مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة

سعيد بن وهف القحطاني

5 - مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة مركز الدعوة والإرشاد بالقصب، 1431هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر. القحطاني، سعيد بن علي بن وهف أركان الإسلام./ سعيد بن علي بن وهف القحطاني - القصب، 1431هـ 5 مج. ردمك: 5 - 0 - 90179 - 603 - 978 (مجموعة) 0 - 5 - 90179 - 603 - 978 (ج5) (خمسة أجزاء في صندوق واحد) 1 - الإسلام 2 - العبادات (فقه إسلامي) 3 - التربية الإسلامية. أ. العنوان ديوي 252 ... 4396/ 1431 رقم الإيداع: 4396/ 1431 ردمك: 5 - 0 - 90179 - 603 - 978 (مجموعة) 0 - 5 - 90179 - 603 - 978 (ج5) الطبعة الأولى: ذو القعدة 1430هـ-2009م الطبعة الثانية: شوال 1431هـ-2010م

المقدمة:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلّى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذه رسالة في ((مناسك الحج والعمرة في الإسلام)) بيَّنت فيها كل ما يحتاجه الحاج والمعتمر، والزائر لمسجد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، من حين خروجه من بيته إلى أن يرجع إلى أهله، سالماً غانماً إن شاء اللَّه تعالى، وقرنت كل مسألة بدليلها من الكتاب والسنة، أو الإجماع على حسب القدرة التي يسّرها اللَّه تعالى لي. وقد ذكرت في متن هذه الرسالة القول الصحيح الراجح بدليله، وذكرت في الحواشي المسائل الخلافية، وبيّنت الراجح منها؛ ليستفيد من ذلك طالب العلم وغيره. وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه تعالى. وقد قسمت البحث إلى اثنين وأربعين مبحثاً على النحو الآتي: المبحث الأول: مفهوم المناسك، والحج، والعمرة. المبحث الثاني: فضائل الحج والعمرة. المبحث الثالث: منافع الحج، وفوائده، ومقاصده. المبحث الرابع: حكم الحج، ومنزلته في الإسلام. المبحث الخامس: حكم العمرة. المبحث السادس: شروط وجوب الحج والعمرة. المبحث السابع: وجوب الحج على الفور.

المبحث الثامن: النيابة في الحج والعمرة. المبحث التاسع: آداب الحج، والعمرة، والسفر. المبحث العاشر: مواقيت الحج والعمرة،. المبحث الحادي عشر: الإحرام. المبحث الثاني عشر: صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - بإيجاز. المبحث الثالث عشر: صفة الأنساك الثلاثة. المبحث الرابع عشر: التلبية: مفهومها، وألفاظها، وحكمها، ووقتها، وفوائدها، وآدابها. المبحث الخامس عشر: محظورات الإحرام. المبحث السادس عشر: فدية المحظورات. المبحث السابع عشر: محظورات الحرمين: مكة والمدينة. المبحث الثامن عشر: الإحصار عن البيت الحرام. المبحث التاسع عشر: ما يباح للمحرم. المبحث العشرون: أركان الحج وواجباته. المبحث الحادي والعشرون: أركان العمرة وواجباتها. المبحث الثاني والعشرون: سنن الحج والعمرة. المبحث الثالث والعشرون: فضائل مكة والمدينة. المبحث الرابع والعشرون: صفة دخول مكة. المبحث الخامس والعشرون: الطواف بالبيت العتيق. المبحث السادس والعشرون: السعي بين الصفا والمروة. المبحث السابع والعشرون: أعمال الحج يوم الثامن (يوم التروية). المبحث الثامن والعشرون: الوقوف بعرفة.

المبحث التاسع والعشرون: الفوات. المبحث الثلاثون: المبيت بمزدلفة. المبحث الحادي والثلاثون: أعمال الحج يوم النحر. المبحث الثاني والثلاثون: المبيت بمنى ليالي أيام التشريق. المبحث الثالث والثلاثون: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج. المبحث الرابع والثلاثون: رمي الجمار أيام التشريق. المبحث الخامس والثلاثون: طواف الوداع. المبحث السادس والثلاثون: الخلاصة الجامعة في صفة الحج. المبحث السابع والثلاثون: الخلاصة الجامعة في صفة العمرة. المبحث الثامن والثلاثون: الهدايا. المبحث التاسع والثلاثون: الأضاحي. المبحث الأربعون: العقيقة. المبحث الحادي والأربعون: زيارة مسجد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. المبحث الثاني والأربعون: آداب العودة من الحج، والعمرة، والسفر. واللَّه أسأل أن يجعل هذا العمل القليل نافعاً، مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى اللَّه على عبده، ورسوله، وخليله، وأمينه على وحيه، محمد بن عبد اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر في ضحى يوم الإثنين 18/ 7/1429هـ‍

المبحث الأول: مفهوم المناسك، والحج، والعمرة

المبحث الأول: مفهوم المناسك، والحج، والعمرة أولاً: مفهوم المناسك: لغة، واصطلاحاً: المناسك لغة: جمع مَنْسَِك - بفتح السين وكسرها - من نَسَكَ يَنْسُكُ منسكاً: تعبَّد، قال ابن الأثير رحمه اللَّه: (( ... ٍ فالمناسك جمع مَنْسَِك - بفتح السين وكسرها -، وهو المتعبَّد، ويقع على المصدر، والزمان، والمكان، ثم سُمِّيَتْ أمور الحجِ كلّها مناسك. والمَنْسَِك: المذبَحُ، وقد نَسَكَ ينْسُكُ نَسْكاً، إذا ذبح، والنسيكة: الذبيحة، وجمعها: نُسُكٌ. والنُّسُكُ أيضاً: الطاعة والعبادة، وكل ما تُقُرِّبَ به إلى اللَّه تعالى، والنُّسك: ما أمرت به الشريعة، والورع: ما نهت عنه. والناسك: العابد، وسُئل ثَعْلَبٌ عن الناسِك ما هو؟ فقال: هو مأخوذٌ من النسيكة، وهي سبيكة الفضة المصفّاة، كأنه صفَّى نفسه لله تعالى)) (¬1). قال اللَّه تعالى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} (¬2) أي: متعبّداتنا (¬3). ومنا سك الحج: عباداته، وقيل: مواضع العبادات، ومن فعل كذا فعيله نسك: أي دم يريقه (¬4). وقال الراغب الأصفهاني رحمه اللَّه: ((النُّسُكُ: العبادةُ، والناسك: العابد، واختصَّ بأعمال الحجِّ، والمناسك: مواقف النُّسُك، وأعمالها، ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/ 48. (¬2) سورة البقرة، الآية: 128. (¬3) لسان العرب، لابن منظور، 10/ 499، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 1233. (¬4) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، للفيومي، 2/ 604.

والمناسك اصطلاحا

والنسيكة مختصة بالذبيحة، قال [اللَّه تعالى]: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (¬1)، [وقال تعالى]: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} (¬2)، وقال تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} (¬3))) (¬4)، وقال اللَّه تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} (¬5). وأكثر إطلاق المنسك أو النسك على الذبيحة (¬6)، قال اللَّه تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬7). والمناسك اصطلاحاً: العبادات التي تُفعل في الحج أو العمرة عادة (¬8). وقيل: المناسك: الأماكن التي تُفعل فيها عبادات الحج عادة (¬9). وقيل: المناسك: مواقف النسك وأعمالُها (¬10). وقيل: المناسك: مواضع متعبدات الحج، وعلى هذا فالمناسك: المتعبَّدات كلها، وقد غلب إطلاقها على أفعال الحج؛ لكثرة أنواعها (¬11). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 196. (¬2) سورة البقرة، الآية: 200. (¬3) سورة الحج، الآية: 67. (¬4) مفردات ألفاظ القرآن، ص 802. (¬5) سورة الحج، الآية: 34. (¬6) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين، 7/ 7. (¬7) سورة الأنعام، الآية: 162. (¬8) معجم لغة الفقهاء، لمحمد فؤاد روَّاس، ص 433، وانظر: القاموس الفقهي: لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، ص 352. (¬9) المرجع السابق، ص 434. (¬10) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 802. (¬11) التعليقات على الروض المربع، لعبد اللَّه الطيار، وإبراهيم بن عبد العزيز الغصن، وخالد المشيقح، 5/ 10.

ثانيا: مفهوم الحج: لغة، واصطلاحا:

ثانياً: مفهوم الحج: لغة، واصطلاحاً: الحج لغة: القصدُ إلى كلِّ شيء، فخصَّه الشرع بقصد معيّن ذي شروط معلومة (¬1). وقيل: الحج لغة: القصد إلى الشيء المعظَّم (¬2). وقيل: الحج: القصد للزيارة، كما قال الشاعر: يحجُّون بيت الزبرقان المعصفر (¬3) وقيل: الحَِجُّ - بفتح الحاء وكسرها -: القصد (¬4). وقيل: الحجُّ: القصدُ والكفُّ، وقصد مكة للنسك، وهو حاجٌّ، وحاجِجٌ، جمعه: حُجاج، وحجيج، وحاجةٌ: من حواجّ (¬5). ويقال: الحجُّ: القصد، حجَّ إلينا فلانٌ: قدم، وحجَّه يحجُّه حجاً: قصده (¬6). ويُقال: الحجُّ: القصد، ثم غلب في الاستعمال الشرعي والعرفي على حج بيت اللَّه تعالى وإتيانه، فلا يُفهم عند الإطلاق إلا هذا النوع الخاص من القصد؛ لأنه هو المشروع الموجود كثيراً، وقيل: كثرة القصد إلى من يُعظَّم (¬7). والحج شرعاً: القصد لبيت اللَّه تعالى بصفةٍ مخصوصةٍ، في وقتٍ مخصوصٍ، بشرائطَ مخصوصةٍ (¬8). ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 1/ 340. (¬2) التعريفات، للجرجاني، ص 115،والقاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، ص 77. (¬3) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 218، وصدر البيت: وأشهد من عونٍ حلولاً كثيرة. مفردات الأصفهاني، ص 218، ولسان العرب، 2/ 226. (¬4) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روَّاس، ص 153. (¬5) القاموس المحيط، للفيروزأبادي، ص 234. (¬6) لسان العرب، لابن منظور، 2/ 226، وانظر: المصباح المنير، 1/ 121. (¬7) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 75. (¬8) التعريفات، للجرجاني، ص 115.

وقيل: الحج: خُصَّ في تعاريف الشرع: بقصد بيت اللَّه تعالى إقامةً للنسك (¬1)، فقيل: الحَجُّ، والحِجُّ، فالحَجُّ مصدرٌ، والحِجُّ اسم. وقيل: الحج أداءُ أعمالٍ مخصوصةٍ في حرم مكة وما حوله، في أوقاتٍ مخصوصةٍ مع النية (¬2). وقيل: الحج وقوف بعرفة ليلة عاشر ذي الحجة، وطواف بالبيت سبعاً، وسعي بين الصفا والمروة كذلك على وجهٍ مخصوص (¬3). وقيل: قصد البيت الحرام للتقرب إلى اللَّه تعالى بأفعالٍ مخصوصة، في زمان مخصوص، ومكان مخصوص من حج أو عمرة (¬4). وقيل: الحج تعورف على استعماله في القصد إلى مكة للنسك، والحجِّ إلى البيت خاصة، تقول: حجَّ يحجُّ حجاً، والحج قصد التوجه إلى البيت بالأعمال المشروعة: فرضاً، وسنة (¬5). وقيل: الحج: أصله القصد، ثم قصر استعماله في الشرع على قصد الكعبة للحج أو العمرة، ومنه يُقال: ماحجَّ ولكن دجَّ، فالحج: القصد للنسك، والدجُّ: القصد للتجارة (¬6). ¬

(¬1) مفردات ألفاظ القرآن، للأصبهاني، ص 218. (¬2) معجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص 153. (¬3) القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، ص 76. (¬4) القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، ص 77. (¬5) لسان العرب، لابن منظور، 2/ 226. (¬6) المصباح المنير، للفيومي، 1/ 121.

ثالثا: مفهوم العمرة: لغة، واصطلاحا:

وقيل: الحج: خصَّه الشرع بقصدٍ معينٍ، بشروطٍ معلومة (¬1). وقيل: الحج في الشرع: اسم لأفعال مخصوصة في أوقات مخصوصة، في مكان مخصوص، من شخص مخصوص (¬2). وقيل: الحج: التعبد لله - عز وجل - بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬3). والتعريف الذي يجمع هذه التعريفات هو أن يقال: الحج اصطلاحاً: التعبد لله بأفعالٍ وأقوالٍ مخصوصةٍ، في أوقاتٍ مخصوصةٍ، في مكانٍ مخصوصٍ، من شخصٍ مخصوصٍ، بشروطٍ مخصوصةٍ، والعلم عند اللَّه تعالى. ثالثاً: مفهوم العمرة: لغة، واصطلاحاً: العمرة، والاعتمار لغة: الزيارة التي فيها عمارةُ الوُدِّ (¬4). وقيل: العمرة: الزيارة، والمعتمر: الزائر، والقاصد للشيء (¬5). والعمرة شرعاً: زيارة البيت الحرام بشروط مخصوصة مذكورة في الفقه (¬6). وقيل: العمرة: الحج الأصغر، ويوم الحج الأكبر يوم النحر (¬7). وقيل: زيارة بيت اللَّه الحرام، بإحرام، وطواف، وسعي، دون وقوف بعرفة (¬8). ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 1/ 340. (¬2) سمعت هذا التعريف من شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم726. (¬3) الشرح الممتع، لابن عثيمين، 7/ 7. (¬4) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 596. (¬5) القاموس المحيط، للفيروزأبادي، ص 571،وانظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير،3/ 297. (¬6) النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 3/ 297. (¬7) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 219، وانظر: المصباح المنير، للفيومي، 2/ 429، وانظر: سنن الدارقطني، 2/ 285، برقم 221 عن ابن عباس، والبيهقي في السنن الكبرى، 4/ 352، وعن عمرو بن حزم في كتابه عندما بعث إلى اليمن، في سنن الدارقطني، 2/ 285، برقم 222، والبيهقي في الكبرى، 4/ 352، وجاء من كلام الشافعي عند الترمذي، في آخر حديث رقم 931. (¬8) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روَّاس، ص 291.

والتعريف الذي يجمع هذه التعريفات

وقيل: العمرة: قصد الكعبة للنسك المعروف (¬1). وقيل: العمرة: التعبد لله تعالى بالطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، والحلق، أو التقصير (¬2). وقيل: العمرة: الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة بإحرام (¬3). والتعريف الذي يجمع هذه التعريفات هو: التعبد لله تعالى بزيارة بيت اللَّه الحرام، بإحرام، وطواف، وسعي بين الصفا والمروة، وحلق أو تقصير، ثم تحلل. ¬

(¬1) القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، ص 262. (¬2) الشرح الممتع، لابن عثيمين، 7/ 8. (¬3) الموسوعة الفقهية، لوزارة لأوقاف الكويتية، 30/ 314.

المبحث الثاني: فضائل الحج والعمرة

المبحث الثاني: فضائل الحج والعمرة فضائل الحج والعمرة كثيرة، منها الفضائل الآتية: أولاً: من حج البيت الحرام، أو اعتمر فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من حج هذا البيت فلم يرفث (¬1)، ولم يفسق (¬2)، رجع كما ولدته أمه)) (¬3)، وفي لفظ مسلم: ((من أتى هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه)) (¬4)، وهذا ¬

(¬1) فلم يرفث: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((إنما الرفث ما روجع به النساء))، كأنه يرى الرفث الذي نهى اللَّه عنه ما خوطبت به المرأة، فأما ما يقوله ولم تسمعه امرأة فغير داخل فيه. وقال الأزهريُّ: ((الرفث: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة)). [النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 2/ 241]. وقال الإمام ابن كثير رحمه اللَّه في تفسير قوله تعالى: (فلا رفث): أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث، وهو الجماع، كما قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]، وكذلك يحرم تعاطي دواعيه: من المباشرة، والتقبيل، ونحو ذلك، وكذلك التكلم به بحضرة النساء)) [تفسير القرآن العظيم، 2/ 242]. (¬2) ولم يفسق: أصل الفسوق الخروج عن الاستقامة، والجور، وبه سُمِّيَ العاصي فاسقاً. [النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 3/ 446]، ولا شك أن الفسوق: هو جميع المعاصي كما قال اللَّه تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: 197]، فيدخل في الفسوق جميع المعاصي كما صوَّبه الإمام ابن كثير في تفسيره، 2/ 244، ومن ذلك الوقوع في محظورات الإحرام، والسباب، والشتم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) [أخرجه البخاري برقم 6044، ومسلم، برقم 63. وغير ذلك من أنواع المعاصي، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1521، والحديث رقم 1819: ((يدخل في الفسق المعاصي التي قبل الحج، فإذا كان مُصِرَّاً عليها فهو فاسق))، ((والرفث: الجماع ودواعيه)). (¬3) متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة، برقم 1521، وكتاب المحصر، برقم 1819، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة، برقم 1350. (¬4) صحيح مسلم، برقم 1350، وفي الترمذي ((غفر له ما تقدم من ذنبه)).انظر: صحيح الترمذي1/ 245.

ثانيا: العمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما

اللفظ يشمل الحج والعمرة (¬1). ثانياً: العمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما، والحج المبرور جزاؤه الجنة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) (¬2). والحج المبرور هو الذي لا رياء فيه، ولا سمعة، ولم يخالطه إثم ولا يعقبه معصية، وهو الحج الذي وُفِّيت أحكامه ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل، وهو المقبول، ومن علامات القبول أن يرجع خيراً مما كان ولا يعاود المعاصي. والمبرور مأخوذ من البر وهو الطاعة واللَّه أعلم (¬3). ثالثاً: الحج يهدم ما كان قبله؛ لحديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، وفيه: أنه قال: فلما جعل اللَّه الإسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسط يمينك لأُبايِعَكَ، فبسط يمينه، فقبضت يَديَ، قال: ((مالك يا عمرو؟)) قلت: أردتُ أن أشترط، قال: ((تشترط بماذا؟)) قلت: أن يغفر لي، قال: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)) (¬4). رابعاً: الحج المبرور من أفضل الأعمال بعد الجهاد في سبيل اللَّه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: ¬

(¬1) انظر: فتح الباري 3/ 382. (¬2) متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب العمرة، باب العمرة، وجوب العمرة وفضلها، برقم 1773، ومسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم 1349. (¬3) انظر: فتح الباري 3/ 382 وشرح النووي على صحيح مسلم 9/ 119. (¬4) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الهجرة والحج، برقم 121.

خامسا: الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب،

((إيمان باللَّه ورسوله)). قيل: ثم ماذا؟ قال: ((جهاد في سبيل اللَّه)). قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حج مبرور)) (¬1). خامساً: الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب، والحج المبرور ثوابه الجنة؛ لحديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة)) (¬2). سادساً: أفضل الجهاد وأجمله الحج المبرور؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: يا رسول اللَّه، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: ((لا، ولكنَّ أفضل الجهاد حج مبرور))، وفي رواية: أنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: ((لَكُنَّ أحسن الجهاد وأجمله الحجُّ حجٌّ مبرور))، قالت عائشة رضي اللَّه عنها: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

(¬1) البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور، برقم 1519،وانظر: البخاري مع الفتح،3/ 381. (¬2) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة، برقم 810، والنسائي, كتاب مناسك الحج، باب فضل المتابعة بين الحج والعمرة، برقم 2631، وقال عنه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 426: ((حسن صحيح))، وفي صحيح النسائي، 2/ 240: ((حسن صحيح))، وجاء الحديث مختصراً عن ابن عباس في سنن النسائي، برقم 2630 بلفظ: ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد)) , وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 240، وكذلك عند ابن ماجه, من حديث عمر - رضي الله عنه - بلفظ: ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد))، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 6. (¬3) البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور، برقم 1520، وكتاب جزاء الصيد، باب حجُّ النساء، برقم1861، وكتاب الجهاد، باب فضل الجهاد، برقم 2784 بلفظ: ((لكن أفضل الجهاد حج مبرور))، وباب جهاد النساء، برقم 2875، بلفظ: قالت: استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد، فقال: ((جهادكُنَّ الحج)).

سابعا: الحاج والمعتمر وفد الله تعالى

وعنها: قالت: قلت: يا رسول اللَّه على النساء جهاد؟ قال: ((نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة)) (¬1)، ولفظ النسائي أنها رضي اللَّه عنها قالت: يا رسول اللَّه، ألا نخرج فنجاهد معك؛ فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد، فقال: ((لا، ولَكُنَّ أحسن الجهاد وأجمله، حج البيت حج مبرور)) (¬2). سابعاً: الحاج والمعتمر وفدُ اللَّه تعالى؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((وفد اللَّه ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر)) (¬3). والمعنى: السائرون إلى اللَّه تعالى، القادمون عليه من المسافرين ثلاثة أصناف، فتخصيص هؤلاء من بين العابدين؛ لاختصاص السفر بهم عادة (¬4)، وفيه إضافة تشريف لهؤلاء. ثامناً: المعتمر والحاج يعطيهم اللَّه ما سألوه؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الغازي في سبيل اللَّه، والحاج، والمعتمر، وفد ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج جهاد النساء، برقم 2901، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه, 3/ 10، وفي إرواء الغليل، 4/ 151 برقم 981، وقال: ((في البخاري نحوه)) يعني حديث عائشة السابق. (¬2) أخرجه النسائي, كتاب مناسك الحج، باب فضل الحج، برقم 2628، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 240 .. (¬3) النسائي, كتاب مناسك الحج، باب فضل الحج، برقم 2625، وصححه الألباني في صحيح النسائي 2/ 239، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 2626: ((سنده جيد)). (¬4) حاشية السندي على سنن النسائي، 5/ 113.

تاسعا: الحج والعمرة جهاد الكبير، والصغير، والضعيف،

اللَّه. دعاهم فأجابوا، وسألوه فأعطاهم)) (¬1). تاسعاً: الحج والعمرة جهاد الكبير، والصغير، والضعيف، والمرأة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((جهاد الكبير، والصغير، والضعيف، والمرأة: الحج والعمرة)) (¬2). عاشراً: الحاج والمعتمر يلبِّي معه الشجر والحجر حتى تنقطع الأرض عن يمينه وشماله؛ لحديث سهل - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلم يُلبِّي إلا لبَّى من عن يمينه وشماله، من حجرٍ، أو شجرٍ، أو مدرٍ حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا)) (¬3). الحادي عشر: اللَّه تعالى يباهي بالحجاج في عرفة الملائكة؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق اللَّه فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟)) (¬4). الثاني عشر: خير الدعاء دعاء الحجاج يوم عرفة؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خير الدعاء دعاء ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب فضل دعاء الحاج، برقم 2893، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 8، وفي الأحاديث الصحيحة 4/ 433. (¬2) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب فضل الحج، برقم 2626، وحسنه الألباني في صحيح النسائي 2/ 239. (¬3) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، برقم 828، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب التلبية، برقم 2921، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 431، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 16، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 22. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة، برقم 1349.

الثالث عشر: عمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛

يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) (¬1). الثالث عشر: عمرة في رمضان تعْدل حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من حجته قال لأم سنان: ((ما منعك من الحجِّ؟)) قالت: أبو فلان - تعني زوجها - كان له ناضحان، حج على أحدهما، والآخر يسقي أرضاً لنا، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي)) (¬2). الرابع عشر: مسح الحجر الأسود والركن اليماني، يحطّان الخطايا حطّاً، والطواف بالبيت كعتق رقبة، وكل خطوة يُكتب له بها عشر حسنات، ويُحطُّ عنه عشر سيئات، ويُرفع له عشر درجات؛ لحديث عبد اللَّه بن عُبيد بن عُمير عن أبيه، قال: قلت لابن عمر: ما لي لا أراك تستلم إلا هذين الركنين: الحجر الأسود، والركن اليماني؟ فقال ابن عمر: إنْ أفعل فقد سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن استلامهما يحطُّ الخطايا))، قال: وسمعته يقول: ((من طاف أسبوعاً يحصيه، وصلّى ركعتين كان كعدل رقبة))، قال: وسمعته يقول: ((ما رفع رَجلٌ قدماً ولا وضعها إلا كُتبَ له عشرُ حسنات، وحُطَّ عنه عشرُ سيئات، ورُفع له عشرُ درجات)).، وفي لفظ لأحمد: ((أراك تزاحم على هذين الركنين؟)) قال: ((إن أفعل، فقد سمعت ¬

(¬1) الترمذي, كتاب الدعوات، باب دعاء يوم عرفة، برقم 3585،وحسنه الألباني في صحيح الترمذي،3/ 472،وفي الأحاديث الصحيحة،4/ 6،برقم 1503،وفي صحيح الجامع، 3/ 121. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء، برقم 1863، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل العمرة في رمضان، برقم 222 - (1256)، وفي لفظ لمسلم: ((فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة)).

الخامس عشر: الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة

رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن مسحهما يَحُطَّان الخطايا)) (¬1). الخامس عشر: الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)) (¬2). السادس عشر: من طاف بالبيت العتيق واستلم الحجر الأسود شهد له يوم القيامة؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الحجر: ((واللَّه ليبعثنّهُ اللَّه يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسانٌ ينطق به، يشهد على من استلمه بحق)) (¬3). وعنه أيضاً قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((نزل الحجر الأسود من الجنة أشد بياضاً من الثلج فسوّدته خطايا بني آدم)) (¬4). ¬

(¬1) أحمد في المسند، 8/ 31، برقم 4462، و9/ 513، برقم 5701، وقال محققو المسند:)) حديث حسن ((، وأخرجه بنحوه الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في استلام الركنين، برقم 959، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 491 - 492، وقد استوفى تخريج هذا الحديث محققو مسند الإمام أحمد، 8/ 31، برقم 4462، و9/ 513، وبرقم 5701، فيراجع لمن شاء. وأخرجه النسائي بنحوه، كتاب مناسك الحج، باب ذكر الفضل في الطواف بالبيت، برقم 2919، وصححه أيضاً الألباني في صحيح النسائي، 2/ 319، وابن ماجه مختصراً، في كتاب مناسك الحج، باب فضل الطواف، برقم 2956، وصححه الألباني أيضاً في صحيح ابن ماجه، 2/ 27، وابن خزيمة، 4/ 218, برقم 2729. (¬2) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام، ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -،برقم 1604،وأحمد،3/ 343،وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه،1/ 236، وفي إرواء الغليل، 4/ 341. (¬3) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الحجر الأسود، برقم 961، وابن خزيمة، 4/ 20، وأحمد 1/ 266، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 493. (¬4) ابن خزيمة بلفظه، 2/ 220، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في فضل الحجر الأسود، والركن والمقام، برقم 877، ولفظه: (( ... وهو أشد بياضاً من اللبن))، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/ 452.

السابع عشر: من حج البيت كمل إسلامه

السابع عشر: من حج البيت كمل إسلامه؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه في سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام، قال: يا محمد ما الإسلام؟ قال: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأن تتم الوضوء، وتصوم رمضان)). قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: ((نعم)) قال: صدقت (¬1). الثامن عشر: الحاج إذا خرج من بيته قاصداً البيت الحرام كتب له بكل خطوة يخطوها هو ودابته حسنة، ومحا اللَّه عنه خطيئة، ورفعت له درجة؛ لحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - يرفعه، وفيه: ((فإن لك من الأجر إذا أممت البيت العتيق أن لا ترفع قدماً، أو تضعها أنت ودابتك إلا كتبت لك حسنة، ورفعت لك درجة)) (¬2)،وفي حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما يرفعه: (( ... فإنك إذا خرجت من بيتك تؤمُّ البيت الحرام لا تضعُ ناقتك خفاً، ولا ترفعه إلا كتب [اللَّه] لك به حسنة، ومحا عنك خطيئة)) (¬3). ¬

(¬1) ابن خزيمة في صحيحه، برقم 1، 1/ 3، والحديث في البخاري من حديث أبي هريرة، برقم 50 بغير هذا السياق، وهو في مسلم، برقم8، من حديث عمر، بغير سياق ابن خزيمة، والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 6. (¬2) رواه الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين، 3/ 185، برقم 1650]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/ 277: ((وفيه محمد بن عبد الرحيم بن شروس، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ومن فوقه موثوقون))، وحسنه الألباني لغيره، في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 10/12. (¬3) رواه ابن حبان، برقم 1887، والبزار، برقم 1082، والطبراني في الكبير، برقم 13566، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/ 274: ((رواه الطبراني في الكبير بنحوه، ورجال البزار موثوقون))، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 10.

التاسع عشر: الحاج والمعتمر يكتب له بركعتي الطواف عتق رقبة

التاسع عشر: الحاج والمعتمر يكتب له بركعتي الطواف عتق رقبة من بني إسماعيل؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما وفيه: (( ... وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل)) (¬1). العشرون: طواف الحاج أو المعتمر بين الصفا والمروة، كعتق سبعين رقبة؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما وفيه (( ... وأما طوافك بالصفا والمروة، كعتق سبعين رقبة)) (¬2). الحادي والعشرون: الحاج يُغفر له في وقوفه بعرفة، ولو كانت ذنوبه عدد الرمل، أو قطر المطر، ويباهي به اللَّه الملائكة؛ لحديث ابن عمر يرفعه وفيه: (( ... وأما وقوفك عشية عرفة، فإن اللَّه يهبط إلى السماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة، ويقول: عبادي جاؤوني شعثاً من كل فجٍّ عميقٍ يرجون رحمتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم، ولمن شفعتم له)) (¬3). وفي حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - يرفعه: ((وأما وقوفك بعرفة فإن اللَّه - عز وجل - يقول لملائكته: يا ملائكتي ما جاء بعبادي؟ قالوا: جاؤوا يكتسبون ¬

(¬1) ابن حبان: 1887، والبزار، برقم 1082، والطبراني في الكبير، برقم 13566، من حديث ابن عمر السابق، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 10. (¬2) ابن حبان، والبزار، والطبراني، من حديث ابن عمر السابق، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 10. (¬3) ابن حبان، والبزار، والطبراني، من حديث ابن عمر السابق، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 10.

الثاني والعشرون: يغفر الله تعالى لأهل عرفات، وأهل المشعر؛

رضوانك والجنة، فيقول اللَّه - عز وجل -:فإني أشهد نفسي وخلقي أني قد غفرت لهم، ولو كانت ذنوبهم عدد أيام الدهر، وعدد رمل عالج)) (¬1). وفي لفظ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما: ((فإذا وقفت بعرفة، فإن اللَّه - عز وجل - ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: ((انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً، اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم، وإن كانت عدد قطر السماء ورمل عالج (¬2) ... )) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -،عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن اللَّه يباهي بأهل عرفات ملائكة السماء، فيقول: ((انظروا إلى عبادي هؤلاء جاؤوني شعثاً غبراً)) (¬4). وعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: ((إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يُبَاهِى مَلاَئِكَتَهُ عَشِيَة عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِى، أَتَوْنِى شُعْثًا غُبْرًا)) (¬5). الثاني والعشرون: يغفر اللَّه تعالى لأهل عرفات، وأهل المشعر؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات، وقد كادت ¬

(¬1) الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين، 3/ 185، برقم 1650]، من حديث عبادة السابق، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 10. (¬2) رَمْلٌ عَالِجٌ: جبال متواصلة يتصل أعلاها بالدّهناء والدّهناء بقرب اليمامة وأسفلها بنجد، ويتسع اتساعاً كثيراً حتى قال البكري رمل عالج يحيط بأكثر أرض العرب. [المصباح المنير، مادة علج]. (¬3) ابن حبان، برقم 1887، والبزار، برقم 1082، والطبراني في الكبير، برقم، 13566، وتقدم تخريجه، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 36. (¬4) أحمد، 13/ 415، وقال محققو المسند، 11/ 415: ((صحيح، وهذا إسناد حسن))، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 33. (¬5) أحمد، 13/ 660، برقم 7089، وقال محققو المسند، 11/ 660: ((إسناده لا بأس به))، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 34.

الثالث والعشرون: الحاج له بكل حصاة يرمي بها الجمار تكفير

الشمس أن تؤوب (¬1)، فقال: ((يا بلال، أنصت لي الناس))، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فأنصت الناس فقال: ((معشر الناس، أتاني جبريل - عليه السلام - آنفاً، فأقرأني من ربِّي السلام، وقال: إن اللَّه - عز وجل - غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر، وضمن عنهم التَّبعات (¬2)))، فقام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا رسول اللَّه! هذا لنا خاصة؟ قال: ((هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة))، فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: كَثُرَ خيرُ اللَّه وطاب)) (¬3). وعَنْ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ غَدَاةَ جَمْعٍ: ((يَا بِلَالُ أَسْكِتْ النَّاسَ))،أَوْ ((أَنْصِتْ النَّاسَ))،ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ (¬4) فِي جَمْعِكُمْ هَذَا فَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ، ادْفَعُوا بِاسْمِ اللَّهِ)) (¬5). الثالث والعشرون: الحاج له بكل حصاة يرمي بها الجمار تكفير كبيرة من الموبقات؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما وفيه: ((وأما رميك ¬

(¬1) تؤوب: أي تغرب، غَرَبت من الأوْب: الرجوع لأنها ترجع بالغروب إلى الموضع الذي طَلَعْت منه. [النهاية في غريب الحديث، مادة ((أوب))] (¬2) التبعات: مفرده: تَّبِعَة، والتبعة: ما يَتْبَع المالَ من نَوَائِب الحقوق، وهو من تَبِعْتُ الرجُل بِحَقّي. [النهاية، مادة ((تبع))]. (¬3) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، 2/ 157، برقم 1737، وعزاه جازماً به إلى ابن المبارك، وصححه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 33، وقال في حاشيته في هذا الموضع: (( .. ومع ذلك فله شواهد خرَّجتها في الصحيحة، 1624)). (¬4) تطوّل عليكم: من طاول: مُفاعَلة من الطَّوْل بالفتح، وهو الفَضْل والعُلُوّ. [النهاية، مادة ((طول))]. (¬5) أخرجه ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الوقوف بجمع، برقم 3024، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 48، وفي الصحيحة، برقم 1624.

الرابع والعشرون: الحاج يعطى بكل شعرة حلقها حسنة،

الجمار؛ فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات ... )) (¬1)، وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لما أتى إبراهيم خليل اللَّه المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ (¬2) في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض))، قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: الشيطان ترجمون، وملَّة أبيكم إبراهيم تتَّبعون)) (¬3). الرابع والعشرون: الحاج يُعطى بكل شعرة حلقها حسنة، وتُمحى عنه بها خطيئة، وله بكل شعرة نور يوم القيامة، وما ينحره من الهدي مُدَّخَرٌ له عند اللَّه؛ لحديث ابن عمر وفيه (( ... وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما حلاقك رأسك، فلك بكل شعرة حلقتها حسنة، وتمحى عنك بها خطيئة ... )) (¬4)، وفي حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: (( ... وأما حلقك رأسك، فإنه ليس من شعرة تقع في الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة ... )) (¬5). ¬

(¬1) تقدم تخريجه من حديث ابن عمر السابق، وحسنه الألباني لغيره، في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 10. (¬2) ساخ في الأرض: أي غاص فيها. (¬3) ابن خزيمة: برقم 2967، والحاكم، 1/ 466، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 37. (¬4) تقدم تخريجه من حديث ابن عمر السابق عند ابن حبان، والبزار، والطبراني، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 3/ 10. (¬5) تقدم تخريجه في الطبراني في الأوسط، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/ 274، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 11، و39.

الخامس والعشرون: إذا لبى الملبي في الحج، أو كبر بشر

الخامس والعشرون: إذا لبَّى الملبِّي في الحجّ، أو كبَّر بُشِّرَ بالجنة؛ وفضل رفع الصوت بالتلبية؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أهلَّ مهلٌّ (¬1)، ولا كبَّر مُكبِّرٌ إلا بُشِّر))، قيل: يا رسول اللَّه بالجنة؟ قال: ((نعم)) (¬2). وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سُئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((العجُّ (¬3)، والثجُّ (¬4))) (¬5)، ولفظ الترمذي: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سُئل: أيُّ الحج أفضل؟ قال: ((العجُّ، والثجُّ)) (¬6). السادس والعشرون: الحج يقع معظمه في أفضل أيام الدنيا: عشر ذي الحجة؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل أيام الدنيا أيام العشر)) - يعني عشر ذي الحجة - قيل: ولا مثلهنَّ في سبيل اللَّه؟ قال: ((ولا مثلهن في سبيل اللَّه إلا رجلٌ عَفَّر وجهه في التراب))، وذكر عرفة، فقال: ((يوم مباهاةٍ ينزل اللَّه تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، فيقول: ((عبادي شُعثاً غُبراً ضاحين (¬7)، جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، ¬

(¬1) أهلَّ: رفع صوته بالتلبية: الترغيب والترهيب للمنذري، 2/ 138. (¬2) الطبراني في الأوسط، برقم 1706، مجمع البحرين في زوائد المعجمين، 3/ 218) وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 24. (¬3) العجُّ: رفع الصوت بالتلبية. (¬4) الثجُّ: سيلان دم الهدايا والأضاحي. (¬5) ابن ماجة، كتاب المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية، برقم 1924، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة، 3/ 17، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 24. (¬6) الترمذي كتاب الحج، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، برقم 827، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 431. (¬7) ضاحين: بارزين للشمس لا يظلهم شيء. [انظر: النهاية لابن الأثير، مادة ((ضحي)).

وعشر ذي الحجة، فضلها عظيم

ويستعيذون من عذابي، ولم يروا يوماً أكثر عتيقاً وعتيقة من النار)) هذا لفظ البزار. ولفظ أبي يعلى: ((ما من أيام أفضل عند اللَّه من عشر ذي الحجة)) فقال رجل يا رسول اللَّه! هي أفضل أم عدتهنّ جهاداً في سبيل اللَّه؟ فقال: ((هي أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل اللَّه إلا عفيراً يعفِّر وجهه في التراب (¬1)، وما من يوم أفضل عند اللَّه من يوم عرفة، ينزل اللَّه إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا عبادي شعثاً غبراً ضاحين، جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، لم يروا رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم أر يوماً أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة)) (¬2). وعشر ذي الحجة، فضلها عظيم بيَّنه اللَّه تعالى في كتابه، وبيَّنه رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - في سنته، ومن ذلك الفضائل الآتية: الفضل الأول: هي الأيام التي أقسم اللَّه تعالى بها في كتابه بقوله: {وَالْفَجْر* وَلَيَالٍ عَشْر} (¬3)، وهي عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وابن كثير، وابن القيم، وغير واحد من السلف والخلف (¬4). ¬

(¬1) عفيراً يعفر وجهه: العفر: ظاهرُ التُّرابِ ويُسَكَّنُ، ج: أعْفارٌ ... وعَفَرَهُ في التُّرابِ يَعْفِرُهُ، وعَفَّرَهُ فانْعَفَرَ وتَعَفَّرَ: مَرَّغَهُ فيه، أو دسَّهُ وضَرَبَ به الأرضَ كاعْتَفَرَهُ. [القاموس المحيط، مادة ((عفر))]. (¬2) أخرجه البزار في كشف الأستار، برقم 1128، وهو في مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة، ومسند أحمد، لابن حجر، 1/ 456، برقم 777، ورواه ابن حبان، برقم 3842، وأبو يعلى، 4/ 69، برقم 2090، وقال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، 2/ 151: ((رواه البزار بإسناد حسن، وأبو يعلى بإسناد صحيح))، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 32. (¬3) سورة الفجر، الآيتان: 1 - 2. (¬4) تفسير ابن كثير، 4/ 106، وزاد المعاد، 1/ 56.

الفضل الثاني: وهي الأيام التي يكون العمل فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله تع

الفضل الثاني: وهي الأيام التي يكون العمل فيها أفضل من الجهاد في سبيل اللَّه تعالى؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر))، قالوا: يا رسول اللَّه! ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا الجهاد في سبيل اللَّه، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) (¬1). الفضل الثالث: وهي أيام عظيمة عند اللَّه، والأعمال فيها أحب إليه فيهن؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيام أعظم عند اللَّه ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن: من التهليل، والتكبير، والتحميد)) (¬2). الفضل الرابع: وهي أيامٌ أفضل من أيام عشر رمضان الأخيرة؛ فإن الإمام ابن القيم رحمه اللَّه تعالى قال: (( ... ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان؛ وبهذا يزول الاشتباه، ويدلُّ عليه أن ليالي العشر من رمضان إنما فُضِّلت باعتبار ليلة القدر، وهي من الليالي، وعشر ذي الحجة فُضِّل باعتبار أيامه؛ إذ فيه: يوم النحر، ويوم عرفة، ويوم التروية)) (¬3). الفضل الخامس: هي الأيام التي فيهن يومان هما أفضل أيام العام: ¬

(¬1) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، برقم 969، والترمذي، كتاب الصوم عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء في العمل في الأيام العشر، برقم 757، واللفظ له. (¬2) أحمد، برقم 5446، 6154، وصححه أحمد شاكر، 7/ 44. (¬3) زاد المعاد، 1/ 57.

يوم النحر، ويوم عرفة؛ لحديث عبد اللَّه بن قُرْطٍ الثمالي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أعظم الأيام عند اللَّه تعالى: يوم النحر، ثم يوم القرِّ)) (¬1). ويوم القرِّ هو حادي عشر ذي الحجة؛ لأن الناس يقرُّون فيه بمنى؛ لأنهم قد فرغوا في الغالب: من طواف الإفاضة، والنحر، واستراحوا وقرُّوا. وأما يوم عرفة؛ فلحديث عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق اللَّه فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)) (¬2). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة ... )) (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((صيام يوم عرفة أحتسب على اللَّه أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده ... )) (¬4). وهذا لغير الحاجّ، أما الحاجّ فالسُّنة في حقّه الإفطار ليتقوَّى على الدعاء والذكر اقتداء برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كان مفطراً يوم عرفة. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ... )) (¬5). فقال الإمام ابن القيم رحمه اللَّه تعالى: ((والصواب أن يوم ¬

(¬1) أبو داود، كتاب المناسك، باب من نحر الهدي بيده واستعان بغيره، برقم 1765، وأحمد، 4/ 350،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 494،والحاكم 4/ 221،ووافقه الذهبي. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم 1348. (¬3) الترمذي كتاب الدعوات عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب في دعاء يوم عرفة، برقم 3585، ومالك في الموطأ، با ب ما جاء في الدعاء، 1/ 214، 215، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 184. (¬4) مسلم، كتاب الصيام، باب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء، برقم 1162. (¬5) مسلم، كتاب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة، برقم 854.

الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر، وليلة الجمعة ... )) (¬1). أي ليلة القدر أفضل ليالي السنة، وليلة الجمعة أفضل ليالي الأسبوع، وصوَّب ابن القيم رحمه اللَّه تعالى أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر؛ لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء يقاومه، قال اللَّه تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (¬2). وثبت في الصحيحين: أن أبا بكر وعلياً أذَّنا بذلك يوم النحر، لا يوم عرفة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((بعثني أبو بكرٍ في تلك الحَجَّة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان ... ثم أردف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - علياً، فأمره أن يؤذن بـ ((براءة))، قال أبو هريرة: فأذن معنا علي في أهل منىً يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)) (¬3). وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يوم الحج الأكبر يوم النحر)) (¬4). قال ابن القيم بأصح إسناد (¬5). قال ابن القيم رحمه اللَّه: ((ويوم عرفة: مقدمة ليوم النحر بين يديه؛ ¬

(¬1) زاد المعاد، 1/ 60. (¬2) سورة التوبة، الآية: 3. (¬3) البخاري، كتاب الصلاة، باب ما يستر من العورة، برقم 369، وكتاب الحج، بابٌ: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك، برقم 1622، ومسلم، كتاب الحج، باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، وبيان يوم الحج الأكبر، برقم 1347. (¬4) أبو داود، كتاب المناسك، باب يوم الحج الأكبر، برقم 945، وصحح إسناده ابن القيم في زاد المعاد، 1/ 55، وقال عنه الألباني في صحيح أبي داود، 6/ 192: ((صحيح)). (¬5) زاد المعاد، 1/ 55.

الفضل السادس: فضائل الأعمال في عشر ذي الحجة أنواع:

فإن فيه يكون الوقوف، والتضرُّع، والتوبة، والابتهال، والاستقالة، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة؛ ولهذا سُمِّي طوافه طواف الزيارة؛ لأنهم قد طُهِّروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أَذِنَ لهم ربهم يوم النحر في زيارته، والدخول عليه إلى بيته)) (¬1). الفضل السادس: فضائل الأعمال في عشر ذي الحجة أنواع: النوع الأول: أداء الحج والعمرة في هذه الأيام من أفضل الأعمال؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)). وفي لفظ مسلم: ((من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) (¬2). وهذا لفظ يشمل الحج والعمرة ولله الحمد. وقال عليه الصلاة والسلام: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) (¬3). والمبرور هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولم يخالطه إثم، ولم يعقبه معصية، وهو المقبول، ومن علامات القبول أن يرجع العبد خيراً مما كان، ولا يعاود المعاصي. النوع الثاني: صيام الأيام التسعة، أو ما تيسر منها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى اللَّه من هذه الأيام العشر)) والصيام من أعظم الأعمال الصالحة، وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، ورغَّب فيه، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبدٍ يصومُ يوماً في سبيل اللَّه إلا باعَدَ اللَّه ¬

(¬1) زاد المعاد، 1/ 55. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب قول اللَّه تعالى: {فلا رفث}، برقم 1723،ومسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم 3357. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1773، ومسلم، برقم 1349، وتقدم تخريجه.

النوع الثالث: التوبة والإقلاع عن جميع المعاصي

بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً)) (¬1). وروى النسائي مرفوعاً: ((كان يصوم تسعاً من ذي الحجة)) (¬2). وصوم يوم عرفة لغير الحاج ((يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده)) (¬3). النوع الثالث: التوبة والإقلاع عن جميع المعاصي؛ لأن التوبة من أعظم الأعمال الصالحة. النوع الرابع: إذا دخل عشر ذي الحجة أمسك من أراد أن يضحي عن شعره، وبشرته؛ لحديث أم سلمة رضي اللَّه عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحّي فليمسك عن شعره وأظفاره)). وفي لفظ: (( ... فلا يأخذنّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحّي)) (¬4). النوع الخامس: كثرة الأعمال الصالحة، من نوافل العبادات: كالصلاة والصدقة، والقراءة للقرآن الكريم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الجيران، وصلة الأرحام وغير ذلك من الأعمال الصالحة. النوع السادس: الحرص على أداء صلاة العيد لغير الحاجّ، والتبكير إليها، واستماع الخطبة؛ فإنها من أعظم شعائر الإسلام؛ ولعظم شأنها أُمِرَ بها النساء حتى الأبكار، فعن أمِّ عطية رضي اللَّه عنها قالت: ((كُنَّا نؤمر أن ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 2840، ومسلم، برقم 1153، وتقدم تخريجه. (¬2) النسائي، وانظر: صحيح النسائي، للألباني (2/ 508). (¬3) مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة، برقم 197 - (1162). (¬4) مسلم، برقم 1977.

النوع السابع: تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق

نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيّض فيكنّ خلف الناس، فيكبِّرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، ويرجون بركة ذلك اليوم وطهرته)).وفي لفظ: ((وأمر الحيّض أن يعتزلن مصلّى المسلمين)) (¬1). النوع السابع: تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى اللَّه ولده بذبح عظيم: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم} (¬2). وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((ضحّى بكبشين أملحين، أقرنين، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر ووضع رجله على صفاحهما)) (¬3). وقد قال اللَّه تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر} (¬4). النوع الثامن: نحر الهدايا يوم النحر وأيام التشريق، وهي واجبة على المتمتع والقارن. النوع التاسع: التكبير، والتهليل، والذكر في هذه الأيام العشر وأيام التشريق. والتكبير قسمان على النحو الآتي: القسم الأول: التكبير المطلق، وهو الذي لا يتقيد بأدبار الصلوات، بل يشرع في كل وقت: وهو في عيد الفطر، وعيد الأضحى، والذي ينبغي معرفته عن التكبير المطلق في العيدين: وقته، وصفته، وذلك على النحو الآتي: أولاً: وقت التكبير المطلق في عيد الفطر، وعيد الأضحى على النحو الآتي: ¬

(¬1) البخاري، برقم 971، 980، ومسلم، برقم 890. (¬2) سورة الصافات، الآية: 107. (¬3) البخاري، برقم 5553، ومسلم، برقم 1966. (¬4) سورة الكوثر، الآية: 2.

1 - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الفطر من غروب الشمس آخر يوم من رمضان

1 - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الفطر من غروب الشمس آخر يوم من رمضان: إما بإكمال ثلاثين يوماً، وإما برؤية هلال شوال، فإذا غربت شمس آخر يوم من رمضان شُرِعَ التكبير المطلق، لقول اللَّه تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬1)، ويستمرّ في التكبير من غروب الشمس إلى أن يفرغ الإمام من الخطبة (¬2). 2 - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الأضحى من أول عشر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق: في جميع الأوقات، في الليل، والنهار، والطريق، والأسواق، والمساجد، والمنازل، وفي كل موضع يجوز فيه ذكر اللَّه تعالى؛ لقول اللَّه تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 185. (¬2) فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي صلاته، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير، [ابن أبي شيبة في المصنف، والمحامي في كتاب صلاة العيدين، وتقدم تخريجه في التكبير في الطريق إلى مصلى العيد]. قال المرداوي في الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف 5/ 366 - 367: "ويستحب التكبير في ليلتي العيدين، أما ليلة عيد الفطر فيسن التكبير فيها بلا نزاع أعلمه، ونص عليه، ويستحب أيضاً أن يكبر من الخروج إليها إلى فراغ الخطبة على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب، منهم القاضي وأصحابه، وهو من المفردات، وعنه إلى خروج الإمام إلى صلاة العيد، وقيل إلى سلامه، وعنه إلى وصول المصلِّي إلى المصلَّى، وإن لم يخرج الإمام". قال العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه: "ويسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة، وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر اليوم التاسع، وسميت عشراً وهي تسع من باب التغليب، فالمطلق في ليلتي العيدين من غروب الشمس إلى أن ينتهي الإمام من خطبته على مذهب الحنابلة، أو إلى خروج الإمام من البلد، فإذا رأوه سكتوا، أو إلى أن تبتدئ الصلاة أو إلى أن تنتهي الصلاة، والخلاف في هذا أمره سهل، ومعلوم أن الإمام إذا حضر سيشرع في الصلاة وينقطع كل شيء، وإذا انتهى من الصلاة سيشرع في الخطبة" الشرح الممتع 5/ 215.

الْفَقِيرَ} (¬1)،وقول اللَّه - عز وجل -: {وَاذْكُرُواْ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} (¬2)، قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}: أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق)) (¬3). وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة، والمعدودات أيام التشريق)) (¬4)؛ولحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيام أعظم عند اللَّه ولا أحب إليه من العمل فيهن، من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن: من التهليل، والتكبير، والتحميد)) (¬5)؛ ولحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر)) فقالوا: يا رسول اللَّه، ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا الجهاد في سبيل اللَّه إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) (¬6). وقال الإمام البخاري رحمه اللَّه تعالى: ((وكان ابن عمر، وأبو هريرة رضي اللَّه ¬

(¬1) سورة الحج، الآية: 28. (¬2) سورة البقرة، الآية: 203. (¬3) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، قبل الحديث رقم 969 بصيغة الجزم، وقال النووي في شرح المذهب،8/ 382: ((رواه البيهقي بإسناد صحيح)). (¬4) ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري،2/ 458،وعزاه إلى ابن مردويه، وقال: ((إسناده صحيح)). (¬5) أخرجه أحمد، برقم 5446، ورقم 6154، وقال أحمد شاكر في شرحه للمسند، 7/ 224: ((إسناده صحيح)). (¬6) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، برقم 969، واللفظ للترمذي، برقم 757.

عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، ويكبر محمد بن علي خلف النافلة)) (¬1). وقال الإمام البخاري رحمه اللَّه تعالى: ((وكان عمر - رضي الله عنه - يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتجّ منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فُسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعاً. وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكنَّ النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد)) (¬2). وعن أم عطية رضي اللَّه عنها قالت: كنا نؤمر أن نَخرج يوم العيد حتى نُخرج البكر من خدرها، حتى نُخرج الحيّض، فيكنّ خلف الناس فيُكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته)) (¬3)؛ ولحديث نبيشة الهذلي قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب [وذكر لله])) (¬4). قال الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه اللَّه: ((أما التكبير في الأضحى فمشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة)) ¬

(¬1) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، قبل الحديث رقم 969. وقال الحافظ في الفتح، 2/ 458 في أثر محمد بن علي: ((وقد وصله الدارقطني ... قال حدثنا أبو هنة رزيق المدني، قال: رأيت أبا جعفر محمد بن علي يكبر بمنى في أيام التشريق خلف النوافل)). (¬2) البخاري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة، قبل الحديث رقم 970. (¬3) البخاري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة، الحديث رقم 971. (¬4) مسلم، كتاب الصوم، باب تحريم صوم أيام التشريق، وبيان أنها أيام أكل وشرب وذكر لله - عز وجل -، برقم 1141.

ثانيا: صفة التكبير جاء في آثار عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -

ثم ذكر آية البقرة والحج والأحاديث والآثار السابقة (¬1). ثانياً: صفة التكبير جاء في آثارٍ عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنواع على النحو الآتي: النوع الأول: كان عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: ((اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ولله الحمد)) (¬2). قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((وهذا قول: عمر، وعلي، وابن مسعود، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وابن المبارك إلا أنه زاد: على ما هدانا، لقوله: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (¬3). النوع الثاني: وكان ابن عباس رضي اللَّه عنهما يقول: ((اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ولله الحمد، اللَّه أكبر وأجل، اللَّه أكبر على ما هدانا)) (¬4). النوع الثالث: وكان سلمان - رضي الله عنه - يقول: ((اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً)) (¬5). النوع الرابع: وكان عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: ((اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 18. (¬2) ابن أبي شيبة، 2/ 168، قال العلامة الألباني في إرواء الغليل، 3/ 125: ((وإسناده صحيح)). وقال: ((ولكنه ذكره في مكان آخر بالسند نفسه بتثليث التكبير)). (¬3) المغني، 3/ 290، قال: وقال مالك، والشافعي، يقول: ((اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر؛ لأن جابراً صلى في أيام التشريق، فلما فرغ من صلاته قال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ... ولنا خبر جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو نص في كيفية التكبير، وأنه قول الخليفتين الراشدين، وقول ابن مسعود)) المغني لابن قدامة، 3/ 290. (¬4) البيهقي في السنن الكبرى،3/ 315، قال العلامة الألباني في إرواء الغليل، 3/ 125: ((وسنده صحيح أيضاً)). (¬5) ذكره ابن حجر في فتح الباري،2/ 462 فقال: ((وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه: ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان، قال: كبروا اللَّه: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً))، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 3/ 316، ولكنه بلفظ: ((كبروا: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً)).

القسم الثاني التكبير المقيد:

اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر ولله الحمد)) (¬1). قال الإمام الصنعاني رحمه اللَّه: ((وفي الشرح صفات كثيرة عن عدة من الأئمة وهو يدل على التوسعة في الأمر؛ وإطلاق الآية يقتضي ذلك)) (¬2) واللَّه - عز وجل - أعلم (¬3). القسم الثاني التكبير المقيَّد: وهو الذي يُقيَّد بأدبار الصلوات في عيد الأضحى خاصة، ووقته، وصفته على النحو الآتي: أولاً: يبتدئ التكبير المقيَّد من عقب صلاة الفجر يوم عرفة، وينتهي بعد صلاة العصر في اليوم الثالث من أيام التشريق؛ لما ورد عن علي بن أبي طالب الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم -: ((أنه كان يكبر من ¬

(¬1) مصنف ابن أبي شيبة، 2/ 165. (¬2) سبل السلام، 3/ 247. (¬3) قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: ((وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: ((كبروا اللَّه: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً)) ونقل عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي في كتاب العيدين، من طريق يزيد بن أبي زياد عنهم، وهو قول الشافعي، وزاد ((ولله الحمد)). وقيل يكبر ثلاثاً، ويزيد: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، إلخ)) وقيل: يكبر ثنتين بعدهما: لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ولله الحمد، جاء ذلك عن عمر، وعن ابن مسعود نحوه، وبه قال أحمد، وإسحاق، وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها)) [فتح الباري، 2/ 462]، وذكر العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه أن صفة التكبير فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم: الأول: أنه شفع: ((اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر اللَّه أكبر، ولله الحمد)). الثاني: أنه وتر: ((اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر ولله الحمد)). الثالث: أنه وتر في الأولى شفع في الثانية: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ولله الحمد)). الشرح الممتع، 5/ 225، وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 290، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، 4/ 262.

صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ويكبر بعد العصر)) (¬1)، ولما ورد عن عمر الخليفة الراشد - رضي الله عنه -: ((أنه كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق)) (¬2)، ولما ورد عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ((أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب)) (¬3).ولما ورد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان: ((يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق)) (¬4).وفي الباب آثار كثيرة عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5) واللَّه أعلم (¬6).قال الحاكم رحمه اللَّه: ((فأما من فِعْلِ عمر، وعلي، وعبد اللَّه بن عباس، ¬

(¬1) مصنف ابن أبي شيبة،2/ 165،والحاكم وصححه،299،والبيهقي،3/ 314،وصححه النووي في المجموع 5/ 35،وقال الألباني في إرواء الغليل،3/ 125: ((وقد صح عن علي - رضي الله عنه -)). (¬2) ابن أبي شيبة، 2/ 166، والبيهقي في السنن الكبرى، 3/ 314، وفيه الحجاج بن أرطأة، وقد صححه الحاكم، 1/ 299، وصححه النووي في المجموع، 3/ 35، وقال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 125: ((وسنده صحيح)). (¬3) ابن أبي شيبة، 2/ 167، والبيهقي، 3/ 314، والحاكم وصححه، 1/ 299، وصححه النووي في المجموع، 3/ 35، وقال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 125: ((وسنده صحيح)). (¬4) الحاكم وصححه،1/ 299 - 300،واللفظ له، وصححه النووي في المجموع،5/ 35، وابن أبي شيبة، 2/ 166، ولكن بلفظ: (( ... إلى صلاة العصر من يوم النحر)). (¬5) فقد جاء عن جابر مرفوعاً: في الدارقطني، 2/ 49، والبيهقي، 3/ 315، ولكن فيه كلام، انظر: إرواء الغليل للألباني 3/ 124، وجاء عن زيد بن ثابت، عند ابن أبي شيبة، 2/ 166، وعن عمار عند الحاكم، 1/ 299، وصححه، وضعفه النووي في المجموع، 3/ 35. (¬6) قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((أما التكبير بعد الصلاة في عيد الأضحى فاختلف علماء السلف ومن بعدهم فيه على نحو عشرة مذاهب، هل ابتداؤه: من صبح يوم عرفة، أو ظهره، أو صبح يوم النحر، أو ظهره، وهل انتهاؤه: في ظهر يوم النحر [وقيل إلى عصره] أو ظهر أول أيام النفر، أو في صبح آخر أيام التشريق، أو ظهره، أو عصره، واختار مالك والشافعي وجماعة: ابتداؤه من يوم النحر، وانتهاؤه صبح آخر أيام التشريق، وللشافعي قول إلى العصر من آخر أيام التشريق، وقول إنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الراجح عند جماعة من أصحابنا وعليه العمل في الأمصار)). شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 430، وما بين المعقوفين من فتح الباري لابن حجر، 2/ 462، نقلاً عن غير النووي. وقال الإمام ابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/ 259: ((وأما التكبير بعد الصلوات وغيرها: ففي عيد الفطر لا يسن عقب صلوات ليلته على الأصح، وفي عيد الأضحى اختلف علماء السلف)). ثم ساق كلام النووي. ثم قال: ((فرع: مذهب مالك، والشافعي، وجماعة من أهل العلم استحباب هذا التكبير: للمنفرد، والجماعة، والرجال، والنساء، والمقيم، والمسافر، وقال أبو حنيفة والثوري، وأحمد: إنما يلزم جماعات الرجال، ثم قال: ((فرع: اختلفوا في التكبير عقب النوافل: فالأصح عند الشافعي أنه يكبر، وقال مالك في المشهور عنه: لا يكبر، وهو قول الثوري، وأحمد وإسحاق)) ا. هـ. وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره للآثار عن الصحابة وغيرهم في التكبير المقيد بأدبار الصلوات: ((وقد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقب الصلوات، ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل، ومنهم من خصه بالرجال دون النساء، وبالجماعة دون المنفرد، وبالمؤداة دون المقضية، وبالمقيم دون المسافر، وبساكن المصر دون القرية، وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع، والآثار التي ذكرها تساعده)) فتح الباري شرح صحيح البخاري، 2/ 462، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: ((وإذا رأيت اختلاف العلماء بدون أن يذكروا نصّاً فاصلاً فإن الأمر في هذه المسألة واسع، فإن كبّر بعد صلاته منفرداً فلا حرج عليه، وإن ترك التكبير ولو في الجماعة فلا حرج عليه؛ لأن الأمر واسع)).الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/ 218. وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 291،والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف،5/ 366 - 380، وشرح السنة للإمام البغوي، 4/ 300،وزاد المعاد لابن القيم،1/ 449،والكافي لابن قدامة، 1/ 524.

وعبد اللَّه بن مسعود، فصحَّ عنهم التكبير، من غداة عرفة، إلى آخر أيام التشريق)) (¬1).وقال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: ((وأصح ما ورد فيه عن الصحابة: قول علي، وابن مسعود، إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى. أخرجه ابن المنذر وغيره، واللَّه أعلم)) (¬2).وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من ¬

(¬1) مستدرك الحاكم، 1/ 299. (¬2) فتح الباري، 2/ 462.

الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة. ويشرع لكل أحد أن يكبر عند الخروج إلى العيد وهذا باتفاق الأئمة الأربعة)) (¬1). وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه: ((وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -: التكبير في أدبار الصلوات الخمس من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهذا في حق غير الحاج، أما الحاج فيشتغل في حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، وبعد ذلك يشتغل بالتكبير عند أول حصاة من الجمرة المذكورة، وإن كبر مع التلبية فلا بأس، لقول أنس - رضي الله عنه -: ((كان يُلبِّي الملبي فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه)) (¬2)، ولكن الأفضل في حق المحرم هو التلبية وفي حق الحلال هو التكبير في الأيام المذكورة، وبهذا تعلم أن التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام، وهي: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول الشهر فالتكبير فيه مطلق لا مقيد، لما تقدم من الآية والآثار)) (¬3). وقال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((وأما المحرمون فإنهم يكبرون من صلاة الظهر يوم النحر ... لأنهم كانوا مشغولين قبل ذلك بالتلبية وغيرهم يبتدئ من ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية، 24/ 220. (¬2) البخاري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة، برقم 970. (¬3) مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 18 - 19.

ثانيا: صفة التكبير المقيد

يوم عرفة لعدم المانع)) (¬1). ثانياً: صفة التكبير المقيد: هو مثل التكبير المطلق كما تقدم (¬2): ((اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر اللَّه أكبر ولله الحمد)) (¬3)،وهو قول الخليفتين الراشدين: عمر بن الخطاب، وعلي، وقول ابن مسعود - رضي الله عنهم -، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق رحمهم اللَّه تعالى (¬4). السابع والعشرون: ماء زمزم شفاء سُقمٍ وطعام طعمٍ، وهو لما شرب له؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه -، في قصته الطويلة، وفيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له وهو في المسجد الحرام: ((متى كنت هاهنا؟))، قال: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين ما بين ليلة ويومٍ قال: ((فمن كان يطعمك؟)) قال: قلت: ما كان لي طعام إلا ماءُ زمزم فسمنت حتى تكسّرت عُكنُ بطني، وما أجد على كَبدي سُخْفةَ جوعٍ، قال: ((إنها مباركةٌ، إنها طعامُ طُعمٍ)) (¬5). ولفظ البيهقي: ((إنها مباركة، إنها طعام طُعمٍ، وشفاء سُقْمٍ)) (¬6). ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 3/ 289. (¬2) تقدم في صفة التكبير المطلق أنه جاء عن الصحابة - رضي الله عنهم - أنواع من التكبير. فانظرها قبل صفحات. (¬3) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وصفة التكبير المنقول عن أكثر الصحابة: قد روي مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ولله الحمد)) وإن قال اللَّه أكبر ثلاثاً جاز، ومن الفقهاء من يكبر ثلاثاً فقط، ومنهم من يكبر ثلاثاً ويقول: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))، مجموع فتاوى ابن تيمية، 24/ 220. (¬4) انظر: المغني لابن قدامة،3/ 290،والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 5/ 380، وتقدمت أقوال الأئمة في أنواع التكبير في التكبير المطلق. (¬5) مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي ذر - رضي الله عنه -، برقم 2473. (¬6) البيهقي في السنن الكبرى، 5/ 147، والبيهقي في دلائل النبوة، 2/ 208 - 212، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 2435.

ولفظ البزار: ((زمزم طعام طُعم وشِفاء سُقم)) (¬1). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السُّقم، وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي بَرَهُوت بقية [بـ] حضرموت (عليه] كرجل الجراد من الهوامِّ يصبح يتدفق، ويمسي لا بلال بها)) (¬2). وعن جابر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ماء زمزم لما شُرِب له)) (¬3). وعن عائشة رضي اللَّه عنها: أنها حَمَلَتْ ماء زمزم في القوارير، وقالت: ((حمله رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الأداوي والقرب، فكان يصبُّ على المرضى ويسقيهم)) (¬4). قال ابن القيم رحمه اللَّه: ((وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة، واستشفيت به من عِدَّة أمراضٍ فبرأْتُ بإذن اللَّه)) (¬5)، ¬

(¬1) البزار، [مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد، برقم 800]، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: ((رواه البزار بإسناد صحيح))، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 40. (¬2) الطبراني في المعجم الكبير، 11/ 98، برقم 11167، وفي المعجم الأوسط، [مجمع البحرين بزوائد المعجمين، 3/ 234، برقم 1738]، ما بين المعقوفين من المعجم الأوسط، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب،2/ 40،وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1056. (¬3) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الشرب من زمزم، برقم 3062، وأحمد، 3/ 357، 372، وابن أبي شيبة، 7/ 453، وصححه الألباني، في صحيح ابن ماجه، 3/ 59. (¬4) الترمذي، كتاب الحج، باب 115، برقم 963، والحاكم، 1/ 585، والبيهقي في الكبرى، 5/ 202، وفي شعب الإيمان، 3/ 482، برقم 4129، وأبو يعلى، 8/ 139، برقم 4683، وصححه الألباني في صحيح الترمذي،1/ 493،وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 883. (¬5) زاد المعاد، 4/ 178، 393.

الثامن والعشرون: إذا طاف الحاج طواف الوداع

وقال رحمه اللَّه: ((لقد مرَّ بي وقتٌ في مكة سقمتُ فيه ولا أجد طبيباً، ولا دواءً، فكنت أُعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيراً عجيباً، آخذ شربةً من ماء زمزم وأقرؤها عليها مراراً، ثم أشربه فوجدت بذلك البُرْءَ التَّام، ثم صرتُ أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع به غاية الانتفاع، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً، فكان كثير منهم يبرأ سريعاً)) (¬1). الثامن والعشرون: إذا طاف الحاجُّ طواف الوداع خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ لحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، وفيه: (( ... وأما طوافك بالبيت إذا ودَّعت فإنك تخرج من ذنوبك كيوم ولدتك أمك)) (¬2). وفضائل الحج والعمرة لا تحصل إلا لمن أخلص عمله لله، وأدَّى حجه أو عمرته على هدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فهذان شرطان لابد منهما في قبول كل قول وعمل: الشرط الأول: الإخلاص للمعبود؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬3). ولهذا حَرِصَ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإخلاص والدعاء به، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: حجَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على رَحْلٍ رثٍّ وقطيفة (¬4) تسْوى أربعة دراهم، أو لا تسْوَى ثم قال: ((اللَّهم حِجةٌ لا رياءَ ¬

(¬1) زاد المعاد، 4/ 178، والجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص 21. (¬2) رواه الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين في زوائد المعجمين، 3/ 185، برقم 1650]، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 10، 11. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنية))، برقم 1907. (¬4) قطيفة: كساءٌ له خمْلٌ. الترغيب للمنذري، 2/ 130.

الشرط الثاني: المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -

فيها ولا سُمعة)) (¬1). الشرط الثاني: المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬2)، فمن أخلص أعماله لله، مُتَّبعاً في ذلك رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فهذا الذي عمله مقبول، ومن فقد الأمرين أو أحدهما فعمله مردود داخل في قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} (¬3)، ومن جمع الأمرين فهو داخل في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} (¬4)، وقوله - عز وجل -: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬5)، فحديث عمر - رضي الله عنه - ((إنما الأعمال بالنيات)) ميزان للأعمال الباطنة، وحديث عائشة رضي اللَّه عنها ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) ميزان للأعمال الظاهرة، فهما حديثان عظيمان يدخل فيهما الدين كله، أصوله، وفروعه، ظاهره وباطنه (¬6). ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج على الرحل، برقم 2890، والترمذي في الشمائل، برقم 327، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 7، وفي مختصر الشمائل، برقم 288، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 17. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم 2697، ومسلم كتاب، الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718، وهذا لفظ مسلم، أما لفظ البخاري: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). (¬3) سورة الفرقان، الآية: 23. (¬4) سورة النساء، الآية: 125. (¬5) سورة البقرة، الآية: 112. (¬6) انظر: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص10.

المبحث الثالث: منافع الحج وفوائده ومقاصده والحكمة من مشروعيته

المبحث الثالث: منافع الحج وفوائده ومقاصده والحكمة من مشروعيته: النفع: ضدُّ الضرِّ، نفعه ينفعه نفعاً ومنفعة، يقال: نفعه بكذا فانتفع به، والاسم المنفعة، [وجمعه: المنافع]، ويقال: نفّاعٌ: كثير النفع، فالمنفعة: اسم ما انتفع به (¬1). والنفع: الخير: وهو ما يتوصَّل به الإنسان إلى مطلوبه (¬2). وقيل: النفع: ما يُستعان به في الوصول إلى الخيرات، وما يتوصَّل به إلى الخير فهو خير، فالنفع خير، وضدّه الضر (¬3). ومنافع الحج، وفوائده، ومقاصده، والحكمة من مشروعيته كثيرة، لا تُحصر ولا تُعَدُّ، ولكن على وجه الاختصار منها ما يأتي: أولاً: تعظيم شعائر اللَّه وحرماته، فمن أعظم المنافع للحج تعظيم شعائر اللَّه تعالى وحرماته، وهذه المنفعة من أعظم العبادات لله تعالى، قال اللَّه - عز وجل -: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب} (¬4)، وقال جل وعلا: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} (¬5). قال ابن الأثير رحمه اللَّه: ((قد تكرر في الحديث ذكر (الشعائر) ¬

(¬1) لسان العرب، لابن منظور، 8/ 358، ومختار الصحاح، للرازي، ص 280، وأضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 489. (¬2) المصباح المنير، للفيومي، 2/ 618. (¬3) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 819. (¬4) سورة الحج، الآية: 32. (¬5) سورة الحج، الآية: 30.

وشعائر الحج: آثاره، وعلاماته، جمع شعيرة، وقيل: هو كل ما كان من أعماله: كالوقوف، والطواف، والسعي، والرمي، والذبح، وغير ذلك، وقال الأزهري: الشعائر: المعالم التي ندب اللَّه إليها، وأمر بالقيام عليها، ومنه سُمِّي المشعر الحرام؛ لأنه معلم للعبادة وموضع، ومنه حديث [زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((جاءني جبريل، فقال: يا محمد، مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية؛ فإنها من شعار الحج))] (¬1) .. ومنه: (إشعار البدن)، وهو أن يشقَّ أحد جَنْبَتَي سنام البدنة حتى يسيل دمها، ويجعل ذلك لها علامة تعرف بها أنها هديٌ ... )) (¬2)، والشعار: علامة القوم في الحرب، وهو ما ينادون به؛ ليعرف بعضهم بعضاً، والعيد شعار من شعائر الإسلام، .. والشعائر: أعلام الحج، وأفعاله .. والمشاعر: مواضع المناسك، والمشعر الحرام: جبل بآخر مزدلفة، واسمه قُزَح ... )) (¬3). وقيل: شعائر اللَّه: يعني مناسك الحج، وقال الزجاج في شعائر اللَّه: يعني بها جميع متعبدات اللَّه التي أشعرها اللَّه: أي جعلها أعلاماً لنا، وهي كل ما كان من موقف، أو سعي، أو ذبح، وإنما قيل: شعائر اللَّه لكل علم مما تُعبِّد به؛ لأن قولهم: شعرت به: علمته؛ فلهذا سميت الأعلام التي هي مُتَعَبَّدات اللَّه تعالى شعائر، والمشاعر مواضع المناسك (¬4). ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب المناسك، أباب رفع الصوت بالتلبية، برقم 2923، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 16، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 830. (¬2) النهاية في غريب الحديث، 2/ 479، ببعض التصرف. (¬3) انظر: المصباح المنير، للفيومي، 1/ 315. (¬4) لسان العرب، لابن منظور، 4/ 114 - 415.

وقال الراغب الاصفهاني رحمه اللَّه: ((ومشاعر الحج: معالمه الظاهرة للحواس، والواحد مشعر، ويقال: شعائر الحج، الواحد: شعيرة، قال اللَّه تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} (¬1) وقال: {فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (¬2)، {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} (¬3)،أي ما يُهدى إلى بيت اللَّه، وسُمِّي بذلك؛ لأنها تشعر: أي تُعلَّم بأن تُدْمَى بشعيرة: أي حديدة يشعر بها (¬4). وقال الإمام الطبري رحمه اللَّه تعالى: (({ذلك ومن يعظِّم شعائر اللَّهِ فإنها من تقوى القلوب}: يقول تعالى ذكره: هذا الذي ذكرت لكم أيها الناس، وأمرتكم به، من اجتناب الرجس من الأوثان، واجتناب قول الزور حنفاء لله، وتعظيم شعائر اللَّه، وهو استحسان البدن، واستسمانها، وأداء مناسك الحج على ما أمر اللَّه جل ثناؤه من تقوى قلوبكم))، ثم قال: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن اللَّه تعالى ذِكْرُهُ أخبر أن تعظيم شعائره: وهي ما جعله أعلاماً لخلقه فيما تعبَّدهم به من مناسك حجِّهم من الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها، والأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم من تقوى قلوبهم لم يخصص من ذلك شيئاً، فتعظيم ذلك من تقوى القلوب ... وحقٌّ على عباده المؤمنين تعظيم جميع ذلك ... فإن تلك التعظيمة: من اجتناب الرجس من الأوثان من تقوى القلوب: .. أي فإنها من وجل القلوب من خشية اللَّه، ¬

(¬1) سورة الحج، الآية: 32. (¬2) سورة البقرة، الآية: 198. (¬3) سورة المائدة، الآية: 2. (¬4) مفردات ألفاظ القرآن، ص 456.

وحقيقة معرفتها، وإخلاص توحيده)) (¬1). وقال الإمام القرطبي رحمه اللَّه: (({ومن يعظم شعائر اللَّه}: الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمرٌ أشعر به وأعلم، ومنه شعار القوم في الحرب: أي علاماتهم التي يتعارفون بها، ومنه إشعار البدنة، وهو الطعن في جانبها الأيمن حتى يسيل الدم، فيكون علامة، فتسمَّى شعيرة، بمعنى المشعورة، فشعائر اللَّه: أعلام دينه، لاسيما ما يتعلق بالمناسك .. وأضاف التقوى إلى القلوب؛ لأن حقيقة التقوى في القلب؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في صحيح الحديث: ((التقوى ها هنا)) (¬2)، وأشار إلى صدره (¬3). وقال الإمام البغوي رحمه اللَّه: ((قال ابن عباس: شعائر اللَّه: البُدْن، والهدي، وأصلها من الإشعار، وهو إعلامها، ليُعلم أنها هدي، وتعظيمها استسمانها واستحسانها، وقيل: شعائر اللَّه: أعلام دينه، فإنها من تقوى القلوب: أي: إن تعظيمها من تقوى القلوب)) (¬4). وقال ابن كثير رحمه اللَّه: (({ومن يعظم شعائر اللَّه}: أي أوامره {فإنها من تقوى القلوب}، ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال الحكم عن مقسم، عن ابن عباس: تعظيمها: استسمانها، واستحسانها)) (¬5). ¬

(¬1) جامع البيان، 18/ 621. (¬2) مسلم، كتاب البر، باب تحريم ظلم المسلم، برقم 32 - (2564). (¬3) الجامع لأحكام القرآن، 11/ 61 - 62. (¬4) تفسير البغوي، 3/ 286. (¬5) تفسير القرآن العظيم، 10/ 53.

وقال العلامة السعدي رحمه اللَّه: ((والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها، كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (¬1)، ومنها الهدايا والقربان للبيت، وتقدّم أن معنى تعظيمها: إجلالها، والقيام بها، وتكميلها، على أكمل ما يقدر عليه العبد، ومنها الهدايا، فتعظيمها باستحسانها، واستسمانها، وأن تكون مكملة من كل وجه، فتعظيم شعائر اللَّه صادر من تقوى القلوب، فالمعظِّم لها يُبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأنّ تعظيمها تابع لإعظام اللَّه وإجلاله)) (¬2). وقال رحمه اللَّه: (({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (¬3): يخبر تعالى: أن الصفا والمروة ... من شعائر اللَّه: أي: أعلام دينه الظاهرة التي تعبَّد اللَّه بها عباده، وإذا كانا من شعائر اللَّه، فقد أمر اللَّه بتعظيم شعائره فقال: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (¬4)، فدلّ مجموع النصين أنهما من شعائر اللَّه، وأن تعظيم شعائره من تقوى القلوب، والتقوى واجبة على كل مكلَّف، وذلك يدلّ على أن السعي بهما فرض لازم للحج والعمرة كما عليه الجمهور، ودلّت عليه الأحاديث النبوية، وفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((خذوا عني مناسككم)) (¬5))) (¬6). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 158. (¬2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 538. (¬3) سورة البقرة: الآية: 158. (¬4) سورة الحج: الآية، 32. (¬5) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، برقم 1297. (¬6) تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص76.

وقال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: (({ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} عام في جميع شعائر اللَّه، وقد نصَّ على أن البُدن فرد من أفراد هذا العموم داخل فيه قطعاً، وذلك في قوله: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (¬1)، فيدخل في الآية تعظيم البُدن، واستسمانها، واستحسانها، كما قدمنا عن البخاري: أنهم كانوا يستسمنون الأضاحي، وكانوا يرون أن ذلك من تعظيم شعائر اللَّه، وقد قدمنا أن اللَّه صرح بأن الصفا والمروة داخلان في هذا العموم بقوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (¬2) الآية: وأن تعظيمهما المنصوص في هذه الآية: عدم التهاون بالسعي بين الصفا والمروة ... )) (¬3). وأما حرمات اللَّه تعالى في قوله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّه فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} (¬4)، فقال الإمام ابن جرير رحمه اللَّه: ((ومن يجتنب ما أمره اللَّه باجتنابه في حال إحرامه تعظيماً منه لحدود اللَّه أن يواقعها، وحُرَمهُ أن يستحلَّها فهو خير له عند ربه في الآخرة)) (¬5). وقال الإمام البغوي رحمه اللَّه: (({ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} أي معاصي اللَّه وما نهى عنه، وتعظيمها: ترك ملابستها ... وذهب قوم إلى أن الحرمات هنا: البيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد ¬

(¬1) سورة الحج، الآية: 36. (¬2) سورة البقرة الآية: 158. (¬3) أضواء البيان، 5/ 692 - 693، وانظر: جامع البيان للطبري، 3/ 226. (¬4) سورة الحج: الآية، 30. (¬5) جامع البيان، 18/ 617.

وحرمات الله: كل ما له حرمة، وأمر باحترامه

الحرام، والإحرام {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} أي تعظيم الحرمات خير له عند اللَّه في الآخرة)) (¬1). وقال الإمام ابن كثير رحمه اللَّه: (({ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} أي ومن يجتنب معاصيه ومحارمه، ويكون ارتكابها عظيماً في نفسه {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} أي فله على ذلك خير كثير، وثواب جزيل، فكما [أن] على فعل الطاعات ثواب كثير وأجر جزيل، كذلك على ترك المحرمات والمحظورات)) (¬2). وقال الإمام القرطبي رحمه اللَّه: ((الحرمات: المقصود هنا هي: أفعال الحج المشار إليها في قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} ويدخل في ذلك تعظيم المواضع، ... ويجمع ذلك أن تقول: الحرمات: امتثال الأمر: من فرائضه وسننه، وقوله: {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} أي التعظيم خير له عند ربه من التهاون بشيء منها ... )) (¬3). وقال العلامة السعدي رحمه اللَّه: (({ذَلِكَ} الذي ذكرنا لكم من تلكم الأحكام، وما فيها من تعظيم حرمات اللَّه، وإجلالها وتكريمها؛ لأن تعظيم حرمات اللَّه من الأمور المحبوبة المقربة إليه، التي من عظَّمها وأجلَّها أثابه اللَّه ثواباً جزيلاً، وكانت خيراً له في دينه ودنياه، وأخراه عند ربه. وحرمات اللَّه: كلُّ ما له حرمة، وأمر باحترامه بعبادة أو غيرها: ¬

(¬1) تفسير البغوي، 3/ 285 - 286. (¬2) تفسير القرآن العظيم: 10/ 51. (¬3) الجامع لأحكام القرآن، 11/ 59.

استقامة القلب بشيئين:

كالمناسك كلها، وكالحرم والإحرام، وكالهدايا، وكالعبادات التي أمر اللَّه العباد القيام بها: فتعظيمها: إجلالها بالقلب، ومحبتها، وتكميل العبودية فيها، غير متهاونٍ ومتكاسلٍ، ولا متثاقلٍ)) (¬1). فيجب على العبد أن يعظِّم حرمات اللَّه: باجتنابها، سواء كان ذلك في الحج أو في غيره، ويعظم حرمات اللَّه كما تقدم، ويدلّ على عبودية العبد لله تعالى تعظيم شعائره كما تقدم. وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه اللَّه تعالى: أن استقامة القلب بشيئين: الأول: أن تكون محبة اللَّه تتقدم عنده على جميع المحابّ. الثاني: تعظيم الأمر والنهي؛ فإنه ذم من لا يعظمه، ولا يعظم أمره ونهيه قال سبحانه: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ للَّهِ وَقَاراً} (¬2) ... وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام في تعظيم الأمر والنهي: هو أن لا يعارضا بترخيصٍ جافٍ، ولا يعارضا لتشديدٍ غالٍ، ولا يحملا على علةٍ توهن الانقياد)) (¬3). وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربي أصحابه، بل وأمته على تعظيم شعائر اللَّه تعالى فكان يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) (¬4). وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( ... وصلوا كما رأيتموني أصلي)) (¬5). ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 537. (¬2) سورة نوح، الآية: 13. (¬3) الوابل الصيب، لابن القيم، ص 24 - 25. (¬4) البخاري، برقم 1521، ومسلم برقم 1350، وتقدم تخريجه. (¬5) البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، برقم 608.

ثانيا: مغفرة ذنوب الحاج ورضوان الله عليه

وقال - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وهو يرمي جمرة العقبة: ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلِّي لا أحجُّ بعد حجتي هذه)) (¬1). فمن تعظيم شعائر اللَّه تعالى: الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع مناسك الحج، وما يعمله الحاجّ في المشاعر، وإذا قصَّر في شيء من ذلك متعمِّداً راغباً عن سنته - صلى الله عليه وسلم - فليس منه في شيء، وكذلك جميع العبادات التي شرعها - صلى الله عليه وسلم -. ومن تتبّع أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتأمّل في صفة حجة الوداع ظهر له تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - لشعائر اللَّه، وتعظيمه لحرمات اللَّه - عز وجل -. ثانياً: مغفرة ذنوب الحاج ورضوان اللَّه عليه، فيرجع إلى وطنه كيوم ولدته أمه لا ذنب عليه، إذا كان متَّقياً ربه في حجِّه: بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وقد تقدم في فضائل الحج والعمرة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه)) (¬2). وذكر الإمام الطبري رحمه اللَّه تعالى: أن معنى قوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (¬3) هو أن الحاج يخرج مغفوراً له كيوم ولدته أمه لا إثم عليه، فقد ذكر ستة أقوال لأهل العلم في معنى الآية، ثم قال رحمه اللَّه: ((وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال: تأويل ذلك: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} من أيام ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، برقم 1297. ... (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1521، 1819، ومسلم، برقم 1350 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وتقدم تخريجه. (¬3) سورة البقرة، الآية: 203.

منى الثلاثة، فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه، لحطّ اللَّه ذنوبه إن كان قد اتّقى اللَّه في حجه، فاجتنب فيه ما أمره اللَّه باجتنابه، وفعل فيه ما أمره بفعله، وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده، (وَمَنْ تَأَخَّرَ) إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر إلى النفر الثاني حتى نفر من غدٍ النفر الأول (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) لتكفير اللَّه له ما سلف: من آثامه وإجرامه إن كان اتقى اللَّه في حجه بأدائه بحدوده؛ وإنما قلنا إن ذلك أولى تأويلاته بالصحة؛ لتظاهر الأخبار عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه)) (¬1)، وأنه قال: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة)) (¬2) ... وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكر جميعها الكتاب، مما ينبئ عن أن من حجّ فقضاه بحدوده على ما أمره اللَّه، فهو خارج من ذنوبه، كما قال جل ثناؤه: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} اللَّه في حجه، فكان في ذلك من قول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما يوضح أن معنى قوله جل وعز: (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أنه خارج من ذنوبه، محطوطة عنه آثامه، مغفورة أجرامه، وأنه لا معنى لقول من تأول قوله: (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فلا حرج عليه في نفره في اليوم الثاني، ولا حرج عليه في مقامه إلى اليوم الثالث؛ لأن الحرج إنما يوضع عن العامل فيما كان عليه ترْك عمله، فيرخّص له في عمله بوضع الحرج عنه في عمله، أو فيما كان عليه عمله فيرخّص له في تركه بوضع الحرج عنه في ¬

(¬1) متفق عليه، البخاري، برقم 1521، ومسلم، برقم 1350، وتقدم تخريجه. (¬2) الترمذي، برقم 810، والنسائي، برقم 2631، وقال الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 426:)) حسن صحيح))، وتقدم تخريجه.

ثالثا: مضاعفة الصلوات في الحرم من المنافع العظيمة

تركه ... )) (¬1)، وقد رجح اختيار الإمام ابن جرير العلامة الجهبذ محمد الأمين الشنقيطي رحمه اللَّه (¬2). ثالثاً: مضاعفة الصلوات في الحرم من المنافع العظيمة؛ فإن الصلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف فيما سواه)) (¬3)، وهذا ... ثوابه عظيم؛ فإن من صلّى يوماً واحداً خمس صلوات، كانت أفضل من خمسمائة ألف صلاة، فتكون أفضل من الصلاة في مائتين وإحدى وثمانين سنة وستة أشهر تقريباً؛ لأن المصلي إذا صلَّى خمس صلوات، كان ذلك عدد الصلوات في اليوم، فيكون بمائة ألف يوم تقسيم ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوماً، عدد أيام السنة القمرية، والناتج يكون عدد السنين هكذا 100000 يوم ÷ 355 يوماً = 281،69 سنة، وهذا فضل عظيم، وثواب كبير جليل، لمن وفقه اللَّه تعالى للخير (¬4). ¬

(¬1) جامع البيان عن تأويل أي القرآن، 4/ 222 - 224. (¬2) أضوء البيان، 5/ 490 - 492. (¬3) ابن ماجه، برقم 1406، وأحمد، 3/ 343، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 236، وتقدم تخريجه. (¬4) أيهما أفضل: الطواف بالبيت أو صلاة النافلة في المسجد الحرام؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: الطواف بالبيت أفضل، وبه قال بعض علماء الشافعية، واستدلوا بأن اللَّه قدَّم الطواف على الصلاة في قوله: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، وقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]. والقول الثاني: الصلاة أفضل لأهل مكة، والطواف أفضل للغرباء، وممن قال بهذا القول: ابن عباس، وعطاء، وسعيد بن جبير، ومجاهد، كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب. [أضواء البيان، 5/ 229]. قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((في التفضيل بين كثرة النافلة وكثرة الطواف خلاف، والأرجح أن يكثر من هذا وهذا، ولو كان غريباً، وذهب بعض أهل العلم إلى التفضيل، فاستحبوا الإكثار من الطواف في حقِّ الغريب، ومن الصلاة في حقِّ غيره، والأمر في ذلك واسع ولله الحمد)). [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 138 - 139، 367، و17/ 225، ومجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 248]. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى، 26/ 290: ((جمهور أهل العلم على أن الطواف بالبيت أفضل من الصلاة بالمسجد الحرام)).

وقد جعل اللَّه هذا المسجد أول بيت وُضِع للعبادة، وهو أفضل المساجد مطلقاً؛ لقول اللَّه تعالى: {ِإِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (¬1). وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول اللَّه: أيُّ مسجدٍ وضع في الأرض أول؟ قال: ((المسجد الحرام)) قال: قلت: ثم أيٌّ؟ قال: ((المسجد الأقصى))، قلت: كم كان بينهما؟ قال: ((أربعون سنة))، ثم قال: ((حيثما أدركت الصلاة فصلِّ، والأرض لك مسجد))، وفي لفظ مسلم: ((ثم الأرض لك مسجد، فحيثما أدركت الصلاة فصل)) (¬2). ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآيتان: 96 - 97. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: حدثنا موسى بن إسماعيل، برقم 3366، وباب قول اللَّه تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [سورة ص:30]، برقم 3425، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المساجد ومواضع الصلاة برقم 520.

فقوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} يخبر تعالى عن شرف هذا البيت العظيم الحرام، وأنه أول بيت وضعه اللَّه للناس يتعبدون فيه لربهم - سبحانه وتعالى -، ويطوفون به، ويُصلُّون إليه (¬1)، وقوله: {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} بكة: من أسماء مكة، قال الإمام ابن كثير رحمه اللَّه: ((بكة من اسماء مكة على المشهور، قيل: سُمِّيت بذلك؛ لأنها تبكّ أعناق الظلمة والجبابرة، بمعنى أنهم يذلون بها، ويخضعون عندها، وقيل: لأن الناس يتباكّون فيها: أي يزدحمون)) (¬2)، وقال رحمه اللَّه: ((وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة: مكة، وبكة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، والمأمون، وأم رحم، وأم القرى، وصلاح، والعَرَش على وزن بدر، والقادس؛ لأنها تطهِّر من الذنوب، والمقدّسة، والناسة - بالنون والباء أيضاً -، والنسَّاسة، والحاطمة، والرأس، وكوثا، والبلدة، والبنية، والكعبة)) (¬3). وقوله تعالى: (مُبَارَكَاً):أي فيه البركة الكثيرة في المنافع الدينية والدنيوية)) (¬4). وقوله: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} أي أدلة واضحة، ودلالات ظاهرة، وبراهين قاطعات على أن اللَّه تعالى عظَّمه وشرَّفه)) (¬5). ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، ص138، وانظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 3/ 115. (¬2) تفسير القرآن العظيم، 3/ 115. (¬3) المرجع السابق: 3/ 116. (¬4) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، ص138. (¬5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 3/ 116، وتفسير البغوي، 1/ 328، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص 139.

وقوله تعالى: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} ومن الآيات البينات (مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله ولده إسماعيل، وكان أثر قدميه عليه، وكان ملصقاً بجدار الكعبة، حتى أخَّره عمر بن الخطاب في خلافته إلى ناحية الشرق، بحيث يتمكَّن الطائفون بالصلاة خلفه، ولا يشوِّشون على الطائفين بالبيت أثناء الصلاة (¬1). ومن الآيات البينات: الحجر الأسود، والحطيم (¬2)، وزمزم، والمشاعر كلها، وقيل: مقام إبراهيم: جميع الحرم (¬3). قال الإمام الطبري رحمه اللَّه بعد أن ذكر أقوال أهل العلم: ((وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: الآيات البينات: منهن مقام إبراهيم، وهو قول: قتادة ومجاهد الذي رواه معمر عنهما، فيكون الكلام مراداً فيه: (منهن) فترك ذكره اكتفاءً بدلالة الكلام عليها، فإن قال قائل: فهذا المقام من الآيات البينات، فما سائر الآيات التي من أجلها قيل: {آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ؟}، قيل: منهن المقام، ومنهن الحجر، ومنهن الحطيم)) (¬4). ¬

(¬1) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 3/ 116، وتفسير السعدي، ص139، وانظر: تفسير الطبري، 3/ 33، 37، و7/ 28 - 29. (¬2) الحطيم: هو ما بين الركن والباب. وقيل: هو الحِجْر المُخْرج منهاـ سمي به لأن البيت رُفع وتُرِك هو مَحْطوماً، وقيل: لأنَّ العرب كانت تطرَح فيه ما طافت به من الثياب، فَتَبْقى حتَّى تَنْحَطم بِطُول الزمان فيكونُ فعيلا بمعنى فاعل. [النهاية، مادة حطم]. (¬3) تفسير البغوي: 1/ 328. (¬4) جامع البيان، 7/ 28.

قال الإمام ابن كثير رحمه اللَّه عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله تعالى: (مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) قال: الحرم كله مقام إبراهيم)) (¬1). وقال العلامة السعدي رحمه اللَّه: ((ويحتمل أن المراد بمقام إبراهيم مفرد مضاف يراد به مقاماته في مواضع المناسك كلها، فيكون على هذا جميع أجزاء الحج ومفرداته آيات بينات: كالطواف، والسعي، ومواضعها، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، والرمي، وسائر الشعائر والآيات في ذلك ما جعله اللَّه في القلوب من تعظيمها واحترامها، وبذل نفائس النفوس والأموال في الوصول إليها، وتحَمُّل كل مشقة لأجلها، وما في ضمنها من الأسرار البديعة، والمعاني الرفيعة، وما في أفعالها من الحكم والمصالح التي يعجز الخلق عن إحصاء بعضها ... )) (¬2). قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في الجاهلية، حتى أن الواحد من أهل الجاهلية يجد قاتل أبيه فلا يهيجه في الحرم (¬3). وأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من إقامة حدود اللَّه، فمن فعل ما يوجب حداً أقيم عليه فيه، ومن فعل حداً خارج الحرم، ثم لجأ إلى الحرم عائذاً به، فإنه يُخرَج من الحرم ثم يقام عليه الحدّ (¬4). ¬

(¬1) تفسير القرآن العظيم، 3/ 117. (¬2) تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص 139. (¬3) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 3/ 117، وتفسير البغوي، 1/ 329، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص139. (¬4) تفسير الطبري،7/ 29 - 34،وتفسير القرآن العظيم لابن كثير،3/ 117،وتفسير البغوي، 1/ 329.

وذلك بدعاء إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، حين قال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬1)، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} (¬2). وقال الإمام البغوي رحمه اللَّه تعالى: (((ومن دخله كان آمناً) قال: وقيل: هو خبر بمعنى الأمر، تقديره: ومن دخله فأمِّنوه، كقوله: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا)) (¬3). وقد ذكر اللَّه منَّته على عباده فقال: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} (¬4). وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (¬5). وقد ثبت في الحديث الصحيح قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن إبراهيم حرّم مكة، ودعا لأهلها، وحرّمتُ المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة، ودعوت لأهلها في مدِّها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم [- عليه السلام -] لمكة)) (¬6). وثبتت أحاديث أخرى تدلّ على أن اللَّه الذي حرّم مكة، ففي الصحيحين ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 126. (¬2) سورة إبراهيم، الآية: 35. (¬3) تفسير البغوي، 1/ 329. (¬4) سورة القصص، الآية: 57. (¬5) سورة العنكبوت، الآية: 67. (¬6) البخاري، برقم 2129، ومسلم، برقم 1360، ويأتي تخريجه إن شاء اللَّه في محظورات الحرم.

رابعا: ذكر الله تعالى في الأيام المعلومات: وهي عشر ذي الحجة وأيام التشريق

عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن هذا البلد حرّمه اللَّه يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، وإنه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلّ لي إلا ساعة من نهار ... )) (¬1). قال الإمام ابن كثير رحمه اللَّه: ((فإذا عُلم هذا، فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدالّة على أن اللَّه حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، وبين الأحاديث الدّالّة على أن إبراهيم - عليه السلام - حرّمها؛ لأن إبراهيم بلّغ عن اللَّه حكمه فيها، وتحريمه إياها ... )) (¬2). ولعظمة هذا البيت توعّد اللَّه من أراد فيه بإلحاد بظلم بعذاب أليم فقال - سبحانه وتعالى -: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (¬3). رابعاً: ذكر اللَّه تعالى في الأيام المعلومات: وهي عشر ذي الحجة وأيام التشريق (¬4) من جملة المنافع للحج، قال اللَّه تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَام} ِ (¬5). قال الإمام الشنقيطي رحمه اللَّه تعالى: ((اللام في قوله: (ليشهدوا) هي ¬

(¬1) البخاري برقم 1349، 1834، 1587، 3189، 3077، ومسلم برقم 1353، ويأتي تخريجه إن شاء اللَّه في محظورات الإحرام. (¬2) تفسير القرآن العظيم، 2/ 74. (¬3) سورة الحج، الآية: 25. ... ... (¬4) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 241. (¬5) سورة الحج، الآيتان: 27 - 28.

خامسا: دخول الجنة والنجاة من النار من أعظم منافع الحج

لام التعليل، وهي متعلقة بقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} الآية: أي أن تؤذن فيهم يأتوك مشاة، وركباناً لأجل أن يشهدوا: أي يحضروا منافع لهم، والمراد بحضورهم المنافع: حصولها لهم)) (¬1). فقوله: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} من المنافع الدينية، قال العلامة: الإمام شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((وعطفه على المنافع من باب عطف الخاص على العام)) (¬2) يعني عطف الذكر على المنافع. وقال العلامة السعدي رحمه اللَّه: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} وهذا من المنافع الدينية)) (¬3). ولا شك أن الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والدعاء على الصفا والمروة، والوقوف بعرفات، ومزدلفة، ورمي الجمار، كل هذه من ذكر اللَّه تعالى، ولهذا روي ((إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر اللَّه - عز وجل -)) (¬4)، وهذا المعنى صحيح حتى ولو لم يصحّ فيه الحديث. خامساً: دخول الجنة والنجاة من النار من أعظم منافع الحج؛ ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 489. (¬2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، 5/ 135، و 16/ 185. (¬3) تيسير الكريم الرحمن، ص 537. (¬4) أحمد في المسند، 40/ 408، برقم 24351، ورقم 24268، ورقم 25080، وأبو داود، برقم 1888، والترمذي، وقال: ((هذا حديث حسن صحيح))، برقم 902، وغيرهم، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص 148، وحسن إسناده عبد القادر الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 3/ 218، وقال الأعظمي في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة، 4/ 222: ((إسناده صحيح)).

سادسا: السلامة من الفقر، لمن تابع بين الحج والعمرة

لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس جزاء إلا الجنة)) (¬1)، وهذا أعظم المنافع التي تحصل لمن حج حجاً مبروراً؛ لأن من زُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬2). سادساً: السلامة من الفقر، لمن تابع بين الحج والعمرة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب ... )) الحديث (¬3). وهذا من المنافع؛ فإن المتابعة بين الحج والعمرة يزيلان الفقر، قال العلامة المباركفوري رحمه اللَّه: ((ينفيان الفقر: أي يزيلانه، وهو يحتمل الفقر الظاهر بحصول غنى اليد، والفقر الباطن بحصول غنى القلب)) (¬4)، وقد قال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (¬5). سابعاً: أرباح التجارة، من المنافع المباحة الدنيوية التي تحصل للحاج إذا أراد البيع والشراء أرباح التجارة، وقد أباح اللَّه ذلك للحاج إذا لم تشغله عن حجه، قال اللَّه تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} (¬6). ¬

(¬1) البخاري، برقم 1773، ومسلم، برقم 1349، وتقدم تخريجه. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 185. (¬3) الترمذي، برقم 810، والنسائي، برقم 2631، وتقدم تخريجه. (¬4) تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، 3/ 539. (¬5) سورة الطلاق، الآيتان: 2 - 3. (¬6) سورة البقرة، الآية: 98.

وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((كانت عكاظُ، ومَجنَّةُ، وذو المجازِ أسواقاً في الجاهلية، فتأثَّموا أن يتَّجروا في المواسم، فنزلت {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} في مواسم الحج))، وفي لفظ: ((كان ذو المجاز وعكاظ متَّجر الناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} في مواسم الحج)) (¬1). وعنه - رضي الله عنه - أنه قرأ هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} قال: ((كانوا لا يتَّجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات)) (¬2). وروى الإمام الطبري عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: ((لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده)) (¬3). وقال الإمام الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وقوله: (منافع) (¬4) جمع منفعة، ولم يبيِّن هنا هذه المنافع ما هي، وقد جاء بيان بعضها في الآيات القرآنية، وأن منها ما هو دنيوي، وما هو أخروي، وأما الدنيوي فكأرباح التجارة، إذا خرج الحاج بمال تجارته معه؛ فإنه يحصل له الربح غالباً، ¬

(¬1) البخاري، كتاب التفسير، بابٌ (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) برقم 4519، وفي كتاب الحج، باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية، برقم 1770، وأطرافه في البخاري، 2098، ورقم 4519. (¬2) أبو داود، كتاب المناسك، باب التجارة في الحج، برقم 1731، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 485. (¬3) تفسير الطبري، 4/ 162، برقم 3761. (¬4) سورة الحج، الآية: 28.

وذلك نفع دنيوي، وقد أطبق علماء التفسير على أن معنى قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} (¬1) أنه ليس على الحاج إثم ولا حرج إذ ابتغى ربحاً بتجارة في أيام الحج إن كان ذلك لا يشغله عن شيء من أداء مناسكه ... ومن المنافع الدنيوية ما يصيبونه من البدن، والذبائح ... كقوله تعالى: (فكلوا منها) (¬2) في الموضعين، وكل ذلك نفع دنيوي، وفي ذلك بيان أيضاً لبعض المنافع المذكورة في آية الحج هذه)) (¬3). وقال الإمام الطبري رحمه اللَّه في قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}: ((اختلف أهل التأويل في معنى المنافع التي ذكرها اللَّه في هذا الموضع، فقال بعضهم: هي التجارة، ومنافع الدنيا ... وقال آخرون: هي الأجر في الآخرة، والتجارة في الدنيا، ... وقال آخرون: بل هي العفو والمغفرة، ... وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: عنى بذلك: ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي اللَّه والتجارة، وذلك أن اللَّه عمَّ لهم منافع جميع ما يَشْهَد له الموسم ويتأتى له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة، ولم يخصص من ذلك شيئاً من منافعهم بخبر ولا عقل، فذلك على العموم في المنافع التي وصفت)) (¬4). وقال الإمام ابن كثير رحمه اللَّه: ((منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان اللَّه تعالى، وأما منافع الدنيا، فما يصيبون من منافع ¬

(¬1) سورة البقرة: الآية: 98. (¬2) سورة الحج: الآية، 28، والآية: 36. (¬3) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، 5/ 489 - 490، ببعض التصرف. (¬4) تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن)، 18/ 610.

ثامنا: إظهار التذلل لله تعالى، والخضوع له سبحانه

البُدن، والربح، والتجارات)) (¬1). وذكر الإمام البغوي رحمه اللَّه ما حاصله: العفو والمغفرة، وقيل: التجارة، وقيل: الأسواق، وقيل: التجارة وما يرضى اللَّه به من أمر الدنيا والآخرة (¬2). والصواب في المنافع إن شاء اللَّه تعالى: هو مجموع هذه الأقوال كما قال الإمام الطبري رحمه اللَّه تعالى، وأن المنافع عامة شاملة لكل المنافع في الدنيا والآخرة، واللَّه تعالى أعلم، فيدخل فيها ما تقدم من المنافع، وما سيأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى. ثامناً: إظهار التذلل لله تعالى، والخضوع له سبحانه؛ وذلك لأن الحاج والمعتمر يرفض أسباب الترف والتزين، والتطيب، ويلبس ثياب الإحرام مظهراً فقره لربه، متجرِّداً عن كل ما يشغله ويصرفه عن مولاه، فيتعرَّض بذلك لمغفرته سبحانه، ثم يقف الحاج في عرفة متضرّعاً، متذلِّلاً، حامداً شاكراً، لربه، ومستغفراً لذنوبه وعثراته، سائلاً ربه ما يحتاجه في دنياه وأخراه، وفي طوافه بالبيت العتيق يلوذ باللَّه ويلجأ إليه من ذنوبه، ومن هوى نفسه والشيطان ووساوسه (¬3). تاسعاً: أداء الشكر لله تعالى؛ فإن في الحج يؤدي العبد بعض الشكر لسلامة البدن من العوارض المانعة من الحجِّ وغيره، وشكر نعمة المال، وشكر نعمة الفراغ، وشكر نعمة الحياة، وشكر نعمة القوة ¬

(¬1) تفسير القرآن العظيم، 10/ 44. (¬2) تفسير البغوي: 3/ 283 - 234. (¬3) الموسوعة الفقهية، 17/ 26.

عاشرا: الحج أعظم مؤتمر بشري تجتمع كلمة أصحابه

والشباب، وهذه النعم من أعظم ما يتمتع به الإنسان من نعم الدنيا؛ لأن الإنسان بهذه النعم: يجهد نفسه، وينفق ماله؟، ويشغل وقته، ويغتنم حياته وقوته، في طاعة ربه، والتقرب إليه - سبحانه وتعالى -، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نعمتان مغبون فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ)) (¬1)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)) (¬2). ومعلوم أن شكر اللَّه تعالى على نعمه من أعظم العبادات التي ينال بها العبد الثواب والزيادة من فضل اللَّه - عز وجل -، قال اللَّه تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (¬3). عاشراً: الحج أعظم مؤتمر بشري تجتمع كلمة أصحابه الصادقين على البر والتقوى، فيجتمع المسلمون من أقطار الأرض في مركز اتجاه أرواحهم، ومَهْوَى قلوبهم، فيتعرّف بعضهم على بعض، ويألف بعضهم بعضاً، فتذوب الفوارق بين الناس: فوارق اللون والجنس، وفوارق اللسان واللغة، وفوارق الغنى والفقر، وفوارق الجاه والسلطان: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّه أَتْقَاكُمْ} (¬4). ¬

(¬1) البخاري، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الصحة والفراغ، ولا عيش إلا عيش الآخرة، برقم 6412. (¬2) الحاكم، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، 4/ 306، ورواه ابن المبارك في الزهد، 1/ 104، برقم 2 من حديث عمرو بن ميمون مرسلاً، وقال ابن حجر في فتح الباري، 11/ 235، بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون، فمرسل عمرو بن ميمون شاهد لرواية الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع، 2/ 355، برقم 1088. (¬3) سورة إبراهيم، الآية: 7. (¬4) سورة الحجرات، الآية: 13.

الحادي عشر: الحج يذكر المسلم بالموت والانتقال إلى الآخرة

وهذا كله يُبيِّن أن الحكمة لمشروعية الحج: إظهار العبودية لله تعالى، وأن الحج يشتمل على حِكم جليلة، كثيرة، وفوائد عديدة، تدركها العقول الصحيحة، والفطر السليمة، وتشمل حياة المسلم: الروحية، والمالية، والجسدية، ومصالح المسلمين: في الدين، والدنيا (¬1). الحادي عشر: الحج يذكّر المسلم بالموت والانتقال إلى الآخرة، وذلك إذا تجرَّد الحاج من ثيابه، ولبس الإحرام الذي يشبه الأكفان، ورأى: بأن الرئيس والمرؤوس، والملك، والوزير، والغني، والفقير، والعربي، والأعجمي، والأسود، والأبيض، والصغير، والكبير، كلهم لباسهم واحد، ولا فرق بينهم في ذلك، وهذا يُذكِّر بخروج الإنسان من الدنيا، ولا يحمل معه إلا هذه الأكفان، التي تبلى بعد ذلك سريعاً، قال اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} (¬2). الثاني عشر: الحج يذكِر بيوم القيامة؛ لأن الحاج إذا رأى جموع الحجاج قد جاؤوا من كل فجٍّ عميق، ومن كلِّ طريقٍ بعيدٍ، واجتمعوا للطواف بالبيت العتيق، وانصرفوا من اجتماعهم بعد الصلوات، يُذكِّر بهذا الاجتماع، وهذا الانصراف يوم القيامة، وانصراف الناس بعد ذلك كما قال اللَّه تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (¬3). ¬

(¬1) الموسوعة الفقهية، 17/ 26 - 27. (¬2) سورة الأنعام، الآية: 94. (¬3) سورة الزلزلة، الآيات: 6 - 8.

الثالث عشر: الحج امتثال لأمر الله وإجابة لأمره لإبراهيم

وكذلك الطواف بين الصفا والمروة، وزحام الناس في الدخول مع الأبواب والخروج يذكر بيوم القيامة. وكذلك اجتماع الحجاج في عرفة في صعيدٍ واحدٍ، في يومٍ واحدٍ، بلباسٍ واحدٍ، بأعدادٍ كثيرةٍ هائلةٍ، يذكِّر المسلم بيوم القيامة، واجتماع الناس جميعاً في عرصات القيامة، لا ينفعهم إ لا ما قدَّموا، في هذا اليوم العظيم الذي لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى اللَّه بقلب سليم. فإذا رأى المسلم العاقل هذه الجموع ذَكَّره بهذا اليوم العظيم، ولان قلبه، واستعدّ للقاء اللَّه تعالى. واللَّه المستعان. الثالث عشر: الحج امتثال لأمر اللَّه وإجابة لأمره لإبراهيم بالدعوة إليه؛ لقول اللَّه تعالى: {وللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (¬1)؛ ولقوله تعالى لإبراهيم: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: خطبنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أيها الناس قد فرض اللَّه عليكم الحج فحُجُّوا))،فقال رجل: أكل عام يا رسول اللَّه، (فسكت) حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((لو قلتُ: نعم لوجبت، ولما استطعتم، ذروني ما تركتكم؛ فإنما هَلَكَ من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأْتُوا منه ما ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 97. (¬2) سورة الحج، الآية: 27.

الرابع عشر: الصلة بالله تعالى، والتقرب إليه، ومفارقة الأهل

استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) (¬1). الرابع عشر: الصلة باللَّه تعالى، والتقرب إليه، ومفارقة الأهل، والأوطان والعشيرة؛ لأداء الحج، وزيارة البيت العتيق، وهذا فيه فوائد عظيمة، ومنافع كثيرة، لا تحيط بها العبارة؛ لأنه في هذه العبادة: يركب الأخطار، ويقطع الطرق الطويلة، ويشق الأجواء يرجو رحمة ربه، ويخاف عقابه سبحانه، فما أحراه بالثواب الجزيل، والأجر العظيم، من المولى الكريم - عز وجل -. ولا شك أن هذه العبادة شرع اللَّه فيها: الإحرام، والتلبية، واجتناب كثير من العوائد، وكشف الرجل رأسه، وخلع ثيابه وإبدالها بالإزار والرداء، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفات، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، وحلق الرأس أو تقصيره، والتقرُّب إلى اللَّه تعالى بذبح الهدايا والقرابين، وغير ذلك مما شرع اللَّه في الحج، وكل ذلك تشهد العقول الصحيحة، والفطر السليمة المستقيمة بحسنه، وأنه لا حكمة فوق حكمة من شرعه (¬2). الخامس عشر: اتصال المسلمين بعضهم ببعض، وتعاونهم في مصالحهم: لا شك أن من فوائد الحج اتصال المسلمين من جميع أقطار الأرض في مواسم الحج، فيحصل بذلك الخير الكثير، والتشاور في كثير من أمورهم، وتعاونهم في مصالحهم العاجلة والآجلة، واستفادة بعضهم من بعض، وتوحيد كلمتهم على الحق، وكل ذلك من جملة منافع الحج ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم 1337. (¬2) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 2/ 234.

السادس عشر: التعلم، والتعليم، ونشر الدعوة والخير بين الناس في المواسم:

التي أشار إليها تعالى بقوله (¬1): {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (¬2). السادس عشر: التعلم، والتعليم، ونشر الدعوة والخير بين الناس في المواسم: الحجاج جاؤوا من كل فج عميق؛ ليؤدُّوا هذا الواجب العظيم؛ وليستفيدوا من حجهم أنواعاً من الطاعات لله تعالى، والمشاعر المقدسة يلتقي فيها أولياء اللَّه، والعلماء من أقطار الأرض، فيستفيد العالم والمتعلم: يستفيد العالم بنشر علم الكتاب والسنة في هؤلاء الجموع الكثيرة، وتعليمهم ما يجب عليهم، وتحذيرهم مما يضرّهم، وترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوسهم. ويستفيد الراغب في الخير: من العلماء والدعاة إلى اللَّه - عز وجل -، من حلقات العلم في المسجد الحرام، وفي المشاعر المقدسة (¬3). ولا شك أن هذا من التزود بالتقوى التي هي خير زاد، كما قال اللَّه تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (¬4)، فيدخل في ذلك الاستفادة من العلماء الربانيين، ويدخل في ذلك تعليم الناس الخير، والدعوة إلى اللَّه تعالى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بالأسلوب الحسن، والحكمة والموعظة الحسنة (¬5)،كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 2/ 234، وانظر: مجموع الفتاوى له، 5/ 130، 194، 16/ 170، 171، 185، 193. (¬2) سورة الحج، الآية: 28. (¬3) مجموع فتاوى ابن باز، 5/ 194. (¬4) سورة البقرة، الآية: 197. (¬5) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 167 - 168.

السابع عشر: أعظم المنافع تحقيق التوحيد ونبذ الشرك؛

وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬1). قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((وكل ما يفعله الحاج: من طاعة اللَّه ونفع لعباده، مما ذكر ومما لم يُذكر، كله داخل في المنافع، وهذا من حكمة (¬2) اللَّه في إبهامها حتى يدخل فيها كل ما يفعله المؤمن والمؤمنة، من طاعة لله، ومن نفع لعباده، فالصدقة على الفقير منفعة، وتعليم الجاهل منفعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منفعة، وفي الدعوة إلى اللَّه منافع عظيمة، والصلاة في المسجد الحرام منفعة، ... وكل ما تفعله مما ينفع الناس من قولٍ، أو فعلٍ، أو صدقةٍ، أو غيرها مما شرعه اللَّه أيضاً داخل في المنافع، فينبغي للحاج أن يستغل هذه الفرصة العظيمة ... )) (¬3). السابع عشر: أعظم المنافع تحقيق التوحيد ونبذ الشرك؛ لحديث جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -: حجة الوداع، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معه جمع غفير عند إحرامه من ذي الحليفة، قال جابر - رضي الله عنه -، فنظرت إلى مدِّ بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بين ¬

(¬1) سورة النحل: الآية: 125. (¬2) في الأصل: ((من حكم اللَّه في إبهامها)) قلت: ولعله خطأ مطبعي، وأن الصواب: ((من حكمة اللَّه في إبهامها)). (¬3) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 170، وانظر: جملة من منافع الحج ومقاصده، وفوائده، وحكمه وأهدافه: مجموع فتاوى ابن باز رحمه اللَّه، 2/ 234، و 5/ 130، 141، 194، و 16/ 159، 170، 171، 177، 185، 193، 196، 214، 241، و 17/ 161، 163، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 489، وتفسير ابن كثير، 10/ 144، والبغوي، 3/ 184، والطبري: 18/ 603، 610.

أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلَّ بالتوحيد: ((لبَّيْك اللَّهمّ لبَّيْك، لبَّيْك لا شريك لك لبَّيْك، إنَّ الحمدَ، والنِّعْمَةَ لك والمُلْكَ، لا شريك لك)) (¬1). وقد جاءت هذه التلبية بلفظها من حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أن تلبية رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((لبّيك اللَّهمّ لبَّيك، لبيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) (¬2)، وفي لفظ للبخاري ومسلم قال ابن عمر: ((لا يزيد على هؤلاء الكلمات)) (¬3)، وكان ابن عمر رضي اللَّه عنهما يزيد فيها: ((لبَّيك، لبَّيك، وسعديك، والخير بيديك، لبَّيك والرغباء إليك والعمل)) (¬4)، ولفظ ابن ماجه وأبي داود: وكان ابن عمر يزيد في تلبيته: لبيك، لبيك، وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل (¬5). وعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: كان عمر بن الخطاب يهلُّ بإهلال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات (¬6)، ويقول: لبَّيك اللَّهم لبَّيك، لبَّيك، لبَّيك، وسَعْدَيْكَ، والخيرُ في يديك، لبَّيك والرغباءُ إليك والعمل (¬7). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب التلبية، برقم 1549، وكتاب اللباس، باب التلبية، برقم 5915، ومسلم، كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم 1184. (¬3) البخاري، برقم: 5915، ومسلم، برقم 1184. (¬4) مسلم، برقم 1184، وتقدم تخريجه قبل حديث واحد. (¬5) أبو داود، كتاب المناسك، باب كيف التلبية، برقم 1812، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب التلبية، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 509، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 15. (¬6) أي تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬7) مسلم، برقم 1184، وتقدم تخريج أصله في الحديث الذي قبله عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما.

وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: إني لأعلم كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبِّي: ((لبَّيك اللَّهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمد والنعمة لك)) (¬1). وجاء لفظ حديث عائشة رضي اللَّه عنها عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان من تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لبَّيك اللَّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمد والنعمة لك)) (¬2). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك، قال: فيقول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ويلكم: قد قد (¬3)))،فيقولون: إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك. يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: كان من تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لبَّيْك إلهَ الحقّ))، ولفظ ابن ماجه: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال في تلبيته: ((لبَّيْك إله الحق لبيك)) (¬5)،وقد اشتملت تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - على إثبات التوحيد، والبراءة من الشرك. فمن حج أو اعتمر فقد شرعت له هذه التلبية، وهذا من أعظم تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك، وهذا كله من أعظم المنافع. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لبَّيك اللَّهمّ لبَّيك)) من التلبية، وهي إجابة المنادي: أي إجابتي لك ¬

(¬1) البخاري، كتاب الحج، باب التلبية، برقم 1550. (¬2) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب كيفية التلبية، برقم 2750، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 274. (¬3) قد قد: أي: اقتصروا على هذا الكلام الذي هو توحيد، ولا تضيفوا إليه الشرك. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم 1185. (¬5) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب كيفية التلبية، برقم 2751،وابن ماجه، كتاب المناسك، باب التلبية، برقم 2920، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 274، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 16.

1 - إجابة لك بعد إجابة

يا ربِّ، وهو مأخوذ من لبَّ المكان، وألبَّ به إذا أقام به، وألبَّ على كذا: إذا لم يفارقه، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير: أي إجابة لك بعد إجابة. وقيل معناه: اتجاهي وقصدي يا ربِّ إليك، من قولهم: داري تلبُّ دارك: أي تواجهها. وقيل: معناه: إخلاصي لك، من قولهم: حسبٌ لُباب، إذا كان خالصاً محضاً، ومنه لبُّ الطعام ولبابه. وقيل: معناها: محبتي لك يا ربِّ، من قول العرب: امرأةٌ لبَّةٌ، إذا كانت محبة لولدها عاطفة عليه (¬1). ولعظم التلبية وعلوِّ شأنها تعدَّدت معانيها عند العلماء، وكل هذه المعاني تدلُّ على توحيد اللَّه تعالى، والنهي عن ضده، وهو: الشرك باللَّه - عز وجل -، وقد نقل الإمام ابن القيم رحمه اللَّه ثمانية أقوال في معانيها، وهي على النحو الآتي: 1 - إجابة لك بعد إجابة؛ ولهذا المعنى كررت التلبية إيذاناً بتكرير الإجابة. 2 - انقياد لك بعد انقياد، من قولهم: لبب الرجل إذا قبضت على تلابيبه، ومنه لببته بردائه: فالمعنى: انقدتُ لك، وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة، كما يفعل بمن لبب بردائه، وقبض على تلابيبه. 3 - أنه من لبّ بالمكان إذا قام ولزمه، والمعنى: أنا مقيم على طاعتك ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 4/ 222.

4 - أنه من قولهم: داري تلب دارك

ملازم لها. 4 - أنه من قولهم: داري تلبّ دارك: أي تواجهها وتقابلها: أي مواجهة بما تحبّ. 5 - معناه: حباً لك بعد حُبٍّ من قولهم: امرأة لبة: إذا كانت محبة لولدها. 6 - مأخوذ من لبّ الشيء: وهو خالصه، ومنه لبُّ الطعام، ولبُّ الرجل عقله وقلبه، ومعناه: أخلصت لُبِّي وقلبي لك، وجعلت لك لبِّي وخالصتي. 7 - أنه من قولهم: فلان رخي اللبب، وفي لبب رضي: أي في حال واسعة منشرح الصدر، ومعناه: بوجد المحبّ إلى محبوبه، لا بكرهٍ ولا تكلف. 8 - أنه من الإلباب: وهو الاقتراب: أي اقتراب إليك بعد اقتراب، لما يقترب المحب من محبوبه، ومعنى: ((وسعديك)) من المساعدة، وهي المطاوعة: أي مساعدة في طاعتك، وما تحب بعد مساعدة. ومعنى: ((والرغباء إليك)): أي الطلب والمسألة والرغبة (¬1). ولا شك أن التلبية فيها الإعلان بإجابة دعوة اللَّه تعالى وطاعته، والإعلان بالتوحيد والبراءة من الشرك وأهله، وهذا من أعظم المنافع. ¬

(¬1) انظر: تهذيب السنن لابن القيم، المطبوع مع مختصر سنن أبي داود للمنذري، ومعالم السنن للخطابي، 2/ 335 - 336.

وقد اشتملت التلبية على قواعد عظيمة، وفوائد جليلة، كثيرة نافعة (¬1). ولا شك أن الاهتمام بمعرفة معنى التلبية، ومعرفة هذه الفوائد التي تضمنتها يعين العبد المسلم على القيام بعبادة الحج والعمرة، والتقرب لله تعالى بقول هذه الكلمات على أحسن وجه وأكمله. ¬

(¬1) وسأذكر منها إحدى وعشرين فائدة في المبحث الثالث عشر: التلبية: مفهومها، وألفاظها، وحكمها، ووقتها، وفوائدها.

المبحث الرابع: حكم الحج ومنزلته في الإسلام

المبحث الرابع: حكم الحج ومنزلته في الإسلام أولاً: حكم الحج في الإسلام: الأصل في وجوب الحج الكتاب، والسنة، والإجماع. أما الكتاب: فقول اللَّه تعالى: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (¬1)، وحرف عَلى: يدلُّ على الإيجاب، لا سيما إذا ذُكر المستحق، فقيل: لفلان على فلان كذا، وقد أتبعه بقوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}؛ ليبيَّن أن من لم يعتقد وجوبه فهو كافر، وأنه إنما وضع البيت، وأوجب حجه؛ ليشهدوا منافع لهم، لا لحاجةٍ إلى الحجاج، كما يحتاج المخلوق إلى من يقصده، ويعظِّمه؛ لأن اللَّه غني عن العالمين. وكذلك قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ} (¬2) على أحد التأويلين (¬3)، وقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (¬4)، فأذَّن فيه إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة، وأتم التسليم: ((إن لربكم بيتاً فحجّوه)) (¬5). وقال الإمام ابن كثير رحمه اللَّه تعالى في تفسير قوله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 97. (¬2) سورة البقرة، الآية: 196. (¬3) أي معنى قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ}: أقيموا الحج والعمرة. [انظر: شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لابن تيمية، 1/ 77، وحاشية المحقق]. (¬4) سورة الحج، الآية: 27. (¬5) الطبري في تفسيره: جامع البيان، عن سعيد بن جبير، 17/ 106، 107.

وأما السنة

النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}: ((هذه آية وجوب الحج عند الجمهور، وقيل: بل هي قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ}، والأول أظهر)) (¬1). وقال الإمام الطبري رحمه اللَّه في تأويل قوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} قال بعد أن ذكر أقوال أهل العلم: ((وأولى التأويلات بالصواب في ذلك: قول من قال: ((ومن كفر)) ومن جحد فرض ذلك، وأنكر وجوبه، فإن اللَّه غنيٌّ عنه وعن حجه، وعن العالمين جميعاً)) (¬2)؛ ولهذا قال رحمه اللَّه: ((ومن جحد ما ألزمه اللَّه من فرض حج بيته، فأنكره، وكفر به؛ فإن اللَّه غنيٌّ عنه، وعن حجِّه وعمله، وعن سائر خلقه: من الجن والإنس ... )) (¬3). وأما السنة؛ فلإحاديث كثيرة، منها الأحاديث الآتية: 1 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: نُهينا أن نسأل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية، العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن اللَّه أرسلك؟ قال: ((صدق))، قال: فمن خلق السماء؟ قال: ((اللَّه))، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: ((اللَّه))، قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: ((اللَّه))، قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب الجبال، اللَّه أرسلك؟ قال: ((نعم))، قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، فقال: ((صدق))، قال: فبالذي أرسلك اللَّه أمرك بهذا؟ قال: ((نعم))، قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا، قال: ((صدق)، قال: فبالذي أرسلك اللَّه أمرك بهذا؟ قال: ((نعم))، قال: وزعم رسولك أنَّ علينا صومَ شهر رمضان في سنتنا، قال ((صدق))، قال: فبالذي أرسلك: اللَّه أمرك بهذا؟ قال: ((نعم))، ¬

(¬1) تفسير ابن كثير، 4/ 120. (¬2) جامع البيان، للطبري، 7/ 51. (¬3) المرجع السابق، 7/ 57.

2 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال: ((صدق))، قال: ثم ولَّى، قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهنَّ ولا أنقص منهنَّ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لئن صدق ليدخلن الجنة)) (¬1). 2 - حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رسول اللَّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)) (¬2). 3 - حديث جبريل في رواية عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وفيه أنه قال: بينا نحن عند رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ذات يومٍ إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفَّيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رسول اللَّه، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعت إليه ¬

(¬1) مسلم، كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام، برقم 12. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب دعاؤكم إيمانكم، برقم 8، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، برقم 16، واللفظ لمسلم.

4 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -،

سبيلاً ... )) (¬1). 4 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفيه: أنه قال: خطبنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((أيها الناس قد فرض اللَّه عليكم الحج فحجّوا ... )) (¬2). 5 - حديث عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا جَلْدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ (¬3)، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ)) قَال: َ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)) فَقَالَ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي سَائِلُكَ وَمُغَلِّظٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ. قَالَ: ((لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي، فَسَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ)). قَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّه إِلَهَكَ، وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، اللَّه بَعَثَكَ إِلَيْنَا رَسُولًا؟ فَقَالَ: ((اللَّهمَّ نَعَمْ)). قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللَّه إِلَهَكَ، وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، اللَّه أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الْأَنْدَادَ الَّتِي كَانَتْ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ؟ قَال: َ ((اللَّهمَّ نَعَمْ)). قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ، وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ اللَّه أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ؟ قَالَ: ((اللَّهمَّ نَعَمْ)). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ... ، برقم 8. (¬2) مسلم، برقم 1337، وتقدم تخريجه في منافع الحج. (¬3) غديرتان: الغديرة: الذؤابة من الشعر. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، مادة (غ در).

قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً: الزَّكَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْحَجَّ، وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ كُلَّهَا، يُنَاشِدُهُ عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ كَمَا يُنَاشِدُهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ، وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ، ثُمَّ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ. قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حِينَ وَلَّى: ((إِنْ يَصْدُقْ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ (¬1) يَدْخُلْ الْجَنَّة)). قَالَ: فَأَتَى إِلَى بَعِيرِهِ، فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: بِئْسَتِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى. قَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامُ، اتَّقِ الْبَرَصَ وَالْجُذَامَ، اتَّقِ الْجُنُونَ. قَالَ: وَيْلَكُمْ، إِنَّهُمَا وَاللَّه لَا يَضُرَّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ، إِنَّ اللَّه - عز وجل - قَدْ بَعَثَ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا اسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وإِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَنَهَاكُمْ عَنْهُ. قَالَ: فَوَاللَّه مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا. قَالَ: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ (¬2). ¬

(¬1) العَقيصَة: الشعر المعْقُوص، وهو نحوٌ من المضْفُور. وأصلُ العقْص: اللَّيُّ، وإدْخال أطْرَاف الشَّعر في أُصُوله. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، مادة: (ع ق ص). (¬2) أخرجه الإمام أحمد، 4/ 209، برقم 2380، بلفظه، ومختصراً في 4/ 118، برقم 2254، و4/ 211، برقم 2381، وأخرجه أبو داود مختصراً، في كتاب الصلاة، باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد، برقم 486، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 143، وقال محققو مسند الإمام أحمد: ((حديث حسن. محمد بن الوليد بن نويفع قد توبع، وهو في السيرة)) لابن هشام، 4/ 219 - 221 عن ابن إسحاق بهذا الإسناد. ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الدارمي (652)، وابن شبة في ((تاريخ المدينة))، 2/ 521 - 522، وأبو داود (487)، والبيهقي في ((الدلائل)) 5/ 374 - 375، وقرن الدارمي وابن شبة وأبو داود بمحمد بن إسحاق سلمة بن كهيل. وأخرجه مختصراً بنحوه ابن سعد، 1/ 299، من طريق شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن كريب، به. وانظر: مسند الإمام أحمد، برقم (2254). وقوله: ((جلداً))، أي: قوياً)).

وأما الإجماع:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((فتكون بنو بكر بن سعد بن بكر قد أوفدت ضماماً في سنة تسعٍ، وفيها أسلمت ثقيف أيضاً، وهذه السنة هي سنة الوفود)) (¬1). وأما الإجماع: فأجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة (¬2). قال الإمام ابن المنذر: ((وأجمعوا على أن على المرء في عمره حجة واحدة: حجة الإسلام إلا أن ينذر نذراً فيجب عليه الوفاء به)) (¬3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((وقد أجمع المسلمون في الجملة على أن الحجَّ فرضٌ لازمٌ)) (¬4). ثانياً: منزلة الحج في الإسلام: 1 - الحج أحد الأركان والدعائم العظام التي يقوم عليها الإسلام، فمن ¬

(¬1) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 87. (¬2) المغني لابن قدامة، 5/ 6، ونقل الإجماع أيضاً: ابن عبد البر في التمهيد، 21/ 52، وابن حزم الظاهري، في مراتب الإجماع، ص 75. (¬3) الإجماع لابن المنذر، ص 61. (¬4) شرح العمدة، لابن تيمية، 1/ 87.

2 - لعظم منزلة الحج في الإسلام أن من تركه متعمدا جاحدا لوجوبه كفر

تركه بعد الاستطاعة متعمداً بدون عذر فقد ترك ركناً عظيماً من أركان الإسلام، فلا يتمُّ إسلامه إلا بأداء هذه الفريضة العظيمة؛ فهو الركن الخامس من أركان الإسلام؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)) (¬1). 2 - لعظم منزلة الحج في الإسلام أن من تركه متعمداً جاحداً لوجوبه كفر باللَّه تعالى، لقوله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (¬2)، فمن تركه؛ لأنه لم يعتقد وجوبه كفر (¬3)، ومن تركه جاحداً لوجوبه كفر كذلك (¬4). الحج سهم من أسهم الإسلام، فمن تركه بدون عذرٍ فقد خاب؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه - يرفعه: ((الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والصوم سهم، وحج بيت اللَّه سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل اللَّه سهم، وقد خاب من لا سهم له)) (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري برقم:8،ومسلم، برقم 16،واللفظ لمسلم، وتقدم تخريجه في حكم الحج في الإسلام. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 97. (¬3) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لابن تيمية، 1/ 77. (¬4) تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل آي القرآن)، 7/ 51، 57. (¬5) أخرجه البزار في كشف الأستار، برقم 875، وذكره الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، 1/ 582، برقم 1100، ثم قال: ((رواه البزار مرفوعاً، وفيه يزيد بن العطاء اليشكري))، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 38: ((رواه البزار، وفيه يزيد بن عطاء وثقه أحمد وغيره، وضعفه جماعة، وبقيةُ رجاله ثقات))، وأخرجه ابن أبي شيبه في المصنف موقوفاً على حذيفة، 5/ 352، 11/ 7، والبزار، برقم 337، والطيالسي، برقم 413، قال الألباني رحمه اللَّه في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 457، عن المرفوع عن حذيفة: ((حسن لغيره))، وقال عن الموقوف على حذيفة: ((صحيح موقوف))، وقال رحمه اللَّه: ((وهو مخرج في الصحيحة، 333)). 3 - وروي الحديث أي عن علي - رضي الله عنه - في مسند أبي يعلى، 1/ 400، برقم 523، ولكن قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 38: ((وفي إسناده الحارث وهو كذاب))، ولكن حسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 457، لما تقدم ذكره.

4 - الحرمان لمن وسع الله عليه ثم لم يزر البيت العتيق

4 - الحرمان لمن وسَّعَ اللَّه عليه ثم لم يزر البيت العتيق؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال اللَّه: إن عبداً صَحَّحْتُ له جسمه، ووسَّعْتُ عليه في المعيشة يمضي عليه خمسة أعوام ولا يفِدُ إليَّ لمحروم)) (¬1). قال الإمام المنذري رحمه اللَّه تعالى: ((رواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي، وقال: قال علي بن المنذر (¬2): أخبرني بعض أصحابنا قال: كان حسن بن حُيَيٍّ (¬3) يعجبه هذا الحديث وبه يأخذ، ويحبُّ للرجل الموسِرِ الصحيح أن لا يَتْرَكَ الحج خمس سنين)) (¬4)، وهذا من باب الاستحباب؛ ¬

(¬1) ابن حبان في صحيحه، 9/ 16، برقم 3703، والبيهقي، 5/ 212، وأبو يعلى، برقم 1031، وصحح الحديث لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 42، وصححه أيضاً شعيب الأرنؤوط في تخريجه لصحيح ابن حبان، 9/ 16. (¬2) علي بن المنذر: قال عنه الألباني في هامش صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 42: ((رجل فاضل من طبقة أحمد بن حنبل، وهو الطريفي الأودي، قال ابن أبي حاتم، 3/ 1/ 206: ((سمعت منه مع أبي، وهو ثقة صدوق، سئل أبي عنه فقال: حج خمسين أو خمساً وخمسين سنة، ومحله الصدق)). (¬3) حسن بن حييٍّ: هو الحسن بن صالح بن حُيَيٍّ، وهو ابن حيان بن شفيّ الهمداني، من رجال مسلم، [قاله الألباني في حاشية صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 42]. (¬4) الترغيب والترهيب للمنذري، 2/ 169.

لأن اللَّه لم يوجب الحج إلا مرة واحدة في العمر، إذا اكتملت شروط وجوب الحج، وهذا من رحمته بعباده، فما زاد على ذلك فهو تطوع، ولله الحمد. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لنسائه عام حجة الوداع: ((هذه ثُمَّ ظهور الحُصُر))، قال: فكنَّ كلهنَّ يحججن إلا زينب بنت جحش، وسودة بنت زمعة، وكانتا تقولان: واللَّه لا تُحرِّكنا دابةٌ بعد أن سمعنا ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال إسحاق بن سليمان في حديثه: قالتا: واللَّه لا تحرِّكنا دابة بعد قول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((هذه ثم ظُهُور الحُصُر))، وقال يزيد: بعد أن سمعنا ذلك من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وعن أبي واقد الليثي عن أبيه - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول لأزواجه في حجة الوداع: ((هذه ثم ظُهُورَ الحُصُْرِ)) (¬2). وعن أمِّ سلمة رضي اللَّه عنها، قالت: قال لنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: ((إنما هي هذه الحجة، ثم الجلوسَُ على ظُهُور الحُصَُر في البيوت)) (¬3). ¬

(¬1) أحمد في المسند، 44/ 332، برقم 26751، وأبو يعلى، برقم 7154، والبزار، برقم 1077، وحسن إسناده المنذري في الترغيب والترهيب، 2/ 170، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 42: ((حسن صحيح))، وحسن إسناده أيضاً محققو مسند الإمام أحمد، 44/ 333. (¬2) أحمد، 36/ 236، برقم 21905، و 36/ 240، برقم 2910، وأبو داود كتاب المناسك، باب فرض الحج، برقم 1722، والطبراني في الكبير، 3/ 252، برقم 3318، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 483، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 43. (¬3) أخرجه أبو يعلى،12/ 312،برقم 6885،وقال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، 2/ 170: ((رواه الطبراني في الكبير، وأبو يعلى، ورواته ثقات))، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 43.

قال الإمام البيهقي رحمه اللَّه: ((في حج عائشة رضي اللَّه عنها وغيرها من أمهات المؤمنين رضي اللَّه عنهن ... بعد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - دلالة على أن المراد من هذا الخبر وجوب الحج عليهنَّ مرةً واحدةً كما بين وجوبه على الرجال مرة، لا المنع من الزيادة عليه واللَّه أعلم)) (¬1) (¬2). وقال السندي رحمه اللَّه: ((قوله: ((هذه)) أي حجتكن هذه ((ثم ظهور الحصر)) ثم الأولى لكنَّ لزوم البيت والحُصُر - بضمتين، وتسكَّن الصاد تخفيفاً -: جمع حصير يبسط في البيوت، ولعلَّ المراد تطييب أنفسهن بترك الحج، بعد أن لم يتيسر، أو جواز الترك لهن، على المعنى الذي ذكرنا، لا النهي عن الحج، واللَّه أعلم)) (¬3). ¬

(¬1) سنن البيهقي، 4/ 327. (¬2) وانظر: عون المعبود شرح سنن أبي داوود، 5/ 146، فقد ذكر الخلاف في هذه المسألة، والذي يظهر أن المرأة كالرجل في تكرار الحج والعمرة، إلا أن شدة الزحام معروفة وخطرها على النساء أكثر. واللَّه أعلم. (¬3) حاشية محققي مسند الإمام أحمد، 44/ 232، 333.

المبحث الخامس: حكم العمرة

المبحث الخامس: حكم العمرة العمرة لغة: الزيارة، وشرعاً: زيارة البيت العتيق على وجه مخصوص، بإحرام، وطواف وسعي، وحلق أو تقصير، ثم تحلل. والصحيح أن العمرة تجب على من يجب عليه الحج للأحاديث الثابتة الآتية: 1 - جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لسؤال جبريل من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: بينا نحن جلوس عند رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في أناسٍ إذ جاء رجل ليس عليه شحناء سفر، وليس من أهل البلد، يتخطَّى حتى ورك فجلس بين يدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -،كما يجلس أحدنا في الصلاة، ثم وضع يده على ركبتي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، ما الإسلام؟ قال: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان))، قال: فإن فعلت هذا فأنا مسلم؟ قال: ((نعم))،قال: صدقت))،وذكر باقي الحديث ... (¬1). 2 - حديث عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول اللَّه! على النساء جهاد؟ قال: ((نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة)) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه الدارقطني، وقال: ((إسناد ثابت صحيح)) 2/ 282، وأخرجه مسلم بهذا الإسناد، برقم 2664، والبيهقي، 4/ 350، وابن خزيمة في صحيحه، برقم 1، 1/ 3، وفي كتاب المناسك، باب ذكر البيان أن العمرة فرض وأنها من الإسلام، برقم 3044، والحديث في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة، برقم 50 بغير هذا السياق، وفي صحيح مسلم، برقم 8، من حديث عمر بغير هذا السياق أيضاً، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 6. (¬2) أخرجه ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج جهاد النساء، برقم 2901، والإمام أحمد في المسند، 6/ 156، والمسند المحقق، برقم 24463، 41/ 10، 42/ 198، برقم 25322، قال محققو المسند، 41/ 10، 42/ 198: ((إسناده صحيح))، وأخرجه أيضاً ابن خزيمة، برقم 3074، والدارقطني، 2/ 284، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 151 الطبعة القديمة، وقال العلامة ابن باز رحمه اللَّه في مجموع الفتاوى له، 16/ 31: ((أخرجه أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح)) ..

3 - حديث أبي رزين

3 - حديث أبي رَزِين أنه قال: يا رسول اللَّه! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن قال: ((حجَّ عن أبيك واعتمر)) (¬1). 4 - حديث الصُّبيِّ بن مَعْبَدٍ، في قصته الطويلة، وفيه: أنه أتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: (( ... يا أمير المؤمنين، إني كُنْتُ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا، وَإني أَسْلَمْتُ وأنا حَرِيصٌ عَلَى الْجِهَادِ، وَإِنِّي وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ، فَأَتَيْتُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ لِي: اجْمَعْهُمَا وَاذْبَحْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، وَإِنِّي أَهْلَلْتُ بِهِمَا مَعًا، فَقَالَ لِي عُمَرُ - رضي الله عنه -:هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). ¬

(¬1) أبو داود، كتاب المناسك، باب الرجل يحج عن غيره، برقم 1810، بلفظ: ((احجج عن أبيك واعتمر))، والترمذي، كتاب الحج، باب منه، برقم 930، بلفظه، والنسائي، بلفظه، كتاب مناسك الحج، باب العمرة عن الرجل الذي لا يستطيع، برقم 2637، وابن ماجه، بلفظه، في كتاب المناسك، باب الحج عن الحي إذا لم يستطع، برقم 2906، وأحمد في لفظه، 26/ 104، برقم 16184، وابن خزيمة، برقم 3040، وابن حبان، برقم 3991، والطبراني في الكبير، 19/ 457، و458، والحاكم، 1/ 481، والبيهقي، 4/ 329، وأخرجه أيضاً أحمد في عدة مواضع من المسند، برقم 16185، 16190، 16199، 16203، وقال محققو المسند، 26/ 104: ((إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير النعمان بن سالم، فمن رجال مسلم، وغير صحابيه، فقد روى له البخاري في ((الأدب المفرد))، وأصحاب السنن، وصححه الألباني في: صحيح أبي داود، 1/ 509، وصحيح الترمذي، 1/ 477، وصحيح النسائي، 2/ 556، وصحيح ابن ماجه 1/ 275. (¬2) أبو داود، كتاب المناسك، بابٌ في الإقران، برقم 1799، بلفظه، وأخرجه النسائي، كتاب المناسك، باب القران، برقم 2721، وأحمد بترتيب أحمد محمد شاكر، 1/ 189، برقم 83، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 505، وفي صحيح النسائي، 2/ 264، وأحمد شاكر في المسند، 1/ 189.

5 - قول ابن عمر رضي الله عنهما

5 - قول ابن عمر رضي اللَّه عنهما: ((ليس أحد إلا وعليه حج وعمرة)) (¬1). 6 - قول ابن عمر رضي اللَّه عنهما: ((الحج والعمرة فريضتان)) (¬2). 7 - قول ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن العمرة: ((إنها لقرينتها في كتاب اللَّه - عز وجل -: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ})) (¬3). وهذا هو الصواب الذي دلت عليه الأدلة الشرعية أن العمرة فريضة كالحج تجب في العمر مرة واحدة على من وجب عليه الحج، سواء كان من أهل مكة أو غيرهم (¬4) وهذا معنى كلام عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن عمر، وجابر بن عبد اللَّه وغيرهم من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم (¬5) (¬6). ¬

(¬1) البخاري، كتاب العمرة، باب العمرة: وجوب العمرة وفضلها، قبل الحديث رقم 1773، قال الألباني في مختصر صحيح البخاري، 1/ 512: ((وصله ابن خزيمة، والدارقطني، ص 282، والحاكم، 1/ 471، والبيهقي، 4/ 351، عنه بلفظ: ((ليس من خلق اللَّه أحدٌ إلا عليه حج وعمرة، واجبتان [من استطاع إليه سبيلاً]، فمن زاد بعدهما شيئاً فهو خير وتطوع))، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قال ... )). (¬2) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 351، وقال عنه الألباني في حاشيته على مختصر البخاري له، 1/ 512: ((إسناد صحيح ... عنه)) .. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب العمرة، باب العمرة: وجوب العمرة وفضلها، قبل الحديث رقم 1773، وقال الألباني في مختصر صحيح البخاري له في حاشيته على هذا الأثر، 1/ 512: ((وصله الشافعي، والبيهقي، بسند صحيح عنه)). (¬4) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة ابن باز، 11/ 316. (¬5) انظر: المغني لابن قدامة: 5/ 13 وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 88 - 98 وفتح الباري 3/ 597 وفتاوى ابن تيمية 6/ 256. (¬6) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في حكم العمرة: هل هي واجبة على من وجب عليه الحج، أم هي مستحبة؟ على قولين: القول الأول: إن العمرة واجبة وفريضة من فرائض الإسلام، وهي قرينة الحج في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله} [سورة البقرة، الآية: 196]، وقوله: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة، الآية: 158]، وقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [سورة البقرة، الآية: 196]. واستدلوا بالأحاديث الكثيرة الصحيحة: منها حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في سؤال جبريل عند ابن خزيمة، والدارقطني، وحديث عائشة رضي اللَّه عنها، وفيه: ((عليهن جهاد لا قتال فيه))، وهذا ظاهر في الوجوب؛ لأن على من صيغ الوجوب، كما ذكر ذلك أهل أصول الفقه، ومن أدلتهم حديث أبي رَزين: ((حج عن أبيك واعتمر))، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف، وكذلك حديث الصُّبيِّ: ((وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ، فقال له أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه -: ((هُديت لسنة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم -))، وقول ابن عمر رضي اللَّه عنهما: ((الحج والعمر فريضتان))، وقول ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((إنها لقرينتها في كتاب اللَّه - عز وجل -: {وأتموا الحج والعمرة لله}، وقد تقدم تخريج جميع هذه الأحاديث وغيرها من الآثار، وأنها كلها ثابتة. وممن قال بأن العمرة فرض مرة واحدة في العمر: الشافعي في الصحيح من مذهبه، قال الإمام النووي: وبه قال عمر، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وطاووس، وعطاء، وابن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، ومسروق، وأبو بردة بن أبي موسى الحضرمي، وعبد اللَّه بن شداد، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وداود. وقال ابن قدامة رحمه اللَّه في المغني: ((وتجب العمرة على من وجب عليه الحج في إحدى الروايتين عن عمر، وابن عباس، وزيد ابن ثابت، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، وبه قال الثوري، والشافعي في أحد قوليه)). والقول الثاني: إن العمرة سنة في العمر، وليست بواجبة، وبه قال: مالك وأصحابه، وأبو حنيفة، وأبو ثور، وروي ذلك عن ابن مسعود، وحكاه ابن المنذر وغيره عن النخعي، واستدلوا بما روي عن جابر يرفعه عندما سُئل - صلى الله عليه وسلم - عن العمرة: أواجبة هي؟ قال: ((لا، وإن تعتمروا هو أفضل)) [الترمذي، برقم 931، وأحمد في المسند، 3/ 316 بلفظ: ((لا، وإن تعتمر خير لك))]. ولكن الحديث ضعفه ابن حجر في التلخيص، 2/ 226، وقال العلامة الألباني في ضعيف الترمذي، ص 100: ((إسناده ضعيف)). واستدلوا بما روي عن طلحة أنه سمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الحج جهاد، والعمرة تطوع)) [ابن ماجه، برقم 2989، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص 241، وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة، برقم 200]، وقال ابن حجر في التلخيص، 2/ 226: ((وفي الباب عن أبي صالح عن أبي هريرة، رواه الدارقطني، وابن حزم، والبيهقي، وإسناده ضعيف)). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، 26/ 5: ((والعمرة في وجوبها قولان في مذهب الشافعي، وأحمد، والمشهور عنهما وجوبها، والقول الآخر لا تجب، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، وهذا القول أرجح))، فعلى هذا العمرة سنة عند شيخ الإسلام رحمه اللَّه. وقال في الفتاوى أيضاً، 26/ 7: ((والأظهر أن العمرة ليست بواجبة، وأن من حج ولم يعتمر فلا شيء عليه، سواء ترك العمرة عامداً أو ناسياً)). ويرى ابن تيمية رحمه اللَّه أن أهل مكة ليس عليهم عمرة، فقال في الاختيارات الفقهية، ص 170: ((والقول بوجوب العمرة على أهل مكة: قول ضعيف جداً، مخالف للسنة الثابتة، ولهذا كان أصح الطريقين عن أحمد: أن أهل مكة لا عمرة عليهم، رواية واحدة)). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه تعالى في أضواء البيان، 5/ 657، بعد أن ذكر أدلة الفريقين، وبين مناقشة الأدلة: ((والذي يظهر بمقتضى الصناعة الأصولية: ترجيح أدلة الوجوب على أدلة عدم الوجوب، وذلك من ثلاثة أوجه: الأول: أن أكثر أهل الأصول يرجحون الخبر الناقل عن الأصل على الخبر المبقي على البراءة الأصلية. الثاني: أن جماعة من أهل الأصول رجّحوا الخبر الدال على الوجوب على الخبر الدال على عدمه، ووجه ذلك هو الاحتياط في الخروج من عهدة الطلب. الثالث: أنك إن عملت بقول من أوجبها ... برئت ذمتك بإجماع أهل العلم من المطالبة بها، ولو مشيت على أنها غير واجبة فلم تؤدها على سبيل الوجوب بقيت مطالباً بواجب على قول جمعٍ كثيرٍ من العلماء، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((دع ما يريبك إلى مالا يريبك)) [الترمذي، برقم 2518، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 611]، ويقول: ((فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ... )) [البخاري، برقم 52، ومسلم، برقم 1599]. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((والصواب أن العمرة واجبة مرة في العمر كالحج))، سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 727، وسمعته أثناء تقريره على كتاب العمرة من صحيح البخاري، باب العمر: وجوب العمرة وفضلها، قبل الحديث رقم 1773، يقول: ((مراد المؤلف رحمه اللَّه بيان فرضية العمرة، وأنها فريضة كالحج، وهذا هو الصواب، الذي دلت عليه الأدلة الشرعية))، وقال في مجموع الفتاوى له، 16/ 31، 355: ((والعمرة لها أدلتها، والصواب أنها واجبة مرة في العمر كالحج، وما زاد فهو تطوع)). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه تعالى في عمرة أهل مكة: وهل هي واجبة على المكي: ((في هذا خلاف في مذهب الإمام أحمد، والإمام أحمد نص على أنها غير واجبة على المكي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه ... ولكن في القلب من هذا شيء؛ لأن الأصل أن دلالات الكتاب والسنة عامة، تشمل جميع الناس إلا بدليل يدل على خروج بعض أفراد العام من الحكم العام)) [الشرح الممتع على زاد المستقنع، 7/ 10]. قال المرداوي في الإنصاف، 8/ 6: ((وجوب الحج في العمر مرة واحدة إجماع، والعمرة إذا قلنا: تجب، فمرة واحدة بلا خلاف، والصحيح من المذهب أنها تجب مطلقاً، وعليه جماهير الأصحاب ... )) يعني على أهل مكة وغيرهم؛ ولهذا قال ابن قدامة في الكافي، 2/ 297: ((وتجب العمرة على من يجب عليه الحج))، وقال في عمدة الفقه، ص 76: ((يجب الحج والعمرة مرة في العمر ... ))، وقال العلامة ابن مفلح في الفروع،5/ 201: ((والعمرة فرض كالحج، ذكره الأصحاب، قال القاضي وغيره: أطلق أحمدُ وجوبها في مواضع، فيدخل فيه المكي وغيرُه)). وانظر: المغني، لابن قدامة، 5/ 13، والشرح الكبير، لابن قدامة، 8/ 7 - 9، والإنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 8/ 9، وأضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 651 - 658، وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 88 - 98، ومجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 5، و 26/ 248 - 258، وفتح الباري، لابن حجر، 3/ 597.

وتجزئ عمرة المتمتع، وعمرة القارن، والعمرة من أدنى الحل عن عمرة الإسلام الواجبة (¬1). ولا يجب الحج والعمرة في العمر إلا مرة واحدة؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن الأقرع بن حابس سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا رسول اللَّه، الحجُّ في كل سنة أو مرة واحدة؟ قال: ((بل مرة واحدة فمن زاد فهو تطوع)) ولفظ النسائي: ((لو قلت: نعم لوجبت، ثم إذاً لا تسمعون ولا تطيعون، ولكنها حجةٌ واحدة)) (¬2). ¬

(¬1) المغني لابن قدامه، 5/ 15. (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب فرض الحج، برقم 1721، والنسائي، كتاب مناسك الحج، باب وجوب الحج، برقم 2619، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب فرض الحج، برقم 2886، وأحمد، 4/ 151، برقم 2304، 2663، 2742، 3510، و3520، 3303، وصححه محققو المسند، 4/ 151، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 483، وفي صحيح سنن النسائي، 2/ 237، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 6.

قال الإمام ابن المنذر رحمه اللَّه: ((وأجمعوا على أن على المرء في عمره حجةً واحدة، حجة الإسلام إلا أن ينذر نذراً فيجب عليه الوفاء به)) (¬1). وقال المرداوي رحمه اللَّه: ((وجوب الحج في العمر مرة واحدة إجماع، والعمرة إذا قلنا تجب فمرة واحدة بلا خلاف)) (¬2). وإذا دخل المسلم بالإحرام في حج التطوع، أو عمرة التطوع وجب عليه الإتمام، وكان ذلك فريضة عليه؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬3)، قال الإمام ابن عبد البر رحمه اللَّه: (( ... الإتمام يجب في العمرة كما يجب في الحج لمن دخل في واحدٍ منهما بإجماع)) (¬4). ¬

(¬1) الإجماع لابن المنذر، ص 61. (¬2) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 8/ 5 - 6. (¬3) سورة البقرة، الآية: 196. (¬4) التمهيد لابن عبد البر، 20/ 17، وانظر: الإجماع لابن عبد البر، جمع فؤاد بن عبد اللَّه وعبد الوهاب بن ظافر، ص 144.

المبحث السادس: شروط وجوب الحج والعمرة

المبحث السادس: شروط وجوب الحج والعمرة أولاً: مفهوم الشرط لغة واصطلاحاً: الشرط لغة: العلامة، واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته. ثانياً: شروط وجوب الحج والعمرة: يجب الحج والعمرة بخمسة شروط (¬1) على النحو الآتي: الشرط الأول: الإسلام؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (¬2)؛ ولأنه لا يصح منهم ذلك، ومحال أن يجب ما لا يصح؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّره عليها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان))، هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: ((لا يحجُّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)) (¬3). وعن زيد بن أثيع، قال: سألت علياً: بأي شئ بُعِثْتَ؟ قال: بأربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يطوف بالبيت عُريان، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عهدٌ ¬

(¬1) انظر: المغني لابن قدامة،5/ 6،وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية، 1/ 113. (¬2) سورة التوبة، الآية: 28. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب لا يطوف بالبيت عُريان ولا يحج مشرك، برقم 1622، ومسلم، كتاب الحج، باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، برقم 1347، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 115.

الشرط الثاني: العقل

فعهده إلى مُدَّتِهِ، ومن لا مُدَّة له، فأربعة أشهر)) (¬1). الشرط الثاني: العقل، فلا حج ولا عمرة على مجنون كسائر العبادات إلا أن يفيق؛ لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ, وعن الصبي حتى يحتلم)) (¬2). الشرط الثالث: البلوغ، فلا يجب الحج على الصبي حتى يحتلم؛ للحديث السابق، ولكن لو حج الصبي صح حجه ولا يجزئه عن حجة الإسلام؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن امرأة رفعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: ((نعم ولك أجر)) (¬3). وعن السائب بن يزيد - رضي الله عنه -، قال: ((حُجَّ بي مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن سبع سنين)) (¬4). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أيما صَبِيٍّ حجَّ، ثم بلغ ¬

(¬1) أحمد، 1/ 79، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في كراهية الطواف عُرياناً، برقم 871، وصححه الألباني، في صحيح الترمذي، 1/ 449، وفي إرواء الغليل، برقم 1101. (¬2) أبو داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً، برقم 4401، ورقم 4402، والترمذي، كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد، برقم 1423، وابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، برقم 2041، 2042، وقد ثبت من حديث عائشه رضي اللَّه عنها، عند أحمد، 6/ 100، 104، وأبي داود، برقم 4398، والنسائي، 6/ 156، والحاكم، 2/ 59، وقال: ((صحيح على شرط مسلم))، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في إرواء الغليل، وفي صحيح السنن. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب صحة حج الصبي، وأجر من حج به، برقم 1336. (¬4) البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب حج الصبيان، برقم 1858.

الشرط الرابع: كمال الحرية

فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى)) (¬1). الشرط الرابع: كمال الحرية، فلا يجب الحج على المملوك، ولكنه لو حج فحجه صحيح ولا يجزئه عن حجة الإسلام؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما السابق: (( ... وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى)). الشرط الخامس: الاستطاعة؛ لقول اللَّه تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (¬2). وقد فسَّر هذه الآية كثير من أهل العلم بما روي مرفوعاً: أن رجلاً سأل عما يوجب الحج، فقيل له: ((الزاد والراحلة)) (¬3). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((الحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلاً بنصِّ القرآن والسنة المستفيضة، وإجماع المسلمين، ومعنى قوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} واستطاعة السبيل عند أبي عبد اللَّه وأصحابه: ملك الزاد والراحلة، فمناط الوجوب وجود المال، فمن وجد المال وجب عليه الحج بنفسه أو بنائبه، ومن لم يجد المال لم يجب عليه ¬

(¬1) أخرجه الشافعي، في مسنده، 1/ 290، والطحاوي، 1/ 435، والبيهقي، 5/ 156، والحاكم، 1/ 481، وغيرهم، وقال الحافظ في فتح الباري، 4/ 71،: ((إسناده صحيح))، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 156، برقم 986. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 97. (¬3) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب ما يوجب الحج، برقم 1897، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، ورقم 2896، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، والترمذي عن ابن عمر، كتاب الحج، باب ما جاء في إيجاب الحج بالزاد والراحلة، برقم 813، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه، وفي ضعيف الترمذي. وفي إرواء الغليل، 4/ 167، وقال الألباني أيضاً في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 20 عن حديث ابن عمر عند ابن ماجه: ((حسن لغيره)).

الحج وإن كان قادراً ببدنه ... )) (¬1). وقال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((والاستطاعة المشترطة: ملك الزاد والراحلة، وبه قال الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والشافعي، وإسحاق، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، وقال عكرمة: هي الصحة ... )) (¬2). قال الشنقيطي رحمه اللَّه تعالى: (( ... أما الأكثرون الذين فسَّروا الاستطاعة بالزاد والراحلة، فحجتهم الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتفسير الاستطاعة في الآية: بالزاد والراحلة ... ، وقد روي عنه ذلك من حديث: ابن عمر، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث أنس، ومن حديث عائشة، ومن حديث جابر، ومن حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، ومن حديث ابن مسعود ... ))، ثم تكلم الشنقيطي رحمه اللَّه عن هذه الأحاديث ثم قال: (( ... وبما ذكرنا تعلم أن حديث ابن عباس هذا عند ابن ماجه لا يقلّ عن درجة الحسن، مع أنه معتضد بما تقدم)) (¬3)، وقال في موضع آخر: ((الذي يظهر لي واللَّه تعالى أعلم: أن حديث الزاد والراحلة المذكور ثابت لا يقل عن درجة الاحتجاج؛ لأن الطريقين اللتين أخرجهما به الحاكم في المستدرك عن أنسٍ قال: كلتاهما صحيحة الإسناد، وأقر تصحيحها الحافظ الذهبي، ولم يتعقبه بشيء ... )) (¬4)، ولكن ¬

(¬1) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، 1/ 124. (¬2) المغني لابن قدامه، 5/ 8، وانظر: كلام الترمذي في سننه آخر الحديث، رقم 813. (¬3) أضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 82 و 86. (¬4) المرجع السابق، 5/ 89، 92.

لو حج غير المستطيع كان حجه مجزئاً (¬1). ويختص اشتراط الراحلة بالبعيد الذي بينه وبين البيت مسافة القصر، فأما القريب الذي يمكنه المشي فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه؛ لأنها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها)) (¬2). وشرط خاص بالمرأة: وهو وجود المحرم؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))، فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه إن امرأتي خرجت حاجّة، وإني اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا: قال: ((انطلق فحج مع امرأتك)) (¬3). فلا يجب على المرأة أن تسافر للحج، ولا يجوز لها ذلك إلا مع زوج أو ذي محرم (¬4)، لكن لو حجت المرأة بغير محرم أجزأتها الحجة عن حجة الفرض مع معصيتها، وعظيم الإثم عليها (¬5). والأحاديث في تحريم سفر المرأة بدون محرم كثيرة، منها الأحاديث ¬

(¬1) انظر: مفهوم الاستطاعة في أضواء البيان، 5/ 75 - 98، والمغني لابن قدامة، 5/ 7 - 14، وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية، 1/ 124 - 130، والفتاوى الإسلامية، 2/ 187. (¬2) المغني لابن قدامه، 2/ 10. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة، أو كان له عذر هل يؤذن له، برقم 3006، ومسلم، واللفظ له، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره، برقم 1341. (¬4) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية 1/ 172. (¬5) المرجع السابق 1/ 182.

الحديث الأول: حديث ابن عباس

الآتية: الحديث الأول: حديث ابن عباس المتقدم. الحديث الثاني: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمةٌ)) (¬1)، وفي لفظ لمسلم: ((لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو محرم منها)). وفي لفظ له: ((لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم)). الحديث الثالث: حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم))، وفي لفظ: ((لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا مع ذي محرم)). وفي لفظ لمسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم)) (¬2). الحديث الرابع: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا إلا ومعها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو محرم منها)) (¬3). الحديث الخامس: حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يخلونَّ ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، بابٌ: في كم يقصر الصلاة؟، برقم 1088، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 1339. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، بابٌ: في كم يقصر الصلاة؟، برقم 1086، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره برقم 1338. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 1341.

رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى: ((فإن حُمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل: أي يوم بليلته، أو ليلة بيومها قل الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقل المسافة يومًا وليلة)) (¬2). وقد ثبت عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما من قوله: ((لا تقصر إلى عرفة وبطن نخلة، واقصر إلى عسفان (¬3)،والطائف، وجدة، فإذا قدمت على أهلٍ أو ماشية فأتمَّ)) (¬4). وهذه الأحاديث نصوص من النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحريم سفر المرأة بغير محرم، ولم يخصِّص سفراً من سفر، مع أن سفر الحج من أشهرها وأكثرها، فلا يجوز أن يغفله، ويهمله، ويستثنيه بالنيّة من غير لفظ، بل قد فهم الصحابة - رضي الله عنهم - دخول سفر الحج في ذلك، لمّا سأله ذلك الرجل عن سفر الحج، وأقرّه على ذلك، وأمره أن يسافر مع امرأته، ويترك الجهاد الذي قد تعيّن عليه بالاستنفار فيه، ولولا وجوب ذلك لم يجز أن يخرج سفر الحج من هذا الكلام، وهو أغلب أسفار النساء؛ فإن المرأة لا تسافر في الجهاد، ولا في التجارة غالباً، وإنما تسافر في الحج، وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز لها السفر إلا على وجه يُؤمَن فيه البلاء، ثم بعض الفقهاء ذكر كل منهم ما اعتقده حافظاً لها، وصايناً، كنسوةٍ ثقات، ورجال ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، برقم 5233، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره، برقم 1341. (¬2) فتح الباري، 2/ 566. (¬3) عسفان: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة. معجم البلدان، 4/ 121. (¬4) البيهقي في السنن الكبرى، 3/ 137،وابن أبي شيبة في مصنفه واللفظ له، 2/ 445، قال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 14: ((وإسناده صحيح)).

مأمونين، ومنعها أن تسافر بدون ذلك، فاشتراط ما اشترطه اللَّه ورسوله أحق، وأوثق، وحكمته ظاهرة؛ فإن النساء لحمٌ على وضم (¬1) إلا ما ذبَّ عنه، والمرأة في السفر معرضة للصعود، والنزول، والبروز، محتاجة إلى من يعالجها ويمس بدنها، وتحتاج هي ومن معها من النساء إلى قيِّمٍ يقوم عليهنّ، وغير المَحرَم لا يؤمَن، ولو كان أتقى الناس؛ فإن القلوب سريعة التقلب، والشيطان بالمرصاد (¬2)، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... ألا لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة، وإيَّاكم والفُرقَة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، من سرّته حسنتُهُ وساءته سيئتُهُ فذلكم المؤمن)) (¬3)، ولفظ أحمد: (( ... ولا يخلونَّ رجل بامرأةٍ فإن ثالثهما الشيطان)) (¬4). ولا يجوز للمرأة أن تسافر بغير محرم إلا في الهجرة؛ لأن الذي تهرب منه شر من الذي تخافه على نفسها، وقد خرجت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وغيرها من المهاجرات بغير محرم ... (¬5). وقال الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى بعد أن ساق روايات الأحاديث التي تنهى عن سفر المرأة بغير محرم: (( .. وفي رواية أبي داود: ((ولا تسافر ¬

(¬1) الوضم: كل شيء يجعل عليه اللحم يقيه من الأرض. (¬2) شرح العمدة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 174 - 179. (¬3) الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، برقم 2165، وصححه الألباني، في صحيح سنن الترمذي، 2/ 457. (¬4) مسند الإمام أحمد، 1/ 26. (¬5) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 174 - 179 بتصرف يسير جداً.

1 - من تحرم عليه من النسب

بريداً)) (¬1)، والبريد مسيرة نصف يوم، قال العلماء: اختلاف هذه الألفاظ؛ لاختلاف السائلين، واختلاف المواطن، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة، أو البريد، قال البيهقي: كأنه - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن المرأة تسافر ثلاثاً بغير محرم؟ فقال: لا، وسُئل عن سفرها يومين بغير محرم؟ فقال: لا، وسئل عن سفرها يوماً؟ فقال: لا، وكذلك البريد، فأدَّى كل منهم ما سمعه، وما جاء منها مختلفاً عن رواية واحدٍ فسمعه في مواطن فروى تارةً هذا، وتارةً هذا، وكله صحيح، وليس في هذا كلِّه تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد - صلى الله عليه وسلم - تحديد أقل ما يسمَّى سفراً، فالحاصل أن كل ما يُسمَّى سفراً تُنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام، أو يومين، أو يوماً، أو بريداً، أو غير ذلك؛ لرواية بن عباس المطلقة، وهي آخر روايات مسلم السابقة: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))،وهذا يتناول جميع ما يسمَّى سفراً، واللَّه أعلم)) (¬2). ومحرم المرأة: هو زوجها، ومن تحرم عليه على التأبيد: بنسب، أو سبب مباح: 1 - من تحرم عليه من النسب: كآبائها وإن علوا، وأبنائها وإن نزلوا، وإخوانها: الأخ الشقيق، أو لأب، أو لأم، وبني إخوتها، وأعمامها وإن علوا، وأخوالها فكلهم محارم لها. 2 - أما محارمها بالسبب، فقسمان: صهر، ورضاع: ¬

(¬1) سنن أبي داود، كتاب المناسك، باب في المرأة تحج بغير محرم، برقم 1725. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 103 - 104.

ثالثا: أقسام شروط وجوب الحج والعمرة:

أما الصهر فأربعة: زوج أمها، وزوج ابنتها، وأبو زوجها، وابن زوجها. وأما الرضاع، فإنه يحرم منه ما يحرم من النسب (¬1). ثالثاً: أقسام شروط وجوب الحج والعمرة: شروط وجوب الحج والعمرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: شرطان للوجوب والصحة، وهما: الإسلام، والعقل، فلا تجب على كافر، ولا مجنون، ولا يصح منهما؛ لأنهما ليسا من أهل العبادات. القسم الثاني: شرطان للوجوب والإجزاء، وهما: البلوغ، والحرية، وليسا شرطاً للصحة، فلو حج الصبي والعبد صَحَّ حجهما، ولم يجزئهما عن حجة الإسلام إن بلغ الصبي، أو عتق العبد. القسم الثالث: شرط للوجوب فقط، وهو الاستطاعة، بملك الزاد والراحلة، ووجود المحرم للمرأة، فلا يجب الحج ولا العمرة على غير المستطيع، ولا على امرأة ليس لها محرم، ولو تجشَّم غير المستطيع المشقة، وسار بغير زادٍ وراحلةٍ، فحَجَّ كان حجه صحيحاً مجزئاً، كما لو تكلَّف القيام في الصلاة والصيام من يسقط عنه أجزأه. والمرأة التي ليس لها محرم لو حجت فحجها صحيح مجزئٌ، لكنها تأثم؛ لسفرها بدون محرم (¬2) (¬3). ¬

(¬1) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، 1/ 180 - 181. (¬2) المغني لابن قدامة، 5/ 7، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 8/ 5 - 10. (¬3) واختلف العلماء في شرطين: وهما: الأول: تخلية الطريق، وهو أن لا يكون في الطريق مانع من عدوٍّ ونحوه. الثاني: إمكان المسير، وهو أن تكْمُل فيه هذه الشروط، والوقت متسع يمكنه الخروج إلى الحج. " فروي أنهما من شروط الوجوب فلا يجب الحج بدونهما؛ لأن اللَّه تعالى إنما فرض الحج على المستطيع، وهذا غير مستطيع؛ ولأن هذا يتعذّر معه فعل الحج، فكان شرطاً: كالزاد، والراحلة، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي. " وروي أنهما ليسا من شروط الوجوب؛ وإنما يشترطان للزوم السعي، فلو كملت الشروط الخمسة المذكورة في شروط وجوب الحج، ثم مات قبل وجود هذين الشرطين حُجّ عنه بعد موته، وإن أعسر قبل وجودهما بقي الحج في ذمته، وهذا ظاهر كلام الخرقي، فإنه لم يذكرهما. [المغني، لابن قدامة، 5/ 7، والشرح الكبير، 8/ 66]. ويستفاد من ذلك أن من اكتملت له الشروط الخمسة، ولكن الطريق غير خالٍ من الموانع بحيث يكون فيه قطاع طرق، أو اكتملت الشروط الخمسة، ولكن الوقت لا يتسع للسفر والوصول إلى عرفات قبل فوات الحج؛ فإن الإنسان لو مات قبل أن يحج فعليه الحج، يخرج من تركته، ولا إثم عليه؛ لأن خلوَّ الطريق من الموانع، وإمكان المسير يشترطان للزوم السعي فقط. وهذا على قول من قال: إنهما ليسا من شروط الوجوب. وأما على قول من قال: إنهما من شروط الوجوب؛ فإنه إذا مات قبل وجود هذين الأمرين لم يكن في ذمته شيء، وإن مات بعد وجودهما وهو لم يحج أثم، ويخرج من تركته ما يحج به عنه ويعتمر. وهما روايتان عن الإمام أحمد، قال المرداوي في تصحيح الفروع في الرواية الثانية: وهي أنهما من شروط لزوم الأداء، وليسا من شرائط الوجوب: ((وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، وهو الصواب)) 5/ 240، وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 7، وشرح العمدة لابن تيمية، 1/ 167 - 171، والإنصاف مع الشرح الكبير والمقنع 8/ 66 - 70.

المبحث السابع: وجوب الحج على الفور

المبحث السابع: وجوب الحج على الفور من كملت له شروط وجوب الحج وجب عليه أن يحج على الفور ولم يجز له تأخيره، ويأثم إن أخَّره بلا عُذرٍ؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له))، وهذا لفظ أحمد، ولفظ أبي داود: ((من أراد الحجّ فليتعجّل))، ولفظ ابن ماجه: ((من أراد الحجَّ فليتعجَّل، فإنه قد يمرض المريض، وتضلُّ الدّابّة، وتعرض الحاجة)) (¬1). فأمر بالتعجيل والأمر يقتضي الإيجاب (¬2)؛ ولهذا ثبت عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: ((لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين)) (¬3)، وفي رواية أنه قال: ليمت يهودياً أو نصرانياً - يقولها ثلاث مرات - رجل مات ولم يحج، ووجد لذلك سَعَة، وخُلِّيت سبيله (¬4)، فإذا وجدت هذه الشروط في شخص فقد وجب عليه الحج (¬5). ¬

(¬1) مسند أحمد، 5/ 58، برقم 2867، ورقم 1833،وأبو داود، كتاب المناسك، بابٌ، برقم 1732، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب الخروج إلى الحج، برقم 2883،وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 325،وفي صحيح سنن ابن ماجه،3/ 5،وفي إرواء الغليل، 4/ 168. (¬2) انظر: شرح العمدة في مناسك الحج والعمرة لابن تيمية، 1/ 206، ومجموع فتاوى ابن باز في الحج، 5/ 243، والمغني لابن قدامة، 5/ 36، وأضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 125. (¬3) رواه سعيد ابن منصور في سننه، وصححه ابن حجر في التلخيص الحبير موقوفاً، 2/ 223. (¬4) رواه البيهقي في السنن الكبرى،4/ 334،وصححه ابن حجر في التلخيص الحبير موقوفاً، 2/ 223. (¬5) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى هل الحج يجب إذا اكتملت الشروط على الفور أم على التراخي فيجوز تأخيره إلى وقت آخر؟ على قولين: القول الأول: قول الجمهور: وهو أن الحج يجب على الفور إذا اكتملت شروط وجوبه، قال الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 36: ((وجملة ذلك أن من وجب عليه الحجُّ وأمكنه فعله وجب عليه على الفور، ولم يجز له تأخيره، وبهذا قال أبو حنيفة، ومالك)). واستدل الجمهور على وجوب الحج على الفور بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران، الآية: 97]، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أيها الناس قد فرض اللَّه عليكم الحج فحجُّوا ... )) [مسلم، برقم 1337]، والأصل في الأمر أن يكون على الفور؛ ولهذا غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الحديبية عندما أمر أصحابه بالحلق والإحلال وتباطؤوا [انظر: صحيح البخاري، برقم 2731، 2732]، وقد جاء أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتعجل إلى الحج، فقال: ((تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)) [أحمد، برقم2867، وأبو داود، برقم 1732، وابن ماجه، برقم 2883، وصححه الألباني، وتقدم تخريجه]، فأمر بالتعجيل والأمر يقتضي الإيجاب، ولأن اللَّه أمر بالاستباق إلى الخيرات فقال: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ... } [البقرة: 148] والتأخير خلاف ما أمر به. وهذا هو الصواب: وهو أن الحج يجب على الفور؛ لما تقدم، وقد رجحه شيخنا ابن باز: وأن الحج يجب على الفور في أصح قولي العلماء [مجموع الفتاوى لابن باز، 16/ 30، 121، 348، 353، 358]، وكذا قال ابن عثيمين في الشرح الممتع، 7/ 16: ((الصواب أنه واجب على الفور))، وهو مذهب الحنابلة، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وهو قول الجمهور. القول الثاني: أن الحج يجب وجوباً موسعاً: أي على التراخي، وله تأخيره، وهو قول الشافعي رحمه اللَّه، واحتجوا بالقياس على الصلاة في الوقت: إن شئت صلها في أوله، أو في آخره، والعمر هو وقت الحج، فإن شاء حج أول العمر أو آخره، واحتجوا أيضاً بأن اللَّه فرض الحج في السنة السادسة بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله} [البقرة: 196]، ولم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في السنة العاشرة. ولكن الصحيح أنه يجب على الفور؛ للأدلة السابقة في قول الجمهور، وأما القول: إن عمر الإنسان كله وقت للحج، فهذا صحيح، لكن جاءت الأدلة بالأمر بالتعجيل؛ لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله} فهذا ليس أمراً بهما ابتداءً، ولكنه أمر بالإتمام بعد الشروع فيهما، وأما فرض الحج فالصواب أنه فرض في السنة التاسعة، ولم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في العاشرة؛ لكثرة الوفود عليه في تلك السنة، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان. [انظر: المغني لابن قدامة، 5/ 36 - 37، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 8/ 50 - 51، وشرح العمدة لابن تيمية، 1/ 198 - 229، والشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 18، والفروع لابن مفلح، 5/ 251 - 254، والروض المربع المحقق، 5/ 18]. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه تعالى: ((اختلف أهل العلم في ذلك، وسنبين هنا إن شاء اللَّه أقوالهم، وحججهم، وما يرجحه الدليل عندنا من ذلك: فممن قال: إن وجوبه على التراخي: الشافعي وأصحابه، قال النووي: وبه قال الأوزاعي، والثوري، ومحمد بن الحسن، ونقله الماوردي عن ابن عباس، وأنس، وجابر، وعطاء، وطاوس. وممن قال إنه على الفور: الإمام أحمد، وأبو يوسف، وجمهور أصحاب أبي حنيفة، والمزني ... أما مذهب مالك فعنه في المسألة قولان مشهوران كلاهما شهره بعض علماء المالكية: أحدهما أنه على الفور، والثاني أنه على التراخي ... )). ثم ذكر رحمه اللَّه أدلة كل فريق بالتفصيل، ثم بيّن ما ردَّ به كل فريقٍ على من خالفه، ثم قال رحمه اللَّه: ((أظهر القولين عندي وأليقهما بعظمة خالق السموات والأرض: هو وجوب أوامره جل وعلا كالحج على الفور، لا على التراخي؛ لما قدمنا من النصوص الدالة على الأمر بالمبادرة، وللخوف من مباغتة الموت كقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران، الآية: 133]، ولما قدمنا معها من الآيات، وكقوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّه مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف، الآية: 185]، ولما قدمنا من أن الشرع، واللغة، والعقل كلها تدل على أن أوامر اللَّه تجب على الفور، وقد بيّنا أوجه الجواب عن كونه - صلى الله عليه وسلم - لم يحجّ حجّة الإسلام إلا سنة عشر، والعلم عند اللَّه تعالى)) [أضواء البيان، 5/ 108، 125].

* فإن كان قادرا على الحج بنفسه وجب عليه أن يحج

* فإن كان قادراً على الحج بنفسه وجب عليه أن يحج. * وإن كان عاجزاً عن الحج بنفسه فعلى نوعين: النوع الأول: إن كان يرجو زوال عجزه وبرءه كالمريض الذي مرضه طارئ ويرجو الشفاء، فإنه يؤخر الحج حتى يستطيع الحج بنفسه فإن مات قبل ذلك حُجَّ عنه من تركته ولا يأثم. النوع الثاني: وإن كان الذي وجب عليه الحج عاجزاً عجزاً مستمراً لا يرجو زواله ولا يرجو بُرءَه، كالكبير، والمريض المقعد الميئوس منه، ومن لا يستطيع الركوب، فإنه يُوكِّل من يحج عنه ويعتمر (¬1). ¬

(¬1) انظر: أضواء البيان، 5/ 93 و98، والمغني لابن قدامة، 5/ 19 و22 وشرح العمدة لابن تيمية، 1/ 183 والمنهج لمريد الحج والعمرة لابن عثيمين، ص52.

المبحث الثامن: النيابة في الحج والعمرة

المبحث الثامن: النيابة في الحج والعمرة من لا يستطيع الحج والعمرة بنفسه وقد اكتملت له الشروط كمن لا يستطيع الركوب، ولا يقدر عليه ولا يثبت على المركوب، ولا يُرجى برؤه فإنه يلزمه أن يُنيب من يحجَّ عنه ويعتمرُ (¬1)؛لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول اللَّه إن فريضة اللَّه على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: ((نعم))،وذلك في حجة الوداع. وفي رواية لمسلم: ((فحجي عنه)) (¬2). وحديث أبي رَزِين أنه قال: يا رسول اللَّه إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن، قال: ((فحج عن أبيك واعتمر)) (¬3). فإن توفِّي من وجب عليه الحجُّ ولم يحج أُخرج عنه من ماله ما يُحجُّ به عنه، ويُعتمر (¬4)؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: أمرت امرأة سنان بن ¬

(¬1) المغني لابن قدامة،5/ 19،وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية،1/ 133، و183، والروض المربع حاشية ابن قاسم،3/ 518،وأضواء البيان، 5/ 93،وشرح الزركشي، 3/ 31. (¬2) متفق عليه: أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة، برقم 1854، ومسلم، كتاب الحج، باب الحج عن العاجز لزمانةٍ وهرمٍ ونحوهما أو للموت، برقم 1334. (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الرجل يحج عن غيره، برقم 1810، والترمذي، كتاب الحج، باب الحج عن الشيخ الكبير، برقم 930، والنسائي كتاب الحج، باب العمرة عن الرجل الذي لا يستطيع، برقم 3638، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج عن الحي إذا لم يستطع، برقم 2906، وانظر: صحيح النسائي، 2/ 556، وصحيح أبي داود، 1/ 341، وصحيح ابن ماجه، 2/ 152، وصحيح الترمذي، 1/ 275. (¬4) المغني، لابن قدامة، 5/ 36، 38، و19، وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 183.

عبد اللَّه الجهني أن يسأل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن أمها ماتت ولم تحجّ أفيجزئ عن أمها أن تحج عنها؟ قال: ((نعم، لو كان على أمها دين فقضته عنها أكان يجزئ عنها؟)) قال: نعم، قال: ((فلتحجَّ عن أمها)) (¬1). وحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟)) قالت: نعم. قال: ((اقضوا اللَّه فاللَّه أحق بالوفاء)) (¬2). وفي رواية: ((فاقضوا اللَّه الذي له؛ فإن اللَّه أحق بالوفاء)) (¬3). وفي رواية: أن رجلاً قال: إن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت, فقال: ((فاقض اللَّه, فهو أحق بالقضاء)) (¬4). وحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من شبرمة؟)) قال: أخٌ لي أو قريبٌ لي، قال: ((حججت عن نفسك؟)) قال: لا. قال: ((حجّ عن نفسك ثم عن شبرمة)) (¬5). ¬

(¬1) أخرجه أحمد، 1/ 217، 244، 279، والنسائي، كتاب مناسك الحج، باب الحج عن الميت الذي لم يحج، برقم 2631، وابن خزيمة، برقم 3034، 3035، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 559. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الحج والنذور عن الميت، برقم 1852. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام، باب من شبه أصلاً معلوماً بأصل مبين قد بين اللَّه حكمهما ليفهم السائل، برقم 7315. (¬4) أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب من مات وعليه نذر، برقم 6699. (¬5) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الرجل يحج عن غيره، برقم 1811، وابن ماجه، كتاب الحج، باب الحج عن الميت، برقم 2903، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 341، وإرواء الغليل، 4/ 171.

الوجه الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بفعل حجة الإسلام

وحديث عبد اللَّه بن عمرو: ((أن العاص بن وائل السهمي أوصى أن يُعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، وأراد ابنه عمرو أن يُعتِق عنه الخمسين الباقية، قال: حتى أسأل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللَّه إن أبي أوصى أن يُعتق عنه مائة رقبة، وإن هشاماً أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون، أفأعتق عنه؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه لو كان مسلماً فأعتقتم أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك))، (وفي رواية): ((فلو كان أقرَّ بالتوحيد فصُمت وتصدقت عنه نفعه ذلك)) (¬1) (¬2). ووجه الدلالة من هذه الأحاديث على النحو الآتي: الوجه الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بفعل حجة الإسلام، والحجة المنذورة عن الميت، وبيّن أنها تُجزئ عنه، وهذا يدل على بقائها في ذمته، وأنها لم تسقط بالموت. الوجه الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيَّن أن الحج دَيْنٌ في الذمة، وكل من عليه دين وجب أن يُقضى عنه من تركته. الوجه الثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اقضوا اللَّه فاللَّه أحق بالوفاء)): إما أن يكون ¬

(¬1) قلت: هذه الرواية ظاهرها أن صيام التطوع يلحق الميت إذا أُهدي له، واللَّه تعالى أعلم. (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الوصايا، باب ما جاء في وصية الحربي، يسلم وليه أيلزمه أن ينفذها، برقم 2883، والبيهقي، 6/ 279، قال الألباني: ((والسياق له، وأحمد، رقم 6704، والرواية الأخرى له، وإسنادهم حسن)).

الوجه الرابع: أن هذه الأحاديث تقتضي جواز فعل الحج المفروض عن الميت

معناه: أن قضاء دين اللَّه أوجب من قضاء دين الآدمي، كما فسره بذلك القاضي وغيره؛ لأن وجوبه أوكد وأثبت، وإما أن يكون معناه: إذا كان قضاء دين الآدمي يجزئ عنه بعد الموت، فدين اللَّه أحق أن يجزئ؛ لأن اللَّه تعالى كريم جواد، ومن يكون أحرى بقبول القضاء فحقه أولى أن يُقضى. الوجه الرابع: أن هذه الأحاديث تقتضي جواز فعل الحج المفروض عن الميت؛ سواء أوصى بذلك أم لم يوصِ، وسواء كان له تركة أم لم يكن له شيء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسألهم عن تركة خلَّفوها، وتقتضي أن ذلك يجزئ عنه، ويُؤدَّى عنه ما وجب عليه. الوجه الخامس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الولي أن يحج عنه، والأمر يقتضي الوجوب، لا سيما وقد شبهه بالدين الذي يجب قضاؤه من تركته (¬1). * ولا يجوز أن يحج النائب عن غيره إلا بعد أن يحج عن نفسه؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من شبرمة؟)) قال: أخٌ لي، أوقريبٌ لي، قال: ((حججت عن نفسك؟)) قال: لا. قال: ((حج عن نفسك ثم عن شبرمة)) (¬2). وينبغي أن يحرص المستنيب على اختيار الوكيل الصالح الذي يعرف أحكام الحج والعمرة، ويراقب اللَّه - عز وجل - في ذلك؛ لأن هذا من أسباب القبول، وعلى الوكيل أن يخلص النية لله سبحانه، ويَعْلم أنه لا ينبغي ¬

(¬1) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، 1/ 186 - 188. (¬2) أبو داود, وابن ماجه, وأحمد, وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 341، وإرواء الغليل، 4/ 171، وتقدم تخريجه.

1 - رجل يحب أن يبرئ ذمة الميت عن الحج ويحسن إليه

لأحدٍ على الصحيح أن يأخذ مالاً يحج به عن غيره إلا لأحد رجلين: 1 - رجل يحب أن يبرئ ذمة الميت عن الحج ويحسن إليه بقضاء هذا الدين، إما لصلةٍ بينهما أو رحمة عامة بالمؤمنين فيأخذ من المال ما يستعين به على أداء الحج عنه ويرد الباقي الفاضل من المال، وهذا محسن واللَّه يحب المحسنين. 2 - رجل يحب الحج ورؤية المشاعر وهو عاجز عن النفقة فيأخذ ما يقضي حاجته ويؤدي به عن أخيه فريضة الحج. والخلاصة: أن المستحب للوكيل أن يأخذ ليَحُجَّ لا أن يحُجَّ ليأخذ، وهذا يُرجَى له الثواب العظيم وأن يُعطى مثل أجر من وكَّله أو حج عنه إن شاء اللَّه تعالى (¬1) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الخازن الأمين الذي يؤدي ما أُمِر به طيبة به نفسه أحد المتصدقين)) (¬2). أما من أخذ المال، وأراد الدنيا بعمل الآخرة، ولم يقصد إلا الحطام الفاني، فليس له في الآخرة من نصيب؟ (¬3)، واللَّه المستعان. ¬

(¬1) انظر: فتاوى ابن تيمية، 26/ 14 - 20 بتصرف. (¬2) البخاري مع الفتح، 4/ 439 ومسلم 2/ 710. (¬3) انظر: فتاوى ابن تيمية 26/ 28 و20.

المبحث التاسع: آداب السفر والعمرة والحج

المبحث التاسع: آداب السفر والعمرة والحج الآداب التي ينبغي للمسافر والمعتمر والحاج المسافر (¬1) معرفتها والعمل بها؛ ليحصل على عمرة مقبولة، ويُوفَّق لحج مبرور، وسفر مبارك آداب كثيرة منها: آداب واجبة وآداب مستحبة، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الآداب الآتية: أولاً: يستخير اللَّه سبحانه في الوقت، والراحلة، والرفيق، وجهة الطريق إن كثرت الطرق، ويستشير في ذلك أهل الخبرة والصلاح. أما ¬

(¬1) اختلف العلماء في نوع السفر الذي تختص به رخص السفر: من القصر، والجمع، والفطر، والمسح على الخفين والعمائم ثلاثة أيام، والصلاة على الراحلة تطوعًا على أقوال: 1 - فقيل: رخص السفر: من القصر، والجمع، والفطر في رمضان، والمسح ثلاثًا، والصلاة على الراحلة تطوعًا تكون في السفر الواجب: كالسفر لفريضة الحج، أو العمرة الواجبة، أو الجهاد الواجب، والسفر المندوب: كالسفر لحج التطوع، أو عمرة التطوع، أو جهاد التطوع، والمباح: كالسفر للتجارة المباحة، وكل أمر مباح، أما السفر المحرم: كأن يسافر لفعل ما حرمه اللَّه تعالى، والمكروه: كأن يسافر الإنسان وحده، فلا تباح فيه هذه الرخص. 2 - وقيل: لا يقصر إلا في الحج والعمرة والجهاد؛ لأن الواجب لا يترك إلا لواجب، أما السفر المباح والمحرم والمكروه فلا. 3 - وقيل لا يقصر إلا في سفر الطاعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قصر في سفر واجب أو مندوب. 4 - وذهب الإمام أبو حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة كثيرة من العلماء إلى أنه يجوز القصر حتى في السفر المحرم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والحجة مع من جعل القصر والفطر مشروعًا في جنس السفر ولم يخص سفرًا دون سفر، وهذا القول هو الصحيح، فإن الكتاب والسنة قد أطلقا السفر)). مجموع الفتاوى، 24/ 109، وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 115 - 117، والاختيارات العلمية، من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص110، والكافي لابن قدامة، 1/ 447، والشرح الكبير المطبوع مع المقنع، 5/ 30، والإنصاف للمرداوي المطبوع مع الفتح والشرح الكبير،5/ 34،والشرح الممتع لابن عثيمين،4/ 493، والفتاوى له، 15/ 260، 274 - 281.

ثانيا: يجب على الحاج والمعتمر أن يقصد بحجه وعمرته

الحج؛ فإنه خير لا شك فيه. وصفة الاستخارة أن يصلي ركعتين ثم يدعو بالوارد (¬1). ثانياً: يجب على الحاج والمعتمر أن يقصد بحجه وعمرته وجه اللَّه تعالى، والتقرب إليه، وأن يحذر أن يقصد حطام الدنيا أو المفاخرة، أو حيازة الألقاب، أو الرياء والسمعة؛ فإن ذلك سبب في بطلان العمل وعدم قبوله. قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (¬2). وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (¬3). والمسلم هكذا لا يريد إلا وجه اللَّه والدار الآخرة؛ ولهذا قال اللَّه - عز وجل -: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} (¬4). وفي الحديث القدسي: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) (¬5). ¬

(¬1) انظر: صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الاستخارة، برقم 6019، وحصن المسلم، ص45، للمؤلف. (¬2) سورة الأنعام، الآيتان: 162، 163. (¬3) سورة الكهف، الآية: 110. (¬4) سورة الإسراء، الآية: 18. (¬5) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير اللَّه، برقم 2985.

ثالثا: على الحاج والمعتمر التفقه في أحكام العمرة والحج،

وقد خاف النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته من الشرك الأصغر فقال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)) فسُئل عنه فقال: ((الرياء)) (¬1). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من سمَّع سمَّع اللَّه به، ومن يُرائي يُرائي اللَّه به)) (¬2). قال اللَّه تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة} (¬3). ثالثاً: على الحاج والمعتمر التَّفَقُّه في أحكام العمرة والحج، وأحكام السفر قبل أن يسافر: من القصر، والجمع، وأحكام التيمم، والمسح على الخفين، وغير ذلك مما يحتاجه في طريقه إلى أداء المناسك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من يرد اللَّه به خيرًا يفقهه في الدين)) (¬4).وسيأتي ذلك إن شاء اللَّه تعالى. رابعاً: التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، سواء كان حاجًّا أو معتمرًا، أو غير ذلك فتجب التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، وحقيقة التوبة: الإقلاع عن جميع الذنوب وتركها، والندم على فعل ما مضى منها، والعزيمة على عدم العودة إليها، وإن كان عنده للناس مظالم ردّها وتحللهم منها، سواء كانت: عرضًا أو مالاً، أو غير ذلك من قبل أن يُؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخِذَ من سيئات أخيه فطرحت عليه (¬5). ¬

(¬1) أحمد في المسند،5/ 428 وحسنه الألباني في صحيح الجامع،2/ 45. (¬2) متفق عليه من حديث جندب - رضي الله عنه -: البخاري، كتاب الرقاق، باب الرياء والسمعة، برقم 6499، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير اللَّه، برقم 2987. (¬3) سورة البينة، الآية: 5. (¬4) البخاري، من حديث معاوية - رضي الله عنه -،كتاب العلم، باب من يرد اللَّه به خيرًا يفقهه في الدين، برقم 71. (¬5) انظر: سورة النور، الآية:31،والبخاري، كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، برقم 6534، 6535.

خامسا: على الحاج أو المعتمر أن ينتخب المال الحلال لحجه

خامساً: على الحاج أو المعتمر أن ينتخب المال الحلال لحجه وعمرته؛ لأن اللَّه طيِّبٌ لا يقبل إلا طيّبًا؛ ولأن المال الحرام يسبب عدم إجابة الدعاء (¬1)، وأيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به (¬2). سادساً: يستحب للمسافر أن يكتب وصيته، وما له وما عليه فالآجال بيد اللَّه تعالى، قال اللَّه - عز وجل -: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (¬3). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)) (¬4). ويشهد عليها، ويقضي ما عليه من الديون، ويرد الودائع إلى أهلها أو يستأذنهم في بقائها. سابعاً: يستحب للمسافر أن يوصي أهله بتقوى اللَّه تعالى، وهي وصية اللَّه تعالى للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} (¬5). ¬

(¬1) انظر: صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، برقم 1015. (¬2) أبو نعيم في الحلية بنحوه،1/ 31،وأحمد في الزهد بمعناه، ص164،وفي المسند،3/ 321، والدارمي، 2/ 229،وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح الجامع،4/ 172،وانظر: فتح الباري، 3/ 113. (¬3) سورة لقمان، الآية: 34. (¬4) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما: البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصايا، برقم 2738، ومسلم، كتاب الوصية، برقم 1627. (¬5) سورة النساء، الآية: 131.

ثامنا: يستحب للمسافر أن يجتهد في اختيار الرفيق الصالح

ثامناً: يستحب للمسافر أن يجتهد في اختيار الرفيق الصالح، ويحرص أن يكون من طلبة العلم الشرعي؛ فإن هذا من أسباب توفيقه وعدم وقوعه في الأخطاء في سفره وفي حجه وعمرته؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) (¬1)؛ولقوله - صلى الله عليه وسلم - ((لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي)) (¬2)، وقد مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير (¬3). تاسعاً: يستحب للمسافر أن يودع أهله، وأقاربه، وأهل العلم: من جيرانه، وأصحابه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من أراد سفرًا فليقل لمن يخلِّف: أستودعكم اللَّه الذي لا تضيع ودائعه)) (¬4)، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يودع أصحابه إذا أراد أحدهم سفرًا فيقول: ((أستودع اللَّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك)) (¬5)، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول لمن طلب منه أن يوصيه من المسافرين: ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، برقم 4833، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 188. (¬2) أبو داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، برقم 4832، والترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في صحبة المؤمن، برقم 2395، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 4832، وصحيح الترمذي، برقم 2519. (¬3) متفق عليه من حديث أبي موسى - رضي الله عنه -: البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك، برقم 5534، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب استحباب مجالسة الصالحين، ومجانبة قرناء السوء، برقم 2628. (¬4) أحمد، 2/ 403، ابن ماجه، الجهاد، باب تشييع الغزاة ووداعهم، برقم 2825، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 16، 2547، وصحيح سنن ابن ماجه، 2/ 133. (¬5) أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الدعاء عند الوداع، برقم 2600،والترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء فيما يقول إذا ودع إنسانًا، برقم 3442،وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 155.

عاشرا: لا يصطحب معه الجرس والمزامير والكلب في السفر؛

((زوَّدك اللَّه التقوى، وغفر ذنبك، ويسَّر لك الخير حيثُ ما كنتَ)) (¬1). وجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد سفرًا فقال: يا رسول اللَّه أوصني، فقال: ((أوصيك بتقوى اللَّه والتكبير على كل شرف))، فلما مضى قال: ((اللَّهم ازوِ له الأرض، وهوِّن عليه السفر)) (¬2). عاشراً: لا يصطحب معه الجرس والمزامير والكلب في السفر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس)) (¬3). وعنه - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الجرس مزامير الشيطان)) (¬4). الحادي عشر: إذا أراد السفر بإحدى زوجاته إن كان له أكثر من واحدة أقرع بينهن فأي زوجة وقعت عليها القرعة خرجت معه؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه)) (¬5). وهذا هو السنة، إذا أراد أن ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا ودع إنسانًا، برقم 3444، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 419: ((حسن صحيح)). (¬2) الترمذي، كتاب الدعوات، باب منه وصيته - صلى الله عليه وسلم - المسافر بتقوى اللَّه والتكبير على كل شرف، برقم 3445 وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب فضل الحرس والتكبير في سبيل اللَّه، برقم 2771. وأحمد، والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 156، وصحيح ابن ماجه، 2/ 124، وصحيح ابن خزيمة، 4/ 149. (¬3) أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة: باب كراهة الكلب والجرس في السفر، (برقم 2113). (¬4) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب كراهة الكلب والجرس في السفر، (رقم 2114)، وأحمد في مسنده، (2/ 372)، وأبو داود في كتاب الجهاد، باب في تعليق الأجراس، (رقم 2556). (¬5) متفق عليه، البخاري، كتاب الهبة، باب هبة المرأة لغير زوجها، برقم 2593، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة رضي اللَّه عنها، برقم 2445.

الثاني عشر: يستحب له أن يخرج للسفر يوم الخميس

يسافر ببعض نسائه، فالقرعة فيها راحة عظيمة (¬1). الثاني عشر: يستحب له أن يخرج للسفر يوم الخميس من أول النهار؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -. قال كعب بن مالك - رضي الله عنه -: ((لقلَّما كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس)) (¬2). ودعا لأمته - صلى الله عليه وسلم - بالبركة في أول النهار فقال: ((اللَّهم بارك لأمتي في بكورها)) (¬3). الثالث عشر: يستحبُّ له أن يدعو بدعاء الخروج من المنزل فيقول عند خروجه: ((بسم اللَّه، توكلت على اللَّه، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه (¬4)، اللَّهم إني أعوذ بك أن أضِلَّ أو أُضَلَّ، أو أزلَّ أو أُزَلَّ، أو أظلِمَ أو أُظلَمَ، أو أجهلَ أو يُجهلَ عليَّ)) (¬5). ¬

(¬1) سمعته من شيخنا الإمام ابن باز أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 2879. (¬2) البخاري، كتاب الجهاد، باب من أراد غزوة فورّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس، برقم 2948. (¬3) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في الابتكار في السفر (رقم 2606)،والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في التبكير بالتجارة، (رقم 1212)،وابن ماجه في كتاب التجارات، باب ما يرجى من البركة في البكور، (رقم 2236)، وأحمد في مسنده، (1/ 154، 3/ 416)، قال أبو عيسى: حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح أبي داود،2/ 494،وصحيح الترمذي،2/ 7 - 8. (¬4) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب ما يقول إذا خرج من بيته، (رقم 5095)، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج من بيته، (رقم 3426)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 410، وصحيح أبي داود، 3/ 959. (¬5) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب ما يقول إذا خرج من بيته، (رقم 5094)، والترمذي في كتاب الدعوات، باب منه، (رقم 3427)، والنسائي في كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من دعاء لا يستجاب، (رقم 5536)، وابن ماجه في كتاب الدعوات، باب ما يدعو الرجل إذا خرج من بيته، (رقم 3884)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 959، وصحيح الترمذي، 3/ 410 - 411.

الرابع عشر: يستحب له أن يدعو بدعاء السفر، إذا ركب

الرابع عشر: يستحبّ له أن يدعو بدعاء السفر، إذا ركب دابته، أو سيارته، أو الطائرة، أو غيرها من المركوبات فيقول: ((اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر)) {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (¬1)، ((اللَّهمّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب: في المال، والأهل .. )) وإذا رجع من سفره قالهن وزاد فيهن: ((آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون)) (¬2). الخامس عشر: يستحبّ له أن لا يسافر وحده بلا رفقة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده)) (¬3).وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)) (¬4). السادس عشر: يؤمِّر المسافرون أحدَهم؛ ليكون أجمعَ لشملهم، وأدعى لاتفاقهم، وأقوى لتحصيل غرضهم، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا خرج ثلاثة في ¬

(¬1) سورة الزخرف، الآيتان: 13 - 14. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، (رقم 1342). (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب السير وحده، (رقم 2998). (¬4) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في الرجل يسافر وحده، (رقم 2607)، والترمذي في كتاب الجهاد، باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده، (رقم 1674)، وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في مسنده، (2/ 186، 214)، والحاكم في المستدرك، (2/ 102) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وحسّنه الألباني في الصحيحة، (رقم 62)، وصحيح الترمذي، 2/ 245.

السابع عشر: يستحب إذا نزل المسافرون منزلا أن ينضم بعضهم إلى بعض

سفر فليؤمِّروا أحدهم)) (¬1). السابع عشر: يستحب إذا نزل المسافرون منزلاً أن ينضمّ بعضهم إلى بعض، فقد كان بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان)) (¬2). فكانوا بعد ذلك ينضمُّ بعضُهم إلى بعض حتى لو بسط عليهم ثوب لوسعهم. الثامن عشر: يستحبّ إذا نزل منزلاً في السفر أو غيره من المنازل أن يدعو بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((أعوذ بكلمات اللَّه التامات من شر ما خلق))؛ فإنه إذا قال ذلك لم يضرَّه شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (¬3). التاسع عشر: يستحبّ له أن يكبّر على المرتفعات ويسبح إذا هبط المنخفضات والأودية، قال جابر - رضي الله عنه -: ((كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا)) (¬4)، ولا يرفعوا أصواتهم بالتكبير، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنه معكم، إنه سميع قريب)) (¬5). ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم، برقم 2608، 2609، وحسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 494، 495. (¬2) أبو داود، كتاب الجهاد، باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته، برقم 2628، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 130. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2709. (¬4) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب التسبيح إذا هبط واديًا، برقم 2993. (¬5) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير، برقم 2992، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم 2704.

العشرون: يستحب له أن يدعو بدعاء دخول القرية أو البلدة

العشرون: يستحبّ له أن يدعوَ بدعاء دخول القرية أو البلدة فيقول إذا رآها: ((اللَّهم ربَّ السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها)) (¬1). الحادي والعشرون: يستحبّ له السير أثناء السفر في الليل وخاصة أوله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بالدُّلجة؛ فإن الأرض تُطوَى بالليل)) (¬2). الثاني والعشرون: يستحبّ له أن يقول في السحر إذا بدا له الفجر: ((سمّع سامعٌ بحمد اللَّه وحسن بلائه علينا. ربنا صاحبنا، وأفضل علينا عائذًا باللَّه من النار)) (¬3). الثالث والعشرون: يستحبّ له أن يكثر من الدعاء في السفر؛ فإنه حريٌّ بأن تجاب دعوته، ويُعطى مسألته؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد ¬

(¬1) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، برقم 544،وابن السني في عمل اليوم والليلة، برقم 524، وابن حبان كما في موارد الظمآن، برقم 2377، وابن خزيمة في صحيحه، برقم 2565، والحاكم في المستدرك، 1/ 446، 2/ 100، وصححه ووافقه الذهبي، وحسّنه الحافظ ابن حجر. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/ 137: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وقال ابن باز رحمه اللَّه في تحفة الأخيار، ص37: ((رواه النسائي بإسناد حسن)). (¬2) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في الدلجة، برقم 2571، والحاكم في مستدركه، 1/ 445، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والبيهقي في سننه الكبرى، 5/ 256، وصححه الألباني في الصحيحة، برقم 681، وفي صحيح سنن أبي داود، 2/ 469. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، برقم 2718.

الرابع والعشرون: يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر على حسب طاقته وعلمه

على ولده)) (¬1). ويكثر الحاج من الدعاء كذلك على الصفا والمروة، وفي عرفات، وفي المشعر الحرام بعد الفجر، وبعد رمي الجمرة الصغرى، والوسطى أيام التشريق؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر في هذه المواطن الستة من الدعاء ورفع يديه (¬2). الرابع والعشرون: يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر على حسب طاقته وعلمه، ولابد من أن يكون على علم وبصيرة فيما يأمر وفيما ينهى عنه، ويلتزم الرفق واللين، ولا شك أنه يُخشى على من لم ينكر المنكر أن يعاقبه اللَّه - عز وجل - بعدم قبول دعائه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر أو ليوشكنَّ اللَّه أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم)) (¬3). الخامس والعشرون: يبتعد عن جميع المعاصي، فلا يؤذي أحدًا بلسانه، ولا بيده، ولا يزاحم الحجاج والمعتمرين زحامًا يؤذيهم، ولا ينقل النميمة ولا يقع في الغيبة، ولا يجادل مع أصحابه وغيرهم إلا بالتي هي أحسن، ولا يكذب، ولا يقول على اللَّه ما لا يعلم، وغير ذلك من أنواع المعاصي والسيئات قال سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في كتاب الوتر، باب الدعاء بظهر الغيب، برقم 1536، والترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في دعوة الوالدين، برقم 1905، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب دعوة الوالد ودعوة المظلوم، برقم 3862، وأحمد، 3/ 258، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 4/ 344، وغيره. (¬2) انظر: زاد المعاد لابن القيم، 2/ 227 و286. (¬3) أخرجه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، برقم 2169، وابن ماجه، وأحمد، 5/ 388، وحسنه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 460.

السادس والعشرون: يحافظ على جميع الواجبات

فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (¬1)، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (¬2)، والمعاصي في الحرم ليست كالمعاصي في غيره، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (¬3). السادس والعشرون: يحافظ على جميع الواجبات، ومن أعظمها الصلاة في أوقاتها مع الجماعة، ويكثر من الطاعات: كقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والإحسان إلى الناس بالقول والفعل، والرفق بهم، وإعانتهم عند الحاجة. قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) (¬4). السابع والعشرون: يتخلق بالخلق الحسن، ويخالق به الناس، والخلق الحسن يشمل: الصبر، والعفو، والرفق، واللين، والحلم، والأناة وعدم العجلة في الأمور، والتواضع، والكرم والجود، والعدل، والثبات، والرحمة، والأمانة، والزهد والورع، والسماحة، والوفاء، والحياء، والصدق، والبر والإحسان، والعفة، والنشاط، والمروءة؛ ولعظم فضل حسن الخلق قال - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 198. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 58. (¬3) سورة الحج، الآية: 25. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، برقم 6011، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، برقم 2586.

الثامن والعشرون: يعين الضعيف، والرفيق في السفر: بالنفس، والمال، والجاه،

((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا .. )) (¬1)، وقال: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)) (¬2). الثامن والعشرون: يعين الضعيف، والرفيق في السفر: بالنفس، والمال، والجاه، ويواسيهم بفضول المال وغيره مما يحتاجون إليه، فعن أبي سعيد - رضي الله عنه - ((أنهم كانوا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في سفر فقال: ((من كان معه فضل ظهر فليعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعُدْ به على من لا زاد له))، فذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل)) (¬3). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يتخلف في المسير فيزجي الضعيف (¬4)، ويردف، ويدعو لهم)) (¬5). وهذا يدل على رأفته - صلى الله عليه وسلم - وحرصه على مصالحهم؛ ليقتدي به المسلمون عامة، والمسؤولون خاصة. التاسع والعشرون: معرفة أحكام المسح على الخفين والعمائم ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، برقم 4682، والترمذي في كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، برقم1162، وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في مسنده، 2/ 250، 472، والحاكم في مستدركه، 1/ 3، وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة، برقم 284، وصحيح الترمذي، 1/ 594. (¬2) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في حسن الخلق، برقم 4798، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 911، وفي صحيح الجامع، برقم 1932. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب اللقطة، باب استحباب المؤاساة بفضول المال، برقم 1728. (¬4) ومعنى يزجي الضعيف: أي يسوقه ويدفعه حتى يلحق بالرفاق. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 2/ 297. (¬5) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في لزوم الساقة، برقم 2639، والحاكم في المستدرك، 2/ 115،وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 500، وفي الصحيحة، برقم 2120.

1 - حكم المسح على الخفين: مشروع بالكتاب، والسنة، وإجماع أهل السنة

والجبيرة في السفر ينبغي للمسافر لحجٍّ أو عمرةٍ، أو غير ذلك: أن يتفقَّه في أحكام المسح على الخفين، والعمائم، والجبيرة في السفر، على النحو الآتي: 1 - حكم المسح على الخُفَّيْن: مشروع بالكتاب، والسنة، وإجماع أهل السنة؛ لقوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَين} (¬1) على قراءة الجر، أما قراءة النصب فتحمل على غسل الرجلين المكشوفتين. أما السُّنة فقد تواترت الأحاديث بذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). قال الإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى: ((ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثاً عن أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ما رفعوا إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وما وقفوا)) (¬3). وقال الحسن البصري رحمه اللَّه: ((حدثني سبعون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح على الخُفَّيْن)) (¬4). والأفضل في حقِّ كل أحد بحسب قُدرتِهِ، فَلِلاَبس الخف أن يمسح عليه ولا ينزع خُفَّه إذا اكتملت الشروط، اقتداءً بالنَّبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -، وَلِمَن قدماه مكشوفتان الغسل، ولا يتحرى لبسه ليمسح عليه (¬5)؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 6. (¬2) الشرح الممتع على زاد المستقنع، 1/ 183، وفتح الباري، 1/ 306. (¬3) ذكره ابن قدامة في المغني، 1/ 360، وتعرف تلك الآثار بالتتبع، وقد روى أكثرها ابن أبي شيبة، 1/ 175 - 184. (¬4) ذكره ابن حجر في الفتح، 1/ 306، وعزاه لابن أبي شيبة، وذكره في التلخيص الحبير 1/ 158،وعزاه لابن المنذر، انظر: الأوسط لابن المنذر،1/ 433، و1/ 427. (¬5) الاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص13، وانظر: زاد المعاد، 1/ 99، والمغني، 1/ 360.

2 - شروط المسح على الخفين وما في معناهما:

اللَّه يُحبُّ أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)) (¬1). وفي حديث ابن مسعود وعائشة رضي اللَّه عنهما: ((إن اللَّه يُحبُّ أن تقبل رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)) (¬2). 2 - شروط المسح على الخفين وما في معناهما: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارةٍ؛ لحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -، قال: كنت مع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأهويت لأنزع خُفَّيْه فقال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) فمسح عليهما (¬3). الشرط الثاني: أن يكون المسح في الحدث الأصغر؛ لحديث صفوان بن عسَّال - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كُنّا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط، وبول، ونوم)) (¬4) فلا يجوز المسح في الجنابة ولا فيما يوجب الغسل (¬5). ¬

(¬1) أحمد في المسند، 2/ 108، والبيهقي في سننه الكبرى، 3/ 140، وابن خزيمة في صحيحه، برقم 950، 2027، والخطيب في تاريخه، 10/ 347. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/ 162: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، والبزار، والطبراني في الأوسط، وإسناده حسن، وصححه الألباني في الإرواء، 3/ 9، برقم 564. (¬2) الطبراني، وابن حبان، رقم 3568، والبيهقي في السنن الكبرى، 3/ 140، وصححه الألباني في الإرواء، 3/ 11 - 13، والعزائم هي الفرائض. وعند مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه -: ((عليكم برخصة اللَّه الذي رخص لكم)) في كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، برقم 1115. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، برقم 206، ومسلم في كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، برقم 274/ 79. (¬4) أخرجه أحمد، 4/ 239، والنسائي في كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر، برقم 127، والطبراني في الكبير، برقم 7351، وابن خزيمة، برقم 196، وصححاه. وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 1/ 140، برقم 104. (¬5) انظر: فتاوى المسح على الخفين لابن عثيمين، ص8، والمغني، 1/ 561، وشرح الزركشي، 1/ 388، والشرح الممتع، 6/ 168.

الشرط الثالث: أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعا

الشرط الثالث: أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعاً وهو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر؛ لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: ((جعل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم)) (¬1)؛ ولحديث صفوان - رضي الله عنه - المتقدم؛ ولحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ((أنَّه رَخَّصَ للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، إذا تطهر فلبس خُفَّيْه أن يمسح عليهما)) (¬2). وهذه المدة على الصحيح تبتدئ من أول مرة مسح بعد الحدث (¬3)، وتنتهي بأربع وعشرين ساعة بالنسبة للمقيم، واثنتين وسبعين ساعة بالنسبة للمسافر (¬4). الشرط الرابع: أن يكون الخُفَّان أو الجوربان أو العمامة طاهرة (¬5)؛ فإن كانت نجسة؛ فإنه لا يجوز المسح عليها، والطاهر ضد النجس والمتنجّس، والنجس: نجس العين كما لو كانت الخفاف من جلد حمار. والمتنجِّس ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين، برقم 276. (¬2) ابن خزيمة،1/ 96،وابن حبان (موارد)، برقم 184، والدارقطني، وانظر: التلخيص الحبير،1/ 157. (¬3) الفتاوى الإسلامية، 1/ 236، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 5/ 243، وشرح العمدة لابن تيمية، ص556، وفتاوى المسح على الخفين لابن عثيمين، ص8، وفتاوى ابن عثيمين، 4/ 186، وإرشاد أولي البصائر والألباب للسعدي، ص14، والشرح الممتع لابن عثيمين، 1/ 187، وشرح عمدة الأحكام لابن باز، ص22، مخطوط، وانظر: تمام النصح للألباني، فقد نقل آثاراً تنص على أن المسح يبدأ من المسح بعد الحدث ص 89 - 92، وشرح بلوغ المرام لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز، حديث رقم 69. (¬4) المغني لابن قدامة، 1/ 369، وشرح العمدة في الفقه لابن تيمية، ص 256، وفتاوى المسح على الخفين لابن عثيمين، ص 18. (¬5) انظر: الفتاوى الإسلامية، 1/ 235، والشرح الممتع، 1/ 188.

الشرط الخامس: أن يكون ساترا لمحل الفرض

كما لو كانت من جلد بعير لكن أصابتها نجاسة، إلا أن المتنجس إذا طهر جاز المسح عليه والصلاة فيه؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: بينما رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي بأصحابه إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: ((ما حملكم على إلقائكم نعالكم))؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً))، وقال: ((إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه [بالأرض] وليصلِّ فيهما)) (¬1). وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يصلَّى فيما فيه نجاسة، ولأن النجس إذا مسح عليه بالماء تلوث بالنجاسة؛ فلا يصح المسح عليه (¬2). الشرط الخامس: أن يكون ساتراً لمحل الفرض، وأن يكون صفيقاً لا يصف البشرة (¬3)، ويُعفى عن الخروق اليسيرة، وقد رجح القول بهذا الشرط العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه اللَّه تعالى (¬4). الشرط السادس: أن يكون مباحاً لا مغصوباً، ولا حريراً لرجل، ولا ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم 650،وأحمد،3/ 20، وما بين المعقوفين من رواية الإمام أحمد، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 605، وفي الإرواء، برقم 284، وتقدم تخريجه في المبحث الثاني: أنواع النجاسات. (¬2) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع، 1/ 188، وفتاوى المسح على الخفين لابن عثيمين، ص 7. (¬3) انظر: المغني لابن قدامة، 1/ 372، 373، وشرح العمدة في الفقه لابن تيمية، ص 250، ومنار السبيل، 1/ 30، وشرح الزركشي، 1/ 391، والشرح الممتع على زاد المستقنع، 1/ 90. (¬4) الفتاوى الإسلامية، 1/ 235، وشرح عمدة الأحكام للمقدسي لسماحته، ص 21، مخطوط، وفتاوى اللجنة الدائمة، 5/ 238، 243، 246، والفتاوى الإسلامية، 1/ 234.

الشرط السابع: أن لا ينزع بعد المسح

مسروقاً، فإن المحرَّم نوعان: محرّم لكسبه كالمغصوب والمسروق، ومحرّم لعينه: كالحرير للرجل، وكذا اتخاذ ما فيه صور لذوات الأرواح، فلا يجوز أن يمسح على هذين النوعين؛ لأن المسح على الخفين رخصة، فلا تستباح به المعصية؛ ولأن القول بالجواز مقتضاه إقرار هذا الإنسان على لبس هذا المحرم، والمحرم يجب إنكاره (¬1). الشرط السابع: أن لا ينزع بعد المسح قبل انقضاء المدة؛ فإن خلع خفيه أو ما في معناهما بعد المسح عليهما أعاد الوضوء مع غسل الرِّجلين (¬2). ورجح هذا القول العلامة عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز، وقال: هو قول الجمهور، وهو الصواب (¬3). وهناك بعض الشروط ذكرها بعض أهل العلم ليس عليها دليل، أو تدخل فيما سبق (¬4). 3 - مُبطلات المسح: المبطل الأول: إذا حدث ما يوجب الغسل كالجنابة بطل المسح ولا ¬

(¬1) الشرح الممتع، 1/ 189، والمغني لابن قدامة، 1/ 373، وشرح الزركشي، 1/ 396، ومنار السبيل، 1/ 30، ويفتي به سماحة الشيخ ابن باز رحمه اللَّه تعالى. (¬2) المغني لابن قدامة، 1/ 367، وشرح العمدة في الفقه [كتاب الطهارة] لابن تيمية، ص 257، وانظر: الشرح الممتع لزاد المستقنع، 1/ 215. (¬3) 2) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 5/ 251 - 252، وشرح بلوغ المرام لسماحة الشيخ ابن باز، مخطوط. (¬4) انظر: منار السبيل، 1/ 30، والسلسبيل في معرفة الدليل، 1/ 142، وهي: إمكان المشي بهما عرفاً، وثبوتهما بنفسهما، وألا يكون واسعاً يرى منه محل الفرض، وانظر: شرح الزركشي، 1/ 395 - 396.

المبطل الثاني: إذا خلع الخفين

بد من غسل (¬1). المبطل الثاني: إذا خلع الخفين أو ما في معناهما بعد المسح عليهما بطل وضوؤه على القول الراجح كما تقدم (¬2). المبطل الثالث: إذا انقضت المدة المعتبرة شرعاً بطل المسح (¬3). ورجح سماحة الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه تعالى أن انقضاء المدة يبطل المسح لمفهوم أحاديث التوقيت، فإذا انقضت المدة خلع الخفين وغسل الرجلين، وخلع العمامة ومسح الرأس (¬4). 4 - كيفية المسح على الخفين والجوربين والعمائم: يمسح على ظاهر الخفين أو الجوربين؛ لحديث علي - رضي الله عنه - قال: ((لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه)) (¬5)؛ ولحديث المغيرة بن شعبة أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((كان يمسح على الخفين)) وقال: ((على ظهر الخفين)) (¬6)، ¬

(¬1) لحديث صفوان بن عسال، أخرجه أحمد، 4/ 239، وابن خزيمة، برقم 196، والنسائي، برقم 127، والطبراني في الكبير، برقم 7351، وتقدم تخريجه في المبحث السادس: المسح على الخفين. (¬2) لما تقدم في الشرط السابع. (¬3) انظر: شرح العمدة في الفقه، كتاب الطهارة، لابن تيمية، ص 257، والمغني لابن قدامة، 1/ 366. (¬4) ذكر ذلك سماحة الشيخ في شرحه لبلوغ المرام، وكان يفتي به كثيراً. (¬5) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب كيف المسح، برقم 162، وصححه العلامة ابن باز، والألباني في صحيح أبي داود، 1/ 33، وانظر: إرواء الغليل برقم 103. (¬6) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب كيف المسح، برقم 161، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 33.

الصفة الأولى:

قال ابن قدامة رحمه اللَّه: ((روى الخلال بإسناده عن المغيرة بن شعبة فذكر وضوء النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثم توضأ ومسح على الخفين، فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ووضع يده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أثر أصابعه على الخفين)) (¬1). قال ابن عقيل: سنة المسح هكذا ((أن يمسح خفيه بيديه اليمنى لليمنى، واليسرى لليسرى))، وقال أحمد: ((كيفما فعلت فهو جائز باليد الواحدة أو باليدين)) (¬2). والمسح على الجوربين كالمسح على الخفين تماماً؛ لحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: ((توضأ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ومسح على الجوربين والنعلين)) (¬3). وذكر ابن قدامة أنه إذا مسح على الجوربين والنعلين جميعاً فإنه بعد المسح لا يخلع النعلين (¬4). أما المسح على العمائم وخمار المرأة على الصحيح فهو على صفتين: الصفة الأولى: المسح على العمامة المحنَّكة والخمار المحنَّك. الصفة الثانية: المسح على الناصية والتكميل على العمامة أو الخمار (¬5). ¬

(¬1) ذكره في المغني، 1/ 377، وعزاه للخلال بإسناده. (¬2) المغني، 1/ 378، وانظر: شرح العمدة، ص372، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، 1/ 403، وزاد: قال في البلغة: ((ويسن تقديم اليمين)). (¬3) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب المسح على الجوربين، برقم 159، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 33. (¬4) المغني لابن قدامة، 1/ 375، وشرح العمدة لابن تيمية، ص251، وزاد المعاد، 1/ 199، والاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص 14. (¬5) أخرجه البخاري، برقم 204، 205، وقد تقدم في فروض الوضوء وأركانه.

5 - المسح على الجبائر:

ويشترط للعمامة والخمار ما يشترط للخفين على الصحيح، كما رجح ذلك سماحة العلامة ابن باز رحمه اللَّه تعالى (¬1). 5 - المسح على الجبائر: الأحاديث التي وردت في الجبائر قال جماعة من أهل العلم: إنها ضعيفة (¬2)، ولكن ذكر العلامة ابن باز رحمه اللَّه أن أحاديث الجبائر مع أحاديث المسح على الخفين تدل على شرعية المسح على الجبائر؛ لأن المسح على الخفين للتيسير، فالمسح على الجبائر أولى بالشرعية؛ ولكونه ضرورياً لم يشرع فيه التوقيت (¬3)، ويفارق مسح الجبيرة مسح الخف من وجوه: الوجه الأول: لا يجوز المسح عليها إلا عند الضرر بنزعها، والخف خلاف ذلك. الوجه الثاني: يجب استيعابها بالمسح إلا ما زاد على محل الفرض في الوضوء؛ لأنه لا ضرر في تعميمها به بخلاف الخف فإنه يشق تعميمه بالمسح، فيجزئ فيه مسح بعضه كما وردت به السنة (¬4). الوجه الثالث: يمسح على الجبيرة من غير توقيت؛ لأن مسحها لضرورة فتقدّر بقدرها. ¬

(¬1) وانظر المغني لابن قدامة، 1/ 383. (¬2) منها حديث علي بن أبي طالب، وحديث ابن عباس، وحديث جابر، انظر: بلوغ المرام، من حديث 145 - 147. (¬3) شرح بلوغ المرام للعلامة ابن باز، حديث 145 - 147، مخطوط. (¬4) قال ابن تيمية رحمه اللَّه: وهو مذهب الفقهاء قاطبة، انظر: فتاوى ابن تيمية، 21/ 178 - 182.

الوجه الرابع:

الوجه الرابع: يمسح عليها في الحدث الأصغر والأكبر بخلاف الخف؛ فإنه لا يمسح عليه إلا في الأصغر. الوجه الخامس: لا يشترط تقدم الطهارة على شدِّها على القول الراجح بخلاف الخفّ (¬1). الوجه السادس: الجبيرة لا تختص بعضو معين والخف يختص بالرِّجل (¬2). أما كيفية المسح على الجبائر: إذا وُجِدَ جرح في أعضاء الطهارة فله مراتب: المرتبة الأولى: أن يكون مكشوفاً ولا يضره الغسل، فيجب غسله. المرتبة الثانية: أن يكون مكشوفاً ويضره الغسل والمسح لا يضره، فيجب مسحه. المرتبة الثالثة: أن يكون مكشوفاً ويضره الغَسلُ والمسح، فحينئذ يشد عليه جبيرة ويمسح عليها، فإن عجز فهنا يتيمم له. المرتبة الرابعة: أن يكون مستوراً بجبس، أو لزقة، أو جبيرة، أو شبه ذلك ففي هذه الحال يمسح على الساتر، ويغنيه عن الغَسل (¬3). الثلاثون: معرفة أحكام قصر الصلاة في السفر: الأصل في قصر الصلاة في السفر: الكتاب والسنة والإجماع: ¬

(¬1) المغني، 1/ 356، وفتاوى ابن تيمية، 21/ 176 - 179. وانظر: الأسئلة والأجوبة الفقهية للسلمان، 1/ 31، فقد زاد بعض الفروق. (¬2) الشرح الممتع، 1/ 204. (¬3) فتاوى المسح على الخفين لابن عثيمين، ص 25.

أما الكتاب: فقول اللَّه تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا} (¬1). وعن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} فقد أمن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبت منه، فسألت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: ((صدقةٌ تصدَّق اللَّه بها عليكم فاقبلوا صدقته)) (¬2). وأما السنة: فقد تواترت الأخبار أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يقصر في أسفاره: حاجًّا، ومعتمرًا، وغازيًا، قال عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: ((صحبت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كذلك، - رضي الله عنهم -)) (¬3). وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ((فرض اللَّه الصلاة حين فرضها: ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فَأُقرَّت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر)). وفي لفظ للبخاري: ((فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ففرضت أربعًا وتركت صلاة السفر على الأولى)) (¬4). زاد أحمد: إلا المغرب، فإنها وتر النهار، وإلا الصبح، فإنها تطول فيها ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 101. (¬2) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 686. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة، برقم 1102، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 689. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، برقم 350، وكتاب التقصير، باب يقصر إذا خرج من موضعه، برقم 1090، وكتاب مناقب الأنصار، باب التاريخ من أين أرَّخوا التاريخ، برقم 3935، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 1570.

2 - القصر في السفر أفضل من الإتمام

القراءة)) (¬1). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((فرض اللَّه الصلاة على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة)) (¬2)، وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -: ((صليت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان)). وفي لفظ: ((صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين، ومع أبي بكر - رضي الله عنه - ركعتين، ومع عمر - رضي الله عنه - ركعتين، ثم تفرقت بكم الطرق، يا ليت حظي من أربع: ركعتان متقبلتان)) (¬3). وأما الإجماع، فقد أجمع أهل العلم على أن من سافر سفرًا تقصر في مثله الصلاة: في حج، أو عمرة، أو جهاد أن له أن يقصر الرباعية فيصليها ركعتين (¬4)، وأجمعوا على أن لا يقصر في المغرب ولا في صلاة الصبح (¬5). 2 - القصر في السفر أفضل من الإتمام؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إن اللَّه يحب أن تؤتى رُخصُه كما يكره أن تؤتى معصيته)) (¬6)، وفي رواية: ((إن اللَّه يحب أن تؤتى رخصُه كما يحب أن ¬

(¬1) مسند أحمد، 6/ 241، وابن خزيمة، برقم 305، وابن حبان، برقم 2738. (¬2) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 687. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، باب الصلاة بمنى، برقم 1084، وكتاب الحج، باب الصلاة بمنى، برقم 1656، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب قصر الصلاة بمنى، برقم 695. (¬4) انظر: الإجماع لابن المنذر، ص46، والمغني لابن قدامة، 3/ 105. (¬5) انظر: الإجماع لابن المنذر، ص46. (¬6) أخرجه الإمام أحمد في المسند، 2/ 108، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم 564.

تؤتى عزائمُه)) (¬1). ولكن لو أتم المسافر الصلاة الرباعية أربعًا فصلاته صحيحة ولكنه خالف الأفضل؛ لأن عائشة رضي اللَّه عنها كانت تتم في السفر بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأتم عثمان - رضي الله عنه - بمنى (¬2)، ولكن ما داوم عليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في أسفاره أفضل بلا شك (¬3)، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((أصل الصلاة ركعتان كما فرضها اللَّه تعالى، ثم زاد فيها سبحانه في الحضر بعد الهجرة ثنتين، في العشاء، والظهر، والعصر، وبقيت صلاة السفر على حالها: الظهر، والعصر، والعشاء ركعتان، وهذا يؤيد الأصل، والمغرب والفجر بقيت على أصلها، فالقصر سنة مؤكدة، ولكن لا مانع من الإتمام في السفر، والقصر صدقة من اللَّه، فمن صلى أربعًا فلا حرج، وقد كانت عائشة رضي اللَّه عنها تتم في السفر، وتأولت أنه لا يشق عليها، ولم ينكر عليها الصحابة، وهي من أعلم ¬

(¬1) أخرجه ابن حبان من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، 2/ 69، برقم 354، والطبراني في المعجم الكبير، برقم 11880، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 11، برقم 564. (¬2) إتمام عائشة رضي اللَّه عنها في السفر رواه مسلم، في كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 3 - (685)، وإتمام عثمان - رضي الله عنه - في منى رواه البخاري في كتاب التقصير، باب الصلاة بمنى، برقم 1084، وكتاب الحج، باب الصلاة بمنى، برقم 1656، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب قصر الصلاة بمنى، برقم 695. (¬3) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((وقد تنازع العلماء في التربيع [في السفر] هل هو محرم أو مكروه؟ أو ترك الأولى؟ أو مستحب؟ أو هما سواء؟ على خمسة أقوال: ((أحدها: قول من يقول: الإتمام أفضل، كقولٍ للشافعي، والثاني: قول من يسوي بينهما كبعض أصحاب مالك، والثالث: قول من يقول القصر أفضل، كقول الشافعي الصحيح، وإحدى الروايتين عن أحمد، والرابع: قول من يقول: القصر واجب، كقول أبي حنيفة ومالك في رواية، وأظهر الأقوال: قول من يقول: إنه سنة والإتمام مكروه؛ ولهذا لا تجب نية القصر عند أكثر العلماء: كأبي حنيفة، ومالك، وأحمد في أحد القولين عنه في مذهبه)). مجموع الفتاوى، 24/ 9، 10، 21 - 22.

الناس)) (¬1). وإذا نسي صلاة الحضر فذكرها في السفر فعليه أن يصليها صلاة حضر تامة من غير قصر إجماعًا؛ لأن الصلاة تعيَّن عليه فعلها أربعًا، فلم يجز له النقصان من عددها؛ ولأنه إنما يقضي ما فاته وقد فاته أربعٌ، وأما إن نسي صلاة السفر فذكرها في الحضر، فقال الإمام أحمد: عليه الإتمام احتياطًا، وبه قال الأوزاعي، وداود، والشافعي في أحد قوليه، وقال مالك والثوري وأصحاب الرأي: يصليها صلاة سفر؛ لأنه إنما يقضي ما فاته، ولم يفته إلا ركعتان (¬2)، واللَّه - عز وجل - أعلم (¬3). وإن نسيها في سفر وذكرها فيه أو ذكرها في سفر آخر قضاها مقصورة؛ لأنها وجبت في السفر وفُعلت فيه (¬4). ¬

(¬1) سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام، على الأحاديث ذات الأرقام 452، 453، 454، 455، وقال على حديث عائشة رضي اللَّه عنها: ((إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقصر في السفر ويتم ويصوم ويفطر)) قال أهل العلم ليس بمحفوظ، بل هو شاذ، والمحفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر أنه كان يقصر، فقد خالفت هذه الرواية رواية الثقات كأنس وغيره، لكن فعل عائشة يدل على الجواز كما تقدم، ولكن ما سار عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أولى وأفضل، وقد كان عثمان يقصر ثم أتم بعد ذلك، وصلى معه بعض أصحابه. (¬2) المغني لابن قدامة، 3/ 141 - 142، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 5/ 53 - 54، وحاشية الروض المربع لابن قاسم، 2/ 387. (¬3) اختار العلامة محمد بن صالح العثيمين أن الراجح فيمن نسي صلاة سفر فذكرها في حضر صلاها قصرًا؛ لأنها صلاة وجبت عليه في سفر وصلاة السفر مقصورة فلا يلزمه إتمامها، وعلى هذا فللمسألة أربع صور: 1 - ذكر صلاة سفر في سفر، يقصر. 2 - ذكر صلاة حضر في حضر، يتم. 3 - ذكر صلاة سفر في حضر، يقصر على الصحيح. 4 - ذكر صلاة حضر في سفر، يتم. انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين،4/ 517 - 519، و5/ 542 - 543. (¬4) المغني لابن قدامة، 3/ 142.

3 - مسافة قصر الصلاة في السفر

3 - مسافة قصر الصلاة في السفر: قال البخاري رحمه اللَّه: ((بابٌ: في كم يقصرُ الصلاة، وسمَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا وليلة سفرًا، وكان ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - يقصران ويفطران في أربعة برد وهي ستة عشر فرسخًا)) (¬1)، قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى: ((قوله: بابٌ في كم يقصر الصلاة؟ يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر، ولا يسوغ له في أقل منها ... وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام وأورد ما يدل على اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة)) (¬2). وقول البخاري رحمه اللَّه: ((وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا وليلة سفرًا)). قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: ((والمعنى سمى مدة اليوم والليلة سفرًا، كأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب)) (¬3)، قلت: وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة)) (¬4)، وفي لفظ لمسلم: ((لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو محرم منها)). وفي لفظ: ((لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم ¬

(¬1) البخاري، كتاب التقصير، باب: في كم يقصر الصلاة؟ قبل الحديث رقم 1086، قال الحافظ ابن حجر عن أثر بن عمر وابن عباس: ((وصله ابن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح: أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك)) فتح الباري، 2/ 566، وقال الألباني عن أثر ابن عباس وابن عمر رضي اللَّه عنهما: ((صحيح ... وصله البيهقي في سننه،3/ 137:إن عبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما كانا يصليان ركعتين ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك وإسناده صحيح)). إرواء الغليل، 3/ 17. (¬2) فتح الباري، 2/ 566. (¬3) المرجع السابق، 2/ 566. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، بابٌ: في كم يقصر الصلاة، برقم 1088، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 1339.

إلا مع ذي محرم)). وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم))، وفي لفظ: ((لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا مع ذي محرم)). وفي لفظ لمسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم)) (¬1). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا إلا ومعها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو محرم منها)) (¬2). ومن حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) (¬3). قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى: ((فإن حُمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل: أي يوم بليلته، أو ليلة بيومها قل الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقل المسافة يومًا وليلة)) (¬4)،وقد ثبت عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما من قوله: ((لا تقصر إلى عرفة وبطن نخلة، واقصر إلى عسفان (¬5)، والطائف، وجدة، فإذا قدمت على أهل أو ماشية فأتمَّ)) (¬6). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، بابٌ: في كم يقصر الصلاة، برقم 1086، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره برقم 1338. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 1341. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، برقم 5233، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره، برقم 1341. (¬4) فتح الباري، 2/ 566. (¬5) عسفان: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة. معجم البلدان، 4/ 121. (¬6) البيهقي في السنن الكبرى، 3/ 137،وابن أبي شيبة في مصنفه واللفظ له، 2/ 445، قال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 14: ((وإسناده صحيح)).

والخلاصة أن الجمهور من أهل العلم على أن مسافة السفر التي تقصر فيها الصلاة أربعة بُرُد، والبريد مسيرة نصف يوم، وهو أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، فإذا كانت مسافة سفر الإنسان ستة عشر فرسخًا أو ثمانية وأربعين ميلاً فله أن يقصر عند الجمهور (¬1)، وهذا هو الأحوط للمسلم، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه يقول (¬2): ((الأولى في هذا أن ما يعد سفرًا تلحقه أحكام السفر: من قصر وجمع، وفطر، وثلاثة أيام للمسح على الخفين؛ لأنه يحتاج إلى الزاد والمزاد: أي ما يعد سفرًا وما لا فلا، ولكن إذا عمل المسلم بقول الجمهور وهو أنَّ ما يُعدُّ سفرًا هو يومين قاصدين (¬3)، أما البريد ¬

(¬1) المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر إذا خرج عن جميع بيوت قريته من الأمور التي اختلف فيه العلماء حتى حكاه ابن المنذر وغيره فيها نحوًا من عشرين قولاً، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: أن العلماء تنازعوا هل يختص القصر بسفر دون سفر، أو يجوز في كل سفر، واختار أن أظهر الأقوال أنه يجوز في كل سفر قصيرًا كان أو طويلاً، كما قصر أهل مكة خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة ومنى، وبين مكة وعرفة نحو بريد: أربعة فراسخ، ولكن لابد أن يكون ذلك مما يعد سفرًا مثل: أن يتزود له، ويبرز للصحراء، وتنازع العلماء في قصر أهل مكة، فقيل: كان ذلك لأجل النسك، وقيل: كان ذلك لأجل السفر، وكلا القولين قال به بعض أصحاب أحمد، والقول الثاني هو الصواب، وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم؛ ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة وكانوا محرمين، والقصر معلق بالسفر وجودًا وعدمًا. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية، 24 - 11 - 41. والمغني لابن قدامة، 3/ 105 - 109، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 566 - 568. (¬2) سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 457. (¬3) اليومان القاصدان هما أربعة برد، والبريد مسيرة نصف يوم، ومعنى القاصدين: أي لا يسير فيها الإنسان ليلاً ونهارًا سيرًا بحتًا، ولا يكون كثير النزول والإقامة، والبريد قدروه بأربعة فراسخ، فتكون أربعة برد ستة عشر فرسخًا، والفرسخ قدروه بثلاثة أميال، فتكون ثمانية وأربعين ميلاً، والميل المعروف ألف وستمائة متر، فتكون الأربعة برد =76.8 كيلو تقريبًا، وقيل: 80.64 كيلو، وقيل: 72، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه: والميل المعروف = كيلو وستين في المائة. انظر: الشرح الممتع،4/ 496، تيسير العلام للبسام،1/ 273،والفتح الرباني للبنا، 5/ 108.

والفراسخ الثلاثة فلا تعد عندهم سفرًا، فلو عمل الإنسان بهذا القول فهذا حسن من باب الاحتياط؛ لئلا يتساهل الناس فيصلوا قصرًا فيما لا ينبغي لهم ذلك؛ لكثرة الجهل، وقلة البصيرة، ولا سيما عند وجود السيارات؛ فإن هذا قد يفضي إلى التساهل حتى يفطر في ضواحي البلد، واليومان هما سبعون كيلو أو ثمانون كيلو تقريبًا)) (¬1). وقال شيخنا الإمام ابن باز رحمه اللَّه تعالى: ((وقال بعض أهل العلم إنه يحدد بالعُرف ولا يحدد بالمسافة المقدرة بالكيلوات، فما يُعدُّ سفرًا في العُرف يسمى سفرًا، وما لا فلا (¬2)، والصواب ما قرره جمهور أهل العلم ¬

(¬1) واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه كما تقدم أنه لا حدّ للسفر بالمسافة بل كل ما يعد سفرًا يتزود له ويبرز للصحراء فهو سفر، ورجحه العلامة ابن عثيمين، بل واختاره ابن قدامة في المغني. انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 109،ومجموع فتاوى ابن تيمية،24/ 11 - 135،ومجموع فتاوى ابن عثيمين،15/ 252 - 451، والاختيارات للسعدي، ص65. (¬2) ذكر ابن تيمية رحمه اللَّه: أن حد السفر الذي علق عليه الشارع الفطر، والقصر اضطرب الناس فيه، فقيل: ثلاثة أيام، وقيل يومين، وقيل أقل من ذلك، حتى قيل: ميل، والذين حددوا ذلك بالمسافة، منهم من قال: ثمانية وأربعون ميلاً، ومنهم من قال: ستة وأربعون، وقيل: خمسة وأربعون، وقيل: أربعون، فالذين قالوا ثلاثة أيام، احتجوا بحديث يمسح المسافر ثلاثة أيام، وحديث لا تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم ... والذين قالوا: يومين اعتمدوا على قول ابن عمر وابن عباس. مجموع الفتاوى، 24/ 38 - 40. وذكر ابن تيمية أيضًا أن ابن حزم قال: ((لم نجد أحدًا يقصر في أقل من ميل)). فتاوى ابن تيمية، 24/ 41. وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين)) مسلم، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 691، وقوله: ((ثلاثة أميال أو فراسخ)) شك من الراوي، وقال الظاهرية: مسافة القصر ثلاثة أميال، وأجيب عليهم بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به على الثلاثة الأميال، نعم يحتج به على التحديد بالثلاثة الفراسخ إذ يحتج به على الثلاثة الأميال، نعم يحتج به على التحديد بالثلاثة الفراسخ إذ الأميال داخلة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطًا. انظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 567، وسبل السلام للصنعاني، 3/ 134، وسمعت هذا المعنى من شيخنا ابن باز أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 457. وقال ابن قدامة في المغني، 3/ 108: ((يحتمل أنه أراد إذا سافر سفرًا طويلاً قصر إذا بلغ ثلاثة أميال، كما قال في لفظه الآخر ((إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالمدينة أربعًا وبذي الحليفة ركعتين)) وقال الصنعاني في سبل السلام،3/ 133: ((المراد من قوله إذا خرج: إذا كان قصده مسافة هذا القدر لا أن المراد أنه كان إذا أراد سفرًا طويلاً فلا يقصر إلا بعد هذه المسافة)).

4 - يقصر المسافر إذا خرج عن جميع بيوت قريته أو مدينته

وهو التحديد بالمسافة التي ذكرت، وهذا الذي عليه أكثر أهل العلم فينبغي الالتزام بذلك)) (¬1). 4 - يقصر المسافر إذا خرج عن جميع بيوت قريته أو مدينته إذا كان سفره تقصر في مثله الصلاة، قال ابن المنذر رحمه اللَّه: ((وأجمعوا على أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلاة إذا خرج عن جميع البيوت من القرية التي خرج منها)) (¬2)، وهذا مذهب جمهور أهل العلم أن المسافر إذا أراد سفرًا تقصر في مثله الصلاة لا يقصر حتى يفارق جميع البيوت (¬3)، قال أنس - رضي الله عنه -: ((صليت الظهر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة أربعًا، وبذي الحليفة ركعتين))، وفي لفظ: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالمدينة أربعًا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين)) (¬4)، وهذا فيه دلالة على أنه ليس لمن نوى السفر أن يقصر حتى يخرج من عامر بيوت قريته أو مدينته أو خيام قومه ويجعلها وراء ظهره (¬5). وخرج علي ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 12/ 267. (¬2) الإجماع لابن المنذر، ص47. (¬3) انظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 569. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب يقصر إذا خرج من موضعه برقم 1089،وكتاب الحج، باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح، برقم 1546، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 690. (¬5) انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 11، والشرح الكبير مع المقنع، 5/ 44، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 5/ 44، والشرح الممتع لابن عثيمين،4/ 512.

5 - إقامة المسافر التي يقصر فيها الصلاة

- رضي الله عنه - فقصر وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة؟ قال: لا، حتى ندخلها (¬1). وإذا سافر بعد دخول وقت الصلاة فله قصرها؛ لأنه سافر قبل خروج وقتها، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن له قصرها، وهذا قول مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، وهو إحدى الروايتين في مذهب الحنابلة (¬2) واللَّه أعلم (¬3). 5 - إقامة المسافر التي يقصر فيها الصلاة، قال ابن المنذر رحمه اللَّه: ((وأجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم على أن لمن سافر سفرًا يقصر في مثله الصلاة وكان سفره في حج أو عمرة، أو غزو أن له أن يقصر مادام مسافرًا)) (¬4). فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ((خرجنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين، قلت: كم أقام بمكة (¬5)؟ قال: عشرًا)) (¬6). قال ابن قدامة رحمه اللَّه: ((وجملة ذلك أن من لم يُجمع إقامة مدة تزيد ¬

(¬1) البخاري، كتاب التقصير، بابٌ: يقصر إذا خرج من موضعه، قبل الحديث رقم 1089. (¬2) المغني لابن قدامة، 3/ 143، وانظر: الإنصاف للمرداوي المطبوع مع المقنع، والشرح الكبير، 5/ 53، والرواية الثانية عند الحنابلة وهي الرواية الصحيحة من مذهبهم أنه يتمها. انظر: الإنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 5/ 53، المغني لابن قدامة، 3/ 143. (¬3) واختار العلامة ابن عثيمين القصر فقال: ((لو دخل وقت وهو في بلده ثم سافر فإنه يقصر، ولو دخل وقت الصلاة وهو السفر ثم دخل بلده فإنه يتم، اعتبارًا بحال فعل الصلاة)) الشرح الممتع، 4/ 523. (¬4) الإجماع لابن المنذر، ص47. (¬5) السائل هو الراوي عن أنس: يحيى بن أبي إسحاق. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر، برقم 1081، ومسلم كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 693.

على إحدى وعشرين صلاة فله القصر ولو أقام سنين)) (¬1). أما إذا نوى الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام؛ فإنه يتم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة في حجة الوداع يوم الأحد من ذي الحجة، وأقام فيها الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثم خرج إلى منى يوم الخميس، فقد قدم لصبح رابعة، فأقام اليوم الرابع، والخامس، والسادس، والسابع، وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها، فإذا أجمع المسافر أن يقيم كما أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر، وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتمَّ (¬2)، قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لصبح رابعة يلبُّون بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة إلا من معه الهدي)) (¬3). قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه اللَّه: ((إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة أيام فما دونها قصر الصلاة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة، فإنه أقام بها أربعة أيام يقصر الصلاة، وإن كان أكثر ففيه نزاع، والأحوط أن يتم الصلاة، وأما إن قال غدًا أسافر، أو بعد غد أسافر، ولم ينوِ المقام فإنه يقصر؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة بضعة عشر يومًا، يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة. واللَّه أعلم)) (¬4). ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 3/ 153. (¬2) انظر: المغني لابن قدامة،3/ 147 - 148،والشرح الكبير المطبوع مع المقنع، 5/ 68، والإنصاف المطبوع مع الشرح الكبير، 5/ 168، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/ 390. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، باب كم أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجته، برقم 1085. (¬4) مجموع الفتاوى لابن تيمية، 24/ 17، وسئل رحمه اللَّه عن رجل يعلم أنه يقيم شهرين فهل يجوز له القصر؟ فأجاب: ((الحمد لله هذه مسألة فيها نزاع بين العلماء منهم من يوجب الإتمام، ومنهم من يوجب القصر، والصحيح أن كليهما سائغ فمن قصر فلا ينكر عليه، ومن أتم لا ينكر عليه، وكذلك تنازعوا في الأفضل، فمن كان عنده شك في جواز القصر فأراد الاحتياط فالإتمام أفضل، وأما من تبينت له السنة، وعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشرع للمسافر أن يصلي إلا ركعتين، ولم يحد السفر بزمان أو بمكان، ولا حد الإقامة أيضًا بزمن محدود، لا ثلاثة، ولا أربعة، ولا اثنا عشر، ولا خمسة عشر، فإنه يقصر كما كان غير واحد من السلف يفعل، حتى كان مسروق قد ولَّوه ولاية لم يكن يختارها، فأقام سنين يقصر الصلاة، وقد أقام المسلمون بنهاوند ستة أشهر يقصرون الصلاة، وكانوا يقصرون الصلاة مع علمهم أن حاجتهم لا تنقضي في أربعة أيام ولا أكثر كما أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بعد فتح مكة قريبًا من عشرين يومًا يقصرون الصلاة، وأقاموا بمكة أكثر من عشرة أيام يفطرون في رمضان، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة يعلم أنه يحتاج أن يقيم بها أكثر من أربعة أيام، وإذا كان التحديد لا أصل له فمادام المسافر مسافرًا يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهورًا واللَّه أعلم)). مجموع الفتاوى، 24/ 17 - 18، وانظر: مواضع أخرى في الفتاوى، 24/ 140، و24/ 137، وانظر: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص110، والشرح الممتع لابن عثيمين،4/ 529 - 539، والاختيارات الجلية للسعدي، ص66.

وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه يقول عن إقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح بمكة تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة (¬1): ((وقد أقام - صلى الله عليه وسلم - في مصالح الإسلام والمسلمين، وهذه الإقامة لم يكن مجمعاً عليها؛ لهذه الأغراض، فلما حصل المقصود ارتحل إلى المدينة، ومن المعلوم أن المهاجر لا يقيم في بلده أكثر من ثلاثة أيام، ولكنه أقام لهذه المصالح، فإذا أقام المسافر إقامة لم يُجمعها قصر)) (¬2). وسمعته يقول عن إقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة (¬3): ((وإقامته - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) البخاري، كتاب التقصير، باب ما جاء في التقصير ولم يقيم حتى يقصر، برقم 1080، وفي كتاب المغازي، برقم 4298، 4299. (¬2) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 459، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 562. (¬3) أبو داود، كتاب الصلاة، باب إذا أقام بأرض العدو يقصر، برقم 1235، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 336.

6 - قصر الصلاة بمنى لأهل مكة وغيرهم من الحجاج

عشرين يومًا في تبوك ينظر فيما يتعلق بحرب الروم، هل يتقدم أم يرجع، ثم أذن اللَّه له أن يرجع، واحتج بهذه القصة وقصة الفتح على أنه لا بأس بالقصر مدة الإقامة العارضة، ولو طالت، حتى قال أهل العلم: لو مكث سنين مادام لم يجمع إقامة؛ فإنه في سفر، وله أحكام السفر، وهذا هو الصواب، أما إذا أجمع إقامة فاختلف العلماء في مقدارها هل تقدر بعشرين يومًا، أو بتسعة عشر يومًا، أو بثلاثة أيام، أو أربعة أيام على أقوال: وأحسن ما قيل في ذلك: أربعة أيام؛ لأنها إقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فإذا أجمع الإقامة أكثر من أربعة أيام أتمَّ، وإن كانت أربعة فأقلّ قصر؛ لأنها إقامة معزوم عليها، وعليه الشافعي، وأحمد، ومالك، وبقول الشافعي وأحمد ومالك، تنتظم الأدلة، ويكون ذلك صيانة من تلاعب الناس، وهذا هو الأحوط، كما قال الجمهور: أربعة أيام؛ لأن ما زاد عنها غير مجمع عليه، وما نقص من هذا مجمع عليه: أي داخل في المجمع عليه)) (¬1). وبهذا يخرج المسلم من الخلاف ويترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، واللَّه - عز وجل - أعلم (¬2). 6 - قصر الصلاة بمنى لأهل مكة وغيرهم من الحجاج؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: ((صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى ركعتين، وأبي بكر، وعمر، ومع عثمان صدرًا من إمارته، ثم أتمها أربعًا)) (¬3). ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 461. (¬2) انظر: مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/ 276، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8/ 99. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، باب الصلاة بمنى، برقم 1082، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب قصر الصلاة بمنى، برقم 694.

وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: ((صلى بنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بمنى أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - فاسترجع، قال: صليت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان)) (¬1). وعن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس - رضي الله عنه - قال: ((خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمت بمكة شيئًا؟ قال: أقمنا بها عشرًا))، وفي لفظ مسلم: ((كم أقام بمكة؟ قال: عشرًا)). وفي لفظ لمسلم: ((خرجنا من المدينة إلى الحج ... )) (¬2). وحديث أنس هذا لا يعارض حديث ابن عباس: ((أقام رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تسعة عشر يقصر فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا)) (¬3)؛ لأن حديث ابن عباس كان في فتح مكة وحديث أنس في حجة الوداع، وقد قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لصبح رابعة من ذي الحجة، ولا شك أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة الإقامة بمكة وضواحيها في حجة الوداع عشرة أيام بلياليها كما قال أنس - رضي الله عنه - (¬4). وعن حارثة بن وهب الخزاعي - رضي الله عنه - قال: ((صليت خلف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1084، ومسلم، برقم 695، وتقدم تخريجه. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر؟ برقم 1081، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 15 - (693). (¬3) البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير، وكم يقيم حتى يقصر؟ برقم 1080. (¬4) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 2/ 562 - 563، وشرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 210.

7 - جواز التطوع على المركوب في السفر:

بمنى والناس أكثر ما كانوا فصلى ركعتين في حجة الوداع)) (¬1). فهذه سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فينبغي العمل بها واتباعها (¬2). 7 - جواز التطوع على المركوب في السفر: يصح التطوع على المركوب في السفر: من راحلة، وطائرة، وسيارة، وسفينة وغيرها من وسائل النقل، أما الفريضة فلابد من النزول لها إلا عند العجز؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يومئ [برأسه] إيماء صلاة الليل إلا الفرائض ويوتر على راحلته)). وفي لفظ: ((غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة)) (¬3)؛ ولحديث عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته حيث توجهت به)). وفي ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب الصلاة بمنى، برقم 1083، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب قصر الصلاة بمنى، برقم 696. (¬2) أما إتمام عثمان - رضي الله عنه - فله تأويلات كثيرة ذكر الإمام ابن القيم منها ستة تأويلات يعتذر له بها، منها: أن الأعراب كثروا في ذلك العام، وقد قال له بعضهم: إنه صلى ركعتين فقال: ((يا أمير المؤمنين مازلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين)) فأحب عثمان - رضي الله عنه - أن يعلم الأعراب أن الصلاة أربع، وغير ذلك من التأويلات. أما عائشة رضي اللَّه عنها، فقد قيل إنها تأولت أن القصر رخصة وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل، فعن عروة عن أبيه أنها كانت تصلي في السفر أربعًا فقلت لها: لو صليت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أخي إنه لا يشق علي)) رواه البيهقي في السنن الكبرى، 3/ 143، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 2/ 571: ((إسناده صحيح)). وانظر: للفائدة لاستكمال الاعتذار لعثمان - رضي الله عنه - ولعائشة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها: زاد المعاد لابن القيم، 1/ 465 - 472، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 570 - 571. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الوتر، باب الوتر في السفر، برقم 999، 1000، ورقم 1095، 1096، 1098، 1105، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، برقم 700.

لفظ: ((ولم يكن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك في المكتوبة)). وفي لفظ: ((أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي السبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت به)) (¬1)؛ولحديث جابر - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة)) (¬2).وفي لفظ: ((كان يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة)).وفي هذا أحاديث أخرى كحديث أنس - رضي الله عنه - (¬3). ويستحب استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة، فكبر، ثم صلى حيث وجهه ركابه)) (¬4)، فإذا لم يفعل ذلك فالصلاة صحيحة عملاً بالأحاديث الصحيحة كما رجحه شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه اللَّه (¬5). وذكر الإمام النووي رحمه اللَّه ((أن التنفل على الراحلة في السفر الذي تُقصر فيه الصلاة جائز بإجماع المسلمين ... )) (¬6). وأما السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة فالصواب جواز ذلك، وهو مذهب الجمهور (¬7)؛ لقول اللَّه تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1093، 1104، ومسلم، برقم 701، وتقدم تخريجه. (¬2) البخاري، برقم 400، 1094، 1099، 4140، وتقدم تخريجه. (¬3) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز صلاة النافلة على الدابة، برقم 702. (¬4) أبو داود برقم 1225، وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، الحديث رقم 228، وتقدم تخريجه. (¬5) سمعته يرجح ذلك أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 228. (¬6) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 216. (¬7) انظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 575، وشرح النووي، 5/ 217، والمغني لابن قدامة، 2/ 96.

8 - السنة ترك الرواتب في السفر إلا سنة الفجر، والوتر

تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬1)، وقد رجح الإمام ابن جرير رحمه اللَّه أن هذه الآية تدخل فيها صلاة التطوع في السفر على الراحلة حيثما توجهت بك راحلتك (¬2). وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه عن الإمام الطبري رحمه اللَّه أنه احتج للجمهور: أن اللَّه جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر، وقد أجمعوا على أن من كان خارج المصر على ميل أو أقل ونيته العود إلى منزله لا إلى سفر آخر ولم يجد ماءً أنه يجوز له التيمم، فكما جاز له التيمم في هذا القدر جاز له التنفل على الدابة لاشتراكهما في الرخصة (¬3). 8 - السنة ترك الرواتب في السفر إلا سنة الفجر، والوتر؛ لحديث حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، قال: صحبت ابن عمر في طريق مكة، قال: فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله، وجلس وجلسنا معه، فحانت منه التفاتةٌ نحوَ (¬4) حيثُ صلى، فرأى ناسًا قيامًا، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون، قال: لو كنت مسبحًا أتممت صلاتي، يا ابن أخي إني صحبت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللَّه، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللَّه، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللَّه، ثم ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 115. (¬2) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 3/ 530، و533، وانظر: المغني لابن قدامة، 2/ 95 - 96. (¬3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 2/ 575، وقد ذكر صاحب المغني أن الأحكام التي يستوي فيها السفر الطويل والقصير ثلاثة: التيمم، وأكل الميتة في المخمصة، والتطوع على الراحلة، وبقية الرخص تختص بالسفر الطويل. المغني لابن قدامة، 2/ 69. (¬4) المقصود: حصلت منه التفاتةٌ إلى جهة المكان الذي صلَّى فيه. انظر: شرح النووي، 5/ 204.

صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللَّه، وقد قال اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬1). أما سنة الفجر، والوتر فلا تُترك لا في الحضر ولا في السفر؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها في سنة الفجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لم يكن يدعهما أبدًا)) (¬2)؛ ولحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - في نوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في السفر عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، وفيه: ((ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ركعتين، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم)) (¬3). وأما سنة الوتر؛ فلحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته)). وفي لفظ: ((كان يوتر على البعير)) (¬4). قال الإمام ابن القيم رحمه اللَّه: ((وكان تعاهده - صلى الله عليه وسلم - ومحافظته على سنة الفجر أشد من جميع النوافل ولم يكن يدعها هي والوتر سفرًا ولا حضرًا ... ولم ينقل عنه في السفر أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى سنة راتبة غيرهما)) (¬5). وأما التطوع المطلق فمشروع في الحضر والسفر مطلقًا، مثل: صلاة الضحى، ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري بنحوه، كتاب التقصير، باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة، برقم 1101، 1102، ومسلم بلفظه، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 689. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1159، ومسلم، برقم 724، وتقدم تخريجه. (¬3) أخرجه مسلم، برقم 681، وتقدم تخريجه. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الوتر، باب الوتر على الدابة، برقم 999، وباب الوتر في السفر، برقم 1000، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت به، برقم 700. (¬5) زاد المعاد في هدي خير العباد، 1/ 315.

9 - صلاة المقيم خلف المسافر صحيحة ويتم المقيم بعد سلام المسافر

والتهجد بالليل، وجميع النوافل المطلقة، والصلوات ذوات الأسباب: كسنة الوضوء، وسنة الطواف، وصلاة الكسوف، وتحية المسجد وغير ذلك (¬1). قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر ... )) (¬2). 9 - صلاة المقيم خلف المسافر صحيحة ويتمُّ المقيم بعد سلام المسافر؛ للآثار في ذلك (¬3)،والإجماع، قال ابن قدامة رحمه اللَّه: ((أجمع أهل العلم على أن ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى ومقالات للإمام ابن باز، 11/ 390 - 391. (¬2) شرح النووي صحيح مسلم، 5/ 205، وقال: ((واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة فكرهها ابن عمر وآخرون، واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور، ودليله الأحاديث المطلقة في ندب الرواتب))، 5/ 205، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 577، وقال ابن قدامة: فأما سائر السنن والتطوعات قبل الفرائض وبعدها فقال أحمد: أرجو أن لا يكون بالتطوع في السفر بأس، وروي عن الحسن، قال: كان أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها، وروي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وجابر، وأنس، وابن عباس، وأبي ذر، وجماعة من التابعين كثير، وهو قول مالك، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر، وكان ابن عمر لا يتطوع مع الفريضة قبلها ولا بعدها، إلا من جوف الليل، ونقل ذلك عن سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعلي بن الحسين ... ثم قال: وحديث الحسن عن أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرناه [مصنف ابن أبي شيبة، 1/ 382]، فهذا يدل على أنه لا بأس بفعلها، وحديث ابن عمر يدل على أنه لا بأس بتركها، فيجمع بين الأحاديث واللَّه أعلم. المغني، 3/ 155 - 157. قلت: والصواب ما رجحه شيخنا الإمام ابن باز - رحمه اللَّه -: أن المشروع ترك الرواتب في السفر، وهذا هو السنة أن يترك راتبة الظهر، والمغرب، والعشاء، ما عدا الوتر وسنة الفجر، فلا يتركهما؛ لحديث ابن عمر وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدع الرواتب في السفر، أما النوافل المطلقة فمشروعة في السفر والحضر، وهكذا ذوات الأسباب. انظر: فتاوى الإمام ابن باز، 11/ 390 - 391. (¬3) روي عن عمران - رضي الله عنه - يرفعه: ((أنه - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة زمان الفتح ثماني عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم يقول: يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا سفر)) أحمد بلفظه، 4/ 430، وأبو داود، كتاب صلاة السفر، باب متى يتم المسافر، برقم 1229، ولفظه: ((يا أهل البلد صلوا أربعًا فإنا قوم سفر)) وفي سنده علي بن زيد بن جدعان ضعيف، قال الشوكاني: ((وإنما حسّن الترمذي حديثه (545) لشواهده))، نيل الأوطار، 2/ 402.

10 - صلاة المسافر خلف المقيم صحيحة

المقيم إذا ائتمّ بالمسافر، وسلم المسافر من ركعتين أن على المقيم إتمام الصلاة)) (¬1). وعن عمر - رضي الله عنه - أنه كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول: ((يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قومٌ سفرٌ)) (¬2). فظهر من ذلك أن المقيم إذا صلى خلف المسافر صلاة الفريضة: كالظهر، والعصر، والعشاء، فإنه يلزمه أن يكمل صلاته أربعًا، أما إذا صلى المقيم خلف المسافر طلبًا لفضل الجماعة، وقد صلى المقيم فريضته، فإنه يصلي مثل صلاة المسافر: ركعتين؛ لأنها في حقه نافلة (¬3). وإذا أمّ المسافر المقيمين فأتم بهم فصلاتهم تامة صحيحة وخالف الأفضل (¬4). 10 - صلاة المسافر خلف المقيم صحيحة، ويتم المسافر مثل صلاة إمامه، سواء أدرك جميع الصلاة، أو ركعة، أو أقل، وحتى لو دخل معه في التشهد الأخير قبل السلام فإنه يتم، وهذا هو الصواب من قولي أهل العلم؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما من حديث موسى بن سلمة رحمه اللَّه قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعًا ¬

(¬1) المغني، 3/ 146، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 403. (¬2) مالك في الموطأ موقوفًا، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب صلاة المسافر إذا كان إمامًا أو كان وراء الإمام، برقم 19، 1/ 149، قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار، 2/ 402: ((وأثر عمر رجال إسناده أئمة ثقات)). (¬3) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للإمام ابن باز، 12/ 259 - 261. (¬4) انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 146، ومجموع فتاوى ابن باز، 12/ 260، وقد كان عثمان - رضي الله عنه - يتم بالناس في الحج في السنوات الأخيرة من خلافته، وثبت عن عائشة أنها كانت تتم الصلاة في السفر، وتقول: إنه لا يشق عليها، فلا حرج في إتمام المسافر، ولكن الأفضل ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه المشرع المعلم - صلى الله عليه وسلم -، انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 12/ 260، وحديث عثمان في مسلم، برقم 694، 695.

11 - نية القصر أو الجمع عند افتتاح الصلاة والموالاة بين الصلاتين المجموعتين:

وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: ((تلك سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1). وكان ابن عمر رضي اللَّه عنهما إذا صلى مع الإمام صلى أربعًا وإذا صلاها وحده صلى ركعتين (¬2). وذكر الإمام ابن عبد البر رحمه اللَّه أن في إجماع الجمهور من الفقهاء على أن المسافر إذا دخل في صلاة المقيمين فأدرك منها ركعة أنه يلزمه أن يصلي أربعًا (¬3). وقال: ((قال أكثرهم إنه إذا أحرم المسافر خلف المقيم قبل سلامه أنه تلزمه صلاة المقيم، وعليه الإتمام)) (¬4). ومما يدل على أن المسافر إذا صلى خلف المقيم يلزمه الإتمام عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبَّر فكبِّروا .. )) (¬5) (¬6). 11 - نية القصر أو الجمع عند افتتاح الصلاة والموالاة بين الصلاتين المجموعتين: اختلف العلماء هل يشترط للقصر والجمع نية؟ قال شيخ الإسلام ابن ¬

(¬1) أحمد في المسند، 1/ 216، قال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 21: ((قلت وسنده صحيح رجاله رجال الصحيح))، والحديث أخرجه مسلم بلفظ: ((كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصلِّ مع الإمام))؟ فقال: ((ركعتين سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -))، مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 688. (¬2) مسلم، الكتاب والباب السابق، برقم 17 (688)، وانظر آثارًا في موطأ الإمام مالك، 1/ 149 - 150. (¬3) التمهيد، 16/ 311 - 312. (¬4) المرجع السابق، 16/ 315. (¬5) متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: البخاري، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، برقم 722، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم 414. (¬6) انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 346، ومجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/ 159، 260، والشرح الممتع، لابن عثيمين،4/ 519.

تيمية رحمه اللَّه: ((الجمهور لا يشترطون النية: كمالك، وأبي حنيفة، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، وهو مقتضى نصوصه، والثاني تشترط: كقول الشافعي، وكثير من أصحاب أحمد: كالخرقي وغيره، والأول أظهر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه)) (¬1). وقال رحمه اللَّه: ((والأول هو الصحيح الذي تدل عليه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان يقصر بأصحابه ولا يعلمهم قبل الدخول في الصلاة أنه يقصر، ولا يأمرهم بنية القصر ... وكذلك لما جمع بهم لم يعلمهم أنه جمع قبل الدخول، بل لم يكونوا يعلمون أنه يجمع حتى يقضي الصلاة الأولى، فعلم أيضًا أن الجمع لا يفتقر إلى أن ينوي حين الشروع في الأولى)) (¬2)، وقال رحمه اللَّه: ((والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان يصلي بأصحابه جمعًا وقصرًا لم يكن يأمر أحدًا منهم بنية الجمع والقصر، بل خرج من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع، ثم صلى بهم الظهر بعرفة ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها ثم صلى بهم العصر، ولم يكونوا نووا الجمع، وهذا جمع تقديم، وكذلك لما خرج من المدينة صلى بهم بذي الحليفة ركعتين ولم يأمرهم بنية قصر)) (¬3). وقال سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه اللَّه: (( ... والراجح أن النية ليست بشرط عند افتتاح الصلاة الأولى، بل يجوز الجمع بعد الفراغ من الأولى إذا وجد شرطه: من خوف، أو مطر، أو مرض)) (¬4). ¬

(¬1) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 24/ 16، وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 119. (¬2) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية،24/ 21،وانظر: الإنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 5/ 102. (¬3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 24/ 50. (¬4) مجموع فتاوى ابن باز، 12/ 294.

فظهر أن الصحيح من قولي أهل العلم أن النية ليست بشرط عند افتتاح الصلاة في القصر والجمع (¬1). أما الموالاة بين الصلاتين المجموعتين فقد اشترطها بعضهم، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه، والعلامة السعدي، عدم اشتراط الموالاة (¬2). وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه: ((الواجب في جمع التقديم الموالاة بين الصلاتين، ولا بأس بالفصل اليسير عُرفًا؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) (¬3). أما جمع التأخير فالأمر فيه واسع؛ لأن الثانية تفعل في وقتها؛ ولكن الأفضل هو الموالاة بينهما تأسيًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، واللَّه ولي التوفيق)) (¬4) واللَّه أعلم (¬5). ¬

(¬1) ورجح ذلك شيخ الإسلام كما تقدم، والإمام ابن باز، والسعدي في المختارات الجلية، ص67، والمرداوي في الإنصاف، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 5/ 62، وابن عثيمين في الشرح الممتع، 4/ 523 - 525، و566، وانظر: الاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص113. (¬2) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 24/ 51، و54، والاختيارات الفقهية له، ص112، والمختارات الجلية للسعدي، ص68، والإنصاف للمرداوي، 5/ 104. (¬3) البخاري، كتاب الأذان، برقم 631. (¬4) مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز، 12/ 295. (¬5) قال العلامة ابن عثيمين: ((واختار شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه لا تشترط الموالاة بين المجموعتين، وقال: إن معنى الجمع هو الضم بالوقت: أي ضم وقت الثانية للأولى بحيث يكون الوقتان وقتًا واحدًا ... وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه اللَّه نصوصًا عن الإمام أحمد تدل على ما ذهب إليه من أنه لا تشترط الموالاة في الجمع بين الصلاتين تقديمًا كما أن الموالاة لا تشترط بالجمع بينهما تأخيرًا، والأحوط أن لا يجمع إذا لم يتصل، ولكن رأي شيخ الإسلام له قوة)) الشرح الممتع،4/ 568 - 569. والأقوال ثلاثة: الأول: الموالاة ليست شرطًا في جمع التقديم ولا في جمع التأخير، وهذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية. الثاني: الموالاة شرط في الجمعين؛ لأن الجمع هو الضم، وهو قول بعض العلماء. الثالث: تشترط الموالاة في جمع التقديم ولا تشترط في جمع التأخير، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة. الشرح الممتع لابن عثيمين،4/ 578.

12 - رخص السفر:

12 - رخص السفر: من قواعد الشريعة: ((المشقة تجلب التيسير)) (¬1)، ولما كان السفر قطعة من العذاب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه، ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله)) (¬2)، رتّب الشارع ما رتّب من الرخص، حتى ولو فُرِض خلوُّه من المشاق؛ لأن الأحكام تعلَّق بعللها العامة، وإن تخلفت في بعض الصور والأفراد، فالحكم الفرد يُلحق بالأعم، ولا يفرد بالحكم، وهذا معنى قول الفقهاء رحمهم اللَّه: ((النادر لا حكم له))، يعني لا ينقض القاعدة ولا يخالف حكمه حكمها، فهذا أصل يجب اعتباره، فأعظم رخص السفر وأكثرها حاجة الأمور الآتية: الأمر الأول: القصر؛ ولذلك ليس للقصر من الأسباب غير السفر؛ ولهذا أضيف السفر إلى القصر لاختصاصه به، فتقصر الرباعية من أربع إلى ركعتين. الأمر الثاني: الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في وقت إحداهما، والجمع أوسع من القصر؛ ولهذا له أسباب أُخر غير السفر: ¬

(¬1) انظر: إرشاد أولي البصائر والألباب للعلامة السعدي، ص113، ورسالة القواعد الفقهية له، ص49 - 50. (¬2) البخاري، كتاب العمرة، باب السفر قطعة من العذاب، برقم 1804.

الأمر الثالث: الفطر في رمضان من رخص السفر

كالمرض، والاستحاضة، والمطر، والوحل، والريح الشديدة الباردة، ونحوها من الحاجات، والقصر أفضل من الإتمام، بل يكره الإتمام لغير سبب، وأما الجمع في السفر فالأفضل تركه إلا عند الحاجة إليه، أو إدراك الجماعة، فإذا اقترن به مصلحة جاز. الأمر الثالث: الفطر في رمضان من رخص السفر. الأمر الرابع: الصلاة النافلة على الراحلة أو وسيلة النقل إلى جهة سيره. الأمر الخامس: الصلاة النافلة للماشي إلى جهة سيره. الأمر السادس: المسح على الخفين، والعمامة، والخمار، ونحوها، ثلاثة أيام بلياليها؛ لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: ((جعل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم)) (¬1)، وتقدم التفصيل في ذلك. وأما التيمم فليس سببه السفر، وإن كان الغالب أن الحاجة إليه في السفر أكثر منه في الحضر، وكذلك أكل الميتة للمضطر عام في السفر والحضر، ولكن في الغالب وجود الضرورة في السفر. الأمر السابع: ترك الرواتب في السفر، ولا يكره له ذلك، مع أنه يكره تركها في الحضر، أما راتبة الفجر وصلاة الوتر، والصلوات المطلقة فتصلى حضرًا وسفرًا. الأمر الثامن: من رخص السفر ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا مرض ¬

(¬1) مسلم، كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين، برقم 276.

الحادي والثلاثون: معرفة أحكام الجمع وأنواعه ودرجاته في سفر الحج وغيره:

العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا)) (¬1). فالأعمال التي يعملها في حضره: من الأعمال القاصرة على نفسه، والمتعدية يجري له أجرها إذا سافر، وكذلك إذا مرض، فيا لها من نعمة ما أجلها وأعظمها. وأما صلاة الخوف فليس سببه السفر، ولكنه فيه أكثر (¬2). الحادي والثلاثون: معرفة أحكام الجمع وأنواعه ودرجاته في سفر الحج وغيره: 1 - الجمع بعرفة؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السُّنّة)) (¬3)، ((وكان ابن عمر رضي اللَّه عنهما إذا فاتته الصلاة مع الإمام جمع بينهما)) (¬4). وعن جابر - رضي الله عنه - في حديثه في حجة الوداع، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئًا)) (¬5). ومما يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين حديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة)). وفي لفظ لمسلم: ((خرجنا من المدينة إلى الحج .. )) (¬6). 2 - الجمع بمزدلفة؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما أفاض من عرفة: ((أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجهاد والسير، بابٌ: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، برقم 2996. (¬2) انظر: إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، للعلامة السعدي، ص113 - 116 بتصرف يسير. (¬3) البخاري، كتاب الحج، باب الجمع بين الصلاتين بعرفة، برقم 1662. (¬4) البخاري، كتاب الحج، باب الجمع بين الصلاتين بعرفة، قبل الحديث رقم 1662. (¬5) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬6) متفق عليه: البخاري، برقم 1081، ومسلم، برقم 693، وتقدم تخريجه في قصر الصلاة بمنى.

3 - الجمع في الأسفار الأخرى أثناء السير في وقت الأولى أو الثانية أو بينهما؛

يسبح بينهما (¬1) شيئًا)) (¬2)؛ ولحديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه -، وفيه: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاء المزدلفة نزل فتوضأ، فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها، ولم يصلِّ بينهما شيئًا)) (¬3)؛ ولحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((جمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بين المغرب والعشاء بِجَمْعٍ، ليس بينهما سجدة، وصلى المغرب ثلاث ركعات وصلى العشاء ركعتين)) (¬4). 3 - الجمع في الأسفار الأخرى أثناء السير في وقت الأولى أو الثانية أو بينهما؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين صلاة الظهر والعصر، إذا كان على ظهر سير (¬5)، ويجمع بين المغرب والعشاء)) (¬6)، وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين المغرب والعشاء إذا جدَّ به السير (¬7))) (¬8)، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين ¬

(¬1) ولم يسبح بينهما: لم يصلِّ صلاة النافلة. جامع الأصول لابن الأثير، 5/ 721. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الجمع بين الصلاتين بمزدلفة، برقم 1672، ومسلم، كتاب الحج، باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعًا بالمزدلفة في هذه الليلة، برقم 1280. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعًا بالمزدلفة في هذه الليلة، برقم 1288. (¬5) إذا كان على ظهر سير: أي إذا كان سائرًا. فتح الباري لابن حجر، 2/ 580. (¬6) البخاري، كتاب تقصر الصلاة، باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء، برقم 1107. (¬7) إذا جد به السير: أي إذا اهتم به وأسرع فيه. النهاية في غريب الحديث، 1/ 244، وقال الحافظ: ((إذا جد به السير: أي اشتد)). فتح الباري، 2/ 580. (¬8) متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء برقم 1106، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، برقم 703.

صلاة المغرب والعشاء في السفر)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: ((أورد فيه ثلاثة أحاديث (¬2): حديث ابن عمر وهو مقيد بما إذا جد السير، وحديث ابن عباس، وهو مقيد بما إذا كان سائرًا، وحديث أنس وهو مطلق، واستعمل المصنف الترجمة مطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق؛ لأن القيد فرد من أفراده، وكأنه رأى جواز الجمع بالسفر: سواء كان سائرًا، أم لا، وسواء كان سيره مُجدًّا أم لا)) (¬3) وعلى ذلك كثير من الصحابة - رضي الله عنهم - (¬4)، وهو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة (¬5)، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ¬

(¬1) البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء، برقم 1108. (¬2) يعني البخاري رحمه اللَّه في قوله: ((باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء)). (¬3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 2/ 580. (¬4) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في الجمع بين الصلاتين في السفر على أقوال: 1 - جواز الجمع مطلقًا في السفر في قول أكثر أهل العلم في وقت إحدى الصلاتين: الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء، وعليه كثير من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكثير من التابعين، ومن الفقهاء: الثوري، والشافعي، وأحمد، ومالك. 2 - ومذهب أبي حنيفة لا يجوز الجمع إلا في يوم عرفة بعرفة، وليلة مزدلفة بها. 3 - وقيل يجوز جمع التأخير فقط وهو رواية عن أحمد، ومالك، واختاره ابن حزم. والصواب الذي تدل عليه الأدلة الصحيحة الصريحة هو القول الأول. انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 127، والشرح الكبير المطبوع مع المقنع والإنصاف، 5/ 85، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 24/ 22، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 580، وشرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 220، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن، 4/ 71. (¬5) قرَّر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: أن فعل كل صلاة في وقتها قصرًا أفضل في السفر إذا لم يكن به حاجة إلى الجمع؛ فإن غالب صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كان يصليها في السفر إنما يصليها في أوقاتها، وإنما كان الجمع منه مرات قليلة، أما الجمع في عرفة ومزدلفة، فمتفق عليه ومنقول بالتواتر، وهو السنة، والجمع ليس كالقصر؛ فإن القصر سنة راتبة، وأما الجمع فإنه رخصة عارضة يختص بمحل الحاجة. انظر: فتاوى ابن تيمية، 24/ 19، و24/ 23، 27، وقال رحمه اللَّه: ((ومن سوّى من العامة بين القصر والجمع فهو جاهل بسنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وبأقوال علماء المسلمين)) مجموع الفتاوى، 24/ 27، وانظر: حاشية الروض المربع، لابن قاسم 2/ 396. وذكر المرداوي في الإنصاف المطبوع مع الشرح الكبير، 5/ 85: أن ترك الجمع أفضل على الصحيح من مذهب الحنابلة، وقيل: الجمع أفضل. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: ((الصحيح أن الجمع سنة إذا وجد سببه؛ لوجهين: الوجه الأول: أنه من رخص اللَّه - عز وجل -، واللَّه سبحانه يحب أن تؤتى رخصه. الوجه الثاني: أن فيه اقتداء برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -،فإنه كان يجمع عند وجود السبب المبيح للجمع)) الشرح الممتع، 4/ 548.

ارتحل قبل أن تزيغ الشمس (¬1) أخّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب)) (¬2)، وفي رواية للحاكم في الأربعين: ((صلى الظهر والعصر، ثم ركب)) (¬3)؛ ولأبي نعيم في مستخرج مسلم: ((كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا ثم ارتحل)) (¬4). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه يقول: ¬

(¬1) تزيغ الشمس: زاغت الشمس، تزيغ: إذا مالت عن وسط السماء إلى الغرب. جامع الأصول لابن الأثير، 5/ 710. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب تقصير الصلاة، بابٌ: يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، برقم 1111، وبابٌ: إذا ارتحل بعدما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب، برقم 1112. (¬3) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، الحديث رقم 462، في رواية الحاكم في الأربعين: ((بإسناد صحيح)). وانظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 583، وزاد المعاد لابن القيم، 1/ 477 - 480. (¬4) عزاه إليه ابن حجر في بلوغ المرام، وقال الصنعاني في سبل السلام، 3/ 144 في رواية المستخرج على صحيح مسلم: ((لا مقال فيها)). وقال الألباني في إرواء الغليل بعد ذكره للطرق: ((فقد تبيّن مما سبق ثبوت جمع التقديم في حديث أنس من طرق ثلاثة عنه)) إرواء الغليل، 3/ 34، و3/ 32 - 33.

4 - درجات الجمع في السفر ثلاث

((هذا يدل على أن الجمع يراعى فيه الرحيل قبل الوقت وبعد الوقت، فإن كان الرحيل قبل الوقت جمع جمع تأخير، وإن كان بعد الوقت جمع جمع تقديم، هذا هو الأفضل، وكيفما جمع جاز؛ لأن الوقتين صارا وقتًا واحدًا، فلو صلى أول الوقت، أو آخره، فلا بأس، ففي حالة السفر والمرض يكون وقت الظهر والعصر وقتًا واحدًا، والمغرب والعشاء وقتًا واحدًا، ولكن الأفضل ما تقدم)) (¬1). ومما يدل على مشروعية جمع التقديم حديث معاذ - رضي الله عنه - قال: ((خرجنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا)) (¬2). وقد فصل هذا الإجمال رواية الترمذي وأبي داود عن معاذ - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخّر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر، وصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخّر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجّل العشاء فصلاها مع المغرب)) (¬3). 4 - درجات الجمع في السفر ثلاث (¬4): الدرجة الأولى: إذا كان المسافر سائرًا في وقت الصلاة الأولى فإنه ينزل في ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 462. (¬2) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، برقم 106. (¬3) الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين برقم 553، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين، برقم 1208، و1120، وصححه الألباني في إرواء الغليل،3/ 38، برقم 578، وفي صحيح سنن الترمذي، 1/ 307، وصحيح سنن أبي داود، 1/ 330. (¬4) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية،24/ 63.

الدرجة الثانية: إذا كان المسافر نازلا في وقت الصلاة الأولى

وقت الثانية فيصلي جمع تأخير في وقت الثانية (¬1)، فهذا هو الجمع الذي ثبت في الصحيحين من حديث أنس، وابن عمر، كما تقدم، وهو نظير جمع مزدلفة. الدرجة الثانية: إذا كان المسافر نازلاً في وقت الصلاة الأولى ويكون سائرًا في وقت الصلاة الثانية؛ فإنه يصلي جمع تقديم في وقت الأولى، وهذا نظير الجمع بعرفة، وهذا الذي ثبت من حديث أنس - رضي الله عنه - في رواية الحاكم ومستخرج مسلم لأبي نعيم، وثبت من حديث معاذ - رضي الله عنه - في سنن الترمذي وأبي داود كما تقدّم. الدرجة الثالثة: إذا كان المسافر نازلاً في وقت الصلاتين جميعًا نزولاً مستمرًا، فالغالب من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يجمع بينهما وإنما يصلي كل صلاة في وقتها مقصورة كما فعل - صلى الله عليه وسلم - في منى وفي أكثر أسفاره، ولكن قد يجمع أحيانًا أثناء نزوله نزولاً مستمرًا كما جاء عن معاذ - رضي الله عنه - أنهم خرجوا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، ((فكان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخّر الصلاة يومًا ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا)) (¬2)، قال ¬

(¬1) وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الجمع جائز في الوقت المشترك، فتارة يجمع في أول الوقت، كما جمع - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، وتارة يجمع في وقت الثانية كما جمع - صلى الله عليه وسلم - بمزدلفة: وفي بعض أسفاره، وتارة يجمع فيما بينهما في وسط الوقتين، وقد يقعان معًا في آخر وقت الأولى، وقد يقعان معًا في أول وقت الثانية، وقد تقع هذه في هذا وهذه في هذا، وكل هذا جائز؛ لأن أصل هذه المسألة أن الوقت عند الحاجة مشترك، والتقديم، والتوسط، والتأخير بحسب الحاجة والمصلحة، ففي عرفة ونحوها يكون التقديم هو السنة، وكذلك جمع المطر: السنة أن يجمع للمطر في وقت المغرب، حتى اختلف مذهب أحمد هل يجوز أن يجمع للمطر في وقت الثانية؟ ... انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية،24/ 56. (¬2) النسائي، كتاب المواقيت، باب الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر، برقم 587، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين، برقم 1206، وموطأ الإمام مالك، كتاب قصر الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر،1/ 143 - 144 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 330، وفي صحيح سنن النسائي،1/ 196.

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((ظاهره أنَّه كان نازلاً في خيمة في السفر، وأنه أخّر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا، فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنزل، وأما السائر فلا يقال: دخل وخرج بل نزل وركب ... وهذا دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع أحيانًا في السفر وأحيانًا لا يجمع، وهو الأغلب على أسفاره ... وهذا يبيّن أن الجمع ليس من سنة السفر كالقصر، بل يفعل للحاجة، سواء كان في السفر أو الحضر؛ فإنه قد جمع أيضًا في الحضر؛ لئلا يحرج أمته، فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع، سواء كان ذلك سيره وقت الثانية، أو وقت الأولى وشقَّ النزول عليه، أو كان مع نزوله لحاجة أخرى: مثل أن يحتاج إلى النوم والاستراحة وقت الظهر، ووقت العشاء، فينزل وقت الظهر وهو تعبان، سهران، جائع محتاج إلى راحة وأكل ونوم، فيؤخر الظهر إلى وقت العصر، ثم يحتاج أن يقدم العشاء مع المغرب وينام بعد ذلك؛ ليستيقظ نصف الليل لسفره، فهذا ونحوه يباح له الجمع. وأما النازل أيامًا في قرية أو مصر وهو في ذلك كأهل المصر: فهذا وإن كان يقصر؛ لأنه مسافر فلا يجمع)) (¬1). واستُدِلَّ على أن المسافر يجمع بين الصلاتين عند الحاجة في نزوله في ¬

(¬1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 24/ 64 - 65، وأما تلميذه ابن القيم فلا يرى الجمع وقت النزول، انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، 1/ 481، وأما شيخنا عبد العزيز ابن باز، فيرى أن الجمع للمسافر وقت النزول لا بأس به، ولكن تركه أفضل. انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 12/ 297.

السفر بحديث أبي جحيفة - رضي الله عنه -:أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بمكة بالأبطح في حجة الوداع في قبة له حمراء من أدم، قال: فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهاجرة عليه حلة حمراء، فتوضأ وأذن بلال، ثم رُكِزَت له عنزة فتقدم فصلى بهم بالبطحاء الظهر ركعتين، والعصر ركعتين ... )) (¬1)،قال النووي رحمه اللَّه: ((فيه دليل على القصر والجمع في السفر، وفيه أن الأفضل لمن أراد الجمع وهو نازل في وقت الأولى أن يقدم الثانية إلى الأولى، وأما من كان في وقت الأولى سائرًا فالأفضل تأخير الأولى إلى وقت الثانية)) (¬2)،واللَّه تعالى أعلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس، برقم 187، ومسلم، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي، برقم 503. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 468. (¬3) ذكر العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه خلاف العلماء في مسألة جمع المسافر أثناء السير والنزول: قال: أ - فمنهم من يقول: لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائرًا لا إذا كان نازلاً، وذكر أدلتهم. ب - والقول الثاني: أنه يجوز الجمع للمسافر سواء كان نازلاً، أم سائرًا واستدلوا بما يلي: 1 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بغزوة تبوك وهو نازل. 2 - ظاهر حديث أبي جحيفة - رضي الله عنه - الثابت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان نازلاً بالأبطح في حجة الوداع فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين. 3 - عموم حديث ابن عباس: ((جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا سفر)). 4 - أنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه فجوازه في السفر من باب أولى. 5 - أن المسافر يشق عليه أن يفرد كل صلاة في وقتها: إما للعناء أو قلة الماء أو غير ذلك. قال رحمه اللَّه: ((والصحيح أن الجمع للمسافر جائز لكنه في حق السائر مستحب وفي حق النازل جائز غير مستحب، إن جمع فلا بأس وإن ترك فهو أفضل)) الشرح الممتع، 4/ 550 - 553.

المبحث العاشر: مواقيت الحج والعمرة

المبحث العاشر: مواقيت الحج والعمرة أولاً: مفهوم المواقيت: جمع ميقات وهو ما حُدِّد ووُقِّت للعبادة: من زمان ومكان. والتوقيت: التحديد، وهو أن يجعل للشيء وقتٌ يختصُّ به، وهو بيان مقدار المدة، ثم اتُّسع فيه فأُطلق على المكان، فقيل للموضع: ميقات: والمراد بالميقات هاهنا: الوقت والمكان اللذان يحرِمُ منهما الحاج أو المعتمر، وينشئ النية. وهو في الاصطلاح موضع العبادة وزمانها: والمقصود في هذا المبحث ما حدد الشارع للإحرام من المكان والزمان (¬1). ثانياً: المواقيت نوعان: المواقيت الزمانية، والمكانية: النوع الأول: المواقيت الزمانية: فالميقات الزماني بالنسبة للحاج من أول شهر شوال إلى العاشر من ذي الحجة، فيكون الميقات الزماني للحج: شوال (¬2)، وذو القعدة (¬3)، والعشر الأول من ذي الحجة (¬4). قال تعالى: {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا ¬

(¬1) انظر: القاموس المحيط، ص 208، والمصباح المنير، 2/ 667، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 5/ 212، وجامع الأصول لابن الأثير، 3/ 12. (¬2) شوال: اسم للشهر الذي يلي رمضان، وهو أول أشهر الحج، وسُمِّي بذلك؛ لتشويل لبن الإبل فيه، وهو تولِّيه وإدباره، وقال الفرَّاء: وسمِّي بذلك؛ لشولان الناقة فيه بذنبها، ويجمع على شواويل، وشواول، وشوالات [لسان العرب لابن منظور، 2/ 385]. (¬3) ذو القعدة: سُمِّي بذلك؛ لقعودهم فيه عن القتال، والترحال، وهي بالسكر ((قِعْدَة)) والفتح ((ذو القعدة)) والجمع ذوات القعدات، والمثنى منه ذوات القَعْدة، وقيل جمعه: ذوات القَعدة [مختار الصحاح للرازي، ص 57، والمصباح المنير للفيومي، ص 615]. (¬4) ذو الحجة: سُمِّي بذلك؛ لإقامتهم الحج فيه [المصباح المنير، ص 147].

جِدَالَ فِي الحَجِّ} (¬1). وقال ابن عمر رضي اللَّه عنهما: ((أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة)) (¬2). وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج)) (¬3). فالإحرام بالحج يبدأ في أول ليلة من شوال، وينتهي بطلوع الفجر من ليلة النحر (¬4)، فقوله تعالى: {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة، وقد قيل: وذو الحجة مع الإجماع على فوات الحج بعدم الوقوف بعرفة قبل الفجر من ليلة النحر (¬5)، فإن قيل: كيف يكون النحر يوم الحج الأكبر والحج يفوت بطلوع فجر يوم النحر (¬6)، فالجواب: أن الذي فاته وقت الوقوف لا ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 197. (¬2) البخاري، كتاب الحج، باب قول اللَّه تعالى: {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ} [البقرة: 189] قبل الحديث رقم 1560، قال الحافظ في الفتح (3/ 420): ((وصله الطبري والدارقطني))، وقال الألباني في مختصر صحيح البخاري، 1/ 462: ((بسند صحيح عنه))، ومعنى السنة هنا: أي الطريقة والشريعة. انظر: شرح الزركشي، 3/ 71. (¬3) البخاري، في الكتاب والباب السابقين، قبل الحديث رقم 1560، قال الحافظ في الفتح، 3/ 420: ((وصله ابن خزيمة، والحاكم، والدارقطني))، وقال الألباني في مختصر صحيح البخاري، 1/ 462: ((بسند صحيح عنه)). (¬4) شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 399. (¬5) تبصير الناسك بأحكام المناسك، لعبد المحسن بن حمد العباد البدر، ص 45. (¬6) أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 318.

الحج (¬1)؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حجَّ، بهذا، وقال: ((هذا يوم الحج الأكبر)) (¬2). فَعُلِم بهذا أن يوم النحر من أشهر الحج وهو يوم الحج الأكبر (¬3)، وأن أشهر الحج: شهران وبعض الثالث (¬4) (¬5)، وأما ميقات العمرة الزماني ¬

(¬1) سمّي بيوم النحر، لنحرهم الهدايا والضحايا فيه، والنحر أعلى الصدر وموضع القلادة وهو مصدر جمعه نحور، الصحاح للجوهري، باب نحر، ص 824. (¬2) البخاري، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، برقم 1742. (¬3) شرح العمدة، لابن تيمية، 1/ 377، والفروع لابن مفلح، 5/ 318. (¬4) سمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 1560: ((أشهر الحج شهران وبعض الثالث)). وانظر مثل هذا، شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 383، وعند الإمام مالك: أن أشهر الحج ثلاثة: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، واختاره ابن هبيرة، وقال ابن عثيمين: ((الصواب ما ذهب إليه مالك رحمه اللَّه من أن أشهر الحج ثلاثة)) الشرح الممتع، 7/ 62، والفروع لابن مفلح، 5/ 319. (¬5) اختلف العلماء في حكم الإحرام قبل أشهر الحج: فقيل: يكره الإحرام بالحج قبل أشهره؛ لأنه أحرم به قبل وقته؛ ولأن في صحته اختلافاً، فإن أحرم به قبل أشهره صح، وإذا بقي على إحرامه إلى وقت الحج جاز. نصَّ عليه أحمد، وهو قول النخعي، ومالك، والثوري، وأبي حنيفة، وإسحاق، واستدلوا بقول اللَّه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ} [البقرة: 189] فدل على أن جميع الأشهر ميقات. وقيل: لا يجوز تقديم إحرام الحج عن أشهره؛ لقوله تعالى: {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ} [البقرة: 197]. وقالوا: يجعل إحرامه بالحج قبل أشهره عمرة، وممن قال بذلك: عطاء، وطاوس، ومجاهد، والشافعي [المغني لابن قدامة، 5/ 74]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة، 1/ 394: ((وقد احتج جماعة من أصحابنا وغيرهم بقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ} فقالوا: وهذا عام في جميع الأهلة، فيقتضي أن تكون جميعاً ميقاتاً للحج، وهذا غلط محقق؛ لأن الهلال إنما يكون وقتاً للشيء إذا اختلف حكمه به وجوداً وعدماً)). والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أن الإحرام لا ينعقد بالحج قبل أشهره. [شرح العمدة، 1/ 389، وانظر: الفروع لابن مفلح، 5/ 316]. قال الإمام الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم أن جماعة من أهل العلم قالت: لا ينعقد الإحرام بالحج في غير أشهر الحج، وأكثر من قال بهذا يقولون: إنه إن أحرم بالحج في غير أشهره ينعقد إحرامه بعمرة لا حج، وهذا هو مذهب الشافعي ... )) إلى أن قال: ((قال مقيده عفا اللَّه عنه وغفر له: ومن العجيب عندي أن يستدل عالم بمثل هذه الأدلة التي هي في غاية السقوط، كما ترى؛ لأن آية: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ} ليس معناها أن كل شهر منها ميقات للحج، ولكن أشهر الحج إنما تعلم بحساب جميع الأشهر؛ لأنه هو الذي يتميز به وقت الحج من غيره؛ ولأن هذه الأدلة التي لا يعوَّل عليها في مقابلة آية محكمة من كتاب اللَّه صريحة في توقيت الحج بأشهر معلومات، وهي قوله تعالى: {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ}. فتجاهل هذا النص القرآني ومعارضته بما رأيت من الغرائب كما ترى)). ثم قال رحمه اللَّه: ((والتحقيق الذي يدل عليه القرآن هو قول من قال: إن الحج لا ينعقد في غير زمنه، كما أن الصلاة لا ينعقد إحرامها قبل وقتها، وانقلاب إحرامه عمرة له وجه من النظر، ويستأنس له بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه المحرمين بالحج الذين لم يسوقوا هدياً أن يقلبوا حجهم الذي أحرموا به عمرة، وبأن من فاته الحج تحلل من إحرامه للحج بعمرة، والعلم عند اللَّه تعالى)). [أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 341 - 342، وانظر: شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 385 - 398، والمقنع، والشرح الكبير والإنصاف، 8/ 131 - 134، والفروع لابن مفلح، 5/ 316 - 317]. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه في الشرح الممتع، 5/ 64: ((لا يجوز أن يحرم قبل الميقات الزماني ... وأنه لو أحرم قبل دخول شوال صار الإحرام عمرة لا حجاً ... )). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الأحاديث: (2351 - 2363): ((هذه الأحاديث تدل على أن أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، ولكن لو أحرم بالحج لزمه الحج {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ} فلو أحرم بالحج في رمضان لزمه، ولكن له أن يجعلها عمرة)). قلت: كلام الشنقيطي على أدلة القائلين بالجواز كلام نفيس، فالأقرب للصواب ما رجحه رحمه اللَّه، واللَّه تعالى أعلم.

فهو العام كله، يحرم بها المعتمر متى شاء لا يختص بوقتٍ، ولا يختصُّ إحرامها بوقت، فيعتمر متى شاء: في شعبان، أو رمضان، أو شوال، أو

النوع الثاني: المواقيت المكانية

غير ذلك من الشهور (¬1). النوع الثاني: المواقيت المكانية: وهي خمسة بتوقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - على النحو الآتي: 1 - ذو الحليفة (¬2): والمسافة بينها وبين المسجد النبوي 13 كيلو، ومنها إلى مكة 420 كيلو، وهي ميقات أهل المدينة ومن أتى على طريقهم. 2 - الجحفة: وهي ميقات أهل الشام، وهي الآن خراب (¬3)، وسميت الجحفة؛ لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام، وقد كانت قرية كبيرة اسمها مهيعة (¬4). والناس يحرمون اليوم من رابغ؛ لأنها قبل الجحفة بيسير، تقع عنها غرباً ببعد 22 ميلاً، ويحاذي الجحفة من خط الهجرة الخط السريع من المدينة باتجاه مكة وبين هذه المحاذاة ومكة 208 كيلو. وتبعد رابغ عن مكة 186 كيلو ويحرم منها أهل شمال المملكة العربية السعودية، وساحل المملكة الشمالي إلى العقبة، ويحرم منها بلدان إفريقيا الشمالية والغربية، وأهل لبنان، وسوريا، والأردن، وفلسطين، ومن مرَّ عليها من غيرهم. ¬

(¬1) شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 399. (¬2) وقد سماها جهال العامة: أبيار علي؛ لظنهم أن علياً قاتل الجن بها وهو كذب؛ فإن الجن لم يقاتلهم أحد من الصحابة - رضي الله عنهم -. انظر: فتاوى ابن تيمية، 26/ 99، وذو الحليفة قرية ماء من مياه بني جشم، والحلفاء: نبت ينبت في الماء، أطرافه محددة كأنها أطراف سعف النخل والخوص، ينبت في مفايض الماء. انظر: معجم البلدان للحموي، 2/ 295، ولسان العرب لابن منظور، 9/ 56، والمصباح المنير، 1/ 146. (¬3) قال العلامة ابن جبرين: قد أصلح للجحفة طريق ينفصل من الطريق العام بعد رابغ، وقد بني بها مسجد ومغاسل للإحرام. (¬4) معجم البلدان لياقوت بن عبد اللَّه الحموي، 2/ 111.

3 - قرن المنازل

3 - قرن المنازل (¬1): ويسمَّى الآن: السيل الكبير، ومسافته من بطن الوادي إلى مكة المكرمة 78 كيلو، ويحرم منه أهل نجد، وحجاج الشرق كله: من أهل الخليج، والعراق، وإيران، ومن مرَّ عليه من غيرهم. ووادي محرم الواقع في طريق الهدى غرب الطائف يبعد عن مكة 75 كيلو، ويحرم منه حجاج أهل الطائف. ومن مرَّ على طريقهم من غيرهم، وليس ميقاتاً مستقلاً، وإنما هو الطريق الأعلى لقرن المنازل. 4 - يلملم: وفيه بئر تسمى السعدية، ويلملم وادٍ عظيم، ينحدر من جبال السروات إلى تهامة، ثم يصب في البحر الأحمر، ويبعد مكان الإحرام منه عن مكة المكرمة 120 كيلو. عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((وقَّت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهن لهن ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهنَّ فمهلَّه (¬2) من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها)). وفي لفظ للبخاري وغيره: (( ... ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ (¬3) حتى أهل مكة من مكة)) (¬4). ¬

(¬1) قرن المنازل، وهو قرن الثعالب بسكون الراء ميقات أهل نجد تلقاء مكة على يوم وليلة، وهو قرنٌ أيضاً غير مضاف، وأصله الجبل الصغير المستطيل، المنقطع عن الجبل الكبير. معجم البلدان لياقوت الحموي، 4/ 332. (¬2) مُهَلُّ: المُهَلُّ: موضع الإهلال، يعني به الميقات وموضع الإحرام. جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 17. (¬3) فمن حيث أنشأ: أي فميقاته من حيث أنشأ نية الإحرام، فيسافر أو يذهب من مكانه إلى مكة. انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 386. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب مُهلَّ أهل الشام، برقم 1526، وباب مُهَلِّ أهل مكة للحج والعمرة، برقم 1524، ومسلم، كتاب الحج، باب مواقيت لحج، برقم 1181.

5 - ذات عرق:

5 - ذات عرق: يقع عن مكة شرقاً بمسافة قدرها 100 كيلو، وهذا الميقات مهجور الآن؛ لعدم وجود الطرق عليها، واليوم حجاج المشرق الذين يأتون عن طريق البر يحرمون من السيل أو من ذي الحليفة (¬1)، فعن عائشة رضي اللَّه عنها: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ذات عرق)). هذا لفظ أبي داود، وأما لفظ النسائي فذكر المواقيت الخمسة، قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ((وقت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل نجد قرناً، ولأهل اليمن يلملم)) (¬2). وعن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - يُسأل عن المهلّ فقال: سمعته [أحسبه رفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -] فقال: ((مُهلُّ أهل المدينة من ذي الحُليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومُهلَّ أهل العراق من ذات عرق، ومُهلَّ أهل نجدٍ من قرنٍ، ومُهلُّ أهل اليمن من يلملم)) (¬3). وعن الحارث بن عمرو السهمي - رضي الله عنه - أنه قال: أتيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو بمنى، أو بعرفات، وقد أطاف به الناس، قال: فتجيء الأعراب، فإذا رأوا وجههُ قالوا: هذا وجهٌ مباركٌ، قال: ووقَّت ذات عرقٍ لأهل العراق (¬4). ¬

(¬1) انظر هذا التحديد لجميع مسافات المواقيت في توضيح الأحكام في بلوغ المرام للبسام،3/ 285 - 288). (¬2) أخرجه أبو داود بلفظه، كتاب المناسك، بابٌ في المواقيت، برقم 1739، والنسائي بذكر المواقيت الخمسة، كتاب مناسك الحج، باب ميقات أهل العراق، برقم 2655، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 488، وفي صحيح سنن النسائي، 2/ 247. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة، برقم 18 - (1183). (¬4) أبو داود، كتاب المناسك، بابٌ في المواقيت، برقم 1742، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 488.

وعن نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((لما فُتِحَ هذان المِصْرَان (¬1) أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حدَّ لأهل نجد قرناً، وهو جور عن طريقنا (¬2)، وإنَّا إن أردنا قرناً شقَّ علينا، قال: فانظروا حذوها (¬3) من طريقكم فحدَّ لهم ذات عرق)) (¬4). ولم يبلغ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حديث عائشة، ولا حديث جابر، ولا حديث الحارث بن عمرو السهمي في تحديد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات عرق لأهل العراق، فحدد - رضي الله عنه - لأهل العراق ذات عرق، وهذا من اجتهاداته الكثيرة التي وافق فيها السنة (¬5). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((جاء أهل البصرة إلى عمر - رضي الله عنه - فوقَّت لهم ذات عرق وهو لم يبلغه الحديث، وهو موفّقٌ - رضي الله عنه -، له اجتهادات كثيرة وافق فيها السنة)) (¬6). ¬

(¬1) المراد بالمصرين: الكوفة والبصرة، وهما سرَّتا العراق. فتح الباري لابن حجر، 3/ 389، وجامع الأصول لابن الأثير، 3/ 18. (¬2) جور عن طريقنا: أي مائل عن طريقنا الذي نسلكه ونقصده. انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 389، وجامع الأصول، 3/ 18. (¬3) انظروا حذوها: اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميلٍ، فاجعلوه ميقاتاً. [فتح الباري لابن حجر، 3/ 389]. (¬4) البخاري، كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق، برقم 1531. (¬5) انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 389. (¬6) سمعته رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1531، وقال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وأما الميقات الخامس الذي اختلف العلماء فيه، هل وقَّته رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أو وقته عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فهو: ذات عرق لأهل العراق، فقال بعض أهل العلم: توقيت ذات عرق لأهل العراق من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال بعضهم بتوقيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -))، ثم ذكر رحمه اللَّه أدلة كل فريق، ثم قال: ((أظهر القولين عندي دليلاً أن ذات عرق وقتها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل العراق)). أضواء البيان، 5/ 319 - 326.

وأما تحديد موقع ذات عرق فقد حددته هيئة كبار العلماء بقرارهم الآتي (¬1): ¬

(¬1) بسم اللَّه الرحمن الرحيم. قرار رقم (177) وتاريخ 29/ 3/1414هـ، الصادر عن هيئة كبار العلماء بشأن ميقات (ذات عرق). الحمد لله رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه. وبعد: فإن مجلس هيئة كبار العلماء قد اطَّلع في دورته الأربعين على الرسالة المقدمة من بعض سكان الضريبة المتضمنة طلب بناء مسجد في ميقات ذات عرق يكون مَعْلماً للميقات يُحرم منه من يمر بهذا الميقات ممن يريد الحج أو العمرة؛ لأن عدم وجود مسجد في الميقات أدَّى إلى تجاوز الميقات من بعض مريدي الحج والعمرة من غير أهل المنطقة قبل الإحرام لعدم وجود ما يرشد إليه؛ ولأهمية الموضوع ومسيس الحاجة إلى إيضاح هذا الميقات رأى المجلس تكليف أصحاب الفضيلة الشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، والشيخ عبد اللَّه بن سليمان المنيع عضوي المجلس، والشيخ عبد العزيز بن محمد العبد المنعم الأمين العام للهيئة بزيارة موقع الميقات المذكور والعناية بتحديده وبيان ما يحتاج إليه من مسجد ومرافقه، وقد قاموا بالمهمة وأعدوا التقرير اللازم، وفي الدورة الحادية والأربعين للمجلس المنعقدة في الطائف في الفترة من 18/ 3/1414هـ إلى 29/ 3/1414هـ عرض الموضوع واطلع المجلس على التقرير الذي أعده المشايخ الذي نصه: ((الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فلما كان ميقات ((ذات عرق)) مُدرجاً في جدول أعمال الدورة الأربعين لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في الرياض ابتداء من تاريخ 10/ 11/1413هـ. وقد رأى المجلس - كما ورد في المحضر الأول من محاضر هذه الدورة - تكليف كل من فضيلة عضوي المجلس الشيخين عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام وعبد اللَّه بن سليمان المنيع، وأمين عام الهيئة عبد العزيز بن محمد العبد المنعم بزيارة ميقات ((ذات عرق)) وكتابة تقرير بشأنه يتضمن وصفاً له، وبيان حدوده، وتقديمه للمجلس في دورته الحادية والأربعين. وإنفاذاً لما رآه المجلس توجهت اللجنة المكلفة بالمهمة في يوم السبت الموافق 12/ 2/1414هـ إلى ميقات ((ذات عرق))، وقد سلكت في ذهابها الطريق الموازي لوادي العقيق المتجه شمالاً من (عشيرة) إلى بلدة (المحاني)، وعند محاذاتها ((ذات عرق)) من الشرق تركت الطريق المزفت، واتجهت غرباً مارة بوادي العقيق عرضاً مع خط ترابي ممسوح يصل ما بين الطريق المزفت وبين ذات عرق، وقد حسبت المسافة من وادي العقيق إلى ذات عرق فبلغت ثمانية وعشرين كيلو متراً حسب عداد السيارة. وقد وصلت اللجنة منطقة ذات عرق، وتجولت فيها وفيما حولها من وديان ومزارع، ثم كتبت ما انتهت إليه من معلومات وحقائق معتمدة في ذلك على: 1 - ما ذكره بعض أهل العلم من مفسرين وفقهاء ومؤرخين عن هذا الميقات حيث استعرضت اللجنة وهي في رحلتها قراءة كثير من أقوال أهل العلم في وصف هذا الميقات، وذكر بعض معالمه. 2 - مشاهدة معالم هذا الميقات من أودية وجبال، وتطبيق ما ذكره أهل العلم عليها لاسيما ممن كتبوا في وصف طرق الحاج، وأشاروا إلى كثير من المواضع مع ضبطها بالوصف والمسافات. 3 - الاستعانة ببعض أهل الخبرة من سكان تلك الجهة، فقد اتصلت اللجنة بثلاثة من كبار السن من أهل تلك المنطقة، واصطحبتهم معها في جولاتها، ووقوفها على مختلف المعالم من جبال وأودية وآبار وخرائب، وتعرَّفت منهم على أسمائها، وعلى كل ما يعرفونه عنها في القديم حينما كان الحاج يستخدم الإبل في سفره، ويحرم بالنسك من هذا الميقات، وفي الحاضر حيث تغيرت وسائل المواصلات، فأصبح الإحرام منه منقطعاً، وذلك من أكثر من أربعين عاماً حيث ذكروا ذلك. وتوصلت اللجنة إلى الحقائق التالية: 1 - أن (عرقاً) قمة جبل مرتفع ولونه متميز عن بقية الجبل بلون إلى السواد أقرب واقع على كامل قمة الجبل، وهذا الجبل مرتفع عما حوله ممتد من الشرق إلى الغرب بطول ألفي متر تقريباً، يحده من الشرق وادي (الحنو)، ومن الغرب وادي (العصلاء الشرقية)، وهذا الجبل هو الحد الجنوبي للميقات. 2 - أن ميقات ((ذات عرق)) ريع بين جبلين، فيه مجرى سيل كبير متجه من الشرق إلى الغرب يُدعى ((وادي الضريبة)) يتسع هذا الريع في بعض نواحيه ويضيق في نواحي أخرى بين مائتي متر، وخمسمائة متر، وطوله من الشرق إلى الغرب ألفا متر تقريباً. ويطلق عليه اسم ((الطرفاء)) وفي منتصفه بئر قديمة فيها ماء تسمى ((الخضراء)) يحرم عندها من يريد الإحرام من أهل البلد أو من يمر بها ممن هم حولها حسب إفادة المرافقين للجنة من أهل المنطقة، وفي هذا المحدود يوجد آثار خرائب، وأساسات مباني قديمة لم يبق منها إلا ما هو ملاصق للأرض، وفي غربيه شمال مجرى الوادي آثار مقبرة قديمة، وتغطي أشجار السلم والطلح والسمر عامة أرض الميقات. حدود الميقات: أما حدود هذا الميقات كما وَضُحَ للجنة: فيحده من الشرق ملتقى وادي (الحنو) مع وادي (أنخل) عند مصبهما ليتكون منهما وادي ((الضريبة))، وعند ملتقى هذين الواديين يبتدئ العرق المنسوب إليه هذا الميقات. ويوجد في هذا الحد ثلاث نصائب: إحداها في جنوبيه في سفح العرق المذكور عند ابتدائه من الشرق حيث مجرى وادي (الحنو)، والثانية فوق ملتقى وادي الحنو ووادي أنخل في المثلث الفاصل بينهما قُبيل التقائهما، والثالثة في سفح الجبل الشمالي المقابل لجبل ((عرق)) من الشمال، وهذه العلامات الثلاث ذكر المرافقون من أهل تلك الجهة أنها وُضِعت منذ حوالي ثلاثين سنة من قبل لجنة خرجت من مكة بقصد تحديد الميقات، ومَنْع التعدي عليه. ويحده من الغرب وادي العصلاء الشرقية، المتجه من الجنوب إلى الشمال حيث يصب سيله في وادي الضريبة. ويمتد الحد الغربي شمالاً على مسامتة وادي العصلاء حتى يصل إلى الجبل المقابل من الناحية الشمالية، ويوجد مجرى سيل متجه من الجنوب إلى الشمال موازٍ للعصلاء الشرقية من الغرب يدعى ((العصلاء الغربية)) وبينهما حوالي خمسمائة متر، ويصب سيله في وادي الضريبة. وقد وضعت نصائب من قبل اللجنة السابقة في الضفة الشرقية للعصلاء الغربية، وقال المرافقون: إن هذا متجاوز للحد، وإنما وضعت هذه الأنصاب لتكون حمى للميقات، إذ أن حد الميقات من الغرب هو العصلاء الشرقية - كما أوضحناه آنفاً - لوجود الآثار شرقيها؛ ولأن العرق المنسوب إليه هذا الميقات ينتهي عند هذا الحد. ونوصي بأن يبقى ما بين العصلاء الشرقية والعصلاء الغربية حمى للميقات كما وضعته اللجنة السابقة، ولا يسمح لأحد بإحيائه أو تملكه؛ لئلا يضيق الميقات بالتعدي على حدوده. ويحد الميقات من الجنوب قمة جبل عرق ابتداء من طرفه الشرقي عند مجرى وادي الحنو إلى طرفه الغربي حيث ينتهي بمجرى العصلاء الشرقية. ويحده من الشمال الجبال المتصلة الواقعة شمال وادي الضريبة من مصب وادي أنخل في وادي الضريبة شرقاً ممتداً حتى ملتقى وادي الضريبة بوادي العصلاء الشرقية غرباً. وطول الميقات شرقاً وغرباً ألفا متر تقريباً وهو طول العرق المذكور. وعرض الميقات يختلف باختلاف ما بين الجبلين ضيقاً واتساعاً، ويتراوح ذلك ما بين مائتي متر وخمسمائة متر كما سبقت الإشارة إليه. أما موقع إقامة مسجد الميقات ومرافقه، فترى اللجنة أن يقام في المتسع الواقع شمال شرق بئر ((الخضراء)) لتوسطه؛ ولأن جميع من سألناهم أجمعوا على أن الإحرام في الماضي والحاضر هو قرب هذه البئر التي يوجد حولها بقية الآبار المندفنة، والغرف المتهدمة، والمقابر في سفح الجبال الشمالية الغربية مما يلي وادي الضريبة. هذا ما توصلت إليه اللجنة فيما يتعلق بميقات ((ذات عرق)) ونسأل اللَّه إصابة الحق في القول والعمل. وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)). ولمزيد التأكد طلب المجلس حضور الشريف شاكر بن هزاع قائم مقام مكة سابقاً واطلاعه على تقرير اللجنة ومعرفة ما لديه من معلومات عن الميقات المذكور لما له من خبرة في ذلك، وقد حضر عند هيئة كبار العلماء في يوم السبت الموافق 25/ 3/1414هـ، وأفاد أن ما تضمنه تقرير اللجنة موافق لما قررته اللجنة التي شكلت في عام 1387هـ لتحديد ذات عرق وكان عضواً فيها ووضعت علامات حدود الميقات في ذلك الوقت التي لا تزال باقية إلى الآن وهي نفس العلامات التي رأتها اللجنة التي شكلها المجلس. كما قام كل من عضوي المجلس فضيلة الشيخ محمد بن سليمان البدر، وفضيلة الشيخ بكر بن عبد اللَّه أبو زيد يوم الجمعة الموافق 24/ 3/1414هـ بزيارة لميقات ذات عرق، وأفادا المجلس بأنهما اطَّلعا على الميقات ومعالمه وسألا عدداً من سكان المنطقة عن الميقات واتضح لهما أن ما جاء في تقرير اللجنة التي كلفها المجلس فيه وصف دقيق لذات عرق يوافق واقعها على الطبيعة، وبناءً على ما تقدم فإن المجلس يرى ما يلي: 1 - أن تهتم الحكومة بميقات ذات عرق الذي هو أحد المواقيت المكانية المعتبرة للحج والعمرة من حيث المحافظة عليه، وذلك بوضع علامات واضحة وبارزة في بدايته من الشرق ونهايته من الغرب حسب الحدود الموضحة في تقرير اللجنة المذكور ضمن هذا القرار حتى لا يتجاوزه أحد ممن يريد الحج أو العمرة قبل الإحرام. 2 - يوصي المجلس بتكليف الجهة المختصة بالمبادرة بإنفاذ أمر خادم الحرمين الشريفين حفظه اللَّه ببناء مسجد ميقات ذات عرق وتأمين ما يحتاجه من خدمات ومرافق حسبما صرح به معالي وزير الحج والأوقاف السابق ونشر في جريدة الجزيرة في عددها (7470) الصادر في 19/ 9/1413هـ. 3 - يقام المسجد في المكان الذي اقترحته اللجنة في تقريرها للأسباب التي ذكرتها. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، [انظر: توضيح الأحكام من بلوغ المرام، للعلامة عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، 3/ 278 - 282، وهو أحد أعضاء هيئة كبار العلماء، وأحد أعضاء اللجنةالتي خرجت ووقفت على ميقات ذات عرق].

والواجب على مَن مر على هذه المواقيت أن يحرم منها ويحرم عليه أن يتجاوزها بدون إحرام إذا كان قاصداً مكة يريد حجاً أو عمرة، سواء كان مروره عن طريق البر، أو البحر، أو الجو، والمشروع لمن توجه إلى

مكة عن طريق الجو بقصد الحج أو العمرة: أن يتأهَّب لذلك بالغسل ونحوه قبل الركوب في الطائرة، فإذا دنا من الميقات لبس إزاره ورداءه، ثم لبَّى بما يريد من حج أو عمرة، وإن لبس إزاره ورداءه قبل الركوب أو قبل الدنو من الميقات فلا بأس، ولكن لا ينوي الدخول في الإحرام ولا يلبِّي إلا إذا حاذى الميقات أو دنا منه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحرم إلا من الميقات. وأما من كان مسكنه دون هذه المواقيت كسكان: جدة، وبحرة، والشرائع، وغيرها فمسكنه هو ميقاته فيحرم منه بما أراد من حج أو عمرة، أما أهل مكة فيحرمون بالحج وحده من مكة (¬1). ومن أراد الإحرام بعمرة أو حج فتجاوز الميقات غير محرم، فإنه يرجع ويحرم من الميقات، فإن لم يرجع فعليه دم يجزئ في الأضحية؛ لقول ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً)) (¬2). أما من توجه إلى مكة ولم يرد حجاً ولا عمرة، وإنما أراد التجارة، أو القيام بعمل من الأعمال له أو لغيره، أو زيارة لأقربائه أو غيرهم ونحو ذلك، فالصواب أنه ليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما وقَّت المواقيت: (( ... هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة ... )) (¬3). فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجاً ولا عمرةً فلا إحرام عليه، ويدل على ذلك أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما دخل مكة ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز الجزء الخامس، القسم الأول (5/ 251). (¬2) مالك في الموطأ، 1/ 419، والدارقطني، 2/ 244، والبيهقي، 5/ 152، قال الألباني: ثبت موقوفاً. وانظر: إرواء الغليل، 4/ 299. (¬3) وتقدم تخريجه. البخاري، برقم 1526، ومسلم، برقم 1181.

ثالثا: مسائل في المواقيت:

عام الفتح لم يدخلها محرماً بل دخلها وعلى رأسه المغفر (¬1)؛ لكونه لم يرد حينئذٍ حجاً ولا عمرةً وإنما أراد فتحها وإزالة ما فيها من الشرك (¬2). وعن جابر - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام)) (¬3)، ولعله - صلى الله عليه وسلم - كان عند أول دخوله على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك، أو العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر، أو كانت تحت المغفر وقاية لرأسه من صدأ الحديد، واللَّه أعلم (¬4). ثالثاً: مسائل في المواقيت: 1 - وُقتت المواقيت تعظيماً لبيت اللَّه الحرام، فبيت اللَّه الحرام لما كان معظَّما مشرَّفاً، جعل اللَّه له حصناً، وهو مكة، وحمى، وهو الحرم، وللحرم حرمٌ وهو المواقيت، حتى لا يجوز لمن خارج هذه المواقيت أن يتجاوزها إلا بإحرام إذا أراد الحج أو العمرة، تعظيماً لبيت اللَّه الحرام (¬5). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه (( ... المواقيت محيطة بالبيت كإحاطة جوانب الحرم، فكل من مرَّ من جوانب الحرم لزمه تعظيم حرمته، وإن كان بعض جوانبه أبعد من بعض ... وأيضاً فإن هذه ¬

(¬1) المغفر: ما يلبس على الرأس من درع الحديد، فتح الباري لابن حجر، 4/ 60. (¬2) البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام، برقم 1846، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام برقم 357. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، برقم 1358. (¬4) انظر: فتح الباري، 4/ 61 - 62. (¬5) انظر: الروض المربع مع حاشيته لابن القاسم، 3/ 534، والإحكام شرح أصول الأحكام، لعبد الرحمن بن محمد بن القاسم، 2/ 346،والإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن،6/ 25.

2 - المواقيت الخمسة المذكورة مواقيت أيضا لكل من مر عليها

المواقيت حدود النسك فليس لأحد أن يتعدى حدود اللَّه)) (¬1). 2 - المواقيت الخمسة المذكورة مواقيت أيضاً لكل من مرَّ عليها من غير أهلها، وهو يريد النسك حجاً أو عمرة، كما في حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما (( ... فهن لهنَّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، لمن كان يريد الحج والعمرة)) (¬2). 3 - من كان مسكنه أقرب إلى مكة من الميقات فميقاته من موضع سكنه، لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما وفيه: ((فمن كان دونهنَّ فمهله من أهله)). وفي لفظ: ((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ)). وفي لفظ: ((فمن كان دونهن فمن أهله)) (¬3). 4 - أهل مكة يحرمون بالحج من مكة؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما وفيه: (( ... حتى أهل مكة يهلُّون منها)). وفي لفظ: (( ... حتى أهل مكة من مكة)) (¬4). وهذا بالنسبة إلى الإهلال بالحج لا خلاف فيه بين أهل العلم، إلا ما ذكره بعضهم من أن المكي يجوز له أن يحرم من أي موضع من الحرم ولو خارجاً عن مكة، وهذا القول ظاهر السقوط لمخالفته للنص الصريح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). 5 - إحرام المكي بالعمرة يكون من الحلِّ خارج الحرم من أي مكان ¬

(¬1) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لابن تيمية، 1/ 319 - 320. (¬2) البخاري، برقم 1526، ومسلم، برقم 1181، وتقدم تخريجه. (¬3) البخاري، برقم 1529، ومسلم، برقم 1181 وتقدم تخريجه. (¬4) البخاري، برقم 1524، ومسلم، برقم 1181، وتقدم تخريجه. (¬5) أضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 327.

كان، من التنعيم، أو عرفات، أو الجعرانة، أو الشميسي موضع صلح الحديبية، أو غير ذلك من الأمكنة خارج الحرم؛ فإن جماهير أهل العلم على أن المكي لا يحرم بالعمرة من مكة، بل يخرج إلى الحلِّ ويُحرم منه، وهو قول الأئمة الأربعة، وأصحابهم، وحكى غير واحدٍ عليه الإجماع (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((أهل مكة من كان بها، سواء كان مقيماً بها، أو غير مقيم؛ لأن كل من أتى على ميقات كان ميقاتاً له، فكذلك كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج، وإن أراد العمرة فمن الحلِّ، لا نعلم في هذا خلافاً)) (¬2)؛ ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة رضي اللَّه عنها من التنعيم (¬3)، وهو أدنى الحل إلى مكة؛ وإنما لزم الإحرام من الحلِّ؛ لقصة عائشة، وليجمع المحرم بالعمرة في النسك بين الحلِّ والحرم؛ فإنه لو أحرم من الحرم لما جمع بينهما فيه؛ لأن أفعال العمرة كلها في الحرم بخلاف الحج فإنه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة فيجتمع له الحل والحرم، والعمرة بخلاف ذلك (¬4). وهذا هو الصواب. والصواب أن أهل مكة الذين هم أهلها المقيمون بها لهم أن يتمتَّعوا، ويقرنوا، وليس عليهم هدي. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((أقرب أقوال أهل العلم عندي ¬

(¬1) أضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 328. (¬2) المغني لابن قدامة، 5/ 59. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب العمرة، باب عمرة التنعيم، برقم 1784، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، برقم 1212. (¬4) المغني لابن قدامة، 5/ 59 - 60، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 329 - 330.

6 - من سلك إلى الحرم طريقا لا ميقات فيها

للصواب في هذه المسألة: أن أهل مكة لهم أن يتمتَّعوا ويقرنوا، وليس عليهم هدي)) (¬1). وقال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((وإن أحرم بالعمرة من الحرم انعقد إحرامه بها وعليه دمٌ، لتركه الإحرام من الميقات)) (¬2). 6 - من سلك إلى الحرم طريقاً لا ميقات فيها، فميقاته المكان المحاذي لأقرب المواقيت إليه، كما يدلُّ عليه توقيت عمر - رضي الله عنه -، ذات عرق لأهل العراق، لمحاذاتها قرن المنازل، فقال - رضي الله عنه -: ((فانظروا حذوها من طريقكم، فحدَّ لهم ذات عرق)) (¬3). قال الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم)) (¬4). وقال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((فإن لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقه احتاط فأحرم من بُعدٍ، بحيث يتيقَّن أنه لم يجاوز الميقات إلا محرماً؛ لأن الإحرام قبل الميقات جائز، وتأخيره عنه لا يجوز، فالاحتياط فعل ما لا شك فيه، ولا يلزمه الإحرام حتى يعلم أنه قد حاذاه؛ لأن الأصل عدم وجوبه، فلا يجب بالشك، فإن أحرم ثم علم أنه قد جاوز ما يُحاذيه من المواقيت غير محرم فعليه دم)) (¬5). وسواء كانت هذه المحاذاة: عن طريق البر، أو البحر، أو الجو، فهي ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 331، وراجع الأدلة هناك. (¬2) المغني، 5/ 62. (¬3) البخاري، برقم 1531، وتقدم تخريجه. (¬4) أضواء البيان، 5/ 332. (¬5) المغني لابن قدامة، 5/ 63 - 64.

7 - جمهور أهل العلم على أن من جاوز ميقات من المواقيت

في الحكم واحد، واللَّه تعالى علم. 7 - جمهور أهل العلم على أنَّ من جاوز ميقات من المواقيت المذكورة غير محرم وهو يريد الحج أو العمرة أن عليه دماً؛ لخبر ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: ((من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً)) (¬1). قال الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وأظهر أقوال أهل العلم عندي: أنه إن جاوز الميقات ثم رجع إلى الميقات وهو لم يحرم أنه لا شيء عليه؛ لأنه لم يبتدئ إحرامه إلا من الميقات، وأنه إن جاوز الميقات غير محرم، وأحرم في حال مجاوزته الميقات ثم رجع إلى الميقات محرماً أن عليه دماً؛ لإحرامه بعد الميقات، ولو رجع إلى الميقات فإن ذلك لا يرفع حكم إحرامه مجاوزاً للميقات، واللَّه تعالى أعلم)) (¬2). وهكذا يرجِّح شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: أن من تجاوز الميقات ناوياً للحج أو العمرة فيلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي مرَّ عليه، ما لم يحرم، وإلا وجب عليه الدم (¬3). 8 - من مرَّ على واحدٍ من هذه المواقيت وهو لا يريد حجاً ولا عمرة، إنما يريد قضاء حاجة أخرى، فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فقال بعضهم لا يجوز لأحد دخول مكة بغير إحرام، ولو كان دخوله لغرض آخر غير النسك، وقال بعضهم: إذا كان دخوله لغرض ¬

(¬1) موطأ الإمام مالك، 1/ 419، والدارقطني، 2/ 244، والبيهقي، 5/ 152، وقال الألباني في إرواء الغليل، 4/ 299: ((ثبت موقوفاً)) وتقدم تخريجه. (¬2) أضواء البيان، 5/ 333، وانظر: الإعلام فوائد عمدة الأحكام لابن الملقن، 6/ 19. (¬3) مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 40، 41، 43.

9 - حكم الإحرام قبل الميقات، سواء كان ذلك من بلده

غير النسك فلا مانع من دخوله غير محرم (¬1). والصواب ما دل عليه مفهوم حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما حدَّد المواقيت: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة)) (¬2). فمفهومه: أن من مرَّ على المواقيت ولم يرد حجاً ولا عمرة فلا إحرام عليه، ويدل على ذلك أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة عام الفتح لم يدخلها محرماً، بل دخلها وعلى رأسه المغفر (¬3)، وعليه أيضاً عمامة سوداء بغير إحرام (¬4). وقد ذكر العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه أقوال أهل العلم في ذلك مع أدلة كل فريق ثم قال: ((أظهر القولين عندي دليلاً: أن من أراد دخول مكة حرسها اللَّه لغرض غير الحج والعمرة أنه لا يجب عليه الإحرام، ولو أحرم كان خيراً؛ لأن أدلة هذا القول أقوى وأظهر)) (¬5). 9 - حكم الإحرام قبل الميقات، سواء كان ذلك من بلده، أو من دويرة أهله، أو من بيت المقدس: قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((لا خلاف في أن من أحرم قبل الميقات يصير محرماً تَثْبُتُ في حقه أحكام الإحرام)) (¬6). ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 333 - 334. (¬2) البخاري، برقم 1526، ومسلم، برقم 1181، وتقدم تخريجه. (¬3) البخاري، برقم 1846، ومسلم، برقم 357، وتقدم تخريجه. (¬4) مسلم، برقم 358، وتقدم تخريجه. (¬5) أضواء البيان، 5/ 337. (¬6) المغني لابن قدامة، 5/ 65.

10 - من تجاوز هذه المواقيت بلا نية الحج أو العمرة

وقال الإمام ابن المنذر رحمه اللَّه: ((أجمعوا على أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم)) (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((ولكن الأفضل الإحرام من الميقات ويمكن قبله)) (¬2). وقال الإمام البخاري رحمه اللَّه تعالى: ((وكره عثمان - رضي الله عنه - أن يحرم من خُراسان أو كَرمان)) (¬3). وذكر الشنقيطي رحمه اللَّه اختلاف أهل العلم في الأفضل من الأمرين: وهما الإحرام من الميقات، أو الإحرام من بلده إن كان أبعد من الميقات، وذكر أدلة كل فريق ثم قال: ((أظهر القولين عندي دليلاً: هو الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، والإحرام من الميقات، فلو كان الإحرام قبله فيه فضلٌ لفَعَلَهُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، والخير كله في اتباعه - صلى الله عليه وسلم -)) (¬4). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((السنة أن يحرم من الميقات، والإحرام قبل الميقات فيه حرجٌ ومخالفة للسنة، أما بالطائرة فقد يحتاج إلى الاحتياط)) (¬5). 10 - من تجاوز هذه المواقيت بلا نِيَّة الحج أو العمرة، ثم طرأ له ¬

(¬1) الإجماع لابن المنذر، ص 61. (¬2) المغني لابن قدامة، 5/ 65، وانظر: الفروع لابن مفلح، 5/ 314. (¬3) البخاري، كتاب الحج، باب قول اللَّه تعالى: {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} الآية، قبل الحديث رقم 1560. (¬4) أضواء البيان، 5/ 339. (¬5) سمعته رحمه اللَّه أثناء تقرير على صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 1560.

11 - تحديد بعض هذه المواقيت من معجزات نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -

العزم على الحج والعمرة؛ فإنه يحرم من حيث أراد النسك (¬1). 11 - تحديد بعض هذه المواقيت من معجزات نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تدل على أن اللَّه تعالى أرسله للناس جميعاً؛ فإنه حددها قبل إسلام أهلها، إشعاراً منه بأنهم سيسلمون ويحجون، ويحرمون منها، وقد كان ذلك ولله الحمد والمنة (¬2). 12 - من جاء من أهل الشام ومصر عن طريق المدينة، فالصواب أنه يحرم من ذي الحليفة لدخوله في عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن))، قال الشنقيطي رحمه اللَّه: أظهر قولي أهل العلم عندي: أن أهل الشام ومصر مثلاً إذا قدموا المدينة فميقاتهم من ذي الحليفة، وليس لهم أن يؤخروا إحرامهم إلى ميقاتهم الأصلي، الذي هو الجحفة، أو ما حاذاها؛ لظاهر حديث ابن عباس المتفق عليه: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) (¬3) (¬4). 13 - من لم يحاذِ ميقاتاً من المواقيت الخمسة في طريقه: فإنه يُحرم إذا كان بينه وبين مكة مرحلتان، نحو ثمانين كيلاً، قال شيخنا ابن باز رحمه ¬

(¬1) توضيح الأحكام للبسام، 3/ 282. (¬2) المرجع السابق، 3/ 282. (¬3) أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 332 - 333. (¬4) اختلف العلماء فيما إذا مر الشامي بميقات أهل المدينة هل له أن يؤخر الإحرام إلى الجحفة التي هي الأصل في ميقات أهل الشام: فالجمهور أنه ليس له أن يؤخر وأنه يجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة. وذهب مالك إلى أن له أن يحرم من الجحفة. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 6/ 121، والشرح الممتع، 7/ 53، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 26/ 100، والفروع لابن مفلح، 5/ 301.

اللَّه: (( ... والذي لم يكن الميقات في طريقه، فإنه يتحرَّى محاذاة أوَّل ميقاتٍ يمرُّ به ثم يحرم، والذي لا يتسنَّى له لا هذا ولا هذا، فإنه يُحرم إذا كان بينه وبين مكة مرحلتان، وهما يوم وليلة، ومقدار ذلك ثمانون كيلا ً تقريباً)) (¬1). وأهل السودان على حسب طريقهم، فإن كان طريقهم يمرُّ بميقات الجحفة لزمهم الإحرام إذا حاذوها، وإن كان طريقهم لا يحاذي ميقاتاً قبل جدة فإنهم يحرمون منها إذا كانوا ممن أراد الحجَّ أو العمرة (¬2). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 41. (¬2) المرجع السابق، 17/ 35.

المبحث الحادي عشر: الإحرام

المبحث الحادي عشر: الإحرام أولاً: مفهوم الأحرام لغة وشرعاً: الإحرام لغة: مصدر أحرم الرجل يحرم إحراماً: إذا أهل بالحج أو العمرة، وباشر أسبابهما، وشروطهما، من خلع المخيط، واجتناب الأشياء التي منعه الشرع منها: كالطيب، والنكاح، والصيد، ونحو ذلك. والأصل فيه المنع، وكأن المحرم مُنِعَ من هذه الأشياء، وأحرم الرجل: إذا دخل في الأشهر الحرم، وإذا دخل الحرم (¬1). والإحرام شرعاً: هو نية الدخول في النسك من حجٍّ أو عمرة. ثانياً: أعمال مريد العمرة أو الحج عند الميقات: إذا وصل مريد العمرة أو الحج إلى الميقات شرع له أن يعمل الآتي: 1 - يستحب له أن يقلم أظفاره، ويقص شاربه، وينتف إبطيه، ويحلق شعر عانته؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب)) (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((وقَّت لنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في قص الشارب، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، أن لا نترك أكثر من أربعين يوماً)) (¬3). ¬

(¬1) جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 12. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب اللباس، باب قص الشارب برقم 5888، وباب تقليم الأظفار، برقم 5890، ومسلم، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم 257، واللفظ له. (¬3) النسائي، كتاب الطهارة، باب التوقيت في ذلك، برقم 14، وابن ماجه، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في توقيت تقليم الأظفار، وأخذ الشارب، برقم 2758، وأخرجه مسلم، في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم 258، بلفظ ((وُقت لنا)) الحديث.

وأما اللحية فيجب توفيرها ويحرم حلقها وتقصيرها

وأما اللحية فيجب توفيرها ويحرم حلقها وتقصيرها، وأخذ شيء منها (¬1)؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى وأحفوا الشَّوارب)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((جُزُّوا الشوارب وأرخوا اللِّحى، خالفوا المجوس)) (¬3). ومن حديث ابن عمر يرفعه: ((أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى)) (¬4). وقد جاء الوعيد فيمن لم يأخذ من شاربه، ففي حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه -: ((من لم يأخذ من شاربه فليس منَّا)) (¬5) (¬6). ¬

(¬1) جاء في صحيح البخاري، آخر الحديث رقم 5892 ((وكان ابن عمر إذا حجَّ أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه)) وسمعت شيخنا يقول على هذا الحديث أثناء تقريره على صحيح البخاري: ((وهذا من اجتهاده - رضي الله عنه - الذي خالف فيه السنة والحجة فيما روى لا في ما رأى مما يخالف السنة)). (¬2) أخرجه البخاري، في كتاب اللباس، باب تقليم الأظفار، برقم 5892، ومسلم، في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم 259. (¬3) أخرجه مسلم، في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم 260. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري، في كتاب اللباس، باب إعفاء اللحى، برقم 5893، ومسلم، في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم 259، واللفظ للبخاري. (¬5) أخرجه الترمذي في كتاب الأدب، باب ما جاء في قص الشارب، برقم 2761. (¬6) وأما حلق الشارب فلم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5888، يقول: ((الظاهر أن حلق الشارب غير مشروع، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ... وقص الشارب)) ولم يقل: واحلقوا)).

2 - أن يتجرد من ثيابه ويستحب له أن يغتسل

2 - أن يتجرد من ثيابه ويستحب له أن يغتسل؛ لحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تجرد لإهلاله واغتسل (¬1). والغسل سنة عند الإحرام للرجال والنساء حتى النفساء والحائض؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أسماء بنت عميس لما ولدت محمد بن أبي بكر بذي الحليفة أن تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم، وذلك: أنها أرسلت إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي، واستثفري بثوب، وأحرمي)) (¬2). وأمر عائشة لما حاضت وقد أحرمت بعمرة أن تغتسل وتحرم بالحج، وتفعل ما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت. فعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع، فأهللتُ بعمرةٍ، ولم أكن سُقْتُ الهدي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان معه هدي فليُهلل بالحج مع عمرته، ثم لا يحل حتى يحلّ منهما جميعاً)) قالت: فحضت، فلما دخلت ليلة عرفة، قلت: يا رسول اللَّه إني كنت أهللت بعمرة، فكيف أصنع بحجتي؟ قال: ((انقضي رأسك، وامتشطي، وأمسكي عن العمرة، وأهلِّي بالحج)) (¬3). 3 - يستحب له أن يتطيب بأطيب ما يجد من دهن عود أو غيره في رأسه ولحيته، ولا يضره بقاء الطيب بعد الإحرام؛ لحديث عائشة رضي اللَّه ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الاغتسال عند الإحرام، برقم 830، وابن خزيمة، 4/ 161، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/ 433. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من حديث جابر - رضي الله عنه -، برقم 1218. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج، والتمتع، والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة برقم 1211.

4 - أن يحرم الرجل في رداء وإزار ويستحب أن يكونا أبيضين

عنها قالت: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيص [الطيب] في رأسه ولحيته بعد ذلك)). هذا لفظ مسلم، وفي لفظ للبخاري ومسلم: ((كأني أنظر إلى وبيص (¬1) الطيب في مفارق رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم)) (¬2). وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: ((كنت أطيب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) (¬3). ولكن لا يُطيِّب شيئاً من ثياب الإحرام (¬4). 4 - أن يحرم الرجل في رداء وإزار ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين، ويحرم في نعلين؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)) (¬5). أما المرأة فيجوز لها أن تحرم فيما شاءت من الثياب المباحة لها مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم. قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ((المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران، ولا تتبرْقع، ولا تَتَلثَّم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت)) (¬6). ¬

(¬1) الوبيص: البريق، والتلألؤ، فهو يدل على وجود عين قائمة، لا الريح فقط. فتح الباري لابن حجر، 3/ 398. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، برقم 1538، وكتاب الغسل، باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب، برقم 271، وأطرافه في صحيح البخاري، رقم 5918، ورقم 5923، ومسلم، كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، برقم 1190. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، برقم 1539، ومسلم، كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، برقم 1189. (¬4) انظر: مجموع فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 5/ 96. (¬5) أحمد، 2/ 34، وذكره الحافظ في التلخيص، 2/ 237، وعزاه لأبي عوانة بسند على شرط الصحيح. (¬6) أخرجه البيهقي، 5/ 47، قال الألباني في إرواء الغليل، 4/ 212: ((بسند صحيح)).

5 - يستحب له أن يحرم بعد صلاة فريضة - غير الحائض والنفساء

ويجوز لها أن تلبس الخفين والجوربين؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أنه كان يقطع الخفين للمرأة المحرمة، ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة رضي اللَّه عنها حدثتها ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قد كان رخَّص للنساء في الخفين فترك ذلك)) (¬1). 5 - يستحب له أن يحرم بعد صلاة فريضة - غير الحائض والنفساء - إن كان في وقت فريضة، فإن لم يكن وقت فريضة صلى ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء (¬2) (¬3). ¬

(¬1) أحمد، 6/ 35، وأبو داود، كتاب المناسك، باب ما يلبس المحرم، برقم 1831، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 514. (¬2) فتاوى مهمة تتعلق بالحج والعمرة لابن باز، ص 7، وانظر: فتاوى ابن تيمية، 26/ 108، وشرح العمدة لابن تيمية، 1/ 417، والمنهج لمريد العمرة والحج لابن عثيمين، ص 23. (¬3) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى هل للإحرام صلاة تخصه أم لا؟ على قولين: القول الأول: قول الجمهور، قال الخرقي رحمه اللَّه في مختصره: ((فإن حضر وقت صلاة مكتوبة وإلا صلى ركعتين)) وقال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه في المغني، 5/ 80: ((المستحب أن يحرم عقيب الصلاة، فإن حضر صلاة مكتوبة أحرم عقيبها، وإلا صلى ركعتين تطوعاً وأحرم عقيبهما، استحب ذلك: عطاء، وطاوس، ومالك، والشافعي، والثوري، وأبوحنيفة، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وقد روي عن أحمد أن الإحرام عقيب صلاة، وإذا استوت به راحلته)). القول الثاني: أن المستحب أن يحرم عقيب فرض، وإلا فليس للإحرام صلاة، وهو رواية عن الإمام أحمد ذكرها المرداوي في الإنصاف فقال: ((وعنه يستحب أن يحرم عقيب مكتوبة فقط)) [8/ 143]. واختار ذلك شيخ الإسلام في الفتاوى، [26/ 109]، فقال: ((يستحب أن يحرم عقيب صلاة إما فرض وإما تطوع، إن كان وقت تطوع في أحد القولين، وفي الآخر: إن كان يصلي فرضاً أحرم عقيبه، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه وهذا أرجح)). وقال ابن القيم في زاد المعاد، [2/ 107]، في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثم صلى الظهر ركعتين، ثم أهل بالحج والعمرة في مصلاه، ولم ينقل عنه أنه صلى للإحرام ركعتين، غير فرض الظهر)) فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على جبل البيداء أهل)). [أبو داود، برقم 1774، والنسائي، برقم 2662، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 496]. وقال سماحة شيخنا ابن باز رحمه اللَّه في الفتاوى، 16/ 172: ((المشروع للحاج إذا وصل الميقات: أن يغتسل إذا تيسر له ذلك، وأن يتوضأ ويصلي ركعتين سُنَّة الوضوء، إلا أن يكون إحرامه بعد فريضة فإن ذلك يكفيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم في حجة الوداع بعد صلاة الظهر بذي الحليفة)) وذكر رحمه اللَّه أن جمهور أهل العلم على استحباب صلاة ركعتين قبل الإحرام؛ لحديث عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)). [البخاري، برقم 1534]، ثم قال في مجموع الفتاوى له، 17/ 69: ((وهذا يدل على مشروعية صلاة الركعتين، وهذا قول جمهور أهل العلم. وقال آخرون: ليس في هذا نص)) وقال: ((يحتمل أن المراد صلاة الفريضة ... وليس بنص في ركعتي الإحرام، وكونه أحرم بعد فريضة لا يدل على شرعية ركعتين خاصة)). وسمعته يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 2337: ((ولا بأس أن يصلي سنة الوضوء بعده جمعاً بين القولين قبل الإحرام))، وذكر العلامة محمد بن صالح العثيمين في الشرح الممتع، 7/ 77: أنه إذا أمكن أن يحرم بعد صلاة فريضة فهو المشروع، أو يصلي صلاة الضحى إن كان في الضحى، أو سنة الوضوء إذا توضأ، وإن بقي في الميقات إلى وقت فريضة فالأفضل أن يهل بعد فريضة. انظر: شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 419، والفتاوى له، 26/ 109، والأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية له، ص 173، والمغني لابن قدامة، 5/ 80، والإنصاف للمرداوي، 8/ 143، والفروع لابن مفلح، 5/ 326 - 327، وزاد المعاد لابن القيم، 2/ 107، والروض المربع، تحقيق الطيار ومجموعة من أهل العلم، 5/ 73، والشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 76 - 77، ومجموع فتاوى ابن باز، 16/ 126 - 172، و17/ 38، 67، 68، 70، 25/ 226، وشرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 343.

6 - ثم بعد الفراغ من الصلاة ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده

6 - ثم بعد الفراغ من الصلاة ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬1). فإن كان يريد العمرة قال: لبيك عمرة، أو اللَّهم لبيك عمرة. ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907، وتقدم تخريجه.

وإن كان يريد الحج مفرداً قال: لبيك حجًّا، أو اللَّهم لبيك حجًّا؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: قدمنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ونحن نقول: لبيك اللَّهم لبيك بالحج (¬1). وإن كان يريد الجمع بين الحج والعمرة (قارناً) قال: لبيك عمرة وحجًّا، أو اللَّهم لبيك حجًّا وعمرةً؛ لحديث أنس - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أهلَّ بهما جميعاً: ((لبيك عمرة وحجًّا، لبيك عمرة وحجًّا)). وفي لفظ: ((لبيك عمرة وحجًّا)). وفي لفظ: ((لبيك بعمرة وحج)) (¬2)؛ ولحديث عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بوادي العقيق يقول: ((أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجة)) (¬3). وإن كان حاجًّا أو معتمراً عن غيره - وكيلاً - نوى ذلك بقلبه ثم قال: لبيك عن فلان، وإن كان حاجًّا أو معتمراً عن أنثى قال: لبيك عن أم فلان، أو بنت فلان، أو فلانة. والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة، أو غيرهما (¬4)، اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((ما أهل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره))، ¬

(¬1) البخاري، برقم 1570، وسيأتي تخريجه في أنواع الأنساك. (¬2) مسلم، برقم 1851، وسيأتي تخريجه في أنواع الأنساك. (¬3) البخاري، كتاب الحج، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العقيق وادٍ مبارك))، برقم 1534. (¬4) مجموع فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 5/ 249، وانظر: شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 419، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، 3/ 95.

وهذا لفظ لمسلم، وفي لفظ للبخاري أن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((أهلَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حين استوت به راحلته قائمة)) (¬1). وللبخاري أيضاً: ((كان ابن عمر رضي اللَّه عنهما إذا أراد الخروج إلى مكة ادَّهن بدهنٍ ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد الحُليفة فيصلِّ، ثم يركب، وإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم قال: هكذا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل)). وفي لفظ للبخاري أيضاً: ((كان ابن عمر رضي اللَّه عنهما إذا صلى الغداة بذي الحُليفة أمر براحلته، ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة قائماً ثم يلبِّي ... )) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((وهذا يدل على استقبال القبلة عند الإهلال، وهو معلق صحيح)) (¬3). وسمعته يقول: ((الأظهر أنه يتهيأ من المصلَّى، ويهلُّ إذا ركب على راحلته، وأما إهلاله وهو على البيداء فهو تكرار)) (¬4) (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من أهل حين استوت به راحلته، برقم 1552، وأطرافه: 166، 1514، 1609، 2865، 5151، ومسلم، كتاب الحج، باب أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذي الحليفة، برقم 24 - (1186). (¬2) البخاري، كتاب الحج، باب الإهلال مستقبل القبلة، برقم 1553، ورقم 1554. (¬3) سمعته رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري، على الحديث رقم 1553. (¬4) سمعته رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري، على الحديث رقم 1541. (¬5) قال الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى على حديث ابن عمر: ((فإني لم أر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يهل حتى تنبعث به راحلته))، وقال في الحديث الذي قبله: كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل، وفي رواية: حين قام به بعيره، وفي رواية: يهل حين تستوي به راحلته قائمة. هذه الروايات كلها متفقة في المعنى، وانبعاثها: هو استواؤها قائمة، وفيها دليل لمالك، والشافعي، والجمهور أن الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته، وقال أبو حنيفة: يحرم عقب الصلاة وهو جالس قبل ركوب دابته، وقبل قيامه، وهو قول ضعيف للشافعي، وفيه حديث من رواية ابن عباس لكنه ضعيف، وفيه أن التلبية لا تقدم على الإحرام)). شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 343 - 344.

وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((صلَّى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدَّم، وقلَّدها نعلين، ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج)) (¬1). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عند البخاري وفيه: (( ... فأصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه وقلَّد بدنته، وذلك لخمسٍ بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لأربع خلون من ذي الحجة ... )) (¬2). وعن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما: ((أن إهلال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من ذي الحليفة حين استوت به راحلته)). رواه أنس وابن عباس - رضي الله عنهم - (¬3). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة فلما ركب راحلته واستوت به أهل)) (¬4). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((فهذه نصوص صحيحة أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أهل حين استوت به راحلته واستوى عليها، ورواتها مثل: ابن عمر، وجابر، وأنس، وابن عباس في روايات صحيحة)) (¬5). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب إشعار الهدي وتقليده عند الإحرام، برقم 205 - (1243). (¬2) البخاري، كتاب الحج، باب ما يلبس المحرم من الثياب، برقم 1545. (¬3) البخاري، كتاب الحج، باب قول اللَّه تعالى: (الحج)، برقم 1515. (¬4) البخاري، كتاب الحج، باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح، برقم 1546. (¬5) شرح العمدة، في بيان مناسك الحج والعمرة، 1/ 425 - 426.

ثالثا: مسائل في الإحرام:

وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول على قول البخاري: ((رواه أنس وابن عباس)) قال: (( ... وكذا جابر وابن عمر، كلهم ذكروا بأنه - صلى الله عليه وسلم - أهل بعدما ركب، فقد صلَّى ثم ركب على راحلته ولبّى حين استوت به، أما حديث أنه أوجب بعد صلاته، ثم أوجب عندما ركب، ثم عند الاستواء على البيداء فهو ضعيف)) (¬1). ويلبي بتلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) (¬2). ثالثاً: مسائل في الإحرام: 1 - إذا كان من يريد الإحرام خائفاً من عائق يعوقه عن إتمام نسكه شُرِعَ له أن يشترط فيقول عند إحرمه بالنسك: (( ... فإن حبسني حابس فمحلِّي حيث حبستني))؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت أن تحرم وهي مريضة أن تشترط، فمتى اشترط المحرم ذلك عند إحرامه ثم أصابه ما يمنعه من إتمام نسكه فإن له التحلل ولا شيء عليه. فعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على ضباعة بنت الزبير فقال لها: ((لعلك أردت الحج؟)) قالت: واللَّه لا أجدني إلا وجعة (¬3)، فقال لها: ((حجِّي واشترطي (¬4)، قولي: اللَّهم محلِّي حيث حبستني)) (¬5). وكانت تحت المقداد بن الأسود (¬6). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي اللَّه عنها، أتت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني امرأة ثقيلة، وإني أريد الحج فما تأمرني؟ قال: ((أهلي بالحج واشترطي أن محلِّي حيث ¬

(¬1) سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1515. (¬2) متفق عليه، البخاري، برقم 1549، ومسلم، برقم 19 - (1184) وتقدم تخريجه في منافع الحج. (¬3) ما أجدني إلا وجعه: أي ما أجد نفسي إلا ذات وجع، تعني: أجد في نفسي ضعفاً من المرض، لا أدري أقدر على إتمام الحج أم لا. (¬4) حجي واشترطي: أي أحرمي بالحجي واجعلي شرطاً في حجك عند الإحرام، وهو اشتراط التحلل متى احتجتِ إليه. (¬5) محلي حيث حبستني: أي موضع إحلالي من الأرض حيث حبستني: أي هو المكان الذي عجزت عن الإتيان بالمناسك وانحبست عنها بسبب قوة المرض، ومحلِّي بكسر الحاء: اسم مكان، بمعنى: موضع التحلل من الإحرام. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، برقم 5089، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز اشتراط المحرم التحلل بقدر المرض ونحوه، برقم 1207.

حبستني)) (¬1)، ولفظ أبي داود: ((قولي لبيك اللَّهم لبيك، ومحلِّي من الأرض حيث حبستني)) (¬2). وفي لفظ للنسائي: ((قولي: لبيك اللَّهم لبيك ومحلِّي من الأرض حيث حبستني؛ فإن لك على ربك ما استثنيت)) (¬3). وعن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((احرمي وقولي: إن محلِّي حيث تحبسني، فإن حُبِسْتِ، أو مرضت فقد أحللتِ من ذلك شَرْطَكِ على ربِّك - عز وجل -)) (¬4). وما دلت عليه هذه الأحاديث ورواياتها الصحيحة هو الصواب ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب جواز اشتراط المحرم التحلل بقدر المرض ونحوه، برقم 1208. (¬2) سنن أبي داود، كتاب الحج، باب الاشتراط في الحج، برقم 1776، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الاشتراط في الحج، برقم 941. (¬3) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب كيف يقول إذا اشترط، برقم 2765،وقال العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي،2/ 278: ((حسن صحيح)) وانظر: إرواء الغليل للألباني، برقم 1010. (¬4) أحمد في المسند، 45/ 347، برقم 27358، وقال محققو المسند: ((حديث صحيح)) والحديث في مسند أحمد الطبعة القديمة، 6/ 419.

من أقوال العلماء (¬1). ¬

(¬1) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في الاشتراط عند الإحرام، على ثلاثة أقوال على النحو الآتي: القول الأول: الاشتراط عند الإحرام سنة مطلقاً، وهو مذهب الحنابلة، قال في الفروع، لابن مفلح، 5/ 328: ((ويستحب أن يشترط)) ((ومحلي حيث حبستني))، وقال في الإنصاف، 8/ 187: (( ... يقول ذلك بلسانه ... وهو صحيح، فلا يصح الاشتراط بقلبه على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وقيل يصح؛ لأنه تابع للإحرام، وينعقد بالنية فكذا الاشتراط، وهما احتمالان مطلقان في المغني، 5/ 94، وانظر: مسائل أحمد رواية ابن هاني، 1/ 152، ورواية عبد اللَّه، 2/ 685، واستدلوا بقصة ضباعة رضي اللَّه عنها. القول الثاني: الاشتراط عند الإحرام ليس بسنة مطلقاً، ولا يشرع ولا يصح، واستدلوا بقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ} [البقرة: 196]، وبقول ابن عمر رضي اللَّه عنهما، فعن سالم قال: كان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج، ويقول: ((أليس حسبكم سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إن حُبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم حلَّ من كل شيء حتى يحج عاماً قابلاً، ويهدي ويصوم إن لم يجد هدياً)). وفي لفظ: ((فإن حبس أحدكم حابس فليأتِ البيت فليطف به، وبين الصفا والمروة، ثم ليحلق، أو يقصر، ثم ليحلل وعليه الحج من قابل)). هذا لفظ النسائي في كتاب مناسك الحج، باب ما يفعل من حبس عن الحج ولم يكن اشترط، برقم 2768، 2769، والبخاري، كتاب المحصر، باب الإحصار في الحج، برقم 1810. ونسب هذا القول: للحنفية، والمالكية ابن مفلح في الفروع، 5/ 329. القول الثالث: الاشتراط عند الإحرام سنة لمن يخاف المانع من إتمام النسك، من حصر مرض أو غيره، وتركه سنة لمن لم يخف، واستدلوا بقصة ضباعة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنما أمرها أن تشترط على ربها لما كانت مريضة شاكية، فخاف أن يصدَّها المرض عن البيت. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((ويستحب للمحرم الاشتراط إن كان خائفاً، وإلا فلا، جمعاً بين الأخبار)). [الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 173]، وقال في موضع آخر: ((لكن المقصود بهذا اللفظ أنه أمرها بالاشتراط في التلبية، ولم يأمرها أن تقول قبل التلبية شيئاً، لا اشتراطاً ولا غيره))، وقال: ((وإن اشترط على ربه خوفاً من العارض فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، كان حسناً؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر ابنة عمه ضباعة بنت الزبير أن تشترط على ربها، لما كانت شاكية، فخاف أن يصدها المرض عن البيت ولم يكن يأمر بذلك كل من حج)). [مجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 105، 106، 107]، وقال ابن مفلح في الفروع، 5/ 329: ((واستحب شيخنا الاشتراط للخائف خاصة جمعاً بين الأدلة، ونقل أبو داود: إن اشترط فلا بأس))، ويعني بشيخه: ابن تيمية رحمه اللَّه. قال الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى عن حديث ضباعة بنت الزبير: ((فيه دلالة لمن قال: يجوز أن يشترط الحاج والمعتمر في إحرامه أنه إن مرض تحلَّل، وهو قول عمر بن الخطاب، وعلي، وابن مسعود، وأخيرين من الصحابة - رضي الله عنهم -، وجماعة من التابعين، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وهو الصحيح من مذهب الشافعي، وحجتهم هذا الحديث الصحيح الصريح. وقال أبو حنيفة، ومالك، وبعض التابعين لا يصح الاشتراط، وحملوا الحديث على أنها قضية عين، وأنه مخصوص بضباعة، وفي الحديث دليل على أن المرض لا يبيح التحلل إذا لم يكن اشترط في حال الإحرام، واللَّه أعلم)). [شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 381 - 382]. وقال الإمام القرطبي رحمه اللَّه: ((وبظاهر هذا الحديث قال جماعة من العلماء من الصحابة والتابعين، وغيرهم، منهم: عمر، وعلي، وابن مسعود، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وللشافعي قولان، فكل هؤلاء يجوز الاشتراط في الحج، وأنه له الفسخ إذا وقع شرطه، ومنع من ذلك جماعة أخرى، وقالوا: إنه لا ينفع، منهم: ابن عمر، والزهري، ومالك، وأبو حنيفة، متمسكين بقوله تعالى: {وأتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لله} [البقرة: 196] وبقوله: {ولا تُبْطِلُوا أعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، واعتذروا عن الحديث بوجهين: أحدهما: ادّعاء الخصوص بهذه المرأة، وثانيهما: أنهم حملوه على التحلل بالعمرة؛ فإنها أرادت أن تحج، كما جاء مفسراً من رواية ابن المسيب، وهو أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر ضباعة أن تشترط، وتقول: ((اللَّهم الحج أردت، فإن تيسر وإلا فعمرة)) [البيهقي، 5/ 223]، وروي عن عائشة أنها كانت تقول: ((للحجِّ خرجتُ وله قصدت فإن قضيته فهو الحج، وإن حال دونه فهو العمرة)) [البيهقي، 5/ 222]، واللَّه أعلم. المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم، 3/ 295 - 296. وقال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((وإن خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه؛ لكونه مريضاً أو خائفاً من عدو ونحوه استحب له أن يقول عند إحرامه: ((فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني؛ لحديث ضباعة بنت الزبير ... وفائدة هذا الشرط: أن المحرم إذا عرض له ما يمنعه من تمام نسكه: من مرض، أو صد عدو، جاز له التحلل ولا شيء عليه)). [مجموع فتاوى ابن باز 16/ 49]، وقال: ((الاشتراط يكون وقت الإحرام إذا دعت الحاجة إليه؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها في قصة ضباعة بنت الزبير)). مجموع الفتاوى، 16/ 128. ورجح العلامة ابن عثيمين ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو: أن الاشتراط سنة لمن كان يخاف المانع من إتمام النسك، ثم قال: ((وهذا القول هو الصحيح والذي تجتمع به الأدلة)) [الشرح الممتع، 7/ 80].

2 - إذا كان مع من يريد الحج أو العمرة أطفال أو صبيان

2 - إذا كان مع من يريد الحج أو العمرة أطفال أو صبيان، وأراد أن يحرموا بحج أو عمرة رغبة في الثواب له ولهم، فإن كان الصبي مميزاً أحرم بإذن وليه، وفعل عند الإحرام ما يفعله الكبير مما تقدم ذكره. وإن كان الصبي أو الجارية دون التمييز نوى عنهما وليهما الإحرام ولبَّى عنهما. ويمنعهما مما يمنع منه الكبير من محظورات الإحرام، وينبغي أن يكونا طاهري الثياب والأبدان حال الطواف. وكذلك يؤمر المميز والجارية المميزة بالطهارة قبل الشروع في الطواف (¬1)؛لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي ركباً بالروحاء فقال: ((من القوم؟)) قالوا المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: ((رسول اللَّه)) فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: ((نعم ولك أجر)) (¬2)؛ ولحديث السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: ((حُجَّ بي مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن سبع سنين)) (¬3). 3 - العبرة بالإحرام: فلو أحرم بالعمرة في رمضان، ولم يؤدِّها إلا في شوَّال، ثم حجَّ من عامه لم يكن متمتعاً بالعمرة إلى الحج؛ لأن إحرامه بالعمرة كان في غير أشهر الحج (¬4). ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 5/ 255، 256. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب صفة حج الصبي وأجر من حج به، برقم 1336. (¬3) البخاري، كتاب الحج، باب حج الصبيان، برقم 1858. (¬4) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 93، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 11/ 329 - 330.

المبحث الثاني عشر: صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - بإيجاز

المبحث الثاني عشر: صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - بإيجاز عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه. قال: دَخَلْنَا على جَابِرِ بن عبد اللَّه، فَسَأَلَ عن الْقَوْمِ (¬1) حتى انْتَهَى إلي. فقلت: أنا محمد بن عَلِيِّ بن حُسَيْنٍ، فَأَهْوَى بيده إلى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الأعلى (¬2)، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بين ثَدْيَيَّ وأنا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ. فقال: مَرْحَبًا بِكَ. يا بن أَخِي! سَلْ عَمَّا شِئْتَ. فَسَأَلْتُهُ وهو أَعْمَى. وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ. فَقَامَ في نِسَاجَةٍ (¬3) مُلْتَحِفًا بها. كُلَّمَا وَضَعَهَا على مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إليه من صِغَرِهَا. وَرِدَاؤُهُ إلى جَنْبِهِ، على الْمِشْجَبِ (¬4). فَصَلَّى بِنَا. فقلت: أَخْبِرْنِي عن حَجَّةِ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال بيده (¬5). فَعَقَدَ تِسْعًا. فقال إِنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لم يَحُجَّ. ثُمَّ أَذَّنَ في الناس (¬6) في الْعَاشِرَةِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حَاجٌّ. فَقَدِمَ المدِينَة بَشَرٌ كَثِيرٌ. كلهم يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ. فَخَرَجْنَا معه، حتى أَتَيْنَا ¬

(¬1) (فسأل عن القوم) أي عن جماعة الرجال الداخلين عليه، فإنه إذ ذاك كان أعمى. عَمِيَ في آخر عمره. (¬2) (فنزع زري الأعلى) أي أخرجه من عروته لينكشف صدري عن القميص. (¬3) (نساجة) قال الإمام النووي: هذا هو المشهور في نسخ بلادنا ورواياتنا لصحيح مسلم وسنن أبي داود. ووقع في بعض النسخ: في ساجة. بحذف النون. ونقله القاضي عياض عن رواية الجمهور. قال: وهو الصواب. قال: والساجة والساج، جميعاً، ثوب كالطيلسان وشبهه. قال: ورواية النون وقعت في رواية الفارسي ومعناه ثوب ملفق. قال: قال بعضهم: النون خطأ وتصحيف. قلت: ليس كذلك، بل كلاها صحيح، ويكون ثوباً ملفقاً على هيئة الطيلسان. وقال في النهاية: هي ضرب من الملاحف منسوجة، كأنها سميت بالمصدر. يقال: نسجت أنسج نسجاً نساجة. (¬4) (المشجب) هو عيدان تضم رؤوسها، ويفرج بين قوائمها، توضع عليها الثياب. (¬5) (فقال بيده) أي أشار بها. (¬6) (ثم أذن في الناس) معناه أعلمهم بذلك وأشاعه بينهم؛ ليتأهبوا للحج معه، ويتعلموا المناسك والأحكام ويشهدوا أقواله وأفعاله ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب وتشيع دعوة الإسلام.

ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بن أبي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: كَيْفَ أَصْنَعُ قال: ((اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي (¬1) بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي)) فَصَلَّى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ (¬2) حتى إذا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ على الْبَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إلى مَدِّ بَصَرِي (¬3) بين يَدَيْهِ. من رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذلك، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذلك، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذلك، وَرَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بين أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وهو يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وما عَمِلَ بِهِ من شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ (¬4) ((لَبَّيْكَ اللَّهم لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لك لَبَّيْكَ، إِنَّ الحمْدَ وَالنِّعْمَةَ لك وَالملْكَ، لَا شَرِيكَ لك)). وَأَهَلَّ الناس بهذا الذي يُهِلُّونَ بِهِ، فلم يَرُدَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عليهم شَيئاً منه. وَلَزِمَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تَلْبِيَتَهُ قال جَابِرٌ - رضي الله عنه -: لَسْنَا نَنْوِي إلا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حتى إذا أَتَيْنَا الْبَيْتَ معه اسْتَلَمَ الرُّكْنَ (¬5) فَرَمَلَ ثَلَاثًا (¬6) وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إلى مَقَامِ إبراهيم (¬7) - عليه السلام - فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا من مَقَامِ إبراهيم ¬

(¬1) (واستثفري) الاستثفار هو أن تشد في وسطها شيئاً، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها، من قدامها ومن ورائها، في ذلك المشدود في وسطها. وهو شبيه بثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها. (¬2) (ثم ركب القصواء) هي ناقته - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو عبيدة: القصواء المقطوعة الأذن عرضاً. (¬3) (ثم نظرت إلى مد بصري) هكذا هو في جميع النسخ: مد بصري، وهو صحيح، ومعناه منتهى بصري، وأنكر بعض أهل اللغة: مد بصري، وقال الصواب: مدى بصري، وليس هو بمنكر، بل هما لغتان، المد أشهر. (¬4) (فأهلّ بالتوحيد) يعني قوله: لبيك لا شريك لك. (¬5) (استلم الركن) يعني الحجر الأسود. فإليه ينصرف الركن عند الإطلاق واستلامه مسحه وتقبيله. (¬6) (فرمل ثلاثاً) قال العلماء: الرمل هو إسراع المشي مع تقارب الخطا، وهو الخبب. (¬7) (ثم نفذ إلى مقام إبراهيم) أي بلغه ماضياً في زحام.

مُصَلًّى} (¬1) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أبي يقول - ولا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هو اللَّه أَحَدٌ، وَقُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. ثُمَّ رَجَعَ إلى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ من الْبَابِ (¬2) إلى الصَّفَا. فلما دَنَا من الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ من شَعَائِرِ اللَّهِ} (¬3) ((أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ)) فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عليه حتى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّه، وَكَبَّرَهُ، وقال: ((لَا إِلَهَ إلا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، له الملكُ وَلَهُ الحمْدُ وهو على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إلا اللَّه وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ)) ثُمَّ دَعَا بين ذلك قال مِثْلَ هذا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ نَزَلَ إلى الْمَرْوَةِ حتى إذا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ (¬4) في بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حتى إذا صَعِدَتَا (¬5) مَشَى، حتى أتى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ على الْمَرْوَةِ كما فَعَلَ على الصَّفَا، حتى إذا كان آخِرُ طَوَافِهِ على الْمَرْوَةِ فقال: ((لو أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ من أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لم أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كان مِنْكُمْ ليس معه هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً)). فَقَامَ سُرَاقَةُ بن مَالِكِ بن جُعْشُمٍ فقال: يا رَسُولَ اللَّه أَلِعَامِنَا هذا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً في الْأُخْرَى وقال: ((دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ في الْحَجِّ)) مَرَّتَيْنِ ((لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ)) وَقَدِمَ عَلِيٌّ من الْيَمَنِ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 125. (¬2) (ثم خرج من الباب) أي من باب بني مخزوم، وهو الذي يسمى باب الصفا. وخروجه عليه السلام منه لأنه أقرب الأبواب إلى الصفا. (¬3) سورة البقرة، الآية: 158. (¬4) (حتى إذا انصبت قدماه) أي انحدرت. فهو مجاز من انصباب الماء. (¬5) (حتى إذا صعدتا) أي ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.

بِبُدْنِ (¬1) النَّبي - صلى الله عليه وسلم -،فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي اللَّه عنها مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذلك عليها، فقالت: إِنَّ أبي أَمَرَنِي بهذا، قال: فَكَانَ عَلِيٌّ يقول بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مُحَرِّشًا (¬2) على فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا ذَكَرَتْ عنه فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذلك عليها، فقال: ((صَدَقَتْ صَدَقَتْ. مَاذَا قُلْتَ حين فَرَضْتَ الْحَجَّ؟)) قال قلت: اللَّهم إني أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قال: ((فإن مَعِيَ الْهَدْيَ فلا تَحِلُّ)) قال: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الذي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ من الْيَمَنِ وَالَّذِي أتى بِهِ النبي - صلى الله عليه وسلم - مِائَةً قال: فَحَلَّ الناس كلهم وَقَصَّرُوا، إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ كان معه هَدْيٌ، فلما كان يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بها الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ. ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حتى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ من شَعَرٍ تُضْرَبُ له بِنَمِرَةَ (¬3) فَسَارَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ولا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (¬4). كما كانت قُرَيْشٌ ¬

(¬1) (ببدن) هو جمع بَدَنة، وأصله الضم. كخُشب في جمع خشبة. (¬2) (محرشاً) التحريش الإغراء، والمراد هنا أن يذكر له ما يقتضي عتابها. (¬3) (بنمرة) بفتح النون وكسر الميم. هذا أصلها. ويجوز فيها ما يجوز في نظيرها، وهو إسكان الميم مع فتح النون وكسرها، وهي موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات. (¬4) (ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام) معنى هذا أن قريشاً كانت في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام. وهو جبل في المزدلفة يقال له قزح. وقيل إن المشعر الحرام كل المزدلفة. وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات، فظنت قريش أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزه. فتجاوزه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عرفات؛ لأن اللَّه تعالى أمره بذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} أي سائر العرب غير قريش، وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة لأنها من الحرم، وكانوا يقولون: نحن أهل حرم اللَّه فلا نخرج منه.

تَصْنَعُ في الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ (¬1) رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قد ضُرِبَتْ له بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بها حتى إذا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ (¬2) له، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي (¬3). فَخَطَبَ الناس وقال: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا (¬4) في شَهْرِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا، ألا كُلُّ شَيْءٍ من أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ من دِمَائِنَا دَمُ بن رَبِيعَةَ بن الحارِثِ كان مُسْتَرْضِعًا في بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الجاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا، رِبَا عَبَّاسِ بن عبد المطَّلِبِ، فإنه مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّه في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّه وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّه (¬5)، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ (¬6) فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك ¬

(¬1) (فأجاز) أي جاوز المزدلفة ولم يقف بها، بل توجه إلى عرفات. (¬2) (فرحلت) أي وضع عليها الرحل. (¬3) (بطن الوادي) هو وادي عُرَنة، وليست عرنة من أرض عرفات عند الشافعي والعلماء كافة، إلا مالكاً فقال: هي من عرفات. (¬4) (كحرمة يومكم هذا) معناه متأكدة التحريم، شديدته. (¬5) (بكلمة اللَّه) قيل: معناه قوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). وقيل: المراد كلمة التوحيد وهي: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم. وقيل: قوله تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} وهذا الثالث هو الصحيح. (¬6) (ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه) قال الإمام النووي: المختار أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلاً أجنبياً أو امرأة أو أحداً من محارم الزوجة. فالنهي يتناول جميع ذلك. وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل ولا امرأة، لا محرم ولا غيره، في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه.

فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ (¬1)، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وقد تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّه (¬2). وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟)) قالوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قد بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فقال بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إلى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلى الناس (¬3) ((اللَّهم اشْهَدْ اللَّهم اشْهَدْ)) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ولم يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شيئاً، ثُمَّ رَكِبَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلى الصَّخَرَاتِ (¬4)، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بين يَدَيْهِ (¬5)، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فلم يَزَلْ وَاقِفًا حتى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حتى غَابَ الْقُرْصُ (¬6)، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَدَفَعَ ¬

(¬1) (فاضربوهن ضرباً غير مبرح) الضرب المبرح: هو الضرب الشديد الشاق. ومعناه اضربوهن ضرباً ليس بشديد ولا شاق، والبرح المشقة. (¬2) (كتاب اللَّه) بالنصب، بدل عما قبله. وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. (¬3) (وينكتها إلى الناس) هكذا ضبطناه: ينكتها. قال القاضي: كذا الرواية فيه، بالتاء المثناة فوق. قال: وهو بعيد المعنى. قال: قيل صوابه ينكبها. قال: ورويناه في سنن أبي داود بالتاء المثناة من طريق ابن العربي. وبالموحدة من طريق أبي بكر التمار. ومعناه يقلبها ويرددها إلى الناس مشيراً إليهم. ومنه: نكب كنانته إذا قلبها. هذا كلام القاضي. (¬4) (الصخرات) هي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة. وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات. فهذا هو الموقف المستحب. (¬5) (وجعل حبل المشاة بين يديه) روى حَبْل وروي جَبَل. قال القاضي عياض رحمه اللَّه: الأول أشبه بالحديث. وحبل المشاة أي مجتمعهم. وحبل الرمل ما طال منه وضخم. وأما بالجيم فمعناه طريقهم، وحيث تسلك الرجالة. (¬6) (حتى غاب القرص) هكذا هو في جميع النسخ. وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ. قال: قيل صوابه حين غاب القرص. هذا كلام القاضي، ويحتمل أن الكلام على ظاهره. ويكون قوله: حتى غاب القرص بياناً لقوله غربت الشمس وذهبت الصفرة. فإن هذه تطلق مجازاً على مغيب معظم القرص فأزال ذلك الاحتمال بقوله: حتى غاب القرص، واللَّه أعلم.

رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وقد شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ (¬1) الزِّمَامَ. حتى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ (¬2). وَيَقُولُ بيده اليمنى (¬3): ((أَيُّهَا الناس السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ)) (¬4) كُلَّمَا أتى حَبْلًا من الْحِبَالِ (¬5) أَرْخَى لها (¬6) قَلِيلًا حتى تَصْعَدَ، حتى أتى الْمُزْدَلِفَةَ (¬7)، فَصَلَّى بها الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ ولم يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شيئاً (¬8)، ثُمَّ اضْطَجَعَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حتى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حين تَبَيَّنَ له الصُّبْحُ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حتى أتى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فلم يَزَلْ وَاقِفًا حتى أَسْفَرَ جِدًّا (¬9) فَدَفَعَ قبل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بن عَبَّاسٍ وكان رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ ¬

(¬1) (وقد شنق للقصواء) شنق ضم وضيق. (¬2) (مورك رحله) قال الجوهري: قال أبو عبيدة: المورك والموركة هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا ملّ الركوب. وضبطه القاضي بفتح الراء قال: وهو قطعة أدم يتورك عليها الراكب تجعل في مقدم الرحل شبه المخدة الصغيرة. (¬3) (ويقول بيده) أي مشيراً بها. (¬4) (السكينة السكينة) أي الزموا السكينة. وهي الرفق والطمأنينة. (¬5) (كلما أتى حبلاً من الحبال) الحبال جمع حبل. وهوالتل اللطيف من الرمل الضخم. وفي النهاية: قيل: الحبال في الرمل كالجبال في غير الرمل. (¬6) (أرخى لها) أي أرخى للقصواء الزمام وأرسله قليلاً. (¬7) (المزدلفة) معروفة. سميت بذلك من التزلف والازدلاف، وهو التقرب، لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي مضوا إليه وتقربوا منها. وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل، أي ساعات. (¬8) (ولم يسبح بينهما شيئاً) أي لم يصلّ بينهما نافلة. (¬9) (حتى أسفر جداً) الضمير في أسفر يعود إلى الفجر المذكور أولاً. وقوله: جداً، بكسر الجيم، أي إسفاراً بليغاً.

أَبْيَضَ وَسِيمًا (¬1) فلما دَفَعَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ (¬2) فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ على وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إلى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ. فَحَوَّلَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ من الشِّقِّ الْآخَرِ على وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ وَجْهَهُ من الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ حتى أتى بَطْنَ مُحَسِّرٍ (¬3) فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى التي تَخْرُجُ على الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى (¬4)، حتى أتى الْجَمْرَةَ التي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مع كل حَصَاةٍ منها مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ (¬5)، رَمَى من بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بيده، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ ما غَبَرَ (¬6)، وَأَشْرَكَهُ في هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ من كل بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا من لَحْمِهَا ¬

(¬1) (وسيماً) أي حسناً. (¬2) (مرت به ظعن يجرين) الظُّعن بضم الظاء والعين، ويجوز إسكان العين، جمع ظعينة. كسفينة وسفن. وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة. ثم تسمى به المرأة مجازاً لملابستها البعير. (¬3) (حتى أتى بطن محسّر) سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي أعيا وكلَّ، ومنه قوله تعالى: {يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِير}. (¬4) (الجمرة الكبرى) هي جمرة العقبة، وهي التي عند الشجرة. (¬5) (حصى الخذف) أي حصى صغار بحيث يمكن أن يرمى بأصبعين. والخذف، في الأصل، مصدر سمي به. يقال: خذفت الحصاة ونحوها خذفاً من باب ضرب. أي رميتها بطرفي الإبهام والسبابة. قال النووي: وأما قوله: فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف. فكذا هو في النسخ. وكذا نقله القاضي عن معظم النسخ. قال: وصوابه مثل حصى الخذف. قال: وكذلك رواه غير مسلم، وكذا رواه بعض رواة مسلم. هذا كلام القاضي: قلت: والذي في النسخ من غير لفظة مثل هو الصواب، بل لا يتجه غيره ولا يتم الكلام إلا كذلك، ويكون قوله: حصى الخذف متعلقاً بقوله حصيات. أي رماها بسبع حصيات حصى الخذف، يكبر مع كل حصاة، فحصى الخذف متصل بحصيات واعترض بينهما يكبر مع كل حصاة، وهذا هو الصواب. (¬6) (ما غبر) أي ما بقي.

وَشَرِبَا من مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَأَفَاضَ إلى الْبَيْتِ (¬1)، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عبد الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ على زَمْزَمَ، فقال: ((انْزِعُوا (¬2) بَنِي عبد الْمُطَّلِبِ! فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ الناس (¬3) على سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ)) فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ منه. وَكَانَتْ الْعَرَبُ يَدْفَعُ بِهِمْ أبو سَيَّارَةَ (¬4) على حِمَارٍ عُرِىٍ، فلما أَجَازَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من الْمُزْدَلِفَةِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لم تَشُكَّ قُرَيْشٌ (¬5) أَنَّهُ سَيَقْتَصِرُ عليه وَيَكُونُ مَنْزِلُهُ ثَمَّ فَأَجَازَ ولم يَعْرِضْ له حتى أتى عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ (¬6). ¬

(¬1) (فأفاض إلى البيت) فيه محذوف تقديره: فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة ثم صلى الظهر، فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه. (¬2) (انزعوا) معناه استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء. (¬3) (لولا أن يغلبكم الناس) أي لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون عليه، بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم، لكثرة فضيلة هذا الاستقاء. (¬4) (يدفع بها أبو سيارة) أي في الجاهلية. (¬5) (لم تشك قريش) معنى الحديث أن قريشاً كانت قبل الإسلام تقف بالمزدلفة، وهي من الحرم، ولا يقفون بعرفات. وكان سائر العرب يقفون بعرفات، وكانت قريش تقول: نحن أهل الحرم، فلا نخرج منه، فلما حج النبي - صلى الله عليه وسلم - ووصل المزدلفة اعتقدوا أنه يقف بالمزدلفة على عادة قريش، فجاوز إلى عرفات، لقول اللَّه - عز وجل -: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} أي جمهور الناس. فإن مَن سوى قريش كانوا يقفون بعرفات ويفيضون منها. (¬6) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1216.

المبحث الثالث عشر: صفة الأنساك الثلاثة

المبحث الثالث عشر: صفة الأنساك الثلاثة أولاً: مفهوم وصفة الأنساك الثلاثة: من وصل إلى الميقات في أشهر الحج، وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة، وهو يريد الحج من عامه، فإنه مُخيَّر بين ثلاثة أنساك، وهي على النحو الآتي: 1 - العمرة وحدها: وهو ما يسمى بالتمتع (¬1) وهو أن يحرم بالعمرة وحدها من الميقات في أشهر الحج قائلاً عند نية الدخول في الإحرام: (لبيك عمرة). ويستمر في التلبية فإذا وصل مكة وبدأ الطواف قطعها، فإذا طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، ثم حلق أو قصر حلَّ له كل شيء حُرِمَ عليه للإحرام. فإذا كان اليوم الثامن - التروية - من ذي الحجة أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أعماله (¬2). والتمتع أفضل الأنساك لمن لم يكن معه هديٌ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعد أن سعى بين الصفا والمروة: (( ... لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل ¬

(¬1) التمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج من مكة أو من قريب منها من عامه. [المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 8/ 162]. وقال الإمام النووي في شرح مسلم، 8/ 385: ((التمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يحج من عامه)). (¬2) انظر المغني لابن قدامة، 5/ 82 و94 و95، والمتمع هو: أن يهل بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحج ويفرغ منها ويحرم بالحج في عامه.

2 - الجمع بين العمرة والحج

وليجعلها عمرة ... )) (¬1)، وفي لفظ للبخاري: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت)). 2 - الجمع بين العمرة والحج: وهو ما يُسمى بـ ((القران)) (¬2) وهو أن ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، برقم 1651، ورقم 1557، ومسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬2) القران: أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً في أشهر الحج، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجوز أن يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج، ويصير قارناً، واستدل بقول عائشة في حديثها، قالت: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحلَّ منهما جميعاً)) [البخاري، برقم 1556، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، برقم 1211، وبما رواه نافع قال: أراد ابن عمر رضي اللَّه عنهما الحج عام حجة الحرورية في عهد ابن الزبير رضي اللَّه عنهما، فقيل له: إن الناس كائن بينهم قتال ونخاف أن يصدوك، فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، إذاً أصنع كما صنع، أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، حتى كان بظهر البيداء، قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد، أشهدكم أني جمعت حجة مع عمرة، وأهدى هدياً مقلداً اشتراه، حتى قدم فطاف بالبيت وبالصفا، ولم يزد على ذلك، ولم يحلل من شيء حرُم عليه، حتى يوم النحر، فحلق، ونحر، ورأى أنه قد قضى طوافه للحج والعمرة بطوافه الأول، ثم قال: كذلك صنع النبي - صلى الله عليه وسلم -. [البخاري، برقم 1708، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز التحلل بالإحصار، وجواز القران، واقتصار القارن على طواف واحد وسعي واحد، برقم 1230]. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول عن هذا الطواف: ((أي طوافه بين الصفا والمروة، أما طواف الإفاضة فهو فرض على الجميع)) [سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1708] قال شيخ الإسلام: ((ومعنى قوله: كذلك صنع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة إلا مرة قبل التعريف، مع أنه كان قد جمع الحج إلى العمرة، ولم يرد به أنه لم يطف بالبيت بعد النحر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد طاف بعد التعريف، روى ذلك ابن عمر في غير موضع، هو وسائر الصحابة)). [شرح العمدة، 1/ 559]، وقال: ((ويجوز إضافة الحج إلى العمرة لكل محرم بالعمرة، ثم إن أضافه إليها قبل الطواف، وقع الطواف عن القران، وكان قارناً، وإن فعل ذلك بعد الشروع في الطواف لم يجز ذلك، وهذه الإضافة تتعين على من أحرم بعمرة وضاق الوقت عن أن يعتمر قبل الحج فخشي فوته، إما بأن تكون امرأة وقد حاضت، فلم يمكنها أن تطوف بالبيت فتحرم بالحج، وتصير قارنة، وتترك طواف القدوم ... أو بأن يوافي مكة يوم عرفة ويضيق الوقت عن إتمام العمرة والإحرام بالحج، ونحو ذلك، وكذلك من لم يخش فوات الحج وهو قارن إذا وقف قبل أن يطوف بالبيت، فهو باقٍ على قِرانه لا ينقض العمرة ... )) [شرح العمدة، 1/ 559]. وقال: ((وأصل ذلك حديث عائشة، فإنها قدمت مكة وهي متمتعة، فأمرها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن تهل بالحج ... ))، 1/ 559. مسألة: إذا أحرم بالحج لم يجز أن يدخل عليه العمرة، فإن أدخلها عليه لم تنعقد، ولم يرد في ذلك إلا شيئاً ضعيفاً [شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 567 - 568]، وكذلك يجوز الإحرام بما أحرم به فلان كما فعل علي - رضي الله عنه -، وسيأتي إن شاء اللَّه في صفة حجة الوداع وفوائدها [انظر: شرح العمدة، لابن تيمية 1/ 570].

3 - الحج وحده:

يحرم بالعمرة والحج جميعاً في أشهر الحج من الميقات قائلاً عند نية الدخول في النسك: ((لبيك عمرةً وحجّاً)) لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أهلَّ بهما جميعاً: ((لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً)). وفي لفظ: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لبيك عمرة وحجّاً))، وفي لفظ: ((لبيك بعمرة وحجٍّ)) (¬1). أو يحرم بالعمرة من الميقات ثم في أثناء الطريق يدخل الحج عليها ويلبي بالحج قبل أن يشرع في الطواف، فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم، وسعى سعي الحج، وإن شاء أخَّر سعي الحج بعد طواف الإفاضة، ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل إحرامه بل يبقى على إحرامه حتى يحل منه بعد التحلل يوم العيد. 3 - الحج وحده: وهو ما يسمى بـ ((الإفراد)) (¬2) وهو أن يحرم بالحج ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب إهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه، برقم 1851. (¬2) الإفراد: هو أن يحرم بالحج في أشهره ويفرغ منه ثم يعتمر [شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 285]، ومقصود النووي رحمه اللَّه بقوله: ثم يعتمر: أي من لم يعتمر عمرة الإسلام. أما العمرة بعد الحج مباشرة فلم يفعلها الصحابة، إلا ما ثبت عن عائشة رضي اللَّه عنها، فمن كان مثلها فلا بأس بالعمرة بعد الحج.

أما المفرد فليس عليه هدي. والأفضل للقارن وكذا المفرد

وحده من الميقات في أشهر الحج قائلاً عند نية الدخول في الإحرام: ((لبيك حجاً))؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: ((قدمنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ونحن نقول: لبيك اللَّهم لبيك بالحج، فأمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فجعلناها عمرة)) (¬1). وعمل المفرد كعمل القارن سواء بسواء إلا أن القارن عليه هدي - كالمتمتع - شكراً لله أن يسر له في سفرةٍ واحدةٍ: عمرةً وحجاً. أما المفرد فليس عليه هدي. والأفضل للقارن وكذا المفرد إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة فيقصر أو يحلق ويكون بهذا متمتعاً كما فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمره في حجة الوداع (¬2). ويدل على مشروعية هذه الأنساك الثلاثة حديث عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: ((خرجنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع: فمنَّا من أهل بعمرة، ومنَّا من أهل بحجٍّ وعمرة، ومنَّا من أهلَّ بالحجِّ ... )) (¬3). وفي لفظ لمسلم، قالت: خرج علينا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((من أراد منكم أن يهلّ بحجٍّ وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهلَّ بحجٍّ فليهل، ومن أراد أن يهلَّ بعمرة فليُهل)) (¬4). ¬

(¬1) البخاري، كتاب الحج، باب من لبَّى بالحج وسمَّاه، برقم 1570. (¬2) البخاري، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، برقم 1650، 1651، ومسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬3) هذا من لفظ البخاري، برقم 1562. (¬4) من لفظ مسلم، برقم 114 - (1211).

وفي لفظٍ للبخاري ومسلم: ((من كان معه هدي فليهل بالحجِّ مع العمرة، ثم لا يحلَّ حتى يحلَّ منهما جميعاً ... )) (¬1). وفي رواية لمسلم أن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ((خرجنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف فطمثت (¬2)، فدخل عليَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقال: ((ما يبكيك؟)) فقلت: واللَّه لوددت أني لم أكن خرجت العام، قال: ((ما لك لعلّكِ نفست؟ (¬3))) قلت نعم، قال: ((هذا شيء كتبه اللَّه على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)). قالت: فلما قدمتُ مكة قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((اجعلوها عمرة))، فأحلّ الناس إلا ¬

(¬1) من البخاري، برقم 1556، ومن مسلم، برقم 11 - (1211). (¬2) فطمثت: أي حضت. (¬3) لعلك نفستِ: أي حضتِ.

أما من وصل الميقات في أشهر الحج

من كان معه الهدي، قالت: فكان الهدي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، وذوي اليسار ... )) (¬1). وفي لفظ للبخاري قالت: ((فلما قدمنا تطوَّفنا بالبيت فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن ساق الهدي أن يحلَّ فحلَّ من لم يكن ساق الهدي)) (¬2). قال سماحة شيخنا ابن باز رحمه اللَّه على قول عائشة رضي اللَّه عنها: ((فلما قدمت مكة قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه اجعلوها عمرة فأحلّ الناس إلا من كان معه الهدي)) (¬3). قال رحمه اللَّه: ((وهذا هو الصواب الموافق لرواية غيرها من الصحابة، وأما قولها: ((فأما من أهل بحجٍّ أو جمع الحج والعمرة فلم يحلّوا حتى كان يوم النحر)) (¬4). فهذا إما نسيان منها رضي اللَّه عنها للواقع، أو غلط من بعض الرواة أُدرج في الحديث. واللَّه أعلم)) (¬5). قال ابن قدامة رحمه اللَّه: ((أجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء)) (¬6)؛لقول عائشة رضي اللَّه عنها: ((خرجنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فمنا من أهلَّ بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنَّا من أهلَّ بالحج .. )) (¬7). أما من وصل الميقات في أشهر الحج وهو لا يريد حجاً وإنما يريد العمرة فلا يقال له متمتع وإنما هو معتمر، وكذا من وصل إلى الميقات في غير أشهر الحج كرمضان وشعبان فهو معتمر فقط (¬8). ثانياً: أفضل الأنساك الثلاثة: أفضل الأنساك: التمتع، ثم القران لمن ساق الهدي، ثم الإفراد. والتمتع: هو أن يحرم بعمرة من الميقات، في أشهر الحج، ويفرغ منها ويحرم بالحج في عامه. والتمتع أفضل الأنساك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر جميع أصحابه الذين لم ¬

(¬1) من ألفاظ مسلم، برقم 120 - (1211). (¬2) اتفق البخاري ومسلم على هذه الروايات: البخاري، كتاب الحج، باب كيف تهلّ الحائض والنفساء، برقم 1556، وباب التمتع، والقران، والإفراد بالحج، برقم 1561، ورقم 1561، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، برقم 111 - (1211). (¬3) مسلم، برقم 120 - (1211) وتقدم تخريجه. (¬4) البخاري، برقم 1562، ومسلم، برقم 118 - (1211). (¬5) حاشية سماحة الشيخ ابن باز على بلوغ المرام، ص 443. (¬6) المغني، 5/ 82. (¬7) البخاري، برقم 1562، ومسلم، برقم 111 - (1211)، وتقدم تخريجه. (¬8) فتاوى مهمة في الحج والعمرة لابن باز، ص 10.

يسوقوا الهدي أن يفسخوا حجهم ويجعلوا إحرامهم عمرة، كما هو ثابت عن جماعة من الصحابة، بروايات صحيحة لا مطعن فيها، وتأسَّف - صلى الله عليه وسلم - على سوقه للهدي الذي كان سبباً لعدم تحلُّله بالعمرة مع أصحابه، فلو لم يكن التمتع أفضل الأنساك لما أمر به أصحابه، ولما تأسف على أنه لم يفعله بقوله (¬1) - صلى الله عليه وسلم -: (( ... لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة)). وفي لفظ: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت)). وفي لفظ للبخاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه الذين لم يسوقوا الهدي: ((أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصِّروا، ثم أقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلِّوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة)). فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمَّينا الحج؛ فقال: ((افعلوا ما آمركم به، فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحل منِّي حرام حتى يبلغ الهدي محلِّه)) ففعلوا (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه تعالى يقول: ((والصواب أن التمتع أفضل، فالمتمتع أفضل من القارن الذي ساق الهدي)) (¬3) (¬4). ¬

(¬1) أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 163. (¬2) متفق عليه من حديث جابر: البخاري، برقم 1557،ورقم 1651،ومسلم برقم 1218،وتقدم تخريجه. (¬3) سمعته أثناء تقريره رحمه اللَّه على زاد المعاد، 2/ 135. (¬4) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في أفضل الأنساك الثلاثة على ثلاثة أقوال على النحو الآتي: القول الأول: أن الإفراد أفضل، وهو أحد قولي الشافعي، ومذهب الإمام مالك، قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم أن ممن قال إن الإفراد أفضل من التمتع والقران: مالك وأصحابه، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وجابر، وعائشة، والأوزاعي، وأبو ثور، وداود، واحتج من قال بتفضيل إفراد الحج على غيره بأدلة متعددة)) ثم ذكر رحمه اللَّه أدلتهم بالتفصيل [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، 5/ 127 - 158] وقد أجاد وأفاد رحمه اللَّه بذكر أدلة هذا القول ومناقشتها في إحدى وثلاثين صفحة، وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 83، والفروع لابن مفلح، 5/ 334]. القول الثاني: أن القران أفضل، وهو مذهب أبي حنيفة ومن وافقه: قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وذهب جماعة من أهل العلم، إلى أن القران هو أفضل أنواع النسك، وممن قال بهذا: أبو حنيفة وأصحابه، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، والمزني، وابن المنذر، وأبو إسحاق المروزي، كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب، واحتج أهل هذا القول بأحاديث كثيرة دالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارناً في حجته)) ثم ذكر الشنقيطي رحمه اللَّه أدلة هذا الفريق وناقشها [أضواء البيان، 5/ 158 - 163]. ومن أدلة هذا الفريق: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارناً، قال الإمام ابن القيم رحمه اللَّه: ((إنما قلنا إنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم قارناً لبضعة وعشرين حديثاً صحيحة صريحة في ذلك)). [زاد المعاد، 2/ 107]، ثم ذكر هذه الأحاديث عن سبعة عشر صحابياً، وعد أسماء هؤلاء الصحابة بالتفصيل الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 161، ثم قال: ((وبالجملة فثبوت كون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارناً بالأحاديث الصحيحة التي ذكرنا طرفاً منها لا مطعن فيه، وقد قدمنا أن القائلين بأفضلية الإفراد معترفون بقرانه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، إلا أنهم جمعوا بين الأحاديث بأنه أحرم أولاً مفرداً ثم أدخل العمرة على الحج فصار قارناً، والذين قالوا بأفضيلة القران جزموا بأنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم قارناً في ابتداء إحرامه، واستدلوا لذلك بأحاديث صحيحة، ومنها حديث عمر - رضي الله عنه - عند البخاري، وفيه: ((وقل عمرة في حجة)) وكان ذلك بالعقيق قبل إحرامه ... )) [أضواء البيان، 5/ 161 - 162]. وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعاً، ولا منافاة؛ فإن الصحابة كان بعضهم يسمي القران تمتعاً، وقد نقل الإمام ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: ((والصواب أن الأحاديث في هذا الباب متفقة وليست بمختلفة، إلا اختلافاً يسيراً يقع مثله في غير ذلك، فإن الصحابة ثبت عنهم أنه - صلى الله عليه وسلم - تمتع، والتمتع عندهم يتناول القران)) ثم قال ابن القيم: ((فهؤلاء الخلفاء الراشدون: عمر، وعثمان، وعلي، وعمران بن حصين، رُوي عنهم بأصح الأسانيد: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قرن بين العمرة والحج، وكانوا يسمون ذلك تمتعاً، وهذا أنس يذكر أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي بالحج والعمرة)) زاد المعاد، 2/ 118 - 119، ثم ذكر خمسة عشر وجهاً في ترجيح حج النبي - صلى الله عليه وسلم - قارناً. [زاد المعاد، 133 - 135]. القول الثالث: أن التمتع أفضل الأنساك الثلاثة: وهو مذهب الإمام أحمد، وبه قال: إسحاق، والشافعي في أحد قوليه، وأهل الظاهر [المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم للقرطبي، 3/ 309]. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم أن حجة من قال: بأن التمتع أفضل مطلقاً، ومن قال: بأنه أفضل لمن لم يسق الهدي، وكلاهما مروي عن الإمام أحمد، هي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر جميع أصحابه الذين لم يسوقوا هدياً أن يفسخوا حجهم في عمرة، كما هو ثابت عن جماعة من الصحابة بروايات صحيحة لا مطعن فيها، وتأسفه صلوات اللَّه وسلامه عليه على سوقه الهدي، الذي كان سبباً لعدم تحلله بالعمرة معهم، قالوا: لو لم يكن التمتع هو أفضل الأنساك لما أمر به أصحابه، ولما تأسَّف على أنه لم يفعله في قوله: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة)) [البخاري، برقم 1557،ومسلم، برقم 1218] [أضواء البيان،5/ 163]. وقال العلامة محمد بن مفلح المقدسي رحمه اللَّه: ((وأفضل الأنساك التمتع، ثم الإفراد، ثم القران، قال في رواية صالح وعبد اللَّه الذي يختار المتعة؛ لأنه آخر ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يعمل لكل واحد منهما على حدة، وقال أبو داود رحمه اللَّه: ((ونقل المروذي عن أحمد: إن ساق الهدي فالقران أفضل، ثم التمتع؛ لأن في الصحيحين عن عائشة مرفوعاً: ((من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً)) [البخاري، برقم 1561، ومسلم، برقم 111 - (1211) [قال]: واختاره شيخنا - يعني ابن تيمية - قال: وإن اعتمر وحج في سفرتين، أو اعتمر قبل أشهر الحج فالإفراد أفضل باتفاق الأئمة الأربعة، نص عليه أحمد في الصورة الأولى)) [الفروع لابن مفلح، 5/ 330 - 334]. وقال العلامة الشنقيطي بعد أن ذكر أقوال أهل العلم في أفضل الأنساك: ((الأظهر عندي في المسألة: هو ما اختاره العلامة أبو العباس ابن تيمية رحمه اللَّه في منسكه، وهو إفراد الحج بسفر ينشأ له مستقلاً، وإنشاء سفر آخر مستقل للعمرة)) [أضواء البيان، 5/ 171]. وقال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((وأفضل الأنساك التمتع ... وعنه - يعني الإمام أحمد - إن ساق الهدي فالقران أفضل ... والأول أصح)) [الكافي لابن قدامة، 2/ 332 - 333]. وقال ابن القيم رحمه اللَّه: ((ونقل المروذي: أنه إن ساق الهدي فالقران أفضل وإن لم يسق فالتمتع أفضل)) [زاد المعاد، 2/ 141]. ولكن سمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 141، معلقاً على كلام ابن القيم هذا، يقول: ((والأفضل التمتع لأنه الذي تمنَّاه - صلى الله عليه وسلم -، وأمر به أصحابه - صلى الله عليه وسلم -، وهو الموافق للسنة القولية والفعلية)). وقال ابن القيم أيضاً: ((ذهب جماعة من السلف والخلف إلى إيجاب القران على من ساق الهدي، والتمتع بالعمرة المفردة على من لم يسق الهدي، منهم ابن عباس رضي اللَّه عنهما وجماعة)) [زاد المعاد، 2/ 114]. وقرر ابن القيم وجوب الفسخ إلى العمرة لمن لم يكن معه هدي فقال: ((ونحن نشهد اللَّه علينا أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضاً علينا فسخه إلى عمرة تفادياً من غضب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - واتباعاً لأمره)) [زاد المعاد، 2/ 182]. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على زاد المعاد عند كلام ابن القيم هذا، 2/ 182، يرجح أن فسخ الحج إلى العمرة مستحب وليس بواجب، وأنه ينبغي للمسلم أن يفسخ الحج إلى العمرة إن لم يكن معه هدي. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 135: ((والصواب أن المتمتع أفضل ... من القارن الذي ساق الهدي)). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((والقران أفضل من التمتع إن ساق هدياً، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وإن اعتمر وحج في سفرتين، أو اعتمر قبل أشهر الحج فالإفراد أفضل باتفاق الأئمة الأربعة)) [الأخبار العلمية، من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 173]. قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((وممن روي عنه اختيار التمتع: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وعائشة، والحسن، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وجابر بن زيد، وسالم، وعكرمة، وهو أحد قولي الشافعي، وروى المروذي عن أحمد إن ساق الهدي فالقران أفضل، وإن لم يسقه فالتمتع أفضل)) ثم ذكر الأدلة [المغني، 5/ 82 - 83] وقال المرداوي في الإنصاف (8/ 151): ((وأفضلها التمتع، ثم الإفراد، هذا الصحيح من المذهب، نص عليه مراراً كثيرة، وعليه جماهير الأصحاب، قال في رواية: عبد اللَّه، وصالح: يختار المتعة؛ لأنه آخر ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو من مفردات المذهب، وعنه: إن ساق الهدي فالقران أفضل، ثم التمتع، رواها المروذي، واختارها الشيخ تقي الدين، وقال: هو المذهب، وقال: وإن اعتمر وحج في سفرتين، أو اعتمر قبل أشهر الحج فالإفراد أفضل باتفاق الأئمة الأربعة)). ونقل العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه عن شيخ الإسلام: أن التمتع واجب على الصحابة - أي من لم يكن معه هدي - أما غيرهم فالمذهب أن التمتع هو الأفضل ... )) [الشرح الممتع، 7/ 91]، ويؤكد قول شيخ الإسلام قول ابن عباس في مناظرته: ((أقول لكم قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون قال أبو بكر وعمر، يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء)) [الإمام أحمد بنحوه، 1/ 337، والخطيب في الفقه والمتفقه، 1/ 145، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/ 239، وابن حزم في حجة الوداع، ص 268]. وأما شيخنا ابن باز رحمه اللَّه، فقد سمعته يرجح أن التمتع أفضل الأنساك لمن لم يكن معه هدي، فالمتمتع أفضل من القارن الذي ساق الهدي سمعت هذا الترجيح أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 135. وذكر ابن القيم رحمه اللَّه ما نقله المروذي عن الإمام أحمد: أنه إذا ساق الهدي فالقران أفضل، وإن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل [زاد المعاد، 2/ 141] فسمعت شيخنا يقول على كلام المروذي: ((والأفضل التمتع لأنه الذي تمناه - صلى الله عليه وسلم -، وأمر به أصحابه - صلى الله عليه وسلم -، وهو الموافق للسنة القولية والفعلية)) [سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 141]. وانظر: شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 438 - 553، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 127 - 172، وزاد المعاد، لابن القيم، 2/ 107 - 182، والمفهم للقرطبي، 3/ 308، وكتاب الفروع، لابن مفلح، 5/ 331 - 342، والمغني، لابن قدامة، 5/ 82 - 111، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 8/ 151 - 166.

المبحث الرابع عشر: التلبية: مفهومها، وألفاظها، وحكمها، ووقتها، وفوائدها:

المبحث الرابع عشر: التلبية: مفهومها، وألفاظها، وحكمها، ووقتها، وفوائدها: أولاً: مفهومها: التلبية: من لبَّى بمعنى: أجاب، فلفظة ((لبيك)) مثناة على قول سيبويه والجمهور، وتثنيتها للتكثير، والتكرير: أي إجابة لك بعد إجابة، ولزوماً لطاعتك، وقال الأنباري: ثنُّوا لبيك، كما ثنُّوا حنانيك: أي تحنّناً بعد تحنُّن، وأصل لبيك: لببتك. وقال القاضي عياض: ((اختلفوا في معنى لبيك، واشتقاقها: فقيل: معناها: اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذ من قولهم: داري تلبُّ دارك: أي تواجهها. وقيل: معناها: محبتي لك، مأخوذ من قولهم: امرأة لبَّة، إذا كانت محبة لولدها، عاطفة عليه. وقيل: معناها: إخلاصي لك مأخوذ من قولهم: حبٌّ لباب، إذا كان خالص محضاً ومن ذلك لب الطعام ولبابه. وقيل: معناها: أنا مقيم على طاعتك وإجابتك، مأخوذ من قولهم: لبّ الرجل بالمكان، وألبَّ به إذا أقام فيه، قال ابن الأنباري: وبهذا قال الخليل. قال القاضي: قيل هذه الإجابة لقوله تعالى لإبراهيم: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ}. وقال إبراهيم الحربي في معنى لبيك: أي قرباً منك وطاعة، والإلباب القرب، وقال أبو نصر: معناه: أنا ملب بين يديك: أي خاضع)) (¬1). ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 337 - 338، وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 351، وتهذيب السنن لابن القيم، المطبوع مع مختصر سنن أبي داود للمنذري، ومعالم السنن للخطابي، 2/ 335 - 336، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 4/ 222، وفتح الباري، لابن حجر، 3/ 409.

ثانيا: ألفاظ التلبية:

ثانياً: ألفاظ التلبية: ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألفاظ في التلبية على النحو الآتي: 1 - حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهلَّ فقال: ((لبَّيك اللَّهم لبَّيْك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) (¬1). وفي لفظ للبخاري، ومسلم، قال ابن عمر: لا يزيد على هؤلاء الكلمات (¬2)، وكان ابن عمر يزيد فيها: ((لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك والعمل)) (¬3). ولفظ أبي داود، وابن ماجه: وكان ابن عمر يزيد في تلبيته: لبيك، لبيك، لبيك، وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل (¬4). وكان عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما يقول: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يُهلُّ بإهلال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات، ويقول: لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك، لبيك والرغباء إليك والعمل (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1549، ورقم 5914، ومسلم، برقم 19 - (1184) وتقدم تخريجه في منافع الحج. (¬2) البخاري، برقم 5915، ومسلم، برقم 21 - (1184). (¬3) مسلم، برقم 19 - (1184). (¬4) أبو داود، برقم 1812، وابن ماجه، برقم 2918، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 509، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 15، وتقدم تخريجه في منافع الحج. (¬5) مسلم، برقم 21 - (1184) وتقدم تخريجه في منافع الحج.

2 - حديث عائشة رضي الله عنها

2 - حديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: إني لأعلم كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي: ((لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد، والنعمة لك)) (¬1). 3 - حديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - ولفظه كلفظ حديث عائشة، قال: كان من تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك)) (¬2). 4 - حديث جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه قال: فأهلَّ بالتوحيد: ((لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) (¬3). 5 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان من تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لبيك إله الحق لبيك)) (¬4). 6 - وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك، قال: فيقول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ويلكم قدقد)) (¬5). فيقولون: إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت. تعالى اللَّه عما يقولون علواً كبيراً. ¬

(¬1) البخاري، برقم 1550، وتقدم تخريجه في منافع الحج. (¬2) النسائي، برقم 2750، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 274، وتقدم تخريجه. (¬3) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه في منافع الحج. (¬4) النسائي، برقم 751، وابن ماجه واللفظ له، برقم 2920، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 274، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 16، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على فتح الباري، 3/ 410: ((إسناده صحيح عند النسائي مرفوعاً)). (¬5) قدقد: أي اقتصروا على هذا الكلام الذي هو توحيد، ولا تضيفوا إليه الشرك.

ثالثا: حكم الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -:

ثالثاً: حكم الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -: أجمع المسلمون على لفظ التلبية المذكورة في حديث ابن عمر المتفق عليه، وحديث جابر عند مسلم عند الإحرام بالحج أو العمرة، ولكن اختلفوا في الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ فيها تعظيم اللَّه، ودعاؤه، ونحو ذلك، فكرِه بعضهم الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحكاه ابن عبد البر عن مالك، قال: وهو أحد قولي الشافعي، وقال جماعة آخرون: لا بأس بالزيادة المذكورة عن ابن عمر، وأبيه، وزيادات الصحابة الثابتة، واستحب بعضهم الزيادة المذكورة (¬1). قال الشنقيطي رحمه اللَّه: ((الذي يظهر في هذه المسألة: أن الأفضل هو الاقتصار على لفظ تلبيته - صلى الله عليه وسلم - الثابتة في الصحيحين وغيرهما؛ لأن اللَّه تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬2). وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لتأخذوا عني مناسككم)) (¬3)، وأن الزيادة المذكورة لا بأس بها)) (¬4). للأحاديث الآتية: 1 - ما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر أنه كان يزيد في تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - الكلمات المذكورة في الحديث سابقاً؛ ولزيادة أمير المؤمنين كما تقدم. 2 - ما ثبت في حديث جابر - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد ذكر تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: وأهل الناس بهذا الذي يهلُّون به، فلم يردّ رسول ¬

(¬1) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 3/ 410، وأضواء البيان للشنقيطي، (5/ 343). (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬3) مسلم، برقم 1297، ولفظه في صحيح مسلم: ((لتأخذوا مناسككم)). (¬4) أضواء البيان، 5/ 443، وانظر: فتح الباري، 3/ 410.

3 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -،

اللَّه - صلى الله عليه وسلم - شيئاً منه، ولزم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تلبيته (¬1). 3 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، فعن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك - رضي الله عنه - وهما غاديان من منى إلى عرفة، كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ((كان يُهلُّ منَّا المهلُّ فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه)). وفي لفظ لمسلم: (( ... ولا يعيب أحدنا على صاحبه)) (¬2). 4 - حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((غدونا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من منى إلى عرفات فمنَّا الملبِّي ومنَّا المكبِّر)) (¬3). وهذه الأحاديث تدل على أن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يزيدون على لفظ تلبيته - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرهم على ذلك ولا ينكر عليهم ولزم تلبيته - صلى الله عليه وسلم - ومعلوم أن الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان فيها محذور لما فعلها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وابنه عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (¬4). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((المقصود أنه لا بأس أن يزيد في التلبية، كما فعل أنس، وعمر، وابن عمر - رضي الله عنهم -، وأقرهم - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الأفضل تلبيته - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لازمها)) (¬5). ¬

(¬1) مسلم، من حديث جابر، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة، برقم 1659، ومسلم، كتاب الحج، باب التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات، في يوم عرفة، برقم 1285. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفات في يوم عرفة، برقم 1284. (¬4) أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 344، وفتح الباري، لابن حجر، 3/ 409 - 410. (¬5) سمعته رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري، 3/ 410، 510.

رابعا: حكم التلبية:

واختار ابن حجر وغيره أنه إن زاد على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - مما ثبت عن الصحابة أو مما أنشأ هو من قبل نفسه مما يليق؛ فإن الأفضل أن يقوله على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع، ويفرد ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) (¬2). رابعاً: حكم التلبية: اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في حكم التلبية، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه أن في حكم التلبية مذاهب أربعة يمكن توصيلها إلى عشرة: المذهب الأول: أنها سنة من السنن لا يجب بتركها شيء، وهو قول الشافعي، وأحمد. المذهب الثاني: واجبة ويجب بتركها دم، حكاه الماوردي عن ابن أبي هريرة من الشافعية، وقال: إنه وجد للشافعي نصاً يدل عليه، وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية، والخطابي عن مالك وأبي حنيفة. المذهب الثالث: واجبة، لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج، ¬

(¬1) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 3/ 410 - 411. (¬2) وقد جاء زيادات عن بعض الصحابة منها ما يأتي: 1 - عن عمر أنه زاد: ((لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك لبيك، مرهوباً ومرغوباً إليك))، رواه الأثرم وابن المنذر، وابن أبي شيبة [الفروع لابن مفلح، 5/ 389، وشرح العمدة، لابن تيمية، 1/ 587]. 2 - عن أنس أنه زاد: ((لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً)) ذكره ابن قدامة في الكافي، وانظر: مجمع الزوائد، 3/ 223، وأخرجه البزار في كشف الأستار، 2/ 13. 3 - لبيك عدد التراب [انظر: شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 588]. 4 - لبيك غفار الذنوب لبيك. 5 - لبيك ذا المعارج. أحمد في المسند، 1/ 172، وانظر: شرح العمدة، 1/ 588، والفروع لابن مفلح، 5/ 389.

المذهب الرابع: أنها ركن في الإحرام

كالتوجه على الطريق، وهو قول بعض المالكية، وبعض الحنفية، لكن زاد من قال بذلك من الحنفية القول الذي يقوم مقام التلبية من الذكر، كما في مذهبهم من أنه لا يجب لفظ معين، وقال ابن المنذر قال أصحاب الرأي: إن كَبَّر، أو هلَّل، أو سبَّح، ينوي بذلك الإحرام فهو محرم. المذهب الرابع: أنها ركن في الإحرام لا ينعقد بدونها، حكاه ابن عبد البر عن الثوري، وأبي حنيفة، وابن حبيب من المالكية، والزبيري من الشافعية، وأهل الظاهر قالوا: هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة (¬1). والصواب من أقوال أهل العلم: هو ما ذهب إليه الإمام أحمد، والإمام الشافعي في المذهب الأول من هذه المذاهب المذكورة. وهو أن التلبية سنة، قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه في حكم التلبية: ((سنة مؤكدة)) (¬2). خامساً: أول وقت التلبية: الصواب أن أول وقت التلبية، هو أول الوقت الذي يركب فيه مركوبه عند إرادة ابتداء السير؛ لصحة الأحاديث الواردة بأنه - صلى الله عليه وسلم - أهلَّ حين استوت به راحلته قائمة، واستوى عليها؛ للأحاديث الآتية: 1 - حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((ما أهل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره)). وفي لفظ للبخاري: ((أهل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حين استوت به راحلته قائمة)). وفي لفظ للبخاري أيضاً: ((كان ابن عمر رضي اللَّه عنهما إذا صلى الغداة بذي الحليفة أمر براحلته ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة قائماً ثم يلبي)). وفي لفظ للبخاري أيضاً: أن ابن عمر: ((إذا ¬

(¬1) فتح الباري لابن حجر، 3/ 411، وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 349 - 350. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 75، 76.

2 - حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما

استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال: هكذا رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يفعل)) (¬1). 2 - حديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما: ((أن إهلال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من ذي الحليفة حين استوت به راحلته)) (¬2). 3 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ((صلَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة، فلما ركب راحلته واستوت به أهلّ)) (¬3). وفي لفظ: ((صلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه بالمدينة أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء (¬4) حمد اللَّه، وسبح، وكبر، ثم أهلَّ بحج وعمرة ... )) (¬5). 4 - حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: صلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم، وقلَّدها نعلين، ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج)) (¬6). 5 - حديث جابر - رضي الله عنه - في حديثه عن صفة حجة الوداع، وفيه: ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 166، 1514، 1609، 2865، 5151، ومسلم، برقم 24 - (1186) وتقدم تخريجه في الإحرام. (¬2) البخاري، برقم 1515، وتقدم تخريجه في الإحرام. (¬3) البخاري، برقم 1546، وتقدم تخريجه في الإحرام. (¬4) البيداء: المفَازة التي لا شيء فيها. [النهاية لابن الأثير، مادة: بيد] .. (¬5) البخاري، كتاب الحج، باب التحميد والتسبيح، والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة، برقم 1551. (¬6) مسلم، برقم 125 - (1243) وتقدم تخريجه في الإحرام.

6 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما

(( ... فصلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مدِّ بصري بين يديه: من راكب، وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل من شيء عملنا به، فأهلَّ بالتوحيد ... )) (¬1). 6 - حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فيها، ما أهل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره)) (¬2). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((ومراد ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهلَّ محرماً حين استوت به راحلته قائمة، من منزله بذي الحليفة، قبل أن يصل إلى البيداء، ووجه الجمع أنه - صلى الله عليه وسلم - ابتداء إهلاله حين استوت به راحلته قائمة، فسمعه قوم، ثم لما استوت به على البيداء أعاد تلبيته فسمعه آخرون لم يسمعوا تلبيته الأولى، فحدَّث كل واحد منهم بما سمع، وقال بعضهم: أحرم في مصلاة (¬3)، فسمعه بعضهم، ولم يسمعه ابن عمر حتى ¬

(¬1) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه في الإحرام. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1552، ومسلم برقم 1186، وتقدم تخريجه في الإحرام. (¬3) حجة من قال: إنه أحرم في مصلاه، قول ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((خرج رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حاجاً، فلما صلى في مجلسه بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظته عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسلاً، فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل، فقالوا: إنما أهل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فلما علا على شرف البيداء أهل، وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا: إنما أهل حين علا على شرف البيداء وايم اللَّه! لقد أهل في مصلاه، وأهل حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا على شرف البيداء. قال سعيد: فمن أخذ بقول ابن عباس أهلَّ في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه)) [أبو داود، برقم 1770، والحاكم، 2/ 552، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص 140]. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1515 يقول: ((أما حديث أنه أوجب بعد صلاته، ثم أوجب عندما استوى على راحلته، ثم عند الاستواء على البيداء فهو ضعيف)) وسمعته أيضاً يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 158: ((والصواب أنه لم يهل إلا بعد أن قامت به راحلته، أما حديث إهلاله من الأرض فضعيف، ولو كان الحديث جيداً لكان شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة، فكيف به وهو ضعيف)) , وسمعته رحمه اللَّه تعالى يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1541: ((وأما إهلاله وهو على البيداء فهو تكرار)).

استوت به راحلته، وجَزْمُ ابن عمر أنه ما أهل حتى استوت به راحلته يدلّ على أنه علم أنه لم يهل حتى استوت به، فالأحاديث متفقة، ومراد ابن عمر بالإنكار والتكذيب خاص بمن زعم أنه لم يلبِّ قبل وصوله البيداء، وهذا الجمع ذكره ابن حجر عن أبي داود، والحاكم (¬1) وقال ابن حجر في الفتح (¬2): فائدة: البيداء فوق عَلَمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي، قاله أبو عبيد البكري وغيره)) (¬3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((وأكثر نصوص أحمد تدلُّ على أن زمن الإحرام هو زمن التلبية)) (¬4). وقال رحمه اللَّه بعد أن ساق أحاديث الإحرام بعد الاستواء على الراحلة قائمة: ((فهذه نصوص صحيحة: أنه إنما أهل حين استوت به ¬

(¬1) انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 401. (¬2) انظر: المرجع السابق، 3/ 401. (¬3) أضواء البيان، 5/ 347. (¬4) شرح العمدة، في بيان مناسك الحج والعمرة، 1/ 422.

سادسا: فضائل التلبية

راحلته، واستوى عليها، ورواتها مثل: ابن عمر، وأنس، وابن عباس في رواية صحيحة)) (¬1). وقال رحمه اللَّه: ((فمن زعم أنه أحرم ولم يلبِّ ثم لبَّى حين استوت به ناقته فهو مخالف لجميع الأحاديث، ولعامة نصوص أحمد)) (¬2). فظهر مما تقدم: أن أول وقت التلبية هو وقت انعقاد الإحرام عند الاستواء على المركوب (¬3). وهذا هو السنة، وإلا فالصواب أن الإحرام ينعقد بمجحرد النية (¬4). قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((فلو لم يلبِّ فلا شيء عليه؛ لأن التلبية سنة مؤكدة)) (¬5). وقال: ((والواجب أن ينوي بقلبه نسكاً من حج أو عمرة، أو كليهما)) (¬6). سادساً: فضائل التلبية: التلبية لها فضائل عديدةعظيمة، ومنها الفضائل الآتية: 1 - التلبية توحيد، ومن حقق التوحيد دخل الجنة؛ لحديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - حجةالوداع، وفيه: أن النبي ¬

(¬1) المرجع السابق، 1/ 426. (¬2) شرح العمدة، 1/ 432. (¬3) انظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 347. (¬4) انظر: شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 434. (¬5) مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 75، 76، 77. (¬6) المرجع السابق، 17/ 77.

2 - الملبي بحج أو عمرة يبشر بالجنة

- صلى الله عليه وسلم - كان معه جمع غفير عند إحرامه من ذي الحليفة، قال جابر: (( ... ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلَّ بالتوحيد: لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) (¬1). 2 - الملبِّي بحجٍّ أو عمرة يُبشَّر بالجنة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أهلَّ مُهِلٌّ (¬2)، ولا كبَّر مكبِّر إلا بُشِّر)) قيل: يا رسول اللَّه بالجنة؟ قال: ((نعم)) (¬3). 3 - التلبية من أفضل الأعمال؛ لحديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سُئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((العجُّ والثَّجُّ)) (¬4)، ولفظ الترمذي: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سُئل: أيُّ الحجِّ أفضل؟ قال: ((العجُّ والثجُّ)) (¬5). 4 - الملبِّي في الحج أو العمرة يلبِّي معه الشجر والحجر؛ لعظم شأن التلبية؛ لحديث سهل - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلمٍ يُلبِّي إلا لبَّى من عن يمينه وشماله: من حَجَرٍ، أو شجر، أو مَدَرٍ حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا)) (¬6). ¬

(¬1) مسلم، برقم (1218)، وتقدم تخريجه في منافع الحج. (¬2) أهل: رفع صوته بالتلبية: الترغيب والترهيب للمنذري، 2/ 138. (¬3) أخرجه الطبراني في الأوسط، برقم 1706، [مجمع البحرين في زوائد المعجمين، 3/ 218]، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 24. (¬4) العجُّ: رفع الصوت بالتلبية. الثجُّ: سيلان دم الهدايا والأضاحي. (¬5) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، برقم 827، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 431، وابن ماجه، كتاب المناسك باب: التلبية برقم 2921. (¬6) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، برقم 828، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب التلبية، برقم 2921، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/ 431، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 16، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 22.

5 - التلبية من شعار الحج

5 - التلبية من شعار الحجِّ؛ لحديث زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((جاءني جبريل، فقال: يا محمد مُر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعار الحج)) (¬1). سابعاً: رفع الصوت بالتلبية سنة للرجال: جاء في رفع الصوت بالتلبية أحاديث منها، الآحاديث الآتية: 1 - حديث خلاّد بن السائب بن خلاّد عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال بالتلبية)) (¬2). 2 - حديث زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((جاءني جبريل فقال: يا محمد مُر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية؛ فإنها من شعار الحج)) (¬3). 3 - حديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((صلَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، وسمعتهم يصرخون بهما جميعاً)) (¬4). ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية، برقم 2923، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 17، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 830. (¬2) الترمذي، كتاب الحج، باب رفع الصوت بالتلبية، برقم 829، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية، برقم 2926، وأبو داود، كتاب المناسك، باب كيفية التلبية، برقم 1814، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/ 433، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 16. (¬3) ابن ماجه، برقم 2923، وتقدم تخريجه في فضائل التلبية. (¬4) البخاري، برقم 1548، وتقدم تخريجه في أول وقت التلبية.

4 - حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -

قال البخاري - رحمه اللَّه - في ترجمة هذا الحديث: ((باب رفع الصوت بالإهلال)) ونقل ابن حجر: أن الإهلال هنا: رفع الصوت بالتَّلبية، وقوله: ((يصرخون بهما جميعاً)) أي: بالحج والعمرة (¬1). 4 - حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، وفيه: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سُئل: أي الحج أفضل؟ قال: ((العجُّ والثج)) (¬2). والعجّ: هو رفع الصوت بالتلبية. ثامناً: خفض الصوت بالتلبية للنساء: السنة للمرأة أن تخفض صوتها بالتلبية، ولا ينبغي لها رفع الصوت بالتلبية، كما عليه جماهير أهل العلم (¬3). قال الإمام ابن عبد البر رحمه اللَّه: ((وأجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها، وإنما عليها أن تُسمع نفسها، فخرجت من جملة ظاهر الحديث، وخُصَّت بذلك، وبقي الحديث في الرجال)) (¬4). والمقصود بالحديث المشار إليه: الأمر برفع الصوت في التلبية. قال العلامة الشنقيطي - رحمه اللَّه -: ((وقال الرافعي في شرحه الكبير: وإنما يستحب الرفع في حق الرجل، ولا يرفع بحيث يجهد ويقطع صوته، والنساء تقتصرن على سماع أنفسهن)) (¬5). ¬

(¬1) فتح الباري لابن حجر، 3/ 408. (¬2) الترمذي، برقم 827، وابن ماجه، برقم 2921، وتقدم تخريجه في فضائل التلبية. (¬3) أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 352. (¬4) التمهيد لابن عبد البر، 17/ 242، وانظر: الاستذكار، لابن عبد البر، 11/ 122، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف، 8/ 218. (¬5) أضواء البيان للشنقطي، 5/ 352.

تاسعا: سبب التلبية:

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللَّه -: ((وأما المرأة فيستحب لها أن تسمع رفيقتها. قال أحمد في رواية حرب: تجهر المرأة بالتلبية ما تُسمع زميلتها؛ لما روى سليمان بن يسار ((أن السنة عندهم أن المرأة لا ترفع الصوت بالإهلال)) (¬1). وعن عطاء أنه كان يقول: ((يرفع الرجال أصواتهم بالتلبية، فأما المرأة فإنها تسمع نفسها ولا ترفع صوتها)) (¬2) (¬3). وقال العلامة ابن عثيمين - رحمه اللَّه -: ((تسر بها لأن المرأة مأمورة بخفض الصوت في مجامع الرجال، فلا ترفع صوتها بذلك، كما أنها مأمورة إذا نابها شيء في الصلاة مع الرجال أن تُصفِّق؛ لئلا يظهر صوتها، فصوت المرأة وإن لم يكن عورة يخشى منه الفتنة؛ ولهذا نقول: المرأة تلبِّي سراً بقدر ما تسمع رفيقتها ولا تعلن)) (¬4). تاسعاً: سبب التلبية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللَّه -: ((وسبب التلبية ومعناها على ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله - عز وجل - (¬5): ¬

(¬1) رواه سعيد بن منصور كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال محقق شرح العمدة: أورده المحب الطبري في القرى، ص 173، وقال: أخرجه سعيد بن منصور. (¬2) رواه سعيد بن منصور، كما ذكر شيخ الإسلام في شرح العمدة، 1/ 597، وقال محقق شرح العمدة: أورده المحب الطبري في القرى، ص 173، وقال أخرجه سعيد بن منصور. (¬3) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لابن تيمية، 1/ 597. (¬4) الشرح الممتع، 7/ 128. (¬5) المرجع السابق، 7/ 127.

عاشرا: فوائد التلبية:

{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (¬1). قال: لما بنى إبراهيم البيت أوحى اللَّه إليه: أن أذن في الناس بالحج، قال: فقال إبراهيم: ألا إن ربكم قد اتخذ بيتاً وأمركم أن تحجوه، فاستجاب له ما سمعه من شيء: من حجرٍ، وشجرٍ، وأكمةٍ، أو تراب، أو شيء: لبيك اللَّهم لبيك)) (¬2). قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: ((وقال ابن عبد البر قال جماعة من أهل العلم: معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج. انتهى، وهذا أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، بأسانيدهم في تفاسيرهم عن: ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، وقتادة، وغير واحد، والأسانيد إليهم قوية، وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده، وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه عنه قال: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت، قيل له: أذن في الناس بالحج، قال ربِّ وما يبلغ صوتي، قال: أذِّن وعليَّ البلاغ، قال: فنادى إبراهيم: يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فسمعه من بين السماء والأرض، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبُّون)) (¬3). عاشراً: فوائد التلبية: اشتملت التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة منها الفوائد الآتية: ¬

(¬1) سورة الحج، الآية: 27. (¬2) أخرجه الطبري بإسناده، في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 606. (¬3) فتح الباري لابن حجر، 3/ 409، وانظر: جامع البيان للطبري، 18/ 606، وشرح العمدة لابن تيمية، 1/ 578.

الفائدة الأولى: أن قولك: لبيك يتضمن إجابة داع دعاك

الفائدة الأولى: أن قولك: لبيك يتضمن إجابة داعٍ دعاك، ومنادٍ ناداك، ولا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه. الفائدة الثانية: أن التلبية تتضمن المحبة، ولا يقال: لبيك إلا لمن تحبه وتعظِّمه؛ ولهذا قيل في معناها: أنا مواجه لك بما تحب، وأنها من قولهم: امرأة لبة: أي محبة لولدها؛ ولهذا جاء في أحاديث كثيرة أن عدداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ناداهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أحدهم لبيك يا رسول اللَّه، ومنها أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا معاذ بن جبل)) قال: لبيك يا رسول اللَّه وسعديك ... )) (¬1). وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((يا أبا هريرة؟)) فقلت: لبيك يا رسول اللَّه وسعديك)) (¬2). وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((يا أبا ذر؟)) قال: قلت: لبيك وسعديك يا رسول اللَّه)) (¬3). الفائدة الثالثة: أنها تتضمن دوام العبودية؛ ولهذا قيل: هي من الإقامة: أي أنا مقيم على طاعتك. الفائدة الرابعة: أنها تتضمن الخضوع والتذلُّل لله وحده: أي خضوعاً بعد خضوع، من قولهم: أنا ملب بين يديك: أي خاضع ذليل. الفائدة الخامسة: أنها تتضمن الإخلاص؛ ولهذا قيل: إنها من اللبِّ، ¬

(¬1) البخاري، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا، برقم 128، 129، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة برقم 32. (¬2) البخاري، كتاب الأطعمة، باب قول اللَّه تعالى: {كُلُوْا مَنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْناكُم} [البقرة: 172] برقم 5375. (¬3) البخاري، كتاب الاستئذان، باب من أجاب بلبيك وسعديك، برقم 6268.

الفائدة السادسة: أنها تتضمن الإقرار بسمع الرب تعالى

وهو الخالص. الفائدة السادسة: أنها تتضمن الإقرار بسمع الرب تعالى، إذ يستحيل أن يقول المسلم لبيك لمن لا يسمع دعاه. الفائدة السابعة: أنها تتضمن التقرب من اللَّه؛ لهذا قيل: إنها من الإلباب، وهو التقرب. الفائدة الثامنة: أنها جعلت في الإحرام شعاراً للانتقال من حال إلى حال، ومن منسك إلى منسك، كما جعل التكبير في الصلاة سبعاً؛ للانتقال من ركن إلى ركن؛ ولهذا كانت السنة أن يلبِّي حتى يشرع في الطواف، فيقطع التلبية، ثم إذا سار لبَّى حتى يقف بعرفة فيقطعها، ثم يلبي حتى يقف بمزدلفة فيقطعها، ثم يُلبِّي حتى يرمي جمرة العقبة فيقطعها (¬1)، فالتلبية شعار الحج، والتنقل في أعمال المناسك، فالحاج كلما انتقل من ركن إلى ركن قال: ((لبيك اللَّهم لبيك)) كما أن المصلِّي يقول في انتقاله من ركن إلى ركن: ((اللَّه أكبر)) فإذا حل من نسكه قطعها، كما يكون سلام المصلِّي قاطعاً لتكبيره. الفائدة التاسعة: أنها شعار التوحيد: ملة إبراهيم، الذي هو روح الحج ومقصده، بل روح العبادات كلها، والمقصود منها؛ ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها. الفائدة العاشرة: أنها متضمنة لمفتاح الجنة، وباب الإسلام الذي ¬

(¬1) انظر: تهذيب السنن لابن القيم 2/ 235 - 240، وقطع التلبية في عرفة، وفي مزدلفة، وفي الطواف يحتاج إلى نظر كما سيأتي في الكلام على التلبية في الطواف.

الفائدة الحادية عشرة: أنها مشتملة على الحمد لله

يدخل منه إليه، وهو كلمة الإخلاص، والشهادة لله بأنه لا شريك له. الفائدة الحادية عشرة: أنها مشتملة على الحمد لله الذي هو من أحب ما يتقرب به العبد إلى اللَّه، وأول ما يُدعى إلى الجنة أهله، وهو فاتحة الصلاة وخاتمتها. الفائدة الثانية عشرة: أنها مشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلِّها؛ ولهذا عرَّفها باللام المفيدة للاستغراق: أي النعم كلها لك، وأنت موليها والمنعم بها. الفائدة الثالثة عشرة: أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك كله لله وحده، فلا ملك على الحقيقة لغيره. الفائدة الرابعة عشرة: أن هذا المعنى مؤكد الثبوت بإنَّ المقتضية تحقيق الخبر وتثبيته وأنه مما لا يدخله ريب ولا شك. الفائدة الخامسة عشرة: في ((إنَّ)) وجهان: فتحها وكسرها: فالفتح يتضمن معنى التعليل، فمن فتحها فالمعنى: لبيك؛ لأن الحمد والنعمة لك. والكسر تكون به جملة مستقلة مستأنفة، تتضمن ابتداء الثناء على اللَّه، فمن قال: ((إنَّ)) فقد عمَّ، ومن قال: ((أنَّ)) بالفتح فقد خصَّ. الفائدة السادسة عشرة: أنها متضمنة للإخبار عن اجتماع الملك، والنعمة، والحمد لله - عز وجل -، وهذا نوع آخر من الثناء عليه غير الثناء بمفردات تلك الأوصاف العليَّة، فاجتماع الملك والحمد، من أعظم الكمال، والملك وحده كمال، والحمد كمال، واقتران أحدهما بالآخر كمال،

الفائدة السابعة عشرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي

فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة مع النعمة المتضمِّنة لغاية النفع والإحسان والرحمة مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الداعي إلى محبته كان في ذلك: من العظمة، والكمال، والجلال، ما هو أولى به، وهو أهل له، وكان في ذكر العبد له ومعرفته له من انجذاب قلبه إلى اللَّه وإقباله عليه، والتوجّه بدواعي المحبة كلها إليه ما هو مقصود العبودية ولُبِّها، وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم. الفائدة السابعة عشرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ... وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) (¬1). وقد اشتملت التلبية على هذه الكلمات بعينها، وتضمنت معانيها، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وهو على كل شيء قدير)) تدخل تحت قوله - صلى الله عليه وسلم - في التلبية: ((لا شريك لك)) وكذلك تحت قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الحمد والنعمة لك))، وكذلك تدخل تحت إثبات الملك له تعالى، فالملك كله له، والحمد كله له، وليس له شريك بوجه من الوجوه، فهو الذي على كل شيء قدير. الفائدة الثامنة عشرة: أن كلمات التلبية متضمنة للردِّ على كلِّ مبطل في صفات اللَّه وتوحيده؛ فإنها مبطلة لقول المشركين على اختلاف طوائفهم ومقالاتهم، ولقول الفلاسفة وإخوانهم من الجهمية المعطلين لصفات الكمال التي هي متعلق الحمد؛ فهو سبحانه محمود لذاته، وصفاته، ولأفعاله، فمن جحد صفاته وأفعاله فقد جحد حمده، وكلمات التلبية ¬

(¬1) الترمذي، برقم 3585، وأوله ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة)) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 472، وتقدم تخريجه في فضائل الحج والعمرة.

الفائدة التاسعة عشرة: في عطف الملك على الحمد والنعمة

كذلك مبطلة لقول مجوس الأمة: القدرية الذين أخرجوا عن ملك الرب وقدرته أفعال عباده من الملائكة، والجن، والإنس، فلم يثبتوا له عليها قدرة، ولا جعلوه خالقاً لها ... فمن علم معنى هذه الكلمات في التلبية، وشهدها، وأيقن بها، باين (¬1) جميع الطوائف المعطلة. الفائدة التاسعة عشرة: في عطف الملك على الحمد والنعمة بعد كمال الخبر وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الحمد والنعمة لك والملك)) ولم يقل: إن الحمد والنعمة والملك لك، لطيفة بديعة، وهي أن الكلام يصير بذلك جملتين مستقلتين؛ فإنه لو قال: إن الحمد والنعمة والملك لك، كان عطف الملك على ما قبله عطف مفرد على مفرد، فلما تمت الجملة الأولى بقوله: ((لك)) ثم عطف الملك كان تقديره: والملك لك، فيكون مساوياً لقوله: ((له الملك وله الحمد)) ولم يقل: له الملك والحمد، وفائدته تكرار الحمد في الثناء. الفائدة العشرون: لما عطف النعمة على الحمد ولم يفصل بينهما بالخبر، كان فيه إشعار في اقترانهما وتلازمهمها، وعدم مفارقة أحدهما للآخر، فالإنعام والحمد قرينان. الفائدة الحادية والعشرون: في إعادة الشهادة بأنه لا شريك له، لطيفة، وهي أنه أخبر أنه لا شريك له عقب إجابته بقوله: ((لبيك)) ثم أعادها عقب قوله: ((إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)) وذلك يتضمن أنه لا شريك له في: الحمد، والنعمة، والملك، والأول يتضمن أنه لا شريك له في إجابة هذه الدعوة، وهذا نظير قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ ¬

(¬1) باين: أي خالفهم في مذهبهم، وفارقهم ولم يكن منهم.

الحادي عشر: مواطن التلبية:

لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (¬1). فأخبر بأنه لا إله إلا هو في أول الآية، وذلك داخل تحت شهادته وشهادة ملائكته، وأولي العلم، وهذا هو المشهود به، ثم أخبر عن قيامه بالقسط، وهو: العدل، فأعاد الشهادة بأنه لا إله إلا هو مع قيامه بالقسط)) (¬2). ولا شك أن الاهتمام بمعرفة معنى التلبية، ومعرفة هذه الفوائد التي تضمنتها التلبية تعين العبد المسلم على القيام بعبادة الحج والعمرة والتقرب إلى اللَّه بقول هذه الكلمات على أحسن وجه وأكمله. الحادي عشر: مواطن التلبية: التلبية مشروعة من حين الإحرام إلى الشروع في الإحلال من الإحرام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى: ((وتشرع التلبية من حين الإحرام إلى الشروع في الإحلال، ففي الحج يلبِّي إلى أن يأخذ في رمي جمرة العقبة، وفي العمرة إلى أن يشرع في الطواف)) (¬3). قال العلامة الشنقيطي - رحمه اللَّه -: ((اعلم أنه يستحب الإكثار من التلبية في دوام الإحرام، ويتأكد استحبابها في كل صعود وهبوط، وحدوث أمر: من ركوب، أو نزول، أو اجتماع رفاق، أو فراغ من صلاة، وعند إقبال الليل والنهار، ووقت السحر، وغير ذلك من تغاير ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 18. (¬2) تهذيب السنن لابن القيم رحمه اللَّه، 2/ 235 - 240 بتصرف. (¬3) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، 1/ 609.

الثاني عشر: التلبية في حال طواف القدوم والسعي بعده:

الأحوال، وعلى هذا أكثر أهل العلم)) (¬1). الثاني عشر: التلبية في حال طواف القدوم والسعي بعده: اختلف العلماء - رحمهم اللَّه تعالى - في استحباب التلبية في حال طواف القدوم والسعي بعده على قولين: القول الأول: لا يلبي في طواف القدوم والسعي بعده، وبه قال: مالك وأصحابه، وهو الجديد الصحيح من قولي الشافعي، وقال ابن عيينة: ما رأيت أحداً يُقتدى به يُلبِّي حول البيت إلا عطاء بن السائب، وذكر أبو الخطاب أنه لا يلبِّي، وعللوا ذلك؛ لأنه مشتغل بذكر يخصه، فكان أولى، وقد روى الإمام مالك في الموطأ: أن عبد اللَّه بن عمر كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم، حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يُلبِّي (¬2). القول الثاني: لا بأس بالتلبية في طواف القدوم، وبه قال ابن عباس، وربيعة بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب، وابن أبي ليلى، وداود، وأحمد، وقد روي عن عبد اللَّه بن عمر خلاف قوله في القول الأول، فقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق ابن سيرين عن ابن عمر أنه كان إذا طاف بالبيت لبى (¬3)، وهو قول للشافعي، قال ابن قدامة مُرجِّحاً هذا القول: ((ولنا، أنه زمنُ التلبية فلم يكره له، كما لو لم يكن حول البيت، ويمكن الجمع بين التلبية والذكر المشروع في الطواف، ويكره له رفع الصوت في التلبية؛ ¬

(¬1) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، 5/ 353 - 354، وانظر: الفروع لابن مفلح، 5/ 390، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف، 8/ 217. (¬2) موطأ الإمام مالك، كتاب الحج، باب قطع التلبية، 1/ 338. (¬3) مصنف ابن أبي شيبة، 3/ 681.

الثالث عشر: التلبية في مواضع النسك:

لئلا يشغل الطائفين عن طوافهم وأذكارهم)) (¬1). الثالث عشر: التلبية في مواضع النسك: سبق الخلاف في التلبية في طواف القدوم والسعي، وأما غير ذلك فقال العلامة الشنقيطي - رحمه اللَّه -: ((اعلم أنه لا خلاف بين من يُعتد به من أهل العلم أن المحرم يلبِّي في المسجد الحرام، ومسجد الخيف بمنى، ومسجد نمرة بقرب عرفات؛ لأنها مواضع نسك، واختلفوا في التَّلبية فيما سوى ذلك من المساجد، وأظهر القولين عندي أنه يُلبِّي في كل مسجد، إلا أنه لا يرفع صوته رفعاً يشوش على المصلين، والعلم عند اللَّه تعالى)) (¬2) (¬3). الرابع عشر: قطع التلبية إذا شرع المعتمر في الطواف وإذا رمى الحاج جمرة العقبة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللَّه -: ((وتشرع التلبية من حين ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 5/ 107، وانظر: المقنع والشرح الكبير والإنصاف، 8/ 217، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 355. (¬2) أضواء البيان، 5/ 356. (¬3) قال الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 356: ((أظهر قولي أهل العلم عندي: أن المحرم يلبِّي في كل مكان، في الأمصار، وفي البراري، ونقل النووي عن العبدري أنه قال به أكثر الفقهاء. خلافاً لمن قال: التلبية مسنونة في الصحاري، ولا يعجبني أن يلبي في المصر، والعلم عند اللَّه تعالى)). قلت: يعني الإمام أحمد كما ذكره ابن مفلح في الفروع، 5/ 391. قال: ((والمنقول عن أحمد: إذا أحرم في مصره، لا يعجبني أن يلبي حتى يبرز؛ لقول ابن عباس لمن سمعه يلبي في المدينة: إن هذا لمجنون إنما التلبية إذا برزت)). [وقال المحقق للفروع: أخرجه أحمد في مسائله برواية أبي داود، 99]، وأما عبارة ابن قدامة في المغني، 5/ 106: فقال ((ولا يستحب رفع الصوت بالتلبية في الأمصار ولا في مساجدها، إلا في مكة والمسجد الحرام ... وهذا قول مالك، وقال الشافعي: يلبي في المساجد كلها ويرفع صوته أخذاً من عموم الحديث)).

وأما قطع التلبية في الحج إذا رمى جمرةالعقبة

الإحرام إلى الشروع في الإحلال، ففي الحج يلبِّي إلى أن يأخذ في رمي جمرة العقبة، وفي العمرة إلى أن يشرع في الطواف، قال أحمد: الحاج يُلبِّي حتى يرمي جمرة العقبة، وفي رواية يقطع عند أول حصاة، وقال في رواية الجماعة في المعتمر يقطع التلبية إذا استلم الركن. وهذا هو المذهب)) (¬1). وأما قطع التلبية في الحج إذا رمى جمرةالعقبة؛ فلحديث عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما: أن أسامة - رضي الله عنه - كان رِدْفَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، فكلاهما قال: ((لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يُلبِّي حتى رمى جمرة العقبة)) (¬2). وفي لفظ عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أردف الفضل، فأخبر الفضل: أنه لم يزل يُلبي حتى رمى الجمرة)) (¬3). وفي لفظ عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن الفضل: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة)) (¬4) (¬5). ¬

(¬1) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 609. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الركوب والإرداف في الحج، برقم 1543، 1544، وباب التلبية والتكبير غداة النحر حتى يرمي الجمرة، والإرداف في السير، برقم 1686، 1687. ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر، برقم 1281، 1282. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب التلبية والتكبير غداة النحر، برقم 1685، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر، برقم 1282. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب النزول بين عرفة وجمع، برقم 1670، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر، برقم 1281. (¬5) قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((قوله لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة)) دليل على أنه يستديم التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة غداة يوم النحر، وهذا مذهب الشافعي، وسفيان، والثوري، وأبي حنيفة، وأبي ثور، وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين، وفقهاء الأمصار، ومن بعدهم. وقال الحسن البصري: يلبي حتى يصلي الصبح يوم عرفة ثم يقطع. وحُكي عن علي وابن عمر، وعائشة، ومالك، وجمهور فقهاء المدينة أنه يلبي حتى تزول الشمس يوم عرفة، ولا يلبي بعد الشروع في الوقوف. وقال أحمد، وإسحاق، وبعض السلف: يلبي حتى يفرغ من رمي جمرة العقبة. ودليل الشافعي والجمهور هذا الحديث الصحيح مع الأحاديث بعده، ولا حجة للآخرين في مخالفتها، فيتعين اتباع السنة)) [شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 31]. وانظر أيضاً: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 347، فقد قال: ((وإذا عرفت مما ذكرنا أول وقت التلبية، وأنه وقت انعقاد الإحرام، فاعلم أن الصحيح الذي قام عليه الدليل: أن الحاج لا يقطع التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة، وقال بعض أهل العلم: حتى ينتهي رميه إياها))، مما يدل على أن التلبية يديمها الحاج في عرفات، ومزدلفة وغير ذلك حتى يرمي جمرة العقبة، حديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -، فعن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد اللَّه ونحن بجمع: سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام: ((لبيك اللَّهم لبيك)). وفي لفظ: أن عبد اللَّه بن مسعود لبَّى حين أفاض من جمع، فقيل: أعرابي هذا؟ فقال عبد اللَّه: أنسي الناس أم ضلوا؟ سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان: ((لبيك اللَّهم لبيك)). وفي لفظ عن عبد الرحمن بن يزيد والأسود بن يزيد قالا: سمعنا عبد اللَّه بن مسعود يقول بجمع: سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة هاهنا يقول: ((لبيك اللَّهم لبيك)) ثم لبَّى ولبينا معه)) [مسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة، برقم 1283]، قال النووي رحمه اللَّه في شرحه على صحيح مسلم، 9/ 32: ((فيه دليل على استحباب إدامة التلبية بعد عرفات، وهو مذهب الجمهور كما سبق)). وقال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 348: ((وإذا علمت الصحيح الذي دلت عليه النصوص، فاعلم أن في وقت انتهاء التلبية مذاهب للعلماء غير ما ذكرنا: فقد روي عن سعد بن أبي وقاص، وعائشة أنه يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف. وعن علي، وأم سلمة أنهما كانا يلبيان حتى تزول الشمس يوم عرفة، وهذا قريب من قول سعد وعائشة. وكان الحسن يقول: يلبي حتى يصلي الغداة يوم عرفة. وروى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم يلبي حتى يغدو من منى إلى عرفة، فإذا غدا ترك التلبية، وكان يترك [التلبية] في العمرة إذا دخل الحرم)) ثم قال: ((والتحقيق أنه لا يقطعها إلا إذا رمى جمرة العقبة، لدلالة حديث الفضل ابن عباس الثابت في الصحيح على ذلك دلالة واضحة، ودلالة حديث ابن مسعود الثابت في الصحيح على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - بمزدلفة أيضاً، ولم يثبت في كتاب اللَّه ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - شيء يخالف ذلك، والعلم عند اللَّه تعالى)) [أضواء البيان 5/ 348 - 349]، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 533. والخلاصة: أن التلبية لا تقطع إلا إذا رمى الحاج جمرة العقبة؛ لحديث الفضل، وأسامة، فإذا شرع في الرمي بأول حصاة قطع التلبية؛ لحديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة)) [ابن خزيمة، 4/ 281، والبيهقي في السنن الكبرى، 5/ 137، وقال الألباني في تخريج سنن ابن خزيمةـ 4/ 281: ((إسناده صحيح لغيره)). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 348: ((ومن القرائن الدالةعلى ذلك: ما ثبت في الروايات الصحيحة من التكبير مع كل حصاة، فظرف الرمي لا يستغرق غير التكبير مع الحصاة؛ لتتابع رمي الحصيات)). ولكن أخرج الإمام ابن خزيمة رحمه اللَّه بسنده عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن أخيه الفضل - رضي الله عنه - قال: ((أفضت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة)) [صحيح ابن خزيمة، 4/ 282، برقم 2887، وقال الألباني في هذا الموضع: إسناده صحيح من طريق ابن عباس، وليس فيه ثم قطع التلبية مع آخرها، السنن الكبرى للبيهقي، 5/ 137 من طريق ابن خزيمة مثله، قال البيهقي، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة: هذه زيادة غريبة، وانظر فتح الباري]. قال الإمام ابن خزيمة، 4/ 282: ((فهذا الخبر يصرح أنه قطع التلبية مع آخر حصاة لا مع أولها)). قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 348: ((وعلى تقدير صحة هذه الرواية لا ينبغي العدول عنها)). وذكر الإمام الشوكاني أن من قال أن التلبية تستمر إلى رمي جمرةالعقبة اختلفوا هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي، فذهب جمهورهم إلى الأول [أي يقطعها مع رمي أول حصاة] وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم ما روى ابن خزيمة ... وساق الحديث، ثم قال الشوكاني: ((والأمر كما قال ابن خزيمة؛ فإن هذه زيادة مقبولة، خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد، وقبولها متفق عليه كما قرر في الأصول)). [نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 306]. وسمعت شيخنا ابن باز يقول رحمه اللَّه أثناء تقريره على فتح الباري لابن حجر، 3/ 533: ((حديث ابن خزيمة هذا فيه نظر؛ لأنه انفرد به والتلبية تقطع عند الرمي لأول حصاة)).

وأما قطع التلبية في العمرة إذا شرع في الطواف

وأما قطع التلبية في العمرة إذا شرع في الطواف؛ فلما رُوي في حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما (¬1)، ولما جاء في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (¬2). ¬

(¬1) حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُلبي المعتمر حتى يستلم الحجر)) [أبو داود، كتاب المناسك، باب متى يقطع المعتمر التلبية، برقم 1817، قال أبو داود: رواه عبد الملك بن أبي سليمان، وهمام عن عطاء عن ابن عباس موقوفاً. وأخرجه الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء متى يقطع التلبية بلفظ: عن عطاء عن ابن عباس قال يرفع الحديث: ((إنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر)) برقم 919، ولكن الحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص 144، وفي ضعيف سنن الترمذي، ص 99، قال الألباني: ((والصحيح موقوف على ابن عباس)) وانظر: إرواء الغليل، برقم 1099، وقال العلامة عبد المحسن بن حمد العباد في كتابه تبصير الناسك، ص 90: ((صح ذلك عن ابن عباس في سنن البيهقي، 5/ 104)). (¬2) أحمد في المسند، 11/ 278، برقم 6685، ورقم 6686، وذكر محققو المسند بعض شواهده وطرقه، وقالوا: ((حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، الحجاج: هو ابن أرطاة - مدلس، وقد عنعن)). قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((قال أبو عبد اللَّه: يقطع التلبية إذا استلم الركن، وهو معنى قول الخرقي: ((إذا وصل إلى البيت)) وبهذا قال ابن عباس، وعطاء، وعمرو بن ميمون، وطاوس، والنخعي، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وقال ابن عمر، وعروة، والحسن: يقطعها إذا دخل الحرم. وقال سعيد بن المسيب: يقطعها حين يرى عرش مكة [أي بيوتها القديمة] وحُكي عن مالك: أنه إن أحرم من الميقات قطع التلبية إذا وصل الحرم، وإن أحرم بها من أدنى الحل قطع التلبية حين يرى البيت)). قال ابن قدامة رحمه اللَّه: ((ولنا ... )) ثم استدل بحديث ابن عباس، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ثم قال: (( ... ولأن التلبية إجابة إلى العبادة، وإشعار للإقامة علهيا، وإنما يتركها إذا شرع فيما ينافيها، وهو التحلل منها، والتحلل يحصل بالطواف، والسعي، فإذا شرع في الطواف فقد أخذ في التحلل، فينبغي أن يقطع التلبية، كالحج إذا شرع في رمي جمرة العقبة؛ لحصول التسلسل بها، وأما قبل ذلك فلم يشرع فيما ينافيها، فلا معنى لقطعها واللَّه تعالى أعلم)). [المغني لابن قدامة، 5/ 256].

قال الترمذي رحمه اللَّه في آخر حديث ابن عباس: ((حديث ابن عباس حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، قالوا: لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الحجر (¬1). ¬

(¬1) سنن الترمذي، إثر الحديث برقم 919، وتمامه: وقال بعضهم: إذا انتهى إلى بيوت مكة قطع التلبية، والعمل على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبه يقول: سفيان، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

المبحث الخامس عشر: محظورات الإحرام

المبحث الخامس عشر: محظورات الإحرام الحظر: المنع والحجر، وحظر الشيء: أي منعه (¬1). ومحظورات الإحرام: هي ما يحرم على المحرم فعله بسبب الإحرام وهي: المحظور الأول: حلق الرأس، ويُلحق به سائر شعر البدن، بلا عذر؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬2). وهذا نص على حلق الرأس، ويقاس عليه سائر شعر البدن. وأيضاً قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (¬3). وقد فُسِّر قضاء التفث بقضاء ما عليهم من مناسكهم: من رمي الجمار، وحلق الشعر، ووضع الإحرام، والأخذ من الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، وذبح الذبيحة، ولبس الثياب، وما هم عليه في الحج، وأمر الحج كله، والعلم عند اللَّه تعالى (¬4). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وعلى هذا التفسير فالآية تدل على: أن الأظفار كالشعر بالنسبة للمحرم، ولاسيما أنها معطوفة بثم على نحر الهدايا؛ لأن اللَّه تعالى قال: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لهمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}، والمراد بذكر اسمه على ما ¬

(¬1) القاموس المحيط، ص 82، وشرح العمدة لابن تيمية، 2/ 15. (¬2) سورة البقرة، الآية: 196. (¬3) سورة الحج، الآية: 29. (¬4) انظر: جامع البيان للطبري، 18/ 612 - 614، وتفسر القرآن العظيم، لابن كثير، 10/ 48، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 404.

المحظور الثاني: تقليم الأظفار من اليدين أو الرجلين بلا عذر

رزقهم من بهيمة الأنعام: التسمية عند نحر الهدايا، والضحايا، ثم رتب على ذلك قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}، فدل على أن الحلق، وقص الأظفار ونحو ذلك ينبغي أن يكون بعد النحر، كما قال تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من حلق قبل أن ينحر لا شيء عليه)) (¬1). المحظور الثاني: تقليم الأظفار من اليدين أو الرجلين بلا عذر؛ لأنه إزالة جزء من بدنه تحصل به الرفاهية. فأشبه إزالة الشعر، إلا إذا انكسر ظفره وتأذَّى به فلا بأس أن يزيل المؤذي منه فقط ولا شيء عليه. قال ابن المنذر: ((وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره، وأجمعوا على أن له أن يزيل عن نفسه ما كان منكسراً منه)) (¬2) (¬3). المحظور الثالث: تعمُّد تغطية الرأس للرجل، وكذلك الوجه على الصحيح للرجل بملاصق كالعمامة والغترة، والطاقية، وشبهها، أما غير المتصل الملاصق كالخيمة والشمسية، وسقف السيارة فلا بأس؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: قام رجل فقال: يا رسول اللَّه ما تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلبسوا القميص، ولا السراويلات، ولا العمائم، ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 404. (¬2) الإجماع، لابن المنذر، ص 64، ونقل هذا الإجماع عن ابن المنذر الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 146، والشرح الكبير، 8/ 222. (¬3) انظر: المغني، لابن قدامة، 5/ 146، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 8/ 222، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 401 - 405، وشرح العمدة لابن تيمية، 2/ 5 - 8.

ولا البرانس (¬1) [ولا الخفاف] إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين، وليقطع أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا [من الثياب] شيئاً مسَّه زعفران أو ورسٌ] (¬2) ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القُفَّازين)) (¬3). أما جواز الاستظلال؛ فلحديث أم الحصين قالت: ((حججت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرةالعقبة، وانصرف وهو على راحلته، ومعه بلالٌ وأُسامة، أحدهما يقود به راحلته، والآخر رافعٌ ثوبه على رأس رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من الشمس قالت: فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قولاً كثيراً، ثم سمعته يقول: ((إن أُمِّر عليكم عبد مجدَّع (¬4) [حسبتها قالت] أسودُ يقودكم بكتاب اللَّه تعالى فاسمعوا له وأطيعوا)) وفي لفظ قالت: ((حججت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذٌ بخطام ناقة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - والآخر رافع ثوبه يستره من الحرِّ حتى رمى جمرة العقبة)) (¬5). ¬

(¬1) البرانس: الثوب الذي رأسه منه. (¬2) الورس: الورس: نبت أصفر يكون باليمين تتخذ منه المغرة للوجه، وتصبغ به الثياب [جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 24]. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة، وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: لا تلبس المحرمة ثوباً بورس أو زعفران برقم 1838، وما بين المعقوفتين من باب ما يلبس المحرم من الثياب، برقم 1542، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة لبسه وما لا يباح، وبيان تحريم الطيب عليه، برقم 1177. (¬4) مجدَّع: أي مقطع الأعضاء، والتشديد للتكثير، وإلا فالجدع قطع الأنف والأذن، والشفة، والذي قطع منه ذلك أجدع. (¬5) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، وبيان قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لتأخذوا مناسككم))، برقم 1298.

ولحديث جابر - رضي الله عنه - في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: ((أنه - صلى الله عليه وسلم - نزل في القبة التي ضُربت له بنمرة حتى زاغت الشمس)) (¬1). وأما تغطية الوجه؛ فلحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته (¬2)، أو قال فأوقصته، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اغسلوه بماءٍ وسدر، وكفِّنوه في ثوبين، ولا تحنِّطوه، ولا تُخمِّروا رأسه؛ فإنه يُبعث يوم القيامة ملبياً)). وفي لفظ للبخاري: ((ولا تمسوه طيباً)) (¬3)، بدلاً من: ((ولا تحنِّطوه)). وفي لفظ للبخاري: ((ولا تغطوا رأسه)) (¬4) بدلاً من: ((ولا تخمروا رأسه)). وفي لفظ للبخاري ومسلم: ((وكفِّنوه في ثوبيه)) (¬5). بدلاً من: ((وكفنوه في ثوبين)). وفي لفظ لمسلم: ((وألبسوه ثوبيه)) (¬6). وفي رواية لمسلم: أن رجلاً أوقصته راحلته وهو محرم، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثوبيه، ولا تُخمِّروا رأسه ولا وجهه؛ فإنه يُبعث يوم القيامة ملبياً)) (¬7). وفي لفظ لمسلم: ((وقصت رجلاً راحلته، وهو ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬2) وقصته: الوَقْصُ: كسر العُنُق، وقَصْتُ عُنُقَه أقِصُها وَقْصاً، وَوَقَصَتْ به راحِلَتُه. [النهاية، مادة (وقص). (¬3) من طرف الحديث في صحيح البخاري، برقم، 1267. (¬4) من طرف الحديث في صحيح البخاري، برقم 1839. (¬5) من طرف الحديث في صحيح البخاري، برقم 1851، وصحيح مسلم، برقم 1206. (¬6) مسلم، برقم: 96 - (1206). (¬7) مسلم، برقم: 98 - (1206).

مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فأمرهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يغسِّلوه بماء وسدرٍ، وأن يكشفوا وجهه، ورأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)) (¬1) (¬2). والمرأة لا تلبس النقاب والبرقع ولا القفازين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين)) (¬3). ولكن إذا احتاجت إلى ستر وجهها؛ لمرور الرجال الأجانب قريباً منها، فإنها تسدل الثوب أو الخمار من فوق رأسها على وجهها، قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ((كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه)) (¬4). وعن فاطمة بنت المنذر رحمها اللَّه قالت: ((كنَّا نُخمِّر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر)) (¬5). ¬

(¬1) مسلم، برقم: 102 - (1206). (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الكفن في ثوبين، برقم 1265، وكتاب جزاء الصيد، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة، برقم 1839، وباب المحرم يموت بعرفة ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يؤدّى عنه بقية الحج، برقم 1849، 1850، 1851، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، برقم 1206. (¬3) متفق عليه، واللفظ للبخاري: البخاري، برقم 1838، ومسلم، برقم 1177، وتقدم تخريجه في المحظور الأول: تعمد تغطية الرأس. (¬4) أبو داود، كتاب المناسك، باب المحرمة تغطي وجهها، برقم 1835، وأحمد، 6/ 30، وفي سنده يزيد بن أبي زياد القرشي، وحسن إسناده الأرنؤوط لشاهده عند الحاكم، وسيأتي. انظر: شرح السنة للبغوي، 7/ 240. (¬5) الموطأ، 1/ 328، والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 454، وقال الألباني في إرواء الغليل، 4/ 212: ((إسناده صحيح))، وانظر جامع الأصول، 3/ 31.

المحظور الرابع: لبس الرجل للمخيط عمد في جميع بدنه

وعن معاذة عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: ((المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت، إلا ثوباً مسَّه ورس أو زعفران، ولا تتبرقع، ولا تَلَثَّم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت)) (¬1). المحظور الرابع: لبس الرجل للمخيط عمدً في جميع بدنه، أو في بعضه مما هو مفصّل على الجسم كالقميص، والعمامة، والسراويل، والبرانس - وهو كل ثوب رأسه منه - والقفازين، والخفين، والجوربين، وكل ثوب مسه وَرْسٌ أو زعفران؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما وفيه: ((لا تلبسوا القميص، ولا السراويلات، ولا العمائم، ولا البرانس، ولا الخفاف إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين)) (¬2). ثم نسخ قطع الخفين على الصحيح لمن لم يجد النعلين، فعن جابر عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل للمحرم)). ولفظ مسلم: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 5/ 47،قال محققو مسند الإمام أحمد، 40/ 22: ((وهذا إسناد صحيح، وله شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر، رواه مالك في الموطأ، 1/ 328، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: ((كنا نخمِّر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر)) وإسناده صحيح، وقد أخرجه بنحوه، ابن خزيمة، 2690، والحاكم، 1/ 454. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1838، ورقم 1542، ومسلم، برقم 1177، وتقدم تخريجه في المحظور الثالث: تعمد تغطية الرأس. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين، برقم 1841، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، برقم 1179.

قال شيخنا الإمام ابن باز رحمه اللَّه: ((وأما ما ورد في حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما من الأمر بقطع الخفين إذا احتاج إلى لبسهما لفقد النعلين فهو منسوخ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك في المدينة، لما سئل عما يلبس المحرم من الثياب، ثم لما خطب الناس بعرفات أَذِنَ في لبس الخفين عند فقد النعلين، ولم يأمر بقطعهما، وقد حضر هذه الخطبة من لم يسمع جوابه في المدينة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، كما قد عُلِمَ في علمي أصول الحديث والفقه)) (¬1)، وسمعته أيضاً يقول: ((والصواب أنه لا يقطع الخفين إذا لم يجد النعلين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بقطع ذلك في عرفات، فالنسخ أقرب)) (¬2). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((وإذا لم يجد نعلين، ولا ما يقوم مقامهما، فله أن يلبس الخف ولا يقطعه، وكذلك إذا لم يجد إزاراً فإنه يلبس السراويل ولا يفتقه، هذا أصح قولي العلماء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في البدل في عرفات)) (¬3). قال ابن تيمية رحمه اللَّه فيما يجوز للمحرم لبسه: ((يجوز أن يلبس كل ما كان من جنس الإزار والرداء، فله أن يلتحف بالجبة، والقميص، ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 53 - 54. (¬2) أثناء تقريره رحمه اللَّه على صحيح البخاري على الحديث رقم. (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 110.

المحظور الخامس: تعمد استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب

ونحو ذلك ويتغطَّى به باتفاق الأئمة)) (¬1)، ولو خاط شقوق الإزار أو الرداء ورقعه فلا بأس به؛ فإن الذي يُمنع منه المحرم هو اللباس المصنوع على قدر الأعضاء وما فصِّل عليها (¬2). المحظور الخامس: تعمد استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن، أو المأكول، أو المشروب، كأن يشرب قهوة فيها زعفران، إلا إذا كان قد ذهب طعمه وريحه؛ لحديث يعلى بن أمية - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللَّه كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمِّخ بطيب؟ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة، فجاءه الوحي، فأشار عمر - رضي الله عنه - إلى يعلى، فجاءه يعلى وعلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ثوب قد أُظل به، فأدخل رأسه فإذا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مُحمّر الوجه، وهو يغطُّ، ثم سرِّي عنه، فقال: ((أين السائل عن العمرة؟)) فأُتي برجلٍ فقال: ((اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك)). وفي لفظ: أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعليه أثر الخلوق، أو قال: صفرة، فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ وفي الحديث قال: ((أين السائل عن العمرة؟ اخلع عنك الجبة، واغسل أثر الخلوق عنك (¬3)، واتق الصفرة، واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك)) (¬4). ¬

(¬1) فتاوى ابن تيمية، 26/ 110. (¬2) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 119. (¬3) الخلوق: نوع من الطيب: أحمر أو أصفر، جامع الأصول، لابن الأثير، 3/ 30. (¬4) البخاري، كتاب الحج، باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب، برقم 1536، وكتاب العمرة، باب: يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج، برقم 1789.

المحظور السادس: قتل صيد البر الوحشي المأكول، واصطياده

وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه تعالى يقول: ((وفيه من الفوائد: أن الإنسان إذا نسي فلبس جبة أو عمامة أو ثوباً جاهل أو ناسٍ وهو محرم فلا شيء عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بفدية لجهله، وهكذا لو تضمَّخ بطيب بعد الإحرام وهو جاهل فلا شيء عليه، والناسي من باب أولى (¬1). وقال في المحرم الذي وقصته ناقته: ((ولا تحنطوه)) وفي رواية: ((ولا تمسوه بطيب)) (¬2)؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس)) (¬3). أما الطيب الذي تطيب به قبل الإحرام في رأسه ولحيته فلا يضر بقاؤه بعد الإحرام؛ لأن الممنوع في الإحرام ابتداء الطيب لاستدامته كما تقدم. المحظور السادس: قتل صيد البر الوحشي المأكول، واصطياده؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} (¬4). وقوله سبحانه: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬5). وقوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} (¬6). ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره رحمه اللَّه على صحيح البخاري، الحديث رقم (4329). (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1265، 1839، 1849، ومسلم، برقم 1206، وتقدم تخريجه في المحظور الثالث. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1838، ومسلم، برقم 1177، وتقدم تخريجه في المحظور الثالث. (¬4) سورة المائدة، الآية: 95. (¬5) سورة المائدة، الآية: 96. (¬6) سورة المائدة، الآية: 1.

وقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} (¬1)؛ ولحديث الصَّعب بن جثامة الليثي - رضي الله عنه -: أنه أهدى لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حماراً وحشياً، وهو بالأبواء أو بودَّان (¬2) فردَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: ((إنا لم نردُّه إلا أنا حرمٌ)). وفي لفظ للبخاري: ((أما إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)). وفي لفظ للبخاري أيضاً: قال الصعب: فلما عرف ما في وجهي ردَّهُ هديتي، قال: ((ليس بنا ردٌّ عليك ولكنا حرم)). وفي رواية لمسلم: ((أهديت له من لحم حمارِ وحشٍ)) (¬3). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: أهدى الصعب بن جثَّامة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حما روحش وهو محرم فرده عليه، وقال: ((لولا أنا محرمون لقبلناه منك)). وفي لفظ: ((أهدى الصعب بن جثَّامة رجل حمار وحشٍ)). وفي لفظ: ((عجز حمار وحشٍ يقطر دماً)). وفي لفظ: ((أهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - شقُّ حمارٍ وحشٍ فردَّه)) (¬4). وعن أبي قتادة الأنصاري في قصة صيده الحمار الوحشي، وهو غير محرم، قال: فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه - وكانوا محرمين -: ((أمنكم ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 2. (¬2) مكان في طريق الذاهب من المدينة إلى مكة. شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 354. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب: إذا أهدي للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل، برقم 1825، وكتاب الهبة، باب قبول الهدية، برقم 2573، وباب: من لم يقبل الهدية لعله، برقم 2596، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم 1193. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم 1193.

أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟)) قالوا: لا، قال: ((فكلوا ما بقي من لحمها)) (¬1). وفي لفظ: فقال للقوم: ((كلوا)) ومنهم محرمون (¬2). وفي لفظ للبخاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((معكم منه شيء؟)) فقلت: نعم، فناولته العضد فأكلها حتى نفَّدها وهو محرم)) (¬3)، وفي لفظ للبخاري، قال معنا رجلها، فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكلها (¬4). وفي لفظ للبخاري: ((إنما هي طعمة أطعمكموها اللَّه)) (¬5). وفي لفظ لمسلم: ((هو حلال فكلوه)) (¬6). وفي لفظ لمسلم: ((هل منكم أحد أمره، أو أشار إليه بشيء؟)). وفي لفظ للنسائي: ((هل أشرتم، أو أعنتم؟)) قالوا: لا، قال: ((فكلوا)) (¬7). وذكر الإمام النووي رحمه اللَّه روايات مسلم لحديث الصعب ثم قال: ((وهذه الطرق التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح، وأنه إنما أهدى بعض لحم صيد لا كله، واتفق العلماء على تحريم الاصطياد على المحرم، وقال الشافعي: يحرم عليه تملك الصيد، والهبة، ونحوهما، وفي ملكه إياه بالإرث خلاف، وأما لحم الصيد: فَمَنْ صاده، أو صِيد له، فهو ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب لا يشير المحرم إلى صيد لكي يصداده الحلال برقم 1824، ومسلم كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم 1196. (¬2) من طرف الحديث رقم 1821. (¬3) من طرف الحديث رقم 2570، 5407. (¬4) من طرف الحديث رقم 2854، ومسلم كذلك 63 - (1196). (¬5) من طرف الحديث رقم 5490، 5492، ومسلم كذلك برقم 57 - (1196). (¬6) مسلم، برقم 1196. (¬7) النسائي، برقم 2826.

حرام، سواء صيد له بإذنه أو بغير إذنه، فمن صاده حلال لنفسه، ولم يقصد المحرم، ثم أهدى من لحمه للمحرم، أو باعه لم يحرم عليه، هذا مذهبنا وبه قال مالك، وأحمد، وداود. وقال أبو حنيفة: لا يحرم عليه ما صيد له بغير إعانة منه. وقالت طائفة: لا يحل له لحم الصيد أصلاً: سواء صاده أوصاده غيره له، أو لم يقصده فيحرم مطلقاً، حكاه القاضي عياض عن علي وابن عمر، وابن عباس - رضي الله عنهم -،لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬1). قالوا: المراد بالصيد المصيد؛ ولظاهر حديث الصعب بن جثامة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردَّه، وعلل ردَّه بأنه محرم، ولم يقل: لأنك صدته لنا، واحتج الشافعي وموافقوه بحديث أبي قتادة المذكور في صحيح مسلم بعد هذا؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الصيد الذي صاده أبو قتادة وهو حلال قال للمحرمين: ((هو حلال فكلوه)) وفي الرواية الأخرى قال: ((فهل معكم منه شيء؟)) قالوا: معنا رجله، فأخذها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأكلها، وفي سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يُصاد لكم)) (¬2). هكذا الرواية: يصاد ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 96. (¬2) أبو داود، كتاب المناسك، باب لحم الصيد للمحرم، برقم 1851، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في أكل الصيد للمحرم، برقم 846، والنسائي، كتاب المناسك، باب إذا أشار المحرم إلى الصيد فقتله الحلال، برقم 2830، قال الترمذي: ((وفي الباب عن أبي قتادة وطلحة، قال أبوعيسى: حديث جابر حديث مفسِّر، والمطلب لا نعرف له سماعاً من جابر، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لا يرون بالصيد للمحرم بأساً إذا لم يصطده أو يُصد من أجله، قال الشافعي: هذا أحسن حديث روي في هذا الباب، وأقيس، والعمل على هذا، وهو قول أحمد وإسحاق)). [سنن الترمذي، في آخر الحديث رقم 846]. والحديث ضعفه الألباني في ضعيف السنن المذكورة هنا، ولكن قال عبد القادر الأرنؤوط في تخريجه لجامع الأصول، 3/ 64: ((ولكن يشهد له حديث طلحة ... [عن عثمان التيمي قال: كنا مع طلحة بن عبيد اللَّه ونحن حُرُمٌ فأُهدي له طيرٌ، وطلحة راقد فمنَّا من أكل، ومنا من تورَّع فلما استيقظ طلحة وفَّق من أكله، وقال: أكلناه مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -[مسلم، برقم 1197]. وحديث أبي قتادة الطويل الذي تقدم ... )) انتهى كلام عبد القادر الأرنؤوط. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على حديث جابر في منتقى الأخبار لعبد السلام ابن تيمية، الحديث رقم 2490: ((وهذا حديث جيد كما قال الشافعي رحمه اللَّه)). وحديث جابر أخرجه أيضاً أحمد، 23/ 171، وقال محققو المسند: ((صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن إن صح سماع المطلب بن عبد اللَّه من جابر)) وذكروا جملة ممن خرجه، وانظر تمام البحث في فتح الباري لابن حجر، 4/ 22 - 34. وعن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عثمان - رضي الله عنه - بالعرج [موضع من أول تهامة] في يوم صائف وهو محرم، وقد غطى وجهه، ثم أتي بلحم صيد، فقال لأصحابه: كلوا، فقالوا: أولا تأكل أنت؟ فقال: إني لست كهيئتكم، إنما صيد من أجلي)). [الموطأ 1/ 354، كتاب الحج، باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد،] وقال عبد القادر الأرنؤوط في تخريجه لجامع الأصول: ((وإسناده صحيح)).

بالألف، وهي جائزة على لغة .... قال أصحابنا: يجب الجمع بين هذه الأحاديث وحديث جابر صريح في الفرق وهو ظاهر في الدلالة للشافعي، وموافقيه، وردٌّ لما قاله أهل المذهبين الآخرين، ويحمل حديث أبي قتادة على أنه لم يقصدهم باصطياده، وحديث الصعب أنه قصدهم باصطياده، وتحمل الآية الكريمة على الاصطياد، وعلى لحم ما صيد للمحرم؛ للأحاديث المذكورة، المبينة للمراد من الآية. وأما قولهم في حديث الصعب أنه - صلى الله عليه وسلم - علل بأنَّه محرم فلا يمنع كونه

الأحاديث كلها مدارها على أمرين

صيد له؛ لأنه إنما يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له، بشرط أنه محرم، فبين الشرط الذي يحرم به)) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه اللَّه تعالى يقرر: أن صيد البر يحرم على المحرم بأمور: أن يصيده المحرم، أن يكون أمر بصيده، أو أشار به، أو أعان على صيده، أن يكون صيد من أجله (¬2)، وقرر أن هذه الأحاديث كلها مدارها على أمرين: أحدهما: أن يصاد الصيد من أجل المحرم - أي يصيده الحلال من أجل المحرم - أو يساعد المحرم على ذلك، فهذا لا يأكل منه المحرم. الثاني: إذا صاد الحلال الصيد ولم يقصد به المحرم، ولم يساعده المحرم: لا بعمل، ولا بإشارة، فهذا يأكل منه المحرم، أما حديث الصعب بن جثامة، وردّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه الحمار الوحشي [فـ] حمل على أمرين: إما أنه أهداه حياً، وإما أنه صاده من أجله، والمحرم لا يأكل ما صيد من أجله، وأما الصيد الحي فلا يقبله المحرم إذا أُهدي إليه، ولا يشتريه، وبهذا يجتمع شمل الأخبار؛ ولهذا أكل الصحابة من الصيد، وحديث جابر - رضي الله عنه - نص في الباب ((صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يُصاد لكم)) وهو حديث جيد كما قال الشافعي رحمه اللَّه (¬3). واللَّه تعالى أعلم (¬4). ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 355 - 357. (¬2) سمعته أثناء تقريره على أحاديث بلوغ المرام، الحديث 751، 752. (¬3) سمعته رحمه اللَّه أثناء تقريره على أحاديث المنتقى من أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لعبد السلام بن تيمية، الأحاديث رقم 2479 - 2490. (¬4) أجمع العلماء على منع صيد البر للمحرم بحج أو عمرة، وأجمع العلماء على أن ما صاده محرم لا يجوز أكله للمحرم الذي صاده، ولا لمحرم غيره، ولا لحلال غير محرم، واختلف العلماء في أكل المحرم مما صاده الحلال على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يجوز له الأكل مطلقاً. القول الثاني: يجوز الأكل مطلقاً. القول الثالث: التفصيل بين ما صاده لأجله، وما صاده لا لأجله، فيمنع الأول دون الثاني [أضواء البيان للشنقيطي، 2/ 131 - 133] ثم قال: ((أظهر الأقوال وأقواها دليلاً: هو القول المفصل بين ما صيد لأجل المحرم فلا يحل له، وبين ما صاده الحلال لا لأجل المحرم فإنه يحل)) ولا تجوز ذكاة المحرم للصيد، فإن ذبحه فهو ميتة لا يحل أكله لأحد كائناً من كان [أضواء البيان للشنقيطي،2/ 137، والشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 290]، ولا شك أن الحيوان البري ثلاثة أقسام: القسم الأول: صيدٌ إجماعاً: كالغزال فيمنع قتله للمحرم. القسم الثاني: ليس بصيد إجماعاً ولا بأس بقتله، بل يستحب قتله: وهو الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور، والحية. قال الشنقيطي: ((والجاري على الأصول تقييد الغراب بالأبقع؛ لما روى مسلم عن عائشة في غير الفواسق المذكورة (( ... والغراب الأبقع)) [مسلم، برقم 72 - (1199) [أضواء البيان، 2/ 138] قال شيخنا ابن باز في حاشيته على بلوغ المرام، الحديث رقم 702: ((ولم يذكر تقييد الغراب بالأبقع إلا سعيد [بن المسيب] عن عائشة. ثم قال الشنقيطي: ((والمقرر في الأصول حمل المطلق على المقيد، وما أجاب به بعض العلماء من أن روايات الغراب بالإطلاق متفق عليها، فهي أصح من رواية القيد بالأبقع: لا ينهض، إذ لا تعارض بين مقيد ومطلق؛ لأن القيد بيان للمراد من المطلق)) [أضواء البيان 2/ 138]. القسم الثالث: مختلف فيه: كالأسد، والنمر، والفهد، والذئب، قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((ولا شك أن السباع العادية: كالأسد، والنمر، والفهد أولى بالقتل من الكلب [العقور] لأنها أقوى منه عقراً، وأشد منه فتكاً)) [أضواء البيان، 2/ 138]، قال الشنقيطي رحمه اللَّه: ((والتحقيق أن السباع العادية ليست من الصيد فيجوز قتلها للمحرم وغيره في الحرم وغيره)) أضواء البيان، 2/ 139. والمحرم أكله ثلاثة أقسام: القسم الأول: الخمس الفواسق التي أباح الشارع قتلها في الحل والحرم. القسم الثاني: ما كان طبعه الأذى، وإن لم يوجد منه الأذى: كالأسد، والنمر، والذئب، وما في معناه، فيباح قتله أيضاً. القسم الثالث: ما لا يؤذي بطبعه كالرخم والديدان، فلا أثر في الحرم ولا في الإحرام فيه، ولا جزاء فيه إن قتله [الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 8/ 305 - 307]. وأيضاً غير المأكول ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما أُمر بقتله فإنه يقتل من الخمس التي نص عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -. القسم الثاني: ما نُهى عن قتله، مثل: الضفدع، والنملة، والنحلة، والهدهد، والصرد [طائر صغير فوق العصفور منقاره أحمر، يعرفه أهل الطيور]. القسم الثالث: ما سُكِتَ عنه، فإن آذى ألحق بالمأمور بقتله؛ لأن المؤذي يقتل، ولو كان من بني آدم إذا كان صائلاً يريد قتل المسلم، أو عرضه، أو ماله، فإن قاتل المسلم فليقاتله، فإن قتل المسلم فهو شهيد، وإن قتل الصائل فهو في النار، وإن لم يؤذي هذا القسم فهو محل توقف، فبعضهم قال يقتل؛ لأن ما سكت عنه الشارع فهو مما عفا عنه، وكره قتله؛ لأن اللَّه خلقه لحكمة، فلا ينبغي أن تقتله، وهو الأحسن، مثل الذباب، والصراصير، والخنفساء، والجعلان، وما أشبهها، لكن إذا كانت تؤذي فإنها تقتل؛ لإزالة أذاها [الشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 163]. وانظر: الشرح الكبير، 8/ 274،وشرح العمدة، 2/ 127 - 128، 129، 130، 182 - 184، والفروع لابن مفلح، 5/ 468.

المحظور السابع: عقد النكاح، فلا يتزوج المحرم

المحظور السابع: عقد النكاح، فلا يتزوج المحرم، ولا يزوج غيره بولاية ولا وكالة، ولا يخطب، ولا يتقدم إليه أحد يخطب بنته أو أخته أو غير ذلك؛ لحديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَنْكِحُ المحرِمُ، ولا يُنْكِح، ولا يخطب [ولا يُخطب عليه])) (¬1) (¬2). وعقد النكاح ليس فيه فدية ولكن يفسد النكاح (¬3)، وهو مذهب جماهير العلماء، والموافق للنصوص الصحيحة (¬4). ¬

(¬1) مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته، برقم 1409، وما بين المعقوفتين زادها ابن حبان، برقم 124، ولفظه: ((لا يَنكح المحرم، ولا يُنكح، ولا يخطب، ولا يخطب عليه)) [قال شعيب الأرنؤوط في تخريجه لصحيح ابن حبان: ((حديث صحيح رجاله ثقات)). (¬2) انظر: شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 185 - 216. (¬3) انظر: المرجع السابق، 2/ 185. (¬4) اختلف العلماء في هذه المسألة بسبب الروايات الواردة في ذلك، قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((فاختلف العلماء بسبب ذلك في نكاح المحرم، فقال مالك، والشافعي، وأحمد، وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم: لا يصح نكاح المحرم، واعتمدوا أحاديث الباب. وقال أبو حنيفة والكوفيون: يصح نكاحه؛ لحديث قصة ميمونة. وأجاب الجمهور عن حديث ميمونة بأجوبة أصحها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تزوجها حلالاً، هكذا رواه أكثر الصحابة، قال القاضي وغيره ولم يروا أنه تزوجها محرماً إلا ابن عباس وحده، وروت ميمونة وأبو رافع أنه تزوجها حلالاً، وهم أعرف بالقضية لتعلقهم به بخلاف ابن عباس؛ ولأنهم أضبط من ابن عباس، وأكثر. الجواب الثاني: تأويل حديث ابن عباس على أنه تزوجها في الحرم، وهو حلال، ويقال لمن هو في الحرم: محرم وإن كان حلالاً، وهي لغة شائعة معروفة، ومنه البيت المشهور: قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً، أي في حرم المدينة. القول الثالث: أنه تعارض القول والفعل، والصحيح حينئذ عند الأصوليين ترجيح القول؛ لأنه يتعدى إلى الغير، والفعل قد يكون مقصوراً عليه. والرابع جواب جماعة من أصحابنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له أن يتزوج في حال الإحرام، وهو مما خُصَّ به دون الأمة، وهذا أصح الوجهين عند أصحابنا. والوجه الثاني: أنه حرام في حقه كغيره وليس من الخصائص، وأما قوله: ((ولا ينكح)) فمعناه لا يزوج امرأة بولاية ولا وكالة، قال العلماء: سببه أنه لما منع في مدة الإحرام من العقد لنفسه صار كالمرأة فلا يعقد لنفسه، ولا لغيره، وظاهر هذا العموم أنه لا فرق بين أن يزوج بولاية خاصة: كالأب، والأخ، والعم، ونحوهم، أو بولاية عامة، وهو السلطان، والقاضي، ونائبه، وهذا هو الصحيح عندنا، وبه قال جمهور أصحابنا، وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يزوج المحرم بالولاية العامة دون الخاصة. واعلم أن النهي عن النكاح والإنكاح في حال الإحرام نهي تحريم، فلو عقد لم ينعقد سواء كان المحرم هو الزوج والزوجة، أو العاقد لهما بولاية أو وكالة، فالنكاح باطل في كل ذلك، حتى لو كان الزوجان والولي محلين وَوَكَّل الولي أو الزوج مُحرماً في العقد لم ينعقد، وأما قوله: ((ولا يخطب)) فهو نهي تنزيه ليس بحرام وكذلك يكره للمحرم أن يكون شاهداً في نكاح عقده المحلون، وقال بعض أصحابنا: لا ينعقد بشهادته؛ لأن الشاهد ركن في عقد النكاح كالولي، والصحيح الذي عليه الجمهور انعقاده)) [شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 204 - 206]. وقد ذكر العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: قول جمهور العلماء: من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأدلتهم، وأن منها: حديث عثمان - رضي الله عنه -: ((لا ينكح المحرم ولا ينكح، ولا يخطب)) [مسلم، برقم 1409]. وحديث ميمونة: عن يزيد بن الأصم، قال: حدثتني ميمونة بنت الحارث أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال، قال: وكانت خالتي، وخالة ابن عباس)) [مسلم، برقم 1411]. وحديث ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو محرم، زاد ابن نمير فحدثت به الزهري فقال: أخبرني يزيد بن الأصم أنه نكحها وهو حلال. [مسلم، برقم 1410]، وما أخرجه الترمذي عن أبي رافع قال: تزوج رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول فيما بينهما)). قال الترمذي: هذا حديث حسن [الترمذي، برقم 841]. ثم ذكر قول أبي حنيفة، وأنه استدل بحديث ابن عباس: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال)) [البخاري، برقم 4258، ومسلم، 1410] وفي لفظ للبخاري: ((تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف)) [برقم 4258، ومسلم، 1410]. والمقرر في أصول الفقه أنه إذا اختلف نصان وجب الجمع بينهما إن أمكن، وإن لم يمكن وجب الترجيح. وقد أجاب الجمهور عن حديث ابن عباس بأوجه منها: 1 - أنه يمكن الجمع بينه وبين حديث ميمونة وأبي رافع ((أنه تزوجها وهو حلال)) ووجه الجمع في ذلك: هو أن يفسر قول ابن عباس أنه تزوجها وهو محرم: بأن المراد بكونه محرماً، كونه في الشهر الحرام، وهو ذو القعدة عام سبع في عمرة القضاء، كما في صحيح البخاري، وعلى هذا التفسير فلا تعارض بين حديث ميمونة وأبي رافع، وبين حديث ابن عباس. 2 - من أجوبة الجمهور: أن حديث ميمونة وأبي رافع أرجح من حديث ابن عباس؛ لأن ميمونة هي صاحبة القصة، ولا شك أن صاحب القصة أدرى بما جرى له في نفسه من غيره، وقد تقرر في الأصول: أن خبر صاحب الواقعة المروية مقدم على خبر غيره؛ لأنه أعرف بالحال من غيره، والأصوليون يمثلون له بحديث ميمونة المذكور مع حديث ابن عباس. 3 - ومما يُرجِّح به حديث أبي رافع على حديث ابن عباس: أن أبا رافع هو رسوله إليها يخطبها عليه، فهو مباشر للواقعة وابن عباس ليس كذلك، وهو المقدم عند الأصوليين كما تقدم. 4 - ومن ذلك أن ميمونة وأبا رافع كانا بالغين وقت تحمَّل الحديث المذكور، وابن عباس ليس ببالغ وقت التحمل، وقد تقرر في الأصول ترجيح خبر الراوي المتحمل بعد البلوغ على المتحمل قبله؛ لأن البالغ أضبط من الصبي لما تحمل. [أضواء البيان، 5/ 365 - 374]. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على منتقى الأخبار، لعبد السلام ابن تيمية على الأحاديث: 468 - 2472، يقول: ((هذا يدل على أنه تزوجها وهو حلال غير محرم، فقد أخبرت ميمونةعن نفسها، وأبو رافع كذلك، وهذا مقتضى الأدلة الشرعية، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أسرع الناس إلى الخير، وما حرمه اللَّه على الأمة فهو منهم إلا ما خصه الدليل؛ ولهذا قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس في قوله: تزوج ميمونة وهو محرم)) [أبو داود، برقم 1845، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 517 فقال: ((صحيح مقطوع))]. والصواب أنه تزوجها وهو حلال، وليس هناك أحد معصوم إلا الرسل فيما يبلغونه عن اللَّه)). قال العلامة ابن القيم رحمه اللَّه في تهذيب السنن، 2/ 359: ((وقد روى مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا رافع مولاه ورجلاً من الأنصار فزوَّجاه ميمونة بنت الحارث، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة قبل أن يخرج)) وهذا وإن كان ظاهره الإرسال فهو متصل؛ لأن سليمان بن يسار رواه عن أبي رافع: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال، وكنت الرسول بينهما)) وسليمان بن يسار مولى ميمونة، وهذا صريح في تزوجها بالوكالة قبل الإحرام)).

المحظور الثامن: الوطء الذي يوجب الغسل

المحظور الثامن: الوطء الذي يوجب الغسل؛ لقول اللَّه تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (¬1). والرفث هو الجماع، فمن حصل له الجماع متعمداً قبل التحلل الأول فسد نسكه، ويجب عليه إتمامه، وعليه بدنة، ويقضي الحج بعد ذلك، وأما من حصل له الجماع بعد التحلل الأول فإنه لا يبطل حجه، وعليه ذبح شاة، ويأتي التفصيل في ذلك في الفدية (¬2). المحظور التاسع: المباشرة فيما دون الفرج بوطء في غيره، ولو بتقبيل، أو لمس، أو نظر بشهوة (¬3)، لقوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ} ويدخل في الرفث: المباشرة فيما دون الفرج، كما يدخل فيه الفحش: من القول والفعل، والفسوق: جميع المعاصي، والجدال الممنوع ما كان بالباطل، وهو الجدال الذي يترتب عليه عداوة وبغضاء، وأما الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق فهو مأمور به، لقول اللَّه تعالى: {وَجَادِلهم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬4)، وقوله تعالى: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 197. (¬2) انظر: شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 226 - 263. (¬3) انظر: شرح عمدة الأحكام لابن تيمية، 2/ 217 - 225، وانظر جميع المحظورات في هذا الكتاب المشار إليه، 2/ 5 - 274، والفدية لجميع هذه المحظورات بالتفصيل والتحقيق فيه، 2/ 274 - 408. (¬4) سورة النحل، الآية: 125.

أحدهما: مباشرة النساء بالجماع ومقدماته

أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (¬1). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((والأظهر في معنى الرفث في الآية أنه شامل لأمرين: أحدهما: مباشرة النساء بالجماع ومقدماته. الثاني: الكلام بذلك، كأن يقول المحرم لامرأته: إن أحللنا من إحرامنا فعلنا كذا وكذا، ومن إطلاق الرفث على مباشرة المرأة كجماعها، قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} (¬2). فالمراد بالرفث في الآية: المباشرة بالجماع ومقدماته ... والأظهر في معنى الفسوق في الآية: أنه شامل لجميع أنواع الخروج عن طاعة اللَّه تعالى، والفسوق في اللغة الخروج ... والأظهر في الجدال في معنى الآية: أنه المخاصمة، والمراء: أي لا تخاصم صاحبك، وتماره حتى تغضبه، وقال بعض أهل العلم: معنى لا جدال أي: لم يبق فيه مراء ولا خصومة؛ لأن اللَّه أوضح أحكامه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3). ¬

(¬1) سورة العنكبوت، الآية: 46. (¬2) سورة البقرة، الآية: 187. (¬3) أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 357 - 358.

المبحث السادس عشر: محظورات الحرمين: مكة والمدينة

المبحث السادس عشر: محظورات الحرمين: مكة والمدينة أولاً: تحريم صيد الحرم المكي، وشجره، ونباته، وحشيشه إلا الإذخر: والأصل في تحريم صيد الحرم: النص والإجماع. أما النص؛ فلأحاديث كثيرة منها، الأحاديث الآتية: 1 - حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: (( ... إن هذا البلد حرمه اللَّه يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، لا يُعضد (¬1) شوكه، ولا ينفّر صيده، ولا يلتقط [لقطته] إلا من عرَّفها ولا يُختلى خلاها)) (¬2). فقال العباس: يا رسول اللَّه! إلا الإذخر (¬3)؛ فإنه [لا بد منه] لقينهم، ولبيوتهم (¬4)، [وفي لفظ للبخاري: فإنه لصاغتنا ولقبورنا] [وفي لفظٍ: ولسُقفِ بيوتنا] [فسكت ثم قال] ((إلا الإذخر)) [قال عكرمة: هل تدري ما ((ينفر صيدها؟)) هو أن تنحِّيه من الظل وتنزل مكانه))] (¬5). ¬

(¬1) يعضدُ: العضد: القطع [شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 134]. (¬2) خلاها: الخلا: الرطب من الكلأ، قالوا: الخلا والعشب: اسم للرطب منه، والحشيش والهشيم اسم لليابس منه [شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 134]. (¬3) الإذخر: هو نبات معروف طيب الرائحة [شرح النووي 9/ 136]. (¬4) لقينهم ولبيوتهم: قينهم: هو الحداد، والصائغ، يحتاج إلى الإذخر في وقود النار، ويُحتاج إلى الإذخر في القبور تُسدُّ به فرج اللحد، ويحتاج إليه في سقوف البيوت يجعل فوق الخشب [شرح النووي 9/ 136]. (¬5) متفق عليه: البخاري، 1832، 4295، ومسلم، برقم 1353، وسيأتي تخريجه في فضائل الحرمين.

2 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -

2 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما فتح اللَّه - عز وجل - على رسوله مكة قام في الناس فحمد اللَّه، وأثنى عليه، ثم قال: ((إن اللَّه حبس عن مكة الفيل، وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لن تحل لأحد كان قبلي، وإنها أُحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفّر صيدها، ولا يختلى شوكها (¬1)، ولاتحلُّ ساقطتها إلا لمنشدٍ (¬2)، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يُفدَى وإما أن يُقتَل)) فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول اللَّه! فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إلا الإذخر)) فقام أبو شاه: رجل من أهل اليمن، فقال: اكتبوا لي يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((اكتبوا لأبي شاة)) قال الوليد: فقلت للأوزاعي: ما قوله له: اكتبوا لي يا رسول اللَّه؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وأما الإجماع: فقال الإمام ابن قدامة: ((وأجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم على الحلال والمحرم)) (¬4). وشجر الحرم المكي ونباته طرفان ووسط: طرف لا يجوز قطعه إجماعاً وهو ما أنبته اللَّه في الحرم من غير تسبب الآدميين إلا الإذخر. ¬

(¬1) ولا يختلى شوكها: لا يؤخذ ولا يخبط، ولا يقطع، [شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 134]. (¬2) إلا لمنشد: إلا لمعرف. (¬3) متفق عليه: البخاري،112، 2434، 6880، ومسلم، برقم 1355،ويأتي تخريجه في فضائل الحرمين. (¬4) المغني لابن قدامة، 5/ 179 - 190.

ثانيا: تحريم صيد الحرم المدني النبوي، وشجره على المحرم

وطرف يجوز قطعه إجماعاً وهو ما زرعه الآدميون من الزروع والبقول والرياحين، ونحوها. وطرف اختلف فيه وهو ما غرسه الآدميون من غير المأكول والمشموم، كالأثل، والعوسج، فأكثر العلماء على جواز قطعه (¬1). ثانياً: تحريم صيد الحرم المدني النبوي، وشجره على المحرم والحلال إلا علف الدواب؛ للأحاديث الآتية: 1 - حديث عبد اللَّه بن زيد - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومُدِّها (¬2) بمثل ما دعاه به إبراهيم لأهل مكة)) (¬3). 2 - حديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة: ما بين لابتيها (¬4) لا يقطع عضاهها (¬5)، ولا يصاد صيدها)) (¬6). 3 - حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((المدينة حرام ¬

(¬1) أضواء البيان للشنقيطي، 2/ 156. (¬2) صاعها ومدها: أي فيما يكال بالصاع والمد، أن يبارك فيه، وهو غالب طعام أهل المدينة. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم، 2129،ومسلم، برقم 1360،ويأتي تخريجه إن شاءاللَّه في فضائل الحرمين. (¬4) لابتيها: حرتيها: والمدينة النبوية بين حرتين: حرة شرقية وحرة غربية، والحرة: هي الأرض ذات الحجارة السود. (¬5) عضاهها: العضاة: كل شجر يعظم وله شوك. (¬6) مسلم، برقم 1362، ويأتي تخريجه إن شاءاللَّه في فضائل الحرمين.

ما بين عَيْرٍ إلى ثورٍ)) (¬1). وسمعت شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((عير جبل جهة الجنوب جهة الميقات، وثور جَبَلٌ ليس بالكبير من جهة الشمال تحت أحد أحمر، وحرم المدينة بين عير إلى ثور، بريد في بريد، وحرمها مثل حرم مكة، إلا أنه جاء استثناء ما يحتاجه أهل المدينة من أخشاب الآبار، والمزارع، والمحال)) (¬2). فظهر أن حرم المدينة ما بين الحرة الشرقية والحرة الغربية، وما بين جبل عير جنوب المدينة وجبل ثور شمال المدينة خلف أحد من جهة الشمال على الصحيح من أقوال أهل العلم. وقد حقق الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: أن جبل ثور جبل صغير يميل لونه إلى الحمرة خلف أحد من جهة الشمال (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((حرم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وهي بريد في بريد 12 ميلاً، حرمها من عير إلى ثور: جبلان معروفان، وثور جبل صغير تحت أحد، وأباح العلف في المدينة والإذخر في مكة، ومن وُجِدَ يصيد أو يقطع يُسلب ما معه من سلاح ومتاع، وثياب؛ ولهذا أخذ سعد - رضي الله عنه - السلب أراد بذلك امتثالاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -. والسلب خاص ¬

(¬1) متفق عليه، البخاري، برقم 6755، ومسلم، برقم 1370، ويأتي تخريجه في فضائل الحرمين. (¬2) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 758. (¬3) انظر: فتح الباري لابن حجر، 4/ 83.

4 - حديث علي - رضي الله عنه -

بالمدينة، أما مكة ففي صيدها الجزاء)) (¬1). وقال العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه: ((حرم المدينة مسافة بريد في بريد، فهو مربع ما بين عير إلى ثور)) (¬2). واللَّه تعالى أعلم (¬3). 4 - حديث علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ... لا يختلى خلاها (¬4) ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها (¬5) ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة، إلا أن يعلف الرجل بعيره)) (¬6) (¬7). ¬

(¬1) سمعته رحمه اللَّه أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 2501 - 2517. (¬2) الشرح الممتع، 7/ 257. (¬3) انظر: المغني لابن قدامة، 5/ 190 - 194. (¬4) يعني المدينة. (¬5) أشاد بها: عرَّفها على الدوام. (¬6) أبو داود برقم، 2035، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 569، ويأتي تخريجه في فضائل المدينة. (¬7) قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((جماهير العلماء على أن المدينة حرم ... لا ينفر صيدها، ولا يختلى خلاها، وخالف أبو حنيفة الجمهور، فقال: إن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة ولا تثبت له أحكام الحرم من تحريم قتل الصيد، وقطع الشجر، والأحاديث الصحيحة ترد هذا القول وتقضي بأن ما بين لابتي المدينة حرم لا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه إلا لعلف ... )) [أضواء البيان للشنقيطي، 2/ 160].

المبحث السابع عشر: فدية المحظورات

المبحث السابع عشر: فدية المحظورات أولاً: فاعل محظورات الإحرام له ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة فهذا آثم وعليه الفدية. الحالة الثانية: أن يفعل المحظور لحاجته إلى ذلك مثل: أن يحتاج إلى لبس القميص؛ لدفع برد يخاف منه الضرر، فله فعل المحظور وعليه فديته؛ لحديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه -. الحالة الثالثة: أن يفعل المحظور وهو معذور: إما جاهلاً، أو ناسياً، أو مكرهاً، أو نائماً فلا إثم عليه. أما الفدية فمحل خلاف بين أهل العلم والأقرب إن شاءاللَّه تعالى أنه لا شيء عليه (¬1)؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ ¬

(¬1) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى فيمن فعل محظوراً غير متعمدٍ على النحو الآتي: القول الأول: أن جميع المحظورات تسقط بالجهل، أو النسيان، أو الإكراه، وأن المعذور بهذه الأعذار لا يترتب على فعله شيء إطلاقاً؛ واستدل من قال بذلك بالأدلة الآتية: 1 - قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] فقال اللَّه تعالى: ((قد فعلت)) [مسلم من حديث أبي هريرة، برقم 125]، ومن حديث ابن عباس عند مسلم، برقم 126بلفظ: ((نعم)). 2 - قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}. [الأحزاب:5]. 3 - قوله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللَّه مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّه} [النحل:106]. فالكفر إذا كان يسقط موجبه بالإكراه فما دونه من باب أولى. 4 - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن اللَّه تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)) [ابن ماجه، برقم 2043، وغيره، وحسنه الإمام النووي في الأربعين، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 178، وفي إرواء الغليل، 1/ 133]. 5 - أن هذا لم يتعمد المخالفة، فلا يعد عاصياً، وإذا لم يكن عاصياً لم يترتب عليه الإثم ولا الفدية [الشرح الممتع، 7/ 224]. قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه في الشرح الممتع، 7/ 231: ((والصحيح أن جميعها تسقط، وأن المعذور بجهل، أو نسيان، أو إكراه لا يترتب على فعله شيء إطلاقاً، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا في التقليم، ولا في لبس المخيط ولا في أي شيء ... )). القول الثاني: أن العمد والنسيان في الوطء، والحلق، والتقليم، والصيد سواء، وأما اللبس، والطيب وتغطية الرأس فتسقط بالنسيان، والجاهل بالتحريم والمكره في حكم الناسي؛ لأنه معذور، وممن قال: إن عمد الواطئ ونسيانه سواء: أحمد، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي في القديم، وقال في الجديد: لا يفسد الحج، ولا يجب مع النسيان شيء، وحكى ابن عقيل في الفصول رواية عن الإمام أحمد مثل قول الشافعي الجديد أنه لا يفسد حج الناسي والجاهل والمكره. قال المرداوي في الإنصاف، 8/ 334: (( ... وذكر في الفصول رواية لا يفسد حج الناسي، والجاهل، والمكره، ونحوهم، وخرجها القاضي في كتاب الروايتين، واختاره الشيخ تقي الدين، وصاحب الفائق، ومال إليه في الفروع، وقال: هذا متجه، ورد أدلة الأصحاب، وقال فيه نظر ... )). انظر: الفروع لابن مفلح، 5/ 447، والمقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 8/ 334، وانظر: شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لابن تيمية، 2/ 395 - 404. وقال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((تلزم الفدية من تعمد قتل الصيد وهو محرم، أو قتله في الحرم؛ لقول اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95]. والجمهور من أهل العلم ألحقوا المخطئ بالمتعمد؛ لأن الإتلاف عندهم يستوي فيه المتعمد وغيره، ولكن صريح القرآن يدل على أن الفدية لا تلزم إلا المتعمد، وهذا هو الأظهر)) [مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 204]. وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 2/ 143، والمغني لابن قدامة، 5/ 397.

جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (¬1). وقوله سبحانه: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (¬2). فقال اللَّه: ((قد فعلت)) (¬3). ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 5. (¬2) سورة البقرة، الآية: 286. (¬3) مسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز اللَّه تعالى عن حديث النفس والخواطر، بالقلب إذا لم تستقر، وبيان أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكلف إلا ما يطاق، من حديث أبي هريرة، برقم 125.

وفي حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((نعم)) بدلاً من: ((قد فعلت)) (¬1). ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: ((إن اللَّه تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)) (¬2). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن اللَّه وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إن اللَّه تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها، ما لم تعمل أو تتكلم، أو استكرهوا عليه)) (¬4). وقال اللَّه تعالى في خصوص الصيد الذي هو أحد محظورات الإحرام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (¬5). فقيد وجوب الجزاء بكون القاتل، متعمداً، والتعمد وصف مناسب للعقوبة والضمان، فوجب اعتباره وتعليق الحكم به، وإن لم يكن متعمِّداً فلا جزاء عليه ولا إثم، لكن متى زال العذر: فعلم الجاهل، وذكر الناسي، واستيقظ النائم، وزال الإكراه، فإنه يجب التخلي عن المحظور فوراً، فإن استمر عليه مع زوال العذر فهو ¬

(¬1) مسلم، في الكتاب والباب السابقين، برقم 126. (¬2) ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، برقم 2043، والبيهقي في السنن الكبرى، 7/ 356، والحاكم، 2/ 198، وحسنه النووي في الأربعين، وصححه ابن حبان في صحيحه، برقم 7175، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 178، وفي إرواء الغليل، 1/ 133. (¬3) ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره، برقم 2044، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 17، وفي إرواء الغليل، برقم 82. (¬4) ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب المكره، برقم 2045،وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 187. (¬5) سورة المائدة، الآية: 95.

ثانيا: أقسام محظورات الإحرام من حيث الفدية:

آثم وعليه الفدية (¬1). ثانياً: أقسام محظورات الإحرام من حيث الفدية: محظورات الإحرام من حيث الفدية تنقسم إلى أربعة أقسام: القسم الأول: ما لا فدية فيه: وهو عقد النكاح. القسم الثاني: ما فديته مُغلَّظة وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول. القسم الثالث: ما فديته الجزاء أو بدله، وهو قتل الصيد. القسم الرابع: ما فديته فدية أذى، وهو بقية المحظورات (¬2). ثالثاً: مقدار الفدية في محظورات الإحرام على النحو الآتي: 1 - الفدية في إزالة الشعر، والظفر (¬3)، وتغطية الرجل رأسه، ولبسه ¬

(¬1) انظر: فتاوى ابن تيمية، 25/ 227، وفتح الباري، 3/ 395، والمختارات للسعدي، ص 88، والمنهج لمريد العمرة والحج للعلامة محمد بن صالح العثيمين، ص 46 - 49. وهذا القول رجحه أيضاً العلامة الجهبذ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز. انظر: مجموع الفتاوى له، 16/ 133 - 134، و17/ 167 - 180، وسمعته يميل إلى ترجيحه، وانظر شرح العمدة، لابن تيمية، 2/ 398، والشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 223 - 231. (¬2) الشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 191. (¬3) اختلف العلماء رحمهم اللَّه في القدر الذي تجب به الفدية لحلق الشعر، وتقليم الأظفار على أقوال: القول الأول: أن من حلق ثلاث شعرات، أو قلم ثلاثة أظفار فعليه الفدية، وهو مذهب الإمام أحمد والشافعي، وأما ما دون ذلك، فعند أحمد: أن في كل واحد من ذلك: مد من طعام، وعنه قبضة، وعنه درهم، والشافعي كذلك: في الشعرة مد، وفي الشعرتين مدان [المغني لابن قدامة، 5/ 387 - 388، والمقنع مع الإنصاف والشرح الكبير، 8/ 223 - 227]. القول الثاني: إذا حلق أربع شعرات فعليه الفدية، وهو رواية عن الإمام أحمد [المغني، 5/ 382، و5/ 387، والمقنع مع الشرح الكبير، والإنصاف، 8/ 223، وأضواء البيان]. القول الثالث: إذا حلق خمس شعرات فصاعداً، وهو رواية عن الإمام أحمد، ذكرها المرداوي في الإنصاف، 8/ 224. القول الرابع: إذا حلق ربع الرأس، فعليه الفدية، وهو مذهب أبي حنيفة [أضواء البيان،5/ 399]. القول الخامس: إذا حلق ما يحصل له به زوال أذى، أو يحصل له بذلك ترفّه، فعليه الفدية، أما ما دون ذلك فيتصدق فيه بحفنة، وهي يد واحدة: وهو مذهب الإمام مالك وأصحابه [أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 398 - 400، والشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 135]. ومن أراد زيادة التفصيل والتحقيق في مسألة حلق الشعر وتقليم الأظفار، فلينظر: أضواء البيان للشنقيطي رحمه اللَّه، 5/ 398 - 406. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه: ((وأقرب الأقوال إلى ظاهر القرآن هو الأخير - إذا حلق ما به إماطة للأذى وهو مذهب الإمام مالك)) [الشرح الممتع، 7/ 135]. وقد ذكر هذه الأقوال الخمسة أيضاً ابن مفلح في الفروع، 5/ 398 - 404.

المخيط، ولبس القفازين، وانتقاب المرأة، واستعمال الطيب، الفدية في كل واحد من هذه المحظورات: إما ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع مما يطعم، وإما صيام ثلاثة أيام، يختار ما شاء من هذه الأمور الثلاثة، فإن اختار الشاة فرق جميع اللحم على الفقراء، ولا يأكل منه شيئاً، قال تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (¬1). وعن كعب بن عُجرة - رضي الله عنه - عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لعلك آذاك هوامُّك؟)) قال: نعم يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة)) وفي رواية للبخاري عن عبد اللَّه بن معقل قال: جلست إلى كعب بن عُجرة - رضي الله عنه - فسألته عن الفدية، فقال: نزلت فيَّ خاصة وهي لكم عامة، حُمِلتُ إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، والقمل يتناثر على وجهي فقال: ((ما كنت أرى الوجع بلغ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 196.

2 - الوطء الذي يوجب الغسل

بك ما أرى، أو ما كنت أرى الجَهْدَ بلغ بك ما أرى؟ تجد شاة؟)) فقلت: لا، قال: ((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع)). وفي لفظ للبخاري: ((أيؤذيك هوامُّ رأسك)) قلت: نعم، قال: ((فاحلق، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة)). وفي لفظ للبخاري: (( ... أما تجد شاة؟)) قلت: لا، قال: ((صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام)). وفي رواية للبخاري: ((فدعا الحلاق فحلقه ثم أمرني بالفداء)) (¬1). وهذا نص في الحلق، أما بقية هذه المحظورات فقاسها أهل العلم على حلق الرأس فجعلوا فيها هذه الفدية؛ لأن ذلك يحرم في حال الإحرام فأشبه حلق الرأس، واللَّه أعلم (¬2). 2 - الوطء الذي يوجب الغسل: فمن جامع في الفرج (¬3) قبل التحلل الأول فسد حجه. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا بالجماع (¬4). ويجب عليه أن يتمه، ويقضيه بعد ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب المحصر، باب قول اللَّه تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}. [البقرة: 196].برقم 1814،وزيادات الروايات من أطراف الحديث في البخاري، برقم 4190 و4517، 5665،وأخرجه مسلم، كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها، برقم 1201. (¬2) انظر شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 274 - 279، والمغني، 5/ 381 - 389، وانظر فتاوى ابن تيمية، 26/ 118، والفتاوى الإسلامية، 2/ 232، والشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 195. (¬3) قال الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 386: ((والأظهر أن الإتيان في الدُّبر كالجماع في إفساد الحج، وكذلك الزنا أعاذنا اللَّه وإخواننا المسلمين من فعل كل ما لا يرضي اللَّه تعالى)). (¬4) الإجماع لابن المنذر، ص 63.

ذلك؛ لأن عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عمرو، وعبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهم - أفتوا بذلك (¬1)، وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم - جميعاً (¬2). وعليه بدنة يفرق لحمها على الفقراء بمكة حرسها اللَّه تعالى (¬3) (¬4). فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه أن رجلاً أتى عبد اللَّه بن عمرو يسأله عن محرم وقع بامرأته، فأشار إلى عبد اللَّه بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك فسله، قال شعيب فلم يعرفه الرجل فذهبت معه، فسأل ابن عمر فقال: بطل حجك، فقال الرجل: فما أصنع؟ قال: اخرج مع الناس واصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابلاً فحج واهدِ، فرجع إلى عبد اللَّه بن عمرو وأنا معه، فأخبره فقال: اذهب إلى ابن عباس فسله، قال شعيب فذهبت معه إلى ابن عباس فسأله، فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد اللَّه بن عمرو، وأنا معه، فأخبره بما قال ابن عباس، ثم قال: ما تقول أنت؟ ¬

(¬1) البيهقي، 5/ 167، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 2/ 65، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 234. (¬2) انظر: المجموع للنووي، 7/ 384. (¬3) انظر: شرح العمدة، 2/ 227، والمغني، 5/ 166، والاستذكار لابن عبد البر، 12/ 288. (¬4) الجماع في الحج للمحرم قبل التحلل الأول يترتب عليه خمسة أمور على النحو الآتي: الأمر الأول: الإثم، فعليه التوبة إلى اللَّه تعالى، والاستغفار من هذا العمل المحرم؛ لأنه عصى اللَّه لقوله: (فلا رَفَثَ) [البقرة، الآية: 197]. الأمر الثاني: فساد الحج فلا يعتبر هذا الحج صحيحاً؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - قضوا وأفتوا بذلك. الأمر الثالث: وجوب المضي فيه، وإكماله فاسداً، لقوله تعالى: {وأتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لله} [البقرة:196]. الأمر الرابع: وجوب القضاء من العام القادم بدون تأخير؛ لأنه ثبت الأمر بذلك في فتوى بعض الصحابة. الأمر الخامس: عليه الفدية، وهي بدنة تنحر في القضاء؛ لثبوت ذلك عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم -. [الشرح الممتع، لابن عثيمين، 7/ 180 - 183، 7/ 214]. ورجَّح العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 381: أن القضاء يجب على الفور في السنة الآتية.

فقال: قَوْلي مثل ما قالا)) (¬1). واللَّه تعالى أعلم (¬2) (¬3). قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((إذا وطئ القارن فسد حجُّه وعمرته، ولزمه المضي في فاسدهما، وتلزمه بدنة للوطء، وشاة بسبب القران، فإذا قضى لزمته شاة أخرى، سواء قضى قارناً أو مفرداً؛ لأنه توجَّه عليه القضاء قارناً، فإذا قضى مفرداً لا يسقط عنه دم القران، قال العبدري: ¬

(¬1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحج، باب ما يفسد الحج، 5/ 167 - 168، وقال: ((هذا إسناد صحيح، وفيه دليل على صحة سماع شعيب بن محمد بن عبد اللَّه من جده عبد اللَّه بن عمرو. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم، 2/ 65، وقال: ((هذا حديث ثقات رواته حفاظ، وهو كالآخذ باليد في صحة سماع شعيب بن محمد عن جده عبد اللَّه بن عمرو، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 233، 234، برقم 1043. (¬2) ويكون الإحرام بالحج من العام القادم من الميقات الذي أحرم منه بالحج الذي أفسده؛ لأن ذلك جاء عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم -: منهم عمر بن الخطاب، وأبو هريرة، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وابن عباس - رضي الله عنهم -. [السنن الكبرى، للبيهقي، 5/ 167]، ورجَّحه الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 283. وجاء عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم -: أنهما إذا أحرما بالحج من العام القادم يتفرقان حتى يقضيا حجهما، روي ذلك عن علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وابن عباس - رضي الله عنهم -[سنن البيهقي، 5/ 167]، ورجَّحه الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 381. وأفتى شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: أن من جامع قبل التحلل الأول عليه بدنة، تجزئ في الضحية، وعلى زوجته مثل ذلك إن كانت مطاوعة، تذبحان في الحرم لفقراء مكة، فإن عجزا فعلى كل واحد صيام عشرة أيام، وعليهما الحج من قابل بدل الحجة التي أفسداها بالوطء، يحرمان من المحل الذي أحرما منه بالحج الأول، وعليهما التوبة الصادقة، والاستغفار من هذا الذنب العظيم، مع الإكثار من الاستغفار والعمل الصالح. [مجموع فتاوى ابن باز في أركان الإسلام: إعداد عبد اللَّه الطيار وأحمد بن باز، فتاوى الحج والعمرة، 6/ 98]. نشر دار الوطن، وانظر: أضواء البيان، 5/ 381، 383. (¬3) قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((من جامع زوجته قبل التحلل الأول: بطل حجه وحجها، ووجب على كل واحد منهما بدنة، مع إتمام مناسك الحج، فمن عجز منهما عنها [أي عن البدنة] صام عشرة أيام، وعليهما الحج من قابل مع الاستطاعة والاستغفار والتوبة)). [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 132].

وبهذا كلِّه قال مالك وأحمد)) (¬1). أما من حصل له الجماع بعد التحلل الأول؛ فإنه لا يبطل حجه وعليه ذبح شاة يفرق لحمها على مساكين الحرم، والمرأة مثل الرجل في الفدية إذا كانت مطاوعة (¬2). وقيل عليه مع ذلك - إذا كان الباقي من أعمال التحلل الثاني هو طواف الإفاضة - أن يخرج إلى أدنى الحل خارج الحرم ويحرم منه ويطوف طواف الإفاضة ويسعى بعده وهو محرم (¬3) والأصل في ذلك ما ثبت عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: ((الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي)) (¬4) (¬5)، ورجح هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه (¬6). ¬

(¬1) استظهره الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 388، ونقله عن شرح المهذب للنووي. (¬2) انظر: شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 238، 367، والاستذكار لابن عبد البر، 12/ 304، وأضواء البيان، 5/ 378. (¬3) المغني، 5/ 375، وشرح العمدة لابن تيمية، 2/ 236، و2/ 238، وفتاوى ابن إبراهيم، 5/ 228، واللقاء الشهري لابن عثيمين، 10/ 67، والاستذكار لابن عبد البر، 12/ 304. (¬4) البيهقي،5/ 171،والإمام مالك في الموطأ،1/ 384،قال الألباني في إرواء الغليل: ((إسناده صحيح))، 4/ 235. (¬5) أفتى شيخنا عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه: أن من جامع زوجته قبل طواف الإفاضة بعد التحلل الأول، فعليه التوبة إلى اللَّه تعالى، وعليه دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء، ولا يلزمه بذلك الذهاب إلى الحل، وإنما عليه التوبة إلى اللَّه، والفدية، والطواف والسعي إن كان قارناً أو مفرداً ولم يسع مع طواف القدوم، أما إن كان متمتعاً فعليه السعي بعد طواف الإفاضة؛ لأن السعي الأول لعمرته. [انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 133، 180]. وأفتى رحمه اللَّه أن من عجز عن ذبح شاة أو سبع بقرة أو سبع بدنة فلم يستطع ذلك في الفدية لهذا العمل، فعليه أن يصوم عشرة أيام، وزوجته مثله في ذلك كله إن كانت مطاوعة. [مجموع الفتاوى لابن باز، 16/ 132 - 133]. (¬6) ذكر رحمه اللَّه تعالى: أن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أوجب على من وطيء بعد التحلل الأول وقبل طواف الإفاضة، أن يحج عاماً قابلاً، وأن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أوجب عليه أن يعتمر، فإذا اختلف الصحابة على قولين: أحدهما إيجاب حج كامل، والثاني: إيجاب عمرة لم يجز الخروج عنهما ... ولا يعرف في الصحابة من قال بخلاف هذين القولين وقد تقدم أنه لا يفسد جميع الحج فبقي قول ابن عباس رضي اللَّه عنهما. شرح العمدة، 2/ 239 - 240.

3 - جزاء الصيد: إن كان للصيد مثل خير

3 - جزاء الصيد: إن كان للصيد مثل خُيِّر (¬1) بين ثلاثة أشياء: ¬

(¬1) مسائل تتعلق بجزاء الصيد للمحرم: 1 - ذهب عامة أهل العلم وهم الجمهور على أن معنى قوله تعالى: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا}. فالمعنى: فمن قتله منكم متعمداً لقتله ذاكراً لإحرامه كما هو صريح الآية، فقاتل الصيد متعمداً عالماً بإحرامه عليه الجزاء المذكور في الآية بنص القرآن العظيم، وهو قول عامة العلماء خلافاً لمجاهد ولم يذكر اللَّه تعالى في هذه الآية الكريمة حكم الناسي والمخطئ. [أضواء البيان، 2/ 142]. 2 - لا خلاف بين العلماء أن الناسي والمخطئ لا إثم عليهما؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ} [الأحزاب: 5]. أما وجوب الجزاء عليهما فاختلف فيه العلماء: فذهب جماعة من العلماء: منهم المالكية، والحنفية، والشافعية إلى وجوب الجزاء في الخطأ والنسيان، لدلالة الأدلة أن غرم المتلفات لا فرق فيه بين العامد وغيره، وذهب بعض العلماء إلى أن الناسي والمخطئ لا جزاء عليهما، وبه قال: الطبري، وأحمد في إحدى الروايتين، وهو مذهب داود، وذكر عن ابن عباس؛ لأن مفهوم الآية يدل على أن غير المتعمد ليس كذلك؛ ولأن الأصل براءة الذمة، قال العلامة الشنقيطي: ((هذا القول قوي جداً من جهة النظر والدليل)) [أضواء البيان، 2/ 144]. 3 - إذا صاد المحرم الصيد فأكل منه فعليه جزاء واحد لقتله، وليس في أكله إلا التوبة والاستغفار، وهذا قول الجمهور من العلماء. 4 - إذا قتل المحرم الصيد مرة بعد مرة حكم عليه بالجزاء في كل مرة، في قول جمهور العلماء. 5 - إذا دل المحرم حلالاً على صيد فقتله فذهب أحمد وأبو حنيفة إلى أن المحرم الدال يلزمه جزاؤه كاملاً؛ لأنه المتسبب، وقاتل الصيد لا يمكن تضمينه لأنه حلال، قال الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وهذا القول هو الأظهر)) [أضواء البيان، 2/ 145]. 6 - إذا دل المحرم محرماً آخر على الصيد فقتله فقال بعض العلماء عليهما جزاء واحد بينهما، وهو مذهب الإمام أحمد، وقيل: على كل واحد منهما جزاء كامل، وقيل الجزاء كله على المحرم المباشر، وليس على المحرم الدال إلا الاستغفار والتوبة [أضواء البيان، 2/ 146]. 7 - إذا اشترك المحرمون في قتل صيد بأن باشروا قتله كلهم، فقال مالك وأبو حنيفة على كل واحد منهم جزاء كامل، وقال الشافعي ومن وافقه: عليهم كلهم جزاء واحد، والعلم عند اللَّه تعالى. [أضواء البيان 2/ 147]. 8 - إذا قتل المحلون صيداً في الحرم، فقيل عليهم جزاء واحد كما ذكر عن أبي حنيفة، وقال مالك: على كل واحد منهم جزاء. [أضواء البيان 2/ 147]. 9 - الصيد ينقسم إلى قسمين: قسم له مثل من النعم، كبقر الوحش، وقسم لا مثل له من النعم كالعصافير، وسيأتي التفصيل في المتن. [أضواء البيان 2/ 147]. 10 - إذا كان ما قتله المحرم بيضاً، فأكثر العلماء يرون أن في بيض كل طائر قيمته، قال الشنقيطي: وهو الأظهر [أضواء البيان 2/ 154]. 11 - أجمع العلماء على أن صيد الحرم المكي ممنوع، وأن قطع شجره ونباته حرام إلا الإذخر، وشجر الحرم ونباته: طرفان وواسطة: طرف لا يجوز قطعه إجماعاً وهو ما أنبت اللَّه في الحرم من غير تسبب الآدميين إلا الإذخر. وطرف يجوز قطعه إجماعاً، وهو ما زرعه الآدميون من الزروع، والبقول، والرياحين ونحوها، وطرف اختلف فيه، وهو ما غرسه الآدميون من غير المأكول والمشموم: كالأثل، والعوسج فأكثر العلماء على جواز قطعه. [أضواء البيان 2/ 156].

* إما ذبح المثل وتوزيع جميع لحمه على فقراء مكة

" إما ذبح المثل وتوزيع جميع لحمه على فقراء مكة، لقول اللَّه تعالى: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (¬1). " وإما أن ينظر كم يساوي هذا المثل ويخرج ما يقابل قيمته طعاماً يفرَّق على المساكين لكل مسكين نصف صاع؛ لقوله تعالى: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} (¬2). " وإما أن يصوم عن طعام كل مسكين يوماً؛ لقوله تعالى: {أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} (¬3). " فإن لم يكن للصيد مثل خُيِّر بين شيئين: ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 95. (¬2) سورة المائدة، الآية: 95. (¬3) سورة المائدة، الآية: 95.

*إما أن ينظر كم قيمة الصيد المقتول ويخرج ما يقابلها

" إما أن ينظر كم قيمة الصيد المقتول ويخرج ما يقابلها طعاماً ويفرقه على المساكين لكل مسكين نصف صاع. وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً (¬1)، قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ واللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام} (¬2) (¬3). ¬

(¬1) انظر: شرح العمدة، 2/ 280، 326، والمنهج لمريد العمرة والحج لابن عثيمين، ص 48، والشرح الممتع لابن عثميين، 7/ 196، والفروع لابن مفلح، 5/ 467. (¬2) سورة البقرة، الآية: 95. (¬3) المقتول من الصيد قسمان: القسم الأول: قضت فيه الصحابة - رضي الله عنهم -، فيجب فيه ما قضت به، وبهذا قال الإمام أحمد والشافعي وعطاء وإسحاق. وقال الإمام مالك: يستأنف الحكم فيه؛ لأن اللَّه تعالى قال: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} [المائدة:95]. والصواب: أنه يجب ما قضت به الصحابة؛ لأنهم أقرب إلى الصواب وأبصر بالعلم، فكان حكمهم حجة على غيرهم، كالعالم مع العامي. " ... القسم الثاني: ما لم تقض فيه الصحابة، فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة؛ لقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} فيحكمان فيه بأشبه الأشياء من النعم: من حيث الخلقة، والصورة، لا من حيث القيمة، سواء كانت قيمته أزيد من قيمة الصيد المقتول أو أنقص، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة)) ثم ذكر الأدلة [شرح العمدة، 2/ 281]. وقال ابن قدامة: ((بدليل أن قضاء الصحابة لم يكن بالمثل في القيمة، وليس من شرط الحكم أن يكون فقيهاً؛ لأن ذلك زيادة على أمر اللَّه تعالى به، لكن تعتبر العدالة؛ لأنها منصوص عليها، ولأنها شرط في قبول القول على الغير في سائر الأماكن، وتعتبر الخبرة؛ لأنه لا يتمكن من الحكم بالمثل إلا لمن له خبرة)). [المغني لابن قدامة، 5/ 404 - 405].

ومن الصيد الذي له مثل من النعم: الضبع؛ لحديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، قال: سألت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن الضَّبُع؟ قال: ((هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم)) (¬1). وقضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ((في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة)) (¬2). والجفرة من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر وفُطِمَت وفُصلت عن أمها ورعت (¬3). وقضى ابن عباس رضي اللَّه عنهما في حمام الحرم على المحرم والحلال في كل حمامة شاة (¬4)، وقال الإمام مالك: ((لم أزل أسمع أن في النعامة إذا قتلها المحرم بدنة)) (¬5) وغير ذلك مما له مثل (¬6). ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الأطعمة، باب في أكل الضبع، برقم 3801، والدارمي، 2/ 74، والحاكم، 1/ 452، والبيهقي، 5/ 183، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 448، وفي إرواء الغليل، 4/ 242، برقم 1050. (¬2) مالك في الموطأ،1/ 414،والبيهقي،5/ 183، 184،وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 245. (¬3) انظر: إرواء الغليل، 4/ 245، 246، وقال: ((صحيح موقوفاً))، وأخرجه البيهقي بمعناه، 5/ 184، وانظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 1/ 277. (¬4) البيهقي، 5/ 205، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 247. (¬5) موطأ الإمام مالك، 1/ 415. (¬6) وقد نقل الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 402 - 405، وشيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - على أن المثل: ما مثال الصيد من جهة الخلقة والصورة سواء كانت قيمة أزيد من قيمة المقتول أو أنقص، ولفظ ابن قدامة: ((وأجمع الصحابة على إيجاب المثل، فقال عمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاوية: في النعامة بدنة، وحكم أبو عبيدة، وابن عباس في حمار الوحش ببدنة، وحكم عمر فيه ببقرة، وحكم عمر وعلي في الظبي بشاة، وإذا حكموا بذلك في الأزمنة المختلفة، والبلدان المتفرقة دل ذلك على أنه ليس على وجه القيمة ... )) [المغني، 5/ 402]. ومما ذكر عن الصحابة قضاؤهم فيه: الضبع فيه كبش، قضى به عمر، وعلي، وجابر، وابن عباس [وقد قضى فيه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قبلهم بكبش إذا صاده المحرم، كما تقدم] وفي الظبي شاة، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة، وفي حمار الوحش بقرة، روي ذلك عن عمر، وقال عروة وغيره، وروي أن فيه بدنة كما جاء عن أبي عبيدة وابن عباس، وفي بقرة الوحش بقرة، روي ذلك عن ابن مسعود، والأيّل فيه بقرة، قال ابن عباس، والوعل، والتَّيثل بقرة [الوعل: التيس الجبلي، والأروى: شاة الوحش وهي أنثاه، والتَّيثل: هو الذكر المسن من الأوعال، والأيل: ذكر الأوعال] والأروى فيها بقرة، ذكر ذلك عن ابن عمر، وفي الظبي شاة، ثبت ذلك عن عمر، وفي الوبر شاة، وقيل: فيه جفرة؛ لأنه ليس بأكبرمنها [والجفرة من أولاد المعز ما أتى عليها أربعة أشهر، وفصلت عن أمها، والذكر جفر، وفي اليربوع جفرة، ذكر ذلك عن ابن عمر، وابن مسعود، وفي الضب جدي، قضى به عمر، وذكر عن جابر: أن فيه شاة، وفي الأرنب عناق، قضى به عمر [والعناق: الأنثى من ولد المعز في أول سنة] المغني لابن قدامة، 5/ 403 - 404، وشرح العمدة لابن تيمية، 2/ 383. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ((وما لم يحكم فيه الصحابة أو لم يبلغنا حكمهم فلا بد من استئناف حكم حاكمين، ويجب أن يكونا عدلين، كما قال تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} ((ولا بد أن يكونا من أهل الخبرة)) [شرح العمدة، 2/ 285 - 286]، وانظر: الفروع لابن مفلح، 5/ 493 - 510.

4 - المباشرة بشهوة فيما دون الفرج

4 - المباشرة بشهوة فيما دون الفرج: كالقبلة بشهوة، والمفاخذة، والمس بشهوة ونحو ذلك سواء أنزل أو لم ينزل. من وقع منه ذلك فقد ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام، وحجه صحيح لكن عليه أن يستغفر اللَّه ويتوب إليه، وقال بعض العلماء المحققين: ويجبر ذلك بذبح رأس من الغنم يجزئ في الأضحية يُوزِّعه على فقراء الحرم المكي (¬1)،وإن أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صام ثلاثة أيام أجزأه ذلك إن شاءاللَّه تعالى، ولكن الأحوط أن يذبح شاة كما ¬

(¬1) انظر: شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 217 - 223، والمغني لابن قدامة، 5/ 169، وفتاوى إسلامية لابن باز وابن عثيمين، وابن جبرين واللجنة الدائمة، 2/ 232، والفتاوى الإسلامية جمع وإشراف قاسم الشماغي، 2/ 212، قال سماحة الشيخ ابن باز هنا: والأحوط له: ذبح شاة.

رابعا: من كرر محظورا من جنس واحد ولم يفد فدى مرة بخلاف صيد:

تقدم. واللَّه أعلم (¬1) (¬2). رابعاً: من كرر محظوراً من جنس واحد ولم يفدِ فدى مرة بخلاف صيد: فإذا قلم أظفاره مرتين أو أكثر، أو حلق رأسه مرتين أو أكثر، أو لَبِس مخيطاً مرتين أو أكثر، أو باشر مرتين أو أكثر، وهو من جنس واحد فإن عليه فدية واحدة إذا لم يفدِ، قياساً على تعدد الأحداث من جنس واحد فيكفيه وضوء واحد، أما إذا فدى عن الأولى فإنه يفدي عن الثاني؛ لأن الأول انتهى وبرئت ذمته منه بفديته، فيكون الثاني تجديداً بخلاف الصيد، فإن الفدية تتعدد بتعدده ولو برمية واحدة (¬3). والعلم عند اللَّه تعالى. خامساً: من فعل محظوراً من أجناس فدى لكل مرة رفض إحرامه أو لا. فإذا لبس القميص، وتطيب، وحلق، وقلم أظفاره، وغَطَّى رأسه، ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، 26/ 118 - 119: (( ... وفي الإنزال بغير الجماع نزاع ... )) ثم قال: ((فإن قبل بشهوة، أو أمذى بشهوة فعليه دم)). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة شيخنا عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز: ((لا يفسد حج من قبَّل امرأته وأنزل بعد التحلل الأول، وعليه أن يستغفر اللَّه ولا يعود لمثل هذا العمل، ويجبر ذلك بذبح رأس من الغنم يجزي في الأضحية، يوزعه على فقراء الحرم المكي، والواجب المبادرة إلى ذلك حسب الإمكان)). [مجموع فتاوى اللجنة الدائمة، 11/ 188]، وانظ: مجموع الفتاوى لابن باز، 16/ 133. (¬2) وأفتى شيخنا عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه: من تعاطي العادة السرية واستمناء حتى أنزل وهو محرم بالحج قبل الوقوف بعرفة: أن عليه التوبة إلى اللَّه تعالى؛ لأن تعاطي العادة السرية محرم في الحج وغيره، وعليه ذبيحة يذبحها في مكة للفقراء [مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 138، 139،و16/ 133]. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه: ((المباشرة بدون إنزال فيه فدية أذى، وبالإنزال على القول الصحيح فيه فدية أذى)) [الشرح الممتع، 7/ 215]، وانظر: كتاب الفروع لابن مفلح، 5/ 461. (¬3) انظر: شرح العمدة، لابن تيمية، 2/ 281 - 284، والمغني لابن قدامة، 5/ 390، والفروع لابن مفلح، 5/ 535، الشرح الممتع، 7/ 219.

فهذه خمسة أجناس فعليه خمس فدى، سواء فعل المحظور بعد أن رفض الإحرام ونوى الخروج أم لا؛ لأن بعض العلماء يرى أنه إذا رفض إحرامه ارتفض وحل، والصواب أنه يبقى على إحرامه ولو رفضه؛ لأنه لا يمكن الخروج من النسك إلا بواحد من ثلاثة أمور هي: إتمام النسك، التحلل إن اشترط، الحصر بشروطه (¬1). واختار شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: أن من فعل محظوراً من أجناس وهو يعلم الحكم الشرعي، وأنه لا يجوز له ذلك بعد الدخول في الإحرام؛ فإن عليه الفدية لكل محظور كفارة مستقلة: وهي إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف الصاع، من قوت البلد، أو ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام: عن لبس المخيط، ومثل ذلك عن تغطية الرأس، ومثل ذلك عن الطيب، ومثل ذلك عن قلم الأظفار، ومثل ذلك عن حلق الشعر، أما إذا كان جاهلاً فليس عليه شيء (¬2). والعلم عند اللَّه تعالى. ¬

(¬1) انظر: شرح العمدة، 2/ 390 - 392، المغني لابن قدامة، 5/ 391، والفروع لابن مفلح، 5/ 538، الشرح الممتع، 7/ 220 - 221. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، جمع عبد اللَّه الطيار وأحمد بن باز، 7/ 123، 7/ 315، وانظر للفائدة، 5/ 391، مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 167، 177، مجموع فتاوى الحج والعمرة له، 6/ 232. وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 481 - 488.

المبحث الثامن عشر: الإحصار عن البيت الحرام

المبحث الثامن عشر: الإحصار عن البيت الحرام أولاً: مفهوم الإحصار لغة واصطلاحاً: الإحصار لغة: قال ابن فارس رحمه اللَّه: ((الحاء والصاد والراء، وهو الجمع والحبس، والمنع)) (¬1). والحصر: كالضرب والنصر: التضييق والحبس عن السفر وغيره (¬2) (¬3). ¬

(¬1) معجم مقاييس اللغة لابن فارس، ص 268، الطبعة الأولى 1415هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان. (¬2) القاموس المحيط، باب الراء، فصل الحاء، ص 480. (¬3) والحَصَر: ضيق الصدر، وإذا ضاق المرء عن أمر قيل: حصر صدر المرء عن أهله يحصر حصراً، لقوله تعالى: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90]. وحَصَره، يحصُرُه، حَصْراً فهو محصور، وحصيرٌ، وأحصره كلاهما: حبسه عن السفر، وأحصره المرض: منعه من السفر أو من حاجة يُريدها، [لسان العرب لابن منظور، باب الراء، فصل الحاء، 4/ 193]. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم أن أكثر علماء العربية يقولون: إن الإحصار هو ما كان عن مرض أو نحوه، قالوا: تقول العرب: أحصره المرض يُحصِره بضم الياء وكسر الصاد إحصاراً. وأما ما كان من العدو فهو: الحصر، تقول العرب: حصر العدوُّ يَحصُره بفتح الياء وضم الصاد قَصْراً بفتح فسكون، ومن إطلاق الحصر على ما كان من العدو قوله تعالى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: 5]. ومن إطلاق الإحصار على غير العدوّ كما ذكرنا عن علماء العربية قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّه}))] أضواء البيان، 1/ 185]. وقال ابن الأثير رحمه اللَّه: ((الإحصار: المنع والحبس، يقال: أحصره المرض، أو السلطان إذا منعه عن مقصده، فهو مُحْصَرٌ، وحصره إذا حبسه، فهو محصور))، [النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، 1/ 395]. وقال الفيومي رحمه اللَّه: ((حصره العدوّ حصراً: من باب قتل: أحاطوا به ومنعوه من المضي لأمره، وقال ابن السِّكِّيت وثعلب: حصره العدوُّ في منزله: حبسه، وأحصره المرض بالألف منعه من السفر، وقال ابن الفراء: هذا هو كلام العرب وعليه أهل اللغة، وقال ابن القوطيَّة وأبو عمرو الشيباني: ((حصره العدوُّ والمرض وأحصره كلاهما بمعنى حبسه))، [المصباح المنير للفيومي، 1/ 138].

والإحصار شرعا:

والإحصار شرعاً: المنع من المضي إلى بيت اللَّه الحرام (¬1). وقيل: المنع عن إتمام الحج والعمرة، أوهما، لا الواجبات (¬2). ثانياً: من أحرم بحج أو عمرة ثم مُنِعَ من الوصول إلى البيت بحصر عدوّ، أو بمرضٍ، أو ضياع نفقة، أو كسر، أو حادث، ولم يستطع أن يذهب من طريق آخر، فعليه أن يبقى على إحرامه إذا كان يرجو زوال هذا الحابس أو المانع قريباً، كأن يكون المانع سيلاً، أو عدوّاً يمكن التفاوض معه في الدخول وأداء الطواف والسعي، وبقية المناسك ولا يعجل في التحلل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الحديبية لم يعجل، بل مكث هو وأصحابه للمفاوضات مع أهل مكة مدة يوم الحديبية لعلهم يسمحون لهم بالدخول؛ لأداء العمرة بدون قتال، فلمَّا لم يتيسر ذلك وصمَّموا على المنع إلا بالحرب، وفرغ رسول اللَّه من قضية الكتاب قال لأصحابه: ((قوموا فانحروا ثم احلقوا ... )) قال الراوي: ((فواللَّه ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي اللَّه أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بُدْنَه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلقوا ¬

(¬1) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روَّاس، ص 159. (¬2) حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 4/ 206.

بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمًّا ... )) (¬1). وكان تأخر الصحابة - رضي الله عنهم - عن النحر والحلق رغبة في أداء العمرة، وغيظاً على الكفار، ويرجون أن ينزل اللَّه الوحي على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيغيِّر ما صمَّم عليه من المعاهدة، وليس ذلك بمعصية منهم - رضي الله عنهم -، فلما رأوا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نحر ثم حلق أيقنوا أنه لا عمرة، ولا قتال، فنحروا ثم حلقوا. وإذا قدر المحصر على الهدي فليس له الحلّ قبل ذبحه، ثم يحلق، فإن كان معه هدي قد ساقه أجزأه، وإن لم يكن لزمه شراؤه إن أمكنه، وله نحره في موضع حصره (¬2). وبيَّن شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: أن المحصر يذبح هديه في المكان الذي أُحْصِرَ فيه، ولو خارج الحرم، ويُعطى للفقراء (¬3). وكذلك إذا كان المانع من إكمال الحج أو العمرة: مرض، أو حادث، أو ضياع نفقة، فإنه إذا أمكنه الصبر لعله يزول المانع، أو أثر الحادث، ثم يكمل صبر، وإن لم يتمكن من ذلك فهو محصر على الصحيح، يذبح، ثم يحلق، أو يقصر، ويتحلل (¬4)، كما قال سبحانه: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهُ ¬

(¬1) انظر: قصة صلح الحديبية والمفاوضة العظيمة في صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابه الشروط، برقم 2731. (¬2) المغني، لابن قدامة، 5/ 196 - 198، ومجموع فتاوى ابن باز، 18/ 18. (¬3) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 154، و18/ 7, 9, 12. (¬4) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في معنى الإحصار على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن المراد به حصر العدو خاصة دون المرض ونحوه، وهذا قول ابن عباس، وابن عمر، وأنس، وابن الزبير، وهو قول سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير - رضي الله عنهم -، وبه قال مروان وإسحاق، وهو الرواية المشهورة الصحيحة عن أحمد بن حنبل، وهو مذهب مالك والشافعي رحمهم اللَّه، وعلى هذا القول: فمن أحصر بمرض ونحوه لا يجوز له التحلل حتى يبرأ من مرضه، ويطوف بالبيت، ويسعى، ويحلق أو يقصر فيكون متحللاً بعمرة، وحجة هذا القول متركبة من أمرين: الأمر الأول: أن الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. [البقرة: 196] نزلت في صد المشركين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وهم محرمون بعمرة عام الحديبية عام ست من الهجرة بإجماع العلماء. الأمر الثاني: ما جاء في ذلك من الأحاديث والآثار، ومنها حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنه كان يقول: ((أليس حسبكم سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -)) إن حُبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عاماً قابلاً فيهدي، أو يصوم إن لم يجد هدياً)) [البخاري، برقم 1810]، ومن الآثار ما رواه الشافعي في مسنده والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: ((لا حصر إلا حصر العدو)) [أضواء البيان للشنقيطي، 1/ 186 - 187، والمغني لابن قدامة، 5/ 194 - 203، والشرح الكبير والإنصاف مع المقنع، 8/ 312 - 326]. القول الثاني: المراد بالإحصار أنه يشمل ما كان من عدو، ومرض ونحو ذلك من جميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم، وممن قال به: ابن مسعود، ومجاهد، وعطاء وقتادة، وعروة بن الزبير، وإبراهيم النخعي، وعلقمة والثوري، والحسن، وأبو ثور، وداود، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن أحمد. وحجة هذا القول من جهة شموله لإحصار العدو قد تقدمت في حجة الذي قبله، وأما من جهة شموله للإحصار بمرض، فحديث الحجاج بن عمر - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من كُسِرَ أو عرج، فقد حلَّ وعليه حجة أخرى)). وفي لفظ أبي داود، وابن ماجه: ((من عرج أو كسرَ أو مرض)) [أحمد، 3/ 450، وأبو داود، برقم 1862، والترمذي، برقم 940، والنسائي، 5/ 199، وابن ماجه، برقم 3077، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 349، 350]. ولأنه محصر، يدخل في عموم الآية، ولقصة ضباعة بنت الزبير في الاشتراط، فلو كان المرض يبيح الحل ما احتاجت إلى شرط. القول الثالث: المراد بالإحصار: أنه ما كان من المرض، ونحوه خاصة، دون ما كان من العدو، قال الشنقيطي: ((ولا يخفى سقوط هذا القول لما قدمناه من أن الآية الكريمة نزلت في إحصار العدو عام الحديبية)) [أضواء البيان، 1/ 190]. وانظر: المغني، 5/ 203 - 204، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 9/ 312 - 326. قال في الإنصاف عن اختيار القول الثاني وأن الإحصار يشمل المرض: (( ... ويحتمل أنه يجوز له التحلل كمن حصره عدو، وهو رواية عن أحمد، قال الزركشي: ولعلها أظهر، انتهى، واختاره الشيخ تقي الدين، وقال: مثله حائض تعذر مقامها، وحرم طوافها، أو رجعت ولم تطف لجهلها بوجوب طواف الزيارة أو لعجزها عنه، ولو لذهاب الرفقة، قال في الفروع: وكذا من ضل الطريق، الإنصاف، 9/ 325 - 326، ورجح شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أن الإحصار يشمل العدو والمرض، وعدم النفقة ونحو ذلك. انظر: مجموع الفتاوى له، 16/ 153، 18/ 7، 11، 18. وسمعته يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 2678: ((أما قول ابن عباس رضي اللَّه عنهما لا حصر إلا من عدو)) فقد خالفه غيره، والصواب أنه لا ينحصر في حصر العدو، بل من ضل السبيل، أو مرض أو ضاعت نفقته فإنه ينحر هدياً ويحلق أو يقصر ثم يحل فإن لم يجد هدياً صام عشرة أيام ثم حلق أو قصر ثم تحلل، أما إذا كان يستطيع الحاج أن يذهب إلى البيت ويتحلل بعمرة فهذا هو المطلوب)). وقال في مجموع فتاويه، 18/ 7، 9، 12: ((إذا لم يستطع المحصر الهدي صام عشرة أيام ثم حلق)). وقال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، 7/ 450: ((والصحيح في هذه المسألة أنه إذا أحصر بغير عدو كما لو كان حصر بعدو لعموم الآية: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ولم يقيد اللَّه تعالى الحصر بعدو)). واختار شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية، ص 177 أن الحصر يكون بالعدو والمرض أو ذهاب النفقة.

فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬1). وعن عكرمة قال: سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من كُسِرَ أو عَرِجَ فقد حلَّ وعليه الحجّ من قابل)). قال عكرمة: سألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك، فقالا: صدق. وعن الحجاج بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كُسِرَ أو عَرِجَ، أو ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 196.

مرض ... )) (¬1). لكن إذا كان المحصر قد قال عند إحرامه: ((فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)) (¬2). حل من إحرامه ولم يكن عليه هدي، ولا قضاء (¬3). وهل يجب على المحصر إذا حلَّ من إحرامه، ولم يكن قد اشترط القضاء أم لا يجب عليه؟ الراجح أنه لا يجب عليه القضاء، إلا إذا كانت حجة الإسلام أو عمرته، فيؤدي الفرض بعد ذلك (¬4) (¬5). ¬

(¬1) أخرجه أبو داود بلفظه، كتاب المناسك، باب الإحصار، برقم 1862، 1863، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الذي يهلُّ بالحج فيكسر أو يعرج، برقم 940، بلفظ: ((من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى))، والنسائي، بلفظ الترمذي، كتاب مناسك الحج، باب فيمن أحصر بعدو، برقم 2860، 2861، وابن ماجه، بلفظ الترمذي والنسائي، كتاب المناسك، باب المحصر، برقم 3077، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 481 - 482، وفي المواضع الأخرى المذكورة. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 5089،ومسلم، برقم 1207،وتقدم تخريجه في الإحرام، مسائل في لإحرام. (¬3) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 18/ 10 - 11. (¬4) انظر: زاد المعاد، 2/ 91،والفتاوى الإسلامية، 2/ 288 - 922، والمغني لابن قدامة، 5/ 194، وتوضيح الأحكام من بلوغ المرام للبسام، 3/ 402، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 177، وأضواء البيان، 1/ 191، وفتح الباري، 4/ 12، ومعالم السنن، 2/ 368، وشرح العمدة لابن تيمية، 2/ 379. (¬5) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((والمحصر بمرض أو ذهاب نفقة كالمحصر بعدو، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومثلهما حائض تعذر مقامها وحرم طوافها ورجعت ولم تطف، لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه، أو لذهاب الرفقة، والمحصر يلزمه دم في أصح الروايتين، ولا يلزمه قضاء حجة، إن كان تطوعاً، وهو إحدى الروايتين)) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص177. وقال الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 196: ((فأما من لم يجد طريقاً أخرى فتحلل فلا قضاء عليه، إلا أن يكون واجباً يفعله بالوجوب السابق في الصحيح من المذهب، وبه قال مالك والشافعي، وعن أحمد أن عليه القضاء، روي ذلك عن مجاهد، وعكرمة، والشعبي، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تحلل زمن الحديبية قضى من قابل، وسميت عمرة القضية؛ ولأنه حلَّ من إحرامه قبل إتمامه فلزمه القضاء كما لو فاته الحج ... )). ثم ردَّ هذا القول ابن قدامة رحمه اللَّه فقال: ((ووجه الأول أنه تطوع جاز التحلل منه مع صلاح الوقت له، فلم يجب قضاؤه، كما لو دخل في الصوم يعتقد أنه واجب فلم يكن، فأما الخبر فإن الذين صدُّوا كانوا ألف وأربعمائة، والذين اعتمروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا نفراً يسيراً، ولم ينقل إلينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أحداً بالقضاء، وأما تسميتها عمرة القضية، فإنما يعني بها القضية التي اصطلحوا عليها واتفقوا عليها، ولو أرادوا غير ذلك لقالوا: عمرة القضاء، ويفارق الفوات؛ فإنه مفرِّط بخلاف مسألتنا)). المغني لابن قدامة، 5/ 196، وانظر: المقنع والشرح الكبير والإنصاف، 9/ 312 - 327، 328، وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، 2/ 274، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 1861، يبين أن قضاء المحصر على من لم يحج حجة الإسلام. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 1/ 191: (( ... وجوب البدل بحجة أخرى أو عمرة أخرى لو كان يلزم لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يقضوا عمرتهم التي صدهم عنها المشركون)) قال الإمام البخاري رحمه اللَّه: ((باب من قال ليس على المحصر بدل ... عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: إنما البدل على من نقض حجه بالتلذذ، فأما من حبسه عذر أو غير ذلك فإنه يحل ولا يرجع ... وقال مالك وغيره: ينحر هديه، ويحلق في أي موضع كان، ولا قضاء عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا، وحلوا من كل شيء قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت، ثم لم يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أحداً أن يقضوا شيئاً، ولا يعودوا له، والحديبية خارج من الحرم)) البخاري، قبل الحديث رقم 1813.

المبحث التاسع عشر: ما يباح للمحرم

المبحث التاسع عشر: ما يباح للمحرم 1 - يجوز للمحرم وغير المحرم أن يقتل الفواسق المؤذية في الحلِّ والحرم، فعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم: العقرب، والحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور)) (¬1). وفي لفظٍ لمسلم: ((خمسٌ فواسقٌ يقتلن في الحلِّ والحرم: الحيَّة، والغراب الأبقع (¬2)، والفأرة، والكلب العقور، والحديَّا)) (¬3) (¬4). وعن الأسود عن عبد اللَّه - رضي الله عنه - قال: بينما نحن مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في غارٍ بمنى إذ نزل عليه {وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا} وإنه ليتلوها، وإني لأتلقَّاها من فيه، وإن فاه لرطبٌ بها إذ وثبت علينا حيَّةٌ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اقتلوها)) فابتدرناها فذهبت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وُقيت شرَّكم كما وقيتم شرها)) (¬5). قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن السَّبُع إذا بدأ المحرم فقتله، لا شيء عليه (¬6). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري واللفظ له، كتاب جزاء الصيد، باب ما يقتل المحرم من الدواب، برقم 1829، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم برقم 67 - (1198). (¬2) الغراب الأبقع: هو الذي في ظهره وبطنه بياض. (¬3) الحديَّا: تصغير حدأة. (¬4) مسلم، برقم 67 - (1198). (¬5) البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب ما يقتل المحرم من الدواب، برقم 1830. (¬6) المغني لابن قدامة، 5/ 177، وانظر فتاوى ابن تيمية، 26/ 118.

2 - إذا لم يجد المحرم إزارا جاز له لبس السراويل

وقال مالك: الكلب العقور ما عقر الناس وعدا عليهم، مثل: الأسد، والفهد، والذئب، فعلى هذا يباح قتل كل ما فيه أذى للناس في أنفسهم، أو في أموالهم، مثل سباع البهائم كلّها المحرّمُ أكلها، وجوارح الطير: كالبازي، والصقر، والعقاب، والشاهين، ونحوها والحشرات المؤذية، والزنبور، والبق، والبعوض، والبراغيث، والذباب، وقد نص الخبر من كل جنس على صورة من أدناه، تنبيهاً على ما هو أعلى منها، ودلالة على ما كان في معناها، فنصه على الحدأة والغراب تنبيهٌ على البازي المؤذي ونحوه، وعلى الفارة تنبيهٌ على الحشرات المؤذية، وعلى العقرب تنبيهٌ على الحية، وعلى الكلب العقور تنبيهٌ على السباع المؤذية التي هي أعلا منه ... وهذا إذا اعتدت عليه هذه الأشياء، أما إذا لم تعتدِ عليه فلا يتعرض لها (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه عند تقريره على حديث عائشة رضي اللَّه عنها في قتل الفواسق يقول: ((قتل هذه الأشياء لعلَّة أذاها فيقتلها المحرم في الحل والحرم، وكذلك الحلال، وليست هذه الخمسة للحصر فيدخل فيها الوزغ، والحية، وكل ما يؤذي من الفواسق)) (¬2). 2 - إذا لم يجد المحرم إزاراً جاز له لبس السراويل، وإذا لم يجد نعلين جاز له لبس الخفين؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما في الصحيحين (¬3). والصواب أنه لا يقطع الخفين إذا لم يجد النعلين، ولا يفتق السراويل ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 5/ 177، بتصرف يسير، وانظر فتاوى ابن تيمية، 26/ 118، والفروع لابن مفلح، 5/ 510 - 518. (¬2) سمعته رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1826. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1838، ومسلم، برقم 1177، وتقدم تخريجه في محظورات الإحرام.

3 - لا حرج على المحرم في لبس الخفاف التي ساقها أسفل من الكعبين

إذا لم يجد الإزار؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بذلك في عرفات (¬1). 3 - لا حرج على المحرم في لبس الخفاف التي ساقها أسفل من الكعبين؛ لكونها من جنس النعلين. 4 - لا حرج على المحرم أن يغتسل للتبرد، ويغسل رأسه ويحكّه برفق وسهولة إذا احتاج إلى ذلك؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، أنه استتر بثوب وهو يغتسل بين قرني البير، فوضع يده على الثوب فطأطأه حتى بدا رأسه، ثم قال لإنسان يصبّ عليه: اصبب، فصبَّ على رأسه، ثم حرَّك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، وقال: ((هكذا رأيته - صلى الله عليه وسلم - يفعل)) (¬2). وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: يدخل المحرم الحمام، ولم يرَ ابن عمر وعائشة بالحكِّ بأساً (¬3). 5 - للمحرم أن يغسل ثيابه، التي أحرم فيها من وسخ ونحوه، ويجوز له إبدالها بغيرها إذا كانت الثياب الثانية مما يجوز للمحرم لبسه. 6 - لا بأس بوضع النظارة الشمسية أو الطبيَّة على العينين. 7 - لا بأس بربط الساعة على المعصم أو لبسها. 8 - لا بأس بالحجامة إذا احتاج إليها المحرم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((احتجم ¬

(¬1) فتاوى ابن تيمية، 26/ 109،وفتاوى ابن باز في الحج والعمرة،5/ 257.والحديث تقدم تخريجه. (¬2) البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الاغتسال للمحرم، برقم 1840. (¬3) البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الاغتسال للمحرم قبل الحديث رقم 1840، وقال الألباني في مختصر البخاري، برقم 343 عن أثر ابن عباس: ((وصله الدارقطني، والبيهقي بسند صحيح عنه)). وأما أثر ابن عمر فقال: ((وأما أثر ابن عمر فوصله البيهقي، 5/ 64، بسند حسن عنه، وأما أثر عائشة فوصله بسند فيه جهالة، وعنه البيهقي)).

9 - لا بأس بالاستظلال بالمظلة أو الشمسية، أو بسقف السيارة،

وهو محرم)) (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((هذا يدل على أن الحجامة للمحرم عند الحاجة لا بأس بها، حتى ولو قطع بعض شعر الرأس، وإن كفَّر كفارة الأذى فهو أحوط، هذا إذا أخذ شيئاً من شعر رأسه)) (¬2). 9 - لا بأس بالاستظلال بالمظلة أو الشمسية، أو بسقف السيارة، وبالخيمة والشجرة ونحو ذلك مما لا يكون ملاصقاً للرأس. فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ظُلِّلَ عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة ضحىً (¬3). 10 - لا حرج بعقد الإزار وربطه بخيط ونحوه لعدم الدليل المقتضي للمنع. 11 - يباح للمرأة من المخيط ما شاءت من الثياب وغيرها من كل ما أباحه اللَّه لها، إلا أنها لا تلبس النقاب والبرقع ولا القفازين، وإذا احتاجت إلى أن تضع خمارها على وجهها فلا حرج عليها، بل ينبغي لها أن تسدل خمارها على وجهها من على رأسها إذا قابلت الرجال الأجانب (¬4). ولا حرج عليها في لبس الخفين، والشراب، والسراويل كما تقدم. 12 - لا حرج في شد ما يحفظ المال على الوسط ولا حرج في ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الحجامة للمحرم، برقم 1835. (¬2) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1835. (¬3) مسلم، برقم 1218، من حديث جابر، ورقم 1298 من حديث أم الحصين، وتقدم تخريجهما في محظور الإحرام. (¬4) تقدمت الأدلة على ذلك في المحظور الثالث من محظورات الإحرام، وفي الإحرام في أعمال مريد الحج أو العمرة عند الميقات.

13 - لا حرج في أن يخيط المحرم الشقوق في إزاره أو ردائه

استخدامه لربط الإزار كذلك (¬1). 13 - لا حرج في أن يخيط المحرم الشقوق في إزاره أو ردائه، أو يرقع ذلك، وإنما الممنوع هو ما فُصِّل على هيئة العضو أو البدن (¬2). ¬

(¬1) انظر هذه الأمور في: مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز في الحج والعمرة،5/ 275 - 260، وفتاوى ابن تيمية، 26/ 110، وشرح العمدة لابن تيمية، 2/ 15 - 212. (¬2) انظر: فتاوى ابن تيمية، 26/ 110، وشرح العمدة لابن تيمية، 2/ 16.

المبحث العشرون: أركان الحج وواجباته

المبحث العشرون: أركان الحج وواجباته أولاً: أركان الحج: أربعة على الصحيح: مفهوم الأركان لغة واصطلاحاً: الأركان لغة: جمع ركن، والركن جانب الشيء الأقوى، فيكون عينه الذي لا يقوم ولا يتم إلا به، وسميت أركان الحج تشبيهاً لها بأركان البيت الذي لا يقوم إلا بها. والركن اصطلاحاً: ما يقوم به ذلك الشيء من التقوم. وقيل: ركن الشيء ما يتم به وهو داخل فيه بخلاف شرطه وهو خارج عنه (¬1). وقيل: الركن: ماهية الشيء والذي يتركَّب منه، ويكون جزء من أجزائه، ولا يوجد ذلك الشيء إلا به (¬2). وقيل: الركن عبارة عن جزء الماهية (¬3). وقيل: الركن ما لا يقوم الشيء إلا به (¬4). ¬

(¬1) التعريفات للجرجاني، ص 149، وحاشية الروض المربع لابن قاسم، 2/ 122، ومعجم لغة الفقهاء للرواس، ص 202. (¬2) حاشية الروض المربع، 2/ 122. (¬3) جامع العلوم والحكم لابن رجب، 1/ 65، وعدة الباحث في أحكام التوارث لعبد العزيز بن ناصر الرشيد، ص4. (¬4) معجم لغة الفقهاء للرواس، ص 203.

وأركان الحج أربعة على الصحيح، وهي على النحو الآتي:

وأركان الحج أربعة على الصحيح، وهي على النحو الآتي: الركن الأول: الإحرام: وهو نية الدخول في النسك فمن ترك هذه النية لم ينعقد حجه؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬1). قال الإمام ابن المنذر: ((وأجمعوا على أنه إن أراد أن يهلَّ بحج فأهل بعمرة، أو أراد أن يهل بعمرة فلبَّى بحجٍّ أنَّ اللازم له ما عقد عليه قلبه، لا ما نطق به لسانه)) (¬2). الركن الثاني: الوقوف بعرفة. قال اللَّه تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الحرَامِ} (¬3).فإن الإفاضة من عرفة إنما تكون بعد الوقوف فيها، وهو الركن الذي يفوت الحج بفواته؛ لحديث عبد الرحمن بن يعمر - رضي الله عنه - قال: شهدت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بعرفة، وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول اللَّه كيف الحج؟ قال: ((الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تمَّ حجه، أيام منى ثلاثة، {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} (¬4). ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بهن)). وهذا لفظ ابن ماجه، ولفظ الترمذي: ((الحج ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، واللفظ له، برقم 1، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنية)) وأنه لا يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال، برقم 1907. (¬2) الإجماع لابن المنذر، ص 62، ونقل الإجماع أيضاً ابن عبد البر في التمهيد، 10/ 20. (¬3) سورة البقرة، الآية: 198. (¬4) سورة البقرة، الآية: 203.

الركن الثالث: طواف الإفاضة للحج

عرفات، الحج عرفات، الحج عرفات، أيام منى ثلاثٌ، {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} ومن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج)) (¬1). قال الإمام ابن المنذر: ((وأجمعوا على أن الوقوف بعرفة فرض لا حج لمن فاته الوقوف بها)) (¬2). الركن الثالث: طواف الإفاضة للحج بعد الإفاضة من عرفة ومزدلفة، لقول اللَّه تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (¬3)؛ ولحديث عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: حججنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول اللَّه، إنها حائض، قال: ((أحابستنا هي؟)) قالت عائشة: يا رسول اللَّه، إنها قد كانت أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((فلتنفر [إذاً])) ولفظ البخاري: أن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: يا رسول اللَّه: إنها حائض، قال: ((أحابستنا هي؟)) قالوا يا رسول اللَّه، أفاضت يوم النحر، قال: ((اخرجوا)) (¬4) فدل ذلك على أن هذا الطواف لا بدَّ منه وأنَّه ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، برقم 3015، وأبو داود، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، برقم 1949، والنسائي، كتاب مناسك الحج، باب فرض الوقوف بعرفة، برقم 3019، والترمذي واللفظ له، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة، برقم 2975، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 256. (¬2) الإجماع لابن المنذر، ص 73. (¬3) سورة الحج، الآية: 29. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الزيارة يوم النحر، برقم 1733، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، برقم 1211، وما بين المعقوفتين من رواية لمسلم، برقم 384 - (1211).

ولطواف الزيارة وقتان

حابسٌ لمن لم يأت به. قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((وسُمِّيَ طواف الزيارة؛ لأنه يأتي من منى فيزور البيت، ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى، ويُسمَّى طواف الإفاضة؛ لأنه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة، وهو ركن للحج، لا يتمُّ إلا به، لا نعلم فيه خلافاً)) (¬1). ولطواف الزيارة وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء. فأما وقت الفضيلة فيوم النحر: بعد الرمي، والنحر، والحلق. وأما وقت الجواز فأوله من بعد نصف الليل من ليلة النحر، وبهذا قال الإمام أحمد، والشافعي. وقال أبو حنيفة أوله طلوع الفجر من يوم النحر، وآخره آخر أيام النحر، وهذا مبنيٌّ على أول وقت الرمي، ويأتي الكلام فيه إن شاءاللَّه. وأما آخر وقته فاحتج بأنَّه نُسُكٌ يفعل في الحج، فكان آخره محدوداً كالوقوف والرمي، قال ابن قدامة: ((والصحيح أن آخر وقته غير محدود فإنه متى أتى به صحَّ بغير خلاف، وإنما الخلاف في وجوب الدم)) (¬2). قلت: وكلما سارع إليه المسلم قدر استطاعته كان أفضل؛ لأن المسارعة إلى الخيرات من أفضل الأعمال، ثم قد يهجم الموت عليه على غرة، واللَّه المستعان. ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة، 5/ 311. (¬2) المرجع السابق، 5/ 313.

الركن الرابع: السعي بين الصفا والمروة

الركن الرابع: السعي بين الصفا والمروة؛ لحديث حبيبة بنت أبي تجزئة قالت: دخلنا على دار أبي حسين في نسوة من قريش والنبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف بين الصفا والمروة، قالت: وهو يسعى يدور به إزاره من شدَّة السعي وهو يقول لأصحابه: ((اسعوا فإن اللَّه كتب عليكم السعي)) (¬1). قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ((ما أتم اللَّه حج من لم يطف بين الصفا والمروة))، وفي لفظ للبخاري ومسلم: ((ما أتم اللَّه حج امرئ ولا عمرته ما لم يطف بين الصفا والمروة)) (¬2)، وفي لفظ: ((أن بعض الأنصار قالوا: إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة، فأنزل اللَّه - عز وجل -: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ})) (¬3). ثانياً: واجبات الحج: الواجب لغة: من وجب الشيء يجب وجوباً: أي لزم، يقال: وجب الشيء يجب وجوباً: إذا ثبت ولزم (¬4). ¬

(¬1) أحمد، 6/ 421، والحاكم، 4/ 70، وغيرهما، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 269، والحديث أخرجه الدارقطني أيضاً، 2/ 255، والبيهقي، 5/ 97، وحسنه النووي في المجموع، 8/ 82. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب العمرة، باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج، برقم 1790، وكتاب الحج باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر اللَّه، برقم 1643، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به، برقم 1277. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر اللَّه، برقم 1643، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به برقم 261 - (1277). (¬4) لسان العرب لابن منظور، 1/ 793، وانظر: التعريفات للجرجاني، ص 304.

الواجب الأول: الإحرام من الميقات

وقيل: واجب: اسم فاعل من وجب اللازم (¬1). والواجب اصطلاحاً: هو ما يثاب فاعله، ويستحق العقاب تاركه (¬2)، والأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف إلى الاستحباب، كما أن النهي يقتضي التحريم ما لم يصرفه صارف إلى الكراهة. الواجب الأول: الإحرام من الميقات؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - حينما وقّت المواقيت: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة)) (¬3). الواجب الثاني: الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس لمن وقف نهاراً؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: ((فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص)) (¬4)؛ ولحديث جابر - رضي الله عنه - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) (¬5)؛ ولأنه لم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّص لأحد بالانصراف من عرفة قبل غروب الشمس، وقد ثبت أنه رخَّص للضعفة بالانصراف من مزدلفة في آخر ليلة النحر قبل ¬

(¬1) معجم لغة الفقهاء للرواس، ص 168. (¬2) الواجب والفرض عن الشافعي ومن وافقه سواء، وهو كل ما يعاقب على تركه، وفرق بينهما أبو حنيفة، فالفرض عنده آكد من الواجب، لسان العرب لابن منظور، 1/ 793، وانظر: التعريفات للجرجاني، ص 304. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1526،ورقم 1524،ومسلم، برقم1181،وتقدم تخريجه في المواقيت. (¬4) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬5) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة راكباً، وبيان قوله: ((لتأخذوا عني مناسككم))، برقم 1297.

الواجب الثالث: المبيت بمزدلفة

انصرافه - صلى الله عليه وسلم -، ومن لم يدرك جزءاً من النهار، ولا جاء عرفة حتى غابت الشمس فوقف ليلاً فلا شيء عليه، وحجه تام، قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((لا نعلم فيه مخالفاً)) (¬1)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف إلى الغروب والفعل إذا خرج منه مخرج الامتثال والتفسير كان حكمه حكم الأمر. الواجب الثالث: المبيت بمزدلفة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - بات بها، لقول اللَّه تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّين} (¬2)؛ ولحديث جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لتأخذ أمتي نُسُكَها فإني لا أدري لعلي لا ألقاهم بعد عامي هذا)) (¬3)؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن للضعفة بعد منتصف الليل فدل ذلك على أن المبيت بمزدلفة لازم، وقد أمر اللَّه بذكره عند المشعر الحرام، فلو لم يكن المبيت بمزدلفة واجباً لم يُحتج فيه إلى ترخيص (¬4). الواجب الرابع: المبيت بمنى ليالي أيَّام التشريق الثلاثة للمتأخرين، وليلتين للمتعجلين، لقول اللَّه تعالى: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (¬5). لأن ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 5/ 274. (¬2) سورة البقرة، الآية: 198. (¬3) مسلم، برقم 1297،واللفظ لابن ماجه، برقم 3023،وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 47. (¬4) لما ثبت في صحيح البخاري، برقم 1676، ورقم 1677، ومسلم، برقم 293، ورقم 1295، وسيأتي تخريجها إن شاءاللَّه تعالى في المبيت في مزدلفة. (¬5) سورة البقرة، الآية: 203.

النبي - صلى الله عليه وسلم - بات بها ليالي أيام التشريق الثلاث، ولأنه أَذِنَ للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: ((أن العباس - رضي الله عنه - استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ليبيت بمكة ليالي منى، من أجل سقايته فأَذِنَ له)) (¬1). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - على راحلته وخلفه أسامة فاستقى فأتيناه بإناء من نبيذ، فشرب وسقى فضله أُسامة، وقال: ((أحسنتم وأجملتم كذا فاصنعوا)) فلا نريد تغيير ما أمر به رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ورخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى؛ لحديث عاصم بن عدي - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النحر، واليومين اللذين بعدهما يجمعونهما في أحدهما)) (¬3)، فدلت هذه الرخصة والإذن على أن المبيت بمنى هذه الليالي واجب على غير السقاة والرعاة ومن في حكمهم (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى، برقم 1743 - 1745، وفي باب سقاية الحاج، برقم 1634، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق والترخيص في تركه لأهل السقاية، برقم 1315. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق والترخيص في تركه لأهل السقاية، برقم 1316. (¬3) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب رمي الرعاء، برقم 3071، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الرخصة للرعاء أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً، برقم 954، 955، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب تأخير رمي الجمار عن عذر، برقم 3037، وأبو داود، كتاب المناسك، باب في رمي الجمار، برقم 1975،وأحمد، 5/ 450،وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 280، برقم 1080. (¬4) انظر: واجبات الحج مع الأدلة والتعليل في شرح العمدة، لابن تيمية، 2/ 602 - 648.

الواجب الخامس: رمي الجمرات مرتبا

وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((لا بأس لأهل السقاية ومن كان مثلهم أن يبيتوا ليالي منى: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، وهكذا أذن - صلى الله عليه وسلم - لرعاة الإبل، وهكذا من كان مثلهم: كالمرضى، والذين لا يستطيعون كالحرَّاس، فمن كان مثل أهل السقاية أو أحوج منهم فمن باب أولى)) (¬1). الواجب الخامس: رمي الجمرات مرتباً: جمرة العقبة يوم النحر قبل الزوال وبعده، ورمي الجمرات الثلاث أيام التشريق بعد زوال الشمس؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ بجمرة العقبة ضُحىً يوم النحر، ورمى الجمرات الثلاث أيام التشريق بعد الزوال؛ ولأن اللَّه تعالى قال: {وَاذْكُرُواْ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (¬2). فالحجاج مأمورون بذكر اللَّه في منى وليس في منى ذكر ينفرد به الحج إلا ذكر الجمار؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر اللَّه)) (¬3)،وقال جابر - رضي الله عنه -: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1745. (¬2) سورة البقرة، الآية: 203. (¬3) أحمد، 40/ 408، برقم 24351، ورقم 24268، ورقم 25080، وأبو داود، كتاب المناسك، باب في الرمي، برقم 1888، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء كيف ترمى الجمار، برقم 902، وابن خزيمة في صحيحه، 4/ 222، برقم 2738، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص 148، وحسن إسناده عبد القادر الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 3/ 218، وقال الأعظمي في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة، 4/ 222: ((إسناده صحيح)).

الواجب السادس: الحلق أو التقصير

لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) (¬1). الواجب السادس: الحلق أو التقصير؛ لقول اللَّه تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬2)؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به فقال: ((وليُقصِّر وليحلّ)) (¬3)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهم اغفر للمحلقين)) قالوا: وللمقصرين، قال: (اللَّهم اغفر للمحلقين))، قالوا: وللمقصرين، قال: ((اللَّهم اغفر للمحلقين)) قالوا: وللمقصرين قالها ثلاثاً، قال: ((وللمقصرين)) (¬4). وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رحم اللَّه المحلقين)) قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه؟ قال: ((رحم اللَّه المحلقين)) قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه؟ قال: ((رحم اللَّه المحلقين)) قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه؟ قال: ((والمقصرين)) (¬5). وعن عبد اللَّه - رضي الله عنه - قال: ((حلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وطائفة من أصحابه، وقصَّر بعضهم)) (¬6). ¬

(¬1) مسلم، برقم 1297، وتقدم تخريجه في الوقوف بعرفة. (¬2) سورة البقرة، الآية: 196. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من ساق البدن معه، برقم 1691، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، برقم 1227، وانظر: البخاري، الحديث رقم 1651، ومسلم، برقم 1218. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال، برقم 1728، ومسلم، كتاب الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير، وجواز التقصير، برقم 1302. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال، برقم 1727، ومسلم، كتاب الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير، برقم 318 - (1301). (¬6) متفق عليه، البخاري، كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال، برقم 1729، ومسلم، كتاب الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير، برقم 1301.

الواجب السابع: طواف الوداع

الواجب السابع: طواف الوداع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف للوداع عند خروجه من مكة، لأمره - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان الناس ينصرفون في كل وجهةٍ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ينفرنَّ أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت)) (¬1). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((أُمِرَ الناسُ أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفِّف عن المرأة الحائض)) (¬2). فقد دل نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النفر حتى يكون آخر العهد بالبيت، وهذا النهي يقتضي التحريم، وأُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، وهذا الأمر يقتضي الوجوب، والترخيص للحائض في ترك طواف الوداع يدل على وجوبه، ومثل الحائض في ذلك النفساء، واختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى هل للعمرة طواف وداع؟ على قولين: أقربهما أن العمرة ليس لها طواف وداع، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((أما العمرة فليس لها طواف وداع واجب، ولكن لو طاف المعتمر يكون أفضل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر من اعتمر معه بالوداع، ولا من اعتمر)) (¬3). والباقي من أفعال الحج وأقواله سنن: كلبس إزار ورداء أبيضين للرجل، والتلبية من حين الإحرام إلى استلام الحجر الأسود في العمرة، ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، برقم 1327. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع، برقم 1755، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، برقم 1328. (¬3) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1755.

أما الحج فإلى رمي جمرة العقبة، والمبيت بمنى ليلة عرفة، والرمل، والاضطباع للرجال في موضعهما من طواف القدوم، وتقبيل الحجر الأسود، والأذكار، والأدعية، وصعود الصفا. فمن ترك ركناً لم يتم نسكه إلا به، ومن ترك واجباً جبره بدم، ومن ترك سنة فلا شيء عليه (¬1). ودليل وجوب الدم على تارك الواجب قول ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً)) (¬2). ¬

(¬1) انظر: شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 654، ومنار السبيل، 1/ 263، وحاشية الروض لابن القاسم، 4/ 204. (¬2) أخرجه الإمام مالك في الموطأ، 1/ 419، والدارقطني، 2/ 244، والبيهقي، 5/ 152، قال العلامة الألباني: ((ثبت موقوفاً)) وانظر: إرواء الغليل، 4/ 299.

المبحث الحادي والعشرون: أركان العمرة وواجباتها

المبحث الحادي والعشرون: أركان العمرة وواجباتها أولاً: أركان العمرة ثلاثة (¬1): الركن الأول: الإحرام: وهو نية الدخول في النسك؛ لحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬2). الركن الثاني: الطواف بالبيت العتيق. الركن الثالث: السعي، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطواف والسعي: ((ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ... )) (¬3). وقال في السعي: ((اسعوا فإن اللَّه كتب عليكم السعي)) (¬4). وفي حديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ((ما أتم اللَّه حج امرئ ولا عمرته ما لم يطف بين الصفا والمروة)) (¬5). ثانياً: واجبات العمرة: اثنان: الواجب الأول: الإحرام بها من الحلّ؛ لأمره - صلى الله عليه وسلم - عائشة رضي اللَّه عنها أن تعتمر من التنعيم (¬6)؛ ولحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما في المواقيت: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة ... )) (¬7). ¬

(¬1) انظر: حاشية الروض، 4/ 203، ومنار السبيل، 1/ 261. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907، وتقدم تخريجه في أركان الحج. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1691،ومسلم، برقم 1227،وتقدم تخريجه في واجب الحج السادس. (¬4) أحمد، 6/ 421، والحاكم، 4/ 70، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 169، وتقدم تخريجه في الركن الرابع من أركان الحج ((السعي)). (¬5) متفق عليه: البخاري، برقم 1790، ومسلم، برقم 1277، وتقدم تخريجه في السعي في الحج ((الركن الرابع من أركان الحج)). (¬6) متفق عليه: البخاري، برقم 1784،ومسلم، برقم 1212،وتقدم تخريجه في المواقيت، في مسائل في المواقيت. (¬7) متفق عليه: البخاري، برقم 1526، ومسلم، برقم 1181، وتقدم تخريجه في المواقيت.

الواجب الثاني: الحلق أو التقصير

الواجب الثاني: الحلق أو التقصير؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وليقصِّر وليحلّ)) (¬1)، فمن ترك ركناً لم تتم عمرته إلا به، ومن ترك واجباً جبره بدم، ومن وقع في الجماع قبل التقصير أو الحلق في العمرة فعليه شاة؛ لفتوى ابن عباس رضي اللَّه عنهما وعمرته صحيحة (¬2). ومن وقع في الجماع قبل الطواف بالبيت لعمرته فسدت إجماعاً، وإن كان الجماع بعد الطواف وقبل السعي فسدت كذلك عند الجمهور، وعليه في الحالتين المضي في فاسدها، والقضاء والهدي (¬3) (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم1691،ومسلم، برقم 1227،وتقدم تخريجه في الواجب السادس من واجبات الحج. (¬2) انظر: سنن البيهقي، 5/ 172، قال الألباني في إرواء الغليل: صحيح موقوفاً، 4/ 233، وانظر حاشية الروض، 4/ 54، وأضواء البيان، 5/ 389. (¬3) أضواء البيان، 5/ 389، والاستذكار لابن عبد البر، 12/ 290. (¬4) أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة شيخنا عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز رحمه اللَّه: أن من جامع بعد الطواف بالبيت وقبل سعي العمرة فسدت عمرته [وعليه المضي في فاسدها فيتمها فاسدة] وعليه دم، وقضاء العمرة من الميقات الذي أحرم منه بالعمرة الأولى، أما إن كان الجماع بعد الطواف والسعي وقبل التقصير، فالعمرة صحيحة، وعليه عن ذلك: إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام. انظر: مجموع فتاوى اللجنة، 11/ 187. وأفتى شيخنا ابن باز: أن من حصل له الجماع في العمرة قبل الطواف والسعي؛ فإن عمرته تفسد وتبطل بذلك، وعليه أن يتمها فاسدة، ثم يقضيها بعمرة أخرى يُحرم بها من الميقات الذي أحرم منه بالأولى، كما أفتى بذلك بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يطوف ويسعى ويحل، وعليه ذبيحة يذبحها في مكة يوزعها بين الفقراء، وعليه التوبة إلى اللَّه تعالى، وهكذا زوجته إن كانت مطاوعة له [مجموع الفتاوى، لابن باز، 16/ 131، و17/ 135، 136، 137، 138]، وأفتى شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: أن من اعتمرت فطافت بالبيت وسعت وعليها العادة، ثم تزوجت ودخل بها زوجها، فإن عليها إتمام العمرة الفاسدةالتي فسدت بالجماع؛ لأنها لازالت محرمة، ثم تقصر، وعليها دم يذبح في مكة للفقراء، وعليها أن تحرم من الميقات بعمرة جديدة بدلاً من التي أفسدتها بالجماع؛ لأن طوافها وهي حائض غير صحيح، ويحرم على زوجها قربانها حتى يجدد العقد بعد العمرة الأخيرة، مع التوبة [مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 137 - 138].

المبحث الثاني والعشرون: سنن الحج والعمرة

المبحث الثاني والعشرون: سنن الحج والعمرة أولاً: سنن الإحرام: 1 - تقليم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبطين، وحلق شعر العانة، قبل الإحرام؛ لما في ذلك من إزالة الأوساخ، والنظافة؛ ولأن ذلك من سنن الفطرة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب)) (¬1). 2 - الغسل عند الإحرام؛ لحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ((تجرد لإهلاله واغتسل)) (¬2). 3 - التطيب في البدن قبل الإحرام؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يُحرم تطيب بأطيب ما يجد، ثم أرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته بعد ذلك)) (¬3). 4 - إحرام الرجل في إزار ورداء أبيضين؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها موتاكم ... )) (¬4). ¬

(¬1) البخاري، برقم 5888، 5890، ومسلم، برقم 257، وتقدم تخريجه في الإحرام. (¬2) الترمذي، برقم 830، وابن خزيمة، 4/ 161، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 433، وتقدم تخريجه في الإحرام. (¬3) البخاري، برقم 1538، ورقم 271، 5918، 5923، ومسلم، برقم 1190، وتقدم تخريجه في الإحرام. (¬4) أبو داود، بلفظه، كتاب الطب، باب في الأمر بالكحل، برقم 3878، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما يستحب من الأكفان، برقم 994، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يستحب من الكفن، برقم 1472، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 502.

5 - الإحرام في نعلين

5 - الإحرام في نعلين؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)) (¬1). 6 - الإحرام بعد صلاة فريضة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم بعد صلاة الظهر؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((صلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته وأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وقلدها نعلين ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج ... )) (¬2). فإن لم يكن في وقت صلاة فريضة، فإنه يصلي ركعتي الوضوء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((تجرد لإهلاله واغتسل)) وقد شرع - صلى الله عليه وسلم - لأمته ركعتي الوضوء، والصواب أنها تُصلَّى في أي ساعة من ليل أو نهار، وإذا كان الإحرام من ميقات ذي الحليفة فصلَّى في وادي العقيق فريضة أو نافلة ثم أحرم بعدها، فلا بأس؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بوادي العقيق يقول: ((أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة)) (¬3). 7 - التحميد، والتسبيح، والتكبير عند الاستواء على المركوب قبل التلبية؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: صلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه بالمدينة الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ¬

(¬1) أحمد، 2/ 34، وذكره الحافظ في التلخيص، 2/ 237، وعزاه لأبي عوانة بسند على شرط الصحيح. (¬2) مسلم، برقم 25 - (1243) وتقدم تخريجه في الإحرام. (¬3) البخاري، برقم 1534، وتقدم تخريجه في الإحرام.

8 - التلفظ بالإهلال بالتلبية ونية الدخول في النسك يكون عند الاستواء على المركوب

ركب حتى استوت به على البيداء: حمد اللَّه، وسبح، وكبَّر، ثم أهل بحج وعمرة، وأهل الناس بهما، فلما قدمنا أمر الناس فحلُّوا، حتى كان يوم التروية أهلُّوا بالحج)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: ((قوله عند الركوب)) أي بعد الاستواء على الدابة لا حال وضع الرجل مثلاً في الركاب، وهذا الحكم - وهو استحباب التسبيح، وما ذكر معه قبل الإهلال - قلَّ من تعرض لذكره مع ثبوته)) (¬2). 8 - التلفظ بالإهلال بالتلبية ونية الدخول في النسك يكون عند الاستواء على المركوب؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين استوت به راحلته قائمة)) (¬3). 9 - الإهلال بالتلبية مستقبل القبلة، فعن نافع قال: ((كان ابن عمر رضي اللَّه عنهما إذا صلى الغداة بذي الحليفة أمر براحلته فرحلت له، ثم ركب فإذا استوت به استقبل القبلة قائماً ثم يلبِّي، حتى يبلغ الحرم ثم يمسك حتى إذا جاء ذا طُوىً بات حتى يصبح، فإذا صلى الغداة اغتسل، وزعم أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك)) (¬4). ¬

(¬1) البخاري، كتاب الحج، باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة، برقم 1551. (¬2) فتح الباري، لابن حجر، 3/ 412. (¬3) البخاري، برقم 1552، 166، 1514، 1609، 2865، 5151، ومسلم برقم 1186، وتقدم تخريجه في الإحرام. (¬4) البخاري، برقم 1553، وتقدم تخريجه في الإحرام.

10 - رفع الصوت بالتلبية

وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول عن هذا الحديث: ((وهذا يدل على استقبال القبلة عند الإهلال، وهو معلق صحيح)) (¬1). وقال الألباني رحمه اللَّه: ((وقد وصله أبو نعيم في المستخرج)) (¬2). 10 - رفع الصوت بالتلبية؛ لحديث السائب بن خلاد - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية)) (¬3). ثانياً: سنن دخول مكة: 11 - 1 - المبيت بذي طوى؛ لحديث نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((كان ابن عمر رضي اللَّه عنهما إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى، ثم يصلي به الصبح، ويغتسل، ويُحدّث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله)) (¬4). أما الإمساك عن التلبية إذا دخل الحرم، فسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((المحفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يلبِّي حتى يشرع في الطواف، وهذا اجتهاد من ابن عمر رضي اللَّه عنهما)) (¬5). ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1553. (¬2) مختصر صحيح البخاري، كتاب الحج، باب 29، 1/ 459. (¬3) أبو داود، برقم 1814، والترمذي، برقم 829، وابن ماجه، برقم 1926، وصححه الألباني، في صحيح الترمذي، 1/ 433، وتقدم تخريجه في التلبية. (¬4) البخاري، كتاب الحج، باب الاغتسال عند دخول مكة، برقم 1573، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة، والاغتسال لدخولها، ودخولها نهاراً، برقم 1259. (¬5) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1573.

2 - الاغتسال لدخول مكة

12 - 2 - الاغتسال لدخول مكة؛ لحديث نافع السابق أن ابن عمر كان يفعله ((ويحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك)) (¬1). 13 - 3 - دخول مكة نهاراً، فعن نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((بات النبي - صلى الله عليه وسلم - بذي طوى حتى أصبح، ثم دخل مكة، وكان ابن عمر رضي اللَّه عنهما يفعله)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((هذا هو الأفضل إن تيسر سواء في العمرة أو في الحج، وإن دخلها ليلاً فلا بأس)) (¬3) (¬4). 14 - 4 - دخول مكة من أعلاها، والخروج من أسفلها إن تيسير، لحديث عائشة رضي اللَّه عنها: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاء إلى مكة دخل من أعلاها ¬

(¬1) البخاري، كتاب الحج، باب الاغتسال عند دخول مكة، برقم 1573، ومسلم، برقم 1259، وتقدم. (¬2) البخاري، كتاب الحج، باب دخول مكة نهاراً أو ليلاً، برقم 1574. (¬3) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1574. (¬4) قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: قوله: ((باب دخول مكة نهاراً أو ليلاً)) أورد فيه حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما في المبيت بذي طوى حتى يصبح، وهو ظاهر في الدخول نهاراً، وقد أخرجه مسلم من طريق أيوب عن نافع بلفظ: ((كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح، ويغتسل، ثم يدخل مكة نهاراً))، وأما الدخول ليلاً فلم يقع منه - صلى الله عليه وسلم - إلا في عمرة الجعرانة؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم من الجعرانة، ودخل مكة ليلاً، فقضى أمر العمرة، ثم رجع ليلاً فأصبح بالجعرانة، كبائتٍ، كما رواه أصحاب السنن الثلاثة، من حديث محرش الكعبي، وترجم عليه النسائي ((دخول مكة ليلاً)) وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي قال: ((كانوا يستحبون أن يدخلوا مكة نهاراً، ويخرجون منها ليلاً))، وأخرج عن عطاء: إن شئتم فادخلوا ليلاً، إنكم لستم كرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، إنه كان إماماً فأحب أن يدخلها نهاراً، ليراه الناس، انتهى، وقضية هذا أن من كان إماماً يقتدى به استحب له أن يدخلها نهاراً)) [فتح الباري لابن حجر، 3/ 436].

وخرج من أسفلها)) (¬1). فأعلى مكة كَداء، وأسفلها كُدى، وهما موضعان بمكة (¬2)، وهما الثنية العليا، والثنية السفلى (¬3)، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((وأهل مكة يقولون: ادخل وافتح، واخرج واضمم، كَداء، وكُداء)) (¬4). وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يدخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنيَّة السفلى)) (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من أين يخرج من مكة، برقم 1577، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى، برقم 1258. (¬2) قال أبو عبد اللَّه [أي البخاري] رحمه اللَّه: ((كَداءٌ، وكُداً موضعان)) [أي بمكة]، آخر حديث رقم 1581 من صحيح البخاري، وجاء في سنن أبي داود، برقم 1868 عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح من كَدَاء من أعلى مكة، ودخل في العمرة من كُدى)) [قال الشوكاني في نيل الأوطار، 3/ 365: ((كداء)) بفتح الكاف والمد، قال أبو عبيدة: لا تصرف، وهي الثنية العليا، قوله: ودخل العمرة من كُدى بضم الكاف والقصر وهي الثنية السفلى ... قال عياض والقرطبي وغيرهما: ((اختلف في ضبط كداء وكُدى، فالأكثر على أن العليا بالفتح والمد، والسفلى بالقصر والضم)). (¬3) الثنية: كل عقبة في جبل أو طريق عالٍ فيه تسمى ثنية [فالثنية الطريق العالي] والثنية العليا هي التي ينزل منها إلى المعلى [أو المعلاة] مقبرة أهل مكة [وهي كَداء] وهي التي يقال لها الحجون بفتح المهملة وضم الجيم، وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية، ثم عبد الملك، ثم المهدي، على ما ذكره الأزرقي، قال الحافظ ابن حجر: ((ثم سُهِّل في عصرنا هذا منها سنة إحدى عشرة وثمان مئة موضع، ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمان مائة)) والثنية السفلى [كُدا] عند باب الشبيكة بقرب شعب الشاميين، من ناحية قعيقان، وكان بناء هذا الباب عليها في القرن السابع [انتهى بتصرف من فتح الباري لابن حجر، 3/ 437]. (¬4) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1579. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من أين يدخل مكة، برقم 1575، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب دخول مكة من الثنية السفلى والخروج منها من الثنية السفلى، برقم 1257.

5 - يقدم رجله اليمنى عند دخول المسجد الحرام

وهذا من باب الأفضلية، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((وهذا هو الأفضل أيضاً)) (¬1). 15 - 5 - يقدم رجله اليمنى عند دخول المسجد الحرام، ويقول دعاء دخول المسجد (¬2). ثالثاً: سنن الطواف بالبيت الحرام: 16 - 1 - طواف القدوم، للقارن والمفرد. 17 - 2 - استلام الحجر الأسود وتقبيله مع التكبير، أو ما يقوم مقام ذلك، من استلامه باليد وتقبيلها، أو استلامه بشيء وتقبيل ذلك الشيء، أو الإشارة إليه مع التكبير (¬3). 18 - 3 - استلام الركن اليماني. 19 - 4 - الرمل في الثلاثة الأشواط الأُوَل، والسير في الأربعة المتبقية، وذلك في طواف العمرة، وطواف الحج الأول. 20 - 5 - الاضطباع في طواف العمرة، وطواف الحج الأول أوَّلَ ما يدخل مكة. 21 - 6 - الدعاء في الطواف، والذكر. 22 - 7 - الدنوّ من البيت عند عدم المشقة. ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري الحديث رقم 1575. (¬2) وسيأتي تخريجه إن شاءاللَّه تعالى في صفة دخول مكة. (¬3) وسيأتي تخريجه إن شاءاللَّه تعالى في صفة الطواف.

8 - أن يقرأ قبل صلاة ركعتي الطواف: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.

23 - 8 - أن يقرأ قبل صلاة ركعتي الطواف: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. 24 - 9 - أن يصلِّي ركعتي الطواف. 25 - 10 - القراءة في ركعتي الطواف بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون}. في الركعة الأولى بعد الفاتحة و {قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد} في الركعة الثانية بعد الفاتحة. 26 - 11 - الشرب من ماء زمزم بعد ركعتي الطواف، ويصب على رأسه، فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب منها بعد طواف القدوم، وبعد طواف الإفاضة. 27 - 12 - إذا فرغ من ركعتي الطواف سُنَّ عوده إلى الحجر فيستلمه ثم يخرج إلى الصفا وجاء في مسند أحمد، أنه عاد إلى الحجر بعد صلاة الركعتين فاستلمه، ثم شرب من ماء زمزم، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا (¬1). رابعاً: سنن السعي بين الصفا والمروة: 28 - 1 - الموالاة بين السعي والطواف، بأن لا يفصل بينهما بفصل طويل. 29 - 2 - يرقى على الصفا ويرقى على المروة، إلا النساء فيكفيهن أن يبدأن من الصفا ويختمنَ بالمروة. 30 - 3 - يقرأ قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} أبدأ بما ¬

(¬1) وأدلة هذه السنن للطواف تأتي في صفة الطواف، وانظر: الشرح الكبير لابن قدامة، 9/ 124، والكافي لابن قدامة، 2/ 414، والإقناع لطالب الانتفاع للحجاوي، 2/ 13، ومفيد الأنام في تحرير الأحكام لحج بيت اللَّه الحرام، لابن جاسر، 1/ 268، ونيل المآرب بشرح دليل الطالب للشيخ عبد القادر بن عمر التغلبي، 1/ 307.

4 - يستقبل البيت وهو على الصفا حتى يراه

بدأ اللَّه به. 31 - 4 - يستقبل البيت وهو على الصفا حتى يراه أو يكون متجهاً حذاءه. 32 - 5 - يقول الذكر المشروع على الصفا، ويدعو رافعاً يديه. 33 - 6 - ستر العورة أثناء السعي بين الصفا والمروة. 34 - 7 - اجتناب النجاسة. 35 - 8 - يسعى على طهارة من الحدث الأكبر والأصغر. 36 - 9 - يسعى سعياً شديداً بين العلمين الأخضرين إلا النساء. 37 - 10 - الذكر والدعاء أثناء السعي بين الصفا والمروة. 38 - 11 - يقول على المروة ما قاله على الصفا ويفعل كذلك، إلا أنه لا يقرأ الآية. 39 - 12 - الموالاة بين أشواط السعي بحيث لا يفصل بينها بل تكون متصلة؛ لأن الراجح أن الموالاة لا تشترط ولكن الأحوط الموالاة (¬1). خامساً: سنن الخروج إلى منى يوم الثامن (يوم التروية): 40 - 1 - يفعل ما فعله عند الميقات: من الغسل، والنظافة، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب، ولبس الإزار والرداء. 41 - 2 - يحرم بالحج يوم التروية من منزله. 42 - 3 - يصلِّي صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 139، 17/ 232، 343 - 346.

4 - المبيت بمنى ليلة عرفة حتى يصلي الفجر

في أوقاتها مع قصر الرباعية. 43 - 4 - المبيت بمنى ليلة عرفة حتى يصلي الفجر وتطلع الشمس. سادساً: سنن الوقوف بعرفة: 44 - 1 - النزول بنمرة إن تيسر إلى الزوال. 45 - 2 - صلاة الظهر والعصر جمعاً وقصراً بنمرة يوم عرفة بعد الزوال. 46 - 3 - يستقبل القبلة في وقوفه يوم عرفة. 47 - 4 - يجعل الجبل بينه وبين القبلة إن تيسر وإلا فلا حرج. 48 - 5 - أن يكون على طهارة أثناء دعائه وذكره لله تعالى. 49 - 6 - يكثر من الدعاء، والذكر، والالتجاء إلى اللَّه تعالى، ويرفع يديه في دعائه. سابعاً: سنن المبيت بمزدلفة: 50 - 1 - يصلي المغرب والعشاء عند وصوله قبل حطّ الرِّحال جمعاً وقصراً. 51 - 2 - ينام مبكراً ليتقوَّى على أعمال يوم النحر. 52 - 3 - يقف بالمشعر الحرام بعد صلاة الفجر ويستقبل القبلة ويذكر اللَّه تعالى. 53 - 4 - يدعو ويكبِّر ويهلِّل حتى يُسفر جداً، ثم يفيض قبل طلوع الشمس. 54 - 5 - يسرع في بطن محسرٍ إن تيسر له ذلك. ثامناً: سنن يوم النحر في منى: 55 - 1 - يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه أثناء رمي جمرة العقبة. 56 - 2 - الرمي يكون ضحىً إن تيسر.

3 - يكبر مع كل حصاة يرمي بها

57 - 3 - يكبر مع كل حصاة يرمي بها. 58 - 4 - يقطع التلبية عند رمي جمرة العقبة. 59 - 5 - يبدأ بالتكبير بدلاً من التلبية. 60 - 6 - يرتِّب هذه الأعمال يوم النحر: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم يطوف طواف الإفاضة ويسعى بعده إذا كان عليه سعي، فإن قدَّم أو أخَّر شيئاً من هذه الأعمال فلا حرج. تاسعاً: سنن أيام التشريق: 61 - 1 - الإكثار من التكبير، والتهليل، والتحميد ((التكبير المطلق، والمقيد)). 62 - 2 - الإكثار من ذكر اللَّه تعالى في هذه الأيام المعدودات. 63 - 3 - أن يجمع الحاج بين الليل والنهار في منى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقي في منى كذلك. 64 - 4 - الدعاء عند الجمرة الأولى بعد رميها، يتقدم قليلاً ثم يستقبل القبلة ويدعو طويلاً. 65 - 5 - الدعاء عند الجمرة الثانية بعد رميها: يتقدم قليلاً ويأخذ ذات اليسار ويستقبل القبلة ويدعو طويلاً. 66 - 6 - لا يقف للدعاء بعد رمي الجمرة الكبرى بل يرميها ويمضي. 67 - 7 - أن يكون على طهارة من الحدث الأكبر والأصغر أثناء الرمي؛ لأنه من ذكر اللَّه تعالى.

عاشرا: سنن طواف الوداع:

عاشراً: سنن طواف الوداع: 68 - 1 - يبيت بالمحصب قبل الوداع إن تيسَّر، ثم يطوف ويسافر. 69 - 2 - أن يفرد طواف الوداع فيطوف طواف الإفاضة يوم النحر، وطواف الوداع عند النفر. 70 - 3 - يُصلي ركعتين بعده، يقرأ فيهما بالكافرون والإخلاص بعد الفاتحة. 71 - 4 - يخرج من أسفل مكة من كُدىً إن تيسَّر.

المبحث الثالث والعشرون: فضائل مكة والمدينة

المبحث الثالث والعشرون: فضائل مكة والمدينة أولاً: فضائل مكة وخصائصها كثيرة، ومنها ما جاء في الأحاديث الآتية: 1 - تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد، على الدوام؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: ((لَا هِجْرَةَ (¬1) وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ (¬2)، وإذا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا)) (¬3). وقال يوم الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: ((إِنَّ هذا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّه يوم خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّه إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَإِنَّهُ لم يَحِلَّ الْقِتَالُ فيه لِأَحَدٍ قَبْلِي، ولم يَحِلَّ لي إلا سَاعَةً من نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّه إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ (¬4) شوكه، ولا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ولا يَلْتَقِطُ [لقطته] (¬5) إلا من عَرَّفَهَا، وفي لفظ: ((إلا لمعرف)). [وفي لفظ آخر: ((إلا لمنشد))] ولا يُخْتَلَى خَلَاهَا)) (¬6) فقال الْعَبَّاسُ: يا رَسُولَ اللَّه إلا الْإِذْخِرَ (¬7) فإنه [لا بد منه] لِقَيْنِهِمْ ¬

(¬1) (لا هجرة) قال العلماء: الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة. والمعنى لا هجرة بعد الفتح من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، وإنما تكون الهجرة من دار الحرب. (¬2) (ولكن جهاد ونية) معناه لكم طريق إلى تحصيل الفضائل التي في معنى الهجرة، وذلك بالجهاد ونية الخير في كل شيء. (¬3) (وإذا استنفرتم فانفروا) معناه إذا دعاكم السلطان إلى غزو فاذهبوا. (¬4) (لا يعضد) قال أهل اللغة: العضد: القطع. (¬5) (لقطته) اللقطة اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه، والالتقاط هو أخذه. وأصل اللقط الأخذ من حيث لا يحسّ. (¬6) (ولا يختلى خلاها) الخلا هوالرطب من الكلأ. قالوا: الخلا والعشب اسم للرطب منه. والحشيش والهشيم اسم لليابس منه. والكلأ يقع على الرطب واليابس. ومعنى يختلى يؤخذ ويقطع. (¬7) (الإذخر) قال العلايلي في معجمه: الإذخر نبات عشبي، من فصيلةالنجيليات، له رائحة ليمونية عطرة، أزهاره تستعمل منقوعاً كالشاي، ويقال له أيضاً: طيب العرب. والإذخر المكي من الفصيلة نفسها، جذوره من الأفاوية، ينبت في السهول وفي المواضع الجافة الحارة. ويقال له أيضاً: حلفاء مكة.

2 - حديث أبي شريح العدوي

وَلِبُيُوتِهِمْ (¬1). [وفي لفظ للبخاري: فإنه لصاغتنا ولقبورنا]. وفي لفظ [ولسُقُفِ بيوتنا] فسكت ثم قال: ((إلا الْإِذْخِرَ)) قال عكرمة: هل تدري ما ينفَّر صيدها؟ هو أن تنحِّيه من الظل وتنزل مكانه)) (¬2). 2 - حديث أبي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ، أَنَّهُ قال لِعَمْرِو بن سَعِيدٍ، وهو يَبْعَثُ الْبُعُوثَ (¬3) إلى مَكَّةَ: ائْذَنْ لي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قام بِهِ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الْغَدَ من يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ (¬4) حين تَكَلَّمَ بِهِ، إنه حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه ثُمَّ قال: ((إن مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّه ولم يُحَرِّمْهَا الناس، فلا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بها دَمًا ولا يَعْضِدَ بها شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ (¬5) بِقِتَالِ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فيها فَقُولُوا له: ¬

(¬1) (لقينهم وبيوتهم) القين هو الحداد والصائغ. ومعناه يحتاج إليه القين في وقود النار. ويحتاج إليه في القبور لتسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات. ويحتاج إليه في سقوف البيوت، يجعل فوق الخشب. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب ليبلغ الشاهد الغائب، برقم 104، وكتاب الحج، باب: لا يعضد شجر الحرم، برقم 1832، وكتاب المغازي، باب حدثني محمد بن بشار، برقم 4295، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها، برقم 1353، والألفاظ من مجموع المواضع. (¬3) (يبعث البعوث) يعني لقتال ابن الزبير. (¬4) (سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي) أراد بهذا كله المبالغة في تحقيق حفظه إياه وتيقنه زمانه ومكانه ولفظه. (¬5) (ترخص) في المنجد: ترخص في الأمر أخذ فيه بالرخصة، والرخصة قال في المقاييس: الرخصة في الأمر خلاف التشديد.

3 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -

إِنَّ اللَّه أَذِنَ لِرَسُولِهِ ولم يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لي فيها سَاعَةً من نَهَارٍ، وقد عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ)) فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: ما قال لك عَمْرٌو؟ قال: أنا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا (¬1) ولا فَارًّا بِدَمٍ (¬2) ولا فَارًّا بِخَرْبَةٍ (¬3) [قال أبو عبد اللَّه: الخربة البلية] (¬4). 3 - حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: لَمَّا فَتَحَ اللَّه - عز وجل - على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قام في الناس فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه، ثُمَّ قال: ((إِنَّ اللَّه حَبَسَ عن مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عليها رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كان قَبْلي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لي سَاعَةً من نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، ولا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، ولا تَحِلُّ سَاقِطَتهَا (¬5) إلا لِمُنْشِدٍ (¬6) وَمَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ (¬7) فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ)) فقال الْعَبَّاسُ: إلا الْإِذْخِرَ يا رَسُولَ ¬

(¬1) (لا يعيذ عاصياً) أي لا يجيره ولا يعصمه، أراد به عبد اللَّه بن الزبير. (¬2) (ولا فاراً بدم) أي ولا يعيذ الحرم هارباً التجأ إليه بسبب من الأسباب الموجبة للقتل. (¬3) (ولا فاراً بخربة) هي بفتح الخاء وإسكان الراء. هذا هو المشهور. ويقال بضم الخاء أيضاً، حكاها القاضي وصاحب المطالع وآخرون. وأصلها سرقة الإبل. وتطلق على كل خيانة. قال الخليل: هي الفساد في الدين من الخارب، وهو اللص المفسد في الأرض. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الإذخر والحشيش في القبر، برقم 1349، وأطرافه في صحيح البخاري، بالأرقام الآتية: 587، 1833، 1834، 2090، 2433، 2783، 2825، 3077، 3189، 4313، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها برقم 1353. (¬5) (ساقطتها) معنى الساقطة ما سقط فيها بغفلة مالكه. (¬6) (إلا لمنشد) المنشد هو المعرف. (¬7) (ومن قتل له قتيل) معناه: وليّ المقتول بالخيار. إن شاء قتل القاتل، وإن شاء أخذ فداءه، وهي الدية.

اللَّه، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ في قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إلا الْإِذْخِرَ)) فَقَامَ أبو شَاهٍ رَجُلٌ من أَهْلِ الْيَمَنِ، فقال: اكْتُبُوا لي يا رَسُولَ اللَّه، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ)). قال الْوَلِيدُ فقلت لِلْأَوْزَاعِيِّ: ما قَوْلُهُ: اكْتُبُوا لي يا رَسُولَ اللَّه؟ قال: هذه الْخُطْبَةَ التي سَمِعَهَا من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وفي لفظ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا من بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ (¬2) منهم قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ فقال: ((إِنَّ اللَّه - عز وجل - حَبَسَ عن مَكَّةَ الْفِيلَ (¬3) وَسَلَّطَ عليها رَسُولَهُ وَالمؤْمِنِينَ، ألا وَإِنَّهَا لم تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، ألا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لي سَاعَةً من النَّهَارِ، ألا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هذه، حَرَامٌ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا (¬4) ولا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، ولا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إلا مُنْشِدٌ، وَمَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُعطى (يَعْنِي الدِّيَةَ) وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ (¬5) أَهْلُ الْقَتِيلِ)) قال: فَجَاءَ رَجُلٌ من أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ له أبو شَاهٍ فقال: اكْتُبْ لي ¬

(¬1) متفق عليه، البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، برقم 112، وأطرافه في صحيح البخاري، برقم 2434، 6880، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها، وخلاها، ولقتطها، إلا لمنشد على الدوام، برقم 1355، والألفاظ بين المعقوفات من الأطراف في البخاري المذكورة. (¬2) (بقتيل) متعلق بقتلوا، أي بمقابلة مقتول من بني خزاعة قتله قاتل من بني ليث. (¬3) (حبس عن مكة الفيل) أي منعه من الدخول فيها حين جاء يقصد خراب الكعبة. (¬4) (لا يخبط شوكها) أي لا يقطع. وأصل الخبط إسقاط الورق من الشجر. (¬5) (وإما أن يقاد) من الإقادة، ومعناها تمكين ولي الدم من القود، وأصله أنهم يدفعون القاتل لولي المقتول فيقوده بحبل.

4 - وينهى عن حمل السلاح بمكة لغير حاجة

يا رَسُولَ اللَّه، فقال: ((اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ)). فقال رَجُلٌ من قُرَيْشٍ: إلا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ في بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إلا الْإِذْخِرَ)) (¬1). 4 - ويُنهى عن حمل السلاح بمكة لغير حاجة؛ لحديث جابرٍ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يَحِلُّ لأَحَدِكُمْ أنْ يَحْمِلَ بِمَكَّة السِّلاَحَ)) (¬2). 5 - وأما حمل السلاح لحاجة لا بدَّ منها فلا بأس به؛ لحديث أنَسِ بنِ مَالكِ - رضي الله عنه - أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرٌ (¬3)، فلما نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فقال: إن ابن خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فقال: ((اقْتُلُوهُ)) (¬4) فقال مَالِكٌ: نعم (¬5). 6 - ويجوز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد العمرة أو الحج؛ لحديث أنس السابق؛ ولحديث جَابِرِ بن عبد اللَّه الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - دخل مَكَّةَ [وقال قُتَيْبَةُ: دخل يوم فَتْحِ مَكَّةَ] وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. وفي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ قال: حدثنا أبو الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ (¬6). ¬

(¬1) البخاري، برقم 112، ومسلم برقم 448 - (1353) وتقدم تخريجه في الذي قبله. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب النهي عن حمل السلاح بمكة لغير حاجة، برقم 1356. (¬3) (مغفر) المغفر هو ما يلبس على الرأس من درع الحديد. (¬4) (اقتلوه) قال العلماء: إنما قتله لأنه كان ارتد عن الإسلام وقتل مسلماً كان يخدمه، وكان يهجو النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسبه، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين. (¬5) متفق عليه، البخاري، كاتب جزاء الصيد، باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام، برقم 1846، وأطرافه في البخاري، برقم 3044، كتاب الجهاد، باب قتل الأسير، وكتاب المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح، برقم 4286، وكتاب اللباس، باب المغفر، برقم 5808، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، برقم 357، واللفظ للبخاري. (¬6) مسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام برقم 1358.

7 - حديث جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه

7 - حديث جَعْفَرِ بن عَمْرِو بن حُرَيْثٍ عن أبيه: أَنَّ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ الناس وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. وفي رواية: قال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قد أَرْخَى طَرَفَيْهَا (¬1) بين كَتِفَيْهِ، ولم يَقُلْ أبو بَكْرٍ على الْمِنْبَرِ (¬2). 8 - ومما يدل على فضل مكة على سائر البلدان، حديث عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء قال: رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو على ناقته واقف بالحزورة يقول: ((واللَّه إنَّكِ لَخيرُ أرضِ اللَّه، وأحَبُّ أرضِ اللَّه إليَّ، واللَّه لولا أنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ ما خَرَجْتُ)) (¬3). ثانياً: فضائل المدينة وخصائصها ومنها ما جاء في الأحاديث الآتية: 1 - فضل المدينة، ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها؛ لحديث عبد اللَّه بن زَيْدِ بن عَاصِمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ إبراهيم حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المدِينَةَ كما حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ في صَاعِهَا وَمُدِّهَا (¬4) بمثلي ما دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ)). ولفظ البخاري [مثل ما ¬

(¬1) (طرفيها) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا وغيرها: طرفيها بالتثنية. وكذا هو في الجمع بين الصحيحين للحميدي. وذكر القاضي عياض أن الصواب المعروف طرفها بالإفراد، وإن بعضهم رواه طرفيها بالتثنية. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام برقم 1359. (¬3) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب فضل مكة، برقم 3108، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 78. (¬4) (في صاعها ومدها) أي فيما يكال بهما. فهو من باب ذكرالمحل وإرادة الحال، لأن الدعاء إنما هو للبركة في الطعام المكيل، لا في المكاييل، والمد مكيال دون الصاع.

2 - حديث رافع بن خديج

دعا إبراهيم - عليه السلام - لمكة] (¬1). 2 - حديث رَافِعِ بن خَدِيجٍ قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ إبراهيم حَرَّمَ مَكَّةَ وإنِّي أُحَرِّمُ ما بين لَابَتَيْهَا)) (¬2) يُرِيدُ المدِينَة (¬3). وفي رواية عن نَافِعِ بن جُبَيْرٍ أيضاً: أَنَّ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ خَطَبَ الناس، فذكر مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، ولم يذكر المدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، فَنَادَاهُ رَافِعُ بن خَدِيجٍ فقال: مالي أَسْمَعُكَ ذَكَرْتَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، ولم تَذْكُرْ المدِينَة وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وقد حَرَّمَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما بين لَابَتَيْهَا، وَذَلِكَ عِنْدَنَا في أَدِيمٍ خَوْلَانِيٍّ (¬4) إن شِئْتَ أَقْرَأْتُكَهُ. قال: فَسَكَتَ مَرْوَانُ ثُمَّ قال: قَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ ذلك (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب البيوع، باب بركة صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومده، برقم 2129، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها، برقم 1360،واللفظ لمسلم، إلا ما بين المعقوفين فمن البخاري. (¬2) (لابتيها) اللابة هي الحرة، والمدينة المنورة بين حرتين شرقية وغربية تكتنفانها، والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود، كأنها أحرقت بالنار، ومعنى ذلك اللابتان وما بينهما. والمراد تحريم المدينة ولابتيها. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبركة، وبيان تحريم صيدها، وبيان حدود حرمها، برقم 1361. (¬4) (وذلك عندنا في أديم خولاني) هذا قول رافع بن خديج، وهو صحابي أنصاري شهد أحداً وما بعدها، يريد رافع أن حديث تحريم المدينة محفوظ عندنا بالكتابة في جلد مدبوغ منسوب إلى خولان وهي كما في معجم البلدان كورة من كور اليمن، وقرية كانت بقرب دمشق خربت، بها قبر أبي مسلم الخولاني، ولعل أديم تلك النواحي في تلك الزمان كان من أنعم الجلود التي يكتبون فيها. (¬5) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبركة ... برقم457 - (1361).

3 - حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -

3 - حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عن جَابِرٍ قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن إبراهيم حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المدِينَةَ ما بين لَابَتَيْهَا، لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا (¬1) ولا يُصَادُ صَيْدُهَا)) (¬2). 4 - حديث سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إني أُحَرِّمُ ما بين لَابَتَيْ المدِينَةِ، أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أو يُقْتَلَ صَيْدُهَا)) وقال: ((الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عنها إلا أَبْدَلَ اللَّه فيها من هو خَيْرٌ منه، ولا يَثْبُتُ أَحَدٌ على لَأْوَائِهَا (¬3) وَجَهْدِهَا (¬4) إلا كنت له شَفِيعًا أو شَهِيدًا (¬5) يوم الْقِيَامَةِ)) (¬6). وفي لفظ عنه: وزاد في الحديث ((ولا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ المدِينَةِ بِسُوءٍ إلا أَذَابَهُ اللَّه في النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ أو ذَوْبَ الْمِلْحِ في المَاءِ)) (¬7). 5 - حديث عَامِرِ بن سَعْدٍ، أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إلى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ، فَوَجَدَ ¬

(¬1) (عضاهها) العضاه كل شجر يعظم وله شوك. واحدها عضاهة، وعضهة وعضة. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبركة ... برقم 1362. (¬3) (لأوائها) قال أهل اللغة: اللأواء: الشدة والجوع. (¬4) (وجهدها) والجهد: هو المشقة. (¬5) (شفيعاً أو شهيداً) أو بمعنى الواو. أو للتقسيم. أي شفيعاً لقوم وشهيداً لآخرين، قال القاضي عياض: إن هذا الحديث رواه جابر، وسعد، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وأسماء بنت عميس، وصفية بنت أبي عبيد رضي اللَّه عنهم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ، ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك وتطابقهم فيه على صيغة واحدة. بل الأظهر أنه قاله - صلى الله عليه وسلم - هكذا. (¬6) مسلم، في الكتاب والباب السابقين، برقم 1363. (¬7) مسلم، برقم 460 - (1363) وتقدم في الذي قبله.

6 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -،

عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أو يَخْبِطُهُ (¬1) فَسَلَبَهُ (¬2)، فلما رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ على غُلَامِهِمْ، أو عليهم، ما أَخَذَ من غُلَامِهِمْ، فقال: مَعَاذَ اللَّه! أَنْ أَرُدَّ شيئا نَفَّلَنِيهِ (¬3) رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عليهم (¬4). 6 - حديث أنسِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه -، قال: قالَ رسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لأبي طَلحَةَ: ((التَمِس لي غُلَامًا من غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي)) فَخَرَجَ بِي أبو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كُلَّمَا نَزَلَ، فكُنتُ أسمعُهُ يُكثِرُ أن يقولَ: ((اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الهَّمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ وغَلَبَةِ الرِّجالِ)) فَلَمْ أزَلْ أخدُمُهُ حتَّى أقْبَلنَا مِنْ خَيبَرَ، وأقْبَلَ بصفيَّةَ بنتِ حُييٍّ، قَدْ حازَهَا، فكُنتُ أراهُ يَحَوِّي وراءَهُ بعباءَةٍ أو بِكِساءٍ، ثُمَّ يُرْدِفُها ورَاءهُ، حتَّى إذا كنَّا بالصَّهباء صَنَعَ حَيْساً في نِطَعٍ، ثم أرسَلَني، فدعوتُ رجالاً فأكلوا، وكانَ ذلِكَ بناءَهُ بها. ثُمَّ أقْبَلَ حتى إذا بَدَا له أُحُدٌ قال: ((هذا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ)) فلما أَشْرَفَ على المدِينَةِ قال: ((اللَّهم اني أُحَرِّمُ ما بين جَبَلَيْهَا مِثْلَ ما حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهم بَارِكْ لهم في مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ)) (¬5). 7 - حديث أنس - رضي الله عنه - عن عاصم قال: قلت لِأَنَسِ بن مَالِكٍ أَحَرَّمَ ¬

(¬1) (أو يخبطه) الخبط جاء هنا عديلاً للقطع، فيراد به معناه الأصلي، وهو إسقاط الورق. (¬2) (فسلبه) أي أخذ ما عليه ما عدا الساتر لعورته، زجراً له عن العودة لمثله. (¬3) (نفلنيه) التنفيل إعطاء النفل. أي أعطانيه زيادة على نصيبي من قسمة الغنيمة. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبركة، برقم 1364. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب الأطعمة، باب الحيس، برقم 5425، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها، برقم 1365.

8 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -

رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - المدِينَةَ؟ قال: نعم. ما بين كَذَا إلى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فيها حَدَثًا (¬1) قال ثُمَّ قال لي: هذه شَدِيدَةٌ ((من أَحْدَثَ فيها حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالملَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّه منه يوم الْقِيَامَةِ صَرْفًا ولا عَدْلًا (¬2) قال: فقال ابن أَنَسٍ ((أو آوَى مُحْدِثًا)) (¬3). وفي رواية لمسلم أخبرنا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ قال: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَحَرَّمَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - المدِينَة؟ قال: نعم هِيَ حَرَامٌ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذلك فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (¬4). 8 - حديث أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اللَّهم بَارِكْ لهم في مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لهم في صَاعِهِمْ، وَبَارِكْ لهم في مُدِّهِمْ)) يعني أهل المدينة (¬5). 9 - حديث أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهم اجْعَلْ بِالمدِينَةِ ضِعْفَيْ ما بِمَكَّةَ من الْبَرَكَةِ)) (¬6). ¬

(¬1) (فمن أحدث فيها حدثاً) معناه من أتى فيها إثماً. (¬2) (صرفاً ولا عدلاً) قال الأصمعي: الصرف التوبة، والعدل الفدية: وروى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال القاضي: وقيل المعنى لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضا، وإن قبلت قبول جزاء. (¬3) (أو آوى محدثاً) أي آوى من أتاه وضمه إليه وحماه. ويقال: أوى بالقصر والمد، في الفعل اللازم والمتعدي جميعًا، لكن القصر في اللازم أشهر وأفصح. والمد في المتعدي أشهر وأفصح. وبالأفصح جاء القرآن العزيز في الموضعين. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الاعتصام، باب إثم من أوى محدثاً، برقم 7306، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1366. (¬5) متفق عليه، البخاري، كتاب البيوع، باب بركة صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومده، برقم 2130، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الدينة، برقم 1368، واللفظ للبخاري. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب المدينة تنفي الخبث، برقم 1885، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1369، واللفظ للبخاري.

10 - حديث علي - رضي الله عنه -،

10 - حديث علي - رضي الله عنه -، فعن إبراهيم التَّيْمِيِّ عن أبيه قال: خَطَبَنَا عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ فقال: من زَعَمَ أنَّ عِنْدَنَا شيئاً نَقْرَأهُ إلا كِتَابَ اللَّه وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ (قال: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ في قِرَابِ سَيْفِهِ) (¬1) فَقَدْ كَذَبَ (¬2) فيها أَسْنَانُ الْإِبِلِ (¬3)، وَأَشْيَاءُ من الْجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((المدِينَةُ حَرَمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ (¬4) فَمَنْ أَحْدَثَ فيها حَدَثًاً، أو آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه ¬

(¬1) (في قراب سيفه) القراب هوالغلاف الذي يجعل فيه السيف بغمده. (¬2) (فقد كذب) قال النووي: هذا تصريح من علي رضي اللَّه تعالى عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم: إن علياً أوصى إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمور كثيرة من أسرارالعلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة. وإنه - صلى الله عليه وسلم - خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم. وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها. ويكفي في إبطالها قول علي - رضي الله عنه - هذا. (¬3) (فيها أسنان الإبل) أي في تلك الصحيفة بيان أسنان الإبل التي تعطى دية. (¬4) (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور) ذكر ابن حجر رحمه اللَّه في فتح الباري، 4/ 82، قول مصعب الزبيري: ليس في المدينة عير ولا ثور، ثم قال ابن حجر: قال أبو عبيد قوله: ((ما بين عير وثور))، هذه رواية أهل العراق، وأما أهل المدينة فلا يعرفون جبلاً عندهم يقال له ثور، وإنما ثور بمكة ... ثم قال ابن حجر: ((وقال المحب الطبري في الأحكام: بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه: قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري، أن حذاء أحد، عن يساره، جانحاً إلى ورائه، جبل صغير يقال له: ثور. وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال، فكلٌّ أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور. وتواردوا على ذلك، قال: فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح، وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه. قال: وهذه فائدة جليلة. انتهى. ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: وقرأت بخط شيخ شيوخنا ... الحلبي في شرحه: حكى لنا شيخنا أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري أنه خرج رسولاً إلى العراق، فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل. وكان يذكر له الأماكن والجبال. قال: فلما وصلنا إلى أحد، إذا بقربه جبل صغير، فسألته عنه؟ فقال: هذا يُسمَّى ثوراً. قال: فعلمت صحة الرواية. قلت: وكان هذا مبدأ سؤاله عن ذلك. وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي، نزيل المدينة، في مختصره لأخبار المدينة، أن خَلَفَ أهل المدينة ينقلون عن سلفهم؛ أن خَلْفَ أحدٍ، من جهة الشمال جبلاً صغيراً إلى الحمرة بتدوير، يسمى ثوراً. قال: وقد تحققته بالمشاهدة. اهـ. من فتح الباري لابن حجر رحمه اللَّه،4/ 82 - 83.

11 - حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّه منه يوم الْقِيَامَةِ صَرْفًا ولا عَدْلًا، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ (¬1)، يَسْعَى بها أَدْنَاهُمْ (¬2)، [فمن أخفر (¬3) مسلماً فعليه لعنة اللَّه، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل اللَّه منه صرفاً ولا عدلاً] وَمَنْ ادَّعَى إلى غَيْرِ أبيه (¬4)،أو انْتَمَى إلى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّه منه يوم الْقِيَامَةِ صَرْفًا ولا عَدْلًا)) (¬5). 11 - حديث أبي هُرَيْرَةَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فيها حَدَثًا أو آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ منه يوم الْقِيَامَةِ عَدْلٌ ولا صَرْفٌ)) (¬6). ¬

(¬1) (وذمة المسلمين واحدة) المراد بالذمة هنا الأمان. معناه أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمنه أحد المسلمين حرم على غيره التعرض له مادام في أمان المسلم. (¬2) (يسعى بها أدناهم) أي يتولاها ويلي أمرها أدنى المسلمين مرتبة. (¬3) (فمن أخفر مسلماً) معناه من نقض أمان مسلم، فتعرَّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال أخفرت الرجل: إذا نقضت عهده، وخفرته إذا أمنته. (¬4) (ومن ادعى إلى غير أبيه) هذا صريح في غلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه، أو انتماء العتيق إلى غير مواليه لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء والعقل وغير ذلك، مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب الفرائض، باب إثم من تبرأ من مواليه، برقم 6755، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1370. (¬6) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1371.

12 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -

12 - حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ كان يقول: لو رأيت الظِّبَاءَ تَرْتَعُ بِالمدِينَةِ ما ذَعَرْتُهَا (¬1)، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ما بين لَابَتَيْهَا حَرَامٌ)). وفي رواية لمسلم: حَرَّمَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما بين لَابَتَيِ المدِينَةِ، قال أبو هُرَيْرَةَ: فَلَوْ وَجَدْتُ الظِّبَاءَ ما بين لَابَتَيْهَا ما ذَعَرْتُهَا وَجَعَلَ أثنى عَشَرَ مِيلًا حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِمًى (¬2). 13 - حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قال: كان الناس إذا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جاؤوا بِهِ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا أَخَذَهُ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اللَّهم بَارِكْ لنا في ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لنا في مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لنا في صَاعِنَا، وَبَارِكْ لنا في مُدِّنَا، اللَّهم إنَّ إبراهيم عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ ما دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ معه)) قال ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ له فَيُعْطِيهِ ذلك الثَّمَرَ)) (¬3). 14 - الترغيب في سُكْنَى المدينة والصبر على لأوائها؛ لحديث أبي سَعِيدٍ الخدري - رضي الله عنه - فعن أبي سعيد مولى الْمَهْرِيِّ، أنه أَصَابَهُمْ بِالْمَدِينَةِ جَهْدٌ وَشِدَّةٌ، وأنه أتى أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فقال له: إني كَثِيرُ الْعِيَالِ وقد أَصَابَتْنَا شِدَّةٌ فَأَرَدْتُ أن أَنْقُلَ عِيَالِي إلى بَعْضِ الرِّيفِ (¬4)، فقال أبو سَعِيدٍ: لَا تَفْعَلْ، ¬

(¬1) (لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها) معنى ترتع: ترعى. وقيل: تسعى وتنبسط. ومعنى ذعرتها أزعجتها، وقيل نفرتها، وكنى بذلك عن عدم صيدها. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب لابتي المدينة، برقم 1873، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1372. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1373. (¬4) (الريف) قال أهل اللغة: الريف هو الأرض التي فيها زرع وخصب، وجمعه أرياف. ويقال: أريفنا، صرنا إلى الريف. وأرافت الأرض، أخصبت فهي ريفة.

الْزَمْ المدِينَة فَإِنَّا خَرَجْنَا مع نَبِيِّ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَظُنُّ أَنَّهُ قال حتى قَدِمْنَا عُسْفَانَ فَأَقَامَ بها لَيَالِيَ، فقال الناس: واللَّه ما نَحْنُ هَا هُنَا في شَيْءٍ وَإِنَّ عِيَالَنَا لَخُلُوفٌ (¬1) ما نَأْمَنُ عليهم. فَبَلَغَ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ما هذا الذي بَلَغَنِي من حَدِيثِكُمْ؟ ما أَدْرِي كَيْفَ قال وَالَّذِي أَحْلِفُ بِهِ أو وَالَّذِي نَفْسِي بيده لقد هَمَمْتُ أو إن شِئْتُمْ (لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قال) لَآمُرَنَّ بِنَاقَتِي تُرْحَلُ (¬2)، ثُمَّ لَا أَحُلُّ لها عُقْدَةً حتى أَقْدَمَ المدِينَة)) (¬3). وقال: ((اللَّهم إن إبراهيم حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ المدِينَة حَرَامًا (¬4) ما بين مَأْزِمَيْهَا (¬5) أن لَا يُهْرَاقَ فيها دَمٌ ولا يُحْمَلَ فيها سِلَاحٌ لِقِتَالٍ، ولا تُخْبَطَ فيها شَجَرَةٌ إلا لِعَلْفٍ (¬6)، اللَّهم بَارِكْ لنا في مَدِينَتِنَا، اللَّهم بَارِكْ لنا في صَاعِنَا، اللَّهم بَارِكْ لنا في مُدِّنَا، اللَّهم بَارِكْ لنا في صَاعِنَا، اللَّهم بَارِكْ لنا في مُدِّنَا، اللَّهم بَارِكْ لنا في مَدِينَتِنَا، اللَّهم اجْعَلْ مع الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بيده ما من الْمَدِينَةِ ¬

(¬1) (وإن عيالنا لخلوف) أي ليس عندهم رجال ولا من يحميهم. (¬2) (تُرْحَل) أي يشد عليها رحلها. (¬3) (ثم لا أحل لهاعقدة حتى أقدم المدينة) معناه أواصل السير ولا أحل عن راحلتي عقدة من عقد حملها ورحلها حتى أصل إلى المدينة، لمبالغتي في الإسراع إلى المدينة. (¬4) (إني حرمت المدينة حراماً) نصب على المصدر، إما لحرمت على غير لفظه كقوله تعالى: (واللَّه أنبتكم من الأرض نباتاً) وما بين مأزميها بدل من المدينة، ويحتمل أن يكون حراماً مفعول فعل محذوف، أي جعلت حراماً ما بين مأزميها، وما بين مأزميها مفعولاً ثانياً. (¬5) (ما بين مأزميها) المأزم هو الجبل، وقيل: المضيق بين الجبلين ونحوه، والأول هو الصواب هنا، ومعناه ما بين جبليها. (¬6) (لعلْف) هو بإسكان اللام، وهو مصدر علفت علفاً. وأما العلف، بفتح اللام، فاسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها.

شِعْبٌ ولا نَقْبٌ (¬1) إلا عليه مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهَا حتى تَقْدَمُوا إِلَيْهَا)) (ثُمَّ قال لِلنَّاسِ) ((ارْتَحِلُوا)) فَارْتَحَلْنَا. فَأَقْبَلْنَا إلى الْمَدِينَةِ، فَوَالَّذِي نَحْلِفُ بِهِ أو يُحْلَفُ بِهِ (الشَّكُّ من حَمَّادٍ) ما وَضَعْنَا رِحَالَنَا حين دَخَلْنَا المدِينَة (¬2) حتى أَغَارَ عَلَيْنَا بَنُو عبد اللَّه بن غَطَفَانَ، وما يَهِيجُهُمْ (¬3) قبل ذلك شَيْءٌ. وفي رواية عن أبي سَعِيدٍ مولى الْمَهْرِيِّ، أَنَّهُ جاء أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، لَيَالِي الْحَرَّةِ (¬4)، فَاسْتَشَارَهُ في الْجَلَاءِ (¬5) من الْمَدِينَةِ، وَشَكَا إليه أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِيَالِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنْ لَا صَبْرَ له على جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلَأْوَائِهَا، فقال له: وَيْحَكَ، لَا آمُرُكَ بِذَلِكَ، إني سمعت رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ على لَأْوَائِهَا فَيَمُوتَ، إلا كنت له شَفِيعًا أو شَهِيدًا يوم الْقِيَامَةِ، إذا كان مُسْلِمًا)). وفي رواية أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنِّي حَرَّمْتُ ما بين لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ كما حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ)) قال: ثُمَّ كان أبو سَعِيدٍ يَأْخُذُ (وقال أبو ¬

(¬1) (شعب ولا نقب) قال أهل اللغة: الشعب هو الفرجة النافذة بين الجبلين. وقال ابن السكيت: هو الطريق في الجبل. والنقب هو مثل الشعب، وقيل هو الطريق في الجبل. قال الأخفش: أنقاب المدينة طرقها وفجاجها. (¬2) (ما وضعنا رحالنا حين دخلنا المدينة ... إلخ) معناه أن المدينة في حال غيبتهم عنها كانت محمية محروسة، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أن بني عبد اللَّه بن غطفان أغاروا عليها حين قدمناه، ولم يكن قبل ذلك يمنعهم من الإغارة عليها مانع ظاهر، ولا كان لهم عدو يهيجهم ويشتغلون به، بل سبب منعهم قبل قدومنا حراسة الملائكة، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) (وما يهيجهم) قال أهل اللغة: يقال هاج الشر وهاجت الحرب وهاجها الناس، أي تحركت وحركوها. وهجت زيداً، حركته للأمر. كله ثلاثي. (¬4) (ليالي الحرة) يعني الفتنة المشهورة التي نهبت فيها المدينة سنة ثلاث وستين. (¬5) (الجلاء) هو الفرار من بلد إلى غيره.

15 - حديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه -

بَكْرٍ: يَجِدُ) أَحَدَنَا في يَدِهِ الطَّيْرُ (¬1) فَيَفُكُّهُ من يَدِهِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ (¬2). 15 - حديث سَهْلِ بن حُنَيْفٍ - رضي الله عنه - قال: أَهْوَى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى الْمَدِينَةِ (¬3) فقال: ((إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ)) (¬4). 16 - حديث عَائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالت: قَدِمْنَا المدِينَة وَهِيَ وَبِيئَةٌ (¬5) فَاشْتَكَى أبو بَكْرٍ وَاشْتَكَى بِلَالٌ، فلما رَأَى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - شَكْوَى أَصْحَابِهِ قال: ((اللَّهم حَبِّبْ إِلَيْنَا المدِينَة كما حَبَّبْتَ مَكَّةَ أو أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لنا في صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إلى الْجُحْفَةِ (¬6))) (¬7). 17 - حديث ابن عُمَرَ رضي اللَّه عنهما قال: سمعت رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من صَبَرَ على لَأْوَائِهَا كنت له شَفِيعًا أو شَهِيدًا يوم الْقِيَامَةِ)). وفي رواية: عن يُحَنَّسَ مولى الزُّبَيْرِ، أخبره أَنَّهُ كان جَالِسًا عِنْدَ عبد اللَّه بن ¬

(¬1) (في يده الطير) جملة اسمية، وقعت حالاً، نحو كلمته فوه إلى فيّ. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكن المدينى والصبر على لأوائها، برقم (1374). (¬3) (أهوى بيده إلى المدينة) أي أومأ بها إليها. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوئاها برقم (1375). (¬5) (وبيئة) يعني ذات وباء، وهو الموت الذريع. هذا أصله، ويطلق أيضاً على الأرض الوخمةالتي تكثر بها الأمراض، لاسيما للغرباء الذين ليسوا مستوطنيها. (¬6) (وحول حماها إلى الجحفة) قال الخطابي وغيره: كان ساكنو الجحفة في ذلك الوقت يهوداً، قال الإمام النووي: وفي هذا الحديث علم من أعلام نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فإن الجحفة من يومئذ مجتنبة، ولا يشرب أحد من مائها إلا حم. (¬7) متفق عليه: البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء برفع الوباء والوجع، برقم 6372، وأطرافه في البخاري برقم 1899، ومسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة، برقم 1376.

18 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -

عُمَرَ في الْفِتْنَةِ (¬1) فَأَتَتْهُ مَوْلَاةٌ له تُسَلِّمُ عليه فقالت: إني أَرَدْتُ الْخُرُوجَ يا أَبَا عبد الرحمن اشْتَدَّ عَلَيْنَا الزَّمَانُ، فقال لها عبد اللَّه: اقْعُدِي لَكَاعِ (¬2)، فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لَا يَصْبِرُ على لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إلا كنت له شَهِيدًا أو شَفِيعًا يوم الْقِيَامَةِ)) (¬3). 18 - حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَا يَصْبِرُ على لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ من أُمَّتِي، إلا كنت له شَفِيعًا يوم الْقِيَامَةِ أو شَهِيدًا)) (¬4). 19 - صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال إليها؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((على أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ ولا الدَّجَّالُ)) (¬5). 20 - وحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يَأْتِي الْمَسِيحُ (¬6) من قِبَلِ الْمَشْرِقِ هِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ حتى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ ثُمَّ تَصْرِفُ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ ¬

(¬1) (في الفتنة) وهي وقعة الحرة التي وقعت زمن يزيد. (¬2) (اقعدي لكاع) قال أهل اللغة: يقال امرأة لكاع ورجل لُكَع. ويطلق ذلك على اللئيم وعلى العبد وعلى الغبي الذي لا يهتدي لكلام غيره، وعلى الصغير. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة، برقم 1377. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة، برقم 1378. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل الدينة، باب لا يدخل الدجال المدينة، برقم 1879، ومسلم، كتاب الحج، باب صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال إليها، برقم 1379. (¬6) (يأتي المسيح): أي الدجال.

21 - المدينة تنفي شرارها

قِبَلَ الشَّامِ وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ)) (¬1). 21 - المدينةُ تَنْفِي شِرَارَهَا؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((يأتي عَلَى النَّاسِ زمانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابنَ عَمِّه وقَريبَهُ: هَلُمَّ إلى الرخاء! هَلُمَّ إلى الرَّخَاء! والمدينَةُ خَيْرٌ لهمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمونَ، والذي نَفْسي بيدهِ لا يَخْرُجُ منهُمْ أحدٌ رَغبةً عنها إلا أخْلَف اللَّه فيها خَيْراً منْهُ، ألا إنَّ المدينةَ كالكِير (¬2)، تُخْرِجُ الخَبيثَ. لا تَقُومُ السَّاعةُ حتَّى تَنْفي المدينَةُ شِرارَها. كما يَنْفي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ)) (¬3). 22 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ((أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى (¬4) يَقُولُونَ يَثْرِبَ (¬5) وَهِيَ المدِينَةُ، تنفي الناس كما ينفي الْكِيرُ خَبَثَ الحدِيدِ)) (¬6). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب صيانة المدينة برقم 1380. (¬2) (كالكير) هو منفخ الحداد الذي ينفخ به النار، أو الموضع المشتمل عليها. الأول يكون من الزق ويكون من الجلد الغليظ. والثاني أي موضع نار الحداد، يكون مبنياً من الطين، أوهو يسمى كوراً. (¬3) (خبث الحديد) قال العلماء: خبث الحديد والفضة هو وسخهما وقذرهما الذي تخرجه النار منهما. (¬4) (أمرت بقرية تأكل القرى) معناه أمرت بالهجرة إليها واستيطانها. وذكروا في معنى أكلها القرى وجهين: أحدهما أنها مركز جيوش الإسلام في أول الأمر. فمنها فتحت القرى وغنمت أموالها وسباياها. والثاني: معناه أن أكلها وميرتها تكون من القرى المفتتحة، وإليها تساق غنائمها. (¬5) (يقولون يثرب وهي المدينة) يعني أن بعض الناس من المنافقين وغيرهم يسمونها يثرب. وإنما اسمها المدينة وطابة وطيبة. ففي هذا كراهة تسميتها يثرب. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس، برقم 1871، ومسلم، كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها، برقم 1382.

23 - حديث جابر بن عبد الله

23 - حديث جَابِرِ بن عبد اللَّه أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَأَصَابَ الْأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ (¬1) بِالمدِينَةِ، فَأَتَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ جَاءَهُ فقال: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى ثُمَّ جَاءَهُ فقال: أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى، فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما المدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا (¬2))) (¬3). 24 - حديث زَيْدِ بن ثَابِتٍ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّهَا طَيْبَةُ، يَعْنِي المدِينَة، وَإِنَّهَا تَنْفِي الخبَثَ كما تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ)) (¬4). 25 - حديث جَابِرِ بن سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قال: سمعت رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن اللَّه تَعَالَى سَمَّى المدِينَة طَابَةَ (¬5))) (¬6). 26 - من أراد أهل المدينة بسوء أذابه اللَّه؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ ¬

(¬1) (وعك) هو مغث الحمى وألمها. ووعك كل شيء معظمه وشدته. (¬2) (ينصع) أي يصفو ويخلص ويتميز. والناصع الصافي الخالص. ومنه قولهم: ناصع اللون أي صافيه وخالصه. ومعنى الحديث أنه يخرج من المدينة من لم يخلص إيمانه، ويبقى فيها من خلص إيمانه قال أهل اللغة: يقال نصع الشيء ينصع، بفتح الصاد فيهما، نصوعاً إذا خلص ووضح. والناصع الخالص من كل شيء. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الأحكام، باب من بايع ثم استقال البيعة، برقم 7211، ومسلم، كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها، برقم 1383. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، سورة النساء، باب {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}، برقم 4589، ومسلم، كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها، برقم 1385. (¬5) (طابة) هذا فيه استحباب تسميتها طابة، وليس فيه أنها لا تسمى بغيره. فقد سماها اللَّه تعالى المدينة في مواضع من القرآن، وسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - طيبة. (¬6) مسلم، كتاب الحج، باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه اللَّه، برقم 1385.

27 - حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -

قال: قال أبو الْقَاسمِ - صلى الله عليه وسلم -: ((من أَرَادَ أَهْلَ هذه الْبَلْدَةِ بِسُوءٍ (¬1) (يَعْنِي المدِينَة) أَذَابَهُ اللَّه كما يَذُوبُ الْمِلْحُ في الْمَاءِ)) (¬2). 27 - حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أرَادَ أهْلَ المَدينةِ بِسُوءٍ، أذَابَه اللَّه كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ في المَاءِ)). لفظ البخاري ((لا يَكيدُ أهل المدينة أحدٌ إلا انْمَاعَ كمَا يَنْمَاعُ المِلْح فِي الماءِ)) (¬3). وفي رواية: ((بدَهْمٍ أوْ بِسُوءٍ)) (¬4). 28 - الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار؛ لحديث سُفْيَانَ بن أبي زُهَيْرٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((تُفْتَحُ الشَّامُ فَيَخْرُجُ من المدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ (¬5) وَالمدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الْيَمَنُ ¬

(¬1) (بسوء) قيل يحتمل أن المراد من أرادها غازياً مغيراً عليها، ويحتمل غير ذلك. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه اللَّه، برقم 386. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب إثم من كاد أهل المدينة، برقم 1877، ومسلم، كتاب الحج، باب من أراد أهل المدينة بسوء، برقم 1387. (¬4) (بدهم) أي بغائلة وأمر عظيم. (¬5) (يبسّون) قال أهل اللغة: يَبِسّون. ويقال أيضاً: يُبسون. فتكون اللفظة ثلاثية ورباعية فحصل في ضبطه ثلاثة أوجه. ومعناه يتحملون بأهليهم. وقيل معناه يدعون الناس إلى بلاد الخصب. وهو قول إبراهيم الحربي. وقال أبو عبيد: معناه يسوقون، والبسّ سوق الإبل. وقال ابن وهب: معناه يزينون لهم البلاد ويحببونها إليهم ويدعونهم إلى الرحيل إليها. ومعناه الإخبار عمن خرج من المدينة متحملاً بأهله باشّاً في سيره مسرعاً إلى الرخاء في الأمصار التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بفتحها. قال العلماء: في هذا الحديث معجزات لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم، وإن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة. وإن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب. ووجد جميع ذلك كذلك بحمد اللَّه وفضله، وفيه فضيلة سكنى المدينة والصبر على شدتها وضيق العيش بها.

29 - المدينة حين يتركها أهلها

فَيَخْرُجُ من المدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَخْرُجُ من المدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ وَالمدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ)). وفي رواية: ((يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالمدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ يُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ ثُمَّ يُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالمدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ)) (¬1). 29 - المدِينَةِ حين يَتْرُكُهَا أَهْلُهَا؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لِلْمَدِينَةِ: ((لَيَتْرُكَنَّهَا أَهْلُهَا على خَيْرِ ما كانت مُذَلَّلَةً لِلْعَوَافِي)) يَعْنِي السِّبَاعَ وَالطَّيْرَ (¬2). وفي رواية: ((يَتْرُكُونَ المدِينَة على خَيْرِ ما كانت لَا يَغْشَاهَا إلا الْعَوَافِي (يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ) ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ من مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ المدِينَة يَنْعِقَانِ (¬3) بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا (¬4) حتى إذا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا على ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب من رغب عن المدينة، برقم 1875، ومسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار، برقم 1388. (¬2) (للعوافي) قد فسرها في الحديث بالسباع والطير. وهو صحيح في اللغة مأخوذ من عفوته، إذا أتيته تطلب معروفه. وأما معنى الحديث فالظاهر المختار أن هذا الترك للمدينة يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة. وتوضحه قصة الراعيين من مزينة فإنهما يخران على وجوههما حين تدركهما الساعة، وهما آخر من يحشر، كما ثبت في صحيح البخاري. (¬3) (ينعقان) أي يصيحان. (¬4) (وحشاً) قيل: معناه يجدانها خلاء، أي خالية ليس بها أحد. قال إبراهيم الحربي: الوحش من الأرض هو الخلاء. والصحيح أن معناه يجدانها ذات وحوش. ويكون وحشاً بمعنى وحوشاً. وأصل الوحش كل شيء توحش من الحيوان. وجمعه وحوش. وقد يعبر بواحدة عن جميعه، كما في غيره.

30 - ما بين بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنبره روضة من رياض الجنة

وُجُوهِهِمَا (¬1)) (¬2). 30 - ما بين بَيْتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وَمِنْبَرِهِ رَوْضَةٌ من رِيَاضِ الْجَنَّةِ؛ لحديث عبد اللَّه بن زَيْدٍ الْمَازِنيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما بين بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ من رِيَاضِ الْجَنَّةِ)) (¬3). وفي رواية لمسلم: ((ما بين مِنْبَرِي وَبَيْتِي رَوْضَةٌ من رِيَاضِ الْجَنَّةِ)) (¬4). 31 - وحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما بين بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ من رِيَاضِ الجنَّةِ وَمِنْبَرِي على حَوْضِي (¬5))) (¬6). ¬

(¬1) (خرا على وجوههما) أي سقطا ميتين. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب من رغب عن المدينة، برقم 1874، ومسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار، برقم 1389. (¬3) (روضة من رياض الجنة) ذكروا في معناه قولين: أحدهما أن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة. والثاني أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة. قال الطبري: في المراد ببيتي هنا قولان: أحدهما القبر. قاله زيد بن أسلم، كما روى مفسراً: بين قبري ومنبري. والثاني: المراد بين سكناه، على ظاهره. وروي: ما بين حجرتي ومنبري. قال الطبري. والقولان متفقان، لأن قبره في حجرته، وهي بيته. (¬4) متفق عليه: البخاري، باب فضل ما بين القبر والمنبر، برقم 1195، ومسلم، كتاب الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، برقم 1390. (¬5) (ومنبري على حوضي) قال القاضي: قال أكثر العلماء: ألمراد منبره بعينه، الذي كان في الدنيا. قال: وهذا هوالأظهر. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر، برقم 1196،ومسلم، كتاب الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، برقم 1391.

32 - أحد جبل يحبنا ونحبه

32 - أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ؛ لحديث أبي حُمَيْدٍ - رضي الله عنه - قال: خَرَجْنَا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَسَاقَ الحديث وَفِيهِ: ثُمَّ أَقْبَلْنَا حتى قَدِمْنَا وَادِي الْقُرَى (¬1) فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إني مُسْرِعٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ مَعِي، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ فَخَرَجْنَا حتى أَشْرَفْنَا على المدِينَةِ فقال هذه طَابَةُ وَهَذَا أُحُدٌ وهو جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ)) (¬2). 33 - حديث أَنَسُ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ)). وفي رواية: نَظَرَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلى أُحُدٍ فقال: ((إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ)) (¬3). 34 - فَضْلِ الصَّلَاةِ بِمَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالمدِينَة؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَبْلُغُ بِهِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صَلَاةٌ في مَسْجِدِي هذا أَفْضَلُ من أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلا المسْجِدَ الْحَرَامَ)). وفي رواية: ((صَلَاةٌ في مَسْجِدِي هذا خَيْرٌ من أَلْفِ صَلَاةٍ في غَيْرِهِ من الْمَسَاجِدِ إلا المسْجِدَ الْحَرَامَ)) (¬4). 35 - حديث ابن عُمَرَ رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صَلَاةٌ في ¬

(¬1) (وادي القرى) هو واد بين المدينة والشام. وهو بين تيماء وخيبر، من أعمال المدينة، سمي وادي القرى لأن الوادي من أوله إلى آخره قرى منظومة. لكنها الآن كلها خراب، ومياهها جارية تتدفق ضائعة لا ينتفع بها أحد، فتحها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد فراغه من فتح خيبر سنة سبع. اهـ من معجم البلدان. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب حدثنا يحيى بن بكير، برقم 4422، ومسلم، كتاب الحج، باب أحد جبل يحبنا ونحبه، برقم 1392. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب أحد جبل يحبنا ونحبه، برقم 1393. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم 1190،ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة في مسجدي مكة والمدينة، برقم 1394.

36 - حديث جابر - رضي الله عنه -،

مَسْجِدِي هذا أَفْضَلُ من أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلا المسْجِدَ الْحَرَامَ)) (¬1). 36 - حديث جابر - رضي الله عنه -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صَلَاةٌ في مَسْجِدِي هذا أَفْضَلُ من أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وصَلاةٌ في المسْجِدِ الحَرام أفضَلُ مِنْ مائَةِ ألفِ صلاةٍ فيما سِواه)) (¬2). 37 - لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَبْلُغُ بِهِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ (¬3) مَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى)) (¬4). وفي رواية لمسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما يُسَافَرُ إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ (¬5))) (¬6). 38 - الْمَسْجِدَ الذي أُسِّسَ على التَّقْوَى هو مَسْجِدُ النبي - صلى الله عليه وسلم - بِالمدِينَةِ؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: دَخَلْتُ على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في بَيْتِ ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة في مسجدي مكة والمدينة، برقم 1395. (¬2) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام، ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1406، وأحمد، 3/ 343، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 1/ 236، وفي إرواء الغليل، 4/ 341. (¬3) (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) هكذا وقع في صحيح مسلم هنا: ومسجد الحرام ومسجد الأقصى، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، وقد أجازه النحويون الكوفيون. وتأوله البصريون على أن فيه محذوفاً تقديره: مسجد المكان الحرام، والمكان الأقصى، ومنه قوله تعالى: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ}.أي المكان الغربي، ونظائره (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم 1189، ومسلم، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم 1397. (¬5) (إيلياء) مسجد إيلياء هو بيت المقدس. (¬6) مسلم برقم 513 - (1397) وتقدم تخريجه.

39 - فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته

بَعْضِ نِسَائِهِ فقلت: يا رَسُولَ اللَّه أَيُّ المسْجِدَيْنِ الذي أُسِّسَ على التَّقْوَى؟ قال: فَأَخَذَ كَفًّا من حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ ثُمَّ قال: ((هو مَسْجِدُكُمْ هذا)) (¬1) (لِمَسْجِدِ المدِينَةِ) (¬2). 39 - فَضْلِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَفَضْلِ الصَّلَاةِ فيه وَزِيَارَتِهِ؛ لحديث ابن عُمَرَ رضي اللَّه عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يَزُورُ قُبَاءً (¬3) رَاكِبًا وَمَاشِيًا. وفي رواية: كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فيه رَكْعَتَيْنِ (¬4). 40 - حديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ تَطَهَّرَ في بيته، ثُمَّ أتَى مَسجدَ قُباء فصلَّى فيهِ صلاةً كانَ له كأجرِ عُمرة)) (¬5). 41 - وحديث أسيد بن ظهير الأنصاري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الصَّلاة فِي مسجدِ قُباء كَعُمْرةٍ)) (¬6). وهذا لمن لم يشد الرحال، وإنَّما زَار ¬

(¬1) (هو مسجدكم هذا) هذا نص بأنه المسجد الذي أسس على التقوى المذكور في القرآن، وأما أخذه - صلى الله عليه وسلم - الحصباء وضربه في الأرض، فالمراد به المبالغة في الإيضاح، لبيان أنه مسجد المدينة، والحصباء الحصى الصغار. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب بيان المسجد الذي أسس على التقوى، برقم 1398. (¬3) (قباء) الفصيح المشهور فيه، المد والتذكير والصرف، وهو قريب من المدينة من عواليها. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم 1194، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه، برقم 1399. (¬5) النسائي، كتاب المساجد، باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه، برقم 700، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، برقم 1412، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/ 150، وفي صحيح ابن ماجه، 1/ 237. (¬6) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في مسجد قباء، برقم 324، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، برقم 1411، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 104، وفي صحيح ابن ماجه، 1/ 237.

42 - الإيمان يأرز إلى المدينة

مسجد قباء من المدينةِ، أو قدمَ إلى المدينة، ثم أرادَ زيارة مسجد قُباء، أما شدّ الرِّحال للسفرِ فلا يجوزُ إلاَّ إلى المساجدِ الثلاثة كما تقدم. 42 - الإيمان يأرِز إلى المدينة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الإيمانَ ليَأرِزْ (¬1) إلى المدينةِ كَمَا تأرِز الحيَّة إلى جُحْرِها)) (¬2). 43 - حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: ((اللَّهم ارْزقني شهادةً في سَبيلك واجعل موتي في بلدِ رَسُولِك - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3). 44 - حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن استطاعَ مِنكم أن يموت بالمدينة فليَفعل؛ فإني أشْهَدُ لمَن ماتَ بها)) (¬4). 45 - حديث علي - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يُختَلى خلاها (¬5)، ولا يُنفر صَيْدها، ولا تُلتقَط لقطتها إلا لمنْ أشاد بها (¬6)، ولا يصحّ لرجلٍ أنْ يحمل فيها السِّلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعْلِف رجل بعيره)) (¬7). ¬

(¬1) يارز: ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض. (¬2) البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب الإيمان يأرز إلى المدينة، برقم 1876. (¬3) البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب حدثنا مسدد عن يحيى، برقم 1890. (¬4) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب فضل المدينة، برقم 3112، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 79. (¬5) أي المدينة. (¬6) يعرفها تعريفاً مستمراً. (¬7) أبو داود، كتاب المناسك، باب تحريم المدينة، برقم (2035)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 569).

المبحث الرابع والعشرون: صفة دخول مكة

المبحث الرابع والعشرون: صفة دخول مكة إذا وصل المعتمر أو الحاج إلى مكة استحبّ له ما يأتي: أولاً: يُستحب له أن يستريح بمكان مناسب حتى يحصل له النشاط والنظافة قبل الطواف وإن لم يفعل ذلك فلا حرج عليه وهذا مستحب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((بات بذي طوى حتى أصبح ثم دخل مكة)) (¬1). ثانياً: يستحب له إن تيسر أن يغتسل؛ لأن ابن عمر رضي اللَّه عنهما كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح، ويغتسل ويَذكُرُ ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ثالثاً: يستحب له إن تيسر أن يدخل مكة من أعلاها؛ لأن الداخل يأتي من قبل وجهها، ومن أي طريق دخل فلا بأس، فعن عائشة رضي اللَّه عنها ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاء مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها)) (¬3). قال ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى: ((إذا أتى مكة جاز أن يدخل مكة من جميع الجوانب، لكن الأفضل أن يأتي من وجه الكعبة اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه دخلها من وجهها من الناحية العليا، وكان - صلى الله عليه وسلم - يغتسل لدخول مكة، كما يبيت بذي طوى وهو عند الآبار التي يقال لها آبار الزاهر، فمن تيسر له المبيت بها، والاغتسال، ودخول مكة نهاراً وإلا ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري برقم 1574، ومسلم، برقم 1259، وتقدم تخريجه في سنن دخول مكة. (¬2) متفق عليه: البخاري برقم 1574، ومسلم، برقم 227 - (1259). (¬3) متفق عليه: البخاري برقم 1577، ومسلم برقم 1258، وتقدم تخريجه في سنن دخول مكة.

رابعا: إذا وصل إلى المسجد الحرام فالأفضل له أن يفعل ما يفعل

فليس عليه شيء من ذلك)) (¬1). رابعاً: إذا وصل إلى المسجد الحرام فالأفضل له أن يفعل ما يفعل في سائر المساجد، فيقدم رجله اليمنى (¬2) ويقول: ((أعوذ باللَّه العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)) (¬3). [بسم اللَّه والصلاة] (¬4) [والسلام على رسول اللَّه] (¬5) [((اللَّهم اغفر لي ذنوبي))] (¬6) اللَّهم افتح لي أبواب رحمتك)) (¬7). وإذا خرج من المسجد قال: ((بسم اللَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه، [اللَّهم اغفر لي ذنوبي] (¬8) اللَّهم إني ¬

(¬1) فتاوى ابن تيمية، 26/ 119 - 120 بتصرف يسير، وانظر: شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 410. (¬2) شرح العمدة، 4/ 414، وقد بوّب البخاري في صحيحه 1/ 164في كتاب الصلاة، أبواب المساجد، بقوله: ((باب التيمن في دخول المسجد وغيره)). (¬3) أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيما يقول الرجل عند دخوله المسجد، برقم 466، من حديث عبد اللَّه بن عمرو، وفي آخره: ((فإذا قال ذلك، قال الشيطان: حُفِظَ مني سائر اليوم)) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 137. (¬4) رواه ابن السني، برقم 88، وحسنه الألباني في صحيح الكلم الطيب، برقم 63، وابن ماجه، برقم 771. (¬5) أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد، برقم 465 ولفظه: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ليقل: اللَّهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللَّهم إني أسألك من فضلك)) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 136. (¬6) ابن ماجه، برقم 771، وصححه الألباني، ويأتي تخريجه. (¬7) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما يقول إذا دخل المسجد، برقم 713، ولفظه: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللَّهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللَّهم إني أسألك من فضلك)). (¬8) ابن ماجه، كتاب الأذان، باب الدعاء عند دخول المسجد، برقم 771، من حديث فاطمة بنت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قالت: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد يقول: بسم اللَّه والسلام على رسول اللَّه، اللَّهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: بسم اللَّه والسلام على رسول اللَّه، اللَّهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 1/ 237، وفي تخريج فضل الصلاة، 82 - 84، وفي تخريج الكلم الطيب، برقم 163.

خامسا: من لم يتيسر له الغسل قبل دخول المسجد

أسألك من فضلك)) [اللَّهم اعصمني من الشيطان الرجيم] (¬1) (¬2)، وهذا الذكر يُقال عند الدخول لسائر المساجد وكذلك دعاء الخروج وليس خاصاً بالمسجد الحرام ومن لم يفعل هذه السنن الأربع فلا حرج عليه بحمد اللَّه تعالى (¬3). خامساً: من لم يتيسر له الغسل قبل دخول المسجد فلا بد له من الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت)) (¬4). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((فيه الدلالة: أن الطهارة شرط للطواف، وفيه الدلالة: على القران، وعلى التمتع بالعمرة كما في آخره)) (¬5). ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي اللَّه عنها: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (¬6). ¬

(¬1) انظر ما تقدم في الهوامش السابقة، 2، 3، 4، 5، 6. (¬2) ابن ماجه في كتاب الأذان باب الدعاء عند دخول المسجد، برقم 773 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليقل: اللَّهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وليقل: اللَّهم اعصمني من الشيطان الرجيم)) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 238. (¬3) يرى سماحة العلامة الجهبذ شيخنا عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز رحمه اللَّه أن هذه الأمور مشروعة يستحب فعلها إن تيسر، سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام، وعلى صحيح البخاري. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الطواف على وضوء، برقم 1641، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى من البقاء على الإحرام، برقم 1235. (¬5) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1641. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة، برقم 1650، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج، والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه، برقم 120 - (1211).

سادسا: تحية المسجد الحرام الطواف لمن أراد الطواف

وعن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الطواف بالبيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير)) هذا لفظ ابن خزيمة، ولفظ الترمذي، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير)) (¬1). وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: ((أقلُّوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في الصلاة)) (¬2). سادساً: تحية المسجد الحرام الطواف لمن أراد الطواف، أما من لم يرد الطواف فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (¬3). سابعاً: الركوب في الطواف أو السعي لا بأس به لمن كان به علة كالمريض؛ لحديث أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت: شكوت إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أني ¬

(¬1) أخرجه ابن خزيمة، كتاب المناسك، باب الرخصة في التكلم بالخير في الطواف والزجر عن الكلام السيء فيه، برقم 2739، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الكلام في الطواف، برقم 960، وصححه الألباني في صحيح ابن خزيمة، فقال: ((إسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات، وابن السائب وإن كان اختلط فقد رواه عن سفيان الثوري، عند الحاكم، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط، على أنه قد تابعه ثقتان آخران كما هو مبين في الإرواء، فصح الحديث والحمد لله)) صحيح ابن خزيمة، 4/ 222، وصححه في صحيح الترمذي، 1/ 492، وفي إرواء الغليل، 1/ 154، برقم 121. (¬2) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب إباحة الكلام في الطواف، برقم 2923، وصححه الألباني من قول ابن عمر رضي اللَّه عنهما موقوف عليه، في صحيح النسائي، 1/ 320. (¬3) انظر: زاد المعاد، 2/ 225.

أشتكي فقال: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)). قالت فطفت ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حينئذ يُصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور (¬1). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - طاف وهو على بعير، كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده، وكبر)). ولفظ مسلم: ((طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((وهذا حجة لمن قال بجواز الطواف راكباً، ولكن الأفضل والأحوط أن يطوف ماشياً خروجاً من الخلاف المشهور، أما الطواف لعلَّةٍ راكباً فلا بأس به)) (¬3) (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب المريض يطوف راكباً، برقم 1633،ومسلم، كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره، واستلام الحجر بمحجن، ونحوه للراكب، برقم 1276. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب المريض يطوف راكباً، برقم 1632،ومسلم، كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب برقم 1272. (¬3) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1632. ولا شك أن المريض لا بأس بطوافه راكباً؛ لحديث أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت: شكوت إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أني أشتكي؟ فقال: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) [البخاري برقم 1633] وهذا الطواف كان في صلاة الفجر اليوم الرابع عشر من ذي الحجة، حينما طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - طواف الوداع، وصلى الفجر، وقرأ بسورة الطور وكتاب مسطور [البخاري، برقم 1619، 1633]. (¬4) انظر في مسألة الطواف راكباً: جامع الأصول في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لابن الأثير (3/ 191)، ونيل الأوطار للشوكاني (3/ 382 - 384)، والمغني لابن قدامة (5/ 249)، وأضواء البيان للشنقيطي (5/ 253).

المبحث الخامس والعشرون: الطواف بالبيت العتيق

المبحث الخامس والعشرون: الطواف بالبيت العتيق أولاً: شروط صحة الطواف بالبيت العتيق على النحو الآتي: الشرط الأول: الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر؛ لعموم (¬1) حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تكلّمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير)) (¬2). وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((أقلُّوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في الصلاة)) (¬3). وعن عائشة رضي اللَّه عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه في شرح العمدة، 2/ 582 - 589: ((يشترط لصحة كل طواف في الحج والعمرة، وفي غير حج وعمرة عشرة أشياء: أحدها النية، وهي أن يقصد الطواف بالبيت ... الشرط الثاني: أن يكون طاهراً من الحدث ... الشرط الثالث: أن يكون طاهراً من الخبث ... الشرط الرابع: السترة ... الشرط الخامس: أن يطوف سبعة أشواط ... الشرط السادس: الترتيب، أن يبتدئ بالحجر الأسود ... الشرط السابع: أن يجعل البيت عن يساره ... الشرط الثامن: الموالاة، وهو أن لا يطيل قطعه فإن أطال قطعه لمكتوبة أقيمت أو جنازة حضرت لم يقطع موالاته، لأنه فرض يخاف فوته ... الشرط التاسع: أن يطوف بالبيت جميعه فلا يطوف في شيء منه، لأن اللَّه يقول: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} [الحج: 29]. فإن اخترق الحجر في طوافه أو الشاذروان لم يصح)). [والشاذروان: هو ما فضل من عماد البيت خارج حيطانها وتربط فيه أستار الكعبة. انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 121]. [وقال الأزرقي في أخبار مكة، 1/ 309: ((عدد حجارة الشاذروان التي حول الكعبة ثمانية وستون حجراً في ثلاثة وجوه وطول الشاذروان في السماء ستة عشر أصبعاً وعرضه ذراع))]. (¬2) ابن خزيمة برقم 2739، والترمذي برقم 960، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 1/ 492، وتقدم تخريجه في صفة دخول مكة. (¬3) النسائي، برقم 2923،وصححه الألباني من قول ابن عمر رضي اللَّه عنهما في صحيح النسائي، 2/ 320.

توضأ ثم طاف بالبيت)) (¬1)؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي اللَّه عنها: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (¬2). وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: حججنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول اللَّه إنها حاضت، فقال: ((أحابستنا هي؟)) قالت عائشة رضي اللَّه عنها: يا رسول اللَّه: إنها قد كانت أفاضت، وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((فلتنفر [إذاً])) (¬3)، وهذه الأدلة تبيِّن أن الطواف لا يصح إلا بالطهارة، قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه تعالى: ((الوضوء شرط في صحة الطواف في أصح قولي العلماء)) (¬4). وقال في موضع آخر: ((لا يصح الطواف بغير طهارة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يطوف توضأ، وقد قال: ((خذوا عني مناسككم)) (¬5))) (¬6). وهذه الأدلة المذكورة صريحة في أن الطهارة شرط (¬7) لصحة ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1641، ومسلم، برقم 1235، وتقدم تخريجه في صفة دخول مكة. (¬2) متفق عليه: البخاري برقم 1650، ومسلم، برقم 120 - (1211)، وتقدم تخريجه في صفة دخول مكة. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1733، ومسلم، برقم 1211، وتقدم تخريجه في أركان الحج. (¬4) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 136. (¬5) مسلم، برقم 1297، بلفظ: ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)). وهذا اللفظ في المتن للبيهقي، 5/ 125. (¬6) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 150 - 151، وانظر: مجموع فتاوى ابن باز، 10/ 142، 160، 16/ 136، 140، 151، 17/ 64، 213 - 229، 328، 29/ 117. (¬7) وإذا تيقَّن الحدث وشك في الطهارة وهو في الطواف بنى على ما تيقَّنه فلم يصح طوافه، أما إذا تيقَّن الطهارة وشك في الحدث فكذلك يبني على ما تيقنه، فهو على طهارة، كالصلاة، وأما بعد الطواف فإذا حصل له شك فلا يضره؛ لأن الشك في شرط العبادة بعد الفراغ منها لا يؤثر، وهذه قاعدة عظيمة وهي استصحاب الحال المعلوم وإطراح الشك؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي يُخيَّل إليه أنه يجد الشيء في صلاته: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) [البخاري، برقم 137، ومسلم، برقم 361]. [وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 224، وشرح العمدة لابن تيمية، كتاب الطهارة، ص 83، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 9/ 115، وصلاة المؤمن للمؤلف، 1/ 19].

الطواف (¬1). ¬

(¬1) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في اشتراط الطهارة في الطواف على قولين: القول الأول: أن الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، ومن النجاسة، وستر العورة من شروط صحة الطواف، وبه قال أكثر علماء الإسلام، قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 202: (( ... اعلم أن اشتراط الطهارة من الحدث، والخبث، وستر العورة في الطواف هو قول أكثر أهل العلم، منهم: مالك، وأصحابه، والشافعي، وأصحابه، وهو مشهور مذهب الإمام أحمد)). واستدلوا بأدلة منها ما ذكرته في متن هذه الرسالة. القول الثاني: لا تشترط الطهارة، ولا ستر العورة، فلو طاف من عليه جنابة أو حدث، أو عليه نجاسة، أو طاف عرياناً صح طوافه، وبهذا القول قال الإمام أبو حنيفة. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وخالف الإمام أبو حنيفة رحمه اللَّه الجمهور في هذه المسألة فقال: لا تشترط للطواف طهارة، ولا ستر عورة، فلو طاف جنباً أو محدثاً، أو عليه نجاسة، أو عرياناً صح طوافه عنده، واختلف أصحابه في وجوب الطهارة للطواف مع اتفاقهم على أنها ليست بشرط فيه، ومن أشهر الأقوال عندهم: أنه إذا طاف طواف الإفاضة جنباً فعليه بدنة، وإن طاف محدثاً فعليه شاة، وأنه يعيد الطواف بطهارة مادام بمكة، فإن رجع إلى بلده فالدم على التفصيل المذكور. [أضواء البيان، 5/ 202]. ثم ذكر الشنقيطي رحمه اللَّه: أدلة الجمهور بالتفصيل، فذكر حديث عائشة: ((أن أول شيء بدأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم أنه توضأ، ثم طاف)) ثم بين أن وضوءه لطوافه المذكور في هذا الحديث قد دل دليلان على أنه لازم ولا بد منه: أحدهما أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع: ((خذوا عني مناسككم)) وهذا الأمر للوجوب والتحتم، فلما توضأ للطواف لزمنا أن نأخذ عنه الوضوء للطواف امتثالاً لأمره في قوله: ((خذوا عني مناسككم)). الثاني: أن فعله في الطواف: من الوضوء له، ومن هيئته التي أتى بها عليها كلها بيان وتفصيل لما أجمل في قوله: {وليَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العَتيق} [الحج: 29]. قال: وقد تقرر في الأصول أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان لبيان نص من كتاب اللَّه فهو على اللزوم والتحتم، ولذا أجمع العلماء على قطع يد السارق من الكوع؛ لأن قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - للسارق من الكوع بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى: {فاقطَعُوا أيديهِما} [المائدة: 38]، لأن اليد تطلق على العضو إلى المرفق، وإلى المنكب)). ثم ذكر من أدلتهم حديث عائشة ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) متفق عليه. وفي لفظ لمسلم: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي)). ومنها: ((الطواف بالبيت صلاة)). وفي لفظ: ((مثل الصلاة)) ثم بين أن درجة الحديث لا تقل عن درجة الحسن، ثم قال: لو سلمنا أنه موقوف فهو قول صحابي، ولم يعلم له مخالف من الصحابة، فيكون حجة، لاسيما وقد اعتضد بما ذكرنا قبله من الأحاديث الصحيحة، وبينا وجه دلالتها على اشتراط الطهارة للطواف. [أضواء البيان، 5/ 202 - 207]. وقال الإمام الخرقي في مختصر المطبوع مع المغني، 5/ 222 عن الطائف بالبيت العتيق: ((ويكون طاهراً في ثياب طاهرة)) من الحدث، والنجاسة، والستارة شرائط لصحة الطواف في المشهور عن أحمد، وهو قول مالك، والشافعي، وعن أحمد أن الطهارة ليست شرطاً، فمتى طاف للزيارة غير متطهِّر أعاد ما كان بمكة، فإن خرج إلى بلده جبره بدم، وكذلك يخرج في الطهارة: من النجس، والستارة، وعنه في من طاف للزيارة وهو ناسٍ للطهارة: لا شيء عليه. وقال أبو حنيفة: ((ليس شيء من ذلك شرطاً، واختلف أصحابه، فقال بعضهم: هو واجب، وقال بعضهم: هو سنة؛ لأن الطواف ركن للحج، فلم يشترط له الطهارة، كالوقوف)). قال ابن قدامة: (( ... ولنا ما روى ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه)) رواه الترمذي، برقم 960، والأثرم، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن أبا بكر الصديق بعثه في الحجة التي أمَّره عليها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قبل حجة الوداع يوم النحر يؤذن: ((لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان)) [البخاري، برقم 1622، ومسلم، برقم 1347]، ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فكانت الطهارة والستارة فيها شرطاً، كالصلاة، وعكس ذلك الوقوف)) [المغني، 5/ 222 - 223]. واختار شيخ الإسلام: أن الطهارة لا تجب للطواف [انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام، 21/ 273، 26/ 123، 124، والأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية، ص 176]، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه اللَّه بعد أن ذكر رأي شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وعليه فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس، أنه لا يشترط في الطواف: الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل، واتباعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، ولكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام ... )) [الشرح الممتع، 7/ 299 - 300]. والقول الأول: وهو قول الجمهور من علماء الإسلام هو الراجح كما تقدم في تفصيل الأدلة عند العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، وكما رجحه الإمام ابن قدامة، وهو الذي لا يرى شيخنا ابن باز غيره، بل يأمر من طاف محدثاً، أو عليه نجاسة وهو يعلمها وأحدث أثناء الطواف أن يعيد الطواف للأدلة الصريحة الصحيحة المذكورة في متن هذه الرسالة، وفي ما تقدم من رد العلامة الشنقيطي على أصحاب القول الثاني، فعلى هذا يجب على المسلم أن لا يطوف إلا على طهارة كما أنه لا يصلي إلا على طهارة. [انظر: المراجع السابقة، وانظر: مجموع فتاوى شيخنا ابن باز رحمه اللَّه، 10/ 142، 160، و16/ 136، 140، 151، و17/ 64، 213 - 219، 328، و29/ 117]. [وانظر: مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 11/ 237 - 238، و11/ 241 - 249].

الشرط الثاني: الطهارة من النجس

الشرط الثاني: الطهارة من النجس: استدل جمهور العلماء على شرطية الطهارة من الخبث للطواف بما تقدم من الأدلة على أن الطواف مثل الصلاة (¬1)، واستأنس بعضهم لطهارة الخبث للطواف بقوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود} (¬2). فالطواف بالبيت في هذه الآية قبل الصلاة، قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه تعالى: (( ... لأنه يدل في الجملة على الأمر بالطهارة للطائفين، والعلم عند اللَّه تعالى)) (¬3). وقال العلامة ابن مفلح رحمه اللَّه: (( ... وتشترط الطهارة من حدث، قال القاضي وغيره: الطواف كالصلاة في جميع الأحكام إلا في إباحة النطق)) (¬4). ¬

(¬1) أضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 211. (¬2) سورة الحج، الآية: 26. (¬3) أضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 211. (¬4) الفروع لابن مفلح (9/ 40).

الشرط الثالث: ستر العورة

الشرط الثالث: ستر العورة؛ لحديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((بعثني في تلك الحجة في مؤذنين يؤذنون بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)) قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - علياً فأمره أن يؤذن بـ ((براءة)) قال أبو هريرة: ((فأذَّن معنا علي في أهل منى يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)). وفي لفظ: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: ((لا يحجُّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، وإنما قيل: الأكبر من أجل قول الناس: الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحجَّ عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - مشرك)) (¬1). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: (( ... وجوب ستر العورة للطواف يدل عليه كتاب اللَّه في قوله تعالى في سورة الأعراف: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الآية (¬2). وإيضاح دلالة هذه الآية على ستر العورة للطواف يتوقف أولاً على مقدمتين: الأولى منهما: أن تعلم أن المقرر في علوم الحديث أن تفسير الصحابي ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب ما يستر من العورة، برقم 369، وكتاب الحج، باب لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك، برقم 1622، وكتاب الجزية والموادعة، باب كيف ينبذ إلى أهل العهد، برقم 3177، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، وبيان يوم الحج الأكبر، برقم 1347. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 31.

الشرط الرابع: أن يكون الطواف سبعة أشواط كاملة

إذا كان له تعلق بسبب النزول، أن له حكم الرفع. المقدمة الثانية: هي أن تعلم أن صورة سبب النزول قطعية الدخول عند جماهير الأصوليين وهو الصواب إن شاءاللَّه (¬1). فعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عُريانة، فتقول: من يُعيرني تطوافاً (¬2) تجعله على فرجها، وتقول: اليوم يبدُو بعضُه أو كلُّه ... ... فما بدا منه فلا أحلُّه فنزلت هذه الآية: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (¬3) (¬4). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((ولأجل هذا كان ابن عباس يفسر الزينة المذكورة في هذه الآية: باللباس، ولتعلق هذا التفسير بسبب النزول، فله حكم الرفع كما بيَّنا ... )) (¬5). الشرط الرابع: أن يكون الطواف سبعة أشواط كاملة (¬6)،فإن ترك شيئاً ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 209. (¬2) تِطْوافاً: هو الثَّوب الذي يُطَاف به. [النهاية، لابن الأثير، مادة (طوف). (¬3) سورة الأعراف، الآية: 31. (¬4) مسلم، كتاب التفسير، تفسير سورة الأعراف، باب في قوله تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، برقم 3028. (¬5) أضواء البيان، 5/ 210. (¬6) وإن شكَّ في عدد الأشواط في الطواف بنى على اليقين. قال ابن المنذر: ((أجمع كلُّ من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك))؛ ولأنها عبادة فمتى شك فيها بنى على اليقين كالصلاة، واليقين: هو الأقل، فإن شك هل طاف ثلاثة أو أربعة؟ جعلها ثلاثة، وهكذا يفعل في السعي، بشرط أن يختم بالمروة، وإن شك بعد فراغه من الطواف أو السعي لم يلتفت إليه، كما لو شك في عدد الركعات بعد فراغ الصلاة، [المغني لابن قدامة، 5/ 224،والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 9/ 115، وفتاوى ابن باز، 16/ 60]، و17/ 226، 323.

الشرط الخامس: أن يكون الطواف بجميع البيت خارجه

من السبع ولو قليلاً لم يجزه؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، قال عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعاً، وصلَّى خلف المقام ركعتين، ثم خرج عليه الصلاة والسلام إلى الصفا، وقد قال اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬1). فقد طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعاً، فيكون تفسيراً لمجمل قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (¬2).فيكون ذلك هو الطواف المأمور به، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... لتأخذوا مناسككم)) (¬3). الشرط الخامس: أن يكون الطواف بجميع البيت خارجه، فإن طاف من داخل الحِجر، أو طاف على جداره، أو على شاذروان الكعبة (¬4) لم يجزئه؛ لأن اللَّه تعالى قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (¬5)، وهذا يقتضي الطواف بجميعه، والحِجْر منه (¬6)؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجَدْرِ أمِن البيت هو؟ قال: ((نعم)) قلت: فلما لم يدخلوه في ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب قوله: {واتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إبرَاهِيْمَ مُصَلَّى} [البقرة: 125]، برقم 395، وأطرافه في صحيح البخاري، 1623، 1627، 1645، 1647، 1793، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يلزم من أحرم بالحج ثم قدم مكة من طواف وسعي، برقم 1233. (¬2) سورة الحج، الآية: 29. (¬3) مسلم، برقم 1297، وتقدم تخريجه. (¬4) شاذروان الكعبة: الإفريز البارز بمقدار ثلثي ذراع في أسفل جدران الكعبة، وقد اختلف الفقهاء فيه هل هو من الكعبة كالحطيم أو ليس من الكعبة. [معجم لغة الفقهاء، ص 304]. (¬5) سورة الحج، الآية: 23. (¬6) الكافي لابن قدامة، 2/ 412، ومنار السبيل للضويان، 1/ 340.

الشرط السادس: الترتيب، وهو أن يطوف على يمينه

البيت؟ قال: ((إن قومك قصَّرت بهم النفقة)) قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: ((فعل ذلك قومُكِ ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديثٌ عهدهم بجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم، لنظرت أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألزق بابه بالأرض)) (¬1). وفي لفظ للبخاري: ((قال جرير فحزرت من الحجر ستة أذرع أو نحوها)) (¬2). ولفظ النسائي: ((لولا أن الناس حديثٌ عهدهم بكفر وليس عندي من النفقة ما يقوِّى على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع، وجعلت له باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه)) (¬3). وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قلت يا رسول اللَّه، ألا أدخل البيت؟ قال: ((ادخلي الحجر فإنه من البيت)) (¬4). الشرط السادس: الترتيب، وهو أن يطوف على يمينه، ويجعل البيت عن يساره، فإن نكَسَه فطاف وجعل البيت عن يمينه لم يجزئه ولا يصح طوافه؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: لما قدم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مكة دخل المسجد فاستلم الحَجَر، ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم أتى المقام ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، برقم 1583، 1584، 1585، 1586، ومسلم، كتاب الحج، باب جدر الكعبة وبابها، برقم 405 - (1333). (¬2) البخاري برقم 1586. (¬3) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب الحجر، برقم 2910، وأصله في البخاري ومسلم كما تقدم، وصححه الألباني في صحيح النسائي (2/ 316). (¬4) النسائي، كتاب المناسك، باب الحجر، برقم 2911، وهو في الترمذي برقم 876، وفي سنن أبي داود، برقم 2028، وصححه الألباني في صحيح النسائي (2/ 316).

الشرط السابع: أن يبتدئ بالحجر الأسود فيحاذيه

فقال: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت، ثم أتى البيت بعد الركعتين فاستلم الحجر ثم خرج إلى الصفا)) (¬1)، ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فكان الترتيب فيها شرطاً كالصلاة (¬2). الشرط السابع: أن يبتدئ بالحجر الأسود فيحاذيه، وينتهي إليه في كل شوط؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (( ... حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً .... )) (¬3). فدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالحجر الأسود، وقد قال عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما في صفة طواف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبيت: ((قدم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين، وسعى بين الصفا والمروة سبعاً، وقد كان لكم في رسول اللَّه أسوة حسنة)) (¬4). الشرط الثامن: الموالاة. فيوالي في طوافه ويستأنف الطواف من أوله إذا أحدث أثناء الطواف على الصحيح، وكذلك إذا قطع الطواف وطال الفصل بحيث يكون القطع طويلاً (¬5)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف كذلك، وقد قال: (( ... لتأخذوا مناسككم)) (¬6). ¬

(¬1) مسلم، برقم 1218، والنسائي واللفظ له، في كتاب مناسك الحج، باب كيف يطوف أول ما يقدم؟ وعلى أي شقَّيه يأخذ إذا استلم الحجر، برقم 2939،وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 324. (¬2) الكافي لابن قدامة، 2/ 413. (¬3) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 1623،ومسلم واللفظ له، برقم 1234،وتقدم تخريجه في الشرط الرابع. (¬5) انظر: نيل المآرب بشرح دليل الطالب، لعبد القادر بن عمر التغلبي، 1/ 307. (¬6) مسلم، برقم 1297، وتقدم تخريجه.

إلا أن الطائف بالبيت إذا أُقيمت الصلاة، أو حضرت جنازة، فإنه يُصلِّي ثم يبني فيكمل الباقي من الأشواط (¬1)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) (¬2). قال الإمام البخاري رحمه اللَّه: ((باب: إذا وقف في الطواف، وقال عطاء فيمن يطوف فتقام الصلاة أو يدفع عن مكانه: إذا سلم يرجع حيث قُطِع عليه (¬3).ويذكر نحوه عن ابن عمر (¬4)،وعبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهم -)) (¬5) (¬6). ¬

(¬1) انظر: الكافي لابن قدامة، 2/ 413. (¬2) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن، برقم 710، وأبو داود، كتاب التطوع، باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر، برقم 1266. (¬3) قال ابن حجر في الفتح، 3/ 484: ((وصل نحوه عبد الرزاق عن ابن جريج، قلت لعطاء: الطواف الذي يقطع عليَّ الصلاة وأعتدُّ به أيجزئ؟ قال: نعم، وأحبُّ إلي أن لا يعتد به، قال: فأردت أن أركع قبل أن أتم سبعي، قال: لا، أوفِ سبعك، إلا أن تمنع من الطواف)). قال العلامة الألباني في مختصر صحيح البخاري، 1/ 478: ((وصله عبد الرزاق بسند صحيح عنه نحوه)). وقال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه في فتح الباري، 3/ 484: ((وقال سعيد بن منصور: حدثنا هشيم، حدثنا عبد الملك، عن عطاء، أنه كان يقول في الرجل يطوف بعض طوافه ثم تحضر الجنازة: يخرج فيصلِّي عليها ثم يرجع فيقضي ما بقي عليه من طوافه)). (¬4) قال ابن حجر رحمه اللَّه في فتح الباري: ((وصل نحوه سعيد بن منصور: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن جميل بن زيد، قال: رأيت ابن عمر طاف بالبيت فأقيمت الصلاة فصلى مع القوم ثم قام فبنى على ما مضى من طوافه)). قال الألباني في مختصر صحيح البخاري، 1/ 478: ((وجميل هذا ضعيف)). (¬5) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 3/ 484: ((وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء: أن عبد الرحمن بن أبي بكر طاف في إمارة عمرو بن سعيد على مكة - يعني في خلافة معاوية - فخرج عمرو إلى الصلاة فقال له عبد الرحمن: انظرني حتى أنصرف على وتر، فانصرف على ثلاثة أطواف - يعني ثم صلى - ثم أتمَّ ما بقي)) قال الألباني في مختصر صحيح البخاري، 1/ 487: ((ووصله عبد الرزاق بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي بكر)). (¬6) البخاري، كتاب الحج، باب إذا وقف في الطواف، بعد الحديث رقم 1622.

وسمعت شيخنا العلامة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه اللَّه يقول: ((وهذا هو الصواب إذا أقيمت الصلاة وهو يطوف، فإنه يصلِّي وبعد نهاية الصلاة يقوم ويبدأ من محلِّه، وقال بعض الفقهاء: إنَّ هذا الشوط يضيع عليه، ويبدأ من الحَجَر، والصواب أنه لا يعود وإنما يبدأ من محلِّه؛ لأنه طواف قطعه بنيَّة شرعيَّة ثم رجع إليه، أما من أحدث، أو خرج بدون عذر شرعي وطال الزمن فإنه يعيده من أوله؛ لأن الطواف مثل الصلاة)) (¬1) (¬2). ¬

(¬1) سمعته رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري، باب 68 ((إذا وقف في الطواف))، بعد الحديث رقم 1622. (¬2) قال الإمام الخرقي رحمه اللَّه: ((وإن أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة وهو يطوف أو يسعى خرج فصلى، فإذا صلى بنى)) قال الإمام ابن قدامة في المغني مبيِّناً لقول الخرقي، 5/ 247: ((وجملة ذلك: أنه إذا تلبَّس بالطواف أو بالسعي، ثم أقيمت المكتوبة فإنه يصلي مع الجماعة في قول أكثر أهل العلم، منهم: ابن عمر، وسالم، وعطاء، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وروي ذلك عنهم في السعي، وقال مالك: يمضي في طوافه ولا يقطعه، إن خاف أن يضر بوقت الصلاة؛ لأن الطواف صلاة، فلا يقطعه لصلاة أخرى)). قال الإمام ابن قدامة: ((ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، والطواف صلاة فيدخل تحت عموم الخبر، إذا ثبت ذلك في الطواف بالبيت، مع تأكده، ففي السعي بين الصفا والمروة أولى مع أنه قول ابن عمر، ومن سميناه من أهل العلم، ولم نعرف لهم في عصرهم مخالفاً، وإذا صلى بنى على طوافه وسعيه في قول من سميناه من أهل العلم، قال ابن المنذر: ولا نعلم أحداً خالف في ذلك إلا الحسن، فإنه قال: يستأنف، وقول الجمهور أولى؛ لأن هذا فعل مشروع في أثناء الطواف فلم يقطعه، كاليسر، وكذلك الحكم في الجنازة إذا حضرت يصلّي عليها ثم يبني على طوافه؛ لأنها تفوت بالتشاغل عنها، قال الإمام أحمد: يكون ابتداؤه من الحَجَر، يعني أنه يبتدئ الشوط الذي قطعه من الحجر، حين يشرع في البناء، فإن ترك الموالاة لغير ما ذكرنا وطال الفصل ابتدأ الطواف وإن لم يطل بنى، فلا فرق بين ترك الموالاة عمداً أو سهواً، مثل من يترك شوطاً من الطواف يحسب أنه قد أتمه، وقال أصحاب الرأي في من طاف ثلاثة أشواط من طواف الزيارة ثم رجع إلى بلده: عليه أن يعود فيطوف ما بقي، ولنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والى بين طوافه، وقال: ((خذوا عني مناسككم))؛ لأنه صلاة، فيشترط له الموالاة، كسائر الصلوات، أو نقول: عبادة متعلقة بالبيت فاشترطت لها الموالاة، ويرجع في طول الفصل وقصرها إلى العرف من غير تحديد ... )) المغني، 5/ 247 - 248.

وقال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((والطواف من جنس الصلاة في الجملة، لكن لو قطعه لحاجة مثلاً: كمن طاف ثلاثة أشواط ثم أقيمت الصلاة فإنه يصلي ثم يرجع فيبدأ من مكانه، ولا يلزمه الرجوع إلى الحجر الأسود، بل يبدأ من مكانه ويكمل، خلافاً لما قال بعض أهل العلم: إنه يبدأ من الحجر الأسود، والصواب لا يلزمه ذلك، كما قال جماعة من أهل العلم، وكذا لو حضرت جنازة وصلَّى عليها، أو أوقفه أحد يكلمه، أو زحام، فإنه يكمل طوافه ولا حرج عليه في ذلك واللَّه ولي التوفيق)) (¬1) (¬2). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 10/ 160، 16/ 137، 17/ 216. (¬2) قال العلامة الشنقطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 227: ((أظهر قولي العلماء عندي أنه إن أقيمت الصلاة وهو في أثناء الطواف أنه يصلِّي مع الناس، ولا يستمر في طوافه مقدماً إتمام الطواف على الصلاة، وممن قال بذلك: ابن عمر، وسالم، وعطاء، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد وأصحابه، وأبو ثور، وروي ذلك عنهم في السعي أيضاً، ولكن عند المالكية لا يجوز قطع الطواف إلا للصلاة المكتوبة خاصة إذا أقيمت وهو في أثناء الطواف، ويبني عندهم إن قطعه للصلاة خاصة، ويندب عندهم إكمال الشوط إن قطعه في أثناء الشوط، وإن قطعه لغيرها لصلاة الجنازة أو تحصيل نفقة لا بد منها لم يبنِ على ما مضى منه بل يستأنف الطواف عندهم؛ لأنه لا يجوز عندهم قطعه لذلك ابتداء ... وقيل يمضي في طوافه ولا يقطعه للصلاة، واحتج من قال بهذا بأن الطواف صلاة فلا تقطع الصلاة، ورد عليه بحديث: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)). ومن قال من أهل العلم: إن الطواف يجوز قطعه للصلاة على الجنازة والحاجة الضرورية كالشافعية والحنابلة، قالوا: يبني على ما أتى به من أشواط الطواف، فإن كان قطعه للطواف عند انتهاء شوط من أشواطه بنى على الأشواط المتقدمة، وجاء ببقية الأشواط، وإن كان قطعه له في أثناء الشوط فأظهر قولي أهل العلم عندي أنه يبتدئ من الموضع الذي وصل إليه ويعتد ببعض الشوط الذي فعله قبل قطع الطواف، خلافاً لمن قال: بأنه يبتدئ الشوط الذي قطع الطواف في أثنائه ولا يعتد ببعضه الذي فعله، وهو قول الحسن، وأحد وجهين عند بعض الشافعية، وهو مندوب عند المالكية إن قطع للفريضة ... )). [أضواء البيان، 5/ 228]، وانظر: شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 592 - 593.

الشرط التاسع: النية

وقال الإمام أحمد: ((إذا أُعيي في الطواف لا بأس أن يستريح)) (¬1). الشرط التاسع: النية؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬2). فإذا لم ينوِ الطواف وإنما جعل يدور حول الكعبة؛ ليتابع مديناً له، يطالبه بدين، أو لأي غرض من الأغراض، فإنه لا يصح طوافه؛ للحديث المذكور آنفاً، فهو لم ينوِ الطواف بل نوى متابعة غريم، أو متابعة إنسان يريد أن يتكلم معه، ويمشي معه حتى ينتهي من طوافه، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يصح طوافه (¬3) (¬4). ¬

(¬1) المغني لابن قدامة (5/ 248). (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907، وتقدم تخريجه. (¬3) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين (7/ 287). (¬4) ولكن لو نوى الطواف مطلقاً، دون أن ينويه للعمرة، أو الحج، مثلاً، فهل يجزئ؟ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه: (( ... في ذلك خلاف بين العلماء: فمنهم من قال: لا يجزئ بل يجب أن ينوي الطواف للعمرة، أو الطواف للحج، أو الطواف للوداع، أو الطواف تطوعاً، كطواف القدوم، وأما مجرد الطواف فلا يجزئ، وهذا المشهور من المذهب: أنه لا بد أن يُعيِّن الطواف. وقال بعض العلماء: إنه لا يشترط التعيين، بل يشترط نية الطواف؛ لأن الطواف جزء من العبادة، فكانت النية الأولى محيطة بالعبادة بجميع أجزائها، وقاس ذلك على الصلاة، وقال الصلاة فيها ركوع، وسجود، وقيام، وقعود فلا يجب أن ينوي لكل ركن من أركانها نية مستقلة بل تكفي النية الأولى. وعلى هذا فإن نوى العمرة كانت هذه النية شاملة للعمرة من حين أن يحرم إلى أن يحل منها، والطواف جزء من العمرة. فإذا جاء إلى البيت الحرام وطاف وغاب عن قلبه أنه للعمرة، أو لغير العمرة، فعلى هذا القول يكون الطواف صحيحاً، وهذا القول هو الراجح مادام متلبساً بالنسك. فلا بد من نية للطواف لكن على هذا القول تجزئ النية المطلقة؛ لأنها داخلة في نية الدخول في النسك عند الإحرام، ولكن قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: إنه يُعين طواف الإفاضة بالنية فقال: ((والنية شرط في هذا الطواف، وهذا قول إسحاق، وابن القاسم صاحب مالك، وابن المنذر)). وقال الإمام الخرقي رحمه اللَّه: ((وإن كان طاف للوداع لم يجزه لطواف الزيارة)). قال ابن قدامة: ((وإنما لم يجزئه عن طواف الزيارة؛ لأن تعيين النية شرط فيه على ما ذكرنا، فمن طاف للوداع فلم يُعين النية له فكذلك لم يصح)). قال الشيخ ابن عثيمين رحمه اللَّه: ((ومع كونه الراجح نظراً هو الأيسر بالناس؛ لأن الإنسان مع الزحام ربما يغيب عن ذهنه أنه نوى أن يطوف للعمرة، فلو قلنا لا بد من تعيين الطواف للنسك المعين لكان في هذا مشقة على الناس، أما إذا قلنا بالقول الراجح: أن نية العبادة تنسحب على جميع العبادة بجميع أجزائها فلا شك أن هذا أيسر للناس، ونظير هذه المسألة مرت علينا في الصلاة، وهي: لو أنه دخل في صلاة الظهر بنية أنها فرض الوقت وغاب عن ذهنه تعيين الظهر، فإن القول الراجح أنها تجزئ، وتصح. انظر: الشرح الممتع، 2/ 286. لأنك ولو سألت هذا الرجل ماذا أردت بهذه الصلاة؟ لكان الجواب: الظهر، والإنسان قد يذهل عن التعيين وقد يأتي والإمام راكع مثلاً، فيدخل في الصلاة بسرعة، ولا يعين النية)). الشرح الممتع، 7/ 288. وقال ابن مفلح في الفروع، 6/ 38: ((وإن قصد في طوافه غريماً وقصد معه طوافاً بنية حقيقية لا حكمية توجه الإجزاء ... )).وقال ابن قدامة في الشرح الكبير،9/ 113: ((والنية شرط في الطواف إن تركها لم تصح؛ لأنها عبادة تتعلق بالبيت، فاشترطت لها النية، كالصلاة؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم -[بين أن] الطواف بالبيت صلاة، والصلاة لا تصح بدون نية)). وانظر: الكافي لابن قدامة، 2/ 412. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 227: ((اعلم أن أظهر أقوال العلماء وأصحها إن شاءاللَّه: أن الطواف لا يفتقر إلى نية تخصه؛ لأن نية الحج تكفي فيه، وكذلك سائر أعمال الحج، كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والسعي، والرمي كلها لا تفتقر إلى نية؛ لأن نية النسك بالحج تشمل جميعها، وعلى هذا أكثر أهل العلم، ودليله واضح؛ لأن نية العبادة تشمل جميع أجزائها، وعلى هذا أكثر أهل العلم، ودليله واضح؛ لأن نية العبادة تشمل جميع أجزائها، فكما لا يحتاج كل ركوع وسجود من الصلاة إلى نية خاصة؛ لشمول نية الصلاة لجميع ذلك، فكذلك لا تحتاج أفعال الحج لنية تخص كل واحد منها؛ لشمول نية الحج لجميعها)). وقد ذكر شروط للطواف تحتاج إلى تفصيل ودراسة تميز كل قول، فمن ذلك: قال في منار السبيل، 1/ 339: ((وشروط صحة الطواف أحد عشر: 1 - النية. 2 - الإسلام. 3 - العقل. 4 - دخول وقته. 5 - ستر العورة. 6 - اجتناب النجاسة. 7 - الطهارة من الحدث. 8 - تكميل السبع. 9 - جعل البيت عن يساره. 10 - كونه ماشياً مع القدرة. 11 - الموالاة)). وزاد عليها الشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن جاسر في كتابه مفيد الأنام، 1/ 268: ((ويشترط لصحة الطواف ثلاثة عشر شيئاً: الإسلام، والعقل، والنية، وستر العورة، والطهارة من الحدث، وطهارة الخبث، وتكميل السبع، وجعل البيت عن يساره، والطواف بجميع البيت، وأن يطوف ماشياً مع القدرة على المشي، وأن يوالي بينه إلا إذا حضرت جنازة أو أقيمت صلاة، وأن لا يخرج من المسجد أعني أن يطوف بالمسجد، وأن يبتدئ من الحجر الأسود فيحاذيه بكل بدنه)). وانظر: نحو هذه الشروط: الشرح الكبير لابن قدامة، 9/ 123، وكأن ابن جاسر أخذ هذه الشروط من الإقناع لطالب الانتفاع، 2/ 12. وقال ابن قدامة: ((وقال الثوري، الشافعي، وأصحاب الرأي: يجزئه وإن لم ينو الفرض الذي عليه، ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى))؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه صلاة، والصلاة لا تصح إلا بالنية اتفاقاً))، المغني، 5/ 346. وانظر: الشرح الممتع، 7/ 369، 7/ 401، فقد فصَّل في ذلك تفصيلاً جيداً.

ثانيا: صفة الطواف بالبيت على النحو الآتي:

ثانياً: صفة الطواف بالبيت على النحو الآتي: 1 - يقطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف إن كان متمتعاً أو معتمراً (¬1)، ثم يقصد الحجر الأسود، فيحاذيه، ويستقبله ثم يستلمه بيمينه ويقبله إن تيسر ذلك (¬2)، ولا يؤذي الناس بالزحام ويقول عند استلامه: ((اللَّه أكبر)) (¬3)، ولو قال: ((بسم اللَّه واللَّه أكبر)) (¬4) فحسن؛ لما ثبت عن ابن ¬

(¬1) أحمد، 2/ 180، والمسند المحقق، 11/ 278، برقم 6685، ورقم 6686، وتقدم تخريجه، والكلام عليه في مبحث التلبية، ومتى تقطع. وانظر المغني، 5/ 256، وشرح العمدة لابن تيمية، 2/ 461، سنن أبي داود، برقم 1817، والترمذي، برقم 919، وتقدم تخريجه، والكلام عليه في مبحث التلبية، ومتى تقطع. (¬2) البخاري، برقم 1611، ويأتي تخريجه. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1613، ومسلم، برقم 1272. (¬4) سمعته من شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1597، يقول على حديث عمر: ((إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك)). قال شيخنا: ((وهذا يدل على سنية تقبيل الحجر في جميع الأطوفة الواجبة والمستحبة، وإنما يُقبّل؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبله، فنحن نقبله تأسياً بالرسول - صلى الله عليه وسلم - نرجو ثواب ذلك عند اللَّه، وهكذا استلام الركن اليماني طاعة لله، وهكذا السعي بين الصفا والمروة، وثبت أن الحجر الأسود نزل من الجنة على إبراهيم ووضعه مكانه، وكان أبيض من الثلج، ولكن سودته خطايا أهل الشرك، لما رواه الترمذي)).

للحجر الأسود سنن أربع:

عمر رضي اللَّه عنهما أنه كان (( ... يدخل مكة ضحىً فيأتي البيت فيستلم الحجر ويقول: بسم اللَّه واللَّه أكبر)) (¬1). وللحجر الأسود سنن أربع كلها ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي: السُّنَّة الأولى: يمسحه بيده، ويُقبِّله، ويكبر، وهذا أكمل الحالات؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه: ((قبل الحجر، وقال: لولا أني رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قبَّلك ما قبلتك)).وفي لفظ لمسلم: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان ((يُقبل الحجر، ويقول: واللَّه إني لأقبلك، وإني أعلم أنك حجر، وأنك لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قبلك ما قبلتك)) (¬2). وسأل رجل ابن عمر رضي اللَّه عنهما عن استلام الحجر فقال: ((رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، يستلمه ويقبله)) (¬3). ¬

(¬1) ثبت عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما موقوفاً عليه، رواه البيهقي، 5/ 79، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير، 2/ 247: ((سنده صحيح)). (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب تقبيل الحجر، برقم 1610، وباب ما ذكر في الحجر الأسود برقم 597، ومسلم، كتاب الحج، باب تقبيل الحجر الأسود في الطواف، برقم 250 - (1270). (¬3) البخاري، كتاب الحج، باب تقبيل الحجر، برقم 1611.

السنة الثانية: فإن لم يتيسر له ذلك مسحه بيده وقبل يده

وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعير، كلما أتى الركن أشار إليه بشيء كان عنده، وكبَّر)) (¬1). السنة الثانية: فإن لم يتيسر له ذلك مسحَهُ بيده وقبّل يده؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، فعن نافع قال: ((رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبَّل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يفعله)) (¬2). السنة الثالثة: فإن لم يتيسر له ذلك استلمه بعصا وقبل ما استلمه به؛ لحديث أبي الطفيل - رضي الله عنه - قال: ((رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجنٍ معه، ويقبِّل المحجن)) (¬3). السنة الرابعة: فإن لم يتيسر له ذلك أشار إليه بيده وكبر ولا يقبِّل ما يشير به؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: ((طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه)) (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري واللفظ له، في كتاب الحج، باب التكبير عند الركن، برقم 1613، 1632، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره، برقم 1272،ولفظه: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن)) وهذا أيضاً لفظ للبخاري، برقم 1607. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الرمل في الحج والعمرة، برقم 1606، ومسلم واللفظ له، في كتاب الحج، باب استحباب استلام الركنين اليمانيين في الطواف دون الركنين الآخرين، برقم 46 - (1267). (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره، واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب، برقم 1275. (¬4) متفق عليه: البخاري، واللفظ له، في كتاب الحج، باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه، برقم 1612، ومسلم بنحوه، كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير، برقم 1272.

2 - ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره

قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: ((أورد فيه حديث ابن عباس: ((طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعير كلما أتى الركن أشار إليه)) وقد تقدم قبل بابين بزيادة شرح فيه، قال ابن التين: تقدم أنه كان يستلمه بمحجن فيدل على قربه من البيت، لكن من طاف راكباً يستحب له أن يبقى إن خاف أن يؤذي أحداً، فيحمل فعله - صلى الله عليه وسلم - على الأمن من ذلك، انتهى. ويحتمل أن يكون في حال استلامه قريباً حيث أمن ذلك، وأن يكون في حال إشارته بعيد حيث خاف ذلك)) (¬1). وهذه سنن من فعل منها ما تيسر فقد أصاب سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - والحمد لله (¬2). 2 - ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره، وإن قال في ابتداء طوافه: ((اللَّهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -)) فحسن؛ لوروده عن علي، وابن عباس رضي اللَّه عنهما (¬3). 3 - يرمل الرجل في طواف العمرة، وفي الطواف الأول من الحج، في الثلاثة الأشواط الأُوَل من الحجر الأسود إلى أن يعود إليه؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا طاف بالبيت الطواف ¬

(¬1) فتح الباري، 3/ 476. (¬2) وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على فتح الباري مع صحيح البخاري، الحديث رقم 1597 يقول: ((استلام الحجر يكون على أحوال: 1 - يستلمه ويقبله. 2 - يستلمه بيده ويقبل يده. 3 - يستلمه بشيء ويقبله [أي يقبل ذلك الشيء]. 4 - [يشير إليه و] يكبر)). (¬3) روي ذلك في الخبر: انظر سنن البيهقي، 5/ 79، ومصنف عبد الرزاق، 5/ 33، وانظر: فتاوى ابن تيمية، 26/ 120، والتلخيص الحبير، 2/ 247، ومجموع فتاوى ابن باز، 16/ 60.

الأول خبَّ ثلاثاً (¬1)، ومشى أربعاً، وكان يسعى ببطن المسيل (¬2) إذا طاف بين الصفا والمروة)). ((وكان ابن عمر يفعل ذلك)) وهذا لفظ مسلم، وفي لفظ للبخاري، ((كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف، ومشى أربعة))، وفي لفظ للبخاري أن عبيد اللَّه بن عمر قال لنافع: أكان عبد اللَّه [أي ابن عمر] يمشي إذا بلغ الركن اليماني؟ قال: لا، إلا أن يزاحم على الركن؛ فإنه كان لا يدعه حتى يستلمه)) (¬3). وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((رمل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من الحجر إلى الحجر ثلاثاً، ومشى أربعاً)) (¬4). وعن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما أنه قال: ((رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - رمل من الحَجَر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف)). وفي لفظ: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر)) (¬5). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول على ترجمة البخاري: ((باب الرمل في الحج والعمرة)) قال: ((يعني طواف القدوم في الحج والعمرة، ¬

(¬1) خب ثلاثاً: الخب هو الرمل، وهما بمعنى واحد، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى، ولا يثب وثباً. (¬2) يسعى ببطن المسيل: أي يسرع شديداً ببطن الوادي الذي بين الصفا والمروة. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الرمل في الحج والعمرة، برقم 1604، وباب من طاف البيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته، برقم 1616، وباب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة، برقم 1644، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب الرمل في طواف العمرة وفي الطواف الأول من الحج، برقم 1261. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب الرمل في طواف العمرة، وفي الطواف الأول من الحج، برقم 1262. (¬5) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب الرمل في طواف العمرة، وفي الطواف الأول من الحج، برقم 1263.

4 - يضطبع الرجل في جميع الطواف الأول دون غيره

والرمل خاص بالرجال، والرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، أما المشي بين الركنين فإنما كان ذلك في عمرة القضية فقط. والرسول - صلى الله عليه وسلم - فعل الرمل حتى في طواف القدوم في حجة الوداع، فاستقرت السنة بالرمل [أي من الحجر إلى الحجر])) (¬1). ومما يدل على أن الرمل سنة دائمة في طواف العمرة أو طواف القدوم حديث جابر في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - رضي الله عنه -: (( ... حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم تقدَّم إلى مقام إبراهيم ... )) الحديث (¬2). ومما يدل على أن الرمل إنما يكون في طواف العمرة، وطواف الحج الأول حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه)) (¬3). والرمل يكون للرجال، أما النساء فلا رمل عليهن بالإجماع (¬4). 4 - يضطبع الرجل في جميع الطواف الأول دون غيره، والاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر: يبدي ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1604، و605. (¬2) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬3) أبو داود، كتاب المناسك، باب الإفاضة في الحج، برقم 2001، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب زيارة البيت، برقم 360، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 560. (¬4) قال الإمام ابن المنذر رحمه اللَّه في الإجماع، ص61: ((وأجمعوا أن لا رمل على النساء حول البيت، ولا في السعي بين الصفا والمروة)).

5 - يطوف من وراء الحجر؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما

منكبه الأيمن ويغطي الأيسر؛ لحديث يعلى بن أمية - رضي الله عنه - قال: ((طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - مضطبعاً وعليه بردٌ)). وهذا لفظ الترمذي، ولفظ أبي داود: ((طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - مضطبعاً ببرد أخضر))، ولفظ أحمد: ((لما قدم مكة طاف بالبيت وهو مضطبع ببرد له حضرمي)) (¬1). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اعتمروا من جعرانة، فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم وقذفوها على عواتقهم اليسرى)) وهذا من ألفاظ أحمد، ولفظ أبي داود: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، قد قذفوها على عواتقهم)) (¬2). 5 - يطوف من وراء الحجر؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((الحِجر من البيت؛ لأن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت من ورائه، وقال اللَّه تعالى: (ولِيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العَتِيْق) (¬3). قال الإمام ابن خزيمة رحمه اللَّه: ((والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة أن تصلِّي في ¬

(¬1) أبو داود، كتاب المنسك، باب الاضطباع في الطواف برقم 1883، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف مضطبعاً، برقم 859، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب الاضطباع، برقم 2954، وأحمد، 4/ 223، 224، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 526، وفي صحيح سنن الترمذي، 1/ 443. (¬2) أحمد مجموع من ثلاثة ألفاظ، 1/ 306، وأبو داود، كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف، برقم 1883، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 526. (¬3) ابن خزيمة، كتاب المناسك، باب الطواف من وراء الحجر، برقم 2740، وصحح إسناده الألباني في صحيح ابن خزيمة، 4/ 222.

6 - فإذا وصل وحاذى الركن اليماني استلمه بيمينه

الحجر، وقال: ((الحِجر من البيت)) (¬1))). 6 - فإذا وصل وحاذى الركن اليماني استلمه بيمينه؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن مسح الركن اليماني والركن الأسود يحط الخطايا حطّاً)). وفي لفظ لأحمد أيضاً: ((إن استلامهما يحط الخطايا)). وفي لفظ له: ((إن استلام الركنين يحطان الذنوب)) (¬2). وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني)). ولفظ ابن خزيمة في صحيحه: ((كان إذا طاف بالبيت مسح أو قال استلم الحجر والركن في كل طواف)) (¬3). ولو قال إذا مسحه ((بسم اللَّه واللَّه أكبر)) فحسن (¬4)، ولا يُقبِّله؛ فإن شق عليه مسحُهُ تركه ومضى في طوافه، ولا يُشير إليه، ولا يكبر عند محاذاته؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي ¬

(¬1) صحيح ابن خزيمة، 4/ 223، وقال ابن خزيمة: ((أراد بعض الحِجر لا كله، وابن عباس رحمه اللَّه لم يرد بقوله الحجر من البيت جميع الحجر، وإنما أراد بعضه على ما أخبرت به عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن بعض الحجر من البيت لا جميعه))، 4/ 223. وحديث عائشة: ((الحجر من البيت)) أخرجه النسائي، برقم 2911، والترمذي، برقم 876، وأبو داود، برقم 2028، وتقدم تخريجه في الشرط الخامس من شروط الطواف. (¬2) أحمد، 8/ 31، برقم 4462، و8/ 191، الرقم 4585، و9/ 443، برقم 5621، و9/ 514، برقم 5701، والترمذي بنحوه، برقم 959، والنسائي بنحوه، برقم 2919، وابن ماجه بنحوه، برقم 2956، وصححه الألباني، في صحيح الترمذي، 1/ 491 - 492، وتقدم تخريجه في فضائل الحج والعمرة. (¬3) متفق عليه، البخاري، كتاب الحج، باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، برقم 1609، ومسلم بلفظه، كتاب الحج، باب استلام الركنين اليمانيين في الطواف دون الركنين الآخرين برقم، 244 - (1267)، وابن خزيمة، 4/ 216، برقم 2723. (¬4) ثبت ذلك عن ابن عمر عند استلام الحجر الأسود كما تقدم.

فعلم مما تقدم من الأدلة: أنه لا يشرع استلام الركنين الآخرين الشاميين

- صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم، ويفعل ذلك في كل شوط من طوافه (¬1). فعُلِمَ مما تقدم من الأدلة: أنه لا يشرع استلام الركنين الآخرين الشاميين؛ لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستلم إلا الحجر الأسود والركن اليماني (¬2). 7 - يستحب له أن يقول بين الركنين اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 62. (¬2) المشروع استلامه من أركان البيت ركنين: الحجر الأسود، والركن اليماني فقط؛ للأحاديث الآتية: 1 - حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما أنه قال: ((لم أرَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين)) وفي لفظ: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يستلم إلا الحجر، والركن اليماني)) [البخاري، برقم 1609، ومسلم، برقم 1267]. 2 - حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((لم أرَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يستلم غير الركنين اليمانيين)) [البخاري برقم 1608، ومسلم، برقم 1269] هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري عن أبي الشعثاء أنه قال: ومن يتقي شيئاً من البيت، وكان معاوية يستلم الأركان، فقال له ابن عباس رضي اللَّه عنهما: إنه لا يُستلم هذان الركنان، فقال: ليس شيء من البيت مهجوراً، وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن)). [البخاري، برقم 1608]. 3 - حديث عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما: أنه طاف مع معاوية - رضي الله عنه - بالبيت فجعل معاوية يستلم الأركان، فقال له ابن عباس: لِمَ تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يستلمهما؟ فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجوراً، فقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لكُمْ في رَسولِ اللَّه أُسوةٌ حَسنةٌ} [الأحزاب: 21]، فقال معاوية: صدقت)). [أحمد، 3/ 369، برقم 1877، و4/ 87، برقم 2210، و5/ 197، برقم 3074، و5/ 469، برقم 3532، 3533، وقال عنه محققو مسند أحمد في الموضع الأول، 3/ 370: ((إسناده حسن لغيره)) وقالوا في الموضع الثاني، 4/ 87: ((إسنده قوي على شرط مسلم)) وقالوا في الموضع الثالث، 5/ 197: ((إسناده قوي على شرط مسلم ... )). وقالوا في الموضع الرابع، 5/ 469: ((إسناده صحيح على شرط الشيخين)). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((وهذا من مناقب معاوية - رضي الله عنه -)) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1608. [وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 225].

8 - كلما مر بالحجر الأسود استلمه وقبله، وقال ((الله أكبر))

آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار} (¬1). لحديث عبد اللَّه بن السائب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول بين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار}. ولفظ ابن خزيمة: (( ... فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود)) (¬2). 8 - كلما مرَّ بالحجر الأسود استلمه وقبَّله، وقال ((اللَّه أكبر)) فإن لم يتيسر استلامه وتقبيله أشار إليه كلما حاذاه مرة واحدة بيده اليمنى وكبر مرة واحدة، وكلما حاذى اليماني استلمه بيده إن تيسر، وإن لم يتيسر سار بدون إشارة، ويكثر في طوافه من الذكر والدعاء والاستغفار، ويُسِرُّ بدعائه وقراءته إن قرأ شيئاً من القرآن، ولا يؤذي الطائفين وليس في الطواف أدعية محددة، ومن خصص لكل شوطٍ من الطواف أو السعي أدعية خاصة فلا أصل له. ولا يطوف من داخل الحِجْر؛ لأنه من البيت فلا بد أن يكون الطواف من ورائه. 9 - فإذا كَمَّل سبعة أشواط وفرغ منها سوَّى رداءه فوضعه على كتفيه وتقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬3). ثم يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر ذلك، ويجعله بينه وبين البيت ولو بَعُدَ عنه. وإن ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 201. (¬2) أبو داود، كتاب المناسك، باب الدعاء في الطواف، برقم 1892، وابن خزيمة، كتاب الحج، باب الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود، 4/ 215، برقم 2721، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 528. (¬3) سورة البقرة، الآية: 125، والحديث أخرجه مسلم، 2/ 886 من حديث جابر - رضي الله عنه - في صفة حجة الوداع، برقم 1218، وتقدم تخريجه.

10 - يستحب له أن يذهب إلى زمزم ويشرب منها

لم يتيسر ذلك لزحام ونحوه صلاهما في أي موضع من المسجد، ولا يؤذي الناس ولا يصلِّي في طريقهم، ويستحب له أن يقرأ في الركعة الأولى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون} بعد الفاتحة، وفي الثانية بعد الفاتحة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} (¬1). 10 - يستحب له أن يذهب إلى زمزم ويشرب منها ويصب على رأسه لفعله - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمل ثلاثة أطواف من الحَجر إلى الحَجر، وصلَّى ركعتين، ثم عاد إلى الحجر، ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها، وصبَّ على رأسه، ثم رجع فاستلم الركن، ثم رجع إلى الصفا فقال: أبدأ بما بدأ اللَّه به)) (¬2). 11 - يستحب له أن يرجع إلى الحجر الأسود فيستلمه إن تيسر؛ لحديث جابر في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه قال: (( ... ثم تقدَّم إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فجعل المقام بينه وبين البيت، [و] (¬3) كان يقرأ في الركعتين: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون} ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا .. )) (¬4) (¬5). ¬

(¬1) مسلم، 2/ 888، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬2) أحمد في المسند، 3/ 394، والمسند المحقق، 23/ 399، برقم 15243، وقال محققو المسند، 23/ 399: ((إسناده صحيح على شرط مسلم)). (¬3) أضفتها؛ ليتمَّ المعنى. [المؤلف]. (¬4) مسلم، 2/ 888، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬5) وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري الحديث رقم 1597 يقول: ((وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - بعد الانتهاء من طواف القدوم استلمه [أي الحجر الأسود] ولم أذكر أنه نقل عنه فعل ذلك بعد طواف الإفاضة .. )).

والنساء يطفن مع الرجال، لكن لا يزاحمن الرجال

والنساء يَطُفْنَ مع الرجال، لكن لا يزاحمن الرجال، ويلتزمن الستر، فعن ابن جُريج قال: أخبرني عطاء إذْ منع ابن هشامٍ النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهّنَّ وقد طاف نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الرجال؟ قلتُ: أبعدَ الحجاب أو قبلُ؟ قال: إي لعمري لقد أدركتهُ بعد الحجاب، قلتُ كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكنَّ يخالطنَ، كانت عائشة رضي اللَّه عنها تطوف حَجْرةً (¬1) من الرجال، لا تُخالطهم، فقالت امرأةٌ انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: انطلقي عنكِ، وأبتْ، يَخْرُجْنَ متنكِّرات (¬2)، بالليل فيطُفْنَ مع الرجال، ولكنهنَّ كُنَّ إذا دخلن البيت قُمنَ حتى يدخُلْنَ، وأُخرج الرجال (¬3)، وكنتُ آتي عائشة أنا وعُبيد بن عُميرٍ وهي مجاورة في جوف ثبير (¬4) قلت: وما حجابها؟ قال: هي في قُبَّة تركية (¬5) لها غشاءٌ، وما بيننا وبينها غير ذلك، ورأيت عليها درعاً مُورَّداً (¬6))) (¬7). ¬

(¬1) حجرة: أي ناحية، منعزلة عن الرجال من ورائهم [انظر: فتح الباري لابن حجر 3/ 481]. (¬2) متنكرات: متسترات [فتح الباري لابن حجر 3/ 481]. (¬3) إذا دخلن البيت: المعنى إذا أردن دخول البيت أو الحِجر وقفن حتى يدخلن حال كون الرجال مخرجين منه [فتح الباري لابن حجر 3/ 481]. (¬4) مجاورة في جوف ثبير: أي مقيمة فيه، وكأنها لم يتيسر لها مكان في المسجد الحرام تعتكف فيه فاتخذت ذلك [فتح الباري 3/ 481]. (¬5) قبة تركية: هي قبة صغيرة من لبود تضرب في الأرض [فتح الباري 3/ 481]. (¬6) درعاً موَّرداً: قميص لونه لون الورد [فتح الباري 3/ 481]. (¬7) البخاري، كتاب الحج، باب طواف النساء مع الرجال برقم 1618.

المبحث السادس والعشرون: السعي بين الصفا والمروة

المبحث السادس والعشرون: السعي بين الصفا والمروة أولاً: مفهوم الصفا والمروة: لغة، واصطلاحاً: الصفا لغة: جمع صفاة، وهو الحجر العريض الأملس، أو الحجارة العريضة الملساء، أو العريض من الحجارة الملس (¬1). والصفا شرعاً: مكان مرتفع في أصل جبل أبي قبيس من شعائر اللَّه، يتم السعي منه إلى المروة (¬2)، وهو في جهة البيت الجنوبية الشرقية (¬3)، جعله اللَّه تعالى من أعلام دينه الظاهرة، كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} (¬4). وقد تعبَّد اللَّه تعالى عباده بهذه الشعيرة، وأمر بتعظيمه؛ لأنه من شعائر اللَّه: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب} (¬5) (¬6). ¬

(¬1) لسان العرب، لابن منظور، 14/ 464، ومعجم البلدان، لياقوت الحموي، 3/ 411. (¬2) انظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، (ص 214)، ومعجم لغة الفقهاء، لمحمد روَّاس، ص 245. (¬3) قال الحموي في معجم البلدان، 3/ 411: ((الصفا مكان مرتفع من جبل أبي قُبيس، بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي الذي هو طريق وسوق، ومن وقف على الصفا كان بحذاء الحجر الأسود))، قلت: وهذا في عهد الحموي رحمه اللَّه، وأما الآن فلم يبق للوادي أثر، بل أرض مبلّطة من البيت إلى الصفا. وقال الحجاوي في الإقناع،2/ 13: (( ... الصفا ... وهو طرف جبل أبي قبيس)). (¬4) سورة البقرة، الآية: 158. (¬5) سورة الحج، الآية: 32. (¬6) قال الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد اللَّه بن دهيش في بحثه الموسوم بـ ((الصفا والمروة: تاريخها، ومقترحات لتوسعة عرض المسعى، (ص5): (( ... الصفا ... جبل صغير يبدأ منه السعي، وهو في الجهة الجنوبية مائلاً إلى الشرق على بعد نحو 130 متر من الكعبة المشرفة، والمراد به هنا: مكان عالٍ في أصل جبل أبي قبيس جنوب المسجد قريب من باب الصفا، وهو الآن شبيه بالمصلَّى طوله ستة أمتار، وعرضه ثلاثة، وارتفاعه نحو مترين)).

المروة لغة:

المروة لغة: واحدة المرو، وهي الحجارة البيض البرَّاقة، وقيل: حجر أبيض برَّاق، وقيل: هي التي تقدح منها النار، وحجر المرو هو الأبيض الصلب، ومروة المسعى التي تذكر مع الصفا، وهي أحد رأسيه اللذين ينتهي السعي إليهما (¬1). والمروة شرعاً: مكان مرتفع في أصل جبل قعيقعان، من شعائر اللَّه، يتم السعي بينه وبين الصفا (¬2)، وهو في جهة البيت العتيق الشرقية الشمالية، جعل اللَّه المروة من شعائر دينه الظاهرة، وتعبد اللَّه سبحانه عباده الحجاج والمعتمرين بالسعي بينها وبين الصفا (¬3)، ولا يتم الحج ولا العمرة إلا بالسعي بينهما (¬4). ¬

(¬1) لسان العرب، لابن منظور، 15/ 276، ومعجم البلدان للحموي، 5/ 116، ومعجم لغة الفقهاء، ص 392، والقاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، ص 337. (¬2) انظر: الإقناع لطالب الانتفاع، للحجاوي، 2/ 15، ومعجم البلدان للحموي، 5/ 117، والقاموس الفقهي، لسعدي أبو جيب، ص 337، ومعجم لغة الفقهاء، ص 392. (¬3) قال الحموي في معجم البلدان، 5/ 116: ((وهي في جانب مكة الذي يلي قعيقعان)) وقال الحجاوي في الإقناع لطالب الانتفاع، 2/ 15: ((المروة، وهي أنف قعيقعان)). (¬4) ذكر الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد اللَّه بن دهيش في بحثه المشار إليه آنفاً: أن المروة تقع في الجهة الشرقية الشمالية على بعد نحو 300 متر من الركن الشامي للكعبة المشرفة، وأنها مكان مرتفع في أصل جبل قعيقعان في الشمال الشرقي من المسجد الحرام، وهو شبيه بالمصلى، وطوله أربعة أمتار، في عرض مترين، وارتفاع مترين، وكان متصلاً بجبل قعيقعان، وقد أصبح المسعى بعد التجديدات السعودية في عهد الملك سعود بطول 395متراً وعرض 20 متراً. وفي فتاوى العلامة محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية ذكر في تقرير لجنة من العلماء والأخيار بتاريخ 23/ 9/1374هـ أنهم نقلوا عن الإمام الشافعي عرض المسعى، فقال: ((الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على التقريب))، ونقل في القرار في هذه الفتوى: أن محمد بن عبد اللَّه الأزرقي قال في كتابه، 2/ 90: ((وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعاً ونصف ذراع)). ونقلوا عن الإمام قطب الدين الحنفي في تاريخه المسمى بـ ((الإعلام)) أن عرض المسعى ستة وثلاثون ذراعاً ونصف)). وقد اقترح بعض الناس على الملك سعود رحمه اللَّه في عام 1377هـ إزالة وكسر صخر الصفا والمروة واستبدالها بجدار آخر الصفا وجدار آخر آخر المروة، فكتب مفتي السعودية محمد بن إبراهيم للملك: ((أنه يتعين ترك الصفا والمروة على ما هما عليه ويسعنا ما وسع من قبلنا في ذلك)).مجموع فتاوى ابن إبراهيم،5/ 145، وما تقدم هو خلاصة ما في هذه الفتاوى، 5/ 138 - 149.

ثانيا: سبب مشروعية السعي بين الصفا والمروة:

ثانياً: سبب مشروعية السعي بين الصفا والمروة: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: أوَّل ما اتخذ النساء المِنْطَق (¬1)، من قِبلِ أم إسماعيل، اتخذت منطقاً لتعفي أثرها على سارة (¬2)، ثم جاء [وفي رواية: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج] (¬3) بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى [قدم مكة، فـ] (¬4) وضعهما عند البيت عند دوحةٍ (¬5) فوق الزمزم في أعلى المسجد (¬6) وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه [وفي رواية: شنَّة فيها] (¬7) ¬

(¬1) المنطق: وهو ما تشدُّ به المرأة وسطها عند عمل الأشغال؛ لترفع ثوبها؛ لئلا تعثر في ذيلها، وهو أيضاً النطاق جامع الأصول، لابن الأثير، 1/ 320. (¬2) لتعفي أثرها على سارة: أي لتخفيه عليها، بالترائي لها بزي الخادمة، مختصر البخاري حاشية الألباني، 2/ 412. (¬3) من طرف الحديث رقم 3365. (¬4) من طرف الحديث عند البخاري برقم 3365. (¬5) دوحة: الدوحة الشجرة العظيمة، وجمعها الدوح، جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 302. (¬6) عند البيت: أي عند المكان الذي بني عليه البيت، وكذلك قوله: ((في أعلى المسجد)) أي مكان المسجد. (¬7) من طرف الحديث رقم 3365.

ماء (¬1) [فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدرُّ لبنها على صبيِّها] (¬2)، ثم قفَّى (¬3) إبراهيم منطلقاً [إلى أهله] فتبعته أم إسماعيل [حتى لمَّا بلغوا كداء نادته من ورائه] (¬4) فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها [وفي رواية: إلى من تتركنا؟ قال: إلى اللَّه]، فقالت له: اللَّه أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا، [وفي رواية: قالت: رضيت باللَّه]، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية (¬5) حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت (¬6)، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} حتى بلغ: {يَشْكُرُون} (¬7). وجعلت أم إسماعيل تُرضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء [ويدرُّ لبنها] حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها فجعلت تنظر إليه يتلوَّى، أو قال: يتلبَّط (¬8) [قالت: لو ذهبت فنظرت لعلِّي أحسُّ أحداً] فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، ¬

(¬1) شنة: الشنة: القربة البالية يكون فيها الماء، جامع الأصول، 10/ 302. (¬2) من طرف الحديث رقم 3365. (¬3) قفى الرجل: إذا ولاَّك قفاه راجعاً عنك، جامع الأصول، 10/ 302. (¬4) كداء: بالفتح والمد: الثنية من أعلى مكة، مما يلي المقابر، وبالضم والقصر (كُدى) من أسفلها مما يلي باب العمرة، جامع الأصول، 10/ 303. (¬5) الثنية: الطريق في العقبة، وقيل: هو المرتفع من الأرض فيها، جامع الأصول، 10/ 302. (¬6) البيت: أي موضع البيت. (¬7) سورة إبراهيم، الآية: 37. (¬8) التلبط: الاضطراب، والتقلب ظهراً لبطن، جامع الأصول، 10/ 302.

فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحداً فلم تر أحداً، [ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل؟ (تعني الصبي) فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت، فلم تقرُّها نفسها، فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحسُّ أحداً فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحداً]، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فذلك سعي الناس بينهما))، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صهٍ (¬1)، تريد نفسها، ثم تسمَّعت فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث (¬2)، [وفي رواية: فقالت: أغث إن كان عندك خير] فإذا هي بالمَلَك [وفي رواية: فإذا جبريل] عند موضع زمزم فبحث بعقبه [هكذا، وغمز عقبه على الأرض] أو قال: بجناحه - حتى ظهر الماء [فدهشت أم إسماعيل] فجعلت تُحوِّضه (¬3) وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف. قال ابن عباس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يرحم اللَّه أم إسماعيلَ لو تركت زمزم - أو قال: لوْ لم تغرفْ من زمزم [وفي رواية: لولا أنها عَجِلت] لكانت زمزم عيناً معيناً))، [وفي رواية: لو تركته ¬

(¬1) صهٍ: اسكت، وقوله: ((تريد)) تعني نفسها، معناه: لما سمعت الصوت سكتت نفسها لتتحققه، جامع الأصول، 10/ 302. (¬2) غواث: الغواث، والغياث، والغوث: المعونة، وإجابة المستغيث، جامع الأصول، 10/ 302. (¬3) تحوِّضه: أي تجعل له حوضاً يجتمع فيه الماء، جامع الأصول، 10/ 302.

كان الماء ظاهراً] قال: فشربت [من الماء] وأرضعت ولدها [وفي رواية: ويدرُّ لبنها على صبيِّها] فقال لها الملَكُ: لا تخافوا الضَّيعة، فإن هاهنا بيت اللَّه يبني هذا الغلام وأبوه، وإن اللَّه لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرَّت بها رفقةٌ من جرهم - أو أهل بيت من جرهم - مقبلين من طريق كَدَاء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً (¬1) فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريًّا أو جريَّتين (¬2)، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء - فأقبلوا قال: وأم إسماعيل عند الماء - فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم، قال ابن عباس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فألفى (¬3) ذلك أمَّ إسماعيل وهي تحبُّ الأنس)) فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبَّ الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم (¬4) وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوَّجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل [ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطَّلع تركتي] فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته (¬5) فلم يجد ¬

(¬1) عائفاً: العائف: المتردد حول الماء، جامع الأصول، 10/ 303. (¬2) الجري: الرسول والوكيل، جامع الأصول، 10/ 303. (¬3) فألفى ذلك أم إسماعيل: أي وجد أمَّ إسماعيل [بالنصب على المفعولية]، وهي تحب جنسها [فتح الباري، 6/ 403]. (¬4) فأنفسهم: أي صار عندهم نفيساً، مرغوباً فيه، 10/ 303. (¬5) تركته: التركة بسكون الراء: ولد الإنسان، والتركة: اسم للشيء المتروك، جامع الأصول، 10/ 303.

إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي (¬1) [وفي رواية: يصيد] لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشَرٍّ، ونحن في ضيق وشدة، فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك اقرئي عليه السلام وقولي له يغيِّر عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس (¬2) شيئاً فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنَّا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول: غيِّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك فطلَّقها، وتزوج منهم امرأة أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء اللَّه ثم [إنه بدا لإبراهيم، فقال لأهله: إني مطَّلع تركتي، قال: فـ] أتاهم بعدُ فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي [وفي رواية: ذهب يصيد] لنا [فقالت: ألا تنزل فتطعم وتشرب؟] قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بخير وسعةٍ، وأثنت على اللَّه - عز وجل -، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللَّهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [بركةٌ بدعوة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -] ((ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه)). قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يُثَبِّت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة - وأثنت عليه - فسألني عنك؟ فأخبرته، فسألني ¬

(¬1) يبتغي لنا: يطلب لنا الرزق ويسعى فيه، جامع الأصول، 10/ 303. (¬2) آنس شيئاً: أي أبصر شيئاً وأراد: كأنه رأى أثر أبيه وبركة قدومه، [جامع الأصول، 10/ 303].

ثالثا: شروط صحة السعي بين الصفا والمروة:

كيف عيشنا؟ فأخبرته أنَّا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تُثْبِت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك، ثم لبث عنهم ما شاء اللَّه ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً (¬1) له تحت دوحةٍ قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل، إن اللَّه أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتُعينني؟ [وفي رواية: إنه قد أمرني أن تعينني عليه] قال: وأعينُك، قال: فإن اللَّه أمرني أن أبني [له] هاهنا بيتاً - وأشار إلى أكمةٍ (¬2) مرتفعة على ما حولها - قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء [وضعف الشيخ عن نقل الحجارة] جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} (¬3). قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} (¬4). ثالثاً: شروط صحة السعي بين الصفا والمروة: الشرط الأول: النية، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل ¬

(¬1) النبل: السهم قبل أن يركب فيه نصله وريشه وهو السهم العربي. (¬2) أكمة: الأكمة: ما ارتفع من الأرض كالرابية، جامع الأصول، 10/ 303. (¬3) سورة البقرة، الآية: 127. (¬4) البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: يزفون، برقم 3364، وما بين المعقوفات من الطرف، رقم 3365.

امرئ ما نوى)) (¬1)، فلا بد من أن يقصد أصل السعي، ولو نية مطلقة بدون تعيين، فلو دار بين الصفا والمروة؛ ليتابع مديناً، أو يبحث عن طفلٍ مفقود تائهاً ولم ينوِ السعي، أو دار لغرض آخر لم يجزئه، ومن أهل العلم من قال لا بد من تعيين نية السعي، فينوي بأن هذا سعي العمرة، أو سعي الحج، وهذا أحوط للخروج من الخلاف (¬2) (¬3). ¬

(¬1) تقدم البحث في النية في الشرط التاسع من شروط الطواف، هل يلزم تعيين النية في جميع أعمال الحج، أم تكفي النية الأولى عند الإحرام، وبقي النية المطلقة بعد ذلك، فراجع هذا الشرط هناك. (¬2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه في شرح العمدة، 2/ 638 - 640، في بيان شروط السعي: ((وبكل حال يشترط له ستة أشياء: أحدها نية السعي كما اشترطناها في الطواف. والثاني: استكمال سبعة أشواط تامة. الثالث: الترتيب، وهو أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ... الرابع: الموالاة وذكر فيها روايتين للإمام أحمد: إن أتمه فلا بأس، وإن استأنف فلا بأس ... الخامس: أن يتقدمه طواف وفيه خلاف ... السادس: أن لا يتقدم على أشهر الحج [أي سعي الحج])). (¬3) الصواب أن الطهارة من الحدث، والنجس، وستر العورة لا تشترط للسعي، قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((أكثر أهل العلم يرون أن لا تشترط الطهارة للسعي بين الصفا والمروة، وممن قال بذلك: عطاء، ومالك، والشافعي، وأبو ثور وأصحاب الرأي)) [المغني لابن قدامة، 5/ 246]، وقال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم أن جمهور العلماء على أن السعي لا تشترط له طهارة الحدث، ولا الخبث، ولا ستر العورة، فلو سعى وهو محدث، أو جنب، أو سعت امرأة وهي حائض فالسعي صحيح، ولا يبطله ذلك، وممن قال به: الأئمة الأربعة، وجماهير أهل العلم. وقال الحسن: إن كان قبل التحلل تطهر وأعاد وإن كان بعده فلا شيء عليه [أضواء البيان، 5/ 249]، وذكر قول الحسن أيضاً ابن قدامة في المغني، ثم قال: ((ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة حين حاضت: ((اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت))؛ ولأن ذلك عبادة لا تتعلق بالبيت فأشبهت الوقوف، قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: إذا طافت المرأة بالبيت ثم حاضت سعت بين الصفا والمروة، ثم نفرت، وروي عن عائشة وأم سلمة رضي اللَّه عنهما أنهما قالتا: إذا طافت المرأة بالبيت، وصلت ركعتين، ثم حاضت فلتطف بالصفا والمروة، رواه الأثرم، والمستحب مع ذلك لمن قدر على الطهارة أن لا يسعى إلا متطهراً، وكذلك يستحب أن يكون طاهراً في جميع مناسكه؛ لأنها إذا لم تشترط الطهارة وهي آكد فغيرها أولى، وقد ذكر بعض أصحابنا رواية عن أحمد أن الطهارة في السعي كالطهارة في الطواف، ولا تعويل عليه)) [المغني، 5/ 246 - 247]، وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 251.

الشرط الثاني: أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة

الشرط الثاني: أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة؛ وهذا هو الترتيب، قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((وجملة ذلك: أن الترتيب شرط في السعي، وهو أن يبدأ بالصفا، فإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط، فإذا صار على الصفا اعتدَّ بما يأتي بعد ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالصفا، وقال: ((أبدأ بما بدأ اللَّه به)) (¬1)، فبدأ بالصفا، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬2)، وهذا قول الحسن، ومالك، والشافعي، وأحمد، والأوزاعي وأصحاب الرأي، وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهُ} (¬3). فبدأ بالصفا، وقال: ((اتبعوا القرآن، فما بدأ اللَّه به فابدأوا به)) (¬4) (¬5). الشرط الثالث: أن يكون السعي بعد طواف صحيح، قال الإمام ابن ¬

(¬1) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه من حديث جابر في حجة الوداع. (¬2) مسلم، برقم 1297، وتقدم تخريجه. (¬3) سورة البقرة، الآية: 158. (¬4) المغني لابن قدامة، 5/ 237. (¬5) قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 250: ((اعلم أن جمهور أهل العلم يشترطون الترتيب، وهو أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، فإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط، وممن قال باشتراط الترتيب: مالك، والشافعي، وأحمد، وأصحابهم، والحسن البصري، والأوزاعي، وداود، وجمهور العلماء، وعن أبي حنيفة خلاف في ذلك)) اهـ. قلت وحجة الجمهور ما تقدم في المتن من الأدلة. وبين العلامة شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: أن من سعى سبعة أشواط ثم حلق أو قصر، ولكنه كان مبتدئاً بالمروة خاتماً بالصفا فإنه على هذه الحال قد فاته شوط؛ لأنه لا يحسب له الذي بدأه من المروة، فيسقطه، ويكمل شوطاً ليكمل سعيه.

قدامة: ((والسعي تبع للطواف لا يصح إلا أن يتقدمه طواف، فإن سعى قبله لم يصح، وبذلك قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وقال عطاء يجزئه، وعن أحمد يجزئه إن كان ناسياً، وإن كان عمداً لم يجزئه سعيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن التقديم والتأخير في حال الجهل، والنسيان، قال: ((لا حرج)) (¬1) ووجه الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما سعى بعد طوافه، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬2) (¬3) (¬4)، واختار شيخنا العلامة ¬

(¬1) أبو داود، كتاب المناسك، باب فيمن قدم شيئاً على شيء في حجه، برقم 2015، وقال عنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 2015. (¬2) مسلم، برقم 1297، وتقدم تخريجه. (¬3) المغني لابن قدامة (5/ 240)، وقال: ((فعلى هذا إن سعى بعد طوافه ثم علم أنه طاف بغير طهارة لم يعتد بسعيه ذلك)). وانظر: كتاب الفروع لابن مفلح، 6/ 44، فقد ذكر ابن مفلح في الفروع عن أحمد ثلاث روايات، 6/ 44: وهي أن السعي لا يجزي قبل الطواف، وعنه بلا: سهواً وجهلاً، وعنه مطلقاً: أي سواء كان متعمداً أو ناسياً. (¬4) قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 251: ((اعلم أن جمهور أهل العلم على أن السعي لا يصح إلا بعد طواف، فلو سعى قبل الطواف لم يصح سعيه عند الجمهور، منهم الأئمة الأربعة، ونقل الماوردي وغيره الإجماع عليه، قال النووي في شرح المهذب: وحكى ابن المنذر عن عطاء وبعض أهل الحديث: أنه يصح، وحكاه أصحابنا عن عطاء، وداود، وحجة الجمهور: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسع في حج ولا عمرة إلا بعد الطواف، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) فعلينا أن نأخذ ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم -، واحتج من قال بصحة السعي قبل الطواف بما رواه أبو داود في سننه ... عن أسامة بن شريك)) وفي حديثه: يا رسول اللَّه سعيت قبل أن أطوف ... فكان يقول: ((لا حرج)) [أبو داود، برقم 2015] ثم صحح الشنقيطي إسناده، ونقل تصحيح النووي لإسناده، ثم قال: ((وهذا الحديث الصحيح يقتضي صحة السعي قبل الطواف، وجماهير أهل العلم على خلافه، وأنه لا يصح السعي إلا مسبوقاً بطواف ... )) قال النووي رحمه اللَّه في شرح المهذب: وهذا الحديث محمول على ما حمله عليه الخطابي في معالم السنن، 2/ 433، وغيره، وهو أن قوله: ((سعيت قبل أن أطوف: أي سعيت بعد طواف القدوم، وقيل: طواف الإفاضة واللَّه أعلم)) أضواء البيان، 5/ 251 - 252.

الشرط الرابع: أن يكون السعي سبعة أشواط

ابن باز رحمه اللَّه: أن الأحوط للمسلم أن لا يسعى إلا بعد طواف، إلا إذا نسي، أو أخطأ فلا حرج (¬1) (¬2). الشرط الرابع: أن يكون السعي سبعة أشواط؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سعى سبعة أشواط من الصفا إلى المروة؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: (( ... قدم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة سبعاً {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬3) (¬4) وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لتأخذوا مناسككم ... )) (¬5). الشرط الخامس: استيعاب ما بين الصفا والمروة؛ ليتيقن الوصول إليهما في كل شوط؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع جميع المسافة بين الصفا والمروة (¬6). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم أن جمهور أهل العلم، منهم الأئمة الثلاثة: مالك، وأحمد، والشافعي، وأصحابهم، على أنه يشترط في صحة السعي أن يقطع جميع المسافة بين الصفا والمروة في كل شوط، فلو بقي منها بعض خطوة لم يصح سعيه ... )) ثم قال: ((وحجة الجمهور أن المسافة ¬

(¬1) فتاوى ابن باز، 16/ 139، و16/ 140، و17/ 175، 336، 340. (¬2) واختار العلامة ابن عثيمين: أنه يشترط أن يتقدم السعي طواف، ويجب عليه إعادته، لو سعى قبل الطواف، هذا في العمرة، أم الحج فكأنه يرى ظاهر حديث أسامة بن شريك، وأنه خاص بالحج دون العمرة، وقال: ((وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز مع النسيان أو الجهل، لا مع العلم والذكر))، الشرح الممتع، 7/ 310. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1645، ومسلم، برقم 1234. (¬4) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬5) مسلم، برقم 1297، وتقدم تخريجه. (¬6) انظر: منار السبيل، لابن ضويان، 1/ 345، ومفيد الأنام، لابن جاسر، 1/ 277.

الشرط السادس: أن يكون السعي في المسعى بين الصفا والمروة

للسعي محدودة من الشارع، فالنقص عن الحد مبطل كما هو ظاهر)) (¬1) (¬2). الشرط السادس: أن يكون السعي في المسعى بين الصفا والمروة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سعى في هذا المكان، وهذا تشريع منه - صلى الله عليه وسلم -، والعبادات توقيفية لا يجوز الزيادة عليها ولا النقصان إلا في حدود ما شرعه اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم أنه لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فلو كان يمر من وراء المسعى، حتى يصل إلى الصفا والمروة من جهة أخرى لم يصح سعيه، وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه، وعن الشافعي في القديم: أنه لو انحرف عن موضع السعي انحرافاً يسيراً أنه يجزئه. والظاهر: أن التحقيق خلافه وأنه لا يصح السعي إلا في موضعه)) (¬3). ومكان السعي من عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وسعي زوجته هاجر نقله الناس جيل عن جيل، إلى أن سعى النبي الخاتم محمد - صلى الله عليه وسلم - بين الصفا والمروة، وشرع ذلك لأمته، ومعه من أصحابه في حجة الوداع أكثر من مائة ألف صحابي (¬4) كلهم سعوا في الموضع الذي سعى فيه نبيهم ¬

(¬1) أضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 252 - 253. (¬2) وقد بين الشنقيطي رحمه اللَّه مذهب أبي حنيفة في السعي، وأنه لو تركه كله، أو ترك أربعة أشواط منه فأكثر صح حجه وعليه دم، وإن ترك منه ثلاثة أشواط فأقل لزمه عن كل شوط نصف صاع، وحجة أبي حنيفة ومن وافقه كطاوس هي تغليب الأكثر على الأقل، مع جبر الأقل بالصدقة، قال العلامة الشنقيطي: ((ولا أعلم مستنداً من النقل للتفريق بين الأربعة والثلاثة، ولا يجعل نصف صاع مقابل الشوط، والعلم عند اللَّه تعالى)) أضواء البيان، 5/ 253. (¬3) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، 5/ 253. (¬4) سيأتي إن شاءاللَّه أن عددهم قيل: بأنه مائة وثلاثون ألف، والعلم عند اللَّه تعالى.

مقتدين به، وقد أمرهم وأمر مَن بعدهم إلى قيام الساعة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) (¬1)، ثم نقل هؤلاء الصحابة ما أخذوه عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلى من بعدهم، ونقله المسلمون قرناً عن قرن بعضهم عن بعض إلى يومنا هذا (¬2)، واللَّه ولي التوفيق (¬3). ¬

(¬1) مسلم، برقم 1297، وتقدم تخريجه. (¬2) هذا آخر ما تيسر النظر في دليله من الشروط، وقد ذكر عبد اللَّه الجاسر في مفيد الأنام، 1/ 277: ((أن شروط السعي تسعة: إسلام، وعقل، ونية معينة، وموالاة، ومشي القادر، وتكميل السبع، واستيعاب ما بين الصفا والمروة، وكونه بعد طواف صحيح ولو مسنوناً، وبدء بأوتار من الصفا وأشفاع من المروة)). وقال: ((وسننه: طهارة حدث وخبث، وستر عورة، وذكر، ودعاء، وإسراع ومشي في مواضعه، ورقي، وموالاة بينه وبين طواف ... )). وانظر أيضاً منار السبيل، 1/ 345، ولكن بعض هذه الشروط فيه نظر، ويحتاج دليل. (¬3) وقد قال الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 234: ((ويستحب أن يخرج إلى الصفا من بابه، فيأتي الصفا، فيرقى عليه حتى يرى الكعبة، ثم يستقبلها فيكبر اللَّه - عز وجل -، ويهلله ويدعو بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أحب من خير الدنيا والآخرة)) المغني، 5/ 234، وقال ابن قدامة في الشرح الكبير: ((يجب عليه أن يستوعب ما بين الصفا والمروة، فيلصق عقبيه بأسفل الصفا، ثم يسعى إلى المروة، فإن لم يصعد عليها ألصق أصابع رجليه بأسفل المروة، والصعود عليهما أولى، اقتداء بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن ترك مما بينهما شيئاً ولو ذراعاً لم يجزئه حتى يأتي به، وحكم المرأة في ذلك حكم الرجل إلا أنها لا ترقى لئلا تزاحم الرجال؛ ولأنه أستر لها)). الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 9/ 128، هذا كلام الحنابلة في الطول، ولم يذكروا تحديد العرض. وقال النووي في المجموع شرح المهذب، 8/ 76: ((فرع)) قال الشافعي والأصحاب: لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه؛ لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره كالطواف، قال أبو علي البندنجي في كتابه ((الجامع)): موضع السعي بطن الوادي، قال الشافعي في القديم: فإن التوى شيئاً يسيراً أجزأه، وإن عدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجز، وكذا قال الدارمي: إن التوى في السعي يسيراً جاز، وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا. واللَّه أعلم. انتهى. وقال شمس الدين محمد الرملي الشافعي المتوفى سنة 1004هـ في ((نهاية المحتاج)) شرح المنهاج، 3/ 283 ما نصه: ولم أر في كلامهم ضبط عرض المسعى، وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيراً لم يضر كما نص عليه الشافعي - رضي الله عنه -. انتهى. وفي ((حاشية تحفة المحتاج)) شرح المنهاج، 4/ 98 ولما ذكر النص الذي ذكره صاحب المجموع عن الإمام الشافعي قال: الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على التقريب، إذ لا نص فيه يحفظ من السنة، فلا يضر الالتواء اليسير لذلك، بخلاف الكثير فإنه يخرج عن تقدير العرض ولو على التقريب. أما كلام المؤرخين فقد ذكر أبو الوليد محمد بن عبد اللَّه الأزرقي، 2/ 90 ما نصه بالحرف: وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعاً ونصف ذراع، ومن العلم الذي على باب دار العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباد الذي بحذاء العلم الذي في حد المنارة وبينهما الوادي مائة ذراع وإحدى وعشرين ذراعاً. انتهى. وقال الإمام قطب الدين الحنفي في صحيفة 101 في تاريخه المسمى بـ ((الأعلام)) لما ذكر قصة تعدي ابن الزمن على اغتصاب البعض من عرض المسعى في سلطنة الملك الأشرف قاينباي المحمودي إلى أن قال: قاضي مكة وعلماؤها أنكروا عليه، وقالوا له في وجهه: إن عرض المسعى كان خمسة وثلاثين ذراعاً، وأحضر النقل من تاريخ الفاكهي وذرعوا من ركن المسجد إلى المحل الذي وضع فيه ابن الزمن أساسه فكان سبعة وعشرين ذراعاً. وقال باسلامه في تاريخه ((عمارة المسجد الحرام)) صحيفة 299: ذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى المسجد إلى العلم الذي بحذائه على دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى ستة وثلاثون ذراعاً ونصف، ومن العلم الذي على باب دار العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباس الذي بحذاء العلم الذي في حد المنارة وبينهما الوادي مائة ذراع وإحدى وعشرون ذراعاً. انتهى. نقل عن مجموع فتاوى مفتي الديار السعودية العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه اللَّه، 5/ 141 - 142. وقال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه اللَّه حول اقتراح بعض الناس بتأليف لجنة من العلماء لبيان مبدأ السعي ومنتهاه في الصفا والمروة، وذلك بأن يكسر صخر الصفا والمروة، ولا يبقى درج مطلقاً، بل يبقى جدار سميك فقط في آخر الصفا، وجدار آخر ينتهي في آخر المروة يبدأ السعي منه وينتهي إليه، معللاً ذلك بتيسير حصول السعي في العربات على استكمال السعي بين الصفا والمروة: ((وبعد تأمل الاقتراح المذكور ظهر لنا أنه يتعين ترك الصفا والمروة على ما هما عليه أولاً. ويسعنا ما وسع من قبلنا في ذلك، ولو فتحت أبواب الاقتراحات في المشاعر لأدى ذلك إلى أن تكون في المستقبل مسرحاً للآراء، وميداناً للاجتهادات، ونافذة يولج منها لتغيير المشاعر وأحكام الحج، فيحصل بذلك فساد كبير. ولا ينبغي أن يلتفت إلى أماني بعض المستصعبين لبعض أعمال الحج واقتراحاتهم، بل ينبغي أن يعمل حول ذلك البيانات الشرعية بالدلائل القطعية المشتملة على مزيد الحث والترغيب في الطاعة والتمسك بهدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وسنته في المعتقدات والأعمال، وتعظيم شعائر اللَّه ومزيد احترامها، في 4/ 5/1377هـ. مجموع فتاوى ابن إبراهيم، 5/ 146 - 147.

رابعا: السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة:

رابعاً: السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة: السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج، ومن أركان العمرة، والصفا والمروة من أعلام دين اللَّه الظاهرة، قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} (¬1). والصواب أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة، لا يصح واحد منهما بدونه، للأدلة الكثيرة الآتية: 1 - قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} (¬2). فتصريحه تعالى بأن الصفا والمروة من شعائر اللَّه يدل على أن السعي بينهما أمر حتم لا بد منه؛ لأن شعائر اللَّه عظيمة لا يجوز التهاون بها، وقد أشار الإمام البخاري في صحيحه إلى أن كونهما من شعائر اللَّه يدل على ذلك، قال رحمه اللَّه: ((بابٌ: وجوب الصفا والمروة، وجُعِلَ من شعائر اللَّه: أي وجوب السعي بينهما مستفاد من كونهما جُعِلا من شعائر اللَّه، قاله ابن المنير في الحاشية)) (¬3). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 158. (¬2) سورة البقرة، الآية: 158، وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 231. (¬3) فتح الباري، شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني،3/ 497 - 498،وانظر: أضواء البيان، 5/ 231.

2 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف في حجه وعمرته بين الصفا والمروة سبعا

2 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف في حجه وعمرته بين الصفا والمروة سبعاً، وقد دلَّ على أن ذلك لا بد منه دليلان: الدليل الأول: أن سعي النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصفا والمروة بيان لما أجمل في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ}، وقد تقرر في الأصول أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان لبيان نص مجمل من كتاب اللَّه أن ذلك الفعل يكون لازماً، والدليل على أن فعله بياناً للآية هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نبدأ بما بدأ اللَّه به)) (¬1). يعني الصفا؛ لأن اللَّه بدأ به في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} الآية. وفي رواية: ((أبدأ)) (¬2)، بهمزة المتكلم، وفي رواية عند النسائي: ((ابدأوا بما بدأ اللَّه به)) (¬3) بصيغة الأمر. الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) (¬4). ولفظ البيهقي: ((خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا)) (¬5). ¬

(¬1) النسائي، المناسك، باب القول بعد ركعتي الطواف، من حديث جابر، برقم 2961، وصححه الألباني في صحيح النسائي، برقم 2961، 2/ 330. (¬2) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬3) الدارقطني، 2/ 254، وقال النووي في شرح صحيح مسلم، 8/ 427: ((وفي رواية النسائي في هذا الحديث بإسناد صحيح، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ابدأوا بما بدأ اللَّه به)) هكذا بصيغة الجمع)) ولم أجد هذا اللفظ في سنن النسائي الصغرى، ولا في الكبرى، إلا أن المحقق لسنن النسائي الكبرى أشار في الهامش إلى أنها في نسخة (ت) من النسخ التي رجع إليها، سنن النسائي الكبرى، بتحقيق عبد المنعم شلبي، 4/ 142، ولكن العلامة الألباني ذكر أن هذا اللفظ شاذ. انظر: إرواء الغليل، 4/ 318. (¬4) مسلم، برقم 1218 وتقدم تخريجه. (¬5) سنن البيهقي الكبرى، 5/ 125.

3 - حديث عائشة رضي الله عنها

وقد طاف - صلى الله عليه وسلم - بين الصفا والمروة سبعاً فيلزمنا أن نأخذ عنه ذلك من مناسكنا، ولو تركناه لكنا مخالفين أمره بأخذه عنه، واللَّه تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} (¬1). وطواف النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصفا والمروة ثابت بالروايات الصحيحة الكثيرة المعروفة، ومنها حديث ابن عمر المتفق على صحته (¬2). 3 - حديث عائشة رضي اللَّه عنها، قال عروة: سألت عائشة رضي اللَّه عنها فقلت لها: أرأيت قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، فواللَّه ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أوَّلتها عليه كانت لا جُناح عليه أن لا يتطوَّف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلَّل (¬3)، فكان من أهلَّ يتحرَّج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، قالوا: يا رسول اللَّه إنَّا كنَّا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل اللَّه تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} الآية. قالت عائشة رضي اللَّه عنها: وقد سنَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما، ثم أخبرتُ أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لَعِلمٌ ما كنتُ سمعته، ولقد سمعت ¬

(¬1) سورة النور، الآية: 63. (¬2) أضواء البيان، 5/ 232. (¬3) قالت عائشة في صحيح البخاري، آخر الحديث رقم 4861: ((ومناة: صنم بين مكة والمدينة).

رجالاً من أهل العلم يذكرون أن الناس - إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهلُّ بمناة - كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة، فلما ذكر اللَّه تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول اللَّه، كنَّا نطوف بالصفا والمروة، وإن اللَّه أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حرج أن نطوَّف بالصفا والمروة؟ فأنزل اللَّه تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} الآية. قال أبو بكر، فأسْمَع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الذين كانوا يتحرَّجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون ثم تحرَّجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن اللَّه تعالى أمر بالطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا، حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت)) (¬1). وفي لفظ للبخاري: أن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ((ما أتم اللَّه حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة)) (¬2). وفي رواية مسلم: عن عروة عن عائشة، قال: قلت لها: إني لا أظنّ رجلاً لو لم يطف بين الصفا والمروة ما ضره؟ قالت: لِمَ؟ قلت: لأن اللَّه يقول: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} إلى آخره، فقالت: ما أتمَّ اللَّه حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة، ولو كان كما تقول لكان: ((فلا جناح عليه أن لا يطوَّف بهما ... )) الحديث (¬3) (¬4). ¬

(¬1) البخاري، برقم 1643. (¬2) البخاري، برقم 1790. (¬3) مسلم، برقم 1277. (¬4) مسلم، برقم 263 - (1277).

4 - حديث حبيبة بنت أبي تجزية

وفي رواية لمسلم: (( ... فلعمري ما أتمَّ اللَّه حج من لم يطف بين الصفا والمروة)) (¬1). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((فهذه الروايات في الصحيحين عن عائشة فيها الدلالة الواضحة على أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا بد منه، وفيها النص الصريح الصحيح على أن السعي لا بد منه، وأن من لم يسعَ لم يتم له حج ولا عمرة)) (¬2). 4 - حديث حبيبة بنت أبي تجزية، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: ((اسعوا فإن اللَّه كتب عليكم السعي)) (¬3). 5 - حديث عائشة رضي اللَّه عنها وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((يُجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجتك وعمرتك)) (¬4). فيفهم من هذا الحديث أنها لو لم تطف بين الصفا والمروة لم يحصل لها إجزاء عن حجها وعمرتها (¬5). 6 - حديث أبي موسى - رضي الله عنه -، قال: ((بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قومي باليمن، ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب وجوب الصفا والمروة، وجُعِل من شعائر اللَّه، برقم 1643، وكتاب العمرة، باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج، برقم 1790، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به، برقم 1277. (¬2) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، 5/ 237. (¬3) أحمد، 6/ 421، والحاكم، 4/ 70، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 269، وتقدم تخريجه في أركان الحج. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، برقم 133 - (1211). (¬5) أضواء البيان، 5/ 247.

فجئت وهو بالبطحاء، فقال: ((بما أهللت؟)) قلت: أهللت كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((هل معك من هدي؟)) قلت: لا، فأمرني فطفت بالصفا والمروة، ثم أمرني فأحللت ... )). وفي لفظ للبخاري: قال أبو موسى: قدمت على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو بالبطحاء، فقال: ((أحججت؟)) قلت: نعم، قال: ((بما أهللت؟) [قال] قلت: لبيك بإهلالٍ كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((أحسنت، انطلق فطف بالبيت وبالصفا والمروة ... )). وفي لفظ للبخاري: ((أحسنت، طف بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم أحلَّ)) فطفت بالبيت وبالصفا والمروة. وفي لفظ للبخاري، قال أبو موسى - رضي الله عنه -: ((بعثني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض قومي، فجئت ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - منيخٌ بالأبطح ... )) (¬1) الحديث. فقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((طف بالبيت، وبالصفا والمروة)) أمر صريح منه - صلى الله عليه وسلم - بلزوم السعي بين الصفا والمروة، وصيغة الأمر تقتضي الوجوب ما لم يقم دليل صارف عن ذلك. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((الطواف بالصفا والمروة أمر لازم، وفرض ... وهو ركن من أركان الحج ... )) (¬2) (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من أهل في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1559، وباب الذبح قبل الحلق، برقم 1724، وكتاب العمرة، باب متى يحل المعتمر، برقم 1795، وكتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، برقم 4346، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز تعليق الإحرام، وهو أن يحرم بإحرام كإحرام فلان فيصير محرماً بإحرام مثل إحرام فلان، برقم 1221. (¬2) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1724، والحديث رقم 1790. (¬3) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في السعي بين الصفا والمروة في الحج، والعمرة، هل هو ركن من أركان الحج والعمرة لا يجبر بدم، أو هو واجب بجبر بدم، أو هو سنة لا يلزم بتركه دم، على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن السعي بين الصفا والمروة: ركن من أركان الحج، والعمرة، وقال به مالك، والشافعي، وأصحابهما، وأم المؤمنين عائشة، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، وهو رواية عن أحمد، قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((مذهب جماهير العلماء: من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج ولا يصح إلا به، ولا يجبر بدم ولا غيره، وممن قال بهذا: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور ... ))، شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 24، أما عزوه لأحمد، فهو إحدى الروايات عنه. وقال الإمام ابن قامة رحمه اللَّه: ((واختلفت الرواية في السعي، فروي عن أحمد: أنه ركن لا يتم الحج إلا به، وهو قول عائشة، وعروة، ومالك، والشافعي ... ) المغني لابن قدامة، 5/ 238، واستدل أصحاب هذا القول بالأدلة التي ذكرتها في متن هذا البحث. القول الثاني: أن السعي بين الصفا والمروة واجب يجبر بدم، قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((وقال أبو حنيفة: هو واجب، فإن تركه عصى، وجبره بالدم، وصح حجه))، شرح النووي، على صحيح مسلم، 9/ 25، وقال العلامة الشنقيطي: ((وممن قال: إنه واجب يجبر بدم: أبو حنيفة، وأصحابه، والحسن، وقتادة، والثوري، وبه قال القاضي من الحنابلة، وذكره النووي رواية عن أحمد، وقد رواه ابن القصار من المالكية، عن القاضي إسماعيل، عن مالك، وقال ابن قدامة في المغني: إنه أولى، وذكر النووي عن طاوس أنه قال: من ترك من السعي أربعة أشواط لزمه دم، وإن ترك دونها لزمه لكل شوط نصف صاع، وليس هو بركن، ثم قال: وهو مذهب أبي حنيفة ... وما قاله النووي: إنه مذهب أبي حنيفة: مِنْ أن ترك أقل السعي فيه صدقة بنصف صاع عن كل شوط عزاه شهاب الدين أحمد الشلبي في حاشيته على تبيين الحقائق، شرح كنز الدقائق للحاكم الشهيد في مختصره المسمى الكافي. ومعلوم أن مذهب أبي حنيفة في طواف الإفاضة: أن من ترك منه ثلاثة أشواط فأقل فعليه دم، وحجه صحيح، وتفريقه بين الأقل والأكثر في الطواف الذي هو ركن يدل على التفريق بينهما في السعي)). أضواء البيان، 5/ 230. وقال الإمام ابن قدامة: ((وقال القاضي: هو واجب، وليس بركن، إذا تركه وجب عليه دم، وهو مذهب الحسن وأبي حنيفة، والثوري، وهو أولى؛ لأن دليل من أوجبه دل على مطلق الوجوب، لا كونه لا يتم الحج إلا به، وقول عائشة في ذلك مُعارض بقول من خالفها من الصحابة ... ))، المغني لابن قدامة، 5/ 239. وحجة هؤلاء الذين قالوا: إن السعي واجب يجبر بدم، هي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بينهما، فدل ذلك على أن الطواف بينهما نسك، وفي الأثر المروي عن ابن عباس: ((من ترك نسكاً فعليه دم)) الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 249. القول الثالث: أن السعي بين الصفا والمروة: سنة لا يلزم بتركه دم. أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 230. قال الإمام النووي: ((وقال بعض السلف تطوع)) شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 25. وقال الإمام ابن قدامة: ((وروي عن أحمد أنه سنة لا يجب بتركه دم، رُوي ذلك عن ابن عباس، وأنس، وابن الزبير، وابن سيرين؛ لقوله تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ونفي الحرج عن فاعله دليل على عدم وجوبه؛ فإن هذا رتبة المباح، وروي أن في مصحف أبي وابن مسعود (فلا جناح عليه أن لا يطوَّف بهما) وهذا إن لم يكن قرآناً فلا ينحط عن رتبة الخبر؛ لأنهما يرويانه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه نسك ذو عدد لا يتعلق بالبيت، فلم يكن ركناً كالرمي)) المغني، 5/ 239. وقال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وأما حجة الذين قالوا: إنه سنة لا يجب بتركه شيء فهي قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّه شَاكِرٌ عَلِيم}. قالوا: فرفع الجناح في قوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. دليل قرآني على عدم الوجوب، كما قاله عروة بن الزبير، لخالته أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها)) أضواء البيان، 5/ 247، ثم ردَّ عليهم الشنقيطي رحمه اللَّه، بجواب عائشة رضي اللَّه عنها لابن الزبير، وأن قراءة أبي وابن مسعود للآية لم تثبت قرآناً لإجماع الصحابة على عدم كتبها في المصاحف العثمانية، وأما قوله تعالى: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّه شَاكِرٌ عَلِيم} لا دليل فيه على أن السعي تطوع وليس بفرض؛ لأن التطوع المذكور في الآية راجع إلى نفس الحج والعمرة، لا إلى السعي، لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع والعلم عند اللَّه تعالى)) أضواء البيان، 5/ 249. والصواب القول الأول قول جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة، لا يتم الحج ولا العمرة إلا بهما، لما تقدم من الأدلة الصحيحة الصريحة في متن هذه الرسالة. قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه في حكم السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة: ((ركن من أركان الحج والعمرة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((خذوا عني مناسككم))، مسلم بنحوه، برقم 1297، والبيهقي بلفظه، 5/ 125، وفعله يفسر قوله، وقد سعى في حجه وعمرته عليه الصلاة والسلام))، مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 335، وقد ذكر الإمام العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الجنكي الشنقيطي رحمه اللَّه أدلة الأقوال بالتفصيل، وذكر أدلة الجمهور على أن السعي ركن في الحج والعمرة فأجاد وأفاد غفر اللَّه له. انظر: أضواء البيان، 5/ 229 - 249.

خامسا: صفة السعي بين الصفا والمروة:

خامساً: صفة السعي بين الصفا والمروة: 1 - ثم بعد صلاته ركعتين خلف المقام ورجوعه إلى الحجر واستلامه، يخرج إلى المسعى فيتجه إلى الصفا، فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} (¬1) ((أبدأ بما بدأ اللَّه به)) (¬2). 2 - ثم يرقى على الصفا حتى يرى البيت فيستقبل القبلة فيوحد اللَّه ويكبره [ويحمده] (¬3) ويقول: (([اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر] (¬4) [لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد] [يحيي ويميت] (¬5) وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللَّه وحده [لا شريك له] (¬6) أنجز وعده، ونصر ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 158. (¬2) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬3) زادها ابن ماجه، برقم 3074، من حديث جابر - رضي الله عنه - وفيه: ((فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت، فكبر اللَّه، وهلَّله، وحمده، وقال: ((لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، فمشى حتى إذا انصبَّت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعدتا - يعني قدماه - مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا ... )) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب حجة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، برقم 3074، وحسن إسناده الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 49. (¬4) زيادة النسائي، فعن جابر - رضي الله عنه - ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثاً ... )) الحديث، النسائي، كتاب مناسك الحج، باب التكبير على الصفا، برقم 2972، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 334، وأخرجه أحمد في المسند، 3/ 388. (¬5) زيادة النسائي، برقم 2974، في كتاب المناسك، باب الذكر والدعاء على الصفا، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 334، وكذلك زادها ابن ماجه، برقم 3074، وتقدم تخريجه. (¬6) زيادة ابن ماجه، برقم 3074، وتقدم تخريجه.

3 - ثم ينزل من الصفا إلى المروة فيمشي حتى يصل إلى العلم الأخضر الأول

عبده، وهزم الأحزاب وحده)) (¬1). ويرفع يديه بما تيسر من الدعاء (¬2) ويكرِّر هذا الذكر والدعاء ثلاث مرات يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة. 3 - ثم ينزل من الصفا إلى المروة فيمشي حتى يصل إلى العلم الأخضر الأول فيسعى الرجل سعياً شديداً إن تيسر له الركض، ولا يؤذي أحداً؛ لحديث علي - رضي الله عنه -: ((أنه رأى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يسعى بين الصفا والمروة في المسعى كاشفاً عن ثوبه قد بلغ إلى ركبتيه)) (¬3). وفي حديث جابر - رضي الله عنه -: ((حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى)) (¬4). وأما المرأة فلا ترمل في الطواف بالبيت ولا في السعي بين الصفا والمروة، بإجماع أهل العلم، وذلك؛ لأنها عورة وقد تنكشف عورتها في ¬

(¬1) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬2) أبو داود، كتاب المناسك، باب في رفع اليدين إذا رأى البيت، برقم 1872 عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: ((أقبل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فدخل مكة، فأقبل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت، ثم أتى الصفا فعلاه، حيث ينظر إلى البيت، فرفع يديه فجعل يذكر اللَّه ما شاء أن يذكره ويدعوه ... )). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 523. ورواه مسلم في كتاب المغازي، باب فتح مكة، برقم 1780، وفيه: ((فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه، حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد اللَّه ويدعو ما شاء اللَّه أن يدعو)). (¬3) أحمد في المسند، 2/ 34، برقم 597، وقال محققو المسند، 2/ 34: ((إسناده حسن)). (¬4) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه.

4 - ثم ينزل من المروة إلى الصفا فإذا وصل العلم الأول سعى بينه

الرمل، وقد تزاحم الرجال؛ ولهذا لا يشرع لها الرمل، وإنما تمشي متستِّرة في الطواف بالبيت، وفي السعي بين الصفا والمروة (¬1). فإذا وصل إلى العَلَم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة، فيرقى عليها [حتى يرى البيت] (¬2). ويستقبل القبلة، ويرفع يديه في دعائه، ويقول ويفعل كما قال وفعل على الصفا. 4 - ثم ينزل من المروة إلى الصفا فإذا وصل العلم الأول سعى بينه وبين الثاني سعياً شديداً (¬3)، فإذا جاوز العلم الثاني مشى كعادته إلى أن يصل إلى الصفا، فإذا وصل قال وفعل كما قال وفعل أول مرة، وهكذا على المروة حتى يُكمِّل سبعة أشواط: ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء، ويكثر من ذلك، وإن دعا في السعي في بطن الوادي بين الميلين الأخضرين بقوله: ((رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم)) فلا بأس؛ لثبوت ذلك عن ابن عمر وعبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنهم - (¬4). ¬

(¬1) قال ابن المنذر في الإجماع، ص 61: ((وأجمعوا على أن لا رمل على النساء حول البيت ولا في السعي بين الصفا والمروة)). (¬2) لا يمكن أن يراه الآن؛ لأن الجدران حالت دونه، وقد رقى النبي - صلى الله عليه وسلم - عل المروة حتى بدا له البيت، ففي حديث جابر عند النسائي، في كتاب مناسك الحج، باب الذكر والدعاء على الصفا، برقم 2974، وفيه: (( ... ثم نزل ماشياً حتى تصوَّبت قدماه في بطن المسيل، فسعى حتى صعدت قدماه، ثم مشى حتى أتى المروة فصعد فيها، ثم بدا له البيت فقال: لا إله إلا اللَّه ... )) الحديث. وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 334. (¬3) كتاب الفروع، للعلامة محمد بن مفلح، 6/ 43. (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة، 4/ 68، والبيهقي، 5/ 95، والطبراني في الدعاء، برقم 870، وصححه الألباني موقوفاً في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ص 120.

5 - فإذا أتم سبعة أشواط مبتدئا بالصفا خاتما بالمروة

ويستحب أن يكون متطهراً من الأحداث والأخباث، ولو سعى على غير طهارة أجزأه ذلك، وهكذا المرأة لو حاضت أو نفست بعد الطواف سعت وأجزأها ذلك؛ لأن الطهارة ليست شرطاً في السعي وإنما هي مستحبة (¬1). 5 - فإذا أتمَّ سبعة أشواط مبتدئاً بالصفا خاتماً بالمروة حلق أو قصر رأسه إن كان رجلاً معتمراً، أو متمتعاً، وإن كانت امرأة فإنها تقصر من كل قرن قدر أنملة، والأنملة هي: (رأس الأصبع). وإذا كان وقت الحج قريباً وكانت المدة بين العمرة والحج قصيرة بحيث لا يطول فيها الشعر، فإن الأفضل في حقه التقصير؛ ليحلق بقية رأسه في الحج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم هو وأصحابه مكة في رابع ذي الحجة أمر من لم يسق الهدي أن يقصر ويحل (¬2)، ولم يأمرهم بالحلق، ولا بد في التقصير من تعميم الرأس ولا يكفي تقصير بعضه، كما أن حلق بعض الرأس لا يكفي، والمرأة لا يشرع لها إلا التقصير، ولا تأخذ زيادة على قدر الأنملة. فإذا فعل المحرم ما ذُكِر فقد تمت عمرته وحلَّ له كل شيء حرم عليه بالإحرام، إلا أن يكون قارناً أو مفرداً قد ساق الهدي من الحل؛ فإنه يبقى على إحرامه حتى يحل من الحج والعمرة جميعاً بعد التحلل الأول يوم النحر. فإذا لم يكن مع القارن أو المفرد هدي فالأفضل في حقه أن يجعلها عمرة ويفعل ما يفعله المتمتع. ويكون بهذا متمتعاً عليه ما على المتمتع؛ لقول النبي ¬

(¬1) انظر: فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 5/ 264. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1691، ومسلم، برقم 1227، وتقدم تخريجه في واجبات الحج.

- صلى الله عليه وسلم - في آخر طوافه على المروة: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة. فحل الناس كلهم وقصَّروا، إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه هدي)) (¬1). وإذا حاضت المرأة أو نفست بعد إحرامها بالعمرة قبل أن تطوف بالبيت ولم تطهر حتى يوم التروية أحرمت بالحج من مكانها الذي هي مقيمة فيه، وتعتبر بذلك قارنة بين الحج والعمرة، وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر وتغتسل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة لما حاضت: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (¬2). فإذا طهرت طافت بالبيت وبين الصفا والمروة طوافاً واحداً، وسعياً واحداً وأجزأها ذلك عن حجها وعمرتها جميعاً (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة، برقم 1651، وفي باب التمتع والقران، والإفراد بالحج، وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، برقم 1568، وأطرافه في البخاري، برقم 1557، 1568، 1570، 1651، 1785، 2506، 4352، 7230، 7367، ومسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - برقم 1218. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1650، ومسلم، برقم 120 - (1211)، وتقدم تخريجه في صفة دخول مكة. (¬3) انظر التفصيل في زاد المعاد لابن القيم رحمه اللَّه، 2/ 166 - 177.

المبحث السابع والعشرون: أعمال الحج يوم الثامن (يوم التروية)

المبحث السابع والعشرون: أعمال الحج يوم الثامن (يوم التروية) 1 - إذا كان يوم التروية (¬1) وهو اليوم الثامن من ذي الحجة استحب للذين أحلوا بعد العمرة، وهم المتمتعون أن يحرموا بالحج ضُحَى من مساكنهم، وكذلك من أراد الحج من أهل مكة، فعن جابر - رضي الله عنه - قال: ((أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أحللنا أن نحرِم إذا توجَّهنا إلى منى، قال: فأهللنا من الأبطح)) (¬2). أما القارن والمفرد الذين لم يحلوا من إحرامهم فهم باقون على إحرامهم الأول. 2 - يستحب الاغتسال، والتنظف، والتطيب، وأن يفعل ما فعل عند إحرامه من الميقات (¬3). 3 - ينوي الحج بقلبه ويلبي قائلاً: ((لبيك حجاً)) وإن كان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: ((فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)) (¬4). وإن كان حاجاً عن غيره نوى بقلبه ثم قال: لبيك حجاً عن فلانٍ، أو عن فلانة، أو عن أم فلان إن كانت أنثى، ثم يستمر في التلبية ((لبيك ¬

(¬1) سُمِّي يوم التروية؛ لأنهم كانوا يتروّون من الماء، يُعدُّونه ليوم عرفة، المغني لابن قدامة، 5/ 260. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوب الإحرام، برقم 1214. (¬3) تقدمت الأدلة على ذلك كله في مبحث الإحرام، وما يفعله مريد العمرة أو الحج عند الميقات، وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 261. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 5089، ومسلم، برقم 1207، وتقدم تخريجه، في مبحث الإحرام.

4 - يستحب التوجه إلى منى قبل الزوال والإكثار من التلبية

اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) (¬1). وإن زاد: ((لبيك إله الحق لبيك)) فحسن لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 4 - يستحب التوجه إلى منى قبل الزوال والإكثار من التلبية؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -، وفيه: ((فلما كان يوم التروية، توجهوا إلى منى، فأهلُّوا بالحج، وركب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ... )) (¬3). وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: ((أنه كان يصلي الصلوات الخمس بمنى، ثم يخبرهم أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك)) (¬4). 5 - يصلي بمنى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر قصراً بلا جمع إلا المغرب والفجر فلا يقصران؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بالناس من أهل مكة وغيرهم قصراً، فلا فرق بين أهل مكة، وغيرهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمرهم بالإتمام، ولو كان واجباً عليهم لبينه لهم (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1549، ومسلم، برقم 1184، وتقدم تخريجه في منافع الحج، وفي أنواع النسك، وأحكام التلبية. (¬2) النسائي، برقم 2751، وابن ماجه، برقم 2920، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 274، وصحيح ابن ماجه، 3/ 16، وتقدم تخريجه في منافع الحج، وفي أحكام التلبية. (¬3) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬4) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الخروج إلى منى، برقم 3005، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 41. (¬5) انظر فتاوى ابن تيمية، 26/ 130، وفتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 5/ 267.

6 - يستحب للحاج أن يبيت بمنى ليلة عرفة

عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى ركعتين، وأبي بكر وعمر، ومع عثمان صدراً من إمارته ... )) (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة)) قلت: أقمتم بمكة شيئاً؟ قال: ((أقمنا بها عشراً)). وفي لفظ لمسلم: ((خرجنا من المدينة إلى الحج ... )) (¬2). 6 - يستحب للحاج أن يبيت بمنى ليلة عرفة؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم - فإذا صلى الفجر مكث حتى تطلع الشمس (¬3)، فإذا طلعت سار من منى إلى عرفات ملبياً أو مكبراً؛ لقول أنس - رضي الله عنه - ((كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ويكبر منا المكبر فلا يُنكر عليه)) (¬4). وقد أقرَّهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، لكن الأفضل لزوم التلبية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لازمها. ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1082، ومسلم، برقم 694، وتقدم تخريجه في الأدب الثلاثين من آداب الحج. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1081، ومسلم، برقم 1 - (693) وتقدم تخريجه في الأدب الثلاثين من آداب الحج. (¬3) مسلم برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 1659، ومسلم، برقم 1285، وتقدم تخريجه في أحكام التلبية.

المبحث الثامن والعشرون: الوقوف بعرفة

المبحث الثامن والعشرون: الوقوف بعرفة أولاً: إذا وصل الحاج إلى [قُبَيْل] عرفة استحب له أن ينزل بنمرة (¬1) إلى الزوال إن تيسر له ذلك؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -، كما قال جابر - رضي الله عنه -: (( .. وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة، فسار رسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا تشُكُّ قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة (¬2) فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي (¬3) فخطب الناس ¬

(¬1) نَمِرة: قال الإمام النووي: ((بنمرة)) هي بفتح النون وكسر الميم، هذا أصلها، ويجوز فيها ما يجوز في نظيرها، وهو إسكان الميم مع فتح النون، وهي موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات)) [شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 431]، وقيل: ((نمرة الجبل الذي عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف)) [معجم البلدان للحموي، 5/ 304]، وقال المرداوي في الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف: نقلاً عن الزركشي: ((نمرة موضع بعرفة، وهو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف، قاله: ابنُ المنذر))، وقال الإمام ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/ 118: ((حتى أتى نمرة)) هو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم بعرفات))، [وكذلك قال القاضي عياض في مشارق الأنوار، 2/ 34]. وقال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه عن نمرة: ((والمشهور أنها ليست من عرفة، فهي أمام عرفة، وليست منها على الراجح)) [مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 267]. (¬2) حتى أتى عرفة: قال الإمام النووي: (( .. وأما قوله: ((حتى أتى عرفة)) فمجاز، والمراد قارب عرفات؛ لأنه فسره بقوله: وجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، وقد سبق أن نمرة ليست من عرفات، وقد قدمنا أن دخول عرفات قبل صلاتي الظهر والعصر جمعاً خلاف السنة)) [شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 431]. (¬3) فأتى بطن الوادي: قال الإمام النووي: ((بطن الوادي: هو وادي عُرَنة، بضم العين وفتح الراء وبعدها نون، وليست عُرَنة من أرض عرفات عند الشافعي والعلماء كافة، إلا مالكاً فقال: هي من عرفات)) [شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 431]، وانظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 3/ 233، وقال الحموي في معجم البلدان، 4/ 111: ((وقال الأزهريُّ: بطن عُرَنة: وادٍ بحذاء عرفات، وقال غيره: بطن عرفة: مسجد عرفة، والمسيل كله، وله ذكر في الحديث، وهو بطن عُرنة، وقد ذكر في بطن أبسط من هذا، وإيَّاها أراد الشاعر فيما أحسب بقوله: أباك دون الشعب من عرفات ... ... ... ... بمدفع آيات إلى عُرنات)) وقال ابن قدامة في الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 9/ 160: ((وليس وادي عرنة من الموقف، ولا يجزئه الوقوف به، قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء على أن من وقف به لا يجزئه، وحكي عن مالك أنه يجزئه وعليه دم؛ ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عُرنة)). [أصله في صحيح مسلم، برقم 49 - (1218)، واللفظ لابن ماجه، برقم 3012، وأبي داود، برقم 1936، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 544، وفي صحيح ابن ماجه، 2/ 172]. وقال العلامة الشنقيطي: ((والتحقيق أن عُرنة ليست من عرفة، فمن وقف بعُرنة لم يجزئه ذلك، وما يذكر عن مالك: من أن وقوفه بعرنة يجزئ وعليه دم خلاف التحقيق الذي لا شك فيه، والظاهر أنه لم يصح عن مالك)) [أضواء البيان، 5/ 264]. وقال شيخنا ابن باز في مجموع الفتاوى، 17/ 262: ((يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الحج عرفة))، فإذا وقف الحاج خارج عرفة، أو في عرنة، أو غيرها فليس له حج، ولكن إذا دخل عرفة بعد زوال الشمس ذلك اليوم، أو في ليلة العيد صحّ حجّه، أما إذا لم يدخل عرفة لا بعد الزوال ولا في الليل فهو ليس له حج)). وقال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، 7/ 323: ((بطن عرنة من عرفة، ولكن مع ذلك لا يجوز الوقوف فيه، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((وكلها موقف إلا بطن عرنة))، ولو وقف في الوادي [وادي عرنة] ودفع منه فحجه غير صحيح؛ لأن هذا ليس من عرفة شرعاً، وإن كان منها تأريخاً)).

)) (¬1). وإن لم يتيسر النزول بها فلا حرج عليه أن ينزل بعرفة (¬2). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬2) الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يصح الحج بدونه، قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 254: ((اعلم أن العلماء أجمعوا على أن الوقوف بعرفة: ركن من أركان الحج لا يصحّ الحجُّ بدونه. وأنهم أجمعوا على أن الوقوف ينتهي وقته بطلوع فجر يوم النحر: فمن طلع فجر يوم النحر وهو لم يأتِ عرفة فقد فاته الحج إجماعاً. ومن جمع في وقوف عرفة بين الليل والنهار وكان جزء النهار الذي وقف فيه من بعد الزوال، فوقوفه تام إجماعاً. ومن اقتصر على جزء من الليل دون النهار صحّ حجّه، ولزمه دم عند المالكية، خلافاً لجماهير أهل العلم القائلين، بأنه لا دم عليه، وما ذكره النووي عن بعض الخراسانيين: من أن الوقوف بالليل لا يجزئ، ولا يصحّ به الحجّ، حتى يقف معه بعض النهار ظاهر السقوط لمخالفته للنص، وعامة أهل العلم. ومن اقتصر على جزء من النهار دون الليل لم يصحّ حجّه عند مالك، وهو رواية عن أحمد، وعند الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد في الرواية الأخرى: حجه صحيح، وعليه دم، ولا خلاف بين العلماء أن عرفة كلها موقف)). [فهذه ست مسائل: أربع عليها الإجماع، والمسائل الأخرى سيأتي التفصيل فيها إن شاء اللَّه تعالى].

ثانيا: إذا زالت الشمس سن للإمام أو نائبه أن يخطب

ثانياً: إذا زالت الشمس (¬1) سُنَّ للإمام أو نائبه أن يخطب خطبة ¬

(¬1) اختلف أهل العلم فيما قبل الزوال يوم عرفة هل هو وقت للوقوف أولا؟ على قولين: القول الأول: وقت ما قبل الزوال يوم عرفة، ليس وقتاً للوقوف، وبه قال جمهور أهل العلم، وحجة الجمهور حديث عروة بن مضرِّس - رضي الله عنه -، قال: أتيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالموقف - يعني بجمع- قلت: جئتُ يا رسول من جبلي طيئٍ، أكللت مطيَّتي، وأتعبتُ نفسي، واللَّه ما تركت من حَبْلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حجٍّ؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفة قبل ذلك، ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجُّه، وقضى تفثه)). هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي: ((من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك، ليلاً أو نهاراً فقد أتمّ حجَّه وقضى تفثه))، وفي لفظ للنسائي: ((من أدرك جمعاً مع الإمام والناس حتى يفيض منها، فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك مع الناس والإمام فلم يدرك)). [الترمذي، برقم 891، وأبو داود، برقم 1950، وابن ماجه، برقم 3016، والنسائي، برقم 3040، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 351، وفي صحيح سنن أبي داود، 1/ 547، وفي باقي السنن]. قال الجمهور: والمراد بالنهار في حديث عروة المذكور خصوص ما بعد الزوال، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال، ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله، قالوا: ففعله - صلى الله عليه وسلم - وفعل خلفائه من بعده مُبيِّن للمراد من قوله: ((أو نهاراً)) [أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 258]. قال شيخنا ابن بن باز رحمه اللَّه: ((وزمن الوقوف: ما بعد الزوال من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، هذا هو المجمع عليه بين أهل العلم، أما ما قبل الزوال ففيه خلاف بين أهل العلم، والأكثرون على أنه لا يجزئ الوقوف فيه إذا لم يقف بعد الزوال ولا في الليل)) [مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 261]، وقال في موضع آخر: ((من وقف يوم عرفة قبل الزوال فقط فأكثر أهل العلم على عدم إجزاء الوقوف ... )) [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 141، 174]، قال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، 7/ 331: ((وحجة الجمهور: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقف قبل الزوال، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) [مسلم، برقم 1297، بنحوه، والبيهقي بلفظه في السنن الكبرى، 5/ 125]، وعليه فيحمل قوله لعروة بن مضرِّس ((وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً. أي نهاراً)) مما يصح الوقوف فيه، فيكون مطلقاً مقيداً بالسنة الفعلية من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولا شك أن هذا القول أحوط من القول بأن النهار يشمل ما قبل الزوال)). القول الثاني: أن أول وقت الوقوف بعرفة من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر، وهو مذهب الإمام أحمد، قال المرداوي في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، 9/ 167 - 168: ((قوله: ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر، وهذا هو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وقدمه في الفروع، وهو من المفردات، وقال ابن بطة، وأبو حفص: وقت الوقوف، من الزوال يوم عرفة، وحُكِي رواية، قال في الفائق واختاره شيخنا، يعني به الشيخ تقي الدين [أي ابن تيمية]، وحكاه ابن عبد البر إجماعاً))، وقال ابن قدامة في المغني، 5/ 274: ((وأما أوله [أي الوقوف بعرفة] فمن طلوع الفجر يوم عرفة، فمن أدرك عرفة في شيء من هذا الوقت وهو عاقل فقد تم حجه، وقال مالك والشافعي: أول وقته زوال الشمس يوم عرفة، واختاره أبو حفص العُبكريُّ، وحُمِل عليه كلام الخرقي، وحَكَى ابن عبد البر ذلك إجماعاً ... ))، وحجة الإمام أحمد حديث عروة بن مضرِّس في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... وقد أتى عرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً))، فمذهب الإمام أحمد أنه يدل على شمول الحكم لجميع الليل والنهار، فهو يصدق على أول النهار وآخره، [انظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 260]، [ومجموع فتاوى ابن باز، 16/ 141]، قال شيخنا ابن باز، عن مذهب الإمام أحمد هذا: ((ولكن الجمهور على خلافه، وأنه لا يجزئ الوقوف يوم عرفة إلا بعد الزوال؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - وقف بعد الزوال، وهذا هو الأحوط)). [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 141 - 142]، فَعُلِم أن القول بإجزاء الوقوف قبل الزوال من مفردات مذهب الإمام أحمد. [انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 331].

يُبيِّنُ فيها ما يُشرع للحاج في هذا اليوم وما بعده، ويأمرهم فيها بتقوى اللَّه وتوحيده، والإخلاص له في كل الأعمال، ويُحذِّرهم من محارمه تعالى، ويوصيهم فيها بالتمسك بكتاب اللَّه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، والحكم بهما،

والتحاكم إليهما في كل الأمور، اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كله، وبعد الخطبة يصلون الظهر والعصر قصراً وجمعاً في وقت الأولى بأذان واحد وإقامتين؛ لفعله (¬1) ¬

(¬1) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في الجمع والقصر في عرفة ومزدلفة، والقصر في منى هل يكون ذلك لجميع الحجاج المكيين وغيرهم، أم هناك فرق بين أهل مكة وغيرهم، على النحو الآتي: أولاً: الجمع في عرفات، وفي مزدلفة، قال الإمام ابن المنذر رحمه اللَّه في الإجماع: ((ص 73)): ((وأجمعوا على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة يوم عرفة، وكذلك من صلَّى وحده)). وقال ابن المنذر أيضاً ص 74: ((وأجمعوا على أن السنة أن يجمع الحاج بجمعٍ [أي المزدلفة] بين المغرب والعشاء)). وقال ابن قدامة في المغني، 5/ 264: ((ويجوز الجمع لكل من بعرفة من مكيٍّ وغيره، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وكذلك من صلى مع الإمام، وذكر أصحابنا أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخاً إلحاقاً له بالقصر، وليس بصحيح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجمع .. ولو حُرِّم الجمع لبيَّنه لهم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يُقرُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخطأ، وقد كان عثمان - رضي الله عنه - يتم الصلاة؛ لأنه اتخذ أهلاً، ولم يترك الجمع ... ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة ومزدلفة، بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره، والحق فيما أجمعوا عليه، فلا يُعرّج على غيره)). وانظر: أيضاً: الشرح الكبير لابن قدامه، 9/ 157]. وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم، 8/ 434: ((يشرع الجمع بين الظهر والعصر هناك في ذلك اليوم، وقد أجمعت الأمة عليه، واختلفوا في سببه، فقيل بسبب النسك، وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي، وقال أكثر أصحاب الشافعي: هو بسبب السفر، فمن كان حاضراً أو مسافراً دون مرحلتين كأهل مكة لم يجز له الجمع كما لم يجز له القصر ... )). ثانياً: القصر في عرفة والمزدلفة ومنى، فقد اختلف العلماء على قولين: القول الأول: وهو قول جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وعطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج، قالوا: يتمُّ أهلُ مكة صلاتهم في عرفة، ومزدلفة، ومنى، وحجتهم تحديدهم للمسافة بأربعة برد، أو ثلاثة أيام، وعرفة، ومزدلفة، ومنى أقل مسافة من ذلك، وقالوا: من سافر دون مسافة قصر أتمَّ صلاته، هذا هو دليلهم. القول الثاني: قول مالك، وأصحابه، والقاسم بن محمد، وسالم، والأوزاعي، قالوا: يقصر أهل مكة بعرفة، ومزدلفة، ومنى، وحجتهم ما رواه الإمام مالك بإسناده الصحيح في الموطأ [1/ 149، برقم 19] عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول: ((يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قومٌ سفر))، قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار، 2/ 402: ((وأثر عمر رجال إسناده أئمة ثقات))، ثم صلى أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - في منى ركعتين، ولم ينقل عنه أنه قال لهم شيئاً. [انظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 262، والمغني لابن قدامة، 5/ 265، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 9/ 157]. قال الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان: 5/ 262: ((وأظهر قولي أهل العلم عندي أن جميع الحجاج يجمعون الظهر والعصر، ويقصرون، وكذلك في جمع التأخير في مزدلفة يقصرون العشاء، وأن أهل مكة وغيرهم في ذلك سواء، ولا يخفى أن ظاهر الروايات: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجميع من معه جمعوا وقصروا، ولم يثبت شيء يدل على أنهم أتموا صلاتهم بعد سلامه: في منى، ولا مزدلفة، ولا عرفة)). ثم قال الشنقيطي رحمه لله، 5/ 263: ((وقد قدمنا قول من قال: إن القصر والجمع المذكور لأهل مكة من أجل النسك، والعلم عند اللَّه تعالى)). قال الإمام ابن القيم رحمه اللَّه في زاد المعاد، 2/ 234: (( ... فلما أتمها [يعني خطبة يوم عرفة .. ] أمر بلالاً فأذن، ثم أقام الصلاة فصلى الظهر ركعتين أسرَّ فيهما بالقراءة، وكان يوم الجمعة، فدلّ على أن المسافر لا يصلي الجمعة، ثم أقام فصلى العصر ركعتين أيضاً ومعه أهل مكة، وصلوا بصلاته قصراً وجمعاً بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام، ولا بترك الجمع، ومن قال: إنه قال لهم: ((أتموا صلاتكم فإنا قومٌ سفَرٌ))، فقد غلط فيه غلطاً بيِّناً، ووَهِمَ وَهْماً قبيحاً ... ولهذا كان أصح أقوال العلماء: أن أهل مكة يقصرون ويجمعون بعرفة)). وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على كلام ابن القيم في زاد المعاد، 2/ 235: ((أهل مكة الحجاج يقصرون ويجمعون في عرفة، ومزدلفة، ويقصرون في منى مع الحجاج، والأقرب واللَّه أعلم: أن هذا من أجل شعائر الحج، لا من أجل السفر، ويحتمل أنه من أجل السفر، لكن يشكل عليه أنهم قصروا بمنى، ويجاب على ذلك: أنهم في طريقهم إلى عرفات، والأظهر واللَّه أعلم: أن هذا القصر والجمع من أجل الحج)). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه في مجموع الفتاوى، 26/ 168: ((وذهب طوائف من أهل المدينة وغيرهم ومنهم مالك، وطائفة من أصحاب الشافعي، وأحمد كأبي الخطاب في عباداته الخمس، إلى أنه يقصر المكيُّون وغيرهم، وأن القصر هناك لأجل النسك، والحجة مع هؤلاء ... )). ثم رجح ذلك رحمه اللَّه تعالى، ورجح ذلك في الفتاوى أيضاً، 26/ 130.

ثالثا: من لم يصل مع الإمام صلى مع جماعة أخرى

- صلى الله عليه وسلم - (¬1). ثالثاً: من لم يُصلِّ مع الإمام صلَّى مع جماعة أخرى إذا زالت الشمس جمعاً وقصراً في وقت الأولى كما تقدم. رابعاً: ثم ينزل إلى الموقف بعرفة إن لم يكن بها، وعليه أن يتأكد من حدودها ثم يكون داخلها، والأفضل أن يجعل جبل الرحمة (¬2) بينه وبين القبلة إن تيسر له ذلك (¬3)، فإن لم يتيسر استقبالهما استقبل القبلة، وإن لم يستقبل الجبل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وقفت ههنا وعرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة)) (¬4). خامساً: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، فيستحب في هذا الموقف العظيم أن يجتهد الحاج في ذكر اللَّه تعالى، ودعائه، والتضرع إليه، ويرفع يديه حال الدعاء اقتداءً بنبيه - صلى الله عليه وسلم -، فإنه وقف بعد الزوال رافعاً يديه مجتهداً في الدعاء. قال أُسامة - رضي الله عنهم -: ((كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناول الخطام بإحدى يديه وهو ¬

(¬1) مسلم، من حديث جابر، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬2) جبل الرحمة: اسمه: إلال، بوزن هلال. كتاب الفروع لابن مفلح، 6/ 47، وصعود هذا الجبل لا أصل له، ولا يشرع، ولا فضيلة فيه، لأنه لم يرد فيه شيء، وإنما هو كسائر أرض عرفة، وعرفة كلها موقف، وكل أرضها سواء، إلا موقف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، [وقد جعل الجبل بينه وبين القبلة] فالوقوف فيه أفضل من غيره، كما قال غير واحد [أضواء البيان، 5/ 263]. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬4) ابن ماجه، برقم 3012، وأبو داود، برقم 1936، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 172، وفي صحيح أبي داود، 1/ 544، وأصله في صحيح مسلم، برقم 49 - (1218).

رافع يده الأخرى)) (¬1)، ((ولم يزل واقفاً يدعو حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً)) (¬2)، وقد حث أمته على الدعاء ورغب فيه فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق اللَّه فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء)) (¬4)، فينبغي للحاج أن لا يفوِّت هذه الفرصة العظيمة، فعليه أن يُكثر من الذكر، والدعاء، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتوبة، والاستغفار إلى أن تغرب الشمس. وهذه أدعية جامعة نافعة إن شاء اللَّه تعالى يناسب الدعاء بها في عرفات، وفي المشعر الحرام، وبعد رمي الجمرة الأولى والثانية أيام التشريق، وعلى الصفا والمروة، وفي كل موطن للدعاء، وكل زمان ومكان، وليست مخصصة لهذه المشاعر، لكن لا مانع من الدعاء بها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلم يدعو اللَّه بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه اللَّه بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر ¬

(¬1) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة، برقم 3011، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 344. (¬2) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬3) الترمذي، برقم 3585، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 472، وفي الأحاديث الصحيحة، 4/ 6، وفي صحيح الجامع، 3/ 121، وتقدم تخريجه في فضائل الحج والعمرة. (¬4) مسلم، برقم 1349، وتقدم تخريجه في فضائل الحج والعمرة.

مثلها)) قالوا: إذاً نكثر. قال: ((اللَّه أكثر)) (¬1). الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده: 1 - {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}. 2 - {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (¬2). 3 - {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬3). 4 - {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (¬4). 5 - {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (¬5). 6 - {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب في انتظار الفرج وغير ذلك، برقم 3585، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 472، وفي الأحاديث الصحيحة، 4/ 6، وفي صحيح الجامع، 3/ 121، وتقدم تخريجه في فضائل الحج والعمرة، وأحمد، 2/ 18، وانظر صحيح الترمذي 3/ 140. (¬2) سورة البقرة، الآيتان، 127 - 128. (¬3) سورة البقرة، الآية: 201. (¬4) سورة البقرة، الآية: 285. (¬5) سورة البقرة، الآية: 286.

الْوَهَّابُ} (¬1). 7 - {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬2). 8 - {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} (¬3). 9 - {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (¬4). 10 - {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (¬5). 11 - {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (¬6). 12 - {رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (¬7). 13 - {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬8). ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 8. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 16. (¬3) سورة آل عمران، الآية: 38. (¬4) سورة آل عمران، الآية: 53. (¬5) سورة آل عمران، الآية: 147. (¬6) سورة آل عمران, الآيات: 191 - 194. (¬7) سورة المائدة، الآية: 83. (¬8) سورة الأعراف، الآية: 23.

14 - {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (¬1). 15 - {حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (¬2). 16 - {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (¬3). 17 - {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} (¬4). 18 - {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} (¬5). 19 - {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} (¬6). 20 - {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (¬7). 21 - {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} (¬8). 22 - {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} (¬9). ¬

(¬1) سورة الأعراف، الآية: 47. (¬2) سورة التوبة، الآية: 129. (¬3) سورة يونس، الآيتان: 85 - 86. (¬4) سورة هود، الآية: 47. (¬5) سورة إبراهيم، الآية: 35. (¬6) سورة إبراهيم، الآية: 40. (¬7) سورة إبراهيم، الآية: 41. (¬8) سورة الكهف، الآية: 10. (¬9) سورة طه، الآيات: 25 - 28.

23 - {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (¬1). 24 - {لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (¬2). 25 - {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (¬3). 26 - {رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (¬4). 27 - {رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (¬5). 28 - {رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (¬6). 29 - {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} (¬7). 30 - {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (¬8). 31 - {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} (¬9). 32 - {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} (¬10). ¬

(¬1) سورة طه، الآية: 114. (¬2) سورة الأنبياء، الآية: 87. (¬3) سورة الأنبياء، الآية: 89. (¬4) سورة المؤمنون، الآيتان: 97 - 98. (¬5) سورة المؤمنون، الآية: 109. (¬6) سورة المؤمنون، الآية: 118. (¬7) سورة الفرقان، الآيتان: 65 - 66. (¬8) سورة الفرقان، الآية: 84. (¬9) سورة الشعراء، الآيات: 83 - 85. (¬10) سورة الشعراء، الآية 87.

33 - {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (¬1). 34 - {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} (¬2). 35 - {رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (¬3). 36 - {عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} (¬4). 37 - {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (¬5). 38 - {رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} (¬6). 39 - {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} (¬7). 40 - {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬8). 41 - {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (¬9). 42 - {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا ¬

(¬1) سورة النمل، الآية: 19. (¬2) سورة القصص، الآية: 16. (¬3) سورة القصص، الآية: 21. (¬4) سورة القصص، الآية: 22. (¬5) سورة القصص، الآية: 24. (¬6) سورة العنكبوت، الآية: 30. (¬7) سورة الصافات، الآية: 100. (¬8) سورة الأحقاف، الآية: 15. (¬9) سورة الممتحنة، الآية: 4.

غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (¬1). 43 - {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬2). 44 - {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (¬3). 45 - {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬4). 46 - ((اللَّهمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) (¬5). 47 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْر، ِ وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقّيتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ)) (¬6). 48 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنَ الْعَجْز وَالْكَسَل، وَالْجُبْن وَالْهَرَم وَالْبُخْل، ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 10. (¬2) سورة الممتحنة، الآية: 5. (¬3) سورة نوح، الآية: 28. (¬4) سورة التحريم، الآية: 8. (¬5) البخاري، كتاب التفسير، سورة البقرة، باب {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً}، برقم 4522، وفي الدعوات، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}، برقم 6389، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الدعاء بـ ((اللَّهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار))، برقم 2690. (¬6) البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 832، ومسلم، في كتاب المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 589.

وَأَعُوذ بِك مِنْ عَذَاب الْقَبْر، وَمِنْ شَرّ فِتْنَة الْمَحْيَا وَالْمَمَات)) (¬1). 49 - ((اللَّهم إني أَعَوذُ بكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ)) (¬2). 50 - ((اللَّهمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلِ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ)) (¬3). 51 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى)) (¬4). 52 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا، اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا)) (¬5). 53 - ((اللَّهمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، ... اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ)) (¬6). ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يتعوذ من الجبن، برقم 2823، ومسلم، في كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من العجز والكسل وغيره، برقم 2706. (¬2) البخاري، كتاب الدعوات، باب التعوذ باللَّه من جهد البلاء، برقم 6347، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2707، ولفظه: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء)). (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، برقم 2720. (¬4) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، برقم 2721. (¬5) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، برقم 2722. (¬6) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، برقم 2725، وفيه: [وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ].

54 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِك، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ)) (¬1). 55 - ((اللَّهمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ ومنْ شَرِّ مَا لَمْ أعْمَلْ)) (¬2). 56 - ((اللَّهم أكثر مالي، وولدي، وبارك لي فيما أعطيتني)) (¬3) (([وأطل حياتي على طاعتك وأحسن عملي] واغفر لي)) (¬4). 57 - ((لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، رَبُّ السَّموَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)) (¬5). 58 - ((اللَّهمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ)) (¬6). ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، برقم 2739. (¬2) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، برقم 2716. (¬3) يدل عليه دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنس ((اللَّهم أكثر ماله, وولده، وبارك له فيما أعطيته)) البخاري، كتاب الصوم، باب من زار قوماً فلم يفطر عندهم، برقم 1982، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الجماعة في النافلة، برقم 660. (¬4) البخاري في الأدب المفرد، برقم 653، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 2241، وفي صحيح الأدب المفرد، ص 244، وما بين المعقوفين يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل: من خير الناس؟ فقال: ((من طال عمره وحسن عمله))، الترمذي، كتاب الزهد عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء في طول العمر للمؤمن، برقم 2329، وأحمد، برقم 17716، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 271، وقد سألت سماحة شيخنا ابن باز رحمه اللَّه عن الدعاء به وهل هو سنة؟ فقال: ((نعم)). (¬5) البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الكرب، برقم 6345، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب دعاء الكرب، برقم 2730. (¬6) أبو داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، برقم 5090، وأحمد، 5/ 42، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 250، وفي صحيح الأدب المفرد، 260، وقد حسن إسناده أيضاً العلامة ابن باز في تحفة الأخيار، ص 24.

59 - ((لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) (¬1). 60 - ((اللَّهمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِى بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِى عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ: أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي)) (¬2). 61 - ((اللَّهمَّ مُصَرِّف الْقُلُوب صَرِّفْ قُلُوبنَا عَلَى طَاعَتك)) (¬3). 62 - ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)) (¬4). 63 - ((اللَّهمَّ إني أسألُكَ العَافِيَةَ في الدنيا والآخِرةِ)) (¬5). ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الدعوات، باب، برقم 3505،والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي 1/ 505، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 168، ولفظه: ((دعوة ذي النون إذْ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فإنه لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب له)). (¬2) أحمد، 1/ 391، 452، والحاكم، 1/ 509، وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار، وصححه الألباني في تخريج الكلم الطيب، ص73. (¬3) مسلم، كتاب القدر، باب تصريف اللَّه تعالى القلوب كيف يشاء، برقم 2654. (¬4) الترمذي، كتاب الدعوات، باب، برقم 3522، وأحمد، 4/ 182، والحاكم، 1/ 525، و528، وصححه ووافقه الذهبي, وصححه الألباني في صحيح الجامع، 6/ 309، وصحيح الترمذي، 3/ 171. وقد قالت أم سلمة رضي اللَّه عنها: ((كان أكثر دعائه - صلى الله عليه وسلم -)). (¬5) الترمذي، كتاب الدعوات، باب، برقم 3514، والبخاري في الأدب المفرد، برقم 726، ولفظه عند الترمذي: ((سلوا اللَّه العافية في الدنيا والآخرة))، وفي لفظ: ((سلوا اللَّه العفو والعافية فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية)). وقد صححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 180، و3/ 185، و3/ 170، وله شواهد، انظرها في: مسند الإمام أحمد بترتيب أحمد شاكر، 1/ 156 - 157.

64 - ((اللَّهمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِى الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الآخِرَةِ)) (¬1). 65 - ((رَبِّ أَعِنِّي وَلا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي، وَلا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي، وَيَسِّرِ الْهُدَى إلِيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا، أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي)) (¬2). 66 - ((اللَّهمَّ إنَّا نَسْألُكَ مِنْ خَيْرِ ما سَألَكَ منهُ نَبِيُّكَ محمَّدٌ [- صلى الله عليه وسلم -] ونَعُوذُ بك مِنْ شَرِّ ما اسْتعاذَ منهُ نَبِيُّكَ محمَّدٌ [- صلى الله عليه وسلم -]،وأنتَ المُسْتَعانُ، وعليكَ البَلاغُ ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاّ باللَّه)) (¬3). 67 - ((اللَّهمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ ¬

(¬1) أحمد، 4/ 181، والطبراني في الكبير، 2/ 33/ 1169، وفي الدعاء، برقم 1436، وابن حبان، برقم 2424، 2425 (موارد)، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/ 178: ((رجال أحمد وأحد أسانيد الطبراني ثقات)). (¬2) البخاري في الأدب المفرد، برقم 664، و665، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا سلم، برقم 1510، 1511، والترمذي، كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 3551، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب دعاء رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، برقم 3830، وأحمد 1/ 127، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 519، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 414، وفي صحيح الترمذي، 3/ 178. (¬3) الترمذي، كتاب الدعوات، باب، برقم 3521، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب الجوامع من الدعاء، برقم 3846، بمعناه، وقال الترمذي: ((هذا حديث حسن غريب))، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي، ص 387.

لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي)) (¬1). 68 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ)) (¬2). 69 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَهْوَاءِ)) (¬3). 70 - ((اللَّهمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)) (¬4). 71 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَات، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً في قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُني إِلَى حُبِّكَ)) (¬5). ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، برقم 1551، والترمذي، كتاب الدعوات، باب، برقم 3492، والنسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من شر السمع والبصر، برقم 5470، وغيرهم. وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 166، وصحيح النسائي، 3/ 1108. (¬2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، برقم 1554، والنسائي، كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من الجنون، برقم 5493، وأحمد، 3/ 192 وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 1116، وصحيح الترمذي 3/ 184. (¬3) الترمذي، كتاب الدعوات، باب دعاء أم سلمة، برقم 3591، وابن حبان، برقم 2422 (موارد)، والحاكم، 1/ 532، والطبراني في الكبير، 19/ 19/36. وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 184. (¬4) الترمذي، كتاب الدعوات، باب، برقم 3513، والنسائي في الكبرى، كتاب النعوت، باب العفو، برقم 7712، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 170. (¬5) أخرجه أحمد بلفظه، 5/ 243 والترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب ومن سورة ص، برقم 3235، بنحوه وحسنه وقال: سألت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - فقال: ((هذا حديث حسن صحيح)). وفي آخر الحديث قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنها حقٌّ فادرسوها وتعلموها))، والحاكم 1/ 521، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 318.

72 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ: عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ اَلْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ مِنْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا)) (¬1). 73 - ((اللَّهمَّ احْفَظنِي بالإِسْلاَمِ قائِماً، واحْفَظْنِي بالإِسْلاَمِ قاعِداً، واحْفَظنِي بالإِسْلاَمِ راقِداً، ولا تُشْمِتْ بِي عَدُوّاً ولا حاسِداً، اللَّهمَّ إِنِّي أسْألُكَ مِنْ كُلِّ خَيْر خزائِنُهُ بِيَدِكَ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرَ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ)) (¬2). 74 - ((اللَّهمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا، اللَّهمَّ مَتِّعْنَا بأسْمَاعِنا، وَأَبْصَارِنَا، وقُوَّتِنَا مَا أحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوارثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا)) (¬3). ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب الدعاء، باب الجوامع من الدعاء، برقم 3846، بلفظه، وأحمد، 6/ 134، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 521، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 327. (¬2) الحاكم، 1/ 525 وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، 2/ 398، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، 4/ 54، برقم 1540. (¬3) الترمذي، كتاب الدعوات، باب، برقم 3502، واللفظ له، والحاكم، 1/ 528 بلفظ: يحول، وصححه ووافقه الذهبي, وابن السني، بلفظ: تحول، برقم 446، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 168، وصحيح الجامع، 1/ 400.

75 - ((اللَّهمَّ إني أَعوذ بك من الجُبْنِ، وأعُوذُ بك من البُخْلِ، وأَعوذُ بك أنْ أُرَدَّ إِلى أرذَلِ العُمر، وأعوذُ بك من فِتْنَةِ الدّنيا وعَذَابِ القَبْرِ)) (¬1). 76 - ((اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهمَّ اِغْفِرْ لِي جِدِّي، وَهَزْلِي، وَخَطَئِي، وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي)) (¬2). 77 - ((اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي)) (¬3). 78 - ((اللَّهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (¬4). 79 - ((اللَّهمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَليْك تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللَّهمَّ إني أعُوذُ بعزَّتِكَ؛ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ أنْ تُضلَّني، أَنْتَ الحَيُّ الَّذِي لاَ تَمُوتُ، وَالجِنُّ والإنْسُ يَمُوتُونَ)) (¬5). 80 - ((اللَّهمَّ إنِّي أسْألُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، والسَّلامَةَ مِنْ ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجهاد، باب ما يتعوذ من الجبن، برقم 2822. (¬2) متفق عليه: البخاري، باب الدعوات، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت))، برقم 6398، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، برقم 2719. (¬3) مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2669. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 834، مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم 2705. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب الدعوات، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت))، برقم 6398، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما يعمل، برقم 2719.

كُلِّ إثْمٍ، والغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، والفَوْزَ بالجَنَّةِ، والنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ)) (¬1). 81 - ((اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي)) (¬2). 82 - ((اللَّهمَّ إنِّي أسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ، فإِنَّهُ لا يَمْلِكُها إلاَّ أنْتَ)) (¬3). 83 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ التَّرَدِّي، وَالْهَدْمِ، وَالْغَرَقِ، وَالْحَرقِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا)) (¬4). 84 - ((اللَّهمَّ إِني أَعوذ بك من الجُوع، فإِنه بِئْسَ الضْجيعُ، وأعوذ بك من الخِيانة، فإِنها بِئْسَتِ البِطانةُ)) (¬5). 85 - ((اللَّهمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ، والْكَسَلِ، والجُبْنِ، والْبُخْلِ، والْهَرَمِ، والقَسْوَةِ، والغَفْلَةِ، والعَيْلَةِ، والذِّلَّةِ، والْمَسْكَنَةِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ، ¬

(¬1) الحاكم، 1/ 525 وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في الدعوات، برقم 206، وانظر: الأذكار للنووي، ص340، فقد حسنه المحقق عبد القادر الأرنؤوط، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم 1184. (¬2) أحمد، 4/ 63، و5/ 375، والنسائي في عمل اليوم والليلة، برقم 80، وابن أبي شيبة،10/ 281، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، 1/ 399. (¬3) أخرجه الطبراني في الكبير، 10/ 220، برقم 10379، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/ 159: ((رجاله رجال الصحيح غير محمد بن زياد وهو ثقة))، وصححه الألباني في صحيح الجامع، 1/ 404. (¬4) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الاستعاذة، برقم 1552، والنسائي، كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من التردي والهدم، برقم 5546، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 1123، وصحيح سنن أبي داود، 1/ 425. (¬5) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، برقم 1547، والنسائي، كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من الجوع، برقم 5483، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 1112.

وَالكُفْرِ، والفُسُوقِ، والشِّقَاقَ، والنِّفَاقِ، والسُّمْعَةِ، والرِّياءِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الصَّمَمِ، والبَكَمِ، والْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَسَيِّئِ الأَسْقَامِ)) (¬1). 86 - ((اللَّهمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ، وَالْقِلَّةِ، وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ)) (¬2). 87 - ((اللَّهمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ جارِ السوءِ في دَارِ المُقامَةِ؛ فإنَّ جارَ البادِيَةِ يَتَحَوَّلُ)) (¬3). 88 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمن نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمن دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ، وَمن عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ هُؤُلاَءِ الأَرْبَعِ)) (¬4). 89 - ((اللَّهم إني إعوذُ بك من يومِ السوءِ، ومنْ ليلةِ السوءِ، ومنْ ساعة السوءِ، ومنْ صاحبِ السوءِ، ومنْ جارِ السوءِ في دارِ المُقامة)) (¬5). ¬

(¬1) أخرجه النسائي، كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من الجنون، برقم 5493، والحاكم، 1/ 530، وصححه الألباني في صحيح الجامع، 1/ 406، وإرواء الغليل، برقم 852. (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، برقم 1544،والنسائي، كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من الذلة، برقم 5475،وصححه الألباني في صحيح النسائي،3/ 1111،وصحيح الجامع، 1/ 407. (¬3) البخاري في الأدب المفرد، برقم 117، والحاكم، 1/ 532، وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه النسائي، كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من جار السوء، برقم 5517، وصححه الألباني في صحيح الجامع، 1/ 408، وصحيح النسائي، 3/ 1118. (¬4) الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، بَاب مَا جَاءَ فِي جَامِعِ الدَّعَوَاتِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، 3482، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء في الصلاة، برقم 1549، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع، برقم 1295، وصحيح النسائي، 3/ 1113. (¬5) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، 17/ 294، برقم 810، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/ 144: ((ورجاله رجال الصحيح)). وحسنه الألباني في صحيح الجامع، 1/ 411.

90 - ((اللَّهم إني أسألك الجنة وأستجير بك من النار)) (¬1). 91 - ((اللَّهمَّ فَقِّهني فِي الدِّينِ)) (¬2). 92 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ)) (¬3). 93 - ((اللَّهمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا)) (¬4). 94 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا)) (¬5). 95 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللَّه بِأَنَّكَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (¬6). ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة أنهار الجنة، برقم 2572، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب صفة الجنة، برقم 3340، والنسائي، كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من حرِّ النار، برقم 5536، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 319، وصحيح النسائي، 3/ 1121/ ولفظه: ((من سأل اللَّه الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللَّهم أدخله الجنة ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللَّهم أجره من النار)). (¬2) يدل عليه رواية البخاري ومسلم في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس رضي لله عنهما. البخاري، كتاب الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء، برقم 143، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عبد اللَّه بن عباس، برقم 2477. (¬3) رواه أحمد، 4/ 403، وابن أبي شيبة، 10/ 337، والطبراني في المعجم الأوسط، 4/ 284، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 19. (¬4) أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -،باب في العفو والعافية، برقم 3599، وابن ماجه، المقدمة، باب الانتفاع بالعلم والعمل، برقم 259،وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 47. (¬5) أخرجه ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما يقال بعد التسليم، برقم 925،والنسائي في عمل اليوم والليلة، برقم 102،وأحمد، 6/ 294،و305،وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 152. (¬6) أخرجه النسائي، كتاب السهو، باب الدعاء بعد الذكر، برقم 1300، واللفظ له، والنسائي في الكبرى، كتاب النعوت، باب اللَّه الواحد، برقم 7665، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول بعد التشهد، برقم 985، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 147.

96 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، [وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ] الْمَنَّانُ [يَا] بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، إِنِّي أَسْأَلُكَ [الْجَنَّةَ وأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ])) (¬1). 97 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّه، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، اَلْأَحَدُ، اَلصَّمَدُ، اَلَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)) (¬2). 98 - ((ربِّ اغْفِر لي وتُب عَليَّ، إنك أَنت التَّوَّابُ الغَفورُ)) (¬3). 99 - ((اللَّهمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْب، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهمَّ أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم 1495، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب اسم اللَّه الأعظم، برقم 3858، والنسائي، كتاب السهو، باب الدعاء بعد الذكر، برقم 1299، والترمذي، كتاب الدعوات عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب خلق اللَّه مائة رحمة، برقم 3544، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 279، وفي صحيح ابن ماجه، 2/ 329. (¬2) أبو داود، برقم 985، والترمذي، برقم 3475، وابن ماجه، برقم 3857، وأحمد 5/ 360، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 163، وسبق تخريجه. (¬3) أبو داود، كتب الوتر، باب في الاستغفار، برقم 1518، والترمذي، كتاب الدعوات عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب ما يقول إذا قام من المجلس، برقم 3434، واللفظ له، والنسائي في الكبرى، بر قم 10292، وابن ماجه، كتب الأدب، باب في الاستغفار، برقم 3814، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 321، وفي صحيح الترمذي، 3/ 153.

وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ)) (¬1). 100 - ((اللَّهمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ، اللَّهمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ)) (¬2). 101 - ((اللَّهمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، اللَّهمَّ نَقِّنِي مِنْهَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ)) (¬3). 102 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَسُوءِ الْعُمُرِ، وَفِتْنَةِ الصَّدْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ)) (¬4). 103 - ((اللَّهمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَرَبَّ إِسْرَافِيلَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ حَرِّ النَّارِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)) (¬5). ¬

(¬1) النسائي، كتاب السهو، باب الدعاء بعد الذكر، برقم 1305، وأحمد، 4/ 264، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 280، و1/ 281. (¬2) أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب، برقم 3491، وحسنه. وقال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط: ((وهو كما قال)). انظر تحقيقه لجامع الأصول، 4/ 341. (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم 476، والنسائي، كتب الغسل، باب الاغتسال بالثلج والبرد، برقم 400. (¬4) النسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من فتنة الدنيا، برقم 5469، ولفظه: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من خمس: من البخل، والجبن، وسوء العمر، وفتنة الصدر، وعذاب القبر))، وأخرجه أبو داود، كتب الوتر، باب في الاستعاذة، برقم 1539، وحسنه الأرنؤوط في تخريجه لجامع الأصول، 4/ 363. (¬5) أخرجه النسائي، كتاب السهو، باب نوع آخر من الذكر والدعاء بعد التسليم، برقم 1344، وأحمد، 6/ 61، والبيهقي في الدعوات، برقم 109، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 1121، والسلسلة الصحيحة، برقم 1544.

104 - ((اللَّهمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي)) (¬1). 105 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَيَنْفَعُ)) (¬2). 106 - ((اللَّهمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السبع، وَرَبَّ الْأَرْضِ، وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ)) (¬3). 107 - ((اللَّهمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتّ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ وَالْفِتَنَ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُلُوبِنَا، وَأَزْوَاجِنَا، وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّك أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعَمِك، مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْكَ، قَابِلِينَ لهَا، وَأَتِممْها عَلَيْنَا)) (¬4). ¬

(¬1) رواه أحمد، 26/ 19944، والترمذي واللفظ له، كتاب الدعوات عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب، برقم 3483، وإسناده عند أحمد صحيح على شرط مسلم، كما قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه في المسند. (¬2) أخرجه النسائي في الكبرى، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من علم لا ينفع، برقم 7867، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب ما تعوذ منه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، برقم 3843، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 327، ولفظه ((سلوا اللَّه علماً نافعاً، وتعوذوا باللَّه من علم لا ينفع)). (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، برقم 2713، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬4) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب التشهد، برقم 969، الحاكم، واللفظ له 1/ 265، وقال: ((صحيح على شرط مسلم))، ووافقه الذهبي، 1/ 26، وقال عنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 630: ((صحيح)).

108 - ((اللَّهمَّ إنّي أسْألُكَ خَيرَ المسْأَلَةِ، وخَيْرَ الدُّعَاءِ، وخَيْرَ النَّجَاح، وخَيْرَ العَمَلِ، وخَيْرَ الثَّوابِ، وخَيْرَ الْحَيَاةِ، وخَيْرَ الْمَمَاتِ، وثَبِّتْنِي، وثَقِّلْ مَوَازِينِي، وحَقِّقْ إيْمانِي، وَارْفَعْ دَرَجاتِي، وَتَقَبَّلْ صَلاَتِي، وَاغْفِرْ خَطِيئَتِي، وَأَسْأَلُكَ الدَّرجَاتِ العُلاَ مِنَ الْجَنَّةِ، اللَّهمَّ إنّي أَسْأَلُكَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ، وخَوَاتِمَهُ، وَجَوَامِعَهُ، وَأَوَّلَهُ، وَظَاهِرَهُ، وَبَاطِنَهُ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ مِنَ الْجَنَّةِ آمين، اللَّهمّ إِنّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا آتِي، وَخَيْرَ مَا أَفْعَلُ، وَخَيْرَ مَا أعْمَلُ، وَخَيْرَ مَا بَطَنَ، وَخَيْرَ مَا ظَهَرَ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ مِنَ الْجَنَّةِ. آمين. اللَّهمَّ إنّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَرْفَعَ ذِكْرِي، وَتَضَعَ وِزْرِي، وَتُصْلِحَ أَمْرِي، وَتُطَهِّرَ قَلْبي، وَتُحَصِّنَ فَرْجِي، وَتُنَوِّرَ قَلْبِي، وَتَغْفِرَ لِي ذَنْبِي، وَأَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ الْعُلاَ مِنَ الْجَنَّةِ آمين، اللَّهمَّ إنّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُبارِكَ فِي نَفْسِي، وَفِي سَمْعِي، وَفِي بَصَرِي، وَفِي رُوحِي، وَفِي خَلْقِي، وَفِي خُلُقِي، وَفِي أهْلِي، وَفِي مَحْيَايَ، وَفِي مَمَاتِي، وَفِي عَمَلِي، فَتَقَبَّلْ حَسَنَاتِي، وَأَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ الْعُلاَ مِنَ الْجَنَّةِ آمِين)) (¬1). 109 - ((اللَّهمَّ، جَنِّبْنِي مُنْكَرَاتِ الأَخْلاقِ، وَالأَعْمَالِ، وَالأَهْوَاءِ، وَالأدْوَاءِ)) (¬2). 110 - ((اللَّهمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، وَبَارِكْ لِي فِيهِ، وَاخْلُفْ عَلَيَّ كُلَّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه الحاكم عن أم سلمة مرفوعاً، 1/ 520، وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 520، والبيهقي في الدعوات، برقم 225، والطبراني في الكبير، 23/ 326، برقم 717. (¬2) أخرجه الحاكم، 1/ 523، وقال: ((صحيح على شرط مسلم))، ووافقه الذهبي، 1/ 532، الطبراني في المعجم الكبير، 19/ 19 برقم 36، وصححه الألباني في ظلال الجنة، برقم 13. (¬3) أخرجه الحاكم، 1/ 532، وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 510، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، والبيهقي في الآداب، برقم 1084، وفي الدعوات الكبير، 211، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتوحات الربانية، 4/ 383.

111 - ((اللَّهمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا)) (¬1). 112 - ((اللَّهمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) (¬2). 113 - ((اللَّهم إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ)) (¬3). 114 - ((اللَّهمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَخْطَأْتُ، وَمَا عَمَدْتُ، وَمَا عَلِمْتُ، وَمَا جَهِلْتُ)) (¬4). ¬

(¬1) رواه أحمد، 6/ 48، والحاكم، 1/ 255، وقال: ((صحيح على شرط مسلم))، ووافقه الذهبي، 1/ 255، قالت عائشة رضي اللَّه عنها: فلما انصرف قلت: يا نبي اللَّه ما الحساب اليسير؟ قال: ((أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه إنه من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك، وكل ما يصيب المؤمن يكفر اللَّه - عز وجل - به عنه حتى الشوكة تشوكه))، وقال عنه العلامة الألباني في مشكاة المصابيح: ((وإسناده جيد)). (¬2) أخرجه أحمد، 2/ 299، والحاكم، 1/ 499، وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وهو عند أبي داود، كتاب الوتر، باب في الاستغفار، برقم 1524، والنسائي في صفة الصلاة، باب نوع آخر من الدعاء، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى معاذاً أن يقولها في دبر كل صلاة، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 534. (¬3) أخرجه ابن حبان (موارد)، ص 604، برقم 2436، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - موقوفاً، ورواه أحمد من طريق آخر، 1/ 386، 400، والنسائي في عمل اليوم والليلة، برقم 869، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، تحت رقم 2301. (¬4) أخرجه النسائي في الكبرى، 6/ 246، برقم 10830، والحاكم، 1/ 510 وصححه، ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد، 4/ 444، وقال الحافظ في الإصابة: ((إسناده صحيح))، وصححه الألباني في تخريج رياض الصالحين، في تعليقه على الحديث رقم 1495.

115 - ((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ)) (¬1). 116 - ((اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافِنِي، أَعُوذُ بِاللَّه مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) (¬2). 117 - ((اللَّهمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي، وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ يَظْلِمُنِي، وَخُذْ مِنْهُ بِثَأْرِي)) (¬3). 118 - ((اللَّهمَّ إنِي أَسْأَلُكَ عِيشَةً نَقِيَّةً، ومِيتَةً سَوِيّةً، ومَردّاً غَيْرَ مُخْزٍ، ولَا فَاضِحٍ)) (¬4). 119 - ((اللَّهمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي، فَأَحْسِنْ خُلُقِي)) (¬5). 120 - ((اللَّهمِ اَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ)) (¬6). ¬

(¬1) أخرجه النسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الدين، برقم 5475، وأحمد 2/ 173، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 1113. (¬2) النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، برقم 1617، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء من الدعاء إذا قام الرجل من الليل، برقم 1356، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 356، وفي صحيح ابن ماجه، 1/ 226. (¬3) أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب، برقم 3681، والبخاري في الأدب المفرد، برقم 650، والحاكم، 1/ 523، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 188. (¬4) أخرجه الحاكم، 1/ 541، وزوائد مسند البزار، 2/ 442، برقم 2177، والطبراني في الدعاء، برقم 1435، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/ 179: ((إسناد الطبراني جيد)). (¬5) أخرجه أحمد، 6/ 68، و155، و1/ 403، وابن حبان (2423 - موارد)، والطيالسي، 374، ومسند أبي يعلى، برقم 5075، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 1/ 115، برقم 74. (¬6) لحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب اللَّه له بكل مؤمنٍ ومؤمنة حسنة)). أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، 5/ 202، برقم 5092، وفي مسند الشاميين له أيضاً، 3/ 334، برقم 2155، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/ 210: ((رواه الطبراني، وإسناده جيد))، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم 5902، 5/ 242.

121 - ((اللَّهمَّ ثَبِّتني وَاجْعَلْني هَادِيًا مَهْدِيًّا)) (¬1). 122 - ((اللَّهمَّ آتِنِي الْحِكْمَةَ الّتِي مَنْ أُوتِيهَا فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)) (¬2). 123 - ((اللَّهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللَّهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم [في العالمين] إنك حميد مجيد)) (¬3). ومن الأفضل أن يكون الحاجُّ يوم عرفة مفطراً اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن أم الفضل بنت الحارث رضي اللَّه عنها: ((أن ناساً تماروا عندها يوم عرفه في صوم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلتْ إليه بقدح لبنٍ وهو واقف على بعيره فشربه)) (¬4). ¬

(¬1) دل عليه دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لجرير - رضي الله عنه -. انظر البخاري، برقم 6333، وكذلك بأرقام 3020، 3036، وغيرها. (¬2) هذا مأخوذ من قوله - سبحانه وتعالى -: {يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاء وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ َفقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة: 269]. وفي رواية عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له: ((اللَّهم علمه الحكمة))، البخاري، برقم 75، و3756، وفي ابن ماجه، برقم 166، وفي الترمذي، برقم 2823، أن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: ((دعا لي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يؤتيني الحكمة مرتين)). ... (¬3) البخاري، كتاب الأنبياء، باب حدثنا موسى بن إسماعيل، برقم 3370، وما بين المعقوفين من حديث أبي هريرة عند مسلم، برقم 405. (¬4) متفق عليه: البخاري كتاب الصوم، باب صوم يوم عرفة، برقم 1988، ومسلم كتاب الصيام، باب استحباب الفطر للحاج بعرفة، برقم 1123.

سادسا: إذا غربت الشمس وتحقق من غروبها

وعن ميمونه رضي اللَّه عنها: أن ناساً شكَّوا في صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة، فأرسلت إليه بحلابٍ (¬1) وهو واقف في الموقف، فشرب منه والناس ينظرون)) (¬2). وفي إفطار الحاج يوم عرفة من الفوائد: أنه يتقوَّى بذلك على الدعاء، والتضرع، والتذلل لله تعالى، ويزيد نشاطه في هذا الموقف العظيم. سادساً: إذا غربت الشمس وتحقق من غروبها (¬3) انصرف الحاج إلى ¬

(¬1) الحلاب: الإناء الذي يحلب فيه. [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 1/ 421]. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم عرفة، برقم 1989، ومسلم، كتاب الصيام، باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة، برقم 1124. (¬3) من اقتصر في وقوفه في عرفة بعد الزوال على جزء من النهار دون الليل، كأن يفيض من عرفات قبل غروب الشمس فقد انقسم العلماء رحمهم اللَّه في حكمه إلى فريقين: الفريق الأول: قال: لا يصح حج من اقتصر على النهار دون الليل، فعلى هذا القول من وقف بعد الزوال يوم عرفة بعرفة، ثم أفاض قبل غروب الشمس فلا حج له، وبه قال الإمام مالك رحمه اللَّه، واحتج على قوله بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أنه بقي حتى غربت الشمس، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) [هذا لفظ البيهقي، 5/ 125، ولفظ مسلم، برقم 1297: ((لتأخذوا مناسككم))، فيلزمنا أن نأخذ عنه من مناسكنا: الجمع في الوقوف بين الليل والنهار. [أضواء البيان، 5/ 259، 260]، قال الإمام ابن قدامة في الشرح الكبير، 9/ 171: ((قال ابن عبد البر: لا نعلم أحداً من العلماء قال بقول مالك)). [وانظر: الاستذكار لابن عبد البر، 13/ 34]، [والمغني لابن قدامة، 5/ 273]. الفريق الثاني: قول جمهور أهل العلم، ومنهم: الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وعطاء، والثوري، وأبو ثور، قالوا: حجه صحيح لا شك في ذلك، لحديث عروة بن مضرِّس، وفيه: ((من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفة قبل ذلك: ليلاً أو نهاراً فقد تم حجّه وقضى تفثه)). [أبو داود، برقم 1950، والترمذي، برقم 891، والنسائي، برقم 3040، وابن ماجه، برقم 3016، وتقدم تخريجه]. قال الإمام الشنقيطي في أضواء البيان عن قول مالك: 5/ 260: ((ولا يخفى أن هذا لا ينبغي أن يعارض به الحديث الصريح في محل النزاع الذي فيه: ((وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه)). وهذا الفريق الثاني اختلفوا في وجوب الدم على من أفاض من عرفة قبل غروب الشمس على قولين: القول الأول: يلزمه دم، وهو مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة، والشافعي، في أحد قوليه، والقول الآخر للشافعي: أن الدم سنة، قال الإمام ابن قدامة في الشرح الكبير، 9/ 170: ((ومن وقف بها نهاراً ودفع قبل الغروب فعليه دم، يعني أنه يجب عليه الوقوف إلى غروب الشمس، ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك، فعن جابر - رضي الله عنه - قال: ((فلم يزل [أي النبي - صلى الله عليه وسلم -] واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص)). [مسلم، برقم 1218]،وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم))، [وهذا لفظ البيهقي،5/ 125]، ولفظ مسلم: ((لتأخذوا مناسككم))، قال المرداوي في الإنصاف، 9/ 170: ((هذا هو المذهب، وعليه الأصحاب)).وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة، 2/ 511: (( ... لا يجوز الخروج من عرفة حتى تغرب الشمس ... ))،وقال الإمام النووي رحمه اللَّه في شرح صحيح مسلم، 8/ 435: ((ينبغي أن يبقى في الوقوف حتى تغرب الشمس، ويتحقق كمال غروبها، ثم يفيض إلى مزدلفة، فإن أفاض قبل غروب الشمس صح وقوفه، ويجبر ذلك بدم، وهل الدم واجب أم مستحب فيه قولان للشافعي، أصحهما أنه سنة، والثاني واجب، وهما مبنيان على أن الجمع بين الليل والنهار واجب على من وقف بالنهار أم لا؟ وفيه قولان: أصحهما سنة، والثاني واجب)). القول الثاني: أن من وقف بعرفة بعد الزوال، ثم أفاض قبل غروب الشمس، فلم يجمع بين النهار والليل، فلا شيء عليه، وقد ذكر رواية عن الإمام أحمد، قال الإمام المرداوي في الإنصاف، 9/ 170: ((قوله: ومن وقف بها نهاراً ودفع قبل غروب الشمس فعليه دم، هذا هو المذهب ... وعنه فلا دم عليه كواقف ليلاً)). وقد ذكر هذه الرواية ابن مفلح في الفروع، 6/ 50: بقوله: ((ومن وقف بها نهاراً ودفع قبل الغروب ولم يعد قبله في ((الإيضاح)) قبل الفجر، وقاله أبو الوفاء في مفرداته، وقيل: أو عاد مطلقاً، وفي ((الواضح)): ولا عذر له لزمه دم، وعنه: لا، كواقف ليلاً)). وذكر الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 259: ((أن المقتصر على النهار دون الليل: أظهر الأقوال فيه دليلاً عدم لزوم الدم؛ لحديث عروة وفيه: ((وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه))، فقوله - صلى الله عليه وسلم - فقد تم حجه مرتباً له بالفاء على وقوفه بعرفة ليلاً أو نهاراً يدل على أن الواقف نهاراً يتم حجه بذلك، والتعبير بلفظ التمام ظاهر في عدم لزوم الدم، ولم يثبت نقل صريح في معارضة ظاهر هذا الحديث، وعدم لزوم الدم للمقتصر على النهار هو الصحيح من مذهب الشافعي، لدلالة الحديث على ذلك، كما ترى والعلم عند اللَّه تعالى)). والذي يترجح هو القول الأول: وهو أن على من أفاض قبل الغروب دم؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج، فالواجب عليه أن لا يفيض إلا بعد غروب الشمس؛ لقول جابر المتقدم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه لم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص [مسلم، برقم 1218]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم)) [هذا لفظ البيهقي، 5/ 125]، ولفظ مسلم: ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) [برقم 1297]، وهذا أمر منه - صلى الله عليه وسلم - لأمته، والأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف، ولا صارف؛ ولهذا قال الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 273: ((وعلى من دفع قبل الغروب دمٌ في قول أكثر أهل العلم: منهم: عطاء، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم، وقال ابن جريج: عليه بدنة، وقال الحسن البصري: عليه هدي من الإبل، ولنا: أنه واجب لا يفسد الحج بفواته، فلم يوجب البدنة كالإحرام من الميقات))، وأما حديث عروة بن مضرِّس، فلا يدل على جواز الانصراف من عرفة قبل الغروب ممن وقف بها نهاراً، وأنه لا شيء عليه، وإنما يدل على إجزاء وقوف من وقف بها ليلاً أو نهاراً [تنبيهات في الحج على الكتابة المسماة افعل ولا حرج، لعبد المحسن العباد، ص 30]. وقال العلامة محمد بن إبراهيم رحمه اللَّه: ((ومما يدل على عدم جواز الدفع من عرفة قبل الغروب عدم إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفة في ذلك مع ما يلقونه في طريقهم من الزحمة، وحطمة الناس، كما رخص لهم في الدفع من مزدلفة آخر ليلة جمع)) [مجموع فتاوى ابن إبراهيم، 6/ 84]. وقال شيخنا الإمام ابن باز في مجموع فتاويه، 61/ 142: ((من وقف بعد الزوال أجزأه، فإن انصرف قبل المغرب فعليه دم إن لم يعد إلى عرفة ليلاً، أعني ليلة النحر)). وقال شيخنا أيضاً في الفتاوى، 17/ 261: ((ولا يجوز الانصراف قبل الغروب لمن وقف نهاراً، فإن فعل ذلك فعليه دم عند أكثر أهل العلم؛ لكونه ترك واجباً، وهو الجمع في الوقوف بين الليل والنهار، لمن وقف نهاراً)). [وانظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 333]، وتقدمت النقولات في القول الأول، واللَّه الموفق. مسألة: لكن إذا أفاض من وقف بعرفة قبل غروب الشمس، ثم عاد إلى عرفة، فهل يسقط عنه الدم؟ فيه أقوال لأهل العلم: القول الأول: إذا عاد نهاراً قبل غروب الشمس فوقف حتى غربت فلا دم عليه عند الإمام أحمد، ومالك، والشافعي، قال الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 273: ((فإن دفع قبل الغروب ثم عاد نهاراً فوقف حتى غربت الشمس، فلا دم عليه، وبهذا قال: مالك، والشافعي)). القول الثاني: إذا أفاض قبل غروب الشمس، ثم عاد قبل الغروب أو بعده، لزمه الدم مطلقاً، ولم يسقط برجوعه ... )). القول الثالث: إذا أفاض من عرفة قبل الغروب، فعاد قبل الغروب أو قبل الفجر فلا دم عليه. قال في الإنصاف، 9/ 172: ((وقال في ((الإيضاح)): ولم يعد إلى الموقف قبل الفجر، وقاله ابن عقيل في ((مفرداته))، فإن عاد إلى الموقف قبل الغروب أو قبل الفجر، عند من يقول به فلا دم عليه على الصحيح من المذهب، وعليه أكثرهم .. )). وانظر: الفروع لابن مفلح، 6/ 50. والصواب هذا القول الثالث وهو ما اختاره شيخنا ابن باز، في مجموع الفتاوى، 16/ 142، وفي 17/ 163،قال: ((من وقف بعرفة نهاراً فعليه أن يستمر إلى الليل، فإن لم يفعل وانصرف قبل الغروب، ولم يعد بعد الغروب فعليه دم، وإن عاد بعد المغرب فوقف ليلاً ... فلا شيء عليه)). واختاره أيضاً العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، 7/ 333: (( ... إذا عاد بعد الغروب فقد عاد في وقت الوقوف، فمقتضى القياس أنه لا شيء عليه، كما لو عاد قبل الغروب)).

سابعا: ولا يفوت الوقوف بعرفة إلا بطلوع الفجر

مزدلفة بسكينةٍ، ووقارٍ، وأكثروا من التلبية، وأسرعوا في المتسع؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: ((أيها الناس السكينةَ السكينةَ)) (¬1)،وقال حينما سمع زجراً شديداً وضرباً وصوتاً للإبل: ((أيها الناس عليكم السكينة فإن البر ليس بالإيضاع)) (¬2)، ومن هذا أخذ عمر بن عبد العزيز قوله لما خطب بعرفة: ((ليس السابق من سبق بعيره وفرسه، ولكن السابق من غُفر له)) (¬3). سابعاً: ولا يفوت الوقوف بعرفة إلا بطلوع الفجر (¬4) من يوم النحر، فعن ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬2) البخاري، كتاب الحج، باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط، برقم 1671.ومعناه أن السير السريع والتكلف بالإسراع فيه ليس من البر. انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 522. (¬3) فتح الباري لابن حجر، 3/ 522. (¬4) من اقتصر وقوفه بعرفة على جزء من الليل دون النهار، فقد اختلف العلماء في حكم ذلك على قولين: القول الأول: إن من اقتصر على جزء من الليل دون النهار صح حجُّه، ولزمه دم، وقال بهذا القول المالكية. القول الثاني: أن من اقتصر على جزء من الليل دون النهار صح حجُّه، ووقوفه تامٌّ، ولا دم عليه عند جماهير أهل العلم؛ لحديث عبد الرحمن بن يَعْمُر، قال: شهدت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأتاه ناس، فسألوه عن الحج فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((الحج عرفة، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه)). هذا لفظ النسائي، برقم 3016، ولفظ أحمد، 1/ 64، برقم، 18774: شهدت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وهو واقف بعرفة وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول اللَّه: كيف الحج؟ فقال: ((الحجُّ عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه، أيام منى ثلاثة أيام، فمن تعجَّل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخّر فلا إثم عليه)). [أحمد، 1/ 64، برقم 18774، ورقم 18775، ورقم 18954، وأخرجه الترمذي، برقم 889، وأبو داوود، ولفظه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بعرفة، فجاءه ناس أو نفر من أهل نجد، فأمروا رجلاً فنادى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، كيف الحج؟ فأمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - رجلاً فنادى: الحجُّ الحجُّ، يوم عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فقد تم حجه .. ))، برقم 1949، وابن ماجه، برقم 3015، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 458، وصححه في باقي السنن. قال الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 259: ((فقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الثابت: فقد تمَّ حجه مرتباً ذلك على إتيانه عرفة قبل طلوع فجر يوم النحر، نصٌّ صريح في أن المقتصر على الوقوف ليلاً أن حجَّه تامٌّ، وظاهر التعبير بلفظ التمام عدم لزوم الدم، ولم يثبت ما يعارضه من صريح الكتاب أو السنة، وعلى هذا جمهور أهل العم خلافاً للمالكية)). مسائل في الوقوف بعرفة: المسألة الأولى: اختلف العلماء رحمهم اللَّه في صحة وقوف المغمى عليه بعرفة حتى يخرج منها على قولين: القول الأول: لا يصح وقوف المغمى عليه بعرفة، وبه قال: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والحسن، وحجتهم هي أن المغمى عليه ليس من أهل العبادة حتى يصح وقوفه، ونقل ابن قدامة في المغني 5/ 275: أن أحمد توقف في هذه المسألة. القول الثاني: يصحّ وقوف المغمى عليه، وبه قال: مالك، وأبو حنيفة، وعطاء. قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 261: ((وأظهر القولين عندي قول من قال بصحته؛ لما قدمنا من أنه لا تشترط له نية تخصه [أي الوقوف بعرفة] كما قدمنا أنه هو الصواب، فلا مانع من صحته من المغمى عليه كما يصح من النائم .. واللَّه تعالى أعلم)). المسألة الثانية: اختلف العلماء فيمن وقف بعرفة وهو لا يعلم أنها من عرفات هل يصح حجه؟ على قولين: القول الأول: يصح، فالجمهور، كمالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، قالوا يصح وقوفه بعرفة، قال ابن قدامه في المغني، 5/ 275: ((وكيفما حصل بعرفة، وهو عاقل أجزأه: قائماً، أو جالساً، أو راكباً، أو نائماً، وإن مر بها مجتازاً فلم يعلم أنها عرفة أجزأه أيضاً، وبه قال مالك، والشافعي، وأبو حنيفة)). القول الثاني: لا يصح وقوفه إذا لم يعلم أنها عرفة، وذكر هذا القول ابن قدامة في المغني، 5/ 275، عن أبي ثور؛ لأنه لا يكون واقفاً إلا بإرادة، والأقرب واللَّه أعلم قول الجمهور، وأنه يجزي [انظر: المغني لابن قدامة، 5/ 275، وأضواء البيان، 5/ 261]. المسألة الثالثة: لا يشترط للوقوف بعرفة: طهارة ولا ستر عورة، ولا استقبال للقبلة، ولا نية، قال ابن قدامه: لا نعلم في ذلك خلافاً. [المغني، 5/ 275].

عبد الرحمن بن يَعْمُر - رضي الله عنه - قال: شهدت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بعرفة وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول اللَّه، كيف الحج؟ قال: ((الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلةِ جمعٍ فقد تمَّ حجُّه)) (¬1). وقال عروة بن مُضرِّس - رضي الله عنه -: أتيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول اللَّه إني جئت من جبلي طيئٍ، أكللت راحتي، وأتعبتُ نفسي، واللَّه ما تركت من جبلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تمَّ حجُّه، وقضى تفثه)) (¬2). ¬

(¬1) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب فرض الوقوف بعرفة، برقم 3016، وأبو داود، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، برقم 1949، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الحج، برقم 889، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، برقم 3015، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 547، وفي باقي السنن في المواضع المذكورة أنفاً. (¬2) أبو داود، برقم 1950، والترمذي، برقم 891، والنسائي، برقم 3040، وابن ماجه، برقم 3016، وتقدم تخريجه، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 351، وصححه في سائر السنن، وفي إرواء الغليل، 4/ 258، برقم 1016.

المبحث التاسع والعشرون: الفوات

المبحث التاسع والعشرون: الفوات أولاً: مفهوم الفوات. الفوات لغة: مصدر فات يفوت فوتاً وفواتاً، وجمعه: أفوات، ومعناه: أن يُسبق فلا يُدرك، يُقال: فاتني كذا: أي سبقني (¬1). وفوات الحج اصطلاحاً: هو أن يطلع على الحاج فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة، قال ابن المنذر: ((وأجمعوا على أن الوقوف بعرفة فرض، لا حج لمن فاته الوقوف بها)) (¬2). ثانياً: أحكام الفوات: إذا طلع الفجر من يوم النحر ولم يقف الحاج بعرفة، فقد فاته الحج، فإن كان قد اشترط في ابتداء إحرامه فقال: ((فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)) تحلَّل من إحرامه، ولا شيء عليه، والأفضل له أن يتحلَّل بعمرة، وإن لم يكن اشترط وفاته الوقوف بعرفة؛ فإنه يتحلَّل بعمرة، فيطوف، ويسعى، ويحلق أو يقصّر، وإذا كان معه هدي ذبحه ويحج عاماً قابلاً ويهدي (¬3)، كما أفتى بذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، لأبي أيوب الأنصاري، وهبَّار بن الأسود رضي اللَّه عنهما. فعن سليمان بن يسار: ((أن أبا أيوب الأنصاري، خرج حاجَّاً، حتى إذا كان بالنازية (¬4) من طريق مكة أضلَّ رواحله، وإنه قدم على عمر بن ¬

(¬1) انظر: لسان العرب، لابن منظور، 2/ 69، فصل الواو، باب التاء، ومعجم لغة الفقهاء للرواس، ص319. (¬2) الإجماع لابن المنذر، ص 73. (¬3) المغني، 2/ 424، وشرح العمدة 2/ 655 - 668، والمنهج لمريد العمرة والحج، ص 58. (¬4) النازية من طريق مكة. هكذا في موطأ مالك، وأما في سنن البيهقي فبلفظ: ((حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة ... )). قال القاضي عياض في كتابه مشارق الأنوار، 2/ 34: ((النازية: عين ثرة عل طريق الآخذ من مكة إلى المدينة قرب الصفراء، وهي إلى المدينة أقرب، قيل: مضيق الصفراء سُدّت بعد حروب جرت فيها، وضبطناها في السير بتشديد الياء)).

الخطاب يوم النحر، فذكر ذلك له، فقال عمر: اصنع كما يصنع المعتمر، ثُمَّ قد حللت، فإذا أدركك الحجُّ قابلاً فاحجج، واهدِ ما استيسر من الهدي)) (¬1). وعن نافع عن سليمان بن يسار: ((أن هبَّار بن الأسود جاء يوم النحر، وعمر بن الخطاب ينحر هديه، فقال: يا أمير المؤمنين! أخطأنا العدة، كُنَّا نرى أن هذا اليوم يوم عرفة؟ فقال عمر: اذهب إلى مكة فطف أنت ومن معك، وانحروا هدياً إن كان معكم، ثم احلقوا أو قصِّروا، وارجعوا، فإذا كان عامٌ قابلٌ فحجّوا واهدوا، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيامٍ في الحجِّ وسبعةٍ إذا رجع)) (¬2). وعن ابن عمر - رضي الله عنه -: أنه قال: ((من أدرك ليلة النحر من الحاجّ فوقف بجبال عرفة قبل أن يطلع الفجر، فقد أدرك الحج، ومن لم يُدرِك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج، فليأتِ البيت قبل أن يحلق فليطف به سبعاً، ويطوف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصِّر إن شاء، وإن كان معه هديه فلينحره قبلُ، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو ¬

(¬1) أخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الحج، باب هدي من فاته الحج، برقم 153، 1/ 383، والبيهقي 5/ 174، وصححه الألباني في الإرواء، 4/ 344. وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 246، وشرح العمدة، 2/ 665. (¬2) مالك في الموطأ، كتاب الحج، باب هدي من فاته الحج، برقم 154، 1/ 154، والبيهقي، 5/ 174، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 260، برقم 1068.

يقصّر، ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع، وليهدِ في حجه)) (¬1). ¬

(¬1) البيهقي في السنن الكبرى، 5/ 174. وانظر: مجموع فتاوى ابن باز، 8/ 11. فقد أفتى بذلك شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: بأن من فاته الحج تحلل بعمرة، وعليه قضاء الحج عاماً قابلاً. وسمعت شيخنا ابن باز أثناء تقريره على منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية، الحديث رقم 2674، يقول: ((ومن فاته الحج تحلل بعمرة: طاف، وسعى، وقصر، وحل، ثم يشرع له أن يحج من عامٍ قابلٍ، ويهدي، فإن عجز عن الهدي صام ثلاثة أيام في الحجِّ وسبعة إذا رجع إلى أهله، كما أفتى بذلك عمر - رضي الله عنه -)). وذكر البيهقي في هذا الموضع ما يدل على وجوب الهدي عن ابن عمر، وابن الزبير ثم قال: ((من نسي شيئاً من نسكه أو تركه، فليهرق دماً)). سنن البيهقي، 5/ 175. قال الإمام مالك رحمه اللَّه: ((ومن قرن الحج والعمرة، ثم فاته الحج، فعليه أن يحج قابلاً، ويقرن بين الحج والعمرة، ويهدي هديين: هديا لقرانه الحج مع العمرة، وهدياً لما فاته من الحج)) [موطأ الإمام مالك، 1/ 384]، وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 565 - 567.

المبحث الثلاثون: المبيت بمزدلفة

المبحث الثلاثون: المبيت بمزدلفة أولاً: إذا وصل الحاج إلى مزدلفة (¬1) صلى بها المغرب ثلاث ¬

(¬1) اختلف العلماء رحمهم اللَّه في حكم المبيت في مزدلفة إلى ثلاثة أقوال: القول الأول: المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، من تركه جبر بدم، وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم: الإمام مالك، وأحمد، وأبو حنيفة، والشافعي في المشهور عنه، وعطاء، والزهري، وقتادة، والثوري، وإسحاق، وأبو ثور، وجماهير العلماء من السلف والخلف، واستدل هؤلاء العلماء على ذلك بحديث عبد الرحمن بن يعمر، وفيه: (( ... الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تمّ حجه)) [رواه أهل السنن الأربعة، وأحمد، وتقدم تخريجه]. ومعلوم أن هذا الواقف بعرفة في آخر جزء من ليلة النحر قد فاته المبيت بمزدلفة قطعاً بلا شك، ومع ذلك فقد صرَّح النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المذكور بأن حجه تام، وحجة الجمهور بأن من ترك المبيت بمزدلفة فعليه دم أثر ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: ((من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً)) [مالك في الموطأ، 1/ 419، والدارقطني، 2/ 244، والبيهقي، 5/ 152]. والمبيت بمزدلفة نسك. وهذا القول هو الصواب الذي لا شك فيه. القول الثاني: قول من قال: بأن المبيت بمزدلفة ركن لا يتم الحج إلا به، وبه قال خمسة من التابعين، وهم: علقمة، والنخعي، والشعبي، والأسود، والحسن البصري، وهم من أئمة التابعين، وممن قال به: بعض الشافعية. قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد، 2/ 253: ((وهو مذهب اثنين من الصحابة: ابن عباس، وابن الزبير رضي اللَّه عنهما، وإليه ذهب إبراهيم النخعي، والشعبي، وعلقمة، والحسن البصري، وهو مذهب الأوزاعي، وحماد بن أبي سليمان، وداود الظاهري، وأبي عبيد القاسم بن سلاَّم، واختاره المحمدان: ابن جرير، وابن خزيمة، وهو أحد الوجوه للشافعية ... ))، واحتجّوا بثلاث حجج، على النحو الآتي: 1 - قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]، قالوا: فهذا الأمر القرآني الصريح يدل على أنه لا بد من ذكر اللَّه عند المشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفة. 2 - حديث عروة بن مضرِّس، وفيه: (( ... من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثه)). [أهل السنن وغيرهم، وتقدم تخريجه]. فقالوا: قوله: ((من شهد صلاتنا)) يفهم منه أن من لم يدرك الصلاة معهم لم يتم حجه، ولم يقض تفثه، والمراد بها صلاة الصبح بالمزدلفة، كما هو واضح. واستدلوا برواية أخرى لهذا الحديث عند أبي يعلى، 2/ 245: ((ومن لم يدرك جمعاً فلا حج له))، ولكنها لم تثبت. واستدلوا برواية أخرى نسبها الحافظ للنسائي، برقم 4030: ((من أدرك جمعاً مع الإمام والناس حتى يفيضوا فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك مع الإمام والناس فلم يدرك)). فتح الباري، 3/ 529. [وقد صححها الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 351]. 3 - فعل رسول اللَّه الذي خرج مخرج البيان لهذا الذكر المأمور به، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لتأخذوا مناسككم ... )) [مسلم، برقم 1297]. وأجاب الجمهور القائلون أن المبيت بمزدلفة واجب يجبر بدم، وليس بركن، عن أدلة هؤلاء القائلين: إنه ركن لا يتمم الحج إلا به بما يأتي: " قالوا: أما الآية التي استُدل بها على أن المبيت بمزدلفة ركن، وهي قول اللَّه تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} فإنها لم تتعرض للوقوف بمزدلفة أصلاً، وإنما أمر فيها بذكر اللَّه عند المشعر الحرام، قالوا: وقد أجمعوا كلهم على أن من وقف بمزدلفة ولم يذكر اللَّه أن حجه تام. " وأما رواية النسائي، برقم 3040، (( ... ومن لم يدرك مع الإمام والناس فلم يدرك))، وفي لفظ أبي يعلى: ((ومن لم يدرك جمعاً فلا حج له)) أنها من رواية مطرف عن الشعبي عن عروة، وأن مطرفاً كان يهم في المتون، وقد ارتكب ابن حزم الشطط فزعم أن من لم يصلِّ صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام أن الحج يفوته، التزاماً لما ألزمه به الطحاوي، ولم يعتبر ابن قدامة مخالفته هذه، فحكى الإجماع على الإجزاء كما حكاه الطحاوي)). وقد صحح الألباني رواية النسائي في صحيح سنن النسائي، 2/ 351، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 3040: ((أي لم يدرك الأكمل، والمزدلفة فيها أقوال ثلاثة: الوقوف بها واجب، وقيل: سنة، وقيل: ركن، والصواب الأول، وأن المبيت بمزدلفة واجب، أما من وقف بعرفة قبل صلاة الفجر فقد أدرك الحج)). وقد ذكر العلامة الألباني زيادة أبي يعلى في إرواء الغليل، 4/ 259، ثم قال: ((وأنا أظن أنها مدرجة من كلام الشعبي، فقد زاد الدارقطني عقب الحديث في رواية له: ((قال الشعبي: ومن لم يقف بجمع جعلها عمرة)). [وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 270]، ثم نقل الشنقيطي رحمه اللَّه تضعيف زيادة أبي يعلى عن الإمام النووي في شرح المهذب، [أضواء البيان، 5/ 271]. " وقال الجمهور على الاستدلال الثالث لمن قال: إن المبيت بمزدلفة ركن، فقال الجمهور: أما الاستدلال بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: ((لتأخذوا مناسككم ... ))، فلم نخالف أنه نسك ينبغي أن يؤخذ عنه - صلى الله عليه وسلم -، ولكن صحة الحج بدونه علمت بدليل آخر، وهو حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي المذكور سابقاً، الدال على عدم اشتراط المبيت بمزدلفة [أضواء البيان، 5/ 271]. القول الثالث: المبيت بمزدلفة سنة، وبه قال بعض الشافعية، وذكر النووي أن هذا القول مشهور أيضاً، لكن قولهم الأول مع الجمهور أصح منه، وعن عطاء، والأوزاعي: أنها منزل من شاء نزل به، ومن شاء لم ينزل به. [ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، 3/ 529] وحجة من قال: بأن المبيت بمزدلفة: سنة وليس بركن ولا واجب، هي: أنه مبيت، فكان سنة كالمبيت بمنى ليلة عرفة، أي الليلة التاسعة التي صبيحتها يوم عرفة [أضواء البيان، 5/ 271]. والصواب قول الجمهور؛ لما تقدم من أدلتهم الصحيحة الصريحة، وأن المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، من تركه جبر ذلك بدم. قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه بعد أن ذكر الأقوال الثلاثة المذكورة: (( .. والصواب من أقوال أهل العم أنه واجب من تركه فعليه دم ... )). [مجموع الفتاوى له، 17/ 277]، وانظر: [فتاويه أيضاً: 16/ 242، 175، 222، 17/ 280، 284، 286، 322، وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 284، وزاد المعاد لابن القيم، 2/ 253، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 266 - 272]. وذكر العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه الأقوال الثلاثة، ثم قال: ((ولكن القول الوسط أحسن الأقوال، أنه و (3) يجبر بدم)).

ركعات، والعشاء ركعتين، جمعاً بأذانٍ واحدٍ وإقامتين من حين وصوله؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1)؛ سواء وصل الحاج إلى مزدلفة في وقت المغرب أو بعد دخول وقت العشاء؛ لحديث أسامه بن زيد رضي اللَّه عنهما، قال: ردفتُ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من عرفاتٍ، فلمّا بلغ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الشِّعْب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال، ثم جاء فصببتُ عليه الوضوءَ فتوضأ وُضوءاً خفيفاً، ثم قلت: الصلاةَ يا رسول اللَّه: فقال: ((الصلاة أمامك))، فركب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى المزدلفة، فصلَّى ثم ردف الفضل غداة جمع))، هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري: ((دفع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من عرفة فنزل الشِّعب فبال، ثم توضأ ولم يسبغ الوضوءَ، فقلت له: الصلاة، فقال: ((الصلاة أمامك)) فَجَاءَ ¬

(¬1) مسلم، برقم 1218، من حديث جابر - رضي الله عنه -، وتقدم تخريجه.

ثانيا: يبيت الحاج في هذه الليلة بمزدلفة

المزدلفة فتوضأ فأسبغ، ثم أقيمت الصلاة، فصلى المغرب، ثم أناخ كلُّ إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت الصلاة، فصلَّى ولم يصلِّ بينهما))، وهذا من لفظ البخاري، ولفظ مسلم: ((فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ، فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة، فصلَّى المغرب، ثم أناخ كل إنسانٍ بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء، فصلاّها، ولم يصلِّ بينهما شيئاً)) (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((وهذا فيه المبادرة بالصلاة، إذا وصل مزدلفة، فإذا وصلوا بدأوا بالصلاة قبل إناخة الإبل، فلما صلُّوا المغرب أناخوا الإبل، ثم صلّوا العشاء قبل حطِّ الرحال، ثم تحّط الرحال بعد صلاة العشاء))،ثم قال رحمه اللَّه: ((والغالب من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يتوضأ وضوءاً جديداً إلا قد صلَّى بالوضوء الأول، ولكن في هذا الحديث قد يكون للنشاط، أو أحدث بين الوضوءين، أو لأسباب أخرى ... )) (¬2)، لكن إن لم يتمكن من وصول مزدلفة قبل نصف الليل، فإنه يصلي ولو قبل الوصول إلى مزدلفة، ولا يجوز أن يؤخر الصلاة إلى بعد نصف الليل، بل يصلي في أي مكان كان، ولا يصلي بينهما نافلة. ثانياً: يبيت الحاج في هذه الليلة بمزدلفة ويحرص أن ينام مبكراً؛ ليكون نشيطاً لأداء مناسك الحج يوم النحر؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه بعد أن صلى المغرب والعشاء اضطجع حتى طلع الفجر (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة، برقم 1672،ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة، يوم النحر، برقم 1280. (¬2) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1672،وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 281. (¬3) مسلم، برقم، 1218، من حديث جابر - رضي الله عنه -، وتقدم تخريجه.

ثالثا: يجوز للضعفة من النساء، والصبيان، ونحوهم، ومن يقوم برعايتهم أن ينزلوا من مزدلفة إلى منى بعد منتصف الليل

ثالثاً: يجوز للضعفة من النساء، والصبيان، ونحوهم، ومن يقوم برعايتهم أن ينزلوا من مزدلفة إلى منى بعد منتصف الليل ومغيب القمر (¬1)؛ للأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث عبد اللَّه مولى أسماء أنها نزلت ليلة جمعٍ عند المزدلفة، ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: فارتحلوا، فارتحلنا ومضينا حتى رمت جمرة العقبة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: ما أرانا إلا قد غلّسنا؟ قالت: ((يا بني إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن)) (¬2). الحديث الثاني: حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((أنا ممن قدَّمَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة في ضعفة أهله)) (¬3)، وفي لفظٍ: ((بعثني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من جمعٍ بليلٍ))، وفي لفظ لمسلم: ((بعث بي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بسحرٍ من جمعٍ)). الحديث الثالث: حديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ((استأذنت سودة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ليلة جمع أن تدفع قبل ¬

(¬1) زاد المعاد، 2/ 248. (¬2) متفق عليه، البخاري، كتاب الحج، باب من قدَّم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون، ويقدِّم إذا غاب القمر، برقم 1669، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلوا الصبح بمزدلفة، برقم 1291. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل ... ، برقم 1677، 1678، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليل ... ، برقم 1293، ورقم 1294.

الحديث الرابع: حديث عائشة رضي الله عنها

حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطةً - يعني ثقيلة - فأذِنَ لها، وفي لفظ: ((استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سودة: أن تدفع قبل حطمة الناس - وكانت امرأة بطيئة - فأذِنَ لها، فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا حتى أصبحنا نحن، ثم دفعنا بدفعه، فلأن أكون استأذنتُ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنت سودةُ أحبَّ إليَّ من مفروح به)) (¬1). الحديث الرابع: حديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ((أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت)) (¬2)، وفي لفظ للنسائي: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر إحدى نسائه أن تنفر من جمعٍ ليلة جمعٍ فتأتي جمرة العقبة فترميها، وتصبح في منزلها، وكان عطاء يفعله حتى مات)) (¬3). قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((هي أمُّ سلمة)). الحديث الخامس: حديث أم حبيبة رضي اللَّه عنها: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بها من جمعٍ بليل))، وفي لفظٍ: قالت: ((كُنَّا نفعله على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -: نُغَلِّس من جمعٍ إلى منى))، وفي رواية: ((نغلِّس من مزدلفة)) (¬4). الحديث السادس: حديث ابن عمر: ((كان عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما يقدم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون اللَّه ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام، وقبل أن يدفع، فمنهم من ¬

(¬1) متفق عليه البخاري كتاب الحج باب من قدم ضعفه أهله بليل برقم 1680، 1681، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليل، برقم 1290. (¬2) أبو داود، كتاب الحج، باب التعجيل من جمع، برقم 1942، والنسائي، كتاب مناسك الحج، باب الرخصة في ذلك للنساء، برقم 3066، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف أبي داود، برقم 423. (¬3) أبو داود برقم 1942 والنسائي 5/ 272 قال ابن حجر في البلوغ وإسناده على شرط مسلم وقال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط إسناده حسن. انظر جامع الأصول 3/ 263. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة ... ، برقم 1292.

الحديث السابع: حديث الفضل

يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: ((أرخص في أولئك رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1). الحديث السابع: حديث الفضل،: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أمر ضعفة بني هاشم أن ينفروا من جمع بليل)) (¬2). رابعاً: إذا تبين الفجر الثاني صلى الفجر مبكراً بأذانٍ وإقامة؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -، وفيه: ((ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبيّن له الصبح بأذان وإقامة)) (¬3)، وهذا تفسير لحديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - فإنه قال: ((ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء، وصلّى الفجر قبل ميقاتها)) (¬4)، معناه أنه صلى الفجر يوم النحر في أول وقتها بعد طلوع الفجر، ثم يقف عند المشعر الحرام ويستقبل القبلة، ويدعو اللَّه، ويُكَبِّره، ويُهلِّله، ويوحِّده (¬5)، ويكثر من الدعاء ويرفع يديه، ويستحب له أن يستمرَّ على ذلك حتى ¬

(¬1) البخاري، كتاب الحج، باب من قدم ضعفه أهله بليل فيقفون بالمزدلفة، ويدعون، ويقدِّم إذا غاب القمر، برقم 1676. واختار شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: أنه يجوز للنساء مطلقاً الدفع من مزدلفة بعد نصف الليل من ليلة مزدلفة، وهي ليلة النحر، ولو كنَّ قويّات، وهكذا بقية الضعفاء من كبار السن والمرضى، وأتباعهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في ذلك. [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 142]. (¬2) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب تقديم النساء والصبيان إلى منازلهم بمزدلفة، برقم 3034، وقال الألباني في صحيح النسائي، 2/ 350: ((حسن صحيح الإسناد)). (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة ... ، برقم 1292. (¬4) البخاري كتاب الحج، باب متى يصلي الفجر بجمع، برقم 1682. (¬5) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218.

خامسا: إذا أسفر جدا دفع من مزدلفة

يسفر جداً، وحيثما وقف من مزدلفة أجزأه ذلك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وقفت ههنا وجمع كلها موقف)) (¬1).وجمع هي مزدلفة (¬2). خامساً: إذا أسفر جداً دفع من مزدلفة (¬3) إلى منى قبل طلوع ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، برقم 49 - (1218)، ولفظه: ((نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت ها هنا، وعرفة كلها موقف، وو قفت ها هنا وجمع كلها موقف)). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ارفعوا عن بطن محسِّر، وعليكم بمثل حصى الخذف)). [أحمد في المسند، 3/ 383، برقم 1896، ولفظ ابن خزيمة، 4/ 254، برقم 2816: ((ارفعوا عن بطن عُرنة، وارفعوا عن بطن محسر))، وفي لفظ لابن خزيمة: ((ارتفعوا عن محسِّر، وارتفعوا عن عرنات))، أما قوله: ((العرنات))، فالوقوف بعرنة، ألا يقفوا بعرنة، وأما قوله: ((عن محسِّر)): فالنزول بجمع: أي لا تنزلوا محسراً)). ولفظ الطبراني: برقم، 11001: ((مزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسِّر، ومنى كلها منحر))، وفي لفظ للطبراني، برقم 11231: ((عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عُرنة، والمزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسر)). وأصل الحديث قال عنه محققو المسند، 3/ 383: ((إسناده صحيح على شرط مسلم))، وقال شيخنا ابن باز في حاشيته على بلوغ المرام، ص 456 على إثر الحديث رقم 710: ((خرّج الإمام أحمد بإسناد جيد على شرط مسلم ... )) وذكره. (¬2) للمزدلفة ثلاثة أسماء: مزدلفة، وجمعٌ، والمشعر الحرام، وحدُّها من مأزمي عرفة إلى قرن محسر، وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب، وليس وادي محسِّرٍ من مزدلفة. [المغني لابن قدامة، 5/ 283]. (¬3) اختلف العلماء رحمهم اللَّه في القدر الذي يكفي في النزول بالمزدلفة على ثلاثة أقوال: القول الأول: يكفي في النزول بمزدلفة بقدر ما يصلِّي المغرب والعشاء، ويتعشى، ولو أفاض منها قبل نصف الليل، وبعضهم قال: لا بد في ذلك من حط الرحال، وهذا مذهب الإمام مالك وأصحابه)). القول الثاني: إن دفع من مزدلفة بعد نصف الليل أجزأه، وإن دفع منها قبل نصف الليل لزمه دم، وهذا مذهب الإمام الشافعي، والإمام أحمد. القول الثالث: إن دفع الحاج من مزدلفة قبل الفجر لزمه دم، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن وقت الوقوف عنده بعد صلاة الصبح، ومن حضر في ذلك الوقت فقد أتى بالوقوف، ومن تركه ودفع ليلاً فعليه دم، إلا إن كان لعذر. [أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 273]، قال العلامة الشنقيطي: ((الأظهر عندي في هذه المسألة: هو أنه ينبغي أن يبيت إلى الصبح؛ لأنه لا دليل مقنعاً يجب الرجوع إليه مع من حدد بالنصف الأخير، ولامع من اكتفى بالنزول، وقياسهم الأقوياء على الضعفاء قائلين: إنه لو كان الدفع بعد نصف الليل ممنوعاً، لما رخص فيه - صلى الله عليه وسلم - لضعفة أهله؛ لأنه لا يرخص لأحد في حرام، قياس مع وجود الفارق، ولا يخفى ما في قياس القوي على الضعيف الذي رخص له؛ لأجل ضعفه، كما ترى، ولا خلاف بين العلماء أن السنة أنه يبقى بجمع حتى يطلع الفجر كما تقدم، ومن المعلوم أن جمعاً، والمزدلفة، والمشعر الحرام، أسماء مترادفة، يراد بها شيء واحد، خلافاً لمن خصص المشعر الحرام بقزح دون باقي المزدلفة)). [أضواء البيان، 5/ 273]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، 26/ 135: ((فإن كان من الضعفة: كالنساء والصبيان، ونحوهم فإنه يتعجّل من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر، ولا ينبغي لأهل القوة أن يخرجوا من مزدلفة حتى يطلع الفجر، فيصلوا بها الفجر ... )). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه في الشرح الممتع، 7/ 341: ((وهذا هو الصحيح أن المعتبر غروب القمر ... وغروب القمر يكون بعد مضي ثلثي الليل تقريباً، وقد يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً .. )). وقال ابن القيم في زاد المعاد، 2/ 248: ((وأذن في تلك الليلة لضعفة أهله أن يتقدموا إلى منى قبل طلوع الفجر، وكان ذلك عند غيبوبة القمر .. )). واختار شيخنا ابن باز: ((أنه يمكن للضعفاء أن ينفروا إلى منى بعد مضي نصف الليل الأخير، والأفضل بعد غروب القمر ... )) [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 175]، واختار شيخنا أن من عجز عن المبيت في مزدلفة بحيث لم يجد مكاناً، أو منعه الجنود، فلا شيء عليه لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّه مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، أما إذا كان متساهلاً فعليه دم، وكذا العلامة ابن عثيمين، انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 287، والشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 344، واختار شيخنا ابن باز أن من مرّ بمزدلفة ولم يبت فيها ثم عاد قبل الفجر ومكث بها ولو يسيراً فلا شيء عليه. [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 142، 17/ 289، وانظر: اختيارات مهمة في المبيت بالمزدلفة لشيخنا ابن باز، مجموع الفتاوى له، [16/ 42، و 175، و222، 17/ 250، 277، 279، 280، 284، 286، 289].

الشمس؛ لحديث عمر - رضي الله عنه -، قال عمرو بن ميمون: ((شهدت عمر بن

الخطاب - رضي الله عنه - بجمعٍ الصبح، ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرقْ ثبير [كيما نغير] وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خالفهم أفاض قبل أن تطلع الشمس)) (¬1)، والسنة أن يُلتقط هذا اليوم سبع حصيات مثل حصى الخذف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أن يُلتقط له الحصى إلا بعد انصرافه من المشعر الحرام إلى منى؛ لحديث الفضل بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال لي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - غداة العقبة وهو على ناقته: ((هات القط لي حصى))، فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف (¬2)، فجعل ينفضهن في كفه ويقول: ((بأمثال هؤلاء فارموا، وإيّاكم والغلوّ في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدين))، ولفظ ابن ماجه: قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - غداة العقبة، وهو على ناقته: ((القط لي حصىً))، فلقطت له سبع حصيات، هن حصى الخذف، فجعل ينفضهن في كفه، ويقول: ((أمثال هؤلاء فارموا))، ثم قال: ((يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوُّ في الدين)) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز يقول: ((وهذا يدل على أن السنة التقاط الحصى بعد دخول منى، وأن الحصى مثل حصى الخذف، والرمي بالحجر ¬

(¬1) البخاري، كتاب الحج، باب متى يدفع من جمع، برقم 1684، ما بين المعقوفين من مسند أحمد، 1/ 42، وسنن ابن ماجه، برقم 3022. (¬2) أي مثل حصى الحذف، والخذف: حصىً صغار يستطيع الإنسان أن يرمي به بين أصبعين. (¬3) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب التقاط الحصى، برقم 3057، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي، برقم 3039، وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 356، وصحيح ابن ماجه، 3/ 49، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 278، برقم 1283.

سادسا: يكثر الحاج من التلبية في سيره إلى منى

الكبير، أو الحذاء من الغلوّ في الدين، فالزيادة في العبادة غلوٌّ، والنقصُ من الجفاء))) (¬1). وهذا هو الأفضل، ومن أيِّ موضع التقط الحصى أجزأه ذلك، ولا يتعيّن لقطه من مزدلفة، بل يجوز لقطه من منى، والسنة التقاط سبع حصيات في هذا اليوم مثل حصى الخذف يرمي بها جمرة العقبة، أما في الأيام الثلاثة فيلتقط من منى كل يوم إحدى وعشرين حصاة يرمي بها الجمار الثلاث (¬2). سادساً: يكثر الحاج من التلبية في سيره إلى منى فإذا وصل إلى محسِّر (¬3) استحب له الإسراع قليلاً إن استطاع ذلك بدون أذىً لأحدٍ؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم - (¬4) (¬5). ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 3057. (¬2) انظر: فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 5/ 272. (¬3) محسَّر: واد بين مزدلفة ومنى. (¬4) صحيح مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬5) بيّن سماحة شيخنا ابن باز: أن الصبي إذا فاته المبيت بمزدلفة أو منى ليالي التشريق، فعلى وليِّه الهدي؛ لأنه قد لزمته أحكام الحج، بسبب إحرامه: إن كان مميزاً، أو إحرام وليّه عنه إن كان غير مميز؛ ولأنه كالحاج المكلف المتنفّل، والمعتمر المكلف المتنفِّل، فإنهما يلزمهما أحكام الحج والعمرة؛ لقول اللَّه تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله} [البقرة: 196]، والآية المذكورة تعم المفترض والمتنفل [انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 288].

المبحث الحادي والثلاثون: أعمال الحج يوم النحر

المبحث الحادي والثلاثون: أعمال الحج يوم النحر أولاً: رمي جمرة العقبة: إذا وصل الحاج إلى منى يوم النحر فالأفضل أن يرتب هذه الأعمال الأربعة: 1 - يقطع التلبية عند جمرة العقبة؛ لحديث عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما: أن أسامة كان ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفة إلى مزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، فكلاهما قال: ((لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي حتى رمى جمرة العقبة)) (¬1)، وسُمِّيت جمرة العقبة؛ لأنها في عقبة مأزم منى، وخلفها من ناحية الشام وادٍ فيه بايع الأنصار رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بيعة العقبة، وهي ملاصقة للجبل، وبجانبها طريق مع الجبل يسمى العقبة، والعقبة: هي الطريق مع الجبل، ولهذا سميت بالعقبة (¬2). 2 - يستحب له أن يجعل منى عن يمينه، والكعبة عن يساره، وجمرة العقبة أمامه، ثم يرميها بسبع حصيات متعاقبات، يرفع يده مع كل حصاة، ويكبر مع كل حصاة، ويتأكد بأن الرمي يقع في الحوض داخل المرمى؛ لحديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -، فعن عبد الرحمن بن يزيد: ((أنه حجَّ مع عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -، فرآه يرمي الجمرة ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1543، 1544، ومسلم، برقم 1281، 1282، وتقدم تخريجه في أحكام التلبية. (¬2) وقد أزيل طرف الجبل المتّصل بجمرة العقبة بناء على فتوى مفتي البلاد السعودية في عصره العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه اللَّه، بتاريخ 1/ 9/ 1375هـ، وأنشئت الطرقات بين جمرة العقبة والجبل، كما هو مشاهد الآن. [انظر: فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 5/ 150 - 151].

3 - وقت رمي جمرة العقبة، هذه الجمرة الوحيدة

الكبرى بسبع حصيات [يُكبِّر مع كل حصاة]، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم قال: ((هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة))، وفي رواية: أن عبد الرحمن بن يزيد كان مع ابن مسعود - رضي الله عنه - حين رمى جمرة العقبة، فاستبطن الوادي حتى إذا حاذى الشجرة اعترضها، فرمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم قال: ((من ها هنا - والذي لا إله غيره - قام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة))، وفي لفظ: ((أنه لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى بسبع، وقال هكذا رمى الذي أُنزلت عليه سورة البقرة)) (¬1). وعن جابر - رضي الله عنه - عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: (( ... ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يُكبِّر مع كل حصاة منها، حصى الخذف، رمى من بطن الوادي ... )) (¬2). 3 - وقت رمي جمرة العقبة، هذه الجمرة الوحيدة التي يستحب للحاج أن يرميها ضُحىً يوم النحر (¬3)، أما بقية الأيام فلا تُرمَى الجمار ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب رمي الجمار من بطن الوادي، برقم 1747، وباب رمي الجمار بسبع حصيات، برقم 1748، وباب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره، برقم 1749، وباب يكبر مع كل حصاة، برقم 1750، ومسلم كتاب الحج، باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي، وتكون مكة عن يساره، ويكبر مع كل حصاة، برقم 1296. (¬2) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬3) أول وقت رمي جمرة العقبة وآخره على النحو الآتي: أولاً: أول وقت رمي جمرة العقبة: أجمع العلماء على أن من رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس أجزأه ذلك، بل قال الإمام ابن المنذر في كتابه الإجماع، ص 72: ((وأجمعوا على أنه إن رمى جمرة العقبة يوم النحر بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس أنه يجزئ)). واختلفوا في أول الوقت الذي يجوز فيه رمي جمرة العقبة إلى ثلاثة أقوال: القول الأول: أول وقت رمي جمرة العقبة بعد منتصف الليل [وقيده بعضهم بعد غروب القمر، كما صحّ عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنها]، وبهذا قال الشافعي، وأحمد، وعطاء، وابن أبي ليلى، وعكرمة بن خالد، كما ذكره ابن قدامة في المغني، 5/ 295، وقال النووي في شرح المهذب: ((وبه قال عطاء، وأحمد، وهو مذهب أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنها، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد، واستدلوا بحديث عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: ((أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمِّ سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت)) [أبو داود، برقم 1942، والنسائي، برقم 3066]، وتقدم تخريجه في المبيت بمزدلفة، وقال ابن حجر في بلوغ المرام: ((إسناده على شرط مسلم، وقال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 3/ 263: ((إسناده حسن)). [وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 276، فقد نقل عن الإمام النووي تصحيحه في شرح المهذب، ثم قال الشنقيطي: ((ولا يخفى أن رواية أبي داود المذكورة ظاهرها الصحة)). قال شيخنا الإمام ابن باز رحمه اللَّه: ((لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل منتصف الليل من ليلة النحر، وكذلك طواف الإفاضة))، وقال رحمه اللَّه: ((الصحيح أن رمي جمرة العقبة في النصف الأخير من ليلة النحر مجزئ للضعفة وغيرهم، ولكن يشرع للمسلم القوي أن يجتهد حتى يرمي في النهار اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس)) [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 143، وكان يفتي كثيراً: بأنه يجوز الرمي بعد منتصف الليل، والأفضل بعد غروب القمر، ولكن الأفضل للأقوياء أن يرموا بعد طلوع الشمس، اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((وحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس)) [أخرجه أحمد، برقم 2082، و2089،و2507،و2841،و3003،و3192، و3203، وأبو داود، برقم 1940، والنسائي، 5/ 271، برقم 3064 والترمذي، برقم 893] ضعيف لانقطاعه بين الحسن العرني وابن عباس، وعلى فرض صحته فهو محمول على الندب جمعاً بين الأحاديث، كما نبَّه على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه)). [انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 143، 175، 222، 17/ 292، 294، 296، 377، 25/ 231]. وقال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: (( ... ولرمي هذه الجمرة [أي جمرة العقبة] وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء؛ فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس، قال ابن عبد البر: أجمع علماء المسلمين على أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إنما رماها ضحى ذلك اليوم، وقال جابر - رضي الله عنه -: ((رمى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الجمرة يوم النحر ضحىً، وأما بعد فإذا زالت الشمس)) [رواه مسلم، برقم 314 - (1299)] إلى أن قال: ((لأن رميها بعد طلوع الشمس يجزئ بالإجماع، وكان أولى. وحديث ابن عباس: ((لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس)) [أبو داود، برقم 1940، وغيره، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 545]، وكذا حديثه: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقدم ضعفاء أهله بغلس ويأمرهم - يعني - لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس)) [أخرجه أبو داود، برقم 1941، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 546] يحمل إذا كان صحيحاً على الاستحباب كما تقدم. وأما وقت الجواز فأوله نصف الليل من ليلة النحر، ... ثم استدل بحديث عائشة رضي اللَّه عنها في رمي صفية رضي اللَّه عنها قبل الفجر، وبحديث أسماء، وأنها نزلت من مزدلفة بعد غروب القمر، ثم رمت قبل صلاة الفجر، وقال: لأنه وقتٌ للدفع من مزدلفة، فكان وقتاً للرمي، ثم قال في الأخبار في الرمي بعد طلوع الشمس: ((والأخبار المتقدمة محمولة على الاستحباب)). [المغني، 5/ 294 - 295]. القول الثاني: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن رمي جمرة العقبة يبتدئ من بعد طلوع الشمس، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، واحتجوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم ... )) [مسلم، برقم 1218، والبيهقي بلفظه، 5/ 125]، وبحديث ابن عباس، وفيه: (( ... لا ترموا الجمرة حتى تطلع المشس)) [أبو داود، برقم 1940، والنسائي، 5/ 271، والترمذي، برقم 893، وتقدم الحكم عليه]. القول الثالث: أول وقت رمي جمرة العقبة للضعفة بعد طلوع الفجر، ولغير الضعفة بعد طلوع الشمس، وهو قول لبعض أهل العلم، واختاره ابن القيم في زاد المعاد، 2/ 252، قال ابن القيم رحمه اللَّه: ((وفي المسألة ثلاثة مذاهب: أحدها: الجواز بعد نصف الليل مطلقاً للقادر والعاجز، كقول الشافعي وأحمد رحمهما اللَّه: [قال شيخنا رحمه اللَّه تعليقاً على هذا المذهب: وهذا هو الصواب، لكن بعد نصف الليل، والأقوياء الأفضل لهم تأخير الرمي إلى بعد طلوع الشمس]. والثاني: لا يجوز إلا بعد طلوع الفجر، كقول أبي حنيفة رحمه اللَّه، والثالث: لا يجوز لأهل القدرة إلا بعد طلوع الشمس، كقول جماعة من أهل العلم، والذي دلت عليه السنة إنما هو التعجيل بعد غيبوبة القمر، لا نصف الليل، وليس مع من حدَّه بالنصف دليل، واللَّه أعلم)) [زاد المعاد، 2/ 252]. ويرى العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه: أنه لا يدفع أحد من مزدلفة، ولا يرمي إلا بعد أن يصلي الفجر ما لم يكن ضعيفاً، أو صاحب ضعيف، ومع ذلك لو دفع بعد نصف الليل فإنه لا يأثم، والمسألة من باب الأفضلية [الشرح الممتع، 7/ 361]. ثانياً: آخر وقت رمي جمرة العقبة يمتد إلى غروب الشمس يوم النحر، قال الإمام ابن قدامه في المغني، 5/ 295: ((قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقتٍ لها، وإن لم يكن مستحباً لها))؛ ولحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُسأل يوم النحر بمنى، فيقول: ((لا حرج))، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ فقال: ((اذبح ولا حرج))، وقال: رميت بعدما أمسيت؟ فقال: ((لا حرج)) [البخاري، برقم 1735، بلفظه، ومسلم، برقم 1307]. قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه في فتح الباري، 3/ 569 في قوله: ((رميت بعدما أمسيت)) أي بعد دخول المساء، وهو يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتدَّ الظلام، فلم يتعيَّن لكون الرمي المذكور كان بالليل))، فإن غربت الشمس يوم النحر وهو لم يرمِ جمرة العقبة، فقد اختلف العلماء على قولين: القول الأول: يجوز الرمي ليلاً، وهو قول عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، وبه قال الإمام مالك وأصحابه، والإمام الشافعي، ومحمد بن المنذر، ويعقوب، واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها: 1 - حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُسأل يوم النحر بمنىً فيقول: ((لا حرج))، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ فقال: ((إذبح ولا حرج))، وقال: رميت بعدما أمسيتُ؟ فقال: ((لا حرج)) [البخاري، برقم 1735]، قالوا: فقد صرّح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن من رمى بعدما أمسى لا حرج عليه، واسم المساء يصدق بجزء من الليل [أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 282]. 2 - ما روى مالك في الموطأ في كتاب الحج، باب الرخصة في رمي الجمار، 1/ 409، عن نافع مولى ابن عمر: ((أن ابنة أخٍ لصفية بنت أبي عبيد نفست بالمزدلفة، فتخلفت هي وصفية حتى أتتا من بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرهما عبد اللَّه بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا ولم ير عليهما شيئاً))، قال العلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر في كتابه تبصير الناسك، ص 145: ((بإسناد صحيح))، فقال أصحاب هذا القول: فقد أمر ابن عمر زوجته صفية بنت أبي عبيد وابنة أخيها برمي الجمرة بعد الغروب، ورأى أنهما لا شيء عليهما في ذلك، وذلك يدل على أنه علم من النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن الرمي ليلاً جائز. [أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 285]. القول الثاني: لا يجوز الرمي ليلاً، بل إن غربت الشمس يوم النحر وهو لم يرمِ، فإنه يؤخر رمي جمرة العقبة حتى تزول الشمس من الغد ثم يرميها، وبهذا قال أبو حنيفة، وهو مذهب الإمام أحمد، قال الإمام ابن قدامه في المغني، 5/ 295: ((فإن أخرها إلى الليل لم يرمِ حتى تزول الشمس من الغد، وبهذا قال أبو حنيفة وإسحاق ... ))، وردّ أصحاب هذا القول على من استدل بحديث: ((رميت بعدما أمسيت)) فقالوا: إن مراد السائل بقوله: ((بعدما أمسيت)) يعني به بعد زوال الشمس في آخر النهار قبل الليل، قالوا: والدليل الواضح على ذلك: أن حديث ابن عباس المذكور فيه: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُسأل يوم النحر بمنى ... الحديث، فتصريحه بقوله: ((يوم النحر)) يدل على أن سؤاله وقع في النهار، والرمي بعد الإمساء وقع في النهار؛ لأن المساء يطلق لغة على ما بعد وقت الظهر إلى الليل، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 3/ 569: ((رميت بعدما أمسيت)) أي بعد دخول المساء))، وهو يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتدّ الظلام لم يتعين لكون الرمي المذكور كان بالليل))، وقال ابن منظور في لسان العرب: ((المساء بعد الظهر إلى صلاة المغرب، وقال بعضهم إلى نصف الليل)). فأجاب أصحاب القول الأول بأجوبة منها: الجواب الأول: أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا حرج)) بعد قول السائل رميت بعدما أمسيت؟ يشمل لفظه نفي الحرج عمن رمى بعدما أمسى، وخصوص سببه بالنهار لا عبرة به؛ لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ولفظ المساء عام لجزء من النهار وجزء من الليل. الجواب الثاني: أنه ثبت في بعض روايات حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما المذكور ما هو أعم من يوم النحر، وهو صادق قطعاً بحسب الوضع اللغوي ببعض أيام التشريق، ومعلوم أن الرمي فيها لا يكون إلا بعد الزوال، فقول السائل في بعض أيام التشريق: رميت بعد

ثانيا: نحر الهدي أو ذبحه:

الثلاث إلا بعد الزوال فعن جابر - رضي الله عنه - قال: ((رمى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ضحىً وأما بعدُ فإذا زالت الشمس))، هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري معلقاً: ((رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ضحىً، ورمى بعد ذلك بعد الزوال)) (¬1)، وجمرة العقبة هي الأخيرة مما يلي مكة (¬2). ثانياً: نحر الهدي أو ذبحه: إذا فرغ الحاج من رمي جمرة العقبة نحر هديه أو ذبحه، وهو شاة، أو سُبُعُ بدنة، أو سُبُعُ بقرة، وهو واجب على المتمتع والقارن؛ لقوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (¬3). ويُستحب أن يقول عند ذبحه أو نحره: ((بسم اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّهم ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري معلقاً مجزوماً به، كتاب الحج، باب رمي الجمار، قبل الحديث رقم 1746، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وقت استحباب الرمي، برقم 314 - (1299). (¬2) جمرة العقبة لها خصائص اختصت بها على سائر الجمرات على النحو الآتي: 3 - 1 - ترمى يوم النحر. 2 - صباحاً. 3 - ترمى من أسفلها. 4 - لا يوقف عندها للدعاء. 5 - تستقبل حال الرمي. 6 - أحد ما يحلّ به الحاج. 7 - قطع الحاج التلبية إذا رماها. [فتاوى العلامة محمد بن إبراهيم رحمه اللَّه، 6/ 15]. (¬3) سورة البقرة، الآية: 196.

منك ولك [اللَّهم تقبل مني])) (¬1). ويُسنُّ ذبح الغنم والبقر على جنبها الأيسر موجهة إلى القبلة، ونحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى؛ لحديث زياد بن جبير، قال: ((رأيت ابن عمر رضي اللَّه عنهما أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها، قال: ابعثها قياماً مُقَيَّدة سُنّة محمد - صلى الله عليه وسلم -)) هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: ((أن ابن عمر أتى على رجل وهو ينحر بدنة باركة، فقال: ابعثها قياماً مقيدة سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). ويستحب أن يأكل من هديه، ويُهدي، ويتصدق؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (¬3)، ويمتد وقت الذبح على الصحيح إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر من أيام التشريق (¬4) ويجوز له أن يذبح في منى وهو الأفضل أو في مكة؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت ها هنا، وعرفة كلها موقف، ووقفت ها هنا، وجمع كلها موقف))،هذا لفظ مسلم، ولفظ أبي داود: ((وقفت ها هنا بعرفة، وعرفة كلها موقف، ووقفت ها هنا بجمع، وجمع كلها موقف، ونحرت ها هنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة، والتسمية والتكبير، برقم 18 - (1966)، ولفظ مسلم: ((بسم اللَّه، واللَّه أكبر [اللَّهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد])) من حديث أنس - رضي الله عنه -، وما بين المعقوفين من حديث عائشة رضي اللَّه عنها عند مسلم، في صحيحه، برقم 1967، وعند البيهقي 9/ 287: ((اللَّهم منك ولك ... )) من حديث جابر - رضي الله عنه -، ومن حديث ابن عباس، 9/ 287. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب نحر الإبل مقيدة، برقم 1713، ومسلم، كتاب الحج، باب نحر الإبل قياماً مقيدة، برقم 1320. (¬3) سورة الحج، الآية: 28. (¬4) انظر مجموع فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 5/ 274.

ثالثا: الحلق أو التقصير، والحلق أفضل:

رحالكم)) (¬1)،وفي لفظ لأبي داود: ((كل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طريق ومنحر)) (¬2). ثالثاً: الحلق أو التقصير، والحلق أفضل: إذا فرغ الحاج من ذبح هديه أو نحره لمن كان له هدي حلق رأسه أو قصَّره، والحلق أفضل للرجل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بالرحمة والمغفرة للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة واحدة؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رحم اللَّه المحلقين))،قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه، قال: ((رحم اللَّه المحلّقين))،قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه، قال: ((رحم اللَّه المحلقين))،قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه؟ قال: ((والمقصرين)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه: ((اللَّهم اغفر للمحلقين))، قالوا: يا رسول اللَّه والمقصرين، قال: ((اللَّهم اغفر للمحلقين))، قالوا: يا رسول اللَّه والمقصرين؟ قال: ((اللَّهم اغفر للمحلقين))، قالوا: يا رسول اللَّه والمقصرين؟ قال: ((والمقصِّرين)) (¬4). أما المرأة فليس عليها إلا التقصير تأخذ من كل قرن قدر الأنملة أو أقل. ¬

(¬1) مسلم، برقم 149 - (1218)، وأبو داود، كتاب المناسك، باب الصلاة بجمع، برقم 1936، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 544. (¬2) أبو داود، كتاب المناسك، باب الصلاة بجمع، برقم 1937، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 545: ((حسن صحيح)). (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال، برقم،1727،ومسلم، واللفظ له، في كتاب الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير، برقم 318 - (1301). (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال، برقم 1728، ومسلم، واللفظ له، في كتاب الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير، برقم 1302.

وبعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير يباح للمحرم كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء، ويُسمَّى هذا التحلل الأول (¬1). ¬

(¬1) مسائل مهمة في التحلل على النحو الآتي: المسألة الأولى: اختلف العلماء رحمهم اللَّه: هل الحلق نسك أم لا؟ على قولين: القول الأول: الحلق والتقصير نسك لا بد من فعله في الحج، والعمرة، فهو واجب من واجبات الحج، وواجب من واجبات العمرة، يثاب على فعله، ويستحق العقاب من تركه [قاله ابن تيميه في شرح العمدة، 2/ 541]، قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه في المغني، 5/ 304: ((والحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة، في ظاهر مذهب أحمد، وقول الخرقي، وهو قول مالكٍ، وأبي حنيفة، والشافعي))، وبيَّن الإمام ابن قدامة أن هذا القول هو الأصح؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به، فروى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة وليقصر وليحل))، [البخاري، برقم 1623، ومسلم برقم 1211]، وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أحلوا من إحرامكم بطوافٍ بالبيت، وبين الصفا والمروة، وقصِّروا)) [البخاري، برقم 1466، ومسلم، برقم 1005] وأمره يقتضي الوجوب؛ ولأن اللَّه تعالى وصفهم به، بقوله سبحانه: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [سورة الفتح: 27]، ولو لم يكن من المناسك لما وصفهم به، كاللبس، وقتل الصيد؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترحَّم على المحلقين ثلاثاً، وعلى المقصرين مرة، ولو لم يكن من المناسك لما دخله التفضيل، كالمباحات؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فعلوه في جميع حججهم وعمرهم، ولم يخلَّوا به، ولو لم يكن نسكاً لما داوموا عليه، بل لم يفعلوه إلا نادراً؛ لأنه لم يكن من عاداتهم فيفعلوه عادة، ولا فيه فضل فيفعلوه لفضله ... )) [المغني لابن قدامه، 5/ 305 - 306 بتصرف]. وقال الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 588: ((التحقيق أن الحلق نسك، وأنه أفضل من التقصير)). القول الثاني: الحلق والتقصير ليس بنسك، وإنما هو إطلاق من محظور كان محرَّماً عليه بالإحرام، فأطلق فيه عند الحل، كاللباس والطيب وسائر محظورات الإحرام، وهذا القول رواية عن أحمد، فعلى هذه الرواية لا شيء على تاركه، ويحصل الحلُّ بدونه، ووجه ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالحل من العمرة قبله، فروى أبو موسى قال: قدمتُ على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: (بمَ أهللتَ؟) قال: قلت: لبيك بإهلالٍ كإهلال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((أحسنت))، فأمرني فطفت بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم قال لي: ((أحلّ)) [البخاري، برقم 1609، ومسلم، برقم 1221]. وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سعى بين الصفا والمروة، قال: ((من كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة)) [مسلم، برقم 1218]، وعن سراقه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا قدمتم فمن تطوَّف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حلَّ إلا من كان معه هدي)) [أخرجه أحمد، برقم 15419، وأبو داود، برقم 1801،والدارِمِي، برقم 1857، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1573]؛ ولأن ما كان محرماً في الإحرام إذا أبيح كان إطلاقاً من محظور، كسائر محرّماته [المغني، 5/ 306]. والصواب أن الحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة، وواجب من واجبات الحج، وواجب من واجبات العمرة، وعلى من تركه دمٌ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه عن قول من قال: بأن الحلق أو التقصير ليس بنسك: ((واعلم أن هذا القول غلط على المذهب ليس عن أحمد ما يدل على هذا، بل كلامه كله دليل على أن الحلق من المناسك [شرح العمدة، 2/ 541]. وقال العلامة الشنقيطي: ((وأظهر القولين عندي: أن الحلق نسك)) [أضواء البيان، 5/ 288] وقال العلامة محمد بن عثيمين رحمه اللَّه في الشرح الممتع: 7/ 366: ((والصواب: أنه نسك، وعبادة وقربة لله، والدليل على هذا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((دعا للمحلقين والمقصرين))، ولا يدعو إلا بشيء مطلوب شرعاً. ونقل ابن مفلح في الفروع، 6/ 57 اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه نُسُكٌ، ويحلُ قبله، وذكر جماعة على أنه نسك في حلّه قبله روايتين. المسألة الثانية: اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في مسألة التحلل من الحج على أقوال: القول الأول: التحلل الأول يحصل بمجرد رمي جمرة العقبة، فيحل له كل شيء إلا النساء، وبه قال الإمام أحمد في رواية عنه، والإمام مالك، وعطاء، وأبو ثور؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حلَّ له كلُّ شيءٍ إلا النساء)) [أبو داود، برقم 1978، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 554]، وقول ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: ((إذا رميتم الجمرة فقد حلَّ لكم كلُّ شيء إلا النساء))،فقال له رجل: يا ابن عباس والطيب؟ فقال: ((أما أنا فقد رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُضمِّخُ رأسه بالمسك، أفطيب ذلك أم لا؟))،وهذا لفظ ابن ماجه، وأما لفظ النسائي، فقال: ((فعن ابن عباس قال: ((إذا رمى الجمرة فقد حلَّ له كلُّ شيء إلا النساء)) قيل: والطيبُ؟ قال: ((أما أنا فقد رأيتُ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يتضمَّخ بالمسك، أفطيب هو؟)) [ابن ماجه، كتاب المناسك، باب ما يحل للرجل إذا رمى جمرة العقبة، برقم 3041، والنسائي، كتاب مناسك الحج، باب ما يحل للمحرم بعد رمي الجمار، برقم 3084، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 53، وفي صحيح النسائي، 2/ 364]، وأخرجه أحمد، 5/ 276، برقم: 3204، وقال محققو المسند، 5/ 276: ((صحيح لغيره، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الحسن بن عبد العزيز فمن رجال مسلم، وهو ثقة إلا أنه لم يسمع من ابن عباس))، ورواه أحمد أيضاً مرفوعاً4/ 5، برقم 2090، ولكن فيه الحسن العرني كذلك، وله شاهد عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: ((طيبت رسول اللَّه بيدي بذريرة لحجة الوداع للحلِّ والإحرام: حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت))، [أحمد، 43/ 190، برقم 26078، وقال محققو المسند، 43/ 190: ((إسناده صحيح على شرط الشيخين))، وقال الإمام النسائي ... عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: ((طيبت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، لحرمه حين أحرم، ولحلِّه بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت)) [النسائي، برقم 2686، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 256] قال الألباني في إرواء الغليل، 4/ 238، عن إسناد الإمام أحمد، وإسناد النسائي هذا: ((وإسنادهما صحيح على شرط الشيخين)) [وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 239]. وقد رجّح هذا القول الإمام ابن قدامه في المغني، 5/ 310، فقال: ((وعن أحمد أنه إذا رمى جمرة العقبة، فقد حلَّ، وإذا وطئ بعد جمرة العقبة فعليه دم، ولم يذكر الحلق، وهذا يدل على أن الحِلَّ بدون الحلق [يعني التحلل الأول]، وهذا قول عطاء، ومالك، وأبي ثور، وهو الصحيح إن شاء اللَّه تعالى؛ لقوله: [- صلى الله عليه وسلم -] في حديث أم سلمة رضي اللَّه عنها: ((إن هذا يوم رُخِّص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلُّوا - يعني من كل ما حُرمتم منه - إلا النساء .. )) [أبو داود، برقم 1969، في كتاب المناسك، باب الإفاضة في الحج، وقال الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 560: ((حسن صحيح)). قال شيخنا ابن باز في مجموع الفتاوى، 17/ 316: (( ... التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة عند جمع من أهل العلم، وهو قولٌ قويٌ، وإنما الأحوط هو تأخير التحلل الأول حتى يحلق المحرم، أو يقصرّ، أو يطوف الإفاضة، ويسعى إن كان عليه سعي بعد رمي جمرة العقبة، ومتى فعل الثلاثة المذكورة حلّ التحلّل كله، واللَّه ولي التوفيق)). القول الثاني: التحلل الأول لا يحصل إلا برمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير، فإذا فعل ذلك حلَّ له كله شيء إلا النساء، وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي، والإمام أحمد في الرواية الأخرى، قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه في المغني، 5/ 307: (( ... المحرم إذا رمى جمرة العقبة ثم حلق حلَّ له كلُّ ما كان محظوراً بالإحرام إلا النساء، هذا الصحيح من مذهب أحمد رحمه اللَّه، نصَّ عليه، في رواية جماعة، فيبقى ما كان محرماً عليه من النساء: من الوطء، والقبلة، واللمس، لشهوة، وعقد النكاح، ويحلُّ له ما سواه، هذا قول ابن الزبير، وعائشة، وعلقمة، وسالم، وطاوس، والنخعي، وعبيد بن الحسن، وخارجة بن زيد، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وروي أيضاً عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما)). وعن أحمد أنه يحلُّ له كل شيء إلا الوطء في الفرج، لأنه أغلظ المحرمات، ويُفسدُ النسك بخلاف غيره))، وقال المرداوي في الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف، 9/ 213: ((وظاهر كلام أبي الخطاب، وابن شهاب، وابن الجوزي ... حلُّ العقدِ، وقاله الشيخ تقي الدين، وذكره عن أحمد، وعنه إلا الوطء في الفرج))، وفي الاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص 175: ((يحلُّ للمحرم بعد التحلل الأول كلُّ شيء حتى عقد النكاح، وهذا منصوص أحمد إلا النساء)). وقال ابن قدامة في المغني، 5/ 309: ((وظاهر كلام الخرقي ها هنا: أن الحلَّ إنما يحصلُ بالرمي والحلق معاً، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وقول الشافعي، وأصحاب الرأي))، واستدلوا بحديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء)) [أحمد، 42/ 40، برقم 2503، قال محققو المسند، 42/ 40: ((صحيح دون قوله: ((وحلقتم))، وهذا إسناد ضعيف لضعف حجاج بن أرطأة))، وقال الألباني في إرواء الغليل، 4/ 235، برقم 1046: ((وضعيف بزيادة ((وحلقتم))، قال ابن قدامه في المغني، 5/ 310: ((وترتيب الحل عليهما دليل على حصوله بهما؛ ولأنهما نسكان يتعقبهما الحلُّ فكان حاصلاً بهما، كالطواف والسعي في العمرة))، وأما التحلل الثاني فيحصل بالطواف بالبيت والسعي لمن كان عليه سعي. قال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، 7/ 365: ((الذي يظهر لي أنه لا يحل إلا بعد الرمي والحلق، والدليل قول عائشة رضي اللَّه عنها: ((كنت أطيب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) [البخاري، برقم 259، ومسلم برقم 1189]، ولو كان يحل بالرمي لقالت: ولحله قبل أن يحلق، فهي رضي اللَّه عنها جعلت الحلَّ ما بين الطواف والذي قبله، والذي قبله هو الرمي، والنحر، والحلق، ولا سيما وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر)) [البخاري، برقم 1566، ومسلم، برقم 1229]، فالصواب أنه لا يحل التحلل الأول إلا بعد الرمي والحلق)). وتقدم أن شيخنا ابن باز بيّن أن الأحوط أن لا يحل التحلل الأول إلا بعد الرمي والحلق، أو فعل اثنين من ثلاثة. [انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 224، 17/ 131، 327، 354، 355، 358، و 25/ 231، 240]. القول الثالث: التحلل الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة: هي رمي جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة، فإذا فعل اثنين من هذه الثلاثة: تحلّل التحلّل الأول، وحلّ له كلُّ شيء إلا النساء، وإن فعل الثالث تحلل التحلل الثاني، وبهذا يحلُّ له كل شيء حتى النساء، وبهذا قال الإمام الشافعي كما نقله العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 289، وهو رواية عن الإمام أحمد، كما قاله ابن مفلح في الفروع، 6/ 57، قال: ((وهل يحصل التحلل الأول باثنين من رمي، وحلق، وطواف، واختاره الأكثر، أو بواحد من رمي، وطواف، والثاني بالباقي، فيه رواي

فإذا تحلل التحلل الأول: استحب له أن يتطيب؛ لقول عائشة رضي اللَّه عنها: ((كنت أطيب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) (¬1). ويستحب له أن يتنظف ويلبس أحسن ثيابه. ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1539، ومسلم، برقم 1189، وتقدم تخريجه في الإحرام.

رابعا: طواف الإفاضة مع السعي لمن كان عليه سعي:

رابعاً: طواف الإفاضة مع السعي لمن كان عليه سعي: يتوجه الحاج بعد الأعمال السابقة إلى مكة؛ ليطوف بالبيت، ويُسمَّى هذا الطواف: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وهو ركن من أركان الحج، وهو المراد في قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (¬1) ويكون طوافه كطواف العمرة، وطواف القدوم الذي ذُكِرَ سابقاً تماماً، لكن ليس فيه رمل ولا اضطباع. ثم يُصلِّي ركعتين خلف المقام، ويستحب أن يشرب من زمزم؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -،ففي حديث جابر - رضي الله عنه -: (( ... ثم ركب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأفاض (¬2) إلى البيت، فصلَّى بمكة الظهر (¬3)، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: ((انزعوا (¬4) بني عبد المطلب، فلولا أن لا يغلبكم الناس (¬5) على ¬

(¬1) سورة الحج، الآية: 29. (¬2) فأفاض إلى البيت: فيه محذوف تقديره: فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة، ثم صلَّى الظهر، فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه. [شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 443]. (¬3) جاء في حديث جابر هذا أنه صلى الظهر يوم النحر بمكة، وفي حديث ابن عمر عند مسلم أيضاً برقم 1308: ((أنه - صلى الله عليه وسلم - أفاض يوم النحر، ثم رجع وصلَّى الظهر بمنى))، وكذلك قالت عائشة: إنه صلى الظهر بمنى والجمع بين حديث جابر، وحديث ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهم - أنه طاف طواف الإفاضة وصلى الظهر بمكة في أول وقتها وهي فريضته، ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه حين سألوه ذلك، فتكون الظهر الثانية نافلة له، والأولى فرضه. [شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 443 - 444]. وهكذا جمع بين ذلك شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 283، وانظر: أضواء البيان، 5/ 218. (¬4) انزعوا: معناه: استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء [شرح النووي، 8/ 444]. (¬5) لولا أن يغلبكم الناس: أي: لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون عليه، بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لأسقيت معكم؛ لكثرة فضيلة هذا الاستقاء [شرح النووي، 8/ 444].

سقايتكم لنزعتُ معكم، فناولوه دلواً فشرب منه)) (¬1). ثم بعد طواف الإفاضة (¬2)، وصلاة ركعتين يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً؛ لأن سعيه الأول لعمرته وهذا سعي الحج؛ لحديث ¬

(¬1) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه، وانظر: ما أخرجه البخاري عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما، برقم 1635. (¬2) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في أول وقت طواف الإفاضة وآخره على قولين: القول الأول: أول وقت طواف الإفاضة بعد مضي منتصف الليل، وآخره لا حد له، وبهذا قال الإمام أحمد، والشافعي، قال الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 312: ((ولهذا الطواف وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء، فأما وقت الفضيلة فيوم النحر بعد الرمي، والنحر، والحلق، ... وأما وقت الجواز فأوله من نصف الليل من ليلة النحر، وبهذا قال الشافعي ... والصحيح أن آخر وقته غير محدود، فإنه متى أتى به صح بغير خلاف، وإنما الخلاف في وجوب الدم))، وقال الإمام النووي: ((وأول وقته عندنا من نصف ليلة النحر، وأفضله بعد رمي جمرة العقبة، وذبح الهدي والحلق، ويكون ذلك ضحوة يوم النحر، ويجوز في جميع يوم النحر، بلا كراهة، ويكره تأخيره عنه بلا عذر، وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة، ولا يحرم تأخيره سنين متطاولة، ولا آخر لوقته بل يصح ما دام الإنسان حياً، وشرطه أن يكون بعد الوقوف بعرفات، حتى لو طاف للإفاضة بعد نصف ليلة النحر قبل الوقوف، ثم أسرع إلى عرفات، فوقف قبل الفجر، لم يصح طوافه؛ لأنه قدَّمه على الوقوف)) [شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 443]. القول الثاني: أوله طلوع الفجر من يوم النحر، وبه قال أبو حنيفة، وهو رواية عن أحمد، قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه في المغني: ((وقال أبو حنيفة: أوله طلوع الفجر من يوم النحر، وآخره آخر أيام النحر، وهذا مبني على أول وقت الرمي، وأما آخر وقته فاحتجّ بأنه نسك، فكان آخره محدوداً، كالوقوف والرمي، والصحيح أن آخر وقته غير محدود، فإنه متى أتى به صح بغير خلاف، وإنما الخلاف في وجوب الدم ... )). وهذا القول رواية عن أحمد، قال المرداوي في الإنصاف، 9/ 227: ((ووقته بعد منتصف الليل من ليلة النحر، يعني وقت طواف الزيارة، وهذا هو المذهب، وعليه الأصحاب، وعنه وقته من فجر يوم النحر)). [وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 215].

عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: ((خرجنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع ... )) الحديث، وفيه: (( ... فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حلّوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجِّهم، وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً)) (¬1)، وتعني بالطواف الآخر الطواف بين الصفا والمروة على أصح الأقوال؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق الجميع، وقد فعلوه. ويدل على صحة ذلك أيضاً ما رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه سُئِلَ عن متعة الحج فقال أهلّ المهاجرون والأنصار، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، وأهللنا فلمَّا قدمنا مكة قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلَّد الهدي))، فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: ((من قلَّد الهدي؛ فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله))، ثم أمرنا عشية التروية أن نهلَّ بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وقد تمَّ حجنا وعلينا الهدي)) (¬2)، وهذا صريح في سعي المتمتع مرتين واللَّه أعلم (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((فيه التصريح في أن المتمتع ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب التمتع والقران والإفراد بالحج، وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، برقم 1561، ومسلم واللفظ له، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه، برقم 1211. (¬2) البخاري، كتاب الحج، باب قول اللَّه تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]، برقم 1572. (¬3) انظر: فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 5/ 275، وزاد المعاد، 2/ 273.

عليه سعيان: السعي الأول لعمرته، والسعي الثاني لحجِّه)) (¬1). أما القارن والمفرد فليس على كل واحدٍ منهما إلا سعي واحد؛ فإن كان قد سعاه بعد طواف القدوم كفاه ذلك عن السعي بعد طواف الإفاضة، وإلا سعى بعد طواف الإفاضة (¬2) (¬3). ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1572. (¬2) انظر: حديث جابر - رضي الله عنه - في صحيح مسلم، برقم 1218، والكلام على ذلك مع التحقيق في زاد المعاد، 2/ 273. (¬3) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في طواف القارن والمتمتع إلى ثلاثة مذاهب على النحو الآتي: المذهب الأول: أن على القارن طوافاً واحداً وسعياً واحداً، وأن ذلك يكفيه لحجته وعمرته، وأن على المتمتع طوافين وسعيين، وهذا هو مذهب جمهور العلماء: منهم مالك، والشافعي، وأحمد في أصح الروايات. واحتجوا بأحاديث صحيحة ليس مع مخالفيهم ما يقاومها: أولاً: أدلتهم على أن القارن يكفيه طواف واحد بالبيت، وسعي واحد بين الصفا والمروة منها الأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث عائشة رضي اللَّه عنها: ((أنها حاضت بسرف فتطهرت بعرفة، فقال لها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك)) [مسلم، برقم 133 - (1211) وفي رواية أنها: ((أهلت بعمرة فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت، فنسكت المناسك كلها، وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النفر: ((يسعك طوافك [أي يكفيك] لحجك وعمرتك)) الحديث. [مسلم برقم 332 - (1211)].قال الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 172: ((ففي هذا الحديث الصحيح التصريح بأنها كانت محرمة أولاً، ومنعها الحيض من الطواف فلم يمكنها أن تحل بعمرة فأهلت بالحج مع عمرتها الأولى فصارت قارنة، وقد صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح بأنها قارنة، حيث قال: ((لحجك وعمرتك)) ومع ذلك صرح بأنها يكفيها لهما طواف واحد)). الحديث الثاني: حديث عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: ((خرجنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان معه هديٌ فليُهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحلّ حتى يحِلّ منهما جميعاً)) الحديث. وفيه: ((فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حلُّوا ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً)) [البخاري، برقم 1516، ومسلم بلفظه، برقم 1211، وتقدم تخريجه]، ومقصودها بالطواف هو الطواف بين الصفا والمروة، أما الطواف بالبيت فهو ركن من أركان الحج في حق الجميع. الحديث الثالث: حديث جابر - رضي الله عنه - وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((دخلت العمرة في الحج مرتين)) [مسلم، برقم 1218]، وتصريحه - صلى الله عليه وسلم - بدخولها فيه يدل على دخول أعمالها في أعماله حالة القران، وإن أوَّله جماعات من أهل العلم بتأولات أخرى متعددة [أضواء البيان، 5/ 177]. الحديث الرابع: حديث عبد اللَّه ابن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد، وسعي واحد عنهما حتى يحل منهما جميعاً)) [الترمذي، برقم 948، وابن ماجه، برقم 2975، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 486، وأصله في صحيح مسلم برقم 181 - (1230)، وأخرجه البخاري، في الحج باب طواف القارن، وباب من اشترى الهدي من الطريق، والأحاديث الدالة على أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد لحجه وعمرته، كفعل المفرد كثيرة، وفيما ذكرت من الأحاديث الصحيحة الصريحة كفاية لمن يريد الحق [وانظر: أضواء البيات للشنقيطي، 5/ 177]. ثانياً: أدلتهم على أن المتمتع لا بد له من طوافين بالبيت، وسعيين بين الصفا والمروة، طواف وسعي لعمرته، وطواف وسعي لحجه، أدلة كثيرة، منها الأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وفيه أن المهاجرين والأنصار وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قدموا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن لم يكن معه الهدي طاف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلَّ، ثم أحرموا بالحج يوم التروية، جاءوا بعد فراغهم من المناسك، فطافوا بالبيت، وبالصفا والمروة [البخاري، برقم 1572]،وهذا المعنى، ولفظ الحديث تقدم ذكره في طواف الإفاضة قبل قليل فاكتفيت بالمعنى هنا. الحديث الثاني: حديث عائشة رضي اللَّه عنها، وتقدم ذكره في متن هذا البحث في طواف الإفاضة، وفيه: (( ... فطاف الذين أهلُّوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حلُّوا ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ... )) [البخاري، برقم 1561، مسلم، برقم 1211، واللفظ لمسلم]، وتعني بالطواف الآخر: الطواف بين الصفا والمروة، أما الطواف بالبيت طواف الإفاضة فهو ركن في حق الجميع. قال الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 183: ((فهذا نص صريح متفق عليه، يدل على الفرق بين القارن والمتمتع، وأن القارن يفعل كفعل المفرد، والمتمتع يطوف لعمرته، ويطوف لحجه، فلا وجه للنزاع في هذه المسألة بعد هذا الحديث، وحديث ابن عباس المذكور قبله، وقول من قال: إن المراد بالطواف الواحد في حديث عائشة هذا: السعي له وجه من النظر، واختاره ابن القيم، وهو وجيه عندي)). المذهب الثاني: المتمتع كالقارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد، وهو رواية عن أحمد، وبه قال ابن تيمية [انظر: مجموع فتاويه، 26/ 138]، فقد استدل من قال بهذا، بحديث جابر - رضي الله عنه -، قال: ((لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً))، وفي لفظ: ((طوافه الأول))، [مسلم، برقم 1279]. قال الإمام النووي رحمه اللَّه [في شرح صحيح مسلم، 9/ 29]: ((فيه دليل لما قدمناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارناً، وأن القارن يكفيه طواف واحد، وسعي واحد، وقد سبق خلاف أبي حنيفة وغيره في المسألة، واللَّه أعلم))، وقال من تمسك بهذا الحديث من الحنفية وغيرهم: ((هذا نص صريح صرح فيه جابر بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يطف هو ولا أصحابه إلا طوافاً واحداً، ومعلوم أن أصحابه فيهم القارن، وهو من كان معه الهدي، وفيهم المتمتع، وهو من لم يكن معه هدي، وإذن ففي هذا الحديث الصحيح الدليل على استواء القارن والمتمتع في لزوم طواف واحد وسعي واحد فقط)) [انظر: أضواء البيان، 5/ 184]. وأجاب المخالفون عن هذا بأجوبة منها: الجواب الأول: إن الجمع واجب إن أمكن، قالوا: وهو هنا ممكن، بحمل حديث جابر هذا على أن المراد بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين لم يطوفوا إلا طوافاً واحداً للعمرة والحج، خصوص القارنين منهم، كالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان قارناً بلا شك، وإن حمل حديث جابر على هذا كان موافقاً لحديث عائشة، وحديث ابن عباس المتقدمين وهذا واضح. الجواب الثاني: أنا لو سلمنا أن الجمع غير ممكن هنا في حديث جابر المذكور مع حديث عائشة وحديث ابن عباس، فقد تقرر في الأصول وعلوم الحديث أن المثبت مقدم على النافي، فيجب تقديم حديث ابن عباس وحديث عائشة؛ لأنهما مثبتان على حديث جابر النافي. الجواب الثالث: أن عدم طواف المتمتع بعد رجوعه من منى الثابت في الصحيح رواه جابر وحده، وطوافه بعد رجوعه من منى رواه في الصحيح: ابن عباس، وعائشة، وما رواه اثنان أرجح مما رواه واحد، قال في مراقي السعود: وكثرة الدليل والرواية مرجّح لدى ذوي الدراية [أضواء البيان، 5/ 185]. المذهب الثالث: القارن والمتمتع يلزم كل واحد منهما طوافان، وسعيان: طواف وسعي للعمرة، وطواف وسعي للحج، وبه قال أبو حنيفة ومن وافقه، واستدلُّوا بأحاديث ضعيفة عن محمد بن الحنفية عند النسائي في الكبرى، وعن ابن عمر عند الدارقطني، وعن عمران بن حصين عند الدارقطني، وقد تكلم عن هذه الأحاديث العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 186 - 191، ثم قال: ((وقد علمت .. أن جميع هذه الأحاديث الدالة على طوافين وسعيين للقارن، ليس فيها حديث قائم ... )). وأجاب من قال: بأن القارن ليس عليه إلا طواف واحد وسعي واحد كفعل المفرد: أجابوا على الأحاديث المذكورة من وجهين: الوجه الأول: هو أن جميع الأحاديث المذكورة ضعيفة كما قال أهل العلم. الوجه الثاني: لو سلمنا تسليماً جدلياً أن بعضها يصلح للاحتجاج فهي معارضة بما هو أقوى منها، وأصح وأرجح، فتكون شاذة. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في الأضواء، 5/ 190: ((وقد اتضح في هذه المسألة أن التحقيق فيها: أن القارن يفعل كفعل المفرد لاندراج أعمال العمرة في أعمال الحج)).

والأعمال التي يحصل بها التحلل الثاني ثلاثة

والأعمال التي يحصل بها التحلل الثاني ثلاثة: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة مع السعي بعده لمن كان عليه سعي، فإذا فعل هذه الثلاثة حل له كل شيءٍ حرم عليه بالإحرام حتى النساء، ومن فعل اثنين منها حل له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء (¬1)،كما تقدم. والأفضل للحاج أن يرتب هذه الأمور الأربعة المتقدمة: رمي جمرة العقبة، ثم النحر أو الذبح، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف بالبيت والسعي بعده للمتمتع وكذلك القارن والمفرد إذا لم يسعيا مع طواف القدوم. فإن قدَّم بعض هذه الأمور على بعض فلا حرج وأجزأه ذلك، لثبوت الرخصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وقد تتابعت الأسئلة عليه في ذلك. فجاء رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال: ((اذبح ولا حرج)). فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال: ((ارمِ ولا حرج)). ¬

(¬1) انظر فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 5/ 277.

وجاء آخر فقال: حلقت قبل أن أرمي فقال: ((ارمِ ولا حرج)). وجاء آخر فقال: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، قال: ((ارمِ ولا حرج))،فما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) (¬1). وقال آخر رميت بعد ما أمسيت، فقال: ((لا حرج)) (¬2). وقال آخر: يا رسول اللَّه سعيت قبل أن أطوف. قال: ((لا حرج)) (¬3). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له: في الذبح، والحلق، والرمي، والتقديم، والتأخير، فقال: ((لا حرج)) (¬4). فدل ذلك كله على التيسير والتسهيل، والرحمة والرفق في هذه الأمور، ولله الحمد. ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الفتيا على الدابة عند الجمرة، برقم 1736، 1737، 1738، ومسلم، بهذه الروايات والألفاظ، في كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي، برقم 327 - 333 (1306)، وانظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، 3/ 300 - 303. (¬2) البخاري، برقم 1735، وتقدم تخريجه في رمي جمرة العقبة. (¬3) أبو داود، كتاب المناسك، باب فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه، برقم 2015، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 564، وابن باز في التحقيق والإيضاح، ص60. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي، برقم 1307.

المبحث الثاني والثلاثون: المبيت بمنى ليالي أيام التشريق

المبحث الثاني والثلاثون: المبيت بمنى ليالي أيام التشريق يرجع الحاج بعد طواف الإفاضة، والسعي ممن عليه سعي، إلى منى، فيبيت بها ليلة الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر لمن أراد التأخر، وهذا المبيت واجب من واجبات الحج إلا على السقاة، والرعاة، ونحوهم فلا يجب عليهم، ووجوب المبيت بمنى في هذه الليالي ثبت بأدلة صحيحة صريحة على النحو الآتي: أولاً: قول اللَّه تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (¬1). ثانياً: بات النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى ليالي التشريق، وقال: ((خذوا عني مناسككم لعلّي لا أراكم بعد عامي هذا))، وهذا لفظ البيهقي، ولفظ مسلم: ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) (¬2)، فعلينا أن نأخذ عنه من مناسكنا البيتوتة بمنى ليالي التشريق. ثالثاً: أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: ((أن العباس - رضي الله عنه - استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له)) (¬3)، فدل هذا على وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق؛ لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة، وأن الإذن وقع للعلة المذكورة. ¬

(¬1) البقرة، الآية: 203. (¬2) مسلم، برقم 1297، والبيهقي، 5/ 125. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1743 - 1745، ورقم 1634، ومسلم، برقم 1315، وتقدم تخريجه في واجبات الحج.

رابعا: رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل في البيتوتة ليالي منى

رابعاً: رخّص النبي - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل في البيتوتة ليالي منى؛ لحديث عاصم بن عدي - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخّص للرعاء في البيتوتة، يرمون يوم النحر، واليومين اللذين بعدهما يجعلونهما في أحدهما)) (¬1)، فدلّت هذه الرخصة على أنه يقابلها عزيمة. خامساً: ما جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: أنه كان ينهى أن يبيت الحاج وراء العقبة خارج منى، فعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أن عمر بن الخطاب قال: ((لا يبيتنَّ أحدٌ من الحجاج لياليَ منى وراء العقبة)) (¬2). وهذه الأدلة تدل على أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق واجب من واجبات الحج، ونسك من أنساكه إلا لهؤلاء، المعذورين، ومن كان في حكمهم (¬3). ¬

(¬1) النسائي، برقم 3071، والترمذي، برقم 954، 955، وابن ماجه، برقم: 3037، وأبو داود، برقم 1975، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 280، برقم 1080. (¬2) الإمام مالك في الموطأ، كتاب الحج، باب البيتوتة بمكة ليالي منى، برقم 209،والبيهقي،5/ 153. (¬3) اختلف العلماء رحمهم اللَّه في حكم المبيت في منى ليالي أيام التشريق على أقوال: القول الأول: قول الإمام أحمد ومن معه: المبيت بمنى ليالي منى واجب، فلو ترك المبيت بها في الليالي الثلاث فعليه دم على الصحيح من مذهبه، وهو أحد قولي الإمام الشافعي، والإمام مالك، فاتضح: أن القول بأن المبيت في منى واجب يجبر تركه بدم هو قول الجمهور؛ للأدلة المذكورة في متن هذا البحث [انظر: المغني لابن قدامة، 5/ 324، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 9/ 236، والكافي لابن قدامة، 2/ 448، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 313]. القول الثاني: المبيت بمنى ليس بواجب، وتركه مكروه، وبه قال الإمام أبو حنيفة، وأصحابه، وهو رواية عن أحمد. القول الثالث: المبيت بمنى ليالي أيام التشريق سنة وليس بواجب، وهو قول للشافعي، ولكن الأصح عندهم أنه واجب كما تقدم. والصواب أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق واجب من تركه فعليه دم، وفي مذهب أحمد في الذي يترك المبيت روايات: إذا ترك الليالي الثلاث فعليه دم على الصحيح من مذهبه، وعنه يتصدق بشيء، وعنه لا شيء عليه، فإن ترك المبيت في ليلة من لياليها ففيه ما في الحصاة الواحدة من الأقوال المذكورة فيها، كما سيأتي إن شاء اللَّه. [المغني،5/ 325،وأضواء البيان، 5/ 313]. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 384: ((فإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه المسألة فاعلم أن أظهر الأقوال دليلاً أن المبيت في منى نسك من مناسك الحج يدخل في قول ابن عباس: ((من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً)) [مالك في الموطأ، 1/ 419، والدارقطني، 2/ 244، والبيهقي، 5/ 152]، وتقدم تخريجه في مواقيت الحج والعمرة.

والحاج الذي يرغب في الثواب يجتهد في الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في المبيت في منى، وفي أداء الأنساك كلها، لما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم .... )). وقد قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة شيخنا عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه: ((أماكن الحج وأزمنته محدودة من الشارع، وليس فيها مجال للاجتهاد، وقد حجَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع، وقال فيها: ((خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا)) (¬1)، وبين فيها [- صلى الله عليه وسلم -] الأزمنة والأمكنة، وحدود منى: من وادي محسر إلى جمرة العقبة، فعلى من حجَّ أن يلتمس مكاناً له داخل حدود منى، فإن تعذر عليه حصول المكان نزل في أقرب مكان يلي منى ولا شيء عليه)) (¬2)، واللَّه المستعان (¬3). ¬

(¬1) مسلم، برقم 1297 بنحوه، والبيهقي بلفظه، 5/ 125. (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 11/ 266. (¬3) كان شيخنا عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه يفتي: أن المبيت في منى يسقط عن أصحاب الأعذار: كالسقاة، والرعاة، والمريض الذي يشقق عليه المبيت بمنى، والعاملين على مصلحة الحجاج، والذي لا يجد له مكاناً في منى بعد الاجتهاد في البحث فعجز عن ذلك [مجموع الفتاوى له، 16/ 16/ 149، 226، 17/ 362، 363]. ويفتي رحمه اللَّه: أن من ترك المبيت في منى جاهلاً حدودها مع القدرة على المبيت فعليه دم، لأنه ترك واجباً من غير عذر شرعي [16/ 149]، ومن ترك المبيت ليلة، الحادي عشر والثاني عشر فعليه دم [16/ 150، 17/ 246]، ومن ترك المبيت ليلة واحدة فعليه في ذلك أن يتصدق بشيء مع التوبة والاستغفار [17/ 386]، ومن أدركه غروب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو في منى وقد ارتحل، فهو في حكم النافر ولا شيء عليه، أما إذا أدركه الغروب وهو لم يرتحل فإنه يلزمه المبيت ليلة الثالث عشر والرمي في اليوم الثالث عشر بعد الزوال [16/ 150]، ويكفي في المبيت ليال أيام منى أكثر الليل إذا تيسر ذلك [16/ 226، و 17/ 226]. وسمعته يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1748، 1749: ((من نزل في الليل لطواف الإفاضة ولم يرجع إلا بعد طلوع الفجر، فإنه يتصدق بشيء، وإذا كانت ليلتين فدم)).

وذكر شيخ الإسلام أن السنة للحاج أن لا يبيت ليالي التشريق إلا بمنى؛ لأن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - رجع إلى منى بعد طواف الإفاضة فبات بها هو وجميع من معه، وقد قال: ((لتأخذوا عني مناسككم))، وهذه السنة الموروثة عنه التي تناقلتها الأمة خلفاً عن سلف، إلا أن أهل السقاية الذين يسقون الحجيج يرخص لهم في المبيت بمكة ... وكذلك يرخص للرعاة، وذكر الأدلة رحمه اللَّه (¬1). ¬

(¬1) شرح العمدة، لابن تيمية، 2/ 556.

المبحث الثالث والثلاثون: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج ووداعه لأمته ووصاياه

المبحث الثالث والثلاثون: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج ووداعه لأمته ووصاياه أولاً: أذانه - صلى الله عليه وسلم - في الناس بالحج: بعد أن بلَّغ - صلى الله عليه وسلم - البلاغ المبين وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في اللَّه حق جهاده، أعلن في الناس وأذَّن فيهم، وأعلمهم أنه حاج في السنة العاشرة - بعد أن مكث في المدينة تسع سنين كلها معمورة بالجهاد والدعوة والتعليم - وبعد هذا النداء العظيم الذي قصد به - صلى الله عليه وسلم - إبلاغ الناس فريضة الحج؛ ليتعلموا المناسك منه - صلى الله عليه وسلم -؛ وليشهدوا أقواله، وأفعاله، ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب، وتشيع دعوة الإسلام، وتبلغ الرسالة القريب والبعيد (¬1)، قال جابر - رضي الله عنه -: إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مكث تسع سنين لم يحج ثم أذَّن في الناس في العاشرة أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حاجٌّ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ويعمل مثل عمله ... وساق الحديث وفيه: حتى إذا استوت به ناقته على البيداء (¬2) نظرت إلى مدِّ بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك (¬3) , ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله وما عمل به من شيء عملنا به ... وساق الحديث وقال: حتى إذا أتى عرفة فوجد القبة قد ضُرِبت له بنمرة فنزل بها. ثانياً: خطبه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، وتوديعه لأمته ووصاياه: 1 - خطبته - صلى الله عليه وسلم - ووداعه ووصيته لأمته في عرفات: ¬

(¬1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 422، وشرح الأبي، 4/ 244. (¬2) البيداء: اسم للمفازة والصحراء التي لا شيء فيها، وهي هنا موضع بذي الحليفة. فتح الملك المعبود، 2/ 9. (¬3) قيل كان عددهم تسعين ألفاً، وقيل مائة وثلاثين ألفاً. انظر: المرجع السابق، 2/ 9، و 105.

قال جابر - رضي الله عنه -: حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: "إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع (¬1) ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دمٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله (¬2) فاتقوا اللَّه في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان اللَّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه (¬3) ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم (¬4) أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهُنَّ ضرباً غير مبرِّح (¬5)، ولهُنَّ عليكم رزقهنَّ وكُسوتهنَّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما ¬

(¬1) والمعنى أنه أبطل كل شيء من أمور الجاهلية وصار كالشيء الموضوع تحت القدمين فلا يعمل به في الإسلام، فجعله كالشيء الموضوع تحت القدم من حيث إهماله وعدم المبالاة به. انظر: شرح النووي، 8/ 432، وشرح الأبي، 4/ 255، وفتح الملك المعبود، 2/ 18. (¬2) والمعنى الزائد على رأس المال باطل، أما رأس المال فلصاحبه بنص القرآن، انظر: شرح النووي، 8/ 433. (¬3) قيل: الكلمة هي: الأمر بالتسريح بالمعروف، أو الإمساك بإحسان، وقيل: هي لا إله إلا اللَّه، وقيل: الإيجاب والقبول، وقيل: هي قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء، الآية: 3]. قال النووي: ((وهذا هو الصحيح ويدخل فيه القبول والإيجاب)) شرح النووي، 8/ 433، وشرح الأبي، 4/ 256، وفتح الملك المعبود، 2/ 19. (¬4) والمعنى لا يأذنَّ لأحد من الرجال أو النساء تكرهون أن يدخل منازلكم، وليس المراد من ذلك الزنا؛ لأنه حرام سواء كرهه الزوج أو لم يكرهه؛ ولأن فيه الحد. شرح النووي، 8/ 433، والأبي، 4/ 257، وفتح الملك المعبود، 2/ 20. (¬5) غير المبرِّح: لا شديد ولا شاق، انظر: فتح الملك المعبود، 2/ 19، وشرح النووي، 8/ 434.

لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب اللَّه (¬1)، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟))، قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بإصبعه السبَّابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللَّهم اشهد، اللَّهم اشهد)) ثلاث مرات ثم أذَّن، ثم أقام، فصلَّى الظهر، ثم أقام فصلَّى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئاً ... )) (¬2)، وقد كان في الموقف جمٌّ غفير لا يُحصي عددهم إلا اللَّه تعالى (¬3). وعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْمُخَضْرَمَةِ (¬4) بِعَرَفَاتٍ، فَقَالَ: ((أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْمٍ هَذَا، وَأَيَّ شَهْرٍ هَذَا، وَأَيَّ بَلَدٍ هَذَا؟))، قَالُوا: هَذَا بَلَدٌ حَرَامٌ، وَشَهْرٌ حَرَامٌ، وَيَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: ((أَلَا وَإِنَّ أَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ؛ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي يَوْمِكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَأُكَاثِرُ بِكُمْ الْأُمَمَ، فَلَا تُسَوِّدُوا وَجْهِي، ألَا وَإِنِّي مُسْتَنْقِذٌ أُنَاسًا، وَمُسْتَنْقَذٌ مِنِّي أُنَاسٌ، فَأَقُولُ: ¬

(¬1) والمعنى قد تركت فيكم أمراً لن تخطئوا إن تمسكتم به في الاعتقاد والعمل، وهو كتاب اللَّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسكت عن السنة؛ لأن القرآن هو الأصل في الدين، أو لأن القرآن أمر باتباع السنة كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه وَالرَّسُولِ} [النساء، الآية: 59]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر، الآية: 7]. انظر: فتح الملك المعبود، 2/ 20، وقد جاء عند الحاكم من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما الوصية بـ (( ... كتاب اللَّه وسنة نبيه ... ))، وصححه الألباني في صحيح الترغيب، برقم 36. (¬2) أخرجه مسلم، في كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬3) قيل: مائة وثلاثون ألفاً. انظر: فتح الملك المعبود، 2/ 105. (¬4) المخضرمة: من خضرم، كدحرج، أي: قطع طرف أذنها.

يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ)) (¬1). وأُنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم عرفة يوم الجمعة قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} (¬2). فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:أن رجلاً من اليهود، قال له: يا أمير المؤمنين: آية في كتابكم تقرؤنها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً؟ قال: أيُّ آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}، قال عمر - رضي الله عنه -: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة)) (¬3). وهذه أكبر نعم اللَّه تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره, ولا إلى نبي غير نبيهم - صلى الله عليه وسلم -؛ ولهذا جعله اللَّه خاتم الأنبياء, وبعثه إلى الجن والإنس فلا حلال إلا ما أحلَّه، ولا حرام إلا ما حرَّمه، ولا دين إلا ما شرعه, وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق، لا كذب فيه ولا خلف، قال اللَّه - عز وجل -: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} (¬4)، أي صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأوامر والنواهي, فلما أكمل ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الخطبة يوم النحر، برقم 3057، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 58. (¬2) سورة المائدة، الآية: 3، والحديث أخرجه البخاري، في كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه، برقم 45، وأطرافه في صحيح البخاري بهذه الأرقام: 4407، 4606، 7268، ومسلم، كتاب التفسير، باب في تفسير آيات متفرقة، برقم 3017. (¬3) البيهقي في سننه الكبرى، 3/ 181، برقم: 5412. (¬4) سورة الأنعام، الآية: 115.

2 - خطبته - صلى الله عليه وسلم - ووداعه ووصيته لأمته يوم النحر

اللَّه لهم الدين تمت عليهم النعمة (¬1). وقد ذُكِرَ أن عمر بكى عندما نزلت هذه الآية في يوم عرفة, فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أَنَّا كنا في زيادة من ديننا, فأما إذا أُكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص (¬2)، وكأنه - رضي الله عنه - توقع موت النبي - صلى الله عليه وسلم - قريباً. 2 - خطبته - صلى الله عليه وسلم - ووداعه ووصيته لأمته يوم النحر: قال جابر - رضي الله عنه -: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلِّي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه)) (¬3). وعن أم الحصين رضي اللَّه عنها قالت: حججت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة ... فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قولاً كثيراً ثم سمعته يقول: ((إن أُمِّر عليكم عبد مجدَّع أسود يقودكم بكتاب اللَّه تعالى فاسمعوا له وأطيعوا)) (¬4). وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه - أو بزمامه - وخطب الناس [وفي رواية: خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر] فقال: ((أتدرون أيُّ يوم هذا؟))، قالوا: اللَّه ورسوله أعلم [فسكت] ¬

(¬1) تفسير ابن كثير، 2/ 12. (¬2) ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 12 وعزاه بإسناده إلى تفسير الطبري. وهذا يشهد له قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريبًا كما بدأ ... )). [مسلم، برقم 145]. (¬3) مسلم، برقم 1297، وتقدم تخريجه. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر، برقم 1298.

حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ((أليس بيوم النحر؟))، قلنا: بلى يا رسول اللَّه! قال: ((فأي شهر هذا؟))، قلنا: اللَّه ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسمه بغير اسمه، فقال: ((أليس بذي الحجة؟))، قلنا: بلى يا رسول اللَّه. قال: ((فأي بلد هذا؟))، قلنا اللَّه ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: ((أليست البلدة الحرام؟))، قلنا: بلى يا رسول اللَّه، قال: ((إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا [وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، فلا ترجعوا بعدي كفاراً] [أو ضُلاَّلاً] يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد [منكم] الغائب [فَرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع] أَلاَ هل بلَّغت))، وفي رواية لمسلم: ((ثم انكفأ (¬1) إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جُزيعةٍ من الغنم (¬2) قسمها بيننا، وفي رواية للبخاري ومسلم: ((إن الزمان قد استدار (¬3) كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض: السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مُضَرَ الذي بين ¬

(¬1) انكفأ: أي انقلب. انظر: شرح النووي، 11/ 183. (¬2) جزيعة من الغنم: الجزيعة: القطعة من الغنم، تصغير جِزْعة بالكسر، وهو القليل من الشيء، يقال: جزع له جِزْعةً من المال، أي: قطع له منه قطعة. [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب الجيم مع الزاي، 1/ 269]. (¬3) إن الزمان قد استدار: قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم، 11/ 181: (( ... قال العلماء: معناه: أنهم في الجاهلية يتمسّكون بملة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في تحريم الأشهر الحرم، وكان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات، فكانوا إذا احتاجوا إلى القتال أخَّروا تحريم المحرّم إلى الشهر الذي بعده وهو صفر، ثم يؤخرونه إلى السنة الأخرى إلى شهر آخر، وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة حتى اختلط عليهم الأمر، وصادفت حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - تحريمهم، وقد تطابق الشرع وكانوا في تلك السنة قد حرَّموا ذا الحجة لموافقة الحساب الذي ذكرناه، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الاستدارة صادفت ما حكم اللَّه به يوم خلق السموات والأرض)).

جُمادى وشعبان)) (¬1). وسكوته - صلى الله عليه وسلم - بعد كل سؤال من هذه الأسئلة الثلاثة كان لاستحضار فهومهم؛ وليقبلوا عليه بكلِّيَّتهم؛ وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه (¬2). وعن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم النحر فقال: ((يا أيُّها الناس، أيُّ يَوْمٍ هَذا؟)) قالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قال: ((فَأيُّ بَلَدٍ هَذا؟)) قالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: ((فَأيُّ شَهْرٍ هَذا؟)) قالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قال: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا)) - فأعادها مرارًا - ثم رفع رأسه فقال: ((اللَّهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ)) قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إنَّها لَوَصِيَّتُهُ إلى أمَّتِهِ، ((فَلَيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)) (¬3). وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حجَّ بها، وقال: ((هذا يوم الحجِّ الأكبر))، وطَفِق (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اللَّهمّ اشْهَدْ))، وودَّع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع)) (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رُبَّ مبلغ أوعى من سامع))، برقم 67، وأطرافه في البخاري: 105، 1741، 3197، 4406، 4662، 5550، 7078، 7447، ومسلم، كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء، برقم 1679، والألفاظ من هذه المواضع. (¬2) انظر: فتح الباري، 1/ 159. (¬3) البخاري، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، برقم 1739، وطرفه، برقم 7079. (¬4) طفق: جعل وشرع يقول. (¬5) البخاري، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، برقم 1742.

وعن عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ؟)) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالُوا: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا، وَلَكِنْ سَيَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَيَرْضَى بِهَا، أَلَا وَكُلُّ دَمٍ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ مَا أَضَعُ مِنْهَا دَمُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ - أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، لَكُمْ رُوُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ، أَلَا يَا أُمَّتَاهُ! هَلْ بَلَّغْتُ؟)) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ((اللَّهمَّ اشْهَدْ)) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)) (¬1). وقد فتح اللَّه أسماع جميع الحجاج بمنى حتى سمعوا خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر, وهذا من معجزاته أن بارك في أسماعهم وقوَّاها حتى سمعها القاصي والداني حتى كانوا يسمعون وهم في منازلهم (¬2).فعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي - رضي الله عنه - قال: ((خطبنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ونحن بمنى فَفُتِحت أسماعُنا حتى كُنَّا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا ... )) (¬3). ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الخطبة يوم النحر، برقم 3055، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 57، وفي إرواء الغليل، 5/ 279. (¬2) انظر: عون المعبود، 5/ 436، وفتح الملك المعبود، 2/ 106. (¬3) أبو داود، كتاب المناسك، باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى، برقم 1957، وفي آخره قصة تدل على أنه يوم النحر، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 1724.

عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى، فَقَالَ: ((نَضَّرَ اللَّه امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِى فَبَلَّغهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيرُ فقيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاثٌ لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لله، وَالنَّصِيحَةُ لِولاةِ الْمُسلِمينَِ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهم؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحيطُ مِنْ وَرَائِهِم)) (¬1). وعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ بِمِنًى، وَنَزَّلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ، فَقَالَ: ((لِيَنْزِلِ الْمُهَاجِرُونَ هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى مَيْمَنَةِ الْقِبْلَةِ - وَالْأَنْصَارُ هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى مَيْسَرَةِ الْقِبْلَةِ - ثُمَّ لِيَنْزِلِ النَّاسُ حَوْلَهُم)) (¬2). وعن الْهِرْمَاسِ بْنِ زِيَادٍ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: ((رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ، يَوْمَ الأَضْحَى بِمِنًى)) (¬3). وعن أَبي أُمَامَةَ قال: ((سَمِعْتُ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ)) (¬4). وعن رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ، قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى، حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى، عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ، وَعَلِيٌّ - رضي الله عنه - يُعَبِّرُ عَنْهُ، ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الخطبة يوم النحر، برقم 3056، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 58. (¬2) أبو داود، كتاب المناسك، باب النزول بمنى، برقم 1951، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 548. (¬3) أبو داود، كتاب المناسك، باب من قال خطب يوم النحر، برقم 1954، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 548 - 549. (¬4) أبو داود، كتاب المناسك، باب من قال خطب يوم النحر، برقم 1955، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 549.

3 - خطبته - صلى الله عليه وسلم - ووصيته لأمته في أوسط أيام التشريق:

وَالنَّاسُ بَيْنَ قَاعِدٍ وَقَائِمٍ)) (¬1). وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ التَّيْمِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ بِمِنًى، فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا، حَتَّى كُنَّا نَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَنَحْنُ فِى مَنَازِلِنَا، فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْجِمَارَ فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ((بِحَصَى الْخَذْفِ))، ثُمَّ أَمَرَ الْمُهَاجِرِينَ، فَنَزَلُوا فِى مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، وَأَمَرَ الأَنْصَارَ، فَنَزَلُوا مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ نَزَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ)) (¬2). 3 - خطبته - صلى الله عليه وسلم - ووصيته لأمته في أوسط أيام التشريق: وخطب - صلى الله عليه وسلم - الناس في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة وهو ثاني أيام التشريق ويُقال له: يوم الرؤوس؛ لأن أهل مكة يسمونه بذلك؛ لأكلهم رؤوس الأضاحي فيه, وهو أوسط أيام التشريق (¬3) , فعن أبي نجيح عن رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , وهما من بني بكر, قالا: رأينا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يخطب بين أوسط أيام التشريق, ونحن عند راحلته, وهي خطبة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - التي خطب (¬4) بمنى (¬5). ¬

(¬1) أبو داود، كتاب المناسك، باب أي وقت يخطب يوم النحر، برقم 1956، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 549. (¬2) أبو داود، كتاب المناسك، باب ما يذكر الإمام بخطبته بمنى، برقم 1957، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 549. (¬3) انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، 5/ 432، وفتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود، 2/ 100، وفتح الباري، 3/ 574. (¬4) ومعنى قوله: ((وهي خطبته التي خطب بمنى)) أي مثل الخطبة التي خطبها يوم النحر بمنى, فالخطبتان: في يوم النحر, وفي ثاني أيام التشريق اليوم الثاني عشر متحدتان في المعنى. انظر: عون المعبود 5/ 431، وفتح الملك المعبود 2/ 100. (¬5) أبو داود، كتاب المناسك، باب أيّ يوم يخطب بمنى، برقم 1952، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 548، ويشهد له حديث سرَّاء بنت نبهان، قالت: خطبنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم الرؤوس فقال: ((أي يومٍ هذا؟)) قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: ((أليس أوسط أيام التشريق؟)) [أبو داود، برقم 1953، وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، فقال على الحديث رقم 739: ((رواه أبو داود بإسناد حسن))،وقال عبد القادر الأرنؤوط في جامع الأصول، 3/ 428: ((وفي سنده ربيعة بن عبد الرحمن لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، ولكن الحديث له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن))،والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، برقم 1953.

وعن أبي نضرة قال: حدثني من سمع خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسْطَ أيام التشريق فقال: ((يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت؟)) قالوا: بلَّغ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: ((أي يوم هذا؟)) قالوا: يوم حرام. ثم قال: ((أيُّ شهر هذا؟)) قالوا: شهر حرام، ثم قال: ((أي بلد هذا؟)) قالوا: بلد حرام. قال: ((فإن اللَّه قد حرَّم بينكم دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، كَحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، أبلغت؟)) قالوا بلَّغ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. قال: ((ليبلغ الشاهد الغائب)) (¬1). وهناك جُمَلٌ من خطبه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع في الأماكن المقدسة منها حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في حجة الوداع فقال: ((إن الشيطان قد يئس أن يُعبد بأرضكم، ولكن رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا، إني قد تركت فيكم ما إن ¬

(¬1) أحمد بترتيب عبد الرحمن البناء، 12/ 226، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: ((رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح))، 3/ 266. وانظر: حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه، قال: ((كنت آخذ بزمام ناقة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس ... ))، وذكر فيه جملاً تراجع، ويراجع سند الحديث في مسند أحمد، 5/ 72.

أربع خطب مسنونة:

اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، كتاب اللَّه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ... )) الحديث (¬1). وحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو يخطب الناس على ناقته الجدعاء في حجة الوداع يقول: ((يا أيها الناس أطيعوا ربكم، وصلّوا خمسكم، وأدّوا زكاة أموالكم، وصوموا شهركم، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم)) (¬2). قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((وذهب الشافعي رحمه اللَّه إلى أن في الحج أربع خطب مسنونة: إحداها يوم السابع من ذي الحجة، يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر. والثانية: هذه التي ببطن عُرَنة يوم عرفات. والثالثة: يوم النحر. والرابعة: يوم النفر الأول، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق. قال أصحابنا: وكل هذه الخطب أفراد وبعد صلاة الظهر، إلا التي في عرفات، فإنها خطبتان، وقبل الصلاة، قال أصحابنا: ويعلمهم في كل خطبة من هذه ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى واللَّه أعلم)) (¬3). وخلاصة القول: أن الدروس والفوائد والعبر المستنبطة من هذه ¬

(¬1) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، وعزاه إلى الحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 21، برقم 36، وله أصل في صحيح مسلم. انظر: حديث رقم 2812، وانظر: مسند أحمد، 2/ 368، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، برقم 472. (¬2) الحاكم، 1/ 473 وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 431 - 432، وانظر أيضاً: زاد المعاد لابن القيم، 2/ 257.

1 - إن كل من قدم المدينة إجابة لأذان النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحج

الخطب، وهذه الوصايا، وهذا التوديع كثيرة منها الفوائد الآتية: 1 - إن كل من قدم المدينة إجابة لأذان النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحج فقد حج مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لقول جابر - رضي الله عنه -: ((فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتمَّ برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ويعمل مثل عمله)) (¬1). 2 - استحباب نزول الحاج إلى عرفات بعد زوال الشمس إن تيسر ذلك. 3 - استحباب خطبة الإمام بالحجاج بعرفاتٍ, يبين فيها للناس ما يحتاجون إليه، ويعتني ببيان التوحيد, وأصول الدين, ويحذِّر فيها من الشرك والبدع والمعاصي, ويوصي الناس بالعمل بالكتاب والسنة. وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب في حجة الوداع ثلاث خطب: خطبة يوم عرفة, والخطبة الثانية يوم النحر في منى, والخطبة الثالثة في منى يوم الثاني عشر من ذي الحجة. ومذهب الشافعي أن الإمام يخطب يوم السابع من ذي الحجة كذلك (¬2) , ويُعلِّم الإمام الناس في كل خطبة ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى. 4 - تأكيد غلظ تحريم الدماء, والأعراض, والأموال, والأبشار الجلدية. 5 - استخدام ضرب الأمثال وإلحاق النظير بالنظير؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)). 6 - إبطال أفعال الجاهلية، وربا الجاهلية، وأنه لا قصاص في قتلى الجاهلية. 7 - إن الإمام ومن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يجب أن يبدأ بنفسه ¬

(¬1) تقدم تخريجه من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬2) انظر: فتح الملك المعبود في تكملة المنهل المورود، 2/ 20.

8 - الموضوع من الربا هو الزائد على رأس المال

وأهله؛ لأنه أقرب لقبول قوله، وطيب نفس من قرب عهده بالإسلام. 8 - الموضوع من الربا هو الزائد على رأس المال, أما رأس المال فلصاحبه. 9 - مراعاة حق النساء، ومعاشرتهن بالمعروف، وقد جاءت أحاديث كثيرة بذلك جمعها النووي أو معظمها في رياض الصالحين. 10 - وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وجواز تأديبها إذا أتت بما يقتضي التأديب لكن بالشروط والضوابط التي جاءت بالكتاب والسنة، وأن لا يحصل منكر من أجل ذلك التأديب. 11 - الوصية بكتاب اللَّه تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. 12 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه))، ففي ذلك لام الأمر، والمعنى: خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال، والأفعال، والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها، واحفظوها واعملوا بها، وعلِّموها الناس، وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، فهو كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كما رأيتموني أصلِّي)) (¬1). 13 - وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لَعَلِّي لا أحج بعد حجتي هذه)) إشارة إلى توديعهم، وإعلامهم بقرب وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وحثهم على الأخذ عنه، وانتهاز الفرصة وملازمته؛ وبهذا سميت حجة الوداع. 14 - الحث على تبليغ العلم ونشره، وأن الفهم ليس شرطاً في الأداء، ¬

(¬1) البخاري، برقم 7246، وتقدم تخريجه في مواقيت رمي الجمار.

15 - استخدام السؤال ثم السكوت والتفسير يدل على التفخيم

وأنه قد يأتي في الآخر من يكون أفهم ممن تقدم ولكن بقلة، وأن الأفضل أن يكون الخطيب على مكان مرتفع؛ ليكون أبلغ في سماع الناس ورؤيتهم له. 15 - استخدام السؤال ثم السكوت والتفسير يدل على التفخيم، والتقرير والتنبيه. 16 - الأمر بطاعة ولي الأمر مادام يقود الناس بكتاب اللَّه تعالى، وإذا ظهرت منه بعض المعاصي والمنكرات، وُعِظَ وَذُكِّر باللَّه وخُوِّف به لكن بالحكمة والأسلوب الحسن. 17 - الوصية بطاعة اللَّه، والصلاة، والزكاة، والصيام، وأنه لا فرق بين أصناف الناس إلا بالتقوى. 18 - معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - الظاهرة الدالة على صدقه، وذلك بسماع الناس لخطبته يوم النحر وهم في منازلهم (¬1)، فقد فتح اللَّه أسماعهم كلهم لها. 19 - الضحية سنة مؤكدة على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهي في حق الحاج وغير الحاج فلا يجزئ عنها الهدي، وإنما هي سنة مستقلة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - بعد أن خطب الناس بمنى انقلب فذبح كبشين أملحين (¬2)، وهذا غير الهدايا التي نحرها بيده وأشرك عليّاً في الهدي وأمره بنحر الباقي من البُدُن. ¬

(¬1) البخاري، برقم 4406، ومسلم، برقم 1679. (¬2) انظر: فتح الباري، 3/ 574، و577، وشرح النووي، 8/ 422 - 434، و9/ 51 - 52، و11/ 182، وفتح الملك المعبود في تكملة المنهل المورود شرح سنن أبي داود، 2/ 20، و2/ 54، 2/ 99 - 206.

المبحث الرابع والثلاثون: رمي الجمار أيام التشريق وأحكامه

المبحث الرابع والثلاثون: رمي الجمار أيام التشريق وأحكامه أولاً: مفهوم رمي الجمرات: لغة، واصطلاحاً: الرمي لغة: هو القذف والدفع. وهو في الاصطلاح: دفع الحصى الصغار بِقُوَّةٍ إلى موضع الرمي داخل حوض الجمرة. الجمرات، لغة: الجمرة: الحصاة الصغيرة، وجمعها جمرات، وجمار (¬1). قال الإمام ابن الأثير رحمه اللَّه: (( ... الجمار: وهي الأحجار الصغار، ومنه سمِّيت جمار الحج للحصى التي يُرمَى بها، وأما موضع الجمار بمنىً فسُمِّيَ جمرة؛ لأنها تُرمى بالجمار، وقيل: لأنها مجمع الحصى التي يُرمى بها، من الجمرة: وهي اجتماع القبيلة على من نَاوَأها، وقيل: سُمِّيت به من قولهم: أجمر: إذا أسرع (¬2). وقال العلامة أحمد الفيُّومي رحمه اللَّه: ((الجمرة هي مجتمع الحصى بمنى، فكلُّ كومةٍ من الحصى جمرة، والجمع: جمرات، وجمرات منى ثلاث ... )) (¬3). وعلى هذا فاشتقاق الجمرة: من التجمّر: وهو التجمّع؛ لاجتماع الحصى في الموضع الذي يُرمى فيه. أو سُمِّيت الجمرة من التجمّع لاجتماع الحجاج عندها يرمونها، ¬

(¬1) لسان العرب، لابن منظور، باب الراء، فصل الجيم، 4/ 146. (¬2) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، مادة (جمر)، 1/ 292. (¬3) المصباح المنير، للفيومي، مادة (جمر)، 1/ 108.

الجمرة في الاصطلاح

والعلم عند اللَّه تعالى (¬1). الجمرة في الاصطلاح: هي مجتمع الحصى الذي تحت العمود الشاخص الذي يقع وسط الحوض في الجمرة الصغرى، والجمرة الوسطى، ويقع الحوض في جهة جمرة العقبة الغربية الجنوبية (¬2)، فإذا وقع الحصى داخل الحوض تحت العمود الشاخص أجزأَ عند العلماء، وهو الموضع الذي رمى فيه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. ثانياً: سبب مشروعية الرمي وحكمته، وردت أحاديث تدل على أن أوَّل من رمى الجمار إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم -، فعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لما أتى إبراهيم خليل اللَّه المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ (¬3) في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض))، قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون)) (¬4)، وغير ذلك من الحكم (¬5). ¬

(¬1) انظر: أضواء البيان، 5/ 298. (¬2) وقد أصبح حوض الجمرة الكبرى: جمرة العقبة من جميع الجهات بعد التوسعة السعودية الجديدة في عهد الملك عبد اللَّه بن عبد العزيز وفقه اللَّه تعالى. (¬3) ساخ في الأرض: أي غاص فيها. (¬4) ابن خزيمة، بنحوه، برقم 2967، والحاكم، 1/ 466، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 37. (¬5) وذكر شيخنا ابن باز رحمه اللَّه في مجموع فتاويه، 17/ 310 - 313 حكماً أخرى هي: 1 - اقتداءً بأبينا إبراهيم الخليل - عليه السلام - حين اعترض له الشيطان في هذه المواقف، وبنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حين شرع ذلك لأمته في حجة الوداع. 2 - إقامة ذكر اللَّه تعالى: ((إنما جعل الطواف بالبيت، والسّعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر اللَّه)) [أحمد، 40/ 408]، وتقدم تخريجه. 3 - التقيّد بالعدد سبعة له حكمة عظيمة، وهو التذكر بما شرع اللَّه من هذا العدد: ترمى بسبع حصيات: كالطواف سبعاً، والسعي سبعاً. 4 - الدين الإسلامي دين امتثال لأمر اللَّه، حتى ولو خفيت الحكمة. 5 - رمي الجمار يشعر المسلم بالتواضع والخضوع في امتثال الأمر، كما أنه يعوِّد المسلم على النظام والترتيب في المواعيد. 6 - الاحتفاظ بالحصيات وعدم وضعها في غير موضعها يشعر المسلم بأهمية المحافظة على ما شرع ربه وعدم الإسراف، ووضع الأمور في مواضعها من غير تبذير ولا زيادة. 7 - الرمي رمز وإشارة إلى عداوة الشيطان. 8 - غاية في تحقير المرجوم، والمسلم يرجم الجمار لكن الأصل لرجم إبراهيم - عليه السلام - أن رجم الشيطان [رمي الجمرات للشريف، ص 26].

ثالثا: الرمي أيام التشريق واجب من واجبات الحج

ثالثاً: الرمي أيام التشريق واجب من واجبات الحج عند جماهير العلماء، للأدلة الآتية: الدليل الأول: حديث جابر - رضي الله عنه - قال: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: ((لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) (¬1). الدليل الثاني: رمي النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيام التشريق الجمار الثلاث بعد الزوال، وقد قال: ((خذوا عني مناسككم لعلِّي لا أراكم بعد عامي هذا)) (¬2). الدليل الثالث: أمر اللَّه تعالى بذكره في أيام التشريق، فقال - عز وجل -: {وَاذْكُرُوا ¬

(¬1) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬2) البيهقي في السنن الكبرى، 5/ 125.

اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (¬1)،فالحجاج مأمورون بذكر اللَّه في منى، وليس في منى ذكر ينفرد به الحج إلا ذكر الجمار؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها، ترفعه: ((إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر اللَّه)) (¬2). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم أن الرمي في أيام التشريق واجب يجبر بدم عند جماهير العلماء، على اختلافٍ بينهم في تعدد الدماء فيه، وعدم تعددها، ولا خلاف بينهم أنه ليس بركن؛ لأن الحج يتمّ قبله، ويتحلّل صاحبه التحلّل الأصغر، والأكبر، فيحلُّ له كل شيء حرم عليه بالإحرام، فحجّه تام إجماعاً قبل رمي أيام التشريق، ولكن رميها واجب يجبر بدم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رماها، وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم)) (¬3) (¬4). ¬

(¬1) البقرة، الآية: 203. (¬2) أحمد، برقم 2451، 40/ 408، ورقم 24268، ورقم 25080، وأبو داود، برقم 1888، والترمذي، برقم 902، وابن خزيمة، 4/ 222، برقم 2738، وقال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح))، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص148، وحسن إسناده الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 3/ 218، وقال الأعظمي في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة، 4/ 222: ((إسناده صحيح))، وتقدم تخريجه في واجبات الحج. (¬3) مسلم بنحوه، برقم 1218. (¬4) وقد ذكر العلماء شروطاً لصحة الرمي منها الشروط الآتية: الشرط الأول: أن يكون المرمي به حصى؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفعله. الشرط الثاني: أن يكون الرمي مقصوداً بفعله، فلو رمى في الهواء لا يقصد رمي الجمرة فوقعت الحصاة في المرمى لم يجزه؛ لأنه لم يقصده، ولو رمى إنساناً فوقعت الحصاة في ثوبه فنفضها فوصلت إلى المرمى لم تجزه، فلا بد من نية مطلق الرمي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)). الشرط الثالث: وقوع الحصى في المرمى في الحوض في مجتمع الحصى. الشرط الرابع: غلبة الظن أو العلم بوقوع الحصى في المرمى. الشرط الخامس: تفريق الرميات، فلو رماها دفعة واحدة لا تجزئ، وتعتبر واحدة فقط. الشرط السادس: ترتيب رمي الجمرات، فيبدأ بالصغرى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله: ((لتأخذوا عني مناسككم)) انظر: كتاب رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام، للدكتور شرف بن علي الشريف، ص 61 - 72.

رابعا: وقت الرمي أيام التشريق: أوله وآخره على النحو الآتي:

وكان شيخنا رحمه اللَّه يفتي كثيراً: أن من ترك رميَ الجمار فعليه دم؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج يجبر بدم لفقراء الحرم بمكة (¬1) (¬2). رابعاً: وقت الرمي أيام التشريق: أوله وآخره على النحو الآتي: 1 - أول وقت الرمي أيام التشريق: بعد الزوال، ومن رمى قبل الزوال فلا يصح رميه، بل رميه باطل، وتجب عليه الإعادة في أيام التشريق بعد الزوال، فإن انتهت أيام التشريق ولم يعد، فإنه يجب عليه دم، لجبر هذا النقص، للأدلة الآتية: الدليل الأول: رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الزوال، قال جابر - رضي الله عنه -: ((رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ضُحىً، ورمى بعد ذلك بعد الزوال))، وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: ((رمى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الجمرة يوم النحر ضُحىً، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس)) (¬3). ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 173، 17/ 369، 379، 23/ 460. (¬2) قال الحافظ بن حجر في الفتح، 3/ 579 في حكم رمي الجمار أيام التشريق: ((وقد اختلف فيه: فالجمهور على أنه واجب يجبر تركه بدم، وعند المالكية سنة مؤكدة، فيجبر، وعندهم رواية: أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه ... )). وقال العلامة الشنقيطي، في أضواء البيان، 5/ 293: ((اعلم أن الرمي في أيام التشريق واجب يجبر بدم عند جماهير العلماء على اختلاف بينهم في تعدد الدماء ... )). (¬3) البخاري معلقا مجزوماً به، كتاب الحج، باب رمي الجمار، قبل الحديث رقم 1746، وأخرجه مسلم موصولاً في كتاب الحج، باب بيان وقت استحباب الرمي، برقم 1299.

الدليل الثاني: أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نأخذ عنه مناسك الحج

فهذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو قدوتنا وأسوتنا، وقد قال اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (¬1). قال الإمام النووي رحمه اللَّه في شرحه لحديث جابر: ((المراد بيوم النحر جمرة العقبة؛ فإنه لا يشرع فيه غيرها بالإجماع، وأما أيام التشريق الثلاثة فيرمي كل يوم منها بعد الزوال، وهذا المذكور في جمرة يوم النحر سنة باتفاقهم، وعندنا يجوز تقديمهُ من نصف ليلة النحر، وأما أيام التشريق فمذهبنا، ومذهب مالك، وأحمد، وجماهير العلماء أنه لا يجوز الرمي في الأيام الثلاثة إلا بعد الزوال؛ لهذا الحديث الصحيح ... )) (¬2). الدليل الثاني: أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نأخذ عنه مناسك الحج، فنعمل كما عمل - صلى الله عليه وسلم -،فعن جابر - رضي الله عنه -،قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: ((لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلِّي لا أحجّ بعد حجَّتي ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬2) وتمام كلام النووي، 9/ 53: (( ... وقال طاوس، وعطاء: يجزئه في الأيام الثلاثة قبل الزوال، وقال أبو حنيفة، وإسحاق بن راهويه، يجوز في اليوم الثالث قبل الزوال، دليلنا: أنه - صلى الله عليه وسلم - رمى كما ذكرنا، وقال: ((لتأخذوا مناسككم))، واعلم أن رمي جمار أيام التشريق يشترط فيه الترتيب، وهو أن يبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة ... )) [شرح النووي، 9/ 54]، وقال الحافظ ابن حجر، في الفتح، 3/ 580: ((وفيه دليل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال، وبه قال الجمهور، وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا: يجوز قبل الزوال مطلقاً، ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال، وقال إسحاق إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزئه)).

الدليل الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنهما،

هذه)) هذا لفظ مسلم، ولفظ البيهقي: ((خذوا عني مناسككم لعلّي لا أراكم بعد عامي هذا))،ولفظ النسائي قال جابر: رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يرمي الجمرة وهو على بعيره، وهو يقول: ((يا أيها الناس خذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلّي لا أحج بعد عامي هذا)) (¬1)،ولفظ ابن ماجه: (( ... لتأخذ أمتي نسكها فإني لا أدري لعلي لا ألقاها بعد عامي هذا)) (¬2). قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((لتأخذوا مناسككم ... )) فهذه اللام لام الأمر، ومعناه خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي: من الأقوال، والأفعال، والهيئات، هي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم، فخذوها عني، واقبلوها، واحفظوها، واعملوا بها، وعلِّموها الناس، وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) (¬3)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) فيه إشارة إلى توديعهم، وإعلامهم بقرب وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه، وانتهاز الفرصة من ملازمته، وتعلم أمور الدين، وبهذا سميت حجة الوداع، واللَّه أعلم)) (¬4). الدليل الثالث: حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) مسلم، برقم 1297، والبيهقي، 5/ 125، والنسائي، برقم 3062. (¬2) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الوقوف بجمع، برقم 3023، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 47. (¬3) البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة، برقم 785. (¬4) شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 50.

الدليل الرابع: حديث عائشة رضي الله عنها

يرمي الجمار إذا زالت الشمس)) (¬1). الدليل الرابع: حديث عائشة رضي اللَّه عنها حين ذكرت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف طواف الإفاضة، قالت: (( ... ثم رجع إلى منى فمكث بها لياليَ أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبِّر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى، والثانية فيطيل القيام، ويتضرّع، ويرمي الثالثة، ولا يقف عندها)) (¬2). الدليل الخامس: حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما، فعن وبَرَة قال: ((سألت ابن عمر رضي اللَّه عنهما، متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارمه، فأعدتُ عليه المسألة، قال: كُنَّا نتحَيَّن (¬3) فإذا زالت الشمس رمينا)) (¬4). قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: ((قوله: ((متى أرمي الجمار؟)) يعني في غير يوم الأضحى، قوله: ((إذا رمى إمامك فارمه)) يعني الأمير الذي على الحج، وكأن ابن عمر خاف عليه أن يخالف الأمير فيحصل له منه ضرر، فلما أعاد عليه المسألة لم يسعه الكتمان فأعلمه بما كانوا يفعلونه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد رواه ابن عيينة عن مسعر بهذا الإسناد فقال فيه: ((فقلت له: أرأيت إن أخَّر إمامي)) أي الرمي، فذكر الحديث)) (¬5)، وهذا ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الحج باب ما جاء في الرمي بعد الزوال، برقم 898، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 463. (¬2) أبو داود، كتاب المناسك، باب في رمي الجمار، برقم 1973، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 552. (¬3) كنا نتحيّن: أي نطلب الحين: وهو الوقت. (¬4) البخاري، كتاب الحج، باب رمي الجمار، برقم 1746. (¬5) فتح الباري لابن حجر، 3/ 580.

الدليل السادس: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

دليل على أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا ينتظرون ويترقَّبون زوال الشمس فلا يرمون قبله، ولو كان الرمي جائزاً قبله لم ينتظروا (¬1). الدليل السادس: حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، فعن نافع: أن عبد اللَّه بن عمر كان يقول: ((لا تُرمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس)) (¬2). الدليل السابع: حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أنه قال: ((لا تُرمى الجمرة حتى يميل النهار)) (¬3). الدليل الثامن: حديث عائشة رضي اللَّه عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ)) (¬4)، وهذا يدلّ على أن جميع العبادات توقيفية لا يقبل منها إلا ما كان مشروعاً، أو أقره الشرع المطهر (¬5). الدليل التاسع: أن الرمي لو كان قبل الزوال في أيام التشريق جائزاً، لفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فيه من فعل العبادة في أول وقتها؛ ولما فيه من تطويل الوقت حتى يتسع وقت الدعاء عند الجمرة الأولى والوسطى؛ لأن ابن مسعود ذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه دعا بمقدار قراءة سورة البقرة (¬6). ¬

(¬1) رمي الجمرات، للدكتور شرف الشريف، ص91. (¬2) موطأ الإمام مالك، كتاب الحج، باب رمي الجمار، برقم 1/ 408،برقم 217،والبيهقي في السنن،5/ 149. (¬3) البيهقي في السنن الكبرى، 5/ 149. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 2697، ومسلم، برقم 1718، وهذا لفظ مسلم، أما لفظ البخاري فهو: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وتقدم تخريجه. (¬5) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 144. (¬6) الشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 384.

الدليل العاشر: أن الرمي لو كان قبل الزوال جائزا

الدليل العاشر: أن الرمي لو كان قبل الزوال جائزاً؛ لبادر إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لما فيه من التَّيسير على أمته، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يأمر أمته بالتيسير، فيقول: ((يسِّروا ولا تُعسِّروا)) (¬1). و ((ما خُيِّر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً)) (¬2). وقد كان يقول: ((اللَّهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به)) (¬3). ومعلوم يقيناً أن الحرّ كان شديداً جداً في عام حجة الوداع حتى في وقت الضُّحى بعد ارتفاع الشمس، والدليل على ذلك حديث أم الحصين رضي اللَّه عنها، قالت: ((حججت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة: أحدهما يقود راحلته والآخر رافعٌ ثوبه على رأس رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من الشمس ... )) وفي لفظ: (( ... والآخر رافع ثوبه يستره من الحرِّ حتى رمى جمرة العقبة)) (¬4)، وحديث جابر - رضي الله عنه -، وفيه: ((أنه - صلى الله عليه وسلم - نزل في القبة التي ضُرِبَتْ له بِنَمِرة حتى زالت الشمس ... )) (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم بالموعظة، برقم 67، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، برقم 1734. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات اللَّه، برقم6404، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في التجاوز في الأمر، برقم 2327. (¬3) مسلم، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم 1828. (¬4) مسلم برقم، 1298، وتقدم تخريجه في محظورات الإحرام. (¬5) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه

وهذا يدل على شدة الحر في أول النهار

وهذا يدل على شدّة الحرِّ في أول النهار، ومعلوم عند جميع الناس أن وقت زوال الشمس وبعده بقليل يكون أشدَّ حرّاً من أول النهار، وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الحكمة من النهي عن الصلاة حتى تزول الشمس هو: أن جهنم حينئذٍ تُسْجَرُ (¬1)، وبعد الزوال يكون الحرُّ في الغالب قد اشتدَّ على الأرض، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - بالإبراد بصلاة الظهر، في شدّة الحرِّ (¬2). فلما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتعمَّد أن يؤخِّر الرمي حتى تزول الشمس مع أنه أشقُّ على الناس دلَّ هذا على أن الرمي قبل الزوال في أيام التشريق لا يجوز ولا يجزئ (¬3). الدليل الحادي عشر: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بادر بالرمي حين زالت الشمس، فرمى قبل أن يصلّي الظهر، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - يترقَّب زوال الشمس ليرمي ثم ليصلِّي الظهر، ولو كان الرمي جائزاً قبل الزوال لفعله - صلى الله عليه وسلم - ولو مرة واحدة بياناً للجواز، أو فعله بعض الصحابة، وأقرَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). حتى في اليوم الثالث عشر يوم النفر لم يرمِ إلا بعد الزوال، وهو يريد أن يصلّي بالمحصب ((الأبطح)) صلاة الظهر، وهذا يدل دلالة قاطعة أنه لو كان جائزاً لعجّل الرمي قبل الزوال، واللَّه تعالى المستعان. ¬

(¬1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، بَاب إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، برقم 832. (¬2) متفق عليه، البخاري، مواقيت الصلاة، بَاب الإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، برقم 502، مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، بَاب اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِمَنْ يَمْضِي إِلَى جَمَاعَةٍ وَيَنَالُهُ الْحَرُّ فِي طَرِيقِهِ، برقم 1430. (¬3) الشرح الممتع، لابن عثيمين، 7/ 384. (¬4) المرجع السابق، 7/ 385.

الدليل الثاني عشر: عمل جميع الصحابة بلا استثناء في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد مماته

الدليل الثاني عشر: عمل جميع الصحابة بلا استثناء في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد مماته، فكلّهم يرمون في حجهم في أيام التشريق بعد الزوال، وقد حج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة خلق كثير، بلغ عددهم كما ذكر العلماء: مائة وثلاثين ألفاً (¬1). وقد بيّن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما في صفة حجة الوداع، أن أعدادهم كثيرة جداً حيث قال: ((مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين لم يحج، ثم أذَّن في الناس في العاشرة: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حاجٌّ فقدم المدينة بشرٌ كثيرٌ كلّهم يلتمس أن يأتمَّ برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ... )) إلى أن قال: (( ... فصلّى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مدِّ بصري بين يديه: من راكب وما شٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل من شيء عملنا به ... )) (¬2)، وكل هؤلاء عملوا المناسك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال لهم: ((خذوا عني مناسككم، لعلي لا أراكم بعد عامي هذا)) (¬3)، فأخذوا عنه ذلك وطبَّقوه وعلَّموه من لم يسمع، وبلّغوه مَنْ بعدهم، فلم يرمِ واحدٌ من هؤلاء الصحابة الجمار أيام التشريق إلا بعد الزوال اقتداء بنبيِّهم - صلى الله عليه وسلم -، ولم يثبت عن صحابيٍّ واحدٍ أنه أفتى بالرمي قبل الزوال، أو رمى قبل الزوال لا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا بعد ¬

(¬1) انظر: فتح الملك المعبود في شرح سنن أبي داود، 2/ 105. (¬2) مسلم، برقم 1218. (¬3) مسلم بنحوه، برقم 1297، والبيهقي بلفظه، 5/ 125.

وفاته، وحج الناس في زمن الصحابة ثلاثاً وثمانين حَجةً ولم يرمِ واحد منهم قبل الزوال؛ لمدة أربعٍ وثمانين سنةً، بالعام الذي حج فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات وعمر أنس بن مالك - رضي الله عنه - عشرون سنة، وهو آخر من مات من الصحابة، وقد عُمِّر حيث عاش مائة وثلاث سنين، وتوفي على الصحيح سنة ثلاث وتسعين هـ - رضي الله عنه - وأرضاه كما قال الإمام النووي والحافظ ابن حجر، والذهبي رحمهم اللَّه تعالى (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: (( ... والرمي بعد الزوال عند جمهور أهل العلم، والأئمة الأربعة، وخالف بعض التابعين، وهو قول شاذ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم))، ولو كان هناك رخصة لما أخَّرها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم أن الرمي أول النهار فيه سهولة، وفيه سعة، فلو كان جائزاً لبادر إليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وقد تتبَّعتُ هذا كثيراً وزمناً طويلاً، فلم أجد عن صحابيٍّ واحدٍ ما يدل على الرمي قبل الزوال: لا من قوله، ولا من فعله، والصواب أن الرمي قبل الزوال لا يجزئ، ولو قال به بعض التابعين، ولو قال به أبو حنيفة في يوم النفر، فهو فاسد، ومن ترك ذلك فعليه دم)) (¬2) (¬3). ¬

(¬1) انظر: تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي، 1/ 127، وسير أعلام النبلاء للذهبي، 3/ 395 - 406، والإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 1/ 71 - 72. (¬2) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام لابن حجر، الحديث رقم 781. (¬3) قال الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 328،: ((ولا يرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال، فإن رمى قبل الزوال أعاد، نص عليه أحمد، وروي ذلك عن ابن عمر، وبه قال: مالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وروي عن الحسن وعطاء، إلا أن إسحاق، وأصحاب الرأي رخَّصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال ولا ينفر إلا بعد الزوال، وعن أحمد مثله، ورخص عكرمة في ذلك أيضاً، وقال: طاوس: يرمي قبل الزوال وينفر قبله .. )) ثم رد عليهم رحمه اللَّه بالأدلة المذكورة وانظر: أيضاً كتاب الفروع لابن مفلح، 6/ 60.

الثالث عشر: الذي يظهر: أن الثابت عن عطاء: أنه لا يجيز الرمي قبل الزوال

الثالث عشر: الذي يظهر: أن الثابت عن عطاء: أنه لا يجيز الرمي قبل الزوال، فعن ابن جريج، قال سمعت عطاء يقول: ((لا تُرمى الجمرة حتى تزول الشمس، فعاودته في ذلك فقال ذلك)) (¬1)، فقول عطاء الموافق للدليل أولى من غيره. الرابع عشر: المحققون العلماء الرّبّانيُّون، الراسخون في العلم، العالمون باللَّه، وبعلم الكتاب والسنة، الذين قال اللَّه فيهم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (¬2) كلهم يقولون بعدم جواز الرمي قبل الزوال: * ومنهم هؤلاء الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتَّبعة: الإمام مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة، إلا أن أبا حنيفة رخَّص في يوم النفر فقط قبل الزوال، ولكن لا ينفر إلا بعد الزوال (¬3)، ولا دليل معه يرحمه اللَّه: لا من كتاب، ولا سنة، ولا قولٍ لصحابي واحد، وإنما مجرد رأي رآه غفر اللَّه له. * وتبع هؤلاء الأئمة علماء الأمة، ولم يخالف في ذلك إلا من شذَّ بقوله، ورأيه، بل المحققون ربما أهملوا القول بالرمي قبل الزوال فلم يذكروا الخلاف؛ لشذوذ هذا القول، إلا عند الحاجة للردّ، منهم شيخ ¬

(¬1) مصنف ابن أبي شيبة، برقم 14782، وقال العلامة عبد المحسن العباد البدر في تنبيهات في الحج على الكتابة المسماة افعل ولا حرج ص42: ((بإسناد صحيح عن ابن جريج)). (¬2) سورة فاطر، الآية: 28. (¬3) انظر: المغني لابن قدامة، 5/ 328.

* قال شيخ الإسلام والمسلمين ابن تيمية

الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه عندما ذكر الرمي بعد الزوال ولم يذكر الخلاف في مجموع الفتاوى (¬1)، وتلميذه العلامة الإمام ابن القيم رحمه اللَّه في زاد المعاد، فقد ذكر الرمي بعد الزوال، ولم يشر إلى الخلاف لشذوذه (¬2). * قال شيخ الإسلام والمسلمين ابن تيمية رحمه اللَّه: ((الحاج يرمي الجمرات الثلاث أيام منى الثلاثة بعد الزوال، وهذا من العلم العام الذي تناقلته الأمة خلفاً عن سلف عن نبيها - صلى الله عليه وسلم - .... ))، ثم ذكر الأدلة على ذلك، ومنها: حديث عائشة - رضي الله عنه -، وحديث ابن عباس - رضي الله عنه -، وحديث جابر - رضي الله عنه -، وحديث ابن عمر - رضي الله عنه - (¬3) (¬4). * وقال العلامة المحقق محمد الأمين الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم أن التحقيق أنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال؛ لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -))، ثم ذكر بعض الأدلة التي ذكرتها سابقاً، ثم قال: ((وبهذه النصوص الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعلم أن قول عطاء، وطاوس بجواز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال، وترخيص أبي حنيفة في يوم النفر قبل الزوال، وقول إسحاق: إن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزأه، كل ذلك خلاف التحقيق؛ لأنه مخالف لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت المعتضد بقوله: ((خذوا عني مناسككم))؛ ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه: محمد وأبو يوسف، ولم يرد في كتاب اللَّه ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - شيء ¬

(¬1) مجموع الفتاوى، 26/ 162، وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 140. (¬2) انظر: زاد المعاد، 2/ 287. (¬3) شرح العمدة، لابن تيمية، 2/ 557. (¬4) وقد تقدم تخريج هذه الأدلة قبل صفحات.

* وقال العلامة الإمام مفتي المملكة العربية السعودية

يخالف ذلك، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق لا مستند له البتة، مع مخالفته للسنة الثابتة عنه - صلى الله عليه وسلم -، فلا ينبغي لأحد أن يفعله ... )) (¬1). * وقال العلامة الإمام مفتي المملكة العربية السعودية، ورئيس القضاة والشؤون الإسلامية في عصره؛ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه اللَّه رداً على شخص أفتى بجواز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق، فردَّ رحمه اللَّه بردٍ مفيدٍ مُدَعَّمٍ بالأدلة من الكتاب والسنة، والإجماع، وهذا ملخَّصٌ لهذا الرد الموفق: قال رحمه اللَّه ما ملخصه: ((الأوقات التي وقَّتها اللَّه ورسوله للعبادات ليس لأحد من العلماء تغييرها، بتقديم أو تأخيرٍ، أو زيادةٍ أو نقصانٍ؛ فإن التوقيت من الدين، ولا دين إلا ما شرعه اللَّه ورسوله [- صلى الله عليه وسلم -])) (¬2). ثم قال: ((والفعل إذا خرج مخرج الامتثال والتفسير كان حكمه الأمر، وهو داخل في عموم قوله، - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم))، ثم ذكر الأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة على أن الرمي أيام التشريق لا يصح قبل الزوال (¬3). ثم بيَّن رحمه اللَّه: أن: ((الأئمة الأعلام، وجهابذة الإسلام، الذين يحجون على الدوام، ولم يجوِّزوا لأحد حج معهم من الأنام أن يرمي قبل الزوال [ولا فعله أحد منهم بنفسه]، ولم يخالفوا شرع إمام كل إمام)) ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 294 - 295. (¬2) مجموع فتاوى العلامة ابن إبراهيم، 6/ 116. (¬3) وهذه الأدلة التي ذكرها رحمه اللَّه قد سبق وأن ذكرتها في أول هذا الكلام عن الرمي أيام التشريق.

أما الكتاب

وإمامهم في عدم تجويز الرمي قبل الزوال، وسيد الأنام - صلى الله عليه وسلم - وسنته الثابتة من فعله التشريعي، الخارج مخرج الامتثال، والتفسير المقتضي للوجوب، ومن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم)) (¬1)، وبعد أن ساق أدلة كثيرة، نقلية وعقلية قال رحمه اللَّه: ((إذا عُلم هذا فإن رمي الجمرات الثلاث أيام التشريق لا يصح قبل الزوال: بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬2). وأما السنة فرميه - صلى الله عليه وسلم - بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير المفيد للوجوب، كما في حديث جابر، وحديث ابن عمر، وحديث ابن عباس، وحديث عائشة، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم)) (¬3) (¬4). وأما الإجماع فأمرٌ معلوم، وقد نُصَّ عليه في بعض كتب الخلاف، والإجماع، ولا يرد عليه ما ذكره هذا الرجل عن طاوس، وعطاء، وغيرهما، فإن هذا لا يُعدُّ خلافاً أبداً، ولا يعتبر خلافاً عند العلماء؛ لأنه لاحظّ له من النظر بتاتاً، بل هو مصادم للنصوص)) (¬5). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن إبراهيم، 6/ 114، بتصرف يسير. (¬2) سورة الحشر: من الآية، 7. (¬3) مسلم، برقم 1218 بنحوه، والبيهقي بلفظه، 5/ 125. (¬4) هذه الأحاديث التي أشار إليها رحمه اللَّه تقدم تخريجها قبل صفحات، وقد خرجها رحمه اللَّه في الفتاوى قبل كلامه هذا. (¬5) مجموع فتاوى ابن إبراهيم، 6/ 110.

وقال رحمه اللَّه: ((مَن طاوس وما طاوس؟ ومَن عطاء وما عطاء؟ وسنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كالشمس في رابعة النهار، وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما حين ناظر من ناظره في متعة الحج، واحتج مناظره بقول أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون: قال أبو بكر وعمر (¬1). وقال الإمام أحمد رحمة اللَّه عليه: عجبت لقومٍ عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، واللَّه يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2).أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعلَّه إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، أفتترك توقيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لتوقيتٍ سواه؟ أفتقيس قياساً السُّنَّةُ تأباه، وكل من أهل العلم لا يرضاه؟)) (¬3). وقال الإمام العلامة شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: (( ... لا يجوز الرمي في الأيام الثلاثة قبل الزوال: ليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر عند أكثر أهل العلم، وهو الحق الذي لا شكّ فيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رمى بعد الزوال في الأيام الثلاثة المذكورة، وهكذا أصحابه - رضي الله عنهم -، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم)) (¬4)، فالواجب على المسلمين اتباعه في ذلك كما يلزم اتباعه في كل ما شرع اللَّه، وفي ترك كل ما نهى عنه اللَّه ورسوله؛ ¬

(¬1) ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، 20/ 251، و26/ 276. (¬2) سورة النور: من الآية، 63. (¬3) فتاوى سماحة العلامة ابن إبراهيم، 6/ 97، وهذا الرد يقع في هذه الفتاوى، 6/ 67 - 118. (¬4) مسلم، برقم 1297 بنحوه، والبيهقي، بلفظه، 5/ 125.

الخامس عشر: رمي الجمرات عبادة توقيفية في كيفيتها، وفي زمانها، ومكانها

لقول اللَّه تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1) وقوله - عز وجل -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (¬2) والآيات في هذا المعنى كثيرة)) (¬3). وسمعت شيخنا عبد العزيز ابن باز يقول رحمه اللَّه: ((ولا يجوز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال، وهناك قول شاذ بجواز الرمي قبل الزوال، وقول شاذ آخر أنه يجوز الرمي قبل الزوال يوم النفر، والقول الصواب أن الرمي بعد الزوال، ومن رمى قبل الزوال فعليه دم، ولا بأس بالرمي في الليل عن اليوم الذي غابت شمسه، والأفضل بعد الزوال إلى الغروب)) (¬4). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه: (( .. يكون وقت الرمي من زوال الشمس إلى غروبها، فلا يجزئ الرمي قبل الزوال ... )) ثم ذكر الأدلة بالتفصيل رحمه اللَّه (¬5). الخامس عشر: رمي الجمرات عبادة توقيفيَّة في كيفيّتها، وفي زمانها، ومكانها، لا يجوز القول فيها بالرأي: والفتوى بغير علم، من القول بالرأي، ومن قال برأيه وترك الدليل، فقد خالف الصواب للأمور الآتية: ¬

(¬1) سورة الحشر: من الآية، 7. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬3) فتاوى ابن باز، 17/ 300، 291، 365، 372، 16/ 143. (¬4) سمعته رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1746. (¬5) الشرح الممتع، 7/ 384.

الأمر الأول: قال الله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن

الأمر الأول: قال اللَّه تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (¬1)، والقول على اللَّه تعالى بغير علم: أي بغير دليل من كتاب، أو سنة، سواء كان ذلك في أصول الدين، أو فروعه. الأمر الثاني: قال اللَّه تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه} (¬2)، فقد جعل سبحانه من شرَّع للناس شيئاً من الدين لم يشرعه اللَّه شريكاً له في تشريعه، ومن أطاعه في ذلك فهو مشرك باللَّه تعالى شرك الطاعة. الأمر الثالث: عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إِنَّ اللَّه لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ، فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ، وَيُبْقِي فِي النَّاسِ رُؤُوسًا (¬3) جُهَّالًا يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ))، هذا لفظٌ لمسلم، وفي لفظ له: ((إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتَّخذ الناس رؤوساً جُهَّالاً، فَسُئلوا فأفتَوْا بغيرعلم، فَضَلُّوا وأضَلُّوا))، ولفظ البخاري: ((إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يَبْقَ عالمٌ اتَّخذ ¬

(¬1) سورة الأعراف، الآية: 33. (¬2) سورة الشورى، الآية: 21. (¬3) رؤوس: جمع رأس، وفيه التحذير من اتخاذ الجهال رؤساء. [شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 465].

الأمر الرابع: ذم السلف للرأي المخالف للدليل، والتحذير من القول بالرأي

الناس رؤوساً جُهَّالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علمٍ، فضَلُّوا وأضَلُّوا)) (¬1). الأمر الرابع: ذمّ السلف للرأي المخالف للدليل، والتحذير من القول بالرأي، ومنهم: 1 - قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ((إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي فضلُّوا وأضَلُّوا)) (¬2). 2 - قال عروة بن الزبير - رضي الله عنه -: ((السنن، السنن، فإن السنن قِوام الدين [أزهد الناس في العالم أهله])) (¬3). 3 - قال سهل بن حنيف - رضي الله عنه -: ((اتهموا رأيكم، فلقد رأيتني يوم أبي جندل لو أستطيع أن أردَّ على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمره لرددته، واللَّه ورسوله أعلم))، وفي لفظ له: ((اتهموا رأيكم على دينكم)) (¬4)، قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: ((أي لا تعملوا في أمر الدين بالرّأي المجرَّد الذي لا ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، بابٌ: كيف يُقبض العلم، برقم 100، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يذكر من ذم الرأي، وتكلف القياس، برقم 7307، ومسلم، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، برقم 13 - (2673)، ورقم 14 - (2673). (¬2) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، 1/ 139، برقم 201، والدارمي في سننه، 1/ 47، برقم 121، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1041، برقم 2001، ورقم 2003، و2005. (¬3) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1051، برقم 2029، 2030. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب حدثنا عبدان، برقم 3181، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية، برقم 1785.

4 - قال الإمام أحمد - رحمه الله -: لا تكاد ترى أحدا نظر في هذا الرأي

يستند إلى أصلٍ من الدين)) (¬1). 4 - قال الإمام أحمد - رحمه اللَّه -: ((لا تكاد ترى أحداً نظر في هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل)) (¬2). 5 - قال الأوزاعي - رحمه اللَّه -: ((إذا أراد اللَّه - عز وجل - أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليط)) (¬3). وقال الحافظ ابن عبد البر - رحمه اللَّه - بعد أن ساق آثاراً كثيرة في ذم الرأي ما ملخصه: قال أكثر أهل العلم: إن الرأي المذموم المعيب المهجور الذي لا يحل النظر فيه، والاشتغال به: هو الرأي المبتدع، وشبهه من أنواع البدع (¬4). وقال جمهور أهل العلم: الرأي المذموم في الآثار المذكورة هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات، وردّ الفروع والنوازل بعضها على بعض قياساً دون ردّها على أصولها من الكتاب أو من السنة (¬5)، ثم قال: ((ومن تدبّر الآثار المرويّة في ذمّ الرأي المرفوعة وآثار الصحابة والتابعين في ذلك علم أنه ما ذكرنا)) (¬6)، فرجَّح - رحمه اللَّه - هذا القول ثم قال: و ((ليس أحد ¬

(¬1) فتح الباري، لابن حجر، 13/ 288. (¬2) أخرجه ابن عبد البر في المرجع السابق، 3/ 1054، برقم 2035. (¬3) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1073، برقم 2083. (¬4) جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1053. (¬5) انظر: المرجع السابق، 2/ 1054. (¬6) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، 2/ 1062.

والحاصل أنه لا يجوز الاعتماد على الرأي، بل يرجع إلى الكتاب والسنة،

من علماء الأمة يثبت حديثاً عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ثم يردّه، دون ادّعاء نسخ ذلك بأثر أو بإجماع، أو بعمل يجب على أصله الانقياد إليه، أو طعن في سنده، ولو فعل ذلك أحد سقطت عدالته، فضلاً عن أن يتخذ إماماً ولزمه اسم الفسق، ولقد عافاهم اللَّه - عز وجل - من ذلك)) (¬1). والحاصل أنه لا يجوز الاعتماد على الرأي، بل يُرجع إلى الكتاب والسنة، أو إلى أحدهما، فإن لم يجد فيرجع إلى الإجماع، فإذا لم يجد الأمور الثلاثة رجع إلى أقوال الصحابة - رضي الله عنهم -، فإن وجد قولاً لأحدهم ولم يخالفه أحد من الصحابة، ولا عُرِفَ نصٌّ يخالفه، واشتهر هذا القول في زمانهم أخذ به؛ لأنه حجة عند جماهير العلماء، فإذا لم يجد قولاً يحتجّ به من أقوال الصحابة، واحتاج إلى القياس رجع إليه بدون تكلّف، بل يستعمله على أوضاعه، ولا يتعسّف في إثبات العلة الجامعة التي هي من أركان القياس، بل إذا لم تكن العلّة الجامعة واضحة، فليتمسّك بالبراءة الأصلية (¬2). وما أحسن ما قاله الشافعي - رحمه اللَّه -: كلُّ العلوم سوى القرآن مشغلةٌ ... إلا الحديث وعِلمَ الفقهِ في الدين العلمُ ما كان فيه حدَّثنا ... وما سوى ذاك وسواسُ الشياطين (¬3) وما أحسن ما قاله القائل: الْعِلْمُ قَالَ اللَّه قَالَ رَسُولُهُ ... قَالَ الصَّحَابَةُ لَيْسَ خُلْفٌ فِيهِ ¬

(¬1) جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1080. (¬2) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 20/ 14، و19/ 176، وإعلام الموقعين لابن القيم، 1/ 30، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، 13/ 282. (¬3) ديوان الشافعي، جمع محمد عفيف، ص88، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير، 10/ 254.

الأمر الخامس: قول العالم الرباني فيما لا يعلم: الله أعلم نصف العلم

مَا الْعِلْمُ نَصْبُكَ لِلْخِلَافِ سَفَاهَةً ... بَيْنَ النُّصُوصِ وَبَيْنَ رَأْيِ َفِقيهِ ولله در القائل: وليس كلُّ خلافٍ جاء مُعْتَبراً ... إلا خلافاً له حظٌّ مِنَ النَّظَرِ (¬1) الأمر الخامس: قول العالم الرباني فيما لا يعلم: اللَّه أعلم نصف العلم. مما يدل على خشية العالم لله - عز وجل - أن يردّ علم ما لا يعلمه إلى اللَّه، أو يقول: لا أدري، وقد ثبت عن الصحابة، والتابعين من هذا كثير، ومن ذلك ما يأتي: 1 - قال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -: ((يا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَلِمَ شَيْئاً فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلْيَقُلْ: اللَّه أعْلَمُ؛ فَإنَّ مِنَ العِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ: اللَّه أعْلَمُ)). قالَ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِين} (¬2))) (¬3). 2 - قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((من عَلِمَ علماً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم؛ فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم)) (¬4). 3 - قال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - أيضاً: ((إن من يُفتي في كل ما يستفتونه لمجنون)) (¬5). 4 - سُئل سعيد بن جبير عن شيء فقال: ((لا أعلم))، ثم قال: ((ويل للذي يقول لما لا يعلم: إني أعلم)) (¬6). 5 - قال مالك: ((ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول: لا ¬

(¬1) انظر: فتاوى محمد بن إبراهيم، 6/ 40، 99. (¬2) البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة ص، باب {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}،6/ 37،برقم 4809، وتفسير سورة الدخان، باب {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}،6/ 46،برقم 4822. (¬3) سورة ص، الآية: 86. (¬4) البخاري، برقم 4821، ومسلم، برقم 39 - 41 (2798). (¬5) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، 2/ 843. (¬6) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/ 836، برقم 1568.

5 - قال ابن وهب، وقال له ابن القاسم: ليس بعد أهل المدينة أحد

أدري؛ فإنه عسى أن يهيأ له خير)) (¬1). 6 - قال ابن وهب، وقال له ابن القاسم: ليس بعد أهل المدينة أحد أعلم بالبيوع من أهل مصر، فقال مالك: ((من أين علموا ذلك؟ قال: منك يا أبا عبد اللَّه، فقال: ما أعلمها أنا، فكيف يعلمونها بي)) (¬2). 7 - عن مالك رحمه اللَّه قال: ((جُنة العالم لا أدري، فإذا أغفلها أُصيبت مقاتلُه)) (¬3). 8 - قال الهيثم بن جميل: سمعتُ مالكاً سُئل عن ثمانٍ وأربعين مسألة فأجاب في اثنتين وثلاثين منها بـ ((لا أدري)) (¬4). 9 - قال خالد بن خداش: ((قدمت على مالكٍ بأربعين مسألة، فما أجابني منها إلا في خمس مسائل)) (¬5). 10 - عن ابن وهب، عن مالك، سمع عبد اللَّه بن يزيد بن هُرْمُز يقول: ((ينبغي للعالم أن يُورِّث جُلساءه قول: ((لا أدري)) حتى يكون ذلك أصلاً يفزعون إليه)) (¬6). 11 - وقال ابن وهب: ((لو كتبنا عن مالك: لا أدري؛ لملأنا الألواح)) (¬7). ¬

(¬1) المرجع السابق، 2/ 839، برقم 1574. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي، 8/ 76. (¬3) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، 2/ 841، وانظر: سير أعلام النبلاء، 8/ 77. (¬4) سير أعلام النبلاء، 8/ 77. (¬5) المرجع السابق، 8/ 77. (¬6) سير أعلام النبلاء، للذهبي، 8/ 77. (¬7) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/ 839، برقم 1576.

11 - عن عقبة بن مسلم أنه قال: صحبت ابن عمر

12 - عن عقبة بن مسلم أنه قال: ((صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهراًً، فكثيراً ما كان يُسأل فيقول: ((لا أدري))، ثم يلتفت إليَّ فيقول: ((تدري ما يريد هؤلاء؟ يريدون أن يجعلوا ظهورنا جسراً إلى جهنم)) (¬1). 13 - قال أبو داود: ((قول الرجل فيما لا يعلم: لا أعلم نصف العلم)) (¬2). وهذا كله يؤكد للمفتي، ومعلِّم الناس الخير أهمية قوله: اللَّه أعلم، أو لا أدري لما لا يعلمه، وأن ذلك من الآداب الجميلة التي تدل على خشية اللَّه - عز وجل -. السادس عشر: أدوار الجسور المتكررة حصل بها اليسر والتيسير: لا شك أن ما كان يحصل من أضرارٍ في بعض الأوقات عند رمي الجمار، قد زال بحمد اللَّه تعالى، فقد أقيم الدور الثاني بناءً على فتوى مفتي البلاد السعودية في عصره: الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه اللَّه، بتاريخ 25/ 6/ 1382هـ (¬3)، ثم أمر خادم الحرمين الشريفين: الملك عبد اللَّه بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية وفقه اللَّه، بالبدء في إقامة جسورٍ واسعة متكررة فوق الجسر الثاني بعد حج عام 1426هـ، فبدأت الاستفادة بالجسر الأول منها في حج عام 1427هـ، وكُرِّرَت الأدوار المتعددة فوق ¬

(¬1) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، 2/ 841، برقم 1585. (¬2) المرجع السابق، 2/ 842، برقم 1586، وفي بعض نسخ جامع بيان العلم وفضله أنه من قول أبي الدرداء، 2/ 842، حاشية المحقق. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء، 8/ 77: ((قال ابن عبد البر: صح عن أبي الدرداء: أنَّ لا أدري، نِصف العلم)). انظر: ترتيب المدارك، 1/ 144، 152. (¬3) انظر: فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، 5/ 155.

2 - آخر وقت الرمي أيام التشريق الثلاثة

الجمرات في هوائها، فحصل بذلك التيسير ولله الحمد، مع التنظيم الجديد الذي جعل مساراتٍ للحجاج للذهاب والإياب، فزال ما كان يُخشى من الضرر، فلا حجة بعد ذلك لمن أفتى بالرمي قبل الزوال، كما أنه لا حجة له قبل ذلك؛ لمخالفة النصوص الشرعية. 2 - آخر وقت الرمي أيام التشريق الثلاثة: تقدم: أن أول وقت رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة بعد الزوال، ولا خلاف بين العلماء أن بقية اليوم وقت للرمي إلى الغروب (¬1) (¬2). والأفضل في رمي الجمار أيام التشريق أن تُرْمَى قبل الغروب، وكذلك جمرة العقبة من رماها قبل غروب يوم النحر فقد رماها في وقتٍ لها، وإن كان الأفضل أن تُرمى جمرة العقبة ضحى لغير الضعفة. أما الرمي بعد غروب الشمس ليلاً فقد أجازه بعض أهل العلم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقَّت ابتداء الرمي بعد الزوال في أيام التشريق ولم يوقِّت ¬

(¬1) أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 299. (¬2) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في نهاية وقت الرمي كلّ يومٍ من أيام التشريق على ثلاثة أقوال: القول الأول: آخر وقت رمي كلّ يومٍ ينتهي بغروب شمس ذلك اليوم، وما بعده قضاء، وقد نقل عن مالك رحمه اللَّه. القول الثاني: ينتهي رمي كلّ يومٍ بطلوع فجر اليوم الذي بعده، وقد نقل عن أبي حنيفة رحمه اللَّه. القول الثالث: نهاية الرمي آخر أيام التشريق، فهي كلها كاليوم الواحد، فمن فاته الرمي قبل غروب شمس ذلك اليوم رماه في اليوم الذي بعده بعد الزوال، وإن أخّرها كلّها إلى آخر بومٍ رماها بعد الزوال بالترتيب، ولا شيء عليه، إلا أنه قد خالف السنة، ونقل عن الشافعية، والحنابلة، وأبي يوسف ومحمد من الحنفية، وسيأتي التفصيل في ذلك في الحواشي الآتية إن شاء اله تعالى. [انظر: رمي الجمرات للدكتور شرف الشريف، ص 69].

انتهاءه، وكذلك جمرة العقبة بعد طلوع الشمس يوم النحر للأقوياء، فالأحوط أن يرمي قبل الغروب حتى يخرج من الخلاف، ولكن لو اضطر إلى ذلك ودعت الحاجة إليه فلا بأس أن يرمي في الليل عن اليوم الذي غابت شمسه إلى آخر الليل قبل فجر اليوم الذي بعده (¬1) (¬2)، واستدل ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى العلامة ابن باز في الحج والعمرة، 5/ 165 و167، وأضواء البيان، 5/ 283، و5/ 299، وانظر: قرار هيئة كبار العلماء في جواز الرمي ليلاً في كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام، للعلامة عبد الرحمن البسام، 3/ 373، وانظر: آثاراً وأحاديث في جواز الرمي ليلاً في جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 278 - 282، والمجموع للإمام النووي، 8/ 240، واللقاء الشهري مع العلامة ابن عثيمين، 10/ 77. (¬2) اتفق الفقهاء رحمهم اللَّه تعالى على أن الرمي في النهار أفضل من بعد الزوال إلى غروب الشمس، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى في النهار ولم يرم بالليل، إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - ذُكر عنه أنه رخَّص للرعاة بالرمي في الليل، فاختلف العلماء: فمنهم من قال بجواز الرمي بالليل، وقد نقل عن الحنفية، وابن حزم، وبه قال محمد بن المنذر، وروي عن عروة بن الزبير، والنخعي والحسن. وقال المالكية يجوز قضاءً في القول المشهور عنهم، والقول الثاني توقف. وعند الشافعية وجهان أصحهما الجواز .. وقال الحنابلة وإسحاق، وأحد الوجهين عند الشافية لا يجوز الرمي في الليل، فإن غربت الشمس اليوم وهو لم يرم أخَّر الرمي حتى تزول الشمس، من الغد فيرمي للفائت أولاً ثم يرمي لهذا اليوم بالترتيب ((رمي الجمرات وما يتعلق بها من أحكام، ص 100)) وقد ذكرت أدلة من قال بالجواز في متن هذا البحث. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان 5/ 299: ((الفرع الثالث: في آخر وقت الرمي أيام التشريق: قد علمت أن أول وقت رميها بعد الزوال، ولا خلاف بين العلماء: أن بقية اليوم وقت للرمي إلى الغروب، واختلفوا فيما بعد الغروب: فمنهم من يقول: إن غربت الشمس ولم يرم رمى بالليل، وبعضهم يقول: الليل قضاء، وبعضهم يقول أداء، وقد قدمنا أقوالهم وحججهم في الكلام على رمي جمرة العقبة. ومنهم من يقول لا يرمي بالليل، بل يؤخِّر الرمي حتى تزول الشمس من الغد، كما قدمناه، مع إجماعهم على فوات وقت الرمي بغروب اليوم الثالث عشر من ذي الحجة الذي هو رابع يوم النحر. واعلم: أن هذا الحكم له حالتان: الأولى: حكم الرمي في الليلة التي تلي اليوم الذي فاته فيه الرمي من أيام التشريق. والثانية: الرمي في يوم آخر من أيام التشريق. أما الليل: فقد قدمنا: أن الشافعية، والمالكية، والحنفية كلهم يقولون: يرمي ليلاً، والمالكية بعضهم يقولون الرمي ليلاً قضاءً وهو المشهور عندهم، وبعضهم يتوقف في كونه قضاءً أو أداءً، ... والحنابلة قدمنا أنهم يقولون: لا يرمي ليلاً، بل يرمي من الغد بعد الزوال، وأما رمي يوم من أيام التشريق في يوم آخر منها فلا خلاف فيه بين من يعتد به من أهل العلم، إلا أنهم اختلفوا في أيام التشريق الثلاثة، هل هي كيوم واحد، فالرمي جميعاً أداء، لأنها وقت للرمي كيوم واحد، أو كل يوم منها مستقل، فإن فات هو وليلته التي بعده فات وقت رميه، فيكون قضاء في اليوم الذي بعده. فعلى القول الأول: لو رمى عن اليوم الأول في الثاني، أو عن الثاني في الثالث، أو عن الأول والثاني في الثالث، فلا شيء عليه، لأنه رمى في وقت الرمي. وعلى الثاني يلزمه دم عن كل يوم فاته رمى فيه إلى الغد عند من يقول بتعدد الدماء: كالشافعية، أو دم واحد عن اليومين عند من يقول بعدم التعدد)) [أضواء البيان، 5/ 299 - 300]. قال الشنقيطي رحمه اللَّه: ((والتحقيق في هذه المسألة: أن أيام التشريق كاليوم الواحد بالنسبة إلى الرمي فمن رمى عن يوم منها في يوم آخر منها أجزأه [أي في اليوم الذي يليه]، ولا شيء عليه، كما هو مذهب أحمد، ومشهور مذهب الشافعي، ومن وافقهما)). [أضواء البيان، 5/ 300]. والدليل على ذلك، حديث عاصم بن عدي العجلاني - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((رخَّص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر))، وفي لفظ ((رخَّص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً)) هذان اللفظان لأبي داود، (برقم 1974، 1975) ولفظ النسائي: ((رخص للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً)) وفي لفظ: ((رخص للرعاة في البيتوتة يرمون يوم النحر، واليومين اللذين بعده يجمعونهما في أحدها)) (برقم 3068، ورقم 3069)، ولفظ الترمذي: ((أرخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً))، وفي لفظ: ((رخَّص رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل في البيتوتة: أن يرمو يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر، فيرمونه في أحدهما، قال مالك: ظننت أنه قال: في الأول منهما ثم يرمون يوم النفر)) (برقم 954، 955) ولفظ ابن ماجه: ((رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً)). وفي لفظ: ((رخَّص رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعون رمي يومين بعد النحر فيرمونه في أحدهما .. قال مالك: ظننت أنه قال: في الأول منهما، ثم يرمون يوم النفر)) (برقم 3036،ورقم 3037)،وهذه ألفاظ الحديث في الكتب الستة، وأخرجه أحمد برقم 23774، ورقم 23775، ورقم 23776، 39/ 191 - 194، بألفاظ نحو ما في الكتب الستة، وفسره الإمام مالك في الموطأ 1/ 409، بأن معنى الحديث: أنهم يرمون يوم النحر، ثم لا يرمون اليوم الذي بعده، وهو اليوم الحادي عشر، ثم يرمون اليوم الذي بعده، وهو اليوم الثاني عشر، فيجمعون الرمي اليوم الحادي عشر مع الثاني عشر، وهو يوم النفر الأول، فإن بدا لهم النفر فقد فرغوا، وإن أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الثاني، ثم نفروا مع الناس. وهذا نحو كلام الإمام مالك رحمه اللَّه قال العلامة الشنقيطي، 5/ 301: ((وهذا المعنى الذي فسر به الحديث هو صريح معناه في رواية من روى: أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً)) وحديث عاصم قال فيه الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح))، وصححه الألباني في صحيح السنن في المواضع المذكورة آنفاً. وقال محققو المسند، 39/ 191: ((إسناده صحيح)). وهذا يدل على أن من فاته الرمي في اليوم الأول رمى في اليوم الذي بعده بعد الزوال ولا شيء عليه، ولكن يرمي بالترتيب لليوم الفائت، ثم يرجع من الجمرة الصغرى ويرمي بالترتيب لليوم الذي بعده كذلك حتى ينتهي بيومه على الترتيب، واللَّه أعلم. [انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 145، و17/ 374]. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه، 5/ 303: ((وبما ذكرنا تعلم أن أيام الرمي كلها كاليوم الواحد، وأن من رمى عن يومٍ في الذي بعده لا شيء عليه؛ لإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للرعاء في ذلك، ولكن لا يجوز تأخير يوم إلى يوم آخر إلا لعذر، فهو وقت له، ولكنه كالوقت الضروري، واللَّه تعالى أعلم))، قلت: ويكون الرمي بعد الزوال لا قبله. قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه في المغني، 5/ 333 في رمي الجمرات أيام التشريق: ((إذا أخَّر رمي يوم إلى يوم بعده، أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ترك السنة، ولا شيء عليه، إلا أنه يقدِّم بالنية رمي اليوم الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، وبذلك قال الشافعي، وأبو ثور، وقال أبو حنيفة: إن ترك حصاة أو حصاتين أو ثلاثاً إلى الغد رماها وعليه لكل حصاة نصف صاع، وإن ترك أربعاً رماها وعليه دم، ولنا أن أيام التشريق وقت للرمي، فإذا أخَّره من أول وقته إلى آخره لم يلزمه شيء، كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته ... والحكم في رمي جمرة العقبة إذا أخَّرها كالحكم في رمي أيام التشريق في أنها إذا لم ترمَ يوم النحر رميت من الغد، وإنما قلنا يلزمه الترتيب بنيته؛ لأنها عبادات يجب الترتيب فيها مع فعلها في أيامها، فوجب ترتيبها مجموعة، كالصلاتين المجموعتين والفوائت)) [رجح ذلك الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 295]. وقال الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وأما رمي جمرة العقبة فقال بعض أهل العلم: إن حكمه مع رمي أيام التشريق كواحد منها، فمن أخّر رميه إلى يوم من أيام التشريق، فهو كمن أخّر يوماً منها إلى يوم، وعليه ففيه الخلاف المذكور، وقال بعض أهل العلم: هو مستقل بوقته دونها؛ لأنه يخالفها في الوقت، والعدد؛ لأنها جمرة واحدة أو ل النهار، وأيام التشريق بعكس ذلك، وله وجه من النظر، واللَّه أعلم)). [أضواء البيان/ 5/ 303]. قلت: تقدم قول ابن قدامة في المغني، 5/ 295: ورمي جمرة العقبة يوم النحر، قال: (( ... فإن أخّرها إلى الليل لم يرمها حتى تزول الشمس من الغد، وبهذا قال أبو حنيفة، وإسحاق، وقال الشافعي، ومحمد بن المنذر، ويعقوب: يرمي ليلاً ... )). وقد تقدم تفصيل ذلك، فيرجع إليه من شاء.

الدليل الأول:

على جواز الرمي في الليل عن اليوم الذي غابت شمسه بأدلة، منها الأدلة الآتية: الدليل الأول: حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُسأل أيام منى، فيقول: ((لا حرج))، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ قال: ((لا حرج))، فقال رجل: رميتُ بعدما أمسيتُ؟ قال: ((لا حرج)) [هذا لفظ النسائي] (¬1)، ولفظ البخاري: كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُسأل يوم النحر بمنى ... )) (¬2) الحديث، وقد صرَّح النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من رمى بعدما أمسى لا حرج عليه، واسم المساء يصدق بجزء من الليل (¬3)، وقد تقدم في رمي جمرة العقبة أن المساء يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتدّ الظلام، وقول ابن منظور: ((المساء بعد الظهر إلى صلاة المغرب، وقال ¬

(¬1) النسائي، برقم 3067، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 359، وتقدم تخريجه في رمي جمرة العقبة. (¬2) البخاري، برقم 1735، وتقدم تخريجه في رمي جمرة العقبة. (¬3) أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 282.

الدليل الثاني:

بعضهم: إلى نصف الليل)) (¬1). الدليل الثاني: عن نافع عن ابن عمر أن ابنة أخٍ لصفية بنت أبي عُبيدٍ نفست بالمزدلفة، فتخلَّفت هي وصفيَّة حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرهما عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أن ترميا الجمرة حين أتتا، ولم يرَ عليهما شيئاً)) (¬2). وهذا وإن كان في رمي جمرة العقبة؛ فإن رمي جمرة العقبة وقت الرمي فيه أوسع من وقت الرمي في أيام التشريق، فالرمي فيها بالليل من باب أولى (¬3). الدليل الثالث: حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رخَّص للرعاء أن يرموا بالليل)) (¬4). الدليل الرابع: اليوم وقت للرمي، والليل يتبعه في ذلك كليلة النحر تجعل تبعاً ليوم عرفة في حكم الوقوف. الدليل الخامس: تأمل الواقع، والمشاهدة يدلان على أن الوقت من زوال الشمس إلى الغروب لا يكفي لرمي الأعداد الكثيرة من الحجاج. الدليل السادس: الرمي في الليل جائز؛ لأنه فعل من أفعال الحج، ¬

(¬1) انظر: فتح الباري، 3/ 369، وانظر ما تقدم في رمي جمرة العقبة. (¬2) موطأ الإمام مالك، 1/ 409، وتقدم في رمي جمرة العقبة: أن إسناده صحيح. (¬3) تبصير الناسك بأحكام المناسك، للعلامة عبد المحسن العباد، ص 158. (¬4) البيهقي، 5/ 151، وقد ذكر له العلامة الألباني رحمه اللَّه طرقاً وشواهد في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 5/ 622 - 624، ثم قال: ((فالحديث بمجموع هذه الطريق والتي قبلها حسن عندي، ولا سيما وقد قال الحافظ في التلخيص، 2/ 263 في حديث ابن عمر: ((رواه البزار بإسناد حسن، والحاكم، والبيهقي)).

خامسا: صفة رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة

فجاز فعله بالليل، كالطواف، والسعي، والوقوف بعرفة (¬1). خامساً: صفة رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة: يجب الترتيب (¬2) في رمي الجمار أيام التشريق الثلاثة على النحو الآتي: ¬

(¬1) انظر: رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام، للدكتور الشريف، طبع جامعة أم القرى، ص 101 - 102. (¬2) مسائل في رمي الجمرات على النحو الآتي: المسألة الأولى: يجب الترتيب في رمي الجمرات على الصحيح في أيام التشريق، فيبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، فيرميها بسبع حصيات، مثل حصى الخذف، يكبر مع كل حصاة، ثم الجمرة الوسطى، ثم العقبة كذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك وقال: ((خذوا عني مناسككم)) [أضواء البيان، 5/ 295، 303، والمغني لابن قدامة، 5/ 329، ومجموع فتاوى ابن باز، 16/ 145، و17/ 377، وذكر شيخنا هنا أنه إن لم يرتب ناسياً أو جاهلاً فذكر في وقت الرمي قبل انقضاء أيام التشريق أعاد، فيبدأ بالجمرة الوسطى، ثم العقبة، حتى يحصل بذلك الترتيب، أما إذا ذكره بعد انتهاء أيام التشريق فنرجو أن لا يكون عليه شيء لأجل الجهل والنسيان، 17/ 377. المسألة الثانية: لا بد من رمي الحصاة بقوة، فلا يكفي طرحها، ولا وضعها باليد في المرمى؛ لأن ذلك ليس برمي في العرف [أضواء البيان، 5/ 296 - 297]، [وانظر: كتاب رمي الجمرات للدكتور الشريف، ص 31 - 32]. المسألة الثالثة: الرمي بالحصى الذي مثل حصى الخذف؛ لحديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، قال: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرة بمثل حصى الخذف)) [مسلم، برقم 1299]، والخذف: الرمي بحصاة أو نحوها بالسبابة والإبهام أو بالسبابتين، وقد حددها فقهاء الحنابلة بأنها أكبر من الحمص، ودون البندق، كما حدّدها بعض فقهاء الشافعية بأنها دون الأنملة [رأس الأصبع] طولاً وعرضاً، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخذف الذي مثَّل بحصاته [رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام، ص 33]، وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 289. المسألة الرابعة: الشك في وقوع الحصى في المرمى [الحوض] قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((من شك هل وقع الحصى في المرجم أم لا فعليه التكميل حتى يتيقَّن)). وقال رحمه اللَّه: ((ولا بد في رمي الجمار من أن يتحقَّق أو يغلب على ظنه أن الحجر وصل إلى الحوض، فإن لم يتحقَّق ذلك، أو يغلب على ظنه أعاد الرمي في الوقت؛ فإن خرج من منى ولم يعد فعليه دم؛ لأنه ترك واجباً، أما إذا تيسَّر له أن يعيد الرمي في أيام منى أعاده مرتَّباً بالنية، ولا شيء عليه)) [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 145، و173، و17/ 177، 309، 379، و30/ 195]. المسألة الخامسة: اعلم أن جماعة من أهل العلم قالوا: يستحب رمي جمرة العقبة راكباً إن أمكن، ورمي أيام التشريق ماشياً في الذهاب والإياب إن أمكن، وهذا من باب السنة. [أضواء البيان، 5/ 308]. المسألة السادسة: إذا رمى النائب عن العاجز ثم زال عذر المستنيب وأيام الرمي باقية، فقال مالك: يقضي كل ما رماه عنه النائب مع لزوم الدم، وقال بعض أهل العلم: لا يلزمه قضاء ما رمى عنه النائب؛ لأن فعل النائب كفعل المنوب عنه، فيسقط به الفرض، ولكن يندب إعادته، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي، وفي المسألة أقوال أخرى، ورجَّح الشنقيطي في أضواء البيان: أنه يرمي جميع ما رمي عنه، ولا شيء عليه؛ لأن الاستنابة إنما وقعت لضرورة العذر، فإذا زال العذر والوقت باقٍ، فعليه أن يباشر فعل العبادة بنفسه [أضواء البيان، 5/ 309 - 310]. [وانظر أيضاً: رمي الجمرات للدكتور شرف الشريف، ص 133]. المسألة السابعة: اختلف العلماء رحمهم اللَّه في القدر الذي يوجب تركه الدم من رمي الجمار على أربعة أقوال: القول الأول: ذهب مالك وأصحابه إلى أن من أخَّر رمي حصاة واحدة من واحدة من الجمرات إلى الليل لذلك اليوم لزمه دم، وما فوق الحصاة أحرى بذلك سواء عندهم في ذلك رمي جمرة العقبة يوم النحر ورمي الثلاثة أيام التشريق، ومعلوم أن من توقَّف من المالكية في كون الرمي ليلاً قضاء يتوقف في وجوب الدم إن رمى ليلاً، ولكن مشهور مذهبه أن الليل قضاء. [أضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 304]. القول الثاني: وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى أن الدم يلزمه بترك رمي الجمرات كلها، أو رمى يوماً واحداً من أيام التشريق، وكذلك رمي جمرة العقبة، فرمي جمرة العقبة، ورمي يومٍ من أيامِ التشريق، ورمي الجميع سواء عندهم فيما يلزم في كل واحد منها دم واحد، وما هو أكثر من نصف رمي يوم عندهم كرمي اليوم يلزم فيه دم، فلو رمى جمرة وثلاث حصيات من جمرة وترك الباقي فعليه دم؛ لأنه رمى عشر حصيات، وترك إحدى عشرة حصاة، فإن ترك أقل من نصف رمي يومٍ كأن ترك جمرة واحدة، فلا دم عليه، ولكن عليه الصدقة عندهم، فيلزمه لكل حصاة نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو شعير إلا أن يبلغ ذلك دماً فينقص ما شاء هكذا يقولون، وليس لهم مستند من النقل، وغاية ما عندهم من الاستدلال: هو أن رمي اليوم الواحد نسك واحد، فمن ترك جمرة في يوم لم يترك نسكاً، وإنما ترك بعض نسك، والدم يلزم عند أبي حنيفة بفوات الرمي في يومه وليلته التي بعده، ولو رماه من الغد في أيام التشريق، وخالفه في ذلك صاحباه. [أضواء البيان، 5/ 304]. القول الثالث: مذهب الشافعي: أنه إن ترك رمي الجمار الثلاث في يوم من أيام التشريق لزمه دم، وإن ترك ثلاث حصيات من جمرة فما فوقها لزمه دم؛ لأن ثلاث حصيات فما فوقها يقع عليها اسم الجمع، فصار تركها كترك الجمع، وإن ترك حصاة واحدة فثلاثة أقوال عندهم: يجب عليه ثلث دم، والقول الثاني مُدّ، والقول الثالث درهم، وحكم الحصاتين كذلك، قيل: يلزمه ثلثا دم، وقيل: مدان، وقيل: درهمان، فإن ترك الرمي في أيام التشريق كلها فعلى القول المشهور عندهم أنها كيوم واحد، واللازم دم واحد. وقولٍ للشافعية ثانٍ: وهو أن الجمرات الثلاث كلها كالشعرات الثلاث، فلا يكمل الدم في بعضها بل لا يلزم إلا بترك جميعها، بأن يترك رمي يوم، وعليه فإن ترك رمي جمرة من الجمار ففيه الأقوال الثلاثة المشهورة عندهم فيمن حلق شعرة أظهرها مُدّ، والثاني درهم، والثالث: ثلث دم، فإن ترك جمرتين فعلى هذا القياس: وهو لزوم مدين، أو درهمين، أو ثلثي دم، وعلى هذا لو ترك حصاة من جمرة، فعلى أن في الجمرة ثلث دم يلزمه في الحصاة جزء من واحد وعشرين جزءاً من دم، وعلى أن فيها مدّاً، أو درهماً، ففي الحصاة سبع مد، أو سبع درهم ... )) [أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 305]. القول الرابع: وهو مذهب الإمام أحمد: أن من أخّر الرمي كله عن أيام التشريق فعليه دم، وعنه في ترك الجمرة الواحدة دم، ولا شيء عنده في الحصاة والحصاتين، وعنه يتصدق بشيء، وعنه أن في الحصاة الواحدة: دماً كقول مالك، وعنه أن في ثلاث حصيات دماً كأحد قولي الشافعي، وفيما دون ذلك كل حصاة كأحد الأقوال عند الشافعي، والعلم عند اللَّه تعالى. [أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 303 - 308، وقد ذكر أدلة كل فريق هناك] [وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 380]. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((فاعلم أن دليلهم في إجماعهم على أن من ترك الرمي كله وجب عليه دم، هو ما جاء عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما موقوفاً عليه: ((من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً))، وهذا صح عن ابن عباس موقوفاً)). [أضواء البيان، 5/ 306]. ثم قال: أما اختلاف العلماء في لزوم الدم بترك جمرة أو رمي يوم، أو حصاة، أو حصاتين إلى آخر ما تقدم، فهو من نوع الاختلاف في تحقيق المناط، فمالك مثلاً القائل بأن في الحصاة الواحدة دماً، يقول: الحصاة الواحدة داخلة في أثر ابن عباس المذكور، فمناط لزوم الدم محقق فيها؛ لأنها شيء من نسك، فيتناوله قوله: ((من نسي من نسكه شيئاً أو تركه ... )) إلى آخره؛ لأن لفظة: شيئاً: نكرة في سياق الشرط، فهي صيغة عموم. والذين قالوا: لا يلزم في الحصاة والحصاتين دم، قالوا: الحصاة والحصاتان لا يصدق عليهما نسك، بل هما جزء من نسك، وكذلك الذين قالوا: لا يلزم في الجمرة الواحدة دم، قالوا: رمي اليوم الواحد نسك واحد، فمن ترك جمرة واحدة في اليوم لم يترك نسكاً، وإنما ترك بعض نسك، وكذلك الذين قالوا: لا يلزم إلا بترك الجميع، قالوا: إن الجميع نسك واحد، والعلم عند اللَّه تعالى. [أضواء البيان، 5/ 307 - 308]. المسألة الثامنة: استقبال القبلة في رمي الجمرة الصغرى فيجعلها بين يديه ويرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، ثم الوسطى كذلك، هذا هو الأفضل، وبعض الفقهاء يطلق فيقول: يستقبل القبلة أثناء رمي الجمرة الصغرى والوسطى، وبيَّن العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه أن في هذا صعوبة، ولكن الصحيح أنه يستقبل القبلة، ويجعل الجمرة الصغرى بين يديه، والوسطى كذلك. هذا هو الأفضل. أما العقبة فتقدم الكلام في صفة الرمي لها. [انظر: كتاب رمي الجمرات، وما يتعلق به من أحكام، للدكتور الشريف، ص 119، والمغني لابن قدامة، 5/ 326]. المسألة التاسعة: قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم: أن التحقيق في عدد الحصيات التي ترمى بها كل جمرة: سبع حصيات، وأحوط الأقوال في ذلك قول مالك وأصحابه، ومن وافقهم: أن من ترك حصاة واحدة كمن ترك رمي الجميع، وقال بعض أهل العلم: يجزئه الرمي بخمس أو بست)). [أضواء البيان، 5/ 310]. ومجموع الحصى سبعون حصاة: سبع ترمى بها جمرة العقبة يوم النحر، وثلاث وستون ترمى بها الجمرات الثلاث أيام التشريق الثلاثة في كل يوم إحدى وعشرين حصاة كل جمرة سبع، وقال ابن قدامة في المغني: والأولى أن لا ينقص في الرمي عن سبع حصيات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى بسبع حصيات، فإن نقص حصاة أو حصاتين فلا بأس، ولا ينقص أكثر من ذلك، نصَّ عليه، وهو قول مجاهد، وإسحاق، وعنه: إذا رمى بستٍّ ناسياً فلا شيء عليه، ولا ينبغي أن يتعمَّده، فإن تعمَّد ذلك تصدق بشيء، وكان ابن عمر يقول: ما أبالي أرميت بسبعٍ أو ست، وقال ابن عباس: ما أدري رماها النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبعٍ أو ست، وعن أحمد: أن عدد السبع شرط، ويشبه مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى بسبع، وقال أبو حبَّة: لا بأس بما رمى به الرجل من الحصى، فقال عبد اللَّه بن عمرو: صدق أبو حبّة، وكان أبو حبّة بدريّاً، ووجه الرواية الأولى ما روى ابن أبي نجيح، قال: سئل طاوُسٌ عن رجلٍ ترك حصاةً قال: يتصدق بتمرة أو لقمة، فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إن أبا عبد الرحمن لم يسمع قول سعدٍ، قال سعد: رجعنا من الحجة مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، بعضنا يقول: رميت بستٍّ، وبعضنا يقول: بسبعٍ، فلم يعب بعضنا على بعض، رواه الأثرم وغيره، ومتى أخلَّ بحصاةٍ واجبة من الأولى لم يصحّ رمي الثانية حتى يكمل الأولى، فإن لم يدرِ من أي الجمار تركه بنى على اليقين ... )) [المغني، 5/ 330]. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 311: ((والتحقيق أنه لا يجوز أقل من سبع حصيات للروايات الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يرمي الجمار بسبع حصيات مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم))، فلا ينبغي العدول عن ذلك؛ لوضوح دليله، وصحته ... والظاهر أن من شكّ في عدد ما رمى يبني على اليقين، وروى البيهقي عن عليٍّ - رضي الله عنه - ما يؤيِّده)). [وانظر أيضاً: رمي الجمرات للدكتور شرف الشريف، ص 39 - 40]. قلت: وأما قول سعد بن ابي وقاص: ((رجعنا ... )) إلى قوله: بعضنا يقول: رميت بستٍ، وبعضنا يقول: بسبعٍ، فلم يعب بعضنا على بعض)) [رواه البيهقي، 5/ 149]، فقال ابن التر

1 - يبدأ بالجمرة الأولى وهي أبعد الجمرات عن مكة وهي التي تلي مسجد الخيف

1 - يبدأ بالجمرة الأولى وهي أبعد الجمرات عن مكة وهي التي تلي مسجد الخيف، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يرفع يده بالرمي مع كل حصاة، ويكبِّر على إثر كل حصاة، ولا بد أن يقع الحصى في الحوض، فإن لم يقع في الحوض لم يجزِ. ثم يتقدم حتى يُسهل في مكان لا يصيبه الحصى فيه ولا يؤذي الناس، فيستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعو طويلاً. 2 - يرمي الجمرة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، ثم يأخذ ذات الشمال ويتقدَّم حتى يسهل ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً يدعو ويرفع يديه. 3 - ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبِّر مع كل حصاة، ثم

سادسا: إذا عجز المتمتع والقارن عن الهدي

ينصرف ولا يقف عندها ولا يدعو؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصياتٍ يُكبِّر عى إثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يُسهل فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيُسهِلُ ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه ويقوم طويلاً، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله)) (¬1). ثم يرمي الجمرات في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال كما رماها في الأول تماماً. ويفعل عند الأولى والثانية كما فعل في اليوم الأول من أيام التشريق. وإذا لم يتعجَّل رمى في اليوم الثالث عشر كما رمى في الأول والثاني، ويعمل عند الأولى والثانية كما عمل في اليوم الأول والثاني. سادساً: إذا عجز المتمتع والقارن عن الهدي وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله، وهو مخيَّر في صيام الثلاثة إن شاء صامها قبل يوم النحر، وإن شاء صامها في أيام التشريق الثلاثة، لحديث عائشة وابن عمر - رضي الله عنهم - قالا: ((لم يُرخَّص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي)) (¬2)، والأفضل أن يقدم صيام الأيام الثلاثة عن يوم عرفة؛ ليكون يوم عرفة مفطراً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم عرفة مفطراً، فعن ميمونة رضي اللَّه عنها: ((أن الناس شكّوا في صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة، فأرسلتُ إليه بحلابٍ (¬3) وهو واقف ¬

(¬1) البخاري، كتاب الحج، باب إذا رمى الجمرتين يقوم مستقبل القبلة ويعمل، برقم 1751، وباب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى، برقم 1752،وباب الدعاء عند الجمرتين، برقم 1753. (¬2) البخاري، كتاب الصوم، باب صيام أيام التشريق، برقم 1997، 1998 .. (¬3) الحِلاب: الإناء الذي يجعل فيه اللبن, وقيل هو اللبن المحلوب.

سابعا: من عجز عن الرمي كالكبير، والمريض، والصغير،

في الموقف فشرب منه والناس ينظرون)) (¬1)، وفي رواية: ((أن أمَّ الفضل أرسلت إليه بقدح لبنٍ وهو واقف على بعيره فشربه)) (¬2). سابعاً: من عجز عن الرمي كالكبير، والمريض، والصغير، والمرأة الحامل ونحوهم، جاز أن يوكل من يرمي عنه، لقول اللَّه تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّه مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬3)، وهؤلاء لا يستطيعون مزاحمة الناس عند الجمرات، وزمن الرمي يفوت، ولا يشرع قضاؤه فجاز لهم أن يوكلوا بخلاف غيره من المناسك (¬4). أما الأقوياء من الرجال والنساء فلا يجوز لهم التوكيل في الرمي، ويجوز للوكيل أن يرمي عن نفسه ثم عن من وكَّله كل جمرة من الجمار الثلاث في موقفٍ واحدٍ، فيرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات عن نفسه، ثم بسبعٍ عن من وكَّله، وهكذا الثانية والثالثة. وهكذا الصبي يجوز أن يرمي عنه وليُّه على التفصيل السابق. وقد رُوِي عن جابر - رضي الله عنه - قوله: ((حججنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم)) (¬5)، واللَّه أعلم (¬6). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1989، ومسلم، برقم 1124، وتقدم تخريجه في الوقوف بعرفة. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1988، ومسلم، برقم 1123، وتقدم تخريجه في الوقوف بعرفة. (¬3) سورة التغابن، الآية: 16. (¬4) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 146، 147، 17/ 300 - 308، 383. (¬5) أحمد في المسند، 3/ 314، وابن ماجه، في كتاب المناسك، باب الرمي عن الصبيان، برقم: 3038، وانظر: تلخيص الحبير، 2/ 270. (¬6) انظر في التوكيل في الرمي مجموع فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 5/ 155، و278، وأضواء البيان، 5/ 308، 309، والمنهج لمريد العمرة والحج، لابن عثيمين، ص 63، وفتاوى ابن تيمية، 26/ 245.

والصواب إن شاء الله تعالى أنه يشترط في الوكيل أن يكون حاجا ذلك العام

والصواب إن شاء اللَّه تعالى أنه يشترط في الوكيل أن يكون حاجاً ذلك العام؛ لأنَّ الرمي بعض أعمال الحج، فلا يصح إلا مِنْ حاجٍّ؛ لأنه لو رمى غير حاج فَرَمْيُهُ عَبَثٌ ولا ينفعه، وإذا لم يصحّ رميه عن نفسه فلا يصحّ عن غيره. ويشترط أيضاً أن يرمي الوكيل عن نفسه أولاً، ثم عن من وكَّله، كل جمرة من الجمار الثلاث في موقف واحد على الصحيح (¬1). ثامناً: من غربت عليه الشمس من اليوم الثاني عشر وهو لم يخرج من منى؛ فإنه يلزمه التأخر ويبيت في منى، ويرمي الجمار الثلاث في اليوم الثالث عشر بعد الزوال؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنه كان يقول: ((من غربت له الشمس من أوسط أيام التشريق وهو بمنى فلا ينفرنَّ حتى يرمي الجمار من الغد)) (¬2)، لكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره، مثل أن يكون قد ارتحل وركب، ولكن تأخر بسبب زحام السيارات فلا يلزمه التأخر على الصحيح (¬3) (¬4). ¬

(¬1) رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام، للدكتور شرف الشريف، ص 132، 135. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ، 1/ 407، والبيهقي، 5/ 152، وقال عبد القادر الأرنؤوط: ((إسناده صحيح)). انظر: جامع الأصول، 3/ 282. (¬3) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 150، 174، 17/ 370، 387. (¬4) وقال الشنقيطي رحمه اللَّه في الأضواء، 5/ 312: ((والأظهر عندي أنه لو ارتحل من منى فغربت عليه الشمس، وهو سائر في منى لم يخرج منها: أنه يلزمه المبيت والرمي؛ لأنه يصدق عليه أنه غربت عليه الشمس في منى فلم يتعجل منها في يومين خلافاً للمشهور من مذهب الشافعي، القائل: بأنه يستمر في نفره، ولا يلزمه المبيت والرمي. والأظهر عندي أيضاً أنه لو غربت عليه الشمس وهو في شغل الارتحال أنه يبيت، ويرمي، خلافاً لمن قال يجوز له الخروج منها بعد الغروب؛ لأنها غربت وهو مشتغل بالرحيل، وهما وجهان مشهوران عند الشافعي والعلم عند اللَّه تعالى)).

تاسعا: بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر من أيام التشريق بعد الزوال

تاسعاً: بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر من أيام التشريق بعد الزوال، إن شاء الحاج تعجَّل وطاف طواف الوداع ثم ذهب إلى بلاده، وإن شاء تأخَّر فبات بمنى ليلة الثالث عشر، ورمى الجمار بعد الزوال في اليوم الثالث عشر، وهذا هو الأفضل؛ لقوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (¬1)؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ ورخَّص للناس بالتعجُّلِ، ولم يتعجَّل هو، بل بقي حتى رمى الجمرات الثلاث بعد الزوال من اليوم الثالث عشر، ثم نزل بالأبطح، وصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ثم رقد رقدة، ثم نهض إلى مكة؛ ليطوف طواف الوداع (¬2). وهل النزول بالمحصَّب - الأبطح - سُنَّةٌ أم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزله؛ لأنه أسمح لخروجه؟ قالت طائفة: هو من سنن الحج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حين أراد أن ينفر من منى: ((نحن نازلون غداً إن شاء اللَّه بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر))، يعني بالمحصَّب، وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب -أو بني المطلب- أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم حتى يُسلِّمُوا إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر، وعمر كانوا ينزلون الأبطح)) (¬4)، وكان ابن عمر يَرَى ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 203. (¬2) انظر: صحيح البخاري، كتاب الحج، باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح، من حديث أنس - رضي الله عنه -، برقم 1763، ورقم 1764. (¬3) البخاري، كتاب الحج، باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، برقم 1589، 1590. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب النزول بالمحصب، برقم 1310.

التحصيب سُنّة وقال نافع: ((قد حصَّب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده)) (¬1). وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: ((من السنة النزول بـ (الأبطح) (¬2) عشية النفر)) (¬3). ويرى ابن عباس رضي اللَّه عنهما وعائشة رضي اللَّه عنها أن النزول بالأبطح كان أسمح لخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). والصواب إن شاء اللَّه تعالى أن النزول بالأبطح يوم النفر سنة كما قال ابن عمر وفعل الخلفاء، وهذا القول مال إليه ابن القيم رحمه اللَّه تعالى، ورجحه العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه اللَّه، فقد سمعته رحمه اللَّه يقول: ((والصواب أن صلاة الظهر يوم النفر في الأبطح سنة، هذا هو الأفضل، واختلف أهل العلم: هل هذا من السنة، أم نزله [- صلى الله عليه وسلم -]؛ لأنه أسمح لخروجه، والصواب كما تقدم)) (¬5)، فالأفضل أن يفعل الحاج كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يفعل فلا حرج ولا إثم، وإنما ذلك إذا تيسر بدون مشقة فهو أفضل (¬6). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب النزول بالمحصب، برقم 338 - (1310) .. (¬2) الأبطح: يعني أبطح مكة، وهو مسيل واديها. النهاية. (¬3) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، برقم2675. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة، من حديث عائشة رضي اللَّه عنها، برقم 1311، وحديث ابن عباس، برقم 1312. (¬5) سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1763، والحديث رقم 1764. (¬6) انظر: زاد المعاد، 2/ 294، وفتح الباري، لابن حجر، 3/ 590، وزاد المعاد، 2/ 925، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، 6/ 207.

المبحث الخامس والثلاثون: طواف الوداع

المبحث الخامس والثلاثون: طواف الوداع إذا أراد الحاج الخروج من مكة إلى بلده، فلا يخرج حتى يطوف طواف الوداع (¬1)؛لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: كان الناس ينصرفون في كل وجهٍ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ينفرنّ أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت)) (¬2). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((أُمِر الناسُ أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن المرأة الحائض)) (¬3)، فالحائض ليس عليها وداع وكذلك النفساء. وعن عائشة رضي اللَّه عنها ((أن صفية بنت حيي رضي اللَّه عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حاضت فذكرْتُ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أحابستنا هي؟)) قالوا: إنها قد أفاضت، قال: ((فلا إذن))، هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: حاضت صفية بنت حُيَيّ بعدما أفاضت، قالت عائشة: ¬

(¬1) الأطوفة المشروعة في الحج ثلاثة أطوفة: الطواف الأول: الطواف عند الدخول، ويُسمَّى طواف القدوم، والدخول، والورود، وهو سنة لا شيء على تاركه، وهو للقارن، والمفرد. الطواف الثاني: طواف الإفاضة، وهو بعد التعريف، ويقال له: طواف الزيارة، وهو طواف الفرض الذي لا بد منه؛ فإنه ركن لا يتم الحج إلا به بغير خلاف، كما قال اللَّه تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [سورة الحج، الآية: 29]. الطواف الثالث: طواف الوداع، وهو لمن أراد من الحجاج الخروج من مكة إلى بلاده، وهو و (3) من واجبات الحج، ينوب عنه الدم إذا تركه. [المغني، لابن قدامة، 5/ 316، وفتاوى ابن تيمية، 26/ 127]، وأضواء البيان، 5/ 213، وفتاوى اللجنة الدائمة، 11/ 223. (¬2) مسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع، وسقوطه عن الحائض، برقم 1327. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع، برقم 1755، ومسلم، كتاب الحج، باب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، برقم 1328.

فذكرت حيضتها لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((أحابستنا هي؟))، قالت: فقلت: يارسول اللَّه لِلَّهِ إنها قد كانت أفاضت، وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((فلتنفر)) (¬1). فيطوف سبعة أشواط بالبيت ثم يُصلِّي ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام (¬2)، ثم يخرج من المسجد الحرام ويقول دعاء ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت، برقم 1757، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوادع وسقوطه عن الحائض، برقم 1211. (¬2) قال العلماء: ((وإن أخَّر طواف الإفاضة فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع))؛ لأن المقصود من طواف الوداع: أن يكون آخر عهده بالبيت وقد حصل، فيكون مجزئاً عن طواف الوداع، حتى لو كان الحاج متمتّعاً أو قارناً أو مفرداً لم يسعيا بعد طواف القدوم، فإنه عند طواف الإفاضة يطوف سبعة أشواط، ثم يصلي خلف المقام ركعتين، ثم يسعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة، ثم يسافر، وهذا الفصل بالسعي بعد الطواف لا يضر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لعائشة أن تأتي بعمرة بعد تمام الحج، فطافت وسعت وسافرت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -[البخاري، برقم 1560، ومسلم، برقم 1211]، فقد حال السعي بين الطواف والخروج ولم يضر، وكذلك طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - طواف الوداع، وصلى الفجر وقرأ بالطور [البخاري، برقم 4853]، فهذا يدل على أن مثل هذا الفضل لا يضر، [الشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 400]. والأفضل أن يطوف طواف الإفاضة يوم النحر، ثم يطوف طواف الوداع عند الخروج من مكة. ولكن إذا أخر طواف الإفاضة أجزأه عن الوداع بشرط أن ينوي طواف الإفاضة؛ فإن نوى طواف الوداع ولم ينوِ طواف الإفاضة؛ فإن طواف الإفاضة لا يصح؛ لأنه لم يعينه بالنية. فإجزاء طواف الإفاضة عن طواف الوداع أو عدمه له ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن ينوي طواف الوداع فقط، فإنه لا يجزئ عن طواف الإفاضة؛ لأنه لم ينوِ الوداع. الحالة الثانية: أن ينوي طواف الإفاضة فقط، فهذا يجزئ كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد. الحالة الثالثة: أن ينوي طواف الإفاضة، وطواف الوداع، فهذا يجزئ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) [متفق عليه: البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907]. قال الإمام الخرقي في مختصره المطبوع مع المغني، 5/ 346: ((وإن طاف طواف الوداع لم يجزه لطواف الزيارة)). قال ابن قدامة في المغني، 5/ 346: ((وإنما لم يجز عن طواف الزيارة؛ لأن تعيين النية شرط فيه على ما ذكرنا، فمن طاف للوداع فلم يعين النية له، فلذلك لم يصح)).

الخروج من المسجد كما تقدم ثم يذهب إلى بلاده (¬1). ¬

(¬1) الحائض إذا لم تطف طواف الإفاضة، وسافر أهلها، فلها ثلاث حالات: الحالة الأولى: الواجب أن لا تسافر حتى تطهر ثم تطوف طواف الإفاضة ويجزئها عن طواف الوداع كما تقدم. الحالة الثانية: إذا لم يبق معها أحد وخافت على نفسها، وكان بالإمكان أن ترجع بعد الطهر، فلا بأس أن تسافر مع أهلها، ولا يقربها زوجها إن كان لها زوج، وتبقى محرمة لم تتحلل التحلل الثاني، فإذا طهرت سافر معها بعض محارمها، وطافت طواف الإفاضة، وسعت بعده إن كان عليها سعي. الحالة الثالثة: أن تكون من أهل البلاد البعيدة جداً، ولا يمكن أن تعود إلى مكة بأي حال من الأحوال، ففي هذه الحالة اختار شيخ الإسلام ابن تيمية: أنها تتحفظ، وتطوف طواف الإفاضة؛ لأنها مضطرة إلى ذلك، ولا شيء عليها. [انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 185 - 187، و26/ 171 - 211]. واختاره أيضاً ابن القيم رحمه اللَّه في إعلام الموقعين، 3/ 25 - 28: ((فقد تكلم في هذه المسألة كلاماً نفيساً، وقسم أحوال الحائض في طواف الإفاضة إلى ثمانية أقسام، ثم قال: ((القسم الثامن: أن يقال: بل تفعل ما تقدر عليه من مناسك الحج، ويسقط عنها ما تعجز عنه من الشروط والواجبات، كما يسقط عنها طواف الوداع بالنص، وكما يسقط عنها فرض السترة إذا شلحتها العبيد، أو غيرهم، وكما يسقط عنها فرض طهارة الجنب إذا عجزت عنها لعدم الماء، أو مرض بها، وكما يسقط فرض اشتراط طهارة مكان الطواف والسعي إذا عرض فيه نجاسة تتعذر إزالتها، وكما يسقط شرط استقبال القبلة في الصلاة إذا عجز عنه، وكما يسقط فرض القيام والقراءة والركوع والسجود إذا عجز عنه المصلّي، وكما يسقط فرض الصوم عن العاجز عنه إلى بدله وهو الإطعام، ونظائر ذلك من الواجبات والشروط التي تسقط بالعجز عنها، إما إلى بدل أو مطلقاً، فهذه ثمانية أقسام لا مزيد عليها، ومن المعلوم أن الشريعة لا تأتي بسوى هذا القسم الثامن ... )). وأفتى شيخنا ابن باز رحمه اللَّه تعالى: أن من حاضت قبل طواف الإفاضة تبقى على إحرامها حتى تطهر وتطوف، وأما من كانت من أهل الديار البعيدة، ولا يمكنها الرجوع جاز لها على الصحيح أن تتحفظ وتطوف)) [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 148، 17/ 328]. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث 757: ((إن المرأة إذا حاضت قبل طواف الإفاضة إذا لم يبق معها أحد من رفقتها؛ فإنها تسافر معهم وترجع بعد الطهر، أما إذا كانت من بلاد بعيدة: كأمريكا، وإندونيسيا، وغيرها من البلاد البعيدة، ولا تستطيع الرجوع فقد ذكر بعض أهل العلم كابن تيمية وغيره، أنها تتحفظ وتطوف، ولا يكلف اللَّه نفساً إلا وسعها، وهذا قول قوي)). واختار هذا القول أيضاً من المعاصرين العلامة ابن عثيمين رحمة اللَّه على الجميع. [انظر: الشرح الممتع، 7/ 299].

ومن ترك طواف الوداع للحج، أو شوطاً منه، فعليه دم يذبحه في مكة، ويوزّعه على فقرائها، ومن سافر، ثم رجع للإتيان بطواف الوداع بعد أن تركه، فإن الدم لا يسقط عنه (¬1)، وقال بعض أهل العلم: لو رجع بنية طواف الوداع أجزأه ذلك، وسقط عنه الدم، ولكن هذا فيه نظر، والأحوط للمؤمن ما دام سافر مسافة قصر، ولم يودِّع البيت؛ فإن عليه دماً يجبر به حجه (¬2). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 150. (¬2) المرجع السابق، 17/ 395.

المبحث السادس والثلاثون: الخلاصة الجامعة في صفة الحج

المبحث السادس والثلاثون: الخلاصة الجامعة في صفة الحج أولاً: أعمال المعتمر والحاج عند الميقات: إذا وصل المعتمر أو الحاج إلى الميقات شرع له أن يعمل الآتي: 1 - يستحب له أن يقلم أظفاره، ويقص شاربه، وينتف إبطيه، ويحلق شعر عانته. 2 - أن يتجرد من ثيابه ويستحب له أن يغتسل. 3 - يستحب له أن يتطيَّب بأطيب ما يجد من دهن عود أو غيره في رأسه ولحيته، ولا يضره بقاء الطيب بعد الإحرام. 4 - أن يحرم الرجل في رداء وإزار ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين، ويحرم في نعلين. أما المرأة فيجوز لها أن تحرم فيما شاءت من الثياب المباحة لها مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم، ولا تلبس البرقع، ولا النقاب، والقفازين. 5 - يستحب له أن يحرم بعد صلاة فريضة - غير الحائض والنفساء - إن كان في وقت فريضة، فإن لم يكن وقت فريضة صلى ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء. 6 - ثم بعد الفراغ من الصلاة ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة، فإن كان يريد العمرة قال: لبيك عمرة، أو اللَّهم لبيك عمرة، وإن كان يريد الحج مفرداً قال: لبيك حجاً، أو اللَّهم لبيك حجاً، وإن كان يريد الجمع بين الحج والعمرة (قارناً)، قال:

7 - وإذا كان من يريد الإحرام خائفا من عائق يعوقه عن إتمام نسكه

لبيك عمرة وحجاً، أو اللَّهم لبيك حجاً وعمرةً. وإن كان حاجّاً أو معتمراً عن غيره - وكيلاً - نوى ذلك بقلبه ثم قال: لبيك عن فلان، وإن كانت أنثى قال: لبيك عن أم فلان، أو بنت فلان، أو فلانة، والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة، أو غيرهما اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. 7 - وإذا كان من يريد الإحرام خائفاً من عائق يعوقه عن إتمام نسكه شُرِعَ له أن يشترط فيقول عند إحرامه بالنسك: (( ... فإن حبسني حابس فمحلّي حيث حبستني))،فمتى اشترط المحرم ذلك عند إحرامه ثم أصابه ما يمنعه من إتمام نسكه فإن له التحلل ولا شيء عليه. 8 - وإذا كان مع من يريد الحج أو العمرة أطفال أو صبيان، وأراد أن يحرموا بحج أو عمرة رغبةً في الثواب له ولهم، فإن كان الصبي مميزاً أحرم بإذن وليه، وفعل عند الإحرام ما يفعله الكبير مما تقدم ذكره، وإن كان الصبي أو الجارية دون التمييز نوى عنهما وليهما الإحرام ولبَّى عنهما، ويمنعهما مما يمنع منه الكبير من محظورات الإحرام، وينبغي أن يكونا طاهري الثياب والأبدان حال الطواف. وكذلك يؤمر المميز والجارية المميزة بالطهارة قبل الشروع في الطواف. * - ومن وصل إلى الميقات في أشهر الحج، وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة، وهو يريد الحج من عامه، فإنه مخيَّر بين ثلاثة أنساك:

النسك الأول: العمرة وحدها

النسك الأول: العمرة وحدها: وهو ما يسمى بالتمتع، وهو أن يحرم بالعمرة وحدها من الميقات في أشهر الحج قائلاً عند نية الدخول في الإحرام: (لبيك عمرة)، ويستمر في التلبية، فإذا وصل مكة وبدأ الطواف قطع التلبية، فإذا طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، ثم حلق أو قصر حل له كل شيء حرم عليه للإحرام، فإذا كان اليوم الثامن - يوم التروية - من ذي الحجة أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أعماله، والتمتع أفضل الأنساك لمن لم يكن معه هديٌ. النسك الثاني: الجمع بين العمرة والحج: وهو ما يُسمّى بـ ((القِران))، وهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً في أشهر الحج من الميقات قائلاً عند نية الدخول في النسك: (لبيك عمرةً وحجاً)، أو يحرم بالعمرة من الميقات ثم في أثناء الطريق يدخل الحج عليها ويلبي بالحج قبل أن يشرع في الطواف، فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم، وسعى سعي الحج، وإن شاء أخّر سعي الحج بعد طواف الإفاضة، ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل إحرامه، بل يبقى على إحرامه حتى يحلّ منه بعد التحلل يوم العيد. النسك الثالث: الحج وحده: وهو ما يسمى بـ ((الإفراد))، وهو أن يحرم بالحج وحده من الميقات في أشهر الحج قائلاً عند نية الدخول في الإحرام: (لبيك حجاً). وعمل المفرد كعمل القارن سواء بسواء، إلا أن القارن عليه هدي - كالمتمتع - شُكراً لله أن يسر له في سفرةٍ واحدةٍ: عمرةً وحجاً، أما المفرد فليس عليه هدي، والأفضل للقارن وكذا المفرد إذا طاف بالبيت،

* أما من وصل الميقات في أشهر الحج وهو لا يريد حجا، وإنما يريد العمرة

وسعى بين الصفا والمروة ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، فيقصِّر أو يحلق، ويكون بهذا متمتعاً كما فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمره في حجة الوداع. * أما من وصل الميقات في أشهر الحج وهو لا يريد حجاً، وإنما يريد العمرة، فلا يقال له متمتع، وإنما هو معتمر، وكذا من وصل إلى الميقات في غير أشهر الحج كرمضان وشعبان فهو معتمر فقط. 9 - يجتنب محظورات الإحرام: وهي ما يحرم على المحرم فعله بسبب الإحرام، وهي: المحظور الأول: إزالة الشعر من جميع البدن بحلق أو غيره بلا عذر. المحظور الثاني: تقليم الأظفار من اليدين أو الرجلين بلا عذر. المحظور الثالث: تعمُّد تغطية الرأس للرجل، وكذلك الوجه على الصحيح للرجل بملاصق كالعمامة والغترة، والطاقية، وشبهها. والمرأة لا تلبس النقاب والبرقع ولا القفازين، ولكن إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال الأجانب قريباً منها، فإنها تسدل الثوب أو الخمار من فوق رأسها على وجهها. المحظور الرابع: لبس الرجل للمخيط عمداً في جميع بدنه، أو في بعضه مما هو مفصّل على الجسم كالقميص، والعمامة، والسراويل، والبرانس - وهو كل ثوب رأسه منه - والقفازين، والخفين، والجوربين، وكل ثوبٍ مسَّه وَرْسٌ أو زعفران.

المحظور الخامس: تعمد استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن

المحظور الخامس: تعمد استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن، أو المأكول، أو المشروب. المحظور السادس: قتل صيد البر الوحشي المأكول، واصطياده. المحظور السابع: عقد النكاح، فلا يتزوج المحرم، ولا يزوج غيره بولاية ولا وكالة، ولا يخطب، ولا يتقدم إليه أحد يخطب بنته أو أخته أو غير ذلك. المحظور الثامن: الوطء الذي يوجب الغسل؛ لقوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ}، والرفث هو الجماع، فمن حصل له الجماع متعمداً قبل التحلل الأول فسد نسكه. المحظور التاسع: المباشرة فيما دون الفرج بوطء في غيره، ولو بتقبيل، أو لمس، أو نظر بشهوة. * ويحرم على الحاج وغيره، والمحرم وغير المحرم: صيد الحرم، وشجره، ونباته إلا الإذخر، ولا يلتقط لقطته إلا للتعريف. ثانياً: صفة دخول مكة إذا وصل المعتمر أو الحاج إلى مكة استحب له ما يأتي: 10 - 1 - يستحب له أن يستريح بمكان مناسب حتى يحصل له النشاط والنظافة قبل الطواف. 11 - 2 - يستحب له إن تيسر أن يغتسل؛ لأن ابن عمر رضي اللَّه عنهما كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح، ويغتسل ويَذْكُرُ ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 12 - 3 - يستحب له إن تيسر أن يدخل مكة من أعلاها؛ لحديث عائشة

4 - فإذا وصل إلى المسجد الحرام فالأفضل له أن يقدم رجله اليمنى

رضي اللَّه عنهما. 13 - 4 - فإذا وصل إلى المسجد الحرام فالأفضل له أن يقدم رجله اليمنى ويقول: ((أعوذ باللَّه العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)) [بسم اللَّه والصلاة] [والسلام على رسول اللَّه]، اللَّهم افتح لي أبواب رحمتك))،وإذا خرج من المسجد قال: ((بسم اللَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه، اللَّهم إني أسألك من فضلك))، [اللَّهم اعصمني من الشيطان الرجيم]،وهذا الذكر يُقال عند الدخول لسائر المساجد، وكذلك دعاء الخروج وليس خاصاً بالمسجد الحرام، ومن لم يفعل هذه السنن الأربع فلا حرج عليه بحمد اللَّه تعالى. 14 - 5 - من لم يتيسر له الغسل قبل دخول المسجد فلا بد له من الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر. 15 - 6 - تحية المسجد الحرام الطواف لمن أراد الطواف، أما من لم يرد الطواف فلا يجلس حتى يصلي ركعتين. 16 - 7 - الركوب في الطواف أو السعي لا بأس به لمن كان به علة كالمريض. ثالثاً: صفة الطواف بالبيت فإذا وصل المعتمر أو الحاج إلى الكعبة عمل كالآتي: 17 - 1 - يقطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف إن كان متمتعاً أو معتمراً، ثم يقصد الحجر الأسود ويستقبله ثم يستلمه بيمينه ويقبله إن تيسر ذلك، ويقول عند استلامه: ((اللَّه أكبر))، ولو قال: ((بسم

2 - ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره.

اللَّه، واللَّه أكبر))، فحسن. 18 - 2 - ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره. 19 - 3 - يرمل الرجل في الثلاثة الأشواط الأُوَل من الحجر الأسود إلى أن يعود إليه، والرمل: هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطَى وهو الخَبَبُ، ويمشي في الأربعة الباقية، يبتدئ كل شوط بالحجر الأسود ويختم به. 20 - 4 - يضطبع الرجل في جميع الطواف الأول دون غيره، والاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر. 21 - 5 - فإذا وصل وحاذى الركن اليماني استلمه بيمينه، وإن قال إذا مسحه: ((بسم اللَّه واللَّه أكبر))، فحسن، ولا يُقبِّله؛ فإن شقّ عليه مَسْحُهُ تركه ومضى في طوافه، ولا يُشِيرُ إليه، ولا يكبر عند محاذاته؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويفعل ذلك في كل شوط من طوافه. 22 - 6 - يستحب له أن يقول بين الركنين اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. 23 - 7 - كُلَّمَا مَرَّ بالحجر الأسود استلمه وقبله، وقال: ((اللَّه أكبر))، فإن لم يتيسر استلامه وتقبيله أشار إليه كلما حاذاه مرة واحدة بيده اليمنى وكبر مرة واحدة، ويكثر في طوافه من الذكر والدعاء والاستغفار، ويُسِرُّ بدعائه وقراءته إن قرأ شيئاً من القرآن، ولا يؤذي الطائفين وليس في الطواف أدعية محددة، ومن خصَّص لكل شوط من الطواف أو السعي أدعية خاصة فلا أصل له، ولا يطوف من داخل

8 - فإذا كمل سبعة أشواط وفرغ منها سوى رداءه فوضعه على كتفيه

الحِجْر؛ لأنه من البيت فلا بد أن يكون الطواف من ورائه. 24 - 8 - فإذا كَمَّل سبعة أشواط وفرغ منها سوَّى رداءه فوضعه على كتفيه، وتقدّم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، ثم يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر ذلك، ويجعله بينه وبين البيت ولو بَعُدَ عنه، وإن لم يتيسر ذلك لزحام ونحوه صلاهما في أي موضع من المسجد، ولا يؤذي الناس ولا يصلي في طريقهم، ويستحب له أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثانية بعد الفاتحة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. 25 - 9 - يستحب له أن يذهب إلى زمزم ويشرب منها ويصب على رأسه؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -. 26 - 10 - يستحب له أن يرجع إلى الحجر الأسود فيستلمه إن تيسر. رابعاً: السعي بين الصفا والمروة 27 - 1 - ثم يخرج إلى المسعى ويتجه إلى الصفا، فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ}، أبدأ بما بدأ اللَّه به. 28 - 2 - ثم يرقى على الصفا حتى يرى البيت فيستقبل القبلة فيوحد اللَّه ويكبره [ويحمده]، ويقول: (([اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر]، [لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد] [يحيي ويميت]، وهو على كل شيء قدير، لا إلا اللَّه وحده [لا شريك له] أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده))، ويرفع يديه بما تيسر من الدعاء، ويكرِّر هذا الذكر والدعاء ثلاث مرات يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة.

3 - ثم ينزل من الصفا إلى المروة فيمشي حتى يصل إلى العلم الأخضر الأول

29 - 3 - ثم ينزل من الصفا إلى المروة فيمشي حتى يَصِلَ إلى العلم الأخضر الأول فيسعى الرجل سعياً شديداً إن تيسر له الركض، ولا يؤذي أحداً، فإذا وصل إلى العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة، فيرقى عليها، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه في دعائه، ويقول ويفعل كما قال وفعل على الصفا. 30 - 4 - ثم ينزل من المروة إلى الصفا فإذا وصل العلم الأول سعى بينه وبين الثاني سعياً شديداً، فإذا جاوز العلم الثاني مشى كعادته إلى أن يصل إلى الصفا، فإذا وصل قال وفعل كما قال وفعل أول مرة، وهكذا على المروة حتى يكمل سبعة أشواط: ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، ويدعو، ويقول في سعيه ما أحب من ذكرٍ ودعاءٍ، ويكثر من ذلك، وإن دعا في السعي في بطن الوادي بين الميلين الأخضرين بقوله: ((رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم))، فلا بأس؛ لثبوت ذلك عن ابن عمر وعبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنهم -. ويستحب أن يكون متطهراً من الأحداث والأخباث، ولو سعى على غير طهارةٍ أجزأه ذلك، وهكذا المرأة لو حاضت أو نفست بعد الطواف سعت وأجزأها ذلك؛ لأن الطهارة ليست شرطاً في السعي وإنما هي مستحبة. 31 - 5 - فإذا أتمَّ سبعة أشواط مبتدئاً بالصفا خاتماً بالمروة حلق رأسه إن كان رجلاً معتمراً، أو متمتعاً، وإن كانت امرأة فإنها تقصر من

كل قرن قدر أنملة، والأنملة هي: رأس الأصبع، وإذا كان وقت الحج قريباً، وكانت المدة بين العمرة والحج قصيرة بحيث لا يطول فيها الشعر، فإن الأفضل في حقه التقصير؛ ليحلق بقية رأسه في الحج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم هو وأصحابه مكة في رابع ذي الحجة أمر من لم يسق الهدي أن يقصِّر ويحلَّ، ولم يأمرهم بالحلق، ولا بد في التقصير من تعميم الرأس ولا يكفي تقصير بعضه، كما أن حلق بعض الرأس لا يكفي، والمرأة لا يشرع لها إلا التقصير، ولا تأخذ زيادة على قدر الأنملة. فإذا فعل المحرم ما ذُكِرَ فقد تمت عمرته وحلَّ له كل شيء حرم عليه بالإحرام،، إلا أن يكون قارناً أو مفرداً قد ساق الهدي من الحلِّ؛ فإنه يبقى على إحرامه حتى يحلّ من الحجِّ والعمرةِ جميعاً بعد التحلل الأول يوم النحر. فإذا لم يكن مع القارن أو المفرد هدي فالأفضل في حقه أن يجعلها عمرة، ويفعل ما يفعله المتمتع، ويكون بهذا متمتعاً عليه ما على المتمتع. وإذا حاضت المرأة أو نفست بعد إحرامها بالعمرة قبل أن تطوف بالبيت ولم تطهر حتى يوم التروية أحرمت بالحج من مكانها الذي هي مقيمة فيه، وتعتبر بذلك قارنة بين الحج والعمرة، وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر وتغتسل، فإذا طهرت طافت بالبيت وبين الصفا والمروة طوافاً واحداً، وسعيا واحداً، وأجزأها ذلك عن حجها وعمرتها جميعاً.

خامسا: أعمال الحج اليوم الثامن

خامساً: أعمال الحج اليوم الثامن 32 - 1 - إذا كان يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة استحب للذين أحلوا بعد العمرة، وهم المتمتعون أن يحرموا بالحج ضُحىً من مساكنهم، وكذلك من أراد الحج من أهل مكة، أما القارن والمفرد الذين لم يحلوا من إحرامهم فهم باقون على إحرامهم الأول. 33 - 2 - يستحب الاغتسال، والتنظف، والتطيب، وأن يفعل ما فعل عند إحرامه من الميقات. 34 - 3 - ينوي الحج بقلبه ويلبي قائلاً: ((لبيك حجاً))، وإن كان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: ((فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)). وإذا كان حاجاً عن غيره نوى بقلبه ثم قال: لبيك حجاً عن فلانٍ، أو عن فلانة، أو عن أم فلان إن كانت أنثى، ثم يستمر في التلبية: ((لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك)). وإن زاد: ((لبيك إله الحق لبيك))؛فحسن لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 35 - 4 - يستحب التوجه إلى منى قبل الزوال والإكثار من التلبية. 36 - 5 - يُصلِّي بمنى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر قصراً بلا جمع إلا المغرب والفجر فلا يقصران. 37 - 6 - يستحب للحاج أن يبيت بمنى ليلة عرفة؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا صلَّى الفجر مكث حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت سار من منى إلى

سادسا: صفة الوقوف بعرفة

عرفات ملبياً. سادساً: صفة الوقوف بعرفة 38 - 1 - إذا وصل الحاج إلى عرفة استحب له أن ينزل بنمرة إلى الزوال إن تيسر له ذلك؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -، وإن لم يتيسر النزول بها فلا حرج عليه أن ينزل بعرفة. 39 - 2 - إذا زالت الشمس سُنَّ للإمام أو نائبه أن يخطب خطبة يُبيِّنُ فيها ما يُشرع للحاج في هذا اليوم وما بعده، ويأمرهم فيها بتقوى اللَّه وتوحيده، والإخلاص له في كل الأعمال، ويُحذِّرهم من محارمه تعالى، ويوصيهم فيها بالتمسك بكتاب اللَّه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، والحكم بهما والتحاكم إليهما في كل الأمور، اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كلِّه، وبعد الخطبة يصلون الظهر والعصر قصراً وجمعاً في وقت الأولى بأذان واحد وإقامتين، لفعله - صلى الله عليه وسلم -. 40 - 3 - من لم يُصلِّ مع الإمام صلَّى مع جماعة أخرى إذا زالت الشمس جمعاً وقصراً في وقت الأولى كما تقدم. 41 - 4 - ثم ينزل إلى الموقف بعرفة إن لم يكن بها، وعليه أن يتأكد من حدودها ثم يكون داخلها، والأفضل أن يجعل جبل الرحمة بينه وبين القبلة إن تيسر له ذلك، فإن لم يتيسر استقبالهما استقبل القبلة، وإن لم يستقبل الجبل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة)). 42 - 5 - يستحب في هذا الموقف العظيم أن يجتهد الحاج في ذكر اللَّه

6 - فإذا غربت الشمس وتحقق غروبها انصرف الحجاج إلى مزدلفة

تعالى، ودعائه، والتضرع إليه، ويرفع يديه حال الدعاء اقتداءً بنبيه - صلى الله عليه وسلم -، فإنه وقف بعد الزوال رافعاً يديه مجتهداً في الدعاء، قال أسامة - رضي الله عنه -: ((كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات، فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى))، ((ولم يزل واقفاً يدعو حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً))، وقد حث أمته على الدعاء ورغب فيه، فينبغي للحاج أن لا يفوِّت هذه الفرصة العظيمة، ومن الأفضل أن يكون مفطراً اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. 43 - 6 - فإذا غربت الشمس وتحقق غروبها انصرف الحجاج إلى مزدلفة بسكينةٍ، ووقار، وأكثروا من التلبية، وأسرعوا في المتسع؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله. 44 - 7 - ولا يفوت الوقوف بعرفة إلا بطلوع الفجر من يوم النحر. 45 - 8 - إذا طلع الفجر من يوم النحر ولم يقف الحاج بعرفة، فقد فاته الحج، فإن كان قد اشترط في ابتداء إحرامه فقال: ((فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)) تحلل من إحرامه ولا شيء عليه، ولكن الأفضل له أن يتحلَّل بعمرة، وإن لم يكن اشترط وفاته الوقوف بعرفة، فإنه يتحلَّل بعمرة، فيطوف، ويسعى، ويحلق أو يقصر، وإذا كان معه هدي ذبحه، ويحج عاماً قابلاً ويهدي. سابعاً: صفة المبيت بمزدلفة 46 - 1 - إذا وصل الحاج مزدلفة صلى بها المغرب ثلاث ركعات،

2 - يبيت الحاج في هذه الليلة بمزدلفة، ويحرص أن ينام مبكرا؛ ليكون نشيطا

والعشاء ركعتين، جمعاً بأذانٍ واحدٍ وإقامتين من حين وصوله؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ سواء وصل الحاج إلى مزدلفة في وقت المغرب أو بعد دخول وقت العشاء. 47 - 2 - يبيت الحاج في هذه الليلة بمزدلفة، ويحرص أن ينام مبكراً؛ ليكون نشيطاً لأداء مناسك الحج يوم النحر. 48 - 3 - يجوز للضعفة من النساء، والصبيان، ونحوهم أن ينزلوا من مزدلفة إلى منى بعد منتصف الليل ومغيب القمر. 49 - 4 - إذا تبيَّن الفجر الثاني صلَّى الفجر مبكراً، ثم يقف عند المشعر الحرام ويستقبل القبلة، ويدعو اللَّه، ويكبِّرُه، ويهلِّلُه، ويوحِّده، ويكثر من الدعاء ويرفع يديه، ويستحب له أن يستمر على ذلك حتى يسفر جداً، وحيثما وقف من مزدلفة أجزأه ذلك. 50 - 5 - إذا أسفر جداً دفع من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس، والسنة أن يلتقط هذا اليوم سبع حصيات مثل حصى الخذف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أن يُلتقط له الحصى إلا بعد انصرافه من المشعر الحرام إلى منى، أما في الأيام الثلاثة فيلتقط من منى كل يوم إحدى وعشرين حصاة يرمي بها الجمار الثلاث. 51 - 6 - يكثر الحاج من التلبية في سيره إلى منى فإذا وصل إلى محسِّر استحب له الإسراع قليلاً إن استطاع ذلك بدون أذىً لأحدٍ؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -. ثامناً: أعمال الحج يوم النحر إذا وصل الحاج إلى منى يوم النحر فالأفضل أن يرتب هذه الأعمال الأربعة:

1 - يقطع التلبية عند جمرة العقبة، ويستحب له أن يجعل منى عن يمينه، والكعبة عن يساره

52 - 1 - يقطع التلبية عند جمرة العقبة، ويستحب له أن يجعل منى عن يمينه، والكعبة عن يساره، وجمرة العقبة أمامه، ثم يرميها بسبع حصيات متعاقبات، يرفع يده مع كل حصاة، ويكبر مع كل حصاة، وجمرة العقبة هي الأخيرة مما يلي مكة. 53 - 2 - إذا فرغ الحاج من رمي جمرة العقبة نحر هديه أو ذبحه، وهو شاة، أو سُبُعُ بدنة، أو سُبُعُ بقرة، وهو واجب على المتمتع والقارن، ويستحب أن يقول عند ذبحه أو نحره: ((بسم اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّهم منك ولك [اللَّهم تقبل مني]، ويسن ذبح الغنم والبقر على جنبها الأيسر موجهة إلى القبلة، ونحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، ويستحب أن يأكل من هديه، ويهدي ويتصدق؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، ويمتد وقت الذبح على الصحيح إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهو اليوم الثالث من أيام التشريق، ويجوز له أن يذبح في منى، وهو الأفضل أو في مكة. 54 - 3 - إذا فرغ الحاج من ذبح هديه أو نحره لمن كان له هدي حلق رأسه أو قصره، والحلق أفضل للرجل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بالرحمة والمغفرة للمحلقين ثلاث مرات، وللمقصرين مرة واحدة، أما المرأة فليس عليها إلا التقصير تأخذ من كل قرن قدر الأنملة أو أقل، وبعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير يباح للمحرم كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء ويُسمَّى هذا التحلل الأول. فإذا تحلل التحلل الأول: استحب له أن يتطيب؛ لحديث عائشة رضي

4 - يتوجه الحاج بعد الأعمال السابقة إلى مكة؛ ليطوف بالبيت.

اللَّه عنها، ويستحب له أن يتنظف ويلبس أحسن ثيابه. 55 - 4 - يتوجه الحاج بعد الأعمال السابقة إلى مكة؛ ليطوف بالبيت. ويُسمَّى هذا الطواف: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وهو ركن من أركان الحج وهو المراد في قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، ويكون طوافه كالطواف الذي ذُكِرَ سابقاً تماماً، لكن ليس فيه رمل ولا اضطباع. ثم يُصلِّي ركعتين خلف المقام، ويستحب أن يشرب من زمزم؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -. ثم بعد الطواف وصلاة ركعتين يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً؛ لأن سعيه الأول لعمرته وهذا سعي الحج. أما القارن والمفرد فليس عليه إلا سعي واحد؛ فإن كان قد سعاه بعد طواف القدوم كفاه ذلك عن السعي بعد طواف الإفاضة، وإلا سعى بعد طواف الإفاضة. والأعمال التي يحصل بها التحلل الثاني ثلاثة: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة مع السعي بعده لمن كان عليه سعي، فإذا فعل هذه الثلاثة حل له كل شيءٍ حرم عليه بالإحرام حتى النساء. والأفضل للحاج أن يرتب هذه الأمور الأربعة المتقدمة: رمي جمرة العقبة، ثم النحر أو الذبح، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف بالبيت والسعي بعده لمن كان عليه سعي. فإن قدم بعض هذه الأمور على بعض فلا حرج وأجزأه ذلك.

تاسعا: أعمال الحج أيام التشريق

تاسعاً: أعمال الحج أيام التشريق 56 - 1 - يرجع الحاج بعد طواف الإفاضة والسعي ممن عليه سعي إلى منى، فيبيت بها ليلة الحادي عشر، والثاني عشر، وهذا المبيت واجب من واجبات الحج إلا على السقاة والرعاة، ونحوهم فلا يجب عليهم. 57 - 2 - يرمي الجمرات الثلاث في اليومين بعد زوال الشمس وهذا الرمي واجب من واجبات الحج، ولا يجوز الرمي قبل الزوال، ويجب الترتيب في رمي الجمار على النحو الآتي: أ - يبدأ بالجمرة الأولى وهي أبعد الجمرات عن مكة وهي التي تلي مسجد الخيف، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يرفع يده بالرمي مع كل حصاة، ويكبر على إثر كل حصاة، ولا بد أن يقع الحصى في الحوض، فإن لم يقع في الحوض لم يجزِ، ثم يتقدم حتى يسهل في مكان لا يصيبه الحصى فيه ولا يؤذي الناس، فيستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعو طويلاً. ب - يرمي الجمرة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، ثم يأخذ ذات الشمال ويتقدم حتى يسهل ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً يدعو ويرفع يديه. ج - ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، ثم ينصرف ولا يقف عندها ولا يدعو. ثم يرمي الجمرات في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال كما رماها في الأول تماماً، ويفعل عند الأولى والثانية كما فعل في اليوم الأول من أيام التشريق.

3 - إذا عجز المتمتع والقارن عن الهدي وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله

58 - 3 - إذا عجز المتمتع والقارن عن الهدي وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله، وهو مخير في صيام الثلاثة إن شاء صامها قبل يوم النحر، وإن شاء صامها في أيام التشريق الثلاثة، والأفضل أن يقدم صيام الأيام الثلاثة عن يوم عرفة، ليكون يوم عرفة مفطراً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم عرفة مفطراً. 59 - 4 - من عجز عن الرمي كالكبير، والمريض، والصغير، والمرأة الحامل ونحوهم، جاز أن يوكل من يرمي عنه. أما الأقوياء: من الرجال، والنساء فلا يجوز لهم التوكيل في الرمي، ويجوز للوكيل أن يرمي عن نفسه ثم عن من وكَّله كل جمرة من الجمار الثلاث في موقف واحد، فيرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات عن نفسه ثم بسبعٍ عن من وكَّله، وهكذا الثانية والثالثة. وهكذا الصبي يجوز أن يرمي عنه وليه على التفصيل السابق. 60 - 5 - الأفضل في رمي الجمار أيام التشريق أن تُرْمَى قبل الغروب، وكذلك جمرة العقبة من رماها قبل غروب يوم النحر فقد رماها في وقت لها، وإن كان أفضل أن تُرمى ضحى لغير الضعفة. أما الرمي ليلاً فقد أجازه بعض أهل العلم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقَّت ابتداء الرمي بعد الزوال في أيام التشريق، ولم يوقِّت انتهاءه، وكذلك جمرة العقبة بعد طلوع الشمس يوم النحر للأقوياء، فالأحوط أن يرمي قبل الغروب حتى يخرج من الخلاف؛ ولكن لو اضطر إلى ذلك ودعت الحاجة إليه فلا بأس أن يرمي في الليل عن اليوم الذي غابت شمسه إلى آخر الليل.

6 - من غربت عليه الشمس من اليوم الثاني عشر وهو لم يخرج من منى

61 - 6 - من غربت عليه الشمس من اليوم الثاني عشر وهو لم يخرج من منى، فإنه يلزمه التأخر ويبيت في منى ويرمي الجمار الثلاث في اليوم الثالث عشر بعد الزوال؛ لكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره، مثل أن يكون قد ارتحل وركب، ولكن تأخر بسبب زحام السيارات فلا يلزمه التأخر. 62 - 7 - بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر من أيام التشريق بعد الزوال، إن شاء الحاج تعجَّل وطاف طواف الوداع، ثم ذهب إلى بلاده، وإن شاء تأخَّر فبات بمنى ليلة الثالث عشر، ورمى الجمار بعد الزوال في اليوم الثالث عشر وهذا الأفضل. عاشراً: طواف الوداع 63 - إذا أراد الحاج الخروج من مكة فلا يخرج حتى يطوف طواف الوداع، إلا أنه خُفِّفَ عن المرأة الحائض، فالحائض ليس عليها وداع وكذلك النفساء. فيطوف سبعة أشواط بالبيت ثم يُصلِّي ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم يخرج من المسجد الحرام ويقول دعاء الخروج من المسجد كما تقدم ثم يذهب إلى بلاده.

المبحث السابع والثلاثون: الخلاصة الجامعة في صفة العمرة

المبحث السابع والثلاثون: الخلاصة الجامعة في صفة العمرة أولاً: أعمال المعتمر عند الميقات إذا وصل المعتمر إلى الميقات شرع له أن يعمل الآتي: 1 - يستحب له أن يقلم أظفاره، ويقص شاربه، وينتف إبطيه، ويحلق عانته. 2 - أن يتجرد من ثيابه، ويُستحبّ له أن يغتسل؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. 3 - يستحب له أن يتطيب بأطيب ما يجد من دهن عود أو غيره في رأسه ولحيته، ولا يضره بقاء الطيب بعد الإحرام؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها. 4 - أن يحرم الرجل في رداء وإزار، ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين، ويحرم في نعلين. أما المرأة فيجوز لها أن تحرم فيما شاءت من الثياب المباحة لها مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم، إلا أنها لا تلبس البرقع، والنقاب، ولا القفازين. 5 - يستحب له أن يحرم بعد صلاة فريضة - غير الحائض والنفساء - إن كان في وقت فريضة، فإن لم يكن وقت فريضة صلَّى ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء. 6 - ثم بعد الفراغ من الصلاة ينوي بقلبه الدخول في نسك العمرة ويقول: لبيك عمرة، أو اللَّهم لبيك عمرة، وإن كان معتمراً عن غيره - وكيلاً - نوى ذلك بقلبه، ثم قال: لبيك عن فلان، وإن كانت أنثى قال: لبيك عن أم فلان، أو بنت فلان، أو فلانة، والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة، أو غيرهما اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. 7 - وإذا كان من يريد الإحرام خائفاً من عائق يعوقه عن إتمام نسكه

8 - وإن كان مع من يريد العمرة أطفال أو صبيان

شُرِعَ له أن يشترط فيقول عند إحرامه بالنسك: (( .. فإن حبسني حابس فمحلّي حيث حبستني))، فمتى اشترط المحرم ذلك عند إحرامه، ثم أصابه ما يمنعه من إتمام نسكه، فإن له التحلل ولا شيء عليه. 8 - وإن كان مع من يريد العمرة أطفال أو صبيان، وأراد أن يحرموا بالعمرة رغبةً في الثواب له ولهم، فإن كان الصبي مميزاً أحرم بإذن وليِّه، وفعل عند الإحرام ما يفعله الكبير مما تقدم ذكره، وإن كان الصبي أو الجارية دون التمييز نوى عنهما وليهما الإحرام، ولبَّى عنهما، ويمنعهما مما يمنع منه الكبير من محظورات الإحرام، وينبغي أن يكونا طاهري الثياب والأبدان حال الطواف. وكذلك يؤمر المميز والجارية المميزة بالطهارة قبل الشروع في الطواف. 9 - يجتنب المحرم بالعمرة محظورات الإحرام التسعة التي تقدم ذكرها. ثانياً: صفة دخول مكة إذا وصل المعتمر إلى مكة استحب له ما يأتي: 10 - 1 - يستحب له أن يستريح بمكان مناسب حتى يحصل له النشاط والنظافة قبل الطواف. 11 - 2 - يستحب له إن تيسر أن يغتسل؛ لأن ابن عمر رضي اللَّه عنهما كان لا يقدم بمكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح، ويغتسل ويَذْكُرُ ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 12 - 3 - يستحب له إن تيسر أن يدخل مكة من أعلاها؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها. 13 - 4 - فإذا وصل إلى المسجد الحرام، فالأفضل له أن يقدم رجله

5 - من لم يتيسر له الغسل قبل دخول المسجد

اليمنى ويقول: ((أعوذ باللَّه العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)) [بسم اللَّه والصلاة] [والسلام على رسول اللَّه]، اللَّهم افتح لي أبواب رحمتك))، وإذا خرج من المسجد قال: ((بسم اللَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه، اللَّهم إني أسألك من فضلك))، [اللَّهم اعصمني من الشيطان الرجيم]، وهذا الذكر يُقال عند الدخول لسائر المساجد، وكذلك دعاء الخروج، وليس خاصاً بالمسجد الحرام، ومن لم يفعل هذه السنن الأربع فلا حرج عليه بحمد اللَّه تعالى. 14 - 5 - من لم يتيسر له الغسل قبل دخول المسجد، فلا بد له من الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر. 15 - 6 - تحية المسجد الحرام الطواف لمن أراد الطواف، أما من لم يرد الطواف فلا يجلس حتى يصلي ركعتين. 16 - 7 - الركوب في الطواف أو السعي لا بأس به لمن كان به علة كالمريض. ثالثاً: صفة الطواف بالبيت فإذا وصل المعتمر إلى الكعبة عمل كالآتي: 17 - 1 - يقطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف، ثم يقصد الحجر الأسود ويستقبله، ثم يستلمه بيمينه ويقبله إن تيسر ذلك، ويقول عند استلامه: ((اللَّه أكبر))، ولو قال: ((بسم اللَّه واللَّه أكبر)) فحسن. 18 - 2 - ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره. 19 - 3 - يرمل الرجل في الثلاثة الأشواط الأُوَل من الحجر الأسود إلى أن يعود إليه. والرمل: هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطَى، وهو الخَبَبُ،

4 - يضطبع الرجل في جميع الطواف الأول دون غيره

ويمشي في الأربعة الباقية، يبتدئ كل شوط بالحجر الأسود ويختم به. 20 - 4 - يضطبع الرجل في جميع الطواف الأول دون غيره، والاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر. 21 - 5 - فإذا وصل وحاذى الركن اليماني استلمه بيمينه، وإن قال إذا مسحه: ((بسم اللَّه واللَّه أكبر)) فحسن، ولا يُقبِّله؛ فإن شق عليه مَسْحُهُ تركه ومضى في طوافه، ولا يُشِيرُ إليه، ولا يكبِّر عند محاذاته؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويفعل ذلك في كل شوط من طوافه. 22 - 6 - يستحب له أن يقول بين الركنين اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. 23 - 7 - كُلَّمَا مَرَّ بالحجر الأسود استلمه وقبله، وقال: ((اللَّه أكبر))، فإن لم يتيسر استلامه وتقبيله أشار إليه كلما حاذاه مرة واحدة بيده اليمنى، وكبِّر مرة واحدة، ويكثر في طوافه من الذكر والدعاء والاستغفار، ويُسِرُّ بدعائه وقراءته إن قرأ شيئاً من القرآن، ولا يؤذي الطائفين، وليس في الطواف أدعية محددة، ومن خصص لكل شوط من الطواف أو السعي أدعية خاصة فلا أصل له، ولا يطوف من داخل الحِجْر؛ لأنه من البيت، فلا بد أن يكون الطواف من ورائه. 24 - 8 - فإذا كَمَّل سبعة أشواط، وفرغ منها سوَّى رداءه، فوضعه على كتفيه، وتقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، ثم يُصلِّي ركعتين خلف المقام إن تيسّر ذلك، ويجعله بينه وبين البيت ولو بَعُدَ عنه، وإن لم يتيسَّر ذلك لزحام ونحوه صلاهما في أي موضع من المسجد، ولا يؤذي الناس ولا يُصلِّي في طريقهم، ويستحب

9 - يستحب له أن يذهب إلى زمزم ويشرب منها، ويصب على رأسه؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -.

له أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثانية بعد الفاتحة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. 25 - 9 - يستحب له أن يذهب إلى زمزم ويشرب منها، ويصب على رأسه؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -. 26 - 10 - يستحب له أن يرجع إلى الحجر الأسود فيستلمه إن تيسر. رابعاً: صفة السعي بين الصفا والمروة 27 - 1 - ثم يخرج إلى المسعى ويتجه إلى الصفا، فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ}، أبدأ بما بدأ اللَّه به. 28 - 2 - ثم يرقى على الصفا حتى يرى البيت، فيستقبل القبلة فيوحِّد اللَّه ويكبِّره [ويحمده]، ويقول: ((اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر))، [لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد] [يحيي ويميت]، وهو على كل شيء قدير، لا إلا اللَّه وحده [لا شريك له]، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده))، ويرفع يديه بما تيسر من الدعاء، ويكرِّر هذا الذكر والدعاء ثلاث مرات، يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة. 29 - 3 - ثم ينزل من الصفا إلى المروة، فيمشي حتى يَصِلَ إلى العلم الأخضر الأول، فيسعى الرجل سعياً شديداً إن تيسر له الركض، ولا يؤذي أحداً، فإذا وصل إلى العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة، فيرقى عليها، ويستقبل القبلة، ويدعو، ويرفع يديه في دعائه، ويقول ويفعل كما قال وفعل على الصفا. 30 - 4 - ثم ينزل من المروة إلى الصفا، فإذا وصل العلم الأول سعى بينه وبين الثاني سعياً شديداً، فإذا جاوز العلم الثاني مشى كعادته إلى أن

5 - فإذا أتم سبعة أشواط مبتدئا بالصفا

يصل إلى الصفا، فإذا وصل قال وفعل كما قال وفعل أول مرة، وهكذا على المروة حتى يكمل سبعة أشواط: ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، ويقول في سعيه ما أحب من ذكرٍ ودعاءٍ، ويكثر من ذلك، وإن دعا في السعي في بطن الوادي بين الميلين الأخضرين بقوله: ((رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم))، فلا بأس؛ لثبوت ذلك عن ابن عمر وعبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنهم -. ويستحب أن يكون متطهراً من الأحداث والأخباث، ولو سعى على غير طهارةٍ أجزأه ذلك، وهكذا المرأة لو حاضت أو نفست بعد الطواف سعت وأجزأها ذلك؛ لأن الطهارة ليست شرطاً في السعي، وإنما هي مستحبة. 31 - 5 - فإذا أتمَّ سبعة أشواط مبتدئاً بالصفا، خاتماً بالمروة حلق رأسه إن كان رجلاً، وإن كانت امرأة فإنها تقصر من كل قرن قدر أنملة، والأنملة هي: رأس الأصبع، وإذا كان وقت الحج قريباً، أو كانت المدة بين العمرة والحج قصيرة بحيث لا يطول فيها الشعر، فإن الأفضل في حقه التقصير؛ ليحلق بقية رأسه في الحج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم هو وأصحابه مكة في رابع ذي الحجة أمر من لم يسق الهدي أن يقصر ويحل، ولم يأمرهم بالحلق، ولا بد في التقصير من تعميم الرأس، ولا يكفي تقصير بعضه، كما أن حلق بعض الرأس لا يكفي، والمرأة لا يشرع لها إلا التقصير، ولا تأخذ زيادة على قدر الأنملة. فإذا فعل المُحْرِمُ ما ذُكِرَ فقد تمت عمرته، وحلَّ له كل شيء حرم عليه بالإحرام.

خامسا: مسائل في العمرة:

خامساً: مسائل في العمرة: المسألة الأولى: من كرر العمرة في أشهر الحج لا يلزمه إلا هدي واحد، قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم: أن من اعتمر في أشهر الحج، وأحلَّ من عمرته، وهو يريد التمتُّع، ثم كرَّر العمرة في أشهر الحج: لا يلزمه إلا هدي تمتعٍ واحدٍ، ولا ينبغي أن يختلف في ذلك، والعلم عند اللَّه تعالى)) (¬1). المسألة الثانية: من أحرم بعمرة في أشهر الحج فله أن يدخل عليها الحج فيكون قارناً، قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((اعلم: أن من أحرم بعمرة في أشهر الحج له أن يدخل عليها الحج، فيكون قارناً، وعليه دم القران، ما لم يفتتح الطواف بالبيت، وإن افتتح الطواف: ففي جواز إدخاله عليها حينئذٍ، خلاف بين أهل العلم ... ))، ((فجوّزه مالك، ومنعه عطاء، والشافعي، وأبو ثور)) (¬2). واختلفوا أيضاً في إدخال العمرة على الحج، فيكون قارناً، وعليه دم القران، وقد نُقِلَ عن الشافعية والمالكية جوازه، قال النووي في شرح المهذب: ((واختلفوا في إدخال العمرة على الحج، فقال أصحابنا: يجوز، ويصير قارناً وعليه دم القران، وهو قول قديم للشافعي، ومنعه الشافعي في مصر، ونُقِل منعه عن أكثر من لقيه)) (¬3). ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 570 (¬2) أضواء البيان، 5/ 570 - 571. (¬3) أضواء البيان، 5/ 571.

المسألة الثالثة: إذا ساق المعتمر الهدي، وهو يريد الحج من عامه

قلت: يحتاج جواز إدخال العمرة على الحج، فيكون قارناً إلى دليل صحيح صريح، ولكن المشروع إذا طاف بالبيت وسعى: أن يتحلَّل ويجعلها عمرة، فيكون متمتعاً إذا حجّ من عامة. المسألة الثالثة: إذا ساق المعتمر الهدي، وهو يريد الحج من عامه: قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه (¬1): ((إذا فرغ المتمتع من عمرته، وكان لم يسق هدياً، فإنَّ له التحلل التامّ، فله مسّ الطيب، والاستمتاع بالنساء، وكل شيء حرم عليه بإحرامه، فإن كان ساق الهدي ففيه للعلماء قولان: أحدهما: أن له التحلل أيضاً؛ لأن اللَّه يقول في التمتع: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} (¬2)، ولا يمنعه سوق الهدي من ذلك؛ لأنه متمتع. والقول الثاني: أنه لا يجوز له الإحلال حتى يبلغ الهدي محلَّه يوم النحر، واستدلَّ من قال بهذا بحديث: حفصة رضي اللَّه عنها ... أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما شأنُ النَّاس حَلُّوا بعمرةٍ، ولم تَحْلِلْ أنت من عمرتك؟ فقال: ((إني لبَّدت رأسي، وقلّدت هديي، فلا أحلّ حتى أنحر)) (¬3)، وكلا القولين قال به جماعة من الأئمة - رضي الله عنهم - ... )). ثم قال الشنقيطي رحمه اللَّه: ((أظهر القولين عندي: أنَّ له أن يحلَّ من إحرامه، ولكنَّه يؤخِّر ذبح هدي تمتّعه، حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، كما قدمنا إيضاحه، والاحتجاج بحديث حفصة المذكور لا ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 571. (¬2) سورة البقرة، الآية:196. (¬3) متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الحج، باب: التمتع والإقران والإفراد بالحج، وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، برقم 1566، ومسلم، كتاب الحج، باب بَيَانِ أَنَّ الْقَارِنَ لاَ يَتَحَلَّلُ إِلاَّ فِى وَقْتِ تَحَلُّلِ الْحَاجِّ الْمُفْرِدِ، برقم 1229.

ينهض كلّ النهوض؛ لأن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارناً، فحديثها ليس في محلّ النزاع؛ لأن النزاع فيمن أحرم بعمرة يريد التحلل منها، والإحرام بالحج بعد ذلك، هل يمنعه سوق الهدي من التحلل؟ وحديث حفصة في القران، والقران ليس محل نزاع، وقولها: ولم تحلل أنت من عمرتك؟ تعني: عمرته المقرونة مع الحج، لا عمرة مفردة بإحرام، دون الحج كما هو معلوم ... ومما يوضحه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو أنِّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة)) (¬1)، فدل على أنه لم يجعلها عمرة مفردة الذي هو محل النزاع؛ لأن ظاهره أنها لو كانت مفردة لكان له الإحلال منها مطلقاً، ولا حجة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لم أسق الهدي))؛ لأنه ساقه لقران لا لعمرة مفردة عن الحج ... وقول من قال: إن سوق الهدي في عمرته يمنعه من الإحلال منها، حتى ينحر يوم النحر له وجه قويٌّ من النظر؛ لدخوله في ظاهر عموم قوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬2). وهذا المعتمر المتمتع الذي ساق معه هدي التمتع إن حلَّ من عمرته حلق قبل أن يبلغ هديه محِلَّه، والعلم عند اللَّه تعالى)) (¬3). ¬

(¬1) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬2) سورة البقرة، الآية: 196. (¬3) أضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 571 - 573.

المسألة الرابعة: حكم تكرار العمرة

المسألة الرابعة: حكم تكرار العمرة: العبادات توقيفية، لا يجوز لأحد أن يتقرَّب لله تعالى بعمل لم يشرعه اللَّه - عز وجل -، ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ)) (¬1). فهل تكرار العمرة مشروع؟ وهل حدَّد النبي - صلى الله عليه وسلم - زمناً بين العمرتين؟ والجواب ما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ)) (¬2). وعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِـ وَلَيْسَ لِلْحَجِّ الْمَبْرُورِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ)) (¬3). قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((لا نعلم أقلَّ حدٍّ بين العمرة والعمرة، أما من كان من أهل مكة، فالأفضل له الاشتغال بالطواف، والصلاة، وسائر القربات، وعدم الخروج خارج الحرم؛ لأداء العمرة إن كان قد أدَّى عمرة الإسلام)) (¬4). وقد أجاب شيخنا رحمه اللَّه من سأله عن تكرار العمرة في رمضان طلباً للأجر المرتب على ذلك، فقال: ((لا حرج في ذلك؛ [لأنّ] النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ ¬

(¬1) مسلم، برقم 18 - (718)، ولفظه عند البخاري ومسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)). (¬2) البخاري، برقم 1773، ومسلم، برقم 1349، وتقدم تخريجه في فضائل الحج والعمرة. (¬3) الترمذي، برقم 810، والنسائي برقم 2631. (¬4) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 123.

إِلاَّ الْجَنَّةُ)) متفق عليه (¬1): فإذا اعتمر ثلاث أو أربع مرات فلا حرج في ذلك، فقد اعتمرت عائشة رضي اللَّه عنها في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع عمرتين، في أقلّ من عشرين يوماً)) (¬2) (¬3). ¬

(¬1) تقدم تخريجه في الهامش الذي قبل هذا. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 432، وكانت هذه الفتوى نشرت في مجلة اليمامة، العدد (1151) بتاريخ 25/ 9/ 1411هـ. (¬3) وسئل شيخنا ابن باز رحمه اللَّه عن الزمن الذي يكون بين العمرتين للرجال والنساء فقال: ((لا نعلم في ذلك حداً محدوداً بل تشرع في كل وقت؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) متفق على صحته: [البخاري، برقم 1773، ومسلم، برقم 1349]،، فكلما تيسر للرجل والمرأة أداء العمرة فذلك خير وعمل صالح، وثبت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: ((العمرة في كل شهر)). وهذا كله في حق من يقدم إلى مكة من خارجها، أما من كان في مكة فالأفضل له الاشتغال بالطواف والصلاة وسائر القربات، وعدم الخروج إلى خارج الحرم لأداء العمرة إذا كان قد أدى عمرة الإسلام، وقد يقال باستحباب خروجه إلى خارج الحرم لأداء العمرة في الأوقات الفاضلة كرمضان؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) [البخاري بنحوه، برقم 1863، ومسلم، برقم 222 - (1256) بنحوه أيضاً، ولفظ البخاري ومسلم: ((فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي))]، ولكن يجب أن يراعى في حق النساء عنايتهن بالحجاب، والبعد عن أسباب الفتنة، وطوافهن من وراء الناس، وعدم مزاحمة الرجال على الحجر الأسود؛ فإن كُنَّ لا يتقيدن بهذه الأمور الشرعية، فينبغي عدم ذهابهن إلى العمرة؛ لأنه يترتب على اعتمارهن مفاسد تضرهن، وتضر المجتمع، وتربو على مصلحة أدائهن العمرة، إذا كن قد أدين عمرة الإسلام، واللَّه - سبحانه وتعالى - أعلم)) [مجموع فتاوى ابن بارز، 16/ 362 - 364]. وسئل شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه اللَّه عَمَّنْ أخذ عمرة عن نفسه، ثم أراد أن يخرج إلى الحل؛ ليأخذ عمرة عمَّن يريد من أقاربه، فقال رحمه اللَّه: ((لا أعلم مانعاً شرعياً من عمرتك لمن ترى من أقاربك بعد اعتمارك عن نفسك العمرة الواجبة، سواء كان ذلك في وقت الحج أو في غيره. أما ميقات العمرة لمن كان داخل الحرم فهو الحلّ: كالتنعيم، والجعرانة، ونحوهما؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر عائشة بالاعتمار أمر عبد الرحمن أخاها أن يعمرها من خارج الحرم)) [مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 440]. وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة شيخنا عبد العزيز ابن باز عمَّن يريد أن يعتمر عن نفسه، فإذا فرغ من عمرته اعتمر عن والديه، وهما على قيد الحياة، ثم يعتمر عن والدي والديه، فهل هذه الطريقة صحيحة؟ فأجابته اللجنة: ((إذا اعتمرت عن نفسك جاز لك أن تعتمر عن أمك، وأبيك إذا كانا عاجزين؛ لكبر سنٍّ، أو مرضٍ لا يرجى برؤه، كما يجوز لك أن تعتمر عن والدي والديك المتوفين)) [مجموع فتاوى اللجنة للبحوث العلمية والإفتاء، 11/ 80 - 81، و11/ 165، و11/ 333]. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: أن كَثْرَةَ الاعْتِمَارِ فِي رَمَضَانَ لِلْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ فيه ثَلاثُ مَسَائِل: المسألة الأولى: الِاعْتِمَارُ فِي الْعَامِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ [مجموع الفتاوى، 26/ 267]. المسألة الثانية: الإكثار من الاعتمار والموالاة بينها [مجموع الفتاوى، 26/ 269]. المسألة الثالثة: كثرة الِاعْتِمَارُ للْمَكِّيِّ [مجموع الفتاوى، 26/ 267، 290]. * فأما الاعتمار في العام أكثر من مرة، فقال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: ((فَأَمَّا كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ الْمَشْرُوعِ، كَاَلَّذِي يَقْدَمُ مِنْ دويرة أَهْلِهِ فَيَحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَ، وَهَذِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَهُمْ، فَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ عُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ ... ))، [مجموع الفتاوى، 26/ 267]، ثم ذكر رحمه اللَّه في هذه المسألة قولين لأهل العلم: القول الأول: كَرِهَ طَائِفَةٌ من أهل العلم: أن يعتمر المسلم في العام أكثر من مرة، وذكر مِنْهُمْ: الْحَسَن، وَابْن سيرين، وقال: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النخعي: مَا كَانُوا يَعْتَمِرُونَ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَمِرُونَ في السنة إلَّا مرَة وَاحِدَة، ولَمْ يَعْتَمِرُوا فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ، فَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا فَعَلُوهُ كَالْإِحْرَامِ مِنْ فَوْقِ الْمِيقَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ في كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْم: أَنَّ ((الْعُمْرَةَ هِيَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ)) [سنن الدارقطني، برقم 221، و222، والبيهقي، 4/ 352، وتقدم تخريجه]، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} وَالْحَجُّ لَا يُشْرَعُ فِي الْعَامِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ. [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 26/ 267]. القول الثاني: جواز العمرة في العام أكثر من مرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، 26/ 268]: ((وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: عَطَاءٌ، وطاوس، وَعِكْرِمَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الصَّحَابَةِ كَعَلِيِّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةُ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ رضي اللَّه عنها اعْتَمَرَتْ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عُمْرَتَهَا الَّتِي كَانَتْ مَعَ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةَ الَّتِي اعْتَمَرَتْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ الَّتِي تَلِي أَيَّامَ مِنَى، وَهِيَ لَيْلَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ ... وَأَيْضًا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ)) [البخاري، برقم 1773، ومسلم، برقم 1349]، ... وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ: رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَمَّمَ رَأْسُهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ، ... وقَالَ عَلِيٌّ: اعْتَمِر في الشَّهْرِ إنْ أَطَقْت مِرَارًا، ... قال شيخ الإسلام: ((وَهَذِهِ - وَاللَّه أَعْلَمُ - هِيَ عُمْرَةُ الْمحَرّم؛ ِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ بِمَكَّةَ إلَى الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُمْرَةَ مِنْ مَكَّةَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَالْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ مُرْسَلًا: عَنْ ابْنِ سيرين قَالَ: ((وَقَّتَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لِأَهْلِ مَكَّةَ التَّنْعِيمَ)) [مصنف ابن أبي شيبة، 4/ 350]. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْتَمِرُ إذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِنْ رَأْسِهِ إنْ شَاءَ اعْتَمَرَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: اعْتَمَرَ فِي الشَّهْرِ مِرَارًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ يَفُوتُ بِهِ كَوَقْتِ الْحَجِّ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُهَا مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الْعَامِ لَمْ تُشْبِهْ الْحَجَّ فِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا مَرَّةً)) [مجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 268 - 269]. وهذه هي المسألة الأولى. وأما الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فهِي الْإِكْثَارِ مِنْ الِاعْتِمَارِ وَالْمُوَالَاةِ بَيْنَهَا: مِثْلَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَنْ يَكُونُ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ كُلَّ يَوْمَيْنِ، أَوْ يَعْتَمِرَ الْقَرِيبُ مِنْ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ يَوْمَانِ: فِي الشَّهْرِ خُمْسَ عُمَرٍ، أَوْ سِتَّ عُمَرٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ يَعْتَمِرَ مَنْ يَرَى الْعُمْرَةَ مِنْ مَكَّةَ كُلَّ يَوْمٍ عُمْرَةً، أَوْ عُمْرَتَيْنِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ، بَلْ اتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهِيَتِهِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ اسْتَحَبَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَد، فَلَيْسَ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ أَصْلًا، إلَّا مُجَرَّدَ الْقِيَاسِ الْعَامِّ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا تَكْثِيرٌ لِلْعِبَادَاتِ، أَوْ التَّمَسُّكَ بالعمومات فِي فَضْلِ الْعُمْرَةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَاَلَّذِينَ رَخَّصُوا فِي أَكْثَرَ مِنْ عُمْرَةٍ فِي الْحَوْلِ، أَكْثَرُ مَا قَالُوا: يَعْتَمِرُ إذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِنْ رَأْسِهِ، أَوْ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. [مجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 269 - 270]. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، فهي كثرة الاعتمار للمكي، قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه اللَّه: ((فَإِذَا كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ، بَلْ تُكْرَهُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ لِمَنْ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ، فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الَّذِي يُوَالِي بَيْنَ الْعُمَرِ مِنْ مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ، فَإِنَّهُ يَتَّفِقُ فِي ذَلِكَ مَحْذُورَانِ: أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الِاعْتِمَارِ مِنْ مَكَّةَ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ اخْتِيَارِ ذَلِكَ بَدَلَ الطَّوَافِ. وَالثَّانِي: الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْعُمَرِ، وَهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ؛ بَلْ يَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ مُطْلَقًا فِيمَا أَعْلَمُ لِمَنْ لَمْ يَعْتَضْ عَنْهُ بِالطَّوَافِ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ، فَكَيْفَ بِمَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهُ بِالطَّوَافِ، بِخِلَافِ كَثْرَةِ الطَّوَافِ؛ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مَأْمُورٌ بِهِ، لَا سِيَّمَا لِلْقَادِمِينَ، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُمْ بِالْبَيْتِ أَفْضَلُ لَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام مع فضيلة الصلاة بالمسجد الحرام)) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 26/ 290]، [وانظر أيضاً: مجموع الفتاوى، 26/ 262 - 266].

المسألة الخامسة: عدد عمر النبي - صلى الله عليه وسلم -

المسألة الخامسة: عدد عُمَر النبي - صلى الله عليه وسلم -: اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر، فعن قتادة، قال: ((سألت أنساً - رضي الله عنه -: كم اعتمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: [اعتمر] أربع [عُمَرٍ]، كلُّهُنَّ في ذي القعدة، إلا التي كانت مع حجَّته] عمرةً [من] الحديبية في ذي القعدة، حيث صدَّه المشركون، وعمرة في العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم، وعمرة الجعرانة، إذ قسم غنيمة [وفي رواية: غنائم حنين] [وعمرةً مع حجته] قلت: كم حج؟ قال: واحدة)) (¬1)، ولفظ مسلم: ((اعَتَمَرَ أربع عُمَرَ، كُلُّهن في ذي القعدة، إلا التي مع حَجَّته: عمرة من الْحُدَيبية، أو زَمنَ الحديبية في ذي القَعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القَعدة، وعمرة من جِعْرَانةَ، حيث قَسمَ غَنَائِمَ حُنينٍ في ذي القَعدة، وعمرة مع حَجَّته)) (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، واللفظ له، كتاب العمرة، بابٌ: كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1778، وأطرافه في البخاري: برقم 1779، 1780، 3066، 4148، والألفاظ مجموعة من هذه الأطراف، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزمانهن، برقم 1253. (¬2) مسلم، برقم 1253، وتقدم تخريجه في الذي قبله.

المسألة السادسة: هل اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في رجب؟

المسألة السادسة: هل اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في رجب؟ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ((دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّه بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ))،الحديث، وفيه: (( ... ثُمّ قَالَ لَهُ: كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَرْبَعٌ، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ، قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ (¬1) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهُ، أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟، قَالَتْ: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّه أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلَّا وَهُوَ شَاهِد، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((هذا كله يدل على أن عائشة رضي اللَّه عنها، وأنساً، وجماعة لم يعلموا أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في رجب؛ ولهذا حكمت عائشة بأن ابن عمر قد وَهِمَ [يعني نسي]، فابن عمر مثبت للعمرة في رجب، والقاعدة عند أهل العلم: أن المثبت مُقَدَّمٌ على النافي، وابن عمر مثبت، وهو حافظ وإمام ثقة، ويجوز عليه النسيان، ولكن النسيان عليه وعلى غيره، والأصل قبول خبر الثقة، فكون أنس، وعائشة، وغيرهما لم يحفظوا هذا لا يمنع مما قاله ابن عمر، وقد يُقال: إن مثل هذا لا يخفى على الصحابة، ولكن هذا يرد عليه أشياء كثيرة ... وكان السلف يعتمرون في رجب، كعمر، وغيره، ولعل السِّرَّ في ذلك ما ذكره ابن عمر، فتكون ¬

(¬1) استنان عائشة: مرور السواك على أسنانها. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب العمرة، بابٌ: كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1775، 1776، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزمانهن، برقم 1255.

المسألة السابعة: من لم يؤد عمرة الإسلام مع حج القران

عمرة رجب الخامسة بعد الأربع التي ذكرها أنس)) (¬1). وقال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((المشهور عند أهل العلم أنه لم يعتمر [- صلى الله عليه وسلم -] في شهر رجب، وإنما عُمَرُه - صلى الله عليه وسلم - كلُّها في ذي القعدة، وقد ثبت عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اعتمر في رجب))، وذكرت عائشة رضي اللَّه عنها: ((أنه قد وَهِم في ذلك))، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر في رجب، والقاعدة في الأصول: أن المثبت مُقدَّم على النافي، فلعلَّ عائشة، ومن قال بقولها لم يحفظوا ما حفظ ابن عمر، واللَّه وليُّ التوفيق)) (¬2) (¬3). المسألة السابعة: من لم يؤدِّ عمرة الإسلام مع حجِّ القران، أو التمتع، ولم يعتمر قبل ذلك، وكان حاجاً وهو داخل مكة، فله أن يحرم بعد الحجِّ من التنعيم، أو الجعرانة، أو عرفات، أو من أي موضع من الحلِّ خارج حدود الحرم، ولا يلزمه الرجوع إلى الميقات (¬4). المسألة الثامنة: الأقرب أنه لا يجب طواف الوداع على المعتمر، ولكن ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الأحاديث رقم 1775 - 1778. (¬2) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 17/ 433. (¬3) قال الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 659: ((اعلم: أن التحقيق أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر في رجب بعد الهجرة قطعاً، وأنه لم يعتمر بعد الهجرة، إلا أربع عمر: الأولى: عمرة الحديبية في ذي القعدة، من عام ستٍّ، وصدَّه المشركون، وأحلَّ ونحر من غير طواف ولا سعي، كما هو معلوم. الثانية: عمرة القضاء في ذي القعدة، عام سبع، وهي التي وقع عليها صلح الحديبية ... والثالثة: عمرة الجعرانة في ذي القعدة من عام ثمان، بعد فتح مكة في رمضان عام ثمان. الرابعة: العمرة التي قرنها، مع حجة الوداع، هذا هو التحقيق)). (¬4) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 357، 17/ 11.

المسألة التاسعة: الحيض لا يكون به الإحصار في الحج

الأفضل، والأحوط أن يطوف للوداع (¬1). المسألة التاسعة: الحيض لا يكون به الإحصار في الحج، أما العمرة، فيجوز للمرأة أن تشترط؛ لخوف تخلفها عن الرفقة؛ ولأن الحج وقته واسع (¬2). المسألة العاشرة: من نسي الحلق أو التقصير في العمرة، بعد أن طاف وسعى، ثم لبس قبل أن يحلق أو يقصر؛ فإنه ينزع ثيابه إذا ذكر، ويحلق أو يقصِّر، ثم يعيد لبس ثيابه، ولا شيء عليه، فإن قصَّر أو حلق وثيابه عليه جهلاً منه فلا شيء عليه؛ لجهله (¬3). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 152، 17/ 390، 442، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة ابن باز، 11/ 335، 336، 338. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 65. (¬3) المرجع السابق، 17/ 436.

المبحث الثامن والثلاثون: الهدايا

المبحث الثامن والثلاثون: الهدايا أولاً: مفهوم الهدي: لغة، واصطلاحاً: الهدي لغة: الهَدْيُ، والهَدِيُّ: واحد الهدي، والهديُّ: هدْيَةُ، وهَدِيَّةٌ، وجمع المخفف: أهداء، والهدي إنما هو: من الإبل، والبقر، والغنم، والهدي: ما أُهدي إلى مكة من النَّعَم، ويُقال: أهديتُ الهدي إلى الحرم: سقته (¬1). والهدي اصطلاحاً: هو ما ينقل للذبح من النعم إلى الحرم (¬2). وقيل: هو ما يُهدى إلى البيت الحرام من بهيمة الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم تقرُّباً لله تعالى (¬3). والتعريف المختار: الهديُ هو: ما يُهدَى تقرباً لله - عز وجل - إلى البيت الحرام من بهيمة الأنعام للنحر أو الذبح داخل الحرم. ثانياً: أنواع الهدايا: عشرة أنواع: النوع الأول: هدي المحصر، يذبح في موضع الحصر على الصحيح. النوع الثاني: هدي التمتع والقران، وهو هدي نسك لا يذبح إلا في الحرم. النوع الثالث: هدي جزاء الصيد. النوع الرابع: هدي فدية الأذى. النوع الخامس: ما وجب لترك واجب. ¬

(¬1) لسان العرب، فصل الهاء، باب الدال، 15/ 358، والمصباح المنير، مادة (هدي)، 2/ 636، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 5/ 254. (¬2) التعريفات للجرجاني، ص 313. (¬3) الفقه الميسر، ص 181.

النوع السادس: هدي الإفساد وما في معناه

النوع السادس: هدي الإفساد وما في معناه [أي إفساد الحج بالجماع ... ]. النوع السابع: هدي الفوات وما في معناه. النوع الثامن: الهدي المنذور في الذمة. النوع التاسع: الهدي المعيَّن واجباً. النوع العاشر: الهدي المعيَّن تطوعاً (¬1). ثالثاً: الهدي الواجب بالنذر: الهدي الواجب بالنذر، كأن يقول: نذرت لله إهداء هذا الهدي المُعيَّن، فالظاهر أنه يتعيَّن بالنَّذر، ولا يكون في ذمَّته، فإن عَطِبَ أو سُرِقَ لا يلزمه بدله؛ لأن حق الفقراء إنما يتعلق بعينه لا بذمة المُهدي، والظاهر أنه ليس له الأكل منه سواء عَطِبَ في الطريق أو بلغ مَحِلَّه، وإذا رآه صاحبه في حالة يغلب على ظنِّهِ أنه سيموت، فإنه تلزمه ذكاته، وإن فرَّط فيه حتى مات كان عليه ضمانه؛ لأنه كالوديعة عنده، أما لو مات بغير تفريطه، أو ضلَّ، أو سُرِقَ فليس عليه بدله (¬2)؛ لأنه لم يتعلق الحق بذمته، بل بعين الهدي. والأصل في الهدي الواجب بالنذر، قول اللَّه تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (¬3)،وهذا يدل على وجوب الوفاء بالنذر؛ لأن الأمر يدل على الوجوب إلا لدليل صارف)) (¬4) (¬5). ¬

(¬1) شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 405 - 406. (¬2) أضواء البيان، 5/ 585، و 5/ 659 - 686. (¬3) سورة الحج، الآية: 29. (¬4) أضواء البيان، 5/ 659 - 686 (¬5) انظر: أحكام النذر بالتفصيل والتحقيق: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 659 - 686.

رابعا: الهدي الواجب بغير النذر

رابعاً: الهدي الواجب بغير النذر، وهو نوعان (¬1): النوع الأول (*): الهدي المنصوص عليه في القرآن، وهو أربعة دماء: الدم الأول: دم الإحصار المنصوص عليه في قول اللَّه تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (¬2)، وقد تقدم الكلام فيه في الإحصار. الدم الثاني: دم جزاء الصيد المنصوص عليه بقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (¬3)، وقد تقدم ذكره في فدية محظورات الإحرام. الدم الثالث: دم فدية الأذى، المذكور في قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (¬4)، وقد تقدم ذكره في فدية محظورات الإحرام. الدم الرابع: دم هدي التمتع والقران (¬5)، وتتلخص أحكام هدي التمتع والقران في الأمور الآتية: * الأمر الأول: مفهوم القارن الذي يلزمه الهدي: هو من أحرم بالحج في أشْهُرِهِ والعمرة، أو أحرم بالحج، ثم أدخل عليه العمرة قبل الطواف بالبيت، ثم بقي على إحرامه حتى الحج، فعليه هدي شكر يجب عليه. ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 502، والمغني لابن قدامة، 5/ 434. أما الهدي المسكوت عنه فهو في أضواء البيان، 5/ 565، وسيأتي التفصيل فيه إن شاء اللَّه في موضعه. (¬2) سورة البقرة، الآية: 196. (¬3) سورة المائدة، الآية: 95. (¬4) سورة البقرة، الآية: 196. (¬5) انظر التفصيل في هدي التمتع والقران في أضواء البيان، 5/ 504 - 608، والمغني لابن قدامة، 5/ 447. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: والنوع الثاني وهو (الهدي المسكوت عنه في القرآن) ذكره المصنف ص 632 مصدرا بـ (خامسا:. . . .)

* الأمر الثاني: مفهوم المتمتع الذي يلزمه الهدي: هو من أحرم بالعمرة في أشهر الحج

* الأمر الثاني: مفهوم المتمتع الذي يلزمه الهدي: هو من أحرم بالعمرة في أشهر الحج، وفرغ منها وحج من عامه قبل أن يرجع إلى بلاده. * الأمر الثالث: شروط وجوب هدي المتمتع والقارن على النحو الآتي: الشرط الأول: أن يعتمر في أشهر الحج، فإن اعتمر في غيرها لم يلزمه دم؛ لأنه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج، فلم يلزمه دم كالمفرد (¬1). الشرط الثاني: أن يحج في نفس تلك السنة التي اعتمر في أشهر الحج فيها (¬2). الشرط الثالث: أن لا يعود إلى بلده أو ما يماثله في المسافة (¬3). والأحوط أن يُهدي حتى ولو رجع إلى بلاده أو سافر؛ لعدم صراحة الآية {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (¬4) فإن منهم من قال: إن سافر بعد العمرة زال السبب فسقط الدم، ومنهم من قال: إن الإشارة راجعة إلى حكم التمتع، وهو لزوم الدم (¬5). فالأحوط الهدي مطلقاً (¬6). ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 506. (¬2) المرجع السابق، 5/ 507. (¬3) أضواء البيان، 5/ 507. (¬4) سورة البقرة، الآية: 196. (¬5) أضواء البيان، 5/ 507. (¬6) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في مَن اعتمر في أشهر الحج، ثم سافر، ثم حج من عامه ولم يعتمر عمرة في عودته إلى مكة، هل يكون متمتعاً يلزمه الهدي؟ أو يكون مفرداً لا يلزمه الهدي؟ على أقوال على النحو الآتي: القول الأول: إذا عاد إلى بلده الذي سافر منه انقطع التمتع بالعمرة، قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 506: ((والحاصل: أن الأئمة الأربعة متفقون على أن السفر بعد العمرة، والإحرام بالحج من منتهى ذلك السفر مسقط لدم التمتع، إلا أنهم مختلفون في قدر المسافة))، فهذا القول يقول أصحابه: لا بد أن يرجع بعد العمرة في أشهر الحج إلى المحلِّ الذي جاء منه، ثم ينشئ سفراً للحج، ويحرم من الميقات. القول الثاني: يكفيه أن يرجع إلى بلده، أو يسافر مسافة مساوية لمسافة بلده. القول الثالث: يكفيه أن يسافر مسافة قصر. القول الرابع: يكفيه أن يرجع لإحرام الحج إلى ميقاته. ودليل هذه الأقوال ما فهموه من قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة: 196]، فقالوا: لا فرق بين حاضري المسجد الحرام، وبين غيرهم، إلا أن غيرهم ترفَّهوا بإسقاط أحد السفرين الذي هو السفر للحج، بعد السفر للعمرة، وإن سافر للحج بعد العمرة زال السبب، فسقط الدم بزواله، وعضدوا ذلك بآثار رووها، عن عمر، وابنه رضي اللَّه عنهما. قال الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 507: ((والأحوط عندي: إراقة دم التمتع، ولو سافر لعدم صراحة دلالة الآية، في إسقاطه؛ وللاحتمال الآخر الذي تمسك به البخاري والحنفية [يعني أن البخاري والحنفية يرون أن الإشارة في قوله تعالى: ((ذلك)) راجعة إلى نفس التمتع، وأن أهل مكة لا متعة لهم أصلاً، فلا دليل في الآية على أقوال الأئمة الأربعة. وعلى القول الآخر: إن الإشارة راجعة إلى حكم التمتع، وهو لزوم ما استيسر من الهدي والصوم عند العجز عنه، لا نفس التمتع، فاستدلال الأئمة بها على الأقوال المذكورة له وجه من النظر كما ترى]. وممن قال بذلك [أي قول البخاري، والحنفية]: الحسن، واختاره ابن المنذر لعموم الآية، قاله في المغني. والعلم عند اللَّه تعالى [أضواء البيان، 5/ 507]. ورجَّح شيخنا ابن باز رحمه اللَّه في الفتاوى، 16/ 130، 17/ 95 - 106، القول الأول، ونسبه إلى جمهور أهل العلم، وهو أن من اعتمر في أشهر الحج، ثم رجع إلى أهله، ثم أحرم بالحج من الميقات مفرداً فليس عليه دم التمتع؛ لأنه في حكم من أخَّر الحج، وهو قول عمر وابنه عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، أما من سافر إلى غير بلده، كأن يسافر إلى المدينة، أو جدة، أو الطائف، أو غيرها، ثم رجع محرماً بالحج، فإن ذلك لا يخرجه عن كونه متمتعاً في أصح قولي العلماء، وعليه هدي التمتع، وقال رحمه اللَّه: ((والمروي عن ابن عباس أنه يكون متمتعاً وأن عليه الهدي؛ لأنه جمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج في سنة واحدة ... والأظهر واللَّه أعلم أن الأرجح ما جاء عن عمر وابنه رضي اللَّه عنهما، ... ذكر ذلك أبو محمد بن حزم وغيره، لا سيما وهو قول الخليفة الراشد عمر))، فإن أراد أن يأتي بعمرة جديدة بعد سفره فإنه يكون متمتعاً عند الجميع)).

الشرط الرابع: أن يكون من غير حاضري المسجد الحرام

الشرط الرابع: أن يكون من غير حاضري المسجد الحرام، فأما إن كان من حاضري المسجد الحرام، فلا دم عليه؛ لقول اللَّه تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (¬1). * وأظهر الأقوال من أقوال أهل العلم في المراد بحاضري المسجد الحرام: أنهم أهل الحرم، ومن بينه وبينه مسافة لا تقصر فيها الصلاة؛ لأن المسجد الحرام قد يطلق كثيراً، ويراد به الحرم كله، ومن على مسافة دون مسافة القصر (¬2). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((اختلف أهل العلم في المعنى بـ ((حاضري المسجد الحرام))، والراجح: أنهم أهل الحرم)) (¬3). * والظاهر أنه متى حج بعد أن اعتمر في أشهر الحج من تلك السنة فعليه الهدي لظاهر عموم الآية الكريمة، سواء نوى عند الإحرام، أو اعتمر وهو لا يريد الحج، ثم بدا له الحج من عامه، فتخصيصه بالنية تخصيص للقرآن بلا دليل (¬4). * والظاهر أيضاً أنه يكون متمتعاً عليه الهدي: سواء كانت العمرة له، والحج عن آخر، أو الحج لشخص والعمرة لشخص آخر، أو الحج له والعمرة عن آخر، وهذا هو المشهور في المذاهب الأربعة، والأقرب للصواب (¬5). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 196. (¬2) أضواء البيان، 5/ 508. (¬3) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة ابن باز، 11/ 390 .. (¬4) أضواء البيان، 5/ 508. (¬5) أضواء البيان، 5/ 509 - 510.

الشرط الخامس: أن يحل من العمرة قبل إحرامه بالحج

الشرط الخامس: أن يحلَّ من العمرة قبل إحرامه بالحج، فإن أحرم بالحج قبل حلِّه منها صار قارناً كما وقع لعائشة رضي اللَّه عنها في حجة الوداع على التحقيق، وعليه الهدي للقران أيضاً؛ لأنه تمتع (¬1). واشترط بعضهم أن تكون العمرة قد أحرم بها من الميقات، والظاهر أنَّ من أحرم بالعمرة من دون ميقاته، وحج من عامه، وكانت العمرة في أشهر الحج أنَّ عليه دمين: دم مجاوزة الميقات، ودم المتعة (¬2). * الأمر الرابع: أجمع من يعتد به من أهل العلم على أن القارن يلزمه ما يلزم المتمتع من الهدي، والصوم عند العجز عن الهدي، وقد تقدم أن أجلاّء الصحابة يرون أن القران داخل في التمتع، وعلى هذا فهو داخل في عموم الآية، وكلا النسكين فيه تمتع لغة؛ لأن التمتع من المتاع أو المتعة، وهو الانتفاع أو النفع، وهو قد تمتع بنُسُكَيْنِ في سَفْرَةٍ واحدةٍ، فعليه هدي شكران. * الأمر الخامس: القارن كالمتمتع من حاضري المسجد الحرام، فمن كان من حاضري المسجد الحرام، وحج قارناً فإنه لا هدي عليه؛ لدخوله في اسم المتمتع، وكذلك المتمتع من حاضري المسجد الحرام، إلا أن المتمتع من حاضري المسجد الحرام يحرم بالعمرة من الحلِّ، ثم يفرغ منها، ويحج من عامه، وليس عليه هدي للآية (¬3) المذكورة (¬4). ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 510. (¬2) أضواء البيان، 5/ 511. (¬3) أضواء البيان، 5/ 511 - 514. (¬4) سورة البقرة، الآية: 196.

* والأظهر أن من كان من حاضري المسجد الحرام يحرم بالقران

* والأظهر أن من كان من حاضري المسجد الحرام يُحرِم بالقران من مكة خلافاً لمن قال: يحرم من أدنى الحلِّ (¬1). وأقرب الأقوال للصواب أن دم القران لا يسقطه السفر، وقد تقدم أن الأحوط أن دم المتعة لا يسقطه السفر؛ لتصريح القرآن بوجوب الهدي على المتمتع، وعدم صراحة الآية بسقوطه بالسفر (¬2). * الأمر السادس: ما يجزي في هدي التمتع والقران (¬3): التحقيق أنه يجزئ فيه ما استيسر من الهدي، وأقله شاة تجزئ ضحية، وأعلاه بدنة، وأوسطه بقرة، والتحقيق: أن سبع بدنة أو بقرة يكفي، فلو اشترك سبعة من المتمتعين في بدنة أو بقرة وذبحوها أجزأت للنصوص الصحيحة (¬4). * الأمر السابع: أول وقت نحر الهدي: هو يوم النحر على الصحيح الذي لا شك فيه، فلا يجوز نحر الهدي أو ذبحه قبل يوم النحر؛ لأدلة واضحة، وأحاديث كثيرة صحيحة، صريحة، تدل على أن أول وقت النحر هو يوم النحر؛ للأدلة الكثيرة، ومنها على سبيل المثال الأدلة الآتية: الدليل الأول: لم ينحر النبي - صلى الله عليه وسلم - هديه إلا يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة؛ فإنه كان قارناً - صلى الله عليه وسلم -، ونحر يوم النحر مائة: نحر منها بنفسه ثلاثاً وستين، وأكمل عليٌّ - رضي الله عنه - الباقي سبعاً وثلاثين (¬5)، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لتأخذوا ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 516. (¬2) المرجع السابق، 5/ 516. (¬3) أضواء البيان، 5/ 516. (¬4) المرجع السابق، 5/ 516 - 518. (¬5) انظر: زاد المعاد، لابن القيم، 2/ 259.

الدليل الثاني: لم ينحر عن أحد من أزواجه - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد رمي جمرة العقبة،

عني مناسككم)) (¬1)، فيجب على كل قارنٍ ومتمتِّعٍ أن يأخذ وقت النحر من نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فيجب الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم -. الدليل الثاني: لم ينحر عن أحد من أزواجه - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد رمي جمرة العقبة، وهذا لا شك فيه ولا ريب، وقد كانت أزواجه كلهن متمتعات إلا ما كان من عائشة رضي اللَّه عنها، فإنها كانت قارنة. الدليل الثالث: لم ينحر كلُّ من كان معه من أصحابه إلا يوم النحر، وقد كان معه جمٌّ غفير، قيل: بأنهم كانوا نحو مائة وثلاثين ألفاً، وقد كان أصحابه الذين قدموا معه بين قارنٍ ومتمتِّعٍ؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - بعد أن طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أمر من لم يسق الهدي أن يحل ويجعلها عمرة، ولم يذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لواحدٍ منهم، ولا أمره بذبح الهدي قبل يوم النحر. الدليل الرابع: جرى عمل الخلفاء الراشدين، والمهاجرين، والأنصار، وجميع الصحابة كلهم أجمعوا على هذا، فلم ينقل عن واحد منهم: أنه نحر هدي تمتعه أو قرانه قبل يوم النحر البتة، ولن يُصْلِحَ آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. الدليل الخامس: قول اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (¬2)، ولا شك أن من الأسوة اتباعه في أفعاله - صلى الله عليه وسلم -. الدليل السادس: قول اللَّه - عز وجل -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ ¬

(¬1) مسلم بنحوه، برقم 1297، والبيهقي بلفظه، في السنن الكبرى، 5/ 125. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 21.

الدليل السابع: قول الله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني

عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1)، وما فعله - صلى الله عليه وسلم - فقد آتاناه؛ لأنه هو الُمشرِّع لنا، بأقواله، وأفعاله، وتقريراته. الدليل السابع: قول اللَّه تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} (¬2)، ومن اتِّباعه التأسِّي به - صلى الله عليه وسلم - في فعله، وصيغة الأمر في قوله: ((فَاتَّبِعُونِي)) للوجوب. الدليل الثامن: من أوضح الأدلة الثابتة في ذلك الأحاديث المتفق عليها، التي لا مطعن فيها بوجه من الوجوه: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه بفسخ حجّهم في عمرة، وأن يحلُّوا منها الحلّ كله، ثم يحرموا بالحج، وتأسَّف على أنه لم يفعل مثل فعلهم، وقال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة)) (¬3)، فالذي منعه من ذلك: أنه ساق الهدي، فلو كان هدي التمتع يجوز ذبحه بعد الإحلال من العمرة؛ لجعل الحج عمرة، وأحلّ منها، ونحر الهدي بعد الإحلال منها، ولكن المانع الذي منعه من ذلك هو عدم جواز النحر في ذلك الوقت، والحلق الذي لا يصح إحلاله دونه معلق على بلوغ الهدي مَحِلَّه، كما قال اللَّه تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬4). وقد بيَّن - صلى الله عليه وسلم - بفعله الثابت عنه أن محِلَّه: منى يوم النحر، وقد ثبت في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - نحر قبل أن يحلق وأمر بذلك، ولكنه بيَّن أن من قدَّم الحلق على النحر: لا حرج عليه، ولا شيء عليه، ولا خلاف أنه كان يوم ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 7. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 31. (¬3) مسلم، برقم 1218، وتقدم تخريجه. (¬4) سورة البقرة، الآية: 196.

النحر كما هو معروف، فبيّن بفعله - صلى الله عليه وسلم -: أن بلوغه مَحِلَّه يوم النحر بمنى، بعد رمي جمرة العقبة، فمن أجاز ذبح هدي التمتع قبل ذلك، فقد خالف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - المبيِّن لإجمال القرآن، وخالف ما عليه الصحابة من بعده - صلى الله عليه وسلم -، وخالف ما جرى عليه عمل المسلمين، ولا يثبت بنصٍّ صحيح عن صحابيٍّ واحدٍ أنه نحر هدي تمتُّعٍ أو قرانٍ قبل يوم النحر، فلا يجوز العدول عن هذا الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مبيِّناً به إجمال الآيات القرآنية، وأكده بقوله: ((لتأخذوا عني مناسككم)) (¬1) (¬2). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وبه تعلم أن ذبحه - صلى الله عليه وسلم - هديه يوم النحر، وهو قارن، وذبحه عن أزواجه يوم النحر وهنَّ متمتعات، وعن عائشة وهي قارنة: فِعلٌ مبيّنٌ لنصٍّ واجبٍ، فهو واجب، ولا تجوز مخالفته في نوع الفعل، ولا في زمانه، ولا في مكانه، إلا فيما أخرجه دليل خاصٌّ، كغير المكان الذي ذبح فيه، من منى؛ لأنه بيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن منى كلها منحر، ولم يبيّن أن الزمن كله وقت نحر ... )) (¬3). فإذا عرفت ذلك مما تقدم فاعلم: أن الحق الذي دلّ عليه الكتاب والسنة، وفعل الخلفاء الراشدين، والمهاجرين، والأنصار، وغيرهم من كافة الصحابة، وعلماء المسلمين، وهو أنه لا يجوز نحر هدي التمتع والقران قبل يوم النحر، وهذا هو الحق الذي لا شك فيه)) (¬4) (¬5). ¬

(¬1) مسلم، برقم 1297، وتقدم تخريجه. (¬2) انظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 522 - 540. (¬3) المرجع السابق، 5/ 535 - 536. (¬4) أضواء البيان، 5/ 543، وانظر تمام البحث إلى: 5/ 553. (¬5) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في وقت وجوب الهدي ووقت نحره على مذاهب على النحو الآتي: * فمذهب مالك التحقيق فيه: أن هدي التمتع والقران لا يجب وجوباً تاماً إلا يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة؛ لأن ذبحه في ذلك الوقت هو الذي فعله رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وقال: ((لتأخذوا مناسككم))؛ ولهذا لو مات المتمتع قبل يوم النحر قبل رمي جمرة العقبة، لا يلزم إخراج هدي التمتع من تركته، 5/ 522؛ لأنه لم يتم وجوبه، وهذا هو الصحيح المشهور من مذهب مالك، وإذا كان موته بعد رمي جمرة العقبة، فيلزمه، 5/ 523، وقال الشنقيطي عن ما نسب إلى مذهب المالكية: ((فمن ظن أن المجزئ هو نحره قبل إحرام الحج، أو بعده قبل وقت النحر، فقد غلط غلطاً فاحشاً)). [أضواء البيان، 5/ 524]، وعلى هذا فلا يجوز نحر هدي القران والتمتع عند المالكية قبل يوم النحر، واستدلوا بقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [سورة البقرة، الآية: 196]، وقد ثبت أن الحلق لا يجوز قبل يوم النحر، فدل على أن الهدي لم يبلغ محله إلا يوم النحر. 5/ 525. والحاصل أنه لا يجوز ذبح دم التمتع والقران عند مالك وعامة أصحابه قبل يوم النحر، 5/ 525. * مذهب الإمام أحمد في وقت وجوب الهدي: قيل وقت الإحرام بالحج، وقيل: يجب إذا وقف بعرفة، وقال المرداوي في الإنصاف: ((يلزم دم التمتع والقران بطلوع فجر يوم النحر، على الصحيح من المذهب، والصواب أنه لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر، وهذا هو الصحيح المشهور من مذهب الإمام أحمد)) [5/ 526 - 528]. * مذهب الشافعي: وقت وجوب دم التمتع هو وقت الإحرام بالحج، وأما وقت جواز ذبحه عند الشافعية ففيه قولان: القول الأول: لا يجوز قبل الإحرام بالحج، ويجوز بعده بلا خلاف عندهم. القول الثاني: يجوز بعد الفراغ من العمرة، ولا يجوز قبل الإحرام بلا خلاف عندهم؛ لأنه حق مالي يجب بسببين، هما: الحج والعمرة، فجاز تقديمه على أحدهما قياساً على الزكاة بعد ملك النصاب، وقبل حلول الحول، 5/ 529 - 531. * مذهب أبي حنيفة: وقت وجوبه هو وقت الإحرام بالحج، أما وقت نحره فهو عند أبي حنيفة وأصحابه يوم النحر، فلا يجوز تقديمه عليه عند الحنفية، وإن قدمه لم يجزئه. 5/ 529.

وقال شيخنا الإمام ابن باز رحمه اللَّه: ((من ذبح هديه قبل يوم النحر فإنه لا يجزئه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يذبحوا إلا في أيام النحر، وقد قدموا وهم متمتعون في اليوم الرابع من ذي الحجة، وبقيت الغنم التي

* الأمر الثامن: فقراء الحرم: هم الموجودون فيه وقت نحر الهدايا

معهم، والإبل موقوفة حتى جاء يوم النحر، فلو كان ذَبْحُها جائزاً قبل ذلك لبادر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إليه في الأيام الأربعة التي أقاموا قبل خروجهم إلى عرفات؛ لأن الناس بحاجة إلى اللحوم في ذلك الوقت، فلما لم يذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه حتى جاء يوم النحر دلّ ذلك على عدم الإجزاء، وأن الذي ذبح قبل يوم النحر قد خالف السنة، وأتى بشرعٍ جديدٍ، فلا يجزئ، كمن صلَّى أو صام قبل الوقت، فلا يصح صوم رمضان قبل وقته، ولا الصلاة قبل وقتها، ونحو ذلك، فالحاصل: أن هذه عبادة أدَّاها قبل الوقت فلا تجزئ، فعليه أن يعيد هذا الذبح إن قدر، وإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، فتكون عشرة أيام بدلاً من الذبح؛ لقول اللَّه تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (¬1) (¬2). وقال العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه اللَّه: (( ... أصح الأقوال أن أيام الذبح أربعة: يوم العيد، وثلاثة أيام بعده)) (¬3) (¬4). * الأمر الثامن: فقراء الحرم: هم الموجودون فيه وقت نحر الهدايا: من الآفاقيين، وحاضري المسجد الحرام، فإن ذبح في موضع فيه فقراء، وخلَّى بينهم وبين الذبيحة أجزأه ذلك؛ لأنه يسَّر لهم الأكل منها، بطريق ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 196. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز، 18/ 29 - 30، و16/ 154. (¬3) الشرح الممتع، 7/ 499. (¬4) أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 554.

* الأمر التاسع: آخر وقت نحر الهدي غروب شمس اليوم الثالث عشر من أيام التشريق

لا كلفة عليهم فيها، فكأنه أطعمهم بالفعل، واللَّه تعالى أعلم (¬1). * الأمر التاسع: آخر وقت نحر الهدي غروب شمس اليوم الثالث عشر من أيام التشريق: الصواب من أقوال أهل العلم: أن الذبح والنحر: أربعة أيام: يوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، وهو قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وهو مذهب إمام أهل البصرة: الحسن، وإمام أهل مكة: عطاء بن أبي رباح، وإمام أهل الشام: الأوزاعي، وإمام فقهاء أهل الحديث: الشافعي (¬2). قال شيخنا الإمام ابن باز رحمه اللَّه: ((يجوز ذبح الهدي يوم النحر وفي الأيام الثلاثة بعده؛ لأن أيام التشريق كلها أيام أكل وشرب، وذبح، ولكن ذبحه يوم النحر أفضل إن تيسر ذلك، ولا حرج في ذبحه في منى، أو في مكة، والسنة في توزيعه [أعني هدي التمتع والقران] أن يأكل منه، ¬

(¬1) ومن الأدلة على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب)) [مسلم، برقم 1141]. ومن حديث أوس بن الحدثان: ((أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب)) [مسلم، برقم 1142]. وعن جبير بن مطعم يرفعه: ((كل عرفات موقف، وارفعوا عن بطن عرنة، وكل مزدلفة موقف، وارفعوا عن محسِّر، وكلُّ فجاج منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح)) [أحمد، برقم 16751، 16752، وقال محققو المسند، 27/ 316: ((حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف))]، وذكروا له شواهد. وقال ابن القيم في زاد المعاد، 2/ 318: ((الحديث منقطع لا يثبت وصله))، وقال الأرناؤوط في تحقيقه على زاد المعاد، 2/ 318: ((حديث صحيح ... ))، فقال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه معلقاً على هذا الكلام في زاد المعاد، 2/ 318: ((هذا غريب من المُحشِّي، يقول: حديث صحيح، ثم يأتي بغير حجة، والصحيح أنه منقطع)). (¬2) انظر: المغني، لابن قدامة، 13/ 386، وزاد المعاد، لابن القيم، 2/ 319 - 320، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 495 - 502. وانظر تفصيل الأقوال كذلك في المبحث الثامن والثلاثين: الأضاحي ((سادساً: وقت ذبح الأضاحي))، فقد فصلت الأقوال هناك.

ويتصدق، ويهدي إلى من شاء من أصحابه وإخوانه)) (¬1) (¬2). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 154، و18/ 30. (¬2) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في آخر وقت ذبح الهدايا على حسب تفسيرهم للأيام المعلومات التي ذكر اللَّه - عز وجل - أنه يذبح فيها؛ فإن للعلماء فيها أقوالاً كثيرة، وقد قال الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 495: ((والتحقيق إن شاء اللَّه تعالى أن غير اثنين من تلك الأقوال الكثيرة باطل لا يعوّل عليه، وإن المعوَّل عليه منها اثنان؛ لأن القرآن دل على أن الأيام المعلومات هي: أيام النحر، بدليل قوله - عز وجل -: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [سورة الحج، الآية: 28]، وذِكْرِهِم عليها يعني التسمية عند تذكيتها، فاتضح أنها أيام النحر، والقولان المعوَّل عليهما دون سائر الأقوال الأخرى: أحدهما: أنها يوم النحر، ويومان بعده، وعليه فلا يذبح الهدي ولا الأضحية في اليوم الأخير من أيام منى، الذي هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ... ))، وقال ابن قدامة في المغني، 5/ 386: ((وهذا قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، قال أحمد: أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية: قول خمسة من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر أنساً، وهو قول مالك، والثوري، وأبي حنيفة)). والقول الثاني: قول الشافعي، ومن وافقه: إنها أربعة أيام: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده، قال الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 496: ((وبه قال الأوزاعي، وروي ذلك عن علي - رضي الله عنه -، وابن عباس، وابن عمر - رضي الله عنهم - ... ))، ثم قال الشنقيطي بعد أن ذكر الأقوال، 5/ 496: ((ولا يصح عندي في هذه إلا قولان))، ثم ذكر هذين القولين السابقين. ثم قال الشنقيطي، 5/ 497 نقلاً عن الإمام النووي في شرح المهذب: ((اتفق العلماء على أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق، وهي ثلاثة بعد يوم النحر ... )) ثم ذكر كلام الإمام النووي وأن الأيام المعلومات أنها العشر الأول من ذي الحجة إلى آخر يوم النحر. ثم ذكر قول ابن عباس الذي رواه البخاري بصيغة الجزم: أن الأيام المعلومات أيام العشر [البخاري، قبل الحديث رقم 969]، ثم قال الشنقيطي رحمه اللَّه، 5/ 498: ((تفسير الآيات المعلومات في آية الحج هذه: بأنها العشر الأول من ذي الحجة إلى آخر يوم لا شك في عدم صحته، وإن قال به من أجلاء العلماء، وبعض أجلاء الصحابة ممن ذكرنا، والدليل الواضح على بطلانه: أن اللَّه بيّن أنها أيام النحر، بقوله: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}، وهو ذكره بالتسمية عليها عند ذبحها تقرباً إليه كما لا يخفى، والقول بأنها العشر المذكورة يقتضي أن تكون العشر كلها أيام نحر، وأنه لا نحر بعدها، وكلا الأمرين باطل ... ؛ لأن النحر في التسعة التي قبل يوم النحر لا يجوز، والنحر في اليومين بعدها جائز ... )) 5/ 498. ثم ذكر رحمه اللَّه كلاماً طويلاً نفيساً، فليراجعه من شاء في أضواء البيان، 5/ 495 - 502.

* الأمر العاشر: الأفضل أن يكون ذبح الهدايا والضحايا نهارا

* الأمر العاشر: الأفضل أن يكون ذبح الهدايا والضحايا نهاراً؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ولمطابقة ذلك للفظ القرآن الكريم في قوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}، ولكن لو ذبح ليلاً فلا حرج؛ لعدم الدليل على المنع أو الكراهة (¬1). * الأمر الحادي عشر: العاجز عن الهدي في حجه ينتقل إلى الصوم ولو غنيَّاً في بلده: هذا هو الظاهر؛ لقول اللَّه تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (¬2). فمن عجز عن الهدي صام كما جاء في هذه الآية الكريمة (¬3) (¬4). ¬

(¬1) ذكر العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 502: خلاف العلماء في ذلك على النحو الآتي: القول الأول: ذهب مالك وأصحابه إلى أنه لا يجوز ذبح النسك ليلاً، فإن ذبحه ليلاً لم يجزه، وتصير شاته شاة لحم، وهو رواية عن أحمد، وهو ظاهر كلام الخرقي، وحجتهم: أن اللَّه خصصه بلفظ الأيام في قوله: {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}، قالو: وذكر اليوم يدل على أن الليل ليس كذلك. القول الثاني: ذهب الشافعي إلى جواز الذبح ليلاً، قال النووي: وبه قال أبو حنيفة، وإسحاق، وأبو ثور، والجمهور، وهو الأصح عند أحمد. وحجتهم: أن الأيام تطلق لغة على ما يشمل الليالي. قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 502: ((وتخصيصه بالأيام أحوط لمطابقة لفظ القرآن، والعلم عند اللَّه تعالى)). (¬2) سورة البقرة، الآية: 196. (¬3) قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 563: ((وإن عجز وابتدأ صوم الثلاثة، ثم وجد الهدي بعد أن صام يوماً منها أو يومين، فالأظهر عندي فيه: أنه لا يلزمه الرجوع إلى الهدي؛ لأنه دخل في الصوم بوجه جائز)). واستحب الانتقال إلى الهدي الإمام مالك ومن وافقه، وممن وافقه: الحسن، وقتادة، والشافعي، وأحمد. وعن ابن جريج، وحماد، والثوري، والمزني: إن وجد الهدي قبل أن يكمل صوم ثلاثة أيام فعليه الهدي. وقيل: متى قدر على الهدي قبل يوم النحر انتقل إليه: صام أو لم يصم. قال الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 563: ((والأظهر ما قدمنا، واللَّه أعلم)). (¬4) وقد اختلف العلماء رحمهم اللَّه في وقت صيام ثلاثة الأيام في الحج لمن لم يجد الهدي على أقوال: القول الأول: قول أبي حنيفة: إن أول صوم الثلاثة للعاجز عن الهدي هو أشهر الحج بين الإحرامين، قبل التلبس بإحرام الحج، والأفضل عنده أن يؤخرها إلى آخر وقتها، فيصوم السابع، والثامن، ويوم عرفة. القول الثاني: قول أحمد: يجوز صومها عند الإحرام بالعمرة، وفي رواية عنه إذا حلَّ من العمرة. القول الثالث: قول مالك، والشافعي: لا يجوز صومها إلا بعد التلبُّس بإحرام الحج. قال الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 561: ((وهذا أقرب لظاهر القرآن)) [يعني قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [سورة البقرة، الآية: 196].

* الأمر الثاني عشر: الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها

* الأمر الثاني عشر: الصدقة بِلُحُومِ الْهَدْيِ وَجُلُودِهَا وَجِلالِهَا عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ (¬1)، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، وَجُلُودِهَا، وَأَجِلَّتِهَا (¬2)، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: ((نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا)). وفي رواية أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - أَخْبَرَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا: لُحُومَهَا، وَجُلُودَهَا، وَجِلَالَهَا فِي الْمَسَاكِينِ، وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا (¬3) مِنْهَا شَيْئًا (¬4). ¬

(¬1) (على بدنه): قال أهل اللغة: سميت البدنة لعظمها، وتطلق على الذكر والأنثى، وتطلق على الإبل والبقر والغنم. هذا قول أكثر أهل اللغة، ولكن معظم استعمالها في الأحاديث، وكتب الفقه، في الإبل خاصة. (¬2) (أجلتها): في القاموس: الجل - بالضم والفتح-: ما تلبسه الدابة لتصان به، جمعه: جلال، وأجلال، فلعل الأجلة جمع الجلال، الذي هو جمع الجل. (¬3) (جزارتها): يقال: جزرت الجزور، وهي الناقة وغيرها: إذا نحرتها. والفاعل جازر، وجزّار، وجزِّير كسكيت. والحرفة: الجزارة، أما الجُزارة بالضم: فما يأخذه الجزار من الذبيحة عن أجرته، كالعمالة للعامل، وأصل الجزارة: أطراف البعير: اليدان، والرجلان، والرأس. سميت بذلك لأن الجزار كان يأخذها عن أجرته. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب يتصدق بجلود الهدي، برقم 1717، مسلم، كتاب الحج، باب الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها، برقم 1317.

* الأمر الثالث عشر: الاشتراك في الهدي وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما عن سبعة

الأمر الثالث عشر: الاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ وَإِجْزَاءِ الْبَقَرَةِ وَالْبَدَنَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه رضي اللَّه عنهما قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. وفي لفظٍ لمسلم: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ. وفي رواية لمسلم: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. وفي رواية لمسلم: اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: أَيُشْتَرَكُ فِي الْبَدَنَةِ مَا يُشْتَرَكُ فِي الْجَزُورِ (¬1)؟ قَالَ: مَا هِيَ إِلَّا مِنْ الْبُدْنِ، وَحَضَرَ جَابِرٌ الْحُدَيْبِيَةَ، قَالَ: نَحَرْنَا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَدَنَةً، اشْتَرَكْنَا كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ. وفي لفظ عن أبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه يُحَدِّثُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَأَمَرَنَا إِذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ، وَيَجْتَمِعَ النَّفَرُ مِنَّا فِي الْهَدِيَّةِ، ¬

(¬1) (الجزور): قال العلماء: الجزور هو: البعير، قال القاضي: وفرق هنا بين البقرة والجزور؛ لأن البدنة والهدي ما ابتدئ إهداؤه عند الإحرام، والجزور ما اشتري بعد ذلك لينحر مكانها، فتوهّم السائل أن هذا حق في الاشتراك، فقال في جوابه: إن الجزور، لما اشتريت للنسك، صار حكمها كالبدن. وقوله: ما يشترك في الجزور هكذا في النسخ: ما يشترك، وهو صحيح، وتكون ما بمعنى مَن. وقد جاء ذلك في القرآن وغيره، ويجوز أن تكون ما مصدرية، أي اشتركا كالاشتراك في الجزور.

* الأمر الرابع عشر: نحر البدن قياما مقيدة

وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا مِنْ حَجِّهِمْ. فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وفي رواية: كُنَّا نَتَمَتَّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِالْعُمْرَةِ، فَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ نَشْتَرِكُ فِيهَا (¬1). وعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَائِشَةَ بَقَرَةً يَوْمَ النَّحْرِ. وفي رواية: نَحَرَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نِسَائِه، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَكْرٍ: عَنْ عَائِشَةَ: بَقَرَةً فِي حَجَّتِهِ (¬2). * الأمر الرابع عشر: نَحْرِ الْبُدْنِ قِيَامًا مُقَيَّدَةً: فعَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي اللَّه عنهما أَتَى عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً، فَقَالَ: ابْعَثْهَا (¬3) قِيَامًا مُقَيَّدَةً (¬4) سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وعن جابر - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها)) (¬6). * الأمر الخامس عشر: اسْتِحْبَابِ بَعْثِ الْهَدْيِ إِلَى الْحَرَمِ لِمَنْ لَا ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب الاشتراك في الهدي، برقم 1318. (¬2) مسلم، كتاب الحج، الباب السابق، برقم 1319. وانظر: المغني، لابن قدامة، 5/ 459. (¬3) (ابعثها قياماً): أي أثِرها حتى تقوم ثم انحرها. (¬4) (مقيدة): أي قائمة معقولة، يعني مشدودة بالعقال، وتكون معقولة اليد اليسرى، ويشعر بالقيام قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّه عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج، الآية: 36]، أي: قائمات على ثلاث، معقولة اليد اليسرى. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب نحر الإبل مقيدة، برقم 1713، ومسلم، كتاب الحج، باب نحر الإبل قياماً مقيدة، برقم 1320. (¬6) سنن أبي داود، كتاب المناسك، باب كيف تنحر البدن، برقم 1767، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 494.

يُرِيدُ الذَّهَابَ بِنَفْسِهِ، وَاسْتِحْبَابِ تَقْلِيدِهِ، وَفَتْلِ الْقَلَائِدِ، وَأَنَّ بَاعِثَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِذَلِكَ، فعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُهْدِي مِنْ الْمَدِينَةِ (¬1)، فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِهِ (¬2)، ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ. وفي رواية عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيَّ، أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِنَحْوِهِ. وفي رواية: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ، ثُمَّ لَا يَعْتَزِلُ شَيْئًا (¬3) وَلَا يَتْرُكُهُ. وفي رواية عَنْ عَائِشَةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ، ثُمَّ أَشْعَرَهَا (¬4)، وَقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلًّا. وفي لفظ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ، أَفْتِلُ قَلَائِدَهَا بِيَدَيَّ، ثُمَّ لَا يُمْسِكُ عَنْ شَيْءٍ، لَا يُمْسِكُ عَنْهُ الْحَلَالُ (¬5). وفي لفظ: عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: أَنَا فَتَلْتُ تِلْكَ الْقَلَائِدَ مِنْ عِهْنٍ (¬6) ¬

(¬1) (يهدي من المدينة): أي يبعث بهديه منها إلى الكعبة. (¬2) (فأفتل قلائد هديه): من فتلت الحبل وغيره، إذا لويته، والقلائد: جمع قلادة، والمراد بها ما يعلق بالهدي من الخيوط المفتولة وغيرها علامة له، والهدي ما يهدى إلى الحرم من النعم. (¬3) (ثم لا يعتزل شيئاً): أي مما يعتزله الحاج من لبس المخيط، واستعمال الطيب، وملامسة النساء. (¬4) (أشعرها): إشعار البدن هو أن يشق أحد جنبي سنام البدنة حتى يسيل دمها، ويجعل ذلك علامة تعرف بها أنها هديٌ. [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 2/ 479]. (¬5) (لا يمسك عنه الحلال): الجملة صفة لشيء، أي لا يجتنب شيئاً مما لا يجتنبه من لم يكن محرماً. (¬6) (من عهن): هو الصوف، وقيل: الصوف المصبوغ ألواناً.

كَانَ عِنْدَنَا، فَأَصْبَحَ فِينَا رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حَلَالًا، يَأْتِي مَا يَأْتِي الْحَلَالُ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ يَأْتِي مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ. وفي لفظ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِهَدْيِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْغَنَمِ، فَيَبْعَثُ بِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلَالًا. وفي رواية: قَالَتْ: رُبَّمَا فَتَلْتُ الْقَلَائِدَ لِهَدْيِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَيُقَلِّدُ هَدْيَهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ، لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ. وفي لفظ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَهْدَى رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مَرَّةً إِلَى الْبَيْتِ غَنَمًا، فَقَلَّدَهَا. وفي رواية عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا نُقَلِّدُ الشَّاءَ فَنُرْسِلُ بِهَا، وَرَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حَلَالٌ، لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ (¬1). وفي رواية أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ (¬2) كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّه بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ، حَتَّى يُنْحَرَ الْهَدْيُ، وَقَدْ بَعَثْتُ بِهَدْيِي، فَاكْتُبِي إِلَيَّ بِأَمْرِكِ، قَالَتْ عَمْرَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ أَحَلَّهُ ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من أشعر وقلد بذي الحليفة، ثم أحرم، برقم 1696، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم .. برقم 369 - (1321). (¬2) (إن ابن زياد): هكذا وقع في جميع نسخ صحيح مسلم، أن ابن زياد، قال أبو علي الغسّاني والمازريّ والقاضي عياض وجميع المتكلمين على صحيح مسلم: هذا غلط، وصوابه: أن زياداً بن أبي سفيان، وهو المعروف بزياد بن أبيه، وهكذا وقع على الصواب في صحيح البخاري، والموطأ، وسنن أبي داود، وغيرها من الكتب المعتمدة؛ ولأن ابن زياد لم يدرك عائشة.

* الأمر السادس عشر: جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها

اللَّه لَهُ، حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ. وفي لفظ: عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ تُصَفِّقُ وَتَقُولُ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا، وَمَا يُمْسِكُ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ، حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ (¬1). * الأمر السادس عشر: جَوَازِ رُكُوبِ الْبَدَنَةِ الْمُهْدَاةِ لِمَنْ احْتَاجَ إِلَيْهَا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ((ارْكَبْهَا))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّهَا بَدَنَةٌ (¬2)، فَقَالَ: ((ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ (¬3)!)) فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ. وفي لفظ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا: وَقَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((وَيْلَكَ لِلَّهِ ارْكَبْهَا))، فَقَالَ: بَدَنَةٌ، يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ: ((وَيْلَكَ لِلَّهِ ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ! ارْكَبْهَا))، وفي لفظ للبخاري قال: فلقد رأيته راكبها يساير النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنَّعلُ في عنقها (¬4). وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ((ارْكَبْهَا)) ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من قلد القلائد بيده، برقم 1700، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم .. برقم 369 - (1321). (¬2) (إنها بدنة): أي هدي، ظاناً أنه لا يجوز ركوب الهدي مطلقاً. (¬3) (اركبها ويلك): هذه الكلمة أصلها لمن وقع في هلكة، فقيل: لأنه كان محتاجاً قد وقع في تعب وجهد. وقيل: هي كلمة تجري على اللسان، وتستعمل من غير قصد. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب ركوب البدن، برقم 1689، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، برقم 1322.

* الأمر السابع عشر: ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق

فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ((ارْكَبْهَا)) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا (¬1). وفي رواية عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِبَدَنَةٍ، أَوْ هَدِيَّةٍ، فَقَالَ: ((ارْكَبْهَا))، قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، أَوْ هَدِيَّةٌ، فَقَالَ: ((وَإِنْ)) (¬2). وفي رواية عن أبي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه رضي اللَّه عنهما سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا، حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا (¬3))) (¬4). وفي رواية عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا - رضي الله عنه - عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ، حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا)). * الأمر السابع عشر: مَا يَفْعَلُ بِالْهَدْيِ إِذَا عَطِبَ فِي الطَّرِيقِ عن مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَسِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ مُعْتَمِرَيْنِ، قَالَ: وَانْطَلَقَ سِنَانٌ مَعَهُ بِبَدَنَةٍ يَسُوقُهَا، فَأَزْحَفَتْ (¬5) عَلَيْهِ ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب جواز ركوب البدن، برقم 1689، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، برقم 1323. (¬2) (فقال: وإن): هكذا هو في جميع النسخ: وإن: فقط. أي: وإن كانت بدنة. (¬3) (حتى تجد ظهراً): أي مركباً. (¬4) مسلم، كتاب الحج، باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، برقم 1324. (¬5) (فأزحَفَت): هذا رواية المحدثين، لا خلاف لهم فيه. قال الخطابي: كذا يقوله المحدّثون، قال: وصوابه والأجود: فأُزحِفت - بضم الهمزة - يقال: زحف البعير إذا قام، وأزحفه. قال الهروي وغيره: يقال: أزحف البعير وأزحفه السير، بالألف، وكذا قال الجوهريّ وغيره. يقال: زحف البعير وأزحف، لغتان. وأزحفه السير، وأزحف الرجل: وقف بعيره. فحصل أن إنكار الخطابي ليس بمقبول، بل الجميع جائز، ومعنى أزحف: وقف من الكلال والإعياء.

بِالطَّرِيقِ، فَعَيِيَ بِشَأْنِهَا (¬1)، إِنْ هِيَ أُبْدِعَتْ (¬2) كَيْفَ يَأْتِي بِهَا، فَقَالَ: لَئِنْ قَدِمْتُ الْبَلَدَ لَأَسْتَحْفِيَنَّ عَنْ ذَلِكَ (¬3)، قَالَ: فَأَضْحَيْتُ (¬4)، فَلَمَّا نَزَلْنَا الْبَطْحَاءَ قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ نَتَحَدَّثْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ بَدَنَتِهِ، فَقَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، بَعَثَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم - بِسِتَّ عَشْرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ وَأَمَّرَهُ فِيهَا (¬5)، قَالَ: فَمَضَى ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه! كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا أُبْدِعَ عَلَيَّ مِنْهَا؟ قَالَ: ((انْحَرْهَا، ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَيْهَا (¬6) فِي دَمِهَا، ثُمَّ اجْعَلْهُ عَلَى صَفْحَتِهَا، وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ (¬7))). وفي رواية عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بِثَمَانِ عَشْرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ الْحَدِيثِ (¬8). ¬

(¬1) (فعيي بشأنها): ذكر صاحبا المشارق والمطالع أنه روي على ثلاثة أوجه: أحدها - وهي رواية الجمهور -: فعيي، بياءين من الإعياء، وهو العجز. ومعناه: عجز عن معرفة حكمها لو عطبت عليه في الطريق، كيف يعمل بها. والوجه الثاني: فعيّ، بياء واحدة مشددة، وهي لغة بمعنى الأولى. والوجه الثالث: فعُنِيَ، من العناية بالشيء والاهتمام به. (¬2) (أبدعت):معناه: كلت وأعيت ووقفت. قال أبو عبيد: قال بعض الأعراب: لا يكون الإبداع إلا بظلع. (¬3) (لأستحفين عن ذلك): معناه: لأسألن سؤالاً بليغاً عن ذلك. يقال: أحفى في المسألة إذا ألح فيها وأكثر منها. (¬4) (فأضحيت): معناه صرت في وقت الضحى. (¬5) (وأمّره فيها): أي جعله أميراً فيها ووكيلاً، لينحرها بمكة. (¬6) (نعليها): ما علّق بعنقها، علامة لكونها هدياً. (¬7) (رفقتك): المراد بالرفقة جميع القافلة. (¬8) مسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق، برقم 1325.

* الأمر الثامن عشر: لا يشترط في الهدي أن يجمع بين الحل والحرم:

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ: ((إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ (¬1)، فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا (¬2)، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ)) (¬3). * الأمر الثامن عشر: لا يشترط في الهدي أن يجمع بين الحلِّ والحرم: ذكر العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي رحمه اللَّه: أن التحقيق أنه لا يُشترط في الهدي أن يجمع به بين الحلِّ والحرم، فلو اشتراه من منىً ونحره بها من غير أن يخرجه إلى الحلِّ أجزأه، وهو مذهب الشافعية، وبه قال ابن عباس، وأبو حنيفة، وأبو ثور، والجمهور. وقال سعيد بن جبير: لا هدي إلا ما أحضر عرفات، وقال ابن قدامة في المغني: وليس من شرط الهدي أن يجمع فيه بين الحل، والحرم، ولا أن يقفه بعرفة، لكن يستحب ذلك، وكان ابن عمر لا يرى الهدي إلا ما عرَّف به ونحوه، عن سعيد بن جبير. ومذهب مالك: أنه لا يذبح هدي التمتع والقران بمنى، إلا إذا وقف به بعرفة، وإن لم يقف به بعرفة ذبحه في مكة، فلا بد عنده في الهدي أن يجمع به بين الحل والحرم، فإن اشتراه في الحرم، لزم إخراجه إلى الحلِّ والرجوع به إلى الحرم وذبحه فيه، ولكن هذا يحتاج إلى دليل صريح، ولا دليل يجب الرجوع إليه؛ ولأن المقصود من الهدي نفع فقراء الحرم، ولا ¬

(¬1) (إن عطب منها شيء): إي إن قارب الهلاك، بدليل قوله: فخشيت عليه موتاً. (¬2) (ثم اغمس نعلها في دمها): أي النعل التي كانت معلقة بعنقها. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق، برقم 1326.

* الأمر التاسع عشر: سوق الهدي من الميقات إلى الحرم:

فائدة لهم في جمعه بين الحل والحرم؛ ولأن هذا قول أكثر أهل العلم. وقال جماعة من أهل العلم: يُستحبّ أن يكون الهدي معه من بلده، فإن لم يفعل فشراؤه من الطريق أفضل، كما فعل ابن عمر رضي اللَّه عنهما، ثم إن لم يشتره من الطريق، فمن مكة، ثم من عرفات، فإن لم يسقه أصلاً، بل اشتراه من منى جاز، وحصل الهدي، وهذا هو الظاهر، ولا شك أن سوق الهدي من الحلِّ إلى الحرم: أفضل، ولا يقلّ عن درجة الاستحباب، كما تقدم عن بعض أهل العلم، أما كونه لا يجزئ بدون ذلك، فإنه يحتاج إلى دليل خاص، ولا دليل يجب الرجوع إليه؛ لأن الذي دلّ عليه الشرع أن المقصود التقرب إلى اللَّه بما رزقهم من بهيمة الأنعام، في مكان معيّن في زمن معيّن، والغرض المقصود شرعاً حاصل، ولو لم يجمع الهدي بين الحل والحرم، وأما جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في هديه بين الحل والحرم، فهو محتمل للأمر الجبلي، فلا يتمحّض لقصد التشريع؛ لأن تحصيل الهدي أسهل عليه من بلده؛ ولأن الإبل التي قدم بها من اليمن تيسَّر له وجودها هناك، واللَّه جل وعلا أعلم (¬1). * الأمر التاسع عشر: سوق الهدي من الميقات إلى الحرم: عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: ((تمتَّع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة .. )) (¬2). * الأمر العشرون: شراء الهدي من الطريق: عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: أنه أهَّل بالعمرة من الميقات، ثم خرج حتى ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 578 - 589. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من ساق البدن معه، برقم 1691،ومسلم، كتاب الحج باب وجوب الدم على المتمتع، برقم 1227.

* الأمر الحادي والعشرون: إشعار الهدي بشق سنامه الأيمن بالشفرة:

إذا كان بالبيداء أهلّ بالحج والعمرة، وقال: ما شأنهما إلا واحد، ثم اشترى الهدي من قُديدٍ، ثم قدم فطاف لهما طوافاً واحداً فلم يحلّ حتى أحلَّ منهما جميعاً (¬1). * الأمر الحادي والعشرون: إشعار الهدي بشقّ سنامه الأيمن بالشفرة: كان ابن عمر رضي اللَّه عنهما إذا أهدى زمن الحديبية قلَّده وأشعره بذي الحليفة، يطعن في شقِّ سنامه الأيمن بالشفرة، ووجها قِبَلَ القبلة باركة (¬2). وعن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان، قالا: ((خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلَّد النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة)) (¬3). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قلَّد نعلين، وأشعر الهدي في الشق الأيمن بذي الحليفة، وأماط عنه الأذى)) (¬4). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((صلَّى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدَّمَ، وقلّدها نعلين، ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهَلَّ بالحج)) (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من اشترى الهدي من الطريق، برقم 1693، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز التحلل بالإحصار، وجواز القران، برقم1230. (¬2) البخاري، كتاب الحج، باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم، برقم 1694. (¬3) البخاري، كتاب الحج، باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم، برقم 1694. (¬4) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في إشعار البدن، برقم 906، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي،1/ 467. (¬5) مسلم، برقم 205 - (1243)، وتقدم تخريجه في الإحرام.

* الأمر الثاني والعشرون: ولا يسن الهدي إلا من بهيمة الأنعام

فيُسنُّ إشعار الإبل، والبقر، وهو أن يشق صفحة سنامها الأيمن حتى يدميها في قول عامة أهل العلم، والغرض من ذلك: أن لا تختلط بغيرها، ولكي يتركها اللص، ولا يحصل ذلك بالتقليد؛ لأنه يحتمل أن ينحلّ ويذهب، وتشعر البقرة؛ لأنها من البُدن، فتشعر كذات السنام، وأما الغنم فلا يسنُّ إشعارها؛ لأنها ضعيفة، وصوفها وشعرها يستر موضع إشعارها (¬1). ويسن تقليد الهدي كما تقدم في الأدلة: وهو أن يجعل في أعناقها النعال، وأذان القرب، وعُراها ... وسواء كانت إبلاً أو بقراً أو غنمًا (¬2). * الأمر الثاني والعشرون: ولا يُسنُّ الهدي إلا من بهيمة الأنعام، وأفضله: الإبل، ثم البقر، ثم الغنم؛ ولأن ما كان أكثر لحماً كان أنفع للفقراء، ولذلك أجزأت البدنة مكان سبع من الغنم (¬3). * الأمر الثالث والعشرون: الذكر والأنثى في الهدي سواء؛ لأن اللَّه - عز وجل - قال: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه} (¬4)،ولم يذكر ذكراً ولا أنثى (¬5). * الأمر الرابع والعشرون: من وجب عليه بدنة أجزأه سبعٌ من الغنم، ومن وجب عليه بقرة أجزأته بدنة؛ لأنها أكثر لحماً وأوفر، ويجزئه سبع من الغنم؛ لأنها تجزئ عن البدنة فعن البقرة أولى (¬6). ¬

(¬1) المغني، 5/ 454، وتقدمت الأدلة على ذلك. (¬2) المرجع السابق، 5/ 455، وتقدمت الأدلة على ذلك. (¬3) المغني، لابن قدامة، 5/ 456 - 457. (¬4) سورة الحج، الآية: 36. (¬5) المغني، لابن قدامة، 5/ 457. (¬6) المغني لابن قدامة، 5/ 457 - 458.

* الأمر الخامس والعشرون: إذا أوجب هديا فله إبداله بخير منه،

* الأمر الخامس والعشرون: إذا أوجب هدياً فله إبداله بخير منه، وبيعه ليشتري بثمنه خيراً منه (¬1). * الأمر السادس والعشرون: إذا ولدت الهدية فولدها بمنزلتها إن أمكن سوقه، وإلا حمله على ظهرها، وسقاه من لبنها، فإن لم يمكن سوقه ولا حمله صُنع به ما يُصنع بالهدي إذا عطبت، ولا فرق في ذلك بين ما عيَّنه ابتداء، وما عيَّنه بدلاً عن الواجب في ذمته (¬2). * الأمر السابع والعشرون: لا يأكل من هَدْيٍ واجبٍ إلا من هدي التمتع والقران دون ما سواهما، نص عليه أحمد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من هديه وهو قارن، وأكل أزواجه من الهدي وهن متمتعات (¬3). وقد ذكر العلامة الشنقيطي حكم الأكل من الهدي بأنواعه عند المذاهب الأربعة، ثم ختمها بمذهب الإمام أحمد فقال: ((وأما مذهب أحمد رحمه اللَّه فهو أنه لا يأكل من هدي واجب إلا هدي التمتع والقران، ويستحب له أن يأكل من هدي التطوع: وهو ما أوجبه بالتعيين ابتداء من غير أن يكون عن و (3) في ذمته، وما نحره تطوعاً من غير أن يوجبه، ثم قال رحمه اللَّه: ((الذي يرجحه الدليل في هذه المسألة: هو جواز الأكل: من هدي التطوع، وهدي التمتع والقران دون غير ذلك، والأكل من هدي التطوع لا خلاف فيه بين العلماء بعد بلوغه محِلَّه، وإنما خلافهم ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 5/ 441. (¬2) المرجع السابق، 5/ 441. (¬3) المغني لابن قدامة، 5/ 444 - 445.

* الأمر الثامن والعشرون: هدي التطوع الذي أوجبه بالتعيين

في استحباب الأكل منه، أو وجوبه، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة في حجة الوداع ((أنه أهدى مائة من الإبل))، ومعلوم أن ما زاد على الواحدة، منها تطوع، وقد أكل منها وشرب من مرقها جميعاً، وأما الدليل على الأكل من هدي التمتع والقران، فهو ما قدمنا مما ثبت في الصحيح: أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذبح عنهن - صلى الله عليه وسلم - بقراً، ودخل عليهن بلحمه وهن متمتعات، وعائشة منهن قارنة، وقد أكلن جميعاً مما ذبح عنهن في تمتعهن وقرانهن بأمره - صلى الله عليه وسلم -، وهو نص صريح في جواز الأكل من هدي التمتع والقران. أما غير ما ذكرنا من الدم، فلم يقم دليل يجب الرجوع إليه على الأكل منه، ولا يتحقق دخوله في عموم ((فكلوا منها))؛ لأنه لترك واجب أو فعل محظور فهو بالكفارات أشبه، وعدم الأكل منه أظهر وأحوط، والعلم عند اللَّه تعالى)) (¬1). وقد ذكر الشنقيطي رحمه اللَّه حكم الأكل المأمور به في قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} ثم ذكر: أن مذهب جمهور أهل العلم على أن الأمر بالأكل في الآيتين للاستحباب، والندب لا للوجوب ... ثم قال: ((أقوى القولين دليلاً وجوب الأكل والإطعام من الهدايا والضحايا)) (¬2)، ثم ناقش الأدلة رحمه اللَّه تعالى. * الأمر الثامن والعشرون: هدي التطوع الذي أوجبه بالتعيين ابتداءً ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 602 - 608. (¬2) أضواء البيان 5/ 602 - 605.

* الأمر التاسع والعشرون: ذبح فدية الأذى تجوز في الموضع الذي حلق فيه

من غير أن يكون عن واجبٍ في ذمته، وما نحره تطوعاً من غير أن يوجبه فيستحب أن يأكل منه (¬1). * الأمر التاسع والعشرون: ذبح فدية الأذى تجوز في الموضع الذي حلق فيه؛ لحديث كعب بن عجرة، وظاهر كلام الخرقي اختصاص ذلك بفدية الشعر وما عداه من الدماء بمكة، ولكن قال القاضي في الدماء الواجبة بفعل محظور: كاللباس، والطيب، ودم الحلق، وفي الجميع روايتان: إحداهما حيث وجد سببه، والثانية محل الجميع الحرم (¬2). * الأمر الثلاثون: وما وجب لترك نُسُكٍ، أو فواتٍ فلمساكين الحرم دون غيرهم؛ لأنه هدي وجب لترك نسك، فأشبه هدي القران (¬3). * الأمر الحادي والثلاثون: وما وجب نحره بالحرم وجب تفرقة لحمه به. والطعام كالهدي يختص بمساكين الحرم فيما يختص الهدي به (¬4)، ومساكين الحرم من كان فيه من أهله، أو وارد إليه من الحجاج وغيرهم الذين يجوز دفع الزكاة إليهم (¬5). * الأمر الثاني والثلاثون: إذا نذر هدياً وأطلق فأقل ما يجزئ شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة؛ لأن المطلق في النذر يجب حمله على المعهود ¬

(¬1) المرجع السابق، 5/ 446. (¬2) المغني لابن قدامة، 5/ 450. (¬3) المرجع السابق، 5/ 451. (¬4) المغني لابن قدامة، 5/ 451. (¬5) المغني لابن قدامة، 5/ 451.

* الأمر الثالث والثلاثون: شروط الهدي

شرعاً، والهدي الواجب في الشرع إنما هو من النعم، وأقله ما ذكرناه (¬1) (¬2). * الأمر الثالث والثلاثون: شروط الهدي الهدي عبادة لله تعالى، لا يُقبل إلا إذا كان خالصاً لله تعالى، وأن يكون على السنة، ولا يكون الهدي مقبولاً إلا باجتماع شروطه وانتفاء موانعه: وشروط الهدي أنواع: من الشروط ما يعود للوقت: أوله، وآخره، وتقدم. ومنها ما يعود لعدد المهدين لتلك الهدايا، وتقدم. ومنها ما يعود للهدايا التي تُهدى، وهي أربعة شروط: الشرط الأول: أن يكون الهدي ملكاً للمهدي. الشرط الثاني: أن يكون الهدي من الجنس الذي عيَّنه الشارع: وهو بهيمة الأنعام. الشرط الثالث: أن يبلغ الهدي السنَّ المعتبره شرعاً. ¬

(¬1) المرجع السابق، 5/ 452. (¬2) واختلف العلماء رحمهم اللَّه: هل يشرع للحاج أضحية مع الهدي؟ أم جميع ما يذبح وينحر في الحج هدايا؟ فذهب ابن حزم رحمه اللَّه ومن معه إلى أن الهدي عمل، والأضحية عمل آخر، فهما عملان متغايران، فالحاج يشرع له التضحية مع الهدي، واستدلوا بحديث أبي بكرة في وصفه لخطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في منى، وفيه: (( ... ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما بيده، وإلى جزيعة من الغنم فقسمها بيننا ... )) [البخاري، برقم 1741، ومسلم بلفظه، برقم 1679]. واختار ابن القيم في زاد المعاد، 2/ 263: أن الحاج لا تشرع له الأضحية، إنما هو الهدي، واختاره النووي في شرحه لصحيح مسلم، 11/ 183، واختاره الشنقيطي أيضاً في أضواء البيان، 5/ 619، وقال: بأن مالك بن أنس وأصحابه قال: لا تسن الأضحية للحاج؛ لأن ما يذبحه هدي لا أضحية، وخالفهم الجمهور نظراً لعموم الأدلة التي تأمر بالأضحية في الحج وغيره. واختار شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أن التضحية مشروعة في الحج وغيره. وقد سمعت ذلك منه أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 262.

الشرط الرابع: أن يكون الهدي سالما من العيوب المانعة من الإجزاء

الشرط الرابع: أن يكون الهدي سالماً من العيوب المانعة من الإجزاء، وهي خمسة، وهذه الشروط كلها هي نفس الشروط في الأضاحي، وستأتي في مبحث الأضاحي الآتي بعد هذا المبحث، بالأدلة، والتفصيل، والتحقيق، إن شاء اللَّه تعالى. * الأمر الرابع والثلاثون: العيوب المكروهة في الهدايا: تسعة، وهذه العيوب المكروهة هي التي تُكره في الأضاحي، وستأتي بالتفصيل في مبحث الأضاحي الآتي بعد هذا المبحث، إن شاء اللَّه تعالى. * الأمر الخامس والثلاثون: تعيين الهدي، وأحكام تعيينه، هي نفس الأحكام في تعيين الأضحية، وستأتي في المبحث الآتي الخاص بالأضاحي. * الأمر السادس والثلاثون: حكم الأكل والإطعام والصدقة، هي نفس ما يأتي في الأضاحي. * الأمر السابع والثلاثون: شروط المذكِّي، وشروط التذكية هي نفس الشروط المذكورة في مبحث الأضاحي. * الأمر الثامن والثلاثون: الآداب المستحبة للمهدي هي الآداب المستحبة للمضحي، ومنها: 1 - يختار الهدي فيحرص على أكمل الهدايا، وأجملها، وأسمنها، وأغلاها. 2 - الإحسان إلى الذبيحة فيعمل كل ما يريحها عند الذكاة. 3 - ينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى. 4 - يذبح الأغنام والبقر على جنبها الأيسر، ويضع رجله على صفحة عنقها. 5 - يستقبل القبلة عند الذبح.

6 - التسمية عند الذبح، وهي واجبة

6 - التسمية عند الذبح، وهي واجبة. 7 - يسمي عند ذبح الهدي من هو له. 8 - استكمال قطع الحلقوم، والمريء، والودجين عند الذبح. 9 - يدعو بالقبول عند التذكية. وهذه الآداب ذُكِرَتْ بأدلتها في مبحث الأضاحي الآتي بعد هذا المبحث. خامساً: الهدي المسكوت عنه في القرآن: الدماء التي لم يذكر حكمها في القرآن، وقد قاسها العلماء على الدماء المذكورة في القرآن الكريم، وهي على النحو الآتي: 1 - هدي الفوات؛ فإن من فاته الحج، فعليه أن يتحلَّل بعمرة، ويحج من قابل، ويهدي، فإن لم يجد صام عشرة أيام: ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، كما تقدم في الفوات. 2 - هدي الإحصار، من لم يجده صام عشرة أيام، ثم حلق وتحلل، وتقدم في الإحصار. 3 - ومذهب أحمد قياس كل دم وجب لترك واجب على دم التمتع، فيصوم عند العجز عنه عشرة أيام: وذلك كدم القران، وترك الإحرام من الميقات، وترك الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، وترك المبيت بمزدلفة، وترك الرمي، وترك المبيت ليالي التشريق بمنى، وترك طواف الوداع، ومفسد الحج إذا عجز عن البدنة في الجماع قبل التحلل الأول (¬1). ¬

(¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 5/ 449، وأضواء البيان، 5/ 567 - 570.

سادسا: الهدي المستحب: وهو هدي التطوع:

قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((والأظهر عندي أن الدماء إن اختلفت أسبابها كمن جاوز الميقات غير محرم، ودفع من عرفة قبل غروب الشمس، ... وترك المبيت بمزدلفة، وترك المبيت بمنى أيام منى أنه تتعدد عليه الدماء بتعدد أسبابها مع اختلافها. أما إن كانت الأسباب المتعددة من نوع واحد: كأن ترك رمي يوم، ثم ترك يوماً آخر، أو بات ليلة من ليالي منى في غير منى، ثم كرر ذلك فلتعدِّد وجه، وللاتِّحاد وجه (¬1). سادساً: الهدي المستحب: وهو هدي التطوع: وهو مستحب لمن قصد مكة حاجاً أو معتمراً، فيستحب له أن يهدي إليها من بهيمة الأنعام، وينحره ويفرِّقه؛ لأن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أهدى مائة بدنة، وهو قارن (¬2)، وكان يكفيه لدم القران شاة واحدة، أو سبع بقرة، أو بدنة، وبقية المائة تطوع منه - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 567 - 570. (¬2) كما في حديث جابر عند مسلم، برقم 1218. (¬3) أضواء البيان، 5/ 573 - 574.

المبحث التاسع والثلاثون: الأضاحي

المبحث التاسع والثلاثون: الأضاحي أولاً: مفهومها: هي اسم لما يُذبح أو يُنحر بسبب العيد: من الإبل، والبقر، والغنم: يوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، تقرُّباً إلى اللَّه تعالى، وسُمِّيت بذلك واللَّه أعلم؛ لأن أفضل زمن لذبحها ضحى يوم العيد (¬1). ثانياً: حكمها: الأضحية مشروعة بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة. فأما الكتاب؛ فلقول اللَّه تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (¬2). وأما السنة؛ فلحديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين، أملحين (¬3) أقرنين، ذبحهما بيده، وسَمَّى وكَبَّر، ووضع رجله على صفاحهما)). وفي لفظ لمسلم: ويقول: ((باسم اللَّه واللَّه أكبر)). وفي لفظ للبخاري: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحي بكبشين، وأنا أضحي بكبشين)) (¬4). وأما الإجماع: فأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية (¬5)، والأضحية سنة مؤكدة جداً لا ينبغي تركها لمن يقدر عليها، وعلى هذا أكثر أهل العلم (¬6). ¬

(¬1) انظر: أحكام الأضاحي، للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين، ص5، ومجالس عشر ذي الحجة، للشيخ عبد اللَّه بن صالح الفوزان، ص69. (¬2) سورة الكوثر، الآية: 2. (¬3) الأملح: يقال: كبش أملح: إذا كان بياضه أكثر من سواده، وقيل: هو النقي البياض. جامع الأصول لابن الأثير،3/ 325،وانظر: المغني لابن قدامة،13/ 360. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أقرنين، ويذكر سمينين، برقم 5553، ومسلم، كتاب الأضاحي باب استحباب استحسان الأضحية وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير، برقم 1966. (¬5) المغني لابن قدامة، 13/ 360. (¬6) اختلف العلماء رحمهم اللَّه في حكم الأضحية، فقال قوم: بأنها سنة، وقال آخرون: بالوجوب. قال الإمام ابن قدامة: ((أكثر أهل العلم يرون الأضحية سنة مؤكدة غير واجبة، روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وأبي مسعود البدري - رضي الله عنهم -، وبه قال سويد بن عقبة، وسعيد بن المسيب، وعلقمة، والأسود، وعطاء، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر. وقال ربيعة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والليث، وأبو حنيفة: هي واجبة؛ لما روى أبو هريرة أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا)) [أحمد، 2/ 321،وابن ماجه، برقم 3123،وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه،3/ 82]،وعن مخنف بن سليم قال: كنا وقوفاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة فقال: ((يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية ... )) [أحمد، 4/ 215، وأبو داود برقم 2788،والنسائي، برقم 4235،وابن ماجه، برقم 3125، والترمذي، وحسنه برقم 1518،وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 82]، المغني لابن قدامة، 13/ 360 - 361، ومن قال: بأن الأضحية سنة احتجوا بحديث ابن عباس يرفعه: ((ثلاث هن عليّ فرائض وهن لكم تطوع: الوتر، والنحر، وصلاة الضحى)) وفي لفظ الدارقطني: ((وركعتا الفجر)) بدل ((وصلاة الضحى)) رواه أحمد، برقم 2050، والدارقطني، 2/ 21، ونقل أحمد شاكر تضعيف هذا الحديث باللفظين]. واستدل الجمهور أيضاً بحديث أم سلمة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً))، وفي لفظ: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يُضحِّي فليمسك عن شعره وأظفاره))، وفي لفظ: (( ... فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي)) [مسلم، برقم 1977] فقالوا: علَّقه على الإرادة، والواجب لا يُعلَّق على الإرادة؛ ولأنها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها فلم تكن واجبة كالعقيقة، وردوا على أهل الوجوب بأن حديثهم قد ضُعِّف، وقالوا: ((ثم نحمله على تأكيد الاستحباب كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) [تقدم تخريجه] المغني لابن قدامة، 13/ 261. ولكن من قال بالوجوب استدلوا أيضاً بحديث في الصحيحين عن جندب بن سفيان البجلي قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر قال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح [على اسم اللَّه])) [البخاري، برقم 5562، ومسلم، برقم 1960، وما بين المعقوفين له]، وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على هذا الحديث: ((من ذبح قبل الصلاة فالسنة أن يضحي بأخرى، وإذا صلى الإنسان دخل وقت ضحيته)).

وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((والضحية سنة، وقال بعض أهل العلم بوجوبها، والذي عليه جمهور أهل العلم أنها سنة مؤكدة لمن قدر لمن كان له سعة، والحجة في ذلك فعله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كان

ثالثا: ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها لما يلي:

يُضحِّي كل سنة، فهي سُنَّة من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام)) (¬1). والأحوط للمسلم أن لا يترك الضحية إذا كان موسراً له قدرة عليها؛ اتباعاً لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -:القولية، والفعلية، والتقريرية، وبراءة للذمة، وخروجاً من الخلاف عند من قال بالوجوب (¬2). ثالثاً: ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها لما يلي: 1 - الذبح وإراقة الدم تقرباً لله تعالى عبادة مشتملة على تعظيم اللَّه تعالى، وإظهار شعائر دينه، وإخراج القيمة تعطيل لذلك {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (¬3). ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام لابن حجر، الحديث رقم 1372، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 11/ 394، وروي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان عن أهلهما مخافة أن يُرى ذلك واجباً)). أخرجه البيهقي، 9/ 295، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم 1139. (¬2) رجح وجوبها على القادر شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: ((وأما الأضحية فالأظهر وجوبها فإنها من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك العام في جميع الأمصار، وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته)). [فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية،23/ 162، وقال: ((تجوز الأضحية عن الميت كما يجوز الحج عنه، أو الصدقة عنه، ويُضحَّى عنه في البيت ولا يُذبح عند القبر أضحية ولا غيرها)) مجموع الفتاوى، 26/ 306]، وذكر العلامة ابن عثيمين أن الأضحية عن الأموات ثلاثة أٌقسام: القسم الأول: أن تكون تبعاً للأحياء كأن يضحي عن نفسه وأهله وفيهم أموات كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. القسم الثاني: أن يُضَحِّي عن الميت استقلالاً، فقد نص عليه فقهاء الحنابلة، وبعض العلماء لا يرى ذلك إلا أن يوصي الميت بذلك. القسم الثالث: أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه فتنفذ الوصية: أحكام الأضاحي، ص17، واختار شيخ الإسلام أن الأضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها. الاختيارات، ص118. (¬3) سورة الأنعام، الآيتان: 162 - 163.

2 - ذبح الأضحية وعدم التصدق بثمنها هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل المسلمين،

2 - ذبح الأضحية وعدم التصدق بثمنها هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل المسلمين، ولم ينقل أحد أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تصدق بثمنها، ولا أحد من أصحابه - رضي الله عنهم -. 3 - ومما يؤكد أن ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها ولو زاد الثمن أن العلماء اختلفوا في وجوبها، وأن القائلين بأنها سنة صَرَّح جمعٌ منهم بأنه يكره تركها للقادر (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((والأضحية، والعقيقة، والهدي (¬2)، أفضل من الصدقة بثمن ذلك)) (¬3). رابعاً: إذا دخل شهر ذي الحجة فلا يأخذ من أراد أن يضحي من شعره ولا بشرته شيئاً؛ لحديث أم سلمة رضي اللَّه عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)) وفي لفظ: ((فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي)) (¬4). خامساً: يبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى؛ لحديث البراء - رضي الله عنه -،قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نُصلِّي ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبلُ فإنما هو لحم قدَّمه لأهله ليس من النسك في شيء)) فقام أبو بردة بن دينار - وقد ¬

(¬1) انظر: أحكام الأضحية، للعلامة ابن عثيمين، ص14 - 16. (¬2) الهدي: أي هدي التطوع. (¬3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 6/ 304. (¬4) مسلم، كتاب الأضاحي، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو يريد التضحية أن يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً، مسلم، برقم 1977.

سادسا: آخر وقت ذبح الأضاحي

ذبح - فقال: إن عندي جذعة، فقال: ((اذبحها ولن تجزي عن أحد بعدك)) وفي لفظ لمسلم: يا رسول اللَّه إن عندي جذعة من المعز، فقال: ((ضحِّ بها ولا تصلح لغيرك)).قال مطرِّف عن عامر، عن البراء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من ذبح بعد الصلاة تمَّ نسكُه وأصاب سنة المسلمين)) (¬1).ولحديث جندب بن سفيان البجلي - رضي الله عنه - قال: ((شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، قال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليُعِد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح [على اسم اللَّه])) (¬2)؛ ولحديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تمَّ نسكُه، وأصاب سنة المسلمين)) (¬3). سادساً: آخر وقت ذبح الأضاحي هو غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق على القول الراجح من أقوال أهل العلم، فيكون ذبح الأضاحي أربعة أيام: يوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة)) (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب سنة الأضحية، وقال ابن عمر: هي سنة ومعروف، برقم 5545، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، برقم 1961. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب من ذبح قبل الصلاة، برقم 5562، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، برقم 1960. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب سنة الأضحية، برقم 5546، ومسلم، كتاب الأضاحي باب وقتها، برقم 1962. (¬4) اختلف العلماء في آخر وقت ذبح الأضاحي: فقيل: آخر الوقت: آخر اليوم الثاني من أيام التشريق، فتكون أيام النحر ثلاثة: يوم النحر، ويومان بعده، وهذا قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، قال أحمد: أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -،وهو قول مالك، والثوري، وأبي حنيفة. وقيل: آخره آخر أيام التشريق، وهو مذهب الشافعي، وقول عطاء، والحسن، لما روي ((كل أيام التشريق ذبح)) [أحمد، 4/ 82، والبيهقي، 9/ 295، وذكر الإمام ابن القيم أن الأقوال أربعة: 1 - الذبح أربعة أيام: يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة، وأنه قول علي - رضي الله عنه -، قال: وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي، واختاره ابن المنذر. 2 - الذبح يوم النحر ويومان بعده، وهذا مذهب أحمد، ومالك، وأبي حنيفة رحمهم اللَّه، قال أحمد: وهو قول غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكره الأثرم عن ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم -. 3 - وقت النحر يوم واحد وهو قول ابن سيرين. 4 - يوم واحد في الأمصار، وثلاثة أيام في منى. زاد المعاد،2/ 319 - 320، وسمعت سماحة شيخنا الإمام ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 320: ((أصح هذه الأقوال الأربعة أن الذبح أربعة أيام: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده)). وانظر المغني لابن قدامة، 13/ 386، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، 8/ 406، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي، 5/ 495.

سابعا: شروط الأضحية:

سابعاً: شروط الأضحية: الأضحية عبادة لله تعالى لا تقبل إلا إذا كانت خالصة لله تعالى، وأن تكون على سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فإذا لم تكن خالصة وعلى هدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فهي غير مقبولة بل مردودة، ولا تكون الأضحية على هدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلا باجتماع شروطها، وانتفاء موانعها. وشروطها أنواع: منها ما يعود للوقت، وتقدم، ومنها ما يعود لعدد المضحين بها، وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى، ومنها ما يعود للمُضحَّى به وهي أربعة شروط: الشرط الأول: أن تكون الضحية ملكاً للمضحي ملكها بطريق شرعي، فلا تصح الأضحية بمغصوبٍ، أو مسروقٍ، أو مملوكٍ بعقد فاسد، أو ما كان ثمنه خبيثاً محرماً: كالربا وغيره؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن اللَّه طيب لا يقبل إلا طيباً)) (¬1). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم 1015.

الشرط الثاني: أن تكون الأضحية من الجنس الذي عينه الشارع

وينبغي للمسلم أن يختار الأضحية التي تجتمع فيها الصفات المستحبة؛ لأن ذلك من تعظيم شعائر اللَّه؛ لقول اللَّه تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (¬1)، وتعظيم البدن من تعظيم شعائر اللَّه، وعن مجاهد في قوله: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} قال استعظام البدن: استحسانها، واستسمانها)) (¬2). قال يحيى بن سعيد سمعتُ أبا أمامة بن سهل قال: ((كنَّا نُسمِّن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسمِّنون)) (¬3). الشرط الثاني: أن تكون الأضحية من الجنس الذي عينه الشارع وهو: الإبل، والبقر، والغنم: ضأنها ومعزها، وهي بهيمة الأنعام فقط، قال اللَّه تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} (¬4). وذكر الإمام النووي الإجماع على أنه لا يجزئ في الأضحية إلا: الإبل، والبقر، والغنم (¬5). الشرط الثالث: أن تبلغ الأضحية السنّ المعتبرة شرعاً، فلا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني من غيره: والجذع من الضأن: ما له ستة أشهر ¬

(¬1) سورة الحج، الآية: 32. (¬2) فتح الباري، لابن حجر، 3/ 536، والمغني لابن قدامة، 13/ 367. (¬3) البخاري، كتاب الأضاحي، باب أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أقرنين، ويذكر سمينين، رقم الباب 7، قبل الحديث رقم 5553. (¬4) سورة الحج، الآية: 34. (¬5) شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 125.

ودخل في السابع، ويُعرف إذا مالت الصوفة على ظهره عُلِمَ أنه قد أجذع. وثني المعز إذا تمت له سنة ودخل في الثانية، والبقر إذا صار لها سنتان ودخلت في الثالثة، والإبل إذا صار لها خمس سنين ودخلت في السادسة، قال الأصمعي وغيره: ((إذا مضت السنة الخامسة على البعير ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثنيٌّ، ونرى أنه إنما سُمِّي ثنياً؛ لأنه ألقى ثنيَّته، وأما البقرة فهي التي لها سنتان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تذبحوا إلا مُسِنَّة)) (¬1)، ومسنة البقرة التي لها سنتان. وقال وكيع: ((الجذع من الضأن يكون ابن سبعة أو ستة أشهر)) (¬2)، فالضحية عبادة لا يشرع فيها إلا ما حدَّده النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تذبحوا إلا مُسِنّة، إلا أن تعسّر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن)) (¬3). قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء: من الإبل والبقر، والغنم، فما فوقها، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال، وهذا مُجْمَع عليه على ما نقله القاضي عياض. وأما الجذع من الضأن فمذهبنا ومذهب العلماء كافة يجزئ سواء وجد غيره أم لا، قال الجمهور: هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل، وتقديره: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم فجذعة ضأن، وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزئ ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 13/ 369. (¬2) المغني لابن قدامة، 13/ 369، وانظر: أحكام الأضحية لابن عثيمين، ص24. (¬3) مسلم، كتاب الأضاحي، باب سن الضحية، برقم 1963.

الشرط الرابع: أن تكون سالمة من العيوب المانعة من الإجزاء

بحال، وقد أجمعت الأمة أنه ليس على ظاهره؛ لأن الجمهور يُجوِّزُون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه)) (¬1). الشرط الرابع: أن تكون سالمة من العيوب المانعة من الإجزاء، ومن هذه العيوب ما ثبت في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أنه قال: قام فينا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وأصابعي أقصر من أصابعه وأناملي أقصر من أنامله، فقال: ((أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراءُ البيِّن عورُها (¬2)، والمريضة البيِّن مرضُها (¬3)، والعرجاء البيِّن ظلعُها (¬4)، والكسيرة التي لا تنقى)) (¬5). قال [الراوي عن البراء] قلت: فإني أكره أن يكون في السن نقص؟ فقال: ((ما كرهت فدعه ولا تُحرِّمه على أحد)). وهذا لفظ أبي داود، أما لفظ الترمذي: ((لا يُضَحَّى بالعرجاء بيِّن ظلعها، ولا بالعوراء بيِّن عورها، ولا بالمريضة بيِّن ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 125. (¬2) العوراء البيّن عورها: وهي التي انخسفت عينها أو برزت، فإن كانت عوراء لا تبصر بعينها ولكن عورها غير بين أجزأت والسليمة من ذلك أولى. (¬3) المريضة البيّن مرضها: وهي التي ظهر عليها آثار المرض، مثل: الحمى التي تقعدها عن الرعي، ومثل: الجرب الظاهر المفسد للحمها، أو المؤثر في صحتها، ونحو ذلك مما يعده الناس مرضاً بيناً، فإن كان فيها كسل أو فتور يمنعها من المرعى، والأكل، أجزأت لكن السلامة منه أولى. (¬4) العرجاء: هي التي لا تستطيع مرافقة السليمة في المشي، فإن كان فيها عرج يسير لا يتبين أجزأت والسلامة منه أولى، والظلع: العرج، والظالع: الغامز في مشيته. انظر: جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 334، وأحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص34. (¬5) الكسيرة: الهزيلة، والتي لا تنقى: أي التي ليس فيها مخ، أي مخ العظم، انظر: جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 334، وأحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص34.

لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أنها تمنع الإجزاء

مرضها، ولا بالعجفاء التي لا تنقى)). ولفظ النسائي: ((أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّن عورها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن ظلعها، والكسيرة التي لا تنقى)). [قال الراوي عن البراء] قلت: إني أكره أن يكون في القرن نقص، وأن يكون في السن نقص، قال: ((ما كرهته فدعه، ولا تُحرِّمه على أحد)).ولفظ ابن ماجه مثل لفظ النسائي إلا أنه قال: إني أكره أن يكون نقص في الأذن، قال: ((فما كرهت منه فدعه، ولا تُحرِّمه على أحد)). وفي رواية الموطأ نحو رواية أبي داود، والنسائي، إلى قوله: ((لا تنقى)) وجعل بدل الكسيرة ((العجفاء)) (¬1) (¬2). قال الإمام الترمذي رحمه اللَّه: ((والعمل على هذا عند أهل العلم)) (¬3). قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه عن هذه الأربع المذكورة: ((لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أنها تمنع الإجزاء)) (¬4). ويُلحق بهذه الأربع ما كان به عيب أعظم من هذه العيوب؛ فإن عدم إجزائها أولى، كالعمياء التي لا تبصر بعينها؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العوراء البين عورها، ومقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البيِّن ظلعها، وما أصابه سبب الموت: كالمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع؛ لأن هذه أولى بعدم الإجزاء من المريضة البين مرضها، والعاجزة عن المشي لِعَاهةٍ- ¬

(¬1) العجفاء: هي الكسيرة التي لا تنقى أي الهزيلة الضعيفة، انظر جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 335. (¬2) أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا، برقم 280، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما لا يجزئ من الأضاحي، برقم 1497، والنسائي، كتاب الضحايا، باب ما نهي عنه من الأضاحي، برقم 4369، وابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحي به، برقم 4144، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 676. (¬3) سنن الترمذي، ص364. (¬4) المغني لابن قدامة، 13/ 369.

ثامنا: العيوب المكروهة في الأضحية على النحو الآتي:

وتُسَمَّى: الزمنى - أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البيِّن ظلعها، وغير ذلك من العيوب التي هي أشد من العيوب الأربع المذكورة (¬1)،وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((العمياء أشد من العوراء، فما كان أشد من هذه الأربع في العيب، كان عدم إجزائه أولى)) (¬2). ثامناً: العيوب المكروهة في الأضحية على النحو الآتي: الأولى: العضباء: وهي مقطوعة الأذن: النصف فما فوقه. الثانية: المقابلة: وهي التي شُقّت أذنها من الأمام عرضاً. وقال ابن الأثير: ((شاة مقابلة إذا قطع من مقدم أذنها وتركت معلقة فيها كأنها زنمة)) (¬3). الثالثة: المدابرة: وهي التي شُقّت أذنها من الخلف عرضاً، وقال ابن الأثير: ((المدابرة التي فعل بها ذلك من مؤخرة أذنها، واسم الجلدة فيها: الإقبالة والإدبارة)) (¬4). الرابعة: الشرقاء: وهي التي شُقّت أذنها طولاً، وقال ابن الأثير: ((الشرقاء التي شُقّت أذنها، وقد شرقت الشاة - بالكسر - فهي شاة شرقاء (¬5). الخامسة: الخرقاء: وهي التي خُرقت أذنها، قال ابن الأثير: ((الخرقاء ¬

(¬1) انظر: أحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص35 - 36. (¬2) سمعته أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 4369، وذلك بتاريخ 29/ 6/1417هـ. (¬3) جامع الأصول، 3/ 336، وانظر: أحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص37. (¬4) جامع الأصول، 3/ 336، وانظر: أحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص37. (¬5) جامع الأصول، 3/ 336، وانظر: أحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص37.

السادسة: المصفرة: وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها

من الغنم التي في أذنها خرق، وهو ثقب مستدير)) (¬1). السادسة: المُصفَّرة: وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها (¬2). السابعة: المستأصلة: وهي التي ذهب قرنها من أصله، قال ابن الأثير: ((والمستأصلة: التي استُؤْصل قرنها من أصله)) (¬3). الثامنة: البخقاء: وهي التي بخقت عينها، قال ابن الأثير: ((والبخقاء: التي تبخق عينها)) (¬4).وقال في النهاية: ((والبخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة)).وقال في القاموس: ((البخق أقبح العور وأكثره غمصاً)). وعلى هذا فإذا كان البخق عوراً بيِّناً لم تجز كما يدل عليه حديث البراء السابق (¬5). التاسعة: المشيّعة: وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً، وضعفاً، تكون وراء الغنم: كالمشيع للمسافر، وقيل بفتح الياء؛ لحاجتها إلى من يشيعها؛ لتلحق بالغنم، فإن لم يكن فيها مخ فلا تجزئ، وإن كان فيها مخ ولا تستطيع معانقة الغنم لم تجز أيضاً؛ لأنها كالعرجاء البين ظلعها، وإن كانت تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة (¬6) (¬7). ¬

(¬1) جامع الأصول، 3/ 336، وانظر: أحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص37. (¬2) جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 337، وقال في التلخيص إنها المهزولة، وذكرها في النهاية بقيل: كذا وقيل: كذا. أحكام الأضاحي، ص38. (¬3) جامع الأصول، 3/ 337. (¬4) جامع الأصول، 3/ 337. (¬5) انظر: أحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص38. (¬6) انظر: جامع الأصول لابن الأثير،3/ 337،وأحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص38. (¬7) وجاء في هذه العيوب التسعة حديث علي - رضي الله عنه - قال: ((أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء، ولا خرقاء)) وفي رواية: ((المقابلة ما قطع طرف أذنها، والمدابرة: ما قطع من جانب الأذن، والشرقاء: المشقوقة، والخرقاء: المثقوبة)) هذا لفظ الترمذي في كتاب الأضاحي، باب ما يكره من الأضاحي، برقم 1498، وقال: ((حديث حسن صحيح))، ولفظ النسائي: ((أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين، والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة، ولا مدابرة، ولا بتراء، ولا خرقاء))، وفي لفظ: ((وأن لا نُضَحِّي بعوراء)) وفي لفظ: (( ... أو جدعاء))، وهذا لفظ النسائي في كتاب الأضاحي، باب المقابلة، برقم 4372، وباب المدابرة، برقم 4373، وباب الخرقاء، برقم 4374، وباب الشرقاء، برقم 4375. ولفظ أبي داود: ((أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن، ولا نضحي بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء))، قال زهير: قلت لأبي إسحاق: أذكر عضباء؟ قال: لا، قلت: فما المقابلة؟ قال: يقطع طرف الأذن، قلت: فما المدابرة، قال: يقطع من مؤخر الأذن، قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشق الأذن، قلت: فما الخرقاء؟ قال: تخرق أذنها للسمة)) أبو داود، كتاب الأضاحي، باب ما يكره من الأضاحي، برقم 2804. ولفظ ابن ماجه: ((نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نضحي بمقابلة، أو مدابرة، أو شرقاء، أو خرقاء، أو جدعاء)). ابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحي به، برقم 3142، ولفظ الإمام أحمد: ((نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يضحى بالمقابلة، أو بمدابرة، أو شرقاء، أو خرقاء، أو جدعاء))، وفي لفظ عن حُجّيّة بن عدي رجل من كندة قال: سمعت رجلاً سأل عليّاً قال: إني اشتريت هذه البقرة للأضحى، قال عن سبعة، قال: القرن؟ قال: لا يضرك، قال العرج؟ قال: إذا بلغت المنسك فانحر، ثم قال: ((أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن)) أحمد برقم 832، ورقم 734، ورقم 826، وصحح إسناده أحمد شاكر في هذه المواضع كلها، ورواه بهذا اللفظ الترمذي عن حجية بن عدي عن علي قال: ((البقرة عن سبعة، قلت: فإن ولدت؟ قال: اذبح ولدها معها، قلت: فالعرجاء؟ قال: إذا بلغت المنسك، قلت فمكسورة القرن؟ قال: لا بأس، أُمرنا - أو أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العينين، والأذنين)). الترمذي، كتاب الضحايا، باب في الضحية بعضباء القرن والأذن، برقم 1503، ولفظ ابن ماجه في كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحى به، برقم 3143، عن حجية بن عدي عن علي قال: ((أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن))، وصحح إسناد حديث حجية أحمد شاكر كما تقدم آنفاً، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 362، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 86، وقبل ذلك صحح إسناده الحاكم ووافقه الذهبي، 4/ 225، وروى أحمد لفظ أبي داود في المقابلة والمدابرة والشرقاء، والخرقاء، برقم 851، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. وقال الشوكاني بعد أن ذكر حديث علي هذا الذي رواه الخمسة: ((وحديث علي - رضي الله عنه - أخرجه أيضاً البزار [كشف الأستار، برقم 1203]، وابن حبان [برقم 5920]، والحاكم [1/ 468]، والبيهقي [9/ 275]، وأعله الدارقطني [نيل الأوطار، 3/ 482] وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي، ص144 في ضعيف أبي داود ص217، وضعيف سنن النسائي، ص144، وضعيف ابن ماجه، ص253، والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصحح إسناده أحمد شاكر كما تقدم، وقد ذكر الألباني طرقه في إرواء الغليل، 4/ 364، ثم قال: ((وجملة القول: إن الحديث بمجموع طرقه هذه صحيح وذكر القرن فيه منكر عندي تفرد جري به)). وأما ما جاء في المستأصلة، والبخقاء، والمشيعة، والكسراء، والمصفرة؛ لما روي عن يزيد ذي مصر قال: أتيت عتبة بن عبد السلمي، فقلت: يا أبا الوليد إني خرجت ألتمس الضحايا، فلم أجد شيئاً يعجبني، غير ثرماء، فكرهتها، فما تقول؟ قال: أفلا جئتني بها؟ قلت: سبحان اللَّه تجوز عنك ولا تجوز عني؟ قال: نعم. إنك تشك ولا أشك، إنما نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن المصفرة، والمستأصلة، والبخقاء، والمشيعة، والكسراء، فالمصفرة: التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها، والمستأصلة التي استوصل قرنها من أصله، والبخقاء: التي تبخق عينها، والمشيعة: التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفاً، والكسراء: الكسيرة)). أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا، برقم 2803، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، ص217، وقال الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 3/ 337: ((وفي إسناده أبو حميد الرعيني، وهو مجهول، ويزيد ذو مصر لم يوثقه غير ابن حبان)). وأما عضباء الأذن والقرن، فعن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُضحَّى بعضباء الأذن والقرن. قال قتادة لسعيد بن المسيب: ما الأعضب؟ قال: النصف فما فوقه. هذا لفظ أبي داود، برقم 2805، في كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا. ولفظ النسائي في كتاب الضحايا، باب العضباء، برقم 4389: ((نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يُضحى بأعضب القرن)) فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب؟ قال: ((نعم الأعضب النصف وأكثر من ذلك)).ولفظ الترمذي في كتاب الأضاحي، باب في الضحية بعضباء القرن والأذن برقم 1504 عن قتادة عن جري بن كليب الهندي عن علي قال: ((نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نضحي بأعضب القرن والأذن))،قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: العضب ما بلغ النصف فما فوق ذلك. ولفظ ابن ماجه في كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يُضحَّى به، برقم 3145، عن علي قال: ((إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يضحى بأعضب القرن والأذن)). ولفظ الإمام أحمد في المسند 1/ 129: ((نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يُضحَّى بعضباء القرن والأذن))، وحديث علي - رضي الله عنه - في النهي عن التضحية بعضباء القرن والأذن قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)). وقال الشوكاني في نيل الأوطار، 3/ 479: ((حديث علي - رضي الله عنه - صححه الترمذي ... وسكت عنه أبو داود))، وتكلم على إسناده أحمد شاكر في المسند، برقم 633، وقال: ((إسناده صحيح))، ولكن الألباني ضعفه في ضعيف ابن ماجه، وضعيف النسائي، وضعيف أبي داود، وضعيف الترمذي، وفي إرواء الغليل، برقم 1149 قال: ((منكر)). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار لابن تيمية، الحديث رقم 2721: ((حديث علي صحيح))، واللَّه - عز وجل - أعلم. قال الشوكاني: ((فيه دليل على أنها لا تجزئ التضحية بأعضب القرن والأذن وهو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه، وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أنها تجزئ التضحية بمكسور القرن مطلقاً ... فالظاهر أن مكسورة القرن لا تجوز التضحية بها إلا أن يكون الذاهب من القرن مقداراً يسيراً، بحيث لا يقال لها عضباء؛ لأجله، أو يكون دون النصف ... وكذلك لا تجزئ التضحية بأعضب الأذن وهو ما صدق عليه اسم العضب ... )) [نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 479]. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 4372 بتاريخ 2/ 7/1417هـ: ((النقص كالشرق أو الخرق مكروه وكذلك المقابلة والمدابرة إلا إذا كان ذلك أكثر من نصف الأذن أو القرن فهذا لا يجزئ، فيكون غير المجزئ خمس: العوراء البين عورها، والعرجاء البين ظلعها، والهزيلة التي لا تنقى، والمريضة البين مرضها، والعضباء: وهي ما ذهب نصف قرنها أو أذنها))، وسمعته يصحح حديث علي في عضباء الأذن والقرن أثناء تقريره على منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية، الحديث رقم 2721. واختار الإمام الخرقي في مختصره أن عضباء الأذن والقرن لا تجزئ، وقال ابن قدامة في المغني شارحاً ذلك: ((أما العيوب الأربعة الأولى فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً بأنها تمنع الإجزاء ... وأما العضب وهو ذهاب نصف الأذن والقرن، وذلك يمنع الإجزاء أيضاً، وبه قال النخعي، وأبو يوسف، ومحمد. وقال أبو حنيفة والشافعي تجزئ مكسورة القرن ... )) ثم رجح أن عضباء الأذن والقرن لا تجزئ. المغني لابن قدامة، 13/ 369 - 370.

وذكر بعض أهل العلم أنه يلحق بالعيوب المكروهة العيوب الآتية:

وذكر بعض أهل العلم أنه يلحق بالعيوب المكروهة العيوب الآتية: الأولى: البتراء، وهي التي قطع ذنبها: من الإبل، والبقر، والمعز، فتكره التضحية بها؛ لما جاء في رواية النسائي من حديث علي - رضي الله عنه - (¬1) وبالقياس ¬

(¬1) ولفظه عند النسائي: ((أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نُضحِّي بمقابلة، ولا مدابرة، ولا بتراء، ولا خرقاء ... )) الحديث أخرجه الخمسة وهذا لفظ النسائي، برقم 4372، وتقدم الكلام عليه.

وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فلا تجزئ

على العضباء، قال ابن الأثير رحمه اللَّه في معنى البتراء: ((هي التي قطع ذنبها)) (¬1)؛ لأن في الذنب مصلحة للحيوان، ودفاعاً لما يؤذيه، وجمالاً لمؤخره، وفي قطعه فوات هذه الأمور. وأما البتراء بأصل الخلقة فلا تكره ولكن غيرها أولى. وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فلا تجزئ، لأن ذلك نقص بيِّن في جزء مقصود منها، أما إذا كانت من نوع لا ألية له بأصل الخلقة أجزأت بدون كراهة (¬2). الثانية: ما قطع أنفها أو شفتها؛ لما جاء في رواية النسائي من حديث علي - رضي الله عنه - (¬3)، قال ابن الأثير رحمه اللَّه في الجدعاء: ((الجدع قطع الأنف، والأذن، والشفة، وهو بالأنف أخص، فإذا أطلق غلب عليه)) (¬4). الثالثة: ما قطع ذكره فتكره التضحية به، قياساً على العضباء، فأما ما قطعت خصيتاه فلا تكره التضحية به؛ لأن الخصاء يزيد سمنه، وطيب لحمه (¬5). وغير ذلك من العيوب التي ذكرها أهل العلم التي تكره التضحية بها (¬6)، واللَّه تعالى أعلم. ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث، 1/ 93. (¬2) انظر: أحكام الأضحية لابن عثيمين، ص40. (¬3) ولفظه عند النسائي: ((نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: أن نضحي بمقابلة، أو مدابرة، أو شرقاء، أو خرقاء، أو جدعاء))، برقم 4374، وتقدم تخريجه والكلام عليه. (¬4) النهاية في غريب الحديث، 1/ 246. (¬5) أحكام الأضاحي للعلامة ابن عثيمين، ص41. (¬6) ذكر من ذلك الهتماء التي سقطت بعض أسنانها، وكذلك ما قطع شيء من حلمات ضرعها، قياساً على العضباء، واللَّه - عز وجل - أعلم. انظر: أحكام الأضحية لابن عثيمين، ص41.

تاسعا: تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، والبدنة عن سبعة

تاسعاً: تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، والبدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، حينما سئل: كيف كانت الضحايا على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون، ويطعمون، حتى تباهى الناس فصارت كما ترى)) (¬1). قال الإمام الترمذي رحمه اللَّه: ((والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد، وإسحاق)) (¬2). وأما البدنة فتجزئ عن سبعة، والبقرة عن سبعة؛ لحديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، قال: ((نحرنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة)). وفي لفظ: ((خرجنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مُهِلِّين بالحج فأمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة)). وفي لفظ: ((حججنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فنحرنا البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة)) (¬3). قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((وهذا قول أكثر أهل العلم، روي ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت، برقم 1505، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب من ضحى بشاة عن أهله، برقم 3147، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم 1142. (¬2) سنن الترمذي، الحديث رقم 1505. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب جواز الاشتراك في الهدي، وإجزاء البدنة والبقرة كل واحدة منهما عن سبعة، برقم 1318.

عاشرا: تتعين الأضحية بقول المسلم هذه أضحية، فتصير واجبة

ذلك عن علي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة - رضي الله عنهم -، وبه قال: عطاء، وطاوس، وسالم، والحسن، وعمرو بن دينار، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي)) (¬1). ولكن هل يجزئ سُبع البدنة أو سُبع البقرة عن الرجل وأهل بيته؟ أم لا يجزئ السبع إلا عن واحد؟:قولان لأهل العلم، والذي مالت إليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ إلى: أن سُبع البدنة وسبع البقرة لا يجزئ إلا عن واحد واللَّه - عز وجل - أعلم. أما الشاة فتجزئ عن الرجل وأهل بيته. وأما سماحة شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه اللَّه فيرجِّح أن سبع البدنة وسبع البقرة يجزئ عن الرجل وأهل بيته كالشاة؛ لأن الرجل وأهل بيته في معنى الشخص الواحد (¬2). عاشراً: تتعين الأضحية بقول المسلم هذه أضحية، فتصير واجبة، أو بذبحها يوم العيد بنية الأضحية، فإذا تعينت الأضحية تعلقت بها الأحكام الآتية: الحكم الأول: زوال ملكه عنها، فلا يجوز له بيعها، ولا هبتها، ولا ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 13/ 363. (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 11/ 396، وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 4/ 220، فقد قال: ((وأما التشريك في سبع منها فمفهوم هذا الحديث وحديث تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته أنه لا يجزئ شرك في سبع من بدنة أو بقرة وجزم به شيخنا وغيره)). وقال شيخنا عبد العزيز ابن باز: ((في إجزاء السبع من البدنة والبقرة عن الرجل وأهل بيته توقف من بعض أهل العلم، والراجح أنه يجزئ عن الرجل وأهل بيته؛ لأنهم في معنى الشخص الواحد)) مجموع فتاوى ابن باز، 18/ 44 - 45.

الحكم الثاني: لا يتصرف فيها تصرفا مطلقا فلا يستعملها في حرث

إبدالها إلا بخير منها؛ لأنه جعلها لله تعالى. الحكم الثاني: لا يتصرَّف فيها تصرفاً مطلقاً فلا يستعملها في حرث، ولا يحلب من لبنها ما فيه نقص عليها، أو يحتاجه ولدها المتعين معها، ولا يجزّ شيئاً من صوفها ونحوه إلا أن يكون أنفع لها، وإذا جزَّه فليتصدق به أو ينتفع به والصدقة به أفضل، وإن ولدت ذبح ولدها معها. الحكم الثالث: إذا حصل لها عيب يمنع الإجزاء: كالعرج البيِّن، فإن كان هذا العيب بتفريط منه لزمه إبدالها بسليمة، وإن كان بدون فعل منه ولا تفريط فإنه يذبحها وتجزئه ما لم تكن واجبة في ذمته قبل التعيين، كما لو نذر أن يُضحِّي ثم عيَّن نذره فتعيبت بدون فعل منه ولا تفريط لزمه إبدالها بسليمة؛ لأن ذمته مشغولة بأضحية سليمة قبل أن يعينها فلا يخرج من عهدة الواجب إلا بأضحية سليمة. الحكم الرابع: إذا ضاعت أو سرقت بغير تفريط منه فلا ضمان عليه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين؛ لأنها أمانة عنده والأمين لا ضمان عليه إذا لم يفرط، لكن متى وجدها أو استنقذها من السارق لزمه ذبحها، ولو فات وقت الذبح، أما إذا كان ضياعها أو سرقتها بتفريط منه لزمه إبدالها بمثلها أو أفضل. واللَّه أعلم (¬1). الحكم الخامس: لا يجوز بيع شيء من الأضحية، لا جلدها، ولا لحمها، ولا يعطي الجزار أجرته منها؛ لحديث علي - رضي الله عنه - قال: ((أمرني رسول ¬

(¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 13/ 373 - 378، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 9/ 372 - 406، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، 4/ 232 - 238، وأحكام الأضحية للعثيمين، ص42 - 48.

الحادي عشر: يأكل من أضحيته ويتصدق

اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحمها، وجلودها، وأجلَّتها، وأن لا أعطي الجزار منها، وقال: نحن نعطيه من عندنا))، وفي لفظ لمسلم: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يقوم على بدنه، وأمره أن يقسم بدنه كلها: لحومها، وجلودها، وجلالها، في المساكين، ولا يعطي في جزارتها منها شيئاً)) (¬1). لكن إذا دفع إلى جازرها شيئاً، لفقره، أو على سبيل الهدية فلا بأس، والأفضل أن يعطيه أجرته كاملة أولاً، ثم يعطيه منها؛ لئلا تقع مسامحة في الأجرة؛ لأجل ما يأخذه، فيكون من باب المعاوضة (¬2). الحادي عشر: يأكل من أضحيته ويتصدق؛ لقول اللَّه - عز وجل -: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (¬3). وعن عبد اللَّه بن واقد - رضي الله عنه - في بيان الأكل من الأضاحي وفيه: ((فكلوا، وادَّخِروا، وتصدَّقوا)). وفي لفظ: ((كلوا وتزوَّدوا)) (¬4). وعن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: ((كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة)). وقال غير مرة: ((لحوم الهدي)) (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب يتصدق بجلود الهدي، برقم 1717، ومسلم، كتاب الحج، باب الصدقة بلحوم الهدايا وجلودها، وجلالها، وأن لا يعطى الجزار منها شيئاً، برقم 1317. (¬2) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 3/ 556. (¬3) سورة الحج، الآية: 28. (¬4) مسلم، كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام وبيان نسخه وإباحته، برقم 1971. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، برقم5567، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام وبيان نسخه وإباحته، برقم 1972.

وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - في حديثه عن الأكل من لحوم الأضاحي، وفيه: ((كلوا وأطعموا، وادخروا)) (¬1). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه: ((كلوا، وأطعموا، واحبسوا، أو ادَّخروا)) (¬2). واستحب كثير من العلماء للمُضحِّي أن يقسم أضحيته أثلاثاً: ثلثاً للادِّخار، وثلثاً للصدقة، وثلثاً للأكل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فكلوا وادَّخروا وتصدقوا)) (¬3) (¬4). واستحب بعضهم أن يقسمها أثلاثاً: يأكل ثلثاً، ويُهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث؛ للآثار في ذلك (¬5) (¬6). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، وما يتزود منها، برقم 5569،ومسلم، كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام وبيان نسخه وإباحته برقم 1974. (¬2) مسلم، كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي، برقم 1973. (¬3) مسلم، برقم1971، وتقدم تخريجه في الصفحات السابقة. (¬4) سبل السلام للصنعاني، 7/ 270. (¬5) انظر: المغني، لابن قدامة، 13/ 379، قال ابن قدامة: (ولنا ما روي عن ابن عباس في صفة ضحية النبي - صلى الله عليه وسلم -،قال: ((ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السوَّال بالثلث))،رواه الحافظ أبو موسى الأصبهاني في الوظائف، وقال: ((حديث حسن))؛ ولأنه قول ابن مسعود، وابن عمر، ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة، فكان إجماعاً. ا. هـ. المغني، 13/ 380، وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 9/ 414 - 418. (¬6) سئل شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: هل يجوز: أن يعطى غير المسلم من لحم الأضحية؟ فأجاب بقوله: ((لا حرج؛ لقوله جلَّ وعلا: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّه عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [سورة الممتحنة، الآية: 8]، يُعطى من الأضحية، ومن الصدقة)) أي صدقة التطوع. [مجموع فتاوى ابن باز، 18/ 47 - 48].

الثاني عشر: صفة ذبح الأضاحي وغيرها مما يذكى على النحو الآتي:

الثاني عشر: صفة ذبح الأضاحي وغيرها مما يُذكَّى على النحو الآتي: 1 - لا يذبح إلا المسلم المميز العاقل، أو الكتابي، ويقصد المذكي التذكية، ولا يذبح لغير اللَّه، ولا يهل لغير اللَّه، ويُسمِّي عند الذبح أو النحر، ويُذَكِّي بآلة حادِّةٍ غير سنٍّ ولا ظُفرٍ، وينهر الدم في موضعه، ولا بد أن يكون المذكِّي مأذوناً في ذكاته شرعاً (¬1). 2 - يراعي المضحي الأمور الآتية: الأمر الأول: يختار الأضحية، فيحرص على أكمل الأضاحي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك، فعن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد (¬2)، وينظر في سواد، فأُتي به، ليضحي به، قال لعائشة: ((هلُمِّي (¬3) المدية)) (¬4)، ثم قال: ((اشحذيها بحجر)) (¬5). ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبش، ثم ذبحه، ثم قال: ((بسم اللَّه، اللَّهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد ثم ضحى به)) (¬6). وعن أنس قال: ((ضحَّى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين، أقرنين، ذبحهما بيده، وسمَّى، وكبَّر، ووضع رجله على صفاحهما)). وفي لفظ لمسلم: ((ويقول باسم اللَّه واللَّه أكبر)).وفي لفظ للبخاري: ((كان رسول ¬

(¬1) أحكام الأضحية للعلامة محمد بن عثيمين، ص56 - 87، وذكر هذه الشروط التسعة بالأدلة، فراجعها. (¬2) يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد: أي قوائمه سود، وبطنه أسود، وما حول عينيه أسود. (¬3) هلمي: أي هاتيها. شرح النووي على مسلم، 13/ 120. (¬4) المدية: السكين. المرجع السابق، 13/ 120. (¬5) اشحذيها: حدِّديها، شرح النووي على مسلم، 13/ 120. (¬6) مسلم، كتاب الأضاحي، باب استحباب استحسان الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير، برقم1967.

اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُضحِّي بكبشين، وأنا أضحي بكبشين)) (¬1). ويختار السمين العظيم؛ لقول أبي أمامة بن سهل، قال: ((كنَّا نُسمِّن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسمِّنون)) (¬2). وهذا من تعظيم شعائر اللَّه (¬3). وغير ذلك من الصفات الحسنة، التي تزيد الأضحية كمالاً، وجمالاً؛ لأن اللَّه طيب لا يقبل إلا طيباً (¬4)، وإن ضحى بكبشين فلا بأس، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحي بكبشين، وأنا أضحي بكبشين)) (¬5). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((إذا ضحى بكبشين تأسياً به - صلى الله عليه وسلم - فلا حرج)) (¬6). وعن عائشة وأبي هريرة رضي اللَّه عنهما: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين، عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين، موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته، لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 5553، ومسلم، برقم 1966، وتقدم تخريجه في أول الأضحية. (¬2) البخاري، الأضاحي، باب أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أقرنين، ويذكر سمينين، رقم الباب7، قبل الحديث رقم5553. (¬3) انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 536. (¬4) ومن الصفات التي ثبتت في الأحاديث في أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - الصفات الآتية: 1 - الكبش.2 - الأقرن.3 - الأملح.4 - قوائمه سوداء.5 - بطنه أسود.6 - ما حول عينيه أسود. 7 - يأكل في سواد. 8 - عظيم. 9 - موجوء.10 - سمين.11 - فحيل، وجاء في صحيح أبي عوانة كما قال ابن حجر في البلوغ 12 - ثمين. انظر: فتح الباري لابن حجر، 10/ 10. (¬5) متفق عليه: البخاري، برقم 5553،ومسلم، برقم 966،وتقدم تخريجه في أول الأضحية. (¬6) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم5553.

الأمر الثاني: الإحسان إلى الذبيحة، فيعمل كل ما يريحها عند الذكاة،

الآخر عن محمد وعن آل محمد - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1). وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يضحي بكبش أقرن، فحيل، ينظر في سواد، ويأكل في سواد، ويمشي في سواد)) (¬2). الأمر الثاني: الإحسان إلى الذبيحة، فيعمل كل ما يريحها عند الذَّكاة، ومن ذلك: أن يكون الذبح بآلة حادَّة، وأن يمرها على محل الذبح بقوة وسرعة؛ لأن المطلوب الإسراع في إزهاق النفس على أكمل الوجوه من غير تعذيب؛ لحديث شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال: ((ثنتان حفظتهما عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((إن اللَّه كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليُحِدَّ أحدُكم شفرته، فليُرِحْ ذبيحته)) (¬3). ويكره أن يحدَّ السكين والبهيمة تنظر إليه؛ لما جاء عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: ((أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحد الشفار، وأن تُوارَى عن البهائم، وقال: ((إذا ذبح أحدكم فليُجْهِزْ)) (¬4). وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: مر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على رجل واضع ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب أضاحي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، برقم3122، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 81. (¬2) أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يستحسن من الضحايا، برقم2796، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 184، ورواه الترمذي، كتاب الأضاحي عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء ما يستحب من الأضاحي، برقم 1496، والنسائي، كتاب الضحايا، باب الكبش، برقم 4402. (¬3) مسلم، كتاب العيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة، برقم1955. (¬4) أحمد في المسند، 2/ 108، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، برقم 3172، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 631، وضعفه في ضعيف ابن ماجه، ص255، وذكر أنه صححه من طريق أحمد، وقال وانظر: ((الصحيحة3130)).

الأمر الثالث: إذا كانت الضحية من الإبل نحرها قائمة معقولة يدها اليسرى

رجله على صفحة شاة، وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال: ((أفلا قبل هذا؟ أَوَ تريد أن تميتها موتتان))؟ ولفظ الحاكم: ((أتريد أن تميتها موتان؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها)) (¬1). قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((ويستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة بحضرة الأخرى، ولا يجرها إلى مذبحها)) (¬2). الأمر الثالث: إذا كانت الضحية من الإبل نحرها قائمة معقولة يدها اليسرى، لقول اللَّه تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬3). قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((قياماً على ثلاث معقولة يدها اليسرى)) (¬4). وعن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها)) (¬5). وعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها ¬

(¬1) الطبراني في الكبير، 11/ 332، برقم 11916، والأوسط، 3/ 320، برقم 1890، [مجمع البحرين]، والحاكم، قال المنذري في الترغيب: ((ورجاله رجال الصحيح))، وقال الحاكم: ((صحيح على شرط البخاري))، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 630، وقال في مجمع الزوائد،4/ 33: ((رجاله رجال الصحيح)). (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم،13/ 113،وانظر: أحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص94 - 95. (¬3) سورة الحج، الآية: 36. (¬4) تفسير ابن كثير، 13/ 222. (¬5) أبو داود، كتاب المناسك، باب كيف تنحر البدن؟ برقم1767، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 494.

الأمر الرابع: إذا كانت الضحية من غير الإبل ذبحها مضجعة على جنبها الأيسر

فقال: ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1). فإن لم يتيسر له نحرها قائمة جاز له نحرها باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة؛ لحصول المقصود بذلك. الأمر الرابع: إذا كانت الضحية من غير الإبل ذبحها مضجعة على جنبها الأيسر، ويضع رجله على صفحة عنقها، ليتمكن منها؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((ضحى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بكبشين، أملحين، أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى، وكبر، ووضع رجله على صفاحهما)) (¬2)، فإن كان الذابح لا يستطيع أن يذبح بيمينه ويعمل بيده اليسرى عمل اليمنى وكان الأيسر له أن يضجعها على الجنب الأيمن فلا بأس أن يضجعها عليه؛ لأن المهم راحة الذبيحة (¬3). الأمر الخامس: أن يستقبل القبلة عند الذبح؛ لما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابر قال: ((ضحى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم عيد بكبشين فقال حين وجههما: ((إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض)) (¬4). الأمر السادس: التسمية عند الذبح والنحر، وهي واجبة، لقول اللَّه تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} (¬5)، وقوله ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب نحر الإبل مقيدة، برقم1713، ومسلم، كتاب الحج، باب نحر الإبل قياماً مقيدة، برقم1320. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 5553،ومسلم، برقم 1966.وتقدم تخريجه في أول الأضحية. (¬3) انظر: أحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص88 - 89. (¬4) ابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب أضاحي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، برقم 3121، وأبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يستحب من الضحايا، برقم 2795، والبيهقي، 9/ 285، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه، ص250، وانظر: إرواء الغليل، 4/ 350. (¬5) سورة الأنعام، الآية: 118.

الأمر السابع: من الآداب المستحبة أن يسمي عند ذبح الأضحية

تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (¬1)؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أنهر الدم وذكر اسم اللَّه عليه فكلوه ما لم يكن سن ولا ظفر)) (¬2). وذكر اسم اللَّه تعالى على الذبح أو النحر شرط من شروط ذكاة الحيوان (¬3)، ويستحب التكبير: ((اللَّه أكبر)) مع التسمية (¬4). الأمر السابع: من الآداب المستحبة أن يسمي عند ذبح الأضحية من هي له؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: شهدت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الأضحى في المصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره وأُتي بكبش فذبحه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بيده، وقال: ((بسم اللَّه واللَّه أكبر، هذا عني وعن من لم يضحِّ من أمتي)) (¬5)؛ ولحديث أبي رافع - رضي الله عنه - قال: ((ضَحَّى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بكبشين، أملحين، موجبين (¬6)، خصيين، فقال: أحدهما لمن شهد بالتوحيد، وله بالبلاغ، والآخر عنه وعن أهل بيته، قال: فكان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قد كفانا)). وفي رواية لأحمد: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ضحَّى اشترى كبشين، سمينين، ¬

(¬1) سورة الأنعام، الآية: 121. (¬2) متفق عليه من حديث رافع بن خديج: البخاري، كتاب الذبائح والعيد، باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنماً أو إبلاً بغير أمر أصحابه، لم تؤكل، برقم5543،ومسلم، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، برقم1968. (¬3) انظر: أحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص56 - 87. (¬4) المرجع السابق، ص91. (¬5) أبو داود، كتاب الضحايا، باب في الشاة يضحى بها عن جماعة، برقم 2810، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما يقول إذا ذبح، برقم1521،وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 188، وصحيح الترمذي. (¬6) موجبين: وفي مجمع الزوائد4/ 22: ((موجوءين)).

الأمر الثامن: قطع: الحلقوم، والمريء، والودجين، وإنهار الدم:

أقرنين، أملحين، فإذا صلَّى وخطب الناس أُتيَ بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: ((اللَّهم إن هذا عن أمتي جميعاً ممن شهد لك بالوحدانية، وشهد لي بالبلاغ)). ثم يُؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: ((هذا عن محمد وآل محمد)) فيطعمهما جميعاً المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يُضحِّي قد كفاه اللَّه المؤنة برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - والغُرْمَ)) (¬1). الأمر الثامن: قطع: الحلقوم، والمريء، والودجين، وإنهار الدم: أي إجراؤه من شروط صحة الذكاة، ولكن استكمال هذه الأربعة يكون نهاية الكمال، وهي: الأول: الحلقوم: وهو مجرى النفس [القصبة الهوائية]. الثاني: المريء: وهو مجرى الطعام والشراب. الثالث والرابع: الودجان: وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء فمتى قطعت هذه الأشياء الأربعة حلَّت المذكاة بإجماع أهل العلم (¬2). ولا يتجاوز ذلك إلى النخاع فإنه لا يشرع (¬3). وذكر شيخنا الإمام ابن باز رحمه اللَّه: أن التذكية الشرعية للإبل والبقر والغنم: على ثلاث حالات: ¬

(¬1) أحمد في المسند، 6/ 8، و6/ 391، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم1147. (¬2) انظر: بداية المجتهد، لابن رشد، 1/ 325 - 332، أحكام الأضاحي للعلامة ابن عثيمين، ص72 - 81، ومجموع فتاوى الإمام ابن باز، 18/ 26. (¬3) بداية المجتهد1،/327، وذكر أن الإمام مالك كرهه إذا تمادى في القطع ولم ينوِ قطع النخاع من أول الأمر؛ لأنه إن نوى ذلك فكأنه نوى التذكية على غير الصفة الجائزة، وقال مطرف والماجشون: لا تؤكل إن قطعها متعمداً دون جهل، وتؤكل إن قطعها ساهياً أو جاهلاً، 1/ 327.

الحالة الأولى:

الحالة الأولى: أن يقطع الذابح: الحلقوم، والمريء، والودجين، وهو أكمل الذبح وأحسنه، فإذا قطعت هذه الأربعة فالذبح حلال عند جميع العلماء. الحالة الثانية: أن يقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين وهذا حلال صحيح وطيب وإن كان دون الأول. والحالة الثالثة: أن يقطع الحلقوم والمريء فقط دون الودجين وهو أيضاً صحيح، وقال به جمع من أهل العلم، ودليلهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أنهر الدم وذكر اسم اللَّه عليه فكلوا، ليس السن والظفر)) (¬1)، وهذا هو المختار في هذه المسألة (¬2). الأمر التاسع: يدعو عند ذبح الأضحية بالقبول؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها وفيه: ((اللَّهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد)) (¬3). وفي حديث جابر: ((اللَّهم منك ولك)) (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم2543، ومسلم، برقم1968، وتقدم تخريجه في التسمية عند الذبح. (¬2) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 18/ 26. (¬3) مسلم، برقم 1967، وتقدم تخريجه في صفة ذبح الأضحية. (¬4) أبو داود، برقم2795، وابن ماجه، برقم3121، وتقدم تخريجه، وقد قال العلامة الألباني: هذه الجملة لها شاهد من حديث أبي سعيد عند أبي يعلى، فانظر: مجمع الزوائد،4/ 22،وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم1152.

المبحث الأربعون: العقيقة

المبحث الأربعون: العقيقة أولاً: مفهوم العقيقة: لغة واصطلاحاً: العقيقة لغة: مشتقة من العقَّ، وهو القطع؛ وأصل العق: الشق والقطع، وقيل للذبيحة عقيقة؛ لأنها يشقُّ حلقها، ويقال للشعر الذي يخرج على رأس المولود من بطن أمه: عقيقة؛ لأنه يُحلق، وقد جعل الزمخشري الشعر أصلاً، والشاة المذبوحة مشتقة منه (¬1). والعقيقة شرعاً: الشاة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع من ولادته عند حلق شعره (¬2)، وهي من حقوق الولد على والده. وقال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((العقيقة: الذبيحة التي تذبح عن المولود، وقيل: هي الطعام الذي يصنع ويُدعى إليه من أجل المولود)) (¬3). ثانياً: حكم العقيقة عن المولود: الذكر والأنثى: العقيقة سنة مؤكدة، سنَّها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬4)؛ للأحاديث الآتية: ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 3/ 276. (¬2) المرجع السابق، 3/ 276، ومعجم لغة الفقهاء، للروَّاس، ص 288، والقاموس الفقهي لغة واصطلاحاً لسعدي أبو جيب، ص 258. (¬3) المغني لابن قدامة، 13/ 392، وقال: ((قال أبو عُبيد: الأصل في العقيقة الشعر الذي على المولود، وجمعها: عقائق ... ثم إن العرب سمَّت الذبيحة عند حلق شعره: عقيقة على عادتهم في تسمية الشيء باسم سببه، أو مجاوره، ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية، وصارت العقيقة مغمورة فيه، فلا يفهم من العقيقة عند الإطلاق إلا الذبيحة، وقال ابن عبد البر: أنكر أحمد هذا التفسير، وقال: إنما العقيقة: الذبح نفسه ... )) [المغني، 13/ 393]. (¬4) اختلف العلماء في حكم العقيقة على أقوال: القول الأول: العقيقة سنة مؤكدة، قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه في المغني، 13/ 393: ((والعقيقة سنة في قول عامة أهل العلم، منهم ابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وفقهاء التابعين، وأئمة الأمصار)). القول الثاني: العقيقة ليست سنة، وهي من أمر الجاهلية، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. [المغني لابن قدامة، 13/ 393]. القول الثالث: العقيقة واجبة، وبه قال الحسن، وداود، وروي عن بريدة، واستدلوا بحديث سمرة: ((كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى فيه، ويحلق رأسه))؛ ولأحاديث الأمر بالعقيقة، وقالوا: ظاهر الأمر الوجوب. [المغني لابن قدامة، 13/ 394]. ثم رد ابن قدامة على من قال: بأن العقيقة واجبة، وعلى أبي حنيفة وأصحابه الذين قالوا: إن العقيقة من أمر الجاهلية، فقال رحمه اللَّه: ((ولنا على استحبابها هذه الأحاديث: وعن أم كُرْزٍ الكعبية، قالت: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((عن الغلام شاتان، مكافئتان، وعن الجارية شاة))، وفي لفظ: ((عن الغلام شاتان مثلان، وعن الجارية شاة)) [رواه أبو داود، برقم 2834]، وفي رواية قال: ((العقيقة عن الغلام شاتان)). والإجماع، قال أبو الزناد: العقيقة من أمر الناس، كانوا يكرهون تركه، وقال أحمد: العقيقة سنة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وقد عقَّ عن الحسن والحسين، وفعله أصحابه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الغلام مرتهن بعقيقته))، وهو إسناد جيد، يرويه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وجعلها أبو حنيفة من أمر الجاهلية؛ وذلك لقلة علمه ومعرفته بالأخبار. وأما بيان كونها غير واجبة، فدليله ما احتج به أصحاب الرأي من الخبر)). [قلت: وهو قولهم] ((روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن العقيقة فقال: ((إن اللَّه تعالى لا يحب العقوق)) [أحمد،2/ 182]، فكأنه كره الاسم، وقال: ((من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل)) رواه مالك في موطئه))، ثم قال ابن قدامة عن قول أصحاب الرأي: ((وما رووه محمول على الاستحباب جمعاً بين الأخبار؛ ولأنها ذبيحة لسرورٍ حادثٍ، فلم تكن واجبة، كالوليمة، والنقيعة [طعام القادم من السفر] [المغني لابن قدامة، 13/ 394 - 395]. وقال شيخنا ابن باز في مجموع فتاويه، 18/ 48: ((العقيقة سنة مؤكدة، وليست بواجبة)). وانظر: مجموع فتاوى اللجنة الدائمة، 11/ 439.

الحديث الأول: حديث سليمان بن عامر الضبي

الحديث الأول: حديث سليمان بن عامر الضبِّي، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَتُهُ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى))

الحديث الثاني: حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه -،

هذا لفظ البخاري وأهل السنن الأربع، ولفظ أحمد: ((مع الغُلام عقيقتُهُ، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى))، وقال: ((الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم صلةٌ وصدقة)) (¬1). الحديث الثاني: حديث سمرة بن جُندبٍ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل غُلَام رهينةٌ بعقيقته، تذبح عَنهُ يَوْم سابعه، وَيُسَمَّى فِيهِ، ويُحلقُ رَأسُهُ)) (¬2). قال الإمام ابن الأثير رحمه اللَّه: ((كل غُلام رَهِينة بعَقيقته)) الرَّهينة: الرَّهْن، والهاءُ للمبالغة، كالشَّتِيمة والشتْم، ثم استُعْمِلا بمعنى المَرْهُون، فقيل: هو رَهْن بكذا، ورَهِينَة بكذا، ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((رهينة بعقَيِقته)) أن العقَيِقَة لازِمةٌ له لا بُدَّ منها، فشبَّهه في لُزومها له، وعَدم انْفِكاكه منها بالرَّهن في يَدِ المُرْتَهن، قال الخطابي: تكلَّم الناسُ في هذا، وأجْودُ ما قيل ¬

(¬1) البخاري، كتاب العقيقة، باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة، برقم 5471، 5472، وأحمد في المسند، 26/ 970، برقم 6231، وقد أخرجه أحمد في مواضع بأرقام، هي: 16226، 16229، 16230، 16232، 16240، 16241، 17871، 17873، 17875، 17885، 17886، وأبو داود، برقم 2839، والترمذي، برقم 1515، والنسائي، برقم 4214. (¬2) أحمد في المسند، 33/ 271، برقم 20083، ورقم 20193، ورقم 20194، وأبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة، برقم 2838، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب من العقيقة، برقم 1522، والنسائي، كتاب العقيقة، باب متى يعق، برقم 4220، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، برقم 3165، وقد صح سماع الحسن من سمرة بن جندب، فإنه صرَّح بالسماع، فقد روى البخاري في إثر حديث سلمان بن عامر الضبّي عن عبد اللَّه بن أبي الأسود، حدثنا قريش بن أنس، عن حبيب بن الشهيد، قال: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته فقال: من سمرة بن جندب)) [صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 5473]، وقال محققو مسند أحمد، 33/ 271: ((إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وقد صرّح الحسن البصري بسماعه لهذا الحديث من سمرة)). والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 196، وفي سائر السنن.

فيه ما ذَهب إليه أحمدُ بن حنْبَل، قال: هذا في الشفاعَةِ، يريدُ أنه إذا لم يُعَقَّ عنه فمات طِفلاً لم يَشْفَع في والدَيه، وقيل: معناه أنه مَرهون بأذَى شَعَره، واستدَلُّوا بقوله: ((فأمِيطُوا عنه الأذَى)) وهو ما عَلق به من دَم الرَّحِم)) (¬1) (¬2). وقال العلامة ابن القيم رحمه اللَّه: ((والرهن في اللغة: الحبس، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (¬3)،وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنّهُ رَهِينَةٌ فِي نَفْسِهِ، مَمْنُوعٌ مَحْبُوسٌ عَنْ خَيْرٍ يُرَادُ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ حُبِسَ بِتَرْكِ أَبَوَيْهِ الْعَقِيقَةَ عَمّا يَنَالُهُ مَنْ عَقّ عَنْهُ أَبَوَاهُ، وَقَدْ يَفُوتُ الْوَلَدَ خَيْرٌ بِسَبَبِ تَفْرِيطِ الْأَبَوَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَسْبِهِ، كَمَا أَنّهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ إذَا سَمّى أَبُوهُ لَمْ يَضُرّ الشّيْطَانُ وَلَدَهُ، وَإِذَا تَرَكَ التّسْمِيَةَ لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَلَدِ هَذَا الْحِفْظُ، وَأَيْضًا؛ فَإِنّ هَذَا إنّمَا يَدُلّ عَلَى أَنّهَا لَازِمَةٌ لَا بُدّ مِنْهَا، فَشَبّهَ لُزُومَهَا وَعَدَمَ انفكاك المولود عنها بالرهن، وقد يستدل بهذا من يرى وجوبها: كَاللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، وَأَهْلِ الظّاهِرِ، وَاللَّه أَعْلَمُ)) (¬4). ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 285. (¬2) وقال الإمام السندي في حاشيته على سنن النسائي، 7/ 166: ((وقال التوربشتي: أي إنه كالشيء المرهون، لا يتم الانتفاع به دون فكّه، والنعمة إنما تتم على المنعم عليه بقيامه بالشكر، ووظيفته، والشكر في هذه النعمة: ما سنَّه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أن يعق عن المولود شكراً لله تعالى، وطلباً لسلامة المولود، ويحتمل أنه أراد بذلك: أن سلامة المولود، ونشوؤه على النعت المحمود رهينة بالعقيقة ... )). وقال الشوكاني في نيل الأوطار، 3/ 503: (( ... وقيل: إنه مرهون بالعقيقة، بمعنى: أنه لا يُسمَّى، ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها، وبه صرّح صاحب المشارق ... )). (¬3) سورة المدثر، الآية: 38. (¬4) زاد المعاد، 2/ 326، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، لابن القيم، 2/ 326: ((المقصود بقوله: ((كل غلام رهينة بعقيقته)): اللَّه أعلم بمراده، وتفسيره بأنه محبوس عن الشفاعة لوالديه لا دليل عليه، فهو مرتهن، وقد يكون كما قال المؤلف: محبوس عن خير يُراد به، أو غيره، والعلم عند اللَّه، المهم أنه مرتهن بعقيقته حتى يُعقّ عنه)).

الحديث الثالث: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما،

الحديث الثالث: حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما، قال:: سُئل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة، فقال: ((لا يحبُّ اللَّه العقوق)) وكأنه كره الاسم، قال لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: إنما سألك: أحدُنا يولَدُ له؟ فقال: ((من أحب أن ينْسُك عن ولده، فلينسك عنه، عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية: شاة))، قال داود [راويه]: سألت زيد بن أسلم عن ((المكافئتان؟)) قال: الشاتان: المشبَّهتان تذبحان جميعاً، وهذا لفظ النسائي، ولفظ أحمد: سُئل عن العقيقة فقال: ((إن اللَّه لا يحب العقوق)) وكأنه كره الاسم، قالوا: يا رسول اللَّه، إنما نسألك عن أحدنا يولد له؟ قال: ((من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام: شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة))، ولفظ أبي داود: ((لا يحب اللَّه العقوق)) كأنه كره الاسم، وقال: ((من ولد له ولد فأحبَّ أن ينسك عنه فلينسك: عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة)) (¬1). الحديث الرابع: حديث عائشة رضي اللَّه عنها: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة))، وهذا لفظ أحمد، وفي لفظ له آخر: ((أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: أن نعقَّ عن الجارية شاة، وعن الغلام ¬

(¬1) النسائي، كتاب العقيقة، برقم 4212، وأبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة، برقم 2842، وأحمد، 2/ 182، والنسخة المحققة، برقم 6713، 6822، وقال الألباني في صحيح النسائي، 3/ 137: ((حسن صحيح))، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1655، وإرواء الغليل، 4/ 362.

شاتين))، ولفظ الترمذي: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتانِ، وعن الجارية شاة)) (¬1). ومعنى: ((مكافأتان))، و ((مكافئتان)) واحد: والمعنى يجزئ في عقيقته: شاتان متساويتان في السن، والشَّبه، ولا ينزل سنهما عن سنِّ أدنى ما يجزئ في الأضحية، وتذبحان جميعاً (¬2). وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحب اللَّه العقوق)) فقد قال الإمام ابن عبد البر رحمه ¬

(¬1) أحمد، 40/ 30، برقم 24028، وبرقم 25250، وبرقم 26134، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما جاء في العقيقة، برقم 1513، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، برقم 3163، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 164، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 92. (¬2) وذكر ابن حجر عن زيد بن أسلم أنه سئل عن قوله: ((مكافئتان)) فقال: متشابهتان تذبحان جميعاً، أي لا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى، وحكى أبو داود عن أحمد: المكافأتان: المتقاربتان، قال الخطابي: أي في السنِّ، وقال الزمخشري: معناه: متعادلتان لما يجزئ في الزكاة والأضحية، وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرزٍ من وجه آخر عن عبيد بن أبي يزيد بلفظ: ((شاتان مثلان))، ووقع عند الطبراني في حديث آخر، قيل: ما المكافئتان؟ قال: المثلان، وما أشار إليه زيد بن أسلم: من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن، ويحتمل الحمل على المعنيين معاً)) [فتح الباري لابن حجر، 3/ 592]، وانظر: تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، 5/ 103. وقال الإمام السندي الحنفي في شرحه على سنن ابن ماجه، 3/ 549: ((قوله عن الغلام)) أي يجزئ في عقيقته: ((شاتان مكافئتان)) - بالهمز -، أي: متساويتان في السن، بمعنى أن لا ينزل سنهما عن سنِّ أدنى ما يجزئ في الأضحية، وقيل: متساويتان: أي متقاربتان، وهو من كسر الفاء، من مكافأه: إذا ساواه، قال الخطابي: المحدثون يفتحون الفاء ((مكافأتان))، وأراد أنه أولى؛ لأنه يريد أن يساوى بينهما، وأما بالكسر ((مكافِئتان)) فلا، وقال الزمخشري: لا فرق بين الفتح والكسر؛ لأن كل واحدة إذا كانت أختها فقد كوفئت، فهي كافية ومكافأة. حاصله: أن الأصل في الفتح والكسر: اعتبار المساواة بالنظر إلى ثالث، فعلى الكسر هما يساويان الثاني، وعلى الفتح يساويهما ثالث، كما هو شأن باب المفاعلة، فإن اكتفى بمساواة إحداهما الأخرى فيصح الفتح والكسر جميعاً. فإن كل واحدة فاعلة لهذه المساواة، ومفعولة، ثم قال الزمخشري: يحتمل أن معناه: متساويتان لما يجب في الأضحية في السِّنَّيْن، ويحتمل مع الفتح: أن يراد مذبوحتان، من كافأ الرجل بين بعيرين إذا نحر هذا ثم هذا معاً، من غير تعيين: كأنه يريد شاتين يذبحهما معاً)). وانظر أيضاً: حاشية السندي على سنن النسائي، 7/ 164.

اللَّه: ((وفي هذا الحديث كراهية ما يقبح معناه من الأسماء، وكان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يحب الاسم الحسن، ويعجبه الفأل الحسن ... وكان الواجب بظاهر الحديث أن يقال للذبيحة عن المولود: نسيكه ولا يقال: عقيقة، لكني لا أعلم أحداً من العلماء مال إلى ذلك، ولا قال به، وأظنهم - واللَّه أعلم - تركوا العمل بهذا المعنى المدلول عليه من هذا الحديث؛ لما صح عندهم من لفظ العقيقة ... ))، ثم ذكر حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: ((كل غلام رهينة بعقيقتة))، ((تذبح عنه يوم سابعه، ويُسَمَّى فيه، ويحلق رأسه)) (¬1). وحديث سلمان العنسي - رضي الله عنه -: ((مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى)) (¬2)، ثم قال: (( ... وهما حديثان ثابتان، إسناد كل واحد منهما خير من إسناد حديث زيد بن أسلم هذا)) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول في العقيقة: ((لا حرج في تسميتها بالعقيقة؛ لتسمية النبي - صلى الله عليه وسلم -[لها بذلك] (¬4) في الأحاديث الصحيحة)) (¬5). ¬

(¬1) أحمد، 33/ 271، برقم 20083، 2193، 2194، وأبو داود، برقم 2838، وبقية أصحاب السنن وتقدم تخريجه. (¬2) البخاري، برقم 5471، 5472، بنحوه، وأحمد في المسند، 26/ 170، برقم 6231، وتقدم تخريجه. (¬3) التمهيد لابن عبد البر، 4/ 305 - 306. (¬4) سمعته من شيخنا رحمه اللَّه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5472. وسمعته أيضاً يقول أثناء تقريره على زاد المعاد لابن القيم، 2/ 325: (( ... العقيقة سنة مؤكدة، وهي كالأضحية: يأكل، ويهدي، ويتصدق، وفي الأحاديث الصحيحة سمَّاها [النبي]- صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((كل غلام رهينة بعقيقته)) فلا بأس بتسميتها عقيقة))، وسمعته يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 332، عن خبر جعفر بن محمد عن أبيه: يرفعه مرسلاً: ((ابعثوا إلى بيت القابلة برجل، وكلوا، وأطعموا، ولا تكسروا منها عظماً)) [أخرجه البيهقي، 9/ 302، وأبو داود في المراسيل]، قال شيخنا: وهذا مرسل، والمرسل لا حجة فيه، فيأكل، أو يهدي، أو يتصدق ما تيسَّر، وكسر العظم لا بأس به، وذكر بعضهم أن هذا يترك تفاؤلاً)). (¬5) وقال العلامة ابن القيم رحمه اللَّه في كتاب تحفة المودود بأحكام المولود، ص 37: ((الفصل السادس: هل تكره تسميتها عقيقة: اختلف فيه فكرهت ذلك طائفة، واحتجوا بأن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كره الاسم، فلا ينبغي أن يطلق على هذه الذبيحة الاسم الذي كرهه، قالوا: فالواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال لها: نسيكة، ولا يقال لها عقيقة. وقالت طائفة أخرى: لا يكره ذلك، ورأوا إباحته، واحتجوا بحديث سمرة: ((الغلام مرتهن بعقيقته))، وبحديث سلمان بن عامر: ((مع الغلام عقيقة))، ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة، فدل على الإباحة، لا على الكراهة، قال أبو عمر: .. وعلى هذا كتب الفقهاء في كل الأمصار ليس فيها إلا العقيقية لا النسيكة، قال: على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة، وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، إنما فيهما: كأنه كره الاسم، وقال: ((من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل)). ثم قال ابن القيم رحمه اللَّه: ((قلت: ونظير هذا اختلافهم في تسمية العشاء بالعتمة، وفيه روايتان عن أحمد، والتحقيق في الموضعين كراهة هجر الاسم المشروع: من العشاء والنسيكة، والاستبدال به اسم العقيقة والعتمة، فأما إذا كان المستعمل هو الاسم الشرعي، ولم يهجر، وأطلق الاسم الآخر أحياناً فلا بأس بذلك، وعلى هذا تتفق الأحاديث وباللَّه التوفيق)) انتهى كلام ابن القيم رحمه اللَّه، ص 37. وقال العلامة السندي رحمه اللَّه في حاشيته على سنن النسائي، 7/ 162 - 163: ((وكأنه كره الاسم)) يريد أنه ليس فيه توهين لأمر العقيقة، ولا اسقاط لوجوبها، وإنما استبشع الاسم وأحب أن يسميه بأحسن منه، كالنسيكة، والذبيحة، ولذلك قال: ((من أحب أن ينسُك عن ولده)) بضم السين: أي يذبح، قال: التوربشتي: هذا الكلام هو كأنه كره الاسم غير سديد، أُدرج في الحديث من قول بعض الرواة، ولا يُدرى من هو، وبالجملة فقد صدر عن ظن يحتمل الخطأ، والظاهر أنه ها هنا خطأ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر العقيقة في عدة أحاديث، ولو كان يكره لعدل عنه إلى غيره، ومن سنته تغيير الاسم إذا كرهه، والأوجه أن يقال: يحتمل أن السائل ظن أن اشتراك العقيقة مع العقوق في الاشتقاق مما يوهن أمرها، فأعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الذي كرهه اللَّه تعالى من هذا الباب هو العقوق لا العقيقة، ويحتمل أن العقوق هنا مستعار للولد بترك العقيقة: أي لا يحب أن يترك الوالد حق الولد الذي هو العقيقة، كما لا يحب أن يترك الولد حق الوالد الذي هو حقيقة العقوق ... واللَّه تعالى أعلم)). انتهى كلام الإمام السندي.

ثالثا: وقت العقيقة

ثالثاً: وقت العقيقة: الأفضل أن تذبح عن المولود اليوم السابع، وإن ذُبحت قبل ذلك بعد الولادة فلا بأس، قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: ((فإن ذبحها قبل السابع جاز؛ لأنه فعلها بعد سببها، فجاز كتقديم الكفارة على الحنث ... )) (¬1)، ولكن السنة أن تذبح في اليوم السابع، قال الإمام ابن قدامة: ((وإن ذبح قبل ذلك أو بعده أجزأه)) (¬2)، وقد دلَّت السنة الثابتة على مشروعية الالتزام بالسنة في اليوم السابع (¬3)؛ ¬

(¬1) الكافي لابن قدامة، 2/ 498. (¬2) المغني لابن قدامة، 13/ 397. (¬3) قال ابن القيم في تحفة المودود بأحكام المولود، ص43: ((قال مالك: ولا يعد اليوم الذي ولد فيه، إلا أن يولد قبل الفجر من ليلة ذلك اليوم)) وانظر: فتح الباري لابن حجر، 9/ 595. وقال أصحاب الموسوعة الفقهية، 30/ 278: ((ذهب الشافعية، والحنابلة إلى أن وقت ذبح العقيقة يبدأ من تمام انفصال المولود، فلا تصح قبله، بل تكون ذبيحة عادية، وذهب الحنفية والمالكية إلى أن وقت العقيقة يكون في سابع الولادة، ولا يكون قبله، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن يوم الولادة يحسب من السبعة، ولا تحسب الليلة إن ولد ليلاً، بل يحسب اليوم الذي يليها، وقال المالكية: لا يحسب يوم الولادة في حق من ولد بعد الفجر، وأما من ولد مع الفجر أو قبله، فإن اليوم يحسب في حقه، وقالت المالكية: إن وقت العقيقة يفوت بفوات اليوم السابع، وقالت الشافعية: إن وقت الإجزاء في حق الأب ونحوه ينتهي ببلوغ المولود، وقال الحنابلة وهو قول ضعيف عند المالكية: إن فات ذبح العقيقة في اليوم السابع يسن ذبحها في الرابع عشر، فإن فات ذبحها فيه انتقلت إلى اليوم الحادي والعشرين من ولادة المولود، فيسن ذبحها فيه، وهو قول عند المالكية، وهذا مروي عن عائشة رضي اللَّه عنها .... ))، قال ابن القيم في تحفة المودود بأحكام المولود، ص 43: ((والظاهر أن التقييد بذلك استحباباً، وإلا فلو ذبح عنه في الرابع، أو الثامن، أو العاشر، أو ما بعده أجزأت، والاعتبار بالذبح لا بالطبخ والأكل)). وقال سماحة شيخنا ابن باز في مجموع فتاويه، 26/ 266 في شأن من لم يُعقَّ عنه: (( ... يستحب أن يعق عن نفسه؛ لأن العقيقة سنة مؤكدة، وقد تركها والده، فشرع له أن يقوم بها إذا استطاع لعموم الأحاديث)). وسمعته أيضاً يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، لابن القيم، 2/ 332: ((والمقصود أن الإنسان إذا لم يعق عنه والده استحب له أن يعق عن نفسه؛ لأنها سنة، وكونها تجاوزت اليوم السابع لا يؤثر؛ لأنه من باب الأفضلية)). وسمعت شيخنا ابن باز يذكر: أن من فاته اليوم السابع، فإنه لا يُحدِّد ذبح العقيقة بيومٍ معيَّن، فيذبح في أي وقت تيسر له.

رابعا: مقدار ما يذبح في العقيقة

لحديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويُسمَّى فيه، ويُحلق رأسُه)) (¬1). رابعاً: مقدار ما يذبح في العقيقة: السنة أن يذبح عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاةٌ؛ للأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث أم كرز الكعبية رضي اللَّه عنها، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ))، هذا لفظ النسائي، وفي لفظٍ له أيضاً: قالت رضي اللَّه عنها: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحُدَيْبِيَةِ أَسْأَلُهُ عَنْ لُحومِ الْهَدْيِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((عَلَى الْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَلَى الْجَارِيَةِ شَاةٌ، لَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إِنَاثًا))، ولفظ أبي داود: ((عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ))، قال أبو داود: سمعت أحمد قال: مكافِئتان، أي مستويتان، أو متقاربتان))، وفي لفظ لأبي داود: قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مِثْلاَنِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ)) (¬2). ¬

(¬1) أحمد، برقم 20083، ورقم 20193، وأبو داود، برقم 2838، والترمذي، برقم 1522، والنسائي، برقم 4220، وابن ماجه، برقم 3165، وصححه الألباني وتقدم تخريجه. (¬2) النسائي، كتاب العقيقة، باب العقيقة عن الغلام، برقم 4215، 4216، 4217، 4218، وأبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة، برقم 2734، ورقم 2836، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب الأذان في أذن المولود، برقم 1516، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، برقم 3162، وأحمد، 45/ 113، برقم 27139، ورقم 27142، 27143، 27371، 27372، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن النسائي، وفي سائر صحيح السنن الأربع.

الحديث الثاني: حديث ابن عمر رضي الله عنهما

الحديث الثاني: حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما وفيه: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَنْسُكْ عَنْهُ: عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ))، هذا لفظ النسائي، ولفظ أبي داود: ((مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ: عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ)) (¬1). الحديث الثالث: حديث عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: ((أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: أن نعقَّ عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة)) (¬2). الحديث الرابع: حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: ((عقَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن والحسين - رضي الله عنهم -: بكبشين كبشين)) (¬3). الحديث الخامس: حديث أسماء بنت يزيد رضي اللَّه عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ)) (¬4). ¬

(¬1) النسائي، برقم 4212، وأبو داود، برقم 2842، وأحمد، برقم 6713، 6822، وتقدم تخريجه في حكم العقيقة عن المولود، الحديث الثالث. (¬2) الترمذي، برقم 1513، وابن ماجه، واللفظ له، برقم 3136، وأحمد، 40/ 30، برقم 24028، ورقم 25250، ورقم 26134، وتقدم تخريجه في حكم العقيقة، الحديث الرابع. (¬3) النسائي بلفظه، كتاب العقيقة، باب لم يعق عن الجارية، برقم 4219، وأبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة، برقم 2841، بلفظ: كبشا كبشاً، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 139، وفي صحيح أبي داود، 2/ 197، وقال عن رواية النسائي: ((بكبشين كبشين))، وهو الأصح. (¬4) أحمد في المسند، 6/ 456، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم 4105. وقد عزاه ابن حجر في فتح الباري، 9/ 592 بلفظ آخر إلى أحمد فقال: ((وعند أحمد من حديث أسماء بنت يزيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العقيقة حق عن الغلام شاتان، مكافئتان، وعن الجارية شاة))، وبحثت له بهذا اللفظ في أحمد، فلم أجد إلا اللفظ الذي قبل هذا.

وسمعت شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((السنة في العقيقة: شاتان عن الغلام، وشاة عن الجارية، ولا حرج أن يزيد إذا كان عنده ضيوف كثير ولا يكفيهم، والعقيقة أمرها واسع، سواء وزَّعها على إخوانه، أو أكل بعضاً وأهدى بعضاً، أو دعا عليها إخوانه، والسنة مثل الضحية، وإزالة شعر الرأس بالحلق خاص بالغلام)) (¬1). وهذه الأحاديث الصحيحة تدل على أن السنة أن يُذبح عن الغلام شاتان متماثلتان متقاربتان، وعن الجارية شاة، يتقرب بها العبد إلى اللَّه تعالى شكراً على نعمته بهذا المولود (¬2). ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5472. (¬2) قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى: ((وهذه الأحاديث حجة الجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية، وعن مالك: هما سواء، فيعق عن كل واحد منهما شاة، واحتج بما جاء: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً))، [أخرجه أبو داود، برقم 2841]، فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: ((كبشين كبشين))، وأخرج أيضاً من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مثله، وعلى تقدير ثبوت رواية أبي داود فليس في الحديث ما يرد به الأحاديث المتواردة في التنصيص على التثنية للغلام، بل غايته أن يدل على جواز الاقتصار، وهو كذلك، فإن العدد ليس شرطاً بل مستحب، وذكر الحليمي: أن الحكمة في كون الأنثى على النصف من الذكر أن المقصود استيفاء النفس، فأشبهت الدية، قوَّاه ابن القيم بالحديث الوارد: أن من أعتق ذكراً عتق كل عضو منه، ومن أعتق جاريتين كذلك، إلى غير ذلك مما ورد، ويحتمل أن يكون في ذلك الوقت ما تيسر العدد. واستدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية، وفيه وجهان للشافعية، وأصحهما يشترط، وهو بالقياس لا بالخبر، ويذكر الشاة والكبش على أنه يتعين الغنم للعقيقة، وبه ترجم أبو الشيخ الأصبهاني، ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وقال البندنيجي من الشافعية: لا نص للشافعي في ذلك، وعندي أنه لا يجزئ غيرها، والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضاً، وفيه حديث عند الطبراني، وأبي الشيخ عن أنس رفعه: ((يعق عنه: من الإبل، والبقر، والغنم، ونص أحمد على اشتراطه كامله، وذكر الرافعي بحثاً أنها تتأدى بالسبع كما في الأضحية، واللَّه أعلم)) [فتح الباري، 9/ 592 - 593]. قال ابن القيم رحمه اللَّه: ((الفصل السادس: هل تشرع العقيقة بغير الغنم، كالإبل والبقر أم لا؟ وقد اختلف الفقهاء هل يقوم غير الغنم مقامها في العقيقة، ثم ذكر: عن أنس، وأبي بكرة، أنهما كانا يعقان عن أولادهما بالجزور. ثم قال: ((وأنكر بعضهم ذلك، وقال: أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بشاتين عن الغلام، وعن الجارية بشاة، ولا يجوز أن يعق بغير ذلك، وثبت أن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ولدت غلاماً للمنذر بن الزبير، فقيل لها: هلا عقيت جزوراً؟ فقالت: معاذ اللَّه، كانت عمتي تقول: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة)). [البيهقي، 9/ 301، وهو حديث صحيح]. ثم قال ابن القيم: ((قال ابن المنذر: ولعل حجة من رأى العقيقة تجزئ بالإبل، والغنم والبقر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عنه دماً))، ولم يذكر دماً دون دم، فما ذبح للمولود على ظاهر هذا الخبر يجزئ، قال: ويجوز أن يقول قائل: إن هذا مجمل وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة)) مفسَّر، والمفسَّر أولى من المجمل)). [انظر: تحفة المودود بأحكام المولود، ص54 - 55]. قلت: والذي يظهر لي: أنه لا يُعدل عن أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أقوال الرجال، فقول: من قال: إنه لا يجزئ إلا الغنم قول قوي، وهو الصواب والعلم عند اللَّه تعالى.

خامسا: السن المجزئ في العقيقة سن الضحايا والهدايا

خامساً: السنُّ المجزئ في العقيقة سنّ الضحايا والهدايا: قال العلامة ابن القيم رحمه اللَّه: ((وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ ... )) (¬1) (¬2). فاستنبط رحمه اللَّه، أن هذا الحديث دليل على أنه إنما يجزئ في العقيقة ما يجزئ في النسك: من الضحايا، والهدايا؛ ولأنه ذبح مسنون إما ¬

(¬1) النسائي، برقم 4212،وأبو داود، برقم 2842،وأحمد، برقم 6713،وتقدم تخريجه في حكم العقيقة. (¬2) تحفة المودود، بأحكام المولود، ص52.

وجوباً، وإما استحباباً: يجري مجرى الهدي والأضحية: في الصدقة، والهدية، والأكل، والتقرب إلى اللَّه، فاعتبر فيها السنّ الذي يجزئ في الهدي والأضحية؛ ولهذا شُرِعَ في حق الغلام شاتان، وشرع أن تكونا مكافِئتين، لا تنقص إحداهما عن الأخرى، فاعتبر أن يكون سنّهما سنّ الذبائح المأمور بها؛ ولهذا جرت مجراها في عامة أحكامها (¬1)، ثم قال ابن القيم رحمه اللَّه: ((قال أبو عمر بن عبد البر: وقد أجمع العلماء: أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية، إلا من شذّ ممن لا يُعدُّ قوله خلافاً ... وقال مالك: العقيقة، بمنزله النسك، والضحايا، ولا يجوز عوراء، ولا عجفاء، ولا مكسورة، ولا مريضة، ولا يباع من لحمها شيء، ولا جلدها ... ويأكل أهلها منها ويتصدقون)) (¬2). وقال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: (( ... حكم العقيقة حكم الأضحية: في سنِّها، وأنه يمنع فيها من العيوب ما يمنع فيها، ويستحب فيها من الصفة ما يستحبُّ فيها)) (¬3). وقال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: ((وقد عقَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن والحسين رضي اللَّه عنهما، وصاحبها مخير: إن شاء وزَّعها لحماً بين الأقارب والأصحاب، والفقراء، وإن شاء طبخها ودعا إليها من شاء من الأقارب، والجيران، والفقراء، ... )) (¬4). ¬

(¬1) انظر: تحفة المودود، بأحكام المولود، ص 52 - 53. (¬2) المرجع السابق، ص 53. (¬3) المغني لابن قدامه، 13/ 399، وانظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، 30/ 279. (¬4) مجموع فتاوى ابن باز، 18/ 51، وسمعت شيخنا ابن باز أثناء تقريره على منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية، على أحاديث رقم 2756 - 2768، وعلى زاد المعاد لابن القيم، 2/ 327. يقول: ((العقيقة لم يحدد النبي - صلى الله عليه وسلم - في توزيع لحمها بشيء، فإذا أكل وتصدق، وأهدى فلا حرج، وإن جمع الناس عليها فلا حرج؛ لأنها من باب الشكر لله تعالى على هذه النعمة، وقال بعض أهل العلم: إنها مثل الضحية: ثلاثة أثلاث، والصواب أن الأمر مطلق، فما أطلقه اللَّه ورسوله نطلقه ... ))، ثم قال: (( ... فللذي يذبح أن يفعل ما شاء باللحم))، وانظر: المغني لابن قدامه، 13/ 400.

سادسا: تسمية المولود في اليوم السابع من ولادته

سادساً: تسمية المولود في اليوم السابع من ولادته: الأفضل والسنة أن يُسمَّى المولود في اليوم السابع من ولادته؛ لحديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كلُّ غلامٍ رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويُسمَّى فيه، ويُحلق رأسه)) (¬1). وإن سمَّاه قبل السابع فلا بأس؛ لحديث أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((وُلِدَ لي الليلةَ غلامٌ فسميته باسم أبي إبراهيم - عليه السلام - .. )) (¬2)؛ ولحديث أبي موسى - رضي الله عنه -، قال: ((وُلد لي غلامٌ فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسماه إبراهيم، فحنَّكه بتمرةٍ، ودعا له بالبركة، ودفعه إليَّ ... )) (¬3)؛ ولحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: ذهبت بعبد اللَّه بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حين وُلِدَ ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في عباءةٍ يهنأ (¬4) بعيراً له، فقال: ((هل معك تمر؟)) فقلت: نعم، فناولته تمراتٍ فألقاهن في فيه فلاكهن، ثم فغر فا الصبي (¬5) فمجَّه في فيه، فجعل الصبي يتلمَّظه، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((حبُّ ¬

(¬1) أحمد، برقم 20083، ورقم 20193، وأبو داود، برقم 2838، والترمذي برقم 1522، والنسائي برقم 4220، وابن ماجه، برقم 3165، وتقدم تخريجه في حكم العقيقة. (¬2) مسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، برقم 2315. (¬3) البخاري، كتاب العقيقة، باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه وتحنيكه، برقم 5467. (¬4) يهنأ بعيراً له: أي يطليه بالقطران. (¬5) فغر فاه: فتح فمه.

سابعا: تحسين اسم المولود، واختيار الاسم الذي لا محذور فيه شرعا، ورد على أنواع:

الأنصار التمر))، وسماه عبد اللَّه (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((وهذا يدلّ على شرعيه تسمية المولود أول ما يولد، وهذا سنة، ويدل على شرعية التحنيك في أول يوم)) (¬2). سابعاً: تحسين اسم المولود، واختيار الاسم الذي لا محذور فيه شرعاً، ورد على أنواع: النوع الأول: أحبُّ الأسماء إلى اللَّه تعالى عبد اللَّه وعبد الرحمن؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ أحبَّ أسمائكم إلى اللَّه: عبد اللَّه، وعبد الرحمن))، هذا لفظ مسلم، ولفظ أبي داود والترمذي: ((أحبُّ الأسماء إلى اللَّه تعالى: عبد اللَّه وعبد الرحمن)) (¬3). النوع الثاني: أسماء سمَّاها النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتداءً، ومنها ما يأتي: 1 - إبراهيم؛ لحديث أبي موسى - رضي الله عنه -، وفيه: ((ولد لي غلامٌ، فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسمّاه إبراهيم، فحنَّكه بتمرٍ ودعا له بالبركة)) (¬4)؛ ولحديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((وُلد لي الليلة غلامٌ، فسمّيته باسم أبي إبراهيم - عليه السلام -)) (¬5). 2 - عبد اللَّه؛ لحديث أنس - رضي الله عنه -، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حنَّك ابن أبي طلحة، ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب العقيقة، باب تسمية المولود، برقم 5470، ومسلم، واللفظ له، كتاب الآداب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، برقم 2144. (¬2) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5467. (¬3) مسلم، كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء، برقم 2132، وأبو داود، برقم 4929، والترمذي، برقم 2833 .. (¬4) البخاري، برقم 5467، وتقدم تخريجه في تسمية المولود. (¬5) مسلم، برقم 2315، وتقدم تخريجه في تسمية المولود.

كنى بأم عبد الله

وسماه: ((عبد اللَّه)) (¬1). 3 - كنَّى بأمِّ عبد اللَّه، فعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قلت يا رسول اللَّه كلُّ صواحبي لهنَّ كُنى، قال: ((فاكتني بابنك عبد اللَّه بن الزبير)) [يعني ابن اختها]، فكانت تُكنَّى: أمُّ عبد اللَّه (¬2). وَيُؤَيِّده حديث البراء بن عازب - رضي الله عنهم -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الخالة بمنزلة الأم)) (¬3). 4 - يوسف، عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام، قال: ((سمّاني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوسف وأقعدني على حجره ومسح على رأسي)) (¬4). النوع الثالث: أسماء غيَّرها النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - ((برَّة)) سمّاها زينب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن زينب بنت أبي سلمة، كان اسمها برة (¬5)،فقيل: تُزكِّي نفسها، فسماها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ((زينب)) (¬6). ¬

(¬1) البخاري، برقم 5470، ومسلم، برقم 2144، وتقدم تخريجه في تسمية المولود، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سمى أكثر من واحد باسم (عبد اللَّه). (¬2) أبو داود، كتاب الأدب، باب في المرأة تكنى، برقم 4970، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود، 3/ 221. (¬3) الترمذي، كتاب البر، باب ما جاء في بر الخالة، برقم 1904، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم 2190، وفي صحيح الترمذي، 2/ 343. (¬4) البخاري، في الأدب المفرد، برقم 367، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 147، وصحح الحافظ ابن حجر إسناده في فتح الباري، 10/ 486. (¬5) برة، اسم امرأة، وهو تأنيث بَرّ، والبَرُّ: ضد الفاجر. [جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 372]. (¬6) البخاري، كتاب الآداب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه، برقم 6172، ومسلم، كتاب الآداب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن، برقم 2141.

2 - برة

2 - ((برة)) أسماها جويرية؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: كانت جويرية اسمها برة، فحوّل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - اسمها جويرية، وكان يكره أن يقال خرج من عند برّة (¬1). 3 - ((عاصية))، سمّاها جميلة؛ لحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - غيّر اسم عاصية، وقال: ((أنت جميلة))، وفي رواية: أن ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية، فسمّاها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ((جميلة)) (¬2). 4 - ((أبو الحكم)) كَنَّاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بأبي شريح أكبر أولاده، فقد كان يكنى بأبي الحكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن اللَّه هو الحكم وإليه الحكم))، ثم سأل الرجل عن أكبر أولاده؟ فقال: شريح، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فأنت أبو شريح)) (¬3). 5 - ((أصرم)) إلى زُرْعة؛ لحديث أسامة - رضي الله عنه -، وفيه: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: ((ما اسمك؟)) قال: أنا أصرم، قال: ((بل أنت زُرْعة)) (¬4). 6 - ((حزْن)) إلى سهل، سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - جدَّ سعيد بن المسيب، فَقَالَ: ((مَا اسْمُكَ؟))، قَالَ: اسْمِي حَزْنٌ، قَالَ: ((بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ))، قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا الْحُزُونَةُ بَعْدُ))، ¬

(¬1) مسلم، كتاب الآداب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن، وتغيير اسم برة إلى زينب وجويرية، ونحوهما، برقم 2139. (¬2) مسلم، كتاب الآداب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن، برقم 2140. (¬3) أبو داود، كتاب الأدب، باب تغيير الاسم القبيح، برقم 4955، والنسائي كتاب آداب القضاة، برقم 5402، 8/ 226، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 216. (¬4) أبو داود، كتاب الأدب، باب تغيير الاسم القبيح، برقم 4954، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 216.

7 - فلان

هذا لفظ البخاري، ولفظ أبي داود، قال: ((أنت سهل))، قال: لا، السَّهْلُ يُوطأ ويُمتهن)) (¬1). 7 - ((فلان)) إلى المنذر؛ لحديث سهل، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أبا أُسَيد عن اسم ولده فقَالَ: ((مَا اسْمُهُ؟))، قَالَ: فُلَانٌ، فقَال النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((وَلَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ)) فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ (¬2). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ((وَغَيَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - اسْمَ: الْعَاصِ، وَعَزِيزٍ، وَعَتَلَةَ، وَشَيْطَانٍ، وَالْحَكَمِ، وَغُرَابٍ، وَحُبَابٍ، وَشِهَابٍ، فَسَمَّاهُ هِشَامًا، وَسَمَّى حَرْبًا سَلْمًا، وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ، وَأَرْضًا تُسَمَّى عَفِرَةَ سَمَّاهَا خَضِرَةَ، وَشِعْبَ الضَّلاَلَةِ سَمَّاهُ شِعْبَ الْهُدَى، وَبَنُو الزِّنْيَةِ سَمَّاهُمْ بَنِي الرِّشْدَةِ، وَسَمَّى بَنِي مُغْوِيَةَ بَنِي رِشْدَةَ)) (¬3). وعن أبي وهب الجشمي - رضي الله عنه -،وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ... وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّه: عَبْدُ اللَّه وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ)) (¬4). ومعاني الأسماء المذكورة آنفاً: 1 - أصرم: إنما كره أصرم لما فيه من معنى الصرم: وهو القطع. ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأدب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه، برقم 6193، وأبو داود، كتاب الآداب، باب في تغيير الاسم القبيح، برقم 4956. (¬2) البخاري، كتاب الأدب، باب تحويل الاسم أحسن منه، برقم 6191. (¬3) أبو داود، كتاب الأدب، باب تغيير الاسم القبيح، على إثر حديث رقم 4956، قال أبو داود: ((تركت إسنادها للاختصار))، وصححها الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 217. (¬4) أبو داود، كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء، برقم 4950، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 214، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 904، و1040.

2 - زرعة

2 - زرعة: جعله زرعة؛ لأنه من الزرع والزرع النبات، وهو ضد القطع (¬1). 3 - حزن: الحزونة: ضد السهولة، وهو ما خشن وغلظ من الأرض، ومعنى: ((يمتهن)): يداس (¬2). 4 - عتلة: العتلة: الشدة والغلظة، يقال: عتلت الرجل إذا جذبته جذباً عنيفاً، ومنه قيل: رجل عُتلٌّ، وهو الجافي الغليظ. 5 - عزيز: إنما كره العزيز؛ لأن العبد موصوف بالذل والخضوع لله تعالى. 6 - شهاب: وكره شهاباً؛ لأن الشهاب الشعلة؛ ولأنه يرجم به الشيطان. 7 - غراب: وكره غراباً؛ لأن معناه البعد، والغراب من أخبث الطيور، وقد أُبيح قتله في الحلِّ والحرم. 8 - عفرة: العفرة من عفر الأرض، وهو لونها، ورويت عثرة بالثاء، وهي التي لا نبات فيها، إنما هي صعيد، علاها العثير: وهو الغبار. 9 - بني الزنيّة: يقال فلان لزنية، إذا كان ولد زنا، وفلان لرشدة إذا كان النكاح صحيحاً. 10 - الحُبَاب: الحيَّة، وبه يسمَّى الشيطان حُباباً (¬3). ¬

(¬1) جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 374. (¬2) المرجع السابق، 1/ 376. (¬3) انظر هذه المعاني: جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 376.

11 - حرب

11 - حرب: تركه لما فيها من القتل والأذى. 12 - مُرّة: معناها المُرّ، والمُرُّ: كريه بغيض إلى الطباع (¬1). النوع الرابع: أسماء نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -: عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه -، قال: ((نهانا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: أن نسمِّيَ رقيقنا، بأربعة أسماء: أفلح، ورباح، ويسار، ونافع)) (¬2). وفي رواية عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: ((وَلاَ تُسَمِّيَنَّ غُلاَمَكَ يَسَارًا، وَلاَ رَبَاحًا، وَلاَ نَجِيحًا، وَلاَ أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ فَلاَ يَكُونُ فَيَقُولُ: لاَ)) (¬3) (¬4). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: ((أَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى، وَبِبَرَكَةَ، وَبِأَفْلَحَ، وَبِيَسَارٍ، وَبِنَافِعٍ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَهُ)) (¬5). ¬

(¬1) جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 359. (¬2) مسلم، كتاب الآداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة، برقم 2136. (¬3) مسلم، في الكتاب والباب السابقين، برقم 2137. (¬4) وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 334 - 336: ((كان هذا النهي أولاً، ثم سمَّى الصحابة ببعض هذه الأسماء، فدلّ ذلك على أنه منسوخ، أو أقرّه بعد ذلك، أو أنه يكون للكراهة ... وقد أقرّ عليه الصلاة والسلام اسم حكيم بن حزام، واللَّه - عز وجل - ذكر اسم امرأة العزيز، فللمخلوق ما يليق به، وللخالق ما يليق به، بخلاف الأسماء التي تدلّ على العظمة: كالخالق، والجبار، ورب العالمين، وغير ذلك فهذا لا يطلق إلا على اللَّه)). (¬5) مسلم، في الكتاب والباب السابقين، برقم 2137.

النوع الخامس: أسماء محرمة لا يجوز التسمية بها

ومجموع الأسماء التي جاء النهي عنها في هذه الأحاديث على النحو الآتي: 1 - يسار. 2 - رباح. 3 - نجيح. 4 - أفلح. 5 - يعلى. 6 - بركة. 7 - نافع. قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((يكره التسمية بهذه الأسماء المذكورة في الحديث وما في معناها، ولا تختصّ الكراهة بها وحدها، وهي كراهة تنزيه لا تحريم، والعلّة في الكراهة ما بيّنه - صلى الله عليه وسلم - في قوله: ((فإنك تقول: أثمَّ هو؟ فيقول: لا، فَكُرِه لبشاعة الجواب))، وربما أوقع بعض الناس في شيء من الطيرة، وأما قوله: أراد النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن ينهى عن هذه الأسماء، فمعناه: أراد أن ينهى عنها نهي تحريم، فلم ينه، وأما النهي الذي هو لكراهة التنزيه فقد نهى عنه في الأحاديث الباقية)) (¬1). النوع الخامس: أسماء محرمة لا يجوز التسمية بها: * ملك الأملاك؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّه رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ)) [لا مَالِكَ إِلا اللَّه - عز وجل -]، قَالَ ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 365 - 366.

النوع السادس: الناس يدعون يوم القيامة بأسماء آبائهم.

سُفْيَانُ: مِثْلُ شَاهِانْشَاه))، وفي لفظ: ((أَغْيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَخْبَثُهُ، وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ، لا مَالِكَ إِلا اللَّه)) هذه ألفاظ مسلم، ولفظ البخاري: ((أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوٍْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّه رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ))، وفي لفظ للبخاري: ((أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّه -وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ-: أَخْنَعُ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّه رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ)) (¬1). ومعنى: أخنع: الخانع الذليل، وقال أحمد: أخنع: أوضع (¬2). ومعنى: أخنى: الخنا: الفحش (¬3). قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((واعلم أن التسمي بهذا الاسم حرام، وكذلك التَّسمي بأسماء اللَّه تعالى المختصة به: كالرحمن، والقدوس، والمهيمن، وخالق الخلق، ونحوها ... )) (¬4). النوع السادس: الناس يدعون يوم القيامة بأسماء آبائهم. فينبغي للعبد المسلم أن يختار الأسماء المحبوبة لله تعالى، والتي لا محذور فيها شرعاً، قال البخاري رحمه اللَّه تعالى: ((بَابُ مَا يُدْعَى النَّاسُ بِآبَائِهِمْ))، ثم ذكر حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ الْغَادِرَ ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب أبغض الأسماء إلى اللَّه، برقم 6205، 6206، ومسلم، كتاب الآداب، باب تحريم التسمِّي بملك الأملاك أو بملك الملوك، برقم 2143. (¬2) تفسير أحمد: أوضع، ذكره مسلم، على إثر حديث رقم 2143، والذليل ذكره ابن الأثير في جامع الأصول، 1/ 360. (¬3) جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 360. (¬4) شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 369، وانظر لزيادة البحث: فتح الباري، لابن حجر، 10/ 589 - 590.

ثامنا: حلق رأس المولود الذكر

يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ)) (¬1). قال الإمام ابن حزم رحمه اللَّه: ((اتفقوا على استحسان الأسماء المضافة إلى اللَّه: كعبد اللَّه، وعبد الرحمن، وما أشبه ذلك، واتفقوا على تحريم كل اسم مُعبَّدٍ لغير اللَّه، كعبد العزَّى، وعبد هُبَل، وعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب ... )) (¬2). ثامناً: حلق رأس المولود الذكر: يُسنُّ أن يُحلق رأس المولود يوم سابعه، ويُزال عنه الأذى؛ لحديث سمرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كلُّ غلامٍ رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويسمَّى فيه، ويُحلق رأسه)) (¬3). وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: عقَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن بشاةٍ، وقال: ((يا فاطمة احلقي رأسه، وتصدّقي بزنة شعره فضّة))، قال: فوزنته، فكان وزنه درهماً أو بعض درهم (¬4). وفي حديث سلمان بن عامر الضبي: ((مع الغلام عقيقته، فأهر يقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى)) (¬5) (¬6). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب ما يدعى الناس بآبائهم، برقم 6177، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر، برقم 1736. (¬2) الفروع لابن مفلح، 6/ 107 - 108. (¬3) أحمد، برقم 20083، وأصحاب السنن الأربع، وتقدم تخريجه في حكم العقيقة عن المولود. (¬4) الترمذي، كتاب الأضاحي، باب العقيقة بشاة، برقم 1519، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 166، وفي إرواء الغليل، برقم 1175، وأخرجه أحمد، 6/ 390، 392، والحاكم، 4/ 237، والبيهقي، 9/ 304. (¬5) البخاري، بنحوه، برقم 5472،وأحمد بلفظه، 26/ 170، برقم 6231، وتقدم تخريجه في حكم العقيقة. (¬6) (أميطوا عنه الأذى): ((أي أزيلوا)). فتح، 9/ 493، والأذى حلق الرأس، وأخرجه أبو داود بسند صحيح عن الحسن: ((أنه كان يقول: ((إماطة الأذى حلق الرأس))، [قال الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 2840: ((صحيح مقطوع))]، ولكن لا يتعيَّن ذلك في حلق الرأس، فقد وقع في حديث ابن عباس عند الحاكم: ((ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه)) فعطفه عليه، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس)). [فتح الباري، 9/ 293].

تاسعا: الصدقة بعد حلاقة رأسه بزنة شعره فضة

قال العلامة المرداوي رحمه اللَّه: ((تنبيه: الظاهر أن مراده بالحلق: الذكر، وهو الصحيح وعليه الأكثر، وقدمه في الفروع ... إذ الإناث يكره في حقهن الحلق)) (¬1). وقال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: ((وحكى الماورديُّ كراهة حلق رأس الجارية)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((ويحلق رأسه [أي الغلام]، ولا يحلق رأس الأنثى ... )) (¬3). وقال سماحة شيخنا ابن باز أيضاً: (( ... السنة حلق رأس الطفل الذكر عند تسميته في اليوم السابع فقط، أما الأنثى فلا يحلق رأسها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل غلام رهينة بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه، ويُسمَّى فيه، ويُحلق رأسه)) (¬4). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه: ((وينبغي في اليوم السابع حلق رأس الغلام الذكر ... )) (¬5). تاسعاً: الصدقة بعد حلاقة رأسه بزنة شعره فضّة: فعن علي - رضي الله عنه - قال: عقّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن بشاة، وقال: ((يا فاطمة ¬

(¬1) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف مع المقنع والشرح الكبير، 9/ 439. (¬2) فتح الباري، 9/ 595، وقال ابن حجر هنا: ((وعن بعض الحنابلة يحلق)). (¬3) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، لعبد السلام بن تيمية، الأحاديث رقم 2756 - 2768. (¬4) مجموع فتاوى ابن باز، 10/ 48، والحديث تقدم تخريجه مرات، وانظر: مجموع فتاوى ابن باز أيضاً، 18/ 28. (¬5) الشرح الممتع، 7/ 540.

عاشرا: يلطخ رأسه بزعفران فيطلى به إن تيسر بعد الحلق

احلقي رأسه، وتصدَّقي بِزِنَةِ شعره فِضَّة))، قال: فوزنته فكان وزنه درهماً أو بعض درهم)) (¬1). فهذا الحديث يدل على مشروعية الصدقة بمثل وزن شعره المحلوق (¬2). قال المرداوي رحمه اللَّه: ((قوله: ويحلق رأسه، ويتصدَّق بوزنه ورِقاً، يعني يوم السابع، وهذا المذهب وعليه الأصحاب ... )) (¬3). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه: ((وينبغي في اليوم السابع حلق رأس الغلام الذكر، ويتصدق بوزنه ورِقاً أي فضةً)) (¬4). وقد ذكر الإمام ابن القيم آثاراً تدل على الصدقة بوزن شعر الغلام عند حلقة في يوم سابعه (¬5). عاشراً: يُلطَّخ رأسه بزعفران فيُطلى به إن تيسر بعد الحلق: فعن بريدة - رضي الله عنه -،قال: كُنَّا في الجاهليَّة إذ وُلِد لأحدنا غلامٌ ذبح شاةً ولطَّخ رأسه ¬

(¬1) الترمذي، برقم 1519، وأحمد، 6/ 390، 392، والحاكم، 4/ 237، والبيهقي، 9/ 304، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 166، وفي إرواء الغليل، برقم 1175، وتقدم تخريجه. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه أثناء تقريره على زاد المعاد، لابن القيم، 2/ 329: يذكر أن التصدّق بوزن شعر الغلام فضة ضعيف لا يحتج به، وإنما يحلق رأسه، ويُسمَّى، ويعق عنه، أما البنت فلا دليل على حلق رأسها، ولا يُسنّ، لكن إذا كان هناك مصلحة في حلق رأسها فلا بأس، وقد حسّن الألباني حديث: ((احلقي رأسه، وتصدَّقي بزنة شعره فضَّة))، وليس بحسن، والحديث ليس بثابت، ومتنه منكر، وإن صح فهو شاذ. (¬2) انظر: المغني لابن قدامة، 13/ 397. (¬3) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف مع المقنع والشرح الكبير، 9/ 438. (¬4) الشرح الممتع، 7/ 540. (¬5) انظر: تحفة المودود بأحكام المولود، ص 62.

الحادي عشر: تحنيك المولود سواء كان ذكرا أو أنثى

بدمها، فلمّا جاء اللَّه بالإسلام، كُنَّا نذبح شاةً، ونحلق رأسه، ونلطِّخه بزعفرانٍ)) (¬1). وعن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: كانوا في الجاهلية إذا عَقُّوا عن الصبي خضبوا قطنة بدم العقيقة، فإذا حلقوا رأس الصبي وضعوها على رأسه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اجعلوا مكان الدَّم خلوقاً)) (¬2). وهذا يدل على نسخ عادة الجاهلية، فعن يزيد بن عبدٍ المزني - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُعَقُّ عن الغلام ولا يمسُّ رأسه بدمٍ)) (¬3) (¬4). الحادي عشر: تحنيك المولود سواء كان ذكراً أو أنثى: الأفضل تحنيك المولود؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث منها ما يأتي: ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة، برقم 2843، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 197: ((حسن صحيح)). (¬2) ابن حبان، كتاب الأطعمة، باب العقيقة، برقم 5308، وأخرجه أبو يعلى، برقم 4521، والبزار، برقم 239، والبيهقي، 9/ 303، وعبد الرزاق، برقم 7963، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان، 12/ 124: ((إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير يوسف بن سعيد، فقد روى له النسائي، وهو ثقة. حجاج: هو ابن محمد الأعور، ويحيى بن سعيد: هو الأنصاري، وقد صرّح ابن جريج بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه)). وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/ 752. (¬3) ابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، برقم 3166، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 93، وفي إرواء الغليل، 4/ 388 - 389، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 2452. (¬4) سمعت شيخنا ابن باز يقول: ((وكانوا في الجاهلية يلطخون رأسه بالدم، فجاء اللَّه بالإسلام، فأمر بالحلق وإزالة الأذى، ويستحب أن يؤذن في اليمنى، ويقيم في اليسرى، وإن كان في سندها بعض الضعف، وكذلك التحنيك، والعقيقة، الأفضل اليوم السابع، فإن تأخَّر فلا حرج، وكذلك التحنيك لو تأخر عن الولادة إلى اليوم السابع أو غيره لا حرج، والتحنيك والأذان ليس من شرط أن يكون بعد الولادة فوراً)). [سمعته رحمه اللَّه أثناء تقريره على المنتقى لابن تيمية، الحديث رقم 2761 - 2768].

الحديث الأول: حديث أبي موسى - رضي الله عنه -

الحديث الأول: حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: وُلد لي غلامٌ، فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمَّاه إبراهيم، فحنَّكه بتمرٍ، ودعا له بالبركة، ودفعه إليَّ ... )) (¬1). الحديث الثاني: حديث أنس - رضي الله عنه -، قال: ذهبت بعبد اللَّه بن طلحة الأنصاري إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حين وُلِدَ، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في عباءةٍ يهنأ بعيراً له (¬2) فقال: ((هل معك تمرة؟))، فقلت: نعم، فناولته تمراتٍ، فألقاهنَّ في فيه، فلاكهنَّ ثم فغر فا الصبي (¬3)، فمجّه في فيه، فجعل الصبي يتلمَّظه، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((حب الأنصار للتمر))، وسماه عبد اللَّه (¬4). الحديث الثالث: حديث عائشة رضي اللَّه عنها: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يُؤتَى بالصبيان فيُبرِّك عليهم ويُحنِّكهم)) (¬5). وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة، التي تدل على سُنِّيَّة التحنيك (¬6). قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمرٍ، فإن تعذَّر فما في معناه، وقريب منه من الحلوى، فيمضغ المُحَنِّكُ التَّمْرَ حتى يصير مائعاً بحيث يُبتلع، ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه؛ ليدخل شيء منها في جوفه)) (¬7) (¬8). ¬

(¬1) البخاري، برقم 5467، وتقدم تخريجه في تسمية المولود. (¬2) يهنأ بعيراً له: أي يطليه بالقطران. (¬3) فغرفا الصبي: فتح فمه. (¬4) البخاري، برقم: 5470، ومسلم، برقم 2144، وتقدم تخريجه في تسمية المولود. (¬5) مسلم، كتاب الآداب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، برقم 2147. (¬6) انظر: صحيح مسلم، من الحديث رقم 2144 - 2147. (¬7) شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 370. (¬8) وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار لعبد السلام بن تيمية، الحديث رقم 2767: (( ... التحنيك والأذان ليس من شرط أن يكون بعد الولادة فوراً)).

الثاني عشر: الأذان في إذن المولود: سواء كان ذكرا أو أنثى:

وذكر العلامة ابن القيم رحمه اللَّه استحباب تحنيك المولود لهذه الأحاديث الصحيحة (¬1). الثاني عشر: الأذان في إذن المولود: سواء كان ذكراً أو أنثى: عن أبي رافع - رضي الله عنه - قال: ((رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أذَّن في أُذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة)) (¬2). وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه اللَّه الآثار في ذلك ثم قال: ((وسِرُّ التأذين -واللَّه أعلم - أن يكون أوَّل ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أوَّل ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتَّلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يُلقَّن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول التأذين إلى قلبه، وتأثره به، وإن لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى، وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصده حتى يُولد فيقارنه للمحنة التي قدَّرها اللَّه، وشاءها، فيسمع ¬

(¬1) تحفة المودود بأحكام المولود، ص 24. (¬2) الترمذي، كتاب الأضاحي، باب الأذان في أذن المولود، برقم 1514، قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح))، وأبو داود، كتاب الأدب، باب في المولود يؤذن في أذنه، برقم 5105، والحاكم، 3/ 179، والبيهقي، 9/ 305، والطبراني في الكبير، برقم 926، 931، و 2578، و2579. وأحمد في المسند، 45/ 166، برقم 27186، وأخرجه برقم 23869، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 400، برقم 1173، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 333: ((والإقامة رويت في حديث في سنده مقال، ولكنَّها وردت عن بعض السلف)).

الثالث عشر: يعق عن السقط لأكثر من أربعة أشهر، ويسمى

شيطانه ما يضعفه، ويغيظه أول أوقات تعلُّقه به .. وغير ذلك من الحكم)) (¬1). الثالث عشر: يُعَقُّ عن السقط لأكثر من أربعة أشهر، ويسمَّى: عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - يرفعه: ((والسقط يُصلَّى عليه، ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة)) (¬2). وقد ذكر الفقهاء رحمهم اللَّه تعالى أن السِّقط الذي تضعه المرأة ميتاً، أو لغير تمام وقد كَمُلَ له أكثر من أربعة أشهر، فإنه يُغسَّل، ويكفَّن، ويُصلّى عليه، ويُسمَّى، ويُدفن في مقابر المسلمين؛ لأنه نسمة نُفِخَ فيها الروح، فيُصلَّى عليه كالمستهلِّ الذي يصرخ عند الولادة، فإن المستهلّ يُصلَّى عليه بغير خلاف (¬3). وكذلك العقيقة؛ لأنه صار بنفخ الروح إنساناً، له حكم الأطفال، قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه: (( ... إذا كان سقوط الجنين في الشهر الخامس وما بعده، فإنه يُغسَّل ويُكَفَّنُ، ويُصلَّى عليه، ويُسمَّى، ويُعقّ عنه؛ لأنه بذلك صار إنساناً له حكم الأطفال؛ لعموم الأحاديث)) (¬4). وقال رحمه اللَّه بعد أن ذكر أحاديث العقيقة: ((وهذه الأحاديث تعمّ السقط وغيره، إذا كانت قد نفخت فيه الروح، وهو الذي ولد في الشهر ¬

(¬1) تحفة المودود بأحكام المولود، ص 22، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 507 - 509. (¬2) أبو داود، كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة، برقم 3180، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الأطفال، برقم 1031، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 293، وفي صحيح سنن الترمذي، 1/ 525. (¬3) انظر: مختصر الخرقي المطبوع مع المغني لابن قدامة، 3/ 458، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 107. (¬4) مجموع فتاوى ابن باز، 10/ 228، 18/ 49،

الرابع عشر: الفرع والعتيرة

الخامس وما بعده ... )) (¬1). فالسقط الذي نفخت فيه الروح له أحكام الأطفال، ويشفع في والديه، وهو فرط، ويبعث يوم القيامة؛ ولهذا يُغسَّل، ويُكفَّنُ، ويُصلَّى عليه، ويُقبر في مقابر المسلمين، ويُسمّى، ويُعقّ عنه: عن الذكر شاتان والأنثى شاة (¬2). الرابع عشر: الفرع والعتيرة: 1 - مفهوم الفرع: الفَرعة - بفتح الراء-: أوَّل ما تلد الناقة، كان المشركون يذبحونه لآلهتهم فنهي المسلمون عنه. وقيل: كان الرجل في الجاهلية إذا تَمَّتْ إبله مائةً قدَّم بكراً فنحره لصنمه، وقد كانوا يفعلونه في صدر الإسلام ثم نُسِخَ (¬3). قال الشنقيطي رحمه اللَّه: ((الفرع: هو أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه، ولا يملكونه رجاء البركة في الأمِّ، وكثرة نسلها، وقيل: هو أول النتاج كانوا يذبحونه لآلهتهم)) (¬4). ... 2 - مفهوم العتيرة: ذبيحة تُذْبَحُ في رجب، وكانت تذبح في الجاهلية، وكانوا يذبحونها في صدر الإسلام، وأوَّله ثم نُسخ، وأما العتيرة التي كانت تعترها الجاهلية، فهي الذبيحة التي كانت تُذبح للأصنام، فيُصبُّ دمها على رأسها (¬5). وقال الشنقيطي رحمه اللَّه: ((ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من ¬

(¬1) المرجع السابق، 18/ 49. (¬2) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 539 - 540. (¬3) النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، مادة ((فرع))، 3/ 435. (¬4) أضواء البيان، 5/ 646 - 647. (¬5) النهاية في غريب الحديث، 3/ 183، مادة: ((عتر)).

رجب، ويُسمُّونها الرَّجبيَّة)) (¬1). عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا فرع ولا عتيرة))، ((والفرع أوَّل النتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب)) (¬2). وقد جاء حديث مخنف بن سليم قال: كُنَّا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفاتٍ فسمعته يقول: ((يا أيها الناس على كل أهلِ بيتٍ في كل عام: أضحية، وعتيرة، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمُّونها الرجبية)) (¬3). وسُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفَرَعِ؟ فقال: ((حقٌّ))، وسُئل عن العتيرة؟ قال: ((والعتيرة حقٌّ)) (¬4). وقد جاء في إباحة الفرع والعتيرة أحاديث صححها النووي وغيره (¬5). ومن أجل هذه الأحاديث اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى: فقال بعضهم: ((لا فرع ولا عتيرة)):أي: لا فرع واجب، ولا عتيرة واجبة (¬6). وقالوا في حديث: ((العتيرة حقٌّ))، وكذلك في الفرع: ((حق)): أي ليس بباطل، وهو كلام خرج على جواب سؤال)) (¬7). ¬

(¬1) أضواء البيان، 5/ 646 - 647. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب العقيقة، باب الفَرَع، برقم 5473، وباب العتيرة، برقم 5474، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب الفرع والعتيرة، برقم 1976. (¬3) الترمذي، كتاب الأضاحي، بابٌ 19، برقم 1518، وابن ماجه، برقم 3125، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 165. (¬4) النسائي، كتاب الفرع والعتيرة، برقم 4225، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 142. (¬5) انظر: سنن أبي داود، برقم 2830 - 2833، ونيل الأوطار، 3/ 511 - 515. (¬6) فتح الباري لابن حجر، 3/ 597. (¬7) المرجع السابق، 3/ 567.

وقال بعضهم بالنسخ، فقد نقل الإمام النووي عن القاضي عياض أن جماهير العلماء على نسخ الأمر بالفرع والعتيرة (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول عن الفرع والعتيرة: ((وهذا كان في الجاهلية وقد أبطله اللَّه بالإسلام)) (¬2). وقال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((أظهر أقوال أهل العلم عندي هو نسخ الأمر بالفرع والعتيرة؛ لحديث مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا فرع ولا عتيرة)) (¬3)، فهذا نفي أريد به النهي)) (¬4). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((هذه الأحاديث تتعلق بالفرع والعتيرة، وكانوا في الجاهلية يذبحون أول النتاج يأتيهم، ويُسمُّونه الفرع، فلمّا جاء اللَّه بالإسلام نسخ ذلك؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا فرع ولا عتيرة))، قال ابن المنذر: ذهب إلى النسخ أكثر أهل العلم، والأحاديث الواردة في الفرع، والعتيرة ضعيفة، أو منسوخة، لكن من أراد أن يتصدق من غير قصد الفرع أو العتيرة على غير طريقة الجاهلية [فلا حرج]، والعتيرة: التي كان أهل الجاهلية يذبحونها في رجب)) (¬5). ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 146. (¬2) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5473، 5474. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 5473، ومسلم، برقم 1976. (¬4) أضواء البيان، 5/ 646 - 647. (¬5) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الأحاديث رقم 2769 - 2779.

المبحث الحادي والأربعون: زيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

المبحث الحادي والأربعون: زيارة مسجد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - 1 - تستحب زيارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي مشروعة في أيِّ وقت، وفي أيِّ زمان، وليس لها وقت محدد، وليست من أعمال الحج، ولا يجوز شَدُّ الرحال والسفر من أجل زيارة القبر، فإن شَدَّ الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور، وإنما يكون للمساجد الثلاثة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)) (¬1)، فالبعيد عن المدينة ليس له شد الرحال بقصد زيارة القبر، ولكن يشرع له شد الرحال بقصد زيارة المسجد النبوي الشريف، فإذا وصله زار قبره - صلى الله عليه وسلم - وقبور أصحابه، فدخلت الزيارة لقبره تبعاً لزيارة مسجده - صلى الله عليه وسلم -؛ لما في زيارة المسجد من الثواب العظيم، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) (¬2)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)) (¬3). 2 - إذا دخل المسجد النبوي الشريف استحب له أن يُقدِّم رجله ¬

(¬1) البخاري، كتاب الحج، باب حج النساء، برقم 1765، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره، برقم 1397. (¬2) البخاري، كتاب الصلاة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم 1133، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، برقم 1395. (¬3) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1404، وأحمد، 3/ 343، 53 وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 236، وإرواء الغليل، 4/ 341.

3 - يصلي ركعتين تحية المسجد، أو يصلي ما شاء

اليمنى عند دخوله ويقول: ((أعوذ باللَّه العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. بسم اللَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه، اللَّهم افتح لي أبواب رحمتك)) (¬1) كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد. 3 - يصلي ركعتين تحية المسجد، أو يصلي ما شاء، ويدعو في صلاته بما شاء والأفضل أن يفعل ذلك في الروضة الشريفة، وهي ما بين منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحجرته؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي)) (¬2). أما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يحافظ عليها في الصف الأول. 4 - ثم بعد الصلاة إن أراد زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف أمام قبره: بأدب، ووقار، وخفض صوت، ثم يسلم عليه - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: ((السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته اللَّهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللَّهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)). أو يقول: ((السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته))؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد اللَّه عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد، برقم 466، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 466. (¬2) البخاري في أبواب التطوع، باب فضل ما بين القبر والمنبر، ومسلم، كتاب الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، برقم 1390. (¬3) رواه أبو داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، برقم 2043، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 383، وابن باز في مجموع الفتاوى للحج، 5/ 288.

5 - ثم يأخذ ذات اليمين قليلا فيسلم على أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -،

وإن قال: أشهد أنك رسول اللَّه حقّاً، وأنك قد بلّغت الرسالة، وأدّيت الأمانة، وجاهدت في اللَّه حق جهاده، ونصحت الأمة، فجزاك اللَّه عن أمتك أفضل ما جزى نبياً عن أمته. فلا بأس؛ لأن هذا كله من أوصافه - صلى الله عليه وسلم -. 5 - ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً فيسلم على أبي بكر الصدِّيق - رضي الله عنه -، ويدعو له بما يناسبه، ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً أيضاً فيسلم على عمر بن الخطاب، ويترضى عنه، ويدعو له، وكان ابن عمر رضي اللَّه عنهما إذا سلَّمَ على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه لا يزيد غالباً على قوله: السلام عليك يا رسول اللَّه، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه ثم ينصرف (¬1). ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى اللَّه بمسح الحجرة، أو الطواف بها، ولا يسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - قضاء حاجته، أو شفاء مريضه، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من اللَّه وحده. والمرأة لا تزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا قبر غيره؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لعن زوَّارات القبور (¬2). لكن تزور المسجد، وتتعبد لله فيه رغبة فيما فيه من مضاعفة الصلاة، وتسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي في مكانها، فيبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي في أي مكان كانت؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)) (¬3)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله ¬

(¬1) انظر مجموع فتاوى ابن باز، 2/ 393، و6/ 321، و16/ 99، و17/ 405 - 424. (¬2) أخرجه الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في كراهية القبور للنساء، برقم 1056، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء للقبور، برقم 1574، وابن حبان، برقم 782، وأحمد، 3/ 442، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز، ص 185، وانظر: الإرواء، 3/ 211، وجامع الأصول، 11/ 150. (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، 2044، والطبراني في الأوسط، 1/ 117، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 383.

6 - يستحب لزائر المدينة أثناء وجوده بها أن يزور مسجد قباء

ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام)) (¬1). 6 - يستحب لزائر المدينة أثناء وجوده بها أن يزور مسجد قباء ويصلِّي فيه؛ ((لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيه راكباً وماشياً ويصلي فيه ركعتين)) (¬2)، وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاةً كان له كأجر عمرة)) (¬3) وقال أسيد بن ظهير الأنصاري - رضي الله عنه - يرفعه: ((صلاة في مسجد قباء كعمرة)) (¬4). 7 - ويسن للرجال زيارة قبور البقيع - وهي مقبرة المدينة - وقبور الشهداء، وقبر حمزة - رضي الله عنه -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يزورهم ويدعو لهم، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزورها فإنها تذكركم الآخرة)) (¬5). ويقول إذا زارهم: ((السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون [ويرحم اللَّه المستقدمين منا والمستأخرين] ¬

(¬1) النسائي، كتاب الصلاة، باب السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1282، والحاكم،2/ 421، وأحمد، 1/ 441، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 274. (¬2) البخاري، أبواب التطوع، باب: إتيان مسجد قباء ما شياً وراكباً، برقم 1136، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته، برقم 1399. (¬3) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، برقم 1412، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 1/ 237، وصحيح النسائي، 1/ 150. (¬4) الترمذي، أبواب الصلاة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، برقم 324، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، برقم 1411، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 237 وصحيح الترمذي، 1/ 104. (¬5) مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه - عز وجل - بزيارة قبر أمه، برقم 977، واللفظ للترمذي، برقم 1054.

نسأل اللَّه لنا ولكم العافية)) (¬1). ولا شك أن المقصود بزيارة القبور هو تذكر الآخرة والإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم، وإتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه هي الزيارة الشرعية. وأما زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم، أو سؤالهم قضاء الحاجات، أو شفاء المرضى، أو سؤال اللَّه بهم، أو بجاههم، ونحو ذلك فهذه زيارة بدعية منكرة لم يشرعها اللَّه ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا فعلها السلف الصالح. وبعض هذه الأمور المذكورة بدعة وليس بشرك: كدعاء اللَّه عند القبور، وسؤال اللَّه بحق الميت، أو جاهه، ونحو ذلك. وبعضها بدعة من الشرك الأكبر: كدعاء الموتى، والاستعانة بهم، وسؤالهم النصر، أو المدد. فتنبه واحذر واسأل ربك التوفيق والهداية للحق فهو سبحانه الموفق والهادي لا إله غيره ولا رب سواه (¬2). والحمد لله رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم وبارك على عبده الأمين، نبينا محمد بن عبد اللَّه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ¬

(¬1) مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم 974، وابن ماجه واللفظ له، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يقال إذا دخل المقابر، برقم 1547، عن بريدة - رضي الله عنه - وما بين المعقوفين من حديث عائشة رضي اللَّه عنها عند مسلم 2/ 671. (¬2) انظر فتاوى ابن باز، 16/ 99، 114، و 17/ 405 - 424.

المبحث الثاني والأربعون: آداب العودة من الحج والعمرة أو السفر

المبحث الثاني والأربعون: آداب العودة من الحج والعمرة أو السفر 1 - يتعجّل في العودة ولا يطيل المكث في السفر لغير حاجة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه، ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجِّل إلى أهله)) (¬1). 2 - يقرأ دعاء السفر أثناء ركوبه على مركوبه، ويزيد عليه (¬2): ((آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ)) (¬3). 3 - يستحبّ له أن يقول أثناء رجوعه من سفره ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قفل من غزوٍ، أو حجٍّ، أو عمرةٍ، يكبِّر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: ((لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون، صدق اللَّه وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)) (¬4). 4 - يلتزم بآداب السفر المذكورة في أول هذا الكتاب، في المبحث التاسع. 5 - يستحبّ له إذا رأى بلدته أن يقول: ((آيبون، تائبون، عابدون، ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب العمرة، باب السفر قطعة من العذاب، برقم 1804، ومسلم في كتاب الإمارة، باب السفر قطعة من العذاب واستحباب تعجيل المسافر إلى أهله بعد قضاء شغله، برقم 1927، والنهمة: هي الحاجة. (¬2) تقدم دعاء السفر في آداب الحج والعمرة والسفر في أول الكتاب، في المبحث التاسع. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا أراد سفراً أو رجع، برقم 2287، ومسلم، كتاب الحج، باب مَا يَقُولُ إِذَا رَكِبَ إِلَى سَفَرٍ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، برقم 1345. (¬4) أخرجه البخاري في كتاب العمرة، باب ما يقول إذا رجع من الحج، برقم 1797، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره، برقم 1344.

6 - لا يقدم على أهله ليلا إذا أطال الغيبة لغير حاجة

لربنا حامدون)). ويردِّد ذلك حتى يدخل بلدته؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 6 - لا يقدم على أهله ليلاً إذا أطال الغَيْبة لغير حاجة إلا إذا بلَّغهم بذلك، وأخبرهم بوقت قدومه ليلاً؛ لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، قال جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما: ((نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يَطْرُقَ (¬2) الرَّجُلُ أهلَه ليلاً)) (¬3). ومن الحكمة في ذلك ما فسَّرته الرواية الأخرى: ((حتى تمتشط الشعثة، وتستحدَّ المغيَّبة))، وفي أخرى: ((نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخوّنهم، أو يلتمس عثراتهم)) (¬4). 7 - يستحبّ للقادم من السفر أن يبتدئ بالمسجد الذي بجواره ويُصلِّي فيه ركعتين؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه ((كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين)) (¬5). 8 - يستحب للمسافر إذا قدم من سفر أن يتلطَّف بالوِلْدَان من أهل بيته وجيرانه ويحسن إليهم إذا استقبلوه، فعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة استقبله أُغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدًا بين ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، برقم 1342. (¬2) لا يطرق أهله: أي لا يدخل عليهم ليلاً إذا قدم من سفر. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب العمرة، باب لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة، برقم 1801، ومسلم في كتاب الإمارة، باب كراهة الطروق وهو الدخول ليلاً لمن ورد من سفر، برقم 1928/ 184. (¬4) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب كراهة الطروق وهو الدخول ليلاً لمن ورد من سفر، برقم 1928/ 184. (¬5) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة إذا قدم من سفر بعد الحديث رقم 443، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه، برقم 716.

9 - تستحب الهدية، لما فيها من تطييب

يديه والآخر خلفه (¬1). وقال عبد اللَّه بن جعفر - رضي الله عنه -: ((كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر تُلُقِّي بنا، فَتُلُقِّيَ بي وبالحسن أو بالحسين فحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه حتى دخلنا المدينة)) (¬2). 9 - تستحبّ الهدية، لما فيها من تطييب القلوب وإزالة الشحناء، ويستحب قبولها، والإثابة عليها، ويكره ردّها لغير مانع شرعي؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تهادوا تحابّوا)) (¬3). والهدية سبب من أسباب المودة بين المسلمين؛ ولهذا قال بعضهم: هدايا النَّاس بعضهم لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا وقد ذُكِرَ أن أحد الحُجَّاج عاد إلى أهله فلم يقدِّم لهم شيئًا فغضب واحد منهم وأنشد شعرًا فقال: كأن الحجيج الآن لم يقربوا منى ... ولم يحملوا منها سواكًا ولا نعلاً أتونا فما جادوا بعود أراكة ... ولا وضعوا في كفِّ طفل لنا نقلا (¬4) ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب العمرة، باب استقبال الحاج القادمين والثلاثة على الدابة، برقم 1798، وفي كتاب اللباس، باب الثلاثة على الدابة، برقم 5965. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عبد اللَّه بن جعفر رضي اللَّه عنهما، برقم 67 - (2428)، وأبو داود في كتاب الجهاد، باب في ركوب ثلاثة على دابة، برقم 2566،وابن ماجه في كتاب الأدب، باب ركوب ثلاثة على دابة، برقم 3773، وانظر فتح الباري، 10/ 396. (¬3) أخرجه أبو يعلى في مسنده، برقم 6148، والبيهقي في سننه الكبرى، 6/ 169، وفي شعب الإيمان، برقم 8976، والبخاري في الأدب المفرد، برقم 594، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير، 3/ 70: ((إسناده حسن)).وكذا حسّنه الألباني في إرواء الغليل، برقم 1601. (¬4) انظر: المنهاج للمعتمر والحاج للشيخ سعود بن إبراهيم الشريم، ص124.

10 - إذا قدم المسافر إلى بلده استحبت المعانقة

ومن أجمل الهدايا ماء زمزم؛ لأنها مباركة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في ماء زمزم: ((إنها مباركة، إنها طعام طعم [وشفاء سقم])) (¬1). وعن جابر - رضي الله عنه - يرفعه: ((ماء زمزم لما شُرِبَ له)) (¬2). ويُذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يحمل ماء زمزم في الأداوي والقرب، فكان يصب على المرضى ويسقيهم)) (¬3). 10 - إذا قدم المسافر إلى بلده استحبت المعانقة؛ لما ثبت عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال أنس - رضي الله عنه -: ((كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا)) (¬4). 11 - يستحب جمع الأصحاب وإطعامهم عند القدوم من السفر؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة نحر جزورًا أو بقرة)). زاد معاذ عن شعبة عن محارب سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: ((اشترى مني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا بأُوقِيَّتين ودرهم أو درهمين، فلما قدم صرارًا (¬5) أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها ... )) ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذر - رضي الله عنه -، برقم 2473، وما بين المعقوفين عند البزار، والبيهقي والطبراني، وإسناده صحيح، انظر: مجمع الزوائد، 3/ 286. (¬2) أخرجه ابن ماجه في كتاب المناسك، باب الشرب من زمزم، برقم 3062، والبيهقي في السنن الكبرى، 5/ 202، وأحمد في المسند، 3/ 372، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 59، وإرواء الغليل، برقم 1123، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 883. (¬3) أخرجه الترمذي في كتاب الحج، باب رقم 115، برقم 963 مختصرًا، والحاكم في المستدرك، 1/ 485، وصححه الألباني في الصحيحة، برقم 883، وصحيح الجامع، برقم 4931. (¬4) الطبراني في الأوسط (مجمع البحرين في زوائد المعجمين)، 5/ 262، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، 8/ 36، وقال: رجاله رجاله الصحيح. (¬5) صرار: موضع بظاهر المدينة على ثلاثة أميال منها من جهة المشرق. فتح الباري، 6/ 194.

الحديث (¬1). وهذا الطعام يقال له: (النَّقيعة)، وهي طعام يتخذه القادم من السفر (¬2). وهذا الحديث وما جاء في معناه يدل على إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر، وهو مستحب عند السلف (¬3). وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين. ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الطعام عند القدوم، برقم 3089، واللفظ له، ومسلم مختصرًا في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه، برقم 715/ 72. (¬2) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، 5/ 109 والقاموس المحيط، ص992، وانظر: المغني لابن قدامة، 1/ 191. (¬3) قاله ابن بطال كما في فتح الباري، 6/ 194.

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع 1 - الإجماع، لمحمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق الدكتور أبي حماد صغير أحمد، الطبعة الثانية، 1420هـ، مكتبة الفرقان، عجمان، ومكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة. 2 - الإجماع، لأبي عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر، جمع وترتيب فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب، وعبد الوهاب بن ظافر الشهري، دار القاسم، الطبعة الأولى، 1418هـ. 3 - إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد، ت 702هـ، تحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى، 1407هـ، عالم الكتب بيروت. 4 - الإحكام شرح أصول الأحكام، لعبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى، 1406هـ، توزيع ونشر ورثة المؤلف. 5 - أحكام الأضحية والذكاة، لمحمد بن صالح العثيمين. 6 - الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، بتصحيح وتعليق الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الطبعة الأولى 1418هـ، دار العاصمة بالرياض المملكة العربية السعودية. 7 - أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، لأبي الوليد محمد بن عبد اللَّه بن أحمد الأزرقي، تحقيق علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية. 8 - الأدب المفرد، للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري تخريج محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الثالثة دار البشائر، بيروت، لبنان. 9 - الأذكار، للإمام أبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، ت 676هـ، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، طبعة 1391هـ، مطبعة الملاح، دمشق، سورية. 10 - إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقة بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ت 1376 هـ، طبعة 1402هـ، مكتبة دار المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية. 11 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 12 - الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية، عبد العزيز بن محمد السلمان، الطبعة العاشرة، 1400هـ، الرئاسة الامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، المملكة العربية السعودية. 13 - الاستذكار، للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر، ت 463 هـ، تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي، الطبعة الأولى، 1401هـ، دار قتيبة للطباعة والنشر، دمشق، بيروت. 14 - الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني دار صادر، بيروت،

لبنان. 15 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي طبع وتوزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، المملكة العربية السعودية. 16 - إعلام الموقعين عن رب العالمين، للإمام شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد المكتبة العصرية، صيدا، بيروت. 17 - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لعمر بن علي بن أحمد المعروف بابن الملقن، تحقيق عبد العزيز بن أحمد المشيقح، الطبعة الأولى، 1412هـ دار العاصمة الرياض، الممكة العربية السعودية. 18 - الإقناع لطالب الانتفاع، لموسى ابن أحمد الحجَّاوي، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1418هـ للطباعة والتوزيع. 19 - إكمال إكمال المعلم، لمحمد بن خليفة الأشناني الأبي ضبطه وصححه محمد سالم هاشم دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 20 - الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف، لعلي بن سليمان المرداوي، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر. 21 - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، تحقيق أبي حماد صغير أحمد حنيف، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1420هـ. 22 - بحوث وفتاوى في المسح على الخفين، لمحمد بن صالح العثيمين. 23 - البداية والنهاية، للحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير، ت: 747هـ، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر. 24 - بلوغ المرام، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني مع حاشية سماحه الشيخ ابن باز رحمه اللَّه، مراجعة عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، الطبعة الثانية، دار الامتياز للنشر. 25 - بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ت 376 1 هـ، تخريج بدر البدر، الطبعة الثالثة، 1408 هـ، مكتبة السندس، الكويت. 26 - تاريخ المدينة المنورة، لابن شبة. 27 - تبصير الناسك بأحكام المناسك، لعبد المحسن بن حمد العباد البدر، الطبعة الأولى، 1428هـ، دار التوحيد، الرياض، المملكة العربية السعودية. 28 - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، لأبي العُلا محمد عبد الرحمن عبد الرحيم المباركفوري، ت 1353 هـ، الطبعة الثانية، 1457 هـ، مكتبة ابن تيمية، القاهرة. 29 - تحفة المحتاج بشرح المنهاج، لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، ت 974 هـ، دراسة وتحقيق عبد اللَّه محمود عمر محمد، دار الكتب العلمية

بيروت، لبنان. 30 - تحفة المودود بأحكام المولود، للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، ت 751هـ، تحقيق بشير محمد عيون، الطبعة الثانية، 1407هـ، مكتبة دار البيان، دمشق، ومكتبة المؤيد، الطائف، المملكة العربية السعودية. 31 - التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة، لعبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز الطبعة الثانية والعشرون، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وكالة المطبوعات والبحث العلمي، 1425هـ. 32 - تخريج رياض الصالحين، لمحمد بن ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت. 33 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك، في معرفة أعلام مذهب مالك، القاضي عياض بن موسى اليحصبي، دار مكتبة الحياة، بيروت. 34 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، للإمام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، ت 656 هـ، تحقيق محيي الدين ديب مستو، سمير أحمد العطار، يوسف على بدوي، الطبعة الثانية، 1417 هـ، دار ابن كثير، دمشق، بيروت. 35 - التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، ت 816 هـ، تحقيق د. عبد الرحمن عميرة، الطبعة الأولى، 1407 هـ، عالم الكتب، بيروت، لبنان. 36 - تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، للإمام أبي الفداء إسماعيل بن الخطيب عمر بن كثير القرشي الدمشقي، ت 774 هـ، طبعة 1407 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان. 37 - تفسير البغوي (معالم التنزيل)، للإمام الحافظ أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي ت 516 هـ، تحقيق خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار، الطبعة الأولى، 1406 هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 38 - تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ت 315 هـ، تحقيق محمود وأحمد محمد شاكر، الطبعة الثانية، بدون تاريخ، دار المعارف بمصر. 39 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، 773هـ، توزيع رياسة إدارات البحوث العلمية. 40 - تمام النصح في أحكام المسح، لمحمد بن ناصر الدين الألباني. 41 - التمهيد، للإمام أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه القرطبي ابن عبد البر، ت 465هـ. 42 - تنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار، الدكتور صالح بن سعد السميحي، الطبعة الأولى، 1410، دار ابن حزم، الرياض، المملكة العربية السعودية. 43 - تنبيهات في الحج على الكتابة المسماة افعل ولا حرج، عبد المحسن بن حمد العباد البدر، الطبعة الأولى، 1428هـ، دار التوحيد، الرياض، المملكة العربية السعودية. 44 - تهذيب الأسماء واللغات، لمحيي الدين النووي، دار الكتب العلمية، بيروت. 45 - تهذيب السنن، لابن القيم المطبوع مع معالم السنن للخطابي، بتحقيق أحمد محمد شاكر،

ومحمد حامد الفقي بدون تاريخ، دار المعرفة، بيروت. 46 - توضيح الأحكام من بلوغ المرام، عبد اللَّه عبد الرحمن البسام، الطبعة الثانية، 1414 هـ، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية. 47 - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام، عبد اللَّه بن الرحمن البسام، الطبعة الأولى، 1414هـ، دار السلام، الرياض، المملكة العربية السعودية. 48 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ت 1376 هـ، تحقيق محمد زهري النجار، طبعة 1404 هـ، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، المملكة العربية السعودية. 49 - جامع الأصول من أحاديث الرسول، لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، ت 656 هـ، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الثانية، 1453 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان. 50 - جامع بيان العلم وفضله، لأبي عمر يوسف بن عبد البر، ت 463 هـ، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، الطبعة الأولى 1414 هـ، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية. 51 - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، للإمام الحافظ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، ت 795 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى، 1411 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 52 - الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد اللَّه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبى، ت 671 هـ، تحقيق محمد إبراهيم الحفناوي، ومحمود حامد عثمان، الطبعة الأولى، 1414 هـ، دار الحديث، القاهرة. 53 - الجرح والتعديل، للامام الحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبى حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي، ت 327 هـ، الطبعة الاولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، سنة 1271 هـ، 1952 م، دار إحياء التراث العربي بيروت. 54 - حاشية ابن باز على بلوغ المرام، مراجعة عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، الطبعة الثانية عام 1425 هـ، دار الامتياز. 55 - حاشية ابن قاسم على الروض المربع، الطبعة الثالثة، نشر ورثة المؤلف. 56 - حاشية الإمام السندي على سنن النسائي، للعلامة عبد الهادي السندي، ت 1138 هـ، المطبوع مع سنن النسائي بعناية عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الثانية، 1406 هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان. 57 - حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الخامسة، 1399 هـ، بيروت، المكتب الإسلامي. 58 - حجة الوداع، لابن حزم. 59 - حصن المسلم، للمؤلف (سعيد بن علي بن وهف القحطاني)، ط 35، الرياض، 1428هـ.

60 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصفهاني، ت 435 هـ، بدون تاريخ، دار الكتب العربية، بيروت، لبنان. 61 - الدعاء، لسليمان بن أحمد الطبراني أبي القاسم، ت 360هـ، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1413هـ. 62 - كتاب الدعوات الكبير، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت 458هـ، تحقيق بدر بن عبد اللَّه البدر، منشورات مركز المخطوطات - الكويت. 63 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، لأحمد بن الحسين البيهقي، دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث، ط1، 1408هـ. 64 - ديوان الإمام الشافعي، لأبى عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعي، ت 254 هـ، جمعه وعلق عليه محمد عفيف الزعبي، الطبعة الثالثة، 1392 هـ، مؤسسة الزعبي، بيروت، لبنان. 65 - رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام، الدكتور شرف بن علي الشريف، رسالة ماجستير، طبع جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، 1410هـ، مكة المكرمة. 66 - الروض المربع شرح زاد المستقنع، تحقيق عبد اللَّه الطيار، الطبعة الثانية، 1422هـ دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية. 67 - زاد المعاد في هدي خير العباد، للإمام شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، ت 751 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الأولى، 1399 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 68 - الزهد والرقائق، للإمام عبد اللَّه بن المبارك المروزي، ت 181 هـ، تحقيق أحمد فريد، الطبعة الأولى، 1415 هـ، دار المعراج الدولية للنشر، الرياض، المملكة العربية السعودية. 69 - الزهد، للإمام أحمد بن حنبل، مطبعة أم القرى بمكة المكرمة، عام 1357هـ. 70 - سبل السلام الموصل إلى بلوغ المرام، للإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق محمد صبحي حسن حلاق، الطبعة الأولى عام 1418هـ، دار ابن الجوزي، الدمام، المملكة العربية السعودية. 71 - السلسبيل في معرفة الدليل، للشيخ صالح البليهي، حاشية على زاد المستنقع، الطبعة الثالثة 1401هـ، الناشر بدون. 72 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة 1498هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 73 - سلسلة الأحاديث الضعيفة، للعلامة ناصر الدين الألباني، الطبعة الثانية، 1399 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 74 - سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة، ت 279 هـ، تحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الثانية، 1398 هـ ة مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، مصر. 75 - سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني، ت 275 هـ، تحقيق محمد محيي الدين

عبد الحميد، بدون تاريخ، دار الفكر، بيروت، لبنان. 76 - سنن الدارقطني، للإمام علي بن عمر الدارقطني، ت 385هـ، دار المحاسن للطباعة، القاهرة. 77 - سنن الدارمي، عبد اللَّه بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255 هـ، طبعة 1404 هـ، تحقيق عبد اللَّه بن هاشم اليماني، توزيع الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، المملكة العربية السعودية. 78 - سنن سعيد بن منصور، ت 227 هـ، الطبعة الأولى، 1414 هـ، تحقيق د سعيد بن عبد اللَّه آل حميد، دار العاصمة، المملكة العربية السعودية. 79 - سنن ابن ماجه، لمحمد بن يزيد القزويني، ت 275 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بدون تاريخ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 80 - السنن الكبرى، لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ. 81 - السنن الكبرى، للإمام الحافظ أبي بكر أحمد لن الحسين بن على البيهقي، ت 458 هـ، بدون تاريخ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 82 - سنن النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب، ت 303 هـ، بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، ت 911 هـ، وحاشية السندي، ت 1138 هـ، الطبعة الأولى، 1406 هـ، اعتنى به ورقمه عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الثانية، 1406 هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان. 83 - سير أعلام النبلاء، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ت 748 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الرابعة، 1406 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 84 - سيرة ابن هشام، لأبي محمد بن عبد الملك بن هشام، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء. 85 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للإمام أبي القاسم هبة اللَّه بن حسن الطبري اللالكائى، ت 418 هـ، تحقيق د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي، الطبعة الرابعة، 1416 هـ، دار طيبة، الرياض، المملكة العربية السعودية. 86 - شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين للإمام النووي، تأليف العلامة محمد بن صالح العثيمين، تحقيق وتجميع الأستاذ عبد اللَّه بن محمد الطيار. 87 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن عبد الرحمن الجبرين. 88 - شرح السنة، للإمام الحافظ أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، ت 519 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى، 1396 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 89 - شرح السيوطي على سنن النسائي، للعلامة عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر محمد بن سابق الدين، ت 911 هـ، بعناية عبد الفتاح أبوغدة، الطبعة الثانية، 1456 هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان. 90 - شرح صحيح مسلم للنووي، لمحيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، ت 676 هـ، تحقيق لجنة من العلماء بإشراف الناشر، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ، دار القلم، بيروت،

لبنان. 91 - شرح العمدة، في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق صالح بن محمد بن حسن، الطبعة الأولى، 1409هـ، مكتبة الحرمين، الرياض، المملكة العربية السعودية. 92 - الشرح الكبير، لأبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي 682هـ، مطبوع معه الإنصاف والمقنع، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر. 93 - الشرح الممتع، لابن عثيمين، الطبعة الثالثة، 1415هـ، مؤسسة آسام للنشر، المملكة العربية السعودية. 94 - شرح معاني الآثار، لأبي جعفر الطحاوي ت 321هـ، تحقيق إبراهيم شمس الدين، الطبعة الثانية 1427هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 95 - شعب الإيمان، للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت 458 هـ، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، الطبعة الأولى، 1410 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 96 - الشمائل المحمدية، لمحمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبي عيسى، ت279هـ، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ. 97 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، طبعة دار العلم للملايين، الطبعة الثانية، 1399هـ. 98 - صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، بقلم محمد بن ناصر الدين الألباني، الطبعة الثانية، دار الصديق، الجبيل، المملكة العربية السعودية. 99 - صحيح البخاري، لأبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري، ت 256 هـ، طبعة 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان. وطبعة 1315 هـ، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا، والنسخة المطبوعة مع فتح الباري، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، وإشراف محب الدين الخطيب، بدون تاريخ، مكتبة الرياض، المملكة العربية السعودية. 100 - صحيح الترغيب والترهيب، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1452 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 101 - صحيح الجامع الصغير، للعلامة ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1388 هـ؟ المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 102 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، للإمام أبي حاتم محمد بن أحمد بن حبان البستي، ت 354 هـ، رتبه الأمير علاء الدين علي بن سليمان بن بلبان الفارسي، ت 739 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثانية، 1414 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 103 - صحيح ابن خزيمة، للإمام أبي بكر محمد بن إسحق بن خزيمة السلمي النيسابوري، ت 311 هـ، تحقيق محمد مصطفى الأعظمى، طبعة 1390 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان.

104 - صحيح سنن الترمذي باختصار السند، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1408 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 105 - صحيح سنن أبي داود باختصار السند، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1409، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 106 - صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1407 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 107 - صحيح سنن النسائي باختصار السند، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1409 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 108 - صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري االنيسابوري، ت 261 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بدون تاريخ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 109 - الصفا والمروة: تاريخها، ومقترحات لتوسعة عرض المسعى، للدكتور عبد الملك بن عبد اللَّه بن دهيش. 110 - صلاة المؤمن، للمؤلف (سعيد بن علي بن وهف القحطاني). 111 - ضعيف الجامع الصغير، للعلامة الألباني ناصر الدين، الطبعة الأولى 1388هـ، المكتب الإسلامي. 112 - ضعيف سنن الترمذي، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، أشرف على طباعته زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان، ط1، 1411هـ- 1991م، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض. 113 - ضعيف سنن أبي داود، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض- والمكتب الإسلامي، بيروت - لبنان، ط1، 1412هـ - 1991م. 114 - ضعيف سنن ابن ماجه، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط1، 1408هـ- 1988م. 115 - ضعيف سنن النسائي، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت. 116 - الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد بن منيع الهاشمي البصري، ت 235 هـ، تحقيق محمد عبد القادر عطا، الطبعة الأولى، 1410 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 117 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، ت 751 هـ، تحقيق محمد حامد الفقي، بدون تاريخ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 118 - ظلال الجنة في تخريج السنة، للعلامة ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1400 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 119 - عدة الباحث في أحكام التوارث، لعبد العزيز بن ناصر الرشيد، للنشر والتوزيع، الرياض. 120 - العمدة، لابن قدامة، عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة ت 541هـ، تخريج عبد اللَّه بن سفر العبدلي ومحمد بن دغيليب، مكتبة الطرفين، الطائف، المملكة العربية السعودية.

121 - عمل اليوم والليلة، أحمد بن شعيب النسائي، دراسة وتحقيق: د. فاروق حمادة، الرئاسة العامة للإفتاء، الرياض، 1406هـ، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة بيروت. 122 - عمل اليوم والليلة، للحافظ أبي بكر أحمد بن محمد الدينوري المعروف بابن السني، ت 265 هـ، تحقيق بشير محمد عيون، الطبعة الأولى، 1407 هـ، مكتبة دار البيان، دمشق، سورية. 123 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، الطبعة الثالثة 1399هـ، دار الفكر. 124 - فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، لعبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز. 125 - فتاوى إسلامية، جمع وترتيب، محمد بن عبد العزيز المسند، الطبعة الأولى، 1412 هـ، دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية. 126 - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، جمع وترتيب الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش، الطبعة الأولى، 1413 هـ، نشر الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، المملكة العربية السعودية. 127 - فتاوى محمد بن صالح العثيمين، جمع فهد بن ناصر السليمان، الطبعة الأولى، دار الوطن، المملكة العربية السعودية. 128 - فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، الطبعة الأولى، 1399، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة (وقف لله تعالى). 129 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت 852 هـ، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي وإشراف محب الدين الخطيب، بدون تاريخ، مكتبة الرياض، المملكة العربية السعودية. 130 - الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، لأحمد بن عبد الرحمن البنا، دار الشهاب، القاهرة. 131 - فتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود، لأمين محمود خطاب، الطبعة الثانية، 1411 هـ، مكتبة طبرية، الرياض، المملكة العربية السعودية. 132 - الفروع، لمحمد بن مفلح المقدسي، ت763هـ، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1424هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 133 - الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الطبعة الأولى، 1424هـ، المملكة العربية السعودية. 134 - الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي، ط1، الدمام: دار ابن الجوزي، 1417هـ. 135 - القاموس الفقهي: لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، الطبعة الأولى، 1402هـ، دار الفكر، دمشق، سورية. 136 - القاموس المحيط، للعلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، ت 817 هـ الطبعة

الأولى، 1406 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 137 - القواعد الفقهية، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، دار الوطن، الرياض، ط1، 1413هـ. 138 - الكافي لابن قدامة: عبد اللَّه بن أحمد بن محمد، ت 620هـ تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، دار هجر. 139 - الكافي في فقه أهل المدينة، ابن عبد البر النمري، تحقيق: محمد محمد أحيد ولد، طبعة مكتبة الرياض الحديثة، الطبعة الثانية، 1400 هـ /1980م. 140 - الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، للإمام الحافظ عبد اللَّه محمد بن أبي شيبة، توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء .. 141 - كشف الأستار عن زوائد البزار، للهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1404هـ. 142 - الكلم الطيب، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، ط3، 1977م، المكتب الإسلامي، بيروت. 143 - لسان العرب، للإمام أبي الفضل جمال الدين بن مكرم بن علي بن منظور، ت 711 هـ، الطبعة الثالثة، 1414 هـ، دار صادر، بيروت، لبنان. 144 - اللقاء الشهري، لمحمد بن صالح العثيمين. 145 - مجالس عشر ذي الحجة، للشيخ عبد اللَّه بن صالح الفوزان. 146 - مجلة اليمامة، العدد (1151)، بتاريخ 25/ 9/1411هـ. 147 - مجمع البحرين في زوائد المعجمين، للحافظ نور الدين علي بن أبى بكر الهيثمي، تحقيق عبد القدوس بن محمد نذير، الطبعة الثانية، 1415 هـ، مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربية السعودية. 148 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين على بن أبي بكر الهيثمي، ت 807 هـ، الطبعة الثالثة، 1402 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 149 - مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن القاسم، أشرف على طباعته المكتب السعودي بالمغرب. 150 - مجموع الفتاوى للإمام ابن باز، جمع الشويعر، الطبعة الثانية 1423هـ، توزيع مكتب الدعوة والإرشاد، الرياض. 151 - مجموع فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 152 - مجموع فتاوى ابن باز، جمع عبد اللَّه الطيار، وأحمد الباز، الطبعة الأولى 1416هـ، دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية. 153 - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للعلامة عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز، جمع وترتيب د. محمد بن سعد الشويعر، الطبعة الأولى 1408 هـ، الرئاسة العامة لإدارات البحوث والعلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية. 154 - المجموع، ليحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي.

155 - مختار الصحاح، للإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، طبعة 1985م، مكتبة لبنان، بيروت، لبنان. 156 - مختصر الخرقي المطبوع مع المغني، تحقيق عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1410هـ، دار هجر للطباعة والنشر. 157 - مختصر الشمائل المحمدية، للإمام أبي عيسى محمد بن سورة الترمذي، ت 279 هـ، اختصره محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1455 هـ، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن. 158 - مختصر صحيح البخاري، لمحمد بن ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 1422هـ. 159 - مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، تحقيق وتقديم صبري بن عبد الخالق أبو ذر، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط3، 1414هـ/ 1992م. 160 - مختصر سنن أبي داود، الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت 656هـ)، تحقيق أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي، طبعة مكتبة السنة المحمدية. 161 - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، لأبي محمدعلي بن أحمدبن سعيد بن حزم الأندلسي، دار زاهد القدسي، الطبعة الثالثة. (ت 456هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت. 162 - مسائل الإمام أحمد، رواية أبي داود سليمان بن الأشعث. 163 - مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد اللَّه، عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، ت290 هـ، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، 1401هـ 1981م، بيروت. 164 - مسائل الإمام أحمد رواية ابن هانئ. 165 - المستدرك على الصحيحين، للإمام الحافظ أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابوري، بدون تاريخ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 166 - مسند لإمام أحمد، للإمام أحمد بن محمد بن حنبل، ت 241 هـ، بدون تاريخ، المكتب الإسلامي، دار صادر، بيروت، لبنان. 167 - مسند الإمام أحمد بشرح أحمد شاكر، للإمام أحمد بن محمد بن حنبل، شرحه وضع فهارسه أحمد محمد شاكر، بدون تاريخ، دار المعارف، مصر. 168 - مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، النسخة المحققة، تحقيق مجموعة من أهل العلم أشرف على التحقيق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان. 169 - مسند أبي داود الطيالسي، لأبي داود سليمان بن داود الطيالسي (204 هـ)، تحقيق: د. محمد بن عبد المحسن التركي، طبع دار هجر بالقاهرة، الطبعة الأولى 1419 هـ. 170 - مسند الإمام الشافعي، للشافعي؛ محمد بن إدريس (ت 204هـ). ترتيب: محمد عابد السندي، ط1، القاهرة، 1369هـ.

171 - مسند الشامين، الإمام أحمد بن حنبل، ضبط أحاديثه وخرجها وبيّن درجتها وعلق عليها علي محمد جماز، مطابع الدوحة الحديثة، ط1، 1401هـ. 172 - مسند أبي يعلى الموصلي، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن المثني التميمي، ت 307 هـ، تحقيق حسين سليم أسد، الطبعة الأولى، 1412هـ، دار الثقافة العربية، دمشق، بيروت. 173 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، للعلامة أحمد بن محمد بن علي المقرئ الفيومي، بدون تاريخ، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان. 174 - المصنف، للحافظ أي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 175 - معالم السنن، لحمد بن محمد الخطابي (388 هـ)، المطبوع مع مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري، تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 176 - المعجم الأوسط، للطبراني، المجموع في مجمع البحرين في زوائد المعجمين، مكتبة الرشد، الرياض. 177 - معجم البلدان، لياقوت بن عبد اللَّه الحموي، الطبعة الثانية 1995م دار صادر صادر، بيروت. 178 - معجم الطبراني الكبير، للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، بدون تاريخ، وزارة الأوقاف والشئون الدينية بالجمهورية العراقية. 179 - معجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور، محمد رواس الطبعة الأولى 1416هـ، دار النفائس، بيروت، لبنان. 180 - المغني، لموفق الدين أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، تحقيق د. عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي ود. عبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الأولى، هجر للطباعة والنشر. 181 - مفردات ألفاظ القرآن، العلامة الراغب الأصفهاني، ت 502 هـ، تحقيق صفوان عدنان داوودي، الطبعة الأولى، 1412 هـ، دار القلم، دمشق، دار الشامية، بيروت. 182 - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، ت 656 هـ، تحقيق محيى الدين مستو وجماعة، الطبعة الأولى، 1417 هـ، دار ابن كثير، دمشق، بيروت. 183 - مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت اللَّه الحرام، لعبد اللَّه بن عبد الرحمن بن جاسر، الطبعة الثالثة، 1412هـ، طبع على نفقة الملك عبد اللَّه بن عبد العزيز آل سعود، وقف لله تعالى. 184 - المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1416هـ، دار الهجر. 185 - منار السبيل، تأليف إبراهيم محمد بن سالم بن ضويان، تحقيق زهير الشاويش، الطبعة

الخامسة 1402هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 186 - المنتقى من أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، لمجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن تيمية، تصحيح محمد حامد الفقي، 1402هـ، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض، المملكة العربية السعودية. 187 - المنهاج للمعتمر والحاج، للشيخ سعود بن إبراهيم الشريم. 188 - المنهج لمريد الحج والعمرة، للشيخ محمد بن صالح العثيمين (مطبوع ضمن مجموع الفتاوى). 189 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، لعلي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية. 190 - موطأ الإمام مالك، للإمام مالك بن أنس، ت 179 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بدون تاريخ، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وأولاده. 191 - النهاية في غريب الحديث، للإمام أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، ت 606 هـ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، بدون تاريخ، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان. 192 - نيل الأوطار، للشوكاني، تحقيق أحمد محمد السيد ومحمود إبراهيم بزّال، الطبعة الأولى 1419هـ، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت. 193 - نيل المآرب بشرح دليل الطالب، لعبد القادر بن عمر التغلبي، الطبعة الثانية ذ1420هـ دار النفائس، عمان الأردن. 194 - الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب، لشمس الدين محم بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الشهير بابن قيم الجوزية، ت 751هـ، تحقيق بشير محمد عيون، الطبعة الثانية، 1408هـ، مكتابة دار البيان، دمشق، سورية.

§1/1