئتُ بالعزّامين فَعزموا عليها، ففَارقها الجنّي على أن لا يعاود، فَعاود بعد سنة، فقلتُ: أليسَ قد فارقتَ على أن لا تُعاود؟ قال: بَلى، ولكن ماتَ اليوم رجل بالعراق يقال له: أحمد بن حنبل، فذهبت الجن كلّها تُصلي عليه إلا المَرَدة وأنا مِنهم، ولست أعود بَعد يومي هذا، فما عاد. وقَد رُويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخلال، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أبو بر المرُّوذي، قال: حدثني أبو مُحمد اليماني بطَرسوس، قال: كنتُ باليمن، فقال لي رجل: إن ابنتي قد عرضَ لها عارض، فمضيتُ معه إلى عَزّام عِندنا باليمن

فَعزم عليها، فأخذ على الذي عَزَم عليه أن لا يعرضَ لها، فمكثَ نحواً من ستة اشهر، ثم جاءني أبوها فقال: قد عادَ إليها، قال: قلتُ: فاذهب إلى العَزّام، فذهب غليه فَعزم عليه فكلَّمه الجِنّي، فقال: ويلك! أليس قد أخذتُ عليك أن لا تقربها؟ قال: فقال: إنه وردَ علينا موتُ أحمد بن حنبل، فلم يبقَ أحد من صالحي الجن إلا حَضره، إلا المرَدَة فإني تَخلَّفتُ معهم. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد ابن محمد الخلال، قال: حدثني أحمد بن محمد بن محمود، قال: كنتُ في البحر مُقبلاً من ناحية السِّند، فقمتُ في الليل فإذا هاتفٌ من ناحية البحر يقول: ماتَ العبدُ الصالح أحمد بن حنبل، فقلتُ لبعض من كان معنا: مَن هذا؟ فقال: هذا من صالِحي الجِنّ، وماتَ أحمد تلك الليلة. وبَلغني عن أبي زُرْعة، أنه قال كان يُقال عندنا بخُراسان، إنَّ الجنَّ نَعت أحمد بن حنبل قبل مَوته بأربعين صباحاً، وبَلغني عن صالح بن أحمد بن حنبل، قال: كان أهلنا يذرون أنهم كانوا يَسمعون رنَّة لا تُشبه رنَّة الإنس من دارِ أبي عبد الله إذا هدأت العُيون بعدَ وفاته بأربعين صباحاً.

الباب التاسع والثمانون في ذكر التعازي به

الباب التاسع والثمانون في ذكر التَّعازي به قد ذكر أولاد أحمد رضي الله عنه: أن خلقاً كثيراً عزّوهم عنه، وأن جماعةً من الصالحين لم يُعرفوا جاءوا للتعزية، فلم أطل بذكر ذلك، ونما ذكرتُ نبذة من مشهور ذلك. أخبرنا ابن أبي منصور قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: جاءَ كِتاب المتوكل بَعد أيام من موت أبي إلى مُحمد بن عبد الله بن طاهر يأمره بتعزيتنا، ويأمر بحمل الكتب، فحملتها، وقلت: إنها لنا سماعٌ، فتكون في أيدينا وتُنسخ عندنا، فقال: أقول لأمير المؤمنين، فلم يزل يدافع الأمر، ولم تَخرج عن أيدينا والحمدُ لله ربُ العالمين. قرأتُ على محمد بن أبي منصور، عن أبي القاسم بن البُسْري، عن أبي عبد الله بن بَطّة، قال: حدثنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر الخلال، قال: حدثنا محمد بن علي، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال كتبَ إليّ أخٌ لي يُعزيني عن أبي: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنّ الله عز وجل حتم الموت على عباده حتماً عدلاً، على بريته كافة قضاء فصلاً، حتى يأتي ذلك على جميع من ذرأ وبرأ؛ وكان ممن أتى عليه حتم الله وقضاؤه أبو عبد الله رحمة الله عليه، دعاه الله إليه فأجابه رَضيًّا مرضيّا نَقيًّا من الدَّنس والعيب، طاهر الثوب، غير مبتدع ولا

ضالٌ ولا مُضل، ولا زائغ عن هدي ولا مائل إلى هوى، لم يُرهبه وعيد إلى أن نقله الله عز وجل إلى جواره، فلمثل ما صار إليه من كَرامة الله فليعمل العامِلون، وعلى أنّ المصيبة به قد مضَّت وأرمَضت وأبلغت من القلوب، وأنا أعزيك وعامة المسلمين ممن يقرأ كتابنا هذا بما أمر الله به تَنجُّزاً لما وعد من صلواته ورحمته وهداه، لمن احتسب وصبر وسلَّم ورضي بحكم الله النافذ على جميع خلقه، فقد مضى على أحسن حالاته وأحسن قصده وهَديه، ثابتاً على حَزمه وعزمه، أرادته الدنيا ولم يُردها، ولم تأخذه في الله لومَة لائم، فقد كَلم وثَلم في الإسلام فَقدُه، وأنا أسأل الله الذي يجود بالجزل، ويعطي الكثير، أن يُصلي على مُحمد عبده ورسوله، وأن يُعطي أبا عبد الله أفضل ما أعطى أحداً من أوليائه الذين خلقهم لطاعته، وأن يُعلي درجته، ويَرفع ركنه، ويجعل مجلسه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُنَ أولئك رَفيقاً، وأن يهب لك صبراً يُبلغك ما وعد الصابرين، ويَقيناً يوجب لكَ ثواب المحسنين فإنه ولي النّعم، وبيده الخير، وهو على كُل شيءٍ قدير. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبان، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الصوفي، قال: قالَ لي رجل من أهل العلم - وكان خيراً فاضلاً يُكنى بأبي جعفر - في العَشية التي دَفنّا فيها أبا عبد الله: تَدري من دفنّا اليوم؟ قلتُ: من؟ قال: سادِس خمسة، قلتُ: من؟ قال: أبو بكر الصديق، وعُمر بن الخطاب، وعُمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعُمر بن عبد العزيز، وأحمدُ بن حنبل. قال: فاستحسنتُ ذلك منه، وعني بذل أن كلّ واحدٍ في زمانه.

الباب التسعون في ذكر المنتخب من الأشعار التي مدح بها في حياته ورثي بها بعد وفاته

الباب التسعون في ذكر المنتخب من الأشعار التي مُدح بها في حياته ورُثي بها بَعد وفاته أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا محمد بن المنتصر القتيبي، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي الفضل المزكي، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم السنّي، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الأنصاري، قال: أنشدني عبد الله بن أحمد بن حنبل، لأبي سَعيد اليَخامُري، في أبي عبد الله رحمه الله: فأنتَ أبا عبدِ الإله مُسدَّدٌ بتَسديد ذِي العرش الرفيع الدعائِمِ لكَ الفضلُ في الدنيا على عُلمائِنا وزُهّادنا يابَن القُرومِ الأكارِمِ وقَولُك مَقبولٌ ورأيكَ فاضِلٌ وأمرُك مَحمودُ القُوى والعَزائِمِ وكلُّ امرئٍ وثقتَه في حَديثِه شَددتَ له أركانَه بدَعائمِ حللتَ من الإسلامِ والبرَّ والتُّقى بمرتبةٍ لا تُرْتَقى بسَلالمِ حويتَ بحُور العلم من كلّ بَلدة فَفزتَ بغُنمٍ من جَزيل الغَنائمِ

أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أبو يعقوب الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله اللآل، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الصرّام، قال: أخبرنا إبراهيم بن إسحاق الغَسِيلي قال: أخذت هذه القصيدة من أبي بكر المرُّوذي، وذكر أن إسماعيل بن فُلان التّرمذي قالها، وأنشدها [في] أحمد بن حنبل وهو في سِجن المحنة: تباركَ من لا يعلمُ الغيبَ غَيرُه ومَن لم يَزل يُثْنَي عَليه ويُذكَرُ علا في السماوات العُلى فوقَ عرشه إلى خَلقه في البرّ والبَحر ينظرُ سَميعٌ بصيرٌ لا نشكُّ مُدبرٌ وَمَنْ دونه عَبدٌ ذَليلٌ مُدبرُ يدا رَبنا مَبسوطتانِ كِلاهُما تَسحَّان والأيدي من الخلق تَقْتُرُ إذا فيه فكَّرنا استَحالت عُقولُنا فَأبنا حَيارى واضمَحلَّ التَّفكُّرُ وإن نَقَّرَ المخلوقُ عن علم ذاتِه وعن كَيفَ كان الأمرُ ضلَّ المُنَقِّرُ فلو وصف الناسُ البعوضَة وحدها بعلمِهمُ لم يُحكِموها وقَصَّروا فكيفَ بمن لا يَقْدِرُ الخلقُ قَدْرَه ومَن هو لا يَبْلَى ولا يَتغيَّرُ نُهينا عن التَّفتيش والبَحثِ رحمةً لنا وطَريقُ البحثِ يُردي ويُخْسِرُ وقالوا لنا: قولوا ولا تَتعمَّقُوا بذلك أوصانا النَّبي المُعَزّرُ فقُلنا وقلَّدنا ولم نَاتِ بدعةً وفي البِدْعة الخُسْران والحقُّ أنورُ ولم نَرَ كالتسليم حِرزاً وَموئِلاً لمن كانَ يرجو أن يُثاب ويَحذَرُ

شهدنا بانّ الله لا ربَّ غَيرُه وأحمدَ مبعوثٌ إلى الخَلق مُنذرُ وأن كتابَ الله فينا كَلامُه وإن شكَّ فيه المُلْحدون وأنكَروا شهدنا بأنّ الله كلَّم عَبدَه ولم يكُ غير الله عَنه يُعبّر غداة رأي ناراً فقال لأهله سآتي بنارٍ أو عن النار أخبرُ فناداه يا موسى أنا الله لا تَخف وأرسلَه بالحقِّ يَدعو ويُنْذِرُ وقال انطلق ني سميعٌ لكل ما يَجيء به فرعون ذو الكُفر مُبْصِرُ وكلَّمه أيضاً على الطور ربُّه وقُرّبض والتوراة في اللّوح تُسطَرُ كذل قال الله في مُحكم الهدى وإسناده الرّوح الأمينُ المُطهرُ وإنَّ وليَّ الله في دارِ خُلده إلى رَبه ذي الكِبرياء سَينظرُ ولم نَرَ في أهل الخُصومات كلها زكينا ولا ذا خَشيةٍ يتوقَّرُ ولم يحمدِ الله الجِدالَ وأهلَه وكانَ رسولُ الله عن ذاك يَزْجُرُ وسُنَّتُنا تركُ الكلام وأهلهِ ومَن دِينُه تشديقُه والتَّقعُّرُ وكلّ كلاميِّ قليل خُشوعه له بيعٌ فيه وسوقٌ وَمتجر تَفرَّغقومٌ للجدال وأغفلوا طريقَ التُّقى حتى غَلا المُتَهوِّر وقاسوا بآراءٍ ضعافٍ وفرَّطوا وَرأى الذي لا يَتبع الحقَّ أبتَرُ جَزى الله رَبُّ الناسِ عَنّا ابنَ حنبل وصاحبه خيراً إذا الناسُ أحضِروا

سميّ نبي الله أعني مُحمداً فَقُل في ابنِ نوحٍ والمقالةُ تَقصرُ سقَى اللهُ قبراً حَلَّه ما ثَوى بهِ من الغَيثِ وَسْمِيًّا يَروحُ ويُبكِرُ هُما صَبرَا للحقِّ عند امتحانهم وقَاما بنَصرِ الله والسيَّفُ يَقطُرُ وأربعةٌ جاؤوا من الشامِ سادَة عليهم كُبولٌ بالحديد تُسمَّرُ دُعُوا فأبوا إلا اعتِصاماً بدينهِم فأُجلوا عَن الأهلين طُرًّا وسُيِّروا إلى البلدِ المشحونِ من كُلٍّ فِتنةٍ وفي السِّن كالسُّراق أُلقوا وصُيِّرُوا فما زادهم إلا رضاً وتَمسكاً بدينهُم والله بالخَلقِ أبصَرُ إذا مُيِّز الأشياخُ يوماً وحُصِّلوا فأحمدُ من بَين المشايخ جَوْهَرُ رقيق أدِيم الوَجه حُلْوٌ مُهذَّب إلى كُلّ ذي تَقوى وَقور موقَّرُ أبيٌّ إذا ما حافَ ضَيمٌ مُؤمّرٌ ومُرٌّ إذا ما خاشَنُوه مُذَكَرُ لَعمرك ما يَهوى لأحمدَ نكبةً من الناس إلا ناقص العقل مُعْوِرُ هو المحنةُ اليومَ الذي يُبْتَلَى به فَيعتبرُ السُّنِّيُّ فينا ويُسْبَرُ شَجّي في حُلوق الملحدين وقُرةً لأعين أهل النُّسك عَفٌّ مُشمِّرُ فَقا أعينَ المُرّاقِ فعلُ ابن حنبل وأخرسَ من يَبغي العيوبَ ويحقرُ جَرى سابقاً في حَلْبة الصّدِق والتُّقى كما سَبق الطِّرْف الجَوَادُ المضَمَّرُ وبَلَّد عَنْ إدراكه كُلُّ كَوْدَنٍ قَطُوف إذا ما حاولَ السبقَ يَعثرُ

إذا افتخر الأقوامُ يوماً بسيدٍ ففيه لنا - والحمدُ للهِ - مَفخَرُ فَقُل للألي يَشْنَوْنَه لصَلاحه وصِحتِه والله بالعُذر يَعذِرُ جُعِلتم فِداءً أجمعينَ لنَعِلِهِ فإنكمُ منها أذلُّ وأحقرُ أريحانَةَ القُرّاءِ تَبْغُون عَثْرَةً وكُلكُم مِن جيفةِ الكَلْبِ أقذَرُ فَيا أيها الساعي لتُدرِك شَاوَه رُويدك عن إدراكه سَتُقَصِّرُ تمسكَ بالعلم الذي كانَ قَدْ وَعَى ولم يُلْهِهِ عنه الخَبِيصُ المزَعْفَرُ ولا بَغلةٌ هِمْلاَجَةٌ مَغربية ولا حُلَّةٌ تُطْوَى مِراراً وتُنْشَرُ ولا مَنزلٌ بالساج والكِلْسِ مُتقنٌ يُنقَّش فيه جِصُّه ويُصوَّرُ ولا امةٌ بَرّاقةُ الجِيدِ بَضَّةٌ بمنطِقها يُصْبَى الحَليمُ ويُسْحَرُ حَمى نَفسه الدنيا وقد سَنَحَت له فمنزلُه إلا من القُوتِ مُقْفِرُ فإن يَكُ في الدنيا مُقِلاًّ فإنه من الأدب المحمود والعلم مُكْثِرُ وقُل للألي حادُوا معاً عن طَريقه ولم يمكثوا حتى أجابوا وغيَّروا فلا تأمنوا عُقْبَى الذي قَد أتيتُمُ فإنَّ الذي جئتُم ضَلالٌ مُزوَّرُ فيا عُلماءَ السوء أينَ عُقولُكُم وأينَ الحديثُ المسنَد المتَخيَّرُ ألا إنني أرجو النجاةَ ببُغضِكم وكل امرئ يَشْني الضَّلالةَ يُؤجرُ تأسّى بكم قَومٌ كثير فأصبحوا لَكُم ولَهم في كُل مِصرٍ مُعيّرُ ويا تسعةَ كانوا تسعة صالحٍ نبي الهدى إذْ ناقة اللهِ تُعقر نَكصتُم على الأعقابِ حينَ امتُحنتُمُ ولم يَكُ فيكُم [من] لذلك منكِرُ

كَتبتم بأيديكم حُتوفَ نُفوسكم فياسَوءَتا مما يَخطُّ المُقدِّرُ وأشمتم أعداءَ دين محمد ولم تُضرب الأعناقُ مِنكم وتُنشَرُ فَسبحان مَن يُعصى فَيعفو ويَغْفِرُ ويُظهر إحسانَ المُسيء ويَسترُ أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الآل، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الصرّام، قال: أخبرنا إبراهيم بن إسحاق الغَسِيلي: قال: أنشدني الهَيضم بن أحمد لأبيه يرثي أحمد بن حنبل، فَذكر قصيدة انتَخبتُ منها: يا ناعيَ العلم بيومَ أحمدا نَعيتَ بَحراً كان يَجري مُزيدَا ومَكرُمات وتُقىً وسُودَدا صَلابة في دينه تَجرّدا إذا عدا قُلت: الربيعُ قد غدا يا أحمدَ الخير الذي تَحمّدا أشبهتَ سُفيان الذي تَعبَّدا ومِسْعَراً دانَيتَهُ ومعْضِدا أشبَهتَهُم قَناعةً ومهتدى وعِفَّةً بنتَ بها ومقتَدى وكنتَ في هذا وذا أوْحدا سُميتَ في هذا وذاك المُفْردا قد زُلْزِلَت أرض العِراق كَمدا والشام حُزناً والحِجازُ أرعَدا يا أحمد بن حنبل لا تَبعُدا شَيَّدتَ للدين بناءً مرفدا إذْ كُنتَ في الدينِ لَه مشيداً ولم تُرد قَصراً بها مُمرَّدا

ولا حِصاناً كالعُقاب أجْردا ولا إِماءَ كالسَّعالي نُهَّدا ألبِسْنَ ربطاً وحُلينَ عَسْجَداً فَقُمن يُشبِهن غُصوناً مُيَّدا إنَّ المنيات توافي الموعدا تَنزل بالنازل دُنياه الرَّدى وحظُّه مِنها الذي تَزَوّدا قال: وأنشدني الهيضم لأبيه، فذكر قصيدة انتخبت منها: لِتبكِ عُيون مُسبلاتٌ بوَبلِها على زينةِ الدُّنيا وعالمِ أهلِها قليلٌ عليه فاستقلا بُكاكُما على مُستقلٌّ بالخُطوب مُقلّها إمامٌ لأهل العلم تَفري مَطيُّهم إليه الفَلا بينَ السّديس ويُزلَها فبانَ بيومٍ كانَ مِقدار يَومه وصارَ إلى دار البِلي ومَحلّها فتلك المطايا قد أُرحْنَ من السُّرَى ومِن شَدِّ أنساعِ الرِّحالِ وحَلِّها لمهلك ثاوٍ كان مَأوى رِحالهم إذا ما أُنيخت كل عيسٍ برَحْيلِها لِيُروَ رَميمٌ تَحتَ ردمٍ من الثَّرى تَصوب عليه البارِقاتُ بهَطلِها سَتحدث أحداثٌ يقال لمثلها ألا مِثلُه في مثلها عِند مِثلها قال: وأنشدني الهيضَم لأبيه فيه: للزاهدينَ مع الدموع دُموعُ والعابدين لهم عليكَ خُشوعُ يَبكون فَقْدَك والجفونُ شِفاؤها هَمَلانُها وَرُقادُها مَمنوعُ يا أحمد الخَير الذي وارى الثَّرى وبه الشَّتاتُ مِن الجميع جَميعُ أروَى مَحلَّتَكَ السماءُ وجادَها دِيَمُ الخَريف وصَيِّفٌ ورَبيعُ

أنبأنا علي بن عُبيد الله، قال: أخبرنا عبد الواحد بن علي العلاف، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن سهل، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر ابن سَلْم، قال: حدثنا محمد بن السري أبو بكر، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن الحَجاج النَّيسابوري، قال: سمعتُ أحمد بن المبارك، يَقول: سمعتُ علي بن حُجْر يقول: -ونَعى إليه أحمدَ بْن حنبل رجلٌ يُقال له: إبراهيم -فَقال علي بن حُجر نَعى لي إبراهيمُ أورعَ عالم سَمعتُ به من مُعدمٍ ومُخَوَّلِ إماماً على قصدِ السبيل وسُنَّة النَّبي أمين الله آخِر مُرسَلِ فقلتُ وفاضَ الدَّمع مني بأربعٍ على النَّحر فَيضاً الجُمانِ المفصَّلِ سلامٌ عَديد القطرِ والنَّجمِ والثَّرى على أحمد البرِّ التَّقي ابن حَنبلِ ألا فَتأهبْ للمَنايا فإنَّما الْـ بَقاءُ قليلٌ بَعده لكَ أيْ عَلي أنبأنا يحيى بن الحسن بن البَنّا، قال: أنبأنا محمد بن الحسين، قال: أنشدنا عُبيد الله بن أحمد، قال: أنشدنا أبو أحمد عبد السلام بن علي، قال: أنشدنا أبو مُزاحم الخاقاني: جَزى الله ابنَ حَنبلٍ التَّقيَّا عن الإسلام إحْساناً هَنيّا فَقد أعطاهُ إذ صَبر احتِساباً على الأسواط إيمانّيا قوّييا هُو الوَرِع الذي امتَحنوه قِدْماً فأَلفَوْهُ عَليماً لا غَبيّا وجاءَ بصادِق الآثارِ حتى أقامَ بذل الدّين الرضيّا

حَبا المتوكّلُ السِّنيُ بَدْءًا وعَوداً أحمدَ المالَ السنيّا فآثرَ أحمدُ الإقلالَ زُهداً على الدنيا وكانَ بها سَخِيّا فأحمدُ جامِعٌ وَرعاً وزُهداً وعِلماً نافِعاً حبراً تَقيّا وأحمدُ كان للفَتْوى إماماً رِضاً للمُسلمين مَعاً وَفيّا وأحمدُ محنةٌ للناسِ طُرًّا نَمِيز به المُعَوّج والسَّويّا أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر، قال: أنبأنا عُبيد الله بن أحمد بن عُثمان، قال: أنشدنا عبد السلام بن علي، قال: أنشدنا أبو مُزاحم الخاقاني له: لقد صارَ في الآفاق أحمدُ مِحنةً وأمر الوَرى فيها فَليس بمُشْكلِ تَرى ذا الهوى جَهلاً لأحمدَ مُبغضاً وتَعرف ذا التَّقوى بحُبِّ ابن حَنبلِ أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن هارون بن حميد المُجَدَّر، قال لما دفنا أحمد بن حنبل أنشدَنا ابنُ الخَبّازة فيه ومَن أفْضَتِ الدنيا إليهِ فعافَهَا وقال: هَبِلتِ، الدينُ أنبل مُشكَلِ ومَن رامَ إبليسُ استمالةَ قَلبه فألفاه كالقِدْح الذي لم يُمَيَّلِ

ومَن لم يَزل في سُنة الله صابراً على الضَّرب والأنكاِ واسّجن مُذْ بُلِي كأني أرى الجلادَ يثني سِياطَه على بَدنٍ بالٍ من الصوم مُنْحَلِ وأعضاؤه تَنجري الدماء كأنها عيونٌ إذا ما السوط منكبه عَلي وقد وَهنَت من شدة الضَّرب نَفسه وحسَّ دَبِيبَ الموت في كل مَفْصِلِ وقال له الجُهَال: يا مُبْتَلَى أجِبْ فإنك إن تأبَ الإجابة تُقتلِ فقال: على البَرِّ الرَّحيم تَوكُّلي أعوذ بربي من مَقالة مُبطِ ويا مَنْ يُعَافِي من يَشاءُ ويبتلى أمِتْنِي سَليمَ الدين غيرَ مبدِّلِ فما حَجَبَ البرُّ الرحيم سُؤالَه لقد خصَّه منه بصيرٍ مُعجَّلِ فنجّاه منهُ كاملَ الدين سالماً بلا بدعة من سُنة لم يُحوّلِ فعاشَ حميداً ثم ماتَ مُفرداً به أحدٌ من دَهره لم يمثّلِ فبُورك مَولوداً وبثورك ناشِئاً وبوركَ كَهلاً من أمينِ معَدَّلِ وبُور مقبوضاً وبورك مُلْحَداً وبوركَ مَبعوثاً إلى خَير منزلِ أُرجِّي له الحُسنى بإظهاره التُّقَى وما يشإِ العلامُ بالسرِّ يفعلِ وبَعْدُ فإنَّ السنَّة اليوم أصبحَتْ مُعززةً حتى كأَنْ لم تُذلَّلِ

تَصول وتَسطو إذ أقيمَ منارها وحُطَّ مَنارُ الإفك والزّور من عَلِ وولّى أخو الإبداع في الدين هارباً إلى النار يهوي مُدبراً غير مُقبلِ شَفَى الله منه بالخَليفة جَعفر خَليفتنا ذي السنَّة المتوكِّلِ وجامع أهل الدين بعد تَشتُّتٍ وفاري رؤوس المارِقين بمِقْصَلِ أطال لنا ربُّ العبادِ بقاءَه سليماً من الأهواءِ غَير مُبدلِ وبوَّأَه بالنصر للدين جَنة يُجاور في رَوضاتها خَير مُرسِل أنشدنا محمد بن ناصر، قال: أنشدنا جعفر بن أحمد السراج لنفسه في الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل: سَقى الله قَبراً حلَّ فيه ابنُ حنبلٍ من الغَيثِ وَسْمِيًّا على إثرهِ ولي على أنَّ دمعي فيه ريُّ عِظامه إذا فاضَ، ما لم يَبْلَ مِنها وما بَلِي فلله ربِّ الناس مَذهب أحمدٍ فإنَّ عليه ما حَيِيتُ مُعَوَّلي دَعَوْه إلى خَلْقِ القُرَان كما دَعَوْا عن السنَّة الغراءِ والمذهبِ الجَلِي ولما يَزدهُم والسياطُ تَنُوشُه فشَلَّتْ يَمينُ الضاربِ المُتَبتلِ على قَوله: القُران - وَلْيشهدِ الوَرى- كلامُك يا ربّ الوَرى كيفَما تُلى فمن مُبْلغٌ أصحابَه أنني به أفاخر أهلَ العلم في كل مَحْفِلِ وألقى به الزهادَ كلَّ مطلِّق من الخوف دُنياه طلاقَ التبتُّلِ

مَناقبه إن لم تَكن عالماً بها فَكَشِّفْ طُروس القَوم عنهنَّ واسألِ لقد عاشَ فيا لدنيا حَميداً مُوقَّفاً وصار إلى الأخرى إلى خير منزلِ وإني لراجٍ أن يكونَ شفيعَ مَنْ تولاه من شيخٍ ومن مُتَكَهّلِ ومن حَدَثٍ قد نَوَّرَ الله قلبَه إذا سألوا عن أصله قال: حَنْبَلِي أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي، قال: أنشدنا أبو إسماعيل عب الله بن محمد الأنصاري في مَدح أحمد بن حنبل: وإمامِيَ القَوّامُ لله الذي دَفَنُوا حَميدَ الشأن في بَغْدَان جَمَع التُّقَى والزهدَ في دنياهمُ والعلمَ بعدَ طَهارة الأردانِ خَصِمُ النبي وصَيْرَفيُّ حديثه ومُفلّق أعرافها بمعان حَبْرُ العراق، ومحنةُ لذوي الهوى يدري ببغضته ذوُو الأضغانِ عَرَف الهدى فاجتابَ ثوبي نُصْرة وسَخا بمهجته على عِرْفانِ عرضَتْ له الدنيا فأعرض سالماً عنها كفعل الراهب الخَمْصانِ هانَت عليه نفسُه في دينه ففدى الإمامُ الدينَ بالجُثمانِ لله ما لَقِيَ ابنُ حنبل صابراً عزماً ينصره بلا أعْوانِ أنا حَنبليُّ ما حييتُ فإن أمُتْ فَوصيتي ذاكُم إلى إخوانِي قلت: وقد نقلت مدائح كثيرة، ومَراثٍ كثيرة اقتصرت على ما انتخبت منها والله الموفق.

الباب الحادي والتسعون في ذكر المنامات التي رآها أحمد بن حنبل

الباب الحادي والتسعُون في ذكر المنامات التي رآها أحمد بن حنبل أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: اخبرنا محمد بن عبد الجليل بن أحمد، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم. وأخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا أبو محمد الخَلال، قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، قالا: حدثنا أحمد بن محمد بن مِقْسَم، قال: سمعتُ عبد العزيز بن أحمد النُّهَاوَنْدِي، قال: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعتُ أبي يقول: رأيتُ ربَّ العِزَة عز وجلَّ في المنام، فقلت: يا ربن ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك؟

فقال: كَلامي يا أحمد، قال: قلت: يا ربّ، بفهم أو بغير فهم؟ قال: بفهم وبغير فهم. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب الحافظ، قال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن خَمِيرويه، قال: حدثنا عمر بن أحمد بن علي الجَوهري، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن يزيد بن عبد المجيد، قال: حدثنا الحسن بن بكر بن عبد الرحمن، عن صَدقة بن الفَضل، قال: أقبلتُ من الكوفة أريدُ بغداد وليست معي نَفقة، فلما بلغت نهر صَرْصرَ اشتدَّ بي الجوع، فدخلتُ مسجداً هناك فنِمت، فإذا رجلُ يحركني برجله فانتبهتُ، فإذا أحمد بن حنبل ومعه حمال معه خُبز، فقال: إني أتيت البارحة في المنام فقيل لي: صديقك صَدقة ابن الفضل أقبل من الكوفة وهو بحال فأدركه.

الباب الثاني والتسعون في ذكر المنامات التي رئي فيها أحمد بن حنبل

الباب الثاني والتسعُون في ذكر المنامات التي رُئي فيها أحمد بن حنبل أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا أبو زُرْعَة قال: سمعتُ محمد بن مِهْران الجَمّال، يقول: رأيتُ أحمد بن حنبل في المنام كأنّ عليه بُرداً مخططاً أو معيناً وكأنه بالرَّيّ يُريد المصير إلى الجامع يوم الجُمعة، فاستعبرت بعض أهل التَّعبير، فقال: هذا يشتهر بالخير. قال: فما أتى عليه إلا قريب حتى ورد ما ورد من خبره في أمر المحنة. قال عبد الرحمن: وسمعتُ أبي يقول: رأيتُ أحمدبن حنبل في المنام فرأيته أضخم ما كان وأحسن وجهاً، فَجعلتُ أسأله الحديث وأذاكره. أخبرنا الحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: حدثني نَصر بن خُزيمة، قال: حدثني محمد بن

مَخلد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الحميد الكوفي، قال: سمعتُ إبراهيم بن خُرَّزاذ، قال: رأى جارٌ لنا كأن ملكاً نزل من السماءِ ومعه سَبعة تيجان، فأول من توّجَ من الدنيا أحمد بن حنبل. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد البار، قال: اخبرنا علي بن عمر القزويني، قال أخبرنا أبو عمر بن حَيويه، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن الحسين الشافعي، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن محمد، قال: حدثنا عَزْرة بن عبد الله، وطالوت بن لقمان، قالا: سمعنا أبا يحيى زكريا بن يحيى السمسار يقول: رأيتُ أحمد بن حنبل رَحمه الله في المنام على رأسه تاج مُرَصَّع بالجوهر، في رجليه نَعْلان، وهو يَخْطِر بهما، قال قلتُ: أبا عبد الله ماذا فَعل الله بك قال: غَفر لي وأدناني من نفسه وتَوَّجني بيده بهذا التاج، وقال لي: هذا بقولك: القرآن كلام الله غير مخلوق، قَلت: فما هذه الخَطْرَة التي لم أعرفها لك في دار الدنيا؟ قال: هذه مِشْيَةُ الخُدام في دار السلام. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن صالح، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا محمد بن حيان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سَعيد المروَزي، قال: حدثنا محمد بن الحسن السّلَمي، قال سمعت طالوت ابن لقمان، قال: سمعتُ أبا يحيى السّمسار البغدادي، يقول: رأيتُ أحمد بن حنبل في المنام وعلى رأسه تاجٌ مُرَصَّع بالجَوهر، وإذا هو يَخطر خَطرة لم أعرفها

له في دار الدنيا، فقلتُ له: يا أبا عبد الله، ما فَعل الله بك؟ قال: غفر ي وأدناني وتَوَّجني التاج، فقال: هذا بقولك: القرآن كلام الله غير مخلوق، وهذه مشيةُ الخدام في دار السلام. أخبرنا المحمدان: ابن ناصرن وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: قرأت على مُسبِّح بن حاتم العُكْلِي، قال: حدثنا إبراهيم بن جعر المَروَزي، قال: رأيتُ أحمد بن حنبل في النمام يمشي مشية يَختال فيهان فقلتُ: ما هذه المشية يا أبا عبد الله؟ قال: هذه مشية الخدام في دار السلام. أخبرنا المحمدان: ابن عبد الملك، وابن ناصر، قالا: أخبرنا أحمد بن الحَسن الشاهد. وأخبرنا علي بن محمد بن حسُّون، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قالا: أخبرنا عبدالعزيز بن علي الطحان، قال: حدثنا محمد بن أحمد الحاف، قال: حدثنا محمد بن الحسين الحارثي، قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي، قال: رأيتُ أحمد بن حنبل في النوم كأنه في رَوضة وعليه حُلّتان خَضراوان، وعلى رأسه تاجٌ من النور وإذا هو يمشي مشية لم أكن أعرفها فقلتُ: يا أحمد، ما هذه المشية التي لا أعرفها لك؟ فقال: هذه مشية الخدام فيدار السلام، فقلت له: ما هذا التاج الذي أراه على رأسك؟ فقال: إن رَبي عزّ وجلّ وقفني فحاسبني حساباً يسيراً وكساني وحَباني وقرّبني وأباحني النظر إليه وتَوّجني بهذا

التاج، وقال لي: يا أحمد، هذا تاج الوَقار توجت به كما قلت: القرآن كلامي غير مخلوق. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا أبو الفضل الحداد، قال: أخبرنا أبو نُعَيْم الحافظ، قال: حدثنا أبو نصر الحنبلي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد النَّهْرُوَاني، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن القاسم القرشي، قال: سمعتُ المرُّوذي، يقول: رأيت أحمد بن حنبل في المنام وعليه حُلّتان خَضراوان، وفي رجليه نَعلان من الذهب الأحمر شراكهما من الزمرد الأخضر، وعلى رأسهِ تاج من النور مُرصع بالجَوهر، فإذا هو يَخطر في مشيته، فقلت له: حبيبي يا أبا عبد الله، ما هذه المشية التي لا أعرفها لك في دار الدنيا قال: هذه مشية الخدام في دار السلام. فقلت له: حبيبي، ما هذا التاج الذي أراه على رأسك؟ قال: إنَّ الله عز وجل غَفر لي وأدخلني الجنة وحَباني وكَساني وتَوجني بيدهن وأباحني النظر إليه، وقال لي يا أحمد، فعلتُ بكَ هذا لقولك: القرآن كلامي غير مخلوق. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيْم الحافظ، قال: أخبرني محمد بن عبد الله الرازي في كتابه، قال: سمعتُ أبا القاسم أحمد بن محمد السائح، قال: حَدثني أبو عبد الله محمد بن خزيمة بالإسكندرية، قال: لما ماتَ أحمد بن حنبل اغتمتُ غمًّا شديداً، فبتُّ من ليلتي فرأيته في المنام وهو يَتبختر في مشيته، فقلتُ له: يا أبا عبد الله، أي مشية هذه؟ فقال: مِية الخدام في دار السلام. فقلتُ:

ما فعل الله بكَ؟ قال: غَفر لي وتوجني وألبسني نَعلين من ذهب، وقال لي: يا أحمد، هذا بقول: القرآن كلامي [غير مخلوق]، ثم قال: يا أحمد، ادعني بتلك الدعوات التي بَلغتكَ عن سفيان الثوري كنتَ تدعو بهن في دار الدنيا، فقلت: يا رب كل شيءٍ، بقدرتك على كل شيءٍ، لا تسألني عن شيءٍ، واغفر لي كل شيءٍ. فقال لي: يا أحمد، هذه الجنة، فقم ادخل غليها، فدخلت فإذا أنا بسُفيان الثوري وله جَناحان أخضران يَطير بهما من نخلة إلى نَخلة، وهو يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}. قال: فقلتُ: ما فعل عبد الورّاق فقال: تركته في بحر من نور في زلال من نو يزور ربَّه الملك الغفور. فقلت له ما فَعل بشر؟ فقال لي: بَخٍ بَخٍ، ومَن مثل بشرن تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام، والجليل جلّ جلاله مُقبل عليه يَقول له: كُل يا مَنْ لم يأكل، واشرب يا من لم يشرب، وانعم يا من لم ينعم، أو كما قال. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا المؤتمن بن أحمد، قال: أخبرنا محمد بن علي بن محمد الفقيه، قال: أخبرنا أبو إسماعيل محمد بن عبد الرحمن الحداد، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن خُفيف الصوفي، قال: حدثنا أبو القاسم القصري، قال: سمعتُ ابن خُزيمة بالإسكندرية، يقول: لما مات أحمد بن حنبل اغنممتُ غمًّا شديداً، فبتّ من ليلتي فرأيته في النوم وهو يتبختر في مشيته،

فقلتُ: يا أبا عبد الله، ما هذه المشية؟ قال: مشية الخدام في دار السلام. فقلت له ما فَعل الله بك؟ فقال: غَفر لي وتوَّجني وألبسني نَعلين من ذهب، وقال لي: يا أحمد، هذا بقولك: القرآن كلامي. ثم قال لي: يا أحمد، لمَ كتبتَ عن حَريز بن عثمان؟ فقلتُ: يا ربن كان ثقة، فقال: صدقتَ ولكنه كان يُبغض عليَّا أبغضه الله، ثم قال لي: يا أحمد، ادعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن سُفيان الثوري كنتَ تدعو بها في دار الدنيا، فقلت يا ربّ كل شيءٍ، فقال: هيه، فقلت: بقدرتك على كل شيء، فقال: صدقت، فقلت: لا تسألني عن شيءٍ، واغفر لي كل شيءٍ، فقال: يا أحمد، هذه الجنة فادخل إليها، فدخلتُ فإذا أنا بسفيان الثوري، وله جناحان أخضران يَطير بهما من نخلة إلى نخلة وهو يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}، فقلت له: فما فعل عبد الوهاب الورّاق؟ فقال: تركته في بحر من نور في زلال من نور يرى ربه الملك الغفور. فقلت له: فَما فعل بشر - يعني الحافي - فقال لي: بَخٍ بَخٍ، ومَن مثل بشرن تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام والجليل مُقبل عليه، وهو يقول: كُل يا من لم يَأكل، واشرب يا من لم يشرب، وانعم يا من لم يَنعم، قال: فأصحبت، فتصدقت بعشرة آلاف درهم أو كما قال. قلت: وقَد رُويت لنا هذه القصة من طريق آخر، فأخبرنا المبارك بن علي، قال: أخبرنا سعدالله بن علي بن أيوب، قال: أخبرنا هناد بن إبراهيم، قال:

أخبرنا أحمد بن عمر بن الحسن، قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن أحمد التكريتي، قال: حدثنا أبو بكر التميمي، قال: حدثنا عبد الله بن عُبيد الله بن بهرام قال: رأيتُ أبا عبد لله أحمد بن حنبل في المنام، وعليه نعلان من ذهب شِراكهما من اللؤلؤ وهو يَخطر، فقلت: ما هذا المشية يا أبا عبد الله؟ قال: هذه مشية الخدام في دار السلام، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لين وقال لي: ادخل الجنة بقولك: القرآن كلامي غير مخلوق. ثم قال لي: يا أحمد، ادعني ومجدني بالدعوات التي بلغتك عن سُفيان الثوري، فقلتُ: يارب كل شيءٍ، ويا من عنده كل شيءٍ، ويا من بيده كل شيءٍ، ويا من بيده كل شيءٍ، هب لي كل شيءٍ، ولا تسألني عن شيءٍ، فدخلتُ الجنة فرأيتُ سُفيان الثوري وله جناحان أخضران وهو يطير من هذه النخلة إلى هذه النخلة ويأكل الرطب، ويقرأ هذه الآية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}. فقلت له: ما فعل بشر الحافي قال لي: بَخٍ بَخٍ، من مثل بشر، تركته بين يدي الله وبين يديه مائة وهو يقول له: كل يا مَن لم يأكل، واشرب يا مَن لم يشرب، وانعم يا مَن لم ينعم. قلت: وقد رُويت من طريق آخر؛ أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد الفقيه، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البَرْمَكي، قال: وجدتُ في كتاب أبي بخط يده، أخبرنا أبو بَكر بن شاذان، قال: أخبرنا أبو عيسى يحيى بن سهل العُكْبَري إجازة، قال: حدثنا أبو بَكر السامَرّي القاسم بن الحسن قال: حدثنا علي بن محمد

القَصْرِي، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال: رأيتُ أحمد بن حنبل في المنام وعليه ثيابٌ بيض، وعلى رأسه تاج من الدر مُكللَّ بالياقوت، وفي رجليه نعلان من الذهب شِراكهما من الزَّبرجد، فقلت: يا أحمد، ما فعل الله بك؟ قال: خيراً، كساني وحلاني وقال: هذا بقولك في القرآن كلامي، قال: ثم قال لي: يا أحمد، قلت: لبيك، قال: ادعني بتلك الدعوات التي كان يدعوى، بها سُفيان الثوري له جَناحان أخضران وهو يطير من نخلة إلى نخلة وهو يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}. فقلت: يا أبا عبد الله، ما فعل عبد الوهاب الورّاق؟ قال: تركته في زلال من نور يشير في رحل الكافور إلى الملك الغفور. قلت: ما فعل بشر بن الحارث قال: تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة يُراح ويغدي عليه بأطايب الطعام، والجليل مقبل عليه يقول: كُل يا من لم يأكل، واشرب يا من لم يَشرب، وانعم يا من لم ينعم. قلت: مافعلت مسكينة الطُّفاويّة؟ فإذا هي من ورائي تقول هيهات هيهات، ذهبت المسكنة اليوم، وجاء الغنى. أنبأنا محمد بن أبي منصورن عن أبي نصر الساجي، قال: سمعتُ أبا إسماعيل الأنصاري، يقول: سمعتُ بعض أهل باخَرْز - وهي في نواحي نيسابور- يقول: رأيتُ كأن القيامة قد قامت وإذا برجل على فرس به من

الحُسن ما الله به عليم، ومُنادٍ ينادي: ألا لا يتقدمَنَّ اليوم أحد، فقلتُ: مَن هذا؟ فقالوا أحمد بن حنبل رحمه الله. أخبرنا عبد الملك الكَرُوخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا الفضل بن أبي الفضل، قال: حدثنا محمد بن محمد بن يعقوب الضُّبَعي، قال: سمعتُ إبراهيم بن محمد بن عبد المجيد، قال: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: رأيتُ أبي في المنام فقلتُ له: يا أبة، ما فَعل الله بك؟ قال: وَقفني بين يديه، وقال لي: يا أحمد، بسببي ضُربتَ وامتُحنتَ من أجلي، ها وجهي فقد أبحتك النظر إلي. أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه، قال: أخبرنا هلال ابن محمد، قال: حدثنا عثمان بن أحمد السمّاك، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن المهدي، قال: حدثنا أحمد بن محمد الكندي، قال: رأيتُ أحمد ابن حنبل في المنام، فقلت: يا أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قال: غَفر لي، وقال لي: يا أحمد، ضُربْتَ فِيّ قال: قلت: نعم يا ربّ، قال: هذا وَجهي فانظر إليه، فقد أبَحْتُكَ النظر إليه. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن أحمد الرزّاز، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقاق،

قال: حدثنا محمد بن أحمد بن المهدي، قال: حدثنا أحمد بن محمد الندي، قال: رأيتُ أحمد بن حنبل في المنام، فقلت يا أبا عبد الله، ما صنع الله ب؟ قال: غفر لي، ثم قال لي يا أحمد، ضُربت فيَّ؟ قال: فقلت: نعم يا رب، فقال: يا أحمد، هذا وجهي فانظر إليه فقد أبحتُك النظر غليه. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: أخبرنا الحسن بن حفص الأندلسي، قال: حدثنا أبو محمد الحُسين بن أحمد التُّسْتَري، قال: حدثنا أبو محمد بن الحسن بن سهل، قال: حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن يعقوب المفسر، قال: حدثنا يعقوب بن يوسف الأنصاري، قال: حدثنا أبي، قال: سمعتُ عي بن الموفق، يقول: رأيتُ كأني أدخلت الجنة فإذا أنا بثلاثة نفرن رجل قاعد على مائدة قد ول الله به ملكين، فملكٌ يطعمه وملكٌ يسيه، وآخر واقف على باب الجنة ينظر إلى وُجوه قوم فيدخلهم الجنة؛ وآخر واقف في وسط الجنة شاخِص ببصره على العَرش ينظر إلى الرب. فجئت إلى رضوان، فقلت: مَن هؤلاءِ؟ فقال: أما الأول فبشر الحافي، خرج من الدنيا وهو جائع عطشان، وأما الواقف في وسط الجنة فمعروف الكرْخي. عبد الله شوقاً منه للنظر فقد أعطى، وأما الواقف على باب الجنةفأحمد بن حنبل، قد أمره الجبار أن ينظر إلى وجوه أهل السنة فيأخذ بأيديهم فيُدْخلهم الجنة.

أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن إبراهيم، قال: أخبرنا علي بن القاسم الخطابي، قال: حدثنا أبو نصر محمد بن حَمْدُويه المُطَّوِّعي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن الحسين بن علي الفارسي قال: حدثنا الأسود بن يحيى البَرْدعي، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الرَّمْلي قاضي دمشق، قال: دخلتُ العراق فكتبتُ كُتُبَ أهلها وأهل الحجاز، فمِن كثرة خلافهما لم أدْرِ بأيهما آخذ. فلما كان جوفُ الليل قمتُ فتوضَّأت وصلَّيت ركعتين، وقلت: اللهمّ اهْدِني إلى ما تُحب، ثم أوَيْتُ إلى فراشي، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يَرى النائم دَخَلَ من باب بني شَيْبة، وأسند ظهره إلى الكعبة، فرأيت الشافعي، وأحمد بن حنبل على يَمين النبي صلى الله عليه وسلم والنبي يتبسم غليهما وبشر المَريسي من ناحية، فقلت: يا رسول الله، من كثرة اختلافهما لا أدري بأيهما آخذ، فأومأ إلى الشافعي وأحمد رضي الله عنهما. فقال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} ثم أومأ إلى بشر، فقال: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ}. أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي ابن ثابت، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب، قال أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسن بن سليمان المقرئ، قال: حدثني خالي محمد ابن أحمد، قال: حدثنا هارون بن موسى بن زياد، قال: حدثني محمد بن

أبي الوَرد، قال: سمعتُ يحيى الجَلاَّء - أو علي بن الموفّق -قال: ناظرتُ قوماً من الواقِفة أيام المِحنة فنالوني بما اكره، وصرت إلى منزلي وأنا مَغمومٌ بذلك، فقدَّمت إليّ امرأتي عشاء، فقلت لها: لستُ آكل، فرفعته ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم داخل المسجد وفي المسجد حلقتان، إحداهما فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابنُ أبي دُؤاد وأصحابه. فوقف بين الحلقتين وأشار بيده وقال: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ} وأشار إلى حلقة ابن أبي دؤاد {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} وأشار إلى الحلقة التي فيها أحمد بن حنبل. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيْم أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا عمر بن الحسن القاضي، قال: حدثني هارون بن يوسف، قال: حدثنا حبش بن أبي الورد العابد، قال: سمعتُ يحيى الجَلاَّء - وكان من أفاضل الناس - قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام واقفاً في صَينيّة الكرخ وابنُ أبي دُؤاد جالس عن يسرته، وأحمد بن حنبل جالس عن يمينه، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم، وأشار على ابن أبي دؤاد، فقال: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} وأشار على أحمد بن حنبل. قلت: حبش لقب لمحمد بن أبي الورد.

أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا ظفر بن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حمدويه، قال: حدثنا عبد الله بن القاسم القُرشي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق القاشاني، قال: حدثنا إسحاق بن حكيم، قال: رأيتُ أحمد بن حنبل في المنام، فإذا بين كتفيه سطران مكتوبان من نور كأنهما بحبر: {فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. أنبأنا محمد بن أبي منصور الحافظ، قال أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر بن شاهين، قال: أخبرنا عبيد الله بن حُبَيق الأنطاكي، يقول: قدم علينا رجل من أهل العراق يُقال إنه من أفضلهم، فقال يوماً: رأيت رؤيا وقد احتجتُ إلى أن تدلني على رجل حَسن العِبارة؛ رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم ف فضاءٍ من الأرض وعنده نفر، فقلت لبعضهم: من هذا؟ قال: هذا محمد صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما يَصنع هاهنا؟ قال: ينتظر أمته أن يوافوا، فقلت في منامي: لأقعدنّ حتى أنظر ما يكون من حاله في أمته، فبينا أنا كذلك واجتمع الناس وإذا مع رجل منهم قناة، فظننتُ أنه يُريد أن يَبعث بعثاً، فنظر صلى الله عليه وسلم فرأى قناة أطول من تلك القُنِيِّ كُلّها، فقال: مَن صاحب هذه القناة؟ قالوا: أحمد بن حنبل، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائتوني به. قال: فجيء به والقناة في يده فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم، فهزّها ثم ناولها إياه، وقال له: اذهب فأنت أمير القوم، ثم قال للناس: اتبعوه فهذا أميركم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال عبد الله بن حُبيق: فقلتُ: هذه الريا لا تحتاج إلى تعبير.

أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا أبو الفضل ابن أحمد الحداد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا محمد ابن علي بن حُبيش، قال: حدثنا عبد الله بن أبي داود، قال: حدثنا علي بن إسماعيل السجستاني، قال: رأيتُ كأن القيامة قد قامت، وكأن الناس جاؤوا إلى موضع عنده قنطرة لا يترك أحد يجوز حتى يجيء بخاتم، ورجلنا حية يختم للناس ويُعطيهم، فمن جاء بخاتم جازَ، فقلتُ: مَن هذا الذي يعطي الناس الخواتيم؟ فقالوا: هذا أحمد بن حنبل. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا الحسن بن أحمد، وأنبأنا أحمد بن الحسن بن البنّا، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا هلال بن محمد الحفار، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي، قال: سمعتُ عبد الرحمن بن يونس، يقول: رأيتُ في المنام لما توفي أحمد بن حنبل كأني قد دخلت الجنة - فقيل لي: أنت في جنة عدن - فاستقبلني ثلاثة فوارس وبين أيديهم فارس بيده لواء، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل لي: الذي عن يمينه جبرائيل، وعن يساره ميكائيل. والأوسط أحمد بن حنبل، وصاحب اللواء إسرافيل، وإن الله تعالى أعطاه هذا اللواء وولاه جنة عدن لا يدخلها إلا من أحبه. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قال: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال أخبرنا أحمد عبد الله الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد،

قال: حدثنا محمد بن أحمد بن حَمويه، قال: حدثنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي خيثمة، قال: حدثنا يحيى بن أيوب المقدسي، قال: رأيتُ كأن النبي صلى الله عليه وسلم نائم وعليه ثوبٌ مُغطى، وأحمد ويحيى يَذُبّان عنه. أخبرنا محمد بن أبين منصور، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن جعفر الحريري، قال: أخبرنا أبو عمر ابن حيويه، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي، قال: سمعت أحمد بن منصور الرمادي، يقول: حدثني بعض أصحابنا - ولم يُسمه - عن سهل بن أبي حليمة، قال: كنا على باب إسماعيل ابن عُلَيّة فرأيتُ أحمد بن حنبل في النوم يجر ثوبه، فأولت ذلك العلم. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا البَرْمَكي، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا الخَلاّل قال: حدثنا محمد بن أبي هارون، قال: حدثنا أحمد بن الحسين بن محمد الشيباني، قال: كنتُ بعَسْقلان فرأيتُ كأني دخلتُ طَرَسُوس، فدخلت المسجد الجامع، فنظرتُ عن يمين المحراب، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بَكر عن يمينه وعُمر عن يَساره وبلال واقف بين يديه، عليهم ثياب خُضر، وعلى رؤوسهم مَناديل أحسن ما يكون. فقلت: السلام عليكَ يا رسول الله، فقال لي: وعليك

السلام يا بني. قلت: يا رسول الله، حديثُ أبي الزبير عن عبد الله بن عمرو، أنك قلت:"يَكونُ في أمتي قَذفٌ ومسخٌ" قال: نعم، وذلك في القدرية، قلت: يا رسول الله، لمن نُقلد هذا الدين؟ قال: لهذا الرجل، فانظُرُ عن يمين أبي بكرن فذا رجل مُستلق على قفاه وقد مُدّ عليه ثوب أبيض، فكشفت عن وجهه، فإذا رجل جيد الجثة، عريض اللحية، أحمر الخدين، فلم أعرفه، فقلتُ: يا رسول الله، من هذا الرجل؟ قال: أما تَعرفه؟ قلت: لا، قال: هذا أبو عبد الله أحمد بن حنبل. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن البنّا، وأنبأنا أحمد ابن الحسن البنا، قال أخبرنا أبي، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر الفقيه، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الورّاق، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عيسى ابن عبد الكريم الطرسوسي، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن السندي البَغدادي، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن معاوية، قال: حدثنا أبو شعيب صالح بن عمران الأنصاري، قال: حدثني يعقوب ابن أخي معروف، عن مُحمد بن إسحاق، قال: رأيت كأن القيامة قد قامت، ورأيت ربّ العزة

عز وجل، أسمع الكلام، وأرى النور، فقال: ما تقول في القرآن فقلت: كلامك يارب العالمين، قال: من أخبرك فقلت: أحمد بن حنبل، فقال: الحمد لله، فدعي أحمد، فقال له: ما تقول في القرآن فقال: كلامك يارب العالمين، قال: ومن أين علمت قال: فصفح أحمد ورقتين، فإذا في [إحدى] الورقتين شعبة عن المغيرة، وفي الأخرى عطاء عن ابن عباس، فدعي شعبة، فقال الله تعالى: ما تقول في القرآن فقال: كلامك يارب العالمين، فقال: من أين علمت؟ قال: أخبرنا عطاء، عن ابن عباس، فلم يدع عطاء، ودعي ابن عباس، فقال: ما تقول في القرآن فقال: كلامك يارب العالمين، قال: من أين علمت؟ قال: أخبرنا محمد رسول الله. قال: فدعي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله عز وجل له: ما تقول في القرآن قال: كلامك يارب العالمين، قال: ومن أخبرك، قال: جبريل عنك. قال: صدقت وصدقوا. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا غالب بن علي، وأحمد بن حمزة، ومنصور بن العباس، قالوا: حدثنا محمد بن الحسين، قال: سمعت يعقوب بن أحمد بن يوسف الأبهري، قال: سمعت أبا عبد الله الزبيري، يقول: جاءني رجل من أهل البصرة يقال له أبو محمد القرشي من أهل العلم والستر والصلاح، فقال لي: يا أبا عبد الله، أخبرك برؤيا تسر بها، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، وعنده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، إذ جاءه أربعة نفر فقربهم، فتعجبت من تقريبه لهم، فسألت بعض من يحضره عن النفر، فقال لي: هذا مالك وأحمد وإسحاق

والشافعي، فرأيت كأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مالك فأجلسه إلى جنب أبي بكر، وأخذ بيد أحمد فأجلسه إلى جنب عمر، وأخذ بيد إسحاق فأجلسه إلى جنب عثمان، وأخذ بيد الشافعي فأجلسه إلى جنب علي، قال الزبيري: فسألت بعض العلماء بالتعبير عن ذلك فقال: منزلة مالك من العلماء كمنزلة أبي بكر في الصحافة لم يختلف فيه أحد، ومنزلة أحمد كمنزلة عمر في صلابته وجلادته وأنه لم تأخذه في الله لومة لائم، كذلك كان أحمد بن حنبل احتمل الشدائد ولم يتكلم في القرآن إلا بحق، ولم يضعف في المحهن، ومنزلة إسحاق كمنزلة عثمان، لقي إسحاق في بلدته من أهل الإرجاء ما لقي حتى فارق بلدته، ومنزلة الشافعي كمنزلة علي، فإنه كان أقضاهم، كذلك كان الشافعي أعلم بالفقه والقضايا. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، قال: حدثنا عبد الله بن إسحاق المدايني، قال: حدثنا أبو الفضل الوراق، قال: حدثني أحمد بن هانئ، عن صدقة المقبري، قال: كان في نفسي شيء على أحمد بن حنبل، قال: فرأيت في النوم كأن النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في طريق وهو آخذ بيد أحمد بن حنبل، وهما يمشيان على تؤدة ورفق، وأنا خلفهما أجهد نفسي أن ألحق بهما فما أقدر، فلما استيقظت ذهب ما كان في نفسي، ثم رأيت بعد كأنني في الموسم، وكأن

الناس مجتمعون، فنادى منادٍ: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فنادى مناد: ليؤمكم أحمد بن حنبل، فإذا أحمد بن حنبل فصلى بهم، فكنت بعد إذا سئلت عن شيء، قلت: عليكم بالإمام أحمد رحمه الله. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت يعقوب بن يوسف، يقول: سمعت محمد بن عبيد، يقول: قال صدقة: رأيت في النوم كأنا بعرفة، وكأن الناس ينتظرون الصلاة، فقلت: ما لهم لا يصلون قال: ينتظرون الإمام، فجاء أحمد بن حنبل فصلى بالناس. قال محمد: وكان صدقة يذهب إلى رأي الكوفيين، فكان بعد ذلك إذا سئل عن شيء، قال: سلوا الإمام. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا أبو الفضل الحداد، قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: حدثنا حمزة بن الحسن، قال: حدثنا أحمد بن مخلد الدعاء، قال: كان اليوم الذي مات فيه أحمد بن حنبل يوم الجمعة، فانصرفت فلما أردت أن أنام، قلت: اللهم أرنيه هذه الليلة في منامي، فرأيته كأنه بين السماء والأرض على نجيب من نور، وبيده خطام من نور، فضربت بيدي على الخطام، فأخذه، وقال لي: ليس الخبر كالمعاينة، ليس الخبر كالمعاينة، فانتبهت. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن

محمد الخلال، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: خرجت أريد العسكر فنزلت الخان الذي نزله أبي لما خرج إلى العسكر، فجعلت أنظر إلى أثره فيه، وبت في الخان، فرأيته في النوم، فقلت: خرجت في كذا وكذا، فتراه يتم فسكت هنيهة فأعدت عليه، قال: لا، فخرجت فأقمت شهرين فلم يتم، ثم قدمت وخرجت بعد السنة، فنزلت في ذلك الخان وبت فيه، فرأيته في المنام فقلت: يا أبة، خرجت في كذا وكذا، فتراه يتم؟ فسكت هنيهة ثم قال: نعم- أو أشار إلي بنعم- فخرجت فتم لنا ذلك الأمر. قال الخلال: وحدثنا محمد، قال: حدثني أبو نصر، قال: حدثني علي بن عبد الله الطبري، قال: رأيت أحمد بن حنبل في النوم وكأني أقول له: يا أبا عبد الله، ألا ترى إلى ما نحن فيه من الاختلاف؟ فقال أحمد: إذا كان الله معك، فلا يضرك شيء. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو الغنائم محمد بن محمد بن المهتدي بالله، قال: أنبأنا عبد العزيز بن علي الأزجي، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر الخلال، قال: حدثنا عبد الله بن هارون العكبري، قال: رأيت أحمد بن حنبل في النوم، وحوله ناس كأنها حلقة، فقلت: يا أبا عبد الله، احتجمت فما آكل؟ قال: كل الرمان.

أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، وأبو طالب ابن محمد، قالا: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أخبرنا أبو عبد الله ابن بطة، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أيوب بن المعافى العكبري، قال: سمعت إبراهيم الحربي، يقول: رأيت أحمد بن حنبل في المنام قائماً وعليه مبطنة حاسراً، فقال لي: يا أبا إسحاق، بلغني أنك خرجت فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت له: نعم، فقال لي: أحسنت، فقلت له: كيف لا أخرج فضائله، ولولا هو لكنا مجوساً، إنما ولدنا بين العجم، ولم نولد بين العرب، قال: فقال لي: مجوس، مجوس، مجوس. ثم وقع على الحائط مغشياً عليه. قلت: وقد رويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر على أنها يحتمل أن تكون غيرها فيكونا منامين. فأخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر بن شاهين، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الشافعي، يقول: سمعت إبراهيم الحربي، يقول: رأيت أحمد ابن حنبل في النوم، فقال لي: يا أبا إسحاق، أي شيء تصنف فقلت: "دلائل النبوة". فقال: لولا هذا النبي لكنا مجوساً. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخلال، قال: حدثنا عبد الرحيم بن محمد المخرمي، قال: سمعتُ إسحاق بن إبراهيم لولو، يقول: رأيت أحمد بن حنبل في النوم، فقلت: يا أبا عبد الله، أليس قد مت؟ قال: بلى. قلت: فما فعل الله بك؟ قال: غفر لي

ولكل من صلى علي، قلت: يا أبا عبد الله، فقد كان فيهم أصحاب بدع، قال: أولئك أخروا. أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثنا أبو بكر بن شاذان، قال: حدثنا أبو عيسى يحيى بن عبد الوهاب بن أبي عصمة، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين، قال: سمعت بنداراً محمد ابن بشار العبدي، يقول: رأيت أحمد بن حنبل في المنام شبيه المغضب، فقلت: يا أبا عبد الله، أراك مغضباً، فقال: وكيف لا أغضب وجاءني منكر ونكير يسألان: من ربك؟ فقلت لهما: ولمثلي يقال من ربك! فقالا لي: صدقت يا أبا عبد الله، ولكن بهذا أمرنا فاعذرنا. أنبأنا ابن ناصر، قال: أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة، قال: أخبرنا عمي، قال: أخبرنا علي بن محمد بن علي، قال: سمعت أبا الفرج الهندبائي، يقول: سمعت عبد الله بن أحمد، يقول: رأيت أبي في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قلت: جاءك منكر ونكير؟ قال: نعم! قالا لي: من ربك؟ قلت: سبحان الله، أما تستحيان مني؟! فقال لي: يا أبا عبد الله، اعذرنا بهذا أمرنا.

أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، قال: حدثني بعض الشيوخ، عن ابن الطلمخوري، قال: رأيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل في النوم، فقال لي: ألا أدلك على شيء ينفعك؟ قال: فقلت: نعم يا أبا عبد الله، فقال لي: من المحراب إلى القبر. قال شيخنا علي بن عبيد الله الزاغوني: رأيت في المنام كأني أمضي إلى قبر الإمام أحمد، وإذا به جالس على قبره وهو شيخ كبير السن، فقال لي: يا فلان، قل أنصارنا، ومات أصحابنا. ثم قال لي: إذا أردت أن تنصر فإذا دعوت فقل: يا عظيم، يا عظيم كل عظيم، وادع بما شئت تنصر. حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي- وكان شيخاً صالحاً- قال: كان قد جاء في بعض السنين مطر كثير جداً قبل دخول رمضان بأيام، فنمت ليلة في رمضان، فأريت في منامي كأني قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساق أو ساقين. فقلت: إنما تم هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث، فسمعته من القبر وهو يقول: لا بل هذا من هيبة الحق عز وجل، لأنه عز وجل قد زارني، فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام. فقال عز وجل: يا أحمد، لأنك نصرت كلامي، فهو ينشر ويتلى في المحاريب. فأقبلت على لحده أقبله، ثم قلت: يا سيدي، ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك؟ فقال لي: يا بني، ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة لرسول الله

صلى الله عليه وسلم؛ لأن معي شعرات من شعره صلى الله عليه وسلم، ألا ومن يحبني لم لا يزورني في شهر رمضان؟ قال ذلك مرتين.

الباب الثالث والتسعون في ذكر المنامات التي رئيت له

الباب الثالث والتسعون في ذكر المنامات التي رئيت له أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا غالب بن علي، قال: أخبرنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن شاذان، قال: سمعت أبا القاسم بن صدقة، يقول: سمعت علي بن عبد العزيز الطلحي، قال: قال لي الربيع: قال لي الشافعي: يا ربيع، خذ كتابي وامض به وسلمه إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وأتني بالجواب، قال الربيع: فدخلت بغداد ومعي الكتاب، فلقيت أحمد بن حنبل صلاة الصبح، فصليت معه الفجر، فلما انفتل من المحراب، سلمت إليه الكتاب، وقلت له: هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر. فقال أحمد: نظرت فيه؟ قلت: لا، فكسر أحمد الخاتم، وقرأ الكتاب فتغرغرت عيناه بالدموع، فقلت له: أي شيء فيه يا أبا عبد الله؟ فقال: يذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل، واقرأ عليه مني السلام، وقل: إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن، فلا تجبهم يرفع الله لك علماً إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت: البشارة، فخلع قميصه الذي يلي جلده، فدفعه إلي فأخذته وخرجت إلى مصر، وأخذت جواب الكتاب، وسلمته إلى الشافعي، فقال لي: يا ربيع، أي شيء الذي دفع إليك؟ قلت: القميص الذي يلي

جلده. فقال لي الشافعي: ليس نفجعك به، ولكن بله، وادفع إلينا الماء حتى أشركك فيه. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: وجدت في كتاب أبي، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن شاذان، قال: حدثنا أبو عيسى يحيى بن سهل العكبري إجازة، قال البرمكي: وكتبت من مدرجة أبي إسحاق بن شاقلا- وقدم علينا، فاستجزت منه- قالا: حدثنا أبو القاسم حمزة بن الحسن الهاشمي الشافعي- وكان ثقة- قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد النيسابوري، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: كتب على يدي الشافعي كتاباً إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ثم قال لي: يا أبا سليمان، انحدر بكتابي هذا إلى العراق ولا تقرأه، فأخذت الكتاب وخرجت من مصر حتى قدمت العراق فوافيت مسجد أحمد بن حنبل، فصادفته يصلي الفجر فصليت معه، وكنت لم أركع السنة، فقمت أركع عقيب الصلاة، فجعل ينظر إلي ملياً حتى عرفني، فلما سلمت من صلاتي سلمت عليه وأوصلت الكتاب إليه، فجعل يسألني عن الشافعي طويلاً قبل أن ينظر في الكتاب، ثم فضه وقرأه حتى إذا بلغ موضعاً منه بكى، وقال: أرجو الله تعالى أن يحقق ما قاله الشافعي، قلت: يا أبا عبد الله، أي شيء قد كتب؟ قال: إنه يذكر في كتابه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وهو يقول له: يا ابن إدريس، بشر هذا الفتى أبا عبد الله أحمد بن حنبل

أنه سيمتحن في دين الله، ويدعى إلى أن يقول: القرآن مخلوق، فلا يفعل، وأنه سيضرب بالسياط، وأن الله عز وجل ينشر له بذلك علماً لا ينطوي إلى يوم القيامة، فقلت: بشارة، فأي شيء جائزتي عليها؟ وكان عليه ثوبان، فنزع أحدهما، فدفعه إلي وكان مما يلي جلده وأعطاني جواب الكتاب، فخرجت حتى قدمت على الشافعي فأخبرته بما جرى، قال: فأين الثوب؟ قلت: هو ذا، فقال: لا نبتاعه منك ولا نستهديك، ولكن اغسله وجئنا بمائه، قال: فغسلته، فحملت ماءه إليه فتركه في قنينة، وكنت أراه في كل يوم يأخذ منه فيمسح على وجهه تبركاً بأحمد بن حنبل. أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن الفرج، قال: لما نزل بأحمد ابن حنبل من الحبس والضرب ما نزل، دخلت علي من ذلك مصيبة، فأتيت في منامي فقيل لي: أما ترضى أن يكون عند الله عز وجل بمنزلة أبي السوار العدوي، فأتيت أبا عبد اله، فأخبرته فاسترجع. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل، قال: حدثنا محمد بن الفرج أبو جعفر- جار أحمد بن حنبل- قال: لما نزل بأحمد بن حنبل ما نزل من الحبس والضرب، دخلت علي من ذلك مصيبة، فأتيت في منام فقيل لي: أما

ترضى أن يكون أحمد بن حنبل عند الله تعالى بمنزلة أبي سوار العدوي، أو لست تروي خبر أبي السوار؟ قلت: بلى، قيل: فإنه عند الله تعالى بتلك المنزلة. قال أبو جعفر محمد بن الفرج: وحدثنا علي بن عاصم، عن بسطام بن مسلم، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: دعا بعض مترفي هذه الأمة أبا السوار العدوي، فسأله عن شيء من أمر دينه، فأجابه بما يعلم، فلم يوافقه ذلك، فقال: وإلا فأنت بريء من الإسلام. قال: فإلى أي دين أفر؟ قال: وإلا فامرأته طالق. قال: فإلى من آوي في الليل، فضربه أربعين سوطاً. قال أبو جعفر: فأتيت أبا عبد الله، فأخبرته بذلك فسر به. قلت: أبو السوار العدوي، اسمه حسان بن حريث، يروي عن علي بن أبي طالب، وعمران بن حصين، وكان من العلماء الزاد، وقد وافق أحمد في الصبر على الضرب. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا عمر بن عبيد الله البقال، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: حدثني أبو عبد الله أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن زيد عن هشام، قال: كان أبو السوار العدوي يعرض له الرجل فيشتمه، فيقول: إن كنت كما قلت إني إذاً لرجل سوء. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسن

ابن محمد بن أحمد المقرئ، قال: أخبرنا أبي، قال: حدثنا منصور بن أحمد ابن جعفر الخرمي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سلم الكاتب. وأخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا إسحاق ابن إبراهيم، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن بشر، قال: حدثنا أبو زرعة أحمد ابن الحسين، قال: حدثنا غندر. وأخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت. وأخبرنا الحمدان: ابن عبد لملك، وابن ناصر، قالا: أخبرنا أحمد بن الحسن بن خيرون، قال: أخبرنا البرقاني، قال: حدثنا إسحاق النعالي. وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد، قال: حدثنا أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا محمد بن علي بن حبيش، قالوا: حدثنا عبد الله بن إسحاق المدايني، قال: حدثنا أبي، قال: رأيت في المنام كأن الحجر الأسود تصدع وخرج منه لواء. فقلت: ما هذا؟ فقيل: أحمد بن حنبل قد بايع الله عز وجل، قال أبو نعيم: وقيل: إنه كان في اليوم الذي ضرب فيه. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحريري، قال: أخبرنا محمد بن العباس بن حيويه، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي، قال: حدثنا محمد بن أحمد ابن الحسين المروزي، قال: سمعت سلمة بن شبيب، يقول: كنا مع أحمد بن

حنبل جلوساً إذ جاءه رجل، فقال: من منكم أحمد بن حنبل؟ فسكتنا فلم نقل شيئاً، فقال: أنا أحمد بن حنبل، ما حاجتك؟ قال: ضربت إليك من أربع مئة فرسخ برها وبحرها، جاءني الخضر ليلة الجمعة، قال لي: لم لا تخرج إلى أحمد بن حنبل؟ فقلت: لا أعرفه، فقال: تأتي بغداد وتسأل عنه، وقل له: إن ساكنا لسماء الذي على عرشه راض عنك، وسائر الملائكة راضون عنك بما صبرت نفسك لله عز وجل. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبنرا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذان، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن نافع، قال: حدثنا الحسن بن إدريس السجستاني، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: كنت مع أحمد بن حنبل في مسجده ببغداد، ونحن جماعة وقد صلينا الصبح، إذ دل رجل، فقال: من منكم أحمد بن حنبل؟ فسكتنا نحن هيبة لأحمد، فقال أحمد: أنا أحمد، ما حاجتك؟ قال: جئت براً وبحراً أربع مئة فرسخ، أتاني آت في ليلة جمعة، فقال: أنا الخضر، اخرج إلى بغداد فسل عن أحمد بن حنبل، فقل له: إن ساكن العرش والملائكة راضون عنك بما صبرت نفسك، فقال أحمد: الأعمال بالخواتيم، فلما أراد القيام، قال أحمد للرجل: ألك حاجة سوى الذي جئت له؟ قال: لا، ورجع.

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الفوارس، قال: حدثنا محمد بن العباس الخزاز، قال: حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الله الخصيب، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن داود المؤدب، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: كنا عند أحمد بن حنبل، فجاءه رجل فدق الباب، وكنا قد دخلنا عليه مستخفين، فظننا أنه قد غمز بنا، فدق ثانية وثالثة، فقال أحمد: ادخل، فدخل فسلم، وقال: أيكم أحمد فأشار بعضنا إليه، فقال: جئت من البحر مسيرة أربع مئة فرسخ، أتاني آت في منامي، فقال: ائت أحمد بن حنبل، وسل عنه فإنك تدل عليه، وقل له: إن الله عز وجل عنك راض، وملائكة سماواته عنك راضون، وملائكة أرضه عنك راضون. قال: ثم خرج، فما سأله عن حديث ولا مسألة. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن أبي القاسم، قالا: اخبرنا أبو الفضل ابن أحمد الحداد، قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن علي بن بحر، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: كنا في أيام المعتصم يوماً جلوساً عند أحمد بن حنبل، فدخل رجل، فقال: من منكم أحمد بن حنبل؟ فسكتنا فمل نقل شيئاً، فقال أحمد: هاأنذا أحمد، فما حاجتك؟ قال: جئتك من أربع مئة فرخس براً وبحراً، كنت ليلة جمعة نائماً، فأتاني آت فقال لي: تعرف أحمد بن حنبل؟ قلت: لا، قال: فأت بغداد وسل عنه، فإذا رأيته فقل له: إن الخضر يقرئك السلام،

ويقول: إن ساكن السماء الذي على عرشه راض عنك، والملائكة راضون عنك بما صبرت نفسك لله، فقال له أحمد: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ألك حاجة غير هذه؟ قال: ما جئتك إلا لهذا، وانصرف. أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا هناد بن إبراهيم النسفي، قال: سمعت أبا الحسين بن بشران، يقول: سمعت أبا عمرو بن السماك، يقول: سمعت حنبل بن إسحاق، يقول: سمعت سلمة بن شبيب النيسابوري، يقول: كنت عند أبي عبد الله، فإذا رجل قد جاء فقال: أيما هو أحمد بن حنبل؟ قالوا له: هذا، فقال: أنا رجل قد جئت من موضع كذا وكذا- وذكر بلدة بعيدة- وضربت برها وبحرها، ولولا أنه قيل لي في النوم أن آتيك فأخبرك ما جئت، قد قيل لي: قل له: إن الله عز وجل قد باهى بضربك الملائكة. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا الحسن بن أحمد بن البنا، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الحافظ، قال: حدثنا عبد الواحد بن علي بن الحسين الفامي، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن موسى بن عيسى البزاز، قال: حدثني أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي، قال: كنت يوماً قاعداً على قنطرة التبانين، فإذا أنا برجلين يقدمان رجلاً بدوياً على قعود له، إذ وقفوا علي، وقالوا: هو ذا، هو جالس، فقال لي البدوي: أنت أحمد بن حنبل؟

فقلت له: لا، أنا صاحبه؛ اذكر حاجتك، فقال: أريده، قلت: أدلك عليه؟ قال: إي والله، فمضيت بين يديه حتى أتيت باب أبي عبد الله، فدققت الباب فقالوا: من هذا؟ فقلت: أنا المروذي، قالوا: ادخل. قلت: أنا ومن معي؟ قالوا: أنت ومن معك، فأناخ الأعرابي ناقته وعقلها، ودخلت ودخل معي، فلما رأى أبا عبد الله، قال الأعرابي: إي والله- ثلاث مرات- فسلم عليه، فقال له: ما حاجتك؟ فقال: أنا رسول رسول الله إليك، قال: ويحك ما تقول؟! قال: إني رجل بدوي بين حيي والمدينة أربعون ميلاً، أوفدني أهلي المدينة أمتار لهم براً وتمراً، فأتيت المدينة، فابتعت ما عهدوا إلي من ذلك، وجنني المساء، فصليت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة، واضطجعت؛ فبينا أنا نائم، إذ أتاني محرك فحركني، وقال لي: أتمضي لرسول الله في حاجة؟ فقلت: إي والله، فقبض بيده اليمنى على ساعدي اليسرى وأتى بي حائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فوقفني عند رأسه، وقال: يا رسول الله، فسمعت من وراء الحائط قائلاً يقول: أتمضي لنا في حاجة؟ فقلت: إي والله، إي والله، إي والله ثلاثاً، فقال: تمضي حتى تأتي بغداد، أو الزوراء- الشك من المروذي- فإذا أتيت بغداد فسل عن منزل أحمد بن حنبل؛ فإذا لقيته فقل: النبي يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن الله مبتليك ببلية، وممتحنك بمحنة، وقد سألته لك الصبر عليها، فلا تجزع. قال المروذي: وكان إذا قال له رجل: وحملك يا أبا عبد الله في السوط،

يقول: قد تقدمت المسألة، قال: أبو بكر: وكان بين منصرف الأعرابي وبين المحنة خمسة وعشرون يوماً. أخرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن أحمد المقرئ، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا منصور بن أحمد بن جعفر بالرملة، قال: حدثنا محمد بن عبدون الضراب، قال: حدثنا أبو بكر الناقد، قال: قال سري السقطي: رأيت كأني أدخلت جنة الفردوس فجعلت أدور فيها إذ أشرفت على غرفة فإذا جارية، فقلت: لمن أنت؟ قالت: لأحمد بن حنبل، قال أبو بكر: فرأيت سرياً بعد وفاته في المنام، فقلت: ما فعل أحمد وبشر؟ قال: الساعة دخلا جنة عدن يأكلان منها. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار، قال: حدثنا حبيش بن أبي الورد، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا نبي الله، ما بال أحمد بن حنبل؟ فقال: سيأتيك موسى عليه السلام فسله، فإذا أنا بموسى عليه السلام. فقلت: يا نبي الله، ما بال أحمد بن حنبل؟ فقال: أحمد بن حنبل بلي في السراء والضراء، فوجد صادقاً فألحق بالصديقين. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد الفقيه، قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد السراج، قال: حدثنا يوسف بن عمر الزاهد،

قال: حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر الكتاني، قال: حدثنا أبو أحمد سلميان ابن محمد بن سلمة، قال: حدثنا المروذي، قال: حدثنا أبو العباس الخريمي، قال: حدثني فتح بن شخرف أبو نصر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه يصلي وأنا أصلي بصلاته، فملا انفتل قلت: بأبي أنت يا رسول الله، رجل من أمتك أريد أن أسألك عنه؛ فقال: من هو فقلت: أحمد بن حنبل، فقال: سل عنه أخي موسى، فانتبهت، ثم غلبتني عيني، فإذا أنا بموسى عليه السلام، فقلت: يا كليم الله، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي، فسألته عن رجل من أمته، فقال لي: سل أخي موسى، فقال: أحمد بن حنبل تريد؟ قلت: نعم، قال: ذاك رجل ابتلي بالسراء والضراء فصبر، وهو في عليين. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أحمد ابن محمد الخلال، قال: حدثنا عبد الله بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب المقرئ"، قال: حدثنا الحسين بن علي الأذرمي، قال: حدثنا بندار بن يسار، قال: رأيت سفيان الثوري في المنام، فقلت: إلى ما صرت؟ قال: صرت إلى أكث رمما ملت، فقلت: ما هذا في كمك؟ قال: در وياقوت وجوهر، قدمت علينا روح أحمد بن حنبل، فأمر الله أن ينثر عليها الدر والياقوت والجوهر، فهذا نصيبي. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، قال: حدثنا سلامة بن سليمان

الباجدائي، قال: حدثنا محمد بن أبي شيخ، قال: حدثنا علي بن الحسين التميمي، قال: حدثنا بندار، قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: صف لي الثوري، قال: فوصفه لي، فسألت الله أن يرينيه في منامي، فلما أن مات عبد الرحمن، رأيته في منامي في الصورة التي وصفها عبد الرحمن، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قال: وإذا في كمه شيء، فقلت: أي شيء في كمك؟ قال: اعلم أنه قدم بروح أحمد بن حنبل فأمر الله عز وجل جبريل عليه السلام أن ينثر عليها الدر والجوهر وازبرجد، وهذا نصيبي منه. قال الخطيب: يشبه أن يكون هذا المنام رآه بندار عند موت أحمد بن حنبل، والله أعلم. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم ابن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر الخلال، قال: حدثنا العباس القراطيسي، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الأعلى، قال: رأيت أحمد بن عمرو في المنام، فقلت: أحمد، أحمد، ورأيت يده مضمومة هكذا، فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي، قلت: يدك مضمومة؟ قال: قدم علينا أحمد بن حنبل الجنة فهذا من نثاره. قال الخلال: ورأيت في كتابي بخطي عن أبي بكر المروذي، قال: سمعت أحمد بن يعقوب البخاري، يقول: قال أبو عبد الله المحاربي: رأيت عبد الله بن

الصباح في المنام قاعداً في القبلة، فسلمت عليه، فقلت: إلى ما صرت؟ فقال: إلى خير، وعليكم بابن حنبل، وعليكم بابن حنبل، وعليكم بابن حنبل. قال: ورأى الفضل بن زياد في المنام في منزل قد وصفه، قال: فقلت: بم انتفعت به؟ قال: بالسنة، قال: فقلت: فما حال أحمد بن حنبل؟ قال: حالت بيننا وبينه الحجب. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المعدل، قال: أخبرنا أحمد بن أبي عمران، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الفضل، قال: حدثنا علي بن أحمد بن عيسى، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصفار، قال: حدثنا إبراهيم الحربي، قال: رأيت بشر بن الحارث، كأنه خارج من مسجد الرصافة وفي كمه شيء يتحرك، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأكرمني، قلت: فما هذا الذي في كمك؟ قال: قدم علينا البارحة روح أحمد بن حنبل، ونثر عليه الدر والياقوت، فهذا ما التقطت، قلت: فما فعل يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل؟ قال: تركتهما وقد زارا رب العالمين، ووضعت لهما الموائد. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو الحسين بن الطيوري، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد الحمال، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن سهل البندار، قال: سمعت أسود بن سالم، يقول: بينا أنا نائم،

إذ رأيت كأن آتياً أتاني، فقال: يا أسود، إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول لك: هذا أحمد بن حنبل يرد الأمة عن الضلالة، فما أنت فاعل؟ اتبعه وإلا هلكت. أنبأنا يحيى بن الحسن، قال: أنبأنا محمد بن الحسين الحاكم، عن أبي الفرج محمد بن فارس الغوري، عن أبيه، قال: سمعت أبا محمد بن عبد الله بن بدر الأنماطي، يقول: سمعت أبا علي الحسن بن الحسين الصواف، يقول: رأيت رب العزة في المنام، فقال لي: يا حسن، من خالف ابن حنبل عذب. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقين قالا: أخبرنا أبو الفضل بن أحمد الحداد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: حدثني نصر بن خزيمة، قال: ذكر ابن مجمع بن مسلم، قال: كان لنا جار قتل بقزوين؛ فلما كانت الليلة التي مات فيها أحمد بن حنبل خرج إلينا أخوه في صبيحتها، فقال: إني رأيت رؤيا عجيبة، رأيت أخي الليلة في أحسن صورة راكباً على فرس، فقلت له: يا أخي، أليس قد قتلت فما جاء بك؟ قال: إن الله عز وجل أمر الشهداء وأهل السماوات أن يحضروا جنازة أحمد بن حنبل، فكنت فيمن أمر بالحضور، فأرخنا تلك الليلة فإذا أحمد بن حنبل مات فيها. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: اخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا محمد بن مسلم، قال: حدثنا

أبو عبد الله الطهراني، عن الحسن بن عيسى عن أخي أبي عقيل القزويني، ثم لقيت أخا أبي عقيل، فسمعت منه، قال: رأيت شاباً توفي بقزوين في النوم، فقلت: ما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي، قلت: غفر لك؟ قال: نعم، وتعجب! ولفلان وفلان، قلت: فما لي أراك مستعجلاً؟ قال: لأن أهل السماوات من السماء السابعة إلى السماء الدنيا قد اشتغلوا بعقد الألوية لاستقبال أحمد بن حنبل، وأنا أريد استقباله. وكان توفي أحمد في تلك الأيام. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا أبو الفضل بن أحمد، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: حدثنا نصر بن خزيمة، قال: ذكر ابن مجمع، عن أبي القاسم الأحول، قال: حدثنا يعقوب بن عبد الله، قال: رأيت سرياً السقطي في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أباحني النظر إلى وجهه، قلت: فما فعل أحمد بن حنبل وأحمد بن نصر؟ فقال: شغلا بأكل الثمار في الجنة. قال نصر: وحدثني محمد بن مخلد، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن عبد الرحمن، عن أحمد بن عمر بن يونس، قال: حدثنا أبو عبد الله السجستاني، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله من تركت لنا في عصرنا هذا من أمتك نقتدي به في ديننا؟ قال: عليكم بأحمد بن حنبل.

أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه، قال: حدثنا محمد ابن أحمد الحافظ، قال: حدثنا عمر بن جعفر بن سلم، قال: حدثنا عمر بن محمد الجوهري، قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد الأنماطي، قال: حدثني أحمد بن نصر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله، من تركت لنا في عصرنا هذا من أمتك نقتدي به، فقال: عليك بأحمد بن حنبل. أنبأنا يحيى بن الحسن، قال: أنبأنا محمد بن الحسين بن خلف، قال أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد الحنائي، قال: أخبرنا أبو محمد الطرسوسي، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عيسى، قال: سمعت هبة الله بن السري، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله قد اختلف علينا الفقهاء فما ندري بقول من نقول! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: القول قول أحمد بن حنبل. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: اخبرنا عبد القادر بن محمد؛ قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الخلال، قال: حدثنا أبو داود السجستاني، قال: رأيت في المنام سنة ثمان وعشرين ومئتين كأني في المسجد الجامع، فأقبل رجل شبه الخصي من ناحية المقصورة وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أحمد بن حنبل وفلان- قال أبو داود: لا أحفظ اسمه- فجعلت أقول في نفسي، هذا حديث غريب، ففسرته على رجل، فقال: الخصي ملك. قال الخلال: وحدثنا عبد الله بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الله بن صالح ابن الضحاك، قال: حدثنا عبد المؤمن أبو الهيثم المروزي، قال: رأيت في المنام كأني عند قبر أحمد بن حنبل، إذ رأيت غبرة قد أقبلت، وإذا فيها شيخ

راكب على دابة، فقالوا: قد جاء الأمير، قد جاء الأمير، قال: فنزل إلى القبر، فقلت: من هذا؟ فقالوا: عبد الله بن عمر بن الخطاب. قال الخلال: وحدثنا أبو يحيى الناقد، قال: سمعت حجاج بن الشاعر، يقول: رأيت عماً لي في المنام بعدما مات كان قد كتب عن هشيم، فسألته عن أحمد بن حنبل، فقال: ذاك من أصحاب عمر بن الخطاب. قال الخلال: وحدثنا عبد الله بن محمد، حدثني عبد الله بن أبي قرة، قال: رأيت في المنام، كأني دخلت الجنة، وإذا قصر من فضة، فانفتح باب القصر فخرج أحمد بن حنبل وعليه رداء من نور متزر به، ورداء من نور متشح به، فأسرعت المشي فصرت إليه، فقال لي: قد جئت؟ قلت: نعم، فلم يزل يردد علي حتى انتبهت. قال ابن أبي قرة: ورأيت في المنام أني مررت بمصراعين من ذهب، فإذا جبال المسك والناس مجتمعون وهم يقولون: قد جاء الغازي، قد جاء الغازي، قد جاء الغازي، فدخل أحمد بن حنبل متقلداً السيف ومعه رمح، فقال: هذه الجنة. قال ابن أبي قرة: وقالت لي أختي فاطمة بنت أبي قرة: إنها رأت في المنام ليلة الجمعة فرافير من نور نزلت من السماء، ثم صعد بها. فقلت: ما هذا؟ فقيل لي: روح أحمد بن حنبل يصعد بها إلى الله عز وجل. قال الخلال: وحدثنا محمد بن موسى الوراق، قال: سمعت عبيد الله بن العباس، يقول: رأيت في المنام كأنا ننتظر جنازة أبي عبد الله أحمد أن يخرج

بها، ثم نظرت، فإذا هي قد أخرجت، وكأنها ترفع إلى السماء، فما زالت ترفع حتى غابت في السماء. قال الخلال: وحدثنا عبد الله بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن رجاء، قال: حدثنا منصور بن عمران النيسابوري، قال: حدثنا مجزأة، عن عبد الوهاب الوراق، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، أقبل فقال لي: مالي أراك محزوناً؟ قال: قلت: وكيف لا أكون محزوناً وقد حل بأمتك ما قد ترى، قال: فقال لي: لينتهين الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل، لينتهين الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل. أنبأنا يحيى بن الحسن، قال: أنبأنا محمد بن الحسين الفقيه، قال: أخبرنا الحسن بن حامد الوراق، قال: حدثنا أبو الحسن الطرسوسي، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أبان القرشي، قال: حدثنا عبد الصمد القهندزي، عن أبي زرعة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، في النوم فشكوت ما نلقى من الجهمية. فقال: لا تحزن فإن أحمد بن حنبل قد سد عليهم الأفق. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا أبو محمد الخلال، قال: وجدت بخط أبي الفتح القواس، قال: حدثنا صدقة بن هبيرة الموصلي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي،

قال: قال عبد الله بن المبارك الزمن: رأيت زبيدة في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قالت: غفر لي في أول معول ضرب في طريق مكة. قلت: فما هذه الصفرة في وجهك؟ قالت: دفن في ظهرانينا رجل يقال له: بشر المريسي، زفرت عليه جهنم زفرة فاقشعر لها جلدي، فهذه الصفرة من تلك الزفرة. قلت: فما فعل أحمد بن حنبل؟ قالت: الساعة فارقني أحمد بن حنبل في طيار من درة بيضاء في لجة حمراء يريد زيارة الجبار عز وجل. قلت: بم نال ذلك؟ قالت: بقوله: القرآن كلام الله غير مخلوق. أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا هناد بن إبراهيم قال: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله، قال: حدثنا عثمان بن أحمد، قال: حدثنا حنبل، قال: حدثني بعض من أثق به، أن امرأة رأوها في النوم وقد شاب صدغها، فقيل لها: ما هذا الشيب؟ قالت: لما ضرب أحمد بن حنبل زفرت جهنم زفرة لم يبق منا أحد إلا شاب. أنبأنا يحيى بن الحسن، قال: أنبأنا محمد بن الحسين بن خلف، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه، أن ابن مخلد أخبرهم، قال: أخبرنا أبو خالد يزيد بن خالد بن طهمان، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، قال: بلغني عن رجل له حال، أنه رأى رؤيا، فأحببت

أن أسمعها منه، فجاء فخلا بي، فسمعت صبية لي تقول: على وجهه النور، فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً ومعه أحمد بن نصر، فقال: على أبي فلان لعنة الله- ثلاث مرات- وعلى فلان وفلان لعنة الله- ثلاث مرات- فإنهما يكيدان الإسلام وأهله، ويكيدان أحمد بن حنبل والقواريري، وليس يصلان إلى شيء منهما إن شاء الله، ثم قال لي: أقرئ أحمد والقواريري السلام، وقل لهما: جزاكما الله عني خيراً وعن أمتي. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن، قال: حدثني ابن المحاملي، عن أبيه، قال: رأيت أبا سعيد النهرتيري في النوم بعد وفاته وكان رجلاً من أهل القرآن والعلم والفقه- قال: وكأنه قد تلقاني بباب دار قطن- فقلت: أي شيء خبرك؟ فأومأ إلي أنه تخلص بعد شدة، قلت: أي شيء خبر الناس؟ قال: فقال لي: ليس غير القرآن والعلم. قلت: فمجلسنا هذا؟ قال: ما أنتم عليه فهو الحق- وعني مذهب الشافعي- قلت: فأحمد بن حنبل، فأومأ إلى أنه في منزلة جليلة. أخبرنا عمر بن ظفر، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي، قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن جهضم، قال: حدثنا يوسف بن أحمد بن محمد الدوري، قال: حدثني أحمد بن أبي شجاع الصوفي أبو العباس، قال: حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج، قال: حدثني رجل من أهل طرسوس، قال: كنت أدعو الله أن يريني أهل القبور، فأسألهم

عن أحمد بن حنبل ما فعل، قال: فرأيت بعد موته بعشر سنين كأن أهل القبور قيام على قبورهم فبادروني بالكلام، وقالوا: يا هذا كم تدعو الله أن يريك إيانا؟ تسألنا عن رجل منذ فارقكم تجلوه الملائكة بالحلي تحت شجرة طوبى! أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المعدل، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، قال: سمعت عبد الله بن إبراهيم الأزدي، قال: حدثنا زياد بن أبي يزيد القصري، قال: سمعت يحيى بن عبد الحميد الحماني يقول: رأيت في المنام كأني في صفة لي جالس، إذ جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بعضادتي الباب، ثم أذن فأقام، فقال: نجا الناجون وهلك الهالكون، فقلت: يا رسول الله من الناجون؟ قال: أحمد بن حنبل وأصحابه. أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن أحمد الرزاز، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زياد النقاش، قال: حدثنا أبو سعيد محمد بن يحيى البغدادي، قال: حدثنا عبيد ابن محمد الوراق، قال: كان بالرملة رجل يقال له: عمار، يقولون: إنه من الأبدال، فاشتكى، فذهبت إليه أعوده وقد بلغني عنه رؤيا رآها، فقلت له: رؤيا حكوها عنك. فقال لي: نعم، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالمغفرة، فدعا لي، ثم رأيت الخضر بعد ذلك، فقلت

له: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله ليس بمخلوق، قلت: فما تقول في بشر بن الحارث؟ فقال: مات بشر يوم مات وما على ظهر الأرض أتقي لله منه. قلت: فأحمد بن حنبل؟ فقال: صديق، قلت: فالحسين الكرابيسي؟ فغلظ في أمره. فقلت: ما تقول في أمي؟ فقال: تمرض وتعيش سبعة أيام ثم تموت، فكان كما قال. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن محمود، ثم أخبرنا أبو يعقوب عنه، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن حمدويه المؤذن، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن الخليل، قال: حدثنا عمر بن محمد النسائي، قال: حدثنا أبو عمار الدهان- وكان من خيار المسلمين- قال: رأيت الخضر في المنام فقلت له: أنت الذي كنت مع موسى؟ قال: نعم، قلت: فما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: صديق.

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ويحيى بن علي، قالا: أخبرنا أبو محمد الصريفيني، قال: أخبرنا أبو بكر بن عبدان، قال: أخبرنا أبو أحمد بن المهتدي، قال: حدثنا حسين بن الخصيب، قال: حدثني أبو بكر بن حماد، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، وكأني في مسجد الخيف، فقلت: يا رول الله، كيف بشر عندكم؟ قال: أنزل في وسط الجنة، قلت: فأحمد بن حنبل؟ قال: أما بلغك أن الله تعالى إذا أدخل أهل الذكر الجنة، ضحك إليهم عز وجل. أخبرنا يحيى بن علي المديني، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط، قال: أخبرنا الحسن بن الحسين بن حمكان، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن النقاش: حدثنا محمد بن إسحاق السراج، قال: سمعت أحمد بن الفتح، يقول: رأيت بشر بن الحارث في منامي وهو قاعد في بستان وبين يديه مائدة وهو يأكل منها، فقلت له: يا أبا نصر، ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي وأباحني الجنة بأسرها، فقلت: فأين أخوك أحمد بن حنبل؟ فقال: هو قائم على باب الجنة يشفع لأهل السنة ممن يقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق.

أخبرنا علي بن عبد الواحد الموحد، قال: أخبرنا هناد بن إبراهيم النسفي، قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله بن السري، قال: حدثنا محمد ابن العباس بن أحمد الطبري، قال: حدثنا أبو الحسن عقيل بن سمير، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله، قال: حدثنا جعفر بن محمد المروزي، قال: قال علي بن الموفق: كان لي ورد من الليل أقومه، فقمت ليلة الجمعة، ثم أخذت مضجعي، فرأيت كأني أدخلت الجنة، فرأيت ثلاثة نفر من الناس، أحدهم قاعد وبين يديه مائدة وعلى رأسه ملكان، ملك يطعمه الطعام، وملك يسقيه الشراب، ورأيت رجلاً في وسط الجنة شاخصاً ببصره إلى الله عز وجل لا يطرف، ورجل آخر يخرج من الجنة فيتعلق بالناس فيدخلهم الجنة. فقلت لرضوان: من هؤلاء الثلاثة الذين قد أعطوا في الجنة هذا الخير كله؟ قال: هؤلاء إخوانكم الذين ماتوا ولا ذنب عليهم، قلت: صف لي. قال: أما الأول؛ فإنه بشر الحافي، منذ عقل عقله ما شبع من الطعام، ولا روي من الماء مخافة الله تعالى، فقد وكل الله به اليوم هذين الملكين ملك يطعمه وملك يسقيه، وأما الآخر الشاخص ببصره نحو العرش؛ فهو معروف الكرخي، عبد الله لا خوفاً من النار ولا شوقاً إلى الجنة، ذلك عبد الله شوقاً إلى الله، فقد مكنه من النظر ينظر إليه كما شاء، وأما الثالث؛ فهو الصادق في قوله، الورع في دينه، أبو عبد الله أحمد بن حنبل، أمره الجبار أن يتصفح وجوه أهل السنة فيدخلهم الجنة. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد، قال: حدثنا عثمان بن أحمد السماك إملاء، قال:

حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: رأيت بشر بن الحارث في المنام، فقلت له: يا أبا نصر، ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قال: قلت: يا أبا نصر، ما فعل أحمد بن حنبل، وعبد الوهاب الوراق؟ قال: أولئك في الفردوس- أو في الجنة- يأكلون ويشربون. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله البيع، قال: حدثني أبو عبد الله بن إبراهيم المؤذن، قال: أخبرني محمد بن أحمد بن زكريا، عن سعيد بن جمعة، قال: سمعت أبا زرعة المكي، يقول: سمعت عثمان بن خرزاذ الأنطاكي، يقول: رأيت كأن القيامة قد قامت، ومنادياً من بطنان العرش ينادي: ألا أدخلوا أبا عبد الله وأبا عبد الله وأبا عبد الله وأبا عبد الله الجنة. فقلت لملك بجنبي: من هؤلاء؟ قال: أولهم مالك، والثاني الثوري، والثالث محمد بن إدريس، ورابعهم أحمد بن حنبل، وفي رواية أخرى: هؤلاء أئمة أمة محمد وقد سبق بهم إلى الجنة. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: حدثنا أسد بن رستم، قال: أخبرنا الحسين بن أحمد البيهقي، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، قال: رأيت القاشاني فيما يرى النائم. فقلت: ما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: غفر الله له. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا عثمان بن أحمد،

قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني ثابت بن أحمد بن شبويه المروزي، قال: كان يخيل إلي أن لأبي أحمد بن شبويه فضيلة على أحمد ابن حنبل للجهاد، وفكاك الأسارى، ولزوم الثغور، فسألت أخي عبد الله بن أحمد: أيهما أرجح في نفسك؟ فقال: أبو عبد الله أحمد بن حنبل، فلم أقنع بقوله، وأبيت إلا العجب بأبي أحمد بن شبويه، فأريت بعد سنة في منامي كأن شيخاً حوله الناس يسمعون منه، فقعدت إليه، فلما قام تبعته، فقلت: أخبرني أحمد بن حنبل وأحمد بن شبويه أيهما عندك أعلى وأفضل؟ فقال: سبحان الله! إن أحمد بن حنبل ابتلي فصبر، وإن أحمد بن شبويه عوفي. المبتلى الصابر كالمعافى؟ هيهات! ما أبعد ما بينهما. أنبأنا يحيى بن الحسن، قال: أنبأنا محمد بن الحسين بن خلف، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحنائي، قال: أخبرنا أبو محمد الطرسوسي، قال: حدثنا أبو العباس البردعي، قال: سمعت أبا الفضل العباس بن عبد الرحمن، يقول: سمعت أبا حفص الجلاء، يقول: قال لي صديق لي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، في النوم وسألته عن أشياء، وعما اختلف الفقهاء. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: كل يخطئ ويصيب، وأحمد بن حنبل مؤيد قليل الخطأ، استمسك به واحتج به، فإنك في زمان لا ترى مثله أبداً. أخبرنا عمر بن ظفر، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد، قال: أخبرنا عبد العزيز ابن علي الأزجي، قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن جهضم، قال:

حدثنا محمد بن العباس بن فضيل، قال: حدثني الخياط- صاحب بشر- قال: جاء رجل إلى بشر بن الحارث، وكان بشر مؤاخياً له، فقال له: يا أبا نصر، رأيت في منامي ليلة عيد فطر أو أضحى، كأن القيامة قد قامت، والناس في كرب وشدة، حتى رأيت الناس دموعهم تجري دماً، إذ خرج مناد ينادي، أين بشر وأين أحمد بن حنبل؟ فأخذوكما، فأدخلوكما على الله عز وجل، فقال أهل الموقف: إن حوسب هؤلاء هلكنا، إذ خرج علينا ملك من الملائكة، فقلنا: ما فعل بشر وأحمد؟ فقال: يحاسبون بقيام الشكر بما من عليهم من سترهم، فقال بشر: أما أحد الاثنين، فالتقصير قرينه، وأما الآخر، فتشهد له الحقائق بقيامه بالشكر. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: سمعت إسماعيل بن إبراهيم، يقول: سمعت محمد بن عبد الله الحافظ، يقول: رأيت أبا الحسن بن عبدوس في المنام، فإذا عليه أثواب بيض، فقلت له: أرأيت أبا عبد الله الشافعي؟ فقال: بحر لا ينزف، عنده مجمع القوم، فقلت: مالك بن أنس؟ فقال: فوقهم بدرجات، قلت: فأبو عبد الله أحمد بن حنبل؟ قال: أقربهم إلى الله وسيلة. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا أبو الفضل ابن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن علي بن حبيش، قال: حدثنا عبد الله بن إسحاق المدايني، قال: حدثنا محمد بن حرب، قال: حدثنا عبيد بن محمد، قال: حدثنا عمار، قال: رأيت الخضر عليه السلام في المنام، فقلت له: أخبرني عن أحمد بن محمد بن حنبل، قال:

صِدّيق. أخبرنا ابن ناصرن قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم ابن عمر البرمكي، قال: أخبرنا أبو عبد الله بن بطة، قال: حدثني أبي، قال: قال لنا ابن ذريح: قال بلال الخواص: رأيت الخضر عليه السلام في النوم، فسألته عن بشر بن الحارث، فقال: لم يخلف بعده مثله. وسألته عن أحمد بن حنبل، فقال: صديق. أخبرنا إسماعيل، ومحمد، قالا: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد ابن عبد الله، قال: حدثنا ظفر بن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الحريري، قال: قال أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح: قال بلال الخواص: رأيت الخضر في النوم، فقلت له: ما تقول في بشر؟ قال: لم يخلف بعده مثله، قلت: ما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: صديق. قلت: بأي وسيلة رأيتك؟ قال: ببرك لأمك. قلت: وقد روي لنا أن بلالاً رأى الخضر في اليقظة، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم من كتابنا في ذكر ثناء الخضر على أحمد. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر الخلال، قال: حدثنا محمد بن موسى، قال: قال هيذام: رأى رجل في النوم كأن قائلاً يقول: يكون في الناس من يدفع الله بهم البلاء- أو كذا- وأن أحمد بن حنبل منهم.

أخبرنا عمر بن ظفر، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي، قال: أخبرنا أبو الحسن بن جهضم، قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثني أبو بكر المروذي، قال: حدثني رجل بطرسوس، قال: فكرت ليلة في أحمد بن حنبل وصبره على ضرب السوط، وكيف قوي على ذلك مع ضعف بدنه، فبكيت، فرأيت في منامي كأن قائلاً يقول: فكيف لو رأيت الملائكة في السماوات- وهو يضرب- وهي تباهي به؟ قال: فقلت: وعلمت الملائكة بضرب أحمد؟ فقال: ما بقي في السماوات ملك لا وأشرف عليه وهو يضرب. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار، قال: حدثني يعقوب بن يوسف ابن أخي معروف الكرخي، قال: بينما أنا نائم في أيام المحنة، إذ دخل علي رجل عليه جبة صوف بلا كمين، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا موسى بن عمران، فقلت: أنت موسى بن عمران الذي كلمك الله عز وجل وما بينك وبينه ترجمان؟ قال: أنا موسى الذي كلمني الله عز وجل وما بيني وبينه ترجمان، فبينا أنا كذلك، إذ هبط علينا رجل من السقف عليه حلتان جعد الشعر، فقلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى ابن مريم، ثم قال لي موسى: أنا موسى الذي كلمني الله وما بيني وبينه ترجمان، وهذا عيسى ابن مريم، ونبيكم صلى الله عليه وسلم، وأحمد بن حنبل، وحملة العرش، وجميع الملائكة يشهدون: أن القرآن كلام الله غير مخلوق.

أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: سمعت عبد الله بن الحسن بن موسى، يقول: رأيت رجلاً من أهل الحديث توفي، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقلت: بالله؟ فقال: بالله إنه غفر الله عز وجل لي، فقلت: فبماذا غفر الله لك؟ قال: بمحبتي لأحمد بن حنبل، فقلت: فأنت في راحة؟ فتبسم، وقال: أنا في راحة وفي فرح. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد بن أحمد. وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قالا: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد الزعفراني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بن بحر، قال: حدثنا محمد بن الهيثم الفسوي، قال: لما قدم حمدون البرذعي على أبي زرعة لكتابة الحديث، دخل فرأى في داره أواني وفرشاً كثيرة، وكان ذلك لأخيه، فهم أن يرجع ولا يكتب عنه، فلما كان من الليل رأى كأنه على شط بركة، ورأى ظل شخص في الماء، فقال: أنت الذي زهدت في أبي زرعة؟ أعلمت أن أحمد بن حنبل كان من الأبدال، فلما مات أحمد بن حنبل أبدل الله مكانه أبا زرعة؟!

الباب الرابع والتسعون في فضيلة زيارة قبره

الباب الرابع والتسعون في فضيلة زيارة قبره أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أحمد بن أبي جعفر، قال: سمعت عبد العزيز غلام الزجاج، يقول: سمعت أبا الفرج الهندبائي، يقول: كنت أزور قبر أحمد بن حنبل، فتركته مدة، فرأيت في المنام قائلاً يقول لي: تركت زيارة قبر إمام السنة. أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أنبأنا أحمد بن الحسن بن البنا. وأنبأنا أحمد بن الحسن، قال: أخبرنا أبي، قال: قال لي الشيخ أبو طاهر ميمون: يا بني، رأيت رجلاً بجامع الرصافة في شهر ربيع الآخر من سنة ست وستين وأربع مئة، فسألته، فقال: قد جئت من ست مئة فرسخ. فقلت: في أي حاجة؟ قال: رأيت وأنا ببلدي في ليلة جمعة، كأني في صحراء، أو في

فضاء عظيم، والخلق قيام، وأبواب السماء قد فتحت، وملائكة تنزل من السماء تلبس أقواماً ثياباً خضراً، وتطير بهم في الهواء. فقلت: من هؤلاء الذين قد اختصوا بهذا؟ فقالوا لي: هؤلاء الذين يزورون أحمد بن حنبل، فانتبهت ولم ألبث أن أصلحت أمري، وجئت إلى هذا البلد وزرته دَفعات، وأنا عائد إلى بلدي إن شاء الله. أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب بن منده، قال: حدثت عن أبي الحسن علي بن محمد بن فورك، قال: سمعت أبا بكر محمد بن القاسم العدل، قال: سمعت أبا بكر بن ابرويه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه أحمد بن حنبل، فقلت: يا رسول الله، من هذا؟ قال: هذا أحمد بن حنبل ولي الله وولي رسول الله، يا أبا بكر، إن الله عز وجل ينظر كل يوم سبعين ألف نظرة في تربة أحمد بن حنبل، ومن يزوره يغفر الله له. قال: فانتبهت، فاغتسلت وصليت ركعتين شكراً لله عز وجل، وخلعت ثيابي، فتصدقت بها على الفقراء، وحججت فزرت قبر أحمد بن حنبل، وأقمت عنده أسبوعًا. أنبأنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد القادر بن يوسف، قال: سمعت الشيخ الصالح أبا الحسن علي بن الحسين العكبري، يقول: سمعت ابن بطة، يقول: قال لنا أبو بكر النجاد: بلغني أن من كانت به إضافة، فزار قبر أحمد بن حنبل يوم الأربعاء ودعا، رزقة الله سعة، فوجدت إضافة فزرته يوم الأربعاء، ثم عدت وأنا متفكر، فنادتني عجوز من بعض المقابر: يا أحمد، قلت: ما حاجتك؟ [قالت]: إن أمك أودعتني كيساً، وقالت: إذا

رأيت ابني أحمد في إضاقة، فادفعيه له، فأنت مضيق؟ قلت: نعم، فأخذته وإذا فيه كذا- سقط من أصلي الشيخ المبلغ- قال أبو الحسن العكبري، وهو ابن جدا: انحدرت من عكبرا إلى بغداد وأنا صبي، ولم يكن معي شيء من النفقة، فبقيت في جامع المدينة أياماً- أحسب قال: لم أطعم- قال: فخرجت إلى قبر أحمد يوم الأربعاء لأزوره، وإذا برجل عند قبره، فسلم علي، وكانت علي ثياب جميلة، وقال لي: أنت جائع؟ فسكت، فدفع إلي خبزاً وذهباً أنفقته مدة، وكان يفتقدني زماناً.

الباب الخامس والتسعون في فضيلة مجاورته

الباب الخامس والتسعون في فضيلة مجاورته أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد ابن علي بن ثابت، قال: حدثني الحسن بن أبي طالب، قال: حدثنا يوسف ابن عمر القواس، قال: حدثنا أبو مقاتل محمد بن شجاع. وأخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحريري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي، قالا: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، قال: حدثني أبو يوسف بن بختان- وكان من خيار المسلمين- قال: لما مات أحمد بن حنبل؛ رأى رجل في منامه كأن على كل قبر قنديلاً، فقال: ما هذا؟ فقيل له: أما علمت أنه نور لأهل القبور قبورهم بنزول هذا الرجل بين أظهرهم، وقد كان فيهم من يعذب فرحم؟! أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد قال: أنبأنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر قال: حدثنا أبو بكر الخلال، قال: حدثني محمد بن العباس، قال: سمعت عبيد بن شريك، يقول: مات رجل مخنث، فرئي في النوم فقال: قد غفر لي، دفن عندنا أحمد ابن حنبل، فغفر لأهل القبور.

أنبأنا محمد بن أبي منصور، عن أبي علي الحسن بن أحمد الفقيه، قال: لما ماتت أم القطيعي، دفنها في جوار أحمد بن حنبل فرآها بعد ليال فقال: ما فعل الله بك فقالت: يا بني، رضي الله عنك، فلقد دفنتني في جوار رجل ينزل على قبره في كل ليلة- أو قالت: في كل ليلة جمعة- رحمة تعم جميع أهل المقبرة، وأنا منهم. قال أبو علي: وحكى أبو طاهر الجمال- شيخ صالح- قال: قرأت ليلة وأنا في مقبرة أحمد بن حنبل، قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}. ثم حملتني عيني، فسمعت قائلاً يقول: ما فينا شقي والحمد لله ببرك احمد بن حنبل. قلت: وبلغني عن بعض السلف القدماء، قال: كانت عندنا عجوز من المتعبدات قد خلت بالعبادة خمسين سنة، فأصبحت ذات يوم مذعورة، فقالت: جاءني بعض الجن في منامي، فقال: إني قرينك من الجن، وإن الجن استرقت السمع بتعزية الملائكة بعضها بعضاً بموت رجل صالح يقال له: أحمد بن حنبل، وتربته في موضع كذا، وإن الله يغفر لمن جاوره، فإن استطعت أن تجاوريه في وقت وفاتك فافعلي، فإني لك ناصح، وإنك ميتة بعده بليلة، فماتت كذلك، فعلمنا أنه منام حق. أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: حدثني أبو البركات طلحة بن أحمد بن طلحة القاضي، قال: كان لي صديق اسمه ثابت، وكان رجلاً صالحاً يقرأ القرآن، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فتوفي، فلم أصل عليه لعذر

منعني، فرأيته فيا لمنام، فسلمت عليه، فلم يرد علي السلام، وأعرض عني، فقلت: يا ثابت، ما تكلمني وأنت صديقي، وبيني وبينك مودة؟! فقال: أنت صديقي ولم تصل علي! فاعتذرت إليه. ثم قال له: حدثني كيف أنت بمقبرة أحمد بن حنبل؟ - لأنه دفن هناك- فقال لي: ليس في مقبرة أحمد أحد يعذب بالنار، فقلت له ما تقول في مقابر قريش؟ فقال: لا أعلم ما ثم، ما عندنا حدثتك به، فقلت: إذا قدم أحد عليكم تزورونه وتستخبرونه؟ فقال: إذا قدم علينا أحد زرناه واستخبرناه عن الأحياء. قال: قرأت بخط شيخنا أبي الحسن علي بن عبد الله بن الزاغوني، قال: كشف قبر إمامنا أحمد بن حنبل حين دفن الشريف أبو جعفر ابن أبي موسى إلى جانبه، وجثته لم تتغير وكفنه صحيح لم يبل. قلت: بين وفاة الإمام أحمد بن حنبل، ووفاة الشريف أبي جعفر مئتا سنة وتسع وعشرون.

الباب السادس والتسعون في ذكر عقوبة من آذاه

الباب السادس والتسعون في ذكر عقوبة من آذاه أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: سمعت أبا يعقوب الحافظ، يقول: سمعت علي بن محمد بن أحمد بن رزق، قال: سمعت محمد بن إبراهيم، يقول: سمعت أحيد بن جرير الجوهري، قال: سمعت محمد بن فضيل يقول: تناولت مرة أحمد بن حنبل فوجدت في لساني ألماً لم أجد القرار، فنمت ليلة فأتاني آت، فقال: هذا بتناولك الرجل الصالح، هذا بتناولك الرجل الصالح، فانتبهت، فلم أزل أتوب إلى الله تعالى حتى سكن. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أحمد بن علي بن خلف، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، قال: حدثنا أبو أحمد بكر بن محمد الصوفي، قال: حدثنا أبو بكر أحيد بن جرير اللؤلؤي، قال: سمعت محمد بن فضيل البلخي، يقول: كنت أتناول أحمد بن حنبل؛ فوجدت في لساني ألماً، فاغتممت، ثم وضعت رأسي فنمت، فأتاني آت، فقال: هذا الذي وجدت في لسانك بتناولك الرجل الصالح. قال: فانتبهت، فجعلت أقول: أستغفر الله! وأقول: لا أعود إلى شيء من هذا. قال: فذهب ذلك الألم. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب إملاءً، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن

محمد بن الحسين الرازي، قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسين ابن معاوية الرازي، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب أبو محمد، قال: سمعت مسعر بن محمد بن وهب يحدث أبي، قال: كنت مؤدباً للمتوكل قبل أن يلي الخلافة، فلما ولي الخلافة، أنزلني حجرة من حجر الخاصة، فربما كانت تعرض في فكرته مسألة في الدين، فيوجه إلي، فيسألني عنها، وكان إذا جلس للخاصة أقوم على رأسه، فإن افتقدني دعاني حتى أقف موقفي، لا يخليني منه ليلاً ولا نهاراً إلا في وقت خلوته، وأنه جلس للخاصة ذات يوم في مجلسه الذي كان يسمى الوديع، ثم قام منه حتى دخل بيتاً له من قوارير سقفه وحيطانه وأرضه، وقد أجري له الماء فيه، فالماء يعلو على البيت وأسفله وحيطانه يتقلب فيه، يرى من هو داخله، كأنه في جوف الماء جالس، وقد فرش له فراش من قباطي مصر، وسائدها ومخادها الأرجوان، فجلس في مجلسه، وجلس عن يمينه الفتح بن خاقان، وعبيد الله بن خاقان، وعن يساره بغا الكبير، ووصيف، وأنا واقف في زاوية البيت اليمنى مما يليه، وخادم آخذ بعضادة الباب واقف، إذ ضحك المتوكل، فأرم القوم وسكتوا. فقال: ألا تسألوني مم ضحكت؟ فقالوا: مم ضحك أمير المؤمنين، أضحك الله سنه؟ فقال: أضحكني أني ذات يوم واقف على رأس الواثق، وقد قعد للخاصة في مجلسي الذي كنت فيه جالساً، وأنا واقف على رأسه، إذ قام من مجلسه فجاء حتى دخل هذا البيت الذي دخلته، فجلس في مجلسي هذا، ورمت الدخول،

فمنعت، ووقفت حيث الخادم واقف، وجلس ابن أبي دؤاد في مجلسك يا فتح، وجلس محمد بن عبد الملك بن الزيات في مجلسك يا عبيد الله، وجلس إسحاق ابن إبراهيم في مجلسك يا بغا، وجلس نجاح في مجلسك يا وصيف، إذ قال الواثق: والله لقد فكرت فيما دعوت الناس إليه من أن القرآن مخلوق، وسرعة إجابة من أجابنا، وشدة خلاف من خالفنا، حتى حملنا من خالفنا على السوط والسيف والضرب الشديد والحبس الطويل، ولا يردعه ذلك ولا يرده إلى قولنا، فوجدت من أجابنا رغب فيما في أيدينا، فأسرع إلى إجابتنا رغبة منه فيما عندنا، ووجدت من خالفنا منعه دين وورع عن إجابتنا، وصبر على ما يناله من القتل والضرب والحبس، فوالله لقد دخل قلبي من ذلك أمر شككت فيما نحن فيه، وفي محنة من نمتحنه، وعذاب من نعذبه في ذلك، حتى هممت بترك ذاك، والكلام والخوض فيه، ولقد هممت أن آمر بالنداء في ذلك وأكف الناس بعضهم عن بعض، فبدأ ابن أبي دؤاد، فقال: الله الله يا أمير المؤمنين! أن تميت سنة قد أحييتها، وأن تبطل ديناً قد أقمته، ولقد جهد الأسلاف فما بلغوا فيه ما بلغت، فجزاك الله عن الإسلام والدين خير ما جزى ولياً عن أوليائه. ثم أطرقوا رءوسهم ساعة يفكرون في ذلك، إذ بدأ ابن أبي دؤاد- وخاف أن يكون من الواثق في ذلك أمر ينقض عليه قوله، ويفسد عليه مذهبه- فقال: والله يا أمير المؤمنين، إن هذا القول الذي نحن عليه ندعو إليه الناس لهو الدين الذي ارتضاه الله لأنبيائه ورسله، وبعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، ولكن الناس عموا عن قبوله. فقال الواثق: فإني أريد أن تباهلوني على ذلك؛ فقال ابن أبي دؤاد: ضربه الله بالفالج في دار الدنيا قبل الآخرة، إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقاً من أن

القرآن مخلوق. وقال محمد بن عبد الملك الزيات: وهو؛ فسمر الله يديه بمسامير من حديد في دار الدنيا قبل الآخرة، إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقاً من أن القرآن مخلوق. فقال إسحاق بن إبراهيم: وهو؛ فأنتن الله ريحه في دار الدنيا، قبل الآخرة حتى يهرب منه حميم وقريب، إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقاً بأن القرآن مخلوق. وقال نجاح: وهو؛ فقتله الله في أضيق محبس إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقاً من أن القرآن مخلوق. ودخل عليهم إيتاخ وهم في ذلك، فأخذوه على البديهة، وسألوه عن ذلك. فقال: وهو؛ فغرقه الله في البحر إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقاً من أن القرآن مخلوق. فقال الواثق: وهو؛ فأحرق الله بدنه بالنار في دار الدنيا قبل الآخرة، إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقاً من أن القرآن مخلوق. فأضحك أنه لم يدع أحد منهم يومئذ بدعوة على نفسه، إلا استجيب. أما ابن أبي دؤاد: فقد رأيت ما نزل به وما ضربه الله به من الفالج. وأما ابن الزيات: فأنا أقعدته في تنور من حديد، وسمرت يديه بمسامير من حديد. وأما إسحاق بن إبراهيم: فإنه مرض مرضه الذي مات فيه، فأقبل يعرق عرقاً منتناً حتى هرب منه الحميم ولاقريب، وكان يلقى عليه كل يوم عشرون

غلالة، فتؤخذ منه وهي مثل الجيفة، فيرمى بها في دجلة لا ينتفع بها تتقطع من شدة النتن والعرق. وأما نجاح: فأنا بنيت عليه بيتاً ذراعاً في ذراعين حتى مات فيه. وأما إيتاخ: فأنا كتبت إلى إسحاق بن إبراهيم وقد رجع من الحج: كبله بالحديد وغرقه. وأما الواثق: فإنه كان يحب النساء وكثرة الجماع، فوجه ذات يوم إلى ميخائيل الطبيب، فدعي له، فدخل عليه وهو نائم في مشرقة وعليه قطيفة خز، فوقف بين يديه، فقال: يا ميخائيل، ابغني دواء للباه. فقال: يا أمير المؤمنين، بدنك فلا تهده، فإن كثرة الجماع تهد البدن، ولاسيما إذا تكلف الرجل ذلك، فاتق الله في بدنك، وأبق عليه، فليس لك من بدنك عوض. فقال له: لابد منه، ثم رفع القطيفة عنه، فإذا بين فخذيه وصيفة قد ضمها إليه، ذكر من جمالها وهيئتها أمراً عجباً، فقال: من يصبر عن مثل هذه؟ قال: فإن كان ولابد فعليك بلحم السبع، فأمر أن يؤخذ لك منه رطل، فيغلى سبع غليات بخل خمر عتيق؛ فإذا جلست على شربك أمرت أن يوزن لك منه ثلاث دراهم، فانتقلت به على شربك في ثلاث ليال، فإنك تجد فيه بغيتك، واتق الله في نفسك ولا تسرف فيها، ولا تجاوز ما أمرتك به، فلها عنه أياماً،

فبينا هو ذات ليلة جالس على شرابه، إذ ذكره، فقال: علي بلحم السبع الساعة، فأخرج له سبع من الجب وذبح من ساعته، فأمر فكبب له منه، ثم أمر فأعلي له منه بالخل، ثم قدد له منه، فأخذ ينتقل به على شرابه، وأتت عليه الأيام والليالي فسقي بطنه، فجمع له الأطباء، فأجمع رأيهم على أنه لا دواء له إلا أن يسجر له تنور بحطب الزيتون ويشحن حتى يمتلئ جمراً، فإذا امتلأ كسح ما في جوفه، فألقي على ظهره، وحشي جوفه بالرطبة، ويقعد فيه ثلاث ساعات من النهار، فإن استسقى ماء لم يسق، فإذا مضت ثلاث ساعات كوامل، أخرج منها وأجلس جلسة منتصبة على نحو ما أمروا به، فإذا أصابه الروح وجد لذلك وجعاً شديداً، وطلب أن يرد إلى التنور، فيترك على حاله تلك، ولا يرد إلى التنور حتى تمضي ساعتان من النهار، فإنه إذا مضت ساعتان من النهار، جرى ذلك الماء وخرج من مخارج البول، وإن سقي ماء أو رد إلى التنور، كان تلفه فيه. فأمر بتنور، فاتخذ له وسجر له بحطب الزيتون، حتى إذا امتلأ جمراً أخرج ما فيه، وجعل على ظهره، ثم حشي بالرطبة، وعري وأجلس فيه، وأقبل يصيح ويستغيث، ويقول: أحرقتموني، اسقوني ماء، وقد وكل به من يمنعه الماء ولا يدعه أن يقوم من موضعه الذي قد أقعد فيه، ولا يتحرك، فتنفط بدنه كله، فصارت فيه نفاخات مثل أكبر البطيخ وأعظمه، فترك على حالته حتى مضت له ثلاث ساعات من النهار، ثم أخرج وقد كاد يحترق، أو يقول القائل في رأي العين: قد احترق، فأجلسه المتطببون، فلما وجد روح الهواء، اشتد به الوجع والألم، وأقبل يصيح ويخور خوار الثور، ويقول: ردوني إلى التنور فإني إن لم أرد مت، فاجتمع نساؤه وخواصه لما رأوا به

من شدة الألم والوجع وكثرة الصياح فرجوا أن يكون فرجه في أن يرد إلى التنور، فردوه إلى التنور ثانية، فلما وجد مس النار سكن صياحه وتفطرت النفاخات التي كانت خرجت ببدنه وخمدت، وبرد في جوف التنور، فأخرج من التنور، وقد احترق وصار أسود كالفحم، فلم تمض به ساعة حتى قضى. فأضحك أنه لم يدع أحد منهم على نفسه في تلك الساعة بدعاء إلا استجاب الله له في نفسه. قلت: وقد رويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر. أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن علي بن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن نعيم الضبي، قال: سمعت أبا العباس السياري، يقول: سمعت أبا العباس بن سعيد المروزي، قال: لما جلس المتوكل دخل عليه عبد العزيز بن يحيى المكي، فقال: يا أمير المؤمنين، ما رئي أعجب من أمر الواثق! قتل أحمد بن نصر، وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن، قال: فوجد المتوكل من كل ذلك وساءه ما سمعه في أخيه، إذ دخل عليه محمد بن عبد الملك الزيات، فقال له: يا ابن عبد الملك، في قلبي من قتل أحمد بن نصر، فقال: يا أمير المؤمنين، أحرقني الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافراً. قال: ودخل عليه هرثمة، فقال: يا هرثمة في نفسي من قتل أحمد بن

نصر، فقال: يا أمير المؤمنين، قطعني الله إرباً إرباً، إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافراً. قال: ودخل عليه أحمد بن أبي دؤاد، فقال: يا أحمد، في قلبي من قتل أحمد بن نصر، فقال: يا أمير المؤمنين، ضربني الله بالفالج إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافراً. قال المتوكل: فأما الزيات فأنا أحرقته بالنار، وأما هرثمة فإنه هرب فأخذه قوم من العرب، فقالوا: هذا الذي قتل ابن عمكم، فقطعوه إرباً إرباً. وأما ابن أبي دؤاد، فقد سجنه الله في جلده. قلت: وقد كان أحمد ابن أبي دؤاد يلي قضاء القضاة للمعتصم، ثم وليه للواثق، وحملهما على امتحان الناس بخلق القرآن فضربه الفالج. فأخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب، قال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: أخبرني محمد بن نعيم الضبي، قال: سمعت أبا الحسين بن أبي القاسم، يقول: سمعت أبي، يقول: سمعت أبا الحسين بن الفضل، يقول: سمعت عبد العزيز بن يحيى المكي، يقول: دخلت على أحمد بن أبي دؤاد وهو مفلوج، فقلت: إني لم آتك عائداً. ولكن جئت لأحمد الله على أنه سجنك في جلدك. أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، قال: حدثنا إسحاق ابن إبراهيم الختلي، قال: حدثني أبو يوسف يعقوب بن موسى بن الفيرزان

ابن أخي معروف الكرخي، قال: رأيت في المنام وكأني وخالي نمر على نهر عيسى؛ فبينا نحن نمشي إذا امرأة تقول: ما تدري ما حدث الليلة؟ أهلك الله ابن أبي دؤاد. فقلت لها: وما كان سبب هلاكه؟ قالت: أغضب الله، فغضب عليه من فوق سبع سماوات. قال يعقوب: وأخبرني بعض أصحابنا، قال: كنت عند سفيان بن وكيع، فقال: تدرون ما رأيت الليلة؟ - وكانت الليلة التي رأوا فيها النار ببغداد وغيرها- رأيت كأن جهنم زفرت فخرج منها اللهب، أو نحو هذا الكلام. فقلت: ما هذا؟ قال: أعدت لابن أبي دؤاد. أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا الخطيب، قال: قرأت على محمد بن الحسين القطان، عن دعلج، قال: أخبرنا أحمد بن علي الأبار، قال: حدثنا الحسن ابن الصباح، قال: سمعت خالد بن خداش، قال: رأيت في المنام قائلاً، يقول: مسخ ابن أبي دؤاد، ومسخ شعيب، وأصاب ابن سماعة فالج، وأصاب آخر الذبحة ولم يسم. قلت: شعيب هو ابن سهل القاضي، كان جهمياً. ومات ابن أبي دؤاد منكوباً أخذ ماله، وفلج، وهلك في سنة أربعين ومئتين. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الملك بن محمد، قال: حدثنا محمد بن

أحمد الجارودي، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن جعفر بن أبي توبة، قال: حدثني أبو المثنى أحمد بن إبراهيم، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: حدثنا الوليد بن الوليد الدمشقي، قال: حدثنا ابن ثوبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مشى إلى سلطان الله عز وجل في الأرض ليذله أذله الله وقمعه قبل يوم القيامة مع ما يدخر له في الآخرة من الخزي والنكال". وسلطان الله في الأرض كتابه وسنته. أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الملك بن محمد، قال: أخبرنا علي بن بشرى، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن محمد بن مندة، قال: أخبرنا علي ابن عباس بن أبي عياش المغربي، قال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب العسقلاني، قال: حدثنا زكريا بن نافع، قال: حدثنا عبد العزيز- يعني ابن الحصين- عن روح ابن القاسم، عن عبد الله بن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "سلطان الله في الأرض كتاب الله وسنة نبيه". أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: أخبرنا جدي، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن شعيب الطوسي، قال: كتب خالد بن خداش إلى أبي في اليوم الذي ضرب فيه أحمد بن حنبل: وأخبرك أن رجلاً بلغه ما صنع بأحمد، فدخل المسجد ليصلي شكراً، فخسف به إلى صدره، فاستغاث الناس، فأغاثوه.

أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو محمد الخلال، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان، قال: حدثنا محمد ابن علي بن هارون المقرئ، قال: حدثنا إبراهيم بن جعفر بن جابر، قال: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: حدثنا خالد بن خداش: أن رجلاً فرح بضرب أحمد بن حنبل فخسف الله به. بلغني عن أبي بكر أحمد بن سليمان النجاد، أنه قال: حدثني شيخ كنا نتردد معه في طلب الحديث، ونتأدب به، قال: قصدت قبر أحمد بن حنبل وحوله من القبور قبور يسيرة إذ ذاك، فجاء قوم ممن يرمي بالبندق، فقال بعضهم لبعض: أيما هو قبر أحمد بن حنبل؟ قالوا له: ذاك، فرماه ببندقة، وكنت أعرفه، فرأيته بعد ذلك وقد جفت يده. أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، قال: اخبرنا هناد بن إبراهيم، قال: أخبرنا علي بن محمد، قال: حدثنا عثمان بن أحمد، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: حدثني عمران بن موسى، قال: دخلت على أبي العروق الجلاد الذي ضرب أحمد لأنظر إليه، فمكث خمسة وأربعين يوماً ينبح كما ينبح الكلب.

الباب السابع والتسعون في ذكر ما قيل فيمن يتنقصه

الباب السابع والتسعون في ذكر ما قيل فيمن يتنقصه أنبأنا عبد الملك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: سمعت أحمد بن الحسن السني، يقول: سمعت أبا زيد الأصبهاني، يقول: سمعت أحمد بن محمد بن سليل، قال: سمعت ابن أبي حاتم، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن هارون المخرمي، يقول: إذا رأيت الرجل يقع في أحمد ابن حنبل، فاعلم أنه مبتدع. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني محمد بن أحمد بن رزق، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن نصير، قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن جابر، قال: سمعت أبا بكر محمد بن يزيد المستملي، يقول: سمعت نعيم بن حماد، يقول: إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل، فاتهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه، فاتهمه في دينه. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن علي الصوري، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الخصيب، قال: سمعت أحمد بن صالح، يقول: سمعت أبا زرعة الرازي، يقول: إذا رأيت

الكوفي يطعن على سفيان الثوري وزائدة، فلا تشك في أنه رافضي، وإذا رأيت الشامي يطعن على مكحول والأوزاعي، فلا تشك في أنه ناصبي، وإذا رأيت البصري يطعن على أيوب السختياني وابن عون، فلا تشك في أنه قدري، وإذا رأيت الخراساني يطعن على عبد الله بن المبارك، فلا تشك أنه مرجئ. واعلم أن هذه الطوائف كلها مجمعة على بغض أحمد بن حنبل، لأنه ما منهم أحد إلا وفي قلبه منه سههم لا برء له. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني أبو القاسم الأزهري، قال: حدثنا محمد بن المظفر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القاضي، قال: سمعت أبا بكر الصاغاني يقول: أول ما تبينت من إسحاق بن أبي إسرائيل أن الله يضعه، أني سمعته، يقول: ها هنا قوم قد اختصوا، يدعون أنهم سمعوا من إبراهيم بن سعد، يعرض بأحمد ابن حنبل، فكان ذاك أن الله وضعه ورفع أحمد بن حنبل. أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن يوسف النيسابوري، قال: أخبرنا محمد بن حمزة الدمشقي، قال: حدثنا يوسف بن القاسم القاضي، قال: سمعت أبا يعلي التميمي، يقول: سمعت أحمد بن إبراهيم- يعني الدورقي- يقول: من سمعتموه يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الإسلام.

أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: اخبرنا الحسين بن شجاع الصوفي، قال: حدثنا عمر بن جعفر بن محمد بن سلم، قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار، قال: سمعت سفيان بن وكيع، يقول: أحمد عندنا محنة، من عاب أحمد عندنا فهو فاسق. أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا عبد العزيز ابن أبي الحسن القرميسيني، قال: حدثنا يوسف بن عمر بن مسرور القواس، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد المطيري، قال: سمعت أبا الحسن الهمذاني، يقول: أحمد بن حنبل محنة، به يعرف المسلم من الزنديق. أنبأنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر بن شاهين، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمد ابن إبراهيم الحربي، قال: قال محمد بن علي بن شعيب: سمعت مردويه الصائغ، يقول: إذا جاءني من لا أعرفه من أصحاب الحديث، أجريت ذكر أحمد بن حنبل، فإن رأيته يسارع فيه، أمنته، وإن رأيته يسكت اتهمته. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثني الحسن بن أبي طالب، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان، قال: حدثنا

محمد بن علي المقرئ، قال: أنشدنا أبو جعفر محمد بن بدينا الموصلين قال: أنشدني ابن أعين في أحمد بن حنبل: أضحى ابن حنبل محنة مأمونة ... وبحب أحمد يعرف المتنسك وإذا رأيت لأحمد منتقصاً ... فاعلم بأن ستوره ستهتك أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا عمر ابن الحسن القاضي، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن القاسم المقرئ، قال: سمعت الحسين الكرابيسي، يقول: مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل، مثل قوم يجيئون إلى أبي قبيس يريدون أن يهدموه بنعالهم.

الباب الثامن والتسعون في سبب اختيارنا لمذهبه على مذهب غيره

الباب الثامن والتسعون في سبب اختيارنا لمذهبه على مذهب غيره اعلم وفقك الله؛ أنه إنما يتبين الصواب في الأمور المشتبهة لمن أعرض عن الهوى، والتفت عن العصبية، وقصد الحق بطريقه، ولم ينظر في أسماء الرجال ولا في صيتهم، فذلك الذي ينجلي له غامض المشتبه، فأما من مال به الهوى، فعسير تقويمه. واعلم: أنا نظرنا في أدلة الشرع وأصول الفقه وسبرنا أحوال الأعلام المجتهدين، فرأينا هذا الرجل أوفرهم حظاً من تلك العلوم، فإنه كان من الحافظين لكتاب الله عز وجل. قال أبو بكر بن حمدان القطيعي: قرأت على عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: لقنني أبي أحمد بن حنبل القرآن كله باختياره. وقرأ أحمد بن حنبل على يحيى بن آدم، وعبيد بن الصباح، وإسماعيل بن جعفر وغيرهم بإسنادهم، وكان أحمد لا يميل شيئاً في القرآن، ويروي الحديث: "أنزل

مفخماً ففخموه". وكان لا يدغم شيئاً في القرآن إلا: (اتخذتم) وبابه، كأبي بكر، ويمد مداً متوسطاً. وكان رضي الله عنه من المصنفين في فنون علوم القرآن من التفسير والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر إلى غير ذلك، مما أشرنا إليه في باب ذكر تصانيفه. وأما النقل: فقد سلم الكل له انفراده فيه، بما لم ينفرد به سواه من الأئمة من كثرة محفوظه منه، ومعرفة صحيحه من سقيمه وفنون علومه، وقد ثبت أنه ليس في الأئمة الأعلام قبله من له حظ في الحديث كحظ مالك. ومن أراد معرفة مقام أحمد في ذلك من مقام مالك، فلينظر فرق ما بين "المسند" و"الموطأ". وقد كان أحمد رضي الله عنه يذكر الجرح والتعديل والعلل من حفظه إذا سئل

كما يقرأ الفاتحة، ومن نظر في كتاب "العلل" لأبي بكر الخلال عرف ذلك، ولم يكن هذا لأحد منهم، كذلك انفراده في علم النقل بفتاوى الصحابة وفضائلهم وإجماعهم واختلافهم لا ينازع في ذلك. وأما علم العربية، فقد قال أحمد: كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو الشيباني. وأما القياس: فله من الاستنباط ما يطول شرحه، وقد أشرنا إلى بعض ذلك في باب قوة فهمه. ثم إنه ضم إلى العلوم ما عجز عنه القوم من الزهد في الدنيا، وقوة الورع، ولم ينقل عن أحد من الأئمة أنه امتنع من أرفاق السلطان وهدايا الإخوان كامتناعه، ولولا خدش وجوه فضائلهم رضي الله عنهم، لذكرنا عنهم ما قبلوه وترخصوا بأخذه. وقد سبق في كتابنا هذا من زهده في المباحات ما يكفي ويشفي ثم إنه ضم إلى ذلك الصبر على الامتحان وبذل المهجة في نصرة الحق، ولم يكن ذلك لغيره. وقد اخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: حدثنا أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل، قال: أخبرني محمد بن يحيى بن آدم الجوهري، قال: حدثنا محمد بن

عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، يقول: قال لي محمد بن الحسن: صاحبنا أعلم أم صاحبكم؟ قلت: تريد المكابرة أو الإنصاف؟ قال: بل الإنصاف، قال: قلت: فما الحجة عندكم؟ قال: الكتاب والإجماع والسنة والقياس، قال: قلت: أنشدك الله! أصاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم؟ قال: إذا أنشدتني بالله فصاحبكم. قلت: فصاحبنا أعلم بسنة رسول الله أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم. قلت: فصاحبنا أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم. قلت: فبقي شيء غير القياس؟ قال: لا. قلت: فنحن ندعي القياس أكثر مما تدعونه، وإنما يقاس على الأصول فيعرف القياس. قال: ويريد بصاحبه مالك بن أنس. قلت: فقد كفانا الشافعي رضي الله عنه بهذه الحكاية المناظرة لأصحاب أبي حنيفة، وقد عرف فضل صاحبنا على مالك، فإنه حصل ما حصله مالك وزاد عليه كثيراً، وقد ذكرنا شاهد هذا باعتبار "المسند" و"الموطأ". وقد كان الشافعي رضي الله عنه عالماً بفنون العلم إلا أنه سلم لأحمد علم النقل الذي عليه مدار الفقه. فأخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا محمد بن أحمد الجارودي، قال: قال القطيعي: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: أنتم أعلم بالحديث منا؛ فإذا صح الحديث فقولوا لنا حتى نذهب إليه.

أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو سهل بن سعدويه، قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن الفضل القرشي، قال: أخبرنا أبو بكر بن مردويه، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي: يا أبا عبد الله، إذا صح عندكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرونا به نرجع إليه. أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا سليمان ابن أحمد، قال: سمعت عبد الله بن أحمد، يقول: سمعت أبي يقول: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: يا أبا عبد الله أنت أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح، فأعلمني حتى أذهب إليه، كوفياً كان أو بصرياً أو شامياً. قال عبد الله: جميع ما حدث به الشافعي في كتابه، فقال: حدثني الثقة، أو أخبرني الثقة، فهو أبي رحمه الله. وكتابه الذي صنفه ببغداد أعدل من الكتاب الذي صنفه بمصر، وذاك أنه حيث كان ها هنا كان يسأل الشيخ فيغير عليه، ولم يكن بمصر يغير عليه إذا ذهب إلى خبر ضعيف. وسمعت أبي يقول: استفاد منا الشافعي ما لم نستفد منه.

قال سليمان بن أحمد: وحدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، قال: سمعت أبي يقول: ما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل. أنبأنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر بن شاهين، قال: حدثنا أحمد بن كامل القاضي، قال: حدثني عدة من أصحاب أحمد، قالوا: كان يقول: انتفع بنا الشافعي أكثر مما انتفعنا به. أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي. وأخبرنا عبد الله بن علي المقرئ، قال: أخبرنا عبد الملك بن محمد السيوري، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أحمد ابن الفضل، قالا: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مردك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال: سمعت أبي يقول: أحمد بن حنبل أكثر من الشافعي، تعلم الشافعي أشياء من معرفة الحديث من أحمد، وكان الشافعي فقيهاً ولم يكن له معرفة بالحديث، فربما قال لأحمد: هذا الحديث قوي محفوظ؟ فإذا قال أحمد: نعم. جعله أصلاً وبنى عليه. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو سهل بن سعدويه، قال: أخبرنا محمد بن الفضل القرشي، قال: حدثنا أبو بكر بن مردويه، قال: حدثني أحمد ابن إسحاق، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الفابزاني، قال: سمعت أبا بكر الأثرم، يقول: كنا في مجلس البويطي؛ فقرأ علينا عن الشافعي أن التيمم ضربتان. فقلت له: ورويت حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم-: "إن

التيمم ضربة واحدة". فحك من كتابه "ضربتين" وصيره "ضربة" على حديث عمار. وقال: قال الشافعي: إذا رأيتم عن رسول الله الثبت فاضربوا على قولي، وارجعوا إلى الحديث وخذوا به فإنه قولي. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: اخبرنا منصور بن عبد الله بن خالد، قال: أخبرنا أبو يعقوب، قال: أخبرنا منصور بن عبد الله بن خالد، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن علي البخاري، قال: سمعت محمد بن إبراهيم البوشنجي- وذكر أحمد بن حنبل- فقال: هو عندي أفضل وأفقه من سفيان الثوري، وذلك أن سفيان لم يمتحن من الشدة والبلوى بمثل ما امتحن أحمد بن حنبل، ولا علم سفيان ومن تقدم من فقهاء الأمصار كعلم أحمد بن حنبل؛ لأنه كان أجمع لها وأبصر بمتقنهم وغالطهم، وصدوقهم وكذوبهم منه. قلت: فهذا بيان لقوة علمه وفضله الذي حث على إتباعه عامة المتبعين؛ فأما المجتهد من أصحابه، فإنه يتبع دليله من غير تقليد له، ولهذا يميل إلى إحدى الروايتين عنه دون الأخرى، وربما اختار ما ليس في المذهب أصلاً، لأنه تابع للدليل، وإنما ينسب هذا إلى مذهب أحمد لميله إلى عموم أقواله. فصل فإن قال أصحاب أبي حنيفة: إن أبا حنيفة قد لقي الصحابة؛ فالجواب

من وجهين: أحدهما: أن الدارقطني قال: لم يلق أبو حنيفة أحداً من الصحابة، وقال أبو بكر الخطيب: رأى أنس بن مالك. والثاني: أنه لقي الصحابة سعيد بن المسيب وغيره ولم يقدموهم عليه. فإن قال أصحاب مالك: إنه لقى التابعين، بطل بالتابعين الذين لقيهم، فإنهم قد لقوا الصحابة وهو مقدم عليهم عندهم، فإن قالوا: هو عالم دار الهجرة فمسلم، إلا أن صاحبنا ضم علمه إلى غيره. فإن قال أصحاب الشافعي: له نسب يلاصق نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه السلام: "قدموا قريشاً ولا تقدموها، وتعلموا من قريش ولا تعالموها". قلنا: قرب نسبه لا يوجب تقديمه في العلم على غيره، فإن عموم علماء التابعين كانوا من الموالي، كالحسن، وابن سيرين، وعطاء، وطاوس، وعكرمة، ومكحول وغيرهم، وتقدموا على خلق كثير من أهل الشرف بالنسب، لأن تقدمهم كان بكثرة العلم لا بقرب النسب. وقد أخذ الناس بقول ابن مسعود وزيد ما لم يأخذوا بقول ابن عباس. فأما قوله: "قدموا قريشاً". فقال إبراهيم الحربي: سئل أحمد عن ذلك فقال: يعني في الخلافة، "ولا تعالموها": محمول على النبي صلى الله عليه وسلم. فإن قالوا:

كان الشافعي فصيحًا فمسلم، وذلك لا يعطي التقدم على غيره، لأن التقدم بكثرة العلم. على أنه قد أخذ عليه كلمات، فقالوا: قد قال: ماء مالح. وإنما يقال: ملح، وقال: {أَلّا تَعولوا}: يكثر عيالكم. ومعناه عند اللغويين: أن لا تميلوا. وقال: إذا أشلى كلباً- يريد: أغراه- وإنما الإشلاء عند العرب الاستدعاء. وقال: ثوب يسوى كذا، والعرب تقول: يساوي. وقال أبو بكر المروزي: كان أحمد بن حنبل لا يلحن في الكلام. فإن قالوا: فقد روى عنه، قلنا: لأنه كان أكبر سناً منه، وقد روى الشافعي عن مالك وهو مقدم عندكمعليه، على أنه قد روى الشافعي عن أحمد أيضاً على ما قد سبق بيانه. قال البويطي: سمعت الشافعي، يقول: كل شيء في كتبي [حدثني الثقة، فهو أحمد بن حنبل]. وقال بعض أهل العلم: فهو أحمد بن حنبل. هذا قدر الانتصار لاختيارنا ورحمة الله على الكل، وللناس فيما يعشقون مذاهب.

................................................................................................

الباب التاسع والتسعون في فضل أصحابه وأتباعه

الباب التاسع والتسعون في فضل أصحابه وأتباعه أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا أبو الفتح بن أبي الفوارس، قال: أخبرنا عمر بن جعفر بن سلم قال: حدثنا أحمد ابن علي الأبار، قال: قال عبد الوهاب الوراق: إذا تكلم الرجل في أصحاب أحمد فاتهمه، فإن له خبيئة. ليس هو بصاحب سنة. أنبأنا أبو القاسم الحريري، عن أبي إسحاق البرمكي، عن عبد العزيز بن جعفر، قال: أخبرنا أبو بكر الخلال، قال: حدثنا محمد بن علي السمسار، قال: حدثنا أبو داود، قال: سمعت أبا بكر أحمد بن محمد الأثرم، يقول: ربما يترك أصحاب أحمد بن حنبل أشياء ليس لها تبعة عند الله، مخافة أن يعيروا بأحمد ابن حنبل. أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا محمد ابن الحسين بن خلف، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحنائي، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله الطرسوسي، قال: حدثنا أبو العباس البردعي، قال: حدثنا أحمد بن طاهر، قال: حدثنا العباس، قال: سمعت أبا الفضل يقول: بلغني أنه ذكر عند المتوكل بعد موت أحمد أن أصحاب أحمد يكون بينهم وبين أهل البدع الشر، فقال المتوكل لصاحب الخبر: لا ترفع إلي من أخبارهم شيئاً،

وشدَّ على أيديهم, فإنهم وصاحبهم من سادَة أُمة محمد, وقد عرف الله لأحمد صبره وبلاءه, ورفع علمه أيام حياته وبعد موته, أصحابه أجلِّ الأصحاب, وأنا أظن أن الله تعالى يُعطى أحمد ثواب الصدّيقين. أخبرنا محمد بن أبى منصور, قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر, قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر, قال: حدثنا أبو بكر الخلال, قال: حدثنا المُّروذى, قال: قال لى ابن سُحت, خَتن ابن حباب الجوهرى: رأيتُ فى المنام جماعة ورجلًا عليه ثياب بيض يقول: غَفر الله لأحمد ابن حنبل ولكل من ذَبّ عنه. سمعت أبا بكر بن عبد الباقى البزاز, يقول: سمعتُ أبا المظفر هناد إبراهيم النسفى, يقول: سمعتُ أبا القاسم عبد الواحد بن عبد السلام بن الواثق, يقول: سمعتُ بعض الصالحين, يقول: رُئى بعض الصالحين فى النوم فقيل له: ما فَعل الله بك؟ فقال: غَفر لى. قيل: مَن وجدت أكثر أهل الجنة؟ قال: أصحاب الشافعى. قال: فأين أصحاب أحمد بن حنبل؟ قال: سألتنى عن أكثر أهل الجنة, ما سألتنى عن أعلى أهل الجنة, أصحاب أحمد أعلى أهل الجنة, وأصحاب الشافعى أكثر أهل الجنة. أنبأنا أحمد بن الحسن بن البَنّا, قال: أنبأنا أبى, قال: قال أبو حفص عمر ابن المسلم العُكْبَرى: حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن سَهل الثقفى, قال: حدثنا أبو بكر, قال: حدثنا يحيى بن أحمد الخَواص, قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم, قال: حدثنا يزيد بن أبى يزيد, قال: حدثنا يحيى الحِمَّانى, قال: رأيتُ فى المنام كأنى فى صُفة لى, إذ جاءَ النبى صلى الله عليه وسلم, فأخذَ

بعضادتي الباب. ثم أذَّن وأقام, وقال: نَجا الناجون وهلكَ الهالكون. فقلت: يا رسول الله, من الناجون؟ قال: أحمدُ بن حنبل وأصحابه. أنبأنا أحمد بن الحسن, قال: أخبرنا أبى, قال: حكى أبو الحسن على بن عبد الواحد, قال: حدثنى أبو عبد الله الحسين بن أحمد الحربى, قال: رأيتُ فى النوم كأنى فى جَماعة, وكأنا قد اعتُقلنا جماعتنا, وكأنى مكروب من الاعتقال, فإذا بقائل يقول: أى شىءٍ أنتم؟ فقلت: حَنابلة. فقال: قوموا فإن الحنابلة لا يعتقلون. وكأن قائلًا يقول: ما من أحد اشتَمل على هذا المذهب فحوسب. وكان ابن عقيل - رضى الله عنه - يقول: هذا المذهب إنما ظَلمه أصحابه, لأن أصحاب أبى حَنيفة والشافعى إذا بَرع أحد منهم فى العلم تَولى القَضاء وغيره من الولايات. فكانت الوِلاية سَبَبًا لتدريسه واشتِغاله بالعلم؛ فأما أصحاب أحمد, فإنه قَلَّ فيهم من تَعلَّق بطرف من العلم إلا ويخرجه ذلك إلى التَّعبد والتَّزهد لغلبة الخَير على القوم, فيَنقطعون عن التشاغل بالعلم.

الباب المئة فى ذكر أعيان أصحابه وأتباعه من زمانه إلى زماننا

الباب المِئة فى ذكر أعيان أصحابه وأتباعه من زمانه إلى زماننا أما مَن صحب أحمد وتَبع مذهبه من العلماءِ والأخيار فى زمانه, فخلقٌ كثير, وكذلك من تَبع مذهبه بعد وفاته إلى زماننا هذا عدد يَفوت الإحصاء, وإنما أذكر من كِبار الأعيان المشتَهرين بالذكر, وقد جعلتهم تسع طَبقات, والله الموفق. ذِكر المختارين من الطبقة الأولى: وهُم الذين صحبوا أحمد ونقلوا عنه أحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقى, وقد سمع من إسماعيل بن عُلية, ويَزيد بن زُرَيع, وهُشَيم. أحمد بن أصرم بن خُزيمة المزنى, وقد سمع من عبد الأعلى بن حَمّاد, وغيره. أحمد بن جَعفر الوَكيعى, وقد سَمع من وكيع, وأبى معاوية. أحمد بن حُميد أبو طالب المُشكانِى, وكان فقيرًا صالحًا. أحمد بن أبى خَيثمة زُهير بن حرب, وقد سَمع من عفّان, وأبى نُعيم, وكان من كبار العلماءِ المصنفين.

أحمد بن سعيد الدارمى

أحمد بن سعيد الدَّارِمى. أحمد بن سَعيد بن إبراهيم الزُّهرى. أحمد بن صالح المصرى, وكان من كبار الحفاظ. أحمد بن الفُرات أبو مسعود الضُبِّى, وقد سمع من يزيد بن هارون. أحمد بن محمد بن الحجاج أبو بكر المَرُّوذى, كان وَرعًا صالحًا خَصيصًا بخدمة أحمد, كان يبعثه فى حوائجه ويقول: كُلِّ ما قلتَ فهو على لسانى وأنا قلتُه. وكان أحمد يقدمه ويأكل من تَحت يده, ولما قدم أحمد من العسكر, كان يقول: جزى الله أبا بكر المروذى خيرًا. وهو الذى تولى إغماض أحمد لما مات وغسله, وروى عنه أحاديث ومسائل كثيرة. أنبأنا هبة الله بن أحمد الحريرى, قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكى, عن عبد العزيز بن جعفر, قال: سمعتُ أبا بكر الخلال, يقول: خرجَ أبو بكر المروذى إلى الغَزو, فشيعه الناس إلى سامرًا, فجعل يَردُّهم فلا يرجعون, قال: فحُزِروا فإذا هم بسامَرًا - سوى من رجع - نحو من خَمسين ألف إنسان. فقيل له: يا أبا بكر, احمِد الله فهذا علم قد نشر لك. قال: فَبكى, ثم قال: ليس هذا العلم لى, وإنما هذا علم أحمد بن حنبل. قال الخلال: وأخبرنا العباس بن نَصر, قال: مضيت أُصلى على قبر

أحمد بن محمد بن خالد أبو العباس البراثى

المَرُّوذى, فرأيتُ مشايخ عند القبر وسمعتُ بعضهم يقول لبعض: كان فلان هاهنا أمس فنام وانتبه من نومه فزعًا. فقلت: أى شىء القصة؟ فقال: رأيتُ أحمد ابن حنبل راكبًا, فقلت: إلى أين يا أبا عبد الله؟ فقال: إلى شَجرة طوبى نَلحق أبا بكر المروذى. توفى المَرُّوذى لستٍ خلون من جمادى الأولى سنة خمس وسبعين ومئتين, ودفن فريبًا من قبر أحمد, وتولى الصلاة عليه هارون بن العباس الهاشمى. أحمد بن محمد بن خالد أبو العباس البَراثى, وقد سمع من على بن الجَعد. أحمد بن محمد بن هانئ أبو بكر الأثرم, وكان من حفاظ الحديث, قال فيه يحيى بن مَعين: كان أحد أبويه جنى وقد سمع من عفان, وأبى نُعيم, وتشاغل بمسائل أحمد, وصنفها. أحمد بن منصور الرَّمادِى, نقل عن أحمد, وقد روى عن عبد الرزاق. أحمد بن ملاعب بن حيان, وقد سمع من عَفان وأبى نُعيم. أحمد بن نصر الخزاعى, جالس أحمد واستفاد منه, وقد سمع من مالك وهُشيم. أحمد بن يحيى ثعلب, وكان يقال: ما يرد القيامة أعلم بالنحو من ثعلب,

إبراهيم بن إسحاق الحربى

وكان صدوقًا دَيّنًا, وكان له مال, خلف نحوًا من ثمانية آلاف دينار. إبراهيم بن إسحاق الحربى, ولد سنة ثمان وتسعين ومئة, وسمع أبا نُعيم الفَضل بن دُكَيْن, وعفان بن مسلم, وعبد الله بن صالح العِجلى, وموسى بن إسماعيل النَّبُوذَكى, ومُسَدَّدًا, وخلقًا كثيرًاا. وكان إمامًا فى جميع العلوم مُتقنًا, ومصنفًا مُحسنًا, وعابدًا زاهدًا, ونقل عن أحمد مسائل حسانًا. قال الدَّارَقُطْنى: كان إبراهيم الحربى, يقاس بأحمد بن حنبل فى زُهده وعلمه وورعه. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت, قال: حدثنى الأزهرى, قال: سمعتُ أبا سعد عبد الرحمن بن محمد الإسْتِراباذى, يقول: سمعتُ أبا أحمد بن عُدى, يقول: سمعتُ أبا عِمران الأشيب, يقول: قال رجل لإبراهيم الحربى: كيفَ قويتَ على جَمْع هذه الكتب؟ فغضب, وقال: بلحمى ودمى, بلحمى ودمى. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد, قال: أخبرنا أحمد بن على, قال: حدثنى محمد بن على الصُّورى, قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد التُّجِيبى, قال: حدثنا محمد بن إسحاق المُلْحَمى, قال: سمعتُ عبد الله بن أحمد يقول: كانَ أبى يقول لى: امض إلى إبراهيم الحربى حتى يُلقى عليك الفرائض.

إبراهيم بن إسحاق النيسابورى

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد, قال: أخبرنا أحمد بن على, قال: حدثنى عبد العزيز بن أبى طاهر الصوفى, حدثنى عبد الوهاب بن جعفر الميدانى, قال: حدثنا أبو سُليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن زيد, قال: حدثنى أبى, قال: قال أبو على الحُسين بن قهم - وذكر إبراهيم الحربى -: والله يا أبا مُحمد, لا ترى عيناك مثل أبى إسحاق أيام الدنيا, لقد رأيتُ وجالستُ الناس من صنوف أهل العلم والحذق من كل فن؛ فما رأيتُ رجلًا أكمل فى ذلك كله من أبى إسحاق. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد, قال: أخبرنا أحمد بن على, قال: حدثنى الحَسن بن محمد الخَلّال, قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عِمران, قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن درسْتويه, قال: اجتمع إبراهيم الحربى وأحمد بن يَحيى ثعلب, فقال ثعلب لإبراهيم: متى يستغنى الرجل عن ملاقاة العلماء؟ فقال له إبراهيم: إذا علم ما قالوا, وإلى أى شىءٍ ذهبوا فيما قالوا. توفى إبراهيم الحربى ببغدا سَنة خمس وثمانين ومئتين, وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضى, وكان الجمع كثيرًا جدًا, ودفن فى بيته وقَبره اليوم ظاهر يُتَبرك به. إبراهيم بن إسحاق النيسابورى, وكان أحمد يَنبسط فى منزله ويُفطر

إبراهيم بن الحارث بن مصعب الطرسوسى

عنده. إبراهيم بن الحارث بن مصعب الطَّرَسُوسى, كان أحمد يعظمه ويبسطه, فربما توقف أحمد عن جواب المسألة, فيجيب هو, فيقول له أحمد: جزاك الله خيرًا يا أبا إسحاق. إبراهيم بن هانئ النيسابورى, وكان من العلماءِ العُباد, وفى بيته اختفى أحمد فى أيام الواثق. إسماعيل بن إسحاق السّراج, وقد سمع من يحيى بن يحيى, وإسحاق بن راهوية, ونقل عن أحمد. إسماعيل بن يوسف الدَّيُلَمى, جمع بين حفظ العلم والتعبد, وله كرامات قد ذكرناها فى كتاب (صفة الصفوة). إسحاق بن منصور الكَوْسَج, سمع سفيان بن عُيَيْنَة, ويحيى بن سعيد, وعبد الرحمن بن مَهدى, ووكيعًا فى آخرين, وروى عن أحمد, وأخرج عنه البخارى ومسلم. بشر بن موسى الأسدى, وقد سمع من رَوح بن عُبادة وغيره. بَدر بن أبى بدر أبو بكر المَغَازلى, واسمه أحمد, إنما لُقب ببدر فغلب عليه, واسم أبى بَدر المنذر, وكان الإمام أحمد يقدمه ويكرمه ويقول: من مثل

جعفر بن محمد النسائى

بدر قد مَلك لسانه, وكان صبورًا على الفقر والزهد. جعفر بن محمد النَّسائى, كان أحمد يكرمه ويأنس به. زكريا بن يحيى الناقد, يكنى أبا يحيى, كان عابدًا وكان أحمد يقول عنه: هذا رجل صالح, وكان يقول: اشتريتُ من الله تعالى حَوراء بأربعة آلاف خَتمة, فلما كان آخر ختمة سمعتُ الخطاب من الحَوراء, وهى تقول: وفيتَ بعهدك, أنا التى اشتَريتنى. فيقال: إنه مات عن قريب. عبد الله بن محمد بن أبى الدنيا, روى عن أحمد أنه سأله: متى يُصلى على السَّقط. فقال: إذا كان لأربعة أشهر. وقد روى عن رجل عن أحمد فى مواضع من تصانيفه. عبد الله بن محمد بن المهاجر, أبو محمد المعروف بفُوران, وقد حدث عن شُعيب بن حرب, ووكيع, وأبى معاوية, وغيرهم, وكان أحمد يُجله ويَأنس إليه, ويَستقرض منه. عبد الوهاب الورّاق, جَمع بين العلم والتقى, وقيل لأحمد: من نَسأل بعدك؟ فقال: سَلوا عبد الوهاب, فإنه رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق. وتوفى عبد الوهاب سنة إحدى وخمسين ومئتين. عبد الملك بن عبد الحميد الميمونى, وقد سمع من ابن عُليّة, ويزيد بن هارون, وكان أحمد يكرمه.

عباس بن محمد الدورى

عباس بن محمد الدُّورى, وقد سمع من شَبَابَة بن سَوَّار, وهاشم بن القاسم, وعَفان. عبدوس بن مالك أبو مُحمد العَطار, حدَّث عن شَبابة, وأحمد, ويحيى ابن مَعين, وكانت له منزلة من أحمد. الفَضل بن زياد القطان, كان يصلى بأحمد وروى عنه كثيرًا. محمد بن موسى بن مُشيش, كان جار أحمد وصاحبه, وكان أحمد يقدمه. مُثنى بن جامع الأنبارى, ويقال: إنه كان مُجاب الدعوة. مُهنَّأ بن يَحيى الشامى, وقد روى عن يَزيد بن هارون وعبد الرزاق, وهو من كبار أصحاب أحمد, وكان أحمد يُكرمه ويَعرف له حق الصحبة, وكان يسأل أحمد حتى يضجره وهو يَحتمل. قال الدَّارَقُطْنى: مُهَنَّأ ثِقة نَبيل.

تسمية المختارين من الطبقة الثانية

تسمية المختارين من الطبقة الثانية أحمد بن جعفر بن المنادى, سمع جده محمدًا, وعباسًا الدُّورى, وأبا داود السِّجستانى فى خلق كثير, وكان دَيّنًا راسخًا فى العلم حُجة, صَنّف نحوًا من أربع مئة مصنف, وتوفى فى مُحرم سنة ستٍ وثلاثين وثلاث مئة, ودُفن فى مقبرة الخَيزران. أحمد بن جَعفر بن حمدان القَطِيعى, سمع بشر بن موسى, والكُدّيْمى, وروى (المسند) عن عبد الله بن أحمد, وكان صاحب سنة, وتوفى فى ذى الحجةٍ سنة ثمان وستين وثلاث مئة, ودُفن بقرب الإمام أحمد. أحمد بن سُليمان أبو بَكر النَّجَاد, جمع العلم والزهد, وكانت له حلقة بجامع المنصور, يُفتى قبل الصلاة, ويُملى الحديث بعدها, وصنف كتاب (الخِلاف) نحو مئتى جزء, وقد سَمع من أبى داود السجستانى وغيره, وكان يصوم الدهر ويُفطر كل ليلة على رَغيف. وتُوفى فى ذى القعدة سنة ثمان وأربعين وثلاث مئة, ودُفن قريبًا من بشر الحافى. أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر الخَلّال, صَرف عنايته إلى جمع علوم أحمد بن حنبل, وسافر لأجلها, وكتبها عاليةً ونازلةً, وصَنفها كتبًا, منها

الحسن بن على بن خلف أبو محمد البربهارى

كتاب (الجامع) نحو من مئتى جزء, ولم يقاربه أحد من أصحاب أحمد فى ذلك, وكانت حلقته بجامع المهدى. تُوفى يوم الجمعة قَبل الصلاة ليومين خَلون من ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثلاث مئة, ودُفن يوم السبت إلى جانب المُّروذى. الحسن بن على بن خلف أبو محمد البَرْبَهارى, جَمع العلم والزهد وصحب المرُّوذى, وسهلًا التُّسْتُرى, وتنزه عن ميراث أبيه, لأمر كرهه عن سبعين ألف درهم, وكان البَرْبهارى شديدًا على أهل البدع, فما زالوا يُثقلون قلب السلطان عليه, وكان ينزل بباب محوَل, فانتقل إلى الجانب الشرقى, واستتر عند أخت توزون, فَبقى نحوًا من شهر, ثم أخذه قيام الدم فمات, فقالت المرأة لخادمها: انظر من يغسله وغلقت الأبواب حتى لا يعلم أحد, فجاءَ الغاسل, فغسله ووقف يصلى عليه وحده, فاطلعت فإذا الدار ممتلئة رجالًا بثياب بيض وخضر, فاستدعت الخادم, وقالت: ما الذى فعلت؟ فقال: يا سيدتى رأيت ما رأيتُ؟ قالت: نعم. قال: هذه مفاتيح الباب وهو مغلق فقالت: ادفنوه فى بيتى, وإذام متُ فادفنونى عنده, فدفنوه فى دارها وماتت بعده فدفنت هنالك, والمكان بقرب دار المملكة بقرب دار المملكة بالمخَرّم. وقرأت بخط شيخنا أبى الحسن, ابن الزَّاغُونى, قال: كشف قبر أبى مُحمد البَرْبهارى وهو صَحيح لم يَرم, وظهر من قبره روائح الطيب حتى ملأت مدينة السلام. الحسين بن عبد الله الخِرقى, أبو على والد أبى القاسم, كان يُدعى خليفة المرُّوذى, وكان أكثر صحبته له توفى فى شوال سَنة تسع وتسعين ومئتين.

سليمان بن أحمد الطبرانى

سُليمان بن أحمد الطَّبرانى, كان من الحُفاظ والأشداء فى دين الله تعالى, وله التصانيف, وتوفى بأصبهان سنة ستين وثلاث مئة, ودفن بباب مَدينة أصبهان بجنب قبر حُممة الدَّوسى, صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. عبد الله بن أبى داود السَّجستانى, طافَ به أبوه شرقًا وغربًا, وأسمعَه الحديث الكثير, وله الحفظ الوافر والتصانيف المشهورة, وحدَّث عن على بن خَشْرَم, وسَلَمة بن شَيب وغيرهما. وتوفى فى ذى الحجة سنة ستّ عشرة وثلاث مئة, وقيل: صلّى عليه أكثر من ثلاث مئة ألف, وصلّوا عليه ثمانين مرة. عبد الرحمن بن أبى حاتم الرازى, ذو علم غزير, وتَصنيف كثير, وروى عن أبيه, وصالح بن أحمد وغيرهما, وتوفى سنة سبع وعشرين وثلاث مئة. عمر بن محمد بن رجاء أبو حَفص العُكبرى, جمع العلم والزهد, حدَّث عن عبد الله بن أحمد, وروى عنه ابن بَطَّة, وكان ابن رَجاء إذا مات بُعكْبَرا

عثمان بن أحمد الدقاق المعروف بابن السماك

رافضي, فبلغه أن بَزازًا باع له كفنًا, أو غاسلاً غسله, أو حمالًا حمله, هجره على ذلك. عثمان بن أحمد الدقاق المعروف بابن السمّاك, سَمع محمد بن عُبيد الله المُنّادِى, وحنبل بن إسحاق, وكان ثقةّ ثبتًا صالحًا. وتوفى يوم الجمعة بعد الصلاة, ودُفن يوم السبت لثلاث ليال بَقين من ربيع الأول سَنة أربع وأربعين وثلاث مئة بمقبرة باب الدَّير. على بن محمد بن بشار, أبو الحسن العالم الزاهد, روى عن أبى بَكر المرُّوذى, وصالح بن أحمد, وكان المشايخ كالبَربَهاى والخَلّال يُعظمونه ويقصدونه, وكانت له كرامات. وكان يُذكر الناس فيفتح كلامه, فيقول: (وإنك لتعلم ما تُريد) فسأله رجل: ما الذى تريد؟ فقال: هو يَعلم أنى ما أريد من الدنيا والآخرة سواه. وكان يقول: من قال لكم من أهل الأرض إنه يعرف مَطعم ابن بشار منذ أربعين سَنة فقد كذب, ومن قال لكم: إن لابن بشار حاجة إلى مخلوق منذ أربعين سنة فقد كذب, أو إن ابن بشار سأل مخلوقًا حاجة منذ أربعين سنة فقد كذب. وكان يقول: أعرف رجلًا منذ ثلاثين سنة ما تكلم بكلمة يعتذر منها, وأعرف رجلًا منذ ثلاثين سنة, يشتهى أن يشتهى فما يجد شيئًا يشتهى.

محمد بن أحمد بن الحسن بن الصواف, أبو على

توفى فى سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة. محمد بن أحمد بن الحسن بن الصواف, أبو على, سمع عبد الله بن أحمد فى آخرين. قال الدَّارقُطْنى: ما رأت عيناى مثل أبى على بن الصواف. محمد بن الحُسين بن عبد الله, أبو بكر الآجرى, جمع العلم والزُّهد, وصنف تصانيف كثيرة, وسكن مكة حتى توفى بها. محمد بن عبد الواحد أبو عُمر اللغوى, الزاهد المعروف بغلام ثعلب, كان حافظًا للغة, مُتصونًا فى نفسه. توفى سنة خمس وأربعين وثلاث مئة. أخبرنا أبو منصور القزاز, قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن على, قال: أخبرنا على بن أبى على, قال: أخبرنا على بن أبى على, عن أبيه, قال: أملى أبو عُمر غُلام ثعلب من حفظه ثلاثين ألف وَرقة لغة فيما بلغنى. محمد بن القاسم بن محمد بن بشار, أبو بكر الأنبارى, كان من أعلم الناس بالنحو والأدب وأكثرهم حفظًا له, وسمع الحديث من إسماعيل بن إسحاق القاضى, والكُدَيمى, وثعلب وغيرهم, وصنف كتبًا كثيرة, كان يمليها من حفظه, وكان صدوقًا خيرًا من أهل السنة. أخبرنا القزاز, قال: أخبرنا الخطيب, قال: أخبرنا أبو العلاء الواسطى, قال: قال محمد بن جعفر التميمى: حدّثنى أبو الحسن العَرُضى: قلتُ لأبى بكر الأنبارى: كم تَحفظ؟ قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقًا. وتوفى ليلة النحر من ذ الحجة سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.

ذكر المختارين من الطبقة الثالثة

ذكر المختارين من الطبقة الثالثة أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل البَرْمَكى, صحب أصحاب أحمد, واختص بصُحبة أبى الحسن بن بشار. عمر بن الحُسين أبو القاسم الخِرقى, قرأ على أصحاب المُّروذى, وكانت له مصنفات لم تنتشر عنه, لأنه خرج من بغداد لما ظهر سَبٌ السلف, وأودع كتبه فى دار سليمان, فاحترقت الدار والكتب. وتوفى بدمشق سنة أربعين وثلاثين وثلاث مئة. عبد العزيز بن جعفر بن أحمد أبو بكر غُلام الخلّال, حدَّث عن محمد بن عثمان بن أبى شيبة, وموسى بن هارون, وقاسم المُطرِّز, وأبي القاسم البَغوى فى خلق كثير, وله المصنفات الحِسان الكبار. وتوفى فى شوال سنة ثلاث وستين وثلاث مئة. أنبأنا يحيى بن الحسن بن البنا, قال: أنبأنا أبو يَعلى محمد بن الحسين, قال: بَلغنى أن عد العزيز بن جعفر, قال فى عِلّته: أنا عندكم إلى يوم الجمعة. فقيل له: يُعافيك الله, فقال: سمعتُ أبا بكر الخلال, يقول: سمعتُ أبا بكر المرُّوذى, يقول: عاش أحمد بن حنبل ثمان وسَبعين ومات يوم الجمعة, ودُفن

أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن شاقلا

بعد الصلاة, وعاش أبو بَكر المُّروذى ثمان وسبعين سنة ومات يوم الجمعة, ودفن بعد الصلاة, وعاش أبو بكر الخَلّال ثمان وسبعين سنة ومات يوم الجمعة, ودُفن بعد الصلاة, وأنا عندكم إلى يوم الجمعة, ولى ثمان وسبعون سنة. فلما كان يوم الجمعة ماتَ ودُفن بعد الصلاة. أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن شَاقلًا, كبير القَدر, سمع من أبى بكر الشافعى ودَعْلَج, وابن الصواف. عبد العزيز بن الحارث بن أسد أبو الحسن التميمى, حدث عن أبى بكر النيسابورى, ونفطويه, والقاضى المحاملى, وصَحب أبا القاسم الخِرقى, وأبا بكر عبد العزيز. إبراهيم بن محمد بن جَعفر أبو القاسم الساجى, سمع إسماعيل الصفار, وأبا عمرو بن السماك, وتخصص بصحبة عبد العزيز بن جعفر. الحسن بن عبد الله أبو على النجاد, كان إمامًا فى الفقه وصحب ابن بشار والبَرْبَهارى. يوسف بن عُمر بن مَسرور أبو الفَتح القواس, سمع البَغَوى, وابن صاعد, ويُقال: إنه كان من الأبدال. عُبيد الله بن محمد بن محمد بن حَمْدان أبو عبد الله بن بطَّة العُكْبَرى, سمع البغوى, وابن صاعد, وخلقًا كثيرًا, وسافر طويلًا فى طلب العلم, وكان له الحظ الوافر من العلم والعِبادة.

عمر بن أحمد بن إبراهيم أبو حفص البرمكى

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا احمد بن على ابن ثابت, قال: حدثنا القاضى أبو حامد أحمد بن محمد اللؤلؤى, قال: لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة, لازم بيته أربعين سنة فلم يُرَ يومًا منها فى سوق, ولا رُئى مفطرًا إلا فى يوم الأضحى والفطر, وكان أمارًا بالمعروف, ولم يبلغه خبر منكر إلا غَيَّره. أو كما قال. أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن على, قال: أخبرنا العَتَيقة, قال: توفى أبو عبد الله بن بَطة فى المحرم سنة سبع وثمانين وثلاث مئة, وكان شيخًا صالحًا مستجاب الدعوة. أخبرنا عبد الرحمن, قال: أخبرنا أحمد بن على, قال: سألتُ عبد الواحد ابن على العكبرى عن وفاة ابن بطة, فقال: دفناه يو عاشوراء. عمر بن أحمد بن إبراهيم أبو حفص البَرْمَكى, كان فقيهًا مصنفًا. محمد بن أحمد ابو الحُسين بن سَمعون, كان واحد دهره فى الكلام بلسان التذكير, وله حظٌّ وافر من العلم والعمل والكرامات, وقد ذكرت من أخباره فى (صفة الصفوة) وأخبار جُمهور المذكورين فى هذا الباب, وأنا أكره الإعادة فى التصانيف, والمقصود هاهنا الإشارة لا البسط. محمد بن الحسن بن قُشيش, كان فقيهًا صدوقًا. محمد بن سيما بن الفتح أبو بكر الحنبلى, سمع البَغَوى, وابن صاعد, وكان صدوقًا.

عمر بن إبراهيم بن عبد الله أبو حفص العكبرى

عمر بن إبراهيم بن عبد الله أبو حفص العُكبرى, سمع من أبى على بن الصواف, وأبى بكر النَّجاد, ودَعْلَج, وصحب أبا بكر عبد العزيز, وله التصانيف الكثيرة. محمد بن إسحاق بن محمد بن مَنْدَة الأصفهانى, ومندة لقب, واسمه إبراهيم, سمع من أبى العباس الأصم وخلق كثير, وكان يقول: كتبت عن ألف وسبع مئة شيخ, وطُفت الشرق والغرب مرتين, ولم أسمع من مُبتدع شيئًا. أحمد بن عبد الله بن الخضر أبو الحُسين السُّوسَنْجِردى, سمع أبا عمرو السماك, والنَّجاد, فى خلق كثير وكان ثقة دَيِّنًا. عثمان بن عيسى أبو عمرو الباقلانى, كان أحد المتعبدين, ولما مات رُئى فى المنام بعض جيرانه من الموتى, فقيل له: كيف فرحكم بجوار عثمان؟ فقال: وأينَ عثمان؟ لما جئ به سَمعنا قائلًا يقول: الفِردوس, الفِردوس. الحسن بن حامد أبو عبد الله, انتهى إليه المذهب, وله التصانيف الواسعة الكثيرة, وتُوفى بطَريق مكة بقرب واقِصة بعد رجوعه من الحج سنة ثلاث وأربع مئة, وكان قد استند إلى حجر قبل موته فجاءَه رجل بقليل ماء, وقد أشفى على التلف, فقال: من أين هذا؟ فقال له: ما هذا وقته, فقال: بلى, هذا وقته عند لقاء الله تعالى.

الحسين بن أحمد بن جعفر أبو عبد الله البغدادى

الحسين بن أحمد بن جعفر أبو عبد الله البغدادى, كان عالمًا عابدًا, لا ينام إلا عن غلبة, ويأكل خُبز الشعير. عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث أبو الفضل التميمى, حدث عن أبى بكر النَّجاد, وأبى بكر الشافعى فى آخرين, وكانت له يد فى علوم كثيرة. وتوفى فى سنة عشر وأربع مئة ودُفن إلى جنب قبر أحمد. أحمد بن موسى بن عبد الله الروشنانى, سَمع أبا بكر القَطِيعى وغيره, وكان عالمًا عابدًا.

ذكر المختارين من الطبقة الرابعة

ذكر المختارين من الطبقة الرابعة عبد السلام بن الفَرج أبو القايم المَزْرَفي, صاحب ابن حامد له تصانيف. الحُسين بن محمد بن موسى أبو عبد الله الفُقَّاعي, فقيه مُناظر وكانت حلقته بجامع المدينة عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث أبو الفرج التيمي, سمع الحديث ورواه, وكانت له حلقة في جامع المنصور للفتوى والوعظ, وتوفى سنة خمس وعشرين وأربع مئة, ودُفن عند قبر أحمد. مُحمد بن أحمد بن أبي موسى أبو علي الهاشمي القاضي, سمع الحديث من محمد بن المُظفّر وغيره, وله التصانيف, وكانت له حلقة بجامع المنصور يُفتي ويشهد. الحسن بن شهاب بن الحسن أبو علي العُكْبري, لازم ابن بطّة, وله حظ وافرٌ من الفقه والحديث والفُتيا والأدب. أحمد بن عمر بن أحمد أبو العباس البَرْمكي, سمع أبا حفص بن شاهين, وأبا القاسم بن حبابة, وكانوا صدوقًا. أخوه إبراهيم بن عمر أبو إسحاق البَرْمَكي, قيل: إن سلفه كانوا يسكنون

محمد بن علي بن الفتح أبو طالب العشاري

قرية تسمى البرمكية فَنُسبوا إليها, صحب ابن بطة وسمع منه, وكانت له حَلقة بجامع المنصور. محمد بن علي بن الفتح أبو طالب العُشاري, له الرواية الواسعة والدين الغزير. سمعتُ شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: خرجَ أبو طالب العُشاري في أيام فِتنةٍ وظلم, فلقيه تُركي, فقال: أي شيء معك؟ فقال: لا شيء, فذهب التركي, فصاح به أبو طالب, فعاد, فقال: اعلم أن رأسَ مالنا الصدق, ومعي درهمان فخُذهما. قال: فتَركه التركي وعرف منزله, فحمى بذلك الفعل محلته كلّها.

ومن الطبقة الخامسة

ومن الطبقة الخامسة القاضي أبو يَعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفَرّاء, سمع الحديث الكثير, ودَرَس الفقه على أبي عبد الله بن حامد, وانتهى إليه علم المذهب, وكانت له التصانيف الكثيرة في الأصول والفروع, وله الأصحاب المتوافرون, وكان فَقيهًا متعففًا, وولي القضاء, وأملى الحديث بجامع المنصور على كرسي عبد الله بن أحمد, فكان المبلغون عنه ثلاثة: أبو مُحمد بن جابر, وأبو مَنصور ابن الأنباري, وأبو عَلي البَرداني. وحَضر خلقٌ لا يحصى. وتوفى في ليلة الاثنين بين العشاءين, ودُفن يوم الاثنين التاسع عشر من رمضان سنة ثمان وخمسين وأربع مئة بمقبرة أحمد, وكان الجمع يزيد على الحد, وأفطر خلقٌ كثير من شدة ما لحقهم من الحَرِّ في الصوم.

ذكر المختارين من الطبقة السادسة

ذكر المختارين من الطبقة السادسة أبو الغَنائم علي بن طالب المعروف بابن زبيبا, كان فقيهًا وله حلقة بجامع المهدي, وتوفي بعد القاضي أبي يعلى بنحو سنة, ودفن قريبًا منه. أبو طاهر عبد الباقي بن محمد البزاز, المعروف بصهر هبة [الله] المقرئ, كان صالحًا معدلًا. أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر الخياط المقرئ, ولد في سنة ست وسبعين وثلاث مئة, وقرأ القرآن على أبي الحين السُّسنجردي, وأبي الحسن الحَمّامي, وسمع الحديث الكثير. وتوفى في جمادي الأُولى من سنة سبع وستين وأربع مئة. أبو الحسن علي بن الحسين بن جَدَا العُكْبري, سمع من أبي علي بن شهاب, وأبي علي بن شاذان, وكان فقيهًا صالحًا فصيحًا. وتوفى فجأة في الصلاة في رمضان سنة ثمان وستين وأربع مئة, ودفن في مقبرة أحمد. أبو جعفر عبد الخالق بن عيسى الهاشمي, سمع الحديث الكثير من أبي

القاسم بن بشران, وأبي محمد الخَلّال, وأبي إسحاق البَرْمكي, والعشاري, وابن المُذهب, وغيرهم. وتفقه على القاضي أبي يعلى, وكان فَقيهًا مصنفًا ديّنًا عفيفًا, وكان أحد شهود أبي عبد الله الدّامغَاني, وتولّى تزكيته القاضي أبو يعلى, ثم ترك الشهادة قبل وفاته. ولم يزل يدرس في مَسجد بسكّة الخرقي من باب البَصرة, وبجامع المنصور, ثم انتقل إلى الجانب الشرقي يُدرس في مسجد مقابل لدار الخِلافة, ثم انتقل في سنة ست وستين لأجل ما لحق نهر المُعلّى من الغرق إلى باب الطّاق, وسكن في درب الديوان من الرُّصافة, ودَرَّس بجامع المهدي, وبالمسجد الذي بباب دَرب الديوان, وكان له مجلس نَظر. ولما احتضر القاضي أبو يعلى, أوصى أن يغسله الشريف أبو جعفر, فلما احتضر القائم بأمر الله, قال: يغسلني عبد الخالق فَفعل, ولم يأخذ مما هُناك شيئًا, فقيل له: قَد وصى لك أمير المؤمنين بأشياء كثيرة, فأبى أن يأخذ, فقيل له: فقميص أمير المؤمنين تتبرك به, فأخذ فوطة نفسه, فنشفه بها, وقال: قد لحق هذه الفوطة بَركة أمير المؤمنين, ثم استدعاه في مكانه المقتدي فبايعه منفردًا. فلما وصل إلى بَغداد ولدُ القُشيري, وظهرت الفتن, وكان هو شديدًا على

عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن مندة الأصبهاني أبو القاسم

المبتدعة, فقمعهم, وكان النَّصر لطائفته, إلا أنه أُخذ وحُبس؛ فضج الناس من حَبسه, فأخرج إلى الحريم الطاهري بالجانب الغربي, فتوفى هناك في يوم الخميس للنصف من صَفر سنة سبعين وأربع مئة وكان يومًا مشهودًا, وحُفر له إلى جانب قبر أحمد, ولزم الناس قبره ليلًا ونهارًا, فيقال: إنه خُتم على قبره في مدة شهور أكثر من عشرة آلاف ختمة. ورآه بعضهم في المنام؟ فقال: ما فَعل الله بك؟ قال: لما وُضعت في قبري رأيتُ قبة من دُرة بيضاء لها ثلاثة أبواب, وقائل يقول: هذه لكَ ادخل من أي أبوابها شئت. ورآه آخر في المنام, فقال: ما فعل الله بك؟ قال: التقيتُ بأبي عبد الله أحمد بن حنبل, فقال لي: يا أبا جعفر, لقد جاهدتَ في الله حق جهاده؛ وقد أَعطاك الله الرضا. عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن مَنْدَة الأصبهاني أبو القاسم, له التصانيف, وكان من أهل السنّة الكبار, توفى سنة سبعين وأربع مئة. أبو بكر أحمد بن محمد الرازي المقرئ, المعروف بابن حَمدويه, سمع من أبي الحسين بن سَمعون وغيره, وتفقه على القاضي أبي يعلى, وتوفي في ذي الحجة سنة سبعين. أبو علي الحسن بن أحمد بن البنا, سمع الحديث الكثير وقرأ بالقراءات, وتفقه على القاضي أبي يعلى, ودرس التصانيف الكثيرة في فنون العلوم. وقال: صنفت خمس مئة مصنّف, وكانت له حلقة للفقه والحديث, وتوفي في رجب سنة إحدى وسبعين, ودفن بمقبرة أحمد.

أبو الوفاء طاهر بن الحسين بن القواس

أبو الوفاء طاهر بن الحسين بن القَّوّاس, كانت له حلقة بجامع المنصور يُفتي ويعظ, كان يُدرس الفقه ويُقرئ القُرآن, وكان زاهدًا أمَارًا بالمعروف, أقام في مسجده نحوًا من خمسين سنة, وأجهد نفسه في العبادة وخُشونة العيش, وتوفي في ليلة الجمعة سابع شَعبان من سنة ثلاث وسبعين, ودُفن إلى جانب الشريف أبي جعفر. علي بن أحمد بن الفَرج البزّاز المعروف بابن أخي نَصر العُكْبري, سمع من أبي علي بن شاذان, والحسن بن شهاب العُكبري, وكان له تقدُّم في القرآن والحديث والفقه والفرائض, وجمع إلى ذلك النُّسك والورع, وتوفي سنة ثلاث وسبعين. أبو الفتح عبد الوهاب بن أحمد الحَرّاني, سمع الحديث من أبي علي ابن شاذان, والبرقاني, وتفقه على القاضي أبي يعلى, وكان يُدرس ويُفتي ويَعظ؛ واستشهد في سنة ست وسبعين وأربع مئة. أبو علي يعقوب بن إبراهيم البرزبيني, - وبرزبين قرية بين بغداد وأوانا - سمع الحديث من أبي إسحاق البَرْمكي, وتفقه على القاضي أبي يعلى, وشَهد في اليوم الذي شهد فيه الشريف أبو جعفر, وزكّاهما القاضي أبو يعلى, ودَرّس أبو علي في حياة شيخه, وولّاه القاضي قضاء باب الأزج.

أبو محمد شافع بن صالح بن حاتم الجيلي

وتوفي في شوال سنة ثمان - وقيل: سنة ست - وثمانين وأربع مئة, ودُفن بباب الأَزج, إلى جانب عبد العزيز غُلام الخلال. أبو محمد شافع بن صالح بن حاتم الجيلي, سمع من أبي علي بن المُذهب, وتفقه على القاضي أبي يعلى, وكان مُتعففًا مُتقشفًا ذا صلاح, توفي في سنة ثمانين. أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهَرَوي, كان يُدعى شيخ الإسلام, وكان شديدًا على المبتدعة عالمًا بالحديث, وكان يقول: مذهبُ أحمدَ, أحمدُ مذهبٍ. ومن شعره: أنا حَنبلي ما حييتُ فإن أمتْ ... فوصيتي ذاكُم إلى إخْواني إذ دينُه ديني وديني دينُه ... ما كنت إمَّعة له دينان وتوفي في سنة إِحدى وثمانين. أبو الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي, تفقه على القاضي أبي يعلى, واجتمع له العلم والزهد, وله كرامات وتُوفي بدمشق سنة ست وثمانين. أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التيمي, تفقه على القاضي أبي علي بن أبي موسى. وكانت له المعرفة الحسنة بالقرآن والحديث والفقه والأُصول والتفسير واللّغة العربية والفَرائض, وكان حسن الأخلاق, وكان يَجلس في حلقة أبيه بجامع المنصور للوعظ والفتوى, ثم انقطع, فصار يَمضى في السنة أربع دفعات في رَجب وشعبان, فيعقد المجلس عند قَبر أحمد.

أبو عبد الله محمد بن الحسن الراذاني

ومولده سنة أربع مئة, وتوفي سنة ثمان وثمانين وأربع مئة, ودُفن في داره بباب المراتب, ثم نُقل بعد ذلك إلى مَقبرة أحمد لما توفي ابنه أبو الفضل سنة إحدى وتسعين. أبو عبد الله محمد بن الحسن الراذاني, سمع من القاضي أبي يعلى, وكان كثير التهجد, ملازمًا للصيام وكانت له كرامات, وتوفي سنة أربع وتسعين, ودُفن بأوانا. أبو علي أحمد بن محمد البَرَداني, تفقه على القاضي أبي يعلى, وسمع الحديث الكثير وله به المعرفة التامة, وتوفي في شوال سنة ثمان وتسعين. أبو منصور محمد بن أحمد بن علي بن عبد الرزاق الخيّاط, وكان من أهل القرآن الأخيار, وسمع الحديث الكثير, وتفقه على القاضي أبي يعلى, كان كثير الصيام والصلاة وله كرامات, وتوفي في محرم سنة تسع وتسعين, وقد بلغ سبعًا وتسعين سنة, ودفن في دكة قبر أحمد. أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد العُلبي, أحد المشهورين بالزهد والصلاح, سمع الحديث على القاضي أبي يعلى, وقرأ عليه شيئًا من المذهب؛ وكان يعمل بيده تجصيص الحيطان, ثم ترك ذلك, ولازم المسجد يُقرئ القرآن ويؤم الناس؛ وكان عفيفًا لا يقبل من أحد شيئًا, وكان يذهب بنفسه كل ليلة إلى دجلة فيأخذ في كوزٍ له ما يُفطر عليه, وكان يمشي بنفسه في حوائجه ولا يستعين بأحد. وكان إذا حجَّ يزور القبور بمكة, ويجيء إلى قبر الفُضيل بن عياض, ويخط

أبو الفتح محمد بن علي الحلواني

بعصاه, ويقول: يا ربّ هاهنا, يا ربّ هاهنا, فاتفق أنه خرج في سنة ثلاث وخمس مئة إلى الحج, وكان قد وقع من الجمل في الطريق دفعتين؛ فشهد عَرفَة مُحرمًا, وتوفي عشية ذلك اليوم في أرض عرفات, فحمل غلى مكة وطيف به البيت, ودُفن في يوم النَّحر إلى جنب قبر الفُضيل بن عياض. أبو الفتح محمد بن علي الحلواني, شاهَدَ القاضي أبا يعلى, لكنه تفقه على يعقوب البرزبيني, والشريف أبي جعفر؛ ثم درس في المسجد الذي كان يدرس فيه الشريف بالحرم. وتوفي في ذي الحجة سنة خمس وخمس مئة. أبو منصور علي بن محمد بن الأنباري, تَفقه على القاضي أبي يعلى, وسمع الحديث الكثير, وكان أحد الشهود والواعاظ. وتوفي في سنة سبع وخمس مئة. أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي, انتهت إليه الرئاسة فيب الأصول والفروع, وله الخاطر العاطر, والفهم الثاقب, واللّباقة والفِطنة البغدادية, التبريز في المناظرة على الأقران, والتصانيف الكبار. ومن طالع مُصنفاته, أو قَرأ شيئًا من خواطره وواقعاته في كتابه المسمى "بالفنون" وهو مئتا مجلد, عَرف مقدار الرجل, ووقع إليَّ من هذا الكتاب نحو من مئة وخمسين مُجلدة. سمع أبا بكر بن بشْران, وأبا الفتح بن شيطا, وأبا محمد الجوهري, والقاضي أبا يعلى, وغيرهم.

أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلواذي

ومولده في سنة ثلاثين وأربه مئة, وروى بعضهم: سنة إحدى وثلاثين. وتوفى في سنة ثلاث عشرة وخمس مئة. أبو الخطاب مَحفوظ بن أحمد الكَلْواذي, ولد في شوال سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة, وسمع من الجوهري, والعشاري, والقاضي أبي يعلى. وبرع في الفقه, وصنَّف, ونفع بتصنيفه لحسن قصده. وتوفي سحرة يوم الخميس, ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة, الثالث والعشرين من جمادي الآخرة, سنة عشر وخمس مئة.

ذكر المختارين من الطبقة السابعة

ذكر المختارين من الطبقة السابعة أبو سعد المبارك بن علي المُخرِّمي, سمع أبا الحسين بن المهتدي, وابن المأمون, وابن النَّقور, وتفقه على يعقوب, والشريف أبي جعفر, وولي قضاءَ باب الأزج. وتوفي في محرم سنة ثلاث عشرة وخمس مئة. علي بن المبارك بن الفاعوس أبو الحسن, كان زاهدًا حسن الطريقة, وسمع من القاضي أبي يعلى وغيره. وتوفي في شوال سنة إِحدى وعشرين وخمس مئة, وحَضر جنازته خلق لا يُحصون, ودُفن بمبقبرة أحمد. وحدثني إبراهيم بن دينار الفقيه, قال: كانَ ابن الفاعوس إذا صلى الجُمعة جلس يَقرأ على أصحابه الحديث, فيأتي ساقي الماء فيأخذ منه فَيشرب ليريهم أنه مُفطر, وربما صامها في بعض الأيام. محمد بن أبي طاهر عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مَشْجعة بن الحارث بن عبد الله ابن كعب بن مالك الأنصاري, أحِد الثلاثة الذين خُلَّفوا. ولد في صفر سنة اثنتين وأربعين بالكَرخ, وكان يقول: لما ولدتُ جاءَ مُنجم

أبو بكر محمد بن الحسين بن علي المزرفي

من قِبل أبي, ومُنجم من جهة أمي, وأخذا الطالع واتفق حسابهما على أن عُمري اثنتان وخَمسون سنة, فها أنا في عشر المئة. وهو آخر من حدث عن أبي إسحاق البَرْمكي, وأبي الطيب الطبري, وأبي طالب العُشاري, وأبي الحسن الباقلاني, وأبي محمد الجوهري, في آخرين. وكان يقول: حفظتُ القرآن وأنا ابن سَبع سنين, وما من علم إلا وقد نظرتُ فيه, وحَصَّلت منه الكُلّ أو البعض, وما أعرف أني ضيعت ساعة من عمري في لهو ولعب. وانفرد بعلم الحساب والفَرائض, ودخلنا إليه وقد تم له ثلاث وتسعون سنة, وما تغيَّر من حواسه شيء. وتوفي في يوم الأربعاء قبل الظهر, ثاني رجب من سنة خمس وثلاثين وخمس مئة, ودُفن قريبًا من بشر الحافي, وبقي ثلاثة أيام قبل موته لا يفتر عن قراءَة القرآن. أبو بكر محمد بن الحُسين بن علي المَزْرَفّي, ولم يكن من المَزْرَفة, وإنما انتقل أبوه في زمان الفتنة إلى المزرفة فأقام بها مدة, فلما رجع, قالوا: المزرفي, فعُرف بذلك. ولد في سنة تسع وثلاثين, وقيل: في سنة أربعين.

أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء

وكان إِمامًا في القرآن, والفرائض, وسمع الحديث الكثير من الكبار, كابن المُسلمة وغيره. وتوفي أول يوم من المحرم, سنة سبع وعشرين وخمس مئة. أبو الحسين محمد بن محمد بن الفَرّاء, ولد ليلة النِّصف من شَعبان سنة إحدى وخمسين, وسمع الحديث الكثير, وتفقه على الشريف أبي جعفر, وقتله اللصوص ليلة عاشوراء من سنة ست وعشرين وخمس مئة. أخوه أبو خازم محمد بن مُحمد بن الفراء, كان فقيهًا زاهدًا, وتوفي في صَفر سنة سبع وعشرين وخمس مئة. أبو الحسن علي بن عُبيد بن نَصر الزّاغوني, سمع الحديث الكثير من ابن النَّقور, وابن المأمون, وابن المُسلمة وغيرهم. وقرأ بالقراءات, وتفقه على يَعقوب البرزبيني, وصنف في الأصول والفروع, وكان له في كُلّ فن من العلم حظ, ووعظ مدة طويلة. ولد في سنة خمس وخمسين, وتوفي في محرم سنة سبع وعشرين وخمس مئة.

ذكر المختارين من الطبقة الثامنة

ذكر المختارين من الطبقة الثامنة أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي, ما رأينا في مشايخ الحديث أكثر سماعًا منه, ولا أكثر كتابة للحديث بيده مع المعرفة منه, ولا أصبر على الإقراء, ولا أسرع دمعة وأكثر بكاء مع دوام البِشر وحُسن اللقاء. ولد في رجب سنة اثنتين وستين, ومات في محرم سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة, ودُفن بالشونيزيّة. أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد الدّينوري, تفقه على أبي الخَطاب الكَلواذاني, وبرع في الفقه, وتقدم في المناظرة على أبناء جنسه, حتى كان أسعد الميهني, يقول: ما اعترض أبو بكر الدينوري على دليل أحدٍ إلَّا ثلَلَم فيه ثُلْمةً. وكان يَرقُّ عند ذكر الصالحين ويبكي, ويقول: للعلماء عند الله قدرٌ فلعل [الله أن يَجعلني منهم] وحضرت درسه بعد موت شيخنا أبي الحسن الزاغوني نحوًا من أربع سنين؛ وأنشدني: أَصِخ لن تَنَالَ العلْم إلا بستةٍ ... سَأنبيكَ عن مَكنونها ببيانٍ ذكاءٍ وحِرص وافتقار وِبُلغةٍ ... وإرشاد أُستاذٍ وطول زمان وأنشدني: تمنيت أن تُمسي فقيهًا مُناظرًا ... بغير عَناءٍ فالجنون فنونُ وليس اكتسابُ المال دونَ مَشقةٍ ... تلقَّيتها فالعِلمُ كيف يَكونُ

أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي

وتوفى في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة, ودفن قريبًا من قبر أحمد. أبو منصور موهوب بن أحمد الجَواليقي, سمع الحديث الكثير, وانتهى إليه علم اللغة, وكان مُتقنًا في علمه, متورعًا في نطقه, شديد التثبت في قوله. وتوفي في محرم سنة أربعين وخمس مئة. أبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد المقرئ, سمع الحديث الكثير, وقرأ بالقراءات الكثيرة, وصنَّف فيها التصانيف الحِسان, وكانت له معرفة بالعربية, وما سمعنا أحسن قراءَة منه, ولا أكمل أداة ولا أصح أداء. وكان قويًّا في السنة, وكان طول عُمره منفردًا في مسجده. ومولده في شعبان سَنة أربع وستين, وتوفي في يوم الاثنين ثامن عشري ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمس مئة, وكان له جمع يزيد على الحصر ما رأينا لأحدٍ مثله. أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي, ولد في شعبان سنة سبع وستين, وسمع الحديث الكثير, وكان له حظٌّ وافر من معرفته, وقرأ علم اللغة على أبي زكريا, وهو الذي جعله الله تعالى سبَبًا لإرشادي إلى العلم؛ فإنه كان يجتهد معي في الصغر ويحملني إلى المشايخ, وأسمعني "مسند" الإمام أحمد بقراءته على ابن الحُصين, والأجزاء العوالي, وأنا إذ ذاك لا أدري ما العلم من

عبد القادر بن أبي صالح الجيلي

الصِّغر, وكان يثبت لي كل ما أسمعه, وقرأت عليه ثلاثين سنة ولم أستفد من أحد كاستفادتي منه. وتوفي في شعبان سنة خمسين وخمس مئة رضي الله عنه. عبد القادر بن أبي صالح الجِيلي, تفقه على أبي سَعد المخرمي, وسمع الحديث, ثم لازم الانقطاع عن الناس في مدرسته مُتشاغلًا بالتدريس والتذكير, وبلغ من العمر تسعين سنة. وتوفي في ليلة السبت ثامن ربيع الآخر من سنة إحدى وستين وخمس مئة ودفن بمدرسته. أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن الطّلّاية, كان كثير التعبد حتى انطَوى, وكان رأسه إذا قام عند ركبتيه. وحدثني أبو الحسن بن غريبة, قال: جاء إليه رجل, فقال له: سَل لي فُلانًا في كذا, فقال: يا أخي, قُم معي نُصلي ركعتين ونسأل الله تعالى, فأنا لا أترك بابًا مفتوحًا وأقصد بابًا مغلقًا, وتوفى في رَمضان سنة ثمان وأربعين مئة ودُفن بمقبرة أحمد.

ذكر المختارين من الطبقة التاسعة

ذكر المختارين من الطبقة التاسعة أبو العباس أحمد بن بَركة الحَربي, تفقَّه على أبي الخَطاب, وكان له فَهم حسنٌ وفِطنة في المناظرة. وتوفي في جمادي الأولى من سنة أربع وخمسين وخمس مئة. أبو حكيم إبراهيم بن دينار النَّهْزواني, لقى أبا الخطاب الكلواذيّ وغيره من المشايخ, وتفقَّه وناظر وسمع الحديث الكثير, وكانت له في علم الفرائض يّدٌ حسنة, وكان من العلماء العاملين بالعلم, وكان كثير الصيام والتعبد, شديد التواضع, مؤثرًا للخُمول, وكان المثل يضرب بحلمه وتواضعه, وما رأينا له نظيرًا في ذلك. توفي في يوم الثلاثاء ثالث عشري جمادي الأخرة في سنة ست وخمسين وخمس مئة, ودفن بُكرة الأربعاء قريبًا من بشر الحافي. أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن العطار الهَمَذاني, له المعرفة الحَسنة بالقراءات والأدب والحديث, وسافر في طلب العلم, وحَصَّل الكتب الكثيرة, وهو مشهود له بالسيرة الجميلة. وتوفي في سنة تسع وستين وخمس مئة. أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الخشّاب النَّحوي, قرأ الحديث الكثير, وجمع الكتب الكثيرة, وانتهى إليه علم اللُّغة والنَّحو.

أبو يعلى محمد بن محمد بن محمد بن الفراء

وتوفي في رمضان سنة سبع وستين وخمس مئة. أبو يعلى محمد بن محمد بن محمد بن الفَرّاء, تفقه على أبيه أبي خازم, وسمع الحديث ودرَّس وكانت له فطنة وفهم, وبرع في المناظرة, وولي القَضاء ببغداد وبواسط. وتوفي في ليلة السبت الخامس من جمادي الأولى من سنة ستين وخمس مئة ودُفن بمقبرة أحمد. ولو ذهبنا نَذكر في كلِّ طبقة أعيانها, أو استقصينا أخبار المذكورين, لطال كتابنا, لكِنَّا اقتصرنا على أعيان الأعيان من كل طَبقة, وأشرنا إلى أحوالهم, والله المشكور وبالله المستعان. آخر الكتاب, والحمدُ لله حَمدًا دائمًا, وصلواته على خير خَلقه محمد النبي الأُمي, وعلى آله وصحبه وسلم. ووافق الفراغ منه في يوم السبت والعشرين من شَهر رمضان المعظَّم قدره وحرمته, سنة خمسين وثمان مئة, على يد العبد الفقير المستجير المحتاج إلى رَحمة ربه العلي الكبير, محمود بن محمد بن عمر الششيني, الشافعي مّذهبًا. غفر الله له ولوالديه ولمن قرأ فيه ودعا له بالمغفرة والرحمة حيًّا وميتًا, وذلك بمكة المشرفة بباب السلام تحت الأورقة, تجاه البيت الحَرام, والحمدُ لله وحده. وصلى الله على سَيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

§1/1