منازل الأحزان وعبرة اليقظان النار

أزهري أحمد محمود

الحمد لله تعالى رجاء المؤمنين

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله تعالى رجاء المؤمنين، وعصمة الموحدين، والصلاة والسلام على النبي الرَّحمة، والسراج بعد العَمَى والظُّلمة، على آله وأصحابه زَيْن الأُمة. وبعد: أخي: كم هذا الإنسان ضعيفًا .. واهِن القوة! يؤلمه الجوع .. ويؤذيه الحر .. ويقرصه البرد .. ويُضْعفه المرض! إن شَاكتْه شوكة تأوَّه! وإن عثر بثوبه تَطوَّح! ضعيف .. عاجز! أخي: كم مرة رأيت نار الدنيا؟ ! كم مرة أصابك لفحُها ووهجُها؟ ! كم مرة تألَّمت وقد أصابك شيء من حرها؟ ! فيا لله كم لنارنا هذه من وَهَج! وحرارة! يعرفه من ذاقه! أو من دنا منه! أخي المسلم: وأنت تبصر وهَج نار الدنيا؛ أما سألت نفسك يومًا: من أين خرجت هذه النار الحارقة؟ ! أخي: يا لشدة الخطب عندما تعلم أن نارنا هذه جزء من سبعين جزءًا من تلك النار الحامية التي أعدها الله تعالى يوم القيامة لأعدائه وأشقياء سخطه! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءًا من جهنَّم! ! ».

ففزع الصحابة - رضي الله عنهم - ونزل بهم الخوف! فقالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله! فقال: «فإنها فُضِّلت عليها بتسعة وستين جزءًا كلها مثل حرها! » رواه البخاري ومسلم. أخي في الله: إنها (النار! النار! ) فيا شدَّة يوم نَردُ فيه عليها! ويومها ناج أو مُكَرْدسٌ فيها! ألا قلت أخي معي كما قال عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - يوم أن بكى وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم]. فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟ ! ! فرضي الله عنك يا ابن رواحة، فأنتم الذين شهد لكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وتبوأتم منها منزلاً .. ولكن! قل لي أخي كيف بنا نحن؟ ! كيف بمن غدا وراح! وضَحك! ومرح! وهو لا يدري أين مقعده؟ ! في الجِنان؟ أم في النيران؟ ! أخي: أعاذني الله وإياك من النار .. وعافاني الله وإياك من مساخطه وأسباب غضبه. أخي المسلم: إنها (النَّار! ) أعظم من أن يصفها واصف! وأشد من أن يطيقها مخلوق! جاء رجل إلى ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال له: حدثنا عن النار كيف هي؟ !

فقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (لو رأيتها لزال قلبك من مكانه! ). أخي: إنها (النَّار! النَّار! ) كم أفزعت من قلوب .. وكم أسالتْ من دُموع سُكُوب .. وكم طردت النوم عن جفون الصالحين .. وكم تفطَّرت لذكرها قلوب المُخبتين .. وكم تردَّد في ظلمات الليل لذكرها أنين الصادقين .. أخي: إنها (النَّار! ) لما خلقت طارت من هولها قلوب الملائكة المقربون! واستوحش لمكانها أهل السماوات الأعلون! عن محمد بن المنكدر رحمه الله: (لما خلقت النار فزعت الملائكة حتى طارت أفئدتها! فلما خلق الله آدم سكن ذلك عنهم وذهب ما كانوا يجدون! ) أخي: إنها (النَّار! النَّار! )؛ لا يغفل عنها إلا جاهل! ولا يأمن شرورها وهولها إلا غافل! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فلما خلق الله النَّار، قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي ربِّ وعزَّتك لا يسمعُ بها أحد فيدخلها! فحفَّها بالشهوات! ثم قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب! وعزَّتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها! » رواه أبو داود والترمذي/ صحيح أبي داود: 4744 * ... * ... *

أخي: يا لشدَّة يوم! ويا للكَرْب! يوم يؤتى فيه بجهنم لها زفير وشهيق! قال نبينا الصادق - صلى الله عليه وسلم -: «يُؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام! مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرُّونها! ». رواه مسلم والترمذي. أخي: لها سبعون ألف زمام! لا يعلم مقدارها وعظمها إلا الله تعالى .. يجرها سبعون ألف ملك! لا يعلم عظم الواحد منهم إلا الذي خلقهم تبارك وتعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر]. أخي: يا لشقاء من صارت النَّار مقيله! ويا لحسرة من أصبح وقودًا للنار! فيها غِلاظٌ شدَادٌ من ملائكةٍ ... قُلوبهُمُ شِدَّةً أقسَى من الحَجَرِ لهم مَقَامعُ للتَّعذيب موحشَةً ... وكلُّ كسْر لديهم غير مُنْجبرِ أخي: إنها (النَّار! )؛ من دخلها نسي كل نعيم! ومن مسه لهبها ذهل فؤاده عن الأخ والحميم! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ (يُغمس) في النار صبغة! ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيتَ خيرًا قط؟ ! هل مر بك نعيم قط؟ ! فيقول: لا والله يا رب! ويُؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة! فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ ! هل مر بك شدة قط؟ ! فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط! ولا رأيتُ شدة قط! ». رواه مسلم.

أخي المسلم

أخي المسلم: أيُّ شيء أصف لك من النار؟ ! أم عن أي شدائدها أخبرك؟ ! عن حرها؟ ! أم عن شدَّتها؟ ! أم عن بُعْد قعْرها؟ ! أم عن سَعَتها؟ ! أم عن لهيبها؟ ! أم عن شررها؟ ! أم عن أوديتها الحامية؟ ! أم عن أغلالها وأنكالها؟ ! ِأم عن طعام أهلها؟ ! وشرابهم؟ ! وثيابهم؟ ! فيا لشناعته وقُبْحه! ! أم أخبرك عن كلابها؟ ! وعقاربها؟ ! وحَيَّاتها؟ ! وما أعدَّه الله تعالى فيها من ألوان العذاب! وعجائب التنكيل؟ ! فكم في ذلك أخي من كروب! وعظائم مهما وصفت فهي أفظع من ذلك! ! * ... * ... * أخي: أما حرُّها! فيا لله! كم هو فظيع شديد! لا يطيقه الحديد! ولا تثبت له الصخور الجلاميد! قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} [المدثر]. ألا ترى أخي أن الله تعالى وصف ناره بأنها: {لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ}؟ ! قال بعض السلف: (تأكل العظم واللحم والمخ ولا تذره على ذلك! ) فيا لله! ما أشد ذلك!

أخي في الله

وقال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج]. قال الضحاك: (تنزع الجلد واللحم عن العظم! ) أخي في الله: يا لها من نار! سعرت حتى فاقت الوصف! فيا لحرارتها! ويا لشدة زمهريرها! قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (سُعرت ألف سنة حتى ابيضَّت! ثم ألف سنة حتى احمرَّت! ثم ألف سنة حتى اسودَّت! فهي سوداء مُظلمة! ). أخي: يا لهول يوم قال الله فيه: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة]. قرأ ثابت البناني رحمه الله هذه الآيات فقال: (تحرقهم النار إلى الأفئدة وهم أحياء! لقد بلغ منهم العذاب! ) ثم بكى رحمه الله. * ... * ... * أخي: أما قعرها! فيا لتَعَس من هَوَى فيه! فما أبعده! وما أسحقه! فها هو نبينا - صلى الله عليه وسلم - جالس ذات مرة مع أصحابه - رضي الله عنهم - إذ سمع وَجْبَةً (صوت الشيء الثقيل)؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أتدرون ما هذا؟ ! ». فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال: «هذا حجر رُميَ به في النار منذ سبعين خريفًا! فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها! » رواه مسلم.

أخي: يا لعجائب هذا القعر! وما في داخله من العذاب والشقاء! ويا لكرب العباد يوم يخاطب ملك الملوك هذا القعر السحيق! {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق]. أخي: لطف الله بي وبك في يوم جعل الله فيه لناره: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود]. أخي: ما أشده من يوم على العباد! يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال جهنم يُلقى فيها! وتقول: هل من مزيد؟ ! حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض! وتقول: قط بعزتك وكرمك». رواه البخاري ومسلم. أخي: يا لله من نار! وقودها الناس والحجارة! فهم حطبها! يا من غفل عن يوم يكون الناس فيه حطبًا لجهنم! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم]. أخي: أتدري أي حجارة هذه التي تُوقد بها النار؟ ! قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (هي حجارة الكبريت! ) أخي: (تزيد هذه الحجارة على غيرها من الحجارة بخمسة أنواع من العذاب! سرعة الإيقاد! ونتن الرائحة! وكثرة الدُّخان! وشدة الالتصاق بالأبدان! وقوة حرها إذا حَمَيت! ) الإمام القرطبي.

أخي في الله

أخي المسلم: يا له من وقود حذرك الله شره! ويا له من حطب ما أشقى من كان في حزَمهِ! أخي: (حطب النار! شباب وشيوخه وكهول ونساء عاريات طال منهن العويل! ) الإمام القرطبي. * ... * ... * أخي في الله: وما أفظع هذه النار! وما أعظم ضخامته! ! قال الله تعالى: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} [المرسلات]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كالقصر العظيم)! وقال علقمة رحمه الله: (ليس كالخشب ولكن كالقصور والمدائن! ) {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} قال ابن عباس: (قِطَع النحاس). أخي: يا لشدة يوم تشتاق فيه النار لأهلها! ولا تسل أخي عن تغيُّظها وزفيرها! إذا رأت أهلها وساكنيها! {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إن العبد ليُجر إلى النار فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير! ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف! ) أخي: إن شوق النار لأهلها! ممزوج بغضب الله تعالى وسخطه! فيا لله ما أفظعه! أعاذني الله وإياك أخي من شر ناره وأليم عقابه.

أخي: يا لهول وشدة عذاب النار

أخي يا لكَرْب أهل النار يوم تأخذ بنواصيهم الزبانية الشداد! فيُلقون بهم في تلك النار الحامية {* وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان]. قال ابن زيد رحمه الله: (فإذا ألقوا فيها يكادون يبلغون قعرها يلقاهم لهبها فيردهم إلى أعلاها حتى إذا كادوا يخرجون تلقتهم الملائكة بمقامع من حديد فيضربونهم به! فجاء أمر غلب اللهب فهووا كما هم أسفل السَّافلين! هكذا دأبهم! وقرأ: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20]. * ... * ... * أخي: يا لهَوْل وشدة عذاب النار! هنالك السلاسل! والأغلال! وجبال النيران! وخنادق! وآبار! وحيَّات! وعقارب! يطير الفؤاد عند وصفها! وحميم! وسحب على الوجوه! وملائكة غلاظ شداد! وشدائد وكُرُبات لا يعلم هولها إلا الله تعالى .. {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (فَيُسلخ كل شيء عليهم! من جلد ولحم وعرق حتى يصير في عقبه! حتى إن لحمه قدر طوله ستون ذراعًا! ثم يكسى جلدًا آخر! ثم يُسَجَّر في الحميم فيُسلخ كل شيء عليهم من جلد ولحم وعرق! )

أخي: ولا تسل عن أودية النار

أخي: يا لشدة تلك الأغلال والسلاسل! ما أثقلها على أهل النار! {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة]. قال أبي بن كعب - رضي الله عنه -: (إن حلقة من السلسلة التي قال الله {ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا}؛ إن حلقة منها مثل جميع حديد الدنيا! ). وعن سفيان رحمه الله في قوله تعالى: {فَاسْلُكُوهُ} قال: (بلغنا أنها تُدْخل في دبره حتى تخرج من فيه! ) أخي المسلم: يا لها من أغلال! ماذا أعددنا لها؟ ! ويا لها من سلاسل هل أعددنا لها ما يقوم لها من الصالحات وذخائر الطاعات؟ ! * ... * ... * أخي: ولا تسل عن أودية النار! وأنهار النيران فيها! وجبال النيران! فيا لله ما أفظعها! وأشد عذابها ونكالها! (وَيْل! ) و (صعود! ) و (غي! ) و (مَوْبق! ) و (أثام! ). أخي: (ويل! ) أتدري ما ويل؟ ! قال عطاء بن يسار رحمه الله: (الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر! لو سُيِّرت فيه الجبال لماعت؛ أي ذابت). أخي: (غَي! ) أتدري ما غَيُّ؟ ! قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (الغي نهر أو واد في جهنم من قَيح! بعيد القَعْر! خبيث الطَّعْم! يُقْذَف فيه الذين يتبعون الشهوات! ).

أخي: يا لشقاء قوم إن استغاثوا لم يغاثوا

أخي: (موبق! ) أتدري ما مَوْبق؟ ! قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (هو واد في جهنم من قيح ودم! ) أخي: (أَثام! ) أتدري ما أَثَام؟ ! قال عكرمة رحمه الله: (أودية في جهنم فيها الزُّناة! ). أخي في الله: إنها (النار! ) أعد الله تعالى فيها لمن تمرد عن طاعته من العذاب ما لا يوصف! فيا لشقاء من كان من ساكنيها! ويا لسعادة من زحزح عنها {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185]. * ... * ... * أخي: يا لشقاء قوم إن استغاثوا لم يُغاثوا! وإن جاعوا أو عطشوا لم يكن لهم من الطعام والشراب إلا ما يَشْوي الوجوه! ويُمزق الأحشاء! أخي: أولئك هم أصحاب النار! أعاذني الله وإياك من شرورها وحرورها. أخي: تأمل القوم وقد بلغ بهم الجهد والعطش غايته! فصاحوا: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ينادي الرجل أخاه: يا أخي! قد احترقت فأغثني! قال: فيقول: «إن الله حرمهما على الكافرين».

أخي: يا لله ما أسوأه من يوم على أهل الشقاء! جعلني الله وإياك من أهل السعادة .. أخي: ها هم أهل النار يستغيثون! يطلبون ماءً يخفف ما بهم من حرارة النيران! وعذاب السعير! فهل وجدوا ما طلبوا؟ ! {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف]. أخي: ما أسوأه من شراب عذاب في عذاب! {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد]. أخي: أتدري ما هو المهل؟ ! قالوا: (هو ما كان ذائبًا من الفضة والنحاس! ) يا لله! وهل يطيق أحدٌ هذا؟ ! أخي: ولهم شراب آخر! {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم]. قال السُّدِّي: (إذا سال من جلودهم سال حتى يسيل منه القيح والدم! ثم يكلَّف شربه! فلا يكاد يسيغه). أخي: وأولئك الذين ماتوا وهم يشربون الخمر! سيشربون في النار شرَّ شراب! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن على الله عز وجل عهدًا لمن يشرب المسكر، أن يسقيه من طينة الخَبال! ». قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ !

قال: «عرق أهل النار! أو عُصارة أهل النار! » رواه مسلم. فَتُبْ أيها العاصي .. فإن الصبر عن الشهوات اليوم أهون من معالجة الأغلال غدًا! وهل يطيق أحد عذاب الله تعالى؟ أخي: ذاك هو شراب أهل النار! وما الطعام! فما أبشعه! {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل]. {ذَا غُصَّةٍ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: (له شوك ويأخذ بالحلق! لا يدخل ولا يخرج! ). أخي: ولهم طعام آخر ما أفظعه! {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان] أخي: إنه (الزَّقُّوم! ) قالوا: (إنها تحيا بلهب النار كما تحيا الشجرة ببرد الماء! ). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو أن قطرة من الزَّقُّوم قُطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم! فكيف بمن يكون طعامه؟ ! ». رواه الترمذي وابن ماجه/ صحيح الجامع: 5250. أخي المسلم: إنها (النار! ) ما أطول حسرة من دخلها! استغاث أهلها فلم يفدهم ذلك! وأكثروا الصراخ والعويل! فما نفع! فتمنوا الموت! فلم يُعْطَوا مناهم {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف]. قال الأعمش: (ثبت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام! ).

أخي: فلم يبق لأهل النار بعد دعائهم الذي لا يُسْمَع! لم يبق إلا التحسُّر! وطول البكاء! فيبكون ويكثر بكاؤهم! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدُّموع! ثم يبكون الدم! حتى يصير في جوههم كهيئة الأخدود! لو أُرسِلَت فيه السفن لجرت! ! » رواه ابن ماجه/ السلسلة الصحيحة: 1679. * ... * ... * أخي: إنها (النار! ) مهما وصفناها! فمن أين لنا أن نحيط بأهوالها وشدائها وكرباتها؟ ! أخي: تلك هي النار! بأهوالها وفجائعها، من دخلها شَقيَ ونسي كل نعيم! سمومها لا يُطاق .. وحرها للأفئدة خَرَّاق .. أخي هل تذكرتَ نار الله الحامية يومًا؟ ! هل طار فؤادك فزعًا وأنت تقف على مصير أهلها وما يجدونه من ويلات العذاب؟ ! هل تذكرت أخي لمن أعد الله ناره؟ ! أخي أين أنت من كتاب الله العزيز؟ ! أين أنت من وصايا نبينا - صلى الله عليه وسلم -؟ ! أليس في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما تَتَفَطَّر له القلوب من ذكر النار؟ ! وما فيها من النكال! وأليم العذاب؟ !

أخي: هل حاسبت نفسك يومًا فقلت لها: يا نفس هل أنت من أهل السعادة الذين يَنْعَمون بجنَّات الخلود؟ ! أم أنت من أهل الشقاء الذين يُعَذَّبُون في النِّيران؟ ! أخي: أترى بأي جواب ستجيبك نفسك؟ ! إنها (النفس! ) صديقة الهوى والشيطان! فلا تطمعنَّ أخي من نفسك أن تصدُقك النُّصح! ولكن أخي فلتصدُق أنت نفسك النُّصْح .. فقل لها: يا نفس لطالما لَهَوْتِ! يا نَفْس لطالما تَمنَيتِ! يا نفس لطالما تثاقلت عن الطاعات! يا نفي لطالما خَوَّفُوكِ فلم تخافي! يا نفس لطالما كنت سريعة إلى هواكِ! يا نفس أما آن لك أن تفيقي؟ ! أما آن لكِ أن تعلمي أن لك موعدًا مع الله تعالى؟ ! فإما أن يدخلك جنانه فتنعمين .. وما أسعدك يومها .. وإما أن يدخلكِ نيرانه فتشقين! وما أتعسك يومها! أخي: إنها (النار! ) فلا تتمنين على الله الأماني! فترجو أن تكون من أهل الجنان وأنت لم تعمل بعمل أهل الجنة! أخي: إنها (النار! ) ولو مكثت فيها يومًا واحدًا! فما أطول الشقاء فيه! فتذكَّر أخي أنك في الدنيا لا تطيق حرارة نار الدنيا لحظات معدودة! فكيف بك أخي بنار الآخرة؟ ! وقد علمت ما فيها من الأهوال والفظائع! !

أخي المسلم

تصُولُ على العُصاة وتستطيلُ إذا مُد الصراط على جحيم فقومٌ في الجحيم لهمْ بُثُورٌ ... وقَومٌ في الجنَان لهم مقيلُ وبان الحقُّ وانكشفَ المُغَطَّى ... وطالَ الوَيلُ واتَّصل العَويلُ أخي المسلم: اعمل لذاك اليوم .. يوم تجوز فيه على الصراط فلا تدري هل تنجو إلى الجنان؟ ! أم تُكَبُّ على وجهك في النيران؟ ! أخي: إنها (النار! ) لا يصْرف عنك حرَّها إلا ظل الطَّاعات! نارٌ! لا يصرف سمومها عنك إلا برد الصالحات! نارٌ! لا تُنجيك من أهوالها إلا سفينة القُرُبات! أخي: كم في النَّار من مُكَرْدَس! بسبب المعاصي! أخي: كم في النَّار من ساكن! إذ كان عبدًا لهواه! أخي: كم في النَّار من هاو وقد هوى قبلها في دركات الشَّهوات! أخي: إن أردت أن تردع نفسك حقًا من هول النار! فهلاَّ دنوت يومًا من نار الدنيا حتى يصيبك حرُّها! فإذا تألَّمتْ نفسك من حرها .. فقل لها: هذه نار الدنيا! وهي جزء من سبعين جزءًا من نار الآخرة! ! فإذا أنتِ لم تطيقي حرارة هذه! فكيف تطيقين حرارة نار وقودها الناس والحجارة؟ ! ! أخي: اردع نفسك وأدِّبْها بمثل هذا .. وكلما دَعَتْك النفس إلى هواها فقل لها: كيف أنت بنار الله الحامية؟ ! والله إن الصبر على شهواتك أهون من الصبر غدًا على نار لا تُبْقي ولا تذر!

أخي: إنك لن تُصلح نفسك بمثل تخويفها عذاب يوم غد! أخي في الله: كم بكى الصالحون من خوف النار! حتى فارقوا الدنيا! فعسى الله أن يؤمِّنهم يوم لا يَأمَنُ إلا أولياؤه .. أخي: أمَّنَني الله وإيَّاك غدًا من كُرُبات نيرانه .. وحَشَرني وإيَّاك في زُمرة النَّاجين بكرمه وإحسانه .. وخَتم لنا في دار الدنيا بمغرفته ورُضوانه .. {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات]. * * *

§1/1