منازل السائرين

الهروي، أبو إسماعيل

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الْوَاحِد الْأَحَد القيوم الصَّمد اللَّطِيف الْقَرِيب الَّذِي أمطر سرائر العارفين كرائم الْكَلم من غمائم الحكم وألاح لَهُم لوائح الْقدَم فِي صَفَائِح الْعَدَم ودلهم على أقرب السبل إِلَى الْمِنْهَاج الأول وردهم من تفرق الْعِلَل إِلَى عين الْأَزَل وَبث فيهم ذخائره

وأودعهم سرائره وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الأول الآخر الظَّاهِر الْبَاطِن الَّذِي مد ظلّ التلوين على الْخَلِيفَة مدا طَويلا ثمَّ جعل شمس التَّمْكِين لصفوته عَلَيْهِ دَلِيلا ثمَّ قبض ظلّ التَّفْرِقَة عَنْهُم إِلَيْهِ قبضا يَسِيرا وَصلَاته وَسَلَامه على صَفيه الَّذِي أقسم بِهِ فِي إِقَامَة حَقه مُحَمَّد وَآله كثيرا وَبعد فَإِن جمَاعَة من الراغبين فِي الْوُقُوف على منَازِل السائرين إِلَى الْحق عز اسْمه من الْفُقَرَاء من أهل هراة والغرباء طَال عَليّ مسألتهم إيَّايَ زَمَانا أَن أبين لَهُم فِي مَعْرفَتهَا بَيَانا يكون على معالمها عنوانا

فأجبتهم بذلك بعد استخارتي الله واستعانتي بِهِ وسألوني أَن أرتبها لَهُم ترتيبا يُشِير إِلَى تواليها وَيدل على الْفُرُوع الَّتِي تَلِيهَا وَأَن أخليه من كَلَام غَيْرِي وأختصره ليَكُون ألطف فِي اللَّفْظ وأخف للْحِفْظ وَإِنِّي خفت أَنِّي إِن أخذت فِي شرح قَول أبي بكر الكتاني إِن بَين العَبْد وَالْحق ألف مقَام من نور وظلمة طولت عَليّ وَعَلَيْهِم فَذكرت أبنية تِلْكَ المقامات الَّتِي تُشِير إِلَى تَمامهَا وتدل على مرامها وَأَرْجُو لَهُم بعد صدق قصدهم مَا قَالَ أَبُو عبيد البسري إِن لله عبادا يُرِيهم فِي بداياتهم مَا فِي نهاياتهم ثمَّ إِنِّي رتبته لَهُم فصولا وأبوابا يُغني ذَلِك التَّرْتِيب عَن التَّطْوِيل الْمُؤَدِّي إِلَى الملال وَيكون مندوحة عَن التسآل فَجَعَلته مائَة مقَام مقسومة على عشرَة أَقسَام وَقد قَالَ الْجُنَيْد قد ينْقل العَبْد من حَال إِلَى حَال أرفع مِنْهَا

وَقد بَقِي عَلَيْهِ من الَّتِي نقل عَنْهَا بَقِيَّة فيشرف عَلَيْهَا من الْحَالة الثَّانِيَة فيصلحها وَعِنْدِي أَن العَبْد لَا يَصح لَهُ مقَام حَتَّى يرْتَفع عَنهُ ثمَّ يشرف عَلَيْهِ فيصححه وَاعْلَم أَن السائرين فِي هَذِه المقامات على اخْتِلَاف مفظع لَا يجمعهُمْ تَرْتِيب قَاطع وَلَا يقفهم مُنْتَهى جَامع وَقد صنف جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين فِي هَذَا الْبَاب تصانيف عساك لَا ترَاهَا أَو أَكْثَرهَا على حسنها مغنية كَافِيَة مِنْهُم من أَشَارَ إِلَى الْأُصُول وَلم يَفِ بالتفصيل وَمِنْهُم من جمع الحكايات وَلم يلخصها تلخيصا وَلم يخصص النُّكْتَة تَخْصِيصًا وَمِنْهُم من لم يُمَيّز بَين مقامات الْخَاصَّة وضرورات الْعَامَّة وَمِنْهُم من عد شطح المغلوب مقَاما وَجعل بوح الْوَاجِد ورمز المتمكن شَيْئا عَاما وَأَكْثَرهم لم ينْطق عَن الدَّرَجَات وَاعْلَم أَن الْعَامَّة من عُلَمَاء هَذِه الطَّائِفَة والمشيرين إِلَى هَذِه الطَّرِيقَة اتَّفقُوا على أَن النهايات لَا تصح إِلَّا بتصحيح البدايات كَمَا أَن الْأَبْنِيَة لَا تقوم إِلَّا على الأساس وَتَصْحِيح البدايات هُوَ إِقَامَة الْأَمر على مُشَاهدَة الْإِخْلَاص ومتابعة السّنة

وتعظيم النَّهْي على مُشَاهدَة الْخَوْف ورعاية الْحُرْمَة والشفقة على الْعَالم ببذل النَّصِيحَة وكف الْمُؤْنَة ومجانبة كل صَاحب يفْسد الْوَقْت وكل سَبَب يفتن الْقلب على أَن النَّاس فِي هَذَا الشَّأْن ثَلَاثَة نفر رجل يعْمل بَين الْخَوْف والرجاء شاخصا إِلَى الْحبّ مَعَ صُحْبَة الْحيَاء فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسمى المُرَاد وَرجل مختطف من وَادي التَّفَرُّق إالى وَادي الْجمع وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ المُرَاد وَمن سواهُمَا مُدع مفتون مخدوع وَجَمِيع هَذِه المقامات تجمعها رتب ثَلَاث الرُّتْبَة الأولى أَخذ القاصد فِي السّير الرُّتْبَة الثَّانِيَة دُخُوله فِي الغربة الرُّتْبَة الثَّالِثَة حُصُوله على الْمُشَاهدَة الجاذبة إِلَى عين التَّوْحِيد فِي طَرِيق الفناء وَقد اُخْبُرْنَا فِي معنى الرُّتْبَة الأولى الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عَليّ الْفَرَائِضِي قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن حسنوية قَالَ أخبرنَا الْحُسَيْن بن إِدْرِيس الْأنْصَارِيّ قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر هُوَ الْعَبْدي قَالَ حَدثنَا عمر بن رَاشد عَن يحيى بن ابي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ

قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِيرُوا سبق المفر دون قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا المفر دون قَالَ المهتزون الَّذين يهتزون فِي ذكر الله عز وَجل يضع الذّكر عَنْهُم أثقالهم فَيَأْتُونَ يَوْم الْقِيَامَة خفافا وَهَذَا حَدِيث حسن لم يروه عَن يحيى بن أبي كثير إِلَّا عمر بن رَاشد الْيَمَانِيّ وَخَالف مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ فِيهِ مُحَمَّد بن بشير الْعَبْدي فَرَوَاهُ عَن عمر بن رَاشد عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا والْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ لأبي هُرَيْرَة رَوَاهُ بنْدَار بن بشار عَن صَفْوَان بن عِيسَى عَن بشير بن رَافع الْيَمَانِيّ إِمَام أهل نَجْرَان ومفتيهم عَن ابي عبد الله بن عَم أبي هُرَيْرَة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وأحسنها طَرِيقا وأجودها سندا حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مخرج فِي صَحِيح مُسلم وروى هَذَا الحَدِيث أهل الشَّام عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا قَالَ فِي كلهَا سبق المفر دون وَأخْبرنَا فِي معنى الدُّخُول فِي الغربة حَمْزَة بن مُحَمَّد بن عبد الله الْحُسَيْنِي قَالَ حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الواحد بن احْمَد الْهَاشِمِي الصُّوفِي قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله عَلان بن زيد الدينَوَرِي الصُّوفِي بِالْبَصْرَةِ قَالَ سَمِعت جَعْفَر

الْخُلْدِيِّ الصُّوفِي يَقُول سَمِعت الْجُنَيْد قَالَ سَمِعت السّري عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ طلب الْحق غربَة وَهَذَا حَدِيث غَرِيب مَا كتبته إِلَّا من رِوَايَة عَلان وَأخْبرنَا فِي معنى الْحُصُول على الْمُشَاهدَة مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الباشاني رَحمَه الله قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن اسحاق الْقرشِي قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن سعيد الدارامي قَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن مطر الْوراق عَن أبي بُرَيْدَة عَن يحيى بن يعمر عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب فِي حَدِيث سُؤال جِبْرَائِيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا الْإِحْسَان قَالَ أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك وَهَذَا حَدِيث صَحِيح غَرِيب أخرجه مُسلم فِي الصِّحَاح وَهَذَا الحَدِيث إِشَارَة جَامِعَة لمَذْهَب هَذِه الطَّائِفَة وَإِنِّي مفصل لَك دَرَجَات كل مقَام مِنْهَا لتعرف دَرَجَة الْعَامَّة مِنْهُ ثمَّ دَرَجَة السالك ثمَّ دَرَجَة الْمُحَقق

وَلكُل مِنْهُم شرعة ومنهاج ووجهة هُوَ مَوْلَاهَا قد نصب لَهُ علم هُوَ لَهُ مَبْعُوث واتيح لَهُ غَايَة هُوَ إِلَيْهَا محثوث وَإِنِّي أسأَل الله أَن يَجْعَلنِي فِي قصدي مصحوبا لَا محجوبا وَأَن يَجْعَل لي سُلْطَانا مُبينًا {إِنَّه سميع قريب} 1 وَاعْلَم أَن الْأَقْسَام الْعشْرَة الَّتِي ذكرتها فِي صدر هَذَا الْكتاب هِيَ قسم البدايات ثمَّ قسم الْأَخْلَاق ثمَّ قسم الْأَحْوَال ثمَّ قسم الْأَبْوَاب ثمَّ قسم الْأُصُول ثمَّ قسم الولايات ثمَّ قسم النهايات ثمَّ قسم الْمُعَامَلَات ثمَّ قسم الأودية ثمَّ قسم الْحَقَائِق

قسم البدايات

قسم البدايات فَأَما قسم البدايات فَهُوَ عشرَة أَبْوَاب وَهِي الْيَقَظَة وَالتَّوْبَة والمحاسبة والإنابة والتفكر والتذكر والاعتصام والفرار والرياضة وَالسَّمَاع بَاب الْيَقَظَة قَالَ الله عز وَجل {قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة أَن تقوموا لله} 1 القومة لله هِيَ الْيَقَظَة من سنة الْغَفْلَة والنهوض من ورطة الفترة وَهِي أول مَا يَسْتَنِير قلب العَبْد بِالْحَيَاةِ لرؤية نور التَّنْبِيه واليقظة هِيَ ثَلَاثَة أَشْيَاء

الأول لحظ الْقلب إِلَى النِّعْمَة على الْإِيَاس من عدهَا ... وَالْوُقُوف على حَدهَا والتفرع إِلَى معرفَة الْمِنَّة بهَا ... وَالْعلم بالتقصير فِي حَقّهَا وَالثَّانِي مطالعة الْجِنَايَة وَالْوُقُوف على الْخطر فِيهَا ... والتشمر لتداركها والتخلص من ربقها ... وَطلب النخاة بتمحيصها وَالثَّالِث الانتباه لمعْرِفَة الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي الْأَيَّام والتنصل عَن تضييعها ... وَالنَّظَر إِلَى الضن بهَا ليتدارك فائتها ... ويعمر بَاقِيهَا فَأَما معرفَة النِّعْمَة فَإِنَّهَا تصفو بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِنور الْعقل وشيم برق الْمِنَّة وَالِاعْتِبَار بِأَهْل الْبلَاء وَأما مطالعة الْجِنَايَة فَإِنَّهَا تصح بِثَلَاثَة أَشْيَاء بتعظيم الْحق وَمَعْرِفَة النَّفس وتصديق الْوَعيد وَأما معرفَة الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي الْأَيَّام فَإِنَّهَا تستقيم بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِسَمَاع الْعلم

باب التوبة

وَإجَابَة دواعي الْحُرْمَة وصحبة الصَّالِحين وملاك ذَلِك كُله خلع الْعَادَات بَاب التَّوْبَة قَالَ الله عز وَجل وَمن لم يتب فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ 1 فأسقط اسْم الظُّلم عَن التائب وَالتَّوْبَة لَا تصح إِلَّا بعد معرفَة الذَّنب وَهِي أَن تنظر فِي الذَّنب إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء إِلَى انخلاعك من الْعِصْمَة حِين إتيانة وفرحك عِنْد الظفر بِهِ وقعودك على الْإِصْرَار عَن تَدَارُكه مَعَ يقينك بِنَظَر الْحق إِلَيْك وشرائط التَّوْبَة ثَلَاثَة أَشْيَاء النَّدَم والاعتذار والإقلاع وحقائق التَّوْبَة ثَلَاثَة أَشْيَاء تَعْظِيم الْجِنَايَة واتهام التَّوْبَة وَطلب إعذار الخليقة وسرائر حَقِيقَة التَّوْبَة ثَلَاثَة أَشْيَاء

تَمْيِيز التقية من الْعِزَّة ونسيان الْجِنَايَة وَالتَّوْبَة من التَّوْبَة أبدا لِأَن التائب دَاخل فِي الْجَمِيع من قَوْله تَعَالَى وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا 1 فَأمر التائب بِالتَّوْبَةِ ولطائف سرائر التَّوْبَة ثَلَاثَة أَشْيَاء أَولهمَا أَن تنظر بَين الْجِنَايَة والقضية فتتعرف مُرَاد الله فِيهَا إِذْ خلاك وإتيانها فَإِن الله عز وَجل إِنَّمَا يخلى العَبْد والذنب لأحد مَعْنيين أَحدهمَا أَن تعرف عزته فِي قَضَائِهِ وبره فِي ستره وحلمه فِي إمهال رَاكِبه وَكَرمه فِي قبُول الْعذر مِنْهُ وفضله فِي مغفرته وَالثَّانِي ليقيم على العَبْد حجَّة عدله فيعاقبه على ذَنبه بحجته واللطيفة الثَّانِيَة أَن تعلم أَن طلب الْبَصِير الصَّادِق سيئته لم يبْق لَهُ حَسَنَة بِحَال لِأَنَّهُ يسير بَين مُشَاهدَة الْمِنَّة وتطلب عيب النَّفس وَالْعَمَل واللطيفة الثَّالِثَة أَن مُشَاهدَة العَبْد الحكم لم تدع لَهُ اسْتِحْسَان حَسَنَة وَلَا استقباح سَيِّئَة لصعوده من جَمِيع الْمعَانِي إِلَى معنى الحكم

فتوبة الْعَامَّة لاستكثار الطَّاعَة فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء إِلَى جحود نعْمَة السّتْر والإمهال ورؤية الْحق على الله والاستغناء الَّذِي هُوَ عين الجبروت والتوثب على الله وتوبة الأوساط من اسْتِقْلَال الْمعْصِيَة وَهُوَ عين الجرأة والمبارزة ومحض التزين بالحمية والاسترسال للقطيعة وتوبة الْخَاصَّة من تَضْييع الْوَقْت فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى دَرك النقيصة ويطفئ نور المراقبة ويكدر عين الصُّحْبَة وَلَا يتم مقَام التَّوْبَة إِلَّا بالانتهاء إِلَى التَّوْبَة مِمَّا دون الْحق ثمَّ رُؤْيَة عِلّة تِلْكَ التَّوْبَة ثمَّ التَّوْبَة من رُؤْيَة تِلْكَ الْعلَّة

باب المحاسبة

بَاب المحاسبة قَالَ الله عز وَجل اتَّقوا الله ولتنظر نفس مَا قدمت لغد 1 وَإِنَّمَا يسْلك طَرِيق المحاسبة بعد الْعَزِيمَة على عقد التَّوْبَة والعزيمة لَهَا ثَلَاثَة أَرْكَان أَحدهَا أَن تقيس بَين نعْمَته وجنايتك وَهَذَا يشق على من لَيْسَ لَهُ ثَلَاثَة أَشْيَاء نور الْحِكْمَة وَسُوء الظَّن بِالنَّفسِ وتمييز النِّعْمَة من الْفِتْنَة وَالثَّانِي تَمْيِيز مَا للحق عَمَّا لَك أَو مِنْك فتعلم أَن الْجِنَايَة عَلَيْك حجَّة وَالطَّاعَة عَلَيْك منَّة وَالْحكم عَلَيْك حجَّة مَا هُوَ لَك معذرة وَالثَّالِث أَن تعرف أَن كل طَاعَة رضيتها مِنْك فَهِيَ عَلَيْك وكل مَعْصِيّة عيرت بهَا أَخَاك فَهِيَ إِلَيْك وَلَا تضع ميزَان وقتك من يَديك بَاب الْإِنَابَة قَالَ الله عز وَجل وأنيبوا إِلَى ربكُم

باب التفكر

الْإِنَابَة ثَلَاثَة أَشْيَاء الرُّجُوع إِلَى الْحق إصلاحا ... كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ اعتذارا ... وَالرُّجُوع إِلَيْهِ وَفَاء ... كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ عهدا ... وَالرُّجُوع إِلَيْهِ حَالا ... كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ إِجَابَة وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم الرُّجُوع إِلَيْهِ إصلاحا بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِالْخرُوجِ من التَّبعَات والتوجع للعثرات واستدراك الفائتات وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم الرُّجُوع إِلَيْهِ وَفَاء بِثَلَاثَة أَشْيَاء بالخلاص من لَذَّة الذَّنب وبترك الاستهانة بِأَهْل الْغَفْلَة تخوفا عَلَيْهِم مَعَ الرَّجَاء لنَفسك وبالاستقصاء فِي رُؤْيَة علل الْخدمَة وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم الرُّجُوع إِلَيْهِ حَالا بِثَلَاثَة أَشْيَاء بالإياس من عَمَلك ومعاينة اضطرارك وشيم برق لطفه بك بَاب التفكر قَالَ الله عز وَجل وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا

نزل إِلَيْهِم ولعلهم يتفكرون 1 إعلم أَن التفكر تلمس البصيرة لاستدراك البغية وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع فكرة فِي عين التَّوْحِيد وفكرة فِي لطائف الصَّنْعَة وفكرة فِي مَعَاني الْأَعْمَال وَالْأَحْوَال فَأَما الفكرة فِي عين التَّوْحِيد فَهِيَ اقتحام بَحر الْجُحُود لَا يُنجى مِنْهُ إِلَّا الِاعْتِصَام بضياء الْكَشْف والتمسك بِالْعلمِ الظَّاهِر وَأما الفكرة فِي لطائف الصَّنَائِع فَهِيَ مَاء يسْقِي زرع الْحِكْمَة وَأما الفكرة فِي مَعَاني الْأَعْمَال وَالْأَحْوَال فَهِيَ تسهل سلوك طَرِيق الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا يتَخَلَّص من الفكرة فِي عين التَّوْحِيد بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِمَعْرِِفَة عجز الْعقل

باب التذكر

وبالإياس من الْوُقُوف على الْغَايَة وبالاعتصام بِحَبل التَّعْظِيم وَإِنَّمَا تدْرك لطائف الصَّنَائِع بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِحسن النّظر فِي مبادئ المنن والإجابة لدواعي الإشارات وبالخلاص من رق الشَّهَوَات وَإِنَّمَا يُوقف بالفكرة على مَرَاتِب الْأَعْمَال وَالْأَحْوَال بِثَلَاثَة أَشْيَاء باستصحاب الْعلم واتهام المرسومات وَمَعْرِفَة مواقع الْغَيْر بَاب التَّذَكُّر قَالَ الله عز وَجل وَمَا يتَذَكَّر إِلَّا من ينيب التَّذَكُّر فَوق التفكر فَإِن التفكر طلب والتذكر وجود وأبنية التَّذَكُّر ثَلَاثَة أَشْيَاء

باب الاعتصام

الِانْتِفَاع بالعظة واستبصار الْعبْرَة وَالظفر بثمر الفكرة وَإِنَّمَا ينْتَفع بالعظة بعد حُصُول ثَلَاثَة أَشْيَاء بِشدَّة الافتقار إِلَيْهَا والعمي عَن عيب الْوَاعِظ وبذكر الْوَعْد والوعيد وَإِنَّمَا تستبصر الْعبْرَة بِثَلَاثَة أَشْيَاء بحياة الْعقل وَمَعْرِفَة الْأَيَّام والسلامة من الْأَغْرَاض وَإِنَّمَا تجنى ثَمَرَة الفكرة بِثَلَاثَة أَشْيَاء بقصر الأمل والتأمل فِي الْقُرْآن وَقلة الْخلطَة وَالتَّمَنِّي والتعلق والشبع والمنام بَاب الِاعْتِصَام قَالَ الله عز وَجل واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا

واعتصموا بِاللَّه هُوَ مولاكم الِاعْتِصَام بِحَبل الله هُوَ الْمُحَافظَة على طَاعَته مراقبا لأَمره والاعتصام بِاللَّه هُوَ الترقي عَن كل موهوم والتخلص من كل تردد والاعتصام على ثَلَاث دَرَجَات 1 اعتصام الْعَامَّة بالْخبر واستسلاما وإذعانا أبتصديق الْوَعْد والوعيد ب وتعظيم الْأَمر وَالنَّهْي ج وتأسيس الْمُعَامَلَة على الْيَقِين والإنصاف وَهُوَ الِاعْتِصَام بِحَبل الله 2 - واعتصام الْخَاصَّة بالانقطاع أوهو صون الْإِرَادَة قبضا ب وإسبال الْخلق على الْخلق بسطا ج ورفض العلائق عزما وَهُوَ التَّمَسُّك بالعروة الوثقى 3 3 - واعتصام خَاصَّة الْخَاصَّة بالاتصال أوهو شُهُود الْحق تفريدا

باب الفرار

ب بعد الاستخذاء لَهُ تَعْظِيمًا ج والاشتغال بِهِ قربا وَهُوَ الِاعْتِصَام بِاللَّه بَاب الْفِرَار قَالَ الله عز وَجل فَفرُّوا إِلَى الله 1 الْفِرَار هُوَ الْهَرَب مِمَّا لم يكن إِلَى مَا لم يزل وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات 1 فرار الْعَامَّة أَمن الْجَهْل إِلَى الْعلم عقدا وسعيا ب وَمن الكسل إِلَى التشمير حذرا وعزما ج وَمن الضّيق إِلَى السعَة ثِقَة ورجاء 2 - وفرار الْخَاصَّة أَمن الْخَبَر إِلَى الشُّهُود ب وَمن الرسوم إِلَى الْأُصُول ج وَمن الحظوظ إِلَى التَّجْرِيد 3 - وفرار خَاصَّة أالخاصة مِمَّا دون الْحق إِلَى الْحق ب ثمَّ من شُهُود الْفِرَار إِلَى الْحق ج ثمَّ الْفِرَار من الْفِرَار إِلَى الْحق

باب الرياضة

بَاب الرياضة قَالَ الله عز وَجل وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا وَقُلُوبهمْ وَجلة 1 الرياضة تمرين النَّفس على قبُول الصدْق وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات 1 رياضة الْعَامَّة أتهذيب الْأَخْلَاق بِالْعلمِ ب وتصفية الْأَعْمَال بالإخلاص ج وتوفير الْحُقُوق فِي الْمُعَامَلَة 2 - ورياضة الْخَاصَّة أحسم التَّفَرُّق ب وَقطع الِالْتِفَات إِلَى الْمقَام الَّذِي جاوزه ج وإبقاء الْعلم يجْرِي مجاريه 3 - ورياضة خَاصَّة الْخَاصَّة أتجريد الشُّهُود ب والصعود إِلَى الْجمع ج ورفض المعارضات والمعاوضات بَاب السماع قَالَ الله عز وَجل وَلَو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم 2

نُكْتَة السماع حَقِيقَة الانتباه وَهُوَ على ثَلَاثَة دَرَجَات أسماع الْعَامَّة ثَلَاثَة أَشْيَاء 1 إِجَابَة زجر الْوَعيد رَغْبَة 2 وَإجَابَة دَعْوَة الْوَعْد جهدا 3 وبلوغ مُشَاهدَة الْمِنَّة استبصارا ب وَسَمَاع الْخَاصَّة ثَلَاثَة أَشْيَاء 1 شُهُود الْمَقْصُود فِي كل رمز 2 وَالْوُقُوف على الْغَايَة فِي كل حَيّ 3 والخلاص من التَّلَذُّذ بالتفرق ج وَسَمَاع خَاصَّة الْخَاصَّة 1 سَماع يغسل الْعِلَل عَن الْكَشْف 2 ويصل الْأَبَد بالأزل 3 وَيرد النهايات إِلَى الأول

قسم الأبواب

قسم الْأَبْوَاب وَأما قسم الْأَبْوَاب فَهُوَ عشرَة أَبْوَاب وَهِي الْحزن وَالْخَوْف والإشفاق والخشوع والإخبات والزهد والورع والتبتل والرجاء وَالرَّغْبَة بَاب الْحزن قَالَ الله عز وَجل توَلّوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا 2 الْحزن توجع لفائت أَو تأسف على مُمْتَنع وَله ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى حزن الْعَامَّة وَهُوَ حزن على التَّفْرِيط فِي الْخدمَة

باب الخوف

وعَلى التورط فِي الْجفَاء وعَلى ضيَاع الْأَيَّام والدرجة الثَّانِيَة حزن أهل الْإِرَادَة وَهُوَ حزن على تعلق الْوَقْت بالتفرق وعَلى اشْتِغَال النَّفس عَن الشُّهُود وعَلى التسلي عَن الْحزن وَلَيْسَت الْخَاصَّة من مقَام الْحزن فِي شَيْء وَلَكِن الدرجَة الثَّالِثَة من الْحزن التحزن للعارضات دون الخواطر ومعارضات القصود والاعتراضات على الْأَحْكَام بَاب الْخَوْف قَالَ الله عز وَجل يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم 1 الْخَوْف هُوَ الانخلاع عَن طمأنينة الْأَمْن بمطالعة الْخَبَر وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى الْخَوْف من الْعقُوبَة

باب الاشفاق

وَهُوَ الْخَوْف الَّذِي يَصح بِهِ الْإِيمَان وَهُوَ خوف الْعَامَّة وَهُوَ يتَوَلَّد من تَصْدِيق الْوَعيد وَذكر الْجِنَايَة ومراقبة الْعَاقِبَة والدرجة الثَّانِيَة خوف الْمَكْر فِي جَرَيَان الأنفاس المستغرقة فِي الْيَقَظَة المشوبة بالحلاوة وَلَيْسَ فِي مقَام أهل الْخُصُوص وَحْشَة الْخَوْف إِلَّا هَيْبَة الإجلال وَهِي أقْصَى دَرَجَة يشار إِلَيْهَا فِي غَايَة الْخَوْف وَهِي هَيْبَة تعَارض المكاشف أَوْقَات الْمُنَاجَاة وتصون الْمشَاهد أحيان المسامرة وتقصم المعاين بصدمة الْعِزَّة بَاب الاشفاق قَالَ الله عز وَجل قَالُوا إِنَّا كُنَّا قبل فِي أهلنا مشفقين 1 الإشفاق دوَام الحذر مَقْرُونا بالترحم وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات

باب الخشوع

الدرجَة الأولى إشفاق على النَّفس أَن تجمح إِلَى العناد وإشفاق على الْعَمَل أَن يصير إِلَى الضّيَاع وإشفاق على الخليقة لمعْرِفَة معاذيرها والدرجة الثَّانِيَة إشفاق على الْوَقْت أَن يشوبه تفرق وعَلى الْقلب أَن يزاحمه عَارض وعَلى الْيَقِين أَن يداخله سَبَب والدرجة الثَّالِثَة إشفاق يصون سَعْيه من الْعجب ويكف صَاحبه عَن مخاصمة الْخلق وَيحمل المريد على حفظ الْحَد بَاب الْخُشُوع قَالَ الله عز وَجل ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله وَمَا نزل من الْحق 1 الْخُشُوع خمود النَّفس وهمود الطباع لمتعاظم أَو مفزع وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى التذلل لِلْأَمْرِ والاستسلام للْحكم

باب الاخبات

والاتضاع لنظر الْحق والدرجة الثَّانِيَة ترقب آفَات النَّفس وَالْعَمَل ورؤية فضل كل ذِي فضل عَلَيْك وتنسم نسيم الفناء الدرجَة الثَّالِثَة حفظ الْحُرْمَة عِنْد المكاشفة وتصفية الْوَقْت من مراياة الْخلق وَتَجْرِيد رُؤْيَة الْفضل بَاب الاخبات قَالَ الله عز وَجل وَبشر المخبتين 1 الإخبات من أَوَائِل مقَام الطُّمَأْنِينَة وَهُوَ وُرُود المأمن من الرُّجُوع والتردد وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى أَن تستغرق الْعِصْمَة الشَّهْوَة وتستدرك الإدارة الْغَفْلَة ويستهوي الطّلب السلوة والدرجة الثَّانِيَة ان لَا ينقص إِرَادَته سَبَب

باب الزهد

وَلَا يوحش قلبه عَارض وَلَا تقطع الطَّرِيق عَلَيْهِ فتْنَة والدرجة الثَّالِثَة أَن يَسْتَوِي عِنْده الْمَدْح والذم وتدوم لائمته لنَفسِهِ ويعمى عَن نُقْصَان الْخلق عَن دَرَجَته بَاب الزّهْد قَالَ الله عز وَجل بَقِيَّة الله خير لكم 1 الزّهْد إِسْقَاط الرَّغْبَة عَن الشَّيْء بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ للعامة قربَة وللمريد ضَرُورَة وللخاصة خشة وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى الزّهْد فِي الشُّبْهَة بعد ترك الْحَرَام بالحذر من المعتبة والأنفة من المنقصة وَكَرَاهَة مُشَاركَة الْفُسَّاق

باب الورع

والدرجة الثَّانِيَة الزّهْد فِي الفضول وَمَا زَاد على المسكة والبلاغ من الْقُوت باغتنام التفرغ إِلَى عمَارَة الْوَقْت وحسم الجأش والتحلي بحلية الْأَنْبِيَاء وَالصديقين والدرجة الثَّالِثَة الزّهْد فِي الزّهْد بِثَلَاثَة أَشْيَاء باستحقار مَا زهدت فِيهِ واستواء الْحَالَات عنْدك والذهاب عَن شُهُود الِاكْتِسَاب نَاظرا إِلَى وَادي الْحَقَائِق بَاب الْوَرع قَالَ الله عز وَجل وثيابك فطهر 1 الْوَرع توق مستقصي على حذر أَو تحرج على تَعْظِيم وَهُوَ آخر مقَام الزّهْد للعامة وَأول مقَام الزّهْد للمريد وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى تجنب القبائح

باب التبتل

لصون النَّفس وتوفير الْحَسَنَات وصيانة الْإِيمَان والدرجة الثَّانِيَة حفظ الْحُدُود عِنْد مَا لَا بَأْس بِهِ إبْقَاء على الصيانة وَالتَّقوى وصعودا على الدناءة وتخلصا عَن اقتحام الْحُدُود والدرجة الثَّالِثَة التورع عَن كل دَاعِيَة تَدْعُو إِلَى شتات الْوَقْت والتعلق بالتفرق وعارض يُعَارض حَال الْجمع بَاب التبتل قَالَ الله عز وَجل وتبتل إِلَيْهِ تبتيلا 1 التبتل الِانْقِطَاع بِالْكُلِّيَّةِ وَقَوله إِلَيْهِ دَعْوَة إِلَى التَّجْرِيد الْمَحْض وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى تَجْرِيد الِانْقِطَاع عَن الحظوظ واللحوظ إِلَى الْعَالم

باب الرجاء

خوفًا أَو رَجَاء أَو مبالاة بِحَال بحسم الرَّجَاء بالرضى وَقطع الْخَوْف بِالتَّسْلِيمِ ورفض المبالاة بِشُهُود الْحَقِيقَة والدرجة الثَّانِيَة تَجْرِيد الِانْقِطَاع عَن التعريج على النَّفس بمجانبة الْهوى وتنسم روح الْأنس وشيم برق الْكَشْف والدرجة الثَّالِثَة تَجْرِيد الِانْقِطَاع إِلَى السَّبق بتصحيح الاسْتقَامَة والاستغراق فِي قصد الْوُصُول وَالنَّظَر إِلَى أَوَائِل الْجمع بَاب الرَّجَاء قَالَ الله عز وَجل لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر 1 الرَّجَاء أَضْعَف منَازِل المريد

لِأَنَّهُ مُعَارضَة من وَجه وَاعْتِرَاض من وَجه وَهُوَ وُقُوع فِي الرعونة فِي مَذْهَب هَذِه الطَّائِفَة إِلَّا مَا فِيهِ من فَائِدَة وَاحِدَة وَلها نطق باسمه التَّنْزِيل وَالسّنة وَدخل فِي مسالك الْمُحَقِّقين وَتلك الْفَائِدَة أَنه يفثأ حرارة الْخَوْف حَتَّى لَا يعدو إِلَى الْإِيَاس والرجاء على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى رَجَاء يبْعَث اعامل على الِاجْتِهَاد ويولد التَّلَذُّذ بِالْخدمَةِ ويوقظ لسماحة الطباع بترك المناهي والدرجة الثَّانِيَة رَجَاء أَرْبَاب الرياضات أَن يبلغُوا موقفا تصفو فِيهِ هَمهمْ برفض الملذوذات وَلُزُوم شُرُوط الْعلم واستقصاء حُدُود الحمية والدرجة الثَّالِثَة رَجَاء أَرْبَاب طيب الْقُلُوب وَهُوَ رَجَاء لِقَاء الْحق عز وَجل

باب الرغبة

الْبَاعِث على الاشتياق المنغص لعيش المزهد فِي الْخلق بَاب الرَّغْبَة قَالَ الله عز وَجل ويدعوننا رغبا ورهبا 1 الرَّغْبَة ألحق بِالْحَقِيقَةِ من الرَّجَاء وَهِي فَوق الرَّجَاء لِأَن الرَّجَاء طمع يحْتَاج إِلَى تَحْقِيق وَالرَّغْبَة سلوك على تَحْقِيق وَالرَّغْبَة على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى رَغْبَة أهل الْخَبَر تتولد من الْعلم فتبعث على الِاجْتِهَاد المنوط بالشهود وتصون السالك من وَهن الفترة وتمنع صَاحبهَا من الرُّجُوع إِلَى غثاثة الرُّخص والدرجة الثَّانِيَة رَغْبَة أَرْبَاب الْحَال وَهِي رَغْبَة لَا تبقى من المجهود إِلَّا مبذولا

وَلَا تدع للهمة ذبولا وَلَا تتْرك غير الْمَقْصُود مأمولا والدرجة الثَّالِثَة رَغْبَة أهل الشُّهُود وَهِي تشرف تصحبة تقية لَا تبقى مَعَه من التَّفَرُّق بَقِيَّة

قسم المعاملات

قسم الْمُعَامَلَات وَأما قسم الْمُعَامَلَات فَهُوَ عشرَة أَبْوَاب وَهِي الرِّعَايَة والمراقبة وَالْحُرْمَة وَالْإِخْلَاص والتهذيب والاستقامة والتوكل والتفويض والثقة وَالتَّسْلِيم بَاب الرِّعَايَة قَالَ الله عز وَجل فَمَا رعوها حق رعايتها 2 الرِّعَايَة صون بالعناية وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى رِعَايَة الْأَعْمَال والدرجة الثَّانِيَة رِعَايَة الْأَحْوَال والدرجة الثَّالِثَة رِعَايَة الْأَوْقَات

باب المراقبة

فَأَما رِعَايَة الْأَعْمَال فتوفيرها بتحقيرها وَالْقِيَام بهَا من غير نظر إِلَيْهَا وإجراؤها مجْرى الْعلم لَا على التزين بهَا وَأما رِعَايَة الْأَحْوَال فَهِيَ أَن يعد الِاجْتِهَاد مراياة وَالنَّفس تشبعا وَالْحَال دَعْوَى وَأما رِعَايَة الْأَوْقَات فَأن يقف مَعَ خطْوَة ثمَّ أَن يغيب عَن خطوه بالصفاء من رسمه ثمَّ أَن يذهب عَن شُهُود صَفوه بَاب المراقبة قَالَ الله عز وَجل لَا يرقبون فِي مُؤمن إِلَّا وَلَا ذمَّة 1 المراقبة دوَام مُلَاحظَة الْمَقْصُود وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى مراقبة الْحق فِي السّير إِلَيْهِ على الدَّوَام بَين تَعْظِيم مذهل ومداناة حاملة

باب الحرمة

وسرور باعث والدرجة الثَّانِيَة مراقبة نظر الْحق إِلَيْك برفض الْمُعَارضَة وبالإعراض عَن الِاعْتِرَاض وَنقض رعونة التَّعَرُّض والدرجة الثَّالِثَة مراقبة الْأَزَل بمطالعة عين السَّبق اسْتِقْبَالًا لعلم التَّوْحِيد ومراقبة ظُهُور إشارات الْأَزَل على أحايين الْأَبَد ومراقبة الْخَلَاص من ربطة المراقبة بَاب الْحُرْمَة قَالَ الله عز وَجل وَمن يعظم حرمات الله فَهُوَ خير لَهُ عِنْد ربه 1 الْحُرْمَة هِيَ التحرج عَن المخالفات والمجاسرات وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات

باب الإخلاص

الدرجَة الأولى تَعْظِيم الْأَمر وَالنَّهْي لَا خوفًا من الْعقُوبَة فَيكون خُصُومَة للنَّفس وَلَا طلبا لمثوبة فَيكون مسترقا للأجرة وَلَا شَاهدا للْجدّ فَيكون متدينا بالمراياة فَإِن هَذِه الْأَوْصَاف كلهَا شعب من عبَادَة النَّفس والدرجة الثَّانِيَة إِجْرَاء الْخَبَر على ظَاهره وَهُوَ أَن يبْقى أَعْلَام تَوْحِيد الْعَامَّة الخبرية على ظواهرها لَا يتَحَمَّل الْبَحْث عَنْهَا تعسفا وَلَا يتَكَلَّف لَهَا تَأْوِيلا وَلَا يتَجَاوَز ظواهرها تمثيلا وَلَا يَدعِي عَلَيْهَا إدراكا أَو توهما والدرجة الثَّالِثَة صِيَانة الانبساط أَن تشوبه جرْأَة وصيانة السرُور أَن يداخله أَمن وصيانة الشُّهُود أَن يُعَارضهُ سَبَب بَاب الْإِخْلَاص قَالَ الله عز وَجل أَلا لله الدّين الْخَالِص الْإِخْلَاص تصفية الْعَمَل من كل شوب وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات

باب التهذيب

الدرجَة الأولى إِخْرَاج رُؤْيَة الْعَمَل من الْعَمَل والخلاص من طلب الْعِوَض على الْعَمَل وَالنُّزُول عَن الرضى بِالْعَمَلِ والدرجة الثَّانِيَة الخجل من الْعَمَل مَعَ بذل المجهود وتوفير الْجهد بالاحتماء من الشُّهُود ورؤية الْعَمَل فِي نور التَّوْفِيق من عين الْجُود والدرجة الثَّالِثَة إخلاص الْعَمَل بالخلاص من الْعَمَل تَدعه يسير مسير الْعلم وتسير أَنْت مشاهدا للْحكم حرا من رق الرَّسْم بَاب التَّهْذِيب قَالَ الله عز وَجل فَلَمَّا أفل قَالَ لَا أحب الآفلين 1 لتهذيب محنة أهل البدايات وَهُوَ شَرِيعَة من شرائع الرياضة وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى تَهْذِيب الْخدمَة

باب الاستقامة

أَن لَا تخالجها جَهَالَة وَلَا تسوقها عَادَة وَلَا تقف عِنْدهَا همة والدرجة الثَّانِيَة تَهْذِيب الْحَال وَهُوَ أَن لَا يجمح الْحَال إِلَى علم وَلَا يخضع لرسم وَلَا يلْتَفت إِلَى حَظّ والدرجة الثَّالِثَة تَهْذِيب الْقَصْد وَهُوَ تصفيته من ذل الْإِكْرَاه وَتَحفظه من مرض الفتور ونصرته على منازعات الْعلم بَاب الاسْتقَامَة قَالَ الله عز وَجل فاستقيموا إِلَيْهِ 1 قَوْله عز وَجل إِلَيْهِ إِشَارَة إِلَى عين التفريد والاستقامة روح تحيى بهَا الْأَحْوَال كَمَا تربو للعامة عَلَيْهَا الْأَعْمَال

باب التوكل

وَهِي برزخ بَين أوهاد التَّفَرُّق وروابي الْجمع وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى الاسْتقَامَة على الِاجْتِهَاد فِي الاقتصاد لَا عاديا رسم الْعلم وَلَا متجوزا حد الْإِخْلَاص وَلَا مُخَالفا نهج السّنة والدرجة الثَّانِيَة استقامة الْأَحْوَال وَهِي شُهُود الْحَقِيقَة لَا كسبا ورفض الدَّعْوَى لَا علما والبقاء مَعَ نور الْيَقَظَة لَا تحفظا والدرجة الثَّانِيَة الثَّالِثَة استقامة بترك رُؤْيَة الاسْتقَامَة وبالغيبة عَن تطلب الاسْتقَامَة بِشُهُود إِقَامَة الْحق وتقويمه عز اسْمه بَاب التَّوَكُّل قَالَ الله عز وَجل وعَلى الله فتوكلوا إِن كُنْتُم مُؤمنين 1 التَّوَكُّل كُله الْأَمر كُله إِلَى مَالِكه والتعويل على وكَالَته

وَهُوَ من أصعب منَازِل الْعَامَّة عَلَيْهِم وأوهى السبل عِنْد الْخَاصَّة لِأَن الْحق قد وكل الْأُمُور كلهَا إِلَى نَفسه وأيأس الْعَالم من ملك شَيْء مِنْهَا وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات كلهَا تسير مسير الْعَامَّة الدرجَة الأولى التَّوَكُّل مَعَ الطّلب ومعاطاة السَّبَب على نِيَّة شغل النَّفس ونفع الْخلق وَترك الدَّعْوَى والدرجة الثَّانِيَة التَّوَكُّل مَعَ إِسْقَاط الطّلب وغض الْعين عَن السَّبَب اجْتِهَادًا فِي تَصْحِيح التَّوَكُّل وقمع تشرف النَّفس وتفرغا إِلَى حفظ الْوَاجِبَات والدرجة الثَّالِثَة التَّوَكُّل مَعَ معرفَة التَّوَكُّل النازعة إِلَى الْخَلَاص من عِلّة التَّوَكُّل وَهُوَ أَن يعلم أَن ملكه الْحق تَعَالَى للأشياء ملكة عزة لَا يُشَارِكهُ فِيهَا مشارك فيكل شركته إِلَيْهِ فَإِن من ضَرُورَة الْعُبُودِيَّة أَن يعلم العَبْد أَن الْحق هُوَ مَالك الْأَشْيَاء وَحده

باب التفويض

بَاب التَّفْوِيض قَالَ الله عز وَجل حاكيا عَن مُؤمن آل فِرْعَوْن وأفوض أَمْرِي إِلَى الله إِن الله بَصِير بالعباد 1 التَّفْوِيض ألطف إِشَارَة وأوسع معنى من التَّوَكُّل فَإِن التَّوَكُّل بعد وُقُوع السَّبَب والتفويض قبل وُقُوعه وَبعده وَهُوَ عين الاستسلام والتوكل شُعْبَة مِنْهُ وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى أَن تعلم أَن العَبْد لَا يملك قبل عمله استطاعة فَلَا يَأْمَن من مكر وَلَا ييأس من مَعُونَة وَلَا يعول على نِيَّة والدرجة الثَّانِيَة مُعَاينَة الِاضْطِرَار فَلَا ترى عملا منجيا وَلَا ذَنبا مهْلكا وَلَا سَببا حَامِلا

باب الثقة

والدرجة الثَّالِثَة شهودك انْفِرَاد الْحق بِملك الْحَرَكَة والسكون وَالْقَبْض والبسط ومعرفته بتصريف التَّفْرِقَة وَالْجمع بَاب الثِّقَة قَالَ الله عز وَجل فَإِذا خفت عَلَيْهِ فألقيه فِي اليم 1 الثِّقَة سَواد عين التَّوَكُّل ونقطة دَائِرَة التَّفْوِيض وسويداء قلب التَّسْلِيم وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى دَرَجَة الْإِيَاس وَهُوَ إِيَاس العَبْد من مقاواة الْأَحْكَام ليقعد عَن مُنَازعَة الْأَقْسَام وليتخلص من قحة الْإِقْدَام والدرجة الثَّانِيَة دَرَجَة الْأَمْن وَهُوَ أَمن العَبْد من فَوت الْمَقْدُور وانتقاص المسطور

باب التسليم

فيظفر بِروح الرضى وَإِلَّا فبغنى الْيَقِين وَإِلَّا فبظلف الصَّبْر والدرجة الثَّالِثَة مُعَاينَة أولية الْحق ليتخلص من محن القصود وتكاليف الحمايات والتعريج على مدارج الْوَسَائِل بَاب التَّسْلِيم قَالَ الله عز وَجل فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا 1 وَفِي التَّسْلِيم والثقة والتفويض مَا فِي التَّوَكُّل من الاعتلال وَهُوَ من أَعلَى دَرَجَات سَبِيل الْعَامَّة وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى تَسْلِيم مَا يزاحم الْعُقُول مِمَّا يشق على الأوهام من الْغَيْب والإذعان لما يغالب الْقيَاس من سير الدول وَالْقسم

والإجابة لما يفزع المريد من ركُوب الْأَحْوَال والدرجة الثَّانِيَة تَسْلِيم الْعلم إِلَى الْحَال وَالْقَصْد إِلَى الْكَشْف والرسم إِلَى الْحَقِيقَة والدرجة الثَّالِثَة تَسْلِيم مَا دون الْحق إِلَى الْحق مَعَ السَّلامَة من رُؤْيَة التَّسْلِيم بمعاينة تَسْلِيم الْحق إياك إِلَيْهِ

قسم الأخلاق

قسم الْأَخْلَاق وَأما قسم الْأَخْلَاق فَهُوَ عشرَة أَبْوَاب وَهِي الصَّبْر والرضى وَالشُّكْر وَالْحيَاء والصدق والإيثار والخلق والتواضع والفتوة والانبساط بَاب الصَّبْر قَالَ الله عز وَجل واصبر وَمَا صبرك إِلَّا بِاللَّه 2 الصَّبْر حبس النَّفس على جزع كامن عَن الشكوى وَهُوَ أَيْضا من أصعب الْمنَازل على الْعَامَّة وأوحشها فِي طَرِيق الْمحبَّة وأنكرها فِي طَرِيق التَّوْحِيد وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات

الدرجَة الأولى الصَّبْر عَن الْمعْصِيَة بمطالعة الْوَعيد إبْقَاء على الْإِيمَان وحذرا من الْجَزَاء وَأحسن مِنْهَا الصَّبْر عَن الْمعْصِيَة حَيَاء والدرجة الثَّانِيَة الصَّبْر على الطَّاعَة بالمحافظة عَلَيْهَا دواما وبرعايتها إخلاصا وبتحسينها علما والدرجة الثَّالِثَة الصَّبْر فِي الْبلَاء بملاحظة حسن الْجَزَاء وانتظار روح الْفرج وتهوين البلية بعد أيادي المنن وتذكر سوالف النعم وَفِي هَذِه الدَّرَجَات الثَّلَاث من الصَّبْر نزلت اصْبِرُوا 1 يَعْنِي فِي الْبلَاء وَصَابِرُوا يَعْنِي عَن الْمعْصِيَة وَرَابطُوا يَعْنِي على الطَّاعَة وأضعف الصَّبْر الصَّبْر لله وَهُوَ صَبر الْعَامَّة

باب الرضى

وفوقه الصَّبْر لله وَهُوَ صَبر المريد وفوقهما الصَّبْر على الله وَهُوَ صَبر السالك بَاب الرضى قَالَ الله عز وَجل إرجعي إِلَى رَبك راضية مرضية 2 لم يدع فِي هَذِه الْآيَة للمتسخط إِلَيْهِ سَبِيلا وَشرط للقاصد الدُّخُول فِي الرضى والرضى اسْم للوقوف الصَّادِق حَيْثُ مَا وقف العَبْد لَا يلْتَمس مُتَقَدما وَلَا مُتَأَخِّرًا وَلَا يستزيد مزيدا وَلَا يسْتَبْدل حَالا وَهُوَ من أَوَائِل مسالك أهل الْخُصُوص وأشقها على الْعَامَّة وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى رضى الْعَامَّة وَهُوَ الرضى بِاللَّه رَبًّا بسخط عبَادَة مَا دونه

وَهَذَا قطب رحى الْإِسْلَام وَهُوَ يطهر من الشّرك الْأَكْبَر وَهُوَ يَصح بِثَلَاث شَرَائِط أَن يكون الله عز وَجل أحب الْأَشْيَاء إِلَى العَبْد وَأولى الْأَشْيَاء بالتعظيم وأحق الْأَشْيَاء بِالطَّاعَةِ والدرجة الثَّانِيَة الرضى عَن الله عز وَجل وَبِهَذَا الرضى نطقت آيَات التَّنْزِيل وَهُوَ الرضى عَنهُ فِي كل مَا قضى وَهَذَا من أَوَائِل مسالك أهل الْخُصُوص وَيصِح بِثَلَاث شَرَائِط باستواء الْحَالَات عِنْد العَبْد وبسقوط الْخُصُومَة مَعَ الْخلق وبالخلاص من الْمَسْأَلَة والإلحاح والدرجة الثَّالِثَة الرضى برضى الله فَلَا يرى العَبْد لنَفسِهِ سخطا وَلَا رضى فيبعثه على ترك التحكم وحسم الِاخْتِيَار وَإِسْقَاط التَّمْيِيز وَلَو أَدخل النَّار

باب الشكر

بَاب الشُّكْر قَالَ الله عز وَجل وَقَلِيل من عبَادي الشكُور 1 الشُّكْر اسْم لمعْرِفَة النِّعْمَة لِأَنَّهَا السَّبِيل إِلَى معرفَة الْمُنعم وَلِهَذَا الْمَعْنى سمي الله تَعَالَى الْإِسْلَام وَالْإِيمَان فِي الْقُرْآن شكرا وعاني الشُّكْر ثَلَاثَة أَشْيَاء معرفَة النِّعْمَة ثمَّ قبُول النِّعْمَة ثمَّ الثَّنَاء بهَا وَهُوَ أَيْضا من سبل الْعَامَّة وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى الشُّكْر فِي المحاب وَهَذَا شكر شاركت الْمُسلمين فِيهِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَمن سَعَة بر البارئ أَنه عده شكرا ووعد عَلَيْهِ الزِّيَادَة وَأوجب لَهُ المثوبة والدرجة الثَّانِيَة الشُّكْر فِي المكاره

باب الحياء

وَهَذَا مِمَّن يستوى عِنْده الْحَالَات إِظْهَار الرضى وَمِمَّنْ يُمَيّز بَين الْأَحْوَال كظم الشكوى ورعاية الْأَدَب وسلوك مَسْلَك الْعلم وَهَذَا الشاكر أول من يدعى إِلَى الْجنَّة والدرجة الثَّالِثَة أَن لَا يشْهد العَبْد إِلَّا الْمُنعم فَإِذا شهد الْمُنعم عبودة استعظم مِنْهُ النِّعْمَة وَإِذا شهده حبا استحلى مِنْهُ الشدَّة وَإِذا شهده تفريدا لم يشْهد مِنْهُ شدَّة وَلَا نعْمَة بَاب الْحيَاء قَالَ عز وَجل ألم يعلم بِأَن الله يرى 1 الْحيَاء من أَوَائِل مدارج أهل الْخُصُوص يتَوَلَّد من تَعْظِيم مَنُوط بود وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى حَيَاء يتَوَلَّد من علم العَبْد بِنَظَر الْحق إِلَيْهِ فيجذبه إِلَى تحمل المجاهدة

باب الصدق

ويحمله على استقباح الْجِنَايَة ويسكته عَن الشكوى والدرجة الثَّانِيَة حَيَاء يتَوَلَّد من النّظر فِي علم الْقرب فيدعوه إِلَى ركُوب الْمحبَّة ويربطه بِروح الْأنس وَيكرهُ إِلَيْهِ مُلَابسَة الْخلق والدرجة الثَّالِثَة حَيَاء يتَوَلَّد من شُهُود الحضرة وَهِي الَّتِي تشوبها هَيْبَة وَلَا تقاويها تَفْرِقَة وَلَا يُوقف لَهَا على غَايَة بَاب الصدْق قَالَ الله عز وَجل فَإِذا عزم الْأَمر فَلَو صدقُوا الله لَكَانَ خيرا لَهُم 1 الصدْق اسْم لحقيقة الشَّيْء بِعَيْنِه حصولا ووجودا وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى صدق الْقَصْد

وَبِه يَصح الدُّخُول فِي هَذَا الشَّأْن ويتلافى بِهِ كل تَفْرِيط ويتدارك كل فَائت ويعمر كل خراب وعلامة هَذَا الصَّادِق أَن لَا يحْتَمل دَاعِيَة تَدْعُو إِلَى نقض عهد وَلَا يصبر على صُحْبَة ضد وَلَا يقْعد عَن الْجد بِحَال والدرجة الثَّانِيَة أَن لَا يتَمَنَّى الْحَيَاة إِلَّا للحق وَلَا يشْهد من نَفسه إِلَّا أثر النُّقْصَان وَلَا يلْتَفت إِلَى ترفيه الرُّخص والدرجة الثَّالِثَة الصدْق فِي معرفَة الصدْق فَإِن الصدْق لَا يَسْتَقِيم فِي علم الْخُصُوص إِلَّا على حرف وَاحِد وَهُوَ أَن يتَّفق رضى الْحق بِعَمَل العَبْد أَو حَاله أَو وقته وإتيان العَبْد وقصده فَيكون العَبْد رَاضِيا مرضيا فأعماله إِذا مرضية وأحواله صَادِقَة وقصوده مُسْتَقِيمَة وَإِن كَانَ العَبْد كسي ثوبا معارا

باب الإيثار

فَأحْسن أَعماله ذَنْب وأصدق أَحْوَاله زور وأصفى قصوده قعُود بَاب الإيثار قَالَ الله عز وَجل ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة 1 الإيثار تَخْصِيص وَاخْتِيَار والأثرة تحسن طَوْعًا وَتَصِح كرها وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى أَن تُؤثر الْخلق على نَفسك فِيمَا لَا يحرم عَلَيْك دينا وَلَا يقطع عَلَيْك طَرِيقا ولاءيفسد عَلَيْك وقتا ويستطاع هَذَا بِثَلَاثَة أَشْيَاء بتعظيم الْحُقُوق ومقت الشُّح

باب الخلق

وَالرَّغْبَة فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق والدرجة الثَّانِيَة إِيثَار رضى الله تَعَالَى على رضى غَيره وَإِن عظمت فِيهِ المحن وثقلت بِهِ الْمُؤَن وضعفت عَنهُ الطول وَالْبدن ويستطاع هَذَا بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِطيب الْعود وَحسن الْإِسْلَام وَقُوَّة الصَّبْر والدرجة الثَّالِثَة إِيثَار إِيثَار الله تَعَالَى فَإِن الْخَوْض فِي الإيثار دَعْوَى فِي الْملك ثمَّ ترك شُهُود رؤيتك إِيثَار الله ثمَّ غَيْبَتِك عَن التّرْك بَاب الْخلق قَالَ الله عز وَجل وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم 1 الْخلق مَا يرجع إِلَيْهِ الْمُتَكَلف من نَعته

وَاجْتمعت كلمة الناطقين فِي هَذَا الْعلم أَن التصوف هُوَ الْخلق وجماع الْكَلَام فِيهِ يَدُور على قطب وَاحِد وَهُوَ بذل الْمَعْرُوف وكف الْأَذَى وَإِنَّمَا يدْرك إِمْكَان ذَلِك قي ثَلَاثَة أَشْيَاء فِي الْعلم والجود وَالصَّبْر وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى أَن تعرف مقَام الْخلق أَنهم بأقدارهم مربوطون وَفِي طاقتهم محبوسون وعَلى الحكم موقوفون فتستفيد بِهَذِهِ الْمعرفَة ثَلَاثَة أَشْيَاء أَمن الْخلق مِنْك حَتَّى الْكَلْب ومحبة الْخلق إياك وَنَجَاة الْخلق بك والدرجة الثَّانِيَة تَحْسِين خلقك مَعَ الْحق وتحسينه مِنْك أَن تعلم أَن كل مَا يَأْتِي مِنْك يُوجب عذرا وكل مَا يَأْتِي من الْحق يُوجب شكرا وَأَن لَا ترى لَهُ من الْوَفَاء بدا

باب التواضع

والدرجة الثَّالِثَة التخلق بتصفية الْخلق ثمَّ الصعُود عَن تفرق التخلق ثمَّ التخلق بمجاوزة الْأَخْلَاق بَاب التَّوَاضُع قَالَ الله عز وَجل وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا 1 التَّوَاضُع أَن يتضع العَبْد لصولة الْحق وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى التَّوَاضُع للدّين وَهُوَ أَن لَا يُعَارض بمعقول مَنْقُولًا وَلَا يتهم على الدّين دَلِيلا وَلَا يرى إِلَى الْخلاف سَبِيلا وَلَا يَصح ذَلِك لَهُ إِلَّا بِأَن يعلم أَن النجَاة فِي البصيرة والاستقامة بعد الثِّقَة وَأَن الْبَيِّنَة وَرَاء الْحجَّة والدرجة الثَّانِيَة أَن ترْضى بِمن رضى الْحق لنَفسِهِ عبدا من الْمُسلمين أَخا

باب الفتوة

وَأَن لَا ترد على عَدوك حَقًا وَتقبل من المعتذر معاذيره والدرجة الثَّالِثَة أَن تتضع للحق فتنزل عَن رَأْيك فِي الْخدمَة ورؤية حَقك فِي الصُّحْبَة وَعَن رسمك فِي الْمُشَاهدَة بَاب الفتوة قَالَ الله عز وَجل إِنَّهُم فتية آمنُوا برَبهمْ وزدناهم هدى 1 نُكْتَة الفتوة أَن لَا تشهد لَك فضلا وَلَا ترى لَك حَقًا وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى ترك الْخُصُومَة والتغافل عَن الزلة ونسيان الأذية والدرجة الثَّانِيَة أَن تقرب من يقصيك وتكرم من يُؤْذِيك وتعتذر إِلَى من يجنى عَلَيْك

باب الانبساط

سماحا لَا كظما وبراحا لَا مصابرة والدرجة الثَّالِثَة أَن لَا تتَعَلَّق فِي الْمسير بِدَلِيل وَلَا تشوب إجابتك بعوض وَلَا تقف فِي شهودك على رسم وَاعْلَم أَن من أحْوج عدوه إِلَى شَفَاعَة وَلم يخجل من المعذرة إِلَيْهِ لم يشم رَائِحَة الفتوة ثمَّ فِي علم الْخُصُوص من طلب نور الْحَقِيقَة على قدم الِاسْتِدْلَال لم يحل لَهُ دَعْوَى الفتوة أبدا بَاب الانبساط قَالَ الله عز وَجل حاكيا عَن كليمة عَلَيْهِ السَّلَام أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا إِن هِيَ إِلَّا فتنتك تضل بهَا من تشَاء وتهدي من تشَاء 1 الانبساط إرْسَال السجية والتحاشي من وَحْشَة الحشمة

وَهُوَ السّير مَعَ الجبلة وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى الانبساط مَعَ الْخلق وَهُوَ أَن لَا تعتز لَهُم ضنا على نَفسك أَو شحا على حظك وتسترسل لَهُم فِي فضلك وتسعهم بخلقك وتدعهم يطؤونك وَالْعلم قَائِم وشهودك الْمَعْنى دَائِم والدرجة الثَّانِيَة الانبساط مَعَ الْحق وَهُوَ أَن لَا يجنبك خوف وَلَا يحجبك رَجَاء وَلَا يحول بَيْنك وَبَينه آدم وحواء والدرجة الثَّالِثَة الانبساط فِي الانطواء عَن الانبساط وَهُوَ رحب الهمة لانطواء انبساط العَبْد فِي بسط الْحق جلّ جلالة

قسم الأصول

قسم الْأُصُول وَأما قسم الْأُصُول فَهُوَ عشرَة أَبْوَاب وَهِي الْقَصْد والعزم والإرادة وَالْأَدب وَالْيَقِين والأنس وَالذكر والفقر والغنى ومقام المُرَاد بَاب الْقَصْد قَالَ الله عز وَجل وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله 1 الْقَصْد الإزماع على التجرد للطاعة وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى قصد يبْعَث على الارتياض

باب العزم

ويخلص من التَّرَدُّد وَيَدْعُو إِلَى مجانبة الْأَغْرَاض والدرجة الثَّانِيَة قصد لَا يلتقي سَببا إِلَّا قطعه وَلَا يدع حَائِلا إِلَّا مَنعه وَلَا تحاملا إِلَّا سهله والدرجة الثَّالِثَة قصد استسلام لتهذيب الْعلم وَقصد إِجَابَة لوطئ الحكم وَقصد اقتحام فِي بَحر الفناء بَاب الْعَزْم قَالَ الله عز وَجل فَإِذا عزمت فتوكل على الله 1 الْعَزْم تَحْقِيق الْقَصْد طَوْعًا أَو كرها وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى إباء الْحَال على الْعلم بشيم برق الْكَشْف واستدامة نور الْأنس والإجابة لإماتة الْهوى

باب الإرادة

والدرجة الثَّانِيَة الِاسْتِغْرَاق فِي لوائح الْمُشَاهدَة واستنارة ضِيَاء الطَّرِيق واستجماع قوى الاسْتقَامَة والدرجة الثَّالِثَة معرفَة عِلّة الْعَزْم ثمَّ الْعَزْم على التَّخَلُّص من الْعَزْم ثمَّ الْخَلَاص من تكاليف ترك الْعَزْم فَإِن العزائم لم تورث أَرْبَابهَا مِيرَاثا أكْرم من وقوفهم على علل العزائم بَاب الْإِرَادَة قَالَ الله عز وَجل قل كل يعْمل على شاكلته 1 الْإِرَادَة من قوانين هَذَا الْعلم وجوامع أبنيته وَهِي الْإِجَابَة لدواعي الْحَقِيقَة طَوْعًا وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى ذهَاب عَن الْعَادَات بِصُحْبَة الْعلم وَتعلق بِأَنْفَاسِ السالكين مَعَ صدق الْقَصْد وخلع كل شاغل من الإخوان

باب الأدب

ومشتت من الأوطان والدرجة الثَّانِيَة تقطع بِصُحْبَة الْحَال وترويح الْأنس وَالسير بَين الْقَبْض والبسط والدرجة الثَّالِثَة ذُهُول مَعَ صِحَة الاسْتقَامَة وملازمة الرِّعَايَة على تَهْذِيب الْأَدَب بَاب الْأَدَب قَالَ الله عز وَجل والحافظون لحدود الله 2 الْأَدَب حفظ الْحَد بَين الغلو والجفاء بِمَعْرِِفَة ضَرَر الْعدوان وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى منع الْخَوْف أَن يتَعَدَّى إِلَى الْإِيَاس وَحبس الرَّجَاء أَن يخرج إِلَى الْأَمْن وَضبط السرُور أَن يضاهي الجرأة والدرجة الثَّانِيَة الْخُرُوج من الْخَوْف إِلَى ميدان الْقَبْض والصعود عَن الرَّجَاء إِلَى ميدان الْبسط

باب اليقين

والترقي عَن السرُور إِلَى ميدان الْمُشَاهدَة والدرجة الثَّالِثَة معرفَة الْأَدَب ثمَّ الْغنى عَن التأدب بتأديب الْحق ثمَّ الْخَلَاص من شُهُود أعباء الْأَدَب بَاب الْيَقِين قَالَ الله عز وَجل وَفِي الأَرْض آيَات للموقنين 3 الْيَقِين مركب الْآخِذ فِي هَذَا الطَّرِيق وَهُوَ غَايَة دَرَجَات الْعَامَّة وَقيل أول خطْوَة الْخَاصَّة وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى علم الْيَقِين وَهُوَ قبُول مَا ظهر من الْحق وَقبُول مَا غَابَ للحق وَالْوُقُوف على مَا قَامَ بِالْحَقِّ والدرجة الثَّانِيَة عين الْيَقِين وَهُوَ الْغنى بالاستدراك عَن الِاسْتِدْلَال

باب الأنس

وَعَن الْخَبَر بالعيان وخرق الشُّهُود حجاب الْعلم والدرجة الثَّالِثَة حق الْيَقِين وَهُوَ إسفار صبح الْكَشْف ثمَّ الْخَلَاص من كلفة الْيَقِين ثمَّ الفناء فِي حق الْيَقِين بَاب الْأنس قَالَ الله عز وَجل وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب 1 الْأنس عبارَة عَن روح الْقرب وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى الْأنس بالشواهد وَهُوَ استحلاء الذّكر والتغذي بِالسَّمَاعِ وَالْوُقُوف على الإشارات والدرجة الثَّانِيَة الْأنس بِنور الْكَشْف وَهُوَ أنس شاخص عَن الْأنس الأول

باب الذكر

تشوبه صولة الهيمان ويضربه موج الفناء وَهَذَا الَّذِي غلب قوما على عُقُولهمْ وسلب قوما طَاقَة الاصطبار وَحل عَنْهُم قيود الْعلم وَفِي هَذَا ورد الْخَبَر بِهَذَا الدُّعَاء أَسأَلك شوقا إِلَى لقائك من غير ضراء مضرَّة وَلَا فتْنَة مضلة والدرجة الثَّالِثَة أنس اضمحلال فِي شُهُود الحضرة لَا يعبر عَن عينه وَلَا يشار إِلَى حَده وَلَا يُوقف على كنهه بَاب الذّكر قَالَ الله عز وَجل وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت 1 يَعْنِي إِذا نسيت غَيره ونسيت نَفسك فِي ذكرك ثمَّ نسيت ذكرك فِي ذكرك ثمَّ نسيت فِي ذكر الْحق إياك كل ذكر

باب الفقر

وَالذكر هُوَ التَّخَلُّص من الْغَفْلَة وَالنِّسْيَان وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى الذّكر الظَّاهِر من ثَنَاء أَو دُعَاء أَو رعاء والدرجة الثَّانِيَة الذّكر الْخَفي وَهُوَ الْخَلَاص من الفتور والبقاء مَعَ الشُّهُود وَلُزُوم المسامرة والدرجة الثَّالِثَة الذّكر الْحَقِيقِيّ وَهُوَ شُهُود ذكر الْحق إياك والتخلص من شُهُود ذكرك وَمَعْرِفَة افتراء الذاكر فِي بَقَائِهِ مَعَ ذكره بَاب الْفقر قَالَ الله عز وَجل يَا أَيهَا النَّاس أَنْتُم الْفُقَرَاء إِلَى الله 2 الْفقر اسْم للبراءة من رُؤْيَة الملكة وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات

الدرجَة الأولى فقر الزهاد وَهُوَ نفض الْيَدَيْنِ من الدُّنْيَا ضبطا أَو طلبا وإسكات اللِّسَان عَنْهَا ذما أَو مدحا والسلامة مِنْهَا طلبا أَو تركا وَهَذَا هُوَ الْفقر الَّذِي تكلمُوا فِي شرفه والدرجة الثَّانِيَة الرُّجُوع إِلَى السَّبق بمطالعة الْفضل وَهُوَ يُورث الْخَلَاص من رُؤْيَة الْأَعْمَال وَيقطع شُهُود الْأَحْوَال ويمحص من أدناس مطالعة المقامات والدرجة الثَّالِثَة صِحَة الِاضْطِرَار والوقوع فِي يَد التقطع الوحداني والاحتباس فِي قيد التَّجْرِيد وَهَذَا فقر الصُّوفِيَّة 49 - بَاب الْغنى قَالَ الله عز وَجل ووجدك عائلا فأغنى 1 الْغنى اسْم للْملك التَّام وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات

الدرجَة الأولى غنى الْقلب وَهُوَ سَلَامَته من السَّبَب ومسالمته الحكم وخلاصة من الْخُصُومَة والدرجة الثَّانِيَة عَنى النَّفس وَهُوَ استقامتها على المرغوب وسلامتها من المسخوط وبراءتها من المراياة والدرجة الثَّالِثَة الْغنى بِالْحَقِّ وَهُوَ على ثَلَاث مَرَاتِب الْمرتبَة الأولى شُهُود ذكره إياك وَالثَّانيَِة دوَام مطالعة أوليته وَالثَّالِثَة الْفَوْز بِوُجُودِهِ 50 بَاب مقَام المُرَاد قَالَ الله عز وَجل وَمَا كنت ترجو أَن يلقى إِلَيْك الْكتاب 1 أَكثر الْمُتَكَلِّمين فِي هَذَا الْعلم جعلُوا المُرَاد والمريد اثْنَيْنِ

وَجعلُوا مقَام المُرَاد فَوق مقَام المريد وَإِنَّمَا أشاروا باسم المُرَاد إِلَى الضنائن الَّذين ورد فيهم الْخَبَر وللمراد ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى أَن يعْصم العَبْد وَهُوَ يستشرف للجفاء اضطرارا بتنغيص الشَّهَوَات وتعويق الملاذ وسد مسالك المعاطب عَلَيْهِ إِكْرَاها والدرجة الثَّانِيَة أَن يضع عَن العَبْد عوار النَّقْص ويعافيه من سمة اللائمة ويملكه عواقب الهفوات كَمَا فعل بِسُلَيْمَان فِي قتل الْخَيل حمله على الرّيح الرخَاء والعاصف فأغناه عَن الْخَيل وَفعل بمُوسَى حِين ألْقى الألواح وَأخذ بِرَأْس أَخِيه لم يعتب عَلَيْهِ كَمَا عتب على آدم ونوح وَدَاوُد وَيُونُس والدرجة الثَّالِثَة اجتباء الْحق عَبده واستخلاصه إِيَّاه بخالصته كَمَا ابْتَدَأَ مُوسَى وَهُوَ خرج يقتبس نَارا فاصطنعه لنَفسِهِ وَأبقى مِنْهُ رسما معارا

قسم الأودية وَأما قسم الأودية فَهُوَ عشرَة أَبْوَاب وَهِي الْإِحْسَان وَالْعلم وَالْحكمَة والبصيرة والفراسة والتعظيم والإلهام والسكينة والطمأنينة والهمة 51 بَاب الْإِحْسَان قَالَ الله عز وَجل هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان 2 قد ذكرنَا فِي صدر الْكتاب أَن الْإِحْسَان اسْم جَامع نبوي يجمع أَبْوَاب الْحَقَائِق وَهُوَ أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى الْإِحْسَان فِي الْقَصْد

بتهذيبه علما وإبرامه عزما وتصفيته حَالا والدرجة الثَّانِيَة الْإِحْسَان فِي الْأَحْوَال وَهُوَ أَن تراعيها غَيره وتسترها تظرفا وتصححها تَحْقِيقا والدرجة الثَّالِثَة الْإِحْسَان فِي الْوَقْت وَهُوَ أَن لَا تزايل الْمُشَاهدَة أبدا وَلَا تلحظ لهمتك أمدا وَتجْعَل هجرتك إِلَى الْحق سرمدا 52 - بَاب الْعلم قَالَ الله عز وَجل وعلمناه من لدنا علما 1 الْعلم مَا قَامَ بِدَلِيل وَرفع الْجَهْل وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى علم جلي

يَقع بعيان أَو استفاضة صَحِيحَة أَو صِحَة تجربة قديمَة والدرجة الثَّانِيَة علم خَفِي ينْبت فِي الْأَسْرَار الطاهرة من الأبراز الزاكية بِمَاء الرياضة الْخَالِصَة وَيظْهر فِي الأنفاس الصادقة لأهل الهمة الْعَالِيَة فِي الْأَحَايِين الخالية فِي الأسماع الصاخبة وَهُوَ علم يظْهر الْغَائِب ويغيب الشَّاهِد وَيُشِير إِلَى الْجمع والدرجة الثَّالِثَة علم لدني إِسْنَاده وجوده وإدراكه عيانه ونعته حكمه لَيْسَ بَينه وَبَين الْغَيْب حجاب

53 - بَاب الْحِكْمَة قَالَ الله عز وَجل يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا 1 الْحِكْمَة اسْم لأحكام وضع الشَّيْء فِي مَوْضِعه وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى أَن تُعْطِي كل شَيْء حَقه وَلَا تعديه حَده وَلَا تعجله وقته والدرجة الثَّانِيَة أَن تشهد نظر الله فِي وعيده وتعرف عدله فِي حكمه وتلحظ بره فِي مَنعه والدرجة الثَّالِثَة أَن تبلغ فِي استدلالك البصيرة وَفِي إرشادك الْحَقِيقَة وَفِي إشارتك الْغَايَة 54 بَاب البصيرة قَالَ الله عز وَجل قل هَذِه سبيلي ادعو إِلَى الله على بَصِيرَة

أَنا وَمن اتبعني 1 البصيرة مَا يخلصك من الْحيرَة وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى أَن تعلم أَن الْخَبَر الْقَائِم بتمهيد الشَّرِيعَة يصدر عَن عين لَا تخَاف عواقبها فترى من حَقه أَن تلذه يَقِينا وتغضب لَهُ غيرَة والدرجة الثَّانِيَة أَن تشهد فِي هِدَايَة الْحق وإضلاله إِصَابَة الْعدْل وَفِي تلوين أقسامه رِعَايَة الْبر وتعاين فِي جذبه حَبل الْوِصَال والدرجة الثَّالِثَة بَصِيرَة تفجر الْمعرفَة وَتثبت الْإِشَارَة وتنبت الفراسة 55 - بَاب الفراسة قَالَ الله عز وَجل إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين 1

التوسم التفرس وَهُوَ استئناس حكم غيب من غير اسْتِدْلَال بِشَاهِد وَلَا اختبار بتجربة وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى فراسة طارئة نادرة تسْقط على لِسَان وَحشِي فِي الْعُمر مرّة لحَاجَة سمع مُرِيد صَادِق إِلَيْهَا لَا يُوقف على مخرجها وَلَا يوبه بصاحبها وَهَذَا شَيْء لَا يلخص من الكهانة وَمَا ضاهاها لِأَنَّهَا لم تشر عَن عين وَلم تصدر عَن علم وَلم تسق بِوُجُود والدرجة الثَّانِيَة فراسة تجني من غرس الْإِيمَان وتطلع من صِحَة الْحَال وتلمع من نور الْكَشْف والدرجة الثَّالِثَة فراسة سَرِيَّة لم تجتلبها روية على لِسَان مصطنع

تَصْرِيحًا أَو رمزا 56 بَاب التَّعْظِيم قَالَ الله عز وَجل مالكم لَا ترجون لله وقارا 1 التَّعْظِيم معرفَة العظمة مَعَ التذلل لَهَا وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى تَعْظِيم الْأَمر وَالنَّهْي وَهُوَ أَن لَا يعارضا بترخص جَاف وَلَا يعرضا لتشديد غال وَلَا يحملا على عِلّة توهن الانقياد والدرجة الثَّانِيَة تَعْظِيم الحكم أَن يبغى لَهُ عوج أَو يدافع بِعلم أَو يرضى بعوض والدرجة الثَّالِثَة تَعْظِيم الْحق وَهُوَ أَن لَا تجْعَل دونه سَببا أَو ترى عَلَيْهِ حَقًا

أَو تنَازع لَهُ اخْتِيَارا 57 - بَاب الإلهام قَالَ الله عز وَجل قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك 1 الإلهام مقَام الْمُحدثين وَهُوَ فَوق الفراسة لِأَن الفراسة رُبمَا وَقعت نادرة أَو استصعبت على صَاحبهَا وقتا واستعصت عَلَيْهِ والإلهام لَا يكون إِلَّا فِي مقَام عتيد وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى إلهام نبأ يَقع وَحيا قَاطعا مَقْرُونا بِسَمَاع أَو مُطلقًا والدرجة الثَّانِيَة إلهام يَقع عينا وعلامة صِحَّته أَنه لَا يخرق سترا وَلَا يُجَاوز حدا

وَلَا يُخطئ أبدا والدرجة الثَّالِثَة إلهام يجلو عين التَّحْقِيق صرفا وينطق عَن عين الْأَزَل مَحْضا وللإلهام غَايَة تمْتَنع عَن الْإِشَارَة إِلَيْهَا 58 - بَاب السكينَة قَالَ الله عز وَجل هُوَ الَّذِي أنزل السكينَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ 1 اسْم السكينَة لثَلَاثَة أَشْيَاء أَولهَا سكينَة بني إِسْرَائِيل الَّتِي أعطوها فِي التابوت قَالَ أهل التَّفْسِير هِيَ ريح هفافة وَذكروا صفتهَا وفيهَا ثَلَاثَة أَشْيَاء هِيَ لانبيائهم معْجزَة ولملوكهم كَرَامَة وَهِي آيَة النُّصْرَة تخلع قُلُوب الْعَدو بصوتها رعْبًا إِذْ التقى الصفان لِلْقِتَالِ والسكينة الثَّانِيَة الَّتِي تنطق على ألسن الْمُحدثين لَيست هِيَ شَيْئا يملك

إِنَّمَا هِيَ شَيْء من لطائف صَنِيع الْحق يلقى على لِسَان الْمُحدث الْحِكْمَة كَمَا يلقى الْملك الْوَحْي على قُلُوب الْأَنْبِيَاء وتنطق الْمُحدثين بنكت الْحَقَائِق مَعَ ترويح الاسرار وكشف الشّبَه والسكينة الثَّالِثَة هِيَ الَّتِي أنزلت فِي قلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقُلُوب الْمُؤمنِينَ وَهِي شَيْء يجمع نورا وَقُوَّة وروحا يسكن إِلَيْهِ الْخَائِف ويتسلى بِهِ الحزين والضجر ويستكين لَهُ العصي والجري والأبي وَأما سكينَة الْوَقار الَّتِي ترَاهَا نعتا أَرْبَابهَا فَإِنَّهَا ضِيَاء تِلْكَ السكينَة الثَّالِثَة الَّتِي ذَكرنَاهَا وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى سكينَة الْخُشُوع عِنْد الْقيام بِالْخدمَةِ رِعَايَة وتعظيما وحضورا والدرجة الثَّانِيَة السكينَة عِنْد الْمُعَامَلَة بمحاسبة النَّفس وملاطفة الْخلق

ومراقبة الْحق والدرجة الثَّالِثَة السكينَة الَّتِي تنْبت الرضى بالقسم وتمنع من الشطح الْفَاحِش وتقف صَاحبهَا على حد الرُّتْبَة 59 بَاب الطمأنينه قَالَ الله عز وَجل يَا أيتها النَّفس المطمئنة 1 الطُّمَأْنِينَة سُكُون يقويه أَمن صَحِيح شَبيه بالعيان وَبَينه وَبَين السكينَة فرقان أَحدهمَا أَن السكينَة صولة تورث خمود الهيبة أَحْيَانًا والطمأنينة سُكُون أَمن فِيهِ استراحة أنس وَالثَّانِي أَن السكينَة تكون نعتا وَتَكون حينا بعد حِين والطمأنينة نعت لَا يزايل صَاحبه وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى طمأنينة الْقلب بِذكر الله وَهِي طمأنينة الْخَائِف إِلَى الرَّجَاء

والضجر إِلَى الحكم والمبتلي إِلَى المثوبة والدرجة الثَّانِيَة طمأنينة الرّوح فِي الْقَصْد إِلَى الْكَشْف وَفِي الشوق إِلَى الْعدة وَفِي التَّفْرِقَة إِلَى الْجمع والدرجة الثَّالِثَة طمأنينة شُهُود الحضرة إِلَى اللطف وطمأنينة الْجمع إِلَى الْبَقَاء وطمأنينة الْمقَام إِلَى نور الْأَزَل 60 - بَاب الهمة قَالَ الله عز وَجل مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى 1 الهمة مَا يملك الانبعاث للمقصود صرفا لَا يَتَمَالَك صَاحبهَا وَلَا يلْتَفت عَنْهَا وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى همة تصون الْقلب من خسة الرَّغْبَة فِي الفاني وتحمله على الرَّغْبَة فِي الْبَاقِي وتصفية من كدر التواني

والدرجة الثَّانِيَة همة تورث أَنَفَة من المبالاة بالعلل وَالنُّزُول على الْعَمَل والثقة بالأمل والدرجة الثَّالِثَة همة تصاعد عَن الْأَحْوَال والمقامات وتزرى بالأعواض والدرجات وتنحو عَن النعوت نَحْو الذَّات

قسم الْأَحْوَال وَأما قسم الْأَحْوَال فَهُوَ عشرَة أَبْوَاب وَهِي الْمحبَّة والغيرة والشوق والقلق والعطش والوجد والدهش والهيمان والبرق والذوق 61 - بَاب الْمحبَّة قَالَ الله عز وَجل من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ 1 الْمحبَّة تعلق الْقلب بَين الهمة والأنس فِي الْبَذْل وَالْمَنْع على الْإِفْرَاد والمحبة أول أَوديَة الفناء والعقبة الَّتِي ينحدر مِنْهَا على منَازِل المحو وَهِي آخر منزل تلقى فِيهِ مُقَدّمَة الْعَامَّة ساقة الْخَاصَّة

وَمَا دونهَا أغراض لأعواض والمحبة هِيَ سمة الطَّائِفَة وعنوان الطَّرِيقَة ومعقد النِّسْبَة وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى محبَّة تقطع الوساوس وتلذ الْخدمَة وتسلي عَن المصائب وَهِي محبَّة تنْبت من مطالعة الْمِنَّة وَتثبت بِاتِّبَاع السّنة وتنمو على الْإِجَابَة للفاقة والدرجة الثَّانِيَة محبَّة تبْعَث على إِيثَار الْحق على غَيره وتلهج اللِّسَان بِذكرِهِ وَتعلق الْقلب بشهوده وَهِي محبَّة تظهر من مطالعة الصِّفَات وَالنَّظَر فِي الْآيَات والارتياض بالمقامات والدرجة الثَّالِثَة محبَّة خاطفة تقطع الْعبارَة وتدقق الْإِشَارَة

وَلَا تَنْتَهِي بالنعوت وَهَذِه الْمحبَّة هِيَ قطب هَذَا الشَّأْن وَمَا دونهَا محاب نادت عَلَيْهَا الألسن وادعتها الخليقة وأوجبتها الْعُقُول 62 - بَاب الْغيرَة قَالَ الله عز وَجل حاكيا عَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ردوهَا عَليّ فَطَفِقَ مسحا بِالسوقِ والأعناق 2 الْغيرَة سُقُوط الِاحْتِمَال ضنا والضيق عَن الصَّبْر نفاسة وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى غيرَة العابد على ضائع يسْتَردّ ضيَاعه ويستدرك فَوَاته ويتدارك تواه والدرجة الثَّانِيَة غيرَة المريد على وَقت فَاتَ وَهِي غيرَة قاتلة

فَإِن الْوَقْت وَحي الْغَضَب أبي الْجَانِب بطيء الرُّجُوع والدرجة الثَّالِثَة غيرَة الْعَارِف على عين غطاها غين وسر غشيه رين وَنَفس علق برجاء أَو الْتفت إِلَى عَطاء 63 - بَاب الشوق قَالَ الله عز وَجل من كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله فَإِن أجل الله لآت 1 الشوق هبوب الْقلب إِلَى غَائِب وَفِي مَذْهَب هَذِه الطَّائِفَة عِلّة الشوق عَظِيمَة فَإِن الشوق إِنَّمَا يكون إِلَى غَائِب وَمذهب هَذِه الطَّائِفَة إِنَّمَا قَامَ على الْمُشَاهدَة ولهذه الْعلَّة لم ينْطق الْقُرْآن باسمه ثمَّ هُوَ على ثَلَاث دَرَجَات

الدرجَة الأولى شوق العابد إِلَى الْجنَّة ليأمن الْخَائِف ويفرح الحزين ويظفر الآمل والدرجة الثَّانِيَة شوق إِلَى الله عز وَجل زرعه الْحبّ الَّذِي نبت على حافات المنن فعلق قلبه بصفاته المقدسة فاشتاق إِلَى مُعَاينَة لطائف كرمه وآيات بره وأعلام فَضله وَهَذَا الشوق تفثأه المبار وتخالجه المسار ويقاويه الاصطبار والدرجة الثَّالِثَة نَار أضرمها صفو الْمحبَّة فنغصت الْعَيْش وسلبت السلوة وَلم ينهنهها معز دون اللِّقَاء 64 - بَاب القلق قَالَ الله عز وَجل حاكيا عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام

وعجلت إِلَيْك رب لترضي 1 الفلق تَحْرِيك الشوق بِإِسْقَاط الصَّبْر وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى قلق يضيق الْخلق وَيبغض الْخلق ويلذ الْمَوْت والدرجة الثَّانِيَة قلق يغالب الْعقل ويخلي السّمع ويصاول الطَّاقَة والدرجة الثَّالِثَة قلق لَا يرحم أبدا وَلَا يقبل أمدا وَلَا يبقي أحدا 65 - بَاب الْعَطش قَالَ الله عز وَجل حاكيا عَن خَلِيله عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل رأى كوكبا قَالَ هَذَا رَبِّي 2

الْعَطش كِنَايَة عَن غَلَبَة ولوع بمأمول وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى عَطش المريد إِلَى شَاهد يرويهِ أَو إِشَارَة تشفيه أَو عطفة تؤويه والدرجة الثَّانِيَة عَطش السالك إِلَى أجل يطويه وَيَوْم يرِيه مَا يُغْنِيه ومنزل يستريح فِيهِ والدرجة الثَّالِثَة عَطش الْمُحب إِلَى جلوة مَا دونهَا سَحَاب عِلّة وَلَا يغطيها حجاب تَفْرِقَة وَلَا يعرج دونهَا على انْتِظَار 66 - بَاب الوجد قَالَ الله عز وَجل وربطنا على قُلُوبهم إِذْ قَامُوا 1 الوجد لَهب يتأجج من شُهُود عَارض مقلق وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى وجد عَارض

يستفيق لَهُ شَاهد السّمع أَو شَاهد الْبَصَر أَو شَاهد الْفِكر أبقى على صَاحبه أثرا أَو لم يبْق والدرجة الثَّانِيَة وجد يستفيق لَهُ الرّوح بلمع نور أزلي أَو سَماع نِدَاء أولي أَو جذب حَقِيقِيّ إِن أبقى على صَاحبه لِبَاسه وَإِلَّا أبقى عَلَيْهِ نوره والدرجة الثَّالِثَة وجد يخطف العَبْد من يَد الكونين ويمحص مَعْنَاهُ من درن الْحَظ ويسلبه من رق المَاء والطين إِن سلبه أنساه اسْمه وَإِن لم يسلبه أَعَارَهُ رسمه 67 - بَاب الدهش قَالَ الله عز وَجل فَلَمَّا رأينه أكبرنه 1

الدهش بهتة تَأْخُذ العَبْد إِذْ فَجْأَة مَا يغلب عقله أَو صبره أَو علمه وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى دهشة المريد عِنْد صولة الْحَال على علمه والوجد على طاقته والكشف على همته والدرجة الثَّانِيَة دهشة السالك عِنْد وصولة الْجمع على رسمه والسبق على وقته والمشاهدة على روحه والدرجة الثَّالِثَة دهشة الْمُحب عِنْد وصولة الِاتِّصَال على لطف الْعَطِيَّة وُصُوله نور الْقرب على نور الْعَطف وصولة شوق العيان على شوق الْخَبَر 68 - بَاب الهيمان قَالَ الله عز وَجل وخر مُوسَى صعقا 1

الهيمان ذهَاب عَن التماسك تَعَجبا أَو حيرة وَهُوَ أثبت دواما وأملك بالنعت من الدهش وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى هيمان فِي شيم أَوَائِل برق اللطف عِنْد قصد الطَّرِيق مَعَ مُلَاحظَة العَبْد خسة قدره وسفال مَنْزِلَته وتفاهة قِيمَته والدرجة الثَّانِيَة هيمان فِي تلاطم أمواج التَّحْقِيق عِنْد ظُهُور براهينه وتواصل عجائبه ولياح أنواه والدرجة الثَّالِثَة هيمان عِنْد الْوُقُوع فِي عين الْقدَم ومعاينة سُلْطَان الْأَزَل وَالْغَرق فِي بَحر الْكَشْف 69 - بَاب الْبَرْق قَالَ الله عز وَجل إِذْ رأى نَارا 3

الْبَرْق باكورة تلمع للْعَبد فتدعوه إِلَى الدُّخُول فِي هَذَا الطَّرِيق وَالْفرق بَينه وَبَين الوجد أَن الوجد يَقع بعد الدُّخُول فِيهِ فالوجد زَاد والبرق إِذن وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى برق يلمع من جَانب الْعدة فِي عين الرَّجَاء يستكثر فِيهِ العَبْد الْقَلِيل من الْعَطاء ويستقل فِيهِ الْكثير من الأعباء ويستحلي فِيهِ مرَارَة الْقَضَاء والدرجة الثَّانِيَة برق يلمع من جَانب الْوَعيد فِي عين الحذر فيستقصر فِيهِ العَبْد الطَّوِيل من الأمل ويزهد فِي الْخلق على الْقرب ويرغب فِي تَطْهِير السِّرّ والدرجة الثَّالِثَة برق يلمع من جَانب اللطف فِي عين الافتقار فينشئ سَحَاب السرُور ويمطر قطر الطَّرب وَيجْرِي نهر الافتخار

70 - بَاب الذَّوْق قَالَ الله عز وَجل هَذَا ذكر 1 الذَّوْق أبقى من الوجد وَأجلى من الْبَرْق وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى ذوق التَّصْدِيق طعم الْعدة فَلَا يعقله ضن وَلَا يقطعهُ أمل وَلَا تعوقه أُمْنِية والدرجة الثَّانِيَة ذوق الْإِرَادَة طعم الْأنس فَلَا يعلق بِهِ شاغل وَلَا يفتنه عَارض وَلَا تكدره تَفْرِقَة والدرجة الثَّالِثَة ذوق الِانْقِطَاع طعم الِاتِّصَال وذوق الهمة طعم الْجمع وذوق المسامرة طعم العيان

قسم الولايات وَأما قسم الولايات فَهُوَ عشرَة أَبْوَاب وَهِي اللحظ وَالْوَقْت والصفاء وَالسُّرُور والسر وَالنَّفس والغربة وَالْغَرق والغيبة والتمكن 71 - بَاب اللحظ قَالَ الله عز وَجل انْظُر إِلَى الْجَبَل فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ فَسَوف تراني 1 اللحظ لمح مسترق وَهُوَ فِي هَذَا الْبَاب على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى مُلَاحظَة الْفضل سبقا

وَهِي تقطع طَرِيق السُّؤَال إِلَّا مَا استحقته الربوبية من إِظْهَار التذلل لَهَا وتنبت السرُور إِلَّا مَا يشوبه من حذر الْمَكْر وتبعث على الشُّكْر إِلَّا مَا قَامَ بِهِ الْحق عز وَجل من حق الصّفة والدرجة الثَّانِيَة مُلَاحظَة نور الْكَشْف وَهِي تسبل لِبَاس التولي وتذيق طعم التجلي وتعصم من عوار التسلي والدرجة الثَّالِثَة مُلَاحظَة عين الْجمع وَهِي توقظ لاستهانة المجاهدات وتخلص من رعونة المعارضات وتفيد مطالعة البدايات 72 - بَاب الْوَقْت قَالَ الله عز وَجل ثمَّ جِئْت على قدر يَا مُوسَى 1 الْوَقْت اسْم لظرف الْكَوْن وَهُوَ اسْم فِي هَذَا الْبَاب لثَلَاثَة معَان على ثَلَاث دَرَجَات الْمَعْنى الأول حِين وجد صَادِق لإيناس ضِيَاء فضل جذبه صفاء رَجَاء

أَو لقصمة جذبها صدق خوف أَو لتلهيب شوق جذبه اشتعال محبَّة وَالْمعْنَى الثَّانِي اسْم لطريق سالك يسير بَين تمكن وتلون لكنه إِلَى التَّمَكُّن مَا هُوَ يسْلك الْحَال ويلتفت إِلَى الْعلم فالعلم يشْغلهُ فِي حِين وَالْحَال يحملهُ فِي حِين فبلاؤه بَينهمَا يذيقه شُهُودًا طورا ويكسوه غيرَة طورا ويريه غبرة تفرق طورا وَالْمعْنَى الثَّالِث قَالُوا الْوَقْت الْحق أَرَادوا بِهِ استغراق رسم الْوَقْت فِي وجود الْحق وَهَذَا الْمَعْنى يشق على هَذَا الِاسْم عِنْدِي لكنه هُوَ اسْم فِي هَذَا الْمَعْنى الثَّالِث لحين يتلاشى فِيهِ الرسوم كشفا لَا وجودا مَحْضا وَهُوَ فَوق الْبَرْق والوجد وَهُوَ يشارف مقَام الْجمع لَو دَامَ وَبَقِي وَلَا يبلغ وَادي الْوُجُود لكنه يَكْفِي مُؤنَة الْمُعَامَلَة ويصفي عين المسامرة ويشم رَوَائِح الْوُجُود

73 - بَاب الصفاء قَالَ الله عز وَجل وَإِنَّهُم عندنَا لمن المصطفين الأخيار 1 الصفاء اسْم للبراءة من الكدر وَهُوَ فِي هَذَا الْبَاب سُقُوط التلون وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى صفاء علم يهذب لسلوك الطَّرِيق ويبصر غَايَة الْجد ويصحح همة القاصد والدرجة الثَّانِيَة صفاء حَال تشاهد بِهِ شَوَاهِد التَّحْقِيق وتذاق بِهِ حلاوة الْمُنَاجَاة وينسى بِهِ الْكَوْن والدرجة الثَّالِثَة صفاء اتِّصَال يدرج حَظّ الْعُبُودِيَّة فِي حق الربوبية ويغرق نهايات الْخَبَر فِي بدايات العيان ويطوى خسة التكاليف فِي عزل الْأَزَل

74 - بَاب السرُور قَالَ الله عز وَجل قل بفظل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا وَالسُّرُور اسْم لاستبشار جَامع وَهُوَ أصفى من الْفَرح لِأَن الأفراح رُبمَا شابها الأحزان وَلذَلِك نزل الْقُرْآن باسمه فِي أفراح الدُّنْيَا فِي مَوَاضِع وَورد اسْم السرُور فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْقُرْآن فِي حَال الْآخِرَة وَهُوَ فِي هَذَا الْبَاب على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى سرُور ذوق ذهب بِثَلَاثَة أحزان حزن أورثه خوف الِانْقِطَاع وحزن هاجته ظلمَة الْجَهْل وحزن اغشته وَحْشَة التَّفَرُّق والدرجة الثَّانِيَة سرُور شُهُود كشف حجاب الْعلم وَفك رق التَّكَلُّف وَنفي صغَار الِاخْتِيَار والدرجة الثَّالِثَة سرُور سَماع الْإِجَابَة

وَهُوَ سرُور يمحو آثَار الوحشة ويقرع بَاب الْمُشَاهدَة ويضحك الرّوح 75 - بَاب السِّرّ قَالَ الله عز وَجل الله أعلم بِمَا فِي أنفسهم 1 أَصْحَاب السِّرّ هم الأخفياء الَّذين ورد فيهم الْخَبَر وهم ثَلَاث طَبَقَات على ثَلَاث دَرَجَات الطَّبَقَة الأولى طَائِفَة علت هممهم وصفت قصودهم وَصَحَّ سلوكهم وَلم يُوقف لَهُم على رسم وَلم ينسبوا إِلَى اسْم وَلم تشر إِلَيْهِم الْأَصَابِع أُولَئِكَ ذخائر الله عز وَجل حَيْثُ كَانُوا والطبقة الثَّانِيَة طَائِفَة أشاروا عَن منزل وهم فِي غَيره ووروا بِأَمْر وهم لغيره

وَنَادَوْا على شَأْن وهم على غَيره بَين غَيره عَلَيْهِم تسترهم وأدب فيهم يصونهم وظرف يهذبهم والطبقة الثَّالِثَة طَائِفَة أسرهم الْحق عَنْهُم فألاح لَهُم لائحا أذهلهم عَن إِدْرَاك مَا هم فِيهِ وهيمهم عَن شُهُود مَا هم لَهُ وضن بحالهم على علمهمْ معرفَة مَا هم بِهِ فاستسروا عَنْهُم مَعَ شَوَاهِد تشهد لَهُم بِصِحَّة مقامهم من قصد صَادِق يهيجه غيب وَحب صَادِق يخفى عَلَيْهِم علمه وَوجد غَرِيب لَا ينْكَشف لَهُم موقده وَهَذَا من أرق مقامات أهل الْولَايَة 76 - بَاب النَّفس قَالَ الله عز وَجل فَلَمَّا أَفَاق قَالَ سُبْحَانَكَ 1 يُسمى النَّفس نفسا لتروح المتنفس بِهِ وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات

وَهِي تشابه دَرَجَات الْوَقْت والأنفاس ثَلَاثَة النَّفس الأول نفس فِي حِين استتار مَمْلُوء من الكظم مُعَلّق بِالْعلمِ إِن تنفس تنفس نفس المتأسف وَإِن نطق نطق بِالْحَرْبِ وَعِنْدِي هُوَ يتَوَلَّد من وَحْشَة الاستتار وَهِي الظلمَة الَّتِي قَالُوا إِنَّهَا مقَام وَالنَّفس الثَّانِي نفس فِي حِين التجلي وَهُوَ نفس شاخص عَن مقَام السرُور إِلَى روح المعاينة مَمْلُوء من نور الْوُجُود شاخص إِلَى مُنْقَطع الْإِشَارَة وَالنَّفس الثَّالِث نفس مطهر بِمَاء الْقُدس قَائِم بإشارات الْأَزَل وَهُوَ النَّفس الَّذِي يُسمى صدف النُّور فَالنَّفْس الأول للغيور سراج وَالنَّفس الثَّانِي للقاصد مِعْرَاج وَالنَّفس الثَّالِث للمحقق تَاج

77 - بَاب الغربة قَالَ الله عز وَجل فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ أولو بَقِيَّة ينهون عَن الْفساد فِي الأَرْض إِلَّا قَلِيلا مِمَّن أنجينا مِنْهُم 1 الاغتراب اسْم يشار بِهِ إِلَى الِانْفِرَاد عَن الْأَكفاء وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى الغربة عَن الأوطان وَهَذَا الْغَرِيب مَوته شَهَادَة وَيُقَاس لَهُ فِي قَبره من متوفاه إِلَى وَطنه وَيجمع يَوْم الْقِيَامَة إِلَى عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام والدرجة الثَّانِيَة غربَة الْحَال وَهَذَا من الغرباء الَّذين طُوبَى لَهُم وَهُوَ رجل صَالح فِي زمَان فَاسد بَين قوم فاسدين أَو عَالم بَين قوم جاهلين أَو صديق بَين قوم منافقين والدرجة الثَّالِثَة غربَة الهمة وَهِي غربَة طلب الْحق وَهِي غربَة الْعَارِف

لِأَن الْعَارِف فِي شَاهده غَرِيب ومصحوبه فِي شَاهده غَرِيب وموجوده فِيمَا يحملهُ علم أَو يظهره وجد أَو يقوم بِهِ رسم أَو تُطِيقهُ إِشَارَة أَو يَشْمَلهُ اسْم غَرِيب فغربة الْعَارِف غربَة الغربة لِأَنَّهُ غَرِيب الدُّنْيَا وغريب الْآخِرَة 78 - بَاب الْغَرق قَالَ الله عز وَجل فَلَمَّا أسلما وتله للجبين 1 هَذَا اسْم يشار بِهِ فِي هَذَا الْبَاب إِلَى من توَسط الْمقَام وَجَاوَزَ حد التَّفَرُّق وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى استغراق الْعلم فِي عين الْحَال وَهَذَا رجل قد ظفر بالاستقامة وَتحقّق فِي الْإِشَارَة فَاسْتحقَّ صِحَة النِّسْبَة والدرجة الثَّانِيَة استغراق الْإِشَارَة فِي الْكَشْف وَهَذَا رجل ينْطق عَن موجوده

ويسير مَعَ مشهوده وَلَا يحس برعونة رسمه والدرجة الثَّالِثَة استغراق الشواهد فِي الْجمع وَهَذَا رجل شملته أنوار الأولية وَفتح عينه فِي مطالعة الأزلية فتخلص من الهمم الدنية 79 - بَاب الْغَيْبَة قَالَ الله عز وَجل وَتَوَلَّى عَنْهُم وَقَالَ يَا أسفي على يُوسُف 1 الْغَيْبَة الَّتِي يشار بهَا فِي هَذَا الْبَاب على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى غيبَة المريد فِي مخلص الْقَصْد عَن أَيدي العلائق ودرك الْعَوَائِق لالتماس الْحَقَائِق والدرجة الثَّانِيَة غيبَة السالك عَن رسوم الْعلم وَعلل السَّعْي وَرخّص الفتور

والدرجة الثَّالِثَة غيبَة الْعَارِف عَن عُيُون الْأَحْوَال والشواهد والدرجات فِي حصن الْجمع 80 - بَاب التَّمَكُّن قَالَ الله عز وَجل وَلَا يستخفنك الَّذين لَا يوقنون 1 التَّمَكُّن فَوق الطُّمَأْنِينَة وَهُوَ إِشَارَة إِلَى غَايَة الِاسْتِقْرَار وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى تمكن المريد وَهُوَ أَن تَجْتَمِع لَهُ صِحَة قصد تسيره ولمع شُهُود يحملهُ وسعة طَرِيق تروحه والدرجة الثَّانِيَة تمكن السالك وَهُوَ أَن تَجْتَمِع لَهُ صِحَة انْقِطَاع وبرق كشق وصفاء حَال

والدرجة الثَّالِثَة تمكن الْعَارِف وَهُوَ أَن يحصل فِي الحضرة فَوق حجب الطّلب لابسا نور الْوُجُود

قسم الْحَقَائِق وَأما قسم الْحَقَائِق فَهُوَ عشرَة أَبْوَاب وَهِي المكاشفة والمشاهدة والمعاينة والحياة وَالْقَبْض والبسط وَالسكر والصحو والاتصال والانفصال 81 - بَاب المكاشفة قَالَ الله عز وَجل فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى 1 المكاشفة مهاداة السِّرّ بَين متباطنين وَهِي فِي هَذَا الْبَاب بُلُوغ مَا وَرَاء الْحجاب وجودا وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى مكاشفة تدل على التَّحْقِيق الصَّحِيح وَهِي أَن تكون مستديمة

فَإِذا كَانَت حينا دون حِين لم يُعَارضهُ تفرق غير ان الْغَيْن رُبمَا شَاب مقَامه على انه قد بلغ مبلغا لَا يلفته قَاطع وَلَا يلويه سَبَب وَلَا يقتطعه حَظّ وَهِي دَرَجَة القاصد فَإِذا استدامت فَهِيَ الدرجَة الثَّانِيَة واما الدرجَة الثَّالِثَة فمكاشفة عين لَا مكاشفة علم وَلَا مكاشفة حَال وَهِي مكاشفة لَا تذر سمة تُشِير الى التذاذ أَو تلجئ الى توقف أَو تنزل على ترسم وَغَايَة هَذِه المكاشفة الْمُشَاهدَة 82 - بَاب الْمُشَاهدَة قَالَ الله عز وَجل إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب

أَو ألْقى السّمع وَهُوَ شَهِيد 1 الْمُشَاهدَة سُقُوط الْحجاب بتا وَهِي فَوق المكاشفة لِأَن المكاشفة ولَايَة النَّعْت وَفِيه شَيْء من بَقَاء الرَّسْم والمشاهدة ولَايَة الْعين والذات وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى مُشَاهدَة معرفَة تجْرِي فَوق حُدُود الْعلم فِي لوائح نور الْوُجُود منيخة بِفنَاء الْجمع والدرجة الثَّانِيَة مُشَاهدَة مُعَاينَة تقطع حبال الشواهد وتلبس نعوت الْقُدس وتخرس أَلْسِنَة الإشارات والدرجة الثَّالِثَة مُشَاهدَة جمع تجذب إِلَى عين الْجمع

مالكة لصِحَّة الْوُرُود راكبة بَحر الْوُجُود 83 - بَاب المعاينة قَالَ الله عز وَجل ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل 1 المعاينات ثَلَاث إِحْدَاهَا مُعَاينَة الْأَبْصَار وَالثَّانيَِة مُعَاينَة عين الْقلب وَهِي معرفَة الشَّيْء على نَعته علما يقطع الرِّيبَة وَلَا تشوبه حيرة وَهَذِه مُعَاينَة بشواهد الْعلم والمعاينة الثَّالِثَة مُعَاينَة عين الرّوح وَهِي الَّتِي تعاين الْحق عيَانًا مَحْضا والأرواح إِنَّمَا طهرت وأكرمت بِالْبَقَاءِ لتناغي سناء الحضرة وتشاهد بهاء الْعِزَّة وتجذب الْقُلُوب إِلَى فنَاء الحضرة

84 - بَاب الْحَيَاة قَالَ الله عز وَجل أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه 1 اسْم الْحَيَاة فِي هَذَا الْبَاب يشار بِهِ إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء الْحَيَاة الأولى حَيَاة الْعلم من موت الْجَهْل لَهَا ثَلَاثَة أنفاس نفس الْخَوْف وَنَفس الرَّجَاء وَنَفس الْمحبَّة والحياة الثَّانِيَة حَيَاة الْجمع من موت التَّفْرِقَة لَهَا ثَلَاثَة أنفاس نفس الِاضْطِرَار وَنَفس الافتقار وَنَفس الافتخار والحياة الثَّالِثَة حَيَاة الْوُجُود وَهِي حَيَاة بِالْحَقِّ لَهَا ثَلَاثَة أنفاس نفس الهيبة وَهُوَ يُمِيت الاعتلال

وَنَفس الْوُجُود وَهُوَ يمْنَع الِانْفِصَال وَنَفس الِانْفِرَاد وَهُوَ يُورث الِاتِّصَال وَلَيْسَ وَرَاء ذَلِك ملحظ للنظارة وَلَا طَاقَة للْإِشَارَة 85 - بَاب الْقَبْض قَالَ الله عز وَجل ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا قبضا يَسِيرا 1 الْقَبْض فِي هَذَا الْبَاب اسْم يشار بِهِ إِلَى مقَام الضنائن الَّذين ادخرهم الْحق اصطناعا لنَفسِهِ وهم ثَلَاث فرق فرقة قبضهم إِلَيْهِ قبض التوفي فضن بهم على أعين الْعَالمين وَفرْقَة بضهم بسترهم فِي لِبَاس التلبيس وأسبل عَلَيْهِم أَكلَة الرسوم فأخفاهم عَن عُيُون الْعَالم وَفرْقَة قبضهم مِنْهُم إِلَيْهِ فصافاهم مصافاة سر

فضن بهم عَلَيْهِم 86 - بَاب الْبسط قَالَ الله عز وَجل يذرؤكم فِيهِ 1 الْبسط أَن ترسل شَوَاهِد العَبْد فِي مدارج الْعلم ويسبل على بَاطِنه رِدَاء الِاخْتِصَاص وهم أهل التلبيس وَإِنَّمَا بسطوا فِي ميدان الْبسط لأحد ثَلَاثَة معَان لكل معنى طَائِفَة فطائفة بسطت رَحْمَة لِلْخلقِ يباسطونهم ويلابسونهم فيستضئون بنورهم والحقائق مَجْمُوعَة والسرائر مصونة وَطَائِفَة بسطت لقُوَّة معانيهم وتصميم مناظرهم لأَنهم طَائِفَة لَا تَخَالَجَ الشواهد مشهودهم وَلَا تضرب ريَاح الرسوم موجودهم فهم منبسطون فِي قَبْضَة الْقَبْض

وَطَائِفَة بسطت أعلاما على الطَّرِيق وأئمة للهدى ومصابيح للسالكين 87 - بَاب السكر قَالَ الله عز وَجل قَالَ رب أَرِنِي انْظُر إِلَيْك 1 السكر فِي هَذَا الْبَاب اسْم يشار بِهِ إِلَى سُقُوط التمالك فِي الطَّرب وَهَذَا من مقامات المحبين خَاصَّة فَإِن عُيُون الفناء لَا تقبله ومنازل الْعلم لَا تبلغه وللسكر ثَلَاث عَلَامَات الضّيق عَن الِاشْتِغَال بالْخبر والعظيم قَائِم واقتحام لجة الشوق والتمكن دَائِم وَالْغَرق فِي بَحر السرُور وَالصَّبْر هائم وَمَا سوى ذَلِك فحيرة تنْحَل اسْم السكر جهلا أَو هيمان يُسمى باسمه جورا

وَمَا سوى ذَلِك فكله نقائص البصائر كسكر الْحِرْص وسكر الْجَهْل وسكر الشَّهْوَة 88 بَاب الصحو قَالَ الله عز وَجل حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق 1 الصحو فَوق السكر وَهُوَ يُنَاسب مقَام الْبسط والصحو مقَام صاعد عَن الِانْتِظَار مغن عَن الطّلب طَاهِر من الْحَرج فَإِن السكر إِنَّمَا هُوَ فِي الْحق والصحو إِنَّمَا هُوَ بِالْحَقِّ وكل مَا كَانَ فِي عين الْحق لم يخل من حيرة لَا حيرة الشُّبْهَة

بل الْحيرَة فِي مُشَاهدَة نور الْعِزَّة وَمَا كَانَ بِالْحَقِّ لم يخل من صِحَة وَلم يخف عَلَيْهِ من نقيصه وَلم تتعاوره عِلّة والصحو من منَازِل الْحَيَاة وأودية الْجمع ولوائح الْوُجُود 89 بَاب الِاتِّصَال قَالَ الله عز وَجل ثمَّ دنا فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى 1 أيأس الْعُقُول فَقطع الْبَحْث بقوله أَو أدنى وللاتصال ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى اتِّصَال الِاعْتِصَام ثمَّ اتِّصَال الشُّهُود ثمَّ اتِّصَال الْوُجُود فاتصال الِاعْتِصَام تَصْحِيح الْقَصْد

ثمَّ تصفية الْإِرَادَة ثمَّ تَحْقِيق الْحَال والدرجة الثَّانِيَة اتِّصَال الشُّهُود وَهُوَ الْخَلَاص من الاعتلال والغنى عَن الِاسْتِدْلَال وَسُقُوط شتات الْأَسْرَار والدرجة الثَّالِثَة اتِّصَال الْوُجُود وَهَذَا الِاتِّصَال لَا يدْرك مِنْهُ نعت وَلَا مِقْدَار إِلَّا اسْم معار ولمح إِلَيْهِ مشار 90 - بَاب الِانْفِصَال قَالَ الله عز وَجل ويحذركم الله نَفسه 3 لَيْسَ فِي المقامات شَيْء فِيهِ من التَّفَاوُت مَا فِي الِانْفِصَال ووجوهه ثَلَاثَة أَحدهَا انْفِصَال هُوَ شَرط الِاتِّصَال وَهُوَ الِانْفِصَال عَن الكونين بانفصال إِلَيْهِمَا

وانفصال توقفك عَلَيْهِمَا وانفصال مبالاتك بهما وَالثَّانِي انْفِصَال عَن رُؤْيَة الِانْفِصَال الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَهُوَ أَن لَا يتزنا عنْدك فِي شُهُود التَّحْقِيق شَيْئا يُوصل بالانفصال مِنْهُمَا إِلَى شَيْء وَالثَّالِث انْفِصَال عَن الِاتِّصَال وَهُوَ انْفِصَال من شُهُود مزاحمة الِاتِّصَال عين السَّبق فَإِن الِانْفِصَال والاتصال على عظم تفاوتهما فِي الِاسْم والرسم فِي الْعلَّة سيان

قسم النهايات وَأما قسم النهايات فَهُوَ عشرَة أَبْوَاب وَهِي الْمعرفَة والفناء والبقاء وَالتَّحْقِيق والتلبيس والوجود والتجريد والتفريد وَالْجمع والتوحيد 91 - بَاب الْمعرفَة قَالَ الله عز وَجل وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى الرَّسُول ترى أَعينهم تفيض من الدمع مِمَّا عرفُوا من الْحق 1 الْمعرفَة إحاطة بِعَين الشَّيْء كَمَا هُوَ وَهِي على ثَلَاث دَرَجَات والخلق فِيهَا ثَلَاث فرق

الدرجَة الأولى معرفَة الصِّفَات والنعوت وَقد وَردت أساميها بالرسالة وَظَهَرت شواهدها فِي الصَّنْعَة بتبصير النُّور الْقَائِم فِي السِّرّ وَطيب حَيَاة الْعقل لزرع الْفِكر وحياة الْقلب بِحسن النّظر بَين التَّعْظِيم وَحسن الِاعْتِبَار وَهِي معرفَة الْعَامَّة الَّتِي لَا تَنْعَقِد شَرَائِط الْيَقِين إِلَّا بهَا وَهِي على ثَلَاثَة أَرْكَان أَحدهَا إِثْبَات الصّفة باسمها من غير تَشْبِيه وَنفى التَّشْبِيه عَنْهَا من غير تَعْطِيل والإياس من إِدْرَاك كنهها وابتغاء تَأْوِيلهَا والدرجة الثَّانِيَة معرفَة الذَّات مَعَ إِسْقَاط التَّفْرِيق بَين الصِّفَات والذات وَهِي تنْبت بِعلم الْجمع وتصفو فِي ميدان الفناء وتستكمل بِعلم الْبَقَاء وتشارف عين الْجمع

وَهِي على ثَلَاثَة أَرْكَان إرْسَال الصِّفَات على الشواهد وإرسال الوسائط على المدارج وإرسال الْعبارَات على المعالم وَهِي معرفَة الْخَاصَّة الَّتِي تؤنس من أفق الْحَقِيقَة والدرجة الثَّالِثَة معرفَة مستغرقة فِي مَحْض التَّعْرِيف لَا يُوصل إِلَيْهَا الِاسْتِدْلَال وَلَا يدل عَلَيْهَا شَاهد وَلَا تستحقها وَسِيلَة وَهِي على ثَلَاثَة اركان مُشَاهدَة الْقرب والصعود عَن الْعلم ومطالعة الْجمع وَهِي معرفَة خَاصَّة الْخَاصَّة 92 - بَاب الفناء قَالَ الله عز وَجل كل من عَلَيْهَا فان وَيبقى وَجه

رَبك 1 الفناء فِي هَذَا الْبَاب اضمحلال مَا دون الْحق علما ثمَّ جحدا ثمَّ حَقًا وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى فنَاء الْمعرفَة فِي الْمَعْرُوف وَهُوَ الفناء علما وفناء العيان فِي المعاين وَهُوَ الفناء جحدا وفناء الطّلب فِي الْوُجُود وَهُوَ الفناء حَقًا والدرجة الثَّانِيَة فنَاء شُهُود الطّلب لإسقاطه وفناء شُهُود الْمعرفَة لإسقاطها وفناء شُهُود العيان لإسقاطه والدرجة الثَّالِثَة الفناء عَن شُهُود الفناء وَهُوَ الفناء حَقًا شائما برق الْعين رَاكِبًا بَحر الْجمع

سالكا سَبِيل الْبَقَاء 93 - بَاب الْبَقَاء قَالَ الله عز وَجل وَالله خير وَأبقى 1 الْبَقَاء اسْم لما بَقِي قَائِما بعد فنَاء الشواهد وسقوطها وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى بَقَاء الْمَعْلُوم بعد سُقُوط الْعلم عينا لَا علما وَبَقَاء الْمَشْهُود بعد سُقُوط الشُّهُود وجودا لَا نعتا وَبَقَاء مَا لم يزل حَقًا بِإِسْقَاط مَا لم يكن محوا 94 - بَاب التَّحْقِيق قَالَ الله عز وَجل أَو لم تؤمن قَالَ بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي 1 التَّحْقِيق تَلْخِيص مصحوبك من الْحق ثمَّ الْحق ثمَّ فِي الْحق وَهَذِه أَسمَاء درجاته الثَّلَاث

أما دَرَجَة تَلْخِيص مصحوبك من الْحق فَأن لَا يخالج علمك علمه وَأما الدرجَة الثَّانِيَة فَأن لَا يُنَازع شهودك شُهُوده وَأما الدرجَة الثَّالِثَة فَإِن لَا يناسم رسمك سبقة فَتسقط الشَّهَادَات وَتبطل الْعبارَات وتفنى الإشارات 95 - بَاب التلبيس قَالَ الله عز وَجل وللبسنا عَلَيْهِم مَا يلبسُونَ 1 التلبيس تورية بِشَاهِد معار عَن مَوْجُود قَائِم وَهُوَ اسْم لثَلَاثَة معَان أَولهَا تلبيس الْحق بالكون على أهل التَّفْرِقَة وَهُوَ تَعْلِيقه الكوائن بالأسباب والأماكن والأحايين وتعليقه المعارف بالوسائط والقضايا بالحجج وَالْأَحْكَام بالعلل والانتقام بالجنايات والمثوبة بالطاعات فأخفى الرضى والسخط اللَّذين يوجبان الْوَصْل والفصل

ويظهران السَّعَادَة والشقاوة والتلبيس الثَّانِي تلبيس أهل الْغيرَة على الْأَوْقَات بإخفائها وعَلى الكرامات بِكِتْمَانِهَا والتلبيس بالمكاسب والأسباب وَتَعْلِيق الظَّاهِر بالشواهد والمكاسب تلبيسا على الْعُيُون الكليلة والعقول العليلة مَعَ تَصْحِيح التَّحْقِيق عقدا وسلوكا ومعاينة وَهَذِه الطَّائِفَة رَحْمَة من الله عز وَجل على أهل التَّفْرِقَة والأسباب فِي ملابستهم والتلبيس الثَّالِث تلبيس أهل التَّمَكُّن على الْعَالم ترحما عَلَيْهِم بملابسة الْأَسْبَاب توسيعا على الْعَالم لَا لأَنْفُسِهِمْ وَهَذِه دَرَجَة الْأَنْبِيَاء ثمَّ هِيَ للأئمة الربانيين الصادرين عَن وَادي الْجمع المشيرين عَن عينه 96 - بَاب الْوُجُود أطلق الله عز وَجل فِي الْقُرْآن اسْم الْوُجُود صَرِيحًا فِي مَوَاضِع

فَقَالَ يجد الله غَفُورًا رحِيما 1 لوجدوا الله تَوَّابًا رحِيما 4 وَوجد الله عِنْده 5 الْوُجُود اسْم للظفر بِحَقِيقَة الشَّيْء وَهُوَ اسْم لثَلَاثَة معَان أَولهَا وجود علم لدني يقطع عُلُوم الشواهد فِي صِحَة مكاشفة الْحق إياك وَالثَّانِي وجود الْحق وجود عين مقتطعا عَن مساغ الْإِشَارَة وَالثَّالِث وجود مقَام اضمحلال رسم الْوُجُود فِيهِ بالاستغراق فِي الأولية 97 - بَاب التَّجْرِيد قَالَ الله عز وَجل فاخلع نعليك 1

التَّجْرِيد انخلاع عَن شُهُود الشواهد وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات الدرجَة الأولى تَجْرِيد عين الْكَشْف عَن كسب الْيَقِين والدرجة الثَّانِيَة تَجْرِيد عين الْجمع عَن دَرك الْعلم والدرجة الثَّالِثَة تَجْرِيد الْخَلَاص من شُهُود التَّجْرِيد 98 - بَاب التفريد قَالَ الله عز وَجل {ويعلمون أَن الله هُوَ الْحق الْمُبين} التفريد اسْم لتخليص الْإِشَارَة إِلَى الْحق ثمَّ الْحق ثمَّ عَن الْحق فَأَما تفريد الْإِشَارَة إِلَى الْحق فعلى ثَلَاث دَرَجَات تفريد الْقَصْد عطشا ثمَّ تفريد الْمحبَّة تلفا ثمَّ تفريد الشُّهُود اتِّصَالًا وَأما تفريد الْإِشَارَة بِالْحَقِّ فعلى ثَلَاث دَرَجَات تفريد الْإِشَارَة بالافتخار بوحا وتفريد الْإِشَارَة بالسلوك مطالعة وتفريد الْإِشَارَة بِالْقَبْضِ غيرَة

وَأما تفريد الْإِشَارَة عَن الْحق فانبساط ببسط ظَاهر يتَضَمَّن قبضا خَالِصا للهداية إِلَى الْحق والدعوة إِلَيْهِ 99 - بَاب الْجمع قَالَ الله عز وَجل {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} 2 الْجمع مَا اسقط التَّفْرِقَة وَقطع الْإِشَارَة وشخص عَن المَاء والطين بعد صِحَة التَّمْكِين والبراءة من التلوين والخلاص من شُهُود الثنوية والتنافي من إحساس الاعتلال والتنافي من شُهُود شهودها وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات جمع علم ثمَّ جمع وجود ثمَّ جمع عين فَأَما جمع الْعلم فَهُوَ تلاشي عُلُوم الشواهد فِي الْعلم اللدني صرفا

فَأَما جمع الْوُجُود فَهُوَ تلاشي نِهَايَة الِاتِّصَال فِي عين الْوُجُود محقا فَأَما جمع الْعين فَهُوَ تلاشي كل مَا تقله الْإِشَارَة فِي ذَات الْحق حَقًا وَالْجمع غَايَة مقامات السالكين وَهُوَ طرف بَحر التَّوْحِيد 100 - بَاب التَّوْحِيد قَالَ الله عز وَجل {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} التَّوْحِيد تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن الْحَدث وَإِنَّمَا نطق الْعلمَاء بِمَا نطقوا بِهِ وَأَشَارَ الْمُحَقِّقُونَ بِمَا أشاروا إِلَيْهِ فِي هَذَا الطَّرِيق لقصد تَصْحِيح التَّوْحِيد وَمَا سواهُ من حَال أَو مقَام فكله مصحوب الْعِلَل والتوحيد على ثَلَاثَة وُجُوه الْوَجْه الأول تَوْحِيد الْعَامَّة الَّذِي يَصح بالشواهد وَالْوَجْه الثَّانِي تَوْحِيد الْخَاصَّة وَهُوَ الَّذِي يثبت بالحقائق وَالْوَجْه الثَّالِث تَوْحِيد قَائِم بالقدم وَهُوَ تَوْحِيد خَاصَّة الْخَاصَّة فَأَما التَّوْحِيد الأول فَهُوَ شَهَادَة أَن {لَا إِلَه إِلَّا الله} وَحده لَا شريك لَهُ الْأَحَد الصَّمد الَّذِي لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن

{لَهُ كفوا أحد} 1 هَذَا هُوَ التَّوْحِيد الظَّاهِر الْجَلِيّ الَّذِي نفى الشّرك الْأَعْظَم وَعَلِيهِ نصبت الْقبْلَة وَبِه وَجَبت الذِّمَّة وَبِه حقنت الدِّمَاء وَالْأَمْوَال وانفصلت دَار الْإِسْلَام من دَار الْكفْر وَصحت بِهِ الْملَّة للعامة وَإِن لم يقومُوا بِحَق الِاسْتِدْلَال بعد أَن سلمُوا من الشُّبْهَة والحيرة والريبة بِصدق شَهَادَة صححها قبُول الْقلب هَذَا تَوْحِيد الْعَامَّة الَّذِي يَصح بالشواهد والشواهد هِيَ الرسَالَة والصنائع يجب بِالسَّمْعِ وَيُوجد بتبصير الْحق وينمو على مُشَاهدَة الشواهد وَأما التَّوْحِيد الثَّانِي الَّذِي يثبت بالحقائق فَهُوَ تَوْحِيد الْخَاصَّة

وَهُوَ إِسْقَاط الْأَسْبَاب الظَّاهِرَة والصعود عَن منازعات الْعُقُول وَعَن التَّعَلُّق بالشواهد وَهُوَ أَن لَا تشهد فِي التَّوْحِيد دَلِيلا وَلَا فِي التَّوَكُّل سَببا وَلَا للنجاة وَسِيلَة فَتكون مشاهدا سبق الْحق بِحكمِهِ وَعلمه وَوَضعه الْأَشْيَاء موَاضعهَا وتعليقه إِيَّاهَا بأحايينها وإخافة إِيَّاهَا فِي رسومها وَتحقّق معرفَة الْعِلَل وتسلك سَبِيل إِسْقَاط الْحَدث هَذَا تَوْحِيد الْخَاصَّة الَّذِي يَصح بِعلم الفناء ويصفو فِي علم الْجمع ويجذب إِلَى تَوْحِيد أَرْبَاب الْجمع وَأما التَّوْحِيد الثَّالِث فَهُوَ تَوْحِيد اختصه الْحق لنَفسِهِ واستحقه بِقَدرِهِ وألاح مِنْهُ لائحا إِلَى أسرار طَائِفَة من صفوته وأخرسهم عَن نَعته وأعجزهم عَن بثه

وَالَّذِي يشار بِهِ غليه على ألسن المشيرين أَنه إِسْقَاط الْحَدث وَإِثْبَات الْقدَم على أَن هَذَا الرَّمْز فِي ذَلِك التَّوْحِيد عِلّة لَا يَصح ذَلِك التَّوْحِيد إِلَّا باسقاطها هَذَا قطب الْإِشَارَة إِلَيْهِ على ألسن عُلَمَاء هَذَا الطَّرِيق وَإِن زخرفوا لَهُ نعوتا وفصلوه فصولا فَإِن ذَلِك التَّوْحِيد تزيده الْعبارَة خَفَاء وَالصّفة نفورا والبسط صعوبة وَإِلَى هَذَا التَّوْحِيد شخص أهل الرياضة وأرباب الْأَحْوَال وَله قصد أهل التَّعْظِيم وإياه عني المتكلمون فِي عين الْجمع وَعَلِيهِ تصطلم الإشارات ثمَّ لم ينْطق عَنهُ لِسَان وَلم تشر إِلَيْهِ عبارَة فَإِن التَّوْحِيد وَرَاء مَا يُشِير إِلَيْهِ مكون أَو يتعاطاه حِين أَو يقلهُ سَبَب

وَقد أجبْت فِي سالف الزَّمَان سَائِلًا سَأَلَني عَن تَوْحِيد الصُّوفِيَّة بِهَذِهِ القوافي الثَّلَاث مَا وحد الْوَاحِد من وَاحِد ... إِذْ كل من وَحده جَاحد تَوْحِيد من ينْطق عَن نَعته ... عَارِية أبطلها الْوَاحِد توحيده إِيَّاه توحيده ... ونعت من يَنْعَتهُ لَاحَدَّ

§1/1